موقف الإمام والمأموم

والد إمام الحرمين الجويني

مقدمة

مقدمة ... تقديم إن أجل نعمة أنعم الله بها علينا أن هدانا إلى هذا الدين القويم وشرح صدورنا به قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} الأنعام: 125. فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين وقائد الغر الميامين محمد سيد الخلق أجمعين وصلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن الصلاة هي الركن الثاني من أركان هذا الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين فعن جابر رضي لله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" رواه مسلم. ولقد أمرنا الله سبحانه بالمحافظة عليها وأدائها في المسجد في جماعة ورتب الأجر العظيم على ذلك قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} البقرة:238 وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء:103. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: "الصلاة في وقتها ... " متفق عليه. ولما كانت الصلاة في جماعة تحتاج إلى إمام ومأموم وأن العلاقة بين الإمام والمأموم لها أحكام يحتاج المسلم إلى العلم بها. رأت المراقبة الثقافية بإدارة مساجد محافظة العاصمة أن تقوم بنشر كتاب "موقف الإمام والمأموم" للإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين المتوفى سنة 438هـ لما فيه نفع عميم مساهمة منا في نشر الكتاب الإسلامي. سائلين الله التوفيق والسداد مراقبة الشؤون الثقافية إدارة مساجد محافظة العاصمة

مقدمة بسم الله مدبر أمر العباد. والحمد لله الهادي إلى طريق الرشاد. والصلاة والسلام على معلم العباد طريق الوصول إليه سبحانه, وأدب الوقوف بين يديه. ولما كانت الصلاة أساس طريق الواصلين إلى الله, وقرة عيون المقربين من الله, لم يدعها الشارع الحكيم من دون تحديد معالم ورسوم, تنظم علاقة الإمام بالمأموم. ولقد مارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من خلفه هذه العلاقة عمليا, فاستفاد منها العلماء المجتهدون فوائد وأحكاما, بني عليها الأئمة العالمون, بل وفرعوا منها, وقاسوا عليها, حتى إنه لا يكاد يخلو موقف لإمام من مأمومه أو مأموم من إمام إلا وللعلماء فيه بيان وحكم يبين صحة الوقوف من عدمه. ولا غرو, في مسألة لها صور عديدة, وتحتاج إلى تدليل, وأحيانا إلى تخريج على بعض صورها أن تحظى باهتمام علم من أعلام هذا الدين, يجمع لنا ما نحتاج إليه من صور نجد أنفسنا فيها ونحن نصلي صلاة الجماعة. نسأل الله العلي القدير: أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم, وأن يتقبله بقبول حسن, إنه نعم المولى ونعم الوكيل. والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين فيصل يوسف العلي الكويت 1425هـ-2004م

ترجمة المصنف1 -اسمه: هو الإمام أبو محمد: عبد الله, بن يوسف, بن محمد, بن حيويه الجويني والد إمام الحرمين, ركن الإسلام, الفقيه, الأصولي, المفسر الأديب, العالم, الزاهد. -مولده: 380هـ-390هـ تقريبا, بلا تحديد. -نسبه: يرجع إلى قبيلة من العرب يقال لها: "سنبس" وهي بطن من طيء. -الجويني: وهذه نسبة إلى جوين, وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور. -نشأته ورحلاته في طلب العلم: تفقه أولا على أبي يعقوب الرابيوردي بناحية جوين, ثم قدم نيسابور, واجتهد في التفقه على أبي الطيب الصعلوكي, ثم ارتحل على مرو قاصدا القفال المروزي, فلازمه حتى تخرج به مذهبا وخلافا, وأتقن طريقته, وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة, وقعد للتدريس والفتوى ومجلس المناظرة وتعليم الخاص والعام. -شيوخه: 1- أبو بكر القفال. 2- عدنان بن محمد الضبي. 3- أبو نعيم عبد الملك بن الحسن. 4- ابن محمش. 5- أبو الحسين بن بشران. وغيرهم ...

_ 1- مصادر ترجمته: 1- "سير أعلم النبلاء" (17/627) . 2- "طبقات السبكي" (5/73) . 3- "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/47) .

-تلاميذه: 1- ابنه إمام الحرمين أبو المعالي. 2- سهل بن إبراهيم المسجدي. 3- علي بن أحمد بن الأخرم. وغيرهم ... -مؤلفاته: 1- " التفسير الكبير". 2-"التبصرة". 3-" التذكرة". 4-" الفرق والجمع". 5-"موقف الإمام والمأموم". 6-شرح عيون المسائل. -وفاته: توفي سنة 438هـ بنيسابور, فرحمه الله ورضي عنه.

عملنا في الكتاب 1- نسخ "الأصل", على طريقة الإملاء الحديث. 2- مقابلة الأصل المنسوخ على المخطوط أكثر من مرة, وطريقتنا إن وجد خطأ في " الأصل", الإبقاء عليه دون تغيير مع التنبيه على ما نراه في الحاشية, مع حكاية الوصف أو تصوير "الأصل" إن عسر. 3- عزو الأحاديث التي ب"الأصل" إلى مواضعها التي أشار إليها المؤلف دون زيادة على عزوه, مع التنبيه على ما أخطأ فيه المؤلف في العزو أو إدخال حديث, وغيره مما ستراه في التعليق, يدلك على عدم عناية المصنف بالحديث: الرسالة1 التي أرسلها له الإمام الحافظ البيهقي, والتي انتقد فيها –بأدب العلماء - تصنيفا اسماه الجويني: "المحيط", فلما بلغت الرسالة إلى الإمام الجويني - وكان قد اتم ثلاثة أجزاء-: توقف عن إتمام الكتاب - بأدب العلماء -, لما رأى من قصور في علم الحديث على ما بينه له الحافظ البيهقي رضي الله عنهما. 4- فهارس للمواضيع والأحاديث. 5- وصف النسخة الخطية وصفا تفصيليا, وألحقنا بالوصف نماذج خطية. 6- وضع ترجمة مختصرة للمؤلف. 7- اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه.

_ 1- انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي ترجمة المصنف (5/73) .

اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه -اسم الكتاب: "موقف الإمام والمأموم" هذا ما أثبت على أول النسخة الخطية, وكذلك ما سماه بن السبكي في "الطبقات" وغير واحد ممن ترجموا للمؤلف. صحة نسبة الكتاب للمؤلف: الكتاب صحيح النسبة للمؤلف وذلك لأمور: 1- نقل السبكي أسطرا من كتاب الجويني هذا مع تسميته للكتاب في موضعين من "طبقاته": الأولى: في ترجمة المصنف, والثانية في ترجمة أبي بكر القفال شيخ المصنف, انظر"طبقات السبكي الكبرى. (5/58, 90, 91) . 2- نسب هذا الكتاب غير واحد ممن ترجموا للمصنف في ترجمته, منهم: * ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (3/47) . * الأسنوي في "طبقات الشافعية" (1/339) . * الداودي في "طبقات المفسرين" (1/260) . وذكره منسوبا إلى الجويني: صاحب "هداية العارفين" (5/451) , وبروكلمان في "تاريخ الأدب العربي".

وصف المخطوط -مصدرها: بلدية الإسكندرية, وتم تصويرها من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (2795/د) . -عدد أوراقها: (11) ورقة من القطع الكبير. -عدد سطورها: (19) سطرا وقد يزيد على (22) سطرا. -عدد كلماتها: متفاوتة ما بين (10) إلى (16) كلمة في السطر. -تاريخ النسخ: لا يوجد عليها ما يدل على تاريخ النسخ ولا اسم الناسخ. -خطها: خط نسخى, متوسط الوضوح, عسر في مواضع غير قليلة. -جودتها: لا يعتني الناسخ بالإعجام للحروف, وبها تعقبة أسفل كل ورقة تدل على اتصال الكلام, وعليه: فلا يوجد خرم بالنسخة –كما يوجد بها آثار الأرضة والرطوبة والطمس, ويوجد بها موضع واحد مبيض له, وبها عدة مواضع وقع عليها الضرب, أما التصحيح: فليس إلا موضع واحد بين السطور, وليس عليها بلاغات أو سماعات تدل على مقابلة النسخة أو العناية بها ولا تداولها بين العلماء.

مدخل

مدخل ... (1-أ) بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ, الإمام, العلامة, وحيد دهره, وفريد عصره, أبو محمد عبد الله, بن يوسف, الجويني, تغمده الله برحمته, وأسكنه فسيح جنته أمين: الحمد لله رب العالمين, والصلاة على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. أما بعد: فإن بعض الأعيان المتدينين استدعى, جمع فصول في موقف الإمام والمأموم, وتفصيل القول في أماكن الجماعات, وذكر في مسائلها وأقاويل سلفنا رحمهم الله, فرتبنا فيها فصولا تشتمل - إن شاء الله - على معظم المقصود. الفصل الأول: في المساجد. الفصل الثاني: في الصحاري. الفصل الثالث: في قوارع1 الطريق. الفصل الرابع: في المساكن والخانات2. الفصل الخامس: في المدارس والخانقهات3 الموقوفة على أربابها. الفصل السادس: في السفن على الماء والساحل. الفصل السابع: في السهل مع الجبل. الفصل الثامن: في الصحراء إذا اتصلت بالمسجد. الفصل التاسع: في الطريق إذا اتصلت بالمسجد.

_ 1-قوارع: قارعة الطريق: أعلاه وفي الحديث: نهى عن الصلاة على قارعة الطريق, وهي وسطه, وقيل: أعلاه, والمراد به ههنا نفس الطريق, انظر: "لسان العرب" مادة: "قرع". 2- الخانات: جمع خان ما ينزله المسافرون, فارسي معرب, انظر: "المصباح المنير" (70) , "لسان العرب" مادة: "خون" "الموسوعة العربية الميسرة" (750) . 3- خانقاه: كلمة فارسية تطلق على المباني التي تقام لإيواء الصوفية الذين يخلون فيها للعبادة, وقد انتشرت هذه المباني منذ القرن الحادي عشر وفي العهد العثماني سميت هذه المباني "تكايا". انظر: "الموسوعة العربية الميسرة" (ص: 750) .

الفصل العاشر: في الأملاك إذا اتصلت بالمسجد. الفصل الحادي عشر: في السطح مع الأرض. الفصل الثاني عشر: في موقف الإمام والمأموم حول الكعبة.

الفصل الأول: في المساجد

الفصل الأول: في المساجد اعلم (1-ب) , أن المسجد الواحد إذا جمع الإمام والمأموم صح الاقتداء بالإمام إذا وجد شرط واحد: وهو علم المأموم, إما بأن يشاهده, أو بأن يسمع صوت تكبيره, وإما بأن يسمع صوت المترجم1, أو يراه, أو بعض من يعلم بصلاته أحد هذه الأسباب, سواء تباعدت المسافة بينهما أو تقاربت, سواء كان بين الإمام والمأموم الحوائل التي تكون في المسجد, أو لم تكن مثل السقايات2 المبنية وجدار المقصورة3, وسائر الأبنية, ولا يشترط اتصال الصفوف بحال, وإنما كان كذلك, لأن المسجد مبني لهذه العبادة ولإقامة الجماعة, فصارت بقاعه متساوية بالاجزاء في حكم الاقتداء, حتى لو كان الإمام على السطح والمأموم على القرار4, أو المأموم على السطح والإمام على القرار, فالصلاة جائزة. وكذلك لو كان المأموم في حجرة منارة المسجد أو تحت شرف5 في المسجد والإمام على الأرض, أو بالعكس من ذلك, فالاقتداء صحيح في جميع ذلك, ما دام يعلم صلاة الإمام للعلة التي ذكرناها. وإن كان في صحن المسجد نهر: لم يكن حائلا, سواء كان متضايق الحافات, أو كان واسعا. وحكي عن بعض أهل العراق –من أصحاب الرأي-: أن النهر الواسع حائل وإن

_ 1- ترجم الكلام: بينه ووضحه, ونقله من لغة إلى أخرى وهو ما يعرف بالمبلغ. انظر: "المعجم الوجيز" (74) . 2- والسقاية: الموضع الذي يتخذ في الشراب. "لسان العرب" مادة " السقي". 3- غرفة خاصة معزولة عن باقي غرف الدار وأعلى منها, ومقصورة الإمام: الحجرة في طرف المحراب يصلي فيها الأمير عادة خشية اغتياله. " لسان العرب" مادة: "قصر" " معجم لغة لفقهاء". 4- القرار: المستقر من الأرض. "راجع لسان العرب" مادة "قرر", و"مختار الصحاح" مادة "قرر". 5- الشرفة: سقيفة بارزة من البيت تطل على ما حولها. "لسان العرب" مادة: "شرف", و"مختار الصحاح".

كان في المسجد, وهذا مستبعد, لأنه لو كان النهر حائلا لكانت الأبنية حائلة, ولكانت المسافة البعيدة حائلة. فصل المساجد المتداخلة التي تعد مسجدا: حكمها في الاقتداء حكم المسجد الواحد. وذلك: مثل الجامع1 بنيسابور2 يشتمل على مساجد غير أن جميعها تعد مسجدا واحدا, وتقام فيه الجماعة واحدة, فجدرانها كالأساطين3 في مسجد واحد, ولو وقف الإمام في محراب ووقف رجل في المسجد الثاني على العتبة أو في المسجد الذي على اليمين أو على اليسار ولم يقف (2-أ) بينهما أحد, صح اقتداؤه به, إذا علم بصلاته بسماع أو ملاحظة, وكذلك على ( ... ) 4. فأما إذا كان في جوار المسجد مسجد آخر, ينفرد الإمام والمؤذن والجماعة, فلا يصح لمن في أحدهما أن يقتدي بالآخر, إلا بشرط اتصال الصفوف, لانفراد واحد منهما عن الآخر, فحكمه في عقد الجماعة, فصار كالأملاك المتصلة بالمسجد, وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى. وقد قال الشافعي رضي الله عنه5: إنه لو كان الإمام والمأموم في المسجد, غير أن المأموم أعمى, لكنه يسمع صوت الإمام أو صوت من يعتمده: صح له الاقتداء به وإن لم يشاهده. وكذلك, لو كان المأموم أصم بصيرا: يشاهد الركوع والسجود: صح الاقتداء. فأما إذا كان أصم أعمى, فقد قال: ينبغي أن يكون بجانب من يرشده, وكذلك لو كان أصم بصيرا, ولكنه في ظلمة أو من وراء حائل.

_ 1- المسجد الجامع: المسجد الكبير الذي تؤدى فيه الصلاة الجمعة, جمع: جوامع. انظر: "معجم لغة الفقهاء" (ص: 158) . 2- نيسابور: بفتح أوله, وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ومنبع العلماء, لم أر فيه طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها, قاله الحموي, "معجم البلدان" للحموي (5/331) . 3- الاسطوانة: السارية. انظر: "لسان العرب" مادة "سطن". 4- بالأصل كلمة غير مقروءة مع ظهورها. 5- هو: محمد بن إدريس, بن عباس, بن عثمان, بن شافع، بن السائب, بن عبيد, بن عبد زيد, بن هاشم, بن المطلب, بن عبد المناف, بن قصي, بن كلاب, بن مرة, بن كعب, بن لؤي, بن غالب الإمام, عالم العصر: ناصر الحديث, فقيه الملة أبو عبد الله القرشي المطلبي الشافعي المكي الغزي المولد سنة 150هـ ومات 504 وله أربع وخمسون سنة, وقيل: ثمانية وخمسون –رحمه الله تعالى. انظر: "سير أعلام النبلاء" (10/5) .

الفصل الثاني: في الصحاري

الفصل الثاني: في الصحاري اعلم: أن الإمام إذا وقف مع المأموم في الصحراء التي ليست مملوكة, واصطف الناس خلفه, وانقطع بعض الواقفين عن الصف الآخر بمائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع: كانت صلاة المنقطع صحيحة, لا خلاف فيها بين أصحابنا. وإنما اختلفوا: في أن هذا لقدر يشترط على جهة التقريب أو على جهة التحديد: فذهب أبو علي بن خيران1 وأبو علي بن أبي هريرة2 والأكثرون من أصحابنا على طريقة التقريب لا إلى طريقة التحديد, حتى لو زاد على ثلثمائة غير متفاحشة, ما ضرت تلك الزيادة. وذهب أبو إسحاق المروزي3 إلى طريقة التأقيت. وأما المروزي, فقد نقل عن الشافعي في هذا اللفظ, وهو: أنه لو كان على نحو مائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع: كان جائزا, ثم قال: وقد اختار الشافعي القرب في الأملاك (2-ب) بلا تأقيت, وهذا عندي أولى, لأن التأقيت: لا يدرك إلا بحد.

_ 1- هو: الحسين بن صالح بن خيران أحد أركان المذهب، كان إماما, زاهدا, ورعا, تقيا, نقيا, متقشفا من كبار الأئمة ببغداد ت320هـ, "طبقات الشافعية" (3/271) . 2- هو: الإمام الجليل, الحسن, بن الحسين, القاضي, أبو علي, بن أبي هريرة, البغدادي, أحد عظماء الأصحاب ورفعائهم, المشهور اسمه, الطائر في الآفاق ذكره, شرح مختصر المزني مات سنة 345هـ. السبكي (3/256) وابن خلكان (2/85) . 3- هو: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي, الفقيه, الشافعي, إمام عصره في الفتوى والتدريس, أخذ الفقه عن ابي الغباس بن سريج, وبرع فيه, وانتهت إليه الرياسة بالعراق بعد ابن سريج, والمروزي –بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو وبعدها زاي معجمة- نسبة إلى مرو الشاهجان لتتمييز عن مرو الروز, وخرج إلى مصر ومات بها سنة 340هـ. انظر: "وفيات الأعيان" (1/26) و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص112) .

وكان الشيخ أبو بكر القفال1: يختار طريق التقريب, على ما نص عليه في "الإملاء" ويجمع بينه وبين ما ذكر في "المختصر", وأنه لم يرد فيها2 ذكره "المختصر" التأقيت, وإنما أراد التقريب, بدليل التنويع الذي ذكره, وهو قوله: على مائتي ذراع أو ثلثمائة, وليست هذه العبارة من قصد التأقيت والتحديد. فإن قيل: فمن أين أخذ الشافعي رضي الله عنه هذا وهذا, ولم ما قال ألف ذارع أو ألفي ذراع؟ قلنا: يحتمل أنه أخذ ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها عبد الله بن عمر في صلاة الخوف أنه صلى الله عليه وسلم صدع الجيش صدعين وتنحى طائفة وصلى بها ركعة, ثم رجعت تلك الطائفة إلى القتال وهي في الصلاة3 على حكم الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعلوم, أنه صلى الله عليه وسلم قصد بهذا التنحي: وقوع الأمن من أن تنالهم سهام الأعداء وما يرمى به من العبد, ولا يكاد يحصل لهم الأمن إلا أن يتباعد قدر رمية سهم, وهذا القدر: مسافة كاملة لها سهم أو زائدة يحصل بها تمام الأمن. واستنباط مشايخنا هذا, دليل ظاهر على أنه تقريب لا تحديد. فصل إذا وقف صف خلف الإمام في الصحراء, أو وقف صف على ثلاثمائة ذراع من الصف الثاني: فصلاة الجميع صحيحة. وكذلك, لو تباعد عن يمين الإمام أو عن يساره, فوقف على هذا القدر من المسافة: كانت الصلاة مجزية. والصحراء في ذلك (3-أ) : خلاف الأبنية, لأن الصحراء مشتركة المنافع, وهذه إحدى المنافع.

_ 1- هو الإمام الزاهد الجليل البحر عبد الله بن أحمد بن عبد الله, يعرف بالقفال الصغير المروزي شيخ الخراسانيين, وليس هو القفال الكبير, هذا أكثر ذكرا في كتب الفقه, ولا يذكر غالبا إلا مطلقا, وذاك إذا أطلق: قيد بالشاشي, وهو شيخ المصنف, توفي سنة 418هـ. انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (5/53) . 2- كذا بالأصل: "فيها" والأولى: "فيما". 3- حديث ابن عمر: رواه البخاري في كتاب صلاة الخوف باب صلاة الخوف حديث (942) . ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث (839) .

الفصل الثالث: في القوارع

الفصل الثالث: في القوارع وهي والصحراء في جميع ما ذكرنا وكذلك, إذا وقف المصلي في ملك أو بناء من الأبنية المتصلة بالطريق: فهو كما لو وقف في المتصلة في الصحراء, وسنذكر ذلك فيما بعد. وإنما فارقت قوارع الطريق الصحراء في شيء, وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المقبرة, والمجزرة, والمزبلة, وقارعة الطريق, وأعطان الإبل, وظهر الكعبة, والحمام1. فيكره, الوقوف في الطريق بهذا الخبر, ويحكم, بصحة الصلاة. ولو وقف الإمام على الصحراء والمأموم على صحراء وبينهما مدرجة: فلا بأس وإن كانت واسعة لأن الطريق لا تكون قاطعة وإن كان بينهما نهر غير واسع فهو غير قاطع وإن كان واسعاً فهو قاطع, بخلاف النهر في المسجد. والفرق بينهما: أن المسجد بني لهذه المنفعة المحصورة, بخلاف الصحراء, فإنها لا تحصر بهذه المنفعة, ولهذه لم يكن بعد المسافة في المساجد مانعا, ولا الحوائل ولا الأبنية الحاجزة قاطعا, بخلاف الصحراء.

_ 1- أخرجه الترمذي (346) , وابن ماجه (746) : من طريق زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر. وقال الترمذي: إسناده ليس بذالك القوي, وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه.

الفصل الرابع: في المساكن والخانات

الفصل الرابع: في المساكن والخانات إذا أراد مع القوم عقد الجماعة في الدار, ينبغي أن يكونوا في موضع واحد جامع, ليخرجوا عن الخلاف الذي سنذكره, ويستغنوا عن اتصال الصفوف. -ومعنى قولنا يقفون في موضع واحد: أن يقفوا جميعا في صحن الدار أو في الصفة1 واحدة من الصفف أو في البيت من البيوت. -فإذا وقفوا جميعا (3-ب) في الصحن: جاز أن يكون الإمام في مقدمة الصحن والصف متباعد عنه, وإن كان الصحن واسعا بحيث يزيد على مائتي ذراع أو ثلثمائة ذراع. فأما إذا وقف الإمام في الصحن, ووقف المأموم في صفة من الصفف: نظر, فإن اتصل الصف من الصحن بالواقف في الصفة اتصال المناكب, إذا كانت الصفة على يمين الصحن أو يساره: صحت صلاة الواقف في الصفة. وكذلك: إن كانت الصفة في مؤخر الصحن خلف ولو يزد ما بين الواقف بصلاة الإمام في الصحن, لأنه في العرف يسمى متصلا وإن اختلف بناء الصفة والصحن. -فأما إذا لم يتصل أحد هذين الاتصالين فقد اختلف مشايخنا في ذلك: فذهب الشيخ القفال: إلى أن صلاة الواقف في الصفة باطلة, لأن الصفة بناء مخالف للصحن, واختلاف الأبنية والبقاع مؤثر في الاتصال والانقطاع, فإذا وجد هذا الاختلاف: وجب اشتراط الصفوف. وذهب بعض أصحاب أبي إسحاق المروزي إلى تجويز ذلك. وإليه ذهب أبو ثور2, وزعموا: أن هذا القدر لا يسمى في العرف والعادة: انقطاعا.

_ 1- صفة الدار: واحدة الصفف, الصفة من البنيان: شبه البهو الواسع الطويل السمك. انظر: "لسان العرب" مادة: "صفف". 2- هو: إبراهيم بن خال بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي صاحب الإمام الشافعي رحمه الله وناقل الأقوال القديمة عنه مات سنة 246هـ ببغداد. انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/26) و"طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص101) .

واعلم, أن اتصال الصفوف على هذين الضربين: أحدهما: اتصال المناكب في هذه المسألة: أن يكون الصف في أحد جانبي الصحن, فيقف صف في الصحن ويمتد إلى الصف, وتكون مناكبهم متراصة. والثاني: توالي الصفوف, بأن لا يكون الواقف في الصف خلف الإمام بين الصف قدمه في الصحن أكثر من ذراعين أو ثلاثة أذرع, هكذا قال الشافعي رضي الله عنه. وإنما اشترطنا ذلك: أن الصفوف تعد موالية (4-أ) , إذا تخللها هذا المقدار. ولا تعد متوالية, إذا زاد على ذلك في العرف والعادة, وهذا على طريق التقريب, لا على طريق التحديد. وكذلك, لو كان الإمام في الصفة والقوم في الصحن, أو في الصفة الأخرى: فالمذهب فيه: على ما ذكرنا: أنه تصح الصلاة مع اتصال الصفوف, وإذا لم تتصل: فعلى هذا الخلاف. واعلم, أن الصفوف إذا اتصلت أحد هذين الاتصالين, فلا يضر أن يكون بعضهم على سرير, وبعضهم على الأرض, ويكون الإمام على سرير, والقوم على سرير آخر ما لم يكن بينهما من الفرجة ما يقطع الاتصال, فإن كانت الأرض من الارتفاع والانخفاض بمقدار السرير من الأرض: فلا بأس, ما دام الواقف على المرتفع تحاذي ركبته رأس الواقف على الأرض. وهذا الحد, ذكره الشافعي في بعض فروع الواقف. وإن كان أعلى من ذلك: صار في حكم السطح مع الأرض. ولا خلاف بين أصحابنا: أن الإمام إذا وقف على الأرض في الدار, ووقف المأموم على سطح الدار أو على الشرفة أو على عرصة1: فصلاة المأموم باطلة على الجملة. إن الصلاة على السطح بصلاة الإمام على الأرض لا تصح إلا في موضع واحد: وهو: أن يكون في المسجد وعلى سطحه حتى كان الشيخ القفال يستنزل الناس عن

_ 1- العرصة: بفتح فسكون ففتح: جمع عرصات: عراص, كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بنا. انظر: "مختار الصحاح" مادة "عرص" و" معجم لغة الفقهاء".

جدار المصلى يوم العيد, لأن مصلى أهل مرو1 بقعة مغصوبة, وكل مسجد بني في بقعة مغصوبة: فليس بمسجد2. وحكمه: حكم المساجد المملوكة في موقف الإمام والمأموم. وأما إذا كان الإمام في الصحن, ووقف رجل في بيت عن يمين الصحن أو يساره: لم تصح (4-ب) صلاته إلا بأن يتصل الصف به اتصال المناكب أو يقف على العتبة واقفة3 إن كانت العتبة عريضة ولا يضره إن كانت مرتفعة. وإن كان الباب موصدا4: لم تصح صلاة من في البيت. وإن كان البيت خلف الإمام في الآخر الدار, واتصلت الصفوف بالواقف في البيت اتصال التوالي والباب غير موصد, ففي صلاته وجهان: أحدهما: أنها صحيحة, قياسا على اتصال المناكب. والثاني: أنها باطلة, لأن هذا الاتصال دون اتصال المناكب, والبيت والصحن اختلافهما أشد من اختلاف الصفة والصحن, حتى لو كان على باب الصفة سترة أو جدار وغلق على باب: فحكمه حكم البيت, والأول مذهب ابن ثور, وهو أصح. وأما موقف من وقف في البيت وبينه وبين الصحن جدار, غير انه يرى الإمام أو القوم من فرجة أو شباك: فصلاته باطلة, باتفاق أصحابنا, لأنه غير متصل بالجماعة على وجه. فصل القوم إذا عقدوا جماعة على سطح مستو: فحكمه حكم الصحن. وإن كان بعضه أخف من بعض انخفاضا يسيرا, لم يضر, وكانوا في حكم الاتصال, ما دامت الأقدام محاذية الركب, على ما حكينا عن الشافعي.

_ 1- مرو: بلد كبير من أقاصي خراسان, خرج منها أئمة والنسبة إليها مروزي على غير قياس. انظر: "معجم البلدان" للحموي (5/112) و" الأمصار ذوات الآثار" للذهبي (83) . 2- ذكر هذه العبارة السبكي في "الطبقات" (5/58) في ترجمة القفال. 3- كذا في الأصل: "واقفة". 4- أو صدت الباب وآصدته: أغلقته. انظر: "مختار الصحاح" مادة "وصد".

وإن اتصل سطح بسطح دار أخرى, والملكان مختلفان, فالصحيح من المذهب: أن اختلاف الملكين لا يجري مجرى اختلاف الأبنية إذا كانت المواقف مستوية, إذ لا تأثير, لاختلاف الملك في الاتصال والانفصال من حيث المشاهدة, وإنما يؤثر في ذلك: اختلاف الأبنية عرفا وعادة, والشافعي: يعتمد العرف والعادة في الاتصال والانفصال, لأنه قال: وقرب ما يعرفه الناس قربا, ومعقول أن الرجلين, إذا وقفا في أرض مستوية وموقف أحدهما (5-أ) ملك زيد, وموقف الآخر ملك عمرو, وهما متقاربان: لم يعد ذلك قطعا وفصلا. وإذا كان أحدهما في الصفة, والآخر في البيت أو في صفة أخرى: كان ذلك في العرف والعادة افتراقا وانقطاعا, ولم يعرف ذلك اتصالا واجتماعا. وجميع ما ذكرناه في المسائل: هو حكم الخانات أيضا. وكان اختيار الشيخ القفال: أن الإمام إذا وقف في صحن الخان والمأموم في الرواق1 أو في بهو2 الخان, أو وقف الإمام في الرواق من الخان والمأموم على رواق آخر: فصلاة المأموم باطلة, إذا لم تتصل الصفوف به أحد الاتصالين اللذين ذكرناهما. ومذهب أبي حنيفة3 أن صلاة المأموم صحيحة, وإن لم تتصل به الصفوف.

_ 1- الرواق: بيت كالفسطاط يحمل على عمود واحد طويل ورواق البيت: مقدمه, وسقيفة للدراسة في المسجد أو معبد او غيرهما. انظر: "المعجم الوسيط" (1/383) . 2- البهو: الواسع من الأرض, وكل هواء أو فجوة فهو عند العرب بهو. انظر: "لسان العرب" مادة "بهو". 3-هو: الإمام: فقيه الملة, عالم العراق, أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي مولى بني تمم الله بن ثعلبة, ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة توفي 150هـ وله سبعون سنة رضي الله عنه ورحمه. انظر: "سير أعلام النبلاء" (6/390) .

الفصل الخامس: في المداري الموقوفة على أربابها

الفصل الخامس: في المداري الموقوفة على أربابها اعلم, أن المدارس في هذه المسائل حكمها حكم الأملاك لا حكم المساجد, لأن واقفها: وقفها ليسكنها أقوام مخصوصون, فصاروا مالكين لمنافعها دون غيرهم, كما يكون المالك مختصا بمنافع ما استأجره, بخلاف المساجد: فإنها لا تختص بقوم دون قوم, وهي مبنية, لإقامة الصلاة والجماعات فيها, بخلاف المدارس. ولهذا لا يصح الاعتكاف1 في المدارس, كما لا يصح في الأملاك. ويجوز للجنب والحاض المكث في المدارس والمبيت فيها, بخلاف المساجد. فإذا ثبت: أن حكمها حكم المساكن المملوكة, فلا يجوز: أن يقف الإمام في بناء من أبنيتها, والمأموم في بناء آخر, إلا بشرط اتصال الصفوف على ما ذكرناه. وكذلك: لا يجوز أن يقف أحدهما على السطح والآخر على الأرض, لأن سطح المدرسة منقطع عن أرضها في حكم الصلاة. فصل إذا بني (5-ب) رجل المدرسة, ووقفها على قوم موصوفين, وبني فيها بناء لأو صفة, وقال: جعلت هذا مسجدا: ثبت لها حكم المسجد, ولا يجوز للجنب أن يلبث فيها, ويصح اعتكافه فيها. وأما ما اتصل به, من رواق المدرسة: فحكمه حكم الأملاك المتصلة بالمساجد على ما بينته. وأما إذا لم يقل الواقف: جعلت هذا البيت أو هذا الرواق مسجدا, غير أن سكان المدرسة عينوه للصلاة فيه: لم يصر ذلك مسجدا, وإن واضبوا عليه, لأن الاعتبار بلفظ الواقف لا بلفظ الأرباب ( ... ) 2 ألا ترى: لو أرادوا تغيير شرط من شروطه بعد تمام

_ 1- الاعتكاف: لغة: لزوم الشيء والإقبال عليه, وشرعا: المكث في المسجد بنية القربة "معجم لغة الفقهاء" (ص: 76) . 2- بالأصل كلمة غير مقروءة وهذا رسمها (وعانتهم) .

لفظ الواقف وانقضاء عبارته: لم يتمكن منه. فصل المسجد القديم, إذا اتصلت به مدرسة, أو المدرسة القديمة, إذا اتصل بها مسجد مستحدث البناء: فحكمها: حكم الأملاك المتصلة بالمساجد على ما ذكرناه, وسواء, فتح منها باب في المسجد, أو رفع الحاجز بينهما ولم يرفع ولم يفتح1. فصل -2 الواحد من أهل العلم إذا سأل الناس مالا, واستجداهم, وقال: إنما أطلب هذا, لبناء مدرسة, فبذلوا له مالا, فاشترى بقعة, وجعلها مدرسة ووزن ثمنها من ذلك المال, ثم زعم أنني اشتريت هذه البقعة لنفسي, فأتصرف فيها كيف شئت: أجعلها مسجدا, أو أستديم عليها ملكي: لم يكن له ذلك, والواجب صرف تلك البقعة إلى الجهة التي بذل المال لها. وإن جعلها هذا العلم مسجدا, لم تصر مسجدا, وصارت بنفس الشري مدرسة, لما تقدم من النيات المتقدمة والتقيد السابق. وإنما ذكرنا هذا الجواب, عن أصل منصوص للشافعي رضي الله عنه في بعض كتبه, ولو لم يصيرها مصروفة إلى الجهة الموصوفة: لأوجبنا على العالم المشتري أن يرد على الناس ما أخذ (6-أ) من الأموال, لأنها مبذولة لجهة مخصوصة, وإذا لم يسعملها في تلك الجهة: وجب عليه ردها. وهذه: طريقة أبي العباس بن سريج3, وفرع4 عليها مسائل, وفيها مصلحة لأموال الناس وإن كان القياس غيرها.

_ 1- هكذا السياق بالأصل. 2- "أعلام الساجد" (ص405) . لو سال واحد من أهل العلم الناس مالا. 3- هو: القاضي: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الباز الأشهب, شيخ المذهب وحامل لوائه وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي مات سنة 306هـ. انظر "طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: 108) و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (3/21) . 4- انظر "طبقات السبكي" نقل هذه العبارة في ترجمة المصنف (5/90, 91) .

الفصل السادس: في السفن والساحل

الفصل السادس: في السفن والساحل إذا كان الإمام في السفينة, والمأموم في سفينة أخرى, وكانوا1 مرسيتين2 أو كانوا تجريان بريح رخاء –هذا لفظ الشافعي-: صح الإقتداء. لأنهما إذا كانتا مرسيتين: كانت السفينتان على وجه الماء بمنزلة السريرين على البر, يقف الإمام على أحدهما3 والمأموم على الأخرى. وإن كانتا مجريتين بريح لينة غير عاصفة, فكذلك. ومن شرط هذا الإقتداء: أن يكون المأموم عالما في السفينة بصلاة الإمام في سفينته, وإنما يكون عالما: إذا كانت السفينتان مكشوفتين أو مسقفتين ولكنهما كانا على سطح السفينتين. وإنما اشترط الشافعي أن يكون الريح رخاء لينة, لئلا تتقدم سفينة المأموم سفينة الإمام, لأن الريح إذا اشتد عصفها, وكانت سفينة المأموم أخف: لم يؤمن أن تتقدم على سفينة الإمام, ولهذا: اشترط القاضي أبو سعيد الأصبهاني أن تكون سفينة المأموم مربوطة بسفينة الإمام, وإذا جاز الإقتداء في هذه الحالة: فكذلك إذا كانت أحدهما4 على الساحل والأخرى على الماء كان الاقتداء صحيحا. فإن قيل: هكذا جعلتم ماء البحر بين السفينتين قاطعا, والمعلوم أن المأموم لا يقدر أن يتوصل إلى موقف الإمام وماء البحر ( ... ) 5 الحيلولة أبلغ من النهر الواسع الكبير. قلت: الماء في البحر منزولا منزلة قرار الأرض في البحر في الاتصال والانفصال.

_ 1- كذا بالأصل والصواب بالمثنى "كانتا". 2- رست السفينة: بلغ أسفلها القعر وانتهى إلى قرار الماء فثبتت وبقيت لا تسير. انظر "لسان العرب" مادة "رسى". 3- كذا بالأصل: "أحدهما" والصواب: "إحداهما". 4- كذا ب "الأصل", والصواب " إحداهما". 5- في الأصل مطموسة ولعلها: "في".

والذين (6-ب) يركبون1 ويعتادونه لا يعدون الماء قاطعا. والمرجع في ذلك: إلى العرف والعادة. وهذا كما نقول في حكم السفينة, إنها تجري بركبانها. ولهذا, جوزنا فيها الفريضة, ولم نجوز في الكتب والعماوية, وكذلك, جعلناها في عدة الوفاة كالمساكن, وكذلك, جعلنا البحر لأهل البحر كالبر لأهل البر. فأما إذا صلوا على الوجه الذي ذكرناه, والريح عاصفة, بحيث لا يأمنون أن تسبق إحداهما الأخرى: فقد قال الشافعي رضي الله عنه, وأجزأتهم صلاتهم, إذا سلموا عن تقدم المأموم على الإمام, كما إذا صلوا في سفينة واحدة, والمأموم في أسفل السفينة, والإمام فوقها يبصرونه, أو يبصره من يبصره, ومن قد يبصره سمعوا تكبيره أو لم يسمعوا, فقد قال الشافعي: يصح اقتداء الأولين بالإمام, وقد منع مثل هذا في بيوت الدار, وإنما منع ذلك في المساكن, وأجازه في السفينة, لأن السفينة مما فيها من العلو والسفل في العادة بمنزلة البيت الواحد بعضه أخف من بعض, وقد يكون البيت الواحد سريرا وصناديق, فتصح صلاة المأموم على الصندوق أو فيها, بصلاة الإمام خارجا منها, إذا كان جميع ذلك في العرف بناء واحدا. ومراد الشافعي في هذه المسألة مثل هذه السفينة التي ذكرناها, لأن السفن الكبار المشتملة على الدور والحجر الكثيرة يكون حكمها حكم الأبنية المختلفة. وقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أيضا لو كان الإمام في قعر السفينة وهم على أرجائها, أو الإمام على أرجائها وهم في قعرها, أو بعضهم كذا وبعضهم كذا: فأحب إلي من ذلك إن أمكنهم أن يكونوا مستويين مع الإمام, حيث كان لا أخفض منه ولا أرفع منه, وإن اختلف حاله وحالهم, فارتفاعه عليهم خير من ارتفاعهم عليه.

_ 1- كذا بالأصل.

الفصل السابع: في السهل والجبل

الفصل السابع: في السهل والجبل وإذا وقف الإمام على السهل والمأموم على الجبل, أو وقف المأموم على السهل والإمام على الجبل: نظر فيهو فإن كان الجبل بحيث يمكن صعوده وارتقاؤه: صح اقتداؤه به, إذا كان مكان الارتفاع في الجهة التي فيها الإمام: صح. وإن كان بخلاف ذلك كان الحكم بخلافه, لأن الجبل حينئذ بمنزلة السور المنيف يقف عليه المقتدي والإمام على القرار. وقد قال الشافعي رضي الله عنهك "من صلى على أبو قبيس1 بصلاة الإمام في المسجد: فصلاته باطلة. ولا بد لهذه المسألة من تأويل مستقيم, لأن ذلك جبل لا يبعد صعوده. فمن مشايخنا من قال: إنما منع الاقتداء للمساكن المبنية عليه, لأنها: حائلة من طريق الحكم بين الإمام والمأموم. ومثل هذه المسألة, تبين لك أن العلم بركوع الإمام وسجوده: لا يكفي, بخلاف ما ذهب إليه عطاء بن أبي رباح2, ولو كفى: لجوزنا الصلاة على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد الحرام, لأن الواقف عليه يشاهد الإمام والقوم, بحيث لا تخفى (7-أ) عليه صلاتهم ولا شيء من أفعالهم. فصل فإذا عرف أن السهل والجبل كالقرار الواحد, فالأفضل والأولى: أن يكون الغمام والناس على مستو من الأرض, فإن لم يكن بد من أن يكون بعضهما أعلى موقفا من البعض, فالإمام أولى بالأعلى- كما حكينا عن الشافعي.

_ 1- أبو قبيس: هو ايم جبل المشرف على مسجد مكة "معجم البلدان" الحموي (1/80) . 2- هو: الإمام شيخ الإسلام عطاء بن أبي رباح: أسلم, مفتي الحرم أبو محمد القرشي مولاهم المكي ولاؤه لبني جمح ونشأ بمكة في أثناء خلافة عثمان مات سنة 115هـ انظر: "السير" (5/78) .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما صنع المنبر, صلى عليه والناس ينظرون إليه, ثم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 1. فلو كان الإمام2 فلا بأس. صلى أبو هريرة (7-ب) رضي الله عنه على ظهر المسجد بصلاة الإمام في المسجد3, وليس في شيء من ذلك كراهية. والوقوف على القرار الذي وقف عليه الإمام: أحب إلينا في المسجد وغيره. قال الشافعي رضي الله عنه: إذا كان المسجد مملوءا, فلم يجد الداخل فيه موضعا: يصلي في رحبة4, بحيث يعقل صلاته أو صلاة من خلفه, ويرى ركوعهم وسجودهم: أجزأه, والاختيار له: أن لا يعقل, وهكذا, إذا صلى أحد على ظهر المسجد بصلاة الغمام وهو يعقل ركوعه وسجوده: أجزأه. وأحب إلى: أن يكون مستويا في الأرض معه. وقد روي: أن جماعة خلف أبي سعيد الخدري وهو واقف على مرتفع من الأرض, وكان حذيفة في القوم, فجذب حذيفة أبا سعيد في الصلاة, فرأه, فانجذب حتى وقف على المكان المستوي, فلما فرغ قال له حذيفة: ألم تعلم أن رسول الله صلى عليه وسلم نهانا عن مثل ذلك؟ فقال أبو سعيد: ألم ترى كيف تابعتك؟ 5.

_ 1- أخرجه البخاري (917) ومسلم (544) من حديث سهل بن سعد دون قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وتمام الحديث عند البخاري ومسلم "صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي". وأما قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي": فقد أخرجه البخاري (631) من حديث مالك بن الحويرث, فادخل المؤلف حديثا في حديث, ولذا لزم التنبيه. 2- قول: "فلو كان الإمام" كرر بالأصل. 3- أخرجه بن أبي شبة (2/66) والبيهقي (3/111) وذكره البخاري تعليقا عند الحديث رقم (377) من طريق صالح مولى التوأمة. وقال الحافظ في " الفتح": وصالح فيه ضعف, لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد. انظر: "التلخيص الحبير" (2/43) . 4- رحبة المسجد: بفتح الخاء: ساحته وجمعها, رحب, "مختار الصحاح" مادة "رحب". 5- ما رواه أبو داود (597) من طريق همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان, فأخذ أبو مسعود بقميصه فجذبه, فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى قد ذكرت حين مددتني. وفيه (598) أن الإمام كان عمار بن ياسر والذي جذبه حذيفة وهو مرفوع لكن فيه مجهول. وأخرج الدارقطني (2/88) عن همام عن أبي مسعود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الغمام فوق شيء وخلفه يعني أسفل منه, قال: لم يروه غير زياد البكاء ولم يروه غيرهما فيما نعلم. ولم أقف على الرواية التي ذكرها المصنف.

الفصل الثامن: في الصحراء إذا اتصلت بالمسجد

الفصل الثامن: في الصحراء إذا اتصلت بالمسجد من وقف في الصحراء مقتديا بالإمام الواقف في المسجد وبينه وبين بناء المسجد ثلاثمائة ذراع: صحت صلاته, وإن لم يكن بينه وبين بناء المسجد صف, لأن هذا القدر من المسافة حد القرب لا حد البعد. وقد ذكرنا ذلك بأصله فيما تقدم. وقال بعض مشايخنا: إنما يعتبر هذه المسافة من آخر الصف من صفوف المسجد ( ... ) 1 الشافعي بخلافه, لأنه قال: وقربه ما يعرفه وأن يتصل بشيء في المسجد, لا حائل دونه, فيصلي منقطعا عن المسجد وبنائه على قدر مائتي ذراع وثلاثمائة ذراع ونحو ذلك, فإذا جاوز ذلك: لم يجزه. فقد اعتبر الشافعي رضي الله عنه المسافة وبناء المسجد كما ترى. وعطاء بن أبي رباح: مذهب موسع في هذه المسألة ونظائرها. ولا يصلي بصلاة الإمام من علمها: وهذا بعيد عن ظاهر الكتاب والسنة ومعنى الإجماع: أما ظاهر الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا (8-أ) إِلَى ذِكْرِ اللَّه} الجمعة: 9. الآية. ولو جوزنا أن يصلي الناس بصلاة الإمام إذا علموها وتحققوها, جاز أن يصلي الناس في أسواقهم, وعلى سطوح منازلهم, وقوارع طرقهم, وإن تباعدوا عن المسجد من غير أن تتصل الصفوف به, ولبطل السعي المأمور به.

_ 1- بالأصل قدر ثلاث كلمات غير مقروءة.

وقد قال صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي استرخصه في التأخر عن الجماعة فقال: أتجد لي رخصة يا رسول الله, فإن الوادي يسيل بيني وبين المسجد أحيانا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتسمع النداء فقال: لا" 1. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو صليتم في بيوتكم لضللتم" 2. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" 3. وهذا4 الحديثان يفيدان وظاهرهما الأمر بالجماعة والاتصال في المسجد. وأما معنى الإجماع: فهو أن المأموم إذا وقف على فرسخ5 أو فرسخين: لم يصح اقتداؤه بالإمام, وإذا وقف على مكان قريب منه, صح اقتداؤه. ولابد, من الرجوع إلى حد واحد يعرف ذلك في العادة اتصالا, فرجعنا إلى ما قدر الشافعي رضي الله عنه أو لو صرنا إلى ما ذكره عطاء لكنا جوزنا الاقتداء حيث لا يعرف في العادة اتصالا, وهو أن يقف في بيت, والباب مغلق, والدار محيطة بالبيت, بعيدة عن المسجد, على ميل أو أكثر, وهو يسمع في البيت صوت المترجم, فيركع ويسجد بصوته, وهذا ليس من الاتصال في شيء.

_ 1- أخرجه الإمام البخاري (425) ومسلم (1/455) من حديث عتبان بن مالك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, قد أنكر بصري وأنا أصلي لقومي, فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم, ووددت يا رسول الله أنك فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سأفعل إن شاء الله". وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أتسمع النداء". فليس من حديث عتبان بن مالك, وإنما أخرجه مسلم (653) من حديث أبي هريرة. 2- أخرجه مسلم (654) من قول ابن مسعود موقوفا عليه: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حين ينادى بهن, فإن لله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى, ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم". 3- أخرجه الداقطني (1/419-420) والبيهقي (3/57) وقال: وهو ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص" (2/32) : مشهور بين الناس وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت, أخرجه الداقطني عن جابر وأبي هريرة, وفي الباب: عن علي وهو ضعيف أيضا. 4- كذا بالأصل: "هذا" والصواب: "هذان". 5- الفرسخ: بفتح فسكون لفظ معرب, جمع فراسخ, مقياس من مقاييس المسافات, مقداره ثلاثة أميال= إثنا عشر ألف ذراع= 5544 مترا "معجم لغة الفقهاء" (ص343) .

ثم اعلم, أنك إذا عرفت حكم الصحراء في جانب من جوانب المسجد: فجميع الجوانب مثله, ولا فرق بين أن يكون على اليمين, أو على اليسار, أو وراء المسجد, وإن وقف على الصحراء صفوف: صحت صلاة الصفوف المتوالية ولو امتدت إلى فرسخ أو أكثر, وإن كان بين بعضها وبعضها انقطاع, اعتبر مسافة ثلاثمائة ذراع, ولو كان الإمام واقفا في الصحراء, والمأموم في المسجد على سطح والإمام خارج على الصحراء المتصلة بالمسجد: فصلاته صحيحة. والفرق بينهما: أن المسجد بني فيه, فاختصت هذه البقعة, فسفله وعلوه واحد في (8-ب) استتباع من وقف خارج المسجد قلنا الصحراء وليست لمنفعة الصلاة على الاختصاص, وإن كانت مشتركة الانتفاع فلا يستتبع المأموم إلا بشرط, وهو: أن يكون على قرار الأرض.

الفصل التاسع: في الطريق إذا اتصلت بالمسجد

الفصل التاسع: في الطريق إذا اتصلت بالمسجد إذا وقف الناس في الطريق المتصلة بفناء1 المسجد, صحت صلاتهم, وإن كانوا منقطعين عن الفناء إذا لم تزد المسافة على ثلاثمائة ذراع أو نحوه, وإنما جوزنا على الطريق, لأنها مشتركة الانتفاع بين الناس كلهم كما أن المسجد مشتركة. والصحيح, أنه إن وقف على الطريق مقابلا لجدار المسجد, فهو كمن وقف على الطريق مقابلا لباب المسجد, ولا يكون المسجد حائلا كما لا تكون الأبنية التي تكون في المسجد حائلة. وقال صاحب التقريب2: من وقف مقابلا لجدار المسجد, فإنما تصح إذا كانت صفة متصلة بالواقفين على مقابلة باب المسجد, حتى لو تقدم واقف على هذا الصف في مقابلة الجدار, وجعل هذا الصف وراءه: لم تصح صلاته. وإنما خرج ذلك: على مسألة ذكرها الشافعي رضي الله عنه في الدار المتصلة بالمسجد, ولا يستقيم هذا التحريم, لأن أمر الوقوف على الطريق أوسع من الوقوف بالأملاك, لأن الطريق مشتركة الانتفاع. فصل الجنازة ( ... ) 3 على الشارع المتصل بالمسجد, فوقف بعض الواقفين في ( ... ) مقتديا بالإمام, فحكم الواقفين هنا في المسجد كحكم الواقفين في الدار المتصلة بالشارع, حتى لا تصح صلاة من وقف ( ... ) 4 من المسجد إلا بشرط

_ 1- الفناء: ما امتد من جوانب الدار, وفناء المسجد: الساحة أمامه. انظر: "معجم الفقهاء" (ص:350) . 2- هو الإمام القاسم بن محمد بن علي الشاشي. انظر: "الطبقات الكبرى" للسبكي (3/472) . 3- في الأصل طمس قدر كلمة أو كلمتين. 4- في الأصل كلمة مطموسة.

اتصال الصفوف, وهو: أن من وقف في الدار لوقوف الإمام (9-أ) في الشارع, فليس من شرطه اتصال الصفوف به. ولو وقف على سطح سقاية في الشارع, أو على جدار يلي الشارع: لم يصح اقتداؤه بالإمام الواقف على الشارع والإمام الواقف في المسجد, لأنه بوقوفه على السطح ينقطع عن الإمام والقوم. اللهم, إلا أن يكون الجدار الذي وقف عليه لاطيا1 غير مرتفع بحيث يقف الرجل عليه فيحاذى ركبتاه رأس الواقف على الشارع ولا يصير منقطعا بهذا الاعتبار. فصل إذا كان الطريق على يمين المسجد أو يساره, فإن كان بجدار المسجد فوقف على الطريق صف متصل بذلك الباب: صحت صلاتهم, بلا خلاف بين أصحابنا. وكذلك, صلاة من خلفهم من الصفوف, وإن كانت منقطعة عن هذا الصف إذا كانت واقفة على الطريق أو على الصحن التي هي في الحكم في الطريق. وأما من تقدم على هذا الصف ففي صلاته وجهان: أحدهما: ما حكينا من مذهب صاحب التقريب, أ. صلاته باطلة. والصحيح: أنها صحيحة, هذا إذا كان على جانب المسجد باب اتصلت به الطريق2. فإذا لم يكن باب وكان الجدار بين3 الواقفين وبين المسجد غير أنهم يعلمون أن صلاة الإمام بما يسمعون من صلاة المترجم أو بمن يشاهدونه على سطح المسجد: فصلاتهم على هذين الوجهين باطلة. وأصحهما: أنها صحيحة, وأن بناء المسجد غير حاجز, بخلاف أبنية الأملاك في المدارس.

_ 1- لطأت بالأرض ولطأت, أي لزقت انظر: "لسان العرب" مادة: "لطا". 2- يوجد ضرب على العبارة التالية: "أو على الصحراء التي هي في الحكم في الطريق وأما من تقدم على هذا الصف ففي صلاته". 3- تكرر لفظة "بين".

الفصل العاشر: في الأملاك المتصلة بالمساجد

الفصل العاشر: في الأملاك المتصلة بالمساجد ... الفصل (9-ب) العاشر: في الأملاك المتصلة بالمساجد اعلم, أن الدار إذا اتصلت بالمسجد وبابها غير شارع في المسجد: فلا تصح صلاة الواقف فيها بصلاة من في المسجد, سواء كانت على جانب من المسجد أو خلف المسجد. فأما إن كان باب الدار لاصقا في المسجد: ينظر, فإن كانت الدار على جانب المسجد, والباب مفتوح وصف من الصفوف الواقفة في المسجد ممتد مستطيل متصل بمن في الدار اتصال المناكب في العرف والعادة. قال الشافعي رضي الله عنه: من وقف في هذا الصف وصلى بمن في صحن الدار: فصلاته صحيحة. ومن وقف أمام هذا الصف: فصلاته باطلة. ومن وقف خلف هذا الصف ( ... ) 1 صلاته إذا كان واقفا على الصحن على حد الاتصال. ومن وقف خلف الصفوف المتصلة: لم تصح صلاته. -ونحكي هذه بألفاظ الشافعي فإن أكثر فروع الأملاك تتشعب من هذه المسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: فإن كان في دار قرب المسجد أو أبعد منه: لم يجز أن يصلي فيها, لا بأن تتصل الصفوف وهو في أسفل الدار لا حائل بينه وبين الصفوف, فلا يجوز أن يصلي في علو الدار بصلاة الإمام ولو اتصلت الصفوف وكان يراها, وسواء كان بينه وبين الإمام طريق أو لم يكن. فإن كان في قارعة دار, فتتصل الصفوف ببعضهم, يكون بعضهم خلف الذين اتصلت بهم الصفوف, ويكون خلفهم وحده في مقامهم: فيجوز لأن يصلي بصلاة

_ 1- بياض في الأصل قدر كلمة أو كلمتين.

الإمام, لأنه لهم ولو كان هو في موضع من الدار متقدم لا تتصل به الصفوف ولا يرى من ( ... ) 1 بمقامه (10-أ) أو أبعد إلى الإمام منه من يتصل به الصف لم يجز أن يصلي بصلاته, ولو اتصل بمن خلفه جاز لمن خلفه الصلاة, ولو كان هذا خلف صفوف متصل في الدار وكان في بيت من الدار في غير موقف الصفوف المتصلة لم يكن له أن يصلي حتى تصف الصفوف في البيت. هذا كله, لفظ الشافعي رضي الله عنه في "المتوسط". وفيه مسائل جمة لمن تأملها, وظاهرها: كالدليل على أن الصفوف الواقعة في صحن الدار الواسعة شرطها الاتصال حتى لا يكون بين الصفين إلا قدر ما بين الصفين في العرف والعادة, وفي ذلك ضرر وشقة. وقد ذهب بعض مشايخنا إلى ما حكينا من قبل, أن المسافة بين الصفين في الصحن الواسع إذا لم يزد على ثلاثمائة ذراع: صح الاقتداء. فصل من وقف في بيت من بيوت الدار التي دخلها صف المسجد: فإذا كان البيت على يمين ذلك الصف, أو يساره فدخل ذلك الصف في البيت متصلا به: صحت صلاة من في البيت في ذلك الصف وخلف ذلك الصف. فأما إذا كانت البيت خلف الصف وراء الناس, فوقف صف في البيت, وصف في الصحن على باب البيت, وبينهما قدر ذراعين أو ثلاثة: فمن أصحابنا من قال: صحت صلاة من في البيت, لاتصال صفهم بالصف الذي في الصحن. ومنهم من قال: صلاتهم باطلة, لأن مواقفهم مباينة لمواقف من في الصحن. وهذا نص الشافعي رضي الله عنه في المسألة التي ذكرناها, وظاهر نصه, يدل على أن الصفوف وإن كانت متصلة بباب هذا الباب, فصلاة من في البيت باطلة. وهذه المسألة, تبين أن تشديد الشافعي رضي الله عنه في الأبنية المختلفة في الأملاك

_ 1- في الأصل طمس قدر كلمتين.

والخانات المملوكة والموقوفة (10-ب) والمدارس الموقوفة أو المملوكة. ومن هذه المسألة المنصوصة, خرج صاحب التقريب وغيره ما ذكرناه في جدار المسجد, ومن وقف على الطريق مقابل الجدار تصح صلاة الصف المتصل بالباب, وأبطل صلاة من تقدم على ذلك الصف, والصحيح, الفرق بين الطريق وبين الدار, وهذا كله: في الدار إذا كانت على جانب من جانبي المسجد. فأما إذا كانت الدار وراء, وكان بابها لاصقا في المسجد, فوقف في آخر صف وفي الدار صف وهما متصلان اتصال التوالي, ففي صلاة الواقفين في الدار وجهان: أحدهما: باطلة لاختلاف المكانين, وهذا ضعيف الاتصالين. والوجه الثاني: صلاتهم صحيحة لوجود الاتصال, ونص الشافعي رضي الله عنه يدل على الوجه الأول, ألا ترى في الدار التي على جانب المسجد أبطل صلاة من وقف في البيت خلف الصفوف المتصلة في الصحن. فصل من صلى على سطح دار بصلاة الإمام وراء سطح المسجد فصلاته باطلة بكل حال, لأنه مباين للمسجد, فأما إذا كان على سطح المسجد صف واحد, مستند إلى صف الدار: صحت صلاة الواقفين على سطح الدار في هذا الوصف, ولا يصح للمتقدمين على هذا الصف كما ذكرنا في سطح الدار. فأما إذا كان على سطح الدار وراء سطح المسجد, فوقف صف على آخر سطح المسجد, وصف على سطح الدار, وبينهما ما يكون بين الصفين في العادة, فعلى وجهين –كما ذكرنا في البيت والدار وهما خلف المسجد فوقف الواقف خلف ( ... ) 1 على أرض الدار.

_ 1- في الأصل بياض قدر كلمتين.

الفصل الحادي عشر: في السطح مع الأرض

الفصل الحادي عشر: في السطح مع الأرض اعلم أن الإمام والمأموم إذا كان أحدهما (11-أ) على السطح والآخر على الأرض: لا يصح الاقتداء, إلا مسألتين: أحدهما: أن يكون في مسجد واحد, أو في مسجدين حكمهما حكم المسجد الواحد, كمسجد الجامع بنيسابور. والثانية: أن يكون المأموم على سطح منخفض من سطوح الأملاك والإمام والقوم على قرار الأرض, رؤس الواقفين على القرار لا تجاوز ركبة الواقف على السطح المنخفط1: فتجوز الصلاة, فتكون منزلة هذا السطح منزلة السرير.

_ 1- كذا بالأصل: "منخفط" والصواب: "منخفض".

الفصل الثاني عشر: في موقف الإمام والمأموم حول الكعبة

الفصل الثاني عشر: في موقف الإمام والمأموم حول الكعبة لو وقف الإمام في موقفه المعلوم, وهو مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام, فلا يجوز لمن وقف في هذا الجانب أن يتقدم على موقف الإمام. فأما الواقفون في سائر الجوانب: فينبغي أن يجتهدوا في التحري حتى تكون المسافة بينهم وبين الكعبة مثل مسافة التي بين الإمام وبين الكعبة وأكثر منها. فإن كانوا أقرب إلى القبلة من الإمام أجزأتهم الصلاة. فأما من وقف في الجهة التي فيها الإمام, وهو أقرب إلى القبلة من الإمام: فلا تصح صلاته, إلا على قولين, نص عليه في القديم. وذلك القول: مهجور في النقل والفتوى فقد قال الشافعي رضي الله عنه: في الجمعة ولو وقف بعض المأمومين أمام الإمام فأتم به: أجزأت. ومن صلى إلى جنبه أو خلف صلاتهم, فلم تجز من وقف أمام الإمام صلاته, سواء قرب أو بعد من الإمام. ولو صلى خلف الإمام صف في غير مكة فتعرج الصف حتى يصير بعضهم أقرب إلى القبلة من الإمام: لم تجز صلاة الذين هم أقرب إليها من الإمام. ومن شك: هل هو أقرب إلى القبلة من الإمام أم لا: أحببت أن يعيد, ولا بين أن يعيد حتى يتبين (11-ب) بأنه كان أقرب إلى القبلة من الإمام. ولو أن إمام مكة وهم يصلون بها صفوفا مستديرة فيستقبل كلهم ظهر الكعبة من جهته: كان عليهم أن يضعوا ما يضعون في الآفاق, واجتهدوا حتى يتأخروا من كل جهة عن البيت تأخرا يكون فيه الإمام أقرب إلى البيت. وهذه المسألة التي ذكرناها في حكم مكة –حرسها الله تعالى- للبيت من المسائل الواقعات التي هي مسائل الأماكن ولكنها قريبة منها فألحقناها بها. والله أعلم بالصواب, وإليه المرجع والمآب. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم, تم.

§1/1