ميزان الأصول في نتائج العقول

السمرقندي، علاء الدين

{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]

تقديم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تقْديم الحمد لله على ما وهبنا من نعمائه، ونحمده على ما أعطانا من آلائه، ونثني عليه الخير أعظم ثنائه. والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله: بعثه هادياً، وبشيراً، ونذيراً، الناسخ بشرعه كل شرع غابر. ورضي الله عن أصحابه، الذين حازوا قصب السبق في نصرة الشريعة الغراء والحنيفية السمحة البيضاء، الباذلين نفوسهم في سبيل الله لإعلاء الدين والإيمان. وأثاب الله من تبعهم بإحسان، الباذلين جهودهم في استنباط الأحكام، والبالغين ذروة الكمال في تبيان الحلال والحرام. أما بعد - فإن إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر يسرها أن يشاركها في مهمتها الأفراد والجماعات، فإن التراث الإسلامي، في كل مناحي المعرفة في، حاجة، لإحيائه ونشره، إلى جهود المئات بل الأُلوف. وإنه ليسرها أن تقدم للعالم الإسلامي هذا العمل الرفيع المستوى، تحقيقاً وتعليقاً وطباعة، وهو نشر مخطوطة (ميزان الأصول في نتائج العقول - المختصر) لأول مرة، من تأليف الأصولي الفقيه المتكلم الإمام علاء الدين السمرقندي من علماء القرن السادس الهجري، وتحقيق الدكتور محمد زكي عبد البر الأُستاذ بكلية الشريعة بجامعة قطر. وقد سبق للمحقق نفسه أن نشر، لأول مرة أيضاً، مخطوطة "تحفة الفقهاء" للمؤلف نفسه، عندما كان أُستاذاً بكلية الشريعة في جامعة دمشق سنة 1377 هـ - 1958 م، في ثلاثة أجزاء، فقوبلت بالترحيب من الجامعات، إذ قررت كلية الشريعة بجامعة دمشق وكذا كلية الشريعة في عمان بالأردن تدريسه فيها. كما سبق لإدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر أن نشرت للمحقق نفسه كتاباً قيماً بعنوان "تقنين الفقه الإسلامي". والكتاب الذى نقدمه اليوم يمتاز بما امتازت به "التحفة" من ترتيب وحسن عرض للأقوال المختلفة، وبيان وجه الخطأ أو الصحة في هذه الأقوال، مما ييسر على القاريء الإلمام بالموضوع في سهولة ويسر، وخصوصاً في هذا العلم -علم الأصول- الذي اتسم، في نظر بعض الناس، بالصعوبة لفظاً ومعنى.

وقد قدم المحقق لنشر هذا الكتاب بمقدمة عن المؤلف، وعن الكتاب ونسخه ومنهجه في النشر، كما آثر أن ينشر تقديم أُستاذه وأحد أساتذة الجيل - المغفور له الشيخ علي الخفيف لكتاب "التحفة"، إحياء لذكرى هذا الرجل العظيم، ونفعاً للناس بما جاء في هذا التقديم من علم غزير وتوجيه سليم. وموضوعات الكتاب هي موضوعات علم "أُصول الفقه". وقد رتبه المؤلف على أربعة فصول، الأول: (في بيان الأحكام). والثاني: "في بيان ما يعرف به الأحكام". والثالث: "التعارض بين الأدلة". والرابع: "أهلية الأحكام". ولم يقتصر المحقق، أثابه الله، على مجرد نشر الكتاب مصححاً موثقاً، بل ترجم للأعلام، وشرح الألفاظ الغامضة، وفي بعض الأحيان يورد عبارات موضحة للمعنى إذا غمضت العبارة - كل ذلك من المصادر الأصلية المعتمدة. وإننا لنرجو أن يمنح الله -بفضله وكرمه- المحقق القوة والتيسير كي ينشر بقية كتب الإمام "علاء الدين السمرقندي" محققة معلقاً عليها على هذا النحو الرفيع من الضبط والتعليق والنشر. وهذا االكتاب، بين يدي القاريء، ينطق بما بذل فيه من جهد، حتى جاء موضوعاً وشكلاً، على هذا المستوى الرائع. ولابد أن نشيد أيضاً بإدارة النشر بمطابع الدوحة الحديثة التي حملت عبء نشر هذا الكتاب، وقامت به على هذه الدرجة العالية من الكمال - أثاب الله أصحابها ومديرها، ووفقهم إلى جلائل الأعمال. وإنا لندعو الله بصالح الدعاء، للمؤلف وللمحقق ولكل من يعين على نشر تراثنا الإسلامي- إنه سميع مجيب. وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ويجعلنا مفاتيح خير في نشر العلم، وخدمة أهله. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين. خادم العلم عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري مُدِيرُ إدَارة إحْيَاء التراث الإسْلامي

كلمة افتتاحية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كلمَة افتتَاحيَّة (¬1) لا يمكن لشيء -أي شيء- أن يستقل بحاضره عن ماضيه، فالماضي هو الذي يحوي سر النشوء والتطور، وهو الذي يهدي إلى الخصائص والصفات، وهو بهذا يكشف عن طريق المستقبل. فالماضي هو أساس الحاضر والمستقبل، ولا يمكن لشيء أن يعيش منبت الصلة عن ماضيه. وهذا القول يصدق في الجماد والحيوان والإنسان، ويصدق في الأفراد والجماعات. ولقد كان لكل أُمة من الأمم التي دخلت في الإسلام من بعد، ماضيها، بما فيه من أسرار وصفات وخصائص وعلائق، تختلف في أُمة عنها في أُخرى، بل تختلف في الأمة الواحدة من طائفة إلى أُخرى. فلما جاء الإسلام جمع هذه الأمم، التي دخلت فيه، على أُسس واحدة، فوحد بينها، فيما يجب، وبالقدر الذي يجب التوحد فيه، من عقيدة واحدة، وغاية في الحياة ومن الحياة واحدة، فصهر هذه الأمم جميعاً في بوتقته، وأخرج منها الأمة الإسلامية، بعد أن وحد بين طوائف العرب وجعل منها الأمة العربية. ولكن هذه الأمم لم تنقطع صلاتها بتاريخها قبل الإسلام، لأن ذلك غير ممكن، ومن ثم كان لها تاريخ قبل الإسلام، وتاريخ بعد الإسلام، وكانت دولة الإسلام قوية، فظلت الدولة الإسلامية متراصة متحدة متكاتفة، لا تذكر تاريخها الأول إلا كطور من أطوار حياتها جاء الإسلام فطفر بها منه درجات إلى أعلى، فهي لا تذكر ماضيها ذكر حنين عودة إليه وإنما تذكره ذكر عبرة وتدبر. ولكن شاء قدر الله أن يأتي على الدولة الإسلامية ضعف المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم، فضعفت، واختلط الأمر على بعض أبنائها -إما جهلاً منهم وإما بتأثير الأجانب- فنسبوا هذا الضعف إلى الإسلام، ومن ثم ارتفعت أصوات في ¬

_ (¬1) نقلا عن "تحفة الفقهاء" للمؤلف نفسه، التي حققها ونشرها لأول مرة محقق هذا الكتاب نفسه (مطبعة جامعة دمشق، 1377 هـ - 1958 م)

كل أُمة بالعودة إلى أصل قومها قبل الإسلام، من فرعونية أو آشورية أو غيرهما. وهي دعوات خطيرة تبغي تنحية الإسلام عن أن يكون أصلاً في حياتها، إلى أن يكون عرضاً جانبياً لا يمسكها من الأساس، وإنما يربط بينها ربطاً غير موجّه، كرابطة اللون مثلاً، ومن ثم وجب على المخلصين محاربة هذه الدعوات، ومن وراءها من مسلمين جهلاء، وغير مسلمين يمكرون بالإسلام وبالمسلمين. فلكل أُمة مسلمة أن تذكر تاريخها قبل الإسلام، وأن تلتمس منه أسباب القوة، ولكن عليها أن تكمل ذلك بذكر الإسلام وما أضاف من أمجاد إلى أمجادها، وما دفع بها إلى أمام، وما وحد بينها وبين أخواتها، وما وصلت بها هذه الوحدة من عظمة، ثم تواصل السير مع أخواتها -أُمة واحدة- إلى أمام مستمسكة بالإسلام، بانية نهضتها عليه. القرآن هو حبل الله المتين الذي جذب العرب المتفرقين في البوادي، المختلفين في الطبع والعادة والدين واللهجة، وسلكهم في أُمة واحدة، وجمعهم على دين واحد، وشريعة واحدة، ولسان واحد، وجمعهم على خُلُق واحد، ونهج في الحياة واحد، فكوَّن منهم دولة بعد أن أعطاهم عناصرها. وبالقرآن خرج العرب من بلادهم غازين: يفتحون في الشرق وفي الغرب، وتستسلم لهم قلاع الروم وحصون فارس. وبالقرآن دخل الناس في دين الله، ودولة الإسلام، أفواجاً. وعلى القرآن أقام العرب -والمسلمون- علومهم. فلما وهنت صلة العرب والمسلمين بالقرآن، وهنت دولتهم، وضعفت شوكتهم، واستذلهم من لم يرحمهم. وكما صلح أولنا يصلح آخرنا. ولا ملجأ لنا - في حياتنا السياسية، الداخلية والخارجية، وفي حياتنا الإجتماعية، والتعليمية، والتشريعية -إلا القرآن. فالقرآن- وهذه نعمة كبرى اختص الله بها الأمة الإسلامية - قد نظم الدين والدنيا: فحدَّ الصلة بين المسلم وبين ربه، ونظم العلاقة بين المرء وبين أُسرته في أحواله الشخصية. ورسم أُسس معاملاته مع أفراد مجتمعه ودولته، ووضع منهج السياسة، في السلم والحرب، بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية. والقرآن، لغة وعقيدة وشريعة، هو وحده القادر على أن يجمع بين المسلمين في مختلف أقطارهم. والقرآن، عقيدة وشريعة، هو وحده الذي يربط بين الدول الإسلامية: يشهد ذلك بالحس من زار البلاد العربية والإسلامية، فما يتلى القرآن إلا وتجتمع القلوب وتزول فوارق الجنس واللون والدم والمكان والمجتمع، فيلتفت الصيني إلى المراكشي ويناديه: أخي! فأى قوة أُخرى تصنع مثل هذا الصنيع؟

فالقرآن إن أردنا الدين، أو الدنيا، أو أردناهما معاً هو ملجؤنا: منه نستمد أُصول الأخلاق، وأُصول السياسة، وأُصول التشريع، وأُصول التربية والتعليم. والقرآن لا يحول بيننا وبين الأخذ في مضمار الحياة الحديثة، فما وضع إلا أُصولاً، وما سن إلا قواعد. ولسنا نقصد بقصرنا كلامنا على القرآن إنكار غيره من أُصول، ولكن لأنه الكتاب الأكبر الذي ترجع إليه هذه الأصول، وعنه تتفرع، وإليه ترد. فإلى القرآن، إن أردنا ديننا ودنيانا، نتخذه شعاراً ومبدأ وموئلاً وميزاناً: فنحتفظ بخصائصنا التي تميزنا عن غيرنا فلا ننماع، ونمسك بالحبل الأوحد المتين الأبدي الذي يربطنا، من الفؤاد، بالدول العربية والإسلامية، ثم لا يضيرنا في علاقاتنا بالدول الأخرى. * * * وإذا كان البناء على الإسلام هو الأصل، فإنه يجب أن نتجه إلى تراثه فنجمعه في إخلاص وقوة، وننشره على الناس في أمانة، وندعو الناس إليه في إيمان ويقين أن العودة إليه، والبناء عليه، هو الهضبة المستقرة التي ارتفعت بنا عن أغوار الماضي، ولن يعلو لنا بناء مستقر إلا عليها. ومنذ الماضي اهتم المسلمون، أفراداً وجماعات وحكومات، بذلك. وقد بذل الأفراد الذين اتجهوا إلى هذا وسعهم، وكذا الجماعات الأهلية. ولم تنفرد أُمة إسلامية بهذه العناية، بل وجد التراث الإسلامي من يهتم به وينشره على الناس في كل البلاد الإسلامية من الشرق إلى الغرب، مما يدل على التجاوب في هذه البلاد التى جمع بينها الإسلام، ووحد بين أهلها في منازعهم وأهوائهم. وإنا لندعو أن تهتم الحكومات الإسلامية، والجامعة العربية، بنشر المخطوطات الإسلامية فما تغني الجهود الفردية في هذا الصدد، وننبه إلى وجوب أن يوكل هذا العمل إلى ذويه، وأن يرسم للعمل منهاج معين قائم على أساس علمي، حتى يؤتي المجهود ثمرته.

أما نحن فإن إيماننا بالفقه الإسلامي يزداد على الأيام قوة. وكل ما نرجوه أن يأخذ الله بيدنا إلى ما نبغي من خدمة شريعته، وأن يقوي فينا هذا الإحساس، وأن يؤتينا العزم والتوفيق والرشاد. والكتاب الذي ننشره اليوم هو "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين السمرقندي: عثرنا عليه أثناء الاطلاع على مخطوطات الفقه الإسلامي، لتحضير رسالتنا للدكتوراه. وقد راعنا هذا الكتاب وعزمنا منذ يومئذ على القيام بنشره، وسنتكلم على الكتاب ومؤلفه ومنهجنا، في المقدمة التالية للتقديم الذي تفضل به أُستاذنا الجليل الشيخ على الخفيف. وإنا لنرجو أن يكون باكورة نتبعها بنشر مخطوطات أخرى (¬1). والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. القاهرة في مايو سنة 1955. الدكتور محمّد زكى عَبدِ البرّ ¬

_ (¬1) وقد وفقنا الله سبحانه ويسر لنا نشر "تحفة الفقهاء" لأول مرة في ثلاثة أجزاء. وها نحن اليوم -بمعونة الله سبحانه وتعالى- ننشر لأول مرة أيضاً كتابه "ميزان الأصول".

تقديم للأستاذ الجليل الشيخ/ علي الخفيف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تقْديم (¬1) للأستاذ الجليل الشيخ/ عَلي الخَفيف أُستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ووكيل تلك الكلية سابقاً من خير ما يقدم المرء لأمته أن ينشر بعض ما طواه الزمن من تراث علمي كان فيما مضى ركناً من أركان نهضتها، ومظهراً من مظاهر عزتها وحضارتها، وثمرة يانعة من ثمار حياتها وثقافتها. وخير ما يحييه ويبعثه من ذلك ما كان متصلاً بحياتها الإجتماعية وروابطها الإقتصادية والسياسية، يقوم عليه أمنها وتطيب به حياتها وذلك هو الفقه. ولقد كان الفقه الإسلامي من أهم الأُسس والعوامل التي ساهمت في بناء الأمة الإسلامية وتكوين حضارتها واتساع عمرانها وامتداد سلطانها وانضواء الشعوب المختلفة تحت لوائها، لأنه فقه يقوم على العدالة ويشرع الحقوق ويصونها ويكفل الحرية ويلائم الفطر السليمة ويزيل الفوارق ويقضي على الطبقات ويساير التطور ويمسك بالأصول والقواعد العادلة، لا تسيطر عليه شهوات الأفراد ولا أطماع الأحزاب والجماعات ولا يخضع لهوى الأمراء والرؤساء، ذلك بأنه مستمد من شرع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وإرشاد من رسول أمين لا ينطق عن الهوى، ولا يحيد عن الحق، فجاء أول ما جاء ثابت ¬

_ (¬1) كتبه أستاذنا الجليل المغفور له الشيخ علي الخفيف تقديماً لكتاب "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين السمرقندي صاحب هذا الكتاب "ميزان الأصول" ونحن نعيد نشره هنا لفائدته - وتحية لذكرى أستاذنا الجليل طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه.

القواعد راسخ الأساس سليم المبادئ صحيح النتائج متفقاً مع الأعراف الصحيحة والعادات الحسنة والأخلاق الكريمة، يهدف إلى الإصلاح لا الهدم، ويدعو إلى السمو وينأى بجانبه عن الركود والقعود. ولقد كان هذا الفقه وليداً لقيام الدولة الإسلامية وظهور دينها، منه استمدت أصوله وأحكامه، وبقدر حاجتها تعددت فروعه وامتدت أغصانه، فكان في عهده الأول على قدر الحاجة إليه حلولاً لما حدث من مسائل وما اشتجر من خلاف وما وجد من نزاع في تلك البيئة القصيرة المدى المحدودة الرقعة المتقاربة الأركان البدوية الحياة الخشنة العيش المتجانسة الميول والعادات، حتى إذا نعم عيشها ونما ثراؤها واتسعت أطرافها وامتدت حدودها فشملت أقطاراً وضمت أُمماً ودولاً تختلف في عاداتها وتقاليدها ومعيشتها وأناظيمها (¬1) وأقاليمها وأجوائها، نما الفقه الإسلامي بنمائها واتسع بإتساعها وامتدت فروعه بإمتداد حدودها وآتى أُكله وبدأت حلوله تقوم على أُصول تدرس وترتد إلى قواعد تبحث ومبادئ تؤسس وعندئذ تم للفقه الإسلامي نموه واكتمل له ازدهاره فتنوعت بحوثه وتفرعت مسائله واتسعت جوانبه وامتدت حدوده وتعددت فروعه. كان الفقه الإسلامي أول ما وجد عبارة عن طائفة من الأحكام والفتاوي التي صدرت من الرسول صلوات الله وسلامه عليه فيما عرض عليه من خلاف وما استفتي فيه من مسائل لا يتجاوزها إلى غيرها وكان فيها حاجات الناس يومئذ وكان وجوده بينهم كفيلاً بتكميل أي نقص وسد أية حاجة، فإذا حدث ما لم يكن قد رفع إليه فزعوا إليه فقضى بينهم فأسلموا لقضائه ولم يكن لهم فيه خيرة ولا عنه محيد. ثم انضم إلى هذه الطائفة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ما استنبطه أصحابه من أحكام وفتاوي لما استجد من الحوادث وما نزل بهم من وقائع مما لم يحدث ولم ينزل بهم في زمنه - صلى الله عليه وسلم - مسترشدين بأحكامه وفتاويه التي حفظوها عنه مستهدين بهديه حين كان يشرع لهم ويقضي بينهم ويجتهد لهم. وكانت هذه الطائفة من الأحكام تمتاز عن الأولى بالكثرة وتعدد الآراء ووجود الخلاف وكان أصحابها يعملون بها بظن أنها توافق حكم الله وإن احتملت أن تكون ¬

_ (¬1) جمع "أنظومة" أي الأنظمة أو النظم (القاموس والمعجم الوسيط).

على خلافه - وكان وجود الخلاف نتيجة لتعدد المفتين وعدم عصمتهم واتساع الدولة الإسلامية بدخول بلدان وأُمم غير عربية في الإسلام. ثم انضم إلى هاتين الطائفتين بعد ذلك طائفة ثالثة من الأحكام والفتاوي صدرت عن تلاميذ الصحابة من التابعين وتابعيهم ممن درسوا على الصحابة وأخذوا الفقه عنهم أو عمن أخذ عنهم. ثم جاء بعد هؤلاء من الفقهاء والأئمة المجتهدين من فرغ لدراسة الفقه واستنباط قواعده ووضع أُصوله ومبادئه، ورد الأحكام والفتاوي الموروثة إليها، وتفريع المسائل المختلفة عليها، ووضعت فيه المؤلفات ونظمت المناظرات حتى كان من كل ذلك نتاج طيب لا تفارقه جدته ولا تذبل نضرته ولا ينقطع مدده، يتسع لحاجات كل أُمة ويساير تطور كل زمن ولا يستعصي عن الإستجابة إلى المصالح، وكان له فى الأمة الإسلامية آثاره المحمودة في حياتها الإجتماعية ونهضتها الثقافية ووحدتها السياسية ومكانتها الخلقية - إلى أن كان من الحوادث والنوازل ما شغل الناس فصرفهم عنه وتركوا العمل به والبحث فيه وادعى العلم به بعد ذلك جهلة اتخذوه مرتزقاً ووسيلة إلى المال والتقرب من الأمراء والحكام واكتساب الجاه من ذلك التقرب، فوصموه بما هو براء منه ولوثوه بآرائهم وأقوالهم وأفعالهم، ونسبوا إليه النقص بسوء سياستهم، فكان ذلك حجاباً حجبه عن الناس حقباً طويلة، وساعد على ذلك ظهور عصبية عمياء لآراء لا تقوم على حجة، وأحكام لا تستند إلى دليل ولا تصلح للناس، وكان من وراء ذلك خلافات أدت إلى فرقة فرقت بين الناس بقدر ما حدث بينهم من خلاف وما تعدد من مذاهب إلى أن استقر الأمر أخيراً لبعضها واندرس باقيها فلم يبق منها إلى اليوم من له مكانة واتباع سوى مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك بن أنس ومذهب الشافعي ومذهب أحمد ومذهب الزيدية ومذهب الإمامية الإثنى عشرية وقد يضاف إلى ذلك مذهب الإباضية أتباع عبد الله بن إباض الخارجي. وهذه المذاهب هي مذاهب الجمهور الإسلامي في جميع الأقطار، وقف عند اتباعها ونبذ ما عداها وجافى من عمل بغيرها على ما قد يكون له من قوة في الدليل وما قد يكون فيه من صلاحية وملاءمة للزمن وترفيه على الناس، وذلك منهم تعصباً بدون حجة وابتداعاً وتركاً للسنة إذ لم يكن معروفاً في عهد السلف الصالح بل ولا في عهد أصحاب هذه المذاهب نفسها. ذلك لأنهم لم يجتهدوا ولم يستنبطوا ليحملوا الناس على اتباعهم وتقليدهم بل كان

للناس يومئذ الخيرة في استفتاء من يشاؤون ممن تطمئن إليه أنفسهم وإلى العمل بفتياهم ضمائرهم حين لا يستطيعون أن يصلوا إلى حكم الله بإجتهادهم ونظرهم. كان كل ذلك سبباً في دفن هذا التراث المجيد وتراكم الأتربة عليه مع طول الزمن حتى خفي على كثير من الناس وبعد على المشترعين منهم إلى هذا الوقت إذ ظهرت النهضة العلمية الفقهية الإسلامية في البلاد الشرقية وبخاصة مصر نتيجة لنمو الوعي القومي فيها وبعث الحركة العلمية الثقافية والتلفت إلى الماضي المجيد والرغبة في ترسمه مع شيوع الفكرة الإستقلالية والشعور بالحاجة إلى التكتل الإسلامي دفعاً لتسلط الأجنبي وضيمه واضطهاده واستغلاله وظهور الرغبة في توجيه البلاد الإسلامية إلى تهيئة أسباب الوحدة بينها في الثقافة والتشريع والإقتصاد والسياسة العامة وليس أصلح لتوحيد القانون فيها من اللإلتجاء إلى الفقه الإسلامي واتخاذه أساساً لقوانينها، منه استمدادها وعليه يكون قيامها. عن كل هذا نظر الناس إلى ماضيهم فرأوا سنا الفقه الإسلامي ونوره يشع من تحت ما تراكم فوقه من أنقاض فأخذ الفقهاء في بعثه وتوطيء أكنافه وتعبيد سبله وإظهاره للناس بثوب بهي قشيب حتى يكون لهم منه في حاضرهم مستمد لتشريعهم ومعين لقوانينهم بدلاً من الإلتجاء إلى تشريع أجنبي عنهم لم يوضع لهم ولا يتلاءم مع ماضيهم وحاضرهم ولا يتفق مع أخلاقهم وعاداتهم ولا يتمشى مع معتقداتهم وتقاليدهم. ولقد بدأت هذه الحركة المباركة بوضع قوانين مصرية في بعض مسائل الأسرة ومشاكلها لم يتقيد فيها واضعها بمذهب أبي حنيفة الذي كان عليه العمل في مصر فوضع القانون رقم 25 لسنة 1920 في أحكام نفقة الزوجية والعدة والتطليق للعجز عن النفقة والتفريق بعيب في الزوج وأحكام المفقود والقانون رقم 25 لسنة 1929 في أحكام الطلاق والتطليق للضرر ولغيبة الزوج وحبسه وبعض أحكام النسب والعدة والمهر وسن الحضانة وبعض أحكام المفقود ووضع القانون رقم 48 لسنة 1946 في بعض مسائل الأوقاف مما جأر فيه الناس بالشكوى وطلبوا الخلاص منه ووضع القانون رقم 71 لسنة 1946 في أحكام الوصية ووضع القانون رقم 77 لسنة 1943 في أحكام الميراث، وأُلفت لجان لوضع قانون عام في مسائل الأحوال الشخصية وهي مرحلة جديدة خطتها مصر وانتقلت منها إلى بعض البلاد الشرقية كسورية فوضع فيها قانون في الأحوال الشخصية "الزواج والطلاق والعدد والنفقات والنسب والحضانة

والرضاع والأهلية والنيابة المالية والوصية والميراث" وتونس فوضع فيها قانون لمسائل الأحوال الشخصية. وإنها لمرحلة تؤذن بعهد جديد في البلاد الشرقية: عهد توحيد التشريع فيها وسن القوانين لها على أُسس من الشريعة الإسلامية شريعة الأسلاف والأوطان ومصدر كثير من العادات والتقاليد والأخلاق - عند ذلك يعود لهم مجدهم وتقوى وحدتهم وتشتد إصرتهم وتجتمع كلمتهم فترجع إليهم قوتهم ويعود لهم سلطانهم ويتم لهم استقلالهم في شتى نواحي جهودهم ومضطربهم في هذه الحياة حياة الجد والكفاح والمثابرة والقوة والسلطان والغلب. وإن في قيام الدكتور محمد زكي عبد البر بإخراج هذا الكتاب - كتاب "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي من فقهاء القرن السادس الهجري ونشره في الناس -سليماً، محققاً، مضبوطاً- لمساهمة منه محمودة في بناء هذه النهضة الفقهية المباركة المرتقبة الثمرة نهضة إحلال التشريع الإسلامي على وضعه الصحيح في البلاد الشرقية محل التشريع الوضعي الغربي وبخاصة إذا لوحظ أن ذلك قد جاء في عهد عُهد فيه بالقضاء في مسائل الأحوال الشخصية على وفق الشريعة الإسلامية إلى رجال القانون الوضعي - قضاة المحاكم المصرية - فكانوا بسبب ذلك في حاجة إلى الرجوع والنظر في كتب الشريعة والإتصال بالفقه الإسلامي والتزود منه والتعرف بأُصوله وحكمه وأغراضه - وكل هذا يحتاج إلى كتب في الفقه جامعة ميسرة لا يمل طولها ولا يفوت الغرض بسبب إيجازها. ولذا كان الدكتور محمد زكي عبد البر موفقاً حين اختار هذا الكتاب وحين اتجهت نفسه في هذا الوقت إلى نشره فالكتاب من ناحية موضوعه مجموعة قيمة من أحكام مذهب أبي حنيفة في كل أبواب الفقه مقارنة في كثير من مسائله بمذهب الشافعي فيها أحياناً وبمذهب مالك أحياناً أُخرى على وضع تجنب فيه مؤلفه الطول الممل والإختصار المخل. وهو من ناحية ترتيبه وعرضه للمسائل وتفريعها وردها إلى أُصولها أقرب ما يكون إلى ما انتهى إليه التأليف في العصر الحاضر من استعراض لمسائل الأبواب جملة وترتيبها ترتيباً منطقياً تقودك فيه كل مسألة إلى المسألة التي تليها بحيث تجدها متصلة بها وبما قبلها كإتصال الحلقة في السلسلة فلا تكاد تشعر في الباب بإنتقال مفاجيء من موضوع إلى آخر لا يتصل به بل تحس كأنك لا تزال في موضوعك الذي بدأته وذلك ما يعين على جمع الفكر واتصال النظر وفهم الموضوع واستيعابه من جميع أطرافه.

وهو من ناحية أُخرى سهل الأسلوب بين العبارة لا تشعر فيه بتعقيد ولا بخفاء بل يلازمك ما قرأت فيه ظهور المعنى وجلاء المراد ووضوح الغرض. لهذا كان اختيار الدكتور محمد زكي عبد البر اختياراً موفقاً إذ أنه بهذا الاختيار أتاح لمن لم يتعود القراءة في الكتب الفقهية ولم يمرن على أسلوبها الاصطلاحي أن يأخذ منه الفقه الإسلامي وأن يتفهم مسائله كما أتاح للمعاهد العلمية الإسلامية فرصة اختيار كتاب قيم لدراسة فقه أبي حنيفة بإستيعاب غير ممل وأن تجد فيه طلبتها من ناحية الترتيب وسهولة العبارة وحسن العرض مما يوفر الزمن لطالب البحث ويجنبه أن يضيعه في فهم الأساليب وحل رموزها وتفهم عبارتها والكشف عما يراد منها. وإني لأرجو إذا تم طبعه أن ييسر للناس البحث فيه بوضع فهارس له تفصيلية على النمط العصري المعروف في كتب الفقه الوضعي. إنه بذلك يستحق شكراً فوق شكر وثناء بعد ثناء ويخدم الفقه الإسلامي خدمة لا تقل عن خدمته في نشر هذا الكتاب. هذا وإذا كان الدكتور محمد زكي عبد البر قد قام بهذا العمل الجليل في محيط الفقه الإسلامي فاستحق عليه الشكر، فإنه إلى ذلك قد ضرب لزملائه وأقرانه من رجال القانون خير مثل وسن لهم أحسن سنة في الإقبال على البحث في الفقه الإسلامي ونشر كتبه القيمة المفيدة التي أتى عليها الزمن فخبا نورها وزال من بين الكتب المعروفة اسمها - ففي ذلك إنماء لثقافتهم التشريعية وإعلاء لمنزلتهم القانونية وإظهار لكنوز أسلافهم التشريعية - وفق الله رجال القانون إلى إحياء الفقه الإسلامي ونشره وإلى خدمته وبعثه. القاهرة في يناير 1956 عَلي الخَفيفْ

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقَدمَة نقدم لهذا الكتاب بكلمات ثلاث: الأولى: عن صاحب الكتاب. والثانية: عن الكتاب نفسه. والثالثة: عن نسخ الكتاب، ومنهجنا في النشر. أولاً: المؤلف (¬1) صاحب هذا الكتاب هو علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي. ومن سوء الحظ أن هذا الرجل العظيم، رغم الإعتراف بجلالته وعلمه، لم يحظ بالدراسة الكافية، ولم يخلف لنا كتاب التراجم ما يغني في معرفة أحواله. وقد بذلنا جهداً في سبيل الحصول على المعلومات التالية، راجين أن يسعدنا الحظ فنحصل على ما يكمل الصورة، فنبينها واضحة في طبعة أُخرى. وسنكون شاكرين لمن يمدنا من الباحثين بشيء مفيد في هذا الصدد. أما أصحاب التراجم فما ذكروه قد لخصه صاحب الفوائد البهية فقال: "محمد بن أحمد ابن أبي أحمد أبو بكر علاء الدين السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء أُستاذ صاحب البدائع: شيخ كبير فاضل جليل القدر، تفقه على أبي المعين ميمون المكحولي، وعلى صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي، وكانت ابنته فاطمة الفقيهة العلامة زوجة علاء الدين أبي بكر صاحب البدائع، وكانت تفقهت على أبيها، وحفظت تحفته، وكان زوجها يخطئ فترده إلى الصواب، وكانت الفتوى تأتي فتخرج وعليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت بصاحب ¬

_ (¬1) الكلام على المؤلف منقول عما كتبناه عنه في مقدمة التحفة (1: 12 - 22) مع "تغيير لفظي طفيف اقتضاه المقام.

البدائع كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها (¬1) ". وقال صاحب طبقات الحنفية في ترجمة علاء الدين الكاساني: إنه (أي الكاسانى) "تفقه على محمد بن أحمد السمرقندي المنعوت علاء الدين، وقرأ عليه معظم تصانيفه، مثل التحفة في الفقه وغيرها من كتب الأصول، وزوجه شيخه ابنته فاطمة الفقيهة العالمة، وكانت حفظت التحفة تصنيف والدها، وطلبها جماعة من ملوك بلاد الروم فامتنع والدها، ولزم الكاساني والدها، واشتغل عليه، وبرع في علمي الأصول والفروع وصنف البدائع، وهو شرح التحفة، وعرضه على شيخه فأزداد به فرحاً، وزوجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك، فقال الفقهاء في عصره: شرح تحفته وزوجه ابنته" (¬2). هذا ما نجده في كتب التراجم عنه. أما بلده، وكنيته، وتاريخ مولده، وتاريخ وفاته، وأحداث حياته، فلم نجد من ذلك إلا متفرقات نجمعها فيما يلي: اسمه وكنيته: ذكر في "الفوائد البهية" أنه "محمد بن أبي أحمد أبو بكر علاء الدين السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء". وذكر في "كشف الظنون" عند الكلام على "التحفة" أنه الإمام الزاهد "علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي" وعند الكلام على "مختلف الرواية" أنه الإمام "علاء الدين محمد بن عبد الحميد المعروف بالعلاء". وذكره "رفيع الدين الشرواني" في "طبقات أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة" فقال: "ركن الأئمة عبد الكريم السمرقندى صاحب تحفة الفقهاء". وذكره صاحب "طبقات الحنفية" (¬3) عند ترجمة علاء الدين الكاساني بأنه "محمد بن أحمد السمرقندي المنعوت علاء الدين" وذكره السيد محمد راغب الطباخ في كتابه "أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء (¬4) " بإسم: "محمد بن أحمد بن أبي أحمد أبو منصور السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء". وفي "معجم المطبوعات العربية والمصرية" ليوسف الياس سركيس (¬5): "أبو بكر علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي سنة 540" وذكره "صاحب الجواهر" فقال: "محمد بن أحمد بن أبي أحمد أبو منصور السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء" كما ذكر في موضع آخر (¬6) ما يأتي: " محمد بن أحمد بن أبي حامد السمرقندي ¬

_ (¬1) اللكنوي، الفوائد البهية، ص 158. (¬2) المخطوط 179 مجاميع بدار الكتب المصرية، ولم يعرف مؤلفه. (¬3) المخطوط 179 مجاميع بدار الكتب المصرية، ولم يعرف مؤلفه. (¬4) الطبعة الأولى، سنة 1343 هـ. - 1925 م.- حـ 4 ص 265. (¬5) طبعة 1346 هـ - 1928 م، ص 1046. (¬6) حـ 2 ص 28.

أبو أحمد - قال السمعاني: نزيل بخارى، إمام فاضل في الفتوى والمناظرة والأصول والكلام، كتب إلي الإجازة ومات ببخارى غرة جمادى الأولى سنة 539". ويظهر لنا أن ما ذكره "صاحب الجواهر" في الموضع الأخبر بقوله: "محمد بن أحمد ابن أبي حامد السمرقندي أبو أحمد" خطأ نشأ عن إختصاره فقد ورد في كتاب "الطبقات السنية في تراجم الحنفية" لتقي الدين عبد القادر التميمي الغزي الحنفي (¬1) ما يأتي: "محمد بن أحمد بن أبي أحمد أبو منصور السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء: تفقهت عليه ابنته فاطمة العالمة الصالحة، وكانت تحفظ التحفة، وستأتي إن شاء الله تعالى. وتفقه عليه أيضاً زوجها أبو بكر الكاساني صاحب كتاب البدائع. وسيأتي له زيادة في ترجمة تلميذه أبي بكر حامد السمرقندي أبو أحمد - قال السمعاني: نزيل بخارى، إمام فاضل في الفتوى والمناظرة والأصول والكلام، كتب إلي بالإجازة ومات رحمه الله في بخارى سنة 539" فاختصار القرشي في الجواهر جاء مخلاً إذ ما قاله السمعاني راجع إلى المترجم وهو محمد بن أحمد بن أبي أحمد أبو منصور السمرقندي، وليس إلى تلميذه أبي بكر حامد السمرقندي أبو أحمد. فصاحب التحفة هو "محمد بن أحمد بن أبي أحمد" وهو ما ذكره الكاساني في البدائع (¬2) وما جاء في مقدمة التحفة. وهو أيضاً صاحب هذا الكتاب: "ميزان الأصول". ويلقب بعلاء الدين ويكنى بأبي بكر وقد يكنى بأبي منصور والغالب الأول. كما أن البعض سماه عبد الكريم. بلده (¬3): هو من سمرقند كما تدل نسبته إليها. وسمرقند مدينة مشهورة فيما وراء النهر (نهر سيحون) وهي قصبة "الصغد" وقد أطنب ياقوت في معجم البلدان في مدح سمرقند حتى قيل إنه ليس على وجه الأرض مدينة أطيب ولا أنزه ولا أحسن من سمرقند. وقد يسمى إقليم الصغد إقليم سمرقند. فتكون سمرقند مدينة وإقليماً. ولعل نسبته إلى سمرقند الإقليم لا إلى سمرقند المدينة إذ جاء في أنساب السمعاني أنه أقام ببخارى ومات فيها. وبخارى مدينة في الصغد أو في إقليم سمرقند، وبين بخارى ومدينة سمرقند بحساب القدماء سبعة أيام وسبعة وثلاثون فرسخاً (¬4). ¬

_ (¬1) المخطوط 55 حليم بدار الكتب المصرية - حـ 2: 387/ 2. (¬2) حـ 1، ص 2. (¬3) راجع: معجم البلدان لياقوت. ودائرة المعارف الإسلامية. (¬4) في المنجد: الفرسخ ثلاثة أميال هاشمية. وقيل: اثنا عشر ألف ذراع. وهي تقريباً ثمانية كيلو مترات.

وليس عندنا تاريخ مفصل عن سمرقند (¬1)، ولكن الثابت أنها كانت تحتل موقعاً ممتازاً بين الشرق والغرب، أيام الحضارة القديمة، وقد تقلبت عليها مدنيات مختلفة، من صينية وفارسية وتركية وإسلامية. وكان لابد أن يكون لهذا الموقع الممتاز وللمدنيات التي وفدت على الإقليم أثره في أبنائه، وقد كان. فمن ذلك الإقليم خرج - على سبيل المثال - البخاري صاحب الجامع الصحيح، وأبو منصور الماتريدي مصحح عقائد أهل السنة وهو منسوب إلى ما تريد، وهو حي في سمرقند، وآل برهان (ومنهم صاحب المحيط البرهاني) وغيرهم. فمن بلاد هذا الإقليم، كبخارى ومرو وسمرقند، خرج كثير من العلماء الذين أبدعوا وخلدوا بما تركوا من تراث إسلامي نفيس (¬2). وممن نسب إلى سمرقند: 1 - إسحاق بن محمد بن إسماعيل أبو القاسم الحكيم السمرقندي: أخذ الفقه والكلام عن أبي منصور محمد الماتريدي، ولقب بالحكيم لكثرة حكمته وموعظته. وصحب أبا بكر الوراق ومشايخ بلخ في زمانه، وأخذ عنهم التصوف. وقد تولى قضاء سمرقند أياماً طويلة. وتوفي سنة 342 هـ (¬3). 2 - الحسن بن داود بن رضوان أبو علي السمرقندي: درس بنيسابور على أبي سهل الزجاج. وأخذ عنه عن أبي الحسن الكرخي. وكان أحد الفقهاء المتقدمين في النظر والجدل. وقد مات سنة 395 هـ (¬4). 3 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمود السمرقندي السنجاري: كان شيخاً كبيراً وعالماً متبحراً. ولد بسمرقند سنة 675 هـ وبعد ما بلغ رتبة الكمال ساح في البلاد ثم أقام بماردين ودرس وصنف وأفتى إلى أن مات بها في رمضان سنة 721 هـ وله كتاب "عمدة الطالب لمعرفة المذاهب" جمع فيه المذاهب الأربعة ومذاهب داود والشيعة (¬5). ¬

_ (¬1) ذكر في الجواهر المضيئة (2: 87) أن لأبي حفص عمر بن محمد النسفي (537 هـ ـ) كتاباً اسمه "القند في تاريخ سمرقند". ولم نعثر عليه. (¬2) في الفوائد البهية (ص 211) أن أبا نصر الدبوسي منسوب إلى دبوسية وهي قرية بسمرقند. (¬3) الفوائد البهية للكنوي، ص 44. (¬4) الفوائد البهية للكنوي، ص 60. (¬5) الفوائد البهية للكنوي، ص 175.

4 - محمد بن نصر بن منصور بن علي بن محمد بن محمد بن الفضل أبو المعالي العامري الخطيب بسمرقند، تفقه على الشيخين: صدر الإسلام محمد بن محمد، وفخر الإسلام علي بن محمد البزدويين. وكان إماماً. وقد ولد سنة 405 هـ. ومات بسمرقند سنة 555 هـ (¬1). 5 - محمد بن اليمان السمرقندي: إمام كبير. عدوه من طبقة أبي منصور الماتريدي. له كتاب "معالم الدين والرد على الكرامية" وغير ذلك. مات سنة 268 هـ (¬2). 6 - ناصر الدين بن يوسف أبو القاسم الشهيد الحسين السمرقندي: إمام عظيم القدر، قوي العلم. له تصنيفات كثيرة المنافع منها "النافع" وهو مختصر في الفقه، و"الملتقط" في الفتاوي و "خلاصة المفتي" و "كتاب الأخصاف" و "مصابيح السبل" وغير ذلك - قيل: توفي سنة 656 وقيل سنة 556 هـ (¬3). 7 - نصر أبو الليث الحافظ السمرقندي: توفي سنة 294 هـ، وهو متقدم على أبي الليث إمام الهدى المتوفى سنة 373 هـ (¬4). وقد دخل العرب سمرقند وعلى رأسهم قتيبة بن مسلم سنة 91 هـ. (709 م) وهي الآن تابعة للتركستان التي هي جزء من الإتحاد السوفييتي وتنقصنا المعلومات عنها. وفي الفوائد البهية (¬5) أن سمرقند معرب من "شمر كند". وفي دائرة المعارف الإسلامية أن المقطع الثاني من الإسم وهو "قند" عبارة عن كلمة فارسية معناها المدينة أما المقطع الأول فلا يؤدي وحده معنى. مولده ووفاته: لم نعثر على تاريخ مولده. أما تاريخ وفاته فقد ذكر السمعاني أنه توفي سنة 539 هـ. وذكر يوسف سركيس أنه توفي سنة 540 هـ. وذكر حاجي خليفة في "كشف الظنون" عند الكلام على مصنفه "مختلف الرواية" أنه توفي سنة 552 هـ. وعند الكلام على كتابه "ميزان الأصول" أنه توفي سنة 553 هـ. ¬

_ (¬1) الفوائد البهية للكنوى، ص 202. (¬2) الفوائد البهية للكنوى، ص 202. (¬3) الفوائد البهية للكنوي، ص 219 - 220. (¬4) الفوائد البهية للكنوي، ص 221. (¬5) الفوائد البهية للكنوى، ص 44.

والظاهر لنا أن وفاته كانت سنة 539 هـ. فقد ذكر ذلك السمعاني قائلاً: إنه (أي السمرقندي) كتب له الإجازة (انظر فيما تقدم ص: ش) أما الأقوال الأخرى فلم تنسب إلى أحد معاصر أو صاحب صلة بالمؤلف، بل لم تنسب إلى شخص ما. مشايخه: ذكر أصحاب التراجم أنه تلقى العلم على اثنين من مشاهير العلماء، أولهما هو صدر الإسلام أبو اليسر البزدوي (¬1)، والثاني هو أبو المعين المكحولي النسفي (¬2). أما أُستاذه الأول فقد أخذ العلم عن إسماعيل بن عبد الصادق (¬3) عن أبي محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي (¬4) عن أبي منصور الماتريدي (¬5) عن أحمد بن إسحاق أبي بكر الجوزجاني (¬6) عن موسى بن سليمان أبي سليمان الجوزجاني (¬7) عن محمد ابن الحسن الشيباني (¬8) صاحب أبي حنيفة. كما أخذ (أُستاذه الأول) العلم عن أبي يعقوب ¬

_ (¬1) هو محمد بن محمد بن عبد الكريم بن موسى أبو اليسر صدر الإسلام البزدوي: كان بارعاً في العلوم فرعاً وأصلا. وقد انتهت إليه رياسة الحنفية فيما وراء النهر وتوفي ببخارى سنة 493 هـ. (الفوائد، ص 188 وكذا ص 125) وذكر علاء الدين في كتابه "ميزان الأصول" ما يفيد أنه تتلمذ على علي بن محمد البزدوي إذ قال: "وقال أستاذي الشيخ الإمام الزاهد علي بن محمد البزدوي رحمه الله" المتوفى سنة 482 هـ (الفوائد: 124 - 125) "ميزان الأصول" الأصل 77/ 2 - انظر فيما بعد ص: 401 (¬2) هو ميمون بن محمد بن محمد بن المعتمد بن محمد بن مكحول أبو المعين المكحولي النسفي. كان إماماً فاضلا. وهو صاحب كتاب "تبصرة الأدلة" و "تمهيد قواعد التوحيد" و "المناهج" و "شرح الجامع الكبير". وقد توفي سنة 508 هـ. (الفوائد: ص 216. والجواهر، - حـ 2 ص 189 و 267). (¬3) هو إسماعيل بن عبد الصادق بن عبد الله الخطيب البناري - من أعمال قومس، ويقال بالفارسية "كومس" من بسطام إلى سمغان. كان فقيهاً ورعاً وله ابن فقيه اسمه ميمون (الفوائد: 46). (¬4) جد فخر الإسلام البزدوي وصدر الإسلام أبي اليسر (الفوائد: 188). (¬5) هو محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي إمام المتكلمين ومصحح عقائد المسلمين. له كتاب التوحيد وكتاب المقالات، وكتاب أوهام المعتزلة ورد الأصول الخمسة لأبي محمد الباهلي، ورد الإمامة لبعض الروافض والرد عل القرامطة، ومآخذ الشرائع في الفقه والجدل في أصول الفقه وغير ذلك وقد مات سنة 333 هـ. وماتريد (أو ماتريت) محلة بسمرقند - ذكره السمعاني (الفوائد: 195). وانظر الهامش 4 ص 3. (¬6) نسبة إلى جوزجان بلدة مما يلي بلخ. وكان عالماً جامعاً بين الفروع والأصول. وله كتاب الفرق والتمييز وكتاب التوبة (الفوائد: 14). (¬7) تلميذ محمد بن الحسن، وقد كتب مسائل الأصول والأمالي. وكان مشاركاً لعلي بن منصور. وقد عرض عليه المأمون القضاء فلم يقبل. وقد توفي بمد المائتين، وله السير الصغير والنوادر وغير ذلك (الفوائد: 216). (¬8) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، تلميذ أبي حنيفة، وناشر مذهبه، وصاحب الكتب الستة المعروفة بكتب ظاهر الرواية أو الأصول، لروايتها بطريق الشهرة أو التواتر، وهي: المبسوط، والجامع الكبير، =

يوسف السياري (¬1) عن أبي إسحاق الحاكم النَوْقَدي (¬2) عن الهندواني (¬3) عن أبي بكر الأعمش (¬4) وأبي بكر الإسكاف (¬5) والصفار (¬6) عن محمد بن سلمة (¬7) عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن (¬8). كما أخذ الصفار أيضاً عن نصير بن يحيى (¬9) عن محمد بن سماعة (¬10) عن أبي يوسف (¬11). ¬

_ = والجامع الصغير، والسير الكبير، والسير الصغير، والزيادات. وله أيضاً كتب سميت بالنوادر لأنها لم ترو بطريق الشهرة أو التواتر، ومنها: الرقيات، والهارونيات، والكيسانيات، والجرجانيات، والأمالي. وله كتب أخرى تغلب فيها رواية الحديث، منها: الموطأ روايته، والحجج، والآثار. ولد سنة 132 هـ. ومات سنة 189 هـ. ونشأ بالكوفة. وأخذ عن أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر. كما أخذ عن مالك والأوزاعي والثوري. وعليه تتلمذ الشافعي حتى قال الشافعي: "أمن الناس علي في الفقه محمد بن الحسن" (راجع الكوثري: بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والكتب المذكورة فيه.). (¬1) هو يوسف بن منصور بن إبراهيم بن الفضل بن سيار أبو يعقوب السياري النيسابوري نسبة إلى سيار (بفتح السين وتشديد الياء) إسم جده الأعلى. وذكر بعضهم أن نسبته إلى نصر بن سيار أمير خراسان (الفوائد: 233) (¬2) هو محمد بن منصور بن مخلص أبو إسحاق النوقدي نسبة إلى نوقد قرية من قرى نسف كان إماماً زاهداً صائم الدهر. وكان مدرساً مفتياً بسمرقند. ومات بسمرقند سنة 434 هـ. (الفوائد: 201). (¬3) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر أبو جعفر الفقيه البلخي الهندواني. شيخ كبير وإمام جليل القدر من أهل بلخ. كان على جانب عظيم من الفقه والذكاء والزهد والورع حتى قيل له: أبو حنيفة الصغير لفقهه. وتوفي ببخارى سنة 362 هـ. وحمل إلى بلخ (الفوائد: 179 وص 160 في ترجمة أبي بكر الإسكاف). (¬4) هو محمد بن سعيد توفي سنة 340 هـ. (الفوائد: 160). (¬5) هو محمد بن أحمد أبو بكر الإسكاف البلخي. وكان إماماً جليل القدر. توفي سنة 333 هـ. (الفوائد: 160) (¬6) هو أحمد بن عصمة أبو القاسم الصفار. كان إماماً كبيراً. إليه الرحلة ببلخ. مات سنة 336 هـ. وقيل سنة 326 هـ. (الفوائد: 26) (¬7) أبو عبد الله الفقيه البلخي ولد سنة 192 هـ. ومات سنة 278 هـ (الفوائد: 168). (¬8) تقدمت ترجمتهما في الهامش 7 و 8 ص ط وظ (¬9) البلخي مات سنة 268 هـ. (الفوائد: 221). (¬10) هو محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع أبو عبد الله التميمي. ولد سنة 130 هـ. ومات سنة 233 هـ. وقد حدث عن الليث بن سعد وأبي يوسف وأخذ الفقه عنهما وعن الحسن بن زياد وكتب النوادر عن أبي يوسف ومحمد وولي القضاء للمأمون ببغداد. وله كتاب أدب القاضي، وكتاب المحاضر والسجلات والنوادر وغيرها (الفوائد: 170). (¬11) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب أبو يوسف. ولد سنة 113 هـ. (أو 93 هـ). نشأ بالكوفة. وعرف بالحفظ. وكان يختلف إلى ابن أبي ليلى القاضي ثم إلى أبي حنيفة. وقد اختلف إلى أبي حنيفة تسعة وعشرين عاماً منها سبعة عشر عاماً لازمه فيها ملازمة تامة، كما لازم محمد بن إسحاق صاحب المغازي لما قدم إلى الكوفة. ومن شيوخه: الليث بن سعد، ومالك بن أنس. ومن تلاميذه: أحمد بن حنبل، وأسد بن الفرات (مدون مذهب مالك =

وأما أُستاذه الثاني (أبو المعين ميمون المكحولي النسفي) فقد أخذ العلم عن أبيه مكحول أبي المعين النسفي (1) صاحب كتاب الشعاع (على ما قيل) عن أبيه أبي مطيع مكحول النسفي، صاحب اللؤلؤيات (2) في الزهد، عن أبي بكر الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن. زملاؤه: من زملائه في التلمذة على أُستاذه أبي اليسر البزدوي ابن أُستاذه أبو المعالي أحمد (¬3)، وابن أخ أُستاذه الحسن (¬4) بن فخر الإسلام علي البزدوي صاحب كتاب الأصول المشهور، ونجم الدين النسفي (¬5). ومن زملائه في التلمذة على أبي المعين النسفي، أحمد ابن أُستاذه أبي اليسر البزدوي (¬6). تلاميذه: من تلاميذه محمد بن الحسين بن ناصر بن عبد العزيز ضياء الدين البندنيجي (¬7) أُستاذ صاحب الهداية الذي أجاز لصاحب الهداية جميع مسموعاته مشافهة بمرو سنة 545 هـ وكان من تلاميذه ابنته فاطمة، وزوجها علاء الدين الكاساني صاحب كتاب "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع". ¬

_ = قبل سحنون) والحسن بن زياد، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن سماعة التميمي، وموسى بن سليمان، الجوزجاني وهلال بن يحيي (هلال الرأي) ويحيي بن آدم، ويحيي بن معين وابنه يوسف القاضي. ولم يثبت أن الشافعي اجتمع به. ومن كتبه "الخراج" و "الآثار" و "إختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى" و "الرد على سير الأوزاعي" وكل هذه مطبوعة. وقد ولي قضاء بغداد لثلاثة من الخلفاء وهم: المهدي ثم الهادي ثم الرشيد. ولم يزل به حتى مات سنة 182 هـ. (راجع اللكنوي: 225. والكوثري، حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي). (1، 2) انظر الفوائد البهية ص 40 في ترجمة أحمد بن محمد بن مكحول أبي البديع المكحولي. (¬3) تفقه على والده وسمع من أبي المعين ميمون بن محمد النسفي، ولقي الأكابر وولي القضاء ببخارى. وكان إماماً فاضلا مفتياً مناظراً. توفي بسرخس سنة 542 هـ. ثم حمل إلى بخارى ودفن فيها (الفوائد: 39 - 40). (¬4) ولد بسمرقند سنة 476 هـ. وولي القضاء ببخارى ثم انصرف إلى بزد. ومات سنة 557 هـ. (الفوائد: 63) (¬5) هو عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان مفتي الثقلين نجم الدين أبو حفص النسفي. أحد الأئمة المشهورين بالحفظ الوافر والقبول التام عند الخواص والعوام. وكان إماماً فاضلاً أصولياً متكلماً مفسراً محدثاً فقهياً حافظاً نحوياً. وله تصانيف جليلة في التفسير والفقه. وأجل تصنيفاته: التيسير في التفسير، وله المنظومة وهو أول كتاب نظم في الفقه، وكتاب المواقيت. وقد ولد بنسف سنة 461 هـ. ومات بسمرقند سنة 537 هـ. (الفوائد: 149 - 150). (¬6) راجع الهامش 3 المتقدم. (¬7) الفوائد: 166. وفيه أن بند نيج بفتح الباء بلدة من بلاد فرغانة وهذه مدينة أو إقليم فيما وراء النهر (ياقوت، معجم البلدان)

مؤلفاته: لعلاء الدين السمرقندي غير "تحفة الفقهاء" الكتب الآتية: - 1 - شرح كتاب التأويلات للماتريدي. 2 - مختلف الرواية. 3 - ميزان الأصول في نتائج العقول (المطول والمختصر) (¬1). 4 - شرح الجامع الكبير. وقد ذكر الثلاثة الأول برو كلمان وغيره، وذكر الأخير القرشي في الجواهر (¬2). وهو يشير في التحفة إلى "مبسوط" له (¬3)، ولكنا لم نعثر على هذا المبسوط، ولعله كان على عزم من تأليفه ولم يفعل لسبب ما، أو لعله اكتفى بالبدائع. كما أشار إلى "الزيادات" أيضاً، وإلى شرح له على الطحاوي. كما أشار في هذا الكتاب "الميزان" إلى "مبسوط" له في الأصول (¬4). وفي مكتبة الأزهر كتاب منسوب إليه بإسم: "شرح منظومة النسفي". على أن أشهر كتبه هي "التحفة" وبها يعرف فيقال: صاحب "تحفة الفقهاء" ثم "ميزان الأصول". صفاته: ظاهر من القصة التي أوردناها فيما سلف عن تزويج ابنته فاطمة لعلاء الدين الكاساني ما يدل على أخلاق السمرقندي، فقد آثر لابنته العلم على الإمارة، ورجل هذا شأنه لابد أن يكون على جانب كببر جداً من النفس العالية والإيمان العميق والتعلق الشديد بالعلم. كما أن فيما ورد من أن الرقعة كانت تأتي بالواقعة كي يفتي فيها، فكانت تخرج بالفتوى موقعاً عليها منه ومن ابنته ثم بعد زواج ابنته من علاء الدين الكاساني كانت تخرج ¬

_ (¬1) قال القرشي في الجواهر المضيئة (2: 30): محمد بن أحمد الإمام أبو بكر الأصولي المنعوت علاء الدين. له في أصول الفقه كتاب سماه "ميزان الأصول في نتائج العقول" على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. (¬2) حـ 2، ص 449 عند ذكر "أسامي شراح الجامع الكبير" كما ذكره لنا المغفور له الشيخ محمد زاهد الكوثري طيب الله ثراه. وانظر أيضاً: التحفة، 1: 288. (¬3) انظر في التحفة مثلا: حـ 1، ص 34 وكذا ص 283: ص 10. وص 288: ص 9. (¬4) انظر فيما يلي نهاية مقدمة المؤلف، ص 6 - 7. وكذا ص 54 حيث يذكر "الشرح". وص 76 حيث يذكر شرح "التقويم" للدبوسي

ثانيا: الكتاب

موقعاً عليها من الثلاثة - ما يدل على تواضع العلماء وعدم الاستئثار بالفتوى وتقدير أمانتها وهل أدل على ذلك من أن يشرك الرجل ابنته وتلميذه؟ واحترام المؤلف وإجلاله للماتريدي ظاهر بجلاء لكل من يطالع الكتاب. ونشير إلى أن المؤلف يذكر كثيراً "أبا زيد الدبوسي" وكتابه "تقويم الأدلة" (¬1). كما نشير إلى أن "عبد العزيز البخاري" صاحب "كشف الأسرار" شارح "أُصول البزدوي" قد أكثر النقل عن "الميزان" ولا غرو في ذلك، فالمؤلف تلميذ فخر الإسلام علي البزدوي صاحب الأصول (¬2). ثانياً: الكتاب إن الناظر في "الميزان" يدرك مزاياه بيسر فهو - كالتحفة - يمتاز: 1 - بالتقسيم والترتيب والإختصار غير المخل، ووضوح العبارة والإلمام بالأقوال المختلفة وبيان حجة كل قول في الغالب كما ذكر صاحبه في المقدمة. 2 - بأن صاحبه كان "فقيهاً" أيضاً. فلم يقتصر على دراسة "الأصول" بل جمع بين الإثنين. ولا شك أن هذه ميزة تضاف إلى ما تقدم. 3 - بأن صاحبه لم يكن من أهل الإعتزال ولا من أهل الكلام، وإن ألم بما عند الفريقين بل كان من أهل السنة وأهل الفقه. وقد عبر عن ذلك هو نفسه في مقدمة كتابه. 4 - بأن صاحبه كتب هذا "المختصر" بعد "المبسوط" كما يذكر في مقدمة هذا الكتاب "المختصر" وهذا يطمئن إلى إلمام صاحب الكتاب بكل تفاصيل المادة. ثالثاً: نسخ الكتاب ومنهجنا في النشر (أ) نسخ الكتاب: لم يطبع "الميزان" من قبل ونحمد الله أن هدانا إلى نشره لأول مرة. ¬

_ (¬1) في دار الكتب المصرية المخطوط رقم 255 خصوصية و 36137 عمومية (أصول فقه) بعنوان "كتاب تقويم أصول الفقه وتحديد أدلة الشرع" من تصنيف القاضي الأجل الإمام أبي زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي تغمده الله بالرحمة. وهو منقول عن النسخة الموجودة بالمكتبة الخالدية بالقدس الشريف. وهو في 956 صفحة من القطع المتوسط. وقد توفي الدبوسي ببخارى سنة 430 هـ (الفوائد،: 109). (¬2) راجع الهامش اص (ط) من المقدمة.

وقد اعتمدنا في هذا النشر على ثلاث نسخ مخطوطة. وكل واحدة منها في مجلد واحد. وهي تختلف من حيث الحجم والخط وتاريخ النسخ ومقدار الخطأ والنقص والتحريف والتصحيف ووضوح الخط وسهولة قراءته. وهذه النسخ هي: 1 - المخطوطة رقم 719 بمكتبة مرادمله باستامبول. وقد جعلناها الأصل، لأنها أقلها نقصاً. وقد حصلنا على صورة منها ولم نطلع على أصلها. ومكتوب على الغلاف أنها 157 ورقة وكذا الترقيم ولكن الواقع أنها 158 ورقة ووجهاً (بخلاف الغلاف) ولاحظنا وجود ورقتين برقم 16 وورقتين برقم 18 وورقتين برقم 97 وورقتين برقم 116. وورقها من القطع المتوسط. وتاريخ الفراغ من نسخها 16 من رمضان سنة 772 هـ في مدينة عسان (¬1) "المحروسة [بعين] الله من الآفات والبلايا بجوار المدرسة النورية رحم الله منشيها وساكنيها والمترددين ... ". وخطها صغير وعلى غلافها "كتاب ميزان الأصول في نتائج العقول تصنيف الشيخ الإمام علاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي متعه الله تعالى من علمه" وعبارات أُخرى بخط مختلف تتضمن ترجمة للمؤلف. وبالصورة نقص صفحتين هما 84/ 2، 85/ 1. 2 - المخطوطة رقم 97 بمكتبة رواق الأروام بالجامع الأزهر. وهي مصورة بدار الكتب المصرية. وهذه النسخة المصورة برقم 26559 ب بدار الكتب المصرية قسم المخطوطات، ونشير إليها بالحرف "أ". وهي تقع في 97 ورقة (أو 98). وخطها دقيق، كثيرة النقص. ولا يعرف تاريخ نسخها إذ هي ناقصة من النهاية حيث يكتب تاريخ النسخ عادة في هذه المخطوطات. وعلى هامشها تصحيحات وتفسيرات رأينا من الخير إثباتها في الهامش للإفادة منها وفيما يلي بيان النقص فيها: ¬

_ (¬1) عسان: قرية من نواحي حلب، بينهما نحو فرسخ، ينسب إليها قوم من أهل العلم (ياقوت، معجم البلدان)

- من الأول حتى ص 45 (انظر الهامش 1 ص 1. والهامش 6 ص 45). - من ص 255 (انظر الهامش 8 منها) حتى ص 304 (انظر الهامش 5 منها). - من ص 584 (انظر الهامش 1 منها) حتى ص 650 (انظر الهامش 4 منها). - من ص 654 إلى النهاية (انظر الهامش 11 منها). 3 - المخطوطة رقم 778 أُصول فقه بدار الكتب المصرية. ونشير إليها بالحرف " ب " وتقع في 274 ورقة ووجهاً (أي 549 صفحة) وقد فرغ من نسخها في أول رجب سنة 594 هـ (والمؤلف توفي سنة 539 هـ). وعلى الغلاف ما يأتي: "كتاب ميزان الأصول في نتائج العقول للسمرقندي"، وكتب أيضاً على الغلاف: "تصنيف الشيخ الإمام علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي رحمه الله". وفيما يلي بيان النقص فيها: - من ص 311 (انظر الهامش 9 منها) حتى ص 336 (انظر الهامش 5 منها). - من ص 744 (انظر الهامش 8 منها) حتى ص 761 (انظر الهامش 1 منها). - من ص 763 (انظر الهامش 4 منها) حتى ص 765 (انظر الهامش 2 منها). وهي غير كاملة النقط، وأحياناً يكون النقط غير ما نعهده، كأن تكون النقطة الفوقية نقطة تحتية، وكثير من أوراقها في غير مواضعها فقد جلدت دون مراعاة ترتيب الأوراق وفقاً لترتيب الكلام. وترتيبها الصحيح كما يلي: الأوراق من اإلى 7 ثم 49 ثم من 8 إلى 48 ثم من 100 إلى 109 ثم من 91 إلى 99 ثم من 80 إلى 90 ثم من 50 إلى 60 ثم من 71 إلى 78 ثم 61 ثم 79 ثم من 62 إلى 70 ثم من 110 إلى 275 مع وجود نقص بين 110 و 275. * * * ومن حسن الحظ أن وجدت في كل موضع، إلا نادراً، نسختان على الأقل. فلم نفقد النسخ كلها في موضع ما، وكل ما صادفنا أن انفردت نسخة واحدة بصفحات قليلة (انظر الهامش 8 ص 744 والهامش 8 ص 761. وكذا الهامش 4 ص 763 والهامش 2 ص 765). وقد بينا كل ذلك في أثناء الكتاب.

(ب) منهجنا في النشر

(ب) منهجنا في النشر: أما منهجنا في نشر هذا الكتاب فهو المنهج نفسه الذي اتبعناه في نشر "تحفة الفقهاء" للمؤلف نفسه (علاء الدين السمرقندي). وهو الاقتصار على تحقيق النص وإخراجه كما صدر من مؤلفه بقدر الإمكان، وبيان ما بين النسخ من خلاف. وفي داخل هذا الإطار صدرنا عن الفكرتين الآتيتين: 1 - أنا لا ننشر النسخة التي اعتبرناها أصلاً، وإنما ننشر "الميزان" معتمدين على ما اعتبرناه أصلاً مقارنين بالنسخ الأخرى. وقد ترتب على ذلك أنا قد جعلنا ما اعتبرناه أصلاً هو المتن وأثبتنا الخلافات بينه وبين النسخ الأخرى في الهامش. ولكنا رفعنا إلى المتن ما وجدناه في النسخ - الأخرى يكمل المعنى أو وجدناه هو الصحيح من حيث المعنى أو اللفظ أو أصح أو أوضح أو أسهل مع الإشارة إلى كل ذلك بالتفصيل في الهامش. ولم نرد أن نضع بين علامتين هكذا [. . .] ما نأخذه من نسخة أُخرى غير الأصل لتحقق الغاية بالإشارة في الهامش والبعد عن عيوب كثرة هذه العلامة بين العبارات. 2 - أنا ننشر كتاباً في أُصول الفقه، ولا ننشر كتاباً لغوياً أو أدبياً يكون للفظ فيه الاعتبار الأول. وقد ترتب على هذا أنا لم نذكر كثيراً من الخلافات اللفظية البحتة بين الأصل وبين النسخ الأخرى اللهم إلا إذا كان الخلاف - وإن كان لفظياً - مفيداً في ناحية ما، أو يحتمل أن يكون كذلك فإنا نشير إليه. ومما قوى لدينا هذا المسلك كثرة الخلافات اللفظية البحتة بين النسخ بحيث لو أشرنا إلى كل خلاف في الهامش لطغى الهامش على المتن طغياناً كبيراً جداً ولصارت معظم الصفحة هامشاً ولشغل الباحث بهذا الخلاف اللفظي البحت عن العلم نفسه. وماذا يفيد الباحث من أن نضع في المتن "ثم" ونشير في الهامش إلى أن في نسخة أُخرى "ثمة" أو أن يكون عبارة الأصل "ولكن" وعبارة النسخة الأخرى: "لكن". أو أن يكون في الأصل "غير واجب" وفي نسخة أُخرى: "ليس بواجب". ويدخل في الخلافات اللفظية البحتة اختلاف التركيب مثل أن يكون في الأصل: "ثم تنتقض طهارتها" وفي نسخة أُخرى: "ثم طهارتها تنتقض" أو مجرد تقدم كلمة على كلمة في مجرد معرض العطف بالواو مثلاً كأن يكون في الأصل: "القرح والجرح" وبالنسخة الأخرى: "الجرح والقرح" دون

أن يقصد بذلك غير مجرد العطف، أو اإختلاف صيغة الفعل حيث تصح الصيغتان مثل أن يكون في المتن "وجب" وفي نسخة أُخرى "يجب". أهملنا الإشارة إلى الخلاف حيث لا يحتمل أبداً أن يكون هناك أي خلاف في المعنى، فإذا بدا لنا إحتمال ذلك ولو حتى من حيث الدقة أو السهولة، أثبتنا كل خلاف. وقد أخذنا بالأحوط، وهو بالإثبات لا بالترك. هذا في غير الأحاديث. أما في الأحاديث فقد حرصنا على إثبات كل خلاف بين النسخ، ولو كان لفظياً، مهما كان يسيراً. ونحن بهذا المسلك قد رفعنا عن عاتق القارئ عبئاً ومشغلة تحت مسؤوليتنا. ولا شك أنه كان الأيسر والأحوط لنا الإشارة إلى كل خلاف مهما كان لفظياً بحتاً. وأن هذه التصفية قد احتاجت منا جهداً لم نبخل ببذله رعاية لوقت القارئ وفائدته. 3 - وقد رأينا من الخير أن نشير في الهامش إلى موضع الآيات القرآنية من حيث السورة والرقم في المصحف، مع إيرادها كاملة في الهامش. وقد نورد آية أو أكثر قبلها أو بعدها إذا إحتاج ذلك الإحاطة بالمعنى. 4 - كما عنينا بشرح الألفاظ الغامضة. وكذلك بشرح العبارات المبهمة مستندين في ذلك إلى الكتب المعتمدة من لغوية وأُصولية وفقهية. 5 - وترجمنا في الهامش للأعلام التي ورد ذكرها، الترجمة التي يحتملها المقام، وتتناسب مع المترجم له. فلم نوجز الإيجاز الشديد الذي لا يغني، ولم نطل الإطالة التي تبعد عن الموضوع. وأشرنا عقب كل ترجمة إلى المصدر الذي اعتمدنا عليه. 6 - وطبعي أن تقسيم الكلام إلى فقرات تبدأ كل فقرة من أول السطر من عندنا. فالكتاب من أوله إلى آخره الكتابة فيه متتابعة. وكذا تقسيم الكلام، بفواصل من شولة وشرطة من عندنا. وكذا الفصل بالنقط. ونحن نرى أن هذا العمل مهم جداً فعليه يتوقف سهولة الإلمام بالموضوع.

7 - كما ننبه إلى أن النقط لم يكن كاملاً في بعض النسخ، فكنا نرجع في ذلك إلى النسخ الأخرى أو إلى سياق العبارة، ولم نجد حاجة إلى الإشارة إلى ذلك في كل موضع. 8 - وفي مرات قليلة احتاجت العبارة كي تؤدي المعنى إلى إضافة كلمة ليست في "الأصل" ولا في النسخ الأخرى، فكنا نبذل جهدنا كي نأتي بهذه الكلمة من الكتب الأخرى ناسبينها إليها مع ظهورها على سبيل التحرز. 9 - وكذا قد تحتاج صحة العبارة لغة إلى إضافة حرف كالفاء في جواب "أما" مثلاً فكنا نضيفه، ووضعنا هذا وذاك بين علامتين هكذا [] ولم يحتج الأمر معه إلى أن نشير في كل موضع إلى أن ما بينهما من عندنا. 10 - وقد اكتفينا عند اختلاف النسخ في كلمة أو عبارة بأن نذكر في الهامش الكلمة أو العبارة المخالفة فقط، ولم نر حاجة إلى تكرار الكلمة أو العبارة المستبدلة اعتماداً على فطنة القارئ. نسأل الله تعالى العون والتسديد فهو نعم المولى ونعم النصير.

وَبَعْد فهذا هو "ميزان الأصول في نتائج العقول" تصنيف الشيخ الإمام علاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي صاحب "التحفة": حققت نسبته إلى صاحبه، وحققت ألفاظه ومعانيه، وحملت عبئه سنين: قمت فيها بنسخه بنفسي ثم مقارنته بالنسخ الأخرى وحدي ثم بشرحه والتعليق عليه وكان يلازمني في كل وقت: في السفر والإقامة، في العمل والراحة. وبذلت من صحتي وجهدي ما الله يعلمه، فما قصدي غير وجهه الكريم، وهو القادر على الجزاء. ولست أدعي الكمال فالكمال لله وحده. فإن كنت وفقت كان عملاً صالحاً آمل أن يرفعه الله إليه، وإن كانت الأخرى فحسبي أني انتويت نية طيبة وبذلت جهدي فعسى الله أن يجزيني على جهدي ويغفر لي الذنب والتقصير. وإنى لأرجو من يرى خطأ أو عيباً أن يدلني عليه - خدمة للعلم - لتلافيه في طبعة لاحقة إن شاء الله. وإني لأشكر أساتذتي وإخواني الذين كنت أرجع إليهم إذا أشكل علي لفظ، وأخص بالشكر منهم أُستاذي الجليل الشيخ علي الخفيف طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه فقد قرأ الكتاب من أوله لآخره وأبدى ما عنده من ملاحظات قيمة أُفدت منها. وليس لي بعد ذلك من كلمة سوى الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملي كله خالصاً لوجهه الكريم وأن يرفعه إليه - إنه سبحانه الهادي إلى سبل الرشاد، وهو الغفار الرحيم جل وعلا علواً كبيراً. الدكتور محمد زكي عبد البر القاهرة في (ربيع الأول سنة 1401 هـ - يناير سنة 1981 م)

جَدولْ الرِّمُوز " الأصل " هو المخطوط 719 بمكتبة مراد مله باستامبول. "أ" هو المخطوط 97 بمكتبة رواق الأروام بالجامع الأزهر الشريف. "ب" هو المخطوط 778 أُصول فقه بدار الكتب المصرية بالقاهرة. [] الكلمات أو الحروف التي بداخل هذين القوسين غير مأخوذة من إحدى النسخ. فهي إما من كتب أُخرى غير الميزان. وهذا هو الأعم، وإما من عندنا وهذا قليل في حدود الضرورة. 1: 10: 5 الجزء الأول، الصفحة العاشرة، السطر الخامس (على سبيل المثال).

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) رَبِّ سَهّلْ وأعنْ (¬2) الحمد لله ذي العزة والجلال (¬3)، والرحمة والأفضال، والصلاة على رسوله محمد (¬4) الممجد (¬5) المفضال، وعلى آله وأصحابه أفضل الأصحاب والآل (¬6). قال الشيخ الإمام علاء الدين شمس النظر: أبو بكر (¬7) محمد بن أحمد السمرقندي، متعه الله من علمه (¬8): اعلم (¬9) أن علم أصول الفقه والأحكام فرع لعلم أصول الكلام، والفرع ¬

_ (¬1) هذه المقدمة وما بعدها إلى الكلام في الحسن والقبح ساقطة من أ، وسنشير إلى نهاية هذا النقص وبدء أ، فيما بعد (الهامش 6 ص 45). (¬2) "رب سهل وأعن" ليست في ب. (¬3) قال في كشف الظنون: "ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه للشيخ الإمام علاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي الأصولي المتوفى سنة 553، أوله: الحمد لله ذي العزة والجلال .. الخ" (¬4) "محمد"من ب. (¬5) "الممجد" ليست في ب. وفي الأصل "الممحد" بحاء مهملة. وقد أثبتنا في المتن ما نظنه الصحيح: الممجد بالجيم: يقال: أمجده ومجده عظمه وأثنى عليه. والمجيد من صفات الله عز وجل، وفي التنزيل العزيز "ذو العرش المجيد" فهو تعالى المجيد: تمجد بفعاله ومجده خلقه لعظمته، والقرآن المجيد أي الرفيع العالي. وليس في "لسان العرب": الممحد بالحاء (انظر اللسان). (¬6) في ب: "أفضل الأهل والآل". (¬7) "شمس النظر: أبو بكر" ليست في ب. راجع فيما تقدم الهامش 3. (¬8) في ب: "السمرقندي رحمه الله". (¬9) "اعلم" من ب. وأورد بعض هذه المقدمة، مع النسبة إلى "ميزان الأصول" للسمرقندي تحت "علم أصول الفقه"، حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1: 110 - 111 من طبعة المثنى، بغداد).

ما تفرع من أصله، وما لم يتفرع منه فليس من نسله، فكان (¬1) من الضرورة أن يقع التصنيف في هذا الباب على اعتقاد مصنف الكتاب. وأكثر التصانيف في أصول الفقه لأهل الإعتزال المخالفين لنا في الأصول (¬2)، ولأهل الحديث المخالفين لنا في الفروع (¬3)، والإعتماد على تصانيفهم إما أن يفضي إلى الخطأ في الأصل، وإما إلى الغلط في الفرع، والتجافي (¬4) عن الأمرين واجب في العقل والشرع. ¬

_ (¬1) كذا في ب، وفي الأصل: "وكان". (¬2) قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 41 - 43) في معنى الأصول والفروع: "قال بعض المتكلمين: الأصول معرفة الباري تعالى بوحدانيته وصفاته، ومعرفة الرسل بآياتهم وبيناتهم. وبالجملة: كل مسألة يتعين الحق فيها بين المتخاصمين فهي من الأصول. ومن المعلوم أن الدين إذا كان منقسماً إلى معرفة وطاعة، والمعرفة أصل والطاعة فرع، فمن تكلم في المعرفة والتوحيد كان أصولياً، ومن تكلم في الطاعة والشريعة كان فروعياً. فالأصول هو موضوع علم الكلام، والفروع هو موضوع علم الفقه. وقال بعض العقلاء: كل ما هو معقول ويتوصل إليه بالنظر والإستدلال فهو من الأصول، وكل ما هو مظنون ويتوصل إليه بالقياس والإجتهاد فهو من الفروع". والمسائل التي تكلم فيها أهل الأصول - من المعتزلة- واختلفوا فيها مع أهل السنة هي: التوحيد والعدل والوعد والوعيد والسمع والعقل (انظر بيان ذلك في الشهرستاني، الملل والنحل، الموضع المشار إليه فيما تقدم). (¬3) قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 206 - 207): "ثم المجتهدون من أئمة الأمة محصورون في صنفين لا يعدوان إلى ثالث: أصحاب الحديث وأصحاب الرأي. أصحاب الحديث وهم أهل الحجاز: هم أصحاب مالك بن أنس وأصحاب محمد بن إدريس الشافعي وأصحاب سفيان الثوري وأصحاب أحمد بن حنبل وأصحاب داود بن علي بن محمد الأصفهاني. وإنما سموا أصحاب الحديث لأن عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص ولا يرجعون إلى القياس الجلي والخفي ما وجدوا خبراً أو أثراً. وقد قال الشافعي: إذا وجدتم لي مذهباً ووجدتم خبراً على خلاف مذهبي فاعلموا أن مذهبي ذلك الخبر ... أصحاب الرأي وهم أهل العراق: هم أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت ... وإنما سموا أصحاب الرأي لأن أكثر عنايتهم بتحصيل وجه القياس والمعنى المستنبط من الأحكام، وبناء الحوادث عليها وربما يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار، وقد قال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ولنا ما رأينا ... تفرقة وتذكرة: اعلم أن بين الفريقين اختلافات كثيرة في الفروع، ولهم فيها تصانيف وعليها مناظرات وقد بلغت النهاية في مناهج الظنون حتى كأنهم أشرفوا عل القطع واليقين .. إلخ" وانظر: أحمد أمين، فجر الإسلام، الطبعة السابعة، ص 235 وما بعدها. ومصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 205 وما بعدها. (¬4) كذا في: ب. وفي الأصل "والتحامي". وتجافى عنه نبا أو تباعد عنه. وتجافاه تجنبه (انظر المعجم الوسيط).

وتصانيفِ أصحابنا رحمهم الله في هذا النوع قسمان: قسم وقع في غاية الإحكام والإتقان، لصدوره (¬1) ممن جمع الفروع والأصول، وتبحر في علوم (¬2) المشروع والمعقول، مثل الكتاب الموسوم بـ "مآخذ الشرائع" والموسوم بكتاب "الجدل" للشيخ الإمام الزاهد رئيس أهل السنة: أبي منصور المتريدي السمرقندي (¬3) رحمه الله" ونحوهما من تصنيف أستاذيه وأصحابه رحمهم الله (¬4). وقسم وقع في نهاية التحقيق والمعاني، وحسن الترتيب والمباني، لصدوره ممن تصدى لاستخراج الفروع من ظواهر المسموع. غير أنهم لما لم يتمهروا (¬5) في دقائق الأصول. في قضايا العقول أفضى رأيهم إلى رأي المخالفين في بعض الفصول. ثم هجر القسم الأول: إما لتوحش (¬6) الألفاظ والمعاني، وإما لقصور الهمم والتواني. واشتهر القسم الآخر (¬7)، لميل الفقهاء إلى الفقه المحض، وإن وقع في البعض شوب (¬8) المخالفة والنقض. وكلا أن يكون ذلك منهم عن قصد واعتقاد، فظن (¬9) السوء في أمثالهم إثم وعناد - لكن إصابة (¬10) التفريع بدون إحكام الأصل، والأمن عن الزلل، خارج عن العقل. ¬

_ (¬1) في ب: "بصدوره". (¬2) في ب: "في علم". (¬3) راجع ترجمته في الهامش 5 ص ط من المقدمة. (¬4) تخرج أبو منصور الماتريدي بأبي نصر العياضي، وتفقة على أبي بكر أحمد الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن الشيباني (الفوائد 195. والجواهر، 2: 130 - 131). (¬5) في ب: "يمهروا" وكلاهما صحيح. يقال مهر فيه وتمهر فيه حذق فيه (المعجم الوسيط). (¬6) الوحش، بالحاء المهملة، حيوان البر. وبلد وحش قفر. وكل شيء يستوحش عن الناس فهو وحش. ووخش بالخاء المعجمة الرديء من كل شيء ورذال الناس وسقاطهم (القاموس والمصباح). انظر فيما بعد الهامش اص 22. (¬7) في ب: "الأخير". (¬8) في ب: "ثبوت". والثوب ما اختلط بغيره من الأشياء وبخاصة السوائل (المعجم الوسيط). (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "وظن". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل: "إجابة".

ولم يقدم من المتأخرين ممن جبل على الذكاء والفهم، وتبحر في النوعين من العلم، على تصنيف في هذا الباب لرفع (¬1) هذا الخلل والإضطراب، لأعذار عندهم صحيحة ولموانع (¬2) كثيرة، والتوفيق عزيز، والله تعالى (¬3) يؤتي ملكه من يشاء. وليس من الشفقة والنصيحة إهمال هذا الأمر، وما للقادر عليه في الإمهال عذر - فرأيت الإقدام على إتمام هذا المرام حقاً واجباً، وفرضاً لازماً، على نفسي، بقدر الوسع والطاقة، مع القصور في البضاعة، فأسرعت في الإقدام، خوفاً من الإثم في الإعراض والإغماض (¬4)، مع الإمكان، وإشفاقاً عن زوال نعم الله تعالى علي، بالكفران، مع ما أرجو من الله تعالى بذلك: ثواباً دائماً، وذكراً وشرفاً، إلى قيام الساعة قائماً. ولما صممت على (¬5) هذا العزم، رأيت (¬6) من الشفقة على هذه الطبقة أن أكتب جملا من الفصول، في هذا النوع من الأصول، وأذكر في كل فصل منها (¬7) مذاهب أهل السنة والجماعة، وعقائد أهل البدع والضلالة، ليكونوا على بصيرة من المذهب الصحيح، فلا يقعوا (¬8) في شيء من المعتقد القبيح، إذ الفقيه المحض لا يقف على ذلك بخاطره، فربما (¬9) يتشبث بالمذهب القبيح بحسن ظاهره، وتكون هذه الفصول إلى ¬

_ (¬1) في ب: "لدفع". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "والموانع". (¬3) "تعالى" من ب. (¬4) أغمضت العين إغماضاً وغمضتها تغميضاً أطبقت الأجفان. ومنه قيل: أغمضت عنه إذا تجاوزت. وغمض الكلام: أبهمه. والغامض من الكلام خلاف الواضح (القاموس والمصباح). (¬5) صمم في كذا أو عليه مضى في رأيه ثابت العزم (المعجم الوسيط). (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "ورأيت". (¬7) "منها" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "فلا يقع". (¬9) في ب: "وإنما".

محض الحق هادية، وإلى رفض الهوى والبدع (¬1) داعية، ثم (¬2) من علت همته يتتبع (¬3) ما لأهل الحق من الدلائل، وما للخصوم من الشبه في المسائل - مع أني أشير في كل مسألة إلى دلائل يعتمد عليها، وعند التحقيق مال الكلام إليها، وسميت هذا الكتاب: "ميزان الأصول في نتائج العقول" ليزن العاقل قضايا العقول (¬4) بهذا الميزان، حتى يظهر له الحق مثل العيان، فيعتقد الحق الصريح، ويرد الباطل المليح (¬5)، وأطمع منه أن يذكرني بصالح الدعاء (¬6)، قضاء لحق الإخاء، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب (¬7). * * * ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "البدعة". (¬2) "ثم" ليست في ب. (¬3) في ب: "يتبع". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "العقل". (¬5) ملح الماء صار ملحاً وهو مليح أيضاً. وملح الشيء ملاحة بهج وحسن منظره فهو مليح (المعجم الوسيط). (¬6) في ب: "دعائه". (¬7) تذكرنا هذه المعاني والألفاظ بما قاله المؤلف نفسه في مقدمة كتابه "تحفة الفقهاء" وفيما يلي ما قاله في هذا الصدد (1: 1 - 2): " اعلم أن المختصر المنسوب إلى الشيخ أبي الحسين القدوري رحمه الله جامع جملا من الفقه مستعملة، بحيث لا تراها مدى الدهر مهملة. يهدى بها الرائض في أكثر الحوادث والنوازل، ويرتقي بها المرتاض إلى أعلى المراقي والمنازل. ولما عمت رغبة الفقهاء إلى هذا الكتاب، طلب مني بعضهم، من الإخوان والأصحاب، اْن أذكر فيه بعض ما ترك المصنف من أقسام المسائل، وأوضح المشكلات منه، بقوي من الدلائل، ليكون ذريعة إلى تضعيف الفائدة، بالتقسيم والتفصيل، ووسيلة بذكر الدليل، إلى تخريج ذوي التحصيل، فأسرعت في الإسعاف والإجابة، رجاء التوفيق من الله تعالى، في الإتمام والإصابة، وطمعاً من فضله في العفو والغفران والإنابة، فهو الموفق للصواب والسداد، والهادي إلى سبل الرشاد، وسميته "تحفة الفقهاء" إذ هي هديتي لهم، لحق الصحبة والإخاء، عند رجوعهم إلى موطن الآباء. فليقبل هديتي هذه من شاء كسب العز والبهاء، وليذكرني بصالح الدعاء في الحياة والممات، فهو غرضي ونيتي. والأعمال بالنيات، وقابل الأعمال عالم بالخفيات، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".

ثم لما شرعت في الشرح والبيان، على وجه الإحكام والإتقان، ولم أملك عنان القلم في فيض (¬1) ما فوض (¬2) من الكلم، وكرهت أيضاً أن يفوتني ما يظهر من الحكم، فقيدتها بالكتابة والرقم - التفت الكتاب إلى التطويل والإطناب، فملت إلى ما هو المتوسط في الباب: لا (¬3) القصير المقصر، ولا الطويل المنفر. ثم خطر ببالي أن ذا مما يمل به بعض الطلاب، وإن كان يراه البعض من أصوب (¬4) الصواب، إذ الطلبة بين ريض مبتدئ، وبين مرتاض منته، والمبتدئ إلى الإختصار أميل، لأن حفظه وضبطه أسهل، والمنتهي يميل إلى الإطناب والإكثار، ليختار برأيه ما هو المختار- رأيت الأصوب في أن أتمم (¬5) المتوسط الذي كنت فيه شارعاً، وأحذف الزوائد (¬6) عنه، فيكون مختصراً جامعاً، ويتم الأمران على الصحبة والقرآن، إذ الشروع (¬7) في قصد التقرب ملزم، والإعراض عن الخير أشام. ولما كان الكتابان متحدين من حيث الغرض، وإن تصورا مختلفين من حيث العرض (¬8)، جعلت مقدمتهما واسمهما واحداً، وإن كان أحدهما في الطول والعرض زائداً، بل ازدادت كل مقدمة "المختصر" لما (¬9) مهدت فيه من العذر المعتبر. ¬

_ (¬1) و (¬2) في ب: "في قبض". والفيض الكثير الغزير. وفاض الماء فيضاً وفيوضاً وفيضاناً كثر حتى سال. وفوض إليه الأمر رده إليه (المعجم الوسيط، والقاموس). (¬3) "لا" ليست في ب. (¬4) في ب: "من أصول الصواب". (¬5) في ب: "رأيت من الأصوب أن أتمم". (¬6) في ب كذا: "وأعيد الرواية". (¬7) في ب: "الشرع". (¬8) في ب: "الغرض". (¬9) في ب: "بما". و "المختصر" هو هذا.

فمن شاء (¬1) اقتصر على هذا "المختصر" فهو الكفاية لذوي العناية، والهداية إلى ما هو النهاية. ومن شاء (¬2) تجاوز عن (المختصر) واختار "المبسوط" (¬3): فهو الدرجة القصوى، والأمد الأقصى، في طلب الفضل والعلى، إذ هو الجامع للرواية والدراية، على أصول أهل السنة، المنزه عن شوب الهوى والبدعة، المشتمل على شبهات (¬4) الخصوم، وحلها، على وجه يرتضيه كل منصف عاقل، وتقر به عين كل فاضل، وهو في قلوب المبتدعة سهم قاتل. وفقنا الله تعالى على إتمامهما على وجه الإتقان، في أسرع الزمان، فهو الموفق والمستعان. و (¬5) حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير. * * * إذا عرفنا هذه المقدمة جئنا إلى الكتاب وهو "المختصر". * * * ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "ثم من شاء". (¬2) "شاء" ليست في ب. (¬3) في ب: "المتوسط". (¬4) كذا في ب، وفي الأصل: "شدهات" وقد تقدم في الصفحة قبل السابقة: "وما للخصوم من الشبه في المسائل". (¬5) الواو من ب.

تعريف العلم وأنواعه

اعلم أن (¬1) العلم المحدث نوعان: ضروري، واستدلالي: فالضروري ما حصل في العالم بإحداث الله تعالى وتخليقه، من غير أن يكون للعالم فيه فعل الكسب والإختيار ولا (¬2) قدرة التحصيل والترك. والإستدلالي ما حصل في العالم بإحداث الله تعالى وتخليقه (¬3)، وللعالم فيه فعل الكسب والإختيار وقدرة التحصيل أو (¬4) الترك. نظيره: الفعل المحدث وينقسم (¬5) إلى نوعين: ضروري وإختياري: فالضروري ما حصل (¬6) في الذات القائم به، بإحداث الله تعالى وتخليقه، من غير أن يكون للذات فيه فعل الكسب والإختيار، ولا قدرة التحصيل والترك، نحو حركة المرتعش وسكون اليد الشلاء وغيرهما. والفعل الإختياري ما حصل في الذات القائم به، بإحداث الله تعالى وتخليقه أيضاً، لكن للذات فيه فعل الكسب والإختيار، وله (¬7) قدرة التحصيل أو (¬8) الترك، كالذهاب والمجيء والقيام والقعود. * * * ثم العلم الضروري أنواع ثلاثة: - العلم الحاصل بالحواس الخمس. - والعلم الحاصل بالأخبار المتواترة، نحو العلم بالبلدان النائية والملوك الماضية. ¬

_ (¬1) كذا في ب وفي الأصل "بأن". (¬2) "لا" ليست في ب فقيها: "وقدرة". (¬3) "وتخليقه" من ب. (¬4) في ب: "و". (¬5) في ب: "نظيره للفعل المحدث: فإنه ينقسم". (¬6) في ب: "ما يحصل". (¬7) "له" من ب. (¬8) في ب: "و".

- والعلم الحاصل ببدائه العقول، من غير تأمل ونظر (¬1) في الأصول، كعلم الإنسان بوجود نفسه، وما يحدث فيه من الألم واللذة، وأن كل الشيء أكبر وأعظم (¬2) من جزئه، ونحو ذلك. وأما العلم الإستدلالي فنوعان: عقلي وسمعي: - فالعقلي ما يعرف بمجرد العقل، بالتأمل والنظر في المحسوسات والبدائه (¬3)، من غير واسطة الدليل السمعي، كالعلم بحدوث (¬4) العالم وثبوت الصانع وقدمه وتوحيده، ونحو ذلك. - والسمعي ما يعرف بالنظر العقلي في المسموعات، ولا يعرف بالعقل وحده بدون واسطة (¬5) السمع، كالعلم بالحلال والحرام، وسائر ما شرع الله تعالى من الأحكام. فالعلم العقلي يوجب العلم (¬6) قطعاً ويقيناً (¬7)، وهو يسمى "علم الكلام" و "علم التوحيد" و "علم أصول الدين" في عرف لسان الفقهاء والمتكلمين. وأما العلم السمعي فنوعان: أحدهما - ثابت بطريق القطع واليقين، وهو ما ثبت بالنص المفسر (¬8) من الكتاب، والخبر المتواتر والمشهور (¬9)، والإجماع (¬10). ¬

_ (¬1) في ب: "من غير نظر وتأمل". (¬2) في ب: "وأن الشيء أعظم". (¬3) "في المحسوسات والبدائه" ليست في ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "بحدث". (¬5) في ب: "إلا بواسطة". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل "الحكم". (¬7) "ويقيناً" ليست في ب. (¬8) "المفسر" ليست في ب. وانظر فيما بعد ص 351 وما بعدها. (¬9) انظر في - حكم المشهور: هل يوجب علم طمأنينة أو علماً يقينياً - 428 - 430 (¬10) سيأتي بيان كل هذه الألفاظ. انظر فيما بعد ص 356 وما بعدها و 422 وما بعدها و 428 وما بعدها. 489 وما بعدها.

والثاني - ثابت بطريق الظاهر، بناء على غالب الرأي وأكبر الظن. وهو ما ثبت بظواهر الكتاب والسنة المتواترة (¬1)، وما ثبت بخبر الواحد، والقياس الشرعي (¬2). وهذا النوع بقسميه يسمى "علم الشرائع والأحكام" ويسمى "علم الفقه" في عرف الفقهاء وأهل الكلام، وإن كان اسم الفقه لغة وحقيقة لا إختصاص له بهذا النوع من العلم، بل هو اسم للوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به علم (¬3) يحتاج فيه (¬4) إلى النظر والإستدلال مطلقاً، كعلم النحو واللغة والطب وغيرها (¬5) - يقال "فلان فقيه في النحو والطب واللغة" (¬6) إذا كان قادراً على الإستنباط والإستخراج في ذلك (¬7). وكذا الدلائل السمعية (¬8) التي تعاق بها هذا العلم يسمى "أصول الفقه" في عرف الشرع. وكذا الكتاب الذي يذكر فيه تقسيم هذه الأحكام ووجوه (¬9) تعلقها بهذه الأصول وكيفية إستخراج المعاني المسماة بالفقه من الأصول - يسمى "أصول الفقه" في عرف الفقهاء. ¬

_ (¬1) أي وبظواهر السنة المتواترة. (¬2) انظر فيما بعد: ص 448 وما بعدها وص 551 وما بعدها. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل "الذي تعلق به حكم". (¬4) "فيه" ليست في ب. (¬5) في ب: "وغيرهما". (¬6) "واللغة" من ب. (¬7) في القاموس والمصباح: الفقه بالكسر العلم بالشيء والفهم له والفطنة. وقال ابن فارس: وكل علم لشيء فهو فقه ولكنه غلب على علم الدين لشرفه. فالفقه على لسان حملة الشرع علم خاص. (¬8) راجع ما تقدم عن العلم الإستدلالي السمعي (ص 9 - 10) (¬9) في ب: "وجوه".

منهج الكتاب

وإذا كان عرف أهل اللسان، وعرف الشرع، في إطلاق هذا الإسم ما ذكرنا - تركنا (¬1) بيان معنى "الفقه" و "الأصل" من حيث اللغة والحقيقة، تمسكاً بالعرف، إذ هو القاضي على الوضع، وجعلنا الكتاب المسمى بـ "أصول الفقه" في العرف على فصلين: "فصل في بيان الأحكام" المسماة بالفقه. "وفصل في بيان ما يعرف به الأحكام". وبدأنا بفصل "الأحكام" ثم بفصل "الدلائل" فيتم الكتاب بذكر الفصلين (¬2) بتوفيق الله تعالى وعونه (¬3). ¬

_ (¬1) "تركنا" ليست في ب. (¬2) "بذكر الفصلين" من ب. انظر ص 13 وما بعدها. وص 67 وما بعدها. (¬3) "وعونه" ليست في ب.

الفصل الأول في بيان الأحكام

فصل في بيان الأحكام (¬1) ¬

_ (¬1) الفصل الثاني ص 67 وما بعدها.

الفصل الأول تفسير الحكم

الكلام في هذا الفصل في موضعين في الأصل. أحدهما - في تفسير الحكم. والثاني - في بيان أنواعه. وكل قسم من هذين القسمين ينقسم إلى البيان: * من حيث وضع اللغة. * ومن حيث عرف الشرع. * ومن حيث الحد والحقيقة: عند الفقهاء، والمتكلمين. أما الأول وهو تفسير الحكم أما من حيث اللغة: فيستعمل في مواضع: - يذكر ويراد (¬1) به المنع والصرف - يقال: حكمت الرجل عن رأيه، وأحكمته، وحكمته- أي (¬2) منعته وصرفته عن رأيه. ومنه يقال: حكمت الفرس وأحكمته إذا جعلـ[ـت] له حكمة (¬3) تمنعه عن ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "فيراد". (¬2) في ب: "إذا". (¬3) حكمة اللجام الحديدة المانعة للدابة عن الخروج (انظر القاموس، والمعجم الوسيط).

الجموح والعدو وتصرفه عن المشي طبعاً. ومنه سمي (¬1) الرجل حكيماً لأنه يمنع نفسه ويردها ويصرفها (¬2) عن هواها. - ويذكر ويراد به الإحكام والإتقان. ومنه قوله تعالى: "ألر كتاب أحكمت آياته" (¬3). ومنه "الحكيم" من أسماء الله تعالى - فعيل بمعنى مفعل أي محكم للعالم الدال على قدرته وعلمه؛ لكونه محكماً متقناً. - ويذكر ويراد به الحكمة، وهو وضع الشيء في موضعه. وفي الحديث: "وإن من الشعر لحكماً" أي من أنواع الشعر ما هو حكمة. وأمَّا من حيث عرف الشرع: [فـ] يستعمل (¬4) على وضع اللغة في الوجوه الثلاثة: - فإن الله تعالى شرع الأحكام داعية إلى مصالح العباد، ومانعة عن أنواع العبث (¬5) والفساد. - وكذا شرعت مبنية على الحكمة (¬6) البالغة والمعاني المستحسنة. - وكذا هي محكمة متقنة، بحيث لو تأملها العاقل حق التأمل لعرف أنها مما ينبغي أن يكون كذلك. ¬

_ (¬1) في ب: "يسمى". (¬2) "ويصرفها" من ب. (¬3) هود: 1. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "مستعمل". (¬5) في ب: "العيب". (¬6) في ب: "الحكم".

وأما بيان حده وحقيقته عند الفقهاء والمتكلمين: فقال أصحابنا رحمهم الله بأن حكم الله تعالى صفة أزلية (¬1) له: هو (¬2) فعله، وكون الفعل الحادث واجباً وحسناً وحراماً وقبيحاً محكوم الله تعالى (¬3) يثبت بحكمه، وهو إيجاده الفعل الحادث (¬4) على هذا الوصف، وهو بناء على مسألة التكوين والمكون، فإن التكوين والإيجاد والإحداث والتخليق عبارات (¬5) عن صفة أزلية لله تعالى وهو فعله حقيقة، والمكون مفعوله وحادث بإحداثه الأزلي لوقت وجوده- ولهذا قلنا: إن الله تعالى خالق لم يزل، ولله تعالى فعل واحد لكن تختلف تسمياته باعتبار الإضافة إلى وصف المفعول، فإن كان وصف المفعول كونه حادثاً يسمى فعله "إحداثاً" وإن كان أثره الوجوب يسمى "إيجاباً"، وإن كان أثره الحرمة يسمى "تحريماً"- وهذا لأن خالق الحوادث كلها هو الله تعالى لا خالق سواه ولا صانع غيره، سواء كان الحادث جسماً أو جوهراً أو عرضاً حقيقياً أو حكمياً من الحسن والقبح والحرمة وغيرها. لكن في عرف الفقهاء وأهل الكلام يسمى كون الفعل واجبًا أو مندوباً أو حسناً أو قبيحاً أو محرماً، حكم (¬6) الله تعالى، لكن (¬7) المراد به محكومه عندنا بطريق المجاز، إطلاقاً لاسم الفعل على المفعول. ثم (¬8) المحكوم: كونه حسناً وواجباً، أو (¬9) الوجوب والحسن ونحو ذلك، لا نفس الفعل الذي اتصف بها، لأن نفس الفعل حصل ¬

_ (¬1) الأزل القدم. قال الجرجاني في تعريفاته: الأزل استمرار الوجود في أزمنة ممقدرة غير متناهية في جانب الماضي. كما أن الأبد استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل. (وانظر المعجم الوسيط). (¬2) في ب: "وهي". (¬3) "تعالى" من ب. (¬4) "الحادث" من ب. (¬5) في ب: "عبارة". (¬6) في ب: "أو قبيحاً ونحوها حكم". (¬7) في ب: "والمراد". (¬8) في ب: "و". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "و".

باختيار العبد وقدرته الحادثة، وإن كان الخالق له هو الله تعالى (¬1). ومحكوم الشرع ما يثبت (¬2) بإثبات الشرع، جبراً، شاء العبد أو أبي. هذا هو بيان مذهبنا. فأمَّا على أصل المعتزلة والأشعرية وأكثر المتكلمين: [فـ] التكوين عين المكون، فيكون الإيجاب عين الواجب، والحكم عين المحكوم، والتحسين عين الحسن، والتحريم عين الحرمة - فيكون إطلاق اسم الحكم على المحكوم عندهم بطريق الحقيقة. وقال بعض المتكلمين: إن الحكم هو كون الفعل على وصف حكمي، بأن كان موصوفاً بكونه واجبًا ومندوباً وحسناً ومحرماً، لا نفس الفعل، فإن كون الصَّلاة فرضاً، وكون التصدق بالمال حسنًا (¬3)، وكون الزنا (¬4) حراماً - حكم شرعي، لا نفس هذه الأفعال (¬5)، لما ذكرنا أن حكم الله تعالى ما يثبت جبراً، شئنا أو أبينا، والعبد مختار في أفعاله. وهذا الحد صحيح إن أراد بالحكم المحكوم مجازاً. وإن أراد به، نفس الحكم حقيقة فيكون الحد (¬6) على رأي من قال إن (¬7) التكوين عين المكون. ¬

_ (¬1) "تعالى" من ب. (¬2) في ب: "ما ثبت". (¬3) "ومحرماً لا نفس الفعل ... بالمال حسناً" ليست في ب. (¬4) في ب: "الربا". (¬5) "الأفعال" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "التحديد". (¬7) "إن" ليست في ب.

وقال (¬1) بعض (¬2) المعتزلة: إن حكم الله تعالى هو إعلامه إيانا بكون (¬3) الفعل واجبًا ومندوباً ومباحاً وحراماً ونحوها؛ وهو إيجابه وتحريمه وإباحته. وإنما قالوا إن الحكم هو إعلام الله تعالى إيانا بذلك، لا إحداثه (¬4) وإيجاده وصف الحسن والقبح والوجوب والحرمة في الفعل، وإن كان عندهم الإحداث والحادث واحداً، [لأنهم] (¬5) يقولون إن حدوث الحوادث بإرادة الله تعالى الحادثة، وكونه قادراً - لكن الداخل تحت الإرادة وكونه قادراً، هو نفس المحدث من الأجسام والجواهر والأعراض، فأمَّا الأوصاف التابعة للحدوث من كونه جسماً وجوهراً وسواداً وحموضة وحلاوة، وكون الفعل قبيحاً وحسناً لم يدخل تحت الإرادة وكونه قادرًا، ولم يتعلق وجوده بالفاعل، فلا يمكنهم إضافة ذلك إلى الإرادة الحادثة وكونه قادراً. وقال بعض أصحاب الحديث من الأشعرية: الحكم هو الخبر عن المحكوم على ما هو عليه في ذاته إذا كان صدقاً، أي الحكم الحق الصواب. فأمَّا الحكم الباطل فهو الخبر عن المحكوم على خلاف ما هو (¬6) عليه في ذاته، لأنه كذب. وقالوا (¬7): حكم الله تعالى هو خبره (¬8) عن المحكوم على ما هو عليه في ذاته، لأن خبره صدق لا محالة. ¬

_ (¬1) كذا في ب وفي الأصل: "فقال". (¬2) "بعض" ليست في ب. (¬3) في ب: "كون". (¬4) في ب: "لإحداثه". (¬5) في الأصل و (ب): "لكنهم". ويظهر لنا أن العبارة الصحيحة ما أثبتناه في المتن لتكون جواباً لقوله قبيل ذلك: "وإنما قالوا إن الحكم هو إعلام الله تعالى إيانا بذلك ... " (¬6) "هو" من ب. (¬7) في ب: "وقال". (¬8) في ب: "خبر".

وقال بعض الأشعرية أيضاً: إن حكم الله تعالى ما استحقه المحكوم مما عليه من الوصف الذي أخبر الله تعالى عنه (¬1) بذلك. وهذا حد صحيح عندهم، لأن الأوصاف التابعة للحدوث، عندهم، حادثة بإحداث الله تعالى في الجواهر والأجسام والأعراض والأفعال الاختيارية من العباد بمنزلة أعيان الحوادث، لأن كل ذلك بتكوين الله تعالى وإحداثه، وإن كان التكوين عين (¬2) المكون، ولكن حدوث الحوادث كلها تعلق بقدرة الله تعالى أو بخطاب "كن"، فيكون الحكم والمحكوم هو كون الفعل على ما هو (¬3) عليه من الوصف حقيقة. لكن إنما تعلقوا (¬4) بالأخبار، لأن الأحكام الشرعية التي ذكرنا (¬5) لا تعرف عندهم إلا بخبر الله تعالى، لا بالعقل، فحسن الأشياء عندهم يعرف بالشرع لا بالعقل، وإنما ذكر المعتزلة لفظ (¬6) الإعلام (¬7) دون الخبر حتى يدخل تحته العقل، لأن به عندهم يعرف كثير من المحاسن والمقابح من الأحكام الشرعيّة على ما يعرف في أصول الكلام، ونذكر شيئاً من ذلك ههنا في موضع آخر إن شاء الله تعالى. وقال عامة الأشعرية: إن حكم الله تعالى هو خطابه الذي تعلق بأفعال المكلفين، وهو أمره ونهية، إيجاباً (¬8) وندباً وتحريماً وكراهة، وخبره أيضاً بالحل والحرمة، وسائر الأحكام الشرعية (¬9). فالواجب ما هو مأمور به حتماً، والمندوب ¬

_ (¬1) "عنه" ليست في ب. (¬2) لعل الصححيح: "غير". (¬3) "هو" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "علقوا". (¬5) في ب: "التي ذكر". (¬6) في ب: "لفظة". (¬7) راجع ما تقدم في الصفحة السابقة. (¬8) في ب: "أمره نهياً وإيجاباً". (¬9) "الشرعية" من ب.

ما هو مأمور به ندباً، والمباح ما يقال فيه للمكلف "إن شئت افعل وإن شئت لا تفعل"، والحرام ما يجب الامتناع عنه. والمكروه ما يندب إلى الامتناع عنه. وهذا الحد ليس بصحيح عندهم على ما نذكر. ولكن الحد الصحيح عندهم ما ذكرنا من القولين عنهم، فإن الفعل موصوف بكونه حسنًا حقيقة عندهم، فإن صفات الأفعال الراجعة إليها حادثة بإحداث الله تعالى، فيكون خالق الفعل بوصف الحسن هو الله تعالى، لكن (¬1) الأمر دليل الحسن، والنهي دليل القبح. وكذا الخبر عنهما دليل عليهما - لا أنه يثبت الحسن والقبح بالأمر والنهي والخبر. فإن قيل: فيما ذكرتم إشكالان: أحدهما - أن الفعل عرض، وأنه صفة، والصفة لا تقوم بالصفة (¬2)، فكيف يصح قولكم (¬3) بأن الفعل موصوف بالحسن والقبح والوجوب حقيقة؟ والثاني -أن الفعل قبل الوجود يوصف بكونه واجبًا وحسناً وحراماً- والمعدوم كيف يقبل الصفة حقيقة؟ [و] الجواب: عن [الإشكال] الأول- إن (¬4) هذا إشكال على الكل، فإنه لا شك في كون الإيمان حسنًا، وكون الكفر قبيحاً، وكون الزنا حراماً، ¬

_ (¬1) في ب: "ولكن". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "لا تقوم به الصفة". (¬3) في ب: "قولهم". (¬4) "إن" من ب.

وكون صلاة الظهر فرضاً. فإما أن يوصف بذلك مجازاً أو حقيقة. والقول يكون الإيمان حسنًا والكفر قبيحاً بطريق المجاز، وحش (¬1) من القول يرده العقل والشرع. ولأن علامة الحقيقة ما لا يجوز نفيها (¬2) عن الموصوف بحال، والمجاز ما يجوز نفيه، ونفي الحسن عن الإيمان ونفي القبح عن الكفر، لا يجوز بحال. وإذا بطل الوصف بالمجاز ثبت أنه بطريق الحقيقة. ثم لتخريجه طرق ثلاثة: أحدها - أن تكون صفات الفعل راجعة إلى الذات، كالوجود مع الموجود، والحدوث مع الحادث، وكالعرض (¬3) الواحد الذي يوصف بأنه موجود ومحدث ومصنوع وعرض (¬4) وصفة ولون وسواد ودليل على ثبوت الصانع - فيكون هذه الصفات راجعة إلى الذات لا معاني زائدة عليها (¬5). والثاني - يوصف الفعل بأنه واجب، لدخوله تحت إيجاب الله تعالى. ويوصف بأنه مندوب لدخوله تحت ندبه. ويوصف بأنه حسن لدخوله تحت تحسين الله تعالى. ويوصف بكونه محرماً (¬6) لدخوله تحت تحريم الله تعالى، كما يوصف الفعل بأنه محدث وحادث لدخوله تحت إحداث الله تعالى، لا أنه محدث لحدوث قام به، لأن ذلك الحدوث محدث، فيحتاج إلى حدوث آخر فيؤدي إلى القول بمعان لا نهاية لها، وإنه باطل. ¬

_ (¬1) الوحش جمع وحشي. وهو مالا يستأنس من دواب البر وكل شيء يستوحش عن الناس. والوخش (بالخاء المعجمة) الرديء من كل شيء ورذال الناس وسقاطهم (القاموس والمصباح). وقد تقدم في الهامش 6 ص 3. (¬2) في ب: "نفيه". (¬3) في ب: "والعرض". (¬4) في ب: "ومحدث وعرض ومصنوع". (¬5) في ب: "عليه". (¬6) في ب: "حراماً".

والثالث - أن هذه صفات إضافية، وأسماء نسبية، والصفات الإضافية ليست بمعان قائمة بالذات، فيكون (¬1) الذات موصوفاً بها على الحقيقة. وإنما يقتضي وجود غير يكون علقة (¬2) بين الصفة والموصوف، والاسم والمسمى- كما في لفظ الأب والابن والأخ، فالذات موصوف بهذه الصفات، حقيقة لا مجازاً، وإن (¬3) لم يكن الأبوة والبنوة والأخوة معاني قائمة بالذات زائدة عليها. وقد ذكرنا على الاستقصاء في أصل هذا المختصر وفي كتب الكلام - وفي هذا القدر كفاية. وأما الإشكال الثاني- فسهل، لأنا نصف المعدوم بهذه الصفات على طريق المجاز، على الطريق الأول والثاني، لأن صفات الذات لا يتصور وجودها قبل وجود الذات، وكذا الإحداث لا يتعلق بالمعدوم إلا حالة الحدوث. وأمَّا على الطريق الثالث، وهو الإضافة، [فـ] يكون الوصف له بطريق الحقيقة، كوصف المعدوم بأنه معلوم ومذكور ومخبر عنه. والله أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "ويكون". (¬2) أي علاقة (القاموس والمصباح). وفي تعريفات الجرجاني: "العلاقة بكسر العين يستعمل في المحسوسات. وبالفتح في المعاني. وفي الصحاح: العلاقة بالكسر علاقة القوس والسوط ونحوهما. وبالفتح علاقة الخصومة والمحبة ونحوهما". (¬3) "وإن" من ب. (4) "و" من ب.

الفصل الثاني في بيان أنواع الأحكام

وأما الفصل الثاني في بيان أنواع الأحكام فنقول: أنواع الأحكام كثيرة، لكنا (¬1) نذكر المشهور منها، ونذكر تفسيرها: * من حيث وضع اللغة. * ومن حيث العرف. * وحدودها عند الفقهاء والمتكلمين. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "إن الأحكام أنواع كثيرة، ولكن".

[1] فمن جملتها كون الفعل: فرضا، وواجبا، و (*) مندوبا وسنة، ونفلا، وتطوعا

[1] فمن جملتها كون الفعل: فرضاً، وواجباً، و (*) مندوباً وسنة، ونفلاً، وتطوعاً أما الفرض: في اللغة-[فـ] يستعمل لمعنيين (¬1): أحدهما - التقدير، قال الله تعالى: "فنصف ما فرضتم" (¬2) أي قدرتم (¬3). ويقال: فرض القاضي النفقة أي قدرها (¬4). والثاني - القطع، يقال: فرضت (¬5) الفأرة الثوب أي قطعته. وأما في عرف الشرع - فمستعمل (¬6) على مقتضى اللغة: سميت الصَّلاة فرضاً وفريضة بمعنى مفروضة أي مقدرة من حيث الذات والزمان الخاص الذي تفعل فيه. وكذا كل فرض مقطوع عما يغايره من جنسه المشروع في عامة الأحكام. وأما الواجب: في اللغة-[فـ] يستعمل في شيئين: ¬

_ (*) الواو ليست في ب، ففيها: "وواجباً مندوباً". (¬1) في ب: "لموضعين". وكذا في المعجم الوسيط. (¬2) البقرة: 237. (¬3) "أي قدرتم" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "قدر". (¬5) في ب: "قرضت". (¬6) في ب: "أما .... فيستعمل".

- في الساقط (¬1)، يقال: وجب الميت أي سقط. ومنه سمي القتيل واجبًا - قال الله تعالى: "فإذا وجبت جنوبها" (¬2) أي سقطت. - ويستعمل في اللازم، يقال: وجب عليه الدين ووجب عليه الصوم والصلاة أي لزم المكلف أداؤه بحيث لا يخرج عن عهدته إلا بأدائه (¬3)، كأنه لازمه وجاوره. وقيل: مأخوذ من الوجبة، وهي (¬4) الاضطراب، سمي به لاضطراب في (¬5) دليل ثبوته (¬6). وأما في عرف الشرع - فمقرر على وضع اللغة، فإن الواجب يلازم الذي عليه بحيث لا يخرج عن عهدته إلا بإسقاطه عن نفسه، ويكون كالساقط عليه، فيحتاج إلى تفريغ (¬7) نفسه عنه. وأما المندوب إليه: في اللغة-[فـ] هو المدعو إليه. فإن الندب فب اللغة (¬8) هو الدعاء- يقال: ندبته إلى كذا فانتدب؛ أي دعوته فأجاب. ولهذا يسمى هذا النوع من الأمر أمراً طريق الأدب، لأن (¬9) الأدب في اللغة هو الدعاء أيضاً، ومنه سميت المائدة الموضوعة للدعوة مأدبة. ¬

_ (¬1) في ب: "أحدهما: الساقط". (¬2) الحج: 36. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "أداؤه، لا يخرج عن عهدته دونه". (¬4) في ب: "وهو". (¬5) في ب: "يسمى بذلك لاضطراب دليل". (¬6) قال الجرجاني في تعريفاته: " وهو (الواجب) في عرف الفقهاء عبارة عما ثبت وجوبه بدليل فيه شبهة العدم كخبر الواحد". وسيأتي تعريف الواجب فيما بعد (ص 28 وما بعدها). (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "تفريغه". (¬8) "في اللغة" من ب. (¬9) في ب: "إذ".

وأما في عرف الشرع -[فـ] اسم لفعل مدعو إليه (¬1) على طريق الاستحباب والترغيب، دون الحتم والإيجاب (¬2). فأما المدعو إليه على طر يق (¬3) الحتم والإيجاب (¬4) [فـ] يسمى فرضاً وواجباً. وأما السنة: في اللغة -[فـ] عبارة عن مطلق الطريق، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة (¬5)، ومن سن سنة سيئة فعليه (¬6) وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" أي من وضع طريقة حسنة أو سيئة. وقد يذكر في اللغة (¬7) ويراد بها السيرة المطلقة، حسنة كانت أو سيئة - يقال: لفلان سنة حسنة مرضية. ولفلان سنة سيئة مذمومة (¬8) - أي سيرة حسنة وسيرة سيئة (¬9). قال الهذلي شعراً: فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ... فأول راض سنة من يسيرها. وأما في عرف الشرع -[فـ] مستعملة في هذين المعنيين، تقريراً للوضع اللغوي، لكن في الخير لا في الشر. فالسنة، في عرف الشرع، هي الطريقة المسلوكة في الدين. يقال: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنة الخلفاء ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "لفعل مندوب إليه". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "دون الإيجاب". (¬3) في ب: "بطريق". (¬4) "والإيجاب" من ب. (¬5) "إلى يوم القيامة" ليست في ب. (¬6) في ب: "فله". (¬7) "في اللغة" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "مذمومة سيئة". (¬9) في ب: "وسيرة مذمومة".

الراشدين رضي الله عنهم، وسنة الصالحين - أي طريقتهم المرضية وسيرتهم المحمودة. وأما النفل: في اللغة -[فـ] عبارة عن الزيادة. ولهذا سمي ولد الولد "نافلة"، لكونه زيادة على الولد الصلبي. وسميت الغنيمة (¬1) "نفلا" لأنها زيادة على ما وضع له الجهاد من الثواب في الدار (¬2) الآخرة. وأما في عرف الشرع-[فـ] اسم لما هو زيادة على الفرائض والواجبات على تقرير الوضع اللغوي. وأما التطوع: في اللغة -[فـ] اسم لكل خير يباشره المرء عن طوع واختيار (¬3) من غير إيجاب موجب. تفعل من الطوع والطواعية والطاعة. وأما في عرف الشرع - فمستعمل على مقتضى اللغة، قال الله تعالى: "ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم" (¬4). وأما حدود هذه الألفاظ عند الفقهاء والمتكلمين: أما حد الفرض في عرف الفقهاء: [فـ] ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به. وحد الواجب: ما ثبت لزومه بدليل فيه شبهة العلم. ¬

_ (¬1) في ب: "الغنائم". (¬2) "الدار" من ب. (¬3) "واختيار" من ب. (¬4) البقرة: 158.

نظير الأول - الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، وصوم رمضان، والحج، ونحوها (¬1). ونظير الثاني - ما ثبت وجوبه بالقياس وخبر الواحد، نحو الوتر وصدقة الفطر والأضحية ونحوها. وأنكر أصحاب الحديث ما ذكرنا، وقالوا: لا نعرف إلا الواجب والسنة، فالفرض والواجب (¬2) سواء. وقلنا نحن (¬3): هما قسمان حقيقة، لأن الفعل الذي يجب تحصيله على وجه لا شبهة في وجوبه و (¬4) لزومه ويجب أن يعتقد كونه فرضاً (¬5) عليه، يخالف الفعل (¬6) الذي يجب العمل به مع الاحتمال والشبهة دون الاعتقاد بكونه واجباً قطعًا إلا ظاهراً. ولهذا يكفر جاحد القسم الأول دون الثاني. وإذا كانا مختلفين في الأحكام فلابد من الاختلاف في الاسم (¬7) للتمييز بينهما، فسمينا القسم الأول فرضاً وبقينا اسم الجنس على الثاني، والخلاف وين الفقهاء لا (¬8) يجري في الأسماء (¬9) وإنما يجري في الأحكام على مراتب الحقائق. ثم تكلم الفقهاء والمتكلمون في حد الفرض حقيقة وحد الواجب القطعي: قال بعضهم: ما يعاقب المكلف على تركه ويثاب على تحصيله. وهذا ليس بصحيح: ¬

_ (¬1) في ب: "ونحو ذلك". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "فالواجب والفرض". (¬3) في ب: "وإنا نقول". (¬4) "و" ليست في ب. (¬5) في ب: "واجباً". (¬6) "الفعل" ليست في ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "من اختلاف الاسم". (¬8) "لا" ليست في ب. (¬9) في ب: "في الأسامي".

- فإن الصلاة في أول الوقت فرض: حتى لو أداها في الأول يقع فرضاً ولا يأثم بتركه (¬1)، حتى لو مات قبل آخر الوقت لقي الله تعالى ولا شيء عليه. وكذا صوم رمضان: عزيمة في حق المسافر، حتى يكون الأداء أفضل، ولو أدى يقع فرضاً، ولا يعاقب على تركه، حتى لو مات قبل رمضان آخر (¬2) لا يؤاخذ به. - وكذا باطل بمن ترك الفرض ثم عفا الله تعالى عنه: فإن هذا فرض، ولا يعاقب على تركه. وقال بعضهم: ما لا يؤمن العذاب على تركه، أو ما يخاف العقوبة على تركه. وهذا ليس بصحيح: فإن الصلاة في أول الوقت وصوم رمضان في حق المسافر، مما (¬3) يؤمن العذاب على تركه - وهو فرض. وقال بعضهم: ما فيه وعيد لتاركه. وهذا لا يصح: فإن الصلاة في أول الوقت، وصوم رمضان في حق المسافر، فرض، وليس فيه وعيد لتاركه. وقال بعضهم: الفرض ما يستحق العذاب على تركه. وهذا لا يصح؛ لأنه: - إن عنى بالاستحقاق أن الله تعالى حكم عليه (¬4) بالعذاب جزاء على قدر ذنبه بحيث (¬5) لا يجوز تركه، فباطل، لأن (¬6) عفو الله تعالى عما سوى ¬

_ (¬1) في ب: "بتركها". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "لو مات في رمضان". (¬3) "مما" ليست في ب. (¬4) "عليه" ليست في ب. (¬5) "بحيث" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "فإن".

الكفر في مشيئته (¬1)، وإذا عفا الله تعالى عنه (¬2) لا يعاقبه بعد العفو، وحكم الله تعالى نافذ لا محالة، و (¬3) لا يجوز غيره، ولا يجوز الخلف في خبره، فلا يكون هذا تفسيراً للاستحقاق (¬4). - وإن عني به أنه لم يحكم عليه بالعذاب، ولكن جائز أن يعذبه وجائز أن لا يعذبه، فلا يكون هذا (¬5) مستحقاً. وقال بعض المعتزلة: الواجب القطعي (¬6) فعل للإخلال به مدخل في استحقاق الدّم أو فعل للإخلال به تأثير في استحقاق الذم. وفيه نظر - فإنه يقال له: - إن عنيتت بالإخلال: هو ترك الفعل أو (¬7) الامتناع عنه (¬8) بالاشتغال بضده، فهو باطل بالصلاة في أول الوقت، وصوم رمضان في حق المسافر: فإنه فرض، وليس لتركه أثر في استحقاق الذم. - وإن (¬9) عنيت بالإخلال عدم الفعل الواجب منه، وأن لا يفعل ذلك الفعل الواجب، فهو فاسد، لأن الذم إنما يحسن على الفعل، لا على عدم الفعل، فإن العلم ليس بشيء، فكيف (¬10) يستحق الذم بتركه (¬11) عليه. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "في المشيئة"- قال تعالى في سورة النساء (48 و 116): "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". (¬2) في ب: "فإذا عفا عن ذلك". (¬3) "و" ليست في ب. (¬4) في ب: "تفسير الاستحقاق". (¬5) "هذا" من ب. (¬6) انظر فيما يلي (ص 33) الواجب القطعي. (¬7) في ب: "و". (¬8) "عنه" من ب. (¬9) "وإن" من ب. وفي الأصل: "وإني". (¬10) في ب: "وكيف". (¬11) "بتركه" من ب.

- ثم هو باطل بما ذكرنا من الصلاة (¬1) في أول الوقت، وصوم رمضان في حق المسافر: فإنه فرض وواجب قطعًا، وليس للإخلال به تأثير في استحقاق الذم، على التفسير الذي ذكرت. ومنهم من زاد على هذا الحد، احترازاً عما ذكرنا، فقال (¬2): الواجب فعل للإخلال به أو للإخلال ببدله تأثير في استحقاق الذم. وهو فاسد؛ لأنه حد مقسم، والحد المقسم فاسد، على ما يعرف فساده بعد (¬3) إن شاء الله تعالى. ثم هو باطل بمن ترك صوم رمضان من غير (¬4) عذر، ومات من غير قضاء (¬5) بعد إدراك وقت القضاء (¬6)، فهو (¬7) يستحق الدم بالإخلال بالأصل والبدل جميعاً. وقد ذكرت الحد في أحدهما لأن حرف "أو" يتناول أحد المذكورين، أي يستحق الذم، إما بالإخلال بالأصل أو بالإخلال بالبدل (¬8)، وهو فرض. فهذا يبطل الحد الذي ذكرت. فإن ذكرت بحرف الواو (¬9) فيبطل بالمسافر إذا مات بعد ما أدرك وقت القضاء، فإنه يستحق اللذم بأحدهما، وهو البدلت، دون الأصل وهو فرض. وأما الحدود الصحيحة: [فـ] منها قولهم: الفرض ى فعل يستحق الذم على تركه من غير عذر. واستحقاق الذم حكم من الله تعالى، حال وجود الفعل منه: بكونه فاسقًا وعاصياً، والتسمية له (¬10) بذلك، وهو (¬11) حكم معلوم منجز للحال. ¬

_ (¬1) في ب: " .. باطل بالصلاة". (¬2) "فقال" من ب. وفي الأصل: "وقال". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "من بعد". (¬4) في ب: "بغير عذر". (¬5) كذا في ب والأصل. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "بعد إدراك وقته". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "وهذا". (¬8) في ب: "يستحق الذم بالإخلال بالأصل أو بالبدل". (¬9) في ب: "فهذا يبطل بالفرض الذي ذكرت بحرف الواو". (¬10) "له" من ب. (¬11) في ب: "وهذا".

فأما القول باستحقاق العذاب فمتردد، وهو في مشيئة الله تعالى على ما ذكرنا (¬1). والأصح أن يقال: ما يحسن الذم على تركه من غير عذر. وإن شئت قلت: ما أمر الله تعالى بذم تاركه من غير عذر. [و] لا يلزم على هذه الحدود: المسافر إذا مات قبل إدراك وقت القضاء: فإنه فاته الأصل والبدل، ولا يستحق الذم على ذلك، وهو فرض في حقه؛ لأنه ترك بعذر السَّفر. ولا يلزم الصلاة في أول الوقت (¬2) لأنها (¬3) غير واجبة، وإنما وتعين الوجوب بالشروع فيها أو في آخر الوقت. ولا يلزم إسلام الصبي، لأنه ترك بعذر الصبا. وإن شئت قلت: الواجب فعل لو أتى به يقع مستحقاً؛ أي لم يقع تبرعاً. وإن شئت قلت: الواجب ما أوجبه (¬4) الله تعالى. ثم إيجاب الله تعالى يعرف بدليله. وليس من شرط كونه واجبًا أن يتعلق العقاب بتركه، وليس هو من لوازمه. ويدخل تحت هذا الحد: الواجب القطعي، والواجب مع الاحتمال، والواجب الموسع، والمضيق، والمخير، والمرخص (¬5). والله أعلم. وأما حد المندوب: فما رغب (¬6) في تحصيله من غير إيجاب. وقيل: ما يكون تحصيله أولى من تركه. وقيل: ما يكون في مباشرته ثواب، وليس في تركه عقاب. ¬

_ (¬1) راجع فيما تقدم ص 29 - 31. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "في أول وقت الظهر". (¬3) في ب: "فإنها". (¬4) في ب: "مما أوجب". (¬5) في ب: "والمضيق والمرخص فيه والمخير". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "ما يرغب".

وقيل: ما [يحث] (¬1) المكلف على تحصيله من غير إيجاب. وهذا لا يصح: فإن فعل الصبي العاقل (¬2) في الصوم والصلاة والحج مندوب إليه، وهو ليس بمكلف. وكذا إسلام الصبي العاقل صحيح من غير تكليف، ولا شك أن الإسلام لا يوصف بالإباحة - كيف وقد ورد الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً" (¬3). وأما حد السنة: [فـ] قيل (¬4): ما واظب عليها (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتركه إلا لعذر (¬6). وهذا الحد موافق للغة - يقال: سننت الماء، إذا والى في الصب. وأما حد التطوع: [فـ] قيل: هو (¬7) اكتساب الخير طوعاً. وأما حد (¬8) النفل: [فـ] قيل (¬9) هو قربة زائدة على القرب الواجبة (¬10). ¬

_ (¬1) في الأصل وغيره وكذا: "ما بعث". وحثه على الشيء حضه عليه (المعجم الوسيط). (¬2) "العاقل" ليست في ب. (¬3) سيأتي في ص 44 قوله: "أفعال الصبي العاقل هل يوصف بالحل والحرمة والإباحة والندب؟ فأصحاب الحديث قالوا: لا يوصف به؛ لأنه لا خطاب عليهم. ونحن نقول: يوصف فعل الصبي العاقل بالحل والإباحة والندب لوجود الإذن من الله تعالى في حقه- قال النبي عليه السَّلام: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً ... " لكن لا يوصف فعله بالحرمة لانعدام خطاب النهي في حقه". (¬4) "قيل" ليست في ب. (¬5) "عليها" ليست في ب. ففيها: "ما واظب النبي". (¬6) قال المؤلف في كتابه تحفه الفقهاء (1: 20): "والفرق بين السنة والأدب أن السنة ما واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركها إلا مرة أو مرتين، لمعنى من المعاني. والأدب ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرة أو مرتين، ولم يواظب عليه. وذلك نحو إدخال الإصبع المبلولة في صماخ الأذنين، وكيفية مسح الرأس، وكيفية إدخال اليد في الماء والإناء، والدلك في غسل أعضاء الوضوء والغسل .. الخ". (¬7) في ب: "ما هو". (¬8) "حد" من ب. (¬9) "قيل" من ب. (¬10) سيأتي الكلام على القربة بعد قليل ص 36.

[2] ومن أنواع الأحكام أيضا كون الفعل: عبادة، وقربة، وطاعة

[2] ومن أنواع الأحكام أيضاً كون الفعل: عبادة، وقربة، وطاعة أما العبادة: فهي (¬1) في اللغة: عبارة عن الخضوع والتذلل. يقال: طريق معبد أي مذلل. وأما حدها: - فقد قيل: نهاية ما يقدر عليه، من الخضوع والتذلل، للمعبود، بأمره. [فـ] لا يلزم الصلاة بغير طهارة، وصلاة أهل الذمة، وعبادة الأصنام- حيث؛ لا تكون عبادة، مع وجود نهاية الخضوع للمعبود، لأنه لم يوجد الأمر من المعبود بذلك. لكن هذا يبطل بعبادة فرعون بأمره: فإنه (¬2) نهاية الخضوع والتذلل للمعبود بأمره (¬3)، إلا يكون عبادة، فينبغي أن يغير هذه (¬4) العبارة فيقال: نهاية ما يقدر عليه، من الخضوع والتذلل، لمن يستحق، بأمره. - وقيل: فعل لا يراد به إلا تعظيم الله تعالى، بأمره- بخلاف القربة: فإنه يراد بها (¬5) تعظيم الله تعالى مع إرادة ما وضع له الفعل من الغرض، نحو الوطء الحلال الذي أريد به حصول الولد ليوحد الله تعالى ويعبده مع إرادة اقتضاء الشهوة. وكذا بناء المساجد (¬6) والرباطات: قربة، ¬

_ (¬1) "فهي" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "هو". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "والتذلل بأمر المعبود". (¬4) "هذه" من ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "ب". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "المسجد".

لأنه يراد به (¬1) وجه الله تعالى مع إرادة حصول المنفعة للناس. - وقيل: العبادة إخلاص العمل بكليته لله تعالى وتوجيهه (¬2) إليه - قال الله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" (¬3). وأما القربة: فما فيها وجه التقريب إلى الله (¬4) تعالى بما فيه من الإحسان، بعبادته (¬5)، وتعظيم أمره، وإن كان نفس العمل لنفسه أو لغيره. وأما حد الطاعة: - فهو موافقة الأمر. - وقيل: هو (¬6) العمل، لغيره، بأمره، طوعاً. ولهذا لا تجوز العبادة لغير الله تعالى، وتجوز الطاعة لغيره - قال الله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (¬7) ". وكذا التقريب (¬8) إلى غير الله تعالى، لاختصاصه بالعلم والزهد، جائز، ويكون سبب الثواب (¬9) إذا كان قصده تعظيم الله تعالى وتعظيم العلم والزهد. فهذا (¬10) هو الفرق بين هذه الجملة. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "بها". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وتوجهه"، ولعلها: "توجهه". (¬3) سورة البينة: 5. (¬4) في ب: "فما فيه وجه التقريب إلى الله". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "بعباده". (¬6) "هو" ليست في ب. (¬7) سورة آل عمران: 59. (¬8) في ب: "وكذا غير التقرب". (¬9) في ب: "ويكون سبباً للثواب". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل: "وهذا".

[3] ومن أنواع الأحكام، مما يدخل في العبادات والمعاملات، كون الفعل: صحيحا، وجائزا، ونافذا، وموقوفا. وكونه فاسدا، وباطلا

[3] ومن أنواع (¬1) الأحكام، مما (¬2) يدخل في العبادات والمعاملات، كون (¬3) الفعل: صحيحاً، وجائزاً، ونافذاً، وموقوفاً. وكونه فاسداً، وباطلاً أما الصحيح: في اللغة: فيستعمل في الجمادات فيما استوى تركيبه الخاص، وفيه صلابة وشدة - يقال: هذه اسطوانة (¬4) صحيحة وخشبة منكسرة (¬5)، وكوز صحيح وكوز منكسر إذا كان فيه نوع نقصان. ويستعمل في الحيوانات فيما اعتدلت طبيعته واستكمل (¬6) قوته مع انتفاء أسباب الهلاك والنقصان عن المعاني الباطنة - يقال: "رجل صحيح" و "رجل سقيم" (¬7) و "فلان مصحاح" و "فلان مسقام". وأما في عرف الشرع: فيستعمل (¬8) فيما استجمع أركانه وشرائطه، بحيث يكون معتبرًا شرعًا في حق الحكم (¬9)، نقلاً للاسم من المحسوس إلى المشروع، لمشابهة بينهما في اعتدال الأجزاء والأركان، واعتبار ذلك فيما وضع له وأريد به (¬10) - في قال: صلاة صحيحة وصوم صحيح ¬

_ (¬1) "أنواع" ليست في ب. (¬2) في ب: "ما". (¬3) في الأصل و (ب): "من كون" وقد حذفنا "من" لتستقيم العبارة على نحو العبارات السابقة في [11] ص 25 و [2] ص 35. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "اصطوانة" والصحيح ما في ب (انظر المعجم الوسيط ومختار الصحاح). (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "وهذا خشب منكسر". (¬6) في ب: "واستكملت". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "يقال: إنه رجل صحيح وعلى خلافه فلان سقيم". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "فمستعمل". (¬9) في ب: "معتبراً في حق الحكم شرعاً". (¬10) "وأريد به" ليست في ب.

وبيع صحيح - إذا وجد أركانه وشروطه (¬1). وتبين بهذا (¬2) أن الصحة ليست بمعنى زائد على نفس التصرف وإنما يرجع إلى ذاته من وجود أركانه وشرائطه الموضوعة له شرعاً. وأما الجائز والنافذ: فهما في اللغة: مأخوذان من المجاوزة عن (¬3) الشيء. يقال: جاز السهم ونفذ إذا جاوز (¬4) عن الشيء الذي (¬5) أصابه وتعدى عنه. ولهذا يقال في الدعاء: "وجوازاً (¬6) على الصراط". وأما في عرف الشرع: فيستعمل (¬7) بمعنى الاحتساب والاعتبار في حق الحكم- يقال: صلاة جائزة وصوم جائز (¬8) وبيع جائز ونافذ، أي محسوب (¬9) معتبر في الشرع، يظهر نفاذه إلى حصول ما وضع له في الشرع من الثواب في العبادات (¬10)، والحكم المقصود الذي شرع له (¬11) في المعاملات مع الأمن عن الذم والإثم شرعًا. وأما البيع الموقوف والتصرف الموقوف: فهو الذي لا يعرف حكمه للحال، مع وجود ركن التصرف، لعارض اعترض عليه. ومتى زال العارض (¬12) ثبت الحكم من وقت وجود ¬

_ (¬1) "وبيع صحيح ... وشروطه" ليست في ب. (¬2) "بهذا" ليست في ب. (¬3) في ب: "على الشيء". (¬4) في ب: "تجاوز". وجاوز عن وتجاوز عن كلاهما صحيح (انظر المعجم الوسيط). (¬5) "الشيء الذي" ليست في ب. (¬6) في ب: "وجواز". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "يستعمل". (¬8) "وصوم جائز" من ب. (¬9) في ب: "محتسب". (¬10) في ب: "في الشرع وهو الثواب في الدار الآخرة في العبادات". (¬11) "له" من ب. (¬12) "العارض" من ب.

العقد (¬1)، إما من كل وجه، أو من وجه، فيجب التوقف في الجواب: أنه هل له حكم في الحال (¬2) أم لا؟ فإنه لا يدرى أنه هل يزول المانع أم لا؟ وهل يجاز (¬3) العقد أو يفسخ؟ والتوقف في الجواب في موضع الجهل واجب، ويعرف حقيقته في باب القياس في فصل (¬4) بيان الأسباب إن شاء الله تعالى. وأما بيان الفاسد والباطل: في اللغة: فالفاسد من الأعيان ما تغير عن حاله واختل ما هو المقصود منه - يقال (¬5): طعام فاسد إذا تغير ولحم فاسد إذا أنتن (¬6). والباطل من الأعيان هو الذي انعدم معناه المخلوق له، وفات، بحيث لم يبق إلا صورته. ولهذا مقابل (¬7) الباطل الحق الذي هو عبارة عن الكائن الثابت. وأما في عرف الشرع: [فـ] يراد بهما ما هو المفهوم مهما في وضع اللغة (¬8). فالفاسد هو ما كان مشروعاً في نفسه، فائت (¬9) المعنى من وجه، لملازمة ما ليس بمشروع إياه، بحكم الحال، مع تصور الانفصال في الجملة. والباطل ما كان فائت المعنى من كل وجه، مع وجود الصورة: إما لانعدام محل التصرف كبيع الميتة والدم، أو لانعدام أهلية المتصرف كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل، على ما يعرف (¬10) في باب النهي (¬11) إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في ب: "يثبت الحكم من حين وجوده". (¬2) "في الحال" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "وأنه يجاز". (¬4) "فصل" من ب - انظر فيما بعد ص 609 وما بعدها. (¬5) في ب: "ويقال". (¬6) يقال نتن ونتن وأنتن ونتن خبثت رائحته (المعجم الوسيط). (¬7) في ب: "ولهذا يكون مقابل". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "المفهوم من اللغة". (¬9) في ب كذا: "فأثبت". (¬10) في ب: "لما يعرف". (¬11) انظر فيما بعد ص 223 وما بعدها ص

[4] ومن أنواع الأحكام أيضا كون الفعل: حراما، ومحرما، ومحظورا، ومنهيا، ومكروها وعلى مقابلتها كونه: حلالا، ومحللا، ومباحا، ومأذونا، ومطلقا، ومشروعا

[4] ومن أنواع الأحكام أيضاً كون الفعل: حراماً، ومحرماً، ومحظوراً، ومنهياً، ومكروهاً وعلى مقابلتها (¬1) كونه: حلالًا، ومحللاً، ومباحاً، ومأذوناً، ومطلقاً، ومشروعاً أما الحرام والمحرم: في اللغة - فهو (¬2) الممنوع. والحرمة والحرمان والتحريم هو المنع. قال الله تعالى: "وحرمنا عليه المراضع من قبل" (¬3) أي منعنا. ويقال: حرمت الرجل العطية إذا منعته (¬4). وكذا النهي: لغة - هو المنع، والمنهي الممنوع - قال الله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" (¬5) أي امتنع. ومنه قيل: "لا تنه عن خلق وتأتي مثله" (¬6) أي لا تمنع. وكذا المحظور: الممنوع. والحظر هو (¬7) المنع. ومنه الحظيرة. وأما المكروه: فمأخوذ من الكره، والكراهة، الذي هو ضد المحبة والرضا - قال الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم" (¬8). ¬

_ (¬1) في ب: "مقابلته". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "هو". (¬3) القصص: 12. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "العطية حرماناً أي منعته". (¬5) البقرة: 275. (¬6) زاد في ب: "عار عليك إذا فعلت عظيم". (¬7) "هو" من ب. (¬8) البقرة: 216.

فالمكروه ضد (¬1) المندوب والمحبوب لغة. والكراهة ليست بضد الإرادة عندنا، فإن الله تعالى كاره للكفر والمعاصي أي ليس (¬2) براض بها ولا محب لها، وإن كان (¬3) الكفر والمعاصي بإرادة الله تعالى ومشيئته. وعند المعتزلة: الكراهة ضد الإرادة أيضاً (¬4) على ما عرف في أصول (¬5) الكلام. وأما الحلال والمحلل: في اللغة -[فـ] مأخوذ من معنى الفتح والإطلاق. ومنه حل العقدة وهو نقيض العقد. قال الله تعالى خبراً (¬6) عن موسى صلوات الله عليه وسلامه: "واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" (¬7). وأما المباح: في اللغة -[فـ] الظاهر [أنه] مأخوذ من قولهم: باح فلان بسر فلان بوحاً أي أظهره. ويكون باح به وأباح بمعنى واحد (¬8). وأما الإطلاق: فهو (¬9) الفتح ورفع القيد، وهو معروف. وأما الإذن: فهو الإعلام - قال الله تعالى: "وأذان من الله ورسوله" (¬10) أي إعلام. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. وفي ب: "خلاف". (¬2) في ب: "والمعاصي معناه ليس". (¬3) "كان" من ب. (¬4) "أيضاً" ليست وب. (¬5) في ب: "في مسائل الكلام". (¬6) في ب: "إخباراً". (¬7) سورة طه: 27. (¬8) "واحد" من ب. وفي المعجم الوسيط: باح فلان بالسر أظهره وأباحه أظهره. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "هو". (¬10) سورة التوبة: 3.

وأما المشروع: [فـ] مأخوذ من الشرع، وهو البيان والإظهار - يقال: شرع الله تعالى كذا أي أظهره وجعله (¬1) مبيناً ظاهراً. ومنه سميت المشرعة والشريعة لمكان ظاهر معلوم من البحر والنهر نغترف منه الماء ويشرب منه الدواب. وقيل: المشروع (¬2) والشريعة والشرعة الطريق المسلوك (¬3) في الدين - يقال: شرع فلان في أمر كذا إذا أخذ فيه، وابتدأ ذلك (¬4). ومنه الشروع في الصوم والصلاة. ومنه سميت الشريعة (¬5) لأنه يشرع فيها (¬6) للغسل والتبرد (¬7). وفي عرف الشرع: اسم لفعل أظهره الشرع، عن غير حجر وإنكار، ولا ندب وإيجاب (¬8) على مقتضى اللغة. فالحلال (¬9) والمطلق والمأذون نظائر (¬10)، والمندوب إليه والمحبوب والمرضي نظائر. والمشروع شامل للكل. وأما حدودها عند الفقهاء والمتكلمين: أما حد الحرام والمحرم والمنهي: ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "أي جعله". (¬2) في ب: "الشرع". (¬3) في ب: "الطرق المسلوكة". (¬4) في ب: "وابتدأه". (¬5) في ب: "المشرعة". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "فيه". (¬7) زاد هنا في ب: "للندب والإيجاب". (¬8) في ب: "من غير تعرض للندب والإيجاب" بدلاً من "ولا ندب وإيجاب". (¬9) في ب: "والحلال". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل "والمأذون والمشروع نظائر". انظر العبارة التالية.

فعلى خلاف ما ذكرنا من (¬1) حد الفرض والواجب القطعي - أعني أن من قال في حد الواجب "ما يأثم بتركه" يقول في الحرام: "ما يأثم بفعله". ومن قال في حد الواجب: "ما أوعد على تركه" يقول في حد (¬2) الحرام: "ما أوعد على فعله" إلى (¬3) آخر ما تكلموا فيه (¬4). وقيل: المحرم ما حرم فعله. وقيل: ما منع من (¬5) فعله، وقد ثبت المنع بدليله من النهي والخبر عن الحرمة. ولكن إنما يصح هذا الحد على قول من يقول بتحريم الأفعال دون الأعيان، فيجب أن يذكر على الإطلاق، حتى يصح (¬6) هذا التحديد بالاتفاق، فيقال: المحرم هو الممنوع شرعًا حتى يدخل تحته الأفعال والأعيان جميعاً (¬7). وقد اختلف المشايخ في أن تحريم الأعيان هل يكون على سبيل الحقيقة أو يضاف إليها الحرمة مجازاً على ما نذكر إن شاء الله تعالى. وأما حد المكروه: [فـ] قيل: ما يكون تركه أولى من تحصيله. وقيل: ما الأولى أن لا يفعل. ¬

_ (¬1) في ب: "في". (¬2) "في حد" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "وإلى". (¬4) "فيه" ليست في ب. وراجع في ما تقدم ص 29 وما بعدها. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "عن". (¬6) في ب: "يعني يصح". (¬7) "جميعاً" من ب.

وأما حد الحلال: [فـ] هو المطاق بالإذن شرعًا (¬1). وقيل: التحليل إطلاق الفعل، لمن يجوز عليه المنع والحجر والتقييد، بالإذن. وزيادة معنى على كونه مطلقاً (¬2) احترازاً عن فعل المجانين والبهائم، فإنه لا يوصف بالحل والحرمة (¬3) , لأنه لا إذن في حقهم ولا حجر. فأما أفعال الصبي العاقل-[فـ] هل يوصف بالحل والحرمة (¬4) والإباحة والندب؟ فأصحاب (¬5) الحديث قالوا: لا يوصف به؛ لأنه لا خطاب عليهم. ونحن نقول: يوصف فعل الصبي العاقل بالحل والإباحة والندب، لوجود الإذن (¬6) من الله تعالى في حقه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً" (¬7)، لكن لا يوصف فعله بالحرمة، لانعدام خطاب النهي في حقه (¬8). وأما حد المباح: [فـ] قيل: ما استوى فعله وتركه في الشريعة. وهذا يبطل بفعل البهائم والمجانين. ¬

_ (¬1) "شرعاً" من ب. (¬2) المعنى الزائد هو الإذن على القول الأول، والإذن والمنع والحجر والتقييد على القول الثاني. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "لا يوصف بالحرمة". (¬4) "والحرمة" من ب. (¬5) في ب: "وأصحاب". (¬6) في ب: "الأمر". (¬7) "واضربوهم .. عشراً" من ب. (¬8) راجع فيما تقدم ص 34.

[5] ومن أنواع الأحكام أيضا كون الفعل: حسنا، ومرضيا، وحقا، وصوابا، وعدلا، وحكمة

وقيل: ما لا يتعلق بفعله ثواب ولا عقاب (¬1). وهذا يبطل أيضاً بما قلنا. وقيل: ما يتخير العاقل فيه بين الترك والتحصيل شرعًا. وأما حد المشروع: [فـ] قيل: ما بين الله تعالى فعله من من غير إنكار. وقيل: ما جعله (¬2) الله تعالى شريعة لعباده؛ أي طريقاً ومذهباً يسلكونه اعتقاداً وعملاً (¬3) على وفق ما شرع. [5] ومن أنواع الأحكام (¬4) أيضاً كون الفعل: حسنًا، ومرضياً، وحقاً، وصواباً، وعدلاً، وحكمة وقد يوصف الفعل على ضد هذه الأوصاف - فيقال: فعل قبيح، وباطل، وخطأ، وظلم، وجور، وسفه (¬5). أما الحسن: في اللغة (¬6): فهو (¬7) كون الشيء على وجه تقبله النفس، و (¬8) يميل إليه الطبع، من حيث الاستمتاع به. والحسن هو الكائن على هذا الوجه. ¬

_ (¬1) في ب: "ثواب وعقاب". (¬2) في ب: "ما جعل". (¬3) في ب: "عملاً واعتقاداً". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "الحكم". (¬5) في ب: "وظلماً وجوراً وسفهاً". (¬6) هنا بدأت النسخة أ. راجع فيما تقدم الهامش 1 ص 1. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "هو". (¬8) "و" ليست في ب.

ولهذا يوصف الوجه بالحسن والقبح: يقال وجه حسن ووجه قبيح (¬1). وأما في عرف الشرع: فعندنا الحسن هو القبول للشيء والرضا به، والحسن هو المقبول والمرضي (¬2). ثم هو اسم إضافي باعتبار غير يقبله ويرضى به: وذلك الغير (¬3) إما الطبع أو العقل أو الشرع: - فكل (¬4) ما يميل إليه الطبع لا غير، يكون حسناً طبعاً، لا عقلاً و (¬5) شرعاً، كمباشرة المحرمات الشرعية. - وكل (¬6) ما يدعو إليه العقل والشرع، دون الطبع - فهو حسن عقلاً، وشرعاً، لا طبعاً (¬7)، كالإيمان بالله تعالى وأصل (¬8) العبادات. - وكل ما جاء الشرع به، ودعانا (¬9) إليه، ورغبنا في فعله، من غير أن يعقل فيه (¬10) وجه الحسن ويميل إليه الطبع - فهو حسن شرعًا، لا عقلاً وطبعاً، كصور (¬11) العبادات ومقاديرها وأوقاتها وهيئاتها (¬12). وأما القبح (¬13): فهو على ضد (¬14) هذه الوجوه أيضاً (¬15)، على مقابلة الحسن. ¬

_ (¬1) " يقال ... قبيح" من ب. (¬2) في ب: "والحسن المقبول المرضي". (¬3) "وذلك الغير" من ب. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وكل". (¬5) "و" ليست في ب. (¬6) في ب: "وكل". (¬7) "لا طبعاً" من ب. (¬8) في أ: "كأصل". (¬9) في أ: "ودعا". (¬10) "فيه" من ب. (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفى الأصل: "كصورة". (¬12) "وهيئاتها" من ب. (¬13) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "القبيح". (¬14) "ضد" ليست في ب. (¬15) "أيضاً" من (أ) و (ب).

وأما العدل: -[فـ] قيل: مأخوذ (¬1) في اللغة (¬2) من العدول، وهو الميل - يقال: عدل عن الطريق إذا مال عنه (¬3). وأما في عرف الشرع فقد (¬4) استعمل في وجه مخصوص، وهو العدول عن الباطل إلى الحق. - وقيل: هو مصدر بمعنى العدالة، وهو الاعتدال والاستقامة. وفي عرف الشرع: يستعمل (¬5) في فعل مستقيم في العقل بحيث يقبله (¬6) ولا يرده (¬7). وأما الجور: فهو (¬8) مأخوذ من الميل أيضاً لغة - يقال "جار السهم" إذا زال عن سننه. إلا أنه في الشرع استعمل في الميل الخاص وهو أن يكون (¬9) عن الحق إلى الباطل. ¬

_ (¬1) في ب: "فهو مأخوذ". (¬2) "في اللغة" ليست في ب. (¬3) "عنه" من ب. (¬4) "فقد" من أ. (¬5) كذا في ب. وفي أ: "مستعمل". وفي الأصل: "استعمل" (¬6) في ب: "مستقيم بحيث يقبله العقل". (¬7) قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 41 - 43): "وأما العدل - فعلى مذهب أهل السنة: إن الله تعالى عدل في أفعاله، بمعنى أنه متصرف في ملكه وملكه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فالعدل وضع الشيء موضعه، وهو التصرف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم. والظلم بضده فلا يتصور منه جور وظلم في التصرف. وعلى مذهب أهل الاعتزال: العدل ما يقتضيه العقل من الحكمة، وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "هو". (¬9) "الخاص وهو أن يكون" من ب.

وأما الظلم: فهو في اللغة عبارة (¬1) عن وضع الشيء في غير موضعه (¬2). يقال في المثل السائر (¬3): "من أشبه أباه فما ظلم" أي هذا الشبه ليس في غير موضعه (¬4). ويقال: "ظلم الشعر" إذا ابيض في غير حينه. وأما السفه: في اللغة: [فـ] عبارة عن التحفة والاضطراب. يقال "سفهت أحلام القوم" أي عقولهم (¬5) إذا خفت. ومنه (¬6) سمي الرجل سفيهاً إذا كان به خفة وفي عقله نوع اضطراب فيحمله (¬7) على فعل مخلف للعقل بقلة (¬8) التأمل. وأما الحكمة: في اللغة: فقد (¬9) قال ابن الأعرابي (¬10): الحكمة العلم، والحكيم هو (¬11) العالم. وقيل: الحكمة هي الإتقان والإحكام والحكيم هو المحكم ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي أ: "وأما الظلم في اللغة فعبارة". وفي الأصل: "وأما الظلم في اللغة عبارة". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "محله". (¬3) "السائر" من ب. (¬4) في ب: "أي ما وضع هذه الشبه في غير موضعه". (¬5) "أي عقولهم" من (أ) و (ب). (¬6) "ومنه" من ب. (¬7) في أ: "فتحمله". (¬8) في ب: "مخالف العقل لقلة". وفي أ: "يخالف العقل لقلة". (¬9) "في اللغة فقد" من أ. (¬10) هو أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف وابن الأعرابي الكوفي صاحب اللغة. وهو من موالي بني هاشم وقيل من موالي بني شيبان وقيل غير ذلك والأول أصح. وكان أحول راوية لأشعار القبائل ناسباً. وكان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها. وله كتب كثيرة. قيل إنه ولد في الليلة التي مات فيها أبو حنيفة في رجب سنة 150 هـ وتوفي سنة 231 هـ وقيل سنة 230 هـ بسر من رأى. والأعرابي نسبة إلى الأعراب (انظر ابن خلكان. والسيوطي، بغية الوعاة). (¬11) "هو" من ب.

للشيء: فعيل (¬1) بمعنى مفعل كما يقال: عذاب أليم أي مؤلم، وسميع بمعنى مسمع (¬2). وأما حدود هذه الأفعال عند المتكلمين: [فقد] اتفقوا على (¬3) أن كل ما هو حكمة وعدل فهو حسن في العقل (¬4)، وأن كل ما هو سفه وظلم (¬5) فهو قبيح (¬6). و (¬7) اختلفوا في تحديدها: قال بعض أهل الحديث: القبيح والظلم والسفه ما نهي عنه. والحسن ما أمر به. فأبطل عليهم: - بأفعال الله تعالى عندهم (¬8)، وهي (¬9) المفعولات عندنا: فإن كثيراً منها يوصف بالحسن، والله تعالى لم يكن يدخل (¬10) تحت أمر آمر. - وكذا أبطل عليهم بفعل العاقل البالغ (¬11) قبل بلوغ الدعوة من الإيمان ¬

_ (¬1) في أ: "المحكم المتقن: فعيل". (¬2) "وسميع بمعنى مسمع" من أ. (¬3) "على" من أ. (¬4) "في العلل" ليست في أوموضعها فيها بياض. (¬5) في أفي الهامش: "لم يذكر الجور". (¬6) "وأما حدود هذه الأفعال ... وهو قبيح" ليست في ب. (¬7) في ب: "وقد". (¬8) "عندهم" من ب. (¬9) في ب: "وهو". (¬10) "بدخل" من ب. (¬11) "البالغ" ليست في ب.

بالله تعالى والإحسان في حق ذوي الحاجة، فإنه فعل حسن ولم يؤمر به قبل بلوغ (¬1) الدعوة عندكم. وكذا ما أتى به من الكفر والكفران والكذب والظلم: فإنه قبيح يقر به (¬2) كل عاقل، وليس هو (¬3)، بمنهي عن هذه الأفعال. فلما عرفوا هذا (¬4) الإلزام قالوا: إن القبيح ما نهي عنه، والحسن ما لم ينه عنه. فأبطل عليهم: - بفعل الصبيان والمجانين، من اللواطة والوطء في ملك الغير (¬5)، وقذف المحصنات، والقتل بغير حق ونحو ذلك (¬6) - فإنها أفعال قبيحة ولم توصف (¬7) بالحسن، وإنهم لم ينهوا عنها. - وكذا العاقل البالغ إذا آمن (¬8) بالله تعالى وأقر بوحدانيته وبجميع (¬9) صفات الكمال قبل بلوغ الدعوة وظهور الشريعة، وكذا إذا أطعم جائعاً وسقى عطشان: فإن فعله لا يوصف بالحسن عندهما (¬10)، والإيمان والإحسان مما (¬11) لم ينه عنهما. ¬

_ (¬1) "بلوغ" من أ. (¬2) في (أ) و (ب): "يعرفه". (¬3) "هو" ليست في أ. (¬4) "هذا" من ب. (¬5) في ب: "من اللواطة والزنا والوطء في غير الملك". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "والقتل وغيرها" وفي أ: "والقتل ونحوها". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ولم يوصف". (¬8) في ب: "أقر". (¬9) في أ: "وجميع". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عندكم". (¬11) في ب: "ما".

فتركوا هذا الحد ونقلوا (¬1) إلى حد آخر، وهو قولهم (¬2): الحسن والعدل والحكمة ما لفاعله فعله، والقبيح (¬3) والظلم والسفه ما ليس لفاعله فعله. فيقال لهم: - بم عرفتم أن لفاعله فعل هذا النوع دون النوع الآخر (¬4): أبالعقل عرفتم ذلك أم (¬5) بالشرع؟ إن قلتم: بالعقل، فقد تركتم مذهبكم في أن العقل لا يعرف به (¬6) الحسن والقبح والعدل (¬7) والظلم. وإن قلتم: بالشرع فقد عدتم إلى الحد الأول وقد أبطلناه (¬8). - ثم هو باطل بفعل البالغ العاقل الذي لم يبلغه الشرع - فما قولكم: هل له أن يؤمن أم لا؟ فإن قلتم: لا، فهو قبيح شنيع. وإن قلتم: له أن يؤمن، فقد فعل ما له فعله، وفعله لا يوصف بالحسن عندكم، فيبطل هذا الحد في جانب الحسن. - ثم نقول لهم (¬9): هل له أن يكفر؟ فإن قلتم: نعم، فهذا كفر. وإن قلتم: ليس (¬10) له أن يفعله، فقد وجد حد فعل (¬11) القبيح، وفعله لا يوصف (¬12) بالقبح عندكم. ¬

_ (¬1) في ب: "وعدلوا". (¬2) في ب: "وقالوا". (¬3) "والقبيح" ليست في ب. (¬4) "النوع" من أ. وفي ب: "أن لفاعل هذا النوع فعله دون غيره". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بالعقل أم ... ". (¬6) "به" ليست في أ. (¬7) "والقبح والعدل" ليست في أ. (¬8) "وقد أبطلناه" من ب. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ونقول لكم". (¬10) "ليس" ليست في ب. (¬11) "فعل" من ب. (¬12) في أ: "فعله ما لا يوصف".

- وكذا عندكم فاعل الكفر والمعاصي، هو الله تعالى، وله فعله، والعبد كانت و (¬1) ليس بفاعل، وإنه (¬2) لا يوصف بالحسن بل بالقبح. وقال بعض المعتزلة: الحسن ما إذا فعله القادر عليه لم يستحق الذم بوجه ما. وهذا باطل: - بالصبي العاقل إذا فعل شيئًا من الفواحش: فإنه لا يوصف ذلك (¬3) الفعل بالحسن مع وجود ما ذكرتم من الحد. - وكذا باطل بالمباح: فإنه ليس بحسن، مع وجود هذا الحد. فإن (¬4) وصفوا المباح بالحسن: فهو فاسد، لأن الحسن لابد أن (¬5) يكون فيه وصف يترجح به جانب وجوده على جانب عدمه (¬6)، والمباح ما استوى طرفاه في الوجود والعدم. وذكر أبو إسحاق الاسفرايني (¬7) من الأشعرية وقال: ¬

_ (¬1) "و" ليست في أ. (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وإنها". (¬3) "ذلك" ليست في ب. (¬4) في أ: "وإن". (¬5) في أ: "وأن". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وصف يَرجع جانب وجوده على عدمه". (¬7) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مهران الاسفرايني الملقب بركن الدين. وهو منسوب إلى إسفراين. وهي بلدة بخراسان بنواحي نيسابور على منتصف الطريق إلى جرجان. وهو فقيه شافعي متكلم أصولي. وأخذ عنه الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور. وأقر له بالعلم أهل العراق وخراسان. وله من التصانيف الجليلة كتابة الكبير "جامع الحلي في أصول الدين والرد على الملحدين" في خمسة مجلدات. وقد أخذ عنه القاضي أبو الطيب الطبري أصول الفقه باسفراين. واختلف إلى مجلسه أبو القاسم القشيري وأكثر الحافظ أبو بكر البيهقي الرواية عنه في تصانيفه وغيره من المصنفين. وقد توفي بنيسابور سنة 418 هـ ونقل إلى إسفراين (ابن خلكان).

الظلم والقبيح ما يعود به على فاعله ضرر محض. والحسن على عكسه (¬1). والحكمة في الفعل وقوعه على قصد فاعله. والسفه وقوع الفعل (¬2) على خلاف قصد فاعله. فمن وقع فعله على موافقة قصده فهو حكيم، ومن وقع فعله على خلاف قصده فهو سفيه. وعامة المعتزلة قالوا: إن الحكمة كل فعل فيه نفع إما للفاعل (¬3) أو (¬4) لغير الفاعل. وهو عدل. وهو حسن. وكل فعل خلا عن المنفعة إما للفاعل وإما لغيره (¬5)، فهو سفه. وقالوا: كل فعل فيه إلحاق الضرر بالغير من غير أن يكون فيه نفع أعظم مما فيه من الضرر - فهو ظلم. وقال بعضهم: الظلم هو (¬6) الضرر المحض الذي لا نفع فيه، ولا هو مستحق؛ ولا يدفع به ضرر أعظم منه، ولا يظن به أحد هذه الوجوه (¬7). وقال أصحابنا رحمهم الله: السفه ما خلا عن العاقبة الحميدة. وهو قبيح لخلوه عن العاقبة الحميدة، لا لمكان الضرر. والظلم وضع الشيء في غير موضعه. والحكمة ما تعلقت به عاقبة حميدة. * * * ¬

_ (¬1) "والحسن على عكسه" ليست في ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "والسفه فيه وقوعه". وفي أ: "والسفه في فعله وقوعه". (¬3) في ب: "لفاعله". (¬4) في أ: "وإما". (¬5) في ب: "خلا عن النفع للفاعل أو لغير الفاعل". (¬6) "هو" من ب. (¬7) "وقال بعضهم: الظلم ... الوجوه" ليست في أ.

[6] ومن أنواع الأحكام كون الفعل: عزيمة، ورخصة

والكلام في هذه الفصول لتصحيح ما ذكرنا من الحدود، وإبطال ما ذكروه يستقصى (¬1) في أصول الكلام. وقد (¬2) ذكرنا طرفاً منه لاتصاله بما قلنا. وفي الشرح يذكر بأبلغ من هذا (¬3) إن شاء الله تعالى. [6] ومن أنواع الأحكام (¬4) كون الفعل: عزيمة، ورخصة أما العزيمة: في اللغة: [فـ] عبارة عن النية المؤكدة - فإن من خطر بباله شيء (¬5) من الأفعال التي يحتاج إلى تحصيله، فإنه ينوي مباشرته بقلبه. فإذا أكد النيَّة يقال: "عزم عليه". وإذا (¬6) أكد العزم يقال: "أجمع عليه رأيه" (¬7) فأما الإرادة والقصد [فـ] قرينة الفعل، بها يصير الفعل اختيارياً (¬8)، ويخرج (¬9) عن (¬10) حد الاضطرار. غير أن لفظة الإرادة مطلقة يجوز إطلاقها في الشاهد والغائب. فأما (¬11) القصد فيطلق (¬12) في الإرادة الحادثة، ولا يجوز إطلاقه (¬13) في صفة الله تعالى مكان الإرادة. ¬

_ (¬1) في ب: "سيستقصى عليه". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وذكرنا". (¬3) في ب: "طرفاً من ذلك في هذا الكتاب وسنذكر بأبلغ من ذلك في الشرح". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الحكم". (¬5) في ب: "شيء أكده من الأفعال". (¬6) في ب: "فإذا". (¬7) "رأيه" من أ. (¬8) في ب: "اختيارًا". (¬9) "و" من (أ) و (ب). (¬10) في أ: "من". (¬11) في ب: "وأما". (¬12) في (أ) و (ب): "يطلق". (¬13) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إطلاقها".

وقال بعض مشايخنا رحهمم الله (¬1): يجوز أن تكون الإرادة سابقة على الفعل، بخلاف القدرة الحقيقية: فإنَّها مقارنة للفعل لا محالة (¬2)، لا يجوز سبقها عليه ألبتة (¬3). وأما الرخصة: في اللغة: فعبارة (¬4) عن السهولة واليسر - يقال: رخص السعر إذا كثرت الأعيان وتيسرت إصابتها. وأما في عرف الفقهاء: فالعزيمة (¬5) اسم للحكم الأصلي في الشرع لا لعارض أمر. وهو ما ذكرنا من الفرض والواجب والسنة ونحوها (¬6). وما ذكرنا من الحلال والحرام ونحوهما (¬7). و [أما] الرخصة فهي اسم لما تغير عن الأمر الأصلي لعارض (¬8)، إلى تخفيف وتيسير، ترفيهاً (¬9) وتوسعة على أصحاب الأعذار، سواء كان التغيير في وصفه (¬10) أو في حكمه. وذلك نوعان: حقيقة ومجاز (¬11). أما الحقيقة - فقد تكلموا فيها: ¬

_ (¬1) "رحمهم الله" من أ. (¬2) "لا محالة" ليست في ب. (¬3) "ألبتة" من ب. (¬4) الفاء من أ. (¬5) في ب: "والعزيمة". (¬6) راجع فيما تقدم ص 25، وما بعدها. (¬7) "وما ذكرنا ... ونحوهما" من ب. راجع فيما تقدم ص 40 وما بعدها. (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بعارض". (¬9) في ب كذا: "ويسر فيها". وفي أ: "وتيسير تخفيفاً". (¬10) في ب: "في صفه". (¬11) في الأصل و (ب): "ومجازاً".

قال بعض مشايخنا رحمهم الله: هي (¬1) نوعان: أحدهما - ما تغير حكمه مع بقاء الوصف الذي كان عليه من قبل (¬2)، وهو أن يكون الفعل محرمًا في نفسه مع سقوط حكمه، وهو (¬3) المؤاخذة في الدار الآخرة (¬4). وذلك نحو إجراء كلمة الكفر على لسانه (¬5) حالة الإكراه، مع قيام (¬6) التصديق بالقلب، وإتلاف المال المعصوم لغيره بغير إذنه، وسبب الإكراه أو (¬7) المخمصة، حتى لو امتنع فقتل أو مات جوعاً فإنه يثاب على ذلك، لامتناعه، ببذل نفسه (¬8) لوجه الله تعالى، وتعظيم نهيه، لأن حرمة الكفر والتكلم به لا تحتمل (¬9) الإباحة بحال، وكذا إباحة (¬10) تناول مال الغير بغير إذنه لم يرد الشرع به، لكن لا يؤاخذه (¬11) في الآخرة، لأن العذاب ليس من الأحكام اللازمة لمباشرة المحظور (¬12). وإنما عرف جزاء له بوعيد الله تعالى، والله تعالى ما أوعد الجزاء بمباشرة (¬13) المحظور عند العذر. وكذا إفطار صوم رمضان بالإكراه من هذا القبيل. ¬

_ (¬1) في ب: "قال بعض أصحابنا: هو نوعان". (¬2) "عليه من قبل" من ب. (¬3) في أ: "وهي". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في الآخرة". (¬5) في ب: "اللسان". (¬6) في ب:. "مع بقا". (¬7) في ب: "و". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "النفس". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لا يحتمل". (¬10) في أ: "وكذا حرمة تناول". (¬11) كذا في ب. وفي أ: "لا يؤاخذ". وفي الأصل: "لا مؤاخذة". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "اللازمة للمحظور". (¬13) في أ: "بمباشرته".

والنوع الثاني - أن يسقط الحظر والمؤاخذة جميعاً (¬1). وذلك نحو حرمة الميتة (¬2) والخمر عند الإكراه والمخمصة، حتى لو امتنع فمات، فإنه يؤاخذ (أي يأثم) بدمه. وأما الصوم في حق المسافر في رمضان: فعند عامة مشايخنا رحمهم الله من القسم الأول، فإن العزيمة في حق المسافر، إذا كان لا يخاف الهلاك، هو الصوم، فيكون الصوم واجبًا في حقه، لكن المؤاخذة ساقطة مع قيام الوجوب. وعند بعض المشايخ من القسم الثاني، لأن الوجوب ساقط إلا أنه إذا ترك الترخص واشتغل بالعزيمة، يعود حكم العزيمة كما كان (¬3). وكلا القسمين رخصة، بطريق الحقيقة، لوجود التغير عن الأمر الأصلي إلى تخفيف وتيسير (¬4)، إلا أن القسم الثاني (¬5) أكمل (¬6) في الرخصة، لأن التيسير (¬7) والتغير فيه (¬8) عن الأمر الأصلي أكثر، وهو سقوط وصف الفعل وسقوط (¬9) الحكم جميعاً. فأما (¬10) قصر الصلاة في حق المسافر فليس برخصة عندنا، بل هو عزيمة. ¬

_ (¬1) "جميعاً" ليست في ب. (¬2) في أ: "الميت". وفي ب: "الميتة والدم والخمر". (¬3) "كما كان" من ب. (¬4) في ب: "تخفيف ويسر". (¬5) و (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الأول" وفي متن أ "القسم الثاني أكمل" وفي هامشها تصحيح بـ "أحق" فتكون "القسم الثاني أحق". (¬7) في (أ) و (ب): "اليسر". (¬8) "فيه" ليست في ب. (¬9) "سقوط" من ب. (¬10) في ب: "وأما".

وعند الشافعي رحمه الله رخصة، لأن المشروع الأصلي في الصلاة من حيث القدر (¬1) ركعتان، على ما روي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬2): "الصلاة في الأصل (¬3) ركعتان زيدت في الحضر، وأقرت في السفر" وقال عمر رضي الله عنه: "صلاة المسافر ركعت أن [تمام] (¬4) عن (¬5) غير قصر على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - " (¬6) ثم في حق المقيم تغيرت عن الأصل وصارت أربعة لكنه تغير إلى الغلظ والشدة (¬7) لا إلى التيسير والسهولة (¬8)، فلا (¬9) يسمى رخصة. وقال بعض مشايخنا رحمهم الله: الرخصة الحقيقية نوعان: أحدهما - ما تسقط (¬10) المؤاخذة فيه مع قيام الحرمة والوجوب على ما ذكرنا. والثاني - ما تسقط (¬11) المؤاخذة فيه والحرمة والوجوب مع قيام السبب المحرم والسبب الموجب (¬12). وهذا إنما يصح على قول من يقول بتخصيص ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "المقدر". (¬2) في أ: "ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال". (¬3) "في الأصل" ليست في (أ) و (ب). (¬4) في الأصل وأ و (ب): "تام" - يقال: بدر تمام، وبدر تمام. وليل التمام أطول ليلة في السنة (المعجم الوسيط). (¬5) "من" ليست في ب. (¬6) في أ: "نبيكم عليه السلام". (¬7) في ب: "إلى غلظ وشدة". (¬8) في أ: "إلى اليسر والسهولة". وفي ب: "إلى سهولة ويسر". (¬9) في ب: "ولا". (¬10) "ما تسقط" ليست في ب. (¬11) كذا في أ. وفي الأصل: "ما يسقط". و "ما تسقط" ليست في ب. (¬12) في ب: "السبب الموجب والمحرم".

العلة، ويجوز (¬1) قيام السبب (¬2) المحرم والموجب بلا (¬3) حرمة ولا وجوب. وقال بعض أصحاب الحديث: إن حقيقة الرخصة ما وسع على المكلف فعله، لعذر، مع كونه حراماً في حق من لا عذر له، أو وسع على المكلف تركه، مع قيام الوجوب، في الجملة في حق غير المعذور. وسوى بين الرخص كلها وقال: لا يجوز أن تكون (¬4) الرخصة حرام التحصيل: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحب أن يؤتى (¬5) برخصه كما يحب أن يؤتى (¬6) بعزائمه" وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، لعمار بن ياسر (¬7) رضي الله عنه، حين أكرهه الكفار على إجراء كلمة الكفر فأجرى،: "فإن عادوا فعد"، كيف وإن (¬8) بعض الرخص يجب تحصيله (¬9)، كما في تناول الميتة والدم عند الإكراه والمخمصة، وكما في الإفطار إذا خاف الهلاك. وهذا صحيح ويجب أن يكون قول أصحابنا رحمهم الله هذا، فإن معنى الرخصة السهولة واليسر، وذلك في سقوط الحظر والعقوبة جميعاً. وأما الرخصة بطريق المجاز: فهو كل حكم شرع، في الأصل، ¬

_ (¬1) في ب: "فيجوز". (¬2) "السبب" من ب. (¬3) في ب: "من غير". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يكون". (¬5) و (¬6) في أ: "تؤتى". (¬7) "بن ياسر" من أ. وعمار بن ياسر صحابي من السابقين إلى الإسلام. كان يعذب هو وأبوه وأمه في الله تعالى فيمر بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة". وهو أول من بنى مسجداً في الإسلام وهو مسجد قباء. روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان وستون حديثاً. وقتل بصفين مع علي رضي الله عنه سنة 37 هـ وهو ابن ثلاث وتسعين سنة (النووي، التهذيب). (¬8) "إن" من ب. وفي الأصل و (أ): "وفي". (¬9) في ب: "واجب التحصيل".

تيسيراً، لا أنه تغير (¬1) عن الأصل إلى التخفيف بعارض، لكن كان على التضييق (¬2) والعسر في شريعة من قبلنا من الأمم السالفة (¬3)، وذلك نحو وضع الإصر والأغلال التي كانت على (¬4) الأمم السالفة وصارت منسوخة، ولم يشرع مثلها في شريعتنا، بل على اليسر والسهولة. فعلى اعتبار الإضافة إلى الشريعة الماضية يشبه الرخصة فسميت (¬5) بها مجازاً. فأما ما شرع في شريعتنا بطريق السهولة و (¬6) اليسر كما هو في شريعة من قبلنا (¬7)، كإباحة أكل (¬8) الطيبات ولبس الزينة، فلا يسمى رخصة لا حقيقة ولا مجازاً. ثم ما قيل في حد الرخصة، و (¬9) هو استباحة المحظور مع قيام المحرم عبارة مشكلة: إن أريد بها إباحة المحظور (¬10) مع قيام المحرم (¬11) بلا حرمة، فهو قول بتخصيص العلة. وإن أريد بها إباحة المحظور مع قيام الحرمة نفسها (¬12)، فهو قول بالجمع (¬13) بين المتضادين، وكلاهما فاسدان (¬14). ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "لا أن يتغير". (¬2) في أ: "التضيق". (¬3) "السالفة" عن ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في". (¬5) في ب: "شمس". (¬6) "السهولة و" من ب. (¬7) في ب: "بطريق السهولة واليسر وفي شريعة من قبلنا كذلك". (¬8) في أ: "كإباحة كل". وفي ب: "كإباحة تناول". (¬9) "و" ليست في ب ففيها: "هو". (¬10) "إباحة المحظور" ليست في ب. (¬11) "المحرم" ليست في ب. (¬12) "نفسها" من ب. (¬13) في ب "وهو جمع بين". (¬14) لعل الأصح: "وكلاهما فاسد" أو "وهما فاسدان".

والصحيح ما ذكرنا من العبارة، وممكن تصحيح (¬1) ما ذكرنا من عبارة (¬2) بعض أصحاب الحديث. وإن ذكر حداً مقسماً بأن يقال: حد الرخصة ما وسع على المكلف بعذر. ثم ما وسع عليه نوعان (¬3): ما وسع فعله، أو ما وسع تركه (¬4) - حتى يصير حداً شاملاً للقسمين [جاز]. وبعضهم صحح هذه العبارة فقال: ما رخص فيه مع كونه حراماً. وهذا لا ينفع لأن الترخيص (¬5) إباحة أيضاً (¬6) وإن لم يكن إباحة مطلقة- كيف وقد أمر به النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لعمار رضي الله عنه (¬7): "فإن عادوا فعد"، وأدنى درجات الأمر هو (¬8) الإباحة - والله تعالى أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "من العبارتين وأمكن تصحيح" (راجع ص 60). (¬2) في ب: "من العبارة عن". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ثم ذلك نوعان". (¬4) كذا في الأصل وأ. وفي ب: "نوع وسع عليه فعله ونوع وسع عليه تركه". (¬5) كذا في ب والأصل وفي أ: "الترخيص" (¬6) "أيضاً" ليست في ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "كيف وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن عادوا فعد". راجع ترجمة عمار فيما تقدم في الهامش 7 ص 59. (¬8) في أ: "هي" وليست في ب.

[7] ومن أنواع الأحكام كون الفعل: أداء، وقضاء، وإعادة

[7] ومن أنواع الأحكام (¬1) كون الفعل: أداء، وقضاء، وإعادة فنذكر تفسير هذه الجملة من حيث اللغة، وعرف الشرع. أما الأداء والقضاء (¬2): فلفظان يستعملان (¬3) في اللغة أحدهما مكان الآخر (¬4) - قال الله تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض" (¬5). والمراد منه الأداء، لأن صلاة الجمعة لا تقضى (¬6). وقال الله تعالى: "فإذا قضيتم مناسككم" (¬7). ويقال: "قضي الدين"-. قال (¬8) النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدين مقضي" أي مؤدى (¬9). إلا أن الأداء (¬10) في اللغة ينبئ عن شدة الرعاية والمبادرة إلى تسليم عين (¬11) الواجب، فيستعمل في تسليم عين الواجب على طريق المسارعة. ولهذا (¬12) يقال في الثلاثي منه: "الذئب يأدو للغزال فيختله" (¬13) أي ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "ومن أنواع أحكام الأفعال". وفي أ "الفعل". (¬2) كذا في "ب". وفي الأصل و (أ): "القضاء والأداء". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يستعمل". (¬4) في ب: "مكان صاحبه". (¬5) سورة الجمعة: 10. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والمراد أداء صلاة الجمعة فإنها لا تقضى". (¬7) سورة البقرة: 200. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وقال". (¬9) "أي مؤدى" من ب. وفي المعجم الوسيط: أدى الدين قضاه. وأدى الصلاة قام بها لوقتها. (¬10) في ب: "وأما الأداء". (¬11) "عين" ليست في (أ) و (ب). (¬12) في ب: "ومنه يقال". (¬13) في أكذا: "الدئب يأدؤ للغزال يختله". وفي المعجم الوسيط: "أدا" للظبي ونحوه: خدعه ليصيده. وانظر البزدوي والبخاري عليه 12: 138.

يراعي حضوره شدة (¬1) الرعاية، وينتهز (¬2) الفرصة بالحيلة حتى يأخذه. وأما القضاء فعبارة عن الإحكام والإتقان - قال قائلهم (¬3). وعليهما مسرودتان (¬4) قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع أي أحكم صنعتهما. ويراد به إتيان (¬5) الفعل الواجب محكماً تاماً (¬6)، من غير قصور من حيث المعنى. فيستعمل في تسليم مثل الواجب، كما يستعمل في تسليم عينه، لاستوائهما من حيث المعنى. وأما في عرف الشرع: فالأداء عبارة عن تسليم عين الواجب، في وقته المعين شرعًا أو مطلقًا (¬7). والقضاء عبارة (¬8) عن تسليم مثل الواجب في غير وقته المعين شرعًا. ثم هو أنواع: - نوع منها (¬9) هو مثل الواجب (¬10) من كل وجه، صورة ومعنى، بأن عقل معناه، كتسليم المثل في المثليات لعد الاستهلاك حقيقة أو تقديراً بالغصب. ¬

_ (¬1) في ب: "بشدة". (¬2) في أ: "ويشمر وينتهز". (¬3) كذا في ب. وزاد في الأصل و (أ): "شعر". (¬4) المسرودة الدرع المثقوبة (اللسان). (¬5) في ب: "إثبات". (¬6) "تاماً" ليست في ب. (¬7) "أو مطلقاً" ليست في أ. انظر الجرجاني، التعريفات. (¬8) في أ: "وأما القضاء فعبارة". (¬9) "منهما" من أ. (¬10) في ب: "نوع مثل الأول".

- ونوع هو مثل الأول (¬1) معنى لا صورة، كتسليم القيمة فيما لا مثل له من الأعيان. - ونوع جعل مثلًا شرعًا، وإن لم يكن بينهما مشابهة من حيث الصورة والمعنى، من كل وجه، كالدية في باب القتل، والفدية في حق الشيخ الفاني، ونفقة الإحجاج مقام أداء الحج في حق المعذور على ما عرف في كتب الفقه. وأما الإعادة: فهي رد عين الفائت إلى يد صاحبه (¬2) حال قيامه - هو موجبه في اللغة: مأخوذ من العود. وفي إعادة الأجسام والأعراض، بعد الفناء والعدم، كلام دون العقلاء يعرف في مسائل الكلام (¬3). ولكن (¬4) الإعادة المستعملة في العبادات، في عرف الشرع، هي إتيان مثل الفعل (¬5) الأول على صفة الكمال، بأن وجب على المكلف فعل موصوف بصفة، فأداه على وجه النقصان، وهو نقصان فاحش -[فـ] يجب عليه الإعادة، وهي إتيان مثل الأول، ذاتاً، مع صفة الكمال على ما نذكر كيفية ذلك (¬6) في مسألة: الأمر بالفعل هل (¬7) يقتضي الإجزاء - إن شاء الله تعالى (¬8). ¬

_ (¬1) في أ: "للأول". (¬2) في أ: "وهو إتيان عين الفائت عن يد صاحبه إليه". (¬3) في ب: "يستقصى عليه في أصول الكلام". (¬4) في ب: "وأما". (¬5) "الفعل" من ب. (¬6) في ب: "كيفيته". (¬7) "بالفعل" من ب. وفي أ: "الأمر أنه هل". (¬8) انظر فيما بعد ص 137.

ثم عندنا ما يؤدى في خارج الوقت المعين، بعد فواته عن الوقت المعين، يكون قضاء، سواء كان وجوب الفعل ثابتًا (¬1) في الوقت بأن كان أهلا للتكليف أو لم يكن الوجوب (¬2) ثابتًا، لكن ليس في القضاء حرج (¬3)، كالحائض والنفساء والنائم والمغمى عليه والمجنون غير المطبق ونحو ذلك (¬4). ويعتبر وجوب الأداء في الجملة لا في حقه، ولكن (¬5) يعتبر في حقه (¬6) أهلية ثواب الأداء فيجب القضاء (¬7) نظرًا له. وقال بعض أصحاب الحديث: إن من وجب عليه الفعل (¬8) في الوقت، ففاته، عمدًا أو سهوًا، يكون المثل في الوقت الآخر (¬9) قضاء. وإن لم يكن الوجوب ثابتًا يكون أداء حقيقة، وهو فرض ثان (¬10) لكن سمي قضاء مجازًا إلا أن (¬11) من شرط هذا الفرض الثاني فوات الأول. و (¬12) لكن الصحيح ما ذكرنا، فإنه بالإجماع يجب عليه أن ينوي قضاء الفائت. وبين الأداء والقضاء (¬13) اختلاف في الأحكام، ولكن ليس من شرط القضاء وجوب الأداء في حق من وجب (¬14) عليه. ولكن الشرط ¬

_ (¬1) في ب كذا: "نايبا". (¬2) "الوجوب" ليست في أ. وفي ب كذا: "الوجوب نابيا". (¬3) في ب: "لكن لا حرج في القضاء". (¬4) "ونحو ذلك" ليست في أ. (¬5) و (¬6) في ب: "لكن". وفي أ: "لكن في حقه تعتبر". وأثابه أعاده ورجعه (المعجم الوسيط). (¬7) "فيجب القضاء" ليست في ب. وانظر ما يلي بعد قليل. (¬8) "الفعل" ليست في (أ) و (ب). (¬9) في أ: "في وقت آخر". (¬10) في ب: "ويكون هذا فرضًا ثانيًا". (¬11) في (أ) و (ب): "لأن". (¬12) "و" ليست في أ. (¬13) في ب: "القضاء والأداء". (¬14) "وجب" من أ.

[8] ومن أنواع الأحكام كثرة من

وجوب الأداء في الجملة لعموم (¬1) دليله وفواته عن الوقت في حقه، مع إدراك وقت القضاء، وانتفاء الحرج عنه (¬2)، على ما عرف في مسألة المجنون على الاستقصاء. والله أعلم. [8] ومن (¬3) أنواع الأحكام كثرة من: - كون الشيء مالًا مملوكًا متقومًا (¬4) - فيحتاج إلى تفسير المالية والملك والتقوم، وقد عرف ذلك في كتب الفقه ومسائل الخلاف (¬5). - وكذا تفسير الحرية والرق، والقيد والإطلاق، ونحوها -[فـ] يذكر في كتب الفقه و (¬6) مسائل الخلاف. وإنما ذكرنا بعض (¬7) ما يختص بأصول الفقه. والله الموفق. ¬

_ (¬1) في ب: "الشرط هو الوجوب لعموم". (¬2) "عنه" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وفي". (¬4) في ب: "ومملوكا ومتقوما". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والتقوم وهذا عرف في مسائل الخلاف". (¬6) في ب: "نذكره في كتب الفقه وفي". (¬7) في متن أ: "بقدر" وصححت في الهامش بكلمة "بعض".

الفصل الثاني في بيان ما يعرف به الأحكام

الفصل الثاني في بيان (¬1) ما يعرف به الأحكام ¬

_ (¬1) في ب: "في بيان أنواع". والفصل الأول تقدم بدءًا من ص 13.

الفصل الأول أسماء ما يعرف به الأحكام وتفسيرها

فيحتاج فيه إلى: - بيان أسماء ما يعرف به الأحكام. وتفسيرها من حيث اللغة وفي (¬1) عرف الشرع، وبيان حدودها. - وإلى بيان أنواعها (¬2). وإلى بيان كيفية دلالة الدلائل. ووجوه دلالتها على الأحكام (¬3). أما الأول فما يعرف به الأحكام له أسام (¬4) بعضها اسم جنسى، وبعضها اسم نوع. ويكون البعض أعم من البعض. وهو: الدليل، والحجة، والبينة، والبرهان، والآية، والعلامة، والعلة، والسبب، والشرط، واستصحاب الحال، ونحو ها (¬5). أما الدليل: في اللغة [فـ]، يستعمل في شيئين (¬6): يذكر ويراد به العلامة المنصوبة لمعرفة (¬7) المدلول. ولهذا سمي (¬8) الدخان دليلًا على النار، وسمي (¬9) العالم دليلًا على الصانع. ¬

_ (¬1) "في" من ب. (¬2) كذا في أ. وفى الأصل و (ب): "أنواعه". وانظر فيما يلي ص 76. (¬3) في ب: "ووجوه تعلقها بالأحكام". ويلاحظ أنا تعمدنا كتابة العبارة على هذا النحو نزولا عل منهج المؤلف في تناول هذه المسائل مما سيتبين. وانظر فيما يتعلق بالقرآن ص 79 وما بعدها. (¬4) في ب: "به فلها أسام". (¬5) "ونحوها" من (أ) و (ب). (¬6) في أ: "في الشيئين". (¬7) في ب: "المعرفة" (¬8) في ب: "يسمى". (¬9) "سمي" ليست في ب.

وقد (¬1) يذكر ويراد به الدال: فعيل بمعنى فاعل، نحو عليم وقدير بمعنى عالم وقادر (¬2). ولهذا يقال: دليل القافلة. ولهذا يسمى (¬3) الله تعالى دليلًا عند الإضافة فيقال في الدعاء: يا (¬4) دليل المتحيرين. وأما في عرف الشرع فقد (¬5) اختلفوا: فمنهم من قال: حقيقة الدليل هو الدال. ومنهم من قال: حقيقة الدليل (¬6) هو (¬7) العلامة التي تدل على المدلول. بناء على الاستعمال في المحلين جميعًا في اللغة. لكن الأصح أن يقال: إنه اسم للدال في حقيقة (¬8) اللغة. ولكن في عرف الاستعمال صار اسماً للعلامة، فيكون حقيقة عرفية. وقد أشار الشيخ الإمام (¬9) أبو منصور الماتريدي رحمه الله إلى المعنيين جميعاً فقال (¬10) في كتابه المسمى بـ "مآخذ الشرائع" في (¬11) أصول الفقه: الدليل هو الهادي، وهو المعرف لمن تأمل ما هو دلالة معرفته. وذكر في كتاب "الجدل": الدليل هو العلم الذي من سلكه أفضى به إلى غرضه ومقصوده (¬12). ثم إن اسم الدليل أعم من سائر الأسماء، فإنه يقع على جميع ما يعرف به ¬

_ (¬1) "قد" ليست في ب. (¬2) في ب: "العالم والقادر". (¬3) في أ: "سمي" .. (¬4) "دليلا عند ... يا" ليست في ب ففيها: "ولهذا يسمى الله تعالى دليل المتحيرين" (¬5) "فقد" من (أ) و (ب). (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الحقيقة" (¬7) في أ: "هي". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل وأ "الدال في حقيقته". (¬9) "الإمام" من ب. (¬10) في ب " قال". (¬11) في ب "من". (¬12) راجع فيما تقدم ص 3.

الحجة

المعلوم (¬1)، سواء كان محسوسًا معقولًا أو مشروعًا، حتى قال (¬2) أهل الكلام: دليل معرفة المعلومات ثلاثة: الحس، والخبر، والعقل. وكذا يقع على ما يوجب العلم والعمل (¬3) قطعًا، وعلى ما يوجب العمل والعلم ظاهرًا لا قطعًا (¬4)، فإن القياس وخبر الواحد وظاهر النصوص تسمى (¬5) أدلة، وإن لم تكن قطعية (¬6). وأما الحجة: فقيل: إنها مأخوذة من قولهم "حج" أي قصد، ومنه "حج بيت الله تعالى" (¬7) لأنه يقصد بالزيارة (¬8). وأما قي عرف الشرع: [فـ] سميت حجة، لأنها تقصد بالطلب لمعرفة الشيء (¬9) وعلى طريق الاستبصار (¬10)، أو عند مجادلة الخصوم. وقيل: إنها مأخوذة من قولهم "حج" أي غلب - يقال: "لج فحج" أي غلب فظفر (¬11). وكذا قال الخليل (¬12): الحجة اسم لوجه يظفر به على الخصوم - سميت "حجة" لأنها تغلب على من قامت عليه وألزمته حقًا (¬13). ¬

_ (¬1) في ب: "الأحكام". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يقول". (¬3) "العمل" من أ. ففي الأصل و (ب): "العلم قطعًا" (¬4) "وعلى ما يوجب ... لا قطعا" ليست في ب (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يسمى". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يكن" راجع فيما تقدم ص 8 - 10. (¬7) "تعالى" ليست في ب. (¬8) الحج الغلبة بالحجة، وكثرة الاختلاف والتردد، وقصد مكة للنسك (القاموس). (¬9) في أ: "الشرع". (¬10) في المعجم الوسيط: "استبصر الشيء: استبانه". (¬11) في أ: "وظفر". (¬12) الخليل بن أحمد: إمام في علم النحو. وهو الذي استنبط "علم العروض". وله كتب كثيرة منها "العروض" و "العين". وهو أستاذ سيبويه. وقد توفي سنة 175 هـ (ابن خلكان، وفيات الأعيان. والسيوطي، بغية الوعاة) (¬13) في ب: "الحق". وانظر اللسان وتاج العروس.

ولهذا قال الشيخ الإمام (¬1) أبو منصور الماتريدي رحمه الله: الحق ما غلبت حججه، وأظهر التمويه في غيره. وقيل: إنها (¬2) مأخوذة (¬3) من الحجى، وهو العقل، وأصله معتل (¬4). ثم استعمل مضاعفًا كالحقة والدرة (¬5): أصلهما (¬6): حقية وحقوة (¬7) ودروة (¬8). ثم في عرف الشرع تستعمل (¬9) في موضع يوجب العلم ظاهرًا، وفي موضع يوجب العلم يقينًا: فإن القياس وخبر الواحد، والآية المؤولة (¬10) تسمى (¬11) حجة، كما أن الاستدلال العقلي والنص القاطع يسمى حجة. لكن قيل: أصله أن يستعمل في موضع القطع. ولهذا قالوا قي حدها: إن الحجة هي التي يلزم (¬12) العاقل المنصف قبول ما له حجة (¬13). وقيل: هي ما يضطر (¬14) العاقل إلى قبوله. وقيل: هي التي لا (¬15) يقدر على جحدها جحد العقل، لا جحد اللسان. ¬

_____ (¬1) "الإمام" من ب. (¬2) "إنها" من ب. (¬3) في أ: "مأخوذ". (¬4) زاد بين السطور في الأصل: "أي ناقص". (¬5) كذا في ب والأصل. وفي أ: "والذرة". (¬6) في ب: "أصله". وفي الأصل: "أصلها". (¬7) "وحقوة" ليست في (أ) و (ب). (¬8) لعل هذا "ودروة" هو الصحيح. وفي أ: "وذروة". وفي ب كذا: "ودوه" ناقصة الراء. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يستعمل". (¬10) في ب: "المتأولة". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يسمى". (¬12) في أ: "تلزم". (¬13) في أ: "الحجة". (¬14) في أ: "ما تضطر". (¬15) في ب: "هى مالا".

البرهان

لكن في عرف الفقهاء صارت مستعملة في كل ما يلزم على الغير: إما من حيث القطع، أو من حيث الظاهر في حق العمل. و (¬1) أما البرهان: فهو في اللغة نظير الحجة. وهو موضوع في الأصل لما يوجب العلم قطعًا - قال الله تعالى: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" (¬2). ولهذا قالوا في حده: ما صحت به الدعوى، وظهر به صدق المدعي. وقيل: هو بيان صادق الشهادة. ثم في عرف الشرع مستعمل في الأمرين. وإنه عام أيضًا في العقلي والسمعي جميعًا. وأما البينة: فهي في اللغة مأخوذة (¬3) من البيان، وهو الظهور والإظهار. ومن البينونة وهو الفصل: سمي المعنى الظاهر الفاصل بين الحق والباطل بينة. وهي في الأصل اسم لا يوجب العلم قطعًا. ثم في العرف صارت مستعملة في الأمرين. ولهذا سميت الشهادة في باب القضاء بينة، وهي ليست بقاطعة. وأما الآية: فهي في اللغة اسم (¬4) لعلامة يظهر وجه دلالتها على ما جعلت علامة له. ¬

___ (¬1) "و" من (أ) و (ب). (¬2) البقرة: 111. والأنبياء: 24. والنمل: 64. والقصص: 75. و"إن كنتم صادقين" ليست في الأصل وأ. (¬3) في ب: "اسم مأخوذة". (¬4) "اسم" ليست في ب. وفي المعجم الوسيط: "الآية العلامة والأمارة ... ".

ولهذا تسمى (¬1) آثار الديار (¬2) الواضحة "آيات" كما تسمى "معالم" - قال النابغة: توهمت آيات لها (¬3) فعرفتها ... بستة (¬4) أعوام وذا العام سابع وقال آخر: "وغير آيها العصر" أي آثار الديار. وقيل: هي مشتقة من إيا الشمس، وهي ضوؤها - يقال إيا الشمس بكسر الهمزة مقصورة، فإن أسقطت الهاء فتحت الهمزة ممدودة فيقال: آياء (¬5) الشمس، فاشتقت الآية من ذلك، لظهور دلالتها في الوضوح، كضوء الشمس وشعاعها. ولهذا سميت معجزات الرسل صلوات الله عليهم: "آيات بينات" (¬6): قال الله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" (¬7). وقال الله تعالى لزكريا صلوات الله عليه: "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا" (¬8). وأما في عرف اللسان -[فـ] اسم لما يفيد العلم قطعًا، لكن يستعمل في محال مخصوصة، وهو في الدلالة (¬9) على ثبوت الصانع، وفي معجزات الأنبياء عليهم السلام (¬10)، وفي ألفاظ القرآن لا غير (¬11)، مع أن المعنى شامل لكل دليل واضح الدلالة. ¬

___ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يسمى". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الدار". وديار جمع دار (المعجم الوسيط). (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بها". (¬4) في أ: "لستة". (¬5) في المعجم الوسيط: إيا الشمس ضوؤها وشعاعها وحسنها. والجمع إياء. وإياة الشمس إياها. وفي ب: "يقال: آيا الشمس". (¬6) "بينات" من ب. (¬7) الإسراء: 101. و"قال الله تعالى: ... بينات" ليست في ب. (¬8) آل عمران: 41. (¬9) "وهو في الدلالة" ليست في ب. (¬10) في ب: "وفي معجزات الرسل". (¬11) "لا غير" ليست في ب.

العلامة

وأما العلامة: فهي اسم لمطلق المعرف للشيء في اللغة (¬1). ولهذا سميت (¬2) الرايات أعلامًا. قال الله تعالى: "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" (¬3). * * * ونذكر بيان العلة، والسبب، والشرط، و [استصحاب] (¬4) الحال، في باب القياس إن شاء الله تعالى (¬5). * * * وذكر الشيخ الإمام القاضي (¬6) أبو زيد (¬7) رحمه الله هذه الأسامي في أول كتابه المسمى بـ "التقويم" في أصول الفقه (¬8)، وبين معانيها لغة، وحدودها شرعًا، وفي بعضها نظر (¬9). فمن (¬10) وقف على حقيقة (¬11) ما ذكرته، يظهر له وجه الصواب في ذلك (¬12)، في اللغة والشرع، والله أعلم. ويعرف حقيقة ذلك على ¬

___ (¬1) "في اللغة" من ب. (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "سمى" وفي ب: "تسمى". (¬3) سورة النحل: 16. (¬4) راجع فيما تقدم ص 69 جث قال: "واستصحاب الحال". (¬5) انظر فيما بعد ص 609 وما بعدها و 657 وما بعدها. (¬6) كذا في ب وفي الأصل "القاضي الإمام" و "الإمام" ليست في أ. (¬7) أبو زيد الدبوسي اسمه عبيد الله بن عمر بن عيسى القاضي صاحب كتاب "الأسرار" و "تقويم الأدلة". والدبوسي نسبة إلى دبوسية وهي بلدة بين بخارى وسمرقند. قال السمعاني: كان من كبار فقهاء الحنفية ممن يضرب به المثل. توفي ببخارى سنة 430 هـ (القرشي، الجواهر، 2: 252. وياقوت، معجم البلدان). (¬8) كذا في ب وفي الأصل و (أ): "في أول أصول الفقه المسمى بالتقويم من تصنيفه" راجع فيما تقدم الهامش (1) ص (ف) من المقدمة. (¬9) انظر المخطوط 255 أصول فقه بدار الكتب المصرية "تقويم أصول الفقه"، ص 6 وما بعدها حيث بين معانى الآية والدليل والعلة والحال والحجة والبينة والبرهان. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ومن". (¬11) "حقيقة" من أ. وليست في الأصل وب. (¬12) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يظهر له ما هو الصواب في اللغة والشرع"

الفصل الثاني أنواع ما يعرف به الأحكام

الاستقصاء في شرح "التقويم" إن شاء الله تعالى، فإنه يحتاج (¬1) إلى الشرح ليقف عليه الفقهاء على الوجه. فالله الموفق. وأما [الثانى:] بيان أنواعه (¬2) فثلاثة تعرف بأصول الفقه، وهي (¬3): * الكتاب. * والسنة. * والإجماع. * والقياس الشرعي فرع هذه الأصول الثلاثة. فنبدأ بالكتاب، ثم بالسنة، ثم بالإجماع، ثم بالقياس - فيتم الكتاب بحمد الله وحسن توفيقه (¬4). ¬

_ (¬1) في ب: "محتاج". (¬2) المقصود أنواع ما يعرف به الأحكام - راجع فيما تقدم ص 69. حيث تكلم في "الأول" على "بيان أسماء ما يعرف به الأحكام". (¬3) "تعرف بأصول الفقه وهي" من ب. (¬4) عالج المؤلف غير ذلك من أدلة الأحكام، كما هو واضح من الاطلاع عل الكتاب، مثل شرائع من قبلنا، وتقليد الصحابى، واستصحاب الحال. وتكلم على التعارض والنسخ والترجيح. وكذا على الأهلية وأحوال المجتهدين.

1 - الكلام في بيان الكتاب

الكلام في بيان الْكتَابْ يحتاج (¬1) إلى: بيان كتاب الذي هو حجة في حقنا. وإلى بيان كونه حجة. وإلى بيان كيفية تعلق الأحكام الشرعية به. أما بيان الكتاب الذي هو حجة في حقنا فهو المسمى بالقرآن، المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬2): أمرنا بالإيمان والعمل به على طريق (¬3) التعيين. وأما ما عداه كل من سائر (¬4) كتب الله تعالى [فـ]، أمرنا بالإيمان بها على طريق الإبهام والجملة (¬5) دون التعيين، بل نهينا (¬6)، عن العمل بها والنظر فيها، صريحًا (¬7)، لأنه قد ثبت بنم كتاب الله تعالى، أعني القرآن، تحريف بعضها - قال الله تعالى (¬8): "يحرفون الكلم عن مواضعه" (¬9). ¬

_ (¬1) في ب: "أما الكلام في بيان الكتاب فيحتاج". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "على نبينا عليه السلام". (¬3) في ب: "بالإيمان به والعمل على طريق". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فأما سائر". (¬5) "والجملة" من ب. وفيها: "على سبيل". (¬6) في أ: "ونهينا". (¬7) "صريحًا" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لأنه ثبت تحريف به بعضها كما نص الله تعالى في القرآن بقوله تعالى". (¬9) النساء: 46. والمائدة: 13. وانظر أيضًا: المائدة: 14. والبقرة: 75.

وإنما عرفنا القرآن: كتاب الله تعالى ووحيه وتنزيله، بقول رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإخباره (¬1) بذلك. لكن الصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم عرفوا ذلك بإخباره سماعًا (¬2)، ونحن عرفناه (¬3) نخبره بالنقل عنه تواترًا، والثابت بالتواتر والمسموع بحس السمع سواء، على ما نذكر. ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله: إن التسمية المكتوبة في المصاحف على رأس السور، من القرآن، لكنها ليست من السور، لأنه ثبت بالتواتر أنها مكتوبة في المصاحف، ومتلوة مع السور، وما ثبت بالتواتر أنها من السور. وقد (¬4) روي عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال: التسمية (¬5) آية مكررة في القرآن، أنزلت للفصل بين السور، والبداية (¬6) بها تبركًا. ولهذا قال مشايخنا رحمهم الله (¬7): إن (¬8) التسمية تكتب في المصاحف على رأس السور، وتتلى معها، لثبوتها بالتواتر (¬9)، لكن تكتب (¬10) بخط على حدة، غير موصولة (¬11) بالسور، حتى لا يتوهم أنها منها. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بقول رسولنا عليه السلام وبإخباره". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لكن عرف الصحابة رضوان الله عليهم بخبره سماعًا". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عرفنا". (¬4) في ب: "وروي". (¬5) كذا في ب. وفي الاْصل: "عن محمد بن الحسن رحمه أن التسمية". (¬6) في أ: "وللبداية". والصحيح لغة "البدء" و "البداءة" (المعجم الوسيط). (¬7) "رحمهم الله" من أ. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬9) "ثبوتها بالتواتر" ليست في ب. (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يكتب". (¬11) في ب: "غير موصول".

وأما بيان كون الكتاب حجة فلأن (¬1) كتاب الله تعالى دليل على كلامه، وكلامه (¬2) صدق لا محالة (¬3)، فيجب الإيمان والعمل به (¬4) - قال الله تعالى: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه" (¬5). وأما بيان كيفية تعلق الأحكام به، وكونه دالًا عليها: فمن خمسة أوجه: من حيث العبارة، والإشارة، والإضمار، والدلالة (¬6)، والاقتضاء - عند عامة أهل الأصول. وبعضهم نقص عن هذه (¬7) الخمسة. وبعضهم زاد عليها، من نحو دليل الخطاب، وحمل الطلق على القيد، وغيرهما. و (¬8) أما معرفة تعلق الأحكام بالعبارة (¬9) فمبنية على معرفة أقسام الكلام في اللغة. وهي أربعة: الأمر، والنهي، والخبر، والاستخبار. والاستخبار لا يدخل في كلام الله تعالى (¬10)، بطريق الحقيقة، وهو الاستفهام (¬11)، إذ هو العالم بالأشياء كلها أزلًا وأبدًا (¬12)، لكن قد يذكر للتقرير، نفيًا أو إثباتًا. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لأن". (¬2) كذا في ب. وفي الاْصل و (أ): "وإنه". (¬3) "لا محالة" من ب. (¬4) في ب: "الايمان به والعمل". (¬5) الأنعام: 155. (¬6) في ب: "والإشارة، والدلالة، والإضمار". (¬7) "هذه" من ب. (¬8) "و" من ب. (¬9) في ب: "بالكتاب". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولا يدخل في كلام الله تعالى الاستخبار". (¬11) "وهو الاستفهام" ليست في ب. (¬12) "وأبدًا" من أ. وليست فى ب.

فصل في الأمر

فيبقى الأقسام الثلاثة، لتعلق الأحكام بها، وهي: الأمر، والنهي، والخبر (¬1). و (¬2) كل قسم من الأقسام الثلاثة ينقسم أقسامًا أخر من: العام والخاص، والمشترك والمؤول، والظاهر والخفي، والنص، والمشكل والمفسر والمجمل والمحكم والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والمطلق والمقيد، وغيرها. فنذكر أولا (¬3) أقسام الأمر، ثم أقسام النهي، ثم أقسام الخبر، ثم ما يتصل بها (¬4) من الفصول - فينتهي الفصل الأول، وهو (¬5) بيان الكتاب إن شاء الله تعالى (¬6). فصل في الأمرْ اعلم أن (¬7) مسائل الأمر (¬8) خمسة أقسام: فإنها ترجع إلى نفس الأمر، والآمر (¬9)، والمأمور، والمأمور به وهو الفعل، والمأمور فيه (¬10) وهو الزمان. وهذا تقسيم ضروري لا مزيد عليه. وكل قسم من هذه الأقسام (¬11) يتضمن عدة مسائل: ¬

_ (¬1) "وهي ... والخبر" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ثم". (¬3) "أولا" من ب، وفيها "فذكر أو لا". (¬4) "بها" ليست في ب. (¬5) في ب: "وهي". (¬6) "إن شاء الله تعالى" من ب. (¬7) "اعلم أن" من أ. (¬8) "الأمر" ليست في ب. (¬9) "والآمر" ليست في ب. انظر ص 162. (¬10) في ب: "وإلى المأمور وإلى المأمور به وهو الفعل وإلى المأمور فيه". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وكل قسم منها".

[1] أما التي ترجع إلى نفس الأمر

[1] أما التي ترجع إلى نفس الأمر فمنها - أن اسم الأمر ولفظه على ماذا يقع بطريق الحقيقة؟ قال عامة العلماء: إنه (¬1) يقع على القول في المخصوص، الذي هو أمر، على الحقيقة، على كل ما نبين حقيقته. ويقع (¬2) على الصيغة الموضوعة الدالة على الأمر لغة أيضًا. فهو (¬3) مشترك بين هذين الأمرين (¬4). ويقع على الفعل، والشأن، والصفة، والحال ونحوها بطريق المجاز. وقال بعض أصحاب الشافعي، رحمه الله: إنه اسم مشترك بين القول المخصوص والفعل، فيكون حقيقة لهما، ويقع على الباقي بطريق المجاز (¬5). وقال بعض أهل التحقيق: إنه (¬6) مشترك بين الكل بطريق الحقيقة - ويروى عن الشافعي. وهو قول بعض المتكلمين (¬7). وكلام أصحابنا يخرج على هذين (¬8) الطريقين (¬9): وفائدة الخلاف تظهر في أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل هي موجبة مثل أوامره؟ ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنه". (¬2) في ب: "الذى هو أمر حقيقة ويقع" - انظر المسألة التالية (ص 83). (¬3) في ب: "وهو". (¬4) "الأمرين" من ب. (¬5) زاد هنا في ب عبارة "يقال: أمر فلان مستقيم، ويراد به أفعاله وأحواله". وقد وردت هذه العبارة في الأصل وأ في موضع تال سنشير إليه في الهامش (8) ص 82. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنه". (¬7) "ويروى عن الشافعي ... المتكلمين" من أ. (¬8) "هذين" من أ. (¬9) "وقال بعض أهل التحقيق ... الطريقين" وردت في ب في موضع تال سنشير إليه في الهامش (5) ص 81.

فعندهم (¬1) موجبة. وعند بعض أصحابنا: غير موجبة. فهم تعلقوا (¬2) بقو له تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره" (¬3) - ألحق الوعيد بمن خالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، واسم الأمر يقع على فعله حقيقة، كما يقع على قوله (¬5) - يقال: أمور فلان حسنة (¬6) مستقيمة - ويراد بها (¬7) أفعاله وأحواله (¬8). وكذلك قد يظهر في التعلق (¬9) بلفظة الأمر الواردة في الأحكام. والصحيح قولنا: فإن العلم الفاصل بين الحقيقة والمجاز: ¬

_ (¬1) في ب: "فعنده". (¬2) كذا في ب وفي الأصل وأ. "وتعلقوا". (¬3) سورة النور: 63. (¬4) في هامش أ: "أي فعله" والظاهر أنها ليست من الكتاب. (¬5) هنا وردت في ب عبارة: "وقال بعض أهل التحقيق ... بطريق الحقيقة وكلام أصحابنا ... على الطريقين" المتقدمة - انظر فيما تقدم الهامش 9 ص 81. (¬6) "حسنة "من أ. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل: "به". (¬8) "يقال: أمور فلان ... وأحواله" في الأصل وأ مع بعض خلاف. ووردت في ب قبل هذا - انظر فيما تقدم الهامش 5 ص 81. وانظر السرخي, الأصول، 1: 11 - 12. ملاحظة: عبارة: "يقال أمور فلان حسنة مستقيمة ويراد بها أفعاله وأحواله" وردت هنا في الأصل وأ مع خلاف لفظي يسير بينهما. ووردت مع خلاف لفظي يسير أيضا في ب قبل هذا قبل قوله: "وقال بعض أهل التحقيق". وقد رأينا التنبيه إلى مكاني العبارة في ب وفي الأصل وأ لتكون تحت نظر القارئ كما هي في النسخ جميعًا، وإن كنا نرى أن موضعها الأنسب تبعًا لبعض الأصولين هكذا: "وقال بعض أهل التحقيق: إنه مشترك بين الكل بطريق الحقيقة - يقال: أمر فلان مستقيم ويراد به أفعاله وأحواله - ويروى عن الشافعي. وهو قول بحض المتكلمين" (انظر السرخي، الأصول، 1: 11 - 12. وتهذيب شرح الإسنوى على البيضاوي، 2: 7. وفواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت أسل المستصفى، 1: 367 وما بعدها. والبخاري على البزدوي، كشف الأسرار، 1: 100 وما بعدها). (¬9) في هامش أ: "أي تعلق الحكم" والظاهر أنها ليست من الكتاب.

- أن الحقيقة لا يجوز نفيها عن المسمى بحال، والمجاز يجوز نفيه: فالجد يسمى أبا ويجوز نفيه عنه فيقال: إنه جد وليس بأب (¬1)، والوالد يسمى أبا ولا يجوز نفيه بحال. وكذا هذا في إطلاق اسم الأسد على الرجل الشجاع والحيوان المخصوص. وههنا اسم الأمر لا يجوز نفيه عن القول المخصوص المطلق بحال ويجوز نفيه عن الفعل. - ومن علامة الحقيقة والمجاز أيضًا أن نافي الحقيقة يكذب، ونافي المجاز لا يكذب. وههنا نافي اسم الأمر عن القول المخصوص المطلق يكذب، ونافيه عن الفعل لا يكذب، فإن السلطان إذا لم يصدر منه صيغة الأمر في يوم يقال إن السلطان لم يأمر اليوم بشيء، وإن وجد (¬2) منه أفعال كثيرة - فبطل (¬3) كلامهم. والله الموفق. مسألة - في بيان حد الأمر وحقيقته: يجب أن يعلم (¬4) أن (¬5) الصيغة المخصوصة وهي قوله "افعل" (¬6) في الحاضر، و "ليفعل" (¬7) في الغائب، ليس بأمر حقيقة، في الشاهد والغائب جميعًا، وإنما هي دلالة عليه لغة (¬8)، عند عامة (¬9) أهل السنة والجماعة. وعند المعتزلة حقيقة الأمر هو (¬10) نفس هذه الصيغة. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "إنه جده وليس بأبيه". (¬2) في ب: "وإن كان قد وجد". (¬3) في ب: "فيبطل". (¬4) في أ: "نعلم". (¬5) في ب: "إن هذه". (¬6) في أهكذا: "أفعل" بهمزة. (¬7) انظر فيما بعد ص 87 - 88. (¬8) "لغة" من (أ) و (ب) وليست في الأصل. (¬9) "عامة" من أ. (¬10) "هو" ليست في أ. وفي ب: "هي".

وهذه المسألة فرع مسألة أخرى، وهي معرفة حقيقة الكلام وحده (¬1)، لأن (¬2) الأمر من باب الكلام. وعندنا: الكلام معنى قائم بالمتكلم ينافي صفة السكوت والآفة، أو صفة يصير الذات بها (¬3) متكلمًا في الشاهد والغائب جميعًا. وهذه (¬4) العبارات المنظومة والأصوات المقطعة بتقطيع خاص، دلالات عليه. وعندهم: الكلام في الشاهد والغائب جميعًا هو (¬5) هذه العبارات المنظومة. ومن هذا نشأ الخلاف المعروف بيننا وبينهم في قدم كلام الله تعالى وحدوثه: - فقالوا: إن كلام الله تعالى مخلوق محدث، لأنه عبارة عن هذه العبارات المنظومة، وهي مخلوقة. - وقلنا: إن كلام الله تعالى غير مخلوق لأن كلامه صفته، وهو تعالى (¬6) قديم، وصفاته قديمة, والعبارات المنظومة، دالة عليه، لا أنها (¬7) عين كلامه. وهي مسألة من مسائل الكلام تعرف ثمة (¬8) إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في ب: "معرفة حد الكلام وحقيقته". (¬2) في ب: "فإن". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "به". (¬4) "هذه" من (أ) و (ب). (¬5) "هو" ليست في أ. (¬6) "تعالى" من ب. (¬7) في أ: "لأنها". (¬8) في ب: "هنالك".

إذا (¬1) ثبت هذا نذكر حقيقة الأمر وحده (¬2) - فنقول: اختلفت (¬3) عبارات أهل السنة فيه: قال الشيخ الإمام الزاهد (¬4) أبو منصور الماتريدي رحمه الله: إن الأمر حقيقة هو القول الذي هو دعاء إلى تحصيل الفعل، على طريق العلو والعظمة، دون التضرع. وقيل: هو القول الذي هو طلب تحصيل الفعل، على طريق الاستعلاء، دون التذلل. وقيل: هو الاستدعاء على طريق الاستعلاء قولا. وقيل: هو اقتضاء الطاعة من المأمور بإتيان (¬5) المأمور به قولا. وهذه العبارات متقاربة من حيث المعنى (¬6). و (¬7) لا يلزم على هذه الحدود السؤال والدعاء في الشاهد (¬8) بأن قال الرجل (¬9) لغيره: "اعطني درهمًا" أو قال: "اللهم اغفر لي" لأن هذا طلب الفعل على طريق التذلل، لا على طريق الاستعلاء. وإنما ذكرنا القول احترازًا عن الإشارة في الشاهد، وعن (¬10) فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهما يدلان على طلب التحصيل، وليسا بأمر، واحترازًا عن قول (¬11) الذي هو مفترض الطاعة للمكلف [مثل]: "أوجبت عليك أن تفعل ¬

_ (¬1) في ب: "وإذا". (¬2) في ب كذا: "وحد الأمر وحقيقته". (¬3) فى أ: "اختلف". (¬4) "الإمام الزاهد" ليست في ب. (¬5) في ب: "بإثبات". (¬6) في ب: "متقاربة المعاني". (¬7) "و" من أ. (¬8) "في الشاهد" من أ. (¬9) "الرجل" ليست في أ. (¬10) "عن" من ب - راجع فما تقدم ص 81. (¬11) في أ: "القول".

كذا" أو "أوجبت (¬1) عليك فعل كذا" أو "أطلب منك أن تفعل كذا" أو "أريد منك فعل كذا" - إن هذا كله طلب تحصيل الفعل، وليس (¬2) بأمر، لأنا نقول: هذا ليس بدعاء، ولا طلب بنفسه، وإنما هو خبر عن طلب الفعل، أو دليل عليه. وقيل: طلب الفعل ممن له ولاية الطلب. وهذا ليس بصحيح، فإن الأمر من السلطان، بالقتل ظلمًا، وبالزنا، وباللواطة (¬3)، أمر حقيقة، حتى إنه (¬4) إذا امتنع المأمور عن الفعل- يقال له (¬5) إنه (¬6) خالف أمر السلطان، وإنه طلب شيء ليس له ولاية طلبه شرعًا. وقيل: طلب الفعل ممن هو دونه في الرتبة أمر، وممن هو مثله سؤال، وممن هو فوقه شفاعة. وهذا لا يصح، فإن طلب الفعل ممن هو دونه على طريق التضرع لا يكون أمرًا بل يكون شفاعة وسؤالا. وكذا طلب الفعل (¬7) ممن هو فوقه على طريق الاستعلاء يكون أمرًا حتى ينسب الطالب إلى الحمق أو (¬8) سوء الأدب، فيقال: إنه أمر من هو فوقه، ولكن الشرط هو الاستعلاء. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "واجب عليك ... ". (¬2) "و" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "واللواطة". (¬4) "إنه" من أ. (¬5) "له" ليست في (أ) و (ب). (¬6) "إنه" من (أ) و (ب). (¬7) "ممن هو دونه ... طلب الفعل" ليست في ب. (¬8) في ب: "و".

وأما حد الأمر (¬1) وحقيقته عند المعتزلة فقد اختلفت عباراتهم فيه (¬2): قال أكثر البصريين من المعتزلة: لابد من شرائط ثلاثة لصيرورة الكلام (¬3) أمرًا: أحدها - أن يكون طلب الفعل بالصيغة الموضوعة له لغة وهو قولك: "افعل" في المخاطبة و (¬4) "ليفعل" في المغايبة، حتى لو كان الطلب بصيغة الخبر بأن قال: "أطلب منك (¬5) أن تفعل كذا" أو "أريد منك فعل كذا" (¬6) لا يكون أمرًا. وكذا بصيغة (¬7) النهي لا يكون أمرًا بأن قال له (¬8): "لا تتحرك" لا يكون أمرًا بالسكون، وإن وجد منه طلب فعل السكون. والثاني - أن يكون الطلب (¬9) على طريق العلو، لا على وجه التذلل (¬10). والثالث - إرادة وجود الفعل المأمور به، من المأمور. وقالوا في تحديد الأمر: إنه قول (¬11) يقتضي استدعاء الفعل بنفسه، لا على جهة التذلل. وقال بعض البصريين من المعتزلة: يشترط لصيرورة هذه الصيغة (¬12) أمرًا ثلاث إرادات من الآمر: ¬

_ (¬1) في ب: "وإنما حد للأمر". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فيها". (¬3) في ب: "هذه الصيغة". (¬4) في أ: "أو". (¬5) "منك" من (أ) و (ب). (¬6) "أو أريد منك فعل كذا" من ب. (¬7) في ب: "صيغة". (¬8) "له" من ب. (¬9) "الطلب" ليست في ب. (¬10) في ب: "العلو دون الذلل". (¬11) في ب: "وقالوا في تحديده: قول". (¬12) "الصيغة" ليست في ب.

إحداها (¬1) - إرادة إحداث هذه الصيغة، لأن الآمر هو الموجد للكلام عندهم، والأمر حقيقة (¬2) من باب الكلام. والثانية - إرادة كون هذه الصيغة أمرًا، فإن المتكلم قد يريد بهذه الصيغة التهديد والإباحة ومعاني ليست بأمر. والثالثة - إرادة وجود المأمور به. وقال البغداديون من المعتزلة: إن الأمر أمر لعينه (¬3) وصيغته (¬4)، وإنما يحمل على غيره بدليل، ولا يشترطون الإرادة، لأنهم ينكرون (¬5) الإرادة صفة الله تعالى. وكذا قالت النجارية (¬6): إن الأمر أمر لصيغته وعينه (¬7)، وإن كانوا، هؤلاء (¬8)، يثبتون الإرادة صفة لله تعالى لذاته. ¬

_ (¬1) في ب: أحدها". (¬2) "حقيقة" ليست في (أ) و (ب). (¬3) في متن أ "لعينه" وعلى هامشها تصحيح كذا: "بعينه". (¬4) "وصيغته" من ب. (¬5) في ب: "لا يريدون"- قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 77 - 78): "وانفرد الكعبي عن أستاذه (الخياط) (وهما من معتزلة بغداد) بمسائل: كل منها قوله إن إرادة الباري تعالى ليسث صفة قائمة بذاته ولا هو مريد لذاته، ولا إرادته حادثة في محل أو لا في محل، بل إذا أطلق عليه أنه مريد فمعناه أنه عالم قادر غيرمكره في فعله ولا كاره. ثم إذا قيل هو مريد لأفعاله، فالمراد به أنه خالق لها على وفق علمه. وإذا قيل هو مريد لأفعال عباده فالمراد به أنه أمر بها راض عنها .. ". وقال الشهرستاني (1: 55) إنه أخذ ذلك عن النظام إذ أن النظام يقول في الإرادة: "إن الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة. فإذا وصف بها شرعًا في أفعاله فالمراد بذلك أنه خالقها ومنشئها على حسب ما علم. وإذا وصف لي كونه مريدًا لأفعال العباد فالمعنى به أنه آمر بها وناه عنها وعنه أخذ الكعبي مذهبه في الإرادة". (¬6) النجارية طائفة من المعتزلة هم أصحاب الحسين بن محمد النجار وقد مات في حدود سنة 230 هـ (انظر في مذهبهم: الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 88 - 90) وفي تعريفات الجرجاني أنهم أصحاب محمد بن الحسين النجار. (¬7) في أ: "بصيغته وعينه". وفي ب: "لعينه وصيغته". (¬8) "هؤلاء" من ب.

وقال بعض النجارية: الأمر يكون أمرًا، لإرادة كون هذه (¬1) الصيغة أمرًا. * * * هذا هو تحديد الخصوم للأمر، وبيان (¬2) شرائط حقيقته. - ثم ما شرطوا من صفة (¬3) الاستعلاء فهو متفق عليه. - وما شرطوا من طلب الفعل بالصيغة الموضوعة له لغة، فهو مبني (¬4) على مذهبهم، على ما قلنا، إن نفس هذه الصيغة أمر عندهم. وعندنا طلب الفعل بالقول المخصوص هو الأمر، وإنما الصيغة دالة عليه (¬5) - وما شرطوا (¬6) من إرادة وجود المأمور به (¬7)، فهو مبني على مذهبهم أيضًا (¬8). فأما عند أهل السنة والجماعة: [فـ] هذا ليس بشرط (¬9). وهذا فرع مسألة أخرى: أنه هل يجوز أن يأمر الله تعالى بفعل لا يريد وجوده، بل يريد (¬10) عدمه؟ فعند أهل السنة والجماعة: هذا جائز (¬11)، كما أمر فرعون بالإيمان ولم يرد منه الإيمان، بل أراد منه الكفر، لأن ما أراد الله تعالى يكون، لا محالة، عندنا. ¬

_ (¬1) "هذه" ليست في ب. (¬2) في ب: "هذا تحديد الخصوم وبيان". (¬3) "صفة" من ب. (¬4) في ب: "فهذا ينبني" (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فأما طلب الفعل بالقول المخصوص [فـ]، هو الأمر عندنا والصيغة دالة عليه". (¬6) في ب: "وما شرطوه". (¬7) في ب كذا: "وجود الفعل من المأمور به". ولعل "من" زائدة. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو مذهبهم". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فأما عند أهل السنة [فـ] ليس بشرط". (¬10) "يريد" ليست في ب. (¬11) كذا في ب. وفي الاْصل و (أ): "فعند أهل السنة جائز".

وعندهم لا يجوز الأمر بشيء لا يريد وجوده، والله تعالى عندهم أراد إيمان فرعون وما أراد وجود الكفر منه، لكنه لم يفعل فرعون ما أراد الله تعالى منه، لشؤم طبعه وسوء اختياره (¬1) - وهذه من مسائل الكلام تعرف هنالك إن شاء الله تعالى (¬2). مسألة - في بيان أن هذه الصيغة المخصوصة موضوعة للأمر حقيقة على طريق الخصوص أو هي مشتركة (¬3): قال عامة الفقهاء وبعض المتكلمين: إن هذه الصيغة موضوعة للأمر حقيقة، على طريق الخصوص دون الشركة (¬4). لكن عند المعتزلة: هذه الصيغة نفس الأمر. وعند أهل السنة والجماعة (¬5): دلالة (¬6) على الأمر - على ما مر. وقال أكثر الواقفية (¬7) إنه (¬8) لا صيغة للأمر بطريق التعيين (¬9)، بل هي صيغة مشتركة بين معنى الأمر وبين المعاني التي تستعمل فيها، فهي موضوعة للكل جقيقة بطريق الاشتراك، وإنما تتعين للبعض بالقرينة- وهم بعض الفقهاء، وأكثر المتكلمين. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لسوء اختياره وشؤم طبعه". (¬2) "تعرف ... تعالى" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي أ: "أم تكون مشتركة". وفي الأصل: "أم يكون مشتركة". (¬4) "على طريق الخصوص دون الشركة" من (أ) و (ب) وليست في الأصل. (¬5) "والجماعة" من ب. (¬6) في ب: "دالة". وراجع فيما تقدم ص 83. (¬7) في ب: "الرافضة". والواقفية فرقة من المتصوفة والمبطلة. وأما الرافضة ففرقة من الشعية تجيز الطعن في الصحابة. سموا بذلك لأن أوليهم رفضوا زيد بن على حين نهاهم عن الطعن في الشيخين (المعجم الوسيط. والشهرستاني، 1: 155). (¬8) كذا في ب وفي الأصل و (أ): "بأنه". (¬9) في أ: "التعين".

وقال بعض الواقفية (¬1): إن الصيغة موضوعة للأمر في أصل اللغة، لكن بحكم الاستعمال، في غيره من المعاني، صارت مشتركة. وبعضهم قالوا بأنها مشتركة بين معنى الإيجاب والندب لا غير، بطريق الحقيقة، وفي غيرهما (¬2) تستعمل مجازًا. وبعضهم قالوا بأنها (¬3) مشتركة بين المعاني الثلاثة: الإيجاب، والندب، والإباحة. وقال مشايخ سمرقند بأن (¬4) حقيقة الأمر هو (¬5) الطلب، ومعناه يشمل الندب والإيجاب. وشبهتهم في ذلك (¬6) أن هذه الصيغة مستعملة في هذه المعاني، بمنزلة اسم القرء للحيض والطهر، واسم العين لعان كثيرة، من غير أن يكون بين معنى الأمر وبين هذه المعاني مشابهة تصلح طريقًا للمجاز، فيجب القول بطريق الاشتراك ضرورة. والصحيح قول العامة، فإن عامة (¬7) أئمة اللغة قالوا: الأمر قول القائل لمن دونه في الرتبة "افعل". وقالوا: إن (¬8) أقسام الكلام أربعة: أمر، ونهي، وخبر، واستخبار. فالأمر كقولك: "افعل"، والنهي كقولك (¬9): "لا تفعل"، ولأن العلم الفاصل بين الحقيقة والمجاز ¬

_ (¬1) في ب: "بعض المتكلمين الواقفية". (¬2) في ب: "غيرها". (¬3) "بأنها" ليست في ب. (¬4) "بأن" ليست في ب. (¬5) في ب: "هي". (¬6) "في ذلك" من ب. (¬7) "عامة" من ب. (¬8) "إن" ليست في ب. (¬9) "كقولك" من ب.

والمشترك أن الحقيقة ما تسبق (¬1) إليها أفهام الناس من غير قرينة، والمشترك ما يحتمل الأشياء المختلفة احتمالا على السواء من غير أن يسبق إلى الأفهام بعضها، والمجاز ما يتناول غير الموضوع لنوع مشابهة بينهما (¬2)، بطريق الخصوص. ومن سمع قول القائل لغيره "افعل" فإنه يسبق (¬3) إلى فهمه الأمر الذي هو طلب تحصيل (¬4) الفعل، دون الإباحة التي هي تخيير بين الترك والتحصيل، ودون التهديد (¬5) الذي هو عبارة عن [طلب] (¬6) ترك الفعل. وخرج الجواب عن شبهتهم بما ثبت من وضع أهل اللغة [أن] هذه الصيغة للأمر على طريق الخصوص دون الشركة، وبما ذكرنا من الاستعمال الخاص (¬7) على وجه تسبق (¬8) أفهام الناس إليه من غير قرينة (¬9). مسألة: اختلف غير الواقفية فيما بينهم: قال عامتهم: إن هذه الصيغة أمر أو دلالة على (¬10) الأمر، لعينها وصيغتها، ومتى اقترنت بها قرينة يحمل (¬11) عليها بدليل مجازًا. ¬

_ (¬1) كذا في أو ب. وفي الأصل: "ما يسبق". (¬2) في ب: "غير الموضوع له المشابهة بينهما". ولعل الصحيح فيها: "لمشابهة". (¬3) في ب: "افعل: سبق". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "إلى فهمه الأمر وطلب تحصيل". (¬5) في (أ) و (ب): "والتهديد". (¬6) قال في فواتح الرحموت (1: 373): " ... لأنه (أي الأمر) يجيء لمعان كثيرة منها التهديد وفيه المطلوب الترك". (¬7) في ب كذا: "عن شبهتهم لما ثبت وضع أهل اللغة ... ولما ذكرنا من الاستعمال الخاص". وفي أ: "لما ثبت وضع اللغة الأمر على طريق الخصوص دون الشركة، ولما ذكرنا من استعمال الخاص". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يسبق". (¬9) "إليه من غير قرينة" ليست في أ. وأضاف في أ: "والله أعلم". (¬10) "على"، من ب. (¬11) في أ: "تحمل".

وقال أهل التحقيق منهم: إن هذه الصيغة لم تكن أمرًا، أو (¬1) دلالة على الأمر لعينها فإن عينها توجد في موضع القرينة ولا تكون أمرًا، ولكن تكون أمرًا لتعريها وتجردها عن القرائن (¬2) الصارفة عن معنى الأمر. وهذا أصح (¬3)، لأن الحكم المتعلق بالعين ثابت ما بقيت (¬4) العين، وإن انضم إليه غيره. مسألة: ثم إذا اقترنت (¬5) بالصيغة قرينة تعين بها معنى الإباحة أو التهديد، هل يكون اللفظ بطريق الحقيقة أم بطريق المجاز (¬6)؟ - اختلفوا فيه: قال أكثر الفقهاء: إنه بطريق المجاز. وقال بعض أصحاب الحديث: إنه بطريق الحقيقة. كما قالت الواقفية، لا بالطريق الذي قالوا، لكن قالوا: الصيغة المفردة المطلقة (¬7) غير الصيغة المقيدة بالقرينة، فتكون الصيغة المطلقة وحدها حقيقة للأمر، ومع قرينة الإباحة للإباحة حقيقة (¬8)، ومع قرينة التهديد للتهديد حقيقة- نظيره ما قال أهل اللغة والفقهاء بأجمعهم (¬9) إن اللفظ مع الاستثناء حقيقة للباقي وبدون الاستثناء حقيقة للكل، فإنه إذا قال لفلان "علي عشرة إلا خمسة" تجب خمسة - فالعشرة وحدها بدون ¬

_ (¬1) في أ: "-" (¬2) في ب: "ولا تكون أمرًا لتعريها عن القرائن". (¬3) في ب: "صحيح". (¬4) كذا في ب وفى الأصل و (أ): "ما بقي". (¬5) كذا فى أ. والأصل، و (ب): "إذا اقترن". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أو التهديد [أ] يكون اللفظ له بطريق المجاز أم بطريق الحقيقة". (¬7) في ب: "المطلق". (¬8) "حقيقة" من (أ) و (ب). (¬9) في ب: "بأسرهم".

الاستثناء موضوعة للعدد الخاص وهو العشرة (¬1)، ومع الاستثناء موضوعة للخمسة، فيكون لهذا العدد الخاص (¬2) اسمان: خمسة وعشرة إلا خمسة - فكذلك هذا. ووجه قول العامة إنه لما ثبت أن هذا اللفظ للأمر حقيقة، فإذا اقترن به دليل الإباحة أو غيره، فقد تغير معنى الأمر، فيجب الحمل على المجاز ضرورة. وما قالوه فاسد، فإنه (¬3) يؤدي إبطال القول بالمجاز، فإن المجاز لابد له من قرينة، فمتى صار حقيقة مع القرينة كان الكلام كله قسمًا واحدا (¬4)، فيكون خلاف إجماع أهل اللغة فإنهم قسموا الكلام إلى قسمين (¬5): حقيقة ومجاز. ثم هؤلاء لم يقولوا: إن اسم الأسد إذا أريد به الرجل الشجاع بقرينة يكون الاسم للشجاع حقيقة، وكذا اسم الحمار للبليد، ولا فرق بين الفصلين - والله أعلم (¬6). مسألة: - ثم هذه الصيغة، بشرط تعريها عن الصوارف، تكون (¬7) فى دلالة على الأمر، عندنا. ¬

_ (¬1) "وهو العشرة" عن ب. (¬2) "الخاص" ليست في ب. (¬3) في أ: "لأنه" (¬4) "كان الكلام قسمًا واحدًا" ليست في (أ) و (ب). وربما في الأصل: "واحدًا فحسب". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أهل اللغة أن الكلام قسمان". (¬6) "والله أعلم" ليست في ب. (¬7) في أ: "يشترط تعريها عن الصوارف لتكون".

لكن قد (¬1) تعرف حقيقة الأمر بغيرها من الدلائل، لأنها دليل على الأمر، لا حقيقة الأمر (¬2) وحده - وشرط صحة الدليل الاطراد دون الانعكاس، وإنما الاطراد والانعكاس جميعًا (¬3) شرط في الحقائق والحدود (¬4) دون الدلائل (¬5)، وهذه الصيغة المطلقة مطردة في كونها دليل الأمر، فإنه لا توجد (¬6) هذه الصيغة (¬7) المطلقة إلا ويكون (¬8) دليلا على الأمر. وعند المعتزلة: لما كانت هذه الصيغة حقيقة الأمر (¬9)، وشرط صحة حقيقة الشيء (¬10) أن تكون مطردة ومنعكسة (¬11)، لا جرم يلزمهم أن يقولوا: لا يجوز أن توجد هذه الصيغة إلا أمرًا، ولا يجوز أن يوجد أمر بدون هذه الصيغة، وإلا فتلزمهم (¬12) المناقضة، وقد ناقضوا - حيث قالوا بوجود (¬13) هذه الصيغة في مواضع، ولا يكون (¬14) أمرًا، وحملوا على المجاز فلم يوجد الاطراد، وقالوا لم تكن حقيقة مع وجود ذات الحقيقة، وهذا تناقض بين. ¬

_ (¬1) "قد" ليست في أ. وفي ب: "لكن جاز أن يعرف حقيقة .. ". (¬2) في ب: "للأمر". (¬3) "جميعًا" من ب. (¬4) في ب: "في الحدود والحقائق". (¬5) "دون الدلائل" من ب. (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا يوجد". (¬7) "الصيغة" ليست في ب. (¬8) في أ: "إلا وأن تكون". (¬9) في أ: "للأمر". (¬10) في ب: "الحقيقة". (¬11) في أ: "مطردة منعكسة". (¬12) كذا في أوفي ب: "يلزمهم". وفي الأصل: "فيلزمهم". (¬13) في ب كذا: "يوجد". (¬14) في أ: "ولا تكون".

ثم بيان دلائل أخر على أن (¬1) أمر الله تعالى غير (¬2) هذه الصيغة، فإن خبر الله تعالى عن أمره دال عليه، نحو قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (¬3). وكذا خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أن الله تعالى (¬4) أمر بكذا" دليل عليه أيضًا (¬5). وكذا إجماع الأمة على الأمر دليل عليه أيضًا. وكذا لفظة (¬6) الإيجاب، والفرض، والإلزام، والكتابة، ونحوها - دليل على الأمر. وكذا صيغة النهي دليل على الأمر بضده. وكذا يعرف أمر الله تعالى بالعقل في الأشياء التي تعرف بمجرد العقل، قبل بلوغ الدعوة، وقبل مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - زمان الفترة. وكذا في الشاهد: يعرف الأمر بالخبر والرمز والإشارة بأن قال: "أمرتك بكذا" أو "أطلب (¬7) منك كذا" - والله أعلم. مسألة: في بيان حكم الأمر المطلق الصادر من مفترض الطاعة قالت الواقفية: إنه (¬8) لا حكم له بدون القرينة، على ما ذكرنا. وقال عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين، سوى (¬9) الواقفية، بأن حكمه وجوب العمل والاعتقاد قطعًا - وهو قول مشايخ العراق من أصحابنا. ¬

_ (¬1) "أن" من أ. (¬2) في ب: "سوى". (¬3) سورة النحل: 90. (¬4) "تعالى" ليست في ب. (¬5) "أيضا" ليست في ب. (¬6) في ب: "وكذلك لفظ". (¬7) في الأصل: "وأطلب". وفي أ: "إذا طلب". (¬8) "إنه" ليست في ب. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "غير".

وقال مشايخ سمرقند، [و]، رئيسهم الشيخ (¬1) الإمام (¬2) أبو منصور الماتريدي رحمه الله بأن حكمه الوجوب من حيث الظاهر، عملا لا اعتقادًا، على طريق التعين (¬3)، وهو أن لا يعتقد فيه بندب ولا إيجاب قطعًا (¬4)، على طريق التعين (¬5)، ويعتقد على طريق (¬6) الإبهام أن ما أراد الله تعالى به (¬7) من الإيجاب القطعي (¬8) والندب فهو حق، ولكن يأتي بالفعل لا محالة، حتى إنه إذا أريد به الإيجاب على سبيل القطع (¬9) يخرج عن عهدته (¬10)، وإن أريد به الندب يحصل له الثواب، وهو تفسير الوجوب في عرف الفقهاء عندنا (¬11)، كا قال أبو حنيفة رحمة الله عليه في الوتر: إنه واجب. والخلاف بين أصحابنا في الاعتقاد (¬12)، لا في وجوب العمل. ويكون التعلق بظواهر الآيات الواردة في الأمر صحيحًا في حق وجوب العمل. أما وجوب الاعتقاد [فـ] أمر بين العبد وبين الله تعالى، فيكفيه مطلق (¬13) الاعتقاد أن ما أراد الله تعالى به فهو حق (¬14)، كما في النص المجمل والمتشابه. ¬

_ (¬1) "الشيخ" من أ. (¬2) "الإمام" من ب. (¬3) في أ: "التعيين". (¬4) "قطعًا" ليست في أ. (¬5) في أ: "التعيين". (¬6) "طريق" من ب. (¬7) "به" ليست في أ. (¬8) "القطعي" من ب. (¬9) "على سبيل القطع" من ب. (¬10) في ب: "العهدة". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عند الفقهاه كما قال .. ". راجع فيما سبق ص 25 - 26. (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "الاعتداد". (¬13) "مطلق" ليست في ب. (¬14) في أ: "ما أراد الله تعالى فهو حق" وفي ب: "ما أراد الله به حق".

وقال بعض الفقهاء: حكمه الإباحة، لأنه أدنى ما يحتمله اللفظ، فيكون متيقنًا (¬1). وقال بعضهم: حكمه الندب. وروي هذا عن (¬2) الشافعي رحمه الله. وبه قال أكثر الأشعرية والمعتزلة مع اختلاف أصولهم: - فإن معتزلة البصرة قالوا: مقتضى صيغة الأمر مطلقًا كون الفعل المأمور به مرادًا، وكون الأمر مريدًا له (¬3). ثم إن كان الآمر حكيمًا يقتضي كون الفعل حسنًا، إما واجبًا أو ندبًا، لأن الحكيم لا يريد إلا الحسن, فيكون الحسن من مقتضى الحكمة، لا من مقتضى الصيغة، فإن قام الدليل على الوجوب يحمل عليه، وإن لم يقم يتعين الندب مرادًا به (¬4) لكونه متيقنًا (¬5). - ومن توقف كل من الأشعرية هذه الصيغة، لكونها مشتركة بين الندب والإيجاب فحسب، قالوا: إن صيغة الأمر عند الإطلاق موضوعة للطلب لغة, لكن الطلب من الحكيم يقتضي كون المطلوب حسنًا، والمطلوب الحسن كل مطلقًا هو المندوب، فأما الواجب ففيه (¬6) زيادة أمر (¬7) وراء الحسن، فيكون مقيدًا. فعند الإطلاق يحمل على الندب، وعند القرينة يحمل على الوجوب. فاتفق (¬8) الفريقان على الندب مع الاختلاف في العلة. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "مسفيا". انظر فيما يلي الهامش 5 ـ. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل وأ "ويروى عن". (¬3) "له" ليست في أ. (¬4) "مرادًا به" من ب. (¬5) في ب كذا: "مسفيا". انظر فيما سبق الهامش 1. (¬6) كذا في أ. وفي الأصل وب "فيه". (¬7) "أمر" ليست في ب (¬8) في ب: "فإذا اتفق".

وجه قول العامة: الكتاب، والسنة، ودلالة الإجماع، والمعقول: أما الكتاب - فقوله تعالى: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" (¬1). والمراد بالآية أمر الرسول عليه السلام، فإنه بناء على قوله تعالى: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لي بعضًا" (¬2)، والدعاء على طريق العلو والعظمة (¬3)، ممن هو مفترض الطاعة، أمر. فالاستدلال بالآية (¬4): أن الله تعالى ألحق الوعيد الشديد (¬5) بمخافة (¬6) أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا، ومخالفة أمره هو ترك ما أمر به، إذ افى المخالفة ضد الوافقة، وموافقة أمره عليه السلام هو إتيان (¬7) ما أمر به، فالمخالفة، على مضادته، ترك المأمور به -[دل] (¬8) أن مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬9) مطلقًا حرام، وإلا لما ألحق الوعيد الشديد (¬10) به. وإذا كان مخالفة أمره، وهو ترك المأمور به مطلقًا، حرامًا، يكون إتيان (¬11) المأمور به واجبًا ضرورة. وإذا كان إتيان (¬12) ما أمر به الرسول عليه السلام واجبًا، فكذا إتيان (¬13) ما أمر الله تعالى به، [يكون]، واجبًا، لأن (¬14) أمر الرسول أمر المرسل. ¬

_ (¬1) سورة النور: 63 - والآية: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لي بعضًا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذًا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم". (¬2) سورة النور: 63. وتقدمت كاملة في الهامش السابق. (¬3) "والعظمة" من ب. (¬4) "بالآية" من ب وفيها: " والاستدلال". (¬5) "الشديد" من أ. (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لمخالفة". (¬7) في ب: "إثبات". (¬8) في الأصل وغيره كذا: "لولا" - انظر السياق فيما يلي. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مخالفة أمره مطلقًا". (¬10) "الشديد" من ب. (¬11) و (¬12) في ب: "إثبات". (¬13) في ب: "كان". (¬14) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ما أمر به الله تعالى لأن"

وأما السنة - فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬1): "لولا أن أشق (¬2) على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". وفي رواية: "عند كل وضوء" (¬3) - أخبر - صلى الله عليه وسلم - (¬4) أن أمره إياهم بالسواك عند كل صلاة أو عند كل وضوء (¬5)، مطلقًا، سبب المشقة (¬6) عليهم، والمشقة إنما تكون (¬7) بترك الواجب، بترك المندوب [فـ]، دل أن مطلق (¬8) أمره للوجوب. وأما دلالة الإجماع - فإن الأمة أجمعت على وجوب طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله فيما أمرا (¬9) بالفعل، هو تحصيل الفعل لا تركه - فوجب القول بلزوم الفعل الذي هو طاعة، إلا أن يقوم الدليل على غيره. وأما المعقول فمن وجوه (¬10): أحدها (¬11) - وهو (¬12) أن صدور هذه الصيغة ممن هو من (¬13) أهل الأمر، على طريق الاستعلاء، مطلقًا، يكون إلزامًا وإيجابًا (¬14) للفعل كل من حيث اللغة، لأنها موضوعة لطلب الفعل لا محالة، لأنها لطلب ¬

_ (¬1) "أنه قال" ليست في ب. (¬2) في هامش أ: "أي أثقل". (¬3) "وفي رواية عند كل وضوء" من ب. (¬4) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬5) "أو عند كل وضوء" من ب. (¬6) في ب "المشقة". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وذاك يكون". (¬8) في ب: "يطلق". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "أمر". وفي أ: "أمرنا". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وجهين". انظر فيما يلي الهامش 11 و 9 ص 101. (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أحدهما". (¬12) "وهو" ليست في ب. (¬13) "من" ليست في ب. (¬14) في أ: " إلزامًا إيجابًا".

الفعل (¬1) حقيقة، وطلب الفعل لا محالة هو طلب الفعل كل من كل وجه. أما الطلب على وجه فيه رخصة الترك، وهو الندب، [فـ] يكون طلبًا من وجه دون وجه، والموضوع للشيء محمول (¬2) على الثابت من كل وجه: [فهذا] هو الأصل. والثاني - وهو (¬3) أن الأمر أحد تصاريف الفعل، ثم في سائر (¬4) تصاريف الفعل (¬5) من الماضي والمستقبل والفاعل والمفعول: إذا كان الإخبار (¬6) على وجه الصدق، يقتضي وجود الفعل لا محالة - فكذا إذا كان طلب الفعل على وجه (¬7) الجد: يقتضي وجود الفعل لا محالة (¬8). وكلامنا في الصيغة الواردة ممن يستحيل عليه الهزل والهزء، كما يستحيل عليه الكذب - فيكون أمره لطلب الفعل لا محالة ,كما يكون خبره للصدق لا محالة، وطلب الفعل لا محالة بطريق العلو ممن هو من أهل الأمر حقيقة [في الإلزام]، والإلزام والإيجاب سواء في اللغة. والثالث (¬9) - وهو (¬10) أن موجب الأمر هو (¬11) الائتمار لغة - يقال: أمرته فائتمر ونهيته فانتهى - كما يقال: كسرته فانكسر وهدمته فانهدم. وإذا كان حكمًا له لم (¬12) يتصور إلا واجبًا به، كأحكام سائر العلل , إلا أن وجود الفعل تراخى، لأن حصوله من في المختار، فتراخى إلى حين الاختيار. وإذا كان تراخي الائتمار عن الأمر لضرورة وجود (¬13) ¬

_ (¬1) "من حيث اللغة ... لطلب الفعل" ليست في ب. (¬2) في ب: "يحمل". (¬3) "وهو" ليست في ب. (¬4) و (¬5) "سائر" ليست في أ. والجملة كلها: "ثم في سائر ... الفعل" ليست في ب. (¬6) "الإخبار" ليست في ب. (¬7) في أ: "وكذا إذا كان الطلب على وجه". (¬8) "فكذا إذا كان ... لا محالة" ليست في ب. (¬9) في الأصل: "والثاني". راجع الهاش 10 ص 100. (¬10) كذا في الأصل وأ و (ب): "وهو". (¬11) "هو" من ب. (¬12) في أ: "لا يتصور". (¬13) "وجود" ليست في ب.

الاختيار من الأمور، ولا ضرورة في الوجوب، فإنه يثبت (¬1) جبرًا من الله تعالى، شاء العبد أو أبى، فلا معنى للتأخير. قال (¬2): والصحيح ما قاله مشايخ سمرقند، وهو أن حقيقة هذه الصيغة للطلب لغة. ومعنى الطلب موجود في المندوب، لأن الله تعالى رغبنا في تحصيله، حيث وعد الثواب به، فثبت أنه مطلوب (¬3)، فكانت (¬4) محتملة للندب والإيجاب حقيقة (¬5). وكذا يستعمل مطلقها (¬6) في معان أخر، مجازًا (¬7)، والمجاز مستعمل في الكلام كالحقيقة، بل أغلب - فما قولكم في الأمر المطلق عن قرينة الإيجاب: هل يكون فيه احتمال الندب وإرادة المجاز قائم (¬8) أم لا؟ فإن قلتم: قائم - فمع احتمال غير الوجوب، لا يجوز اعتقاد الوجوب، لما فيه من احتمال اعتقاد غير الواجب واجبًا، وهذا كفر فضلا عن الخطأ. وإن قلتم: إن (¬9) احتمال الندب وإرادة المجاز أمر باطن، فيسقط اعتباره شرعًا - فنقول: إسقاط اعتبار الحقيقة في أصول الشريعة (¬10) باعتبار الحاجة، ولا حاجة إلى اسقاط اعتبارها (¬11) ههنا، لأن الاعتقاد أمر بين ¬

_ (¬1) في أ: "ثبت". (¬2) "قال" ليست في ب. (¬3) "ومعنى الطلب موجود ... فثبت أنه مطلوب" من أ. (¬4) في أ: "وكانت". (¬5) زاد هنا في أ: "لغة". (¬6) في أ: "مطلقا". (¬7) "مجازًا" ليست في أ. (¬8) في أ: "قائمًا" (¬9) "إن" ليست في ب. (¬10) في ب: "الشرع". (¬11) في أ: "إلى إسقاطها".

المأمور وبين الله تعالى (¬1)، فيكفيه مطلق الاعتقاد أن ما أراد الله تعالى به فهو حق، ولا يجوز إسقاط اعتبار الاحتمال كمال من غير حاجة، فلا يجب الاعتقاد بطريق التعيين. وإن قلتم: إن ورود الصيغة، متجردة عن صوارف الوجوب كل من الله تعالى، دليل على الوجوب قطعًا، إذ لا يجوز أن تكون الصيغة مطلقة ولا يراد بها الوجوب - فهذا (¬2) تحكم على الله تعالى وحجر عليه، وهو فاسد. ولأن عين الصيغة ليس بدليل، فإن عينها (¬3) يوجد، ولا تكون دليلا على الوجوب، وإنما الصيغة المتجردة عن القرائن دليل عندكم، فبم عرفتم أنها متجردة عن القرية (¬4)؟ فإن قلتم: إنها ليست بمقرونة (¬5) بالصيغة، لعدمها حسًا - فهو فاسد، لأن القرينة قد تكون بيان الرسول (¬6) - صلى الله عليه وسلم -، فلم قلتم إنه (¬7) لم يوجد البيان منه، على إرادة الله تعالى الندب من الصيغة. وقد تكون القرينة عقلية لا لفظية - فلم قلتم إنه (¬8) لم يوجد الدليل العقلي مقارنًا لأمر على إرادة الله (¬9) الندب، ولا شك أن هذا في حد الجواز والإمكان، فيكون دعوى تجرد الصيغة عن القرينة الى الصارفة عن الوجوب باطلا. ولكن (¬10) نحن نقول بالوجوب ظاهرًا مع الاحتمال، في حق العمل. فيجب عليه العمل لا محالة، مع الاعتقاد مبهمًا على أن (¬11) ما أراد الله تعالى ¬

_ (¬1) في ب: "بين الله تعالى وبين المأمور" (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وهذا". (¬3) في ب: "عندنا". (¬4) في أ: "القرائن". (¬5) في ب: "مقرونة". (¬6) في ب: "بيان النبي". وفي أ: "ببيان الرسول". (¬7) في أ: "بأنه". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنه". (¬9) "الله" من أ. (¬10) "لكن" ليست في ب، ففيها: "ونحن". (¬11) في ب كذا: "منهما أن".

به فهو حق. وهو تفسير الوجوب عند الفقهاء (¬1). وهذا لأنه إن (¬2) كان واجبًا حقيقة عند الله تعالى (¬3)، فإنه يأثم بتركه، لأن في وسعه أن يأتي به، فيخرج عن عهدة الوجوب. وإن كان غير واجب يثاب على تحصيله، والاحتراز عن الضرر واجب شرعًا وعقلا: أما الشرع -[فـ] ماروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا ومرفوعًا إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام الحلال". وأما العقل - وهو أن كل من دخل في طريق فأخبره عاقل أن في الطريق لصوصًا، فدخل، فأخذ، فإن الناس يلومونه. فثبت أن التحرز عن احتمال الضرر واجب عقلا وشرعًا (¬4)، فوجب القول بوجوب الفعل احتياطًا، فيكون الأمر لي طريق الندب حقيقة، كالأمر الموجب فيما اقترن به الوعيد: يجب حمله على الوجوب بالقرينة (¬5). والجواب عما تعلق به العامة بطريق الوعيد سهل، لأن الدلائل تعارضت: فما ذكر الفريق الأول يدل على الوجوب في حق الاعتقاد والعمل (¬6). وما ذكر الفريق الثاني يدل على نفي وجوب الاعتقاد دون وجوب العمل، فوقع التعارض في حق وجوب الاعتقاد لا غير، فوجب القول بسقوط وجوب الاعتقاد عينًا لي التعارض، ولا تعارض في حق (¬7) وجوب العمل (¬8)، فوجب القول به. ¬

_ (¬1) راجع فيما تقدم ص 25 - 26 و 28 وما بعدها. (¬2) في أ: "وإن". (¬3) "تعالى" من ب. (¬4) "أما الشرع .... عقلا وشرعًا" من أوليست في الأصل وب. (¬5) "فيكون الأمر ... على الوجوب بالقرينة" من ب. (¬6) في ب: "العمل والاعتقاد". (¬7) "حق" من أ. (¬8) "لا غير فوجب ... وجوب العمل" ليست في ب.

وأما الانفصال بطريق التحقيق ففيه (¬1) طول وغور، ولكنا (¬2) نشير إلى ذلك: فالحاصل (¬3) عن التعلق بالنصوص جوابان: - أحدهما: أن المراد بهذه النصوص الوجوب، لا بظاهر الصيغة، ولكن باقتران الوعيد بها، لما ذكرنا أن هذه الصيغة موضوعة لطلب الفعل (¬4)، فيكون الأمر بطريق الندب حقيقة، كالأمر الموجب، فما اقترن به الوعيد يجب حمله على الوجوب بالقرينة (¬5)، إذ لا وعيد يستحق بترك المندوب، وفي قوله تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره" (¬6) ونحوه من الآيات اقترن به الوعيد وهو قوله تعالى (¬7): "أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" (¬8) والمحتمل يتعين أحد وجوهه بالدليل، فيكون المراد به (¬9) التحذير عن مخالفة (¬10) الأمر الموجب. على أن الحذر عن أمره المطلق واجب، لأن الظاهر هو الوجوب، فكان خوف الإثم قائمًا ظاهرًا، وهذا لا يدل على الوجوب قطعًا (¬11). ¬

_ (¬1) في ب: "فيه". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "لكن". وفي أ: "ولكن". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والحاصل". (¬4) في أ: "للطلب حقيقة". (¬5) "بها لما ذكرنا ... الوجوب بالقرينة" ليست في ب. (¬6) سورة النور: 63. وبقية الآية: "أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" وقد تقدت كاملة في الهامش 1 ص 99. (¬7) "تعالى" من ب. (¬8) راجع فيما تقدم الهامش 6. (¬9) "به" ليست في أ. (¬10) "مخالفة" ليست في ب. (¬11) "على أن الحذر عن أمره ... الوجوب قطعًا" من أ، والعبارة: " فيكون المراد ... الوجوب قطعًا " وردت في هامش أعلى سبيل الاستدراك.

وكذا في قوله عليه السلام: "لولا أن أشق على أمتي" لأن المشقة في ترك الواجب، لا في ترك المندوب، فكان المراد هو الأمر، بطريق الإيجاب. - والثاني، نقول: الموافقة للرسول عليه السلام واجبة، ومخالفته (¬1) حرام، ولكن الكلام في تفسيرهما، فنقول: الموافقة في الاعتقاد أن يعتقد العاقل (¬2) الشيء كما اعتقده الرسول عليه السلام: إن كان واجبًا فواجبًا، وإن كان ندبًا فندبًا. والموافقة من حيث الفعل (¬3) أن يفعله على الوجه الذي فعله بوصفه (¬4) الخاص كل من الواجب والمندوب والمباح. وأما المخالفة [فـ]، هو (¬5) أن يعتقد ويفعل على عكس اعتقاده وفعله. وتحقيق الموافقة وترك المخالفة فيما قلنا من الاعتقاد مبهمًا (¬6) مع إثبات (¬7) الفعل لا محالة. فأما الاعتقاد، على أحد الوجهين عينًا، وكذا الفعل على قصد أحد الوجهين عينًا -[فـ] فيه احتمال المخالفة وترك الموافقة، فكان ما قلناه (¬8) أحق. وهو الجواب عن دلالة الإجماع: أن تفسير الطاعة هو إتيان (¬9) ما أمر به، على الوصف الذي أمر به، من واجب وندب - فإن الطاعة موافقة الأمر، والمعصية مخالفة الأمر، وذلك فيما قلنا. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والمخالفة". (¬2) "العاقل" ليست في ب. (¬3) في ب: "من حيث الفعل في الفعل". (¬4) في أ: "بوصف". (¬5) في أ: "والمخالفة هو". وفي الأصل: "وهو". (¬6) في ب كذا: "منهما". (¬7) في أ: "إتيانه". ولعل الصحيح: "إتيان الفعل" راجع فيما تقدم ص 99. (¬8) كذا فى (أ) و (ب). وفي الأصل: "ما قلنا". (¬9) في ب: "إثبات".

وأما ما ذكروا من وجهي المعقول فلا حجة فيهما: - قولهم: إن صدور هذه الصيغة، ممن هو من أهل الأمر، على طريق الاستعلاء، للإيجاب والإلزام لغة - فممنوع. - قولهم (¬1): إنها وضعت لطلب الفعل لا محالة - قلنا: ممنوع (¬2) أيضًا. أليس أن الأمر بطريق الندب أمر حقيقة، وأنه ليس طلب الفعل لا محالة. - قولهم: إن الطلب بطريق الندب مع رخصة الترك لا يكون طلبًا على الكمال - فنقول: الطلب على وجه الندب طلب كل من كل وجه، فإنه ترجح جانب الوجود بالترغيب في الثواب الجزيل، وإن كان فيه رخصة الترك، لكن الطلب لا محالة قد يكون أكمل، والمطلق لا يشترط فيه الكمال، لأن وصف الكمال قيد، والمطلق اسم للذات كل من كل وجه، كل من غير تعرض لصفة الكمال والنقصان (¬3). على أن الإجماع انعقد (¬4) بيننا أن هذه الصيغة لا تكون لطلب الفعل (¬5) لا محالة ولا إيجابًا، إذا اقترن بها قرينة الندب أو الإباحة (¬6). فما لم يثبت الخصم خلو الصيغة عن القرينة الصارفة عن الإيجاب، لا يستقيم كلامه، ولا يمكنه (¬7) ذلك على ما مر. والاعتماد على تصاريف الفعل لا يصح، فإن الخبر من جملتها و (¬8) الكذب خبر حقيقة كل من حيث اللغة، وإن ¬

_______ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "قولكم". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لا محالة ممنوع" (¬3) في ب: "تعرض للكمال والنقصان". (¬4) في ب كذا: "لعقد". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "طلب الفعل". وفي ب: "طلبًا للفعل". (¬6) في ب: "قرينة الإباحة أو الندب ونحوه". (¬7) في ب: "ولا يمكن". (¬8) "و" ليست في ب.

لم يوجد المخبر به، والأمر بطريق الندب طلب على وجه الجد (¬1) وليس بطلب الفعل (¬2) لا محالة، فبطل هذا الكلام. - قولهم: إن (¬3) الائتمار موجب الأمر - قلنا: ليس كذلك (¬4)، فإن موجب الشيء أن يثبت به جبرًا كالانكسار والانهدام، وموجب العلل كلها لا يتوقف على اختيار العباد، والائتمار فعل فاعل مختار، فكيف يكون موجبًا للأمر؟ - وقولهم: إنه (¬5) يقال أمرته فائتمر، كما يقال كسرته فانكسر- فنقول (¬6): كما يقال (¬7) أمرته فائتمر، يقال أيضًا (¬8) أمرته فعصى. فليس (¬9) العصيان موجب الأمر. ولأن الأمر لا يصلح علة الائتمار، لأن العلة في اللغة وفي عرف المتكلمين اسم للحادث الذي يتغير به حال المحل الذي يحله، وأمر الله تعالى قديم، فاستحال عليه الحدوث (¬10)، مع أن الانكسار الذي جعلوه (¬11) نظيرًا للائتمار (¬12) ليس موجب الكسر حقيقة ولا من آثاره، بل هو محض فعل الله تعالى، وهي (¬13) مسألة ¬

_____ (¬1) في ب: "الحد". (¬2) في ب: "للفعل". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬4) في الأصل و (أ): "موجب الأمر فليس كذلك". (¬5) "إنه" ليست في أ. (¬6) في ب: "قلنا". (¬7) في أ: "يقول". (¬8) "أيضًا" ليست في ب. (¬9) في (أ) و (ب): "وليس". (¬10) "فاستحال عليه الحدوث" من ب. (¬11) في أ: "جعلوها". (¬12) في ب: "نظير الائتمار". وفي أ: "نظيرًا للأمر فليس". (¬13) في ب: "وهو".

المتولدات (¬1)، ولأن في جعل الأمر علة الائتمار، ولا ائتمار في الحال (¬2)، يكون قولا بتخصيص العلة، وهو فاسد، على ما يعرف إن شاء الله تعالى - والله الموفق. مسألة: وينبني (¬3) على ما قلنا: إذا اقترن بصيغة الأمر قرينة الندب أو الإباحة أو التهديد: لا يكون ¬

_____ (¬1) مسألة "التولد" هذه ذهب إليها المعتزلة، تأييدًا أو تفسيرًا لرأيهم في حرية الإرادة الإنسانية ونسبة ما ينشأ أو ما يتولد عن فعله من أفعال إليه، طالما كان تحقيقه ناتجًا عن غاية محددة من قبل، فجعلوا الأسباب متصلة بمسبباتها وحققوا هذه الفكرة فيما يخص الإنسان. وقد عبر التهانوي في "كشاف اصطلاحات الفنون" عن التولد بأنه: "هو الفعل الصادر عن الفاعل بواسطة ويقابله المباشر". وحدده بعض المعتزلة بأنه "الفعل الذي يكون سببه مني ويحل في غيري". وحدده آخرون بأنه "الفعل الذي أوجدت سببه، فخرج من أن يمكني تركه، وقد أفعله في نفسي وأفعله في غيري.". وفسره آخرون بأنه "الفعل الثالث الذي يلي مرادي مثل الألم الذي يلي الضربة، ومثل الذهاب الذي يلي الدفعة". وقال الإسكافي أحد شيوخ المعتزلة بأنه: "كل فعل يتهيأ وقوعه على الخطأ دون القصد إليه والإرادة له، فهو متولد. وكل فعل لا يتهيأ إلا بقصد يحتاج كل جزء منه إلى عزم وقصد إليه وإرادة له، فهو خارج عن التولد". ولم يقبل الأشاعرة فكرة التولد لأن الفاعل عندهم هو الله ولأن أفعال الله لا يحدها سلطان ولا تخضع لقانون (انظر: القاضي أبو الحسن عبد الجبار"415 هـ"، المغني، جـ 9، التوليد، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر. وعلي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، الطبعة السابعة، 1: 479 وما بعدها. والمراجع المشار إليها فيه ومنها: الأشعري، مقالات الإسلاميين). ولعل فكرة التولد هذه تقابل أو تقارب في الفقه الإسلامي: التسبب المقابل للمباشرة فى مجال ضمان المتلفات. (¬2) في (أ) و (ب): "للحال". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ويبتني".

أمرًا حقيقة (¬1) عند من قال موجبه الوجوب عينًا لانعدام حكمه، وهو الوجوب (¬2)، بل إطلاق لفظة (¬3) الأمر عليها بطريق المجاز. وعلى قول الواقفية، تكون (¬4) صيغة (¬5) الأمر حقيقة في الندب والإباحة والتهديد وغيرها، لأن صيغة الأمر مشتركة عندهم بطريق الحقيقة، لكل ما يستعمل فيه، فيتعين بالقرينة. وعلى قولنا في الندب، يكون أمرًا حقيقة، لأن حقيقة الأمر (¬6) هو الطلب، ومعنى الطلب موجود فيه. فأما في الإباحة [فـ] ليس معنى الطلب فيها، لأنها (¬7) عبارة عن التخيير بين الشيئين إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل. وكذا معنى التهديد: ترك الفعل، ويذكر (¬8) ويراد به الزجر والردع، دون طلب التحصيل - فيكون استعمال صيغة (¬9) الأمر [فيهما] (¬10) بطريق المجاز، على ما ذكرنا. ثم هذا الفصل حجة على من قال حقيقة صيغة (¬11) الأمر للوجوب، لا للندب، وإنما يستعمل للندب (¬12) بطريق المجاز، لأن النوافل مأمور بها (¬13)، فلو (¬14) لم يكن صيغة الأمر للندب بطريق الحقيقة، لم يكن ¬

__ (¬1) "حقيقة" من ب. (¬2) "وهو الوجوب" من ب. (¬3) في ب: "لفظ". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يكون". (¬5) في ب: "حقيقة". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "حقيقته". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "معنى الطلب فإنها عبارة". (¬8) "ويذكر" من ب. (¬9) في ب: "حقيقة". (¬10) في الأصل وغيره: "فيها" والكلام هنا في الإباحة والتهديد. (¬11) "صيغة" ليست في أ. (¬12) في ب: "الندب". (¬13) في أ: "مندوب إليها". (¬14) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولو".

النوافل مأمورًا بها. فإذا (¬1) لم يكن مأمورًا بها لا يكون النوافل من العبادات طاعات (¬2) لله تعالى، لأن الطاعة موافقة الأمر، لا موافقة الإرادة، عند أهل السنة والجماعة (¬3)، خلافًا للمعتزلة. ولا خلاف بين الأمة أن النوافل من العبادات طاعات لله تعالى يجب القول بكونها مأمورًا بها بطريق الحقيقة، فبطل قولهم إن حقيقة الأمر للوجوب لا غير - والله أعلم. مسألة: - في الأمر بعد الحظر: قال عامة الفقهاء والمتكلمين: إن (¬4) الأمر بعد الحظر وقبله (¬5) سواء - وقد ذكرنا الجواب فيه. وقال بعض أصحاب الشافعي ممن قال بالوجوب قبل الحظر: إنه (¬6) إذا ورد بعد الحظر يحمل على الإباحة، ويكون وروده بعد الحظر قرينة الإباحة، لأن الظاهر أن المراد منه رفع الحظر - قال الله تعالى: "وإذا حللتم فاصطادوا" (¬7) أراد رفع الجناح عن الاصطياد بعد ما ثبت الحظر بسبب الإحرام. والصحيح قول العامة، لما ذكرنا (¬8) أن الأمر طلب واستدعاء، والإباحة تخيير بين التحصيل والترك (¬9)، فلم (¬10) يتحقق فيه معنى الأمر، ¬

___ (¬1) في (أ) و (ب): "وإذا". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "طاعة". (¬3) كذا العبارة في ب. وفي أ: "موافقة الأمر عند أهل السنة والجماعة لا موافقة الإرادة" وفي الأصل: "موافقة الأمر عند أهل السنة لا موافقة الإرادة". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬5) في ب: "قبل الحظر وبعده". (¬6) "إنه" ليست في ب. (¬7) سورة المائدة: 2. (¬8) في ب: "لما قلنا". (¬9) "بين التحصيل والترك" من ب. (¬10) في أ: "ولم".

فكان الحمل عليه بطريق المجاز، وترك الحقيقة لا يجوز كل من غير دليل. وفي النصوص الواردة بصيغة الأمر بعد الحظر يثبت الإباحة بدليل آخر وراء الصيغة، وهو أن الإباحة الشرعية كانت بدليل (¬1)، ثم الحرمة ثبتت بعارض الإحرام، فإذا زال العارض عادت الإباحة الأصلية الثابتة بالشرع، كا كانت، بدليلها، لا (¬2) أن ذلك موجب الأمر. على أن صيغة الأمر بعد الحظر كا وردت للإباحة فقد وردت للوجوب، فإن الأمر بقتل شخص (¬3)، حرام القتل بالإسلام أو الذمة، بارتكاب أسباب موجبة للقتل، من الحراب والردة وقطع الطريق، يكون للوجوب وإن وردت بعد الحظر، وإذا كانا في الاستعمال على السواء فكيف تجعل قرينة الإباحة مع الاحتمال. مسألة - الأمر بالفعل هل يقتضي الدوام والتكرار أم يقع على الفعل مرة (¬4)؟ الخلاف (¬5) في هذه المسألة مع القائلين بالوجوب في (¬6) الأمر المطلق، و (¬7) مع الواقفية (¬8)، دون من قال بالإباحة والندب. والواقفية توقفت في الصيغة المطلقة (¬9) في مقدار الفعل حتى يقوم الدليل على المرة أو الكل أو على مقدار معلوم، كما توقفت فيها (¬10) في تناول الوجوب والندب والإباحة إلا بدليل. ¬

____ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لدليل". (¬2) في أ: "إلا". (¬3) في أ: "بالقتل في شخص". وفي ب: "بالقتل من شخص". (¬4) في ب: "والتكرار أو يقع على البعض؟ ". (¬5) في ب: "والخلاف". (¬6) في ب: "من". (¬7) "و" ليست في أ- انظر الهامش التالي. (¬8) "ومع الواقفية" ليست في ب. (¬9) في ب: "والواقفية في الصيغة المطلقة توقفت". (¬10) في ب: "كما مر فيها من تناول".

وقال بعض الواقفية إنه يحتمل الفعل الواحد، ويحتمل الكل، لكن (¬1) يصرف إلى الأقل إلا بدليل. وقال بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي رحمه الله إنه (¬2) يحمل على الدوام والتكرار (¬3) إلا بدليل - ويروى هذا (¬4) عن الشافعي رحمه الله. وهو قول بعض أصحاب الحديث من المتكلمين. وقال عيسى بن أبان من أصحابنا (¬5): إن كان فعلا له نهاية يمكن تحصيل جملته، فإنه (¬6) يقع على الكل، حتى يقوم الدليل على الأقل. وإن كان فعلا (¬7) لا نهاية له، فإنه يقع على الأقل دون الكل. وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين إنه (¬8) يقع على الفعل مرة، من حيث إنه مطلق الفعل، لا من حيث (¬9) إنه مرة، حتى يقوم الدليل على الدوام. ومذهب شيخنا أبي منصور الماتريدي (¬10) رحمه الله: أنه لا يعتقد فيه (¬11) المرة الواحدة (¬12) ولا الدوام والتكرار قطعًا (¬13) على طريق التعيين (¬14) لكن ¬

يعتقد على (¬1) الإبهام: أن ما أراد الله تعالى به من الدوام والتكرار أو المرة الواحدة فهو حق (¬2)، ويأتي بالفعل على الترادف احتياطًا، ما لم يقم الدليل على أن المراد به الفعل مرة واحدة. واستعمال لفظة التكرار ههنا لا يراد به حقيقة التكرار عند الفقهاء، وهو عود عين الفعل الأول، لأنه لا يتحقق عند أكثر (¬3) المتكلمين، وإنما يراد به تجدد أمثاله على الترادف، وهو معنى الدوام في الأفعال عندهم. وجه قول من ادعى التكرار: الاستدلال بالدلائل السمعية، والاستدلال بالوضع اللغوي، والاستدلال بالأحكام اللغوية: - أما الأول، [فـ] قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" (¬4)، وقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (¬5)، ونحوها - دل (¬6) أن المراد به (¬7) الدوام و (¬8) التكرار والعموم بقدر الممكن (¬9) الذي لا حرج فيه، دون المرة الواحدة. وفي آية الحج وهي قوله تعالى (¬10): "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" (¬11) قام الدليل على ¬

______ (¬1) "على" ليست في ب. (¬2) "أن ما أراد الله ... فهو حق" من ب. (¬3) في ب: "عند بعض". (¬4) البقرة: 43، 83، 110. والنساء: 77. والنور: 56. والمزمل: 20. وفي كل النسخ: "أقيموا" دون حرف العطف. (¬5) البقرة: 185. (¬6) "دل" من أ. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "بها". (¬8) "الدوام و" من ب. (¬9) في ب: "بقدر الإمكان". (¬10) "وهي قوله تعالى" من ب. (¬11) آل عمران: 97.

أن المراد به الفعل مرة واحدة (¬1). ونحن نسلم أنه قد يحمل على المرة الواحدة (¬2) بدليل (¬3). وروي أنه لما نزلت (¬4) آية الحج قال الأقرع بن حابس رضي الله عنه (¬5): "ألعامنا هذا يا رسول الله - صلى الله عليك وسلم - (¬6) أم للأبد؟ " فقال عليه السلام: "للأبد"، وكان هو (¬7) كل فصحاء العرب، فلو (¬8) كان مدلول اللفظ لغة هو (¬9) المرة، لجرى (¬10) على ظاهر اللفظ، حتى يجيء خلاف الظاهر بقول رسول الله صلى الله عليه، ولكان لا يسأل عن ذلك (¬11)، وإنما سأل وأشكل عليه، لأنه عرف أن مدلول اللفظ التكرار والدوام (¬12) وعرف أن الحرج منفي في الدين (¬13)، فدل أنه للتكرار في الأصل. - وأما الاستدلال بالوضع اللغوي، وهو أن صيغة الأمر وضعت لطلب الفعل بطريق الاختصار، ومعناها: "حصل الفعل" فكانت دالة (¬14) على الصدر المحذوف، والمحذوف لغة والمذكور سواء، والمصدر اسم جنس يتناول ¬

_ (¬1) "واحدة" من ب. (¬2) "الواحدة" من ب. (¬3) "بدليل" ليست في ب. (¬4) في ب: "نزل". (¬5) الأقرع بن حابس رضي الله عنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. شهد معه فتح مكة وحنيناً وحصار الطائف. وشهد مع خالد بن الوليد فتح العراق والأنبار. واسمه "فراس" ولقب "الأقرع" لقرع أصابه في رأسه. وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام (النووي). (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "صلى الله عليه". (¬7) "هو" ليست في ب. (¬8) كذا في ب. وفي أ: "ولو". وفي الأصل: "لو". (¬9) في ب: "مدلول الصيغة هو". (¬10) في أو ب: "فيجري". (¬11) "عن ذلك" من ب. (¬12) "والدوام" من ب. (¬13) في ب: "والدوام وأن الحرج في الدين منفي". (¬14) في ب: "دلالة".

كل الجنس حقيقة والبعض (¬1) مجازاً، كما (¬2) في أسماء أجناس الأعيان، على ما نذكر في باب العموم إن شاء الله تعالى، ولأنه لا خلاف بيننا أن صيغة الأمر واسم الجنس يقع على الكل بطريق الحقيقة، حتى لو نوى الثلاث في قوله: "طلقي نفسك" وفي (¬3) قوله: "أنت طالق طلاقاً" لصح (¬4). وإذا كان الاسم متناولا للكل، بطريق الحقيقة، فمن الضرورة تناولها للفرد (¬5) بطريق المجاز. - و (¬6) أما الاستدلال بالأحكام اللغوية: • فلأن صيغه النهي تحمل على التكرار والدوام (¬7) بالإجماع، فكذا صيغة الأمر، لأن كل واحدة (¬8) منهما موضوعة لطاب الفعل (¬9)، إلا أن الأمر طلب (¬10) تحصيل الفعل والنهي طلب ترك الفعل، فيكون وضع صيغة النهي للتكراوالعموم وضعاً لصيغة الأمر للتكرار والعموم (¬11) دلالة. • ولأنه يحسن استفسار المأمور من (¬12) الآمر: "إنك أردت بأمرك هذا الفعل مرة أو أكثر"، ولو كانت موضوعة (¬13) للفعل مرة لغة ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وللبعض". (¬2) "كما" ليست في ب. (¬3) "في" من ب. (¬4) في (أ) و (ب): "يصح". (¬5) في ب كذا: "تناولها للكل للفرد". (¬6) "و" ليست في أ. (¬7) في ب: "على الدوام والتكرار". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "واحد". (¬9) في أ: "موضوعة للطلب". (¬10) "طلب" ليست في أ. (¬11) "للتكرار والعموم" من ب. (¬12) في أكذا: "والآمر". (¬13) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولو كان موضوعاً".

لكان (¬1) لا يحسن الاستفسار (¬2)، كما إذا قال: "افعل مرة": لا يصح الاستفهام. • وكذا يصح (¬3) الاستثناء الأمر بالفعل مطلقاً بأن قال: "صم إلا يوم السبت أو يوم الفطر". ولو لم يكن محتملا للتكرار، ويكون موضوعاً للفعل مرة، لما صح الاستثناء (¬4)، كما إذا قال: "صم يوماً إلا يوماً"، وكما إذا قال: "لفلان علي درهم إلا درهماً" (¬5). • وكذا يصح النسخ من (¬6) الأمر بالفعل المطلق. ولو كان موجب الأمر هو الفعل مرة (¬7)، لما صح النسخ، لأنه يؤدي إلى البداء (¬8)، إذ الفعل الواحد لا يجوز أن يكون حسناً وقبيحاً في زمان واحد. وجه قول أصحابنا رحمهم الله ومن تابعهم: الاستدلال بالمعقول اللغوي، والاستدلال باستعمال أهل اللسان، والاستدلال بنظائر صيغة الأمر من تصاريف الفعل. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "لكن". (¬2) "الاستفسار" من أ. (¬3) في ب: "ومنها أنه يصح". (¬4) "الاستثناء" من ب. (¬5) في ب: "إلا درهم". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "في". (¬7) في ب: "هو. المرة الواحدة". (¬8) قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 148 - 149): "والبداء له معان: البداء في العلم، وهو أنه يظهر له خلاف ما علم، ولا أظن عاقلا يعتقد هذا الاعتقاد (بالنسبة إلى الله تعالى). والبداء في الإرادة، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم. والبداء في الأمر، وهو أن يأمر بشيء ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك ... ". وفي المعجم الوسيط: "البداء ظهور الرأي بعد أن لم يكن. واستصواب شيء علم بعد أن لم يعلم. ويقال: بدا لي في هذا الأمر بداء، أي ظهر لي فيه رأي آخر". وفي اللسان: "البدء. استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم وذلك على الله غير جائز".

- أما الأول، وهو أن الأمر طلب الفعل لغة، وحكمه شرعاً وجوب الفعل (¬1). وفائدته هو (¬2) الأداء في حق كل من أراد الله تعالى منه الفعل، والامتناع في حق من أراد منه الترك - وهذا كله يحصل بفعل واحد، فإن اللفظ دال على الفعل، فأما تكرار الفعل (¬3) [فـ] عبارة عن إعداد (¬4) الفعل، واسم الفعل لا يتناول العدد، فإن العدد إنما يعرف باسم موضوع للعدد أو (¬5) للعموم، ولم يوجد صيغة اسم العدد ولا صيغة العموم، وعند تكرار الفعل وتعدده يحصل تكرار الفائدة، واللفظ موضوع لأصل (¬6) الفائدة لا لتكرار الفائدة. وبيان ذلك أن قوله (¬7): "ادخل الدار" يدل على حركات تسمى بجملتها دخولا، فمتى وجدت تكون دخولا تاماً، فأما الدخول ثانياً وثالثاً كل من باب عدد الدخلات، فلا يثبت إلا باللفظ الموضوع للعدد. وكذا قوله "صم" أو "صل": فالصوم شرعاً (¬8) عبارة عن إمساك مقدر من أول النهار إلى آخره، والصلاة عبارة عن أفعال معلومة (¬9) معهودة (¬10). فمتى وجد (¬11) بحده يكون فعلا تاماً، وما بعد التمام إلا العدد - ولهذا إذا وجد منه الفعل مرة سمى (¬12) الذات الذي وجد منه الفعل: داخلا، وصائماً، ومصلياً، فيكون عدد الفعل فضلا (¬13) في حق صحة الاسم بكونه فاعلا، والفاعل لا يكون بدون الفعل. ¬

_ (¬1) في ب: "وحكمه الوجوب شرعاً". (¬2) "هو" ليست في ب. (¬3) "فأما تكرار الفعل" ليست في ب. (¬4) أعددت لغة في عددت (انظر اللسان)، وعدد الشيء عده وجعله ذا عدد (المعجم الوسيط). (¬5) في ب: "و". (¬6) كذا في أو ب. وفي الأصل: "لأجل" .. (¬7) في أ: "قولك". (¬8) "شرعاً" ليست في ب. (¬9) "معلومة" ليست في ب. (¬10) "معهودة" من أو ب (¬11) في أ: "وجدت". (¬12) في ب: "ويسمى". (¬13) في ب كذا: "فصلا".

- وأما استعمال أهل اللسان، فإن من قال لعبده: "اسق الأرض" أو قال: "اشترلي لحماً" (¬1)، أو قال لرجل: "طلق امرأتي" - يقع على الفعل مرة. ولو نوى ثنتين (¬2) لا يصح، لأنه نوى العدد، ولفظ الأمر لا يدل عليه لغة (¬3). ولو قال: "اشتر لي عبداً" ونوى شراء عبيد أو شراء بعد شرا (¬4) - لا يصح. وكذا لو قال لعبده: "صم" (¬5) فصام يوماً - يكون ممتثلاً أمرمولاه، ولا يلزمه الزيادة (¬6) عليه، وإن نوى. فإذا (¬7) كان لفظ الأمر، في استعمال أهل اللغة، على كل ما قلنا، يجب حمل صيغة الأمر الوارد (¬8) في الشرع على ما يتعارفه الناس. - وأما الاستدلال بنظائره من تصاريف الفعل، فإن الأمر أحد التصاريف المأخوذة من (¬9) المصدر، ثم (¬10) من (¬11) الخبر في (¬12) الماضي والمسقبل، ونعت الفاعل (¬13) والمفعول، نحو قولهم ضرب ويضرب وضارب ومضروب لا يدل على التكرار وضعاً، فكذا (¬14) قوله "اضرب" يجب أن يكون هكذا، حتى يكون موافقاً لنظائره. ¬

_ (¬1) كذا في أو ب. وفي الأصل كذا: "اشتر الحمار" وقد تكرر المثال كما أثبتناه في المتن عن (أ) و (ب) (انظر فيما يلي ص 127). (¬2) في ب كذا: "نيتين". (¬3) في ب: "ولفظ الأمر لا يتناول العدد". (¬4) في ب كذا: "شراً بعد شراً". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "صم يوماً". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "ولا يلزم زيادة عليه". وفي أ: "ولا يلزم الزيادة عليه". (¬7) في (أ) و (ب): "وإذا". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الواردة". (¬9) في ب: "عن". (¬10) "ثم" ليست في ب. (¬11) "من" من ب. (¬12) "في" ليست في ب. (¬13) "الفاعل" من (أ) و (ب). وفي الأصل: "الفعل". (¬14) في ب: "وكذا".

ولا يلزم النهي حيث يتكرر، وهو من تصاريف الفعل، لأن ثم (¬1) التكرار ليس موجب الصيغة على ما نذكر. والجواب عن شبهاتهم: - أما التعلق بالنصوص، [فـ] لا حجة لهم فيها: لأنه ليس فيها (¬2) بيان تكرار ودوام (¬3)، مع أن ظواهر النصوص متعارضة، فإن في باب الحج يقتضي الفعل مرة، فإن قاتم: ثمة قام الدليل، فنحن نقول: هنا (¬4) في هذه الأوامر كذلك. أما (¬5) لا يلزمنا أنها (¬6) لا تقع على الفعل مرة، لأنا إنما ندعي ذلك بموجب اللفظ لغة. أما (¬7) يجوز أن يثبت الزيادة على المرة بدليل، وقد ورد (¬8) من حيث التوقيف، والعقل: • أما من حيث التوقيف (¬9) - فما (¬10) روي عن عبادة بن الصامت (¬11) ¬

_ (¬1) في ب: "ثمة". وانظر فيما بعد ص 123 وما بعدها. (¬2) في أ: "فيه". (¬3) في ب: "التكرار والدوام". (¬4) "هنا" من ب. (¬5) أما: تكون حرف استفتاح مثل ألا، نحو: أما والله ما فعلت هذا. وحرف عرض، مثل، أما تأكل معنا؟. وتكون بمعنى حقاً، نحو: أما أنك مصيب (المعجم الوسيط). (¬6) في أ: "أنه". (¬7) راجع فيما تقدم الهاش 5. (¬8) في ب: "وجد". (¬9) "من حيث "من ب. (¬10) في ب: "ما". (¬11) في أ: "صامت". وهو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي. صحابي شهد العقبة الأولى والثانية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وشهد بدراً والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد. وكان أحد النقباء ليلة العقة. وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقات. وكان يعلم أهل الصفة القرآن. ولما فتح الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذاً وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن بالشام ويفهموهم، فأقام عبادة بحمص ومعاذ بفلسطين وأبو الدرداء بدشق. ثم صار عبادة إلى فلسطين. وروي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم مائة وواحد وثمانون حديثًا اتفق البخاري ومسلم على ستة منها وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بآخرين. =

رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله تعالى أوجب عليكم خمس (¬1) صلوات في كل يوم وليلة". وقال الله (¬2) تعالى في الصوم: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (¬3). • وأما الدليل العقلي- فلأن العبادات وجبت إظهاراً للعبودية أو لشكر المنعم (¬4)، وذلك يقتضي الدوام بقدر الممكن إلا ما ثبت العفو والإسقاط من صاحب الحق، وهو الله تعالى (¬5)، بفضله وكرمه، على ما أراد (¬6) - والله أعلم. - وأما حديث الأقرع بن حابس (¬7) - فهو كا يلزمنا يلزمكم (¬8)، فإنه لو كانت (¬9) صيغة الأمر للتكرار لغة، يجب أن لا يشكل عليه ولا يسأل. وكل (¬10) عذر لكم فهو عذر لنا (¬11). ثم نقول: إنما سأل لأنه عرف الأوامر في سائر العبادات موجبة للتكرار بمقادير معلومة، ولم (¬12) تقتصر على موجب اللفظ لغة، فقاس أمر الحج عليه، ثم ¬

_ = روى عنه أنس وجابر وأبو أمامة وغير هم. قال الأوزاعي: أول من ولي قضاء فلسطين عبادة. وكان فاضلا خيراً جميلا طويلا جسيمًا. توفي ببيت المقدس وقيل بالرملة سنة 34 هـ. وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقيل: توفي سنة 45 هـ. والأول أشهر (النووي، التهذيب). (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى فرض خمس .. ". (¬2) "الله" ليست في ب. (¬3) سورة البقرة: 185. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "أو شكراً للنعم". وفي أ: "أو شكراً للمنعم". وفي الكتاب الكريم: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك" (النمل: 19. والأحقاف: 15). "واشكروا نعمة الله" (النحل: 114). "أن اشكر الله" (لقمان: 12). "أن اشكر لي" (لقمان: 14). "واشكروا لي" (البقرة: 152) "واشكرو الله" (البقرة: 172). (¬5) "وهو الله تعالى" من ب. (¬6) في أ: "ما أراد به". (¬7) تقدمت ترجمته في الهامش 5 ص 115. (¬8) في أ: "فيلزمكم". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "كان". (¬10) في (أ) و (ب): "فكل". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "عذرنا" (¬12) في أ: "ولا".

أشكل أمر الحج (¬1) عليه لزيادة مشقة في الحج فى حق البعيد عن مكة، فسأل لإزالة إشكاله (¬2) ببيان صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم -. -[وأما] قولهم: إن المصدر صار مذكوراً لغة بذكر الأمر - فالجواب عنه (¬3) من وجهين: أحدهما - أنا (¬4) لا نسلم بأن (¬5) المصدر يصير مذكوراً لغة في سائر تصاريف الفعل، بل صيغة الأمر وحدها وضعت لطلب الفعل في المستقبل، وصيغة الماضي وضعت للإخبار عن الفعل في الماضي. وقولك "فاعل" اسم لذات قام به الفعل. ولهذا قلنا إن (¬6) في قوله: "أنت طالق" أو "طلقتك" ونوى الثلاث لا يصح، لأن المصدر الذي يحتمل الواحد والكل (¬7) غير مذكور، فلا يصح النية. وفي قول الرجل لامرأته "طلقي نفسك" تصح نية الثلاث، لا (¬8) لأن المصدر صار مذكوراً لغة، لكن صيغة الأمر وضعت لطلب الفعل في المستقبل، والفعل (¬9) كل وفرد وعدد، وصيغة الفعل تصلح دلالة على الفعل الواحد وعلى الكل، ولا تصلح دلالة على العدد، لكن عند الإطلاق يحمل على الفرد، الذي هو الأقل، لكونه متيقناً، وتصح نية (¬10) الكل. ولو نوى الثنتين لا يصح، لأنها كل من باب العدد، وصيغة الفعل لا تتناول العدد. ¬

_ (¬1) "أمر الحج" من أ. (¬2) في أ: "الإشكال". (¬3) "عنه" من ب. (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "ان". (¬5) في ب: "ان". (¬6) "إن" ليست في ب. (¬7) في ب: "الكل والواحد". (¬8) "لا" ليست في أ. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وللفعل". (¬10) في أ: "نيته".

والثاني - إن سلمنا أن المصدر صار مذكوراً لغة، وأنه اسم (¬1) جنس، بمنز لة اسم الجنس في الأعيان، ففيه (¬2) اختلاف بين كل مشايخنا على ما نذكر في باب العموم إن شاء الله تعالى. والمختار في المصدر (¬3) أنه يقع على كل الجنس إذا كان معرفاً، وإذا كان منكراً يقع على الأقل. فعلى هذا قالوا في قول (¬4) الرجل: "أنت طالق طلاقاً". فالمنكر يقع على الواحد في موضع الإثبات. وكذا في قوله "طلقي نفسك" - لأن المصدر المنكر يصير مذكوراً , لا المعرف، لأن التنكير أصل في الكلام (¬5). وإنما يصح فيه (¬6) نية الثلاث لما قلنا إنه كل الفعل لا باعتبار العدد. وأما (¬7) إذا قال: "أنت طالق الطلاق": [فـ] إن لم يكن له نيه يقع على الأقل" بدلالة الحال، لأن إيقاع الثلاث جملة مكروه، فلا يمكن صرفه (¬8) إلى الكل، برلالة حال المسلم المتدين، فيقع على الواحد الذي هو مسنون. وإذا نوى الثلاث يقع على كل الجنس، لأنه نوى كل ماهو حقيقة كلامه. وإذا نوى الثنتين لا يصح، لأنه بعض الجنس، فلا يقع عليه الإسم حقيقة على ما نذكر. - وأما النهي، فثمة لا نسلم (¬9) أن موجب النهي هو وجوب (¬10) الانتهاء ¬

_ (¬1) "اسم" ليست في أ. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وفيه". (¬3) "في المصدر" من أ. وفي ب كذا: "والمختار في أن المصدر يقع". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "قالوا إن في قول". (¬5) في ب: "لأن التنكير في الكلام أصل". (¬6) "فيه" من ب. (¬7) في أ: "فأما". وفي ب: "أما". (¬8) في ب: "مكروه على أصحابنا رحمهم الله ولا يمكن صرفه". (¬9) في ب: "وأما النهي قلنا لا نسلم". (¬10) "هو وجوب" ليست في ب.

على سبيل الدوام والتكرار (¬1) لغة، بل موجبه الانتهاء (¬2) مرة، كالأمر (¬3) سواء، لكن صيغة النهي تقتضي مصدراً محذوفاً منكراً، كالأمر سواء، كأنه قال: "صم صوماً ولا تصم صوماً"، والنكرة في موضع الإثبات تخص، وفي موضح النفي تعم، كقولك: "رأيت رجلا" و "ما رأيت رجلا"، بطريق الضرورة، على ما نذكر في باب العموم إن شاء الله تعالى. -[أما] قولهم إنه (¬4) وصح الاتفسار: أنك أردت به الفعل مرة أو مراراً (¬5) - فنقول: هذا الكلام مشترك الدلالة، فإن عندكم يحسن أن يقول أردت به التكرار. ولو كان كل قتضاه التكرار يجب أن لا يحسن. وكل عذر هو لكم فهو عذر لنا (¬6)، وكل دليل هو في حد التعارض لا (¬7) يكون حجة. ثم العذر للفريقين أنه إنما يحسن ذلك طلباً لتأكيد العام أو الظن. -[و] قولهم (¬8) إنه يصح الاستثناء (¬9) والنسخ، وذلك لا يتحقق إلا فيما له دوام وعموم (¬10) - فنقول: • إنما يجوز النسخ والاستثناء فيما قام الدليل على أنه أريد (¬11) به الدوام ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "على التكرار والدوام". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "بل للانتهاء". وفي أ: "بل الانتهاء". (¬3) في ب: "كما في جانب الأمر". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنه". (¬5) "أو مراراً " من ب. وفيها: "أردت الأمر مرة أو مراراً" ر اجع فيما تقدم ص 116 - 117. (¬6) في ب: "فكل عذر لكم هو عذر لنا". وفي الأصل و (أ): "وكل عذر هو لكم فهو عذرنا". فعبارة "عذر لنا" من ب. (¬7) كذا في ب: "لا يكون". وفي الأصل و (أ): "فلا يكون". (¬8) في ب: "قولكم". (¬9) في أ: "للاستثناء". (¬10) في ب: "عموم ودوام". (¬11) في أ: "أراد".

والتكرار إلى وقت النسخ، حتى (¬1) يكون النسخ بياناً أن (¬2) المراد به بعض المرات، فيكون الاستثناء استخراجاً (¬3) للبعض. فأما، إذا كان الأمر مطلقاً، ولم يقم الدليل على أن المرد به الدوام، [فـ] لا يجوز ورود النسخ [عليه] (¬4). كما إذا قام الدليل على (¬5) أن المراد به (¬6) مرة واحدة (¬7): لا يجوز النسخ [عليه] (¬8)، لأنه يؤدي إلى البداء (¬9)، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (¬10). وكذا في الاستثناء: يكون تعطيلا للكلام، لا ستخراجاً للبعض. • والثاني إن الأمر المطلق إذا اتصل به الاستثناء أو (¬11) النسخ يستدل به على أنه أريد به التكرار، لما قلتم (¬12) إنه لا يجوز الاستتناء والنسخ في الفعل الواحد، فكان ورود الاستثناء والنسخ (¬13) قرينة الدوام والعموم (¬14)، ولا كلام في الأمر الذي اقترن به دليل العموم والتكرار، وإنما الكلام في الأمر (¬15) الطلق - والله أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "به التكرار والدوام حتى". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بأن". (¬3) في ب: "ويكون الاستثناء إخراجاً". (¬4) في الأصل وغيره: "عنه". (¬5) "على" ليست فى ب. (¬6) "به" ليست في أ. (¬7) في ب: "المرة الواحدة". (¬8) في الأصل و (أ): "عنه". وليست في ب. (¬9) راجع في تعريف البداء الهامش 8 ص 117. (¬10) "علواً كبيراً" من ب. وفى الأصل: "تعالى الله عن ذلك". (¬11) في ب: "و". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "لم". (¬13) في ب: "النسخ والاستثنا". (¬14) في ب: "العموم والدوام". (¬15) "الأمر" من ب.

مسألة - في الأمر المعلق بالشرط، والمضاف إلى الوقت، والمقيد بالصفة: اختلف في هذه المسألة: - من قال إن الأمر المطلق لا يفيد التكرار: قال بعضهم بأنه يقتضي التكرار عند تكرر الشرط والصفة والوقت (¬1). وقال عامتهم بأنه (¬2) لا يقتضي التكرار (¬3) إلا بدليل. احتج من قال بالتكرار بظواهر النصوص من (¬4) قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل" (¬5). وقال تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (¬6). وقال تعالى: "الزانيه والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" (¬7). وقال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (¬8) إلى غير ذلك (¬9). والالستدلال (¬10) أن التكرار ثبت في هذه الأوامر بتكرر الوقت والشرط والصفة، فيجب القول به. - والصحيح قولنا، وهو أن الأمر وحده لا يوجب التكرار على ما مر. وكذلك الشرط وحده - فإن من (¬11) قال لامرأته: "إن دخلت الدار فأنت طالق" فدخلت مرة تقع طلقة واحدة، ولو دخلت مراراً لا يقع ¬

_ (¬1) في ب: "والوقت والصفة". (¬2) في ب: "إنه". (¬3) "التكرار" من ب. (¬4) في أ: "و". (¬5) الإسراء: 78. (¬6) البقرة: 185. (¬7) النور: 2. (¬8) المائدة: 38. (¬9) "إلى غير ذلك" من ب. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فالاستدلال". (¬11) "من" من أ.

شيء. فلا يتكرر (¬1) الحكم بتكرر الشرط وحده. والعارض ههنا هو التعليق، وهو قران (¬2) الشرط بالأمر، وأثره هو منع انعقاد العلة إلى أن يوجد الشرط عندنا، وعند الخصم أثره تأخير الحكم السبب مع انعقاده علة (¬3) شرعاً. وهذا لا يغير حكم الأمر والشرط عما كان، فيبقى حكم الأمر والشرط (¬4) على ما كان قبل التعليق. و (¬5) لأن أهل اللسان، كما استعملوا الأمر المطلق وما أرادوا به الدوام والتكرار، كذلك استعملوا (¬6) لأمر المعلق بالشرط والمضاف إلى الوقت (¬7) والمقيد بالصفة وما أرادوا به الدوام والتكرار، فإن (¬8) الرجل يقول لغيره: "طلق امرأني إن دخلت الدار"، ويقول لعبده: "اشتر اللحم إن دخلت السوق"، ويقول السلطان للجلاد: "اجلد فلاناً الزاني إذا حضر عندك"، فإنه لا يراد (¬9) به التكرار بالإجماع، وأوامر الشرع يحمل على كل ما يتعارفه أهل اللسان. ولا يقال: إن (¬10) الشرط في معنى العلة، لأنا نقول: ليس كذلك، لأن العلة هي (¬11) المؤثرة في الحكم، فجاز أن يتكرر الحكم بتكررها، أما الشرط فما يمنع انعقاد المؤثر عن العمل لا غير، فإن كان المؤثر ¬

_ (¬1) في ب: "فدخلت مرة طلقت، ولو دخلت ثانياً وثالثاً لا تطلق ولا يتكرر .. ". (¬2) في ب: "اقتران". (¬3) "علة" من ب. (¬4) "عما كان ... والشرط" ليست في ب. (¬5) "و" ليست في أ. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الأمر المطلق ولم يريدوا به التكرار، استعملوا". (¬7) "والمضاف إلى الوقت" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولم يريدوا به التكرار فإن". (¬9) في ب: "لا يريد". وراجع ص 119. (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بأن". (¬11) "هي" ليست في ب.

موجوداً يعمل فيه بالمنع عن العمل وكونه سبباً وعلة للحكم. وإن (¬1) لم يكن فوجوده وعدمه بمنزلة سواء (¬2). وفيما ذكروا من النصوص قام الدليل، بخلاف ظاهر الصيغه، على أنه قد (¬3) قام الدليل عندنا على (¬4) أن الوقت وشهود الشهر سبب لوجوب الصلاة والصوم، وكذا (¬5) الزنا علة لوجوب الجلد، والسرقة علة لوجوب القطع، والحكم (¬6) يتكرر بتكرر العلة. فمن ألحق الشرط بالعلة فلا بد له من دليل جامع (¬7) - والله أعلم. مسىألة - في حكم الأمر بأحد الأشياء (¬8) غير عين: كما في قوله تعالى في كفارة اليمين: "فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة" (¬9). قال عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين: إن (¬10) الواجب واحد منا غير عين، والمأمور مخير في تعيين واحد منها فعلا، ويتعين ذلك باختياره فعلا. ¬

_ (¬1) في أ: "فإن". (¬2) "بمنزلة" من ب. و "سواء" ليست في ب. انظر في معنى الشرط والعلة فيما سيأتي ص 615 وما بعدها. فالشرط "ما يوجد الحكم عند وجوده وينعدم عنده عدمه" فهو "اسم لما يضاف إليه الوجود دون الوجوب، بخلاف العلة فهي اسم لما يضاف إليه الوجوب دون الوجود". (¬3) "قد" من (أ) و (ب). (¬4) "على" ليست في أ. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "سبب الوجوب وكذا". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وكذا الزنا علة الوجوب والحكم". (¬7) في ب: "بتكرر العلة من ادعى الشرط في معنى العلة يحتاج إلى الدليل" اهـ. (¬8) في ب: "الأشياء الثلاثة". (¬9) المائدة: 89.وهي بكاملها: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن".

وتكلموا في كيفية هذا القول: قال بعضهم: إنه واجب عند الله تعالى عينا، وإن كان مجهولا في حق العباد. والله (¬1) تعالى عالم بأن من عليه يختار ما هو (¬2) الواجب عنده، فيخيره، ليستوفي الواجب عنده (¬3). وقال بعضهم: إنه (¬4) للحال غير واجب عند الله تعالى، وإنما يصير واجباً عند اختيار العبد فعلا، كأن الوجوب عليه معلق بشرط الاختيار أو (¬5) عند سقوط خيار (¬6) التعيين. وقالت المعتزلة: إن (¬7) الكل واجب، على طريق البدل، على معنى (¬8) أنه لا يجب عليه الإتيان بالكل (¬9)، ولا يجوز ترك الكل. وإذا أتى بواحد من الجملة، يجوز له ترك الباقي، إذ ما هو القصود يحصل بالواحد (¬10). وهذه المسألة، بيننا وبينهم، فرع لمسألة (¬11) أخرى، وهو (¬12) أن التكليف يبتنى (¬13) على حقيقة العلم عندهم، دون السبب الموصل إليه، ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فالله". (¬2) "ما هو" ليست في ب. (¬3) "عنده" من ب. (¬4) في أ: "إن". (¬5) "أو" ليست في ب. (¬6) في أ: "اختيار". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬8) في ب: "ومعنى ذلك". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لا يجب تحصيل الكل". (¬10) في ب: "وإذا أتى بالواحد يخرج عن العهدة ويجوز له ترك الباقي أو ما هو المقصود من الكل يحصل بالواحد" (¬11) في ب: مسألة". (¬12) "وهو" ليست في ب. (¬13) كذا في أ. وفي الأصل: "يبنى". وقي ب: "ينبني".

وإيجاب واحد من الأشياء (¬1) غير عين تكليف بما لا علم للمكلف به، لأن الواجب مجهول حالة التكليف في حق المكلف (¬2)، فيكون تكليف ما ليس في الوسع. وعند نا التكليف يبتنى على سبب العلم، لا على حقيقة العلم (¬3). كما يبتنى على سبب القدرة لا على حقيقة القدرة (¬4). وههنا (¬5) طريق العلم قائم، وهو الاختيار، فلا يكون تكليف العاجز. وشبهتهم أن الأمر بأحد الأشياء على سبيل التخيير إما أن يكون موجبه ثبوت الحكم في واحد منها عيناً، أو في واحد غير عين، أو في الكل على سبيل الجمع أو على سبيل البدل. لا وجه للأول (¬6)، لأنه خلاف الصيغة، وخلاف الإجماع. ولا وجه للثاني، لأنه تكليف بما هو غير معلوم، للمأمور، وقت التكليف. والتكليف بإتيان (¬7) المجهول تكليف ما ليس في الوسع، وهو (¬8) باطل. ولا وجه للثالث (¬9): إلى وجوب الكل بطريق الاجتماع (¬10)، لأنه خلاف ظاهر الكتاب (¬11)، والإجماع أيضاً. ¬

_ (¬1) في ب: "من الأشياء الثلاثة". (¬2) "في حق المكلف" من ب. (¬3) في أ: "لا على حقيقته". (¬4) في أ: "لا على حقيقتها". (¬5) في ب: "وهنا". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "إلى الأول". (¬7) في ب: "بإثبات". (¬8) في أ: "وهذا". (¬9) "للثالث" من ب. (¬10) "بطريق الاجتماع" ليست في ب. (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الظاهر بالكتاب".

فتعين القول بوجوب (¬1) الكل على طريق البدل ضرورة، وإنه طريق مشروع موافق للأصول: وهو فرض الكفاية من الجهاد وصلاة الجنازة ونحوهما (¬2): فإنه يجب على الكل بطريق البدل، حتى إنه (¬3) إذا قام به البعض سقط (¬4) عن الباقين، فكذلك (¬5) هذا. وجه قولنا: الكتاب، والمعقول، والأحكام: - أما الكتاب، فقوله (¬6) تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (¬7) ذكر بحرف "أو"، وحرف "أو" متى دخل بين أفعال، كان المراد به (¬8) واحداً كل منها غير عين في الإخبار والإيجاب جميعاً (¬9). تقول في الإخبار: "جاءني زيد أو عمرو" و (¬10) يكون الجائي أحدهما. وكذا في الإيجاب: إذا قال لرجل: "بع هذا العبد بألف درهم أو هذا العبد" (¬11) يكون توكيلا ببيع أحدهما. فمن قال بأن المراد به (¬12) الكل على طريق البدل، فقد خالف موجب اللغة. - وأما المعقول، وهو أن الأمر بالأشياء، على سبيل التخيير، صحيح، بالإجماع، حتى لو ترك الكل فإنه يأثم - فإما أن يكون (¬13) أمراً بأحدها (¬14) ¬

_ (¬1) في ب كذا: "والإجماع أيضاً. وإذا انتدب [لعلها انتفت] الأقسام تعين القول بوجوب". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ونحوها". (¬3) "إنه" من ب. (¬4) في أ: "يسقط". (¬5) في ب: "فكذا" (¬6) في ب: "قوله". (¬7) سورة المائدة: 89. وتقدم نصها كاملا في الهامش 9 ص 128. (¬8) في ب: "منه". (¬9) "جميعاً" ليست في ب. (¬10) "و" من ب. (¬11) في ب: "هذا العبد أو هذا العبد بألف درهم". (¬12) في ب: "منه". (¬13) في ب: "كان". (¬14) في (أ) و (ب): "بأحدهما".

عيناً، أو بالكل على سبيل الجمع، أو بالكل على سبيل البدل، أو بأحدها (¬1) غير عين: لا (¬2) وجه للأول، فإن التخيير ثابت للمأمور بالإجماع (¬3)، ومع تعين (¬4) الفعل المأمور به (¬5) للمأمور (¬6)، على سبيل الوجوب، لا يثبت التخيير. ولا وجه للثاني، فإنه (¬7) خلاف الإجماع، إذ لا خلاف بين العلماء أنه لو أتى بواحد منها، فإنه (¬8) يخرج عن عهدة الأمر (¬9). ولا وجه للثالث، فإن الوجوب إنما يعرف بحده وأثره، وهو استحقاف الذم والملامة في الدنيا، واستحقاق (¬10) العذاب في الدار (¬11) الآخرة. ولو ترك المأمور، الكل، لا يأثم إلا إثم ترك واحد (¬12) من الكفارات. ولو أتى بالكل، فإنه لا يثاب إلا ثواب فرض واحد، ويثاب (¬13) بأداء الباقين ثواب التطوع، ولو كان الكل واجباً لكان الأمر بخلافه. ¬

_ (¬1) كذا في ب والأصل. وفي أ: "بأحدهما" .. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ولا". (¬3) "بالإجماع" من ب. (¬4) في أ "ومع" غير واضحة. وفي ب: "ومع تعيين". (¬5) "المأمور به" ليست في ب .. (¬6) "للمأمور" من ب. (¬7) في ب: "لأنه". (¬8) "فإنه" ليست في ب. (¬9) في ب: "عن العهدة". (¬10) "استحقاق" ليست في ب، ففيها: "والعذاب". (¬11) "الدار" من ب. (¬12) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الواحد". (¬13) "واحد ويثاب" ليست في ب، ففيها: "ثواب فرض بأداء".

فإن قلتم: إن حكم وجوب الكل على سبيل البدل هذا - فقد ناقضتم في حد الواجب، وهو كل ما يستحق بتركه (¬1) الذم والملامة في الدنيا (¬2) والعقاب في الآخرة (¬3) وذلك لم يوجد في الكل. فإذا (¬4) بطلت (¬5) هذه الوجوه تعين ما قلنا: إنه أمر بأحد الأشياء غير عين. - وأما الأحكام، فإن من أعتق إحدى إمائه أو طلق إحدى نسائه - لو كان هذا إعتاقاً أو (¬6) تطليقاً للكل على سبيل البدل، ويكون خيار التعيين إليه: ينبغي أن لا يصح: لأن (¬7) العتاق والطلاق، بعد وقوعهما في محك، لا يصح النقل عنه. ولأنه لا (¬8) علم (¬9) له بالمعتقة والمطلقة، كيف يصح البيان بإثبات الخيار. وفيه احتمال إباحة الحرة الأجنبية، وذلك (¬10) باطل. وكذا إذا وكل رجلا ببيع إحدى جاريتيه (¬11)، فباع إحديهما (¬12) غير عين، على أن له الخيار بين أن يمسك إحديهما ويدفع الأخرى إلى ¬

_ (¬1) كذا في أوفي الأصل و (ب): "به". (¬2) "والملامة في الدنيا" من ب. (¬3) "في الآخرة" من ب. (¬4) في (أ) و (ب): "واذا". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بطل". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "و". (¬7) في ب: "لأنه". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ولا"، فليس فيه "لأنه". (¬9) في ب كذا: "لا يحكم". (¬10) في ب: "وإنه". (¬11) في ب كذا: "جاريته". (¬12) في ب: "أحدهما".

المشتري (¬1)، أو باع المالك (¬2) إحدى أمتيه (¬3) على هذا الوجه: فإنه يجوز (¬4)، وفيه احتمال تسليم غير (¬5) المبيعة لو كان الأمر على ما ذكرتم. وكذا لو أتى المكفر (¬6)، بالكل جملة، بأن يعتق في الحال التي (¬7) يطعم ويكسو بنية الكفارة، فإن الكل ينفذ في ساعة واحدة، و (¬8) لو كان الكل واجباً على طريق البدل، وليس البعض بأولى من البعض في هذه الحالة، [فإنه] ينبغي أن يكون الجميع (¬9) عن الكفارة، ومع هذا [فـ] الكفارة واحدة (¬10) منها. [وبهذا] علم أن الواجب واحد منها غير عين. والجواب عما ذكروا من التقسيم - فنقول: الواجب عندنا واحد من الأشياء غير عين. -[أما] قولهم إن (¬11) هذا تكليف بالمجهول، فيكون تكليف ما ليس في الوسع - فنقول: شرط صحة التكليف سبب العلم وطريقه، لا حقيقة ¬

_ (¬1) في ب: "على أنه بالحيار في إمساك إحديهما وتسليم الأخرى للمشتري". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أو المالك باع". (¬3) "إحدى أمتيه" ليست في ب. (¬4) قال في الكفاية (5: 522 - 523): "فإن حصل البيع بشرط خيار التعيين للبائع بأن قال البائع" بعتك أحد هذين الثوبين على أني بالخيار أعين البيع في أحدهما دون الآخر": لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة لا في بيوع الأصل ولا في الجامع الصغير. وذكر الكرخي رحمه الله في مختصره أنه يجوز استحساناً - قالوا وإليه أشار في المأذون، لأن هذا البيع يجوز مع خيار المشتري , فيجوز مع خيار البائع قياسًا على خيار الشرط. وذكر في المجرد أنه لا يجوز لأن هذا البيع مع خيار المشتري إنما يجوز بخلاف القياس باعتبار الحاجة إلى اختيار ما هو الأرفق بحضرة من يقع له الشراه، وهذا المعنى لايتأتى في جانب البائع، لأنه لا حاجة إلى اختيار الأرفق، لأن المبيع كان معه قبل البيع فيرد جانب البائع إلى ما يقتضيه القياس". (¬5) في ب: "عين". (¬6) في ب: "بالمكفر". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الذي". (¬8) "و" من أ. (¬9) في ب: "الجمع". (¬10) "واحدة" ليست في ب. (¬11) في أ: "بأن".

العلم (¬1)، كما أن من (¬2) شرطه القدرة من حيث السبب، لا نفس القدرة الحقيقة. وفي مسألتنا وجد سبب حصول العلم بالواجب عيناً، وهو اختيارالمكلف: فإنه إذا اختار المكفر أحد الأشياء الثلاثة، وشرع فيه فيؤدي الواجب (¬3) والاختيار بيده، فيكون تكليف القادر، لا تكليف ما ليس في الوسع. - ولا يقال بأنه لا يمكن القول بالتخيير مع القول بوجوب أحدها (¬4) غير عين، لأنه يكون تخييراً بين الواجب وغير الواجب، وإنه يتضمن إباحة ترك (¬5) الواجب، فيكون فاسداً (¬6)، كالتخيير بين أداء الظهر وبين (¬7) التطوع - لأن عند بعض مشايخنا إنما يجب عند الاختيار لا قبله، ويكون اختياره علماً على الوجوب، فلا يكون تخييراً بين الواجب وغير الواجب. وعلى قول الآخرين من كل مشايخنا (¬8): لا يلزم، لأنه إذا كان في علم الله تعالى أنه يختار الواجب لا محالة، فكان (¬9) اختياره علماً على تعين (¬10) الواجب في حق المكلف من الأصل، والله (¬11) تعالى يرشده إلى ما هو الواجب عنده، فلا يكون اختياره متضمناً ترك الواجب، وإنما الا يجوز التخيير بين الواجب وغير الواجب، لاحتمال أنه ربما يختار غير الواجب، في فيتضمن ترك الواجب، و (¬12) هذا المعنى معدوم ههنا. ¬

_ (¬1) "العلم" ليست في ب. (¬2) "من" ليست في ب. (¬3) في أ: "وشرع فيه فقد أتى بالواجب". (¬4) في ب: "أحدهما". (¬5) "ترك" ليست في ب. (¬6) "فيكون فاسداً" ليست في ب. (¬7) "بين" ليست في أ. (¬8) "من مشايخنا" ليست في أ. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وكان". (¬10) في (أ) و (ب): "تعيين". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فالله". (¬12) "و" ليست في ب.

- ولا يقال بأنه إذا ترك الكل يأثم بأن مات قبل الفعل، ولو صار واجباً عند الاختيار ينبغي أن لا يأثم، لأنه لم يوجد ترك الواجب - لأنا نقول (¬1): • هذا لا يلزم على قول الفريق الثاني، لأنه واجب، لكونه متمكناً من الأداء بواسطة الاختيار. • وعلى قول الفريق الآخر لا يلزم أيضاً لوجهين: أحدهما - أنا لا نقول إنه (¬2) يأثم بترك الواجب، وهو الكفارة، وإنما يأثم بترك الاختيار الذي هو (¬3) وجب عليه علماً على وجوب الكفارة. والثاني - أن الوجوب إنما تعلق باختياره (¬4) واحدة (¬5) منها، بشرط (¬6) أن لا يفوت عن العمر، كما إذا كان مطلقاً من الوقت. فإذا صار إلى حال لو لم يختر يفوت الفعل بأن حكم عليه بالموت بعده، يتعين عليه الوجوب في ذلك الوقت في واحد منها الذي هو الأيسر (¬7) عليه بحكم الحال، لأنه إنما لا يجب ويتعلق الاختيار تيسيراً عليه ليختار أحد الأشياء الذي هو الأيسر (¬8) عليه (¬9) باختلاف الأحوال، فإذا لم يختر إلى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب في الأيسر في الحال، فيأثم بترك ذلك لقيام الوجوب عليه، مع القدرة على الأداء. ¬

_ (¬1) "لأنا نقول" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنه". (¬3) "هو" ليست في (أ) و (ب). (¬4) الهاء من (أ) و (ب). (¬5) في ب: "واحد". وفي هامش أ: " أي من الأشياء الثلاثة". (¬6) في ب: "شرط". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أيسر". (¬8) "بحكم الحال ... الأيسر" من (أ) و (ب). (¬9) "عليه" من ب.

وأما فرض الكفاية: [فـ] بعض مشايخنا قالوا: لا فرق بين المسألتين، فإن ثمة (¬1) يجب على طائفة قدروا على الدفع (¬2) غير عين. وبعضهم فرقوا وقالوا: ثمة (¬3) لا يمكن الإيجاب على المجهول، فوجب على الكل، بطريق الاجتماع، تم يسقط الباقين بأداء البعض، لحصول القصود، وههنا أمكن القول بالإيجاب لأن من عليه الواجب متعين، لكن الواجب مجهول، وجهالة الواجب لا تمنع كل من تحصيل المقصود إذا كان له طريق الوصول - فهو (¬4) الفرق بلأنهما - والله أعلم. مسألة - الأمر هل يدل على إجزاء الفعل الأمور به، وعلى خروج المأمور من عهدة الأمر إذا أتى بالفعل المأمور به على الوجه الذي أمر به من غير خلل (¬5)؟ قال (¬6) عامة الفقهاء: بأنه يدل على الإجزاء. وقال بعض العتزلة: لا يدل على الإجزاء، وإنما يثبت الإجزاء بدليل زائد وراء الأمر. وحاصل اخلاف في تفسير الإجزاء، والجواز، والصحة في العبادات: فعندنا: هو حصول الامتثال بإتيان (¬7) ما أمر به على الوجه الذي أمر به، ثم سقوط وجوب الإعادة (¬8) في الوقت المعين، وسقوط القضاء في وقت ¬

_ (¬1) في ب: "ثم". (¬2) في ب: "الرفع". (¬3) في ب: "ثم". (¬4) في ب: "وهو". (¬5) "من غير خلل" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فقال". (¬7) في ب: "بإثبات". (¬8) في ب: "الذي أمر به ووجوب الإعادة".

آخر. بناء عليه: فإن أداه على وجهه، لا يجب اقضاء، لوجود الأداء. وإذا ترك في وقته المعين، أو أتى به مع نقصان فاحش حتى ألحق (¬1) بالعدم، تجب عليه الإعادة في الوقت، أو القضاء خارج الوقت. وعندهم: تفسير الإجزاء والجواز هو سقوط القضاء عنه، وذلك لا يعرف إلابدليل زائد. وجه قولهم: إن حصول الامتثال لا ينافي وجوب القضاء: فإن من جامع امرأته (¬2) قبل الوقوف بعرفة (¬3) حتى فسد حجه، يجب عليه المضي في الحج، ويكون ذلك طاعة ويعد ممتثلا للأمر، ومع ذلك يلزمه القضاء في السنة القابلة. وكذا من صلى في آخر الوقت على ظن أنه توضأ بماء طاهر ثم ظهر أن الماء نجس، فإنه يجب عليه القضاء، وما صلى بناء على ظن الطهارة يكون مأموراً به حتي يثاب عليها (¬4)، ولو ترك مع التحري على الطهارة يأثم. ولأن النهي عن الفعل الشرعي لا يدل على الفساد، حتى لو صلى في الدار المغصوبة يقع مجزئة، فإذا كان كان النهي لا يدل على الفساد، فالأمر لا يدل على الجواز والإجزاء (¬5). ووجه قولنا: وهو أن المأمور إذا (¬6) أتى بالفعل المأمور به على الوصف (¬7) الذي أمر به، ومع وجود شرائط الصحة: لو لم يسقط عنه (¬8) القضاء ولم (¬9) يخرج عن عهدة الأمر، يبقى تحت التكليف أبداً، وهو تكليف ما ليس في الوسع. ¬

_ (¬1) في أ: "التحق". (¬2) "امرأته" من ب. (¬3) "بعرفة" من ب. (¬4) في أ: "عليه". (¬5) "والإجزاء" من ب. (¬6) "إذا" ليست في ب. (¬7) في ب: "على الوجه". (¬8) في أكذا: "عند". (¬9) "لم" ليست في ب، فقيها: "ويخرج".

- وأما الحج إذا فسد، [فـ] لا يحكم بجواز ما أمر به، لأنه لم "يؤده على الوصف الذي أمر به، فبقي تحت الأمر، فيجب عليه في السنة القابلة حج صحيح خال (¬1) عن الجماع. فأما الفاسد [فقد] أمر بالمضي فيه بأمر جديد، على وجه النقصان، لكون الإحرام لازماً شرعاً، فإذا أتمه يخرج عن عهدة (¬2) هذا الأمر أيضاً، لأنه أتى به على الوجه الذي أمر به مع الفساد أي مع النقطان (¬3). - وفي الصلاة بغير طهارة لا نقول بأنها مجزئة، لأنه ظهر أن الماء نجس، والواجب عليه الوضوء بالماء الطاهر حقيقة، بطريق التحري والاجتهاد، والمجتهد يخطئ ويصيب عندنا (¬4). فمتى ظهر أنه نجس تبين أنها غير مجزمة، لعدم الطهارة حقيقة، فبقي (¬5) تحت التكليف، لكن لو مات لا يؤاخذ به، لأنه كل معذور لإتيانه بجميع ما في وسعه. - وما قالوا إن النهي لا يدل على الفساد، فليس كذلك، بل يدل على فساد المنهي، وإنما يجوز الصوم والصلاة التي (¬6) أضيف النهي إليهما (¬7)، كالصلاة في الأرض الغصوبة، وصوم يوم النحر، على تقدير أنهما مشروعان، غير منهي عنهما، لا أن (¬8) الجواز والشروعية ثابت مع قيام النهي. هذا هو الذهب الصحيح على ما نذكر في باب النهي إن شاء الله تعالى. مسألة - الأمر بالشيء، هل يدل على وجوب ما لا يصح إلا به؟ نقول: ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "حجا صحيحاً خالياً". (¬2) "عهدة" من (أ) و (ب). (¬3) في ب: "أو مع النقصان". وليست في أ. (¬4) "عندنا" ليست في أ. (¬5) في (أ) و (ب): "فيبقى". (¬6) في أ: "الذي"، ولعل الصحيح: "اللذان". (¬7) في ب: "إليها". (¬8) في ب كذا: "لأن".

إن الأشياء التي لا تصح العبادة والفعل المأمور به إلا معها على قسمين: منها - ما لا صحة للمأمور به إلا بتحصيلها، من غير أن يكون طريقاً ووسيلة إليه. ومنها - ما يكون طريقاً ووسيلة إليه (¬1)، بأن كان سابقاً عليه أو (¬2) مقارناً له. أما القسم الأول - نحو الأمر بستر الركبة (¬3): يكون أمراً بستر شيء من الساق ضرورة (¬4)، لأن الركبة مركبة من الفخد والساق بحيث لا يتميز (¬5) أحدهما من (¬6) الآخر. وكالأمر لي بغسل الوجه: يكون أمراً بغسل شيء من الرأس، لأنه لا يمكن إلا به. ونحو الأمر بالامتناع عن استعمال (¬7) الطاهر لاختلاط النجس به، والأمر بالامتناع عن العبادة لمجاورتها المعصية (¬8)، كالصلاة في الأرض المغصوبة (¬9). وهذا لأن الأمر، لما ورد (¬10) بتحصيل ذلك الفعل مطلقاً، ولا (¬11) يتحقق تحصيله (¬12) على الكمال (¬13) إلا بتحصيل غيره، وفي وسعه تحصيله، كان أمراً به، ضرورة العمل بإطلاقه. ¬

_ (¬1) "ومنها - ما يكون طريقاً ووسيلة إليه" ليست في ب. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "و". (¬3) "الركبة" من ب. وفي الأصل و (أ): "الفخذ". (¬4) "ضرورة" من ب. (¬5) كذا في (أ) و (ب) مع ملاحظ ما ورد في الهامش السابق. وفي الأصل: "بستر شيئ من الساق لأنه لا يتميز". (¬6) في أ: "عن". (¬7) "استعمال" ليست في ب. (¬8) كذا في (أ) و (ب): "بمعصية". وفي الأصل: "بالمعصية". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: " بالأرض المغصوبة". وفي أ: " في أرض مغصوبة". (¬10) في ب: "قرن". (¬11) في ب: "فلا". (¬12) كذا في (أ) و (ب): "تحصيله". وفي الأصل: "بتحصيله". (¬13) في ب: "على التمام".

وأما القسم الثاني، فنوعان: أحدهما - ما ليس في وسع المكلف تحصيل العمل بإطلاقه، نحو الطريق (¬1) والوسيلة والقدرة (¬2) من حيث الأسباب، كسلامة الجوارح وسلامة العقل في العبادات (¬3). وفي هذا لا يكلف المرء بالفعل، حتى لا يكلف الأعمى الإبصار ولا الرمي، ولا المقعد المشي، لانعدام (¬4) الآلة، وليس في وسعهما تحصيلها، لأنه تكليف كل ما ليس في الوسع. وعلى هذا قالت المعتزلة: إن القدرة الحقيقية يجب أن تكون سابقة على الفعل، حتى لا يكون تكليف كل ما ليس في الوسع، لأنه ليس في وسع المكلف تحصيل القدرة الحقيقية عند الفعل، كما في القدرة من حيث الأسباب. إلا أنا نقول: وجود القدرة الحقيقية لأجل وجود الفعل. وإذا (¬5) كانت القدرة من حيث الأسباب ثابتة سابقة على الفعل، فالقدرة الحقيقية توجد عند الفعل لا محالة، بإجراء الله تعالى (¬6) العادة في حق من أراد منه وجود الفعل، فتوجه (¬7) التكليف، وإن لم يكن تحصيل القدرة (¬8) في وسع المكلف. فأما في القدرة من حيث الأسباب [فـ] ما أجرى (¬9) الله تعالى العادة على تخليق (¬10) السلامة في أعضاء الزمن و (¬11) المقعد والأعمى، ¬

_ (¬1) في ب: "تحصيل الطريق" فليس فيها: "العمل بإطلاقه نحو". (¬2) في ب: "والوسيلة نحو القدرة". (¬3) في ب: وسلامة العقل في الآفات في العبادات". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "حتى لا يكلف الأعمى والمقعد بالفعل لانعدام". (¬5) في أ: "فإذا". (¬6) "تعالى" من ب. (¬7) لعل الصحيح: "فيتوجه". (¬8) في ب: "وإن لم تحصل القدرة". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "ما أجر". (¬10) في ب: "بتخليق". (¬11) "الزمن و" من ب. والزمن هو المريض مرضاً يدوم زمانًا طويلا (المعجم الوسيط).

فلا يتوجه التكليف بدونها، حتى لا يكون تكليف ما ليس في الوسع - حتى لوثبت بقول نبي من الأنبياء عليهم السلام علم وجود سلامة البنية ووجود البصر وزوال العمى عند الفعل يجوز التكليف به (¬1)، وإن لم يكن في وسعهما تحصيلها، لحصول العلم بوجودها (¬2) بقول الصادق. وأما الثاني (¬3) - وهو ما يكون وسيلة وطريقاً إلى تحصيل الفعل، وفي وسع المكلف تحصيله، فهو (¬4) على نوعين: أحدهما - أن يكون الأمر بالفعل كل معلقاً بوجود ذلك الشيء، كما لو قال المولى لعبده: "اصعد السطح إن كان السلم منصوباً". فإن كان السلم منصوباً (¬5) يجب عليه الصعود (¬6). وإن لم يكن لا يجب عليه نصب السلم، لأن المعلق بالشرط لا حكم له قبل الشرط، فإذا لم يجب عليه الصعود عند عدم (¬7) الشرط، فلا يجب عليه ما هو من ضرورات الخروج عنه (¬8). والثاني - أن يكون الأمر مطلقاً بأن قال المولى لعبده: "اصعد السطح"، فإنه يجب عليه الصعود إن كان السلم منصوباً. وإن لم يكن، يجب عليه نصب السلم إذا كان متمكناً من نصب السلم، بأن كان حاضراً ثمة وله قدرة نصبه، ويجب عليه الصعود، بناء عليه، لأن حكم الأمر ¬

_ (¬1) "به" ليست في ب. وفي أ: "يكلف به". (¬2) في أ: "بوجودهما". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وأما القسم الثاني" وقد آثرنا الأخذ بما فى ب لأن هذا هو النوع الثاني من القسم الثاني كما هو ظاهر. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وهو". وفى أ: "فهى". (¬5) كذا في أ. و"فإن كان السلم منصوباً" ليست في الأصل: انظر الهامش التالي. (¬6) في ب: "السلم منصوبا يجب عليه الصعود إذا كان السلم منصوبًا". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل الكلمة ناقصة ففيه كذا: "م". (¬8) كذا في الأصل وب وهامش أ. وفي متن أ: "الصعود عليه".

المطلق هو تحصيل المأمور به (¬1)، على كل حال، عملا بإطلاقه، ولا يمكنه، على جميع الأحوال، إلا بتحصيل كل ما هو من ضروراته ووسائله، وفي وسعه ذلك، فيجب عليه. ولهذا قلنا: إن الأمر بالحج (¬2) في حق المستطيع، وإن كان كل مطلقًا عن السعي، والأمر بالجمعة كذلك، [فإنه] يجب عليه السعي إذا كان لا يتصور الأداء بدونه لما قلنا. مسألة - الأمر بالفعل هل هو نهي عن ضده، والنهي عن الفعل هل هو أمر بضده؟. ههنا فصلان: أحدهما - الأمر (¬3) بالفعل هل هو نهي عن ضده؟ والثاني - النهي عن الفعل هل هو أمر بضده؟ أما الأول: قال عامة مشايخنا وأصحاب الحديث: إن الأمر بتحصيل الشيء يكون نهياً عن ضده إذا كان له ضد واحد، كالأمر بالإيمان ونحوه. وإن كان له أضداد، كالأمر بالقيام، فإن له أضداداً من القعود والركوع والسجود والاستلقاء ونحوها - اختلفوا فيما بينهم: قال بعضهم: يكون نهياً عن الأضداد كلها. وقال بعضهم: يكون نهياً عن واحد كل من الأضداد غير عين. ثم قال بعض أصحاب الحديث: هذا في الأمر الذي هو أمر إيجاب. فأما (¬4) أمر الندب (¬5)، [فـ] لا يكون نهياً عن ضده. ¬

_ (¬1) "به" ليست في ب. (¬2) في أزاد هنا عبارة" والسعي والصدقة" فصارت العبارة: "بالحج والسعي والصدقة". (¬3) في أ: "إن الأمر". (¬4) الفاء من (أ) و (ب). (¬5) في ب: "أمر النهي".

وقال عامتهم بأن الأمر بالفعل يكون نهياً عن ضده (¬1) مطلقاً، لكن على (¬2) حسب الأمر: إن كان أمر إيجاب يكون النهي عن ضده نهي تحريم، وإن كان الأمر (¬3) أمر ندب يكون النهي (¬4) عن ضده نهي ندب - حتى يجب الامتناع عن المنهي عنه في الأول، وفي الثاني يندب إلى (¬5) الامتناع، حتى يكون إتيان النوافل (¬6) أولى من الأفعال المباحة، ويصير كل منهبًا عنها نهي ندب من حيث إنه ترك للمندوب (¬7) لا لعينه، فيندب الامتناع عنها إذا لم يكن له حاجة إلى مباشرتها. وأما الثاني: وهو أن (¬8) النهي عن الفعل (¬9) - هل يكون أمراً بضده؟ أجمعوا أنه إذا كان له ضد (¬10) واحد، يكون أمراً بضده - كالنهي عن الكفر: يكون أمراً بضده وهو الإيمان (¬11)، والنهي عن التحرك: يكون أمراً بضده وهو السكون (¬12). فأما إذا كان له أضداد كالنهي عن القيام ونحوه اختلفوا فيه: قال بعض أصحابنا وبعض أصحاب الحديث: يكون أمراً بالأضداد كلها، كما في جانب الأمر. ¬

_ (¬1) "وقال عامتهم ... نهياً عن ضده" ليست في ب. (¬2) "على" ليست في ب. (¬3) "الأمر" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "نهياً". (¬5) "إلى" ليست في (أ) و (ب). (¬6) في ب: "الإثبات بالنوافل". (¬7) كذا في ب وأ. وفي الأصل: "ترك المندوب". (¬8) "أن" من أ. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فعل" (¬10) في ب: "أصل". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أمراً بالإيمان". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أمراً بالسكون".

وقال عامة أصحابنا وعامة أصحاب (¬1) الحديث: بأنه يكون أمراً بواحد من الأضداد غير عين. و (¬2) قال الشيخ الإمام (¬3) أبو منصور الماتريدي رحمه الله: لا فرق بين الأمر والنهي في أن لكل واحد منهما ضداً واحداً (¬4) حقيقة، وهو تركه, فالأمر بالفعل نهي عن ضده، وضده تركه. غير أن الفعل قد يكون تركه بفعل واحد (¬5) من الأفعال بطريق التعين (¬6) كالتحرك: يكون تركه بفعل واحد متعين، وهو السكون، وقد يكون تركه بأفعال كثيرة، كالأمر بالقيام: يكود نهياً عن ضده، وضده (¬7) تركه، وذلك بأفعال كثيرة من قعود واضطجاع واستلقاء وغير ذلك (¬8). وكذلك (¬9) النهي عن الفعل: أمر ضده، وهو تركه، وذلك بأنواع من (¬10) الأفعال التي ذكرناها هنا (¬11). هذا هو بيان الاختلاف بين أهل السنة. فأما عَند العتزلة: [فـ]، الأمر بالشيء لا يكون نيهياً عن ضده، والنهي عن الشيء لا يكون أمراً بضده. ثم اختلفوا فيما بينهم: أنه هل له حكم في ضده؟ ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أهل". (¬2) الواو من (أ) و (ب). (¬3) "الإمام" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ضد واحد". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بواحد". (¬6) في ب: "التعيين". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وهو". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وغيرها". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "وهكذا". وفي أ: "وكذا". (¬10) "من" ليست في أ. (¬11) "هنا" من ب.

قال بعضهم: وهو اختيار أبي هاشم (¬1)، ومن تابعه (¬2) من (¬3) متأخري المعتزلة، إنه لا حكم له في ضده بل هو مسكوت عنه (¬4). وقال عامتهم: بأن الأمر له حكم في ضده وهو الحرمة. لكن قال بعضهم: إن الأمر (¬5) يوجب حرمة ضده. وقال بعضهم: يدل على حرمة ضده. وقال بعضهم: يقتضي حرمة ضده (¬6). وقال بعض مشايخنا: إنه يقتضي كراهة ضده. ثم عندهم: هذا إذا كان للفعل (¬7) ضد واحد، فأما إذا كان له أضداد: فإن قام دليل أن بعض أضداده يقوم مقام المأمور به في المصاحة، [فـ] لا يحرم ذلك الضد، بل يكون المأمور به هذا (¬8) الفعل، وذلك الضد على سبيل البدل لتساويهما في وجه المصلحة. وإن لم يقم الدليل، اقتضى قبح أضداده جميعاً (¬9)، لأن كل واحد من ذلك وبانفراده ¬

_ (¬1) هو أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد الجبائي بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنهم. وهو المتكلم الشهور العالم ابن العالم. كان هو وأبوه من كبار المعتزلة. ولهما مقالات على مذهب الاعتزال. وكتب الكلام مشحونة بمذهبهما واعتقادهما. وقد ولد أبو هاشم سنة 247 هـ. وتوفي سنة 321 هـ. ببغداد. والحبائي نسبة إلى قرية من قرى البصرة خرج منها جماعة من العلماء. وقيل إنها كورة وبلد ذات قرى وعمارات من نواحي حوز بغداد. وله من الكتب: كتاب الأبواب الكبير. كتاب الأبواب الصغير. كتاب الجامع الكبير. كتاب الجامع الصغير. كتاب الإنسان. كتاب العوض. كتاب المسائل العسكريات - كتاب النقض على ارسطاليس في الكون والفساد - كتاب الطبائع والنقض على القائلين بها. كتاب الاجتهاد (ابن خلكان. وابن النديم. وانظر في آرائه: الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 78 - 85). (¬2) في ب: "تابعهم". (¬3) في أ: "ومتأخري". (¬4) في ب كذا: "مسكون عنه". وفي أ: "عن ضده". (¬5) في ب: "إنه". (¬6) قال البخاري في كشف الأسرار (2: 329): " .. فذهب أبو هاشم ومن تابعه من متأخري المعتزلة إلى أنه لا حكم له في ضده أصلا بل هو مسكوت عنه ... وذهب بعضهم منهم عبد الجبار وأبو الحسين إلى أن الأمر يوجب حرمة ضده. وقال بعضهم: يدل على حرمة ضده. وقال بعضهم: يقتضي حرمة ضده - هكذا ذكر في الميزان". (¬7) في ب: "له". (¬8) في ب: "ذلك". (¬9) في ب: "قبح جميع أضداده".

يمنعه (¬1) من (¬2) تحصيل الفعل (¬3) المأمور به، فيصير محرماً تحقيقاً لإتيان (¬4) الواجب. وقالوا في النهي عن الشيء: يكون أمراً بضده (¬5) من حيث المعنى إن (¬6) كان له ضد واحد. وإن كان له أضداد، بأن كان يتحقق بكل واحد من الأفعال (¬7) تركه ولا يتصور الجمع بينه وبين ذلك، فالنهي عنه يكون أمراً بجميع أضداده على سبيل البدل. وقال الجصاص (¬8): إن الأمر بالفعل يدل على حرمة ضده، والنهي يدل على وجوب تحصيل ضده إذا كان له ضد واحد (¬9). فأما إذا كان له أضداد: فالأمر بالفعل (¬10) يكون نهباً عن الأضداد كلها (¬11)، فأما النهي عن فعل [فـ] لا يكون أمراً بالأضداد كلها. ¬

_ (¬1) في ب: "يمنع". (¬2) في أ: "عن". (¬3) "الفعل" من ب. (¬4) في ب: "لإثبات". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في النهي عن الشيء. أمر بضده". (¬6) في ب: "إذا". (¬7) في ب: "الأضداد". (¬8) هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي. و "الجصحاص" لقب له. ولد سنة 305 هـ. سكن بغداد. وعنه أخذ فقهاؤها. وإليه انتهت رياسة الحنفية. وكان مشهوراً بالزهد. وخوطب في أن يلى القضاء فامتنع. تفقه على أبي سهل الزجاج صاحب كتاب "الروضة". وعلى أبي الحسن الكرخي وبه انتفع وعليه تخرج. وتفقه عليه أبوبكر أحمد بن موسى الخوارزمي وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي الفقيه الجرجاني شيخ القدوري وأبو جعفر محمد بن أحمد النسفي وأبو الحسين محمد بن أحمد بن أحمد الزعفراني. وله من المصنفات "أحكام القرآن" و"شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي" و"شرح مختصر الطحاوي" و "شرح الجامع لمحمد بن الحسن" و "شرح الأسماء الحسنى". وله كتاب مفيد في أصول الفقه. وله جوابات عن مسائل وردت عليه. توفي سنة 370 هـ عن ستنين سنة (القرشي، الجواهر. وابن قطلوبعا، تاج التراجم). (¬9) "واحد" ليست في أ (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بفعل". (¬11) "كلها" من ب.

وحاصل الخلاف بيننا وبين العتزلة يرجع إلى كل ما ذكرنا في (¬1) تفسير الأمر والنهي: فعندهم: الأمر والنهي حقيقة هو صيغتهما، لأن الكلام، حقيقة (¬2) عندهم في الشاهد والغائب جميعاً، هو (¬3) الحروف المنظومة والأصوات المقطعة المسموعة. وهما مختلفان كل من حيث الصيغة. وكذا مختلفان (¬4) من حيث الوصف ولحكم. أما من حيث الصيغة: فلأن صيغة "افعل" تخالف (¬5) صيغة "لا تفعل". وأما من حيث الوصف والحكم (¬6) الراجعان إلى المأمور به (¬7) والمنهي عنه: فإن المأمور به موصوف بالحسن، والمنهي عنه موصوف بالقبح. وكذا حكم الأمر وجوب تحصيل الفعل المأمور به (¬8)، وحكم النهي (¬9) وجوب الامتناع عن الفعل النهي عنه (¬10) - فكان بين الأمر والنهي مضادة، فكيف يكون أحدهما هو الآخر؟ ¬

_ (¬1) في ب: "من". راجع الأمر فيما سبق: ص 80 وما بعدها. والنهى فيما يلى ص 223 وما بعدها. (¬2) "حقيقة" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "هذه". (¬4) في ب: "وكذلك يختلفان". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "الصينة فهو أن صيغة: "افعل" خلاف" انظر الهامش التالي. (¬6) "أما من حيث الصيغة ... الوصف والحكم" ليست في أ. راجع الهامش السابق. (¬7) "به" ليست في ب. (¬8) "المأمور به" من ب. (¬9) في ب: "المنهي". (¬10) "المنهي عنه" من ب.

وقلنا نحن: إن الأمر والنهي كلام الله تعالى (¬1)، ولله تعالى كلام واحد هو صفة له (¬2) أزلية. وهو أمر ونهي وخبر واستخبار على طريق (¬3) التقرير - لكنه أمر باعتبار الإضافة إلى شيء، ونهي باعتبار الإضافة إلى شيء، وخبر بجهة، واستخبار بجهة، مع كون الكلام متحداً في نفسه - على ما عرف في مسائل الكلام. وإذا ثبت أن كلام الله تعالى واحد، فلا يكون بين الأمر والنهي مضادة لأن التضاد يكون بين شيئين، وهما شيء (¬4) واحد من حيث ذات الكلام. وكذا لا تضاد من حيث المعنى، وهو أن الأمر طلب تحصيل الفعل، والنهي طلب الامتناع عن الفعل، والتنافي إنما يكون عند اتحاد الجهة, فلا يجوز أن يكون الكلام الواحد طلباً لتخصل فعل و (¬5) طلباً للامتناع عن ذلك الفعل في زمان واحد في حق شخص واحد، لاتحاد الجهة. فأما لا مضادة بين أن يكون طلباً لتحصيل فعل وطلباً للامتناع عن فعل آخر- أليس أن (¬6) بين الأبوة والبنوة منافاة عند اتحاد الجهة لا عند الاختلاف، فإن الشخص الواحد لا يجوز أن يكون أباً لشخص (¬7) وابناً له أيضاً. ومن حيث الضرورة إذا كان له ولد (¬8) أن يكون أبا لشخص و (¬9) ابناً لشخص آخر. ¬

_ (¬1) "تعالى" من ب. وغير ظاهرة في الأصل. (¬2) "له" من أو ب. (¬3) في أ: "على سبيل". (¬4) "شيء" من ب. وفي أ: "بين الشيئين وهو واحد". (¬5) "و" ليست في ب. (¬6) "أن" ليست في أ. وفي ب: "لأن بين". (¬7) في أ: "لشخص واحد". (¬8) في أ: " أما يجوز" بدلا من "ومن حيث الضرورة .. ولد". والعبارة في ب: "وهو ابن لذلك الشخص بعينه أما يجوز" بدلا من "وابنًا له أيضاً .. له ولد". (¬9) "و" ليست في ب.

وكذا (¬1) المنافاة من حيث الوصف والحكم إنما تتحقق في محل واحد لا في محلين، وههنا (¬2) كذلك: فإن الأمر يقتضي حسن المأمور به، وقبح ضده، ويوجب تحصيل المأمور به (¬3) والامتناع عن ضده، لا عن نفسه، فبطل دعوى التضاد بينهما. هذا من حيث حقيقة الكلام القائم بالنفس في الشاهد والغائب جميعاً (¬4). أما من حيث الكلام الدال على ما هو كلام النفس، وهو صيغة الأمر والنهي -[فـ] لا مضادة بينهما ولا منافاة عند بعض مشايخنا، وإن اختلفا من حيث العبارة واللفظ، فإن اللفظ الواحد يجوز أن يكون علماً على حكمين مختلفين، لغة وشرعاً (¬5). أما لغة (¬6) فإن لفظ "القرء" في اللغة موضوع (¬7) للطهر والحيض جميعاً (¬8)، ولفظ الشرا جعل علماً، لشيئين (¬9) شرعاً في للقريب: على التمليك في زمان واحد، والعتق في زمان بعده (¬10). فيجوز (¬11) أن يكون صيغة "افعل" ¬

_ (¬1) في ب: "وكذلك". (¬2) في ب: "وهنا". (¬3) "وقبح ضده ... المأمور به" مكررة في الأصل. (¬4) "جميعاً" من ب. (¬5) "لغة وشرعاً" من (أ) و (ب). (¬6) "أما لغة" من ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "لفظة ... موضوعة". وفي أ: "لفظ ... هي موضوعة". (¬8) "جميعاً" من ب. (¬9) "لشيئين" من أ. (¬10) بيانه أن من اشترى ذا رحم محرم منه ملكه وعتق عليه لأن شراءه جعل إعتاقاًشرعاً (انظر في تفصيله: الكاساني، البدائع، 4: 47) (¬11) في أ: "ويجوز".

علماً على طلب (¬1) تحصيل فعل وعلماً على طلب الامتناع عن ضده، وكذلك صيغة النهي وهو قوله: "لا تفعل". وبعض مشايخنا سلموا أن بينهما (¬2) منافاة من حيث الصيغة. ولكن قالوا لا منافاة بيهما (¬3) من حيث المعنى. فإن قوله "تحرك" طلب التحرك، وهو بعينه نهي عن السكون. وقوله "اسكن" طلب للسكون (¬4) وطلب ترك التحرك الذي هو ضده لا غير - بمنزلة انتقال الشخص من مكان إلى مكان: [فـ]، هو تفريغ للمكان الأول وشغل للثاني (¬5). وقرب الشمس إلى المغرب (¬6) عين البعد عن المشرق (¬7) لكن باعتبار الإضافة إلى المكان شغل (¬8) وبالإضافة إلى الثاني تفريغ (¬9)، وبالإضافة إلى المغرب قرب، وبالإضافة إلي المشرق بعد. فكذلك طلب واحد (¬10): بالإضافة إلى الحركة أمر، وبالإضافة إلى السكون نهي. وهذا لأن الغيرين ما يتصور مفارقة (¬11) أحدهما صاحبه بحال، أو ما (¬12) يتصور وجود أحدهما بدون صاحبه (¬13)، ولم يوجد هذا الحد ههنا، فإن الأمر الذي هو إيجاب الفعل لن يتحقق ¬

_ (¬1) "طلب" ليست في ب. (¬2) في ب: "أن ما بينهما". (¬3) "بينهما" من ب. (¬4) "وهو بعينه نههي ... طلب للسكون" ليست في ب. وعبارة "وقوله اسكن طلب للسكون" ليست في أ. (¬5) في ب: "الثاني". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "الغروب". وانظر الهامش التالي. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "الشرق". والعبارة في أ: "وقرب الشمس من المغرب عين بعدها عن المشرق ولكن". راجع الهامش السابق. (¬8) و (¬9) في أ: "تفريغ ... شغل". والظاهر لنا أن ما في المتن خاص بقوله: "اسكن" وما في أخاص بقوله: "تحرك". (¬10) في هامش أ: "الطلب الواحد". (¬11) كذا في أ: "مفارقة". والعبارة في ب: "لأن الغيرين لا يتصور مفارقة". وفي الأصل: "مقارنة". (¬12) "ما" من (أ) و (ب). (¬13) في الأصل و (أ): "بدون الآخر".

بدون تحريم الضد (¬1) والمنع عنه، فإنه إذا لم يثبت الحرمة يكون مباح الترك، والواجب ما يكون حرام الترك - دل أن الأمر ليس غير النهي معنى. ولهذا قلنا إن إرادة الشيء كراهة لضده، لأنه لا يتصور أن يكون الإنسان مريداً لشيء ولا يكون كارهاً لضده (¬2) - فكذا (¬3) هذا. وإذا ثبت أصل الخلاف بيننا وبين القوم (¬4) في أصل مسألة الأمر ومعرفة حقيقته، [فـ] لا يمكنهم أن يقولوا في هذه المسألة: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده ولا النهيء عن الشيء أمر بضده، فتفرقوا في جواب ذلك: فقال أبو هاشم (¬5) ومن تابعه: إنه لا حكم للأمر في ضده أصلا، بناء على أصل له (¬6) تفرد به (¬7)، وهو أن القادر على الفعل يجوز أن يخلو عن الفعل وضده أزمنة (¬8) كثيرة، فلا يوجد فيه لا الحركة ولا السكون بصفة (¬9) الاختيار، فلم يكن صيغة الأمر (¬10) موجبة حرمة الضد لغة، لأنها ما وضعت إلا لما يتناوله (¬11) اللفظ لغة (¬12)، فيكون الأمر مسكوتاً عن حكم الضد، فإن قول القائل لغيره (¬13) ¬

_ (¬1) في ب: "لم يتحقق بتحريم الضد". (¬2) في أ: "ضده". (¬3) في ب: "وكذا". (¬4) في أ: "المعتزلة". (¬5) في أ: "قال أبو هاشم". راجع في ترجمة أبي هاشم الهامش 1 ص 146. (¬6) "له" ليست في ب. (¬7) في أ: "أصل انفرد به". (¬8) في أ: "لأزمنة". (¬9) في ب: "لصفة". (¬10) في ب: "للأمر". (¬11) في (أ) و (ب): "تناوله". (¬12) "لغة" من ب. (¬13) "لغيره" من ب.

"تحرك" غير موضوع للمنع عن السكون، كأنه قال "لا تسكن"، وليس بموجب للحرمة كل من حيث الضرورة، فإنه يجوز عنده أن يوجد (¬1) الفعل ولا يوجد ضده، بل إن باشر الضد (¬2) فقد ترك الواجب، عن اختيار وقصد (¬3)، فيأثم لي تركه (¬4). وإن لم يباشر فيأثم، لانعدام الفعل المأمور به عنه (¬5)، لا بتركه بمباشرة ضده (¬6)، فلا يكون كل من ضرورة وجوب الفعل حرمة ضده عنده. وعامة المعتزلة قالوا: إن القادر على الفعل لا يجوز أن يكون خالياً عن الفعل وضده، ولا يخلو القدرة (¬7) عن الفعل زيادة على زمان واحد، فإن عندهم الاستطاعة قبل الفعل، وهي استطاعة فعل يوجد (¬8) بعدها. وعندنا الاستطاعة كل قارنة للفعل، [فـ] لا يجوز أن يكون القادر على الفعل (¬9) خالياً عن الفعل زماناً (¬10) واحداً، ولا يتصور خلو القدرة عن الفعل أبداً. وإذا (¬11) سلم هؤلاء أن القادر على الفعل لا يجوز أن يكون خالياً عن الفعل وضده، اضطروا (¬12) إلى القول بحرمة ضده، لما قلنا، وعندهم ¬

_ (¬1) في هامش أزيد: "لا" فصارت: "لا يوجد". (¬2) "الضد" عن (أ) و (ب). (¬3) في ب: "عن قصد واختار". (¬4) "بتركه" ليست في ب. (¬5) "عنه" ليست في ب. (¬6) في ب: "لا يترك مباشرة ضده". وفي أ: "عنه لا يترك ضده". (¬7) في ب: "والقدرة لا تخلو". (¬8) "يوجد" من ب. (¬9) "على الفعل" ليست في أ. (¬10) في ب كذا: "برمانا" (¬11) في ب: "وإن". (¬12) في ب: "اضطراراً".

أن الأمر بالشيء ليس ونهي عن ضده، والنهي عن الشيء ليس بأمر بضده - فلزمهم التناقض (¬1)، إذ ليس تفسير النهي إلا حرمة الفعل، فتكلفوا لدفع التناقض: فقال بعضهم: إن حرمة الضد لم يثبت بموجب الأمر وصيغته حتى يكون نهياً عن ضده، ولكن ثبت (¬2) ضرورة حكمه، فلا يكون مضافاً إلى الأمر. وقال بعضهم: يقتضي حرمة ضده. والمقتضي يثبت زيادة على اللفظ بطريق الضرورة (¬3). وقال بعضهم: يدل على حرمة ضده، كالنهي عن التأفيف: يدل على حرمة الضرب، وليس ذلك (¬4) من موجبات اللفظ أعني (¬5) لفظ التأفيف (¬6). ولكن هذا دفع (¬7) التناقض (¬8) من حيث الصورة، لا من حيث المعنى، فإن النهي ليس إلا حرمة الفعل، فمتى قالوا حكم الأمر وجوب الفعل ومن ضرورته (¬9) حرمة الفعل الذي هو ضده - يعرف ذلك ببديهة العقل، فيكون مضافاً إليه ضرورة، وضرورة العقل فوق موجب الصيغة. وكذا ما كان دليلا على الشيء فالعلم (¬10) بالمدلول يضاف إلى الدليل، كا في الدخان مع النار - دل أن التناقض قائم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل ومتن أ: "بضده وقعوا في التناقض". وفي هامش أتصحيحًا: "فلزمهما التناقض". (¬2) في ب: "يثبت". (¬3) "وقال بعضهم: يقتضى حرمة ضده ... بطريق الضرورة" ليست في ب. (¬4) في أ: "حرمة الضرب وإن لم يكن". (¬5) "اللفظ أعني" من ب. (¬6) في هامش أ: "أي دفع التأفف". (¬7) في ا: "وقع". (¬8) "التناقض" من ب. (¬9) في ب: "ضرورة". (¬10) في ب: "والعلم".

وما قاله أبو هاشم: إن كان خروجاً عن وصمة (¬1) التناقض في هذه المسألة، فهو مخالف (¬2) لإجماع (¬3) الأمة في (¬4) أنهم قالوا إن القادر لا يخلو عن الفعل وتركه، وهو يقول بجواز ذلك، وهذا شر (¬5) من التناقض، مع أن هذا منه مناقضة (¬6) في مسألة خلق الأفعال حيث قال ثمة (¬7): لا يجوز أن يخلق الله تعالى الكفر والمعاصي في العبد (¬8) ثم يعذبه على ما ليس بفعل منه (¬9)، ثم قال هنا إن من عليه صلاة الظهر إذا لم يصل الظهر (¬10) واشتغل بضدها، فالضد ليس بالحرام (¬11) الذي هو فعله حتى يعاقب عليه، ولكن يعاقب لأنه لم يفعل الصلاة الواجبة في جوز (¬12) العقاب على ما ليس بفعل له. وهذا تناقض ظاهر. وعوار (¬13) مذهبه في هذا (¬14) يعرف في مسائل الكلام، وقد أوضحته في شرح هذا المختصر. وما قاله بعض المشايخ: إنه يقتضي كراهة ضده فهو خلاف الرواية - فإن ترك (¬15) صلاة الفرض والامتناع عن تحصيلها حرام يعاقب عليه، والمكروه لا يعاقب على تركه. ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل "وخيمة". وفي ب: "وجه". والوصمة العيب. ووخيمة أي رديئة من وخم الأمر ثقل وصار رديئا فهو وخم ووخيم وهي وخمة ووخيمة (المعجم الوسيط). (¬2) في أ: "مخالفة". (¬3) في ب: "إجماع". (¬4) "في" ليست في ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وهو يقول بالجواز وهو شر". (¬6) في أ: "تناقض". (¬7) في ب: "ثم". (¬8) في ب: "في حق شخص". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "على غير فعل منه". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ثم قال ههنا إذا لم يصل صلاة الظهر". (¬11) كذا في هامش الأصل وأ وب. وفي متن الأصل: "بحرام". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "فجوز". وفي أ: "وجوز". (¬13) العوار العيب (انظر القاموس). (¬14) "في هذا" ليست في ب. (¬15) في ب: "فإن من ترك".

الفصل الثاني (¬1) -[حجج كل فريق]: وجه قول من سوى بينهما، في أن الأمر والنهي يتناول (¬2) الأضداد كلها، أن الحكم لو لم يثبت في ضده (¬3) كل من الوجوب والحرمة، لا ويتحقق كل معنى الأمر والنهي في الوجوب والحرمة على ما بينا، وليس البعض بأولى من البعض، فيتناول الكل (¬4). وجه قول الفريق الثاني أن النهي إنما يجعل أمراً بضده بطريق الضرورة. وكذلك الأمر (¬5) - وهي تندفع بثبوت الوجوب والحظر (¬6) في واحد غير عين، فلا يجعل أمراً ونهياً بجميع الأضداد من غير ضرورة. وكذا يقول من فرق بين الأمر والنهي: إن الأمر في الحقيقة من حيث الصيغة (¬7) نهي عن واحد من الأضداد غير عين. وكذا النهي أمر بواحد من الأضداد غير عين، إلا أن النهي (¬8) نكرة في موضع النفي فتعم، والأمر نكرة في موضع الإثبات فلا عموم له (¬9). والجصاص يقول: إن النهي عن الشيء لو كان أمراً بجميع أضداده (¬10) يؤدي إلى أمر محال، لأن ضد الشيء ما يترك به ذلك الشيء والمنهي عنه ¬

_ (¬1) "الفصل الثاني" ليس تابعًا للتقسيم الوارد في ص 143. وإنما هو فصل خاص ببيان حجج كل فريق. (¬2) في ب كذا: "في أن الأمر الأضداد يتناول". (¬3) في ب: "في الضد". (¬4) "وليس البعض ... الكل" لم ترد في ب هنا، وإنما وردت ناقصة كلمة "الكل" فيما بعد، بعد عبارة: "وكذلك الأمر". انظر الهامش التالي. (¬5) في ب: "وكذلك الأمر وليس البعض بأولى من البعض فيتناول" - انظر الهامش السابق. (¬6) في ب: " بثبوت الحظر والوجوب" .. (¬7) كذا في ب وهامش الأصل. وفي متن الأصل: "من حيث الحقيقة". و"من حيث الصيغة" أو "من حيث الحقيقة" ليست في أ. (¬8) في أ: "في النهي". (¬9) في ب: "الإثبات فيخص". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أمراً بأضداده".

قد (¬1) ويترك بالمنهي عنه أيضاً (¬2): كالزنا ويترك باللواط (¬3)، فيصير اللواط مأموراً به (¬4)، وهذا (¬5) محال، بخلاف ما إذا كان له ضد واحد، لأنه لا يتأتى هذا النوع من الإحالة (¬6). ولكن الصحيح ما قاله الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله: إن ضد الشيء تركه، و (¬7) لكن الترك قد يكون بسبب واحد وقد يكون بأسباب كثيرة (¬8)، فالأمر (¬9) بالشيء يكون نهياً عن ضده، وضده (¬10) تركه، والنهي عن الشيء يكون أمراً بضده وهو تركه (¬11). ثم إن كان يترك وبسبب واحد اتصف ذلك السبب بالوجوب أو (¬12) الحظر. وإن كان يترك بأسباب اتصف (¬13) الكل بذلك على طريق الانفراد على حسب الحال (¬14). وما قاله الجصاص من الفرق بين الأمر والنهي لا يستقيم (¬15)، لأن المعنى الذي تعلق به الحظر أو (¬16) الوجوب في الضد لا يوجب الفصل، ¬

_ (¬1) "قد" ليست في ب. (¬2) "عنه أيضًا" من ب. (¬3) في أ: "باللواطة". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فيصير اللواطة مأموراً بها". (¬5) في ب: "وذلك". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فإنه لا يؤدي إلى الإحالة". (¬7) "و" من ب. (¬8) "كثيرة" من ب. (¬9) كذا في (أ) و (ب): "فالأمر". وفي الأصل: "والأمر". (¬10) "ضده وضده" من ب. وفي الأصل و (أ): "يكون نهيًا عن تركه". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يكون أمراً بتركه". (¬12) كذا في ب: وفي الأصل و (أ): "و". (¬13) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يتصف". (¬14) في أ: "على حدة". (¬15) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من الفرق بين الأمرين فهو فاسد". (¬16) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "و".

فيكون الفرق مناقضة. وما ذكر من الإحالة في جانب النهي فهو لازم (¬1) في جانب الأمر، فإن المأمور به قد يترك (¬2) بمأمور مثله (¬3)، كمن أمر بصلاة الظهر في آخر الوقت على طريق التضيق فاشتغل بصلاة النفل وقراءة القرآن وأداء الزكاة المفروضة فكيف (¬4) يكون الأمر بصلاة الظهر (¬5) نهياً عن أداء الزكاة وقراءة القرآن. فكل (¬6) عذر له في جانب الأمر فهو عذر لنا (¬7) في جانب النهي. وحقيقة ذلك أنه إنما يؤدى إلى ذلك أن لو كان هذا أمراً مقصوداً بضده أو نهيا مقصوداً عن ضده، وهو عندنا أمر بتركه ضرورة تحقيق حكم النهي وكذا في جانب النهي، فيثبت بقدر ما يندفع به الضرورة ولا يثبت مطلقاً، فيزيد الحكم على العلة، وإنه فاسد (¬8). ومشايخنا رحمهم الله وإن أطلقوا أن النهي عن الشيء الذي له أضداد يكون أمراً بالأضداد كلها. وكذا في الأمر: نهي عن الأضداد كلها. والشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله وإن أطلق أيضاً أن النهي (¬9) عن الشيء يكون أمراً بتركه، ولتركه أسباب، يكون أمراً ¬

_ (¬1) في ب: "في جانب النهي "موجود". (¬2) في ب: "فإن الماْمور يترك". (¬3) "بماْمور مثله" من ب. وفي الأصل و (أ): "يترك بإتيان المأمور به" (¬4) في ب: "بمأمور مثله كالأمر بالصلاة في آخر الوقت يترك بالزكاة وبقراءة القرآن وبالنافلة وغير ذلك فكيف ... ". (¬5) في ب: "بالصلاة". (¬6) في ب: "الزكاة أو غيرها من العبادات فكل". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو عذرنا". (¬8) "وإنه فاسد" من ب. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وأطلق الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله أن النهي" إلا أن "الماتريدي" لم ترد في الأصل وب.

بما يتركه ويمنعه - فهو مساهلة (¬1) وتوسع. و (¬2) في الحقيقة عندنا على التفصيل، ومرادهم أنه (¬3) يكون أمراً بالضد الذي يصلح أن يكون مأموراً به، ويكون نهياً عن الأضداد التي تصلح أن يكون (¬4) منهيا عنها, لا ما لا يصلح، لأن الضرورة تندفع بصرف الأمر إلى ترك هو (¬5) مباح أو طاعة، فلا يصرف إلى المعصية - فلا يكون النهي عن الزنا (¬6) أمراً بما هو معصية من اللواطة وغيرها. وكذا في جانب الأمر (¬7) بالصلاة في آخر الوقت يكون نهياً عن فعل مباح أو حرام، فلا ضرورة في (¬8) صرفه إلى فعل هو عبادة أو فرض - نظيره أن الله تعالى أمر بالصلاة بقوله (¬9): "أقيموا الصلاة" (¬10) وهذا لا يكون أمراً بالصلاة في الأرض المغصوبة، وكذا الأمر بالوضوء لا يكون أمراً لي الوضوء بماء مغصوب (¬11) - لما قلنا. فإن (¬12) قالوا: إذا كان النهي عن الشيء أمراً بما هو مباح، يصير المباح مأموراً به، فيخرج عن حد المباح، فيخرج المباح عن (¬13) أقسام ¬

_ (¬1) في ب كذا: "مستاهله". (¬2) "و" ليست في ب. (¬3) في أ: "ان". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الأضداد الصالحة التي يكون". (¬5) في ب كذا: "ترك ما هو". وربما "ما" مشطوبة. (¬6) في ب كذا: "الربا". (¬7) في ب: "ان الأمر". (¬8) في ب: "إلى". (¬9) في أ: " لقوله تعالى". وفي ب: "هو عبادة ومن نظيره قال الله تعالى". (¬10) البقرة: 43 و 83 و 110. والنساء: 77. والأنعام: 72. والنور: 56. (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): " أمراً بالصلاة في دار مغصوبة وبالوضوء بماء مغصوب". (¬12) "فإن" ليست في أ. (¬13) في ب: "من".

المشروع، ويؤدي إلى قول الكعبي (¬1): إن المباح مأمور به - قلنا إن (¬2) المباح يصير مأموراً به لغيره، لا لعينه، فيكون عينه مباحاً، ويكون مأموراً به من حيث إنه (¬3) ترك الحرام (¬4). وكذا في الجانب الآخر (¬5): فالفعل مباح في نفسه، حرام لغيره، من حيث إنه ترك للواجب (¬6)، ويجوز أن يكون الفعل الواحد مأموراً به لعينه ولغيره، كالإيمان: مأمور به لعينه، ولكونه تركاً للكفر. وكذا الكفر: حرام لعينه، وحرام من حيث إنه ترك للإيمان (¬7) الواجب. وكذا الطلاق في حالة الحيض: مباح لعينه، منهي لغيره. وإنما يشكل ما قالوا أن يكون الفعل مباحاً لعينه ومأموراً به (¬8) لغيره (¬9)، ولا كلام فيه. وما زاد على هذا فهو مذكور في الشرح على الاستقصاء فإنه فصل مشكل - والله أعلم. ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي من بي كعب البلخي الحراساني أبو القاسم. أحد أئمة المعتزلة. كان رأس طائفة منهم تسمى الكعبية. له آراه ومقالات في الكلام انفرد بها. وهو من أهل بلخ. أقام ببغداد مدة طويلة. وتوفي ببلخ. له كتب منها التفسير وتأييد مقالة أبي الهذيل وأدب الجدل وتحفة الوزراء ومحاسن آل طاهر ومفاخر خراسان والطعن على المحدثين. أثنى عليه أبو حيان التوحيدي. وقال الخطيب البغدادي: صنف في الكلام كتباً كثيرة. وانتشرت كتبه ببغداد. وقال السمعاني: من مقالته أن الله تعالى ليس له إرادة وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها. توفي سنة 329 هـ (أو 319 هـ أو 309 هـ) (القرشي، الجواهر، في الأنساب، 2: 342 والزركلي، الأعلام. وانظر ما خالف فيه البصريين من المعتزلة: الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 77 - 78). (¬2) "إن" ليست في ب. (¬3) "إنه" ليست في ب. (¬4) في أ: "للحرام". (¬5) في هاش أ: "جانب الآخر". وفي ب: "جانب الأمر". (¬6) في ب: "الواجب". (¬7) في أ: "ترك الإيمان". وفي ب: "كونه تركاً للإيمان". (¬8) "به" من أ. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لعينه".

مسألة: أمر الله تعالى أزلي (¬1) عند عامة أهل السنة والجماعة (¬2). وقال بعض أصحاب الحديث: إن كلام الله تعالى أزلي، ولكنه (¬3) يصير أمراً عند بلوغه إلى المأمور (¬4)، وتوجهه عليه. كما يصير خطاباً عند توجه الوجوب فيكون حادثاً، ولكن هذا لا يوجب التغير، لأنه من الأوصاف (¬5) الإضافية، كما قلنا في التكوين والمكون. ولكن الصحيح قول العامة، لأن الأمر وصف ذاتي للكلام، لكونه قولا مخصوصاً، والوصف الذاتي لا يجوز عليه التغير. وتكلم (¬6) المشايخ في أنه خطاب في الأزل أم لا: بعضهم قالوا: لا، لأن الخطاب اسم للمشافهة، فلابد من حضرة المأمور، فيكون حادثاً. وقال عامتهم: إن الخطاب والأمر سواء، فيكون أزلياً، لكن خطاب - الرسول واللفظ الدال على خطابه الأزلي حادثان (¬7) على ما نذكر - والله الموفق. ¬

_ (¬1) الأزل بالتحريك لقدم وما لا أول له. والأزلي القديم العريق وما لا أول له (المعجم الوسيط. القاموس). (¬2) "والجماعة" من ب. (¬3) في ب: "ولكن". (¬4) في أ: "المأمور به". (¬5) في ب: "لأن هذا من باب الأوصاف" (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل "فتكلم". (¬7) في ب: "حادث".

[2] وأما القسم الذي يرجع إلى الآمر

[2] وأما القسم الذي يرجع إلى الآمر (¬1) فإنه (¬2) يتضمن فصولا، لكل عامتها ترجع إلى أصول الكلام فنذكرها على طريق الاختصار: منها - أن الآمر حقيقة من وجد كل منه الأمر، وهو طلب الفعل على طريق الاستعلاء، قولا، على كل ما ذكرنا. فكل كل من وجد منه يكون آمراً في الشاهد والغائب، سواء كان حكيماً أو سفيهاً. ولهذا إن السلطان إذا طلب من غيره قتل شخص معصوم، على طريق الاستعلاء، يكون آمراً له، وإن كان ذلك سفهاً ومعصية، حتى إذا لم يفعل المأمور (¬3) يقال: خالف أمر الساطان. ولكن لا يجب طاعة الآمر بالسفه والحرام - قال عليه السلام: "لا طاعة في لمخلوق في معصية الخالق" (1). مسألة: الآمر الذي يجب طاعته في الحقيقة هو الله تعالى. فأما الرسل فهم نائبون عنه في تبليغ (¬4) أمره إلى المكلفين من عباده. وكذا من يأمر بأمره نحو السلطان والمولى والأبوين: يجب طاعتهم لأن (¬5) في طاعتهم طاعة الله تعالى. ¬

_ (¬1) راجع فى تقسيم البحث فيما تقدم ص 80. (¬2) في ب: "وإنه". (¬3) "المأمور" ليست في أ. (¬4) في ب: "فأما الرسل صلوات الله عليهم نائبون عن الله تعالى في تبليغ". (¬5) كذا في أ. وفى الأصل و (ب): "لما".

وهذا لأن الله تعالى هو المالك للعباد ملك تخليق، فله (¬1) ولاية الإيجاب: والندب (¬2) والمنع والإطلاقا. فأما ليس للعبد ولاية ذلك على عبد مثله، لأنه مملوك مثله، ولأن ذلك العبد يوجب عليه أيضاً، فيقع التعارض. فإن قيل: أليس أن المكلف يوجب على نفسه العبادات بالنذر (¬3) وبالشروع (¬4) في النوافل. وكذا يوجب المال على نفسه (¬5) بالكفالة والبيع - قلنا: الإيجاب من الله تعالى، وإنما النذر علم (¬6) على إيجاب الله تعالى، وكذا الشروع. ولهذا (¬7) لا يصح النذر بما ليس لله تعالى من جنسه إيجاب. وأما الكفالة فهي (¬8) إقراض واستقراض. وكذا البيع: تمليك بإزاء تمليك برضا العاقدين، وتسليم بإزاء تسليم، وذلك علم وسبب لوجوب (¬9) الملك شرعاً، لا ابتداء إيجاب بالعقد، ألا ترى (¬10) أن من أوجب لإنسان مالا على نفسه، لا يجب (¬11)، وإنما الإقرار إخبار: إن كان صدقاً يثبت وإلا فلا، ولأن العبادات كلها واجبة في الأصل بحكم أن الله تعالى خالقهم (¬12) ومالكهم، وهم عبيده، وخدمة المملوك (¬13) لمولاه ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وله". (¬2) في ب: "الندب والإيجاب". (¬3) في ب: "بالندب". (¬4) في (أ) و (ب): "والشروع". (¬5) في ب: "يوجب على نفسه المال". (¬6) في ب كذا: "الندب علماً". (¬7) في ب: "وكذا". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو". (¬9) في ب: "وذلك سبب لوجوب" (¬10) في ب: "لأن ابتداء الإيجاب بالفعل - ألا ترى". (¬11) في ب: " لإنسان على نفسه مالا لا يجب". وفي أ: "من أوجب للإنسان مالا لا يجب". (¬12) في ب: "بحكم أمر الله تعالى لأنه خالقهم". (¬13) كذا في ب. وفي الأصل وأ كذا: "الملوك"، ولعلها أيضاً "المملوك".

مستحقة لازمة على الدوام، بقدر الممكن وانتفاء الحرج (¬1) - على ما عرف في مسائل الخلاف. وإنما سقط الوجوب رخصة في عامة الأوقات وتقرر (¬2) في البعض، فضلا من الله تعالى ورحمة. فمتى نذر العبد أو شرع في العبادة في غير وقت الفرض، فقد اختار ما هو العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة، وهو الوجوب (¬3) الأصلي، لا أن الوجوب يثبت بنذره وشروعه ابتداء - والله أعلم (¬4). مسألة: هل يتصور وجود الأمر من الآمر (¬5) لنفسه، بأن يطلب وجود الفعل من نفسه، فيقول (¬6) لنفسه "افعل"، وهل يحسن ذلك؟ فنقول: لا يتصور عندنا في الشاهد والغائب (¬7) الآمر لنفسه، وإن كان يتصور في الشاهد أن يقول لنفسه "افعل كذا" وعند المعتزلة يتصور في الشاهد والغائب، ولكن لا يحسن. وهذا بناء على أن أمر الله تعالى أزلي عندنا، وفعله أزلي. والأزلي لا يدخل تحت الطلب والإرادة. وعندهم كلام الله تعالى حادث، والأمر عندهم عبارة عن (¬8) الإرادة، وهي حادثة، فيجوز أن يريد من نفسه وجود فعل حادث فيكون آمراً لنفسه - والله الموفق. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بقدر ما لا حرج عليهم". (¬2) في أ: "وبقيت". (¬3) في ب: "الواجب". (¬4) "ابتداء - والله أعلم" من ب، وفيها: "لا أن يثبت الوجوب بنذره وشروعه ابتداء - والله أعلم". وفي أ: "لا أن يثبت الوجوب بنذره وشروعه - والله أعلم". (¬5) في ب: "الآمر هل يتصور أن يكون آمرا لنفسه". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ويقول". (¬7) في أ: "عندنا في الغائب". (¬8) "عبارة عن" من ب.

مسألة: الأمر في [الغائب والشاهد، [ولو] لم يتضمن (¬1) نفعاً للمأمور ولا للآمر (¬2)، يكون حكمة (¬3)، ويكون الآمر حكيمًا عند أهل السنة والجماعة (¬4)، وليست الحكمة مقصورة على النفع فقط (¬5) للآمر أو (¬6) المأمور، ولكن يجب أن يتعلق به عاقبة حميدة. وعند المعتزلة لا يكون الأمر حكمة ولا يكون الآمر حكيمًا (¬7) في الشاهد إذا لم يتضمن أمره نفعًا به أو بالمأمور. وفي الغائب لابد أن يكون فيه نفع للمأمور إما في الدنيا (¬8) أو الثواب في الدار (¬9) الآخرة، أو دفع الضرر عنه، لأن الآمر متعال عنه (¬10). وهذه المسألة بناء على مسألة الأصلح، فإن (¬11) الأصلح عندهم واجب من حيث الحكمة، وعندنا بخلافه. وما قالوه باطل: فإن الله تعالى كلف فرعون وأبا جهل وكل من علم أنه (¬12) لا يؤمن بالإيمان ولا نفع لهم في هذا التكليف، لأنه لا يحصل لهم به النفع والثواب (¬13)، إذ علم أنهم لا يؤمنون، وعلم الله تعالى لا يتغير، بل النفع لهم أن لا يعطيهم العقل أو يميتهم حتى لا يتوجه ¬

_ (¬1) في الأصل وأ و (ب): "إذا لم يتضمن". وسياق العبارة يدل أن المقصود ما أثبتناه في المتن. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل وا: "بالمأمور ولا بالآمر". (¬3) في ب: "يكون الأمر حكمة". (¬4) "والجماعة" من ب. (¬5) "فقط" من ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "و". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وعد المعتزلة لا يكون الآمر حكيماً". (¬8) في هاش أ: "أي إما نفع في الدنيا". (¬9) "الدار" من ب. (¬10) في ب: "يتعالى عن ذلك كله". (¬11) في ب: "أن". (¬12) في ب: "من علم منه أنه". (¬13) في ب كذا: "ولا بالثواب".

التكليف عليهم (¬1) فلا يستحقوا العذاب - دل أن حكمة الأمر لا تقتصر (¬2) على النفع (¬3) للمأمور. فأما (¬4) شرع الشرائع بدون الإيجاب والتكليف [فـ] لا يكون إلا لمصلحة العباد (¬5) , لأنه لا ضرر في ترك ذلك (¬6). وحقيقة هذا تعرف في مسائل الكلام إن شاء الله تعالى. مسألة: ليس كل من شرط كون الآمر الحكيم آمرًا وناهيًا وجوب (¬7) إتيان المأمور به (¬8) ووجوب الامتناع عن المنهي عنه، على المأمور والمنهي، عند أكثر (¬9) أصحابنا. وعند المعتزلة شرط. وهذا بناء على أن النسخ، قبل التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد، جائز عند أكثر أصحابنا، بأن كان الأمر مضافًا إلى وقت معلوم، ثم جاء النسخ قبل وجوب الفعل لوجود (¬10) ذلك الوقت. وهذا (¬11) الأمر صحيح، والله تعالى آمر به (¬12)، ولا يجب على المأمور الامتثال (¬13) بهذا الأمر، فإنه نسخ قبل الوجوب. وعلى هذا يبتنى الأمر بالفعل بشرط زوال المانع على ما نذكر إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في ب: "لا يتوجه عليهم التكليف". (¬2) في أ: "لا تقصر". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "النافع". (¬4) في ب: "وأما". (¬5) في ب: "العبادة". (¬6) "لأنه لا ضرر في ترك ذلك" ليست في ب. (¬7) "وجوب" ليست في ب. (¬8) "به" ليست في أ. (¬9) "أكثر" ليست في أ. (¬10) في ب: "بوجود". (¬11) في ب: "فهذا". (¬12) "به" من ب. (¬13) في ب: "الائتمار".

[3] وأما القسم الذي يرجع إلى المأمور به، وهو الفعل

[3] وأما القسم الذي يرجع إلى المأمور به، وهو الفعل (¬1) فإنه (¬2) يتضمن فصولا أكثرها يرجع إلى مسائل الكلام فنذكر الروايات لاتصالها بمسائل أصول (¬3) الفقه. منها: أن الفعل المأمور به يجب أن يكون فعلًا متصور الوجود في نفسه، حتى يتصور الاكتساب من المأمور. فأما إذا كان غير متصور الوجود حقيقة، نحو الجمع بين المتضادين، ونقط المصاحف من الأعمى, وجعل الحادث قديمًا، والقديم حديثًا، وقلب الأجناس، ونحوها - فإنه لا يصح (¬4) الأمر به، وهو تكليف ما لا يطاق، وإنه لا يجوز عقلا على قول عامة المتكلمين، إلا أن (¬5) عند المعتزلة [هو] قبيح عقلا. وعند أهل الحديث محال عقلا لا أنه قبيح. وعندنا لا يجوز على الوجهين جميعًا (¬6). وهذا بناء على أن العقل يعرف به الحسن والقبح عندنا وعند المعتزلة, خلافًا لهم -وهي من مسائل الكلام (¬7). ¬

_ (¬1) راجع في تقسيم البحث فيما تقدم ص 80، والقسم الأول ص 81، والثاني ص 162، والرابع فيما يأتي ص 184. (¬2) في ب: "وإنه". (¬3) "أصول" من (أ) و (ب). (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فلا يصح". (¬5) "أن" ليست في ب. (¬6) "جميعًا" من ب. (¬7) انظر فيما يلي ص 175 وما بعدها. والبزدوي والبخاري عليه، 1: 182 - 183.

وقال أبو الحسن الأشعري (¬1) إن تكليف العاجز وتكليف ما لا يطاق جائز عقلا - وهل ورد به الشرع؟ قال في قول، لم يرد به الشرع (¬2) في الدنيا، وإنما يكون في الآخرة، كما قال الله تعالى: "ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون" (¬3)، ويكون ذلك علمًا على أنهم من أهل النار وفي قول قال: ورد في الدنيا في حق بعض المكلفين (¬4). وهذه من مسائل الكلام. مسألة: ثم من شرط كون الفعل مأمورًا به أن يكون كسبًا للمأمور، لا مجرد كون الفعل متصورًا في نفسه، فإن المرء لا يكلف بفعل غيره من الخياطة والكتابة، وإن كان ذلك متصور الوجود في نفسه. لكن لما لم يكن مقدور المكلف ومكسوبه لم يصح التكليف به (¬5). وهذا لأن فعل المرء ما كان ¬

_ (¬1) هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري الصحابي المعروف. وهو صاحب الأصول، الإمام الكبير. وإليه تنسب الطائفة الأشعرية وأبو بكر الباقلاني ناصر مذهبه. قال مسعود بن شيبة في كتاب التعليم: كان حنفي المذهب معتزلي الكلام لأنه كان ربيب أبي علي الجبائي وهو الذي رباه وعلمه الفقه والكلام ثم إنه فارق أبا علي لشيء جرى بينهما وانضم إلى ابن كلاب وأمثاله وتنشق من أصول المعتزلة واتخذ مذهبًا لنفسه ورد على المعتزلة فالتأم إليه جماعة كالباقلاني وابن فورك وأبي الحسن الطبري. وعن ابن الباقلاني وابن فورك أخذ جماعة من أصحاب الشافعي كالاسفرايني وغيره، وهم رؤساه الأشاعرة، ومنهم انتشر مذهبه. قال السمعاني: توفي ببغداد سنة نيف وثلاثين وثلثمائة وقيل سنة عشرين وثلثمائة. وذكر أبو المعين النسفي في تبصرة الأدلة أنه توفي ببغداد ودفن بين الكرخ وباب البصرة سنة أربع وعشرين وثلثمائة هـ. (القُرشيّ، الجواهر. وانظر في مذهبهم: الشهرستاني، 1: 94 وما بعدها). (¬2) "الشرع" من ب. (¬3) سورة القلم: 42. (¬4) في هامش أ: "كقوله تعالى: أنبئوني بأسماء هؤلاء" (البقرة: 31). (¬5) "به" ليست في أ.

مقدورًا له، وقدرة المرء لا تعدو عن ذات القادر، وكسبه قائم به، فيكون مقدورًا له. فأما فعل غيره [فـ] لا يجوز أن يكون مقدوره، فلا يكون كسبه (¬1). ولهذا قلنا: إن الفعل المسمى بالمتولد عند المعتزلة هو فعل (¬2) لا يكون مأمورًا به، ولا منهيًا عنه. وإنما التكليف يتوجه بالفعل القائم بالمكلف الذي هو كسبه، وما حدث عقيب فعله من الآثار في المحال عادة من الانجراح والانكسار والموت فهو (¬3) محض فعل الله تهالى عندنا، أعني مفعوله (¬4): حصل بقدرته لا قدرة للعبد عليه. ووجوب القصاص والدية والضمان (¬5) يتعلق بما هو فعله حقيقة ولا (¬6) يرجع إلى المتولدات - وهذا عندنا. وعند المعتزلة: ذلك فعل المكلف تسبيبًا، وما يقوم به فهو فعله مباشرة - والتكليف يتعلق بالنوعين. وهي من مسائل الكلام. مسألة: لا خلاف أن المعدوم الذي يوجد كسبًا للمأمور يصلح مأمورًا به إذا توجه الوجوب على المأمور عند وجود أهليته، واستجماع شرائطه. فأما الكسب الذي هو فعل العبد حال وجوده واكتساب المأمور هل هو مأمور به؟ ¬

_ (¬1) في ب: " .. أن كون مقدورًا له فلا يجوز كسبه". (¬2) "هو فعل" من ب. راجع في تعريف التولد فيما سبق الهامش 1 ص 109. (¬3) كذا في (أ) و (ب): "فهو". وفي الأصل: "وهو". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "مفعول". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "القصاص ووجوب الضمان". (¬6) في ب: "فلا".

فعندنا كذلك. وعند المعتزلة يتعلق التكليف بالمعدوم لا غير. أما الموجود في الزمان الثاني من الوجود الذي هو حالة البقاء، [فـ] لا يكون مأمورًا به بلا خلاف. وهذه المسألة تبتنى على كل مسألة خلق الأفعال: فإن عندنا (¬1) وجود الفعل بإيجاد الله تعالى، وإنما فعل العبد هو الكسب، وإنه يتعلق بالوجود لا بالمعدوم. والباقي (¬2)، وهو الفعل المأمور به الذي يتصور من العبد وينسب إليه, فيتعلق قدرته بالموجود اكتسابًا، لا بالمعدوم إيجادًا. ولهذا (¬3) يتعلق وصف كونه مأمورًا به بحالة (¬4) الوجود. فأما في (¬5) الزمان الثاني فإنه حالة البقاء، والفعل لا بقاء له، والباقي (¬6) لا يتصور اكتسابه. فأما (¬7) عند المعتزلة: [فـ] الإيجاد من العبد، وله قدرة الإيجاد، فيجوز أن يتعلق بالمعدوم ليوجده. وهي من مسائل الكلام - والله أعلم. مسألة: المأمور به يجب أن يكون كل مقدور العبد حالة الفعل، لا حالة التكليف - عندنا. وعند المعتزلة يجب أن يكون مقدورًا له حالة التكليف. ¬

_ (¬1) في ب: "كان عندنا". (¬2) في ب: "والثاني". (¬3) في ب: "فلهذا". (¬4) في أكذا: "حالة". (¬5) "في" ليست في ب. (¬6) في ب: "والثاني". (¬7) في ب: "وأما".

ولقب المسألة أن الاستطاعة مع الفعل عندنا. وعندهم (¬1) سابقة على الفعل. والصحيح قولنا, لأن القدرة شرط وجود (¬2) الفعل المتصور من العبد وهو الكسب، ليتحقق وجوده (¬3)، فيكون وجوده قبل الفعل فضلا، وليس بشرط لصحة التكليف, لأن ذلك صحيح باعتبار القدرة من حيث الأسباب - على ما يعرف في مسائل الكلام. مسألة: كون المأمور به معلومًا للمأمور، أو ممكن العام باعتبار قيام سبب العلم - شرط صحة التكليف (¬4). وفي الحاصل حقيقة العام ليس بشرط لصحة التكليف (¬5) عندنا (¬6)، لكن التمكن من العلم باعتبار سببه كاف. وعلى قول بعض المعتزلة: حقيقة العلم شرط. وعند بعضهم: العلم بالسبب كاف أيضًا - على ما نذكر (¬7). ¬

_ (¬1) في أ: "وعند المعتزلة". وراجع فيما تقدم ص 141. (¬2) في أ: "شرط لوجود". (¬3) "وجوده" من ب. (¬4) في ب: "لا خلاف أن المأور به إذا كان معلومًا للمأمور أو أمكن العلم به باعتبار قيام سبب العلم به - فإنه يصح التكليف به". (¬5) "لصحة التكليف" من (أ) و (ب). (¬6) "عندنا" من ب. وراجع فيما تقدم ص 130 و 134 - 135. (¬7) في أ: "على ما نذكره".

مسألة: الأمر يجب تقديمه على وقت وجوب (¬1) الفعل المأمور به (¬2) عند عامة المتكلمين (¬3). وقال بعضهم: يجب أن (¬4) يكون الأمر (¬5) مقارنًا للفعل المأمور به. وإذا (¬6) كان الأمر سابقًا في موضع يكون ذلك إعلامًا لا أمرًا، وإنما يصير أمرًا عند الفعل. وبه قال ابن الروندي (¬7). وهو قول عباد الضمري (¬8) من المعتزلة. وقد أبطلنا ذلك لكون أمر الله تعالى أزليًا عندنا. ولا خلاف أنه لا يجب الفعل إلا في الوقت الذي أمر بتحصيله فيه. ¬

_ (¬1) في هامش أ: "وجود". (¬2) "المأمور به" من ب. (¬3) في ب: "عند عامة العلماء من المتكلمين". (¬4) "يجب أن" ليست في أ. (¬5) "الأمر" ليست في ب. (¬6) في أ: "وإن". وفي ب: "إذا" (¬7) أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمد بن إسحاق الراوندي. من أهل مرو الروذ. لم يكن في نظرائه في زمنه أحذق منه بالكلإم ولا أعرف بدقيقه وجليله. وكان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء ثم انسلخ من ذلك كله بأسباب عرضت له ولأن علمه كان أكثر من عقله. وقد حكي عن جماعة أنه تاب عند موته مما كان منه وأظهر الندم. وأكثر كتبه الكفريات ألفها لأبي عيسى بن لاوي اليهودي الأهوازي وفي منزل هذا الرجل توفي. ومما ألف من الكتب الملعونة: كتاب يحتج فيه على الرسل عليهم السلام ويبطل الرسالة - كتاب يطعن فيه على نظم القرآن - كتاب القضيب الذهب - كتاب الفرند في الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم - كتاب المرجان في اختلاف أهل الإسلام. ومن كتب صلاحه: كتاب الأسماء والأحكام - كتاب الابتداء والإعادة- كتاب الإمامة فيه- كتاب خلق القرآن- كتاب البقاء والفناء - كتاب لا شيء إلا موجود (ابن النديم، الفهرست، الملحق، ص 4). (¬8) في هامش الملل والنحل للشهرستاني (1: 73) "عباد بن سليمان الضمري، من الطبقة السابعة من المعتزلة. يظن أنه توفي في حدود سنة 250 هـ". وقد أورد ما ذكره الأشعري عنه (المرجع نفسه: الهامش 2، ص 73 - 74) وفي الأصل كذا: "عباد الصميري".

ثم عندنا يصح أن يكون متقدمًا (¬1) عليه بوقت وبأوقات كثيرة (¬2) إذا كان الآمر من العباد. وأمر الله تعالى أزلي سابرق على وقت (¬3) وجوب المأمور به بلا نهاية، وإن كان المأمور في تلك الأوقات معدومًا أو عاجزًا عن الفعل وعن تفهم الخطاب بعد أن كان في علم الله تعالى أن المأمور من أهل وجوب الفعل في الوقت الذي تعين للوجوب. وقال عامة المعتزلة: لا بد أن يكون الأمر متقدمًا (¬4) على وقت وجوب الفعل. ولكن اختلفوا فيما بينهم في كيفية ذلك. قال بعضهم: لا يجوز التقدم إلا بوقت واحد. وقال بعضهم: يجوز التقدم (¬5) بوقت وبأوقات كثيرة. وقال بعضهم: إن كان المأمور قادرًا قبل وقت الفعل بأوقات كثيرة، يكون مأمورًا في جميع الأوقات التي هو قادر فيها. وإن كان قادرًا عليه، قبل وجود وقت الوجوب بوقت واحد، يكون مأمورًا في ذلك الوقت لا غير. ثم اتفق قول (¬6) عامة أهل الحق وقول عامة المعتزلة في وجوب تقديم (¬7) الأمر على وقت وجوب الفعل، ولكن (¬8) الطريق مختلف: - فمن قال كل منهم (¬9) بوجوب اللطف (¬10) فيَ حق المكلف من المعتزلة قالوا: سبب الوجوب في تقدم الأمر على وقت وجوب الفعل المأمور به ¬

_ (¬1) في أ: "مقدمًا". (¬2) "كثيرة" ليست في أ. (¬3) "وقت" ليست في ب. (¬4) في أ: "مقدمًا". (¬5) "التقدم" ليست في ب. (¬6) "قول" ليست في ب. (¬7) في أ: "تقدم". (¬8) في ب: "لكن". (¬9) "منهم" ليست في ب. (¬10) في هامش أ: "أي بوجوب الأصلح".

كونه لطفًا في إتيان المأمور به، واستصلاحًا للمكلف, لأن على أصل هؤلاء اللطف هو الداعي إلى الفعل، وهو الذي يكون المأمور عند وجوده أقرب إلى تحصيل الفعل (¬1) المأمور به، وذلك (¬2) لا يصح إلا وأن يكون الأمر سابقًا حتى يكون داعيًا له إلى التحصيل. فأما المقارن [فـ] لا يتصور أن يكون داعيًا. - ومن لم يقل منهم باللطف يقول: لا بد من وقت يعرف فيه الوجوب أو الندب، ليدعوه ذلك إلى التحصيل الذي هو سبب الثواب، فيكون الأمر مفيدًا (¬3)، ولأن حالة الأمر ليست (¬4) حالة الفعل, لأنه ما لم يسمع الأمر ولم يكن متمكنًا (¬5) من معرفة المأمور به لا يقدر على الفعل، فلا بد من زمان، ليكون قادرًا فيه، حتى لا يكون تكليف ما لا يطاق. وهذه الضرورة ترتفع بزمان واحد، فلا يجب المتقدم (¬6) بأكثر منه. وأهل السنة قالوا: إنه (¬7) لا بد من معرفة صفة المأمور به حتى يعتقد وجوبه أو ندبه ويعزم على أدائه. ومعرفة صفة المأمور به من كونه عبادة وطاعة، حتى يصح منه قصد التقرب إلى الله تعالى، وكلما كان الأمر أسبق، فالعزم على الأداء (¬8) فيه أكثر، فيكون الثواب أكثر (¬9)، ويكون التمكن من الفعل أقوى، بوجود سبب العلم والقدرة. فأما إذا قارن ¬

_ (¬1) "الفعل" من (أ) و (ب). (¬2) في أ: "وذاك". (¬3) في (أ) و (ب): "مقيدًا". وفي هامش أ: "مفيدًا" كما في الأصل وهو ما في المتن. (¬4) في ب: "ليس". (¬5) في ب: "ولم يتمكن". (¬6) في أ: "التقديم". (¬7) "إنه" ليست في ب. (¬8) في ب: "أدائه". (¬9) في أ: "أكبر".

الوجوب، فلم يتحقق التمكن من العلم بإتيان (¬1) المأمور به، فلا يصح التكليف (¬2). وما قالوا من اللطف في حق المكلفين (¬3) فهو باطل عندنا، لأن الله تعالى لا يجب عليه إعطاء اللطف، والأصلح لعباده (¬4)، بل هو متفضل في ذلك، على ما يعرف حقيقة ذلك (¬5) في مسألة الأصلح إن شاء الله تعالى. مسألة- في بيان صفة حسن المأمور به (¬6): يجب أن يعلم أن (¬7) المأمور به لا بد من أن يكون موصوفًا بالحسن، لأن الحسن ما له عاقبة حميدة، وللمأمور به عاقبة حميدة, لأن المأمور به إما أن يكون واجبًا أو مندوبًا، والواجب ما (¬8) يتعلق الثواب بفعله، والعقاب بتركه، والندوب ما يتعلق الثواب بفعله دون العقاب بتركه. وما له عاقبة الثواب والنجاة من العقاب فله عاقبة حميدة فيكون حسنًا. ولأن التعبد والتقرب من باب التعظيم للآمر والانقياد لأمره، وذلك من باب (¬9) الشكر للمنعم، وإنه حسن في الشاهد والغائب: يعرف ببديهة العقل. ثم صفة الحسن للمأمور به من قضية حكمة الآمر، لا من قضية نفس الأمر، إذ الأمر (¬10) قد يرد من السفيه على وجه السفه، وهو أمر حقيقة، ¬

_ (¬1) في ب: "بإثبات". (¬2) "التكليف" ليس في ب. (¬3) "في حق المكلفين" من ب. (¬4) "لعباده" من ب. (¬5) في ب: "حقيقته". (¬6) في أ: "صفة الحسن للمأمور به" (¬7) "أن" ليست في ب. (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "مما". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "لأمره ومن باب". وفي أ: "لأمره من باب". (¬10) في ب: "حكمة الآمر لأمر إذ الأمر".

كالسلطان الظالم يأمر (¬1) إنسانًا بالزنا والسرقة والقتل بغير حق، يكون أمرًا (¬2)، حتى إذا خالف المأمور ولم يأت بما (¬3) أمر به يقال: خالف أمر السلطان، وهو سفه حرام، ولكن الأمر من الحكيم لا يكون إلا بصفة الحسن, لأنه لا يتصور أمر الحكيم متعريًا عن صفة الوجوب أو الندب، وأنه لا ينفك عن العاقبة الحميدة، وهو تفسير الحسن. ولهذا قلنا: إن المباح ليس بحسن في ذاته، وإن جاز أن يوصف بالحسن لغيره خلافًا لبعض المعتزلة (¬4) , لأنه ليس فيه معنى داع إلى ترجيح جانب الوجود (¬5) على العدم. مسألة: ثم الحسن الثابت للمأمور به من مدلولات الأمر عندنا. وعند أصحاب الحديث (¬6) من موجباته. وهو بناء على مسألة العقل: أنه هل يعرف الحسن والقبح بالعقل أم لا (¬7)؟ فعندهم: لاحظ له في ذلك، وإنما يعوف بالأمر والنهي. هذا هو (¬8) مذهب عامتهم، وإن وافقنا في ذلك (¬9) بعضهم، مثل أبي العباس ¬

_ (¬1) في ب: "إذا أمر". (¬2) "يكون أمرًا" من (أ) و (ب). (¬3) في ب كذا: "بمال". (¬4) في ب: "خلافًا للمعتزلة". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الوجوب". (¬6) في أكذا: "أصحابنا الحديث". (¬7) في ب: " هل يعرف به الحسن والقبح أم لا؟ ". (¬8) "هو" ليست في ب. (¬9) "في ذلك" من أ.

القلانسي (¬1) وأبيا إسحاق الاسفرايني (¬2) والقفال الشاشي (¬3) والحليمي (¬4) وغيرهم. وإذا كان هكذا فيكون الحسن ثابتًا برنفس الأمر، لا أن الأمر دليل ومعرف على حسن (¬5) سبق ثبوته بالعقل. وعندنا لما كان للعقل حظ في معرفة حسن الإيمان وقبح الكفر وحسن العدل والإحسان ومعرفة حسن أصل العبادات دون هيئاتها وشروطها ¬

_ (¬1) أبو العباس أحمد بن عبد الرَّحْمَن خالد القلانسي. من متكلمي أهل السنة والجماعة في القرن الثالث (وأوائل القرن الرابع). وهو -ومن معه- أتبع لأحمد بن حنبل وأمثاله. وله في الرد على النظام كتب ورسائل. (انظر: البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد علي صبيح، البند 47 ص 26 وص 323 وما بعدها. وص 362 وما بعدها حيث تكلم على أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث، وبيان أصولهم، وأسماء بعض متكلميهم من الصحابة والتابعين والفقهاء وأرباب المذاهب ومن بعدهم. وذكر القلانسي في ص 133 و 364. وانظر أَيضًا: علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإِسلام، دار المعارف، الطبعة السابعة، 1: 278 - 284). (¬2) تقدمت ترجمته في الهامش 7 ص 52. (¬3) لعل المقصود هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الفقيه الشافعي. منسوب إلى"الشاش" مدينة وراء نهر سيحون خرج منها جماعة من العلماء. كان فقيهًا محدثًا أصوليًا لغويًا شاعرًا وكان إمام عصره بلا مدافع إذ لم يكن فيما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته. رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور وسار ذكره في البلاد. وأخذ الفقه عن ابن سريج. وروى عن محمد بن جرير الطبري وأقرانه. وروى عنه الحاكم أبو عبد الله وجماعة كثيرة. له مصنفات كثيرة. وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء. وله كتاب في أصول الفقه وشرح الرسالة للشافعي. وقد ولد سنة 290 هـ وتوفي بالشاش سنة 336 هـ وقيل سنة 335 هـ. (ابن خلكان، 1: 580). وهو غير: القفال المروزي الشافعي المتوفى سنة 417 هـ بسجستان (ابن خلكان، 1: 316). وغير أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي الفقيه الشافعي المتوفى سنة 507 هـ ببغداد (ابن خلكان، 1: 588). ويلاحظ أن من الحنفية: محمد بن الحسن القفال الخوارزمي الحنفي وأحمد بن محمد بن إسحاق أبو علي الشاشي المتوفى ببغداد سنة 344 هـ. (الجواهر). (¬4) هو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الفقيه الشافعي المعروف بالحليمي نسبة إلى جده حليم. ولد ببخارى وقيل بجرجان سنة 338 هـ. أخذ عن القفال الشاشي وغيره. من تصانيفه "شعب الإيمان". مات سنة 403 هـ (ابن العماد، شذرات الذهب، 3: 167. وابن السبكي، طبقات الشافعية، 4: 333. وحاجي خليفة، كشف الظنون، 2: 1047. وابن خلكان، 2: 183). (¬5) في ب: "ثابتًا بنفس الأمر معرف ودليل على حسن".

وأوقاتها ومقاديرها (¬1)، فيكون الأمر دليلا ومعرفًا لما ثبت حسنه بالعقل وموجبًا لما لم يعرف به (¬2) على ما يعرف على الاستقصاء في مسألة العقل من (¬3) مسائل الكلام - والله الموفق. مسألة - في تقسيم حسن المأمور به. الحسن نوعان في الأصل: نوع حسن لعينه، ونوع حسن لغيره. فالنوع الذي هو حسن لعينه: يتنوع نوعين أيضًا (¬4): - نوع يعرف حسنه بالعقل وحده، دون قرينة الشرع (¬5)، نحو الإيمان بالله تعالى وأصل العبادات، وكذا العدل والإحسان وشكر المنعم ونحو ذلك. وهذا النوع مع كونه حسنًا لعينه، هو (¬6) حسن لغيره أيضًا، وهو ترك ضده القبيح: من الكفر والظلم والكفران - فيكون حسنًا من وجهين. - ونوع آخر يعرف حسنه بالشرع، لا بالعقل وحده بل هو (¬7) من ممكنات العقل وجائزاته: يجوز العقل أن (¬8) يكون على ذلك الوجه، ويجوز أن يكون (¬9) على غير ذلك الوجه. وذلك نحو مقادير العبادات وهيئاتها وشروطها وأوقاتها: فإنه لو كانت الصلاة على غير هذه الهيئة ¬

_ (¬1) في ب: "ومقاديرها وأوقاتها". (¬2) قال صاحب كشف الأسرار (1: 183): "وعندنا لما كان للعقل حظ في معرفة حسن بعض المشروعات كالإيمان وأصل العبادات والعدل والإحسان كان الأمر دليلًا ومعرفًا لما ثبت حسنه في العقل وموجبًا لما لم يعرف به - كذا في الميزان". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "في". (¬4) "أيضًا" من ب. (¬5) في ب: "السمع". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو". (¬7) "هو" من (أ) و (ب). (¬8) في ب كذا: "ممكنات العقل وجار أن العقل جايز أن". (¬9) "أن يكون" من ب.

المشروعة فالعقل لا يحيله بل يجوزه. ولو شرعت بدون الوضوء، فممكن في العقل أيضًا، فإن أصل العبادات، وهو الإيمان, يحسن بدون الطهارة، فالصلاة أولى (¬1). ولكن متى ورد الشرع على وجه قبله العقل، عرف (¬2) أنه هو الحكمة، وإن لم يقف على وجه الحسن والحكمة. وأما الذي هو حسن (¬3) لغيره [فنوعان أيضًا]: أن يكون ذلك الغير هو المقصود، لا نفس المأمور به، و (¬4) هو الموصوف بالحسن حقيقة، لكن الفعل المأمور به وسيلة إليه: إما من حيث التسبيب (¬5)، أو كونه شرطًا لصحته شرعًا، وإما وسيلة إليه حقيقة - فيصير حسنًا لحسنه بطريق السببية والتوسل والشرطية. وقد يكون ذلك الغير غير كل مقصود بنفسه لكنه وسيلة إلى غير آخر مقصود في نفسه (¬6) موصوف بالحسن. وهما سواء في المعنى. وإنه أنواع: نوع منها: ما يكون حسنًا في نفسه لا حسن العبادة والقربة، ولكن من حيث إنه خير محض وإيصال النفع إلى من هو من أهل الانتفاع، وهو نحو أداء (¬7) الزكاة وأنواع الصدقات، لكن لا يكون حسنه كحسن (¬8) العبادة, لأنه، رون حيث هو إنفاع (¬9)، يستوي فيه التمليك (¬10) بطريق ¬

_ (¬1) "فالصلاة أولى" ليست في أ. (¬2) في أ: "وعرف". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الذي حسن". (¬4) "و" ليست في أففيها: "هو". (¬5) في أ: "السبب". (¬6) في أ: "بنفسه". (¬7) "أداء" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "حسنه حسن". (¬9) أنفع اتجر في النفعات (المعجم الوسيط). (¬10) في ب: "يستوي التماثل".

الهبة وبطريق الصدقة والتمليك من الغني والفقير. وإنما ثبت حسنه لكونه مواساة للفقير (¬1) المحتاج إلى القوت ليعبد الله تعالى (¬2). ثم مواساة الفقير ليس بمقصود بنفسه أيضًا، بل المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته بإيصال النفع إلى من يقوم بعبادة الله تعالى وخدمته (¬3)، فإن الإسداء (¬4) إلى عبد الغير يراد به رضا مولاه، لا رضا العبد في الشاهد، وإليه أشار الله تعالى (¬5) بقوله تعالى: "وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون" (¬6). ونوع آخر (¬7) منها: الصوم، و (¬8) هو في نفسه تجويع النفس وتعطيشها، وهو منع نعم الله تعالى عن (¬9) مملوكه وإلحاق الضرر بمن لا حق له فيه. وهو (¬10) حرام شرعًا، ولهذا حرم على المرء أن يجرح نفسه أو يقطع (¬11) يده، وإن قصد به وجه الله تعالى. ولكن إنما حسن لما يتضمن من المعاني المستحسنة، من كونه سببًا للتقوى عن (¬12) محارم الله تعالى، وكونه سببًا للشكر، وكونه (¬13) سببًا داعيًا إلى الإحسان في حق الفقراء (¬14) ¬

_ (¬1) في ب: "الفقير". (¬2) زاد هنا في ب: "ويوحده". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من يقوم بخدمته". (¬4) كانت في أ: "المواساة" ثم صححت في الهامش: "الإسداء" وقيل في الهامش: "وهو الإحسان". وفي المعجم الوسيط: أسدي إليه معروفًا: أعطي وأولى. (¬5) في ب: "في الشاهد والله تعالى أشار إلى ذلك". (¬6) سورة الروم: 39. (¬7) "آخر" من ب. (¬8) كذا في (أ) و (ب). والواو غير ظاهرة في الأصل. (¬9) في ب كذا: "غير". (¬10) في ب: "فهو". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ويقطع". (¬12) في أ: "من". وفي ب: "غير". (¬13) في أ: "ولكونه". (¬14) في ب: "الفقير".

لما ذاق من ألم الجوع والعطش (¬1) على ما أشار الله تعالى إليه في آية الصيام بقوله تعالى (¬2): "لعلكم تتقون" (¬3) وبقوله ": ولعلكم تشكرون" (¬4) وقد استقصينا (¬5) بيان ذلك في الشرح. ومنها: الحج، فإنه (¬6) ما حسن لعينه, لأنه من حيث إنه سفر وقطع المسافة وزيارة أماكن معلومة يساوي سفر التجارة، لكن حسن لكونه قطع مسافة لزيارة بيت منسوب إلى الله تعالى، وزيارة أمكنة معظمة محترمة بوضع الله تعالى إياها للشرف (¬7) والحرمة. ثم ليس حسن زيارة هذه الأمكنة لعينها (¬8)، ولكن لتعظيم صاحب البيت وواضع الحرمة. وزيارة المكان وتعظيمه لتعظيم صاحبه (¬9) أمر عرف حسنه في الشاهد عقلا - قال قائلهم (¬10): أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا (¬11) وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا (¬12) ¬

_ (¬1) "والعطش" من ب. (¬2) "تعالى" من ب. (¬3) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183). (¬4) {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} و"بقوله" من ب. (¬5) كذا في أوفي الأصل: "أشبعنا". وفي ب: "ذكرنا". (¬6) "فإنه" ليست في ب. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الشرف". (¬8) في أ: "لنفسها". (¬9) في ب: "لكن لتعظيم الله تعالى الذي هو صاحب الكان" بدلا من: "ولكن لتعظيم صاحب البيت ... لتعظيم صاحبه". (¬10) زاد هنا في الأصل كلمة: "شعر". وليست في (أ) و (ب). (¬11) و (¬12) في ب: "الجدار" و"الديار".

ومنها: الجهاد، فإنه سبب إفساد الآدمي المعد لمعرفة الله تعالى والتعبد له في الجملة، وإنما صار حسنًا لكونه سببًا لإعزاز الدين (¬1) وقهر الكفرة ورفع قبح الكفر عن وجه الأرض ودفع شرهم عن أهل الإسلام ونحو ذلك (¬2) - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (¬3). ومنها: الحدود، فإنها ما حسنت لأعيانها, لكونها إضرارًا بالآدمي، وإنما حسنت لا فيها من الانزجار عن الفواحش المفضية إلى فساد العالم وتحقيق صيانة النفس والعرض والمال والنسب، حتى إن كل محظور لم يتضمن فسادًا (¬4) لم يشرع فيه الحد، مثل: شرب البول والدم وأكل الجيف والخبائث. وعلى هذا نظائره. وشرح هذه الجملة على الاستقصاء مذكور في شرح هذا المختصر. والله أعلم. مسألة - الأمر المطلق في العبادات هل (¬5) يقتضي كون المأمور به حسنًا لعينه أو لغيره؟. قال بعضهم: يحمل على الحسن لغيره, لأنه هو المتيقن لكونه أدنى. وقال بعضهم: إنه يحمل على الحسن لعينه, لأنه هو الكامل، والأصل هو الكمال. ¬

_ (¬1) في ب: "وإنما صار حسنًا من حيث كونه سببًا لإعزاز دين الله تعالى". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ونحوها". (¬3) سورة الأنفال: 39. (¬4) في ب كذا: "دفع فساد". (¬5) "هل" ليست في ب.

وذكر القاضي الإمام (¬1) أبو زيد رحمه الله (¬2): إني لم أقف فيه على أقوال الناس، ولكن المختار عندي أن لا يصرف (¬3) الحسن إلى الغير إلا بدليل (¬4). ولكن مشايخنا قالوا: هذا فرع اختلاف أهل الأصول (¬5) في أن (¬6) الحسن والقبح: هل يعرفان بالعقل أم (¬7) بالشرع؟ - فمن قال: بالعقل يعرف، قال (¬8): إن الحسن راجع إلى ذاته أو إلى غير متصل به (¬9). - ومن قال: بالشرع، فالحسن عندهم ما أمر به، فيجب أن يكون كل مأمور به حسنًا، إلا إذا ثبت بالدليل أنه حسن لغيره، وهذا هو الأصح. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "الإمام" من أ. (¬2) راجع ترجمته في الهامش 7، ص 75. (¬3) في ب: "أنه يصرف". (¬4) كذا في (أ) و (ب) مع ملاحظة ما ورد في الهامش السابق. وفي الأصل: "عندي أن يصرف الحسن إلى العين إلا بدليل". (¬5) في أ: "العقلاء". (¬6) "أن" ليست في ب. (¬7) في ب: "أو". (¬8) "قال" من أ. (¬9) "به" ليست في ب.

[4] وأما القسم الذي يرجع إلى المأمور

[4] وأما القسم الذي يرجع إلى المأمور (¬1) فإنه يتضمن فصولا: منها - أن المعدوم هل يصح مأمورًا ومخاطبًا (¬2)، وأن الأمر للمعدوم هل يصح؟ اختلف (¬3) فيه: قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: إن الأمر من الله تعالى يصح للمعدوم على تقدير الوجود (¬4)، فيكون الإيجاب أو الندب أزليًا. والوجوب والانتداب يتوجهان (¬5) على العاقل البالغ الذي استجمع شرائط الوجوب أو الندب فيه (¬6)، فيكون مأمورًا مخاطبًا بعد الوجود والقدرة، لا أن يكون مأمورًا و (¬7) مخاطبًا وهو معدوم. وهو (¬8) كما قال أصحابنا في التكوين المكون: فالتكوين أزلي، والمكون حادث، وقد كون الله تعالى العالم (¬9) بالتكوين الأزلي، ليتكون لوقت وجوده، لا ليتكون في الأزل، فكذا الإيجاب أزلي، والله أوجب ¬

_ (¬1) انظر تقسيم البحث فيما تقدم ص 80. والقسم الأول ص 81. والثاني ص 162. والثالث ص 167. والرابع هذا. والخامس فيما يأتي ص 210. (¬2) في ب: " ... هل يصلح أن يكون مأمورًا أو مخاطبًا". (¬3) في ب: "اختلفوا". (¬4) في ب: "قال أصحابنا: إن الأمر للمعدوم من الله تعالى على تقدير الوجود ... ". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "يتوجه". (¬6) "فيه" من ب. (¬7) "و" من ب. وكان في الأصل: "مأمورا مخاطبًا بعد الوجود وهو معدوم"، ثم شطبت فيه عبارة "بعد الوجود". (¬8) "وهو" ليست في أ. (¬9) في ب: "والله تعالى كون العالم".

في الأزل, ليجب في الوقت (¬1) الذي أراد الوجوب فيه لا في الأزل. وهو (¬2) قول عامة أصحاب الحديث: فإن الأمر عندهم أزلي، لأنه كلام الله تعالى، فيكون من صفات الذات، لا من صفات الفعل، بخلاف التكوين مع الكون عندهم، فإن التكوين من صفات الفعل عندهم (¬3)، وهي حادثة (¬4) - على ما عرف في مسائل الكلام. وقال بعض أصحاب الحديث، وهو أبو العباس القلانسي (¬5)، بأن الأمر للمعدوم لا يصح، وإنما يصح الأمر بعد الوجود وصيرورته أهلا للخطاب، فيكون الأمر عنده حادثًا (¬6). وهو قول عامة المعتزلة. إلا أن عنده كلام الله تعالى أزلي، وعندهم كلام الله تعالى حادث (¬7). وقال بعض المعتزلة: إن الأمر للمعدوم صحيح، إذا كان وقت الأمر: مبلغ، موجود، أهل للتبليغ (¬8) إلى المعدوم بعد: الوجود والأهلية، وأمر (¬9) بالتبليغ إليه. فأما (¬10) إذا لم يكن: لا يصح. ¬

_ (¬1) في ب: "فكذا الإيجاب من الله تعالى أزلي، والله تعالى أوجب ليجب في الوقت .. ". وعبارة "والله أوجب في الأزل" ليست في أ. (¬2) في أ. "وهذا". (¬3) "عندهم" ليست في ب. (¬4) في ب: "وهي جارية". (¬5) راجع ترجمته في الهامش 1 ص 177. (¬6) في ب: "لكون الأمر عندهم حادثًا". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وعندهم الكلام حادث أيضًا". (¬8) في ب: "التبليغ". (¬9) في أكذا: "وأمرنا". (¬10) في ب: "وأما".

وأجمعوا أن الأمر يصح في حق الموجود الأهل، وإن كان الوجوب متراخيًا عن وقت (¬1) الأمر، بأن كان مضافًا إلى زمان (¬2) في المستقبل، ويكون (¬3) أمرًا على طريق الحكمة. ولنا في المسألة وجهان: أحدهما - من حيث البناء. والثاني - من حيث الابتداء. أما الأول: فلأن (¬4) هذه المسألة فرع لمسألة (¬5) كلام الله تعالى، لما قلنا إن الأمر من الله (¬6) تعالى أزلي؛ لأنه كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى أزلي هو صفته، وهو أمر ونهي وخبر واستخبار. وإذا كان (¬7) الأمر أزليًا، فلا يكون وجود المأمور شرطًا لصحة الأمر، وإنما هو شرط لتوجه الأمر وثبوت حكمه، وهو الوجوب أو (¬8) الانتداب. وإذا ثبت أن الأمر أزلي بمنزله العلم والقدرة (¬9)، فلا يطلب لصحته ثبوت الحكمة والفائدة في حق العباد، إنما تطلب الحكمة في المحدثات، فلا يصح قولهم أن لا فائدة (¬10) في الأمر للمعدوم. ¬

_ (¬1) "وقت" ليست في أ. (¬2) في ب: "الزمان". (¬3) في ب: "فيكون". (¬4) في ب: "فإن". (¬5) في ب: "كمسألة". (¬6) في ب: "إن كلام الله". (¬7) في ب: "وإن". (¬8) في أ: "و". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "العلم والخبر". (¬10) في ب كذا: "قولهم إن الفائدة".

والثاني (¬1): أن (¬2) الأمر للمعدوم ليجب عليه الفعل حال وجوده وصيرورته أهلا لأداء المأمور به صحيح على طريق الحكمة, لأنه يحصل العلم للمأمور بالأمر الأزلي عند وجوده وصيرورته أهلا، وأنه سابق على وقت الوجوب بقدر ما يتمكن من الأداء فيحصل (¬3) الفوائد - ألا ترى أن الأمر للموجود (¬4) الأهل صحيح. وإن كان حكم الخطاب متأخرًا، لأنه إذا علم أن حكم الأمر يتوجه عليه في زمان مقدم؛ لأنه يستعد لذلك (¬5) ويعتقد وجوبه (¬6)، ويعزم على الآداء حين توجه الوجوب. وكل ذلك سبب الثواب (¬7) في كون (¬8) حكمة - فكذلك ههنا. وهذه من مسائل الكلام تذكر ثمة (¬9) إن شاء الله تعالى، وما زاد على هذا فهو (¬10) مذكور في الشرح - والله الموفق. مسألة: لا خلاف أن المأمور لا بد أن يكون متمكنًا من إتيان (¬11) الفعل المأمور به، في وقت توجه الوجوب، بأن كان قادرًا عليه من حيث الأسباب وعالمًا به أو (¬12) كان سبب العلم قائمًا. فأما إذا كان ممنوعًا، فإنه لا يتوجه عليه الوجوب - وهذا عندنا. ¬

_ (¬1) و (¬2) في ب: "الثاني وأن". (¬3) في ب: "ويحصل". وفي أ: "فحصل". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "للمديون". (¬5) في ب كذا: "في زمان معلوم ستعد لذلك". وفي أ: "في زمان معلوم فإنه يستعد بذلك". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ويعتقد وجود وجوبه". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وكل ذك معلوم سبب الثواب". (¬8) في أ: "ويكون". (¬9) "ثمة" ليست في أ. (¬10) "فهو" ليست في أ. (¬11) في ب: "إثبات". (¬12) في ب: "لو".

وعند المعتزلة: لا بد أن يكون قادرًا عليه حقيقة مع وجود القدرة من حيث الأسباب. ولهذا قالوا إن الاستطاعة قبل الفعل، حتى لا يكون تكليف العاجز. فأما حقيقة العلم فهو شرط عند بعض المعتزلة، وهم الذين قالوا بأن المعارف ضرورية. وعند من قال إن المعارف استدلالية، فوجود سبب العلم كاف عنده (¬1) لتوجه الخطاب. فعلى (¬2) هذا: الصبي (¬3) الطفل والمجنون والنائم والمغمى عليه لا وجوب عليهم؛ لأن تفسير الوجوب المعقول هو وجوب الفعل، ولا يتصور منهم وجود الفعل مع قيام المانع، فيكون بمنزلة تكليف الأعمى الإبصار (¬4) وتكليف الزمن العدو (¬5) - وهو محال، فكذا هذا. إلا أنه يجب القضاء في حق البعض. ولا يجب في حق البعض (¬6) - على ما عرف في مسألة المجنون على الاستقصاء. مسألة: الناسي والخاطئ: لا خطاب عليهما عند بعض أصحاب الحديث - وهو قول المعتزلة. وعندنا: هما مخاطبان. وهو مبني على أن حقيقة العلم ليست (¬7) بشرط، لتوجه الخطاب، وسبب العلم كاف، عندنا، وهو موجود (¬8) في حقهما, لأن لهما قدرة ¬

_ (¬1) "عنده" ليست في ب. (¬2) في (أ) و (ب): "وعلى". (¬3) "الصبي" ليست في أ. (¬4) في أ: "بالإبصار". (¬5) في أ: "بالعدو". (¬6) في أ: "ولا يجب القضاء في حق البعض عنده". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ليس". (¬8) في ب: "وسبب العلم كاف وعندنا هو موجود".

على (¬1) حفظ النفس، عن الوقوع في الفعل ناسيًا وخاطئًا في الجملة، لكن فيه نوع حرج، فيكون فعل الناسي والخاطئ (¬2) جائز المؤاخذة، لنوع تقصير كل منهما، إلا أن الله تعالى رفع المؤاخذة عنهما ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - دفعًا للحرج عنهما مع جواز المؤاخذة عقلًا. الدليل عليه قوله تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" (¬3) - لو لم يكن جائز المؤاخذة يكون معنى الدعاء "اللهم لا تجر علينا" ويستحيل من النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء من الله تعالى (¬4) بما هو محال. وأما السكران: فعلى أصل (¬5) أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مخاطب؛ لأن ما هو حد السكر عندهما ليس بمعجز، فوجدت (¬6) القدرة والعلم من حيث الأسباب. وأما على أصل أبي حنيفة رحمة الله عليه: يجب أن لا يكون مخاطبًا في حال السكر, لأن حد السكر عنده أن لا يعرف الأرض من السماء، فيكون بمنزلة النوم والإغماء. ولكن يجب عليه (¬7) القضاء لما ذكرنا، لكن تصرفاته صحيحة, لأنه لا يصدق في حق الغير أنه لا يعرف، أو لأنه ألحق السكر بالعدم وجعل صاحيًا (¬8) عقوبة له (¬9) وزجرًا له عن (¬10) ارتكاب ¬

_ (¬1) "على" ليست في (أ) و (ب). (¬2) في ب: "الخاطئ والناسي". (¬3) البقرة: 286 والآية: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين". (¬4) "من الله تعالى" ليست في ب. (¬5) في ب: "قول". (¬6) في أ: "فوجد". (¬7) "عليه" من (أ) و (ب). (¬8) صحا السكر أن أفاق (المعجم الوسيط). (¬9) في (أ) و (ب): "عليه". (¬10) في أ: "من".

المحظور الذي يتضمن الفساد حتى قالوا: إن السكر متى كان بسبب مباح يكون بمنزلة الإغماء في حق التصرفات. وعلى هذا قلنا: إن المكره مخاطب في (¬1) عين ما أكره عليه. وعند المعتزلة: غير مخاطب؛ لأنه ملجأ مضطر في إيقاع الفعل طبعًا، والإلجاء ينافي الاختيار. وقلنا نحن: إن الخطاب مبني على القدرة من حيث الأسباب، والمختار من يكون قادرًا على التحصيل والترك أو على أحدهما على حسب الاختلاف فيه، فكان الابتلاء (¬2) قائمًا، لقيام التردد في الجملة، إلا أن الامتناع عما أكره عليه إذا كان (¬3) على خلاف الطبع يكون أشق (¬4)، فيكون الثواب أكثر. وإذا كان الإقدام على ما أكره عليه على موافقة الطبع، بأن أكره على قتل حربي، فالثواب أقل. فأما أن يخرج الفعل عن حد (¬5) الاختيار إلى حد الاضطرار فلا (¬6) - والله الموفق. مسألة - الكفار هل يخاطبون بأوامر الله تعالى، ونواهيه - أم لا (¬7)؟ ههنا (¬8) ثلاث مسائل: إحداها (¬9): إن الكفار مخاطبون بالإيمان، منهيون عن الكفر بعد بلوغ الدعوة وورود الشرع (¬10) - بلا خلاف بين العلماء. ¬

_ (¬1) في ب: "وفي". (¬2) في أكذا: "الابتداء". (¬3) "إذا كان" ليست في ب. (¬4) في ب كذا: "اسر". (¬5) في ب كذا: "الفعل عرض الاختيار". (¬6) في أ: "الاضطرار بالإكراه فلا". (¬7) "أم لا" من ب. (¬8) في ب: "فهنا". (¬9) في ب: "أحدها". (¬10) في ب: "الشريعة".

واختلفوا قبل بلوغ الدعوة، بأن كان على شاهق الجبل (¬1) أو في زمان الفترة: قال عامة مشايخنا من أهل العراق وما وراء النهر (¬2) [و] رئيسهم (¬3) الشيخ الإمام الأجل (¬4) أبو منصور الماتريدي رحمة الله عليهم: إنهم (¬5) مخاطبون بالإيمان حتى لو امتنعوا عن ذلك وماتوا عليه فهم من أهل النار، وإذا أقدموا عليه وماتوا (¬6) عليه (¬7) فهم من أهل الجنة. وهو اختيار بعض أهل (¬8) الحديث كأبي العباس القلانسي والقفال الشاشي (¬9) والحليمي (¬10) وغيرهم. وهذا المذهب مروي عن أبي حنيفة رحمة الله عليه: فإنه ذكر الحاكم الشهيد رحمه الله في كتاب "المنتقى" (¬11) عن محمد بن سماعة (¬12) عن محمد ¬

_ (¬1) في ب: "جبل". (¬2) "وما وراء النهر" غير واضحة في ب. (¬3) كذا في أ. وفي ب والأصل: "رأسهم". (¬4) "الأجل" ليست في (أ) و (ب). (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنهم". (¬6) في أ: "فماتوا". (¬7) "عليه" ليست في ب. (¬8) في (أ) و (ب): "أصحاب". (¬9) في ب: "والقفال والشاشي". (¬10) تقدمت ترجمتهم في الهوامش 1 و 3 و 4 ص 177. (¬11) في ب: "فإنه ذكر الحاكم الجليل في المنتقى". وهو محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المجيد بن إسماعيل بن الحاكم الشهير بالحاكم المروزي السلمي الوزير الشهيد أبو الفضل البلخي العالم الكبير. ولي قضاء بخارى ثم ولاه الأمير الحميد صاحب خراسان من الساسانية وزارته. قتل شهيدًا 334 هـ ودفن بمرو. وله الكافي والمنتقى (القرشي، الجواهر، 2: 112 - 113 و 375). (¬12) محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع أبو عبد الله التميمي - حدث عن الليث بن سعد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وأخذ الفقه عنهما وعن الحسن بن زياد. وكتب النوادر عن أبي يوسف ومحمد. وروى الكتب والأمالي. وولي القضاء المأمون ببغداد سنة 192 هـ بعد موت يوسف بن أبي يوسف. له كتاب أدب القاضي وكتاب المحاضر والسجلات والنوادر وغيرها وتفقه عليه أبو جعفر أحمد بن أبي عمران البغدادي شيخ الطحاوي وغيره. ولد سنة 130 هـ ومات سنة 233 (الفوائد، 170).

ابن الحسن عن أبي حنيفة رحمهم الله أنه قال: لا عذر لأحد بالجهل بالله تعالى بما (¬1) يرى من خلق السماوات والأرض وما يرى من خلق نفسه. وهو قول المعتزلة الذين قالوا إن (¬2) المعارف استدلالية، وهم (¬3) معتزلة البصرة ومن تابعهم. وقال عامة أصحاب الحديث من الأشعرية وغيرهم (¬4) ومن تابعهم بأنه لا يجب عايهم الإيمان ولايحرم عليهم الكفر، حتى لو ماتوا على الكفر أو على (¬5) الإيمان قبل بلوغ الدعوة، فهم في مشيئة الله تعالى: إن شاء عذبهم وإن شاء أدخلهم الجنة. وهو قول بعض معتزلة بغداد (¬6) الذين قالوا: إن (¬7) المعارف ضرورية. وهو اختيار بعض مشايخ بخارى وغيرهم. غير أنهم قالوا إنهم من أهل الجنة في الأحوال كلها بمنزلة الصبيان والمجانين (¬8). وحاصل الخلاف أن العقل وحده قبل قرينة (¬9) الشرع - هل يعرف به وجوب الإيمان وحرمة الكفر، وهل يعرف به الحسن والقبح (¬10)؟ فعند الفريق الأول يعرف به (¬11) أصله، وإن كان لا يعرف المقادير والأوقات والهيئات. ¬

_ (¬1) في أ: "لما". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬3) في ب: "وهي". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الأشعري وغيره". (¬5) "على" من (أ) و (ب). (¬6) في ب: "بعض المعتزلة وهم الذين ببغداد". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬8) "غير أنهم قالوا ... والمجانين" ليست في ب. (¬9) في أ: "وحده من غير قرينة". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "القبيح". (¬11) "به" من (أ) و (ب).

وعند الفريق الثاني لا يعرف شيء من هذا بالعقل، وإنما يعرف به (¬1) صحة وجود الأشياء وكونها وإحالة المحالات وجواز الجائزات والممكنات (¬2). ولقب المسألة - أن العقل هل هو موجب أم لا؟ وهذا اللقب (¬3) خطأ من حيث الحقيقة، فإن الموجب للأحكام (¬4) هو الله تعالى، لكن سمي العقل موجباً لكونه علماً ودليلا على ذلك، وهذا كما يقوله (¬5) الفقهاء: إن العلة موجبة، وهو (¬6) إطلاق وطريق المجاز - فكذا (¬7) هذا. وهذه مسألة عظيمة لها شعب كثيرة، وطريقنا فيها خلاف طريق المعتزلة، وإن كان في الجواب موافقة - وهي من مسائل الكلام. مسألة ثانية: وهي أن الكفار هل يخاطبون بالشرائع قبل ورود الشرع وبلوغ الدعوة من نحو وجوب الصلاة والصوم والحج وغيرها، وكذا المحرمات من الزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها، ووجوب الحدود والقصاص والدية وغيرها؟ لا خلاف بيننا وبين أهل الحديث أنه لا خطاب عليهم، لأنه لا طريق لمعرفتها (¬8) إلا الشرع. فقبل وروده - يكون تكليف ما ليس في الوسع، وهو موضوع شرعًا. ¬

_ (¬1) في ب: "بالعقل". (¬2) في ب كذا: "والمحكيات". (¬3) في ب: "الكون". (¬4) "للأحكام" ليست في ب. (¬5) في ب: "يقول". (¬6) "وهو" ليست في ب. (¬7) في ب: "وكذا". (¬8) في ب: "إلى معرفتها".

وعند المعتزلة: هم مخاطبون ببعض الشرائع، فإن عندهم بعض الشرائع (¬1) من الواجبات والمحظورات يعرف بمجرد (¬2) العقل وورود الشرع بعد ذلك قد يكون تقريراً لما في العقل، وقد يكون نقلا من حكم العقل إلى حكم الشرع، فيكون تغييراً له. ولم يسموا ذلك نسخاً (¬3). فأما بعد ورود الشرع -[فقد] اختلفوا فيه (¬4). قال عامة أهل الحديث والمعتزلة: إنهم يخاطبون بذلك كله. وهو قول مشايخ العراق من أصحابنا. وقال بعض مشايخ ديارنا: إنهم (¬5) غير مخاطبين أصلا، لا بالعبادات ولا بالمحرمات (¬6) إلا ما قام دليل شرعي (¬7) عليه تنصيصاً، أو استثني في (¬8) عهود أهل الذمة كا في حرمة الربا (¬9) ووجوب الحدود والقصاص وغيرها. وقال بعض أهل التحقيق منهم: إنهم مخاطبون (¬10) بالمحرمات والمعاملات دون العبادات. وفائدة الخلاف لا تظهر في أحكام الدنيا (¬11): فإنهم لو أسلموا ¬

_ (¬1) "فإن عندهم بعض الشرائع" ليست في ب. (¬2) في ب كذا: "يعرف المجرد العقل". (¬3) في أ: "ولم يسموها نسخًا". وفي ب كذا: ""فسخا". (¬4) "فيه" من (أ) و (ب). (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأنهم". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بالحرمات". (¬7) في ب: "الدليل الشرعي". (¬8) كذا في (أ) و (ب) وفي الأصل: "من". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "أهل الذمة من حرمة الزنا". وفي أ: "من حرمة الربا". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يخاطبون". (¬11) في ب: "وفائدة الخلاف تظهر أحكام الدنيا".

لا يجب عليهم قضاء العبادات الفائتة ولا يجب عليهم الحدود. وإنما تظهر في حق أحكام الآخرة: فإن عندهم يعاقبون بترك العبادات ومباشرة المحرمات (¬1)، زيادة على عقوبة الكفر. وعندنا لا يعاقبون بترك العبادات ولا يعاقبون بمباشرة (¬2) المحظورات عند بعض مشايخنا، وعند بعضهم يعاقبون. وجه قول من قال بالخطاب - النصوص، والمعقول: أما النصوص - فقوله (¬3) تعالى، خبراً عن خزنة جهنم: إنهم يقولون للكفرة (¬4): "ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين" (¬5) - الله تعالى أخبر عن (¬6) اعتقادهم استحقاق العذاب بترك العبادات، ولم يرد عليهم اعتقادهم فدل أن ذلك ثابت به. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (¬7) ولا شك أن مضاعفة العذاب بسبب ترك الواجبات ومباشرة المحظورات سوى الكفر. وأما المعقول -وهو أن التكليف يعتمد القدرة من حيث الأسباب وقيام طريق الوصول إليه لا حقيقة القدرة- ألا ترى أن الصلاة تجب على الجنب ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الحرمات". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "بمشارة". (¬3) في ب: "قوله". (¬4) في ب: "للكفار". (¬5) سورة المدثر: 42 - 44. والآيات 38 - 47: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ...} (¬6) في ب: "فأخبر الله تعالى عن". (¬7) سورة الفرقان: 68 و 69.

والمحدث، لأن في يديهما (¬1) رفع الجنابة والحدث وإن كان أداء الصلاة لا يجوز مع الحدث. وكذلك الحج يجب على البعيد عن (¬2) مكة، وإن كان لا يمكنه أداء الحج إلا بمكة، لأن في يده إمكان قطع المسافة. وكذلك (¬3) في يد الكفرة (¬4) القدرة على الإيمان الذي لا تصح العبادات بدونه وطريق الوصول إلى الوقوف على كيفياتها بالسؤال من صاحب الشرع، ومن ينوب منابه، فيجب القول بتوجه الخطاب، إلا أنه إذا أسلم يسقط (¬5) عنه بعد الوجوب، بعفو صاحب الحق، لقوله (¬6) تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (¬7) ولقوله عليه السلام: "الإسلام يجب ما قبله". وإذا مات على الكفر يعاقب في الآخرة. وليس حكم الوجوب وفائدته مختصاً (¬8) بالأداء، فإنه إذا كان في علم (¬9) الله تعالى من كافر أنه لا يؤمن أبدًا (¬10) أو من مسلم أنه لا يؤدي صلاة الظهر مثلا (¬11)، فإنه لا يتحقق منه الأداء. ومع هذا: الوجوب ثابت (¬12)، لفائدة توجه العذاب في الآخرة - كذلك هذا (¬13). ¬

_ (¬1) في ب: "في يدهما". (¬2) في أ: "البعيد من". وفي ب: "النائي عن". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فكذلك". (¬4) في ب: "الكافر". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "سقط". (¬6) في ب: "بقوله". (¬7) سورة الأنفال: 38، والآية: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}. (¬8) في ب: "مختصة". (¬9) في أ: "بالأداء فإن من علم". (¬10) "أبدًا" من ب. (¬11) "مثلا" من ب. (¬12) في ب: "ثابت عليهما". (¬13) في ب: "كذلك ههنا"

وجه القول المختار - وهو أن هذا تكليف ما ليس في الوسع، فإن الكافر لا يقدر (¬1) على أداء العبادات حالة الكفر لعدم شرطه، وهو الإيمان، ولا يمكنه الأداء إلا (¬2) بواسطة تحصيل الشرط، كما ذكرتم في الجنب والمحدث، لأن ثمة يقدر على أداء الواجب بعد رفع الحدث والجنابة، بالاغتسال - هذا بخلاف الوضوء (¬3). أما الكافر بعد تحصيل الشرط [فـ] لا يقدر على الأداء، لأنه لا يجب القضاء بالإجماع. فإن (¬4) شئت قلت: إن هذا تكليف ما ليس في الوسع لأنه لا يخلو: إما أن يجب ليؤدى في حالة الكفر أو ليؤدى بعد الإسلام. ولا وجه للأول لأن الكفر مانع من صحة أداء (¬5) العبادات. ولا وجه للثاني فإنه لا يجب عليه (¬6) الأداء بعد الإسلام أو يسقط عندكم فيكون هذا تكليف ما ليس في الوسع، وهو محال عقلا وموضوع شرعاً. وهو الجواب عن قولكم: إن التكليف يعتمد القدرة من حيث الأسباب - نعم، ولكن تفسيرها أنه متى أراد أن يفعل يقدر على ذلك ويتمكن من التحصيل لا محالة - وههنا لا يقدر في الحالين بخلاف الحرمات، لأن حكم التحريم وجوب الامتناع عن الفعل المحرم ومع الكفر يتصور الامتناع عن الفواحش، فلا يكون تكليف ما ليس في الوسع، وهو (¬7) الفرق بين الفصلين. أما التعلق بالنصوص [فـ] لا يصح: فإن قولهم "لم نك من المصلين" (¬8) ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل تشبه أن تكون: "ما يقدر". (¬2) "إلا" ليست في ب. وغير ظاهرة في الأصل. (¬3) "والجنابة ... الوضوء" من ب. (¬4) في (أ) و (ب): "وإن". (¬5) في أ: "عن صحة أداء". وفي ب: "مانع من أداء". (¬6) "عليه" من ب. (¬7) في (أ) و (ب): "فهو". (¬8) في ب: "فإن قولهم في النار من إخبار الله تعالى عنهم قوله: "لم نك من المصلين (الآية) ".

معناه: لم نك (¬1) من المعتقدين لحقية الصلاة على الوجه الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ الصلاة قد تذكر ويراد بها اعتقاد حقية الصلاة لا نفس الصلاة - قال الله تعالى: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة (الآية) " (¬2) والمراد قبول الصلاة واعتقادهم حقيتها (¬3)، دون الأداء، بدليل أنه يجب تخلية السبيل (¬4) وإن لم يوجد كل منهم (¬5) الأداء نحتمل "لم نك (¬6) من المصلين" أي من المؤمنين (¬7)، لأن الصلاة من العلامة اللازمة للإيمان، كا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نهيت عن قتل المصلين" أي عن (¬8) قتل المؤمنين. ويحتمل ما ذكرتم. فلا يكون حجة مع الاحتمال، فلا (¬9) يجوز القول بالوجوب قطعاً، حتى يستحقوا (¬10) العقاب بالترك. وأما (¬11) النص الثاني، فلا حجة فيه على القول المختار، فإخهم مخاطبون بالحرمات - والله أعلم. مسألة ثالثة: اختلف الناس في أن الأصل في الأعيان المنتفع بها هو إباحة الانتفاع أو الحظر؟ وما حكمها قبل ورود الشرع؟ ¬

_ (¬1) في ب: "لم لكن". (¬2) سورة التوبة: 5 و 11 والأولى: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم". والثانية: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "واعتقاد حقيتها". وفي ب: "فالمراد به اعتقاد حقية الصلاة وقبولها دون الأداء". (¬4) في ب: "أنه يخلي سبيله". (¬5) "منهم" ليست في أ. وفي ب: "منه". (¬6) في أ: "لم نكن". (¬7) في ب: "أي لم يك من المؤمنين". (¬8) "عن" من (أ) و (ب). (¬9) في ب: "ولا". (¬10) في ب: "يستحق". (¬11) في أ: "فأما".

قال عامة (¬1) أصحابنا وعامة أصحاب الحديث من الفقهاء والمتكلمين منهم: إنه لا حكم لها قبل ورود الشرع، ويجب التوقف (¬2) فيها: لا نحكم (¬3) بحظر ولا إباحة. وبه قال بعض المعتزلة، مثل: القاشاني (¬4)، وبشر المريسي (¬5)، وضرار بن عمرو (¬6). إلا أن طريق التوقف (¬7) مختلف: فعند أصحاب الحديث وهؤلاء المعتزلة: لا حكم فيها (¬8) قبل ورود الشرع، لعدم دليل الفبوت، وهو الخبر عن (¬9) الله تعالى على لسان صاحب الشرع (¬10)، فوجب التوقف في الجواب إلى وقت حصول العلم بدليلة. ¬

_ (¬1) "عامة" من ب. (¬2) في ب: "بل يجب التوقيف". (¬3) في أ: "لا يحكم". وفي ب كذا: "لا يحكم" دون نقط. (¬4) لم نعثر له على ترجمة أكثر من أنه أبو عمرو (أو أبو عمر) القاشاني من الطبقة الثانية عشرة أصحاب قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار المتوفي سنة 415 هـ. (فرق وطبقات المعتزلة، ص 126. وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص 390). (¬5) هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي العدوي المعتزلي المتكلم. مولى زيد بن الخطاب. أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي وبرع فيه ونظر في الكلام والفلسفة. مات سنة 228 وقيل سنة 219 هـ. له أقوال في المذهب غريبة منها جواز أكل لحم الحمار. والمريسي بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها السين المهملة نسبة إلى مريس قرية بأرض مصر وقيل غير ذلك (القرشي، الجواهر المضيئة). (¬6) هو أبو عمرو ضرار بن عمرو القاضي صاحب مذهب الضرارية. ظهر في أيام واصل بن عطاء (المولود سنة 80 هـ والمتوفى سنة 181 هـ كما ذكر ابن خلكان في الوفيات). وقيل كان في بدء أمره تلميذًا له ثم خالفه في خلق الأعمال وإنكار عذاب القبر. ويحكى أنه كان ينكر حرف عبد الله بن مسعود وحرف أبي بن كعب فنسب هذين الإمامين من الصحابة إلى الضلالة في مصحفيهما. وانفرد بأشياء منكرة منها أنه شك في جميع عامة المسلمين وقال لا أدري لعل سرائر العامة كلها شرك وكفر. (راجع: الذهبي، ميزان الاعتدال، 2: 328 - 329. وابن حجر، لسان الميزان، 3: 203. والشهرستاني، الملل والنحل، 1: 90 - 91. والبغدادي، الفرق بين الفرق، البند 118 ص 213 - 214. وفؤاد سزكين، تار يخ التراث العربي "بالعربية"، 2: 394). (¬7) في ب: "التوقيف". (¬8) في ب: "لها". (¬9) في ب: "من". (¬10) في الأصل بين السطور: "أي النبي".

وقال بعض أهل التحقيق منهم: لا نقول بالتوقف (¬1)، بل نقطع القول بأنه ليس بواجب, لأنه ثبت (¬2) بقول الله (¬3) تعالى: "افعلوا". ونقطع بأنه (¬4) ليس بمحظور؛ لأنه ثبت (¬5) بقوله تعالى (¬6): "لا تفعلوا". ونقطع بأنه (¬7) ليس بمباح, لأنه ثبت (¬8) بقوله: "افعلوا إن سنة شئتم واتركوا إن شئتم" (¬9). ولم يرد شيء من ذلك قبل ورود (¬10) الشرع، فنقول: قبل ورود (¬11) الشرع لا حظر ولا إباحة ولا وجوب ولا ندب قطعًا، لعدم دليله، ويجوز أن لا (¬12) يوسف الفعل بهذه الأوصاف، كفعل الأطفال والمجانين والبهائم (¬13). وأما عندنا [فـ] لا بد أن (¬14) يكون لهذه الأفعال حكم ما عند الله تعالى: يمكن أن يكون هو الوجوب، بالإيجاب الأزلي، لتعلق العاقبة الحميدة به. ويمكن أن يكون هو الحرمة، بالتحريم الأزلي، لتعلق العاقبة الوخيمة به (¬15). ويمكن أن ليس لفعل (¬16) عاقبة حميدة ولا عاقبة ذميمة، فيكون مباحًا، ¬

_ (¬1) في ب: "بالتوقيف". (¬2) في ب: "يثبت". (¬3) في ب: "بقوله تعالى". (¬4) في ب: "أنه". (¬5) في ب: "يثبت". (¬6) "تعالى" من ب. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "أنه". (¬8) في ب: "يثبت". (¬9) في أ: "افعلوا ما شئتم ... ". وفي ب: "إن شئتم فافعلوا وإن شئتم لا تفعلوا". (¬10) "ورود" من ب. (¬11) "ورود" من (أ) و (ب). (¬12) "لا" من ب. (¬13) في ب: "والبهائم والمجانين". (¬14) في ب: "وأن". (¬15) "به" ليست في ب. وفي أ: "العاقبة الذميمة به". (¬16) في ب: "العاقبة الوخيمة ويحتمل أن ليس للفعل".

لعدم رجحان أحد الجانبين على الآخر، إلا أنه لا يمكن الوقوف على ذلك بالعقل، لخفائه ودقته، فيتوقف في الجواب إلى ورود الشرع، لا لخلوه عن الحكمة (¬1)، لكن لا يثبت في حقنا، لعدم دليل الوقوف. والكلام بيننا وبينهم بناء على مسألة العقل: أن عندهم لا يعرف به حسن ولا قبح (¬2) ولا وجوب (¬3) ولا ندب (¬4) ولا حظر ولا إباحة. وعندنا يعرف به (¬5) حسن بعض الأشياء قطعًا، ولا يعرف حسن بعض الأشياء قطعًا (¬6). وكذا (¬7) القبح والوجوب والحرمة، مع كونها (¬8) عند الله تعالى, لأن أحكام الشرع مبنية على الحكمة (¬9)، وإن كنا (¬10) لا نقف عليها إلا بدليل الشرع. هذا بيان قولنا، وقول عامة أصحاب الحديث. وقال (¬11) عامة المعتزلة: الأصل فيها هو (¬12) الإباحة ما لم يرد الشرع بالتقرير أو بالنقل (¬13) والتغيير إلى غيره. وقال بعض أصحاب الحديث: الأصل فيها هو الحظر إلا بورود الشرع مقررًا أو مغيرًا. وجه قول المعتزلة: الاستدلال بالنصوص، والمعقول: ¬

_ (¬1) في أ: "الحكم". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وقبح". (¬3) في أكذا: "ولا جواب". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وندب". (¬5) "به" من ب. (¬6) "ولا يعرف .. قطعًا" ليست في ب. (¬7) في ب: "وكذلك". (¬8) في ب كأنها: "مع كونها ثالثة". (¬9) في ب: "الحكم". (¬10) في ب: "كان". (¬11) في ب: "وقول". (¬12) "هو" من ب. (¬13) في أ: "النقل".

- أما النصوص: فقوله (¬1) تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬2)، وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬3)، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (¬4) وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (¬5) - دل أن الأصل هو الإباحة. - وأما المعقول: وهو أن الله تعالى لما خلق أعيانًا منتفعًا بها، مع تعاليه عن الانتفاع بنفسه وتقدسه عن لحوق الضرر به بانتفاع غيره (¬6) بها، وصلاحها (¬7) لدفع (¬8) حوائج العباد مع مساس حاجتهم إليها (¬9)، فلا يحسن المنع منها من الله تعالى إياهم، كما لا يحسن المنع في الشاهد من المالك لغيره عن الاستظلال بظل جداره، والاستضاءة (¬10) بضوء سراجه، والنظر في مرآته، والاشتمام بروائح طيبة، مع كون المالك في الشاهد محتاجًا إلى ذلك كله بنفسه، لما أنه لا يلحقه الضرر بذلك - فههنا بطريق (¬11) الأولى. ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل: "قوله". وفي ب: "منها قوله". (¬2) البقرة: 29: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. (¬3) الجاثية: 13 وهي: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬4) البقرة: 267 والآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. (¬5) الأعراف: 32 والآية: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الغير". (¬7) في هامش أ: "أي صلاح الأعيان". (¬8) في ب: "لرفع". (¬9) في ب: "حوائج العباد لمساس حاجاتهم إليها". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الاستضاء". انظر الصفحة التالية (203). (¬11) في أ: "بالطريق".

وإذا لم يحسن المنع يجب أن يكون الأصل فيه (¬1) هو (¬2) الإباحة إلا إذا كان يتضمن الانتفاع به ضررًا خفيًا، فيرد الشرع لبيانه (¬3)، تحقيقًا لحكمة الانتفاع. وجه قول أهل الحظر: وهو أن العالم مخلوق الله تعالى وملكه، والتصرف في ملك الغير محظور إلا بإذنه وإطلاقه، وإن كان لا يتضرر به المالك في الشاهد - ألا ترى أن نقل (¬4) المرآة والمنجاز (¬5) من دار المالك إلى دار نفسه (¬6) منهي عنه، وإن لم يتضرر (¬7) به المالك - يدل عليه أن قبح التصرف في ملك الغير لو كان لتضرر المالك به (¬8) يجب أن لا يباح إلا بالإذن إذا كان يتضرر به: دل أن قبح التصرف في ملك الغير (¬9) لعدم إذنه وإطلاقه (¬10)، لا لتضرره. وإذا كان كذلك يجب أن يقبح (¬11) التصرف في ملك الله تعالى إلا بإذنه وإطلاقه (¬12)، وإن كان لا يتضرر بتصرفنا فيه، بخلاف ما ذكروا من النظر في المرآة (¬13) والاستظلال والاستضاءة, لأن ذلك ليس بتصرف في ملك الغير لأنه لا أثر لذلك يتصل بملك الغيره ¬

_ (¬1) في أ: "فيها". (¬2) "هو" من ب. (¬3) في أ: "ببيانه". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فإن نقل". (¬5) المنجاز الهاون (القاموس). (¬6) في ب: "غيره". (¬7) في ب: "وإن كان لا يتضرر". (¬8) "به" ليست في ب. (¬9) "لو كان لتضرر المالك .. في ملك الغير" ليست في ب. (¬10) "وإطلاقه" من ب. (¬11) في أ: "لا يصح". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بغير إذنه". (¬13) في أ: "بالمرآة".

وقلنا نحن وعامة أهل الحديث: إن كلا القولين فاسد: - أما عندهم فلما ذكرنا: أن العقل (¬1) ليس بطريق لمعرفة الحسن والقبح أصلا. - وأما عندنا فلأن (¬2) من قال بالإباحة عقلًا، يجوز ورود الشرع في ذلك بعينه بالحظر، فينقله من الإباحة إلى الحظر. وكذا من قال بالحظر عقلًا، يجوز ورود الشرع بالإباحة في عينه فينقله (¬3) من الحظر إلى الإباحة. والحاكم الذي يعرف ثبوته بالعقل لا يحتمل التغير (¬4) بحال، لأن العقل حجة من حجج الله تعالى كالسمع، والتناقض منفي عن دلائل الشرع لكونه من (¬5) أمارة الجهل والسفه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا - وهذه المسألة مطولة في الشرح. مسألة - المأمور هل يعلم أنه مأمور على الحقيقة؟ لا خلاف أنه إذا كان الأمر مطلقًا، وكان (¬6) المأمور متمكنًا من الفعل المأمور به، بوجود سبب القدرة والعلم، فإنه يعلم أنه مأمور بالفعل لتوجه (¬7) الأمر عليه، ووجوب تحصيل المأمور به. فأما إذا كان أمرًا مضافًا إلى وقت معلوم، بأن صار بالغًا عاقلا (¬8) قبل دخول شهر (¬9) رمضان وقبل دخول وقت الصلاة - هل يكون مأمورًا للحال حقيقة قبل توجه الوجوب عليه؟ ¬

_ (¬1) في ب: "الفعل". (¬2) في أ: "فكذلك لأن". (¬3) في ب: "ورود الشرع في ذلك بعينه بالإباحة فينقله". (¬4) في أ: "التغيير". (¬5) "من" ليست في ب. (¬6) "كان" ليست في أ. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مأمور لعلمه بتوجه". (¬8) في ب: "عاقلا بالغًا". (¬9) "شهر" من ب.

- لا خلاف أنه إذا كان في علم الله تعالى أنه يبقى على صفة المخاطبين إلى وقت دخول شهر (¬1) رمضان ودخول وقت الصلاة، فإنه يكون مأمورًا حقيقة. - فأما (¬2) إذا كان في علم الله تعالى أنه يعترض عليه الموت قبل مجيء وقت الوجوب أو العجز بسبب فوات العقل وفوات أسباب القدرة - هل يكون مأمورًا - حقيقة؟. قال أصحاب الحديث: إنه مأمور حقيقة وهو اختيار بعض أصحابنا رحمهم الله. وقال عامة المعتزلة: إنه (¬3) إذا كان في علم الله تعالى زوال التمكن (¬4) من الفعل قبل دخول (¬5) وقت الوجوب، فإنه لا يكون مأمورًا حقيقة، ولكن يكون مأمورًا ظاهرًا، وفي الآخرة يتبين أنه ليس بمأمور حقيقة. وأجمعوا أنه لا وجوب عليه في هذا الأمر الذي اعترض المانع في حال توجه الخطاب. والحاصل أن جهل المأمور باعتراض المانع شرط لكونه مأمورًا، أما جهل الآمر - هل هو شرط؟ - فعلى قول الأولين: علم الآمر باعتراض المانع حالة الوجوب ليس بمانع، لكونه مأمورًا بذلك (¬6)، وجهله ليس بشرط. ¬

_ (¬1) "شهر" من ب. (¬2) في ب: "وأما". (¬3) "إنه" ليست في ب. (¬4) في أ: "التمكين". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "قبل وجود". (¬6) "بذلك" من ب.

- وعلى قول الآخرين جهل الآمر والمأمور بذلك شرط لكونه مأمورًا - حتى إن الآمر إذا كان من العباد وهو جاهل باعتراض المانع حالة الوجوب، والمأمور جاهل، فإنه يكون مأمورًا حقه قة، بأن قال المولى لعبده: "صم غدًا" فإنه يكون آمرًا (¬1) للحال ويكون العبد مأمورًا، وإن كان الوجوب لا يثبت به (¬2)، ما لم يبق العبد حيًا قادرًا (¬3) عالمًا في الغد، لجهل (¬4) الآمر والمأمور، باعتراض العجز والموت في الغد. ولو كان المولى عالمًا بقول نهي صادق أن عبده يموت قبل دخول رمضان والعبد جاهل فقال له: "صم شهرًا (¬5) رمضان" فإن العبد يكون مأمورًا حقيقة. ولو كانا عالمين على حقيقة العجز عادة بأن قال المولى لعبده: "افعل كذا بعد ألف سنة" فإنه لا يكون آمرًا ولا العبد مأمورًا، لوجود العجز من حيث العادة. وكذا لو قال لعبده (¬6) "اصعد السماء" أو نحو ذلك. وربما تعبر هذه المسألة بعبارة أخرى، وهي (¬7) أن الأمر هل يصح في المستقبل بشرط وجود الإمكان وقت وجوب الفعل أو بشرط زوال المانع؟ فقال الفريق الأول: بأنه يصح بشرط زوال المانع حالة الوجوب، سواء كان الأمر خاصًا للواحد، أو كان (¬8) عامًا وفيهم من (¬9) يمنع عن الفعل وفيهم (¬10) من لا يمنع. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "أدا". (¬2) "به" من ب. (¬3) في ب: "حيًا إلى وقت الوجوب أعني ما لم يبق قادرًا". (¬4) في أ: "كجهل". (¬5) "شهر" من ب. (¬6) " لعبده" من أ. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وهو". (¬8) "كان" ليست في ب. (¬9) في ب: "وفي الجماعة من". (¬10) "فيهم" من ب.

وقال بعض هؤلاء: إنما يجوز إذا كان الأمر عامًا. فأما (¬1) إذا كان المأمور واحدًا لا يجوز الأمر في حقه بشرط زوال المانع. وقال الفريق الثاني: بأنه لا يجوز، والأمر متى ورد من الله تعالى بالفعل كان الداخل تحت الأمر وحكمه، وهو وجوب الفعل في حقه (¬2)، هو (¬3) من يعلم الله تعالى منه (¬4) أنه غير ممنوع عن ذلك الفعل الذي أمر فيه (¬5) بشيء من الوانع، فأما كل (¬6) من علم (¬7) أنه يمنع عن (¬8) تحصيل الفعل وقت وجوبه باعتراض الآفات (¬9)، فإنه لا يكون مرادًا بالخطاب. وأجمعوا في أمر العباد بأن أمر (¬10) المولى عبده بفعل، فإنه يجوز بشرط القدرة وشرط (¬11) زوال المانع، بأن قال له (¬12): افعل كذا يوم كذا إن قدرت عليه أو افعل إن لم يمنعك مانع. والصحيح هو قول الفريق الثاني, لأن حكم الأمر الوجب هو وجوب الفعل. فإيجاب (¬13) الفعل مع قيام المانع والعجز عن الفعل بالجنون أو (¬14) الموت حالة توجه الوجوب تكليف ما ليس في الوسع، وهو محال عقلًا وشرعًا. ¬

_ (¬1) في أ: "وأما". (¬2) "في حقه" من ب. (¬3) "هو" ليست في ب. (¬4) "منه" من ب. (¬5) في ب: "به". (¬6) "كل" ليست في أ. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "علمه". (¬8) في أ: "من". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "للآفات". (¬10) "أمر" ليست في ب. (¬11) في أ: "وبشرط". وفي ب: "أو بشرط". (¬12) "له" من ب. (¬13) في (أ) و (ب): "وإيجاب". (¬14) في أ: "و".

والخلاف (¬1) في المسألة مع من يحيل التكليف بما لا يطاق (¬2)، وهذا بخلاف تكليف المعدوم والعاجز (¬3) إذا كان في علم الله تعالى وجود التمكن من الفعل في حقهما (¬4) حالة (¬5) توجه الوجوب, لأن هذا تكليف (¬6) أزلي ليجب في وقت القدرة، فلا يكون تكليف ما ليس في الوسع إذا كان في علم الله تعالى أنه يقدر ولا يمنع. وإن علم أنه لا يقدر ويمنع تبين (¬7) أن هذا ليس بتكليف في حقه، وإن وجد لفظة (¬8) التكليف ظاهرًا، ولكن المراد به غيره (¬9) مجازًا، والكلام في التكليف حقيقة. ووجه آخر: وهو أن التكليف بشرط ثبوت المكنة (¬10) و (¬11) زوال العجز والماعن تعليق التكليف بالشرط، والتعليق بالشرط حقيقة إنما يكون ممن هو جاهل بالعواقب كتعليق الطلاق والعتاق من العباد, لأنه (¬12) لا علم لهم بحصول الشرط. فإن (¬13) الشرط ما يكون على خطر الوجود. ولهذا قالوا إن تعليق الفعل بشرط (¬14) كائن لا محالة (¬15) تحقيق وليس بتعليق، كن ¬

_ (¬1) في ب: "والكلام". (¬2) في ب: "تكليف ما لا يطاق". (¬3) في ب: "العاجز والمعدوم". (¬4) في ب: "في حقه". (¬5) في أ: "حال". (¬6) في ب: "لأنه تكليف". (¬7) في ب: "يبين". وفي أ: "يتبين". (¬8) في (أ) و (ب): "لفظ". (¬9) "غيره" ليست في ب. (¬10) المكنة القدرة والاستطاعة (المعجم الوسيط). (¬11) في ب: "أو". (¬12) في ب: "لأنهم". (¬13) في ب: "كان". (¬14) في ب: "بشيء". (¬15) "لا محالة" من ب.

يقول لامرأته: "أَنْتَ طالق إن كانت (¬1) السماء فوقنا". وكذا التعليق بشرط مستحيل حقيقة أو (¬2) عادة يكون إعدامًا ولا يكون تعليقًا (¬3) بشرط، كمن يقول لعبده: "أنت حر إن صعدت السماء" أو (¬4) "إن عشت ألف سنة" وإنما يكون تعليقًا إذا كان الشرط محتمل الوجود والعدم، وهذا إنما يتحقق في حق (¬5) العباد لجهلهم بعاقبة وجود الشرط وعدمه، فأما الله تعالى إذا كان عالمًا بعواقب الأمور و (¬6) يستحيل عليه الجهل بوجود الشرط وعدمه، فلا يتصور التعليق بالشرط في حقه. وتحقيق هذا الكلام، وهو أن الأمر طلب الفعل، ولن يتصور طلب وجود الفعل (¬7) ممن يعلم أنه لا يتصور ذلك الفعل من المطلوب منه (¬8)، فإن من طلب من عبده أن يفعل فعلا بعد ما صعد السماء أو بعد ألف سنة (¬9)، وهو متعذر عادة، إما أن يكون سفيهًا أو مستهزئًا بعبد (¬10)، وإنما يتصور الطلب مع الجهل بحال المأمور، فأما (¬11) مع العلم باستحالة الفعل المأمور به لا يتصور قيام الطلب بذات الطالب، والأمر هو الطلب، فإذا لم يكن طلبًا (¬12) لا يكون أمرًا. وهذا كلام واضح، ؤقد أشبعنا البيان في هذه المسألة في الشرح - والله الموفق. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "كان". (¬2) في أ: "و". (¬3) في ب: "يكون إعدامًا لا تعليقًا". (¬4) في أ: "و". (¬5) "حق" ليست في أ. ففيها: "في العباد". (¬6) "و" من (أ) و (ب). (¬7) في ب: "فعل". (¬8) "من المطلوب منه" ليست في أ. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "بعد ألف سنة أو بعد ما صعد السماء". وعبارة" بعد ألف سنة أو" ليست في أ. (¬10) كذا في (أ) و (ب): "بعبده". وفي الأصل: "لعبد". (¬11) في ب: "وأما". (¬12) في ب: "وإذا لم يكن طالبًا".

[5] فصل في بيان القسم الذي يرجع إلى المأمور فيه وهو الزمان

[5] فصل في بيان القسم الذي يرجع إلى المأمور فيه وهو الزمان (¬1) وإنه يتضمن فصولا (¬2): وجملة ذلك أن الأمر من الله تعالى بالفعل لا يخلو: إما أن يكون مطلقًا عن الوقت، أو يكون أمرًا في زمان معين معلوم (¬3). أما الأول: فنحو (¬4) الأمر بالكفارات، وقضاء رمضان، والنذور المطاقة، ونحوها. فكل (¬5) من قال إن الأمر يقتضي التكرار يقول يحمل على الفور، وهو وجوب الفعل في أول أوقات الإمكان. وأما من قال إنه (¬6) يقتضي الفعل مرة اختلفوا فيه: روى الكرخي (¬7) رحمه الله عن أصحابنا رحمهم الله أنه على الفور - وهو قول عامة أهل (¬8) الحديث. ¬

_ (¬1) انظر تقسيم البحث فيما تقدم ص 80. وبدء القسم الأول ص 81. والثاني ص 162. والثالث ص 167. والرابع ص 184. (¬2) في ب كذا: "حصولا". (¬3) في ب: "معلوم معين". وانظر فيما بعد ص 214. (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "نحو". (¬5) في أ: "وكل". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ان". (¬7) هو عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم أبو الحسن الكرخي. من كرخ جدان (أو حران) بالعراق. سكن بغداد. وأخذ الفقه عن أبي سيد البردعي عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة عن حماد عن أبي حنيفة. انتهت إليه رياسة الحنفية بعد أبي حازم وأبي سيد البردعي. تفقه عليه أبو بكر الرازي وأبو عبد الله الدامغافي وأبو علي الشاشي وأبو القاسم التنوخي وأبو الحسين القدوري. وكان واسع العلم والرواية. صنف المختصر وشرح الجامع الكبير وشرح الجامع الصغير أو دعها الفقه والحديث والآثار والمخرجة بأسانيدها. ولد سنة 260 هـ وتولى سنة 340 هـ (اللكنوي، الفوائد. وابن قطلوبغا، تاج التراجم). (¬8) في ب: "أصحاب".

وذكر أبو سهل الزجاجي (¬1) في الحجج (¬2) اختلافًا بين (¬3) أصحابنا: عند أبي يوسف رحمه الله (¬4): إنه (¬5) على الفور. وعند محمد والشافعي رحمهما الله: على التراخي. وروى عن أبي حنيفة رحمة الله عليه مثل قول أبي يوسف رحمه الله. وذكر محمد بن شجاع الثلجي (¬6) عن أصحابنا أنه يجب في أول الوقت وجوبًا موسعًا. وهو قول بعض أصحاب الحديث. وتفسير وجوب الموسع عندهم أنه يجب في أول أوقات الإمكان، حتى إنه كل متى أدي في أي وقت يقع واجبًا، ولا يأثم بالتأخير إلى آخر العمر. فأما إذا (¬7) كان غالب ظنه الموت إما بسبب المرض أو بسبب الهرم فإف يتضيق عليه الوجوب، حتى لو مات يأثم بتركه عن ذلك الوقت. ¬

_ (¬1) أبو سهل الزجاجي بضم الزاي وفتحها نسبة إلى عمل الزجاج. تفقه على أبي الحسن الكرخي وتفقه به أهل نيسابور من الحنفية، له كتاب الرياض ودرس عليه أبو بكر الرازي. كان قوي النفس حسن الجدل. تارة يذكر بالغزالي وتارة بالفرضي وتارة بالزجاجي. (الجواهر، 2: 254. وتاج التراجم ص 88). (¬2) في ب كذا: "الحج". (¬3) في ب: "عن". (¬4) "رحمه الله" من (أ) و (ب). (¬5) "أنه" من ب. (¬6) في أ: "الشجاع" وفي ب كذا: "ابن شجاع البلخي". وهو محمد بن شجاع أبو عبد الله الثلجي نسبة إلى ثلج. ابن عمرو بن مالك بن عبد مناف وليس إلى بيع الثلج. ويقال البلخي وغلطه القرشي في الأنساب وقال إنه تصحيف. من أصحاب الحسن بن زياد. وكان فقيه أهل العراق في وقته. مات سنة 266 هـ. روى عنه يحيى ابن آدم ووكيع وقرأ على اليزيدي وروى عن ابن علية. وله كتاب المناسك وكتاب تصحيح الآثار وكتاب النوادر وكتاب المضاربة وكتاب الرد على المشبهة وله ميل إلى مذهب المعتزلة (ابن قطلوبغا، تاج التراجم. واللكنوي، الفوائد. والقرشي، الجواهر). (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "فإذا". وفي أ: "وإذا".

وقال (¬1) عامة مشايخنا: إنه يجب على التراخي. وتفسيره أنه يجب مطاقًا عن الوقت، وكان خيار التعيين حسن إليه. ففي (¬2) أى وقت شرع فيه يتعين للوجوب (¬3). وإذا لم يشرع يتضيق الوجوب في آخر عمره في زمان يتمكن من الأداء فيه (¬4)، قبيل موته، حتى إذا مات قبل الأداء يأثم بتركه. واختلف المعتزلة فيما بينهم: قال بعضهم: يجب على الفور. وقال بعضهم مثل قولنا: إنه يجب في مطلق الوقت، والخيار إليه. وقال بعضهم: يجب في جيمع الأوقات على طريق البدل، على معنى أن الأداء في كل وقت يقوم كل مقام وقت آخر في المصلحة. فمتى أدى في وقت سقط الوجوب عنه في أوقات أخر (¬5)، ولا يجوز تركها (¬6) عن الأوقات كلها، كما قالوا في الكفارات الثلاث (¬7)؛ لأنهم لا يرون الأمر بتحصيل فعل مجهول، ولا يجوزون التخيير في مثل هذا حتى يتعين بالاختيار ممن عليه. ومذهب شيخنا الإمام الزاهد (¬8) أبي منصور الماتريدي (¬9) رحمه الله أنه لا يعتقد فيه بالفور ولا بالتراخي إلا بدليل زائد وراء الصيغة، ولكن ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وقالت". (¬2) في ب: "وفي". (¬3) في أ: "الوجوب". وفي ب كذا: "الوجوت" ولعلها خطأ في النقط. (¬4) "فيه" ليست في أ. (¬5) في ب كذا: "الآخر". (¬6) في أ: "تركه". وفي ب: "تأخيره عن". (¬7) في ب: "الثلاثة". (¬8) "الإمام الزاهد" من ب. (¬9) "الماتريدي" ليست في أ.

يجب عليه تحصيل الفعل في أول أوقات الإمكان من حيث الظاهر، لا من طريق الحقيقة والقطع (¬1) مع الاعتقاد مبهمًا إلا بدليل زائد (¬2). وقالت الواقفية: يتوقف في وجوب العمل والاعتقاد جميعًا، في حق الفور والتراخي، إلا بدليل زائد وراء الصيغة. والصحيح مذهب عامة المشايخ رحمهم الله؛ لأن الأمر مطلق عن الوقت، وليس البعض بأولى من البعض، في جب عليه الفعل في (¬3) مطلق الوقت، ولا يجوز التقييد إلا بدليل. ولا يقال: إن (¬4) التقييد ثبت بدليل، فإن الواجب ما يأثم بتركه ولا يباح تأخيره، فيكون ما قلتم مناقضة لحد الواجب، ويكون إلحاقًا للواجب بالنافلة؛ لأن ما قلتم حد النقل؛ لأنا نقول ما ذكرتم حد الواجب المضيق المعين. ونحن (¬5) نقول بالوجوب في مطلق الوقت، أو بالوجوب على سبيل (¬6) التوسع، حده ما إذا (¬7) أدى يقع مستحقًا لا تبرعًا، أو ما يأتم بتركه في الجملة، بخلاف النفل: فإنه لا يأثم بتركه أصلًا. وقد (¬8) ذكرنا هذه المسألة على الوجه في الشرح - والله الموفق. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لا بطريق القطع". (¬2) " زائد" من أ. (¬3) "في" ليست في ب. (¬4) في أ: "بأن". (¬5) "نحن" من (أ) و (ب). (¬6) "سبيل" ليست في أ. (¬7) في أ: "مالوا". (¬8) "قد" ليست في ب.

[وأما الثاني]: وأما (¬1) إذا كان الأمر لي الفعل (¬2) في زمان معين - فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه (¬3): - إما إن كان لا يتسع للفعل (¬4) المأمور به (¬5)، ولكن يتصور فيه بعضه (¬6). - و (¬7) إما إن كان يتسع للفعل المأمور به (¬8)، على طريق الاستغراق، ولا يفضل (¬9) عنه. - وإما إن كان يتسع له ويفضل (¬10) عنه. - أما الأول: [فـ] لا يجوز أن يرد التكليف بالفعل كله فيه, لأنه تكليف ما ليس في الوسع (¬11). ولكن يجوز أن يرد التكليف بالفعل في وقت لا يتمكن من أداء كله فيه، ليؤدى بعضه فيه ويؤدى (¬12) الباقي في الوقت الذي يليه، إما أداء أو (¬13) قضاء. كن أحرم بحجتين في وقت واحد: يلزمه ¬

_ (¬1) في ب: "أما". (¬2) في ب "الفعل". وفي هامش أمتن أ: "الأمر". راجع ص 210 (¬3) "أوجه" ليست في ب. وراجع ص 210. (¬4) في ب: "الفعل". (¬5) "به" ليست في ب. (¬6) "بعضه" ليست في ب. (¬7) "و" ليست في ب. (¬8) في ب كذا: "إما إن كان لا يتصل الفعل المأمور به". (¬9) في ب كذا: "لفصل". (¬10) في ب كذا: "ولفصل". (¬11) في ب: "في الفعل". (¬12) في ب: "فيؤدي". (¬13) في ب: "و".

حجتان: إحداهما (¬1) في هذه السنة، والثانية في السنة الثانية، فيكون (¬2) إيجاباً في السنتين (¬3). وكمن صار أهلا لوجوب الصلاة في آخر الوقت بحيث لا يتمكن كل من أداء كل الصلاة فيه، بل مقدار ركعة أو مقدار التحريمة، كالحائض تطهر في آخر وقت الظهر، والصبي يبلغ، والكافر يسلم: فإنه يجب عليهم الصلاة بعضها في الوقت أداء وبعض في الوقت (¬4) الذي يليه قضاء - وهذا (¬5) عندنا، خلافاً لزفر: فإن عنده لايجب كل ما لم يتمكن من أداء كل صلاة (¬6) الظهر فيه، لأن صلاة الظهر لا تجب في وقت (¬7) غير وقت الظهر، ولا يمكن إيجاب أداء الكل فيه، لأنه تكليف ما ليس في الوسع، فسقط (¬8) أصلا. وقلنا نحن: لا يجب عليه كل الصلاة في وقت الظهر، حتى (¬9) يكون تكليف ما ليس في الوسع، ولكن يجب بقدر ما يقبله الوقت، ويكون أداء، وما زاد عليه في الوقت الذي يليه قضاء، ويجوز أن يكون الصلاة الواحدة بعضها أداء وبعضها قضاء (¬10)، كاللاحق بركعتين في صلاة الظهر: كل مؤد للبعض وقاض (¬11) للبعض. ونحو ذلك - بخلاف ما إذا زالت (¬12) هذه الموانع بعد خروج الوقت، لأن هذه الموانع مانعة من ¬

_ (¬1) في ب: "أحدها". (¬2) في أ: "ويكون". (¬3) في ب كذا: "في الستين". (¬4) "أداه وبعضها في الوقت" ليست في ب. (¬5) في ب كذا: "فصار هذا". (¬6) "صلاة" ليست في أ. (¬7) "وقت" ليست في ب. (¬8) في ب: "فيسقط". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في الوقت حتى". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بعضها قضاه وبعضها أداء". (¬11) في ب: "مؤديًا للبعض وقاضيًا للبعض". وفي أكذا: "وقابض للبعض". (¬12) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "زال".

وجوب القضاء، بحكم الحرج، وليس بعض الأوقات بأولى من بعض (¬1)، فأما الوقت الذي أمكنه أداء البعض فيه لم يلحق بالباقي، لإمكان بعض الأداء فيه، احتياطاً في العبادة، لمفارقته غيره (¬2)، فيكون له حكم على حدة. ولهذا قلنا في الجنون القصير، في حق صوم شهر (¬3) رمضان: يجب على المجنون القضاء في الأداء، والأداء في البعض - وصوم رمضان بمنزلة صلاة (¬4) الظهر في المعنى. - وأما (¬5) [الثاني:] إذا كان الوقت مما يتسع للفعل المأمور به على طريق الاستغراق ولا (¬6) يفضل عنه: كاليوم (¬7) في حق الصوم، فإنه يجب عليه (¬8) كل الصوم في كل اليوم، فيجب في كل جزء من الوقت جزء (¬9) من الفعل. وكذا في صوم رمضان في كل يوم - فيكون تكليف ما في الوسع إن (¬10) اعتبرنا الوجوب بالخطاب وكون (¬11) كل جزء سبباً لوجوب جزء من (¬12) الفعل وشرطاً لأدائه في الموضع الذي اعتبر السبب، وهذا ممكن موافق لأصول الشريعة (¬13) من غير تناقض. وما قيل فيه خلاف ما قلنا، فهو تكليف (¬14) من غير حاجة، مع أنه مخالف للأصول، متناقض في نفسه. ¬

_ (¬1) "من بعض" من أ. وفي ب: "من البعض". (¬2) "غيره" ليست في ب. (¬3) "شهر" من ب. (¬4) "صلاة" من ب. (¬5) في (أ) و (ب): "أما". وراجع ص 214. (¬6) في ب: "فلا". (¬7) في ب كذا: "كالنوم". (¬8) "عليه" من ب. (¬9) "من الوقت جزء" من (أ) و (ب). (¬10) في ب: "إذا". (¬11) في (أ) و (ب): "ويكون". (¬12) "من" ليست في أ. (¬13) في ب: "الشرع". (¬14) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "تكلف".

- وأما (¬1) [الثالث:] إذا كان الوقت مما يتسع له ويفضل عنه: كوقت صلاة الظهر والعصر ونحوهما (¬2) - فقد اختلف فيه: اتفق أصحابنا رحمهم الله (¬3) أنه إذا تضيق الوقت، ومن عليه أهل، يتعين ذلك الوقت للوجوب حتى لو أخر عنه فإنه (¬4) يأثم. واختلفت (¬5) الرواية عن أصحابنا في أول الوقت ووسطه وآخره قبل أن يتصق الوقت: فعن (¬6) الكرخي ثلاث روايات عن أصحابنا رحمهم الله: روى عنه الجصاص (¬7) أن الوقت كله وقت (¬8) الفرض، وعليه أداؤه في وقت مطلق عن جميع الوقت، وهو مخير في الأداء، وإنما يتعين الوجوب إما بالأداء أو بتصيق الوقت. فإن أدى في أوله يكون واجبًا، وإن أخر لا يأثم؛ لأنه لم يجب عليه (¬9) قبل التعيين. وإن لم يؤد حتى لم يبق من الوقت إلا بقدر ما يؤدي فيه (¬10)، يتعين الوجوب، حتى يأتم بالتأخير (¬11) عنه - وهذه الرواية هي المعتمد عليها. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فأما". وراجع فيما تقدم ص 214 و 216. (¬2) في أ: "وغيرهما". (¬3) "رحمهم الله" من أ. (¬4) "فإنه" من ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "واختلف". (¬6) "فعن" ليست في ب. وراجع ترجمة الكرخي في الهامش 7 ص 210. (¬7) راجع ترجمته في الهامش 8 ص 147. (¬8) في ب: "الوقت". (¬9) "عليه" من أ. (¬10) في ب: "منه". (¬11) في ب: "بالتأخر".

وروى عن الكرخي رحمه الله (¬1) أيضًا أنه (¬2) إذا أدى في أوله، فهو موقوف: فإن وفي على صفة المكلفين إلى آخر الوقت (¬3)، بأن بقي حيًا عاقلًا (¬4) مسلمًا ونحو ذلك (¬5) - يقع واجبًا. وإن فات شيء من شرائط التكليف، يكون نفلًا. وفي رواية أخرى عنه أنه (¬6) إذا أدى في أوله يقع نفلًا، لكن إن بقي إلى آخر الوقت، بصفة المكلفين، يكون ذلك النفل مانعًا لوجوب في آخر الوقت (¬7)، ويكون مسقطًا للفرض عن ذمته (¬8). وهذه الرواية مهجورة. وروى عن (¬9) محمد بن شجاع (¬10) عن أصحابنا رحمهم الله أن الصلاة في أول الوقت واجبة على طريق التوسع. وهو مذهب عامة المتكلمين من أصحاب الحديث. وهو مذهب الشافعي رحمه الله إلا في مسألة (¬11) الحج: فإنه روى عنه أنه قال بالتراخي. ¬

_ (¬1) "رحمه الله" من أ. وراجع ترجمته في "الهامش 7 ص 210. (¬2) "أنه" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "إن بقي إلى آخر الوقت بصفة المكلفين". (¬4) في أ: "قادرًا". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ونحوها". (¬6) "أنه" ليست في أ. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في آخره". (¬8) "عن ذمته" من ب. (¬9) "عن" من ب. (¬10) في ب: "بن شجاع البلخي". راجع ترجمته في الهامش 6 ص 211. (¬11) "في" ليست في ب، و"مسألة" من ب

وفائدة الخلاف تظهر في المرأة إذا حاضت في آخر الوقت: لا يلزمها قضاء تلك الصلاة عندنا. وعند الشافعي رحمه الله: إن أدركت من (¬1) أول الوقت مقدار ما تصلي فيه الظهر، ثم حاضت، يلزمها القضاء بعد الطهر. وإن أدركت من أول الوقت أقل (¬2) من ذلك، فأصحابه مختلفون في وجوب القضاء. واختلف المعتزلة فيه: بعضهم قالوا مثل قولنا. وقال بعضهم: يجب الصلاة في أول الوقت، لكن يباح له التأخير. لكن عند بعضهم ببدل، هو العزم على الأداء. وعند بعضهم بغير بدل. وبه قال أصحاب الشافعي أيضًا. وقال بعض المعتزلة: إنه يجب الصلاة في جميع الوقت على طريق البدل، حتى إنه إذا أدى في شيء من الوقت يسقط (¬3) عنه الواجب. وإن أخر عن الوقت كله، فإنه يأثم، ويكون الأداء في أوله ووسطه وآخره في المصلحة على السواء. والصحيح مذهبنا: إنها تجب (¬4) في مطلق الوقت مع التخيير, لأن الله تعالى أمر بالصلاة في مطلق الوقت بقوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل" (¬5) فلا يجوز التقييد بأوله وأمكن القول به بواسطة التخيير، فيتعين (¬6) الوجوب في الوقت الذي يؤديه. وإذا تضيق الوقت ¬

_ (¬1) في ب: "في". (¬2) "أقل" ليست في ب. (¬3) في ب: "سقط". (¬4) في ب كذا: "إنما يجب". (¬5) سورة الإسراء: 78. (¬6) في ب: "فيعتبر".

يسقط خيار التعيين، ويتعين الوجوب، فمن ادعى التقييد بأوله فلا بد له (¬1) من الدليل (¬2). مسألة - في الأمر الموقت إذا خرج الوقف قبل تحصيل الفعل حتى وجب عليه القضاء: هل يجب بالأمر السابق أو بأمر مبتدأ (¬3)؟ اختلف مشايخنا فيه: قال بعضهم: يجب بالأمر السابق. وقال بعضهم: يجب بأمر مبتدأ. وجه قول الأولين: إن الواجب هو العبادة لله تعالى في هذا الوقت، إما بحق العبودية، أو بحق الشكر، أو بحق التكفير عن الخطايا التي تجري (¬4) على يد (¬5) المرء بين الوقتين (¬6). وفي هذا الغرض (¬7) الأوقات كلها (¬8) سواء - ألا ترى أن الأمكنة فيها سواء، ولا يختص بمكان دون مكان، وصار كمن أمر عبده بأن يتصدق بدرهم (¬9) من ماله باليد اليمنى فشلت يده اليمنى، يجب عليه أن يتصدق باليسرى، ولا يتقيد باليمنى لأن الغرض لا يختلف - فكذا هذا. وإذا ثبت هذا فالوجوب الثابت بالأمر لا يسقط إلا بالأداء أو بالقضاء أو بالإبراء من صاحب الحق، فلا حاجة إلى أمر آخر. ¬

_ (¬1) "له" ليست في أ. (¬2) في ب: "دليل - والله أعلم". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "إنه يجب بالأمر السابق أو يجب بأمر مبتدأ". (¬4) في ب: "الخطايا والسيئات حتى جرت". (¬5) في أ: "يدي". (¬6) في ب كذا: "المدمين المومنن". (¬7) في أ: "الغرض". (¬8) " كلها" ليست في أ. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "درهمًا".

ووجه (¬1) قول الآخرين: إن الأمر بالفعل في وقت كل معين (¬2) ينتهي بانتهاء ذلك (¬3) الوقت، والأمر بالعبادة في وقت لا يكون أمرًا بالعبادة في وقت آخر، كمن قال لعبده: "افعل كذا في يوم الجمعة": لا يتناول ما عدا الجمعة بحكم الصيغة، إلا أن يدل دليل آخر (¬4) زائد يعم الأوقات كلها بدلالة الحال - بخلاف فصل التصدق, لأن الغرض ثمة إيصال النفع (¬5) إلى الفقير، ليحصل له الثواب بالتقرب (¬6) إلى الله تعالى، وذلك لا يختلف باختلاف آلة الإيصال (¬7). أما ههنا (¬8) [فـ] يحتمل أن يكون التعيين لمعنى يختص بالوقت من زيادة فضيلة (¬9) له أو نحو ذلك، مما لا نعرفه بعقولنا، والآمر هو العالم بمصالح الأوقات، فلا يعرف أن الفعل في وقت آخر مثل الفعل في الوقت (¬10) الأول في المعنى الذي تعلق بالأول (¬11)، فلا يقوم مقامه إلا بدليل. هذا الذي ذكرنا في الأمر المعين. فأما في الأمر المطلق عن الوقت إذا فات عن (¬12) أول أوقات الإمكان - فيجب عليه في الوقت الثاني (¬13) بذلك الأمر أم (¬14) بأمر مبتدأ؟ ¬

_ (¬1) في أ: "وجه". (¬2) في ب: "متعين". (¬3) "ذلك" ليست في (أ) و (ب). (¬4) "آخر" من أ. (¬5) في أ: "المنفعة". (¬6) في ب: "له الأجر والثواب والتقرب". (¬7) في ب كذا: "الا له با فضاله". (¬8) في ب: "هنا". (¬9) في ب كذا: "فصليه". (¬10) "الوقت" من أ. (¬11) في أ: "بالأول بالأول" والظاهر أنه تكر من الناسخ. (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كأنها: "من". (¬13) في ب كذا: "في الوقت الوقت الثاني". (¬14) في ب: "أو".

فمن قال بالتراخي يقول بالأمر الأول, لأن الأمر المطلق لا يتعين له الوقت إلا باختيار من عليه أو بتضيق (¬1) الوقت أو بالموت، فلا ينتهي الأمر (¬2) الأول ما لم يمت. وعلى أصل المعتزلة: يجب في الأوقات كلها على طريق البدل. واختلف القائلون بالفور: قال بعضهم: يحتاج في الوقت الثاني إلى أمر آخر، كما في الأمر في وقت بعينه. وقال بعضهم: بالأول, لأن تقدير (¬3) الأمر بالصلاة صيغة (¬4): "أد في الوقت الأول، فإن أخرت ففي الثاني والثالث إلى آخر الوقت" - بخلاف الأمر بوقت (¬5) معين مضيق أو موسع, لأن في الفصل الأول الوقت (¬6) غير معين نصًا، وإنما يتعين الأول (¬7) كي لا ينعدم معنى الوجوب أو احتياطًا عن الفوت، وكل (¬8) وقت بعده في الأداء سواء، فإذا فات الأول يقوم الثاني مقامه. فأما في الوقت المعين يحتمل الاختصاص لمعنى في الوقت ولا (¬9) يعرف أن الفعل في الوقت (¬10) الثاني هل هو مثل الأول في المصلحة حتى يقوم مقامه، فلا بد من أمر آخر أو (¬11) دليل آخر (¬12) أنه مثل الأول - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "غلبه أو يضيق". (¬2) "الأمر" ليست في ب. (¬3) في ب كذا: "تقدم". (¬4) "صيغة" من أ. (¬5) في أ: "في وقت". (¬6) "الوقت" ليست في أ. (¬7) في هامش أ: "أى أول أوقات الإمكان". (¬8) في ب: "فكل". (¬9) في ب: "فلا". (¬10) "الوقت" من ب. (¬11) في ب: "و". (¬12) "آخر" من أ.

فصل في النهي

فصل في النّهي الكلام في النهي (¬1) في ثلاثة مواضع: أحدها - في بيان ما يتفق فيه الأمر والنهي، وما يختلفان. والثاني - في بيان أقسامه. والثالث - في بيان حكمه. [1] أما الأول وهو أنهما يختلفان في أشياء ويتفقان في أشياء. أما بيان ما يختلفان فيه، فنقول: - يختلفان من حيث الحد والحقيقة: فإن حد الأمر وحقيقته هو الدعاء إلى تحصيل الفعل، على طريق الاستعلاء، قولا. وحد النهي وحقيقته (¬2) هو الدعاء إلى الامتناع عن الفعل (¬3)، على طريق الاستعلاء، قولا. - وكذا يختلفان من حيث الصيغة حسًا: فصيغة (¬4) الأمر "افعل"، وصيغة النهي "لا تفعل". ¬

_ (¬1) راجع فيما تقدم: في الأمر ص 80 وما بعدها. وانظر فما يلي: في الخبر ص 249 وما بعدها. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وحقيقة النهي وحده". (¬3) في ب كذا: "إلى تحصيل الفعل". (¬4) في ب: "فإن صيغة".

- وكذا يختلفان من حيث الاسم: فإن أحدهما يسمى أمرًا (¬1)، والآخر نهيًا. - وكذا يختلفان (¬2) من حيث ثبوت وصف الحسن للفعل المأمور به، وثبوت صفة (¬3) القبح للفعل المنهي عنه. - وكذا يختلفان من حيث إن الأمر (¬4) لا يقتضي التكرار والدوام، والنهي يقتضي ذلك (¬5) على ما ذكرنا. - وكذا (¬6) يختلفان من حيث نفس الحكم (¬7): فإن (¬8) حكم الأمر هو وجوب تحصيل المأمور به أو ندب التحصيل. وحكم النهي هو وجوب الامتناع عن المنهي عنه أو ندب الامتناع. وأما (¬9) ما يتفقان فيه: - فهو أن الأمر والنهي واحد من حيث ذات الكلام. فإن كليهما (¬10) كلام الله تعالى. وكلامه أمر ونهي وخبر واستخبار، على طريق التقرير. والواحد لا يتصور اختلافه واتفاقه من حيث الذات. وإنما الاختلاف والاتفاق في الاسم والإضافة (¬11)، كالشخص الواحد يكون أبًا لإنسان ¬

_ (¬1) في الأصل: " .. الاسم: يسمى أحدهما أمرًا". وفي أ: "سمي أحدهما أمرًا". (¬2) "يختلفان" ليست في أ. (¬3) في أ: "وصف". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يختلفان في أن الأمر". (¬5) "ذلك" من ب. وراجع فيما تقدم ص 112 وما بعدها. (¬6) في ب: "فكذا". (¬7) في ب: "من حيث تعيين الحكم". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إن". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فأما". (¬10) في (أ) و (ب): "كلاهما". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والاتفاق في الإضافة".

وابنًا لإنسان آخر، فيختلف الاسم والإضافة (¬1) مع اتحاد المضاف في نفسه. - وكذا يتفق الاسم والإضافة (¬2) مع اتحاد المضاف واختلاف (¬3) المضاف إليه - يقال لشخص واحد: أبو زيد وأبو عمرو (¬4) وأبو محمد (¬5) إذا كان لشخص واحد (¬6) أولاد بهذه الأسماء. - وكذا يتفقان من حيث إن إرادة وجود المأمور به ليس بشرط صحة الأمر، وإرادة عدم المنهي عنه (¬7) ليس بشرط صحة (¬8) النهي، خلافًا للمعتزلة على ما مر. - وكذا يتفقان في اختلاف العلماء في حكميهما. فمن قال حكم الأمر هو وجوب الفعل يقول حكم النهي هو وجوب الامتناع. ومن قال بالندب في الأمر يقول بالندب في النهي. ومن توقف في حكم الأمر توقف في حكم النهي على ما مر. - وكذا يتفقان في الأقسام: فكما أن الأمر (¬9) قسمان حقيقة: قسم الوجوب وقسم الندب (¬10)، فكذلك النهي: قد يكون لوجوب الامتناع وقد يكون لندب الامتناع. وقال بعض مشايخنا رحمهم الله: إن حكم النهي هو الحرمة دون الندب. وهذا خلاف الإجماع: فإن النهي قد يكون للتنزيه والندب، كالنهي ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فيختلف الإضافة". (¬2) كذا في الأصل وأ. وفي ب: "الاسم في الإضافة". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لاختلاف". (¬4) في ب: "وأبو عمر". (¬5) في ب: "وأبو جعفر ومحمد". (¬6) "واحد" من أ. وفي ب: "وإن كان لشخص واحد إذا كان له". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "إرادة وجوب ... عدم النهي عنه". وفي أ: "النهي" فقط. (¬8) في أ: "لصحة". (¬9) في ب: "أن حكم الأمر". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "قسم للوجوب وقسم للندب".

[2] فصل في بيان أقسام النهي

عن المشي في نعل واحد، والنهي عن الجمع بين النعمتين (¬1)، والنهي عن اتخاذ الدواب كراسي، ونحو ذلك. [2] فصل في بيان أقسام النهي ذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله وقال: النهي على قسمين: ما قبح لعينه (¬2) وما قبح لغيره. والذي قبح لعينه نوعان أيضًا (¬3): ما قبح لعينه وصفًا، وما هو ملحق به شرعًا. والذي قبح لغيره نوعان أيضًا (¬4): ما صار القبح منه وصفًا (¬5)، وما جاوره القبح (¬6) جمعًا. فهو أربعة أقسام في الحاصل (¬7). ¬

_ (¬1) الظاهر أن المراد حرمة النسب وحرمة المصاهرة وكلاهما نعمة - قال البزدوي (1: 261): "ولهذا لم يثبت حرمة المصاهرة بالزنا لأنها شرعت نعمة تلحق بها الأجنبية بالأمهات، والزنا حرام محض، فلم يصلح سببًا لحكم شرعي هو نعمة" (وانظر البخاري عليه، الصفحة نفسها). (¬2) في ب: "بعينه". (¬3) "أيضًا" من ب. وفي الأصل: "نوعان: ما قبح لعينه وضعًا". "و" - "عنه" من أ. (¬4) "أيضًا" من ب. (¬5) في ب كذا: "وضعاً". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "القبيح". وفي ب كذا: "وما جاوزه القبح". (¬7) قال السرخسي في أصوله (1: 80): "المنهي عنه في صفة القبح قسمان: قسم منه ما هو قبيح لعينه. وقسم منه ما هو قبيح لغيره. وهذا القسم يتنوع نوعين: نوع منه ما هو قبيح لمعنى جاوره جمعًا، ونوع منه ما هو قبيح لمعنى اتصل به وصفًا". وقال في كشف الأسرار (1: 257): "والمنهي عنه في صفة القبح انقسم على أربعة أقسام: ما قبح لعينه وصفًا كالعبث والسفه والكذب والظلم. وما التحق به شرعًا كبيع الحر والمضامين والملاقيح. وما قبح لغيره وصفًا كالبيع الفاسد. وما قبح لغيره مجاورًا إياه جمعًا كالبيع وقت النداء".

ومشايخنا قالوا: في هذا الكلام خلل (¬1) من حيث الظاهر، لكنه صحيح من حيث التأويل (¬2). أما الأول: فلأن (¬3) قوله ما قبح لعينه: إن (¬4) كان غرضه أن ذات الفعل في عينه (¬5) قبيح، لكونه عين الفعل ولأجل كونه فعلا، فهذا لا يصح, لأن الحاكم العيني لازم لزوم العين، و (¬6) لا يتصور وجود العين بدونه، ولو كان قبح المنهي عنه (¬7) لذات الفعل يجب أن يكون كل فعل قبيحًا. وقد يكون الفعل حسنًا وطاعة لله تعالى، ولله تعالى (¬8) فعل أزلي، و (¬9) يستحيل وصفه بالقبح، ولأن العقلاء اختلفوا في حد السفه والعبث. و (¬10) عند الثنوية (¬11): هو الفعل الذي خلا عن المنفعة للفاعل (¬12). ¬

_ (¬1) في ب: "هذا الكلام فيه خلل". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولكن من حيث التأويل صحيح". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فإن". (¬4) في أ: "وإن". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وعينه". (¬6) "و" من أ. (¬7) "و" - "عنه" من أ. (¬8) "ولله تعالى" ليست في ب. (¬9) "و" ليست في ب. (¬10) "و" ليست في ب. (¬11) في (أ) و (ب): "التنوية". وفي الشهرستاني (الملل والنحل، 1: 244): "الثنوية". قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 244). "الثنوية: هؤلاء هم أصحاب الاثنين الأزليين. يزعون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس، فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وذكروا سبب حدوثه. وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والخير والمكان والأجناس والأبدان والأرواح ... الخ". وقال أيضًا في المرجع نفسه (1: 232): "ثم إن التثنية اختصت بالمجوس حتى أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر والنفع والضر والصلاح والفساد، يسمون أحدهما: النور والآخر الظلمة. وبالفارسية: يزدان، وأهرمن. ولهم في ذلك تفصيل مذهب". (¬12) "للفاعل" ليست في أ.

وعند المعتزلة ما خلا عن المنفعة (¬1)، إما للفاعل وإما (¬2) لغيره. وعند أصحاب الحديث: السفه والعبث ما نهي عنه. وعند بعضهم: ما يعود ضرره على الفاعل (¬3). وعندنا: ما ليس له عاقبة حميدة، أو ما له عاقبة ذميمة. ولم يقل أحد من العقلاء (¬4) إن السفه قبح (¬5) لذات الفعل وكونه فعلَا، بل قالوا إن قبحه لمعنى وراء ذاته وعينه - على ما ذكرنا من الاختلاف بينهم (¬6). [الثاني]: وأما التأويل الصحيح فهو (¬7) أن غرضه أن عين الفعل المنهي عنه (¬8) قبيح لا لعينه ولا لذاته (¬9)، ولكن لمعنى (¬10) زائد على ذاته يرجع إلى الفاعل أو غيره، لا أن (¬11) المعنى الزائد قائم بالفعل (¬12) , لأن العرض لا يقوم بالعرض. وذلك نحو قولهم السفه قبيح لعينه أي عينه قبيح، لمعنى زائد وراء ذاته، وهو الخلو عن العاقبة الحميدة ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) في ب: "عن النفع". (¬2) في ب: "أو". (¬3) زاد هنا في أ: "وإما لغيره". (¬4) "من العقلاء" ليست في ب. (¬5) في أ: "قبح". (¬6) كذا في أ. وفي ب: "عنهم". وفي الأصل: "على ما ذكرنا الاختلاف عنهم". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬8) "عنه" ليست في ب. وفي أ: "الفعل الذي أضف إليه النهي". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وذاته". (¬10) في ب: "بمعنى". (¬11) في ب: "لأن". (¬12) زاد هنا في أ: "أيضًا".

وكذا (¬1) قال مشايخنا: إن تقسيم (¬2) النهي إلى (¬3) أربعة أقسام لا يصح، من حيث الظاهر, لأن النهي في الحقيقة واحد، وهو التحريم، وكل فعل هو قبيح لذاته يعرف (¬4) قبحه عقلًا أو شرعًا، فهو (¬5) منهي عنه (¬6)، وهذا لا (¬7) يحتمل التقسيم من حيث الحقيقة، ولكنه صحيح من حيث التأويل، وهو أنه أراد (¬8) به تقسيم صيغة النهي إلى أنواع أربعة: الأول (¬9) - أن يضاف صيغة النهي إلى فعل عينه حرام وقبيح لمعنى من المعاني عرف قبحه عقلًا كالكفر والظلم والسفه والعبث. والثاني - أن يضاف صيغة النهي إلى ما عرف قبحه شرعًا، لا عقلًا، كالنهي عن الصلاة بغير طهارة، فإن نفس فعل الصلاة بغير طهارة ليس بقبيح (¬10) عقلًا، فإن (¬11) أعظم العبادات تصح من غير (¬12) طهارة، وهو الإيمان بالله تعالى، وكذلك أكثر العبادات. فيكون شرط الطهارة في الصلاة لأهلية أدائها أمرًا شرعيًا، حيث لم يجعل الجنب والمحدث أهلا لها (¬13)، ولا يتصور وجود الشيء حقيقة من غير الأهل حقيقة، فلا (¬14) ¬

_ (¬1) في أ: "وكذلك". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "تقسيمه". (¬3) في أ: "على". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "قبيح حرام يعرف". (¬5) في ب: "وهو". (¬6) "عنه" ليست في ب. (¬7) "لا" ليست في ب. (¬8) في أ: "أريد". (¬9) "الأول" ليست في ب. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بغير طهارة فإنه ليس بقبيح". (¬11) في ب: "لأن". (¬12) في ب: "بغير". (¬13) "لها" ليست في أ. (¬14) في ب: "ولا".

يتصور وجود الشيء شرعًا بدون وجوده من الأهل (¬1) شرعًا، ولا نعني بالصلاة المنهي عنها بغير طهارة ما (¬2) فيها من الذكر والتسبيح والتعظيم لله تعالى, لأن الشرع لا يرد (¬3) بالنهي عنه، وإنما نعني بها نفس الأفعال (¬4) المعهودة التي هي جائزة أن لا تكون مشروعة على هذه الهيئة بل على (¬5) هيئة أخرى. وكذا النهي عن الصلاة إلى بيت المقدس: لم يعرف قبحه عقلًا, لأن التوجه إلى جهة من الجهات في الصلاة لم يعرف عبادة عقلًا؛ لأن الله تعالى ليس في جهة من الجهات (¬6)، وإنما حسنه عرف (¬7) شرعًا لحكمة ومصلحة لم تدركها عقولنا، فجاز النسخ فيه، بالنقل إلى جهة الكعبة لتبدل المصلحة. والثالث - أن يضاف صيغة النهي إلى شيء (¬8) ليس بقيح عقلا وشرعًا، بل هو حسن (¬9) مشروع في نفسه، لكنه مجاور لغير هو قبهج، شرعًا أو عقلا، وأعني (¬10) بالمجاور أن القبيح (¬11) ليس من لوازمه، بل هو ينفك (¬12) عنه في الجملة وفي الحال يوجد مع الفعل الذي ليس ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من غير الأهل". (¬2) في ب: "لما". (¬3) في أ: "لم يرد". (¬4) في أ: "نعني به الأفعال". (¬5) في ب: "بل هي". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "بجهة". وفي أ: "في جهة". وليس فيهما: "من الجهات". (¬7) في أ. "عرف حسنه". (¬8) في هامش أ: "كالصلاة في الأرض المغصوبة". (¬9) "حسن" ليست في ب. (¬10) في أ: "عقلًا وشرعًا، وهو مجاور لغيره وهو قبيح شرعًا وعقلا أعني". (¬11) في ب: "أنه ليس". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "بل قد ينفك". وفي أ: "باب ينفك".

بمنهي عنه (¬1) لا محالة - نظيره النهي عن الصلاة في الدار الغصوبة (¬2): فإن صيغة (¬3) النهي أضيفت إلى الصلاة (¬4)، وهي ليست بقبيحة، فلا تكون منهيًا عنها حقيقة، وإنما المنهي عنه (¬5) هو غصب الأرض وإيذاء المالك، ولهذا: إذا أذن جاز من غير كراهة. وهذا (¬6) المنهي، و (¬7) هو وطء الأرض، مجاور للصلاة, لأن الصلاة فعل المصلي، من القيام والركوع والسجود، وفعل المصلي قائم به لا يعدوه، فلا (¬8) يكون قائمًا بالأرض، وإنما المصلى قائم بالأرض (¬9)، إلا أنه مجاور له، فإنهما يوجدان معًا في هذه الحالة: لا يتصور انفكاك أحدهما عن الآخر، وإن كان في الجملة يتصور، لكنه ليس بسبب لوجود القبيح, لأنه بدون الصلاة غاصب، وواطئ للأرض (¬10)، فهما غير ان متجاوران في الحال، فقبح أحدهما لا يؤثر في الآخر، كمن طاف بالبيت [بحدثه] (¬11)، وقذف المحصنات بلسانه، وكذا النهي عن البيع وقت النداء، والطلاق في حالة الحيض لما قلنا. ويجوز عندنا خلافًا للمعتزلة وجود الطاعة والمعصية، في حالة واحدة، من شخص واحد، فيكون مطيعًا وعاصيًا بفعلين مختلفين. ¬

_ (¬1) "عنه" من أ. (¬2) في أ: "في دار مغصوبة". (¬3) في ب: "فإنه صيغة". (¬4) في هامش أ: "يعني حقيقة". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "وإنما النهي". وفي ب: "وإنما المنهي هو" دون "عنه". (¬6) في ب: "وهو". (¬7) "و" من (أ) و (ب). (¬8) في ب: "ولا". (¬9) "وإنما المصلي قائم بالأرض" ليست في أ. (¬10) في أ: "الأرض". (¬11) لعل هذا هو الصحيح. وفي الأصل وأ وب كذا: "بقدمه". وطواف المحدث صحيح عند الحنفية ويجب عليه الفداء على تفصيل (الكاساني، البدائع، 129: 2. وابن عابدين، رد المحتار، 2: 204 و 281) وعند الأئمة الثلاثة باطل (ابن قدامة، المغني، 3: 377).

والرابع - أن يكون صيغة النهي مضافة إلى شيء هو حسن في نفسه، ويكون المنهي غيرًا غير مشروع (¬1)، حتى يتصور وجود أحدهما بدون الآخر في اب كله، وهو حد الغيرين (¬2). لكن الفعل (¬3) الذي هو طاعة سبب لوجود المعصية، ويكون به (¬4) قوامها، بخلاف الفصل الأول. نظيره صوم يوم النحر وأيام التشريق عند عامة مشايخنا: فإن الصوم فعل مشروع بنفسه (¬5) عبادة لله تعالى، والنهي أضيف إليه، لكن المنهي عنه (¬6) غيره، وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى (¬7)، لوجود حد الغيرين (¬8)، وهو وجود أحدهما مع عدم الآخر، فإن الصوم في غير هذه الأيام يخلو من (¬9) ترك إجابة الدعوة، لكن الصوم سبب لوجود (¬10) المعصية في هذه. الأيام، فإن ترك إجابة الدعوة لا يتحقق بدون الصوم، حتى قالوا: إنه لو ترك الأكل من غير نية الصوم، لا يأثم، وهذا لأن الصوم هو عين الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وهو عين ترك إجابة الدعوة، فإن إجابة الدعوة؛ هو عين الأكل والشرب والجماع، فترك (¬11) الأكل ترك إجابة الدعوة، وهو الصوم بعينه (¬12) - فيكون صومًا شرعيًا من وجه: من حيث إنه ترك اقتضاء الشهوتين لله تعالى على قصد ¬

_ (¬1) في أ: "المني عنه غير مشروع". وفي ب: قد تكون "المنهي غيره" أو "غير". (¬2) لعل المقصود هو "الغير غير المشروع" فهو إذن "غيران". (¬3) في هامش أ: "كالإعراض عن الضيافة". (¬4) في أ: "بها". (¬5) "بنفسه" ليست في أ. (¬6) "عنه" من أ. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "الدعوة". وفي أ: "الداعي". (¬8) في أ: "الغير" راجع الهامش 2. (¬9) في ب: "عن". (¬10) في أ: "وجود". (¬11) في أ: "وترك". (¬12) في أ: "لعينه".

مخالفة هوى النفس، وسبب التقوى وشكر المنعم (¬1) على ما عرف. ويكون كل معصية من وجه: من حيث إنه ترك طاعة الله تعالى في إجابة الدعوة، فإن الناس أضياف الله تعالى في هذه الأيام، وأمروا بإجابة (¬2) الدعوة، ويجوز عندنا أن يكون للفعل جهات، فيكون حسنًا من وجه قبيحًا من وجه، حلالًا من وجه حرامًا من وجه، أو يصير فعلين تقديرًا لظهور أثره في محلين - وهذا كل هنى قول بعض (¬3) مشايخنا في صوم يوم النحر وغيره إنه مشروع بأصله، قبيح بوصفه - لكن في الحقيقة ليس بمنهي لوصفه، لكن (¬4) عين الصوم مشروع من وجه دون وجه - على ما ذكرنا (¬5) بخلاف المتجاورين. وبهذا الكلام فرقوا بين الصلاة في الأرض المغصوبة (¬6) وبين صوم هذه الأيام في (¬7) أن صلاة النفل تلزم (¬8) بالشروع في الأرض المغصوبة وتصلح (¬9) لإسقاط ما في ذمته من قضاء (¬10) الصلوات والنذور، وصوم هذه الأيام لا يصلح لإسقاط ما في ذمته من صوم القضاء والنذور (¬11) والكفارة؛ لأن الصلاة لم تنتقض (¬12)؛ لأنها ليست (¬13) بسبب لوجود ¬

_ (¬1) في ب: "النعم". (¬2) في ب كذا: "باحه". (¬3) "بعض" ليست في أ. (¬4) "في الحقيقة .. لكن" ليست في أ. (¬5) في أ: "على ما مر". (¬6) في أ: "في أرض مغصوبة". (¬7) "في" ليست في ب. (¬8) في ب: "تلزمه". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "يصلح". (¬10) "قضاء" ليست في أ. (¬11) في أ: "والنذر". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لم تنقص". (¬13) في ب: "لأنه ليس".

الغصب, لأنه، وإن لم يصل، فهو غاصب أيضًا. وكذا نفس الغصب ليس فعل الصلاة, لأن فعل الصلاة قائم بالمصلي، وفعل الغصب شغل الأرض وهو قائم بالأرض، فجاز أن ينوب عن الكامل، وفي هذه الأيام الصوم سبب ترك إجابة الدعوة، وهو عين الصوم، من وجه على ما ذكرنا، فينتقص، فلا ينوب عن الكامل. وبعض مشايخنا قالوا: إن النهي المضاف إلى الفعل المشروع قسم واحد، وهو ما يكون مجاورا لغير مشروع، من غير أن يكون سببًا لوجود المعصية وقوامًا لها (¬1) , لأن السبب إذا كان مشروعًا يكون (¬2) المسبب مشروعًا ضرورة. ولما كان السبب (¬3) غير مشروع، علم أن ذلك ليس بسبب له (¬4)، إلا أنهما يجتمعان وجودًا، فيمنع عن المشروع، حتى لا يقع في المعصية. وصوم يوم النحر مشروع على الإطلاق، لكن يمنع عنه (¬5) هي (¬6) لا يقع في المعصية بحكم المجاورة، لا أنه (¬7) سبب للوقوع (¬8) في المعصية. فإنه (¬9) وإن لم يصم في هذه الأيام ولم ينو الصوم وأمسك من غير عذر، فإنه يأثم، فليس الصوم سببًا للوقوع في المعصية بحيث لا يتصور بدونه، فكان هذا (¬10) والقسم الأول من الصلاة في الأرض المغصوبة ونحوها سواء. وإنما يقع الفرق بين الفصلين في بعض الأحكام مع استوائهما في المجاورة لمعنى آخر عرف في مسائل الخلاف، وقد استقصيناه في الشرح أيضًا. ¬

_ (¬1) في ب: "وقوامها". (¬2) في أ: "كان". (¬3) في أ: "السبب". (¬4) "له" ليست في أ. (¬5) في أ: "منه". (¬6) في أ: "لكي". (¬7) في أ: "لأنه". (¬8) في ب: "سبب الوقوع". (¬9) في أ: "لأنه". (¬10) في أ: "هو".

[3] مسألة - وأما حكم النهي، فنقول

[3] مسألة - وأما (¬1) حكم النهي، فنقول: حكم النهي صيرورة الفعل المنهي عنه (¬2) حرامًا، وثبوت الحرمة فيه، فإن النهي والتحريم والنع في اللغة سواء. وموجب التحريم هو ثبوت الحرمة كموجب التمليك (¬3): هو ثبوت الملك. هذا هو حكم النهي من حيث إنه نهي (¬4). فأما وجوب الانتهاء فحكم (¬5) النهي من حيث إنه أمر بضده، ففي (¬6) الحقيقة وجوب الانتهاء حكم الأمر الثابت بالنهي (¬7)، وكون الفعل المنهي عنه (¬8) حرامًا حكم النهي (¬9)، فإن الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي (¬10) عن الشيء أمر بضده على ما مر. والانتهاء عن الفعل القبيح إنما يكون بالاشتغال (¬11) بالضد، وهو الفعل الذي هو ترك للفعل (¬12) المنهي عنه (¬13)، إلا أن الاشتغال بالضد قد يكون حسنًا لعينه ¬

_ (¬1) في أ: "فأما". (¬2) "عنه" ليست في ب. (¬3) في هامش أ: "فكذا موجب النهي أيضًا ثبوت الحرمة". (¬4) في ب: "أنه كلام". (¬5) الفاء من أ. (¬6) في (أ) و (ب): "وفي". (¬7) "الثابت بالنهي" ليست في ب. (¬8) "عنه" من أ. (¬9) انظر البخاري، كشف الأسرار، 1: 257 حيث نقل عن"الميزان". (¬10) في أ: "فالنهي". (¬11) في أ: "بالانشغال". (¬12) في (أ) و (ب): "الفعل". (¬13) "عنه" من أ.

ولغيره معًا، كالانتهاء (¬1) عن الكفر، يكون (¬2) بضده، وهو الإيمان"فيكون حسنًا لعينه من حيث إنه تصديق بوحدانية الله تعالى وصفاته (¬3) العلي وإقرار (¬4) بذلك كله، وحسنًا (¬5) لغيره وهو أنه ترك للكفر (¬6) القبيح. أما إذا كان ضد الفعل المنهي عنه (¬7) ليس بعبادة، كالنهي عن القيام، والانتهاء عن القيام بضد (¬8) من أضداده من القعود والاضطجاع والاستلقاء ونحوها، فيكون حسنًا من حيث إنه ترك للقيام المنهي عنه، لا من حيث عين (¬9) القعود والاضطجاع: فإنه فعل مباح في نفسه. ثم ينظر: إن كان النهي عن عين الفعل فيدل على صيرورة الفعل المنهي عنه حرامًا، وإن كان النهي (¬10) عن غير الفعل الذي أضيف إليه النهي (¬11) يدل على حرمة ذلك الغير (¬12)، ويكون في الحقيقة: المنهي ذلك الغير لا الذي أضيف إليه الصيغة. وإنما يعرف النهي لعينه من النهي لغيره، بدليل زائد وراء صيغة النهي، وهو ما ذكرنا: إن ما (¬13) يعرف بالعقل قبحه، من غير دليل (¬14) السمع، نحو الكفر والكفران والظلم ونحو ذلك، ¬

_ (¬1) في ب: "كالنهي". (¬2) في أ "أمرًا بضده". (¬3) في ب: "في صفاته". (¬4) في ب: "وإقرارًا". (¬5) كذا في ب: "وحسنا". وفي الأصل وأ "وحسن". (¬6) كذا في ب وفي الأصل و (أ): "الكفر" (¬7) "عنه" من أ. (¬8) في ب: "كالنهي عن القيام أمر بضد". (¬9) "عين" ليست في أ. (¬10) "النهي" من ب. (¬11) "النهي" من ب. (¬12) "الغير" ليست في أ. (¬13) في ب كذا: "إن ما". وفي الأصل وأ كذا: "إنما". (¬14) في أ: "واسطة".

فيكون عين (¬1) النهي عنه (¬2) حرامًا، وإن عرف بالعقل أن قبحه في غيره لا في عينه: يعلم أن الغير القبيح هو المنهي عنه. وإن أضيف النهي إلى الأفعال المشروعة: إن (¬3) عرف حسنه بالعقل، يعلم أنه ليس بمنهي عنه (¬4) حقيقة مع قيام المعنى الذي عرف حسنه حتى لا يؤدي إلى التناقض، وإن عرف حسنه بالشرع لا بالعقل، وقد أضيف إليه النهي: يجوز أن يكون النهي واردًا عن عينه (¬5) ويتبين (¬6) أن المعنى الذي به ثبت حسنه (¬7) شرعًا قد انتهى، وتبدلت المصلحة بمصلحة أخرى. ويجوز أن يكون النهي وود (¬8) لغيره، فيتبع الدليل في ذلك. فإذا (¬9) ثبت هذا (¬10) نقول: إن الصوم والصلاة وغيرهما من العبادات (¬11) ثبت (¬12) حسن أصلها (¬13) بالعقل دون هيئاتها (¬14) وشروطها وأوقاتها: [فقد] عرفت شرعًا لا عقلًا (¬15)، فيجوز (¬16) أن يرد النهي والنسخ في حق الهيئات والأوقات والشروط دون أصلها. ¬

_ (¬1) "عين" غير واضحة في ب وقد تكون "غير". (¬2) "عنه" من أ. (¬3) في أ: "فإن". (¬4) "عنه" ليست في ب. (¬5) في (أ) و (ب): "واردًا عنه". (¬6) في أ: "وتبين". (¬7) في ب: "الذي عرف به حسنه". (¬8) في أ: "واردًا". (¬9) الفا. من أ. (¬10) في ب: "ذلك". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "العبادة". (¬12) في ب كذا: "ندب". (¬13) في أ: "أصلهما". (¬14) في ب: "بالعقل أما هيئاتها". (¬15) "عرفت شرعًا لا عقلًا" من ب. (¬16) في أ: "ويجوز".

هذا هو المعتمد عليه (¬1) عندنا. وقد تكلم الفقهاء والمتكلمون في ذلك. قال بعضهم: إن النهي عن الأفعال الحسية يكون نهيًا عن عينها (¬2) في الأصل، إلا إذا قام الدليل برخلافه. والنهي عن الأفعال المشروعة (¬3) يكون نهيًا عن عينها من وجه دون وجه أو عن الوصف (¬4) دون الأصل. وقال أصحاب الحديث: إن حسن الأشياء بالأمر يثبت (¬5)، وقبحها بالنهي يثبت (¬6)، فيكون النهي (¬7) المطلق المضاف إلى فعل يكون (¬8) موجبًا حرمة عينه إلا بدليل في الفعل الحسي والشرعي جميعًا. وقالت المعتزلة: إن الأصل في النهي المضاف إلى فعل أن يكون حرامًا لعينه، حسيًا كان أو شرعيًا، وهو أن يكون فيه وجه من وجوه القبح. ويقولون: القبح من وجه يترجح على الحسن من من وجه، فإن القبيح واجب الترك والحسن جائز التحصيل لا واجب التحصيل (¬9). فاتفق جواب المعتزلة وأصحاب الحديث مع اختلاف الطريق. واختلف مشايخنا (¬10) في النهي المضاف إلى الفعل الشرعي: - قال بعضهم: إنه يدل على كونه مشروعًا بأصله، قبيحاً بوصفه. ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في أ. (¬2) في ب كذا: "يكون غير عينها". (¬3) في أ: "الشرعية". (¬4) في ب كذا: "أو غير الوصف". (¬5) في أ: "يثبت بالأمر". (¬6) "يثبت" ليست في أ. (¬7) "النهي" ليست في ب. (¬8) "يكون" ليست في أ. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "جائز التحصيل لا واجبًا". (¬10) في ب: "أصحابنا".

- وقال بعضهم: إنه (¬1) يدل على كونه مشروعًا من وجه قبيحًا من وجه (¬2). - وقال بعضهم: إن النهي لا يرد عن الفعل الشرعي، ومتى أضيف إليه يكون نهيًا عن غيره لا محالة. وهذه الوجوه غير صحيحة (¬3) على ما ذكرنا (¬4) فسادها وتناقضها في الشرح. - وإنما الصحيح ما ذكرنا: أن النهي عما عرف قبحه عقلًا، يكون عن عين المنهي عنه (¬5)، ويصير حرامًا من كل وجه. وأن النهي المضاف إلى فعل عرف حسنه من كل وجه عقلا، أو عرف حسن أصله دون هيئاته وشروطه، لا يكون نهيًا عن عينه بل عن غيره (¬6). والنهي المضاف إلى هيئات العبادات وشروطها نحو استقبال القبلة والطهارة ونحوهما (¬7)، وإن عرف حستها شرعًا، يجوز أن يرد [النهي] (¬8) عنه ويصير منسوخًا ويجوز أن يرد لغيره أيضًا، إذ لو لم يجز ورود النهي عنه يؤدي إلى إنكار النسخ، إذ ليس تفسير النسخ إلا هذا، والنسخ جائز عند عامة المسلمين، وإنما المخالف فيه هم (¬9) اليهود وبعض من ينسب (¬10) إلى الإِسلام، ولا إسلام مع إنكار النسخ أصلا، على ما نذكر. ولكنا (¬11) نقول: ¬

_ (¬1) "إنه" ليست في أ. (¬2) في ب: "كونه قبيحًا من وجه مشروعاً من وجه". (¬3) في أ: "غير محكمة". (¬4) في ب: "على ما نذكر". (¬5) "عنه" من أ. (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "نهيًا منه بل عن غيره". وفي ب "لا يكون نهيًا عن غيره". (¬7) في ب: "وغيرها". (¬8) "النهي" غير واضحة في الأصل. وغير واردة في ب. وفي هامش أ: "أى عن عينه". (¬9) "هم" ليست في أ. (¬10) في ب: "ينتسب". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولكن".

قد قام الدليل على أن النهي المضاف إلى الأفعال الشرعية، التي لا يعرف حسنها إلا بالشرع، يكون واردًا عن أغيارها لا عن أعيانها، مع جواز أن يرد عن أعيانها - وهذا مما ينبغي أن لا يخالف (¬1) فيه أحد من الفقهاء (¬2). وجه قول أصحاب الحديث والمعتزلة في الأصل واحد: وهو أن حكم النهي صيرورة الفعل المنهي عنه حرامًا قبيحًا، والمشروع ما يكون مندوبًا إليه (¬3) حسنًا أو مباحًا كل طلق التحصيل (¬4)، والفعل الواحد في زمان واحد من شخص واحد (¬5) لا يجوز أن يكون (¬6) حسنًا قبيحًا، حرامًا مطلقًا مباحًا، لتضاد بين صفة الحسن والقبح، والجمع بين المتضادين مستحيل، إلا أن طريق تخريج الفريقين مختلف: - فعند أصحاب الحديث: القبح يثبت بالنهي، والحسن والحسن والإطلاق يثبت بالأمر والإذن من الشرع - فمتى قام الدليل (¬7) على التضاد (¬8) ظاهرًا، ولا يجوز التناقض في دلائل الشرع، يجب القول بأن ينتهي حكم (¬9) الأول من الوجوب والحسن والإباحة فيما مضى، ويثبت ضده في المستقبل، ويتبين أن الحكم الأول ثابت إلى هذا الزمان لحكمة (¬10) ومصلحة رأى الشرع في ذلك، وتبدلت تلك المصلحة وصارت الحكمة (¬11) ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مما لا ينبغي أن يخالف". (¬2) كذا في ب والأصل. وفي أ: "العقلاء". (¬3) "مندوبًا إليه" ليست في ب. (¬4) "التحصيل" ليست في ب. (¬5) في ب: "والفعل الواحد من شخص واحد في زمان واحد". (¬6) في أ: "لا يكون" بدلًا من "لا يجوز أن يكون". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الدليلان". (¬8) في أ: "على التناقض". (¬9) في أ: "الحكم". (¬10) في ب: "بحكمه". (¬11) في ب: "الحكم".

في (¬1) الانتقال إلى ضده في المستقبل. وهذا هو تفسير النسخ إلا إذا قام الدليل على (¬2) أن النهي لم يكن عن الفعل المضاف إليه بل عن الغير المجاور له، فيبقى المشروعية للفعل الضاف إليه، ويثبت الحرمة في المجاور له (¬3)، كما في الصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع وقت النداء، والطلاق حالة الحيض، ولم يقم عندهم دليل على أن النهي عن الصوم في يوم النحر وأيام التشريق (¬4) نهي (¬5) عن غير الصوم، وكذا في النهي عن بيع الدرهم بالدرهمين ونحوه - فيجب العمل بحقيقة النهي، وتحمل على الانتساخ. فمن ادعى أن النهي عنها لغير ما أضيف إليه، فقد ادعى خلاف الظاهر، فعليه الدليل. ويجوز ورود النهي عن الفعل الذي كان مشروعًا فيخرج من أن يكون مشروعًا، كما في نكاح الأمهات (¬6) والنكاح بغير شهود، ونكاح امرأة الغير، ومعتدة الغير، وبيع الحر والخمر والخنزير (¬7) والميتة والدم وبيع المضامين واللاقيح ونحوها، لما قلنا - فكذلك ها هنا (¬8). - وأما عند المعتزلة: فالقبح (¬9) لا يثبت ونفس الصيغة، وإنما يعرف بالدليل العقلي، فمتى قام دليل القبح والحسن في فعل شرعي، يجب كون الفعل حسنًا من وجه وقبيحًا من وجه، ويجوز عندهم تغير الأحكام الشرعية التي عرفت بالعقل إلى ضدها، بطريق النسخ، وإن لم يسموه ¬

_ (¬1) "في" ليست في أ. (¬2) "على" ليست في ب. (¬3) "له" من أ. (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الصوم في أيام النحر والتشريق". (¬5) "نهى" من ب. (¬6) في أ: "الأخوات". (¬7) في ب: "وبيع الخمر والخنزير والحر". (¬8) في (أ) و (ب): "هذا". (¬9) الفاء من أ.

نسخًا وسموه تفلا (¬1)، والمعتبر هو المعنى دون الاسم (¬2). ولا يجوز الجمع عندهم بين صفة الحسن والقبح في فعل واحد، لأنهم لا يقولون بجهات الفعل، بناء على مسألة خلق أفعال العباد (¬3)، فقالوا بإعدام (¬4) المشروعية ونسخها، بطريق الضرورة، كما لو ثبت (¬5) القبح من كل وجه، ويترجح (¬6) جانب القبح على جانب الحسن على ما ذكرنا. وعلى هذا قالوا: لا يجوز الصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع وقت النداء، والطلاق في (¬7) حالة الحيض، ونحو ذلك - هذا هو طريق أكثرهم. وبعضهم فرقوا بين النهي عن العبادات والنهي عن المعاملات الشرعية: فقالوا في العبادات مثل قول أصحاب الحديث، وفي المعاملات مثل قول أصحابنا رحمهم الله. وجه قولنا: إن (¬8) المشروعية تكون سابقة على ورود النهي في العبادات: - أما على قول من وافق أصحاب الحديث في أن حسن الأشياء وقبحها يعرف بالشرع، فظاهر؛ لأنه ما لم (¬9) يكن الشروعية ثابتة بالشرع في عين الشيء أو في جنسه، لا يتصور النهي عنه, لأنه لا يعرف المنهي، ¬

_ (¬1) تفل تفلا تغيرت رائحته. ويقال تفل فلان ترك الطيب فتغيرت رائحته. فهو تفل. وهو وهي أيضًا متفال. وأتفله غير رائحته (المعجم الوسيط). (¬2) "لم يسموه ... دون الاسم" ليست في أ. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "خلق الأفعال". (¬4) في أ: "بانعدام". (¬5) في ب كذا: "ندب". (¬6) في ب: "لترجيح". (¬7) "في" ليست في ب. (¬8) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو أن". (¬9) في أ: "فظاهر لما لم". وفي ب: "فظاهر أنه ما لم".

فإنه إذا لم يكن الصوم مشروعًا في الجملة، فالنهي (¬1) عن الصوم، والمكلف لا يعرف الصوم، يكون تكليف ما ليس في الوسع، ولأن العبادات مشروعة في جميع الأوقات (¬2) في الجملة. - وأما على قول عامة (¬3) مشايخنا: إن حسن هذه الأفعال المشروعة، من العبادات والمعاملات، يعرف بالعقل، من حيث الأصل، دون الهيئات والشروط والمقادير ونحوها، فأظهر, لأن أصله سابق على ورود النهي بالشرع، وهيئاته وشروطه لا بد أن (¬4) يسبق مشروعيتها في عين الفعل أو في جنسه، حتى يتحقق النهي عنه، إذ دليل المشروعية عام في جميع المشروعات (¬5) بدليل عام. وإذا ثبت هذا، فطريق من قال بأن حسن (¬6) المشروعات لا يعرف إلا بالشرع أن (¬7) دليل المشروعية قائم قبل النهي في الفعل المشروع، ودليل القبح وارتفاع المشروعية ورد (¬8)، وهو النهي في ذلك الفعل (¬9) بعينه، والعمل بالدليلين واجب عند الإمكان؛ لأن الأصل في دلائل الشرع هو العمل بها، وأمكن ها هنا بأن يجعل الفعل مشروعًا من وجه قبيحًا من وجه، إذ (¬10) لا تضاد بين الحل والحرمة وبين المشروعية والفساد في فعل واحد (¬11) عند اختلاف الجهة، كما لا تضاد عند اختلاف المحل ¬

_ (¬1) في ب: "والنهي". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "الأديان". وفي أ: "الأزمان". (¬3) "عامة" ليست في ب. (¬4) في أ: "لا بد من أن". (¬5) في أ: "في جميع الأيام". (¬6) "حسن" ليست في ب. (¬7) في ب: "لأن". (¬8) في ب: "ورود". (¬9) "الفعل" ليست في أ. (¬10) في ب: "أن". (¬11) "في فعل واحد" ليست في ب.

والزمان، كما في الصلاة (¬1) في الأرض المغصوبة، والبيع وقت النداء، والوضوء بالمال المغصوب، ونحوها. وكذا الجمع بين حكميها ممكن في زمانين من الثواب والعقاب، بأن يعاقب بقدر جنايته ثم يدخل الجنة على طريق (¬2) الخلود، ومتى أمكن الجمع لا يصار إلى النسخ عملا بالدلائل بقدر الممكن، بخلاف النهي عن الصلاة إلى بيت المقدس والصلاة بغير طهارة ونكاح المحارم والنكاح بغير شهود وبيع الحر والخمر وبيع المضامين والملاقيح؛ لأن ثمة قام الدليل على أنه لا يمكن الجمع بينهما، لأنه فات ما هو شرط الوجود شرعًا، وهو المحل أو شرط الأهلية و (¬3) نحو ذلك، ولا وجود للفعل الشرعي إلا في محله ومن أهله شرعًا (¬4)، كالفعل الحقيقي: لا تصور له من غير الأهل في المحل حقيقة، فمن ادعى عدم الإمكان (¬5) في مواضع الخلاف، فعليه البيان. وأما طريق عامة المشايخ (¬6)، وهو أن الحسن ثابت في أصل العبادات والمعاملات المشروعة - يعرف ذلك بالعقل وحده، قبل ورود السمع، إذ أصل العبادة (¬7) هو التعظيم للخالق والشكر لنعمه (¬8) وإظهار العبودية لمالكه. وكذا أصل المعاملات وضع لقطع (¬9) المنازعات بين العقلاء دفعًا للفساد، وأما كيفياتها وهيئاتها وشروطها [فـ] تعرف (¬10) ¬

_ (¬1) "في الصلاة" ليست في ب. (¬2) في ب: "على سبيل". (¬3) في أ: "أو". (¬4) "وهو المحل أو ... أهله شرعًا" ليست في ب. (¬5) في هامش أ: "أى عدم إمكان الجمع بين الدليلين". (¬6) في ب: "فأما طريق عامة مشايخنا". (¬7) في أ: "العبادات". (¬8) في أ: "للمنعم". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بقطع". (¬10) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "يعرف".

بالشرع، فلا بد (¬1) من سبقها على ورود النهي على ما ذكرنا. والنهي عما عرف حسنه عقلًا من حيث الأصل دون الهيئات والكيفيات لا يصح، كما لا يصح النسخ عنه، والصوم والصلاة والبيع من هذا القبيل، فلا يجوز أن ينهى عنه, لأنه يؤدي إلى التناقض في حجج الله تعالى والتضاد في أحكامه، تعالى الله عن ذلك، فوجب القول ضرورة بصرف (¬2) النهي المضاف إليه إلى الغير المجاور له، تنزيهًا لأحكامه وحججه عن التضاد والتناقض. وإذا كان النهي عن مشروع لم يعرف حسنه إلا من جهة الشرع، لقصور العقل عن معرفة ذلك لدقته وخفائه، فيكون هذا النهي في حد الجواز بين أن يكون عن عين الفعل المنهي، فيدل على تبدل المصلحة بضده، ولا (¬3) يؤدي إلى التناقض, لأن المعنى الذي ثبت به الحسن إذا لم يكن معلومًا، فالحسن (¬4) لم يعرف إلا بمجرد الأمر، فإذا جاء النهي، ولا تناقض في أحكام الله تعالى، يجب القول ضرورة بانتهاء الحكم الأول وحدوث الثاني وتغير الصاحة التي كانت، إلى المصلحة في ضدها. ويجوز أن يكون النهي عن غير الفعل المضاف إليه النهي المجاور له، والنسخ والنهي لا يردان إلا عن هذا النوع، فإن (¬5) حمل الأمة ذلك على التناسخ، كما في النهي عن الصلاة إلى بيت القدس والنهي عن الصلاة بغير طهارة والنكاح بغير شهود ونكاح المحارم وبيع الحر والخمر ونحوها، فيكون نسخًا لوجود دليل الإجماع في موضع جواز النسخ، وإن حملوا ¬

_ (¬1) في أ: "ولابد". (¬2) في ب: "القول به ضرورة تصرف". (¬3) في أ: "فلا". (¬4) في أ: "والحسن". (¬5) في أ: "وإن".

ذلك على غير مشروع مجاور له، فلا يكون نسخًا، بل يكون نهيًا عن ذلك (¬1) الغير، لا عن الفعل المضاف إليه النهي، كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة، ونحوه (¬2). وإن (¬3) لم يكن للأمة اتفاق على أحد الأمرين ويكون موضع الاختلاف فنقول: الحمل على النهي عن الغير أولى من الحمل على النسخ لوجهين: أحدهما - أن في الحمل على النهي عن الغير يكون عملًا يدليل المشروعية، لسبق المشروعية على النهي، وعملا (¬4) بحقيقة النهي في الغير، والعمل بالدليلين على وجه ليس فيه تعطيل شيء من الدليلين أولى من نسخ أحدهما وإبطال حكمه. ولا يقال: في العمل بدليل المشروعية ترك العمل بحقيقة النهي, لأن حقيقته العمل في المحل المضاف إليه - وفي الصرف إلى محل آخر مجاور له متصل به يكون بطريق المجاز، ونحن نعمل بحقيقة النهي فيما أضيف إليه (¬5)، وبدليل المشروعية في بها وراء هذه الأيام (¬6)، ونخصها ¬

_ (¬1) "ذلك" ليست في ب. (¬2) في (أ) و (ب): "ونحوها". (¬3) لعل الصحيح: "وإذ". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وعمل". (¬5) أى نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم العيد وأيام التشريق. وانظر الهامش التالى. (¬6) لعل المقصود الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صومها وهي يوم العيد وأيام التثشريق (راجع فيما تقدم ص 241 س 5 - 6) والسرخي (الأصول 1: 85) وفيه: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم العيد وأيام التشريق". وفي السرخسي (الأصول، 1: 88): "الصوم مشروع في كل يوم باعتبار أنه وقت اقتضاء الشهوة عادة، والصوم منع النفس عن اقتضاء الشهوة لابتغاء مرضاة الله تعالى، ويوم العيد كسائر الأيام في هذا، فكان الصوم مشروعًا فيه وبالنهي لم ينعدم هذا المعني، ثم النهي ليس لأنه صوم شرعي ولكن لما فيه من معنى رد الضيافة وإليه وقعت الإشارة في قوله عليه السلام: "فإنها أيام أكل وشرب" وهذا المعنى باعتبار صفة اليوم وهوانه يوم عيد فيثبت القبح في الصفة دون الأصل وهو أنه يكون حرام الأداء، والمؤدي يكون عاصيًا بارتكابه ما هو حرام ويبقى أصل القوم مشروعًا في الوقت لأنه مشروع باعتبار أكل اليوم ولا قبح فيه، ولهذا قلنا يصح التزامه بالنذر".

من الدليل العام الموجب للمشروعية فاستوت [الأيام] (¬1)، في خلاف ظاهر النص (¬2) - فلم يكن العمل بحقيقة الدليل المعرف (¬3) للمشروعية أولى من العمل بحقيقة النهي في المحل المضاف إليه؟: لأن فيه عملا بحقيقة دليل المشروعية في هذه الأيام، وعملا بحقيقة النهي أيضًا, لأن النهي عن الغير يكون نهيًا بطريق الحقيقة, لأن إضافة النهي إلى الشيء، ويراد به الغير المجاور له، يكون بطريق الكناية، كذكر الغائط ويراد به الحدث لمجاورة (¬4) بينهما عادة. والكناية تكون بطريق الحقيقة - يقال: "إياك أعني واسمعي يا جارة" وقال قائلهم: وإني لأكنو عن قذور بغيرها ... وأعرب أحيانًا بها فأصارح وقذور اسم المرأة: فأخبر أنه يذكر اسم غيرها مكان اسمها كناية عنها في بعض الأحوال (¬5)، وفي بعض الأحوال يذكر اسمها صريحًا، وتغير محل الإضافة في الكناية شرطها، إذ لو لم يتغير يكون صريحًا، فلا يعد من باب التغير، أما لو لم يعتبر الصريح ويعتبر الكناية يكون تغيرًا. ولكن الكناية حقيقة كالصريح. ولهذا قلنا: إن كنايات الطلاق عاملة بحقائقها (¬6). وإذا كان كذلك تبين أن فيما قلنا عملا بحقيقة الدليلين، وهو (¬7) أولى من العمل بدليل واحد وترك العمل بالآخر. والثاني - إن كان هذا بطريق المجاز: ولكن المجاز (¬8) نسخ حقيقة ¬

_ (¬1) لعل هذا هو الصحيح. وفي النسخ كلها كذا: "الأقدام". (¬2) في ب: "فاستوت الأقدام في ترك العمل بظاهر النص". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "المعروف". (¬4) في ب كذا: "المجاورة". (¬5) "في بعض الأحوال" ليست في أ. وانظر فيما يل ص 394. والبخاري على البزدوي، 1: 67. (¬6) في أ: "بحقيقتها" انظر فيما بعد ص 393 وما بعدها. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو". (¬8) "ولكن المجاز" ليست في ب.

الكلام، وفيما قلتم نسخ حقيقة المشروعية (¬1)، ونسخ حقيقة (¬2) الكلام أسهل، وهو طريق مستعمل سائغ بين أهل اللغة، وعدوه (¬3) من جملة الفصاحة والبلاغة. فإن قالوا: فيما قلنا تخصيص هذه الأيام عن دليل عام لمشروعية الصوم في جميع الأيام، فلا يكون نسخًا, لأنه يتبين أنه لم يكن مشروعًا، ولم يكن داخلا تحت النص العام - إلا أنا (¬4) نقول: -[أولًا] إن مشروعية الصوم في هذه الأيام إن (¬5) كانت ثابتة بدليل خاص فهو (¬6) نسخ، وإن كانت ثابتة بدليل عام، ودليل الخصوص متأخر (¬7)، فهو نسخ أيضًا في قول أكثر مشايخنا. وإن كان بيانًا، فهو خلاف ظاهر العموم، ويصير مجازًا في الباقي عند البعض مع جواز أن يكون من باب النسخ، حتى لو حمل [الأمر] (¬8) عليه جاز، فأما جعل الصريح كناية فهو أدنى تغيرًا، فكان الحمل عليه أولى وأحق (¬9). - والثاني: إن النسخ أمر ضروري، وإنما يصار (¬10) إليه إذا لم يمكن حمله على المجاز. فأما متى أمكن فلا يصار إليه, لأن المقصود من الكلام ¬

_ (¬1) في أ: "المشروع". وقد تكون كذلك في الأصل. (¬2) "حقيقة" من ب. (¬3) في ب: "وهو". (¬4) كذا في هامش أ. وفي متنها وفي الأصل و (ب): "لأنا". (¬5) في أ: "إذا". (¬6) في ب: "وهو". (¬7) في أ: "متراخ ". (¬8) لعل هذا هو الصحيح. وفي النسخ: "الأمة". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الحمل على أحق". (¬10) في ب: "فإنما". وفي الأصل: "يصير".

فصل في الخبر

هو الحكم إلا إذا قام الدليل، أعني دليل الإجماع (¬1)، على النسخ، فحينئذ يحمل عليه - والله أعلم. * * * ومن حق هذا الفصل الاستقصاء (¬2) لتردد أهل الأصول فيه، وبيان الصحيح من الفاسد، ووجوه الاعتراضات على ما لا تراه (¬3) معتمدًا عليه من الأقوال. ولكن هذا المختصر لا يقبل إلا هذا القدر (¬4)، وفيه طول أيضًا (¬5)، وفي الشرح يستقصى ذلك كله (¬6) - بتوفيق الله تعالى. فصل في الخبر (¬7) الكلام فيه في ثلاثة (¬8) مواضع: في بيان حد الخبر وحقيقته. وفي بيان أقسامه. وفي بيان حكمه. ونذكر حده، وأقسامه، في باب الأخبار (¬9) إن شاء الله تعالى. ونبين ههنا حكم الخبر، فنقول: إن (¬10) خبر الله تعالى وخبر الرسول عليه السلام حجة ودليل على ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "إلا إذا قام دليل الإجماع"، فليس فيهما: بها الدليل أعني". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "هو الاستقصاء". (¬3) في أ: "على ما نراه". (¬4) في ب: "ولكن هذا القدر". (¬5) في أ: "بينهما". (¬6) "كله" ليست في أ. (¬7) انظر في تقسيم البحث فيما تقدم ص 80. وفي فصل الأمر ص 80 وما بعدها. وفي فصل النهي ص 223 وما بعدها. (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ثلاث". (¬9) انظر فيما بعد في الكلام على "السنة" ص 419 وما بعدها. (¬10) "إن" ليست في ب.

حكم الله تعالى، من الفريضة والواجب والحلال والحرام ونحوها - لما عرف أن الموجب للأحكام هو الله تعالى، وصيغ (¬1) الأمر والنهي والخبر دلالات عليها لكونها غيبًا (¬2) عن العباد، وذلك نحو قوله تعالى: "كتب عليكم القصاص في القتلى" (¬3). وقوله تعالى (¬4): "كتب عليكم الصيام" (¬5). وقوله تعالى (¬6): "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا" (¬7). وقوله تعالى: "حرمت عليكم أمهاتكم ... (الآية) ". وقوله تعالى (¬8): "حرمت. عليكم الميتة والدم ... (الآية) " (¬9). وقوله تعالى (¬10): "وأحل الله البيع وحرم الربا ... (الآية) " (¬11)، ونحو ذلك. وقال عليه السلام: "حرمت عليكم (¬12) الخمر لعينها". وكذا خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى (¬13) أمركم بكذا ونهاكم عن كذا. أو قال - صلى الله عليه وسلم - (¬14): "هو واجب عليكم" أو قال - صلى الله عليه وسلم - (¬15): "هذا (¬16) حرام عليكم". ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "وصيغة". (¬2) "غيبًا" ليست في ب. (¬3) سورة البقرة: 118. (¬4) "قوله تعالى" من ب. (¬5) سورة البقرة: 183. (¬6) "وقوله تعالى" من ب. (¬7) سورة البقرة: 103. (¬8) وقوله تعالى: "حرمت عليكم أمهاتكم .. الآية، وقوله تعالى": من ب. (¬9) المائدة: 3. والنحل: 115. (¬10) "وقوله تعالى" من ب. (¬11) سورة البقرة: 275. وكلمة "الآية" من ب. (¬12) "عليكم" ليست في ب. وكذا في السرخي (الأصول، 1: 195): "حرمت الخير لعينها". (¬13) "تعالى" من أ. (¬14) و (¬15) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬16) في أ: "هو".

وهذا لأن خبر الله تعالى وخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬1) صدق محض، فيثبت به المخبر به، من الحل والحرمة، والوجوب ونحوها: قطعًا إن ثبت الخبر بدليل مقطوع به. ويثبت من حيث الظاهر إن ثبت بدليل من حيث الظاهر - على ما يعرف إن شاء الله تعالى. فصل: ثم الحرمة والحل ونحوهما (¬2) إذا أضيف إلى الأعيان هل يكون وصفًا للأعيان بطريق الحقيقة أو يوصف بهما (¬3) مجازًا؟ بعضهم قالوا (¬4): يوصف بهما (¬5) مجازًا، وإنما الحرمة والحل (¬6) والوجوب أوصاف الفعل في حق أهل التكليف، فيجب (¬7) عليهم تحصيل الواجب والامتناع عن الحرام، ورفع الحرج في حق مباشرة الحلال - وهذا لا يتحقق في حق الأعيان، وبه قال أهل الاعتزال. وقال مشايخنا بأنها تكون أوصاف الأعيان كما تكون أوصاف الأفعال، فيوصف المحل (¬8) بكونه حلالا لصيرورته محلا للحل (¬9) شرعًا، ويوصف بالحرمة لخروجه من أن يكون محلا له شرعًا (¬10). ومتى أمكن العمل ¬

_ (¬1) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬2) في ب: "ثم الحل والحرمة ونحوها". (¬3) في ب: "بها". (¬4) في الأصل بين هذا السطر والذي فوقه كلمة: "الوجوب". وفي هامش أ: "وهم العراقيون ... كذا ذكر شمس الأئمة السرخي في أصوله في باب الحقيقة" (انظر السرخي، الأصول، 1: 195). (¬5) في ب: "بها". (¬6) في ب: "الحل والحرمة". (¬7) في ب: "ويجب". (¬8) في ب: "الفعل". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "للفعل". (¬10) "ويوصف بالحرمة ... شرعًا" ليست في ب.

بحقيقة الإضافة إلى الأعيان، فلا معنى لإضمار الفعل، كأنه قال تعالى (¬1): "حرمت عليكم نكاح أمهاتكم" أو "وطأهن والاستمتاع (¬2) بهن"، وكأنه (¬3) قال تعالى (¬4): "حرمت عليكم أكل الميتة" وكأنه جل وعلا (¬5) قال: "أحل لكم أكل الطيبات" إذ الإضمار ضروري يصار إليه (¬6) عند استحالة العمل بظاهر اللفظ، كقوله تعالى: "واسأل القرية .. (الآية) " (¬7) ونحو ذلك. ولأن الحرمة عبارة عن المنع فيوصف الفعل بالحرمة على معنى أنا منعنا عن اكتساب ذلك الفعل وتحصيله، فيصير الفعل ممنوعًا عنا تحصيلا واكتسابًا - فكذا معنى حرمة العين: أن العين منع عنا، تصرفًا فيه، فيكون ممنوعًا عنا، وذلك نظير الحماية في الأعيان، في قال: "فلان في حماية فلان" أى صار محميًا بحيث صار ممنوعًا عن كل قاصد (¬8)، لحرمة الحامى وإنه (¬9) وصف له حقيقة. وجاء في الحديث في حق النحل أن صاحبها قال: "يا رسول الله - صلى الله عليك وسلم -: احمها لي"، فحماها له (¬10)، وأوجب العشر فيَ عسلها، وأثر ذلك في خروج العين عن محلية تصرف الغير فيه. ومنه تحريم السلطان الكلأ على (¬11) العامة وحمايتها لدوابه، حتى جاء المنع عن ذلك (¬12) شرعًا بقوله ¬

_ (¬1) "تعالى" من ب. (¬2) في ب كذا: "وطيهن أو الاستمتاع بهن". (¬3) في ب: "فكأنه". (¬4) "تعالى" من ب. (¬5) "جل وعلا" من ب. (¬6) "يصار إليه" ليست في (أ) و (ب). (¬7) سورة يوسف: 82. (¬8) في ب: "واحد". (¬9) في أ: "فإنه". (¬10) "له" ليست في أ. (¬11) في ب: "عن". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ذاك".

عليه السلام: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار"، وإلى هذا المعنى أشار النبي- صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله تعالى (¬1) محارمه، فمن حام حول الحصى يوشك أن يقع فيه". وإنما أنكرت المعتزلة حرمة الأعيان احترازًا عن مناقضة مذهبهم الفاسد (¬2) في نفي خلق أفعال العباد عن الله تعالى، بقولهم إن منها ما يوصف بالقبح والحرمة، مثل الكفر و (¬3) المعاصي، ولا يجوز نسبة خلق القبيح (¬4) إلى الله تعالى، فيلزمهم خلق الأعيان القبيحة المستقذرة من الأنجاس والجعلان (¬5) والخنافس والقرود (¬6) والخنازير ونحوها، فأنكروا (¬7) وقالوا: إنها ليست بقبيحة، وأنكروا المحسوس و (¬8) الثابت ببدائه العقول، فأنكروا (¬9) حرمة الأعيان حتى لا توصف (¬10) بالقبح، فإن (¬11) كل محرم يكون موصوفًا بالقبح. وعندنا الأعيان نوعان: قبيحة وحسنة. كالأفعال نوعان: حسنة وقبيحة. ونوع متوسط في الأعيان والأفعال لا ينفر عنها الطباع ولا تميل إليها فتوصف (¬12) بالحل والإباحة - والله المستعان. ¬

_ (¬1) "تعالى" ليست في ب. وفي الأصل: "حوم الحمى". (¬2) في أ: "مذاهبهم الفاسدة". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أو". (¬4) كذا في ب والأصل. وفي أ: "القبح". (¬5) الجعلان جمع الجعل وهو حيوان كالخنفساء يكثر في المواضع الندية (المعجم الوسيط). (¬6) في ب: "والقردة". (¬7) في ب: "وأنكروا". (¬8) الواو ليست في أ. (¬9) في أ: "وأنكروا". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا يوصف". (¬11) في أ: "وإن". (¬12) كذا في أ. وفي ب: "ولا يميل إليها فيوصف" وفي الأصل "فيوصف".

فصل في العام

فصل في العام (¬1) الكلام في العام في أربعة مواضع: في بيان العام لغة. وفي بيان حد العام وحقيقته عند الفقهاء وأهل الكلام. وفي بيان أقسامه. وفي بيان حكمه، وما يتصل (¬2) به من المسائل. أما بيان العام لغة: فهو مشتق من العموم، وهو مستعمل في معنيين (¬3): في الاستيعاب، وفي الكثرة والاجتماع - يقال مطر عام وخصب عام إذا عم الأماكن كلها أو عامتها. ومنه عامة الناس لكثرتهم. وكذا القرابة إذا توسعت وكثرت أشخاصها تسمى (¬4) قرابة العمومة (¬5). وأما بيان حد العام وحقيقته: فقد تكلموا فيه بألفاظ مختلفة المعاني. وقبل أن نذكرها نبدأ بذكر مسألتين اختلف أهل الأصول فيهما، وبمعرفتهما (¬6) يعرف ما نذكر من حد العام أنه على الاتفاق أو على الاختلاف. ¬

_ (¬1) راجع ص 80 (¬2) في أ: "حقيقة ما يتصل" (¬3) "في معنيين" من (أ) و (ب). (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يسمى". (¬5) في أ: "العموم". قال في كشف الأسرار (1: 34): "والقرابة إذا توسعت انتهت إلى صفة العمومة. فأول درجات القرابة البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة فيها تنتهي وتتوسع. وليس بعدها قرابة أخرى إذ سائر القرابات بعد هذه الأربعة فرع لهذه الأربعة. ولهذا انتهت المحرمية التي هي من أحكام القرابة إلى العمومة ولم تتعد إلى فروعها. ولم يتعرض الشيخ للخؤولة لأن الأصل قرابة الأب إذ النسب إلى الآباء". (¬6) في ب: "ومعرفتهما".

- إحداهما، أن المعاني هل لها عموم أم لا؟ مع اتفاقهم أن الألفاظ لها عموم. فقال الجصاص (¬1) وأكثر من قال بتخصيص العلة: إن المعاني لها عموم - فإنه يقال عمهم الخصب والجدب (¬2) وعمهم المطر إذا كان هذا المعنى عامًا في عامة البلاد. ويقال علة عامة إذا ثبت حكمها في المنصوص عليه وفي غيره. ولهذا جوزوا تخصيص العلة لعمومها، كما يجوز تخصيص النصوص العامة (¬3) بالإجماع. وقال بعضهم: إن المعاني لا عموم لها, لأن المعنى واحد، وإنما كثرت محاله، أو يكون في كل محل معنى على حدة، وكل واحد غير الآخر، ولكن (¬4) من جنسه. وقولهم (¬5): عم الخصب والمطر فهو (¬6) مجاز لكثرة محال ذلك المعنى. - والمسألة الثانية، أن شرط العموم الاستغراق (¬7) والاستيعاب (¬8) أو الإجماع لا غير؟ فعند الجصاص وأكثر مشايخ ديارنا هو الاجتماع والكثرة دون الاستيعاب. وقال مشايخ العراق (¬9): من شرطه الاستيعاب. ¬

_ (¬1) راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 8 ص 147. (¬2) في هامش أ: "الجدب نقيض الخصب" (¬3) في أ: "النص العام". (¬4) الواو من (أ) و (ب). (¬5) في أ: "وقوله". (¬6) في ب: "وهو". (¬7) في أ: "للاستغراق". (¬8) ابتداء من هنا نقص في النسخة أحتى نشير إلى إنتهاء النقص (انظر الهامش 5 ص 304. وراجع الهامشين 6 ص 45 و 1 ص 1). (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مشايخنا [بـ] العراق".

إذا ثبت هذا نذكر المشهور من (¬1) ألفاظ الفقهاء (¬2) في حد العام. - قال الجصاص (¬3): العام ما ينتظم جمعًا من الأسماء أو المعاني أى العام شيء يشمل الأشياء وينتظمها. والشامل نوعان: لفظ عام ويشمل المسميات كالرجال والنساء، أو المعنى الذي يعم المحال والأشخاص ويشملها كالخصب والجدب إذا شملا الناس - بناء على أصله: أن المعنى له مموم، كاللفظ سواء. - وذكر القاضي الإمام (¬4) أبو زيد رحمة الله عليه (¬5) وقال: العام (¬6) ما ينتظم جمعًا من الأسماء لفظًا أو معنى. وفسر الأسماء بالتسميات (¬7)، فإنه قال: هو كلفظ الشيء: إنه اسم لكل موجود، ولكل موجود اسم من الأرض والسماء، والمك والآدمي والجن ونحوها. وفسر المعنى: إذا عم الأعيان، نحو المطر العام ونحوه، أي لفظًا ينتظم معنى عامًا - تقول: مطر عام؛ لأنه يعم الأمكنة (¬8) حلولا، لا أنه اسم جنس تحته أنواع لها أسماء، فيكون لفظ المطر يعمها. ¬

_ (¬1) "المشهور من" من ب. (¬2) "الفقهاء" ليست في ب. (¬3) راجع ترجمته في الهامش 8 ص 147. وانظر السرخي، الأصول، 1: 125. (¬4) "الإمام" ليست في ب. (¬5) راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 7 ص 75. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "العامة". (¬7) في ب: "بالمسميات" - قال السرخي في أصوله (1: 125): "وذكر أبو بكر الجصاص رحمه الله أن العام ما ينتظم جمعًا من الأسامي أو المعاني، وهذا غلط منه ... ولكن هذا إنما يستقيم إذا قال: ما ينتظم جمعًا من الأسامي والمعاني". وانظر البزدوي والبخاري عيه، 1: 33 و 34 حيث قال البخاري في الموضع الأخير (ص 34): "واعلم أن القاضي الإمام أبا زيد رحمه الله عرف العام بها عرفه الشيخ لكنه فسر الأسماء بالتسميات - كذا قال صاحب الميزان .. فسياق كلامه هذا يشير إلى أن مراده من الأسماء التسميات ... " (¬8) في ب: "جميع الأمكنة". وفي السرخسي (1: 125): "فإنه يقال: مطر عام لأنه عم الأمكنة"

- وذكر مشايخنا ما ذكره القاضي الإمام (¬1) أبو زيد رحمه الله وفسر الأسماء بالمسميات وقال: العام ما ينتظم جمعًا من الأسماء لفظًا أو معنى. أى (¬2) ما يتناول جمعًا من المسميات لفظًا كلفظ الجماعة من الرجال والنساء والبلاد والعباد، أو ما يتناول جمعًا من المسميات معنى كلفظ الفرد الذي أريد به الجمع نحو جن وإنس وكل وما ومن ونحوها. وكل منهم من ذكر مفسرًا فقال: العام ما ينتظم جمعًا من المسميات لفظًا أو معنى. هذه عبارات من شرط للعموم الاجتماع دون الاستيعاب. فأما (¬3) عبارات من شرط الاستيعاب: - قال بعضهم: العام هو كلام مستغرق لجميع ما يصلح له. - وقال بعضهم: هو اللفظ المتناول (¬4) لجميع ما هو صالح له. - وقال بعضهم: هو اللفظ المتناول لجميع ما وضع له. وبعضه قريب من بعض. وذكر أبو جعفر الخباز (¬5) السمرقندي: العام هو اللفظ المستولي على أعيان جنسه المستدعي لمسمياته إلى نفسه. ¬

_ (¬1) "الإمام" ليست في ب. (¬2) في ب: "أو". (¬3) في ب: "وأما". (¬4) عبارة "لجميع ما يصلح له وقال بعضهم: هو اللفظ المتناول" ليست في ب. (¬5) كذا في البخاري على البزدوي، 3: 214. وفي الأصل كذا: "الحبار". وفي ب كذا: "الخبار" ولم نعثر له على ترجمة.

وأما عبارات أصحاب الحديث: - ذكر عن الأشعري (¬1) أنه قال: العام هو اللفظ المتناول لشيئين فصاعدًا. - وبعض أصحاب الشافعي قال: العام كل لفظ اشتمل على مسميين فصاعدًا. - وزاد بعضهم: العام هو اللفظ الواحد الدال من جملة (¬2) واحدة على شيئين فصاعدًا. وفي هذه الحدود نظر، وفي بيان وجوه الفساد فيها، تطويل لا يقبله هذا (¬3) المختصر، وهو في الشرح مشروح. والحد الصحيح للعام (¬4): - على مذهب من شرط الجمع دون الاسته هاب أن يقال: العام هو اللفظ المشتمل على أفراد متساوية في قبول المعنى الخاص الذي وضع له اللفظ بحروفه لغة. - وعلى المذهب الثاني: العام هو اللفظ المستغرق لأفراد متساوية في قبول المعنى الخاص الذي وضع له اللفظ بحروفه لغة. وقولنا: اللفظ المشتمل على أفراد متساوية في قبول المعنى الذي وضع له اللفظ (¬5) لغة - احتراز عن قولنا: "إنسان" فإنه لفظ (¬6) مشتمل على أفراد ¬

_ (¬1) راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 1 ص 168. (¬2) في ب: "من جهة". (¬3) "هذا" من ب. (¬4) في ب: "العام". (¬5) "اللفظ" من ب. (¬6) "لفظ" من ب.

وأعضاء لكن كل فرد لا يقبل المعنى الذي وضح له اسم "الإنسان" (¬1). وقولنا: المعنى الخاص - احتراز (¬2) عن الاسم المشترك (¬3) بلفظ الجمع كقولنا "العيون" فإنه كل مشتمل على أفراد مختلفة المعنى، فإن العين قد يراد به العين الباصرة والركية (¬4) والشمس والصامت (¬5) ونحو ذلك. ومعانيها مختلفة حتى إذا تساوى الأفراد في قبول كل معنى منها خاص، فالاسم (¬6) في حق ذلك عام كقولنا "قرت العيون". وقولنا: المعنى الخاص الذي وضح له اللفظ (¬7) لغة - فإن في قولنا "إنسان" وجود الاشتمال على أفراد متساوية في قبول معنى الوجود والشيئية ومعنى الجزئية والبعضية ولا يكون عامًا, لأن هذه المعاني ليست مما وضح له لفظ "الإنسان" لغة (¬8). وقولنا: بحروفه - احتراز عن لفظ الرجال وكل لفظ موضوع للجمع. فإن لفظ الرجال وضح في اللغة لمعنى الجمع وكل فرد من أفراد الرجال لا يقبل معنى الجمع فلا يسمي، كل فرد (¬9) رجالا، ولفظ الرجال اسم عام ¬

_ (¬1) الإنسان الكائن الحي المفكر. وإنسان العين ناظرها - وإنسان السيف والسهم حدهما. والإنسان الراقي ذهنًا وخلقًا. والإنسان المثالي الذي يفوق العادي بقوى يكتسبها بالتطور (المعجم الوسيط). وانظر العبارة بعد التالية. (¬2) في الأصل و (ب): "احترازًا". (¬3) في ب كذا: "المشتل". (¬4) الركية: البئر لم تطو (المعجم الوسيط). (¬5) الصامت من المال الذهب والفضة (المعجم الوسيط). وانظر السرخسي، الأصول، 1: 126 حيث قال: "مثل اسم العين: فإنه للناظر ولعين الماء وللشمس وللميزان وللنقد من المال وللشئ المعين لا على أن جميع ذلك مراد بملطلق اللفظ ولكن على احتمال كون كل واحد مرادًا بانفراده عند الإطلاق". البزدوي والبخاري عليه، 1: 37 - 38. (¬6) في ب: "والاسم". (¬7) "اللفظ" ليست في ب. (¬8) راجع فيما تقدم الهامش 1. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "فلا يسمى زايد كل فرد". والظاهر أن كلمة "زايد" هذه زائدة.

فلا ينعكس الحد، والشرط (¬1) صحة الحد الاطراد والانعكاس جميعًا، لأنا قانا: العام هو اللفظ المشتمل على أفراد متساوية في قبول المعنى الخاص الذي وضع له اللفظ (¬2) بحروفه لا بصيغته، ولفظة الرجال ما وضعت دلالة على معنى الجمع بحروفه، بل وضعت دلالة على معنى الجمع بصيغته، فلا يكون لازمًا على ما قلنا - والله أعلم (¬3). - وقال بعض الفلاسفة في حد العام: هو اللفظ المشتمل على مسميات متفقة الحدود. وإن شئت قلت: المشتمل على أفراد أو أشياء متفقة الحدود. وهذا حد صحيح، وهو أوجز من الأول. - وإن شئت قلت: اللفظ الموضوع لأفراد بمعنى واحد - و (¬4) هذا أصح. والله أعلم. وأما بيان أقسام العام - فنقول: اللفظ العام عند من شرط للعموم (¬5) الاجتماع دون الاستيعاب، على قسمين: أحدهما - عام بنفسه وضعًا. والثاني - عام بغيره في الوضع أيضًا. ¬

_ (¬1) كذا في ب والأصل .. (¬2) "اللفظ" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وزاد هنا في الأصل: "لأنا نقول: صيغة الجمع ما وضعت لمعنى الرجولة، وإنما وضعت دلالة على الجمع. فأما الموضوع الدال على معنى الرجولية هي الحروف الخاصة. وقد قلنا: المشتمل على أفراد متساوية في قبول المعنى الخاص بحروفه لا بصيغته". (¬4) "الواو" ليست في ب. (¬5) في ب: "العموم".

والأول قسمان: [أحدهما]- عام بصيغته (¬1) وبمعناه (¬2)، كقولنا: رجال ونساء ومسلمون ومسلمات. والثاني - عام بمعناه دون صيغته، كقولنا: إنس وجن وقوم وما ومن ونحو ذلك. وكذا كل لفظ فرد دل على مطلق الجمع في أسماء الأعيان، وكالمصدر في أسماء الأفعال، كقول الرجل لامرأته: "أنت طالق طلاقًا" ونحو ذلك، حتى يصح نية الثلاث - قال (¬3) الله تعالى: "لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا" (¬4): وصف المصدر، وهو الثبور، بالكثرة. ومن شرط عموم هذا النوع أن يتناول جماعة الأفراد من حيث مطلق الجمع من غير تعرض لعدد معلوم بل يتناول الثلاثة فصاعدًا، كقولك: "رأيت رجالًا" يحتمل الثلاثة والعشرة والألف وأكثر من ذلك من حيث إنه جمع لا من حيث إنه عدد معلوم، إلا (¬5) أنه إذا تعلق به حكم شرعي ولم يكن له نية، يقع على الثلاثة لأنه أقل الجمع، والأقل متيقن بأن قال "لفلان علي دراهم (¬6) ". فأما اللفظ إذا تناول عددًا معلومًا بنفسه وضعًا، فهو (¬7) ليس بعام، ¬

_ (¬1) "عام بصيغته" من ب. (¬2) في ب: "ومعناه". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "وقال". (¬4) سورة الفرقان: 14. وفي المعجم الوسيط: ثبر فلان ثبرا وثبورا: هلك. وثبر الشيء أهلكه. (¬5) في ب: "ولا". (¬6) في ب: "درهم". (¬7) في ب: "وهو".

بل هو اسم خاص كالذود: اسم للابل من الثلاثة إلى التسعة (¬1)، وكأسماء الأعداد نحو العشرة والتسعة والثمانية ونحوها، فإنه يتناول الأفراد من العدد بطريق التضمن، لا بطريق العموم, لأنه اسم موضوع لعدد معلوم لا يدل بصيغته وحروفه إلا على هذا العدد، حتى إذا انتقص واحد من العشرة يتبدل (¬2) الاسم من العشرة إلى التسعة (¬3). وإذا زيد عليها واحد يبطل اسم العشرة ويحدث له اسم آخر (¬4) وهو أحد عشر, لأن علة استحقاق هذا الاسم هو هذا القدر المعين، وعند الزيادة والنقصان يبطل علة استحقاق الاسم، فيبطل الاسم، بخلاف صيغة الجمع: فإن العلة فيها هو مطلق الاجتماع الزائد على التثنية، وذلك باق بعد الخصوص، حتى لو لم يبق بعد الخصوص تحته (¬5) إلا واحد أو اثنان فيبطل الاسم العام أيضًا، فهو (¬6) الفرق بينهما. وأما النوع الآخر -[و] هو ما كان عامًا بغيره، فهو على قسمين: أحدهما - ما يكون في نفسه مفهومًا بدون القرينة. والثاني - ما لا يكون مفهومًا بدون القرينة. [الأول] (¬7): ¬

_ (¬1) الذود: القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر (مؤنث) يقال: خس ذود أي خمس من الذود. وفي الحديث: "ليس فيما دون خس ذود من الإبل صدقة" وفي المثل: "الذود إلى الذود إبل" يضرب في اجتماع القليل إلى القيل حتى يؤدي إلى الكثير. الجمع أذواد (المعجم الوسيط). (¬2) في ب: "يبدل". (¬3) في ب: "السبعة". (¬4) "آخر" ليست في ب. (¬5) "تحته" ليست في ب. (¬6) في ب: "وهو". (¬7) "الثاني" ص 273 وما بعدها.

فأما الذي يكون مفهومًا بدون القرينة، فهو على قسمين (¬1) أيضًا: أحدهما - ما يكون خاصًا قبل دخول القرينة ثم يصير عامًا ولى خول القرينة (¬2). كقولك "إنسان" و"رجل" إذا (¬3) دخلهما لام التعريف. فقبل دخول القرينة يراد به رجل واحد أو (¬4) إنسان واحد. وبعد القرينة يصير عامًا (¬5) متناولا للجنس، لكن لمطاق الجنس أو لكل الجنس؟ فعلى ما نذكر من الاختلاف. والثاني - ما يكون عامًا متناولا للجمع المطلق ثم يزداد (¬6) عمومًا، بدخول لام التعريف كقولك "رجال" يدل على جمع مطلق من الذكور البالغين. وعند دخول اللام يزداد العموم، فيصير للاستيعاب أو لمطلق الجنس على الاختلاف الذي نذكر، ويبطل معنى الجمع. وأما على قول من شرط الاستيعاب للعموم: فقبل دخول اللام فيه (¬7) لا نقول هكذا إلا لمطلق الجمع (¬8). وبعد دخول لام التعريف يصير للاستيعاب في صيغة الفرد والجمع جميعًا. هذا قول عامة أهل الأصول وأهل النحو واللغة - ولكن بينهم (¬9) اختلاف آخر. ¬

_ (¬1) في ب: "ضربين". (¬2) " ثم يصير .. القرينة" ليست في ب. (¬3) في ب: "إن". (¬4) في ب: "و". (¬5) "عامًا" من ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "يزاد". (¬7) "فيه" من ب. (¬8) في ب: "دخول اللام فيه نقول هكذا إنه لمطلق الجمع". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "بينهما".

قال عامتهم (¬1): هذا إذا لم يكن ثمة (¬2) معهود. وأما (¬3) إذا كان ثمة (¬4) معهود يصرف (¬5) إليه: [فـ] (¬6) قال بعض أهل التحقيق منهم: إنه يصرف إلى الاستيعاب واستغراق الجنس (¬7) في الفصلين، إلا إذا كان لا يمكن لقيام الدليل الزائد. وقال أبو علي الفسوي (¬8) من النحويين في لفظ الجمع والفرد إذا دخله لام التعريف: إنه ينصرف إلى مطلق الجنس لا إلى كل الجنس. وهو قول أبي هاشم (¬9) من المعتزلة في قول. وفي قول عنه: فرق بين الاسم الفرد والجمع، فقال: في الفرد يصرف إلى مطلق الجنس من غير استيعاب، وفي لفظ الجمع يحمل على مطلق ¬

_ (¬1) في ب: "بعضهم". (¬2) في ب: "ثم". (¬3) في ب: "أما". (¬4) في ب: "ثم". (¬5) في ب: "ينصرف". (¬6) في ب: "وقال". (¬7) "واستغراق الجنس" ليست في ب. (¬8) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان الفارسي النحوي. ولد سنة 288 هـ بمدينة فسا من أعمال فارس وإليها ينسب فيقال "الفسوي". واشتغل ببغداد ودخل إليها سنة 307 هـ. وكان إمام وقته في علم النحو. وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة، وكان قدومه إليها سنة 341 هـ. وجرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس. ثم انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة وقويت منزلته عنده حتى قال عضد الدولة: أنا غلام أبي على الفسوي في النحو. وصحب له كتاب "الإيضاح" و"التكملة في النحو" وكتاب "التذكرة" وكتاب "المقصور والممدود" وكتاب "الحجة في القراءات" وله كتب أخرى كثيرة. وكان متهمًا بالاعتزال. وتوفي سنة 377 هـ ببغداد (ابن خلكان). وقال أحمد أمين في ظهر الإسلام (4: 61): كان أبو علي الفارسي وتليذه ابن جني من المعتزلة وكان أبو علي يدعو إلى القياس في اللغة ويقول: ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم. (¬9) راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 1 ص 146.

الجمع، ويتناول الثلاثة فصاعدًا، ولا يبطل فيه معنى الجمع (¬1) ولا يحمل على الاستغراق إلا بدليل وراء لام التعريف من [الرمز] (¬2) ونحوه. وقال (¬3) صاحب "المعتمد" من المعتزلة: إن اللام إذا دخل على الفرد يكون لمطلق الجنس دون الاستيعاب، وإذا دخل على الجمع يوجب الاستغراق إلا بدليل (¬4). وقال القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله بأن اللام (¬5) إذا دخل على الفرد يصير للجنس، وكذا إذا دخل على لفظ الجمع يبطل معنى الجمع ويصير للجنس إلا أن اسم الجنس يتناول الكل بطريق الحقيقة، وللأدنى (¬6) بطريق الحقيقة أيضًا، لكن عند الإطلاق ينصرف إلى الأدنى، وهو الواحد. وفي ذكر شبهات كل فريق وحلها كلام كثير يعرف في الشرح إن شاء الله تعالى. ونذكر حجة القول الصحيح، وهو قول العامة، وهو: الاستدلال باستعمال أهل اللغة، والاستدلال بإجماع أئمة اللغة، والاستدلال بالعقول اللغوي: - أما الأول: فهو مستعمل في الكتاب والسنة: قال الله تعالى: "يا أيها الناس" في مواضع (¬7) وأراد به كل الجنس لا ثلاثة كل منهم، ولا مطلق الجنس. ¬

_ (¬1) "الجمع" ليست في ب. (¬2) في الأصل كذا: "الرحر" وفي ب: "الرجر". وفي المعجم الوسيط: رمز إلى الشيء بكذا دل به عليه. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "فقال". ولعل المقصود أبو الحسين البصري محمد بن علي. (¬4) "إلا بدليل" ليست في ب. (¬5) في ب: "الكلام" (¬6) في ب: "والأدنى". (¬7) سورة البقرة: 21 و 168. والنساء: 1 و 170 و 174. والأعراف: 158 ويونس: 23 و 57 و 104 و 108. والحج: 1 و 5 و 49 و 73. وفاطر 3 و 5 و 15. والحجرات: 13.

وقال الله تعالى (¬1): "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة" (¬2) والمراد من منوع كله لا ثلاثة منهم. وقال الله تعالى (¬3) في اللفظ الفرد: "والنخل باسقات لها طلع نضيد" (¬4) والمراد به استيعاب الجنس. وقال الله تعالى (¬5): "وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرًا" (¬6) والمراد من كل واحد منهما جنسه لا فرد مخصوص. وقال الله تعالى (¬7): "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا" (¬8) والمراد به ظاهرًا هو الجنس كله لا الفرد - ألا يرى (¬9) أنه تعالى استثنى منه المؤمنين (¬10) واستثناء (¬11) الجمع من الفرد لا يتحقق. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬12): "الحنطة بالحنطة مثلًا بمثل (الحديث) " (¬13) والمراد من اسم كل شيء من الأشياء الستة المذكورة في الحديث الجنس بكماله لا واحد منها. ¬

_ (¬1) "الله تعالى" من ب. (¬2) النحل: 8. (¬3) "الله تعالى" من ب. (¬4) سورة ق: 10. (¬5) "الله تعالى" من ب. (¬6) سورة يونس: 7 وغافر: 61. (¬7) "الله تعالى" من ب. (¬8) سورة العصر: 1 - 3. (¬9) في ب: "ترى". (¬10) في ب: "المؤمن". (¬11) في ب كذا: "واستثنى". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "وقال عليه السلام". (¬13) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح - مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد". رواه مسلم (ابن حجر، بلوغ المرام، رقم 696 ص 125). وهناك روايات أخرى للحديث.

ويقال في عرف اللسان: "كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس" والمراد به الجنس دون درهم ودينار. ويقال: "أهلك الناس الدرهم والدينار" ويقال: "أهلك الناس اللبن" والمراد به الجنس لا الفرد. ويقال: "الفرس أعدى من الحمار" و"الأسد أقوى من الذئب" والمراد به (¬1) كل الجنس لا الفرد. - وأما إجماع أئمة (¬2) اللغة: فإنه سمى بعضهم هذه اللام "لام الجنس (¬3) ". وسمى بعضهم اللام "الموضوعة للجنس". ونص الزجاج (¬4) أن الإنسان في قوله تعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خسر" بمنزلة قوله تعالى: إن الناس. وعن ابن السراج النحوي (¬5) أنه قال: إن عند تعارض جهتي العهد والتجنيس، الصرف إلى الجنس أولى. ¬

_ (¬1) "به" ليست في ب. (¬2) في ب: "أهل". (¬3) في ب: "للتجنيس". وفي هامش الأصل: "التحنيس". (¬4) أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السري بن سهل الزجاج النحوي. كان من أهل العلم بالأدب والدين المتين. صنف كتابًا في معاني القرآن الكريم وله كتاب "الأمالي" وكتاب "ما فسر من جامع المنطق" وكتاب "الاشتقاق" وكتاب "العروض" وكتاب "القوافي" وكتاب "الفرق" وكتاب "خلق الإنسان" وكتاب "خلق الفرس" وكتاب مختصر في النحو وغير ذك. وأخذ الأدب عن المبرد وثعلب رحمهما الله. وكان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب فنسب إليه. توفي ببغداد سنة 310 (أو 311 أو 316 هـ) وقد أناف على الثمانين. وإليه ينسب أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي صاحب كتاب "الحمل في النحو" لأنه كان تلميذه (ابن خلكان). (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "النحو". هو محمد بن السرى البغدادي النحوي أبو بكر بن السراج. وكان من أحداث غلمان المبرد سنًا مع ذكائه وفطنته. انتهت إليه الرياسة بعد موت الزجاج وتوفي سنة 316 هـ. وله كتاب "الأصول الكبير". وكتاب "جمل الإصول" وكتاب "الموجز"، وغيرها (ابن خلكان. والسيوطى، بغية الوعاة). وممن يعرف من النحاة بابن السراج أيضًا محمد بن الحسن بن عبد الله أبو يعلى الصيرفي المتوفى سنة 427 هـ (السيوطى، بغية الوعاة)

وعن الفرا (¬1) أنه قال: إن العرب يقولون: ما كان من السباع غير مخوف - وهذا (¬2) الأسد مخوفًا ويريدون بقولهم "الأسد" الجنس (¬3) دون الفرد منها. ومتى ثبت إجماع أئمة (¬4) أهل الأدب على هذا فمخالفة (¬5) أبي علي الفسوي لا تقدح في إجماع من تقدم من الكبار ويجب حمل قوله على الرجوع. - وأما المعقول اللغوي فوجهان: أحدهما: أن هذه اللام موضوعة للتعريف، فلا بد من (¬6) أن يحصل بها تعريف لم يكن حاصلا قبل دخولها فيه، حتى يفيد ما وضع له، ويكون ذلك التعريف من موجباته. فأما تعريف كان حاصلا قبله فلم يكن من موجباته. ثم إذا قيل "جاءني رجل" حصل العلم للسامع بكون الجائي آدميًا ذكرًا جاوز حد الصغر، فعرف جنسه ونوعه وذكورته [و] بقي ¬

_ (¬1) هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسر. كان بحرًا في العلوم. أخذ الفقه عن القاضي حسين بن محمد. وصنف في تفسير كلام الله تعالى. وأوضح المشكلات من قول النبي صلى الله عيه وسلم. وروى الحديث. ودرس. وصنف كتبًا كثيرة منها: كتاب "التهذيب في الفقه". وكتاب "شرح السنة" في الحديث. و"معالم التنزيل" في تفسير القرآن الكريم. وكتاب "المصابيح" و"الجمع بين الصحيحين" وغير ذلك. وتوفي سنة 510 هـ. بمرو روذ، والفراء نسبة إلى عمل الفراء وبيعها. والبغوي نسبة إلى بلده بخراسان بين مرو وهراة يقال لها "بن" و"بغشور" وهذه النسبة شاذة على خلاف الأصل: قاله السمعاني في كتاب الإنساب (ابن خلكان). (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "فهذا". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "هو الجنس". (¬4) "أئمة" ليست في ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "مخالفة". (¬6) "من" ليست في ب.

ذاته مجهولا. وكذا إذا قيل (¬1) "جاءني رجال" علم جنسهم ونوعهم واجتماعهم في المجيء، وبقي الذوات مجهولة لم يحصل العلم بأعيانهم. ثم إذا دخلت اللام فيه وثم معهود يحصل تعريف الذات بسابقة ذلك العهد، فحصل تعريف لم يكن قبله حاصلا، فعملت اللام عملها. وعند انعدام العهد لا يحصل تعريف الذوات إلا وأن تصرف إلى كل الجنس، حتى يعلم أن كل واحد من الجنس مراد بهذا اللفظ. فأما متى صرف إلى مطلق الجنس، لم تصر الذوات معلومة وما وراء الذوات من كون المذكور من أي جنس كان، ووصف المذكورة (¬2) والبلوغ معلوم (¬3) بدون اللام، فكان (¬4) الحمل عليه إلغاء لفائدة اللام، وصار وجودها كعدمها، وذلك إبطال وضع اللغة. والثاني: أن اللام إن كانت في موضع العهد أوجبت دخول جميع أفراد المعهود، بأن كان المتكلم في ذكر رجال بين يدي سامع ثم قال: "جاءني الرجال"، عقل السامع منه جميعهم، ولم يكن بعضهم أولى بصرف الاسم إليه من البعض، ولا يحمل على ثلاثة منهم أو ما ينطلق عليه اسم الرجال (¬5). وكذا إذا لم يكن ثمة (¬6) معهود ودخلت (¬7) على الجنس: يجب أن يراد به كل الجنس, لأن الجنس هو المتعارف إذا لم يكن ثمة (¬8) معهود، ¬

_ (¬1) في ب: "قال". (¬2) التاء من ب. وفي الأصل: "الذكور". والذكورة خلاف الأنوثة (المعجم الوسيط). (¬3) في ب: "جنس كان وصف المذكورة والبلوغ معلومًا". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وكان". (¬5) " ولا يحمل ... الرجال" من ب. (¬6) في ب: "ثم". (¬7) في ب: "ووجدت". (¬8) في ب: "ثم".

فإن الخصوم اتفقوا أن عند انعدام العهد يصرف إلى الجنس، والمعنى الجامع أنه ليس البعض بأولى (¬1) من البعض، بدون دليل مرجح في المعهود، فينصرف إلى كل المعهود. وهذا المعنى موجود في الجنس [فـ] يجب أن يصرف إلى كله إلا بدليل مرجح - والله أعلم. ومن هذا القبيل: النكرة في موضع الإثبات: وهي تخص ولا تعم عند عامة أهل الأصول. وقال بعضهم: تعم من حيث الصلاحية. وقالت المعتزلة: تعم على طريق البدل، كما قالوا في الأشياء الثلاثة في الكفارة. والصحيح قول العامة: - لأن قوله: "رأيت رجلًا"، فرد من حيث الصيغة، ولم يقترن به ما يوجب التعميم، فلا يدل على العموم: هو الأصل. - وما ذكروا من عموم الصلاحية لكل واحد من الجملة فسلم، ولكن (¬2) الكلام في عموم الأعيان. وفي قوله تعالى: "فتحرير رقبة" (¬3) لا يراد به في كل حنث إلا وجوب (¬4) تحرير رقبة واحدة مع عموم صلاحية الرقاب للوجوب. - وما ذكروا من العموم على سبيل البدل: إن عنوا به أن كل واحد من الجملة يكون في الصلاحية بدلًا عن صاحبه، والداخل تحت اللفظ واحد ¬

_ (¬1) في ب: "أولى". (¬2) في ب: "لكن". (¬3) سورة النساء: 92. والمجادلة: 3. والمائدة: 89. والأولى خاصة بالقتل الخطأ. والثانية بالظهار. وآية المائدة: 89: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (¬4) "وجوب" ليست في ب.

منهم - فهو (¬1) قولنا. وإن عنوا أن اللفظ يتناول الكل على سبيل الإجتماع والشمول - فهو (¬2) ليس قولهم (¬3)، وهو فاسد, لأن الصيغة فرد، والفرد لا يتناول العدد إلا بقرينة تدل (¬4) على العموم، ومن ادعى خلاف الظاهر فعليه الدليل (¬5). ومن هذا القبيل النكرة في موضع النفي: وهي عامة بطريق الضرورة. وهي نوعان: أحدهما - أن كلمة النفي تدخل على الفعل الواقع على النكرة كقولك: "ما رأيت رجلًا" فإن كلمة النفي تدخل على الرؤية. والثاني - أن يدخل كلمة النفي على الاسم المنكر، كقول القائل: "لا رجل في الدار". وفي الوجهين جميعًا يثبت النفي على العموم بطريق الضرورة، فإنه إذا قال: "ما رأيت رجلًا في هذا اليوم" (¬6) - أخبر عن انتفاء رؤية رجل واحد منكر غير عين. ومن ضرورة انتفاء رؤية واحد غير عين من الرجال انتفاء رؤية جميع رجال العالم, لأنه لو رأى رجلا واحدًا عينًا يصير كاذبًا في خبره، فيتعمم بطريق الضرورة، بخلاف المعرف بأن قال: "ما رأيت اليوم زيدًا" لا يوجب انتفاء رؤية غيره, لأنه نفى رؤية ذات معين، فلو رأى غيره لا يكون كاذبًا في خبره. ¬

_ (¬1) في ب: "وهو". (¬2) في ب: "وهو". (¬3) بين السطور في الأصل: "أي مذهبهم". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "دل". (¬5) زاد في ب: "والله أعلم". (¬6) "في هذا اليوم" من ب.

وكذا في النكرة الموصوفة بأن قال: "ما رأيت رجلًا عراقيًا أو بخاريًا" لا يعم في (¬1) غير هذا الموصوف, لأنه لو كان (¬2) رأى رجلا غير موصوف بهذا الوصف، لا يكون كاذبًا في هذا الخبر، ولكن يوجب انتفاء الموصوف, لأنه لو رأى رجلا عراقيًا، يكون كاذبًا في خبره (¬3). وكذلك إذا قال: "لا رجل في الدار" يقتضي نفي واحد من جنس الرجال غير عين، ومن ضرورته نفي الكل حتى لا يكون كاذبًا في خبره. ومن هذا القبيل أيضًا (¬4) كلمة "كل" إذا دخل على الاسم الفرد (¬5). وهو نوعان: - إما أن يدخل على فرد منكر. - أو على فرد معرف. [فـ] إن دخل على فرد منكر -[فإنه] يوجب العموم، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (¬6)، والموت (¬7) تعم النفوس كلها. وقال تعالى (¬8): {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (¬9) وهي عامة. ويقول ¬

_ (¬1) في ب: "وفي". (¬2) في ب: "لأنه إن كان". (¬3) في ب: "في غيره". (¬4) "أيضًا" ليست في ب. (¬5) "الفرد" ليست في ب. (¬6) سورة آل عمران: 185. (¬7) "والموت" ليست في ب. (¬8) "تعالى" من ب. (¬9) سورة المدثر: 38.

الرجل: "أكلت كل رغيف في هذا البيت" يتناول جميع الرغفان الموجودة في البيت. وأما إذا دخل على الفرد المعرف، بأن قال: "أكلت كل هذا الرغيف" [فإنه] يتناول كل هذا الرغيف المعرف دون غيره. والمعنى فيه أن (¬1) كلمة "كل" وضعت للإحاطة في اللغة: فإن دخل على النكرة يحيط بجميع الأفراد من جنسها، ومن ضرورته العموم. وإذا دخل على الفرد العرف يقتضي إحاطة أجزائه لا غير، فيوجب عموم أجزائه، لا عموم أفراد الرغفان. [الثاني]: وأما الذي هو عام بغيره، ولا يكون مفهومًا بنفسه، [فـ] نحو كلمة "من" و"ما" و"الذي" و"حيث" و"أين" ونحوها - وتسمى هذه الأسماء أسماء مبهمة وأسماء موصولة, لأنها لا تفهم بذواتها (¬2)، وإنما تفهم بصلاتها الداخلة عليها، فيصير الكلمة المبهمة مع صلتها ككلمة (¬3) واحدة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فيعم بعموم صلته, وهو الدخول، كأنه قال: الداخل في دار أبي سفيان آمن. إذا ثبت هذا نقول: إن كلمة "من" هل (¬4) تدخل في جميع الموجودات أو يختص تناوله البعض؟ فأهل (¬5) اللغة والنحو قالوا: إن كلمة "من" تدخل في ذوات من يعقل لا غير. وكلمة "ما" يستعمل في ذوات ما لا ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "وكان المعنى فيه وهو أن". (¬2) في ب: "بذاتها". (¬3) في ب: "كلمة". (¬4) "هل" ليست في ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "وأهل".

يعقل، وصفات من يعقل - يقول الرجل: "من في هذه الدار؟ " وجوابه (¬1): زيد وعمرو ومحمد. حتى لو قال: فرس أو حمار أو شاة، يكون مخطئًا في الجواب. وأما كلمة "ما" [فـ] تستعمل في ذوات ما لا يعقل حتى لو قال (¬2): "ما في هذه الدار؟ " فيقول: زيد وعمرو، يكون مخطئًا. ولو قال: فرس أو حمار أو متاع، يكون مصيبًا. ولكن يستعمل في صفات من يعقل - يقول الرجل: "ما زيد؟ " فجوابه: إنه عالم أو خياط (¬3) أو نساج أو صحيح أو مريض، لكن قد يستعمل في الكلام كلمة "ما" مكان كلمة "من" وكلمة "من" (¬4) مكان كلمة "ما" و (¬5) لكن ذلك بطريق الاستعارة - وما ذكرنا بيان الحقيقة (¬6). ثم كلمة "من" تستعمل في ثلاثة مواضع: في الاستفهام، وفي الشرط والجزاء، وفي الإخبار. أما في الاستففام والشرط والجزاء، [فـ] يعم لا محالة (¬7): - تقول في الاستفهام: "من في هذه الدار؟ " و"من في هذه القرية؟ " وجوابه (¬8) أن يقول: زيد وعمر ومحمد وخالد، ويعد من فيه (¬9) ممن يعقل. ¬

_ (¬1) في ب: "فجوابه". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "حتى لو قيل أ". (¬3) "أو خياط" ليست في ب. (¬4) في ب: "ومن". (¬5) "و" ليست في ب. (¬6) زاد هنا في ب: "والله أعلم". (¬7) في ب: "ولا محالة". (¬8) في ب: "فجوابه". (¬9) في ب: "زيد وعمرو وخالد ومحمد ويقدم (؟) فيه".

- وأما في الشرط والجزاء، [فـ] قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (¬1). وكذا قال رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن": يعم كل داخل. - وأما في الخبر، [فـ] قد يكون عامًا، وقد يكون خاصًا - قال الله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} (¬3) وهذا عام. وقال تعالى في موضع آخر (¬4): {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (¬5) وفي موضع آخر (¬6): {يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (¬7). والحاصل ما ذكرنا: أنها من الأسماء الموصولة، فيعتبر حالها بصلتها (¬8): فإن كانت الصلة عامة يتعمم بعموم صلتها، وإن كانت خاصة يتخصص بخصوص صلتها. هذا أصل كلمة "من" وسائر الأسماء الموصولة- والله أعلم، ثم كلمة "من" في موضع الشرط والجزاء وفي موضع الاستفهام يعم عموم الأفراد (¬9)، وفي الخبر عند عموم الصلة تعم عموم الاشتمال - بيانه أنه: - إذا قال في موضع الشرط والجزاء: "من زارني أعطه درهمًا" فإذا زاره واحد أو اثنان أو ثلاثة فصاعدًا استحق العطية. ¬

_ (¬1) سورة الزلزلة: 7. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وكذا قال عليه السلام". (¬3) سورة الأنبياء: 82. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وقال في موضع". (¬5) سورة الأنعام: 25. وسورة محمد: 16. (¬6) "آخر" من ب. (¬7) سورة يونس: 42. وسورة الإسراء: 47. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "بالصلة". (¬9) في ب: "الانفراد".

- وأما في الخبر عند عموم الصلة نحو قوله تعالى (¬1): {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} (¬2) - فالصلة أعني "يغوصون" صيغة الجمع، وإنها تتناول الثلاثة فصاعدًا لا ما دونها - ألا ترىَ أن الرجل إذا قال: "إن زارني رجال أعطهم درهمًا" [فـ] ما لم توجد الزيارة من الجماعة لا يستحقون العطية - بخلاف الشرط والجزاء والاستفهام. أما في الشرط والجزاء: [فـ] إنما تعم عموم الانفراد ويتعلق الحكم بكل واحد من آحاد الجنس, لأن بالناس حاجة إلى تعليق الحكم بكل واحد من آحاد الجنس. ولو قال (¬3): "إن فعل فلان فله (¬4) كذا وإن فعل فلان فله كذا" يخرج عن حد الإحصاء والحصر، ووقعوا في الحرج. فأقام (¬5) أهل اللغة كلمة "من" مقام تكرار حرف "إن" فيتناول كل واحد منهم بانفراده. - وكذا في الاستفهام: إذا كان في الدار رجل، فأراد (¬6) آخر أن يعلم الذي هو (¬7) في الدار: فإذا (¬8) قال: أزيد في الدار أو عمرو أو محمد أو أحمد؟ يطول الأمر، فأقاموا كلمة "من" مقام تكرار حرف الاستفهام. ولو نص على تكرار حرف الاستفهام (¬9) فإنه يعم عموم الانفراد - فكذا (¬10) هذا. ¬

_ (¬1) "تعالى" من ب. (¬2) سورة الأنبياء: 82. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "قالوا". (¬4) في ب: "فاعطه". (¬5) في ب: "وأقام". (¬6) في ب: "وأراد". (¬7) "هو" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "وإذا". (¬9) "ولو نص على تكرار حرف الاستفهام" ليست في ب. (¬10) في ب: "وكذا".

والفقه في الشرط والجزاء (¬1) ما ذكرنا: أنها كلمة موصولة مفردة من حيث الصيغة مبهمة (¬2)، وإنما تصير معلومة (¬3) بالصلة، فيصير الحاكم المتعلق بها معتبرًا بصلتها، فيصير كأنه قال: "الشخص الذي وجد منه كذا فله كذا" - والله أعلم. ثم كلمة "من" كما تتناول المذكور تتناول الإناث - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬4)، وقال عليه السلام: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن": يتناول الرجال والنساء، ويقول الرجل: "من دخل من مماليكي الدار فهو حر": يتناول العبيد والإماء جميعًا (¬5) - عليه إجماع أهل اللغة. ومن هذا القسم حروف أخر نحو "الذي" و "أين" (¬6) و"حيث" و"أي" ونحو ذلك - يعرف في الشرح إن شاء الله تعالى. و (¬7) أما الكلام في حكم العام: اختلف أهل الأصول في هذه المسألة على أقوال. وهم في الحاصل ثلاث فرق، اختص كل فريق باسم خاص: أصحاب الوقف، وأصحاب الخصوص، وأصحاب العموم. ¬

_ (¬1) "في الشرط والجزاء" ليست في ب. (¬2) "مبهمة" ليست في ب. (¬3) في ب: "ومعلومة". (¬4) سورة الأحزاب: 31. (¬5) "جميعًا" ليست في ب. (¬6) "وأين" ليست في ب. (¬7) "و" ليست في ب.

أما أصحاب الوقف: فهم (¬1) الذين توقفوا في حق العمل والاعتقاد جميعًا، وهو مذهب ابن الروندي (¬2) ومحمد بن شبيب (¬3) وعامة المرجئة وعامة الأشعرية. وإليه مال أبو سعيد البردعي (¬4) من أصحابنا. وهم فريقان: فريق قالوا: لا حكم للفظ ما، لمجرد (¬5) الصيغة، ما لم يقترن به قرينة، بمنزلة الألفاظ المشتركة من القرء والعين والجارية ونحوها (¬6). وقال بعضهم من أهل التحقيق: إن ألفاظ العموم في أصل وضع اللغة (¬7) للعموم حقيقة، ولكن لكثرة استعمالها في الخصوص صارت مشتركة في عرف الاستعمال. وأما أصحاب الخصوص: [فـ] قالوا: يحمل على أخص الخصوص. فإن كانت صيغة فرد دخل فيها لام التعريف يحمل على الواحد. وإن كانت صيغة جمع دخلها لام ¬

_ (¬1) في ب: "هم" (¬2) في ب كذا: "ابن الريوندي لعنه الله". راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 7 ص 172. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "محمد بن شيب" قال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 31) إن محمد بن شبيب من أصحاب إبراهيم بن سيار النظام المتوفى (أي النظام) سنة 231 هـ (انظر في النظام المرجع نفسه، 1: 53 وما بعدها). (¬4) هو أحمد بن الحسين (وقيل هو حسن بن أحمد) أبو سعيد البردعي. كان أحد الفقهاء الكبار وأحد المتقدمين من مشايخ الخفية في بغداد. تفقه على أبي علي الدقاق وموسى بن نصر الرازي. وتفقه عليه أبو الحسن الكرخي وأبو طاهر الدباس القاضي وأبو عمرو الطبري. وقد أقام ببغداد سنين كثيرة يدرس ثم خرج إلى الحج فقتل في وقعة القرامطة مع الحجاج سنة 317 هـ. والبردعي نسبة إلى بردعة وهي بلدة من أقصى بلاد أذربيجان. وقد عاصر داود بن علي صاحب الظاهر ويروى بينهما مجادلات فقهية (القرشي، الجواهر). (¬5) في ب: "بمجرد". (¬6) انظر فيما بعد "المشترك" ومعانى هذه الألفاظ، ص 337 وما بعدها. وخاصة الهامش 8 و 9 ص 338 والهامش 10 ص 341. (¬7) في ب: "في وضع أهل اللغة".

التعريف يحمل على الثلاثة. ولا يحمل على ما وراء ذلك إلا بدليل. وبه أخذ أبو عبد الله الثلجي (¬1) من أصحابنا. وأما أصحاب العموم: [فـ] فريقان: - فريق قالوا بوجوب العموم عملا واعتقادًا، كأنه نص على كل فرد من أفراد العموم. وهو مذهب مشايخ العراق من أصحابنا، مثل الكرخي (¬2) والجصاص (¬3)، ومذهب أكثر (¬4) المتأخرين من ديارنا، مثل القاضي الإمام (¬5) أبي زيد (¬6) رحمه الله، ومن تابعه. وبه قالت عامة المعتزلة. وذكر عبد القاهر البغدادي (¬7)، من أصحاب الحديث في كتابه، أن هذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله وقدماء المتكلمين. - وفريق من أصحاب الحديث قالوا بالعموم ظاهرًا في حق الاعتقاد والعمل، لا (¬8) قطعًا. ورووا عن الشافعي. ¬

_ (¬1) راجع ترجمته: محمد بن شجاع أبو عبد الله الثلجي، في الهامش 6 ص 211. (¬2) راجع ترجمته في الهامش 7 ص 210. (¬3) راجع ترجمته في الهامش 8 ص 147. (¬4) "أكثر" ليست في ب. (¬5) "الإمام" ليست في ب. (¬6) راجع ترجمته في الهامش 7 ص 75. (¬7) عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله التيمي (وفي نسخة التميمي) أبو منصور الفقيه الشافعي. ولد ببغداد ونشأ بها. وسافر مع أَبيه إلى خراسان. وسكنا بنيسابور إلى أن ماتا. تفقه أبو منصور على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الاسفرايني وقرأ عليه أصول الدين وكان ماهرًا في فنون عديدة خصوصًا علم الحساب وله فيه تآليف نافعة، منها: كتاب "التكملة". وكان يدرس في سبعة وعشرين فنًا. وكان عارفًا بالفرائض والنحو والشعر. وجلس بعد أستاذه أبي إسحاق للإملاء في مسجد عقيل فأملى سنين واختلف إليه الأئمة فقرؤوا عليه، مثل: ناصر المروزي وزين الإِسلام القشيري. وتوفي سنة 420 هـ بمدينة إسفراين ودفن إلى جانب شيخه. ومن تصانيفه "تفسير القرآن" و"تأويل متشابه الأخبار" و"فضائح المعتزلة" و"معيار النظر" و"الإيمان وأصوله" و"الملل والنحل" و"التحصيل في أصول الفقه" و"الفرق بين الفرق" و"بلوغ المدى في أصول الهدى". (فوات الوفيات، 1: 298. وطبقات الشافعية للسبكي، 3: 238 - 242). (¬8) "لا" ليست في ب. انظر السرخي، الأصول، 1: 132. والبزدوي، الأصول، 1: 296.

وقال مشايخ سمرقند، [و] رئيسهم الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي (¬1)، رحمهم الله بأنه يوجب العموم عملا، ويعتقد فيه على الإبهام: أن ما أراد الله تعالى منه من العموم والخصوص فهو حق. وعلى قول مشايخ سمرقند: يصح التعليق بظواهر العمومات مع احتمال الخصوص، وبحقيقة اللفظ الخاص مع احتمال المجاز في الشرائع والأحكام، لأنها توجب العمل، والمراد من الشرائع (¬2) وجوب العمل، على قول أصحاب الخصوص، والوقف لا يصح. وجه قول الواقفية: [الفريق الأول]: إن كون الصيغة موضوعة للعموم قطعًا إما أن يعرف ضرورة، أو نظرًا، أو نقلا. - والأول باطل، لأن الضروريات لا يجري فيها الخلاف بين العقلاء. وفي هذه المسألة خلاف. - والثاني باطل, لأن الحكم العقلي لا يحتمل التغير بحال، كالحركة: لما كانت علة كون الذات القايم به متحركًا لن يتصور قيام حركة بذات من غير اتصافه بكونه متحركًا. وقد وجدنا صيغة العموم ويراد بها الخاص، بل الأغلب في الاستعمال (¬3) صيغة العموم في موضع الخصوص - دل أنه لم يكن بالنظر العقلي. - والثالث باطل، فإن (¬4) النقل إما أن يكون بطريق التواتر أو بطريق الآحاد. والنقل بطريق التواتر معدوم ههنا، لاختلاف العقلاء فيه، ¬

_ (¬1) راجع ترجمته في الهامش 5 ص (ط) من المقدمة. (¬2) في ب: "في الشرائع". (¬3) في ب: "استعمال". (¬4) في ب: "وإن".

ولا يجري الخلاف في موضع التواتر، كما في معرفة البلدان النائية، والملوك الماضية الثابتة تواترًا، نحو مكة وبغداد، وهارون الرشيد، ومحمود بن سبكتكين (¬1) ونحو ذلك - لم يبق إلا النقل بطريق الآحاد، وإنه لا يوجب العلم قطعًا، والمسألة قطعية لا عملية، ولأن أصحاب الخصوص يعارضون أنه ثبت، بالنقل آحادًا، أن صيغة العموم موضوعة للأقل (¬2)، ولا دليل مع قبول المعارضة. و [الفريق] الثاني: إن كانت الصيغة موضوعة للعموم في الأصل، ولكن في عرف الاستعمال يستعمل فيهما (¬3) على السواء، بل استعمالها في الخصوص أكثر، والنصوص الواردة بلفظة العموم، في الزمان الذي صارت الصيغة مشتركة في الاستعمال، فلا يعرف بها (¬4) إرادة العموم قطعًا، بل الاحتمال قائم، فيبطل (¬5) دعوى العموم قطعًا مع قيام الاحتمال. ¬

_ (¬1) خلف أباه سبكتكين فلك بلاد خراسان. وانقطعت الدولة السامانية منها وذلك سنة 389 هـ. واستتب له الملك. ثم ملك سجستان سنة 393 هـ. ولم يزل يفتح في بلاد الهند حتى انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية. وكان السلطان محمود هذا على مذهب أبي حنيفة. وكان مولعًا بعلم الحديث. وقيل: إنه انتقل إلى مذهب الشافعي. كان محمود السيرة ومناقبه كثيرة. ولد سنة 3610 هـ وتوفي سنة 421 هـ (أو 422 هـ) بغزنة وكان والده سبكتكين قد ورد مدينة بخارى في أيام نوح بن منصور أحد ملوك الدولة السامانية في صحبة أبي إسحاق بلتكين وكان حاجبه فلما توفي الأمير أبو إسحاق بايع الناس سبكتكين فلما تمكن شرع في الغزو والإغارة على أطراف الهند فافتتح قلاعًا كثيرة منها. وفي آخر الأمر وصل إلى مدينة بلخ من طوس فمرض بها ولكنه خرج إلى غزنة فمات في الطريق سنة 387 هـ وخلفه ابنه محمود. وقيل معنى سبكتكين ورقتان خضراوان (ابن خلكان). وقال الشهرستاني في الملل والنحل (1: 32 - 33) إن محمود بن سبكتكين السلطان قد نصر أَبا عبد الله ابن كرام (رجل من سجستان) وصب البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم، وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهم مجسمة. وانظر أيضًا: أحمد أمين، ظهر الإِسلام، الطبعة الثانية، 4: 96. (¬2) في ب: "للأول". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "فيها" (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "به". ولعل الأوضح أن يقال: "لا يعرف بها". (¬5) في ب: "فبطل".

وجه قول أصحاب الخصوص: ما ذكرنا آنفًا: أن الصيغة مشتركة في الاستعمال، فلا يجوز القول بالحكم مع التعارض، ولا معارضة في تناول الواحد في اسم الجنس، والثلاث في اسم الجمع، فيجب العمل عليه, لأن العمل باليقين واجب. وجه قول أصحاب العموم: إجماع الصحابة، وإجماع أرباب (¬1) اللغة، والمعقول: - أما إجماع الصحابة رضىي الله عنهم (¬2) - فإنه روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يجوز الجمع بين الأختين وطئًا بسبب كملك اليمين، وقال: أحلتهما آية وهي (¬3) قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (¬4) وحرمتهما آية، وهي (¬5) قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬6)، فوقعت المعارضة، والأصل في الأبضاع (¬7) هو الحرمة، فيبقى ما كان على ما كان، فتكون (¬8) الحرمة أولى احتياطًا. وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: تعارضت الآيتان، والأصل هو الحل بعد وجود سبب الحل، فيترجح جانب الحل. فهما، مع اختلافهما في وجه الترجيح، اتفقا على كون العموم حجة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليهما أحد منهم، فيكون إجماعًا. ¬

_ (¬1) في ب: "أهل". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "أما الإجماع". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "وهو". (¬4) سورة المؤمنون: 5. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "وهو". (¬6) سورة النساء: 23. (¬7) أي الفروج (انظر المعجم الوسيط). (¬8) في ب: "وتكون".

- وأما إجماع أهل اللغة، فإنه نقل عنهم أنَّهم قالوا: الكلام ثلاثة أقسام: وحدان (¬1)، وتثنية، وجمع - كقولنا: رجل ورجلان ورجال. وكذلك قالوا: إن كلمة "من" عامة في ذوات من يعقل، وكلمة "ما" عامة في ذوات ما لا يعقل وصفات من يعقل. - وأما المعقول، وهو أن الأسماء وضعت أعلامًا على المسميات، لحاجة الناس إلى علم ما في ضمائرهم بدلالات تدل عليها (¬2)، ومعنى العموم مقصود عند العقلاء، كمعنى الخصوص، وسائر المعاني من الأمر والنهي والاستخبار والخبر وغير ذلك: يجب أن يكون له صيغة مخصوصة، كما لسائر المعاني. وإذا ثبت أن صيغة العموم موضوعة له لغة: فمشايخ العراق قالوا: يجب أن يكون حقيقة له, لأن الحقيقة اللغوية ما وضعها أهل اللغة، ويجب حمل الكلام على الحقيقة حتى يقوم الدليل على المجاز. فمن حملها على الخصوص في الأصل فقد ادعى تغيير الوضع، وهذا باطل. ولأن استعمالها في موضح العموم لما كان حقيقة، فكل من سمع لفظًا عامًا من الكتاب والسنة يعتقد فيه العموم حملا له على الحقيقة، كمن سمع لفظ "الأسد" يحمله على الحيوان المخصوص دون الرجل الشجاع إلا برقينة زائدة. ولو كان المراد بالعموم الخصوص فقد اعتقد خلاف ما أراد الله تعالى. فكان ورود صيغة العام على إرادة الخصوص، من غير قرينة، يدل على (¬3) توهم التلبيس على السامع تعالى الله عن ذلك. فكان (¬4) هذا (¬5) الدليل العقلي، وغيره يدل على أنه لا يجوز ¬

_ (¬1) في المعجم الوسيط: الأحد الواحد. وجمعها آحاد وأحدان وأحدون. وليس فيه "وحدان". وانظر فيما يلي الهامش 1 ص 296. (¬2) في ب: "عليهما". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "تدل عليه". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وكان". (¬5) "هذا" ليست في ب.

ورود العام ويراد به الخاص، ولا ورود الخاص ويراد به المجاز، من غير دليل يفهم السامع مراد (¬1) الخطاب، ولأن الإرادة أمر باطن لا يقف عليها السامع فيكون ساقط العبرة (¬2) في حق المخاطب، ويدار الحكم في حقه على اللفظ المطلق الخالي عن القرينة، كما في الإخبار عن المحبة والبغض: أقيم مقام الحقيقة، ويسقط اعتبار الحقيقة في حق الأحكام - فكذلك هذا (¬3). ومشايخ سمرقند قالوا: إن الصيغة موضوعة للعموم في أصل الوضع، وكان في عرف الاستعمال صارت مشتركة، والنصوص الواردة في الأحكام، في الوقت (¬4) الذي صارت مشتركة، والترجيح في الاستعمال للخصوص. ولهذا لم نجد في القرآن صيغة العموم يراد بها الاستيعاب إلا قليلة، نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬5) وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬6). ولو (¬7) حمل مطلقها على العموم، فاحتماله اعتقاد الخطأ [فيه] قائم، [فـ] يجب القول بالتوقف (¬8) في الاعتقاد قطعًا، والقول بوجوب العمل ظاهرًا احتياطًا. ولأن شرط العموم عندكم هو خلو الصيغة عن قرينة إرادة الخصوص، فبم (¬9) عرفتم خلوها عن القرينة (¬10)؟ ¬

_ (¬1) في ب: "من". (¬2) في ب كذا: "الغيره". (¬3) في ب: "وذلك ههنا" (¬4) "في الوقت"- خبر المبتدأ وهو النصوص. (¬5) سورة البقرة: 284. وآل عمران: 29، 189. والمائدة: 17، 19، 40. والأنفال: 41. والتوبة: 39. (¬6) سورة البقرة: 282. والنساء: 176. والنور: 35، 64. والحجرات: 16. والتغابن: 11. (¬7) في ب: "فلو". (¬8) في ب: "بالتوقيف". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "سم". (¬10) "عن القرينة" من ب.

[فـ] إن قلتم: إن لفظ العام خال عنها (¬1) من حيث الحس (¬2) - فنقول: هذا أن لو كانت القرينة باللفظ العام (¬3) هي المتصلة لا غير. وقد يكون منفصلة من آية أخرى أو خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وإن (¬4) قلتم: لم يوجد - فالخصم يقول: لم قلتم إنه لم يوجد؟ أيش (¬5) تعنون أنها لم توجد: [أ] عندكم أو عند غيركم؟. بل نعارض ونقول: بل (¬6) وجدت عندي، فيكون تعلقًا بعدم الدليل، وهو باطل. ولأن القرينة غير مقصورة على اللفظية، بل قد تكون د لالة الحال، وقد تكون عقلية، وهذا مما لا يمكن نفيها قطعًا، بل احتمال الوجود قائم، ومع احتمال إرادة الخصوص كيف يثبت العلم قطعًا؟ وتبين بما (¬7) ذكرنا أنه ليس فيه تلبيس (¬8) , لأن الغالب إذا كان هو إرادة الخصوص في ألفاظ العموم، فكان حملها على العموم واعتقاد ذلك دون التوقف، إيقاع نفسه في الخطأ، فلا يضاف إلى الشرع، بل إلى تقصير السامع - أليس (¬9) أن النص المجمل وارد ولا يقال فيه تلبيس (¬10)؟؛ لأنه لما استوى الأمران، فيتوقف لئلا يقع (¬11) في الخطأ، ¬

_ (¬1) كذا في ب. والأصل. (¬2) في ب كذا: "الحسن". (¬3) "باللفظ العام" من ب. (¬4) في ب: "فإن". (¬5) بمعنى "أي شيء" وقد تكلمت به العرب (المعجم الوسيط. والمعجم الكبير) أي ماذا تعنون من ذلك؟ أعندكم أم عند غيركم. وقد يكون الصواب: أليس تعنون ... ؟ (¬6) "بل" من ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "ما". (¬8) في ب: "أنه ليس يلتبس". (¬9) "أليس" ليست في ب. (¬10) في ب كذا: "يلتبس". (¬11) في ب: "يتوقف كي لا يقع".

فلا ينسب صاحب الشرع إلى التلبيس، فكذا (¬1) إذا كان الاحتمال قائمًا حقيقة: يجب أن يتوقف لأجل الاحتمال، فمتى قطع [بـ] الاعتقاد، فهو (¬2) المقصر والموقع نفسه في اعتقاد الخطأ. قولهم: إن الإرادة أمر باطن فيسقط اعتباره، فنقول: هذا تسليم منكم بوجود (¬3) الاحتمال، والقول بإسقاط الاعتبار باعتبار الحاجة، ولا (¬4) حاجة، فإن الاعتقاد أمر بينه وبين الله تعالى، فيكفيه (¬5) الاعتقاد مبهمًا أن ما أراد الله تعالى به حق ولا حاجة في حق (¬6) العمل, لأن العمل بالدليل الراجح مع احتمال الخطأ واجب، كما في الشهادات، وخبر العدل في باب الديانات. وأما شبهة الواقفية فالجواب (¬7) عنها ما مر في صيغة الأمر: أنا لا ندعي ذلك ضرورة، ولا نظرًا، لما قلتم، ولكن نقلا بطريق التواتر، وبإجماع الصحابة. قولكم: لو كان ثابتًا بالتواتر لما جرى الخلاف بين العلماء - فنقول: إنما لا يجري الخلاف في الضروريات. وفي كون الخبر المتواتر موجبًا علمًا خلاف بين العقلاء. فالنظام من المعتزلة (¬8) يقول: ليس بحجة قطعًا. ¬

_ (¬1) في ب: "وكذلك". (¬2) في ب: "وهو". (¬3) في ب: "لوجود". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "فلا". (¬5) في ب. وفي الأصل: "فكيفية". (¬6) "حق" ليست في ب. (¬7) في ب: "والجواب". (¬8) "من المعتزلة" من ب. وهو إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام المتوفى سنة 231 هـ. طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة وانفرد عن أصحابه بمسائل منها قوله في الإجماع إنه ليس بحجة في الشرع. وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجة، وإنما الحجة في قول الإمام المعصوم. قيل له "النظام" لأنه كان ينظم الحرز في سوق البصرة، وقيل لأنه كان نظاما للكلام المنثور والشمر الموزون (انظر الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 53 وما بعدها. وعبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 131).

وقال عامة العقلاء: حجة موجبة للعلم قطعًا، ولكن (¬1) يوجب علمًا ضروريًا أو استدلاليًا؟ فيه خلاف أيضًا: فيجوز أن يكون قول مشايخ العراق هذا: إنه يوجب علمًا استدلاليًا لا ضروريًا، فجوزوا الخلاف فيه، ولكن لا يخرج من أن يكون موجبًا علمًا قطعيًا. ألا ترى أن العلم بحدوث العالم وقدم الصانع وتوحيده علم قطعي مع وجود الخلاف بين العقلاء - هذا جواب مشايخ العراق. وجواب مشايخ سمرقند عن (¬2) هذه الشبهة سهل، وهو أن النقل إن كان بطريق الآحاد فخبر (¬3) الواحد حجة في حق العمل، والكلام في حق العمل. وأما (¬4) في حق ثبوت العلم القطعي فيتوقف فيه ويعتقد على الإبهام، كما في النص المجمل والمشترك. مسألة - في العام إذا خص منه بعضه: ههنا فصلان: أحدهما - أنه هل يبقى عامًا في الباقي بطريق الحقيقة أم يصير مجازًا؟ والثاني - هل يبقى حجة في حق العلم والعمل في الباقي، أو يبقى حجة في حق العمل دون العلم، ويصح الاستدلال به بعد الخصوص، أو لا يبقى حجة أصلا؟ ¬

_ (¬1) في ب: "لكن". (¬2) في ب كذا: "غير". (¬3) في ب كذا: "فخبر، وفي". (¬4) في ب: "فأما".

أما الأول: فهو مبني على أن شرط اللفظ العام [هل] هو الاستيعاب والاستغراق أو (¬1) الاجتماع؟ فمن قال شرطه (¬2) الجمع: فمادامت (¬3) الصيغة متناولة لجمع مطلق وهو (¬4) الثلاثة فصاعدًا - فهي عام حقيقة. وإن انتهى الخصوص إلى الاثنين (¬5) والواحد، لا يبقى عامًا حقيقة. ومن قال: إن شرطه الاستيعاب، فمتى خص واحد من الجملة لا يبقى عامًا حقيقة, لأن حقيقة اسم العام أن يكون متناولا لكل المسميات. فإذا لم يتناول مسمى واحدًا لا يبقى كلا، فلا يبقى عامًا ضرورة. وبعض مشايخنا قالوا: هذه مسألة مبتدأة، سواء كان شرط العام الجمع أو الاستيعاب. وقد اختلف أهل الأصول فيها: قال عامة أصحابنا وعامة أهل الحديث بأنه يبقى حقيقة في الباقي، سواء كان دليل التخصيص (¬6) متصلا به غير مستقل بذاته مفيدًا (¬7) في نفسه، نحو قوله: "اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة"، أو كان منفصلا عنه. مستقلا بذاته مفيدًا (¬8) في نفسه، نحو قوله: "اقتلوا المشركين ولا تقتلوا ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "و". (¬2) في ب: "بشرطه". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "فمادام". (¬4) "وهو" من ب. (¬5) في ب: "اثنين". (¬6) في ب: "الخصوص". (¬7) و (¬8) في ب كذا: "مقيد" - "مقيدا".

أهل الذمة"، وسواء كان دليل الخصوص سمعيًا أو عقليًا (¬1) أو دلالة الحال. وقال بعض أصحابنا - وهو قول بعض أصحاب الحديث: يكون مجازًا في الباقي، سواء كان دليل الخصوص متصلا به أو منفصلا عنه، سمعيًا أو عقليًا أو دلالة حال. وقال بعض أهل التحقيق: الجواب ليس (¬2) على الإطلاق في هذه المسألة بل على التفصيل. وفي ذلك أقوال ثلاثة: - عن أبي الحسن الكرخي رحمه الله: إن كان دليل التخصيص (¬3) متصلا غير مستقل ونفسه، كالاستثناء، يبقى حقيقة في الباقي. وإن كان منفصلا، يصير مجازًا. - وقال بعضهم: إن كان دليل الخصوص لفظيًا، يبقى (¬4) حقيقة في الباقي، سواء كان متصلا أو منفصلا. وإن لم يكن لفظيًا، يصير مجازًا. - وقال بعضهم: يصير مجازًا في الأحوال كلها، إلا في الشرط والصفة (¬5)، كمن قال: "اضرب عبيدي إن دخلوا الدار" أو قال: "اضرب عبيدي الطوال" - فقوله. "عبيدي" عام ثم المراد منه الخاص دون العام: فإنه خص منه القصار وغير الداخلين، وهو حقيقة في الباقي. لكن في شرح هذه الأقوال، وبيان حجج هؤلاء، واختيار الأصح من ذلك طول، وهو مشروح في شرح المختصر. ¬

_ (¬1) في ب: "عقليًا أو سمعيًا". (¬2) "ليس" ليست في ب. (¬3) في ب: "الخصوص". (¬4) في ب كذا: "بنفي". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "والصيغة".

وأما الفصل الثاني: وهو مبني في الأصل (¬1) على حكم العام. فقال مشايخ سمرقند وأصحاب الشافعي: إنه حجة. ولكن يوجب العمل دون العلم، بناء على ما ذكرنا في (¬2) حكم العام الذي لم يخص منه شيء: إنه لا يوجب العلم قطعًا، ولكن يصح الاحتجاج به في حق الأحكام الشرعية، لكن الاحتمال ههنا أكثر. وأما الذين قالوا: إن العام الذي لم يخص منه شيء يوجب العلم قطعًا اختلفوا في العام المخصوص: قال عيسى بن أبان (¬3) ومحمد بن شجاع الثلجي (¬4) من أصحابنا وأبو الثور (¬5) من أصحاب الحديث: إنه لا يبقى حجة كيفما كان دليل الخصوص. وقال بعضهم: يبقى حجة على عكس الأول. وقال بعضهم: الجواب على التفصيل: - قال الكرخي: إن كان دليل الخصوص منفصلا مستقلا بذاته مفهومًا في نفسه: لا يبقى حجة. وإن كان متصلا غير مستقل بذاته يبقى حجة، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "فهو في الأصل مبني". (¬2) في ب: "من". (¬3) راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 5 ص 113. (¬4) راجع فيما تقدم ترجمته في الهامش 6 ص 211. (¬5) هو أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي. الإمام الجامع بين علمي الحديث والفقه. أحد الأئمة المجتهدين والعلماء البارعين والفقهاء المبرزين. كان أو لا على مذهب أهل الرأي، فلما قدم الشافعي بغداد حضره أبو ثور فرأى من علمه وفضله وحسن طريقته وجمعه بين الفقه والسنة ما عرفه بها كان عليه ورده إلى طريقة الشافعي. ولازم الشافعي وصار من أعلام أصحابه. وهو صاحب مذهب مستقل لا يعد تفرده وجهًا في المذهب. له كتب مصنفة في الأحكام جمع فيها بين الفقه والحديث. ومن كتبه: المبسوط على ترتيب كتب الشافعي. وأكثر أهل أذربيجان وأرمينية يتفقهون على مذهبه. وتوفي سنة 240 هـ (النووي، التهذيب. وابن النديم، الفهرست).

سواء كان المخصوص مجهولا أو معلومًا، في رواية. وقال في رواية: إن كان المخصوص مجهولا لا يبقى حجة، وإن كان معلومًا يبقى حجة. - وقال بعضهم: إن كان مما يمكن (¬1) العمل بظاهر اللفظ العام في الباقي بعد الخصوص (¬2)، من غير اشتراط شيء، يبقى حجة - كقوله (¬3): "اقتلوا المشركين ولا تقتلوا أهل الذمة": فإنه يمكن العمل به فيما وراء المخصوص، بظاهر اللفظ، من غير اشتراط شيء آخر. وإن (¬4) كان لا يمكن العمل بظاهره في الباقي إلا بشرط زائد، لا يبقى حجة - كقوله تعالى (¬5) " {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ...} (الآية) " (¬6): خص منها بعض السراق، ولا يمكن العمل بالباقي ظاهرًا إلا بشرط قال النصاب وكمال الحرز ونحو ذلك. - وقال بعضهم: إن كان المخصوص معلومًا: يجب العمل بالباقي، ويجب الاعتقاد والعلم قطعًا، كيفما كان دليل الخصوص. وإن كان مجهولا، لا يبقى حجة، كيفما كان. وهذا هو الأصح من هذه الأقوال على قول من قال إن العام يوجب العلم قطعًا - وبيانه (¬7)، وهو: ¬

_ (¬1) "مما يمكن" ليست في ب. (¬2) "بعد الخصوص" من ب. (¬3) زاد في ب: "صلى الله عليه وسلم". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "فإن". (¬5) "تعالى" من ب. (¬6) سورة المائدة: 38. (¬7) "من هذه الأقوال .. وبيانه" من ب.

إن المخصوص إذا كان مجهولا، كأنه قال: "اقتلوا المشركين ولا تقتلوا أقوامًا (¬1) منهم" لا يبقى حجة (¬2) , لأنه يحتمل أن المتنازع فيه ليس (¬3) هو المخصوص أو من قبيل المخصوص. ويحتمل أن المتنازع فيه من قبيل المخصوص منه: إن كان من قبيل المخصوص منه يبقى حجة. وإن كان من قبيل المخصوص لا يكون حجة، فلا يكون حجة مع الاحتمال. وبهذا الطريق لا يصح الاستثناء إذا كان المستثنى مجهولا، بأن قال: "لفلان علي كذا إلا شيئًا". • أما إذا كان المخصوص معلومًا [فـ] يبقى حجة, لأن النص العام يتناول كل واحد من الأفراد، كأنه نص عليه على ما ذكرنا. فإذا خص منه شيء معلوم يبق الباقي داخلا تحته بيقين. فإنه إذا قال: "اقتلوا المشركين ولا تقتلوا أهل الذمة" فإذا خرج أهل الذمة يبقى اللفظ في الباقي قطعًا - هذا كالاستثناء: إذا قال لفلان علي عشرة إلا خمسة يبقى خمسة بيقين، لما قلنا (¬4)، كالعشرة: إذا كانت موضوعة بين يدي إنسان فأخذ منها درهمين يبقى الباقي (¬5) ثمانية بيقين - فكذا هذا. وإذا ثبت هذا يجب أن يبقى حجة ودليلا قطعًا, لأن دليل الشرع ما يتوصل به إلى معرفة حكم الشرع، وبعدما خص منه شيء معلوم يمكن التوصل به إلى معرفة حكم الشرع في الباقي، يجب أن يبقى حجة، بخلاف المجهول، فإنه لا يمكن التوصل به إلى معرفة حكم الشرع في الباقي (¬6) - فلهذا افترقا. ¬

_ (¬1) في ب: "قومًا". (¬2) "حجة" من ب. (¬3) "ليس" ليست في ب. (¬4) "كالاستثناء ... لما قلنا" من ب. (¬5) في ب كذا: "الثاني". (¬6) "يجب أن يبقى حجة .. في الباقي" ليست في ب.

ولا يقال بأن المخصوص إذا كان معلومًا يحتمل أن يكون معلولا بعلة عرفت بالرأي والاجتهاد الذي يحتمل الخطأ والصواب: [فـ] إن كان صوابًا، وهو موجود في غيره، يكون تخصيصًا له. وإن كان خطأ فلا. وإن لم يقف عليها، فهو معلول عند الله تعالى، فإن حكمه لا يخلو عن الحاكمة، ونعني بالعلة الحاكمة: فإن كان صوابًا يتعدى إلى غيره، وإن كان خطأ فلا. فعلى احتمال الصواب ووجوده في غيره لا (¬1) يبقى حجة، فلا يبقى مع الاحتمال, لأنا نقول: إما إن عرفت تلك العلة بالرأي والاجتهاد أو لم تعرف: فإن عرفت: فمن جوز تخصيص النص العام، بالقياس، قبل التخصيص، يجوز بعده بطريق الأولى. وإن (¬2) وجد في غير المخصوص ثبت (¬3) الحكم فيه ويكون تخصيصًا له. فمن ادعى أن المعنى موجود في الفرع، حتى يكون تخصيصًا له، فعليه الدليل. ومن لم يجوز تخصيص العام قبل الخصوص بالقياس، لم يجوز بعده أيضًا, فلا يلزم عليه هذا الإشكال. وإن (¬4) كان معلولا (¬5) ولم يقف على العلة، فكان وجودها كعدمها (¬6) في حقنا, لأنا لا نكلف ما ليس في وسعنا، وليس في وسعنا إلا معرفة الحاكم من (¬7) حيث الظاهر، فيبقى الباقي حجة، لعدم علة الخصوص في حقنا - والله أعلم. مسألة: قال علماؤنا رحمهم الله: إن صيغة الجمع بدون الألف واللام نحو ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "فلا". (¬2) في ب: "فان". (¬3) في ب: "ثبت". (¬4) في ب: "فإن". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "معلوماً". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "لعدمها". (¬7) في ب: "وليس في وسعنا معرفة الحكم إلا من".

قولنا رجال ونساء، يتناول الثلاثة فصاعدًا، ولا يتناول ما دونها، فأقل الجمع الصحيح الثلاثة. وقال أصحاب الشافعي، وهو مذهب الأشعرية: أقل الجمع الصحيح اثنان. وثمرة الخلاف (¬1) تظهر في فصلين: أحدهما: راجع إلى الفقه، وهو أن من نذر أن يتصدق بدراهم أو [قال:] "لفلان علي دراهم"- يقع على الثلاثة، ولو نوى ما زاد عليها تصح نيته. ولو نذر أن يتصدق على فقراء أو على مساكين، فصرف (¬2) إلى ثلاثة منهم يخرج عن نذره. ولو صرف إلى اثنين كل منهم لا يخرج عن نذره، عندنا (¬3) خلافًا لهم. والثاني: يرجع إلى أصول الفقه. وهو أنه إذا انتهى الخصوص، ولم يبق تحت العام مراد سوى الاثنين أو (¬4) الواحد، فإنه لا يبقى العام حقيقة، بل يصير الاسم مجازًا للباقي عندنا. وعندهم يبقى الاثنين حقيقة دون الواحد. فهم تعلقوا بالسمع، والعة ل، واستعمال أرباب اللسان: - أما السمع، فما (¬5) روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الاثنان فما فوقهما جماعة"، وهو أفصح العرب. ولو نقل هذا عن (¬6) واحد من الأعراب يكون حجة، فعن (¬7) صاحب الشرع أولى. ¬

_ (¬1) في ب: "الاختلاف". (¬2) في ب: "فدفع". (¬3) في ب: "إلى اثنين لا يخرج، عندنا". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "والواحد". (¬5) في ب: "ما". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "من". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "فن".

- وأما العقل، وهو أن الجمع عبارة عن الاجتماع، وهو ضم الشيء إلى مثله (¬1)، فمعنى الجمع موجود في الاثنين، فيكون جمعًا صحيحًا، وإن كان في الثلاث أكثر - ألا ترى أن الثلاث جمع صحيح، وإن كان معنى الاجتماع، فيما وراء الثلاث، أكثر، والكلام في أقل الجمع. هذا كالجسم: لما كان عبارة عن اجتماع أجزاء وتركيبها (¬2)، فأقل الجسم جوهران لوجود معنى الجسمية فيه, وإن كان فيما وراء ذلك أكثر - كذا هذا. - وأما استعمال أرباب اللسان، فإنهم يستعملون صيغة الجمع في التثنية نحو قولهم (¬3): "نحن فعلنا" و"نحن نفعل" ونحو ذلك، في التثنية والجمع جميعًا. ثم إن (¬4) سلمنا أن الاثنين ليس بجمع صحيح وضعًا، ولكنه جمع شرعًا، فإن الشرع أعطى للاثنين حكم الجماعة في باب الميراث والحجب والشهادة ونحوها. قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (¬5) والاثنان من الإخوة يحجبان (¬6) الأم من الثلث إلى السدس. وقال: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} (¬7): أقام الثنتين مقام الجماعة في حق استحقاق الثلثين. وكذا في الوصايا. ولنا الاستدلال بالسنة، ووضع أهل اللغة: - أما السنة، فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب" - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فصل بين التثنية والجمع. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "مثليه". (¬2) في ب كذا: وتركتها". (¬3) في ب: " كقولهم". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "ثم ولئن". (¬5) سورة النساء: 11. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "يحجبون". (¬7) سورة النساء: 176.

- وأما الوضع، فإن أهل اللغة جعلوا الكلام ثلاثة أقسام: وحدان (¬1)، وتثنية، وجمع. فقالوا (¬2): رجل، ورجلان، ورجال. وقالوا: فعل، وفعلا، وفعلوا (¬3). وكذلك قالوا في التأكيد: جاءني زيد نفسه، وجاءني زيدان أنفسهما، وجاءني زيدون أنفسهم. وكذا في النعت: جاءني رجل عالم، ورجلان عالمان. ورجال علماء. والجواب عن كلماتهم. - أما الحديث: فإنما أراد به في حق بعض الأحكام في (¬4) الميراث والوصية ونحوهما، وما أراد بيان وضع اللغة (¬5)، فإنه مبعوث لبيان الأحكام لا لبيان وضع اللغة، فإنه يشاركه كل عربي فلا يظهر الاختصاص (¬6)، ألا ترى أنه لم يكن كذلك في حق جميع الأحكام، ولو كان ذلك (¬7) من باب الوضع اللغوي، لثبت في حق جميع الأحكام - لما (¬8) ذكرنا أن وضع اللغة يخالفه (¬9). -وهو الجواب عن قولهم إنه جمع شرعًا، فنقول: إنه ألحق بالجمع في موضع كان المعنى الذي تعلق به الحكم (¬10) في الجمع موجودًا في التثنية. ولهذا لم يلحق التثنية بالجمع في حق (¬11) جميع الأحكام. ¬

_ (¬1) في المعجم الوسيط: الأحد الواحد. وجمعها أحدان وآحاد وأحدون. وليس فيه "وحدان". (وانظر أيضًا المعجم الكبير). وراجع فيما تقدم الهامش 1 ص 283. (¬2) في ب: "وقالوا". (¬3) في ب: "رجل فعل - ورجلا [ن] فعلا - ورجال فعلوا". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "من". (¬5) "اللغة" ليست في ب. (¬6) "فإنه يشاركه ... الاختصاص" من ب. (¬7) في ب: "كذلك". (¬8) في ب: "ولما". (¬9) في ب: "بخلافه". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل: "تعلق بالحكم". (¬11) "حق" ليست في ب.

فصل في الخاص

- وأما قولهم بأن الجمع عبارة عن الضم والاجتماع وهو موجود في التثنية - بلى! مطلق الجمع ما ذكرتم، ولكن صيغة الجمع وضعت لجمع خاص، وهو ضم الشيء إلى مثليه - عرفنا ذلك بوضع أهل اللغة، ولا يجعل الثلاثة جمعًا مطلقًا (¬1) من حيث إن فيه معنى الجمع المطلق (¬2)، بل من حيث إنه جمع خاص - والله أعلم. فصل في الخاص (¬3) الكلام ههنا في مواضع: - في تفسير الخاص لغة وعرفًا. وفي بيان الخصوص، والمخصوص، والمخصوص منه. وفي بيان الفرق بين التخصيص والاستثناء والنسخ في اللغة وفي عرف الشرع. - وفي بيان حكم الخاص. - وفي بيان ما يجوز تخصيصه وما لا يجوز. - وفي بيان ما يجوز به التخصيص وما لا يجوز به. وما يتصل بها (¬4) من المسائل. [1] أما الأول فالخاص في اللغة: عبارة عن المنفرد (¬5) - يقال "فلان خاص فلان"، ¬

_ (¬1) في ب: "صحيحًا". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "مطلق". (¬3) راجع ص 80. (¬4) كذا في ب: "بها". وفي الأصل: "به". (¬5) في ب: "المفرد". انفرد بالأمر استبد ولم يشرك معه أحدًا. والفرد المنفرد المتوحد والفرد من الناس وغيرهم المنقطع النظير الذي لا مثيل له في جودته (انظر المعجم الوسيط).

أي منفرد له. ويقال: "اختص فلان بكذا" أي انفرد به. ومنه "الخصاصة" وهي الحاجة الموجبة (¬1) للانفراد عن المال وعن أسباب المنال (¬2). وأما في عرف اللغة والشرع - فعبارة عن اللفظ الذي أريد به الواحد معينًا كان أو مبهمًا. فالمعين نحو قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (¬3). والمبهم المطلق (¬4) نحو قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (¬5). فالمراد به هو الواحد غير عين. ثم الواحد قد يكون من حيث الجنس كالحيوان بمقابلة النامي (¬6)، وإن كان في نفسه عامًا يتناول أنواعًا (¬7). وقد يكون واحدًا من حيث النوع كالإنسان بمقابلة الإبل والبقر وإن كان في نفسه أشخاصًا كثيرة. وقد يكون واحدًا من حيث الذات نحو زيد وعمرو، وإن كان أشياء من حيث الأجزاء فيكون خاصًا من وجه وعامًا من وجه، لأن العام والخاص من الأسماء الإضافية. وأما المخصوص في اللغة -[فـ] مصدر. وهو (¬8) يستعمل ملازمًا ومتعديًا. يقال: خص يخص خصوصًا، فهو خاص. وذلك مخصوص. ¬

_ (¬1) في ب: "والموجبة". (¬2) في ب لعلها: "المال". انظر أصول البزدوى، 1: 31. وأصول السرخسى، 1: 125. (¬3) سورة الفتح: 29. والآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ...} (¬4) "المطلق" ليست في ب. (¬5) سورة النساء: 92. والآية والتي بعدها: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. (¬6) النامي غير الصامت من الأشياء كالنبات والحيوان (المعجم الوسيط) ولعل المراد هنا النبات. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "الأنواع". (¬8) في ب: "وقد".

إلا أنه يذكر ويراد به الخاص إطلاقًا لاسم (¬1) المصدر على النعت، كما يطلق اسم العموم على العام. وهو مستفيض في اللغة - يقال: رجل عدل أي عادل، قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} (¬2) أي غائرًا. وأما المخصوص - فهو اسم لما خص من النص العام، أي أخرج منه، بعد ما كان داخلا فيه، من حيث ظاهر اللغة. وقد يطلق المخصوص على النص العام: يقال عام مخصوص، أي مخصوص منه، بحذف حرف "منه"، لوضوحه (¬3) اختصارًا. وأما المخصوص منه - فهو (¬4) النص العام الذي أخرج منه (¬5) بعضه. وأما (¬6) بيان الفرق بين التخصيص والاستثناء والنسخ: أما من حيث اللغة: فهو إخراج بعض ما يتناوله (¬7) ظاهر النص. إلا أن التخصيص والاستثناء إخراج بعض ما يتناوله (¬8) من حيث الأعيان، والنسخ إخراج بعض ما يتناوله من حيث الزمان، إذ النسخ لا يرد إلا فيما يراد به الحكم في بعض الأزمان في موضع صار مطلق الزمان مرادًا، لا (¬9) لفظًا - لكن بدليل وراء الصيغة من القرائن. وأما في عرف لسان الفقهاء: [فـ] التخصيص والاستثناء بيان أن قدر المخصوص والمستثنى غير مراد عن اللفظ العام والمستثنى منه، لا أن ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "للاسم". (¬2) سورة الملك:. 3. والآية: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}. (¬3) "لوضوحه" ليست في ب. (¬4) في ب: "وهو". (¬5) "منه" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "فأما". (¬7) و (¬8) في ب: "ما تناوله". (¬9) "لا" ليست في ب.

[2] وأما بيان حكم الخاص

يكون داخلا تحت اللفظ، ثم خرج بالتخصيص والاستثناء، لكن مع صلاحية اللفظ للتناول، بحيث لولا التخصيص والاستثناء لكان داخلا تحت اللفظ. وأما النسخ - فهو (¬1) بيان أن مراد الله تعالى ثبوت الحاكم في بعض الأزمان، لا أن كل الزمان كان مرادًا ثم أخرج (¬2) بعضه, لأنه يؤدي (¬3) إلى التناقض، على ما نذكر في فصل النسخ إن شاء الله تعالى. وقال بعضهم: التخصيص والاستثناء بيان مقارن، والنسخ بيان متراخ، إلا أن هذا الفرق لا يصح على قول من يجوز تأخير دليل الخصوص، على ما نبين. [2] وأما بيان حكم الخاص فهو (¬4) ثبوت الحكم فيما يتناوله (¬5) النص الخاص قطعًا، عند مشايخ العراق. وبه أخذ القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله ومن تابعه. وعلى قول مشايخ سمرقند وأصحاب الشافعي: ثبوت الحكم ظاهرًا - بناء على الأصل الذي ذكرنا: - أن الفريق الأول اعتبروا ظاهر اللفظ الموضوع، والخاص موضوع لما يتناوله (¬6) لغة بطريق الحقيقة والكلام لحقيقته حتى يقوم دليل المجاز، كما قالوا في صيغة (¬7) العموم وصيغة الأمر والنهي. ¬

_ (¬1) في ب: "وهو". (¬2) في ب: "إخراج ". (¬3) في ب كذا: "بعضه لا يؤدي". (¬4) في ب: "وهو". (¬5) في ب: "تناوله". (¬6) في ب: "تناوله". (¬7) "صيغة" من ب.

[3] وأما بيان ما يجوز تخصيصه, وما لا يجوز

- والفريق الثاني قالوا: إن كل حقيقة تحتمل المجاز، وكل عام يحتمل الخصوص، ومع الاحتمال لا يتصور القطع. مثاله: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬1)، والغسل اسم لفعل معلوم، وهو تسييل الماء على العضو لا غير، فمن شرط النية في الوضوء والغسل وشرط الترتيب في غسل أعضاء الوضوء والولاء (¬2) فقد زاد على النص، وهو نسخ، فلا يجوز برخبر الواحد والقياس - هذا على قياس قول مشايخ العراق. وعند مشايخ سمرقند: هذا (¬3) زيادة على النص ظاهرًا لكن الزيادة على النص عندهم بيان، فيجوز بخبر الواحد، ويعرف هذا في باب النسخ. [3] وأما بيان ما يجوز تخصيصه, وما لا يجوز: أما الذي يجوز تخصيصه فهو اللفظ العام من حيث الصيغة والمعنى، أو من حيث المعنى دون الصيغة - على ما مر بيانه. وأما ما لا يجوز تخصيصه فكثير. وفي بعضها (¬4) خلاف، فنذكر هذه المسائل: مسألة - تخصيص اللفظ العام جائز إلى أن ينتهي نهايته. واختلفوا (¬5) فيه: ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 6. والآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ...}. (¬2) والى بين الأمرين موالاة وولاء تابع (المعجم الوسيط). وانظر التحفة للمؤلف (1: 13 وما بعدها). وفيها: "الموالاة". (¬3) في ب: "هو". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وفي بعض ذلك". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "واختلف".

قال القفال الشاشي (¬1) وكل من قال إن معنى العموم هو الاجتماع: إن لفظ الجمع بدون الألف والسلام نحو قولهم "رجال" و"نساء" يجوز تخصيصه إلى الثلاث، وإخراج ما دونه عن العام يكون نسخًا. فأما إذا دخله لام التعريف أو كان عامًا من حيث المعنى دون الصيغة فإنه يجوز التخصيص إلى الواحد، ولا يجوز إخراج الواحد إلا بدليل يصلح للنسخ, لأنه نسخ. وهذا بناء على أن شرط العموم هو الجمع (¬2) دون الاستيعاب، فيجوز التخصيص إلى الثلاث في المنكر. وعند دخول الألف والسلام تصير للجنس، فيجوز التخصيص إلى (¬3) الواحد. وعند عامة أهل الحديث: إلى الواحد. ويجوز تخصيص الاثنين, لأنه جمع صحيح عندهم. وعلى قول من شرط الاستيعاب للعموم يجوز التخصيص إلى الواحد، لأنه يتناول كل واحد من المسميات على الانفراد، كلفظ (¬4) "من" و "ما"، فلا (¬5) يعتبر فيه معنى الجمع مقصودًا - والله أعلم (¬6). مسألة - تخصيص اللفظ العام في موضع الخبر: جائز عند عامة الفقهاء. وقال بعضهم: لا يجوز في خبر من لا يجوز عليه الكذب, لأن التخصيص إن كان عاملا بطريق المعارضة يكون فيه نسبة حقيقة الكذب ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي متن الأصل: "قال القفال الشاشي" وفي هامشه كذا: "وعند أبي بكر الشاتي". راجع ترجمته في الهامش 3 ص 177 .. (¬2) في ب كذا: "السمع"! (¬3) "إلى" ليست في ب. (¬4) في ب: "كلفظة". (¬5) في ب: "ولا". (¬6) راجع فيما تقدم: هل شرط العموم الاستغراق والاستيعاب أو الاجتماع لا غير: ص 255 وما بعدها.

إلى الله تعالى أو رسوله (¬1) , لأن الخبر (¬2) العام إذا خص يكون خبرًا على خلاف المخبر به (¬3) في قدر الخصوص، وذلك حد الكذب. وإن كان عامًا (¬4)، بطريق البيان، ففيه نسبة وهم الكذب، فإن السامع إذا كان عربيًا ليس بفقيه، فيظن أنه عام في جميع ما أخبر. وإذا (¬5) خص بعضه، وحكمه خلاف حكم خبر العام، فربما يعتقده كذبًا (¬6) أو يظنه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا (¬7)، بخلاف الأمر والنهي، لأنه لا يدخل فيهما الصدق والكذب, لأنهما وصفان لازمان للخبر لا غير - وبخلاف خبر من يجوز عليه الكذب فإنه لا يجب صيانته عن الكذب (¬8). ولكن عامة أهل الأصول جوزوا - للنص، والمعقول: - أما (¬9) النص [فـ] قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (¬10)، ولم تؤت كل شيء بالإجماع، فإنها لم تؤت ملك سليمان صلوات الله عليه. وقال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} (¬11). ¬

_ (¬1) في ب: "وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم". (¬2) "الخبر" ليست في ب. (¬3) في ب: "يكون خبرًا عن المخبر به". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "عاملا". (¬5) في ب: "فإذا". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "فربما يعتقد به كذبا". (¬7) "علوًا كبيرًا" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "عن ذلك". (¬9) "أما" من ب. (¬10) سورة النمل: 23. والآية: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}. (¬11) سورة طه: 118. والآيات 117 - 121: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.

ثم إن آدم صلوات الله عليه عري في الجنة كما قال الله تعالى: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} (¬1) فهذا (¬2) تخصيص الخبر. وكذا قال الله تعالى إخبارًا (¬3) عن إبليس اللعين: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ} (¬4): استثنى إبليس، والاستثناء (¬5) والتخصيص سواء. - وأما المعقول، وهو أن التخصيص والاستثناء (¬6) من باب البيان، فنبين (¬7) أن ذلك غير مراد بالكلام، فإن الاستثناء تكلم بالباقي لغة، على ما نذكر. وكذا التخصيص: فإن ذكر العام، والمراد منه (¬8) الخاص، أغلب وجودًا في استعمال الناس، فلا يؤدي إلى نسبة الكذب ولا وهمه إلى من لا يجوز عليه الكذب. والدليلَ عليه أن من قال: "لفلان علي عشرة دراهم إلا خمسة"، صح، ولا يكون هذا كذبًا ولا فيه وهم الكذب، لما قلنا - فكذا (¬9) في التخصيص. مسألة - اللفظ العام إذا استعمل بطريق المجاز، هل يكون له عموم؟ فقال (¬10) بعضهم: لا عموم له, لأن المجاز ضروري. والثابت بطريق الضرورة (¬11) لا عموم له. ¬

_ (¬1) راجع الهامش 11 ص 303. (¬2) في ب: "وهذا". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "خبرًا". (¬4) ص: 73 - والحجر: 30: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}. وانظر الهامش 4 ص 314. (¬5) إلى هنا انتهى النقص في أ (راجع فيما تقدم الهامش 8 ص 255). (¬6) في ب: "الاستثناء والتخصيص". (¬7) في ب: "فيبين". (¬8) في ب: "به". (¬9) في ب: "وكذا". (¬10) في أ: "قال". (¬11) في أ: "بالضرورة".

وقال عامتهم بالعموم: لأن (¬1) هذا حكم اللفظ، واللفظ عام، والمجاز يعمل بنفسه، فيجب العمل بعمومه. وما قالوا إنه ضروري، فليس (¬2) هكذا، بل هو من باب البلاغة والفصاحة. ولهذا وجد في كتاب الله تعالى وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكلام سائر البلغاء من الحكماء - فلا يجوز وصفه بالضرورة. مسألة - لا خلاف أن التخصيص في اللفظ الفرد إذا وجد صريحًا، على طريق (¬3) الإطلاق، لا بطريق الضرورة (¬4)، لا يجوز, لأنه لا يتصور, لأنه لا بعض له من النوع وإنما بعضه أجزاؤه، واللفظ يعم أجزاء ما تناوله (¬5) بطريق التضمن، كالوجه يعم العين والأنف والخد ونحوها، وهذا (¬6) ليس باسم عام، و (¬7) كالدار تعم السقف والصحن والحوائط ونحوها، وهو ليس (¬8) باسم عام, لأنه اسم خاص: إذا ذكر على طريق النكرة غير معرف بالألف والسلام، فلا يتناول نوعه وجنسه، وإنما يتناول أجزاءه بطريق التضمن. مسألة - النص إذا لم يكن عامًا من حيث اللفظ، ولكنه عام بطريق الدلالة، كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} (¬9) لا يجوز ¬

_ (¬1) في ب: "فإن". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وليس". (¬3) "طريق" ليست في ب. (¬4) في هامش أ: "قوله بطريق الضرورة - احتراز عن المقتضى، فإنه موجود بطريق الضرورة وفي كونه عامًا خلاف". (¬5) في أ: "ما يتناوله". (¬6) في ب: "وهو". (¬7) "و" ليست في ب ففيها: "عام كالدار" (¬8) "هو"من أ. (¬9) سورة الإسراء: 23 والآية: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.

تخصيصه, لأن لفظ التأفيف (¬1) هو المنصوص عليه، وهو ليس بعام، بل هو اسم خاص لمعنى خاص، ولكن (¬2) لما كان تحريم التأفيف تحريمًا لكل أذى فوقه من القتل والضرب والشتم ونحوها، بضرورة (¬3) العقل، فيكون تخصيص شيء من ذلك مناقضة، بخلاف اللفظ العام, لأن التخصيص بيان أنه غير مراد باللفظ، ولا يجوز أن يكون شيء منه غير مراد، للتناقض. وفي اللفظ العام يجوز أن يكون البعض غير مراد، فلا يؤدي إلى التناقض - وهذا على طريق (¬4) من فصل بين دلالة النص والقياس. وأما (¬5) من قال إنه ليس بدلالة النص، ولكنه قياس جلي موجب للعلم قطعًا (¬6) في كل أذى، فيكون التخصيص مناقضة أيضًا على ما نذكر في تخصيص القياس (¬7). وأصحاب الشافعي سموا هذا النوع فحوى الخطاب وفحوى النص، ولا مشاحة في العبارة - والله أعلم. مسألة - دليل الخطاب وما يشبهه لا يقبل التخصيص، عند عامة أصحابنا. وعند الشافعي، وهو قول بعض أصحابنا، أنه يقبل. وتفسير دليل الخطاب عندهم هو الحكم (¬8) الذي تعلق بالعين بصفة: ¬

_ (¬1) "ولا تنهرهما ... لأن لفظ" ليست في الأصل، ففيه: "ولا تقل لهما أف: فلفظ التأفيف". (¬2) في ب: "ولكنه". (¬3) في ب: "لضرورة". (¬4) في ب: "وعلى هذا طريق". (¬5) في أ: "أما". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل وأ كذا: "قياس على موجب العلم قطعًا". انظر المستصفى، 2: 281. (¬7) "على ما نذكر في تخصيص القياس" من أ. وليست في الأصل. وفي ب: "على ما نذكر في تخصيص العام" وانظر فيما تقدم تخصيص العام ص 153 وما بعدها. وفيما يأتي تخصيص القياس ص 308. (¬8) في ب: "هو الخطاب".

يوجد عند وجود ذلك الصفة، وينعدم عند عدمها وينتفي (¬1). وكذا المعلق بالشرط: يوجد عند وجوده، وينتفي عند عدم الشرط (¬2). وكذا في الحكم (¬3) الموقت إلى وقت: ينتفى فيما وراء الوقت. وكذا الحكم المتعلق (¬4) بعدد معلوم وبمقدار متعين (¬5): ينتفى فيما وراء ذلك. فعندهم: الانتفاء في هذه الواضع مضاف (¬6) إلى النص أو مقتضى النص نفيًا عامًا، فيجوز تخصيص ذلك النص (¬7). وعندنا: الانتفاء لا يكون مضافًا إلى النص الوجب، بل عدم الحكم هو الأصل. وإنما يثبت بالدليل، فلا يكون النفي (¬8) حكم النص الوجب (¬9) حتى يقبل التخصيص. والمسألة تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى (¬10). مسألة: المقتضي لا عموم له عندنا, لأن العموم حكم اللفظ، وهو غير مذكور حقيقة. وإنما يجعل موجودًا بطريق الضرورة، لصحة الكلام، فيبقى فيما وراءه على حكم العدم. ¬

_ (¬1) "وينتفي" ليست في أ. (¬2) في أ: "عند عدمه". (¬3) "الحكم" من أ. وعبارة "المعلق بالشرط ... وكذا في الحكم" ليست في ب، ففيها: "وكذا في الموقت إلى وقت". (¬4) في أ: "المعلق". (¬5) في أ: "بعدد معلوم والمعدود متيقن". (¬6) في ب: "يضاف". (¬7) في (أ) و (ب): "النفى". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "المنفي". (¬9) "الموجب" من (أ) و (ب). (¬10) في هامش أ: "أي بعد عشرين ورقة في فصل: في الوجوه التي اختلف فيها إلى آخره" (انظر فيما بعد الهامش 5 ص 407).

[4] فصل - وأما ما يجوز به التخصيص وما لا يجوز [به]

وعند الشافعي: المقتضى له عموم - على ما نذكر. مسألة - القياس هل يجوز تخصيصه؟ فعندنا: لا يجوز تخصيصه (¬1). وفيه خلاف يذكر في باب القياس. ولقب المسألة أن تخصيص العلة هل يجوز أم لا؟ والله أعلم. [4] فصل - وأما ما يجوز به التخصيص وما لا يجوز [به] ههنا فصلان: أحدهما - بيان ما يثبت (¬2) به التخصيص. والثاني - بيان ما يعرف به التخصيص. وما يتصل بهما من المسائل التي فيها وفاق أو خلاف (¬3). أما الأول: فالتخصيص إنما يثبت بإرادة التكلم وبإثباته الحاكم خاصًا، فإن التكلم قد يريد ثبوت (¬4) الحكم على العموم، وقد يريد على الخصوص، إلا أن إرادة المتكلم أمر باطن لا يوقف عليه، فلا بد من دليل ظاهر (¬5) صالح يدل على إزادة الخصوص، والدليل الصالح هو الدليل الموضوع لمعرفة الخصوص. وهو بيان: ¬

_ (¬1) "تخصيصه" من ب. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ما ثبت". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل كذا: "وفاقًا وخلافًا". وفي ب كذا: "دقايق أو خلاف". (¬4) في ب: "إثبات". (¬5) "ظاهر" ليست في ب.

الفصل الثاني - وهو ما يعرف به التخصيص: وذلك (¬1) نوعان: متصل ومنفصل، فنبدأ بالمتصل ثم بالمنفصل، ونذكر (¬2) في كل فصل مسائل: أما المتصل (¬3): فأنواع أربعة: الصفة، والشرط، والغاية، والاستثناء مثال الصفة - قول الرجل لغيره: "أكرم الرجال الطوال" - لولا قوله (¬4) "الطوال" لوجب إكرام الرجال عامًا. فقران لفظ "الطوال" بالرجال أوجب اختصاص (¬5) الإكرام بالموصوف بصفة الطول (¬6). ومثال الشرط - أن يقول: "أكرم الرجال إذا دخلوا المسجد" أو "إن دخلوا" - قوله: "أكرم الرجال" عام، وقوله: "إذا دخلوا" أوجب الخصوص حتى يجب عليه إكرام من وصف بالدخول في المسجد لا غيره ومثال الغاية - قول الرجل: "أكرم بني تميم إلى شهر رمضان"، فقوله: "أكرم بني تميم" يقتضي وجوب إكرام بني تميم عامًا في جميع الأزمان. وقوله: "إلى رمضان" (¬7) أوجب الخصوص حتى لا يجب الإكرام بعد انتهاء (¬8) شهر رمضان بحكم هذا الكلام. ومثال الاستثناء - قول الرجل: "أكرم أهل قرية كذا إلا زيدًا" ¬

_ (¬1) في ب: "فذلك". (¬2) في ب: "فنذكر". (¬3) باقي الكلام على "المنفصل" صّ 318 وما بعدها. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "قول". (¬5) في أ: "تخصيص". (¬6) في أ: "الطوال". (¬7) "فقوله: اكرم بن تميم ... إلى رمضان" ليست في ب. (¬8) في ب: "دخول".

لولا قوله: "إلا زيدًا" لوجب عليه (¬1) إكرام جميع أهل القرية ثم خص من جملتهم "زيد" بالاستثناء. وهذا الذي ذكرنا قول عامة أهل الأصول. وقال بعض الفقهاء بأن هذه الأشياء الأربعة لا تكون تخصيصًا, لأن دليل التخصيص ما يكون كلامًا مفيدًا (¬2) في نفسه لو انفرد، وحكمه خلاف حكم الأول، كقوله - صلى الله عليه وسلم - (¬3): "لا تقتلوا أهل الذمة" مقارنًا (¬4) لقوله تعالى (¬5): {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬6). وهذه الأشياء الأربعة من نفس الكلام وبعضه، فإن المتكلم تكلم على هذا الوجه من الابتداء إلا أن الكلام يتم بآخره، فإنه أراد إكرام الرجال الموصوفين بصفة الطوال (¬7)، لا إكرام مطلق الرجال. وكذا أراد إكرام الرجال الموصوفين (¬8) بالدخول في المسجد دون المطلق. وكذا أراد إكرام جماعة إلى غاية معلومة. وكذا فيَ الاستثناء: أراد إكرام من لا يتسمى (¬9) باسم زيد من أهل القرية. فثبت أن هذه الأربعة من نفس الكلام، ولا يفيد وحده شيئًا: فإن قوله: "إلا زيدًا" لا يفيد بنفسه. وكذا الصفة، والشرط، والغاية: لا يفيد وحدها. ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في ب. (¬2) في ب كذا: "ما يكون خلافًا مقيدًا". (¬3) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬4) في ب: "مقاربًا". (¬5) "تعالى" من ب. (¬6) سورة التوبة: 5. والآية: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. (¬7) "الطوال" من أ. (¬8) "بصفة الطوال ... الرجال الموصوفين" ليست في ب. (¬9) في ب: "يسمى". وفي المعجم الوسيط: أسماه كذا وبكذا جملة له اسمًا. وتسمى بكذا سمي. وتسمى بالقوم أو إليهم انتسب.

ولأن التخصيص هو إخراج بعض ما يتناوله العام بحيث لو خرج يبقى اللفظ العام معمولا به في الباقي، كما في قوله تعالى (¬1): {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬2)، فإذا خص أهل الذمة يبقى (¬3) النص معمولا به في الباقي. وفي هذه الأشياء إذا أريد به الخاص لم يبق اللفظ العام بنفسه معمولا به أصلا، بل يكون (¬4) الحكم للموصوف. ولكن الصحيح هو الأول: - وما ذكروا من كون دليل التخصيص مفيدًا بنفسه لو شرط هذا، إنما يشترط في التخصيص بكلام منفصل، والكلام (¬5) في التخصيص المتصل، حتى يصير بعض الكلام، وبعض الكلام لا يفيد معنى جميعه. ولأن هذا الكلام إنما يستقيم (¬6) ممن يدعي عمل دليل الخصوص بطريق المعارضة. وهذه الأشياء الأربعة لا يستقل بنفسها، فلا يجوز أن تعمل (¬7) بطريق المعارضة (¬8)، ولكن القول بطريق المعارضة فاسد، لأنه إذا كان مقارنًا لا يمكن إعماله بطريق النسخ، فيكون فيه مناقضة، ولا تناقض في دلائل الشرع، فيجب (¬9) القول بطريق البيان ضرورة. وهذه الأشياء تصلح بيانًا، فيصلح (¬10) مخصصًا، والدليل المنفصل يصلح مخصصًا، لكونه بيانًا لا لكونه منفصلا. ¬

_ (¬1) "تعالى" من ب. (¬2) سورة التربة: 5. وانظر الهامش 6 ص 310. (¬3) في أ: "بقي". (¬4) "يكون" من أ، وليست في ب. وفي الأصل: "بل الحكم الموصوف". (¬5) كذا في (أ) و (ب): "والكلام". وفي الأصل: "فالكلام". (¬6) "إنما يستقيم" ليست في ب. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل: "يعمل". (¬8) "وهذه الأشياء الأربعة ... بطريق المعارضة" ليست في ب. (¬9) من أول هنا "فيجب القول" ناقص من ب حتى نشير إلى انتهاء النقص (انظر فيما بعد الهامش 5 ص 336). (¬10) في أ: "وتصلح".

- قوله: إن بعد الخصوص يجب أن يبقى اللفظ العام عاملا في الباقي (¬1)، فليس كذلك، فإن قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬2) موجبه وجوب قتل جميع المشركين مطلقًا. ثم إذا خص منه أهل الذمة لم يبق العام عاملا في إباحة قتل المشركين مطلقًا, لأنه يؤدي إلى التناقض، ولكن بدليل الخصوص صار العام مقيدًا (¬3) بوصف الحراب، فيكون عامًا يراد به الخاص، وهو قتل المشركين المحاربين من الابتداء، كما في هذه الفصول: يصير الكلام متناولا للموصوف بالصفة، فلا فرق بينهما في المعنى، وتبين بهذا أن الخصوص ليس هو إخراج بعض ما يتناوله العام لفظًا بل هو إثبات اللفظ خاصًا من الابتداء بإثبات زيادة قيد في العام، فيكون المراد من النص هو العام المخصوص بصفة المقيد بقيد، كأنه قال: اقتلوا المشركين المحاربين، فلم يكن غير المحاربين مرادًا بهذا النص من الابتداء (¬4) - والله أعلم بالصواب. مسألة - الاستثناء المتصل صحيح بالإجماع، ويكون بيانًا أن المراد هو الباقي، كما إذا قال: "لفلان علي عشرة دراهم إلا درهمًا" كأنه قال: "لفلان علي تسعة". وأما الاستثناء المنفصل فليس بصحيح عند عامة الفقهاء. وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال (¬5): يصح. وبه قال بعض الناس، وقاسوا على التخصيص المتراخي: أنه جائز بطريق البيان، فكذلك الاستثناء المتراخي، تسوية بينهما، كما في الاستثناء المقارن، والتخصيص المقارن. ¬

_ (¬1) في أ: "في نفسه". (¬2) سورة التوبة: 5 - راجع الهامش 6 ص 310. (¬3) في أ: "الخصوص ظهر أن العام كان مقيدًا". وفي الأصل: "مفيدًا". (¬4) "في المعنى وتبين بهذا ... من الابتداء" من أ. (¬5) "قال" من أ.

والعامة يقولون: إن الاستثناء من باب اللغة، وهم لم يتكلموا بالاستثناء المنفصل فإن من قال: "لفلان علي ألف درهم" ثم قال بعد ذلك بيوم "إلا خمسة" (¬1) يضحك عليه. ولم يصح الرواية عن ابن عباس: فإنه من أرباب اللغة. فأما في التخصيص المتراخي: فأهل (¬2) اللغة قد يتكلمون بالعام ثم يقولون بعد ذلك: إنا نريد بالعام الخاص، وهو مستعمل عندهم. وفي كتاب الله تعالى كثير الوجود. على أن التخصيص المتراخي إنما يجوز إذا كان المتكلم، وقت التكلم بصيغة العام، يريد به الخاص. وفي الاستثناء المنفصل إذا أراد المتكلم بصيغة العموم البعض وقال: "استثنيت بقلبي وما أردت به العموم"، يصدق أيضًا، فيما بينه وبين الله تعالى. وعلى هذا الوجه ارتفع الخلاف من حيث المعنى. وإنما الخلاف في هذا أن الاستثناء المنفصل ليس باستثناء, لأنه ليس من باب اللغة، بخلاف التخصيص المنفصل (¬3). مسألة - لا خلاف أن الاستثناء إذا كان من جنس المستثنى منه يكون استثناء حقيقة. فأما إذا (¬4) كان بخلاف جنس المستثنى منه، نحو أن يقول (¬5): "لفلان علي عشرة أثواب إلا دينارًا" ونحو ذلك - هل يكون استثناء حقيقة أو مجازًا؟ ¬

_ (¬1) في أ: "إلا خمسمائة". (¬2) في أ: "فإن أهل". (¬3) في أ: "التخصيص المتراخي". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "فإذا". (¬5) في أ: "يقال".

قال (¬1) بعضهم: ليس بحقيقة، ولكن مجاز عن حرف "لكن". وقال بعضهم: هذا استثناء حقيقة, لأن هذا مستعمل فيما بين أرباب اللغة - قال قائلهم: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس (¬2) وفي كتاب الله تعالى كثير - قال الله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} (¬3)، والسلام ليس من جنس اللغو. وقال تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} (¬4) وهو من الجن لا من الملائكة. وقال بعضهم: يمكن أن يجعل من جنس المستثنى منه، بأن زيد في المستثنى منه شيء، أو نقص (¬5) عنه شيء، أو زيد في المستثنى أيضًا - كما في قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} فزيد على المستثنى منه، كأنه قال: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} ومن أمر بالسجود له إلا إبليس، فيكون استثناء إبليس من المأمورين (¬6) بالسجود له، لا من الملائكة أنفسها - فكذا (¬7) في قوله: "لفلان علي عشرة أثواب إلا دينارًا" أي: "عشرة أثواب قيمتها كذا دينارًا إلا دينارًا" أو "علي عشرة أثواب إلا ثوبًا قيمته دينار". ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل: "وقال". (¬2) اليعفور: ظبي لونه كلون العفر (وجه الأرض - التراب). وولد البقرة الوحشية. وجزء من الليل والجمع يعافير. والعيس جمع أعيس والأعيس من الإبل الذي يخالط بياضه شقرة. والكريم منها (المعجم الوسيط). (¬3) سورة مريم: 62. وهي والتي قبلها: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا. لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}. (¬4) سورة ص: 73: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ}. وسورة الحجر: 30: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}. راجع. الهامش 4 ص 304. (¬5) في أ: "وينقص". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "المأمور". (¬7) في أ: "وكذا".

ثم على قول هؤلاء إذا صار المستثني من جنس المستثنى منه بالزيادة أو النقصان - هل يكون استثناء حقيقة؟ قال بعضهم: يكون مجازا، لأن الزيادة على الكلام والنقصان عنه من باب المجاز، لأنه خلاف ظاهر الكلام. وقال بعضهم: إن الزيادة والنقصان من باب الإضمار والحذف، وذلك منطوق به (¬1) لغة، على طريق الاختصار - على ما نذكر في فصل الإضمار والاقتضاء، إن شاء الله تعالى، والله أعلم. مسألة - استثناء الكثير من القليل (¬2) استثناء صحيح عند عامة الفقهاء. وقال بعضهم: لا يصح. وصورته: إذا قال "لفلان علي ألف درهم إلا تسعمائة وتسعة وتسعين درهماً". ولكن الأصح أن الخلاف في أن هذا الاستثناء ليس بمستحسن في اللغة عند العامة، لأنه لاستدراك (¬3) الغلط في أصل الوضع (¬4). ومثل هذا الغلط نادر. والفريق الآخر يقولون: إنه قد يقع في الجملة، لأن النسيان مما جبل عليه الإنسان. ¬

_ (¬1) في أ: "ملفوظ". (¬2) أي استثناء الكثير وبقاء القليل. قال في كشف الأسرار (3.: 122) " ... وإنما الخلاف قوله الاستثناء المساوي والأكثر نحو قوله على عشرة إلا خمسة أو إلا شبية إلى تسعة: فذهب العامة إلى جوازهما. وذهبت الحنابلة والقاضي أبو بكر الباقلاني إلى منعهما. وذهب الفراء وابن درسويه إلى المنع في الأكثر خاصة لأن العرب ثستقبح استثناه الأكثر وتسهجن قول القائل: رأيت ألفاً إلا تسعمائة وتسعة وتسعين. وإذا ثبت كراهتهم واسثقالهم ثبت أنه ليس من كلامهم واحتجت العامة ... ". (¬3) في أ: "استدراك". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "في الأصل".

أما (¬1) ينبغي أن يصح الاستثناء، لأنه تكلم بالباقي بعد الثنيا على مانذكر. مسألة - الجمل المعطوف بعضها على بعض بكرف الواو، وكل جملة كلام تام في ففسه، بأن كان مبتيدأ وخبراً، وألحق الاستثناء تأخرها، بأن قال: "لزيد علي ألف درهم ولعمرو علي ألف درهم ولمحمد علي ألف درهم إلا خمسمائة " - ما حكمها؟ قال أصحابنا: إن الاستثناء نصرف إلى الجملة الأخيرة. وعلى قول الشافعي: ينصرف إلى الكل. وأجمعوا أن الشرط، أو مشيئة الله تعالى، إذا ذكر في آخر الجمل المعطوفة (¬2) بحرف الواو: فإنه ينصرف إلى جميع ما سبق، بأن قال: "عبده حر، وامرأته طالق، وعليه الحج إلى بيت الله تعالى - إن دخل (¬3) هذه الدار" أو قال في آخره: "إن شاء الله تعالى". وعلى هذا يبتنى مسألة المحدود في القذف بعد التوبة - فإن الله تعالى قال: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا" (¬4) - فالاستثناء ينصرف إلى ما يليه، وهو الفسق عنذنا. وعند الشافعي إلى جميع ما سبق فب خرج المحدود التائب في حق رد الشهادة عن ظاهر النص - والمسألة طويلة ذكرت في الشرح. مسألة - الاستثناء يعمل بطريق المعارضة أو بطريق البيان؟ قال بعض مشايخنا: في المسألة خلاف: ¬

_ (¬1) أما تكون حرف استفتاح مثل ألا. وحرف عرض مثل: أما تأكل معنا؟. وتكون بمعنى حقا نحو: أما إنك مصيب. (المعجم الوسيط). (¬2) في أ: "المعطوف". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "دخلت". (¬4) سورة النور: 4.

على قولنا: بطريق البيان. وعلى قول الشافعي: بطريرق المعارضة. ولا نص عن الشافعي رحمه الله، ولكن استدلوا بمسائل تدل على ذلك. بيانه أنه (¬1) إذا قال: "لفلان علي عضرة دراهم (¬2) إلا خمسة" معناه: لفلان علي عشرة إلا خمسة فإنها ليست علي، فيصير النفي معارضاً للإثبات. ولكين الصحيح أن لا يكون في بهذا خلاف بين أهل الديانة، لأنه خلاف إجماع أهل اللغة، وخلاف إجماع المسلمين: - أما الأول: فإن أهل اللغة قالوا: الاستثناء استخراج بعض ما تكلم به. وقيل: الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، والمعارضة تكون بين الحكمين المتضادين مع بقاء الكلام، وهو غير استخراج بعض الكلام والتكلم بالباقي. - وأما بيان خلف إجماع المسلمين: فإن الاستثناء مقارن للمستثنى منه تكلماً، فلا يمكن القول فيه بالتناسخ، فلو (¬3) لم يجعل بياناً يؤدي إلى التناقض في كلام الله تعالى وفي دلائله وفي التخصيص المقارن يجعل بياناً لهذه الضرورة، وفي التخصيص المتأخر يجعل بياناً عند البعض ونسخاً عند البعض بطريق البيان أيضاً، إذ لو قيل بخلافه يؤدي إلى البداء (¬4) والغلط على ما يعرف في باب النسخ. ومسائل الشافعي رحمه الله يخرج كلها على طريق البيان. ¬

_ (¬1) "أنه" ليست في أ. (¬2) "دراهم" من أ. (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "لو". (¬4) راجع في معنى البداء الهامش 8 ص 117.

وإنما حمل هؤلاء (¬1) على جعل هذه المسألة ت تلفة، إشكالات تتراءى (¬2) أنها من باب المعارضة، وليس كذلك، وقد ذكرت في الجملة (¬3) في شرح المختصر - والله الموفق. فصل- في بيان الدليل المنفصل عن العام (¬4): وهو نوعان: عقلي وسمعي. والعقلي (¬5) نوعان: قطعي، وهو ما يعرف. بمجرد العقل. والآخر ليس بقطعي، وهو القياس الشرعي. والسمعي أيضاً نوعان: قطعي، وليس في قطعي - على ما سبق ذكره (¬6). مسألة - الدليل العقلي يصلح مخصصاً، ويكون ذلك تخصيصاً عند عامة الفقهاء وأهل الأصول. وقال بعضهم: لا يجوز التخصيص به، ولا يكون هذا وتخصيصاً، بل يتعارض الدليلان، فيتوقف إلى أن يرد دليل سمعي، يخص به. نظير ذلك قو له تعالى: "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (¬7) ": خص منها الصبيان والمجانين بالدليل العقلي (¬8)، لأن العقل يأبى خطاب من لا يفهم، وخطاب العاجز عن الفعل، وهو تكليف ما ليس في وسع المخاطب. ¬

_ (¬1) في هاسش أ: "قاضي أبو زيد وشمس الأئمة وفخر الإسلام". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "لإشكالات تترايا" (¬3) في أ: "وقد ذكرنا جملة ذلك". (¬4) راجع فيما تقدم ص 309 تقسيم البحث إلى دليل متصل ودليل منفصل، وتكلم على المتصل ص 309 وما بعدها وبدأ هنا الكلام على المنفصل. (¬5) في أ: "فالعقلي". (¬6) راجع فيما تقدم ص 9 - 10. (¬7) سورة البقرة: 43 و 83 و 110. وسورة الحج: 78. وسورة النور: 56 .. (¬8) في أ: "بدليل عقلي".

وحجتهم أن الدليل العقلي سابق، والتخصيص يكون بالدليل المقارن أو المتأخر، على ما اختلفوا فيه، ولأن الدليل العقلي قطعي، والسمعي قطعي، وليسا من باب الكلام، حتي يجعل المراد من العام الخاص، فيجب التوقف في ذلك، بخلاف ما إذا كانا سمعيين، لأن الكلام من جنس الكلام، فيجعل الكلامان كلاماً واحداً، ويصير متكلماً بما سوى المخصوص، والتكلم بالعام ويراد به الخاص جائز، كما في الاستثناء. فأما عامة الفقهاء [فـ] قالوا: إن الصبيان والجانين هل أريدوا بقوله تعالى: "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" (¬1) ودخلوا تحته أم لا؟ فإن قلتم: نعم، فهذا محال عقلا، وهو تكليف من لا يفهم، وتكليف العاجز. وإن قلتم: لا، وعرفنا بالعقل أنهم ما كانوا مرادين بهذا النص، فهذا تفسير التخصيص عندنا. وإن (¬2) كنتم لا تسمونه (¬3) تخصيصاً، فنحن نسميه تخصيصاً، ومرادنا من التخصيص هذا أن النص العام يراد ول الخاص ولا منازعة في العبارة. فإن قاتم: نتوقف، فهو باطل، لأن العقل يقتضي أنهم غير داخلين تحت الخطاب، فلا يجوز القول بالتوقف من غير دليل. قولهم: إن الدليل العقلى (¬4) قطعي، وهو سابق - فنقول: الدليل ما يكون معرفاً للحكم المطلوب، سواء كان سابقاً أو مقارناً أو متأخراً، فإن الخاص إذا كان سابقاً [فـ] قد يكون محصصاً للعام عند بعض أصحابكم، وهو دليل قطعي سابق، على أن كل سابق مقارن، فيجوز (¬5) التخصيص به من حيث إنه مقارن، لا من حيث إنه سابق. ¬

_ (¬1) راجع الهامش 7 ص 318. (¬2) في أ: "فإن". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "لا تسمون". (¬4) في أ: "دليل العقل". (¬5) في أ: "فجوزوا".

قولكم: إنهما (¬1) من جنس الكلام، فتصير قرينة، ويصيران (¬2) بمنزلة كلام واحد، ضرورة العمل بالدليلين، فنقول: ما ذكرتم طريق ودليك لعرفة أن (¬3) "المراد من العام الخاص، والعقل دليل على أن المراد من العام الخاص، فيكون (¬4) ذلك حقيقة أو مجازاً على ما مر، فيكون عملا با إلى ليلين، لتعذر القول بالتناسخ، لكون الدليل سابقاً أو مقارناً، فلا فرق بينهما من حيث المعنى. مسألة - التخصيص بالقياس الشرعي، هل يجوز؟ قال بعض أهل الحديث الذين قالوا: كل مجتهد مصيب - إنه جائز (¬5). وهو قول المعتزلة، سواء خص منه (¬6) بعضه أو لم يخص. فاتفقوا في الجواب مع اختلاف الطريق: فالمعتزلة: مع أن عندهم العام يوجب العلم قطعاً، ولكن القياس عندهم دليل قطعي، فجوزوا التخصيص به وبنوا (¬7) على أصلهم أن القياس دليل قطعي، لأن المجتهد مصيب على كل حال، وقالوا: إن على قضة الأصل، الذي ذكرنا، ينبغي أن يجوز النسخ به، إلا أنه امتنع شرعاً، بدليل سمعي، وهو إجماع الأمة. وقال مشايخ العراق: لا يجوز، لأن العام عندهم موجب للعلم قطعاً، والقياس الشرعي فيه احتمال، فلا يصلح مخصصاً، وسووا بين العام ¬

_ (¬1) لعل الصحح هكذا: "إنهما" أي السمعيان. وفي الأصل و (أ): "إنها". (¬2) في أ: "الكلام فيصيران". (¬3) لعل الصحح هكذا "لمعرفة". وفي الأصل و (أ): "لمعرفته لأن". (¬4) في أ: "ويكون". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "قال أصحاب الحديث: إنه جائز". (¬6) أي من العام. (¬7) "فاتفقوا ... وبنوا" ليست في أ. وفيها بدلاً منها: "وهو".

الذي خص بعضه إذا كان المخصوص معلوماً، وبين العام الذي لم يخص منه شيء. وعلى قياس قول أصحاب الشافعي: يجوز، لأن العام عندهم غير موجب العلم (¬1)، فهو نظير القياس من هذا الوجه. وأما مشايخ سمرقند: [فـ] لم يرو عنهم، نصاً، أنهم يجوزون أم لا. فلو (¬2) قيل بالجواز على أصلهم لا يبعد. ولكن الأصح عندهم أنه لا يجوز، وإن كان في النص العام احتمال، لأن الاحتمال في القياس أكثر، والاحتمال على مراتب؛ بعضه فوق بعض - أليس أن خبر الواحد محتمل، وهو مقدم على القياس لما ذكرنا - فكذا هذا. وقال مشايخ العراق: لا يجوز، لأن العام عندهم يوجب العلم قطعاً، والقياس الشرعي فيه احتمال، فلا يصلح تخصيصاً (¬3). وبعض المشايخ (¬4) فرقوا بين العام المخصوص وبين العام الذي لم يخص، وجوزوا تخصيص المخصوص، دون الذي لم يخص منه، ولم يتضح الفرق - والله أعلم. مسألة - أما التخصيص بالدليل السمعي: فإن كانا مثلين: يجوز، كتخصيص الكتاب بالكتاب، وتخصيص الخبر (¬5) المتواتر بالمتواتر، وتخصيص الكتاب بالخبر المتواتر، والمتواتر بالكتاب. ¬

_ (¬1) في أ: "للعلم". (¬2) في أ: "ولو". (¬3) في أ: " فلا يجوز مخصصاً". (¬4) في أ: "وبعض مشايخه". (¬5) في أ: "خبر".

نظير الكتاب بالكتاب قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً" (¬1) عام خص منه الحامل بقوله تعالى: "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" (¬2). ونظير تخصيص (¬3) الكتاب بالخبر المتواتر قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" (¬4): خص منه القاتل والكافر، بقوله عليه السلام: "لا يورث القاتل (¬5) بعد صاحب البقرة "، وقال عليه السلام: "لا يتوارث أهل ملتين شتى". وكذا يجوز الخصيص بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الله تعالى قال: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" (¬6) - فهذا عام، خص منه المحصن (¬7)، بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث رجم ماعزاً. وكذا يجوز بالإجماع، نظيره قوله تعالى في الإماء: "فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" (¬8) خص الإماء عن آية الزنا في إيجاب الجلد (¬9) مائة، حيث يجب عليهن خمسون. ثم خص آية الجلد في حق العبيد، بإجماع الأمة، حتى تنصف في حقهم. وأما تخصيص الكتاب والمتواتر بخبر الواحد: فعلى قياس قول المعتزلة: جائز، كما في القياس، إلا أن النسخ لا يجوز به شرعاً. ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 234. (¬2) سورة الطلاق: 4. (¬3) "تخصيص" من أ. (¬4) سورة النساء: 11. (¬5) في أ: "قاتل" وانظر البيهقي، السنن الكبرى، 6: 219 وما بعدها. وتفسير الآيات 67 - 73 من سورة البقرة، في: الطبري، جامع البيان، 2: 128 - 234، والشوكاني، فتح القدير، 1: 96 - 100. (¬6) سورة النور: 2. (¬7) في أ: "البعض". (¬8) سورة النساء: 25. (¬9) كذا في أ. وفي الأصل: "جلد".

وعلى قياس قول الشافعي رحمه الله: جائز (¬1). وبعض مشايخنا فرقوا بين عام خص بعضه، وعام لم يخص - فجوزوا تخصيص المخصوص بعضه به، ولم يجوزوا تخصيص غير المخصوص به. وعلى قياس قول مشايخ العراق: لا يجوز إذا كان عاماً لم يخص، أو خص، والمخصوص معلوم. وعلى قول مشايخ سمرقند: إن قيل إنه (¬2) يجوز: فلا بأس. والأصح أنه لا يجوز، لأن الاحتمال في خبر الواحد فوق الاحتمال في العام - والله أعلم (¬3). مسألة - العام هل يبنى (¬4) على الخاص أم لا؟ اختلف أهل الأصول فيه: قال مشايخ العراق من أصحابنا: إن العام لا يبنى (¬5) على الخاص، بل يقضي العام على الخاص. وتفسير هذا: إذا ورد النصان (¬6): عام وخاص: إما إن عرف تاريخهما أو لم يعرف: - فإن عرف تاريخهما، وبين النصين زمان يصح فيه التناسخ، بأن كان يمكان فيه الاعتقاد والعمل أو الاعتقاد لا غير، على حسب ما اختلف فيه: [فـ] إن كان الخاص سابقاً والعام متأخراً: فإنه ينسخ ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل: "جاز". (¬2) "إنه" من أ. (¬3) قارن بما ستأتي في النسخ وفيه قال البزدوي، 3: 182: "ومن الحجة الدالة أن التوجه إلى الكعبة في الابتداء: إن ثبت بالكتاب، فقد نسخ بالسنة الموجبة للتوجه إلى بيت المقدس، والثابت بالسنة من التوجه إلى بيت المقدس، نسخ بالكتاب. والشرايع الثابتة بالكتب السالفة نسخت بشريعتنا. وما ثبت ذلك إلا بتبلغ الرسول عليه السلام ... " (¬4) في أ.: "يبتنى". (¬5) في أ: "لا يبتنى". (¬6) في أ: "نصان".

الخاص به. كان كان العام سابقاً والخاص متأخراً: فإنه ينسخ العام بقدر الخاص، ويبقى الباقي. - وأما إذا ورد النصان معاً، أو كان بينهما زمان لا يصح فيه النسخ: فإنه يبنى (¬1) العام على الخاص، على طريق البيان، فيكون المراد من العام ما وراء المخصوص. هذا قول مشايخ العراق. وهو قول القاضي الإمام (¬2) أبي زيد رحمه الله، ومن تابعه من ديارنا. وقال أصحاب الشافعي بأنه يبنى (¬3) العام على الخاص في الفصلين، حتى إن الخاص إذا كان سابقاً والعام لاحقاً يكون الخاص (¬4) مبيناً للعام، ويكون المراد من العام ما وراء قدر المخصوص (¬5) بطريق البيان، لا أن (¬6) العام المتأخر ينسخ الخاص. وعلى قول مشايخ سمرقند: كذلك الجواب (¬7) فيما إذا لم يكن بينهما زمان يصلح للنسخ. فأما إذا كان بينهما زمان يصح فيه التناسخ: قالوا: يتوقف في حق الاعتقاد، ويعمل والنص العام بعمومه، ولا يبنى (¬8) على الخاص، لأن عندهم العام لا يوجب العلم قطعاً، لاحتمال الخصوص، والخاص كذلك لاحتمال المجاز، فلابد من التوقف، أو يحتمل أن ¬

_ (¬1) في أ: "يبتني": (¬2) "الإمام" من أ. (¬3) في أ: "يبتني". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "العام". (¬5) في الأصل: "العام المخصوص". ويظهر أن كلمة العام "مشطوبة". (¬6) في أ: "لأن" بدلا من "لا أن". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل: "والجواب". (¬8) في أ: "ولا يبتني".

يكون النص الآخر بطريق البيان. ويجوز أن يكون بطريق النسخ فلا يقطع (¬1) القول بأحدهما، ولكن في حق العمل يجب العمل بالعام، ولا يترك العمل بقدر الخاص على ما نذكر هذا إلى بعده (¬2) في أوضح منه. والشافعي رحمه الله (¬3) يقول: إن العام والخاص سواء في أن كل واحد كل منهما لا يوجب العلم قطعاً وبين النصين تناف، لكن العمل بالخاص أولى، لأنه أقوى، لأن الاحتمال فيه أقل، لأنه يحتمل المجاز لا غير. فأما العام [فـ] يحتمل الخصوص ويحتمل المجاز، فما كان أقل احتمالا فهو أقوى، فيكون أولى، بمنزلة خبر الواحد مع القياس. ولهذا إذا وردا معاً، فالعمل بالخاص أولى. و (¬4) أما أصحابنا من مشايخ العراق [فـ]، قالوا: إن النص العام المتأخر يوجب العلم قطعاً. والخاص كذلك. وحكمهما مختلف. فيجب (¬5) أن يكون التأخر ناسخاً للمتقدم عند وقوع التعارض من حيث الظاهر، دفعاً للتناقض والتعارض عن دلائل الله تعالى، ويكون هذا عملا بالدليلين: بالخاص والعام (¬6) جميعاً، لأن الخاص كان موجباً في بعض الأزمان، والعام التأخر يكون موجباً في المستقبل فيما يعارضه الخاص ظاهراً، وفيما ذكر الخصم يكون عملا بالخاص فيما مضى وفي المستقبل، وتركاً للعمل (¬7) في النص العام في حق هذا الحاكم أصلا، فإنه يبين أنه لم يكن ¬

_ (¬1) في أ: "فلا نقطع". (¬2) في أ: "بعد هذا". (¬3) في أ: "فالشافعي". (¬4) الواو من أ. (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "يجب". (¬6) في أ: "وبالعام". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل: "وترك العمل".

مراداً به (¬1)، وإن كان ظاهر النص تناوله، ولا شك أن العمل بالدليلين أولى من العمل بأحدهما وتعطيل الآخر بخلاف ما إذا وردا معاً أو في حكم المقارن، لأنه (¬2) لا يمكن العمل بالدليلين ثمة، لأنه لا يحتمل النسخ، ولا وجه إلى القول بالتضاد والتناقض في أحكام الله تعالى (¬3)، وأمكان رفع التناقض بجعل النص (¬4) الخاص قرينة للعام، بمنزلة الاستثناء، من فيكون تكلماً بالباقي، فلم يكن العام (¬5) موجباً للحكم في مقدار الخصوص، بخلاف المتأخر - فهو الفرق بركان الفصلين، وهو واضح. هذا إذا عرف تاريخه (¬6). وأما إذا كان لا يعرف التاريخ: فيجوز أنهما وردا معاً. ويجوز أن يكون أحدهما متأخراً. أو عرف أن بينهما زماناً يجوز فيه التناسخ، لكن لا يعرف السابق في من اللاحق. فعلى قول الشافعي رحمه الله: لا يختلف الجواب، والعمل بالخاص أولى، لما قلنا من المعنى. وعلى قول مشايخ العراق: يتوقف إلى أن يوجد دليل الرجحان لأحدهما. وقبل وجود المرجح يتوقف لقيام التعارض ظاهراً. وبعض مشايخنا رحمهم الله قالوا: إنه إذا كان لا يعرف السابق من اللاحق، ولا القرآن من التأخر (¬7) من جعل كأنهما وردا معاً، كما في ¬

_ (¬1) "مراداً به" غير واضحة في أو تشبه: "من ادابه" (¬2) في هامش أ: "لأن النص الخاص يكون قرينة العام بمزلة الاستثناء فلا تحمل النسخ". (¬3) في هامش أ: "فلا يكون النص عاماً في الكل، لوجود القرينة المخصصة. كالاستثناء: يكون تكلماً بالباقي". (¬4) "النص" ليست في أ. (¬5) في أ: "العلم". (¬6) "هذا إذا عرف تاريخه" من أ. (¬7) في أ: "ولا المقارن من المتأخر".

الغرقى والحرقى في حق الميراث: يجعل كأن الموت حصل جملة في حالة واحدة، حتى لا يرث بعضهم من بعضهم. وهو (¬1) فاسد على قول مشايخ العراق، وعلى (¬2) قول من يقول إن العام يوجب تناول كل فرد كأنه نص عليه: لأنه يجوز أن يكون أحدهما متأخراً فيكون ناسخاً، فلا يجوز أن يكون تخصيصاً، لأن تخصيص المتأخر عندهم لا يجوز. ويجوز أنهما وردا معاً، فيكون تخصيصاً، فلا يحمل على أحدهما بالشك، فيجب التوقف. وكذا على قول مشايخنا: لاحتمال النسخ، على ما ذكرنا، فيتوقف في الاعتقاد دون العمل، وإن كان يجوز تخصيص المتراخي عندهم (¬3). والله أعلم. مسألة - الكلام في (¬4) العام إذا لحقه خصوص في آخره في بعض ما تناوله النص - هل يوجب سلب (¬5) عموم أوله أم لا؟ قال عامة الفقهاء: لا يوجب. وقال بعض أصحابنا: إنه يوجب، ويصير النص العام (¬6) خاصاً من الابتداء في حق من يصح الخصوص في حقه. ولا يبقى العام موجباً للحكم في حق من لا يصح في حقه الخصوص. ¬

_ (¬1) في أ: "وهذا". (¬2) "على" من أ. (¬3) "وإن كان ... عندهم" من أ. (¬4) "في" من أ. (¬5) "سلب" ليست في أ. (¬6) "العام" ليست في أ.

وعند مشايخ سمرقند كذلك (¬1). وإنما يثبت الحكم في حقهم بدليل آخر إن كان، وإلا فيبقى على أصل العدم. وهو قول أصحاب (¬2) الشافعي. ويستوي الجواب فيما إذا كان التخصيص بالاستثناء، أو بالشرط، أو بالصفة (¬3)، أو بكلام منفصل (¬4) مقارن له. نظير الاستثناء قوله تعالى: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون" (¬5) - "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" (¬6). [فـ] ظاهر النص وعمومه (¬7) يقتضي تنصف المفروض في الطلاق قبل المسيس في حق جميع النساء، صغيرة كانت الأنثى أو بالغة، مجنونة أو عاقلة، حرة أو أمة، ثم قوله: "إلا أن يعفون" استثناء خاص في حق البالغة العاقلة الحرة. فعند العامة: اختص الاستثناء في حق هؤلاء، في حق هذا الحكم، وهو صحة العفو، وبقي صدر النص عاماً في حق تنصف المفروض بالطلاق (¬8) في حق كل النساء. ¬

_ (¬1) "وعند مشايخ سمرقند كذلك" ليست في أ. (¬2) كان في الأصل: "بعض أصحاب" ثم شطبت "بعض". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "الصفة". (¬4) في هامش أ: "متصل" على أنه تصحيح. (¬5) سورة البقرة: 237. وليست في أ. (¬6) سورة البقرة: 236. وقد أكملنا في المتن بقية الآية من قوله تعالى: "ومتعوهن .. الخ" وظاهر أن الآية الثانية قبل الأولى وفقاً لترتيب المصحف. (¬7) في أ: "بعمومه". (¬8) في أ: "في الطلاق".

وعند الفريق الثاني: لما اختص الاستثناء بهؤلاء ت دون الصغيرة والمجنونة والأمة، صار صدر الآية عاماً في حقهن لا غير، كأنه نص عليهن. وجه قول العامة أن اللفظ العام موجبه العموم (¬1) في كل ما يصلح له اللفظ فيتناوله (¬2). وإنما يجب ترك العمل به، لضرورة التخصيص، والضرورة في حق من ورد فيه التخصيص وصح في حقه شرعاً، ولا ضرورة في حق من لم يصح التخصيص في حقه، فيببقى العام عاملا في حقه من غير ضرورة. وجه قول الفريق الثاني أن قوله تعالى: "إلا أن يعفون" شرح كناية عن النساء التي سبق ذكرها، والكناية تنصرف إلى المكني السابق، فتبين أن الداخل تحت النص العام من دخل تحت الاستثناء والتخصيص، كمن قال لغيره: "اضرب عبيدي الآبقين (¬3) إلا أن يتوب منهم" كان هذا الكلام خاصاً في حق غير التائبين من الابتداء كأنه قال: "اضرب عبيدي الآبقين (¬4) الذين لم يتوبوا" - فكذلك (¬5) هذا. و (¬6) قولهم: إن العام يوجب العمل بعمومه - فنقول: هم في موضع لم يرد الخصوص في حق البعض، فأما إذا ورد، يصير كأن النص العام ورد في حق البعض ابتداء، إطلاقاً لاسم العام على الخاص، كمن قال: "أكرم عبيدي الطوال": يكون النص خاصاً في حق الطوال من الابتداء، ¬

_ (¬1) في أ: "موجب للعموم" (¬2) في أ: "ويتناوله". (¬3) و (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "الأباق". (¬5) "الفاء" من أ. (¬6) "و" ليست في أ.

لأن (¬1) قوله: "اضرب عبيدي" عام في حق القصار والطوال، ثم خرج القصار - فكذا هذا. والقول الأول قول مشايخ العراق. والقول الثاني أقرب إلى قول مشايخنا، وهو الأصح - والله أعلم. مسألة: قال عامة الفقهاء: العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. وقال أصحاب الشافعي: إن العبرة لخصوص السبب، ويصير العام خاصاً بالسبب. وصورة المسألة في موضعين: أحدهما - أن الحادثة إذا كانت وقعت لواحد من الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل (¬2) نص عام في تلك الحادثة: تتناول صاحب الحادثة وغيره: فإن هذا النص عام في حق صاحب الحادثة وغيره، ولا ويختص به، بسبب وقوع الحادثة له. وعند أصحاب الشافعي (¬3): يختص بصاحب (¬4) الحادثة، وأريد باللفظ العام، الواحد مجازاً. وإنما يثبت هذا الحكم في حق غير صاحب الحادثة بنص آخر أو بالقياس على صاحب الحادثة. والثاني - إذا خرج كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - جواباً لسؤال السائل: هل يختص بالسائل (¬5)؟ ¬

_ (¬1) في متن أ: "إلا أن" وصححت في الهامش كذا: "لا أن". (¬2) في أ: "فنزل". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "وعندهم". (¬4) في أ: "صاحب". (¬5) في أ: "بالسؤال".

فعندهم: يختص. وعندنا: إذا كان الجواب لا يستقل بنفسه بدون السؤال، يختص به. وإن كان يستقل بنفسه ويكون مفيداً للحكم في حق السائل وغيره، لا يختص به بل يعتبر عموم الجواب. فهم احتجوا بالموجود (¬1) في الكتاب، والسنة، وعرف الناس، ونوع كل من المعقول: - أما الكتاب: قال الله تعالى: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً (الآية) " (¬2) فقوله (¬3): "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً" عام في جميع المطعومات إلا المستثني. ثم كثير من الأشياء، غير (¬4) المستثنى منه، حرام من البغل والحمار والضبع وسائر السباع ونحوها، ولكن اختص العام بالسبب فإن سبب نزول الآية أن الكفار كانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي (¬5) ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل كذا: "بالوجود ". (¬2) سورة الأنعام: 145 - والآية: "قل لا أجد فما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون مية أو دماً مسفوحاً أو لم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "قوله". (¬4) "الأشياء غير" ليست في أ. (¬5) قال تعالى في سورة المائدة: 103: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون". والبحيرة الناقة التي بحروا أذنها أي شقوها، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكراً شقوا أذنها وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح ولا تمنع عن ماء ولا مرعى وإذا لقيها المعيى النقطع به لم يركبها (أعيا الرجل أو البعير في سيره تعب تعبا شديداً: المعجم الوسيط). والسائبة: الناقة تنتج عشرة أبطن إناثا فترك ولا تركب ولا يجز وبرها ولا يشرب لبنها. وقيل: هي التي تسيب للأصنام فتعطى السدنة ولا يطعم لبنها إلا أبناه السبيل ونحوهم. أو السائبة: البعير يدرك نتاج نتاجه فيترك ولا يركب. وسابت الدابة تسيب سيباً تركت ترعى وتسوم حيث تشاء، فهي سائبة. والوصيلة أنثى الشاة تولد في بطن مع ذكر. وكان أهل الجاهلية يقولون: وصلت أخاها، فلا يذبحون =

ونحو ذلك، فأنزل الله تعالى الآية وأخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول للكفار: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً (الآية) " (¬1) يعني لا أجد في كتاب الله تعالى مما تحرمون أنتم محرماً إلا هذه الأشياء. - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬2): "لا ربا إلا في النسيئة". والربا يجري في النقد بإجماع الصحابة، ولكن الحديث ورد في حادثة خاصة فاختص (¬3) بها، فإنه روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل (¬4) عن الربا في مختلفي الجنس فقال عليه السلام: " لا ربا إلا في النسيئة" كأنه قال: "لاربا في مختلفي الجنس إلا في النسيئة". - وأما العرف: فإن من قال لآخر: "تعال تغد معي" فقال: "والله لا أتغدى" يقع على ذلك الغداء، حتى لو تغدى معه بعد ذلك لا يحنث. وكذا لو تغدى في ذلك الوقت (¬5) مع غيره لا يحنث. فقوله: "والله (¬6) لا أتغدى" عام بنفسه ثم اختص بذلك الغداء، لأن السبب (¬7) الداعي إلى الحلف هو ذلك الغداء معه (¬8) فاختص بالسبب. ¬

_ = الذكر لأجلها. وقيل: هي من الإبل: الناقة تبكر فتلد أنثى ثم تثنى بولادة أنثى أخرى ليس بينهما ذكر، فيتركونها لآلهتهم ويقولون: قد وصلت أنثى بأنثى ليس بينهما ذكر. وهناك تفاسير أخر. والحامي هو الفحل من الإبل لا يركب ولا يجز وبره، وكان من عادة الجاهلية فأبطلها الإسلام (مادة حمى). (راجع فيما تقدم: معجم ألفاظ القرآن الكريم، الصادر عن مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية). (¬1) راجع فيما تقدم الهامش 2 ص 331. (¬2) "أنه قال" من أ. (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "واختص". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "أنه سئل رسول الله". (¬5) في أ: "اليوم". (¬6) "والله" ليست في أ. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل: "لأنه سبب الداعى". (¬8) "معه" من أ.

- وأما المعقول: فلأن الجواب يختص (¬1) بالسؤال، خصوصاً إذا كان الجواب لا يكون مفيداً (¬2) بنفسه لمعنى، لكن (¬3) ذلك المعنى موجود في الفرع. وهو أنه لو لم يختص بالسؤال لم يكن في ذكر (¬4) السؤال والجواب فائدة - فكذا إذا نزلت الآية في حادثة خاصة، في حق شخص خاص: لو لم يختص بصاحب الحادثة ولم تنزل قبل وقوع الحادثة وقبل سؤال صاحب الحادثة لم تظهر فائدة نزول (¬5) الآية. ولكن عامة الفقهاء احتجوا وقالوا: - إن (¬6) عامة النصوص، نحو آية الظهار (¬7) واللعان (¬8) والقذف (¬9) والزنا (¬10) والسرقة (¬11) ونحوها، نزلت عند وقوع الحوادث (¬12)، لأشخاص معلومين. [فـ] لو اختصت بالحوادث، لم يكن الأحكام كلها ثابتة بالكتاب والسنة تنصيصاً، إلا في حق أقوام مخصوصين، وهذا محال عقلا، ومخالف الإجماع الأمة. - والمعقول يدل عليه، وهو أن اللفظ العام يوجب العمل بعمومه، وإنما يترك بدليل التخصيص، إذا كان متصلا به، من حيث الاستثناء والصفة والشرط والغاية على، ما ذكرنا، ويصير خاصاً في المذكور. فأما التخصيص ¬

_ (¬1) في أ: "مختص". (¬2) في أ: "مقيداً". (¬3) "لكن" من أ. (¬4) في أ. "في ذلك". (¬5) في أ: "بنزول". (¬6) كذا في أ: "إن". وفى الأصل: "بأن". (¬7) سورة الأحزاب؛ 4. والمجادلة: 1 - 4. (¬8) سورة النور: 6 - 9. (¬9) سورة النور: 4 - 5 و 13 و 23. (¬10) سورة النور: 2 - 3. (¬11) سورة المائدة: 38. (¬12) في أ: "الحادثة".

المنفصل المقارن: [فـ] يجب أن يكون حكمه مخالفاً لحكم العام، حتى يصح التخصيص، كقوله: "اقتلوا المشركين ولا تقتلوا أهل الذمة" فيخص أهل الذمة من اللفظ العام. وفي مسألتنا صاحب الحادثة غير مذكور متصلا باللفظ العام، فيحتاج إلى الإضمار، وهو شيء منفصل، واللفظ العام تناوله (¬1) وغيره من الناس، فلا يكون الحكم في حقه خلاف حكم (¬2) غيره، حتى يخص من الجملة، فيكون ذكره على الخصوص بعدما صار مذكوراً بطريق العموم، من باب التأكيد - ألا ترى أن من قال لغيره: "اعتق عبيدي" ثم قال مقارناً للأول: "اعتق عبدي سالماً"، لا يكون هذا تخصيصاً، بل يكون تأكيداً لا ثبت باللفظ العام، لأن سالماً دخل تحت قوله: "اعتق (¬3) عبيدي"، فقوله: "اعتق سالماً" يوجب زيا دة تأكيد (¬4)، لا أن يصير العام خاصاً في حقه مع أن فيه جعل الحقيقة مجازاً، وهو إطلاق اسم العام على الخاص، فيكون فيما قالوا تغيير له من وجوه: وهو إثبات ما ليس بمذكور، وهو إضمار صاحب الحادثة. وفي تخصيص العام به دون غيره جعل اللفظ العام (¬5) مجازاً من غير ضرورة، ومع ذلك لا يثبت به التخصيص بل يثبت به التأكيد، لأن الحكم غير مختلف، حتى إذا اختلف الحكم يكون تخصيصاً، فإن من قالمالغيره: "اعتق عبيدي" ثم قال مقارناً له: "لا تعتق عبدي سالماً" يصير مخصوصاً من الجملة. - وفيما تعلق به الخصم من الكتاب والسنة والعرف قام الدليل على أنه لا يمكن العمل بعمومه. ونحن نسلم أنه إذا كان لا يمكن العمل بعمومه، ¬

_ (¬1) في أ: "يتناوله". (¬2) في أ: "خلافاً لحكم". (¬3) "اعتق" ليست في أ. (¬4) في أ: "التأكيد". (¬5) "العام" ليست في أ.

تخصص (¬1) بالحادثة، ويصير مذكوراً دلالة، فإنه لما لم يمكن العمل بالعموم في قوله تعالى: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه" (¬2) لحرمة (¬3) كثير مما لم يذكر في النص المستثنى، فيجب القول بالزيادة على النص المذكور، بإدراج (¬4) السبب الوارد، وهو تحريم الكفار البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ونحوها (¬5)، فيصير كأنه قال: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً مما تحرمون أنتم من البحيرة وغيرها إلا أن يكون ميتة (الآية) (¬6). - وكذا في الحديث الذي رويتم: لما كان الربا ثابتاً في النقد (¬7)، وقد ورد الحديث في مختلفي الجنس، زيد عليه، واختص بالحادثة، كأنه قال: "لا ربا في مختلفي الجنس إلا في النسيئة". - وكذا في مسألة الدعاء إلى الغداء: يتقيد اليمين بالغداء المدعو إليه، وإن كان قوله: "والله (¬8) لا أتغدى" عاماً، لأن دلالة الحال تدل على أنه لم يرد به العموم، فيقيد (¬9) بالسبب الداعي إلى الحالف، كأنه قال: "والله لا أتغدى هذا الغداء الذي دعوتني إليه"، ومن ادعى في الفرع أنه لا يمكن العمل بعموم اللفظ حتى يقيد (¬10) بالسبب وصاحب الحادثة، فعليه الدليل. ¬

_ (¬1) في أ: "نختص". (¬2) سورة الأنعام: 145. وراجع الهامش 2 ص 331. (¬3) في أكذا: "محرمة". (¬4) "المذكور بإدراج" من أ. (¬5) في أ: "وغيرها". راجع الهامش 5 ص 331 - 332. (¬6) في الأصل: "وغيره". راجع الهامش 5 ص 331 - 332. (¬7) في أكذا: "في العقد". والنقد (في البيع) خلاف النسيئة "، والعملة من الذهب أو الفضة وغيرهما مما يتعامل به (المعجم الوسيط). (¬8) "والله" ليست في أ. (¬9) في أكأنها: "فيتقيد". (¬10) في أ: "يتقيد".

- قولهم: إنه لو لم يختص بصاحب (¬1) الحادثة لم يكن في نزول النص العام فائدة، كما في الجواب المبني على السؤال - فنقول: فائدة نزول الآَية عقيب الحادثة في حق صاحبها: هو ظهور الحكم في حقه، والخروج عن عهدة تلك الحادثة في (¬2) حقه، و (¬3) لا فرق بين أن ينزل الحكم خاصاً في حقه أو عاماً لدخوله في العام، وهذا لأن النصوص قد تنزل قبل وقوع الحوادث (¬4) وقد تنزل عندها، ولله تعالى حكمة ومصلحة (¬5) في ذلك كله. - وهكذا نقول في جواب السائل إذا كان مفيداً (¬6) في نفسه: إنه لا يختص بالسؤال، فأما إذا (¬7) لم يكن مفيداً (¬8) في نفسه [فـ] يقتضي إعادة السؤال ويختص به حتى لا يلغو - ألا يرى أن من سأل رجلا فقال: "هل جاري محمد في هذه الدار؟ " فقال: "جميع جيرانك في هذه الدار"، فهذا لا يختص بالسؤال، ويكون جواباً له، لأنه إذا كان جميع جيرانه في الدار، فاب ر المسؤول عنه يكون كذلك أيضاً (¬9)، فيحصل للسائل الغرض بالجواب، وإن كان عاماً لا خاصاً - فكذا ههنا. - وكذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن ماء البحر فقال: "الطهور ماؤه والحل ميتته" فالسؤال عن الماء، ثم بين حكم حل (¬10) تناول ما في البحر، وهو زيادة على الجواب، فبقدر السؤال يكون جواب ¬

_ (¬1) "بصاحب" ليست في أ (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "وفي". (¬3) "و" من أ. (¬4) في أ: "الحادثة". (¬5) إلى هنا انتهى القص في ب المشار إليه في الهامش 9 ص 311. (¬6) في أكذا "مقيدا". (¬7) في أ: "لا يخنص وإذا". (¬8) في أكذا "مقيدا ". (¬9) "أيضا" من أ. (¬10) في ب: "حل حكم".

فصل في بيان المشترك والمؤول

السائل (¬1)، وما زاد عليه يكون لابتداء التعليم، فكذا هنا (¬2): يجوز أن يرد لفظ عام فيكون زيادة على الجواب، فبقدر السؤال يكون جواباً، وما زاد عليه يكون لابتداء التعاجم - والله أعلم. فصل في بيان المشترك والمؤول (¬3) يحتاج (¬4) إلى: إثبات الاسم (¬5) المشترك في اللغة. وإلى تفسير المشترك (¬6). وإلى بيان حده (¬7) في عرف اللغة وأهل الأصول. وإلى بيان ما يتعلق به من الحكم. وإلى تفسير (¬8) المؤول لغة، وشرعاً. أما الأول (¬9) [إثبات الاسم المشترك في اللغة، فنقول]: قال عامة أهل اللغة بثبوت الاسم المشترك (¬10). وهو قول عامة أهل الأصول. ¬

_ (¬1) في أ: "جواباً للسائل". (¬2) كدا في ب. وفي الأصل و (أ): "فكذا هذا"،. (¬3) راجع فيما تقدم منهج البحث ص 80. (¬4) في أ: "نحتاج". (¬5) في أ: "اسم". (¬6) "وإلى تفسير المشترك " من ب. (¬7) في ب كذا: "عدد". (¬8) في أ: "وإلى بيان تفسير". (¬9) في ب كذا: "أما المأول" وهو غير صحيح. (¬10) في أ: " فإن عامة أهل اللغة يثبتون اسم المشترك".

وأنكر ذلك بعض أهل الأدب وبعض الفقهاء، وجعلوا ذلك اسماً عاماً لمعنى شامل للمختافات والمتضادات، مع كونها مختلفة في أنفسها، فإن اسم الحادث عام يشمل الأضداد والمختلفات، بمعنى الحدوث، لا لما فيها من التضاد والاختلاف. وبعضهم جعلوه اسماً مشتقاً. ولهذا المعنى في صنف بعض أهل الأدب كتاب "الاشتقاق". وشبهتهم في ذلك أن الغرض من وضع الأسماء هو التمييز بين الوجودات والتسميات (¬1) خصوصاً عند الغيبة. فلو وضعوا لفظاً واحداً للشيء وإخلافه ولضده (¬2)، لم يظهر فائدة وضع الأسماء، وهو الإعلام والتمييز، مع قدرة الواضعين على وضع اسم على حدة لكل شيء (¬3)، إذ باب الوضع متسع لهم، لأكثرة الالفاظ، فكان القول بوضع الاسم (¬4) المشترك نقض (¬5) غرض المواضعة (¬6)، وإنه فاسد. إلا أن الصحيح قول العامة، لإجماع أئمة اللغة على ذلك: فإنه ثبت عنهم، بالنقل (¬7) المتواتر أنهم قالوا: إن الشفق (¬8) والقرء (¬9) من أسماء الأضداد، وإنه (¬10) من الأسماء المشتركة. وصنف أبو عبيدة (¬11) رحمه الله كتاب "الأضداد". ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): " بالسميات". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وضده". (¬3) في أ: "لكل مسمى". (¬4) في أ: "اسم". (¬5) في ب كذا: "بعض". (¬6) في ب: "الوضع". (¬7) في أ: "بالفعل". (¬8) الشفق له عدة معان منها الشفقة وهي الرحمة والحنان. وكذا الخوف من حلول كل مكروه. وحمرة تظهر في الأفق حيث تغرب الشمس وتستمر من الغروب إلى قبيل العشاء تقريبا. وكذا الناحية. والرديء من كل شيء (المعجم الوسيط). (¬9) القرء الحيض والطهر منه. وكذا القافية. وأقراء الشعر قوافيه وطرقه وبحوره (المعجم الوسيط). (¬10) في أ: "وإنها". (¬11) كذا في أو ب. وفي الأصل: "أبو عبيد". هو أبو عيدة معمر بن المثنى التيمي بالولاء (تيم قريش) البصري النحوي. ولد سنة 110 هـ (أو 108 أو 109 أو 111 أو 114) وتوفي شة 209 هـ (أو 210 أو 211 أو 213) بالبصرة. وقيل إنّه كان يرى رأي الخوارج. وقيل إنه كان مدخول الدين مدخول النسب. وله كتب كثيرة كل منها: مجاز القرآن الكريم -كتاب غريب القرآن- كتاب معاني القرآن- كتاب غريب الحديث - كتاب الديباج - كتاب الأضداد (ابن خلكان. وابن النديم).

ولا يجوز حمل قولهم على تأويل بعيد، في كونه عاماً أو مشتقاً، إذ ما قالوه كانقول عن أهل الوضع، وهو (¬1) في حد الجواز دون الإحالة (¬2). وبيان الجواز وجهان: أحدهما - أن الواضعة تابعة (¬3) للأغراض، ليعرف البعض غرض البعض ومرادة الباطن القائم بقلبه، بالأسماء الموضوعة لها (¬4). وكما أن إظهار الغرض بطريق التفصيل والتعيين مراد المتكلم (¬5)، فالإظهار مطلقاً مراد في الجملة: فإن الرجل في قول: "أخبرني محمد بن فلان كذا" (¬6) إذا أراد إظهار المخبر به (¬7) بعينه. ويقول: "أخبرني رجل" إذا كان مراده أن له علماً بالخبر به (¬8)، ولم يكن مراده إظهار المخير، فكان وضع اسم المشترك ليعرف السامع أصل مراده (¬9)، لا على التفصيل، تم تبين (¬10) بنفسه إن شاء، فدل أنه في حد الجواز والحكمة دون الإحالة. والثاني - أن العرب قبائل (¬11) متباعدة متباينة، في جوز أن يضع أهل قبيلة اسماً (¬12) لشيء معلوم، ويضع أهل قبيلة أخرى، بعيدة عن الأولى، ذلك الاسم لشيء آخر كل ملوم، ثم بعد تقادم الزمان اشتهر ذلك فيما بين ¬

_ (¬1) "وهو" ليست في ب. (¬2) أي دون جعله محالا (المعجم الوسيط - مادة حول). (¬3) في ب كذا: "مانعة". (¬4) "لها" من ب. (¬5) في أ: "بالمتكلم". (¬6) في أ: "أخبرني محمد عن فلان بكذا". (¬7) "به" ليست في أو ب. (¬8) في ب: "إذا كان مراده إظهار الخبر به ". (¬9) في أ: "مراد المتكلم". (¬10) في ب: "يتبين". (¬11) في أو ب: " في قبائل". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الاسم"

وأما تفسير المشترك في اللغة

القبائل ورضوا (¬1). بذلك الاسم لكل واحد من المسميين، على الانفراد والبدل، فيصير اسماً مشتركا. ومثل هذا يوجد في لسان الفارسية والتركية وكل لسان - فدل أنه لا معنى للإنكار. وأما تفسير المشترك (¬2) في اللغة فهو (¬3) مأخوذ من الاشتراك، وهو التساوي (¬4). فالاسم المتساوي في تناول المسميات على البدل (¬5)، يسمى (¬6) مشتركاً، لانطلاقه على هذا في حال وعلى الآخرين كذلك (¬7) في حال أخرى، كالشريكين يتهايآن الانتفاع (¬8) بالمشترك. وأما حده عند أهل الأصول [فـ] هو (¬9) اللفظ الذي (¬10) يتناول (¬11) شيئاً واحداً من الأشياء المختلفة أو المتضادة (¬12) عيناً عند المتكلم، وهو مجهول (¬13) عند السامع (¬14). ¬

_ (¬1) في أ: "فرضوا". (¬2) في أ: "اسم المشترك". (¬3) في ب: "وهو". (¬4) "وهو التساوي" من (أ) و (ب). (¬5) كذا في ب. وفي أ: "المتساوي في تناوله المسميات على البدل". وفي الأصل: "المتساوي في بسين المسميات في تناولها على البدل" (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "سمى". (¬7) "كذلك" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في الانتفاع". (¬9) في ب: "وهو". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "هو ما". (¬11) في أ: "تناول". (¬12) "أو المتضادة" ليست في ب. (¬13) في (أ) و (ب): "عند المتكلم مجهولا". (¬14) في ب: "عند السامعين اختلافها".

فإنه قيل: هو أحد أنواع المجمل، وهو (¬1) معلوم (¬2) عند المجمل، مجهول (¬3) عند السامعين. وهو نوعان من حيث اللغة، ونوعان من حيث الشرع. أما أحد نوعي اللغة: [فـ] أن يكون اللفظ واقعاً على معلوم الأصل، مجهول الوصف عند السامع دون المتكلم - قال الله تعالى: "فإذا قرأناه فاقبع قرانه ثم إن علينا بيانه" (¬4). وذلك (¬5) نحو قوله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده" (¬6) وقوله تعالى: "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" (¬7) فإنه معلوم الأصل، مجهول القدر - ونحوه. والنوع الثاني في اللغة: هو المشترك، وهو أن يكون المراد بالكلام المشترك بين الشيئين وأكثر، كالقرء والعين ونحوهما (¬8)، معلوماً عند المتكلم، أحدهما عيناً، وهو مجهول عند السامع (¬9). ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "المجمل والمجمل ما هو ". (¬2) في ب: "المعلوم". (¬3) في ب: "المجهول". (¬4) سورة القيامة: 19. (¬5) "ذلك" ليست في أ. (¬6) سورة الأنعام: 141. (¬7) سورة البقرة: 43 و 83 و 110. والحج: 78. والنور: 56. (¬8) "كالقرء والعين ونحوهما" من أ. وقد وردت في ب في آخر العبارة (انظر الهامش التالي). وقد تقدم معنى القرء في الهامش 9 ص 338. أما العين فقد تقدم قول المؤلف (ص 259): " فإن العين قد يراد به العين الباصرة والركية والشمس والصامت وهو الذهب والفضة". وانظر المعجم الوسيط حيث أورد ضدة معان لها منها عين الإبصار للإنسان وغيره من الحيوان وينبوع الماء ينبع من الأرض ويجري وأهل البلد وأهل الدار والجاسوس ورئيس الجيش وطليعة الجيش وكبير القوم وشريفهم وذات الشيء ونفسه وما ضرب نقداً من الدنانير والحاضر من كل شيء "والنفيس من كل شيء. (¬9) في ب كذا: "المراد بالكلام بين شيئين ولكنه معلوم عند المتكلم أحدهما عينا، وهو مجهول عند السامع كالقرء والعين ونحوهما".

وأما النوعان في الشرع: -[فـ] أن لا يكون اللفظ في اللغة مجملا، ولكنه (¬1) في الشرع مجمل يحتاج إلى البيان: أحدهما - أن يكون اللفظ استعمل (¬2) في بعض ما وضع له اللفظ، كالعام الذي خص منه بعض مجهول (¬3). والثاني - أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له اللفظ، كالمجاز، فقبل البيان يكون مجملا، على ما نذكر. فعلى هذا: كل مشترك مجمل، وليس كل مجمل مشتركاً (¬4). ثم المشترك: - خلاف العام، فإن العام (¬5) يتناول الأشياء من جنس واحد (¬6)، بمعنى واحد (¬7) يشمل الكل، والمشترك ما يتناولها بمعان مختلفة (¬8). - وهو خلاف الطلق أيضاً، فإن المشترك (¬9) يتناول واحداً عيناً عند المتكلم مجهولا عند السامع. والمطلق يتناول واحداً (¬10) غير عين شائعاً في الجنس - يتعين ذلك باختيار من فوض إليه. وذلك في حق المتكلم من العباد: أن المراد عنده أحدهما غير عين، لاستواء الكل في ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ولكن". (¬2) في ب: "ليستعمل". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بعضه". (¬4) في ب: "مشترك". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فإنه". (¬6) "من جنس واحد" ليست في ب. (¬7) "واحد" من ب. (¬8) "والمشترك ما يتناولها بمعان مختلفة" من أ. وفيها: "بمعاني". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فإنه". (¬10) "عينا عند المتكلم ... يتناول واحداً" من ب.

الغرض. والمقصود يتعين باختيار المأمور قول القائل: "اعط هذا الدرهم رجلا من الرجال" فهو أمر بالإعطاء إلى واحد من الرجال غير عين عند الآمر والمأمور، ولكن يتعين باختيار المأمور. فأما إذا كان المتكلم هو الله تعالى: فإنه معلوم عنده أن الراد من هو (¬1) لاستحالة الجهل عليه فيما يتصور العلم فيه، وإن كان مجهولا عند المأمور، كقوله تعالى: "فتحرير رقبة مؤمنة" (¬2): يتناول واحداً غير عين في حق المأمور، [فـ] يتتعين باختياره، ولكنه معلوم عند الله تعالى أن الرقبة الواجبة التي يعينها المأمور من هي. وأما بيان الحكم [فنقول]: قال عامة الفقهاء: إن حكمه أن (¬3) يتناول أحد الأشياء عيناً (¬4) عند المتكلم، وهو مجهول عند السامع لا يصير معلوماً له (¬5) إلا بدليل زائد من جهة المجمل، وليس بعام يشمل الكل. وهو اختيار أبي الحسن الكرخي (¬6): أن المشترك لا عموم له. وهو مذهب المتأخرين من المعتزلة كأبي هاشم (¬7) ومن تابعه. وقال عامة أصحاب الحديث: إن له عموماً من حيث الصيغة حتى يتناول الأشياء المختلفة على طريق الشمول، ولكن لا يتناول الأشياء ¬

_ (¬1) في ب: "هو من". (¬2) سورة النساء: 92، وقد أوردنا نصها في الهامش 5 ص 298. (¬3) "أن" من (أ) و (ب). (¬4) "عيناً" ليست في ب. (¬5) "له" ليست في ب (¬6) تقدمت ترجمته في الهامش 7 ص 210. (¬7) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 146.

المتنافية، لا لإجمال في اللفظ، لكن (¬1) لاستحالة الجمع بين الأشياء المتنافية في حالة واحدة - وهو قول قدماء من المعتزلة مثل الجبائي (¬2) ومن تقدمه. وكذا (¬3) على هذا الخلاف: هل يجوز أن يراد براللفظ الواحد الحقيقة والمجاز في حالة واحدة إذا لم يكن بين حكميهما منافاة؟ و (¬4) قال (بعض أهل التحقيق: يجوز من حيث العقل أن يراد في اللفظ الواحد كلاهما. ولكن أهل اللغة ما وضعوه إلا لأحدهما عيناً مجملا عند السامعين معلوماً عند المتكلم. فالفريق الأول اعتمد (¬5) على ما ذكرنا من وضع أهل اللغة القرء والعين والجارية لأحد المعنيين عيناً، إما من أهل القبيلتين أو أكثر على الانفراد (¬6)، بأن وضع كل قبيلة اللفظ لمسمى (¬7) واحد ثم صار مشتركاً فيهما (¬8) بعد ذلك، أو من جميع أهل الوضع لإرادة الإبهام (¬9) والإجمال على السامع. فإن قال: إنه يراد به كلاهما في حالة واحدة فقد ¬

_ (¬1) في ب: "ولكن". (¬2) الجبائي هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب سلام بن خالد بن حمران برن أبان مولى عثمان في عفان رضي الله عنه. وهو أحد أئمة المعتزلة. كان إماماً في علم الكلام. وقد أخذ هذا العلم عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله الشحام البصري رئيس المعتزلة بالبصرة في عصره. وله في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة وعنه أخذ الشيخ أبر الحسن الأشعري شيخ السنة علم الكلام وله معه مناظرة روتها العلماء. وهو منسوب إلى جبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمائر بالنخل وقصب السكر وغيرهما. وكانت ولادة الجبائي سنة 235 هـ ووفاته سنة 303 هـ (ابن خلكان. وانظر الشهرستاني، الملل والخل، 1: 78 وما بعدها). وفي الأصل: "من الجبائى ومن تقدم (¬3) في ب: "فكذا". (¬4) واو العطف ليست في أ. (¬5) في أ: "اعتمدوا". (¬6) "أو أكثر على الانفراد" من (أ) و (ب). (¬7) في ب: "المسمى". (¬8) في أ: "فيما". (¬9) فى ب كذا: "لإيهام".

خالف وضع أرباب (¬1) اللغة ونسخ وضعهم، وهذا لا يجوز. وكذا في الحقيقة والمجاز. فالحقيقة (¬2) ما اقتصر في (¬3) موضع الوضع، والمجاز ما جاوز عن محل الوضع إلى غيره وتعداه (¬4) على ما نذكره (¬5). فاللفظ (¬6) الواحد في زمان واحد لا يتصور أن يكون كل مقتصراً على محل، متعدياً عن ذلك المحل بعينه. والفريق في الثاني قالوا: إن طريق في الاسم المشترك ما ذكرنا من وضع كل قبيلة اسماً (¬7) لمسمى ووضع قبيلة أخرىَ ذلك الاسم (¬8) لمسمى آخر، ثم اشتهر ذلك بينهم، ورضي (¬9) كل قبيلة بوضع القبيلة (¬10) الأخرى، فيصير بمنزلة ما لو وضعوا جملة في الابتداء الاسم على مسمين مختلفين. ولو كان في الابتداء وضع الواضعون (¬11) الاسم على معنيين مختلفين لكان عامًا، فكذلك إذا وجد الرضا منهم بذلك في الانتهاء - نظيره الإجماع الذي ينعقد بسماع قول البعض والرضا من الباقين، نظير وجود النطق من الكل. وكذلك القول في الحقيقة والمجاز: فإن الجاز ثبت بوضع أرباب اللغة، كالحقيقة، إلا أنه بوضع طارئ (¬12) مع بقاء الوضع الأول (¬13)، ¬

_ (¬1) في ب: "أهل". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والحقيقة". (¬3) في أ: "على". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وتعديه". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "على ما نذكر". (¬6) في (أ) و (ب): "واللفظ". (¬7) "اسماً "كان (أ) و (ب). (¬8) "ذك الاسم" من (أ) و (ب). (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فرضي". (¬10) "القبيلة" ليست في أ. (¬11) في ب: "الواضعين". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "طار" (¬13) "مع بقاء الوضع اللأول" من (أ) و (ب).

والحقيقة بالوضع الأول، أو الحقيقة بوضع اللفظ نفسه لمسمى (¬1) معلوم، والجاز بوضع الطريق. ولو وضعوا في أصل الوضع الاسم لهذين الشيئين كان شاملا لهما، فكذلك (¬2) إذا ثبت بالوضع الطارئ أو بوضع الطريق. ولهذا قلنا في قوله تعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم" (¬3) يراد به حرمة نكاح الوطوءة والنكوحة جميعاً، ولا يقال: إنه أريد (¬4) به أحدهما والآخر ثبت بدليل آخر، لأنه يمكن الحمع بينها حقيقة، وهو جائز في اللغة - يدل (¬5) عليه أنه يستقيم أن يقال: لا تنكح ما نكح أبولا لا عقداً ولا وطئاً، ولو لم يكن جائزاً لما (¬6) صح البيان به ذكراً وهذه مسألة طويلة. مسألة - المشترك: هل يعم في موضع النفي أم لا؟. من قال: يعم (¬7) في موضع الإثبات، يقول، بالعموم في موضع النفي. ومن أنكر العموم في موضع الإثبات اختلفوا: قال بعضهم: يعم. وقال بعضهم: لا يعم. فمن قال بالعموم استدل بالنكرة: أخها في موضع الإثبات تخص، و (¬8) في موضع النفي تعم. فكذلك (¬9) المشترك، لأن كل واحد منهما يتناول واحداً (¬10). ¬

_ (¬1) في ب: "بمسمى". (¬2) في ب: "كذلك". (¬3) سورة النساء: 22. (¬4) في أ: "يريد". (¬5) في أ: "فدل" أو "دل" لأنها غير ظاهرة. (¬6) في الأصل بها كلمة غير مفهومة. (¬7) في ب كذا: "نعم". (¬8) في ب: "وأنها". (¬9) في ب: " وكذلك". (¬10) زاد في الأصل: "ثم النكرة في النقى تعم، فكذا المشترك". وزاد في أ: أو "والنكرة في موضع تعم فكذا المشترك". وليست في ب.

وجه قول الفريق الثاني أنا اققنا (¬1) أن اللفظ ليس في بعام في موضع الإثبات، وإنما ينتفي بإدخال حرف النفي في الكلام ما يتناوله اللفظ في موضع الإثبات. فإذا كان بحكم اللفظ لا شمول له، فكيف ينتفي على العموم بخلاف النكرة في موضع النفي حيث لا تعم (¬2) في موضع الإثبات وتعم (¬3) في مو ضىح النفي، لأن ثمة (¬4) عموم الانتفاء ليس من موجب اللفظ، وإنما كان بطريق الضرورة، ومثل تلك الضرورة لم توجد في المشترك. بيانه: أن من أخبر وقال: "ما رأيت رجلا" أخبر عن نفي رؤية رجل غير عين، وهي (¬5) نفي رؤية ذات قام به صفة (¬6) الرجولة (¬7)، ومن ضرورة صدق خبره بنفي رؤية واحد غير عين انتفاء رؤية كل رجل، إذ لو كان رأى رجلا يكون (¬8) كاذباً في خبره، ولو نفى رؤية رجل معين بأن قال: "ما رأيت زيداً" (¬9) لا يعم، لأنه ليس من ضرورة نفي رؤية زيد معلوم (¬10) نفي رؤية غيره، - في لو رأى غيره لا يكون كاذباً في خبره، وفي المشترك لا ضرورة، لأنه يتناول واحداً عيناً مجهول الذات (¬11) عند السامع معلوماً عند المخبر، فليس (¬12) من ضرورة نفي رؤيته نفي (¬13) رؤية غيره، مما يدخل تحت ¬

_ (¬1) "أنا أتفقنا" من (أ) و (ب). (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "لا يعم". وفي ب: "لا يعمم". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ويعم". (¬4) في ب: "ثم". (¬5) في أ: "وهو". (¬6) "صفة" ليست في ب. (¬7) الرجولية الرجولة وهي كمال الصفات الميزة للرجل (المعجم الوسيط). (¬8) في ب: "كان". (¬9) في أ: "زيدا الفلاني". وفي ب "زيد الفلاني". (¬10) في ب: "ضرورة رؤية زيد معلوم". و "معلوم" ليست في الأصل. (¬11) في هامش أ: "أي مجهول الحقيقة". (¬12) في أ: "وليس". (¬13) "رؤيته نفي" ليست في ب.

وأما المؤول

الاسم، فإنه إذا قال: " ما رأيت (¬1) العين اليوم" وأراد به (¬2) نفي رؤية الشمس، وقد رأى واحداً من أشراف البلد الذي يسمى "عيناً" لا يكون كاذباً في خبره، فلم وتعمم بطريق في الضرورة - فهو الفرق بينهما. وأما المؤول فهو ما تعين عند السامع بعض وجوه المشترك، بدليل غير مقطوع به. وكذا المجمل والمشكل: إذا صار المراد جهما معلوماً من حيث الظاهر، بدليل غير مقطوع به (¬3). [وهو] مأخوذ من قول العرب "آل يؤول" أي (¬4) رجع (¬5) يسمى (¬6) مؤولا (¬7)، لأن مرجع مراد المتكلم عند السامع هذا، بنوع دليل مجتهد فيه. ويقال: "أولته تأويلا" أي صرفت اللفظ عما يحتمل من الوجوه إلى شيء معين، بنوع رأي واجتهاد، ويصير ذلك عاقبة الاحتمال (¬8) بنوع رأي واجتهاد - قال الله تعالى: "هل ينظرون إلا تأويله" (¬9) أي عاقبته. فأما إذا تعين بعض وجوه المشترك في بليك قطعي، أو المشكل أو (¬10) المجمل متي أريد به شيء قطعاً سمي (¬11) مفسراً على ما نذكر إن شاء الله تعالى (¬12). ¬

_ (¬1) "ما رأيت" غير واضحه في أ، وتبدو: "أرأيت"، ولعلها "رأيت" (¬2) "به" ليست في (أ) و (ب). وانظر في معنى "العين" الهامش 8 ص 341. (¬3) "به" ليست في أ. وفي هامشها: "وكذا المجمل .. مقطوع به" على أنها تصحيح لعبارة المتن. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إذا". (¬5) في المعجم الوسيط: أول الشيء إليه أرجعه. وأول الكلام فسره. وأوله فسره ورده إلى الغاية المرجوة منه وأول الرؤيا عبرها. (¬6) في ب: "سمى". (¬7) "يسمى مؤولا" غير ظاهرة في أ. (¬8) في ب: "للاحتمال". "ويصير ذك عاقبة الاحتمال" موضعها في أمتآكل. (¬9) سورة الأعراف: 53. (¬10) في ب: "و". (¬11) في ب: "يسمى". (¬12) "قال الله تعالى: هل ... إن شاه الله تعالى" موضعها في أمتآكل. وانظر فيما يلي ص 352.

فصل في بيان الظاهر، والنص، والمفسر، والمبين، والبيان، والمحكم وما يقابلها من الألفاظ الخفي، والمشكل، والمجمل، والمتشابه

فصل في بيان الظاهر، والنص، والمفسر، والمبين، والبيان، والمحكم وما يقابلها من الألفاظ الخفي، والمشكل، والمجمل، والمتشابه (¬1) يحتاج إلى: تفسير هذه الألفاظ لقوله، وإلى تحديدها عند أهل الأصول (¬2). وإلى ما يتعلق بها من الأحكام، وما يتصل بها من المسائل. [1] [أما تفسير هذه الألفاظ لغة، وحدها عند أهل الأصول] أما الظاهر: فهو مشتق من الظهور، وهو الوضوح والانكشاف لغة (¬3). وأما حدة: فاللفظ (¬4) الذي انكشف معناه اللغوي (¬5)، واتضح للسامع من أهل اللسان (¬6) بمجرد السماع من غير قرينة ومن غير (¬7) تأمل، ¬

_ (¬1) هنا تآكل في أمم جعل العبارة غير واضحة. (¬2) "إلى تحديدها عند أهل الأصول" غير واضحة في ألأن موضعها فيه تآكل. (¬3) "لغة" من (أ) و (ب). (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "هو اللفظ". (¬5) "اللغوي" ليست في ب. (¬6) في ب: "للسامع العربي". (¬7) "قرينة ومن غير" من (أ) و (ب).

وذلك نحو قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" (¬1) فهو ظاهر (¬2) في الإحلال والتحريم، فإنه يفهمه (¬3) السامع العربي من غير تأمل. وأما النص: فهو الظاهر (¬4) الذي سيق الكلام له الذي (¬5) أريد (¬6) في الإسماع والإتزال، دون ما دل عليه ظاهر اللفظ لغة (¬7). نحو قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" (¬8) فالكلام سيق لبيان التفرقة (¬9) بين البيع والربا لا لإحلال البيع وتحريم الربا، فإن الكفار ادعوا المماثلة بينهما كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله تعالى: "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيِع وحرم الربا" (¬10) أي فرق بينهما وفصل، فتكون هذه الآية ظاهراً من حيث إنه أضهر بها إحلال (¬11) البيع وتحريم الربا بسماع (¬12) الصيغة من غير قرينة (¬13)، ونصاً من حيث عرف بها ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 275، والآية: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬2) في أ: "الظاهر". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يفهم". (¬4) كذا في الأصل وب. وفي أ: "فهو النص". وانظر البزدوي، والبخاري عليه، 1: 46 - 47. (¬5) "الذي" ليست في ب. (¬6) في أ: "الكلام لأجله وأريد". (¬7) "والإنزال ... لغة" من (أ) و (ب) مع ملاحظة أن "عليه" الأولى ليست في أ. وأن فيهما: "عليه لغة"، فتكررت "عليه" في ب. (¬8) راجع الهامش 1. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "سيق للتفرقة". (¬10) راجع الهامش 1. (¬11) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "من حيث ظهر إحلال". (¬12) في ب: "إنها بسماع". (¬13) هنا في الأصل آثار كلمة أو حرف غير ظاهر.

التفرقة بإنهما بقرينة صدر الآية من دعوى المماثلة من الكفرة بينهما. وأما المفسر: فهو في اللغة اسم للظاهر المكشوف المراد، مأخوذ من الفسر (¬1)، مقلوب من السفر وهوْ الإظهار والكشف - يقال: سفرت المرأة إذا كشفت (¬2) النقاب عن وجهها، وأسفر الصبح إذا أضاء إضاءة تامة. وهو - من حيث اللغة - والظاهر والنص سواء، لأن ما هو معني اللفظ لا يخفى على من كان من أهل اللسان، إنما الخفاء (¬3) في مراد المتكلم، لاحتمال تناول اللفظ غيره دونه، بأن كان مجملا (¬4) أو مشتركاً. وأما حده عند التكلمين وأهل الأصول: فما (¬5) ظهر به مراد المتكلم للسامع؛ من (¬6) غير شبهة، لانقطاع احتمال غيره، بوجود الدليل القطعي على المراد. وكذا سمي (¬7) مبيناً ومفصلا لهذا. وقد سمي الخطاب والكلام مفسراً ومبيناً بأن كان كل مكشوف المراد من الأصل، بأن لم يحتمل إلا وجهاً واحداً. كما يقع على المشترك والمشكل والمجمل الذي صار مراد المتكلم معلوماً للسامع، بواسطة انقطاع الاحتمال وارتفاع الإشكال (¬8). ¬

_ (¬1) الفسر: الإبانة وكشف المغطى كالتفسير، والفعل كفرب ونصر. التفسير التأويل واحد. أو هو كشف المراد عن المشكل، والتأويل رد أحد المحتملين إلى مما يطابق الظاهر (القاموس). (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "كشف". وفى ب كذا: "كسفت". (¬3) في ب كذا: "الخفي". (¬4) في أ: "مجازاً" وهي غير واضحة. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ما". (¬6) "مع من" ليست في أوموضعها فيها بياض. (¬7) في ب: "يسمى". (¬8) "وقد سمي الخطاب ... وارتفاع الإشكال" وردت في ب سع تغيير بسيط جداً في العبارة في الكلام على "البيان" بعد ثمانية سطور - انظر فيما يلى الهامش 5 ص 352. وفي أعبارة: " وكذا سمي مبيناً ومفصلا ... الإشكال" غير واضحة لتآكل الورقة.

وأما البيان: [فـ] في اللغة يستعمل (¬1) في الظهور والانكشاف، ويستعمل في الإظهار. وأصله من البين وهو الانفصال - في قال: "أبان رأسه فبان" أي فصل (¬2): سمي به، لأن الشيء إذا انفصل عن أمثاله يظهر. وفي عرف الشرع: عام وخاًص. فالعام هو الدلالة، فيدخل فيه الدليل العقلي والسمعي. والخاص هو بيان المجمل والمشكل والمشترك وبيان العموم (¬3). وهو دليل (¬4) تخصيص الأعيان، وبيان النسخ، وهو تخصيص الأزمان (¬5) فأما (¬6) إذا زال الإشكال بدليل فيه شبهة، كخبر الواحد والقياس [فـ] لا يسمى مفسرا مبيناً، ولكن يسمى مؤولا على ما مر ذكره (¬7). وأما المحكم: [فـ] في اللغة اسم للشيء المتقن: مأخون من إحكام البناء. يقال: "بناء محكم" أي متقن لا وهاء (¬8) فيه ولا خلل. ويقال: لفظ محكم أي لا احتمال في بيانه. ¬

_ (¬1) في ب: "مستعمل". (¬2) في ب: "أي انفصل". (¬3) "وأما البيان ... وبيان العموم" غير ظاهره في ألتآكل الورقة. (¬4) "دليل" ليست في ب. (¬5) هنا وردت في عبارة: "وقد يسمى الخطاب والكلام مفسراً ... وارتفاع الإشكال" راجع فيما تقدم الهامش من 8 ص 351. (¬6) في أ: "وأما". (¬7) راجع فيما تقدم ص 348: (¬8) كذا والأصل وأ. وفي ب: "لا وها". وفي المعجم الوسيط: وهى الحائط تشقق وهم في السقوط: يهي وهياً ووهياً، فهو واه. والوهي الشق في الشيء.

وأما حده في عرف أهل الأصول، [فـ] ما أحكم المراد به قطعاً. وهو نوعان: أحدهما - ما لا يحتمل التبدل والانتساخ أصلا، وهو الدلائل العقلية القائمة على حدث العالم وقدم الصانع وتوحيده ونحو ذلك. والثاني - الدلائل السمعية القطعية بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنها تحتمل الانتساخ في زمنه مع كونها محكمة. قال الله تعالى: "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" (¬1) سمي بعضها (¬2) محكماً في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع احتمال النسخ - والله أعلم. وأما (¬3) بيان الألفاظ المقابلة لما قلنا: فالخفي (¬4): مأخوذ من الخفاء، وهو خلف الظاهر والنص والمفسر، لأنه عبارة عما هو لفظ غريب (¬5)، نحو العقار للخمر، والقطر للنحاس، ونحو ذلك. فيكون الخمر اسماً ظاهراً، والعقار اسماً خفياً. وكذلك إذا كانت استعارة بديعة ومجازاً دقيقاً، كقوله تعالى: "واشتعل الرأس شيباً" (¬6) فإن طرق الاستعارة والمجاز كثيرة (¬7) عند العرب، بعضها فيه خفاء ودقة. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 7. (¬2) في أ: "بعضه". (¬3) "وأما" ليست في أ. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والخفي". (¬5) في ب: "عبارة عن اللفظ الغريب". (¬6) سورة مريم: 4. (¬7) في ب: "فإن طرق المجاز والاستعارة كثير".

وأما المشكل: فهو مأخوذ من قولهم "أشكل" أي دخل في أمثاله وأشكاله (¬1)، كما يقال أشتى إذا (¬2) دخل في الشتاء. وأما حده فهو (¬3) اللفظ الذي اشتبه مراد المتكلم للسامع، بعارض الاختلاط بغيره من الأشكال، مع وضوح معناه اللغوي على مقابلة النص. وهو (¬4) ما تعين مراد التكلم منه (¬5) للسامع بقرينة مذكورة أو دلالة حال، مع ظهور معناه الموضوع له (¬6) لغة. وأما المجمل: فهو، من حيث (¬7) اللغة، يستعمل في شيئين: يقال: "أجملت الحساب" إذا جمعت الحساب التفرق (¬8). وعلى هذا يجوز (¬9) إطلاق اسم المجمل على العام، لأنه يتناول جملة من السميات (¬10). ويستعمل في الإبهام والإخفاء - يقال: "فلان أجمل الأمر علي"، أي أبهم وأما حده: [فـ] هو اللفظ الذي يحتاج إلى البيان في حق السامع، ¬

_ (¬1) في ب: "في أشكاله وأمثاله". (¬2) في ب: "أي". (¬3) الفاء من أ. (¬4) "وهو" من أ. (¬5) "منه" من أ. (¬6) "له" من أ. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "فمن حيث". (¬8) في أ: "الحساب إلى العام" ثم بياض. (¬9) في أ: "وعلى هذا يراد". (¬10) "جملة من المسميات" ليست في أ.

مع كونه معلوماً عند المتكلم (¬1)، وهو معنى قول الشايخ: اللفظ (¬2) المجمل ما لا (¬3) يطاوع العمل به إلا ببيان يقترن به. ومراد الفقهاء من المجمل هو الثاني، وهو الإبهام، دون الأول. وهو نوعان: أحدهما - أن يكون إجماله و (¬4) إبهامه بوضع اللغة. وهو ضربان أيضاً: أحدهما يرجع إلى الصفة دون الأصل. والثاني يرجع إلى الأصل والصفة (¬5)، وهو أن يكون اللفظ موضوعاً لأحد الشيئين على الانفراد، ومعلوم (¬6) المراد عند المتكلم مجهول (¬7) عند السامع، وهو المشترك، وقد ذكرنا مثالهما فيما تقدم (¬8). والنوع الثاني - ما لا إجمال فيه من حيث وضع اللغة، بل هو ظاهر المعنى من حيث موضوع اللغة، ولكن اشتبه المراد على السامع لأحد وجهين: إما لاستعماله في بعض ما وضع له لغة مجهولا. أو لاستعماله في غير ما وضع له مشتركاً (¬9). أما الأول -[فـ] هو المفظ العام الذي استعمل في بعض مجهول، ¬

_ (¬1) "معلوماً عند المتكلم" ليست في أموضعها فيها بياض. (¬2) "اللفظ" ليست في ب. (¬3) "المشايخ ... ما لا" ليست في أوموضعها فيها بياض. (¬4) "له و" ليست في أ. (¬5) في أ: "والوصف". (¬6) "و" من ب. و "معلوم" غير ظاهرة بكاملها في أ. (¬7) كذا في ب: "مجهول". وفي الأصل و (أ): "مجهول". (¬8) راجع فيما تقدم ص 337 وما بعدها، وخصوصا ص 340 - 342. (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "مشترك".

بأن يكون دليل التخصيص مجهولا، فيوجب (¬1) جهالة المخصوص منه. ودليل التخصيص قد يكون متصلا باللفظ العام، وقد يكون منفصلا عنه (¬2). أما المتصل: [فـ] كالتقييد بالصفة المجهولة، والاستثناء والشرط المجهولين: نظير الصفة قوله تعالى: "وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم" (¬3): لو اقتصر على هذا يكون عاماً معلوماً، فلما قيده (¬4) بالصفة المجهولة، وهو قوله تعالى: "محصنين غير مسافحين" ولم يعلم ما الإحصان (¬5)، صار قوله تعالى: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" مجملاً، لاقتران الصفة المجهولة به. ونظير الاستثناء قوله تعالى: "أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم" (¬6): لما كان الاستثناء مجهولا، صار المستثنى منه مجهولا أيضاً، فيصير مجملا يحتاج إلى البيان. وزظير الشرط: "عبيدي أحرار إن شاء الله تعالى". وأما النفصل -[فـ] نحو أن يقول لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: "اقتلوا المشركين" (¬7): "لا تقتلوا بعض المشركين": صار النص العام ¬

_ (¬1) في أ: "فأوجب". (¬2) "عنه" ليست في أ. (¬3) سورة النساء: 24. والآية والتي قبلها: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ... والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غيرس مسافحين فما استمتعم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ... ". (¬4) في أ: "قيد". (¬5) في ب: "بالإحصان". (¬6) سورة المائدة: 5 والآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}. (¬7) سورة التوبة: 5 والآية: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

مجملا لا (¬1) يعرف المراد به، لأنه لا مشرك (¬2) إلا وقد تناوله قوله تعالى: "اقتلوا المشركين" وتناوله قوله (¬3) عليه السلام: "لا تقتلوا بعض المشركين" وليس البعض (¬4) بأن يدخل تحت أحدهما بأولى من أن يدخل (¬5) تحت الآخر، فيحتاج إلى البيان. وأما اللفظ المستعمل في غير ما وضع له مشتركاً (¬6) - فالألفاظ (¬7) المجازية التي اشتبه المراد بها لاشتراكها (¬8) وقيام الدليل على أن الحقيقة غير مراد [ة]، فيصير مجملا، لا يعرف المراد به إلا بدليل: نظيره الآيات التي ظاهرها الحبر والتشبيه والقدر و (¬9) نحو ذلك من نحو (¬10) قوله تعالى: "بل يداه كل مبسوطتان" (¬11): إن اليد الموضوعة (¬12) في اللغة غير مرادة (¬13)، فإنما (¬14) المراد منه المجاز من (¬15) القدرة والمالك ونحو ذلك، ولم يقم دليل قطعي على ترجيح أحد أنواع المجاز. ¬

_ (¬1) في أ: "لم". (¬2) في أكذا: " لا مشترك". (¬3) في ب: "وقوله" فليس فيها: "تناوله". (¬4) "البعض" من أ. (¬5) "تحت أحدهما بأولى من أن يدخل" مكررة في أ. (¬6) "مشتركاً" من (أ) و (ب). (¬7) في ب: "في الألفاظ". (¬8) في ب: "لاشتراكهما". (¬9) "والتشبية والقدر و" غير ظاهرة في أو محلها بياض. (¬10) "نحو" ليست في أ. (¬11) المائدة: 64: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .........}. (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الموضوع". (¬13) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "غير مراد". (¬14) في ب: "إنما". (¬15) "فإنما المراد منه المجاز من" ليست ظاهرة في أو محلها في بياض.

وأما المتشابه: فهو في اللغة مأخوذ من التشابه - قال الله تعالى: "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" (¬1). والتشابه والمشترك والمجمل نظائر من حيث اللغة. وأما حده في عرف أهل (¬2) الأصول: فهو (¬3) ما اشتبه مراد المتكلم (¬4) على (¬5) السامع، بوقوع التعارض ظاهر أبين الدليلين السمعيين المتماثلين من كل وجه، بحيث لا يعرف ترجيح أحدهما على الآخر، فيجب التوقف فيه، والتوقف في مثل هذا جائز، لأن الله تعالى لو لم (¬6) يشرع هذا الحكم أصلا - كان جائزاً. فإذا لم يعرف، لعدم الدليل في حق العباد، لقيام التعارض ظاهراً، وإن لم يتصور التعارض في دلائل الله تعالى حقيقة، يجب التوقف عليهم، كأن الدليل لم ينزل في حقهم. وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله: المتشابه هو الذي يتشابه (¬7) معناه على السامع، بحيث خالف موجب النص موجب العقل قطعاً، فتشابه المراد بحكم العارضة، بحيث لم يحتمل زواله بالبيان، لأن موجب النص بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحتمل التبدل، وموجب العقل لا يحتمل التبدل، فيجب التوقف فيه (¬8). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 7 والاية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ......} [آل عمران: 7] (¬2) في أ: "عند أهل". (¬3) "فهو" من ب. وليست في الأصل وأ. (¬4) "مراد المتكلم" ليست واضحة في أ. (¬5) في ب: "عند". (¬6) "لو" من ب. وعبارة "الله تعالى لم" ليست واضحة في أ. (¬7) في (أ) و (ب): "تشابه". (¬8) "فيه" من أ.

وهذا ليس بصحيح، لأن الشرع لا يرد بخلاف موجب العقل، لما فيه من مناقضة حجج الله تعالى. وإذا تراءى (¬1) التعارض يكون الدليل العقلي قاضياً على الدليل السمعي، لأن الدليل السمعي (¬2) يحتمل الإضمار والحذف (¬3) والمجاز والكناية. والدليل العقلى لا يحتمل التغير بحال. و (¬4) على هذا خرجنا جميع الآيات الواردة في باب التشبيه والجبر والقدر. قال الله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" (¬5)، والاستواء (¬6) في ظاهر اللغة هو (¬7) الاستقرار، والدليل العقلي ينفي القول بالمكان في حق الباري جل وعلا (¬8)، فعملنا (¬9) بالدليل السمعي وحملنا الدليل السمعي على خلاف الظاهر، توفيقاً بين الدليل السمعي والعقلي (¬10)، وكما ذكرنا في قوله تعالى: "بل يداه مبسوطتان" (¬11) ونحو ذلك. والله الموفق. ¬

_ (¬1) في الأصل و (ب): "ترايا" وفي أ: "جاء". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لأنه". (¬3) في ب: " الحذف والإضمار". (¬4) "و" ليست في أ. (¬5) سورة طه: 5. (¬6) "والاستواء" من (أ) و (ب). (¬7) "هو" ليست في أ. (¬8) في ب: "جلت قدرته" (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "فعلمنا". (¬10) في ب: "الدليل العقلي والسمعي". (¬11) سورة المائدة: 64 - راجع ص 357 والهامش 11 فيها.

[2] وأما الأحكام التي تتصل بهذه الألفاظ

[2] وأما الأحكام التي تتصل بهذه الألفاظ فحكم الظاهر: وجوب العمل بما وضح له اللفظ ظاهراً، لا قطعاً، ووجوب الاعتقاد بحقية (¬1) ما أراد الله تعالى في ذلك. وكذا حكم النص: وهذا مذهب مشايخ ديارنا. وبه قال أصحاب الحديث وبعض المعتزلة. وقال مشايخ العراق وعامة المعتزلة بأن النصوص من الكتاب والخبر المتواتر يوجب العلم والعمل قطعاً. وهذا بناء على ما ذكرنا في العام الطلاق الخالي عن (¬2) قرينة الخصوص: يوجب العلم والعه ل قطعاً (¬3) عندهم. وعندنا بخلافه، لاحتمال الخصوص في الجملة. وكلك (¬4) كل حقيقة: تحتمل المجاز، ومع الاحتمال لا يثبت القطع. وعندهم إذا كانت خاليه عن قرينة تدل على المجاز توجب العلم والعمل قطعاً. فأما (¬5) الخفى والمشكل والمشترك والمجمل، إذا لحقها البيان: ¬

_ (¬1) في أ: "بحقيقة". وسيأتي التعبير في المتن بهذه الكلمة في الصفحة التالية. (¬2) في أ: "من". (¬3) "وهذا بناه ... والعمل قطعاً" ليست في ب. (¬4) في أ: "فكذلك". (¬5) في (أ) و (ب): "وأما".

[فـ] إن كان بدليل قطعي، يسمى (¬1) مفسراً. وحكمه وجوب العمل قطعاً، ووجوب الاعتقاد به. وإن (¬2) ثبت بدليل راجح، فإنه يسمى مؤولا - فيجب العمل به ظاهراً، مع اعتقاد حقية مراد الله تعالى منه، مبهماً لا عيناً. وأما حكم المتشابه: [فـ] وجوب الاعتقاد على أن ما هو مراد الله تعالى منه (¬3) حق، مع وجوب الاعتقاد على أن ما هو ظاهره (¬4) غير مراد، وأن اعتقاد ظاهره هوى وبدعة - والله الموفق. مسألة: قال عامة العلماء: إن التشابه، الذي لا يتعلق به الأحكام والعمل، يتوقف فيه من حيث (¬5) الاعتقاد، بطروق التعين (¬6)، ولكن يعتقد على الإبهام أن ما أراد الله، تعالى به حق (¬7)، وما يتعلق به العمل يتوقف فيه من حيث الاعتقاد عيناً، ويجب العمل به على أحوط الوجهين، على ما يعرف في باب المعارضة. ولا يشتغل بالعلم بكيفيته، بالتأويل والبحثفيه (¬8) مع الاعتقاد لأن ظاهره غير مراد. ¬

_ (¬1) في أ: "سمي". (¬2) في أ: "وإذ". (¬3) "مبهما لا عينا وأما حكم التشابه ... تعالى منه" ليست في ب. (¬4) "ما هو ظاهره" غير واضحة في أو موضحها فيها بياض. (¬5) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عن". (¬6) في أ: "التعيين". (¬7) في ب: "وهو حق". (¬8) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عنه"

و (¬1) كذا روي عن محمد بن الحسن رحمة الله عليه أنه سئل عن الآيات والأخبار الواردة في صفات الله تعالى، ما يؤدي ظاهرها إلى التشبه فقال: نمرها (¬2) كما جاءت ونؤمن بها ولا (¬3) نقول كيف وكيف - وهو مذهب مالك بن أنس وعبد الله بن المبارك (¬4) وعامة أصحاب الحديث رضوان الله عليهم. وسئل مالك بن أنس عن قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" (¬5) - فقال: الاستواء غير مجهول، وكيفه غير معقول، والسؤال عنه بدعة. وقال بعض العلماء من أهل الأصول والمفسرين، وهو المروي عن ابن عباس (¬6) رضي الله عنه: أنه يصرف التشابه إلى المحكم و [يؤول] (¬7) تأويلا لا يناقض دلائل (¬8) العقل والآيات المحكمة، دفعاً للتناقض عن الأدلة، مع الاعتقاد بأن الظاهر غير مراد. ثم إن كان يحتمل تأويلا واحداً، يجب القول به قطعاً إذا دل الدليل العقلي عليه. وإن (¬9) احتمل وجوهاً من التأويلات الصحيحة لا يقطع على واحد منها على طريق في التعين (¬10)، لا فيه من الشهادة على (¬11) الله تعالى، من غير تعين (¬12)، بل يعتقد على الإبهام. ¬

_ (¬1) في ب: "كذا". (¬2) في أ: "نمر بها". وراجع ترجمة محمد بن الحسن في الهامش 8 ص (ط- ظ) من المقدمة. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فلا". (¬4) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي مولى بني حنظلة. جمع بين العلم والزهد. وتفقه على سفيان الثوري ومالك بن أنس رضي الله عنهما وروى عنه الموطأ. وقد ولد عمرو سنة 118 هـ وتوفي سنة 181 هـ (أو 182) بعد انصرافه من الغزو في هيت وهي مدينة على الفرات فوق الأنبار من أعمال العراق لكنها بر الشام، والأنبار في بر بغداد والفرات يفصل في بينهما ودجلة تفصل بن الأنبار وبغداد (ابن خلكان). (¬5) سورة طه: 5. (¬6) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين. وكان إذ توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن خمس عشرة سنة. ومات بالطائف سنة 68 هـ. في أيام ابن الزبير، وكان ابن الزبير قد أخرجه من مكة إلى الطائف فمات بها وهو ابرن سبعين سنة، وقيل ابن إحدى وسبعين سنة، وقيل أربع وسبعين سنة. شهد علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان. وكان أصحابه يسمونه البحر والحبر لعلمه (ابن عبد البر، الاستيعاب). (¬7) في النسخ كلها هكذا: "وتأول". (¬8) "دلائل" ليست في ب. (¬9) في أ: "وإذا". (¬10) في (أ) و (ب): "التعيين". (¬11) "على" غير واضحة في أ. (¬12) في أ: "تعيين"

وأصل المسألة قوله تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات كان أم الكتاب وأخر متشابهات" إلى أن قال: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به .. (الآية) " (¬1). فالفرق الأول قالوا: إن الوقف على قوله تعالى: "إلا الله"، وقوله تعالى: "والراسخون" ابتداء كلام. ففي الآية بيان أنه (¬2) لا علم بالمتشابه إلا لله تعالى، ومدح الر اسخين في العلم بالإيمان بالمتشابه. والفريق الثاني قالوا: إن (¬3) الوقف على قوله تعالى: "والراسخون في العلم". وفي المسألة كلام كثير - والله أعلم. مسألة: لا خلاف أنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الحاجة إلى البيان، وهو وقت وجوب العمل به، إذ التكليف بالعمل يستدعي قدرة المخاطب (¬4) على الأداء، فيكون تكليف ما ليس في الوسع. فأما (¬5) تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب إلى مجيء وقت الوجوب (¬6) -[فـ] هل يجوز؟ قال أكثر العلماء بالجواز. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 7، والآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}. (¬2) في ب: "أن". (¬3) "إن" ليست في ب. (¬4) كذا في أ. وفي الأصل كذا: "المخطاب". وفي ب: "المكلف". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وأما". (¬6) في ب: "إلى وقت مجئ الوجوب". ولعلها في أ: "إلى وقت مجئ. وقت الوجوب".

وقال المتأخرون من المعتزلة: لا يجوز - مثل الجبائي (¬1) وابنه أبي هاشم (¬2) والرازي (¬3) ومن (¬4) تابعهم. وكذا تأخير بيان المشكل والمشترك (¬5). وأما تأخير (¬6) بيان ما يمكن العمل بظاهره نحو بيان العام: أن المراد منه (¬7) بعضه. ونحو بيان المطلق: أن المراد منه المقيد: [فـ] قال مشايخ العراق من أصحابنا، نحو الكرخي (¬8) والجصاص (¬9) وغيرهما، بأنه لا يجوز - وبه قيال القاضي الإمام (¬10) أبو زيد ومن تابعه من المتأخرين. وهو قول أكثر المعتزلة. ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته فى الهامش 2 ص 344. (¬2) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 146. (¬3) تعدد من يطلق عليهم "الرازي" في كتب طبقات المعتزلة: - منهم أبو بكر بن ابراهيم المقانعي الرازي. من العلماء .. ومن الطبقة التاسعة (أصحاب أبي هاشم الجبائي المتوفي سنة 321 هـ). - ومنهم الحبال الرازي. من الطبقة التاسعة. - ومنهم أبو بكر الرازي الجصاص، وقد ترجمنا له في الهامش 8 ص 147. وقد عدوه ممن وافق المعتزلة في العدل. وهو من الطبقة الثانية عشر - (من أصحاب قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار المتوفي سنة 5415 هـ). - ومنهم أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي. من الطبقة الثانية عشرة. وله تصايف منها: كتاب "الزينة". و"أعلام النبوة". وكان من كبار دعاة الاسماعيلية. واشتهر بدعوته إلى المذهب الفاطمي. وتوفي سنة 322 هـ. - ومهم الفخر الرازي (أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي القرشي المتوفي شبية 606 هـ) (من المجبرة. (انظر: المرتضي، طبقات المعتزلة، ص 102 و 112 و 130 و 120 وما بعدها. والقاضي عبد الجبار، فرق وطبقات المعتزلة، ص 125. والقاضي عبد الجبار وأخران، ففل الاعتزال وطبقات المعتزلة، ص 390 و 391. والفخر الرازي، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، ص 68) ولعل المقصود هو الأول أو الرابع ويلاحظ أن المؤلف ذكر الثالث (الجصاص) بعد ذلك بثلاثة سطور. (¬4) "ومن" غير ظاهرة في أ. (¬5) في ب: "المشترك والمشكل". (¬6) "تأخير" من ب. (¬7) في أ: "به". (¬8) تقدمت ترجمته في الهامش 7 ص 210. (¬9) تقدمت ترجمته في الهامش 8 ص 147. (¬10) الإمام ليست في ب.

وقال أصحاب الحديث ومشايخ سمرقند بأنه جائز. وأجمعوا أن تأخير بيان (¬1) النسخ في اللفظ المطلق عن الوقت جائز. وهذا بناء على ما ذكرنا: أن العام المطلق عن القرينة يوجب العلم قطعاً، وأنه (¬2) يتناول كل فرد من أفراده، كأنه نص عليه عند الفريق الأول. وإذا كان مبيناً في نفسه كيف يحتمل البيان من حيث الخصوص، وبيان المبين لغو. وإنما يحتمل النسخ، [فـ] لا جرم جوزنا (¬3) البيان من حيث النسخ (¬4)، في زمان يجوز النسخ (¬5). وكذا المطلق والنكرة الشائعة في الجنس: توجب العلم قطعاً عندهم - فكيف يحتمل البيان أن المراد منه المقيد، وإنما يحتمل النسخ فيكون التقييد المتأخر نسخاً، بخلاف المقارن، فإن العام والمطلق مع القرينة لا يوجب العلم قطعاً، بل احتمال الخصوص والقيد قائم، فاحتمل البيان، إذ لا يمكن حمله على التناسخ (¬6). وعند الفريق الثاني: احتمال الخصوص قائم في العام المطلق الخالي عن القرينة، واحتمال المجاز قائم في الخاص المطلق. ومع احتمال المجاز والخصوص (¬7) لا يثبت العلم قطعاً، فإذا (¬8) كان الاحتمال قائماً، من دفع (¬9) الاحتمال بالبيان جائزاً، كما في المجمل، وكما في تأخير بيان النسخ: فإن ظاهر اللفظ والخطاب يؤجل (¬10) ثبوت الحكم على طريق الإطلاق، دون التأقيت، ثم جاز (¬11) الببان - لاحتمال التأقيت - فكذا (¬12) ههنا. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أن بيان تأخير". (¬2) "أنه" ليست في ب. (¬3) في أ: "جوزوا". (¬4) "من حيث النسخ" من (أ) و (ب). (¬5) "في زمان يجوز النسخ" من ب. (¬6) "إذ لا يمكن حمله على التناسخ" من (أ) و (ب). (¬7) "والخصوص" من أ. (¬8) في (أ) و (ب): "وإذا". (¬9) في ب: "رفع". (¬10) "يؤجل" من أ. (¬11) "ثم جاز" ليست في أ. (¬12) في ب: "وكذا".

ثم بيان الاحتمال (¬1) ظاهر: فإن التكلم (¬2) بالعام على إرادة الخاص. وكذا التكلم بالمطلق على إرادة المقيد شائع بين (¬3) أهل اللغة - ولهذا كان أكثر العمومات في الكتاب والسنة واستعمال أرباب اللسان مخصوصة، وأكثر الخطاب المطلق مقيداً. فالعام - إن (¬4) كان باعتبار الوضع الأصلي - يقتضي الشمول والاستغراق. وكذا اللفظ المطلق: يقتضي الإطلاق - فعلى اعتبار العرف والاستعمال المستفيض: يحتمل الخصوص والقيد، وكتاب الله تعالى نزل بلسان العرب، ليفهموا منه ما هو السابق إلى أفهامهم. وكذا بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم (¬5) ليفهموا من كلامه ما هو المفهوم (¬6) من كلامهم. وإذا (¬7) كان احتمال الخصوص والقيد، في عرف الاستعمال، حال نزول الخطاب، ثابتاً على وجه الظاهر، فإن لم يوجب التوقف في العمل، كالمشترك والمجمل، [فـ]ـــلا أقل من أن يوجب الاحتمال. ومع قيام الاحتمال لا يتصور العلم قطعاً - وهذا كلام ظاهر. ولا (¬8) يصح قولهم إن اللفظ الخالي عن قرينة الخصوص والقيد، يدل على أن المراد منه الموضوع لغة، والجواب ما ذكرنا (¬9): أنه بم (¬10) يعرف خلو اللفظ عن (¬11) القرينة، بل احتمال القرينة قائم - على ما مر في فصل الأمر. ولا يصح قولهم أيضاً إن في ذلك تلبيس الأمر على السامعين، لأنه إذا كان عرف الاستعمال ما ذكرنا، يجب أن يحملوا عليه. وقد ذكرنا ذلك في مسألة الأمر - والمسألة طويلة ذكرت في الشرح. ¬

_ (¬1) في ب: "الإجمال". (¬2) كذا في أ: "التكلم". وفي الأصل و (ب): "المتكلم". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من". (¬4) في ب: "على أن العام وإن". (¬5) في أ: "فيهم". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "المشهور". (¬7) في (أ) و (ب): "فإذا". (¬8) في ب: "فلا". (¬9) في ب: "فالجواب في كلها". (¬10) في أ: "لم". (¬11) "اللفظ عن" من (أ) و (ب).

فصل في بيان الحقيقة والمجاز

فصل في بيان الحقيقة والمجاز يحتاج إلى: بيان معنى الحقيقة والمجاز في اللغة. وإلى بيان الفاصل بين الحقيقة والمجاز في عرف أهل اللغة. وإلى بيان كيفية طريق المجاز. وإلى بيان أقسام الحقيقة والمجاز. وإلى بيان أحكام الحقيقة والمجاز (¬1) وما يتصل بها (¬2) من المسائل. [1] أما الأول فاسم الحقيقة مشتق من حق الشيء، أي ثبت - قال الله تعالى في اسم القيامة: "الحاقة. ما الحاقة"، (¬3) أي ثابتة كائنة (¬4)، لا محالة. والمجاز مشتق من جاز يجوز مفعل منه، أي تعدى وتجاوز. فأطلق اسم الحاقة على الاسم الموضوع على الشيء الثابت المستقر في محله. وأطلق لفظ (¬5) المجاز على الاسم الذي تعدى من محله الوضوع ¬

_ (¬1) "وإلى بيان أحكام الحقيقة والمجاز" ليست في أ. (¬2) في أ: "بهما". (¬3) سورة الحاقة: 1 و 2. (¬4) في ب: "أي كاينة ثابتة". (¬5) في ب: "اسم".

[2] وأما بيان الفاصل بين الحقيقة والمجاز، فنقول

إلى غيره لوجود طريق المجاز فيه. ولهذا يقال: "حب فلان حقيقة" أي ثابت في محله الموضوع له وهو القلب. ويقال: "حب فلان مجاز" أي متعد عن محله وهو القلب, إلى غير محله وهو اللسان. [2] وأما بيان (¬1) الفاصل بين الحقيقة والمجاز، فنقول: هو أقسام ثلاثة: أحدها - التنصيص من أئمة اللغة الناقلين من أهل الوضع. والثاني - الاستدلال: والثالث - العلامات اللازمة للحقيقة والمجاز. أما التنصيص من أئمة اللغة: [فـ] بأن يقولوا إن هذا اللفظ (¬2) لهذا المسمى حقيقة، ولهذا المسمى مجاز ومستعار (¬3). وقد صنف أبو عبيدة (¬4) رحمه الله في ألفاظ القرآن كتاباً، وذكر فيه الفصل بين الحقيقة والمجاز وقال: هذا اللفظ حقيقة، وهذا اللفظ مجاز. والثاني - الاستدلال: وذلك (¬5) بذكر حد الحقه قة والمجاز. فإن (¬6) ذكر الشيء بذكر اسمه، ¬

_ (¬1) "بيان" ليست في ب. (¬2) في ب كذا: "أحدها - التنصيص من أئمة اللغة الناقلين من أصل الوضع للاستدلال وذلك بأن يقولوا إن هذا اللفظ". (¬3) كذا في الأصل و (أ): "مجاز ومستعار". وفي ب: "مجازا ومستعارا". (¬4) تقدمت ترجمته في الهامش 11 ص 338. (¬5) "وذلك" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وذكر".

وذكر (¬1) حده، سواء - فإن قول القاؤل: "رجل" وقوله: "إنسان ذكر جاوز حد الصغر" سواء. واختلفت (¬2) عبارات أهل الأصول في حد الحقيقة والمجاز: قال بعضهم: الحقيقة ما انتظم لفظها معناها من غير زيادة ولا نقصان ولا نقل. والمجاز ما انتظم لفظه معناه إما لزيادة أو لنقصان أو لنقل (¬3) عن موضعه: نظير الزيادة (¬4) قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" (¬5): معناه ليس مثله شيء. والكاف زيادة، وأسقطت (¬6) الكاف (¬7) حتى يصح ما هو مراد المتكلم (¬8). ونظير النقصان (¬9) قوله تعالى: "واسأل القرية" (¬10): معناه أهل القرية، فزيد عليه الأهل (¬11)، حتى يصح ما هو المراد بالكلام. ونظير النقل إطلاق اسم الأسد على الرجل الشجاع: نقل الاسم الموضوع لحيوان مخصوص إلى الآدمي الشجاع. ¬

_ (¬1) في ب: "وبذكر". (¬2) في أ: "واختلف". (¬3) في ب: "نقل". (¬4) في ب: "النقصان". (¬5) سورة الثورى: 11. (¬6) في أ: "فأسقطت". (¬7) "وأسقطت الكاف" ليست في ب. (¬8) في ب: "مراد الكلام". (¬9) في ب: "الزيادة". (¬10) سورة يوسف: 82. (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "للأهل".

فالحقيقة (¬1) ما لم يتغير عن الموضوع الأصلي. فإذا تغير إما إلى الزيادة وإما (¬2) إلى النقصان فقد تجاوز وتعدى (¬3) عن الوضع الأصلي، فيكون مجازاً. وقال بعضهم: الحقيقة ما أفيد بها ما وضعت له، والمجاز ما أفيد به غير ما وضع له. وقال بعضهم: الحقيقة كل لفظ أفيد (¬4) به ما وضع له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به، والمجاز كل لفظ أفيد (¬5) به معنى مصطلح عليه، غير ما كان في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به (¬6). وقال بعضهم: الحقيقة ما أريد من التكلم (¬7) ما وضع واضع اللغة الكلام له، والمجاز ما أريد به غير مما وضع له. وقيل: الحقيقة ما استقر في محله الموضوع له، والمجاز ما تجاوز عن محله الموضوع له. و (¬8) في هذه العبارات خلل. والأصح أن يقال: الحقيقة هي ما وضعه واضع اللغة في الأصل، والمجاز ما استعمل في غير ما وضع له، لمناسبة (¬9) بينهما من حيث الصورة أو من حيث المعنى اللازم المشهور، مع تقدير (¬10) الحقيقة. ¬

_ (¬1) في ب: "والحقيقة". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أو". (¬3) "وتحدى" ليست في أ. (¬4) و (¬5) في ب كذا: "أقيد". (¬6) "به" ليست في أ. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "المتكلم". (¬8) "و" ليست في ب. (¬9) في ب كذا: "المناسبة". (¬10) في أ "تقرير":

وبيان الخلل في سائر العبارات, والإشكال على (¬1) هذه العبارة (¬2) الصحيحة - مذكور (¬3) في الشرح. وأما الثالث - بيان العلامات (¬4) اللازمة لهما: والعلامة غير و (¬5) الحد غير: فالحد (¬6) يجب أن يكون مطرداً و (¬7) منعكساً: يوجد المحدود عند وجوده, وينعدم عند عدمه. والعلامة ما يكون مطرداً غير منعكس (¬8). وهي أشياء: منها - أن الحقيقة لا تسقط عن المسمى، ويكذب نافيها. والمجاز ما (¬9) يجوز نفيه عن المسمى، ولا يكذب نافيه (¬10) - بيانه أن الأب اسم للوالد بطريق الحقيقة، وللجد بطريق المجاز. فمن نفى اسم الأب عن الوالد، وقال: إنه ليس بأب فلان، فإنه (¬11) يكذب. ومن نفى اسم الأب عن الجد، وقال: إنه جده وليس بأبيه، لا يكذب. ومنها - أن الحقيقة ما يفهم السامع معناها من غير قرينة. والمجاز ما لا يفهم السامع (¬12) معناه إلا بقرينة. [فـ] من (¬13) قال: "رأيت الأسد" ¬

_ (¬1) في ب: "في". وشكل الأمر وأشكل واستشكل التبس. واستشكل عليه أورد عليه إشكالا. والإشكال الأمر يوجب التباساً في الفهم. والالتباس الاختلاط (راجع المعجم الوسيط. وفيما تقدم ص 354). (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "العبارات" (¬3) في أ: "مذكورة". (¬4) في ب كذا: "المعاملات". راجع فيما تقدم ص 368. (¬5) "و" ليست في أ. (¬6) في أ: "والحد". (¬7) "و" من أ. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مطردة غير منعكسة". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "مما". (¬10) "ولا يكذب نافيه" من ب. (¬11) "فإنه" ليست في ب. (¬12) "السامع" من (أ) و (ب). (¬13) في أ: "ومن".

[3] وأما كيفية طريق المجاز -[فنقول]

يفهم منه الحيوان المخصوص من غير قرونة، ولا يفهم منه الرجل الشجاع إلا بقرونة، إما من حيث اللفظ أو من (¬1) دلالة الحال. ومنها - أن أهل اللغة استعملوا الحقيقة من غير قرونة، واستعملوا المجاز مع قرينة لفظية أو دلالة حال أو دلالة (¬2) عقل. [3] وأما كيفية طريق المجاز -[فنقول]: بعض المشايخ من أهل الأصول قالوا: للمجاز (¬3) طرق منها: - المناسبة بين الستعار له وبين (¬4) المستعار عنه، والمشابهة بينهما. - والثاني: المجاورة والملازمة بين المستعار عنه وبين (¬5) المستعار له في الحقائق، حتى استعير اسم الغائط للحدث، لأن الغائط اسم للمكان المطمئن الخالي، والغالب أن الحدث يكون في مثل هذا المكان عادة، تستراً عن أعين (¬6) الناس. وكذا المطر: سمي "سماء"، يقول العرب: "ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم" أي المطر، لوجود الملازمة والمجاورة، لأن المطر من السماء ينزله. وفي الشرعيات (¬7) تعتبر المجاورة والملازمة بين الأحكام وعللها وأسبابها. والثالث - الزيادة. والرابع - النقصان، على ما ذكرنا (¬8). وكذا إطلاق اسم الكل على البعض، وإطلاق اسم البعض على الكل: مجاز بطريق الزيادة والنقصان. ¬

_ (¬1) "من" ليست في (أ) و (ب). (¬2) "دلالة" من (أ) و (ب). (¬3) في ب: "للمجاز منها طرق منها". (¬4) و (¬5) "بين" من أ. (¬6) "أعين" من أ. (¬7) في ب: كلمة غير مقروءة. (¬8) راجع فيما تقدم ص 369.

والخامس - الكناية، لأنه إذا (¬1) أرا د المتكلم (¬2) بلفظ الكناية غير ما وضع له ظاهراً، فقد تجاوز عن الوضع الأصلي. وإنما قالوا ذلك (¬3)، لأن الحقيقة هو ظاهر اللفظ الموضوع للشيء، فإذا تغير هذا الظاهر عن سننه وأريد به غيره مع التغير، يكون مجازاً لتجاوزه عن الموضوع لعينه (¬4). وقال أكثر أهل الأصول: إن طريقه واحد، وهو المشابهة. ولهذا قال أهل الأدب: إن الاستعارة والمجاز تشبه، بدون حرف التشبيه للمبالغة فيه. وإذا كان حرف التشبيه مذكوراً فهو حقيقة تشبيه، وليس بمجاز، لأن الكاف والمثل والنظير وضعت للتشبية بين الشيئين حقيقة. وقالوا: المجاورة والتشبيه (¬5) من باب الكناية، لا من باب المجاز. وكذا الزيادة من باب التأكيد، والنقصان من باب الإضمار والحذف والاختصار. وكذا الكناية ليست من باب المجاز (¬6)، بل وضع هذه الأشياء في اللغة هكذا، فيكون من باب الحقيقة لا من باب المجاز. واختلف هؤلاء فيما بينهم (¬7): قال بعضهم: المعتبر هو المشابهة بين لفظي المستعار منه (¬8) والمستعار ¬

_ (¬1) "إذا" من (أ) و (ب). (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "التكلم". (¬3) في ب: "كذلك". (¬4) في ب: "بعينه". وعبارة "وإنما قالوا ذلك ... لعينه" ليست في الأصل في هذا الموضع، بل جاءت قبل ذلك بأسطر بعد عبارة "مجاز بطريق الزيادة والنقصان" إذ قال بعدها: "وهذا لأن الحقيقة هو ظاهر ... لعينه". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والسببية". (¬6) "المجاز" ليست في ب. (¬7) في أ: "واختلفوا فيما بينهم". (¬8) في أ: "عنه". وانظر الهامش التالي.

له (¬1) في بعض ما (¬2) وضع له اسم المستعار منه، لا بين ذاتيهما، فإن استعارة اسم الأسد للشجاع (¬3) مشهور فيما بين أهل اللغة، وبين اسم الأسد وبين (¬4) اسم الشجاع مشابهة في بعض ما وضع له اسم الأسد، فإن الأسد اسم لصورة مخصوصة ومعنى مخصوص (¬5)، وهو نهاية الشجاعة والجرأة، واسم الشجاع لمعنى (¬6) الشجاعة مشتق (¬7) منها، في فيكون بينهما مشابهة في بعض ما وضع له اسم الأسد، وهو الشجاعة، وإن كان بينهما مفارقة في البعض، فإن الشجاع ليس باسم لصورة الأسد. ولهذا قالوا: إن اسم الأسد يقع على أمير المؤمنين (¬8) علي رضي الله عنه، بطريق المجاز، فإنه سمي (¬9) أسد الله. لأنه وإن (¬10) وجد فيه (¬11) نهاية الشجاعة، بل زيادة على شجاعة الأسد، ولكن لم يوجد فيه بعض ما هو علة استحقاق اسم الأسد (¬12)، وهو وجود الصورة المخصوصة، وهي صورة الحيوان الذي له زئير. وقال بعضهم: إن المعتبر هو المشابهة بين ذاتي المستعار عنه (¬13) والمستعار ¬

_ (¬1) في ب: "بين لفظي المستعار له والمستعار عنه". (¬2) "ما" ليست في أ. و "له" التالية من (أ) و (ب) وليست في الأصل. (¬3) في أ: "الشجاع". (¬4) "بين" ليست في (أ) و (ب). (¬5) "ومعنى مخصوص" ليست في ب. (¬6) في ب: "بمعنى". (¬7) في أ: "اشتق". (¬8) "أمير المؤمنين" من أ. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وإنه يسمى". (¬10) كذا في ب. وفي أ: "إن". (¬11) في ب: "منه". (¬12) كذا في ب وأ. وفي الأصل: "لم يوجد فيه بعض معنى اسم الأسد". (¬13) في ب: "منه". وانظر الهامش التالي.

له (¬1) في المعنى اللازم المشهور، في محل الحقيقة دون المشابهة في معنى اسميهما لغة، فإن بين ذات الأسد وبين (¬2) ذات الرجل الشجاع مشابهة في المعنى اللازم المشهور في الأسد، وهو الشجاعة، فجعل اسم الأسد مستعاراً للشجاع، كأنه هو الأسد، فأعطي اسمه له (¬3)، وهذا لأن الاستعارة عند العرب هو التشبيه بين الشيئين بدون حرف التشبيه، مبالغة في التشبيه، فيقال: "فلان أسد" ولا يقال: "كالأسد"، حتى يكون إخباراً عن وجود معنى الشجاعة فيه على الكمال، كأنه عين الأسد. والدليل على أن الصحيح هذا، لا القول الأول (¬4)، فإن اسم الأسد لو كان حقيقة له، باعتبار أنه اسم موضوع في اللغة لصورته المخصوصة، ومعناه الخاص اللازم وهو الشجاعة، [فإنه] يجب (¬5) أن لا يقع على الأسد الميت ومقطوع اليدين والرجلين، لأنه لم يوجد فيه معنى الشجاعة، وإن وجدت (¬6) صورته، والاسم الموضوع للشيئين لا يكون حقيقة لأحدهما، وإطلاق اسم الأسد على الميتت منه يكون حقيقة، لا مجازاً، لوجود علامة الحقيقة فيه، وهو أن نافي (¬7) اسم الأسد عن الأسد الميت والمريض يكذب، ونافي اسم المجاز لا يكذب، فهذا دليل ضروري على بطلان (¬8) هذا الكلام. ¬

_ (¬1) في أ: "ذاتي المستعار له والمستعار عنه". (¬2) "بين" من ب. (¬3) في ب "له اسمه". (¬4) في ب: "الصحيح هذا القول لا الأول". (¬5) في ب: "ويجب". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وإن وجد". (¬7) في ب كذا: "باقي". (¬8) في أ: "لبطلان".

وقال بعضهم بأن (¬1) المشابهة معتبرة بين الذاتين في المعنى اللازم المشهور في محل الحقيقة، لكن يجب أن يكون ذلك المعنى في المستعار منه (¬2) أبلغ، حتى يكون في الاستعارة فائدة، وهي (¬3) المبالغة في التشبيه - هكذا ذكر (¬4) علي بن عيسى (¬5) النحوي البغدادي في كتاب "إعجاز القرآن" من تصنيفه - إلا أن الصحيح أنه ليس بشرط فإن علياً رضي الله عنه يسمى "أسد الله" ويسمى "حيدر" وهو الأسد، ولا شك أن شجاعة علي رضي الله عنه تفوق على شجاعة الأسد بكثير، وأن اسم الأسد له (¬6) بطريق المجاز لا بطريق الحقيقة، ولكن الغالب أن المعنى في المستعار عنه أبلغ، وما قال فيه مبالغة التشبه، بلى، ولكن الداعي إلى استعمال المجاز ليس بمقصور (¬7) على مبالغة التشبه، بل للمجاز فوائد من اختصار اللفظ أو الفصاحة والجزالة إذ هو في المجاز أكثر ونحو ذلك - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في أ: "إن". (¬2) في أ: "عنه". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬4) "ذكر" ليست في ب. (¬5) علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني أبو الحسن الوراق - كذا قال الزبيدي. وقال التنوخي: هو يعرف بالإخشيدي. قال التنوخي: وممن ذهب في زماننا إلى أن علياً عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعتزلة أبو الحسن علي بن عيسى النحوي المعروف بابن الرماني الإخشدي. وقال المؤلف: أرى أنه كان تلميذ ابن الإخشد المتكلم أو على مذهبه لأنه كان متكلماً على مذهب المعتزلة وله من ذلك تصانيف مأثورة. وكان إماماً في علم العربية علامة في الأدب في طبقة أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي. مات سنة 384 هـ ومولده سنة 276 هـ أخذ عن ابن السراج وابن دريد والزجاج. وله تصانيف في جميع العلوم من النحو واللغة والنجوم والفقه والكلام على رأي المعتزلة كما ذكرنا. وكان يمزج كلامه في النحو بالمنطق. وللرماني من التصانيف الأدبية: كتاب تفسير القرآن المجيد - كتاب الحدود الأكبر - كتاب الحدود الأصغر. - كتاب معاني الحروف - كتاب شرح الصفات - كتاب شرح الموجز لابن السراج - كتاب إعجاز القرآن - كتاب شرح أصول ابن السراج ... ألخ. (ياقوت، معجم الأدباء جـ 14 ص 73 وما بعدها. وقد ترجم له في طبقات المفسرين وفي بغية الوعاة). (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وأن الاسم له". (¬7) في ب: "ليس مقصوراً".

[4] وأما بيان أقسام الحقيقة والمجاز

وفي هذا الفصل كلام كثير مشهور في مسائل الخلاف، وهو مستقصى في الشرح. [4] وأما بيان أقسام الحقيقة والمجاز أما الحقيقة [فـ] أقسام ثلاثة: لغوية، وعرفية، وشرعية. وإذا ثبت انقسام الحقيقة إلى هذه الأقسام الثلاثة، ثبت انقسام المجاز إلى هذه الأقسام الثلاثة (¬1) ضرورة، إذ هما من الأسماء (¬2) المتقابلة، فيكون مجازاً (¬3) لغوياً، وعرفياً، وشرعياً، تحقيقاً للمقابلة. أما الحقيقة اللغوية - فقد ذكرنا أقسامها (¬4) من العام والخاص والمشترك وغيرها (¬5). وأما الحقيقة العرفية - فهي اللفظ الذي انتقل من الوضع (¬6) الأصلي إلى غيره، بغلبة (¬7) الاستعمال، بحيث يصير الوضع الأصلي مهجوراً, وما انتقل إليه مشهوراً، ويسبق (¬8) إلى أفهام السامعين من غير أن يخطر ببالهم (¬9) الوضع الأصلي، فيصير هذا (¬10) حقيقة عرفية، والوضع الأصلي يصير مجازاً على مقابلته. وسبب ذلك أن قوماً من أهل اللغة حملهم معنى ¬

_ (¬1) "الثلاثة" من أ. (¬2) في ب: "من الأقسام". (¬3) في أ: "المجاز". (¬4) في ب كذا: "أقسام". (¬5) راجع فيما تقدم ص 254 وما بعدها. و 297 وما بعدها. و 337 وما بعدها. (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الموضع". (¬7) في أ: "لغلبة". (¬8) في ب: "وسبق". (¬9) في أ: "بباله". (¬10) في ب: "هو".

من المعاني على نقل الاسم الموضوع للشيء إلى غيره، ويستفيض فيهم ويشيع (¬1) ذلك في القبائل على طول الزمان، ثم ينشأ القرن الثاني والثالث، فلا يعرفون لذلك الاسم إلا المسمى (¬2) الذي انتقل إليه، لصيرورة (¬3) المنتقل عنه مهجوراً، ولا استحالة في ذلك، إذ (¬4) وضع الأسماء الوضعية تابع للأغراض والمقاصد، لا أنه راجع إلى عين (¬5) الذوات، فإنهم لو وضعوا في الابتداء اسم الماء للنار واسم النار للماء (¬6) كان صحيحاً، فإذا تبدل الغرض، بحدوث كل معنى على مرور الزمان، جاز نقك الاسم من ذلك المسمى إلى غيره، تحقيقاً للغرض. ونظيره (¬7) العدل في وضع اللغة: مصدر عدل يعدل عدالة وعدلا (¬8)، ثم في عرف الاستعمال صار عبارة عن العادل، واشتهر استعماله بحيث لا (¬9) يخطر بالبال الوضع الأصلي، فيصير حقيقة عرفية، حتى جاز إطلاق (¬10) اسم العدل على الله تعالى بطريق الحقيقة، لا بطريق المجاز، حتى إن من نفى اسم العدل عن الله تعالى، فقال: إنه ليس بعدل. فإنه (¬11) يكفر. ولو قال: إنه ليس بعدالة (¬12) فهو (¬13) صحيح. ¬

_ (¬1) "فيهم ويشيع" غير مقروءة في ب. (¬2) في ب: "لذك المسمى إلا الاسم". (¬3) في ب كذا: "لضرورة كون". (¬4) في ب كذا: "أو". (¬5) في ب: "إلى غير". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "للدار". (¬7) "ونظيره" ليست في ب. (¬8) في ب: "وعديلا". والعديل والعدل المثل والنظير (انظر المعجم الوسيط). (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لم". (¬10) في ب كذا: "صار احلاق". (¬11) في ب: "إنه". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "عدالة". (¬13) في ب: "وهو".

وأما الحقيقة الشرعية (¬1) - فهي (¬2) كل لفظ وضع لمسمى في الشرع. ثم هو نوعان: أحدهما - أن يكون موضوعاً لمسمى (¬3) في اللغة، ثم استعمل في الشرع لمسمى آخر، مع هجران الاسم للمسمى اللغوي بمضي الزمان وكترة الاستعمال في المسمى الشرعي. والثاني - (¬4) أن يكون اسماً حدث في الشرع لفعل شرعي [و] لم يكون ذلك الاسم موضوعاً لشيء ما في اللغة (¬5)، بأن ورد في الكتاب أو السنة. فأما ما دام مستعملا في المعنى اللغوي مع صيرورته مستعملا في المسمى الشرعي، فإنه لا يصير حقيقة شرعية، ولكن لي كون اسماً مشتركاً بين المعنى اللغوي والشرعي. وكذا في الاسم العرفي إذا لم يصر الاسم مهجوراً (¬6) في المعنى اللغوي، لا يصير حقيقة عرفية، ولكن يكون اسماً مشتركاً بين المعنى اللغوي والعرفي. ثم إذا صار حقيقة عرفية أو شرعية صار المعنى اللغوي، في مقابلة الحقيقة العرفية والشرعية، إما (¬7) مجازاً عرفياً أو (¬8) مجازاً شرعياً. وهذا الذي ذكرنا قول عامة أهل الأصول وأئمة الأدب. ¬

_ (¬1) في ب: "وأما الحقيقة والشرعية". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "فهو". وفي ب: "وهي". (¬3) "في الشرع ... لمسمى" من (أ) و (ب). وانظر الهامش التالى. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أو كان" بدلا من "والثاني - أن يكون". راجع الهامش السابق. (¬5) "في اللغة" من (أ) و (ب). (¬6) في أ: "مجهولا". (¬7) "إما" ليست في ب. (¬8) في ب: "و".

وقال أصحاب الحديث، من الفقهاء والمتكلمين، وهم أصحاب الشافعي والأشعرية: إن اللفظ اللغوي إذا استعمل في المعنى الشرعي لابد أن يبقى فيه المعنى اللغوي, فيكون حقيقة لغوية, لكن يزاد في الشرع في (¬1) ذلك المسمى اللغوي معنى آخر شرعي أو شرط شرعي، فيكون المعنى (¬2) اللغوي كل معتبراً مع اعتبار المعنى الشرعي. فأما ما (¬3) لا يجوز أن يستعمل في المعنى الشرعي من غير اعتبار المعنى اللغوي، كاسم الصلاة: في اللغة للدعاء (¬4) والثناء، ثم زيد في الشرع على ذلك أفعال معهودة، فيكون المفروض دعاء وثناء مقروناً بأفعاك مخصوصة. وكذا الصرف والسلم ينبئ عن (¬5) معنى القبض والتسليم، وزيد (¬6) عليه في الشرع ثبوت الملك، فاعتبر الأمران جميعاً. وقال بعضهم: إذا استعمل الاسم اللغوي في المعنى الشرعي لا يصير حقيقة شرعية, ولكن يكون مجازاً. والصحيح قول العامة، فإن كثيراً من الألفاظ اللغوية استعملت (¬7) في المعاني الشرعية، بحيث لم يخطر بالبال المعنى اللغوي، بل سبق (¬8) إلى أفهام الناس (¬9) المعنى الشرعي، نحو اسم الصلاة: في اللغة (¬10) للدعاء (¬11) ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "من". (¬2) في ب: "معنى". (¬3) "ما" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الدعاء". (¬5) في هامش أتصحيحاً: "يبتنى على". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فزيد". (¬7) في أ: "استعمل". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يسبق". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الأفهام". (¬10) "اللغة" ليست في أ. (¬11) في ب: "الدعاء".

ثم صار مستعملا في الشرع لأفعال معهودة من غير أن يخطر بالبال معنى الدعاء في الصلاة. وكذا الزكاة: في اللغة عبارة عن النماء والزيادة -، قال: زكى الزرع إذا نما وازداد (¬1)، وفي الشرع صار عبارة عن أداء طائفة من النصاب بطريق الفرضية من غير أن يسبق إلى أفهام الناس معنى الزيادة. ولهذا نظائر. ولا إحالة في ذلك لما ذكرنا أن تسمية (¬2) المسمات في وضع اللغة ليس لذوات المسميات، حتى يجب ملازمة (¬3) التسميات ملازمة الذوات (¬4)، إذ الحكم العيني يبقى ما بقي العين، وإنما الوضع تابع للأغراض مرتب عليها، بناء على اختيار واضع اللغة، لمصلحة رأى في ذلك. فإن كان الواضع (¬5) من أرباب اللغة، كما قال بعضهم، فيجوز أن ينقل الاسم اللغوي، باختيار صاحب الشرع، لتبدل المصلحة الثابتة (¬6)، بناء على الوحي. وإن كان توقيفياً (¬7)، كما قال أكثرهم، فكان وضع الاسم في الابتداء من صاحب الشرع لذلك المسمى لحكمة ومصلحة عرفها. ثم إذا وضع ذلك الاسم لفعل شرعي أو لحكم شرعي، مع اندراج. ذلك الاسم عن المعنى الأول، علم ضرورة أن المصلحة تبدلت، فيجوز النقل. وبهذا الطريق جوزنا النسخ في الأحكام. ووضع (¬8) الاسم، إذا كان من صاحب الشرع، فهو من الأحكام، فلما جاز نسخ الأحكام لماذا لا يجوز نسخ الأسماء؟ وإن كنا لا نعقل الحكمة في البابين، تسليماً وانقياداً لفعل صاحب الشرع، مع اعتقاد الحكمة والمصاحة في الثاني وانتهاء الأول. ¬

_ (¬1) في ب: "وزاد". (¬2) في أ: "تسميته". (¬3) في هامش أ: "من ملازمة". (¬4) زاد هنا في أ: "ملازمة المسميات ملازمة الذوات". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "الوضع" وفي ب: "وإن كان الوضع". (¬6) في الأصل وب كذا: "الثابت". (¬7) في ب كذا: "توقيعه". (¬8) في ب: "لأن وضع".

[5] وأما بيان أحكام الحقيقة والمجاز

يحقق ما ذكرنا أن اسم الصلاة يطلق على الأفعال المعهودة المقرونة بالدعاء والثناء، بالإجماع. فإن كان حقيقة للأفعال المعهودة فحسب، بدون الدعاء، وهو (¬1) في اللغة اسم للدعاء، فيكون القول (¬2) قولنا وارتفع الخلاف. وإن كان اسماً لها (¬3) جميعاً، ينبغي أن لا يطلق اسم الصلاة على صلاة الأخرس حقيقة لأنه لا دعاء فيها ولا ثناء. وكذلك اسم الصلاة على الأفعال (¬4) والأذكار، بطريق الحقيقة، - حتى إن نافي هذا الاسم عنها يكذب، ولو كان اسما للأمرين يكون مجازاً، لأن إطلاق اسم الكل على البعض بطريق المجاز. وفي المسألة إشكالات (¬5) - والله أعلم. [5] وأما بيان أحكام الحقيقة والمجاز فهي (¬6) تتضمن مسائل منها: مسألة - المجاز هل هو موضوع كالحقيقة أم لا؟ قال بعضهم: إنه موضوع كالحقيقة: موضوعة، إلا أن الحقيقة بوضع أصلي، والمجاز بوضع طارئ، لأن المجاز من باب اللغة، حتى يقال إنه أحد نوعي الكلام، وإنه أحد اللسانين، ولو لم يأكل بوضع أرباب اللغة لا يكون من اللغة (¬7). ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل: "وهي". (¬2) "القول" ليست في الأصل وب. (¬3) في الأصل و (ب): "لهما". (¬4) في ب: "للأفعال". (¬5) في ب كذا: "إشكالان". (¬6) في ب: "وهى". (¬7) في ب: "من باب اللغة". وعبارة: "حتى يقال ... من اللغة" ليست في أ.

وقال بعضهم: طريق المجاز بوضح أرباب اللغة دون الألفاظ المجازية، لأن في وضع اللغة الحقيقة غنية (¬1) لهم عن وضع المجاز, ولكن وضعوا الطريق توسعة على الناس في الكلام، فيكون التكلم بالمجاز بعدهم بناء على طريقهم الوضوع بإذنهم ورضاهم، فيكون من باب اللغة. وقال بعضهم: المجاز ليس بموضوع إذ (¬2) لو كان موضوعاً يكون هذا إنكاراً للمجاز (¬3)، لأن الحقيقة اسم لما وضعه واضع اللغة، وكذا ليس طريقه موضوعاً، لأنه علة وضع اسم المجاز (¬4)، والعلة متى كانت منصوصة يكون الحكم منصوصاً، كالعلة في الأحكام الشرعية: إذا كانت منصوص يكون الحكم الثابت بها منصوصاً، فيفسد باب المجاز. وهو خلاف إجماع أهل اللغة: أن الكلام حقيقة ومجاز، لكن المجاز كل مستعمل شائع فيما بين أهل اللغة، ولم يكن كل منهم التنصيص على الطريق لما ذكرنا، لكن عرف ذلك بالتأمل والنظر في كيفية استعمالهم (¬5) المجاز في أشعارهم ومحاوراتهم وكيفية استعاراتهم (¬6)، كالأحكام الشرعية المنصوص عليها الخالية عن التنصيص على العلة، فإنه، يعرف عللها بالنظر والتأمل في النظائر - فهذا كذلك. والله أعلم. مسألة - الحقيقة والمجاز هل يكونان في أسماء الألقاب (¬7) أم لا، نحو زيد وعمرو وبكر؟ اختلف فيه: ¬

_ (¬1) في ب كذا: "حقيقة عبيه". والمقصود: في وضع اللغة للحقيقة غني. (¬2) في أ: "إذا". (¬3) في ب: "إنكار المجاز". (¬4) في ب كذا: "علة اسم وضع المجاز". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "استعمال". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "استعارتهم". (¬7) في ب: "هل يكونان أسماء للألقاب".

قال بعضهم: لا يكون، لما ذكرنا أن الحقيقة ما وضعه واضع اللغة بوضع أصلي، والمجاز ما وضعه واضع اللغة بوضع طارئ، وأما اللقب فهو (¬1) اسم يضعه المرء لتعريف (¬2) ذات (¬3) من الذوات على التعين (¬4)، بدون وضع أهل اللغة ووضع الشرع. أما وضع اللغة الاسم [فـ] لذات مخصوص ومعنى خاص، أو لمعنى مخصوص على الإطلاق، لا على التعين (¬5)، حتى يكون الاسم حقيقة في مثل ذلك الذات وفي اللقب بخلافه، واتصاف اللفظ بكونه حقيقة ومجازاً يكون تبعاً لكونه موضوعاً، فإذا لم يكن بوضع أهل اللغة، [فـ] لا يجوز اتصافه بالحقيقة والمجاز. وقال عامتهم بأنه يدخل الحقيقة والمجاز في أسماء الألقاب. لأن أهل اللغة وضعوا هذه الأسماء لأولادهم ولدوابهم ثم اتبعهم غيرهم في إطلاق تلك (¬6) الأسماء وأمثالها. ولهذا سمي بغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دلدل" وحماره "يعفور" (¬7)، وسمي سيف علي رضي الله عنه "ذا الفقار" (¬8)، ونحو ذلك - إلا أنها أسماء أعيان مخصوصة لا أسماء جنس ونوع. وكذا العرب: سمى (¬9) بعضهم ولده "كلباً" وبعضهم "نمراً" و "تولباً" (¬10) و "ثعلباً" (¬11) و "ذئباً" ونحوها. وكذا المجاز: يجري فيها، فإن اسم اللقب ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إنما هو". (¬2) في ب: "ليعرف". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الذات". (¬4) في (أ) و (ب): "التعيين". (¬5) في (أ) و (ب): "التعيين". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ذك". (¬7) اليعفور ظبي لأنه كلون العفر (وجه الأرض - التراب). ولد البقرة الوحشية - انظر فيه وفي دلدل: القاموس والمغرب. (¬8) "ذا الفقار" كذا في أ. وفي الأصل: "ذو الفقار". وفي ب: "يعفور وسيفه ذو الفقار". (¬9) في ب: "يسمي". (¬10) التولب ولد الأتان من الحمار الوحشي إذا استكمل الحول. الجحش (المعجم الوسيط). (¬11) "وثعلباً" ليست في ب.

متى اشتهر في شخص وفيه معنى لازم مشهور، يطلق اسمه الوضوع لقباً على من يساويه في ذلك المعنى، كما يسمى السيف القطوع (¬1) "ذا الفقار". وفي السلف من (¬2) اشتهر من أصحاب الحديث ولقب بغنجار (¬3)، ثم يطلق على من بعده لمشابهة بينهما في ضبط الحديث والعدالة (¬4). ويقال: فلان "عمر بن عبد العزيز" تشبيهاً به في العدل والإنصاف، وفلان "أبو ذر الغفاري" تشبيهاً به في الزهد، وفلان "عبد الله بن سلول" إذا اشتهر في النفاق تشبيهاً به (¬5) - وهذا من باب المجاز. فثبات أن ما قالوه مخالف لعرف الناس. مسألة - الحقيقة والمجاز (¬6) هل يجوز أن يرادا (¬7) بلفظ واحد في حالة واحدة؟ فقد ذكرنا الخلاف فيه. مسألة - المجاز (¬8) له عموم، كما للحقيقة (¬9)، على ما ذكرنا. مسألة - القياس هل يجري في الألفاظ اللغوية، كما يجري في الأحكام الشرعية؟ اختلفوا فيه: ¬

_ (¬1) في أكذا: "التطوع". (¬2) في (أ) و (ب): "وفي السلف كان رجل اشتهر". (¬3) غنجار بالضم. كأنه صعرب غنجه آر. لقب عيسى بن موسى التيمى البخاري: صدوق. روى عن مالك والسفيانين والليث. وعنه ابن المبارك وغيره. وتوفي سنة 185 هـ. قيل، لقب بذلك لحمرة وجنتيه. ولقب به أيضاً محمد بن أحمد البخاري المحدث المتوفى سنة 412 هـ.، لطلبه حديث غنجار المقدم ذكره. وغنجار بالفتح مسحوق لزينة النساء (راجع القاموس وتاج العروس. والمعجم الذهبي: فارسي - عربي). (¬4) "في ضبط الحديث والعدالة" من (أ) و (ب). (¬5) "وفلان عبد الله ... به" ليست في أ. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "المجاز والحقيقة". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يراد". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "ومنها: المجاز". وانظر الهامش التالي. (¬9) في أ: "إن المجاز له عموم كالحقيقة".

قال أكثرهم بالجريان. وأنكر ذلك بعضهم. واستدلوا بقوله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" (¬1) - أخبر الله تعالى أنه علم آدم صلوات الله عليه (¬2) الأسماء كلها، ولا يتحقق القياس في موضع النص (¬3)، لما (¬4) ذكرنا من أقسام الألفاظ: أن اللفظ إما أن يكون حقيقة أو مجازاً. والحقيقة إما وضعية أو عرفية أو شرعية، وكل ذلك ثابت بالوضع. والمجاز إما أن يكون (¬5) بوضع طارئ أو طريقه موضوع لغة. والوضع هو التنصيص (¬6) على أسماء المسميات كلها، فمتى كان الأسماء كلها منصوصاً عليها، فأنى يتصور القياس والاستنباط؟ وجه قول العامة، هو (¬7) أن الأسماء في الأصل وضعت لمعرفة المسميات الحاضرة، الحسوسة أو العقولة، لحاجتهم إلى التمييز بينها بالأسامي. فأما ما غاب عن حسهم ولم يكن من الأشياء المعقولة، فلم يخطر ببالهم، فلم يقع لهم الحاجة إلى وضع الاسم له إن كان الوضع بالاصطلاح. وإن كان توقيفياً (¬8)، فإنما يرد التوقيف بالأسماء في الأشياء المعقولة (¬9) المعلومة، ليحصل لهم التمييز بينهما بالأسماء. وإذا ثبت هذا، فهذه الأشياء المحسوسة الحاضرة انعدمت بمضي الزمان وتقادم العهد، سوى الأرض والسماء وما بينهما، وحدثت أمثالها ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 31. (¬2) "صلوات الله عليه" من أ. (¬3) في ب: "التنصيص". (¬4) في أ: "ولما". (¬5) في ب: "إنما يكون". (¬6) في ب: "هو أن التنصيص". (¬7) في النسخ جميعاً: "وهو". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "توقيفية". (¬9) "المعقولة" من ب.

من بعد، فيكون إطلاق هذه الأسماء عليها (¬1) بطريق الاستدلال والقياس، وهو أنهم تأملوا أن وضع الأسماء، لمثل هذه الأشياء التي سبقت، لاعتبار صورته المخصوصة ولعنى لازم له، حتى يوجد ذلك الاسم عند وجوده وينعدم عند عدمه، فأطلقوا (¬2) الأسماء على أجناس هذه التي سبقت، بالاستدلال، لوجود علة الوضع في أسماء (¬3) الأشياء الحاضرة، عند الوضع والتوقيف. وهذا هو تفسير القياس، وهو إثبات مثل الحكم الثابت في الأصل، لأجل معنى معقول، وهذا موجود في الألفاظ اللغوية (¬4)، كما في القياس في الأحكام الشرعية إذا عقل المعنى الذي تعلق به الحكم (¬5). فإن أنكروا الاسم فلا مشاحة في العبارة. وإن أنكروا القياس من حيث المعنى، فهو عناد ومكابرة (¬6)، مع وجود حقيقته وحده. وقد (¬7) خرج الجواب عن قولهم: إن الألفاظ كلها بالوضع، فكيف يكون القياس فيها متصوراً - فنقول: إن الوضع وجد في الأشياء الحاضرة الموجودة وقت الوضع. وما قالوا: إنما (¬8) سمينا هذا الشيء (¬9) بهذا الاسم، لكونه على هذه الصورة، ولوجود هذا المعنى فيه تنصيصاً، بل وجد منهم تسميتها بهذه الأسامي، ثم من ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وزاد هنا في الأصل: "يكون". (¬2) في ب: "وأطلقوا". (¬3) "أسماء" ليست في ب. (¬4) "وهذا موجود في الألفاظ اللغوية" وردت في ب بعد ذلك. انظر الهامش التالي. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بها الأحكام". وهنا وردت في ب عبارة: "وهذا موجود في الألفاظ اللغوية" المشار إليها في الهامش السابق. (¬6) في ب كذا: "وهو عباره ومكاثره". (¬7) "قد" ليست في ب. (¬8) في (أ) و (ب): "إنا". (¬9) في ب: "هذا المعنى".

بلغهم وضعهم تأملوا في ذلك بنوع من الاستدلال الذي ذكرنا، برأيهم واجتهادهم، كا في الأحكام الشرعية إذا وردت النصوص بها، تم إن عقل معناها الذفي تعلق به (¬1) الحكم، يقاس غيره عليه (¬2) إذا وجد فيه ذلك المعنى، بنوع رأي واجتهاد، فلا يسمى ذلك منصوصاً - فكذا (¬3) هذا. وقد ذكرنا قبل هذا شرحه. وتعلقهم بالنص لا يستقيم: فإن المراد من النص تعليم أسماء الأشياء الحاضرة عندهم، لأن حاجتهم إلى معرفة أسماء هذه الأشياء، دون الغائبة عن حسهم ودون المعدومات. وفي سياق الآية ما يدل عليه حيث قال تعالى: "ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" (¬4)، وإذا كان كذلك، فتناول الأسماء للحادثات (¬5) بعد ذلك يكون بطريق القياس، على أنه إن كان في النص أنه تعالى (¬6) علم آدم الأسماء كلها، فلا حاجة له (¬7) إلى القياس، ولكن لم يثبت أن آدم عليه السلام علم غيره الأسماء كلها (¬8)، فمست الحاجة إلى القياس، في حق غيره - والله أعلم. مسألة - اللغات كلها في الأصل (¬9) توقيفية أم اصطلاحية؟ قال عامة المعتزلة وبعض الفقهاء بأنها (¬10) اصطلاحية. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي أ: "يتعلق به". وفي الأصل: "تعلق بها". (¬2) في ب: "يقاس عليه غيره". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وكذا". (¬4) سورة البقرة: 31 - والآية: "وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين". (¬5) في أ: "الحادثات". (¬6) "تعالى" من ب. (¬7) "له" من أ. (¬8) "كلها" من (أ) و (ب). (¬9) في أ: "اللغات في الأصل كلها". (¬10) في أ: "إنها".

وقال عامة المتكلمين من أهل الحديث، وعامة أهل الحديث من الفقهاء وأهل التفسير: إنها توقيفية. وقال بعض أهل التحقيق: لابد أن (¬1) يكون لغة واحدة توقيفية، ثم اللغات الأخر في حد الجواز: أن تكون اصطلاحية أو توقيفية. وجه قول من قال بالاصطلاح: المشاهدة والعيان، فإن كثيراً من أسماء الأشياء نعاين (¬2) حدوثها في زماننا بالاصطلاح، فإن لكل حرفة وصناعة أدوات وآلات، وقد وضعوا باصطلاحهم لكل آلة وأداة (¬3) اسماً لم يكن إلا له (¬4)، ولا الاسم ثابتاً (¬5) من قبل، فكذا في الابتداء: يجوز أن يكون كذلك وأمكن القول به، فإن (¬6) جماعة من العقلاء إذا اجتمعوا وأشاروا (¬7) إلى كل شيء من المحسوسات وسموا كل واحد بلفظ غير اللفظ الأول (¬8)، وقالوا (¬9) هذا ماء، وهذا نار، وهذا لحم، وهذا شحم - حصل العلم لهم بأسماء الأعيان والأفعال (¬10) بهذا الطريق، والاستدلال بالشاهد على الغائب حجة مطلقة. وجه قول من ادعى التوقيف: قول الله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" (¬11) وهذا نص. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما (¬12) في هذه الآية (¬13) أنه ¬

_ (¬1) في ب: "وأن". (¬2) في ب: "تعاقب". وفي المعجم الوسيط. عاينه معاينة وعياناً رآه بعينه. وتعاقب الشيئان خلف أحدهما الآخر. (¬3) "وأداة" من ب. (¬4) كذا في ب: "إلا له". وفي الأصل وأ كذا: "الآلة". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ثابتة". (¬6) في ب: "وان". (¬7) في أ: "فأشاروا". (¬8) في أ: "غير لفظ الأول". (¬9) في (أ) و (ب): "فقالوا". (¬10) في ب: "والأحوال". (¬11) سورة البقرة: 31 - راجع الهامش 4 ص 388. (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "عنه". وليست في أ. (¬13) "في هذه الآية" ليست في أ.

قال: إن الله تعالى علم آدم عليه السلام جميع الأسماء حتى القصعة والقصيحة. وقال الله تعالى: "خلق الإنسان علمه البيان" (¬1) وهذا (¬2) نص. وكذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله تعالى قرأ سورة طه وياسين قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام، فسمعت الملائكة عليهم السلام، فقالت: طوبى لأمة قرأتهما (¬3) ". ولا إحالة في العقل بأن يخلق الله تعالى في واحد من الخلق العلم (¬4) الضروري بأسماء الأشياء، ثم يبين ذلك الواحد للناس. أو يخلق في كل عاقل علماً ضرورياً بأسماء الموجودات، حتى يسمي لعين ماء ولعين خبزاً ولعين لحماً ونحو ذلك. وإذا (¬5) كان هذا في حد الجواز، وقد ورد النصوص بذلك وجب القول بالتوقيف. وجه قول الفريق (¬6) الثالث: أن الاصطلاح على وضع اللسان لا يتحقق بدون المواضعة من الجماعة على أن يسمى (¬7) هذا كذا، وهذا كذا. ولا يتحقق هذا بالإشارة وحدها، فيكون القول بواحد من الألسنة توقيفاً، ثم الاصطلاح بناء عليه باختيارهم أمراً ضرورياً لابد منه، كما في استحداث الأسماء في زماننا: لابد لوجود العلم لهم بلسان واحد على إمكان تحقيق الإجماع والمواضعة (¬8) لهم في ذلك - والله أعلم. مسألة: اللفظ المستعار إذا استعير من (¬9) المستعار عنه للمستعار له، يكون العامل هو اللفظ المستعار، لا أنه صار عبارة عن اسم المستعار له، كأنه ذكره باسمه صريحاً (¬10). ¬

_ (¬1) سورة الرحمن: 4. (¬2) في ب: "فهذا". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "قرأهما". وفي أ: "قرأتها". (¬4) "العلم" ليست في ب. (¬5) في أ: "فإذا". (¬6) "الفريق" من أ. (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "سمي". (¬8) في ب: "والمراجعة". (¬9) في ب: "عن". (¬10) انظر السرخسى، الأصول، 1: 184 وما بعدها.

وهذا قول عامة (¬1) أصحابنا رحمهم الله، وعامة أهل الأصول رحمهم الله. ومسائل الشافعي تدل على أن العامل عنده (¬2) هو الاسم الذي قام لفظ المستعار مقامه، حتى قال فيمن قال لامرأته: "أنت بائن" إنه رجعي، لأنه صار مجازاً عن قوله: "أنت طالق" كأنه نص عليه. وكذا قال: إن العتاق يقع بلفظ (¬3) الطلاق، لقيام لفظ الطلاق مقامه، كأنه نص على لفظ العتاق. وهذا يستقيم على قول من يقول: إن المشابهة معتبرة بين اللفظين. فإذا (¬4) كان بين لفظ الحقيقة وبين لفظ المستعار له مشابهة في المعنى، قام هذا الاسم مقامه بطريق النيابة عنه، كأنه هو، كاللفظ الموجود من الرسول: قائم مقام كلام المرسل، وكلام الوكيل: قام مقام كلام الموكل - كذا هذا. والصحيح قولنا، لأن (¬5) المشابهة المعتبرة بين الذاتين في المعنى اللازم المشهور الظاهر في محل الحقيقة، فيعطى اسم المستعار عنه للمستعار له، لأنه جعل المستعار له كالمستعار عنه، لوجود التشبيه على وجه المبالغة، فيكون الاسم الموضوع للمستعار عنه اسماً للمستعار له ضرورة. وإذا كان كذلك يجب أن يكون هو العامل. يدل عليه أن من قال: "فلان أسد" أراد بهذا (¬6) مدحه في الشجاعة وجعله أسداً معنى، فيكون اسم الأسد عاملا في إظهار شجاعة الأسد فيه. وصار (¬7) في التقدير كأنه قال (¬8): "يا شجاع" أي ¬

_ (¬1) "عامة" من ب. (¬2) "عنده" ليست قي ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بألفاظ". (¬4) في ب: "وإذا". (¬5) في أ: "أن". (¬6) في أ: "به". (¬7) في (أ) و (ب): "ولو صار". (¬8) "قال" ليست في ب.

مدح له على الخصوص باستعارة اسم الأسد، ومطلق اسم الشجاع قد يقع على من له أدنى شجاعة - فدل أن الصحيح هو القول الأول. ويستقصى هذا في مسائل الخلاف وفي الشرح - والله أعلم. مسألة - ثم المجاز يجري في الألفاظ الشرعية من البيع والهبة والنكاح والطلاق ونحوها (¬1) عند عامة الفقهاء. وقال بعض الفقهاء (¬2): لا يجري، لأن هذه الألفاظ (¬3) إنشاءات في الشرع، وأنها أفعال جارحة الكلام (¬4)، وهي مخارج الحروف، بمنزلة أفعال سائر الجوارح (¬5). ومن فعل فعلا حقيقة وأراد أن يكون فاعلا فعلا آخر، لا يكون. فكذلك (¬6) أفعال هذه الجارحة. وإنما (¬7) تدخل الاستعارة والمجاز في الألفاظ التي هي من باب الإخبار والأمر والنهي ونحو ذلك. ولكن الصحيح قول العامة: فإن العرب لما وضعت طريق الاستعارة، و (¬8) استعملت المجاز في كلامهم، وعرف بالتأمل طريقه، يكون إذناً (¬9) منهم بالاستعارة لكل متكلم من جملتهم أو من غيرهم، كصاحب (¬10) الشرع: متى وضع طريق التعليل، كان إذناً (¬11) بالقياس لكل من فهم ذلك الطريق - كذا هذا. ¬

_ (¬1) في ب: "وغيرها". (¬2) في أ: "بعضهم". (¬3) في أ: "العبارات". (¬4) في هاش أتصحيحاً: "اللسان". (¬5) في (أ) و (ب): "بمنزلة سائر أفعال الجوارح". (¬6) في ب: "وكذلك". (¬7) في ب: "ولا". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أو". (¬9) في ب كذا: "ادنى". (¬10) في ب كذا: "لصاحب". (¬11) في ب كذا: "ادنى".

فصل في بيان الصريح والكناية

قولهم: إنها إنشاء أفعال، والمجاز يجري في الأخبار - فنقول: المجاز لا يختص بالأخبار، بل يدخل في سائر أقسام الكلام، وهذه الألفاظ وإن جعلت إنشاء شرعاً لم يخرج من أن يكون كلاماً، والاستعارة جائزة في الكلام إذا وجد طريقها كما في الأمر والنهي، فإذا أتي بكلام هو إنشاء لفعل خاص، وذلك الكلام شبيه (¬1) كلام آخر، هو إنشاء لفعل آخر من حيث المعنى الذي هو طريق الاستعارة - فهو نظير (¬2) الألفاظ اللغوية - والله أعلم. فصل في بيان الصريح والكناية يحتاج إلى تفسير هما في اللغة، وفي (¬3) عرف الشرع. أما في اللغة: فالصريح اسم لما هو ظاهر المراد عند السامع (¬4) بحيث يسبق إلى أفهام السامعين. نحو قوله: "أنت حر" و (¬5) "أنت طالق" و (¬6) "بعت" و "اشتريت" ونحوها - مأخوذ من قولهم: صرح الحق عن محضه. ومنه (¬7) سمي القصر صرحاً، لظهوره وارتفاعه على سائر الأبنية. ¬

_ (¬1) في أ: "شبه". وفي ب كذا: "شبه". (¬2) في ب: "وهو طريق". (¬3) "في" ليست في ب. (¬4) في (أ) و (ب): "السماع". (¬5) "و" من أ. (¬6) "و" ليست في ب. (¬7) في أ: "وعنه".

وأما الكناية فاسم لما استتر (¬1) مراد المتكلم من حيث اللفظ - مأخوذ من قولهم: "كنيت" و "كنوت" ومنه قول القائل: وإني لأكنو عن قذور بغيرها ... وأعرب أحياناً بها فأصارح (¬2) ولهذا سميت كنايات الطلاق للألفاظ (¬3) التي استتر مرادها، نحو قولهم: "خلية" - "برية" (¬4) - "بتة" (¬5) - ونحوها. وأما الصريح في عرف الشرع: [فـ] مثل ما ذكرنا في الظاهر، إلا أن هذا أظهر لكثرة الاستعمال. وأما الكناية: فهو (¬6) أن يذكر لفظ دال على الشيء لغة، ويراد به غير المذكور، لملازمة بينهما ومجاورة خاصة - نظيره قوله تعالى: "أو جاء أحد منكم من الغائط" (¬7) والغائط اسم لمكان مطمئن من الأرض، وهو كناية عن الحدث لمجاورة لازمة بينهما، فإن الحدث لا يكون إلا في مثل هذا المكان غالباً. وكذا تطهير الفرجين بالحجر - يسمى استنجاء واستجماراً، والاستنجاء، في وضع اللغة، طلب (¬8) النجوة (¬9)، والاستجمار طلب الجمرة، وهي (¬10) الحجر، لملازمة بينهما في العادة. وإنما الداعي إلى الاشتغال (¬11) بالكناية قبح ذكر النجاسة والعورة ههنا. ¬

_ (¬1) في أكذا: "استر". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وأصارح" - راجع ص 247. وقذور اسم امرأة. وانظر البخاري على البزدوي، 1: 67. (¬3) في أ: "الألفاظ". (¬4) في الأصل: "وبرية". (¬5) "بتة" ليست في ب. (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "وهو". وفي ب "هو". (¬7) سورة النساء: 43. والمائدة: 6 (¬8) كذا في أ. وفي ب: "في الوضع في طلب". وفي الأصل: "في الوضع طلب". (¬9) في أ: "النجو". وكلاهما في اللغة (انظر المعجم الوسيط). (¬10) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬11) في (أ) و (ب): "الاستعمال".

وقد يكنى لقصد إخفاء الكنى عنه، بإظهار (¬1) المذكور، عن السامع لغرض له في ذلك - يقال في المثل: "إياك أعني فاسمعي (¬2) يا جارة". وكما ذكرنا من (¬3) قول الشاعر: "وإني لأكنو عن قذور بغيرها". ثم الكناية هل هي من باب المجاز أم لا؟ بعضهم قالوا (¬4): من باب المجاز، لأن المجاز ما تجاوز عن وضعه الأصلي إما بزيادة أو نقصان على ما مر - وكل (¬5) ما هو خلاف ظاهر الموضوع فهو مجاز. والصحيح أنه ليس بمجاز بل هو (¬6) حقيقة، لكن الحقيقة نوعان: صريح وكناية. وكذا المجاز نوعان: صريح وكناية. يدل على التفرقة بينهما أن المجاز عامل بنفسه، ولفظ الكناية يراد به (¬7) غيره. ألا ترى أنه يقال (¬8): "فلان طويل النجاد" و (¬9) يراد به طول القامة، لأن نجاد كل شخص على قدر قامته. ويقال: "فلان كثير الرماد" يكنى (¬10) به عن (¬11) السخاوة، لأن من يكثر نزول الأضياف عليه، يحتاج إلى زيادة الطبخ، فيكثر رماد مطبخه - والله أعلم. ¬

_ (¬1) "المكنى عنه بإظهار" من ب. (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "واسمعي". (¬3) "من" ليست في أ. راجع ص 394. (¬4) في أ: "قال بعضهم". (¬5) في (أ) و (ب): "فكل". (¬6) في ب: "هي". (¬7) في ب: "بها". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "قال". (¬9) "و" من ب. (¬10) في أ: "ويكنى". (¬11) "عن" ليست في أ.

فصل في المطلق والمقيد

فصل في المطلق والمقيَّد قد ذ كرنا تفسير المطلق: أن يكون متعرضاً للذات دون الصفات. والمقيد: ما يتعرض للذات الموصوف بصفة (¬1). نظير الأول قوله تعالى: "أو تحرير رقبة" (¬2) في كفارة اليمين. ونظير الثاني قوله تعالى في كفارة القتل (¬3): "فتحرير رقبة مؤمنة" (¬4). فحكم الأول أن يتعلق بالذات دون الصفة (¬5). وحكم الثاني أن يتعلق بالذات الموصوف لا غير. على ما نذكر - والله الموفق. ¬

_ (¬1) "بصفة" ليست في ب. (¬2) سورة المائدة: 89 - والآية: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ... ". وفي المجادلة: 3 والآية: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا .. " (¬3) "في كفارة القتل" من ب. (¬4) سرة النساء: 92 - والآيه "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيماً". (¬5) في ب: "الصفات".

فصل فيما يرجع إلى العبارة من حيث الإشارة، والدلالة، والإضمار، والاقتضاء

فصل فيما يرجع إلى العبارة من حيث الإشارة، والدلالة، والإضمار، والاقتضاء (¬1) (¬2) أما إشارة النص: [فـ] ما عرف بنفس الكلام بنوع تأمل من غير أن يزاد عليه شيء أو ينقص عنه، لكن لم يكن الكلام سيق له، ولا هو المراد بالإنزال حتى يسمى نصاً. ولا عرف أيضاً بنفس الكلام (¬3) في أول ما قرع سمعه من غير تأمل حتى يسمى ظاهراً. ولكن (¬4) عرف بنفس اللفظ بواسطة التأمل من غير زيادة ولا نقصان، فيسمى (¬5) إشارة. نظيره من المحسوسات: من نظر إلى شيء فرآه بإقباله عليه قصداً، ورأى مع ذلك غيره يمنة أو يسرة (¬6) بأطراف عينيه من غير قصد: فما يقابله هو المقصود بالنظر. وما وقع عليه أطراف بصره فمرئي، [و]، رؤيته بطريق الإشارة. ومثاله من الشرعيات قوله تعالى: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا ¬

_ (¬1) كذا في ب إلا أن فيها: "والدلالة على". وفي الأصل وأ العبارة كذا: "الإشارة والإضمار والاقتضاء والدلالة". وفي كلامه التالي: "أما إشارة النص ... وأما دلالة النص ...... وأما الإضمار والاقتضاء". (¬2) زاد هنا في الأصل و (أ): "وفي بعض هذه الجملة خلاف" وليست في ب. (¬3) في أ: "اللفظ". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ولما" .. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "سمي". (¬6) في ب: "يميناً ويسرة".

من ديارهم وأموالهم" (¬1): فالآية نص في بيان استحقاق سهم من الغنيمة للفقراء المهاجرين، لأنها نزلت لبيان هذا الحكم على سبيل التفسير لما سبق من قوله تعالى: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" (¬2) إلى قوله تعالى (¬3) "للفقراء .. (الآية) " (¬4) تم في الآية إشارة إلى أن استيلاء الكفار على (¬5) أموال المسلمين سبب لثبوت الملك لهم فيها حيث سماهم فقراء مع إضافة الديار والأموال إليهم، والفقير عبارة عن عديم المال فيكون فيه إشارة (¬6) إلى (¬7) زوال ملكهم (¬8) عما استولوا عليه بعد إخراجهم عن أموالهم وديارهم - ولهذا نظائر كثيرة. وأما دلالة النص: [فقد] اختلف مشايخنا فيها (¬9): قال بعضهم: إن دلالة النص والقياس سواء، لأن حد (¬10) القياس ليس إلا إثبات (¬11) كل حكم المنصوص عليه في غيره، بمثل (¬12) المعنى الذي تعلق به الحكم في الأصل (¬13). وهذا الحد موجود فيما يسمى ¬

_ (¬1) سورة الحشر: 8. وهي والتي قبلها: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب. للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون". (¬2) سورة الحشر: 7 وتقدمت في الهامش السابق. (¬3) "تعالى" من ب. (¬4) سورة الحشر: 8، وتقدمت في الهامش 1. (¬5) "على" من أ. (¬6) "أن استيلاء الكفار ... فيه إشارة" ليست في ب. (¬7) في أ: "على". (¬8) في أ: "أملاكهم". (¬9) "فيها" ليست في أ. (¬10) "حد" ليست في أ. (¬11) في أ: "لإثبات". (¬12) في ب: "مثل". (¬13) في (أ) و (ب): "في النص".

"دلالة" فإن قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف" (¬1) - ظاهر النص تحريم التأفيف، وهو غير تحريم الضرب والشتم، فلا يكون تحريم الضرب منصوصاً عليه عيناً، ولكن عقل معنى تحريم التأفيف وهو أذى الأب لحرمة الأبوة، والأذى في الضرب أكثر، وعلة التحريم موجودة وهي الأبوة، وما يكون محرماً للقليل يكون محرماً للكثير، بطريق (¬2) الأولى، فيكون هذا قياساً، لكنه قياس جلي. والمعنى (¬3) الموجب إذا كان خفياً يسمى "قياساً" وإذا كان جلياً يسمى "دلالة"، أما في الحالين ليس هو إثبات الحكم بعين النص مضافاً إليه، فيكون حد دلالة النص هو القياس الجلي. و (¬4) قال القاضي الإمام (¬5) أبو زيد رحمه الله ومن تابعه: إن دلالة النص ما ثبت بمعنى النص، في غير النصوص عليه، معنى ظاهراً (¬6)، يعرف بسماع اللفظ، من غير تأمل، حتى يستوي فيه الفقيه والعربي الذي ليس بفقيه, بمنزلة الحكم ببديهة العقل. [وهو] ما يعرف بالعقل من غير تأمل. والحكم الثابت بالاستدلال العقلي ما يحتاج فيه إلى التأمل والنظر. ولكن كل ذلك مضاف إلى العقل - فكذا هذا. فمن حيث إنه (¬7) لم يثبت بعين اللفظ لم يسم (¬8) نصاً. ومن حيث إنه (¬9) ثبت (¬10) بمعنى النص لغة، لا رأياً ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 23 - والآية: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً". (¬2) في أ: بالطريق". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فالمعنى". (¬4) "و" من (أ) و (ب). (¬5) "الإمام" ليست في ب. وتقدمت ترجمتة في الهامش 7 ص 75. (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ظاهر". (¬7) "إنه" من أ. (¬8) في ب "لم يسمى". (¬9) "إنه" من أ. (¬10) في أ: "يثبت".

واجتهاداً لوضوحه (¬1) سمي دلالة النص. ونظيره حرمة التأفيف: إن كل عربي سمع (¬2) قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف" (¬3) عرف عند السماع من غير تأمل حرمة ضربه وقتله، فيكون النص دالا (¬4) عليه، فيكون تحريم الضرب ثابتاً (¬5) بدلالة النص، وحرمة التأفيف ثبتت (¬6) بعين النص، بخلاف الحكم الثابت بالقياس: فإنه حكم ثبت بمعنى النص أيضاً، لكن بواسطة الاجتهاد، حتى اختص به الفقهاء، لخفائه. ونظيره أيضاً: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رجم ماعزاً حين زنى، وهو محصن، وثبت زناه وإحصانه عنده، فيكون وجوب الرجم في حق ماعز ثابتاً بعين النص، وفي حق غيره إذا زنى وهو محصن ثابتاً بدلالة النص، لأنه عرف (¬7) بالبديهة أنه ما رجم ماعزاً لكونه ماعزاً محصناً، لكن لوجود (¬8) الزنا منه عند الإحصان، ومثله موجود في حق غيره، فثبت (¬9) الحكم في حق غيره بالمعنى الثابت ظاهراً، فيكون دلالة النص. ولا يقال: إن الأمة لما أجمعت (¬10) على وجوب الرجم في حق ماعز لوجود (¬11) الزنا منه (¬12) مع الإحصان، يكون هذا حكماً ثابتاً بعلة مجمع ¬

_ (¬1) "لوضوحه" ليست في أ. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يسمع". (¬3) سورة الإسراء: 23 - وتقدمت في الهامش 1 ص 399. (¬4) في (أ) و (ب): "دلالة". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ثبت" (¬6) في (أ) و (ب) كذا: "ثابتاً". (¬7) في ب كذا: "اعرف". (¬8) في أ: "بوجود". (¬9) في ب: "فيثبت". (¬10) في أ: "اجتمعت". (¬11) في ب: "بوجود". (¬12) "منه" من أ.

عليها، لا بدلالة النص، لأن دلالة (¬1) النص ما ثبت الحكم فيها بمعنى النص، لا بعين النص، وقد علم بالإجماع ههنا أنه ثبت بمعنى النص، فكان (¬2) دلالة النص، ولكنا (¬3) نقول في الحكم الثابت بعلة النص: إنه ثابت بدلالة النص لا بعين النص (¬4) - والله أعلم. وأما الإضمار، والاقتضاء (¬5): اختلف مشايخنا في ذلك: قالت بعضهم: هما سواء، وهما من باب الاختصار والحذف - يزاد على الكلام لتصحيحه، وهو اختيار القاضي الإمام (¬6) أبي زيد رحمه الله تعالى. وقال أستاذي الشيخ الإمام الزاهد علي بن محمد البزدوي (¬7) رحمه الله بأن (¬8) الإضمار غير الاقتضاء (¬9). وهو الأصح (¬10). ¬

_ (¬1) في أ: "لأنا نقول إن دلالة". وفي ب: "لا بدلالة النص كالحكم الثابت بعلة النص يكون ثابتاً بالنص لا بدلالة النص لأنا نقول إن دلالة" (¬2) في ب: "وكان". (¬3) في ب: "وهكذا". (¬4) "دلالة النص ولكنا ... لا بعين النص" من أ. وفي الأصل بدلا منها: "دلالته" فعبارة الأصل كذا: "فكان دلالته. والله أعلم". ويلاحظ أن بعض هذه العبارة ورد فيما سبق - راجع الهامش 1. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والمقتضى". (¬6) "الإمام" ليست في ب. (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "البزدي". وهو علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد أبو الحسن المعروف بفخر الإسلام البزدوي. الفقيه الإمام الكبير بما وراء النهر. صاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة، أبو العسر أخو القاضي محمد أبي اليسر. توفي سنة 482 هـ. وحمل تابوته إلى سمرقند ودفن فيها على باب المسجد. و"بزدة" قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف. ومن تصانيفه: المبسوط أحد عشر مجلداً، وشرح الجامع الكبير، والجامع الصغير. وله في أصول الفقه كتاب مشهور ومفيد (القرشي، الجواهر. وراجع الهامش 1 ص (ط) من المقدمة). (¬8) في أكذا: "باب". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "غير المقتضى". (¬10) انظر البزدوي والبخاري عليه، كشف الأسرار، 1: 75 - 78. و 2: 235 - 253 وخاصة ص 243 وما بعدها.

ثم على قول الفريق الأول: حدهما واحد، وهو ما زيد على ظاهر الكلام، مما (¬1) لا يصح الكلام بدونه، لتصحيحه، لأن العاقل الحكيم (¬2) لا يقصد بكلامه اللغو، إلا أنه نوعان: - قد يزاد لتصحيح (¬3) نفس (¬4) الكلام، عقلا. - وقد يزاد لتصحيح الكلام، شرعاً، بأن تعلق بالكلام حكم شرعي، [و] لا صحة لذلك الحكم إلا بوجود شيء آخر، فيكون شرط صحته، فيثبت مقتضاه، تصحيحاً للكلام في حق إثبات الحكم، وإن كان الكلام صحيحاً من حيث إنه كلام لغة، وهذا لأن ما كان من ضرورات الشيء يكون ثابتاً (¬5) بإثباته. ولهذا قالوا: إن (¬6) الأمر بالشيء أمر بما لا صحة له بدونه، كالأمر بالصلاة: أمر بالوضوء، وتحصيل شرائطها (¬7). والأمر (¬8) لعبده (¬9) بصعود السطح، وليس ثمة سلم منصوب، ولكنه (¬10) موضوع على الأرض، يكون أمراً بنصب السلم، لما قلنا. نظير صحة الكلام بما (¬11) تعلق الحكم الشرعي به, قوله (¬12) تعالى: ¬

_ (¬1) في ب: "ما". (¬2) "الحكيم" من (أ) و (ب). (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لتصحيحه". (¬4) "نفس" ليست في ب. (¬5) "ثابتاً" من أ. (¬6) في ب: "بأن". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "شرائطه". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فالأمر". (¬9) في أ: "لعبد". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ولكن". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بلا". (¬12) في ب: "مما تعلق به الحكم الشرعي قوله .. ".

"واسأل القرية التي كنا فيها" (¬1) - أمر بالسؤالءن القرية، ولا يصح الأمر بالسؤال عن القرية، لأنه لا يصح منها (¬2) الجواب، والسؤال يقتضي الجواب، فيكون أمراً بالسؤال ممن يصح منه، وهو أهل القرية، فيزاد (¬3) الأهل في الكلام، تصحيحاً للكلام، فيسمى به مضمراً (¬4). ونظير المثاني قول الرجل لغيره: "اعتق عبدك هذا (¬5) عني بألف درهم"، فقال: "أعتقت"، فإنه يقع العتق (¬6) عن الآمر بألف درهم (¬7)، لأن الآمر أمره (¬8) بإعتاق عبد مملوك له عنه بألف درهم (¬9) , ولا صحة للإعتاق عن الآمر بدون ثبوت الملك له في العبد المأمور بعتقه، وذلك يكون بالتمليك منه بما سمى، فيكون الأمر بالإعتاق مقتضياً البيع منه، حتى يصح منه إعتاقه عنه (¬10)، فيزاد "البيع" على هذا الكلام الذي هو سبب ثبوت الملك تصحيحاً لكلامه (¬11)، في حق الحكم، فيصير كأنه قال: "بع عبدك هذا (¬12) مني بألف درهم، وكن وكيلا عني بإعتاقه", فيكون أمراً بالبيع منه والإعتاق عنه (¬13) جميعاً، فيكون مضافاً إلى المقتضى، وهو الأمر بالإعتاق، ضرورة صحة الإنشاء (¬14) - ولهذا نظائر. ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 82 - والآية: "واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "منه". (¬3) في ب: "وزاد". (¬4) "فيسمى به مضمراً" من ب. (¬5) "هذا" من (أ) و (ب). (¬6) "العتق" ليست في ب. (¬7) "درهم" ليست في أ. (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أمر". (¬9) "درهم" ليست في ب. (¬10) "عنه" ليست في أ. (¬11) في (أ) و (ب): "للكلام". (¬12) كذا في ب. وفي أ: "عبدك مني هذا". و"هذا" ليست في الأصل. (¬13) "عنه" عن (أ) و (ب). (¬14) "ضرورة صحة الإنشاء" من ب. انظر فيما يلي الهامش 3 ص 404.

وجه القول المختار، هو (¬1) أن الإضمار من باب الحذف والاختصار، وهو مذكور لغة، ولهذا قلنا: إن المضمر له عموم، فإن من قال لامرأته: "طلقي نفسك" ونوى (¬2) الثلاث، فطلقت نفسها يقع الثلاث، لأن المصدر محذوف، وهو كالمذكور لغة، فيصير كأنه قال: "طلقي نفسك طلاقاً" ونيته الثلاث في المصدر: تصح، كما إذا قال (¬3): "أنت طالق طلاقاً" ونوى الثلاث: يصح. فأما المقتضى [فـ] ليس بمذكور لغة، بل يجعل ثابتاً ضرورة، كا في قوله: "أنت طلق" يجعل المصدر ثابتاً، ضرورة صحة الإنشاء (¬4)، لأنه إخبار صيغة، لكن يجعل ثابتاً بقدر ما فيه ضرورة (¬5) وهو صحة الكلام، والضرورة تندفع بوقوع طاقة واحدة، فلا يتعمم (¬6) من غير ضرورة، ويجعل عدماً فيما وراءها، على ما هو الأصل في الثابت بطريق الضرورة: أن (¬7) يتقدر بقدر الضرورة. وهذا قول أصحابنا رحمهم الله. وعلى قول الشافعي رحمه الله: المقتضى له عموم، وله وجهان: أحدهما - أنه قال: إنه من باب الإضمار، والمصدر المضمر والمذكور سواء. والثاني - قال: إنه مذكور شرعاً، والمذكور شرعاً كالمذكور حقيقة - ألا ترى أن الميت حكماً بمنزلة الميت حقيقة في حق الأحكام، وهو المرتد الذي لحق (¬8) بدار الحرب. ¬

_ (¬1) في النسخ جميعاً: "وهو". وانظر ما يلي، والبزدوي والبخاري عليه، 2: 235 وما بعدها. (¬2) "ونوى" ليست في ب، وفيها هنا: "به". (¬3) في ب كذا: "ومنه الثلاث يصح في المصدر كما إذا قال". (¬4) "ضرورة صحة الإنشاء" ليست في ب هنا. راجع فيما تقدم الهامش 14 ص 403. (¬5) في أ: "الضرورة". (¬6) في أ: "فلا يعم". (¬7) في أ: "إنما". (¬8) "لحق" ليست في ب.

فصل في الوجوه التي اختلف فيها: أنها ملحقة بالأحكام الثابتة باللفظ والعبارة أم لا؟

ولنا: أن العموم من صفات اللفظ، والمقتضى غير ملفوظ حقيقة، وإنما يجعل ملفوظاً بطريق الضرورة، والضرورة ترتفع (¬1) بالطلاق الواحد، فصار كما لو نص فقال (¬2): "أنت طالق طلاقاً واحداً"، ولا يجعل (¬3) ملفوظاً فيما وراء صحه الكلام. وقوله: إن المصدر صار مذكوراً، فقد ذكرنا الكلام فيه، فيما تقدم. وفي هذه الفصول إشكالات مذكورة في الشرح - والله أعلم. فصل في الوجوه التي اختلف فيها: أنها ملحقة بالأحكام الثابتة باللفظ والعبارة أم لا؟ وهي فصول، خمسة منها متقاربة: أحدها (¬4) - أن النص إذا أثبت حكماً في (¬5) مسمى باسم علم - هل يدل على نفي الحكم فيما عداه؟ كقوله عليه السلام: "في خمس (¬6) من الإبل شاة"- إثبات الحكم في الحيوان المسمى باسم الإبل (¬7): هل يكون نفياً عن المسمى باسم الغنم والبقر ونحوه أم لا؟ ¬

_ (¬1) في ب: "تندفع". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وقال". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "أو لا يجعل". وفي أ: "ولأن يجعل". (¬4) في ب: "إحداها". (¬5) "في" ليست في أ. (¬6) في ب: "وفي خمس". وفي بلوغ المرام (رقم 482 ص 82): (، في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم: في كل خمس شاة ... " وانظر: الصنعاني، بل السلام، 2: 12. (¬7) في ب: "المسمى بالإبل".

والثاني - أن (¬1) النص إذا أثبت حكماً في موصوف بصفة - هل يكون نفياً للحكم في غير الموصوف بتلك الصفة؟ كقوله عليه السلام: "في خمس من الإبل السائمة شاة": فيه إيجاب الزكاة في إبل موصوفة (¬2) بصفة الأسامة (¬3) هل يكون نفياً للوجوب عن غير الإبل السائمة؟ والثالث - أن النص إذا أثبت حكماً معلقاً بشرط صحيح - هل يكون نفياً للحكم بدون ذلك الشرط؟ كقوله تعالى: "ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" (¬4): علق جواز نكاح الأمة شرط عدم طول الحرة، وهل (¬5) يكون نفياً لجواز نكاح الأمة بدون هذا الشرط أم لا؟ والرابع - أن النص إذا أثبت حكماً مقدراً بمقدار معلوم، هل يكون نفياً للزيادة أو النقصان عن ذلك القدر أم لا؟ كقوله تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" (¬6): - هل يكون نفياً لإيجاب الزيادة (¬7) على المائة أو النقصان عنها؟ والخامس - أن (¬8) النص إذا أثبت حكماً موقتاً إلى زمان معدوم هل يكون نفياً لذلك الحكم بعد مضي ذلك الوقت في زمان بعده أم لا؟. ¬

_ (¬1) "أن" من أ. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "موصوف". (¬3) في أ: "السائمة". سام الماشية وأسامها خلاها ترعى، والسائمة كل إبل أو ماشية ترسل للرعي ولا تعلف (المعجم الوسيط). وانظر فيما بعد ص 411. (¬4) سورة النساء: 25. والطول الفضل والغنى واليسر (المعجم الوسيط). (¬5) في أ: "فهل". (¬6) سورة النور: 2. (¬7) "الزيادة" ليست في أ. (¬8) "أن" من ب.

كقوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل" (¬1)، فهذا (¬2) النص: هل ينفي إيجاب الصوم في الليل أم لا؟ ثم عند عامة أصحابنا رحمهم الله في الفصول كلها: أنه (¬3) لا يوجب النفي، وإنما حكمه الإثبات فيما (¬4) نص عليه لا غير، وحكمه موقوف إلى قيام الدليل في النفي والإثبات في غيره (¬5). وعند المعتزلة: يقف (¬6) على الدليل العقلي: إن نفاه ينتفى، وإن أثبت يثبت، بناء على أصلهم: أن العقل دليل في كثير من الشرعيات. وقال الشافعي رحمه الله في الفصول كلها: إنه يوجب النفي. وهو قول بعض أصحابنا مثل الكرخي وغيره، إلا في الفصل الأول: فإنه قول عامة العلماء إلا بعض أصحاب الحديث. وقيل: هو قول بعض أصحاب الشافعي. وأصحاب الشافعي (¬7) سموا الفصول المختلفة بيننا وبينهم: دليل الخطاب ومفهوم الخطاب. وشبهتهم العقلية أن (¬8) تخصيص الشيء بالحكم (¬9) ذكراً يقتضي فائدة مخصوصة, وليس ذلك إلا نفي الحكم عن غيره - ألا ترى أن المعلق ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 187. (¬2) في ب: "وهذا". (¬3) "أنه" ليست في (أ) و (ب). (¬4) في ب: "وفيما". (¬5) في ب: "في الإثبات والنفي لا غير". وفي هامش أ: "هذه المسألة هي المسألة المذكورة قبل عشرين ورقة في مسألة دليل الخطاب". (راجع فيما تقدم الهامش 10 ص 307). (¬6) كذا في هامش أ. وفي الأصل وأ وب كذا: "بقى". (¬7) "وأصحاب الشافعي" ليست في ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وهو أن". (¬9) فى ب: "باللفظ".

بالشرط إذا كان يوجد عند وجود الشرط ويوجد عند عدم الشرط، لم يكن للتعليق بالشرط فائدة. وعامة العلماء تعلقوا بالنص والمعقول: - أما النص: فقوله (¬1) تعالى: "منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم" (¬2) - فالله (¬3) تعالى حرم الظلم في هذه الأشهر الحرم، وموجب ما ذكرتم أن ينفي (¬4) حرمة الظلم في أشهر أخر. وهذا خلاف إجماع الأمة. وقال تعالى: "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً" (¬5) - فالله تعالى نهى عن إكراه الإماء (¬6) على الزنا (¬7) إن أردن التعفف، وهذا يوجب إباحة الإكراه على الزنا إن لم يردن التعفف على قود (¬8) مذهبكم - وإنه فاسد. - وأما المعقول: فهو (¬9) أن انتفاء الحكم في هذه الفصول إما أن يثبت بالنص، أو لضرورة (¬10) فائدة التخصيص بالذكر. ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي ب: "قوله". وفي الأصل: "النص: قوله". (¬2) سورة التوبة: 36: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ... ". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الله". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل وردت: "لا" في الهامش تصحيحاً فصارت: "لا ينفي". (¬5) سورة النور: 33 والآية: (... ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الإكراه للإماء". (¬7) في ب كذا: "الزاني". (¬8) "قود" ليست في أ. (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بضرورة".

والأول (¬1) فاسد: • لأن النص الثبت موجبه هو (¬2) الإثبات دون النفي لغة، وبين النفي والإثبات منافاة، فالموضوع لأحد الضدين كيف يكون موضوعاً للضد الآخر؟ • و (¬3) لأن إثبات الحكم في مسمى معلوم لو كان ينفي ثبوت ذلك الحكم في غيره لامتنع القول بالقياس، لأن القياس لا يصح إلا بعد ثبوت الحكم في محل منصوص عليه مسمى باسم خاص. ولو كان النص يوجب نفي الحكم في غير المنصوص عليه يكون القياس بمقابلة النص، والقياس لا (¬4) يعارض النص بالإجماع. والوجه الثاني فاسد أيضاً: فإنه مجرد الدعوى أن لا فائدة سوى نفي الحكم عن غيره، وما لم ينف (¬5) بالدليل: أنه لا يتصور فائدة أخرى في هذه الفصول، وأن الفائدة مقصورة على نفي الحكم عن غيره، فلا (¬6) يستقيم هذا الكلام، ولا يتصور ذلك (¬7) حتى يلج الجمل في سم الخياط (¬8) - والله الموفق. مسألة - ومنها أن المطلق هل يحمل على المقيد أم لا؟ ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فالأول". (¬2) "هو" ليست في ب. (¬3) "و" ليست في أ. (¬4) في ب: "ولا". (¬5) كذا في الأصل وب وهامش أتصحيحاً. وفي متن أ: "وما لم يثبت". (¬6) كذا في هامش الأصل تصحيحاً. وفي متن الأصل: "ولا". وفي (أ) و (ب): "لا". (¬7) "ذلك" ليست في أ. وفي ب كذا: "ذلك قوله تعالى حتى ... ". (¬8) الأعراف: 40 - والآية: "إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين".

فعند الشافعي رحمه الله: يحمل المطلق (¬1) على المقيد بكل حال. واختلف المشايخ عندنا: قال بعضهم: يحمل إذا كان السبب واحداً، والحادثة واحدة. فأما في حادثتين، [فـ] لا يحمل. وقال أهل التحقيق منهم بأنه لا يحمل سواء كانت الحادثة واحدة أو لا، إلا إذا كان الحكم (¬2) واحداً، والسباب واحداً، ولا يمكن الجمع بين المطلق والمقيد (¬3): فحينئذ يحمل. وجه قول الشافعي أن المطلق يحتمل المقيد (¬4)، كالعام يحتمل الخصوص، والمجمل يحتمل البيان. فإذا (¬5) ورد كل طلق ومقيد يجب أن يكون المقيد (¬6) بياناً للمطلق، ويكون كلا النصين بمنزلة نص واحد؛ كالنص المجمل مع النص المبين (¬7)، حتى لا يؤدي إلى التناقض، ولا يقال متى جعل نسخاً لا يؤدي إلى التناقض، لأنهما إذا كانا مقارنين لا يمكن الحمل على النسخ، ولأن النسخ أمر ضروري فلا يصار إليه من غير ضرورة، ولا ضرورة مع إمكان الحمل على البيان (¬8). ولأنا لو لم نحمل المطلق على المقيد، يؤدي إلى إلغاء صفة القيد، فإن قبل ورود (¬9) النص ¬

_ (¬1) "المطلق" ليست في ب. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "حكما". انظر كشف الأسرار، 2: 290. (¬3) "ولا يمكن الجمع بين المطلق والمقيد" من ب. (¬4) في ب كأنها: "القيد". (¬5) في ب: "وإذا". (¬6) "المقيد" من (أ) و (ب). (¬7) في هامش أ: "أي المفسر". (¬8) "ولا ضرورة ... على البيان" من ب. (¬9) في ب كذا: "ورد". وفي الأصل: "فإن قيل ورود".

المقيد، لو أتى بالمطلق والمقيد يكون جائزاً، فعند (¬1) ورود النص المقيد؛ لو صار (¬2) المطلق نظير المقيد، لم يكن في القيد فائدة. وبهذا الطريق حمل المطلق على المقيد: - في باب الشهادات: فإن بعض النصوص مطلق عن قيد العدالة، وبعضها مقيد. ثم صار المطلق مقيداً بالإجماع، حتى شرطت العدالة لوجوب قبول الشهادة (¬3). - وكذا ورد في باب الزكاة نصان: مطلق عن قيد الأسامة، ومقيد بصفة الأسامة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "في خمس من الإبل شاة"، وروي: "في خمس من الإبل السائمة شاة" (¬4) ثم حمل المطلق على المقيد حتى صار صفة الأسامة (¬5) شرطاً بالإجماع لوجوب الزكاة. وكذا في كفارة الحنث (¬6): ورد ظاهر النص مطلقاً عن صفة التتابع في إيجاب الصوم، فقال تعالى: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام" (¬7) وفي (¬8) قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات". وقد حملتم المطلق على المقيد حتى شرطتم التتابع، ولا يلزمنا أنا لا (¬9) نحمل، حتى لم يصر التتابع شرطاً عندنا، لأن في صوم الكفارات (¬10) ورد النص ¬

_ (¬1) في أ: "فبعد". (¬2) في ب: "لو جاز". (¬3) في أ: "الشهادات". (¬4) راجع فيما تقدم الهامش 3 ص 406. وفيه عن المعجم الوسيط أن السائمة كل إبل أو ماشية ترسل للرعي ولا تعلف. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "السايمة". (¬6) حنث في يمينه حنثاً لم يبر فيها وأثم (المعجم الوسيط). (¬7) المائدة: 89. وتقدم نصها في الهامش 2 ص 396. (¬8) كذا في أ .. وفي الأصل و (ب): "ثم في". (¬9) في ب: "لم". (¬10) في هامش أ: "يعني في كفارة اليمين".

المطلق، وقد ورد المقيد على وصفين: بصفة التتابع (¬1) وبصفة التفرق، وهو قوله تعالى في صوم المتعة: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة" (¬2) - فلم يكن أحد النصين المقيدين بأولى من حمل المطلق عليه، فسقط اعتبار المقيد، لأجل التعارض، أو يثبت له الخيار في الحمل على أي المقيدين شاء، عملا بالدليلين بقدر الإمكان. على أن قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (¬3) لا تصلح معارضاً لقراءة (¬4) العامة الثابتة بالتواتر. وعندنا إنما يحمل عند الاستواء في الدليلين (¬5). وجه قول أصحابنا رحمهم الله أن حمل المطلق على المقيد خلاف عرف أهل اللغة؛ بل في عرفهم إجراء المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده. فإن من قال لآخر: "اعتق عبدي" (¬6) ثم قال بعد ذلك: "اعتق عبدي الأبيض"؛ فله أن يعتق أي عبد شاء ولا يتقيد بالأبيض. وكذا من قال لامرأته: "إن دخلت الدار فأنت طالق" ثم قال بعد ذلك: "إن دخلت الدار راكبة فأنت طالق"، فدخلت راكبة أو ماشية: يقع الطلاق، ولا يتقيد المطلق بصفة الركوب. وإذا كان عرف أهل اللسان هذا، يجب حمل كتاب الله تعالى وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التعارف، لأن كلام الله تعالى نزل بلغة العرب على حسب عاداتهم - قال الله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" (¬7)؛ والرسول عليه السلام ¬

_ (¬1) في هامش أ: "وهو قراءة ابن مسعود". (¬2) سورة البقرة: 196: " ... فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله .. " (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عنهما". (¬4) في أ: "للقراءة". وفي ب: "معارضة للقراءة". (¬5) في هامش أ: "ولم يوجد بقول الشافعي". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عبيدي". (¬7) سورة إبراهيم: 4.

منهم، فيكون كلامه محمولا على تعارفهم في الأصل، ولأن في هذا نسخ المطلق، لأن النسخ ليس إلا بيان انهاء مدة الحكم، ومتى حمل المطلق على المقيد، وقبل التقييد يجوز العمل به وبعده لا يجوز، فقد انتهى حكم المطلق ضرورة، والنسخ لا يجوز إلا عند تساوي الدليلين، والقياس وخىبر (¬1) الواحد لا يساوي الكتاب والمتواتر (¬2) - هذا طريق مشايخ العراق. وطريق مشايخنا (¬3) أن حمل المطلق على المقيد ضرب (¬4) النصوص بعضها في بعض، وجعل النصين كنص واحد، والنص المطلق واجب العمل بإطلاقه عند الانفراد، لأنه يمكن العمل بظاهره، لأن المطلق لا يتعرض للأوصاف المختلفة، إنما هو اسم للذات دون الصفات، فلا يحتاج إلى بيان, والنص المقيد كذلك - فيجب العمل بهما ما أمكن، بخلاف النص المجمل مع المبين (¬5)، لأن الجمل لا يمكن العمل بظاهره، فيجب حمله على المفسر، ويكون تفسيراً للأول. و (¬6) قوله (¬7) إن في العمل بهما إلغاء صفة القيد (¬8)، فليس كذلك: فإن قبل ورود المقيد يعمل بالمطلق (¬9) من حيث إنه مطلق، وبعد ورود ¬

_ (¬1) في أ: "والخبر". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والتواتر". (¬3) في هامش أ: "سمرقند". (¬4) كدا في ب. وفي الأصل و (أ): "صرف". (¬5) في هامش أ: "أي المفسر". (¬6) "و" من أ. (¬7) في هامش أ: "جواب عن قول الشافعي". (¬8) في (أ) و (ب): "القيد". (¬9) في ب: "المطلق".

المقيد يعمل بالمقيد من حيث إنه مقيد، وفيه فائدة، وهو أن يكون ذلك دليل الاستحباب والفضل، أو هو عزيمه، والمطلق رخصة، ونحو ذلك. ومتى أمكن العمل بهما جميعاً، واحتمال الفائدة قائم، لا يجعل النصان نصاً واحداً. ولأن فيما ذكرتم إلغاء صفة الإطلاق، فيجب (¬1) أن لا يقيد (¬2). وفي الموضع الذي حمل المطلق على المقيد إنما حمل لعدم الإمكان، بأن كان سبب الحكم واحداً والحكم واحداً، ولا يمكن إثبات حكم مطلق ومقيد بسبب واحد في زمان واحد، فيخرج (¬3) على البيان أو على التناسخ، على ما يعرف بعد هذا (¬4)، على اختلاف بين مشايخنا أن تقييد المطلق بيان أو نسخ (¬5). أما عند الإمكان فلا، وعند اختلاف السبب يمكن مع اتحاد الحكم، كما في قوله عليه السلام: "أدوا صدقة الفطر عن كل حر وعبد" وروي: "عن كل حر وعبد من المسلمين" (¬6)، لأن السبب في حق العبد المسلم هو رأس يمونه (¬7) بولايته عليه، وفي حق العبد (¬8) الكافر رأسه، وهما سببان، وإن كانا من جنس واحد، ولكن محل (¬9) الحكم مختلف، وهو العبد المسلم والكافر (¬10). أما في كفارة اليمين [فـ] السبب ¬

_ (¬1) الفاء من أ. (¬2) في هامش أكذا: "جواب". (¬3) في أ: "ويخرج". (¬4) و (¬5) "على ما يعرف بعد هذا" لم ترد في ب هنا، وإنما وردت بعد قوله: " .. تقييد المطلق بيان أو نسخ". (¬6) في بلوغ المرام رقم 503 ص 87: "عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين .. " (¬7) مانه موناً احتمل مؤونته وقام بكفايته فهو ممون. تقول: مان الرجل أهله كفاهم، ومنت الركب ومازلت أمونه أقدم له ما يحتاج من مؤونة، والمؤونة القوت أو ما يدخر منه، وكذلك مأن القوم مأناً احتمل مؤونتهم: قوتهم (المعجم الوسيط). (¬8) "العبد" من (أ) و (ب). (¬9) في ب كذا: "محمل". (¬10) "ولكن ... والكافر" من (أ) و (ب).

واحد، وهو اليمين عند الحنث، والحكم واحد وهو صوم ثلاثة أيام، فلا يمكن القول بوجوبه كل تتابعًا وغير متتابع في حالة واحدة، فحمل على المقيد، لأنه أعلى (¬1)، لكونه أكثر ثوابًا لزيادة مشقة فيه، ولأن في المقيد مطلقًا (¬2) وزيادة قيد، فيكون عملا بالدليلين، بقدر الممكن، ولا كلام فيه، إنما الكلام في موضع يمكن الجمع - والله أعلم. مسألة - القران في اللفظ (¬3): هل يوجب القران في الحكم؟ قال عامة أهل الأصول: لا يوجب. وقال بعض الفقهاء بأنه يوجب. وصورته أن حرف الواو متى دخل بين الجملتين التامتين، كل جملة مبتدأ وخبر، فالجملة (¬4) المعطوفة هل تشارك الجملة المعطوف عليها في الحكم المنوط بها؟ وأجمعوا أن المعطوف إذا كان ناقصًا، بأن لم يذكر فيه الخبر، فإنه يشارك المعطوف عليه في خبره، ويشاركه في حكمه، كقولك: "زينب طالق وعمرة" فإن قوله: "وعمرة" (¬5) يشارك زينب في وقوع الطلاق، لكونه (¬6) ناقصًا لا يفيد بنفسه دون المشاركة في خبر الأول. وعلى هذا الأصل، تعلق بعض الفقهاء في نفي وجوب الزكاة على الصبي، بقوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" (¬7): عطف الزكاة على ¬

_ (¬1) في هامش أ: "يعني لا على العكس لأن المقيد أعلى". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "مطلق". (¬3) في (أ) و (ب): "في النظم". (¬4) في أ: "فالجمل". (¬5) في ب: "فإن عمرة" فليس فيها: "قوله و". (¬6) في ب: "لكونها". (¬7) سورة البقرة: 43 و 83 و 110. والنساء: 77. والنور: 56. والمزمل: 20.

الصلاة (¬1)، فيجب (¬2) أن تشارك (¬3) الصلاة، ثم لا تجب الصلاة عليه (¬4)، فكذا (¬5) الزكاة، تحقيقًا (¬6) للمشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه. وشبهة هؤلاء أن الواو للعطف لغة، ولهذا تسمى (¬7) واو العطف عند أهل اللغة، ومقتضى العطف هو الشركة في الخبر - تقول: "جاءني زيد وعمرو" أي جاءآ، ولهذا إذا كان المعطوف متعريًا عن الخبر، فإنه يشارك الأول في خبره، فيجب القول بالشركة في الأصل، وإن كانا كلامين تامين إلا عند التعذر - ألا ترى أن من قال: "إن دخلت هذه الدار فامرأتي طالق وعبدي (¬8) حر": فإن الطلاق والعتاق يتعلقان بالدخول، وإن كان (¬9) قوله "وعبده حر" (¬10) كلامًا تامًا مفيدًا في نفسه (¬11). ولهذا قلتم في قوله تعالى: "والذين يرمون الحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا" (¬12)، فكل (¬13) واحد منهما (¬14) جملة تامة، ومع هذا عطف رد الشهادة على الجلد، وشاركه في كونه جزاء (¬15)، لما قلنا. ¬

_ (¬1) في أكذا: "على الصبي". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "يجب". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "يشارك". (¬4) "عليه" ليست في ب. (¬5) في ب: "وكذا". (¬6) في ب كذا: "تحفيفًا". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "سمي". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وعبده". (¬9) في هامش أ: "في كان ضمير الشان والجملة خبره". (¬10) لعل الأصح: "وعبدي حر". (¬11) في أكذا: "كلام تام مفيد في نفسه". وفي ب كذا: "كلام تام مقيد بنفسه". (¬12) سورة النور: 4. (¬13) في ب: "وكل". (¬14) في أ: "منها". (¬15) في ب كذا: "ويشاركه في كونه حدًا".

وجه قول عامة العلماء قوله تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار" (¬1) فالجملة الثانية وهي قوله تعالى: "والذين معه أشداء على الكفار" معطوفة (¬2) على الجملة الأولى، وهي قوله تعالى: "محمد رسول الله"، ولا يوجب الشركة في الرسالة، التي هي خبر الجملة الأولى - ولهذا نظائر كثيرة في القرآن. والمعقول في المسألة أن الأصل في كل كلام تام أن ينفرد (¬3) بحكمه، ولا يشارك الكلام الأول في حكمه، وإن كان كل معطوفًا عليه بحرف الواو، كقوله: "جاءني زيد وذهب عمرو" فقد (¬4) وجد ههنا عطف جملة تامة على جملة تامة من غير وجود الشركة، وهذا لأن في إثبات الشركة جعل الكلامين كلامًا واحدًا، وإنه خلاف الحقيقة، فلا يصار إليه إلا عند الضرورة، فمن ادعى الضرورة فعليه الدليل. وفي المعطوف الناقص ضرورة، حتى يصير مفيدًا (¬5)، فوجب القول بالشركة. وكذا الجملة الناقصة من حيث المعنى، بأن كان لا يحصل غرضه ومقصوده بها، كما في قوله: "إن دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر" فإن غرضه هو تعليق عتق العبد بدخول الدار لا التنجيز، فكان العطف عليه دليلا على أنه أراد به المشاركة للأول (¬6) في التعليق، فيصير الجملة ناقصة من حيث المعنى والغرض، حتى إنه إذا كان في موضع يحصل الغرض بدون المشاركة لا يتعلق، كما لو قال: "إن دخلت الدار فزينب طالق وعمرة طالق": ¬

_ (¬1) سورة الفتح: 29 - والآية: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ... ". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "معطوف". (¬3) في أ: "يتفرد". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وقد". (¬5) في ب كذا: "مقيدًا". (¬6) في أ: "مشاركة الأول".

فإن عمرة تطلق للحال، لأنه علم أن (¬1) ليس غرضه التعليق، لأنه كفاه قوله: "وعمرة"، فلما قرنه بالخبر (¬2) مقصودًا، وهو كلام تام، علم أن غرضه هو التنجيز دون التعليق، حتى لو قال: "إن دخلت الدار فزينب طالق ثلاثًا وعمرة طالق" يتعلق طلاق عمرة كما يتعلق طلاق زينب، لأنه لا يمكن التعليق بذلك الشرط، مع غرض وقوع الثلاث (¬3) في حق زينب ووقوع الواحدة في حق عمرة، إلا بذكر الخبر مفردًا في حق عمرة، إذ لو لم يذكر (¬4) الخبر، لوقع على عمرة ثلاثًا (¬5)، كما على زينب. وأما (¬6) في مسألتنا: إذا كان كل واحد من الكلامين تامًا في نفسه وفي حق الغرض، فأية (¬7) ضرورة في جعل الكلامين كلامًا واحدًا، وهو خلاف الحقيقة؟ وخرج الجواب عن قوله: إن واو العطف يقتضي الشركة، [إذ] لا نسلم بأن الشركة موجبه لغة، ولكن إنما يثبت الشركة بطريق الضرورة: يدل عليه أن حروف العطف تسعة، منها: لا و (¬8) بل ولكن وحرف لا (¬9)، وليس موجب هذه الحروف الشركة، بل قطع الشركة وتغيير (¬10) موجب الأول. ثم إن قلنا: إن واو العطف يقتضي الشركة في بعض الأحوال، لا على الإطلاق، لكن لا نسلم (¬11) - فما قولكم: إنها تقتضي الشركة إذا دخلت. (¬12) على الجملة الناقصة أو على الجملة الكاملة؟ (¬13) فإن قلتم في الجملة الناقصة، فمسلم. وإن قلتم في الجملة الكاملة، فهو (¬14) موضع النزاع. وفي المسألة إشكالات - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في أ: "أنه". (¬2) في ب: "فلما قرن به الخبر". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الثلاثة". (¬4) في ب: "يكن". (¬5) في أ: "ثلاث". (¬6) في ب: "فأما". (¬7) في ب كذا: "فإنه". (¬8) "و" من أ. (¬9) "وحرف لا" ليست في أ. (¬10) في ب كذا: "ويعتبر". (¬11) في (أ) و (ب): "في بعض الأحوال لكن لا نسلم على الإطلاق". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "دخل". (¬13) في ب كذا: "على الجملة الناقصة أم على الجملة الناقصة أم على الجملة الكاملة". (¬14) في ب: "وهو".

2 - القول في السنة

القول في السُّنة السنة أنواع ثلاثة: من حيث القول، ومن حيث الفعل، ومن حيث السكوت. (¬1) [1] أما من حيث القول فهو (¬2) إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى أنه كذا وكذا، بوحي غير متلو. وهو أنواع: كل أخبره جبريل (¬3) عليه السلام بشيء، لا على نظم (¬4) القرآن. أو أخبره ملك آخر. أو رآه في المنام. أو بطريق الإلهام. وكذا إخباره عن الله تعالى أنه (¬5) يأمر وينهي بهذا الطريق. وكل ذلك حجة، لأنه ثبت أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيكون خبره صدقًا، لكونه كل معصومًا عن الكذب والغلط والخطأ في تبليغ الشرائع، فيكون ذلك (¬6) مثل الكتاب، ولكن إنما يبلغ إلينا سنته بخبر الرواة. ¬

_ (¬1) راجع فيما تقدم في تقسيم البحث ص 76. وفي الكلام على "الكتاب" ص 77 - 418. (¬2) في ب: "وهو". وانظر الهامش التالي. (¬3) كذا في (أ) و (ب). مع ملاحظة ما في الهامش السابق. وفي الأصل: "أما من حيث القول فأنواع: وهو الإخبار عن الله تعالى أنه كذا وكذا، بوحي غير متلو: أعني أخبره جبريل ... ". (¬4) في ب كذا: "لا علم نظم". (¬5) "إخباره عن الله تعالى أنه" من ب. (¬6) "فيكون ذلك" من (أ) و (ب).

فيحتاج إلى: تفسير الخبر لغة، وبيان حده عند أهل الأصول، وإلى صفة الخبر، وإلى أقسام الخبر. أما تفسير الخبر لغة: فهو (¬1) اسم لكلام مخصوص، بصيغة مخصوصة، يتعلق (¬2) به العلم بالمخبر به - بخلاف الإشارة والدلالة، لأنه ليس بكلام، وإن كان يحصل به العلم. و (¬3) بخلاف الأمر والنهي والاستخبار (¬4)، لأنه لم يوجد صيغة الخبر. وأما حد الخبر عند أهل الأصول: قال بعضهم: ما يحتمل الصدق والكذب. وقيل: ما يدخله الصدق والكذب. وهذان الحدان فاسدان لعدم الاطراد: فإن خبر الله تعالى وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخبر الأمة بأسرهم لا يحتمل الكذب ولا يدخله الكذب، وإنه (¬5) خبر حقيقة. وينتقص الحد أيضًا بالكذب: فإنه خبر، ولا يحتمل الكذب (¬6) ولا يدخله (¬7). وكذا ينتقض بالصدق أيضًا (¬8). ¬

_ (¬1) في ب: "وهو". (¬2) في أ: "تعلق". (¬3) "و" ليست في ب. (¬4) تقدم الكلام في الإشارة والدلالة (ص 397 وما بعدها) والأمر (ص 80 وما بعدها) والنهي (ص 223 وما بعدها) والخبر (ص 249 وما بعدها) والاستخبار (ص 79). (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فإنه". (¬6) في أ: "الصدق". (¬7) "ولا يدخله" ليست في ب. (¬8) "وكذا ينتقض بالصدق أيضًا" من ب.

وقال بعضهم: هو كلام تعرى عن كل معنى التكليف. وهذا حد صحيح، لما ذكرنا أن الكلام كله تعريف وتكليف والتكليف (¬1) هو الأمر والنهي. والتعريف هو الخبر والاستخبار والنداء والتمني، وفي ذلك كله معنى الخبر. وقال بعضهم: حد الخبر كلام يفيد (¬2) بنفسه إضافة مذكور إلى مذكور، فإن قولك (¬3): "جاءني زيد" كلام (¬4) هو إضافة المجيء إلى زيد، وهما مذكوران. ويقال: "هذا فعل حسن وهذا فعل قبيح" وهو (¬5) إضافة مذكور إلى مذكور. ويقال: "يوم القيامة" وهو (¬6) إضافة اليوم إلى القيامة. وإنما قلنا "مذكور" ولم نقل "إضافة شيء إلى شيء"، لأن المعدوم ليس بشيء فيصح (¬7) الخبر عنه، كما ذكرنا في (¬8) "يوم القيامة"- قال الله تعالى: "وكل أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب" (¬9) ولا يلزم الأمر والنهي، فإنه كلام يفيد إضافة مذكور إلى مذكور، وهو كون المأمور به حسنًا وواجبًا ومندوبًا إليه، وليسا من باب الخبر، لأنا قلنا: كلام يفيد (¬10) بنفسه إضافة مذكور إلى مذكور، وثمة قوله "افعل": كلام (¬11) لا يفيد بنفسه كون المأمور به حسنًا وواجبًا، وإنما يعرف ذلك بمقتضى حكمة الآمر - على ما ذكرنا. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "فالتكليف". (¬2) في ب كذا: "قيد". (¬3) في النسخ كلها: "فإن قولك". (¬4) "كلام" لبست في ب. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فهو". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "فهو". وليست في ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ويصح". (¬8) "في" من ب. (¬9) سورة النحل: 77. (¬10) في ب كذا: "لقيد". (¬11) "كلام" ليست في أ.

وأما بيان صفة الخبر - فنقول: الخبر في حق الوصف ينقسم إلى قسمين: صدق، وكذب. فالصدق (¬1) هو التكلم عن المخبر (¬2) على ما هو به. والكذب (¬3) هو التكلم عن المخبر (¬4) لا على ما هو به. وقال الجاحظ (¬5) من المعتزلة: إن الخبر قد يكون لا صدقًا ولا كذبًا. وهو فاسد - عرف في مساؤل الكلام وفي الشرح. وأما أقسام الخبر: فهو (¬6) أقسام ثلاثة: الخبر المتواتر، والخبر المشهور، وخبر الواحد. فنذكر: تفسيرها لغة، وفي عرف الفقهاء، وشرائطها، وأحكامها. أما الخبر المتواتر - فنقول: في اللغة: المتواتر (¬7) مشتق من التواتر والاتصال - يقال: "تواترت كتب فلان إلي" (¬8) أي اتصلت وتتابعت. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فالخبر الصدق". (¬2) في ب: "بالمخبر". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والخبر الكذب". (¬4) في ب: "بالمخبر". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "جاحظ". والجاحظ هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. كان بحرًا من بحور العلم، رأسًا في الكلام والاعتزال. عاش تسعين سنة أو يزيد. أخذ عن القاضي أبي يوسف وعن ثمامة بن أشرس وعن أبي إسحاق النظام. وصنف التصانيف الجياد. مات سنة 250 هـ أو 255 (ابن خلكان). ويسمى مذهبه "الجاحظية" (انظر الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 75 - 76. والبغدادي، الفرق بين الفرق، ص 175 وما بعدها). (¬6) في ب: "وهو". (¬7) في ب: "المتواتر في اللغة". (¬8) "إلي" من أ.

وأما حده عند الفقهاء: فهو مأخوذ من معناه لغة، وهو الخبر المتصل بنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعًا ويقينًا، بحيث لم يتوهم فيه (¬1) شبهة الانقطاع. وأما شرط المتواتر فشيئان: أحدهما - أن يروي قوم عن قوم لا يتصور (¬2) تواطؤهم على الكذب عادة، لكثرتهم ابتداء وانتهاء وفيما بينهما، بأن يكون أوله كآخره وآخره كأوله وأوسطه كطرفيه. والثاني - أن يكون المخبر به أمرًا محسوسًا: إما حس البصر أو حس السمع. أما إذا كان أمرًا معقولا أو مظنونًا، فإن التواتر فيه (¬3) لا يوجب العلم يقينًا، فإن الكفرة قالوا لي طريق التواتر: إن الله تعالى ثالث ثلاثة، وإن له شريكًا، وإنه كذب محض. وأما حكم الخبر (¬4) المتواتر: مسألة - قال عامة الفقهاء والمتكلمين: إنه يوجب العلم قطعًا بنفسه، من غير قرينة. وقال النظام (¬5) من المعتزلة: إنه لا يوجب العلم بنفسه ولكن بقرينة. وكذا قال في خبر الواحد: إنه قد يوجب العلم قطعًا بقرينة، كواحد أخبر أن فلانًا مات وازدحم الناس على بابه ويسمع صوت البكاء ويحضر الجنازة: فإن خبره يوجب العلم قطعًا بهذه القرائن، وإن كان خبر واحد. ¬

_ (¬1) "فيه" من (أ) و (ب). (¬2) في أ: "لا يتوهم". (¬3) "فيه" ليست في ب .. (¬4) "الخبر" ليست في أ. (¬5) راجع ترجمته في الهامش 8 ص 286.

ثم اختلف القائلون أبـ ن المتواتر (¬1) يوجب العلم قطعًا، فيما بينهم: قال عامتهم: بأنه يوجب علمًا ضروريًا. وقال الكعبي بأنه (¬2) يوجب علمًا استدلاليًا. وهو قول بعض المتأخرين من المعتزلة. وجه قول النظام: إن خبر اليهود نقل بطريق التواتر، على (¬3) أن عيسى قتل صلبًا، وخبر المجوس نقل بطريق التواتر (¬4) أن زرادشت (¬5) أدخل قوائم فرسه في بطنه وبقي معلقًا في الهواء. وإنه لا يوجب العلم وثبت كذبه بدليل قطعي. - و (¬6) أما المعقول: وهو (¬7) أن الخبر المتواتر ليس إلا أخبار آحاد اجتمعت، وخبر كل واحد بانفراده محتمل في نفسه، ولا يوجب العلم، فعند الاجتماع لا يزول الاحتمال على ما نذكر تقريره (¬8) في فصل الإجماع. وجه قول العامة: هو (¬9) أن العلم بوجود البلدان النائية والملوك الماضية ثابت بطريق التواتر من غي عيان ومشاهدة، كالعلم بوجود مكة وبغداد، ¬

_ (¬1) في أ: "التواتر". (¬2) في أ: "إنه". وقد تقدمت ترجمة الكعبي في الهامش 1 ص 160. وراجع في العلم الضروري والاستدلالي فيما تقدم ص 8 - 10. (¬3) "على" ليست في ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بالتواتر". (¬5) في الشهرستاني، الملل والنحل (1: 236 وما بعدها) زردشت والزردشتية. وهم طائفة من المجوس. راجع مذهبه في الموضع المتقدم ببيانه. (¬6) "و" ليست في ب. (¬7) "وهو" من ب. (¬8) في ب: "تقديره". (¬9) في النسخ جميعًا: "وهو".

والعلم بوجود هارون الرشيد ومحمود بن سبكتكين (¬1) ونحو ذلك، على وجه لو أراد أحد أن يشكك (¬2) نفسه في ذلك لا يتشكك (¬3). وكذا العلم للأولاد بالآباء والأمهات (¬4) ثابت قطعًا، بالخبر المتواتر، لا طريق لهم سواه. - ونوع من العقول يدل عليه، وهو أن الخبر المتواتر (¬5) إما أن يكون صدقًا أو كذبًا: • فإن كان صدقًا، فهو (¬6) ما قلنا. • وإن كان كذبًا، فهو (¬7) محال: فيجب القول بالصدق ضرورة، إذ لا واسطة بين الصدق والكذب، فإذا انتفى الكذب، يجب الصدق ضرورة. وبيان ذلك أنه لا يخلو: إما أن يقع الكذب في الخبر المتواتر اتفاقًا، أو للتدين (¬8)، أو لداع دعاهم إليه، أو لوجود المواضعة منهم (¬9) على ذلك. • والأول فاسد: فإن وجود الكذب اتفاقًا من جماعة خرجوا عن حد الإحصاء لا يتصور عادة، كما لا يتصور أن يجتمعوا على مأكل واحد ومشرب واحد في زمان واحد اتفاقًا. • والثاني فاسد أيضًا: لأن اجتماع مثل هذه الجماعة على الكذب تدينًا مع كون العقل صارفًا (¬10) عنه، وداعيًا إلى الصدق، وانعدام دعوة الطبع ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 281. (¬2) في ب كذا: "لو أراد أحداث يشكك .. ". (¬3) العبارة في أكذا: "لو أراد أن يشكل فيه نفسه لا يتشكل". (¬4) في أ: "للأولاد بالأمهات" ولم يذكر "بالآباء". (¬5) في ب: "خبر المتواتر". (¬6) في ب: "وهو". (¬7) في ب: "وهو". (¬8) في ب: "للتدبر". (¬9) في ب: "معهم". (¬10) في ب كذا: "صادقًا".

والهوى إليه، لعدم اللذة والراحة في نفس الكذب - أمر (¬1) غير متصور عادة. • والثالث فاسد: فإن الداعي إلى الكذب والحامل عليه إما الرغبة أو الرهبة، فإنه يحتمل أن المرء لرغبته إلى الجاه أو (¬2) المال وأنواع النفع يقدم على الكذب، أو لخوف (¬3) الأضرار على نفسه وماله وأهله بالامتناع عنه ممن يأمره بذلك. وهذا الداعي مما (¬4) لا يتصور شموله (¬5) في الجماعة التي لا يحصى عددهم، لاستغناء البعض عن حشمة (¬6) الآمر (¬7) بالكذب، وجاهه وماله لكمال جاهه وكثرة أمواله. وكذا احتمال خوف الضرر معدوم، في حق البعض، لكمال قوته بنفسه وأتباعه، نحو السلاطين والأمراء والرؤساء ونحوهم (¬8). • والرابع فاسد: وهو المواضعة على اختراع الكذب، لغرض لهم في الجملة، فإن ذلك لا يتصور عادة من جماعة لا يحصى عددهم، وتفرقت أمكنتهم، واختلفت هممهم. وإذا انتفى الكذب بهذه الطرق (¬9)، ثبت الصدق ضرورة. - وأما أخبار اليهود على (¬10) قتل عيسى وصلبه: إن كان في حد (¬11) التواتر ظاهرًا، لوقوع حسهم عليه ظاهرًا، لكن قد ثبت بدليل قطعي عندنا (¬12) أن ¬

_ (¬1) كذا في أ: "أمر". وفى الأصل و (ب): "فأمر". (¬2) الهمزة من ب. (¬3) في ب: "لحوق". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ما". (¬5) في ب: "وشموله". (¬6) في ب: "حسم" (بدون نقط السين). وحشم فلان حشومًا انقبض واستحيا، وحشم فلانًا حشمًا آذاه وأسمعه ما يكره. وأخجله وأغضبه. وحشم حشمًا خجل وغضب. والحشمة الحياء والمسلك الوسط المحمود (المعجم الوسيط). (¬7) في ب: "الأمر". (¬8) في ب: "وغيرهم". (¬9) في أ: "بهذا الطريق". (¬10) في ب: "عن". (¬11) في ب: "في هذا". (¬12) "عندنا" ليست في ب.

عيسى ما قتل وما (¬1) صلب، ولكن قتل مثله وشبيهه صورة (¬2) - قال الله تعالى: "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" (¬3)، وإلقاء شبه الإنسان على مثله (¬4) جائز، على نقض (¬5) العادة، كرامة للنبي عيله السلام وصيانة له عن استذلال (¬6) الكفرة، في وقت لا يتوهمِ أن يؤمن أحد به في تلك الحالة، فكان إخبارهم بطريق التواتر موجبًا علمًا قطعيًا (¬7) على قتل مثل عيسى وشبيهه (¬8)، وإن كان في ظنهم أنه عيسى، باعتبار ظاهر العادة، ولا كلام في حال نقض (¬9) العادة، إنما الكلام على استقرار العادة - والله أعلم. - وأما خبر المجوس، في دعواهم ظهور المعجزات ونقض والعادة على يدي زرادشت اللعين، فليس في حد التواتر (¬10)، فإنه روي أنه فعل ذلك بين يدي الملك وخاصته، ونشروا ذلك بين يدي العامة تزويرًا (¬11)، لغرض لهم في ذلك، وهو أمر معتاد فيما بين الملوك والرعية، لاستقامة أمر الملك. ثم وجه قول من قال إنه يفيد علمًا استدلاليًا - أن ما ذكرنا من الحجة في كون الخبر المتواتر موجبًا علمًا قطعيًا نوع استدلال، فإن (¬12) ¬

_ (¬1) "ما" ليست في ب. (¬2) في هامش أ: "جواب عن قول النظام". (¬3) سورة النساء: 157: "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ... ". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "جنسه". (¬5) "نقض" ليست في ب. ونقض الشيء نقضًا أفسده بعد إحكامه. يقال: نقض البناء هدمه (المعجم الوسيط). (¬6) في ب كذا: "استدلال" بالدال لا بالذال. (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "قطعًا". (¬8) في أ: "وشبهه". (¬9) في ب كذا: "نقص" بدون نقط الصاد. (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "المتواتر". وفي هامش أ: "جواب أيضًا". (¬11) في ب كذا: "ـروه ا"؟ (¬12) في ب: "وإن".

الاستدلال ليس إلا ترتيب المقدمات الصادقة بعضها على بعض، وهذا الحد موجود في هذا النوع من الاستدلال. وجه قول العامة (¬1) ما ذكرنا من حصول العلم بالملوك الماضية والبلدان النائية من غير استدلال وصنع من جهة العالم به، وهو حد العلم الضروري. وإنما اشتغل (¬2) بعض أصحابنا، بما ذكرنا، من نوع الاستدلال (¬3)، للإلزام على من ينكر الضرورة تعنتًا ومكابرة، وهو يعتقد العلي الاستدلالي، فتقوم عليه الحجة - والله أعلم. وأما الخبر المشهور [فـ] سمي به، لغة لاشتهاره واستفاضته، فيما بين النقلة وأهل العلم. وأما في عرف الفقهاء والمتكلمين - فهو اسم لخبر كان من الآحاد في الابتداء، ثم اشتهر فيما بين العلماء في العصر الثاني، حتى رواه جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب. وقيل في حده: ما تلقته العلماء بالقبول. وأما شرائطه - فما ذكرنا في المتواتر (¬4)، إلا أن كثرة الرواة في الابتداء ليس بشرط. وأما حكم المشهور: مسألة - اختلف مشايخنا فيه، ولا رواية عن أصحابنا. ¬

_ (¬1) في هامش أ "بأن المتواتر يوجب علمًا ضروريًا". وراجع في العلم الضروري والاستدلالي فيما تقدم ص 8 - 10. (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "استعمل". وفي ب: "استغل". وفي البخاري على البزدوي (2: 367): "اشتغل" وقد نقل العبارة كلها عن "الميزان" (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "من الاستدلال". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "التواتر".

قال بعضهم: إنه يوجب علم طمأنينة لا علم يقين. وهو اختيار الشيخ القاضي الإمام (¬1) أبي زيد رحمه الله. وقال عامة مشايخنا رحمهم الله: إنه يوجب علمًا قطعيًا. ووجه قول الفريق الأول: أن نسخ الكتاب لا يجوز بالخبر المشهور، ولو كان موجبًا علمًا قطعيًا لجاز، كما في الخبر (¬2) المتواتر. وكذا لا يكفر جاحده، ولو كان موجبًا علمًا قطعيًا لكان يكفر جاحده (¬3) كما في المتواتر. ولا يلزم أن (¬4) الزيادة على النص نسخ عندكم. وهي جائزة بالمشهور، لأنا لا نسلم أن الزيادة على النص نسخ من كل وجه بل هي نسخ (¬5) من وجه دون وجه على كل ما نذكر في فصل النسخ. والخبر (¬6) المشهور بين المتواتر وخبر الواحد، وهو فوق خبر الواحد ودون المتواتر، فجاز به النسخ من وجه، دون الفسخ من كل وجه، عملا بقدر الدليل. ووجه قول العامة ما ذكرنا: أن الخبر المشهور ما تلقته العلماء بالقبول، فوجد (¬7) إجماع أهل (¬8) العصر على قبوله، فيكون حكمه حكم الإجماع، وذا موجب للعلم (¬9) قطعًا - فكذا (¬10) هذا. - قولهم بأنه (¬11) لا يجوز به نسخ الكتاب فممنوع. ¬

_ (¬1) "الإمام" ليست في ب. راجع ترجمته فيما تقدم في الهامش 7 ص 75. (¬2) "الخبر" ليست في أ. (¬3) "ولو كان ... جاحده" من (أ) و (ب). (¬4) "أن" من (أ) و (ب). (¬5) "عندكم. وهي جائزة ... بل هي نسخ" ليست في ب ففيها: " ... الزيادة على النص نسخ من وجه دون وجه ... ". (¬6) في ب: "فالخبر". (¬7) في أ: "ووجد". (¬8) "أهل" ليست في أ. (¬9) كذا في (أ) و (ب) وفي الأصل: "العلم". (¬10) في ب: "وكذا". (¬11) في أ: "إنه".

- قولهم بأنه لا يكفر جاحده، فنقول: بعض مشايخنا قالوا بأنه يكفر جاحده. وروي عن عيسى بن أبان (¬1) رحمه الله بأنه يضلل جاحده، ولا يكفر (¬2). وهو الصحيح بخلاف المتواتر. ووجه الفرق بينهما أن في إنكار المتواتر تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن المتواتر بخروج روايته عن حد (¬3) العد والإحصار (¬4) ابتداء وانتهاء، بمنزلة المسموع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفر. فأما (¬5) إنكار المشهور، [فـ] ليس بتكذيب (¬6) الرسول (¬7) - صلى الله عليه وسلم -، لأنه لم يسمع من الرسول عدد لا يتصور تواطؤهم على (¬8) الكذب، وإنما هو خبر واحد قبله العلماء في الحصر الثاني، فيكون إنكاره تخطئة لهم عن (¬9) القبول، واتهامًا لهم عن أن يتأملوا في كونه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - غاية التأمل، وتخطئة جماعة (¬10) العلماء ليس (¬11) بكفر، ولكنه (¬12) بدعة وضلالة (¬13). فهذا (¬14) هو الفرق بينهما - والله أعلم. ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته في الهامش 5 ص 113. (¬2) زاد هنا في أ: "جاحده". (¬3) "حد" من (أ) و (ب). (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "والإحصاء" وفي ب كذا: "الإحصا". وفي المعجم الوسيط: حصر الشيء أحصاه. وفي البخاري على البزدوي (2: 369): " .. باعتبار أن رواته في الأصل لم يبلغوا حد التواتر". (¬5) في ب: "وأما". (¬6) في ب: "تكذيب". (¬7) في أ: "للرسول". (¬8) في ب: "عليه على". (¬9) في أ: "في". (¬10) "جماعة" ليست في ب. (¬11) في أ: "ليست". (¬12) في أ: "ولكنها". (¬13) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ضلال". (¬14) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "و".

فصل - وأما خبر الواحد فهو في اللغة مأخوذ من اسمه. وهو خبر رواه واحد عن واحد. وفي عرف الفقهاء صار عبارة عن خبر لم يدخل في حد الاشتهار، ولم يقع الإجماع على قبوله، وإن كان الراوي اثنين أو ثلاثة أو عشرة. وأما شرائطه فكثيرة: بعضها (¬1) في الراوي (¬2)، وبعضها في نفس الخبر، وبعضها في شيء آخر. ثم بعض الشرائط متفق عليه، وبعضها مختلف فيه. أما (¬3) التي في الراوي: [فـ] الإسلام، والعقل، والعدالة، والضبط شرط بالاتفاق. أما العقل - فلأنه لا صحة للكلام بدون العقل, لأن غالب كلام غير العاقل الهذيان. وأما الإسلام - فلأن الكلام في الخبر عن أمور الدين، وقصد الكفرة وسعيهم في نقض دين الحق وتوهينه، فاتهموا فيما يرجع إليه، لاحتمال مكر وخداع في الباطن. فأما نفس الكفر فمما (¬4) لا يدعو إلى الكذب ولا يمنع وجود الصدق. وأما الضبط - فنعني به (¬5) أن يسمع الحديث على وجهه ثم يحفظه حق ¬

_ (¬1) في أ: "فبعضها". (¬2) "اثنين أو ثلاثة ... بعضها في الراوي" ليست في ب. (¬3) في ب: "وأما". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مما". (¬5) "به" ليست في ب.

حفظه ثم يرويه كما سمع، ولا يكون السهو والنسيان والغفلة غالبًا عليه، حتى يترجح (¬1) جانب الثبوت على العدم. وأما البلوغ - هل هو شرط؟ لا خلاف أنه (¬2) ليس بشرط التحمل، فإنه إذا كان الصبي عاقلا ضابطًا يصح منه التحمل -كما في تحمل الشهادة. وهل يقبل رواية الصبي؟ قال بعضهم: تقبل، لأن خبره مقبول في المعاملات وفي الديانات [و] يحكم (¬3) الرأي فيه، كما في طهارة الماء ونجاسته - فكذا هذا. وقال بعضهم: يشترط البلوغ، لأن غالب حاله اللهو واللعب والمسامحة والمساهلة، وربما (¬4) لا يحتاط في ذلك الباب. وأما العدالة - فشرط، لأن من ارتكب محظورًا ولا (¬5) يبالي، فيحتمل أن يكذب لغرض له في ذلك، أو يحمله عليه مبتدع بالمال والجاه، فيروي ما هو مناقضة (¬6) في الدين، فكان (¬7) الاحتياط هو المنع. فأما (¬8) رواية أهل الأهواء والبدع (¬9): ¬

_ (¬1) في ب: "يرجح". (¬2) في أ: "لا خلاف فيه أنه". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل: "بحكم". وفي ب كذا: "يحكم" بدون نقط. وفي البخاري على البزدوي (2: 395): "لأن خبره في المعاملات والديانات مقبول مع تحكيم الرأي - فكذا هذا". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فربما". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل "فلا". (¬6) المناقضة لغة إبطال أحد القولين بالآخر. واصطلاحًا هي منع مقدمة معينة من مقدمات الدليل. وشرط في المناقضة أن لا تكون المقدمة من الأوليات ولا من المسلمات ولم يجز منعها. وأما إذا كانت من التجريبيات والحدسيات والمتواترات، فيجوز منعها، لأنه ليس بحجة على الغير (الجرجاني، التعريفات). (¬7) في ب: "وكان". (¬8) في (أ) و (ب): "وأما". (¬9) في هامش أ: "الخارجية والرافضية والجبرية والقدرية والمشبهة والمعطلة".

[فـ] بعضهم قالوا: لا تقبل، لأن الفسق من حيت الاعتقاد شر من فسق التعاطي، ثم الفسق من حيث التعاطي مانع - فكذا هذا. وقال بعضهم: تقبل، لأن في زعمهم أنهم (¬1) على الحق، ومن باشر شيئًا هو (¬2) حق عنده، وإن كان فسقًا وباطلا عند غيره، لا يدل على أنه يباشر الكذب. وقال بعضهم: هذا إن كان هوى لا يكفر به، أما إذا كان هوى يكفر به [فـ] يمنع، لأن الكفر مانع بالإجماع. وأما كل ما يرجع إلى الخبر: [فمنها] (¬3) أن يكون موافقًا للدليل العقلي، حتى إذا كان مخالفًا لا يقبل، كالأخبار التي وردت في التشبيه، ونحو ذلك، لأن العقل حجة من حجج الله تعالى، وإنه حكيم عالم، فلا يجوز أن تتناقض حججه. والدليل السمعي يحتمل المجاز والإضمار والكناية ونحوها، فيجب تخزيج الأخبار على موافقة العقل على ما مر. ومنها - أن يكون موافقًا لكتاب الله تعالى وللسنة (¬4) المتواترة وللإجماع (¬5). فأما إذا خالف واحدًا من هذه الأصول القاطعة، فإنه يجب رده أو تأويله على وجه يجمع بينهما، لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله تعالى فاقبلوه، وما خالف كتاب الله تعالى فردوه" (¬6). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب): "أنهم". وفي الأصل: "أنه". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فهو". (¬3) في النسخ جميعًا: "وهو". انظر بقية الشروط فيما يلي. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والسنة". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والإجماع". (¬6) انظر السرخي، الأصول، 1: 365 ففيه: "وقال عليه السلام: تكثر الأحاديث لكم بعدي. فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه واعلموا أنه مني، وما خالفه فردوه واعلموا أني منه بريء".

ولأن خبر (¬1) الواحد يحتمل الصدق والكذب، والسهو والغلط، والكتاب دليل قاطع، فلا يقبل المحتمل بمعارضة القاطع، بل يخرج على موافقته بنوع تأويل. ومنها - أن يرد الخبر في باب العمل. فأما (¬2) إذا ورد في باب (¬3) الاعتقادات (¬4)، وهي من (¬5) مسائل الكلام، فإنه لا يكون حجة، لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي، لا علمًا قطعيًا، فلا يكون حجة فيما يبتني (¬6) على العلم القطعي، والاعتقاد حقيقة. ومنها - إذا ورد (¬7) في حادثة تعم بها (¬8) البلوى، فإنه لا يقبل، لأن الحادثة إذا كانت مما (¬9) يشتهر لشدة الحاجة، لو كان الحديث صحيحًا لاشتهر لاشتهار (¬10) الحادثة، فلما روي بطريق الآحاد علم أنه غير ثابت ظاهرًا، وذلك نحو حديثِ الوضوء بمس الذكر (¬11)، والاغتسمال بحمل الجنازة (¬12)، والوضوء بأكل ما مسته النار (¬13) ونحوها. ¬

_ (¬1) في أ "الخبر". (¬2) في ب: "وأما". (¬3) "باب" من (أ) و (ب). (¬4) في أ: "الاعتقاد". (¬5) "من" من أ. (¬6) في ب: "يبنى". (¬7) ابتداء من هنا يوجد نقص في الأصل بمقدار ورقة (انظر فيما بعد الهامش 5 ص 438). وقد جعلنا الأصل هنا النسخة "أ". (¬8) "بها" من ب. (¬9) "مما" من ب. (¬10) في ب: "اشتهار". (¬11) انظر ابن حجر، بلوغ المرام، رقم 66 و 67 ص 12. (¬12) انظر ابن ججر، المرجع السابق، رقم 70 ص 12. (¬13) انظر المرجع السابق رقم 69 ص 12.

والشافعي رحمه الله خالف في هذا الشرط، وهو خلاف العقل والعادة. مسألة - الإسناد هل هو شرط لقبول خبر الواحد أم لا؟ قال علماؤنا رحمهم الله: إنه ليس بشرط, والإرسال ليس بمانع. وقال الشافعي رحمه الله بأنه شرط، والإرسال مانع (¬1)، إلا ما ثبت إسناده من وجه آخر. ولهذا قال: أقبل مراسيل سعيد بن المسيب فإني تتبعتها فوجدتها مسانيد. وقال عيسى بن أبان: الراوي (¬2) إن كان صحابيًا أو تابعيًا أو من تبع التابعين أو كان حافظًا معروفًا في كل عصر، يقبل، وإلا فلا. وجه قول من أنكر قبول المرسل (¬3) هو (¬4): أنا أجمعنا (¬5) أن من روى حديثًا عن رجل سماه ولم يقل "هو عدل عندي": لا يقبل، مع أن السامع عرف عينه، لما لم تعرف عدالته - فإذا أرسل الحديث والسامع لم يعرف عين الخبر عنه ولم يعرف عدالته أولى أن لا يقبل. وهذا لأن السامع إما أن يعرف عدالة المرسل عنه بوجود التعديل من المرسل (¬6) صريحًا، أو دلالة: - ولم يوجد التصريح فإنه لو قال: هو عدل عندي، يقبل. - ولا يجوز القول بأنه يوجد دلالة: على معنى أن العدل لا يرسل إلا عن عدل، فإنه ليس كذلك في الأحوال كلها، فإن كثيرًا من الثقات قد ¬

_ (¬1) "والإرسال مانع" من ب. (¬2) "الراوي" ليست في ب. (¬3) في ب: "المراسيل". (¬4) في النسختين (أ) و (ب): "وهو". (¬5) كذا في ب. وفي أ: "جمعنا". (¬6) "عنه بوجود التعديل من المرسل" ليست في ب.

رووا، وأرسلوا، عمن ليس بثقة. وعلى أن العدل إن كان لا يروي إلا عن عدل، ولكن عمن هو عدل عنده، وقد يكون الإنسان عدلا عند إنسان ولا يكون عدلا عند غيره، لأن أسباب العدالة ظاهرة، والجرح مما يخفى، فيقف عليه البعض دون البعض، والناس في الغالب (¬1) يبنون الأمور على الظاهر، فكان جائزًا أن الذي أرسل عنه ثقة عند المرسل ولا يكون ثقة عند غيره، فلابد من تسميته بالإسناد حتى يتعرف السامع عن حاله بنفسه. وجه قول أصحابنا رحمهم الله: - ما روي عن البراء بن عازب (¬2) رضي الله عنه أنه قال: "ليس كل ما حدثناكم به عن النبي عليه السلام سمعناه منه، غير أنا لا نكذب". - وكذا الإرسال من الصحابة والتابعين معروف (¬3) مشهور، ولم ينكر عليهم أحد (¬4)، فيكون بمنزلة الإجماع. - والمعنى في المسألة هو (¬5) أن إرسال المرسل العدل يجري مجرى إسناده، إلى من أرسل عنه وتعديله إياه، كأنه قال: "حدثني فلان (¬6) وهو عدل عندي" ولو قال هكذا يقبل حديثه، فكذا (¬7) إذا صار المرسل في التقدير هكذا: وجب أن يقبل. وبيانه أن المرسل إذا كان عدلا لا يستجيز من ¬

_ (¬1) "في الغالب" ليست في ب. (¬2) البراء بن عازب بن الحارث أنصاري أوسي. له ولأبيه صحبة. استصغره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وابن عمر يوم بدر فردهما ولم يشهداها. وغزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة غزوة وفي رواية خمس عشرة. وقيل: إنه الذي افتتح الري سنة 24. وشهد مع علي الجمل وصفين وقتال الخوارج ونزل الكوفة ومات في إمارة مصعب بن الزبير وأرخه ابن حبان سنة 72 (ابن حجر، الإصابة، 1: 142. وانظر الزركلى، الأعلام، 2: 46). (¬3) "معروف" ليست في ب. (¬4) "أحد" ليست في ب. (¬5) في أ: "وهو". (¬6) في ب كذا: "فلا" مع نقص النون. (¬7) في ب: "وكذا".

نفسه (¬1) أن يروي عن النهي عليه السلام ويقول: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا" - وإنه يتضمن إلزام حكم شرعي على من بلغه إليه مرسلا، من إيجاب عبادة أو إسقاطها، أو إثبات حل أو حرمة - إلا وله (¬2) علم بذلك حقيقة، بطريق السماع عن النبي عليه السلام، أو بالتواتر عنه، أو بطريق الاشتهار، أو له علم من حيث غالب الرأي والظن، بأن سمع ممن يثق بقوله وثبت عنده عدالته، فلا (¬3) يظن بالعدل في الرواية مرسلا إلا ما ذكرنا، فكان هذا (¬4) إخبارًا منه دلالة "أني سمعته ممن هو عدل عندي"، ولو صرح بهذا فإنه يقبل حديثه، فكذا إذا ثبت من حيث الدلالة. وهذا لأنه لا خلاف بيننا وبين الشافعي أن التعديل صحيح من المعدل، من غير بيان سبب العدالة، وإن اختلفنا في الجرح: فعند الشافعي لا يصير مجروحًا ما لم يذكر سبب الجرح. وعندنا يثبت الجرح وإن لم يذكر سبب الجرح بل يجب أن لا يذكر سبب الجرح (¬5)، ولكن يقول: هو مستور، أو ما يعرف به أنه ليس بعدل - فصح ما ذكرناه. - قولهم: إن العدل قد يرسل عن (¬6) غير عدل - فإنا (¬7) نقول: أيش (¬8) تعني بهذا: أنه يرسل عن غير عدل حقيقة وهو عدل عنده، أو عن غير عدل عنده. فإن قلت: إنه يرسل عن (¬9) غير عدل عنده، ¬

_ (¬1) "من نفسه" من ب. (¬2) في ب كذا: "لا وإنه". (¬3) في ب: "ولا". (¬4) في ب: "هو". (¬5) "وعندنا يثبت الجرح ... سبب الجرح" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي أ: "من". (¬7) غير ظاهرة في ب لأن الورقة مقطوعة. (¬8) أيش منحوت من "أي شيء" وبمعناه، وقد تكلمت به العرب (المعجم الوسيط). (¬9) كذا في ب. وفي أ: "من".

فليس كذلك، ومن فعل وهو (¬1) ليس بعدل فلا يقبل إرساله. وإن قلت: إنه قد يرسل عمن ليس بعدل حقيقة، وهو عدل عنده، فهذا قد يكون، ولكن هذا لا يقدح في عدالة المرسل، لأنه إذا كان عدلا عنده من حيث غالب الظن، فاحتمال خلاف (¬2) الظاهر لا يعارض الظاهر، ألا ترى أن المزكي للشهود إذا كان عدلا، فلا يزكي إلا لمن يعتقد عدالته من حيث الغالب، وإن جاز أن لا يكون ذلك عدلا حقيقة - فكذلك (¬3) هذا. - قولهم: إن الإنسان قد يكون عدلا عند إنسان ولا يكون عدلا عند غيره، لخفاء أسباب الجرح، فنقول: إن التعديل متى ثبت من العدل يسقط عن السامع النظر في عدالته، كما إذا روى عن إنسان وعدله، لا يجب على السامع أن ينظر في عدالة الذي أخبره عن عدالته إذا كان الراوي عدلا. - قولكم: إنه إذا روى عن إنسان وسماه ولم يعدله، لا يجوز له أن يروي ما لم يتعرف عدالته بنفسه - فنقول: • بعض مشايخنا قالوا بأنه يقبل خبره (¬4)، إذا كان الراوي عدلا (¬5)، لما ذكرنا. • وبعضهم فرق بين الفصلين، وهو أن من أرسل فقد حكم على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك وألزمنا ما تضمنه الحديث من الأحكام - فالظاهر أن العدل المتدين لا يقدم على هذا إلا وأن يكون الراوي ثقة عنده، فيكون تعديلا منه تقديرًا (¬6). بخلاف ما إذا سماه فإنه لم يحكم على ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي أ: "فهو". (¬2) "هذا لا يقدح ... فاحتمال خلاف" ليست في ب. (¬3) في ب: "وكذلك". (¬4) "ما لم يتعرف عدالته بنفسه ... يقبل خبره" ليست في ب. (¬5) هنا انتهى النقص في الأصل الذي أشرنا إليه فيما تقدم في الهامش 7 ص 434. (¬6) "منه تقديرًا" ليست في أ.

النهي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، بل نسب ذلك إلى المخبر الذي سماه, فلا يستدل به على أنه عدل عنده بطريق الغالب، بل يجوز أنه مع كونه مستورًا عنده يروي عنه (¬1) لسماعه منه (¬2)، بناء على ظاهر حاله، وفوض تعرف حاله حقيقة إلى السامع حيث ذكر اسمه - وهو (¬3) الفرق بين الأمرين. - فإن قالوا: ما ذكرتم من العلة باطل، بشهادة الفروع مع شهادة الأصول: فإن إرسالهم الشهادة من غير ذكر الأصول، لا يجري مجرى ذكر الأصول وتعديلهم إياهم (¬4)، - حتى لا تقبل (¬5) شهادة الفروع إذا (¬6) لم يذكروا الأصول. وما ذكرتم موجود، فإن شهود الفرع متى (¬7) شهدوا عن الأصول فإنهم يعدلونهم لأنهم عدول (¬8)، والعدل لا يشهد عن خبر من لم يثبت عدالته عنده بغالب الظن. ومع ذلك لم يكن ذكرهم (¬9) بمنزلة ذكرهم شهود الأصل (¬10) وتعديلهم، فكذلك (¬11) هذا (¬12) - قلنا: لا فرق بين الأمرين و (¬13) فيما ذكرنا من المعنى: أن بناء الشهادة على شهادة الأصول تعديل (¬14) لهم دلالة لما ذكرنا، إلا أن ذكر الأصول صريحًا ثبت شرطًا في الشهادة على الشهادة بالإجماع غير معقول المعنى، ¬

_ (¬1) "يروي عنه" ليست في ب. (¬2) في أ: "عنه". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو". (¬4) في أ: "إياه" ويبدو أنها مشطوبة. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا يقبل". (¬6) في ب: "ما". (¬7) "متى" ليست في ب. (¬8) "لأنهم عدول" ليست في ب. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لم يكن ذلك". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الأصول". (¬11) في ب: "فكذا". (¬12) في أ: "ههنا". (¬13) "و" من ب. (¬14) في ب: "تعديلهم".

كما شرط لفظ الشهادة والعدد والحرية في أصل الشهادات (¬1) غير معقول المعنى، مع التساوي في رجحان جانب (¬2) الصدق على الكذب. ثم لم يشترط في باب الرواية الحرية والعدد لما قلنا، فكذا (¬3) في اشتراط ذكر الأصول. وهذا لما (¬4) عرف أن ما ثبت بالنص والإجماع غير معقول المعنى يقتصر على مورده (¬5) و (¬6) لا يتعدى إلى غيره - والله أعلم (¬7). مسألة - نقل الحديث بالمعنى، هل يجوز أم لا؟ أجمعوا أنه إذا كان لفظًا مشتركًا أو مجملا أو مشكلا: فإنه لا يجوز إقامة لفظ آخر مقامه. أما إذا كان لفظًا ظاهرًا مفسرًا: فإقامة لفظ آخر مثله مقامه (¬8)، بأن قال: "قعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأس الركعتين في صلاة الظهر" مكان كل ما روي أنه "جلس على رأس الركعتين"- هل يجوز؟ فعند أصحابنا رحمهم الله: يجوز، وهو ظاهر مذهب الشافعي رحمه الله. وقد روي عن الحسن البصري كذلك. وقال بعض أصحاب الحديث: إنه لا يجوز. وقيل: هو اختيار ثعلب (¬9) من أئمة اللغة. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الشهادة". (¬2) في ب كذا: "جاز". (¬3) في ب: "وكذا". (¬4) في ب: "كما". (¬5) "مورده" ليست في ب. (¬6) "و" ليست في أ. (¬7) "والله أعلم" ليست في أ. (¬8) "مقامه" ليست في أ. وقد وردت في هامش الأصل على سبيل التصحيح. و "مثله مقامه" ليست في ب. (¬9) ثعلب أثنان: أشهرهما الإمام أبو العباس أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني إمام الكوفيين في النحو واللغة. له مؤلفات كثيرة. وقد توفي سنة 291 هـ. والثاني محمد بن عبد الرحمن النحوي البصري (السيوطي، بغية الوعاة) والظاهر أن الأول هو المقصود هنا.

وحجة هؤلاء: حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نضر (¬1) الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها (¬2) كما سمعها". ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخصوص بكمال الفصاحة والبلاغة، كا روي أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أفصح العرب ولا فخر" وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬3): "أوتيت خمسًا لم يؤتهن أحد قبلي" وذكر منها: "وأوتيت جوامع الكلم". وإذا كان الأمر كذلك، فلا شك أن (¬4) في النقل إلى لفظ آخر احتمال الاختلال في المعنى، فيجب الاقتصار (¬5) على (¬6) اللفظ المنصوص عليه، وبهذا (¬7) الطريق لا يجوز نقل القرآن بالمعنى - كذا هذا (¬8). وجه قول العامة: - ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره أن النهي - صلى الله عليه وسلم - قال هكذا أو نحوًا منه أو قريبًا منه، وهذا نقل بالمعنى وكذا مشهور من الصحابة رضي الله عنهم أنهم (¬9) قالوا: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ونهانا عن كذا، وهذا نقل من حيث المعنى، وإجماع الصحابة حجة. - والمعنى في المسألة: وهو أن الامتناع - إما إن كان لأجل اللفظ أو لأجل المعنى: ¬

_ (¬1) في هامش أ: "نضره ونضره وأنضره نعمه فنضر ينضر ونضر ينضر كذا في الفائق". وفي المعجم الوسيط: نضر الشيء وأنضره ونضره حسنه ونعمه. (¬2) في ب كذا: "وأدها". (¬3) في ب: "وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم: " ... ". (¬4) "أن" من (أ) و (ب). (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "الاختصار". (¬6) في ب: "وعلى". (¬7) في أ: "ولهذا". (¬8) "هذا" ليست في ب. (¬9) في أ: "أنه".

• والأول فاسد - فإن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعت لبيان الأحكام، وهو الغرض، وهذا لا يختص بلفظ دون لفظ. ولأنه لم يتعلق شيء من الغرض بلفظ الحديث، لأنه ليس بمعجز، ولا تعلق (¬1) الثواب، وجواز الصلاة به، بخلاف القرآن فإنه معجز، وقد تعلق بتلاوته الثواب، وجواز الصلاة به (¬2). فلئن (¬3) كان لا يجوز نقل القرآن من لفظ إلى لفظ، لماذا لا يجوز في الحديث؟ مع أن ثمة (¬4) جاء النقل (¬5) بطريق الرخصة أيضًا، كما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول: "طعام اليتيم" ولا يمكنه أن يقول: "طعام الأثيم" (¬6) فقال له قل: "طعام الفاجر"، فلأن يجوز في الحديث أولى. • و [الثاني:] إن كان لأجل المعنى - فالمعنى لا يختلف، ولا يختل بالنقل إلى لفظ مثله في المعنى، نحو قوله (¬7): "قعد" مكان "جلس". ولهذا إن نقل كلمة الشهادة من اللفظ المروي بالعربية إلى كل لسان، جائز، لما كان الغرض هو (¬8) المعنى دون اللفظ - فكذا (¬9) هذا. وهذا بخلاف الأذان والتشهد حيث لا يجوز النقل عن ألفاظهما إلى غيرهما، لأن الشرع جاء بتلاوة ألفاظهما، وعلق بهما الثواب الخاص، على أن ¬

_ (¬1) في أ: "ولا يتعلق". (¬2) "به" ليست في (أ) و (ب). (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل هكذا: "فلأن". (¬4) في ب: "ثم". وفي هامش أ: "أي في القرآن". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الفعل". (¬6) سورة الدخان: 44 - وهي والتي قبلها: "إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "قولهم". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "من". (¬9) في ب: "وكذا".

الأذان شرع للإعلام، وإنه لا يحصل إلا بالألفاظ المعروفة. ولهذا لم يجوزوا (¬1) النقل من (¬2) اللفظ (¬3) المشترك والمجمل (¬4) إلى لفظ آخر، لما فيه من احتمال الاختلال بالمعنى. - وأما الحديث فنقول: لا حجة في الحديث، لأن من نقل الحديث بالمعنى من كل وجه يقال إنه أدى كما سمع، فإنه (¬5) يقال للمترجم من لغة إلى لغة: "قد أدى كما سمع". على أن المراد بالحديث. إذا كان لفظ الحديث مشتركًا أو مشكلا أو مجملا (¬6)، فيكون بالنقل إلى لفظ آخر احتمال الخلل في المعنى، ونحن نمنع في مثل هذا الموضع لهذا الوهم، وفي الحديث ما يدل عليه، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم - (¬7): "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه"، وما لا يشتبه من الألفاظ، ولا يختلف اجتهاد المجتهدين فيه، يستوي فيه الفقيه وغير الفقيه، والكامل في الفقه والناقص - والله أعلم (¬8). مسألة: خبر الواحد إذا ورد مخالفًا للعموم من الكتاب والمتواتر - هل يجب تركه أو يخص به العموم القاطع؟ فقد ذكرنا الكلام فيه (¬9). وكذا إذا ورد مخالفًا للقياس: يقدم على القياس أو يعارضه القياس - فقد ذكرناه أيضًا (¬10). ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لم يجوز". (¬2) في ب: "في". (¬3) "اللفظ" من (أ) و (ب). (¬4) في ب: "المجمل والمشترك". (¬5) في أ: "فإن". (¬6) في ب: "أو مجملا أو مشكلا". (¬7) "- صلى الله عليه وسلم -" من ب. (¬8) "والله أعلم" ليست في أ. (¬9) و (¬10) راجع فيما تقدم ص 433 وما بعدها.

مسألة - الراوي إذا عمل بخلاف ما روى - هل يقدح في صحة ما روى أم (¬1) لا؟ روي عن أبي الحسن الكرخي (¬2) رحمه الله أنه لا يمنع، ويكون هو محجوجًا بالحديث كغيره (¬3). وقال أكثر أصحابنا رحمهم الله: إنه يمنع ويحمل على نسخ الحديث أو تخصيصه أو تأويله. - وهو قول الشافعي رحمه الله. وجه قول أبي الحسن الكرخي (¬4) - أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة، وعمل الراوي بخلافه محتمل، فإنه يجوز أن يكون الحديث محتملا للتأويل، فيصرفه (¬5) إلى أحد وجوه الاحتمال باجتهاده، واجتهاده ليس بحجة. ويحتمل أنه ظهر له (¬6) انتساخه بعد روايته بدليل (¬7)، فلا يجوز العدول عن الحجة إلى غيرها (¬8)، بالاحتمال. وجه قول العامة - وهو أن عمله بخلاف ما روى: إما إن كان جزافًا، ولا يظن بالصحابي ذلك. أو كان النص محتملا, فيصرفه (¬9) إلى أحد وجوهه أيضًا (¬10) باجتهاده، وهذا لا يظن به أيضًا، مع علمه أن اجتهاد غيره يجوز أن يكون بخلاف اجتهاده، مع كونه مأمورًا بالنقل في مثله، لما ¬

_ (¬1) في ب: "أو". (¬2) تقدمت ترجمته بالهامش 7 ص 210. (¬3) في ب: "لغيره". (¬4) "الكرخي" من أ. (¬5) في (أ) و (ب): "فصرفه". (¬6) "له" من ب. (¬7) "واجتهاده ... بدليل" من (أ) و (ب). (¬8) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "غيره". (¬9) في (أ) و (ب): "فصرفه". (¬10) "أيضًا" من ب.

روينا: "نضر الله تعالى (¬1) امرأ سمع مقالتي (¬2) فوعاها ثم أداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". وإذا بطل هذان الوجهان، لم يبق إلا أنه (¬3) علم نسخه (¬4)، أو علم (¬5) تأويله، أو (¬6) تخصيصه بمشاهدة (¬7) حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو (¬8) سمع في ذلك نصًا جليًا يوجب تخصيصه، أو علم إجماع الصحابه على ذلك، فوجب القول به (¬9). وعلى هذا حملنا رواية أبي هريرة بغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا (¬10) على الندب, لأنه كان يقتصر على الثلاث ولا يغسل سبعًا. مسألة - العدد هل هو شرط لقبول خبر الواحد أم لا (¬11)؟ قال عامة القائلين بقبول أخبار الآحاد: إن (¬12) العدد ليس بشرط. وقال بعضهم: يشترط عدد الاثنين. ومنعوا قبول شهادة القابلة. وتعلقوا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يعمل بخبر ذي اليدين (¬13) وحده، حيث قال: ¬

_ (¬1) "تعالى" ليست في ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "منا مقالة". وراجع ص 441 و 443. (¬3) "أنه" من (أ) و (ب). (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أنه نسخه". (¬5) "علم" ليست في أ. (¬6) "تأويله أو" من أ. (¬7) في ب: "لمشاهدة". (¬8) في ب: "و". (¬9) "به" ليست في ب. (¬10) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب": أخرجه مسلم. وفي لفظ له "فليرقه". وللترمذي: "أخراهن أو أولاهن بالتراب" (ابن حجر، بولوغ المرام، رقم ص 3). (¬11) في ب: "هل هو شرط القبول خير الواحد؟ "، فليس فيها "أم لا". (¬12) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "على أن". (¬13) قيل: سمي بذلك لأنه كان بيديه طول. وقيل لأنه كان يعمل بيديه جميعًا. واسمه عمرو بن عبد ود. وقيل: عبد عمرو بن بصلة. وقيل: عمير بن عبد عمر (البخاري على البزدوي، 3: 60).

أقصرت الصلاة أم نسيتها يا رسول الله صلى الله عليك (¬1) وسلم؟ فقال: "كل ذلك لم يكن" - حتى سأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقالا مثل قول ذي اليدين، فحينئذ (¬2) قبل. وجه قول العامة - إجماع السلف: روي أن أبا بكر رضي الله عنه قبل خبر بلال وحده. وقبل عمر رضي الله عنه خبر حمل بن مالك (¬3) في دية الجنين. وعملت الصحابة رضي الله عنهم بخبر أبي سعيد الخدري (¬4) رضي الله عنه في ربا الفضل. وعملت أيضًا بخبر أبي رافع في المخابرة مع تعامل فى الناس بخلافه. وكان علي رضي الله عنه يقبل خبر الواحد ويستحلفه عليه إلا خبر أبي بكر رضي الله عنه فإنه يقبله من غير استحلاف. والإجماع حجة قاطعة. وأما حديث ذي اليدين فلأنه خبر واحد فيما عم به البلوى، وغيره من الصحابة أولى بالتذكير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غالط، وخبر الواحد في مثل هذا لا يقبل - والله أعلم. مسألة: - إذا قال الصحابي: أمرنا أن نفعل كذا (¬5). أو أمرنا بكذا. ونهينا (¬6) عن كذا: روي عن الكرخي (¬7) أنه لا يفيد (¬8) أن يكون الآمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عليه". (¬2) "فحينئذ" ليست في ب. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل؟ "حمد بن مالك". وانظر ابن حجر، بلوغ المرام، رقم 999 ص 181 وفيه: "حمل بن النابغة". (¬4) كذا في أ. و "الخدري" ليست في ب. وفي الأصل: "بن الخدري". انظر ابن حجر، المرجع السابق رقم 695 ص 125. (¬5) في ب: "هذا". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أو نهانا". (¬7) "روي عن الكرخي" ليست في ب. (¬8) في أكذا: "لا يقيد".

بل يجوز أن يكون الآمر غيره، فلا يكون حجة. وعلى هذا حمل قول الراوي: أمر بلال بأن (¬1) يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وقال عامة مشايخنا بأنه (¬2) يكون حجة، ويحول على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن غرض الصحابي من هذا تبليغ (¬3) الشرع وتعليم الحكم، فيجب حمل ذلك على أمر من يصدر عنه الشرع، دون أمر الولاة والأئمة، لأن أمرهم لا يؤثر في الشرع. ولا يقال بأنه يحمل على أمر الله تعالى أو أمر الأمة، وهو الإجماع، لأنا نقول: إن أوامر الله تعالى ظاهرة (¬4) للكل، فلا يستفاد من كلام الصحابي. ولو حمل على جماعة الأمة إن أفاد أن جميع الأم أمروا بذلك، وهم لا يأمرون من تلقاء أنفسهم، وإنما يأمرون بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، على أن غرضنا أنه يلزم العمل بهذا القول، ولو كان هذا حكاية عن أمر الله تعالى أو عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن الأمة، فيكون (¬5) واجب العمل به (¬6). - فأما (¬7) الصحابي إذا قال: أوجب علينا كذا (¬8) أو حرم علينا كذا أو أبيح لنا كذا - فإنه يفهم منه أن الوجب والمحرم والمبيح هو النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع، لأن ذلك من أمر (¬9) الله تعالى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل الصحابي، إلا إذا سمع لفظة (¬10) الوجوب أو الأمر الذي أريد به الوجوب، ¬

_ (¬1) في ب: "أن". (¬2) في ب: "قال عامة أصحابنا إنه". (¬3) كذا في النسخ جميعًا. (¬4) في ب: "ظاهر". (¬5) في أ: "يكون". (¬6) "به" ليست في (أ) و (ب). (¬7) في ب: "أما". (¬8) "كذا" ليست في ب. (¬9) "أمر" من ب. (¬10) في ب: "لفظ".

بدلالة حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بإجماع الصحابة، لأن الظاهر من حال (¬1) الصحابي الذي قصده تبليغ الشرع، [أنه] لا يبلغ مع الاحتمال إذا لم يذكر اللفظ. - وأما (¬2) إذا قال الصحابي: "من السنة كذا": [فـ] يحمل على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإن من قال: "إن (¬3) هذا الفعل طاعة" فإنه (¬4) يحمل على طاعة الله تعالى وطاعة رسوله، فكذا لفظة (¬5) "السنة" عند الإطلاق: تحمل على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنه هو المقتدى والمتبع على الإطلاق: قال الله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (¬6)، أي قدوة متبعة، ولا يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" وكذا يقال "سنة العمرين"، لأنا لا ننكر جواز إطلاق (¬7) اسم السنة على فعل غيره مع التقييد، وإنما نمنع أن يفهم (¬8) من إطلاق اسم السنة على (¬9) سنة غيره - والله أعلم (¬10). فصل- وأما حكم خبر الواحد: قال عامة العلماء: إنه يوجب العمل، دون العلم قطعًا (¬11)، لكن يوجب علم غالب الرأي وأكثر الظن. ¬

_ (¬1) "حال" من (أ) و (ب). (¬2) في ب: "فأما". (¬3) "إن" من أ. وليست في الأصل وب. (¬4) "فإنه" ليست في ب. (¬5) في أ: "فكذا لفظ". وفي ب: "فكذلك لفظ". (¬6) الأحزاب: 21: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا". (¬7) "إطلاق" ليست في ب. (¬8) "أن يفهم" ليست في ب. (¬9) "على" ليست في (أ) و (ب). (¬10) "والله أعلم" ليست في أ. (¬11) في ب: "دون العلم والعمل جميعًا".

وقال بعض أصحاب الظواهر: بأنه يوجب العلم والعمل جميعًا. وقال بعض المعتزلة: بأنه لا يجب العمل به في باب الشرعيات، ويجب العمل به في العقليات. أما من قال بأنه لا يوجب العمل - لأنا اتفقنا أنه لا يوجب العلم، والعمل بدون العلم حرام. فضلا عن الوجوب بظاهر النصوص (¬1) من قوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم" (¬2) وقوله تعالى: "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" (¬3) وقوله تعالى: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" (¬4) - في هذه النصوص أنه لا يجوز القول بما لا يعلم، والشهادة بما لا يعلم، وأن (¬5) الاقتفاء بما لا يعلم حرام - وقد قلتم به، فيكون خلاف هذه النصوص. وكذلك قال الله (¬6) تعالى: "إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا" (¬7): ألحق الذم بمن اتبع الظن، وأخبر أنه لا كفاية ولا غناء (¬8) بالظن فيجب العمل بعمومه: أن لا عبرة بالظن، في حق العمل والاعتقاد (¬9) جميعًا. وأما أصحاب الظواهر [فـ] قالوا: إنا (¬10) اتفقنا أن العمل به واجب، والعمل لا يجوز بدون العلم بالنصوص، فوجب (¬11) القول بالعلم ضرورة. ¬

_ (¬1) في ب: "بالنصوص". (¬2) الإسراء: 36 - أي لا تتبعه ولا تسترسل في الحديث عنه (معجم ألفاظ القرآن الكريم، 2: 410). (¬3) سورة البقرة: 169. (¬4) سورة الزخرف: 86. (¬5) في ب: "ولأن". (¬6) "الله" ليست في ب. (¬7) سورة النجم: 28. (¬8) في أ: "ولا غنى". وفي ب كذا: "غيره" وقد تكون "عبرة". (¬9) في ب: "الاعتقاد والعمل". (¬10) "إنا" ليست في ب. (¬11) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وجب".

وعامة العلماء احتجوا وقالوا: إن خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب والسهو والغلط، ورد الصدق سفه، وقبول الكذب سفه، ولا (¬1) وجه لرد الكل لما فيه من رد الصدق، ولا وجه إلى قبول (¬2) الكل لما فيه من قبول الكذب، ولا وجه إلى التوقف (¬3) أيضًا لا فيه من رد الصدق أيضًا - فوجب طلب طريق يعرف به السفه من الحكمة، والكذب من الصدق، ولا طريق ههنا يوقف به عليهما بطريق الإحاطة واليقين، وفي رد الكل وقبوله لزوم السفه برد الصدق أو قبول الكذب، فيجب العمل بالراجح والغالب، لأن العمل بالراجح والغالب من باب الحكمة (¬4)، بدليل الكتاب والسنة والإجماع والمعقول: - أما الكتاب، فقوله تعالى: "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا" (¬5)، وقال تعالى: "فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار" (¬6)، والإيمان من حيث التصديق يعرف بطريق الاجتهاد (¬7). وقال الله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" (¬8)، وقال تعالى: "ممن ترضون من الشهداء" (¬9)، والعدالة وكون الشاهد مرضيًا إنما يعرف بالرأي والاجتهاد. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فلا". (¬2) في ب: "لقبول". (¬3) في ب: "التوقيف". و "وجه" من (أ) و (ب). (¬4) في ب: "الحكم". (¬5) سورة النور: 33. (¬6) سورة الممتحنة: 10. (¬7) في ب: "بالاجتهاد". (¬8) سورة الطلاق: 2. (¬9) سورة البقرة: 282.

- وأما السنة، فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (¬1) أمر معاذًا رضي الله عنه (¬2) وغيره، بالاجتهاد في أحكام (¬3) الحوادث، وهو عمل بغالب الرأي. - وأما الإجماع، فإن الأمة توارثت قبول (¬4) قول (¬5) الوكلاء والأجراء وقول الناس في بيع الأملاك وإجارتها ورهنها، وكذا قبول الشهادات، في عامة (¬6) الأحكام، خصوصًا في (¬7) الحدود والقصاص مع احتمال الكذب، لرجحان جانب الصدق بالعدالة. - وأما المعقول، فهو (¬8) أن خبر الواحد في باب العقليات واجب العمل، لمعنى معقول، ذلك المعنى موجود في الشرعيات. وبيان ذلك: أنه عرف بالعقل (¬9) وجوب التحرز عن المضار وحسن جر المنافع بطريق التيقن، فمتى ثبت بغالب الظن (¬10) ذلك، ألحق بالمتيقن، في حق وجوب التحرز ¬

_ (¬1) "أنه" من (أ) و (ب). (¬2) "رضي الله عنه" من ب. هو معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي الإمام المقدم في علم الحلال والحرام. كان من أفضل شباب الأنصار حلمًا وحياء وسخاء وجمالا ووسامة. شهد العقبة مع الأنصار السبعين. وشهد بدرًا وأحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعد في الستة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين جعفر بن أبي طالب. وقد بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة تبوك قاضيًا ومرشدًا لأهل اليمن وبقي فيها إلى أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولي أبو بكر فعاد إلى المدينة. ثم كان مع أبي عبيدة بن الجراح في غزو الشام. ولما أصيب أبو عبيدة (في طاعون عمواس) استخلف معاذًا وأقره عمر. ومات في ذلك العام نفسه بالطاعون بناحية الأردن سنة 18 هـ أو سنة 17 هـ. وقيل عاش 34 سنة، وقيل غير ذلك. (ابن حجر، الإصابة، 3: 426 - 427. والزركلى، الأعلام، 7: 258). (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الأحكام الحوادث". (¬4) في أ: "من قبول". (¬5) "قول" ليست في ب. (¬6) في ب كذا: "وعلم". (¬7) "في" من أ. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وهو". (¬9) "بالعقل" ليست في ب. (¬10) في ب: "بغالب الرأي".

وحسن الجر، ألا ترى أن من استقبله طريقان فأخبره رجل عدل أن هذا الطريق آمن وهذا الثاني فيه لصوص، يجب عليه العمل بخبره عقلا (¬1) لما فيه من احتمال دفع الضرر (¬2) من حيث الغالب. وكذا الطبيب إذا أخبر إنسانًا بأنه غلب عليك الدم، فينبغي لك أن تفتصد (¬3)، يجب عليه (¬4) ذلك. إذا وكذا كان جالسًا تحت حائط مائل فأمره رجل له بصارة في ذلك الباب عن الفرار (¬5) عنه، يجب عليه ذلك عملا بغالب الرأي، كما (¬6) يجب العمل به عند التيقن، إلحاقًا للغالب بالمتيقن - فكذلك في الشرعيات. هذا المعنى موجود: فإن الشرائع شرعت لمصالح العباد، والمناهي وردت للامتناع عن القبائح، فيحصل له الذم والملامة في الدنيا والمعاقبة في الآخرة، فيجت أن يلحق الغالب من ذلك بالمتيقن، بطريق (¬7) الأولى، لأن ضرر ذلك في الدنيا وضرر هذا في الدنيا والآخرة، ثم لما وجب إلحاق الغالب ثمة (¬8) بالمتيقن، للتحرز (¬9) عن ذلك الضرر - فكذلك ههنا. وإذا ثبت بما ذكرنا من الدلائل أن العمل بالدليل الراجح واجب، فنقول: إن خبر الواحد، العدل المتدين، راجح صدقه على كذبه، وصوابه على خطئه (¬10) وغلطه، بدلالة عقله ودينه، فوجب (¬11) أن يلحق بالمتيقن، ¬

_ (¬1) في ب: "يجب عليه عقلا العمل بخبره لما .. ". (¬2) "احتمال دفع الضرر" ليست في ب. (¬3) في أ: "تفصد". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "عليك". (¬5) في ب كذا: "الدار" بدون نقط. (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "فيما". (¬7) في أ: "بالطريق". (¬8) في ب: "ثم". (¬9) في ب كذا: "لتحر". (¬10) في ب كذا: "وهو أنه على خطأ به"؟ (¬11) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "يجب".

في حق (¬1) وجوب العمل. مع أن ههنا وجد رجحان الصدق (¬2) من وجوه أخر، لأن الرواة ونقلة الحديث بذلوا أنفسهم وأموالهم في حفظ الأخبار، لإظهار (¬3) دين الحق وإحياء سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليعتمد عليهم الخلف (¬4)، في الأخذ عنهم، فيندر (¬5) غاية الندرة أن من بذل عمره وماله وأعض عن كسب حطام الدنيا لهذا الغرض، ثم يروي الحديث كذبًا، ليحصل له شيء قليل، عشر ما أنفق فيه، إلا من باع دينه بالدنيا في رواية الكذب ترويجًا لمذاهبهم الفاسدة، كالكرامية (¬6) ونحوهم، ولا كلام في مثل حالهم. ولأن نقلة الحديث معروفون بالجاه والقدر عند الناس لصدقهم، وصحة حديثهم بورعهم (¬7) وعدالتهم، والحديث المروي بطريق الكذب مما يعرفه أمثالهم، لاشتهار (¬8) الأحاديت الصحيحة، فيظهر ذلك، فيسقط قدرهم وجاههم وخطرهم (¬9) عند الناس، فكان صون الجاه حاملا لهم على الصدق، ولأن الشهادة على الله تعالى بالكذب وقصد تغيير دين الحق أمر عظيم، وبناء الشرع (¬10) في حق العمل على أخبار الآحاد، والله تعالى ضمن إبقاء (¬11) الدين الحق إلى قيام الساعة، فالظاهر صيانتهم عن الوقوع في (¬12) الكذب قصدًا. ¬

_ (¬1) "حق" ليست في ب. (¬2) في (أ) و (ب): "الرجحان للصدق". (¬3) في ب: "لحفظ". (¬4) في أكذا: "الخلق". (¬5) في ب "في الأخذ منهم ويندر". (¬6) أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام. وكان من سجستان ثم خرج إلى نيسابور وقد توفي سنة 255 - وهم طائفة عدها الشهرستاني من الصفاتية (انظر بيان مذهبهم في: الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 108 وما بعدها والبغدادي، الفرق بين الفرق ص 215 - 225). (¬7) في أ: "وورعهم". (¬8) في ب: "باشتهار". (¬9) "وخطرهم" ليست في ب. (¬10) في ب: "الفروع". (¬11) في ب: "بقاء". (¬12) "الوقوع في" ليست في ب.

فهذه (¬1) وجوه من الترجيح تختص بخبر الواحد في باب الشرعيات، وخرج الجواب عن شبهة الفريقين. وبعض المعتزلة الذين قالوا بقبول خبر الواحد خرجوا هذا الإشكال بالقول بموجب العلة: أن وجوب العمل إن (¬2) كان: لابد له من العلم القطعي، ولكن العلم قطعًا ثابت في خبر الواحد في حق وجوب العمل عند ظنهم صدق الرواة باجتهادهم، فيكون وجوب العمل عليهم قطعًا ثابتًا بناء على هذا الظن، كما هو طريقهم في حصول الصواب في الاجتهاد بيقين، عند ظنهم وصفًا من أوصاف النص علة الحكم. وهو فاسد على ما يعرف على الاستقصاء في الشرح، ونذكر (¬3) شيئًا منه في باب القياس، فإنه طريق اعتمدوا عليه، ومال إليه بعض المحققين من الأشعرية - والله الهادي. وأما (¬4) النصوص فلا تلزمنا (¬5)، لأنا نقول بوجوب العمل من غير أن نشهد على الله تعالى بشيء (¬6)، والآيات التي تعلقوا بها وردت في حق الاعتقاد والشهادة على الله تعالى، ولكن نقول الاحتياط في (¬7) أن يوجب العمل كما نقول في القياس، ولكن نعتقد على الإبهام أن ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وهذه". (¬2) في أ: "لو". (¬3) في أ: "فنذكر". وفي ب: "ويذكر". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فأما". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لا يلزمنا". (¬6) في ب: "شيء". (¬7) "في" من أ.

ما أراد الله تعالى به فهو حق.- والله أعلم (¬1). مسألة - خبر الواحد: هل يقبل في حق وجوب الحدود والعقوبات أم (¬2) لا؟ اختلف مشايخنا رحمهم الله (¬3): قال بعضهم: يقبل في حق جميع الأحكام: العقوبات، والكفارات، وغيرها. وقال بعضهم: لا يقبل في باب الحدود والقصاص. وروي عن أبي يوسف رحمه الله روايتان في الحدود. وجه قول من قال، إنه (¬4) يقبل: أن المعنى الذي لأجله (¬5) قبل خبر الواحد في سائر الأحكام، وجد (¬6) في الحدود، وهو أنه دليل راجح، وذلك حجة مطلقة، ألا ترى أنها تثبت بالشهادات (¬7)، وهي حجة فيها شبهة، فكذا خبر الواحد. و (¬8) وجه قول الفريق الثاني: هو (¬9) أن خبر الواحد فيه شبهة الغلط وشبهة الكذب، فلم يثبت كونه خبرًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق القطع، بل مع الشبة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ادرؤوا الحدود بالشبهات". فأما الشهادة فهي حجة في الإظهار. و (¬10) أما وجوب الحدود في الجملة [فقد] ثبت ¬

_ (¬1) "والله أعلم" ليست في (أ) و (ب). (¬2) هكذا في أ. وفي الأصل: "أو". (¬3) " هل يقبل .. مشايخنا رحمهم الله" ليست في ب. (¬4) "إنه"من ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "به". (¬6) في ب: "واحد". (¬7) في ب: "تقبل الشهادة". (¬8) واو العطف من أ. (¬9) في النسخ جميعًا: "وهو". (¬10) الواو من ب.

[2] فصل في بيان السنة من حيث الفعل

بدليل مقطوع به وهو الكتاب (¬1)، وفي مسألتنا الكلام في وجوب الحد، في حق من لم يثبت في حقه بالكتاب، فلا (¬2) يمكن إيجاب الحد ابتداء مع الشبهة. ولأن الحديث عام فخص في الإثبات في الشهادات (¬3)، باعتبار الحاجة إلى الحدود، وليس له طريق معتاد للظهور سوى البينة، إذ الإقرار بها نادر، فسقط اعتبار الشبهة، لأجل الحاجة إلى الاستيفاء، دفعًا (¬4) للفساد عن العالم، إذ لو لم يقبل مع هذه الشبهة، تصير الشبهة (¬5) ناسخة للحدود، وهذا المعنى معدوم في مسألتنا - والله أعلم (¬6). [2] فصل في بيان السنة من حيث الفعل فنقول: فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقسم إلى قسمين في الأصل: الأول (¬7) - ما خرج بيانًا لمجمل كتاب الله تعالى (¬8). وحكمه حكم الكتاب، من حيث (¬9) الوجوب والندب والحرمة والكراهة ونحوها - لأن البيان متى ألحق (¬10) بالمجمل صار كأنه ورد مفسرًا من الأصل. ¬

_ (¬1) "وهو الكتاب" من أ. (¬2) في ب: "ولا". (¬3) في (أ) و (ب): "بالشبهات". وفي هامش أ: "أي الشبهة التي في البينة". (¬4) في أ: "فرفعًا". (¬5) "تصير الشبهة" ليست في ب. (¬6) في أ: "والله الهادي". (¬7) "الأول" ليست في ب. (¬8) كذا في ب: "لمجمل كتاب الله تعالى". وفي الأصل و (أ): "لمجمل الكتاب". (¬9) "حيث" من ب. (¬10) في (أ) و (ب): "التحق".

والقسم الثاني - ما ليس ببيان للكتاب (¬1). وهو نوعان: أحدهما - ما عرف، بقرينة ودليل، أنه واجب عليه أو مندوب إليه أو سنة (¬2) أو مباح. والثاني - ما لم يقم الدليل على ذلك. واختلف العلماء في وجوب المتابعة علينا (¬3) في أفعاله والاقتداء به (¬4) فيها: - قالت الواقفية بأنه يتوقف في ذلك عملا واعتقادًا، إلا إذا قام الدليل. فإن قام الدليل على (¬5) أنه واجب عليه، لا على طريق الخصوص، أو مباح له لا على طريق (¬6) الخصوص: فإنه يجب المتابعة فيه على الأمة. أما إذا ثبت الخصوص في الواجب، كصلاة الليل أو في المباح، كحل تسع نسوة وما زاد عليها: فإنه لا يجب المتابعة فيه. - واختلف أصحابنا في ذلك: قال مشايخ العراق، مثل الكرخي وغيره: إنه يحمل على الإباحة، إلا بدليل. بخلاف أوامره ونواهيه، فإنها محمولة على الوجوب إلا بدليل. وقال مشايخ سمرقند بأنها محمولة على الوجوب عملا، ويتوقف في الاعتقاد عينًا، لكن يعتقد على (¬7) الإبهام أن ما أراد الله تعالى منه فهو حق، وسووا بين أفعاله وأقواله (¬8). ¬

_ (¬1) في ب: "الكتاب". (¬2) "سنة" غير واضحة في أ. (¬3) في أ: "عليه". (¬4) "به" ليست في ب. (¬5) "الدليل على" من أ. (¬6) "طريق" من أ. (¬7) في الأصل و (أ): "مع ". (¬8) في ب: "أقواله وأفعاله".

- واختلف أصحاب الحديث والفقهاء من أصحاب الشافعي: من قال إن أمره مطلقًا محمول على الوجوب إلا بدليل، قالوا إن أفعاله موجبة (¬1) إلا بدليل، وهو اختيار الجصاص رحمه الله من أصحابنا. ومن قال بالتوقف في أوامره، يتوقف (¬2) في أفعاله في حقنا. ومن قال بالندب في أمره، يقول بالندب في فعله. ومن قال بالإباحة في أمره، يقول بالإباحة في فعله في حقنا. أما أفعاله في حقه [فـ] توصف (¬3) بالإباحة، لا محالة، لكونه معصومًا عن المعاصي والقبائح. وجه قول الواقفية أن فعله محتمل في نفسه: يجوز أن يكون واجبًا، ويجوز أن يكون مندوبًا إليه، ويجوز أن يكون مباحًا، وما هو واجب أو مباح في حقه يجوز أن لا يكون واجبًا ولا يكون (¬4) مباحًا في حقنا، كصلاة الليل وحل ما زاد على الأربع، والمحتمل غير معلوم، فيجب التوقف فيه عملا واعتقادًا، حتى يقوم دليل العلم، كما قالوا في أقواله. وجه قول من قال إنه يحمل على الإباحة، ما ذكرنا: أنه لما كان محتملا في نفسه بين كونه واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا (¬5)، يجب التوقف في كونه واجبًا ومندوبًا، أما نعلم يقينًا أنه مباح، لأنه معصوم عن مباشرة الحرام فيجب القول بما هو المتيقن، والتوقف في المشكوك والمحتمل، بخلاف أوامره ونواهيه، لأن ثمة قام (¬6) الدليل على (¬7) أن صيغة الأمر موضوعة للوجوب لغة وشرعًا، والحقيقة هي (¬8) الأصل حتى يقوم الدليل على المجاز. ¬

_ (¬1) في ب: "لا دو جب". (¬2) في ب: "يقول بالتوقف". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يوصف". (¬4) "يكون" من أ. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ومندوبًا ومباحًا". (¬6) في أ: "لأنه قد قام". (¬7) "على" من أ. (¬8) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "هو".

وجه قول من قال بالوجوب في الأصل: النصوص المحرمة لمخالفة (¬1) الرسول - صلى الله عليه وسلم -، و (¬2) النصوص الموجبة لطاعته ومتابعته والاقتداء به: قال الله تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره .. (الآية) " (¬3): حذر الله تعالى عن (¬4) مخالفة أمر رسول الله (¬5) - صلى الله عليه وسلم -، والتحذير عن مخالفة أمر الرسول عليه السلام أمر بالوافقة والمتابعة له في فعله وقوله جميعًا، لأن اسم الأمر يقع على القول والفعل جميعًا. وقال الله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول .. (الآية) " (¬6): أمر بطاعة الرسول عليه السلام، وطاعته في موافقته في فعله وقوله، وذلك أن يفعل مثل فعله. وكذا قال الله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (¬7) أي قدوة حسنة (¬8) متبعة، والاقتداء به (¬9) في أفعاله أن يأتي بها إلا (¬10) ما ثبت خصوصه، فكان الأصل هو وجوب المتابعة إلا ما قام الدليل. وجه قول مشايخ سمرقند: أن (¬11) الأصل هو وجوب (¬12) الاقتداء والمتابعة في أفعاله التي ليست من حوائج نفسه وأمور الدنيا، بالنصوص التي ¬

_ (¬1) في ب كذا: "المجمعه بمخالفه". (¬2) "و" ليست في ب. (¬3) سورة النور: 63 - " ... فيحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم". (¬4) "عن" ليست في ب. (¬5) في ب: "الرسول". (¬6) سورة النساء: 59 - "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا.". وانظر: المائدة، 92: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ... ". والنور: 54. ومحمد: 33. والتغابن: 12 (¬7) سورة الأحزاب: 21. (¬8) "حسنة" من ب. (¬9) "به" من (أ) و (ب). (¬10) "إلا" ليست في ب. (¬11) "أن" ليست في أ. (¬12) "وجوب" من أ.

[3] وأما السنة من حيث الترك والسكوت

تلونا، إلا أن احتمال الخصوص ثابت في بعض الواجبات والمباحات، على ما ذكرنا - فقلنا بوجوب المتابعة في الفعل دون الاعتقاد عينًا، لاحتمال أنه (¬1) يعتقد ما ليس بواجب واجبًا، وما ليس بمباح في حقه مباحًا: وأما (¬2) الفعل، فمما (¬3) لا خطر فيه، فإنه: إن كان واجبًا، فقد أتى بما عليه، وخرج (¬4) عن عهدة الواجب، وأسقط الإثم عن نفسه. وإن لم يكن واجبًا، فقد أحرز الثواب بالفعل، وقضى حق الاعتقاد بالإبهام - والله ولي الإنعام. [3] وأما السنة من حيث الترك والسكوت فنقول (¬5): إنه (¬6) - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى منكرًا أو (¬7) فعلا قبيحًا في الشرع، فلم ينه (¬8) عن ذلك، ولم ينكر عليه ذلك (¬9)، ولكن سكت وتركه على ذلك - فهو (¬10) نوعان: أحدهما - أن يكون (¬11) مباشر ذلك ليس من أهل دينه وملته، بأن كان مشركًا حربيًا أو كافرًا ذميًا، فتركه على ذلك: [فـ] لا يكون تقريرًا (¬12) ¬

_ (¬1) في أ: "أن". (¬2) في (أ) و (ب): "فأما". (¬3) في أ: "مما". (¬4) في ب كذا: "فصرح". (¬5) "فنقول" من ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "والسكوت وهي أنه". (¬7) في (أ) و (ب): "و". (¬8) في ب: "فلم ينهه". (¬9) "ذلك" من ب، وفيها: "ولم ننكر عليه ذلك". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وهو". (¬11) "يكون" من ب. (¬12) في ب كذا: "تقديرًا".

لذلك ورضا بكونه حسنًا - لأن دعاءه (¬1) لأهل الشرك إلى ترك ذلك مشهور، وإنكاره عليهم ظاهر، وتكليفه بالإنكار عليهم، في كل زمان يرى، خارج (¬2) عن الوسع. وكذا في حق أهل الذمة: فإن تركهم وما يدينون، من جملة مصالح دين الحق، حيث شرع (¬3) عقد الذمة، فلا يحمل ذلك على حسنه وورود النسخ في ذلك (¬4) بضده. والثاني - أن يكون المباشر من أهل دينه وشريعته، فرأى منه فعلا، يتراءى (¬5) أنه قبيح، ولم يمنعه عن ذلك ولم ينكر عليه: فإنه (¬6) يدل على حسنه وعلى (¬7) شرعيته، فإنه بعث مغيرًا للمنكر لا مقررًا. فإن كان الدليل على قبحه ثابتًا قبله: دل سكوته وتركه الإنكار (¬8)، على انتساخه. وإن لم يكن دليل القبح والإطلاق متقدمًا: يدل [سكوته] على إثبات (¬9) شرعيته ابتداء. وعلى هذا: المضاربات والشركات وعامة المعاملات التي لم يثبت حدوثها في غير عصره (¬10)، لأن الناس لما توارثوا على ذلك، وذلك متعارف في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يمنعهم عن ذلك بل تركهم وما هم عليه (¬11) - دل على شرعيته تقريرًا منه على ذلك، إذ حرام عليه التقرير على المنكر، وهو معصوم عن ذلك - والله الموفق. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "دعاه". (¬2) في أ: "يكون خارجًا". (¬3) هامش أ: "النبي". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عن ذلك". (¬5) في الأصل كذا: "يترايا". (¬6) في ب: "وإنه". (¬7) "على" من (أ) و (ب). (¬8) في ب: "للإنكار". (¬9) "إثبات" من (أ) و (ب). (¬10) في ب: "بعد عصره صلى الله عليه وسلم". (¬11) "وما هم عليه" ليست في ب.

مسألة - الاجتهاد في الأحكام الشرعية فيما لم يوح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نصًا - هل هو من سنته، وهل هو جائز عليه، وهل هو مأمور به - أم لا (¬1)؟. اختلفوا فيه: قال عامة أهل الأصول بأنه جائز عليه. وهو مأمور به أيضًا. وهو مروي عن أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى (¬2). وقال بعضهم: إنه غير جائز عليه، فضلا عن الأمر به. وقال بعضهم: إنه في حد الجواز، لكنه مأمور بانتظار الوحي في الحوادث. فإن لم يرد الوحي، فيكون (¬3) ذلك دلالة الإذن بالاجتهاد فيه. وقال بعضهم: إنه جائز عليه عقلا، ولكنه غير متعبد به شرعًا (¬4). وجه قول من قال إنه غير جائز عليه - النص، والمعقول: أما النص - فقوله (¬5) تعالى: "وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى" (¬6): أخبر الله تعالى أن ما ينطق به النبي (¬7) - صلى الله عليه وسلم - يكون عن الوحي، بل نفى أنه ينطق إلا عن الوحي (¬8)، والحكم الصادر عن الاجتهاد لا يقال إنه حكم بالوحي. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "وهل هو مأمور به، وهل هو جائز عليه - أم لا؟ ". (¬2) "وهو مروي ... الله تعالى" ليست في ب. (¬3) في أ: "يكون". (¬4) "وقال بعضهم: إنه جائز عليه عقلا ... شرعًا" وردت في ب بعد قول عامة أهل الأصول وقبل قول بعضهم إنه غير جائز عليه. (¬5) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "النص قوله" وبدون "أما". (¬6) سورة النجم: 3 و 4 وهما والآيتان قبلهما: "والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى". (¬7) في ب: "الرسول". (¬8) في أ: "أنه لا ينطق إلا عن وحي".

وأما المعقول - فهو أن في جواز الاجتهاد للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام الشرعية نوع قبح مخصوص ليس ذلك في اجتهاد غيره، وهو أنه سبب لتنفير الناس عن اتباعه والعمل بشريعته، وهو مبعوث للدعوة إلى شريعته، فلا يجوز أن يكون مأذونًا بما يفضي إلى النفرة عنه، فيؤدي إلى المناقضة. وبيانه أن الناس متى سمعوا أنه يحكم في شريعته برأيه واجتهاده، فقبل أن يتأملوا حق التأمل، وسبق (¬1) إلى أوهامهم أنه ينصبه (¬2) من تلقاء نفسه، وذلك سبب للنفرة (¬3)، إذ الطبع ينفر عن اتباع مثله. ولأنه لو جاز له الاجتهاد، ويجوز لمجتهد آخر الاجتهاد أيضًا، يصير غيره مساويًا له في بيان الأحكام، ويجوز لغيره أن يخالفه، لأن على المجتهد أن يعمل باجتهاد نفسه، وإن خالف اجتهاد (¬4) من هو أقوى منه، وهذا في غاية القبح - وذلك يندفع بما قلنا. و (¬5) وجه قول العامة - النصوص، والمعقول: أما النصوص (¬6): - فمنها (¬7) قوله تعالى: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" (¬8) وهذا نص عام. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فيسبق". (¬2) في ب: "إلى أفهامهم أن تنصيبه". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "النفرة". (¬4) في ب: "اجتهاده". (¬5) "و" ليست في (أ) و (ب). (¬6) في أ: "النص". (¬7) الفاء من ب. و"منها" من أ. (¬8) سورة الحشر: 2 - والآية: "هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار". وانظر أيضًا: آل عمران: 13. والنور: 44.

- ولما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة للصائم - هل يفطره (¬1)؟ فقال عليه السلام: أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك؟ قال: لا، قال (¬2): ففيم إذن؟ وهذا هو (¬3) صورة القياس. وكذا روي أنه قال في تحريم الصدقة على بني هاشم: أرأيت (¬4) لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت شاربه؟ و (¬5) هذا قياس. وروي في حديث الخثعمية أنها قالت: إن لي أبًا شيخًا كبيرًا لا يستمسك على الراحلة وقد أدركته فريضة الحج أفيجزئني أن أحج عنه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت (¬6) إن (¬7) كان على أبيك دين فقضيته (¬8) أما كان يقبل منك؟ فقالت: نعم - قال - صلى الله عليه وسلم - (¬9): فدين الله أحق أن يقضى (¬10)، وهذا قياس (¬11) دين الله تعالى على دين العباد. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: قولا، فإني فيما لم يوح إلى مثلكما. وأما المعقول: فهو (¬12) أن القياس والنظر الصحيح في المنصوص عليه، طريق معرفة العلم بحكم الله تعالى، في غير المنصوص عليه، في حق غيره من المجتهدين، فيستحيل أن لا يكون طريقًا في حقه، مع التساوي في سلوك ¬

_ (¬1) لعل الأصح: "تفطره". (¬2) "قال" من (أ) و (ب). (¬3) "هو" ليست في أ. (¬4) "أرأيت" من ب. (¬5) "و" ليست في ب. (¬6) "أرأيت" من (أ) و (ب) (¬7) في ب: "لو". (¬8) في (أ) و (ب) كذا: "فقضيتيه". (¬9) "- صلى الله عليه وسلم -" من ب. (¬10) "أن يقضي" من أ. (¬11) في ب: "فدين الله أحق - فهذا قياس". (¬12) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وهو".

الطريق، إذ (¬1) يستحيل أن يخفى عليه معاني النصوص، ولا يخفى على غيره، مع أنه ظهر له ما خفي على غيره، من المشترك والمجمل والمتشابه. ومتى حصل له العلم بذلك، وجبا عليه التبليغ، خصوصاً في حال نزول الحادثة والسؤال عنه، مع أن اجتهاده صواب (¬2) بيقين، لأنه معصوم عن الخطأ في أمور الدين عند أكثر الأمة، وعند الكل معصوم عن القرار على الخطأ، واجتهاده غيره محتمل، فلما جاز الاجتهاد لغيره، بل وجب، فكذا (¬3) في حقه بطريق (¬4) الأولى. وخرج الجواب عن تعلقهم بقوله تعالى: "وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى" (¬5) إذ (¬6) اجتهاده لما كان صوابًا بيقين، كان وحياً (¬7) من الله تعالى. إلا أن الوحي نوعان: ظاهر وخفي. فالظاهر ما كان على لسان الملك، والخفي ما كان بطريق الإلهام والعلم الضروري أو (¬8) بطريق الاجتهاد. وقولهم إنه يؤدي إلى التنفير - ليس كذلك، لأن الاجتهاد ليس هو نصب الشرع، فإن شارع الأحكام هو الله تعالى، والاجتهاد طريق معرفة شرع الله تعالى بالأمارات (¬9) الدالة عليها، من المعاني التي تعلقت الأحكام بها، كما أن سماع الوحي الظاهر طريق معرفة حكم الله تعالى. و (¬10) هذا ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أو". (¬2) "صواب" ليست في ب. (¬3) في ب: "وكذلك". (¬4) في أ: "بالطريق". (¬5) سورة النجم: 3 و 4. وراجع الهامش 6 ص 462. (¬6) في ب: "أن". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي متن الأصل: "واجبًا" وصححت في الهامش: "وحيًا". (¬8) في أ: "له". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بالأمارة". (¬10) "و" ليست في ب.

اعتقاد كل مسلم، فلا يخطر بباله أنه ناصب الشريعة أو حكم بالاجتهاد (¬1) من تلقاء نفسه، فلا يؤدي إلى التنفير (¬2). ولأن الله تعالى أعطى لرسوله (¬3) صلى الله عليه وسلم العلم بالأحكام، بالطرق كلها، ليكون علمه أوسع ودرجته أرفع، فمن أنكر بعض طرق العلم، للرسول - صلى الله عليه وسلم -، الذي هو أدق وأغمض (¬4)، وأثبت لغيره فقد بالغ في الخطأ. وقولهم فيه تسوية بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬5) وغيره، وفيه تجويز مخالفته (¬6) في الاجتهاد - فليس هكذا، فإنه لا يجوز لأحد أن يجتهد في (¬7) حال حضرته: هو الأصح. ولا يحل (¬8) لأحد من المجتهدين الخلاف له في الاجتهاد، لما ذكرنا أن اجتهاده موجب للعام قطعاً، واجتهاد غيره محتمل، فصار بمنزلة الاجتهاد على مخالفة نص الكتاب وإجماع الأمة. وجه قول الفريق الآخر، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مكرم بالوحي الظاهر، وذلك أقوى الطرق. فإنه إن كان لا يحتمل أن يقر على الخطأ، فقد جوز بعضهم وجود الخطأ منه، ولكن لا يقر عليه، فكان الانتظار لما لا يحتمل الخطأ أحق، إلا إذا كان يحتمل الفوات (¬9)، فحينئذ يشتغل بالاجتهاد. وهذا القول حسن. لكن قول العامة أحق. وكان عليه العمل بجميع أنواع الوحي (¬10)، والتبليغ عند الحاجة، والانتظار للوحي الظاهر في غير موضع الحاجة. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "أو حكم بالاجتهاد" ليست في أهنا. انظر الهامش التالي. (¬2) زاد هنا في أ: "لو حكم بالاجتهاد". راجع الهامش السابق. (¬3) في أ: "رسوله". (¬4) غمض الكلام خفي (المعجم الوسيط). (¬5) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬6) في أ: "مخالفة". (¬7) "في" ليست في ب. (¬8) في ب: "ولا يجوز". (¬9) في ب كذا: "الصواب الصواب". (¬10) راجع ص 465.

مسألة - هل يجوز للعالم المجتهد في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجتهد في حال حضرته أو غيبته أم لا؟ قال أكثر العلماء رحمهم الله: يجوز لمن كان يبعد منه (¬1). واستدلوا بحديث معاذ رضي الله عنه أنه (¬2) حين بعث إلى اليمن (¬3) أمره (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد، وهو حديث مشهور. وقال بعضهم: لا يجوز، لأن اجتهاد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل الخطأ (¬5)، وإنما يجب العمل به عند الضرورة، ولا ضرورة مع إمكان الوصول إلى الصواب بيقين، وهو الرجوع إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال بعضهم: يجب التوقف فيه. لأن هذه المسألة من باب العلم (¬6) دون العمل، فلا يجوز القول فيه بالقطع بحديث معاذ رضي الله عنه، وهو من أخبار الآحاد. وقال بعضهم، وهو الأصح: إن كان في حال يفوت حكم الحادثة بالرجوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في السؤال عنه، يجوز له الاجتهاد لمساس الحاجة. وأما إذ أمكن (¬7) للمجتهد الرجوع (¬8) إلى جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل فوات حكم الحادثة، فالجواب فيه والجواب في حق من كان بحضرته سواء. وقد اختلفوا فيه: ¬

_ (¬1) في أ: "عنه". (¬2) "أنه" ليست في ب. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي اللأصل كذا: "اليمين". (¬4) كذا في أو ب. وفي الأصل: " أمر". وانظر فيما يلي ص 474. (¬5) في أ: "محتمل للخطأ". (¬6) في ب كذا: "العمل". (¬7) كذا في أو ب. وفي الأصل: "لم يمكن". (¬8) في ب: " المجتهد الوصول".

[4] مسألة - اختلف العلماء في شرائع من قبلنا: هل تلزمنا؟

قال بعضهم: يجوز له أن يجتهد في كل حادثة إلا ما قام الدليل على المنع. وقال بعضهم: لا يجوز له (¬1) الاجتهاد أصلا وقال بعضهم: يجوز له (¬2) أن يجتهد بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك - فأما بدون إذنه فلا. والأولى أن يقال (¬3): لا يجوز لمن كان بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قبل الإذن منه صريحًا. ولا يجوز بالإذن إلا في حادثة مخصوصة: أمر بذلك بطريق الوحي لمصلحة في ذلك (¬4). لأن رأي النبي عليه السلام أقوى من رأيه، فلا يجوز له ترك الأقوى مع القدرة عليه (¬5)، كما لا يجوز للمجتهد في زماننا أن يجتهد (¬6) مع إمكان الوصول إلى النص. والله أعلم. [4] مسألة - اختلف العلماء في شرائع من قبلنا: هل تلزمنا (¬7)؟ نحتاج (¬8) إلى: - بيان صورة المسألة. - وإلى بيان حكمها. أما الأول: فإن شريعة من قبلنا إنما تعرف: إما بالتنصيص عليها في كتابنا من غير ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لهم". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لهم". (¬3) "يقال" من ب. (¬4) "أمر بذلك. . . في ذلك" ليست في ب. (¬5) كذا في الصل وأ. وفي ب: "النبي - صلى الله عليه وسلم - صواب بيقين، وفي رأيه احتّمال، فلا يجوز له ترك الصواب يقينًا والرجوع إلى المحتمل". (¬6) "أن يجتهد" من أ. وليست في الأصل وب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "يلزمنا". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يحتاج".

إنكار، وإما بقول رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من غير إنكار (¬1)، ومن غير بيان النسخ. أما لا يثبت بقول أهل الكتاب لكونهم متهمين في ذلك، ولا بكتابهم - لأنه ثبت تحريف بعضه، عندنا، بقوله تعالى: "يحرفون الكلم عن مواضعه" (¬2)، ولا بقول من أسلم منهم أيضًا، لأنه إنما (¬3) عرف ذلك بظاهر الكتاب أو بقول جماعتهم، لا حجة في ذلك لما قلنا. وأما حكم المسألة: فقد اختلف فيه (¬4) أهل الأصول: قال بعضهم: لا يلزمنا، إذ (¬5) لمنبي شريعة على حدة تنتهي بوفاته، ويتجدد للثاني شريعة أخرى إلا ما لا يحتمل التوقيت والانتساخ. وقال بعضهم: كل شريعة ثثبتت لنبي، في باقية في حق منبي إلى قيام الساعة، ما لم يثبت الانتساخ. فعلى هذا يلزمنا شريعة من قبلنا، إلا ما ثبت نسخه بكتابنا، وبوحي ثبت في حق رسولنا عليه السلام. وبه قال كثير من أصحابنا وأصحاب الشافعي رحمهم الله. وقال بعضهم: إنه لا يلز مه إلا اتباع شريعة إبراهيم عليه السلام. وقال مشايخنا [و] رئيسهم الشيخ (¬6) الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله: إن ما عرف بقاؤه (¬7) من شريعة من قبلنا بكتابنا أو بقول رسولنا ¬

_ (¬1) "وإما بقول. . . إنكار" ليست في ب. (¬2) سورة النساء: 46: "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ". والمائدة: 13: "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ. . . ". والمائدة: 41: ". . . وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا. . .". والبقرة: 75: "وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ". (¬3) "إنما" من (أ) و (ب). (¬4) "فيه" ليست في أ. (¬5) في ب: "بل". (¬6) "الشيخ" ليست في أ. (¬7) في ب كذا: "بقاه".

- صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت انتساخه، يصير شريعة لرسولنا - صلى الله عليه وسلم -، فيلزمه ويلزمنا (¬1) على أنه شريعته، لا أنه يلزمنا على أنه شريعة (¬2) من قبلنا من الأنبياء عليهم السلام، كما في سائر ما تجدد في شريعتنا: يلزمنا على أنه شريعة نبينا. وهذا هو مذهب أصحابنا، حتى روي عن محمد رحمه الله أنه احتج لجواز (¬3) قسمة الشرب بقصة صالح عليه السلام: أن الله تعالى جعل لناقته شرب يوم ولقومه شرب يوم، كما قال تعالى: "لها شرب ولكم شرب يوم معلوم" (¬4): لما قص الله تعالى من غير إنكار، صار شريعة لنبينا - صلى الله عليه وسلم -. وجه قول الفريق الأول- النص (¬5)، والمعقول: أما النص- فقوله (¬6) تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" (¬7). وهذا نص على أن لمنبي شريعة على حدة، ومن ضرورته أن تنتهي بوفاته وتتجدد (¬8) في حق (¬9) الثاني، إلا ما لا يحتمل التوقيت، كأصل العبادات ونحوها. و [المعقول]: لأن كل واحد رسول الله تعالى: فإن (¬10) الرسول من يبلغ رسالة المرسل، فيكون (¬11) سفيرًا بين المرسل والمرسل إليهم (¬12)، فيما يرجع إلى مصالح داريهم، فالرسالة هي السفارة في اللغة والعرف. ¬

_ (¬1) في ب: "فيلزمنا ويلزمه". (¬2) في أ: "شريعته". (¬3) في ب: "بجواز ". (¬4) سورة الشعراء: 155 - والآية: "قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم". كما قال تعالى في سورة القمر: 28: "ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر". (¬5) في أ: "النقل". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "قوله". (¬7) سورة المائدة: 48. (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل التاء الأولى غير منقوطة. (¬9) "في حق" من (أ) و (ب). (¬10) في أ: "وإن". (¬11) في ب: "ويكون". (¬12) "إليهم" ليست في أ.

وإذا كان تفسير الرسول (¬1) هذا، [فـ] لو لم ينته الشريعة الأولى وتتجدد (¬2) في حق الثاني، يكون الثاني خليفة للأول ورسوله، لا رسول الله تعالى. فإن الرسول الأول في حال حياته إذا أرسل واحدًا من أوليائه وأصحابه إلى بلدة من بلاد مملكته يكون المرسل رسوله (¬3) لا رسول الله تعالى، فكذا بعد وفاته: لو كان الثاني يقوم بإحياء (¬4) شريعته، يكون رسوله وخليفته، لا رسول الله تعالى، والكلام في الرسول. أما نحن [فـ] نجوز أن يكون الثاني (¬5) بعد الرسول خليفته، لا رسول الله تعالى، بأن جعله خليفة نفسه بعد وفاته، باجتهاده أو بالوحي، فيعمل بشريعة (¬6) الأول، ولم ينزل إليه الوحي بعده، كما بعد رسولنا - صلى الله عليه وسلم - (¬7): يكون العلماء خلفاءه ورسله (¬8)، لا رسل (¬9) الله تعالى. ولهذا قلنا: كان يجوز أن يبعث الله تعالى، في زمان واحد، رسولين ورسلا، إلى أماكن مختلفة متباينة، وشريعتهم واحدة أو مختلفة، لوجود حد الرسالة. وكذا يجوز [أن يبعث] في مكان واحد، أو في (¬10) مكانين قريبين، رسولين (¬11)، كهرون وموسى، وإبراهيم ولوط، عليهم السلام، إذا كانت (¬12) شريعتهما واحدة ويجوز إذا كانت (¬13) شريعتهما (¬14) مختلفة إذا ¬

_ (¬1) زاد في ب: "صلى الله عليه وسلم". (¬2) في الأصل التاء الأولى غير منقوطة. (¬3) في أ: "ورسوله". (¬4) في ب: "بأخبار". (¬5) في ب: " أن يكون واحد". (¬6) في ب: "شريعة". (¬7) "صلى. . . وسلم" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ورسوله". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا رسول". (¬10) "في " من ب. (¬11) في أ: "رسولان". (¬12) التاء من ب. وفي الأصل و (أ): "كان". (¬13) التاء من ب. (¬14) هنا في أتكرار عبارة: "واحدة ويجوز إذا كانـ[ت]، شريعتهما".

بعثا إلى طائفتين. أما لا يجوز أن يبعث إلى طائفة واحدة، في زمان واحد (¬1)، رسولان (¬2)، على شريعة مختلفة، لتضاد بينهما - فدل أن الدار على هذا. وجه قول الفريق الثاني - النص، والمعقول: أما (¬3) النص - فقوله (¬4) تعالى: "فبهداهم اقتده" (¬5). فالله تعالى (¬6) أمر النبي عليه السلام بالاقتداء بهدى الأنبياء المتقدمة، والهدى اسم للإيمان والشرائع - قال الله تعالى: "هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة" (¬7) - إلا أنه (¬8) فسر الهدى بالإيمان والشرائع جميعًا - ألا ترى أنه قال تعالى (¬9) في آخره: "أولئك على هدى من ربهم" (¬10). وأما المعقول - فهو (¬11) أن ما ينسب (¬12) إلى الأنبياء عليهم السلام من الشريعة، فهو شريعة الله تعالى، لا شريعة من قبلنا من الأنبياء عليهم السلام، فهو الشارع للشرائع والأحكام - قال الله تعالى: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً" (¬13) - وإذا كان كذلك [فـ]، يجب على منبي ¬

_ (¬1) "في زمان واحد" من (أ) و (ب). (¬2) في ب: "رسولين". (¬3) " أما" ليست في ب. (¬4) الفاء من أ. (¬5) سورة الأنعام: 90: "أو لثك الذين هدى الله فبداهم اقتده". (¬6) "فالله تعالى" من أ. (¬7) سورة البقرة: 1 - 5: "الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون". (¬8) "إلا أنه" من ب. (¬9) "تعالى" من ب. (¬10) سورة البقرة: 5. راجع الهامش 7 المتقدم. (¬11) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬12) في (أ) و (ب): "ما نسب". (¬13) سورة الشورى: 13.

الدعاء إلى شريعة الله تعالى وتبليغها إلى عباده (¬1) - قال الله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إلي إليك من ربك" (¬2) - إلا إذا ثبت الانتساخ، فيعلم به أن المصلحة قد تبدلت بتبدل الزمان، فينتهى الأول إلى الثاني. وأما (¬3) مع بقائه شريعة لله تعالى أو (¬4) مع قيام المصلحة والحكمة (¬5) في البقاء، [فـ] لا يجوز القول بانتهائها بوفاة الرسول (¬6) المبعوث الآتى بها، فيؤدي إلى التناقض - تعالى الله عن ذلك. وجه قول من ادعى الاختصاص باتباع إبراهيم عليه السلام - ظاهر قوله تعالى: "ثم اوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً" (¬7) وقال الله تعالى: "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً" (¬8)، فيجب القول به. وجه القول المختار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث لحفظ ما أنزل إليه من الله تعالى وتبليغه إلى الخلق - قال الله تعالى: "سنقرؤك فلا تنسى إلا ما شاء الله" (¬9) وقال الله (¬10) تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" (¬11)، وما بعث لحفظ شرائع من قبله من الأنبياء عليهم السلام (¬12) وتبليغ ذلك ¬

_ (¬1) في ب: "عباد الله". (¬2) سورة المائدة: 67 (¬3) في (أ) و (ب): "فأما". (¬4) الهمزة من ب. (¬5) في ب: "والحكم". (¬6) زاد في ب: "صلى الله عليه وسلم". (¬7) سورة النحل: 123. (¬8) سورة آل عمران: 95. وانظر أيضًا البقرة: 135. والنساء: 125. والأنعام: 161. ويوسف: 37 و 38. والنحل: 123. والحج: 78. (¬9) سورة الأعلى: 6 - 7: "سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفي". (¬10) "الله" ليست في ب. (¬11) سورة المائدة 67 (¬12) "عليهم السلام" من أ.

إلى أمته، لأنه لو بعث لذلك يصير كواحد من دعاتهم وواحد (¬1) من علمائهم وخلفائهم (¬2) دون أن يكون مبعوثاً ليكون رسول الله تعالى إلى خلقه، لتبليغ شريعته إليهم - ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رسلا إلى الآفاق، وهم لا يكونون رسل الله تعالى بل رسل النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاته وخلفاءه في تبليغ الوحي. كما قال - صلى الله عليه وسلم - (¬3) لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "بم تقضي؟ " قال: "بكتاب الله تعالى" - قال: "فإن لم تجد؟ " قال: "بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬4) قال: "فإن لم تجد؟ " قال: "أجتهد في ذلك رأيي" (¬5)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله" - إذ لو كانوا رسل الله تعالى لوجب علينا الانقياد لكل (¬6) ما سمعنا منهم والاعتقاد به (¬7) قطعًا، ولا يجب علينا سوى ما نسبوا إلى النبي (¬8) عليه السلام، ولما ذكرنا من حد الرسالة أيضاً. و (¬9) لأنه كان عليه السلام من أفضل الرسل عليهم السلام، فلم (¬10) يجز أن تكون شرائعهم لازمة لنا، حتى يكون هو داعياً لغيره، في تبليغ شرائعهم إلى أمته (¬11) فيبطل فضله، لصيرورته تبعاً لهم في الشرائع. ولأنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء عليهم السلام بقوله (¬12) تعالى: "وخاتم النبيين" (¬13). ثم ثبت نزول عيسى صلوات الله ¬

_ (¬1) في ب: "وكواحد". (¬2) "وخلفائهم" ليست في ب. (¬3) و (¬4) "صلى. . . وسلم" من ب. (¬5) في ب كذا: "برأي". وانظر فيما يلى ص 561. (¬6) في أ: "بكل". (¬7) "به" من (أ) و (ب). (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إليه عليه السلام". (¬9) في هامش أ: " وإذا ثبت هذا وكان عليه السلام". (¬10) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لم". (¬11) "إلى أمته" من (أ) و (ب). (¬12) في ب: "لقوله". (¬13) سورة الأحزاب: 40: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما".

عليه في آخر الزمان بطريق الشهرة، وقال أهل التفسير في قوله تعالى: "وإنه لعلم للساعة" (¬1). وفي قراءة: "وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها" - ير اد به عيسى عليه السلام، وكان (¬2) يدعو الناس إلى شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، لا إلى شريعة نفسه، فإنه يقاتل الدجال، والقتال لم يكن مشروعاً في شريعته. ولو ثبتت الرسالة بالدعاء إلى شريعة غيره، لصار عيسى مبعوثاً لتبليغ رسالته، فيصير هو خاتم الأنبياء، لا (¬3) رسولنا، فيؤدي إلى الخلف في خبر الله تعالى، وهو فاسد (¬4)، فما أفضى إليه مثله. ويدل عليه ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في يد عمر رضي الله عنه صحيفة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما هي (¬5)؛؟ " فقال: "التوراة"، فغضب رسول الله (¬6) - صلى الله عليه وسلم - وقال: "أتتهوكون (¬7) أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى. والله (¬8) لو كان موسى صلو ات الله عليه (¬9) حياً لما وسعه إلا اتباعي": فيه إشارة إلى أنه هو المتبوع، وعلى ما قلتم جعل المتبوع تابعاً، وهذا مما يجب التبري عنه في صفاته - صلى الله عليه وسلم -. والجواب: - عن تعلقهم بقوله تعالى: "فبهداهم اقتده" (¬10) - فنقول: المراد من الهدى ههنا هو الدين، وإن كان يحتملهما (¬11) لغة أو (¬12) يشملهما، لوجهين: ¬

_ (¬1) في الأصل قد تكون "الساعة"- سورة الزخرف: 61: "وإنه لعلم للساعة فلا تمترون بها واتبعون هذا صراط مستقيم". (¬2) في أ: "فإنه". (¬3) "لا" ليست في ب. (¬4) "وهو فاسد" ليست في ب. (¬5) في ب: "ما كان". (¬6) "رسول الله" ليست في ب. (¬7) هوك الرجل هوكا حمق وفيه بقية من عقل. وتهوك فلان تحير وتهور واضطرب في القول (المعجم الوسيط). وفي أ: "أمتهوكون". وفي ب: "أمهوكون". (¬8) "والله" من أ. (¬9) "صلوات الله عليه" ليست في ب. (¬10) سورة الأنعام: 90. وراجع فيما تقدم ص 472. (¬11) في ب كذا: "ـحههما". (¬12) في أ: "و".

• أحدهما - أن قوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" (¬1) خاص في حق (¬2) الأحكام. وقوله تعالى (¬3): "فبهداهم اقتده" (¬4) إما عام أو مشترك، وكيفماكان: فالعمل بالخاص أولى من العمل بالعام (¬5) والمشترك، فيكون (¬6) عملا بالدليلين. • والثاني - أن الله تعالى أمره بالاقتداء بهداهم. فإن (¬7) كان المراد منه الدين، أمكن الاقتداء بجميع الأنبياء، لأن دين الكل واحد - قال الله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام" (¬8). فأما الاختلاف [فـ] ثابت في كثير من الشرائع بينهم، فلا يمكن الاقتداء بالكل في الشرائع في زمان واحد، لأنه يؤدي إلى التضاد، فوجب الحمل على الدين عملا بعموم الاقتداء، ويكون موافقاً للنص الآخر أيضاً، وهو قوله تعالى: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً" إلى أن قال: "ولا تتفرقوا فيه (الآية) " (¬9)، وذلك لا يتصور إلا في الإيمان، لأن في كثير من الشرائع تفرقوا فيه - وهو الجواب عن تعلقهم بقوله تعالى: "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً" (¬10): المراد ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 48. راجع ص 470. (¬2) "حق" من أ. (¬3) "تعالى" من ب. (¬4) سورة الأنعام: 90. راجع ص 472. (¬5) كذا في أ: "من العمل بالعام". وفي الأصل و (ب): "من العام". (¬6) في أ: "ليكون". (¬7) في ب: "وإن" (¬8) سورة آل عمران: 19. (¬9) سورة الشوري: 13: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين كما تدعوهم إليه الله يجتبى إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب". (¬10) سورة آل عمران: 95. وانظر أيضًا البقرة: 130، 135. والنساء: 125. والأنعام: 161. ويوسف: 38. والنحل: 123.والحج: 78. وراجع الهامش 8 ص 473.

من الملة (¬1) هو الدين، إما (¬2) لأن الملة والدين واحد في اللغة، أو كان اسماً للدين (¬3) والشرائع جميعاً، ولكن المراد منه ههنا هو الدين دون الشريعة، لما ذكرنا من تفسير الرسالة - وفي الآية ما يدل عليه فإنه قال تعالى (¬4): "وما كان من المشركين" (¬5): دل أنه كان مأمورًا (¬6) بالاتباع في الدين. - وأما ما ذكروا من المعقول: أن ما نسب من الشريعة إلى الأنبياء، فهو (¬7) شريعة الله تعالى، فنقول: بلى، ولكنها منسوبة إلىمنبي أمر بتبليغه إلى أمته بطريق الرسالة من الله تعالى، لا بطريق الخلافة والنيابة (¬8) عن رسول آخر، بل يكون سفيرًا بين الله تعالى وبين خلقه، فيما أخبر من صلاح داريهم، وأمر بتبليغه إليهم، وإنما يتحقق هذا أن لو انقطعت النسبة عن غيره ويكون شريعته ابتداء، إذ لو لم تنقطع النسبة يكون داعياً لمن نسب إليه، وخليفة (¬9) عنه في التبليغ على ما ذكر نا، إلا أن ما ثبت من الشرائع االمتقدمة وبقي إلى وقت مبعثه، يصير شريعة له، ويؤمر (¬10) بتبليغه بالرسالة عن (¬11) الله تعالى، والنيابة عنه، لا أنه نائب عن الرسل المتقدمة في تبليغ ما هو شريعة لهم إلى أمته (¬12) على ما ذكرنا. ¬

_ (¬1) "من الملة" من ب. والملة الشريعة أو الدين (المعجم الوسيط). (¬2) "إما" ليست في ب. (¬3) كذا في ب وهامش أتصحيحاً. وفي الأصل ومتن أ: "للإيمان". (¬4) "تعالى" من ب. (¬5) سورة آل عمران: 95 الآية: " قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "دل أنه مأمور". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فهي". (¬8) "والنيابة" ليست في ب. (¬9) في ب: "نسبت وخليفة". (¬10) في ب: "فيؤمر". (¬11) في أ: "من". (¬12) "إلى أمته" من ب.

- فإن قالوا: أليس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قبل نزول الوحي عليه (¬1) على أحكام شريعة (¬2) إبراهيم عليه السلام في الحج والمناسك وغيرهما (¬3) مما عرفه بقول الثقات: فإنه كان يقف بعرفة خلاف ما كان (¬4) يفعله المشركون من الوقوف في الحرم دون عرفة (¬5). وكان المشركون يطوفون بالبيت (¬6) عراة (¬7)، وهو يطوف كاسياً طاهراً. وكان (¬8) لا يأكل المهية ويأكل الذبيحة ويرى ذبح البهائم من النعم والوحش. وكان يركب الفرس والبعير. وكان يستعمل الختان - كما هو شرع إبراهيم عليه السلام. وكل (¬9) ما عرف من شرائعهه امتثل به وعمل على موجب حكمه، إلا ما ثبت انتساخه بعد ذلك في شريعته، وما لم يعرفه منها فليس بفرض عليه. على أن بعد المبعث (¬10) رجم يهوديًا ويهودية بحكم التوراة وطلب منهم إحضار التوراة وقال: "أنا أحق بإحياء سنة أماتوها". وكذلك دخل المدينة - صلى الله عليه وسلم - (¬11) يوم عاشوراء (¬12) فوجد اليهود يصومون، فسأل عن شأنهم، فقيل: إن هذا يوم أنجى الله تعالى فيه موسى عليه السلام وأغرق فوعون فيصمومون شكراً لذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم - (¬13): "أنا أحق بإحياء سنة أخي موسى عليه السلام"، فصام وأمر الناس بالصوم - والجواب: قلنا: ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في ب. (¬2) "شريعة" ليست في ب. (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وغيره". (¬4) "كان" من أ. (¬5) في هامش أ: "غيره" أي دون غيره. (¬6) "بالبيت" من ب. (¬7) كذا في أ. وفي الأصل: "عريانا". وفي ب: "عرايا". (¬8) في ب: "فكان". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وكان". (¬10) في أ: "البيت". (¬11) "صلى. . . وسلم" من ب. (¬12) "يوم عاشوراء" ليست في ب. (¬13) "صلى الله عليه وسلم" من ب.

• إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الوحي، في مقام النبوة، على ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين. وكان يرى من نواقض العادات ما يعرف أنه معد لأمر عظيم، فما ثبت عنده بقول (¬1) أسلافه، وكان (¬2) من ممكنات العقل لا من ممتنعاته، فرأى حسنه باجتهاده، وهو معصوم عن الغلط في أمور الدين، وعن كل قبيح خفي - فيصير شريعة له، فيعمل على أنه شريعة الله تعالى، وأنه واجب عليه العمل به- كما كان يفعل (¬3) في بعض الأشياء بعد المبعث باجتهاده ولم ينتظر نزول الوحي - فلم يكن ذلك عملا بشريعة من قبله في الحاصل. • وأما رجم اليهوديين فنقول: كان الرجم من شريعته في ابتداء الأمر على ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن مما يتلى في كتاب الله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم"، وكان من عادة القوم الزنا، وكان لا ينزجر (¬4) البعض عن ذلك، فشرع أغلظ الزواجر مبالغة (¬5) في الزجر. ثم لما تركت (¬6) العامة ذلك وقل وجوده، وقع الاكتفاء بالأدنى، فانتسخ في بعض الأزمان. ثم لما تغير الزمان وتبدلت المصلحة شرع في حق البعض الرجم وبقي الجلد (¬7) في حق البعض. ولكن كان اليهود في الابتداء ما التزموا أحكام شرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما صاروا ذمة له، وكانوا أنكروا الرجم فأمرهم ¬

_ (¬1) في ب: "كما ثبت بقول". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: " فكان". (¬3) في ب. "يفعل به". (¬4) في ب كذا: "لاندجر". (¬5) كذا في هامش أ. وفي الأصل وب ومتن أ: "إبلاغًا" - وبالغ في الشيء مبالغة وبلاغًا اجتهد فيه واستقصى أو غالى فيه (المعجم الوسيط) (¬6) في ب: "ترك". (¬7) "الجلد" ليست في ب.

[5] مسألة نختم بها باب السنة وهي أن تقليد الصحابي، على التابعي المجتهد: هل هو واجب أو جائز - أم لا؟

بإحضار التوراة وأظهر أن ذلك حكم شريعتهم، إظهارًا للمعجزة في حقهم: أنه عرف ذلك من الله تعالى إذ هم كانوا يخفون ذلك، ولم يعرف (¬1) بالسماع منهم، ثم أقام الرجم بحكم شريعته عند نفسه، وإن كان عند اليهود أنه أقام الرجم (¬2) بحكم شريعتهم، أو كان جائزًا أن ذلك صار شريعة له في حق ذينك (¬3) اليهوديين على الخصوص (¬4)، لا في حق العامة. وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أحق بإحياء سنة أماتوها" أو قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أحق بإحياء سنة أخي موسى عليه السلام" بناء على زعمهم (¬5)، و (¬6) أما في الحقيقة [فقد] صار ذلك سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -. • وأما صوم عاشوراء فبعض أصحابنا قالوا: إنه لم يكن فرضاً في شريعتنا، ولكنه ندب الناس إلى صوم عاشوراء لفضيلة ذلك اليوم، وصار ندب الصوم (¬7) فيه شريعة له - صلى الله عليه وسلم - (¬8)، لا أنه أمرهم بذلك عملا بشريعة موسى عليه السلام- والله أعلم (¬9). [5] مسألة نختم بها باب السنة وهي أن تقليد الصحابي، على التابعي المجتهد: هل هو واجب أو جائز - أم لا؟ ¬

_ (¬1) في ب: "ولم يعرفه". (¬2) "الرجم" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ذلك". (¬4) "على الخصوص" ليسست في ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): " أنا أحق بإحياء سنة أماتوها بناء على زعمهم". راجع ص 478. (¬6) "و" من أ. (¬7) في أ: "ندب الرسول". (¬8) "صلى. . . وسلم" من ب. (¬9) "والله أعلم" ليست في أ

لم يثبت في هذه المسألة عن أصحابنا المتقدمين رواية ظاهرة إلا ما روي عن أبي حنيفة رحمة الله عليه أنه قال: إذا أجمعت (¬1) الصحابة سلمنا لهم، وإذا جاء التابعون زاحمناهم - وإنما قال ذلك، لأنه كان منهم، فلا يثبت لهم، بدونه (¬2)، إجماع (¬3). وروي عن أبي سعيد البردعي (¬4) رحمه الله أنه قال: تقليد الصحابي واجب: يترك (¬5) بقوله القياس. وعليه أدركنا مشايخنا (¬6). وقاك أبو الحسن الكرخي رحمه الله (¬7): لا يجب (¬8) تقليده إلا فيما لا يدرك بالقياس. وقال بعض مشايخنا: لا يجب (¬9) تقليد الصحابي إلا أن يكون قبوله موافقاً للقياس. وللشافعي قولان. وأكثر أصحابه على أنه لا يجب تقليده. وعن الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله عن أصحابنا أن تقليد الصحابي واجب إذا كان من أهل الفتوى ولم يوجد من أقرانه خلاف ذلك. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "اجنمعت". (¬2) في أ: "بدون". (¬3) في هامش أ: "لأن التالي من رأى أصحابي، وأبو حنيفة رضي الله عنه رأى أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وعبد الله بن جزه الزبيدي وأبا الطفيل وغيرهم رضي الله عنهم". وذكر الموفق الخوارزمي في "مناقب الإمام الأعظم" (1: 26 - 37) فيمن روى أن أبا حنيفة لقيهم من الصحابة، الثلاثة الأول وواثلة بن الأسقع وعبد الله بن أنيس وعائشة بنت عجرد وغيرهم". انظر السرخسي، الأصول، 1: 313 - 314. (¬4) تقدمت ترجمته في الهامش 4 ص 278. (¬5) في ب: "نترك". (¬6) في ب: "وعليه أكثر مشايخنا". وفي أصول السرخسي (2: 105) والبزدوي (3: 217) كما في المتن. (¬7) تقدمت ترجمته في الهامش 7 ص 210. (¬8) كذا في هامش أ: "لا يجيب". وكذا في أصول البزدوي والبخاري عليه، 3: 217. وفي الأصل ومتن (أ) و (ب) "لا يجوز". وانظر أيضًا أصول السرخسي، 2: 105. (¬9) في ب: "لا يجوز".

أما إذا خالفه غيره، [فـ] لا يجب تقليد البعض، ولكن يجب ترجيح (¬1) قول البعض بالدليل - وهو الأصح. وقال بعضهم: يجب تقليد الخلفاء الراشدين، كتقليد أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما (¬2). وصورة المسألة أن الصحابي إذا ورد عنه قول في حادثة لم (¬3) يحتمل الاشتهار فيما بين الصحابة، بأن كانت مما لا تعم (¬4) به (¬5) البلوى والحاجة للكل، ولم يكن من باب ما يشتهر عادة، ثم ظهر نقل هذا القول في (¬6) التابعين، ولم يرو عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم خلاف (¬7) ذلك. فأما (¬8) إذا كان القول في حادثة من حقها، الاشتهار لا محالة ولا يحتمل الخفاء، بأن كانت (¬9) الحاجة والبلوى تعم العامة أو (¬10) يشتهر مثلها فيما بين الخواص (¬11)، ولم يظهر الخلاف من غيره فيه - فهذا إجماع (¬12) يجب العمل به، على ما نذكر في فصل الإجماع. ¬

_ (¬1) في هامش أ: " ولكن يرجح". والعبارة عن الماتريدي تطابق تقريبًا ما جاء عنه في كشف الأسرار: فعبارة كشف الأسرار (3: 217): "وعن الشيخ أبي منصور عن أصحابنا أن تقليد الصحابي واجب إذا كان من أهل الفتوى ولم يوجد من أقرانه خلاف ذلك. وأما إذا خالفه غيره فلا يجب تقليد البعض ولكن يجب الترجيح بالدليل". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الراشدين وتقليد أبي بكر وعمر رضى الله عنهما أيضًا" قال في كشف الأسرار (3: 217): "ومنهم أي من العلماء من فضل التقليد أي في تقليد الصحابة، فقلد أو أوجب تقليد: الخلفاء الراشدين وأمثالهم أي في الفضيلة والتخصيص بتشريف مثل ابن مسعود وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم. ومن قلد الخلفاء الأربعة. ومنهم من قلد اللشيخين لا غير". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لا يقع". (¬5) في ب: "بها". (¬6) في ب: "من". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بخلاف". (¬8) في ب: "وأما". (¬9) في أ: "كان". (¬10) في أ: "و". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الخاص". (¬12) في أ: " الإجماع".

وجه قول من قال لا يجب التقليد ولا يجوز: - قوله تعالى: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" من غير فصل. - ولما روي عن عر رضي الله عنه أنه كتب إلى شريح: "اقض بكتاب الله تعالى ثم بسنة رسول الله ثم برأيك" ولم يقل "بقولي". ولما روي عن شريح رضي الله عنه أنه خالف عليًا رضي الله عنه في رد شهادة الحسن (¬1) لعلي رضى الله عنهما. وعن مسروق أنه خالف ابن عباس في النذر بنحر (¬2) الولد وأوجب ذبح شاة، وابن عباس أوجب ذبح بدنة (¬3)، ثم رجع ابن عباس رضي الله عنهما إلى قوله. - ولأن الصحابي غير معصوم عن الخطأ والغلط، ولهذا جاز له أن يرجع عن هذا القول إلى قول آخر. وكذا يجوز لغيره من الصحابة (¬4) أن يخالف (¬5) فيه. وإذا كان قوله محتملا في نفسه، [فـ] لا (¬6) يجوز تقليده، كما في حق التابعي: لا يجوز تقليده لما ذكرنا. ولأن الصحابي لا يخلو: إما أن يقول هذا القول عن اجتهاد، أو عن حديث عنده: فإن كان عن حديث فيجب اتباعه، وإن كان (¬7) قوله عن اجتهاد فهو راجع إلى أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وذلك الأصل موجود في حق التابعين ومن بعدهم، فيجب عليهم النظر والتأمل في ذلك الأصل، ليتبين لهم أن هذا الحكم فرع ذلك الأصل ¬

_ (¬1) في متن أ: " الحسين" وفي الهامش "الحسن". (¬2) في (أ) و (ب): "يذبح". (¬3) في هامش أكذا: "مائة". والبدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة قربانًا وكانوا يسمنونها لذلك (المعجم الوسيط). (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الصحابي". (¬5) في (أ) و (ب): "يخالفه". (¬6) "لا" ليست في ب. (¬7) "عن حديث. . . وإن كان" من ب. وقد وردت هذه العبارة في هامش أفي موضع بعد هذا سنشير إليه - انظر الهامش 2 ص 484.

فيتبعونهم (¬1)، أو فرع أصل آخر فيخالفونهم (¬2). فأما التقليد بغير (¬3) اجتهاد ونظر فلا، والله تعالى أمر (¬4) بالاعتبار دون التقليد ثم من قال منهم: إنه يجب التقليد فيما لم يدرك بالرأي، [فـ] لأن الظاهر أن الصحابي الفقيه (¬5) لم يقل، بقول مخالف للقياس، إلا عن حديث ثابت عنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيجب حمله عليه. ومن قال: إنه إذا كان موافقاً للقياس يجب تقليده، وإن كان بخلاف القياس لا يجوز له (¬6) العمل به (¬7) -[فـ] لأن القياس ظهر كونه حجة، وهو قائم دائم (¬8)، و [روايته] الحديث محتملة (¬9) للغلط والسهو، وأن الراوي سمع بعض الحديث، وأنه بدون الباقي يختلف معناه (¬10) وحكمه، فلا يترك الحجة بالاحتمال (¬11). وأما من ادعى الخصوص [فقد] تعلق بقوله عليه السلام: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والأمر للوجوب. وإذا كان الاقتداء (¬12). بهما واجبًا، فالاقتداء بالخلافاء الراشدين كذلك (¬13). ¬

_ (¬1) في أ: " فيتبعوهم". وفي ب: "فيتبعونه". (¬2) في أ: "فيخالفوهم". وفي ب: "فيخالفونه". وفي وردت في هامش أعبارة: "وإن كان عن حديث فالواجب اتباع ذلك الحديث". وقد وردت هذه العبارة في ب قبل هذا الهامش 7 ص 483. (¬3) في أ: "بلا". وفي ب: "وأما التقليد بلا". (¬4) في (أ) و (ب): "أمرنا". (¬5) في ب: "الفقيه الصحابي". (¬6) "له" من (أ) و (ب). (¬7) "به" ليست في ب. (¬8) "دائم" من أ. (¬9) في ب: "وبروايته الحديث محتملة. وفي الأصل و (أ): "والحديث محتمل". وفي كشف الأسرار (3: 221): " وإن كان عن حديث فهو محتمل للغلط والسهو، وأنه سمع بعض الحديث، بدون الباقي يختلف معناه وحكمه، فلا يترك الحجة بالاحتمال". (¬10) "معناه" ليس في ب. (¬11) راجع الهامش: 9. (¬12) في ب كذا: "وإذا كان الأمر بهما". (¬13) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "أحق" أولعل المراد: أحق من القياس.

ووجه القول المختار: الكتاب، والسنة، والمعقول: - أما الكتاب، فقوله تعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان" (¬1) - مدح الصحابة رضى الله عنهم والتابعين لهم بالإحسان. وإنما استحق التابعون لهم المدح واتباعهم لهم والإحسان (¬2)، من حيث الرجوع إلى رأيهم، دون الرجوع إلى الكتاب والسنة - لأن في ذلك استحقاق المدح باتباع الكتاب (¬3) والسنة (¬4)، لا باتباع الصحابة - وذلك إنما يكون في قول وجد منهم ولم يظهر من بعضهم خلاف ذلك، أو (¬5) إذا كان فيهم (¬6) إجماع. أما إذا كان بينهم اختلاف فلا يكون في هذا موضع استحقاق المدح، لأنه إن كان يستحق المدح واتباع البعض [فإنه] يستحق الذم بترك اتباع البعض، فوقع التعارض في هذا، فكان (¬7) النص دليلا على وجوب تقليدهم إذا لم يوجد بينهم اختلاف ظاهر، والكلام فيه وقع، وهو موضع الخلاف. - وأما السنة، [فـ] ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما مثل أصحابي مثل النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم"، والنص مطلق يتناول كل واحد من الصحابة إذا لم يكن له مخالف فيه، والكلام فيه واقع (¬8). - وأما المعقول، فهو (¬9) أن القياس عمل بغالب الرأي والظن، لا بطريق ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 100 - والآية: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لاتباعهم بالإحسان". (¬3) في ب: " المدح بالكتاب". (¬4) "لأن في ذلك. . . والسنة" من (أ) و (ب) مع ملاحظة الهامش السابق، وليست في الأصل. (¬5) في ب: "و". (¬6) في (أ) و (ب): "منهم". (¬7) في أ: "وكان". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "قع". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو".

التيقن (¬1)، ولا شك في خفاء طريق الاجتهاد، ولا شك في تفاضل الناس في باب الاجتهاد، فكان (¬2) العمل باجتهاد من هو أبصر بوجه (¬3) الحق، وكان الأغلب أنه على الصواب، أولى. وإن اجتهاد الصحابي، في غلبة الحق والصواب، فوق اجتهاد التابعي لوجوه: • أحدها - أن للصحابة (¬4) زيادة جهد وحرص في بذل مجهودهم في طلب الحق، والقيام بما هو سبب قوام الدين، والاحتياط في حفظ الأحاديث، وضبطها وطلبها، والتأمل فيه لا نص عندهم غاية التأمل، على ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا روى حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترتعد (¬5) فرائضه ويقول: "هذا أو قريباً منه". وروي عنه أنه اختلف السائل إليه (¬6) في مسألة (¬7) شهرًا ولم يسمع فيها الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان (¬8) يتأمل فيها احتياطًا، صيانة عن الوقوع في الخطأ، فلما أراد الجواب قال: "إن يك صوابًا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان". مع أن لهم فضل درجة لم يكن لغيرهم على ما قال عليه السلام: "أنا أمان لأصحابي وأصحابي أمان لأمتي". وقال - صلى الله عليه وسلم - (¬9): "خير الناس قرني الذين بعثت فيهم (¬10) ثم الذين يلونهم (الحديث) ". وإذا كان لهم زيادة جهد وزيادة فضيلة كانوا أولى بالإصابة والاهتداء، لقوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم ¬

_ (¬1) في ب: " اليقين". (¬2) في أ: "وكان". (¬3) كذا في ب. وفي اللأصل و (أ): "لوجه". (¬4) في ب: "الصحابة". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يرتعد". (¬6) في ب: "إليه السائل". (¬7) في هامش أ: "مسألة المفوضة". انظر فيما يلي ص 502 - 503. والكاساني، البدائع، 2: 274 - 275. (¬8) في أ: "وكان". (¬9) "صلى ... وسلم" من ب. (¬10) "الذين بعثت فيهم" من ب.

سبلنا" (¬1) بخلاف من لم يبلغ درجة الفتوى، لأنه لا يوجد منه (¬2) هذا الجهد، فلا يستحق هذه الدرجة، وبخلاف التابعي، لأنه ليس له هذه الدرجة. • والثاني - أن الصحابة شهدوا الأسباب والحوادث التي نزلت الأحكام لأجلها، والقياس يبتني (¬3) على معرفة معان (¬4) وأسباب نزلت النصوص مع الأحكام لأجلها، حتى إذا وجد في غير النصوص (¬5) عليه مثل تلك الأسباب والمعاني، يقضي فيها بمثل تلك الأحكام. وكانوا أعرف بمقاصد خطاب الرسول عليه السلام (¬6) بطريق المشافهة، إذ يعرف بطريق المشاهدة أحوال (¬7) المخاطب وحركاته. ولهذا قيل: ليس الخبر كالمعاينة - فكان اعتبارهم وقياسهم أقرب إلى الصواب. • والثالث - وهو أن الغالب فيه أنه قول جميع الصحابة، لا قوله وحده، لأن الظاهر أنه لو كان بينهم خلاف لظهر، لاتحاد مكانهم وطلب العلم (¬8) من كل واحد منهم على السواء، ومشاورة كل واحد قرناءه (¬9)، في كل مسألة اجتهادية، لاحتمال أن يكون عند صاحبه خبر يمنعه عن استعمال الرأي. ولو ظهر الخلاف بينهم (¬10)، لوصل إلينا من جهة التابعين، لنصب أنفسهم لتبليغ الشرائع والأحكام. ولو تحقق الإجماع، يجب العمل ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت: 69 - والآية: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فيه". (¬3) في ب: "ينبني". (¬4) في أ: "معاني". (¬5) في ب: "النصوص". (¬6) في ب: "الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "يعرف بالمشاهدة بأحوال". وفي أ: "بالمشاهدة أحوال". (¬8) في ب: "التعلم". (¬9) في ب كذا: "كل واحد قررناه". (¬10) في ب: "منهم".

قطعاً، فإذا (¬1) ترجح جهة وجود الإجماع فيه، كان العمل به أولى من العمل بقياس ليس فيه هذا المعنى (¬2). • والرابع - أنه يحتمل أن يكون عند الصحابي خبر (¬3) في ذلك ويفتي به، وهو الظاهر و (¬4) الغالب من حاله: أنه يفتي بالخبر أولا، وإنما يفتي بالرأي عند الضرورة، ويشار مع القرناء، لاحتمال أن يكون عندهم خبر. فإذا لم يجد فحينئذ (¬5) يشتغل بالقياس، على ما روينا عن (¬6) عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه. فإذا احتمل هذا (¬7)، بل هو الظاهر، كان العمل بقوله أولى من العمل برأي يعلم يقيناً أنه ليس عنده خبر يوافقه ويقرره (¬8). - وخرج الجواب عن كلامهم: • [أما] إن قول (¬9) الصحابي محتمل، فبلى (¬10)، ولكن الدلائل المحتملة ليست على (¬11) نمط واحد - أليس أن خبر الواحد محتمل، ثم هو مقدم على القياس، فكذا قولهم محتمل (¬12)، ولكن أقرب إلى الصواب، لما ذكرنا من وجوه الترجيح. • و [أما] قولهم إن قول الصحابي يحتمل الرجوع، فلا (¬13) يلزم لغيره من الصحابة (¬14)، فبلى، ولكن كلامنا وقع فيما إذا وجد قول ولم يظهر رجوع الصحابي عن ذلك، ولم يظهر خلاف غيره إياه في ذلك القول. وإنما لا يلزم كل واحد من الصحابة قول الآخر لمساواتهم فيما ذكرنا من الوجوه، بخلاف غيرهم، لوجود التفاوت بينهم من الوجوه التي مرت - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ب: "وإذا". (¬2) "من العمل ... المعنى" ليست في ب. (¬3) في ب كذا: "خبرا". (¬4) "و" ليست في ب. (¬5) في ب: "لم يكن فحينئذ". وفي الأصل و (أ): "حينئذ". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "من". وراجع ص 486. (¬7) "هذا" ليست في ب. (¬8) في أ: "ويقدره". (¬9) في ب: "خبر". (¬10) في ب كذا: "قبلي". (¬11) "على" ليست في أ. (¬12) كذ! في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يحتمل". (¬13) في ب: "ولا". (¬14) في أ: "الصحابي".

3 - الكلام في الإجماع

الكلام في الإِجْمَاع (¬1) يحتاج في هذا الباب إلى: بيان الإجماع لغة. وإلى (¬2) بيان حده في عرف الشرع (¬3). وإلى بيان أهلية من ينعقد به الإجماع. وإلى بيان شرائط انعقاده. وإلى بيان طريق وجوده حقيقة. وإلى بيان الوجه الداعي إلى الإجماع. وإلى بيان حكمه وكونه حجة: اعتقادًا وعملا (¬4)، أو عملا لا اعتقاداً بطريق القطع. وإلى بيان أن (¬5) الإجماع الذي هو حجة نوع واحد أو أنواع. وإلى بيان محل الإجماع. وإلى بيان ما ألحق بالإجماع، وهو ليس بإجماع. وبيان ما أخرج منه، وهو إجماع (¬6). ¬

_ (¬1) في أ: "باب الكلام". وفي ب: "فصل - الكلام". (¬2) "إلى" من ب. (¬3) في هامش أ: "في عرف الفقهاء وأهل الأصول". (¬4) في ب: "عملا واعتقادًا". (¬5) "أن" من (أ) و (ب). (¬6) المؤلف رحمه الله لم يلتزم إلى النهاية هذا الترتيب كما يتبين من الاطلاع على الفصول: 7 ص 531 و 8 ص 532 و 9 ص 534 و 10 ص 550.

[1] أما بيان الإجماع لغة

[1] أما بيان الإجماع لغة فهو العزم التام. وهو أن يكون على طريق الحزم (¬1) والجزم (¬2) - يقال: "أجمع رأيه على كذا" إذا أثبت (¬3) وجود ذلك الشيء برأيه وحكم بوجوده على طريق الحزم (¬4) والجزم من غير تردد. [2] وأما حده وحقيقته عند أهل الأصول، وفي (¬5) عرف الفقهاء فهو اجتماع جميع آراء أهل الإجماع على حكم من أمور الدين (¬6)، عقلي أو شرعي، وقت نزول الحادثة. أو يقال: اتفاق جميع أهل الإجماع (¬7). [3] فصل في: بيان أهلية من ينعقد به الإجماع فنقول: لوجود أهلية الإجماع شرائط ستة (¬8): بعض متفق عليه، وبعضها مختلف فيه: أما المتفق عليه - فهو (¬9): العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، ¬

_ (¬1) "وهو أن يكون على طريق الحزم" من ب. (¬2) في ب كذا: "والحزم" والظاهر أنها، "الجزم". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ثبت". (¬4) في ب كذا: "الحرم (بدون نقط) والحزم". (¬5) "فى" من أ. (¬6) "على حكم من أمور الدين" ليست في ب. (¬7) "أو يقال ... الإجماع" من ب وهامش أ. وانظر البخاري، كشف الأسرار، 3: 226 - 227. (¬8) "ستة" من (أ) و (ب). (¬9) "بعضها متفق عيه ... أما المتفق عليه فهو" ليست في ب وفيها بدلا عنها: "شرائط وهي".

وكونه من أهل الاجتهاد والفتوى في الأحكام الشرعية، وكونه من أهل السنة والجماعة. وإنما شرطت هذه الشرائط لأهلية الإجماع - فإنا عرفنا كون الإجماع حجة بالدلائل السمعية، بطريق الكرامة لهذه الأمة على ما نذكر من (¬1) قو له تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" (¬2) وقو له تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" (¬3) - فلابد أن يكونوا من أهل الخطاب وأهل الشهادة والكرامة ليدخلوا تحت النصوص الدالة على كون إجماع الأمة (¬4) حجة، بطريق الكرامة. - ولابد من العقل والبلوغ، لتوجه الخطاب، - ولابد من صفة العدالة والإسلام، لأهلية الشهادة مطلقاً، مع قيام العقل والبلوغ. وكذا الفاسق والكافر والمجنون (¬5) ليسوا من أهل الكرامة على الإطلاق. - وأما اشتراط صفة الاجتهاد، فلأن الإجماع إنما يحتاج إليه في موضع لا نص فيه، فلابد من أهلية (¬6) الاجتهاد ليعرف التمييز بين وصف هو (¬7) علة الحكم في المنصوص عليه وبين غيره، ويعرف التمييز بين الراوي ¬

_ (¬1) في ب: "على ما نذكره في". (¬2) سورة آل عمران: 110 - "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... ". (¬3) سورة البقرة: 143 - " وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا ... ". (¬4) في أ: "كون الإجماع". (¬5) زاد هنا في ب: "والطفل" ففيها: "والمجنون والطفل". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أهل". (¬7) "هو" ليست في ب.

الذي يصلح للرواية ومن لا يصلح للرواية (¬1)، ومن يترجح صدقه على كذبه ومن يترجح كذبه على صدقه. وإذا كان كذلك فلا فائدة في اشتراط اجتماع العوام، ومن لم يبلغ الاجتهاد من طلبة العام. - وأما اشتراط كونه من أهل السنة والجماعة، وأن لا يكون من أهل الهوى والبدعة (¬2)، فلأن صيرورة إجماع الأمة حجة (¬3) بطريق الكرامة، وصاحب البدعة ليس من أهل الكرامة. وقال بعض مشايخنا: إن كان غالبًا في هواه حتى كفر به لا يكون أهلا، لأن المعتبر إجماع المسلمين. وإن كان هوى (¬4) لا يكفر به، لا يعتبر خلافه (¬5) في عين (¬6) هواه وبدعته، كخلاف (¬7) الروافض في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وخلاف الخوارج في خلافة على رضي الله عنه. فأما (¬8) قوله في غير بدعته، إذا لم يكن متعصبًا في هواه داعياً لغيره إليه (¬9)، [فـ] يكون كل معتبرًا في انعقاد الإجماع، كما في الشهادة في الحدود وسائر الحقوق. ولكن الأصح ما قلنا، فإن الأصل في الإجماع إجماع الصحابة رضي الله عنهم، والله تعالى صانهم عن خلاف يوجب التضليل، ليكون إجماعهم حجة مطلقة - والله أعلم. ¬

_ (¬1) "ومن لا يصلح للرواية" وردت في (أ) و (ب) بعد عبارة: "ومن يترجح صدقه على كذبه" التالية. (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "من أهل البدعة". (¬3) "حجة" من أ. (¬4) في ب كذا: "هو". (¬5) "خلافه" ليست في ب. (¬6) كذا في أ. وفي الأصل وب كذا: "في غيره". (¬7) في ب كذا: "بخلاف". (¬8) في أ: "وأما". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إياه".

[4] فصل في: بيان شرائط الإجماع

[4] فصل في: بيان شرائط الإجماع (¬1) نقول (¬2): لصحة الإجماع شرائط: بعضها متفق (¬3) عليه، وبعضها مختلف فيه: منها - أن اجتماع جميع أهل الاجتهاد وقت نزول الحادثة شرط صحة الإجماع عند عامة العلماء، حتى لا ينعقد إجماع الصحابة إذا كان فيهم (¬4) مخالف واحد من أهل الاجتهاد. وكذا في إجماع كل عصر. وقال بعضهم: إن اجتماع الأكثر من أهل الاجتهاد شرط، ولا عبرة لمخالفة الأقل. فهم (¬5) احتجوا: - بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عليكم بالسواد الأعظم". وقال عليه السلام: "عليكم بملازمة الجماعة". وقال عليه السلام: "من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من (¬6) عنقه". ولا شك أنه ليس المراد به الكل. - ولأن قول الواحد إذا كان مخالفًا لقول جميع أهل (¬7) عصره يسمى (¬8) قولا شاذاً، ويسمى (¬9) المخالف أيضًا شاذاً، وإنه اسم ذم وتعيير على ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "صحة الإجماع". راجع ص 489. (¬2) في ب: "فنقول". (¬3) في أ: "مختلف". (¬4) في ب: "منهم". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "هم". (¬6) في أ: "عن". (¬7) "أهل" من (أ) و (ب). (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "سمي". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وسمي".

ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (¬1): "من شذ شذ في النار". ولو كان مخالفته جائزاً للجماعة عند مخالفة اجتهاده اجتهادهم، لم يكن لهذا الوعيد الشديد معنى. - ولأن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على ابن عباس رضي الله عنه في انفراده بإباحة (¬2) ربا الفضل، حتى روي أنه رجع إلى قولهم. - ولأن إجماع أهل العصر حجة في هذا العصر، كما هو حجة فيما بعده من الأعصار، فلابد من أن يكون فيه من يخالفهم، حتى يكون حجة في حقه (¬3) - وذلك فيما قلنا. وأما (¬4) عامة العلماء [فقد] احتجوا وقالوا: - إنما عرفنا كون الإجماع حجة بالدلائل السمعية من نحو (¬5) قوله تعالى: "ويتبع غير سبيل المؤمنين" (¬6). وقوله تعالى. "كنتم خير أمة أخرجت للناس" (¬7). وقوله عليه السلام: "لا تجتمع أمتى على الضلالة" (¬8). وهذه النصوص تتناول (¬9) كل أهل الإجماع، فإن أكثر الأمة بعض المؤمنين لا كلهم، وكذا بعض الأمة. واسم "الأمة" واسم "المؤمنين" للكل بطريق الحقيقة، لأن إطلاق اسم البعض على الكل بطريق المجاز - ألا ترى أن من قيل بعد خلاف الواحد أو الاثنين إن هؤلاء ليسوا كل الأمة (¬10) ¬

_ (¬1) "أنه قال" من (أ) و (ب). (¬2) في ب: "رضي الله عنهما بإباحته". وفي المعجم الوسجط: أنكر على فلان فعله: عابه ونهاه. (¬3) في ب: "في حقهم". (¬4) الواو من ب. (¬5) "نحو" من أ. (¬6) سورة النساء: 115 - "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا". (¬7) سورة آل عمران: 110 - "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (¬8) في ب: "ضلالة". (¬9) في في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يتناول". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أمة".

ولا كل المؤمنين، يكون صادقاً في مقالته، ولو كان اسم الكل يقع على الأكثر بطريق الحقيقة، لكان هذا القائل في هذا الإخبار كاذباً. - ولأن في (¬1) الصحابة من تفرد بأقاويل خالف فيها جميع الصحابة، كتفر د ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، بمسائل في (¬2) الفرائض، وغيرهما، ولم ينكر عليهم أحد. ولو انعقد الإجماع بقول الأكثر، صار قول الأقل خلاف الإجماع، في جب أن ينكروا عليهم. وكذا لا يظن بالصحابي أيضاً أنه (¬3) يخالف الإجماع. فكان (¬4) هذا (¬5) إجماعاً من الصحابة على (¬6) أن الإجماع لا ينعقد إلا باجتماع كل أهل الاجتهاد، وقت الإجماع، وإجماع الصحابة (¬7) حجة قاطعة. وأما إنكار الصحابة على ابن عباس، [فـ] ليس (¬8) لأنه تفرد بالخلاف للصحابة، ولكن لأنه خالف الحديث الوارد في الباب، وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال (¬9): "الحنطة بالحنطة" (¬10)، ولم يشاور الصحابة، حتى عرف الحديث، ولهذا رجع لما بلغه الحديث. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "من". (¬2) في ب: "من". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "أن". (¬4) في أ: "وكان". (¬5) في ب: "هو". (¬6) "على" ليست في ب. (¬7) في أ: "الصحابى". (¬8) زاد في أهنا: "بإنكار". (¬9) "أنه قال" من أ. وفي ب: "إن". (¬10) والحديث كما في السرخسي (المبسوط، 12: 110): " الذهب بالذهب، مثل بمثل، يدًا بيد - والفضل ربا. والفضة بالفضة، مثل بمثل، يدًا بيد - والفضل ربا. والحنطة بالحنطة، مثل بمثل، يدًا بيد - والفضل ربا. والملح بالملح، مثل بمثل، يدًا بيد - والفضل ربا. والشعير بالشعير، مثل بمثل، يدًا بيد - والفضل ربا. والتمر بالتمر، مثل بمثل، يدًا بيد - والفضل ربا. فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد". وانظر حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في الهامش 13 ص 266.

- وأما المعقول، فهو (¬1) أنه يحتمل أن الحق مع الأكثر، ويحتمل أنه مع الأقل، لأن اجتهاد كل مجتهد يحتمل الصواب والخطأ، والمحتمل لا يكون حجة. وإنما عرفنا زوال الاحتمال وثبوت الصواب بيقين في إجماع (¬2) جميع أهل الاجتهاد، بالدلائل السمعية، وهي واردة في كل مجتهدي أهل العصر، فيجب العمل بالاحتمال فيما لم يرد فيه النصوص. - وأما قوله عليه السلام: "عليكم بالسواد الأعظم" وسائر الأحاديث (¬3) - فهي من جملة الآحاد، وهي غير مقبولة في باب الاعتقاد، والمسألة اعتقادية. ثم نقول: • [أولا]- المراد من "السواد الأعظم" و"الجماعة" المعرفة بالألف واللام (¬4) هو كل [من في] العصر من أهل الإجماع دون الأكثر، فإن النصف من أهل العصر إذا زيد على النصف الآخر (¬5)، بواحد أو اثنين أو ثلاثة، فإنه لا ينطلق عليه اسم السواد الأعظم، وإن كان أكثر بمقابلة النصف الآخر - دل أن المراد من "السواد الأعظم" هو الكل الذي هو أعظم من الجزء المقابل له، ويجب الحمل عليه حتى يكون توفيقًا بين الدلائل السمعية كلها (¬6). • والثاني - إن المراد من كل تابعة السواد الأعظم، الأكثر (¬7) دون الأقل، فيما إذا وجد الإجماع من جميع أهله ثم خالف البعض، لشبهة اعترضت لهم: أنه يجب متابعة الأكثر دون الأقل، لأن رجوعهم ليس بصحيح بعد ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في اجتماع" (¬3) راجع فيما تقدم ص 493. (¬4) في أ: "المعرفة باللام" (¬5) "الآخر" من (أ) و (ب). (¬6) قال البزدوي في أصوله (3: 246): "وتأويل قوله عليه السلام "عليكم بالسواد الأعظم " هو عامة المؤمنين وكلهم، ممن هو أمة مطلقاً" وقال البخاري عليه: "وذكر في الميزان أن المراد من السواد الأعظم هو الكل الذي هو أعظم مما دون الكل ويجب الحمل عليه توفيقًا بين الدلائل السمعية كلها". وانظر الهامش 4 ص 498 - 499. (¬7) "الأكثر" من أ.

صحة الإجماع وانعقاده. وهو الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من شذ شذ في النار" لأن الشاذ اسم لمن خالف بعد الموافقة: يقال "شذ البعير وند" إذا توحش بعدما كان أهلياً (¬1) - وبه نقول. - فإن (¬2) قالوا: إن قوله عليه السلام: "عليكم بالسواد الأعظم" يقتضي أن يكون السواد الأعظم حجة على من ليس هو من السواد (¬3) الأعظم، فإن المخاطب لا يدخل تحت الذين أمر بملازمتهم والمتابعة لهم - فنقول: المراد بالسواد الأعظم هو جميع أهل العصر لما ذكرنا. ويجوز أن يكون السواد الأعظم حجة على من يأتي بعدهم من العصر الثاني ممن هم (¬4) أقل عدداً من الأول، فسمي الأول السواد الأعظم - وهو الجواب عن الكلام الأخير: أن إجماع أهل العصر حجة في (¬5) هذا العصر، فيجب أن يكون فيهم من يخالفهم حتى يكون حجة عليهم، لأنا نقول: يجوز أن يكون حجة على من بعدهم من الأعصار، إن لم يكن حجة على أحد في حق هذا العصر - والدليل عليه أنه لو كان من شرط صحة الإجماع من أهل العصر أن يكون حجة على مخالف في ذلك العصر، لوجب أن يقال: إن (¬6) أهل العصر إذا أجمعوا كلهم على قول ولم يخالف أحد في ذلك، ينبغي (¬7) أن لا يكون هذا الإجماع حجة، لعدم شرطه (¬8) الذي ذكرتم (¬9). ¬

_ (¬1) قال البخاري في كشف الأسرار (3: 246 - 247): " أو المراد من متابعة السواد الأعظم متابعة الأكثر، ولكن فيما إذا وجد الإجماع من جميع أهله ثم خالف البعض، بشبهة اعترضت لهم، لأن رجوعهم ليس بصحيح بعد صحة الإجماع وانعقاده. وهو الجواب عن قوله: "من شذ شذ في النار" لأن الشاذ من خالف بعد الموافقة يقال: "شذ البعير وند" إذ توحش بعد ما كان أهلياً". وانظر الهامش 4 ص 498 - 499. (¬2) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "إن". (¬3) في ب: "من أهل السواد". (¬4) كذا في (أ) و (ب). رفي الأصل: "هو". (¬5) في ب: "في بيان هذا العصر". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأن". (¬7) "ينبغي" من أ. (¬8) في ب: "شرط". (¬9) في هامش أ: "كما تقدم من قولهم: فلا بد من أن يكون فيه من يخالفهم حتى يكون حجة في حقه". انظر فيما يلي الهامش 4 ص، 498 - 499.

على أنا نقول: يجوز أن يكون حجة على كل واحد (¬1) من آحاد هذا العصر، في حق منعهم من الرجوع عن هذا القول وتحريم ذلك عليهم. ويكون قوله "عليكم" خطاباً لكل واحد منهم. أو نقول: إن إجماعهم حجة عليهم في حق وجوب العمل والاعتقاد لهذ (¬2) الإجماع وتحريم ترك العمل به، وهذا لأن الإجماع حجة لله (¬3) تعالى على كل كل مكلف من عباده، في حق وجوب العمل والاعتقاد بموجبه (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أحد". (¬2) في (أ) و (ب): "بهذا". (¬3) في ب: "الله". (¬4) زاد في (أ) و (ب): "والله أعلم". قال السرخسي في أصوله (1: 315 - 317): " ... ولكنا نقول: بعد ما ثبت الإجماع موجباً للعلم باتفاقهم فليس لأحد أن يظهر خلاف ذلك برأيه، لا من أهل ذلك العصر ولا من غيرهم، كما لا يكون له أن يخالف النص برأيه، وهذا بخلاف رأيه قبل انعقاد الإجماع، لأن الدليل الموجب للعلم لم يتقرر هناك، فكان قوله معتبرًا في منع انعقاد الإجماع ... وكان الكرخي رحمه الله يقول: شرط الإجماع أن يجتمع علماء العصر كلهم على حكم واحد، فأما إذا اجتمع أكثرهم على شيء وخالفهم واحد أو اثنان لم يثبت حكم الإجماع. وهذا قول الشافعي رحمه الله أيضًا ... قال رضي الله عنه: والأصح عندي ما أشار إليه أبو بكر الرازي رحمه الله أن الواحد إذا خالف الجماعة: فإن سوغوا له ذلك الاجتهاد لا يثبت حكم الإجماع بدون قوله. . وإن لم يسوغوا له الاجتهاد وأنكروا عليه قوله فإنه يثبت حكم الإجماع بدون قوله ... والدليل على صحة هذا القول قوله عليه السلام: "يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار" وقال عليه السلام: "عليكم بالسواد الأعظم" يعنى ما عليه عامة المؤمنين، ففي هذا إشارة إلى أن قول الواحد لا يعارض قول الجماعة، ولأنا لو شرطنا هذا أدى إلى أن لا ينعقد الإجماع بدًالأنه لابد أن يكون في علماء العصر واحد أو اثنان ممن لم سمع ذلك الفتوى أصلا وممن يرى خلاف ذك. وإنما كان الإجماع حجة باعتبار ظهور وجه الصواب فيه بالاجتماع عليه، وإنما يظهر هذا في قول الجماعة لا في قول الواحد - ألا ترى أن قول الواحد لا يكون موجبًا للعلم وإن لم يكن بمقابلته جماعة يخالفونه وقول الجماعة موجب للعلم إذا لم يكن هناك واحد يخالفهم، فكذلك مع وجود هذا الواحد، لأن قوله لا يعارض قولهم، بخلاف ما إذا كان على كل قول جماعة فهناك المعارضة تتحقق. والمر اد من قوله عليه السلام: "بأيهم اقتديتم اهتديتم" إذا لم يكن هناك دليل موجباً للعلم، بخلاف قول من يهتدي به، ألا تر أنه إذا كان نص هناك نص بخلاف قول الواحد لم يجز اتباعه ولم يكن هذا الحديث متناولا له ... ". وقال البزدوي في أصوله (3: 246): "وتأويل قوله عليه السلام: عليكم بالسواد الأعظم - هو عامة المؤمنين وكلهم ممن هو أمة مطلقًا" - وقال البخاري عليه (كشف الأسرار، 3: 246 - 247): قوله (وتأويل قوله عليه السلام) جواب عن تمسك الخصم فقال المراد من السواد الأعظم عامة المؤمنين أي =

مسألة - ويبتنى (¬1) على هذامن بلغ درجة الفتوى الاجتهاد في زمن الصحابة من التابعين - هل ينعقد إجماع الصحابة مع خلاف واحد منهم؟ على قول عامة العلماء: لا (¬2) يرزرقد، لما ذكر نا أن الدلائل التي توجب كون (¬3) الإجماع حجة لا توجب الفصل بين مجتهد ومجتهد، حال نزول الحادثة، بل يشترط اجتماع الكل على الجواب، على ما نذكر. وقال بعضهم: إن خلافهم لا يمنع انعقاد إجماع الصحابة. واحتجوا بما روي (¬4) عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف خلافه على (¬5) الصحابة في بعض ¬

_ = جميعهم ولهذا قال "وكلهم" تفسيرًا وتأكيدًا للعامة لأن هذا اللفظ يطلق على الأكثر ممن هو أمة مطلقة أي ممن هو من الأمة على الإطلاق وهم المؤمنون الذين ليس فيهم أهواء وبدع فإن الكفار وأهل الأهواء ليسوا الأمة على الإطلاق بل هم أمة دعود لا أمة متابعة. وذكر في الميزان المراد من السواد الأعظم هو الكل الذي هو أعظم مما دون الكل ويجب الحمل عليه توفيقًا بين الدلائل السمعية كلها أو المراد من متابعة السواد الأعظم متابعة الأكثر ولكن فيما إذا وجد الإجماع من جميع أهله ثم خالف البعض في بشبهة اعترضت لهم لأن رجوعهم ليس بصيح بعد صحة الإجماع وانعقاده. وهو الجواب عن قوله "من شذ شذ في النار" لأن الشاذ من خالف بعد الموافقة يقال "شذ البعير وند" إذا توحش بعد ما كان أهليًا. فإن قيل: هذا الحديث يقتضي أن يكون السواد الأعظم حجة على غيرهم إذ المخاطب لا يدخل فيمن أمر بملازمتهم واتباعهم فلو لم يكن مخالف لا يتحقق كونه حجة - قلنا يلزم مما ذكرتم أن يكون في كل إجماع مخالف شاذ ليكون الإجماع حجة عليه ولا يكون حجة بدون المخالف وبطلانه ظاهر. ثم نقول يكون السواد الأعظم حجة على من يأتي بعدهم ممن هو أقل عددًا من الأول فسمي الأول السواد الأعظم ويكون حجة على كل واحد منهم في منعهم عن الرجوع عن هذا القول ويكون قوله "عليكم" خطابًا لكل واحد أو يكون حجة عليهم في حق وجوب العمل والاعتقاد به فإن الإجماع حجة لله تعالى على عباده في وجوب العمل والاعتقاد بموجبه كالنصوص. وأما قولهم: لفظة "الأمة" تطلق على ما دون الكل فذلك من باب المجاز ولهذا إذا شذ عن الأمة واحد يصح أن يقال الباقي ليس كل الأمة والأصل هو العمل بالحقيقة. وأما إمامة أبي بكر رضي الله عنه فلم تكن ثابتة قبل موافقة علي وسعد وسلمان بالإجماع بل بالبيعة من الأكثر وهي كافية لانعقاد الإمامة ... ". (¬1) في ب: "وينبني". (¬2) في ب: "فلا". (¬3) "كون" من (أ) و (ب). (¬4) "بما روي" ليست في ب. (¬5) "على" ليست في ب.

المسائل، لما أنه كان من التابعين - قلنا: يحتمل أنها إنما (¬1) أنكرت عليه، لأنه خالف (¬2) الصحابة بعد ما أجمعوا على ذلك الحكم. ولم يكن هو من أهل الاجتهاد في ذلك الوقت، ثم إذا صار من أهل الاجتهاد خالفهم، وهذا الخلاف لا يعتبر، لأن إجماعهم قد صح حين لم يكن هو من أهل الاجتهاد، وصار حجة، فلا ينقض بخلافه، فيجب الحمل عليه، عملا بالدلائل. مسألة - انقراض العصر هل هو شرط لانعقاد الإجماع وكونه حجة أم لا؟ (¬3). وتفسير انقراض العصر هو موت جميع من هو من أهل الاجتهاد في وقت وقوع الحادثة والإجماع عليه. واختلفوا فيه: قال عامة العلماء: إنه ليس بشرط لانعقاد الإجماع ولا شرط كونه حجة، حتى إن أهل العصر إذا أجمعوا على حكم حادثة قولا، أو وجد القول من البعض والسكوت من (¬4) الباقين من غير تقية (¬5) ومضت (¬6) مدة التأمل، لا يحل لواحد (¬7) من أهل هذا العصر أن يرجع عن قوله. وكذا لا يحل لأحد من أهل (¬8) العصر الثاني أن يخالفهم في ذلك. ¬

_ (¬1) "إنما" من (أ) و (ب). (¬2) في ب: "عليه لما أنه كان خالف". (¬3) انظر البزدوي والبخاري عليه، 3: 243 وما بعدها. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عن". (¬5) في أكذا: "تقية". وفي الأصل وب كذا: "نفيه". والتقية الخشية والخوف. والتقية عند بعض الفرق الإسلامية إخفاه الحق ومصانعة الناس في غير دولتهم تحرزاً من التلف (المعجم الوسيط). (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ومضى". (¬7) في أ: "لأحد". (¬8) "أهل" من ب.

وقال بعضهم، وقيل إنه قول الشافعي رحمه الله: إن انقراض العصر شرط (¬1) لانعقاد الإجماع، حتى يحل لواحد منهم أن يرجع قبل موت الباقين، ولكن لا يحل لأحد من أهل (¬2) العصر الثاني أن يخالفهم لوجود شرطه، وهو انقراض العصر الأول. وجه قول من خالف: - ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يرى التسوية في قسمة الغنيمة (¬3)، ولم يفضل من كان أسبق إسلامًا وأقدم عهداً، ولا من كان له فضيلة من العام وغيره، ولم يخالفه أحد في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم. ثم لما صار الأمر إلى عمر رضي الله عنه خالفه فيه وفضل في القسم (¬4) لفضل السبق في الإسلام (¬5) والفضل في (¬6) العلم، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم، لأن الإجماع، وإن وجد منهم في زمن أبي بكر رضي الله عنه، لكن عصر الصحابة لم ينقرض بعد، لبقاء كثير من المجمعين، فيحل له المخالفة، ولا (¬7) ينعقد ذلك الإجماع حجة. ولما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن بيع أمهات الأولاد (¬8) فقال: كان رأيي ورأي أبي بكر (¬9) ورأي عمر أن لا يبعن، ثم رأيت ¬

_ (¬1) في أ: "يشترط". (¬2) "أهل" من ب. (¬3) في أ: "الغنائم". (¬4) قسم الشيء قسمًا جزأه وقسم الشيء بين القوم أعطي كلا نصيبه. والقسم (مصدر) يقال: هذا ينقسم قسمين (يراد به المصدر) وقسمين (يراد به النصيب أو الجزء من الشيء المقسوم) (المعجم الوسيط). (¬5) في أ: "في القسمة بفضل السبق في الإسلام". وفي ب: "في القسم يسبق الإسلام". (¬6) "الفضل في" من ب. (¬7) في أ: "فلا". (¬8) راجع في "أم الولد" السمرقندي (صاحب الميزان)، تحفة الفقهاء، 2: 406 - 410 وفيها: "أم الولد كل مملوكة ثبت نسب ولدها من مالك لها أو من مالك لبعضها - فإن الملوكة إذا جاءت بولد، وادعاه المالك يثبت نسبه وتصير الجارية أم ولد له "وحكمها" أنه لا يجوز إخراجها عن ملكه بوجه من الوجوه ولا يجوز فيها تصرف يفضي إلى بطلان حقها في حق الحرية ... وهذا قول عامة العلماء، خلافًا لأصحاب الظواهر". (¬9) "ورأي أبي بكر" من أ.

بيعهن، فقال له عبيدة السلماني رضي الله عنه (¬1): رأيك مع الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك. فكان قول عبيدة دليلاً على أن الإجماع وقد سبق بذلك، إلا أنه لما (¬2) لم ينقرض العصر وظهر (¬3) رأي علي رضي الله عنه بخلاف ما أجمعوا، جوز (¬4) خلافهم - فدل أنه لابد من انقراض العصر لتحريم المخالفة. - والمعنى فيه وجهان (¬5): أحدهما - أن الإجماع لا ينعقد بدون الانقراض، لأن الإجماع إنما يكون حجة في موضع لا نص [فيه] من حيث الظاهر. فأما في موضع فيه نص ظاهر قاطع فلا حاجة إليه، مع أن الكلام في هذا وقع، فلابد من زمان مديد حتى يظفروا بحديث (¬6) كان ورد في حادثة لا تحتمل الانتشار والاشتهار، وصاحب الحادثة في (¬7) البو ادي فلم يشتهر في الصحابة. أو إن كان لا توقيف وتمس (¬8) الحاجة إلى الاجتهاد ليقف (¬9) على علة الحكم في الأصول (¬10)، فلا بد من مدة معتبرة، ولهذا كان عبد الله بن مسعود ¬

_ (¬1) قال البخاري في كشف الأسرار (3: 266): " ... عبيدة السلماني بفتح العين وكسر الباء وفتح السين وسكون اللام - هو أبو مسلم عبيدة بن قيس بن سلم أو عمرو منسوب إلى سلمان حتي من مراد. وأصحاب الحديث يفتحون اللام. وهو من أصحاب على وابن مسعود رضي الله عنهما. أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره وسمع عمر وابن الزبير رضى الله عنه. ونزل الكوفة. فروى عنه الشبعي والنخعي وابن سيرين وغيرهم. ومات سنة 72 أو سنة 73 من الهجرة". (¬2) "لما" من (أ) و (ب). (¬3) في أ: "فظهر". (¬4) كذا في ب: "جوز". وفي الأصل و (أ): " فجوز". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "والمعنى فوجهان" وفي ب: "وأما الكلام من حيث المعنى فوجهان". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل: "على حديث". وفي ب: "حتى يظهروا على حديث". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ويمس". (¬9) في أ: "وليقفوا". وفي ب: "وتمس الحادثة ليقفوا". (¬10) في ب: "في الأصل".

رضي الله عنه يجتهد في مسألة المفوضة (¬1) شهراً. وإذا كان هكذا فيجب أن يكون زمان التأمل وطلب الحديث مقدراً بانقراض العصر، إذ المجتهد يخطئ ويصيب، وقد يرجع (¬2) عما هو صواب عنده إلى ما هو خلافه، فيكون العصر مدة التأمل والنظر، فيظهر له أنه (¬3) صواب أو (¬4) خطأ، لقيام الاحتمال. فأما بعد انقراض العصر، وهو بعد (¬5) موت جميع المجمعين لا يبقى الاحتمل، فبنعقد الآن حقيقة، وهو عند الانقراض، وإن كان الإجماع قبله ثابتاً من حيث الظاهر. والثاني - أن الإجماع وإن وجد، ولكن (¬6) لا يكون حجة قبل انقراض العصر، لأن في الابتداء: ما لم يوجد الاجتماع من الكل، لا يكون حجة، فكذا في حالة البقاء: ما لم يوجد الاجتماع من الكل، لا يبقى إجماعاً، لأن إجماع الأمة إنما صارحجة بطريق الكرامة (¬7)، لوجو د وصف الاجتماع منهم، لأنهم (¬8) إنما استحقوا الكرامة بوصف الاجتماع، فإذا وقع الخلاف في العصر ورجع البعض لم يبق وصف الاجتماع، فلا يبقى استحقاق الكرامة، فلا يبقى حجة. فإذا (¬9) وجد انقراض العصر، يبقى (¬10) الاجتماع، لعدم تصور الرجوع بعد الموت، ولهذا (¬11) صار انقراض العصر شرطاً. ¬

_ (¬1) وهي التي فوضت بضعها إلى زوجها أي زوجته نفسها بلا [تقدير] مهر (المغرب والمصباح المنير). وراجع فيما سبق ص 486. والكاساني، البدائع 2: 274 - 275. وكذا 283 و 285 - 286. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "رجع". (¬3) "أنه" من ب وليس فيها "له" ففيها: "فيظهر أنه". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "أم". (¬5) "بعد" من (أ) و (ب). (¬6) في ب: "وإن كان وجد ولكنه". (¬7) أي كرم الله تعالى بها لأهل الإجماع من هذه الأمة لا لمعنى يعقل بدليل أنه مختص بهذه الأمة فلو كان لمعنى معقول لم يختص بأمة دون أمة (البخاري على البزدوي، 3: 244). (¬8) "لأنهم" من (أ) و (ب). (¬9) في ب: "فأما إذا". (¬10) في (أ) و (ب): "بقي". (¬11) في (أ) و (ب): "فلهذا".

أما عامة العلماء (¬1) رحمهم الله-[فقد] احتجوا: - بالدلائل الواردة في باب الإجماع، من غير فصل بين انقراض عصرهم وعدمه. فمن قيدها بشرط الانقراض، فقد زاد على النصوص وقيدها، فيجب العمل بالإطلاق، ما لم يثبت القيد بدليل زائد يصلح معارضاً للدلائل المطلقة. - ولأن انقراض العصر إما أن يجعل شرطاً لانعقاد الإجماع، أو شرطاً لكونه حجة: • والأول - باطل، لأن الخلاف (¬2) فيما إذا وجد الخبر من كل واحد من أهل العصر صريحًا: أنه معتقد (¬3) لهذا القول غير متوقف فيه ولا شاك، والإنسان العاقل المجتهد يعلم المفارقة بين حال التأمل والتوقف والشك وبين حال العام بالشيء قطعاً، والإخبار عن نفسه أنه معتقد للشيء عالم به، خلاف الإخبار أنه متأمل متوقف شاك، وليس شرط العلم بالشيء قطعاً هو انقراض العصر لا محالة، بل إذا تحقق العلم عنده بالتأمل والنظر في مدة يسيرة (¬4)، فلا (¬5) يشترط الزيادة - فدل أن شرط انقراض االعصر (¬6)، لانعقا د الإجماع، باطل. • والثاني - باطل أيضاً (¬7)، لأنه متى ثبت وجود الإجماع منهم، يصير (¬8) حجة قاطعة لا يجوز الرجوع عنه ولا المخالفة له. لأنه لو جاز وجود الإجماع التام في زمان ولا يكون حجة، جاز وجوده أبداً. وهذا لأنه إنما صار حجة، لأنه لا يجوز أن يكون الأمة كلهم على الخطأ. ولو جاز وجود ¬

_ (¬1) في هامش أ: "أما علماؤنا". (¬2) في ب: "باطل والخلاف". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "منعقد". (¬4) "يسيرة" من أ. وفي ب: "معتبرة". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "فانى" ملاحظة أنها غير واضحة تمامًا في الأصل. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "شرط الانقراض" (¬7) "أيضًا" من أ. (¬8) في ب: "فيصير".

الإجماع في مدة، وهم على الخطأ، جاز كذلك أبداً. وإذا بطل الوجهان جميعاً (¬1) انتفى أن يكون انقراض العصر شرطاً. - أما الجواب عن تعلقهم بحديث أبي بكر رضي الله عنه فنقول: لا حجة فيه، فإنه روي أن عمر رضي الله عنه خالفه في زمانه وناظره في ذلك وقال له (¬2): أتجعل من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه طوعاً (¬3) كمن دخل في الإسلام كرهاً - فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إنما عملوا لله تعالى، فأجرهم على الله تعالى، وإنما الدنيا بلاع، أي بلغة (¬4) العيش، وهم في الحاجة إلى ذلك سواء. ولم يثبت عن عمر رضي الله عنه أنه رجع عن قوله (¬5) إلى قول أبي بكر رضي الله عنه، فلم ينعقد (¬6) الإجماع دون رأيه. وإذا كان كذلك يحتمل أنه كان على رأيه في التفضيل في زمن أبي بكر رضي الله عنه ولم يرجع عن قوله، فلما آل الأمر إليه عمل بقوله، لكونه إماماً، كما كان أبو بكر عمل برأيه في حال إمامته (¬7). وإذا احتمل هذا واحتمل الرجوع أيضاً: فلا يثبت الإجماع مع الاحتمال. وأما حديث علي رضي الله عنه: فلا نسلم (¬8) أنه خالف بعد وجود الإجماع من الصحابة رضي الله عنهم على حرمة بيع أمهات الأولاد (¬9) - ¬

_ (¬1) "جميعًا" من ب. (¬2) في ب: "فقال". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وطوعًا". (¬4) البلغة ما يكفي لسد الحاجة ولا يفضل عنها (المعجم الوسيط). (¬5) "عن قوله" ليست في ب. (¬6) في ب: "فلم يثبت". (¬7) في ب: "خلافته". (¬8) "فلا نسلم" ليست في ب. (¬9) راجع فيما تقدم. ص 501 - 502 والهامش 8 ص 501.

فإن (¬1) المروي عنه (¬2) أنه قال (¬3): وافق رأيي رأي (¬4) عمر، فيجوز أن يكون قول غيرهما من الصحابة بخلاف قولهما، كيف وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يرى في زمن عمر رضي الله عنه جواز (¬5) بيعهن، ولا ينعقد الإجماع بدون قول جابر. وإذا لم يكن في المسألة إجماع، فيكون رجوع علي رضي الله عنه عن مسألة اجتهادية، ولكل مجتهد أن يرجع عن قوله إلى قول رأى الصواب فيه، لا أن رجوعه لأن العصر لم ينقرض، فبطل التعلق به. وأما قول عبيدة: رأيك مع الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك (¬6) - دليل، على أن مع عمر رضي الله عنه جماعة من الصحابة، لا أن معه جميع الصحابة، فإن الجماعة اسم للطائفة من الناس لا للكل، إلا أنه أحب واختار أن يكون قول على رضي الله عنه منضمًا إلى قول عمر رضي الله عنه، لأنه كان يرى (¬7) ترجيح قول الأكثر على قول الأقل، وعاب رضى الله عنه لا يرى الترجيح بالكثرة بل بقوة الدليل - والله أعلم. - وخرج الجواب عن قولهم إنه لابد من زمان التأمل فيكون العصر مدة التأمل، لأن الكلام في في إذا مضت مدة التأمل ثلاثة أيام أو شهر ونحو ذلك، فيكون اشتراط انقراض العصر بلا حاجة، فيكون فاسداً. - وقد خرج الجواب عن الثاتي على ما مر (¬8) - والله أعلم. ¬

_ (¬1) هنا في ب "فليس كذلك فإن". راجع الهامش 8 ص 505. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "منه". (¬3) "قال" من (أ) و (ب). وهي غير ظاهرة في الأصل. (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ورأي عمر". وتقدم: "كان رأيي ورأي أبي بكر ورأي عمر" راجع ص 501 - 502 والهامش 9 ص 501. (¬5) "جواز" ليست في ب. راجع في ترجمة جابر رضي الله عنه: ابن حجر، تهذيب التهذيب، 2: 42. (¬6) راجع ص 502 والهامش 1 منها (¬7) "يرى" ليست في ب. (¬8) راجع فيما تقدم ص 503.

مسألة - الخلاف المتقرر (¬1) بين أهل الاجتهاد في العصر الأول - هل يمنع انعقاد الإجماع في العصر الثاني بعده (¬2)؟ وهل يكون خلو الخلاف شرطاً للصحة؟ فعلى قول أصحابنا رحمهم الله: لا يمنع. وعلى قول عامة أصحاب الحديث من الفقهاء والمتكلمين: يمنع. وتبقى المسألة اجتهادية أبداً. فعلى قولهم: يشترط أن لا يقع هذه الحادثة في العصر الأول، أو أجاب واحد في حادثة لا يحتمل الاشتهار ولم يثبت من غيره خلاف أو وفاق. وقال بعض مشايخنا بأن هذه المسألة مختلفة بين أصحابنا: [فـ] عند أبي حنيفة رحمة الله عليه: يكون مانعًا. وعند صاحبيه: لا يكون مانعاً (¬3). ¬

_ (¬1) في أتصحيحًا بين السطرين: "المتقدم". (¬2) في ب: "هل يمنع انعقاد الإجماع من العصر الثاني بعده على قول بعضهم". (¬3) انظر البزدوي والبخاري عليه، 3: 247 - 248. قال البخاري في كشف الأسرار (3: 247 - 248): "إذا اختلف أهل عصر في مسألة على قولين واستقر خلافهم بأن اعتقد كل واحد حقية ما ذهب إليه ولم يكن خلافهم على طريق البحث عن المأخوذ من غير أن يعتقد أحد في المسألة حقية شيء من طر فيها ولم يكن بعضهم في مهلة النظر فذلك هل يمنع انعقاد الإجماع في العصر الذي بعده على أحد قوليهم في تلك المسألة، وهل يكون عدم الاختلاف شر طًا لصحته؟ وذهب عامة أهل الحديث وأكثر أصحاب الشافعي إلى أنه يمنع ويبقي المسألة اجتهادية كما كانت. واختتلف مشايخنا في ذلك: فقال أكثرهم إنه لا يمنع من انعقاد الإجماع ويرتفع الخلاف السابق به. وإليه مال أبو سعيد الاصطخري وابن أبي خيران وأبو بكر القفال من أصحاب الشافعي. وقال بعضهم: فيه اختلاف بين أصحابنا: عند أبي حنيفة رحمه الله يمنع من الانعقاد. وعند محمد رحمه الله لا يمنع إلى آخر ما ذكر في الكتاب. وإذا ثبت هذا يخرج قوله: واختلفوا إلى آخره على وجهين: أحدهما. . والثاني. . ولم يذكر الشيخ قول أبي يوسف في الكتاب لأنه في بعض الروايات مع أبي حنيفة رحمه الله على ما ذكر في أصول شمس الأئمة وفي بعضها مع محمد على ما ذكر في الميزان" وقال السرخسي في أصوله (1: 319): " ... هذا على قول محمد رحمه الله يكون إجماعًا. فأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يكون إجماعًا".

وبنوا على مسألة جواز بيع أمهات الأولاد: فإن محمداً رحمه الله ذكر في الكتاب أن القاضي إذا قضى ببيع أمهات الأولاد، ينقض (¬1) قضاؤه. وروى الكرخي عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه قال: لا ينقض (¬2) قضاؤه. وكانت مسألة بيع أمهات الأولاد (¬3) مختلفة بين الصحابة: فعند علي وجابر رضي الله عنهما وغيرهما: يجوز. وعند عمر وبعض الصحابة رضي الله عنهم: لا يجوز. ثم اتفق العصر الثاني لها أنه لا يجوز. فعلى رواية الكرخي رحمه الله: لا ينقض قضاء القاضي، لأنه قضى في فصل مختلف فيه، وأن (¬4) ذلك الإجماع لا يصح، ويبقي المسألة مجتهداً فيها. وعلى رواية محمد رحمه الله: ينقض، لأنه قضى في فصل مجمع عليه، للأن الإجماع في العصر الثاني صحيح، مع سبق الاختلاف في العصر الأول، فلا يبقي المسألة اجتهادية، وقضاء القاضي على خلاف الإجماع لا يصح، فينقض قضاؤه. وجه قولهم: إن المخالف لو كان حياً، وهو على رأيه، لم يصح الإجماع على مخالفته. فكذا إذا كان ميتًا وقد مات على رأيه. والمعنى الجامع بينهما أن المانع حال حياته هو دليله وحجته، لا عينه، وحجته (¬5) بعد موته قائمة، ¬

_ (¬1) في أ: "لا ينفذ". (¬2) في أ: "ينفذ". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "هذه المسألة". (¬4) في أ: "فإن". (¬5) "وحجته" ليست في أ.

لأن حكم الموت، وقد مات على رأيه (¬1)، إنما يظهر في حق نفسه، لا في مذهبه ودليله، فجعل حيًا حكماً، فصار كأنه حي حقيقة. ولأن في انعقاد الإجماع، بعد سبق خلاف الصحابة، قولا بتضليل بعض الصحابة، لأنه يخرج (¬2) من أن يكون مجتهداً، ويصير قوله خطأ بيقين، وقد اعتقده حقاً (¬3)، واعتقاد الخطأ حقاً من باب (¬4) الضلال، وهو (¬5) قول وحش (¬6) في حق الصحابة. وفيما قلنا: إنه لا ينعقد الإجماع وبقيت المسألة اجتهادية، لا يؤدي إلى تضليل الصحابة، لأن المجتهد يخطئ ويصيب، فلا يتبين خطأ بعض الصحابة بيقين، فكان ما (¬7) قلنا أولى. والحكم المجمع عليه (¬8) يدل عليه: وهو أن من قال لامرأته "أنت بائن" ونوى به الطلاق، ثم وطئها بعد ذلك، مع العلم بحالها، فإنه لا يجب الحد، لأن المسألة مختلفين بين الصحابة رضي الله عنهم: فعند (¬9) بعضهم يكون طلاقاً رجعياً وإنه لا يحرم الوطء. وعند بعضهم يكون طلاقاً بائنًا (¬10) وإنه يحرم الوطء. ثم في عصر (¬11) الشافعي أخذ هو (¬12) بقول من قال إنه طلاق رجعي ولكن قال إنه يحرم الوطء. فهم اتفقوا على أن هذا الوطء حرام: أما عندنا فلأنه طلاق بائن، وعنده، وإن كان طلاقاً رجعيًا، ولكن الوطء ¬

_ (¬1) "وقد مات على رأيه" من أ. (¬2) في ب: "نحرجه". (¬3) "وقد اعتقده حقاً" من (أ) و (ب). (¬4) في ب كذا: "بلا"؟ (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "هذا" وفي ب: "وهذا". (¬6) أي رديء (القاموس والمصباح). وراجع الهامش 6 ص 3. والهامش 1 ص 22. (¬7) "ما" ليست في ب. (¬8) "عليه" من ب. (¬9) في ب: "عند". (¬10) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وعند بعضهم طلاق بائن". (¬11) "في عصر" ليست في ب. (¬12) "هو" ليست في ب.

حرام (¬1). ولو كان الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم لكان لا يورث شبهة، فينبغي أن يجب الحد، ولما لم يجب (¬2)، دل أن الإجماع في العصر التالي بعد وجود الخلاف في العصر الأول، ليس بإجماع ولا حجة، فتكون المسألة اجتهادية، فيصير خلاف العلماء شبهة في درء الحد - والله أعلم (¬3). ولأصحابنا رحمهم الله أن الدلائل التي عرفنا بها كون الإجماع حجة مطلقة لا توجب الفصل بين إجماع سبقه الخلاف وبين إجماع لم يسبقه، [و] من ادعى القيد فعليه الدليل. ولأنه (¬4) لو جاز وجود الإجماع من التابعين جملة وخرج الحق عن جملتهم لجاز خروج الحق عن القرون الأخر بعدهم، فيؤدي إلى جواز بقاء الأمة على الضلال أبدًا (¬5)، وإنه خلاف النص والمعقول، على ما تبين. ولأن الصحابة اتفقوا على أنه لا يجوز للتابعين (¬6) أن يقدموا الواحد (¬7) من الفريقين عيناً، بل اتفقوا على وجوب الاجتهاد عليهم، في طلب الصواب في أحد القولين، والطلب لأجل الإصابة، فكان هذا إجماعاً منهم (¬8) على إصابة الحق، فيما اختلفوا، عند الطلب. فمن قال إن إجماعهم لا يكون حجة، بعد ما طلبوا وبذلوا مجهودهم في ذلك، ولا طريق أقوى في الإصابة من إجماعهم عليه، فقد خالف إجماع الصحابة والتابعين جميعاً. ولأنهم لما حرموا عليهم التقليد ¬

_ (¬1) "أما عندنا ... الوطء حرام" ليست في ب. (¬2) "ولو كان الاجماع المتأخر ... ولما لم يجب" من (أ) و (ب). (¬3) كذا في ب. وفي أ: "ولمل لم يجب دل أن هذا الإجماع غير ثابت ولا حجة". وفي الأصل: "ولكن الوطء حرام: دل أن هذا الإجماع غير ثابت ولا حجة". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وإنه". (¬5) "أبدًا" ليست في أ. (¬6) "للتابعين" ليست في ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "لواحد". (¬8) في هامش أ: "من الصحابة".

وأوجبوا عليهم الاجتهاد، فقد أقاموهم مقام انفسهم في حرمة التقليد ووجوب الاجتهاد (¬1). ثم هم متى أجمعوا، فيما اختلفوا فيه (¬2)، على أحد القولين المختلف فيهما، يصح إجماعهم ويكون حجة، فكذلك (¬3) إجماع من يقوم مقامهم ومثل حالهم. والمعنى الجامع بينهما أن وجوب الاجتهاد ليس لعينه بل لإصابة الحق، واجتماع الكل طريق إصابة الحق. ولأنهم لما أجمعوا على وجوب الاجتهاد عليهم، [فـ] لإصابة الحق فيما اختلفوا فيه (¬4). وإذا أجمعوا علي ذلك لم (¬5) يكونوا كل مصيبين للحق، ولا طريق للإصابة سوى هذا، فإن في اجتماع الآراء (¬6) رأي كل واحد منهم موجود لو انفرد، فه كون هذا إجماعاً منهم على أن الله تعالى كلفهم ما ليس في وسعهم، وهو خلاف الشرع والعقل (¬7). قولهم: لو كان المخالف حيًا لا يكون إجماعاً، فكذا إذا كان ميتاً - فهذا جمع من غير علة. قولهم: إنما لا يكون إجماعاً لا لعينه، ولكن لدليله، وهو قائم في زمن التابعين - فهذا ممنوع؛ إن دليله قائم (¬8)، فإن بإجماع التابعين على أحدهما، يتبين (¬9) أن الآخر ما (¬10) كان حقاً، وما هو دليل عنده، بل (¬11) كان ¬

_ (¬1) "فقد أقاموهم ... الاجتهاد" ليست في ب. (¬2) "فيه" ليست في ب. (¬3) في ب: "وكذلك". (¬4) "فيه" ليست في ب. (¬5) في أ: "ولم". (¬6) في أكذا: "الآراء". (¬7) انظر السرخسي، الأصول، 1: 319 - 320. والبخاري، كشف الأسرار، 3: 249 - 251. (¬8) "إن دليله قائم" من ب. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "تبين". (¬10) في ب قد تكون: "لاما" فـ "لا" غير واضحة. (¬11) "بل" من أ.

شبهة وليس بدليل (¬1)، لأن الدليل لا يظهر خطؤه أبدًا، بل يتقرر بمضي الز مان، فأما الشهبهة، [فـ] تز ول وقد قام الدليل على البطلان، فيكون دليلا على أنه شبهة. قولهم: فية تضليل بعض (¬2) الصحابة - ليس كذلك، بل في (¬3) هذا تخطئتهم من حيث وجوب (¬4) العمل، والتخطئة من حيث الاعتقاد تضليل، فأما (¬5) من حيث وجوب (¬6) العمل فليس بتضليل، إذ الضلال هو الخطأ من حيث الاعتقاد. فأما من حيث وجوب (¬7) العمل فهو خطأ معذور فيه. وبيان ذلك من وجهين: أحدهما - أن المجتهد في الشرعيات يجب عليه العمل باجتهاده. أما لا يجب عليه الاعتقاد بحقية (¬8) قوله على اليقين (¬9) بل من حيث الغالب، وإنما عليه وجوب الاعتقاد على الإبهام (¬10) أن ما أراد الله تعالى، مما اختلفنا فيه، حق. وإذا لم يعتقد حقية مذهبه بطريق القطع، [فـ] كيف يكون ضلالا حتى يكون تخطئته تضليلا؟ ولأن التضليل والضلال (¬11) إنما يتحقق في الأحكام العقلية، لأن المعتقد إما أن يكون واجب الوجود أو مستحيل الثبوت، فمتى أخطأ فقد اعتقد ما هو واجب الوجود مستحيل الثبوت، فيكون ضلالا (¬12). ¬

_ (¬1) في ب: "كان وليس بدليل". فليس فيها: "شبهة". (¬2) "بعض" من (أ) و (ب). (¬3) "في" ليست في ب. (¬4) "وجوب" ليست في ب. (¬5) في أ: "وأما". وفي ب: "أما". (¬6) "وجوب" ليست في ب. (¬7) في ب: "فاْما في حق وجوب". (¬8) في أكذا: "لحقبه" ولعل الصحيح: "لحقية". (¬9) في ب قد تكون كذلك: "اليقين". وقد تكون: "التعن". (¬10) في ب كذا: "الإيهام". (¬11) "والضلال" من ب. (¬12) "فيكون ضلالا" من (أ) و (ب).

واختلاف الصحابة في الشرعيات، وصانهم الله تعالى عن الاختلاف في العقليات، حتى لا (¬1) ينسبوا إلى الضلال والبدعة، فأما الشرعيات فمن جملة الممكنات العقلية بحيث لو جاء الشرع (¬2) على خلاف ما جاء به العقل، لكان (¬3) جائزًا ولم يكل مستحيلا. فالخلاف فيه ليس من باب التضليل (¬4)، فلا يكون التخطئة فيه (¬5) من باب التضليل (¬6). وهذا لأن الجهل بها مما لا يضر، إذا لم يتضمن ذلك تكذيب الرسول عليه السلام، بأن أنكر ما ثبت بالتواتر، حتى يحكم بكفره. فأما بإنكار (¬7) ما هو ثابت قطعًا من الشرعيات، بأن علم بالإجماع أو الخبر (¬8) المشهور، فالصحيح من المذهب أنه لا يكفر، لأن عنده أن فيه شبهة (¬9). فإذا كان نفس الإنكار في الشرعيات، إذا لم يتضمن تكذيب الرسول عليه السلام، لا يوجب الكفر، فالخطأ فيه كيف يكون كفراً؟ - فهو (¬10) الفرق بين الأمرين. وبعض مشايخنا أجاب عن هذا وقال (¬11): إن دليل الصحابي قائم، وحقية قوله ثابتة (¬12) إلى وقت وجود إجماع التابعين، فينتهي الحكم الأول ¬

_ (¬1) "لا" ليست في ب. (¬2) في أ: "الشرع به". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "ما جاء به كان". (¬4) في ب: "الضلال". (¬5) "فيه" من ب. (¬6) "فلا يكون ... التضليل" من (أ) و (ب) مع ملاحظة الهامش السابق. (¬7) في أ: "بإنكاره". وفي ب: "إنكار". (¬8) كذا في أ. وفي الأصل: "والخبر". وفي ب: "بالإجماع وبالخبر". (¬9) "لأن عنده ... شبهة" من (أ) و (ب). (¬10) في ب: "فهذا". (¬11) في ب: "فقال". (¬12) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ثابت".

بوجود الثاني، كما في حكم (¬1) الكتاب وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلا يؤدي إلى الضلال، ولكن هذا ضعيف، لأن النسخ لا يرد في حكم ثابت بالإجماع (¬2)، ولا في حكم ثابت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل بموته صلى الله عليه وسلم خرجت (¬3) إلأحكام عن احتمال النسخ، لأنه لا وحي (¬4) بعده ينزل ويحدث، على ما يعرف بطريق الاستقصاء في الشرح إن شاء الله تعالى (¬5). وأما مسألة الكنايات - فنقول: الخلاف بين الصحابة: أنها بوائن أم رواجع؟ ومن قال إنها رواجع قال: يحل الوطء. ومن قال إنها (¬6) بوائن قال (¬7): لا يحل الوطء. والشافعي رجح قول من قال إنها رواجع. ومخش رجحنا قول الآخرين. ثم الشافعي قال بأن الطلاق الرجعي يحرم الوطء. نحن نقول إنه لا يحرم الوطء (¬8). فلم يوجد الإجماع على أن الطلاق الرجعي يحرم الوطء، حتى يرتفع الخلاف، بل نقول: الطلاق البائن يحرم الوطء، وهذا حكم مسألة أخرى. فلم يكن الإجماع (¬9) إجماعاً فيما اختلفوا فيه، فبقيت المسألة مجتهداً فيه، كما كانت، فلهذا (¬10) لا يجب الحد - والله أعلم. ¬

_ (¬1) "حكم" ليست في ب. (¬2) في ب: "في حكم الإجماع". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "خرج". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا يوحى". (¬5) انظر البخاري، كشف الأسرار، 3: 250. (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بأنها". (¬7) " قال" من (أ) و (ب). وفي ب: "قال إنه". (¬8) "الوطء" من أ. وفي ب: "إنه لا يحرمه". (¬9) "الإجماع" من هامش أ. (¬10) في أ: "ولهذا".

[5] فصل في: بيان طريق وجود الإجماع

[5] فصل في: بيان طريق وجود الإجماع فنقول: لوجود الإجماع طرق ثلاثة: أحدها - الاجتماع على قول واحد، بجهة واحدة - بأن يقول جميع أهل الاجتهاد جواب المسألة على وجه واحد من الجواز أو الفساد أو الحل أو الحرمة. والثاني - الاجتماع على فعل واحد، نحو أن يفعلوا بأجمعهم فعلا واحدًا. والثالث - أن يوجد الرضا من جميع أهل الاجتهاد على حكم من أمور الدين. وذلك بطريقين: - يكون إكل بالإخبار عن الرضا بذلك طوعًا، إذ هو أمر باطن لا يعرف إلا بسبب ظاهر دال عليه، وهو الخبر عنه طوعًا. - وإما بانتشار قول واشتهاره فيهم ولم يوجد، ممن هو بسبيل من ذلك، الرد والإنكار فيه. وذلك في غير حال التقية، وبعد مضي مدة التأمل (¬1) - لأن إظهار الرضا في حال التقية وترك النكير (¬2) والرد، أمر معتاد، بل هو (¬3) أمر مشروع رخصة، فلا يدل ذلك على الرضا - فلهذا شرطنا، مع السكوت وترك (¬4) الإنكار، زوال التقية. وكذلك السكوت والامتناع عن الرد قبل مضي مدة التأمل، حلال شرعًا، فلا يدل على الرضا (¬5). ¬

_ (¬1) "وبعد ... التأمل" من (أ) و (ب). (¬2) في الأصل وأ كذا: "التكبر". وفي ب كذا: "الكر". ولعل الصواب: "النكير" كما سيأتي. (¬3) "هو" من أ. (¬4) في أ: "وتركه". و "ترك" ليست في ب ففيها: "والإنكار". (¬5) "وكذلك السكوت ... الرضا" من أ. وهي في ب ما عدا العبارة الأخيرة: "حلال شرعًا ... الرضا"

ثم قد يتحقق، في كل مسألة واحدة، الإجماع بهذه الطرق كلها (¬1). وقد يكون ببعض هذه الطرق. وقد يكون بطريق واحد. ثم لا خلاف في وجود الإجماع وانعقاده بالقول والفعل والرضا بطريق الخبر. فأما الرضا (¬2) بالسكوت بعد انتشار الخبر واشتهاره مع زوال التقية ومضي مدة التأمل (¬3) - هل يكون إجماعًا، سواء كان في عصر الصحابة أو في كل عصر؟ ينظر: إما إن كانت المسألة من مسائل الاجتهاد أو لم تكن: - فإن لم تكن كل من المسائل الاجتهادية (¬4)، بل من العقليات المبنية على الدليل القطعي فلا يخلو: إما إن كان عليهم في معرفتها تكليف، أو ليس عليهم في معرفتها تكليف: • فإن لم يكن في معرفتها تكليف، نحو أن يقال: إن أبا هريرة رضي الله عنه أفضل أم أنس بن مالك رضي الله عنه، ونحوها: فإنه إذا وجد من واحد قول، واشتهر ذلك فيما بين العلماء، ولم يرد الإنكار منهم صريحًا، فإن السكوت وترك الرد لا يكون إجماعًا ولا دلالة الرضا بذلك القول المنتشر، لأنه لا تكليف عليهم في معرفة ذلك، فلا يلزمهم النظر: إن ذلك منكر أم لا، وإنما يلزمهم الإنكار إذا علموا أن ذلك منكر. فإذا (¬5) لم يلزمهم النظر في كونه منكرًا (¬6)، جاز أن لا ينظروا، فلا يحصل لهم العلم بكونه منكرًا، ¬

_ (¬1) "كلها" ليست في ب. (¬2) في ب: "بالرضا". (¬3) "ومضى مدة التأمل" من (أ) و (ب). (¬4) في ب: "من مسائل الاجتهاد". (¬5) في ب: "وإذا". (¬6) "منكرًا" ليست في ب.

فلا يلزمهم إنكاره. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يبعد أن يتركوا إنكار ما لم يثبت كونه منكرًا عندهم، فلا يكون سكوتهم عن الرد والإنكار دليل الرضا (¬1). • فأما إذا كان في معرفة حكم الحادثة تكليف عليهم، وانتشر قول البعض في الجواب، وسكت الباقون ولم يردوا عليهم، يكون سكوتهم تصويبًا ورضا كل منهم (¬2) بذلك الحكم. لأنه لو كان خطأ، لكانوا (¬3) قد أجمعوا على ترك ما يجب عليهم من إنكار المنكر، والله تعالى مدح أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشهد لهم بذلك، فلا يجوز ترك النهي عن من جماعتهم، فيؤدي إلى الخلف في خبره وشهادته، تعالى الله (¬4) عن ذلك. ولأنه إذا كان خطأ ولم يردوا، فقد وجد الاجتماع على الخطأ والضلال، والنبي عليه السلام قال: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" (¬5) - على ما تقرر في مسألة حكم الإجماع. - و (¬6) أما إذا كانت المسألة اجىتهادية، بأن (¬7) كانت في الفروع، التي هي من باب العمل دون الاعتقاد: • فعلى قول أهل السنة والجماعة (¬8) ومن قال إن المجتهد يخطئ ويصيب في الفروع - فالجواب (¬9) فيها والجواب في المسألة الاعتقادية سواء، لأن الحق إذا كان واحدًا، لو لم يكن (¬10) القول المنتشر (¬11) من البعض فيهم ¬

_ (¬1) هكذا وردت في المعجم الوسيط: "الرضا". (¬2) "مهم" من ب. (¬3) في ب: "لكان". (¬4) "الله" من (أ) و (ب). (¬5) في أ: "الضلالة". (¬6) واو العطف من (أ) و (ب). (¬7) في ب: "فإن". (¬8) "والجماعة" من (أ) و (ب). (¬9) في ب: "فكذلك الجواب". (¬10) في هامش أ: "ولم يكن". (¬11) "المنتشر" ليست في ب

حقًّا، يكون خطأ، فلا يحل لهم السكوت وترك الإنكار، فيكون السكوت دليل الرضا والتصويب ضرورة. • وأما على قول من قال إن كل مجتهد مصيب، اختلفوا فيه (¬1): - فقال أبو علي الجبائي: يكون إجماعًا إذا انتشر القول فيهم (¬2) ثم انقرض العصر. وهو (¬3) مثل قولنا، إلا أنه جعل مدة التأمل انقراض العصر، وعندنا بخلافه - على ما مر. وقال ابنه أبو هاشم (¬4) بأنه لا يكون إجماعًا، ولكنه يكون حجة. وقال أبو عبد الله: لا يكون إجماعًا ولا يكون حجة (¬5). وروي عن الشافعي رحمه الله أنه قال: لا أقول إنه إجماع، ولكن أقول لا أعلم فيه خلافًا، تحرزًا عن احتمال الخلاف احتياطًا. وجه قول من قال إنه ليس بإجماع - ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه شاور الصحابة في فضل بقي من الغنائم بعد القسمة: أنه قسم بينهم أو أمسكها لنائبة حدثت في ثاني الحال (¬6)، فأشار القوم إلى الإمساك، وكان علي رضي الله عنه فيهم وهو ساكت فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: قد تكلم القوم، فقال عمر رضي الله عنه: "لتكلمن أنت" فقال: بالقسمة، وروي في ذلك خبرًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان السكوت حجة لما كلفه ¬

_ (¬1) "فيه" ليست في ب. (¬2) في ب: "منهم". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فهو". (¬4) تقدمت ترجمة الجبائي في الهامش 2 ص 344. وأبي هاشم في الهامش 1 ص 146. (¬5) قال الآمدي في الإحكام (1: 361): "وذهب الشافعي [وكنيته أبو عبد الله] إلى نفي الأمرين". (¬6) كذا العبارة، وهي غير متسقة. والمعنى ظاهر ويوضحه عبارة السرخسي والبخاري الآتيتين في الهامش التالي. ولعل العبارة السليمة تكون على الوجه التالي: "هل يقسمه بيهم أو يمسكه لنائبة تحدث في ثاني الحال".

بالتكلم مع سكوته (¬1). وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى العول في الفرائض وكان (¬2) يتكام فيه، فقيل له: ألا تذكر مع عمر رضي الله عنه، فقال: "منعتني (¬3) درته" وفي رواية: "خوفًا من درته"- دل أن السكوت لا يكون حجة. والمعنى في المسألة وهو أن السكوت محتمل في نفسه (¬4): - يحتمل أن يكون السكوت تقية وخوفًا، كما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما. - ويحتمل أن يكون السكوت من البعض، لأنهم لم يتأملوا في المسألة لكونهم مشغولين بالجهاد (¬5) أو سياسة الرعية. ولو تأملوا ربما يكون الجواب (¬6) عندهم بخلافه. ولأنه يجوز أن يكون المذهب عند بعض الساكتين أن المجتهد في الفروع مصيب على كل حال، في كون القول المنتشر (¬7) صوابًا عنده في حق أولئك المجتهدين، فلا (¬8) يجب عليه الرد، كما أن الإمام أو (¬9) القاضي ¬

_ (¬1) وقال السرخسي في أصوله (1: 303 - 304): " .. ويستدلون على صحة هذه القاعدة بما روي أن عمر رضي الله عنه لما شاور الصحابة في مال فضل عنده للمسلمين فأشاروا عليه بتأخير القسمة والإمساك إلى وقت الحاجة، وعلي رضي الله عنه في القوم ساكت، فقال له: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: لم تجعل يقينك شكًا وعلمك جهلا؟ أرى أن تقسم ذلك بين المسلمين وروى فيه حديثًا - فهو لم يجعل سكوته دليل الموافقة لهم حتى سأله واستخار علي رضي الله عنه السكوت كون الحق عنده في خلافهم". وقال البخاري في كشف الأسرار (3: 229): "وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما شاور الصحابة في مال فضل عنده من الغنائم ثم أشاروا عليه بتأخير القسمة والإمساك إلى وقت الحاجة وعلي رضي الله عنه في القوم ساكت فقال له: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال لم تجعل يقينك شكًا وعلمك جهلا؟ أرى أن تقسم ذلك بين المسلمين وروى فيه حديثًا ... ". (¬2) في أ: "فكان". (¬3) "منعتني" من أ. (¬4) في ب: "في نفسه محتمل". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بالاجتهاد". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أو سياسة الرعية ويكون الجواب". (¬7) "المنتشر" ليست في ب. (¬8) في ب: "ولا". (¬9) "الإمام أو" من (أ) و (ب).

إذا قضى في مسألة مجتهد فيها برأي واحد منهم وسكت المخالفون، لا يكون سكوتهم دليل الرضا والإجماع، لأنه يجوز لهم السكوت في هذا الوضع، لإجماع الأمة أن قضاء القاضي في فصل مجتهد فيه جائز. - ويحتمل [أنه] إنما (¬1) سكت، مع أن رأيه بخلافه، لكون (¬2) المخالف أكبر سنًا منه وأعظم حرمة وأقوى في الاجتهاد وأعلم منه، وإن كان هو من أهل الاجتهاد فلم يعارضه بالرد والإنكار احترامًا له، أو أخذ بقوله اتهامًا (¬3) لرأي نفسه بقابلته فلم يجتهد - وهذا (¬4) وإن كان جائزًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمها الله، فعند محمد رحمة الله عليه: لا يجوز، وعليه أن يجتهد وإن كان أصغر سنًا منه، إذا كان من أهل الاجتهاد. وربما يجتهد فيكون قوله مخالفًا لقولهم، فلا ينعقد الإجماع على قول محمد رحمة الله عليه. - ويحتمل أيضًا أن الخلاف وجد من البعض، لكن لم ينقل إلينا لكونه أصغرهم وظهر قول الأكابر. وإذا احتمل هذه الوجوه، فلا يكون حجة. وأبو هاشم يقول: مع أن هذا ليس بإجماع، لما ذكروا، فالعلماء (¬5) يحتجون بالقول المنتشر في كل عصر إذا لم يعرف له مخالف. وإجماع الأمة حجة، فعرفنا بإجماعهم على الاحتجاج بمثل هذا، على أنه حجة، وإن لم يكن إجماعًا، كا أجمع السلف على الاحتجاج بخبر الواحد فيكون حجة، وإن لم يثبت كونه خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قطعًا. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "إن ما". (¬2) كذأ في أ. وفي الأصل و (ب): "لكن". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "إيهامًا". وفي المعجم الوسيط: أوهم فلانًا بكذا أدخل عليه الريبة واتهمه به. وأتهم الرجل صارت به الرنبة وأصله أوهم. (¬4) في ب: " فهذا". (¬5) في ب: "والعلماء".

وجه قول من قال إنه إجماع - دلالة إجماع أهل اللسان، والمعقول: - أما الأول، فلأن أسماء الأجناس والأنواع والأعيان بلغت (¬1) إلينا من أهل اللغة (¬2) بالقول المنتشر والسكوت من الباقين، لا بالنطق من واحد منهم (¬3) حقيقة، وهو اسم الإنسان لبني آدم، واسم الحيوان لكل ذي روح، واسم الإبل والبقر والغنم، وكذا هذا العين لحم، وهذا خبز، وهذا ماء، وهذا نار - فمن شرط النطق من واحد وأنكر الإجماع بالاستفاضة وسكوت الباقين، فقد أنكر كونه إنسانًا وحيوانًا، ويجب أن يتحرج (¬4) في تسمية اللحم والخبز والماء لما أنه لم يسمعه من أحد (¬5) نطقًا. وهذا مما يرده العقلاء كلهم. فكان هذا إجماعًا منهم على أن الإجماع من حيث القول في الأحكام ليس بشرط ضرورة. - وأما المعقول فهو (¬6) أن القول المنتشر (¬7)، مع السكوت من الباقين، إجماع صحيح في الحكم الذي يرجع إلى الاعتقاد، فكذا في الشرعيات، لمعنى جامع بينهما، وهو أن الحق واحد. فإذا كان عنده أن القول المنتشر خطأ، [فـ] لا يحل له السكوت وترك الرد، فكذا في الفروع. هذا على قولنا (¬8). فأما على قول من قال إن مجتهد مصيب، [فـ] يجب أن يكون كذلك، لأنه وإن كان عندهم أن كل مجتهد مصيب فيما أدى إليه اجتهاده، ولكن مع هذا (¬9) ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "بلغ". (¬2) "من أهل اللغة" من (أ) و (ب). (¬3) "منهم" من أ. (¬4) في هامش أ: "يحرج". (¬5) في (أ) و (ب): "واحد". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬7) في ب كذا: "المتيسر" ولعله تصحيف. (¬8) راجع فيما تقدم ص 517. (¬9) "مع هذا" ليست في ب.

لا يرضي كل مجتهد بقول صاحبه قولا لنفسه، بل اعتقد فيه خلافه، ويدعو الناس إلى معتقده ويناظر مع (¬1) خصمه. [فـ] لو لم يكن ذلك اعتقادهم وقولهم لظهر خلافهم، وانتشر إذا لم يكن عن تقية. وإذا كان لهم خوف وتقية عن الإظهار، لظهر (¬2) سبب التقية لا محالة، ولما لم يظهر سبب التقية ولا الخلاف منهم لذلك القول (¬3) المنتشر، دل أنهم رضوا بذلك قولا لهم. والجواب عن كلماتهم: - فلا حجة في حديث عمر وعلي رضي الله عنهما. فإنه يحتمل (¬4) أنما سكت علي رضي الله عنه للتأمل، ولا بد للتأمل من زمان، وأدناه إلى آخر المجلس. ويحتمل ما قلتم. فلا يكون حجة. ولأن ذلك (¬5) من باب الفاضل والأفضل، لا (¬6) من باب الجواز والفساد والحل والحرمة، والسكوت (¬7) في مثله جائز في الجملة باعتبار الحال، ولا كلام فيه، إنما الخلاف في الباب الذي لا يجوز السكوت عنه بحال إذا كان الأمر بخلافه. - وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه فهو (¬8) مؤول لأن عمر رضي الله عنه كان ألين لقبول الحق من غيره، فكيف يخاف (¬9) من عمر رضي الله عنه في إظهار الحق- ألا يرى أنه خالف ممر رضي الله عنه في مسائل أخر ولم ينهه عن (¬10) ذلك، بل روي عنه أنه قال له: "غص يا غواص". ¬

_ (¬1) في أ: "إلى". (¬2) في ب: "يطهر". (¬3) "القول" ليست في أ. (¬4) في ب: "فيحتمل". فليس فيها "إنه". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ذاك". (¬6) "لا" ليست في ب. (¬7) في ب: "فالسكوت". (¬8) في ب: "عنهما وهو". (¬9) في أ: "خاف". (¬10) "الحق من غيره ... ولم ينهه عن" ليست في ب ففيها: "كان ألين لقبول ذك".

[6] فصل في: بيان السبب الداعي إلى الإجماع الحامل عليه

وتأويله أنه سكت عن المعارضة معه (¬1) احترامًا له (¬2) لكبر سنه وكثرة علمه، والسكوت عن العارضة في مثل هذا، مع إظهار الخلاف في الجملة، جائز بل هو المستحب. - وما ذكروا من وجوه الاحتمال فيدخل في مطلق السكوت وترك الإنكار، ولكن لا يحتمل في موضع الخلاف، لأن الكلام فيما إذا مضت مدة التأمل، حتى شرط بعضهم انقراض العصر لمضي (¬3) مدة التأمل. وكذا في غير موضع التقية والخوف. وكذا في موضع عم به البلوى فلا يتصور أن لا يشتهر فيه الخلاف، فأما في حادثة لم تعم (¬4) بها البلوى فلا - والله أعلم. [6] فصل في: بيان (¬5) السبب الداعي إلى الإجماع الحامل عليه قال عامة العلماء من الفقهاء والمتكلمين: إن الإجماع لا ينعقد إلا عن دليل قطعي، كالكتاب (¬6) والخبر المتواتر. أو عن دليل راجح فيه شبهة العدم، نظير (¬7) خبر الواحد والقياس ونحوهما. فأما (¬8) لا ينعقد عن (¬9) غير دليل ظاهر في نفسه من (¬10) إلهام وتقليد وميل الطباع. وقال بعضهم: بأنه ينعقد عن توفيق، بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب ويلهمهم إلى (¬11) الرشد، بأن يخلق فيهم علمًا ضروريًا بذلك. ¬

_ (¬1) "معه" ليست في ب. (¬2) أي لعمر رضي الله عنه. (¬3) في ب: "بمضي". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لم يعم". (¬5) في ب: "وأما السبب". (¬6) في ب: "كنص الكتاب". (¬7) في أ: "نظيره". (¬8) في ب كذا: "فأما ما لا ينعقد" ولعل "ما" مكررة. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من". (¬10) في ب: "نحو". (¬11) "إلى" ليست في ب.

وقال عامة أصحاب الظواهر والقاشاني (¬1) من المعتزلة: بأنه لا ينعقد إلا عن دليل قطعي، فأما لا ينعقد بخبر الواحد والقياس. وقال بعض أصحاب الظواهر: بأنه ينعقد عن خبر الواحد دون الاجتهاد بالرأي. وقال بعض مشايخنا: بأن الإجماع لا ينعقد إلا عن خبر الواحد والقياس. فأما في موضع الكتاب (¬2) والخبر المتواتر: الحكم ثابت بهما، فلا حاجة إلى الإجماع. وجه قول من قال إنه ينعقد الإجماع عن توفيق وإلهام - أن الإلهام وخلق الله تعالى العلم لي بطريق الضرورة من جملة الجائزات، إلا أن في حق الواحد الاحتمال ثابت وترجح جانب العدم باعتبار العادة - ألا ترى أنه حجة في حق رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لارتفاع الاحتمال. وإذا اجتمعوا على ذلك - وقد قامت (¬3) الدلائل السمعية (¬4) على كون الإجماع حجة، وأن (¬5) الأمة لا تجتمع على الخطأ - علم أنهم ألهموا بذلك ووقفوا (¬6) عليه - ألا ترى أنه ينعقد بالقياس وخبر الواحد، وهو دليل محتمل أيضًا، لكن ترجح جانب الثبوت، ثم يزول الاحتمال بالإجماع (¬7) - فكذا (¬8) هذا. ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته في الهامش 4 ص 199. وأيضًا فيما يلي في الهامش 5 ص 555. (¬2) في ب: "نص الكتاب". (¬3) في ب: "فقد قامت". وفي الأصل و (أ): "وقد قام". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "الدليلال". ولعنها: "الدلايل". (¬5) في ب: "فإن". (¬6) في الأصل وأكذا: "ووفقوا عليه" ولعلها "ووافقوا عليه". (¬7) انظر البخاري، كشف الأسرار، 3: 263. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "فكذلك".

وجه قول أصحاب الظواهر، وهو أنه قام (¬1) الدليل عندنا أن القياس وخبر الواحد ليسد بحجة، فكان مدار الإجماع على ما ليس بحجة، فلا يكون حجة، لاتفاقنا أن الإجماع لا ينعقد إلا عن دليل، و (¬2) لا ينعقد بالإلهام والتقليد، فيكون الإجماع بناء على هذا الأصل، ويرجع (¬3) الكلام إليه. ولأن الإجماع (¬4) الذي هو حجة هو إجماع جميع العلماء، بالدلائل السمعية. ونحن لا نوافقكم في الإجماع بالقياس وخبر الواحد، فكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة البعض؟ (¬5). ووجه قول من فرق بين الاجتهاد وخبر الواحد، وهو أن الناس خلقوا على همم متفاوتة وآراء مختلفة وأغراض متباينة، فلا يتصور اجتماعهم على شيء إلا لداع دعاهم إليه، وجامع جمعهم عليه، وهو سماع (¬6) الحديث ممن التزموا (¬7) طاعته، وانقادوا لحكمه. فتعين هذا طريقًا للإجماع، وهو صالح. فأما الاجتهاد بالرأي مع اختلاف الأراء والدواعي، فلا يصلح جامعًا. وجه قول من قال إن الإجماع لا يكون إلا عن قياس وخبر الواحد، وهو أنا اتفقنا أن الإجماع حجة قطعًا، ولو لم ينعقد الإجماع (¬8) إلا في موضع فيه دليل قاطع، والحكم (¬9) به معلوم، فلا فائدة في انعقاد (¬10) الإجماع ¬

_ (¬1) في ب كذا: "فاد". (¬2) في ب: "حتى". (¬3) في ب: "فيرجع". (¬4) في ب: "إجماع". (¬5) في ب: "مع مخالفة النص". (¬6) في أ: "سماعهم". (¬7) في ب: "الزموا". (¬8) "الاجماع" من أ. (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فالحكم". (¬10) في ب كذا: "في انعقاده الإجماع".

حجة، ولا يرد الشرع بما لا فائدة فيه للعباد، إذ الشرائع ما شرعت إلا لمصلحة العباد وفائدتهم. ومع هذا ثبت بالدلائل السمعية كون الإجماع حجة قطعًا (¬1) - دل أن المراد منه هو الإجماع الذي ينعقد عن القياس وخبر الواحد، لأن في انعقاده فائدة، وهو ثبوت الحكم قطعًا، لأنه لا تيقن (¬2) في ثبوت الحكم بهما (¬3). ولأن الإجماع إنما عرف حجة بطريق الكرامة لهذه الأمة، لحاجتهم إلى ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء عليهم السلام (¬4). ومتى وقعت حادثة ليس فيها نص قاطع وعملوا فيها (¬5) بالاجتهاد، وهو محتمل للخطأ، وجاز أن يكونوا على الخطأ، كان قولا بخروج (¬6) الحق عن جيمع الأمة، وإنه لا يجوز، وتمس الحاجة إلى تجديد الرسالة، ولا وجه إليه، لإخبار الله تعالى بكون رسولنا خاتم الأنبياء، فصار الإجماع حجة لهذه الحاجة - ألا ترى أن إجماع الأمم السالفة ليس بحجة، لما أنه لا حاجة إليه، لوجود الدليل القاطع حال حياة رسلهم، وبعد وفاتهم تتجدد الرسالة، ولهذا لا ينعقد الإجماع في حال حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنه لا حاجة. وإذا ثبت هذا نقول: إن الحاجة في موضع القياس وخبر الواحد، دون موضع الآية المفسرة والخبر المتواتر، لأنه لم يثبت الحكم قطعًا في أحد الموضعين وثبت (¬7) في الموضع الآخر، فينعقد في موضع الحاجة، لا في موضع لم تمس الحاجة. ¬

_ (¬1) "قطعاً" من (أ) و (ب). (¬2) في ب: "لا يتيقن" مع عدم النقط. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بها". (¬4) "عليهم السلام" من أ. (¬5) "فيها" عن (أ) و (ب). (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لخروج". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ويثبت".

وجه قول عامة العلماء، وهو أن الدلائل، التي توجب كون الإجماع حجة، لا توجب الفصل بين ما إذا كان الداعي دليلا قاطعًا أو دليلا ظاهرًا مع الشبهة، فكان اشتراط الدليل القطعي تقييدًا لممطلق (¬1)، فلا يجوز من غير دليل. ولأنما وجدنا وقوع الإجماع عن الرأي والاجتهاد، وهو معتبر بالإجماع، فيكون حجة بالإجماع من الأمة، فلا يجوز القول بخلافه. بيانه أن الصحابة أجمعوا على أن (¬2) حد الشرب ثمانون (¬3) جلدة،. بالرأي، حين (¬4) قال علي رضي الله عنه: "من سكر هذى، وإذا (¬5) هذى افترى- فأرى عليه حد المفترين"، وهذا رأي. وهذا الإجماع معتبر باتفاق الصحابة. وكذا أجمعت الصحابة على إباحة قتال أهل الردة، وعلى إمامة أبي بكر رضي الله عنه، وذلك إجماع عن رأي واجتهاد. حتى (¬6) قال أبو بكر رضي الله عنه: لا أفرق بين ما جمع الله تعالى من الصلاة والزكاة: - فقاس الزكاة على الصلاة (¬7) في وجوب قتال المنكر لها (¬8). ولو كان مع الصحابة في قتال ما نعي الزكاة نص لنقلوه، فاتفقوا على رأي أبي بكر رضي الله عنه. وكذا في إمامة أبي بكر رضي الله عنه وقع الاختلاف: فقال المهاجرون: الخليفة من قريش. وقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، حتى ثبت النقل: أن الخلافة في (¬9) قريش. ثم اختلفوا في التعيين، فأجمعوا (¬10) ¬

_ (¬1) في ب: "تقييد المطلق". (¬2) "أن" من أ. (¬3) في الأصل و (ب): "على حد الشرب ثمانين". (¬4) في ب: "حتى". (¬5) كذا في الأصل وهامش (أ) و (ب). وفي متن أ: "ومن". (¬6) في أ: "وحتى". وفي ب: "حين". ولعل الأوضح أن يقال: "وعلى ما قال". وسيوضحه ما يلي. (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فقاس الصلاة على الزكاة". (¬8) في هامش أ: "مانعي الزكاة". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من". (¬10) في ب: "وأجمعوا".

على إمامة أبي بكر رضي الله عنه بالرأي والاجتهاد، وقاسوا الإمامة الكبرى على الإمامة الصغرى (¬1)، وقالوا (¬2) إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رضيه لأمو ر ديننا أفلا نرضاه لأمور دنيانا، وقدمه في الصلاة فلا نؤخره في الخلافة - فصح ما ادعينا من الإجماع. وأما المعقول - فهو (¬3) أنه لا يخلو: إما إن أنكروا وجود الإجماع، أو كونه حجة: والأول (¬4) باطل، فإنه عبارة عن اجتماع أهل الإجماع على حكم واحد، بجهة واحدة، والكلام فيه. والثاني باطل، لقيام الأدلة السمعيه على كون الإجماع حجة. وأما دعوى الإجماع من غير دليل، سوى الإلهام والتوفيق، [فـ] باطل، فإن حال الأمة لا تكون (¬5) أعلى درجة حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنه لا يقول إلا عن وحي ظاهر أو خفي أو عن استنباط من النصوص (¬6)، فالأمة أولى. ولأن الإجماع إنما يكون من العلماء وأهل الديانة، ولا يتصور منهم الاجتماع على حكم من أحكام الله تعالى جزافًا وتبخيتًا (¬7) أو بالتحري وتحكيم (¬8) القلب، بل بناء على حديث سمعوه أو معنى من النصوص (¬9) ¬

_ (¬1) في ب كذا: "والاجتهاد وما سوى إمامة الكبرى على إمامة الصغرى". (¬2) في ب: "فقالوا". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬4) كذا في (أ) و (ب): "والأول". وفي الأصل: "فالأول". (¬5) في ب: "لا يكون". (¬6) في ب: "المنصوص". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "وتنحيتا". وفي هامش أنقلا عن المغرب: "التبخيت التبكيت وأن تكلم خصمك حتى تنقطع حجته: عن صاحب التكملة. وأما قول بعض الشافعية في اشتباه القبلة إذا لم يمكنه الاجتهاد صلى على التبخيت فهو من عبارات المتكلمين ويعنون به الاعتقاد الواقع سبيل الابتداء من غير نظر في شيء" والبخت الجسد (المغرب) أي الحظ (المعجم الوسيط). (¬8) في ب كذا: "ومحكم". (¬9) في ب: "المنصوص".

رأوه مؤثرًا في الحكم. وأما (¬1) الحكم جزافًا أو بالهوى والطبيعة فهو عمل أهل البدعة والإلحاد. وأما دعوى من قال إن (¬2) الإجماع لا ينعقد إلا عن قياس وخبر الواحد فباطل: لأن الإجماع المبني على الدليل المحتمل لما كان حجة، فعلى الدليل القطعي (¬3) المتيقن أولى. ولأن الإجماع ليس إلا اتفاق أهل الإجماع على حكم واحد، وقد وجد الاجتماع والاتفاق وارتفاع التنازع والاختلاف، إلا أن سبب هذا الإجماع هو الدليل القطعي من الكتاب والسنة المتواترة، أو الدليل العقلي، وسبب ذلك الإجماع هو الدليل المحتمل، والمقصود هو الحكم دون السبب، ومتي وجد الإجماع يجب أن يكون حجة، بالدلائل الموجبة لكون الإجماع حجة. قولهم إنه لا حاجة فنقول: متى ثبت أنه (¬4) حجة، فالحاجة ثابتة إلى مطلق الحجة والدليل، وفي كثرة الدلائل تيسير على الناس، ليطلبوا الحق بأي دليل اتفق لهم (¬5) وأيسر عليهم (¬6)، وذلك جائز - أليس (¬7) أن الله تعالى شرع ثلاثة أشياء كفارة في باب اليمين على طريق التخيير، وما ذلك إلا للتيسير والتخفيف. ولأنا وجدنا في حادثة واحدة الكتاب والخبر المتواتر وإن كانت الحاجة الماسة ترتفع بأحدهما، فكذلك إذا وجد الإجماع معهما. ولأن أكثر ما في الباب أنه لا حاجة ولكن فيه ¬

_ (¬1) في أ: "فأما". (¬2) "إن" ليست في ب. (¬3) "القطعي" من أ. انظر البخاري، كشف الأسرار، 3: 263. (¬4) في ب: "كونه". (¬5) زاد هنا في ب: "والله أعلم". (¬6) في أكذا: "واتسر عليهم". وعبارة: "وأيسر عليهم" ليست في ب. وأيسر سهل ولان (المعجم الوسيط). (¬7) في ب: "ليس".

فائدة، وهو ما ذكرنا من التيسير والتخفيف ورفع المؤنة عن طلب الحق بالاجتهاد، ولما فيه من زيادة التأكيد وطمأنينة القلب - قال الله تعالى خبرًا (¬1) عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: "رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" (¬2). وأما في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجوز أن ينعقد الإجماع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيكون الإجماع حجة وقول الرسول حجة، فيكون حجتان (¬3). وهكذا نقول في الأمم السالفة: إن الإجماع حجة، لما قلنا. والجواب عن شبهة أصحاب الظواهر أنهم: إن (¬4) أنكروا كون خبر الواحد حجة كالقياس، فالدليل قائم عندنا، فيبني عليه. وإن سلموا خبر الواحد، ويكون (¬5) الإجماع المبني عليه حجة مع الاحتمال، فكذا (¬6) الإجماع المبني على القياس. ولأن الصحابة أجمعت على كون القياس الشرعي حجة، فيكون قولهم مخالفًا للإجماع، فلا يعتبر. وكذا الصحابة أجمعت على صحة الإجماع المنعقد على (¬7) القياس، ومن خالف حكمًا عليه إجماع الصحابة، فقد خالف الإجماع، فلا يعتبر خلافه (¬8). وما قالوا إن الإجماع لابد له من داع، لاختلاف آراء الناس ودواعيهم، ¬

_ (¬1) في ب: "إخبارًا". (¬2) سورة البقرة: 260: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهن يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "حجتين". (¬4) "إن" ليست في أ. (¬5) في أ: "فيكون". (¬6) في أ: "فكذلك". (¬7) في ب: "عن". (¬8) "ولأن الصحابة أجمعت على كون ... خلافه" من (أ) و (ب) مع ملاحظة الهامش السابق. وليست في الأصل.

[7] فصل في: السبب المعرف للإجماع

فكذلك، ولكن وجد ههنا داع معتبر، وهو معاني النصوص من الكتاب والسنة، والكلام فيه وقع - والله أعلم (¬1). [7] فصل في: السبب المعرف للإجماع فنقول: العلم بوجود الإجماع يحصل بالحس. أما في حق أهل العصر الذي ينعقد فيه الإجماع -[فيحصل] (¬2) لهم العلم بحس السمع إذا كان الإجماع من حيث القول، وبحس البصر إذا كان الإجماع من حيث الفعل حيث شاهدوا اجتماعهم على فعل واحد. وأما في حق غير أهل العصر الذي وجد فيه الإجماع -[فـ] يحصل العلم فيه (¬3) بحس السمع لا غير، وهو سماع (¬4) خبر الناقلين إليهم عن الإجماع السابق. ثم النقل بطريقين: بالتواتر، والآحاد. أما بالتواتر، فكنقلهم (¬5) خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكون القرآن كتاب الله تعالى المنزل عليه، وفرضية خمس صلوات في يوم وليلة وأوقاتها (¬6)، وفرضية الزكاة والحج وصوم شهر (¬7) رمضان. ¬

_ (¬1) "والله أعلم" من (أ) و (ب). (¬2) في الأصل و (أ): "حصل". وفي ب كذا: "هل". والعبارة بعد قليل: "يحصل". (¬3) "فيه" من ب. (¬4) "سماع" من ب. (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "فلنقلهم". وفي ب كذا: "فيكفيهم". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "في أوقاتها". (¬7) "شهر" من ب.

[8] فصل في: بيان محل الإجماع

وأما بطريق الآحاد، فكثير (¬1) - من ذلك ما روي عن عبيدة السلماني (¬2) أنه قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شيء كاجتماعهم على الأربع قبل الظهر، وتحريم نكاح الأخت في عدة الأخت - والله أعلم. [8] فصل في: بيان محل الإجماع فنقول: محل الإجماع المتفق عليه هو أمور الدين. فأما أمور الدنيا نحو أمر الحرب وغيره - إذا أجمعوا على الحرب في موضع معين ورأوا ذلك هو الصواب، [فـ] هل يجوز لواحد منهم أو لأكثرهم الخلاف لهم (¬3) بعد انقضاء مدة التأمل - اختلفوا فيه: قال بعضهم: إن الإجماع لا يكون حجة فيه. وقال بعضهم: يكون حجة. وجه قول الأولين: إن حال الأمة في أمر الدنيا ليس بأعظم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4) في قصة التلقيح أنه قال: "أنا أعلم بأمور دينكم، وأنتم أعلم بأمور دنياكم". وكذا إذا رأى النبي عليه السلام رأيًا (¬5) في أمر (¬6) الحرب وعند الصحابة (¬7) الرأي في غيره، ¬

_ (¬1) في ب: "وكثير". (¬2) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 502. (¬3) "لهم" ليست في أ. (¬4) "عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" من (أ) و (ب). (¬5) "رأيًا" ليست في ب. (¬6) في أ: "في أمور". (¬7) في (أ) و (ب): "أصحابه".

يراجعونه فيه ويبينون أن الصواب في غيره، إلا إذا بين النبي عليه السلام أن ذلك عن وحي - فكذلك (¬1) الإجماع. وجه قول الآخرين: إن أدلة الإجماع حرمت المخالفة للإجماع (¬2)، من غير فصل بين أمور الدين والدنيا، فيجب العمل بها. وكذا نقول في حق (¬3) النبي عليه السلام في أمر الحرب وغيره: إن قال عن وحي (¬4) فهو الصواب، وإن قال عن رأي وتدبير: فإن (¬5) كان خطأ، لا يقر عليه ويظهر الصواب، إما بالوحي وإما (¬6) بإشارة من أصحابه، فيقر عليه. وفي الإجماع بعد وجوده، لا يحتمل الخطأ، فلا (¬7) فرق بين الأمرين. ثم على قول من جعله إجماعًا - هل يجب (¬8) العمل به في العصر الثاني أم (¬9) لا، كما في الإجماع في أمور الدين؟ • إن (¬10) لم يتغير الحال، فكذلك. • فأما (¬11) إذا تغير الحال، [فـ] يجوز لهم المخالفة، لأن أمور الدنيا مبنية على المصالح العاجلة، وذلك يحتمل الزوال ساعة لساعة. والله أعلم (¬12). ¬

_ (¬1) "النبي عليه السلام" من (أ) و (ب). و"فكذك" ليست في ب - أي فكذك الإجماع: لا يكون حجة في أمور الدنيا، أسوة برأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا - انظر البخاري، كشف الأسرار، 3: 252. (¬2) في (أ) و (ب): مخالفة الإجماع". (¬3) في أ: "في قول". (¬4) في أكذا: "وحه". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وإن". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أو بإشارة". (¬7) في ب: "ولا". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل زاد هنا كلمة "الإجماع" والظاهر أنها مشطوبة. (¬9) "أم" ليست في ب. (¬10) في ب: "ولم". (¬11) في ب: "وأما". (¬12) "والله أعلم" من (أ) و (ب).

[9] فصل في: بيان حكم الإجماع

فأما (¬1) في أمور الدين: متى وجد الإجماع سواء كان في أمر شرعي أو في أمر عقلي، يكون الإجماع حجة، إلا (¬2) في حكم عقلي: لابد من معرفته حتى يصح الإجماع، نحو معرفة الله تعالى ومعرفة النبوة وصحة المعجزة وصفة العلم والحكمة والعدل لله تعالى، حتي إذا عرفوا الله تعالى على هذه الصفات وعرفوا النبوة وصحة المعجزة، تم أجمعوا على إثبات الوحدانية لله تعالى ونفي الإله الثاني، يكون الإجماع (¬3) صحيحًا موجبًا للعلم (¬4) قطعًا. وكذا لو أجمعوا على جواز رؤية الله تعالى وخلق أفعال العباد ونحو ذلك، يكون إجماعًا موجبًا للعلم قطعًا - والله أعلم (¬5). [9] فصل في: بيان حكم الإجماع قال عامة أهل القبلة بأن إجماع عصر من الأمة صواب وحجة إن وجد الإجماع بالقول في الوجوب والحل والحرمة ونحوها، وأنه يوجب العلم به قطعًا. فأما (¬6) إذا وجد الإجماع من حيث الفعل، فإنه يدل على حسن ما فعلوا وكونه مستحبًا، ولا يدل على الوجوب ما لم توجد قرينة تدل عليه، على ما روي: ما اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شيء كاجتماعهم على الأربع قبل الظهر (¬7). وإنه ليس بواجب ولا فرض. ¬

_ (¬1) في ب: "وأما". (¬2) في أ: "ولكن". (¬3) في أ: "إجماعًا". (¬4) في ب: "فوجب العلم". (¬5) "والله أعلم" ليست في أ. وفي ب: "والله الموفق للصواب". (¬6) في (أ) و (ب): "وأما". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كأنها: "التطهر". وراجع فيما تقدم ص 532.

وقال النظام والقاشاني من المعتزلة: إنه ليس بحجة قطعًا، وإنما هو حجة في حق العمل. وقالت الإمامية (¬1): إن أجمعوا على موافقة قول إمامهم، يكون الإجماع حجة. وإن كان على مخالفة قول إمامهم لا يكون الإجماع (¬2) حجة. وفي الحاصل: الحجة عندهم (¬3) قول الإمام. ويجوز أن يقولوا: كلاهما حجة، كما قلنا في إجماع الصحابة في حال حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الإجماع حجة، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده حجة أيضًا. وقال أصحاب الظواهر: بأن إجماع الصحابة حجة لا غير. وقال بعضهم: المعتبر هو إجماع عترة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقال مالك: إن إجماع أهل المدينة وحده كاف، ولا يعتبر إجماع سائر الأمصار دون (¬4) إجماعهم. وشبهة المخالف من وجوه ثلاثة (¬5): أحدها - إحالة الإجماع وهو من وجهين (¬6): أحدهما (¬7) - أن الإجماع لا يتحقق، مع اختلاف الأمكنة وتباعدها، قولا، خصوصًا إجماع غير الصحابة رضي الله عنهم (¬8). ¬

_ (¬1) في ب: "وقالت الإمامية من الرافضة". (¬2) "الإجماع" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وفي الحاصل: عندهم الحجة". (¬4) في ب: "بدون". (¬5) كذا في الأصل و (أ): "ثلاثة". وفي ب وهامش أ: "أربعة". والوجوه في حقيقتها ثلاثة والوجه الأول من وجهين فصارت الجملة أربعة وجوه. وشبهة أن الوجوه أربعة، قوله فيما بعد: "أحدها - وهو من وجهين: أحدهما .. والثاني .. والوجه الثالث .. والوجه الرابع". ولكن الدقة أن يقال: "من وجوه ثلاثة". وعلى هذا عدلنا في ص 536 "الوجه الثالث" إلى "الثاني" و "الوجه الرابع" إلى "الثالث". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "أحدها - احالة الإجماع وبيانه من وجوه". (¬7) في الأصل وغيره: "أحدها". (¬8) زاد هنا في ب: "أجمعين".

والثاني - أن كل واحد منهم يحتمل أن يكون مخطئًا في قوله ورأيه، والإجماع هو اجتماعهم، ويستحيل أن يكون قول كل واحد منهم محتملا للخطأ، ويكون قول الجميع صوابًا، لأن الإجماع مركب (¬1) من الآحاد - ألا يرى أنه إذا كان كل واحد من الجماعة أسود يستحيل أن لا يكون الجميع سودًا. وكذا إذا كان كل واحد منهم (¬2) مصيبًا، يستحيل أن لا يكون قول الكل صوابًا - فكذا هذا. والوجه الثاني- أن الإجماع لو انعقد: إما أن وينعقد عن نص، أو أمارة. ولا يجوز أن ينعقد عن نص، لأنه لو كان عن نص، لوجب عليهم (¬3) نقله. وإذا نقلوه، وقع الاستغناء عن الإجماع، ويكون الحجة النص (¬4). ولا يجوز أن ينعقد عن أمارة، لأن الناس خلقوا على همم مختلفة وآراء متفاوتة، فلا يجوز أن يتفقوا على رأي واحد مظنون، بخلاف الاجتماع (¬5) على رأي عقلي محض، لأنه يصدر (¬6) عن عام. والوجه الثالث - أنه لا دليل على صحة الإجماع، فإن الدليل إما عقلي أو سمعي. والدليل العقلي لا يمكن به إثبات كون (¬7) الإجماع موجبًا للعلم قطعًا، لأن العقل يجوز اجتماع أهل العصر على الخطأ، فإن الناس في زمان الفترة كلهم على الكفر والضلال والخطأ. ولذلك (¬8) قالوا: إن إجماع المسلمين من الأمم المتقدمة لا يكون حجة. ومن قال إن إجماع ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "ركب". (¬2) "منهم" من ب. والعبارة فيها: "وكذا لو كان كل واحد منهم مصيبًا". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "عليه". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "هو الدليل". (¬5) كذا في الأصل و (أ): "الاجماع". وفي ب: "الاجماع". (¬6) كذا في ب: "يصدر". وفي الأصل و (أ): "صدر". (¬7) في ب: "والدليل العقلي لا يقتضي كون"،. (¬8) في (أ) و (ب): "وكذلك".

هذه الأمة حجة، يقول بالدلائل السمعية. فمن لم يجوز اجتماع هذه الأمة على الخطأ عقلا، يلزمه أن لا يجوز إجماع (¬1) الأمم المتقدمة، إذ العقل لا يختلف، ولأنه يجوز أن تجتمع الأمة بأسرها (¬2) على قول واحد، لشبهة دعتهم إليه، لكنهم ظنوها حجة، فأعرضوا عن نقل تلك الشبهة، لظنهم أنها حجة، مما إذا أجمعوا على (¬3) خبر متواتر أو سماع عن (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم لا ينقلون الحجة، لاكتفائهم بنقل الحكم عن نقل الدليل. وإذا احتمل هذا، كيف يكون حجة مع الاحتمال. وهذا بخلاف رواية الجماعة الكثيرة (¬5) الحديث عن النبي عليه السلام،. لأنهم رووا كما (¬6) سمعوه حسًا، والكذب من جماعة، لا يتصور منهم (¬7) المواضعة، لا يتحقق (¬8). أما الإجماع المبني على الظن دون حقيقة العلم [فـ] يدخله الشبهة من جهة الهوى والطبيعة ووسوسة الشيطان، وإن كان لا يحتمل الكذب (¬9)، والدليل السمعي في حيز (¬10) الاحتمال وأدنى (¬11) وجوهه المجاز والإضمار. وجه قول العامة: الدلائل السمعية، والعقلية. أما السمعية فمنها: [من الكتاب]: ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): "اجتماع". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بأسرهم". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عن". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "من". (¬5) في ب: "الكبيرة". (¬6) في (أ) و (ب): "عما". (¬7) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "عليهم". (¬8) "لا يتحقق" ليست في ب. (¬9) زاد هنا في ب: "والله أعلم". (¬10) في ب: "في حد". (¬11) في ب كذا: "ودنى".

- قول الله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (¬1) فالله (¬2) تعالى ألزم طاعة أولي الأمر وأوجب قبول قولهم والاتباع لرأيهم والانقياد لحكمهم، ولا إجماع بدون رأي أولي الأمر إذا كانوا من أهل الإجماع. فيجب القول بكون الإجماع واجب العمل لامحالة. - ومنها قوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" (¬3) أي إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه السلام. فالله (¬4) تعالى أمر بالرد إليهما، عند التنازع، لارتفاع التنازع (¬5) ووجود الاتفاق والإجماع بينهم (¬6). [و] لولا أن العمل بالإجماع (¬7) واجب، وأن حكمه حكم الكتاب والسنة، لم يكن للأمر بالرد إليهما عند التنازع، لارتفاع التنازع وحصول الاتفاق والإجماع، معنى وفائدة (¬8). - ومنها قوله تعالى: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" (¬9) - فالله (¬10) تعالى أخبر أن العلم يحصل بالاستنباط للمستنبطين، والاستنباط هو الاستخراج (¬11) بطريق الرأي والاجتهاد، وفي ¬

_ (¬1) سورة النساء: 59 - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الله". (¬3) سورة النساء: 59 وقد تقدمت في الهامش 1. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والله". (¬5) "لارتفاع التنازع" ليست في ب. (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: بينهما". (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لولا أن الإجماع" (¬8) "وفائدة" من أ. (¬9) سورة النساء: 83 - {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الله". (¬11) في ب: "الإخراج".

إجماع الأمة يدخل المستنبطون، بلا خلاف، بين الأمة (¬1). فلو لم يشهد (¬2) بالعلم في (¬3) الإجماع، وفيهم المستنبطون الذين شهد الله تعالى لهم بالعلم فيمما استنبطوا، يكون خلفًا في خبر الله تعالى، فيجب القول بكون الإجماع موجبًا للعلم، حتى لا يكون خافًا في خبر الله تعالى و (¬4) جل عن ذلك. - ومنها قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" (¬5) فالله تعالى وصف هذه الأمة بكونهم آمرين بالمعروف ناهين (¬6) عن المنكر. و (¬7) لو لم يجعل ما أجمعوا عليه حقًّا، وقد أمروا بذلك ونهوا عن ضده، لصاروا آمرين بالمنكر ناهين (¬8) عن المعروف، وهذا خلف في خبر الله تعالى، جل عن ذلك. - ومنها قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس" (¬9). والاستدلال (¬10) بالآية من وجهين: أحدهما - أنه وصف جملتهم بالعدالة، وهي الاستقامة في الدين والقيام بالحق (¬11) والصواب. و (¬12) لو جاز خروج الحق عن جملتهم، لكانت (¬13) ¬

_ (¬1) "بين الأمة" ليست في أ. (¬2) في (أ) و (ب): "نشهد". (¬3) في ب: "والاجماع". (¬4) "و" ليست في ب. (¬5) سورة آل عمران: 110. (¬6) في أ: "وناهين". (¬7) "و" من أ. (¬8) في أ: "وناهين". (¬9) سورة البقرة: 143: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ...}. (¬10) في ب: "فالاستدلال". (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "في الحق". (¬12) "و" من أ. (¬13) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "لكان"،

شهادة الله تعالى لجملتهم (¬1) بالحق يكون كذبًا، تعالى الله عن ذلك. ولا يقال إن الأمة لا تخلو عن العصاة والفساق - لأنا نقول إنه ما وصف كل واحد منهم بانفراده بالعدالة، بل وصف جملتهم بذلك (¬2) عند اجتماعهم على شيء، لولا أن عند اجتماعهم يظهر (¬3) الحق والصواب، وإلا لم يصح (¬4) وصف جملتهم بذلك، مع جواز الخطأ والكذب على كل واحد عند الانفراد. والثاني - قال تعالى (¬5): "لتكونوا شهداء على الناس" (¬6) - وصف جملتهم بكونهم شهداء على الناس (¬7) وسماهم بذلك، والشاهد الروم للمخبر بطريق الصدق حقيقة. فأما الكاذب فلا يسمى شاهدًا على الحقيقة، والكلام لحقيقته. [و] لولا أنهم عند الاجتماع صدقة (¬8) فيما أخبروا، لم يكن اسم الشهداء لهم بطريق الحق (¬9). - ومنها قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (¬10) فالله (¬11) تعالى وصف التابعين للصحابة بالإحسان، وسماهم باسم المدح، وجعلهم أهلا ¬

_ (¬1) في أ: "أن بجملتهم القيام". (¬2) كذا في أ. وفي الأصل: "فذلك". وفي ب: "وذلك". (¬3) في الأصل و (أ): "بظهر". (¬4) في أ: "لما صح". (¬5) "تعالى" من ب. (¬6) سورة البقرة: 143 - {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ...} (¬7) "على الناس" من ب. (¬8) في المعجم الوسيط: صادق جمعها صدق. (¬9) في (أ) و (ب): "الحقيقة". (¬10) سورة التوبة: 100 - {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. (¬11) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والله".

لرضوانه (¬1)، [و] لولا أنهم (¬2) أصابوا الحق في اتباع الصحابة، وأن الصحابة كانوا على الحق، (¬3) لما وصفهم (¬4) بذلك - فدل أن خروج الصحابة والتابعين جملة عن الحق والصواب باطل. - ومنها قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} (الآية) " (¬5) - ألحق الوعيد الشديد باتباع غير سبيل المؤمنين (¬6): وما أجمع عليه المؤمنون وعملوا به، فهو سبيلهم وطريقهم. فلولا أن إجماع المؤمنين حجة (¬7) واجب العمل به قطعًا، وإلا لما لحقهم (¬8) الوعيد الشديد باتباع غير سبيلهم، ولأنه سوى بين مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين اتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، ثم ترك مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - السلام واجب قطعًا، فكذا ترك اتباع غير سبيل المؤمنين. - ومنها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (¬9) - فالله (¬10) تعالى أمر (¬11) بالكون مع الصادقين، وهو عبارة عن متابعتهم في أفعالهم. والمراد منه جملتهم، إذ يتصور الكذب من كل واحد منهم عند الانفراد - فهذا دليل على وجود الصدق عند الاجتماع قطعًا. ¬

_ (¬1) في ب: "لرضوانهم". (¬2) "لولا أنهم" ليست في ب. (¬3) زاد هنا في أ: "وإلا". (¬4) في ب: "فإن الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم كانوا على الوصف لما وصفهم". (¬5) سورة النساء: 115 - ، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. (¬6) "نوله ما تولى (الآية) ... المؤمنين" ليست في ب. (¬7) "حجة" من ب، وليست في الأصل وأ. (¬8) في ب: "ألحقهم". (¬9) سورة التوبة: 119. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "الله". (¬11) في ب كذا: "تعالى ـرك أمر".

وأما السنة: - فما (¬1) روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تجتمع أمتي على الضلالة". وروي: "لا تجتمع أمتي على خطأ" (¬2). - وروي: "يد الله مع الجماعة". - وروي أنه سئل عن خميرة (¬3) يتعاطاها (¬4) االجيران فقال - صلى الله عليه وسلم - (¬5): "ما رآه المسلمون (¬6) حسنًا فهو عند الله حسن". - وروي (¬7): الشيطان مع الواحد، ومن الاثنين أبعد". - وروي: "من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن (¬8) عنقه". وفي رواية: "من فارق الجماعة". وهذا الحديث ورد (¬9) بألفاظ مختلفة. فإن (¬10) ورد بطريق الآحاد، فهو متواتر (¬11) من حيث المعنى، لوجهين: أحدهما - أنه روي بروايات مختلفة والمعنى واحد، وهو بمنزلة ما روي في حق حاتم الطائي: أنه أعطى لفلان كذا ولفلان كذا، وكل (¬12) حادثة (¬13) في نفسها في حد الآحاد، ولكن جملتها إخبار عن جود حاتم، فصار جوده ثابتًا بطريق التواتر. ¬

_ (¬1) الفاء من ب. (¬2) في أ: "الخطأ". (¬3) في ب كذا: "حمر". وانظر البزدوي، 3: 258. (¬4) في هامش أكذا: "يتعاطا بها". (¬5) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬6) في أ: "المؤمنون". (¬7) في: "وروي أن". (¬8) في ب: "من". (¬9) "ورد" ليست في ب. (¬10) في (أ) و (ب): "وإن". (¬11) في ب: "يتواتر". (¬12) في (أ) و (ب): "فكل". (¬13) في ب كذا: "فكل أحاديثه".

والثاني - أن الصحابة والتابعين أجمعوا على أنه لا يجوز مخالفة ما أجمعوا عليه. وهذا حكم لا يعرف إلا بدليل سمعي (¬1) - فدل على أنهم سمعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث أو نظائره، فيكون كالمنصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) تواترًا، فلا يجوز تركه. وأما المعقول [فـ] من وجوه: أحدهما - أن موضع الاتفاق مما جبل العقلاء على الرجوع إليه عند التنازع، بما عندهم من المشابهة بين التنازع فيه وبين الجمع عليه، ليردوا المتنازع فيه إليه في حق الحكم، [فـ] لولا أن الإجماع حجة عند الله تعالى، وإلا لما فزع (¬3) الكل إلى الإجماع. فكان رجوعهم إليه، بخلق (¬4) الله تعالى طباعهم عليه، دليلا على أنه حجة. كما أن أهل المعقول (¬5) لما فزعوا (¬6) إلى العقل، عند اشتباه المصلحة عليهم، بخلق الله تعالى العقل داعيًا إلى مباشرة الحسن وطريقًا لمعرفة الأشياء، كان حجة. وكذا متى وقع الاشتباه في الألوان فزعوا (¬7) إلى حاسة البصر للتمييز، كان دليلا عليه - فكذا هذا. والثاني - أن (¬8) الناس مع اختلاف هممهم وتفاوت أغراضم، لن يتصور اجتماعهم على شيء إلا لداع واحد يدعوهم إليه، أو دواع (¬9) ¬

_ (¬1) في ب: "بالدليل السمعي". (¬2) "هذا الحديث ... عليه وسلم" ليست في ب. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فرع" بالراء. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لخلق". (¬5) في ب: "العقول". (¬6) و (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل بالراء (¬8) في (أ) و (ب): "وهو أن". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل: "دواعي". وفي ب: "لدواع".

متفقة الدعاء إلى شيء واحد. فأما اختلاف الهمم وتباين الأغراض، فمما (¬1) يمنعهم عن (¬2) الاجتماع على شيء واحد، جزافًا واتفاقًا، كما لا يتصور اتفاق الجماعة (¬3) الكثيرة على مأكل واحد ومشرب واحد في يوم واحد. وذلك الداعي لا يخلو: إما إن كان هو التقليد، أو الشبهة، أو الدليل الراجح أو الدليل (¬4) الموجب للعلم: • والأول باطل، فإن كثيرًا من الأمة لا يجوزون التقليد في أمور الدين لأهل (¬5) الاجتهاد، بل الأكثر منهم على هذا الاعتقاد، فلا يتصور أن يوافقوهم (¬6) عليه تقليدًا - دل أنه لا يتصور الإجماع على شيء بالتقليد. • والثاني، وهو اعتراض شبهة دعت الكل إلى (¬7) ذلك الحكم - وذلك في موضع غالب الظن والاجتهاد. وهو في خبر الواحد والقياس لرجحان عدالة الراوي، أو رجحان معنى من معاني النصوص في كونه علة الحكم (¬8) - فباطل أيضًا، لأنه لا يتصور أن تعم (¬9) الشبهة جميع المكلفين، لأن الله تعالى كلفهم طلب الحق والصواب، فلابد أن يكون لهم طريق الوصول إليه. أما الشبهة [فـ] تكون لتحقيق الابتلاء، ليدفع الشبهة بالحجة، بالاستدلال بطريق موضوع للحق والصواب. فأما بدون طريق الوصول، يكون تكليف ما ليس في الوسع، وإنه محال عقلا وشرعًا على ما عرف. ومع قيام طريق الوصول إلى الحق وطريق الوقوع في الشبهة، فطريق (¬10) الحق ¬

_ (¬1) في ب: "فما". فالفا من ب. (¬2) في ب: "من". (¬3) في ب: "الجماعات". (¬4) في ب: "أو الدليل الموجب للعلم". فليس فيها عبارة "الراجح أو الدليل". (¬5) في ب كذا: "لأجل". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "يوافقهم". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "على". (¬8) "وذلك في موضع ... علة الحكم" ليست في ب. (¬9) في ب: "يعم". (¬10) في ب: "وطريق".

أوضح (¬1)، فلا يتصور أن يقع الكل في الشبهة - مع وجود الاجتهاد وطلب الحق لابتغاء وجه الله تعالى - ويقعوا في الخطأ ولم يكن البعض مصيبًا للحق، فكان (¬2) اجتماعهم على حكم دليل الإصابة بيقين، دفعًا (¬3) للإحالة. • وإذا بطل الوجهان صح الثالث: أنهم اجتمعوا بدليل (¬4) قاطع، وهو الخبر (¬5) المتواتر، إلا أنهم تركوا الرواية ونقلوا الحكم بدون (¬6) الدليل، لكونه مقصودًا دونه، ألا يرى أن اجتماع جماعة، لايتصور تواطؤهم على الكذب، على رواية ما شاهدوه أو سمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكون موجبًا علمًا قطعيًا. فإذا (¬7) نقلوا الحكم وتركوا الرواية ههنا (¬8) يجب أن يكون حجة. والثالث - وهو أنه ثبت بالدليل القطعي على أن نبينا محمدًا (¬9) - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء عليهم السلام، وشريعته دائمة قائمة إلى قيام الساعة، فمتى وقعت حوادث ليس فيها نص قاطع من الكتاب والسنة، فمتى أجمعت (¬10) الأمة على حكمها ولم يكن إجماعهم موجبًا للعلم، وخرج الحق عنهم ووقعوا في الخطأ، أو متى اختلفوا في ذلك وخرج الحق عن أقوالهم، فقد انقطعت شريعته في بعض الأشياء، فلا يكون شريعته كلها دائمة قائمة (¬11)، ¬

_ (¬1) في أ: "واضح". (¬2) "الحق لابتغاء ... للحق فكان" ليست في ب. (¬3) في ب كذا: "وقعاً". (¬4) في ب: "لدليل". وفي هامش أ: "على الدليل القاطع". (¬5) في (أ) و (ب): "خبر". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "دون ". (¬7) في أ: "وإذا". (¬8) "ههنا" من (أ) و (ب). (¬9) "محمدًا" من ب وهي فيها: "محمد". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "اجتمعت". (¬11) "قائمة" من أ.

فيؤدي إلى الخلف في خبر الله تعالى، جل الله وتعالى (¬1) عن ذلك -[فـ] وجب القول ضرورة بكون (¬2) الإجماع حجة قطعية، فتدوم (¬3) الشريعة بوجوده، حتى لا يؤدي إلى المحال. ولا يقال إن (¬4) الإجماع دليل في حق العمل، وكذا القياس وخبر الواحد، فلا يؤدي إلى انقطاع الشريعة - لأنا نقول: إنا (¬5) نعمل بالقياس وخبر الواحد على اعتبار إصابة الحق ظاهرًا، وعلى الجملة لا يخرج الحق عن أقوال أهل (¬6) الاجتهاد، فمتى جوزتم خروج الحق عن أقوال أهل الاجتهاد فيما اختلفوا فيه وفيما أجمعوا عليه، لم يجب العمل بما هو باطل، ويتبين (¬7) أن ما أتوا به لم يكن شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يكون عملا بخلاف شريعته - صلى الله عليه وسلم - (¬8)، فينقطع شريعته في حق ذلك الحكم أبدًا. والله الموفق للصواب (¬9). والجواب عن شبهات الخصوم: - أما [لأول]: دعوى عدم تصور الإجماع وإحالته، فباطلة (¬10): • قولهم: كيف ينعقد الإجماع مع تباعد الأمكنة، فنقول: هذا في زمن الصحابة والتابعين ظاهر، فإن الإسلام قريب وأهل ¬

_ (¬1) "وتعالى" من ب. وعبارة: "جل الله وتعالى" ليست في أ. (¬2) في ب: "بأن ". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فيدوم". (¬4) في أ: "بأن". (¬5) في (أ) و (ب): "إنما". (¬6) "أهل" من (أ) و (ب). (¬7) في ب: "ويبين". (¬8) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬9) "للصواب" من أ. وفي ب: "والله أعلم". (¬10) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "فباطل".

الاجتهاد أكثرهم بالمدينة، والذي ذهب إلى بعض البلاد يمكن الوقوف على رأيه بالتراسل والتكاتب. فأما بعد ظهور الدين الحق في البلاد، يبلغ حكم الإجماع الحادث في بعض البلاد إليهم بعد مضي الأزمان فينتشر بالنقل، ممن نصب لإظهار الحق بطريق التراسل والكتابة وحضور القاصدين للحج من البلاد، كما ظهر أصل الدين الحق وأصل الشرائع، والكلام في هذا الفصل وقع فأما متى بقي واحد من أهل الاجتهاد على الخلاف فلا إجماع. • وقولهم إنه يحتمل أن يكون واحد منهم مخطئًا - فنقول: أيش (¬1) تعنون بهذا؟ إن عنيتم أن كل واحد من أهل الإجماع يجوز أن يكون قوله خطأ لو انفرد بذلك، فهذا مسلم. وإن عنيتم به (¬2) أن قول (¬3) كل واحد منهم (¬4) محتمل (¬5) للخطأ إذا اجتمعو ا، فهذا ممنوع، وأنه ليس بمحال أن يكون قول الواحد الفرد محتملا للخطأ، وقول الواحد مع الجماعة لا يكون محتملا، لأن الاحتمال إنما نشأ لا لكونه واحدًا، ولكن لكونه منفردًا، ويبطل (¬6) وصف الانفراد بالاجتماع (¬7). وإنما المحال أن لو (¬8) قلنا: إن كل واحد من هؤلاء المجمعين (¬9) على هذا ¬

_ (¬1) منحوت من "أي شيء" بمعناه. وقد تكلمت به العرب (المعجم الوسيط). (¬2) "به" من ب. (¬3) "قول" من (أ) و (ب). (¬4) "منهم" ليست في ب. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أن واحد منهم محتملا". (¬6) في ب: "وبطل". (¬7) كذا في ب: "بالاجتماع". وفي أ: "بالإجماع". وعبارة: "أن يكون قول الواحد الفرد ... الانفراد بالاجتماع" من (أ) و (ب) مع ملاحظة الهامش السابق. (¬8) "لو" ليست في ب. (¬9) في أ: "المجتمعين".

القول المعين مخطئ، والكل في ذلك غير مخطئين، أو قول كل واحد محتمل بانفراده وعند الاجتماع بخلافه (¬1)، كما ذكرتم من الأمثلة. ونحن لا نقول هكذا، بل نقول: إن انفرد كل واحد من أهل الإجماع مثلا على قول في مسألة واحدة، فقول (¬2) كل واحد محتمل للخطأ. فأما إذا قال واحد قولا والآخرون قالوا مثل (¬3) قوله، فلا نقول إن قول كل واحد منهم (¬4) محتمل للخطأ، فبطل دعواهم. وأما الثاني - فباطل، فإنه يجوز أن يجمعوا عن نص و (¬5) دليل قاطع، لكن لم ينقلوه اكتفاء بالإجماع على الحكم. ويجوز (¬6) أن يجمعوا بناء على خبر الواحد والقياس، حسنًا للظن بالرواة وتعويلا على ما اعتمدوا عليه من معنى النص علة الحكم (¬7)، فإنه يجوز أن يجتمع جماعة (¬8) كثيرة على شبهة حملتهم عليه وصارت الشبهة داعية لهم على الإجماع (¬9)، فلا يجوز أن يكون الدليل الراجح حاملا لهم على الاجماع، غير أن الشبهة لا تعم الكل والحق يعم - على ما ذكرنا. و [الثالث] (¬10): قولهم إنه لا دليل على صحة الإجماع - لا يصح: فإنا قد أقمنا الدلائل السمعية والعقلية (¬11). ¬

_ (¬1) في ب: "كل واحد مطلقًا محتمل عند الاجماع بخلافه". (¬2) في ب: "وقول". (¬3) في (أ) و (ب): "بمثل". (¬4) "منهم" من ب. (¬5) في هامش أ: "أو". ولعله الأصح. وفي هذه الفقرة الرد على الشبهة الثانية - راجع ص 535 - 536. (¬6) في ب: "أما لا يجوز". (¬7) في أ: "للحكم". (¬8) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "جماعات". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الاجتماع". (¬10) هذا رد على الشبهة الثالثة - راجع الهامش 5 ص 535 وص 536 - 537. (¬11) راجع ص 537 وما بعدها.

• قولهم: إن الدلائل السمعية محتملة - فليس كذلك، وللخصوم عليها شبهات يمكن دفعها بأدنى تأمل ونظر، وقد ذكرناها مع الانفصال عنها في الشرح. • فأما قولهم: إن العقل يجوز اجتماع أهل العصر على الخطأ، فليس هكذا، لما ذكرنا من المعنى (¬1). • قولهم: إن إجماع الأمم الماضية ليس بحجة، فممنوع - لما ذكرنا من المعنى (¬2). • وقولهم: في زمان الفترة الناس كلهم على الكفر والضلال - ليس هكذا، فإنه لابد أن (¬3) يكون البعض على الحق، لكن لا قوة لهم ولا غلبة، حتى يظهروا الحق (¬4)، وهم يدعون إلى الحق في السر، لغلبة الكفرة وقوتهم وشوكتهم. • وقولهم: إنه يجوز أن يجتمعوا على جواب واحد لشبهة حملتهم على ذلك - فهو ممنوع، على ما ذكرنا (¬5) - والله الموفق. وإذا ثبت ما ذكرنا بطل دعوى اختصاص الإجماع بقرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبالصحابة، والاختصاص (¬6) بالمدينة، لأن الدلائل التى تدل على كون الإجماع حجة قطعية لا توجب الفصل بين زمان وزمان، ومكان ومكان، فلا يجوز التقييد من غير دليل. والله أعلم (¬7). ¬

_ (¬1) "من المعنى"، من أ. راجع فيما تقدم ص 547 - 548. (¬2) راجع فيما تقدم ص 526 و 490 - 491. (¬3) في ب: "وأن". (¬4) "لكن لا قوة ... يظهروا الحق" ليست في ب. (¬5) راجع فيما تقدم ص 544 - 545. (¬6) في ب: "وبالاختصاص". راجع فيما تقدم ص 535. (¬7) "والله أعلم" ليست في أ.

[10] فصل - وأما بيان أن الإجماع الذي هو حجة قطعية نوع واحد أو أنواع

[10] فصل - وأما بيان أن الإجماع الذي هو حجة قطعية نوع واحد أو أنواع: فقد ذكر بعض مشايخنا الإجماع على أقسام, وجعل البعض موجبًا للعلم قطعًا دون البعض. وهذا ليس بصحيح. وإنما الصحيح أن ما هو إجماع فهو حجة قطعية، لما ذكرنا من الدلائل. أما من طعن في كونه إجماعًا لبعض ما ادعيناه إجماعًا - فالجواب عنه قد مر - والله أعلم.

4 - القول في القياس

القول في القياس (¬1) الكلام في هذا الفصل في مواضع: أحدها - في تفسير القياس لغة. وفي بيان حده وحقيقته في (¬2) عرف لسان الفقهاء والمكلمين. وفي بيان مشروعية القياس، وكونه دليلا في الأحكام. وفي بيان أنواع القياس. وفي بيان ركن القياس. وفي بيان شروط (¬3) القياس. وفي بيان حكم القياس. وفي بيان الفاسد من القياس والاستدلال. وفي بيان ما يتصل بالقياس من التوابع. ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "فصل". وقد آثرنا ما في أ، لاتفاقه مع ما سبق من "الكلام في بيان الكتاب - ص 77" و "القول في بيان السنة - ص 419 " و "الكلام في الإجماع - ص 489". (¬2) "بيان حده وحقيقته في" ليست في ب ففيها: "وفي عرف ... ". (¬3) في ب: "شرائط".

[1] أما بيان تفسير القياس لغة

[1] أما بيان تفسير القياس لغة فنقول: إن القياس في اللغة يستعمل في شيئين: أحدهما - التقدير. يقال: قس النعل بالنعل، أي قدره (¬1) به. ويقال: قاس الجراحة بالميل (¬2) إذا قدر عمقها (¬3) به. ولهذا سمي الميل مقياسًا ومسبارًا (¬4). و [الثاني]- يستعمل في التشبيه (¬5). يقال: هذا الثوب قياس هذا الثوب، إذا كان بينهما مشابهة في الصورة والرقعة (¬6) أو القيمة. ويقال: هذه المسألة قياس تلك المسألة إذا كان بينهما مشابهة في وصف العلة. ثم الفقهاء والمتكلمون إذا أخذوا حكم الغائب من الشاهد، وحكم الفرع من الأصل، في العقليات والشرعيات، سموا ذلك قياسًا، لتقدير هم الغائب بالشاهد، والفرع بالأصل، في الحكم والعلة وتشبيههم أحدهما بالآخر. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "قدر". (¬2) الميل آلة للجراح يسبر بها الجرح ونحوه (المعجم الوسيط). (¬3) في ب: "غورها". (¬4) آلة يعرف بها غور الجرح (المعجم الوسيط). (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بالتشبيه". (¬6) كذا في أ. وفي الأصل كذا: "والرفعة". وفي ب كذا: "والرفعه". وانظر البزدوي، والبخاري عليه، 3: 267.

[2] وأما بيان حد القياس وحقيقته عند الفقهاء والمتكلمين

[2] وأما بيان حد القياس وحقيقته عند الفقهاء والمتكلمين فقد اختلفت عباراتهم. وأكثرها فاسدة. وبعضها قريب من الصحة. نحو قولهم: القياس رد حكم المسكوت عنه إلى المنطوق به. أو اعتبار غير النصوص بالمنصوص، في الحكم، بمعنى جامع بينهما. وهذا فاسد - لأنه (¬1) ليس (¬2) بحد شامل، فإن هذا يستقيم في الشرعيات دون العقليات، لأن السكوت والنطق والنص (¬3) يذكر في باب الألفاظ، ولأنه لابد من المعنى الجامع، وبعد بيانه لابد من بيان الصلاح والأثر. ونحو قولهم: القياس هو تعدية حكم الأصل بعلته إلى فرع هو نظيره. وهو فاسد - لأن حكم الأصل من (¬4) الحل والحرمة وعلته وصف الأصل، والانتقال على الأوصاف والتعدية محال، ولكن يثبت مثل حكم الأصل بمثل علته في الفرع. ولأن القياس يجري بين المعدومين، بأن يقاس المعدوم بعد الوجود بالمعدوم الذي لم يوجد، كما يقاس زوال العقل وعدمه بسبب الجنون بعدم العقل في الطفل في حق سقوط الخطاب، لمعنى (¬5) جامع بينهما، وهو العجز عن تفهم الخطاب وأداء الواجب. وذكر الأصل والفرع في المعدوم فاسد (¬6)، لأن (¬7) الأصل اسم لشيء يبنى عليه ¬

_ (¬1) في ب: "وإنه". (¬2) "ليس" من (أ) و (ب). (¬3) "والنص" ليست في ب. (¬4) في أ: "والحرمة والحل". (¬5) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "بمعنى". (¬6) في ب: "في المعدومات محال". (¬7) في ب: "ولأن".

غيره، والفرع اسم لشيء يبنى على غيره، والمعدوم ليس بشيء، ولأن الأصل سابق والفرع لاحق، ووصف المعدوم بالسبق والتأخر لا يصح. والحد الصحيح أن يقال: القياس إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علته في الآخر. • وإنما ذكرنا لفظة (¬1) "الإبانة" دون لفظة الإثبات والتحصيل، لأن إثبات الحكم وتحصيله وإيجاده فعل الله تعالى، فهو المثبت للأحكام، أما القياس [فـ] فعل القايس، وهو تبيين وإعلام أن حكم الله تعالى كذا وعلته كذا، وهما (¬2) موجودان في الموضع المختلف فيه. • وإنما ذكرنا "مثل الحكم"، لأن عين الحكم من الحل والحرمة والوجوب والجواز وصف للأصل (¬3)، فلا يتصور في غيره. وكذا العلة وصف الأصل، ولكن يوجد في الفرع مثل حكم الأصل، بمثل تلك العلة. • وإنما ذكرنا "المذكورين" دون الشيئين ودون الأصل والفرع حتي يكون القياس شاملا للمعدوم والموجود، لأن المعدوم يذكر ويسمى وإن لم يكن شيئًا (¬4). وإن شئت قلت: تبيين مثل حكم المتفق عليه، في المختلف فيه، بمثل علته. والله تعالى أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لفظ". (¬2) في ب: "وكلاهما". (¬3) في (أ) و (ب): "الأصل". (¬4) "وإنما ذكرنا المذكورين ... وإن لم يكن شيئًا" من (أ) و (ب). (¬5) "والله تعالى أعلم" ليست في أ. وفي ب: "والله أعلم".

[3] فصل في: بيان مشروعية القياس

[3] فصل (¬1) في: بيان مشروعية القياس فنقول: فالقياس نوعان في الأصل: عقلي وشرعي. فالقياس العقلي حجة وطريق لمعرفة (¬2) العقليات عند عامة أهل القبلة. وهو قول البراهمة (¬3) من الفلاسفة، المقرين بالصانع المنكرين للأنبياء عليهم السلام. وقال السمنية (¬4) من الدهرية (¬5): إنه لا طريق لمعرفة الأشياء إلا الحس وأنكرت كون الخبر والعقل من أسباب المعارف. وقالت الملحدة، والإمامية من الروافض (¬6)، والمشبهة من الحنابلة (¬7)، والخوارج إلا النجدات (¬8) منهم: إن القياس ليس بحجة في العقليات. ثم اختلفوا فيما بينهم: قالت الملحدة والإمامية: الحجة هو قول الإمام المعصوم. وقالت الخوارج والمشبهة: إن (¬9) إن الحجة هو (¬10) ظاهر الكتاب في العقليات، ¬

_ (¬1) في ب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - رب يسر. فصل". (¬2) في ب: "بمعرفة". (¬3) انظر في الديانة الهندوسية أو البرهمية: محمد سيد كيلاني، ذيل الملل والنحل للشهرستاني، ص 9 - 13. (¬4) في أ: "الشمنية". وفي ب: "الشمسية". والسمنية هم القائلون بقدم العالم مع إنكارهم للنظر والاستدلال، ودعواهم أنه لا يعلم شيء إلا من طريق الحواس الخمس (البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 214). (¬5) الدهرية: القائلون بقدم العالم (البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 177 - 178 و 185). (¬6) الإمامية من الروافض - انظر: فخر الدين الرازي، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 52 وما بعدها. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "والحنابل المشبهة". وفي أ: "والحنابلة من المشبهة". انظر الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 103 - 108. والمشبهة من الشيعة (الغالية) ص 173 وما بعدها. (¬8) أصحاب نجدة بن عامر الحنفي وقيل عاصم - انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 122 - 125. (¬9) "إن" ليست في (أ) و (ب). (¬10) "هو" ليست في أ.

دون القياس، إلا أن المشبهة من الحنابلة قالوا (¬1) في الفروع: إن القياس حجة، لحاجة الناس إليه، لحدوث الحوادث ساعة فساعة، [فـ] لا يوجد حكمها في الكتاب، ولا حاجة إليه في العقليات لوجودها في الكتاب. وهذه المسألة من مسائل الكلام و (¬2) تعرف ثمة إن شاء الله تعالى. وأما القياس الشرعي - وهو القياس في أحكام الحوادث التي لا طريق لمعرفتها سوى الشرع، وليس فيها نص ظاهر، فقد اختلف العلماء فيه: قال عامة الفقهاء والمتكلمين: إنه حجة يجب العمل بها. وقال أصحاب الظواهر مثل داود الأصفهاني (¬3) ومن تابعه، وقوم من المعتزلة مثل النظام (¬4) والقاشاني (¬5) ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي أ: "إلا أن الحنابلة المشبهة قالوا". وليست في الأصل ففيه: "دون القياس وقالوا". (¬2) "و" من ب. (¬3) هو داود بن على بن خلف أبو سليمان البغدادي الأصبهاني. إمام أهل الظاهر. ولد سنة 200 هـ. وقيل سنة 202 هـ. بالكوفة. ونشأ ببغداد. وتوفي بها سنة 270 هـ. وقيل أصله من أصفهان. وقيل إن أمه كانت أصبهانية وكان عراقيًا. أخذ العلم والحديث عن إسحاق وأبي ثور وغيرهما. كان إمامًا ورعًا زاهدًا ناسكًا. انتهت إليه رياسة العلم ببغداد (القرشي، الجواهر المضيئة، 2: 419 - 420. والسبكي، طبقات الشافعية الكبرى، 2: 284. والسيوطي، طبقات الحفاظ. وابن خلكان، وفيات الأعيان). (¬4) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام من المعتزلة. وإليه ينسب طائفة "النظامية" من المعتزلة. توفي سنة 221 هـ أو سنة 231 هـ. قيل له النظام لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة. وهو ابن اخت أبي الهذيل العلاف. وقد انفرد عن أصحابه بمسائل منها قوله في الإجماع إنه ليس بحجة في الشرع، وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجة. وإنما الحجة في قول الإمام المعصوم. (الشهرستاني، الملل والنحل، 1: 53 وما بعدها. والبغدادي، الفرق، ص 79. ومحمد عبد الهادي أبو ريدة، إبراهيم بن سيار النظام، بحث مكتوب بالآلة الكاتبة بمكتبة الجامعة الأمريكية بمصر). (¬5) هو أبو عمرو (أو أبو عمر) القاشاني من الطبقة الثانية عشرة من المعتزلة (أي من أصحاب قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار المتوفى سنة 415 هـ) (أبو القاسم البلخي وآخران، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: تحقيق فؤاد سيد. الدار التونسية للنشر، تونس، 1393 هـ - 1974 م، ص 390 وذكر المحقق عنه وعن آخرين: "لم نقف عليهم فيما رجعنا إليه من مراجع". وفرق وطبقات المعتزلة، تحقيق علي سامي النشار وآخر، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية، سنة 1972، ص 126. وأحمد بن يحيى المرتضى، طبقات المعتزلة، ص 119).

والشطوي (¬1): إنه ليس بحجة (¬2)، وهو قول من نفى القياس العقلي من الملحدة والإمامية والخوارج سوى المشبهة (¬3): فإنهم معنا في القياس في الفروع. وجه قول نفاة (¬4) القياس: النصوص من الكتاب، والسنة، والدليل العقلي. أما النصوص من الكتاب: -[فـ] قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (¬5). وقال تعالى (¬6): {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬7). والحق اسم لما هو معلوم قطعًا. وكذلك (¬8) العلم حقيقة: ما هو ثابت قطعًا ويقينًا، فأما ما فيه احتمال فهو ظن وليس بعلم. والله تعالى نهى عن القول بما ليس بحق، والاتباع لما (¬9) ليس بمعلوم، والقياس بخلافه. ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن أحمد بن علي الشطوي. بغدادي. كان من أهل العلم بالكلام. يعظم العلم وأهله ويصغر قدر العامة. وهو في المعتزلة من الطبقة الثامنة (كان على رأسها أبو محمد عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة 303 هـ). (انظر: البلخي وآخران، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة. ص 74 و 300. والمرتضى، طبقات المعتزلة، ص 93. وفرق وطبقات المعتزلة، تحقيق علي سامي النشار وآخر، ص 85). (¬2) "إنه ليس بحجة" من (أ) و (ب). (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "سوى الحنابلة". راجِع ص 555 - 556. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "من نفى". (¬5) سورة النساء: 171 - "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ... ". (¬6) "تعالى" من أ. (¬7) سورة الإسراء: 36 - "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" وفي ب جاءت هذه الآية قبل الأولى. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وكذا". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بما"

- وقال الله (¬1) تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (¬2). والحكم بالقياس ليس بحكم بما أنزل الله (¬3)، لأن المنزل هو الكتاب والسنة. - وقال الله (¬4) تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} (¬5): جعل الكتاب كافيًا، ومن جعل القياس حجة لم يجعل الكتاب كافيًا. - وقال الله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬6). وقال تعالى (¬7): {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬8) ". ولو كان القياس حجة (¬9)، وهو عندكم حجة (¬10) عند عدم النص، يكون (¬11) قولا بأن القرآن ليس تبيانًا لكل شيء، وهو خلاف النص. ¬

_ (¬1) "الله" ليست في ب. (¬2) سورة المائدة: 49. والآيتان 48 و 49 - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ...........}. (¬3) "الله" من (أ) و (ب). (¬4) "الله" ليست في ب. (¬5) سورة العنكبوت: 51 - {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. (¬6) سورة الأنعام: 59 - {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. (¬7) "تعالى" من (أ) و (ب). (¬8) سورة النحل: 89 - {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}. (¬9) "حجة "من (أ) و (ب). (¬10) في ب: "وهو حجة عندكم". (¬11) في ب: "كان".

وأما السنة: فما (¬1) روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال: "لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيمًا حتى كثر فيهم أولاد السبايا، فقاسوا ما لم يكن بما قد (¬2) كان، فضلوا وأضلوا" وفي رواية: "لم يزل أمر بني إسرائيل على وتيرة حسنة حتى كثر فيهم أولاد السبايا (الحديث) ". وأما الدليل العقلي: فهو (¬3) أن القياس أدون البيانين فإنه يحتمل الغلط (¬4)، ولهذا لا يكون حجة (¬5) عندكم مع قيام النص بخلافه. والله تعالى حكيم، فلا يليق بالحكمة أن يبين أحكامه في حق العباد (¬6) بأدون البيانين، مع قدرته على البيان بالأعلى، وهو النص القاطِع. ولأن القياس محتمل للغلط والخطأ، وإنما يجب العمل بالمحتمل باعتبار الحاجة، ولا حاجة به (¬7)، فإنه يمكن القضاء في الحوادث (¬8) كلها بما في الكتاب والسنة والإجماع، ثم بعد ذلك باستصحاب الحال، والبقاء على حكم العقل (¬9). ومع هذه الدلائل لا حاجة إلى المصير إلى القياس. بخلاف القياس العقلى فإنه دليل قاطع. وبخلاف أمر الحرب (¬10)، والتحري في باب القبلة، ¬

_ (¬1) الفاء من أ. (¬2) "قد" ليست في ب. (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬4) في أ: "محتمل للغلط". (¬5) "حجة" ليست في ب. (¬6) "في حق العباد" ليست في ب. (¬7) "به" من أ. (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بالحوادث". (¬9) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "للعقل". (¬10) في أ: "الحروب".

لأن ثمة الحاجة ماسة، لعدم إمكان العمل بالدليل العقلي (¬1) القطعي (¬2). ولأن القياس الشرعي، عندكم، هو اعتبار غير المنصوص بالمنصوص (¬3) في الحكم، وهذا غير ممكن، لأنه لا يخلو: إما إن كان الحكم في المنصوص عليه يثبت بعين (¬4) النص، أو بالمعنى الثابت في النص، أو بهما، أو بالنص في المنصوص وفي الفرع بالمعنى: • إن قالوا: يثبت (¬5) بعين النص: [فـ] لا يمكن إثباته في الفرع لعدم النص. • وإن قالوا: إنه (¬6) يثبت بمعنى النص، فهو باطل، لأن هذا الوصف لو كان علة الحكم لكان يجب بها الحكم قبل ورود النص، لأنها كانت موجودة، ولا يجوز القول بوجود العلة ولا حكم، ولأن ثبوت الحكم بالنص أمر مقطوع به، وفي ثبوته بالعلة احتمال، فلا يجوز قطعه عن النص وإضافته إلى العلة. ولأن الحكم ملازم للنص، فإنه لم يوجد النص إلا والحكم معه، فأما (¬7) العلة [فـ] قد توجد ولا حكم معها (¬8)، فكان إضافة الحكم إلى ما يلازمه أولى. • ولا يجوز أن يثبت بهما (¬9)، لأن ما ثبت بشيئين لا يتعدى إلى موضع بأحدهما، ولا يمكن في الفرع (¬10) تعدية النص. ¬

_ (¬1) "العقلى" من ب. (¬2) في ب: "القاطع". (¬3) "بالمنصوص" ليست في ب. (¬4) في ب كذا: "بغير". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "ثبت". (¬6) "إنه" ليست في ب. (¬7) في أ: "وأما". (¬8) في ب: "لها". (¬9) أي إن قالوا إن الحكم يثبت بعين النص وبالمعنى الثابت فيه. (¬10) في أ: "في الفروع".

• والوجه الرابع (¬1) باطل، لأن الحكم في النص إذا لم يثبت بمعناه لا يمكن إثباته في الفرع، لأنه لا نص فيه. والمعنى الذي في النص إذا لم يتعلق به الحكم فكيف يتعلق بمثله، بل يجب أن لا يتعلق تحقيقًا للمماثلة بين المعنيين. فإذا (¬2) بطلت (¬3) هذه الوجوه، بطل القول بالقياس، ضرورة. وأما عامة العلماء [فقد] احتجوا بالكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والمعقول. أما الكتاب: - فقول الله تعالى (¬4): {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬5) - والاعتبار هو النظر في الحكم الثابت في الشيء: أنه لأي معنى ثبت، ورد نظيره إليه في الحكم وقياس غيره عليه - قال قائلهم: اعتبر الأرض بأسمائها. . واعتبر الصاحب بالصاحب أي قس الصاحب بالصاحب في معرفة أخلاقه وصفاته. والاستدلال: أن الله تعالى أمر بالاعتبار لأولي الأبصار، وهو المقايسة مطلقًا، من غير فصل بين العقليات والشرعيات، فيجب العمل بإطلاقه. ¬

_ (¬1) وهو فيما يبدو لنا - القول بأن الحكم في المنصوص عليه يثبت بالنص في المنصوص وفي الفرع بالمعنى - راجع ص 560. (¬2) في ب: "وإذا". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "بطل". (¬4) في (أ) و (ب): "فقوله تعالى". (¬5) سورة الحشر: 2: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}.

- وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} (¬1) أي إلى حكم الله تعالى وحكم (¬2) رسوله. ولا شك أن التنازع إنما يقع في الأمر الخفي الذي يحتاج فيه إلى الرأي والاجتهاد، دون الحكم الظاهر الجلي. ولهذا قال الله تعالى (¬3): {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (¬4)، فكان (¬5) الأمر بالرد إلى حكم الله تعالى وحكم (¬6) رسوله عليه السلام، بواسطة الرأي والاجتهاد، يكون أمرًا (¬7) بالمقايسة. وأما السنة: - فما (¬8) روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن قاضيًا: "بم تقضي؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله عليه السلام. قال: فإن لم تجد. قال: أجتهد (¬9) في ذلك رأيي (¬10) ". فقال عليه السلام: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضى به رسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬11) ". و (¬12) لو لم يكن القياس حجة موجبة للعمل بعد الكتاب والسنة، لأنكر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما مدحه به، ولما حمد الله تعالى على توفيقه (¬13) لمعاذ (¬14) بالعمل بالرأي والاجتهاد. ¬

_ (¬1) سورة النساء: 59 - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. (¬2) "حكم" من ب. (¬3) "الله تعالى" ليست في ب. (¬4) سورة النساء: 83 - {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}. (¬5) كذا في أ. وفي الأصل: "كان". وفي ب: "وكان". (¬6) "حكم" من ب. (¬7) "يكون" ليست في ب. (¬8) الفاء من أ. (¬9) "أجتهد" ليست في أ. (¬10) في ب: "فيه برأيي". (¬11) في ب: "رسول رسوله صلى الله عليه وسلم للهدى". وراجع فيما تقدم ص 474. (¬12) "و" من (أ) و (ب). (¬13) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "بتوفيقه". (¬14) تقدمت ترجمته في الهامش 2 ص 451.

- وروي أنه قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين بعثه قاضيًا: "اقض بالكتاب (¬1) والسنة إذا وجدتهما (¬2)، فإن لم تجد الحكم فيهما اجتهد رأيك (¬3) ". - وكذا روي أنه عليه السلام قاس في الأحكام: روي (¬4) أنه قال لعمر رضي الله عنه حين سأله عن القبلة للصائم هل تفطره؟ فقال (¬5) - صلى الله عليه وسلم - (¬6): " أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك؟ قاك: لا: فقال - صلى الله عليه وسلم -: ففيم (¬7) إذن؟ "- قاس القبلة من ثم غيرر إنزال وإيلاج، في نفي فساد الصوم (¬8)، على المضمضة من غير ابتلاع. والأحاديث في الباب كثيرة. وأما إجماع الصحابة: فإنهم أجمعوا على كون القياس حجة: حيث اشتغلوا بالقياس في المسائل التي اختلفوا فيها. واختلافهم ظاهر في مسائل كثيرة. فلا يخلو: إما أن يقولوا جزافًا وتبخيتًا (¬9)، وهذا لا يظن بالصحابة رضي الله عنهم. أو بالنص الجلي، أو بالنص الخفي. ولا يتصور الخلاف في موضع النص الجلي المفسر (¬10) بين أرباب الديانة. والاختلاف في معنى النص الخفي ¬

_ (¬1) في ب: "بكتاب الله". (¬2) في أ: "وجدتها". (¬3) في ب: "اجتهد فيه برأيك". (¬4) في ب: "وروي". (¬5) في (أ) و (ب): "قال". (¬6) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬7) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: فبم". وراجع فيما تقدم ص 464. (¬8) "الصوم" من (أ) و (ب). (¬9) في الأصل كذا: "وتنحيتا". راجع فيما تقدم الهامش 7 ص 528. (¬10) في ب: "الجلي المعتبر".

يكون بطريق الاجتهاد والرأي. فإذا انتفى هذان الوجهان تعين القول في ذلك بالرأي والاجتهاد، فيكون إجماعًا منهم على كون القياس حجة في غير موضع النص. كيف وقد روي التنصيص على الاجتهاد والرأي والقياس من البعض - فإنه روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال في الكلالة (¬1): أجىتهد فيه رأيي (¬2). وعن عمر رضي الله عنه أنه قال فيها (¬3): أقول فبه برأيي. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: اجتمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه على أن أمهات الأولاد لا يبعن ثم رأيت بيعهن. فقال عبيدة السلماني (¬4) رضي الله عنه: رأيك مع رأي غيرك أحب إلي من رأيك وحدك (¬5). وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب في كتاب أبي موسى الأشعري (¬6): "اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك". وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في مسألة المفوضة (¬7): "أجتهد في ذلك رأيي (¬8): فإن (¬9) كان صوابًا فمن الله تعالى (¬10)، وإن كان خطأ فمن الشبطان والله ورسوله منه بريئان". فثبت أنهم إنما اختلفوا بناء على الاجتهاد والرأي، فيكون إجماعًا منهم على كون القياس حجة. وأما المعقول: ¬

_ (¬1) كل كلا وكلالة لم يخلف والدا ولا ولدًا يرثه. وكل الوارث لم يكن ولدا ولا والدا للميت (المعجم الوسيط). (¬2) في ب: "برأيي". (¬3) "فيها" ليست في ب. (¬4) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 502. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وحده". (¬6) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 168. (¬7) راجع الهامش 1 ص 503. (¬8) في ب: "برأيي". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "إن". (¬10) "تعالى" ليست في ب.

- فهو (¬1) أن من نفى كون القياس حجة من أهل القبلة: إما أن ينفيه بالحس، أو بضرورة العقل وبديهته (¬2)، أو بالنص القاطع، أو بالنص الخفي الراجح نحو خبر الواحد وظاهر الكتاب، أو بالقياس: • لا وجه إلى (¬3) أن ينفيه بالحس، لأن نفي كون القياس حجة ليس بأمر محسوس حتى يعرف بالحس. • ولا وجه إلى (¬4) أن ينفيه ببديهة العقل، لأن الخلاف لا يجري بين أرباب العقول السليمة، في معرفة البدائه، لاستوائهم في العقول. • ولا وجه إلى (¬5) أن ينفيه بالنص القاطع، لأنه لا يتصور الخلاف بين أهل القبلة، في الحكم الثابت بالنص القاطع المفسر (¬6). • لم يبق إلا خبر الواحد والقياس: وخبر الواحد محتمل للصدق (¬7) والكذب، وترجيح الصدق بعدالة الراوي. ومعرفتها بالقياس والرأي (¬8) تكون (¬9). وهو أن العدل من يجتنب عن (¬10) سائر الكبائر، فيقاس اجتنابه عن الكذب على اجتنابه عن سائر الكبائر. فكان نفيهم (¬11) القياس بالقياس، ومالا ينفك عن القياس (¬12)، فيكون في نفي القياس إثباته، وما كان في نفيه إثباته، فهو ثابت (¬13) ضرورة. ¬

_ (¬1) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "وهو". (¬2) في ب: "أو ببديهته". (¬3) و (¬4) و (¬5) "إلى" من (أ) و (ب). (¬6) في أ: "والمفسر". (¬7) في ب: "محتمل الصدق". (¬8) في ب: "بالرأي والقياس". (¬9) في ب كذا: "فكون". (¬10) "عن" ليست في ب. وفي القاموس: "اجتنبه". وكذا في القرآن الكريم ومثاله: "واجتنبوا الطاغوت" (النحل: 36). (¬11) كذا في أو ب. وفي الأصل كذا: "تفهيم". (¬12) في ب: "عنه لقياس". (¬13) في ب: "كان ثابتًا".

- ولأن القياس (¬1) حجة في العقليات لمعنى (¬2): ذلك المعنى موجود في الشرعيات. وهو أنه (¬3) طريق يتوصل به إلى العلم الخفي، الذي قام له دليل وعلامة من حيث الظاهر، بوجود سببه، وهو: التأمل والنظر في العلم الظاهر المحسوس، وذلك هو الأثر، فيستدل بالأثر على المؤثر، كالدخان الدال على النار لكونه أثر النار. أو بالسبر والتقسيم. وغير ذلك من الأعلام التي (¬4) يتتعلق بها ذلك الحكم - هذا المعنى موجود في الشرعيات: وهو طريق يتوصل به إلى ما هو خفي، قام دليل على وجوده من حيث الظاهر، وهو الوصف المؤثر في ثبوت الحكم، أو السبر و (¬5) التقسيم في أوصاف المنصوص عليه وإبطال جميع الأوصاف فيتعين (¬6) الباقي، وغير ذلك. إلا أن الفرق أن: في العقليات يعرف كونه مؤثراً من حيث الحس والعيان والبديهة (¬7). وفي الشرعيات بالشرع. فيكون ذلك (¬8) دليلا قاطعاً، وهذا دليلا غالباً راجحاً (¬9) إذا كان بالاستدلال. فيكون الحكم الثابت ثم (¬10) قطعياً، وههنا بخلافه (¬11). ثم القياس العقلي حجة، فكذلك القياس (¬12) الشرعي. إلا أنهما يفترقان من حيث إن الحكم الثابت ¬

_ (¬1) في ب: "القياس العقلي". (¬2) في ب: "بمعنى". (¬3) "أنه" من (أ) و (ب). وغير واضحة في الأصل. (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الذي". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "أو". (¬6) في ب: "فتعين". (¬7) "والبديهة" من ب. (¬8) "ذلك" ليست في أ، وفي هامشها: "أي القياس العقلي". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "وهذا دليل غالب راجح". وفي أ: "وهذا دليل راجح" وفي هامشها: "أي القياس الشرعي". (¬10) في أ: "ثمة". (¬11) "فيكون الحكم ... بخلافه" ليست في ب. والمعنى وارد بعد ذلك بقليل. (¬12) "القياس" ليست في ب.

ثمة يكون قطعياً (¬1)، وههنا من حيث الغالب والظن الراجح (¬2). وهذه المفارقه لا تمنع من (¬3) صحة الاستدلال، لأن العمل بالعلم الغالب والظن الراجح و. اجب عقلا وشرعاً (¬4): أما الشرع فالحكم بشهادة الشهود عند رجحان الصدق، وكذا تقليد القضاء والخلافة (¬5) عند رجحان الصلاح والسداد في حق المقلد، وإجراء أحكام الإسلام على المسلمين بناء على ظاهر الإسلام، إذ هو أمر باطن لا يوقف عيه (¬6) يقيناً. وأما العقل فإن القيام (¬7)، من تحت الجدار المائك الذي لي يخشى سقوطه غالباً (¬8) والتباعد عنه، واجب عقلا، مع احتمال السلامه جملة (¬9). وكذا الفرار والتحرز عن السبع الضاري وقطاع الطريق، واجب عقلا. وكذا (¬10) ركوب البحر للتجارة الرابحه، حال خوف الغرق غالباً، قبيح عقلا، وعند غلبة السلامة، حسن عقلا - وله نظائر في الشرع والعقل. والجواب عن شبهات الخصوم (¬11): - أما النصوص [من الكتاب]، فالجواب عن التعلق بها من ثلاثة أوجه: • أحدها - أنه لاحجة لكم (¬12) في ظاهر بعض النصوص من (¬13) قوله تعالى: "تبياناً لكل شيء" (¬14) ونحوه (¬15)، فإنه لا خلاف أنه ليس في ظاهر ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي أ "ثمة قطعي". (¬2) "إلا أنهما يفترقان ... الراجح" من (أ) و (ب). (¬3) "من" ليست في ب. (¬4) في (أ) و (ب): "شرعاً وعقلا". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "والحلاف". (¬6) في ب: "لا يمكن الوقوف عليه". (¬7) في ب ": الفرار". (¬8) "غالباً" ليست في ب (¬9) "جملة" ليست في أ. (¬10) في ب: "وكذلك" .. (¬11) في ب: "عن شبهاتهم". (¬12) في ب: "للمرء". (¬13) في ب: "في". (¬14) سورة النحل: 89 - راجع نصها في الهامش 8 ص 558. (¬15) راجع ص 557 - 558.

القرآن بيان جميع الأحكام بطريق التنصيص، وأن (¬1) كل الأحكام غير منزل من حيث النص - أن المراد منه من حيث المعاني المودعة فيه: بعضها ظاهر لا يحتاج فيه (¬2) إلى الاستخراج، والأغلب يحتاج فيه (¬3) إلى الاجتهاد والرأي: فبطل تعلقكم (¬4) بظاهر النصوص، ويكون حجة عليكم في أن المراد هو معاني النصوص، واعتبار معاني النصوص هو القياس. • والثاني - أنا نقول بموجبها، فإنا لا نقفوا ولا نتبع ما ليس لنا به علم، ولا نشهد على الله تعالى إلا بالحق والعلم، غير أن العلم نوعان: علم ظاهر راجح، وعلم قطعي. والعلم الراجح كاف في حق العمل، فأما في حق الاعتقاد والشهادة على الله تعالى: إن هذا حكمه، يشترط العلم القطعي، فقلنا بكون القياس حجة في الجملة بدليل قطعي. ونشهد بكونه دليلا عند الله تعالى، والحكم الثابت به حكماً ثابتاً عند (¬5) الله تعالى قطعاً، لإجماع الصحابة على ذلك. وإذا كان في موضع متعين فلا نقول إن ذلك القياس دليل قطعي، بل هو دليل ظاهر راجح، والحكم الثابت به كذلك - فنعتبره في حق العمل، احتإطاً مع احتمال الخطأ في الجملة، كما في خبر الواحد والشهادات في حق العباد. • والثالث - أن نقول: المراد منها في حال قيام النص، وبه نقول: إنه لا يجوز العمل به في حال وجود النص، وحملناه (¬6) عليه عملا بالدلائل كلها، لأن الإجماع حجة مثل الكتاب، فلا يجوز العمل به على مخالفة إجماع الصحابة. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فإن". (¬2) في ب كذا: "قيده". (¬3) في ب: "والأغلب فيه يحتاج". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "تعلقهم". (¬5) في ب: "الثابت به ثابت عند". (¬6) الهاء (الضمير) من ب.

- وأما ما ذكروا من الأحاديث: • فلا حجة فيها، لأنها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد لا يكون حجة إلا في حق العمل. وكون القياس حجة أو لا من باب الاعتقاد، لا من باب العمل، فلا يقبل فيه الآحاد. • وما روينا من الأخبار، وإن كانت (¬1) من الآحاد في الأصل، ولكن صارت مشهورة لقبول الصحابة إياها، لإجماعهم على كون القياس حجة. ثم يجب حملها على حال (¬2) قيام النص، بدليل إجماع الصحابة، أو في حق العمل بموجبه، وخبر الواحد يصلح للعمل. فأما (¬3) أنتم [فـ] عملتم به في حق الاعتقاد - والله أعلم. - وأما (¬4) قولهم: إن القياس الشرعي أدون البيانين، وهذا ليس بحكمة مع القدرة على البيان بالأعلى - فهذا (¬5) باطل: • بالعلم الضروري: فإنه (¬6) أقوى من العلم الاستدلالي، فإنه لا يدخل فيه الشبهة، والاستدلالي مما يعتريه (¬7) الشبهة (¬8)، مع كونه دليلا قطعياً (¬9). • وكذا خبر الواحد: حجة، مع أن في قدرة الله تعالى به إن ذلك الحكم بالأعلى. ¬

_ (¬1) في ب: "كان". (¬2) "حال" ليست في ب. (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وأما". (¬4) "وأما" من أ. (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وهذا". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وإنه". (¬7) في ب كذا: "نعرفه". (¬8) لعل المقصود: بما يعتريه من الشبهة. (¬9) راجع في العلم الضروري والاستدلالي فيما تقدم ص 8 - 10.

- ثم نقول: لم قلتم بأنه لا يجوز أن يكون الحكمة في البيان بطريق الخفاء، لا بطريق الظهور بلا شبهة، حتى يكون للسامع (¬1) فضل العلم بالتأمل (¬2)، واستخرج المراد من السؤال، ممن هو أعلم منه. أو يكون فيه تحقيق الابتلاء بالاستدلال - ألا ترى أن الدلائل العقلية، مع كونها قاطعة، يكون، بعضعها خفياً (¬3) لا يدرك إلا بالتأمل، حتى جرى الخلاف بين العقلاء فيه. والله تعالى خلق الشبهات بمقابلتها لما رأى كل من الحكم، وإلا لو جعل الدلائل كلها ظاهرة جلية ما وقع الخلاف في شيء من الأحكام العقلية والشرعية، مع أنا لما أقمنا الدلائل على شرعية القياس بالكتاب وإجماع الصحابة يجب القول بوجود الحكمة (¬4) فيه، وإن كان أدون البيانين، لأن الله تعالى لا يشرع حكماً من غير حكمة، تعالى الله عن خلافه، ويجب الاعتقاد بأن (¬5) فيه حكمة وإن لم نعقل وجهها - والله أعلم. - قولهم: إن القياس دليل محتمل للغلط، وهو حجة عند الحاجة - قلنا: بلى إنه دليل محتمل (¬6)، ولكن بالناس حاجة إلى القياس، لأن الحوادث إلى آخر الدهر كثيرة لا تتناهى، وليس في النصوص بيان الكل، فعلى ما شرع الله تعالى: الشرائع والأحكام المنصوصة مقصورة على (¬7) الحوادث، [فـ] تقع الحاجة لهم إلى إستنباط المعاني المودعة في النصوص، وإن كان الله تعالى قادراً على شرع الشرائع بطريق لا تمس (¬8) بهم (¬9) الحاجة ¬

_ (¬1) في ب: "السامع". (¬2) كذا في أ. وفي الاصل: "التعلم بالتأمل". وفي ب: "التعلم والتأمل". (¬3) كذا في أو ب. وفي الأصل: "خفية". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الحكم". (¬5) في ب: "بأنه". (¬6) في ب: "يحتمل". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "عن". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "لا يمس". (¬9) في أ: "لهم".

إلى القياس، واستنباط المعاني، ولا يوصف صاحب الشرع بالحاجة. لكن على ما رأى (¬1) الحكمة في شرع الشرائع على هذا الوجه، تمس الحاجة بالعباد (¬2) إلى المعاني المودعة والقياس، وهو أحكم الحاكمين. - قولهم: إن الحكم في موضع الإجماع والنص إما أن يثبت بالنص أو بالعله أو بهما على ما قرروا - فنقول: هذه المسألة اختلاف بين القايسين: • منهم من قال: يثبت الحكم في المنصوص عليه بعين النص لا بالعلة. وإنما (¬3) العله وضعت دلالة على ثبوت الحكم في الفروع (¬4) - وهو قول مشايخ العراق. • وقال بعضهم: إن الحكم يثبت (¬5) بالعله في النص. فمتى وجد مثله في موضع آخر يثبت الحكم فيه - وهو قول مشايخ سمرقند. وهو قول الشافعي رحمه الله. والإشكالات التي ذكروا (¬6) على القولين والانفصال عغ، نذكر في تلك المسألة إن شاء الله تعالى. و (¬7) مسألة القياس: هل هو حجة؟ مشكلة. ومن الجانبين شبهات عظيمة. وعلى كل دليل سمعي وعقلي اعتراضات وجوابات. وهي مشروحة في الشرح والله الموفق. ¬

_ (¬1) في أ: "لكن لما رأى". (¬2) في ب: "للعباد". (¬3) في ب: "لا بالعلة ومنهم من قال: إنما". (¬4) في أ: "في الفرع". (¬5) "يثبت" من (أ) و (ب). (¬6) في أ: "ذكروها". (¬7) "و" ليست في ب.

[4] فصل - وأما بيان أنواع القياس

[4] فصل - وأما بيان أنواع القياس فنقول: القياس في الأصل نوعان: عقلي وشرعي. وكل واحد من النوعين ينقسم إلى أقسام. أما العقلي: - فقسم منه: الاستدلال بالشاهد على الغائب، بعلة (¬1) جامعة مؤثرة في الحكم. - وقسم بالتقسيم وسبر الأحوال، بالطرد والعكس. ويكون التقسيم تارة في العلة، وتارة في الحكم - على ما يعرف في مسائل الكلام. - وقسم منـ[ــه]: الاستدلال بالشاهد على الغائب، من حيث الصورة. وهو ليس بصحيح عند أهل الحق. وعند الدهرية والمشبهة هو استدلال صحيح، ويسمونه الاستدلال بالجزء على الكل، كالاستدلال بالنار الحاضرة على النار الغائبة، للمشابهة بينهما (¬2) في الضوء والإحراق، لأن النار (¬3) الحاضرة جزء من النار المطلقة (¬4) وعلى صورتها. فلا جرم وقعوا في الضلال والكفر، حتى قالت الدهرية: لو كان للعالم محدث (¬5)، لكان محدثاً كما في الشاهد: أن الباني من جنس المبنى في وصف الحدوث (¬6). والمشبهة قالوا: إن الفاعل في الشاهد لا يكون إلا الجسم. وكذا (¬7) في الغائب. ولكن أهل الحق مالوا إلى الاستدلال الصحيح، وهو الجمع بين الشاهد والغائب في ¬

_ (¬1) في أ: "لعلة". (¬2) "للمشابهة بينهما" من ب. (¬3) "النار" ليست في أ. (¬4) في ب: "الغائبة". (¬5) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "محدثاً". (¬6) "في وصف الحدوث" من ب. وهي في هامش أ. (¬7) في (أ) و (ب): "فكذا".

[5] فصل في: بيان ركن القياس

المعنى الجامع المؤثر، دون الجمع من حيث الصورة ومطلق الشبه - على ما يعرف في مسائل الكلام إن شاء الله تعالى. وأما القياس الشرعي - فأنواع: منها صحيح، ومنها فاسد (¬1). - والصحيح نوعان: جلي، وخفي. والجلي أنواع: قياس بالعلة المنصوصة. وقياس بالعلة المجمع عليها. وقياس بالعلة المعلومة ببديهة العقل. ولا خلاف في هذه الجملة بين العلماء. وأما القياس الخفي، فهو عامة الأقيسة. وفيه الخلاف بين العلماء على ما ذكرنا. ونظائر هذه الجملة تعرف في فصل بيان ركن العلة. - وأما القياس الفاسد فأنواع أيضاً - مثل: قياس الشبه. وقياس الطرد. ونحو ذلك، على ما نذكر. والله أعلم. [5] فصل في: بيان ركن القياس الكلام في هذا الفصل في مواضع: أحدها - في بيان الأسماء التي تطلق على ركن القياس (¬2). والثاني - في بيان (¬3) حد العلة وحقيقتها عند الفقهاء والمتكلمين. والثالث (¬4) - في بيان ماهية (¬5) الركن. ¬

_ (¬1) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "منها صحيحة ومنها فاسدة". انظر ما يلي. (¬2) في ب زاد: "بمعانيها"، وكذا في هامش أ. (¬3) "والثاني في بيان" ليست في ب، وفيها بدلا منها: "وفيه بيان حد العلة". انظر الهامش التالي. (¬4) في ب: "والثاني". ففي ب جعل الأول والثاني واحداً فأصبح الثالث الثاني والرابع الثالث والخامس الرابع والسادس الخامس. (¬5) في الأصل كذا: "مائية". وفي أكذا: "مائية".

والرابع - في بيان الطرق التي بها يعرف (¬1) ركن القياس والعلة. والخامس - في الفرق بين العلة والسبب والدليل. والسادس - في تقسيم العلة والسبب والدليل. أما [الأول]: بيان أسماء الركن - فنقول: إنه يسمى: أمارة، وعلماً، وسبباً (¬2)، ودليلا، وفقهاً، ورأياً، ومعنى، واجتهاداً، وقياساً، ونظراً، واستدلالا، وحجة، وبرهاناً، وعلة، واعتلالا. - وإنما سمي (¬3) أمارة، وعلماً: أما على رأي من قال: إن الحكم في المنصوص عليه ثابت بالنص لا بالعلة، فالوصف المؤثر في المنصوص عليه هو ركن العلة لثبوت الحكم به مع وجود الشرائط في الفرع، لأنه لا حظ له في ثبوت الحكم في المنصوص عليه، لثبوته بالنص. ويكون علماً ودليلا في النص (¬4) على ثبوت الحكم في الفرع، لأنه ما لم يكن النص معلولا بهذا المعنى المؤثر، لم يثبت الحاكم في الفرع بوجود هذا المعنى. وأما على رأي من قال: إن الحكم في المنصوص عليه يثبت بالعلة، فلأن الحكم متى ثبت في النص بالعلة، فيكون العلة علماً وأمارة على ثبوت الحكم في كل موضع وجد فيه مثل تلك العله، على ما قال مشايخنا: إن المستويين في المعنى يستويان في الحكم والفتوى. ¬

_ (¬1) في أ: "التي يعرف بها". (¬2) في ب: "أمارة وسبباً وعلماً". (¬3) في أ: "يسمى". (¬4) "في النص" من ب.

- وكذا (¬1) يسمى سبباً (¬2)، ودليلا: لأنه يتوصل به إلى الحكم في الفروع (¬3). والسبب ما هو طريق إلى الحكم. وكذا الدليل. - وإنما يسمى فقهاً، ورأياً، ومعنى: لأن ذلك الوصف (¬4)، الذي هو ركن العلة، إنما يتميز من سائر أو صاف النص برأي المستنبط وقصده وعلمه. والرأي (¬5) هو رؤية القلب. والمعنى هو القصد: مصدر عنى يعني عناية ومعنى (¬6). والفقه هو العلم الخفي المستنبط. فأطلق هذه (¬7) الأسماء على الوصف الذي هو ركن، لأنه (¬8) مفعول فعل المستنبط. فهو مراده ومرئيه ومعلومه، إطلاقاً لاسم المصدر على المفعول. - وكذا يسمى نظراً، واجتهاداً، واستدلالا: لما أنه يعرف بالنظر والتأمل والاجتهاد والاستدلال. فيسمى (¬9) به، إطلاقاً لاسم المصدر على المفعول أيضاً. - وإنما يسمى قياساً: ¬

_ (¬1) في ب كذا: "ـكدى". (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي متن الأصل: "مسبباً" وصححت في الهامش: "سبباً". (¬3) في أ: "في الفرع". (¬4) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "المعنى". (¬5) في ب: "فالرأي". (¬6) في المعجم الوسيط: عنى عنيا وعناية: أراده وقصده. (¬7) في ب: "وأطلق هذا". (¬8) في أكذا: "ركن لا مفعول". (¬9) في أ: "ويسمى".

لأنه متى عرف المستنبط ركن العلة في النص، قاس غير المنصوص، عليه (¬1) - إذا وجد مثله فيه، فيكون مقياساً عليه. والقياس فعل القايس - مصدر قاس يقيس قياساً، إطلاقاً لاسم الفعل على المفعول لغة. وهذا إذا كان الوصف قابلا للتعدي. فأما إذا كان مقصوراً على مورد النص، فلا يسمى ذلك (¬2) قياساً، لأنه لا يتصور القياس به. - وإنما يسمى حجة، وبرهاناً: لأنه هو الحجة والبرهان في إثبات الحكم في الفرع أو فيهما، على حسب (¬3) اختلاف الناس فيه. - وإنما سمي (¬4) علة، واعتلالا - لأحد ثلاثة معان (¬5) في اللغة: • قال بعضهم: إن العلة في اللغة اسم لعارض يتغير به (¬6) وصف المحل بحلوله فيه. ولهذا سمي (¬7) المرض علة، لكونه عارضاً تغير (¬8) المحل بحلوله فيه، من وصف الصحة إلى وصف الضعف (¬9). • وقال بعضهم: إن (¬10) العلة مأخوذة من العلل، وهو الشربة بعد الشربة - ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في ب. (¬2) "ذلك" من ب. (¬3) "حسب" من أ. وليست في الأصل وب. (¬4) في (أ) و (ب): "يسمى". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "لأجل معان". وفي أ: "لأحد معان". (¬6) "به" ليست في ب. (¬7) في ب: "يسمى". (¬8) في ب كذا: "بغير وصف المحل". (¬9) انظر البخاري على البزدوي، 3: 170. (¬10) كذا في أ. وفي الاْصل و (ب): "بأن".

يقال علل بعد نهل. فالعلل هو الشربة الثانية والنهل هو الشربة الأولى (¬1). • وقال بعضهم: إنها في عرف اللغة مستعملة في شيء يؤثر في أمر من الأمور، سواء كان المؤثر صفة أو ذاتاً، وسواء كان مؤثراً (¬2) في الفعل أو في الترك - يقال: "مجيء زيد علة لخروج عمرو". ويجوز أن يكون مجيء زيد علة في أن يمتنع عمرو عن الخروج - قال (¬3) المتنبي: والظلم في خلق النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم و (¬4) سمي المعنى (¬5) المانع من (¬6) الظلم علة، وسمي (¬7) المرض علة، لأنه يؤثر في ضعف المريض، ويؤثر في منعه عن كثير من التصرفات (¬8)، فعلى قول الأولين - يسمى (¬9) الوصف المؤثر (¬10)، في الحكم علة، لأنه يتغير به حال المنصوص عليه من الخصوص إلى العموم، لأن الحكم في النص مختص بالمنصوص عليه، لأن النص (¬11) يتناوله لا غير. ومتى عرف وصف من أوصافه مؤثراً في إثبات الحكم تغير حكم ظاهر ¬

_ (¬1) في المعجم الوسيط: "العلل الشرب الثاني. يقال: شرب عللا بعد نهل. وفي البخاري على البزدوي (3: 170): وقال بعضهم: إن العلة مأخوذة من العلل وهو الشربة بعد الشربة. وسمي المعنى الموجب للحكم في الشرع علة، لأن الحكم يتكرر بتكرره". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وسواء أثر". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "وقال". (¬4) واو العطف من ب. (¬5) "المعنى" ليست في أ. (¬6) "من" من أو ب. (¬7) في ب: "ويسمى". (¬8) انظر: البخاري على البزدوي، 3: 170. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "سمي". (¬10) في ب كذا: "الوصف علة المؤثر". (¬11) في الأصل يبدو أنه أضاف هنا "لم" فأصبحت "لم يتناوله" وقد تكون كلمة "لم" مشطوبة.

النص الخاص من الخصوص إلى العموم، فيثبت الحكم في أي موضع وجدت العلة فيه. وعلى قول الآخرين - يسمى (¬1) علة، لثبوت الحكم به على الدوام والتكرر، ولثبوته مرة بعد أخرى عند تكرر (¬2) العلة. وعلى قول الفريق الثالث - يسمى (¬3) به، لأن هذا الوصف مؤثر (¬4) في ثبوت الحكم، إما في الأصل أو في الفرع. وهذا الأخير هو الصحيح. فأما الأول ففاسد - فإن (¬5) الشخص إذا ولد مريضاً يسمى عليلا، والمرض فيه علة، وهو ليس بمغير لوصف الصحة. وكذا إذا ولد الولد أسود، فالسواد فيه علة تسميته وصيرورته أسود، وإن لم يكن مغيراً لوصف سابق. والثاني فاسد أيضاً - لأن هذا الوصف يسمى علة في أول ما ثبت به الحكم، من غير تكرر، فكيف يصح اشتقاقه من العلل وإنه يقتضي التكرار (¬6) - والله أعلم (¬7). ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "سمي". (¬2) في ب: "تكرار". (¬3) كذا في ب. في الأصل و (أ): "سمي". (¬4) في ب: "يؤثر". (¬5) في أ: "لأن". (¬6) راجع فيما تقدم الهامش 1 ص 577، والبخاري على البزدوي، 3: 170. (¬7) هذا الكلام على العلة أورده البخاري على البزدوي نقلا عن الميزان (راجع البخاري، على البزدوي، 3: 170).

الفصل الثاني - في بيان (¬1) حد العلة، وحقيقتها، في عرف الفقهاء واالمتكلمين: ذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمة الله عليه وقال: العلة تفسيرها لغة (¬2): اسم لحال يتغير بحلوله حكم الحل (¬3). أو اسم لا أحدث أمراً بحلوله في المحل لا عن اختيار. وحدها ما تعلق به الإحداث (¬4) والإيجاد، بلا اختيار، بقدر الحلول بمحل الحكم. وقال بعضهم: ما يتغير الحكم بحصوله. وقال بعضهم: هي (¬5) المعنى، القائم بالمعلول، الذي (¬6) يوجب الحكم بمحله. كالسواد الذي يوجب كون محله أسود. ومثاله من الشرعيات نجاسة العين: توجب غسل (¬7) محلها. وقال بعض أهل التحقيق: إن العلة في عرف الشرع هي التي أثرت حكماً شرعياً. والحكم الشرعي (¬8) هو الذي عرف ثبوته بالشرع (¬9). وفي عرف المتكلمين: ما أثرت حكماً عقلياً، وهو الذي عرف ثبوته بالعقل وحده. ¬

_ (¬1) في ب: "وأما بيان" بدلا من: "الفصل الثاني - في بيان". راجع الفصل الأول ص 574 وما بعدها. (¬2) في ب: "وقال: تفسير العلة لغة". (¬3) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "الحال". (¬4) في ب كذا: "الاجداد". (¬5) في أ: "هو". (¬6) "الذي" من ب. (¬7) في ب كذا: "على". (¬8) "الحكم الشرعي" ليست في ب. (¬9) في ب: "بالمشرع".

وقال بعضهم: هي الأمر الذي إذا وجد، وجد الشيء تعقبيه بلا فصل. وقال علي بن عيسى النحوي (¬1): حد العلة ما كان لأجله المعلول. وقال بعض أصحاب الحديث: هي الوصف الذي يتكرر الحكم بتكرره. وقال بعضهم: هي المعنى الجالب (¬2) للحكم (¬3). واحترزوا به عن النص. وعن الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمة الله عليه أنه قال: العلة هي المعنى الذي إذا وجد يجب به الحكم (¬4) معه. وقوله "معه" (¬5) احتراز: [لدخول] الاستطاعة مع الفعل (¬6). ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته في الهامش 5 ص 376. (¬2) كذا في أ. وظاهر أنها كذلك في ب. وفي الأصل: "الحادث". (¬3) في أ: "للحكم الحادث". (¬4) في ب: "يجب الحكم له معه". (¬5) في الأصل وأ و (ب): "احتراز عن الاستطاعة مع الفعل". وفي هامش أ: "فيدخل، الاستطاعة مع الفعل" وهو الصحيح. وبيان ذلك في الهامش التالي. (¬6) قال البخاري على البزدوي (4: 170 س 2 من أسفل - 171): "وقوله: وتغير به أي بذلك الوصف حال المحل معاً - إشارة إلى أن العلة وإن كانت مقدمة على المعلول رتبة فهي مقارنة له في الوجود فإن حركة الإصبع التي هي علة حركة الخاتم مقارنة لحركة الخاتم إذ لو لم تكن كذلك لزم تداخل الأجسام وهو محال على ما عرف. وكذا الحركة علة صيرورة الشخص متحركاً والسواد علة لصيرورة الشيء أسود وهما يوجدان معاً ولهذا جعلنا الاستطاعة التي هي علة الفعل مقارنة له وما أشبه ذلك أي الجرح كالكسر والهدم والقطع علل للانكسار والانهدام والانقطاع مقارنة في الوجود إياها. وهو أي الذكور وهو العلة أو لفظ العلة عبارة عما يضاف إليه وجوب الحكم أي ثبوته ابتداء ... وعن الشيخ أبي منصور رحمه الله أن العلة هي المعنى الذي إذا وجد يجب الحكم به معه واحترز بقوله "معه" عن قول بعض القدرية إن العلة هي الأمر الذي إذا وجد وجد الحكم عقيبه بلا فصل. وقد بينا أن ثبوت الحكم بالعلة عندنا بطريق المقارنة لا بطريق التأخر ولهذا جعلنا الاستطاعة مقارنة للفعل لا سابقة عليه. قال صاحب الميزان: هذا التعريف هو الصحيح ... " وانظر فيما بعد (ص 586): هل يشترط أن يكون وصف العلة قائماً بمحل الحكم أم لا؟. وانظر البزدوي، والبخاري عليه، 3: 188. وقال البزدوي في أصوله (4: 188): "وليس من صفة العلة الحقيقية تقدمها على الحكم بل الواجب اقترانهما معاً وذلك كالاستطاعة مع الفعل عندنا ... ". وقال البخاري عليه: "ولا خلاف بين أهل السنة في أن العلة العقلية تقارن معلولها زماناً، كحركة الإصبع تقارن حركة الخاتم، وفعل التحريك يقارن صيرورة الفاعل متحركاً، وكالكسر يقارن الانكسار، وكالاستطاعة تقارن الفعل - إذ لو لم يكونا متقارنين لزم بقاء الأعراض أو وجود المعلول بلا علة وكلاهما فاسد ... الخ".

وهذه العبارات فاسدة، سوى ما ذكرناه عن الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله، فإنه هو الصحيح، فإن (¬1) العلة ما يجب بها (¬2) الحكم، فإن وجوب الحكم (¬3) وثبوته بإيجاب الله تعالى، لكن أوجب الحكم لأجل هذا المعنى وبسبب (¬4) هذا المعنى. ويجوز أن يقال: يجب (¬5) به، لأن الله تعالى قد يفعل فعلا (¬6) بسبب، وقد (¬7) يفعل فعلا ابتداء. وكذا قد يثبت حكماً بسبب، وحكماً ابتداء بلا سبب. وفعله وحكمه لايخلوا [ن] عن الحكمة قط (¬8)، عرفنا وجه الحكمة أو لا. ووجوه فساد هذه العلل (¬9) تذكر في الشرح، على الاستقصاء (¬10)، لكن نذكر طرفاً منها (¬11) ههنا، فنقول (¬12): - قولهم: العلة ما تعلق به الإحداث والإيجاد (¬13)، بلا اختيار، بقدر الحلول بمحل الحكم: ¬

_ (¬1) في ب: "لأن". (¬2) في أ: "به". وفي ب: "له". (¬3) "الحكم" ليست في ب. (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "وسبب". وفي ب: "ولسبب". (¬5) في ب كذا: محبر". (¬6) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "الفعل". (¬7) "قد" من ب. (¬8) كذا في ب. وفى الأصل و (أ): "وحكمه وفعله قط لا يخلو عن الحكمة". والعبارة نقلها، عن الميزان، البخاري على البزدوي (3: 171). (¬9) في هامش أ: "المعاني". (¬10) في ب: "هذه العلل على الاستقصاء تذكر في الشرح إن شاء الله تعالى". (¬11) كذا في أ: "منها". وفي الأصل و (ب): "منه". (¬12) "فنقول" ليست في ب. (¬13) كان في أ: "بطريق الحقيقة أم بطريق المجاز. إن عني بطريق الحقيقة ففساده" ثم شطبت.

لا يصح، لأنا نقول: أيش تعني بهذا: أن العلة (¬1) ما تعلق به الإحداث والإيجاد، بطريق الحقيقة أم (¬2) بطريق المجاز؟ • إن عنى بطريق الحقيقة، ففساده لا يخفى - فإن المحدث (¬3) والموجد للأشياء هو الله تعالى، لكن (¬4) قد يوجد بلا واسطة شيء وقد يوجد بواسطة شيء، ويحدث بسبب ويحدث (¬5) بغير سبب، ولكن الموجد والخالق هو، لا غيره، جل وعلا (¬6) - قال الله تعالى: "هل من خالق غير الله" (¬7). وهذا (¬8) مذهب (¬9) أهل الدهر والطبائع، على ما يعرف في مسائل الكلام. • وإن عنى به المجاز - فهو (¬10) شيء مستعمل بين الفقهاء، فقالوا. علة موجبة: استعمال بطريق المجاز (¬11)، ولكن (¬12) استعمال الألفاظ المجازية لا يصح في التحديدات. - وقولهم: العلة ما يثبت به الحكم بلا اختيار: ¬

_ (¬1) في ب: "لأننا نقول: أما إن عني بقوله: العلة ... ". (¬2) في ب: "أو". (¬3) في ب: "إن عنى بطريق الحقيقة وهذا لا يظن به: فإن المحدث". (¬4) "لكن" ليست في ب. (¬5) "يحدث" من أ. (¬6) "جل وعلا" من ب. (¬7) سورة فاطر: 3 - "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". (¬8) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "وهو". (¬9) في هامش أ: "حيث قال بلا اختيار". (¬10) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "فهي". (¬11) "استعمال بطريق المجاز" من ب. (¬12) "لكن" ليست في ب، ففيها: "واستعمال".

فاسد، فإن القتل علة وجوب القصاص، وهو فعل اختيارى (¬1). ولأن الحكم يثبت (¬2) بإثبات الله تعالى، وهو مختار في إثبات الأحكام وإيجاد الأشياء، وإنما يستعمل لفظ (¬3) العلة في السبب والحكم (¬4) مجازاً، أما لا علة للأحكام عند أهل الحق. - وقول من قال: ما يثبت الحكم عقيبة - يبطل بالاستطاعة: فإنها علة الفعل، وإنه يوجد معها. وإنما، يصح هذا (¬5) على قول المعتزلة الذين قالوا: الاستطاعة (¬6) قبل الفعل، وهو (¬7) باطل بالحركة: فإنها علة صيرورة الذات متحركاً، وهما يوجدان معاً. والله أعلم بالصواب (¬8). الفصل الثالث (¬9) - في بيان ماهية (¬10) الركن، فنقول: ركن القياس هو الو صف الصالح المؤثر في ثبوت الحكم في الأصل (¬11). و (¬12) متى وجد مثله في الفرع (¬13) يثبت مثل ذلك الحكم فيه، قياساً عليه (¬14)، ¬

_ (¬1) في ب: "فعل اختيار". (¬2) في هامش أ: "وفيه نظر". (¬3) في أ: "لفظة". (¬4) في ب: "والحكمة". (¬5) "هذا" من (أ) و (ب). (¬6) في ب: "بالاستطاعة". (¬7) "هو" من ب. (¬8) "والله أعلم بالصواب" ليست في ب. وفي أ: "والله أعلم". (¬9) في ب: "الثانى" - راجع الهامش 4 ص 573. (¬10) كذا في ب. وفي الأصل و (أ): "مائية". (¬11) في ب: "في إثبات الحكم في النص". (¬12) "و" من أ. وانظر الهامش التالي. (¬13) في ب: " ثم إن وجد في الفرع "مثله". (¬14) في هامش أ: "وأن لا يقتصر على النص". وفي ب: "وألا يقتصر على النص وهذا".

لأن القياس لما كان رد الفرع إلى الأصل، لإثبات حكم الأصل فيه، ولا يمكن إثبات حكم الأصل في الفرع بالنص، لأن النص خاص لا يتناول الفرع، فلا بد أن يكون في الأصل وصف يجب به الحكم شرعاً، حتى يثبت مثله (¬1) في الفرع، بمثل ذلك الوصف، إذ لو لم يكن هكذا لا يمكن إثبات الحكم في الفرع، لأن الحكم لابد له من دليل، وليس فيه نص ولا إجماع. ولو كان، يكون إثبات الحكم نصاً أو إجماعاً (¬2) لا قياساً - فدل أن الركن ما قلنا وإن كان، لإثبات الحكم بالقياس، سوى الوصف الذي ذكرنا، شرائط على ما نذكر، لكن الحكم يضاف إلى الركن عند وجود الشرائط، لا إليها. كالنكاح: ينعقد بالإيجاب والقبول، عند وجود الشرائط من الأهلية والشهادة ونحوهما، وثبوت الحكم يضاف إلى الإيجاب والقبول دون الشرائط - فكذا هذا. هذا (¬3) هو الصحيح - وهو قول مشايخ سمرقند (¬4). وقال مشايخ العراق - الركن (¬5) هو الوصف الذى جعل علماً على ثبوت الحكم فى الفرع، على ما نذكر إن شاء الله تعالى. وتفسير "صلاح الوصف": لا يستحيل والموافقة بين الحكم والعلة، عقلا وشرعاً، بأن كان لا يستحيل إضافة ذلك الحكم إليه، عقلا، بل يحسن، كإضافة العقوبات إلى الجنايات، وإضافة الثواب إلى الطاعات، وإضافة وجوب الضمان إلى الإتلافات، ونحوها. ¬

_ (¬1) هنا بدأ سقط في أوسنشير إلى نهاية النقص فيما بعد - انظر الهامش 4 ص 650. (¬2) "أو إجماعاً" من ب. (¬3) "هذا" من ب. (¬4) في ب: "مشايخنا بسمرقند". (¬5) "الركن" من ب.

وتفسير "التأثير" يذكر في الفصل الذي يليه. ثم الوصف الذي هو ركن العلة: - قد يكون لازماً، كالطعم لجريان الربا في المطعومات عند الشافعي. وقد يكون عارضاً، كوصف كونه مكيلا في علة الربا عندنا، فإنه ليس بلازم، فإن القليل من الحنطة ليس بمكيل. - وقد يكون اسماً كحرمة الخمر: يثبت باسم الخمر - هو علتها، لا وصف الإسكار، حتى لا يتعدى إلى الثلث (¬1)، وحتى يثبت في قليل الخمر لوجود الاسم إن لم يسكر. وكذا الحدود (¬2): تتعلق باسم الزنا والقذف والسرقة ونحوها (¬3) - كذا قال بعضهم. ولكنا نقول: إن عني به أنه تعلق بعين الاسم، [فـ] لا يصح، لأن الاسم يثبت بوضع أرباب اللغة، ولهم أن يسموا الخمر باسم آخر. وإن عني به المعاني القائمة بالذات التي بها استحق هذا الاسم، وهو كون المايع (¬4) النيء، من ماء العنب، بعد ما غلى واشتد وقذف بالزبد (¬5)، فهذا (¬6) مسلم، ولكن حينئذ يكون هذا تعليق الحكم بالمعنى، لا بالاسم. - ويجوز أن يكون وصف العلة حكماً شرعياً، بأن يقاس (¬7) الحكم على الحكم. كقول الشافعي في اشتراط النية في الوضوء: هذه طهارة حكمية فيشترط فيها النية، كما في طهارة التيمم. وكقولنا في فساد ¬

_ (¬1) "شراب طبخ حتى ذهب ثلثاه" (المعجم الوسيط). (¬2) كذا في ب. وفي الاْصل كذا: "الجلود". (¬3) في ب: "وغيرها". (¬4) في ب كذا: "المانع الذي". (¬5) "وقذف بالزبد" من ب. والزبد الرغوة (المعجم الوسيط). (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "وهذا". (¬7) زاد في ب هنا: "به".

بيع المدبر (¬1): هذا شخص تعلق عتقه. بمطلق موت السيد، فلا يجوز بيعه، كأم الولد. ثم إنما استوت (¬2) هذه الوجوه التي ذكرنا، لأن الحكم لم يتعلق بعين الوصف، وإنما يتعلق (¬3) بكونه مؤثراً في إثبات الحكم، فيجب النظر فيه، دون سائر الأوصاف. ثم هل يشترط أن يكون وصف العلة قائماً بمحل الحكم (¬4) أم لا؟ فعند مشايخ العراق: شرط. واستدلوا بالعلل العقلية، كالحركة: علة صيرورة الذات القائم به متحركاً، ويستحيل أن تكون الحركة في محل علة لصيرورة ذات آخر متحركاً، فكذا (¬5) في العلل الشرعية. ومشايخنا قالوا: إنه (¬6) ليس بشرط، بل يجوز أن يكون ذلك الوصف في غير محل الحكم، فإن البيع والنكاح والطلاق (¬7) ونحوها علة لثبوت الأحكام في المحال، وهذه العبارات (¬8) قائمة بالعاقدين. وكذا كون الشخص معدماً محتاجاً علة جواز السلم والإجارة، وهذا الوصف قائم العاقد لا بمحل الحكم. ويجب أن لا يكون وجوده شرطاً في محل الحكم، لأن علل الشرع أمارات ودلالات على الأحكام، وقيام الدليل بالمدلول ليس بشرط لصحة الدلالة، كالعالم دليل وجود الصانع ونحوه. ولهذا قلنا: إن السحر علة تغير المسحور، وكذا العين: علة لتغير الشخص الذي أصابه العين وإن لم يوجد الاتصال والقيام. ¬

_ (¬1) دبر العبد علق عتقه بموته (المعجم الوسيط). فالمدبر العبد الذي علق عتقه بموت سيده. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "استوى". (¬3) في ب: "تعلق". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "بمحل العلة". وانظر ما يلى. (¬5) "فكذا" ليست في ب. (¬6) "إنه" ليست في ب. (¬7) "والطلاق" ليست في ب. (¬8) في ب: "العبادات".

وإنما تختص العلة بهذا الشرط عند المعتزلة. ولهذا أنكروا السحر والعين، لعدم الاتصال بمحل الحكم - والله أعلم. - ومنها أنه يجوز أن يكون العلة وصفاً واحداً. ويجوز أن يكون وصفين وأوصافاً - وهذا بلا خلاف في الشرعيات. فأما في العلل العقلية، [فقد] اختلف (¬1) العقلاء: قالت الأشعرية: إن العلة فيها (¬2) وصف واحد. وقال غيرهم: يجوز أن يكون (¬3) أوصافاً. وكذا الخلاف في الحد: إنه يجوز أن يكون بوصف واحد وبأوصاف (¬4) عند العامة. وعند الأشعرية: لا يجوز التحديد إلا بوصف واحد. و (¬5) هذا من مسائل الكلام. وإنما جاز في الشرعيات أن تكون العلة ذات أوصاف، لأن علل الشرع أمارات على الأحكام لمصالح العباد، ويجوز أن يتعلق المصلحة بوصف واحد وباجتماع وصفين وأوصاف، فيجب القول بالجواز. ثم العلة إذا كانت ذات أوصاف في الأفعال الحسية، التي (¬6) قد (¬7) يتعلق بها حكم شرعي، فلابد من بيانها. والكلام فيه يقع من وجهين: أحدهما (¬8) من حيث الحقيقة. والثاني (¬9) من حيث الحكم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "اختلاف". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "منها". (¬3) في ب: "لا يكون". (¬4) في ب: "وأوصاف". (¬5) الواو من ب. (¬6) "التي" من ب. (¬7) "قد" ليست في ب. (¬8) "أحدهما" من ب. (¬9) "الثاني" من ب.

• أما من حيث الحقيقة: فاختلفوا فيها على حسب ما ذكرنا: أن العلة هي كل الأوصاف (¬1)، أو صفة الاجتماع، أو الوصف الزائد المجهول الذي (¬2) لا يتصور انعقاد العلة والحكم بدونه. • وكذلك الحكم المعلق بوجود شرائط. على هذا (¬3): قال بعضهم: العلة هي كل الأوصاف. وقيل: العلة صفة الاجتماع. وقال بعضهم: هو الوصف الزائد. وهو وصف من الجمله غير عين، وهو الذي لا يتصور بدونه الاجتماع، ولا ينعقد العلة بدونه. نظير المسألة: سفينة في الماء لا تغرق بوضع كر (¬4) فيها، وتغرق إذا زيد قفيز (¬5) على الكر: فوضع إنسان فيها كراً وقفيزاً، من مال إنسان، بغير إذن صاحبه، حتى غرقت السفينة وتلف ما فيها: فعند الأولين: يضاف إلى الكر والقفيز جميعاً. وعند الفريق الثاني: إلى صفة الاجتماع. وعند الفريق الثالث: يضاف إلى قفيز من الجملة غير عين، لا إلى قفيز زائد عيناً. ¬

_ (¬1) الفاء ساقطة في ب. وراجع ص 587. وانظر ما يلي. (¬2) كذا في ب. والياء ساقطة في الأصل. (¬3) "على هذا" ليست في ب. (¬4) الكر مكيال لأهل العراق، أو ستون قفيزا، أو أربعون إردبا (المعجم الوسيط). (¬5) القفيز مكيال كان يكال به قديماً. ويختلف مقداره في البلاد. ويعادل بالتقدير المصري الحديث نحو ستة عشر كيلو جراماً (المعجم الوسيط).

ويستوي الجواب بين أن يلقى الكر والقفيز معاً، أو ياقى الكر أولا ثم القفيز، أو يلقى القفيز أولا ثم الكر (¬1)، لأنه ما لم يوجد الكل، لا يتحقق التلف بأي طريق وجد وضع الكل. وأما من حيث الحكم [فـ] نقول: • إذا كان ذلك الطرح من الواحد: [فـ] يجب عليه ضمان الكل، إن كان بغير إذن صاحبه، سواء. طرحهما معاً أو على التعاقب. وكذا: إذا كان مأذوناً (¬2) من جهة صاحبه بطرح الكر لا غير، فطرح معه قفيزاً زائداً، لأنه ما رضي بوضع متلف. • وإن كان الطرح من اثنين: إن طرحا معاً، فالضمان عليهما. وإن طرحا على التعاقب، فالضمان على الأخير عندنا. وعند زفر رحمه الله: عليهما. وزفر رحمه الله اعتبر الحقيقة وقال: إن التلف حقيقة إما أن يحصل بالكل أو بزائد غير عين، فإنه ما لم يحصل (¬3) اجتماع الكل، لا يتحقق التلف، فلا فرق بين التعاقب والقران. وأصحابنا رحمهم الله سلموا أن التلف حقيقة يحصل عند الاجتماع: إما مضافاً إلى الكل أو إلى الزائد غير عين. لكن مع هذا، الضمان يجب على من وجد منه الوصف الزائد (¬4)، لأن الأوصاف المتقدمة لا ينعقد ¬

_ (¬1) "أو يلقى القفيز أولا ثم الكر" من ب. وانظر الهامش التالي. (¬2) كذا في ب. والعبارة في الأصل كما يلي: "أو يلقي الكر أولا ثم القفيز إن كانا بغير إذن صاحبه، سواء طرحهما معاً أو على التعاقب. وأما في حق الحكم: إن كان ذلك الطرح من الواحد يجب عليه ضمان الكل، لأنه ما لم يوجد الكل لايتحقق التلف بأي طريق وجد وضع الكل وكذا إذا كان مأذونا". (¬3) في ب: "ما لم يتصور". (¬4) في ب: "الأخير".

علة التلف بدون الآخر، فصار الوصف الآخر (¬1) به يحصل وصف الاجتماع، والمتلف هو وصف الاجتماع، أو لأن بالآخر يصير واحد منهما (¬2) متلفاً، لأنه كان موجوداً ولم يعم لفي التلف، فصار هو الجاعل إياه علة، والحكم في الشرع يضاف إلى علة العلة، كما يضاف إلى نفس العلة عند الانفراد - والله أعلم. الفصل الرابع (¬3) - في بيان الطرق التي يعرف بها (¬4) ركن العلة - فنقول: إن الطرق التي يعرف بها، العلل الشرعيه هي الطرق التي تعرف (¬5) بها الأحكام الشرعية، لأن كون الوصف علة شرعاً (¬6) ودليلا على حكم الله تعالى، أحد الأحكام الشرعية (¬7)، إذ الحكم ما يثبت بالشرع، وكون الوصف علة يعرف بالشرع، فإن الأوصاف موجودة قبل الشرع وليست بعلل. وإذا ثبت أنها تعرف علة بالشرع، فتعرف بالطرق التي يعرف بها سرائر (¬8) الشرائع - وهي قسمان: [الأول]- الدليل القاطع، وهو النص المفسر من الكتاب، والخبر المتواتر، والإجماع. والثاني - الدليل الراجح، وهو ظاهر النصوص، والقياس. وكذا كون الوصف علة يعرف بهذين. وهو النص، والاستدلال: أما النص الدال على كون الوصف علة [فـ] أنواع: ¬

_ (¬1) في ب: "علة التلف لي دون الوصف الأخير". فليس في عبارة: "الآخر فصار". (¬2) في ب: "الواحد منها". (¬3) في ب: "الثالث". راجع فيما تقدم الهامش 4 ص 573. (¬4) في ب: "التي بها يعرف". (¬5) كذا في ب. والفاء ساقطة من الأصل. (¬6) "شرعاً" ليست في ب. (¬7) "الشرعية" من ب. وهي موجودة في الأصل ولكن يظهر انها شطبت. (¬8) السرائر جمع سريرة وهي ما يكتم ويسر (المعجم الوسيط).

- قد (¬1) يكون بطريق التصريح على اسم العلة، وهو غير وارد من جهة (¬2) صاحب الشرع، و (¬3) إن كان مستعملا في اللغة: يقال "فعلت كذا لعلة كذا" و "أوجبت عليك أن تفعل كذا لعلة كذا"- على ما ذكرنا من قول المتنبي: "فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم"، ومنه قول زهير يمدح هرم بن سنان: إن تلق يوماً على علاته هرماً ... تلق السماحة منه والندى خلقاً معناه أن الجود والسماحة يوجدان (¬4) من هرم بن سنان على طريق الطبيعة، دون التكلف، مع قيام العلل المانعة منه. ولكن قد ورد من صاحب الشرع بلفظ هو (¬5) المعنى - روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأحد معان ثلاثة" (¬6)، و (¬7) لفظ المعنى ولفظ العلة يستعملان في اللغة على السواء. - ومنها، ألفاظ تقوم مقام لفظ العلة، ورد بها الشرع، واستعملت في اللغة نحو: • لفظة "كي" - قال الله تعالى: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" (¬8). ¬

_ (¬1) "قد" ليست في ب. (¬2) "جهة" من ب. (¬3) "و" ليست في ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "يوجد". (¬5) "هو" من ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "إلا بإحدى معان ثلاث". (¬7) "و" ليست في ب. (¬8) سورة الحشر: 7 - "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب".

• ونحو لفظة "لأجل"- يقال (¬1): فعلت كذا (¬2) لأجل كذا. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما نهيتكم لأجل الدافة" (¬3). • ونحو لفظة (¬4) "لأن" - يقول المولى في عذر ضرب (¬5) العبد: "إنما (¬6) ضربته لأنه عصاني". • ونحو حرف "اللام" - يقال: "أكرمت فلاناً لإكرامه إياي". ولا يقال: إنه قد يدخل فيما ليس بعلة - يقال: "تأهب للشتاء"، والتأهب (¬7) يكون قبل مجيء الشتاء، والعلة لا تكون بعد الحكم، لأنا نقول إنه يدخل (¬8) على العلة، لأن مجيء الشتاء علة حاملة على التأهب، فإن (¬9) غرض التأهب دفع (¬10) برد الشتاء. والعلة نوعان: علة يثبت بها، الوجوب (¬11) والوجود، وعلة هي حاملة على الشيء وداعية إلية، فتكون علة عرضية. والعلة التي يتعلق بها الوجوب والوجود تكون مع الحكم. والعلة العرضية تكون متأخرة وجوداً، ولكنها مقارنة لحكمها عقلا (¬12). ¬

_ (¬1) في ب: "أن يقال". (¬2) "كذا" عن ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل كذا "الدابة". والدافة الجيش يدف (يسرع) نحو العدو. والجماعة من الناس تقبل من بلد إلى بلد (المعجم الوسيط). انظر بيانه في: مالك، الموطأ، كتاب الضحايا، ففيه: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم فكلوا وتصدقوا وادخروا" - يعني بالدافة قوماً مساكين قدموا المدينة". (¬4) في ب: "لفظ". (¬5) في ب كذا: "صرف". (¬6) "إنما" من ب. (¬7) "والتأهب" ليست في ب. (¬8) في ب: "دخل". (¬9) في ب: "وإن". (¬10) كذا في ب. وفي، الأصل: "لدفع". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل: "علة هي سبب الوجوب". (¬12) "والعلة التي يتعلق بها الوجوب ... لحكمها عقلا" عن ب.

• ونحو حرف "الباء" الموضوعة للإلصاق، فتستعمل في العلة - يقال "أكرمت فلاناً بإكرامه إياي" أي بسبب إكرامه - قال الله تعالى: "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (¬1) ". - ومنها، ألفاظ تدل على طريق الإشارة والدلالة على العلة (¬2): • نحو (¬3) حرف "إن" الوضوعة للتأكيد: تستعمل في العلة (¬4)، لأن العلة تؤكد الحكم الثابت بالنص، لما بها يعرف وجه المصلحة والحكمة. قال الله تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة" (¬5). وروي أن محرماً وقصت (¬6) به راحلته فمات، فقاك عليه السلإم: "لا تخمروا (¬7) رأسه ولا تقربوه طيباً فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" - جعل كونه ملبياً علة الامتناع عن تغطية الرأس واستعمال الطيب في حقه. • و (¬8) نحو حرف "الفاء" الموضوع للتعقيب على طريق الوصل. فمتى دخل على فعلين أو شيئين فيدل على أن لأحدهما (¬9) تعلقاً واتصالا بالآخر. ويعرف (¬10) كون أحدهما (¬11) علة والآخر حكماً بدلالة العقل، ولهذا قد يدخل على العلة والسبب، وقد يدخل على الحكم. يقال: "لا تقرب ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 61. وآل عمران: 112. والمائدة: 78. (¬2) و (¬3) "ومنها - ألفاظ تدل ... على العلة" وردت في ب هنا، ولم ترد في الأصل هنا. ولكن في الأصل هنا: "ونحو" - انظر فيما يلي الهامش 8. (¬4) في هامش الأصل: "إنه يستعمل في اللغة". (¬5) سورة الإسراء: 32. (¬6) وقصت الناقة براكبها رمت به فكسرت عنقه (المعجم الوسيط) (¬7) خمر الشيء غطاه (المعجم الوسيط). (¬8) هنا وردت في الأصل عبارة: "ومنها - ألفاظ تدل على طريق الإشارة والدلالة" - راجع فيما تقدم الهامش 2، 3. (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "أن لهما". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل: "وعرف". (¬11) في ب كذا: "كونه ـحدهما".

الكلب العقور، فيعضك". ويقال: "لا تمازح اللئيم، فيجترئ عليك". وقال الله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (¬1). وقال تعالى (¬2): "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" (¬3). وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سها فسجد. وأن ماعزاً زنى فرجم. ونحو ذلك. ولا يقال إنه يدخل على الشرط والجزاء نحو قوله: "إن دخلت الدار فأنت طالق" لأنا نقول إن الشرط علة استحقاق الجزاء، وهو شرط الوجود، فدخول الدار شرط وقوع الطلاق، وهو علة استحقاق الطلاق على ما عرف في موضعه. وأما الاستدلال فنوعان: صحيح، ومختلف فيه. أما الذي هو صحيح: - فالاستدلال بالتأثير. ونعني به أن يكون لجنس وصف الأصل تأثير في جنس حكم الأصل في موضوع (¬4) الشرع، إما بالنص أو بالإجماع، من حيث الأصل، وإن (¬5) كان بينهما نوع تفاوت، من حيث القدر والوصف. لأنه إذا كان مثله من كل وجه، لثبوت مثل هذا الحكم، يكون هذا الوصف علة بالنص والإجماع (¬6)، لا بالاستدلال. ودلالة ذلك أن العلة ما يثبت لي "الحكم، ويكون لها تأثير في ثبوت الحكم بطريق التسبيب، وإن كان المثبت للأحكام هو الله تعالى على ما ذكرنا. ولهذا، إن العلة في العقليات ما تكون مؤثرة في ثبوت الحكم، كالحركة: علة لثبوت الذات القائمة به متحركاً (¬7)، وكالسواد علة لصيرورة الذات ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 38. (¬2) "تعالى" عن ب. (¬3) سورة المائدة: 6. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "في موضع". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "فإن". (¬6) "والإجماع" عن ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "القابم متحركاً".

القائم به أسود ونحو ذلك. إلا أن ثمة آثاراً محسوسة عرفت بالطرد والعكس عند سبر الأحوال، وههنا آثار شرعية تعرف شرعاً بطريقه، وهو النص والاستدلال. وما ذكرنا (¬1) من تأثير جنس (¬2) هذا الوصف، في ثبوت (¬3) جنس هذا الحكم، لا يصلح دليلا (¬4) على كون هذا الوصف في الأصل علة أو ركن علة، للحكم المنصوص عليه من بين (¬5) سائر الأوصاف، لأن الشرع لما علق جنس ذلك الحكم بجنس هذا الوصف (¬6)، كان ذلك (¬7) تعليقاً لمثل (¬8) ذلك الحكم بمثل ذلك الوصف، إلا أنه لما ورد النص في موضع وأثبت حكماً من جنس ذلك الحكم من حيث الأصل لكن مخالف (¬9) له من حيث القدر والوصف، وفي موضع النص وصف هو (¬10) مؤثر من جنس (¬11) ذلك الوصف لكن مخالف (¬12) له من حيث القدر والوصف - علم أنه إنما أثبت (¬13) بهذا الوصف، لكن زيادة الحكم لزيادة وصف مؤثر في إثبات الزيادة، كتأثير (¬14) أصل الوصف في إثبات أصل الحكم، فيكون الحكم (¬15) بأصله ووصفه مضافاً إلى أصل ¬

_ (¬1) في ب: "بطريقه في الجملة وما ذكرنا". فليس فيها: وهو النص والاستدلال". وليست في الأصل كلمة "في الجملة". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وما ذكرنا من وجود جنس". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "في تعلق ثبوت". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "هذا الحكم به يصلح دليلا". (¬5) في ب: "أو ركن علة الحكم من بين". (¬6) تكررت في ب عبارة: "هذا الحكم بجنس هذا الوصف". (¬7) في ب: "كان هذا". (¬8) في ب: "بمثل". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "مخالفاً". (¬10) "هو" ليست في ب. (¬11) كذا في ب. وفي الأصل: "في جنس". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "مخالفاً". (¬13) في ب: "يثبت". (¬14) كذا في ب. وفي الأصل: "كإثبات". (¬15) "فيكون الحكم" من ب.

العلة ووصفها (¬1)، ولأن هذا الحكم في النص ثبت عقيب أوصاف فيه، فكان إضافته إلى وصف له أثر في ثبوته في الجملة أولى. مثاله: إن شهادة المسلم العدل مقبولة بالإجماع، وترجح جانب الصدق على الكذب في شهادته (¬2)، لكونه عدلا، لأن العدالة عبارة عن الاجتناب عن (¬3) محظور الدين، والكذب محظور الدين، فكان اجتنابه عن جنس المحظورات دليلا على اجتنابه عن الكذب، وإن كان الكذب مخالفاً لغيره من المحظورات، من حيث القدر والوصف. ولكن لما جاء الشرع بقبول شهادة العدل، وجعل صدقه راجحاً، علم أن القبول والرجحان لأجل العدالة، لكونها مؤثرة في جنسه، فأضيف إليها (¬4)، لحصوله (¬5) عقيب وصف مؤثر في الجملة. ثم قاس أصحابنا رحمهم الله الذمي العدل، على المسلم، في قبول الشهادة على جنسه ورجحان صدقه على كذبه، باعتبار العدالة (¬6)، ولا (¬7) تختص بوصف الإسلام، لأن كل واحد من الدينين مانع عن ارتكاب المحظور، فاستويا في الوصف المؤثر، فاستويا في الحكم. ومثال آخر أيضاً: إن النص جاء بوجوب القطع على السارق، ووجوب (¬8) الجلد على الزاني البكر - فتأملنا أن الجزاء ثم وجب لوجود السرقة والزنا، لأنه حكم ثبت عقيب وصف لجنسه أثر في إيجاب جنسه من الجزاء، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "ووصفه". (¬2) "في شهادته" من ب. (¬3) في القاموس: اجتنبه. وكذا في القرآن الكريم ومثاله: "واجتنبوا الطاغوت" (النحل: 36). راجع الهامش 10 ص 565. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "إليه". (¬5) كذا في ب: "لحصوله". وهي غير واضحة في الأصل وقد تكون "بحصوله". (¬6) في ب: "عدالته". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "فلا". (¬8) في ب: "وبوجوب".

فإن وجوب الأجزية عقيب الجنايات مما ورد بها (¬1) الشرع، فمتى وجب الجزاء المقدر عقيب جناية مقدرة معاومة، علمنا أن السرقة والزنا (¬2) علة لذلك الجزاء، فتعين هذا الوصف لكونه علة أو (¬3) ركن علة. ثم الشافعي رحمه الله قاس النباش، وهو سارق الكفن، على السارق من الأحياء، لوجود علته. ومنع أصحابنا رحمهم الله التعدية، لنوع تفاوت أو شبهة تفاوت، احتيالا لدرء الحدود. ومثال آخر: ولاية النكاح ثبتت للأب والجد في حق الصغر والصغيرة، فقلنا علة ثبوت ولاية إنكاحهما (¬4) للأب والجد هي القرابة، والصغر شرط، لأنه ثبت الحكم عقيبهما، ولجنس القرابة أثر في ثبوت جنس الولاية، وهي (¬5) الولاية في المال، فكان إضافة الحكم إلى الوصف الذي لجنسه أثر في جنس الحكم، أولى من سائر الأوصاف، فصار علة لظهور أثره. ثم عدى أصحابنا رحمهم الله الحكم إلى غير الأب والجد من الأقارب،. لوجود مثل ذلك الوصف. وادعى الشافعي رحمه الله التفاوت. وعلى هذا يخرج جميع مسائل الخلاف. فإن قالوا: قد وجدنا وصفاً في المنصوص عليه، ولجنسه أثر في إثبات جنس ذلك الحكم، ولا يتعلق به الحكم، فلا (¬6) يكون علة - قلنا: ¬

_ (¬1) في ب: "به". (¬2) في ب: "الزنا والسرقة". (¬3) في ب: "و". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "إنكاحها"، (¬5) في ب: "وهو". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "ولا".

- أما (¬1) على قول من قال بتخصيص العلة، [فـ] لا يلزم، لأنهم يقولون إنه علة، لوجود التأثير، لكن امتنع حكمها لمانع. - وأما على قول من لا يجوز (¬2) وتخصيص العلة، وهو قولنا -[فـ] غير لازم أيضاً، لوجهين: أحدهما - أن ما ذكرنا حد ركن العلة، لا حد العلة. وإنما تصير علة عند وجود شرائطه، وليس للشرائط أثر الركن، وإنما لها أثر آخر، وتعلقت (¬3) بها مصاحة أخرى، فمتى وجد جنس هذا الوصف بدون هذا الحكم، لا يكون نقضاً للعلة. أما لو وجد الوصف مع الشرائط ولم يثبت الحكم يكون نقضاً، وركن العلة بدون الشرائط لا يكون علة، فلم يثبت الحكم، لعدم العلة، لا أن يمتنع الحكم مع قيام العلة، فلا يكون نقضاً ولا تخصيص العلة. والثاني - أن الوصف مع الشرائط يكون مؤثراً في ثبوت الحكم، لأن هذا الوصف من حيث الأصل، له أثر في أصل الحكم - عرف ذلك في موضع الشرع، لكن لهذا (¬4) الوصف في موضع النص زيادة أثر في الحكم، لزيادة معنى في هذا الوصف، فثبت (¬5) هذا الحكم الزائد، فيصير، بأصله ووصفه، علة للحكم (¬6) الزائد. وإذا كان المؤثر لأصل الحكم مع الزيادة هو العلة، وهو الوصف الزائد (¬7)، فلا يثبت هذا الحكم ¬

_ (¬1) "أما" من ب. (¬2) في ب: "من قال لا يجوز". (¬3) في ب: "وتعلق". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "هذا". (¬5) في ب: "فيثبت". (¬6) في ب: "الحكم". (¬7) في ب: "الوصف مع الزيادة".

الزائد، بالوصف الذي يثبت أصل الحكم وحده (¬1) ولا يكون علة، ويكون في معنى بعض العلة، وبعض العلة ليس بعلة، فلا يكون نقضاً وتخصيصاً (¬2)، كالزنا مع الإحصان: إذا صار علة لوجوب الرجم، فالزنا وحده لا يثبت به الرجم، لأنه غير مؤثر في وجوب الرجم إلا مع الإحصان، لما أن الزنا، بسبب الإحصان، صار متغلظاً، فيكون مع زيادة الوصف علة لوجوب الرجم، فلا يكون علة بدونه - والله أعلم. وأما [الاستدلال] المختلف فيه (¬3)، فأنواع: منها - أن الوصف (¬4) الصالح إذا كان يوجد الحكم عند وجوده في الأصل، وينعدم عند عدمه، فيكون مطرداً و (¬5) منعكساً - هل يكون علة في الأحكام الشرعية؟ اختلفوا فيه، مع اتفاقهم أنه يكون علة في الأحكام العقلية (¬6). قال بعضهم بأنه يكون علة. وقال بعضهم بأنه لا يكون علة. وجه قول الأولين: إن هذا حد العلة في العقليات، فكذا في الشرعيات. فإن الحركة علة صيرورة الذات القائم (¬7) به متحركاً، ¬

_ (¬1) "وحده" عن ب. (¬2) في ب: "ولا تخصيصاً". (¬3) راجع ص 594. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "اللفظ". (¬5) "و" ليست في ب. (¬6) "مع اتفاقهم أنه يكون علة في الأحكام العقلية" ليست في ب. (¬7) في ب: "القائمة".

والعلم علة صيرورة (¬1) الذات القائم (¬2) به عالماً (¬3). وهذا لما ذكرنا أن العلة ما يثبت به الحكم، والمثبت في الحقيقة هو الله تعالى في الحقائق والحكميات جميعاً، فإن الجاعل للذات متحركاً هو الله تعالى، ولكن بسبب الحركة. والمثبت للمك في البيع هو الله تعالى (¬4)، لكن بسبب البيع - فدل أن الحقائق والشرعيات لا تختلف في هذا المعنى. ثم العلة في الحقائق تثبت بالطرد والعكس، فكذا في الحكميات. ولا يقال: إن (¬5) في الحقائق لا يكتفى بمجرد الطرد والعكس، بل (¬6) يشترط مع ذلك أن يستحيل إضافة الحكم إلى غير ذلك الوصف، فإنه يستحيل إضافة كون الذات متحركاً إلى صفة من صفات الذات سوى الحركة. وفي الشرعيات لا يستحيل إضافه ذلك (¬7) الحكم إلى غير ذلك الوصف من أوصاف المنصوص عليه، فكيف يقاس الحكمي على الحقيقي؟ لأنا لا نسلم أن ما وراء الطرد والعكس شرط في معرفة الحد والحقيقة في العلل العقلية. ويمكن تخريج الإشكالات الواردة عليه، على ما يعرف في مسائل الكلام إن شاء الله تعالى (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "فالعلم صيرورة". (¬2) في ب: "القائمة" (¬3) كذا في ب، وهامش الأصل تصحيحاً. وفي متن الأصل: "علما". (¬4) "ولكن بسبب الحركة ... الله تعالى" ليست في ب. (¬5) "إن" من ب. (¬6) في ب: "لكن". (¬7) "ذلك" ليست في ب (¬8) "ويمكن تخريج ... تعالى" من ب.

وجه قول الآخرين: إن الطرد والعكس ليس بكاف في العقليات. فإن الجوهر يوصف بأنه قائم بالذات: لا يتصور (¬1) قائم بالذات في الشاهد إلا وهو جوهر، ولا جوهر إلا وهو قائم بالذات، فهو مطرد و (¬2) منعكس. وهو حد فاسد لا يشتمل [على] (¬3) الشاهد والغائب: فإن (¬4) الله تعالى قائم بالذات وليس بجوهر. ولأن الاطراد (¬5) والانعكاس لمعرفة الحقائق، والحقيقة لا تختلف. فأما العلل الشرعية فمبنية على الحكم ومصالح العباد، وإنها تختلف باختلاف الأزمان وأحوال الناس، وذلك لا يعرفه (¬6) على الحقيقة إلا خالقهم، فشرع الشرائع وعلقها بأوصاف هي عللها (¬7)، وفي الحقيقة دلائل على وجوه الصالح والحكم. ولهذا كانت هذه الأوصاف موجودة قبل الشرع، ولا أحكام (¬8) ولا علل، فإنما يعرف علل الشرع بالشرع، والشرع هو النص والاستدلال على الوجه الذي ذكرنا. ثم كيف يقولون: إن العلة ما يوجد الحكم عند وجوده وينعدم عند عدمه. أو ما يوجد بوجوده وينعدم بعدمه؟ فإن قلتم بالأول - فهو باطل بالشرط: فإنه يوجد الحكم أو العلة عند وجوده، وينعدم عند عدمه، وليس بعلة. ¬

_ (¬1) "يتصور" ليست في ب. (¬2) "و" من ب. (¬3) في المعجم الوسيط: "اشتمل على كذا: احتواه وتضمنه. وفي التنزيل العزيز: "أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين" الأنعام: 143 و 144. (¬4) في ب: "بأن". (¬5) في ب: "بجوهر وبعد التسليم فلأن الاطراد". (¬6) كذا في ب: "لا يعرفه". وفي الأصل: "لا يعرف". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "بأوصاف في عللها". (¬8) في ب: "الشرع والأحكام".

وإن قلتم بالثاني - فربما يستقيم هذا في العقليات، فأما في الشرعيات [فـ] العكس ليس بشرط بالإجماع، فإنه يجوز أن يكون الحكم ثابتاً بعلل، كإباحة القتل: يثبت بالردة، وقتل العمد، وزنا المحصن، ونحو ذلك. يبقى قولكم: يوجد عند وجوده أو يوجد بوجوده: فالأول (¬1) باطل بالشرط. والثاني ممنوع (¬2) أنه يوجد بوجوده، فإن في النص أوصافاً يوجد الحكم عقيب الكل، فلم يتعين (¬3) هذا الوصف لوجود الحكم بوجوده، من بين سائر الأوصاف، وليس البعض أولى (¬4) من البعض في هذا المعنى، فما لم يبين منى آخر لا يستقيم هذا الكلام (¬5)، وإن بين (¬6) بطل دعواه. وإن كان وجوده بوجود الكل فإنه لا يحتفل التعدية (¬7) إلى موضع آخر، لأنه لا يتصور أن يكون مثله من كل وجه. ومنها - أن يختلف القايسون في مسألة على أقوال معلومة، وعلل كل واحد الأصل بعلة، فبإبطال الواحد علل الخصوم - هل يحكم بصحة علته أم لا؟ فقد اختلف فيه: قال بعض الفقهاء من أصحابنا رحمهم الله ينظر: إن اتفق أهل الاجتهاد على كون الأصل معلولا، ثم بين كل واحد ممن خالف، علة لقوله، فمن أبطل علة الخصوم كلهم، تتعين علته للصحة. ¬

_ (¬1) في ب: "والأول". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "فممنوع". (¬3) في ب: "فلم تعين". (¬4) في ب: "بأولى". (¬5) في ب: "الحكم". (¬6) في ب كذا: "ـين". (¬7) في ب: "التعدي به".

وإن قال بعض المخالفين منهم: إن الأصل غير معلول، بل الحكم ثابت بالنص أو الإجماع غير معقول المعنى. وغيره من المخالفين قالوا بأنه معلول، وبين كل واحد علته، وادعى صحتها، فمتى أبطل علل المخالفين لا تصح علته. وقال بعض أصحاب الشافعي بأن إبطال علل المخالفين كاف لصحة (¬1) علته في الحالين. وقال أهل التحقيق من أصحابنا: إنه لا تصح العلة بإبطال علة المخالفين. وجه قول الأولين: إنهم لما اتفقوا على كون النص معلولا، فقد ثبت بإجماع أهل الإجماع أن (¬2) العلة واحدة مما ذكروها، وخروج الحق عن الإجماع باطل، كما لا يجوز الخروج عن أقوال الصحابة رضي الله عنهم في مسألة بالاتفاق (¬3). وكما لا يجوز الخروج عن أقوال المخالفين من أهل العصر عند الأكثرين، وهو قولنا، بخلاف ما إذا كان الأصل غير معلول عند بعضهم، فإنه يجوز أن يكون الحكم ثابتاً بالنص، مقصوراً عليه، فبطلان العلل كلها لا يؤدي إلى إبطال الإجماع، فإنه لا يعتقد الحق في واحد من عللهم. وجه قول الفريق الثاني، وهو أن النص، وإن لم يكن معلولا في زعم البعض، فالباقون اتفقوا على كونه معلولا، فهؤلاء اجتمعوا (¬4) على كون واحد من عللهم صحيحة، فيجب اعتبار اتفاقهم فيما بينهم، ولا يعتبر ¬

_ (¬1) في ب: "بصحة". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "على أن". (¬3) في ب: "الاتفاق". (¬4) في ب "أجمعوا".

مخالفة غيرهم في إسقاط اعتبار إجماعهم - ألا ترى أنهم وإن اتفقوا على كون النص معلولا، فأصحاب الظواهر يخالفونهم ولا يقدح مخالفتهم في حجة إجماعهم، فكذلك (¬1) هذا. وجه قول الفريق الثالث - وهو أن صحة إحدى العلل بإبطال ما وراءها: إما إن كان باعتبار أنه يؤدي إلى خلاف الإجماع وإلى ذهاب الحق عن إجماع الأمة، أو باعتبار إبطال سائر العلل. والأول باطل - فإنه لا إجماع. فإن أصحاب الظواهر خالفوهم، فإنهم ينكرون كون النصوص كلها معلولة. والثاني باطل - فإن إبطال ما وراءها من العلة موجود فيما إذا لم يكن النص معلولا باتفاقهم ولم يدل على صحة العلة، ولأن بطلان سائر العلل: إما أن يثبت بالنص، أو برأي الخصم. والأول باطل - لأنه لا يتصور النص القاطع قي موضع الخلاف مع أهل الديانة (¬2). والثاني باطل - لأن رأي الواحد محتمل، فلا يكون حجة على الخصوم وإن عجزوا عن تمشية عللهم، لاحتمال أنها صحيحة، لكن لقلة التأمل عجزوا عن معارضة علة الخصم، وعند التأمل على وجهه يظهر بطلان ما ذكروا (¬3) من العلة، بخلاف العال العقلية، لأن ثمة (¬4) إنما يعرف بطلان ما وراءها من الأوصاف لاستحالة إضافة الحكم إليها، في تعين ضرورة. ¬

_ (¬1) ب: "فكذا". (¬2) في ب كذا: "الدمام". (¬3) في ب: "ما ذكر". (¬4) "ثمة" من ب.

ومنها - الاطراد والملازمة، وجرياخها في الفروع من غير أن يمنعها (¬1) نص أو علة أقوى منها في إثبات الحكم، وهذا دليل الصحة عند بعضهم. والأصح أنه لا يكون دليل صحة العلة. وهل يكون الاطراد شرط صحة العلة؟ ففيه اختلاف على ما نذكر بين القائلين بتخصيص العلة وبين المنكرين. وجه قول من اكتفى بالاطراد: أن علل الشرع أمارات ودلالات على الأحكام، والموجب لها هو الله تعالى، وشرط صحة الدليل والأمارة هو الاطراد لا غير، كالأمارات الحقيقية، من المنارة الدالة على المسجد والأعلام الدالة على الطرق. وجه قول العامة: وهو أن جعل الاطراد دليل صحة العلة (¬2) الشرعية يؤدي إلى التناقض في الشريعة، والله تعالى صان الشريعة عن التناقض، لأن الله تعالى جعل نفي التناقض عن القرآن دليلا على أنه من عنده، بقوله (¬3) تعالى: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" (¬4). وبيان التناقض: وهو أن أحد الخصمين إذا قال: ما ذكرت من الوصف مطرد في الفروع، فيكون علة لحرمة شيء معين، والآخر يقول: إن ما ذكرت (¬5) من الوصف مطرد في الفروع فيكون علة لإباحته، وكل وإحد منهما ينسب علته إلى الشرع، فيؤدي إلى القول بأن الشرع جعل شيثاً واحداً حلالا وحراماً في زمان واحد،. فيكون في هذا نسبة التناقض ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: يمنعه". (¬2) في ب: "العلل". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "أنه منه بقوله". (¬4) سورة النساء: 82 - "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً". (¬5) "في الفروع ... ما ذكرت" ليست في ب.

إلى الشرع - و (¬1) هذا محال، بخلاف الأمارات الحسية، فإنها (¬2) من العباد، فاحتمال التناقض فيها لا يضر. ولا يقال: إنكم جعلتم دليل صحة العلة هو التأثير، وأحد الخصمين يدعي الحل بعلته، والآخر يدعي (¬3) الحرمة بعلته، فقد قلتم بالتناقض، لأنا نقول: كون الوصف مؤثراً في الحكم أمر شرعي، وكل واحد من الخصمين يدعي كون وصفه مؤثراً دون وصف (¬4) خصمه، ويمكنه (¬5) في الجملة بيان أن الوصف الذي يدعي صاحبه مؤثراً ليس بمؤثر، فمتى جعل ذلك دليلا لا يؤدي إلى التناقض، لأن الصحيح أحدهما، وهو الذي ثبت (¬6) تأثيره شرعاً، فأما الاطراد (¬7) فأمر حقيقي لا يتصور فيه الإنكار، وبيان أنه ليس بمطرد فيؤدي إلى التناقض لا محالة - فهو (¬8) الفرق بينهما. ولأن تفسير الاطراد عندكم هو الجريان في جميع الفروع من غير أن يمنعه مانع من نص مخالف أو معنى معارض. فأما مع قيام المانع، لا يكون مطرداً، فلا يكون حجة. ونحن لا نسلم أنه لا مانع في كل موضع يدعون الاطراد، فيكون دعوى بلا دليل. فإن قالوا: إنا طردناه في جميع الفروع ولم نجد ما يمنعه، فالخصم يقول: إن لم تجدوا فنحن نجد، وعجزكم عن الوقوف على المانع لا يدل على انتفاء المانع، فما لم تقيموا الدليل على أنه لا مانع لا يستقيم دعوى الاطراد، ولا يمكنكم النفي أصلا. ¬

_ (¬1) "و" من ب. (¬2) في ب: "فإن". (¬3) "يدعي" ليست في ب. (¬4) "وصف" ليست في ب. (¬5) في ب: "وتمكنه". (¬6) في ب: "الذي يثبت". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "الطرد". (¬8) في ب: "فهذا".

ثم لم قلتم: إن الاطراد وجريان العلة في معلولها دليل الصحة، ولكن عندنا شرط الصحة فبفواته امتنعت (¬1) الصحة وثبت الفساد، فأما أن يثبت الصحة بالشرط فلا. قولكم: إن (¬2) العلة الشرعية علم ودليل، والاطراد (¬3) كاف في الدليل - فنقول: الاطراد كاف لكونه شرط الصحة. أما كونه (¬4) دليلا [فـ] إنما يثبت لما (¬5) له من وجه الدلالة، كدلالة الدخان على النار. فما لم يثبت وجه الدلالة في العلة على الحكم، لا يثبت العلة، وإن وجد شرط الصحة، والكلام فيه وقع. ومنها - أن كون الوصف مخيلا كاف، هل يكفي لكونه علة؟ قال بعض أصحاب الشافعي: إنه كاف. أما كونه مؤثراً، فيكون (¬6) مؤكداً. ثم فسر بعضهم أن المخيل: ما له خيال الصحة. و (¬7) هذا التفسير فاسد، لأن الحكم لا يثبت إلا بالعلة الصحيحة قطعاً أو غالباً. فأما ما له احتمال الصحة فلا. وفسر بعضهم المخيل: أن يكون العقل لا يحيله (¬8) بأن يكون علة الحكم، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "الصحة، فنقول: إنه امتنعت". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "بأن". (¬3) في ب: "ودليل لاطراد". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "لكونه". (¬5) في ب: "بما". (¬6) في ب: "يكون". (¬7) في ب هكذا: "ألا وهذا". (¬8) في ب: "لا يخيله"، والظاهر "لا يحيله"، أي لا يجعله محالا.

بل (¬1) يستحسنه لموافقة وملاءمة بينهما، وإن لم يكن لجنس ذلك الوصف أثر في جنس ذلك (¬2) الحكم في أصول الشرع. ولكن مع هذا لا يجوز أن يكتفى به، لأن الكلام في العلة الشرعية يجب أن يطلب حجته (¬3) من الشرع، لا من العقل وحده، والشرع هو النص والاستدلال، فلا يجوز الحكم بكون الوصف علة شرعاً إلا بهذين الطريقين - والله أعلم. ومنها - قياس الشبه. وكل قياس لابد فيه من الشبه بين الأصل والفرع، حتى يكون (¬4) قياساً. ومطلق الشبه ليس بكاف، فإنه (¬5) ما من موجودين حادثين (¬6) إلا وبينهما نوع مشابهة. لكن القياس الصحيح أن يكون بينهما مشابهة (¬7) بوصف مؤثر، والقياس الفاسد أن يكون بينهما مشابهة إما من حيث الصورة أو من حيث الأحكام من غير تأثير في إثبات الحكم (¬8)، ثم صار هذا الاسم مختصاً بقياس بين شيئين بينهما شبه بشيء غير مؤثر في الحكم أصلا. ثم اعتبر بعض العلماء الشبه من حيث الصورة، حتى قاس الجلسة الأخيرة في الصلاة ذات الأربع، بالجلسة الأولى، في أنها (¬9) غير واجبة، وقال: هذه جلسة مشروعة في الصلاة، يجب أن لا تكون واجبة، قياساً على الجلسة الأولى. ¬

_ (¬1) في ب: "بان". (¬2) "ذلك" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "صحته". (¬4) في ب: "يسمى". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "فإن". (¬6) "حادثين" من ب. (¬7) في ب: "مشابهاً". (¬8) في ب: "الأحكام". (¬9) في ب: "فإنها".

وروي عن الشافعي رحمه الله أنه قال: المعتبر هو الشبه بالأحكام، حتى قال: قيمة العبد يجب (¬1) بالغة ما بلغت، لأن العبد أشبه بالأموال (¬2) في الأحكام الكثيرة، ويشبه الأحرار في قليل من الأحكام، فيجب اعتبار كثرة الشبه في الأحكام. ولكن الصحيح قولنا - وهو أنه يجب أن يعتبر الشبه بكل ماله تأثير في الحكم، سواء كان وصفاً أو حكماً، فإن كون البر مطعوماً أو مكيلا من باب الوصف دون الحكم، لا أنه هو الشبه الذي له أثر في الحكم، في الجملة. وكذلك القول بالشبهين: فاسد، لما ذكرنا. وبعض مشايخنا اعتمدوا على الشبهين، لكن يجب أن يكون لكل شبه أثر، فحينئذ يجوز القول به. فصل - في الفرق بين العلة والسبب والدليل (¬3): فقد ذكرنا تفسير العلة والدليل في اللغة وعرف الفقهاء (¬4). فأما السبب: في اللغة -[فـ] عبارة عن الطريق، قال الله تعالى: "ثم أتبع سبباً" (¬5) أي الطريق. وقال الله تعالى خبراً عن فرعون: "لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السماوات" (¬6) أي أبوابها. ويسمى الحبل سبباً، لأنه طريق يتوصل ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "يبلغ". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "الأموال". (¬3) هذا هو الفصل الخامس "في بيان ركن القياس" - راجع فيما سبق ص 573 - 574. (¬4) راجع فيه، تقدم ص 574 وما بعدها و 579 وما بعدها. (¬5) سورة الكهف: 89 و 92. (¬6) سورة غافر: 36 و 37 - "وقال فرعون ياهامان ابن لى صرحاً لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السماوات فأطلع إلي إله موسى وإني لأظنه كاذباً ... ".

به إلى الماء. ويسمى الطريق سببا أيضاً (¬1)، لأنه يتوصل به إلى الموضع المقصود. وأما في عرف الفقهاء - فهو مستعمل فيما هو موضوع [في] اللغة، وهو ما يتوصل به إلى الحكم من غير أن يثبت به، كالحبل الذي هو سبب يتوصل به إلى الماء، وإن كان يحصل الوصول بالاستقاء. وكذلك الطريق يتوصل به الى المقصد، وإن كان الوصول يحصل (¬2) بالمشي، لا به. - بخلاف العلة: فإنها اسم لما يثبت به (¬3) الحكم، كالمشي (¬4) والاستقاء: علة للوصول (¬5). - وبخلاف الدليل: فإنه اسم لما يعرف بسببه المدلول، فكان (¬6) طريقاً إلى (¬7) معرفة المدلول، وعلة (¬8) حصول العلم والمعرفة بالمدلول هو الاستدلال، فيكون قريباً من السبب في الأحكام. ويجوز أن يسمى العلة دليلا، لأنه يحصل بواسطته العلم بالحكم في الفروع عند الاستدلال الذي هو العلة، ويسى سبباً لهذا - والله أعلم. فصل - في تقسيم العلة والسبب والدليل (¬9): فنقول: ¬

_ (¬1) "أيضاً" ليست في ب. (¬2) "يحصل" من ب. (¬3) في ب: "له". (¬4) في ب: "فكالمشي". (¬5) في ب: "الوصول". (¬6) في ب: "وكان". (¬7) كذا ب. وفي الأصل: "في". (¬8) في ب: "وعليه". (¬9) هذا هو الفصل السادس: "في بيان ركن القياس" - راجع فيما سبق ص 573 - 574.

ذكر القاضي الإمام (¬1) أبو زيد الدبوسي رحمه الله وقال: إن العلة أقسام أربعة: • علة اسماً ومعنى وحكماً - نحو الببيع البات، والعتاق النافذ، والطلاق المنجز. • وعلة اسماً لا معنى ولا حكماً - نحو الطلاق المعلق بالشرط، واليمين في حق وجوب الكفارة قبل الحنث. فإنه يسمى طلاقاً، والأثر والحكم معدوم للحال. • وعلة اسماً ومعنى لا حكماً - تحو البيع بشرط الخيار: فإنه يسمى بيعاً، وهو المؤثر في إثبات الحكم، لكن امتنع الحكم لمكان الخيار في الحال (¬2). • وعلة اسماً وحكماً لا معنى - نحو السفر في إثبات الرخصة. فإن السفر يسمى مبيحاً ومرخصاً والحكم يضاف إليه، وهو ثبوت الرخصة والإباحة، والمعنى معدوم: فإن المؤثر في ثبوت الرخصة هو المشقة، لكن السفر أقيم مقامها (¬3) تيسيراً. ثم قسم السبب على أربعة أقسام أيضاً: الأول - سبب اسماً وحقيقة ومعنى: وهو السبب المحض. وهو ما (¬4) يتوصل به إلى الحكم من غير أن يثبت به على ما ذكرنا. ونظيره من الشرعيات: دلالة السارق على سرقة مال إنسان فسرق، وحبس الفار من القاصد قتله حتى أدركه وقتله، فإن الدلالة والحبس سبب محض، لأنه اعترض عليه فعل فاعل مختار. ¬

_ (¬1) في ب: "ذكر الإمام القاضي الزاهد أبو زيد". وقد تقدمت ترجمته في الهامش 7 ص 75. (¬2) "في الحال" ليست في ب. (¬3) في ب: "مقام المشقة". (¬4) في ب: "وهو أن"

والثاني - ما هو سبب اسماً وصورة، لا معنى وحقيقة. نحو الطلاق المعلق، والنذر المعلق، واليمين في حق وجوب الكفارة - فإن التعليق سبب لوقوع الطلاق عند الشرط. وكذا اليمين سبب لصيرورته علة عند الحنث. ولكن (¬1) من حيث الصورة دون المعنى، فإنه ليس فيه معنى الإفضاء والتوصل، بل هو المانع عن الحكم للحال، ولكن تصور (¬2) بصورته، لأنه لولاه لما ثبت الحكم عند وجود الشرط، ولكنه سبب يصير (¬3) في معنى العلة، فإن الكلام الأول يصير علة عند الشرط، ويضاف الحكم إليه دون الشرط. والثالث - السبب الذي هو علة العلة. وهو في الحقيقة موجب للحكم، إلا أنه إنما يوجب بواسطة العلة الأخيرة، والحكم وجب بالأخيرة، فصارت العلة الأخيرة مع حكمها، حكمين للعلة الأولى: فمن حيث إن العلة الأخيرة مع حكمها حصلت بالأولى، كانت هي العلة الموجبة حقيقة. ومن حيث إنها لا (¬4) تعمل في ثبوت الحكم ألا بواسطة الأخيرة سميت سبباً. ونظيره: الرمي إذا اتصل به الموت، فإن الموت يضاف إلى الرمي بوسائط (¬5). وكذا شراء القريب: يفيد الملك، والملك يفيد العتق، فيضاف إلى الشراء، لأنه علة العلة. والرابع - السبب الذي هو علة معنى. و (¬6) هو الذي يرجب الحكم بنفسه بلا واسطة علته (¬7)، لكن الحكم في حال وجوده لم يثبت، لعدم (¬8) ¬

_ (¬1) في ب: "ولكنه". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل غير واضحة. (¬3) "يصير" من ب. (¬4) "لا" ليست في ب. (¬5) في ب: "بواسطة". (¬6) "و" من ب. (¬7) في ب: "علة أخرى". (¬8) في ب: "بعدم".

تمامه، بانعدام وصفه، لا بعدم بعضه، كعلة ذات أوصاف (¬1). فإذا وجد الوصف، والوصف لا يقوم بنفسه، فيقوم بالعلة، فيجب الحكم عند وجود وصفه مستنداً إلى العلة بوصفه، ويكون هو الموجب دون وصفه، فيكون علة من حيث هو الموجب، ويكون سبباً من حيث إنه لم يوجب للحال (¬2) ما لم يوجد وصفه، وهو كالنصاب: علة الوجوب، لكن لا (¬3) يوجب بدون صفة النماء. فمتى وجد وصف النماء، صار علة للحكم من الأصل، لاستناد الوصف إلى الأصل. وكذا في مرض الموت، وغيره (¬4) من النظائر. وهذا الفصل الأخير مشكل. هذا (¬5) بيان ما قاله القاضي الإمام أبو زيد الدبوسي (¬6) رحمه الله على الاختصار في تقسيم العلة والسبب والموانع (¬7). ولكنا نقول: هذه التقاسيم إنما تستقيم على قول من يقول بتخصيص العلة، فإن عندهم يجوز أن تكون العلة موجودة ولا يثبت الحكم لمانع (¬8)، والموانع تختلف (¬9) على قيلهم، وتنقسم أربعة أقسام (¬10): • مانع يدخل في نفس العلة، فيمنع عن الانعقاد، كما في الطلاق المعلق. • ومانع يدخل في الحكم دون العلة، كما في البيع بشرط الخيار. ¬

_ (¬1) "كعلة ذات أوصاف" من ب. (¬2) في ب: "في الحال". (¬3) "لا" من ب. وغير واضحة في الأصل. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل غير واضحة. (¬5) "هذا" من ب. وهي في الأصل غير واضحة - وقد تقرأ "هو". أو "هذا". (¬6) "الدبوسي" من ب. (¬7) "في تقسيم ... والموانع" من ب. (¬8) في ب: "المانع". (¬9) في ب: "مختلفة". (¬10) "وتنقسم أربعة أقسام" من ب.

• ومانع يمنع تمام العلة مع وجود أصلها وركنها، كملك النصاب ونحوه. • ومانع يمنع تمام الحكم، مع أن العلة أوجبت أصل الحكم، كما في خيار الرؤية والعيب، فإن ثمة الملك ثابت والبيع نافذ لكنه غير لازم. فأما على قول من لا يجيز (¬1) - تخصيص العلة، وهو قولنا، [فـ] العلة في الحقيقة شيء واحد، وهو ما يثبت به إلحكم. والسبب شيء واحد وهو ما يتوصل به إلى الحكم، من غير أن يضاف ثبوته إليه. وما يضاف الحكم إليه، مما يسمى سبباً، فهو علة في الحقيقة، وتسميته سبباً يكون (¬2) بطريق المجاز. وإنما (¬3) يصح التقسيم عندنا على اعتبار تقسيم الحكم، غير أن الحكم قد يكون ظاهراً، وقد يكون خفياً لا دليل على وجوده للحال: - فإن كان الحكم ثابتاً حال وجود السبب، فهو علة. كالبيع البات. - وإن وجد الحكم بعد وجود فعل العبد باختيار - (¬4) منه، مقصوراً على حال ثبوته، يكون الفعل سبباً من وقت وجوده، ويصير علة عند وجود الحكم، مقصوراً عليه، كما في التدبير والاستيلاد. - وإن ظهر الحكم من وقت وجود الفعل، بعد ما كان خفياً، يكون علة من ذلك الوقت، ويسمى سبباً مجازاً. ¬

_ (¬1) في ب: "لا يجوز". (¬2) "يكون" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "فإنما". (¬4) "باختيار" ليست في ب.

[6] فصل في: بيان شرائط القياس والعلة

- وإن ثبت الحكم مقصورًا على حال وجوده من وجه وظهر (¬1) من وجه من وقت وجود الكلام: • فمن الوجه الذي اقتصر: يكون سببًا من حين (¬2) وجود الكلام، ويتم علة من وقت وجود (¬3) الحكم. • ومن الوجه الذي ظهر: من وقت وجود الكلام، يكون علة من وقت وجوده، ويكون سببًا من الوجه الذي اقتصر، فيجب التقسيم على هذا الوجه احترازًا عن القول بتخصيص العلة والله أعلم. [6] فصل في: بيان شرائط القياس والعلة (¬4) يحتاج في هذا الفصل إلى: تفسير الشرط لغة. وإلى (¬5) بيان حده عند الفقهاء. وإلى بيان الفرق بين الشرط والعلة (¬6) والعلامة. وإلى بيان أقسام الشرط. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "ويظهر". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "من حيث". (¬3) "وجود" من ب. (¬4) هذا هو الفصل السادس من "القول في القياس" راجع ص 550. (¬5) "إلى" من ب. (¬6) "والعلة" من ب.

وبيان نواع أما يسمى شرطًا. وإلى بيان شرائط القياس والعلة. أما الشرط في اللغة: فهو (¬1) عبارة عن العلامة اللازمة (¬2). ومنه يسمى أعلام القيامة (¬3) "أشراطًا". ومنه يسمى (¬4) الصكوك (¬5) "شروطًا" لأنها وضعت أعلامًا على العقود التي (¬6) تجري بين العاقدين. ومنه يسمى (¬7) "الشرطي"، لكونه معلمًا بعلامة يرتميز بها عن غيره. ومنه يسمى الحجام "شراطًا" وفعله "شرطًا" وآلة عمله "مشرطًا" (¬8). وأما تفسير الشرط في عرف الشرع، وبيان الفرق بينه وبين العلة والعلامة - فنقول: اختلف الفقهاء فيه (¬9): قال بعضهم: الشرط ما يوجد. الحكم عند وجوده، وينعدم عند عدمه. وقال بعضهم: الشرط ما هو علم على الشيء من حيث يضاف (¬10) ¬

_ (¬1) "فهو" من ب. (¬2) في المعجم الوسيط: "أشرطه جعل له علامة. يقال: أشرط نفسه لكذا أعلمها وأعدها". (¬3) في الأصل وب مكتوبة كذا: "القيمة". وفي البزدوي، 4: 173: "أشراط الساعة". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "سمى". (¬5) في المعجم الوسيط: الصك وثيقة بمال أو نحوه. (¬6) في ب: "والتي". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "سمي". (¬8) "بها عن غيره ... مشرطاً" من ب. وهي في الأصل غير واضحة. انظر البزدوي، والبخاري عليه، 4: 173. (¬9) "اختلف الفقهاه فيه" من ب. (¬10) في ب: "الشيء الذي يضاف".

إليه الوجود دون الوجوب (¬1)، بخلاف العلة: فإنها اسم لا يضاف إليه الوجوب، دون الوجود. فلما كان وجوب ذلك الشيء بالعلة، لا بالشرط، كان الشرط علمًا. ومن حيث إن الوجود يضاف إليه كان علة. فكان بين العلامة والعلة (¬2). وأما العلامة فهي اسم لما يدل على غيره، من غير أن يكون في ذاته ما يدل عليه، لكن يثبت دلالته، بضرب (¬3) اصطلاح ومواضعة أو إخبار من صادق، على ظهور الحكم عند وجوده، فيكون معرفًا محضًا لا يتعلق به وجوب ولا وجود، وإنما يتعلق به الظهور. ولكن هذا لا يصح. وإنما الصحيح أن يقال: الشرط ما يوجد العلة (¬4) عند وجوده، أو ما يقف المؤثر على وجوده في ثبوت الحكم. وهذا لأن الحكم يثبت بالعلة، لكن العلة قد يقف على وجود الشرط، فلا ينعقد العلة بدونه، فلا يوجد الحكم لانعدام العلة، لا لانعدام (¬5) الشرط، مع قيام العلة. فأما ما توجد العلة بوجوده، فهو علة العلة، وما يوجد به الحكم فهو علة. وكذا ما يظهر به الحكم. وكذا ما يوجد عنده، أو يظهر عنده، ¬

_ (¬1) قال البخاري على البزدوي (4: 173): "وهو في الشرع اسم لما يتعلق به الوجود دون الوجوب، أي يتوقف عايه وجود الشيء، بأن يوجد عند وجوده لا بوجوده، كالدخول في قول الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق. فإن الطلاق يتوقف على وجود الدخول، ويصير الطلاق عند وجود الدخول مضافًا إلى الدخول، موجودًا عنده، لا واجبًا به، بل الوقوع في قوله: أنت طالق عند الدخول. فمن حيث إنه لا أثر للدخول في الطلاق من حيث الثبوت، ولا من حيث الوصول إليه، لم يكن الدخول سببًا ولا علة بل كان علامة. ومن حيث إنه مضاف إله، كان الدخول شبيهًا بالعلل، وكان بين العلامة والعلة، فسميناه شرطًا". (¬2) انظر ما سيلي. (¬3) في ب كذا: "يصرف". (¬4) في البخاري (4: 174): "الحكم". (¬5) "العلة لا لانعدام". ليست في ب ففيها: "لانعدام الشرط".

لما ذكرنا: أن العلة توجد عند وجود (¬1) الشرط، ثم يثبت الحكم بوجود (¬2) العلة. ولأن انعدام الحكم لا يكون بعدم الشرط بل يكون على العدم الأصلي، لأن الأصل عدم الحكم، وإنما وجوده بوجود العلة. والعلة توجد عند وجود الشرط. فمتى لم يوجد الشرط لم توجد العلة، فلا يثبت الحكم، وبقي على العدم، لا أن عدمه مضاف إلى عدم الشرط (¬3) أو عدم العلة. ولأن هذا إنما يستقيم على قول من يقول بتخصيص العلة: وهو أنه إذا وجدت (¬4) العلة ولم يوجد الشرط، امتنع وجود الحكم، لعدم الشرط جمع بقاء العلة. فأما عندنا (¬5): متى لم يوجد العلة عند عدم الشرط، فيكون عدم الحكم لعدم العلة، لا (¬6) لعدم الشرط. وما قالوا: إن العلة قد يتعلق (¬7) به الوجوب دون الوجود: لا يصح، لأن العلة قد يتعلق به الوجوب، وقد يتعلق به الوجود: فإن الكسر علة وجود الإنكسار. وقد يتعلق به الظهور: فإن قضاء القاضي علة (¬8) لظهور الملك المدعي، وإن كان ثبوت الملك مضافًا إلى السبب السابق. والله أعلم. فصار الحاصل: أن العلة ما يتعلق بها (¬9) الوجوب أو الوجود أو الظهور. و (¬10) الإيجاب والإيجاد والإظهار من الله تعالى. والشرط ما يتعلق به وجود العلة. ¬

_ (¬1) "وجود" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل "عند وجود". (¬3) في ب: "عدم غيره: الشرط". (¬4) التاء من ب. (¬5) "عندنا" من ب. (¬6) "لعدم العلة لا" من ب. (¬7) في ب: "العلة ما تعلق". (¬8) في ب: "علية". (¬9) في ب: "به". (¬10) في ب: "أو".

والعلامة ما يكون علمًا على ظهور شيء وحصول (¬1) العلم به، من غير أن يكون له أثر في الوجود والظهور، وإنما الظهور بغيره بمنزلة الدليل: فإت ظهور الشيء وثبوت (¬2) العلم به بالاستدلال، لا بالدليل (¬3). والله أعلم. ¬

_ (¬1) "حصول" من ب. (¬2) "ثبوت" من ب. (¬3) انظر البزدوي والبخاري عليه، 4: 173 - 174. ومما قاله البخاري هنا: "قال السيد الإمام أبو القاسم: هو (أي الشرط) في الشريعة عبارة عما يقف ثبوت الحكم على وجوده ولا يكون من جملة التصرف. ثم قال: الأشياء التي يقف الحكم على وجودها خمسة أقسام: العلة، ووصف العلة، والسبب، والشرط، والركن. فالعلة هي المؤثرة في ثبوت الحكم عنها ولها تأثير تام. ووصف العلة له نوع تأثير لكنه ليس بتام بل يتم بانضمام وصف أخر أو أوصاف إليه. والسبب كالعلة في الإنباء عن الحكم والمناسبة بينه وبين الحكم إلا أن العلة لا يتأخر عنها الحكم، والسبب قد يتأخر عنه الحكم ويجوز أن لا يثبت به الحكم. والركن ما هو غير التصرف ولا يتم به كالقيام والركوع والسجود في الصلاة ولفظ العاقدين في العقود. والركن لا يأتى إلا في التصرفات. فأما في غير التصرفات فلا. وأما الشرط فما لا تأثير له بوجه كالطهارة في الصلاة والشهود في النكاح إلا أن الحكم لا يثبت شرعًا إلا عنده". وقال البخاري (4: 174): " قال صاحب الميزان: تفسير الشرط بأنه ما يتوقف عليه وجود الحكم دون وجوبه، فاسد، لأن الحكم لا يتوقف على الشرط. بل العلة تقف عليه. وعدم الحكم قبل وجود الشرط ليس لعدم الشرط، بل لعدم العلة الذي هو العدم الأصلي. فإذا وجد الشرط ووجدت العلة عند وجوده، لأنه يثبت الحكم بوجود العلة. ولأنه إنما يستقيم على قول من قال بتخصيص العلة فإن من جوز ذلك يقول: إذا وجدت العلة ولم يوجد الشرط امتنع وجود الحكم لعدم الشرط مع بقاء العلة. فأما عند من لم يجوز ذلك كان امتناع الحكم لعدم العلة لا لعدم الشرط فكان الأولى أن يقال: الشرط ما يوجد الحكم عند وجوده أو ما يقف المؤثر على وجوده في إثبات الحكم. ويمكن أن يجاب عنه ... " ثم قال البخاري (4: 174): "قال القاضي الإمام رحمه الله: هذه ضروب متشابهة: ففي السبب معنى العلة. وفي العلة الشرعية معنى العلامة. وفي الشرط معنى العلة. والعلامة قد تشتبه بالشرط والعلة: ففيهما معنى العلامة لا يمتاز بعضها عن بعض إلا بمد تأمل" وقال البزدوي في أصوله (4: 202 - 203): "أما الشرط المحض فما يمتنع به وجود العلة فإذا وجد الشرط وجدت العلة فيصير الوجود مضافًا إلى الشرط دون الوجوب، وذلك في كل تعليق بحرف من حروف الشرط نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق ... ".

وأما بيان أقسام الشرط - فنقول: الشرط أنواع: - فمحل وجود نفس (¬1) العلة شرط، لأنه لا وجود للعلة بدون المحل. فالبيع علة ثبوت الملك في المبيع ومحله (¬2) البائع. والشراء علة ثبوت الملك في الثمن ومحله (¬3) هو المشتري. وكذا محل الحكم أيضًا: شرط، لأن العلة لا يتصور انعقادها بدون الحكم، ولابد للحكم من محل صالح. وكذا وصف محل العلة، ووصف محل (¬4) الحكم، من باب الشرط (¬5)، فإن محل ثبوت الملك هو المبيع وأوصافه، بأن يكون مالا متقومًا ملومًا ونحو ذلك. وكذا أهلية من يجب له الحكم، ومن يجب عليه، شرط أيضًا. وكذلك (¬6) بعض أوصاف من يجب عليه وله (¬7): شرط ثبوت الحكم أيضًا. وهذا كله في الحقيقة شروط (¬8) العلة، لأن العلة لا توجد إلا عند وجودها، وإن كان بعض الأوصاف يسمى (¬9) أهلية. وشرائط الأهلية ¬

_ (¬1) "نفس" من ب. (¬2) الظاهر أن المقصود ليس محل البيع لأن محله المبيع وإنما المقصود محل العلة أي رضا البائع. (¬3) الظاهر كما تقدم في الهامش السابق أن المقصود محل العلة أي رضا المشتري. (¬4) في ب: "ووصف محل الشرط الحكم". (¬5) في ب: "الشروط". (¬6) في ب: "وكذا". (¬7) كذا الظاهر في ب. وفي الأصل كذا: "وإنه". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "شرط". (¬9) في ب: "سمي".

هي (¬1) وصف من يجب له وعليه (¬2)، على ما نذكر في فصل الأهلية إن شاء الله تعالى. - ومنها شرط الصحة، لا شرط انعقاد أصل السبب (¬3)، كالمساواة في عقد الربا، وقبض البدلين في الصرف، وغير ذلك. فانقسم الشرط (¬4) إلى هذه الأنواع ظاهرًا، وفي الحقيقة قسمان: شرط العلة، وشرط الصحة. و (¬5) أما بيان [أنواع] (¬6) ما يسمى شرطًا - فنقول: هو أنواع ظاهرًا (¬7). وفي الحاصل نوعان: شرط حقيقة، وشرط يسمى (¬8) مجازًا. والحقيقة نوعان على ما مر: شرط العلة (¬9)، وشرط الصحة. لأن (¬10) حد الشرط ما (¬11) عرف، وهو ما توجد العلة عند وجوده، لا وجود الحكم ولا وجوبه ولا ظهوره به ولا (¬12) عنده. فإن كان في موضع يسمى شرطًا ويضاف الحكم إليه، إما وجوبًا أو وجودًا أو ظهورًا، يكون علة، ويكون تسمية الشرط له (¬13) مجازًا، لوجود صورة الشرط أو المشابهة بينه وبين الشرط مع كونه علة. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "وهو". (¬2) في ب. "عليه وله". (¬3) في ب: "أصل السببية". (¬4) في ب كذا: "وقبض البدلين في الصرف فانقسم الشرط وغير ذلك إلى هذه الأنواع". (¬5) "و" من ب. (¬6) راجع ص 616 ففيها: "وبيان أنواع ما يسمى شرطًا". (¬7) "ظاهرًا" ليست في ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "سمي". (¬9) في ب: "شرط من العلة". راجع السطور السابقة من هذه الصفحة والتي قبلها. (¬10) في ب: "فإن". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل: "لما". (¬12) في ب: "إلا". (¬13) كذا في ب. وفي الأصل: "وتسمية الشرط يكون له مجازًا".

وكذا كل ما لا توجد العلة عند وجوده ويسمى (¬1) شرطًا، يكون تسمية الشرط له مجازًا. أما مثال الشرط بطريق الحقيقة - فهو كالشهادة في باب النكاح، وشروط الصلاة من الطهارة والنية وستر العورة واستقبال القبلة، فإنه لا صحة للصلاة ولا وجود (¬2) لها إلا عند وجود هذه الشروط. وكذلك تعليق الطلاق والعتاق بالشرط، فإنه لا وجود لهما قبل وجود الشرط، وإنما الموجود كلام يصير تطليقًا وإعتاقًا عند وجود الشرط. وقال بعض مشايخنا: إن الشرط ما يمتنع (¬3) عنده الحكم دون العلة، [كما] عند الشافعي. فيكون هذا الكلام تطليقًا، ولكن الانطلاق وثبوت الحرمة يثبت عند وجود الشرط. وبنوا على هذا الأصل مسألة تعليق الطلاق بالنكاح، ومسألة التكفير قبل الحنث، والنذر المعلق بالشرط، ولكن هذا يؤدي إلى القول بتخصيص العلة، وهو وجود العلة قبل وجود الشرط ولا حكم له. وظاهر مذهب الشافعي رحمه الله أنه لا يقول بتخصيص العلة، فلا يكون ما ذكروا من المسائل على هذا الأصل، على ما يعرف في مسائل الخلاف. وأما الشرط الذي يسمى (¬4) به مجازًا لوجود صورته، وهو علة (¬5) في الحقيقة أو في معنى علة العلة، فهو نحو شق الزق (¬6) وقطع حبل القنديل ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "وسمي". (¬2) "والنية وستر العورة ... ولا وجود" من ب. وهي غير واضحة في الأصل. (¬3) لعل المراد: يتراخى - قال البزدوي في أصوله (4: 203): "وقد ذكرنا أن أثر الشرط عندنا انعدام العلة. وعند الشافعي تراخي الحكم". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "سمي". (¬5) في ب كذا "عليه". (¬6) الزق وعاء من جلد يجز شعره ولا ينتف، للشراب وغيره (المعجم الوسيط).

وحفر البئر على قارعة الطريق [وحصول] (¬1) التلف، فإنه يجب الضمان على شاق الزق وقاطع الحبل وحافر البئر - لوجهين: أحدهما - أن هذا علة التاف. فإت الإتلاف المتصور من العباد هو فعل قام به من الحركة يظهر أثرها (¬2) على مجرى العادة في تلف المحل (¬3)، فإن المتولدات (¬4) مفعوك الله تعالى على الحقيقة عندنا، لا فعل للعباد فيها أصلا. وعند المعتزلة: أفعال العباد تسبيبًا لا مباشرة. ولكن إذا كان العبد منهيًا عن الحركة التي يظهر أثرها في تلف شيء معصوم متقوم (¬5) يكون علة التلف، في حق وجوب الضمان، صيانة لعصمة الأموال والأنفس، لأن الإتلاف ما يحصل التلف عقيبه غالبًا بطريق العادة وقد وجد، إلا إذا وجد التلف عقيب فعل غيره (¬6) عن اختيار، وهو الإيقاع في البئر، كان الإضافة إليه أولى من الإضافة إلى الحفر السابق، إلا أنه في صورة الشرط، لأنه إزالة المانع عن سيلان الدهن، ووقوع القنديل، والوقوع في البئر. وإزالة المانع شرط في الأصل، ولكنه علة شرعًا، فيضاف الحكم إليه، لكونه علة، لا لكونه إزالة المانع. والثاني - وهو أن سيلان الدهن علة التلف، فإنه يختلط بسببه بالتراب، في خرج من أن يخكون منتفعًا به، أو يمتزج بالماء، إلا أن (¬7) كونه سببًا، لا خلقة، يثبت (¬8) بفعل الله تعالى، فلا (¬9) يمكن إضافة الحكم إليه، ¬

_ (¬1) في الأصل و (ب): "وحصل". (¬2) في ب: "أثره". (¬3) في ب كذا: "في تلك المحال". (¬4) راجع في مسألة "التولد" فيما تقدم الهامش 1 ص 109. (¬5) في ب: "متقوم عادة". (¬6) في ب: "غير". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "أنه". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "لا خلقة له ثبت". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "ولا".

فيضاف (¬1) إلى الشرط الذي هو فعل العباد، احتياطًا في عصمة الأنفس والأموال (¬2). وكذلك الثقل علة الوقوع في مكان خال عن الجسم المانع، وإنه (¬3) ولا الشق والحفر لما صار كونه سببًا لها (¬4)، أو ثقل الماشي عاملا، لأن الثقل إنما يعمل في السقوط في المكان الخالي وهو إزالة (¬5) المسكة. وكذا السيلان (¬6): إنما يسيل الدهن (¬7) إذا لم يكن في الزق، ووجد طريقًا خاليًا عن المانع، فهو بالشق والحفر جعله عاملا، فيصير في معنى علة العلة. نظيره: رمي (¬8) السهم إذا أصاب شيئًا محترمًا، فأتلفه، لما قلنا. والوجه الأول أصح. ونوع آخر - يسمى شرطًا وهو في معنى السبب، وهو إزالة المانع عما هو علة، بطريق الاختيار، كمن (¬9) حل قيد عبد إنسان حتى أبق، فإنه لا يجب الضمان على الحال، لأن حل القيد إزالة المانع عن الإباق، لكن الإباق فعل فاعل (¬10) مختار، فلا يضاف إلى الحل، فلا يكون شرطًا، لأنه لم توجد العلة عنده لا محالة، لكنه في معنى السبب، لأنه بسبب حل القيد، يتمكن العبد من الإباق، فيكون مفضيًا إليه في الجملة، ¬

_ (¬1) كلمة "فيضاف" غير واضحة في الأصل. (¬2) في ب: "الأموال والأنفس". (¬3) في ب: "فإنه". (¬4) في ب كذا: "سالا". (¬5) في ب: "وهو الذي أزال". (¬6) في ب: "السيالة". (¬7) "الدهن" من ب. (¬8) في ب كذا: "نظيره وفي السهم". (¬9) في ب كذا: "لمن". (¬10) "فاعل" من ب.

لكن السبب متى اعترض عليه فعل فاعل (¬1) مختار، يضاف الحكم إليه، ولا يضاف إلى الفعل السابق (¬2). ولهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف، رحمة الله عليهما، فيمن فتح باب قفص فطار (¬3) الطير، أو فتح (¬4) باب اصطبل فجرت (¬5) الدابة وضلت: إنه لا يضمن، لما ذكرنا. ونوع آخر - إن العلة إذا كانت ذات وصفين، ووجد الوصفان معًا، فكل واحد كل منهما شرط عند الانفراد، لأن الآخر يوجد عنده، وهما جميعًا علة. وإذا وجدا على التعاقب فالعلة هو الوصف الأخير عندنا، خلافًا لزفر رحمه الله. والأول شرط في معنى السبب (¬6). ونوع آخر - عند بعض مشايخنا، هو شرط في معنى العلامة، وهو الإحصان، لأن الشرط ما يمنع انعقاد العلة إلى أن يوجد الشرط، كما في الشرط في تعليق الطلاق والعتاق، فإن صورتهما (¬7) موجودة، وتوقف انعقادهما علة (¬8) على وجود الشرط. ومثل هذا لا يوجد في الزنا بحال، لأن الزنا لا يتوقف حكمه على إحصان يحدث، فثبت أنه ليس بشرط، ولكنه علافة (¬9) لكونه معرفًا لحكم الزنا. ولهذا قلنا: إن الذكورة ليست بشرط في شهود الإحصان، لأنه معرف، وليس بشرط (¬10). ¬

_ (¬1) "فاعل" من ب. (¬2) في ب: "إلى السبب السابق". (¬3) "قفص فطار" ليست في ب ففيها: "باب الطير". (¬4) "فتح" من ب. (¬5) في ب: "فخرجت". (¬6) "في معنى السبب" من ب. فهو شرط اسمًا لا حكمًا - انظر البزدوي، 4: 218. (¬7) في ب: "صورتهما". (¬8) "علة" ليست في ب. (¬9) "علامة" ليست في ب. (¬10) راجع البزدوي والبخاري عليه، 3: 219 - 220.

إلا أن هذا لا يصح، لأن الشرط ليس بمانع انعقاد العلة، بل لم ينعقد العلة عند عدم الشرط، فميكون (¬1) على العدم الأصلي. ألا يرى أن أركان الصلاة إذا وجدت بصورتها لم تنعقد صلاة عند حدوث شروطها بعدها، لكن لابد أن يكون الشرط (¬2) مقارنًا حال وجود العلة، لتوجد العلة عند وجوده. والزنا لا ينعقد علة لوجوب الرجم إلا إذا وجد حال وجود الإحصان، فيكون الإحصان شرطًا لانعقاد الزنا علة، فأما في شهود الإحصان [فـ] لم يشترط الذكورة لأنها شرط، فلا (¬3) يضاف إليه وجوب الحكم، ولا وجود العلة. فاشتراط (¬4) الذكورة في علة العقوبة، لا يكون اشتراطًا فيما هو شرط العلة. وزفر يجعله في معنى علة العلة. ونحن نمنع (¬5) - على ما عرف في مسائل الخلاف. والله أعلم. فضل - في بيان (¬6) شرائط القياس والعلة: فنقول: لصحة القياس شرائط: منها - وجود أصل معلول، معقول المعنى: إما النص أو (¬7) الإجماع، ليعرف الحكم فيه. - ولابد من وصف مؤثر (¬8) في ثبوت ذلك الحكم. ¬

_ (¬1) "فيكون" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل غير واضحة: (¬3) في ب: "ولا". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "باشتراط". (¬5) راجع البزدوي، والبخاري عليه، 4: 220 - 221. (¬6) في ب: "وأما بيان". راجع فيما تقدم ص 615 - 616. (¬7) في ب: "و". (¬8) في ب: "الوصف المؤثر".

- ولابد من وجود فرع وجد فيه مثل ذلك الوصف، ليثبت مثل ذلك الحكم فيه (¬1). لأن القياس لا يكون إلا بين (¬2) شييئن بينهما مشابهة في الوصف المؤثر، ولا وجود له إلا عند وجود الأصل، والفرع، والوصف الدي هو ركن العلة (¬3) أو علة، على حسب ما اختلفوا (¬4) فيه. فقد وجد حد الشرط في الأصل، والفرع، وهو وجود ركن القياس عندنا (¬5). ثم النصوص، في الأصل، هل هي معلولة أم (¬6) تحتاج إلى دليل؟ اختلفوا فيه (¬7): قال أصحاب الظواهر: إنها غير معلولة لما ذكرنا. وقال بعض القايسين بأنها غير معلولة (¬8) في الأصل، إلا إذا قام الدليل من حيث النص والإجماع أنه معلول. وقال عامة مثبتى القياس: إن النصوص معلولة في الأصل، إلا إذا قام الدليل على أنه لا يمكن تعليل بعضها. وهو قول الشافعي وقول بعض أصحابنا، رحمهم الله. وقال بعض أصحابنا: إن النصوص، وإن كانت معلولة في الأصل، ولكن لابد من دليل زائد على أن الأصل، الدي نريد استخراج العلة منه، ¬

_ (¬1) "ليثبت ... فيه" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "القياس ما يكون بين". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "علة". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "ما اختلف". (¬5) "في الأصل ... عندنا" من ب. وفي الأصل: "وجد حد الشرط في هذه الأشياء". (¬6) في ب: "أو". (¬7) "فيه" ليست في ب. (¬8) "لما ذكرنا ... غير معلولة" ليست في ب.

أنه معلول، إلا إذا اتفقوا على كونه معلولا (¬1)، مع اختلافهم في الوصف الذي هو علة، كما في النص الوارد في باب الربا، وهو قوله عليه السلام: "الحنطة بالحنطة" (¬2): اتفقوا (¬3) أنه معلول. ولكن عندنا: العلة (¬4) وصف كونه مكيلا. وعند الشافعي رحمه الله: وصف (¬5) كونه مطعونًا. وعند مالك رحمه الله: كونه مقتاتًا (¬6). وجه قول الأولين: إن الحكم ثابت بظواهر النصوص، وبالتعليل يتغير حكم النص من حيث الظاهر، فإن في قوله عليه السلام: "الحنطة بالحنطة، مثلا بمثل، يدًا بيد، والفضل ربا" (¬7) حكم النص: حرمة فضل الحنطة على الحنطة في البيع، وبالتعليل يتغير ويصير حكم النص هو حرمة بيع (¬8) المكيل بالمكيل في الجنس متفاضلا (¬9)، سواء كان حنطة (¬10) أو غيرها. هذا عندنا - وعند الشافعي رحمه الله، حرمة بيع المطعوم لي المطعوم متفاضلا سواء كان حنطة أو غيرها (¬11). وإذا كان ¬

_ (¬1) "معلولا" ليست في ب. (¬2) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد" رواه مسلم (ابن حجر، في بلوغ المرام، رقم 696، ص 125 وانظر أيضًا رقم 700 ص 126). ورجع فيما تقدم الهامش 13 ص 266 و 10 ص 495. (¬3) "اتفقوا" مكتوبة في الأصل في الهامش على أنها تصحيح. (¬4) في ب: "العلة عندنا". (¬5) "وصف" ليست في ب (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "مقياتًا". والقوت ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام. وقات الرجل قوتًا أطعمه ما يمسك الرمق. وأقاته أعطاه قوته. واقتات الشيء جعله قوتًا. والقائت من العيش ما فيه الكفاية. (المعجم الوسيط). (¬7) راجع فيما تقدم الهامش. (¬8) "بيع" جاءت في الأصل في الهامش على أنها تصحيح. (¬9) "متفاضلا" من ب. (¬10) في ب: "كانت الحنطة". (¬11) "هذا عندنا ... أو غيرها" من ب.

كذلك، فالأصل هو إجراء النص على حكمه دون التغيير، وإنما يثبت التغيير بدليل. وفي قول الفريق الثاني: إن القياس لما كان حجة وواجب العمل به (¬1)، وذلك لا يكون إلا بالعلة، فكان الأصل هو وجود المعنى المودع في النصوص، حتى يمكن القياس، لأن إيجاب القياس في غير موضع الإمكان لا يجوز، [فـ] يجب أن يكون الأصل هو كون النص معلولا، إلا إذا قام الدليل على أن النص غير معقول المعنى، فيجب التمسك بالأصل. وجه قول الفريق الأخير، وهو أن النصوص على ضربين: معلولة وغير معلولة، وإن كان كونها معلولا هو الأصل، ولكنه ثابت من حيث الظاهر مع الاحتمال، فلا يكون حجة في حق الإلزام على الخصم، بمنزلة ظاهر اليد: حجة في حق الدفع، دون الإلزام على الغير (¬2) - كذا هذا. إلا أن الصحيح قول من قال من الفقهاء إن النصوص معلولة في الأصل: - لأن أحكام الله تعالى مبنية على الحكم ومصالح العباد. والمعنى بقولنا (¬3) النصوص معلولة هذا: أن أحكام الله تعالى متعلقة بمعان ومصالح (¬4) وحكم، فإن كانت معقولة يجب القول بالتعدية، ويجوز (¬5) أن يكون البعض: مما لا نعرفه بعقولنا، فيكون الأصل ما قلنا. - ولأن الأصل إذا كان واحدًا، واستخرج منه كل من خالف علة (¬6)، لتعلق الحكم بها، فيكون الأصل معلولا باتفاقهم، وإن كان (¬7) كل ¬

_ (¬1) "به" من ب. (¬2) لعل المقصود: حيازة الشيء أي كونه في يده - راجع المادة 1679 و 1754 وما بعدها من مجلة الأحكام العدلية. (¬3) كذا في ب وفي الأصل: "لقولنا" وقد تكون في الأصل: "بقولنا". (¬4) في ب كذا: "بمصالح ومعاني وحكم". (¬5) في ب كذا: "ونحو". (¬6) في ب: "علته". (¬7) في ب: "باتفاقهم فكذا إذا كان".

واحد استخرج من أصل على حدة، فمتى علله (¬1) بوصف مؤثر ووجد فيه ما هو حد العلة، يكون معلولا أيضًا (¬2). فلا حاجة إلى قيام النص أو الإجماع على كونه معلولا - ألا ترى أن الصحابة اختلفوا في أشياء، واستنبط كل واحد منهم (¬3) من أصل، غير الأصل الذي استنبط منه صاحبه، ولم ينكر عليه صاحبه، ولم يرد عليه: بأن ما ذكرت من الأصل غير متفق عليه. وما أدى إلى خلاف إجماع الصحابة، فهو باطل. ومنها - أن العلة التي يقاس الفرع على الأصل بها، يجب أن يكون مطردة في جميع الفروع، فيكون الاطراد شرط صحة العلة، لكن لا يكون دليل الصحة على ما مر (¬4). وهذا على قول من لم يجوز تخصيص العلة. فأما على قول من يجوز تخصيص العلة، فالاطراد ليس بشرط صحة العلة، بل هو دليل الصحة (¬5). والقائلون بتخصيص العلة هم (¬6) المعتزلة غير صاحب "المعتمد" من المتأخرين منهم (¬7). ومشايخ العراق من أصحابنا رحمهم الله. وبه قال القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله. ¬

_ (¬1) في ب: "على حدة وعلله". (¬2) "أيضًا" من ب. (¬3) "منهم" من ب. (¬4) راجع فيما تقدم ص 599 وما بعدها. (¬5) "بل هو دليل الصحة" من ب. (¬6) "هم" من ب. (¬7) "غير صاحب المعتمد ... منهم" من ب. ولعل المقصود هو أبو الحسين البصري محمد بن علي صاحب "المعتمد" في أصول الفقه. وهو في المعتزلة من الطبقة الثانية عشرة (أصحاب قاضي القضاة عبد الجبار المتوفي سنة 415 أو 416) - أحمد بن يحيى المرتضى، طبقات المعتزلة، ص 119. راجع فيما تقدم الهامش 3 ص 265.

وعلى قول مشايخ سمرقند - وهو قول الشيخ أبري منصور الماتريدي رحمه الله: لا يجوز. وهو قول مشايخ بخارى قديمًا وحديثًا (¬1). وهو أظهر قولي (¬2) الشافعي رحمه الله. وأصحابه مختلفون فيه. وهذا الاختلاف (¬3) في العلة المستنبطة. فأما في العلة المنصوصة [فقد] اختلف من لم يجوز التخصيص في العلة المستنبطة: بعضهم قالوا: يجوز. وبعضهم قالوا: لا يجوز. وجه قول (¬4) المجوزين لتخصيص (¬5) العلة: وهو أن المعنى للأحكام بمنزلة اللفظ العام في تناول المسيمات الداخلة تحته، فإن المعنى يوجب أن يكون الحكم به ثابتًا في جميع المواضع التي (¬6) وجد فيه، كما أن اللفظ يقتضي أن يتناول (¬7) جميع المسميات الداخلة تحته. ثم جاز تخصيص الاسم العام بدليل يقوم أنه غير مراد به - فكذا وجب أن يجوز: أن يقوم (¬8) دليل آخر يبين أن الحكم غير ثابت به في الموضع المخصوص، والمعنى الجامع بينهما أن كل واحد منهما علم على الأحكام، إذ الأحكام تارة تثبت بالأسماء وتارة بالمعاني، ولأن عامة أحكام الله تعالى وعباداته واجبة على العموم ثم تسقط (¬9) في حالة الضرورة والحرج. وهذا هو ¬

_ (¬1) "وهو قول ... وحديثًا" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "قول". (¬3) في ب: "الخلاف". (¬4) "قول" من ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "بتخصيص". (¬6) في ب: "الذي". وكانت كذك في الأصل ثم صححت في الهامش إلى "التي". (¬7) في ب تكررت عبارة "جميع المواضع ... يتناول". (¬8) "أن يقوم" ليست في ب. (¬9) في ب: "سقط".

تفسير الخصوص، فإن المعاني التي تقتضي الوجوب في حالة الاختيار لم ينعدم حالة الضرورة، ثم امتنع الحكم لمكان الضرورة والحرج. وفي المحرمات من الميتة وغيرها: ثبتت مطاقة لمعان معلومة، ثم أحلت حالة الضرورة مع قيام المعنى الوجب للحرمة، لاعتراض الضرورة. وكذلك قال أصحابنا رحمهم الله بالقياس والاستحسان، وهو تفسير الخصوص. فإن معنى القياس يوجب الحكم عامًا في كل موضع وجد فيه، ثم استحسنوا في موضع، ولم يثبتوا في موضع الاستحسان ذلك الحكم، بل خلافه مع وجود معنى القياس، لنص ورد أو لضرورة دعت أو لمصاحة ظهرت - وهذا عين تخصيص العلة. وجه قول المنكرين لتخصيص العلة: إن القول بالجواز يؤدي إلى نسبة (¬1) التناقض إلى الشرع، تعالى الله (¬2) وجل، عن ذلك. بيانه أن من بين علة في موضع الإجماع وجعل حدها هو التأثير (¬3) أو الاطراد أو الإخالة، على حسب ما اختلفوا فيه، ثم إذا وجدت تلك العلة في موضع آخر متعرية عن الحكم, فلا يخلو: إما أن يقول بأن ذلك الوصف علة شرعًا في ذلك الوضع، لكن امتنع الحكم لمانع. أو يقول بأنه يخرج من أن يكون علة فيه، لمانع شرعًا. فإن قال بأنه علة فيه ولم يثبت الحكم لمانع، فقد نسب التناقض إلى الشرع، لأن (¬4) علل الشرع كلها (¬5) أمارات ودلائل على أحكام الله تعالى، والدليل ما يظهر به المدلول، فكأن الشرع ¬

_ (¬1) كذا في ب: "نسبة". وقد وردت هذه الكلمة في هامش الأصل غير واضحة. (¬2) "الله" من ب. (¬3) في ب: "هو الثابت". (¬4) في ب: "فإن". (¬5) "كلها" من ب.

نص على أن هذا الوصف دليل على (¬1) هذا الحكم أينما وجد، ومتى خلا الدليل عن المدلول، فقد جاءت المناقضة. فإن (¬2) قال: يخرج من أن يكون علة شرعًا. فقد نسب التناقض في حد العلة إلى الشرع، فإن (¬3) التأثير أو الاطراد الذي جعله علامة العلة ودليلها موجود وليس بعلة. وقد نسب إلى الشرع أن بوجود التأثير صار (¬4) هذا الوصف علة أينما وجد وظهر بخلافه. وكل قول يؤدي إلى نسبة التناقض إلى الشرع باطل، لأن التناقض (¬5) أمارة الجهل أو السفه، وذا أمارة النقض (¬6)، والشرع منزه عن سمات النقض (¬7). فأما (¬8) تخصيص اللفظ (¬9) العام، فالجواب عنه من وجهين: أحدهما - أنه لا فرق بين الأمرين: فإن من علق الحكم بظاهر اللفظ، ثم جوز تخصب ص اللفظ، فقد ناقض (¬10). فإن من قال في قوله تعالى: "اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" (¬11): حكم النص إباحة قتل المشرك باسم الشرك (¬12)، ثم قال بحرمة قتل الذمي مع كونه ¬

_ (¬1) "على" من ب. (¬2) في ب: "وإن". (¬3) في ب: "كان". (¬4) "بوجود الأثير صار" من ب. (¬5) "باطل لأن التناقض" ليست في ب. (¬6) و (¬7) في ب: "النقص". (¬8) في ب: "وأما". (¬9) "اللفظ" من ب. (¬10) في ب كذا: "ناقص". (¬11) سورة التوبة: 5 - {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ...}. (¬12) في ب: "باسم المشرك".

مشركًا، فقد ناقض، كما في تخصيص العلة، إلا أن في العام: إذا قام دليل تخصيص الذمي عن النص، تبين أن إباحة القتل غير متعلقة (¬1) بمطلق اسم المشرك، ولكن بقتل مشرك مقيد بكونه محاربًا، كأنه تعالى (¬2) قال في الابتداء: "اقتلوا المشركين المحاربين" فلا يكون المشرك الذي ليس بمحارب مرادًا بالنص، وذكر المطلق على إرادة المقيد جائز، لأن هذا من باب الكلام والإضمار، والتقييد جائز فيه، فلا يؤدي إلى التناقض. فأما المعلل (¬3) إذا ذكر الوصف علة على الإطلاق، وادعى كونه علة شرعًا، وبعد قيام التخصيص، يقول إنه علة أيضًا، ولكن امتنع حكمه لمانع، فلم يكن فيه ذكر المطلق على إرادة المقيد، فيكون تناقضًا. ولو قال إنه علة مع ذلك القيد وأراد أن (¬4) الشرع جعل ذلك الوصف علة مع ذلك القيد، فلم يكن علة بدونه، فكان (¬5) انعدام الحكم لعدم العلة، لا لمانع مع قيام العلة - فهو صحيح، لكن المعلل صار مناقضًا في خبره عن الله تعالى - في جعل الوصف مطلقًا علة (¬6). فعلى هذا لا فرق بين تخصيص العام والعلة: فإن من علق الحكم في الموضعين بظاهر اللفظ (¬7) والوصف، ثم وجد اللفظ والوصف متعريًا عن الحكم، فقد ناقض. ولو (¬8) قال: إني أريد باللفظ المطلق هو المقيد في العام، وبالوصف المطلق المقيد، لم يكل مناقضًا، لكن لا يسمع هذا في حق العلل، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "غير متعلق". (¬2) "تعالى" من ب. (¬3) "المعلل" من ب. (¬4) "أن" من ب. (¬5) في ب: "وكان". (¬6) "علة" من ب. (¬7) في ب: "الحكم بظاهر اللفظ في الموضعين". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "وإن".

لأنه يجوز المناقضة عليه. فأما في حق العام، في سمع (¬1)، لقيام الدليل على أنه لا يجوز وصف الله تعالى بالتناقض، ولكن يصير المعلق للحكم بعين اللفظ في العام وبعين الوصف في العلة، مناقضًا إذا وجد في موضع من المواضع من غير حكم - والله الموفق. والثاني - أن الحكم ثابت بظاهر النص على العموم من غير أن يكون متعاقًا بالاسم، كقو له تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ...} (الآية) " (¬2) ثبوت إباحة قتل المشركين لا لكونهم مشركين، حتى يتعلق الحكم باسم المشركين, ولا بمعنى ما. فلما خص أهل الذمة، صىار المراد من العلم البعض، كأنه قال تعالى: "اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة" وإطلاق اسم الكل على البعض جائز. أما في العلة [فقد] علق الحكم بالعلة، فيكون التخصيص مناقضة على ما ذكرنا (¬3). وقولهم: إن القول بالقياس والاستحسان من باب تخصيص العلة. فليس كذلك، لأنا لا (¬4) نقول إن (¬5) معنى القياس في موضع الاستحسان قائم، ولا حكم له (¬6)، بل تبين (¬7) أن ذلك المعنى لم يتعلق به الحكم (¬8) وحده، بل به وبالمعنى الذي وجد في موضع الاستحسان، فينعدم الحكم في موضع القياس، لعدم المعنى الوجب لذلك الحكم، بعدم معنى زائد، لا أنه علة، ينعدم الحكم في موضع الاستحسان مع قيامه - فدل أنه ليس من باب تخصيص العلة - والله أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "يسمع". (¬2) سورة التوبة: 5. راجع فيما تقدم الهامش 11 ص 633. (¬3) "والثاني ... فيكون التخصيص مناقضة على ما ذكرنا" من ب. وليست في الأصل. (¬4) "لا" من ب. وليست في الأصل. (¬5) في ب: "بأن". (¬6) "له" من ب. (¬7) في ب: "يتبين". (¬8) في ب كذا: "لم يتعلق في الحكم".

ومن شرائط صحة القياس أيضًا: أن يكون الحكم في النصوص عليه ثابتًا بالوصف الذي جعل علة، حتى يثبت مثل ذلك الحكم، في غير المنصوص عليه، لوجود (¬1) مثل ذلك المعنى. أما متى لم يكن الحكم في الأصل ثابتًا بالعلة، فكيف يثبت في الفرع، بمثله. وهذا على قول مشايخ سمرقند. وهو قول الشيخ الإمام الأجل (¬2) أبي منصور الماتريدي (¬3) رحمه الله. وهو قول الشافعي رحمه الله. وقال مشايخ العراق: هذا ليس بشرط، والحكم في النص لا يثبت بالعلة، بل بعين النص، ولكن الوصف في الأصل جعل علمًا على كونه علة للحكم في الفرع (¬4). ويبتنى على هذا أن العلة القاصرة في موضع النصل والإجماع، والعلة المتعدية (¬5) عنهما إلى الفروع، صحيحة عند الفريق الأول، ولا يجوز عند الفريق الثاني إلا العلة المتعدية (¬6). وعلى هذا المذهب أكثر المتأخرين من أصحابنا رحمهم الله اتباعًا للقاضي الإمام أبي زيد رحمه الله. وجه قول من قال: إن الحكم لا يثبت بالعلة في المنصوص عليه: ¬

_ (¬1) في ب: "بوجود". (¬2) "الإمام الأجل" ليست في ب. (¬3) "الماتريدي" من ب. وتقدمت ترجمته في الهامش 5 ص ط من المقدمة، و 4: 3. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "لحكم الفروع". (¬5) في ب كذا: "المتعرية". (¬6) "إلا العلة المتعدية" من ب إلا أن فيها كذا: "المتعرية".

[أولا] أن النص دليل مقطوع به، والعلة دليل من حيث الظاهر، مع الاحتمال، فكان إضافة الحكم إلى الدليل القطعي أولى - على أن إضافة الحكم إلى الدليل المحتمل مع إمكان الإضافة إلى الدليل القطعي من باب السفه في الشاهد، والله تعالى منزه عن صفات النقص، فلا يجوز القول بما يفضي إلى نسبة السفه إليه. ولأن هذا الوصف موجود قبل الشرع، ولا حكم له، ولو كان وجود الوصف يقتضي الحكم لا محالة، يقتضي أن لا يجوز خلوه عن الحكم. ولكن لما كان علة بالشرع، فيكون علة في الموضع الذي جعله الشرع علة، والشرع جعله علة في الفرع لا في النص. ولا يقال: إن الحكم في المنصوص عليه (¬1) إذا لم يكن ثابتاً بالعلة كيف يتعدى (¬2) إلى الفرع ولا نص في الفرع؟ كيف يثبت الحكم في الفرع بالقياس؟ لأنا نقول: بلى ولكن الحكم يثبت بإثبات الله تعالى، فهو المثبت للأحكام، والنص دليل وعلم على حكم الله تعالى، والله تعالى كما جعل النص دليلا على ثبوت الحكم في المنصوص عليه، جعل العلة أمارة ودليلا (¬3) على ثبوت الحكم في الفرع، فمتى قاس شيئاً على المنصوص عليه الذي فيه وصف وعلة على ثبوت الحكم في الفرع وقد وجد مثل ذلك الوصف فيه، يكون قياساً صحيحاً. والثاني: أن العلة في موضع النص مؤثرة صالحة لثبوت (¬4) الحكم بها في المنصوص عليه، كما هي صالحة مؤثرة في ثبوت الحكم في الفرع، ¬

_ (¬1) في ب: "ولا يقال إن الحكم إذا لم يكن في المنصوص عليه". (¬2) في ب: "تعرى". (¬3) في ب: "أمارة وعلماً". (¬4) في ب: "لإثبات".

إلا أن النص أقوى من العلة، فاستحق حكمها بدليل فوقه. وهذا لا يقدح في كونها مؤثرة في الفرع، لأنه ليس في الفرع دليل أقوى منه. ونظيره: الشركة علة استحقاق الشفعة، والجوار علة أيضاً، وفي موضع الشركة وجدت علتان: الشركة والجوار، لكن الشركة أقوى منه (¬1)، فيصير علة، وبهذا لا يخرج الجوار من أن يكون علة في غير موضع الشركة - كذلك ههنا. والثالث: ما قاله بعض مشايخنا: إن الحكم في حق المنصوص عليه مضاف (¬2) إلى النص دون العلة، وفي حق غير المنصوص عليه مضاف إلى العلة، فيكون الحكم ثابتاً في النص بالعلة في حق الفرع لا في المنصوص عليه - هذا كما قال أصحابنا رحمهم الله في مسألة الصلح عن (¬3) الإنكار: إن المدعى به (¬4) ثابت في حق المدعى لا في حق المدعى عليه. وفي حق المدعى عليه ثابت لا في حق المدعي، فيعتبر زعم كل واحد منهما في حقه لا في حق صاحبه، كذا هذا، وفيه نظر. وجه قول مشايخ سمرقند: [أولا]: إن القياس صحيح بإجماع القايسين، وإنما يتحقق القياس [إذا] كان (¬5) الحكم ثابتاً في المنصوص عليه بالعلة، حتى يمكن إثبات مثل ذلك الحكم، يمثل تلك (¬6) العلة. فأما إذا كان الحكم ثابتاً في الأصل بالنص، لا بالعلة، ولا نص في الفرع ولا يثبت بالعلة في الأصل، لم يتصور ¬

_ (¬1) "منه" من ب. (¬2) في ب: "يضاف". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "على". (¬4): "به" من ب. (¬5) في الأصل وفي ب كذا: "أن لو كان". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "ذلك".

إثبات مثل حكم الأصل، بمثل الوصف الذي في الفرع، وإنما يصح إذا كان الحكم في الأصل ثابتاً بالعلة، ليثبت في الفرع مثله، بمثل ذلك الوصف. فكان إجماعهم على صحة القياس إجماعاً على أن الحكم في الأصل ثابت بالعلة (¬1). قولهم: إن النص أقوى - فنقول (¬2): [أولا]: النص غير مثبت للحكم، ولم يكن ثبوت الحكم مضافاً إليه، وإنما يثبت بالنص معرفة الحكم والعلم به. وإنما المثبت للحكم هو الله تعالى، لكن قد يثبت لمعنى (¬3) وسبب لما يرى من الحكمة فيه، ويقام السبب مقامها (¬4). وقد يثبت الحكم ابتداء من غير سبب إذا كانت الحكمة في اقتصار الحكم على موضع النص لاغير. فكان حظ العلة ثبوت الحكم. وحظ النص هو معرفة الحكم. فيكون العلة في حق الحكم أقوى من النص، لأن المعرفة بناء على الثبوت وإن كان النص دليلا قاطعاً، والعلة المستنبطة ليست (¬5) بقاطعة. على أن العلة قد تكون قاطعة بأن كانت منصوصة - فما قولكم أنه هل يضاف إلى العلة مع الإضافة إلى النص؟ فإن قلتم: لا يضاف، دل أنه لا تأثير لما قلتم. وإن قلتم: إنه (¬6) يضاف، دل أن الحكم في المنصوص عليه يضاف إلى العلة. والثاني: إن كان ثبوت الحكم يضاف إلى النص [فإنه] يجوز (¬7) أن يكون مضافاً إليهما، لأن العلة الشرعية في الحقيقة دليل حكم الله تعالى، ¬

_ (¬1) "ليثبت في الفرع ... ثابت بالعلة" ليست ني ب. (¬2) في ب: "قلنا". (¬3) في ب: "بمعنى". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل قد تكون: "مقامهما". (¬5) "ليست" ليست في ب. (¬6) "أنه" من ب. (¬7) في الأصل و (ب): "إلى النص ولكن يجوز".

ويجوز أن يكون لمدلول واحد دلائل، وإن كان البعض أظهر من البعض. والجواب الأول أصح. قولهم: إن هذا الوصف موجود قبل ورود الشرع ولا حكم له - فنقول (¬1): نحن لا ندعى كون الوصف علة لعينه حتى يقال: يجب أن يثبت به الحكم في كل موضع وجد عينه، وإنما يعرف علة بالشرع، وهو النص والاستدلال باعتبار تأثيره في جنس هذا الحكم في الشرع، وهذا لا يعرف إلا بعد ورود الشرع. ثم بعد (¬2) ورود الشرع متى عرف كونه علة بالنص، يكون الحكم مضافاً إليه بالإجماع، في موضع النص وفي الفرع، فكذا إذا عرف بالاستدلال: يجب أن يضاف إلى العلة في المنصوص وغيره. وهو دليل مبتدأ في المسألة: أن العلة إما أن نعرف بالنص أو بالاستدلال. ومتى عرفت (¬3) بالنص، تثبت (¬4) في كل موضع وجدت فيه العلة. فكذا إذا عرف (¬5) بالاستدلال، يجب أن يكون علة، في كل موضع وجد، لأن (¬6) دليل صحة العلة هو التأثير الذي به. يعقل كون الوصف علة ويترجح على غيره من الأوصاف. فمتى وجد، ولا يثبت به الحكم، بطل كونه دليلا، لأن الدليل متى وجد ولا يضاف إليه المدلول لا يكون دليلا ويتناقض دلالته - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ب: "قلنا". (¬2) في ب: "وبعد". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "عرف". (¬4) في ب: "ثبت". (¬5) "وجدت فيه العلة ... عرف" ليست في ب. (¬6) "لأن" ليست في ب.

ومن شرائط صحة القياس أيضًا: أن لا يكون مخالفًا للنص، لأن الشرع جعل القياس حجة موجبة للعمل (¬1)، بشرط أن لا يكون مخالفًا للنص، لأن القياس دون النص - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "بم تقضي" قال: "بكتاب الله تعالى" قال: "فإن لم تجد" قال: "بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن لم تجد" قال: "أجتهد في ذلك (¬2) رأيي" فقال عليه السلام: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله". ولأن القياس دليل [من أدلة] الشرع، فلا يجوز أن يكون قياسًا صحيحًا مخالفًا للنص (¬3)، لأن دلائل الشرع لا يتناقض، فمتى وجدت المخالفة ظاهرًا، دل على كون القياس فاسدًا - والله أعلم. هذا هو المراد، لا أن القياس صحيح، والنص مخالف له، حتى يقال ورد النص بخلاف القياس - على ما نذكر (¬4). ومن شرائط صحة (¬5) القياس: أن يكون الحكم الذي يقاس أمرًا شرعيًّا أو عقليًا، لا اسمًا لغويًا. وقال بعض أصحاب الشافعي رحمه الله: إن (¬6) القياس يجري في إثبات الأسامي واللغات. وبنوا على هذا: مسألة النبيذ، وهو المطبوخ المثلث المسكر: إن حكمه و (¬7) حكم الخمر سواء، وإن كان النص ورد باسم الخمر، ولكن إنما سمي خمرًا، لكونه مخامرًا للعقل، والنبيذ ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "حجة في حق العمل". (¬2) في ب: "اجتهد فيه". (¬3) في ب: "النص". (¬4) "هذا هو المراد ... على ما نذكر" من ب وليست في الأصل. (¬5) "صحة" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "بأن". (¬7) "و" من ب.

المسكر في معناه، فإثبات اسم الخمر لذلك المايع المسكر يكون إثباتاً للنبيذ. ولكن هذا فاسد عندنا، لأن (¬1) القارورة في وضع اللغة اسم مأخوذ من القرار، وهو ما يقر الماء فيه، ثم لا يطلق هذا الاسم في الكوز من الخزف والحجر والذهب والفضة مع وجود هذا المعنى - ولهذا نظائر. ولكن الاسم متى وضع لعين خاص بهيئة مخصوصة وصفات معلومة، فلا يقاس (¬2) ما ساواه (¬3) في المعنى المقصود منه، مع المخالفة في الصورة، بل المعتبر فيه الوضع، ولو عدي الاسم من الموضع (¬4) إلى غيره باعتبار المساواة في المعنى المقصود الظاهر، يسمى ذلك مجازاً لا حقيقة، على ما ذكرنا في فصل الحقيقة والمجاز. وذكر القاضي الامام (¬5) أبو زيد رحمه الله شروطاً أربعة لصحة القياس. أحدها - أن لا يكون الأصل مخصوصاً بحكمه (¬6) بنص آخر. مثاله: قبول شهادة خزيمة وحده (¬7)، مع شرط العدد في حق سائر الناس، لاختصاصه بهذه الكرامة. وكذا حل تسع نسوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الناس. و (¬8) لو جاز تعليل ذلك، لبطل الاختصاص. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "فإن". (¬2) في ب كذا.: "وصفان تعلق به فلا يقاس". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "ما سواه". (¬4) في ب: "الموضوع". (¬5) "الإمام" ليست في ب. (¬6) في ب: "بحكم". (¬7) "وحده" ليست في ب. هو خزيمة بن ثابت جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين. راجع: ابن الأثير، أسد الغابة. وابن عبد البر، الاستيعاب. (¬8) "و" من ب.

و (¬1) الثاني: أن لا يكون حكم الأصل معدولا به عن القياس. مثاله أن أكل الناسي لا يفسد الصوم بالنص، مخالفاً لقياس الأصول، لأن الأكل مضاد لركن (¬2) الصوم، ولا بقاء للشيء مع ما يضاده وينافيه، فلا يجوز تعليل النص الوارد في حق الناسي وقياس غيره عليه (¬3)، لأن تعليل النص لاثبات مثل حكمه في غيره، والنص متي كان بخلاف القياس يكون مانعاً للقياس. والثالث: أن (¬4) يبقى حكم النص بعد التعليل، كما كان قبله، من غير تغيير (¬5)، لأنه يصير التعليل مبطلا لحكم النص. مثاله: ما قال الشافعي رحمه الله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في خمس من الإبل شاة". حكم النص وجوب دفع الشاة، ومتى جوزنا التعليل لا يبقى حكم النص، وهو وجوب الشاة، بل هو مخير عندكم بين أن يؤدي عين الشاة وبين أن يؤدي قيمتها، وهذا مناقضة حكم الوجوب. والرابع: أن يتعدى عن الحكم (¬6) الثابت بالنص إلى غيره من غير تغير، أي يثبت مثل ذلك الحكم الثابت بالنص ظاهراً من غير تغير. مثاله: ما قال الخصم في هذه المسألة أيضًا: إن حكم النص وجوب أداء الشاة بصورتها ومعناها، وبعد التعليل يتغير حكمه عن (¬7) الصورة. ولكن أهل التحقيق من مشايخنا قالوا: إن ما ذكر لا يصلح أن يكون شرط صحة القياس، لأنه يمنع ثبوت حكم القياس، فيمنع وجود القياس، ولا يتصور وجود حكم القياس مع هذه الشرائط. ¬

_ (¬1) "و" ليست في ب. (¬2) في ب كذا: "لذكر". (¬3) "عليه" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل قد تكون: "أنه". (¬5) في ب: "تغير". (¬6) "الحكم" ليست في ب. (¬7) في ب: "وعن".

بيانه أن حكم القياس ثبوت عين الحكم المنصوص عليه بعين الوصف الذي تعلق به الحكم، أو ثبوت مثل ذلك الحكم بمثل ذلك الوصف. وهذا لا يتصور ثبوته في الفرع مع هذه الشروط (¬1)، فان حكم ظاهر النص في قوله عليه السلام: "الحنطة بالحنطة، مثلا بمثل، يدًا بيد، والفضل ربا" ثبوت حرمة الفضل على الكيل في الحنطة، وعين هذا الحكم أو مثله لا يتحقق في الجص، فإن الحكم ثم (¬2) حرمة الفضل على الجص، وحرمة الفضل على الحنطة غير حرمة الفضل على الجص (¬3)، فيكون منعًا لوجود القياس، فكان القول باشتراطه إنكارًا (¬4) للقياس. ولعمري يصلح هذا حجة لمنكري القياس ونفاته، ولكن من جوز القياس وتعرف (¬5)، بالتأمل في دلائل الشرع، فيعرف، إما بدليل قطعي أو بدليل اجتهادي، على أن حكم النص حرمة فضل مكيل جنس مطلقًا، أي شيء كان: البر أو غيره، ويكون الوصف المؤثر هو كونه فضل مكيل جنس، فأمكنه التعادية إلى الجص والأرز وكل مكيل، وإن كان هذا تغيير (¬6) ظاهر النص، ولكن لما عرف بما يعرف به سائر الأشياء، إما النص أو الاستدلال، على أن حكم النص هذا، دون ما هو حكم ظاهر النص، يجب القول به، وبثبوت مثله في الفرع على ما نذكر في فصل الحكم بأبلغ من هذا. ¬

_ (¬1) "مع هذه الشروط" من ب. (¬2) في ب: "فإن الحرمة ثمة". (¬3) "وحرمة الفضل على الحنطة ... الجص" ليست في ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "يكون إنكارًا". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "ـتعرف". (¬6) في ب: "بغير".

ويتبين بهذا أن أحكام الله تعالى لم تتعلق بالألفاظ والأسامى، وإنما تعلقت بالحكم والمعاني، فلا يكون تغييرًا حقيقة، وهو جوابنا لنفاة القياس. وبهذ الطريق - قلنا، في مسألة دفع القيم (¬1)، إن بالتعليل يظهر أن حكم النص ليس هو وجوب أداء الشاة في خمس من الإبل، بل الحكم: إما وجوب جزء من النصاب من حيث إنه مال مقدر بمالية الشاة، أو وجوب أداء مالية الشاة. عرفنا ذلك بدلائل ظاهرة، ثم أثبتنا في الفروع (¬2) من غير تغيير، إذ ما (¬3) هو طريق القياس يوجد في كل حكم على ما نذكر، فلا معنى للامتناع عن القياس في بعض المواضع دون البعض مع وجود الطريق، فيكون مناقضة من مثبتى القياس، فيكون إجماعًا منهم على القياس في كل موضع وجد طريقه، وذلك يقتضي ما قلنا وأما اشتراط كون الأصل غير معدول به (¬4) عن القياس، وغير مخصوص بحكمه بنص آخر: [فـ] إنما يستقيم على قول من يقول بتخصيص العلة: فإن عندهم، إذا ورد نص بخلاف ذلك القياس، يكون القياس صحيحًا، وامتنع حكمه بالنص. فأما (¬5) عند من قال إن تخصيص العلة لا يصح، [فـ] يقول: إن النص إذا ورد بخلاف ذلك القياس، يتبين أن ذلك القياس باطل، لأن العلة، ما لها حكم، وكل (¬6) ما لا حكم له من العلل، لا يكون علة. ¬

_ (¬1) أي دفع قيمة الشاة بدلا عن عينها - راجع فيما تقدم ص 643. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "الفرع". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل "ما" غير ظاهرة. (¬4) "به" ليست في ب. (¬5) في ب: "وأما". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "فكل".

وهذا هو الصحيح، لأن القياس حجة من حجج الشرع، فلا يجوز أن يرد (¬1) النص بخلافه، فيؤدي إلى التناقض، فيكون حكم القياس صحيحًا، وضده يكون صحيحًا، وحكم القياس لا يحتمل النسخ. وإذا ثبت هذا، فالقول بكون حكم الأصل غير معدول به (¬2) عن القياس، قول بتخصيص العلة، فلا يصح هذا الشرط على قول منكري تخصيص العلة (¬3)، ولكن إنما لا يصح عندهم قياس غيره عليه (¬4)، لأنه غير معقول المعنى، وكون الأصل معقولا شرط لصحة القياس، لا أنه ثابت بخلاف القياس. ولا يقال بأن عندهم إذا كان الأكل علة فساد الصوم، ثم ورد النص ببقاء الصوم مع الأكل ناسيًا، كيف يبقى الأكل (¬5) علة؟ وكذا (¬6) العدد: شرط في باب الشهادة، ثم ورد النص في حق خزيمة (¬7) بقبول شهادته وحده، والعلة، التي بها شرط العدد، قائمة في حقه [فـ] كيف يكون قول خزيمة وحده حجة؟ فيكون مناقضة لولا التخصيص. وكذلك (¬8) المعنى الذي به حرم (¬9) زيادة العدد على الأربع: ثابت في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يثبت الحل في حقه لولا التخصيص؟ وإلا لزم التناقض (¬10) - لأنا نقول: هذا إشكال في مسألة تخصيص العلة، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل غير واضحة. (¬2) "به" ليست في ب. (¬3) "هذا الشرط ... العلة" من ب. وفي الأصل: "فلا يصح على قولهم". (¬4) في ب: "إما لا يصح قياس غيره عليه عندهم". (¬5) "الأكل" من ب. (¬6) في ب: "وكذلك". (¬7) خزيمة بن ثابت الأنصاري. شهد بدرًا وما بعدها. وقتل في صفين وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين، فقال عليه الصلاة والسلام. "من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه" - ابن الأثير، أسد الغابة. وابن عبد البر، الاستيعاب. (¬8) "يكون ... التخصيص" من ب. وفي الأصل: "قائمة في حقه [فـ] كيف يبقى حجة؟ وكذالك". (¬9) في ب: "حرم به". (¬10) "فكيف يثبت الحل ... التناقض" من ب.

وقد ثبت ههنا أن اشتراط هذا الشرط يؤدي إلى القول بتخصيص العلة، وقد ثبت فساده عند منكريه، فلا يصلح أن يكون هذا شرطًا عندهم. ثم عذرهم أن مطلق الأكل ليس علة فساد الصوم، ولكن الأكل بصفة العمدية (¬1) علة فساد الصوم (¬2)، على ما عرف. وفي حق خزيمة قبول شهادته رد إلى الأصل، وهو قبول خبر الواحد العدل، لأن حقيقة الصدق ليس بشرط، ولهذا يقبل خبر الواحد العدل (¬3) في باب الديانات. وإنما عرفنا شرط العدد في الشهادة (¬4)، بالنص، غير معقول المعنى، فكان قبول شهادة خزيمة وحده بالنص لا يكون مناقضة. وإن كان اشتراط العدد معقولا، ففي حق (¬5) خزيمة رضي الله عنه وحده (¬6) وجد ذلك المعنى - عرف ذلك بقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادته وحده، بأن عرف بطريق الوحي أنه لا يكذب ولا يغلط، وجائز أن يكون الواحد معصومًا عن الكذب والغلط والسهو وإن لم يكن نبيًّا. وكذلك إباحة تسع نسوة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -: فان ظاهر قوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" (¬7) يقتضي إباحة تسع نسوة أو ثماني عشرة (¬8) أو (¬9) يدل على إباحة نكاح النساء بقدر الممكن، لأن مثل هذا الكلام يستعمل في العرف لهذا (¬10). وكذا قياس ملك اليمين بظاهر (¬11) قوله تعالى: ¬

_ (¬1) في ب: "العمد". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "علة الفساد". (¬3) "لأن حقيقة الصدق ... العدل" ليست في ب. (¬4) "في الشهادة" من ب. (¬5) في ب: "في حق". (¬6) "رضي الله عنه وحده" من ب. (¬7) سورة النساء: 3 - {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}. (¬8) في الأصل كذا: "ثمان عشر". وفي ب: "ثمانية عشر". (¬9) في ب: "و". (¬10) في ب: "هذا". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل: "وظاهر".

[7] فصل في: بيان حكم القياس

"إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" (¬1). هذا (¬2) وإنما ترك ظاهره وحمل حرف الواو على معنى حرف "أو" بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، والإجماع ثبت في حق غير الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبقي في حقه على ظاهره، حتى روي أن الله تعالى أباح للنبي من النساء ما يشاء (¬3). على أن تحريم نكاح الزيادة على الأربع (¬4) في حق الأمة معلول لمعنى (¬5) عدم ذلك في حقه - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، على ما أشار الله تعالى بقوله: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" (¬7) وخوف الجور وترك العدل (¬8) في هذا الباب لا يتصور في حق الرسول (¬9) - صلى الله عليه وسلم -، وهو معنى قوله عليه السلام: "هذا قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك". والله أعلم (¬10). [7] فصل في: بيان حكم القياس (¬11) فنقول: حكم القياس هو ثبوت مثل حكم الأصل، في الفرع، بمثل المعنى الذي ثبت به (¬12) في الاصل، عند مشايخنا - على ما مر (¬13). ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون: 6 وهي والتي قبلها والتي بعدها - {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}. (¬2) "هذا" ليست في ب. (¬3) في ب: "أباح للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "نكاح ما وراء الأربع". (¬5) في ب: "بمعنى". (¬6) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬7) سورة النساء: 3 وتقدمت الآية الهامش 7 ص 647. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: (العدالة). (¬9) في ب: "في حق النبي". (¬10) "والله أعلم" من ب. (¬11) هذا هو الفصل السابع من "القول في القياس" - راجع فيما تقدم ص 551. (¬12) "ثبت به" من ب. (¬13) راجع ص 553 - 554، 571.

وعلى قول مشايخ العراق: هو تعدية حكم الأصل إلى الفرع بوجود العلة في الفرع. وهذا بناء على ما ذكرنا أن الحكم في النص يثبت (¬1) بعين النص عندهم، لا بالعلة، و (¬2) لكن العلة في الأصل (¬3) دلالة على ثبوت الحكم في الفروع، فيكون الحكم ثابتًا في النص بعين النص، وفي (¬4) الفرع بدلالة النص. وعندنا يثبت الحكم بالعلة، وإنما النص معرف لثبوت الحكم بها. ويبتني على هذا أن العلة القاصرة جائزة عندنا. وعندهم لا تجوز. وفرع، على هذا الأصل، القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله، أن القياس لا يجري في إثبات أصل الحكم وصفته ابتداء، وفي إثبات علة الحكم وصفتها (¬5)، وفي إثبات الشرط وصفته، وإنما يجري القياس ويشرع في: الحكم المشروع، المعلوم بوصفه (¬6)، بلا منازعة في محل، بالنص أو (¬7) الإجماع، فيعدى (¬8) إلى الفرع. والخلاف بين العلماء، في القياس، في هذا الفصل. فأما (¬9) لا خلاف في الفصول الأولى: أنه لا يصح (¬10)، فإن حكم القياس لا يتصور في غير هذا القسم، وهو: تعدية حكم مشروع مجمع عليه، إلى فرع هو نظيره لا نص فيه. فأما في سائر الفصول: يكون إثبات الحكم ابتداء، أو إثبات العلة، والشرط، فلا يصح فيه القياس، لعدم حكمه. ولأن الاختلاف متى حصل في الموجب ¬

_ (¬1) في ب: "ثبت". (¬2) "و" ليست في (¬3) "في الأصل" من ب. (¬4) "الفروع ... وفي" ليست في ب. وراجع فيما تقدم ص 571. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "وصفته". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "بصفته". (¬7) في ب: "و" (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "فيتعدى". (¬9) في ب: "وأما". (¬10) "أنه لا يصح" من ب.

للحكم، أو نفس الحكم، أو الشرط - فقد وقع الاختلاف في أصل الشرع: أكان (¬1) أو لم يكن: فأحدهما يدعي الشرعية والثبوت، والآخر ينكر. وإذا (¬2) ادعى ثبوته، لا يمكن إثباته بالرأي، لأنه (¬3) نصب الشريعة بالرأي. وإذا ادعى الارتفاع بعد الثبوت، فقد ادعى النسخ، وإنه لا يجوز بالرأي. ولأن المنكر يقول لم يشرع، وما لم يشرع لا يكون حكمًا شرعيًّا، فكيف يثبت ما ليس بحكم شرعي بالقياس؟ وليس على المنكر شيء، حتى يثبت العدم (¬4) بالقياس - فدل أنه لا وجه للقول بالقياس إلا في الفصل الأخير. ولكن مشايخنا قالوا: إن القياس يجري في الفصول كلها، لأن الاختلاف يجري بين الفقهاء في الكل: - أما اختلافهم في الحكم ابتداء: أنه مشروع أم لا؟ كاختلافهم في الركعة الواحدة: أنها مشروعة صلاة أم لا؟ فعندنا ليس بصلاة، وعند الشافعي هي (¬5) صلاة. وكذا صوم بعض اليوم: غير مشروع عبادة عندنا، وعنده مشروع. وصوم يوم النحر: مشروع عندنا، خلافًا له. - وأما (¬6) اختلافهم في صفة الحكم: أنها مشروعة أم لا، [فـ] كاختلافهم أن تعيين (¬7) شيء من القرآن في الصلاة - هل هو فرض، مع اتفاقهم أن القراءة فرض في الصلاة: فعندنا ليس بفرض. وعنده (¬8) فرض، وهو تعيين الفاتحة. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "اركان". (¬2) في ب: "فإذا". (¬3) في ب: (لأن). (¬4) في ب: "الغيرية". وإلى هنا انتهى النقص في أالذي أشرنا إليه في الهامش 1 ص 584. (¬5) "هي" من أ. (¬6) في ب: "فأما". (¬7) في ب كذا: "ـعتبر". (¬8) في ب: "وعندهم".

- وأما (¬1) اختلافهم في علة الحكم، [فـ] نحو اختلافهم: أن الإسلام هل هو علة العصمة أم لا؟ فعندنا ليس بعلة. وعنده علة. - وأما اختلافهم في صفة العلة: أن ملك النصاب بصفة كونه مغنيًا (¬2) ناميًا، علة وجوب الزكاة عندنا، حتى لا يكون نصاب المديون المستغرق بالدين علة. وعنده: مللك النصاب النامي (¬3) علة بدون صفة الإغناء وعند مالك: ملك النصاب المطلق علة، بدون صفة كونه ناميًا. - وأما الاختلاف في الشرط، [فـ] نحو اختلافهم في أن الشهادة هل هي شرط انعقاد النكاح صحيحًا؟ فعند عامة العلماء شرط، وعند مالك رحمه الله ليس بشرط. وكذا الولي: ليس بشرط عندنا، وعند الشافعي رحمه الله شرط. - وأما اختلافهم في صفة الشرط، [فـ] كاشتراط عدالة الشهود عند الشافعي. وعندنا بخلافه. - وأما اختلافهم في الحكم المشروع بصفته: أنه مشروع في موضع آخر - فكثير: نحو اختلافهم في جواز صوم شهر (¬4) رمضان بالنية قبل الزوال، فإن (¬5) صوم التطوع بالنية قبل الزوال مشروع (¬6) بالاتفاق، ولكن اختلفوا في التعدية إلى صوم شهر (¬7) رمضان. وكذا الكفارة: مشروعة في الإفطار بالجماع في شهر (¬8) رمضان، واختلفوا أنها هل هي مشروعة في الإفطار بالأكل (¬9) عمدًا؟ ¬

_ (¬1) في ب: "فأما". (¬2) في ب كذا: "معينًا". (¬3) في ب كذا: "الباقي". (¬4) "شهر" من ب. (¬5) في: "أما". (¬6) في أ: "فمشروع". (¬7) "شهر" من ب. (¬8) "شهر" أفي ب. (¬9) وفي الأصل و (أ): "مشروعة في الأكل عمدًا".

ففي هذه الفصول: يدعي أحد الخصمين ثبوت شيء مما ذكرنا أو انتفاءه، ويثبت دعواه إما بالنص أو بالاستدلال، ويعرف وجه الاستدلال بما يعرف به سائر الأشياء. والخصم الآخر ينكر دليله أو يبطله. فثبت أن القياس والاستدلال يجري (¬1) في ذلك كله. ولأن القياس ليس إلا ثبوت مثل حكم الأصل، بالمعنى الذي ثبت في الأصل في فرع هو نظيره. ومعنى حكم الأصل يعرف بما يعرف به سائر الأشياء، والحكم في الفرع يثبت بدلالة النص على كل حال، إلا أن الدلالة قد تكون ظاهرة وقد تكون خفية. وقول (¬2) من قال: إن القياس لا يكون حجة في سائر الفصول، وإنما يكون حجة في الفصل الأخير، وهو تعدية حكم المنصوص عليه إلى غير المنصوص عليه إذا عقل أنه نظيره، لم يتضح، لأنه: إن أراد بالقياس معرفة دلالة النص وعلة الحكم بالرأي والاجتهاد، فذلك جائز (¬3) في الأشياء أجمع، لأن المعرفة لا تختلف. وإن أراد أن القياس لا يتصور إلا في الفصل الأخير، وهو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم - فهذا (¬4) يتصور في كل موضع. وإن أراد أن القياس (¬5) لا يثبت به شيء، فهذا صحيح، ولكن في الفصل الأخير لا يثبت بالقياس شيء، وإنما يعرف به الحكم الثابت في الأصل أو العلة أو الشرط، وإنما يثبت ذلك بإثبات الله تعالى، ولكن يعرف بالقياس - ذلك على ما مر ذكره (¬6)، ولكن لا عبرة ¬

_ (¬1) "يجري" غير واضحة في أ. (¬2) في هامش أ: "وفرق". (¬3) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل: "جاز". (¬4) كذا في أ. وفي الأصل: "وهذا". وانظر الهامش التالي. (¬5) "لا يتصور إلا في الفصل الأخير ... أن القياس" ليست في ب (¬6) "ذكره" ليست في أ.

للصورة (¬1) والمجانسة من حيث الظاهر في باب القياس، حتى يقال: إذا لم يكن مشروعًا في الشريعة (¬2) مثله من حيث الصورة، لا يصح القياس، ولكن المعتبر في الباب هو التأثير، وذلك يتحقق في الفصول كلها. وخرج الجواب: - عن قوله: إن هذا نصب الشرع (¬3) بالرأي، فإن الرأي يثبت به المعرفة، وإنما (¬4) هو مضاف إلى الشرع، ولكن جعل الشرع يعرف بالنص مرة وبالاستدلال والرأي (¬5) أخرى؛ لكن (¬6) لا يسمى الثابت بالاستدلال والقياس (¬7) ثابتًا بالنص، لكونه ثابتًا بواسطة الرأي الذي فيه احتمال الخطأ - والله أعلم. - وقوله: إن (¬8) النفي ليس بحكم شرعي، فليس كذالك، بل كلاهما حكم الشرع، على ما نذكر. ولهذا قلنا: إن على النافي للحكم دليلا (¬9)، كما على المثبت، وليس في (¬10) هذا ارتفاع حكم حتى يكون نسخًا. إنما هذا على قول من يجعل الأحكام ثابتة، قبل الشرع، بالعقل، حتى يصير (¬11) الدليل الشرعي، بخلافه في معني النسخ، وعلى وفاقه في معنى التقرير. وعندنا لا حكم للعقل في الشرعيات. فإذا جاء الشرع، يكون مثبتًا للحكم (¬12)، لا ناقلا مقررًا، ولا ناسخًا مغيرًا - على ما يعرف بعد هذا إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) كذا في أو ب. وفي الأصل: "للصور". (¬2) كذا في أو ب. وفي الأصل: "في الشرع". (¬3) في ب: "شرع". (¬4) في ب: "وإلا". (¬5) في ب: "وبالرأي والاستدلال". (¬6) في أ: "ولكن". (¬7) في ب: "بالقياس والاستدلال". (¬8) في ب: "بأن". (¬9) كذا في أ. وفي الأصل و (ب): "دليل". (¬10) "في" ليست في ب. (¬11) كذا في أو ب. وفي الأصل: "يعتبر". (¬12) في ب: "للأحكام".

- مسألة ثم على قول أهل التحقيق من الفقهاء: كما يجري القياس في الإثبات يجري في النفي ويكون له حكمان: الثبوت في موضع الإثبات، والانتفاء في موضع النفي. فإن حكم الشرع نوعان: إثبات ونفي. فإنه كما روي: "في خمس من الإبل السائمة شاة" - روي: "لا زكاة في الإبل المعلوفة" (¬1). وروي "ليس في الجبهة ولا في النخة (¬2) ولا في الكسعة صدقة" (¬3). والقياس إبانة مثل الحكم (¬4) الثابت في النص، وتعدية مثله، بالمعنى (¬5) الذي تعلق به (¬6) في الأصل. فمتى ثبت بالنص أن الشرع نفي حكمًا لمعني، وذلك المعني يوجد في نظيره (¬7) يكون نفيًا لذلك (¬8) الحكم، بطريق الدلالة. كما (¬9) إذا ثبت بالنص أن الشرع أثبت شيئًا من الحل أو الحرمة لمعنى: فإنه يثبت مثله في كل موضع وجد ذلك المعنى، لا فرق بين النفي والإثبات. ويبتنى (¬10) على هذا الأصل نصف الفقه، فإن الأحكام نوعان: نفي وإثبات. ومن عدل عن هذا الطريق، يقع في التعليل بعلة قاصرة مع تبحره في الفقه، ولا يعلم به، فيجب إحكام هذا الأصل. ¬

_ (¬1) في أ: "المعلوفة". وفي المعجم الوسيط: علف الرجل الحيوان أطعمه العلف، فهو معلوف، وهي معلوفة. والمعلوفة دابة تعلف للسمن ولا ترسل للرعي. والعلف طعام الحيوان - انظر البخاري، على البزدوي، 3: 389. (¬2) كذا في (أ) و (ب). وفي الأصل كذا: "الفخر". (¬3) الجبهة الجماعة من الخيل، والنخة البقسر العوامل، والكسعة كسرة الخبز (المعجم الوسيط). وفي هامش أ: "الجبهة الخيل. والكسعة الحمير. والنخة الرقيق". وعن علي رضي الله عنه قال: "ليس في البقر العوامل صدقة" - ابن حجر، بلوغ المرام، رقم 488 ص 84. (¬4) في ب كذا: "أتي به مثل حكم". (¬5) في ب: "في المعنى". (¬6) "تعلق به" غير واضحة في أ. (¬7) في ب: "حكمًا لمعنى فوجد في نظيره". (¬8) "نفيًا لذلك" ليست في أو موضعها فيها بياض. (¬9) هنا انتهت النسخة أ. (¬10) في ب: "وينبني".

مثاله - ما قال أصحابنا رحمهم الله: إن القطع لا يجب بسرقة ما يتسارع إليه الفساد، لأن الشرع نفى وجوب القطع، في سرقة ما دون النصاب، لمعنى: ذلك المعنى موجود في سرقة ما يتسارع إليه الفساد، وهو أن القطع عقوبة عظيمة شرعت (¬1) للزجر صيانة للأموال، وإنما يقع الحاجة إليها فيما يكثر رغبة السراق فيه، ولا رغبة في القليل - هذا المعنى موجود في سرقة ما يتسارع إليه الفساد، لأن السراق قلما يرغبون في سرقته، فورود الشرع بانتفاء القطع. ثم، نصًا (¬2)، ورودًا ههنا دلالة. ومن غفل عن هذه الطريقة، ولم يتأمل هذه الدقيقة، يقع في التعليل بعلة قاصرة، فيقول: إن القطع في السرقة شرع بطريق الزجر (¬3) صيانة لأموال الناس، ولهذا شرط (¬4) فيه النصاب، ولا حاجة في هذه الأموال إلى شرع القطع لقلة رغبة السراق فيها. فلا يشرع فيها القطع. وهذا تعليل بعلة قاصرة (¬5)، لأنه تبين (¬6) العلة لوجوب القطع في سائر الأموال. ونقول: تلك العلة معدومة في الفرع. وللخصم أن يقول: إن لم يوجد هذه العلة في الفرع، فلا ينفي وجود علة أخرى في الأصل يثبت بها (¬7) الحكم فيه، ويوجد مثل تلك العلة في الفرع، لأن الحكم في الأصل يجوز أن يثبت بعلل - على ما ذكرنا. والله تعالى أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "شرع". (¬2) في ب: "فورود الشرع ثمة بانتفاء القطع نصًا". (¬3) في ب: "شرع للزجر". (¬4) كذا في ب وفي هامش الأصل. وفي متن الأصل: "شرع". (¬5) لعل العلة القاصرة هنا هي رغبة السراق. ولعل العلة المتعدية هي صيانة الأموال. والعلة القاصرة هي المختصة بالأصل ولا يصح التعليل بها عند الحنفية ويجوز عند الشافعي. ومثال القاصرة جعل الشافعي علة الربا في الذهب والفضة الثمنية، فإنها قاصرة على الذهب والفضة ولا توجد في غيرهما لأنه لم يخلق ثمنًا - والخلاف في العلة المستنبطة. أما العلة الثابتة بالنص، فيجوز أن تكون قاصرة بالاتفاق، من حيث كونها حكمة لا علة عند الحنفية. (انظر السرخسي، الأصول، 2: 158 - 159. والغزالي، المستصفي، 2: 345. والتلويح علي التوضيح، 2: 133 - 134). (¬6) لعل الصحيح أو الأوضح: "لم يتبين" أو "جهل". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "به".

[8] فصل في بيان القياس والاستدلال الفاسدين (*)

[8] فصل في بيان القياس والاستدلال الفاسدين (*) فنقول: الفاسد منها أنواع (¬1): منها - ما ذكرنا من قياس الشبه (¬2). ومنها - ما ذكرنا من قياس الطرد من غير بيان الأثر (¬3). ومنها - التعليل بالنفي. وهو وجهان: أحدهما فاسد، والثاني (¬4) صحيح. - أما الأول، وهو أن يعلل لنفي الحكم، بنفي وصف من أوصاف المنصوص عليه. وهو فاسد، لأنه يجوز أن يكون الحكم متعلقًا بوصف آخر غيره. وهذا في الحقيقة تعليل بعلة قاصرة. ويجوز أن يكون الحكم في النص ثابتًا بعلل. ونظيره ما قال الشافعي رحمه الله فيمن ملك أخاه: لا يعتق عليه، لأنهما شخصان ليس بينهما بعضية، فلا يعتق أحدهما على صاحبه إذا ملكه، كابني العم. بخلاف الوالدين والمولودين، لأن ثمة بينهما بعضية. لأنا نقول في الولاد (¬5): العلة ثمة (¬6) ليست هي البعضية، ولو كانت علة، ¬

_ (*) راجع ص 551 حيث جعل ذلك من موضوعات القياس. (¬1) قال الإمام أبو زيد الدبوسي في "تقويم الأدلة" (المخطوط 255 - أصول فقه بدار الكتب المصرية، ص 797): "القول في أسماء الحجج التي هي مضلة - هذه الأسماء أربعة: التقليد، ثم الإلهام، ثم استصحاب الحال، ثم الطرد". (¬2) راجع ص 573 و 608 وما بعدها. (¬3) "ومنها ما ذكرنا من قياس الطرد ... الأثر " من ب. راجع ص 573 و 599 وما بعدها و 605 وما بعدها. (¬4) في ب: "والآخر". (¬5) في ب: "في الولادة". في المعجم الوسيط: ولدت الأنثى قلد ولادًا وولادة: وضعت حملها فهي والد ووالدة. ويقال: ولدت الجنين. (¬6) "ثمة" من ب.

لا ينفي وجود علة أخرى، وهي القرابة المحرمة القطع. وفي الفرع: إن انعدمت إحداهما (¬1)، وهي البعضية، فلا (¬2) تنعدم الأخرى. - وأما الثاني، وهو أن يكون الحكم ثابتًا بعلة متعينة (¬3)، ليس له علة أخرى، كضمان الغصب: لا يجب بدون الغصب، وحد السرقة: لا يجب بدون السرقة، فكان نفي الحكم، بنفى الغصب والسرقة، نفيًا (¬4) صحيحًا. ألا ترى إلى قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (¬5): لما كان التحريم لا يعرف إلا بالوحي، فينعدم عند عدم الوحى. ومنها (¬6): استصحاب الحال (¬7) فيحتاج إلى: تفسير استصحاب الحال. وبيان أنواعه. وبيان حكم كل نوع. ¬

_ (¬1) في ب: "أحدهما". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "لا". (¬3) في ب: "معينة". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "يكون نفيًا". (¬5) سورة الأنعام: 145 - {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (¬6) في ب: "مسألة - ومنها" أي من "القياس والاستدلال الفاسدين" - يراجع فيما تقدم ص 656. (¬7) انظر البخاري، على البزدوي، 3: 377 وما بعدها. وفيه: "وسمي هذا النوع "استصحاب الحال" لأن المستدل يجعل الحكم الثابت في الماضي مصاحبًا للحال أو يجعل الحال مصاحبًا لذلك الحكم".

[1] أما تفسير استصحاب الحال [فـ] هو التمسك بالحكم الثابت في حالة البقاء - مأخوذ من المصاحبة، وهو ملازمة ذلك الحكم، ما لم يوجد دليل مغير (¬1). [2 و 3] وأما بيان أنواعه، [وحكم كل نوع] فنقول: إنه أنواع: بعضها واجب العمل به، والبعض جائز العمل به، والبعض غير جائز العمل به. أما الأول: فهو نحو استصحاب الحكم العقلي - وهو كل حكم عرف وجوبه أو امتناعه، وحسنه أو (¬2) قبحه، بمجرد (¬3) العقل. وكذا استصحاب الحكم السمعي، الذي ثبت بدليله على طريق التأبيد نصًا، أو على التأقيت نصًا، أو ثبت مطلقًا في حال حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقى بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر البخاري على البزدوي، 3: 377. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "و". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "لمجرد".

فإن هذا واجب العمل به، لقيام دليل البقاء, وانعدام الدليل (¬1) المزيل قطعًا (¬2). وأما القسم الثاني: [فـ] ما هو جائز العمل به بالاتفاق بين مشايخنا (¬3). ولكن اختلفوا في وجوب العمل به: وهو أن (¬4) كل حكم ثبت وجوبه بدليل مطلق، لا يتعرض للبقاء والزوال، والمجتهد طلب الدليل الزيل، بقدر ما في وسعه، ولم يظفر به: فقال (¬5) بعضهم: لا يكون حجة أصلا، لا لإبقاء ما كان على ما كان، ولا لإثبات أمر لم يكن. لأن حكم الدليل هو الثبوت، فأما البقاء [فـ] لا يضاف إليه، فلم يكن على البقاء دليل، فيكون تمسكًا بالحكم بلا دليل. أو محتمل (¬6) أن ذلك الدليل يوجب البقاء بقرينة تنضم إليه, ويحتمل أن الدليل المزيل قد قام ولكن لم يبلغ إليه (¬7) لتقصير في الطلب. والمحتمل لا يصلح أن يكون دليلا في حق العمل والاعتقاد جميعًا. وقال أكثر المتأخرين من الفقهاء: إنه حجة يجب العمل به (¬8)، في حق نفسه، لإبقاء ما كان على ما كان. أما لا يصلح حجة في حق الإلزام على ¬

_ (¬1) كذا في ب وهامش الأصل. وفي متن الأصل: "دليل". (¬2) في البخاري على البزدوي (3: 377): "قطعيًا". (¬3) "بالاتفاق بين مشايخنا" من ب. (¬4) "أن" ليست في ب. (¬5) في ب: "قال". (¬6) في ب: "يحتمل". (¬7) في ب: "لم يبلغه". (¬8) "به" من ب.

الخصم، ولا (¬1) لإثبات أمر (¬2) لم يكن، لأن الظاهر أن الحكم متى ثبت يبقى، وإن كان الدليل المثبت لا يوجب البقاء، والظاهر يكفى حجة لإبقاء ما كان (¬3)، لا للإلزام على الغير، كظاهر اليد: يصلح حجة للدفع دون الإلزام (¬4). وكحياة المفقود: لما كان الظاهر بقاؤها، صلحت حجة لإبقاء ما كان على ما كان (¬5)، حتى لا يورث ماله. ولا يصلح حجة لإثبات أمر لم يكن، حتى لا يرث من الأقارب، والثابت (¬6) لا يزال بالشك، وغير الثابت لا يثبت بالشك. ولكن مشايخنا رحمهم الله قالوا: إن هذا القسم يصلح حجة على الخصم في موضع النظر، ويجب العمل به على كل مكلف (¬7) إذا لم يجد دليلا فوقه من الكتاب والسنة. [فـ] لا يجوز (¬8) تركه بالقياس - كذا ذكر الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله في كتاب "مآخذ الشرائع" (¬9). وهذا لأن الحكم متى ثبت شرعًا، فالظاهر هو (¬10) دوامه، لما تعلق به من المصالح الدينية والدنيوية (¬11)، ولا تتغير المصلحة في زمان قريب، وإنما يحتمل التغير عند تقادم العهد، فمتى طلب المجتهد الدليل ¬

_ (¬1) "لا" من ب. (¬2) في ب كذا: "ام". (¬3) في ب: "لإبقاه على ما كان". (¬4) انظر في مجلة الأحكام العدلية م 1754 وما بعدها. (¬5) "على ما كان" من ب. (¬6) في ب: "فالثابت". (¬7) في ب: "على كل من كلف". (¬8) كذا في البخاري على البزدوي (3: 377: السطر الأسفل). وفي الأصل: "فأما لا يجوز". وفي ب: "فأما ما لا يجوز". (¬9) كذا أيضًا في البخاري على البزدوي (3: 377 س 3 من أسفل - 378) حيث قال: "وهو اختيار صاحب الميزان". (¬10) "هو" ليست في ب. (¬11) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "والدنياوية".

المزيل بقدر وسعه ولم يجده، فالظاهر هو عدم المزيل. وهذا نوع اجتهاد. فإذا كان البقاء ثابتًا بالاجتهاد، فلا يترك باجتهاد مثله، ما لم يوجد الترجيح، ويكون حجة على الخصم، كمن اعتقد حكمًا بقياس صحيح مؤثر عنده، وعمل به زمانًا، ثم ظهر له قياس آخر أوجب حكمًا بخلافه، فإنه لا يجوز له أن يعتقد خلاف ذلك الحكم، ما لم يظهر (¬1) رجحان القياس (¬2) الثاني على الأول، بدليل مرجح، بل يجب عليه العمل بالأول، لأن ذلك حكم ثبت، وثبت بقاؤه بالاجتهاد، فلا يزول إلا بدليل يترجح على الأول، وإن كان أوجب شبهة في الأول - و (¬3) هذا معنى قول الفقهاء: إن ما أمضى بالاجتهاد (¬4) لا ينقض باجتهاد مثله، ولأن هذا هو الموافق للأصول والأحكام، فإن الحكم المطلق في حال حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - محتمل للنسخ (¬5)، ثم هو ثابت في حق من كان بعيدًا عنه، في حق وجوب العمل به، والإلزام على الغير، ودعوة الناس إلى ذلك، وفي حق إثبات أمر لم يكن بمنزلة الحكم الثابت بالنص (¬6). وكذلك: استصحاب الحكم الثابت بظاهر العموم: واجب مع احتمال الخصوص. وكذا: استصحاب الحكم الثابت بمطلق النص الخاص: واجب مع احتمال المجاز والنسخ (¬7)، لما قلنا. ¬

_ (¬1) في ب: "يعتقد حكمًا بخلاف ذلك ما يظهر". (¬2) في ب: "الدليل". (¬3) "و" ليست في ب. (¬4) في ب: "باجتهاد". (¬5) في ب: "يحتمل النسخ". (¬6) العبارة كلها نقلها البخاري في كشف الأسرار (3: 379). (¬7) "والنسخ" ليست في ب.

وأما الأحكام: - فإن من شك في الحديث بعد ما توضأ، فإنه على الطهارة مع احتمال الحدث. - وكذا من شك في طلاق امرأته، وعتاق (¬1) عبده وجاريته، فإنه يباح له الانتفاع به مع الاحتمال. - وكذا من اشتري دارًا أو ورثها، ومضي على ذلك (¬2) زمان طويل، ثم بيعت دار يجنبها، فإنه يثبت له حق الشفعة، والشراء يوجب الملك دون البقاء، واحتمال زوال الملك قائم بالهبة والبيع، وإن كان ظاهر اليد قائمًا، لما ذكرنا أن الثابت لا يزول بالشك (¬3) والله أعلم. أما القسم [الثالث]- الذي لا يجوز العمل باستصحاب الحال فيه - فأنواع، منها (¬4): [الأول]- استصحاب الحكم الشرعي المبني على العقل عند المعتزلة. فإن عندهم للعقل حكمًا في بعض الأشياء إلى أن يرد الدليل السمعي، إما مقررًا (¬5) لحكم العقل أو مغيرًا. فيقولون نحن نستصحب الحكم العقلي إلى أن يرد الدليل السمعي. وهذا فاسد عندنا، فإنه لا حكم للعقل في الشرعيات عندنا. وعند أصحاب الحديث لا حكم للعقل أصلا في في الوجوب والتحريم، لا في العقليات ولا في الشرعيات. ¬

_ (¬1) في ب: "أو عتق". (¬2) "على ذلك" من ب. (¬3) انظر البخاري، على البزدوي، 3: 378 س 5 من أسفل - 379. والبزدوي، على هامش البخاري، 3: 379. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "الحال فيه: فمنها". (¬5) في ب كذا: "مققرا".

والثاني - ما قال بعض أصحاب الحديث: إن العقل دليل على انتفاء الأحكام، لأن الأحكام الشرعية تثبت بخطاب صاحب الشرع، ولا يثبت الخطاب قبل بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإذا عدم دليل الحكم ثبت انتفاء الحكم ضرورة، وعدم الدليل ثابت بالعقل، فإن به يعرف أن لا دليل قبل مجيء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الشرعيات (¬1). وإذا كان العقل دليلا على انتفاء (¬2) الأحكام، وعلى براءة الذمم عن الوجوب، فنحن نستصحب الحكم الثابت بالعقل، وهو انتفاء الحكم إلى أن يرد الدليل السمعي. وهذا حكم بالدليل، وهو العقل، فإنه إن لم يكن دليلا على ثبوت الأحكام الشرعية، فهو دليل على النفي، فيكون الاستصحاب على النفي حجة يجب العمل به. وهذا أيضًا مع هذا التحقيق فاسد عندنا، في حق وجوب العمل به، في حق نفسه وفي حق الإلزام على الغير، لأنا إن عرفنا انتفاء الأحكام الشرعية بالعقل لانعدام دليل الثبوت، وهو ورود الشرع، ولكن الكلام بعد ورود الشرع، فيجب على المكلف طلب (¬3) الحكم الشرعي بعد ورود الشرع (¬4) من صاحب الشرع ومن يقوم مقامه في تبليغ الشرع عنه، لا أن يستصحب النفي (¬5) الثابت بعدم الدليل. وهذا لأن العقل كما لاحظ له في إثبات الحكم الشرعي (¬6)، لا حظ له في نفي الحكم الشرعي، لكن قبل ورود الشرع، لم يثبت الحكم لعدم دليله، وعرف عدم ¬

_ (¬1) "صلى الله عليه وسلم في الشرعيات" من ب. (¬2) في ب كذا: "انتقال". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "الشرع يجب طلب". (¬4) "بعد ورود الشرع" من ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "لا أنه لا يستصحب حالة النفي". (¬6) "الشرعي" ليست في ب.

الدليل بالعقل. فأما بعد ورود الشرع، لم يعرف بالعقل عدم الدليل، فإن قول صاحب الشرع وفعله وسكوته حجة في إثبات الحكم والنفي جميعًا، فكما ثبت وجوب صوم رمضان ووجوب الصلوات الخمس، بقوله وفعله (¬1)، ثبت انتفاء وجوب صوم شوال ووجوب الصلاة السادسة، بتركه وسكوته عند امتناع الناس عن صوم شوال، والسكوت عند الحاجة إلي البيان بيان (¬2). وإذا ثبت هذا، فكان التمسك باستصحاب حال العقل في انتفاء الأحكام وبراءة الذمم عن الشغل بالوجوب، تمسكًا بالجهل الثابت بعدم الدليل، مع ورود الدليل الشرعي بعد المبعث، وإنه فاسد. ومن ذلك [ثالثًا]- استصحاب الحكم الثابت بالإجماع عند تغير الحالة، نحو إجماع الأمة على انتقاض طهارة التيمم عند رواية الماء خارج الصلاة. ويقول الشافعي، لا ينتقض برؤية الماء في حال الصلاة. فتلق (¬3) بعض أصحابنا باستصحاب حكم الإجماع, وقال: أستصحب على الحكم الثابت بالإجماع، وإن تغيرات تلك الحالة بحالة الصلاة (¬4)، فيكون الإجماع ثم إجماعًا (¬5) في هذه الحالة، لأن حكم الشرع من حيث الظاهر لا يغير بتغير الأحوال إلا نادراً, والعمل بالظاهر واجب, كما ذكرنا من الحكم الثابت بالنص المطلق، والقياس يجب التمسك به ما لم يقم الدليل بخلافه. ¬

_ (¬1) "وسكوته حجة ... بقوله وفعله" ليست في ب. (¬2) م 67 من مجلة الأحكام العدلية: "لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان". (¬3) في ب: "وتعلق". (¬4) في ب: "بحاله والصلاة". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "ثم يكون إجماعًا".

ونظيره: من قال بجواز بيع أم الولد: إن الإجماع كل منعقد على جواز بيع هذه الجارية في قبل الاستيلاد، فنحن على ذلك الإجماع بعد الاستيلاد. وهذا فاسد أيضاً، لأنه: إن كان الإجماع بناء على حديث مطلق أو القياس: فإن (¬1) كان ويتمسك بالنص فنقول: إن النص مطلق ويتناول الحالة الأولى والثانية بإطلاقه، أو لا ويتعرض للأحوال على حسب ما قيل فيه، فهو تمسك بالنص، لا باستصحاب الحال. وإن قال: الإجماع معقول المعنى، وذلك (¬2) المعنى باق بعد تغير تلك الحالة، فهذا تمسك بالقياس دون الحال. وإن قال: إن الإجماع في تلك الحالة (¬3) إجماع بعد تغير تلك الحالة، فهو (¬4) ممنوع، فإن الإجماع على حكم في حالة مخصوصة، لا يكون إجماعاً في غير تلك الحالة، فإن الخصم نازع في هذه الحالة، ولا يعد الخصم مخالفاً للإجماع، فإن الإجماع على انتقاض التيمم برؤية الماء في خارج الصلاة، ولا إجماع في حالة الصلاة. فالدليل الذي به يثبت (¬5) الحكم في تلك الحالة، وهو الإجماع، لم يبق في هذه الحالة، لوجود الخلاف بين العلماء، بخلاف ما إذا كان الحكم ثابتاً بمطلق النص، لأن ذلك النص يتناول الأحوال كلها، أو لا يتعرض (¬6) للأحوال، ومطلق كلام صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم - (¬7) حجة، فأما الإجماع، [فـ] يكون حجة بدليل سمعي، وهو قوله عليه السلام: "لا تجتمع أكل أمتي على الخطأ"، فما لم يوجد اجتماع الأمة كلها، لا يكون إجماعاً، فلا يكون حجة. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "بأن". (¬2) في ب: "فذلك". (¬3) في ب: "الحال". (¬4) في ب: "تلك الحال فهذا". (¬5) في ب: "ثبت". (¬6) في ب: "كلها أولى أو لا يتعرض". (¬7) "صلى الله عليه وسلم" من ب.

ومنها [رابعاً]- ما قال القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله: إن استصحاب الحكم الثابت، مع تغير الحالة، قبل التأمل في أصول (¬1) الشرع، لمعرفة (¬2) الدليل المزيل وقبل طلبه، لا يكون حجة. ولكن الأصح أنه يكون حجة، لأنه ويتمسك بظاهر النص أو بظاهر القياس، وهو تمسك بدليل شرعي، فلا يبطل العمل به، باحتمال قيام الدليل المزيل، كمن تعلق بعموم النص: يكون تعلقه صحيحاً، ويكون حجة على الخصم، وإن لم يطلب دليل الخصوص، وإن كان احتمال الخصوص قائماً، لما ذكرنا - فكذا هذا (¬3)، والله أعلم. ومنها (¬4) [خامساً]- أنه هل (¬5) على النافي دليل أم لا؟ أجمعوا أن من قال: لا أعلم لله تعالى (¬6) حكماً في هذه الحادثة، أنه لا يطاب منه الدليل، لأن الجاهل بحكم الله تعالى جاهل بدليله، وكمن جهل دليل شيء وأقر به، يكون طلب الدليل منه سفهاً. فأما إذا اعتقد وقال: أعلم أن حكم الله تعالى في هذه الحادثة نفي الوجوب، أو أعتقد أن لا حكم لله تعالى في هذه الحادثة من (¬7) وجوب فعل أو ترك، نحو أن يقول: إنه لا تجب الزكاة على الصبى والمجنون، ويدعي ذلك مذهباً ويدعو (¬8) غيره إليه - فهل عليه دليل إذا طالبه من يدعي الوجوب بدليل (¬9) ¬

_ (¬1) في ب كذا: "في أحوال". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "بمعرفة". (¬3) "فكذا هذا" ليست في ب. (¬4) في ب: "مسألة - ومنها". (¬5) "هل" ليست في ب. (¬6) "تعالي" ليست في ب. (¬7) "من" من ب. (¬8) في ب كذا: "ويدعوا". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "دليل".

النفي؟ أو (¬1) هل يجوز له (¬2) أن يعتقد نفي حكم شرعي بلا دليل، في غير موضع المناظرة أيضاً؟ قال بعضهم: لا دليل على معتقد النفي لا في حق نفسه، ولا عن مطالبه لا الخصم عند المناظرة. وقال عامتهم بأنه لا يجوز أن يعتقد الإنسان نفي حكم إلا بدليل. وعليه إقامة الدليل إذا ناظره (¬3) غيره ودعاه إلي مذهبه، كما على المثبت. وقال بعضهم: في العقليات على النافي دليل، دون الشرعيات. وقال بعضهم: ليس على نافي الشرعيات دليل سمعي: أما عليه دليل وله دليل، وهو العقل في معرفة انتفاء الأحكام الشرعية. أما من قال: لا دليل على النافي [فقد] احتج بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البينة على المدعي" - جعل جميع البينات على المدعين، والنافي منكر وليس بمدع (¬4)، ولأن الأمر المعتاد المعروف في أصول الشرع أن الحجة علي من يدعي أمراً خفياً لا علي من تمسك بالظاهر - ألا ترى أن كل من تمسك بالعام لا يحتاج إلى الدليل على أنه عام، وإنما الدليل على من يدعي الخصوص. وكذا من تمسك بظاهر الكلام لا يحتاج إلى الدليل على أنه حقيقة، وإن كان يحتمل المجاز في الجملة، لأن الظاهر هو الحقيقة، وإنما الدليل على من يدعي المجاز. وكذا البينة على الخارج لا علي صاحب اليد، لأن (¬5) صاحب اليد تمسك بالظاهر، والخارج يدعي أمراً خفياً، فكذا النافي متمسك ¬

_ (¬1) في ب: "و". (¬2) "له" من ب. (¬3) في ب: "ناظر". (¬4) في ب كذا: "مدعي". وقد تكون كذلك في الأصل. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "لما أن".

بالظاهر، فإن الأصل هو عدم وجوب الحقوق، والمدعي يثبت أمراً خفياً يزيل الظاهر، [فـ] يجب أن يكون الدليل على المثبت دون المنكر، حتي يكون علي موافقة الأصول، ولأن الدليل إنما يطلب ممن يدعي حكماً شرعياً وهو الوجوب والندب، والإباحة ونحو ذلك. أما انتفاء الوجوب [فـ] ليس بحكم شرعي، فإن النفي عبارة عن عدم محض، والعدم. ليس بشيء، فمطالبته النافي بإقامة الدليل، لا علي شيء، يكون سفهاً. ووجه قول من فرق بين العقليات والشرعيات أن (¬1) الكلام ثمة (¬2) يقع حقيقة النفي والإثبات، وكلاهما حقيقة، فإن قول القائل "زيد في الدار" حقيقة، وقوله "زيد ليس في الدار" حقيقة، فيكون مدعي النفي والإثبات مدعياً حقيقة الوجود أو (¬3) العدم، فيطالب بالدليل. فأما في الشرعيات فمدعي الإثبات (¬4) وهو وجوب شيء أو (¬5) إلي [أ] وندبه، يدعي (¬6) حكماً شرعياً، فأما النافي (¬7) [فـ] منكر (¬8) وجود الوجوب ويدعي انتفاءه، وذلك ليس بحكم شرعي، فكيف يطالب بالدليل، إنما المطالب من يدعي الوجوب. وجه قول العامة: النص، والمعقول: - أما النص، فقوله تعالى (¬9): "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً ¬

_ (¬1) في الأصل و (ب): "والشرعيات هذا أن". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "أن ثم الكلام". والظاهر أن المقصود هنا العقليات. (¬3) في ب: "و". (¬4) "فمدعي الإثبات" ليست في ب. (¬5) في ب: "و". (¬6) كذا في ب وفي الأصل: "فيدعي". (¬7) في ب: "فأما في النافي". (¬8) في ب كذا: "سكر". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "أما النص قول الله تعالى"

أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" (¬1) - أخبر الله تعالى عن اليهود أنهم نفوا دخول المسلمين الجنة، وأثبتوا دخول اليهود والنصارى الجنة، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلب الحجة منهم (¬2)، والبرهان (¬3) على النفي والإثبات جميعاً. - وأما المعقول، [فـ] إن النافي (¬4) إذا كان يعتقد نفي حكم شرعي يقال له: هل علمت انتفاء هذا الحكم بيقين حتي يكون اعتقادك علماً لا جهلا؟ لأن الجهل اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو به، فإن قال: نعم - فيقال له: هل (¬5) علمت بطريق الضرورة أو (¬6) بالتقليد أو بالاستدلال؟ فإن ادعيت الضرورة، فهو فاسد (¬7)، لأن الضروري يشترك فيه العقلاء كلهم، ولم يحصل لنا العلم بانتفائه ضرورة. وإن ادعيت التقليد، فالتقليد ليس طريق العلم، فإن المقلد لا يدعي العام بنفسه، وإنما يدعيه بغيره، والخطأ على ذلك الغير جائز، إذ الكلام في اتباع غير النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8) المعصوم. وإن ادعيت طريق النظر والاستدلال، فقد أقررت أنك تعتقد نفي الحكم بدليل، فلابد من بيانه. - فإن قالوا: نحن نقول: على النافي دليل، ولكن فقد دليل الإثبات دليل النفي، لأنه لا واسطة بين النفي والإثبات، فإذا عدم دليل الإثبات ثبت (¬9) ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 111 - {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. (¬2) "منهم" من ب. (¬3) في ب كذا: "والرهان". (¬4) في ب: "وهو أن النافي". (¬5) "هل" من ب. (¬6) في ب: "أم". (¬7) في ب: "ففاسد". (¬8) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬9) في ب: "ثبت دليل".

النفي ضرورة - قال الله تعالى لنبيه محمد (¬1) - صلى الله عليه وسلم -: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة" (¬2) فالله تعالى جعل عدم (¬3) دليل الحرمة دليل فى ثبوت ضده، وهو الإباحة، لأنه لا واسطة بين الحرمة والإباحة فنقول: إن كان الأمر كذلك، ولكن بم عرفتم عدم دليل الإثبات حتي يثبت النفي ضرورة، فما لم (¬4) تحضروا دلائل الثبوت وتثبتوا عدمها لا يستقيم دعوى النفي. - فإن قلتم: إنا تفحصنا (¬5) في الأصول وفي الدلائل على طريق الجد، فلم نجد دليل الثبوت، فعرفنا عدم ذلك، فحصل لنا العام بالنفي - فهو فاسد، لأن الخصم يقول: إن لم تجد فربما غيرك من العلماء وجده، والناس متفاوتون في العلم ودرك طريق العلم، فلا يكون قوله حجة على غيره. - والجواب عن كلماتهم: • أما الحديث - فهو حجتنا، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم - (¬6): "واليمن علي من أنكر" فاليمين دليل، وقد أوجب على المنكر (¬7)، كما أوجب على المدعي البينة، إلا أن الفرق بينهما أنه جعل اليمين (¬8) حجة المدعى عليه، والبينة حجة المدعي، لأن المدعى عليه يشهد له الظاهر وأما المدعي فيدعي (¬9) ¬

_ (¬1) "محمد" من ب. (¬2) سورة الأنعام: 145، وتقدمت في الهامش 5 ص 657. (¬3) "عدم" ليست في ب. (¬4) "لم" ليست في ب. (¬5) في ب: "تصفحنا". وتفحص بالغ في الفحص. وتصفح الشيء نظن فيه (المعجم الوسيط). (¬6) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬7) في ب: "على من أنكر". (¬8) في ب: "البينة". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "يدعي".

أمراً خفياً، والبينة أكمل من اليمين، فإن اليمين كلام الخصم، وإن كان (¬1) مؤكداً بذكر اسم الله تعالى، والبينة كلام غير الخصمين، فكان للبينة زيادة قوة في غلبة الظن ورجحان الصدق، فلهذا تفاوتا. فأما على كل واحد منهما دليل وحجة مع أن المدعى عليه (¬2) لا يجوز له أن يعتقد كون المدعى به ملكاً له غير دليل الملك، من الشراء أو (¬3) الإرث ونحوهما، في حق نفسه وفي حق الإلزام على الغير. فعلى قود هذا: يجب أن لا يجوز للنافي في اعتقاد انتفاء الحكم الشرعي إلا بدليل. • قولهم: إن النفي ليس بحكم شرعي، وإنما يطالب الدليل على الحكم الشرعي (¬4) - فنقول: قبل ورود الشرع لا حكم في حقنا لا نفياً ولا إثباتاً، ولكن بعد ورود الشرع ثبت الوجوب في حق البعض، والانتفاء في حق البعض، والإباحة في حق البعض، والحرمة في حق البعض. ولهذا ورد الشرع بنفي الحكم نصاً في مواضع نحو (¬5) قوله عليه السلام: "ليس في النخة ولا في الجبهة لا ولا في الكسعة صدقة (¬6) "، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (¬7): "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (¬8): "لا صدقة (¬9) إلا عن ظهر غني". وإذا كان النفي حكم الله تعالى، فلا يجوز اعتقاد حكم الله تعالى من غير دليل، على أنه إن لم يكن النفي حكم الله تعالى عندكم، ¬

_ (¬1) "كان" ليست في ب. (¬2) "ورجحان الصدق .. المدعى عليه" ليست في ب. (¬3) في ب: "و". (¬4) "الشرعي" من ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "من نحو". (¬6) راجع فيما وتقدم الهامش 3 ص 654. (¬7) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬8) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬9) في ب: "لا زكاة".

فلا شك (¬1) أنه نفي حكم الله تعالى، وهو الإثبات. وكما لا يجوز اعتقاد حكم الله تعالى من غير دليل، لا يجوز نفي حكم الله تعالى من غير دليل، فاحتمال (¬2) ثبوته قائم لاحتمال قيام دليل الثبوت عند غيره إن لم يكن قائماً عنده، فيكون هذا (¬3) اعتقاداً على أنه لا حكم لله تعالى (¬4) في هذه الحادثة من غير دليل. وفي المسألة إشكالات تعرف في الشرح إن شاء الله تعالى. مسألة - ومنها (¬5) القول بـ: تعارضْ الأشبَاه وهو احتجاج بلا (¬6) دليل في الحاصل. مثاله - ما قال زفر رحمه الله في أن المرافق لا يجب غسلها في الوضوء، لأن الله تعالى جعل المرافق غاية، بقو له تعالى: "وأيديكم إلى المرافق" (¬7). والغايات منقسمة: بعضها يدخل، وبعضها لا يدخل (¬8). وهذه الغاية لها شبه بكلا القسمين بدخول حرف الغاية عليها. فباعتبار الشبه (¬9) بهذا القسم ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "فلا يشك". (¬2) في ب: "واحتمال". (¬3) "هذا" من ب. (¬4) "تعالى" ليست في ب. وانظر البخاري، على البزدوي، 3: 388 - 389. (¬5) أي من "القياس والاستدلال الفاسدين" - راجع فيما تقدم ص 656. وانظر: السرخسي، 2: 226 - 227. والبخاري، على البردوي، 3: 383 - 384. (¬6) في ب: "بغير". (¬7) سورة المائدة: 6 - "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... ". (¬8) مثل ما يدخل قوله تعالى: "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" فالمسجد داخل في الإسراء. ومثل ما لا يدخل قوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل". (¬9) في ب كذا: "السنة".

يدخل، وباعتبار (¬1) الشبه بالقسم الآخر لا يدخل، فوقع التعارض بين الشبهين، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فلا يجب الغسل بالشك عند تعارض الأشباه. وهذا فاسد. وهو تعلق بعدم الدليل. والخلاف في وجوب غسل المرافق، وهو ينفي، وعلى النافي دليل. - و (¬2) قولهم: إنه وقع الشك في وجوب الغسل، فلا يجب بالشك فيه، ممنوع (¬3). فلم قلتم إنه (¬4) وقع الشك في وجوب الغسل؟ وهذا لأن الشك أمر حادث بين العلم والجهل، فلا يثبت إلا بدليل، فبأي دليل تثبتون هذا الحادث وهو الشك؟ • فإن قلتم: إن دليل حدوث الشك هو تعارض الأشباه وتقابل الأدلة - فنقوك: هذا أيضاً أمر حادث، وهو دعوى تعارض الأشباه والأدلة، فلا يثبت إلا بدليل، فبأي دليل تثبتون (¬5) تعارض الأشباه، ونحن لا نسلم لكم تعارض الأشباه؟ • فإن قلتم: إن الغايات منقسمة: منها ما (¬6) يدخل ومنها ما (¬7) لا يدخل -[فنقول]: هذا دعوى أيضاً - لا نسلم أن الغايات منقسمة: قد يدخل وقد لا يدخل. ¬

_ (¬1) في ب: "فباعتبار". (¬2) "و" ليست في ب. (¬3) "ممنوع" غير واضحة في الأصل ففيها كذا: "فيه نوع"، وقد تكون "فمنوع" - وانظر البخاري علي البزدوي، 3: 383 - 384. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "بأنه". (¬5) في ب: "يثبتون". (¬6) و (¬7) "ما" من ب.

وبعدما أثبتم الانقسام وأريتم أن بعضها مما لا يدخل - فنقول: هل علمتم أن هذه الغاية من أي القسمين؟ • فإن قالوا: نعلم (¬1) أنها من أي القسمين، فنقول: إذا علمتم أنها من القسم الذي لا يدخل فلا يكون هذا منكم شكاً، لأن الشك ما استوى فيه طرف الجهل والعلم، وقد ادعيتم العلم، ولا يبقى العلم مع الشك (¬2) الذي هو ضده، ولأنكم متي علمتم أنها من أي القسمين يكون إلحاقها بنظيرها في حق الحكم، لمساواة (¬3) بينهما، وحينئذ يكون ذلك قياساً، فيكون نفياً لوجوب الغسل بالقياس الذي هو حجة ودليل في الجملة، لا بالشك. • وإن قالوا: لا نعلم - فقد أقروا (¬4) أنه لا دليل معهم، فقد أقروا بالجهل، وجهل المرء لا يكون حجة في حق الغير. دل أن القول بتعارض الأشباه، تمسك بعدم الدليل، وهو فاسد. ولأن أكثر ما في الباب أن الأشباه (¬5) متعارضة، وعند ذلك يحدث الشك، و (¬6) لكن أثر الشك في التوقف وترك الميل إلى أحدهما، ما لم يقم دليل الترجيح لأحدهما. أما القول بنفي وجوب الغسل قطعاً - فلا (¬7). ¬

_ (¬1) في ب: "نعم". (¬2) في ب كذا: "فلا يبقى الشك مع العلم" و "يبقى" غير منقوطة في ب. وفي الأصل كذا: "ولا ينفى". وفي البخاري علي البزدوي، 3: 383: "فإن قال: أعلم ذلك - قلنا: إذن لا يكون فيه شك، لأن العلم مع الشك لا يجتمعان، لتنافيهما". (¬3) في ب: "بمساواة". (¬4) في ب: "أخبروا". وفي البخاري علي البزدوي، 3: 383: "وإن قال: لا أعلم، فقد أقر بالجهل وأنه لا دليل معه". (¬5) "أن الأشباه" ليست في ب. (¬6) "و" ليست في ب. (¬7) قال البخاري على البزدوي (3: 383): "هذا هو الترتيب المذكور في هذه المسألة في القويم والميزان وغيرهما .. ".

ثم نقول: إن كان في هذا (¬1) النص تعارض ووقع لكم الشك باعتباره، فلم قلتم: إنه ليس ههنا دليل آخر على وجوب غسل المرافق، والاختلاف متى وقع بعد ورود الشرع، في شرع حكم ونفيه، لابد من الدليل، ولا يسع (¬2) التعلق بعدم الدليل على ما مر - والله أعلم. مسألة - ومنها (¬3): التقليد وقد تكلموا في حده (¬4). قال بعضهم: هو اتباع الرجل غيره، على تقدير أنه محق، لحسن الظن به، لكونه مشوراً بالعلم والورع، وتقديم رأيه على رأي نفسه، لكونه من أهل النظر والاستدلال. سمي تقليداً لأنه جعل عاقبة ما قلده، قلادة في عنقه، إن كان حقاً أو باطلا، بلا دليل، كما قالت الكفرة (¬5): "اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم" (¬6) وقالوا: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (¬7). ¬

_ (¬1) "هذا" من ب. (¬2) كذا ظهر لنا. وفي الأصل و (ب): "ولا يسمع". انظر البخاري على البزدوي، 3: 388 - 389. (¬3) أي من "القياس والاستدلال الفاسدين". راجع فيما تقدم ص 656. (¬4) "وقد تكلموا في حده" من ب. (¬5) في ب: "الكفرة - قوله تعالى إخباراً عنهم". (¬6) سورة العنكبوت: 12 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. (¬7) سورة الزخرف: 22 وهي والتي تليها - {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.

ولهذا لا يجوز تسمية اتباع الأنبياء عليهم السلام تقليداً، لأن أقوالهم وأفعالهم حجة، فيكون اتباعاً بالدليل. ولكن لا يصح تحديد التقليد بهذا، وإن كان التقليد قد يكون كذلك، لأنا نجوز التقليد في الجملة. وما ذكر من باب الشك في الاعتقاد، لا من باب التقليد. والصحيح أن يقال: التقليد (¬1) هو اتباع الرجل الجاهل العالم لعلمه وورعه واعتقاده لما (¬2) يعتقده على طريق الجزم والحتم، من غير تردد وشك، وإن لم يكن بناء على دليل عقلي أو سمعي. ثم التقليد إما أن يكون في التوحيد وأمور الدين، مما يعرف بمجرد العقل. وإما أن يكون في الأحكام الشرعية التي لا تعرف إلا بالدليل السمعي. - أما التقليد في الأمور الشرعية: [فـ] لا يجوز إلا للعوام، ومن يكون بمثل (¬3) حالهم من طلبة العلم ما لم يبلغوا (¬4) حد الاجتهاد، لأجل الضرورة. ولكن عليهم أن يقلدوا من هو عندهم أعلم وأورع، بالسماع على طريق الاشتهار. فأما أهل الاجتهاد فلا (¬5) يجوز لهم التقليد. وفي تقليد الصحابي خلاف على ما مر ذكره (¬6). - وأما التقليد في التوحيد وأمور الدين: ففيه كلام بين أهل الأصول، على ما عرف في مسائل الكلام. والصحيح أنه متي وجد الاعتقاد و (¬7) الجزم ¬

_ (¬1) " التقليد" ليست في ب. (¬2) في ب: "ولما". (¬3) في ب: "مثل". (¬4) في ب كذا: "ما لم ـعلوا". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "لا". (¬6) "مر" ليست في ب ففيها: "علي ما ذكره". راجع فيما تقدم ص 480 وما بعدها. (¬7) "و" ليست في ب.

على طريق التقليد من غير شك وارتياب، فإنه يكون إيماناً صحيحاً، وهو إيمان أكثر أهل الإسلام من العوام والعلماء. فأما الاستبصار (¬1) والوقوف علي الدلائل في هذا الباب، فأمر عزيز الوجود، ثم الاستبصار والوقوف على الدلائل وحل شبهات الخصوم، [فـ] ليس بفرض عين بل هو فرض (¬2) كفاية، في حق من رزق فهماً ذكياً وخاطراً لطيفة: إذا قام به البعض سقط عن الباقين. ولا يجوز تحريك اعتقاد العوام بالترغيب إلى تعلم علم الكلام والوقوف على دلائله، لأنه ربما يقع في قلوبهم شبه (¬3) لا تنحل: إما لقصور (¬4) في المعلمين، أو لخفاء المسألة في نفسها (¬5)، أو لغلط خاطر البعض، فيصير الترغيب والإرشاد إلى الاستبصار سبباً للغواية والضلال، فيكون النصيحة والشفقة على أهل الإسلام ما ذكرته، خصوصاً للعوام - والله أعلم. مسألة - ومنها (¬6): الإلهَام فنذكر: تفسيره لغة وعرفاً. وبيان حده عند المتكلمين. وبيان حكمه شرعاً. ¬

_ (¬1) استبصر في أمره ودينه، كان ذا بصيرة فيه. واستبصر الشيء استبانه - المعجم الوسيط. (¬2) "في هذا الباب .. بل هو فرض" من ب، وظاهر ما فيها من تكرار. وفي الأصل: "فأما الاستبصار والوقوف على الدلائل ففرض كفاية". (¬3) في ب: "شبهة". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "بقصور". (¬5) في ب: "لخفاء في المسألة في نفسها". (¬6) أي من "القياس والاستدلال الفاسدين" - راجع فيما تقدم ص 656.

[1] أما تفسيره لغة: [فهو] إيقاع شيء في قلب العاقل (¬1)، يفضي إلى العمل به، ويحمله عليه، ويميل قلبه إليه، حقاً كان أو باطلاً. قال الله تعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" (¬2). وذلك قد يكون بواسطة الشيطان وهوى النفس، في فيسمى وسوسة. وأما في العرف: فمستعمل (¬3) في فيما يقع في القلب بطريق الحق دون الباطل، ويدعوه إلى مباشرة الخيرات دون الشهوات والأماني. [2] وأما حده وحقيقته عند أهل الأصول [فنقول]: قال بعضهم: هو اتباع الرجل ما اشتهاه بقلبه أو أشار إليه في أمر من غير نظر واستدلال. وإنه غير صحيح. لأن الإلهام متنوع: قد يكون حقاً، وذلك من الله تعالى، فيكون وحياً خفياَ في حق الأنبياء، وفي حق غير الأنبياء إرشاداً وهداية. وقد يكون باطلا، وذلك بواسطة وسوسة الشيطان وهوى النفس، وخالق ذلك هو الله تعالى وإن كان شراً وفاسداً، ووسوسة الشيطان وهوي النفس سبب ذلك على جريان العادة، ويكون ذلك ¬

_ (¬1) في ب: "العامل". (¬2) سورة الشمس: 8. وهي والتي قبلها: "ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها". (¬3) في ب: "فيستعمل".

في الحيقية إغواء وإضلالا لا إلهاماً. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يجوز تحديده بهذا. وقال القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله: الإلهام ما حرك القلب بعلم يدعوك (¬1) إلى العمل به، من غير استدلال بآية (¬2) أو نظر في حجة (¬3). وهذا حد صحيح، فإن الإلهام في عرف الناس: ما يكون من الله تعالي، بطريق الحق. وقيل: ما يخلق الله تعالى في قلب المؤمن (¬4) العاقل من العلم الضروري الداعي له (¬5) إلى العمل المرغوب فيه. [3] وأما بيان الحكم فقال عامة العلماء بأن الإلهام الحق يجب العمل به في حق الملهم. أما ليس بحجة في حق الغير، ولا يجوز (¬6) له أن يدعو غيره إليه. وقال قوم من الصوفية بأنه حجة في حق الأحكام، نظير النظر والاستدلال. وقول قوم من الروافض، لقبوا بالجعفرية: إنه لا حجة سوي الإلهام. فحجة من قال إن الإلهام حجة مطلقة (¬7): النصوص من الكتاب، والسنة، ودلالة الإجماع. ¬

_ (¬1) في ب: "بعلم يدعو صاحبه". انظر فيما يلى الهامش 3. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "رايه". انظر الهامش التالى. (¬3) قال الإمام أبو زيد الدبوسي في تقويم الأدلة (المخطوط 255 أصول فقه، دار الكتب المصرية، ص 805 - 806): "الإلهام ما حرك القلب بعلم يدعوك إلى العمل به من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة". (¬4) "المؤمن" من ب. وليست في الأصل. (¬5) "له" من ب. (¬6) في ب: "في حق غيره فلا يجوز". (¬7) "مطلقة" من ب.

- أما الكتاب فقوله تعالى (¬1): "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" (¬2) - أخبر الله تعالى أن من شرح صدره للإسلام، من غير صنع العبد، فهو على نور من ربه (¬3). والنور الذي به يحصل انشراح الصدر بالإسلام، من غير واسطة (¬4) صنع العبد، ليس إلا الإلهاء. وقال الله (¬5) تعالى: "أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس" (¬6)، وإحياء الله تعالى قلب الآدمي بالإيمان وتنويره بالهدي، ليس إلا الإلهام من الله تعالى. - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالي". والفراسة ما يظهر للمرء في قلبه بلا نظر واستدلال. ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لوابصه لا بن معبد (¬7)، وقد سأله عن البر والإثم: "ضع يدك على صدرك: فما حك في قلبك فدعه، وإن أفتاك الناس وأفتوك". - وأما دلالة الإجماع: فإن من (¬8) اشتبهت عليه القبلة، فصلى، بغير تحر (¬9)، بقلبه، للقبلة (¬10): [فـ] إنه لا تجوز صلاته (¬11). وإن (¬12) صلى بالتحري أجزأته. وعلى أصلكم: إذا صلى بالتحري تجزئه (¬13) وإن خالف جهة ¬

_ (¬1) كذا في ب: "أما الكتاب فقوله تعالى". وفي الأصل: "الإجماع، قال الله تعالى". (¬2) سورة الزمر {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. (¬3) "أخبر الله تعالى ... نور من ربه" ليست في ب. (¬4) "واسطة" ليست في ب. (¬5) "الله" ليست في ب. (¬6) سورة الأنعام: 122: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. (¬7) وابصة بن معبد بن الحارث بن مالك من بني أسد بن خزيمة. وفد علي النبي على الله عليه وسلم سنة تسع ثم رجع إلى بلاد قومه. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن صحابته. سكن الكوفة ثم تحول إلى الرقة ومات بها. (ابن حجر، تهذيب التهذيب. وابن عبد البر، الاستيعاب). (¬8) "من" ليست في ب. (¬9) في ب كذا: "تحري". (¬10) "للقبلة" ليست في ب. (¬11) في ب: "لا يجوز له الصلاة". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "وإذا". (¬13) في ب كذا: "احراه".

الكعبة بيقين، وإذا خالف جهة نحريه لم تجزه (¬1) وإن أصاب الكعبة. وكذا قالوا: إذا اختلط اللحم الحلال (¬2) باللحم الحرام، والحلال غالب: لا يحل إلا بالتحري. والتحري هو العمل بالإلهام وتحكيم القلب (¬3)، فثبت أن الإلهام حق من الله تعالى، وأنه واجب العمل به. وجه قول أهل الحق: - قوله تعالى: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" (¬4). وقال تعالى: "أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض" (¬5) - أمر بالاعتبار (¬6) والنظر، وما أمر بالرجوع إلى القلب. - وكذلك قال عليه السلام لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلي اليمن قاضياً (¬7): "بم تقضي؟ " قال: "بكتاب الله تعالى (¬8) " قال: "فإن لم تجد" قال: " فبسنة (¬9) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "قال: "فإن لم تجد؟ " قال: "أجتهد في ذلك رأيي" - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله"، ولم يقل: "اقض (¬10) بالإلهام"، ولم يأمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مأمور بمشورة أصحابه في الحوادث التي لا نص فيها، بقوله (¬11): "وشاورهم في الأمر" (¬12). ولم يكن مأموراً بالرجوع إلى قلبه في فصل الخصومات. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "لم ـحره". (¬2) "الحلال" من ب. (¬3) "والتحري هو العمل ... القلب" من ب. (¬4) سورة الحشر: 2. وانظر أيضاً: آل عمران: 13. والنور: 44. وراجع فيما تقدم ص 561 وما بعدها. (¬5) سورة الأعراف: 185 - {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}. (¬6) في ب: "بالإبصار". راجع فيما تقدم الهامش 1 ص 677. (¬7) "قاضياً" من ب. (¬8) "تعالى" ليست في ب. (¬9) في ب: "بسنة". (¬10) "اقض" من ب. (¬11) في ب: "وهو وقوله تعالى". (¬12) آل عمران: 159.

- والمعني في المسألة: وهو أن شهادة القلب قد يكون بالإلهام من الله تعالى. وقد يكون من النفس. وقد يكون من الشيطان. فإن (¬1) كان من الله تعالى، يكون حجة. وإن كان من النفس والشيطان لا يكون حجة (¬2). فلا يكون حجة مع الاحتمال. ولن يقع التمييز بين هذه الأنواع إلا بعد نظر واستدلال. ولأن الإلهام مي مشترك الدلالة، فإن الرجل يقول: إني (¬3) ألهمت أن ما أقوله حق وصواب. فيقول حصمه: إني (¬4) ألهمت أن (¬5) ما تقوله خطأ وباطل. ولايمكنه الخروج عنه إلا بأن يقول لخصمه بأنك لست من أهله، فيقابله الخصم (¬6) بمثله، ولا يمكنه التمييز بين الأهل وغيره، إلا نظر واستدلال. ولأن الخصم من أهل الحق يقول لهم: إني (¬7) ألهمت أن (¬8) القول بالإلهام باطل، فإلهامي هذا (¬9) هل هو حق وحجة أم لا؟ فإن قالوا: حق، بطل قولهم. وإن قالوا: باطل، فقد أقروا (¬10) ببطلان الإلهام في الجملة، وليس البعض بأولى من البعض، فبطل كلامهم. - أما الجواب عما يقولون به من النصوص (¬11)، من الكتاب والسنة، قلنا: • نحن نسلم أن الإلهام من الله تعالى حق. • ثم إن كان في حق نبي من الأنبياء عليهم السلام، فبعد (¬12) ما ثبتت نبوته بالمعجزة، في حق (¬13) نفسه وفي حق أمته، يجوز له العمل بما ألهم ¬

_ (¬1) في ب: "وإن". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "ليس بحجة". (¬3) "إنما" ليست في ب. (¬4) "إني" ليست في ب. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "بأن". (¬6) "الخصم" ليست في ب. (¬7) "لهم إني" ليست في ب. (¬8) في ب: "بأن". (¬9) "هذا" من ب. (¬10) في ب: "فقد قالوا". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل: "عما تعلقوا بالنصوص". (¬12) كذا في ب. وفي الأصل: "بعد" (¬13) "حق" ليست في ب.

في قلبه، ويجب العمل به إذا كان في موضع الوجوب، ويجب عليه أن يدعو غيره إليه. فأما إذا ثبت الإلهام في أصل النبوة، فإنه يثبت به النبوة أيضاً، فإن في حق بعض الأنبياء تثبت النبوة في حالة النوم، فيثبت بالإلهام أيضاً، ولكن لا يجب عليه أن يدعو الأمة إلا في العقليات، ولا يجب عليهم القبول ما لم يوجد المعجزة. • فأما إذا كان الإلهام في حق غير الأنبياء من المسلمين: فإن كان في الأمور الشرعية والأحكام: [فـ] يجب عليه العمل به (¬1)، في حق نفسه، لكن لا يدعو غيره إليه. فأما في الأمور العقلية، كتوحيد الصانع وحدث العالم ونحو ذلك: [فـ] هل يجوز أن يثبت بالإلهام؟ فهو جائز في قول أكثر المتكلمين، إلا ما روي عن النظام (¬2) وبعض مشايخ أهل السنة أيضاً. وإن كان التكليف ورد بالإيمان، بطريق الاختيار (¬3)، الذي يتعلق الثواب يتحصيله والعقاب بتركه، ولكن ثبوته بطريق الضرورة وإحداث العلم جبراً، جائز. ولقب (¬4) المسألة أن العلم الاختياري هل يجوز أن ينقلب ضرورياً أم لا؟ وهي من جملة مسائل لطيف الكلام تعرف ثمة إن شاء الله تعالى. - وأما التحري: فإنه ليس (¬5) من باب الإلهام، فإن على أصلهم: الإلهام من الله تعالى يكون (¬6) في حق العدل الورع، لا في حق الفاسق. والتحري في الأحكام مشروع في حق الكل. ولأن التحري هو العمل بشهادة القلب. وحكمه عند عدم سائر الأدلة الشرعية والعقلية، بنوع ¬

_ (¬1) "به" من ب. (¬2) راجع ترجمة النظام فيما تقدم في الهامش 8: 286 و 4: 556. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "الاجتهاد" (¬4) في ب: "وكون". . (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "فليس". (¬6) "يكون" ليست في ب.

نظر واستدلال بالأحوال، وهو حكم عرفناه بالشرع، في موضع ليس ثمة دليل من الأصول الأربعة قائماً كل مقامها، في حق العمل بطريق الضرورة، علي ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى أم (¬1) أربعاً، فليتحر الصواب وليبن عليه". ولما روي أنه قال في رواية لوابصة بن معبد (¬2): "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات - وفي رواية متشابهات (¬3) - دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". ولهذا إن خبر الفاسق والصبي العاقل (¬4) في أمور الدين مبني على تحكيم القلب عند الضرورة. و (¬5) في أمور المعاملات مقبول من غير تحر. والأفضل أن يحكم رأيه فيه (¬6) أيضاً، احتياطاً، بخلاف ما نحن فيه، فإن الكلام في حال قيام سائر الحجج، فالحل الثابت (¬7) بدليله، لا يجوز تحريمه بشهادة القلب، والحرمة الثابتة بدليلها، لا تزول بشهادة القلب. فأما عند عدم الدلائل (¬8) الأربعة: [فـ] الإلهام يكون حجة في حق الملهم، لا في حق غيره، والتحري قد لا يكون حجة في الجملة، كما في الفروج (¬9)، لأن التحري (¬10) قد يقع خطأ وقد يقع صواباً، والإلهام الذي من الله تعالى لا يكون إلا صواباً وحقاً. فأما (¬11) الإلهام الذي يكون باطلا، فهو وسوسة الشيطان وتمني النفس، وليس بإلهام حقيقة - فدل على التفرقة بين الأمرين - والله أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "أو". (¬2) تقدمت ترجمته في الهامش 7 ص 680. (¬3) "وفي رواية متشابهات" من ب. (¬4) انظر البخاري على البزدوي، كشف الأسرار، 3: 20 - 21. (¬5) "و" ليست في ب. (¬6) في ب: "أن يحكم فيه رأيه". راجع البزدوي، والبخاري عليه، 3: 20 وما بعدها. (¬7) في ب: "ثابت". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "دلايل". (¬9) "كما في الفروج" من ب. (¬10) في ب: "والتحري". (¬11) في ب: "وأما".

وَإِذ (¬1) أتَينَا عَلي [1] بَيَانْ أنوَاع الأحكام (¬2) [2] وَبَيَانْ (¬3) أقسَام الدَّلائل (¬4) يبقي علينا [3] بَيَان أهليّة مَنْ تثبت فِي حَقِهِ، وبيَان تعلقهَا بالأسبَاب [4] وَبيَان دفع مَا يَتراءَى (¬5) مِنَ التعَارض فِي الدَّلائل وَالأحْكامَ ظاهرًا وإن (¬6) لمْ يَتصَورُ التعارضْ في دَلائل الله تعَالي وَأحكامُه حَقيقة جَل الله عَنْ ذلكَ وَتعَالى (¬7) فنبدأ بفصل التعَارض، وَمَا يتصل بِهِ مِن وُجُوه الدّفع ثم نُبيِّن أهلية الأحكام، ووجه تعلقها بالأسباب ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "وإذا". (¬2) راجع فيما تقدم ص 13 وما بعدها: "فصل في بيان الأحكام". (¬3) "بيان" ليست في ب. (¬4) راجع فيما تقدم ص 67 وما بعدها: "الفصل الثاني: في بيان ما يعرف به الأحكام". (¬5) تراءى الشيء أبصره، وتراءى له كذا ظهر (المعجم الوسيط). (¬6) "إن" ليست في ب. (¬7) في ب: "جل الله تعالى عن ذلك". وزاد في ب هنا: "وبيان دفعه والمجاز عنه"

الفصل الثالث التعارض

باب التعارض [الكلام في هذا الباب في فصول: فصل في المعارضة. وفصل في النسخ. وفصل في الترجيح] فصل في المعارضة الكلام في هذا الفصل في: تفسير التعارض (¬1) لغة. وبيان (¬2) حده (¬3) وحقيقته في عرف لسان الفقهاء. وفي (¬4) بيان المخلص عن التعارض. وفي بيان حكم التعارض شرعاً (¬5). [1] أما الأول فهو المقابلة على سبيل الممانعة والمدافعة (¬6) - يقال: لفلان عبد أو ابن يعارضه، أي يقابله بالمنع والدفع. ويقال: عرض لي عن الحضور إليك كذا (¬7) - أي استقبلني أمر صدني ومنعني عن الحضور إليك. ولذلك (¬8) سميت الموانع "عوارض". ¬

_ (¬1) في هامش الأصل: "يحتاج إلى تفسير التعارض". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وإلى بيان". (¬3) في ب كذا: "حقه". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وإلى". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "وإلى بيان حكمه شرعاً". (¬6) في ب: "المدافعة والممانعة". (¬7) "كذا" من ب. وفي الأصل: "هذا". (¬8) في ب: "كذا".

[2] وأما بيان حقيقته في عرف الفقهاء

[2] وأما بيان حقيقته في عرف الفقهاء [فـ] ما هو ثابت بمقتضى اللغة. وهو التمانع والتدافع بين الدليلين في حق الحكم. وذلك إنما يثبت عند وجود ركن التعارض وشرطه. أما ركنه (¬1) [فـ] هو المماثلة والمساواة بين الدليلين في الثبوت والقوة، لاستوائهما في الطريق نحو النصين (¬2) من الكتاب، والخبر ين المتواترين، ونحوهما. وأما الشرط - فهو المخالفة بين حكميهما: إما من حيث التضاد كالحل والحرمة، أو من حيث التنافي كالنفي والإثبات. لكن التضاد والتنافي لا يثبت إلا عند اتحاد المحل (¬3) والزمان والجهة، إذ (¬4) يتحقق الجمع بين الحل والحرمة، والنفي والإثبات، في زمانين: كحرمة الخمر بعد حلها، وفي محلين: كالحل في المنكوحة والحرمة في الأجنبية، وفي جهتين مختلفتين: كالنهي عن البيع وقت (¬5) النداء والطلاق في حالة الحيض. [3] وأما بيان المخلص عن التعارض ودفعه فنقول: دفعه بإراءة (¬6) قوة ما يتحقق به [دفع] المعارضة (¬7)، من الركن ¬

_ (¬1) في ب: "فالركن". (¬2) في ب كذا: "نحو النفس". (¬3) في ب: "المحال". (¬4) في ب: "أن". (¬5) في ب: "عند". (¬6) في ب كذا: "بازاه". وفي المعجم الوسيط: أرى وجه الصواب جعله يراه. (¬7) راجع فيما تقدم ص 685 حيث قال المؤلف رحمه الله: "وبيان دفع ما يتراءى من التعارض في الدلائل والأحكام ظاهراً".

والشرط، فيكون الانفصال والمخلص (¬1) عنه من وجهين في الحاصل: أحدهما يرجع إلى الركن، والآخر إلى الشرط. أما الذي يرجع إلى الركن: [فـ] بأن لم يكن بين الدليلين مماثلة، كنص الكتاب والخبر المتواتر، مع خبر الواحد والقياس، أو خبر الواحد مع القياس - لأن شرط قبول خبر الواحد والقياس أن لا يكون ثمة (¬2) نص، من الكتاب والسنة المتواترة والإجماع، بخلافه. وكذا إذا كان لأحد الخبرين من الآحاد أو لأحد القياسين، رجحان، على الآخر، بوجه من وجوه الترجيح، لأن العمل بالدليل الراجج واجب، عند عدم الدليل المتيقن بخلافه، ولا عبرة للمرجوح بمقابلة الراجح. ولكن هذا إنما يستقيم بين خبرتي الواحد، وبين القياسين، لأنه ليس بدليل موجب للعلم، وإنما يوجب الظن أو علم غالب الرأي - وهذا يحتمل التزايد من حيث القوة، بوجوه الترجيح. فأما بين النصين من الكتاب والسنة المتواترة في حق الثبوت، [فـ] لا يتصور الترجيح، لأن العلم بثبوتههما قطعي، والعلم القطعي لا يحتمل التزايد (¬3) في نفسه، من حيث الثبوت، وإن كان يحتمل من حيث الجلاء والظهور، إلا إذا وقع التعارض في موجبيهما (¬4)، بأن كان أحدهما محكماً مفسراً والآخر فيه احتمال، فكان المحكم أولى. ¬

_ (¬1) "والمخلص" من ب. (¬2) "ثمة" ليست في ب. (¬3) في ب كذا: "الرايد". (¬4) في ب: "موجبهما".

وأما الذي يرجع إلى الشرط: [فـ] بأن لا يثبت التنافي بين الحكمين، ويتصور الجمع به بينهما، لاختلاف المحل والحال، والقيد والإطلاق، والحقيقة والمجاز، واختلاف الزمان حقيقة أو دلالة. وبيان ذلك: أن النصين إذا تعارضا: إما إن كانا خاصين أو عامين، من وجه أو من كل وجه، أو أحدهما عاماً والآخر خاصاً. ولا يخلو، إما إن كان بينهما زمان يصلح للنسخ، أو زمان لا يصلح للنسخ. - فإن لم يكن بينهما زمان يصلح للنسخ: • فإن وفي الخاصين: يحمل أحدهما على قيد، أو حال، أو مجاز، ما أمكن. • وإن كانا (¬1) عامين من وجه دون وجه: فإنه يحمل على وجه يتحقق الجمع بينهما. • وإن كانا عامين لفظاً (¬2): فإنه يحمل أحدهما على بعض والآخر على بعض آخر، أو على القيد والإطلاق. • وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً: يبني العام على الخاص. وهذا بلا خلاف، لأنه لا يندفع التناقض إلا بهذا الطريق، فإنه لا يمكن الدفع بطريق التناسخ، لأنه لا يصلح للنسخ. • وكذلك (¬3) إذا كان النصان (¬4) بطريق الخبر، والنسخ في الأخبار لا يجوز على قول الأكثرين: يجب الحمل على القيد والإطلاق. نظير ¬

_ (¬1) في ب: "كان". (¬2) في ب: "عامين من كل لفظ". ولعل المراد: "عامين من كل وجه" وفقاً للتقسيم المتقدم قبل سطور. (¬3) في ب: "وكذا". (¬4) في ب: "كان التعارض".

ذلك أن الله تعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (¬1)، ثم قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} (¬2): فعين ما حرم (¬3) في حالة الاختيار، أن (¬4) مثله يحل في حالة الاضطرار، ولا تناقض، لاختلاف الحالين. وقال الله (¬5) تعالى لآدم عليه السلام: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} (¬6) ثم قال تعالى (¬7): {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (¬8) واندفع (¬9) التناقض بالتقييد، بحال ترك النهي والامتناع عنه. - فأما إذا كان بينهما زمان يصلح للتناسخ، بأن كان يتمكن المكلف من الفعل والاعتقاد جميعاً، أو من الاعتقاد لا غير، على حسب ما اختلف (¬10) فيه. فإن في هذه الفصول التي ذكرنا: يمكن العمل بالطريقين: بالتناسخ، والتخصيص والتقييد والحمل على المجاز، في العامين والخاصين. وقد ذكرنا الكلام في العام والخاص إذ تعارضا وعرف التاريخ (¬11)، وكذا إذا كان لا يعرف التاريخ، فلا نعيده (¬12). ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة المائدة: 3 - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (¬3) في ب: "ما حرمه". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "أو". (¬5) "الله" ليست في ب. (¬6) سورة طه: 118 وهي وبعض ما قبدها وما بعدها: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (¬7) "تعالي" من ب. (¬8) راجع فيما تقدم الهامش 6. (¬9) في ب: "فاندفع" (¬10) "ما اختلف" ليست في ب. (¬11) "وعرف التاريخ" من ب. (¬12) راجع فيما تقدم ص 323 - 327.

ولكن اختلف أهل الأصول: أن في هذه الفصول يجب العمل بطريق التناسخ، أو بطريق البيان من حيث التخصيص والتقييد (¬1): • فقال أصحاب الحديث: إن العمل بطريق التخصيص والبيان (¬2) أولي. • وقالت المعتزلة: إن العمل بالتناسخ أولى. • وقال عامة (¬3) مشايخنا، وهو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله: إنه ينظر إلى عمل الأمة في ذلك: إن حملوها على التناسخ يجب العمل به. وإن حملوها على التخصيص والتقييد يجب العمل به. وإن لم يعرف عمل الأمة في ذلك على أحد الوجهين، أو استوى على الأمة فيه، بأن (¬4) عمل بعض الأمة على أحد الوجهين، والبعض على الوجه الآخر، فيرجع في ذلك إلى شهادة الأصول، فيعمل بالوجه الذي شهدت به. وكذا (¬5) إذا كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً، ولا يترجح (¬6) الخاص وبخصوصه، ولا العام بعمومه، ولا يحمل على التناسخ أو على الخصوص والتقييد والمجاز، إلا بدليل - لأن عنده يجوز تأخير البيان فيما يمكن العمل بظاهره (¬7)، من (¬8) العام والخاص (¬9)، لاحتمال الخصوص والمجاز، فكان الخاص والعام سواء، فلم يختلف الجواب. وهذا الاختلاف بناء على ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "والقيد". (¬2) في ب: "البيان والتخصيص". (¬3) "عامة" من ب. (¬4) "في ذلك: إن حملوها ... الأمة فيه بأن" ليست في ب. وفيها: "ينظر إلى عمل الأمة فإن". (¬5) في ب: "وكذلك". (¬6) في ب: "ولا يرجح" (¬7) كذا في ب: "بظاهره"، وهي غير واضحة في الأصل وهي فيه كذا: "بظاره". (¬8) في ب: "ومن". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "بظاهره بن العموم والخاص".

ما ذكرنا: أن اللفظ العام [هل] يوجب العلم بعمومه (¬1) قطعاً أم مع الاحتمال؟ (¬2) فعلى قول المعتزلة: لما كان العام متناولا جميع ما وضع له، كأنه نص على كل فرد من أفراده، فإذا ورد نص خاص بخلافه، فقد أثبت ضد ما أوجبه النص العام في حق هذا الفرد. فإذا كان بين النصين زمان يجوز فيه النسخ: لو لم يحمل على النسخ ويحمل (¬3) على البيان من الأصل، يصير كأن النص (¬4) العام أوجب الإباحة في حق هذا الفرد، والنص الخاص أثبت الحرمة في زمان واحد، وهو تفسير التناقض، والتناقض منفي عن أحكام الله تعالى (¬5)، [فـ] يجب القول بالتناسخ، نجلاف ما إذا ورد النصان معاً، لأن ثمة لا يمكن القول بالتناسخ، فيجب الحمل على التخصيص، ويصير هذا الفرد غير داخل تحت اللفظ العام، وذكر اللفظ العام، والمراد به بعضه (¬6) جائز إذا اقترن به الدليل (¬7) دفعاً للتناقض بهذا الطريق، ويكون اللفظ العام مجازاً عند بعضهم، وعند بعضهم يكون استثناء وتكلماً بالباقي على ما مر (¬8). وعلى قول أصحاب الحديث: لما كان العام لا يوجب العموم قطعاً، بل يجوز أن يكون المراد منه البعض من الابتداء، وكذا اللفظ المطلق يجوز أن يراد به (¬9) المقيد من الابتداء، فإذا كان النص الخاص متأخراً أو جاء (¬10) القيد ولا يجوز الجمع بين حكميهما للتناقض، وأمكن دفع التناقض (¬11) بكل واحد من الطريقين، فالدفع بالتقييد والتخصيص أولى، لوجهين (¬12): ¬

_ (¬1) في ب.: "لعمومه". (¬2) راجع فيما تقدم ص 277 وما بعدها. (¬3) في ب: "وحمل". (¬4) "النص" من ب. (¬5) "تعالي" من ب. (¬6) في ب: "اللفظ العام ورد به بعضه" (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "البيان". (¬8) راجع فيما تقدم ص 287 وما بعدها. (¬9) في ب: "أن يكون المراد به". (¬10) في ب كذا: "حال". (¬11) "وأمكن دفع التناقض" ليست في ب. (¬12) في ب كذا: "أو الوجهين".

أحدهما - أن النسخ أمر ضروري، فإن الأصل هو بقاء الحكم المشروع الثابت باليل المطلق، والضرورة ترتفع بالأدنى، وهو التخصيص. والثاني - هو عمل بالدليلين: بالنص الخاص في المستقبل، وبالنص العام فيما وراء المخصوص في الماضي والمستقبل جميعاً، ولو حمل على التناسخ، فيما إذا كان العام متأخراً، صار ناسخاً للخاص أصلا، فكان ما قلنا أولى. وجه قول مشايخنا: دلالة الإجماع، والمعقول. أما الأول - فإن الأمة أجمعت على التناسخ، في موضع إمكان التخصيص فإنه ورد في عدة الوفاة نصان: أحدهما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (¬1). والثاني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬2) وأمكن العمل بالنصين بأن يكون قوله "أربعة أشهر وعشراً" (¬3) تقريراً لبعض ما في الآية الأخري، فإنها موجودة في السنة، أو تجب السنة وأربعة أشهر وعشر زيادة عليها، ثم حملت الأمة النصين على التناسخ، ولهذا نظائر (¬4). وأما المعقول - وهو أن كل واحد منهما بيان، إلا أن إخراج بعض الأعيان من الجملة يسمى تخصيصاً، وإخراج بعض الأزمان يسمى نسخاً، إذ لو لم يكن النسخ بياناً لم يندفع التناقض، فلم يكن أحدهما بأولي من ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 240. (¬2) سورة البقرة: 234. (¬3) "وأمكن العمل بالنصين ... وعشرا" ليست في ب. (¬4) "ثم حملت ... نظائر" من ب. وانظر فيما يلى ص 721 والهامش 4 منها.

الآخر، فوجب الترجيح بعمل الأمة (¬1)، أو بشهادة الأصول، بعد العجز عن عمل الأمة (¬2). وما ذكروا من الترجيح لا يستقيم، لأن الكلام فيما وقعت فيه المعارضة، وهو (¬3) قدر الداخل تحت الخاص، لأنه لا يمكن العمل بهما جميعاً في حقه، فلا بد من ترك العمل بالعام بقدره، أو بترك العمل بالخاص - فدل أن الصحيح ما قلنا. هذا الذي ذكرنا في النصين من الكتاب. فأما إذا ورد النصان (¬4) من السنة بطريق التواتر، وأحدهما معمول به دون الآخر، ولم يعرف التاريخ، أو (¬5) أحدهما من الكتاب والآخر الخبر المتواتر والخبر معمول به - فإن الآخر يكون منسوخاً، فدل (¬6) هذا على التاريخ دلالة. ولكن هذا في الخبرين إنما يتصور في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأما لا يتصور في زمن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، لأنهم لم ينقلوا خبرين متواترين، والعمل بأحدهما منسوخ، لأن رواية الحديث لأجل العمل به، فلابد أن يتركوا الرواية، فلا يصير متواتراً. وأما التعارض (¬7) - إذا وقع بين الخبرين بطريق الآحاد: فالجواب (¬8) في المخلص عن التعارض، ما ذكرنا في النصين من الكتاب، إلا أن ههنا زيادة مخلص وهو الترجيح، بوجوه الترجيح، ولا يتحقق هذا في النصين القاطعين. ¬

_ (¬1) و (¬2) في ب كذا: "الآية". (¬3) في ب: "وقد". (¬4) في ب: "نصان". (¬5) في ب: "و". (¬6) في ب: "ويدل". وفي الأصل قد تكون: "فيدل". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "وأما التواتر". (¬8) في ب كذا: "فالجواد".

[4] وأما بيان حكم المعارضة شرعا

وأما في تعارض القياسين وقولي الصحابة: [فـ] لا يمكن الدفع بطريق التخصيص على رأي من لا يجوز تخصيص العلل، ولا بطريق التناسخ، لأن القياس الصحيح أحدهما، لأن الحق في المجتهدات واحد، لكن لا يعرف الصحيح من الفاسد إلا بنوع ترجيج، وإنما يبطل إذا ظهر النص بخلافه، فكان المخلص فيه هو الترجيج لا غير. وكذا لا يتصور التعارض بين إجماعين، لأن الإجماع (¬1) متي انعقد، لا يتصور انعقاد إجماع آخر، بخلافه. [4] وأما بيان حكم المعارضة شرعاً فنقول: إذا امتنع دفع التعارض بين الدليلين في الأحكام الشرعية ظاهراً، فإنه يجب على المجتهد التوقف إلى أن يجد مخلصاً: بشهادة الأصول في الدليلين المعلومين قطعاً، وبالترجيح بوجه من وجوه الترجيج في الدليلين الموجبين علم غالب الرأي، لأنه لا يتصور خلوهما عما يقع به التمييز بين الحق والباطل. وهذا عندنا، وهو قول كل من قال: إن الحق في المجتهدات واحد (¬2). ثم ينظر: - إن ورد في الحل والحرمة، فإنه يمتنع بطريق الاحتياط ويأخذ بالحرمة (¬3). - وإن وردا في الإيجاب والإسقاط: • إن كان ذلك في العبادات، فإنه يجب الإتيان (¬4) احتياطاً أيضاً. ¬

_ (¬1) في ب: "إجماع". (¬2) "واحد" ليست في ب. (¬3) في ب: "الحرمة". (¬4) في ب كأنها: "الاسات"

فصل في النسخ

• وإن كان ذلك في حقوق العباد: فإن وقع الاختلاف في ابتداء الوجوب، فلا يحكم بالوجوب، لأن القول بالوجوب بطريق الاحتياط، احترازاً عن فوت الحق الواجب، وصيانة حقهما جميعاً واجب، وليس أحدهما بأولى من الآخر. وإن كان التعارض وقع في السقوط، فلا يسقط بالشك. والله أعلم. وأما على قول من قال بأن كل مجتهد مصيب [فقد] اختلفوا: قال بعضهم مثل قولنا: إنه يتوقف ما لم يغلب على ظنه أحد الوجهين. وقال عامتهم بأنه يخير بين الحكمين فيما يفيد الاختيار، ويجعل كأن الله تعالى صرح بالحكمين، على طريق التخيير - على ما نذكر إن شاء الله تعالى. ولما كان المخلص عن التعارض بطريق التناسخ في البعض، وبطريق الترجيح في البعض، وبطريق التخصيص والتقييد في البعض، وقد ذكرنا حكم التقييد والتخصيص من قبل، فلابد أن يذكر حكم النسخ والترجيح. فنبدأ بفصل النسخ. فصل في النسْخ (¬1) الكلام فيه في مواضع: في بيان النسخ في اللغة وفي عرف الشرع. وفي بيان أنه اسم شرعي أو عرفي. وفي بيان حده وحقيقته عند الفقهاء والمتكلمين. وفي بيان مشروعيته. ¬

_ (¬1) انظر البزدوي والبخاري عليه، 3: 154 وما بعدها.

[1] أما تفسيره

وفي بيان محله. وفي بيان شرائطه. وفي بيان الناسخ والمنسوخ. وفي بيان أقسامهما. وفي هذه الفصول طول يذكر في الشرح إن شاء الله تعالى، ونذكر (¬1) في هذا المختصر ما هو كفاية و (¬2) نموذج إلى ما هو النهاية إن شاء الله تعالى. [1] أما تفسيره لغة - فهو مستعمل في معنيين (¬3): أحدهما - الإزالة والرفع، يقال: "نسخت الشمس الظل" أي: أزالته ورفعته، فإن الظل لا يبقى في ذلك المكان بعد وجود الشمس فيه. ويقال: "نسخت الريح آثار الأقدام" إذا رفعتها وأبطلتها حساً. والثاني - يستعمل في النقل، يقاك: نسخت الكتاب" أي: نقلت (¬4) مثل (¬5) ذلك المكتوب إلى محل اخر، وفي عرف الفقهاء - يستعمل (¬6) تشبيهاً بالمعنى الأول من وجه. [2] وأما بيان أنه اسم شرعي أو اسم عرفي عند بعضهم: اسم عرفي، فإن ما هو معناه، وهو الرفع والإزالة، لغة (¬7)، لا يتحقق في النسخ الشرعي، فكان الاستعمال عرفاً، فيكون الاسم ¬

_ (¬1) في ب: "ويذكر". (¬2) "و" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "في المعنيين". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "نقل". (¬5) في ب: "منه". (¬6) في ب: "مستعمل". (¬7) "لغة" من ب.

[3] وأما بيان حده عند الفقهاء والمتكلمين

• منقولا، كاسم الصلاة للأفعال المعهودة: لما لم يكن في الأفعال معنى الاسم اللغوي يكون اسماً منقولا، لا اسماً شرعياً، فكذا هذا (¬1). وقال بعضهم: هو اسم شرعي، لأن فيه معنى لغوياً، وهو الإزالة من وجه - على ما نذكر. [3] وأما بيان حده عند الفقهاء والمتكلمين قال بعض المعتزلة: هو إزالة مثل الحكم الثابت بالدليل الأول (¬2)، بقول منقول عن الله تعالى أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو فعل منقول عن رسوله (¬3)، مع تراخيه عن الأول (¬4)، على وجه لولاه لكان ثابتاً (¬5). وقال بعض أهل الحديث: هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم، على وجه لولاه لكان ثابتاً به، مع تراخيه عنه. وقيل: إزالة الحكم الأول مع استقراره. وإنما ذكروا "الإزالة والرفع" عملا بحقيقة الاسم لغة، فإن الدليل الأول أثبت الحكم على الأبد والدوام، لولا النص المعارض، فيكون هذا (¬6) النص (¬7) إبطالا للحكم الأول ورفعاً له، كالبيع: يوجب الملك مطلقاً مؤبداً لولا الفسخ، فيكون الفسخ إبطالا للبيع أو حكمه لا بياناً (¬8) - فكذا هذا. ¬

_ (¬1) في ب: "معنى الاسم اللغوي، لا يكون اسماً منقولا ولا اسماً شرعياً وكذا هذا". (¬2) "بالدليل الأول" من ب. (¬3) في ب: "عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬4) "عن الأول" من ب. وفي الأصل: "عنه". (¬5) في ب كذا: "بيابه" ولعلها "ثابتاً به". (¬6) "هذا" ليست في ب. (¬7) "النص" من ب. وليست في الأصل. (¬8) في ب كذا: "لا ـا ـا".

وذكر الشيخ القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله ان النسخ رفع وإبطال للحكم في حقنا، لأنه ما ارتفع (¬1) في حقنا إلا بالناسخ. فأما في حق الله تعالى فهو بيان محض لمدة الحكم، كالقتل: يجعل قطعاً للحياة (¬2) في حق العباد، وهو (¬3) نهاية في علم الله تعالي. وذكر الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله في كتابه (¬4) الموسوم بـ"مآخذ الشرائع" أن النسخ في الحقيقة بيان منتهى ما أراد الله تعالى بالحكم الأول من الوقت. كما أن الحكم: إذا كان موقتاً إلى وقت نصاً، كان الوقت غاية (¬5) لانتهاء الحكم. وكذا تخصيص العموم: إذا كان مقارناً، فهو بيان أن المخصوص لم يدخل تحته. وكذا الاستثناء: بيان أن المستثنى غير مراد من المستثنى منه (¬6) - فكان النسخ مثل هذه الفصول في حق البيان، فإن الحكم متي كان ثابتاً في الحل أو الحرمة، أو ورد الأمر أو النهي مطلقاً، ثم جاء نص بخلافه، كان هذا بياناً (¬7) من صاحب الشرع أن الحل ثابت إلى هذا الوقت. وكذا حكم الأمر والنهي. غير أن البيان، في الحكم (¬8) المطلق عن الوقت، بثبوت حكم مخالف له بنص (¬9) مطلق قائم بنفسه، متراخ عن الأول، يسمى نسخاً. والبيان التراخي (¬10) عن العام المطلق، بتخصيص شيء منه (¬11): يسمى تخصيصاً، والعبادات ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل قد يكون كذلك. (¬2) "للحياة" ليست في ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "فهو". (¬4) في ب: "كتاب". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "إلى وقت فإن الوقت علم لانتهاء الحكم". (¬6) "وكذا الاستثناه ... المستثنى منه" من ب. (¬7) في ب كذا: "بيان". (¬8) في ب: "في حكم ". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "عن الوقت لثبوته بنص". (¬10) "المتراخي" من ب. (¬11) في ب: "عن العام المطلق أن هذا الشيء غير مراد بنص قائم بنفسه يسمى تخصيصاً".

المؤقتة والأحكام المؤقتة صريحاً، فانتهاء وقتها لا يسمى نسخاً. وتسمية (¬1) الأشياء لإعلام العباد، وبين هذه الأنواع من البيان مفارقة من وجه، فلابد من اختلاف الاسم للتمييز بينهما، فوضع أهل اللسان نوع اسماً. وقد جاء القران بتسمية هذا النوع من البيان نسخاً بقوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" (¬2). ولله تعالى أن يسمي الأشياء بما شاء من الأسامي (¬3)، فهو الواضع للأسامي والشارع للأحكام. وهذا هو الصحيح. وتحرير (¬4) الحد فيه أن يقال: النسخ هو بيان انتهاء الحكم الشرعي المطلق، الذي في تقدير أوهامنا استمراره لولاه، بطريق التراخي. ونعني بالحكم هو المحكوم. فأما (¬5) الحكم فإنه (¬6) صفة أزلية لله تعالي على ما مر ذكره (¬7). [فـ] لا يلزم على هذا (¬8) الحكم الموقت صريحاً، فإن ثمة ليس في وهمنا استمراره. ولا يلزم التخصيص، فإنه بييان أنه غير مراد من الأصل، بنص قائم بنفسه، لا أنه انتهاء. ولا يلزم الاستثناء، لأنه بييان أنه غير مراد من الأصل، بنص قائم بنفسه، بل ببعض النص (¬9)، بعد الثبوت. ¬

_ (¬1) في ب كذا: "ويسمى". (¬2) سورة البقرة: 106. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "بما سمى من الأسماه". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وتحديد". (¬5) في ب: "وأما". (¬6) "فإنه" من ب. (¬7) في ب: "علي ما ذكرنا". راجع في، تقدم ص 17. (¬8) "علي هذا" من ب. (¬9) "بنص قائم بنفسه ... ببعض النص" من ب. وقد وردت هذه العبارة فيها في الهامش منتهية بكلمة "صح" دون أن يبين موضعها بوضوح. وفي الأصل: "ولا يلزم التخصيص فإنه بيان أنه غير مراد من الأصل لا أنه انتهاء بعد الثبوت".

وما قالوا من "الإزالة والرفع"، فغير صحيح، لأن ما ثبت من الحكم في الماضي لا يتصور بطلانه، وما (¬1) في المستقبل لم يثبت بعد، فكيف يبطل؟. ولأن حكم الله تعالى إذا كان على طريق التأبيد وإرادة (¬2) وجوده أو وجوبه أو الحل أو الحرمة، ثم لم يثبت على الأبد، يكون قولا بتغيير الإرادة، وما أراد الله تعالى يكون لا محالة. ولأنه (¬3) لا يخلو: إما أن يقولوا: إن الله تعالى عالم (¬4) بالحكم على طريق التأبيد عالم بالمصلحة، أو لم يكن عالماً. فإن (¬5) كان عالماً بالمصلحة ثم بالنسخ، يتبين أنه لا مصلحة، فهذا (¬6) قول بالجهل أو بالبداء (¬7)، أو بالرجوع (¬8) بظهور المصلحة في الثاني. وأما أنه (¬9) نسخ، مع العلم بالمصلحة، فهو قول بنسبة السفه إلي الله تعالي - وكل ذلك باطل. والذي يحقق ما قلنا: أن ما قلناه إيمان اعتقده كل مسلم، بطريق (¬10) الإجمال، فإن كل من آمن بالله تعالى فإنه (¬11) يعتقد أن الخلق والأمر لله تعالى، وأنه (¬12) كون الأشياء في الأزل على ما يكون في الوقت الذي يكون. وكذا أمر بالأشياء ليجب ويوجد في الوقت الذي أراد ¬

_ (¬1) "ما" ليست في ب. (¬2) في ب: "واراد". (¬3) في ب: "ولأنهم". (¬4) "عالم" من ب. (¬5) في ب: "إن". (¬6) في ب: "وهذا". (¬7) في ب: "والبدا". وقد تقدم تعريفه في الهامش 8 ص 117. (¬8) في ب: "والرجوع". وقد تكون في الأصل: "أو الرجوع". (¬9) في ب: "ان". (¬10) في ب: "علي طريق". (¬11) "فإنه" ليست في ب. (¬12) في ب: "وإن".

[4] فصل في: بيان مشروعية النسخ

وجوبه ووجوده فيه. وكذا في النهي. وأنه أراد الحكم المؤبد أو الموقت، فيكون على حسب إرادته، وأن ما أراد يكون لا محالة على الوجه الذي أراد، ولا يكون على خلاف ما أراد. وما قلناه تفسير وتفصيل، لما وجب اعتقاده، بطريق الإجمال. فأما متي اعتقد أنه كان أراد الأبد، ثم لم يثبت المراد على الأبد، لكن ينعدم قبله، فلا تكون إرادته نافذة على الوجه الذي أراد، فيكون هذا الاعتقاد مخالفاً تفصيله جملته، وهو باطل - والله الموفق. وما قالوا: إنه بيان عند الله تعالى، ولكنه في حق العباد إبطال وإزالة، غير مستقيم أيضاً، فإن الحق عندنا واحد في الشرعيات (¬1)، كما في العقليات، والمجتهد يخطئ ويصيب، خلافاً لقول من قال: إن كل مجتهد مصيب - فهذا (¬2) يرجع إلى ذلك، على ما نذكر. [4] فصل في: بيان مشروعية النسخ قال عامة أهل الإسلام: إن (¬3) النسخ مشروع في الجملة. وقال قوم، من أهل القبلة ممن (¬4) لا عبرة بهم، بأن النسخ لا يجوز في شريعة واحدة. واليهود افترقت ثلاث فرق: ¬

_ (¬1) في ب: "عندنا في الشرعيات واحد". (¬2) في ب: "وهذا". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "بأن". (¬4) "ممن" ليست في ب.

قالت (¬1) فرقة مثل قولنا (¬2). وقالت (¬3) فرقة بأنه غير مشروع عقلا وقال بعضهم: إنه (¬4) ليس بقبيح عقلا، ولكن امتنع النسخ لشريعة موسى عليه السلام سمعاً. فالمنكرون لشرعيته عقلا، شبهتهم واحدة، وهو أن النسخ من باب البداء والغلط (¬5)، وهو محال في حق الله تعالى، وما أفضى إلى المحال فهو محال. بيانه، أن النسخ ليس إلا تحريم الحلال، أو إحلال الحرام، أو النهي عما كان مشروعاً قبله، أو النهي عن مثل ما كان مشروعاً، والشيء متي كان مشروعاً شرعاً لا يكون إلا لمصاحة (¬6)، والمصلحة متى ثبتت في شيء يثبت فيما كان من أمثاله. فإذا جاء الناسخ: فإما أن يظهر (¬7) أنه لم يكن من المصلحة من الأصل، وهو قول بنسبة الجهل إلى الله تعالى أو نسبة البداء والرجوع، فذلك (¬8) محال. أو كان مصلحة، ومع قيام المصلحة نسخه، فيكون سفهاً، تعالى الله (¬9) ءعن ذلك. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "قال". (¬2) في هامش الأصل: "هؤلاء القوم من مذهبهم أن موسى وعيسي عليهما الصلاة والسلام بشرا بنبوة محمد - صلي الله عليه وسلم -. ومن الجائز أن يقال: كان التكليف شرهما إلى ظهور شرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون ذلك نسخاً، بل جارياً مجرى قوله: "ثم أتموا الصيام إلى الليل" (البقرة: 187). (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "وقال". (¬4) في ب: "بأنه". (¬5) في ب: "الغلط والبدا". تقدم تعريف البداء في الهامش 8 ص 117. (¬6) في ب: "إلا مصلحة". (¬7) في ب: "ظهر". (¬8) في ب: "وذلك". (¬9) "الله" من ب.

وجه قول الفريق الثاني - قالوا: ثبت بطريق التواتر عن (¬1) موسى عليه السلام أنه قال: تمسكوا بالسبت (¬2) ما دامت السماوات والأرض. و (¬3) قالوا: ذلك مكتوب في التوراة. وكذا رووا عن موسى عليه السلام أنه قال (¬4): لا نسخ لشريعتي. وجه قول أهل (¬5) الحق: - وهو أن تحريم الأخوات والجمع بين الأختين وتحريم الجزء (¬6)، ثابت في شريعة موسى عليه السلام، والإباحة ثابتة قبلها، وليس تفسير النسخ إلا هذا. - وقال الله (¬7) تعالى: "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" (¬8) وهو تفسير النسخ. وكذا قال الله (¬9) تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" (¬10) وقال الله (¬11) تعالى: "وإذا بدلنا آية مكان آية" (¬12)، والقرآن معجز، فيكون حجة على الكل. - وأما المعقول، وهو أن النسخ هو التحريم والتحليل في الأفعال (¬13). فعين ما صار حراماً لا بقاء له، حتى يصير حلالا. وكذا على العكس. ¬

_ (¬1) في ب: "من". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "بالسبب". وفي المعجم الوسيط: تمسك بالشيء مسك. والسبت يوم من أيام الأسبوع والدهر أو برهة منه. (¬3) في ب: "أو". (¬4) كذا في ب: وفي الأصل: "قال إنه". (¬5) "أهل" ليست في ب. (¬6) "وكذا الاستمتاع بالجزء: كان حلالا لآدم عليه السلام، فإن زوجته حواء كانت مخلوقة من ضلعه على ما نطق به الخبر ثم انتسخ ذلك بغيره من الشرائع، حتى لا يجوز لأحد أن يتزوج أخته، وأن يستمتع [بـ] بعض منه بالنكاح، نحو ابنته" (البزدوي، والبخاري عليه، 3: 158 - 159). (¬7) "الله" ليست في ب. (¬8) سورة النساء: 160. (¬9) "الله" ليست في ب. (¬10) سورة البقرة: 106. (¬11) "الله" ليست في ب. (¬12) سورة النحل: 101. (¬13) "في الأفعال" ليست في ب.

فمن الضرورة أن النسخ (¬1) لا يكون تحريم المحلل، ولا تحليل المحرم (¬2)، بل يكون تحريم (¬3) مثله، وتحريم الشيء إنما يكون تحريم مثله إذا كان معقولا. أما إذا لم يكن فلا. وهذا لأن عند أصحاب الحديث: الحسن والقبح والتحريم والتحليل يثبت بالأمر والنهي، فيجوز أن يكون الشيء مشروعاً، لقيام الأمر، ثم صار مثله منسوخاً أو عينه، لو (¬4) تصور، لقيام النهي. فأما (¬5) على مذهبنا: فالحسن والقبح قد يكون (¬6)، لذات الشيء، معقولا، كمعرفة ذات الله تعالى (¬7) وصفاته، وحسن أصل العبادات، وقبح الكفر ونحوه (¬8). وقد يكون لمعنى في الشيء لا لعينه، كالتوجه إلى بيت المقدس. وكذا القبح، كقتل (¬9) الآدمي والحيوان: حرام لمعنى لا لعينه، حتي يصير مباحاً مع قيام عينه لتبدل المعنى. إذا ثيت هذا فنقول: عندنا النسخ إنما يجوز في هذا القبيل لا في القبيل الأول على ما نذكر في بيان محل النسخ. وإذا كانت المصاحة والحكمة لم تتعلق بالعين بل بالمعنى، يجوز أن يتبدل بتبدل الأزمان والأشخاص لتبدل المعنى (¬10) - ألا ترى ¬

_ (¬1) "أن النسخ" من ب. (¬2) "ولا تحليل المحرم" ليست في ب. (¬3) "تحريم" من ب. (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "أو". (¬5) في ب: "وأما". (¬6) "قد يكون" من ب. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "كوجوب معرفة الله تعالى". (¬8) "وقبح الكفر ونحوه" من ب. (¬9) في ب: "وكذا القبح ونحوه وكذا القبح لقتل". (¬10) "لتبدل المعنى" من ب.

أن من الأشياء ما هو ضار في حق شخص، نافع في حق شخص آخر، لاختلاف الطباع، والطبيب الحاذق يعرف ذلك، فيبني الأمر على قوله، والله تعالى هو العالم بمصالح الأوقات، وهو الرؤوف. بعباده، ونحن لا نقف على حقيقته، فمتي جاء النص فى خلاف الحكم الأول متأخراً عنه، علم، بطريق الضرورة، أن المصلحة تغيرت، وعند تغير المصلحة، تكون الحكمة في تغير المشروع لا في الإبقاء. - وخرج الجواب عن قولهم: إن المشروع لا يكون إلا لمصلحة - فبلى (¬1)، ولكن ما شرع فيه النسخ لا يعرف فيه المصلحة إلا من الشرع. أما لا تعرف من جهة العقل إلا بإشارات النصوص (¬2) - على ما نذكر. فإذا جاء الناسخ دل على تغير المصلحة، وليس شرط المصلحة هو البقاء أبداً، كما في الحار والبارد، في حق شخص واحد عند اختلاف الأزمان، فلم يكن - النسخ مقصوراً على ما قالوا، بل ههنا قسم آخر، وهو ما ذكرنا، وليس في هذا النوع من النسخ بداء أو تغيير (¬3). وفيما قلتم من النوع بداء، فلذلك (¬4) لم يجز ذلك النوع (¬5) دون. هذا. إذ النسخ (¬6) عند الفقهاء عبارة عما قلنا، وإنه ليس ببداء ورجوع، وما ذكرتم ليس بنسخ، بل رجوع وبداء - والله الموفق. ¬

_ (¬1) بلي حرف جواب، يجاب به النفي خاصة، ويفيد إبطاله سواء أكان هذا النفي مع استفهام أم دونه (المعجم الوسيط). (¬2) "إلا بإشارات النصوص" من ب. (¬3) في الأصل كذا: "بدا وتغيير". وفي ب كذا: "بدا وعر" (¬4) في ب: "فذلك". (¬5) في الأصل هنا عبارة "من النسخ" ثم شطبت. وليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "والنسخ".

[5] فصل في: بيان محل النسخ

- وما ذكروا من السمع: • أما قولهم رواية عن موسى عليه السلام: "لا نسخ لشريعتي": إن كان بطريق التواتر فهو محذوف، أي لا نسخ لشريعتي إلى مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنه يثبت (¬1) رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بما ثبتت (¬2) به رسالة موسي عليه السلام، وثبت به نسخ شريعته، فوجب القول بالحذف (¬3)، عملا بالدليلين. • وأما ما رووا: "تمسكوا بالسبت (¬4) ما دامت السماوات والأرض فنقول: لا يمكن العمل بظاهره، فإن التكليف بالسبت (¬5) ينقطع بانقراض الدنيا والسماوات والأرض قائمة، ولكن هو كناية في الأبد في عرف أهل اللغة، كأنه قالوا: "تمسكوا بالسبت (¬6) أبداً" ثم يزاد عليه أي أبدا ما لم يبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - حتي يكون عملا بالدلائل. [5] فصل في: بيان محل النسخ قال عامة العلماء رحمهم الله بأن محل النسخ هو الحكم الشرعي المطلق عن الوقت وعن (¬7) الأبد، صريحاً ودلالة. وإنما قيدوا بالحكم الشرعي لأن الأحكام العقلية، وهي (¬8) وجوب الإيمان وحرمة الكفر وكل ما يعرف بمجرد العقل من غير دليل سمعي، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "ثبت". (¬2) في ب: "بمثل ما سءـ". (¬3) في ب كذا: "بالحدو". (¬4) و (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "بالسبب". (¬6) "ينقطع بانقراض ... بالسبت" ليست في ب وفي الأصل: "بالسبب". راجع الهامش 2 ص 704. (¬7) "عن" من ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "وهو".

فإنه لا يحتمل الارتفاع والعدم بحال، لقيام دليله (¬1)، وهو العقل، على كل حال، فلا يحتمل النسخ، وحكمه انتهاء الحكم الأول أو (¬2) الزوال والارتفاع، على ما تكلموا فيه - وهذا عندنا. وأما علي مذهب أصحاب الحديث، وإن كان وجوب الإيمان وحرمة الكفر بالدليل السمعي، لا بالعقل وحده، لكن قام الدليل السمعي على وجوب الإيمان وحرمة الكفر علي طريق التأبيد، فلا يحتمل النسخ. وإنما قالوا: الحكم الشرعي المطلق عن الوقت والأبد صريحاً أو (¬3) دلالة، لأن الحكم الثابت بطريق التأبيد لا يحتمل النسخ، بل يكون ذلك من باب البداء، تعالى الله عن ذلك. نظيره قول الله تعالى (¬4): "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" (¬5)، وإنه كذلك إلى قيام الساعة. وأما التأبيد دلالة فهو الأحكام الشرعية التي بقيت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت الانتساخ في حال (¬6) حياته، لأن الانتساخ إنما يكون بالوحي، ولا وحي يتصور بعد وفاته، لكونه خاتم النبيين. وكذا (¬7) الموقت صريحاً، لأن ثبوت الحكم في المدة المعينة بمنزلة الحكم المؤبد، فلا يجوز (¬8) الانتساخ قبل مضي الوقت، لما ذكرنا. ¬

_ (¬1) في ب: "دليل". (¬2) في ب: "و". (¬3) في ب: "و". (¬4) في ب: "قوله تعالى". أي نظير التأبيد الصريح. (¬5) سورة آل عمران: 55: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. (¬6) "حال" ليست في ب. (¬7) في ب: "وكذلك". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "فيجوز".

وذكر بعض أهل الأصول في هذا الفصل خلافاً: فقال (¬1) بعضهم: لا يجوز النسخ في المؤبد. وقال عامة أهل الأصول بأنه يجوز. ولكن لا خلاف في الحقيقة عند التأمل، لأن من قال بالجواز اعتماده على أن الأبد اسم لجميع العمر، فمتى جاء النسخ تبين أن الأبد ذكر وأريد به بعض ما يتناوله اسم الأبد، كقوله تعالى: "فاقتلوا المشركين" (¬2) يتناول جيمع المشركين، فمتى خص منه أهل الذمة كان المراد من اللفظ العام بعضه، ولا فرق إلا أن هذا تخصيص بعص الأعيان، وذلك (¬3) تخصيص بعض الأزمان. والفريق الأول يقولون بالتخصيص ولكن مرادهم بهذا أن الأبد متى كان منصوصاً، وهو مراد الله تعالى، لا يجوز نسخه لا أنه يؤدي إلى البداء، ولأن النسخ غير التخصيص، فإن النص المطلق وإن كان ظاهره الدوام، لا بموجب الصيغة، ولكن بدليل (¬4) آخر، والنص المؤبد متناول لجميع الأزمان من حيث اللفظ. فإذا جاء الناسخ في المطلق انتهي الحكم الثابت في الماضي (¬5) للحال وتبين أن المستقبل ما كان ثابتاً. وإذا جاء التخصيص في الزمان المؤبد بقي الحكم فيما وراء المخصوص ثابتاً، وفي المستقبل تبين أنه غير مراد، فأنى يتشابهان؟ وأما الإخبار - هل هو محل النسخ أم لا (¬6)؟ فهذا على وجهين: ¬

_ (¬1) في ب: "فقال: قال بعضهم". (¬2) سورة التوبة: 5: " {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ... ". وفي الأصل و (ب): "اقتلوا المشركين". (¬3) في ب: "وذاك". (¬4) في ب: "لدليل". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "انتهى الحكم في الثابت الماضي". (¬6) راجع فيما تقدم ص 707 وما بعدها.

- إن كان في الأحكام الشرعية، فهو والأمر والنهي سواء، فإنه إذا أخبر الله تعالى، أو النبي - صلى الله عليه وسلم -، بالحل مطلقاً ثم ورد الخبر بعده بالحرمة (¬1)، ينتسخ الأول بالثاني. - فأما إذا أخبر عن الحل أو عن الحرمة (¬2) مؤبداً، فالجواب فيه مثل الجواب في الأمر والنهي أيضاً. - وإن كان الإخبار في غير الأحكام، كما أخبر الله تعالى، أنه يدخل الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين الجنة، ويدخل الكفار النار: فهذا لا يحتمل النسخ، لأنه يؤدي إلى الخلف في الخبر، وهو قول عامة أهل الأصول. وقال بعضهم: يجوز النسخ في الوعيد، لأن الخلف في الوعيد كرم. فأما في الوعد [فـ] لا يجوز، لأن الخلف فيه من باب اللوم. فكذا (¬3) إذا أخبر الله تعالى أو رسوله بأنه يولد (¬4) لفلان ولد يوم كذا، فهذا لايحتمل أن لا يكون، إذ خلافه يكون كذباً، ولا يجوز ذلك (¬5) في وصف الله تعالى، والنبي عليه السلام معصوم عنه (¬6) بدلالة النبوة. فإن قيل: أليس أن الله تعالى أخبر لآدم وقال: " {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} (¬7) ثم قال تعالى (¬8): {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} (¬9) ¬

_ (¬1) في ب: "بالحرم". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "عن الحل والحرمة". (¬3) في ب: "وكذا". (¬4) في ب: "أو رسوله حل الله عليه وسلم فإنه يولد". (¬5) "ذلك" ليست في ب (¬6) في ب: "عليه". (¬7) سورة طه: 118. والآيات 117 - 121 هي: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (¬8) "تعالى" من ب. (¬9) سورة طه: 121 - راجع الهامش 7.

[6] فصل في: بيان شروط النسخ

وهذا خلف في الخبر - قلنا: هذا من باب القيد والإطلاق، لا من باب النسخ - على ما مر. [6] فصل في: بيان شروط النسخ وهي على نوعين: نوع هو شرط لصحة إطلاق اسم النسخ عرفاً. ونوع هو شرط صحة النسخ شرعاً. ثم بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه. أما الأول: [فمنها]- أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً، لا عقليا. أما عندنا - فلأن الحكم العقلي، الذي يعرف بمجرد العقل من غير واسطة الدليل السمعي، لا يحتمل النسخ (¬1). وعند (¬2) المعتزلة: بعض اللأحكام من الحل والحرمة يعرف بالعقل. فإذا جاء الشرع بخلافه، ينتهي حكم العقل إلى حكم الشرع، ولكن لا يسمى ذلك نسخاً عندهم. وكذا عند بعض أصحاب الحديث: براءة (¬3) الذمة وعدم وجوب الأحكام ثابت بالعقل، ويتغير (¬4) بالشرع، ولا يكون نسخاً من حيث الاسم، ولا يتصف به في عرف الشرع. ومنها - يشترط أن يكون الدليل الذي ثبت (¬5) به انتهاء الحكم دليلا ¬

_ (¬1) في ب: "شرعياً لا عقلياً لأن العقلي لا يسمى انتهاؤه وزواله نسخاً في العرف - وهذا عندنا". (¬2) في ب: "فأما عند". (¬3) في الأصل كذا: "براة". وفي ب كذا: "براه". (¬4) في ب كذا: "ويتعين". (¬5) في ب: "ـبت".

سمعياً لا عقلياً. فإن بالعجز والمرض، يسقط بعض الأحكام ولا يسمى نسخاً. وكذا بالموت، تنتهي الأحكام كلها، ولا يسمى نسخاً. ومنها - أن لا (¬1) يكون الحكم موقتاً صريحاً، نحو قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬2)، فإنه (¬3) لا يكون نسخاً وإن وجد انتهاء الحكم. لكن الشرط انتاء حكم مطلق غير موقت ولا مؤبد - على ما ذكرنا. وأما شروط الجواز والصحة: منها - ما ذكرنا (¬4): أن الشرط أن يكون حكماً شرعياً، فإن العقلي (¬5) لا يحتمل النسخ بحال. وعند المعتزلة: يجوز نسخه، ولكن لا يسمى نسخاً - على ما ذكرنا. ومنها - التمكن من أداء الفعل المأمور به، ليس بشرط لصحة النسخ، وإنما الشرط هو التمكن من الاعتقاد ظاهراً. وصورة المسألة أن لوقال الله تعالى في شهر (¬6) رمضان: "حجوا في (¬7) هذه السنة" ثم قال في آخره "لا تحجوا"، وإن لم يدخل وقت الوجوب. وكذا لو أمر بذبح الولد لإنسان (¬8)، ثم بعد التمكن من الاعتقاد قبل التمكن من الذبح، لاشتغاله بأسباب الذبح، قال له (¬9) "لا تذبح" (¬10)، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) "لا" من ب، وليست في الأصل. (¬2) سورة البقرة: 178. (¬3) "فإنه" من ب. (¬4) "وأما شروط ... ما ذكرنا" وردت في هامش الأصل استدراكاً. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "فإنه". (¬6) "شهر" من ب. (¬7) "في" ليست في ب. (¬8) "لإنسان" ليست في ب. (¬9) "له" ليست في ب. (¬10) في ب: "لا يذبح".

و (¬1) علي قول المعتزلة: لا يصح النسخ إلا بعد التمكن من الفعل. وهو قول بعض مشايخنا. وبه قال عامة أهل الحديث، وهي مسألة مشكلة. ودلائل الخصوم ظاهرة، لو بنيت المسألة على أن حكم الأمر وجوب الفعل، إذ وجوب الفعل في زمان لا يتمكن فيه (¬2) من الفعل، تكليف ما لا يطاق. وكذا (¬3) لو بنيت على وجوب الاعتقاد، لأنه يقال: يجب عليه اعتقاد فعل واجب، أو غير واجب: والأول باطل، لأن الفعل لايجب عليه (¬4) بالإجماع. وإيجاب (¬5) اعتقاد ما ليس بواجب، واجباً، محال من الشرع. وكذا (¬6) إيجاب اعتقاد فعل غير واجب، واجباً، محال أيضاً. ولكن المسألة مبنية علي أن هذا الأمر صحيح، وإن لم يتعلق به وجوب الفعل، ولا وجوب الاعتقاد حقيقة عند الله تعالى. ولكن أمر الله تعالى أزلي عندنا، وتعلقه (¬7) بالأمور يقتضي أن يكون فيه فائدة في الجملة للمأمور، لأن الأمر (¬8) بما لا يريد الله تعالى وجوده، جائز عندنا، لفائدة الوجوب في الجملة. ¬

_ (¬1) "و" ليست في ب. (¬2) "فيه" ليست في ب. (¬3) في ب: "فكذا". (¬4) "عليه" من ب. (¬5) لعل هذا هو "الثاني". (¬6) في ب: "فكذا". (¬7) في ب كذا: "أولى وعندنا تعلقه". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "في الجملة فإن الأمر".

فكذا إذا لم يرد به الوجوب أيضا، لكن فيه نوع فائدة: يصح الأمر. وههنا كذلك (¬1). فإن الأمور إذا كان لا يعلم بالنسخ، ويبني الأمر على ظاهر الأمر في حق وجوب الفعل، و (¬2) يعتقده ظاهراً لا قطعاً، ويعزم على الأداء (¬3) ويهيئ أسبابه و (¬4) يظهر الطاعة من نفسه - فيتحقق الابتلاء والامتحان (¬5) والمباهاة، وإن كان الله تعالى عالماً بأنه لا يجب عليه الفعل (¬6). وفي الأمر بذبح الولد أظهر، فإنه لما اشتغل بأسباب الذبح وانقاد (¬7) لحكم الله تعالى الثابت ظاهراً، تعظيماً لأمره، فيظهر منه الطاعة، فكان النسخ مفيداً (¬8) في حق المأمور، وصحة الأمر لفائدة الأمور لا غير، و (¬9) لما حسن منه العزم والاعتقاد واشتغل بأسبابه اجتزئ بذلك منه، جل جلاله بفضله وكرمه، وجعله قائماً مقام حقيقة الفعل وفي حق الثواب، فيصير كأن النسخ بعد وجود الفعل تقديراً - هذا طريق تخريج هذه المسألة، وتذكر على الاستقصاء في الشرح إن شاء الله تعالى (¬10). ومنها - أنه ليس بشرط صحة النسخ أن يكون للمنسوخ بدل مثله أو أخف منه أو أثقل. وعلى قول المعتزلة شرط. وهو قول بعض أصحاب الحديث. ¬

_ (¬1) في ب: "تصح الأمر فههنا كذلك". (¬2) "و" من ب. (¬3) "لا قطعاً" من ب، وفيها: "لا قطعاً أو يعتقده منهما يعزم على الأداء". (¬4) في ب: "أو". (¬5) "والامتحان" من ب. (¬6) في ب كذا: "لا يجب عليه الفعل إذ الفعل شا على الظاهر جايزاً احتياطاً، والعزم على الأدا ونهى أسبابه أولى". (¬7) في ب كذا: "وانعاد". (¬8) في ب كذا: "مقيدا". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "أو". (¬10) "إن شاء الله تعالى" من ب.

فالمعتزلة بنوا على أصلهم في وجوب الأصلح، فما لم يكن له بدل، لا يكون النسخ من باب الأصلح في الدين (¬1). وأصحاب الحديث تعاقوا (¬2) ظاهر النص, وهو حجة المعتزلة أيضاً، وهو قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬3). وبعضهم (¬4) قالوا: الخير أن يكون أخف على العبد، لما عرف مصلحته في ذلك. وبعضهم قالوا: الخير أن يكون أشق، حتى يكون الثواب فيه أكثر. ولكن الصحيح قول العامة بدلالة النصوص، والمعقول: -[أما النصوص فقد، قال الله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (¬5) [فـ] في (¬6) تقديم الصدقة على النجوى صار منسوخاً من غير بدل. وكذا نكاح الأخ للأخت (¬7) في زمن آدم عليه السلام مشروع (¬8). وكذا الجمع بين الأختين في زمن بعض الأنبياء عليهم السلام حلال. وشرب الخمر [كان] كذلك (¬9) في ابتداء الإسلام، ثم صار حرامًا من غير بدل. وفرار الواحد من العشرة في العشرة في الجهاد كان ¬

_ (¬1) "في الدين" من ب. (¬2) في الأصل هكذا: "تعقلقوا". (¬3) سورة البقرة: 106. (¬4) في ب: "لكن بعضهم". (¬5) سورة المجادلة: 12. (¬6) كذا في ب: "في". وفي الأصل: "ثم تقديم". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "نكاح الأخت للأخ". (¬8) "مشروع" ليست في ب. (¬9) في ب: "وشرب الخمر مباح".

حرامًا ثم صار منسوخاً ببدل هو أخف منه، وهو فرار الواحد من الاثنين. والصفح عن الكفار وتحمل أذاهم هو الواجب في الابتداء ثم نسخ بالقتال، وهو (¬1) أشق. وصوم عاشوراء صار منسوخًا بصوم له شهر (¬2) رمضان، وهو أشق - فدل أن كل ذلك جائز. - وأما المعقول: وهو أن النسخ هو انتهاء الحكم الشرعي المطاق، وقد تحقق، وإن كان بغير بدل. ولأن البدل يكون قائمًا مقام الأصل، فيصير قائمًا تقديراً، فلا يثبت الانتهاء والارتفاع من حيث المعنى، فكان ما قاله العامة أقرب إلى حقيقة النسخ، فيكون أحق. - فأما قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬3) [فـ]، لا حجة فيه، فإن المراد منه بعض ما يتناوله (¬4) النص دون الكل، كما ذكرنا من تقديم الصدقة على النجوى ونحوها. وبه نقول: إن البعض كذلك. على أن في (¬5) النص بيان أنه لم يفعل النسخ إلا كذلك. أما ليس فيه نفي الجواز، والكلام في الجواز لا في الوجود. ثم تأويل الآية أن المراد من المثل والخير (¬6)، في حق الثواب للعبد وفي حق الرخصة، فإن في حال الرخصة يثاب العبد ثواب العزيمة، بفضل الله تعالى وكرمه - والله أعلم. ومنها - أن يكون الناسخ متراخياً. وفي التخصيص اختلاف، على ما ذكرنا - فلا نعيده (¬7). ¬

_ (¬1) في ب: "وهذا". (¬2) "شهر" من ب. (¬3) سورة البقرة: 106. (¬4) في ب: "ما تناوله". (¬5) "في" ليست في ب. (¬6) في ب كذا: "من الحر والمل". (¬7) "ومنها ... فلا نعيده" ليست في ب. راجع فيما تقدم ص 299 - 300 وص 689. وما بعدها

[7 و 8] فصل في بيان: الناسخ والمسوخ، وبيان أقسامهما

[7 و 8] فصل في بيان: الناسخ والمسوخ، وبيان أقسامهما فنقول: الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى؛ لأنه هو المثبت الحكم الثاني، والمنهي للأول، بقوله الدال عليه, وبما أنزل من القرآن الدال على كلامه. وقد يذكر ويراد به الحكم الثاني - قال (¬1) النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم -: "نسخ صوم شهر (¬3) رمضان كل صوم قبله، ونسخت الأضحية كل دم قبلها". وقد يقع على المعتقد للانساخ (¬4)، وهو صاحب المذهب - يقال: إن أبيا حنيفة رحمة الله عليه نسخ الكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب - أي اعتقد جواز النسخ بذلك. وقد يقع على الدليل الذي يعرف به النسخ - يقال: هذه الآية ناسخة لتلك. وأما المنسوخ - فهو اسم للحكم الأول الذي انتهى بالثاني. وقد يسمى الدليل الأول منسوخًا. وأما أقسام الناسخ: أعني الدليل الذي به يعرف (¬5) النسخ. فالكتاب ناسخ للكتاب، والسنة المتواترة للسنة المتواترة، والكتاب للمتواتر، والمتواتر للكتاب، وخبر الواحد لخبر الواحد. وفي الحاصل ينسخ (¬6) الشيء بمثله. إلا أن نسخ الإجماع لا يتحقق, لأنه لا إجماع في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإنما الإجماع يكون بعده، ولا نسخ بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - (¬7). وكذا نسخ القياس: لا يجوز، ¬

_ (¬1) في ب: "وقال". (¬2) "النبي" من ب. (¬3) "شهر" من ب. (¬4) في ب: "الانتساخ". ب. (¬5) في ب: "الذي يعرف به". (¬6) في ب: "نسخ". (¬7) "صلى الله عليه وسلم" من ب.

لا بالقياس ولا بدليل فوقه، لما ذكرنا أن النسخ (¬1) انتهاء الحكم الشرعي. وبالدليل المعارض يتبين أن ذلك القياس لا يصح إذا كان فوقه، وإذا كان مثله لا يبطل حكم الأول، ويعمل المجتهد بالثاني، إذا ترجح عنده - على ما مر. وهذا الذي ذكرنا قول عامة أهل الأصول والفقهاء، إلا ما روي عن بعض أصحاب الشافعي، ونسبوه إليه: أن نسخ الكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب، لا يجوز. وأهل (¬2) التحقيق من أصحابه يقولون: إن قوله مثل قول العامة. ودللالة ما قلنا: السمع، والعقل: - أما السمِع: فإن وجوب التوجه إلى بيت المقدس عرف بالسنة، فإنه عليه السلام لم يكن متعبداً بشريعة (¬3) من قبلنا، على ما ذكرنا. ثم صار منسوخًا بالتوجه (¬4) إلى الكعبة بالكتاب (¬5). وكذا وجوب (¬6) صوم عاشوراء: ثبت (¬7) بالسنة، ثم صار منسوخًا بصوم شهر (¬8) رمضان بالكتاب. وكذا (¬9) الوصية للوالدون: ثبتت شرعيتها بالكتاب بقوله تعالى: "الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف - الآية" (¬10): ثم ثبت نسخها بالسنة وهي قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬11): "لا وصية لوارث". ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي "الأصل: "أنه". (¬2) في ب: "فأهل". (¬3) في ب: "لشريعة". (¬4) في ب: "بوجوب التوجه". (¬5) "بالكتاب" من ب. (¬6) "وجوب" ليست في ب. (¬7) "ثبت" ليست في ب ففيها: "وكذا صوم عاشوراء بالسنة". (¬8) "من شهر". (¬9) في ب: "وكذلك". (¬10) سورة البقرة: 180 - "كتب عليكم, إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًا على المتقين". (¬11) كذا في ب. وفي الأصل: "نسخها بقوله عليه السلام".

[9] فصل في: بيان أقسام المنسوخ

- وأما المعقول: وهو أن الناسخ في الحقيقة من هو الله تعالى، فإنه المثبت للأحكام والنافي، والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المخبر عن الله تعالى ذلك (¬1) كله، وهو صادق في خبره، فيجب (¬2) أن يقبل خبره، فإنا عرفنا الكتاب, كتاب الله تعالى، بخبره، إلا أن الكتاب وحي متلو, لكونه منظوماً بنظم خاص. فيكون خبره بالوحي المتلو تارة، وبالوحي غير المتلو أخرى، وهو ما سمعه من جبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام. ثم قوله (¬3) وخبره حجة في نسخ الكتاب بالكتاب، فكذا في نسخ الكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب. ثم يقال للمنكر (¬4): إذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى نسخ حكم كذا ولم يتل القرآن - أيقبل خبره أم لا؟ فإن (¬5) قال: لا يقبل، فقد انسلخ عن الدين. وإن قال: يقبل، فقد ترك مذهبه - إذ هو (¬6) تفسير جواز نسخ الكتاب بالسنة. - فإن تعلقوا بقوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" (¬7) أضاف إلى نفسه، فنقول - إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعبر عن الله تعالى ويخبر عنه، فيكون الآتي (¬8) هو الله تعالى، على ما مر. وأما أقسام المنسوخ - فهو أنواع: [الأول]- نسخ الدليل الذي ثبت (¬9) به الحكم الأول. ¬

_ (¬1) في ب: "إلى ذك". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "يجب". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل كذا: ""قواه". (¬4) في ب: "للمخبر". (¬5) في ب: "إن". (¬6) في ب: "فان هذا". (¬7) سورة البقرة: 106. (¬8) في ب كذا: "الاى". (¬9) في ب: "يثبت".

و [الثاني]- نسخ الشرط الذي تعلق به الحكم الأول. و [الثالث]- نسخ نفس الحاكم الأولى. وهو أنواع: نسخ كل الحكم. ونسخ بعض الحكم. والزيادة على الحكم الأول. والنقصان عنه أيضًا. أما [الأول]: نسخ الدليل - فهو على ضربين. وحي متلو بنظم خاص، وهو الكتاب. والثاني وحي غير متلو، وهو خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬1). - أما نسخ الكتاب فهو أنو اع: نسخ التلاوة والحكم جميعاً، ونسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة. • أما نسخ التلاوة والحكم: فجائز عقلا، وهو وارد شرعًا. أما الجواز - فإن نسخ التلاوة، و (¬2) هو صرف القلوب عن حفظ القرآن الدال على كلام الله تعالى، فجائز أن ينتهي الحكم لانتهاء المصلحة وتنسى التلاوة. أما عين كلام الله تعالى: فلا (¬3) يتصور عليها النسخ، فإنه قديم - قال الله تعالى: "سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله" (¬4) ولكن هذا في حال جواز النسخ، وهو حال حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فأما (¬5) بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - (¬6) فلا، لأن الله تعالى أخبر أنه هو الحافظ لهذا (¬7) القرآن، بقوله تعالى (¬8): "إنا نحن تزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (¬9) أي نحفظه منزلا لا يلحقه ¬

_ (¬1) المؤلف رحمه الله لم يتناول هذا القسم بكلام خاص هنا. ولعله اكتفى في ذلك مما تقدم في الصفحة السابقة 719. (¬2) "و" من ب. (¬3) الفاء من ب. (¬4) سورة الأعلى: 6 - 7 - "سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفي". (¬5) في ب: "أما". (¬6) "صلى الله عليه وسلم" من ب. (¬7) في ب: "بهذا". (¬8) "تعالى" من ب. (¬9) سورة الحجر: 9.

تغيير ولا (¬1) تبديل، صيانة للدين الحق إلى آخر الدهر. وذلك مثل صحف إبراهيم عليه السلام، فإنه (¬2) لم يبق بين الناس وصار منسوخاً حكماً وتلاوة: وكما روى أصحاب الشافعي أن مما يتلى في كتاب الله تعالى: "عشر رضعات يحرمن" نسخن بـ "خمس رضعات يحرمن". وهذا عندهم من نسخ التلاوة دون الحكم, لأنه قد بقي. وأما عندنا [فـ] لم يبق تلاوته ولا حكمه (¬3). • وأما نسخ الحكم دون التلاوة، فكثير: فإن عدة الوفاة بالتربص حولاً صار منسوخاً مع بقاء التلاوة (¬4). وإمساك الزواني في البيوت (¬5)، والإيذاء باللسان (¬6): كان حداً، ثم صار منسوخًا وبقيت التلاوة، ونحو ذلك. • وأما نسخ التلاوة دون الحكم: فهو (¬7) أن الرجم كان مشروعاً بكتاب الله تعالى ثم نسخت تلاوته وبقي حكمه، على ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إن مما يتلى في كتاب الله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم". وفي رواية عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لولا أن الناس يقولون إن عمر زاد على كتاب الله تعالى، لكتبت على حاشية المصحف: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله" (¬8). إلا أن الله تعالى صرف قلوب الناس عن حفظه، سوى عمر رضي الله عنه، ولا يكون إلا لحكمة بالغة لا نقف عليها. ¬

_ (¬1) "لا" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وإنه". (¬3) "وهذا عندهم ... ولا حكمه" من ب. (¬4) و (¬5) و (¬6) سورة البقرة: 240 ونسخت بالآية 234 منها. وسورة النساء: 15 و 16. وراجع ص 693. (¬7) في ب: "وهو". (¬8) في ب: "وفي رواية عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: لولا الناس يقولون إن عمر زاد على كتاب الله تعالى لكتبت على حاشية المصحف: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم".

وهذا قول عامة الفقهاء. وقال بعضهم: لا يجوز في هذين الفصلين, لأن المقصود الأصلي من إنزال القرآن هو الحكم الذي تعلق به، فإذا انتسخ الحكم فلا فائدة في بقاء التلاوة. وإذا انتسخت التلاوة، والحكم ثبت بها، فلا يبقى بدونها. ولكنا نقول: - قد قام الله إن السمعي على الأمرين جميعًا، وهو غير محال في العقل، فيجب القول به: - قولكم: لا فائدة في بقاء التلاوة - فنقول (¬1): هذا إنما يستقيم لو كانت الفائدة (¬2) مقصورة على الحكم المتعلق به، بل له فائدة (¬3)، وهو كونه وإلا على كلام الله، في كونه معجزًا ودليلا على (¬4) الرسالة وتعلق جواز الصلاة به - ألا ترى أن إنزال المتشابه جائز، وليس فيه فائدة، إلا ما ذكرنا. وأما [الثاني]- نسخ الشرط: فإن (¬5) التوجه إلى بيت المقدس كان شرط جواز الصلاة ثم صار منسوخاً، وأمر بالتوجه إلى الكعبة، ولو لم يأمر بالتوجه، جاز التوجه إلى كل جانب، ولكن نسخه هل يكون نسخاً للحكم؟ فيه اختلف (¬6) المشايخ، كما في إثبات زيادة شرط متأخر: ¬

_ (¬1) في ب: "قلنا". (¬2) في ب: "أن لو كانت التلاوة". (¬3) في ب: "فوائد". (¬4) في ب كذا: "دالا على كلام الله تعالى، فيصير تاليًا كلام الله تعالى، تلاوة ما يدل عليه، فيكون له ثواب قراءة كلام الله تعالى، وكذا أيضًا كونه معجزًا دليلا على". والعبارة في الأصل غير واضحة. (¬5) في ب: "فهو أن". (¬6) في ب: "اختلاف".

فعند بعضهم نسخ؛ لأن الحكم انتفاء جواز الصلاة بدوا وانتفاء كل حكم، بعد ورود الشرع، حكم شرعي، وقد تبدل هذا بالجواز من غير شرط. وقال بعضهم: إن الحكم هو جواز الصلاة مع الطهارة، وبعد انتساخ الشرط (¬1) بقي الجواز، فلم ينته الحكم الأول - على ما نذكر. وأما [الثالث]- نسخ الحكم: - فنسخ كل الحكم كثير. - وأما نسخ بعض الحكم، فهو (¬2) كالجمع بين الرجم والجلد (¬3)، في حق الزاني في ابتداء الإسلام، ثم نسخ الجلد وبقي الرجم. - وأما الزيادة على الحكم الثابت بالنص، فنقول إنها أنواع: أحدها - أن يكون حكمًا ثابتًا وله سبب معلوم، ثم ثبت حكم آخر (¬4) بسبب آخر بالنص، نحو: وجوب صوم شهر رمضان بعد وجوب الصلوات الخمس، ووجوب الزكاة بعد وجوب (¬5) صوم رمضان. والثاني - أن يرد النص لإثبات حكم آخر بعين السبب الذي ثبت به (¬6) الحكم الأول، نحو: وجوب التغريب بعد وجوب الجلد في البكر على زعم أصحاب الشافعي رحمه الله. ونحو وجوب تحرير رقبة مؤمنة في كفارة القتل بعد وجوب تحرير رقبة مطلقة في كفارة اليمين والظهار. ¬

_ (¬1) "الشرط" ليست في ب. (¬2) في ب: "فكالجمع". (¬3) في ب: "الجلد والرجم". (¬4) في ب: "ثم يثبت الحكم آخر". (¬5) "الزكاة بعد وجوب" ليست في ب. (¬6) في ب: "ثبت في".

و [كما] لو جاء النص (¬1) بزيادة عشرين سوطًا على الثمانين في حد القذف (2). والثالث - أن يرد النص بزيادة في نفس العبارة متصلة بها, كزيادة ركعة على ركعتي الفجر، أو زيادة ركعة على ثلاث ركعات المغرب. أو يرد النص بزيادة شرط الطهارة عن الحدث (¬2) والجنابة في باب الصوم، ونحو ذلك. ثم أجمع العلماء أنهما (¬3) لو وردا (¬4) بطريق القران، لا يكون (¬5) نسخاً، فلا يكون من باب الزيادة. كما ورد (¬6) في حد القذف الجلد (¬7) ورد الشهادة، فإن رد الشهادة ليس بزيادة ولا نسخ له للقران (¬8). وكذا إذا وردا متعاقبين، وبينهما زمان، لا يصلح للنسخ (¬9). فأما إذا وردا كل متعاقبين تعاقباً يجوز القول بالتناسخ في ذلك القدر من الزمان -[فقد] اختلفوا (¬10) فيه: ¬

_ (¬1) في الأصل: "والظهار إذ جاء النص"، وفي ب: "والظهاره ولو جاء النص". وفي البخاري على البزدوي (3: 192: س 2 وما بعده): "ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أن الزيادة إن غيرت المزيد عليه تغييرًا شرعيًا، بحيث لو فعله بها قد كان يفعله قبل الزيادة يجب استئنافه، كان نسخاً، في كزيادة ركعة على ركعتي الفجر. وإن لم يركن كذلك لا يكون نسخًا، كزيادة التغريب في حد الزاني وزيادة عشرين على الثمانين في حد القاذف، لو فرضنا ورود الشرع بها - وإليه ذهب الغزالي". (¬2) في ب: "عن الحـ". (¬3) أي الدليلان. و"ثم" من ب. (¬4) في ب: "لو زيدًا". (¬5) في ب: "إنه لا يكون". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "كما لو ورد". (¬7) في ب: "والجلد". (¬8) في ب: "القرآن". (¬9) "وكذا إذا وردا ... للنسخ" من ب. (¬10) في ب: "واختلفوا فيه".

قال أصحاب الحديث، وهو قول الشافعي: إن هذه الزيادة لا تكون نسخاً، بل تكون بيانًا: أن المراد منه البعض أو المقيد من الأصل - وبه قال الجبائي (¬1) وابنه أبو هاشم (¬2) من المعتزلة. وقال شيخنا أبو منصور الماتريدي رحمه الله: إنه يجوز أن يكون بطريق البيان، ويجوز بطريق النسخ، فلا (¬3) يحمل على أحدهما إلا بدليل - على ما ذكرنا. واختلف مشايخ العراق: فقال عامة مشايخ العراق بأن الزيادة في هذه الفصول كلها، يكون نسخاً، إلا في وجوب عبادة بعد وجوب عبادة، كوجوب الصوم بعد وجوب الصلاة ونحو ذلك. وقال الكرخي وجماعة منهم: إن كانت الزيادة مغيرة للحكم الأول المزيد عليه، كانت نسخًا. فإن لم تكن مغيرة للحكم الأول (¬4)، لا يكون نسخًا، كزيادة التغريب إذا كانت متأخرة: يوجب تغيير (¬5) حكم الأول في المستقبل من الكل إلى البعض. وقالوا: الزيادة التي لا تنفك عن المزيد عليه لا يكون نسخًا، فإن الله تعالى أوجب ستر الفخذ، ويكون ذلك إيجاب ستر بعض الركبة، ولا يكون وجوب ستر بعض الركبة نسخًا لوجوب ستر كل الفخذ؛ لأن ستر الفخذ لا يتصور بدون ستر ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته في الهامش 2 ص 344. (¬2) تقدمت ترجمته في الهامش 1 ص 146. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "ولا". (¬4) "للحكم الأول" ليست في ب. (¬5) في ب: "ـعر".

بعض الر كبة، فلا يكون بعض الزيادة مغيراً حكم (¬1) الأول في المستقبل، بل يكون مقرراً (¬2). وقال بعضهم: إن كانت الزيادة (¬3) تغيير المزيد عليه تغييرًا شرعيًا، كزيادة ركعة على ركعتي الفجر. وكذا كل شرط زيد متصلا بالعبادة، دون المنفصل. وإن كانت الزيادة تغير المزيد عليه حكمًا عقليًا لا حكمًا (¬4) شرعيًا لا يكون نسخاً، كزيادة التغريب: فإن حكم النص الموجب للجلد,. وجوب الجلد غير متعرض لنفي (¬5) التغريب، ولا لإثباته، ولكن انتفاء التغريب حكم أصلي لا شرعي، فإن الأصل هو عدم الوجوب: عرف بالعقل، فإن الأحكام الشرعية لا تعرف إلا بالشرع، فقبل ورود الشرع، يعرف بالعقل انتفاؤه، فيكون حكماً عقلياً لا شرعيًا. أما أصحاب الحديث، وكل من قال إن الزيادة على النص ليس بنسخ (¬6)، [فقد] احتجوا في المسألة من وجوه ثلاثة: أحدها - أنهم بنوا على أصلهم؛ أن العام لا يوجب العلم قطعاً في كل فرد من أفراده، بل يجوز أن وذكر العام ويراد به البعض. وكذا يجوز أن يذكر المطلق ويراد به المقيد، فإذا كاان ظاهر النص (¬7) المزيد عليه، أنه أريد به الكل، فإذا جاء نص آخر بحكم آخر زيادة عليه، ظهر أن المراد من ¬

_ (¬1) في ب: "لحكم". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "مقيدًا". (¬3) "الزيادة" ليست في ب. (¬4) "حكمًا"من ب. (¬5) في ب كذا: "غير منصوص لنفي". (¬6) في ب كذا: "ليس بنص". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "ظاهر نص".

الأول البعض دون الكل من الأصل. وكذا إذا جاء النص المقيد تبين أن المراد من المطلق هو المقيد من الابتداء، فيكون الزيادة بياناً لا نسخًا. والثاني - وهو أن ما هو حد النسخ في الشرع لم يتحقق، وهو انتهاء الحكم الأول كله أو بعضه، فإن الحكم الأول هو وجوب الجلد، وبعد وجوب التغريب بقي ذلك واجباً، لكن زيد عليه شيء آخر, بمنزلة وجوب عبادة بعد وجوب عبادة: لا يكون نسخًا الأول لما ذكر من المعنى - كذا هذا (¬1). والثالث - وهو أن النسخ أمر ضروري، لأن الأصل في أحكام الشرع هو البقاء, والقول بالتخصيص والتقييد تغيير (¬2) الكلام (¬3) من الحقيقة إلى المجاز، ومن الظاهر إلى خلافه، وضعاً، مع أنه هو المتعارف في اللغة فكان الحمل على ما ذكرنا أحق عند التعارض (¬4). وجه قول مشايخ العراق، وهو أن ما هو حد النسخ لغة وشرعًا موجود ها هنا، كما في نسخ الحكم صريحًا، فإن النسخ هو الإزالة ولرفع لغة، وفي عرف الشرع هو انتهاء الحكم الأول وقد وجد، فإن الحكم الأول هو وجوب الجلد وحده (¬5) حدًا، حتى يخرج الإمام عن عهدة إقامة الحد، وبعد ما زيد عليه التغريب لا يكون الجلد وحده حداً، وبقي الإمام تحت عهدة التكليف بعد، فلا يبقى حداً فينتهي حكم النص الأول، ولأن الجلد كل الحد وكل الجزاء، والآن صار بعضاً، وبعض الحد ليس بحد، كبعض المطهر ليس بمطهر (¬6)، حتى لا يحرم التيمم كوجود (¬7) كله. ¬

_ (¬1) في ب: "كذا ههنا". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "تعيين". (¬3) في ب: "للكلام". (¬4) في ب: "ما ذكرنا عند التعارض أحق". (¬5) "وحده" من ب. (¬6) في ب كذا: "كبعض المظهر لا يكون مظهرًا". (¬7) في ب: "وجوه".

يبقى قولهم: إن وجوب الجلد باق - فبلى (¬1)، و (¬2) لكن لا حداً بل بعض الحد. ولا يقال: إن الكلية والبعضية ليست (¬3) بحكم شرعي فنقول: حكم الشرع ما لا يثبت إلا بالشرع, وتقدير الحد لا يعرف إلا بالشرع، فكان شرعيًا. وما قالوا: إنه يمكن تخريجه بطريق البيان، فعند الخصم لا يمكن، على ما مر. قولهم: إن النسخ أمر ضروري، فالعمل بالمجاز أولى، فنقول: ذاك فيما لم يعرف له التاريخ فأما ما يعرف له التاريخ فلا. على أن التغريب يكون من جملة الحد عندهم. ففي الحمل على المجاز إثبات الحد بالقياس وخبر الواحد، وإنه لا يجوز. ولأن الجلد متى كان واجبًا ثم جاء نص التغريب متراخيًا، وكان (¬4) النبي عليه السلام ساكتًا عن حكم التغريب حال وجوب الجلد (¬5)، والسكوت عند الحاجة إلى إلبيان بيان، فصار وجوب انتفاء (¬6) التغريب شرعيًا, بدلالة السكوت، فإذا جاء خبر الواحد متراخيًا (¬7) بإيجاب التغريب كان نسخاً لحكم شرعي، وهو وجوب انتفاء التغريب لسكوته دلالة. ولو أمر صاحب الشرع نصاً، فقال (¬8): اجالدوا ولا تغربوا , أو (¬9) عرف ذلك قطعاً (¬10)، فإذا جاء خبر الواحد في إيجاب التغريب أليس يكون نسخًا؟ فكذا هذا، وهذا ظاهر. ¬

_ (¬1) راجع فيما تقدم الهامش 1 ص 706. (¬2) الواو من ب. (¬3) هذا في ب. وفي الأصل: "ليس". (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "فكان". (¬5) في ب: "حال وجوب الجلد ولو كان واجبًا لا يحل له السكوت". (¬6) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "بيان نصاً ووجوب انتفاء". (¬7) "متراخيًا" من ب. (¬8) "فقال" ليست في ب. (¬9) في ب: "و". (¬10) "قطعًا" ليست في ب.

فصل في الترجيح

- وأما النقصان عن العبادة، إما ركنًا منها أو شرطًا, [فـ] لا شك أنه يكون نسخًا لذلك الساقط. ولكن هل يكون نسخًا لأصل العبادة؟ على قول الكرخي يكون. وعلى قول بعض مشايخ العراق لا يكون - لما مر. وفي المسألة إشكالات تعرف في الشرح أو في مسائل الخلاف إن شاء الله تعالى. فصل في الترجيح الكلام فيه في خمسة (¬1) مواضع: في بيان الترجيح لغة. وفي بيانه في عرف لسان الشرع. وفي بيان محله. وفي بيان ما يقع به الترجيح (¬2). وفي بيان حكم الترجيحين عند التعارض. [1] أما الترجيح في اللغة فعبارة عن زيادة لا يسقط بها التعارض حقيقة. مأخوذ من رجحان الميزان، فإنه إذا مالت (¬3) إحدى الكفتين مع قيام المعارضة، بأن كان في إحدى الكفاتين عشرة وفي الأخرى عشرة ونصف دانق (¬4) أو دانق ونحو ذلك (¬5)، يقال: رجح الميزان وترجح. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للوزان: "زن وارجح". ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "في أربعة". استناداً إلى اندراج الرابع تحت الثالث - انظر فيما يلي ص ت 730. (¬2) "وفي بيان .. الترجيح" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "مال". (¬4) في المعجم الوسيط: الدانق سدس الدرهم 1/ 12 من الأوقية. (¬5) في ب: "ونحوه".

[2] وأما في عرف الشرع

فأما إذا كانت الزيادة كثيرة، بحيث (1) يبطل التعارض , بأن كان في إحدى الكفتين عشرة وفي الأخرى خمسة أو ستة أو نحوها (¬2) [فـ] لا يقال: رجح الميزان. [2] وأما في عرف الشرع فمأخوذ (¬3) من عرف اللغة. وهو أن يكون لأحد الدليلين زيادة قوة، مع قيام التعارض ظاهرًا. فأما إذا كان أحدهما مرجوحًا (¬4)، [بحيث] لا يكون حجة في مقابلة الآخر, لا يقال ترجح أحد الدليلين، كالكتاب والمتواتر مع خبر الواحد والقياس. [3 و 4] وأما محل الترجيح، ويندرج تحته بيان ما يقع به الترجيح (¬5) فهو موضع الظن وعلم غالب الرأي، دون موضع العلم قطعًا, لأن العلم القطعي لا يحتمل التزايد، فلا يتصور فيه الرجحان. فأما الظن والدليل المحتمل [فـ] يتصور فيه أن يكون أحدى الظنين له زيادة قوة على الآخر، ويكون الاحتمال فيه أقل، كخبر الواحد مع القياس، فيجري فيه الترجيح بوجوه تكون مؤترة في قوة الظن وغلبة الرأي. وذلك ثلاثة أنواع (¬6). أحدها (¬7) - ظواهر النصوص، من الكتاب والسنة المتواترة. ¬

_ (أ) "بحيث" ليست في ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "ونحوها". (¬3) في ب: "مأخوذ". (¬4) "مرجوحاً" من ب. (¬5) "ويندرج تحته ... الترجيح" من ب. راجع تقسيم البحث في الصفحة السابقة. (¬6) زاد هنا في ب: "أعني بمواضع الترجيح". (¬7) "أحدها" من ب.

والثاني - أخبار الآحاد. والثالث - القياس. أما ظواهر النصوص: [فـ] لا تقبل الترجيح من حيث الثبوت، فإن ثبوتها بطريق القطع، و (¬1) هو التواتر. وكذا إذا ثبت، بالإجماع، أن حكمها ثابت قطعًا. ولكن إذا كان محتملا، بأن كان عامًا يحتمل الخصوص، أو خاصاً يحتمل المجاز - فإنه يقبل الترجيج، من حيث القوة من وجه آخر، في حق العمل، بأن كان أحدهما محرمًا ولآخر مبيحاً، فالمحرم أولى بطريق الاحتياط (¬2) , لأن الحرام واجب الترك، والمباح جائز الإتيان، فكان العمل بالمحرم أولى. وكذلك (¬3) جواب المعتزلة - إلا أن طريقهم (¬4) مختلف: فإنهم يقولون إن الإباحة أصل والحظر عارض، فكان العمل بالحاظر أولى، تقليلا للنسخ. ولكن عندنا هذا التعليل فاسد، لأن عندنا (¬5) ليس الأصل هو الحظر ولا الإباحة، فإن العقل لا حظ له الأحكام الشرعية، على ما مر. وكذا (¬6) إذا كان أحدهما موافقًا لقياس الأصول، والآخر مخالفاً، فالعمل بالموافق أولى. ويدل ذلك على أنه متأخر, لأن دلائل الشرع لا تتناقض. ¬

_ (¬1) "و" ليست في ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "أولى احتياطًا". (¬3) في ب: "وكذلك". (¬4) في ب: "الطريق". (¬5) "هذا التعليل فاسد لأن عدنا" ليست في ب. (¬6) في ب: "والثاني".

وأما أخبار الآحاد: إذا ورد خبران واستويا في عدالة الراوي، ونحو ذلك مما هو شرط قبول خبرا الواحد، فإنه يترجح (¬1) أحدهما، بأنواع من الترجيح, لأنه موضع الظن والاحتمال. فإذا اختص أحدهما بوجه, من وجوه، يوجب قوة الظن، كان أولى. لكن بعضها صحيح بالإجماع، وبعضها, مختلف فيه، وبعضها فاسد. أما الصحيح: - فمنها ما ذكرنا من الوجهين في المتواتر. - ومنها ما (¬2) يرجع إلى متن الحديث، بأن كان فيه نوع اضطراب وخطأ في اللغة، والآخر بخلافه, لأنه كان أفصح العرب, فالظاهر أن ذلك غلط من (¬3) الراوي. - ومن هذا القبيل أن يكون مخالفًا لدليل فوقه (¬4). وبعض مشايخنا قالوا: إن شرط قبول خبر الواحد أن لا يخالف دليلا فوقه، ولا (¬5) يكون هذا من باب الترجيح, لأن الحكم يضاف إلى لدليل الأقوى، لا إلى الخبر الذي يوافقه, وهو دونه. وعامة المشايخ قالوا: يصح الترجيح به. وصورته: أن المجيب لو (¬6) تعلق بخبر الواحد، مع أن له دليلا أقوى منه، فعارضه السائل. بخبر الواحد، فرجح (¬7) المجيب خبره (¬8)، ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "يرجح". (¬2) "ما" من ب. (¬3) "من" ليست في ب. (¬4) في ب كذا: "فوته". (¬5) في ب: "فلا". (¬6) "لو" من ب. (¬7) في ب: "ورجح". والمعنى واضح. (¬8) زاد هنا في ب: و "وقال".

لأنه عاضده الكتاب, لأنه تبين أن حكم خبره ثابت قطعًا، وإن كان في كون اللفظ منقولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتمال. وفي المسألة إذا كان كتاب وخبر متواتر (¬1) وخبر واحد (¬2) وقياس - فالحكم يضاف إلى الكل لا إلى الأقوى, لأنه يجوز أن يثبت الحكم بلائل، فصح الترجيح به. على أن الخبر الذي يخالف دليلا فوقه لا يصلح معارضًا للذي لا يخالف، فسقط اعتباره [وبقي] (¬3) التعلق بالحيث صحيحًا, لأن هذا يرجح عليه, من حيث إنه عاضده الدليل الأقوى (¬4). - ومنها ما (¬5) يرجع إلى الرواة، بأن كان أحد الراويين فقيها دون الآخر, لأن حفظ الألفاظ بأعينها أمر عسير، والطباع مجبولة على القياس وطلب المعنى, فيجوز أن ينقل بالمعنى لما كان عنده أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا كان اجتهاد الفقيه, في (¬6) نقل اللفظ بالمعنى، أولى. - ومنها الرواية ممن عرف الضبط والإتقان أولى فيما لا يعقل فيه المعنى، أو كان الراويات غير معروفين بالفقه, لأن النسيان والغلط أمر ظاهر في الإنسان، فمن كان له زيادة الضبط والإتقان، وكان (¬7) معروفًا بالحفظ, أولى. وأما (¬8) ما اختلف العلماء في الترجيح به، فأنواع (¬9): - فمن ذلك أنه هل يترجح بكثرة الرواة؟ فيه اختلاف: عند أصحاب الشافعي رحمه الله: يترجح. ¬

_ (¬1) كذا في ب. وفي الأصل: "والخبر المتواتر". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وخبر الواحد". (¬3) كذا يظهر لنا. وهي في ب كذا: "بقى" بلا نقط. (¬4) "على أن الخبر الذي يخالف ... الدليل الأقوى" من ب. (¬5) "ما" من ب. (¬6) في ب: "من". (¬7) "وكان" ليست في ب. (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "ومنها". (¬9) "فأنواع" من ب.

وهو قول بعض أصحابنا, لأنه يتقوى به ظن الصدق (¬1)، فإن الظن بصدق خبر الاثنين أقوى، ولهذا يترجح خبر الاثنين في طهارة الماء ونجاسته على خبر الواحد. ولكن عامة مشايخنا قالوا: إنه (¬2) لا يترجح, لأنه يحتمل أن الخبر الذي رواته أقل كان متأخراً، فيكون (¬3) ناسخاً لذلك، وهذا المعنى لا يرتفع بكثرة الرواة. ولأن عمل السلف ما قلنا فإنهم (¬4) لا يرجحون بكثرة الرواة. - وكذا اختلف (¬5) المشايخ في الخبرين، إذا كان أحدهما مثبتاً والآخر نافيًا: عن الكرخي أن المثبت أولى. وعن عيسى بن أبان رحمة الله عليه أنهما يتعارضان، فيرجح بطريق آخر. وجواب أصحابنا المتقدمين وعملهم (¬6) مختلف في هذه المسألة: • فقد روي أن بريرة (¬7) أعتقت وزوجها حر، وهذا مثبت. وقد (¬8) روي أنها أعتقت وزوجها عبد، وهذا مبق (¬9) على الأمر الأول وهو الرق - وعملوا بالمثبت. ¬

_ (¬1) في ب: "يتقوى بظن الصدق". (¬2) "إنه" من ب. (¬3) في ب: "فكان". (¬4) في ب: "إنهم". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "اختلاف." وانظر في هذه المسألة: البزدوي والبخاري عليه، 3: 97 و. 98 و 101. (¬6) "وعملهم" من ب. (¬7) بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: اشترتها وأعتقتها. وقد اختلف في زوجها: هل كان عبدًا أو حرًا - ابن الأثير، أسد الغابة، 5: 409 - 410. وابن عبد البر، الاستيعاب، 2: 728 - 729. وابن حجر، تهذيب التهذيب، 12: 403. (¬8) "قد" من ب. (¬9) في ب كذا: "منفي".

• وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تزوج ميمونة وهو حلال بسرف (¬1). وروي أنه ززوجها وهو محرم. والمراد من الحل ها هنا (¬2) هو الحل العارض على الإحرام وهو مثبت. ثم أصحابنا رحمه الله أخذوا بالنافي. • وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رد زينب على زوجها بنكاح جديد. وروي أنه ردها بالنكاح الأول. وعملوا بالمثبت وهو النكاح الجديد (¬3). وذكر في كتاب التزكية في الجرح والتعديل, إذا تعارضا، أن الجرح أولى، وهو المثبت. وذكر في كتاب الاستحسان: إذا أخبر رجل في طعام أو شراب بالحل وأخبر آخر (¬4) بالحرمة، أو أحدهما بالطهارة والآخر بالنجاسة، وهما عدلان - أن الخبر عن الطهارة والحل أولى (¬5)، وهذا مبق (¬6)، والآخر مثبت. ثم بعض مشايخنا خرج هذه الفصول على وجه ليس فيه شبهة التناقض، وقال إنّ النفي على أنواع ثلاثة: نفي يعرف بدليله، ونفي لا يعرف بالدليل ولكن من حيث الظاهر، ونفي يشتبه حاله. أما الأول -[فـ] كقول (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في الخضروات (¬8) صدقة" وروي: "في الخضروات صدقة"، وكل (¬9) واحد منهما ثبت (¬10) بالنص، ¬

_ (¬1) سرف موضع من مكة على ستة أميال (أو 7 أو 9 أو 12) تزوج به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة بنت الحارث، وهناك بنى بها، وهناك توفيت - ياقوت، معجم البلدان، 3: 112. (¬2) في ب: "هنا". (¬3) في ب: "هو الجديد". راجع ذلك في ترجمة زوجها أبي العاص بن الربيع في: ابن عبد البر، الاستيعاب، 4: 1701 - 1704. (¬4) كذا في ب. في الأصل: "وأخبر رجل". (¬5) في ب: "وهما عدلان: الخبر عن الحل والطهارة أولى". (¬6) في ب كذا: "وهذا منفي". و"الدليل المثبت هو الذي يثبت أمرًا عارضًا والثاني هو الذي ينفي العارض ويبقي الأمر الأول" (البخاري، كشف الأسرار، 3: 97). (¬7) هذا في ب. وفي الأصل كذا: "بقول". (¬8) الخضروات جمع الخضراء وهي خضر البقول - المعجم الوسيط. (¬9) في ب: "فكل". (¬10) كذا في ب. وفي الأصل: "ثبتت".

فلا يترجح المثبت, ولكن يصار إلى نوع آخر من الترجيح. وعلى هذا قالوا: في طهارة الماء ونجاسته، لأنه يمكن الوقوف على كل واحد، كل منها حقيقة. وكذلك في حل الذبيحة والحرمة. وحل الشراب وحرمته - فلم يترجح الخبر المثبت للنجاسة والحرمة بل تعارضا، فيرجح (¬1) بما هو الأصل: وهو الطهارة والحل في الذبيحة (¬2) والطعام، واستصحاب الحال لا يصلح حجة موجبة، فيصلح مرجحًا. وعلى هذا القسم يحمل (¬3) قول عيسى بن أبان رحمه الله، وينبغي أن لا يخالفه فيه الكرخي رحمه الله. وأما الثاني - الذي يعرف [فيه] النفي من حيث الظاهر، والإثبات من حيث الحقيقة. كما روي أنه أخذ الزكاة من الحلي , وروي أنه كان لا يأخذ الزكاة من الحلي، [فـ] يحمل على الإثبات (¬4) لأن الأخذ فعل حسي، ؤأما الأمتناع عن الأخذ, [فـ] قد يكون بناء على الأصل، فكان المثبت أولى. وعلى هذا الجرح، والتزكية: إن الجرح أولى, لأن الجارح اعتمد حقيقة الحال , والمزكي اعتمد ظاهر الحال. أو (¬5) يحتمل ذلك، فكان اعتبار الحقيقة أولى. وعلى هذا يحمل قول الكرخي رحمه الله، وينبغي أن لا يخالفه عيسى بن أبان (¬6) في هذا الفصل أيضًا. وأما (¬7) الثالث - الذي يشتبه فيه حال النفي، أنه عرف بدليله أو بظاهر الحال: يجب التأمل في حال المخبر، والسؤال عنه: فإن ثبت أنه بنى على الظاهر، لم يقبل خبره. وإن وقف أنه أخبر، عن دليل المعرفة يقبل خبره، ¬

_ (¬1) في ب: "فيترجح". (¬2) في ب: "والذبيحة". (¬3) في ب كذا: "ينبغي أن يحل" ولعلها: "أن يحمل". وانظر البزدوي، والبخاري عليه، 3: 97 - 101. (¬4) في ب كذا: "فيحتمل على الايمان". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "و". (¬6) "بن أبان" من ب. وتقدمت ترجمته في الهامش 5 ص 113. والكرخي في الهامش 7 ص 210. (¬7) "أما" من ب.

ويكون بمنزلة المثبت بالدليل. فحديث نكاح ميمونة من النوع الذي عرف بدليله , لأن قيام الإحرام يدل عليه أحوال ظاهرة من المحرم، فصار مثل الإثبات، فوجب المصير إلى ترجيح آخر، وهو فقه الراوي وضبطه وإتقانه، وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فيكون أولى عن رواية يزيد بن الأصم (¬1)، فإنه لا يساويه في ذلك. وأما حديث بريرة (¬2) وزينب (¬3) - فمن (¬4) النوع الذي لا يعرف إلا بظاهر. الحال، فصار الإثبات أولى. وبهذا الطريق ارتفع الخلاف والتناقض عن مسائل أصحابنا رحمهم الله. - ومنها، أن أحدهما يوجب درء الحدود والقصاص، والآخر بثبت. - ومنها، أن أحدهما يوجب فساد العبادة (¬5)، والآخر يوجب الجواز. - ومنها، أن أحدهما يوجب بقاء الواجب، والآخر يوجب السقوط. فما فيه الاحتياط أولى (¬6). وأما الترجيح بما (¬7) لا يصلح مرجحاً فكثير - من ذلك: الترجيح والذكورة، والحرية، وكون الراوي بصيرًا، وكونه عالمًا بأسماء الرواة والتواريخ ونحو ذلك: فإنه ثبت قبول خبر الأعمى، وقبول خبر النساء، والعبيد، في رواية الأخبار، من السلف، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) يزيد بن الأصم - أمه برزة بنت الحارث أخت ميمونة أم المؤمنين. كان كثير الحديث. ثقة. توفي عام 101 أو 103 أو 104 (ابن حجر، تهذيب التهذيب، 11: 313). راجع ابن عبد البر، الاستيعاب، 4: 1703. وقد أشرنا إلى ذلك في الهامش 3 ص 735. (¬2) و (¬3) راجع فيما تقدم ص 734 - 735. (¬4) الفاء من ب. (¬5) في الأصل قد تكون: "العبارة". (¬6) انظر فيما بعد الهامش 4 ص 738. (¬7) "بما" من ب.

وأما القياس - فنقول: القياسان إذا تعارضا، فيرجح بأنواع من الترجيح الصحيح. وفي بعضها اختلاف. وفي بعضها اتفاق على الفساد. أما الصحيح: -[منها] , أن يكون أحدهما في التأثير أقوى، مع كونهما مؤثرين في الجملة. فأما (¬1) إذا لم يكن أحدهما مؤثراً، فلا (¬2) يكون حجة. ولهذا عمل أصحابنا بالقياس مرة، وبالاستحسان أخرى، ونظروا إلى قوة الأثر، لا (¬3) إلى ظاهر القياس والاستحسان (¬4). - ومنها، أن يكون أحد القياسين موجبًا للحرمة، والآخر موجبًا (¬5) للحل، فالمحرم أولى احتياطًا. وكذا إذا كان أحدهما يوجب جواز العبادة (¬6)، والآخر يوجب الفساد، فالوجب للفساد أولى احتياطًا. وكذا (¬7) إذا كان أحدهما مبقيًا للواجب، والآخر مسقطًا، وحقوق الله تعالى، فالمبقي (¬8) أولى. بخلاف حقوق العباد، فإن صيانة كلا الحقين واجب. - ومنها، أن يكون أحدهما مثبتاً، والآخر نافيًا - على الوجوه التي ذكرنا في الأخبار (¬9). ¬

_ (¬1) في ب: "أما". (¬2) في ب: "لا". (¬3) "لا" من ب. (¬4) "ومنها أن أحدهما يوجب درء الحدود والقصاص ... فما فيه الاحتياط أولى" وردت في ب هنا بعد كلمة "الاستحسان" - راجع فيما سبق الهامش 6 ص 737. (¬5) "للحرمة والآخر موجباً" ليست في ب. (¬6) كذا في ب. وفي الأصل: "يوجب الجواز". (¬7) في ب: "وكذلك". (¬8) في ب كذا: "فالفى". (¬9) راجع فيما تقدم ص 734 وما بعدها.

وأما المختلف فيه: - وهو أن يكون أحدهما مستنبطًا من الكتاب أو (¬1) المتواتر، والآخر من خبر الواحد الذي تلقاه العلماء بالقبول (¬2): فعند القاضي الإمام أبي زيد رحمه الله: الأول أولى. وعندنا: هما سواء، فيصار إلى الترجيح من من جوه أخر. وهذا بناء على أن الإجماع المبني على خبر الواحد، دون الإجماع المبني على التواتر والكتاب، عنده. وعندنا: هما (¬3) سواء، على ما مر. - ومنها، أن العلة التي هي وصف واحد أولى من العلة التي هي ذات وصفين أو أوصاف. وعند [نا]: هما سواء - على ما مر (¬4). ومنها، كثرة الأصول. عند بعضهم: القياس الذي يصح استنباطه من الأصول أولى من القياس الذي لا يستنبط إلا من أصل واحد. وقال بعضهم: لا يترجح، على ما ذكرنا في الأخبار (¬5) من كثرة الرواة إذا استويا في الأثر. - ومنها، أن يكون أحدهما منعكساً دون الآخر و (¬6) ذكر القاضي أبو زيد رحمه الله: أنه أولى. ¬

_ (¬1) في ب: "و". (¬2) "الذي تلقاه العلماء بالقبول" من ب. (¬3) "هما" من ب. (¬4) "على ما مر" من ب. (¬5) كذا في ب. وب الأصل: "لا يرجح لما ذكرنا من الأخبار". راجع فيما تقدم ص 733 - 734. (¬6) "و" من ب.

وقال عامة المتأخرين: إن العكس في الشرعيات (¬1) لا عبرة به، فكان وجوده وعدمه سواء. وتفسير العكس أن ينعدم الحاكم عند عدمه، وهو شرط في العلل العقلية. وأما الذي لا يصلح للترجيح فوجوه: - أحدها، الترجيح بكثرة الأشباه، كما قال الشافعي رحمه الله فيمن ملك أخاه: إنه لا يعتق عليه , [إذ] قرابة (¬2) الأخوة أشبه بقرابة العمومة، من قرابة الولاد، في الأحكام، على ما عرف. - ومنها، ما قال الشافعي رحمه الله في علة الربا إن الطعم أولى, لأنه أعم، حيث يوجد في القليل والكثير، والكيل لا يوجد في القليل. وهو (¬3) فاسد, لأن هذا اعتبار (¬4) الصورة، وهو (¬5) على أصله لازم: فإن عنده الخاص أولى من العام، في الكتاب والسنة، والقياس فرعهما (¬6)، فكيف خالف الفرع الأصل , فيكون العام فيه أولى من الخاص؟ - ومنها, ما قال في هذه المسألة أيضًا: إن الطعم وصف لازم، فإنه (¬7) يوجد في كل مطعوم، والكيل لا يدخل في كل مطعوم. وهو فاسد، لأن العبرة للأثر في العلل. ¬

_ (¬1) في ب: "في العلل الشرعية" (¬2) كذا في ب .. وفي الأصل في: "فيمن ملك أخاه أن قرابة الأخوة". (¬3) في ب: "وهذا". (¬4) في ب: "لأنه أعتبار". (¬5) في ب: "وهذا". (¬6) "فرعهما" غير واضحة في ب. ولعلها: "وعليها". (¬7) في ب: "لأنه".

[5] وأما حكم تعارض الترجيحين

[5] وأما حكم تعارض الترجيحين [فـ] أن ينظر إليهما: - فإن كان أحدهما يرجع إلى الذات والآخر إلى الحال، فما يرجع إلى الذات أولى لوجهين: أحدهما - أن الحال تبع للذات (¬1)، فلو اعتبر مرجحاً لصار التبع مبطلا للأصل، وهو فاسد. و (¬2) [الثاني] لأن الذات أسبق من الحال، فصار بمنزلة الاجتهاد الذي أمضى حكمه: لا يبطل باجتهاد حادث، على ما مر. - فأما إذا استويا من حيث الذات: فحينئذ يرجح (¬3) بالحال. بيان ذلك: • أن ابن الأخ لأب وأم أو لأب أولى بالتعصيب من العم، لرجحان في ذات القرابة، وللعم رجحان باعتبار الحال وهو القرب (¬4). • وعلى هذا ابن الأخ لأب أول من ابن ابن (¬5) الأخ لأب وأم، لرجحانه (¬6) من حيث الذات، فلا (¬7) يعتبر الحال. وبمثله: الأخ لأب وأم أولى من الأخ لأب. وكذا ابن الأخ لأب وأم أولى من ابن الأخ لأب, لأنه ترجح (¬8) باعتبار الحال بعد تساويهما من حيث الذات. وعلى هذا مسائل أصحابنا رحمهم الله - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ب: "يتبع الذات". (¬2) "و" من ب. (¬3) في ب: "يترجح". (¬4) "وهو القرب" من ب. (¬5) في ب: "ابن الأخ". (¬6) في ب: "لرجحان". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "ولا". (¬8) في ب: "يترجح".

الفصل الرابع أهلية الأحكام

فصل في أهليّة الأحكام، وكيفيّة تعلقها بالأسباب وبيان أعيان (¬1) الأسباب [1] ذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله وقال: الأهلية (¬2) نوعان: أهلية الوجوب، وأهلية الأداء. فأهلية الوجوب - بكونه أدميًا حيًا، له ذمة، وهو العهد مع الله تعالى في قبول تحمل الأمانات والحقوق المشروعة - قال الله تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان" (¬3) فيثبت الوجوب بناء على الأهلية. ثم يسقط في بعض المواضع، لعدم فائدة الأداء, لأن المراد بالوجوب هو الأداء، فإذا كان فيه احتمال الأداء في الجملة، من حيث الأصل أو النيابة (¬4)، يبقى الوجوب، وإلا فيسقط (¬5). فأما أهلية الأداء -[فـ] بالقدرتين، وهو قدرة تفهم الخطاب، وقدرة تحصيل الفعل. فما لم يوجدا جميعًا لا يثبت أهلية الأداء. وهكذا لأن الوجوب نوعان: [الأول]- أصل الوجوب، وهو شغل الذمة بالواجب، وإنه يثبت جبرًا من الله تعالى، شاء العبد أو أبى. والثاني - وجوب الأداء، وهو وجوب إسقاط ما في ذمته من الواجب، وإنه يثبت بالخطاب، والخطاب لا يتوجه على العاجز. ومن ¬

_ (¬1) كذا في ب: "أعيان" وفي الأصل: "اعتبار". انظر فيما بعد ص 749 حيث قال: "وأما بيان أعيان الأسباب". (¬2) "ذكر القاضي ... الأهلية" ليست في ب. (¬3) سورة الأحزاب: 72 - وبقية الآية: "إنه كان ظلومًا جهولا". (¬4) في ب: "من حيث الأصالة والنيابة". (¬5) في ب "يسقط".

لا يفهم الخطاب بسبب عدم العقل، ولا يقدر على الأداء بسبب فوت سلامة البدن، فهو عاجز، والله تعالى قال: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" (¬1). فأما (¬2) أصل الوجوب -[فـ] ثبت (¬3) جبراً، فلا يشترط له القدرة على الأداء، إلا أن احتمال الفائدة شرط للوجوب، فيشترط احتمال القدرة لثبوت الفائدة في الجملة. والدليل على ذلك إجماع الأمة على أن الدين المؤجل ثابت حتى يجوز له (¬4) الاعتياض عنه، ويجوز (¬5) الإبراء. ولو كان الوجوب (¬6) هو وجوب الفعل، وهو (¬7) غير ثابت، يجب أن لا يكون الدين ثابتًا. فكذلك (¬8) الزكاة: تجب في الديون، وإنما تجب الزكاة في المال، فدل أن المال جعل موجوداً حكمًا. فكذلك الأفعال: يجب أن تجعل موجودة في الذمة حكمًا أيضًا (¬9) - لا فرق بينهما. ولهذا، بالإجماع، يجب العشر والخراج على الصبيان والمجانين. وكذلك (¬10) الجنون القليل: لا يمنع وجوب الصوم والصلاة، ولا يتصور الأداء حالة الجنون - دل أن الوجوب عبارة عما قلنا. وكذا، بالإجماع، يجب الصوم والصلاة ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 286. وانظر أيضًا: سورة البقرة: 233: "لا تكلف نفس إلا وسعها"، والأنعام: 152: "لا نكلف نفسًا إلا وسعها". والأعراف: 42: "لا نكلف نفسًا إلا وسعها". والمؤمنون: 62: "ولا نكلف نفسًا إلا وسعها". (¬2) في ب: "وأما". (¬3) في ب: "يثبت". (¬4) "له" ليست في ب. (¬5) "يجوز" ليست في ب. وانظر الهامش التالي. (¬6) في ب: "أن الوجوب" ففيها: "والإبراء. إن الوجوب". (¬7) في ب: "فهو". (¬8) في ب: "وكذلك". (¬9) في ب: "وأيضًا". (¬10) في ب: "وكذا".

على المغمى عليه، وعلى (¬1) المريض العاجز عنهما، لما قلنا. وهذا كلام مستقصى في الخلافيات. ولكن مشايخنا رحمهم. الله قالوا: إن أهلية الوجوب في الحقيقة هي أهلية الأداء. فكل من تثبت (¬2) له أهلية الأداء، تثبت له (¬3) أهلية الوجوب، وإلا فلا. وهذا لأن الوجوب ليس إلا وجوب الفعل، فإنه لا يعقل وجوب الصوم والصلاة بإيجاب الله تعالى سوى وجوب الفعل، فمن لم يكن من أهل الفعل الواجب، وهو القادر على فهم الخطاب وعلى تحصيل الفعل، لم يكن من أهل الوجوب ضرورة، إلا أن المعتبر عندنا هو القدرة من حيث الأسباب، وهو سلامة العقل والبدن عن الآفات والموانع، لا حقيقة القدرة، فإنها مع الفعل، والتكليف سابق على الفعل، على ما عرف في باب الأوامر (¬4). وهكذا نقول في وجوب الأموال: فإنها (¬5) عبارة عن وجوب تسليم المال، والدين المؤجل في الحقيقة عبارة عن وجوب تسليم الفعل في ثاني الحال لا في الحال. وفي حق الصبيان والمجانين، ما يجري فيه النيابة، يجب على الولي تحصيل الفعل في مالهم، لا أن يجب في ذممهم (¬6)، ويجعل المال موجودًا تقديرًا، فإنه لا حاجة إليه، وتغيير (¬7) الحقيقة، من غير حاجة، خارج عن العقل والشرع. وبعض مشايخنا فرقوا برين المالي، والبدني - فقالوا (¬8): ¬

_ (¬1) "على" من ب. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "ثبت". (¬3) "له" من ب. (¬4) راجع فيما تقدم ص 187 وما بعدها. (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "فإنه". (¬6) في ب: "في ذمتهم". (¬7) في ب كذا: "ويعتبر". (¬8) من هنا أي من أول عبارة "يجعل المال موجودًا" حتى عبارة "تكليف بما هو الحق عند الله تعالى بالاستدلال" (ص 761) ناقص من ب (انظر الهامش 1 ص 761).

[2] وأما بيان كيفية تعلق الأحكام بالأسباب

- يجعل المال موجودًا في الذمة، تقديراً، وهو جعل المعدوم موجوداً، لحاجة ثبوت الأحكام. فأما في الأفعال، [فـ] لا يمكن, لأن فيه جعل العرض باقياً، وهو الفعل, وإنه محال، ونسبة المحال إلى الشرع لا تجوز، فلا يجعل (¬1) الاستحالة، ومثل هذا معدوم في المال. - وأما الأحكام التي ذكروا، فغير لازمة لأنا لا نقول بوجوب شيء على الأطفال والمجانين، وإنما يجب على الولي ما يجري فيه النيابة، وفيه مصالحهم الدنياوية، وما لا يجري فيه النيابة لا يجب أصلًا. وقد ذكرنا كيفية صحة إسلام الصبي العاقل في باب الأوامر (¬2). - وأما المغمى عليه والمجنون جنوناً قليلا: فالصحيح أنه لا فرق بين الجنون القليل والكثير في حق منع الوجوب لما ذكرنا، إلا أن في القليل يجب القضاء لانعدام الحرج، وفي الكثير حرج، وقلنا بوجوب القضاء من غير وجوب الأداء - على ما عرف في مسألة المجنون، على الاستقصاء، فلا نعيده. [2] وأما بيان كيفية تعلق الأحكام بالأسباب فنقول: إن أصحاب الظواهر قالوا: لا يجب شيء بالأسباب، وإنما يجب بظواهر النصوص. وأما القايسون [فـ] اختلفوا فيما بينهم: قال بعضهم: ليس للأحكام أسباب أصلًا، إلا أن الحكم في المنصوص ¬

_ (¬1) هنا فراغ في الأصل. ولعله يرتفع بعبارة: "موجودا بسبب" أو نحوها. (¬2) راجع فيما تقدم ص 204 وما بعدها.

عليه يجب بظاهر النص، وفي غير المنصوص يتعلق بالوصف الذي جعل علة، ويكون أمارة لثبوت الحكم في الفروع بإيجاب الله تعالى، لا أن الوجوب مضىاف إليه حقيقة. وقال الشافعي، وهو قول الأشعرية: إن وجوب العبادات بالخطاب، فأما وجوب العقوبات والحقوق المالية [فـ] بالأسباب. وقال عامة مشايخنا: إن لعامة الأحكام أسبابًا من العبادات والعقوبات وحقوق العباد وغيرها، وإليه أشار الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمة الله عليه في أصول الفقه الموسوم بـ "مآخذ الشرائع". أما الفريق الأول [فـ] قالوا: إن الموجب للأحكام والشارع لها، هو الله تعالى، كما أن موجد الأشياء المحسوسة وخالقها هو الله تعالى، وصفة الإيجاب صفة خاصة لله تعالى لا يجوز اتصاف الغير بها، كصفة التخليق، إلا أنه جعل بعض أوصاف النص علامة وأمارة على الحكم في الفروع، منه قال: "أسباب موجبة" مجازاً، لظهور أحكام الله تعالى عندها، ولأن الأسباب في أفعال العباد بمعنى الآلات والجوارح السليمة، باعتبار أن قدرة العباد ناقصه لا يظهر أثرها عادة في المحال إلا بالأسباب والآلات، فيكون عملها في تتميم القدرة الناقصة، والله تعالى موصوف بالقدرة التامة، فلا يجوز آن يتعلق وجوب أحكامه ووجوب مفعولاته بالأسباب حقيقة. ولأن ما ادعيتم من الأسباب كانت موجودة قبل ورود الشرع ولا أحكام معها، وقد يوجد بعد الشرع أيضًا بلا أحكام، كما في المجانين والصبيان وغيرهم، ولو كانت عللا للأحكام، لكان لا يتصور انفكاكها عن الأحكام، كما في العلل العقلية، فإنه قط لا يتصور وجود التحريك بلا تحرك، ووجود الكسر بلا انكسار. ولما تصور الانفكاك ههنا - دل أنها ليست بعلل وأسباب حقيقة.

وجه قول العامة: إن المعني بقولنا "أسباب الأحكام وعللها" أنهما أعلام وأمارات على أحكام الله تعالى؛ لا أنها موجبات، وهذا لأن الموجب للأحكام هو الله تعالى، والشارع لها، كما أن الموجد للأفعال والأعيان هو الله تعالى وخالقها, ولا تعلق للوجوب والوجوب بالأسباب في حق الله تعالى، ليظن أنها تصير تتمة للقدرة، وإنما الأسباب لمعرفة العباد لوجوب الأحكام بإيجاب الله تعالى، إلا أن إيجابه غيب عنا: فتارة يعرف، بالاستدلال العقلي بالنظر في الآيات والأسباب، إيجابه الأحكام العقلية، ويكون العقل آلة المعرفة، فيعرف وجوب الإيمان وحرمة الكفر بإيجاب الله تعالى وتحريمه بالاستدلال العقلي، [لا] (¬1) أن الأسباب أو العقل موجب علينا معرفة الله تعالى، محرم علينا الجهل به، وهو الكفر، بل الموجب للإيمان والمحرم للكفر هو الله تعالى. وأما في الأحكام الشرعية، [فـ] يعرف إيجاب الله تعالى، بالأوامر والنواهي وإخباره عن الحل والحرمة والجواز والفساد ونحو ذلك، ويكون صيغ الأمر والنهي والخبر دلالات على إيجاب الله تعالى، وفيما لا نص من الله تعالى من الأحكام يعرف أحكامه بالنظر في النصوص بالأسباب الدالة على الوجوب والحرمة والجواز والندب، وهي ما جعلها الله تعالى علامات وأمارات، لمعرفة الأحكام في الفروع، على ما ذكرنا في تفسير العلة والسبب (¬2). وإذا كان تفسير الأسباب والعلل ما ذكرنا, وأثرها وعملها هذا القدر الذي ذكرنا، بطل وهم القوم كله، فتبين أنهم بنوا هذا الكلام على خيال باطل وظن فاسد، وبعض الظن إثم. وخرج الجواب عن قوله: إن هذه العلل موجودة قبل الشرع ولا حكم ¬

_ (¬1) في الأصل قد تكون كذا: "بالآ". ولعل الصحيح: "لا"، وهو ما جعلناه في المتن. (¬2) راجع فيما تقدم ص 579 وما بعدها.

لها - فنقول: بل هي موجودة صورة، لكنها ليست بدلالات، وإنما تصير دلالات حال وجود المدلول، وهي لما كانت دلالات على الأحكام الشرعية في غير المنصوص عليه، لا بد من ورود الشرع وتوجه الأحكام على العباد، حتى يجعل علامات للمعرفة في حقهم، فيما لا نص لهم على المعرفة. وكذلك في حق من لا وجوب عليهم من الصبيان والمجانين وغيرهم: لم يكن أسبابًا، لما قلنا. ووجه قول من فرق بين العبادات وغيرها، وهو أن حكم العبادات: وجوب الأفعال، ووجوب الأداء بالخطاب , بالإجماع، وإنه دليل متيقن على الوجوب. فأما الأسباب: لو جعلت دلائل على الوجوب، [فـ] يكون بطريق الاجتهاد والرأي، وفيه احتمال الخطأ, فيكون القول بالأسباب في العبادات سفهاً، لما فيه من ترك إضافة الحكم إلى الدليل المتيقن, والإضافة إلى المحتمل، من غير حاجة، بخلاف سائر الأحكام من الديون والضمانات, لأن ثمة، وإن كان الأصل هو وجوب الأفعال, وهو تسليم المال إلى صاحب الحق , لكن جعل المال موجودًا في الذمة حكمًا، ثم يؤمر بالأداء من الأعيان، لتفريغ الذمة عن المال الحاكمي، فلهذا افترقا. إلا أن لعامة العلماء عنه جوابان: - جواب مشايخ العراق عنه سهل، وهو أنا لا نقول بالوجوب بالأسباب والعلل في المنصوص عليه، بل نقول بالخطاب. ولا نقول إن الوجوب عين وجوب الأداء، ووجوب الأداء بإيجاب الله تعالى، لكن يعرف بصيغة الأمر والنهي. وكذا سائر الأحكام من الحل والحرمة والضمان ووجوب العقوبات، إنما يعرف ثبوتها بالنصوص والإجماع -

[3] وأما بيان أعيان الأسباب

وإنما نقول بالوجوب بالأسباب، في غير موضع النص، إذا كان النص معقول المعنى والحكمة، فتعدى إلى غيره بالاستدلال. ولا خلاف بين القايسين أن العمل بالاجتهاد جائز في غير موضع النص، حتى إن الحكم إذا كان غير معقول المعنى يقتصر على مورد النص. - وأما جواب مشايخنا: أن الحكم في موضع النص يتعلق بالسبب والمعنى، ففيه، دقة فقد ذكرناه من قبل - والله أعلم. [3] وأما بيان أعيان (¬1) الأسباب [فنقول]: ذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله أن سبب وجوب أصل الدين، وهو معرفة الله تعالى كما هو، هو الآيات الدالة على حدث العالم. ولكن فيه نظر, لأن العالم دليل وجود الصانع وتوحيده. فإن العاقل، متى استدل بعقله بالنظر في العالم المحدث، عرف المحدث وعرف توحيده وصفاته، والكلام في وجوب المعرفة لا في وجوده، ووجود المعرفة لا يكون دليل وجوب المعرفة، فإن من كان عنده دليل معرفة شيء لا يجب عليه معرفته، لكن الصحيح أن يقال: إن سبب وجوب المعرفة والتصديق له والإقرار به هو ترادف نعم الله تعالى عليه، من نعمة الحياة وسلامة العقل والبدن ونحو ذلك (¬2)، فإن النعم تقتضي وجوب شكر النعم، والوجوب بإيجاب الله تعالى، لكن بالعقل يعرف أن كفران النعم حرام وشكر المنعم واجب، فكان النعم معرفاً له وجوب شكر النعم لكن بواسطة آلة ¬

_ (¬1) راجع الهامش 1 ص 742. (¬2) في الأصل كذا: "لك".

المعرفة، وهو العقل - فهذا بعض معنى قول الناس: إن العقل موجب أي دليل ومعرف لوجوب الإيمان بالنظر في سببه بالعقل وهو النعم - والله أعلم. وقال أيضًا: إن سبب وجوب الصلاة هو الوقت، وسبب وجوب الصوم هو شهود شهر رمضان، وسبب وجوب الحج هو البيت، ولكن لا يعقل كون نفس (¬1) الأوقات أسبابًا، وفي الحقيقة تتابع نعم الله تعالى عليهم في كل وقت من هذه الأوقات الخمسة سبب وجوب الصلاة فيه، شكرًا لما أنعم الله تعالى عليهم، والوقت ظرف للنعم ومقدر لها أيضًا، فيضاف الوجوب إلى الوقت ظاهرًا. وكذا في حق الصوم: السبب هو النعم، وهو اقتضاء شهوة البطن والفرج والاستمتاع بذلك سنة كاملة، وجعل الشكر هو الامتناع عن ذلك شهرًا لوجه الله تعالى، فيكون الشهر شرط الوجوب وشرط الأداء فيضاف إليه مجازًا. وكذا سبب وجوب الحج هو النعم، فإن العبد عليه خدمة مولاه حال حضرته وفي حال غيبته لزوم حضرة بابه، لكونه عبدًا له مستغرقاً في نعمه، والله تعالى ليس بمشاهد ولا له مكان، لكن لما أضاف البيت إلى نفسه كرامة له وإظهاراً لشرفه الذي وضعه الله له، يجب على عبيده زيارته ولزومه لهذا، لكن بفضله وكرمه اجتزئ منهم في العمر مرة، وأقام ذلك مكان لزومهم ذلك المكان أبدًا. وكذا المال سبب لوجوب الزكاة شكرًا للتنعم بالمال والاستمتاع بصرف النعم في كل سنة، لكن قدر الحاجة التي يقوم به البدن تابع للبدن، فكان شكره ما هو شكر نعمة البدن. فأما الفضل على الحاجة اللازمة الذي يقع به التنعم ويكون سبب الحياة والعز في الدنيا يكون سبب الوجوب. ¬

_ (¬1) في الأصل كذا: "انفس" ولعل الألف مشطوبة.

فصل في بيان توابع القياس وهو بيان أحوال المجتهدين

واما أسباب العقوبات والضمانات: [فـ] هي الجنايات والإتلاف زجراً وجبرًا. وأسباب الكفارات، عند بعض مشايخنا: هي الأشياء التي يضاف إليها من اليمين والظهار وقتل الخطأ ونحوها. وعند أهل التحقيق أسبابها ما هو سبب وجوب التوبة فإنها شرعت توبة وتكفيراً، لكن الجنايات شرط تحقق التكفير، كالمعصية: شرط وجوب التوبة، لا سببها، على ما عرف في الخلافيات. وسبب شرع المعاملات هو الاختصاص الذي به يقع دفع يد الأغيار، تحقيقاً للبقاء الموعود إلى آخر الدهر، وقطعاً للمنازعة - والله أعلم. فصل في بيان توابع القياس وهو بيان أحوال المجتهدين (¬1) فنقول: إن أحوال المجتهدين تنقسم قسمين: قسم يرجع إلى المجتهد مع نفسه. وقسم يرجع إليه مع غيره. [1] وأما القسم الأول [فـ] يتضمن معرفة حد الاجتهاد، في الشرعيات، الذي عند وجوده يخرج عن حد العوام ويدخل في حد العلماء ويلزمه العمل باجتهاده، ويحرم عليه تقليد غيره. ¬

_ (¬1) راجع ص 551 حيث جعل ذلك من موضوعات القياس.

الأول

• ويتضمن بيان حاله في أنه مصيب على كل حال أم يجوز أن يصيب مرة ويخطئ أخرى؟ وكيف يكون مصيبًا في نفس الاجتهاد وفيما أدى إليه اجتهاده، أو في نفس الاجتهاد دون ما أدى إليه اجتهاده. وإذا أخطأ في اجتهاده - هل يثاب عليه أو يعذر لا غير دون الإثابة، أو لا يعذر في الخطأ ونحو ذلك. أما الأول - فنقول: حد الاجتهاد الذي ذكرنا في الشرعيات: أن يكون عالمًا بالنصوص من الكتاب والسنة مما يتعلق بها الأحكام الشرعية، لا أن يشترط أن يكون عالمًا بجميع ما في الكتاب والسنة. وهذا القدر من باب العزيمة أيضًا. فأما الرخصة في ذلك: [فـ] أن يكون هذه النصوص التي تعلق بها الأحكام من الكتاب والسنة عنده، بحال يمكنه طلب الحادثة الواقعة منها، لوجود التجربة والممارسة له في ذلك. - ويشترط أيضًا أن يكون عالمًا بوجوه العمل بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، على ما تضمنه كتاب أصول الفقه على الوجه الذي ذكرنا. هذا هو الشرط في السلف لصيرورة الرجل مجتهدًا. - ولا يشترطون معرفة الفروع التي استخرجها المجتهدون بآرائهم. وهو في زماننا كذلك. لكن جرت العادة لمعرفة الفروع المبنية على اجتهاد السلف، كفروع أبي حنيفة والشافعي رحمة الله عليهما، ونحو ذلك. وهذا للتسهيل على الناس، فإن من سمع عامة ذلك، وتفقه فيه، يصير من أهل الاجتهاد. وكذا قال بعض مشايخنا. وإذا بلغ الرجل هذا الحد، يصير مجتهداً، ويجب عليه العمل باجتهاده، ويحرم عليه تقليد غيره - على ما مر ذكره.

الثاني

[والثاني]- ثم إذا اجتهد المجتهد وبالغ في ذلك: هل يكون مصيبًا على كل حال، أو يجوز الخطأ عليه وإن كان مصيباً، من حيث الظاهر، في حق نفسه؟ اختلف أهل الأصول فيه: قال أهل الحق بأن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب في الشرعيات. وهو بناء على أن الواجب عليه إصابة الحق في المجتهدات الشرعية، أو يجب عليه نفس الاجتهاد. وأن الحق واحد فيه أم متعدد؟ فعندنا - الحق عند الله تعالى واحد فيه، وكلفهم إصابة الحق. [فـ] إن أصابوا فبها ونعمت. وإن لم يصيبوا أخطأوا في الاجتهاد وفيما أدى إليه، فيكون المجتهد مخطئاً فيه ابتداء وانتهاء - وهو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله. وقال بعض مشايخ سمرقند، كأبي الحسن الرستغفني (¬1) ومن تابعه: إنه مصيب في اجتهاده، ولكنه قد يخطئ فيما يؤدي إليه اجتهاده، بأن كان عند الله تعالى بخلافه، وهو مروي عن أبي حنيفة رحمة الله عليه، فإنه روي أنه قال: كل مجتهد مصيب، والحق عند الله تعالى واحد. وتفسيره ما ذكرنا. ¬

_ (¬1) قال صاحب الجواهر المضيئة (2: 210): "الرستغفني بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء ثالث الحروف وسكون الغين المعجمة وفي آخرها النون بعدها (لعل الصحيح: بعد) الفاء. نسبة إلى رستغفن: قرية من قرى سمرقند. اسمه علي بن سعيد أبو الحسن. ذكره بنسبته الخاصي وغيره من الأصحاب في مسألة حوض صغير يدخل الماء من جانب ويخرج من جانب: إذا توضأ فيه إنسان. وذكره الأصحاب أيضًا في كتب الأصول والخلاف بينه وبين أبي منصور الماتريدي معروف في مسألة المجتهد إذا أخطأ في إصابة الحق يكون مخطئاً في الاجتهاد على كل حال أصاب الحق أو لم يصب. وقد روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد، معناه: أنه مصيب في الطلب وإن أخطأ المطلوب. وله الفوائد أيضًا. قال أبو الحسن: رأيت الإمام المهدي أبا منصور الماتريدي في المنام فقال يا أبا الحسن: ألم تر أن الله غفر لامرأة لم تصل قط؟ فقلت بماذا؟ قال: باستماع الأذان وإجابة المؤذن". وقال صاحب تاج التراجم (ص 41) إنه أحد أصحاب أبي منصور الماتريدي.

[والثالث]- اختلف أهل الحق فيما بينهم: قال بعضهم: إن على الحق، الذي هو عند الله معين، دليلاً قطعيًا (¬1)، يجب على المكلف طلبه باجتهاده، لكن فيه نوع خفاء. فإن أخطأ فيه، يكون معذورًا، ويثاب أيضًا، لصحة قصده طلب الحق. وقال بعضهم: عليه دليل من حيث الغالب والظاهر، لا دليل قطعي. والإثم في الخطأ الثابت بناء على الدليل القطعي، حتى قال المريسي (¬2) وغيره، ممن قال إن الحق في المجتهدات واحد، وعليه دليل قطعي: إنه يأثم بذلك. ولكن الصحيح عند أهل السنة: أنه لا إثم عليه, ويكون معذوراً، بل يكون له ثواب بقصد إصابة الحق على ما نذكر. وقال عامة المعتزلة، وأكثر الأشعرية: إن (¬3) كل مجتهد مصيب في الشرعيات، وليس فيها حق واحد معين عند الله تعالى يكلف المجتهدين طلبه. بل في موضع الاجتهاد حقوق. فكل مجتهد أدى اجتهاده إلى شيء، يكون صواباً في حقه عند الله تعالى، لا في حق صاحبه، ويكلف كل مجتهد بالاجتهاد بغالب الظن، ويكون ثبوت الصواب والحقيقة (¬4) متعلق بوجود ظنه فيه الصواب غالبًا، في حق نفسه لا في حق صاحبه. وقال بعض المعتزلة: ليس الحقوق على السواء، بل يكون الواحد من ذلك أصوب وأحق - حتى لو فرضنا أن الله تعالى ينص على الحكم في هذه الحادثة، لكان ينص عليه. وهذا هو المطلوب. فمن وجده فهو الأحق. ومن لم يجده، فيكون ما أدى إليه اجتهاده فهو حق أيضًا. وقد روي عن الشافعي رحمه الله هذا القول، واعتمد عليه حذاق المعتزلة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "معيناً، دليل قطعي". (¬2) بشر المريسي: تقدمت ترجمته في الهامش 5 ص 199. وفي الأصل كذا: "المريشي". (¬3) في الأصل: "على أن". (¬4) قال الجرجاني في تعريفاته: حقية الحكم مطابقته لواقع أو مطابقة الواقع إياه. ويقابله الباطل.

فأما المجتهد في المسائل العقلية، [فـ] يخطئ ويصيب، بلا خلاف بين العقلاء، إلا ما حكي عن أبي الحسين العنبري من المعتزلة أنه قال: كل مجتهد مصيب في العقلي والشرعي. وهو قول مهجور رده عليه إخوانه وكل عاقل, لأنه يفضي إلى أن الدهري مصيب، والثنوي مصيب، وكذا اليهود والنصارى ونحو ذلك. وهذا مما لا يخفي فساده على العوام، فضلا عن العلماء. وجه قول المصوبة: النص، والعقول، والأحكام: - أما النص فقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (¬1) الله تعالى، مع أنه أخبر أنه فهم سليمان صلوات الله عليه، أخبر أن حكم داود صلوات الله عليه كان صوابًا بقوله: "وكلا آتينا حكماً وعلماً" دل أن كل مجتهد مصيب. وفي الآية أيضًا إشارة إلى أن ما حكم سليمان صلوات الله عليه فهو أصوب حيث قال: "ففهمناها سليمان"- دل أن الذي هو عند الله تعالى هو الأصوب، وهو المطلوب بالاجتهاد. ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "بم تقضي"؟ قال: "بكتاب الله تعالى" قال: "فإن لم تجد" قال: "بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قال: "فإن لم تجد" قال "أجتهد في ذلك رأيي" قال عليه السلام: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله"، [فـ] لولا أن المجتهد مصيب على كل حال، وإلا لم يكن موفقاً، والنبي عليه السلام جعله موفقاً، وكل من عمل بتوفيق الله تعالى، يكون مصيباً لا محالة. ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 78 و 79.

- وأما المعقول: وهو أن المجتهد مأمور بالاجتهاد، حتى يحرم عليه تقليد غيره، والأمر بالاجتهاد لم يكن لعينه، فإن عينه غير مقصود، وإنما المقصود هو العمل بما (¬1) يؤدي إليه اجتهاده - فلا يخلو: إما إن كان مأموراً بالعمل بما هو عند الله تعالىَ من الحق المعين وأمر بطلبه بالاجتهاد، أو كان مأموراً بما يؤدي إليه ظاهر اجتهاده. والأول باطل، فإنه تكليف ما ليس في الوسع، فإن، عند بعض أصحابكم، عليه دليلاً من حيث الغالب، لا دليل قطعي (¬2). وعند بعضكم: عليه دليل قطعي لكن في غاية الخفاء والدقة، لا يقف عليه المجتهد بطريق القطع، فلا يمكن القول بتكليف العمل بغير وجوب العمل بما أدى إليه اجتهاده من حيث الغالب. وإذا كان هذا واجب العمل، يكون صوابًا, لأن الله تعالى لا يأمر إلا بما هو حق وصواب. وأما الأحكام: فإن القاضي متى قضى في فصل مجتهد فيه بالاجتهاد، فإنه يكون مصيبًا في قضائه ظاهرًا وباطناً، حتى لا يجوز لقاض آخر أن ينقض ذلك. وكذا من تحرى وصلى إلى جهة بالتحري والاجتهاد ثم تبين أنه صلى مستدبر الكعبة فإنه يجزيه ولا يلزمه الإعادة، ولولا أن المجتهد مصيب في اجتهاده وإلا لوجب عليه الإعادة. وكذا القاضي يقضي بتقدير نفقة الزوجات والمحارم بالاجتهاد. وكذا يقضي بالتعزير فيما ليس فيه حد مقدر. وكذا يقضي بحكومة العدل فيها ليس فيه أرش مقدر، ثم إذا جاء قاض آخر يجوز أن يقضي بخلاف الأول. وكل ذلك جائز: لولا أن كل مجتهد مصيب، وإلا لما جاز. وجه قول أهل السنة: إجماع الصحابة، والسنة، والمعقول: - أما الأول، فإن الصحابة أجمعوا على جواز القياس، مع مخالفة البعض ¬

_ (¬1) في الأصل: تشبه أن تكون كذلك أو "ما". (¬2) لعل الأفضل أن يقال: "لا دليلا عقليًا".

البعض في جواب المسائل والتخطئة (¬1)، حتى شددوا على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في جواز ربا النقد. وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "أقول في الكلالة (¬2)، برأيي، فإن كان صواباً فمن الله تعالى، وإن كان خطأ فمن الشيطان". وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كتب كتاباً من عمر رضي الله عنه وقال فيه: "هذا ما أرى الله تعالى لعمر" فقال عمر رضي الله عنه: "امحه واكتب: هذا ما رأى عمر، فإن يك خطأ فمن عمر رضي الله عنه". ونص عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في مسألة المفوضة: "إن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان" (¬3) - فالصحابة الذين جوزوا القياس أجمعوا على جواز الخطأ على القياس، وإجماع الصحابة حجة قاطعة. - وأما السنة، فإن في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه: "احكم على أنك إن أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت لك حسنة". وروي أنه قال عليه السلام: "إذا اجتهد الحاكم وأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد". - وأما المعقول، وهو أن الحق في الشرعيات واحد عند الله تعالى، والاجتهاد طلب ذلك الحق، إذ الطلب لا بد له من مطلوب، فإن وجده يكون مصيباً، وإن لم يجده يكون مخطئًا ضرورة - يعتبر هذا بالعقليات والحسيات: لما كان الحق في العقليات واحدًا، وهو حدوث العالم وثبوت ¬

_ (¬1) خطأه تخطئة وتخطيئاً نسبه إلى الخطأ. قال له: أخطأت "المعجم الوسيط". (¬2) كل الرجل يكل كلالة فقد الولد والوالد. والكلالة لها معنيان هما: أ - من ليس له ولد ولا والد فإذا مات ورثه غيرهما كالإخوة. ب - الورثة غير الولد والوالد. وقد فسر بالمعنى الأول قوله تعالى: "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس" (النساء: 12). ويحتمل المعنيين قوله: "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" (النساء: 176) (معجم ألفاظ القرآن الكريم). (¬3) راجع فيما تقدم ص 486 و 502 - 503.

ألصانع وتوحيده ونحو ذلك، أليس أن المجتهد فيه يكون مصيباً إذا وجده، ويكون مخطئاً إذا لم يصبه. وأما في الحسيات: فإن الرماة إذا وجهوا السهام إلى الهدف وقصدهم إصابته، فكل من صادف سهمه الهدف يكون مصيباً، وكل من لم يصادف سهمه الهدف يكون مخطئاً، لما قلنا - كذلك هذا. وهذا وصف لا نزاع فيه. وإنما الشأن في هذا أن الحق في الشرعيات واحد متعين عند الله تعالى أو حقوق؟ ودلالة ذلك أن المعنى الذي به كان الحق واحدًا في العقليات، ذلك المعنى موجود في الشرعيات. وذلك المعنى وهو أن القول يكون العالم قديماً محدثاً، والصانع موجودًا غير موجود، وهو جائز الرؤية محال الرؤية - من باب التضاد والتناقض, لأنه من أبواب النفي والإثبات، ولا يتصور الجمع بين النقيضين، فكان القول بقيام الدليل عليهما من الله تعالى نسبة السفه إليه والكذب، تعالى عن ذلك. هذا المعنى موجود في الشرعيات: فإن القول بأن الشيء الواحد حلال وحرام، صحيح وفاسد، في زمان واحد، في حق شخص واحد، بجهة واحدة، من باب التناقض - فيجب تنزيه الشرع عن ذلك، فوجب القول بكون الحق واحدًا، ضرورة، تحققه أن ورود النص من الشرع لا يجوز بالنقيضين، فكذا لا يجوز بالقياس، فإن القياس ليس إلا العمل بدلالات النصوص، فكما يجب صيانة نص صاحب الشرع عن التناقض، يجب صيانة دلالة النص عن التناقض أيضًا. فإن قيل: نقول بموجب ما قلتم: إن القول بالتناقض لا يجوز في دلائل الشرع، ولكن الكلام في حد التناقض، وما هو حد التناقض يتحقق في العقليات لكون الحق واحدًا، وهو الجمع بين حكمين (¬1)، خلافين، في حق شخص واحد، في زمان واحد، بجهة واحدة، فأما في حق شخصين، وفي ¬

_ (¬1) كانت "الحكمين" والظاهر شطب الألف واللام.

زمانين، في حق شخص واحد، أو بجهتين في زمان واحد -[فـ] لا يكون تناقضًا وتضاداً، فإن أم الرجل حرام عليه نكاحها حلال للأجنبي، والمشركة حلال في حق المشرك حرام في حق المسلم، والحائض لا يجوز لها أداء الصوم والصلاة، ويجوز للمستحاضة مع وجود سيلان الدم منها، ونحو ذلك. ولهذا يجوز إرسال رسولين إلى فريقين مختلفين حكم شريعة أحدهما خلاف شريعة الآخر، وكل واحد حق وصواب. فإذا كان هذا جائزاً في النصوص، فيكون جائزاً في القياس، وهو أن يكون الشيء حلالا في حق مجتهد، حرامًا في حق مجتهد آخر، ويكون ذلك حكمًا في حقه، دون صاحبه - قلنا: الحل متى كان ثابتاً في زمان واحد, في شيء واحد، في حق شخص واحد، بجهة واحدة، لمصلحة معلومة، وتلك المصلحة قائمة في حق الشخص الآخر، ولا حل، يكون تناقضًا. فأما عند اختلاف المصلحة فلا. وعند التنصيص بالنقيضين، في حق شخصين، يعرف بدلالة الحال اختلاف المصلحة، لأن الله تعالى هو العالم بمصالح العباد، فيكون المصلحة في حق هذا الحرمة، وإن كان معنى المصلحة العامة في الحل ثابتاً في الجملة، ولكن الكلام في غير المنصوص عليه، والقياس يفضي إلى الحل لمصلحة فلا يجوز القول بالحرمة في حق شخص آخر مثله في الحال، ولا علم له بمصلحة باطنه، فهو الفرق بين الأمرين. ولهذا إن الميتة تحرم في حق غير المضطر، ولا تحرم في حق المضطر، لاختلاف الحال، والكلام عند اتحاد المصلحة ظاهراً، فلا يجوز القول بثبوت الحرمة مع قيام المصلحة في حق الحل. والخلاف في مثل هذا وقع. - وأما تعلقهم بالنصوص [فـ] لا يستقيم: • أما قصة داود وسليمان صلوات الله عليهما فنقول: حكمهما إن كانا صوابين، فإنما كان لأن ذلك من باب الحسن والأحسن والفاضل والأفضل،

فإن ضمان حقوق العباد مبني على المماثلة، وقد حكم كل واحد منهما بما هو مثل حق المتلف عليه، باجتهاده، إلا أن ما فعله سليمان صلوات الله عليه أحسن، ولهذا قال: " ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكمًا وعلمًا". ولا كلام في هذا, إنما الكلام في حكمين نقيضين. وعلى هذا نخرج تقدير النفقات والتعزير وغير ذلك، فإن ذلك من باب الحسن والأحسن، ويختلف باختلاف الزمان والحال. • فأما حديث معاذ رضي الله عنه -[فـ] لا حجة فيه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حمد الله تعالى بتوفيقه معاذًا باختيار الاجتهاد عند عدم الكتاب والسنة، وهو حكم الشرع - وبه نقول. ولكن العمل بالدليل القطعي ليس بواجب على كل حال, بل العمل بالدليل الراجح واجب العمل ظاهرًا. - قولهم: إنه مأمور بالاجتهاد ومأمور بما أدى إليه اجتهاده، فنقول: إنما يلزمه الاجتهاد من حيث إنه طريق يتوصل به إلى الحق لا لعينه. وكذا يلزمه العمل بما أدى إليه اجتهاده، من حيث إن الغالب أنه ظفر بالحق وبلغ الدليل الذي هو دليل على الحقيقة, ولا كلام فيه، إنما الكلام فيما إذا ظهر أن ما أدى إليه اجتهاده خلاف ما هو عند الله تعالى والحق واحد، وهو ما عند الله تعالى، يكون مخطئاً ضرورة ولا يكون مصيبًا. - قولهم: إنه لا يكلف العمل بما عند الله تعالى، فهذا هو عين النزاع. قولهم: إنه تكليف ما ليس في وسع المكلف، فممنوع. قولهم: إنه لا علم له بما هو عند الله تعالى، فنقول: ولكن العلم بالمكلف به ليس بشرط لصحة التكليف، وإنما الشرط هو طريق الوقوف عليه، فإن التكليف مبني على العلم , والمقدرة من حيث الأسباب طريق (¬1) ¬

_ (¬1) قد تكون: "وطريق".

الإمكان دون الحقيقة، فلم قلتم بأنه لا طريق له على الوقوف بما عند الله تعالى. وبيانه أن الله تعالى وضع دلائل ومعاني في النصوص يدل على ما هو الحكم عند الله تعالى حقيقة، في غير المنصوص، على ما مر في باب القياس، يعرف بالاستدلال والنظر لدقته وخفائه في نفسه، وهذا لا يمنع من التكليف - ألا ترى أن في الأمور العقلية تكليفاً بما هو الحق عند الله تعالى بالاستدلال (¬1) والنظر، ولا يقال إنه تكليف ما ليس في الوسع، لما أنه وضع لذلك أسبابًا يتوصل بها (¬2) إلى ما هو الحق , فكذلك ها هنا (¬3) - إلا أن ثمة يؤاخذ (¬4) بالخطأ، وها هنا لا يؤاخذ, لأن الخفاء في الشرعيات أشد، وفي العقليات دون ذلك، فيكون الخطأ ثمة (¬5) عذراً، ولم يجعل في العقلي (¬6) عذرًا. قولهم: إن عندكم يثاب المجتهد، والثواب لا ينال (¬7) بمقابلة الخطأ، فبلى، وإنما ينال (¬8) بقصد إصابة الحق: فهو وإن وقع في الخطأ وصار اجتهاده خطأ، ولكن (¬9) لم يتبين أنه لم يكن عزمه وقصده صحيحاً, وقصد العبادة سبب الثواب، وإن لم (¬10) يتصل به العلم لعذر (¬11) - قال عليه السلام: "الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى". ¬

_ (¬1) انتهى هنا النقص في ب المشار إليه من قبل في الهامش 8 ص 744. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "به". (¬3) في ب: "هذا". (¬4) في ب: "إلا أنه يؤاخذ". (¬5) في ب: "ثم". (¬6) في ب: "في العقل". (¬7) في ب: "لا يناله". (¬8) في ب: "ولكن يناله". (¬9) في ب: "ولكنه". (¬10) في ب: "ولم" فليس فيها: "إن". (¬11) في ب: "العمل بعذر". والمعنى واضح رغم ما يشوب العبارة من تعقيد.

- وأما القاضي إذا قضى في المجتهدات لا ينقض قضاؤه. وكذا (¬1) إذا قضى في فصل مختلف فيه، وعنده أنه هو الصواب، لا ينقض قضاؤه - فنقول: لا باعتبار أنه مصيب بيقين, لأنه لا فرق بين اجتهاد القاضي وغيره، إلا أنه لا ينقض قضاؤه, لأنه يؤدي إلى الفساد، وهو المنازعة، والقضاء شرع لقطع المنازعة، حتى إنه إذا ظهر عند القاضي في المسألة بعينها اجتهاد آخر، نقض ذلك (¬2) في حق غيره، ولا ينقض ما مضى (¬3)، لما قلنا. - وأما مسألة القبلة فنقول: ثم (¬4) لا نقول إن الواجب عليه في حالة التحري إصابة الكعبة، حتى إذا صلى مستدبر الكعبة (¬5) أظهر خطؤه بيقين، ولكن الشرع جعل القبلة في حالة الاشتباه، هو التوجه إلى أي جانب شاء، بقوله تعالى: "فأينما تولوا فثم وجه الله" (¬6)، إلا أن شرط التحري ثبت بالحديث وإجماع الصحابة, فصار جهة التحري قبلة شرعًا، يجب عليه التوجه إليها، عند الضرورة، قائمًا مقام التوجه إلى الكعبة في حالة الاختيار، بمنزلة التيمم: جعل طهوراً شرعًا بطريق الضرورة حالة العجز عن استعمال الماء، ثم من كان في السفر وعجز عن (¬7) استعمال الماء (¬8) بعد الطلب ميلا (¬9)، فتيمم وصلى، ثم ظهر أن الماء كان بقرب منه، فإنه لا يبطل الصلاة المؤداة بالتيمم - فكذلك ههنا (¬10) - والله أعلم. ¬

_ (¬1) في ب: "وكذلك". (¬2) في ب: "بذلك". (¬3) في ب: "ما قضى". (¬4) في ب: "ثمة". (¬5) كذا في ب. وفي الأصل: "مستدبرًا" فقط، فليس فيه: "الكعبة". (¬6) سورة البقرة: 115 - "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم". (¬7) "عن" من ب. (¬8) "الماء" من ب. (¬9) في ب كذا: "ــلا" دون نقط. انظر المعجم الوسيط. (¬10) في ب: "فكذا هذا".

[2] وأما القسم [الثاني] الذي يرجع إلى حالة المجتهد مع غيره

وهذه المسألة (¬1) مشكلة سبيلها الإشباع في البيان، لكن لا يحتمل "المختصر" إلا هذا القدر، وسنشبع الكلام فيها في الشرح إن شاء الله تعالى. [2] وأما القُسم [الثاني] الذي يرجع إلى حالة (¬2) المجتهد مع غيره وهو دعاؤه (¬3) غيره إلى ما يتضح له من الحق غالباً، إلا أن المدعو إليه فريقان: أحدهما -. من يكون مثل حاله في الاجتهاد. والثاني - من لم يكن من أهل الاجتهاد، كالعوام وطلبة العلم. وعليه دعوة الفريقين إلى ما عنده من الحق, لأن في زعمه أنه على الحق ظاهراً، وغيره على الخطأ، لما أن الحق واحد، فيجب عليه منع الغير عما هو منكر عنده، (¬4) والأمر بالمعروف الذي هو معروف عنده - قال الله تعالىَ: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" (¬5). إلا أن دعوته لمن لم يكن من [أهل] الاجتهاد، [فـ] بإظهار محاسن ما عنده وقبائح ما في المذهب الآخر، وإقامة الدلائل الظاهرة. ولم يجز له أن يشتغل بإظهار إشكالات الخصم, لأنه ربما ينجع (¬6) ذلك في قلوبهم، فلا يمكنه حلها، فلا يفيد الدعوة. ¬

_ (¬1) في ب: "مسألة". (¬2) في ب: "حال". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "دعاء". (¬4) من أول "والأمر بالمعروف" حتى نهاية قوله "مانعاً من الجواز" الواردة في الصفحة 765 ليست في ب. انظر الهامش 2 ص 765. (¬5) سورة آل عمران: 110. (¬6) في المعجم الوسيط: نجع الشيء نجوعًا: نفع وظهر أثره. ويقال: نجع القول في سامعه.

وأما دعوته لمن كان من أهل الاجتهاد، فبالمناظرة - قال الله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" (¬1). ثم لا يخلو: إما إن كان مجيبًا أو سائلا: - فإن كان مجيبًا: ينبغي أن يختار ما هو أقوى الدلائل عنده. فإن كان عن النصوص يظهر وجه التعلق به بأوضح الوجوه. وإن كان من العلل فيأتي بالعلة الصالحة المؤثرة، ويبين وجه تأثيىر العلة في الأصل، ويبين أنها موجودة في الفرع، ثم يشتغل السائل بالاعتراض. ويجب على المجيب أن يحترز عما يعد انتقال، فإن الانتقال من باب الانقطاع: في حقه. فأما في حق السائل: [فـ] لا بأس بأن ينتقل من دليل إلى دليل, لأنه معارض لكلام المجيب، وما دام في المعارضة، بدليل يصلح معارضاً، لا يكون منقطعاً، فأما المجيب [فـ] بخلافه. ثم ما يكون انتقالا من حيث الظاهر، فهو أربعة أنواع: فنوع منها مذموم، والباقي غير مذموم. أما الذي هو غير مذموم: أحدها - أن يحتج بعلة لما يدعيه من الحكم، فمنع السائل الوصف الذي ذكره بأنه علة، فاشتغل بكلام آخر، لإثبات ذلك الوصف علة, لأن غرضه إثبات الحكم وتلك العلة، فمادام يسعى في إثبات العلة بدليل، يكون مقرراً لتلث العلة لا تاركاً، بل يكون من ضرورات الأول، فيضاف إليه، وأكثر العلل ممنوعة. والثاني - الانتقال من حكم إلى حكم آخر. بيانه أن المجيب إذا علل لإثبات حكم يدعيه، فالسائل يقول له: لا خلاف في هذا الحكم، إنما الخلاف في حكم آخر، فيكون هذا تعليلا في غير موضعه، وهو نوعان: ¬

_ (¬1) سورة النحل: 125.

أحدهما - أن يمكن للمجيب أن يثبت الذي ينازع فيه السائل، بعين ذلك العلة التي ذكرها لإ ثبات الحكم الأول، وهذا يعد من فقه المجيب وحذاقته - نظيره: إعتاق المكاتب عن الكفارة إذا علل المجيب أن عقد الكتابة لا عقد يحتمل الفسخ والإقالة، فلا يمنع من جواز إعتاق العبد [عن] (¬1) الكفارة، كما في الإجارة، فيقول السائل: هذا الحكم مسلم: أن العقد لا يمنع من جواز إعتاق العبد عن الكفارة، وإنما الخلاف في هذا أنه: هل يوجب نقصاناً في الرق والمالية في العبد [فـ] يكون مانعاً من جواز (¬2) الكفارة - فيقول المجيب: لما كان هذا عقداً يحتمل (¬3) الفسخ والإقالة، فوجب (¬4) أن لا يوجب نقصاناً يمنع من جواز الكفارة، كما في الإجارة. الثاني - أن يثبت الحكم الذي ينازعه (¬5) السائل بعلة أخرى، كما إذا علل في الوطء في العتق البهم أنه لا يكون بياناً، لأن الوطء إما أن يكون بياناً صريحاً أو دلالة أو ضرورة، وليس بيان من هذه الوجوه، فامتنع أن يكون بياناً ضرورة، فيقول السائل: إن الوطء في العتق المبهم ليس بيان عندي، ولكن الخلاف في هذا أن من قال لأمتيه (¬6): "إحداكما (¬7) حرة"، فوطئ إحديهما هل تعتق الأخرى؟ فيقول المجيب: إن السؤال وقع عن هذ!: أنه هل يكون بياناً وقد نفيت بما ذكرت من العلة، فإن سألت عن مسألة أخرى فاعلل لها بعلة أخرى فأقول: لا تعتق، لأنه ما أعتق، والعتق من العباد لا يثبت إلا بالإعتاق، ¬

_ (¬1) الأصل: "إلى". وفي السطر التالي: "عن الكفارة". (¬2) انتهى النقص في ب المشار إليه في الهامش 4 من صفحة 763. (¬3) ب كذا: "عقد ـحتمل" .. (¬4) ب: "وجب". (¬5) ب: "يدعيه". (¬6) في ب: "لأمته". (¬7) في ب: "أحدكما". وفي الأصل: "إحديكما".

والوطء ليس بإعتاق حقيقة، فمن ادعى أنه يتضمن الإعتاق فقد ادعى خلاف الظاهر، ولكن مع هذا لا ينفك عن نوع غفلة، فيجب الاحتراز عنه. ولكن كلا الوجهين لا يكون انتقالا مذموماً. والثالث - أن يعتل (¬1) لإثبات حكبم الشارع (¬2)، المتنازع (¬3) فيه، ويبين أثر العلة الأصل، ويبين (¬4) أنها موجودة في الفرع، فالسائل عارضه بوجوه فاسدة، على سبيل العناد: يريد التلبيس على أهل المجلس، وترك تلك العلة (¬5) لدقة وخفاء فيها، وأتى بعلة أخرى لقطع الشغب على وجه يكون معلوما لأهل المجلس، فإنه لا يعد انتقالا أيضاً. كما أخبر الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام في محاجة اللعين بقوله تعالى: "إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت" (¬6) وجاء بمحبوسين كانا (¬7) في السجن للقتل (¬8)، فقتل أحدهما وعفا عن الآخر - فقاله: أحييت أحدهما وأمت الآخر (¬9)، فلما عرف إبراهيم عليه السلام أنه يريد التلبيس على قومه، بعدما لزمته (¬10) الحجة لخفائها (¬11) ¬

_ (¬1) في ب كذا: "والثابت أن العلل". واعتل تمسك بحجة. والتعلة ما يتعلل به. والتعليل عند أهل المناظرة تبيين علة الشيء (المعجم الوسيط). (¬2) "الشارع" ليست في ب. (¬3) "المتنازع" من ب. (¬4) في الأصل: "وبين". وفي ب: "ونبين". (¬5) "وترك تلك العلة" من ب. وقد وردت في ب هنا. أما في الأصل فالعبارة فيها كا يلي: "على أهل المجلس لدقة وخفاء فيها فترك تلك العلة وأتى بعلة أخرى". (¬6) سورة البقرة: 258 - "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين". (¬7) "كانا" من ب. (¬8) كذا في ب. وقد تكون كذلك في الأصل، وقد تكون "والقتل". (¬9) في ب: "أحييت هذا وأمت هذا". (¬10) في ب: "أثبت". (¬11) في ب: "لخفاء فيها".

الاعتراضات الصحيحة

ودقتها، انتقل إلى الدليل الأوضح الذي لا يقبل التلبيس، كما أخبر الله تعالى: "قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر" (¬1). أما الانتقال المذموم فهو أن ينتقل إلى علة أخرى، لإثبات الحكم الأول، لعجزه عن تنفيذ تلك العلة، لأن الناظرة وضعت لإظهار الحق، وفي الدلائل كثرة، فمتى عجز عن إثبات ما يدعيه حكماً بدليل، يشتغل بدليل (¬2) آخر لا يظهر الحق أبداً، ولأنه ضمن إثبات الحكم بما يدعيه علة (¬3)، وقد عجز، ألا ترى أن الاحتراز عن النقض بعد إثبات (¬4) العلة وورود النقض عليها لا يقبل ويعد إنقطاعاً، فالاشتغال بابتداء (¬5) علة أخرى أولى. وإنما يجوز ذلك إذا ظهرت حجته ولزمت على الخصم، فيدفع بوجوه فاسدة، ويريد التلبيس على أهل المجلس، فينتقل المجيب إلى الحجة الظاهرة، فلا يكون مذموماً، كما في قصة إبراهيم عليه السلام. أما إذا كان سائلا، فعليه أن يأتي بوجوه الاعتراضات الصحيحة، دون الفاسدة، على العلل الصحيحة والفاسدة جميعاً. الاعتراضات على العلل الصحيحة والفاسدة نوعان: صحيحة، وفاسدة. أما الصحيحة فأنواع سبعة: الممانعة، والناقضة، وفساد الوضع، والقول بموجب العلة، والمعارضة، وهي نوعان: معارضة فيها مناقضة، وهو القلب وهو نوعان، والمعارضة الخالصة. وما عدا هذه السبعة فمن الاعتراضات الفاسدة. ¬

_ (¬1) راجع الهامش 6 ص 766. (¬2) "يشتغل بدليل" ليست في ب. (¬3) "علة" ليست في ب. (¬4) في ب: "بعد بيان". (¬5) في ب كذا: "ويعد انقطاعها فالانتقال نافدا".

الممانعة

آما الأول [فـ] الممانعة - وهي أنواع في الأصل والفرع: أما في الأصل -[فـ] كقول (¬1) أصحاب الشافعي، في صوم شهر (¬2) رمضان بنية من النهار: إن هذا صوم (¬3) فرض، فلا يصح بنية من (¬4) النهار، قياساً على صوم القضاء - فيقال لهم: لا نسلم أن هذا الوصف علة في الأصل، بل العلة كونه صوماً غير عين، وهذا لا يوجد في الفرع، وهو في الحقيقة سؤال طلب التأثير، فلم قلت: إن كونه فرضاً مؤثر في المنع من الجواز بنيته (¬5) من النهار؟ وأما (¬6) في الففرع فأنواع: أحدها - منع صلاحية الوصف علة، فإن المعلل قد تعلل (¬7) بالعدم وبالشبه (¬8)، وقد بينا فساد ذلك كله (¬9). والثاني - أن يكون الوصف ممنوعاً وجوده (¬10) في الفرع، وإن كان في الأصل علة كقولنا: الزكاة عبادة محضة، فلا تجب على الصبي، كالصلاة. فيقول الخصم: لا نسلم أن الزكاة عبادة محضة. ¬

_ (¬1) في ب: "فقول". (¬2) شهر" من ب. (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "صوم رمضان فرض". (¬4) في ب كذا: "فلا يصح منه من". (¬5) في ب: "بنية". وانظر فيما يلي ص 772. (¬6) في ب: "فأما". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "قد يعتل". راجع فما تقدم الهامش 1 ص 766 وكذا ص 656. (¬8) في ب كذا: "وبالنسبه". (¬9) "كله" من ب. راجع فيما تقدم عى 599 وما بعدها و 608 وما بعدها. (¬10) في ب كذا: "وجوزه".

والثالث (¬1) - المنع بزيادة وصف، كما يقول الخصم في مسألة زكاة الصبي: بلى إنها عبادة، ولكنها (¬2) عبادة مالية، فلم قلت إنها لا تجب على الصبي، كصدقة الفطر والعشر، بخلاف الصلاة فإنها عبادة بدنية. والرابع (¬3) - المنع بطريق التقسيم، وذلك نحو قولهم في الثيب (¬4) الصغيرة: إنها ثيب ترجى مشورتها فلا تنكح إلا برأيها، كالثيب البالغة (¬5) - فتقول: برأي حاضر أم برأي مستبحدث؟ فإن قال: برأي حاضر، فلم يوجد في الفرع؟. وإن قال برأي مستحدث، فلم يوجد في الأصل؟ وإن (¬6) قال بأيهما، كان ينتقض بالمجنونة، فإن لها رأياً مستحدثاً بزوال الجنون ولا يتوقف على رأيها. والخامس (¬7) - منع الحكم الذي يدعيه المجيب، وذلك نحو قولهم في بيع التفاحة (¬8) بالتفاحتين: إنه لا يجوز، لأنه بيع مطعوم بجنسه متفاضلا فوجب أن يحرم، كما إذا باع قفيز حنطة بقفيزي (¬9) حنطة فنقول: أيش (¬10) تعني بقولك: وجب أن يحرم حرمة مطلقة أم حرمة مؤقتة متناهية بالكل (¬11). فإن عنيت الأول، لم (¬12) يوجد في الأصل. وإن عنيت حرمة ¬

_ (¬1) كذا في ب والأصل. (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "ولكنه". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "والثالث". (¬4) في ب كذا: "في البنت". (¬5) في ب: "الكبيرة". (¬6) في ب: "فإن". (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "ومنها". (¬8) في ب كذا: "في بيع الزوجة"؟ (¬9) في ب: "بقفيز". (¬10) أيش منحوت من (أي شيء) بمعناه وقد تكلمت به العرب (المعجم الوسيط). (¬11) في ب كذا: "بالكيل". (¬12) في ب: "فلم".

النقض

موقته متناهية، لم يوجد في الفرع. ونحو قولهم في شراء الأب بنية الكفارة: إن المعتق أب، فصار كما لو ملك بالميراث ونواه عن الكفارة - فنقول: ما حكم العلة؟ إن قالوا (¬1): وجب أن لا يجوز عن الكفارة، فنقول: المذكور هو المعتق والأب، وذلك لا يوصف بالجواز عن الكفارة وعدمه (¬2). وإن قالوا: وجب أن لا يجوز عتقه عن الكفارة، فعندنا لا يجوز عتقه عن الكفارة. وإن قالوا: وجب أن لا يجوز إعتاقه، لم يوجد في الأصل ولا يقولون (¬3) به في الفرع. وأما النقض - فنحو قولهم في مسح الرأس: إنه ركن في وضوء، فوجب (¬4) أن يسن تكراره، كغسل (¬5) الوجه. و (¬6) هذا ينتقض بمسح الخفين، فإنه ركن ولا يسن تكراره. وأما فساد الوضع - فنحو (¬7) قولهم في مسح الرأس: إن هذا (¬8) ركن في وضوء فوجب (¬9) أن يسن تثليثه (¬10) كغسل الوجه - فنقول: إن هذا في الوضع (¬11) فاسد، لأن المسح يبنى على التخفيف، والتثليث من باب التغليظ، فكان اشتراط التغليظ، فيما بني على التخفيف، فاسداً، ولهذا لم يسن (¬12) في مسح الخف. ¬

_ (¬1) في ب: "إن قال". (¬2) كذا في ب. وفي الأصل: "وعدمها". (¬3) كذا في ب. وفي الأصل: "ولا ـقول به" (¬4) كذا في ب. وفي الأصل: "وجب". (¬5) في ب: "بغسل". (¬6) الواو من ب. وانظر فيما يلى ص 772. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل: "نحو". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "نحو قولهم في المسح: هذا". (¬9) كذا في ب. وفي الأصل: "وجب". (¬10) في ب كذا: "بثلثيه". (¬11) "الوضع" ليست في ب. (¬12) في ب: "لم يشرع".

موجب العلة

وأما القول بموجب العلة -[فـ] كقولهم: القتل العمد محظور محض، فوجب أن لا يوجب الكفارة كسائر المحظورات - فنقول: إن قتل العمد لا يوجب الكفارة عندنا (¬1)، فنقول بموجب ما ذكرتم، ولكن هذا لا ينفي وجود معنى آخر يتعلق به الكفارة (¬2). وأما (¬3) المعارضة التي فيها مناقضة -[فـ]، هي (¬4) القلب، وهو نوعان: أحدهما - أن يجعل العلة معلولا، والمعلول علة - مأخوذ من قلب الإناء: أن يجعل منكوساً، فيجعل أعلاه (¬5) أسفله، وأسفله أعلاه، كقولنا في الثيب (¬6) الصغيرة: إنه يولى عليها في مالها، فيولى عليها في نفسها، كما في البكر الصغيرة (¬7)، فقالوا في الأصل إنما يولى عليها (¬8) في نفسها، فيولى عليها في مالها (¬9). والثاني - وهو من قلب الشيء ظهراً لبطن، بأن يكون الوصف شاهداً عليك، فقلبته وجعلته شاهداً (¬10) لك، وكان ظهره إليك فصار وجهه إليك. ¬

_ (¬1) "عندنا" من ب. (¬2) "الكفارة" من ب. (¬3) من أول: "وأما المعارضة التى فيها مناقضة" حتى قوله: "فلابد من الترجيح" وردت في ب في آخر الكتاب بعد عبارة: "فلابد من المفارقة من وجه" انظر فيما يلي الهامش 10 ص 772. (¬4) "هي" من ب. (¬5) في ب: "أعلى". (¬6) كذا في ب: "الثيب"، وليست في الأصل. (¬7) كذا في ب. وفي الأصل كذا: "كما في حال قيام الأب". (¬8) كذا في ب. وفي الأصل: "فقالوا في الأصل: يولى عليها". (¬9) في ب كذا: "إنما يولى عليها في مالها لأنه يولى عليها في نفسها". (¬10) في ب: "شاهداً عليك فقد جعلته شاهداً".

نظيره - قولهم: إنه صوم فرض فلا يتأدى (¬1) إلا بتعيين النية، كصوم القضاء. وقلنا: صوم فرض، فوجب (¬2) أن يستغني عن تعيين النية بعد تعينه، كما في صوم (¬3) القضاء بعد الشروع (¬4) إلا أن القضاء يتعين بعد الشروع (¬5) وهذا يتعين (¬6) قبل الشروع، والمخلص منه هو بيان الأثر لأحد الحكمين. وأما المعارضه الخالصة -[فـ]، كقولهم في المسح (¬7): هذا ركن في وضوء فيسن تثليثه، كالغسل، فنقول هذا مسح في وضوء فوجب أن لا يسن تثليثه (¬8) كمسح الخف، فوقعت المعارضة، فلابد من (¬9) الترجيح (¬10). هذه وجوه الاعتراضات الصحيحة: وقال بعض أصحابنا رحمهم الله: إن النقض وفساد الوضع لا يرد في العلل المؤثرة. وهذا ليس بصحيح، لأن المؤثر ليس بموجب العلم (¬11) قطعاً، وإنما يوجب علم غالب الرأي وأكبر الظن (¬12). فإذا قبل النقض ¬

_ (¬1) في ب: "فلا يتأتى". (¬2) في ب: "وجب". (¬3) في ب: "كصوم". (¬4) "بعد الشروع" ليست في ب. (¬5) في ب: "إلا أن ذاك تعين بالشروع". وانظر فيما تقدم ص 768. (¬6) في ب: "وهذا تعين". (¬7) "في المسح" من ب. (¬8) في ب كذا: "بثلثيه". (¬9) في ب كذا: "فلا ـسـ بدون الترجيح". (¬10) انتهت العبارة المشار إليها في الهامش 3 ص 771 وزاد هنا في ب: "والله أعلم - بالصواب وإليه المرجع والمآب والحمد لله رب العالمين" وانظر فيما يلى الهامش 4 ص 773. وراجع فيما تقدم ص 770. (¬11) في ب: "للعلم". (¬12) "وأكبر الظن" من ب.

الاعتراضات الفاسدة

ظاهراً علم أنه ليس بمؤثر، و (¬1) في الحقيقة علة الشرع لا يرد عليها النقض (¬2) وفساد الوضع، وإنما يرد على ما يدعيه المجيب علة. وأما الاعتراضات الفاسدة [فـ] لا نهاية لها: فمنها - إرادة الحكم مع عدم العلة. وهو فاسد، لأن الحكم يجوز أن يثبت بعلل. ومنها - الفرق (¬3) بين الأصل والفرع بمعنى آخر - وهو فاسد، لأن هذا شرط صحة القياس، لأن القياس بين الغيرين يكون، فلابد من المفارقة من وجه (¬4) و (¬5). والله أعلم. ¬

_ (¬1) "و" ليست في ب. (¬2) في ب: "لا يرد النقض عليها". (¬3) كذا في ب: "ومنها - الفرق". وغير واضحة في الأصل. (¬4) في ب يأتي هنا قوله: "أما العبارة التي فيها مناقضة .. فلا ـسـ بدون الترجيح - والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب والحمد لله رب العالمين" - راجع فيما تقدم الهامش 3 ص 771 والهامش 10 ص 772. (¬5) في هامش الأصل: "قوبل وصحح بقدر الطاقة والإمكان".

المراجع

المراجع نورد فيما يلي بياناً بأهم مراجع التحقيق والتعليق، مرتبة حسب الموضوع، ثم حسب وفاة المؤلف. مع ملاحظة أنا كنا نرجع إلى طبعات مختلفة، في بعض الأحيان، وفقاً لما يتيسر لنا في خلال سفرنا. وقد نكتفي بذكر تاريخ طبع الجزء الأول من الكتاب متعدد الأجزاء. ولأن المؤلف حنفي، فقد جعلنا البداءة للمذهب الحنفي: أصولاً وفقهاً ورجالاً، بعد القرآن الكريم والسنة الشريفة، فما يسبقهما شيء. وقد يكون هناك اختلاف في تاريخ وفاة الرجل فنكتفي في ذكر الراجح منها. القرآن الكريم وتفسيره: - القرآن الكريم. - الطبري (ابن جرير - 310 هـ.): "جامع البيان من تأويل القرآن". تحقيق ومراجعة محمود محمد شاكر، وأحمد محمد شاكر، مصر، دار المعارف. - الرازي (فخر الدين - 606 هـ): "التفسير الكبير". مصر، المطبعة البهية المصرية، 1357 هـ - 1938 م، الطبعة الأولى. - القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد - 671 هـ.): "الجامع لأحكام القرآن". مصر. - ابن كثير (774 هـ): "تفسير القرآن العظيم"، دار الأندلس، بيروت. - الشوكاني (1250 هـ): "فتح القدير"، دار الفكر - مصر. في الحديث: - البيهقي (الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي - 458 هـ) "السنن الكبرى". الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن، الهند، سنة 1352 هـ. - ابن حجر العسقلاني (852 هـ): "بلوغ المرام من أدلة الأحكام". حقق أُصوله وعلق عليه رضوان محمد رضوان، دار الكتاب العربي، مصر.

في أصول الفقه

- الصنعاني (محمد بن إسماعيل الكحلاني - 1182 هـ.): "سبل السلام" شرح "بلوغ المرام" المتقدم ذكره. دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. وطبعة دار الجيل، بيروت، لبنان. في أُصول الفقه: الحنفية: - الدبوسي (أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى - 430 هـ.): "تقويم الأَدلة"، مخطوط بدار الكتب المصرية بعنوان: "تقويم أُصول الفقه وتحديد أدلة الشرع"، برقم 255 خصوصية و 36137 عمومية (أُصول فقه). وهو منقول عن النسخة الموجودة بالمكتبة الخالدية بالقدس الشريف. وهو في 956 صفحة من القطع المتوسط. وراجع فيما تقدم الهامش 1 ص ف من المقدمة. - البزدوي (فخر الإسلام علي بن عبد الكريم بن موسى البزدوي - 482 هـ): "أُصول الفقه". وهو مطبوع على هامش "كشف الأسرار" الآتي بيانه. - السرخسي (شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر - 490 هـ.) "الأصول" حققه أبو الوفا الأفغاني، ونشرته لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر أباد الدكن بالهند، مطابع دار الكتاب العربي، مصر، سنة 1372 هـ.، في جزئين. - البخاري (عبد العزيز بن أحمد بن محمد علاء الدين البخاري - 703 هـ.): "كشف الأسرار" شرح "أُصول" فخر الإسلام البزدوي المتقدم ذكره. دار سعادة سنة 1308 هـ. وطبعة جديدة منها بالأوفست 1394 هـ - 1974 م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. وهو أربعة أجزاء في مجلدين. - عبيد الله بن مسعود البخاري (صدر الشريعة - 747 هـ.): "التوضيح في حل غوامض التنقيح" (تنقيح الأصول وهو من تأليفه أيضاً). المطبعة الخيرية، مصر، سنة 1322 هـ. وطبعة محمد علي صبيح. - التفتازاني (سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي - 792 هـ.): "التلويح على التوضيح"، وهو مطبوع مع "التوضيح" المتقدم ذكره.

المالكية

- ابن عبد الشكور (محب الله بن عبد الشكور البهاري الهندي - 1119 هـ.): "مسلم الثبوت" بهامش "المستصفي" الآتي ذكره. - عبد العلي (محمد بن نظام الدين الأنصاري - 1180 هـ.): "فواتح الرحموت" شرح "مسلم الثبوت" المتقدم ذكره على هامش "المستصفي" الآتي ذكره. المالكية: - ابن الحاجب (جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر المقري - 646 هـ.) "منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل" الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، سنة 1326 هـ. الشافعية: - الغزالي (أبو حامد - 505 هـ.): "المستصفي". الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية، بولاق، سنة 1322 هـ. وبهامشه "فواتح الرحموت" المتقدم ذكره. - الآمدي (أبو الحسن سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد الشافعي - 631 هـ.): "الإحكام في أُصول الأحكام" مع تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الطبعة الأولى، مؤسسة النور، الرياض، سنة 1387 هـ. وطبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1400 هـ - 1980 م. - السبكي (تاج الدين - 771 هـ): "جمع الجوامع". المطبعة الميمنية، مصر، 1285 هـ. - الإسنوي (عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعي أبو محمد جمال الدين- 772 هـ.): "نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول" للبيضاوي (685 هـ.). وتهذيبه للدكتور شعبان محمد إسماعيل، مكتبة جمهورية مصر، 1396 هـ. الحنابلة: - ابن قدامة (موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي - 630 هـ.): "روضة الناظر وجنة المناظر". المطبعة السلفية، القاهرة، سنة 1391 هـ. وممن عُد من المجتهدين المتأخرين:

في الفقه

- الشوكاني (محمد بن علي بن محمد - 1255 هـ.): "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول" وبهامشه شرح أحمد بن قاسم العبادي الشافعي على شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي علي "الورقات في الأصول" لإمام الحرمين الجويني (عبد الملك بن عبد الله المتوفي سنة 478 هـ). الطبعة الأولى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، سنة 1356 هـ -1937 م. في الفقه: الحنفي: - علاء الدين السمرقندي (أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي أحمد - 539 هـ.): "تحفة الفقهاء" حققه ونشره لأول مرة محقق هذا الكتاب (الدكتور محمد زكي عبد البر)، الطبعة الأولى، مطبعة جامعة دمشق، 1377 هـ - 1387، 1958 - 1959 م، في ثلاثة أجزاء. - الكاساني (علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني - 587 هـ.): "بدائع الصنائع"، الطبعة الأولى، مصر، سنة 1328 هـ -1910 م. والطبعة الثانية سنة 1394 هـ -1974 م. دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. - ابن الهمام (كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ثم السكندري - 861 هـ.): "فتح القدير" شرح "الهداية" للمرغنياني (593 هـ). المطبعة الأميرية، الطبعة الأولى، سنة 1315 هـ. وبهامشه شرح "العناية" للبابرتي (أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي - 786 هـ.). - ابن عابدين (محمد أمين - 1252 هـ.): "رد المحتار" شرح "الدر المختار" للحصكفي (1088 هـ.)، المطبعة الأميرية، سنة 1271 هـ. المالكي: - الدردير (1201 هـ): "الشرح الكبير" مع حاشية الدسوقي عليه، الطبعة الأولى، مطبعة التقدم العلمية، سنة 1329 هـ.

الشافعي

الشافعي: -الرملي (1004 هـ): "نهاية المحتاج" شرح "المنهاج" للنووي (677 هـ.). مصر، سنة 1304 هـ. الحنبلي: -ابن قدامة (موفق الدين - 630 هـ): "المغني" شرح مختصر الحرقي (334 هـ). مصر، مطبعة المنار، سنة 1347 هـ. ومعه "الشرح الكبير" لابن قدامة (شمس الدين - 682 هـ.). التراجم والطبقات: تراجم الحنفية: - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي (568 هـ.): "مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة" مطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدر أباد الدكن بالهند، 1321 هـ، جزآن في مجلد. - القرشي (محيي الدين أبو محمد محمد عبد القادر أبي الوفاء - 775 هـ.): "الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية" الطبعة الأولى، مطبعة دائرة المعارف النظامية بالهند، سنة 1332 هـ. - ابن البزاز الكردري (حافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب - 827 هـ.) "مناقب الإمام الأعظم"، مطبوع مع "مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة" للموفق الخوارزمي المتقدم ذكره. - ابن قطلوبغا (أبو العدل زين الدين قاسم - 879 هـ.): "تاج التراجم في طبقات الحنفية"، طبع فلوجل، لبزج. سنة 1862 م. وطبعة مطبعة العاني، بغداد، سنة 1962 م. - ابن كمال باشا (أحمد بن سليمان - 940 هـ): "الطبقات الحنفية" مكتبة الأزهر، مخطوط 1180 مجاميع (أباظة 7322). وفي الزركلي، الأعلام: "طبقات الفقهاء". - اللكنوي (أبو الحسنات عبد الحي - 1304 هـ.): "الفوائد البهية في تراجم الحنفية". مصر سنة 1324 هـ. وكذا طبعة الهند سنة 1393 هـ.

تراجم الشافعية

تراجم الشافعية: - السبكي (تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب - 771 هـ.): "طبقات الشافعية الكبرى" تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى، مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر، 1383 هـ - 1964 م. وطبعة المطبعة الحسينية بمصر، الطبعة الأولى. تراجم الفقهاء عامة: - الشيرازي (إبراهيم بن علي بن يوسف - 476 هـ.): "طبقات الفقهاء"، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الرائد العربي، بيوت، سنة 1970 م. تراجم عامة: - ابن سعد (محمد بن سعد - 230 هـ. على خلاف): "الطبقات الكبرى"، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1380 هـ. - 1960 م - الأصبهاني (أبو نعيم أحمد بن عبد الله - 430 هـ): "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" الطبعة الأولى، مكتبة الخانجي ومطبعة السعادة، 1351 هـ. 1933 م. وطبعة دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1387 هـ. 1967 م. - ابن عبد البر (أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي - 463 هـ.): "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" على هامش ابن حجر (852 هـ): "الإصابة في تمييز الصحابة". الطبعة الأولى، سنة 1328 هـ، مطبعة السعادة بمصر. وطبعة مكتبة نهضة مصر، تحقيق علي محمد البجاوي، مستقلة. - أبو الفرج بن الجوزي (597 هـ): "صفوة الصفوة" (مختصر من حلية الأولياء المتقدم ذكره). - ابن الأثير (عز الدين بن الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري - 630 هـ): "أسد الغابة في معرفة الصحابة"، كتاب الشعب، تحقيق محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور.

- النووي (يحيي بن شرف بن مري بن حسن الحزامي النووي الشافعي أبو زكريا - 676 هـ): "تهذيب الأسماء واللغات" طبع مصر. - ابن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان - 681 هـ) "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، بدون تاريخ. - الذهبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد. بن عثمان الذهبي - 748 هـ): - "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" تحقيق علي محمد البجاوي، دار العرفة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1382 هـ. 1963 م. - "المشتبه في الرجال: أسمائهم وأنسابهم" تحقيق علي محمد البجاوي، طبع الحلبي بمصر، سنة 1962. - الكتبي (محمد بن شاكر الكتبي - 764 هـ): "فوات الوفيات والدليل عليها"، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، بدون تاريخ. - الصفدي (صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي - 764 هـ): "الوافي بالوفيات"، الطبعة الثانية غير المنقحة، باعتناء هلموت رينر، دار النشر فرانز شتاينر بفسبادن، 1381 هـ. 1962 م. - ابن حجر (شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - 852 هـ.): - "لسان الميزان" مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية. 1390 هـ - 1971 م، تصويراً عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد الدكن بالهند، 1329 هـ. - "الإصابة في تمييز الصحابة" دار صادر، بيروت، طبعة جديدة بالأوفست. - "تهذيب التهذيب" الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند، حيدر أباد الدكن، سنة 1325 هـ.

الأنساب والبلدان

- السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي - 911 هـ.): - "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" طبعة الخانجي، الطبعة الأولى، سنة 1326 هـ. وطبعة عيسى البابي الحلبي، الطبعة الأولى، 1384 هـ. - 1964 م، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. وطبعة دار المعرفة، بيروت، لبنان. - "طبقات الحفاظ" تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة بمصر، الطبعة الأولى، 1393 هـ - 1973 م. - ابن العماد (أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد الحنبلي - 1089 هـ.): "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" دار المسيرة، بيروت، طبعة ثانية منقحة، 1399 هـ. 1979 م. - الزركلي (خير الدين - معاصر. توفي حوالي 1399 هـ.): "الأعلام" دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1979. - محمد عبد الهادي أبو ريدة (معاصر): "إبراهيم بن سيار النظام" رسالة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، كلية الآداب، مكتوبة على الماكينة. الأنساب والبلدان: - السمعاني (أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني - 562 هـ): "الأنساب" اعتنى بنشره المستشرق د. س. جليوث. وأعادت طبعه مكتبة المثني، ببغداد، بالأوفست، سنة 1970 م. - ياقوت الحموي (شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي - 626 هـ): "معجم البلدان"، دار صادر ودار بيروت، بيروت، 1376 هـ - 1957 م. الملل والنحل وتراجم المعتزلة: - أبو القاسم البلخي (319 هـ). والقاضي عبد الجبار (415 هـ). والحاكم الجشمي (494 هـ): "فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة"، اكتشفها وحققها فؤاد السيد، الدار التونسية للنشر، تونس، 1393 - 1974 م.

- القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (415 هـ.): "فرق وطبقات المعتزلة". تخقيق وتعليق علي سامي النشار وعصام الدين محمد علي، دار المطبوعات الجامعية، بالإسكندرية، 1972 م - أبو منصور عيد القاهر بن طاهر البغدادي (429 هـ). - "الفرق في ين الفرق" تعريف محمد زاهد الكوثري، نشره السيد عزت العطار الحسيني، 1367 هـ - 1948 م. وطبعة محمد علي صبهج، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني بالقاهرة. مصر. - "الملل والنحل" حققه وقدم له: البير نصري، دار المشرق، بيروت. - الشهرستاني (أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر - 548 هـ.): "الملل والنحل" تحقيق محمد سيد كيلاني، الطبعة الأولى، مطبعة الحلبي بمصر، 1381 هـ - 1961 م. في جزئين. وطبعة دار المعرفة، بيروت، لبنان 1395 هـ. 1975 م، بالأوفست. - فخر الدين الرازي (606 هـ.): "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" مكتبة النهضة المصرية، 1356 هـ - 1938 م. وطبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1402 هـ - 1982 م. - أحمد بن يحيى المرتضى (الهدي لدين الله من أئمة الزيدية - 840 هـ): "طبقات المعتزلة، عنيت بتحقيقه سوسنه ديفلد - فلزر. في بيروت، لبنان، 1380 هـ.1961 م. (النشرات الإسلامية - يصدرها لجمعية المستشرقين الألمانية هلموت رينر والبرت ديتريش. الناشر: فرانز شتاينر. فيسبادن). - جمال الدين القاسمي الدمشقي (معاصر): "تاريخ الجهمية والمعتزلة" الطبعة الأولى. مطبعة المنار، 1321 هـ. وقد نشر في المجلد السادس عشر من مجلة المنار. - زهدي حسن جار الله (معاصر): "المعتزلة". مطبعة مصر، القاهرة 1366 هـ - 1947 م، منشورات النادي العربي في يافا.

علم الكلام والفلسفة

علم الكلام والفلسفة: - عبد الجبار (القاضي أبو الحسن - 415 هـ.): "المغني في أبواب التوحيد والعدل". الجزء التاسع، التوليد. تحقيق الدكتور توفيق الطويل وسعيد زايد، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر. - النشار (علي سامي - معاصر): "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" دار المعارف، مصر، الطبعة السابعة، جـ 1. اللغة: - ابن منظور (محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدين - 711 هـ): "لسان العرب" - الفيروز آبادي (مجد الدين محمد بن يعقوب - 817 هـ): "القاموس المحيط". - الزبيدي (محمد مرتضي - 1205 هـ): شرح القاموس المسمى "تاج العروس من جواهر القاموس". المطبعة الخيرية، بجمالية مصر، سنة 1306 هـ. وطبعة دار ليبيا - بنغازي. - مجمع اللغة العربية بمصر: "المعجم الوسيط" مطابع دار المعارف، بمصر، الطبعة الثانية، 1392 - 1393 هـ، 1972 - 1973 م، في مجلدين. - ابن هشام (محمد بن عبد الله جمال الدين - 761 هـ): "مغني اللبيب" تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة. الفهارس: - ابن النديم (385 هـ): "الفهرست" مصر، المطبعة الرحمانية، سنة 1348 هـ. وطبعة دار المعرفة ببيروت. - حاجي خليفة (مصطفى بن عبد الله، كاتب جلبي - 1067 هـ): "كشف الظنون على أسامي الكتب والفنون" طبع وكالة المعارف، استانبول، جـ 1، 1360 هـ - 1941 م وجـ 2، 1362 هـ - 1943 م. ولكل من الجزئين تذييل.

- سركيس (يوسف اليان - 1351 هـ): "معجم المطبوعات العربية والمصرية" في مجلدين. القاهرة 13460 هـ - 1928 م. - التهانوي (محمد أعلى بن علي): "كشاف اصطلاحات الفنون" كلكتا سنة 1862 م. - فهرست دار الكتب المصرية، الجزء الأول، 1342 هـ - 1924 م. - فهرست مكتبة الأزهر: الجزآن الثاني والثالث، 1365 هـ - 1946 م. و 1366 هـ - 1947 م. - سزكين (فؤاد. معاصر): "تاريخ التراث العربي"، جـ 2، نقله إلى العربية دكتور محمود فهمي حجازي ودكتور فهمي أبو الفضل، الهيئة المصرية للكتاب، سنة 1978 م.

§1/1