موقف أصحاب الأهواء والفرق من السنة النبوية ورواتها جذورهم ووسائلهم وأهدافهم قديما وحديثا

محمد بن مطر الزهراني

جذور وأصول المبتدعة وتطورها التاريخي

"جذور وأصول المبتدعة وتطورها التاريخي " وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه- "أن أهل الكتابين- اليهود والنصارى- افترقوا على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين ملة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟، قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي ... ". 1 أو كما قال صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية- رحمه الله-: (وأما تعيين الفرق الهالكة، فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط ثم عبد الله بن المبارك- وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين- قالا: أصول البدع أربعة: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن المبارك: والجهمية؟، فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقول- ابن المبارك-: إنّا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية) . قال ابن تيمية- رحمه الله-: (وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، قالوا: الجهمية كفار، فلا يدخلون في الاثنتين وسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون

_ 1 رواه الترمذي في كتاب الإيمان باب إفتراق هذه الأمة، وابن ماجة في الفتن باب إفتراق الأمم، ورواه الدارمي في السير باب إفتراق هذه الأمة.

الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة) .أ. هـ1. وهذه الطوائف الخمس هي أصول المبتدعة والطوائف والفرق المنحرفة في تاريخ أمتنا الإسلامية إذ عنها تفرع كل شر وكل انحراف عن دين الإسلام. والمتأمل لتاريخ تلك الطوائف والفرق الضالة التي نشأت بين المسلمين يجد أن طائفة من رؤسائها ينتمون إلى تلك الطوائف والأديان التي كانت قبل الإسلام مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية، والصابئة وغيرها من الأديان والفلسفات التي سحقها الإسلام وحرر منها العباد. وهذه أمثلة على ذلك: ا- عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني، وأمره متواتر ومشهور في التاريخ، وهو أس ورأس الفتن التي حدثت في صدر الإسلام وما بعد ذلك2. 2- بشر بن غيَّاث المريسي، كان يهودياً ثم صار بعد إظهاره الإسلام رأساً في الزندقة3. 3- عبد الله بن المقفَّع، كان مجوسياً وكتبه شاهدة على مجوسيته، اتهم بالزندقة فقتله والي البصرة سفيان بن معاوية المهلبي4.

_ 1 مجموع الفتاوى: 3/ 350. 2 انظر كتاب: عبد الله بن سبأ وأثره في الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان الحمد العودة. 3 راجع ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب: 7/ 56، وما بعدها، خلق أفعال العباد اللبخاري:21. 4 انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء: 6/208.

4- إبراهيم بن سيار النَّظَّام، كان برهمياً، ذكر الذهبي عن بعض السلف أنه قال: كان النظام يخفي برهميته بالاعتزال ليفسد دين الإسلام1. 5- سوسن النصراني، الذي أخذ عنه معبد الجهني القدري مقالته - في القدر، وقد تظاهر سوسن بالإسلام ثم عاد إلى نصرانيته2. 6- الجهم بن صفوان، رأس كل الضلالات وأُسُّ كل البليات، وحسبنا أن نعلم أن هذا الرجل الذي كان من شواذ المبتدعة في مطلع القرن الثاني الهجري قد ترك من الأثر في الفرق الإسلامية الثنتين وسبعين مالا يعادله أثر أحد غيره، حتى أن الشيعة والخوارج والقدرية كلها قد تأثرت به في قليل أو كثير ولاسيما في صفات الله تعالى. أما المنتسبون للسنة وأهمهم الأشعرية والماتريدية، فهم على أصوله في كثير من أصول الاعتقاد، ولو لم يكن إلا متابعتهم له في الإيمان. هذا مع أنه ليس بإمام يحتج بقوله، ولا عالم يعتد بخلافه ولا شهد له أحد بخير، بل شهد عليه بعض من عاصره بالجهل البالغ في أحكام الشريعة حتى الجليُّ منها وذكروا أنه لم يحج البيت، ولم

_ 1 انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء: 10/542. 2 انظر ترجمة معبد الجهني في تهذيب الكمال للمزي وتهذيب التهذيب لابن حجر وميزان الاعتدال للذهبي.

يجالس العلماء قط، وإنما جالس جهم أصحاب الأهواء وعلى" رأسهم شيخه الجعد بن درهم الذي قتله الوالي الأموي خالد بن عبد الله القسري من أجل زندقته وقوله: (لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً) .... وجالس جهم أيضاً بعض الملاحدة من المنتسبين إلى فلسفات الأمم الجاهلية الموتورة، ولما أراد الله فتنته اتصل بطائفة من الزنادقة الهنود يقال لهم السمنيِّة ودخل معهم في جدال بغير علم ولا بصيرة من عقل وأدى به نقاشه معهم إلى ترك الصلاة مدة ثم خرج بنظريته للإله بأنه هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء1. أما تاريخ ظهور هذه الفرق وتطورها تاريخياً وعقدياً، فيلخص ذلك شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله، فيقول2: ( ... أولها ظهوراً الخوارج، فان التكلم ببدعتهم ظهر في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يجتمعوا وتصير لهم قوة إلا في خلافة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.... ثم قال: وفي الصحيحين عن أبي سعيد3 رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الفيء جاء عبد الله ذو

_ 1 انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد: 101-105، خلق أفعال العباد للبخاري: 12-13، 16-17، 26، وفتح الباري: 13/ 345. 2 مجموع الفتاوى: 28/ 489- 501. 3 في البخاري كتاب المناقب، باب علامات النبوة: (ح: 3610) بترقيم عبد الباقي، وفي مسلم كتاب الزكاة، (ح: 147، 148) .

الخويصرة التميمي- في رواية أتاه ذو الخويصرة رجل من تميم- فقال: أعدل يا رسول الله، فقال: "ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟، قد خبت وخسرت إن اأعدل ". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لي فأضرب عنقه، قال: "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..... " الحديث. وفي مسلم1 عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال- عن الحرورية لما خرجوا عليه وقالوا: لا حكم إلا لله-: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناساً إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم- وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله اليه، منهم رجل أسود احدى يديه طبي2 شاة أوحلمة ثدي. فلما قتلهم علي رضي الله عنه، قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئاً، قال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كُذيِتُ- مرتين أو ثلاث-، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه.... " الحديث. وهذه العلامة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي علامة أول من يخرج منهم وليسوا مخصوصين بأولئك القوم، فإنه قد أخبر في غير هذا

_ 1 كتاب الزكاة من صحيحه، (ح: 156، 157) . 2 هو ثدي الشاة والأصل إطلاقه على ثدي السباع (النووي في شرح مسلم) .

الحديث، أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمان الدجال، وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر. وهؤلاء أصل ضلالهم إعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون، وهذا هو ما أخذ الخارجين عن السنة من الروافض ونحوهم. ثم قال الشيخ رحمه الله: ثم ظهر في زمن علي رضي الله عنه التكلم بالرفض، ولكن لم يجتمعوا ويصير لهم قوة إلا بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، بل لم يظهر اسم الرفض ويعلن إلا حين خروج زيد بن علي بن الحسين بعد المائة الأولى، وذلك أنه لما أظهر الترحم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رفضه الرافضة، فسموا رافضة، واعتقدوا أن أبا جعفر- محمد بن علي الباقر- هو الإمام المعصوم، واتبعه- زيد- آخرون فسموا (زيدية) نسبة إليه. ثم في أواخر عصر الصحابة نبغ التكلم ببدعة القدر والإرجاء، فردَّها من كان حيا من الصحابة حينئذ، كابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وواثلة بن الأسقع وغيرهم. ولم يصر لهم سلطان واجتماع حتى كثرت المعتزلة والمرجئة بعد ذلك. ثم في أواخر عصر التابعين ظهر القول ببدعة الجهمية نفاة الصفات، ولم يكن لهم اجتماع وسلطان إلا بعد المائة الثانية في إمارة أبي العباس الملقب بالمأمون، فإنه أظهر التجهُّم وامتحن الناس

عليه وعرَّب كتب الأعاجم من الروم واليونانيين وغيرهم،..... وفي زمنه ظهرت (الخرمية) 1 وهم زنادقة منافقون يظهرون الإسلام ويبطنون خلافه، وأصل مذهبهم المزدكية الإباحية التي ظهرت قبل الإسلام، وتفرع الخرمية بعد ذلك إلى القرامطة والباطنية والإسماعيلية وأكثر هؤلاء ينتحلون الرفض في الظاهر، وصارت الرافضة الإمامية في زمن بني بويه بعد المائة الثالثة فيهم عامة، هذه الأهواء المضلة.. فيهم الخروج والرفض والقدر والتجهُّم. أ. هـ. 2

_ 1 نسبة إلى بابك الخرمي، وكان يقول لمن استغواه، أنه إله. انظر: الفهرست لابن النديم: 406-407. وكما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية أصل مذهبهم المزدكية الإباحية التي ظهرت قبل الإسلام. والتي هي أصل الشيوعية الماركسية اليوم مع بعض التطوير اليسير الذي أحدثه كارل ماركس وفريدريك إنجلز في الشيوعية الحديثة. وكذلك أشار شيخ الإسلام أيضاً إلى تفرع الإسماعيلية والقرامطة من الخرمية المزدكية، وقد عبر أحد الشيوعيين العرب عندما تسلم السلطة في بلاده- التي نكبت به وبرفاقه- عن ارتباط الشيوعيتين القديمة والحديثة فقال: نحن نسير على خطى القرامطة الثوريين الأحرار، ولم يكتفي بهذا التصريح، بل جعل تاريخ وعقائد القرامطة مادة تدرس في بلاده في المراحل ما قبل الجامعية جنباً إلى جنب مع دراسة تاريخ وعقائد الشيوعية الماركسية، وما ذلك إلا لاتحاد الجذور والأهداف، ومن يطالع كتب الطائفتين يجد ذلك واضحاً. انظر مثلاً كتاب "بيان عقائد الباطنية وبطلانها" لمحمد بن حسن الديلمي، ت: 707 هـ، وقارنه مثلاً بكتاب "الاشتراكية العلمية لكارل ماركس". 2 ملخص بتصرف من مجموع الفتاوى: 28/ 489-501.

هذه نبذة مختصرة عن نشأت وتطور أصول الفرق المنحرفة المتلبسة بالإسلام، وقد اكتفيت بذكر تطورها تاريخياً وعقدياً خلال الثلاثة قرون الأولى لأمرين: الأول: أن ما بعد ذلك امتداد لذلك التطور في تلك الفترة، إذ أن تلك الفترة هي فترة التأسيس والتقعيد لتلك الفرق وغيرها. والثاني: أن المراد من هذه الدراسة الموجزة الوقوف على جذورها التاريخية وأصولها الإعتقادية، وهذا يكفي فيه معرفة نشأتها وتطورها في تلك القرون الثلاثة. ومن أراد مزيداً من التفصيل فليرجع إلى الكتب التالية: 1- الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبي محمد بن حزم. 2- الملل والنحل للشهرستاني. 3- الفرق بين الفرق للقاضي عبد القاهر البغدادي. 4- منهاج السنة النبوية ومجموع الفتاوى للحافظ شيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك من كتبه وكتب غيره.

موقف الطوائف والفرق من السنة النبوية ورواتها

" موقف الطوائف والفرق من السنة النبوية ورواتها " وإذا تأملنا المنهج الذي نهجته تلك الطوائف والفرق في خط سيرها التاريخي والاعتقادي، تأملنا موقفها من السنة النبوية وحملتها من أهل السنة والجماعة، الذين كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إذا تأملنا كل ذلك أدركنا مدى الربط بين تلك الفرق الضالة- التي تسترت بالإسلام لإفساده- وبين أصولها التي نشأت منها وقد سبق القول أن أصولها راجع إما إلى اليهود والنصارى، وإما إلى المجوس والصابئة الفلاسفة أو غيرها من أعداء الإسلام الذين أضرمت نار الحقد قلوبهم على هذا الدين الذي نسخ تلك الأديان وبين بطلانها نقلاً وعقلاً. وعندما لم يجد هؤلاء الأعداء حيلة للقضاء على هذا الدين الخاتم، لجأوا إلى الحيلة والدس على الإسلام وأهله، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا ضعاف الإيمان وغوغاء الناس وجهلتهم إلى ما أحدثوا لهم من آراء وعقائد منحرفة. ولما كان هذا الدين هو الكتاب والسنة، والكتاب لم يمكنهم تحريفه، وكانت السنة هي المبينة للكتاب ولا يمكن فهمه والعمل به إلا بالسنة الموضحة والمبينة له كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية. عند ذلك لجأ هؤلاء الأعداء إلى الطعن في السنة النبوية ونقلتها وذلك من خلال ما أحدثوه من مقولات وقذفوا بها إلى من اغتر بظاهر إسلامهم وما زينوه من الأهواء والآراء المنحرفة، ويمكن تلخيص تلك المقولات فيما يلي:

1- رد السنة مطلقاً كما هو رأى الجهمية والرافضة والباطنية وأتباع النَّظَّام وأبي الهذيل العلاّف، من المعتزلة وغيرهم. 2- رد غير المتواتر من السنة كما هو رأى جمهور المعتزلة ووافقهم متكلموا الأشاعرة في رده في العقائد وقبوله في الأحكام وهذا تناقض صريح. وحجة هذين القولين: أن السنة لم تدون في حياته صلى الله عليه وسلم كما دوِّن القرآن، مما يدل على أنها ليست بحجَّة، أو أن كثيراً منها يخالف عقولهم، وأنه دخلها ما ليس منها لأن الرواة لا يأمن عليهم الكذب والغلط والخطأ والنسيان. ومن زعم منهم قبوله للمتواتر فقط أو قبول غيره في الأحكام دون العقائد مجمعون على ردَّ ما خالف عقولهم من السنة أو تأويله على وفق أهوائهم. وما أدري أيُّ عقل يحاكمون السنة إليه-، فعقولهم القاصرة المتناقضة مختلفة وغير متفقة، وإذا اتفق اثنان خالفهم الثالث، وإذا اتفق ثلاثة خالفهم الباقون. 3- الطعن في رواة السنة عموماً كما هو رأى الروافض الذين لا يستثنون من الصحابة إلى نفراً يسيراً، أو في بعضهم كمن اشترك في الفتنة كما هو معروف عن الخوارج والمعتزلة ومن نحى نحوهم. والحق أن مراد أكثر مؤسسي هذه المذاهب ردُّ دين الإسلام فلم يجدوا حيلة إلا ردَّ السنة بعقولهم أو الطعن في رواتها بأهوائهم. إذ بالطعن في رواة السنة تردُّ السنة وبردُّ السنة بالعقل والطعن في نقلتها يردُّ الكتاب الذي لا يمكن فهمه والعمل به إلا بالسنة، وبذلك يحصل مقصود أعداء الإسلام من ردِّ دين الإسلام أو إفساده وتحريفه،

وهذا ما نفَّذه فعلاً كثير من تلك الطوائف المنحرفة كالرافضة والباطنية والجهمية والمعتزلة وغيرهم. قال الإمام أبو زرعة- فيما رواه عنه الحافظ أبو بكر الخطيب بسنده-: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبلطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة) 1. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عن الإمام مالك إمام دار الهجرة قوله رضي الله عنه: (إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين) 2. والناظر بعين البصيرة فيما أثير من شبه وشكوك حول السنة النبوية ورواتها، قديماً وحديثاً لا يكاد يجد شيئاً من تلك الشبه والشكوك يخرج عن هذين الأمرين- أعني- رد السنة بالعقل والطعن في رواتها بالهوى. ومن أمعن النظر في تاريخ الصراع بين الإسلام وأعدائه لا يجد فيما ذكره الأعداء المعاصرون- خلال القرنين الماضيين- شيئاً جديداً من الشبه والشكوك التي لم يكن لها أصل عند تلك الطوائف المنحرفة

_ 1 الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، ص: 97. 2 ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص: 585.

التي نشأت في تاريخ أمتنا الإسلامية برعاية وعناية أسلاف هؤلاء الأعداء المعاصرين من يهود ونصارى ومجوس وصابئة وفلاسفة. وإنما يجد أن هؤلاء الأعداء المعاصرين يؤكدون على تلك الشبه والشكوك وقد يصوغونها بأساليب جديدة ويلبسونها أثواباً عصرية لكي تروج علينا مرة أخرى. ومما يؤكد ذلك أننا نلحظ عناية المبشرين والمستشرقين- يهود ونصارى- بإحياء تراث تلك الطوائف الضالة المنتسبة إلى الإسلام، فطبعوا ونشروا الكثير من كتب المعتزلة والجهمية والصوفية والمتكلمين والباطنيين من رافضة وقرامطة ونصيرية ودروز وغيرهم1. ومن أراد التأكد من أن الشبه والشكوك التي يثيرها أعداء الإسلام اليوم هي نفس الشبه والشكوك التي أثارها أسلافهم فليراجع المصادر التالية: أولاً: مصادر قديمة، منها: ا- الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد والدارمي. 2- خلق أفعال العباد للإمام البخاري صاحب الجامع الصحيح. 3- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.

_ 1 سيأتي مزيد من التفصيل عن دور المبشرين والمستشرقين في إحياء هذه الطوائف وغيرها من الطوائف غير الإسلامية الموجودة في ديار الإسلام والمسلمين ودورهم في إحياء الطوائف والقوميات العرقية المندثرة، وإستغلال جميع ذلك في حرب الإسلام وأهله من خلال الطعن في السنة النبوية ورواتها.

4- منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من كتبه ... 5- العواصم والقواصم لمحمد بن إبراهيم الوزير اليماني المتوفى سنة 840 هـ. 6- الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، للمؤلف. نفسه. وغيرها.. ثانياً: مصادر حديثة، وهي على أنواع: أ- الردود عليهم ومنها: 1- كتاب السنة ومكانتها في الإسلام للدكتور مصطفى السباعي. 2- الإستشراق والمستشرقون له أيضاً. 3- دراسات في الحديث النبوي للدكتور محمد مصطفى الأعظمي. 4- منهج النقد عند المحدثين له أيضاً. ب- كتب صنائعهم وأذنابهم من أبناء جلدتنا، مثل كتب طه حسين وأحمد أمين وأبي ريَّة وغيرهم. ج- كتب المستشرقين أنفسهم، مثل كتب جلدتسيهر ومرغليوث وشاخت وربسون وكايتاني وغيرهم.

أمثلة من كيد الأعداء قديما وحديثا

"أمثلة من كيد الأعداء. قديماً وحديثاً" لكي تتضح الصورة أكثر للمخطط الإفسادي اليهودي النصبراني المجوسي أورد مثالين من دسائس أعداء هذا الدين لنرى مدى الترابط الوثيق بين أعداء هذا الدين بالأمس وأعدائه اليوم، وأن جذورهم واحدة كما أن أهدافهم ووسائلهم واحدة أيضاً، وإن عرضت بأشكال وألوان مختلفة، وأن اختلاف تلك الوسائل إنما هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد. وهذان المثالان هما: الأول: فتنة ابن سبأ في صدر الإسلام. الثاني: التخطيط الصهيوني الصليبي الحديث. أما الأول فمهندسه عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني، ويعرف بابن السوداء، لأن أمه كانت حبشية سوداء، وقد استفاد ابن سبأ من التقاء المخططين المجوسي والصليبي من قبل الذي نتج عنه مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتاريخ اليهود الأسود المشبوه معروف في حرب الله ورسله، وهم الذين قتلوا يحيي وزكريا وغيرهما وحاولوا صلب المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام. ولما لم يفلحوا في إيقاف زحف دعوة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام رغم مقاومتهم لها، عند ذلك لجأوا إلى الكيد والدس حيث أمروا شاؤول اليهودي- الذي تسمى فيما بعد ببولس الأول- أن

يتظاهر بالدخول في دين المسيح ثم يبدأ يفسر ويحرف ما جاء به عيسى، وقد تم لهم ما أرادوا، حيث قام شاؤول بدوره خير قيام، فأفسد في النصرانية بما عجز عنه اليهود كلهم في مقاومتها بالقوة. وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة قاومه اليهود بالكيد والدس، فأخذوا يلقون الشكوك والشبهات حول رسالته صلى الله عليه وسلم في المدينة وبين القبائل العربية خارج المدينة، ثم دخلوا معه في القتال بالسلاح- بعد نقضهم العهد الذي بينه وبينهم- كما حصل في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، ثم أخيراً معركة خيبر، وفي تلك المعارك كلها كان النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وكانت الهزيمة حليفهم. وعندما لم يفلحوا في التشكيك في هذا الدين الذي نسخ ما قبله من الأديان بما في ذلك اليهودية، وعندما رأوا تلك الفتوحات العظيمة وذلك التوسع الهائل في انتشار دين الإسلام وإقبال الناس عليه. عند ذلك تداعى شياطين اليهود مرة أخرى في صنعاء اليمن فخططوا ودبروا أمرهم واستلهموا من تاريخهم الأسود في حرب الله ورسله تلك الفعلة التي قام بها شاؤول اليهود مع دعوة المسيح بن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام، فرشَّح المجتمعون لهذه المهمة مع رسالة خاتم الأنبياء شاؤول الجديد عبد اللة بن سبأ1،

_ 1 نص شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية على تشبيه أثر ابن سبأ في الإسلام بأثر شاؤول اليهودي- بولس الأول- في النصرانية، فكما أظهر بولس النصرانية مع إبطانه يهوديته كذلك ابن سبأ أظهر الإسلام مع بقائه على يهوديته في السر. مجموع الفتاوى: 28 /483.

فتظاهر بالإسلام، وذلك في أول خلافة عثمان رضي الله عنه وقيل في آخر خلافة عمر رضي الله عنه، وأخذ ينتقل بين الأمصار الإسلامية لبث سمومه وأفكاره المنحرفة. وقد ساق الإمام ابن جرير الطبري قصة فتنة ابن سبأ في تاريخه من عدة طرق وهي طويلة أقتطف منها ما يهمنا فيما نحن بصدده، وهو معرفة جذور أعدائنا ووسائلهم وأهدافهم مع الربط بين القديم منها والحديث. .... قال- بعد ذكر الأسانيد- كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، فأسلم زمن عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه، حتى أتى مصر فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول؟ لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فَقُبِل ذلك عنه، فوضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد، ثم قال: فمحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناول أمر الأمة ... ، ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانهضوا في هذا الأمر فحركوه،

ابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر1 تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر فبث دعاته وكاتب من كان قد استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يضعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويسِّرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة، فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا: إنا في عافية مما فيه الناس.... الخ2 القصة ... ولم يقف ابن سبأ عند هذا الحد، بل صعد الفتنة ضد خليفة المسلمين عثمان حتى تمكن من جمع أتباعه من العراق ومصر فحاصر بهم المدينة، ودخلوا على عثمان خليفة المسلمين، فقتلوه رضي الله

_ 1 هكذا تستر هذا اليهودي وأتباعه بقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد سلك هذا المبدأ من بعده كثير من أصحاب الأهواء كالخوارج والمعتزلة العقلانيين والروافض، والباطنيين جميعاً. وكذلك اليوم نشاهد بقايا فلول المعتزلة العقلانيين المعاصرين يلبسون العلمانية ثوباً إسلامياً تحت شعار تقديم الإسلام للغرب بلغة العصر ليرافق روح العصر فيقبله الغربيون، فصدق فيهم قول الشاعر: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع 2 تاريخ الطبري: 4/ 340.

عنه وأرضاه وهو صائم يتلو كتاب الله، وذلك في شهر ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين للهجرة. وهنا نقف وقفة لنرى أن هذا الهدف الذي كان قد حدده ابن سبأ لأتباعه إنما هو هدف مرحلي، وأن هدفه الأعظم لم يتحقق بعد، لكنه قطع شوطاً كبيراً للوصول إلى هدفه ذلك، ومن هنا بدأ ابن سبأ يخطط لإكمال مهمته الشاؤولية الإبليسية، فهو لم يكن هدفه كما كان يظهر للناس أن يتولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة إنفاذاً للوصية كما زعم، وإنما كان يعمل لإفساد هذا الدين وتحريفه، ولمّا يكتمل له ذلك. ولذلك نجده يستغل أول فرصة سانحة عند خروج عائشة رضي الله عنها ومعها جمع من المسلمين وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان من القتلة، الذين كان أكثرهم من أهل العراق نجد أن ابن سبأ وأتباعه يستغلون هذه المناسبة لإشعال نار الفتنة مرة أخرى، وذلك لما علم باتفاق الفريقين على الصلح، وعرف أن الاتفاق سيكون على رأسه هو وأتباعه، لمّا علم بذلك دبَّر مكيدته مع أتباعه، حيث أرسل مجموعتين من أتباعه تخرج تحت جنح الظلام فتضرب إحداهما معسكر طلحة والزبير ومن معهما، والأخرى تضرب معسكر علي رضي الله عنه ومن معه، وهنا ظن كل فريق أن الآخر غدر به فنشبت الحرب بين الفريقين ووقعت موقعة الجمل ولله فيما قدر وقضى حكمة بالغة.

ولم يزل أمر السبئية يتطور ويستفحل حتى قالوا بألوهية علي رضي الله عنه، ثم تقعَّد مذهبهم وتأسس على تلك المبادئ التي أسسها ابن سبأ، والمتفحص فيها يجد أنها دين آخر اختلقه ابن سبأ وألصقه بآل البيت ظلماً وزوراً. وحتى يقبل ما جاء به من الضلال، أسس في مذهبه وأتباعه الطعن على الصحابة رضي الله عنهم بالردة والكفر وكتم الوصية وتسعة أعشار القرآن إلى آخر ما أحدثوه في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم صفوة خلق الله بعد الأنبياء والرسل. ولا زالت الأمة الإسلامية تعاني من آثار تلك الفتنة السبئية إلى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله سبحانه لأن الحركات الباطنية والرافضية كلها من نتاج تلك السبئية البغيضة ولا زالت معاول هدمها عاملة في الأمة الإسلامية، نسأل الله أن يريح الأمة من شرهم وفتنتهم، ونخلص في هذا المثال الذي ضربناه مثلاً لتلك الفرق والطوائف الضالة قديماً بما يلي: ا- الجذور يهودية.. 2- التخطيط سري ومنظم ومبرمج في مراحل.... 3- الوسائل إلقاء الشكوك وإثارة الشبهات وتحريف الكلم عن مواضعه. 4 - الهدف: إفساد دين الإسلام وتحريفه. المثال الثاني: التخطيط الصهيوني الصليبي الحديث: بعد أن رأينا ذلك المثال القديم وعرفنا من خلال دراسته الموجزة

جداً ذلك التخطيط الرهيب من قبل أعداء هذا الدين الذين ركزوا خططهم فيما أثاروه من شكوك وشبهات حول السنة النبوية المطهرة ورواتها الذين هم واسطة الأمة إلى نبيها في تبليغ رسالته إليهم، وذلك لينفذوا من خلال ذلك إلى رد دين الإسلام أو إفساده وتحريفه، ولكن الله عز وجل تكفل بحفظ دينه الذي جعله خاتم الأديان وناسخاً لها، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 2. أنتقل إلى المثال الثاني وهو مثال حي لا زالت الأمة منذ قرنين تقريباً تعايشه وتصطلي بناره، لنرى أن الجذور واحدة والوسائل والتخطيط متشابهة بل ومتطابقة أحياناً، ثم نجد أن الهدف لهؤلاء الأعداء قديماً وحديثاً هو إفساد دين الإسلام وتحريفه.

_ 1 آية 9 من سورة الحجر. 2 آية 8 من سورة الصف.

كيف تم التحالف بين هذين المخططين في العصر الحاضر

" كيف تم التحالف بين هذين المخططين في العصر الحاضر" لا شك أن التحالف بين اليهود والنصارى ضد المسلمين هو مصداق لقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} 1. وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 2. وقد عرف في التاريخ القديم والحديث أن هناك عداء تقليدياً بين اليهود والنصارى وذلك منذ ادعى اليهود قتل المسيح وصلبه عليه السلام، وقد بلغ ذلك العداء قمته قديماً عندما اعتنقت الدولة البيزنطية العقيدة المسيحية فعملت بعد ذلك على قتل اليهود وتشريدهم وملاحقتهم. ولكن هذا العداء التقليدي كان يختفي ويحل محله الوئام إذا كان عدو الطرفين الإسلام والمسلمين، ولذلك رأينا ذلك التحالف اليهودي الصليبي المجوسي بأجنحته الثلاثة المتناحرة المتعادية بالأمس يقف صفاً واحداً أمام زحف الفتح الإسلامي الذي نسخ أديانهم وسحق دولهم.

_ 1 آية 120 من سورة البقرة. 2 آية 51 من سورة المائدة.

ولكن رغم ذلك كان اليهود على الدوام موضع نقمة وهوان من المسيحيين المتعصبين ضدهم، فقد طردوا من انجلترا عام 1290م ومن فرنسا سنة 1390م، ومن النمسا سنة 1420م، ومن اسبانيا سنة 1492م وذلك من قبل محاكم التفتيش التي اقيمت ضد المسلمين واليهود على السواء ثم أخرجوا أيضاً من ألمانيا عام 1719م ومن روسيا سنة 1727م ثم جاء هتلر فقتل منهم عشرات الألوف. وأمام هذا الاضطهاد العنيف من قبل المسيحيين أخذ اليهود في التفكير بجد للتخلص من سيطرة الكنيسة المتعصبة ضدهم، فسلكوا الخطوات التالية1: 1- تظاهر كثير من حاخاماتهم وعلمائهم بالدخول في النصرانية. 2- إنشاء المنظمات السرية كالصهيونية والماسونية وغيرها التي كانت ترفع شعارات الحرية والوحدة والمساواة. 3- إحداث الثورات ضد الكنيسة أو استغلالها إذا قام بها غيرهم ومن ذلك ما سمي بالثورة الإصلاحية التي قام بها مارتن لوثر ضد الكنيسة الغربية الكاثوليكية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي وكذلك الثورة الفرنسية التي قام بها نابليون الأول عام 1789م، والتي كانت تنادي بنفس شعارات الماسونية، الحرية والوحدة والمساواة. 4- السعي للسيطرة الاقتصادية على الدول الأوربية، فكانوا

_ 1 عن اليهود وأثرهم في أوروبا الحديثة أي بعد الثورة الصناعية، راجع كتاب مذاهب فكرية معاصرة للأستاذ محمد قطب حفظه الله وبارك فيما بقي من عمره.

يسيطرون على تجارة الذهب وإنشاء الشركات والمصارف المالية والسيطرة على الثروات المعدنية الثمينة، وما سيطرة الروتشيلديين على الاقتصاد الأوربي منذ أواخر القرن الثامن عشر بخفية على أحد1. أما النتائج التي حصل عليها اليهود من وراء هذه الخطوات، هي: 1- علمنة الحياة في أوربا حيث أُقصي الدين المسيحي عن الحياة تماماً حيث أنه لم يبقى للدين أي أثر في حياة الرجل الغربي. 2- تمكن اليهود من تبوء مناصب ومواقع رفيعة في الحكومات الغربية لم يكونوا يحلموا بها في عصور الاضطهاد. 3- السيطرة التامة على الاقتصاد الغربي وثرواته، بل وعلى اقتصاد وثروات العالم. 4- كسر حدة العداء لليهود عند الأوربيين أو عند أكثرهم. 5- تمكن اليهود من إحياء التحالف اليهودي النصراني مرة أخرى؟ ضد الإسلام والمسلمين.

_ 1 تتكون الأسرة الروتشيلدية من الأب أمشيل مئير والأم غوتا شنابير وخمسة أبناء وخمس بنات، ولم يمت والد ومؤسس هذه الأسرة سنة 1812م حتى قسم أوربا اقتصادياً بين أبنائه الخمسة- أنسليم، وسالومون، وناثان، وكارل، وجيمز- فأصبح الذهب الروتشيلدي يتحكم في الحكومات الأوربية منذ ذلك الزمن بعد أن كانت هذه الأسرة، فقيرة تقبع في منزل خشبي في فرانكفورت في جنوبي ألمانيا الغربية. مختصراً من كتاب: حكومة العالم الخفية لشيريب سبيرو دوفيتش.

أهم معالم سياسة المخطط الصهيوني الصليبي الجديدة واتجاهاتها وأسسها

" أهم معالم سياسة المخطط الصهيوني الصليبي الجديدة واتجاهاتها وأسسها" اتعظ أعداء الإسلام من هزائمهم العسكرية أمام زحف الإسلام، وآخرها تلك الحروب الصليبية التي خاضوها مدة قرنين كاملين مع الإسلام، ثم أخيراً خرجوا من ديار الإسلام يجرون وراءهم ذيول الهزيمة، فلجأوا إلى تفكير ذكي اتعظ بتلك الهزائم العسكرية المتلاحقة، ونقب عن السر العظيم لصلابة المسلمين ووثباتهم المفاجئة لكل حساباته فوجد أن السر في الإسلام نفسه ولا شيء سواه. فحوَّل الصراع من حرب المسلمين إلى حرب العقيدة الإسلامية ذاتها وغيَّر ملامح المعركة، فلم يعد ميدانها الرئيسي الأرض، ولكنه الأدمغة، ولم تعد وسيلتها الوحيدة السيف، بل الفكر، ولم تعد جيوشها الأساطيل والفرق، ولكنها المؤسسات والمناهج بالدرجة الأولى. وأول من لفت أنظار العالم الغربي الصليبي إلى هذه الخطة هو القديس لويس التاسع ملك فرنسا، وقائد الحملة الصليبية الثانية، الذي هُزم وأُسر في المنصورة، ثم افتدى نفسه وعاد إلى بلاده ليوصي بني ملته بنصيحته الغالية.

يقول المؤرخ "جوانفيل " الذي رافق لويس التاسع: إن خلوته في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بعمق في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء العرب المسلمين..... وهذه أهم بنود نصيحة لويس التاسع: أولاً: تحويل الحملات الصليبية العسكرية إلى حملات صليبية سلمية تستهدف ذات الغرض لا فرق بين الحملتين، إلا من حيث نوع السلاح الذي يستخدم في المعركة. ثانياً: تجنيد المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره ثم القضاء عليه معنوياً، واعتبار هؤلاء المبشرين في تلك المعارك جنوداً للغرب. ثالثاً: العمل على استخدام مسيحي الشرق في تنفيذ سياسة الغرب. رابعاً: العمل على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق العربي يتخذها الغرب نقطة ارتكاز له، ومركزاً لقواته الحربية، ولدعوته السياسية والدينية!!، ومنها يمكن حصار الإسلام والوثوب عليه كلما اتيحت الفرصة لمهاجمته1. وقد عين لويس التاسع لإنشاء هذه القاعدة الأراضي الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتشمل فلسطين والأردن ولبنان والأراضي المقدسة. ومما يؤكد هذا التحول في سلاح المعركة ما قاله جلادستون رئيس

_ 1 انظر كتاب معركة المصحف للغزالي، ص: 204، 206-207.

الوزراء البريطاني آنذاك، وهو يستعرض خطته الاستعمارية للعالم الإسلامي أمام مجلس العموم البريطاني حيث قال: ما دام هذا القرآن موجوداً بين يدي المسلمين فلن تستطيع أوربة السيطرة على الشرق، ولا تكون هي نفسها في أمان1. ومن هذا المنطلق الماكر بدأت مخططات التحالف الصهيوني الصليبي لإخراج الأمة الإسلامية من دينها وتعريتها من مقومات وجودها، وحملها على العلمانية، وانتظمت جيوش الغزو الجديد في أربعة أجنحة كبرى2، هي: 1- قوى الاحتلال المباشر. 2- المستشرقون. 3- المبشرون (كما يسمون) !! 4- الطوائف اليهودية والنصرانية والباطنية في العالم الإسلامي. أولاً: قوى الاحتلال المباشر: قدمت جيوش الاحتلال العسكري إلى العالم الإسلامي تقودها عقليات غير العقلية البربرية الصليبية فهي تتمتع بقسط كبير من الدهاء وهي تعرف سلفاً أن لها مهمة أجدادها، وأن نجاح هذه المهمة يتوقف على الدقة في تنفيذ الخطة الجديدة. وقد قطفت أول ثمرات الخطة عندما استطاعت أن تحارب جيوش الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية بأناس مسلمين

_ 1 راجع: جلال العالم: قادة الغرب يقولون: 38. 2 انظر العلمانية: 535-587 للدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي.

ساروا في ركاب اللنبي قائد الجيش الإنجليزي ولورنس رجل الاستخبارات الإنجليزي والجنرال بيجو قائد الجيش الفرنسي حتى دخلوا القدس ثم دمشق، وهي أول حرب صليبية في التاريخ يكون قوامها مغفلين منتسبين إلى الإسلام. وبمقتضى اتفاقية "سايكس- بيكو" وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا في عام 1918م توزعت عسكر الصليبيين الجدد العالم الإسلامي عدا أجزاء قليلة، وابتدأت دوائر الاستعمار تنفذ مخططها المرسوم، وتتلخص جهود هذا الجناح فيما يلي: 1- القضاء على الحركات الإسلامية الجهادية التي كانت تخرج ضد هذا المستعمر الغريب على عقيدتهم وبلادهم، وكذلك القضاء على الروح الجهادية عند المسلمين. ومن الأمثلة على ذلك قمعهم للحركات الجهادية التي قامت ضدهم في كل من الجزائر وليبيا وبلاد الشام والهند وغيرها كثير. أما القضاء على الروح الجهادية عند المسلمين فأوضح مثال على ذلك ما فعلته بريطانيا في شبه القارة الهندية، حيث تبنت الحركة القاديانية المنحرفة عن الإسلام، والتي من مبادئها إلغاء فريضة الجهاد، ولما لم تنجح هذه الحركة في إقناع المسلمين بذلك، تبنت بريطانيا الطرق الصوفية، وهي كثيرة في الهند- وهذا دليل على ما ذكرت في مطلع هذه الرسالة من أن الحركات الصوفية وغيرها أصلها نابع من تخطيط أعداء الإسلام من يهود ونصارى ومجوس وصابئة للقضاء على هذا الدين- فعملت بريطانيا على تطوير الجماعات

الصوفية، بحيث تؤدي الأثر المطلوب منها، وفعلاً قامت بعض الحركات الصوفية في الهند باستبدال زيارة المساجد والترحال من بلد إلى بلد آخر بالجهاد في سبيل الله، ضد أعداء الله من الإنجليز وغيرهم، وكذلك اكتفت بتعلم بعض الآداب والأخلاق بدلاً من تعلم العقيدة الصحيحة وتعلم الأحكام الشرعية ونشر العلم بها بين الناس، وإذا نوقشوا في ذلك قالوا: نحن لا زلنا في مرحلة تزكية النفس.... 2- إلغاء المحاكم الشرعية وإحلال القوانين الوضعية محلها. وقد بلغ بهم النشاط في هذا أنه لا تكاد جيوش الاحتلال تضع أقدامها على أرض إسلامية حتى تبادر بهذا العمل لأنهم يدركون نتائجه الهامة. وأول قطر بدأ فيه إلغاء الشريعة الإسلامية كما يقول الأستاذ المودودي هو الهند، فحتى سنة 1791م كانت الشريعة الإسلامية هي الحاكمة في الهند، ولكن الإنجليز تدرجوا في إلغائها حتى تم ذلك لهم، يلي ذلك الجزائر التي بدأ إلغاء الشريعة فيها بعد الاحتلال الفرنسي سنة 1830م، ثم مصر التي أدخل- إسماعيل الخديوي عميل فرنسا- القانون الفرنسي فيها، ولم تأت سنة 1883م حتى كان نصيب الشريعة لا يتجاوز الأحوال الشخصية إلا قليلاً، ثم أدخل الفرنسيون قانونهم في تونس سنة 1906م ليتدخل حتى في الأحوال الشخصية، وفي سنة 1913م وضعوا في المغرب قانوناً مدنياً مماثلاً لما في تونس1.

_ 1 انظر: دفاع عن الشريعة، علال الفاسي، الفصل الثاني عشر.

أما في بلاد الشام والعراق فقد تأخر إلغاء الشريعة فيها إلى ما بعد إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية على يد اليهودي المتسمى مصطفى أتاتورك. 3- القضاء على التعليم الإسلامي والأوقاف الإسلامية. أدرك المستعمرون أن أعظم وسيلة لإبعاد المسلمين عن دينهم هو أن يكونوا جهلاء به، واتعظوا بما لا قوه من مقاومة على أيدي طلبة العلم في الهند والجزائر وليبيا وغيرها حيث تزعَّم تلك الحركات الجهادية علماء الشريعة وطلابهم. فوضعوا المخططات الماكرة لتقليص التعليم الديني تدريجياً وإحلال التعليم اللاديني محله، وأشهر هذه المخططات مخطط كرومر ودنلوب في مصر الذي انتهج سياسة بعيدة المدى دقيقة الخطى في القضاء على الأزهر ومعاهده، وكتاتيب القرآن. ووضع نموذجاً خبيثاً للدس على الإسلام وتشويه تاريخه خلال المنهج التعليمي، ولا أدل على نجاح هذه الخطة من بقاء آثارها إلى اليوم ليس في مصر وحدها بل في الدول العربية عامة 1. وفي العراق وضع المستر "كوك " خطة مماثلة حولت علماء الإسلام الذين كانوا يقودون الأمة في الجهاد ضد الكفار وعلى رأسهم جنود المستعمر البريطاني حولتهم إلى مجرد موظفين بمديرية الأوقاف، وبحجة تنظيم الأوقاف إدارياً ومنهجياً قضي على التعليم الديني

_ 1 عن أثر كرومر ودنلوب- الذي كان مستشاراً لوزارة المعارف المصرية!!! - في مناهج التعليم في مصر والعالم العربي عامة. انظر ما كتبه الأستاذ محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر من ص: 217-234.

الذي كان يعيش على أموال الأوقاف بل أقفلت الجوامع التي كان القرآن يحفظ فيها1. وفي بلاد المغرب كان الفرنسيون يحولون الجوامع والزوايا إلى إصطبلات للخيول ومخازن للسلاح بعد طرد طلابها في الوقت الذي كان فيه التعليم اللاديني يدعَّم بكل وسيلة، وبلغ هذا العمل قمته بالجامعات والكليات- الأنجيلية واليسوعية التي سميت فيما بعد بالجامعات الأمريكية- التي بُنِيت في اسلامبول والقاهرة وبيروت ولاهور وغيرها.. تلك التي كانت- ولا يزال ما بقي منها- لا دينية صرفة، بل كانت وكراً للاستخبارات الغربية وحرباً على الإسلام والمسلمين2. ثانياً: المستشرقون3: المستشرقون أدمغة الحملات الصليبية الحديثة، وشياطين الغزو الثقافي للعالم الإسلامي، ظهروا في حلبة الصراع في فترة كان المسلمون فيها يعانون من الإفلاس الحضاري والخواء الروحي، وفقدان الذات، مما جعل الفرصة سانحة لأولئك الأحبار والرهبان

_ 1 انظر تفصيلات أكثر عن هذا الموضرع في كتاب الشيخ محمود الصواف، المخططات الإستعمارية لمكافحة الإسلام، ص: 198- 205. 2 لم تذق الأمة الإسلامية من الويلات مثل ما ذاقته على أيدي خريجي هذه الجامعات وخاصة الجامعة الأمريكية في بيروت التي لم تزل منذ عشرات السنين وهي وكر إستعماري ني قلب الأمة الإسلامية. 3 انظر ما كتبه الدكتور مصطفى السباعي في كتابه "الإستشراق والمستشرقون".

وجنود الصليبيين الموتورين، كي يثأروا لهزائمهم الماضية وينفثوا أحقادهم الدفينة. وأقتضت خطة وجودهم في عصر يعبد العلم ويضفي عليه قداسة الوحي في العصور السابقة أن يخلعوا عن كواهلهم مسوح الرهبان والأحبار وسلاح الميدان، ويرتدوا لباس العلم ومسوح المعرفة، ثم جندوا آلاف المخطوطات ومئات المؤسسات الثقافية المختلفة، لمعركة استئصال الإسلام وعكفوا في صوامع البحث يديرون الصراع المرير بخبث ودهاء. وما كان ليغيب عن بالهم أن القضاء على الأشلاء الباقية من الكيان الإسلامي الضخم وسد كل الطرق التي قد تهيئ لبعث الحياة فيها لا تتم إلا بسلب الأمة ذاكرتها متمثلة في تراثها العظيم وفي الوقت نفسه شن حرب نفسية شرسة لإبادة ما يزال عالقاً في أذهان المسلمين من عقائده ومفهوماته، وإن لم تكن الإبادة التامة فلتكن الزعزعة والتفتيت. وتتلخص جهودهم العملية في هذه الفقرات التي يقتضي المقام إيجازها1: ا- الطعن في حقيقة الإسلام وحقيقة القرآن والنبوة. فقالوا عن الإسلام: إنه تطوير محرف لليهودية والنصرانية، أو هو جزء من مجموعة الأديان الشرقية تولد من احتكاك الوثنية العربية بأديان فارس والهند.

_ 1 انظر الإستشراق والمستشرقون: 19- 23، والعلمانية لسفر الحوالي: 544- ا 55.

وقالوا: إن القرآن من وضع محمد- صلى الله عليه وسلم- أو هو من إملاء راهب نسطوري تعلم محمد على يديه مدة طويلة في الشام1 أو.... أو. أما. نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم - فقد قالوا عن تلقي الوحي أنه نوبات من الصرع والهستريا أو نوع من العبقرية الشعرية في أحسن تقدير، أو أن محمد لم يكن إلا اللسان المعبر عن المذهب الذي كان يعتقد الراهب بحيرا "وكان يمليه عليه في الصحراء العربية ويكتبه ثم يدعي أنه وحي من الله "1. أما الطعن في السنة فقالوا: إن محمداً في حياته كان يعد كل ما يتكلم به قرآناً، وبعد موته ونشوب النزاع السياسي بين المسلمين احتاجت الأطراف المتنازعة إلى تأييد آرائها، وإذ لم تجد ما تؤيدها به من القرآن نسبت كل فرقة إلى محمد أقوالاً كثيرة لصالحها، ومن مجموع هذه الأقوال كتب علماء المسلمين بعد ثلاثة قرون تقريباً- أي بعد أن يكون كل شيء قد ضاع واختلط- كتباً سميت كتب الحديث والسنة وألزموا المسلمين الإيمان بها كالقرآن فاعتقدها المسلمون- باستثناء اليسار طبعاً- وسموا أتباعها أهل السنة تمييزاً لهم عن اليساريين- والمستشرقون يسمون الرافضة باليسار الإسلامي- ثم يعمدون إلى النقد المفصل للسنة فيطعنون في كبار رواتها وحفاظها بدئاً بالصحابة كأبي هريرة وغيره، وكبار الأئمة من

_ 1 لا أظن أن مثل هذا الهراء المتناقض بحاجة إلى الإشتغال برده، فكاتبه يعلم هو نفسه كذبه فيه، فضلاً عن مخالفته للحقائق التاريخية.

بعدهم كالزهري وعروة وغيرهما1. 2- القول بأن الإسلام استنفذ أغراضه: وهي دعوى تأتي في صور شتى، منها وصف الإسلام بأنه دعوة أخلاقية جاءت لإنقاذ المجتمع العربي من عاداته السيئة كعبادة الحجارة ووأد البنات والسلب والنهب وشرب الخمر...... الخ. وتارة يوصف بأنه حركة اجتماعية تهدف إلى تغيير البنية الاجتماعية القبلية والاستبدال بها تركيباً اجتماعياً قومياً متحضراً للعرب. وبعض المستشرقين- الشيوعيين منهم- يقولون: إن الإسلام ثورة غير ناضجة ضد الطبقة التي كانت تسود المجتمع المكي تولدت من الصراع بين الطبقة الكادحة مثل محمد وبلال وصهيب ... والطبقة الرأسمالية أمثال الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف. وأقوال أخرى كثيرة مؤداها: اعتبار الإسلام ظاهرة معينة في فترة زمنية محددة يجب أن تدرس وينظر إليها كما لو كان قطعة من الأحافير القديمة لا علاقة لها مطلقاً بالواقع المعاصر.

_ 1 هذا تأكيد لما ذكرته سابقاً في هذه الرسالة من أن أعداء الإسلام في القرنين الأخيرين لم يخترعوا شيئاً يذكر فيما أثاروه حول السنة ورواتها وإنما أحيوا ما كان عند تلك الفرق الضالة التي نشأت في صدر الإسلام على أيدي أسلافهم من اليهود والنصارى والمجوس ثم تبنوا تلك المقالات وصاغوها في أثواب براقة جديدة، والجديد عند هؤلاء المعاصرين هو أن كلامهم يحمل في طياته ما ينقضه فهم متناقضون فيما بينهم بل إن الشخص الواحد من هؤلاء يناقض نفسه في كتبه بل في الكتاب الواحد ينقض آخره أوله والعكس كذلك.

3- القول بأن الإسلام طقوس وشعائر روحية أو على أحسن الأحوال دين بالمفهوم الغربي الكنسي الضيق، فلا دخل له بأمور الحكم والحياة الإجتماعية، والنشاط الاقتصادي. 4- القول بأن الفقه الإسلامي مأخوذ من القانون الروماني. وهذه الدعوى مركبة على الدعوى السابقة هدفها إسقاط توحيد الألوهية من جهة وتهوين شأن الأخذ من القوانين الوضعية من جهة أخرى، فما دام الفقه القديم مستقى من أصول أوربية فما المانع اليوم من الاقتباس من القوانين الأوربية الحديثة كالقانون الفرنسي أو الأمريكي أو البريطاني ... الخ. 5- الإدعاء بأن الشريعة الإسلامية لا تتلاءم مع الحضارة الحديثة. وهذا الإدعاء مغالطة تقوم على استغلال الشعور بالنقص والإحساس بالتخلف الذي وخز الأمة الإسلامية عند احتكاكها بالحضارة الأوربية، فقالوا: إن الإسلام دين قبلي صحراوي وشعائره وتشريعاته لا تنسجم مع الحياة العصرية المتمدنة، بل إن هذه الشريعة نفسها هي سبب التخلف وداء الشرق العضال، وأن السبيل إلى التطور والحضارة لهو نبذ محمد وكتابه1.- 6- الدعوة إلى نبذ اللغة العربية وهجر حروفها وأساليبها:! وهي دعوى موازية للدعوى السالفة، وتحتج بالحجة نفسها-

_ 1 وكل هذه الإدعاءات من المستشرقين وأذنابهم ضد الإسلام هي عين ما قاله الزنادقة من قبل، فقط أعاد هؤلاء الصياغة بأسلوب آخر وتجرؤوا على التصريح بما لم يتجرأ عليه أولئك.

أي عدم ملاءمتها للحضارة- وغرضها مسخ الأمة وقطع صلتها بدينها نهائياً1. ومنها تفرع القول بأن النحو العربي غير علمي، وافتعال التضاد بين قواعد النحو واللغة وبين أساليب القرآن بقصد هدم الإثنين. والزعم بأن الشعر الجاهلي وكثيراً من شعر صدر الإسلام منحول، لأن اللغة والتفسير يستمدان الشواهد منه2. 7- إثارة ما سُميَّ "بقضية تحرير المرأة": وهي دعوى ركز عليها أولئك لعلمهم بنتائجها المتعددة التي منها الطعن في الشريعة ذاتها، لأنها سبب احتقار المرأة بزعمهم، ونشر الإباحية والإنحلال في المجتمع الإسلامي، والقضاء على الأسرة الذي يؤدي إلى تجهيل النشىء بدينه ويتيح لهم الفرصة لتربية أبناء المسلمين كما يشاؤون. وقالوا: إن الإسلام يحتقر المرأة لذاتها، ولا يجعل لها قيمة معنوية سوى الاستمتاع المجرد في حين يتاح للرجل كل وسائل اللذة بالتسري وغيره.

_ 1 لمزيد من التفصيل راجع إن شئت (1- دراسات في السيرة النبوية، محمد بن نايف زين العابدين ص: 183-186، 2- واقعنا المعاصر، محمد قطب ص: 295-304) . 2 يعتبر المستشرق الإنجليزي مرغليوث من أوائل القائلين بهذه الفكرة وهو شيخ طه حسين الذي تولى كبر نشر هذه الفرية في الأمة الإسلامية باسمه في كتابه "الشعر الجاهلي "، فقد نشر مرغليوث بحثاً حول هذا الموضوع في مجلة الجمعية الآسيوية، سنة 1924 م. انظر كتاب دراسات في السيرة النبوية لمحمد زين العابدين: 222-227.

ومزاعم أخرى كثيرة كان الواقع السيء يمدهم بأدلتها. ويسهل لهم إثارتها1. 8- تهوين شأن الحضارة الإسلامية وتشويه تاريخها: يزعم المستشرقون أن أعظم مآثر المسلمين الحضارية هو نقل التراث اليوناني- نقله فقط وحفظه من الضياع- وأن روائعهم العمرانية مقتبسة من الفن البيزنطي ... الخ. أما تشويه التاريخ الإسلامي، فلم يدعوا وسيلة لذلك إلا سلكوها حتى سلبوه كل فضائله، وحصروه في الناحية السياسية ليصبح سلسلة من المشاحنات والمؤامرات والدسائس، ثم كرسوا الحديث عن الحكام في موضوعات الحريم والجواري والشعراء، وعمدوا إلى عظمائهم في الحرب والسلم فوصفوهم بالجمود والتزمت ومعادات التحضر، واتخذوا من الخزعبلات المدسوسة في التراث مصادر لتشويه سيرهم، ومن هنا بذلوا جهودهم لترجمة ونشر تلك الخزعبلات ومنح الدرجات العليا للباحثين فيها، وكان ثمرة ذلك كله أن مفهوم الحضارة الإسلامية لا يتجاوز عند غالبية المثقفين معنى كلمة "فول كلور"2.

_ 1 كتب الأستاذ محمد قطب فصلاً مهما عن قضية تحرير المرأة في كتابه واقعنا المعاصر: 250-295 وانظر ما كتب في حاشية 2 ص 54. 2 وهذا ما يفسر لنا السر وراء نعيق كثير من أبناء جلدتنا ممن ينادون بإحياء التراث الشعبي وما يسمون أحياناً بالموروثات القديمة والتي يجعلون على رأس قائمتها الدين الإسلامي كما يزعم سفهاء الحداثة- الدين الجديد- الوجه الآخر للماركسية كما يقول هنري رفيفر أحد رواد- أو أصنام- الحداثة في فرنسا حيث يقول: "الحداثة هي ظل الثورة الغائبة هنا- في باريس- والناقصة هناك- في موسكو- وليس في موسكو إلا الماركسية اللينينية التي فشلت عند التطبيق على أيدي زعمائها".

9- بعث الحركات الهدامة والطوائف الضالة وتضخيم أدوارها، وسيأتي الحديث عن هذه الفقرة عند الكلام عن الجناح الرابع من أجنحة المخطط الصهيوني الصليبي لسلخ الأمة الإسلامية من دينها. 10- نبش الحضارات القديمة واحياء معارفها: تخصص عدد من المستشرقين في هذا المضمار، فعكفوا على دراسة اللغات البائدة والتنقيب عن آثار الغابرين، ولفقوا من رفات هش ما أسموه التاريخ الحضاري للعرب، ثم مدوا آثار تلك الحضارات إلى العصر الحاضر. فبدا الفتح الإسلامي وحضارته نشازاً في هذه السلسلة، أو في أحسن الأحوال عاملاً بين عوامل عدة، ومن أمثلة ذلك: بعث الفرعونية في مصر والفينيقية والآشورية في الهلال الخصيب، والحميرية في اليمن، واختلقوا القومية الطورانية لحساب الجمعيات السرية التركية. ونتج عن ذلك نتائج خطيرة: منها: تحسين سمعة الجاهلية وتمجيد طواغيتها الغابرين وبث النعرات الانفصالية وقطع صلة الأمة بماضيها الحقيقي أو على الأقل اشغالها عنه وتهيئة النفوس لتقبل إمكان قيام الحياة المتحضرة بدون الإسلام، كما عاشت تلك الحضارات قبله. 11- وأخيراً- وضع منهج لا ديني للبحث العلمي: لو لم يكن من ثمرة جهودهم إلا ذلك المنهج لكفى، فإن

جامعات العالم الإسلامي المعاصرة تدرس التراث الإسلامي وفق ذلك المنهج الذي يتمسح بالموضوعية، والحياد العلمي وهو أبعد ما يكون عنهما، ومع كون هذا المنهج لا دينياً فهو في الوقت نفسه غير علمي لأنه غالباً يدور على هذه الأسس: 1- يعمل المستشرقون على إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها حسب أهوائهم والتحكم فيما يرفضونه من النصوص وكثيراً ما يحرفون النص تحريفاً مقصوداً ويقعون في سوء الفهم- وعن عمد أحياناً- حين لا يجدون مجالاً للتحريف. 2- يتحكم المستشرقون في المصادر التي يختارونها، فهم ينقلون من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث النبوي، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه-، ويصححون ما ينقله الدميري في كتاب "الحيوان "، ويكذبون ما يرويه الإمام مالك في الموطأ، ويهاجمون صحيح البخاري، ويمجدون كتاب الأغاني وألف ليلة وليلة1. وعلى الرغم من ذلك، فقد سرت عدوى هذا المنهج في أبناء المسلمين إلى حد يثير الريبة والعجب وقبل أن نختتم الكلام عن أساليب المستشرقين ينبغي أن نشير إلى أن أعمالهم تسير وفق خطة

_ 1 لمزيد من الفائدة عن إضطراب المنهج الإستشراقي وتناقضه راجع: 1- السنة ومكانتها لمصطفي السباعي رحمه الله: 12-21، وكذلك كتاب الإستشراق والمستشرقرن له أيضاً. 2- منهج النقد عند المحدثين لمصطفى الأعظمي: 127-149. 3- دراسات في السيرة لمحمد نايف زين العابدين: 149- 175.

مدروسة، ولذا فهي تتغير تبعاً لمقتضيات التغير بعد تقييم نتائج المرحلة السابقة ولذا لا غرابة أن تختفي من كتبهم الأساليب الاستفزازية والطعن المكشوف، إذ يبدو أن خطة "احتواء الفكر الإسلامي " هي المعمول بها حالياً. وأياً ما كانت النتائج فإن ما اضطلع به هؤلاء من مهمة تدمير المقومات الإسلامية من خلال الطعن في السنة النبوية ورواتها ليمهدوا الأرض الفكرية لقيام الحياة اللادينية في بلاد الإسلام قد آتت أكلها في أكثر من ميدان. ثالثاً: المبشرون1: كما أن للمستشرقين والمبشرين أهدافاً مشتركة فإن لهم وسائل متداخلة، ويمكن القول بأن ميدان المستشرقين الأساسي هو الثقافة والفكر، بينما يركز المبشرون جهودهم في النواحي الاجتماعية كالجمعيات الخيرية والإغاثة والمستشفيات والنواحي التربوية كالمدارس والمراكز الثقافية. ء وليس غريباً أن يجهل المسلمون الدوافع الحقيقية للتبشير، فقد كان يجهلها بعض أتباع الإرساليات التبشيرية أنفسهم، إذ لم يكن الجميع يدركون أبعاد الخطة الجديدة ومراميها، بل كانت العقلية الصليبية التي استثيروا بها من بلادهم لا توحي لهم بكل ذلك.

_ 1 الأولى أن نقول " المنصرون " ولكنني إضطررت لاستعمال هذا الإصطلاح لأنه درج عليه الكتاب والمؤرخون لهذه الحركة وصار علماً على المنصرين فلم أرغب في المخالفة خاصة وأن القاعدة تقول "لا مشاحة في الإصطلاح"، وإلا فإن كلمة "المبشرين" مصطلح إسلامي أصله وارد في الكتاب والسنة.

هذا ما اضطر القس زويمر- رئيس مؤتمر القدس التبشيري عام 1935م- إلى إيضاح ذلك، فقال: "أيها الإخوان الأبطال والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلاد الإسلام، فأحاطتهم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدس، لقد أديتم الرسالة التي نيطت بكم أحسن الأداء، ووفقتم لها أسمى توفيق، وإن كان يخيل إليَّ أنه مع إتمامكم العمل على أكمل الوجوه، لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه ". "إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين لقد كانوا كما قلتم "أحد ثلاثة: إما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام، أو رجل مستخف بالأديان، لا يبغي غير الحصول على قوته، وقد اشتد به الفقر وعرت عليه لقمة العيش، وآخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية، ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية لها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به في الأعوام السالفة خير قيام.... " 1.

_ 1 انظر: العلمانية للدكتور سفر الحوالي: 552.

((ولقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية ". "والفضل إليكم وحدكم أيها الزملاء، إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد". "إنكم أعددتم نشئاً في بلاد المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، ولذلك جاء النشؤ الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار المسيحي، لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء". هذه مقتطفات موجزة من ذلك الخطاب المطول الذي كل كلمة فيه تنضح بالخبث والدهاء. أعود فأوجز- أيضاً أهم الوسائل التي استخدمها أولئك " المنصرون- المسمون بالمبشرين- فمنها: ا- إدخال من استطاعوا من المسلمين في الديانة النصرانية: وهذا وإن لم يكن الغاية الأساسية- كما قال زويمر- فهو يؤدي

إلى زعزعة إيمان الآخرين وتثبيط هممهم، والواقع أن الكنائس النصرانية تغتبط بذلك جداً لأنه أخذ بالثأر من الإسلام الذي إجتاح ديارهم قديماً، كما أنه نوع من التعويض الآيس للخسارة الفادحة التي أنزلتها أوروبا بالمسيحية وذلك بتخطيط يهودي ماكر. 2- فتح المحاضن والمدارس والكليات والجامعات في أنحاء العالم الإسلامي: لو أننا أخذنا مثالاً على ذلك إفريقيا وحدها، فسوف نجد أرقاماً مذهلة للمراكز التعليمية فيها، فهناك معاهد تعليمية يبلغ عددها 16671 معهداً، أما الكليات والجامعات فتبلغ 500 كلية وجامعة، ويبلغ عدد المدارس اللاهوتية لتخريج القسس والرهبان والمبشرين 489 مدرسة، وأما رياض الأطفال فيتجاوز عددها 1113 روضة، ويبلغ عدد أبناء المسلمين الذين يشرف على تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم المنصرون أكثر من خمسة ملايين 1. 3- تحطيم عقيدة الولاء والبراء: تلك التي تمثل حاجزاً نفسياً منيعاً في نفوس المسلمين تجاه الكفار، وذلك بإخفاء الدوافع التبشيرية تحت ستار المساعدات الانسانية، فقدموا المعونات الطبية والغذائية وأدخلوا بعض وسائل المدنية مستغلين واقع المسلمين الذي هو أحوج ما يكون إلى مثل هذه المعونات والوسائل وقد ركز المبشرون اهتمامهم في السنوات

_ 1 راجع كتاب: أين محاضن الجيل المسلم ليوسف العظم: 34-35، ورسالة التبشير في نيجيريا لمصطفى خضر.

الأخيرة على أندونيسيا وبنغلاديش، كما ابتدأوا في اليمن بنشاط مستغلين الفقر الذي يعم هذه الدول. 4- الاهتمام بإفساد الريف الإسلامي: إن جهود المستشرقين مهما عظمت تظل محصورة في نطاق الثقافة والمثقفين ولذلك اهتم المبشرون بالريف الذي يتميز بمحافظته على التقاليد الإسلامية، مما يجعله أقل تقبلاً للإفساد، إلا أن تفشي الجهل والمرض وغلبة العوز على أبنائه يتيح لهم مناخاً مناسباً فأنشأوا المراكز الاجتماعية والصحية والمهنية، وأسسوا المدارس والمحاضن المختلفة، ونظموا برامج توطين البدو، ومحو الأمية بين الكبار بهدف النفاذ إلى عقول أكبر قدر ممكن من طبقات وقطاعات الشعب1. 5- التركيز على إفساد المرأة المسلمة: رأى المبشرون أن حجاب المرأة المسلمة يقف سداً منيعاً دون إفسادها ليتسنى إفساد الأجيال المؤمنة بعد ذلك، فبذلوا كل جهودهم لإخراجها من حرزها المصون الذي لم يستطيعوا اقتحامه عليها، ووجدوا أن أسرع وأحسن وسيلة لاقتحام حجابها هو

_ 1 هكذا اهتم أعداء الإسلام من منصرين وشيوعيين وباطنيين وغيرهم من وقت مبكر بهذا الصنف من الناس مثل اهتمامهم بغيرهم أو أكثر وتبنوا قضاياهم واهتماماتهم في حين لا نجد في برنامج العاملين في حقل الدعوة الإسلامية اليوم من أحزاب أو جماعات أو طلبة علم وعلماء كبير اهتمام بهذا الصنف من الناس لتعليمهم أمر دينهم وتبني قضاياهم وحل مشكلاتهم، فليت شعري هل يفيق العاملون للإسلام اليوم من غفلتهم عن هذا القطاع من الأمة وتحصينهم ضد أعداء الله ورسله لئلا يفسدوا دينهم وأخلاقهم كما حصل في كثير من بلاد الإسلام اليوم؟؟

الإعلام والتعليم، وقد قالت إحدى المبشرات- المنفرات من الدين والخلق-: ".... في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهن باشوات وبكوات، ليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وليس ثمة طريق إلى حصن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة ... "1. كما سخَّروا أجهزة الإعلام المختلفة وأنشأوا مراكز الفساد تحت ستار الترفيه أو الفنون للغرض نفسه2.

_ 1 المخططات الإستعمارية لمحمود الصواف: 301. 2 سعى أعداء الإسلام من وقت مبكر إلى إفساد الحكم والحكام في الإسلام وإلى إفساد العلم والعلماء وإلى إفساد العباد كل ذلك من خلال ما أحدثوه من فتن وبدع وإنحرافات، ولكنهم- على الرغم مما حققوه من إنتصارات في بعض هذه المجالات- لم يحصل لهم ما أرادوه من إقصاء الإسلام عن الحياة كلها، فلما تم التحالف الصهيوني الصليبي الجديد كان أول أمر فكروا فيه لسلخ الأمة من دينها هو: 1- القضاء على الخلافة الإسلامية رمز وحدة الأمة الإسلامية. 2- توهين عرى العقيدة في النفوس، ولضمان نجاح هذا الأمر وضعت خطة شريرة لعلمنة الحياة في المجتمعات المسلمة ولضمان إستمرار وسرعة العلمنة أحكمت الخطة لإفساد: 1- الشباب المسلم. 2- المرأة المسلمة. لأن الشباب هم رجال المستقبل والمرأة مربية الأجيال، وركز الأعداء جهودهم لإفساد هذين العنصرين من خلال أخطر وسيلتين هما: 1- الإعلام. 2- التعليم. وهذا الذي حصل كما نشاهده اليوم في مجتمعاتنا، وأثر هاتين الوسيلتين في ترسيخ العلمنة في المجتمعات المسلمة واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وأوضح من ذلك أثرهما في الشباب والمرأة، ففي ظل مناهج التعليم الموجهة من قبل المنظمة العالمية- اليهودية المنشأ والولادة- "اليونسكو" نشأت أجيال الشباب الذين كان أحسنهم حالاً من كان أثر هذه المناهج عليه أنها صورت له الدين حالة خاصة بينه وبين ربه لا علاقة للدين بباقي شئون حياته ولا حياة المجتمع أيضاً.= = أما المرأة فتزيد على مشاركة الشباب في تلقي تلك المناهج الموجهة بتلقي ذلك التركيز عليها في وسائل الإعلام- المقروءة والمسموعة والمرئية- الذي يبدأ بالتركيز على إفسادها وإخراجها من حرزها المصون عبر الصحافة بتبني قضيتها فيما يسمونه- زوراً- تحرير المرأة- يعني عبوديتها لهواها والشيطان وأهواء المغرضين- تم إنشاء الجمعيات النسائية- والتي قد تتستر أحياناً بأنها خيرية- ثم ينتهي المشوار بها إلى الخروج في مظاهرة تطالب فيها بحقها في الفساد والإفساد، ومصداقاً لما قلته أننا لو ألقينا نظرة سريعة على مسيرة المرأة المسلمة خلال القرن المنصرم لرأينا أن أخصر طريق سلكه الأعداء في حربهم للدين الإسلامي ونشر العلمنة في المجتمع المسلم هو المرأة وأن ذلك الطريق يبدأ بإثارة ما يسمى بقضية تحرير المرأة عبر وسائل الإعلام المختلفة ثم ينتهي بخروج المظاهرات النسائية والأمثلة على ذلك كثيرة منها: 1- ما فعله أتاتورك في تركيا. 2- ما فعله قاسم أمين وسعد زغلول وهدى شعراوي في مصر 3- ما فعله ملك أفغانستان الأسبق محمد أمان الله الذي كانت زوجته أول من أعلن الحرب على الحجاب في أفغانستان. كما كانت صفية زغلول وهدى شعراوي في طليعة من أعلن السفور وحرب الحجاب في مصر، وما وقع ويقع في بقية البلدان الإسلامية هو نفس الشريط يعاد ويكرر، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. ولمزيد من التفاصيل يراجع:1- واقعنا المعاصر للأستاذ محمد قطب، 2- عودة الحجاب لمحمد المقدم.

6- السيطرة على وسائل التربية والإعلام والتوجيه: واستخدامها لنشر سمومهم وتوهين العقيدة الإسلامية في النفوس وعرض الشبهات حول كمال وصلاحية الشريعة، أو على الأقل الإنحراف بهذه الوسائل عن مقاصدها الصحيحة إلى العبث واللهو مع صرف العناية إلى الأطفال والنفاذ إلى عقولهم من خلال تلك الوسائل. 7- تشجيع تحديد النسل: وتلك البدعة التي لم يعرفها المسلمون قبل قدوم هؤلاء، وهي

جزء من مخطط الغرب الرامي إلى ضمان سيطرته على الأجناس غير البيضاء والمسلمين بصفة خاصة لأنهم- مع كونهم عدوه الألد- أكثر أمم الأرض تناسلاً، والإيحاء المستمر لهم بأن سبب الضائقات الاقتصادية ينحصر في زيادة نسبة المواليد، هذا في الوقت الذي يشجع فيه المبشرون الطوائف غير الإسلامية كالأقباط والموارنة والباطنيين على الإكثار من النسل. 8- استهلاك جهود العلماء والدعاة في مقاومة أفكار التبشير مما يضيق عليهم الفرصة للعمل والبناء ويعطل جهودهم المثمرة، ولقد استغرق الإشتغال بالردود على شبه وشكوك المبشرين والمستشرقين وغيرهم حيزاً كبيراً من أوقات كثير من الكتاب والمفكرين المسلمين في هذا العصر، فكم كتب من أبحاث ومقالات حول مسألة "هل شرع الجهاد في الإسلام للهجوم أم للدفاع"- راجع البحث القيم في هذه المسألة في مقدمة تفسير سورة الأنفال في كتاب "في ظلال القرآن "-. وكم كتب من ردود ما أثير من شبه أو شكوك حول السنة النبوية أو أحد رواتها. والذي أود أن ألفت الإنتباه إليه أمرين: الأول: أن الإشتغال بذلك يصرف الجهود عن البناء الجاد بنشر العلم النافع الصحيح وترسيخ العقيدة السليمة في نفوس الناس. الثاني: أن هذا على خلاف منهج السلف الذين كانوا ينقلون المعركة إلى ساحة الخصم بفضح باطله الذي هو عليه وهتك أستاره التي

يتستر بها وبيان فساد منهجه في العلم والعمل. بل هذا هو أسلوب المقرآن في دحض شبه وشكوك المبطلين. 9- مراقبة العالم الإسلامي والتجسس عليه وجس نبض الأمة ورصد الحركات الإسلامية، وقد ثبت صلة الإرساليات التبشيرية بدوائر الإستخبارات الدولية وكذلك قد ثبت صلة كثير من المستشرقين بالدوائر الإستخبارية في الغرب1، وهذا هو المفروض والمتوقع ما دامت الغاية واحدة، ومما يدل على تلك المراقبة وذلك الرصد للصحوة الإسلامية ما يلي: ا- في مطلع سنة 1986م زار ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط- وهذه تسمية يهودية صليبية- الرئيس الأمريكي الأسبق- نيكسون- صاحب فضيحة ووترجيت- فقال في تصريح له- نشر في مجلة المجلة وجريدة الشرق الأوسط في ذلك الوقت ولا يحضرني الآن رقم العدد- قال!: " ... لقد قدمت خلال جولتي في المنطقة نصيحة إلى أصدقائي حكام المنطقة بأن الخطر الحقيقي عليهم ليس إسرائيل ولا الشيوعية وإنما هو الشباب المتطرف- أي المتدين- ". 2- وبعده بأقل من ثلاثة أشهر زار المنطقة أيضاً وزير خارجية أمريكا آنذاك مستر شولز، فقال! في تصريح مماثل- ونشر في

_ 1 انظر عن هذا الموضوع ما كتبه كل من:1- الدكتور مصطفى السباعي في كتاب: السنة ومكانتها في الإسلام: 12-21، 2- الأستاذ محمد نايف زين العابدين في كتابه دراسات في السيرة النبوية: 156-158.

المجلتين المذكورتين-: ".... إنني قدَّمت بعد جولتي في المنطقة النصيحة للإدارة الأمريكية في البيت الأبيض بأن الخطر الحقيقي في الشرق الأوسط هو التطرف الديني وليس الشيوعية".!! 3- شكل مجلس الكونجرس الأمريكي لجنة خاصة مهمتها متابعة ورصد حركة الصحوة الإسلامية ووضع الخطط للقضاء على نموها المتزايد إما بالقمع بالقوة أو إحتوائها إن أمكن، والإحتواء هو رأي هنري كيسنجز اليهودي الألماني الأصل ومنظرّ السياسة الأمريكية المعروف1. 4- من أبرز أعضاء هذه اللجنة الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" الذي أسس لنشاطه مكتباً خاصاً فى مسقط رأسه مدينة أطلنطا بولاية جورجيا الأمريكية. وهو صاحب الجولات المكوكية في القرن الأفريقى منذ أكثر من سنة من الآن ولا زال2. وهو قائد الحملة التبشيرية الصليبية الجديدة في القرن الأفريقي، والمقصود بهذه الحملة بالدرجة الأولى إجهاض الحركة الإسلامية بالمنطقة بعد أن ظهرت آثار الصحوة في التجمعات الإسلامية في الصومال والسودان وأرتيريا بل وفي

_ 1 انظر ما كتبته مجلة المجتمع الكويتية في أعداد سنة 1409، 1410 هـ تحت عنوان الإسلام ومجلس الكونجرس بقلم الدكتور أحمد إبراهيم خضر. 2 بيض هذا البحث في نهاية شهر شوال سنة 1410هـ.

داخل كينيا وأثيوبيا الصليبيتين، وبعد إعلان حركة الجهاد الإسلامي في أرتيريا عن نشاطها مما أزعج دوائر الإستخبارات الغربية فهبوا مسرعين لتلافي تكرار أفغانستان أخرى في القرن الأفريقي. 5- قدمت تقارير عدة إلى لجنة الصحوة الإسلامية في مجلس الكونجرس الأمريكي، منها: أ- مذكرة قدمها "دانييل بايبز" الزميل الزائر بمركز جامعة هارفارد لدراسات الشرق الأوسط تحت عنوان "المسلمون الأصوليون وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية" 1. ب- كتاب الأصولية في العالم العربي إعداد ريتشارد هرير دكمجيان أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك. 6- كشفت إحدى الصحف الطلابية في جامعة هارفارد عن تلقي "الدكتور نداف سفران اليهودى المصري الأصك الأمريكي الجنسية" مبلغ خمسة وأربعين ألف دولار أمريكي من وكالة الإستخبارات المركزية (C.I.A) لعقد مؤتمر دولي عن "الأصولية الإسلامية" وكالعادة تحت إسم "مؤتمر للبحث العلمي الأكاديمي النزيه"، وغير ذلك من الكتب والتقارير والمذكرات....

_ 1 راجع مجلة المجتمع الكويتية العدد 942 في 22/ 4/ 1410 هـ في الحلقة 26 من سلسلة (الإسلام ومجلس الكونجرس " بقلم الدكتور أحمد إبراهيم خضر، وكان رقم هذه المذكرة 14، اذن سبقها مذكرات وسيلحقها مذكرات..!!.

رابعاً وأخيراً: إحياء استخدام الطوائف المنحرفة في العالم الإسلامي كاليهودية والنصرانية والحركات الباطنية وغيرها. وهذه الخطوة من أخبث الخطوات وأعمقها دلالة، فحيثما حل المستعمرون يقومون بنبش العقائد الميتة وتنظيم الطوائف غير الإسلامية ويمهدون لها السبل لتولي المناصب المهمة مستثمرين حقدهم على المسلمين بالزعم بأن الفتح الإسلامي كان استعماراً لهم، وأن المسلمين متعصبون ضدهم..! ففي بلاد الشام تعهدت فرنسا بدعم النصارى وسلمتهم الوظائف العليا ونظمت فلولهم في جمعيات ومؤسسات عسكرية ومدنية، وعند إنشاء الجامعة السورية-مثلاً- عينت لها مديراً نصرانياً هو "قسطنطين زريق ". وعلى أيدي نصارى العرب- الذين كانوا على صلة وثيقة بالجمعيات الهدامة في الغرب وشبكات الجاسوسية العالمية- على أيديهم نشأت الجمعيات السرية في بلاد المسلمين لمناهضة الخلافة الإسلامية والدعوة إلى حكومة لا دينية وطنية أو قومية1، ومن هذه الجمعيات: 1- جمعية بيروت "فارس نمر". 2- جامعة الوطن العربي "نجيب عازوري ".

_ 1 عن أثر دعاة التغريب النصارى في بلاد المسلمين. راجع الفصل الأول من الباب الثاني من كتاب "دراسات في السيرة النبوية " للأستاذ محمد بن نايف زين العابدين. وما كتبه الدكتور سفر الحوالي في كتاب "العلمانية: 556-560".

3- الجمعية القحطانية "جورج انطونيوس". 4- وجمعية "العربية الفتاة" "محمد البعلبكي وغيره من الطلاب العرب ". 5- الحزب القومي السوري "أنطون سعادة". 6- وأخيراً حزب البعث العربي "ميشيل عفلق ". كما أن هؤلاء النصارى أول من نشر الثقافة والفكر الغربيين في البلاد الإسلامية مستخدمين الوسائل الحديثة لاسيما الصحافة، فأصدروا صحفاً كثيرة، منها: 1- الجنان. 2- المقتطف. 3- الهلال. وغيرها وكان محرروها أمثال: نصيف اليازجي ويعقوب صرَّوف وجرجي زيدان، يمثلون طلائع اللادينية في الشرق الإسلامي إلى غير ذلك من الوسائل كتأليف الموسوعات والمعاجم اللغوية، والدس والتحريف من خلالها وتمجيد فلاسفة الغرب وشعرائهم ... الخ. أما الطوائف الباطنية: فقد استطاعت بواسطة المستشرقين أن تبعث عقائدها وتنشر كتبها، ففي شبه القارة الهندية تبنت بريطانيا: الإسماعيلية الأغاخانية وأحيت تراثها واشهرت رموزها وأخيراً سلمتهم رئاسة باكستان المسلمة بزعامة محمد علي جناح الأغاخاني1، وفي إيران

_ 1 لا زالت سفارتا أمريكا وبريطانيا في باكستان تسعيان لإيجاد دولة للأغاخانية على الحدود الباكستانية الأفغانية بعد أن قوتا شوكتهم في أفغانستان مستغلين الأوضاع الراهنة في أفغانستان (انظر تفاصيل هذا الموضوع في مجلة البيان التي تصدر عن المنتدى الإسلامي بلندن العدد 29 ص 78) .

قويت شوكة الرافضة حتى أقيمت لهم دولة لتتكفل بحماية الباطنيين في المنطقة، وفي اليمن نشطت الإسماعيلية والقرمطية ... وعلى أيدي الفرنسيين بعثت في سورية النصيرية الباطنية.. وسميت باسم العلوية واصطنعتهم فرنسا فمكنتهم من دخؤك الجيش واحتلال قياداته العليا ثم استطاعوا أخيراً أن يتحكموا في الأكثرية المسلمة في سورية. وهذا غير الطوائف التي أحدثها الاستعمار لهدم العقيدة الإسلامية كالبابية والبهائية والقاديانية التي تتضح عمالتها بمرور الأيام. ويمكن أن نلحق بهذا الجناح الأخير ما يمكن تسميته: باصطناع العملاء من أبناء المسلمين، وكان هذا من النصائح التي قدمها القس زويمر للمبشرين جيث قال: "تبشير المسلمين يجب أن يكون برسول من أنفسهم، ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها". وقد نفذت هذه النصيحة في البلاد الإسلامية جميعها، واستطاع المستعمرون أن يكوِّنوا من العناصر الضعيفة الإيمان، قوى منظمة بعضها أحزاب سياسية وبعضها اتجاهات فكرية تربت على عين الإستعمار وسمعه، وحشيت أذهانها بما أملاه أعداء الإسلام وظل الشعور بالنقص والتبعية للغرب هو إحساسها الدائم، واختير من

تلك القوى أفراد قدر المستعمر أنهم أفضل المطايا له، فصنع لهم بطولات ضخمة وأثار حولهم الغبار الكثيف حتى خيل للأمة أن على أيديهم مفتاح نهضتها وبناء مجدها فطأطأت لهم رأسها حتى تمكنوا منها أنزلوا بها من الذل والدمار وخراب العقيدة ما لم تذقه على أيدي أسيادهم. وإن كتاب "الرجل الصنم " الذي كتبه ضابط تركي سابق ليقدم لنا واحداً فقط من هؤلاء الأفراد المصطنعين وعلى منواله في عالمنا العربي كثير من سياسيين ومفكرين وكتاب وأدباء وغيرهم ... وليس أدل على ذلك من أن القوى التي حكمت العالم الإسلامي بعد رحيل الإستعمار لم تكن الحركات الجهادية التي جابهت المستعمرين بل كانت أحزاباً وقوى مشبوهة تشهد أعمالها وآثارها بأنها جنت على الأمة ما لم يجنه الأعداء السافرون مما يعطي الدليل الواضح على أن تنفيذ المخطط اليهودي قد وكل إليهم مع إختلاف في الأدوار وتنوع في الإخراج. وأخيراً أقول: هذه هي المعالم الرئيسة للمخطط اليهودي الصليبي، وهو بلا شك مخطط ذكي خبيث يملك من وسائل التأثير وفرص العمل ما يفوق به الحملات الصليبية السالفة، فهو فكر تدعمه القوة، وحضارة يمدها العلم ونضال يحكمه النظام، غير أن ذلك كله لا يعني أن نلقي عليه تبعاتنا وننسب إليه إنهيارنا كأنما هو قوة أسطورية لا تقهر. إننا- كما سبق- لم نؤت إلا من قبل أنفسنا وما عوقبنا إلا بما

كسبت أيدينا، ونحن أعطينا الكفار الفرصة ليخططوا ضدنا وأسهمنا بعللنا وأدوائنا في إنجاح مخططاتهم، إن الله تعالى يقولء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} ، فلولا إفلاسنا من الصبر والتقوى، بل ومن الإيمان والتصور السليم ما كان لهذه المخططات من أثر وإن كان فهو كالجرح الذي سرعان ما يندمل أو الإغفاءة تعقبها الوثبة. فنرجو الله تعالى أن يجعل هذه الوثبة على أيدي أهل السنة والجماعة من طلبة العلم اليوم كما كان ذلك على أيديهم في كل العصور السابقة، فعلى أيديهم كسرت شوكة التجهم والتصوف وأشواك الرفض والباطنية وعلى يد علمائهم وصالحيهم أخرج الصليبيون الأول من بلاد الشام ومصر، وهم المؤهلون بإذن الله لقيادة الأمة اليوم وإخراجها من الظلمات التي تعيشها إلى نور الإسلام وإن المستقبل للإسلام وأهله الصادقين، فهل من عزمة ووثبة.. نرجو ذلك.. والله الموفق إلى سواء السبيل.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه د. محمد بن مطر الزهراني

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر الاستشراق والمستشرقون د. مصطفى السباعي المكتب الإسلامي-بيروت- أين محاضن الجيل المسلم يوسف العظم جدة 1389هـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي المكتبة السلفية – المدينة- تاريخ الطبري محمد بن جرير الطبري دار المعارف – القاهرة - تهذيب التهذيب الحافظ ابن حجر دار صادر – بيروت - تهذيب الكمال جمال الدين المزي مؤسسة الرسالة – بيروت- جامع الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي البابي الحلبي – القاهرة- الجامع الصحيح لأبي عبد الله البخاري دار إحياء التراث العربي – بيروت- حكومة العالم الخفية سيريب سبيرو دار النفائس – بيروت- خلق افعال العباد لأبي عبد الله البخاري الدار السلفية – بالكويت- دراسات في السيرة محمد بن نايف زين العابدين دار الأرقم – بريطانيا- دفاع عن الشريعة علال الفاسي طبع بيروت الرد على الجهمية أحمد بن حنبل دار اللواء – الرياض - السنة ومكانتها د. مصطفى السباعي المكتب الإسلامي-بيروت- سير أعلام النبلاء لأبي عبد الله الذهبي مؤسسة الرسالة-بيروت- شرح النووي على مسلم لأبي زكريا النووي المطبعة المصرية – القاهرة- الصارم المسلول أبو العباس أحمد بن تيمية دار الجيل – بيروت صحيح الإمام مسلم الإمام مسلم النيسابوري تحقيق فؤاد عبد الباقي – بيروت- عبد الله بن سبأ د. سليمان بن حمد العودة دار طيبة في الرياض

العلمانية د. سفر الحوالي مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى –مكة- عودة الحجاب محمد أحمد المقدم دار طيبة – الرياض- فتح الباري الحافظ ابن حجر المكتبة السلفية – القاهرة- الفهرست لابن النديم رضا تجدّد- طهران- قادة العالم يقولون جلال العالم الطبعة الثانية – بيروت- الكفاية في علم الرواية الخطيب البغدادي مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة- مجموع الفتاوى أبو العباس ابن تيمية جمع ابن القاسم – طبع – الرياض المخططات الإستعمارية محمود الصواف الطبعة الأولى.. مذاهب فكرية محمد قطب دار الشروق – بجدة- معركة المصحف محمد الغزالي الطبعة الأولى بالقاهرة منهج النقد عند المحدثين د. مصطفى الأعظمي الطبعة الثانية – الرياض- ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي دار المعرفة – بيروت- واقعنا المعاصر محمد قطب دار المدية للطباعة والنشر –بجدة-

§1/1