موقعة اليرموك دراسة وتحليل

محمد السيد الوكيل

مدخل

مدْخل ... موقعة اليرموك (دراسة وَتَحْلِيل) لفضيلة الدكتور مُحَمَّد السَّيِّد الْوَكِيل وَكيل كُلية الحَدِيث بالجامعة اليرموك نهر يَنْبع من جبال حوران، يجْرِي قرب الْحُدُود بَين سوريا وفلسطين، وينحدر جنوبا ليصب فِي غور الْأُرْدُن ثمَّ فِي الْبَحْر الْمَيِّت، وَيَنْتَهِي مصبه فِي جنوب الحولة، وَقبل أَن يلتقي بنهر الْأُرْدُن بمسافة تتراوح بَين ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعين كيلو مترا يُوجد وَاد فسيح تحيط بِهِ من الْجِهَات الثَّلَاث جبال مُرْتَفعَة شاهقة الِارْتفَاع، وَيَقَع فِي الْجِهَة الْيُسْرَى لليرموك. اخْتَار الرّوم هَذَا الْوَادي لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يَتَّسِع لجيشهم الضخم الَّذِي عدده مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين ألف مقَاتل. وَأما الْمُسلمُونَ فقد عبروا النَّهر إِلَى الْجِهَة الْيُمْنَى، وضربوا معسكرهم هُنَاكَ فِي وَاد منطبح يَقع على الطَّرِيق المفتوح لجيش الرّوم، وَبِذَلِك أغلقوا الطَّرِيق أَمَام الْجَيْش المزهو بعدده وعدده، فَلم يعد للروم طَرِيق يسلكون مِنْهُ، أَو يفرون إِذْ اضطروا للفرار، لِأَن جَيش الْمُسلمين قد أَخذ عَلَيْهِم مسلكهم الوحيد. وَقد يعجب الْإِنْسَان كثيرا، وَهُوَ ينظر إِلَى الخارطة، وَيرى نَفسه مُضْطَرّا لِأَن يسْأَل كَيفَ رَضِي قواد الرّوم لجيوشهم هَذَا الْموقع؟ وَكَيف وَافق الْجنُود على النُّزُول فِيهِ وهم يرَوْنَ أَلا سَبِيل لِلْخُرُوجِ مِنْهُ إِلَّا عَن طَرِيق هَذَا الْوَادي الَّذِي احتله الْمُسلمُونَ؟ أفما كَانَ الأجدر بهم إِن اضطروا إِلَى اتِّخَاذ هَذَا الْمَكَان ميداناً للجيش لِأَنَّهُ لَا يُوجد مَكَان سواهُ يَتَّسِع لجيشهم أَن يحموا الفتحة الوحيدة الَّتِي لَا طَرِيق لَهُم غَيرهَا؟ لاشك أَن البديهيات العسكرية تحتم حماية أَمْثَال هَذِه الفتحة ليؤمن الْجَيْش طَرِيقه إِذا اضْطر إِلَى الْخُرُوج من هَذَا الْوَادي المحاصر بشواهق الْجبَال. وَلَكِن يبدوا أَن قوات الرّوم كَانَت مغرورة بكثرتها الهائلة مزهوة بالنصر الَّذِي أحرزته على خَالِد بن سعيد وَمن مَعَه من قوات الْمُسلمين، كَمَا يَبْدُو أَن هَذَا النَّصْر أنساهم أبسط التخطيط العسكري فِي مثل هَذَا الْموقف.

ازْدَادَ حماس الْخَلِيفَة لفتح الشَّام بعد مَا أصَاب خَالِد بن سعيد وجنده من الْهَزِيمَة والفرار، فندب أعظم قواده للذهاب إِلَى بِلَاد الشَّام، فَأمر عَمْرو بن الْعَاصِ على فرقة من الْجَيْش وَأمره أَن يتَّجه بهَا إِلَى فلسطين، واستدعى يزِيد بن أبي سُفْيَان وولاه على جَيش لجب فيهم سُهَيْل بن عمر وَأَمْثَاله من أهل مَكَّة، وألحقه بِجَيْش آخر بقيادة أَخِيه مُعَاوِيَة، وَوجه شُرَحْبِيل بن حَسَنَة ليقود جمَاعَة من جَيش خَالِد بن سعيد، وَندب الْخَلِيفَة جَيْشًا عَظِيما وأمَّر عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح وَعين لكل جَيش طَرِيقه، وَأمره أَن يسلكه حَتَّى يصل إِلَى مقره. فَأخذ عَمْرو بن الْعَاصِ طَرِيق المعرقة. وسلك أَبُو عُبَيْدَة الطَّرِيق نَفسه، وَأخذ يزِيد بن أبي سُفْيَان طَرِيق التبوكية وسلكه مَعَه شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، وَتوجه الْأُمَرَاء إِلَى الشَّام، فَلَمَّا وصلوها نزل أَبُو عُبَيْدَة الْجَابِيَة، وَنزل يزِيد البلقاء، وَنزل شُرَحْبِيل الْأُرْدُن، وَنزل عَمْرو بن الْعَاصِ العربة1.

_ 1 ابْن الْأَثِير (2/406) .

هرقل ينصح قومه

هِرقل ينصح قومه: علم الرّوم بِدُخُول الجيوش الإسلامية أَرضهم، فَكَتَبُوا إِلَى هِرقل، وَكَانَ بالقدس فَقَالَ هِرقل: أرى أَن تصالحوا الْمُسلمين، فو الله لِأَن تصالحوهم على نصف مَا يحصل من الشَّام وَيبقى لكم نصفه مَعَ بِلَاد الرّوم أحب إِلَيْكُم من أَن يغلبوكم على الشَّام وَنصف بِلَاد الرّوم2. وأغضبت هَذِه النَّصِيحَة قواد الرّوم، وظنوا أَن الإمبراطور قد وَهن وَضعف وسيسلم الْبِلَاد للغزاة الفاتحين، وَالْحق أَن هِرقل قد ضعف أَمَام غضبة قواده، وعزم على قتال الْمُسلمين مَعَ يقينه بالهزيمة، وَجمع هِرقل الثائرين، وَتوجه بهم إِلَى حمص، وَهُنَاكَ أعد جَيْشًا ضخم الْعدَد كثير الْعدَد، وقسمه أَرْبَعَة أَقسَام، وَجعل كل قسم مِنْهُ يُقَابل فرقة من جَيش الْمُسلمين ليوهنهم ويشغلهم عَن مناصرة إخْوَانهمْ.

_ 2 نَفسه.

عدد الجيش

عدد الْجَيْش: بلغ جَيش الْمُسلمين ثَلَاثِينَ ألفا أَو تقل قَلِيلا، وَأما جَيش الرّوم فقد بلغ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين ألفا3.

_ 3 الصّديق أَبُو بكر ص 285.

الخليفة يدرس أسباب تأخر النصر

الْخَلِيفَة يدرس أَسبَاب تَأَخّر النَّصْر: وَاسْتَشَارَ الْخَلِيفَة أَصْحَابه ذَوي الرَّأْي، وقلب الْأَمر على كل وجوهه، فاهتدى إِلَى أَن ضعف الْمُسلمين ناتج إِلَى ضعف القيادة، ذَلِك لِأَن الْأُمَرَاء الَّذين بَعثهمْ الْخَلِيفَة إِلَى الشَّام لَيْسَ فيهم من يصلح فِي نظر الْخَلِيفَة لخوض هَذِه المعركة الرهيبة، فَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح مَعَ قدرته العسكرية الفائقة إِلَّا أَنه رَقِيق الْقلب لَا يقدم على الحسم، وَابْن الْعَاصِ مَعَ دهائه وَحسن حيلته يهاب الْإِقْدَام على عدوه، وَعِكْرِمَة مَعَ إقدامه وحنكته غير أَنه تنقصه دقة التَّقْدِير للمواقف، وَبَقِيَّة القواد لم يشتركوا من قبل فِي مثل هَذِه المعارك الْكَبِيرَة. وَهُنَاكَ أَمر آخر يَنْبَغِي للخليفة أَن يقدره وَلَا يغفله ذَلِكُم هُوَ تَسَاوِي القواد فِي الْقُدْرَة فَلَيْسَ فيهم من يقرونَ لَهُ بالتفوق أَو العبقرية الَّتِي يتَمَيَّز بهَا عَلَيْهِم حَتَّى يجتمعوا عَلَيْهِ. وَمن أجل هَذَا فكر الْخَلِيفَة كثيرا فِي الْأَمر وَطَالَ تفكيره فَالْأَمْر لَيْسَ بالهين الْيَسِير، وَإِنَّمَا هِيَ معارك فاصلة لابد أَن تحسم فِي الشَّام كَمَا حسمت فِي الْعرَاق. واهتدى الْخَلِيفَة -رَضِي الله عَنهُ- إِلَى الْحل فَقَالَ لمجلس الشورى: "وَالله لأنسين الورم وساوس الشَّيْطَان بِخَالِد بن الْوَلِيد"3.

_ 3 ابْن كثير (7/5) .

خالد يتوجه إلى الشام

خَالِد يتَوَجَّه إِلَى الشَّام: كتب الْخَلِيفَة إِلَى خَالِد يَأْمُرهُ بِأَن يسْتَخْلف على الْعرَاق وَيتَّجه بخيرة جنده إِلَى الشَّام، وصدع خَالِد بِأَمْر الْخَلِيفَة واتجه إِلَى الشَّام فِي تِسْعَة آلَاف مقَاتل من خيرة الْجند، حَيْثُ

خالد يدعو إلى توحيد القيادة

خَالِد يَدْعُو إِلَى تَوْحِيد القيادة: وَنظر خَالِد إِلَى الْمُسلمين فَوَجَدَهُمْ متساندين كل جمَاعَة على رَأسهَا قَائِد لَيْسَ لَهَا أَمِير وَاحِد يجمعهُمْ، وَرَأى -رَضِي الله عَنهُ- بعبقريته العسكرية أَن هَذَا الْحَال لَا يُؤَدِّي إِلَى النَّصْر، فَخَطب فِي الْمُسلمين، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن هَذَا يَوْم من أَيَّام الله، لَا يَنْبَغِي فِيهِ الْفَخر وَلَا الْبَغي، أَخْلصُوا جهادكم، وأريدوا الله بأعمالكم، فَإِن هَذَا يَوْم لَهُ مَا بعده، وَلَا تقاتلوا قوما على نظام وتعبية وَأَنْتُم متساندون، فَإِن ذَلِك لَا يحل وَلَا يَنْبَغِي، وَإِن من وراءكم لَو يعلم علمكُم حَال بَيْنكُم وَبَين هَذَا، فاعملوا فِيمَا لم تؤمروا بِهِ بِالَّذِي ترَوْنَ أَنه الرَّأْي من واليكم ومحبتكم. قَالُوا: فهات فَمَا الرَّأْي؟ قَالَ: إِن أَبَا بكر لم يبعثنا إِلَّا وَهُوَ يرى أننا سنتياسر وَلَو علم بِالَّذِي كَانَ وَيكون لما جمعكم، إِن الَّذِي أَنْتُم فِيهِ أَشد على الْمُسلمين مِمَّا قد غشيهم وأنفع للْمُشْرِكين من أمدادهم، وَقد علمت أَن الدُّنْيَا فرقت بَيْنكُم، فَالله الله، فقد أفرد كل رجل مِنْكُم بِبَلَد من الْبلدَانِ لَا ينتقصه مِنْهُ أَن دَان لأحد من أُمَرَاء الْجنُود وَلَا يزِيدهُ عَلَيْهِ أَن دانوا لَهُ، إِن تأمير بَعْضكُم لَا ينقصكم عِنْد الله، وَلَا عِنْد خَليفَة رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- هلموا فَإِن هَؤُلَاءِ تهيئوا، وَهَذَا يَوْم لَهُ مَا بعده، إِن رددناهم إِلَى خندقهم الْيَوْم لم نزل نردهم، وَإِن هزمونا لم نفلح بعْدهَا، فَهَلُمُّوا فلنتعاور الْإِمَارَة فَلْيَكُن عَلَيْهَا بَعْضنَا الْيَوْم، وَالْآخر غَدا، وَالْآخر بعد غدٍ حَتَّى يتأمر كلكُمْ، ودعوني إِلَيْكُم الْيَوْم، فأمروه، وهم يرَوْنَ أَنَّهَا كخرجاتهم، وَأَن الْأَمر أطول مِمَّا صَارُوا إِلَيْهِ2.

_ 2 الطَّبَرِيّ (3/395-396) ، ابْن الْأَثِير (2/411) .

كَانَت لكلمة خَالِد تِلْكَ أعظم الْأَثر فِي نفوس الْمُسلمين من تحرض القسيسين والرهبان فِي نفوس الرّوم، وَلَئِن ظلّ هَؤُلَاءِ يعبئون تِلْكَ التعبئة الروحية مُدَّة شهر كَامِل، فَإِن نُفُوسهم لم يكن فِيهَا من الْيَقِين وَحسن الثِّقَة فِي وعد الله كَمَا كَانَ فِي نفوس الْمُسلمين، وَلذَلِك أثمرت كلمة خَالِد الَّتِي لم تستغرق دقيقتين مَا لم تثمره مواعظ الرهبان والقسيسين لمُدَّة شهر، لِأَن النُّفُوس المؤمنة بِالْحَقِّ تكون دَائِما مهيأةً لاستقبال التَّوْجِيه وَالْمَوْعِظَة، سريعة التأثر بِمَا يلقى عَلَيْهَا إِذا ذكرت بوعد الله -عز وَجل- حَسَنَة الثِّقَة فِيمَا عِنْده. على أننا نرى فِي كلمة خَالِد -رَضِي الله عَنهُ- من الْإِخْلَاص والحث عَلَيْهِ، وعظيم الِاعْتِمَاد على الله مَا لَا يُمكن أَن يخيب صَاحبه، زد على ذَلِك بعد نظر خَالِد، وإدراكه لما حوله من أبعاد المعركة وَقدرته العسكرية الَّتِي تجْعَل أَصْحَابه يدينون لَهُ من غير مُنَازع، كل ذَلِك جعلهم يَجْتَمعُونَ على قيادته بعد أَن كَانُوا متساندين لَا يدين أحد لأحد، وَلَا يرى أحد أَن أحدا أَحَق بالأمرة مِنْهُ.

خطة خالد لمواجهة الروم

خطة خَالِد لمواجهة الرّوم: اجْتمع الْمُسلمُونَ على خَالِد بعد أَن مكث شهرا على اليرموك لَيْسَ بَينه وَبَين الرّوم قتال واقترح خَالِد بعد أَن آلت إِلَيْهِ القيادة الْعَامَّة لجيش الْمُسلمين أَن يقسم الْجَيْش إِلَى كراديس (فرق) كل فرقة من ألف رجل، وَجعل على كل كرْدُوس رجلا مِمَّن اشتهروا بالشجاعة والإقدام، أَمْثَال الْقَعْقَاع بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وأضرابهم، وَأسْندَ قيادة الْقلب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وقيادة الميمنة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وشرحبيل بن حَسَنَة، وقيادة الميسرة إِلَى يزِيد بن أبي سُفْيَان. وَقَالَ لأَصْحَابه: "إِن عَدوكُمْ كثير وَلَيْسَ تعبية أَكثر فِي رَأْي الْعين من الكراديس"1. حاول خَالِد بذلك أَن ينسي الْمُسلمين كَثْرَة الرّوم المخيفة، وَأَن يظْهر الْمُسلمين فِي حَالَة تدخل الرعب والفزع فِي عدوهم، وَلكنه لم يلبث أَن سمع رجلا يَقُول: مَا أَكثر الرّوم وَأَقل الْمُسلمين! فَغَضب خَالِد لما سمع وَصَاح مغضباً، بل مَا أقل الرّوم وَأكْثر الْمُسلمين، إِنَّمَا تكْثر الْجنُود بالنصر، وتقل بالخذلان، وَالله لَوَدِدْت أَن الْأَشْقَر -يَعْنِي فرسه- برَاء من توجِّيه وَأَنَّهُمْ أَضْعَف فِي الْعدَد، وَكَانَ فرسه قد حفي من مَشْيه بالمفازة (بادية الشَّام) 2. وخشي خَالِد أَن تسري كلمة الرجل فِي صُفُوف الْمُسلمين فتوهنهم، وتضعف مقاومتهم، فَعجل بالمعركة ليشغل الْمُسلمين بهَا بَدَلا من أَن يشغلوا عَنْهَا بِالنّظرِ فِي عَددهمْ وَعدد عدوهم.

_ 1 ابْن الْأَثِير (2/411) . 2 ابْن الْأَثِير (2/412) .

لم ينس خَالِد أَن يخْتَار من جُنُوده من يتَوَلَّى أُمُور الْمُسلمين، فَبعد أَن نظم الكراديس وَاخْتَارَ لَهَا مهرَة القواد، عين أَبَا الدَّرْدَاء قَاضِيا، وَأَبا سُفْيَان واعظاً، وَجعل على الطَّلَائِع قباث بن أَشْيَم، وعَلى الأقباض عبد الله بن مَسْعُود، وَكَانَ الْقَارئ الْمِقْدَاد، يَقُول الطَّبَرِيّ: "وَمن السّنة الَّتِي سنّ رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- بعد بدر أَن تقْرَأ سُورَة الْجِهَاد عِنْد اللِّقَاء -وَهِي الْأَنْفَال- وَلم يزل النَّاس بعد ذَلِك على ذَلِك"1. وَقَامَ أَبُو سُفْيَان بدوره كواعظ للْمُسلمين خير قيام فَقَالَ وَهُوَ يمشي بَين الكراديس: يَا معشر الْمُسلمين، أَنْتُم الْعَرَب وَقد أَصْبَحْتُم فِي دَار الْعَجم منقطعين عَن الْأَهْل، نائين عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ وإمداد الْمُسلمين، وَقد وَالله أَصْبَحْتُم بِإِزَاءِ كثير عدده، شَدِيد عَلَيْكُم حنقه وَقد وترتموهم فِي أنفسهم وبلادهم وَنِسَائِهِمْ، وَالله لَا ينجيكم من هَؤُلَاءِ الْقَوْم، وَلَا يبلغ بكم رضوَان الله غَدا إِلَّا بِصدق اللِّقَاء وَالصَّبْر فِي المواطن الْمَكْرُوهَة، أَلا وَإِنَّهَا سنة لَازِمَة، وَإِن الأَرْض وراءكم، وَبَيْنكُم وَبَين أَمِير الْمُؤمنِينَ وَجَمَاعَة الْمُسلمين صحاري وبراري لَيْسَ لأحد فِيهَا معقل وَلَا معول إِلَّا الصَّبْر، ورجاء وعد الله فَهُوَ خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هِيَ الْحُصُون. ثمَّ ذهب إِلَى النِّسَاء فوصاهن، ثمَّ عَاد فَنَادَى، يَا معشر أهل الْإِسْلَام حضر مَا ترَوْنَ، هَذَا رَسُول الله وَالْجنَّة أمامكم، والشيطان وَالنَّار خلفكم، وَرجع إِلَى موقفه فِي الصَّفّ حَيْثُ كَانَ. وَقَامَ أَبُو هُرَيْرَة بعد أبي سُفْيَان فَقَالَ: سارعوا إِلَى الْحور الْعين وَجوَار ربكُم -عز وَجل- فِي جنَّات النَّعيم، مَا أَنْتُم إِلَى ربكُم فِي موطن بِأحب إِلَيْهِ مِنْكُم فِي مثل هَذَا الموطن، أَلا وَإِن للصابرين فَضلهمْ2.

_ 1 الطَّبَرِيّ (3/397) . 2 ابْن كثير (7/9) .

خالد يأمر بالهجوم

خَالِد يَأْمر بالهجوم: سمع الْمُسلمُونَ هَذِه الْكَلِمَات فَوَقَعت من نُفُوسهم موقعاً أنساهم قلتهم وَكَثْرَة عدوهم، وتطلعت قُلُوبهم إِلَى مَا عِنْد الله، وهبت عَلَيْهِم من خلالها نسائم الْجنَّة فاشتاقوا إِلَيْهَا، ولمح خَالِد فِي الْجنُود حماساً لم يره من قبل، وَرَأى حبهم للْجِهَاد على النَّحْو الَّذِي كَانَ يتطلع إِلَيْهِ مُنْذُ قدم إِلَى اليرموك، وتأكد أَن الْمُسلمين قد تأهبوا للمعركة بِكُل إمكاناتهم، فانتهز الفرصة، وَأمر عِكْرِمَة والقعقاع أَن ينشبا الْقِتَال، فبرز الْقَعْقَاع وَهُوَ يرتجز:

يَا ليتى أَلْقَاك فِي الطراد ... قبل اعترام الجحفل الورَّاد وَأَنت فِي حلبتك الْوَارِد وَتَبعهُ عِكْرِمَة وَهُوَ يَقُول: قد علم بهكنة الْجَوَارِي ... أَنِّي على مكرمَة أحامي ونشبت المعركة حامية الوطيس، مستعرة الأوار، السيوف تخطف الْأَرْوَاح، وتزيل الْهَام، وتفري الْأَجْسَام.

خالد يستقبل بريد الخليفة

خَالِد يسْتَقْبل بريد الْخَلِيفَة: وبينما الْمُسلمُونَ كَذَلِك إِذْ أقبل الْبَرِيد من الْمَدِينَة مسرعاً يتخطى الناس، وَيسْأل عَن خَالِد، وَالنَّاس وَرَاءه يتبعونه ليستطلعوا مِنْهُ أَخْبَار الْمَدِينَة، يبشرهم بِالْخَيرِ، ويخبرهم عَن الأمداد. وَلما بلغ الْبَرِيد خَالِدا سلمه الْكتاب، وَأخْبرهُ بوفاة أبي بكر، أسر إِلَيْهِ بِهِ، وَأخْبرهُ بِمَا أخبر بِهِ الْجند، فسر خَالِد فِي حسن تصرف الْبَرِيد وَقَالَ لَهُ: أَحْسَنت، وَوضع الْكتاب فِي كِنَانَته حَتَّى لَا يتطلع أحد على مَا فِيهِ فيجزع الْجند، وينتشر الْأَمر.

إسلام قائد من قواد الروم

إِسْلَام قَائِد من قواد الرّوم: وَفِي الْوَقْت نَفسه خرج جرجة من صُفُوف الرّوم حَتَّى وقف بَين الصفين، ونادى ليخرج إِلَيّ خَالِد فَخرج خَالِد إِلَيْهِ، وأناب أَبَا عُبَيْدَة عَنهُ، والتقى الرّجلَانِ بَين الصفين، وَسَأَلَ جرجة خَالِد عَن سَبَب تَسْمِيَته سيف الله، فَأخْبرهُ خَالِد بِأَن الرَّسُول هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بذلك وَدَار بَين الرجلَيْن حَدِيث طَوِيل أسلم جرجة على أَثَره، وَتبع خَالِدا إِلَى خيمته ليعلمه الْإِسْلَام.

موقف عكرمة من هجوم الروم

موقف عِكْرِمَة من هجوم الرّوم: ظن الرّوم أَن جرجة خمل على الْمُسلمين، وَأَنه فِي حَاجَة إِلَى المدد، فحملوا على الْمُسلمين حَملَة أزالتهم عَن مواقفهم، وَثَبت لَهُم عِكْرِمَة بن أبي جهل والْحَارث بن هِشَام، وَكَانَا على حامية فسطاط خَالِد، وَلما رأى عِكْرِمَة تراجع الْمُسلمين قَالَ: قَاتَلت رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- فِي كل موطن، وأفر مِنْكُم الْيَوْم، ثمَّ نَادَى فِي الْمُسلمين، من يُبَايع على الْمَوْت؟ فَبَايعهُ عَمه الْحَارِث بن هِشَام وَضِرَار بن الْأَزْوَر ومعهما أَرْبَعمِائَة من أبطال الْمُسلمين

خالد يدير المعركة

خَالِد يُدِير المعركة: وواجه خَالِد مسيرَة الرّوم الَّتِي حملت على ميمنة الْمُسلمين، فَقتل مِنْهُم سِتَّة آلَاف، والتفت إِلَى صَاحبه وَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لم يبْق عِنْدهم من الصَّبْر وَالْجَلد إِلَّا مَا رَأَيْتُمْ، وَإِنِّي لأرجو أَن يمنحكم الله أكتافهم، ثمَّ اعْتَرَضَهُمْ فَحمل بِمِائَة فَارس على مائَة ألف مِنْهُم، فَلم يكد يصل إِلَيْهِم حَتَّى انفض جمعهم، وَحمل عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ حَملَة صَادِقَة، فانكشفوا لَا يلوون على شَيْء وتبعهم الْمُسلمُونَ يقتلُون وَيَأْسِرُونَ. وَصلى الْمُسلمُونَ صَلَاة الظّهْر وَالْعصر إِيمَاء: وَاسْتشْهدَ جرجة، وَحمل خَالِد بِرِجَالِهِ على الرّوم حَتَّى صَار فِي وَسطهمْ، وذعر الرّوم لهول مَا رَأَوْا من الْمُسلمين، وفر خيالتهم وأفسح لَهُم الْمُسلمُونَ الطَّرِيق، فهاموا على وُجُوههم فِي الْبِلَاد، ثمَّ تبعوا من فر من الخيالة، واقتحم خَالِد عَلَيْهِم الخَنْدَق، وَجعل الرّوم يقهقرون أَمَام الهجوم الكاسح الَّذِي شنه خَالِد فِي اللحظة الْمُنَاسبَة حَتَّى وصلوا إِلَى الواقوصة. وَجعل الَّذين سلسلوا أنفسهم لِئَلَّا يَفروا يتساقطون فِي الواقوصة كَمَا يتساقط الْفراش فِي النَّار، وَكلما سقط رجل من مَجْمُوعَة سَقَطت مَعَه بأكملها حَتَّى سقط فِيهَا، وَقتل عِنْدهَا مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا، ثَمَانُون ألف مقترن وَأَرْبَعُونَ ألف مُطلق، سوى من قتل فِي المعركة من الْخَيل وَالرجل3، وَأخر النَّاس صَلَاة العشائين حَتَّى اسْتَقر الْفَتْح. وأمعن الْمُسلمُونَ فِي قتل الرّوم، وظلوا يُقَاتلُون حَتَّى أَصْبحُوا، وَدخل خَالِد رواق تذارق أخي هِرقل، فَلَمَّا أَصْبحُوا وَقد انْتَهَت المعركة أُتِي خَالِد بِعِكْرِمَةَ بن أبي جهل جريحاً فَوضع

_ 3 الطَّبَرِيّ (3/400) .

رَأسه على فَخذه، وبعمرو بن عِكْرِمَة فَجعل رَأسه على سَاقه، وَمسح وجهيهما، وَأخذ يقطر فِي حلقيهما المَاء حَتَّى اسْتشْهدُوا، وَقَالَ: زعم ابْن حنتمة -يَعْنِي عمر- أننا لَا نستشهد1. وَقَاتل نسَاء الْمُسلمين فِي هَذَا الْيَوْم، وَقتلُوا عددا كَبِيرا من الرّوم، وَكن يضربن من انهزم من الْمُسلمين وَيَقُلْنَ: أَيْن تذهبون وتدعوننا للعلوج، وعندئذ يرجع المنهزمون، وَكَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ من المنهزمين وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر حَتَّى بلغُوا النِّسَاء، فَلَمَّا زجرنهم رجعُوا إِلَى الْقِتَال2.

_ 1 ابْن الْأَثِير (2/414) . 2 ابْن كثير (7/13-14) .

دفع الشبهة

دفع الشُّبْهَة: وَكَانَ يزِيد بن أبي سُفْيَان من الَّذين ثبتوا وَلم يَفروا، وَقَاتل قتالاً شَدِيدا، لِأَن أَبَاهُ مر بِهِ، وَذكره بِمَا يجب عَلَيْهِ وعَلى أَمْثَاله من الْأُمَرَاء، وَأمره بِالصبرِ والثبات، ورغبه فِيمَا عِنْد الله من الْأجر والمثوبة، فَأجَاب يزِيد، أفعل إِن شَاءَ الله3. وَهَذِه الرِّوَايَة ترد رِوَايَة ابْن الْأَثِير الَّتِي رَوَاهَا عَن عبد الله بن الزبير، وفيهَا يتهم أَبَا سُفْيَان ورجالاً من مَكَّة يسميهم مهاجرة الْفَتْح، بِأَنَّهُم تنحوا عَن الميدان، وظلوا بَعيدا يتربصون بِالْمُسْلِمين فَإِذا ركب الرّوم الْمُسلمين قَالُوا: إيه بني الْأَصْفَر، وَإِذا غلب الْمُسلمُونَ يَقُولُونَ: وَيْح بني الْأَصْفَر. تدل هَذِه الرِّوَايَة على تجنب أبي سُفْيَان المعركة، وَأَنه لم يشْتَرك فِيهَا، وَلَكِن ابْن الْأَثِير نَفسه يذكر مَا يكذب ذَلِك، حَيْثُ يرْوى بعْدهَا مُبَاشرَة وَفِي الصَّحِيفَة نَفسهَا أَن عين أبي سُفْيَان قد أُصِيبَت فِي المعركة، وَذَلِكَ أَمر مجمع عَلَيْهِ من المؤرخين، فَكيف يكون أَبُو سُفْيَان بَعيدا عَن ميدان المعركة يتربص بِالْمُسْلِمين، وَكَيف يُصِيب سهم فِي عينه فيفقؤها وينتزع السهْم من عينه أَبُو حثْمَة4. ويروي ابْن كثير عَن سعيد بن المسيَّب عَن أَبِيه قَالَ: هدأت الْأَصْوَات يَوْم اليرموك فسمعنا صَوتا يكَاد يمْلَأ المعسكر يَقُول: يَا نصر الله اقْترب، الثَّبَات الثَّبَات يَا معشر الْمُسلمين قَالَ: فَنَظَرْنَا فَإِذا هُوَ أَبُو سُفْيَان تَحت راية ابْنه يزِيد5.

_ 3 نَفسه. 4 ابْن الْأَثِير (2/414) ، والطبري (3/401) . 5 ابْن كثير (7/14) .

أَيْن كَانَ أَبُو سُفْيَان وَهُوَ يُنَادي نصر الله؟ وَهُوَ يطْلب الثَّبَات من الْمُسلمين؟ هَل كَانَ يطْلب الثَّبَات وَهُوَ هارب من الميدان؟ وَهل يَلِيق بِرَجُل كَأبي سُفْيَان أحد زعماء قُرَيْش أَن يطْلب الثَّبَات من الْمُسلمين ويفر هُوَ خَارج المعركة؟ وَمن الَّذِي يَصِيح بِالْمُسْلِمين ليثبتوا ثمَّ يرى بعد ذَلِك بَعيدا عَن الميدان؟. أغلب الظَّن أَن الرِّوَايَة مكذوبة على أبي سُفْيَان، فقد أجمع المؤرخون على أَنه كَانَ واعظ الْجَيْش وروى عَنهُ المؤرخون كَلِمَات فِي الحض على الْقِتَال والحث على الثَّبَات تثير إعجاب كل من قَرَأَهَا أَو سمع بهَا.

هزيمة الروم

هزيمَة الرّوم: وفر المنهزمون من اليرموك حَتَّى بلغُوا دمشق، وَأما هِرقل فَإِنَّهُ لما بلغه خبر اليرموك وَكَانَ بحمص تَركهَا وَولى عَلَيْهَا رجلا وَجعلهَا بَينه وَبَين الْمُسلمين، وودع سوريا الْوَدَاع الْأَخير. وَتوجه الْمُسلمُونَ بعد ذَلِك إِلَى الْأُرْدُن، وطهرها مِمَّا بَقِي فِيهَا من جنود الرّوم، ثمَّ تابعوهم إِلَى دمشق حَيْثُ حاصروهم هُنَاكَ. وَبلغ عدد الشُّهَدَاء من الْمُسلمين ثَلَاثَة آلَاف شَهِيد بَينهم كثير من كبار الصَّحَابَة مثل سعيد بن الْحَرْب بن قيس السَّهْمِي، ونعيم النحام، وَالنضير بن الْحَارِث، وَأَبُو الرّوم عُمَيْر بن هِشَام أَخُو مُصعب بن عُمَيْر. وَكَانَ فِي جنود هَذِه المعركة ألف صَحَابِيّ مِنْهُم مائَة مِمَّن شهد بَدْرًا1. وغنم الْمُسلمُونَ كل مَا كَانَ فِي معسكر الرّوم، وَكَانَ شَيْئا عَظِيما حَتَّى خص الْفَارِس من النَّفْل ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم2 أَو ألف وَخَمْسَة دَرَاهِم3، وَكَانَت الموقعة الفاصلة عِنْد اليرموك فِي شهر جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الثَّالِثَة عشرَة من الْهِجْرَة بعد أَن مكث الْمُسلمُونَ قرَابَة أَرْبَعَة أشهر لَا ينالون من الرّوم، وَلَا ينَال مِنْهُم. وَلما انْتَهَت المعركة، وطارد الْمُسلمُونَ الرّوم حَتَّى حاصروهم فِي دمشق أظهر خَالِد الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ الْبَرِيد، فَإِذا هُوَ نعي للخليفة، وعزل لخَالِد من الْإِمَارَة وتولية لأبي عُبَيْدَة بن الْجراح إِمَارَة النَّاس، وعندئذ قَالَ خَالِد -رَضِي الله عَنهُ- وَهُوَ يعلن وَفَاة الْخَلِيفَة

_ 1 ابْن الْأَثِير (2/410-414) . 2 الطَّبَرِيّ (3/400) . 3 هيكل ص 303.

وتولية عمر: (الْحَمد لله الَّذِي قضى على أبي بكر بِالْمَوْتِ، وَكَانَ أحب إِلَى من عمر وَالْحَمْد لله الَّذِي ولي عمر، وَكَانَ أبْغض إِلَى من أبي بكر، وألزمني حبه) 1.

_ 1 ابْن كثير (7/14) .

وفاة الصديق

وَفَاة الصّديق: وَنحن نلاحظ خلافًا فِي تَارِيخ وَفَاة الصّديق -رَضِي الله عَنهُ- يَنْبَغِي أَن يُحَقّق، فالطبري وَابْن الْأَثِير وَابْن كثير والسيوطي والبلاذري كلهم مجمعون على أَن الْوَفَاة كَانَت فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَهَذَا أَمر لَا خلاف فِيهِ بَين المؤرخين. وكما اتّفق المؤرخون على الشَّهْر الَّذِي توفّي فِيهِ الْخَلِيفَة، فهم كَذَلِك متفقون على أَن الْوَفَاة كَانَت فِي السّنة الثَّالِثَة عشرَة من الْهِجْرَة. وَيَأْتِي الْخلاف بعد ذَلِك فِي الْيَوْم الَّذِي حصلت فِيهِ الْوَفَاة، وَالرِّوَايَة الَّتِي تكَاد تحظى بِإِجْمَاع المؤرخين أَنه -رَضِي الله عَنهُ- اغْتسل فِي يَوْم شَدِيد الْبرد، وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من جُمَادَى الْآخِرَة، فَحم على أثر ذَلِك خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَتُوفِّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة2. ولكننا نرى أَن الْبَرِيد قد وصل والمسلمون فِي اليرموك والمعركة دَائِرَة بَينهم وَبَين الرّوم والمؤرخون أنفسهم يرَوْنَ أَن معركة اليرموك انْتَهَت فِي جُمَادَى الْآخِرَة كَذَلِك، فَمَتَى يصل الْبَرِيد من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام؟ وَفِي كم يَوْم يقطع الْمسَافَة؟؟ إِن الْبَرِيد مهما كَانَت سرعته لَا يُمكن أَن يقطع هَذِه الْمسَافَة فِي أقل من عشرَة أَيَّام، وَلَو توفى الْخَلِيفَة لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة لتحتم أَن تكون المعركة قد امتدت إِلَى شهر رَجَب. وَلِهَذَا فَإِنِّي أرجح أَن تكون وَفَاة الصّديق فِي النّصْف من جُمَادَى الْآخِرَة قبل انْتِهَاء المعركة بِعشْرَة أَيَّام كَمَا ذكر الطَّبَرِيّ حَيْثُ يَقُول: (وَمرض أَبُو بكر -رَحمَه الله- فِي جُمَادَى الأولى وَتُوفِّي لِلنِّصْفِ من جُمَادَى الْآخِرَة، قبل الْفَتْح بِعشْرَة أَيَّام) 3. وَهَذِه الْأَيَّام الْعشْرَة يُمكن أَن يصل الْبَرِيد فِيهَا من الْمَدِينَة المنورة إِلَى الشَّام حَيْثُ تَدور المعركة.

_ 2 الطَّبَرِيّ (3/419) ، ابْن الْأَثِير (2/418) ، ابْن كثير (7/18) ، السُّيُوطِيّ ص 81. 3 الطَّبَرِيّ (3/394) .

§1/1