موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي

محمد نعيم ساعي

المقدمة

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي هذه الموسوعة تضمنت أمهات مسائل الفقه الإِسلامي التي قال بها جمهور العلماء من أئمة السلف وصالحي هذه الأمة في خير القرون ابتداء بعصر الصحابة والتابعين وانتهاء بآخر عصر الأئمة المجتهدين تَأِلْيف الدكتور: محمد نعيم محمد هاني ساعي أستاذ الفقه وأصوله - الجامعة الأمريكية المفتوحة الولَايات المتحدَة المجلَّد الأوَّل دار السلام للطباعة والنشر وَالتوزيع والترجمَة

الباعث على تأليف هذا الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله دائم الفضل والإنعام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام سيدنا محمَّد وآله الطيبن وأزواجه الطاهرات وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان على الدوام من السلف الصالح والخلف العظام المبتغين وجه مولانا ذي الجلال والإكرام وبعد. فهذا كتابنا "موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإِسلامي" قد شاء ربنا -عز وجل- أن يرى النور بعد إذ ظل حبيس الخزائن والأوراق أكثر من سبعة عشر عامًا فلله الحمد والشكر على ما أنعم وأتم. الباعث على تأليف هذا الكتاب لقد كنت وما زلت أعتقد أنَّ الفقه الإِسلامي هو حياة الأمة ومبعث المتقدم والتحضر فيها بل هو عندي ميزان قوتها وضعفها ومؤشر عزَّتها وهوانها ... إن الفقه الذي أعنيه ليس كتابًا ودرسًا أو محاضرةً وندوةً ولا حتى استفتاءً وفتوى وحسب، بل هو قبل ذلك علم وعمل ومعرفة وأخلاق، وأعظم من ذلك كله دستور وقانون وحاكم وسلطان ... إنه بكلمةٍ مختضرةٍ هوية شعبٍ وكيان أمة .... إنه كتاب ناطق وسنَّة ماضية ... إن الفقه يا أحبتنا .... القرآنُ الكريمُ بسوره وآياته وعبره وعظاته، وأمره ونهيه .... إنه سنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بكل ما فيها من حب ورحمة وأدب وتواضعٍ وهدًى ورشاد .... الناقلون لهذا العلم وإذا كان الفقه بهذا المعنى الكبير فلابد أن يتناسق حاملوه وناقلوه مع ما ذكرناه .... نعم أيها القراء الأعزاء .. إنهم العلماء والفقهاء .. إنهم ورثة الأنبياء، وطريق الأولياء .. تلقٍ وإسناد وزهدٌ وعزوفٌ وعزة واستغناء، وخضوع وإِخباتٌ ... وصدق وإباء .. إنها بعض صفات الناقلين لهذا العلم الجليل ... ولو أنك رأيت الفقه الإِسلامي وقد تخلَّفت عنه بعض معانيه التي ذكرنا أو بعض صفات حامليه وناقليه التي إليها نوَّهنا وأشرنا فاعلم أنه ليس هو الفقه الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" ... نعم ليس هو الفقه ذاك .. إن فقهًا تُباع به الأديان. وتشتري به الذمم أو فقهًا تُطرق به أبواب الدنيا ويتلهى به عن الآخرة. ليس هو فقه الإِسلام والدين الذي ذكره

مسائل الإجماع

ربنا -عز وجل- في كتابه بقوله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .. وإن الفقه الذي صار قاصرًا على الحرف والقلم. وانفصل عن ميادين الحياة والذمم .. ليس هو الفقه الذي أمر به مولانا -سبحانه وتعالى- عندما قال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ... فإذا كان هذا الذي ذكرناه قد كان بعضه أو جله ولا زال كائنًا فهل هي نهاية الدنيا وآخر الأمر؟؟ ... لا وألف لا .. إنه نور الله لابد أن يتم (¬1) .. وهو دينه -عز وجل- لابد أن يظهره على الدين كله (¬2) .. وإنه التجديد في دين هذه الأمة لابد كائن (¬3) ولولا هذا وذاك لما شرع قلم أو خط بنان .. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]. مسائل الإجماع لا يختلف فقيه أو عالم على أهمية الإجماع في الشريعة الإِسلامية، إذ هو ركن ركين من أركان الفقه الإِسلامي وهو في حقيقته عمود هذا الدين الذي قام عليه في قسميه العقدي والتشريعي ونحن هنا سنخصُّ القسم التشريعي. في الكلام على مواده وبعض ما يؤخذ على المشتغلين به، وأما الإجماع في قسمه العقدي. فقد إنتهينا بحمد الله وفضله من الكلام عليه وفق قواعد النظر والاستدل في كتابنا "القانون في عقائد الفرق الإِسلامية" بوضع قانونٍ يرجع إليه المختلفون في العقائد من أصحاب المقالات والفرق الإِسلامية إذا راموا وحدةً علميةً فيما بينهم تقوم على أصول هذا الدين وفق منهاج لا مجاملة فيه ولا مداهنة يعتمد على "قواطع الوحي واللغة والعقل". الإجماع "المتفق عليه" والإجماع الذي نعني هو الإجماع المتفق عليه الذي مهما بحثت له عن مخالفٍ من المجتهدين كثر أو قلَّ كان مشهورًا أو مغمورًا (¬4) فإنك لن تجد له سبيلًا. ¬

_ (¬1) قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ...} [التوبة: 32] (¬2) قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ..} [التوبة: 33]. (¬3) قال - صلى الله عليه وسلم -:"يبعث الله على رأس كل قرن (أو مائة عام) من يجدد لهذه الأمة أمر دينها" [أخرجه أبو داود في السنن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بإسنادٍ صحيح]. (¬4) وسواء كان هذا الخالف صاحبيًّا أو تابعيًّا أو غيرهما من سائر المجتهدين المعتبرين، وسواء كان المخالف في زمان وقوع المسألة أو بعدها بشرط أن لا يثبت إجماع صريح في زمان المسألة أو الواقعة. إذ لا يجوز في مذهبنا إذا ثبت هذا أن يُحْدِثَ أحدٌ اجتهادًا جديدًا، وهو بالاستقراء قليل ونادر.

الإجماع المدعى

وهذا الإجماع قسمان: قسم يعلمه الخاصة والعامة من المسلمين وهو المسمى عندهم بـ "المعلوم من الدين بالضرورة" كفرض الحج والصيام والصلوات الخمس والزكاة وبعض التفصيلات في تلك الأركان كوجوب الطواف والسعي والوقوف بعرفة ووجوب الإمساك في رمضان في نهاره وحل الإفطار في ليله وأن الصلاة فيها قيام وقراءة وركوع وسجود وغير ذلك، ومن هذا القبيل علم الخاصة والعامة بتحريم الزنا والربا والخمر والميسر وقذف الأعراض ونحو ذلك، ومن هذا القبيل كذلك تحريم التبرُّج وكشف العورات في الجملة ووجوب التستر والتحشُم والعفاف، فهذا النوع من الإجماع لا يحتاج لبحث أو اطلاع أو سؤال عالم أو استفتاء فقيه. وقسم آخر من الإجماع هو في حقيقته تفصيل للقسم الأول، وهذا إنما يعرفه الخاصة من المسلمين وهم علماء الشريعة وفقهاؤها، وأما العامة ففرضهم سؤال أهل العلم واستفتاؤهم (¬1) ومن هذا القبيل: إجماعهم على أن القصر جائز في السفر المعتبر (¬2)، وإجماعهم على بعض أنصبة الزكاة المفروضة، وإجماعهم على بعض مناسك الحج ووجوب الدماء في بعض محظوراته، ومن هذا القبيل إجماعهم على معنى التستر الذي أمرت به المرأة وهو "الحجاب" وهو ستر البدن كله ما عدا الوجه والكفين (¬3)، وغير ذلك، وإنما يقل معرفه العامة في المسلمين بهذا القسم ويكثر بحسب إقبال الناس على العلم والاحتكاك بالعلماء والتلقي عنهم، وهذا في حقيقته يعكس حال أمة الإِسلام تقدمًا وتخلُّفًا، فهذه الأمة كانت أيام عزها وريادتها مقبلة على العلم والتعلم عارفة بكثير مما أجمع عليه العلماء واختلفوا فيه، ولما تخلفت وتأخرت دبَّ فيها العجز وفشا الجهل بأبسط معارف دينها ودنياها فلله الأمر من قبل ومن بعد. الإجماع المُدَّعى وأما الإجماع بغير المعنى الذي ذكرناه وبقسميه السابقين فقد تعددت مراتبه وكثر مدَّعوه، من ذلك فتوى الصحابي الذي لم يعلم له مخالف بين سائر الصحابة، ومن ¬

_ (¬1) يعني طلب معرفة تلك المسائل من العلماء والفقهاء؛ إذ أن مسائل الإجماع بالمعنى الذي أشرت إليه سابقًا وبقسميها المذكورين لا تحتاج لفتوى عالم أو فقيه؛ لأنها ليست محلًّا أصلًا للاجتهاد أو البحث والنظر وإنما وظيفة العلماء والفقهاء هي بيانها والدلالة عليها. (¬2) مع اختلافهم في تحديد معنى السفر الذي يجوز فيه القصر. (¬3) أما الوجه والكفَّان ففيهما خلاف مشهور. انظر كتابنا "النقاب ودعاة الاختلاط"

ذلك اتفاف الخلفاء الراشدين أو اتفاف أهل الحرمين أو اتفاق أهل المدينة أو اتفاق أكثر أهل العلم فكل ذلك لا يُعَدُّ إجماعًا على التحقيق في مذهبنا ومذهب جمهور أهل العلم من الأصوليين والفقهاء، وهذا النوع من إجماع المُدَّعى أكثر من الإجماع المتفق عليه الذي ذكرته أولًا وقد شكلت مسائل هذا النوع من الإجماع (أعني الإجماع المدعى) أكثر مادة "موسوعة الإجماع في الفقه الإِسلامي" للشيخ الفاضل الأستاذ "سعدي أبو حبيب". أجزل الله مثوبته مما جعل موسوعته مزيجًا وخليطًا من مسائل الاتفاق ومسائل الاختلاف، بل حتى مسائل مقطوع بالإجماع فيها. ومسائل مقطوع بالخلاف فيها وقد صرح هو حفظه الله بهذا المزج في مقدمة كتابه، إلا أنه يعاب على المصنف أكرمه الله تعالى أنه لم يلتزم بالتمييز بين المسائل التي ثبت فيها الإجماع أو صحَّ وبين المسائل التىِ ثبت فيها الخلاف المعتبر؛ بل وفي كثير من الأحيان المسائل التي اشتد فيها الخلاف. فإن قال قائل: لكن المصنف لم يلتزم بتعريف معين للإجماع كما ذكرت، وكما بين هو فلا يصح أن ينازع فيما أدخله في كتابه في شتى أنواع الإجماع. والجواب: أن هذا التوجيه لا يصح لأن المصنِّف حفظه الله تعالى قد فسح المجال في هامش كتابه لنقد بعض المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع لعدةٍ من الأئمة، وكان معظمها من نصيب ابن حزم الأندلسي -رحمه الله- تعالى، ومن كتابه "نقد مراتب الإجماع" لكن الشيخ سعدي حفظه الله كما قلت لم يلتزم بهذا المنهج في كثير من المسائل التي ثبت فيها الخلاف؛ بل والخلاف الشديد في بعض الأحيان، وكان من اليسير على الشيخ أكرمه الله أن يثبت هذا الخلاف في هامش كتابه؛ لأن هذا الخلاف موجود في نفس المصدر، وفي نفس الصحيفة في بعض الأحيان التي نقل منها أو منه المسألة التي ادعِيَ فيها الإجماع (¬1)، وهذا عندي خلل يذهب بفائدة كبرى من فوائد تلك الموسوعة وهي التمييز بين ما لا يجوز فيه الخلاف ولا الاجتهاد، وبين ما يجوز فيه ذلك، وبين ما ليس فيه سعة للناس وبين ما لهم فيه سعة وبحبوحة يستوي في هذا الأمر الأخير العامةُ والخاصةُ، وهناك أمور أخرى تؤخذ على موسوعة الإجماع ليس هذا مجال بسطها الآن (¬2). ¬

_ (¬1) انظر (يمين) (10) ح 2 [ي 9/ 520 م 1133] وانظر (بيع) (49) فقره (2) ح1 [ب 2/ 157 م 425 ن 5/ 149] وراجع مج ح 6 ص 317. مغ ح 4 ص 216. وانظر (مواريث (151) ح 2 [ي 6/ 283 - 284]. (¬2) إلا أن هذا الذي ذكرته لا يقلل من شأن الجهد الذي بذل في تلك الموسوعة بل نحن لازلنا ندعو لمصنفها ونذكره بالخير والثناء والحسن ونعترف له بالجميل، تقبل الله منا ومنه آمين.

أهمية اتفاق أكثر أهل العلم أو "قول الجمهور"

أهمية اتفاق أكثر أهل العلم أو "قول الجمهور" لقد ذكرت فيما مضى أن "اتفاق أكثر أهل العلم" لا يُعتبر إجماعًا عند أكثر الأصوليين والفقهاء، وهو كذلك. إلا أن هذا لا يقلل من شأن قولهم، بل إنه في حقيقته يعزز من مكانته ولو لم يكن لقول "الجمهور" إلا اختلاف العلماء في اعتباره إجماعًا لكفى، فكيف إذا عرف القارئ ما لقول "الجمهور" من أهمية وفضل فوق هذا الذي ذكرناه. فلا أظنه يعجب بعد ذلك من إنفاقنا الوقت والجهد والمال لتأليف هذه الموسوعة المباركة. موسوعة مسائل "الجمهور" صلة وصلٍ بين الأصول وبين الفروع إن المستقرأ لأحكام الشريعة يجد أنها تنقسم إلى قسمين رئيسين: أصول مجمع عليها، وفروع مختلف فيها، ويجد كذلك أن الفروع المختلف فيها تنقسم إلى قسمين: فروع أشتد فيها الخلاف (¬1)، وفروع ضعف فيها الخلاف (¬2)، وهذا القسم الأخير يضعف فيه الخلاف ويضيق حتى يقترب جدّا من مسائل الإجماع. وقد لا يكون هذا فتبقى المسألة أقرب إلى مسائل الخلاف، وهذا هو بكل تبسيط واستقراء حال مسائل الجمهور التي قمنا بجمعها في هذه الموسوعة المباركة إنها أشبه ما تكون بالمواد الضرورية لحماية هيكل البناء أو العمران فلا هي هيكل وقواعد وأعمدة، ولا هي في الوقت نفسه تزويق أو تزيين أو كماليات للبناء لكنها بين ذلك وذاك من غير أن يستغنى واحد منهما عنها. مسائل الجمهور وأمهات مسائل الفقه الإِسلامي للفقه مسائل هي قوامه وأصله، عليها وعلى أساسها قام التشريع الإِسلامي، وعليها وعلى تفريعاتها جرى معظم جهد الفقهاء وأئمة العلم، هذه المسائل تُسمى عند العلماء بـ "أمهات مسائل الفقه" وهي مسائل تتناول أبواب الفقه من أولها إلى آخرها عبادات ومعاملات، وهذه المسائل في حقيقتها تمثل المادة الخام التي تشكلت منها تصورات ¬

_ (¬1) يعني تحددت في المسألة الأقوال وكثر عدد المختلفين في كل فريق. (¬2) يعني انحصرت في المسألة الأقوال وقيل عدد المخالفين للأكثرين.

مسائل الجمهور ومقاصد الشريعة وكلياتها الكبرى

موالإِسلام ومفاهيمه العامة، فمسائل الطهارة في أصولها من تقسيم المياه إلى طاهرة مطهرة وطاهرة غير مطهرة ومتنجسة وتقسيم الماء إلى قليل وكثير، ومسائل تطهير المتنجس من ثوب أو بدن أو مكان، ومسائل شروط صحَّة الصلاة من وضوء وغسل وستر عورة واستقبال قبلة، وتفصيلات مسائل الوضوء والغسل وما يوجبهما ويفسدهما. أقول هذه كلها أمهات مسائل ولو ذهبت أستقصي سائر أبواب الفقه لما انتهينا إلا بوضع مصنف برمته يلتقط درر تللث المسائل ويجمع شملها، فإذا عرف القارئ أن مسائل الجمهور هي معظم أمهات مسائل الفقه الإِسلامي (¬1) إن لم تكن كلها وإذا عرف القارئ كذلك أننا ضممنا إلى مسائل الجمهور كثيرًا من مسائل الإجماع أو الاتفاق المتعلقة بها، فلا أظن بعد هذا أن كتابنا هذا قد ترك من أمهات مسائل الفقه إلا القدر اليسير والنادر (¬2) وكتاب هذا شأنه أرجو من الله تعالى أن تتم به الفائدة ويكثر به النفع. مسائل الجمهور ومقاصد الشريعة وكليَّاتها الكبرى لقد استقصينا مسائل الجمهور التىِ جمعناها واستقرأنا معانيها التي تضمنتها فما وجدناها في غالبها الأغلب إلا منسجمة ومتناسقة مع مقاصد الشريعة وقواعدها وكلياتها "الكبرى" فمقاصد الحرص على التطهر والتنظف من الأدناس والأرجاس، ومقاصد التخفيف والتيسير ورفع الحرج في العبادات خاصة؛ كلها متفقة مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في تفصيلات تلك المسائل، ومقاصد الأمر بالتستر والتحشم وحفظ العورات وسد أبواب التعدِّي على الأعراض والأموال والدماء، ومقاصد الردع والزجر في أبواب الحدود والجنايات، أقول: كل ذلك منسجم في معظمه كما قلت مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والعلماء، وقيل الأمر نفسه في سائر مقاصد الشريعة، وكلياتها ولا غرابة في هذا؛ فإنه من مقتضيات البناء الإِسلامي الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة. مسائل الجمهور وقواعد الفقه وإذا كانت القواعد الفقهية التي وضعها الفقهاء بعد استنباطهم لأحكام الفقه من ¬

_ (¬1) يعني في قسمه المختلف فيه. (¬2) وهذا الذي ذكرته صادق إن شاء الله تعالى، وما على القارئ إلا استعراض كتابنا هذا لتتأكد له تلك الحقيقة العلمية الكبرى

مسائل الجمهور وأدلة الفقهاء في المسائل المتنازع فيها

أدلتها التفصيلية لا تبتعد كثيرًا في روحها عن مقاصد الشريعة، فلا عجيب بعد ذلك أن تأتي مسائل الجمهور منسجمة في غالبها الأغلب مع تلك القواعد، فقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" أو قاعدة "إذا ضاق الأمر اتسع" أو قاعدة "الأمور بمقاصدها"، أو قاعدة "العادة محكمة"، وغير ذلك من قواعد الفقه الكبرى لا تذهب بعيدًا عما قال جمهور الفقهاء والعلماء. مسائل الجمهور وأدلَّة الفقهاء في المسائل المتنازع فيها إن المستقرأ لمسائل الجمهور والأدلة التي استندت إليها يجد أنها في الغالب الأغلب أقوى دليلًا وأظهر حجة بالمقارنة مع أدلة من خالف الجمهور من بعض أهل العلم المجتهدين وأئمته، وهذا الترجيح الذي خلصنا إليه وإن كان ترجيحًا اعتباريًّا في أعيان المسائل وتفصيلاتها، إلا أنه في ظني ترجيح صادق في جملته وعمومه، فقد يختلف أهل النظر من المشتغلين في الفقه وعلومه في المسألة الفلانية مثلًا التي قال فيها الجمهور بقول. أهو أرجح دليلًا وأقوى حجة من قول من خالفهم؟ أم أن قول غيرهم أقوى وأظهر؟ إلا أن هؤلاء الناظرين لو جمعوا مسائل الجمهور كلها الراجح منها والمرجوح لوجدوا والله تعالى أعلم أن ما رجح منها يفوق بكثير المرجوح والضعيف (¬1)، وقد رأيت المشتغلين بمذاهب الأئمة ونقل أقوالهم يجنحون إلى هذا الذي ذكرته أو نحوه كابن المنذر وابن رشد وابن حجر وغيرهم رحمهم الله تعالى. " ترجيح مذهب الجمهور في الجملة" له أسبابه ولما بحثنا عن الأسباب الكامنة وراء قوة قول الجمهور في الجملة ورجحانه، وجدنا ما تقر به الأعين وتلذُ به الأنفس، وهاك أيها القارئ الحبيب بعضها: ¬

_ (¬1) وكما ذكرت هذا الذي توصلت إليه ظنًّا واجتهادًا يبقى الباب مفتوحًا لكل باحث وناظر ليخلص إلى النتيجة التي تهتدي إليها دراسته ويطمئن إليها بحثه وما أظنه في نهاية المطاف إلا ضامًا رأيه إلى رأينا في هذا المقام، والله تعالى أعلم.

مسائل الجمهور وقول "أكثر الصحابة والتابعين"

مسائل الجمهور وقول "أكثر الصحابة والتابعين" أولًا: لن تجد في الغالب الأغلب قول الجمهور من الفقهاء المجتهدين في الأعصر المختلفة إلا وهو موافق لقول أكثر الصحابة أو التابعين أو قول أكثر الصحابة والتابعين معًا إذا وجد (¬1) لأكثر هؤلاء رضي الله تعالى عنهم قول في المسألة التي قال بها الجمهور من الفقهاء، وهذا أمر مفروع منه توصلنا إليه بالبحث والاستقراء، وهذا السبب وحده فيه من قوة الترجيح ما يعتز به الفقيه ويفخر وذلك بالنظر إلى حقيقته ومعناه. مسائل الجمهور وبلوغ الخبر النبوي لبعض المجتهدين دون بعض ثانيًا: إذا كان من بين أسباب الخلاف بين الأئمه المجتهدين هو بلوغ الحديث النبوي على صاحبه أفضل صلاة وأتم سلام لبعض المجتهدين دون بعض، فإنك لن تجد في الغالب الأغلب الجمهور من الفقهاء يذهبون إلى قول إلا والحديث الشريف والنص النبوي في المسألة معهم لا يتركهم ولا يتركونه، وإن فات البعض من الأئمة هذا الحديثُ فهو من نصيب غير الجمهور في الجملة والغالب الأغلب. مسائل الجمهور وترك العمل بالخبر النبوي لمعارضة ظاهره أصلًا من أصول بعض المجتهدين ثالثًا: وسواء كان هذا الأصل "عمل أهل المدينة" أو "القياس" أو "عموم الكتاب" أو "النص قطعي الثبوت" أو غير ذلك، فإن هناك تلازمًا في الجملة وفي الغالب الأغلب (¬2) بين صحة الخبر النبوي (وسلامته من قوادح الشذوذ والعلة ومعارضة ¬

_ (¬1) فقد لا يوجد في بعض المسائل أو كثيرها قول لأكثر الصحابة أو التابعين أو لأكثرهم معًا. (¬2) من الأمثلة التي خالف فيها الجمهور ما ذكرته: مسألة إرضاع الكبير، فقد صح فيها الخبر وترك الجمهور العمل به وجعلوه من باب الخصوصيات، ومن هذه الأمثلة كذلك ترك العمل بحديث ابن عباس في زواج السيدة ميمونة في الحج، وعذر الجمهور في ذلك دخول الوهم على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وغير ذلك من النوادر التي لا تقدح في جملة ما ذكرته آنفًا.

مسائل الجمهور والقوة الكامنة في قول الأكثر والأغلب

الإجماع الثابت) وبن قول الجمهور، فخلاف مالك للجمهور مشهور في مسائل ترك العمل بالحديث الصحيح والذي قد يرويه هو أحيانًا -رحمه الله- لمخالفة ظاهره عمل أهل المدينة، وكذلك خلاف أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى للجمهور مشهور في مسائل ترك العمل بالحديث الثابت لمعارضته عموم نص قرآني، أو غير ذلك من خلاف بعض الأئمة المجتهدين للجمهور لبعض ما ذكرته. مسائل الجمهور والقوة الكامنة في قول الأكثر والأغلب رابعًا: وهذا أمر تشهد له العقول، ويرتاح له النظر، وهو أن القوة في القول والسلامة في الرأي هي في الغالب في جانب الأكثر والأغلب ما دامت قضية تقبل الخطأ والصواب، وهو أمر لا ينحصر في مسائل الفقه المختلف فيها، وإنما هو أمر عام في كل مسألة أو قضيةٍ تحتمل أكثر من رأي كونها ليست من قواطع العارف ولا من ثوابت الأمور، فما جلس جماعةً من الناس يناقشون مسألة مما يصح فيها القبول والرفض، أو الإقدام والإحجام، أو الصحة والفساد، أو غير ذلك من الأضداد وانفض مجلسهم عن ذهاب أكثرهم إلى كذا، إلا رأيت المطَّلع عليهم بداهةً يذهب في الغالب إلى الوقوف عند هؤلاء الأكثرين والأخذ برأيهم إذا ما توفر في هؤلاء المجتمعين شرطان أساسان النزاهة والأهلية، فإذا عدت أيها القارئ الفطن إلى مسائل الفقه الظنية، وهي التي تقبل الاختلاف وتعدد الآراء فلن تجد الأمر يعدو ما ذكرناه في جملته؛ والله تعالى أعلم وأعز وأحكم. عودة إلى بيان أهمية موسوعة "مسائل الجمهور" مسائل الجمهور "والحديث الضعيف" لقد كان موقف بعض الأئمة من الحديث الذي قصر إسناده عن إلحاقه بمرتبة "المقبول" (¬1) أنهم اعتبروا أمورًا لتقوية العمل بهذا الحديث والأخذ به، منها أن يقول ¬

_ (¬1) ينقسم الحديث النبوي على صاحبه الصلاة والسلام من حيث الاعتداد به في الأحكام الشرعية العملية إلى قسمين رئيسين الأول: المقبول ويبدأ بالحديث الحسن لغيره وينتهي بالمتواتر لفظًا، الثاني: المردود ويبدأ بالمرسل وينتهي بالموضوع، وبين تلك المراتب مراتب مذكورة في مظانها من كتب علم الحديث.

قول الجمهور ومجتهدو أو مرجحو المذاهب الفقهية

بمعناه أكثر أهل العلم وجمهورهم. قال الإِمام النووي -رحمه الله- تعالى: قال الشافعي -رحمه الله-: وأحتج بمرسل كبار التابعي إذا أسند من جهةٍ أخرى، أو أرسله من أَخَذَ عن غير رجال الأول ممن يقبل عنه العلم، أو وافق قول بعض الصحابة، أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه. قال (يعني الشافعي): ولا أقبل مرسل غير كبار التابعين، ولا مرسلهم إلا بالشرط الذي وصفته. قال النووي: هذا نصُّ الشافعي في الرسالة وغيرها وكذا نقله عنه الأئمة المحققون من أصحابنا الفقهاء والمحدثين، كالبيهقي والخطيب البغدادي وآخرين، ولا فرق في هذا عنده (يعني عند الشافعي) بين مرسل سعيد بن المسيب وغيره، هذا هو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون .. اهـ (¬1). وكان موقف كثير من الفقهاء القول بمقتضى حدثنا اختلف في قبوله ورده إذا صار إلى العمل به أكثر أهل العلم، انظر ما ذكره الموفق ابن قدامة في المغني في كثير من المسائل من هذا القبيل، منها مسألة الأضراس والأسنان في أن ديتهما واحدة، مع أن دليل المسألة حديثان مختلف في قبولها وردهما. الأول كتاب عمرو بن حزم، والثاني رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (¬2) قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- فكان ما ذكرناه مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى .. اهـ. وانظر مسألة أقل الطهر أنه خمسة عشر يومًا واحتجاج العلماء بالحديث الضعيف الوارد فيه لقول جمهور العلماء به. في إعلاء السنن ج 1 ص 253. قول الجمهور ومجتهدو أو مرجحو المذاهب الفقهية وكذلك كان "قول الجمهور" أحد الاعتبارات التي اعتمد عليها كثير من الفقهاء المجتهدين ومرجحي المذاهب الفقهية في اعتماد قول أو ترجيح رواية, ومن هذا القبيل قول الشافعي في مسألة توريث الجد مع الإخوة: مع أن ما ذهبت إليه قول الأكثر من أهل الفقه بالبلدان قديمًا وحديثًا (¬3) .. اهـ. ومن هذا القبيل: ترجيح المزني قول الشافعي في القديم من مذهبه بجواز المسح على ¬

_ (¬1) انظر المجموع في ج 1 ص 103 وانظر كلام الشافعي في الرسالة ص 462، 463. (¬2) انظر المغني في ج 9 ص 613. (¬3) انظر الرسالة ص 596.

"قول الجمهور" وقاعدة "الخروج من خلاف العلماء مستحب"

الجرموق خلافًا لقوله الجديد بالمنع من ذلك تحرزًا من انفراد الشافعي عن سائر العلماء الذين وافقوه في مذهبه القديم. قال المزني -رحمه الله-: قال الشافعي - رضي الله عنه - (¬1): ولا يمسح على جرموقين. قال (يعني الشافعي) في القديم يمسح عليهما (قال المزنى) قلت أنا: ولا أعلم بين العلماء في ذلك اختلافًا وقوله (يعني قول الشافعي) معهم (يعني مع العلماء) أولى به من انفراده عنهم (¬2) .. اهـ. ومن هذا القبيل: ترجيح الموفق ابن قدامة إحدى الروايتين عن أحمد -رحمه الله- باعتبارات عدة. منها أنه قول أكثر أهل العلم، ومن أمثلة ذلك: اختلاف الروايتين عن أحمد في من جنى على سنٍّ فسودها هل فيها حكومة، أم ثلث الدية (¬3). ومن أمثلته: ما قاله الموفق في مسألة الموضحة في الوجه والرأس وأنها فيهما سواء وقد روى عن أحمد ما يخالف ويوافق هذا، قال الموفق: وحمل كلام أحمد على هذا (يعني التسوية فيهما) أولى من حمله على ما يخالف الخبر وقول أكثر أهل العلم (¬4) اهـ. ومن هذا القبيل: ترجيح الإِمام ابن بطال المالكي لإحدى الروايتين عن مالك رحمه الله تعالى في مسألة التكبير بعد الفراغ من التشهد الأول من حين بدء قيامه إلى الركعة الثالثة أو بعد انتصابه قائمًا قال ابن بطال: وهذا الذي يوافق الجمهور أولى (يعني الرواية الأولى)، قال: وهو الذي تشهد له الآثار .. اهـ نقله عنه النووي رحمه الله تعالى (¬5). قال الحافظ ابن الصلاح ذاكرًا بعض ما يترجح به أحد القولين للشافعي أو الوجهين للأصحاب (يعني أصحاب الشافعي في المذهب): ويترجح أيضًا ما وافق أكثر أئمة المذاهب، قال النووي: وهذا الذي قاله فيه ظهور واحتمال (¬6). اهـ. " قول الجمهور" وقاعدة "الخروج من خلاف العلماء مستحبٌّ" نقل غير واحدٍ من الأئمة اتفاق العلماء على استحباب الخروج من خلاف العلماء في ¬

_ (¬1) يجوز الترضي عن غير الصحابة الكرام وهو هنا من باب الدعاء وأما في حق الصحابة فهو من باب الإخبار عن شهادة الله تعالى عنهم وهذا الذي ذكرته هو الذي عليه أكثر العلماء، وذكر هذا النووي وغيره. (¬2) انظر الحاوي للماوردي في ج 1 ص 366. (¬3) انظر المغني في ج 9 ص 637. (¬4) المغني في ج 9 ص 642. (¬5) انظر المجموع في ج 3 ص 406. (¬6) انظر مقدمة المجموع للنووي في ج 1 ص 115

المسائل المتنازع فيها إذا أمكن ذلك (¬1) فقهًا وتطبيقًا، وقد جرى عمل الفقهاء على هذا في مصنَّفاتهم رحمهم الله تعالى وهي قاعدة جليلة فيها ورع واحتياط، وفهم لمقاصد الشريعة، وأدب بين المختلفين من أهل الفقه والمجتهدين. قال الإِمام ابن قدامة -رحمه الله- بعد ما ذكر القولين لأهل العلم في وقت جواز صلاة الجمعة، وهما بعد الزوال وقبله قال -رحمه الله-: إذا ثبت هذا فالأولى أن لا تصلي إلا بعد الزوال ليخرج من الخلاف ويفعلها في الوقت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعلها فيه في أكثر أوقاته (¬2) .. اهـ. وقال الإِمام الشيرازي صاحب المهذب -رحمه الله-: قال الشافعي: وأحب أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام، قال الشيرازي: وإنما استحب ذلك (يعني الشافعي) ليخرج من الخلاف؛ لأن أبا حنيفة لا يبيح القصر إلا في ثلاثة أيام (يعني مسيرة ثلاثة أيام) (¬3) .. اهـ. قال النووي في نفس المسألة: قال الشافعي والأصحاب: والأفضل أن لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام للخروج من خلاف أبي حنيفة وغيره مِمَّن سنذكره في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى (¬4) .. اهـ. وقال النووي -رحمه الله- تعالى في مسألة ترتيب القضاء بين الفوائت من الصلوات: إذا فاته صلاة أو صلوات استحب أن يقدم الفائتة على فريضة الوقت المؤداة، وأن يرتب الفوائت فيقضي الأولى ثمَّ الثانية ثمَّ الثالثة وهكذا لحديث جابرٍ، وللخروج من خلاف العلماء الذي سنذكره إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء (¬5) .. اهـ. فإذا كان الخروج من خلاف العلماء في الجملة مستحبًّا ومطلوبًا، وسواء قلَّ المختلفون أم كثروا، فكيف إذا كان المخالفون أكثر العلماء، وجمهورهم لا شك أن الخروج من ¬

_ (¬1) يعني أن يكون في المسألة قولان للعلماء. أحدهما بالوجوب والآخر بالندب أو أحدهما بالتحريم والآخر بالكراهة، أو أحدهما بالصحة، والآخر بالبطلان، فالخروج من الخلاف في تلك الأحوال يكون بالأخذ بقولٍ يخرج من تبعة القول المخالف، فمن قال مثلًا البسملة من الفاتحة، وقال غيره ليست منها، فإن الخروج من الخلاف أن يقال ويُستحب أن يقرأ البسملة ولو بدون جهر خروجًا من خلاف من أوجب قراءتها مع الفاتحة، ومن قال غسل الجمعة واجب وقال غيره بل مندوب، فيقال: ويُستحب أن لا يترك غسل الجمعة لمن قدر عليه خروجًا من خلاف من أوجبه، وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع. وانظر نقل النووي اتفاق العلماء على استحباب الخروج من الخلاف شرح صحيح مسلم في ج 2 ص 23. (¬2) بعد الزوال هو وقت الجمعة عند الجمهور. انظر المغني في ج 2 ص 212. (¬3) مجموع ج 4 ص 190. (¬4) مجموع ج 4 ص 191. (¬5) انظر مجموع ج 3 ص 67.

مكانة "مذهب الجمهور" عند العلماء وموقفهم منه

خلافهم أشد طلبًا وأكثر استحبابًا, ولا يمكن معرفة هذا إلا بمعرفة أقوالهم ونقل مذاهبهم ولعل عملنا هذا أن يسهم في ذلك. وبالله التوفيق (¬1). مكانة "مذهب الجمهور" عند العلماء وموقفهم منه لا يمكن للمشتغل في الفقه الإِسلامي اشتغال الباحثين الغواصين في بحاره وبين درره ولآلئه أن يجهل أو يتجاهل مكانة قول الجمهور ومذهبهم عند أئمة الفقه وأهل العلم، ولعل هذه المكانه تبدو جليَّة للمطَّلع على كلام أهل هذا الفن ومصنفاتهم بأمور عدةٍ، منها ما ذكرناه في الصفحات الماضية ويضاف إليه أمور: أولًا: إفراغ الوسع في عدم مخالفتهم أو الانفراد عنهم لا من قبيل المجاملة أو المداهنة، فليس في علوم الشريعة شيء من هذا أو ذاك وإنما اعتدادًا واعتبارًا بمدرك قولهم، وأدلة مذهبهم واجتماع كثرتهم على القول أو الرأي الواحد، فاجتماع عددهم مع توفر صفات العلم والتقوى والنزاهة مظنَّة الصواب والرأي السديد، وإنفراد غيرهم عنهم مظنة الخطأ والشطط والجنوح البعيد. وكذلك كان فعل الأئمة إذا تعارضت عندهم الأدلة في المسألة ولم يتبين لهم فيها قول، فقول الجمهور لا مندوحه عنه أو التوقف في المسألة بِرُمتها. فإذا عرفت هذا فلا غرابة أن يقول الإِمام الكبير أبو الزناد: وربَّما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيًا (¬2) .. اهـ. وهذا مالك بن أنس إمام دار الهجرة -رحمه الله- يقول: إن حقّا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعًا لأكثر مَنْ مضى قبله (¬3). وهذا الشافعي يحاج خصمه في مسألةِ بيع المدبر، فيحتج عليه خصمه بأن المنع من بيع المدبر هو قول أكثر الفقهاء، فيرد عليه الشافعي -رحمه الله- بقوله: بل قول أكثر الفقهاء أن يباع، فيحتج الخصم أن أهل المدينة لا يقولونه، فيرد عليه ¬

_ (¬1) انظر كلام الإِمام السيوطي على قاعدة "الخروج من الخلاف مستحب" في كتابه (الأشباه والنظائر) وشروط العمل بهذه القاعدة، وكتابه هذا نفيس في بابه وهو فن أو علم قواعد الفقه ص 136. (¬2) انظر فتح الباري في ج 26 ص 36. (¬3) رواه ابن وهب عنه. انظر مقدمة المدونة للإمام مالك.

الشافعي بذكر من يقول من أهل المدينة ومكة والعراق ببيعه ثم يقول -رحمه الله-: وقول أكثر التابعين ببيعه فكيف ادعيت فيه الأكثر والأكثر ممن مضى عليك,. مع أنه لا حجة لأحدٍ مع السنة (¬1) .. اهـ. ثانيًا: الاعتناء بنقل أقوال الجمهور ومذاهبهم، فقل أن ترى مصنفًا في فقه المذاهب إلا وصاحبه مهتم بنقل قول الجمهور في المسائل التي فيها قول، ابتداءً بالإمام الكبير أبي بكر ابن المنذر النيسابوري في القرن الثالث الهجري وانتهاءً بما يعلمه الله تعالى من عمر هذه الدنيا وبقاء علوم الفقه والشريعة، ومرورًا بالإمام الماوردي وابن عبد البر وابن رشد والقرطبي والقاضي عياض والخطابي والبغوي وابن قدامة والنووي والحافظ ابن حجر العسقلاني والبدر العيني والشوكاني وغيرهم كثير وكثير رحمهم الله تعالى وحشرنا في زمرتهم آمين. ثالثًا: قد ذكرت فيما مضى تنويهًا اختلاف الأصوليين والفقهاء في الاحتجاج بقول جمهور العلماء، أو بانعقاد الإجماع مع مخالفة العدد اليسير من الفقهاء، فالذي عليه جمهور الأصوليين والفقهاء: أن الإجماع لا ينعقد ولو مع مخالفة المجتهد الواحد الموجود في عصر الأكثرين، وهو مذهب جماهير أصحاب أئمة المذاهب الأربعة، وذهب الغزالي -رحمه الله- إلى غير هذا، قال -رحمه الله-: والمذهب انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل. ونقل الآمدي مذهب الغزالي عن محمَّد بن جرير الطبري وأيي الحسين الخياط، وألمح إلى هذا الشيخ أبو محمَّد الجويني والد إمام الحرمين، لكن مراده والله تعالى أعلم إجماع الأكثر مع عدم العلم بالأقل الذي خالف، قال -رحمه الله- تعالى: والشرط أن يجمع جمهور تلك الطبقة ووجوههم ومعظمهم، ولسنا نشترط قول جميعهم، وكيف نشترط ذلك وربما يكون في أقطار الأرض من المجتهدين من لم نسمع به فإن السلف الصالح كانوا يعلمون ويتسترون بالعلم (¬2). ونقل عن ابن الحاجب أن إجماع الأكثر حجة، ولكنه ليس إجماعًا، وحكى الآمدي أن المخالفين للأكثر إذا بلغوا عدد التواتر قدح في الإجماع، وإلا فلا، وذكره بعضهم عن ابن جرير في الصحيح من معنى قوله في هذه المسألة، وقيل: إجماع الأكثر أولى وليس ¬

_ (¬1) انظر معرفة السنن والآثار في ج 7 ص 528. (¬2) قال: كذا بالأصل ولعلَّ صوابه بالعمل أو بالخمول. قلت: ومعنى العبارة أن السلف - رضي الله عنهم - كانوا يكرهون التظاهر والاستعلان بالعلم خوفًا من المباهاة والتنافس على الدنيا والرياء

حديث "إذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم"

حجة، وقيل: يقدح مخالفه الاثنين فما فوق دون الواحد، وقيل غير ذلك (¬1). حديث "إذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم" استشهد بهذا الحديث من يقول إن اتفاق الأكثر حجة يجب المصير إليه وأوردوه في كتبهم ونوزع في دلالته وفي إسناده، وأنا أذكر أصل الحديث وما قيل فيه، وما جاء في معناه من الأحاديث والآثار. أخرج أحمد في مسنده وابن ماجه وصححه السيوطي في الجامع الصغير عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالٍ فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم" (¬2). قال الإِمام المناوي -رحمه الله-: أي فعليكم بالسواد الأعظم من أهل الإِسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين، فهو الحق الواجب، والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه، فمن خالف مات ميتهً جاهليةً .. اهـ. وأخرج أحمد في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس بالجابية فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا بمقامي فيكم فقال: "أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد، ألا فمن سَرَّهُ بَحْبَحَةُ الجنة فليلزم الجماعة، فإنَّ الشيطان مع الفذ، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأةٍ فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرَّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن". استدل به الشافعي -رحمه الله- على حجيَّة الإجماع (¬3). قلت: ولو استدل به على حجية قول الجمهور لم يكن بعيدًا بل قد يكون قويًّا؛ لأن الجماعة المعنية بالحديث ليست الكل، وإنما الأكثر والأغلب والسواد الأعظم دلَّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وهو من الاثنين أبعد" إلا أن هذا الحديث وشبهه محلُّهُ في أصول الدين والشرائع لا في الفروع، وقد بينَّت هذا أشد توضيح في كتابي "القانون في عقائد الفرق الإِسلامية" والله الموفق لا رب سواه. ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة إرشاد الفحول ص 89 شرح مراقي السعود للشنقيطي في ج 2 ص79 روضة الناظر لابن قدامة ص 71. (¬2) انظر الجامع الصغير وشرحه فيض القدير في ج 2 ص 1302 رقم (3950). (¬3) انظر مسند أحمد ج 22 ص 168 وانظر الرسالة للشافعي ص 473، 474 وانظر تخريج أحمد شاكر للرسالة ص 475

مستند النقل عن الجمهور

وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة؛ فإن الله -عز وجل- لن يجمع أمتي إلا على الهدى" أخرجه أحمد والترمذي وذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وله شواهد عند الترمذي (¬1). وأخرج أحمد في المسند عن سعيد بن جمهان قال: أتيت عبد الله بن أبي أوفي (الصحابي - رضي الله عنه -) وهو محجوب بالبصرة، فسلمت عليه. قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جمهان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة. قال (يعني عبد الله بن أبي أوفي): لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة. حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كلاب النار. قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول (يعني عبد الله بن أبي أوفي) يدي فغمزها غمزةً شديدةً ثم قال: ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قَبِلَ منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات .. اهـ. قلت: وهذه الأخبار وشبهها كلها كما قلت في الأصول لا الفروع، وقصدنا بذكرها التنبيه على هذا، وإن كان جوهر معناها لا يبعد عما نحن فيه من باب الاستئناس لا الاعتماد والاستقلال. والله ولي التوفيق. مستند النقل عن الجمهور ليس لآحاد الناس في هذا الزمان أن ينسبوا إلى الجمهور من فقهاء الإِسلام وأئمته قولًا أو رأيًا هكذا بالتشهِّي، أو بالتخمين، وسواء كان هؤلاء الآحاد خاصةً أو عامة؛ لأن الأمر في هذا من باب الإخبار، والخبر لابد فيه من تحري الصدق وخاصةً إذا كان نقلًا عن أكابر الأمة وصالحيها، فإذا ثبت هذا فإن النقل عن الجمهور له طريقان، أحدهما قوي، والآخر ضعيف. أما القوي: فهو إسناد العهدة إلى من عرف من العلماء بالأمانة في النقل والاطلاع ¬

_ (¬1) انظر فيض القدير ج 1 (150 - 151) وانظر الترمذي ج 76 ص 386، وذكر الحديث صاحب الجامع الكبير من قصة طويلة ج 2/ 560، وانظر مسند أحمد ج 23 ص 47 رقم 105

مستندنا في هذه "الموسوعة المباركة"

على أقاويل الفقهاء ومذاهبهم، حتى صار عمدة في هذا الباب عند الموافق والمخالف كالنووي وابن قدامة وغيرهما رحمهم الله تعالى جميعًا. وكلما اقترب زمان هذا العالم الأمين المطلع الناقل من زمان أصحاب المذاهب والأقاويل الفقهية كلما كان النقل أثبت، وكلما كانت النسبة إلى جمهورهم أقوى وأجود. وأما الطريق الآخر الضعيف: فهو الاجتهاد في هذا الزمان بإفراغ الوسع وبذل الطاقة في البحث والاطلاع على تلك الأقاويل والمذاهب التي بلغنا علمها وَوَصَلنا ذِكْرهَا في المطبوع من المصنفات والمؤلفات الفقهية التي اشتهرت بذكر المذاهب الفقهية، وأعني بتلك المصنَّفات والمؤلفات: القديم منها الذي يرجع إلى أقرب زمان لأصحاب المذاهب الفقهية والأئمة المجتهدين، وهذا الزمان ينتهي عندي بالاطلاع والاستقراء بالإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري شرح صحيح البخاري، والمتوفى عام (852 هـ) فكل من جاء بعده رحمه الله تعالى وذكر مذاهب الفقهاء وأقاويلهم إنما نقل عنه أو عمن قبله، وسواء صرّح هؤلاء الناقلون في كثير من الأحيان بذلك أو لم يصرحوا في بعض الأحيان، وهذا الطريق الضعيف لا يصح في طريقة نقله إلا أن يقال: أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أو الفقهاء احتياطًا وورعًا. وإنما قلنا إنه طريق ضعيف؛ لأنه نقل وإثبات للمعلوم والموجود في زماننا فقد يكون ما غاب عنا علمه من أقاويل الفقهاء ومذاهبهم في نفس المسألة ما يقدح في نسبه هذا القول أو غيره إلى أكثر العلماء أو جمهورهم. مستندنا في هذه "الموسوعة المباركة" (¬1) لقد كان مستندنا في هذا الكتاب الجديد "موسوعة مسائل الجمهور" جُلُّهُ من الطريق الأول القوي، ولم نذكر فيه من المسائل من الطريف الثاني. إلا الشيء اليسير الذي لا يكاد يُذكر لقلته بالنظر لعدد المسائل كلها التي تضمنتها هذه الموسوعة، وقد نبَّهنا على تلك المسائل بذكر ما يوضِّح أنها من اجتهادنا وبضاعتنا ولقد جرى لنا بتوفيق الله كثير من تلك المسائل ما أبهج لساننا بالشكر والحمد لربنا ذي الفضل والإنعام، فقد ¬

_ (¬1) وكيف لا تكون هذه الموسوعة مباركة وليس فيها إلا مبارك ابن مبارك. أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

مستندنا من الطريق الأول

اجتهدت في بعض مسائل الكتاب في نسبتها إلى الجمهور مع التنبية على ذلك، ثم كان أن اطلعت على بعض المراجع والمصادر القديمة فوجدت المسألة مذكورةً بالتصريح بنسبتها إلى الجمهور، فحذفت ما يفيد أنها من اجتهادي ونسبتها إلى قائلها ممن صرح بأنها قول الجمهور، فكانت سعادةً ما بعدها سعادةً، وفرحةً ما بعدها فرحة أن صار لي بفضل الله ورحمته من الأنس بأقوال العلماء ومذاهبهم وأُلْفِ كلامهم ما جعل اجتهادي في نسبة القول إلى أكثرهم أو جمهورهم يقرب من الحقيقة أو يصييها، فحمدًا لله تعالى أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وسرًا وجهرًا. مستندنا من الطريق الأول لقد ذكرنا أن مستندنا في هذه الموسوعة كان جله من الطريق الأول، وذكرنا هناك أنه كلما اقترب زمان الناقل من زمان الأئمة المجتهدين كلما كان أثبت وأجود وأقوى، وهذا ما فعلناه بحمد الله تعالى في عملنا هذا، فقد فتشنا عن أقرب هؤلاء الناقلين رحمهم الله تعالى إلى زمان الأئمة والفقهاء المجتهدين مع التحري عن الأمانة والنزاهة والإنصاف والاطلاع الواسع والدقة في النقل، فوجدنا جماعة من هؤلاء الأفاضل والعلماء الكبار جعلناهم العمدة في هذه الموسوعة، وجعلنا ما سواهم أنسًا وعضدًا وهذا ذكرٌ مختصرٌ لهم رتبناهم حسب أسنانهم (¬1) أدبًا رضي الله تعالى عنهم أجمعين. الإِمام الكبير أبو بكر بن المنذر قل أن ترى إمامًا من بعد القرن الرابع الهجري يذكر الفقه ومذاهبه إلا وهو ينقل عن هذا الجهبذ الكبير محمَّد بن إبراهيم ابن المنذر أبي بكر النيسابوري شيخ الناقلين لمذاهب الفقهاء وأقاويلهم، وُلد قريبًا من منتصف القرن الثالث. وتوفي في العقد الثاني من القرن الرابع (¬2) له تصانيف كثيرة لا يوجد منها إلا شيء يسير أهمه بعض كتابه "الإشراف على مذاهب أهل العلم" والذي جعلناه بعض أهم مصادرنا في هذه ¬

_ (¬1) يعني أعمارهم "واحدها" "سن". (¬2) ذكر بعض المترجمين أنه ولد عام توفي الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وتُوفي حسب ما حققه الذهبي وأقره التاج السبكي وغيره عام (318 هـ).

قاضي القضاة الإمام الكبير أبو الحسن الماوردي (364 هـ - 450 هـ)

الموسوعة، أجمع المترجمون لهذا الإِمام الجليل على سعة اطلاعه وأمانته ونزاهته ودقة نقله حتى صار عمدةً في شيئين أحدهما أعظم من الآخر، الأول: حكايته الإجماع، والثاني: نقل مذاهب الفقهاء وخاصةً مذهب الجمهور والعامة منهم، مع تحفظنا على بعض الناقلين عنه لبعض مسائل الإجماع؛ فقد ثبت لدينا أن بعضها لا يسلم من وجود المخالف المعتبر خلافه (¬1) وليس على ابن المنذر رحمه الله تعالى في هذا مأخذ، فقد كان دقيقًا في عبارته التي يستعملها ويصدر بها نقله للإجماع وغيره، فهو يقول: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وأجمع أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم" "وأكثر من نحفظ عنه من أهل العلم" "وبه يقول عوام أهل العلم، ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم، وهذا قول كل من أحفظ عنه من أهل العلم. وغير ذلك من العبارات التي تترك مكانًا ولو صغيرًا لمن قد يثبت خلافه ممن لم يصل علمه لابن المنذر رحمه الله تعالى، فإذا قال -رحمه الله- أجمع أهل العلم، فعضَّ على ذلك بالنواجذ في الغالب، والله تعالى أعلم، رحمه الله تعالى ابن المنذر وجزاه عنا وعن الإِسلام خير الجزاء. قاضي القضاة الإِمام الكبير أبو الحسن الماوردي (364 هـ - 450 هـ) لا أظن أن أحدًا قرأ لهذا العَلَم الكبير إلا وشُغف به حبًّا -رحمه الله-، وكأنه موسوعة في الفقه والأخلاق معًا, ولِمَ نقول كأنه بل هو كذلك ولا نزكِى على الله تعالى أحدًا، فهو عمدة في نقل مذاهب الفقهاء عامة وجمهورهم خاصة وقيل الأمر نفسه في حكايته الإجماع، وحكاية أقاويل من شذَّ عن جمهور أهل العلم وعوامهم مع القصد في تخطئة المخالفين والأدب الجم في حكاية أقاويلهم وأدلتهم وهو منفرد مستقل بالنقل عن الأئمة والفقهاء صاحب إسنادٍ ورواية، ناقدٌ للأخبار والآثار, خبير في مذهب الشافعي ونصوصه، بحر في معرفة المذاهب والآراء، صاحب إنصاف وأمانة، هو عندي أجلُّ وأقدم من اعتنى بنقل مذاهب الفقهاء وأقاويلهم بعد ابن المنذر قرأ ودرس وصنَّف ¬

_ (¬1) انظر موسوعة الإجماع (ج 1 ص 344 فقرة (24) سرقة). فقد نقل صاحب الموسوعة عن ابن المنذر الإجماع على أن سرقة العبد الصغير توجب القطع، ومع أن صاحب الموسوعة نقل قريبًا من عبارة ابن المنذر في أنه إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم، ومصدره في ذلك المغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، إلا أنه أثبتها في موسوعته على أنها من مسائل الإجماع دون ذكر لمن خالف فيها مع وجود خلاف أبي يوسف -رحمه الله- صاحب أبي حنيفة وهو مذكور في المغني نفسه. انظر مغني في ج 10 ص 245.

الإمام الكبير محمد بن أحمد بن محمد بن رشد (520 هـ = 595 هـ)

وأفاد وأجاد -رحمه الله- رحمة واسعة، قد آن الأوان ليأخذ هذا الإِمام مكانه الصحيح من بين سائر علماء الأمة وفقهائها، وخاصةً بعد قيام بعض أهل العلم الفضلاء بطبع كتابه العظيم "الحاوي الكبير" ومنه نقلنا وعليه استندنا في كثير من مسائل موسوعتنا. فأجزل الله المثوبة لحبيبنا الماوردي، وشكر الله لكل من خدم كتابه الجليل وسائر كتبه والحمد لله أولًا وآخرًا. الإِمام الكبير محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن رشد (520 هـ = 595 هـ) أحد الأئمة الأعلام من لان له الفقه وأدلته كما لان الحديد لداود، فصيح البيان، أديب اللسان، حافظ للمذاهب، عارف بالأدلة، سهل العبارة، قوي الإشارة، رزق الله تعالى كتابه "بداية المجتهد" القبول عند خلقه فصار أشهر كتابٍ في الفقه المقارن في حجمه، اعتمدنا عليه في موسوعتنا مع التحفُّظ في ما يدل ظاهره أنه مذهب الجمهور، وفيما ينقله عن بعض الأئمة من مذاهب، ولعله كان -رحمه الله- كثيرًا ما يعتمد على حافظته وكتابه هذا عمدة في النظر للمبتدئين وكفاية للمقتصدين كما أشار هو -رحمه الله- في ثنايا كتابه، فعليه الرحمة والرضوان، وجمعنا وإياه وجميع العلماء العاملين في دار الكرامة آمين. الإِمام الكبير فقيه الحنابلة موفق الدين عبد الله أبو محمَّد ابن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الصالحي (541 هـ = 630 هـ) قرأنا وراجعنا كتابه الشهير "المغني" مرتين فوجدناه -رحمه الله- قد اختص من بين الأقران بالقدرة الفائقة بعناية الله تعالى على اختصار المسألة والأقوال فيها وأدلتها بما لا يحتاج فيها إلى مزيد ولا يصح فيها أخصر من ذلك بعبارة سهلة واضحة، مع التحقيق والتدقيق والأمانة في النقل والأدب والإنصاف مع المخالفين، وهو يُعتبر عندنا بحق مع كتاب المجموع للنووي صلة الوصل بين السلف والخلف في فقه المذاهب وأقوال الفقهاء. لا يجوز في أحد هذين الكتابين الاستغناء عنهما ولا الاختصار ولا التلخيص (¬1)، ¬

_ (¬1) تقدم أحد طلابنا في الدراسات العليا بمشروع اختصار كتاب المغني كرسالة تخرج في قسم الماجستير =

الإمام الرباني والعالم الصمداني محيي الملة والدين أبو زكريا يحيى بن شرف النواوي (631 هـ = 676 هـ)

فهما كما قال أحمد بن حنبل -رحمه الله- في الشافعي: كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، فانظر هل لهذين من بدل أو عنهما من عوض؟؟. وقد اعتمدنا في موسوعتنا على هذين الكتابين الجليلين في ترتيب الأبواب والمسائل الفقهية والنقل لمذاهب الفقهاء ومذهب الجمهور وحكاية الإجماع أو الاتفاق أو عدم العلم بالمخالف، وإني أشهد بما أعلم من كتاب المغني أنُّ الموفق -رحمه الله- تعالى كان موفقًا بحقٍ وحقيق فهو ثقةٌ أمين, منصف أديب، عارف بالمذاهب وأدلتها، ناقد للأخبار وأسانيدها مع بعض الأخطاء اليسيرة في النقل لبعض الأقوال وبعض مسائل الإجماع، وعذره في ذلك -واللُّه تعالى أعلم- اختلاف الرواية عن بعض الأئمة أو النقل عنهم، وعدم العلم بالمخالف، أو عدم اعتبار المخالف في المسألة لضعف الرواية عنه أو لشذوذ شديد في قوله، وقد أثبتنا بعض هذه الملاحظات في موسوعتنا هذه، وفي تعليقنا على المغني الذي نسأل الله تعالى أن يعيننا على إخراجه للناس ابتغاء التبرك بخدمة الشيخ الموفق وكتابه، وإظهارًا لمزيد من القيمة العلمية لهذا العمل الجليل. فرحم الله تعالى الموفق، ووفقنا للحوق به وسائر شيوخ صالحية دمشق في الفردوس الأعلى مع النبين والصِّدِّيقينَ والشهداء والصالحين، إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه آمين. الإِمام الرباني والعالم الصمداني محيي الملة والدين أبو زكريا يحيى بن شرف النواوي (631 هـ = 676 هـ) لا أمل من قراءة كتبه أو النظر في مصنفاته، بكينا كثيرًا لذكر سيرته والإطلاع على أحواله، أحببناه فوق العادة، وشُغفنا بطريقته ومَسلكه حتى لم نستطع في كتابنا "فقه السنن" إلا أن نحذو حذوه ونقتفي أثره، حتى لكأننا بضعة منه، ولا أظنُّ أن الزمان إلى الآن قد جاد بمثل هذا الإِمام الجليل، وكان أخصَّ ما اختصَّ به -رحمه الله- تعالى هو أنسه باللُّه وانشغاله الكامل عن الخلق، واشتغاله بما يرضي خالقه، وكأنه - رضي الله عنه - قد ألهمه الله تعالى بقصر عمره وقلة بقائه في هذه الدار الفانية (¬1)، نعم لقد أحسَّ أنه -رحمه الله- تعالى كان يسابق الأجل بكل كلمة وبكل حرف، لا يضيع لحظة من وقته في غير ما ينفعه ¬

_ = فرفضت ذلك رفضًا شديدًا ونصحته بغير ذلك من البدائل وكتبت للجامعة أنه لا يصح أن تُمس هذه الموسوعات الفقهية بشيء من الاختصار أو الحذف وإنما حقها علينا أن تُخدم بمزيد من التحقيق والتعليق. (¬1) لم يعمر النووي كثيرًا -رحمه الله- فقد وافته منيته وهو ابن خمسةٍ وأربعين عامًا.

في آخرته، أو يقرِّبه عند ربه، لا يبالي بإدبار الدنيا وإقبالها, ولا (¬1) بهجوم الناس عليه أو نفورهم عنه، هيبةُ الله في قلبه تحاقرت عندها ممالك السلاطين وتيجانهم، كان صوَّامًا قوَّامًا لا يأكل من فاكهة ولا خضرة دَمشق لكثرة ما فيها من أوقاف ورعًا واحتياطًا، خوَّفهُ الملك الظاهر وهدده كي يفتي بجواز أخذ الضرائب للصرف على الجند وحرب الأعداء من الكفار فامتنع -رحمه الله- تعالى عن الفتوى حتى يُخْرِجَ السلطان والأمراء والوزراء ما عندهم من الحلي والمتاع الفاخر فيُباع لمصلحة المقاتلة والجند فإذا احتيج بعد ذلك للمال أفتى بجوازه، فهدده الملك الظاهر بالسجن وغيره فهدده الإِمام النووي بالله، فلم يلبث الملك الظاهر حتى مات، فهؤلاء رجال ... وها هنا أقوام يزعمون أنهم رجال وهم (السابقون) رجال يفتون السلطان قبل أن يستفتيهم ويعطونه ما يريد من دينهم قبل أن يسألهم!!! فلله الأمر من قبل ومن بعد. لقد خضع الموافق والمخالف لهذا العالم الجليل، وأجمع الناس على تبحُّره في مذهب الشافعي وسائر الأئمة رحمهم الله تعالى، وأنه كان من أهل الإنصاف والنزاهة والأمانة والدقة في النقل، فلذا جعلنا مجموعه عمدة في موسوعتنا, ولمَّا لم يَكْمُلْ المجموع بانقضاء أجل مؤلفه عليه الرحمة والرضوان استعضنا عمَّا فاتنا من المجموع بما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم وشيء يسير من روضة الطالبين، لقد أكثر النووي -رحمه الله- تعالى من النقل في كتابيه هذين عن الإمامين أبي بكر ابن المنذر والقاضي عياض (¬2) صاحب الشفاء وشرح مسلم وكلاهما إمام وعمدة، ولولا ما فيهما من صفات الأمانة والنزاهة وسعة الاطلاع لما اعتمد عليهما إمامنا النووي رحمهم الله تعالى ولولا خشية الإطالة على القارئ لما أمسكنا عن الكلام عن هذا العالم الفريد فجزاه الله عنا وعن المسلمين والإِسلام خير ما جازي عالمًا عن أمته. ¬

_ (¬1) لم أملك عند وصولي إلى هذه الكلمة إلا أن بكيت بكاة شديدًا انقطع القلم على إثره عن الكتابة، أسأل الله تعالى أن ينفعنا بذكر الصالحين وخدمة الصالحين ودعاء الصالحين. لقد قلت لزوجتي وأنا أبكي لا نريد من هذه الدنيا شيئًا سوى أن نخرج منها برضى مولانا، وأن لا نحتاج لا أنا ولا أنت والأولاد إلى أحدٍ من خلقه -عز وجل- آمين اللهم آمين. (¬2) وكذلك نقل كثيرًا -رحمه الله- تعالى عن الإمامين البغوي صاحب شرح السنة والخطابي صاحب معالم السنن فصار المجموع للنووي خلاصة النقل عن الكبار المعتمدين في نقل مذاهب الفقهاء عامة ومسائل الجمهور والإجماع خاصة.

أئمة آخرون نقلنا عنهم وأفدنا منهم

أئمة آخرون نقلنا عنهم وأفدنا منهم لم نكتف بالنقل عمن ذكرناهم من الأئمة، لكنا نقلنا عن غيرهم وأفدنا منهم بالتثبت والتوثيق في مسائل الجمهور التي نقلها البعض، أو بعض المسائل التي حكى فيها الإجماع، أو في نسبة بعض الأقوال لقائليها من الفقهاء والأئمة، أو في توجيه بعض الأقوال المستغربة كما فعلنا في القول المنسوب لأبي حنيفة -رحمه الله- تعالى من جواز استئجار المرأة للزنى، فوضَّحنا هذا القول ووجهناه بما يزيل غباره ويخفف غرابته بما حكاه أهل مذهبه من العارفين بمرامي الإِمام ومدارك أقواله. ومن هؤلاء الأئمة الذين نقلنا عنهم وأفدنا منهم: الإِمام الكبير أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار, وابن عبد البر في التمهيد وغيره، وعلاء الدين السمرقندي في تحفة الفقهاء، والقرطبي في التفسير، وابن حجر في فتح الباري، والشوكاني في نيل الأوطار فهؤلاء سيجد القارئ كثيرًا منهم قد أثبتنا أسماءهم في بعض المسائل في أصل الكتاب أو في هامشه ونقلنا عن غير هؤلاء في هامش الكتاب لنقل قولٍ لإمام أو توضيح مسألةٍ أو توثيق قولٍ أو غير ذلك مما تقتضيه مقاصد كتابنا ومراميه، وعلى رأس هؤلاء إمام دار الهجرة مالك بن أنس في مدونته، والإمام الكبير محمَّد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة، والإمام الحجة أبو بكر الرازي الجصاص وصِنْوُهُ العَلَمُ الرحَّالةُ أبو بكر بن العربي. وغيرهم رحمهم الله تعالى وأجزل مثوبتهم. عملنا في هذه الموسوعة 1 - لم نرتض في كثير من مسائل هذه الموسوعة (وبقدر المكنة) أن نثبت المسائل عن ناقليها بدون توثيق أو تحقيق، وذلك للتحقق من نسبة الأقوال إلى قائليها وخاصة الأئمة أصحاب المذاهب المعروفة، فرجعنا إلى أكثر من مصدر للتحقق من ذلك. 2 - لم نرتض في كل مسألةٍ أثبتناها في أصل الكتاب إلا أن يصرِّح الناقلون لها أنها قول الجمهور على اختلاف مراتبه (¬1). 3 - كل مسألة لم يصرِّح الناقلون لها أنها قول الجمهور، وغلب على ظننا بالتحرِّي والبحث والرجوع إلى المصادر أنها قول الجمهور ميَّزناها عن غيرها بقولنا: أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم، أو جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم. ¬

_ (¬1) سنبين مراتب "قول الجمهور" بعد قليل إن شاء الله تعالى

4 - جهدنا أن ننقل المسألة واختلاف الفقهاء فيها بصياغة من عندنا وخاصة عندما يكون في المسألة توزع في الأقوال والمذاهب في أكثر من مصدر حتى نجمع بين أصالة القديم وجزالته وبن سلاسة الحديث ويسر عبارته. 5 - ميزنا بين مراتب "مذهب الجمهور" بعبارات تفيد ذلك، وأقوى تلك المراتب وأعلاها أن نقول: "مذهب العامة من العلماء" أو "عامة أهل العلم" أو نحو ذلك (¬1) وذلك عندما يكون المخالف للجمهور عددًا يسيرًا، واحدًا أو اثنين أو نحو ذلك. وأدناها أن نقول: "أكثر أهل العلم" أو "جمهور أهل العلم" وبين هاتين المرتبتين مراتب (¬2). 6 - ذكرنا في الهامش كثيرًا من مسائل الإجماع أو الاتفاق مما لها تعلق بمسائل الجمهور في أصل الكتاب حتى نُضْعِفَ الفائدة للقارئ والمطلع، وميزنا بين مراتب تلك المسائل بعبارات دقيقة (¬3). 7 - جعلنا الهامش ساحة رحبة لخدمة مسائل الموسوعة من التقييدات الضروريات أو التعليقات المفيدات أو الفوائد المهمات أو الشروح لبعض غريب الكلمات بما يثري أصل الكتاب ويزيد من قيمته العلمية. 8 - ذكرنا كذلك في كثير من مواضع الموسوعة بعض المسائل الفقهية المتفرعة عن مسائل أصل الكتاب مما لا إجماع فيها ولا قول للجمهور، وأفرغنا في ذلك جهدًا كي يتحرر النزاعُ الفقهي في هذه المسائلِ، وكي نضعها في مكانها المناسب بين مسائل الفقه الإسلامي. 9 - قمنا بتوجيه بعض الأقوال المنسوبة لبعض الأئمة الكبار مما فيه غرابة أو بعد عن المألوف أو نحو ذلك. 10 - صححنا بعض الأقوال المنسوبة لبعض الأئمة خطأ بالرجوع إلى مصادر أقوال أولئك رحمهم الله تعالى لم نفرّق في ذلك بين إمام وبين غيره فكلهم عندنا أصحاب ¬

_ (¬1) ومنها أي هذه المرتبة قولنا: "مذهب العلماء كافة سوى فلان أو سوى من سنذكرهم". (¬2) وبالجملة كلما قلَّ عدد المخالفين للجمهور كلما علت المرتبة وكلما كثر عدد المخالفين كلما نزلت المرتبة وبعض المسائل للجمهور قد تتداخل عند بعض المصنفِّين مع المسائل التي ادعي فيها الإجماع، وذلك لقلة التحقيق والتثبت وقد نبَّهت إلى هذا في أول هذه المقدمة. (¬3) ففرقنا بين مراتب تلك المسائل من حيث قوة المُدَّعي (يعني الاتفاق) بقولنا مرة: "أجمع أهل العلم" ومرة "اتفق العلماء" ومرة "لا خلاف بين العلماء" ومرة "بلا خلاف يعلم" وغير ذلك من العبارات التي تدل على نوع مرتبة هذا النوع من المسائل

موسوعة "مسائل الجمهور" والفوائد التي دل عليها أو يمكن أن يقدمها هذا المشروع الجديد

فضل وجميل، متَّعنا الله برؤيتهم في دار كرامته آمين. موسوعة "مسائل الجمهور" والفوائد التي دل عليها أو يمكن أن يقدمها هذا المشروع الجديد إذا ثبت ووضح فيما مضى للقراء الأحبة أهمية "قول الجمهور" "ومسائل الجمهور" في الجملة، فإني أحب أن ألخص وأبين بعض الفوائد التي دلَّ عليها أو يمكن أن يقدِّمها هذا المشروع الفقهي الجديد، فأقول وبالله التوفيق. هذا المشروع وهذه الموسوعة 1 - هو أول جهد علمي يجمع بين دفتيه معظم مسائل الفقه الإِسلامي التي كان لجمهور العلماء فيها قولٌ أو مذهب. 2 - هو دعوة علمية للاستمساك بقول جمهور الفقهاء في الكثير من المسائل لما لقولهم من ارتباط وثيق بأصول الشريعة ومقاصدها وقواعد الفقه ومعالم هذا الدين. 3 - وهو في الوقت نفسه امتثال عملي علمي لما أوصى به الأئمة الكبار من التابعين ومن بعدهم أمثال عبيدة السلماني وأبي الزناد ومالك بن أنس وغيرهم من العناية بمذاهب أكثر أهل العلم واتباع أقوال جمهورهم قدر المكنة إذا عز الدليل وعسرت الحجة (¬1). 4 - يُعتبر هذا المشروع تأريخًا علميًّا لمدارس الفقه ومذاهبه في ظهورها الأول منذ عصر الصحابة والتابعين وإلى آخر عصر الأئمة المجتهدين أمثال الطبري وابن المنذر (¬2). 5 - جمع هذا المشروع معظم أمهات مسائل الفقه الإِسلامي تلك الأمهات التي على أساسها قام صرح الفقه الإِسلامي وتشريعه، وهو بذا يُعتبر أول مشروع حديث يعتني بهذه المسائل ويبرز أهميتها. 6 - ضَمَّت هذه الموسوعة إلى جانب أصل مسائلها كثيرًا من مسائل الإجماع أو ¬

_ (¬1) وقد قدمنا أن هذا قليل، وأن الغالب أن تكون أدلة الكتاب والسنة وآثار السلف أعني أكثرهم في جانب قول الجمهور. (¬2) ونقصد هنا المجتهدين المطلقين الذين كانت لهم مذاهب فقهية لها قواعدها وأصولها استوعبت معظم مسائل الفقه الإسلامي، أما المجتهدون دون هذه المرتبة وخاصة مجتهدي المسائل الحادثة والنوازل المستجدة: فهؤلاء لم ينقطع وجودهم ولله الحمد، ولا يصح أصلًا أن يخلو الزمان من أمثالهم؛ إذ هو من فروض الكفايات بل هو عندي من مظاهر حفظ الله تعالى لهذا الدين.

الاتفاق التي لها تعلق بأبواب الكتاب ومسائله مما يجعل الفائدة مضاعفة، ولا شك أن من اجتمع عنده أمهات مسائل الفقه أو جُلّها مضمومًا إليها كثير من مسائل الاتفاق فقد كاد أن يجتمع له أصل الفقه الإِسلامي، وسهل عليه بعد ذلك إن كان من المشتغلين بالفقه وأدلته أن يُخَرِّج ويُفَرِّع ما سوى ذلك من المسائل على ذلك الأصل العظيم. 7 - لخَّصتْ هذه الموسوعة بأسلوبٍ سهلٍ موجزٍ عيون مسائل الفقه الإِسلامي من أهم وأكبر مصادره مما يجعلها خلاصة لثروة علميةٍ فقهية ومرجعًا فقهيًا لا يُستغنى عنه. 8 - إنَّ هذا المشروع الجديد إذا كان في جانبه الأكبر يسلِّط الضوء على مذاهب جمهور العلماء وأقاويلهم؛ فإنه في جانبه الآخر يبرز صفة عالية من صفات الأمم المتقدمة، تلكم هي الحرية الفكرية عند علماء المسلمين والتي تتجلى في أجمل مظاهرها عندما نرى فقيهًا أو إمامًا لا يهاب أن يخالف قَوْلُهُ جَماهِيرَ علماءِ المسلمين صحابة كانوا أو تابعين أو غيرهم. ما دام الدليلُ الذي قام عنده يعضده ويدلُّ عليه. وهذا في جوهره يمثل قمة الارتقاء الفكري والتقدم العلمي عند علماء هذه الأمة أيام عصورهم الذهبية مما كان له أثره الواضح في الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية وأثرى بالتالي تلك الأعصر بذلك المزيج من الآراء والمذاهب والمدارس والتي عكست بدورها نضوج فكرٍ، وحرية رأي وسعة أفق ورحابة صدرٍ. 9 - إن هذه الموسوعة تجمع بين دفتيها صفحات مشرقة من تلك الأخلاق العلمية الفذَّة التي تحلى بها علماؤنا وأئمتنا الأقدمون، وكان من أبرز وأجمل تلك الأخلاق: الأمانة والنزاهة والإنصاف ...... أخلاق ميزت تلك الطبقة من العلماء الكبار، حملت أمثال ابن عبد البر "المالكي" وهو ينقل مذاهب الفقهاء ليقول: ولا نعلم أحدًا وافق مالكًا من فقهاء الأمصار في قوله هذا. أو نحو ذلك، وتحمل النووي -رحمه الله- وهو شافعي المذهب على نقل مذهب الشافعي في بعض المسائل التي خالف فيها جمهور العلماء لقول النووي بعد ذلك، وأكثر العلماء أو جمهور العلماء على أنه كذا وكذا؛ يعني خلافًا لقول الشافعي، وأمثال هذا عن ابن عبد البر وابن قدامة والنووي وابن رشد والماوردي وغيرهم كثير، رحمهم الله تعالى ونفعنا الله تعالى بعلومهم وأخلاقهم. إنَّ القارئ يستطيع أن يستشف بعض تلك الأخلاق من خلال مطالعته لهذه الموسوعة فقط، وأما إذا بذل شيئًا من الجهد ليرجع إلى المصادر التي أثبتناها في أصل الكتاب أو في هامشة وأرجو ذلك - فإنه سيجد عجبًا من تلك الأخلاق المرضية

والنفوس الزكيَّة ما يحمله على إطراق الرأس احترامًا وتقديرًا لأولئك الذين صنعوا تاريخ أمةٍ بأخلاقهم قبل علومهم، ولا شك عندي أنَّ القارئ عندما يستعرض سريعًا بعض أخلاقنا العلمية في هذا الزمان سيشعر بالخجل والتقزز لهذا الهبوط في مستوى الحوار العلمي وذاك الانحطاط في أحوال قلوب وأنفس المختلفين .... 10 - وإذا كانت هذه الموسوعة تعني في أصل وضعها بالمسائل التي قال بها جمهور العلماء والفقهاء فإنها في الوقت نفسه موسوعة جمعت في كتاب واحد كل عجيب وغريب من الأقوال الشاذة. والتي انفرد بها بعض أئمة أهل العلم من السَّلف الصالح رحمهم الله تعالى ليجد القارئ فيها إن شاء الله تعالى (أعني الموسوعة) كل شيقٍ وممتع ومفيد، ولتكون له مرجعًا في موسوعتين اثنتين إحداهما للفقه الغالب والمنتشر والأخرى للفقه النادر والمنفرد. 11 - هذه الأقوال الشاذة التي أشرنا إليها لم نضعها في كتابنا لتكون في جملتها مذهبًا لأحدٍ، فهذا أمر طالما حذَّر العلماء منه ورغبوا عنه، وإنما هو أمر تقتضيه طبيعة الفقه المقارن والأمانة العلمية، وهو في الوقت نفسه رسالة غزيرة المعنى لأهل عصرنا .... نعم إن هذه الأقوال الشاذة التي انفرد بها عدد من فقهاء الصحابة والتابعين أو من جاء بعدهم والتي وصل بعضها في الغرابة والشذوذ حدًا بعيدًا. أقول: إنَّ هؤلاء المنفردين بهذه الأقوال لو كانوا في عصرنا لوجدوا من أهل الجهالة والمتطفلين على علوم الدين قلبًا غليظًا، وصدرًا ضيقًا حرجًا, ولربما رموا أحدهم بما يستحيا من ذكره ويعف القلم عن سطره بينما تجد أهل الأعصر الأولى لا يزيد أحدهم وهو يورد قول المخالف المنفرد الشاذ. على أن يقول: "وهذا خطأ" أو "وهذا لا يصح" (¬1) أو نحو ذلك، ثم يواصل سرده العلمي ردًا واستدلًا غير ملتفتٍ لشخص هذا القائل المنفرد أو ذاته أو ذمته أو دينه وإنما كل جهده أن يفند القول بلاغًا لرسالة العلم وتأديةً لأمانته .... 12 - وإذا تحدَّثنا عن الأخلاق فلعلَّ من فوائد هذه الموسوعة المباركة أن تكون صلة وصلٍ بين سلف هذه الأمة الصالح وبن خلفها, ولعلها أن توقظ جيلنا الحاضر ليأخذ من سيرة ¬

_ (¬1) وهذا هو الغالب في طريقة الرد على المخالفين في الأعصر الأولى، وهذا لا يمنع أن تكون هناك استثناءات لبعضهم في مسالةٍ من المسائل أو موقف من المواقف. فالعبرة في الغالب من الأخلاق لا النادر منها، فكل يخطئ ويصيب، وكل يُؤخذ منه ويرد عليه إلا من عصمه الله تعالى من الأنبياء والرسل، أو من تداركته عناية الله تعالى بعلم الله.

ماضيه الغابر؛ إذ ليس في هذه الموسوعة إلا أسماء الذهب والياقوت من أكابر علماء الأمة وصالحيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم أجمعين. 13 - هذه الموسوعة تمثِّل في مسائل جمهورها حصنًا حصينًا لأهل العزائم وطلاب الورع والاحتياط في غالبها الأغلب، وهي في الوقت نفسه تمثِّل في جانبها الآخر من الأقوال التي خالفت الجمهور أو انفردت وشذّت عنهم فسحة وبحبحة لأهل المضايق والحاجات، وذلك إذا عز عليهم أن يجدوا بين أقوال الفقهاء وأهل العلم رخصةً تتسع لحاجتهم أو تستوعب نازلتهم. 14 - استوعبت هذه الموسوعة مسائل الفقه الإِسلامي بمختلف أبوابه، ورتبت ترتيبًا فقهيًّا ابتداءً بكتاب الطهارة وانتهاء بكتاب عتق أمهات الأولاد، وهي بذا تقدِّم فائدة علمية سريعة لطلاب العلم والباحثين خاصةً والمثقفين وغيرهم بشكلٍ عام. 15 - سيجد المفتون وأئمة المساجد والمراكز الإِسلامية إن شاء الله تعالى في هذه الموسوعة بغيةً عزيزةً، وضالةً منشودة؛ إذ أن هذا المشروع في جملته مسائل الفقه التي لا ينفك أحدٌ من العامة عن الحاجة لمعرفة جوانبها أو استفتاء أهل العلم فيها. 16 - هذه الموسوعة تأكيد علمي على أن مالكًا وأبا حنيفة والشافعي وأحمد أصحاب المذاهب والمدارس الفقهية المعروفة وغيرهم من فقهاء هذه الأمة ليسوا إلا حلقة من الحلقات العلمية في سلسلة ذهبية فريدة من التلقِّي والتحصيل، وليسوا بدعًا أو اختراعًا، وأنَّ هذه السلسلة بدأت أولى حلقاتها في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم يأخذ فيها الخالف عن السالف والآخر عن الأول. 17 - هذه الموسوعة تُعتبر ردًّا علميًا عمليًّا على تلك الموجة الساذجة التي خرجت على الناس قبل نحو خمسين أو ستين عامًا (ولا زالت) تنادي بالقضاء على الخلاف المذهبي والنزاع الفقهية زاعمةً أن الصحابة والتابعن لم يختلفوا إلا في مسائل معدودة، وأنَّ المذاهب الفقيهة شر وبلاء، وأن الفقه الصحيح هو فقه الكتاب "أو فقه الكتاب والسنة" أو "فقه السنة" أو "فقه النبي - صلى الله عليه وسلم -" وأن من أسباب تخلف الأمة وانحطاطها اتباع المذاهب الفقهية والخلاف المذهبي، وأن الأمة صارت بهذا شيعًا وأحزابًا إلى غير ذلك من الدعاوى الجاهلة والمغالطات الظاهرة .... لقد جهلت أو تجاهلت هذه الفئة أن الخلاف في فروع الفقه مقصد رباني، وغاية تشريعية، وأنه مظهر من مظاهر رحمته تعالى وجمال هذا الدين، وأن الخلاف الذي

ذمَّه الله تعالى في كتابه والتفرُّق الذي نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو في أصول الدين لا في فروعه وأن الصحابة والتابعين لم يقتصر خلافهم في الفروع على مسائل معدودة، وإنما كان في مسائل كثيرة، بل كان في أمهات مسائل الفقه الفرعية، وأن من جاء بعدهم من الفقهاء المجتهدين عندما اختلفوا في تلك المسائل إنما كانوا فيها على سنن من قبلهم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأنَّ نصوص الكتاب والسنَّة ليست مرتبة واحدة من حيث الدلالة على الحكم ففيها قطعي الدلالة، وهذا لا خلاف في العمل بمقتضاه وهو أحد أدلَّة المسائل المتفق عليها وفيها (النصوص) ظني الدلالة، وهي أحد أسباب الاختلاف بين الفقهاء وعلى رأسهم فقهاء الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم، نعم لقد جهلت هذه الفئة أو تجاهلت كل هذا، وجهلت فوق هذا أو تجاهلت أنَّ هذه الأمة كانت في أوجِّ تقدمها وتحضرها وفتوحاتها وريادتها للعالم أقول كانت هذه الأمة في أوجها مختلفة في فروع دينها, لكنها كانت مجتمعة على أصول دينها ضابطة للخلاف فيما سوي ذلك بمناهج البحث والنظر وقواعد الاجتهاد والاستنباط، وحافظةً كل ذلك أصولًا وفروعًا بسياج قوي من الأخلاق العلمية العالية، مادة هذا السياج وطينته تقوى الله وقصد رضاه، ولعل أن تكون هذه الموسوعة دعوةً صادقةٌ وتنبيهًا مخلصًا لتلك الفئة وغيرها، فإننا نعلم أن كثيرًا من أصحاب تلك الدعوات ما دفعهم لهذا إلا حبهم للكتاب والسنة والسَّلف الصالح، وها نحن تقدم لهم عملًا ومشروعًا جديدًا مادته وأساسه حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وصالحي هذه الأمة عبد الله بن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي والزهري وطاوس وابن المبارك والليث والأوزاعي ومالك وأبي حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم من سادات هذه الأمة المرضية رحمهم الله تعالى ورضي عنهم أجمعين. 18 - لقد كان من بين مقاصد هذه الموسوعة التخفيف من حدّة التعصب للمذاهب والأقوال وأن المسألة الفقهيه المختلف فيها لا يصح أن تخرج عن إطار الخلاف العلمي أو التباين الفكري وأنه خلاف محمود مشروع ما دام في إطار المناهج والقواعد العلمية والأخلاقية. لقد اختلف الأوائل وفي عصور خير القرون في كثير من فروع الفقه وكان خلافًا يسعهم ويسع من جاء بعدهم إلى يوم القيامة. إن خلاف الأوائل لم يفسد لهم ودَّا ولا كدّر لهم قلبًا أو نكد عليهم عيشًا ولا أوقف بُرمته مسيرة أمة جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس، فذهبت تفتح مشارق

الأرض ومغاربها، وتضيء للناس دروب الحياة، وتبني لهم منارات في العلم والأدب، وتشيد لهم صروح الاجتماع والسياسة والاقتصاد وسائر أوجه التحضر البشري والتمدن الإنساني وهي أثناء عملها الضخم هذا ما تفتأ تختلف أكابرها وتتعدد آراء أفذاذها وعلمائها وفق مناهج من العلم والخلق الرصين صارت فيما بعد معلمًا من معالم التفوق والسمو الحضاري .. وإذا اختلف الأوائل وهم على الحال الذي وصفت - في الاعتدال من الركوع أهو ركن أم لا؟ وفي تكبيرة الإحرام أيجزئ عنها غيرها من التكبيرات أم لا؟ وفي النية في الوضوء والغسل. هل هي ركن أم لا؟ وفي عروض التجارة، هل فيها زكاة أم لا؟ وفي أكل الثلج في نهار رمضان أيبطل الصوم أم لا؟ وفي الطهارة لطواف الحج والعمرة هل تشترط أم لا؟ .... أقول: إذا اختلف الأوائل في تلك المسائل وأشباهها، وهي في أعمدة الإِسلام وأركانه ولم يعطل مسيرة أمةٍ ولم يكن في ذلك وفي تلك الأيام عيب أو شؤم على أهلها، أفيصح أن نجعل الخلاف في التراويح (وهي نافلة) أهي عشرون أم ثماني ركعات، سيفًا بتارًا أو قلمًا هتارًا تُسفك به دماء أو تُهتك به ذمم أو تُقطع لأجله وشائج وأرحام؟!!! إني أرجو من الله تعالى أن يكون من بين ثمرات هذا المصنف (المشروع الجديد) هو الإسهام في عودة الأمة إلى رشدها وأن يكون كالمنبه للغفلان والموقظ للوسنان آمين اللهم آمين. 19 - هذا المشروع يعتبر حصانة علميةً لقول الجمهور. وحماية لمذهبهم من أن يُنسب إليهم مالًا يصح، وقد كثر هذا في المصنفات والكتب الحديثة فتري المؤلف بنسب القول الفلاني لجمهور الفقهاء خطأ أو سهوًا أو لنقله عمن لم يتحر دقة النقل، أو لخلط بين اصطلاح جمهور أئمة المذاهب الأربعة وبين غيرهم. 20 - هذه الموسوعة أرجو أن يكون من شأنها أن تفتح لطلاب العلم والباحثين وطلاب الدراسات العليا. آفاقًا في ميادين البحث والاستقراء والإحصاء وحقول الفقه المقارن وأصوله وغير ذلك. وأخيرًا وليس آخرًا: فإن أقوال الجمهور لها أهميتها الخاصة ومكانتها الرفيعة عند أهل العلم من الفقهاء والأصولين والمحدثين ولعل ما كتبته في هذه المقدمة المتواضعة يلقي الضوء على هذا المشروع الجديد ويرغِّب الخاصة والعامة في اقتنائه والإفادة منه،

رموز واصطلاحات "الموسوعة"

بذلت فيه من الجهد ما الله أعلم به، وقصدي من ذلك نفع المسلمين خاصتهم وعامتهم، وأن يكون لي صدقةً جاريةً بعد مماتي وموعظةً حسنةً لأهلي وأولادي وأحبابي، راجيًا من المولى الكريم القبول منه أولًا وأخيرًا، وأن يرزقه الله تعالى استقبالًا حسنًا من الجمهور الكريم من القرَّاء والمطَّلعين والباحثين، لا أزعم أنني قد وفيت بحق هذا الكتاب على الوجه الأكمل ولكنه جهد الضعيف القاصر المحدود إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فهو مني ومن الشيطان، من رأى في هذا الكتاب خيرًا أو أمرًا حسنًا فليدع لنا، ومن رأى عيبًا أو نقصًا أو خطأ فليدلنا عليه مأجورًا مشكورًا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. رموز واصطلاحات "الموسوعة" وضعنا المسائل في أصل الكتاب التي فيها تصريح من مصادرها بأنها "قول الجمهور" أو "أكثر أهل العلم" على اختلاف مراتبها وأشرنا في نهاية كل مسألة إلى المصدر ورقم الجزء ورقم الصفحة مثاله: مغ ج 3 ص 183 كل ما ليس فيه تصريح بأنه قول الجمهور وكان من اجتهادنا وضعناه في أصل الكتاب كذلك ولكن ميزنا بين هذه وبين غيرها بقولنا: "جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم" أو "أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم" ثم أشرنا إلى المصدر والجزء والصفحة. كما فعلنا في المسائل التي فيها تصريح وهذا النوع من المسائل مصادره أكثر من غيره. وما سوى هذا من المسائل وسواء كانت إجماعًا (باختلاف مراتبه) أو مسائل متفرِّعة، أو شروح أو تعليقات؛ فقد أشرنا إلى مصادر ذلك في الغالب بنفس الطريقة المذكورة أعلاه، اسم المصدر، والجزء، ورقم الصفحة, ولكن وضعنا ذلك في الهامش.

رموز المصادر: إشراف: الإشراف على مذاهب أهل العلم لأبي بكر ابن المنذر. الحاوي: الحاوي الكبير لأبي الحسن الماوردي. بداية: بداية المجتهد لمحمد بن رشد (الحفيد). مغ: المغني لموفق الدين ابن قدامة. مج: المجموع شرح المهذب لأبي زكريا النووي. قرطبي: الجامع لأحكام القرآن. فتح: فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني. شرح: شرح صحيح مسلم لأبي زكريا النووي. المدونة: المدونة للإمام مالك بن أنس رواية ابن القاسم. الحجة: الحجة على أهل المدينة للإمام محمَّد بن الحسن الشيباني. معاني الآثار: شرح معاني الآثار للإمام أبي جعفر الطحاوي. تحفة: تحفة الفقهاء للإمام علاء الدين السمرقندي. بدائع: بدائع الصنائع للكاساني. الجصاص: أحكام القرآن لأبي بكر الرازي الحنفي. إعلاء السنن: إعلاء السنن للتهانوي. الشرح الصغير: الشرح الصغير لأحمد الدردير. تمهيد: التمهيد لابن عبد البر. محلى: المحلى لابن حزم الأندلسي. وصلى الله على سيد الخلق وحبيب الحق محمَّد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد لله رب العالمين وكتبه الفقير إلى رحمة ربه القدير محمَّد نعيم ساعي غفر الله له ولوالديه وأهله وأولاده وأحبابه وجميع المسلمين. آمين إلباسو- تكساس- الولايات المتحدة الأمريكية 7/إبريل/ 2004

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الطهارة

كتاب الطهارة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد. رب يسر ولا تعسر كتاب الطهارة فصل في أحكام المياه باب في التطهير بماء البحر مسألة (1) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على جواز الطهارة بماء البحر من غير كراهة. وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وحكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم كراهة التطهر به (¬1). وبه يقول سعيد بن المسيب -رحمه الله- تعالى فيما حكى عنه. مج ج 1 ص 139. مغ ج 1 ص 8. بداية ج 1 ص 33. الحاوي ج 1 ص 40. باب في الماء المشمس مسألة (2) جمهور الفقهاء على أنه لا كراهة بالتطهر (¬2) بالماء المشمس. وبه يقول مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود وغيرهم. وكره الشافعي التطهر به وقال: ولا أكره المشمس إلا من جهة الطب؛ لكراهية عمر ذلك وقوله "يورث البرص" .. اهـ. قلت: واعتمد الماوردي الكراهة فيما يخص البدن من تطهير شرب ونحوه. واختار النووي عدم الكراهة. مج ج 1 ص 136. الحاوي ج 1 ص 42. ¬

_ (¬1) وحكى عنهما أنهما قدَّما التيمم عليه. وكذلك حكى عن سعيد بن المسيب. انظر الحاوي ح 1 ص 40. قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله-: وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله. مغ ج 1 ص 8. (¬2) التطهر والطهارة يُقصد بهما عند الفقهاء ما شمل رفع الحدث من وضوء وغسل واجبين أو تجديد وضوء أو غسل مسنون وما يكون كذلك إزالةً لنجس في ثوب أو بدن أو مكان. قلت: لا خلاف بين العلماء في جواز الطهارة بمياه الأمطار والبحيرات واليناييع والآبار كثيرة الماء وماء الثلج والبَرَد. انظر مج ج 1 ص 125 - 132 مغ ج 1 ص 12 بداية ج 1 ص 33.

باب في التطهر بماء زمزم

باب في التطهر بماء زمزم مسألة (3) جمهور العلماء على أنه لا كراهة في الطهارة بماء زمزم. وروى عن الإِمام أحمد كراهته. مج ج 1 ص 139. باب في الماء المتغير بالمكث مسألة (4) جماهير العلماء على أنه لا كراهة في استعمال الماء المتغير بالمكث. وذهب ابن سيرين إلى كراهته. حكاه عنه ابن المنذر. مج ج 1 ص 139. بداية ج 1 ص 34. مغ ج 1 ص 13. باب في الماء المسخن مسألة (5) جمهور العلماء على أنه لا كراهة في الطهارة بالماء المسخن وسواء سخن بطاهر أو بنجس. روى هذا عن عمر وابنه وابن عباس وأنس رضي الله عنهم. وبه يقول أهل الحجاز، وحكى عن مجاهد كراهته وأهل العراق. ألمح به الشافعي عنه وصرح به الماوردي فحكاه عن مجاهد جزمًا (¬1). وروى عن أحمد كراهته إذا سخن بنجاسة. مج ج 1 ص 139. مغ ج 1 ص 16. باب في التطهر بغير الماء المطلق هل يجزئ؟ مسألة (6) جماهير السلف والخلف على أن رفع الحدث وإزالة النجس لا يصح إلا بالماء المطلق. وبه يقول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وزفر. وهو قول أبي عبيد وأبي يوسف في أن الطهارة لا تكون إلا بالماء. قلت: قد حكى ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم على عدم جواز الطهارة بماء الورد ونحوه. وقال أبو حنيفة: يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل للعين (¬2) كالخل وماء ¬

_ (¬1) وذكر الماوردي ما يفيد أن مجاهدًا قال هذا في طائفةٍ غيره، ثمَّ اعتذر عنه بأنه ربما قصد ما اشتدت سخونته بحيث منع صاحبه من استعماله. وقيده الموفق في المغني بما إذا اشتد حماه فمنع الإسباغ. انظر الحاوي ح 1 ص 41. مغ ج 1 ص 16. (¬2) وهو قول أبي يوسف وداود. وروى عن أبي يوسف أنه لا يجوز في البدن إلا بالماء. انظر مج ج 1=

باب التطهر بمياه القنوات الجارية

الورد وروى عن أحمد ما يدل على نحوه. وحكى عن ابن أبي ليلى وأبي بكر الأصم جواز الطهارة بكل مائع طاهر، وروي عن علي أنه كان لا يرى بأسًا بالوضوء بالنبيذ (¬1). وبه يقول الحسن البصري والأوزاعي، وقال عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء. وقال محمَّد بن الحسن: يجمع بين النبيذ والتيمم. حكاه الماوردي عنه (¬2). وقال إسحاق: النبيذ حلوًّا أحب إليَّ من التيمم وجمعهما أحب إليِّ. وقال أبو حنيفة: بجواز الوضوء بالنبيذ عند فقد الماء كقول عكرمة وحكى عنه تقييده ذلك في السفر وذلك إذا لم يشتد نبيذ التمر إذا عدم الماء. وحكى عنه الجمع بين التيمم وبين الوضوء به وحكى عنه الرجوع إلى قول الجمهور وهو الأصح عند كثير من أهل مذهبه. وحكى عن الأوزاعي وسفيان الثوري جواز الوضوء بأي نبيذ مطلقًا (¬3). مج ج 1 ص 141، مغ ج 1 ص10 بداية ج 1 ص 45. باب التطهر بمياه القنوات الجارية مسألة (7) جمهور أهل العلم على جواز الاغتسال والوضوء بمياه الأنهر حيث هي والقنوات الجارية ولا كراهة في ذلك. وحكى الخطابي عن البعض أنه كره ذلك واستحب أن يؤخذ له الماء في ركوةٍ ونحوها. مج ج 1 ص 211. * * * ¬

_ = ص 143. قلت: ولا خلاف أنه لا يجوز إزالة النجس بما لا يزيلها كاللبن والمرق. انظر مغ ج ص 9. (¬1) النبيذ: يعني الماء ينبذ فيه التمر أو الزبيب ليحلو به الماء. وقد ذكر الموفق ضعف هذا المروى عن علي - رضي الله عنه -. (¬2) انظر الحاوي ح1 ص 47. (¬3) انظر في هذه المسألة. مج ج 1 ص 928. الحاوي ح 1 ص 44. معاني الآثار في ج 1 ص 94. إعلاء السنن ج 1 ص 218 المدونة ح 1 ص 4. قلت: وأما غير النبيذ من المائعات غير الماء كالخل والدهن والمرق فلا خلاف يعلم في عدم جواز رفع الأحداث به. مغ ج 1 ص10.

فصل في ما يفسد الماء وما لا يفسده

فصل في ما يفسد الماء وما لا يفسده باب في الماء المستعمل (¬1) مسألة (8) جمهور السلف والخلف على أن الماء المستعمل في نفسه طاهرٌ. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد، ورُوي عن أحمد يُعفى عن يسيره إذا وقع في الماء إذا تناثر من المتوضئ (¬2). وقال أبو يوسف: هو نجس. واختلف فيه عن أبي حنيفة -رحمه الله- على ثلاث روايات. إحداها: كقول الجمهور وهو رواية محمَّد بن الحسن عنه. والثانية نجس نجاسة مخففةً، والثالثة: نجس نجاسة مغلظةً. مج ج 1 ص 198. باب في جواز التطهر بالماء المستعمل مسألة (9) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز التطهر بالماء المستعمل. وبه يقول الزهري ومالك والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما، وبه يقول أبو ثور وداود. قال ابن المنذر: وروى عن علي وابن عمر وأبي أمامة - رضي الله عنهم - وعطاء والحسن ومكحول والنخعي أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد في لحيته بللًا: يكفيه مسحه بذلك البلل. قال ابن المنذر: وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرًا، قال: وبه أقول: قلت: وهو قول أحمد في رواية والشافعي في قولٍ وذهب أبو حنيفة ومالك في روايةٍ والشافعي في ظاهر مذهبه وأحمد إلى أنه ليس بمطهر (¬3). الحاوي ج 1 ص 296، مغ ج 1 ص 18. مج ج 1 ص 199. ¬

_ (¬1) يعني الذي استعمل في فرض طهارة من وضوء وغسل، وهذه المسألة في كونه طاهرًا في نفسه والمسألة الثانية في صلاحيته للتطهير يعني رفع الحدث وإزالة النجس. (¬2) قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: الرجل يتوضأ فينتضح من وضوئه في إنائه، قال: لا بأس به، قال إبراهيم النخعي: لابد من ذلك. وروى نحو ذلك عن الحسن. قال الموفق: وإن كثر الواقع وتفاحش منع على إحدى الروايتين. وقال أصحاب الشافعي إن كان الأكثر المستعملُ منع وإلا بأن كان الأقل لم يمنع. انظر مغ ج 1 ص 15. وانظر قول مالك في طهارة الماء المستعمل المدونة ج 1 ص 4. قلت: ولا خلاف بين أهل العلم يعلم في أن الماء المستعمل لتبرد أو تنظف باقٍ على طهورريته. انظر مغ ح 1 ص 21. (¬3) قال مالك: لا يتوضأ بماء قد تُوضِّئَ به مرة ولا خير فيه. وقال -رحمه الله- في الرجل لا يجد إلا ماء قد تُوضِّئَ به مرةً أيتيمم أم يتوضأ به مرةَّ؟ قال -رحمه الله-: يتوضأ بذلك الماء الذي قد توضئ به مرة أَحَبُّ إليَّ إذا كان الذي توضأ به (يعني المرء الذي توضأ به) طاهرًا. اهـ. قلت: هذا كلام مالك وما نقل عنه في المدونة ج 1 ص 4.

باب في الماء يقع فيه ما لا نفس له سائلة من الميتات

باب في الماء يقع فيه ما لا نفس له سائلة (¬1) من الميتات مسألة (10) جمهور العلماء على أن الماء لا ينجس إذا مات فيه ما لا نفس له سائلة وسواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا. وهو قول الشافعي في قديم قوله. وحكي عن يحيى بن أبي كثير ومحمد بن المنكدر أنه يفسد الماء إذا كان قليلًا. وبه يقول الشافعي في أحد قوليه إذا كان الماء دون القلتين (¬2). واختار النووي القول بالطهارة. مج ج 1 ص 177 مغ ج 1 ص 39 الحاوي ج 1 ص 321. باب في الماء الكثير يقع فيه بول الآدمي وغيره من النجاسات مسألة (11) أكثر أهل العلم على أن الماء الكثير إذا بلغ قلتين أو أكثر فإنه لا ينجسه شيء من النجاسات إذا وقع فيه حتى يغير إحدى صفاته من طعم أو لون أو ريح (¬3). وسواء وقع فيه بول آدمي أو غيره من سائر النجاسات. وبه يقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه. وقال أحمد في رواية: ينجس بوقوع بول الآدمي وعذرته فيه ولو لم يغيره. روى هذا عن عليٍّ - رضي الله عنه - والحسن البصري (¬4). مغ ج 1 ص 37. ¬

_ (¬1) يعني أن دمها جامد لا يسيل كالذباب والزنابير وسائر أنواع الحشرات التي لا يسيل دمها. (¬2) قال ابن المنذر: لا أعلم خلافًا في ذلك إلا ما كان من أحد قولي الشافعي. ذكره الموفق في المغني، انظر. مج ج 1 ص 39 قلت: ولعل ابن المنذر لم يصله أو لم يثبت عنده قول يحيى بن كثير ومحمد بن المنكدر والله تعالى أعلم. قال مالك في بنات وردان والعقرب والخنفساء وكل ما كان من خشاش الأرض كالزنبور والصراء (الصراصير) إذا وقع في إناء فيه ماء أو في قدر فيه طعام فإنه يتوضأ بذلك الماء ويؤكل ما في القدر. انظر المدونة ج 1 ص 4. (¬3) ريح أو رائحة كلاهما صحيح ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في دم الشهيد "اللون لون دم والريح ريح مسك". (¬4) قلت: وهذا إذا كان الماء منحصرًا يمكن نزحه كالبئر الصغيرة والبركة التي جاوزت القلتين بقليل, وأما إذا كان الماء في كثيرًا لا ينحصر ولا ينزح كالخليج من البحر والعريض من الأنهار فلا خلاف يعلم في أنه لا ينجس إلا بالتغير. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الماء الكثير مثل الرِّجل- (الخليج) من البحر ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغير له لونًا ولا طعمًا ولا ريحًا أنه بحاله يتطهر منه. انظر مغ ج 1 ص 37.

باب في الماء يخالطه شيء من الطاهرات

باب في الماء يخالطه شيء من الطاهرات (¬1) مسألة (12) جمهور أهل العلم على أن الماء إذا وقع فيه شيء من الطاهرات فإنه باقٍ على طهوريته حتى تتغير صفته. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد (¬2). وحكى ابن المنذر عن الزهري في كِسَرِ خُبْزٍ بُلَّت غيرت لونه أو لم تغير لونه لا يتوضأ منه. وحكى نحوه عن أم هانئ - رضي الله عنهما - وقال مالك: لا يتوضأ من الماء الذي يُبل فيه الخبز نقله عنه ابن القاسم في المدونة. قلت: وعندي أن هذا يحمل في قول مالك فيما نقع وتفتت وعيز الماء ويدل عليه قوله -رحمه الله- في الجلد يقع في الماء ثم يخرج لا بأس بالوضوء منه. باب في الفرق بين قليل الماء الراكد وكثيره إذا وقع فيه نَجَس (¬3) مسألة (13) جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الماء الراكد إذا وقع فيه شيء من النجاسات فإنه لا فرق في ذلك بين قليل الماء وكثيره من أنه لا ينجس حتى تتغير صفته من طعم أو لون أو ريح. روي ذلك عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وهو مروي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي ومالك والأوزاعي والثوري ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد في إحدى الروايتين وداود. قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول. قال النووي: واختاره الغزالي في الإحياء، واختاره الروياني في كتاب البحر والحلية. قال في البحر: وهو اختياري واختيار جماعةٍ رأيتهم بخراسان والعراق. قال النووي -رحمه الله تعالى: وهذا المذهب أصحها بعد مذهبنا. وقالت طائفة: ينجس قليل الماء بمجرد وقوع النجاسة فيه ولو لم تغير صفة من صفاته ولا ¬

_ (¬1) وهذا في الطاهرات التي تستغني عن الماء أو يستغني الماء عنها ولا يشق تحرز الماء عنها وأما ما خالط الماء مما كان في مقره أو ممره فغير صفته كالطحلب والطين أو كان يتغير بسقوط أوراق الشجر عليه مما يشق الاحتراز عنه. فهذا كله لا خلاف بين أهل العلم في أنه باقٍ على طهوريته. انظر مج ج 1 ص 151. مغ ج 1 ص 12, 13. (¬2) ويستوي في ذلك قليل الماء وكثيره راكده وجاريه. انظر ما نقلته عن مالك في المدونة ج 1 ص 4. (¬3) لا خلاف بين أهل العلم في أن الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت إحدى صفاته فإنه ينجس سواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا. حكى الإجماع في هذه المسألة ابن المنذر. انظر مغ ج 1 ص 24. وانظر. نيل ج 1 ص 37. قلت: وأما إذا وقعت النجاسة ولم تغير ففي ذلك خلاف وهي مسألة الكتاب.

ينجس الكثير منه إلا بالتغير. وما كان دون القلتين فهو قليل وإلا فهو كثير (¬1) وبهذأ قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد في روايةٍ. وهو مروي عن ابن عمر - رضي الله عنه - وسعيد ابن جبير ومجاهد. وقال أبو حنيفة: القليل الذي ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه هو الذي إذا حرك أحد جانبيه تحرك جانبه الآخر وما لا فهو كثير لا ينجس إلا بالتغير. قلت: وفي المسألة غير هذا الذي ذكرناه من مذاهب الفقهاء (¬2). مغ ج (1) ص 161، مغ ج (1) ص 24، نيل ج (1) ص 36. * * * ¬

_ (¬1) القلتان تعدلان برميلًا واحدًا أو إحدى عشرة تَنَكةً. (¬2) حكى ابن المنذر في هذه المسألة سبعة مذاهب نقلها عنه النووي في المجموع فانظرها هناك. مج ج 1 ص 161.

فصل في الأسئار

فصل في الأسْئَار (¬1) باب في سؤر الهر (¬2) مسألة (14) جمهور العلماء على طهارة سؤر الهر ولا كراهة فيه. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وجمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي. وقال أبو حنيفة: هو مكروه فإن فعل أجزأه، روى هذا عن ابن عمر - رضي الله عنه - ويحيى الأنصاري وابن أبي ليلى. وروى عن أبي هريرة أنه يغسل الإناء من سؤره مرة أو مرتين. وبه قال ابن المنذر، وقال الحسن وابن سيرين: يغسل مرةً. وقال طاوس: يغسل سبعًا كالكلب. مغ ج 1 ص 44 مج ج 1 ص 217. باب في سؤر الآدمي مسألة (15) جمهور العلماء بل عامتهم على طهارة سؤر الآدمي مؤمنًا كان أو كافرًا (¬3)، طاهرًا أو جنبًا أو حائضًا، وممن قال هذا: الحسن ومجاهدو الزهرى ومالك ¬

_ (¬1) جمع سؤر وهو فضلة أو بقية شرب الإنسان أو الحيوان. (¬2) ويلحق له ما دونه في الخلقة كالفأرة وابن عرس. قاله ابن قدامة. مغ ج 1 ص 44. قلت: وأما سؤر الكلب والخنزير فسيأتي بيانه في أصل الكتاب في فصل النجاسات، وأما سؤر سائر السباع من الطير والحيوان وكذلك البغال والحمير من الدواب ففي هذا كله خلاف بين أهل العلم. أما البغل والحمار فروي عن أحمد إذا لم يجد غيره تيمم معه. وبه قال أبو حنيفة والثوري، وروي عن أحمد أنه قال بنجاسة جميع ما ذكرناه من الأسآر هنا وأنه إن لم يجد غيره تركه وتيمم. وروي عن ابن عمر أنه كره سؤر الحمار الأهلي. وبه قال الحسن وابن سيرين والشعبي والأوزاعي وحماد وإسحاق. ورخص في جميع ما ذكرنا من أسآر السباع من حيوان أو جارحة طير: الحسن وعطاء والزهري ويحيى الأنصاري وبكير بن الأشج وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي وابن المنذر. وقد حكى هذا القول عن جمهور العلماء النووي لكنه ذكره ممزوجًا بغيره من أنواع الحيوان فلذا اخترت حذفه من أصل الكتاب وتفصيله في الهامش توخيًا للدقة في نقل أقوال العلماء. انظر مج ج 1 ص 217. مغ ج 1 ص 42. وانظر قول مالك في أسآر ما ذكرناه من الدواب كالبغل والحمار وسباع الطير وغيرها فإنها عنده -رحمه الله- جميعها طاهرة السؤر إلا ما أكل الجيف وتيقن أنها تحمل عند شربها شيئًا من ذلك. قلت: ولعل من المفيد تعجيل قول مالك في سؤر الكلب. فإنه عنده طاهر، لكنه كان يكره التوضؤ بفضل سؤر الكلب إذا كان الماء قليلًا وعبارته -رحمه الله-: لا يعجبني إذا كان الماء قليلًا ولا بأس إذا كان الماء كثيرًا كهيئة الحوض. قلت: لكنه قال في موضع فيمن توضأ من إناء ولغ فيه الكلب قال: إن توضأ به وصلى أجزأه. انظر المدونة في ج 1 ص 5، 6. (¬3) وسيأتي ما قاله مالك في سؤر النصراني. انظر. المدونة ج 1 ص 14.

والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو عبيد، وحكي عن إبراهيم النخعي أنه كره سؤر الحائض، وروي عن جابر بن زيد أنه لا يتوضأ منه. قلت: وقال مالك: لا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بما أدخل يده فيه. رواه عنه ابن القاسم في المدونة. مغ ج 1 ص 43، 214. * * *

فصل في الأواني والدباغ

فصل في الأواني والدباغ مسألة (16) جماهير العلماء على صحة الوضوء والاغتسال من آنية الذهب والفضة مع اتفاقهم على تحريم الاتخاذ والاستعمال (¬1) وممن قال هذا: مالك وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وابن المنذر. وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وقال داود لا يصح التطهر بها ومنها. وهو وجه في مذهب أحمد اختاره أبو بكر الأثرم. مج ج 1 ص290. شرح ج 14 ص30. باب في اتخاذ آنية الذهب والفضة من غير استعمال مسألة (17) جمهور العلماء على تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة ولو لم يستعملها وأنه يستوي في ذلك الرجال والنساء. واختلف النقل عن الشافعي في هذا، فمن أصحابه من حكاه قولين للشافعي ومنهم من جعله وجهين في المذهب والمختار الصحيح عندهم التحريم (¬2). مج ج 1 ص 290. باب في تضبيب الأوانى بالفضة (¬3) مسألة (18) جمهور العلماء من السلف والخلف على كراهة الضبة بالفضة للآنية ¬

_ (¬1) حكى الموفق عدم العلم بالمخالف في ذلك. انظر مغ ج 1 ص 62 وحكي الإجماع فيه النووي وأنه لا فرق فيه بين الرجال وبين النساء، ونقل عن ابن المنذر الإجماع على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة. ونقل النووي عن داود أنه قال بجواز الأكل في آنية الذهب والفضة وذكر أنه قول للشافعي قديم وبعض الأصحاب من العراقيين. والذي يخلص لي: أن تحريم الأكل في آنية الذهب والفضة هو قول عامة العلماء وجماهيرهم، وأما دعوى الإجماع فإدعاء يعسر إثباته. انظر مج ج 1 ص 289،288، نيل الأوطار ج 1 ص 81 الحاوي ج 1 ص 76. قلت: نص الشافعي في مختصر المزني ظاهره القول بالتحريم مع أن عبارته لا تفيد ذلك لكنه قرنها -رحمه الله- بالحديث الوارد في النهي عن ذلك. قال الشافعي -رحمه الله-: ولا أكره من الآنية إلا الذهب والفضة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفة نار جهنم" والحديث هنا قاصر على الشرب دون الأكل وهو محتمل لقول الشافعي القديم. الحاوي ج1 ص 76. وستأتي هذه المسألة في كتاب حد المسكرات. (¬2) انظر مغ ج 1 ص 64. (¬3) التضبيب يعني أن يلئم موضع الكسر في الآنية بالفضة أو بالذهب بعد أن يحميهما على النار. قلت: ومسألة الكتاب في غير حاجة، أما مع الحاجة بأن لا يوجد ما يضبب به سوى الفضة فيجوز وأما الذهب فالقياس يقتضي التسوية بينهما في هذا الباب وإن كان أمر الذهب أشد. انظر مج ج 1 ص 292. وانظر في هذه المسألة. مغ ج 1 ص 64. قلت: وقد فرَّق البعض بين يسير الفضة فيباح للحاجة وأما الكثير فلا, وبين =

باب في استعمال الآنية الثمينة من غير الذهب والفضة

وروي هذا عن علي بن الحسين -رضي الله عنهما- وعطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله والمطلل بن عبد الله حنطب والحسن وابن سيرين، وروي عن عائشة وعروة بن الزبير، وقال أبو حنيفة وأصحابة: يجوز. وحكى هذا عن أحمد وإسحاق وحكاه ابن المنذر في المفضض عن سعيد بن جبير وميسرة وزاذان وطاوس وعمر بن عبد العزيز وأبي ثور وأخذ به -رحمه الله-. قال النووي: والمعروف عن أحمد كراهة المضبب. مج ج 1 ص 298. باب في استعمال الآنية الثمينة من غير الذهب والفضة مسألة (19) جمهور العلماء بل عامتهم على جواز اتخاذ واستعمال سائر الأواني الثمينة سوى الذهب والفضة كالياقوت والزمرد والبلور والعقيق ونحوها، وكذلك الأواني غير الثمينة كالمصنوعة من الخشب والخزف والجلود. وروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كره الوضوء في الصفر (¬1) والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك. وحكى الموفق في المغني أنه اختيار الشيخ أبي الفرج المقدسي. مغ ج 1 ص 65. باب في آنية الكفار والمشركين وثيابهم مسألة (20) جمهور العلماء من السلف والخلف على طهارة آنية الكفار والمشركين وثيابهم سواء كانوا أهل ذمة أو غيرهم من الحربين وغير أهل الكتاب. وروي عن أحمد في آنية المجوس وطعامهم أنه لا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة. واختار القاضي نجاسة آنية غير أهل الكتاب (¬2). وحكي هذا عن إسحاق. مج ج 1 ص 301. ¬

_ = الذهب فلا يباح لا يسيره ولا كثيره لا لحاجةٍ ولا لغير حاجة. انظر مغ ج 1 ص 65. مج ج 1 ص 294 الحاوي ج 1 ص 78 وما بعد. الإشراف ج 1 ص 366. (¬1) نوع من النحاس شديد الصفاء والاصفرار. (¬2) انظر مغ ج 1 ص 69،68. قلت: والقائلون بالطهارة من الجمهور لم ينفوا الكراهة في استعمال آنيتهم والصلاة في ثيابهم وقد روي عن أحمد أنه قال في من صلى في سراويل وأزُرِ الكفار: أحَب إلي أن يعيد. وممن كره الصلاة في سراويلهم وأزرهم الشافعي وأبو حنيفة. قال الشافعي -رحمه الله-: وإنا لسراويلاتهم وما يلي أسافلهم أشد كراهة. يعني أشد كراهة لما علا من ثيابهم، وقد نص النووي على ما ذكرته. انظر مج ج 1 ص 301. وانظر كلام الماوردي في هذا ففيه تفصيل حسن. الحاوي ج 1 ص 80 وما بعد.

فصل في الدباغ

فصل في الدباغ باب في تطهير جلد الميتة (¬1) بالدباغ مسألة (21) جمهور العلماء بل عامتهم على أن جلد ميتة مأكول اللحم قبل دبغه نجس لا يصح الصلاة فيه ولا استعماله في رطب ولا يابس، وجمهور من بلغنا قولهم من هؤلاء على أنه يطهر منها بدبغه ما كان طاهرًا حال حياته، وممن روي عنه طهارة جلود الميتة إذا دُبغت مما كما منها طاهرًا حال حياته: عطاء والحسن والشعبي والنخعي وقتادة ويحيى الأنصاري وسعيد بن جبير والأوزاعي والليث والثوري وابن المبارك وإسحاق والشافعي، وروي نحو هذا عن عُمَر وابن عباس وابن مسعود وعائشة رضي الله تعالى عنهم على خلاف يينهم فيما هو طاهر حال حياته. قلت: وبه قال أحمد في إحدى الروايتين. وقد حكى الخطابي عن عامة العلماء جواز الدباغ. وقال أبو حنيفة: تُطهر الجلود كلها بالدباغ إلا جلد الخنزير، وقال أحمد في المشهور عنه: لا يَطْهُرُ شيء بالدباغ. وبه قال مالك في إحدى الروايتين. وروي هذا كذلك عن عمر وابنه وعمران بن حصين وعائشة - رضي الله عنها -. وقالت طائفة: يطهر بالدباغ جلد ميتة مأكول اللحم دون غيره. حكاه النووي عن الأوزاعي وابن المبارك وأبي داود وإسحاق بن راهويه. وقال داود وأهل الظاهر: يطهر كل جلود الميتات ظاهرًا وباطنًا. وبه قال أبو يوسف، حكاه عنه الماوردي في الحاوي. وقال الزهري: جلد الميتة لمأكول اللحم طاهر قبل الدباغة وبعدها. حكاه عنه الماوردي (¬2). قلت: وفي المسألة تفصيل ومذاهب غير هذا اكتفينا بذكر أشهرها. مج ج 1 ص 258، مغ ج 1 ص 55. ¬

_ (¬1) لا خلاف يعلم في أن المأكول من الحيوان إذا ذُكي فإن جلده طاهر لا يحتاج إلى دباغ. بل هذا إجماع حكاه الماوردي ج 1 ص 59، وأما الميتة من مأكول اللحم وغير مأكول اللحم فجلدها قد اختلف فيه حكم الفقهاء وسيأتي شيء من ذلك في أصل الكتاب. (¬2) انظر الحاوي ح 1 ص 56 وما بعد. مج ح 1 ص 269.

باب في أكل جلد الميتة إذا دبغ

باب في أكل جلد الميتة (¬1) إذا دبغ مسألة (22) جمهور أهل العلم على عدم جواز أكل جلد ميتة مأكول اللحم إذا دُبغ، وحكي عن ابن حامدٍ أنه يحل. وهو وجه لأصحاب الشافعي. حكاه الماوردي (¬2). مغ ج 1 ص 58. باب في بيع جلد الميتة قبل الدباغ وبعده مسألة (23) جمهور العلماء على عدم جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ وجوازه بعد الدباغ، وقال أبو حنيفة: يجوز في الحالتين قبل الدبغ وبعده، وقال الشافعي في القديم: لا يجوز في الحالتين (¬3). قلت: وبه قال مالك (¬4). مج ج 1 ص 268. باب في اشتراط استعمال (¬5) الماء في الدباغة مسألة (24) أكثر أهل العلم على أنه لا يشترط غسل المدبوغ بالماء. وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وفي المسألة وجهان في المذهب الشافعي، وكذا الحنبلي أحدهما يشترط (¬6). مج ج 1 ص 265. * * * ¬

_ (¬1) يعني ميتة مأكول اللحم. (¬2) انظر الحاوي ح 1 ص 66. (¬3) قد نصَّ الشافعي في القديم على عدم جواز بيعه بعد الدباغ ومقتضى قوله هذا عدم جوازه قبل الدباغ من باب أولى فلذلك ذكرت عنه في أصل المسألة أنه لا يجوز في الحالين. انظر الحاوي ح 1 ص 65. قلت: نص الموفق في المغني على ما يوافق قول الجمهور. انظر مغ ج 1 ص 58. (¬4) انظر الحاوي ح 1 ص 65. (¬5) يعني هل يشترط غسله بالماء بعد دبغه. (¬6) انظر مغ ج 1 ص 59.

فصل في السواك

فصل في السواك (¬1) باب في السواك قبل الوضوء والصلاة مسألة (25) جمهور أهل العلم على أن السواك سنة مستحبة مؤكدة ليس واجبًا لا عند وضوءٍ ولا عند صلاة وأن تَرْكَهُ لا يبطل وضوءًا ولا يبطل صلاةً. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وجمهور فقهاء الأمصار وأهل الفتوى. وقال داود بن علي الظاهري: السواك واجبٌ، لكن لا يقدح تركه في صحة الصلاة. وقال إسحاق بن راهويه: السواك واجبٌ، فإن تركه عمدًا بطلت صلاته، وإن تركه ناسيًا لم تبطل. حَكَى هذين القولين عن داود وإسحاق، والماورديُّ (¬2) وغيرهٌ. مج ج 1 ص 307. مغ ج 1 ص 78. باب في السواك للصائم هل يكره في وقت دون وقت مسألة (26) جمهور العلماء على استحباب السواك للصائم وغيره وأنه لا يكره للصائم لا قبل الزوال (الظهر) ولا بعد الزوال، روي هذا عن عمر وابنه وابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال النخعي وابن سيرين وعروة ومالك وأصحاب الرأي وأحمد في رواية وذهبت طائفة إلى كراهته للصائم آخر النهار. روي هذا عن عطاء. وبه قال الشافعي (¬3). وأحمد في روايةٍ (¬4) وإسحاق وأبو ثور. وروي عن عمر رواية رضي الله تعالى عنهما وحكاه ابن الصباغ عن الأوزاعي والحسن. قلت: والصحيح عن عبد الله بن عمر خلافه رواه البخاري في صحيحه معلَّقًا جزمًا ¬

_ (¬1) السواك اسم للفعل وللآلة التي يستاك أو يتسوك بها، يقال: استاك وتسوك إذا استعمل شيئًا لتطيب فمه وتنظيف سنِّه وقد يكون السواك من شجر الأراك وهو أشهره وقد يكون من غيره، وفرشاة الأسنان المعروفة اليوم تجزئ عن السواك وتقوم مقامه ولكن بالنية. وقد حكى الموفق وغيره الإجماع والاتفاق على مشروعيته في عموم الأحوال إلا أنَّ الخلاف في مرتبة طلب فعله في بعض تلك الأحوال وهي مسألة الكتاب. انظر مغ ج 1 ص 78، مج ج 1 ص 308 الحاوي ج 1 ص 82. (¬2) انظر الحاوي ج 1 ص 83. (¬3) نص الشافعي على كراهته للصائم وقت العشي وهو أخصُّ من قول البعض بعد الزوال. قال الشافعي -رحمه الله-: ولا أكره في الصوم السواك بالعود الرطب وغيره، وأكرهه بالعشي لما أحب من خلوف فم الصائم. انظر الحاوي ج 1 ص 466. (¬4) قال الموفق: قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب أنه لا يُستحب للصائم السواك بعد الزوال وهل يكره؟ على روايتين. مغ ج 1 ص 80.

قال: وقال ابن عمر يستاك أول النهار وآخره. ونقل الترمذي عن الشافعي في الصائم يستاك أول النهار وآخره. وإستغرب هذا النقلَ النوويّ وقال: وأن كان قويًّا من حيث الدليل، وبه قال المزني وأكثر العلماء (¬1). مج ج 1 ص 310. * * * ¬

_ (¬1) انظر هذه المسألة في مغ ج 1 ص80، الحاوي ج 1 ص 86. الحاوي في ج 3 ص 466. قلت: وهل يكره للصائم السواك الرطب وخاصةً قبل الزوال عند من يقول بكراهة التسوُّك بعد الزوال؟ قال النووي: لا يكره وقال: إذا لم ينفصل منه شيء يدخل جوفه، وبه قال جماعات من العلماء. وكرهه بعض السلف. انظر مج ج 1 ص 313.

فصل في أفعال الوضوء

فصل في أفعال الوضوء باب في النية للوضوء والغسل مسألة (27) جمهور العلماء من أهل الحجاز وغيرهم على أن النية شرط لصحة الوضوء والغسل والتيمم. روي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه. وبه يقول ربيعة ومالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيدة وابن المنذر. وذهبت طائفة إلى صحَّة جميع ذلك بدون نيَّة. حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي والحسن بن صالح، وحكاه أصحاب الشافعي عنهما وعن زفر. وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: يصح الوضوء والغسل بلا نية ولابد منها للتيمم وروي ذلك عن الأوزاعي رحمه الله تعالى (¬1). قلت: قد حكى صاحب التحفة الإجماع في وجوب النية للتيمم (¬2). مج ج 1. ص 333 قرطبي ج 1 ص 85. باب في وضوء الكافر قبل إسلامه مسألة (28) جمهور العلماء على أن الكافر إذا توضأ ثم أسلم فإن وضوءه هذا لا يجزؤه؛ بل لابد له إذا أراد الصلاة من وضوء جديد، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة: يجزؤه وضوؤه قبل إسلامه. مج ج 1 ص 349. باب في الرجل يوضئه غيره (¬3) مسألة (29) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الرجل إذا وضَّأه غيره فإنه يجزء ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 91. بداية ج 1 ص 16. الحاوي في ج 3 ص 87. تحفة ج 1 ص11. المدونة في ج 1 ص 36. وانظر كتابنا شرح حديث "إنما الأعمال بالنيات" ففيه مباحث لطيفة عن النية. قلت: ولا خلاف يعلم في أن النية لا تشترط لإزالة النجاسات. حكاه ابن رشد. انظر بداية ج 1 ص 16، وانظر قرطبي ج 1 ص 85 ففيه مبحث لطيف عن الفرق في النية بين الطهارة وبين الصلاة والصوم. (¬2) هكذا حكى الإجماع الإمام علاء الدين السمرقندي، ولعله فاته ما نقلناه عن مذهب الحسن بن صالح والأوزاعي. انظر تحفة ج 1 ص 11. (¬3) وأما استعانة الرجل بمن يصب عليه الماء لوضوئه وغسله فلا خلاف يعلم في صحة ذلك وأجزائه إلا أنه يكره أو لا يستحب لغير حاجةٍ. وروي في ذلك حديث لا يصح إسناده أخرجه البراز وغيره، وقال النووي =

باب في التسمية عند الوضوء

عنه. ونقل عن داود فيما حكاه صاحب الشامل (ابن الصباغ) أنه لا يصح. مج ج 1 ص 358. باب في التسمية عند الوضوء مسألة (30) جمهور العلماء على أن التسمية في أول الوضوء سنَّة مستحبة ولا تجب وليست شرطًا في صحة الوضوء. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد وأحمد في أظهر الروايتين وابن المنذر. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى المنصوص عنه، وحكاه الموفق عن أصحاب الرأي، وقال أحمد في رواية وإسحاق بن راهويه: التسمية واجبة فإن تركها عمدًا بطل وضوؤه وإن تركها ناسيًا صح وضوؤه، قال النووي: أو تركها سهوًا أو معتقدًا أنها غير واجبة لم تبطل طهارته، ونقل المحاملي والماوردي عن أهل الظاهر أنها واجبة بكل حال فمن تركها عمدًا أو ناسيًا بطلت طهارته، وحكي هذا المذهب عن الحسن البصري .. حكاه عنه الموفق ابن قدامة. وحكي عن أبي حنيفة أنها غير مستحبة. قلت: ولا أظنه يثبت عن أبي حنيفة. وإنما الذي حكاه الطحاوي عنه وعن أبي يوسف ومحمد بن الحسن: أن الوضوء لا يبطل بتركها كقول الجمهور. وحكي عن مالك في روايةٍ أنها بدعة. وعنه أنها مباحة لا فضيلة في فعلها ولا تركها (¬1). مج ج 1 ص 361. باب في غمس اليدين في الإناء قبل الوضوء منه (¬2) مسألة (31) جمهور العلماء على أنه يكره لمريد الوضوء من الإناء غمس يديه فيه قبل ¬

_ = فيه أنه حديث باطل لا أصل له. وقد ذكره الحافظ في تلخيص الحبير، ونقل عن ابن الملقن تضعيفه، والحديث ذكره الفقهاء بألفاظ مختلفة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا أحب أن يشاركني في وضوئي أحد" ومنها ما ذكره صاحب المهذب: "إنا لا نستعين على الوضوء بأحد" قلت: والصحيح أنه جائز ولا كراهة فيه واعتمد ذلك الموفق والنووي. والأولى عندي ما ذكره الماوردي وصاحب المهذب أن الأولى تركه إلا لحاجة لأن أصل الاستعانة بالناس لغير حاجة مما لا يطلب وأما جوازه وصحة الوضوء به فدليله الأحاديث المستفيضة في صَبِّ الصحابة الوضوء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر. مغ ج 1 ص 131. الحاوي ج 1 ص 134. مج ج 1 ص 356، شرح في ج 10 ص90. (¬1) انظر مغ ج 1 ص 84، الحاوي ج 1 ص100 بداية ج 1 ص 28، معاني الآثار ج 1 ص 29. (¬2) نقل الموفق عدم العلم بالمخالف في عدم الوجوب لمن أراد الوضوء إذا لم يكن قد قام من نوم مغ ج 1 ص 80.

باب في من شك في نجاسة يده هل ينجس الماء بذلك؟

أن يغسلهما وذلك إذا شكٌّ في نجاسة يده، ولا يجب عليه ذلك وسواء قام من نوم الليل أو النهار، أو شك في نجاسة يده بسبب غير ذلك، والجمهور على استحياب غسل اليدين قبل إِدخالها الإناء من غير إيجاب، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، وبه قال أحمد فيمن قام من نوم النهار. وبقول الجمهور قال عطاء ومالك والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال أحمد في روايةٍ: لا فرق بين نوم الليل ونوم النهار، حكى ذلك النووي، وقال الموفق: لا تختلف الرواية (يعني عن أحمد) في أنه لا يجب غسلها من نوم النهار. وقال داود بقول أحمد في الفرق بين نوم الليل وبين نوم النهار؛ فيجب في الأول ولا يجب في الثاني، ونقل ابن رشد عن داود القول بالوجوب مطلقًا (¬1)، وبه قال الحسن البصري -رحمه الله- تعالى. وروي هذا عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، حكاه عنهما جزمًا الموفق ابن قدامة -رحمه الله- تعالى (¬2). مج ج 1 ص 364، الحاوي مج ج 1 ص 101. باب في من شك في نجاسة يده هل ينجس الماء بذلك؟ مسألة (32) جمهور العلماء بل عامتهم على أنَّ من شكّ في نجاسة يديه قبل إدخالهما الإناء فإن الماء لا ينجس إذا أدخل يديه الإناء قبل غسلهما، وهو قول الشافعي وكل من لا يوجب غسل اليدين وسائر العلماء. قال النووي: وهذا مذهب العلماء كافة إلا الحسن البصري وإسحاق ومحمد بن جرير الطبري وداود فإنهم قالوا ينجس الماء إذا غمس يده من قام من نوم الليل، قلت: وحكاه الموفق عن أحمد احتمالًا إذا كان الماء يسيرًا لقول أحمد -رحمه الله- تعالى فيه: أعجب إليَّ يهريق الماء (¬3). مج ج 1 ص 364، الحاوي ج 1 ص 101. باب في استحباب غسل ما توهم من النجاسة مسألة (33) جمهور العلماء على أنه يُستحب في النجاسة المتوهمة في ثوب أو بدن أو مكان أن يغسل موضعها, ولا يكفي في ذلك ألاستحبابِ الرَّشُّ، وقال بعض أصحاب مالك يكفى الرش. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 17. (¬2) انظر مغ ج 1 ص 81. (¬3) انظر مغ ج 1 ص 81.

باب في الخلاف في اللحية الكثيفة في الوضوء

مج ج 1 ص 365. باب في الخلاف في اللحية الكثيفة (¬1) في الوضوء مسألة (34) جماهير العلماء على أن المتوضئ لا يجب عليه غسل باطن لحيته الكثيفة أو تخليلها وإنما يكفيه غسل ظاهرها. وممن روي عنه الترخيص بترك التخليل: ابن عمر والحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم وإبراهيم النخعي والشعبي وأبو العالية ومجاهد وأبو القاسم ومحمد بن علي وسعيد بن عبد العزيز، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد، ونقل القرطبي عن ابن خويز منداد اتفاق الفقهاء عليه إلا شيء روي عن سعيد بن جبير، وقالت طائفة قليلة: يجب غسل باطن اللحية الكثيفة، حكي هذا عن عطاء، حكاه عنه الموفق. وحكاه الخطابي عن إسحاق بن راهويه. ونقله النووي عن المزني وأبي ثور وحكاه ابن رشد عن ابن عبد الحكم من أصحاب مالك (¬2) وكذا حكاه عنه القرطبي. وحكاه الرافعي وجهًا وقولًا في المذهب الشافعي وردَّه الشيخ أبو حامد أن يكون وجهًا في المذهب (¬3). قلت: وكان ربيعة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمَّد وابن سيرين ينكرون تخليل ¬

_ (¬1) وأما اللحية الخفيفة والأصحُّ في تعريفها وتحديدها أنها ما ظهر من تحتها بشرة الوجه. وإلى وجوب غسل ظاهرها وباطنها ذهب الشافعي وبه قال مالك وأحمد وداود. وحكى الماوردي عن أبي حنيفة أنه لا يجب غسل باطن اللحية الخفيفة. وذكره النووي كذلك. انظر مج ج 1 ص 381، الحاوي في ج 1 ص 110. (¬2) وحكى سحنون عن ابن القاسم أنه سمع مالكًا يُسئل عن هذا فعاب على من فعله وقال: وتخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس وذكر عنه كذلك أنه قال: يحرك المتوضئ ظاهر لحيته من غير أن يدخل يده فيها. انظر قول مالك في هذا وما ذكرته بعد عن بعض فقهاء الحجاز. في المدونة ج 1 ص 18. (¬3) انظر في هذه المسألة بداية في ج 1 ص 19، الحاوي ج 1 ص 109. قلت: النقل عن الأئمة في هذه المسألة يدل بظاهره على عدم الخلاف في وجوب غسل ظاهر اللحية الكثيفة نص عليه النووي -رحمه الله-. مج ج 1 ص 380. ثمَّ رأيت الموفق ينقل عن أحمد في رواية وأبي حنيفة أنه لا يجب غسل ظاهر اللحية الكثيفة أصلًا لأنها ليست من الوجه وإنما الوجه بشرته، ثم جزم الموفق أن ما روى عن أحمد في هذا محمول على ما زاد وخرج عن حد الوجه. وأما ما نبت فيه فيجب غسل ظاهره باتفاق. انظر مغ ج 1 ص 101. قلت: والصحيح عن أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى أن هذا فيما خرج عن حد الوجه واسترسل. وهو قول للشافعي وقال آخرون: يجب غسل ظاهر ما استرسل من اللحية وهو القول الآخر للشافعي وهو المعتمد عند أصحابه وحكي هذا عن مالك وأحمد، وقال آخرون: لا يجب كما ذكرنا وهو قول داود والمزني. انظر مغ ج 1 ص 100، مج خ 1 ص 385، قرطبي ج 6 ص 84.

باب في دلك الأعضاء في الوضوء والغسل

اللحية بالكليَّة ونحوه عن النخعي وهو قول مالك في المدونة. مج ج 1 ص 380، مغ ج 1 ص 87، قرطبي ج 6 ص 83. باب في دلك الأعضاء في الوضوء والغسل مسألة (35) جمهور الفقهاء على أنه لا يجب دلك الأعضاء باليد في الوضوء والغسل ولكن يُستحب، وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وقال مالك والمزني بالوجوب. قال مالك: إمرار يده حيث تنال يده واجب ونحوه، قال أبو العالية: وقال عطاء في الجنب: يفيض عليه الماء؟ قال: لا، بل يغتسل غسلان؛ لأن الله تعالى قال: {حَتَّى تَغتسَلُواْ} (¬1) [النساء: 43]. مج ج 1 ص 387، مج ج2 ص 189، بداية ج 1 ص 61. باب في غسل المرفقين والكعبين في الوضوء مسألة (36) جمهور العلماء بل عامتهم على وجوب غسل المرفقين والكعبين في الوضوء، وبه يقول عطاء ومالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي والشافعي وأحمد وإسحاق. وحكي عن زفر (¬2) أنه لا يجب، وبه قال بعض أصحاب مالك وأبو بكر بن داود. وحكاه ابن رشد عن الطبري أيضًا. مج ج 1 ص 389، مغ ج 1 ص 107، الحاوي ج 11 ص 112، بداية ج 1 ص 20، قرطبي ج 6 ص 86. باب في من توضأ ثم حلق رأسه أو كُشطت جلدة من يده مسألة (37) جمهور العلماء سلفًا وخلفًا على أن من توضَّأ ثم قُطعت يده من محل ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 218، الحاوي ج 1 ص 221، المدونة ج 1 ص30. قلت: والمالكية يفرقون بين الوضوء وبين الغسل في الدلك المجزئ ففي الوضوء لابد من إمرار اليد على أعضاء الوضوء كلها ويكون هذا باستعمال باطن اليد وهذا في المذهب المعتمد عندهم، وأما في الغسل فلا يُشترط ذلك وإنما يكفي بظاهر اليد أو غير ذلك ودلك رجلٍ بأخرى. انظر الشرح الصغير ج 1 ص 111، ص 167. (¬2) حكاه عنه جزمًا صاحب التحفة وهو أعرف بمذهبه من غيره. انظر تحفة ج 1 ص 9.

باب في النزعتين في الوضوء هل هما من الرأس أم من الوجه؟

الفرض أو رجله أو حلق رأسه أو كُشِطَتْ جلدة من وجهه أو يده؛ فإنه لا يلزمه غسل ما ظهر ولا مسحه ما دام على تلك الطهارة. قال يونس بن عبيد: ما زاده إلا طهارةً. وحكي عن مجاهد والحكم وحماد وعبد العزيز بن الماجشون -من أصحاب مالك- ومحمد بن جرير الطبري أنهم أوجبوا طهارة ذلك العضو (¬1). مج ج 1 ص 395، مغ ج 1 ص 100. باب في النزعتين (¬2) في الوضوء هل هما من الرأس أم من الوجه؟ مسألة (38) جمهور العلماء على أن النزعتين من الرأس يجزء مسحهما عن فرض مسح الرأس. وذهب البعض إلى أنهما من الوجه. حكاه الماوردي ونقله عنه النووي ولم يذكرا من قال به من العلماء (¬3). مج ج 1 ص 397. باب في المسح على العمامة والخمار ونحو ذلك هل يجزئ عن مسح الرأس؟ مسألة (39) جمهور الفقهاء على أن المتوضئ إذا كان على رأسه عمامة أو قلنسوة أو خمار وأراد مسح رأسه فإنه لا يجزئه الاقتصار على المسح على عمامته ونحو ذلك؛ بل لابد له أن يمسح على رأسه، فإذا أراد استيعاب الرأس بالمسح؛ استحب أن يمسح على عمامته أو قلنسوته كلها مع ما مسح من رأسه، وسواء أراد أن ينزع ما على رأسه أو لم يرد، وسواء كان به عذر أم لا، وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب وابن عمرو جابر رضي الله تعالى عنهم، وحكاه ابن المنذر عن عروة بن الزبير والشعبي والنخعي والقاسم ومالك وأصحاب الرأي. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص110. وانظر. المدونة ج 1 ص 18. (¬2) النزعتان هما ما انحصر عند الشعر من الرأس متصاعدًا من جانبي الرأس. قاله الموفق ابن قدامة، وانظر ما قاله الماوردي والنووي. مغ ج 1 ص 98، مج ج 1 ص 396، الحاوي ج 1 ص 135. (¬3) انظر الحاوي ج 1 ص 135. مغ ج 1 ص 98.

باب في اشتراط ماء جديد لمسح الرأس

وقالت طائفة كثيرة: يجوز الاقتصار على العمامة ونحوها منهم سفيان الثوري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق ومحمد بن جرير الطبري وداود. قال ابن المنذر: ممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وبه قال عمر (¬1) وأنس بن مالك وأبو أمامة، وروي عن سعد بن أبي وقاص وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهم، وعمر بن عبد العزيز ومكحول والحسن وقتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ثم شرط بعض هؤلاء لبسها على طهارة وشرط بعضهم كونها محنكةً (¬2) أي بعضها تحت الحنك، ولم يشترط بعضهم شيئًا من ذلك (¬3). مج ج 1 ص 406، الحاوي ج 1 ص 119، 355. باب في اشتراط ماء جديد لمسح الرأس مسألة (40) جمهور أهل العلم على أن المتوضئ يأخذ لرأسه ماءً جديدًا غير الذي غسل به يديه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وهو المعتمد في مذهب أحمد -رحمه الله-، وقالت طائفة: يجوز أن يمسح رأسه بما فضل من غسل يديه. وبه يقول الحسن وعروة والأوزاعي. قال ابن رشد: وروي عن ابن الماجشون أنه قال: إذا نفذ الماء مسح رأسه ببلل لحيته. قال ابن رشد: وهو اختيار ابن حبيب ومالك والشافعي (¬4). وقال ابن المنذر: وروي عن عليٍّ وابن عمر وأبي أمامة - رضي الله عنه - وعطاء والحسن ومكحول والنخعي أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد في لحيته بللًا: يكفيه مسحه بذلك البلل، ثمَّ قال ابن المنذر: وبه أقول (¬5). ¬

_ (¬1) روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: "من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله" ذكره الموفق. مغ ج 1 ص 308. (¬2) قال الموفق -رحمه الله-: وروي أن عمر - رضي الله عنه - رأى رجلًا ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحنكه بكور منها وقال: ما هذا الفاسقية؟ مغ ج 1 ص 310. (¬3) انظر في هذه المسألة. مغ ج 1 ص 307، بداية ج 1 ص 23، المدونة ج 1 ص 16. قلت: قد ذكر الموفق شروطًا في المسح على العمامة غير هذا الذي ذكرناه في أصل المسألة وجعلها إلى حد تشبه شروط المسح على الخفين في بعضها على الأقل كبطلان الطهارة لمن نزع عمامته بعد المسح عليها. انظر ذلك في مغ ج 1 ص 308 وما بعد. (¬4) قلت: هذا النقل عن الشافعي غريب، والمشهور من مذهب الشافعي خلافه، وهو الذي قطع به المحققون في المذهب كالماوردي والنووي، وقد ذكرت بعض ما يتعلق بهذه المسألة في باب الماء المستعمل فراجعها هناك. (¬5) قلت: قد ذكرت هذا في باب الماء المستعمل كما أشرف إليه في الفقرة السابقة، وهذا المنقول عن هؤلاء رحمهم الله يتعلق به ثلاث مسائل الأولى: مسألة طهورية الماء المستعمل، والثانية: الترتيب بين أعضاء =

باب في مسح الأذنين هل يشترط لهما ماء جديد؟

مغ ج 1 ص 117، بداية ج 1 ص 22. باب في مسح الأذنين هل يشترط لهما ماء جديد؟ مسألة (41) جمهور العلماء على أنه يُشترط لمسح الأذنين ماءٌ جديدٌ غير الذي مسح به الرأس، وبه يقول الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يمسحان مع الرأس بماءٍ واحد (¬1). وقال أحمد فيمن ترك مسح الأذنين ناسيًا أو عامدًا وقد مسحهما مع الرأس أجزأه (¬2). مج ج 1 ص 410. باب في الاختلاف في الأذنين هل هما من الرأس أم من الوجه؟ مسألة (42) جمهور العلماء على أن الأذنين من الرأس، وبه قال من الصحابة: ابن عباسٍ وابن عمر وأبو موسى رضي الله تعالى عنهم، وقال به من التابعين: عطاء وابن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز والنخعي وابن سيرين وسعيد بن جبير وقتادة وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد. نقله عنهم ابن المنذر، وقال الترمذي صاحب الجامع: هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم، وبه قال الثوري. وقال الشعبي فيما حكي عنه والحسن بن صالح: ما أقبل منهما فهو من الوجه يغسل معه وما أدبر فمن الرأس يمسح معه. قال ابن المنذر: واختاره إسحاق (يعني بن راهويه) وذهب جماعة من السلف إلى أنهما ليستا من الوجه ولا من الرأس، بل هما عضوان مستقلان يُسَنُّ مسحهما على الانفراد ولا يجب. حُكي هذا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وكذا حُكي هذا القول عن الحسن وعطاء وأبي ثور. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، حكاه عنه الماوردي (¬3). وحكى ابن رشد عنه خلاف هذا وهو أنهما من الوجه فيغسلان معه. وهو قول الزهري (¬4). مج ج 1 ص 411. ¬

_ = الوضوء، والثالثة: حكم أخذ ماءٍ جديد لمسح الرأس. وانظر مرة أخرى مغ ج 1 ص 18، مج ج 1 ص 119، الحاوي ج 1 ص 296. (¬1) انظر بداية ج 1 ص 23. (¬2) انظر مغ ج 1 ص 119، وانظر نص الشافعي في مختصر المزني، الحاوي ج 1 ص 120. (¬3) انظر الحاوي ج 1 ص 121. (¬4) انظر بداية ج 1 ص 24،23. وانظر مغ ج 1 ص 119، قرطبي ح 6 ص 87، 90.

باب في الأذنين في الوضوء هل مسحهما فرض؟

باب في الأذنين في الوضوء هل مسحهما فرض؟ مسألة (43) جمهور العلماء بل عامتهم على أن مسح الأذنين مستحب وأن الوضوء لا يبطل بتركه. وقال إسحاق بن راهويه بل هو واجب فمن ترك المسح عليها عمدًا بطل وضوؤه حكاه عنه ابن المنذر والماوردي. مج ج 1 ص 413، الحاوي ج 1 ص 120. باب في وجوب غسل الرجلين في الوضوء مسألة (44) جماهير العلماء سلفًا وخلفًا على أن الرجلين في الوضوء لا يجزئ فيهما إلا الغسل إلا للابس الخفِّ وصاحب الجبيرة بشروطه. وأنه لا يجزئ فيهما المسح، وذهب محمَّد بن جرير الطبري فيما حُكي عنه بالتخيير بين المسح وبين الغسل، وحُكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين. وروي عن عليِّ رضي الله تعالى عنه أنه مسح على نعليه وقدميه ثمَّ دخل المسجد فخلع نعليه ثمَّ صلى، وروي عن أنس بن مالك نحو قول ابن عباس (¬1). وحُكي عن الشعبي أنه قال: الوضوء مغسولان وممسوحان. الممسوحان يسقطان في التيمم، وذكر ابن رشد نحو الذي ذكرناه ولم يعين قائله. مج ج 1 ص 414 مغ ج 1 ص 120. بداية ج 1 ص 24 الحاوي ج 1 ص 123 قرطبي ج 6 ص 91. باب في معنى الكعبين الذين ذكرهما الله في الوضوء مسألة (45) جماهير أهل اللغة والفقه والتفسير والحديث على أن الكعبين هما ¬

_ (¬1) روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه سمع الحجاج يقول في خطبته: أمر الله بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين فقال: صدق الله وكذب الحجاج، إنما أمر الله بمسح الرجلين، فقال {وأرجلِكم} بالخفض. وروي عن ابن عباس أنه قال: كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل. ذكر هذا الماوردي وذكره الموفق بسياق آخر. قلت قد حكى النووي الإجماع في وجوب الغسل، وقال: ولم يخالف في هذا من يعتد به. انظر في المصادر التي ذكرناها في أصل المسألة، وانظر شرح معاني الآثار ج 1 ص 35.

باب في الزيادة على المرفقين والكعبين في الوضوء

العظمان الناتئان عند مفصل السِّاق والقدم، وحكى الخطابي (¬1) عن أبي هريرة وأهل الكوفة أن الكعبين هما العظمان الناتئان في ظهر القدمين. وحكاه بعض الأصحاب في المذهب الشافعي عن محمَّد بن الحسن. قال المحاملي: ولا يصح عنه، وحكاه عن محمَّد بن الحسن الماوردي وابن قدامة والقرطبي وقال: وروي عن ابن القاسم، وحكاه الرافعي وجهًا في مذهب الشافعي. قال النووي: ليس بشيء. قلت: قد نصَّ الشافعي -رحمه الله- على هذا الذي ذهبت إليه الجماهير (¬2). مج ج 1 ص 418، قرطبي ج 6 ص 96. باب في الزيادة على المرفقين والكعبين في الوضوء مسألة (46) أكثر العلماء على أن غسل مازاد على حد المرفقين والكعبين في الوضوء مكروه أو لا يستحب. وذهب أبو هريرة في الثابت عنه إلى استحباب ذلك مسندًا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: وهو المعتمد في المذهب الشافعي لا خلاف فيه عند أهل المذهب (¬3). مج ج 1 ص 424. باب في التوقيت في المسح على الرأس مسألة (47) أكثر العلماء على أن المستحب في الرأس مسحة واحدة. وممن روي عنه هذا: عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وطلحة بن مصرف والحكم وحماد والنخعىِ ومجاهد وسالم بن عبد الله والحسن البصري وأصحاب الرأي وأحمد وأبو ثور. حكاه عنهم ابن المنذر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه. واختاره ابن المنذر. وذهب أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وسعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة إلى استحباب ثلاث مسحات، وهو مذهب الشافعي وأصحابه وداود وأحمد في رواية ¬

_ (¬1) في كتابه الزيادات في شرح ألفاظ مختصر المزني. ذكره النووي. (¬2) انظر الحاوي ج 1 ص 128، مغ ج 1 ص 124، بداية ج 1 ص 26 (¬3) قلت: نقل النووي عن ابن بطال المالكي أنه حكى إجماع المسلمين على خلاف هذا المحكي عن أبي هريرة، ورد عليه النووي أن حكاية الإجماع هذه لا تصح مع خلاف أبي هريرة واتفاق أصحاب الشافعي على القول به. انظر ج 1 ص 424، قلت: وما حكاه ابن بطال حكاه القرطبي عن القاضي عياض ج 6 ص 87.

باب في الزيادة على الثلاث في الوضوء

وحكى ابن المنذر وغيره عن ابن سيرين أنه قال: يمسح رأسه مرتين (¬1). مج ج 1 ص 426، مغ ج 1 ص 114, بداية ج 1 ص 22، قرطبي ح 6 ص 89. باب في الزيادة على الثلاث في الوضوء مسألة (48) جماهير العلماء على أن الزيادة على الثلاث مرات في أفعال الوضوء مكروه وأنه لا يبطل الوضوء. وحكى الدارمي في الاستذكار عن قوم أنه ييطل الوضوء كما لو زاد في الصلاة. وقال عبد الله بن المبارك: لا آمن من ازداد على الثلاث أن يأتم. وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى. وقال إبراهيم النخعي: تشديد الوضوء من الشيطان. لو كان هذا فضلًا لأوثر به أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - (¬2). مج ج 1 ص 432. باب في الاقتصار على المرة الواحدة في أفعال الوضوء مسألة (49) أكثر أهل العلم على أن من توضأ مرةً مرةً اجزأه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد. ونُقل عن مالك أنه لم يوقت فيه شيئًا قال -رحمه الله-: إنما قال الله تعالى: {فَاُغسِلُواْ وُجُوهَكُمّ} [المائدة: 6] وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: الوضوء ثلاثًا ثلاثًا إلا ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 117. قلت: وأما القدر الذي يجزئ في مسح الرأس فقد اختلف العلماء فيه اختلافًا كثيرًا عدها القرطبي أحد عشر قولًا بعد حكايته الإجماع على أن من عمم رأسه بالماء فقد أتى بالفرض الذي أمر الله تعالى به. انظر قرطبي ج 6 ص 87، ولا خلاف بين العلماء في أن تعميم الرأس بالمسح مما يُطب ويُحمد في الوضوء. قلت: وحاصل المذاهب في مسح الرأس ثلاثة: الأول: أقل ما يصدق عليه من الرأس ولو ثلاث شعرات وهو مذهب الشافعي، الثاني: جزء من الرأس على خلاف في ذلك هل هو الربع أو الثلث أو غير ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة، الثالث: وجوب استيعاب جميع الرأس، وهو مذهب أحمد ومالك والمزني في المشهور عنهم وفي المسألة غير ذلك. انظر تفصيل المذاهب في هذه المسألة: مغ ج 1 ص 111، مج ح 1 ص 400، قرطبي ح 6 ص 87، الحاوي ج 1 ص 114، تحفة ج 1 ص 9، معاني الآثار في ج 1 ص 30، الشرح الصغير ج 1 ص 108. قلت: وحكى القرطبي عن الجمهور أن رد اليدين لمن مسح رأسه كله إلى مقدم رأسه يستحب ولا يجب، وقيل: إنه فرض. قرطبي ج 6 ص89. (¬2) انظر الحاوي ج 1 ص 133، مغ ج 1 ص 13.

باب في ترتيب أفعال الوضوء

غسل الرجلين فإنه ينقيهما (¬1) مغ ج 1 ص 129. باب في ترتيب أفعال الوضوء (¬2) مسألة (50) أكثر العلماء على أن الترتيب بين أفعال الوضوء المفروضة مستحب ولا يجب ولا يبطل الوضوء بتركه. حكاه البغوي عن أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء ومكحول والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك وأصحابهما والمزني وداود وابن المنذر، واختاره أبو نصر البندنيجي من الشافعية، وحكاه القرطبي عن الثوري والليث بن سعد. وقال عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وعليُّ بن أبي طالب في روايةٍ رضي الله تعالى عنهم: هو واجب، وبه قال قتادة وأبو ثور وأبو عبيد والشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد في المشهور عنه (¬3). مج ج 1 ص 434، قرطبي ج 6 ص 99. باب في كم يصلي بالوضوء الواحد؟ (¬4) مسألة (51) جماهير العلماء على أن غير أصحاب الأعذار إذا توضأوا فإن لهم أن يصلوا بهذا الوضوء ما شاءوا من الفروض والنوافل ما لم يُحْدِثُوا. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وغيرهم. قال مالك: لا بأس أن يقيم الرجل على وضوء واحدٍ ¬

_ (¬1) قلت: حكى ابن رشد اتفاق العلماء على جواز الاقتصار في الوضوء على غسل الأعضاء مرة مرة، ولعله لم يبلغه أو لم يصح عنده ما نقل عن الأوزاعي وغيره. انظر بداية ج 1 ص 22. وانظر قول مالك في المدونة ج 1 ص 2. (¬2) وأما الترتيب بين اليمين وبين الشمال بأن يبدأ باليمين فلا خلاف يُعلم في أنه يُستحب ولا يجب، قال الموفق: وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه. (¬3) انظر في هذه المسألة بداية ح 1 ص 26، في ج 1 ص 125، الحاوي ح 1 ص 138، المدونة ج 1 ص 14 قلت: وسُئل مالك عمن نكسَ وضوءه هل عليه أن يعيد؟ قال: ذلك أحب إليَّ قال: ولا ندري ما وجوبه. المدونة ح 1 ص 15. (¬4) أغرب الموفق -رحمه الله- فنقل أو حكى عدم العلم بالمخالف في أنه يجوز أن تصلى الصلوات كلها بوضوء واحد. ما لم يحدث وحكاه عن أحمد في رواية بن القاسم قال: سالت أحمد عن رجل صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد؟ قال (يعني أحمد) ما بأس بهذا إذا لم يَنْتقِض وضوؤه، ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا. انظر مغ ج 1 ص 132، وانظر هذه المسألة في معاني الآثار ج 1 ص 41.

باب في المسح على القلنسوة

يصلي به يومين أو أكثر من ذلك، وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال في شرح صحيح البخاري عن طائفة من العلماء أنه يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرًا. وحكى الحافظ أبو محمَّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي الظاهري في كتابه الإجماع هذا المذهب عن عمرو بن عبيد. قال: وروينا عن إبراهيم (يعني النخعي) أنه لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات. وحكى الطحاوي عن قوم أنه يجوز جمع صلوات بوضوء واحد للمسافر دون الحاضر (¬1). مج ج 1 ص 456، معاني الآثار ج 1 ص41. باب في المسح على القلنسوة (¬2) مسألة (52) عامة أهل العلم على عدم جواز الاقتصار على المسح على القلنسوة في الوضوء. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا قال بالمسح على القلنسوة إلا أن أنسًا رضي الله تعالى عنه مسح على قلنسوته (¬3). مغ ج 1 ص 312. باب في الموالاة بين أفعال الوضوء (¬4) * * * ¬

_ (¬1) قلت: حكى الطحاوي الإجماع في أن المسافر يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث. انظر شرح معاني الآثار ح 1 ص 44، وانظر هذه المسألة وأصل الخلاف فيها في قرطبي ج 6 ص80، المدونة ج 1 ص40. (¬2) كان ينبغي أن توضع هذه المسألة إثر باب المسح على العمامة، والقلنسوة هي ما يسمى بالعامية "الطاقية" وهي أعني القلنسوة ليست عربية. قلت: وبعضهم يضع هذه المسألة في باب المسح على الخفين. (¬3) قال الموفق في المغني: وقال أبو بكر الخلال: إن مسح إنسان على القلنسوة لم أر به بأسًا لأن أحمد قال في رواية الميموني: أنا أتوقاه، وإن ذهب إليه ذاهبٌ لم يعنِّفه، ثمَّ ذكر الخلال ما رواه الأثرم بإسناده عن عمر وأبي موسى ترخيصهما المسح على القلنسوة. انظر مغ ج 1 ص 312. قلت: وأما مسح المرأة على خمارها فقد أشرنا إليه فيما مضى وعن أحمد فيه روايتان: أحدهما: لا يجوز وبه يقول نافع والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. وهو مذهب الشافعي. والثانية: يجوز وحكى عن أم سلمة - رضي الله عنها - وحكى عدم الخلاف الموفق في عدم جواز المسح على الوقاية وهي كالطرحة في أيامنا. انظر مغ ج 1 ص 313. (¬4) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور، وقد اختلف فيها الفقهاء. انظر في هذه المسألة. مج ج 1 ص 443، مغ ج 1 ص 128، الشرح الصغير ج 1 ص 111، الحاوي ج 1 ص 136، تحفة ج 1 ص 13، إعلاء السنن في ج 1 ص 65، بداية في ج 1 ص 27، المدونة في ج 1 ص 15، 16.

فصل في أحكام المسح على الخفين

فصل في أحكام المسح على الخفين (¬1) باب في التوقيت في المسح على الخفين للمسافر والمقيم مسألة (53) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن المسح على الخفين مؤقتٌ للمقيم يومٌ وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بليالها. قال ابن المنذر: وممن قال بالتوقيت عمر وعليٌّ وابن مسعود وابن عباس وأبو زيد الأنصاري رضي الله تعالى عنهم وبه قال شريح وعطاء وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي. وبه يقول الأوزاعي والثوري وأبو ثور والحسن بن صالح وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق. قلت: والمعتمد في المذهب الشافعي هو قول الشافعي الجديد. وقالت طائفة: لا توقيت ويمسح ما شاء. وبه قال من الصحابة أبو عبيدة بن الجراح وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء، حكاه عنهم الماوردي، وحكاه عن عروة والحسن والزهري، وحكاه غيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك وهو المشهور عنه. وفي رواية عنه أنه مؤقت. وفي رواية مؤقت للحاضر دون المسافر، قال ابن المنذر: قال سعيد بن جبير يمسح من غُدُوِّهِ إلى الليل. قلت: وبه يقول الشافعي في القديم (¬2). مج ج 1 ص 467. ¬

_ (¬1) ذكر ابن رشد وغيره اختلاف أهل الصدر الأول من الصحابة وبعض التابعين في أصل جواز المسح على الخفين. قال -رحمه الله- تعالى: فأما الجواز ففيه ثلاثة أقوال. القول المشهور: أنه جائز على الإطلاق، وبه قال جمهور فقهاء الأمصار، والقول الثاني: جوازه في السفر دون الحضر، والقول الثالث: منع جوازه بإطلاق. وهو أشدها. قال -رحمه الله- تعالى: والأقاويل الثلاثة مروية عن الصدر الأول وعن مالك .. اهـ. انظر بداية ج 1 ص 28، قلت: وقد ذكر نحوًا من هذا الخلاف الماوردي في الحاوي والنووي في المجموع، ونقل عن القاضي أبي الطيب حكاية عن بكر بن داود المنع من المسح، ونقل الموفق في المغني عن ابن المنذر الإجماع في الجواز عن عبد الله بن المبارك. انظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 350 مج ج 1 ص 461، مغ ج 1 ص 283، تحفة مغ ج 1 ص 83. (¬2) انظر في هذه المسألة. بداية ج 1 ص 31، الحاوي ج 1 عن 353. مغ ج 1 ص 289، معاني الآثار ج 1 ص 79، تحفة ج 1 ص 84.

باب في المسح على أعلى الخف وأسفله

باب في المسح على أعلى الخف وأسفله (¬1) مسألة (54) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الذي يجزئ في المسح على الخف إنما هو مسح أعلاه لا أسفله وأن من اقتصر على مسح أسفله فإنه لا يجزؤه. قال أشهب من أصحاب مالك: يجزؤه. وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي (¬2). قلت: والمعتمد في المذهب خلافه. وإن اختار أبو إسحاق الشيرازي الإجزاء (¬3). مغ ج 1 ص 305، مج ج 1 ص 503. باب في ابتداء مدة المسح على الخفين مسألة (55) جمهور العلماء على أن ابتداء المدة في المسح على الخفين من حين أول حدث بعد اللبس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وهو مذهب الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد وداود. وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود واختيار ابن المنذر والنووي، وحكي نحو هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتداءها من اللبس (¬4). مج ج 1 ص 470. * * * ¬

_ (¬1) حكى المحاملي وابن الصباغ عن ابن سريج أحد كبار أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي- أنه قال: لا يجزئ الاقتصار على مسح أسفل الخف بإجماع العلماء. قلت: وفي ادعاء هذا نظر. انظر مج ح 1 ص 503 (¬2) ليس هذا وجهًا في المذهب لكنه طريق في حكاية المذهب استنادًا لما نُقل عن الشافعي -رحمه الله-. انظر ما ذكره النووي في هذا مج ح 1 ص 503، وانظر ما ذكره الماوردي تفسيرًا لنص الشافعي في مختصر المزني. الحاوي خ 1 ص 370. (¬3) انظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 369 وما بعد، بداية ج 1 ص 29. قلت: ونقل ابن المنذر عن كافة من يقول بالمسح على الخفين أنهم يرون جواز الاقتصار على مسح ظاهر الخف. انظر مغ ح 1 ص 306 (¬4) انظر الحاوي ج 1 ص 357.

فصل في أنواع الخفاف التي يجوز المسح عليها

فصل في أنواع الخفاف التي يجوز المسح عليها باب في المسح على الجرموق (¬1) مسألة (56) جمهور العلماء بل عامتهم على جواز المسح على الجرموقين وأنهما كالخفين في أحكامهما، وذلك إذا لبسهما والذي تحتهما على طهارة كاملة، وبجواز المسح في الجملة على الجرموقين يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأحمد وداود والمزني. قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: هو قول العلماء كافةً. وقال المزني في مختصره: لا أعلم بين العلماء في جوازه خلافًا. قلت: وهو قول الشافعي في القديم من مذهبه ومالك في رواية عنه. وهو قول الأوزاعي -رحمه الله- حكاه عنه الموفق. وقال الشافعي في الجديد من مذهبه ومالك في رواية؛ لا يجوز المسح على الجرموقين. مج ج 1 ص 492، الحاوي ج 1 ص 366. باب في نقض المسح بنزع أحد الخفين (¬2) مسألة (57) جمهور العلماء على أن ما يترتب على نزع الخفين من أحكام يترتب على نزع أحدهما، وبه يقول مالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وعبد الله ابن المبارك وأحمد رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) الجرموق كلمة أعجمية معربة ويُعني بها ما يُلبس فوق الخف مما يشبه الخف لكنه أوسع منه، وقد يُطلق على الخف فوق الخف. انظر مسألة الجرموق في مغ ح 1 ص 286، قلت: واتفق العلماء القائلون بجواز المسح على الخفاف على أن الخف الذي يستر الكعبين وليس مخرقًا ويمكن متابعة المشي عليه لمادته الصالحة لذلك كالجلود وما يقوم مقامها مما يمنع نفوذ الماء ويثبت على الرجل بنفسه. أقول: فإذا اجتمع في الخف ما وصفت فقد أجمع من ذكرناهم على صحة المسح عليه. وما سوى ذلك من الخفاف المخرقة أو اللفائف والعصائب والجوارب الثخين منها والرقيق والنعال فكل ذلك لا إجماع فيه بل الخلاف فيه شديد ولا أعرف فيما ذكرت قولًا للجمهور أو نحوه إلا مسألة الجورب وسأذكرها في أصل الكتاب. انظر في هذه المسألة وتفريعاتها مج ج 1 ص 481، مغ ج 1 ص 298، بداية ج 1 ص 30، الحاوي ج 1 ص 364. معاني الآثار ج 1 ص 96. قلت: قد حكى الموفق في المغني عدم الخلاف المعلوم في عدم جواز المسح على اللفائف التي لا تثبت بنفسها وذكر الشيخ رشيد رضا خلاف ابن تيمية في هذا. انظر مغ ج 1 ص 302. (¬2) هذه المسألة متعلِّقة بنواقض المسح على الخفين وقد اتفق العلماء - زيادة على ما اختصَّ به الخف من أسباب النقض - أنه ينتقض بما ينتقض به الوضوء. انظر بداية ج 1 ص 33.

باب في المسح على الجوربين

وحكى ابن المنذر عن الزهري وأبي ثور قالا: يغسل التي نزع خفها ويمسح على خف الأخرى. مج ج 1 ص 511. مغ ج 1 ص 292. باب في المسح على الجوربين مسألة (58) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز المسح على الجوربين إذا كانا صفيقين (ثخينين) يمكن متابعة المشي عليهما, ولا يُشترط كونهما مجلَّدين أو منعَّلين. قال ابن المنذر: ويروي إباحة المسح على الجوربين عن تسعةٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليٍّ وعمار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفي وشهد بن سعد رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عطاء والحسن وسعيد بن المسيب والنخعي وسعيد بن جبير والأعمش والثوري والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك وزفر وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد. قلت: وهو اختيار النووي والمعتمد عنده في مذهب الشافعي -رحمه الله-. قال ابن المنذر: وكره ذلك مجاهد وعمرو بن دينار والحسن بن مسلم ومالك والأوزاعي. وقال الشافعي في المنصوص عنه: يجوز المسح عليه بشرط أن يكون مجلدًا إلى الكعب، وهو قول أبي حنيفة وقول من كره المسح عليه بغير هذه الصفة. هكذا حكاه الموفق عنهم. ويُحتمل أنهم كرهوا المسح عليه مطلقًا، وحكى عن عمر وعليٍّ جواز المسح على الجورب مطلقًا؛ يعني وإن كان رقيقًا، وحكى هذا عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود. قلت: والثابت عن أبي يوسف ومحمد اشتراط كونه صفيقًا (¬1). وحكي عن أبي حنيفة المنع مطلقًا. والصحيح عنه خلاف هذا. مج ج 1 ص 483، مغ ج 1 ص 298. * * * ¬

_ (¬1) انظر شرح معاني الآثار ج 1 ص 98. وانظر هذه المسألة في بداية ج 1 ص 30، الحاوي ج 1 ص 364.

فصل في الأحداث التي تنقض الوضوء

فصل في الأحداث التي تنقض الوضوء باب في الخارج من أحد السبيلين (¬1) مسألة (59) جمهور العلماء على أن الخارج من أحد السبيلين ينقض الوضوء، وسواء كان الخارج نادرًا أو معتادًا. قال ابن المنذر: ودم الاستحاضة ينقض في قول عامة العلماء إلا رييعة. قال -رحمه الله-: واختلفوا في الدود يخرج من الدبر، فكان عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وحماد بن أبي سليمان وأبو مجلز والحكم وسفيان الثوري والأوزاعي وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور؛ يرون منه الوضوء. وقال قتادة ومالك: لا وضوء فيه. وروي ذلك عن النخعي. وقال مالك: لا وضوء في الدم يخرج من الدبر. قال النووي: هذا كلام ابن المنذر، ونقل أصحابنا عن مالك أن النادر لا ينقض، والنادر عنده كالمذي يدوم لا بشهوةٍ، فإن كان بشهوةٍ فليس بنادرٍ. قلت: وهو موافق في الجملة لما حكاه ابن القاسم عن مالك في المدونة (¬2). وقال داود: لا ينقض النادر وإن دام إلا المذي للحديث. مج ج2 ص 6. مغ ج 1 ص 160. باب في نقض الوضوء بخروج الدم مسألة (60) جمهور الصحابة والتابعين على أن خروج الدم من فصد أو حجامة والقيئ والرعاف لا ينقض الوضوء قلَّ ذلك أو كثر. حكاه عن أكثر الصحابة والتابعين ¬

_ (¬1) قال ابن المنذر: أجمعوا أنه ينتقض (يعني الوضوء) بخروج الغائط من الدبر والبول والمذي من القبل والريح من الدبر. قلت: ونقل الإجماع في هذه المذكورات ابن رشد ونقل ما حكاه ابن المنذر عنه الموفق ابن قدامة والنووي. قلت: وفي المذي خلاف مالك المذكور. وأما خروج الريح من القبل ذكرًا كان أو فرجًا ففيه خلاف. مذهب الشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن أنه ينتقض. وقال أبو حنيفة لا ينتقض. انظر فيما ذكرته هنا وفي أصل المسألة: مج ح 2 ص 67. بداية ح 1 ص 47. مغ ح 1 ص 160161. الحاوي ح 1 ص 170198. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 10 قال مالك: إن كان ذلك (يعني خروج المذي من الذكر) من سلس من بردٍ أو ما أشبه ذلك قد استنكره ودام به فلا أرى عليه الوضوء، وإن كان ذلك من طول عزبةٍ أو تذكر (يعني تذكر ما يثير والله أعلم) فخرج منه، أو كان إنما يخرج منه المرة بعد المرة فأرى أن ينصرف فيغسل ما به ويعيد الوضوء.

باب في نقض الوضوء بمس الأنثيين (الخصيتين)

البغوي. وهو مروي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وابن أبي أوفي وجابر وأبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمَّد وطاوس وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود. وهو مذهب الشافعي. وبه قال ابن المنذر. ونقل الخطابي عن أكثر الفقهاء أنه ينقض مع اختلافهم في القليل الذي ينقض والكثير الذي لا ينقض. وممن قال به عمر بن الخطاب وعليُّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما. ورُوي هذا عن عطاء وابن سيرين وابن أبي ليلى، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وزفر والأوزاعي وأحمد وإسحاق (¬1). مج ج 2 ص 55. باب في نقض الوضوء بمس الأنثيين (الخصيتين) (¬2) مسألة (61) جمهور العلماء على أنه لا وضوء على من مسَّ أنثييه. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم رحمهم الله تعالى. ورُوي عن عروة قال: من مسَّ أنثييه فليتوضأ. وقال عكرمة: من مسَّ ما بين الفرجين فليتوضأ. وقال الزهري: أحبُّ إلي أن يتوضأ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة: مغ ج 1 ص 175، الحاوي في ج 1 ص 199، بداية ج 1 ص 47. (¬2) حكى الماوردي الإجماع على أن الوضوء لا ينتقض بمس الخصيتين وذكره النووي في شرح المهذب ولم يحك فيه خلافًا. انظر الحاوي في ج 1 ص 197 مج ج 2 ص 39. (¬3) قلت: وأما نقض الوضوء بمسّ الفرج قبلًا أو دبرًا فمعركة طاحنة بين الفقهاء لا إجماع فيها ولا قول للجمهور لتعارض أدلتها حاصلها في مذهبين اثنين. الأول: ينقض وفي ذلك تفصيل، والثاني: لا ينقض مطلقًا. وبالثاني قال علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وعمار وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعمران ابن الحصين وأبي الدرداء وعامر بن ربيعة، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وابن القاسم وسحنون من أصحاب مالك وبه قال ابن المنذر، وعده الطحاوي قول أكثر الصحابة وجعله السمرقندي صاحب التحفة قوله عامة العلماء. قلت: والنقول لا تؤيد كلا الادعائين، وذهبت طائفة كثيرة إلى أن الوضوء يَنْتقِضُ بمسِّ فرج الآدمي. بباطن الكفِّ دون غيره. نُقل هذا عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار ومجاهد وأبي العالية والزهري. وهو مذهب مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبي ثور والمزني. وروي عن الأوزاعي ومالك وأحمد بعض التفصيل في ذلك (وروي عن الأوزاعي وأحمد أنه ينقض بباطن الكف وظاهره، وعن مالك والأوزاعي بشرط أن يُمس بشهوة. وقال بعضهم يَنْتَقِضُ بمسِّ ذكره دون ذكر =

باب في الوضوء من مس فرج البهيمة

مغ ج 1 ص 175. باب في الوضوء من مس فرج البهيمة مسألة (62) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الوضوء لا ينتقض بمس فرج البهيمة. وقال عطاء والليث يَنْتَقِضُ. حكاه عنهما الماوردي وغيره (¬1). مج ج2 ص 43. باب في وضوء من أكل ما مسته النار مسألة (62) جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنه لا وضوء بأكل شيء مسَّته النار بما في ذلك لحم الإبل. حُكي هذا عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وعامر بن ربيعة وأبي أمامة رضي الله تعالى عنهم. وإليه ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى. وقالت طائفة: يجب مما مسَّته النار. وهو قول عمر بن العزيز والحسن والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة ابن عمر وأبي طلحة وأبي موسى وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وقالت طائفة: يجب الوضوء من أكل لحم الجزور خاصةً. وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى. وحكاه الماوردي عن جماعة الصحابة الذين ذكرهم ابن المنذر وحكاه ابن المنذر عن جابر بن سمرة كذلك - رضي الله عنه - ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة. واختاره الإِمام أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر والبيهقي (¬2). مج ج 2 ص 58، مغ ج 1 ص 183، الحاوي ج 1 ص 205، بداية ج 1 ص 54، تحفة ج 1 ص 25. ¬

_ = غيره. انظر في هذه المسألة المهمة: تحفة ج 1 ص 22، معاني الآثار ج 1 ص 71، الحاوي ج 1 ص 189. مغ ج 1 ص 170، مج ج 2 ص 41، بداية ج 1 ص 53، الحجة ج 1 ص 59. (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 198. (¬2) قد ألمح الماوردي وابن رشد إلى أن جمعًا كبيرًا من الصحابة كانوا على القول بالوضوء مما مسَّت النار ثم تمخَّض الخلاف بينهم إلى ما صار عليه جمهور الفقهاء. حتى إن الموفق في المغني حكى عدم العلم بالمخالف في عدم نقض الوضوء مما مسَّته النار سوى لحم الجزور. انظر. مغ ج 1 ص 184، معاني الآثار ج 1 ص 62.

باب في لبن الإبل هل فيه وضوء؟

باب في لبن الإبل هل فيه وضوء؟ مسألة (64) عامة أهل العلم على أنه لا وضوء من شرب لبن الإبل. وقال أحمد في رواية: فيه الوضوء (¬1). مج ج2 ص 60. باب في أكل كبد الجزور وطحاله ونحوه عل فيه وضوء؟ مسألة (65) جمهور الفقهاء على أنه لا وضوء من أكل كبد الجزور أو طحاله أو سنامه أو دهنه أو مرقه. واختلف عن أصحاب أحمد في هذا (¬2). مج ج2 ص 61. باب في الوضوء من النوم مسألة (66) جمهور العلماء بل عامتهم على أن النوم في الجملة ينقض الوضوء، وأكثرهم على أن الذي ينقض منه النوم مضطجعًا وأن من نام ممكنًا مقعدته من الأرض فلا وضوء عليه، وبه يقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما. وهو قول أبي حنيفة في الاضطجاع وهو مذهب الشافعي في كل ما ذكرناه. وقالت طائفة: يَنْتَقِضُ الوضوء بالنوم على كل حال. روي معناه عن أبي هريرة وابن عباس وأنس رضي الله تعالى عنهم. وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو عبيد والحسن والمزني وابن المنذر. وقالت طائفة: ينقض كثير النوم دون قليله على كل حال. حكاه ابن المنذر عن الزهري ورييعة والأوزاعي. وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة وداود: إن نام على هيئةِ من هيئات الصلاة لم ينتقض سواء كان خارج الصلاة أم داخلها، وإن نام مستلقيًا أو مضطجعًا انتقض. وحكي عن ابن المبارك وجماعة من التابعين أن نوم المصلي خاصة لا ينقض. وذهبت طائفة إلى أن النوم لا ينقض الوضوء مطلقًا. حكي هذا عن أبي موسى ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 183. (¬2) انظر في هذه المسألة: مغ ج 1 ص 183.

باب في الوضوء من غسل الميت

الأشعري - رضي الله عنه - وأبي مجلز وحميد الأعرج. وحكي عن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارًا مضطجعًا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد (¬1). مغ ج 1 ص 162، 165. بداية ج 1 ص 49، القرطبي ج 5 ص 221. باب في الوضوء من غسل الميت مسألة (67) أكثر الفقهاء على أنه لا ضوء من غسل الميت (¬2). وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي. وقال إسحاق بن راهويه وإبراهيم النخعي: فيه الوضوء. وروي ذلك عن ابن عُمَرَ وابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، وروي عن أحمد ما يحتمل القولين. مغ ج 1 ص 184. باب في الردة عن الإسلام هل تنقض الوضوء؟ مسألة (68) جمهور العلماء على أن الردة لا تنقض الوضوء. وهو مذهب الشافعي. وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو داود: تنقض (¬3). مج ج2 ص 62. باب في الشك في الحدث هل ينقض الوضوء؟ مسألة (69) جمهور العلماء على أن من تيقَّن الطهارة وشك في الحدث فإنه لا وضوء عليه ويبنى على يقينه وسواء كان هذا الشك داخل الصلاة أو خارجها، وبه يقول الثوري وأهل العراق والأوزاعي والشافعي. وهو مذهب أحمد -رحمه الله-. وحكى الماوردي وغيره عن الحسن البصري أنه إن شكَّ وهو في الصلاة فلا وضوء عليه وإن كان في غيرها لزمه الوضوء. وهو وجه لبعض الأصحاب في المذهب الشافعي حكاه المتولي والرافعي. وعن مالك ثلاث روايات: إحداها كقول الحسن، والثانية يلزمه الوضوء بكل حال والثالثة: يُستحب. حكاها النووي عنه وحكى بعضها الماوردي وابن قدامة. ¬

_ (¬1) مج ج 2 ص 18، الحاوي ج 1 ص 178. (¬2) إلا أن يمس فرجه عند من يقول به. (¬3) انظر مغ ج 1 ص 168.

باب في الوضوء من قص الشارب وتقليم الظفر ونحوه

مج ج2 ص 65، مغ ج 1 ص 193، الحاوي ج 1 ص 207. باب في الوضوء من قص الشارب وتقليم الظفر ونحوه مسألة (70) جمهور العلماء على أن قصَّ الشارب وتقليم الظفر ونتف الإبط لا ينقض شيءٌ من ذلك الوضوء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وحُكي عن مجاهد والحكم وحماد خلاف ذلك. مغ ج 1 ص 196. باب في القهقهة في الصلاة هل تنقض الوضوء (¬1) مسألة (71) جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم على أن القهقهة في الصلاة لا تبطل الوضوء، وبه قال من الصحابة عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم. وروى البيهقي عن أبي الزناد قال: أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمَّد وأبا بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن ثابت وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة وسليمان بن يسار ومشيخةٍ جلة سواهم يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء. قال البيهقي: وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري. وحكاه الماوردي عن مالك وأحمد وإسحاق. وحكاه غيره عن محكول وأبي ثور وداود. وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: القهقهة تبطل الوضوء والصلاة، وعن الأوزاعي روايتان كالمذهبين. والله تعالى أعلم (¬2). مج ج2 ص 61 بداية ج 1 ص 55. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد والماوردي الاتفاق على أن القهقهة في الصلاة تبطلها. وأما الخلاف فهو في الوضوء. انظر بداية ح 1 ص 237. الحاوي ح 1 ص 203. قلت: وسيأتي ما يتعلَّق بهذه المسألة في أبواب ما يفسد الصلاة. وحكى النووي الإجماع على أن الضحك ان لم يكن فيه قهقهة لا يبطل الوضوء، وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء. انظر مج ح 2 ص 61، 62. وحكى هذا الأخير الماوردي -رحمه الله-. انظر الحاوي ج 1 ص 203، وحكى الماوردي كذلك الإجماع على أن التبسم لا يبطل الوضوء ولا الصلاة. قلت: أما الوضوء فصحيح، وأما الصلاة ففيه خلاف ضعيف سيأتي بيانه في محله إن شاء الله. انظر الحاوي ج 1 ص 203. (¬2) انظر هذه المسألة في: الحاوي ج 1 ص 202، مغ ح 1 ص 169، تحفة ج 1 ص 24.

باب في لمس المرأة من فوق حائل. وهل فيه وضوء؟

باب في لمس المرأة من فوق حائل. وهل فيه وضوء؟ مسألة (72) جمهور أهل العلم على أن من مسَّ امرأة من فوق حائل فإن وضوءه لا يَنتقض وسواء مسَّ بشهوةٍ أو بغير شهوةٍ وبه قال الشافعي وهو مذهب أحمد ومقتضى مذهب أبي حنيفة وصاحبيه (¬1). وقال مالك والليث يَنتقض إن كان ثوبًا رقيقًا. وكذلك قال ربيعة إذا غمزها من وراء ثوب رقيق لشهوةٍ. قال المروزي: لا نعلم أحدًا قال ذلك غير مالك والليث (¬2). مغ ج 1 ص 191. باب في الوضوء من لمس المرأة مسألة (73) أكثر من بلغنا (¬3) قوله من أهل العلم على أن لمس المرأة في الجملة يؤثِّر في صحة الوضوء. ثمَّ اختلف هؤلاء في اللمس الناقض للوضوء. فذهبت طائفة كثيرة إلى أن اللمس ينقض الوضوء بإطلاق بشهوة أو بغير شهوة بقصد أو بغير قصد ما دام اللمس من غير حائل. روي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. وبه يقول زيد بن أسلم ومكحول والشعبي والنخعي وعطاء بن السائب والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري ورييعة وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي في إحدى الروايتين عنه. وبه يقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه، وقال الأوزاعي في رواية: لا يَنْتقِضُ إلا أن يلمس بأحد أعضاء الوضوء. وذهبت طائفة إلى أن اللمس الناقض للوضوء هو أن يكون عن مباشرة فاحشة (يعني ¬

_ (¬1) لأن الصحيح عن أبي حنيفة في هذه المسألة (أعني مسألة لمس المرأة) أن اللمس لا ينقض إلا إذا كان عن مباشرة دون الفرج؛ يعني كما يباشر الرجل امرأته فإذا حصل هذا وانتشر ذَكَرُهُ فقد انتقض وضوؤه. وبه قال أبو يوسف خلافًا لمحمد بن الحسن؛ فإن اللمس عنده لا ينقض الوضوء بإطلاق وإنما هو عند المباشرة الفاحشة التي يكون فيها مماسة الفرجين. وسوف أذكر تفصيل مذاهب العلماء في مسألة لمس المرأة بعد قليل إن شاء الله. انظر فيما ذكرته هنا. تحفة ج 1 ص 22. وانظر نقل محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة من أن القبلة لا تنقض الوضوء. الحجة ج 1 ص 65. وانظر. إعلاء السنن ج 1 ص 94. (¬2) انظر قول مالك في المدونة ج 1 ص 13. (¬3) سيرى القارئ بعض المسائل مصدرًا بهذه الجملة وهي للمسائل التي استنبطاها بعد البحث والتحقيق دون أن نجد أحدًا من الأئمة ذكرها بالتنصيص وهو عمل جديد يُضاف إلى مسائل الجمهور لم نُسبَق إليه فيما نعلم. فإن كان صوابًا فمن الله وله الحمد والمنة وإن كان غير ذلك فنسأله سبحانه الرحمة والعافية.

كثيرة بأن يكونا متجردين) مع انتشار الذَّكَرِ. وبه يقول أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف (¬1). وقالت طائفة ذاتُ عددٍ: إنما ينقض إذا كان عن شهوة قبلةً كان أو غير ذلك. وبه يقول مالك والليث وإسحاق والحكم وحماد. وروي هذا عن رييعة والثوري والشعبي والنخعي وأحمد في روايةِ، ولا فرق عند مالك وربيعة في روايةٍ عنهما إن لمس بحائل أو بغير حائل وعن عبد الملك بن الماجشون أن من تعمد مس امرأته بيده لملاعبةٍ فليتوضأ، التذَّ أو لم يلتذ. وقال داود الظاهري: لا ينقض اللمس إلا بالعمد وخالفه ابنه في هذا وقال: لا يَنْتَقِضُ الوضوء باللمس مطلقًا. وبه قالت طائفة من السلف. روي هذا عن عليٍّ وابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهم. وروي كذلك عن عطاء بن أبي رباح وطاوس والحسن ومسروق والثوري. وبه قال محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى جميعًا. وفي المسألة أقوال أُخَرُ. قلت: وبين القائلين بالنقض في الجملة خلاف في النقض في لمس المحارم والزوجات والصغيرات والكبيرات وفي الفرق بين اللامس وبين الملموس. وهي مسألة يطول ذكرها اكتفينا بذكر أهم معالمها وبالله التوفيق. مج ج2 ص 30، مغ ج 1 ص 186، الحاوي ج 1 ص 183، الحجةج 1 ص 65، قرطبي ج 5 ص 224، المدونة ج 1 ص 13، إعلاء السنن ج 1 ص 94. * * * ¬

_ (¬1) ليس اللمس عند أبي حنيفة وصاحبه سببًا لنقض الوضوء وإنما هو خروج المذي في الغالب عند حدوث المباشرة وانتشار الذكَرِ فأقاموا المسبب مقام السبب كما هو الأمر بنقض الوضوء بالنوم لأن النوم مظنة خروج ما يبطل الوضوء وكذلك التقاء الختانين في إيجاب الغسل لأنه مظنة خروج المني. انظر تحفة ج 1 ص 22، إعلاء السنن ج 1 ص 148. تنبيه: قد نصَّ الإمام القرطبي على حاصل ما ذكرته. انظر قرطبي ح 5 ص 224. ومفاده أن الملامسة المذكورة في القرآن هي ما دون الجماع ولذلك لم أسْتَجِزْ أنَا أن أصدر المسألة بنسبتها إلى الجمهور صراحة.

فصل في ما يمتنع على المحدث فعله (ما يحرم بالحدث)

فصل في ما يمتنع على المحدث فعله (ما يحرم بالحدث) (¬1) باب في مس المصحف وحمله للمحدث مسألة (74) جمهور العلماء على أن مسَّ المصحف وحمله لا يجوز للمحدث. روي عدم جواز مس المصحف للمحدث عن ابن عمر - رضي الله عنه - والحسن وعطاء وطاوس والشعبي والقاسم بن محمَّد، وبه يقول مالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي والشافعي وأحمد. قال الموفق: ولا نعلم لهم مخالفًا إلا داود فأنه أباح مسَّه. وروي عن الحكم وحماد: يجوز مسه وحمله. وروي عنهما جواز مسه بظهر الكف دون بطنه (¬2). مج ج 2 ص 74، مغ ج 1 ص 137، بداية ج 1 ص 56. * * * ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على أن المحدث يمتنع فعل الصلاة عليه إلا ما كان من حال فاقد الطهورين وسيأتي بيانه وما سوى هذا من الطواف وسجود التلاوة وصلاة الجنازة ففيه خلاف ضعيف سيمر في أبوابه إن شاء الله تعالى انظر. بداية ج 1 ص 56. (¬2) انظر قول مالك في المنع من مسِّ المصحف وحمله للمحدث. المدونة ج 1 ص 107.

فصل في أحكام الاستطابة والاستنجاء (التخلي)

فصل في أحكام الاستطابة والاستنجاء (التخلي) باب في الاستنجاء من البول والغائط ونحوهما لمريد الصلاة مسألة (75) جمهور العلماء على أن الاستنجاء من البول والغائط وكل خارج من أحد السبيلين نجسٍ ملوثٍ واجب، وهو شرط في صحة الصلاة. وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وداود ومالك في روايةٍ. وقال أبو حنيفة: هو سنَّهَ. وهو رواية عن مالك. وحكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والعبدري وغيرهم عن المزني، وجعل أبو حنيفة هذا أصلًا في النجاسات فما كان منها قدر درهم بغليٍّ (¬1) عفى عنه، وإن زاد فلا. وكذا عنده -رحمه الله- في الاستنجاء إن زاد الخارج على درهم وجب وتعيَّنْ الماء ولا يجزيه الحجر ولا يجب عنده الاستنجاء بالحجر. وحكي عن ابن سيرين فيمن صلى بقوم ولم يستنج. قال: لا أعلم به بأسًا. حكاه الموفق عنه ووجَّهه بما يتفق مع الجمهور أو بما يقتضي أنه سنة غير واجبٍ (¬2). مج ج 2 ص 98، مغ ج 1 ص 141. باب في الاستنجاء بغير (¬3) الأحجار مسألة (76) أكثر أهل العلم على أنه يجوز الاستنجاء بغير الحجر إذا قام مقام الحجر في الإنقاء. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ. وقال أحمد في روايةٍ وداود: لا يجزئ إلا الحجر (¬4)، وهو اختيار أبي بكر ¬

_ (¬1) الدرهم البغليُّ نوع من الدراهم الفضية الفارسية والتي كانت مستعملة في الجاهلية وأقرها الإِسلام وكانت ذات أوزان مختلفة فاعتبر أوسطها وزنًا وقُدِّرَ نِصَابُ زكاة الفضة بمئتي درهم منها، ثم ضربت بعد ذلك الدراهم الفضية الإسلامية وكذا الدنانير. (¬2) انظر. تحفة ج 1 ص 11، 64، الحاوي ج 1 ص 159، بداية ج 1 ص 155. (¬3) قلت: ولا أعلم خلافًا عن أحد أنه لا يجوز الاستنجاء بما له حرمة في الدين كأوراق مصحف أو كتب فقه أو نحو ذلك. بل من فعل هذا على وجه الاستخفاف والاستهزاء فهو معدود فيما يُخْرِجُ من الملة والعياذ بالله تعالى. انظر مغ ج 1 ص 149، مج ج 1 ص 121. (¬4) وحكى النووي اتفاق العلماء كافةً إلا داود على جواز الاستنجاء بغير الحجر إذا أقام مقامه. ونُقل عن أكثر الأصحاب ما حكاه عن داود ثم قال. قال القاضي أبو الطيب: هذا ليس بصحيح عن داود، بل مذهبه الجواز. قلت: ولعل النووي -رحمه الله- لم يبلغه أو لم يستحضر قول أحمد في إحدى الروايتين عنه. وقد حكى هذا القول عن أحمد وداود غير الموفق ابن قدامة، فقد حكاه الماوردي -رحمه الله- وحكاه عن أهل الظاهر ابن رشد. انظر في هذه المسألة. مج ج 2 ص 115، الحاوي ج 1 ص 166، بداية ج 1 ص 110.

باب في التخيير في الاستنجاء بين الماء والحجر

عبد العزيز من الحنابلة. مغ ج 1 ص147. باب في التخيير في الاستنجاء بين الماء والحجر مسألة (77) ذهبت الجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى أنه يجوز الاقتصار في الاستنجاء على الماء ويجوز الاقتصار على الأحجار. والأفضل أن يجمع بينهما، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، ولا فرق في الجواز -أعني الاقتصار على الأحجار- بين وجود الماء وبين عدمه، ولا فرق بين الحاضر والمسافر والصحيح والمريض. وبهذا الذي قلنا قال فقهاء الأمصار. وحكى ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا لا يرون الاستنجاء بالماء. وعن سعيد بن المسيب قال: ما يفعل ذلك إلا النساء. وقال عطاء: غسل الدبر محدث. وحكى الموفق عن الحسن البصري أنه كان لا يستنجى بالماء. وقال: وكان ابن عمر لا يستنجى بالماء ثمَّ فعله، وقال لنافع: جربناه فوجدناه صالحًا. قال الموفق: وهو مذهب رافع بن خديج، وروي عن حذيفة القولان جميعًا (¬1). مج ج 2 ص 104، مغ ج 1 ص 142. باب في الاستنجاء بالنجس وبالروث وبالعظام مسألة (78) جمهور العلماء على أنه لا يجوز الإستنجاء بالنجس ولا بالروث ولا بالعظام، وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق. وهو مذهب أحمد. وذهب أبو حنيفة إلى جوازه بالروث وبالعظام. حكاه عنه الموفق وعنه في الروث النووي. قال الموفق: وأباح مالك الاستنجاء بالطاهر منهما (¬2). ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 160، بداية ج 1 ص 110، 111 قلت: ولا يَخْفَى أن محل التخيير بين الحجر وبين الماء فيما إذا لم يجاوز البول والغائط موضعهما وإلا فالماء هو المتعين عند أبي حنيفة إذا جاوز قدر الدرهم. ومذهب الشافعي وأحمد: إذا جاوز المخرج المعتاد. انظر هذه المسألة مج ج 2 ص 126، مغ ج 1 ص 151، تحفة ج 1 ص 64. (¬2) يعني روث الحيوان المأكول اللحم وسيأتي بيانها في أبواب إزالة النجاسات واختلاف العلماء فيها.

باب في النهي عن الاستنجاء باليمين

قلت: وبجواز الاستنجاء بالعظام قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن. قال ابن رشد: وشذَّ الطبري فأجاز الإستنجاء بكل طاهر ونجس (¬1). مج ج 2 ص 118، مغ ج 1 ص 148. باب في النهي عن الاستنجاء باليمين مسألة (79) أكثر العلماء على أن النهي عن الاستنجاء باليمن هو نهي تأديب وتنزيه فلو استنجى بيمينه أجزأه. حكاه عن أكثر العلماء النووي نقلًا عن الخطابي. وقال بعض أهل الظاهر: هو نهي تحريم ولا يجزؤه، وهو وجه لبعض الأصحاب في المذهب الشافعي (¬2). مج ج 2 ص 112، مغ ج 1 ص 145. باب في استقبال القبلة أثناء التخلي في الفضاء مسألة (80) أكثر أهل العلم على عدم جواز استقبال القبلة أثناء التبول أو التغوط في الفضاء، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. وقال عروة بن الزبير وربيعة وداود: يجوز استقبالها واستدبارها في الفضاء وفي البنيان (¬3). مغ ج 1 ص 153. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 173، معاني الآثار ج 1 ص 123، بداية ج 1 ص 110، 111. (¬2) هذا الوجه في التحريم لا في الإجزاء. وقد ردَّه الإِمام النووي. انظر مج ج 2 ص 112، وانظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 164. (¬3) ذكر الإِمام الماوردي -رحمه الله- مذاهب الفقهاء في أصل هذه المسألة ما حاصله يتلخَّص في أربعة مذاهب: الأول: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها في تبول أو تغوط لا في البنيان ولا في الفضاء، وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه والثوري والنخعي وأحمد وأبي ثور، وبه قال من الصحابة أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -. الثاني: يجوز مطلقًا. وقد ذكرنا من قال به في مسألة الكتاب. الثالث: يجوز في البنيان دون الصحاري والفضاء. وهو مذهب الشافعي ومالك وإسحاق. وبه قال من التابعين الشعبي، ومن الصحابة ابن عمر - رضي الله عنه -. الرابع: جواز الاستدبار مطلقًا والمنع من الاستقبال مطلقًا. رواه محمَّد بن الحسن مذهبًا ثانيًا للأحناف. حكاه عنه الماوردي، وقال: والمعول عند أصحابه هو المذهب الأول. انظر في هذه المسألة: الحاوي ج 1 ص 151، بداية ج 1 ص 115، مج ج 2 ص 84.

فصل في ما يوجب الغسل (الحدث الأكبر)

فصل في ما يوجب الغسل (الحدث الأكبر) باب فيما يوجب الغسل من الإيلاج (¬1) مسألة (81) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الإيلاج في فرج المرأة ودبرها ودبر الرجل ودبر البهيمة وفرجها الحيَّة والميتة بالنسبة للمرأة سواء. أقول: كل ذلك موجب للغسل وإن لم يصاحبه نزول منيٍ. وقال داود: لا يجب الغسل بالإيلاج إلا إذا صاحبه نزول المنى. وحكى ذلك عن الأعمش. وبقول داود قال من الصحابة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وأبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم، ثمَّ منهم من رجع عنه إلى قول الجمهور، ومنهم من لم يرجع (¬2). وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: لا يجب الغسل بالإيلاج في البهيمة ولا في المرأة ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على أن الغسل لا يجب إذا مس الختانُ الختانَ من غير إيلاج. حكاه الموفق في المغني ونقله النووي عن القاضي عياض في شرح مسلم. انظر مغ ج 1 ص 203، واتفقوا كذلك على أن من رأى المني في الثوب من بعد نومٍ فإن عليه الغسل، ولو لم يذكر احتلامًا، فإن لم ير المني في ثوبه فلا غسل عليه حتى ولو تذكر احتلامًا. انظر. مغ ج 1 ص 201 وانظر المدونة ج 1 ص 35. قلت: ونقل ابن رشد اتفاق العلماء على وجوب الغسل بنزول المني على وجه الصحة في يقظةٍ أو منامٍ ولا فرق في هذا بين الرجل وبين المرأة إلا ما روي عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى للمرأةِ احتلامًا. واتفقوا كذلك على وجوب الغسل على المرأة خاصة إذا انقطع دم حيضها. وكذلك النفساءُ إذا انقطع دم نفاسها. انظر. مغ ج 1 ص 197، 208، بداية في ج 1 ص 64، مج ج 2 ص 133. واتفقوا على أنه لا غسل بخروج المذي والودي. انظر مج ج 2 ص 144. قلت: ولو خرج المني بعد جماع واغتسالٍ من غير شهوةٍ فهل يوجب الغسل؟ مسألةُ شهيرة من أمهات مسائل الفقه، اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة مذاهب. الأول: لا يوجب الغسل، روي عن عليّ وابن عباس - رضي الله عنهم -، وبه قال عطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق. الثاني: فيه الغسل قبل البول لا بعده، وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة. وحُكي عن الحسن البصري أيضًا، الثالث: يوجب الغسل مطلقًا بشهوة وبغير شهوةٍ قبل البول وبعده، وهو مذهب الشافعي ومذهب رابع حكوه عن سعيد بن جبير وهو إن كان بشهوة أوجب الغسل وإلا فلا. انظر مغ ج 2 ص 141، مغ ج 1 ص 200. الحاوي ج 1 ص 216، تحفة الفقهاء ج 1 ص 26، إعلاء السنن ج 1 ص 137، بداية ج 1 ص 66 تنبيه: حكى الماوردي عن الأوزاعي عكس ما ذكرناه عنه في هذه المسألة. انظر الحاوي ج 1 ص 216. (¬2) انظر معاني الآثار ج 1 ص 53. قلت: قد كان في المسألة خلافٌ في الصدر الأول، ثم جعله البعض بَعدُ إجماعًا من بعد اختلاف انظر مغ ح 1 ص 204، تحفة ح 1 ص 27، إعلاء السنن ج 1 ص 146 قلت: روى مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة كانوا يقولون إذا مس الختانُ الختان فقد وجب الغسل. انظر المدونة ح 1 ص 34.

باب فيمن أحس بنزول المني إثر شهوة فمنعه من النزول

الميتة (¬1) مج ج2 ص 137، مغ ج2 ص 203، الحاوي ج 1 ص 208، بداية ج 1 ص 65، تحفة ج 1 ص 27، قرطبي ج 5 ص 205. باب فيمن أحسَّ بنزول المني إثر شهوة فمنعه من النزول مسألة (82) مذهب العلماء كافة إلا ما سنذكره عن أحمد أن من أحسَّ بانتقال المنى ونزولٍ إثر شهوةٍ لتقبيل ونحوه فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شيءٌ ولا علم خروجه بعد ذلك فلا غسل عليه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. وقال أحمد في روايةٍ وهي الأشهر عنه: يجب عليه الغسل. مج ج 2 ص 142، مغ ج 1 ص 198. باب في التطهر من أثر المذي في الذَكَرِ والأنثيين مسألة (83) جمهور العلماء على أن الرجل إذا أمذى فإنه يجب عليه غسل موضع النجاسة الذي أصابه المذيُ، وأما غسل باقي الذَّكَرِ إذا لم يصبه المذيُ وكذا الأنثييان (الخصيتان) إذا لم يصبهما المذي فلا يجب في شيءٌ من ذلك غسله بالماء ولكن يُستحب، وبه يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد في إحدى الروايات، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى. وقال مالك وأحمد في روايةٍ: يجب غسل كل الذكر. وقال أحمد في رواية: يجب غسل كل الذكر والأنثيين (¬2). مج ج 2 ص 147، مغ ج 1 ص 163. ¬

_ (¬1) روى ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب مذهبًا غريبًا قال: كان يزيد بن أبي حبيب وعطاء بن دينار ومشايخ من أهل العلم يقولون: إذا دخل من ماء الرجل شيء في قبل المرأة فعليها الغسل، وإن لم يلتق الختانان. قال ابن القاسم: وقاله الليث. وقال مالك: إذا التذت. يريد بذلك أنزلت. انظر المدونة ج 1 ص 34. (¬2) ولا خلاف بين أهل العلم في أن من أمذى لشهوةٍ أن عليه الوضوء، وذكرنا فيما مضى أن مذهب العلماء كافة إلا ما نقلناه عن مالك هو وجوب الوضوء من خروج المذي بشهوة وبغير شهوة. قلت: وانظر قول مالك في مسألة الكتاب. المدونة ج 1 ص 11، 12، وانظر قول أبي حنيفة وصاحبيه في معاني الآثار ج 1 ص 48.

باب في الكافر إذا أسلم ولم يجنب حال كفره. هل عليه غسل؟

باب في الكافر إذا أسلم ولم يجنب حال كفره. هل عليه غسلُ؟ مسألة (84) أكثر العلماء على أن الكافر إذا أسلم ولم يكن قد أجنب في الكفر استحب له أن يغتسل ولا يجب عليه، وسواء في هذا الكافر الأصلي والمرتد والذمي والحربي. حكى هذا القول عن أكثر العلماء الخطابي وغيره، ونقله عنه النووي، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-، وهو مذهب الشافعي. وقال مالك وأحمد وأبو ثور: يلزمه الغسل، واختاره ابن المنذر والخطابي (¬1). مج ج 2 ص 156. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 217، مغ ج 1 ص 206، إعلاء السنن ج 1 ص 160، تحفة ج 1 ص 28، شرح ج 12 ص 88.

فصل فيما يحرم بالجنابة

فصل فيما يحرم بالجنابة (¬1) باب في الوضوء للجنب إذا أراد النوم مسألة (85) أكثر السلف -أو كثير منهم- على أنه يكره (¬2) للجنب النوم قبل أن يتوضأ، والجمهور على استحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم، ولا يجب عند الجمهور هذا ولا الوضوء كذلك للجنب إذا أراد الأكل أو الشرب أو معاودة الجماع، وممن قال بكراهية النوم للجنب قبل الوضوء: عليّ بن أبي طالب وابن عباس وأبو سعيد الخدري وشداد بن أوس وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وهو قول الحسن البصري وعطاء والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق. حكاه عنهم ابن المنذر واختاره. قال ابن المنذر: وقال سعيد بن المسيب وأصحاب الرأي: هو بالخيار، نقل ذلك عن ابن المنذر: النووي، وحكى ابن رشد عن أهل الظاهر أنهم أوجبوا الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام. مج ج 2 ص 162، بداية ج 1 ص 57، 58، نيل ج 1 ص 270. باب في قراءة القرآن للجنب مسألة (86) أكثر العلماء على أن قراءة القرآن حرام للجنب والحائض قليلها وكثيرها حتى بعض آية، حكاه الخطابي وغيره عن أكثر العلماء، وهو محكي عن عمر بن الخطاب وعلي وجابر رضي الله تعالى عنهم والحسن والزهري والنخعي وقتادة. وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي. وقال مالك: يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوُّذ. وفي الحائض روايتان عنه إحداهما: تقرأ، والثانية: لا تقرأ. وقال أبو حنيفة: يقرأ الجنب بعض آيةٍ، ولا يقرأ آية كاملة، وعنه رواية كمذهب الجمهور (¬3). ¬

_ (¬1) اتفق المسلمون على أن الجنب يحرم عليه الصلاة فرضًا كانت أو نفلًا وسواء كان الجنب رجلًا أو امرأة (¬2) وعبارة ابن رشد في النقل عن الجمهور هي استحباب الوضوء للجنب والأحاديث الواردة في هذه المسألة تحتمل الأمرين وإن كان كلاهما أعني: الاستحباب والكراهة متضمن للجواز إلا أن تكون كراهة تحريم لكن الفرق بينهما معروف عند أهل الفقه والأصول وفيه خلاف مشهور، الصحيح فيه عندي أن الكراهة تحتاج لنهي مقصود، وسيأتي بيان لهذه المسألة في شرح الموسوعة إن شاء الله تعالى إذا أمد الله تعالى بالعمر والعافية. وانظر مسألة الكتاب في مغ ج 1 ص 228، معاني الآثار ج 1 ص 124، المدونة ج 1 ص 34. (¬3) حكى الماوردي الإجماع في هذه المسألة ولعلَّهُ -رحمه الله- تعالى أراد القول المنتشر بين الصحابة، وهذا ما ذكره =

باب في دخول المسجد والمكث فيه للجنب

وقال داود: يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن، وروي هذا عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وروي كذلك عن سعيد بن المسيب (¬1). قال النووي: قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما: واختاره ابن المنذر. مج ج 2 ص 162، بداية ج 1 ص 68، تحفة ج 1 ص 32. باب في دخول المسجد والمكث فيه للجنب مسألة (87) جمهور العلماء على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد وسواء توضَّأ أم لم يتوضَّأ. وممن روي عنه حرمة المكث في المسجد ولو توضأ: عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد ابن جبير وعمرو بن دينار ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وإسحاق بن راهويه. وهو مذهب الشافعي. وقال أحمد: يحرم المكث على الجنب بدون وضوء، فإذا توضأ جاز له المكث. وقال المزني وداود وابن المنذر: يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقًا، وحكاه الشيخ أبو حامد عن زيد بن أسلم (¬2). قلت: وأما العبور فيجوز عند الشافعي بحاجة وبغير حاجةٍ خلافًا لأحمد، وحُكي عن سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أنه لا يجوز له العبور إلا إذا لم يكن له بدُّ، فيتوضأ ويمرُّ (¬3). مج ج 2 ص 163, مغ ج 1 ص 136، نيل ج 1 ص 288. * * * ¬

_ = قبل أسطرٍ، وإلا فالخلاف في المسألة ثابت. انظر الحاوي ج 1 ص 148. قلت: ولم يفرق صاحب التحفة السمرقندي الحنفي بين الآية وبعض الآية في تحريمها على الجنب خلافًا للإمام الطحاوي. انظر تحفة ج 1 ص 32، وانظر معاني الآثار ج 1 ص 90، وانظر مسألة الكتاب في مغ ج 1 ص 134، الشرح الصغير ج 1 ص 176، قرطبي ح 5 ص 208. (¬1) حُكي عن ابن المسيب أنه قال في الجنب: يقرأ القرآن. أليس هو في جوفه؟!. انظر مغ ج 1 ص 134. (¬2) قال مالك: قال زيد بن أسلم: لا بأس أن يمر الجنب في المسجد عابر سبيل. قال مالك: وكان زيد يتأول هذه الآية في ذلك {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وكان يوسًع في ذلك، قال مالك: ولا يعجبني أن يدخل الجنب في المسجد عابر سبيل ولا غير ذلك، ولا أرى بأسًا أن يمرَّ فيه من كان على غير وضوء ويقعد فيه. اهـ. انظر المدونة ج 1 ص 37. (¬3) ذكر صاحب التحفة أن الجنب إذا احتاج لدخول المسجد تيمم ودخل. انظر تحفة ج 1 ص 32، وانظر مسألة الكتاب في بداية ج 1 ص 67، قرطبي ح 5 ص 206.

فصل في صفة الغسل وأحكامه

فصل في صفة الغسل وأحكامه باب في الوضوء قبل الغسل مسألة (88) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الوضوء لمريد الاغتسال من الجنابة سنَّة مستحبة ولا يجب، وحكى ابن جرير الطبري وابن عبد البر الإجماع في هذه المسألة. نقله عن الطبري النوويُّ، وعن ابن عبد البر ابن قدامة (¬1). وقال أبو ثور وداود: هو واجب (¬2). مج ج 2 ص 189, بداية ج 1 ص 62. باب في المرأة تنقض ضفائرها للغسل مسألة (89) جمهور العلماء على أن المرأة إذا أرادت أن تغتسل للجنابة أو للحيض (يعني لطهرها من الحيض) وكان لها ضفائر، فلا يجب عليها أن تنقض ضفائر شعر رأسها إن كان الماء يصل إلى أصول شعرها بغير نقضٍ، وإلا تعينَّ النقض إن لم يصل الماء إلى أصول الشعر إلا به، وبه يقول الشافعي. وحُكي عن النخعي أنه لابد من النقض مطلقًا. وحكى ابن المنذر عن الحسن وطاوس أنه يجب النقض في الحيض، ولا يجب في الجنابة وبه قال أحمد مع اختلاف بين أصحابه هل هو واجبٌ أم مستحبٌّ؟ (¬3). ¬

_ (¬1) قلت: ولعل خلاف أبي ثور وداود لم يبلغ الطبري وابن عبد البر أو لم يثبت عندهما. انظر مغ ج 1 ص 218. (¬2) ها هنا مسألة شهيرة اختلف فيها الفقهاء، وهي: هل يرفع غسل الجنابة الحدثين الأصغر والأكبر، وذلك لمن كان محدثًا حدثًا أصغر قبل اغتساله؟ في المسألة خلاف شديد لأصحاب الشافعي وجوه أربعة أصحها ما وافق قوله في الأم من أنه يرفع الاثنين معًا, ولأحمد روايتان انظر مغ ج 1 ص 217، مج ج 2 ص 196، الحاوي ج 1 ص 221، تحفة في ج 1 ص 29. (¬3) حكى الموفق عدم العلم بالمخالف في أن النقض لا يجب في غسل الجنابة. قال: إلا ما روي عن عبد الله بن عمر قلت: ويعكر عليه ما حُكي عن النخعي إذا ثبت. انظر مغ ج 1 ص 225. قلت: وألمح ابن رشد إلى هذا الذي حكاه الموفق ثمَّ عارضه بعد ذلك بصحيفة واحدةٍ. انظر بداية ج 1 ص 62، 63، وانظر مسألة الكتاب في الحاوي ج 1 ص 225، 226.

باب في اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة

مج ج 2 ص 190، مغ ج 1 ص 225، 226. باب في اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة مسألة (90) جمهور العلماء على أنه يجوز للرجل أن يتطهر بفضل طهور المرأة سواء خلت به أم لا, ولا كراهة في ذلك، وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي. وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، ويجوز إذا اغتسلا معًا، ورُوي هذا عن عبد الله بن سرجس والحسن البصري، ورُوي عن أحمد كمذهب الجمهور. ورُوي عن ابن المسيب والحسن كراهة التطهر بفضل المرأة مطلقا (¬1). مج ج 2 ص 194، مغ ج 1 ص 94، الحاوي ج 1 ص 231. باب في اغتسال المرء عُرْيانًا إذا كان خاليًا مسألة (91) جماهير العلماء على جواز اغتسال المرء عريانًا مكشوف العورة إذا كان خاليًا لا يراه أحد ممن لا يجوز له النظر إلى عورته، حكاه عن الجماهير القاضي عياض. ونهى عن ذلك ابن أبي ليلى، حكاه عنه القاضي عياض (¬2). قلت: نُقل ذلك كله عن القاضي عياض النوويُّ رحمهما الله تعالى. مج ج 2 ص 200. باب في المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل مسألة (92) جمهور العلماء على أن المضمضة والاستنشاق سنَّتان في الوضوء والغسل، ولا يشترطان لصحتهما، وبه قال الحسن البصري والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والليث والأوزاعي والشافعي، ورُوي هذا عن عطاء وحماد وأحمد، حكاه عن أكثر هؤلاء ابن المنذر. وذهبت طائفة إلى أنهما واجبان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما، وبه يقول ابن أبي ليلى وإسحاق وأحمد في المشهور عنه وعطاء في روايةٍ. وقالت طائفة بوجوبها في الغسل دون الوضوء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 43. (¬2) انظر هذه المسألة في مغ ج 1 ص 230.

باب في اجتماع موجبين للغسل كحيض وجنابة

وقال آخرون: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضمة، وإليه ذهب أبو ثور وأبو عبيد وداود وأحمد في روايةٍ. قال ابن المنذر: وبه أقول (¬1). مج ج 1 ص 373، ج 2 ص 200. باب في اجتماع موجبين للغسل كحيض وجنابة مسألة (93) أكثر أهل العلم على أنه إذا اجتمع موجبان للغسل كحيض وجنابةٍ فإنَّ غسلًا واحدًا يكفي، وبه قال عطاء وأبو الزناد وربيعة ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد. ورُوي عن الحسن والنخعي في الحائض تطهر وقد كانت جنبًا أن عليها غسلين. مغ ج 1 ص 220. باب في الموالاة والترتيب بين أعضاء الوضوء في الغسل مسألة (94) جمهور العلماء على أنه لا تجب المولاة في الغسل، ولا يجب على المغتسل أن يرتب بين أعضاء الوضوء في بدنه، وبه قال أحمد. وقال رييعة فيمن ترك ذلك أن عليه أن يعيد الغسل، وبه قال الليث. قال الموفق (ابن قدامة): واختلف فيه عن مالك (¬2) وفيه وجه لأصحاب الشافعي. مغ ج 1 ص 220. باب في قدر الماء الذي يجزئ في الغسل والوضوء مسألة (95) أكثر أهل العلم على أنه لا توقيت في قدر الماء الذي يجزئ في الوضوء والغسل، القليل في ذلك والكثير (¬3) سواء إذا استوعب المتوضئ أعضاء وضوئه ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. مغ ج 1 ص 102، الحاوى ح 1 ص 103، الشرح الصغير ج 1 ص 118، تحفة ج 1 ص 29، الحجة على أهل المدينة ج 1 ص 18، المدونة ج 1 ص 15. (¬2) والذي رُوي عن مالك في المدونة تفريقه بين من يترك الموالاة عمدًا يتحرَّى ذلك فلا يصح غسله وبين من يفعل ذلك ناسيًا فلا بأس بغسله، وهو كما رَوى ابن وهب يإسناده المتصل عن سعيد بن المسيب في رجل جاءه وقد اغتسل ونسي أن يغسل رأسه، فأمر سعيد رجلًا معه أن يقوم مع الرجل فيصب على رأسه دلوًا من الماء. انظر المدونة ج 1 ص 15، 16 (¬3) ولا خلاف يعلم في كراهية الإسراف في الطهارة، وقد ورد في ذلك حديث لا يصح.

والمغتسل بدنه كله، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، قال مالك: وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المدِّ (¬1). وحُكي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه لا يجزئ ما دون مم الصالح في الغسل وما دون المدِّ في الوضوء. مج ج 1 ص 223. * * * ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 18.

فصل في التيم وأحكامه

فصل في التيم وأحكامه باب في النية للتيمم مسألة (96) جمهور العلماء على أن التيمم لا يصح إلا بنيةٍ، وبه قال ربيعة ومالك والليث والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر، وهو مذهب أحمد. وحُكِيَ عن الأوزاعي والحسن بن صالح أنه يصح بغير نيةٍ، وبه قال زفر. مغ ج 1 ص 253، بداية ج 1 ص 89. باب في التيمم لعذر الماء البارد يخشى من الضرر مسألة (97) أكثر أهل العلم على أن واجد الماء البارد الذي يخشى منه الضرر ولا يستطيع تسخينه، فإنه يجوز له التيمم. وبه قال مالك (¬1) وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال عطاء والحسن: يغتسل وإن مات لم يجعل الله له عذرًا، قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله-: ومقتضى قول ابن مسعود أنه لا يتيمم؛ فإنه قال: لو رخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا برد عليه الماء أن يتيمم ويدعه. مغ ج 1 ص 265، بداية ج 1 ص 87. باب في التيمم عن الجنابة مسألة (98) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على جواز التيمم عن الجنابة، رُوي هذا عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وابن المنذر وغيرهم. وذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فيما رُوي عنهما وإبراهيم النخعي إلى أن التيمم لا يجوز إلا عن الحدث الأصغر فقط، وحُكي أن عمر وعبد الله بن مسعود رجعا إلى قول الجماعة؛ قاله ابن الصباغ وغيره وجزم به القرطبي (¬2). ¬

_ (¬1) قال ابن القاسم: وقال لي مالك: إذا خاف الجنب على نفسه الموت في الثلج والبرد ونحوه إن هو اغتسل أجزأه التيمم. انظر المدونة ج 1 ص 49. (¬2) انظر هذه المسألة كذلك. إعلاء السنن ح 1 ص 230. قلت: الإجماع منعقد على جواز التيمم عن الحدث الأصغر. انظر مغ ج 1 ص 233، وانظر في أصل المسألة قول مالك في المدونة ج 1 ص 46.

باب في الجنب والحائض تطهر يتيممان لفقد الماء ثم يجدانه

مج ج 2 ص 210، ج 1 ص 261، قرطبي ج 6 ص 103. الحاوي ج 1 ص 249، بداية ج 1 ص 85، نيل ج 1 ص 322. باب في الجنب والحائض تطهر يتيممان لفقد الماء ثم يجدانه مسألة (99) مذهب العلماء كافة إلا من سنذكره أن الجنب والحائض إذا طهرت إذا تيممًا لفقد الماء ثمَّ قدرًا على استحمال الماء لزمهما أن يغتسلا. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن التابعي: لا يلزمهما. مج ج 2 ص 211، الحاوي ج 1 ص 252، نيل ج 1 ص 322. باب في التيمم عن النجاسة مسألة (100) جمهور العلماء على أن التيمم عن النجاسة لا يجوز وهو مذهب الشافعي. وأجازه أحمد -رحمه الله- تعالى، واختلف أصحابه في وجوب إعادة هذه الصلاة. وقال ابن المنذر: كان الثوري والأوزاعي وأبو ثور يقولون: يمسح موضع النجاسة بتراب ويصلي، وقال أبو ثور فيما حكاه عنه ابن المنذر: وهو مذهب الشافعي؛ قال ابن المنذر: والمعروف من قول الشافعي بمصر: أن التيمم لا يجزئ عن نجاسة. مج ج 2 ص 212، مغ ج 1 ص 274. باب في التيمم. كيف هي صفته؟ مسألة (101) أكثر العلماء على أن الواجب في التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، وبه قال من الصحابة عليُّ بن أبي طالب وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وهو قول الحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد الله ومالك والليث والثوري وأصحاب الرأي وعبد العزيز بن أبي سلمة. وحكى الماورديُّ وغيره عن ابن سيرين أنه لا يجزئه إلا ثلاث ضربات: ضربة لوجهه، وضربة لكفيه، وضربةٌ لذراعيه. ونقل القرطبي عن ابن عبد البر أنه حكى عن ابن أبي ليلى والحسن بن حييٍّ أنه (يعني التيمم) ضربتان يمسح بكل ضربةٍ وجهه وذراعيه ومرفقيه. قال ابن عبد البر: ولم يقل بذلك أَحَدٌ من أهل العلم غيرهما.

باب في حد مسح اليدين في التيمم

وقال عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق: الواجب ضربة واحدةٌ للوجه والكفين. حكاه ابن المنذر عنهم وقال: وبه أقول. وبقول أحمد وإسحاق قال داود، وحكاه الخطابي عن عامة أصحاب الحديث (¬1). مج ج 2 ص 213، بداية ج 1 ص 93. باب في حد مسح اليدين في التيمم مسألة (102) أكثر العلماء على أن الواجب في مسح اليدين في التيمم هو المسحُ إلى المرفقين، ولا يجب أكثر من ذلك ولا يجزئ أقل من ذلك، وهو قول ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن البصري وابن سيرين ومالك والليث وأبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن وسفيان الثوري، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق: الواجب مسحهما إلى الكفين. ورُوي هذا عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عكرمة، ورواه أبو ثور عن الشافعي في القديم من مذهبه وردَّه الماورديُّ. وحكى الماورديُّ وغيره عن الزهري أنه يجب مسحهما إلى الإبطين، ووهَّنَ النوويُ هذه الحكاية لقول الخطابي: لم يختلف العلماء في أنه لا يجب مسح ما وراء المرفقين (¬2). مج ج 2 ص 213، بداية ج 1 ص 91. باب في صفة الصعيد الطيب الذي يجزئ في التيمم مسألة (103) أكثر الفقهاء على أنه لا يجزئ في التيمم إلا التراب، حكاه عنهم الأزهري والقاضي أبو الطيب، وهو قول الشافعي وأحمد وداود وابن المنذر. وبه يقول ¬

_ (¬1) نقل الموفق في المغني عن الأئمة ما ظاهره يدلُّ على أن قول الأكثر هو الاكتفاء بضربةٍ واحدةٍ للوجه والكفين وكذلك نَقَلَ عن بعض الصحابة والأئمة مذهبهم في هذه المسألة ما يخالف بعض ما نقله النووي في المجموع. انظر مغ ج 1 ص 245، وانظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 246، تحفة ج 1 ص 35، إعلاء السنن ج 1 ص 221, معاني الآثار ج 1 ص110، الشرح الصغير ج 1 ص 195. المدونة ج 1 ص 46، قرطبي ج 5 ص240. (¬2) قلت: وحكى هذا القول عن الزهري مكحولُ في سياق قصةٍ ذكرها القرطبي فانظرها هناك ج 5 ص240 وانظر مسألة الكتاب في مغ ج 1 ص 258، الحاوي ج 1 ص 234، تحفة ج 1 ص 35، معاني الآثار ج 1 ص111. الشرح الصغير ج 1 ص 195، المدونة ج 1 ص 47.

باب في التيمم بالتراب النجس

أبو يوسف يعقوب القاضي صاحب أبي حنيفة في قوله الأخير الذي استقرَّ عليه. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ومالك: يجوز بكل أجزاء الأرض حتى بصخرةٍ مغسولةٍ. وقال بعض أصحاب مالك: يجوز بكل ما اتصل بالأرض كالخشب والثلج وغيرهما. قلت: قد ذكر ابن القاسم في المدونة أن مالكًا أوْسَعَ على الرجل لا يجد إلا الثلج أن يتيمم عليه. وأما الملح فثلاثة أقوال لأصحاب مالك: أحدها يجوز، والثاني: لا. والثالث وهو عندهم أشهرها: أنه إن كان مصنوعًا لم يجز التيمم به، وإلا جاز. قلت: ويجوز عندهم (أصحاب مالك) التيمم بالمعادن كلها إلا الذهب والفضة، وبالجواهر بشرط أن تبقى في محالها ولا تنتقل فتصير في أيدي الناس أموالًا. وقال الأوزاعي والثوري: يجوز بالثلج وكل ما على الأرض (¬1). مج ج 2 ص 215، 216. باب في التيمم بالتراب النجس مسألة (104) مذهب العلماء كافةً إلا من سنذكره أنه لا يجوز التيمم بالتراب النجس. وانفرد الأوزاعي -رحمه الله- تعالى فجوَّزه بتراب المقابر (¬2). مج ج 2 ص 219، مغ ج 2 ص 260. باب في التيمم بتراب الأرض السبخة (المالحة) مسألة (105) جمهور العلماء على جواز التيمم بتراب الأرض السبخة، وهو التراب الذي فيه ملوحة ولا ينبت (¬3). ¬

_ (¬1) انظر هذه المسألة. الحاوي ح 1 ص 237، مغ ج 1 ص 248، تحفة ج 1 ص 41، الشرح الصغير ج 1 ص 196، قرطبي ج 5 ص 236، إعلاء السنن ج 1 ص233، بداية ج 1 ص 93. (¬2) نقل الصاوي عن خليل صاحب المختصر تبعًا للمدونة أن المتيمم على مصابِّ بول يعيد في الوقت وذكر له تأويل عدة. انظر. الشرح الصغير ج 1 ص 195. قلت: الذي في المدونة قول لابن القاسم وجعله مذهبًا لمالك قياسًا وتخريجًا على قوله مالك فيمن توضأ بماء غير طاهر في أنه يعيد مادام في الوقت. انظر. المدونة ج 1 ص 48. (¬3) وقيَّدها السمرقندي الحنفي بالأرض السبخة المنعقدة من الأرض دون المائية. انظر تحفة ج 1 ص 42 وانظر في هذه المسألة الحاوي ج 1 ص 239، مغ ج 1 ص 249.

باب في التيمم هل يرفع الحدث؟

وحكى الماورديّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وإسحاق عدم الجواز. وكذا حكى هذا القرطبي (¬1). مج ج2 ص 221، قرطبي ج 5 ص 238. باب في التيمم هل يرفع الحدث؟ مسألة (106) جماهير العلماء على أن التيمم لا يرفع حدثًا، لا أصغر ولا أكبر وبه يقول الشافعي -رحمه الله- تعالى (¬2). وقال داود الظاهري والكرخي الحنفي وبعض المالكية يرفعه. وحُكي هذا كذلك عن أبي حنيفة (¬3). قلت: وحكاه القرطبي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (أعني القول بأن التيمم يرفع الحدث) رواه عنه ابن حرملة وابن جريج وغيرهما (¬4). وحكى الماورديُّ عن أبي ثور أنه يجوز أن يجمع بالتيمم الواحد بين الفوائت من الصلوات، وبه يقول محمَّد بن الحسن (¬5). مج ج 2 ص 224، مغ ج 1 ص 253. ¬

_ (¬1) حكى القرطبي الإجماع على جواز التيمم بالتراب المنبت الطاهر غير المنقول ولا المغصوب وحكى كذلك الإجماع على المنع من التيمم على الذهب الصَّرفِ والفضةِ والياقوت والزمرد والأطعمة كالخبزّ واللحم وغيرهما أو على النجاسات. قلت: قد ذكر صاحب التحفة جواز التيمم بالياقوت والزمرد فبطلت حكاية الإجماع التي ذكرها القرطبي والله تعالى أعلم. انظر قرطبي ج 5 ص 237، وانظر تحفة ج 1 ص 42. (¬2) قد حكى الإجماع في هذه المسألة ابن عبد البر والقرطبي، ولا يصح ذلك مع خلاف من ذكرناهم. انظر قرطبي ج 5 ص 234. (¬3) ذكر صاحب التحفة أن التيمم في المذهب الحنفي بدل مطلق وأنه يرفع الحدث إلى وقت وجود الماء في حق الصلاة المؤداة لا أن تُباح له الصلاة مع قيام الحدث للضرورة، وذكر أنها (الصلاة) عند الشافعي تُباح بالتيمم مع قيام الحدث حقيقة وينبني على هذا مسائل. انظر تحفة ج 1 ص 46، وانظر الحجة ج 1 ص 48 إعلاء السنن ج 1 ص 223، بداية ج 1 ص 96. (¬4) انظر قرطبي ج 5 ص 234. قلت: نقلوا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال في الجنب المتيمم يجد الماء وهو على طهارته (يعني على تيممه)، لا يحتاج إلى غسل ولا وضوءٍ حتى يُحْدِثَ، ورووا عنه روايةٍ أخري مقتضاها يناقض هذا، ومن ثَمَّ قال ابن عبد البر: ولم يكن أبو سلمة عندهم يفقه كفقه أصحابه التابعين بالمدينة. انظر المصدر السابق. (¬5) انظر في هذه المسألة. الحاوي ج 1 ص 258، الحجة ج 1 ص 49، إعلاء السنن ج 1 ص 229، المدونة ج 1 ص 52.

باب في الاستيعاب في التيمم

باب في الاستيعاب في التيمم مسألة (107) أكثر العلماء على أنه يجب إيصال التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه والشعر الظاهر عليه. حكاه عنهم العبدريّ. وعن أبي حنيفة روايات. إحداها: كمذهب الأكثرين، ذكرها الكرخي في مختصره، والثانية: إن ترك قدر درهم منه لم يجزه ودونه يجزيه، والثالثة: إن ترك دون ربع الوجه أجزأه وإلا فلا. حكاه الطحاوي عنه وعن أبي يوسف وزفر. وحكى ابن المنذر عن سليمان بن داود الظاهري أنه جعله كمسح الرأس (¬1). مج ج 2 ص 241. باب في التيمم للفريضة قبل دخول وقتها مسألة (108) جمهور العلماء على أن التيمم للمكتوبة (الفريضة من الصلاة) لا يجوز إلا بعد دخول وقتها، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة: يجوز قبل دخول الوقت، وبه قال أهل الظاهر وابن شعبان من أصحاب مالك. حكاه عنهم ابن رشد (¬2). مج ج 2 ص 245. باب في التيمم بوجود الماء لخوف فوات وقت الصلاة مسألة (109) جمهور أهل العلم منهم مالك والشافعي على أنه لا يجوز التيمم مع وجود ماء يقدر على استعماله ولا يحتاج إليه لعطش ونحوه، وسواء خاف خروج وقت الصلاة لو توضأ أم لا، والفرائض وصلاة العيد والجنازة في ذلك سواء. وذهبت طائفة إلى أنه يجوز له التيمم إذا خاف لو اشتغل بالوضوء خروج وقت الصلاة. ثمَّ يتوضأ بعد ذلك ويعيد الصلاة، وهو قول الأوزاعي والثوري، وبه قال مالك في رواية. وهو وجه شاذ في المذهب الشافعي. حكى هذا القول عن هؤلاء ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة مغ ج 1 ص 257، تحفة ج 1 ص 36، الحاوي ج 1 ص 248، الشرح الصغير ج 1 ص 195. (¬2) انظر تحفة ج 1 ص 46، إعلاء السنن ج 1 ص 232، الحاوي ج 1 ص 262، الشرح الصغير ج 1 ص 189، بداية ج 1 ص90، قرطبي ج 5 ص 233، 235، المدونة ج 1 ص 46.

باب في شراء الماء للوضوء بأكثر من ثمن مثله. هل يجب؟ أم يجزؤه التيمم؟

العبدريُّ (¬1). وقال أبو حنيفة: يجوز التيمم لصلاة العيد والجنازة مع وجود الماء إذا خاف فوتهما. وحُكي هذا عن الزهري والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في روايةٍ عنه، وبه قال إبراهيم النخعي ويحيى الأنصاري والحسن البصري وسعد بن إبراهيم والليث وأصحاب الرأي. وقال الشعبي: في من خاف فوت الجنازة إذا توضأ؛ يصلي عليها من غير وضوء ولا تيمم؛ لأنها لا ركوع فيها ولا سجود، وإنما هي دعاءٌ فأشبهت الدعاء في غير الصلاة (¬2). وحُكي مثل ذلك عن داود وابن جرير الطبري. مج ج 2 ص 246، مغ ج 1 ص 268، قرطبي ج 6 ص 99. باب في شراء الماء للوضوء بأكثر من ثمن مثله. هل يجب؟ أم يجزؤه التيمم؟ مسألة (110) جماهير العلماء من السلف والخلف على أن من فقد الماء ثم وجده يباع بأكثر من ثمن مثله، فإنه لا يجب عليه شراؤه وجاز له أن يتيمم. وهو مذهب الشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة: يلزمه شراؤه بالغبن اليسير. وقال مالك في الجنُبِ لا يجد الماء إلا بثمن: إن كان قليل الدراهم رأيت أن يتيمم، وإن كان موسعًا عليه يقدر رأيت أن يشتري ما لم يكثر عليه في الثمن، فإن رفعوا عليه في الثمن تيمم وصلَّى. رواه عنه ابن القاسم. ¬

_ (¬1) قال مالك في رواية ابن القاسم عنه في رجل يأتي البئر (بئر الماء) في آخر الوقت وهو يخشى إن نزل ينزع بالرشا ويتوضأ يذهب وقت تلك الصلاة، قال مالك: فليتيمم وليصل. قلت: وهذا في المسافر وقد سأل سحنون ابن القاسم في تلك المسألة هل عليه أن يعيد الصلاة في قول مالك إذا توضأ بعد ذلك؛ قال ابن القاسم: لا. ونُقل عن مالك أن هذا هو قوله في من كان من أهل الحضر لا من أهل السفر، ونقل عنه أنه قال مرة في غير المسافر أنه يعيد الصلاة إذا توضأ بعد ذلك. انظر المدونة ج 1 ص 47. (¬2) انظر هذه المسألة في الحاوي ج 1 ص 281، مغ ج 1 ص 269، تحفة ج 1 ص 39، الشرح الصغير ج 1 ص 182، إعلاء السنن ج 1 ص 225، معاني الآثار في ج 1 ص 86. قال ابن القاسم لسحنون: قد أخبرتك أن مالكًا قال في الرجل في الحضر يخاف أن تطلع عليه الشَّمسُ إن ذهب إلى النيل (نهر النيل) وهو في المعافر (ناحية من نواحي مصر القديمة) أو في أطراف الفسطاط. أنه يتيمم ولا يذهب إلى الماء. المدونة ج 1 ص 48. قلت: وأما التيمم لخوف فوت الجنائز والعيدين؛ فمنع من ذلك -رحمه الله- فيما رواه ابن القاسم عنه. انظر المدونة ج 1 ص 51.

باب فيمن عدم الماء أول الوقت ورجى حصول الماء قبل خروج الوقت يصلى أم يؤخر؟

وقال الحسن البصري: يلزمه شراؤه بكل ماله (¬1) مج ج2 ص 257. باب فيمن عدم الماء أول الوقت ورجى حصول الماء قبل خروج الوقت يصلى أم يؤخر؟ مسألة (111) أكثر العلماء على أن عادم الماء بعد طلبه إن ظن وجوده بعد ذلك راجيًا له قبل خروج الوقت فالأفضل في حقه أن ينتظر ويؤخر الصلاة لحين ظنه، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، وبه قال الشافعي مرةً. وقال الشافعي في أصح القولين عنه باتفاق أهل المذهب: تقديم الصلاة أفضل (¬2). مج ج 2 ص 265. باب فيمن وجد ماء لا يكفي لتمام طهارته هل يتوضأ به أم يتيمم مسألة (112) أكثر العلماء على أن من وجد ماءً لا يكفيه إلا لبعض طهارته من وضوءٍ أو غُسْلٍ فإنه لا يجب عليه استعمال هذا القدر من الماء في بعض طهارته، وحسبه أن يتيمم فقط، وهذا مذهب مالك (¬3) وأبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والمزني وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين، وهو قول الحسن والزهري وحماد. وذهب الشافعي في أصحِّ قوليه وأحمد في رواية وكذا داود وعطاء والحسن بن صالح ومعمر بن راشد فيما حكاه عنهم ابن الصباغ إلى أنه يجب عليه أن يستعمل ما وجد من الماء لما يمكنه من طهارة، ثم يتيمم عن الباقي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 288، قرطبي ج 5 ص 228، ج 1 ص240. تحفة ج 1 ص 38، المدونة ج 1 ص50، الشرح الصغير ج 1 ص 188. (¬2) انظر الحاوي ج 1 ص 286، قرطبي ج 5 ص 229، مغ ج 1 ص 243، تحفة ج 1 ص 43، الشرح الصغير ج 1 ص 190، إعلاء السنن ج 1 ص 235، المدونة ج 1 ص 47. (¬3) قال مالك في رجل على جنابة ومعه ماء بقدر ما يتوضأ به: أنه يتيمم ولا يتوضأ بهذا الماء. وحكاه ابن وهب عن ابن شهاب الزهري بلاغًا، وحكاه في المدونة عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي سلمة. انظر المدونة ج 1 ص 51. (¬4) انظر الحاوي ج 1 ص 283، مغ ج 1 ص 237، الشرح الصغير ج 1 ص 199، المدونة ج 1 ص 51.

باب في التيمم للمرض اليسير هل يجوز؟

مج ج 2 ص 271، قرطبي ج 5 ص 230. باب في التيمم للمرض اليسير هل يجوز؟ مسألة (113) مذهب العلماء كافةً إلا ما سنحكيه عن البعض أن المرض اليسير الذي لا يُخْشَى معه باستعمال الماء تَلَفٌ أو مرضٌ مخوف ولا إبطاء برء (شفاء) ولا زيادة ألم فهذا ونحوه لا يجوز بسببه التيمم. وحُكي عن بعض أصحاب مالك وأهل الظاهر أنه يجوز (¬1). مج ج 2 ص 288. باب في صفة المرض الذي يجوز له التيمم مسألة (114) أكثر العلماء وجمهورهم على أن المرض إذا كان يُخشى باستعمال الماء معه إبطاء برءٍ، أو زيادة ألمٍ، أو زيادة مرضٌ؛ فهو مرضٌ؛ مانعٌ من استعمال الماء ومبيحٌ للتيمم. رُوي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي في أصحِّ قوليه وأحمد في إحدى الروايتين وداود. وذهبت طائفة إلى عدم جواز التيمم بنحو ما ذكرنا، وبه قال عطاء والحسن وأحمد في روايةٍ. وقال مالك وداود فيما حُكي عنه: يجوز التيمم لمطلق المرض (¬2). مج ج 2 ص 290. مغ ج 1 ص 261، الحاوي ج 1 ص 269، بداية ج 1 ص 87. باب في كم يصلي بالتيمم الواحد من الفرائض؟ مسألة (115) أكثر العلماء على أنه لا يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة واحدةٍ، وهو قول عليّ بن أبي طالبٍ وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وإليه ذهب الشعبي والنخعي وقتادة وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والليث وأحمد في روايةٍ وإسحاق، حكاه عنهم ابن المنذر، وهو مذهب الشافعي. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص270، ج 1 ص 262، الشرح الصغير ج 1 ص180. (¬2) انظر الحاوي ج 1 ص 270، وانظر في هذه المسألة تحفة ج 1 ص 38، إعلاء السنن ج 1 ص230، الشرح الصغير ج 1 ص180، قرطبي ج 5 ص 228، المدونة ج 1 ص 46.

باب في المتيمم يجد الماء قبل شروعه في الصلاة

وحكى ابن المنذر عن ابن المسيب والحسن البصري والزهري وأبي حنيفة ويزيد بن هارون أنه يصلِّي به فرائض ما لم يُحْدِثْ، وأشار إلى هذا أحمد. قال ابن المنذر: ورُوي هذا القول عن ابن عباس وأبي جعفر. قال النووي: وبه قال المزني وداود. قلت: وهو قول محمَّد بن الحسن. وحكى ابن المنذر عن أبي ثور أنه يصلي به فوائت، ولا يصلي به فريضة أخرى بعد خروج الوقت. قلت: ومذهب مالك الذي رواه عنه ابن القاسم في المدونة أنه يصلي مكتوبتين (فريضتين) بتيمم واحد ولا نافلة ومكتوبة بتيمم واحدٍ إلا أن تكون نافلةً بعد مكتوبة (¬1) فلا بأس بذلك، وإن تيمم فصلى مكتوبة ثمّ ذكر مكتوبةً أخرى كان نسيها فليتيمم لها أيضًا ولا يجزئه ذلك التيمم لهذة الصلاة (¬2). مج ج2 ص 297، 298. باب في المتيمم يجد الماء قبل شروعه في الصلاة مسألة (116) جمهور أهل العلم بل عامتهم على أن من تيمم ثمَّ وجد الماء قبل شروعه في الصلاة فإن تيممه قد بطل ولزمه الوضوء، ضاق الوقت -أعني وقت الصلاة- أو اتسع، وسواء وجد الماء أثناء تيممه أو بعد فراغه منه (¬3). وحكي القاضي عبد الوهاب المالكي التفريق بين ضيق الوقت وسعته فيصحُّ في الأول ويصلي به بخلاف الثاني. وحُكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن التابعي أنه إذا وجد الماء بعد فراغه من التيمم فتيممه صحيح وجاز له أن يصلِّي به (¬4). ¬

_ (¬1) كمن صلى فريضة الظهر بتيمم جاز له أن ركع نافلة الظهر بعدها بتيممه الأول بخلاف ما لو صلى بتيممه نافلة الفجر ثمَّ أراد أن يصلي فريضة الصبح فإنه يتيمم من جديدٍ عند مالك. انظر المدونة ج 1 ص 51، 52. (¬2) انظر قرطبي ج 5 ص 235.، الحجة ج 1 ص 48، إعلاء السنن ج 1 ص 229، بداية ج 1 ص 97، الحاوي ج 1 ص 257. مغ ج 1 ص 266، الشرح الصغير ج 1 ص 187. (¬3) وذكر الموفق ابن قدامة أن الظنَّ الغالب بوجود الماء يبطل التيمم، كمن رأى ركبًا أو حُضْرةً أو شيئًا يدل على الماء. انظر مغ ج 1 ص 272. (¬4) قلت: حكى القرطبي الإجماع على بطلان تيمم من وجد الماء قبل شروعه في الصلاة، ولعله فاته من ذكرنا أو لم يعتد بخلافه، وقد حكى الإجماع نفسه صاحب التحفة. انظر قرطبي ج 5 ص 234، تحفة ج 1 ص 44 وانظر هذه المسألة في الحاوي ج 1 ص 256، مغ. ج 1 ص 272، الشرح الصغير ج 1 ص 199.

باب في التيمم في الحضر والإعادة للصلاة لمن وجد الماء داخل الوقت

مج ج2 ص 306، بداية ج 1 ص 95. باب في التيمم في الحضر والإعادة للصلاة لمن وجد الماء داخل الوقت مسألة (117) جمهور العلماء على أن من فقد الماء في الحضر واستوفى شروط إباحة التيمم فله أن يتيمم ويصلِّي ثمَّ يعيد صلاته تلك إن وجد الماء داخل الوقت. هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة في روايةٍ. قلت: وهو الصحيح عنه -رحمه الله- تعالى (¬1). وذهب أبو حنيفة في روايةٍ عنه إلى أنه لا يصلِّي حتى يجد الماء. قلت: والصحيح أنه قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن أو مذهبهما. وذهب مالك والثوري والأوزاعي والمزني والطحاوي إلى أنه يصلِّي بالتيمم ولا يعيد. وبه قال أحمد في روايةٍ، والشافعي في قولٍ (¬2). قلت: وقال مالك مرة كقول الجمهور (¬3). مج ج 2 ص 310. باب في المسافر يصلي بتيممه ثمَّ يجد الماء. هل يعيد صلاته؟ مسألة (118) جمهور العلماء من السَّلف والخلف على أن المسافر إذا صلى بتيممه ثمَّ وجد الماء، فإنه لا يجب عليه أن يعيد صلاته سواء وجد الماء في الوقت أم خارجه. وبه قال الشعبي والنخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر والمزني، وهو الصحيح من مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وحكى ابن المنذر وغيره عن طاوس وعطاء والقاسم بن محمَّد ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة أنهم قالوا: إذا وجد الماء في الوقت لزمه الإعادة، واستحبَّه الأوزاعي ولم يوجبه. وحكى صاحب التحفة عن مالك أنه يعيد. قلت: الذي نصَّ عليه مالك في المسافر يجد ¬

_ (¬1) وبعض أهل المذهب يشترطون كون الماء بعيدًا ميلًا أو أكثر فيجوز للمشقة. (¬2) انظر في هذه المسألة بداية ج 1 ص 87، الحاوي ج 1 ص 267، ج 1 ص 234، الشرح الصغير ج 1 ص 179، 190. إعلاء السنن ج 1 ص 232، المدونة في ج 1 ص 47. (¬3) قد فرَّق مالك في المدونة بين المسافر وبين الخائف والمريض إذا صلُّوا بتيممهم ثمَّ وجدوا الماء داخل الوقت، فقال في المسافر: لا يعيد، وقال في غيره: يعيد. انظر المدونة ج 1 ص 46.

باب في المسافر المتيمم يجد الماء اثناء صلاته

الماء في الوقت بعد أن صلَّى بتيممه أنه لا يعيد، رواه ابن القاسم عنه (¬1) مج ج 2 ص310، تحفة ج 1 ص 45. باب في المسافر المتيمم يجد الماء اثناء صلاته مسألة (119) أكثر العلماء فيما حكاه البغوي على أنَّ من وجد الماء أثناء صلاة السفر وكان قد تيمم لها بطلت صلاته، وبه قال سفيان الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والمزني، وهو قول أحمد في أصحِّ الروايتين عنه، وهو اختيار ابن سريج، قال أبو حنيفة: إلا أن تكون صلاة العيدين أو الجنازة فلا تبطل، أو كان الذي وجده من الماء سؤر ما يكره كالحمار فلا تبطل صلاة المتيمم بوجدانه. وقال مالك (¬2) وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وداود وأحمد في رواية: لا تبطل، وهو المشهور من مذهب الشافعي (¬3). مج ج 2 ص 319، 320. باب في صلاة فاقد الطهورين (¬4) ومن حُبِسَ في حَشٍّ (مكان نجس) ولا ماء فيه ولا تراب ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة المدونة ج 1 ص 46، الحاوي ص 266، في ج 1 ص 224، قرطبي ج 5 ص 234، الشرح الصغير ج 1 ص 190، إعلاء السنن ج 1 ص 227 قلت: حكى ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن من تيمم في السفر ثمَّ صلَّى ثمَّ وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة فإنه لا يعيد صلاته. نقله عنه الموفق في المغني، وحكى الإجماع نفسه صاحب التحفة. انظر مغ ج 1 ص 243، تحفة ج 1 ص 45. (¬2) إلا أن يكون المسافر صلَّى بتيممه ناسيًا أن معه ماء، فلما أتم صلاته أو قبل إتمامها تذكر أن الماء في رحله، قال: يقطع صلاته إن كان فيها أو يعيد صلاته إن كان أتمَّها. انظر المدونة ج 1 ص50. (¬3) انظر الحاوي ج 1 ص 252، بداية ج 1 ص 96، مغ ج 1 ص270، قرطبي ج 5 ص 235، الشرح الصغير ج 1 ص 199، الحجة ج 1 ص 53، وذكر صاحب التحفة تفصيلًا في المسألة فيمن رأى الماء قريبًا من سلامه أو بعد سلامه فيبطل تيممه وصلاته تامة عند أبي يوسف ومحمد، خلافًا لأبي حنيفة. انظر تحفة ج 1 ص 45. (¬4) هذه المسألة من الأمهات ومع ذلك فإنه لا إجماع فيها، وفيها خلاف شديد ومذاهب. الأول: يصلي حسب حاله ويعيد. الثاني: يصلي ولا يعيد. الثالث: يصلي إذا وجد الماء، وإن وجده في وقت الصلاة صلَّى وإلا انتظر، فإذا وجده خارج وقت الصلاة قضي. الرابع: لا يصلِّي حتى يجد الماء في الوقت فإذا خرج وقت الصلاة ولم يجد الماء فلا شيء عليه أي لا يقضي، وهذا الأخير رُوي عن مالك وأصبغ من أصحابه وأنكره البعض كابن عبد البر وأثبته غيره كالقرطبي، ومذهب الشافعي فيه أربعة أقوال كالذي ذكرنا، ومذهب أحمد يصلي حسب حاله وفي الإعادة روايتان، ومذهب أبي حنيفة والأوزاعي والثوري لا يصلِّي =

فصل في المسح على الجبائر والعصائب

فصل في المسح على الجبائر والعصائب باب في المسح على الجبيرة تكون في مواضع الطهارة هل يُشترط معه التيمم؟ مسألة (120) جمهور الفقهاء على أن الجبيرة إذا كانت في مواضع أعضاء الطهارة كاليد والرجل فإنه يكفي المسح عليها (الجبيرة) مع غسل الصحيح الباقي من العضو ولا يلزم التيمم، وهو قول أحمد والشافعي في قديم مذهبه وصححه الشيخ أبو حامد الإسفراييني والجرجاني والروياني في كتابه الحلية (¬1). وقال الشافعي في الجديد: يلزمه التيمم، وهو نصه -رحمه الله- في الأم والبويطي والكبير، وجزم النووي بأنه أصحُّ الطريقين لأصحاب الشافعي (¬2). مج ج 2 ص 328. باب في الماسح على الجبيرة هل يعيد صلاته بعد برئه؟ مسألة (121) جمهور العلماء على أن من مسح على الجبيرة أو العصابة وغسل الصحيح من أعضاء الطهارة أو الصحيح الباقي منها فليس عليه أن يعيد صلاته التي صلاها مدة مسحه على جبيرته. قال الموفق: وممن رأى المسح على العصائب: ابن عمر وعبيد بن عمير وعطاء، وأجاز المسح على الجبائر: الحسن والنخعي ومالك ¬

_ = حتى يجد ما يجزؤه في الطهارة إما الماء وإما التراب، فإذا خرج الوقت ووجد ذلك قضى. وبعضهم حكى عن أبي حنيفة أنه لا يصلَّي ولا يقضي ولا يصح عنه -رحمه الله-، وأما أصحاب مالك فمختلفون في هذه المسألة. قلت: ويتخرَّج على هذه المسألة من ربط إلى خشبةٍ أو شيءٍ لا يستطيع معه وضوءٌ ولا تيمم من أنه يصلي حسب حاله ويومئ إيماءً، وتجري في المسأله اختلافات الأئمة رحمهم الله تعالى. انظر في مسألة فاقد الطهورين وتفريعاتها. القرطبي ج 6 ص 105، مغ ج 1 ص 251، مج ج 1 ص 283، 284، الحاوي ج 1 ص 275، 276، 267، إعلاء السنن ج 1 ص230، الشرح الصغير ج 1 ص 201، نيل ج 1 ص 337، القرطبي ج 5 ص 228. (¬1) انظر في هذه المسألة مغ ج 1 ص 281، الحاوي ج 1 ص 277، تحفة ج 1 ص 89. قلت: واختلف عن أبي حنيفة وصاحبيه في متى يجب المسح على الجبيرة ومتى لا يجب؟. انظر تحفة ج 1 ص90. (¬2) قلت: والخلاف في مذهب الشافعي فيما إذا كانت الجبيرة على غير أعضاء التيمم، أما إذا كانت على أعضاء التيمم فلا يشترط التيمم مع المسح عليها. انظر الحاوي ج 1 ص 278، ومذهب مالك قريب من هذا إذا كان غسل العضو المنجبر لا يضره، وإلا فإن فرضه التيمم لا غير. انظر الشرح الصغير ج 1 ص 204، المدونة ج 1 ص 48.

باب في المتيمم يخلع عمامته أو خفه. هل يبطل تيممه بذلك؟

وإسحاق والمزني وأبو ثور. واختلف أصحاب الشافعي في هذه المسألة اختلافًا شديدًا في أصل حكاية المسألة ومختصره أن المعتمد كما ذكره النووي أنه إن وضع الجبيرة على طهر (يعني كماسح الخفِّ) فلا إعادة وإلا وجبت (¬1). مج ج 2 ص 328. باب في المتيمم يخلع عِمَامَتَهُ أَوْ خفَّه. هل يبطل تيممه بذلك؟ مسألة (122) مذهب العلماء كافة إلا من سنذكره أن المتيمم إذا خلع ما لبسه من خف أو عمامة فإن تيممه لا ييطل. وقال أحمد في رواية حكاها عنه العبدري والموفق ابن قدامة: يبطل تيممه. مج ج 2 ص 329، مغ ج 1 ص 273. * * * ¬

_ (¬1) انظر هذه المسألة مغ ج 1 ص 280، الحاوي ج 1 ص 279، تحفة ج 1 ص 92، وانظر في أصل مسألة المسح على الجبائر إعلاء السنن, نيل ج 1 ص 323، المدونة ج 1 ص 25.

كتاب الحيض

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الحيض

فصل فيما يمتنع على الحائض

كتاب الحيض فصل فيما يمتنع على الحائض (¬1) باب في المرأة الحائض تتوضأ وقت الصلاة وتجلس وتسبِّح هل قال بذلك أحد؟ مسألة (133) جمهور العلماء من السَّلف والخلف على أن الحائض ليس عليها وضوء ولا تسبيح، ولا ذِكْرٌ في أوقات الصلاة المكتوبة ولا في غيرها. وممن قال بهذا الأوزاعي ومالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه. حكاه عنهم ابن جرير الطبري، وهو مذهب الشافعية. حكاه عنهم النووي. وحُكي عن الحسن البصري أنه قال: تَطَّهرُ وتسبح، وعن أبي جعفر قال لنا: مُرْ نساء الحُيَّض أن يتوضأن في وقت الصلاة، ويجلسن ويذكرن الله -عز وجل- ويسبحن. قلت: وحمل النووي قولهما على الاستحباب دون الوجوب، وقال: أما استحباب التسبيح فلا بأس به، وإن كان لا أصل له على هذا الوجه المخصوص. مج ج 2 ص 338. باب في الوضوء للحائض مسألة (134) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الوضوء من الحائض لا يصحُّ. وشذَّ الحسن البصري وأبو جعفر فاعتدَّا بوضوئها (¬2). مج ج 2 ص 338. ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على تحريم وطء الحائض في الفرج وعلى منعها من الصوم والصلاة، وأنها تقضي ما فاتها من الصيام دون الصلاة، وأنه يحرم طلاقها مع الخلاف في إيقاعه، وسيأتي هذا في محله إن شاء الله. انظر مغ ج 1 ص 314، الحاوي ج 1 ص 383، بداية ج 1 ص 76، القرطبي ج 3 ص 82. (¬2) وهو شذوذ وانفراد، بل صرَّح النووي وغيره بلحوق الإثم على من توضأت قاصدةً العبادة وهي حائض. وانظر في هذه المسألة مغ ج 1 ص 315.

باب في قراءة القرآن ومسه للحائض

باب في قراءة القرآن ومسه للحائض مسألة (125) جمهور العلماء على تحريم قراءة القرآن للحائض وكذلك مَسُّهُ. وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهري وإسحاق وأبو ثور والشافعي في المشهور من مذهبه وهو إحدى الروايتين عن مالك وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله تعالى. وذهب داود إلى الجواز، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في الرواية الثانية عنهم (¬1). مج ج 2 ص 340. باب في وطء الحائض (¬2) هل فيه كفارة؟ مسألة (126) أكثر العلماء على أن وطء الحائض ليس فيه كفارة، ويستوي في ذلك العامد والمخطئ والذاكر والناسي والعالم والجاهل، وإنما عليه التوبة والاستغفار، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما وأحمد في رواية, وحكاه ابن المنذر عن عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأيوب السختياني وأبي الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري والليث بن سعد والشافعي في المشهور من مذهبه. وذهبت طائفة إلى وجوب الكفّارة على الزوج خاصةً على خلافٍ بينهم في صفة الكفَّارة وشرط وجوبها، فذهب جمع إلى أنها دينار أو نصفه على اختلاف الحالّ منهم ابن عباس وقتادة والأوزاعي وأحمد في رواية وإسحاق. حكاه ابن المنذر. وذهب الحسن البصري في المشهور عنه إلى أن عليه ما على المجامع في رمضان. وحكى ابنُ جرير الطبري عنه (عن الحسن) قال: يعتق رقبةً، أو يهدي بدنةً، أو يطعم عشرين صاعًا. وذهب سعيد بن جبير فيما حُكي عنه إلى أن عليه عتق رقبةِ (¬3). مج ج 2 ص 343، 344. مغ ج 1 ص 351، بداية ج 1 ص80، الحاوي ج 9 ص 315. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 384، مغ ج 1 ص 315، معاني الآثار ج 1 ص 85، تحفة ج 1 ص 32، إعلاء السنن ج 1 ص 266، الشرح الصغير ج 1 ص 215، بداية ج 1 ص 68، وارجع إلى المصادر التي ذكرناها في مسألة قراءة القرآن للجنب في أبواب ما يمتنع بالجنابة. (¬2) مرَّ الإجماع على تحريم وطء الحائض، والخلاف فيما يترتب على هذا. (¬3) انظر هذه المسألة كذلك الحاوي ج 1 ص 385، قرطبي ج 3 ص 87.

باب في مباشرة الحائض فيما دون الفرج

باب في مباشرة الحائض فيما دون الفرج مسألة (127) أكثر العلماء على تحريم مباشرة الحائض فيما دون الفرج بين السرة والركبة وأن ما سوى ذلك من فوق السرَّة أو تحت الركبة جائزٌ، وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي في المنصوص عنه في كثير من كتبه وهو الأصحُّ عند جمهور أصحابه. وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب وطاوس وشريح وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة. وحكاه القرطبي عن الأوزاعي كذلك ونسبه إلى جماعة عظيمة من العلماء. وذهب إلى جواز مباشرة الحائض فيما دون الفرج طائفة كثيرة منهم عكرمة ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي والحكم وسفيان الثوري والأوزاعي ومحمد بن الحسن وأحمد وأصبغ من أصحاب مالك وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر وداود. حكاه عنهم العبدريُّ وغيره، وهؤلاء رحمهم الله تعالى قالوا: إنما يجتنب موضع الدم وحسب وهو الفرج. وانفرد ابن عباس فيما حكاه القرطبي فقال: يجتنب الرجل فراش زوجه ما دامت حائضًا، وحكى كذلك هذا عن عبيدة السلماني، حكاه عنه القرطبي والماورديُّ (¬1). مج ج 2 ص 346، الحاوي ج 1 ص 380. باب في المنع من وطء الحائض حتى تتطهر مسألة (128) جمهور العلماء على أن الحائض إذا طهرت من حيضها فإنه لا يجوز وطؤها حتى تتطهَّر بغسل إذا وُجد الماء، أو بتيمم إذا تعذر استعماله لفقدٍ أو غيرهء هكذا حكاه الإِمام الماورديّ عن الجمهور، وهو مذهب الشافعي. وحكاه ابن المنذر عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والزهري وربيعة ومالك والثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور. وقال ابن المنذر: وروينا بإسنادٍ فيه مقالٌ عن طاوس وعطاء ومجاهد أنهم قالوا: إن أدرك الزوجَ الشبقُ أمَرَها أن تتوضأ ثمَّ أصابها إن شاء. قال ابن المنذر: وأصحُّ من هذا عن عطاء ومجاهد موافقة القول الأول. قال -رحمه الله-: ولا يثبت عن طاوس خلاف قول سالم. قال ابن المنذر: فإذا بطل أن يصحَّ عن هؤلاء قولٌ ثانٍ كان القول الأول كالإجماع. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 350، الحاوي ج 1 ص 384، بداية ج 1 ص 77،قرطبي ج 3 ص 87. إعلاء السنن ج 1 ص 264، أحكام القرآن (الجصاص) ج 1 ص 337، الشرح الصغير ج 1 ص215. المدوتة ج 1 ص 57.

باب في وطء المستحاضة

قلت: لا يثبت في المسألة إجماعٌ. قال الإِمام النووي: وقال أبو حنيفة: إن انقطع دمها لأكثر الحيض -وهو عشرة أيام عنده- حل الوطءُ في الحال، وإن انقطع دمها لأقلِّه لم يحل حتى تغتسل أو تتيمم، فإن تيممت ولم تُصَلِّ لم يحل الوطء حتى يمضي وقت الصلاة. قلت: حل وطء الحائض إذا انقطع عنها الدم لأكثر الحيض ثابت عن أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى (¬1). وقال داود الظاهري: إذا غسلت فرجها حلّ الوطء. وحُكي عن مالك تحريم الوطء إذا تيممت عند فقد الماء. قلت: وهذا القول صحيح عن مالك في رواية ابن القاسم عنه (¬2). قال النووي: هكذا نقل أصحابنا وغيرهم هذا الخلاف مطلقًا كما ذكرته، وقال ابن جرير: أجمعوا على تحريم الوطء حتى تغسل فرجها، وإنما الخلاف بعد غسله. قلت: هذا كلام النووي بحروفه -رحمه الله- تعالى (¬3). مج ج 2 ص 348، مغ ج 1 ص 353، الحاوي ج 1 ص 386، بداية ج 1 ص 78، القرطبي ج3 ص 88. باب في وطء المستحاضة مسألة (129) أكثر العلماء على جواز وطء المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهرٌ وإن كان الدم جاريًا، وهو مذهب الشافعي، وحكاه ابن المنذر في الإشراف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وقتادة وحماد بن أبي سليمان وبكر بن عبد الله المزني والأوزاعي ومالك ابن أنس وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأبي ثور. قال ابن المنذر: وبه أقول. وحُكي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وإبراهيم النخعي والحكم ومحمد بن سيرين ¬

_ (¬1) انظر إعلاء السنن ج 1 ص 258، أحكام القرآن (الجصاص) في ج 1 ص 348. (¬2) قال ابن القاسم: قلت لمالك: أرأيت امرأةً طهرت من حيضها في وقت صلاةٍ فتيممت وصلَّت وأراد زوجها أن يمسَّها؟ قال (يعني مالك): لا يفعلُ حتى يكون معه من الماء ما يغتسلان به جميعًا. انظر المدونة ج 1 ص 53، وانظر تحليل ابن القاسم لقول مالك في نفس المصدر. (¬3) ما أقول فيه هنا وفي سائر الكتاب، قلت: فيكون هذا من قولي غفر الله لنا ولأهلنا وللمسلمين آمين.

باب في أقل الحيض وأكثره

المنع من ذلك. وقال النووي نقلًا عن البيهقي وغيره أن نقل المنع عن عائشة ليس بصحيح عنها، بل هو قول الشعبي أدرجه بعض الرواة في حديثها. وقال أحمد: لا يجوز الوطء إلا أن يخاف زوجها العنت (¬1). مج ج 2 ص 351، مغ ج 1 ص 353، بداية ج 1 ص 84، قرطبي ج 3 ص 86. باب في أقل الحيض وأكثره مسألة (130) أكثر العلماء على أن المرأة لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضًا. وادَّعى ابن جرير الإجماع في ذلك، ونازعه النووي بأن أقل الحيض عند مالك دفعة واحدة فقط. قلت: واختلف العلماء في ما سوى ذلك، فالمشهور في المذهب الشافعي أنْ أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا. قال ابن المنذر: وبه قال عطاء وأحمد وأبو ثور. وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام. قال: وبلغني عن نساء الماجشون أنهن كن يحضن سبع عشرة. قال أحمد: أكثر ما سمعناه سبع عشرة. قال ابن المنذر: وقالت طائفة: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة، والطهرُ إدباره. قال الإِمام النووي: وحكى أصحابنا عن أبي يوسف أقل الحيض يومان وأكثره الثالث. وعن مالك، لا حدَّ لأقلِّه وقد يكون دفقة واحدة. وحكى الماورديُّ عن مالك ثلاث روايات في أكثر الحيض. إحداها: خمسة عشر والثانية: سبعة عشر. والثالثة: غير محدود (¬2). وعن مكحول أكثره سبعة أيام. مج ج 2 ص 358. ¬

_ (¬1) انظر هذه المسألة اعلاء السنن ج 1 ص 263، الشرح الصغير ج 1 ص210. (¬2) انظر قرطبي ج 3 ص 83، تحفة ج 1 ص 33، أحكام القرآن (الجصاص) ح 1 ص 338، الشرح الصغير ج 1 ص 208، الحاوي2 ص 389، مغ ج 1 ص 320. بداية ج 1 ص 69، المدونة ج 1 ص54.

باب في أقل الطهر

باب في أقل الطهر مسألة (131) أكثر العلماء فيما حكاه الماورديُّ على أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا، وبه قال الثوري، وقال أبو ثور: وذلك مما لا يختلفون فيه فيما نعلم وهو رواية عن مالك، وحكاه عن الجمهور العيني في شرح البخاري. قال العبدريّ: واختلف أصحاب مالك في أقلِّ الطهر فروى ابن القاسم أنه غير محدود وأنه ما يكون مثله طهرًا في العادة. وروى عبد الملك بن الماجشون أنه خمسة أيام، وقال سحنون: ثمانية أيام، وقال غيره: عشرة أيام، وقال محمَّد بن سلمة: خمسة عشر، وهو الذي يعتمده أصحابه البغداديون. وقال ابن المنذر: وأنكر أحمد وإسحاق التحديد في الطهر. وقال أحمد: الطهر بين الحيضتين على ما يكون. وقال إسحاق: توقيتهم الطهر بخمسة عشر باطل. قال النووي: وقال أحمد في رواية الأثرم وأبي طالب: أقلُّ الطهر ثلاثة عشر يومًا (¬1). مج ج 2 ص 359، الكافي ج 1 ص 186. باب في الحامل. هل تحيض؟ مسألة (132) جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم على أن الحامل لا تحيض، وأن ما تراه من الدم أثناء حملها هو دم فساد. حكاه الموفق عن الجمهور ونقله النووي عن أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وجابر بن زيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر والشعبي ومكحول والزهري وحماد والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور وأبو يوسف وأحمد والحكم وابن المنذر. وبه قال الشافعي في القديم. وذهب الشافعي في الجديد وقتادة ومالك والليث إلى أن الحامل تحيض (¬2). قلت: ¬

_ (¬1) انظر القرطبي ج 3 ص 83، إعلاء السنن ج 1 ص 251، أحكام القرآن (الجصاص) ج 1 ص 344، المدونة ج 1 ص 55، الشرح الصغير ج 1 ص 209، الحاوي ج 1 ص 389، مغ ج 1 ص 322، بداية ج 1 ص 69. قلت: قد حكى غير واحد الإجماع على أن الطهر أقله خمسة عشر يومًا منهم المحاملي وأبو ثور والقاضي أبو الطيب، وعندي أن هذا محمول لا شك على أنه قول جمهور أهل العلم كما حققه غير واحد. انظر إعلاء السنن ح 1 ص 253. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 72، إعلاء السنن ج 1 ص 257، المدونة ج 1 ص 59.

باب في الصفرة والكدرة

وحكاه ابن وهب عن الزهري وربيعة ويحيى بن سعيد وابن أبي سلمة ورواه عن عائشة - رضي الله عنها - بسندٍ فيه مقال (¬1). مج ج 2 ص 363، مغ ج 1 ص 371. باب في الصفرة والكدرة مسألة (133) أكثر الفقهاء على أن الصفرة والكدرة في زمن إمكان الحيض حيضٌ، ولا نظر للعادة، وأنها في غير زمن الإمكان لا تكون حيضًا. وبه قال رييعة ومالك وسفيان والأوزاعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق. حكاه عنهم صاحب الشامل، وحكاه عن أكثر الفقهاء العبدريُّ. وخالف البغويُّ العبدريَّ في نقله، فحكى أن أكثر الفقهاء يقيدون كون الصفرة والكدرة حيضًا بأن تكون في زمن الحيض المعتاد فإن ظهرتا في غير زمن الحيض المعتاد فلا تكونان حيضًا، وحكاه البغوي عن سعيد بن المسيب وعطاء والثوري والأوزاعي وأحمد، وحكاه الموفق عن يحيى الأنصاري وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وآخرين ممن ذكرهم البغوي وغيره. قلت: والصحيح المعتمد من مذهب الشافعي هو القول الأول. وقال أبو يوسف: الصفرة حيض، والكدرة ليست بحيض إلا أن يتقدمها دم، وحكاه الماوردي عن محمَّد بن الحسن، والصحيح ما نقلناه عنه أولًا. وقال أبو ثور: إن تقدَّمها دم فهما حيضٌ وإلا فلا، وهو اختيار ابن المنذر (¬2). مج ج 2 ص 370. باب في المستحاضة كم مرة تغتسل؟ مسألة (134) جمهور العلماء من السَّلف والخلف على أن المستحاضة لا يجب عليها إلا غسلٌ واحدٌ عند انقطاع حيضها وأن طهارتها للصلاة ليست إلا الوضوء. وهذا مذهب عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعائشة ¬

_ (¬1) وحكاه ابن القاسم عن عائشة بلاغًا. انظر. المدونة ج 1 ص 59، 60. (¬2) انظر أحكام القرآن (الجصاص) ج 1 ص 346، الشرح الصغير ج 1 ص 207، البخاري ج 1 ص 399، مغ ج 1 ص 349، بداية ج 1 ص 72، المدونة ج 1 ص 55.

رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو حنيفة ومالك (¬1) والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. ورُوي عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعطاء بن أبي رباح أنهم قالوا: يجب عليها الغسل لكل صلاة. ورُوي هذا أيضًا عن علي وابن عباس. ورُوي عن عائشة أنها قالت: تغتسل كل يومٍ غسلًا واحدًا. وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري فيما روى عنهما: تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائمًا. مج ج 2 ص 490، مغ ج 1 ص 374، بداية ج 1 ص 80. * * * ¬

_ (¬1) قال ابن القاسم: سألت مالكًا عن المستحاضة ينقطع عنها الدم، وقد كانت اغتسلت قبل ذلك (يعني عند انقطاع حيضها)؟ قال ابن القاسم: فقال لي مرة (يعني مالك): لا غسل عليها, ثم رجع عن ذلك فقال: أحب إلى أن تغتسل إذا انقطع عنها الدم. قال ابن القاسم: وهو أحبُّ قوله إلىّ. المدونة ج 1 ص 56.

فصل في النفاس

فصل في النفاس باب في أكثر النفاس مسألة (135) أكثر العلماء من الصَّحابة والتابعين ومن بعدهم على أن أكثر النفاس أربعون يومًا. حكاه عنهم الترمذي والخطابي وغيرهما. قال الخطابي: قال أبو عبيد: على هذا جماعة الناس. وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم، وحكاه كذلك عن الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد رحمهم الله تعالى. قلت: وحكاه ابن عبد البر في الكافي عن الليث أيضًا، وحكاه ابن رشد عن أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أهل العلم منهم. وحكى الترمذي وابن المنذر وابن جرير وغيرهم عن الحسن البصري أنه خمسون يومًا. وذهب الشافعي في المشهور عنه وأبو ثور وداود إلى أنه ستون يومًا. وقال الليث فيما حكاه عنه الطحاوي ونقله القاضي أبو الطيب: قال بعض الناس إنه سبعون يومًا. قال ابن المنذر: وذكر الأوزاعي عن أهل دمشق أنَّ أكثر النفاس من الغلام ثلاثون، ومن الجارية أربعون. ورُوي عن الضحَّاك أكثره أربعة عشر يومًا. وقد رُوي عن مالك الرجوع عن التحديد بشيء، وقال: يُسأَلُ النساءُ عن ذلك (¬1). قلت: وقد كان يقول مالك أن أكثره ستون يومًا، ثم رجع عن ذلك إلى ما ذكرناه (¬2). مج ج 2 ص 479، مغ ج 1 ص 357. باب في أقلِّ النفاس مسألة (136) جمهور العلماء على أن أقل النفاس مَجَّةٌ (دفقة دمٍ) حكاه القاضي ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 436، بداية ج 1 ص 71. (¬2) رَوَى عنه الأمرين كليهما ابنُ القاسم. انظر المدونة ج 1 ص 57.

باب في النفساء ينقطع دمها قبل مضي أكثر مدة النفاس

أبو الطيب وهو مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة في رواية عنه. وذهب أبو حنيفة في روايةٍ إلى أنه أحد عشر يومًا، وفي روايةٍ خمسة وعشرون، وبه قال أبو عبيد فيما حكاه عنه الموفق ابن قدامة. وحكي عن محمَّد بن الحسن وأبي ثور أن أقله ساعة. وحكى الماورديّ عن الثوري أن أقله ثلاثة أيام. وقال المزني: أقله أربعة أيام. وحكى الموفق عن مالك والأوزاعي وأبي عبيد أنها إن لم تر دمًا تغتسل وتصلِّي (¬1). مج ج 2 ص 480. باب في النفساء ينقطع دمها قبل مضيِّ أكثر مدة النفاس مسألة (137) جمهور العلماء على أن النفساء إذا انقطع دمها قبل مضي أكثر مدة النفاس (¬2) واغتسلت جاز وطؤها بدون كراهةٍ، وجاز لها الصلاة وغيرها ولا كراهة. حكاة النووي عن الجمهور والعبدريُّ عن أكثر الفقهاء. وقال أحمد: يُكره وطؤها في ذلك الطهر ولا يحرم. وحكى صاحب البيان عن عليٍّ بن أبي طالب وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وأحمد -رحمه الله- تعالى أنه يكره وطؤها إذا انقطع دمها لدون أربعين (¬3). مج ج 2 ص 487. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 436، بداية ج 1 ص 71، مغ ج 1 ص 359، المدونة ج 1 ص 58. (¬2) وسواء قلنا مدة أكثر النفاس ستون أم أربعون أو غير ذلك، وأما إذا انقطع دمها بعد مضي أكثر مدة النفاس على أكثر ما قاله العلماء وهو ستون يومًا؟ فلا خلاف في أنها إذا اغتسلت جاز لها كل شيء كانت ممنوعةً منه ولا كراهة في ذلك. (¬3) انظر مغ ج 1 ص360.

فصل في النجاسات وأحكامها

فصل في النجاسات وأحكامها باب في بول الصبي الرضيع (¬1) مسألة (138) مذهب العلماء كافةً إلا من سنذكره أن بول الصبي الرضيع الذي لم يطعم إلا اللبن نجس على خلافٍ بينهم في كيف يكون تطهيره مما سنذكره بَعْدُ إن شاء الله تعالى (¬2). وانفرد داود الظاهري فقال: ليس هو بنجس. مج ج 2 ص 503. باب في بول الحيوان الذي لا يُؤكل مسألة (139) جماهير العلماء بل عامتهم على أن بول الحيوان الذي لا يؤكل نجسٌ. وقال داود: ليس هو بنجس, وحُكي عن النخعي مثل قول داود (¬3). مج ج 2 ص 503. باب في بول وروث ما يُؤكل لحمه مسألة (140) جمهور العلماء على أن بول ما يؤكل لحمه وكذا روثه نجس, وهو ¬

_ (¬1) واتفقوا على نجاسة بول الآدمي غير الرضيع، وكذا رجيعه وغائطه. انظر بداية ج 1 ص 106، مغ ج 1 ص 731. مج ج 1 ص 503، تحفة ج 1 ص 49. قلت: وقال الموفق في مسأله بول الغلام (يعني الرضيع): وقال القاضي: رأيت لأبي إسحاق بن شاقلا كلامًا يدل على طهارة بول الغلام؛ لأنه لو كان نجسًا لوجب غسله. انظر مغ ج 1 ص 734. (¬2) أما المجزئ في تطهير بول الرضيع الذي لم يطعم إلا اللبن فثلاثة مذاهب. الأول: يكفي في الغلام النضح، والأنثى لابد فيه من الغسل. قال به عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعطاء، وهو مذهب الحسن والشافعي وإسحاق وأحمد. المذهب الثاني: الذكر والأنثى سواء لابد من غسله، وهو قول أبي حنيفة والثوري. الثالث: إذا شك فيه نضح وإلا غسله لا فرق بين ذكر وأنثى، وبه قال مالك. حكاه عنه ابن رشد في البداية، وقال مالك في رواية ابن القاسم: لابد من الغسل لا فرق بين الغلام وبين الجارية أكلا الطعام أم لم يأكلا. قلت: ولعله لا تعارض بين ما نُقل عن مالك إذ يحمل ما حكاه ابن القاسم على اليقين، ويحمل الثاني على الشك والله تعالى أعلم. انظر مغ ج 1 ص 734، بداية ج 1 ص 112، المدونة ج 1 ص 27. (¬3) حكى الموفق عدم العلم بالمخالف في نجاسة بول ما لا يؤكل وكذلك كل ما خرج من أحد السبيلين منه. انظر مغ ج 1 ص 731.

باب في تطهير المذي

مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهم (¬1). وقال عطاء والنخعي والزهري ومالك وسفيان الثوري وزفر وأحمد: بوله وروثه طاهران، وهو وجه عند الشافعية، وحكاه الرافعي عن أبي سعيد الإصطرخي وهو اختيار الروياني وأبي بكر بن إسحاق بن خزيمة الملقب بإمام الأئمة في صحيحه. قلت: وبقول مالك قال الزهري وعطاء وعبد الرحمن بن القاسم ونافع وأبو الزناد وسالم ومجاهد في أبوال وأرواث الأنعام من الإبل والبقر والغنم خاصة، وهو قول مالك في المدونة بخلاف أبوال وأرواث الخيل فهي عند هؤلاء جميعًا غير طاهرة كأبوال وأرواث البغال والحمير. وعن الليث بن سعد ومحمد بن الحسن أن بول المأكول طاهر دون روثه. وقال أبو حنيفة: ذرق الحمام طاهر وبه قال الحكم وحماد (¬2). مج ج 2 ص530, نيل ج 1 ص61, المنهل ج 3 ص 182. باب في تطهير المذي مسألة (141) جمهور العلماء على أن المذي لا يجزئ في تطهير ما لامسه النضح، بل لابد فيه من الغَسلِ، وبه قال الشافعي وأحمد في روايةٍ. وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: أرجو أن يجزيه النضح (¬3). مج ج 2 ص 507. باب في نجاسة الخمر مسألة (142) جمهور العلماء بل عامتهم على نجاسة الخمر، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) قد كان في قلبي شيء من نسبة هذا القول إلى الجمهور مع أنه قد صرَّح بنسبته إليهم النووي والحافظ في الفتح ونقله عنه الشوكاني. (¬2) انظر ج 1 ص 732، بداية ج 1 ص 106، المدونة ج 1 ص 4، 21. (¬3) قلت: وقد نقل الموفق في المغني عن الجمهور عدم وجوب الغسل والنضح، وأن الأمر فيهما محمول على الاستحباب وهي من المسائل التي يتوهم تعارض النقل فيها عن الجمهور، وليس كذلك فإن المسألة التي نقل فيها الموفق عن الجمهور الاستحباب هي مسألة غسل كل الذَكَر والانثيين مع الوضوء إذا خرج المذي من الذكر، وقد أثبتنا هذه المسألة في محلها في أبواب ما يُنتقض به الوضوء، وأما هذه المسألة فهي في نجاسة المذي نفسه، وفي الذي يجزئ في تطهيره. انظر مغ ج 1 ص 163، 732.

باب في نجاسة النبيذ المسكر

وحكى القاضي أبو الطيب عن ربيعة شيخ مالك وعن داود أنهما قالا بطهارتها (¬1). مج ج 2 ص 516، بداية ج 1 ص101. باب في نجاسة النبيذ المسكر مسألة (143) جمهور العلماء على أن النبيذ المسكر نجس، وهو مذهب مالك والشافعي. وذهب أبو حنيفة وطائفةٌ قليلة إلى أنه طاهر (¬2) مج ج 2 ص 517. باب في طهارة النبيذ وجواز شربه بعد ثلاثة أيام ما لم يشتد مسألة (144) جمهور العلماء بل جماهيرهم على طهارة النبيذ وجواز شربه ولو بعد ثلاثة أيام ما لم يشتد ويُعد مسكرًا. وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: لا يجوز بعد ثلاثة أيام ولو لم يشتد ويعد مسكرًا (¬3). مج ج 2 ص 517. باب في الانتباذ (¬4) في بعض الأوعية هل له أثر في التنجيس وتحريم الشرب؟ مسألة (145) جمهور العلماء على جواز الانتباذ في جميع الأوعية من الخزف والخشب والجلود والدباء والمزفت والنحاس وغيرها، ويجوز شرب ما انتبذ فيها ما لم يُعد مسكرًا (¬5). مج ج 2 ص 518، شرح ج 13 ص 158. ¬

_ (¬1) انظر الشرح الصغير ج 1 ص 46، تحفة ج 1 ص 55. (¬2) انظر الشرح الصغير ج 1 ص 46. (¬3) نقل النووي الإجماع على جواز شرب النبيذ ما لم يشتد ويسكر، قاله -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم، ومراده هناك -والله أعلم- قبل اليوم الرابع، وإلا فخلاف أحمد مشهور وقد ذكره هو أعني النووي في شرح المهذب وستمرّ هذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى. انظر شرح ج 13 ص 174. (¬4) الانتباذ معناه إلقاء التمر والزييب ونحوهما في الإناء فيه الماء ليحلو فإذا حلا الماء بهذا شُرب ويُسمى نبيذًا، وهو خلاف ما هو معروف في أيامنا هذه من أن النبيذ لا يطلق إلا على المسكر المعروف. (¬5) انظر بدية ج 1 ص 624.

باب في نجاسة الخنزير

باب في نجاسة الخنزير مسألة (146) جمهور العلماء على نجاسة الخنزير حيًّا وميتًا (¬1). وذهب مالك في أحد قوليه إلى طهارة الخنزير ما دام حيًّا. قلت: ضعف هذا القول ابن عبد البر في الكافي (¬2). مج ج 2 ص 520، الكافي ج 1 ص 161. * * * ¬

_ (¬1) حكى ابن المنذر الإجماع في هذه المسألة، ولو ثبت قول مالك في طهارة الخنزير ما دام حيًّا لبطلت حكاية الإجماع. (¬2) قلت: أما شعر الخنزير: فقد ذهب إلى نجاسته ابن سيرين والحكم وحماد وإسحاق والشافعي وغيرهم. ورخَّصَ بالخرز به للحاجة أحمد في روايةٍ والحسن ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة. انظر مغ ج 1 ص 67، الشرح الصغير ج 1 ص 46، تحفة ج 1 ص 53، وانظر الحاوي ج 15ص 179.

فصل فيما يطهر من النجاسات وتطهيرها

فصل فيما يطهر من النجاسات وتطهيرها باب في تخلل الخمر بنفسها مسألة (147) جمهور العلماء على أن الخمر إذا تخللت بنفسها طهرت حتى نقل القاضي عبد الوهاب المالكي فيها الإجماع، وكذا حكى الاتفاق على جواز أكلها ابن رشد في البداية. وحُكي عن سحنون المالكي أنها لا تطهر (¬1). مج ج 2 ص 529، شرح ج 13 ص 152. باب في تخليل الخمر مسألة (148) أكثر العلماء على أن الخمر إذا خُلِّلَتْ بوضع شيء فيها فإنها لا تطهر، وهو مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى. وذهب أبو حنيفة والأوزاعي والليث إلى طهارتها. ولمالك فيها ثلاث روايات: أصحها: أن التخليل حرام لكنه يطهرها، والثانية: التخليل حرام ولا يطهر، والثالثة: حلالٌ وتطهر (¬2). مج ج 2 ص 529، شرح ج 13 ص 150. باب في آنية الخمر ودنانها (¬3) مسألة (149) جمهور العلماء على جواز إمساك آنية الخمر وظروفها ودنانها وزقوقها. وهو مذهب الشافعي. وعن أحمد -رحمه الله- أنه لا يجوز، بل يجب كسر دنانها وشق زقوقها. مج ج 2 ص 529. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 626. (¬2) انظر الإشراف ج 2 ص 382، شرح ج 11 ص 3. (¬3) هذه المسألة في حكم الانتفاع بآنيه الخمر باعتبار أن الخمر محرمة ونجسة، فهل يسري حكم التنجيس والتحريم على آنيتها؟ فيها الخلاف المذكور.

باب في تطهير نجاسة الكلب إذا ولغ في الإناء

باب في تطهير نجاسة الكلب إذا ولغ في الإناء مسألة (150) جمهور العلماء على أن الكلب إذا ولغ في الإناء فقد نجسه، وأن أقل ما يجزئ في تطهيره أن يغسل سبعًا إحداهن بالتراب، وهذا مذهب الشافعي. وحكى ابن المنذر وجوب الغسل عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وعروة بن الزبير وعمرو ابن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. وبه قال ابن المنذر. ورُوي عن أحمد ثماني مرات إحداهن بالتراب، وبه قال داود في روايةٍ. وقال الزهري: يكفيه ثلاث مرات. وقال أبو حنيفة: يجب غسله حتى يغلب على الظنِّ طهارته، فلو حصل ذلك بمرةٍ أجزأه، وهو مذهبه في سائر النجاسات العينية. وذهب الأوزاعي ومالك في المشهور المعتمد عنه إلى أن الإناء لا ينجس بولوغ الكلب فيه، وكذا الطعام والشراب لا ينجسان بولوغ الكلب فيما كانا فيه من إناء فيحل أكل الطعام وشرب الماء ويجوز التوضأ به، وأما غسل الإناء: فإنما يجب تعبدًا لورود الأمر فيه، وبمذهب الأوزاعي ومالك قال الزهري والثوري وداود الظاهري (¬1). مج ج 2 ص 531، شرح ج 3 ص 184، 185. باب في تطهير نجاسة الخنزير مسألة (151) أكثر العلماء على أنه يجزئ في تطهير ما تنجس بملامسة الخنزير أو ولوغه أن يغسل الإناء أو غيره مما أصابته نجاسة الخنزير مرةً واحدةً، وهو قول الشافعي في القديم. وذهب الإِمام أحمد ومالك في رواية عنه وجمهور أصحاب الشافعي إلى وجوب سبع غسلات. شرح ج 3 ص 185، مج ج 2 ص 537. باب في تطهير النجاسات غير الكلب والخنزير وبول الرضيع مسألة (152) جمهور العلماء على أن سائر النجاسات مما سوى الكلب والخنزير ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. مغ ج 1 ص 45. الحاوي في ج 1 ص 304، 306، بداية ج 1 ص 114، تحفة ج 1 ص 54، 74. وانظر قول مالك في طهارة سؤر الكلب في المدونة ج 1 ص5

باب في تطهير النجاسة الذائبة في الأرض

وبول الرضيع يكفي في إزالتها وتطهيرها أن تغسل مرةً واحدةً (¬1)، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- وأحمد في إحدى الروايات. وقال أحمد في روايةٍ: يُشترط سبع غسلات كنجاسة الكلب، وروى عنه أنه قال: ثلاث غسلات، وحكاه النووي مذهبًا لأبي حنيفة في شرح مسلم (¬2). مج ج 2 ص 543، شرح ج 13 ص 94. باب في تطهير النجاسة الذائبة في الأرض مسألة (153) جمهور العلماء على أن الواجب في تطهير النجاسة الذائبة في الأرض المكاثرة بالماء حتى نرول أثر النجاسة، وبه قال مالك وأحمد وداود، وهو المعتمد في المذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: إن كانت الأرض رخوةً ينزل فيها الماء؛ أجزأه صبه عليها، وإن كانت صلبةً؛ لم يجزئه إلا حفرها ونقل ترابها (¬3). مج ج 2 ص 544. باب في الماء المستعمل في وضوء ونحوه هل يفسد الماء أو ينجسه مسألة (154) جماهير العلماء على أن من توضأ في إناء ثم صبَّ ما فيه من الماء المستعمل في تلك الطهارة في بئرٍ فيها ماء كثير فإن ماء البئر لا يفسد وهو على طهوريته ولا يجب نزح شيء منه. وقال أبو يوسف: يجب نزح جميعها. وقال محمَّد: ينزح منه عشرون دلوًا (¬4). مج ج 2 ص 555. ¬

_ (¬1) والأدق أن يُقال هنا أن مذهب الجمهور أنه يكفي من الغسل في هذه النجاسات ما يذهب عينها وأثرها من غير اشتراط لعددٍ، فأن تأدَّي هذا التطهير وحصل بغسلةٍ واحدة كفى وأجزأ، وإن احتاج الأمر لأكثر من ذلك تعينَّ والله تعالى أعلم. (¬2) انظر الحاوي ج 1 ص 312، مغ ج 1 ص 46، بداية ج 1 ص 114. (¬3) انظر مغ ج 1 ص 737، الشرح الصغير ج 1 ص 82. تحفة ج 1 ص 76. (¬4) قد مرَّ في أبواب المياه طهارة الماء المستعمل في نفسه وهو قول الجمهور، ومرَّ معنا كذلك أن أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه طهور. ارجع لهاتين المسألتين في مواضعهما.

كتاب الصلاة

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الصلاة

باب في حكم تارك الصلاة مع اعتقاد وجوبها

كتاب الصلاة باب في حكم تارك الصلاة مع اعتقاد وجوبها مسألة (155) جمهور العلماء على أن تارك الصلاة تكاسلًا غير منكرٍ لفرضيتها فإنه لا يكفر، بل يستتاب فإن تاب وإلا قُتل حدًّا لا كفرًا، ويُغَسَّلُ ويُكَفَّنُ ويُصلَّي عليه ويُدفن في مقابر المسلمين، وعلى هذا جماعة العلماء من السلف والخلف (أعني في عدم تكفيره). وممن قال يُقتل حدًّا لا كفرًا بعد استتابته: مكحول ومالك وحماد بن زيد ووكيع والشافعي. وممن قال لا يكفر: الزهري وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني وآخرون، قال هؤلاء جميعهم: لا يُقتل، ولكن يُضرب ويُحبس حتى يصلي. وقالت طائفة: هو كافر. قال ابن المنذر: هذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنبٍ إلا تارك الصلاة عمدًا. قلت: وذكر ابن المنذر عن أحمد أنه يُستتاب ثلاثًا (يعني ثلاث صلوات). قال ابن المنذر: وبه قال سليمان بن داود وأبو حنيفة وأبو بكر بن أبي شيبة. قلت: ورُوي القول بتكفير تارك الصلاة عمدًا وإجراء أحكام المرتدين عليه عن عليٍّ ابن أبي طالبٍ، ومال ابن المنذر إلى القول بعدم تكفيره وقتله (¬1). مج ج 3 ص 17، مغ ج 2 ص 299. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 119، الحاوي ج 2 ص 525، الإشراف ج 2 ص 412.

فصل في موقيت الصلاة

فصل في موقيت الصلاة باب في الصلاة قبل دخول وقتها (من غير جمعٍ) مسألة (156) جمهور أهل العلم على أن من صلَّى قبل دخول وقت الصلاة فإن صلاته لا تصحُّ سواء فعله عامدًا أم مخطأً كل الصلاة أو بعضها باطلة، وبه قال الزهري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ورُوي عن ابن عباس والحسن والشعبي أنهم أجازوا صلاة من أدَّاها أعني صلاة الظهر قبل الزوال. ورُوي عن مالك فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلًا أو ناسيًا يعيد ما كان في الوقت، فإن ذهب الوقت قبل علمه أو ذكر فلا شيء عليه. مغ ج 1 ص 407. باب في الحائض تطهر قبل الفجر أو قبل المغرب مسألة (157) جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الحائض إذا طهرت قبل الفجر أو قبل المغرب فإنه يجب عليها صلاة الظهر والعصر وصلاة المغرب والعشاء، وقد رُوي هذا عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأحمد وأبي ثور، قال أحمد -رحمه الله-: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا يجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. قلت: وبه قال الثوري وأصحاب الرأي. حكاه الموفق عنهم. وحُكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية وجبت الأولى (¬1). مغ ج 1 ص 407. باب في وقت الاختيار في صلاة العصر مسألة (158) جماهير العلماء على أن وقت الاختيار للعصر يمتدُّ إلى مصير ظلِّ كل شيءٍ مثليه، وهو مذهب الشافعي. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 131.

باب في وقت المغرب

وقال أبو حنيفة: يمتد إلى اصفرار الشمس. مج ج 3 ص 28. بداية في ج 1 ص 125. باب في وقت المغرب مسألة (159) أكثر العلماء على أن المغرب لها وقت واحدٌ. وهو المنقول عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهو قول الأوزاعي والشافعي في عامة كتبه وهو المشهور عند أصحابه، وبه يقول مالك في أصحِّ وأشهر الروايات عنه. وقال آخرون: للمغرب وقتان. وبه يقول أبو حنيفة والثوري والشافعي في القديم من مذهبه وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وابن المنذر وهو رواية عن مالك. وهو اختيار النووي -رحمه الله-. وقال البعض القليل: إن المغرب يبقى وقتها إلى طلوع الفجر، وبه قال مالك في روايه وحكاه ابن النذر عن طاوس وعطاء (¬1). مج ج 3 ص 34. باب في معنى الشفق الذي بغيابه يدخل وقت العشاء مسألة (160) أكثر أهل العلم على أن الشفق الذي بغيابه بدخل وقت العشاء إجماعًا هو الحمرةُ، روى البيهقي هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله تعالى عنهم ومكحول وسفيان الثوري، وحكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهو قول الشافعي وأبي ثور وداود. وقال أبو حنيفة وزفر والمزني: هو البياض. ورُوي ذلك عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وعمر ابن عبد العزيز والأوزاعي، واختاره ابن المنذر. قلت: ورُوي هذا عن ابن عباس كذلك حكى الروايتين عنه ابن المنذر. مج ج 3 ص 40، بداية ج 1 ص 126. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 126، المدونة ج 1 ص60.

باب في صلاة الصبح هل هي من صلوات الليل أم من صلوات النهار

باب في صلاة الصبح هل هي من صلوات الليل أم من صلوات النهار مسألة (161) جماهير العلماء على أن صلاة الصبح (الفجر) من صلوات النهار، وأن أول النهار هو طلوع الفجر الصادق وهو ضؤوه الثاني ويسمى بالفجر الثاني. وقالت طائفة: صلاة الصبح هي لا من صلوات الليل ولا من صلوات النهار، وإنما هي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. حكاه الشيخ أبو حامد الإسفراييني. ولم يسم أحدًا. وقالت طائفة: آخر الليل طلوع الشمس وهو أول النهار، وصلاة الصبح من صلوات الليل وللصائم أن يأكل حتى تطلع الشمس. حكاه أبو حامد عن حذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري وأبي مجلز والأعمش. وحكى القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عن الأعمش أنه قال: صلاة الصبح هي من صلوات الليل، وإنما قبل طلوع الشمس من الليل يحل فيه الأكل للصائم (¬1). مج ج 3 ص 42. باب في الرجل يصلي الصلاة فيخرج وقتها أثناء صلاته مسألة (162) جمهور العلماء على أن من دخل في صلاة الفريضة في وقتها ثم خرج وقتها وهو في أثنائها فإن صلاته صحيحةٌ ولا تبطل وسواء وقع أكثرها داخل الوقت أم خارجه (¬2). وقال أبو حنيفة: تبطل صلاة الصبح لأنها عبادة ييطلها الحدث فبطلت بخروج الوقت فيها كطهارة مسح الخفِّ. هكذا حكاه عنه النووي. مج ج 3 ص 44. باب في وقت وجوب صلاة الفريضة مسألة (163) أكثر العلماء على أن الصلاة تجب أول الوقت وجوبًا موسعًا، وتجب وجوبًا مضيقًا إذا لم ييق من الوقت إلا بقدر ما يسعها، وهو قول مالك والشافعي ¬

_ (¬1) قلت: سيأتي ذكر لمن قال بهذا القول في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. (¬2) ليس الكلام في هذه المسألة في هل تعتبر أداءً أم قضاء؟، وإنما الكلام في اتصال صحتها وانعقادها.

باب في الأفضل في أداء صلاة الصبح هل هو التغليس أم الإسفار؟

وأحمد وداود وبه قال أبو حنيفة في إحدى الروايات عنه. وقال أبو حنيفة في رواية زفر عنه: تجب إذا بقي من الوقت ما يسع الصلاة، وعنه رواية أخرى وهي المشهورة عنه: أنها تحب بآخر الوقت إذا بقى منه قدر تكبيرة. مج ج 3 ص 44. باب في الأفضل في أداء صلاة الصبح هل هو التغليس أم الإسفار؟ مسألة (164) جمهور العلماء على أن الأفضل في صلاة الصبح أن تصلَّى في أول وقتها وهو ما يسمى بالتَّغليس (يعني وقت الغلس)، وهو مذهب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم. وإليه ذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقالت طائفة: التأخير إلى وقت الإسفار أفضل، وإليه ذهب عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه والنخعي والثوري وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى (¬1). مج ج 3 ص 48، بداية ج 1 ص 128. باب في الأفضل في الظهر هل هو التعجيل أم الإبراد؟ مسألة (165) جمهور العلماء على أن تعجيل الظهر أفضل إلا في شدة الحر فالأفضل الإبراد. وقال مالك: أحب أن تصلى في الصيف والشتاء والفيء ذراع (¬2). مج ج 3 ص 50. باب في العصر هل الأفضل تعجيلها أم تأخيرها؟ مسألة (166) جمهور العلماء على أن تقديم (تعجيل) العصر في أول وقتها أفضل، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال مالك تُصلَّى العصر والشمس بيضاء نقية، وهو بنحو ما رواه -رحمه الله- عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬3). ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة المدونة ج 1 ص 61. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص60. (¬3) انظر المدونة ج 1 ص60.

باب في تأخير العشاء هل هو الأفضل؟

قلت: وهو قريب مما قاله جمهور العلماء (¬1). وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن تأخير العصر أفضل ما لم تتغير الشمس. مج ج 3 ص 50. باب في تأخير العشاء هل هو الأفضل؟ مسألة (167) جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين على أن تأخير صلاهّ العشاء أفضل. حكاه الإِمام الترمذي، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وإسحاق، وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم والشافعي وأبي حنيفة. وذهب مالك إلى أن صلاتها كما يفعله الناس يصلونها بعد مغيب الشفق قليلًا، وأنكر -رحمه الله- تأخيرها إلى ثلث الليل للمسافرين والحاضرين، وتقديم العشاء محكي عن الشافعي كذلك (¬2). مج ج 3 ص 52، مغ ج 1 ص 403. باب في الصلاة الوسطى هل هي العصر أم غيرها؟ مسألة (168) أكثر العلماء على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر. ونقله الواحدي عن علي وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم والنخعي والحسن وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل، ونقله ابن المنذر عن أبي أيوب الأنصاري وأبي سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وعبيدة السلماني -رحمه الله-، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم. وذهبت طائفة إلى أنها صلاة الصبح، وهو قول الشافعي ومذهب مالك ونقله الواحدي عن عمر ومعاذ بن جبل وابن عباس وابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم وعكرمة ومجاهد والرييع بن أنس. وقالت طائفة: هي الظهر، وهو رواية عن أبي حنيفة، ونقله الواحدي عن زيد بن ¬

_ (¬1) روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثمَّ كتب: أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعًا إلى أن يكون ظلِّ أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة. انظر مدونة في ج 1 ص60. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 61.

باب في قضاء الصلوات المتروكات عمدا

ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وعائشة، ونقله ابن المنذر عن عبد الله بن شداد رضي الله تعالى عنهم. وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب. قال الواحدي: وقال بعضهم: هي العشاء الآخرة، وبعضهم: إنها إحدى الصلوات الخمس المبهمة. ونقل القاضي عياض عن بعضهم: إنها الجمعة، وعن بعضهم: أن الوسطى جميع الصلوات الخمس. مج ج 3 ص 56. باب في قضاء الصلوات المتروكات عمدًا (¬1) مسألة (169) جماهير العلماء بل عامتهم على وجوب قضاء الصلوات سواء تركهن بعذر أو بغير عذرٍ حتى كاد أن يكون الأمر إجماعًا. وانفرد ابن حزم الأندلسي وتبعه ابن تيمية من المتأخرين فقالا: لا يجب قضاء الصلاة المتروكة عمدًا بل لا يصحُّ، وإنما واجبُ من ترك صلاةً عمدًا أن يتوب ويستغفر. مج ج 3 ص 68، بداية ج 1 ص 239. * * * ¬

_ (¬1) أما المتروكات بعذر النوم والنسيان ونحو ذلك؛ فقد نقل ابن رشد وغيره اتفاق المسلمين على وجوب قضائها. انظر بداية ج 1 ص 239.

فصل في الأذان وأحكامه

فصل في الأذان وأحكامه باب في الأذان لغير الصلوات المكتوبات. هل يشرع؟ مسألة (170) جمهور العلماء من السَّلف والخلف على أن الأذان لا يشرع إلا للصلوات الفرائض (المكتوبات) وكذا الإقامةُ فلا يشرعان لجنازة ولا لعيدٍ ولا لغير ذلك من الصلوات النوافل التي تشرع فيها الجماعة كصلاة التراويح. قلت: وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. ونقل عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه مشروعتيها في صلاة العيدين. مج ج 3 ص 75. باب في حكم الأذان والإقامة للجماعة والمنفرد والحاضر والمسافر مسألة (171) جمهور العلماء على أن الأذان والإقامة سَّنة للصلوات المكتوبات في الحضر والسفر، للجماعة وللمنفرد، ولا يجبان على منفرد ولا على جماعة، وليسا شرطًا في صحة الصلاة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو قول أصحاب أبي حنيفة كذلك محمَّد وأبي يوسف وزفر. وبه يقول إسحاق بن راهويه وحكاه السرخسي عن جمهور العلماء. قلت: ومذهب مالك وأحمد أنهما -أعني الأذان والإقامة- ليسا شرطًا في صحة الصلاة، وقال ابن المنذر: هما فرض في حق الجماعة في الحضر وفي السفر. قال -رحمه الله-: وقال مالك: تجب في مسجد الجماعة. وقال عطاء والأوزاعي: إن نسي الإقامة أعاد الصلاة، وعن الأوزاعي رواية أنه يعيد ما دام في الوقت، ونقل العبدري عن مالك أنهما سنَّة وفرضا كفاية عند أحمد. قلت: والذي ذكره ابن القاسم عن مالك أن الأذان في المساجد والمواضع التي تجمع فيها الأئمة (يعني الأمراء) وما سوى هذا فالمنفرد والجماعة إذا كانوا في حضر أو سفر فالإقامة تجزئهم. قال مالك: كل شيء من أمر الأمراء إنما هو بأذان وإقامة. رواه ابن القاسم عنه، وقال مالك فيمن صلى ونسي أن يقيم: أنه لا يعيد ولا شيء عليه إلا أن يتعمد فيستغفر الله. وقال داود: هما فرض لصلاة الجماعة وليسا بشرط لصحتهما.

باب في الكلام أثناء الأذان هل يبطله

وقال مجاهد: إن نسي الإقامة في السَّفر أعاد. وقال المحاملي: قال أهل الظاهر: هما واجبان لكل صلاة، واختلفوا في اشتراطهما لصحتهما (يعني لصحة الصلاة) (¬1). مج ج 3 ص 80، مغ ج 1 ص 427. باب في الكلام أثناء الأذان هل يبطله مسألة (172) جماهير العلماء على أن الكلام أثناء الأذان لا يبطله. وحُكي عن الزهري أنه أبطله بالكلام. مج ج 3 ص110. باب في الأذان من الجنب هل يُعتدُّ به؟ مسألة (173) أكثر أهل العلم على أن الأذان من الجنب معتدٌ به. وقال أحمد في روايةٍ: لا يُعتد به. مغ ج 1 ص 424. باب في استحباب الأذان في السفر مسألة (174) أكثر أهل العلم على استحباب الأذان في السفر للراعي وأشباهه، قال الموفق: وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم. وكان يقول: إنما الأذان على الأمير والإقامة على الذي يجمع الناس، وعنه أنه كان لا يقيم في أرضٍ تقام فيها الصلاة. وعن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه قال: إن شاء أذَّن وأقام وإن شاء أقام، وبه قال عروة والثوري. وقال الحسن وابن سيرين تجزئه الإقامة. وقال إبراهيم النخعي: إذا كانوا رفاقًا أذَّنوا وأقاموا، وإذا كان وحده أقام الصلاة. مغ ج 1 ص 432. باب في كلمات الإقامة مسألة (175) أكثر العلماء على أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، وهو قول عمر بن ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. المدونة في ج 1 ص 64، 65. بداية في ج 1 ص 139.

باب في التثويب وفي غير صلاة الصبح هل يشرع؟

الخطاب وابنه وأنس رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول الحسن البصري ومكحول والزهري والأوزاعي والشافعي في قوله الجديد، وأحمد وإسحاق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر. قال البيهقي: وممن قال بإفراد الإقامة سعيد بن المسيب وعروة ابن الزبير والحسن وابن سيرين ومكحول والزهري وعمر بن عبد العزيز ومشايخ جلَّةٌ من التابعين سواهم. قال البغوي: هو قول أكثر أهل العلم. وقال مالك: عشر كلمات بإفراد قوله: قد قامت الصلاة. قلت: وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقال أبو حنيفة والثوري وابن المبارك: هو سبع عشرة كلمة مثل الأذان مع زيادة "قد قامت الصلاة" مرتين (¬1). مج ج 3 ص 92. باب في التثويب وفي غير صلاة الصبح هل يشرع؟ مسألة (176) جمهور أهل العلم على أن التثويب في صلاة الفجر سنة وأنه لا يستحب في غيرها من الصلوات. قلت: والتثويب أن يقول المؤذن بعد "حي على الفلاح" الثانية "الصلاة خير من النوم". وممن قال بهذا: ابن عمر والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي. وقال أبو حنيفة: التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر أن يقول المؤذن: "حي على الصلاة" مرتين "حي على الفلاح" مرتين. وحُكي عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: التثويب سنَّةٌ في كل الصلوات كالصبح. وحُكي عن الحسن بن صالح أنه يُستحب التثويب في أذان العشاء أيضًا (¬2). مج ج 3 ص 95. باب في وضع المؤذن إصبعيه في أذنيه إذا أذن مسألة (177) أكثر أهل العلم على أن المستحب في حقِّ المؤذن أن يجعل إصبعيه في أذنيه إذا أذن. ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. المدونة في ج 1 ص 62. بداية في ج 1 ص 145. (¬2) انظر مغ ح 1 ص 419

باب في متابعة المؤذن فيما يقول

ولم يرَ ذلك مالك -رحمه الله-، وجعله واسعًا على المؤذِّن إن شاء فعله وإن شاء تركه، وهي رواية ابن القاسم عنه. وقال البعض: المستحب أن يجعل كفَّيه مضمومتين على أذنيه (¬1). مغ ج 1 ص 434. باب في متابعة المؤذن فيما يقول مسألة (178) جمهور العلماء على أن متابعة المؤذن فيما يقول سنة وليست واجبة. وحكى الإمام الطحاوي خلافًا لبعض السلف في إيجابها وكذا القاضي عياض (¬2). مج ج 3 ص 114. باب في كيف يُتَابَعُ المؤذنُ مسألة (179) جمهور العلماء على أن المؤذنَ يُتَابَعُ في جميع ما يقول على التفصيل المعروف، وهو أن يقول كما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فيقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله". وعن مالك -رحمه الله- تعالى روايتان إحداهما كقول الجمهور، والثانية: يتابعه إلى آخر الشهادتين ففط. قلت: هي رواية ابن القاسم عنه (¬3). مج ج 3 ص 115. باب في المؤذن يؤذنُ ويقيم غيره. هل في ذلك بأس؟ مسألة (180) أكثر أهل العلم على أنه لا فرق بين أن يؤذِّن المؤذِّن للصلاة فيقيم هو أو يقيم غيره، حكاه عن أكثر العلماء الإِمام الحازمي، وهو قول مالك وأكثر أهل الحجاز وأبي حنيفة وأكثر علماء أهل الكوفة وأبي ثور. وقال البعض: المستحب أن من أذَّن فهو يقيم، وبه يقول الشافعي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 63 (¬2) انظر قول مالك في المدونة في الرجل يسمع المؤذِّن وهو في الفريضة فلا يردد مثل ما يقول فإن كان في نافلة قال مثل ما يقول. المدونة ح 1 ص 63. (¬3) وجعل مالك الترديد خلف المؤذن في الحيعلتين واسعًا من شاء فعل ومن شاء ترك. انظر المدونة ج 1 ص 63. (¬4) انظر قول مالك في المدونة ج 1 ص 63.

باب في الأذان والإقامة للنساء. هل يشرعان؟

مج ج 3 ص 116، بداية ج 1 ص 142. باب في الأذان والإقامة للنساء. هل يشرعان؟ مسألة (181) جمهور العلماء على أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة. وقال مالك: أن أقَمن فحسنٌ. وقال الشافعي: إن أَذَّن وأقمن فحسنٌ. قلت: وممن قال ليس على النساء أذان ولا إقامةُ، ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم، وسعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري وربيعة وأبو الزناد ويحيى بن سعيد. حكاه عنهم عبد الله بن وهب وحكاه عن مالك والليث بن سعد. ورواه عن ابن عمر روايةً. وقال إسحاق بن راهويه: عليهن الأذان والإقامة. وذكر ابن المنذر أن عائشة - رضي الله عنهما - كانت تؤذِّن وتقيم. قلت: ولا خلاف بين أهل العلم أن كل أذان النساء وإقامتهن لمن رَخَّصَ لهن بذلك هو عند امتناع وجود الرجال الأجانب وإلا خفضت صوتها أو أقامت في نفسها (¬1). بداية ج 1 ص 145. * * * ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. المدونة ج 1 ص 63.

فصل في شرائط صحة الصلاة

فصل في شرائط صحة الصلاة أبواب طهارة البدن وما يصلي فيه وعليه باب في تطهير البدن والثوب من النجاسة المعلومة مسألة (182) جمهور العلماء من السَّلف والخلف على أنّ إزالة (تطهير) النجاسة من بدن المصلي وثوبه شرط من شرائط صحة الصلاة يستوي في ذلك الفرض والنفل، الأداء والقضاء، وكذا صلاة الجنازة وسجود التلاوة أو الشكر وبه يقول الشافعي في المعتمد من مذهبه، وأبو حنيفة وأحمد ومالك في إحدى الروايات المرجوحة عنه، وهو قول سعيد بن المسيب وقتادة. ورُوي كذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. وقال مالك في أصحِّ وأشهر الروايات عنه، أن ذلك شرط مع العلم دون النسيان والجهل. وذهب مالك في روايةٍ ثالثة إلى أن الصلاة تصحُّ مع النجاسة وإن كان عالمًا متعمدًا وإزالتها سنَّةٌ ونُقل نحوه عن ابن عباس وسعيد بن جبير (¬1). مغ ج 1 ص 713، مج ج 3 ص 126. باب في وصل الشعر في الصلاة وخارجها مسألة (183) جماهير العلماء على أن الوصل حرام بشعر أو بغيره (¬2) لحاجة أو لغير حاجة وهو عام في حق الرجال والنساء. وحكى القاضي عياض عن طائفةٍ جوازه. وهو مروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وضعَّفه القاضي -رحمه الله-. وقال الليث بن سعد: يجوز الوصل بغير الشَّعْر. مج ج 3 ص 147. ¬

_ (¬1) ورُوي هذا القول الأخير عن أبي مجلز التابعي وإبراهيم النخعي. انظر في هذه المسألة بداية ج 1 ص 155. قلت: قال مالك في الحصيرة يكون في ناحية منها قذرٌ (نجس) ويصلي الرجل على الناحية الأخرى: لا بأس بذلك. رواه ابن القاسم عنه وقال: وسألنا مالكًا عن الفراش يكون فيه النجس هل يصلي عليه المريض؟ قال (مالك): إذا جعل فوقه ثوبًا طاهرًا فلا بأس بالصلاة عليه إذا بسط عليه ثوبًا طاهرًا كثيفًا. انظر المدونة في ج 1 ص 76، 77. (¬2) يعني مما يقصد به أن يكون على هيئة الشعر وإن لم يكن في حقيقته شعرًا, وليس المقصود هنا ربط الشعر كما يفعله النساء فإن هذا يجوز بلا خلاف يُعلم. وإنما المسألة في الوصل ومدخلها في أبواب شرائط صحة الصلاة مبني على طهارة ونجاسة هذا الموصول به فإن كان نجسًا لم تصح الصلاة به عند الجمهور.

باب في الصلاة في المجزرة والمزبلة ومحجة الطريق (¬1) مسألة (184) أكثر أهل العلم على صحَّة الصلاة في المجزرة والمزبلة ومحجة (¬2) الطريق مع الكراهة، وهو مقتضى مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وعن مالك روايات أحدها يجوز في غير كراهة (¬3) وذكر الموفق عن بعض الأصحاب في مذهب أحمد أنهم نصُّوا على عدم جواز الصلاة في تلك الأماكن. مغ ج 1 ص 719. باب في المحبوس ونحوه لا يجد إلا المكان النجس مسألة (185) جماهير العلماء على أن من ضاق عليه الوقت (وقت الصلاة) فلم يقدر على الصلاة إلا في مكان نجس كالمحبوس ونحوه فإنه لا يعذر في ترك الصلاة بل يصلي على حاله وجوبًا، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد (¬4). وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه أن يصلي حتى يجد مكانًا طاهرًا ضاق الوقت أو اتسع. مج ج 3 ص 147. باب في الصلاة في الكنائس والبِيع (معابد اليهود) ونحوها مسألة (186) جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم على صحة الصلاة في الكنائس والبِيَع (معابد اليهود) ونحوها إذا كان ما يصلَّى عليه طاهرًا مع الكراهة. حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم والحسن البصري والشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن عبد العزيز. واختاره ابن المنذر -رحمه الله-، وهو قول مالك والشافعي، وهو مذهب أحمد. وحكى ابن رشد عن قوم كراهتها مطلقًا، وعن قوم جوازها من غير تفصيل. وقال -رحمه الله-: وفَرقَ قوم بين أن يكون فيها صور أو لا يكون، وهو مذهب ابن عباس لقول ¬

_ (¬1) يعني أن يصلي في مكان فيها يغلب على ظنه طهارته أو لا يعلم وجود نجاسة متيقنية فيه. (¬2) يعني الطريق العام الذي يحجه؛ أي يقصده الناس. (¬3) والثانية كقول الجمهور. انظر بداية ج 1 ص 155، وانظر سبب الخلاف ص 156. (¬4) وهل يعيد أو يقضي هذه الصلاة إذا وجد المكان الطاهر بَعْدُ؟ خلاف بين العلماء. مذهب الشافعي أنه يعيد ويقضي؛ أي يعيد إذا وجد المكان الطاهر قبل خروج الوقت، ويقضي إذا خرج الوقت ووجد المكان الطاهر، ومذهب مالك أنه يعيد ما دام في الوقت فإذا خرج الوقت فلا قضاء عليه. انظر المدونهّ ج 1 ص 41.

عمر: لا تدخل كنائسهم من أجل التماثيل. قال رحمه الله: والعلة فيمن كرهها لا من أجل التصاوير حملها على النجاسة (¬1). مج ج3 ص 151، مغ 1ص 723. باب في الصلاة في الأرض المغصوبة مسألة (187) جمهور الفقهاء على أن الصلاة في الأرض المغصوبة مع كونها حرامًا لكنها صحيحة، وبه يقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وإليه ذهب مالك رحمه الله. وذهب الإِمام أحمد في إحدى الروايتين إلى بطلانها (¬2). مج ج 3 ص54. باب في الصلاة على الصوف والبسط والطنافس ونحو ذلك مسألة (188) جماهير العلماء على صحَّة الصلاة على الصُّوف واللبود والبسط والطافس وجميع الأمتعة الطاهرة بدون كراهة. وذهب مالك إلى كراهة ذلك تنزيهًا (¬3). مج ج3 ص 155, مغ ج1 ص 724، بداية ج1ص 157. باب فيمن صلى بثوب نجس جهلاً أو نسياناً مسألة (189) جمهور العلماء على أن من صلَّى بنجاسة جهلاً أو نسيانًا فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه. حكاه ابن المنذر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وسعيد ابن المسيب وطاوس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور، وبه يقول ابن المنذر، وهو مذهب ¬

_ (¬1) انظر بداية ج1 ص 157. (¬2) انظر مغ ج 1ص 722، بداية ج1 ص 154 قلت: وما يقال هنا في هذه المسألة يقال في الثوب المغصوب والماء المغصوب ونحو ذلك وسيأتي في محله. (¬3) قال الموفق رحمه الله: وصلى عمر (- رضي الله عنه -) على عبقري وابن عباس على طنفسة وزيد بن ثابت وجابر على حصير وعلي وابن عباس وابن مسعود وأنس على المنسوج، وهو قول عوام أهل العلم إلا ما روي عن جابر أنه كره الصلاة على كل شيء من الحيوان. واستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض ونحوه قال مالك إلا أنه قال: في بساط الصوف والشعر إذا كان سجوده على الأرض لم أر بالقيام عليه بأساً انظر مغ ج1 ص 724.

ربيعة ومالك والشافعي في القديم وأحمد في روايةٍ. قال النووي رحمه الله: وهو قوي في الدليل وهو المختار. وذهبت طائفة إلى أن الصلاة باطلة ويجب إعادتها، منهم الشافعي في الجديد من مذهبه وأحمد في روايةٍ. وهو قول أبى قلابة رحمه الله تعالى. قلت: والصحيح المنقول عن مالك رحمه الله برواية ابن القاسم عنه أنه يعيد ما دام في الوقت بمنزلة من صلى على موضع نجس فإن خرج الوقت فلا قضاء عليه (¬1). وحكاه ابن القاسم عن الزهري ورييعة. مج ج3 ص 149. باب في يسير الدم والقيح يكون في ثوب المصلي مسألة (190) جمهور أهل العلم يرون العفو عن يسير الدم والقيح يكون في ثوب المصلي. روي هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهم، وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعروة بن الزبير ومحمد بن كنانة والنخعي وقتادة والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وأبي حنيفة وأصحابه. قال الموفق رحمه الله: وكان ابن عمر ينصرف من قليله وكثيره. وقال الحسن البصري: كثيره وقليله سواء. ونحوه عن سليمان التيمي، وهو أحد قولي الشافعي (¬2). مغ ج1ص 725. ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1ص 38.، وانظر مغ ج 1 ص 714، 715. (¬2) قلت ثمَّ اختلف العلماء القائلون بالعفو عن يسير الدم في قدر هذا اليسير؛ فذهب جماعة إلى أن اليسير هو ما اعتبر يسيراً في عرف المصلي وحده دون سائر الناس. وبه قال ابن عباس. ورُوي معناه عن أحمد، وبه قال سعيد بن المسيب. وذهب آخرون إلى أنه ما لا يفحش في عرف الناس. وبه يقول ابن عقيل من الحنابلة وهو وجه لأصحاب الشافعي وضابطه عند هؤلاء أن المعفو عنه ما يشق الاحتراز عنه وما لا فلا. وقال آخرون: نصف الثوب وما فوقه كثير وما دونه يسير. ووُروى عن مالك. قلت: والصحيح عنه خلافه. وقال آخرون: ما دون شبر يسير وما فوقه كثير، وبه قال أحمد في روايةٍ ورُوي عنه قدر كفٍ. وقال آخرون: قدر الدرهم الفضي (البغلي) قليل وما فوقه كثير، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال آخرون: قدر الدرهم كثير وما دونه يسير. ويُروى عن النخعي والأوزاعي وسعيد بن جبير. قلت: وأما القروح والصديد، فالاختلاف في يسيرها وكثيرها فيه كلام كثير. انظر فيما ذكرته. مج ج 3 ص 131، مغ ج1ص 726، بداية ج1 ص 107، المدونة ج1ص 38.

باب في الصلاة في مرابض الغنم مسألة (191) جمهور أهل العلم بل عامتهم على صحَّة الصلاة في مرابض الغنم. وبه يقول مالك (¬1) وأحمد. وقال الشافعي: لا تجوز الصلاة في مرابض الغنم إلا أن يكون ما يُصلِّي عليه فيها سليمًا من أبوالها وأرواثها. قلت: وهو مقتضى قول كل من يقول بنجاسة أبوال وأرواث مأكول اللحم. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها (¬2). مغ ج1 ص 732. ... ¬

_ (¬1) قال مالك: لا أرى بأساً بأبوال ما يؤكل لحمه مما لا يأكل الجيف وأروائها إذا أصاب الثوب. انظر المدونة ج1ص 5. (¬2) قلت: هكذا قال ابن المنذر رحمه الله وكلامه يوهم أن أحداً لم يقل بنجاسة أبعار وأبوال الغنم غير الشافعي رحمه الله لكننا نقلنا عن الجمهور من أهل العلم القول بنجاسة أبوال وأرواث مأكول اللحم ومنه الغنم، ومن قال بهذا أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى. راجع فصل "النجاسات وتطهيرها" من هذا الكتاب.

"أبواب ستر العورة (¬1) (¬2) وما تُستر به العورة من الثياب باب في عورة الرجل (¬3) في الصلاة وغيرها مسألة (192) أكثر أهل العلم على أن عورة الرجل هي ما بين سرَّته إلى ركبته وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية, وهي المعتمد في المذهب وقال أحمد في رواية: هما السوءتان (الفرجان) وهو قول ابن أبي ذئبٍ وداود. مغ ج1 ص 615. مسألة (193) جماهير العلماء على أن عورة الأمة ليست كعورة الحرة حتى كاد أن يكون الأمر إجماعًا. ¬

_ (¬1) تنبيه: أجمع العلماء على وجوب ستر السوأتين في حق الرجل داخل الصلاة وخارجها وأنه لا يطلع على سوأتي الرجل البالغ إلا زوجته أو أمته المتُسرى بها، وأجمعوا على أن المرأة إذا كان معها من ليس محرماً ولا زوجاً أنها تستر بدنها كله ما خلا الوجه والكفين ففيهما خلاف وشيء يسير كما فوق الكف عن الطبري شذ به عن جماعة العلماء وأجمعوا على أن الحجاب في الجملة فرض على المرأة المسلمة إذا كانت بحضرة الأجانب؛ يعني غير الأزواج والمحارم وأجمعوا على أنه ما بين سرتها إلى ركبتها محظور على المحارم أن يروا منه شيئاً، وأما الزوج فلا عورة للمرأة في حقه. (¬2) الإجماع على وجوب ستر العورة عن أعين الناس في الجملة وقد ذكرنا من حكى هذا الإجماع في محله إلا أن الخلاف بين الأئمة في اشتراط ستر العورة لصحة الصلاة فمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد أنه من شرائط الصلاة، وحكى ابن رشد عن مالك في ظاهر مذهبه أنه من سنن الصلاة. قلت: ومعنى ذلك في مذهب مالك أن من صلى وقد انكشفت عورته أو صلى مكشوف العورة أعاد صلاته ما دام في الوقت فإذا خرج الوقت فلا قضاء عليه. انظر بداية ج1 ص150 وانظر مقدمات ابن رشد على المدونة ج1 ص110. (¬3) أما عورة المرأة في الصلاة فاتقق العلماء على أنها تغطِّي بدنها بدرع وخمار، وأنه يجوز للحرة أن تظهر وجهها وكفيها في الصلاة واختلفوا في ظهور القدمين هل يجب سترهما؟ على قولين للعلماء. قلت: وهذا الذي نقلته من الاتقاق فيما لو صلت وحدها أو بحضرة محارمها، وأما إذا صلَّت بوجود أجانب فأكثرهم على هذا الذي ذكرته. وقال آخرون: بل الواجب أن تغطي كل شيء حتى ظفرها، وهو قول أحمد رحمه الله قلت: وأما عورتها خارج الصلاة فبدنها كله وتبدي وجهها وكفَّيها لحاجة الييع والشراء والأخذ والعطاء أو الشهادة ونحو ذلك، وهذا الذي ذكرته هو الذي عليه أكثر أهل العلم خلافاً لما نقله بعض العلماء من إطلاق القول بأن أكثر العلماء على أن عورة المرأة هي البدن كله سوى الوجه والكفين من غير تفصيل بين أن يكون هذا في الصلاة وبين أن يكون هذا خارج الصلاة وممن نقل هذا الإطلاق ابن رشد في البداية، وقد حققت القول في هذه المسألة في كتابي "النقاب ودعاة الاختلاط" وغيره، ونقلت عن العلماء من المفسرين والفقهاء والمحدثين ما يدل على التفصيل الذي ذكرته وذكرت هناك أيضاً أنه لا تلازم بين ما يجوز للمرأة أن تكشفه لحاجتها وبين حرمة النظر إليه لغير حاجة. انظر في أصل المسألة. بداية ج1 ص 152.

وخالف الإِمام محمَّد بن سيرين فيما حُكي عنه في أم الولد فجعلها كالحرة. وقال الحسن البصري في الأمة المزوجة التي أسكنها الزوج منزله: هي كالحرة تغطي رأسها، وأوجب عليها الخمار، وأستحبه عطاء (¬1). مج ج3 ص160، مغ ج1ص 639، بداية ج1ص 154 باب في صلاة الأمة مكشوفة الرأس مسألة (194) جمهور العلماء بل عامتهم على جواز صلاة الأمة مكشوفة الرأس، وأوجب الحسن على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه يعني تَسرَّى بها. وقال مالك نحوه في السرائر اللاتي ولدن، وقال رحمه الله في أمهات الأولاد: لا يصلين إلا بقناع كالحرائر من غير أن يوجب ذلك عليهن (¬2). مغ ج1 ص 639، بداية ج1ص 154. باب في صلاة الرجل مكشوف العاتقين مسألة (195) جمهور العلماء من السلف والخلف على صحة صلاة الرجل مكشوف العاتقين مع الكراهة، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة. وذهب أحمد وطائفة إلى وجوب وضع شيء على العاتقين، وفي صحة صلاته بدون وضع شيء روايتان، وخصّ أحمد ذلك في الفرض دون النقل (¬3). ¬

_ (¬1) قلت: وأما تفصيل عورة الأمة خارج الصلاة فالذي حُكى عن العلماء والأئمة المتقدمين في هذه المسألة حاصله يتلخص في أربعة مذاهب: الأول: عورتها كعورة الرجل. وبه قال مالك والشافعي وأحمد، الثاني: عورتها كالحرة إلا الرأس، وهو قول أبي علي الطبري الشافعي، الثالث: عورتها بدنها كله إلا ما يبدو عند المهنة كالرأس والذراعين والساقين، رُوي معناه عن أحمد، قاله القاضي أبو يعلى وهو وجه لأصحاب الشافعي؛ أعني بعضهم، الرابع: عورتها كعورة الحرة إذا تزوجت أو تسرت يعني اتخذها سيدها سريرة (للمتعة)، وهو مذهب الحسن ومال إِليه عطاء كما أشرنا. انظر مج ج 1ص 159، مغ ج 1ص 639. (¬2) الصحيح من مذهب مالك في هذه المسألة أن الأمة على أي نحو كان حالها مكاتبة أو مدبرة سريرة أو أم ولد أنه لا يجب عليها أن تغطي رأسها لكن يُستحب لها أن تعيد الصلاة ما دامت في الوقت إذا صلت أم الولد حاسرة عن رأسها، وأوجبه عليها ابن القاسم. انظر المدونة ج1 ص 94، وانظر مقدمات ابن رشد على المدونة ج 1ص 109. (¬3) انظر الحاوي ج 2 ص 173 قلت: اشتهر عن مالك قوله كراهة التشمير في الصلاة، وهو أن يشمر الرجل عن ساعديه: قلت: والصحيح عن مالك أن هذه الكراهة محلها فيمن تقصد هذا إذا دخل في الصلاة أما من كان على هذه الهيئة قبل الصلاة لعمل أو حاجة من الحاجات فلا كراهة حينئذٍ، وكذلك إذا كان هذا هو لباسه قبل الصلاة كالقميص مقطوع الكمَّين ونحوه في زماننا. فلا بأس بهذا. انظر المدونة ج1 ص 95.

مج ج3 ص 165، مغ ج1ص 618، بداية ج1ص 153. باب في الصلاة في ثوب الحرير مسألة (196) جمهور العلماء على أن الصلاة في ثوب الحرير صحيحة مع تحريم ذلك إلا لمن كان به حكة يصفه الطبيب له ونحو ذلك. قلت: والجمهور على صحة صلاة الرجل في ثوب الحرير ولو كان واجداً لغيره. وخالف أحمد في ذلك. مج ج3 ص 169. باب في الصلاة في الثوب المغصوب مسألة (197) جمهور العلماء على أن الصلاة في الثوب المغصوب صحيحةٌ مع الحرمة. وقال أحمد في أصحِّ الروايتين عنه: الصلاة باطلة (¬1). مج ج3 ص 170. ... ¬

_ (¬1) انظر بداية ج1ص 154.

أبواب استقبال القبلة

أبواب استقبال القبلة (¬1) باب في الصلاة في الكعبة مسألة (198) جمهور العلماء على جواز الصلاة داخل الكعبة والفرض والنفل في ذلك سواء، وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي. وقال مالك وأحمد: يجوز النفل المطلق دون الفرض والوتر. وقال محمَّد بن جرير الطبري: لا يجوز الفرض ولا النفل، وبه قال أصبغ من أصحاب مالك وجماعة من الظاهرية، وحُكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (¬2). مج ج3 ص 181. باب في استقبال القبلة لطالب العدو والغريم ونحوه مسألة (199) أكثر أهل العلم على أن طالب العدو (يعني في الحضر) الذي يخشى هروبه وفواته فإنه يصلي صلاة الآمن من استقبال القبلة وغير ذلك، وبه قال أحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: يصلي صلاة الخائف حسب حاله كالذي يطلبه العدو وبه قال الأوزاعي. ورُوي ذلك عن شُرَحْبيل بن حسنة - رضي الله عنه -. مغ ج1ص 449. ... ¬

_ (¬1) اتفق المسلمون على أن التوجه للقبلة شرط من شرائط صحَّة الصلاة للحاضر الآمن في الفرض وفي النفل وإن كانوا قد اختلفوا هل الشرط هو التوجه إلى عين القبلة أم هو جهتها فقط، وكذلك اتفقوا على أن الجاهل بالقبلة في سفر وغيره أن واجبه أن يجتهد ويتحرى معرفة القبلة قبل دخوله في الصلاة واختلفوا هل من هذا حاله فرضه أن يجتهد لإصابة عين القبلة أم أن فرضه هو الاجتهاد وحَسب بحيث لو تبين له أنه أخطأ لا يعيد. انظر بدابة ج1 ص 146. (¬2) انظر بداية ج1 ص 148.

فصل في السترة وما يقطع الصلاة باب في ما يقطع الصلاة

فصل في السترة وما يقطع الصلاة باب في ما يقطع الصلاة مسألة (200) أكثر أهل العلم على أن من صلى إلى سترة فإنه لا يقطع صلاته شيء ولو مرَّ يينه وبين سترته، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي. وقال أحمد وإسحاق: تبطل بمرور الكلب الأسود فقط. وقال الحسن البصري: تبطل بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود (¬1). مج ج3 ص 212، بداية ج1ص 236. باب في المرأة تخالف فتصلي بحذاء الرجل. هل تبطل صلاته؟ مسألة (201) أكثر أهل العلم على أن المرأة لو خالفت فصلت إلى جنب الرجل أو صلت وسط صف الرجال فإن صلاة من بحذائها من الرجال لا تبطل، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما (¬2). وقال أبو حنيفة رحمه الله بالبطلان على تفصيل طويل ليس هذا محل بسطه (¬3). مج ج 3 ص 214. باب في المصلي يدفع من مر بين يديه مسألة (202) أكثر أهل العلم على أن المصلي له أن يدفع من مرّ بين يديه، وهو مروي عن ابن مسعود وابن عمر وسالم، ربه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي. قال الموفق: ولا أعلم فيه خلافاً. قلت: والجمهور على أن هذا الدفع لا يجب. قلت: والذي استحضره عن داود وجماعة من أهل الظاهر أن دفعه ومقاتلته واجبان ¬

_ (¬1) مع اتفاق الكل على كراهيه المرور بين يدي المصلي، وحكاه ابن رشد عن الجمهور. بداية ج1 ص 237. (¬2) قلت: وصلاتها كذلك لا تبطل، وقد سأل سحنونُ ابنَ القاسم عن المرأة تصلي وسط الصفِّ بين الرجال فأجاب بأنها لا تفسد صلاتهم ولا صلاتها ثمَّ قال: وسألنا مالكاً عن قوم أتوا المسجد فوجدوا رحبة المسجد قد امتلأت من النساء، وقد امتلأ المسجد من الرجال فصلَّى رجال خلف النساء بصلاة الإمام؟ قال (مالك): صلاتهم تامة ولا يعيدون. قال ابن القاسم: فهذا أشد من الذي صلى في وسط النساء. انظر المدونة ج1 ص 102، مج ج4 ص 172، مغ ج2 ص 37. (¬3) أرجأناه للشرح إن شاء الله تعالى.

لظاهر الحديث. مغ ج2 ص 75. باب في سترة الإمام مسألة (202) أكثر أهل العلم على أن سترة الإِمام سترةٌ لمن خلفه من المأمومين (¬1) قلت: هكذا حكى المسألة الموفق ولم يحك عن غيرهم خلافهم. مغ ج2 ص 67. ... ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج1ص 109.

فصل في صفة الصلاة (¬1) باب في الإمام يكبر للدخول في الصلاة إذا فرغ المقيم مسألة (204) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن الإِمام لا يكبِّر للدخول في الصلاة حتى يفرغ المقيم من الإقامة، وبه يقول مالك والشافعي وآخرون. وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن في إحدى الروايتين عنه: إذا قال المقيم "قد قامت الصلاة" كبَّر الإِمام وكبر المأموم خلفه. وحكاه ابن رشد عن زفر أيضًا (¬2). مج ج3 ص 215. باب في تكبير المأموم بعد فراغ المقيم للصلاة (¬3) مسألة (205) جمهور أهل العلم على أن المصلِّي مع الجماعة في المسجد لا يكبِّر حتى ينتهي المقيم من إقامة الصلاة. وبه قال الحسن ويحيى بن وثاب وإسحاق وأبو يوسف والشافعي وأحمد. وقال سويد بن غفلة والنخعي: يكبر إذا قال المقيم "قد قامت الصلاة" ورُوي هذا عن أصحاب عبد الله بن مسعود، وبه قال أبو حنيفة. مغ ج1ص 503. باب في تكبيرة الإحرام هل هي ركن؟ مسألة (206) جمهور العلماء من السلف والخلف منهم مالك والشافعي وأحمد على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصحّ ولا تنعقد إلا بها. قلت: وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وقال الزهري فيما حكاه عنه ابن المنذر وغيره: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على أن الصلاة لا تنعقد إل بنية على خلاف يينهم في تفصيلات النية وتفريعاتها بالنسبة للأداء والقضاء والاقتداء والإقامة وغير ذلك، واتفقوا على أن الصلاة لا تتم بدون قيام للقراءة للقادر وكذلك الركوع والسجود واختلفوا في الاعتدال وفي التسليم مما سيأتي بعضه في الأبواب القادمة إن شاء الله تعالى. (¬2) انظر بداية ج1 ص 194. (¬3) وأما متى ينهض المأموم للصلاة إذا شرع المقيم في الإقامة؟ أقاويل ومذاهب ولم يوقت مالك في هذا الأمر شيئاً، وقال رحمه الله ذلك على قدر طاقة الناس فمنهم القوي ومنهم الضعيف. انظر المدونة ج1 ص 65.

وحكى نحوه عن ابن عُليَّهَ والأصمِّ (¬1). مج ج 3 ص 232، بداية ج1 ص 161. باب فيمن ترك تكبيرة الإحرام هل يجزئ عنها غيرها؟ مسألة (207) جمهور العلماء على أن من ترك تكبيرة الإحرام سهواً أو عمدًا لم تنعقد صلاته ولا تجزئ عنه تكبيرة الركوع ولا غيرها، وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وداود. وقالت طائفة: تجزئ عنه تكبيرة الركوع. حكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب والحسن البصري والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان في روايةٍ. وقال العبدري: ورُوي عن مالك في المأموم مثله لكنه قال يستأنف الصلاة بعد سلام الإمام (¬2). مج ج 3 ص 233. باب في تكبيرة الإحرام بغير اللغة العربية هـ تجزئ عنه؟ مسألة (208) جمهور العلماء على أن تكبيرة الإحرام لا تجوز لمن يحسن العربية إلا بالعريية وتجوز بغيرها لمن لا يحسنها، وبه يقول مالك وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة فيما حكاه عنه النووي أنها تجوز بالعريية وبغير العربية لمن يحسن العربية ولمن لا يحسنها (¬3). مج ج 3 ص 240. باب في انعقاد التكبير بلفظ "الله الأكبر" بزيادة أل التعريف مسألة (209) جمهور العلماء على أن الصلاة تنعقد بقول المصلِّي "الله الأكبر" بزيادة ال التعريف، وبه قال الشافعي رحمه الله تعالى في الجديد من مذهبه. ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج1 ص 65. (¬2) قلت: إلا أن مالكاً رحمه الله يشترط أن لا ينوي المأموم إذا كبر للركوع تكبيرة الإفتتاح يعني الإحرام أما إذا فعل هذا لم يحتج أن يعيد الصلاة بعد فراغ إمامه فإن لم يكبر المأموم للركوع ولا نوى تكبيرة الافتتاح فإذا قضى مع الإِمام الركعة وقام مع الإِمام للركعة الثانية يكبر تكبيرة الافتتاح فإذا سلم الأمام قام وقضى ما فاته من الركعة التي لم يكبر فيها تكبيرة الافتتاح. انظر. المدونة في ج1 ص 66. (¬3) انظر في هذه المسألة. المدونة في ج1ص 66.

باب في تكبيرة الإحرام بقول "الله أجل" أو "الله أعظم"

وقال مالك وأحمد وداود: لا تنعقد، وهو قول الشافعي في القديم (¬1). مج ج 3 ص 240. باب في تكبيرة الإحرام بقول "الله أَجَلُّ" أو "الله أعظم" مسألة (210) جماهير العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد وداود على أن الصلاة لا تنعقد إلا بلفظ التكبير، وأنها لا تنعقد بنحو "الله أَجَلُّ" أو "الله أعظم". وقال أبو حنيفة: تنعقد بكل ذِكْرٍ يُقصدُ به تعظيم الله تعالى. وقال أبو يوسف: تنعقد بألفاظ التكبير كنحو قوله: "الله الكبير" (¬2). مج ج 3 ص240. باب في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام مسألة (211) جمهور العلماء على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وأن ذلك سنَّة مستحبة غير واجب. وقال بعض العلماء: هو واجب. وقال بعضهم: لا يُستحب (¬3). مج ج 3 ص 242، بداية ج 1 ص 175. باب في وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في موضع القراءة أثناء القيام (¬4) مسألة (212) جمهور العلماء على استحباب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في ¬

_ (¬1) انظر بداية في ج 1 ص 162. وانظر المدونة في ج 1 ص 66. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 162. (¬3) وحكى ابن رشد عن الجمهور استحباب رفع الأيدي عند تكبيرة الإحرام حذو المنكبين، وذكر في المسألة مذهبين آخرين: الأول: حذو الأذنين، والثاني: حذو الصدر. انظر بداية ج 1 ص 178، وانظر الحجة في ج 1 ص 94. (¬4) قلت: وأما وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الاعتدال من الركوع وقول المصلي "ربنا لك الحمد". فقول شاذ، والعمل عند جماهير العلماء على خلافه قديمًا وحديثًا، ورُوي عن أحمد فيه التخيير وليس في خصوص هذا المحل في وضع اليمنى على اليسرى حديث صريح لا ثابت ولا ضعيف، وإنما هو عند من قال به مخرجٌ قياسًا على أحاديث وضع اليدين عند القيام أثناء القراءة، وسيكون لهذه المسألة بحث في شرحي للموسوعة إذا شاء المنان الكريم، لكني أحببت تعجيل التنبيه لمناسبة المسألة والله المستعان.

باب في الدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام

موضع القراءة أثناء القيام (أو عند القراءة في القيام). وممن قال به من الصحابة عليّ بن أبي طالب وأبو هريرة وعائشة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم، وقال به من التابعين سعيد ابن جبير وإبراهيم النخعي وأبو مجلز وآخرون، وبه يقول سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود رحمهم الله تعالى أجمعين. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابين ومن بعدهم. وذهبت طائفة إلى أنه يرسل يديه ولا يضع إحداهما على الأخرى. حكاه ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري والنخعي، وحكاه القاضي أبو الطيب عن ابن سيرين. وقال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وقال الأوزاعي: هو مخيَّر بين الوضع والإرسال. وقال مالك في رواية ابن القاسم عنه بالإرسال، وهو الأشهر عنه -رحمه الله-، وعليه جميع أو جمهور أصحابه من أهل المغرب (¬1). وروى ابن عبد الحكم عن مالك كقول الجمهور. مج ج 3 ص 248، بداية ج 1 ص 181. باب في الدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام مسألة (213) جمهور العلماء من الصحاية والتابعين ومن بعدهم على استحباب استفتاح الصلاة بعد التكبير للإحرام بدعاء الاستفتاح المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك قبل القراءة. وخالف في ذلك مالك -رحمه الله- تعالى فقال يكبر للإحرام ثمَّ يقرأ ولا يستفتح وأنكر الدعاء الوارد في ذلك (¬2). مج ج 3 ص 256، مغ ج 1 ص 515. ¬

_ (¬1) قال ابن القاسم: وقال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة قال: لا أعرف ذلك في الفريضة. قال ابن القاسم: وكان (مالك) يكرهه، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه. انظر المدونة ج 1 ص 76. (¬2) وقال مالك ومن كان وراء الإِمام ومن هو وحده ومن كان إمامًا فلا يقل سبحانك اللهم وبحمدك ...... ولكن يكبِّروا ثمَّ يبتدؤوا القراءة. انظر المدونة ج 1 ص 66. قلت: وقد نقل ابن رشد عن الشافعي ما يوهم أنه يقول بوجوب دعاء التوجه الآتي ذكره إن شاء الله، وهذا خطأ بل مذهبه -رحمه الله- ومذهب الجمهور أنه سنة مستحبة، ونقل الإمام الماوردي عن مالك أنه يتوجَّه قبل الإحرام بالصلاة. انظر بداية ج 1 ص163. الحاوي في ج 2 ص 101.

باب في المستحب في دعاء الاستفتاح

باب في المستحب في دعاء الاستفتاح مسألة (214) جمهور أهل العلم على أن المستحب في دعاء الاستفتاح هو "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جَدُّكَ ولا إله غيرك". وبه قال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود والثوري وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه. قلت: وهو مذهب أحمد -رحمه الله- تعالى. وقال الشافعي: المستحب فيه هو دعاء التوجُّه وهو: "وجت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ..... إلى آخر الدعاء". وبه قال ابن المنذر، وحكى ابن رشد عن أبي يوسف أنه يجمع بينهما (¬1). مغ ج 1 ص 516. باب في الاستعاذة قبل القراءة مسألة (215) جمهور العلماء على استحباب الاستعاذة للقراءة في الصلاة وبعد دعاء الاستفتاح، وهو قول ابن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والأوزاعي، وإليه يذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال مالك: ولا يتعوَّذ الرجل في المكتوبة قبل القراءة ولكن يتعوَّذ في قيام رمضان إذا قرأ (¬2). مج ج 3 ص 260. باب في محل الاستعاذة للقراءة في الصلاة مسألة (216) جمهور العلماء على أن الاستعاذة للقراءة في الصلاة محلها هو قبل الشروع في قراءة الفاتحة، وهو مذهب الشافعي وسائر من يستحب الاستعاذة للقراءة سوى من سنذكرهم. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 163. (¬2) قال مالك: ولم يزل القُرَّاءُ يتعوَّذون في رمضان إذا قاموا، وقال -رحمه الله-: ومن قرأ في غير صلاة تعوَّذ قبل القراءة إن شاء. انظر المدونة ج 1 ص 68. قلت: ونقل الماورديُّ عن مالك أن المصلِّي يتعوَّذ قبل الإحرام. (يعني قبل دخوله في الصلاة). فالله أعلم. انظر الحاوي ج 2 ص 102.

باب في صفة الاستعاذة المستحبة في الصلاة

وقالت طائفة: يستعيذ بعد القراءة، وقال به أبو هريرة رضي الله عنه ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي، وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يتعوَّذ بعد فراغ الفاتحة لظاهر الآية. مج ج 3 ص 260. باب في صفة الاستعاذة المستحبة في الصلاة مسألة (317) أكثر العلماء على أن صفة الاستعاذة المستحبة في الصلاة هي "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وقال الثوري: يُستحب أن يقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم". نقله عنه القاضي أبو الطيب. وقال الحسن بن صالح: يقول "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم". ونُقل عنه كذلك: "أعوذ بالله السميع العلم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم". وحكى مثل هذا عن أحمد -رحمه الله-. مج ج 3 ص 260. باب في الاستعاذة للقراءة هل هي واجبة؟ أم غير ذلك؟! مسألة (218) جمهور العلماء على أن الاستعاذة في الصلاة مستحبةٌ غير واجبةٍ وهو مذهب الشافعي وغيره. وحكى عن عطاء وسفيان الثوري أنهما قالا بوجوبها، حكاه عنهما العبدريُّ وقال: وعن داود روايتان. إحداهما وجوبها قبل القراءة. مج ج 3 ص 261. * * *

فصل في أبواب القراءة في الصلاة

فصل في أبواب القراءة في الصلاة باب في قراءة القرآن في الصلاة مسألة (219) جماهير العلماء على أن قراءة القرآن في الجملة فرض في الصلاة، لا تصحُّ بدونها، وهو قول جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وشذَّ قوم فقالوا: لا تجب القراءة ولا تُشترط لصحَّة الصلاة بل هي مستحبةٌ. حُكي هذا عن الحسن بن صالح وأبي بكر الأصم. قلت: ورُوي نحوه عن عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، ورُوي عن ابن عباس أنه لا يشترطها في صلاة السر. قال مالك -رحمه الله-: ليس العمل على قول عمر حين ترك القراءة فقالوا له: إنك لم تقرأ. فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسن. قال: فلا بأس إذن. قال مالك: وأرى أن يعيد من فعل هذا وإن ذهب الوقت. قلت: يعني يقضي (¬1). مج ج 3 ص 263. باب في قراءة الفاتحة في الصلاة. هل تتعين؟ أم يجزئ عنها غيرها؟ مسألة (220) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن قراءة الفاتحة متعين في الصلاة لا تصحُّ إلا بها ولا يجزئ عنها غيرها من القرآن للقادر عليها. وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن العاص وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول خوات بن جبير ومحمد بن شهاب الزهري ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 68. قلت: وذكر هذا الذي نقلناه عن مالك في قصة عمر: ابن رشد وكذلك عن ابن عباس. قلت: وهذه المسألة هي في صلاة الإمام والمنفرد، أما صلاة المأموم فتلك مسألة أخرى. وانظر بداية ج 1 ص 166 قلت: وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلوات وسكت في أخرى، فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت، وسُئل - رضي الله عنه -: هل في الظهر والعصر قراءة؟ فقال: لا. أخرج الأول البخاري والثاني أبو داود. وذكرهما ابن رشد. انظر بداية ج 1 ص 166 قلت: ورُوي عن عمر بن الخطاب ما يخالف هذا المروي عنه هنا. انظر المدونة ج 1 ص 71.

باب في تسمية فاتحة الكتاب "بأم الكتاب"

وابن عون والأوزاعي ومالك والشافعي وعبد الله بن المبارك وأحمد وأسحاق وأبو ثور وسفيان الثوري وداود. حكاه عن جل هؤلاء ابن المنذر -رحمه الله- ونقله عنه النووي. وقال أبو حنيفة في أشهر الروايات عنه إنها واجبة وليست فرضًا ولا شرط لصحة الصلاة ويجزئ عنها غيرها من القراءة، وفي رواية أنها تستحب ولا تجب. قلت: المعتمد من مذهب أبي حنيفة أن الفاتحة واجبة على الذاكر دون الناسي وأن من تركها نسيانًا أو سهوًا سجد للسهو عنها وجوبًا، وتمت صلاته إذا كان قرأ شيئًا من القرآن غيرها (¬1). مج ج 3 ص 261. باب في تسمية فاتحة الكتاب "بأم الكتاب" مسألة (221) أكثر العلماء على جواز أن تُسمَّى الفاتحة بـ "أم الكتاب". ومنع ذلك الحسن البصري ومحمد بن سيرين. مج ج 3 ص 265. باب في قراءة البسملة في أول الفاتحة (¬2) مسألة (222) أكثر أهل العلم على أنه يشرع للمصلي أن يقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول الفاتحة، وفي أول كل سورة، وهو قول الشافعي وأحمد. وقال مالك وأبو حنيفة: لا تشرع، وبه يقول الأوزاعي -رحمه الله- تعالى (¬3). مغ ج 1 ص 520. ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. بداية ج 1 ص 166. قلت: وهذه المسألة كذلك في صلاة الإِمام والمنفرد، وأما صلاة المُأتمِّ فخلاف مختلف. (¬2) هذه المسألة في مشروعية قراءة البسملة في أول الفاتحة يعني هل تُقرأ؟ أم أنها لا تُقرأ أصلًا؟ وأما المسألة التي بعدها فهي حكم الإسرار والجهر لمن قال بمشروعية البسملة في أول الفاتحة. (¬3) مذهب مالك أنه لا يقرأ البسملة في الفريضة لا سرًا في نفسه ولا جهرًا. قال مالك: وهي السنَّةُ وعليها أدركت الناس. قلت: والإمام وغيره في ذلك سواء عند مالك، وأما النافلة: فالأمر في ذلك واسع عنده إن شاء فعل وإن شاء ترك. انظر المدونة ج 1 ص 68، بداية ج 1 ص 164 قلت: وأما النقل عن أبي حنيفة من أنه لا تشرع عنده البسملة مطلقًا؛ فهو خطأ والصحيح أنها مشروعة عنده -رحمه الله- في الفاتحة فقط لكنها لا تُقرأ جهرًا كما سيأتي، وأما في أول كل سورة فلا؛ لأنها ليست آية عنده من كل سورة من سور القرآن ما خلا الفاتحة وسورة النمل. انظر بداية ج 1 ص 164.

باب في الجهر والإسرار بالبسملة

باب في الجهر والإسرار بالبسملة مسألة (223) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم عند قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية للإمام وللمنفرد. رُوي هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ (¬1) وعمار بن ياسر وأبيِّ بن كعب وابن عمر وابن عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وقيس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفي وشداد بن أوس وعبد الله بن جعفر والحسين بن علي وعبد الله بن عمر ومعاوية وجماعة آخرين من المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وروى الجهر كذلك عن خلائق من التابعين منهم السعيدان بن المسيب وابن جبير وطاوس وعطاء ومجاهد وأبو وائل ومحمد بن سيرين وعكرمة وعلي بن الحسين وابنه محمَّد بن عليٍّ وسالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمَّد بن عمر وابن حزم ومحمد بن كعب ونافع مولي ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو الشعثاء جابر بن زيد ومكحول وحبيب بن أبي ثابت ومحمد بن شهاب الزهري وأبو قلابة وعليُّ بن عبد الله بن عباس وابنه محمَّد بن عليٍّ والأزرق بن قيس وعبد الله بن مغفل ابن مقرن رحمهم الله تعالى. وقال بالجهر أيضًا من بعد التابعين: عبد الله بن عمر العمري والحسن بن زيد وعبد الله ابن حسن وزيد بن عليّ بن حسين ومحمد بن عمر بن عليٍّ وابن أبي ذئب والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه. حكى هذا القول عن هؤلاء جميعًا الحافظ أبو بكر الخطيب. ورُوي هذا القول عن بعض هؤلاء الحافظ البيهقي، وزاد في التابعين عبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي وممن تابعهم المعتمر بن سليمان. وحكى هذا القول عن بعض هؤلاء ابن عبد البر وزاد فقال: هو قول جماعة أصحاب ابن عباس طاوس وعكرمة وعمرو بن دينار، وقول ابن جريح مسلم بنا خالد وسائر أهل مكة، وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك، وحكاه غير ابن عبد البر عن ابن المبارك. رحمهم الله تعالى أجمعين. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى في الفاتحة قولًا واحدًا، واختلف عنه في البسملة هل هي آية من أول كل سورة على قولين: المعتمد في المذهب يجهر بها في ¬

_ (¬1) ورُوي عنهم خلاف ذلك حكاه الترمذي وغيره.

باب في قراءة الفاتحة في كل ركعة. هل يجب؟

أول كل سورة في صلاة الجهر للإمام وللمنفرد. وذهبت طائفة إلى أنَّ المستحب في البسملة هو الإسرار بها في الصلاة السرية والجهرية للإمام وللمنفرد. وحكاه ابن المنذر عن عليِّ بن أبي طالب وابن مسعود وعمار ابن ياسر وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، والحكم وحماد والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة. وهو مذهب أحمد وأبي عبيد، وحكي كذلك عن النخعي، وحكي عن ابن أبي ليلى، والحكم أن الجهر والإسرار سواء (¬1). مج ج 3 ص 274، 275. باب في قراءة الفاتحة في كل ركعةٍ. هل يجب؟ مسألة (224) أكثر العلماء على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعةٍ، وهو مرويٌّ عن عليِّ بن أبي طالب وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وحكاه ابن المنذر عن ابن عونٍ والأوزاعي وأبي ثور، وهو الصحيح عن مالك وداود، وهو مذهب الشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وقال أبو حنيفة: تجب القراءة في الركعتين الأوليين، وأما الركعتان الأخريان فلا تجب فيهما قراءة أصلًا؛ بل إن شاء قرأ، وإن شاء سبَّح، وإن شاء سكت. وقال الحسن البصري وبعض أصحاب داود: لا تجب القراءة إلا في ركعة من كل الصلوات. وقال إسحاق بن راهويه فيما حكاه ابن المنذر عنه: إن قرأ في أكثر الركعات أجزأه، وعن الثوري: إن قرأ في ركعة من الصبح أو الرباعية فقط لم يجزه. وحكي عن مالك: إن ترك القراءة في ركعة من الصبح لم تجزه، وإن تركها في ركعة من غيرها أجزأه (¬2). ¬

_ (¬1) قلت: وحكى الموفق في المغني ما يوهم خلاف هذا الذي أثبتناه في هذه المسألة، ونقل قول الترمذي من أنه لا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها (يعني بالبسملة) غير مسنون وقال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين. منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ. قال الموفق: وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعمار، وبه يقول الحكم وحماد والأوزاعي والثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي. قلت: هذه من المسائل التي تعارض فيها النقل عن الجمهور، والأقرب عندي هو ما نقله النووي عنهم، والترمذي قد لا يعول على نقله عن الجمهور بعد الاحصاء والاستقصاء -رحمه الله- تعالى إذا عارضه من هو أثبت منه في هذا بخلاف ما لو أقرهَّ عليه غيره والله تعالى أعلم. انظر مغ ج 1 ص521، بداية ج 1 ص 164. الحجة ج 1 ص 96. (¬2) قال ابن القاسم: وكان مالك يقول من ترك القراء في جلِّ ذلك (يعني أكثر الركعات) أعاد، وإن قرأ =

باب في القراءة للمأموم في ركعات الصلاة

قلت: حكاه ابن القاسم عن مذهب مالك تخريجًا لا من قوله (¬1) مج ج 3 ص 291. باب في القراءة للمأموم في ركعات الصلاة مسألة (225) أكثر العلماء على وجوب القراءة على المأموم خلف الإِمام في كل الركعات، السرية والجهرية في ذلك سواء. قال النووي: قال الترمذي في جامعه: القراءة خلف الإِمام هي قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين. قال -رحمه الله-: وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال ابن المنذر: قال الثوري وابن عيينة وجماعة من أهل الكوفة: لا قراءة على المأموم. وقال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق: لا يقرأ خلف الإِمام في الجهريَّة ويقرأ في السريَّة. وقال ابن عون والأوزاعي وأبو ثور وغيره من أصحاب الحديث: تجب القراءة على المأموم في السرية والجهرية. وقال الإِمام الخطابي: قالت طائفة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم: تجب على المأموم، وكانت طائفة منهم لا تقرأ واختلف الفقهاء بعدهم على ثلاثة مذاهب، ثمَّ حكى المذاهب التي حكاها ابن المنذر، وحكى الإيجاب مطلقًا عن مكحول وحكاه القاضي أبو الطيب عن الليث بن سعد. وحكى العبدريَّ عن أحمد أنه يُستحب للمأموم أن يقرأ في سكتات الإِمام، ¬

_ = في بعضها وترك بعضها أعاد أيضًا، وقال ابن القاسم: والصلوات عند مالك محمل واحدٌ فإذا قرأ في ركعةٍ من الصبح وترك ركعة أعاد. قال -رحمه الله-: وإن كان مالك يستحب أن يعيد إذا ترك القراءة في ركعة واحدة في خاصة نفسه من أي الصلوات كانت، وقد كان قبل مرته الآخرة يقول ذلك، وقد قاله لي غير عام واحدٍ، ثم قال: أرجو أن تجزئه سجدتا السهو قبل السلام وما هو عندي بالبين. انظر المدونة في ج 1 ص 68. (¬1) قال سحنون: قلت لابن القاسم: فإن ترك القراءة في ركعة من المغرب أو الصبح؟ قال ابن القاسم: إنما كشفنا مالكًا عن الصلوات ولم نكشفه (نسأله مكاشفةً ومصارحةً) عن المغرب والصبح. قلت: ثمَّ ذكر ابن القاسم ما نقلناه عنه في الفقرة السابقة. انظر المدونة ج 1 ص 68، وانظر بداية ج 1 ص 167. قلت: ذكر ابن رشد عن الجمهور استحباب القراءة في كل الصلوات، ولعله قصد طلب الفعل في أصله لا من حيث المرتبة، فلا تعارض حينئذٍ.

ولا يجب عليه، فإن كانت جهرية ولم يسكت الإِمام لم يقرأ (يعني المأموم) وإن كانت سرية استحبت الفاتحة وسورة. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: لا تجب القراءة على المأموم بحال لا في سرية ولا في جهرية. ونقل القاضي أبو الطيب والعبدري عن أبي حنيفة أن قراءة المأموم خلف الإِمام معصية. قلت: هذا مقيد في حال قراءة الإِمام جهرًا. قال الإِمام النووي بعد حكاية ما ذكرناه من الأقوال. والذي عليه جمهور المسلمين القراءة خلف الإِمام (¬1) في السرية والجهرية. قال الإِمام البيهقي: وهو أصحُّ الأقوال على السنة وأحوطها. قال النووي: ثمَّ روى (يعني البيهقي) هذا القول بأسانيده المتعددة عن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأبي الدرداء وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وهشام بن عامر وعمران (بن حصين) وعبد الله بن مغفل وعائشة رضي الله عنهم. قال النووي: ورَوَى هذا القول (يعني البيهقي) كذلك بأسانيده عن جماعة من التابعين منهم: عروة بن الزبير ومكحول والشعبي وسعيد بن جبير والحسن البصري رحمهم الله تعالى جميعًا (¬2). مج ج 3 ص 295. ¬

_ (¬1) وقيده الموفق ابن قدامة في حال سكوت الأمام في الجهرية وفيما لا يجهر به في الجهرية والسرية وحكاه عن أكثر أهل العلم استحبابًا لا وجوبًا، وتوجيه ذلك عندي قريب مما ذكرناه في نقل ابن رشد السابق قال الموفق -رحمه الله- وهو قول أكثر أهل العلم. انظر ج 1 ص 603. (¬2) قلت: قد نقل الموفق في المغني ما يخالف بَعْضُهُ بَعْضَ ما نقله النووي -رحمه الله- تعالى انظر: مغ ج 1 ص 605، وانظر بداية ج 1 ص 204، قال الموفق -رحمه الله-: كان ابن مسعود وابن عمر وهشام بن عامر يقرأون وراء الأمام فيما أسر به. وقال ابن الزبير: إذا جهر فلا تقرأ وإذا خافت فاقرأ، ورُوي معنى ذلك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والقاسم بن محمَّد ونافع بن جبير والحكم والزهري، وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب: إذا دخل في الصلاة، وإذا قال ولا الضالين. وقال عروة بن الزبير: أما أنا فأغتنم من الإِمام اثنتين (يعني سكتتين) إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فأقرأ عندها، وحين يختم السورة فأقرأ قبل أن يركع. انظر مغ ج 1 ص 603.

باب في القراءة بغير العربية (بالترجمة) في الصلاة وخارجها

باب في القراءة بغير العربية (بالترجمة) في الصلاة وخارجها مسألة (226) جماهير العلماء على عدم جواز قراءة القرآن بغير لغة العرب (ترجمة معاني القرآن واعتبارها قرآنا) لا في الصلاة ولا خارجها، والقادر والعاجز في ذلك سواء، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة: تجوز وتصحُ الصلاة بالترجمة مطلقًا. وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك للعاجز دون القادر. مج ج 3 ص 312. باب في قراءة السورة بعد الفاتحة مسألة (227) جماهير العلماء على أن قراءة السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين سنَّة مستحبة وليست واجبة، وأن الفاتحة تجزئ المصلِّي لو اقتصر عليها، وهو مذهب مالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم رحمهم الله تعالى. وحكي عن الصحابين الجليلين عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنهما وجوب قراء سورة مع الفاتحة أقلها ثلاث آيات. مج ج 3 ص 324. باب في الجهر للمنفرد فيما يجهر به مسألة (228) جماهير العلماء على أن المنفرد حكمه كالإمام في استحباب الجهر بالقراءة فيما يستحب أن يجهر به. وقال أبو حنيفة: إسراره وجهره سواء. مج ج 3 ص 325. باب في تكبيرات الانتقالات سوى تكبيرة الإحرام مسألة (229) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن تكبيرات الانتقالات سنَّة متبعة من سنن الصلاة سوى تكبيرة الإحرام فإنها واجبة، وبهذا قال من الصحابة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وغيرهم رضي الله تعالى عنهم، وهو قول ابن جابر بن عبد الله وقيس بن عباد وشعيب والأوزاعي وسعيد

باب في رفع اليدين للركوع وللرفع منه (الاعتدال)

ابن عبد العزيز والشافعي وأحمد في رواية وعوام أهل العلم. ونُقل عن سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري أنهم قالوا: لا يُشرع إلا تكبيرة الإحرام، ولا يُكبَّر غيرها، وكذلك نُقل هذا القول عن القاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن سيرين، ونقل كذلك عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما. وقال أحمد بن حنبل في المشهور عنه جميع تكبيرات الانتقالات واجبة كتكبيرة الإحرام. مج ج 3 ص 334، مغ ج 1 ص 537، مغ ج 1 ص 543، 659، بداية ج 1 ص 161. باب في رفع اليدين للركوع وللرفع منه (الاعتدال) مسألة (330) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين على استحباب رفع اليدين للهُوِىِّ للركوع وللرفع منه. روى هذا القول عن أكثر الصحابة والتابعين والعلماء الإِمام الأوزاعي والإمام أبو بكر ابن المنذر والإمام أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع والإمام الحسن البصري وحميد بن هلال والإمام أبو عبد الله البخاري صاحب الصحيح والإمام أبو بكر البيهقي رحمهم الله تعالى جميعًا. أما من رُوي عنه هذا القول من الصحابة فعدد غفيرٌ منهم عمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن الزبير وأبو هريرة وأبو حميد الساعدي وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة الأنصاري وأبو أسيد الساعدي البدري ومحمد بن مسلمة البدريُّ وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر بن العاص ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأبو موسى الأشعري، ورُوي كذلك عن أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب وعقبة بن عامرٍ وعبد الله بن جابر البياضي الصحابي وكذا أم الدرداء رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وأما من رُوي عنه هذا القول وقال به من التابعين وغيرهم من العلماء والمحدثين فخلائق لا يحصون منهم طاوس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والحسن البصري وسالم ابن عبد الله وسعيد بن جبير ونافع مولي ابن عمر ومحمد بن سيرين والقاسم بن محمَّد وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعبد الله بن دينار والنعمان بن أبي عياش وعبيد الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيس بن سعيد وعبد الله بن المبارك وعامة أصحابه -رحمه الله- والليث

باب في التطبيق في الركوع هل يكره؟

ابن سعد وأبو ثور والأوزاعي ومالك وعبد الله بن وهب والشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري ومحدثوا أهل بخارى عيسى بن موسى وكعب بن سعيد ويحيى بن معين وعبد الله بن محمَّد المشيدي والحميدي شيخ البخاري وعليُّ بن المديني ومحمد بن سلام وإسحاق بن إبراهيم. وروى هذا القول كذلك عن أبيِ قلابة التابعي وأبي الزبير وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن يحيى وغيرهم من أئمة الإِسلام شرقًا وغربًا. وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وسائر أصحاب الرأي: لا يرفع يديه في الصلاة إلا لتكبيرة الإحرام، وروى هذا عن مالك. قلت: هي رواية ابن القاسم عنه، قال مالك -رحمه الله-: لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة لا في خفضٍ ولا في رفعٍ، إلا في افتتاح الصلاة رفع يديه شيئًا خفيفًا، والمرأة في ذلك بمنزلة الرجل. قلت: ورُوي هذا القول عن علي وابن مسعود والبراء بن عازب، وعليه أصحاب ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين (¬1). مج ج 3 ص 336. باب في التطبيق في الركوع هل يُكره؟ مسألة (231) جماهير العلماء بل عامتهم على أن المستحب للمصلي في الركوع أن يضع يديه على ركبتيه، باطن كفِّه وأصابعه اليمنى على ظاهر ركبته اليمنى وباطن كفِّه وأصابعه اليسرى على ظاهر ركبته اليسرى، ومذهب الجماهير أن التطبيق لا يشرع وهو منسوخ، وعلى هذا الذي ذكرناه العمل عند جماهير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق. وذهب جماعة من السلف إلى أن التطبيق سنَّة، وهو أن يجعل المصلِّي إحدى كفيه على الأخرى ثمَّ يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع، وهو مذهب الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد ما يوافق قول الجمهور عن أبي ثور وأبي عبيد وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر، قال -رحمه الله-: إلا أنه عند بعض أولئك فرض وعند مالك سنة. انظر. بداية في ج 1 ص 176 وانظر المدونة ج 1 ص 71، الحجة على أهل المدينة ج 1 ص 94.

باب في الاطمئنان في الركوع وسائر الأركان

مغ ج 1 ص 541 مج ج 3 ص 350. باب في الاطمئنان في الركوع وسائر الأركان مسألة (232) جمهور العلماء على وجوب إقامة الرجل صُلْبَهُ في الركوع ووجوب الاطمئنان فيه وفي سائر الأركان من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين وغير ذلك، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود وغيرهم رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يكفيه في الركوع أدنى انحناء ولا يجب الطمأنينة فيه ولا في شيء من سائر الأركان (¬1). مج ج 3 ص 349. باب في أذكار الركوع وغيره من الأركان هل يجب شيء من ذلك؟ مسألة (233) جماهير العلماء على أن أذكار الركوع والسجود والاعتدال من الركوع وتكبيرات الانتقالات وغير ذلك. كل ذلك سنَّة مستحبة، ولا يجب شيء من ذلك إلا أنه يكره تعمد ترك ذلك، وليس شيء منها شرط لصحّة الصلاة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية ضعيفة عنه. وقال إسحاق بن راهويه: التسبيح واجب إن تركه عمدًا بطلت صلاته، وأن نسيه لم تبطل. وقال داود: واجب مطلقًا، وأشار الخطابي في معالم السنن إلى اختياره. وقال أحمد: جميع ذلك واجب، فإن ترك شيئًا منه عمدًا بطلت صلاته، وأن لم يتعمَّد لم تبطل ويسجد للسهو. مج ج 3 ص 354، مغ ج 1 ص 543. باب في قراءة القرآن في الركوع وفي السجود. هل تُشرع؟ مسألة (234) جمهور العلماء على المنع من قراءة القرآن في الركوع وفي السجود وأنها لا تُشرع؟ وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 178.

باب في الاعتدال (الرفع) من الركوع هل هو ركن؟

وذهب جماعة من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب الإِمام البخاري -رحمه الله-. بداية ج 1 ص 169. باب في الاعتدال (الرفع) من الركوع هل هو ركن؟ مسألة (235) أكثر العلماء على أن الاعتدال بعد الركوع ركنُ من أركان الصلاة لا تصح إلا به وهو مذهب الشافعي وأحمد وداود ومالك في إحدى الروايتين عنه. قلت: وهي رواية ابن القاسم عنه. وذهب أبو حنيفة ومالك في رواية إلى عدم وجوب الاعتدال (¬1). قلت: وهي رواية ابن زياد عنه. مج ج 3 ص 359. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 178، وانظر مقدمات ابن رشد على المدونة ج 1 ص 82.

باب في قول المصلي ربنا لك (ولك) الحمد هل يقولها الإمام وغيره؟

باب في قول المصلي ربنا لك (ولك) (¬1) الحمد هل يقولها الإِمام وغيره؟ مسألة (236) جمهور أهل العلم على أنه يُشرع ويستحب قول: "ربنا ولك الحمد" في حق كل فصل منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا، وبه قال ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم والشعبي ومحمد بن سيرين وأبو بردة والشافعي وإسحاق وابن المنذر. وأحمد في المشهور عنه. وقال أحمد في روايةٍ أنه لا يقوله المنفرد. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يشرع قول هذا في حق الإِمام ولا المنفرد (¬2). مغ ج 1 ص 548. باب في تقديم الركبتين قبل اليدين في الهوىّ من الاعتدال للسجود مسألة (237) أكثر العلماء على أن المستحب للمصلِّي إذا أراد الهُوِيَّ من الاعتدال للسجود أن يقدم ركبتيه ثُمَّ يديه، نقله عن أكثر العلماء الترمذي والخطابي والقاضي أبو الطيب، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإبراهيم النخعي ومسلم بن بشار وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر. وقال مالك والأوزاعي وأحمد في روايةٍ: يقدم يديه قبل ركبتيه. وقال مالك في روايةٍ: يقدم أيهما شاء ولا ترجيح (¬3). مج ج 3 ص 361. ¬

_ (¬1) كلاهما ورد ومالك يقول: اللَّهم ربنا لك أو ولك الحمد. انظر المدونة ج 1 ص 73. (¬2) هذا النقل الذي ذكره الموفق غريب فقد ذكر ابن رشد عدم الخلاف في أن المنفرد يقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك أو ولك الحمد. قلت: وابن رشد أثبت في النقل عن مالك من غيره وهو الموافق لما رواه ابن القاسم عن مالك قال ابن القاسم عن مالك: وإذا صلى الرجل وحده فقال سمع الله لمن حمده فليقل اللهم ربنا ولك الحمد أيضًا. قلت: وذكر ابن القاسم عن مالك أن الإِمام إذا قال سمع الله لمن حمده فلا يقول هو (يعني الإِمام) اللهم ربنا لك الحمد ولكن يقول ذلك من خلفه، وعند مالك لا يقول الإمام آمين ولكن يقولها من خلفه، ومن صلَّى منفردًا وهذا في رواية ابن القاسم والمصريين عنه. انظر المدونة ج 1 ص 73، وانظر بداية ج 1 ص 199 وكذلك عند مالك لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ولكن يقولها الإِمام. (¬3) انظر بداية ج 1 ص 181.

باب في السجود على الأرض بالجبهة والأنف

باب في السجود على الأرض بالجبهة والأنف مسألة (238) جمهور العلماء على وجوب وضع الجبهة على الأرض في السجود وأن غيرها لا يجزئ عنها. وانفرد أبو حنيفة عن سائر العلماء فقال بالتخيير بين الجبهة والأنف (¬1). مج ج 3 ص 365، مغ ج 1 ص 557. باب في السجود على ما اتصل بالمصلي من كُمِّ أو طرف عمامة ونحو ذلك مسألة (239) أكثر العلماء على صحَّة السجود على ما اتصل بالمصلي كُمًّا كان أو ذيلًا أو يدًا أو طرف عمامة أو غير ذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين، وإليه كان يذهب عطاء وطاوس والنخعي والشعبي، وممن رخص في السجود على كور العمامة الحسن ومكحول وعبد الرحمن بن يزيد، وسجد شريح على برنسه. وذهب الشافعي وأحمد في رواية وداود إلى عدم صحَّة السجود على شيء من ذلك (¬2). مج ج 3 ص 366. باب في وضع ما سوى الجبهة على الأرض في السجود. هل يجب؟ مسألة (240) جماهير الفقهاء على عدم اشتراط وضع اليدين والركبتين والقدمين في السجود، وأنه لو لم يسجد معه إلا جبهته لأجزأه (صحَّ سجوده)، وهو أحد قولي الشافعي. وقال الشافعي -رحمه الله- في قوله الآخر بالوجوب، وهو المختار المعتمد عند أهل مذهبه (¬3). مج ج 3 ص 368. ¬

_ (¬1) انظر المدونة ح 1 ص 73، بداية ج 1 ص 182. (¬2) انظر مغ ج 1 ص 557، بداية ج 1 ص 184، وقال مالك فيمن سجد على كور العمامة قال: أحبُّ إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى يمسَّ بعض جبهته الأرض. قال ابن القاسم: قلت له: فإن سجد على كور العمامة؟ قال: أكرهه، فإن فعل فلا إعادة عليه. انظر المدونة ج 1 ص 76. (¬3) انظر بداية ج 1 ص 182.

باب في الإقعاء وما يكره مه في الصلاة

باب في الإقعاء وما يكره مه في الصلاة مسألة (241) أكثر العلماء على أن الإقعاء مكروه وأن له هيئة (صفة) واحدة لا غير. وذهب جمع من العلماء إلى أن الإقعاء له هيئتان اثنتان: إحداهما مكروهة، والأخرى مستحبة (¬1). مج ج 3 ص 382، مغ ج 1 ص 564. باب في الجلوس بين السجدتين مسألة (242) جمهور العلماء على أن الجلوس بين السجدتين ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به وكذا الاطمئنان فيه، وهو مذهب الشافعي وأحمد وآخرين. وذهب أبو حنيفة إلى عدم الوجوب في الأمرين معًا. ورُوي عن أبي حنيفة ومالك أنه يجب أن يرتفع بحيث يكون إلى القعود أقرب. مج ج 3 ص 383. باب في جلسة الاستراحة هل تستحب؟ مسألة (243) أكثر العلماء على عدم استحباب جلسة الاستراحة. حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وأبي الزناد ومالك والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق والشافعي في أحد قوليه. ¬

_ (¬1) قال الموفق -رحمه الله-: ويُكره الإقعاء، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه. بهذا وصفه، قال أبو عبيد: هذا قول أهل الحديث، والإقعاء عند العرب جلوس للرجل على أليتيه ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسَّبُعِ. قال الموفق: ولا أعلم أحدًا قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة، فأما الأول فكرهه عليٍّ وأبو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم، وفعله ابن عمر وقال: لا تقتدوا بي فإني قد كَبُرتُ. وقد نَقَلَ مهنا عن أحمد أنه قال: لا أفعله ولا أعيب من فعله. وقال: العبادلة (يعني عبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس وربما ادخلوا معهم عبد الله بن عمرو بن العاص وربما ادخلها غيرهم وأخرجوا منهم). وقال طاوس: رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وعن ابن عباس أنه قال: من السنة أن تمسَّ أليتيك قدميك. وقال طاوس: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود (يعني في الجلوس بين السجودين). فقال: هي السنَّة. قال (طاوس) قلنا: إنا لنراه جفاءً بالرجل. فقال: هي سنُّة نبيك - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم وأبو داود. قلت: حكى ابن رشد الاتفاق على كراهيه الإقعاء ثم ذكر الخلاف في هيئته. انظر مغ ج 1 ص 564، وانظر بداية ج 1 ص 184.

باب في التشهد الأول هل هو واجب؟

وذهبت طائفة إلى استحبابها، وهو مروي عن مالك بن الحويرث وأبي حميد وأبي قتادة وغيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنهم، وبه قال أبو قلابة من التابعين وغيره، وبه قال الترمذي صاحب السنن قال النووي: وبه قال أصحابنا، وهو مذهب داود ورواية عن أحمد والشافعي في قوله الثاني (¬1). مج ج 3 ص 386، مغ ج 1 ص 567. باب في التشهد الأول هل هو واجب؟ مسألة (344) أكثر العلماء على أن التشهد الأول سنة ليس بواجب وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال الليث وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود: هو واجب. قال أحمد: إن ترك التشهد (يعني الأول) عمدًا بطلت صلاته وإن تركه سهوًا سجد للسهو وأجزأته صلاته. مج ج 3 ص 394. بداية في ج 1 ص 179. باب في صفة الشهد المستحب مسألة (245) أكثر أهل العلم على اختيار تشهد عبد الله بن مسعود، وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي وكثير من أهل المشرق. وقال مالك: أفضله تشهُّد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وقال الشافعي: أفضله تشهُّد عبد الله بن عباس (¬2). مغ ج 1 ص 573. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 181. (¬2) قلت: أما تشهُّد عبد الله بن مسعود (يعني الذي نقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) فلفظه: "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" رواه البخاري ومسلم. وأما تشهُّد عمر - رضي الله عنه - فلفظه: "التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" رواه مالك في الموطأ، وأما تشهُّد عبد الله ابن عباس فلفظه: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك (وفي رواية: سلام عليك) أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام (وفي روايةٍ: سلام) علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" رواه مسلم وأصحاب السنن والرواية الأخيرة لمسلم.

باب في التكبير عند النهوض من التشهد الأول

باب في التكبير عند النهوض من التشهد الأول مسألة (246) جماهير العلماء على أن المستحب للمصلِّي إذا أراد أن ينهض من فراغه من التشهد الأول إلى قيام الركعة الثالثة أن يبدأ التكبير من حين شروعه في القيام للركعة الثالثة ولا ينتظر حتى ينتصب قائمًا، وهو مذهب الشافعي ومالك في إحدى الروايتين. وقال مالك في الرواية الثانية: لا يكبِّر حتى ينتصب قائمًا. مج ج 3 ص 406. باب في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير. هل تجب؟ مسألة (247) أكثر العلماء على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير مستحبة وليست واجبة، وهو قول مالك وأهل المدينة وأبي حنيفة وأهل الكوفة وسائر أهل الرأي وأحمد في إحدى الروايتين. قال ابن المنذر: هو قول جُلِّ أهل العلم إلا الشافعي. وقال إسحاق: إن تركها عمدًا لم تصح صلاته، وإن تركها سهوًا رجوت أن تجزئه قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول. وقال الشافعي: هي فرض حكمها حكم سائر الأركان، وهو منقول عن عمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن مسعود وأبي مسعود البدري رضي الله تعالى عنهم، ورُوي هذا عن الشعبي وبه قال أحمد في الرواية الثانية عنه. قلت: وقد اعتبرها الموفق في المغني الصحيح في المذهب. وحُكِيَ هذا القولُ عن محمَّد بن كعب القرظي. حكاه الماورديُّ عنه (¬1). مج ج 3 ص 413، مغ ج 1 ص 580، الحاوي ج 2 ص 137. ¬

_ (¬1) قال الموفق -رحمه الله-: قال المروزي: قيل لأبي عبد الله (أحمد بن حنبل): إن ابن راهويه (إسحاق) يقول: لو أن رجلًا ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد بطلت صلاته، قال: (يعني أحمد): ما أجترئ أن أقول هذا. وقال (يعني أحمد) في موضع: هذا شذوذ. انظر مغ ج 1 ص 579 قلت: وأغرب ابن رشد -رحمه الله- فحكى عن الشافعي أنه يقول بوجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها عنده التسليم من الصلاة. قلت: وليس الأمر كذلك. انظر الحاوي ج 2 ص 23، 137. وانظر بداية ج 1 ص 171.

باب في التعوذ من الفتن آخر التشهد الأخير هل يجب؟

باب في التعوذ من الفتن آخر التشهد الأخير هل يجب؟ مسألة (248) جمهور العلماء على أن دعاء التعوُّذ المعروف آخر التشهد وقبل السلام مستحب ولا يجب. وروى مسلم عن طاوس ما يفيد الوجوب وحكاه ابن رشد عن بعض أهل الظاهر (¬1). شرح مسلم ج 5 ص 89. باب في التسليم من الصلاة هل هو ركن؟ مسألة (249) جمهور العلماء على أن التسليم من الصلاة ركن من أركان الصلاة، ولا يخرج المصلِّي من صلاته إلا به, وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يجب السلام ولا هو من الصلاة؛ بل إذا قعد قدر التشهد ثمَّ خرج من الصلاة بما ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو فعل أو غير ذلك أجزأه وتمت صلاته، وحكى هذا عن الأوزاعي كذلك (¬2). مج ج 3 ص 424، بداية ج 1 ص 172. باب في التسليمة الثانية في الصلاة مسألة (250) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على استحباب التسليمة الثانية للمصلي، حكاه عن الجمهور الترمذي والقاضي أبو الطيب وآخرون، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعليٍّ بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن الحارث رضي الله تعالى عنهم، وحكاه كذلك عن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي التابعي والثورى وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. قلت: وهو مذهب الشافعي. قال ابن المنذر: وقالت طائفة: يسلِّم تسليمة واحدة، قاله ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة - رضي الله عنهما - والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي. قلت: وحكى ابن رشد عن مالك قولًا ضعيفًا أن المأموم يسلِّم ثلاثًا واحدة للتحلل ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 172، الحاوي ج 2 ص 139. (¬2) انظر المقدمات لابن رشد على المدونة ج 1 ص81.

باب في الاقتصار على تسليمة واحدة هل يجزئ؟

من الصلاة، والثانية للإمام ردًّا عليه، والثالثة عن يساره. قال ابن المنذر: وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلِّمون فيه تسليمتين, ومسجد المهاجرين يسلِّمون فيه تسليمة. قال ابن المنذر: وبالأول أقول (¬1). مج ج 3 ص 425. باب في الاقتصار على تسليمة واحدة هل يجزئ؟ مسألة (251) جمهور العلماء على أن الواجب في حق المصلِّي تسليمة واحدة وأن الثانية لا تجب. وحكى الطحاوي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعًا. قال النوري: وهي رواية عن أحمد وبهما (يعني بالتسليمتين) قال بعض أصحاب مالك والله أعلم. مج ج 3 ص 425، مغ ج 1 ص590، بداية ج 1 ص 172. باب في هيئة دعاء القنوت هل يتعين فيه شيء؟ مسألة (252). جماهير العلماء على أن دعاء القنوت لا يتعين فيه شيء معين من الدعاء. وذهب بعض أهل العلم إلى تعين دعاء أبي بن كعب "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك" (¬2). مج ج 3 ص 439. باب في القنوت في صلاة الصبح مسألة (253) أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم (أو كثير منهم) (¬3) على ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 172. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 174، الحاوي ج 2 ص 152. (¬3) قلت: قد تعارض النقل في هذه المسألة عن أهل العلم، فقد نسب الترمذي إلى أكثر أهل العلم عدم مشروعية القنوت في الصبح في غير النوازل، ونقل الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم مشروعية القنوت في الصبح، واحتاط النووى فقال: مذهبنا أنه يُستحب القنوت فيها (صلاة الصيح) سواء نزلت نازلة أو لم تنزل، وبهذا قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم، قال الشوكاني بعد نقله قول المانعين للقنوت في الصبح: وذهب جماعة إلى أنه مشروع في صلاة الفجر، وقد حكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار، ثم عدَّ من الصحابة الخلفاء الأربعة إلى تمام تسعة عشر من =

باب في القنوت للنازلة هل يشرع في غير الصبح؟

استحباب القنوت في الصبح في النوازل وغيرها، وهو مذهب أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعليّ وابن عباس والبراء بن عازبٍ رضي الله تعالى عنهم، وهو قول خلائق من التابعين، وهو مذهب ابن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك والشافعي وداود. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأحمد: لا قنوت في الصبح (¬1). قال أحمد: إلا الإِمام فيقنت إذا بعث الجيوش، وقال إسحاق: يقنت للنازلة خاصةً. مج ج 3 ص 445. باب في القنوت للنازلة هل يشرع في غير الصبح؟ مسألة (254) جمهور العلماء على أن القنوت لا يشرع في النوازل في غير صلاة الصبح. وقال آخرون بل تقنت للنازلة في كل صلاة، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى (¬2) مج ج 3 ص 447. * * * ¬

_ = الصحابة ومن الخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ، ومن التابعين اثنا عشر، ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق الفزاري وأبو بكر بن محمَّد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه وعن الثوري روايتان ثمَّ قال. وغير هؤلاء خلق كثير، وزاد العراقي (يعني الحافظ زين الدين شيخ الحافظ ابن حجر) عبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وداود ومحمد بن جرير، وحكاه عن جماعة من أهل الحديث منهم أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وأبو عبد الله الحاكم والدارقطني والبيهقي والخطابي وأبو مسعود الدمشقي ثمَّ قال الشوكاني: وحكاه المهدي في البحر عن الهادي والقاسم وزيد بن عليّ والناصر والمؤيد بالله من أهل البيت. انظر نيل الأوطار ج 2 ص 394، 395، وانظر في المسألة مج ج 3 ص 445، الحجة على أهل المدينة ج 1 ص 97، مغ ج 1 ص 787، بداية ج 1 ص 173، الحاوي ج 2 ص 150. (¬1) والقنوت عند أبي حنيفة في غير النوازل يكون في الوتر خاصة. (¬2) انظر الحاوي ج 2 ص 152.

فصل في أبواب صلاة التطوع

فصل في أبواب صلاة التطوع باب في صلاة الوتر هل هي واجبة؟ مسألة (255) جماهير العلماء على أن صلاة الوتر سنَّة مؤكدة غير واجبة وأنه لا يجب شيء من الصلوات سوى الصلوات الخمس، وهو مذهب مالك وأبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة (¬1) والشافعي وأحمد وغيرهم من السلف ومن بعدهم. وقال أبو حنيفة: هو واجب، فإن تركه حتى طلع الفجر أثم ولزمه القضاء. قال ابن المنذر: ولم يذهب إلى هذا غير أبي حنيفة. حكاه عنه الماورديُّ. الحاوي ج 2 ص 278، بداية ج 1 ص 117، مغ ج 1 ص 377، 791، مج ج 3 ص 474. باب في أداء الوتر على الراحلة للمسافر مسألة (256) جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم على جواز فعل الوتر وسائر النوافل على الراحلة (الدابة) في السفر بعذرٍ وبغير عذرٍ، وهو قول علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول عطاء والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود رحمهم الله تعالى وغيرهم. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجوز أداء الوتر على الراحلة بل ينزل ويصليها كما يصلِّي الفرائض إلا لعذرٍ (¬2). مج ج 3 ص 477، بداية ج 1 ص 266. باب في أول وقت الوتر وآخره مسألة (257) جماهير العلماء على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقتٌ للوتر، وأنه يفوت بطلوع الفجر، وهو مذهب الشافعي، وحكاه ابن المنذر عن جماعة، وقال: وممن استحب فعله أول الليل أبو بكر وعثمان وأبو الدرداء وأبو هريرة ¬

_ (¬1) قد حكى ابن رشد عن أصحاب أبي حنيفة أنهم يقولون بوجوب الوتر. قلت: وهذا خطأ، بل أبو يوسف ومحمد بن الحسن يقولان: إن الوتر سنة مؤكدة لكن له من الحقوق والأحكام ما ليس لسائر السنن, فهما لا يجيزان فعل الوتر على الراحلة (الدابة) للمسافر خلافًا لسائر السنن. انظر حكاية ابن رشد -رحمه الله- عن أصحاب أبي حنيفة بداية ج 1 ص 118، وانظر قول الصاحبين في تحفة ج 1 ص 154، الحجة ج 2 ص 182. (¬2) انظر تحفة ج 1 ص 154، الحجة ج 1 ص 182، المدونة ج 1 ص 120.

باب في أقل الوتر من الركعات

ورافع بن خديج وعبد الله بن عمر وبن العاص لما أسنَّ (أصبح مُسِنًّا)، واستحب تأخيره عمر وعليّ وابن مسعود ومالك. قلت: ويصلىِ الوتر لمن نام عنه ما لم يصل الصبح عند مالك ولا يقضي عنده بعد فوات وقته. رواه ابن القاسم عنه. وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أنهم قالوا: يمتد وقته إلى أن يصلِّي الصبح، وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. وعن طائفة أنه يصلِّي الوتر ولو صلَّى الصبح، حكاه ابن المنذر عن طاوس. وقال آخرون: يصلِّي الوتر وإن طلعت الشمس. حكاه ابن المنذر عن أبي ثور والأوزاعي. وعن سعيد بن جبير: يوتر ولو من الليلة القابلة (¬1). مج ج 3 ص 477. باب في أقل الوتر من الركعات مسألة (258) جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن أقل الوتر ركعة واحدة، رُوي ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي موسى الأشعري وعائشة ومعاوية ومعاذٍ القارئ بمشهدٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وهؤلاء قالوا: المستحب فيه أن يصلِّي ركعتين ثمَّ يسلم ثمَّ يوتر بركعةٍ. حكى هذا الموفق -رحمه الله-. وقال أبو حنيفة: هي ثلاث ركعات لا غير لا يفصل بينهما كهيئة المغرب لا يزيد عليها ولا ينقص، ومالك يقول: هي ثلاث لكن يَفصل بينهما، وممن أوتر بثلاث: عمر وعلي وأبي بن كعب وأنس وابن مسعود وابن عباس وأبو أمامة وعمر بن عبد العزيز وسائر أصحاب الرأي. وقال إسحاق: لا يصح إلا بثلاث ركعات أو أكثر، وبه يقول سفيان الثوري. ¬

_ (¬1) قال الموفق: قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسْأَلُ: أيوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر؟ قال: نعم. ورُوي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وفضالة بن عبيد وعائشة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعمرو بن شرحبيل، وقال أيوب السختياني وحميد الطويل: إن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر. قال الموفق: وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي. قلت: المعتمد في مذهب الشافعي هو كقول الجمهور. انظر في هذه المسألة الحاوي ج 2 ص 287، بداية ج 1 ص 264، مغ ج 1 ص 756، الحجة خ 1 ص 194، المدونة ج 1 ص 119.

باب في سنة القراءة في الوتر

حكاه عنه النووي (¬1). مج ج 3 ص 477. باب في سنة القراءة في الوتر مسألة (259) جمهور العلماء على أن سنَّة القراءة في الوتر لمن صلَّاها ثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثمّ ذهب الشافعي ومالك وداود إلى زيادة المعوذتين في الثالثة ونقله عياض عن جمهور العلماء. قلت: وكان مالك يعمل بهذا في خاصة نفسه ولا يفتي به أحدًا. وذهب أبو حنيفة والثوري وإسحاق وأحمد فيما حُكي عنه إلى الاقتصار على {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في الثالثة، ونقله الترمذي عن أكثر العلماء (¬2). مج ج 3 ص 479. باب في نقض (¬3) الوتر مسألة (260) أكثر العلماء على أن من صلى الوتر أول الليل ثم عَنَّ له أن يصلِّي من الليل فإن وتره لا ييطل ولا يحتاج إلى وتر جديد، حكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وسعد وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وهو قول طاوس وعلقمة والنخعي وأبي مجلز والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأبي ثور رحمهم الله تعالى. وقالت طائفة: ينقضه فيصلِّي في أول تهجُّده ركعة تشفع وتره الأول، ثمّ يتهجد ثمَّ يوتر وترًا جديدًا في آخر صلاته. حكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعليِّ بن أبي طالب وسعد وابن مسعود وابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - وعمرو بن ميمون وابن سيرين وإسحاق. قلت: وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله-. مج ج 3 ص 480، بداية في ج 1 ص 267. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 782، بداية ج 1 ص 262، الحاوي ج 2 ص 293، الحجة ج 1 ص 190، معاني الآثار ج 1 ص 277، المدونة ج 1 ص 120. (¬2) انظر الحاوي ج 2 ص 296، بداية ح 1 ص 264، المدونة ج 1 ص 120. (¬3) وسيأتي معناه في أصل المسألة أن شاء الله تعالى.

باب في التنفل بعد الوتر هل قال به أحد؟

باب في التنفُّل بعد الوتر هل قال به أحد؟ مسألة (261) أكثر أهل العلم بل عامتهم على أنه لا يُستحب لمن صلَّى الوتر أن يصلي بعده شيئًا من النوافل إلا لمن نام وقد صلَّى الوتر أول الليل ثمَّ عنَّ له أن يقوم أو يتهجَّد من آخر الليل (¬1). وسُئل أحمد عن الركعتين بعد الوتر اللتين جائتا في بعض الأحاديث. فما ترى فيها؟ فقال: أرجو إن فعله إنسان لا يضيق عليه، ولكن يكون وهو جالس كما جاء في الحديث. قلت (يعني السائل): تفعله أنت؟ قال (يعني أحمد): لا ما أفعله (¬2). مغ ج 1 ص 767. باب في المستحب المسنون في صلاة الليل من الركعات مسألة (262) أكثر أهل العلم على أن صلاة التطوع في الليل المستحب والمسنون فيها أن تصلي ركعتين ركعتين، يَفْصِلُ بين كل منهما بالسلام، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر، وحكاه النووي عن الحسن البصري وسعيد بن جبير (¬3). قلت: وصلاة نفل النهار هي كذلك عند مالك. ¬

_ (¬1) قلت: وليس شرطه أن ينام وإنما شرطه أن لا يتقصد التنفل بعد الوتر، وإنما هو شيء بدا له، وقد سُئل مالك عمن أوتر في المسجد ثمَّ يريد أن يتنفَّل في المسجد؟ قال: يترك قليلًا ثم يقوم يتنفَّل ما بدا له وكذلك كان جوابه لمن أوتر في المسجد ثمَّ انقلب إلى بيته وبدا له أن يركع (يصلي) ما شاء الله له. انظر. المدونة ج 1 ص 97. (¬2) قال الإِمام النووي -رحمه الله- بعدما ذكر حديث عائشة - رضي الله عنهما - المخُرَّجَ في صحيح مسلم في صلاة وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه "ثمَّ يقوم (تعني النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيصلي التاسعة، ثمَّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثمَّ يسلم تسليمًا يسمعنا، ثمَّ يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد". قال النووي: وهذا الحديث محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الركعتين بعد الوتر بيانًا لجواز الصلاة بعد الوتر، ويدل عليه أن الروايات المشهورة في الصحيحين عن عائشة مع رواية خلائق من الصحابة - رضي الله عنهم - في الصحيحين مصرحةٌ بأن آخر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل كانت وترًا .. ثم ساق جملة من هذه الأحاديث ثمَّ قال -رحمه الله- تعالى: فكيف يُظَنُّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه كان (- صلى الله عليه وسلم -) يداوم على ركعتين بعد الوتر؟!! وإنما معناه ما ذكرناه أولًا من بيان الجواز، وإنما بسطت الكلام في هذا الحديث لأني رأيت بعض الناس يعتقد أنه يستحب صلاة ركعتين بعد الوتر جالسًا ويفعل ذلك ويدعو الناس إليه، وهذه جهالة وغباوة [لعدم *] أُنْسِهِ بالأحاديث الصحيحة, وتنوع طرقها وكلام العلماء فيها، فاحذر من الاغترار به، واعتمد ما ذكرته أولًا وبالله التوفيق. اهـ انظر مج ج 3 ص 472. * هذه الكلمة كانت ساقطة من أصل نسخة المجموع وقد زادها المحقق المطيعي -رحمه الله- اجتهادًا فوجب التنبيه والله المستعان. (¬3) انظر مج ج 3 ص 501. المدونة ج 1 ص 98.

باب في راتبة الفجر هل قال أحد بوجوبها؟

وقال أبو حنيفة: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعًا (يعني لا يفصل بينهما) وإن شئت ستًّا، وإن شئت ثمانيًا. مغ ج 1 ص 761. باب في راتبة الفجر هل قال أحد بوجوبها؟ مسألة (263) جماهير العلماء على أن راتبة الفجر سنَّة مؤكدة ليست واجبةُ. ونقل القاضي عياض عن الحسن البصري -رحمه الله- القول بوجوبها (¬1). مج ج 3 ص 482. باب في الإسرار والجهر في راتبة الفجر مسألة (264) أكثر العلماء على أن المستحب في ركعتي الفجر (راتبة الفجر) هو الإسرار. وبه يقول مالك والشافعي. وقال آخرون: المستحب فيهما الجهر. وقال آخرون: هو بالخيار. بداية ج 1 ص 268. باب في الاضطجاع بعد راتبة الفجر وقبل أداء الفرض هل يُستحب؟ مسألة (265) جمهور العلماء على أن الاضطجاع (¬2) بعد راتبة الفجر وقبل الفرض ليس سنَّة. وذهب الشافعي إلى الاستحباب. مج ج 3 ص 483. باب في فعل السنن الرواتب (¬3) في السفر مسألة (366) أكثر العلماء على استحباب فعل الرواتب في السفر. ¬

_ (¬1) وقد حكى ابن رشد الاتفاق على أنها سنَّة ولعله فاته ما نقل عن الحسن البصري أو لم يثبت عنده، والله أعلم، انظر. بداية ج 1 ص 267، وانظر الحاوي ج 2 ص 281. (¬2) وهذا الاضطجاع فيه فوائد كثيرة أرجئه إلى الشرح إن شاء الله تعالى. (¬3) ستأتي هذه المسألة مفصلة في أبواب صلاة المسافر إن شاء الله تعالى.

باب في عدد ركعات التراويح في رمضان هل هي عشرون أم أكثر من ذلك؟

وقالت طائفة: لا يُستحب. مج ج 3 ص 486. باب في عدد ركعات التراويح في رمضان هل هي عشرون أم أكثر من ذلك؟ مسألة (267) جمهور العلماء على أن الأفضل في عدد ركعات التراويح في رمضان أن تكون عشرين ركعة، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وداود وغيرهم. وقال مالك: التراويح تسع ترويحات، وهي ست وثلاثون ركعةً غير الوتر. قال -رحمه الله-: هو الأمر القديم. رواه عنه ابن القاسم. قال الشافعي -رحمه الله-: ورأيتهم بالمدينة يقومون بستٍ وثلاثين ركعةً بسبع ترويحات، ويوترون بثلاث. قال -رحمه الله-: وأحبُّ إليَّ عشرون لأنه رُوي عن عمر بن الخطاب وكذلك (يعني بالعشرين) يقومون بمكة ويوترون بثلاثةٍ. هذا نصُّه بحروفه -رحمه الله- (¬1). مج ج 3 ص 486. باب في القراءة من المصحف في قيام رمضان للإمام وغيره هل يشرع؟ (¬2) باب في التراويح هل الأفضل فيها الجماعة أم الانفراد؟ مسألة (268) جماهير العلماء على أن فعل التراويح في جماعةً أفضل من الانفراد؟ ¬

_ (¬1) قلت: وكأنه الأمر المجمع عليه في خير القرون أن التراويح تُصلَّى بعشرين وبأكثر من عشرين وأن الأمر في ذلك واسع، وأما صلاة الناس في رمضان ثماني ركعات فمع أنه جائزُ وواسع إلا أن أكثر أهل الملة في زمان السَّلف كانوا على غير هذا على نحو ما ذكرناه ونقلناه عن مالك والشافعي في مكة والمدينة حيث العلماء والتابعون وتابعوا التابعين فظهر أن تشدد بعض العصريين في أمر ركعات التراويح وحصرها في ثماني ركعات ودعوة الناس إلى هذا بعيد كل البعد عن الفقه والأثر والله المستعان، وانظر في مسألة ركعات التراويح - مغ ج 1 ص 798، بداية ج 1 ص 274، الحاوي ج 2 ص 290، المدونة ج 1 ص 194. (¬2) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور، وعلماء السلف مختلفون فيها. كان مالك يوسع فيها للإمام في رمضان في التراويح ويكره ذلك في الفريضة. وثبت أن ذكوان كان يؤم عائشة - رضي الله عنهما - من المصحف، وعن الزهري قال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف في رمضان. انظر المدونة ج 1 ص 194. مج ج 4 ص24.

باب في صلاة الضحى هل أنكرها أحد؟

ذوأنَّ صلاة الليل في آخره أفضل من فعلها أوله. وهو مذهب أحمد (¬1). وقال رييعة ومالك وأبو يوسف وآخرون: الانفراد فيها أفضل. قلت: وذكره الشافعي -رحمه الله- (¬2). مج ج 3 ص 487، بداية ج 1 ص274. باب في صلاة الضحى هل أنكرها أحدٌ؟ مسألة (269) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن صلاة الضحى سنَّة مستحبَّة. وثبت عن ابن عمر أنه عدها بدعةً، وعن ابن مسعود نحوه. مج ج 3 ص 490. باب في ركعتي تحية المسجد مسألة (270) جمهور العلماء على أن من دخل المسجد في غير الأوقات المكروهة (¬3) سنَّ له صلاة ركعتين قبل أن يجلس، ولا يجب عليه ذلك. وقال أهل الظاهر هما واجبتان. بداية ج 1 ص 292. ¬

_ (¬1) قال أحمد -رحمه الله-: الجماعة في التراويح أفضل وإن كان رجل يُقتدي به فصلَّاها في بيته خِفْتُ أن يقتدي الناس به. حكاه الموفق عنه وقال: وبهذا قال المزني وابن عبد الحكم وجماعة من أصحاب أبي حنيفة. قال أحمد: كان جابر وعليٌّ وعبد الله يصلونها في جماعةٍ. قال الموفق: قال الطحاوي (أبو جعفر): كل من اختار التفرُّد ينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يُقْطَعُ معه القيامُ في المساجد فلا. قال الموفق: ويُروى نحو هذا عن الليث. ثم نقل -رحمه الله- عن مالك والشافعي أن قيام رمضان لمن قوى عليه في البيت أحب إليهما. قلت: وقد روى الأمام أبو جعفر الطحاوي نقولًا كثيرةً عن جماعة من السلف ممن كان يستحب الصلاة في رمضان وحده ثم قال: وذلك هو الصواب. انظر معاني الآثار مغ ج 1 ص 349، وانظر مغ ج 1 ص799. (¬2) قال الشافعي: وأما قيام رمضان فصلاة المنفرد أحبُّ إليَّ منه، ورأيتهم بالمدينة يقومون لتسع وثلاثين، وأحَبُّ إليَّ عشرون. انظر الحاوي ج 2 ص 290. قلت: قد وجَّه الإِمام الماورديُّ كلام الشافعي بتوجيهين حاصلهما إما لأن هناك من صلاة النافلة ما هو أوكد من التراويح كالوتر وسنة الفجر، وأما أن الانفراد أفضل بشرط أن لا تتعطل الجماعة كما ذكره الطحاوي وذكر غيره لما في الاتفراد من دواعي الإخلاص والبعد عن الرياء والسمعة, ولأنه أدعى لحضور القلب وغير ذلك. انظر الحاوي ج 2 ص 291. (¬3) أما إذا دخل في الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها؛ كأن يدخل بعد صلاة العصر وقد صلَّى هو العصر فالأئمة مختلفون في هذا، فالشافعي ومن وافقه يجيزوتها, وأبو حنيفة ومن وافقه يمنعنوها، وكذلك هناك؛ خلاف ضعيف في دخول المصلِّي المسجد والخطيب قائم على المنبر منع مالك من التركع في هذا الحال وأجازه غيره. انظر المدونة ج 1 ص 138، وانظر قول مالك في تحيه المسجد لغير المجتاز. المدونة ج 1 ص 97.

فصل في أبواب سجود التلاوة والشكر

فصل في أبواب سجود التلاوة والشكر باب في سجود التلاوة هل يجب شيء منه؟ مسألة (271) جمهور العلماء على أن سجود التلاوة سنَّة وليس واجبًا، وهو قول عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي وابن عباس وعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم. وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: سجود التلاوة واجب على القارئ وعلى المستمع (¬1). مج ج 3 ص 513. باب في سجدات المفصل مسألة (272) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على إثبات سجدات المفصل، وهي: النجم {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. قلت: وقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: ليس في المفصل منها شيء، والسجدات عند مالك إحدى عشرة سجدة "المص" و"الرعد" و"النحل" و"بني إسرائيل" و"مريم" و"الحج" في أولها و"الفرقان" و"الهدهد" يعني القصص و"آلم تنزيل السجدة" و"ص" و"حم تنزيل" (¬2). مج ج 3 ص 515. باب في اشتراط الطهارة لسجود التلاوة مسألة (273) جمهور العلماء على اشتراط الطهارة وسائر شرائط الصلاة لسجود التلاوة، وبه يقول كل من يحفظ عنه من فقهاء الأمصار (¬3). ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 652، وأنا لم أثبته في أصل المسألة لأن الموفق -رحمه الله- لم ينص صراحة على أنه قول الجمهور. انظر بداية ج 1 ص 295، 290، المدونة في ج 1 ص 106. قلت: وأهل الفقه يفرِّقون بين السامع لآية التلاوة، وبين المستمع لها؛ يعني الجالس أو المأموم يستمع لقراءة القارئ أو الإِمام فيسجد المستمع ولا يسجد السامع، وانظر قول مالك في هذا. المدونة ج 1 ص 107. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 105، وانظر بداية في ج 1 ص 292. (¬3) وكان مالك يستحب للرجل إذا قرأ سورة فيها سجدة وهو على غير وضوء أن يخطرفها (يتعداها) انظر المدونة ج 1 ص 106 قلت: والمسافر يكون على راحلته وهو على وضوء أو وهو في صلاة فيقرأ آية السجدة يومئ على راحلته وقبلته حيث توجَّهت به راحلته في قول أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم، وحاله كحال المتنفل على الراحلة في السفر. نقل هذا عن عليٍّ وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير - رضي الله عنهم - وروي عن عطاء والنخعي وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد. انظر مغ ج 1 ص 654، المدونة ج 1 ص81.

باب في التكبير لسجود التلاوة

وروي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في الحائض تسمع السجدة، تؤمي برأسها، وبه قال سعيد بن المسيب، قال ويقول: اللَّهم لك سجدت. وعن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه. مغ ج 1 ص 650، بداية ج 1 ص 56. باب في التكبير لسجود التلاوة مسألة (274) جمهور الفقهاء على أن الساجد للتلاوة يكبِّر إذا خفض للسجود ويكبِّر إذا رفع منه، وممن رُوي عنه التكبير لسجود التلاوة ابن سيرين والحسن وأبو قلابة والنخعي ومسلم ابن يسار وأبو عبد الرحمن السلمي وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. ووافق مالك الجمهور إذا كان الساجد للتلاوة في صلاة واختلف عنه إذا كان في غير صلاة، وروى ابن القاسم عنه أنه كان -رحمه الله- يُضَعِّفُ التكبير قبل السجود وبعد السجود، وروي عنه أنه قال بَعْدُ: أرى أن يكبِّر. قال ابن القاسم: وقد اختلف قوله فيه إذا كان في غير صلاة (¬1). بداية ج 1 ص 295. باب في الركوع هل يقوم مقام سجود التلاوة؟ مسألة (275) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن الركوع لا يقوم مقام سجود التلاوة. وقال أبو حنيفة: يقوم مقامه (¬2). مج ج 3 ص 525. ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 106، وانظر مغ ج 1 ص 650، ج 3 ص 518. (¬2) انظر مغ ج 1 ص 653 قلت: إلا أن يقرأ المصلِّي ويختم قراءته بآية سجدة فإنه مخيرٌ في هذا الحال بين أن يركع ويجزئه عن سجود تلاوته ويين أن يسجد للتلاوة فإذا سجد قام من سجدته وركع، وبه يقول كثيرون أو الأكثرون ممن بلغنا قولهم من أهل العلم، وهو قول عبد الله بن مسعود وعلقمة وعمرو بن شرحبيل ومسروق والربيع بن خيثم وإسحاق وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد، وقال آخرون: لا يجزئ الركوع عن تحصيل سنَّة سجود التلاوة، ورُوي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه إذا ركع بعد قراءته لآية السجدة وسجد بعد ذلك سقط بذلك عنه سجود التلاوة. قال النووي: ثم رُوي عنه أنه سقط في الركوع ورُوي بالسجود، وذكر النووي وجهًا في المذهب أنه إذا قام من سجود التلاوة فليس عليه أن ينتصب قائمًا ليركع بل له أن يقوم من سجوده لركوعه من غير انتصاب وغلط هذا الوجه. انظر مج ج 3 ص 516 مغ ج 1 ص 654.

باب في القارئ في الصلاة يمر بآية رحمة أو آية عذاب

باب في القارئ في الصلاة يمر بآية رحمة أو آية عذابٍ مسألة (276) جمهور العلماء من السلف ومن بعدهم على أنه يُستحب للقارئ في الصلاة إذا مرَّ بآية رحمةٍ أن يسأل الله ذلك، وإذا مرَّ بآية عذاب أن يستعيذ بالله من ذلك. وقال أبو حنيفة: يكره ذلك. قلت: ونحوه قال ملك في المأموم يسمع الإِمام يقرأ الآية فيها ذكر النار. قال: وإن تعوذ فسرًّا (¬1). باب في سجود الشكر لتجدد نعمة او اندفاع نقمة مسألة (277) أكثر العلماء على استحباب سجود الشكر عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمةٍ، وهو محكي عن أبي بكر الصديق وعليِّ بن أبي طالب وكعب بن مالك رضي الله تعالى عنهم، وحُكي كذلك عن إِسحاق وأبيِ ثور، وهو مذهب الليث والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر. وقالت طائقة بكراهته، منهم أبو حنيفة والنخعي ومالك في أشهر الروايتين عنه. وقال مالك في رواية: ليس هو سنة. مج ج 3 ص 523. * * * ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 104.

فصل في أبواب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

فصل في أبواب ما يفسِدُ الصلاة وما يكره فيها باب في التسبيح والتصفيق في الصلاة مسألة (278) جمهور العلماء على أن من نابه (عرض له) شيء في الصلاة فإن كان رجلًا سبَّحَ، وإن كان امرأة صفَّقت وسواء تعلق هذا الشيء بالصلاة أو لأمر خارجها وأنَّ من فعل هذا فإن صلاته تامة ولا تفسد، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم. ووافق أبو حنيفة الجمهور إذا كان الأمر يتعلَّق بالصلاة لتنبيه إمامه ونحوه ومنعه لغير ذلك. وذهب مالك إلى أن المرأة تسبح كالرجل، وحكاه ابن رشد عن جماعة لم يسمهم (¬1). مج ج4 ص 12. مغ ج 1 ص 707. باب في الالتفات اليسير في الصلاة مسألة (279) جمهور الفقهاء على أن الالتفات اليسير في الصلاة لا يبطل الصلاة ما لم يستدبر القبلة، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم. قال الموفق: قال ابن عبد البر: وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرًا. وقال الحسن: إن التفت عن يمينه وعن شماله فقد مضت (صحَّت) صلاته، وإن استدبر القبلة استقبل (أعاد) صلاته. قلت: ولم يحك الموفق -رحمه الله- من خالف الجمهور في هذا إلا أن ابن القاسم ذكر عندما سُئل عن قول مالك فيمن التفت بجميع جسده أنه لم يسأل مالكًا عن هذا ثمَّ قال: وذلك كله سواء، يعني لا تبطل صلاته ما لم يستدبر القبلة فلعلَّ هذا يبعد قليلًا عن معنى قول الجمهور، والله تعالى أعلم (¬2). مغ ج 1 ص 161. ¬

_ (¬1) وحكى ابن رشد اتفاق العلماء على أن المشروع للرجال التسبيح، وإنما الخلاف في المرأة على ما بيناه في مسألة الكتاب. انظر بداية في ج 1 ص257. قلت: قال ابن القاسم: كان مالك يُضَعِّفُ التصفيق للنساء ويقول قد جاء حديث التصفيق؛ ولكن قد جاء ما يدلُّ على ضعفه، ثمَّ قال ابن القاسم: وكان (مالك) يرى التسبيح للرجال والنساء جميعًا. انظر الدونة ج 1 ص 98. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 103.

باب في التكلم عمدا في الصلاة

باب في التكلم عمدًا في الصلاة مسألة (280) جمهور (الفقهاء) العلماء على أن من تكلم عمدًا في الصلاة فإنه يبطلها وسواء تكلم لمصلحة الصلاة أو لغير ذلك، وهو مذهب الشافعي. وقال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما والأوزاعي: لا تبطل إذا كان لمصلحة الصلاة (¬1). وحكى ابن رشد عن الأوزاعي أنه شذَّ قال: من تكلَّم في الصلاة لإحياء نفس أو لأمرٍ كبير فإنه يبني (¬2). مج ج 4 ص 15. باب في كلام الناسي في الصلاة مسألة (281) جمهور العلماء على أن من تكلم ناسيًا في الصلاة ولم يكثر كلامه فإن صلاته صحيحة لا تبطل، وبه قال العبادلة ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم، وبه قال كذلك عروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري والشعبي وقتادة وجميع المحدثين، وهو قول مالك والشافعي والأوزاعي وبه قال أحمد في روايةٍ وإسحاق وأبو ثور وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأحمد في روايةٍ تبطل. ووافق أبو حنيفة الجمهور في سلام الناسِيَ في أنه لا ييطها (¬3). مج ج 4 ص 16. باب في عد الآي (الآيات) في الصلاة مسألة (282) أكثر من بلغنا من أهل العلم على جواز عد الآي (الآيات) في الصلاة وأنه لا يفسد الصلاة. قال ابن المنذر: رخص فيه ابن أبي مليكة وأبو عبد الرحمن السلمي وطاوس وابن سيرين والشعبي والنخعي والمغيرة بن حكيم والشافعي وأحمد وإسحاق. ورواه الأثرم عن يحيى بن وثاب والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير. وكره ذلك أبو حنيفة. حكاه عنه ابن المنذر. مج ج 4 ص 29، مغ ج 1 ص 663. ¬

_ (¬1) قلت: قد اتفق العلماء في الجملة على أن الكلام عمدًا مما ليس من جنس أقاويل الصلاة ولا لمصلحتها أنه يبطل الصلاة، واختلفوا فيما سوى ذلك. (¬2) و (¬3) انظر بداية ج 1 ص 158.

باب في التسبيح والتحميد ونحوهما في غير موضعه في الصلاة هل يبطلها؟

باب في التسبيح والتحميد ونحوهما في غير موضعه في الصلاة هل يبطلها؟ مسألة (283) جمهور العلماء على أن التسبيح والتحميد وما شابههما من أذكار الصلاة إذا قيل في غير موضعه (ركوع أو سجود ونحوه) فإنه لا يبطل الصلاة، وسواء قصد بذلك التنبيه أو لم يقصد، وهو مذهب الشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور. قلت: وبه يقول مالك (¬1). وقال أبو حنيفة: إن قاله ابتداءً لم يبطل، وإن قاله جوابًا أبطل؛ لأنه كلام. مج ج 4 ص 19. باب في الفتح على الإِمام (تلقينه) إذا أرتج عليه هل يشرع؟ مسألة (284) أكثر العلماء على أن الفتح على الإِمام وتلقينه إذا غلط أو أرتج (نسي أو تردد) عليه مشروع مستحب ولا يفسد الصلاة، وبه قال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله تعالى عنهم وعطاء والحسن وابن سيرين وابن معقل ونافع بن جبير وأبو أسماء الرجي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. حكاه ابن المنذر عنهم وقال: وبالتلقين أقول: نقله عنه النووي. وزاد الموفق في هؤلاء فحكاه عن أبي عبد الرحمن السلمي. قال النووي: وكرهه ابن مسعود وشريح والشعبي والثوري ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة: تبطل الصلاة به (¬2). بداية ج 1 ص 194. باب في التبسم في الصلاة هل هو كالضحك؟ (¬3) مسألة (285) أكثر العلماء على أن التبسم لا يبطل الصلاة، وهو مذهب جابر بن عبد الله الصحابي رضي الله تعالى عنه، وهو قول عطاء ومجاهد والنخعي والحسن ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 98. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 103. مغ ج 1 ص 707، مج ج 4 ص 121. (¬3) حكى ابن رشد الاتفاق على أن الضحك ييطل الصلاة إذا كان قهقهة (يعني بصوت) انظر. بداية ج 1 ص 237.

باب فيمن أحدث في الصلاة من غير عمد هل يبني على صلاته إذا توضأ أم يستأنف؟

وقتادة والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. قلت: وهو مذهب مالك وأحمد. وذهب ابن سيرين إلى أنه يبطل الصلاة كالضحك قال -رحمه الله-: لا أعلم التبسّم إلا ضحكًا (¬1). مغ ج 1 ص 705. مج ج 4 ص 19. باب فيمن أحدث في الصلاة من غير عمدٍ هل يبني على صلاته إذا توضأ أم يستأنف؟ مسألة (286) جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من أحدث في صلاته من غير عمدٍ انتقض وضوؤه فإذا توضأ لتوِّه فإنه ييني على ما مضى من صلاته، ولا يستأنف الصلاة من جديد، وبه قال عمر بن الخطاب وعليٌّ وابن عمر. حكاه عنهم ابن الصباغ، ورواه البيهقي عن سلمان الفارسي وابن عباس وابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاوس وأبي إدريس الخولاني وسليمان بن يسار وغيرهم. قلت: وبه قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي والشافعي في القديم من مذهبه. وقال آخرون: لا يجوز البناء، بل يستأنف (يعيد) صلاته من جديد، وبة قال المسور بن مخرمة الصحابي - رضي الله عنه - ومالك وابن شبرمة والشافعي في الجديد وأحمد في الصحيح من مذهبه (¬2). قلت: وحكى ابن رشد هذا المذهب عن الجمهور إلا في الرعاف. (نزول الدم من أنفه) مج ج 4 ص 5. باب في الأكل أو الشرب عمدًا في الصلاة النافلة (¬3) مسألة (287) أكثر الفقهاء بل جمهمورهم على أن من أكل أو شرب في صلاة ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 237، وانظر المدونة ج 1 ص 98. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 101 قلت: ولا أدري هل عني ابن رشدٍ هذه المرة جمهور العلماء أم غير ذلك. انظر بداية ج 1 ص 235. (¬3) هذا الخلاف المحكي في المسألة هو في صلاة النافلة، أما صلاة الفريضة فالإجماع بين أهل العلم على بطلان الصلاة بالأكل أو الشرب عمدًا. حكى هذا الإجماع ابن المنذر ونقله عنه النووي وابن قدامة. مج ج 4 ص 21، مغ ج 1 ص 712. قلت: إلا في اليسير من الطعام كالذي يكون بين الأسنان فيبلعه المصلي فبين العلماء خلاف في هذا قال مالك إنَّ ذلك لا يكون قاطعًا لصلاته. انظر المدونة ج 1 ص 103.

باب في من خالف فجهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر

ال نفل عامدًا فإن صلاته تبطل، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في أصح الروايتين. وقال أحمد في روايةٍ: لا يبطلها، ورُوي عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع، وعن طاوس أنه لا بأس به، وقال به إسحاق. قال ابن المنذر: لا يجوز ذلك، ولعلَّ من حكى ذلك عنه فعله سهوًا. مج ج 4 ص 21، مج ج 1 ص 713. باب في من خالف فجهر في موضع الإسرار أو أسرَّ في موضع الجهر مسألة (288) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر فإن صلاته لا تبطل، وبه قال الحسن وعطاء وسالم ومجاهد والقاسم والشعبي وعلقمة والأسود والأوزاعي والشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد والثوري وأبو ثور وإسحاق (¬1). ورُوي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه جهر في الظهر والعصر ولم يسجد. وقال ابن أبي ليلى: إذا أسرَّ في موضع الجهر أو عكس بطلت صلاته. مغ ج 1 ص 683، مج ج 4 ص 49. باب في المصلي يُسلَّم عليه كيف يفعل؟ مسألة (289) جمهور العلماء على أن من كان في صلاةٍ فسلَّم عليه أحدٌ فإنه لا يرد عليه باللفظ (بالكلام) وإنما يرد عليه بالإشارة، وليس ذلك واجبًا عليه فإن خالف فرد عليه بالكلام (باللفظ) بطلت صلاته، ويُستحب لمن ردَّ على المسلِّم عليه في الصلاة وقد ردَّ عليه إشارة أن يردَّ عليه باللفظ إذا قضى صلاته (أنهى صلاته)، وبهذا الذي ذكرناه من أنه يرد إشارة قال ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) ثم اختلف هؤلاء رحمهم الله تعالى في سجود السهو عن فعل هذا؛ فذهب أكثرهم إلى أنه لا يشرع له سجود السهو ولا يلزمه، وبه قال الحسن وعطاء وسالم ومجاهد والقاسم والشعبي وعلقمة والأسود والأوزاعي والشافعي وأحمد في روايةٍ، وذهب أبو حنيفة ومالك والثوري وأبو ثور وأحمد في روايةٍ وإسحاق إلى أنه يسجد للسهو. انظر مغ ج 1 ص 683، مج ج 4 ص 49.

باب في صلاة من كف شعره أو ثوبه ونحو ذلك

وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وسعيد بن المسيب والحسن البصري وقتادة: يردُّ عليه في صلاته لفظًا. وقال عطاء والثوري: يردُّ بعد فراغه من صلاته سواء كان المسلِّمُ حاضرًا أم لا، ورُوي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -. وقال النخعي: يرُّد بقلبه. وقال أبو حنيفة: لا يرد لا لفظًا ولا إشارة (¬1). مج ج 4 ص 33. باب في صلاة من كفَّ شعره أو ثوبه ونحو ذلك مسألة (290) جمهور العلماء على كراهية الصلاة مع كَفِّ شَعْرٍ أوْ ثوب أو نحو ذلك، وسواء فعل ذلك لأجل الصلاة أم لغير ذلك. وقال مالك: يكره ذلك إذا فعل شيئًا مما ذُكر لأجل الصلاة وأما من كان على هيئته تلك قبل الصلاة ثمَّ دخل في صلاته فلا بأس به (¬2). مج ج 4 ص 27. باب في صلاة الحاقن (المدافع للأخبثين البول والغائط) مسألة (291) عامة أهل العلم في المشهور عنهم أن صلاة الحاقن مكروهة ولا تبطل بمدافعة الأخبثين. وقال بعض الأصحاب في المذهب الشافعي: إن ذهب خشوعه بطلت صلاته. وقال أهل الظاهر ببطلان الصلاة مع المدافعة مطلقًا. قلت: وروى ابن القاسم عن مالك أن الحاقن يعيد صلاته في الوقت وخارجه (¬3). مج ج 4 ص 34، بداية ج 1 ص 238. ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة المدونة ج 1 ص 98، بداية ج 1 ص 238. (¬2) انظر قول مالك في المدونة ج 1 ص 95. (¬3) انظر المدونة ح 1 ص 39، بداية ج 1 ص 238. قلت: إلا الشيء الخفيف الذي لا يشغل فلا يبطل الصلاة عند مالك. انظر المصدر السابق في المدونة.

باب في الاتكاء على العصي في صلوات النوافل

باب في الاتكاء على العصي في صلوات النوافل مسألة (292) جمهور العلماء على جواز الاتكاء على العِصِيِّ في الصلوات النوافل وحكى عن ابن سيرين كراهته. وقال مجاهد: ينقص من أجره بقدره. مج ج 3 ص 220. باب في الاتكاء على العصي ونحوها في الصلوات الفرائض مسألة (293) جمهور العلماء على عدم جواز الاتكاء على شيء في الصلوات الفرائض كالعصا أو الجدار ونحو ذلك بحيث لو لم يتكئ لسقط، وأن صلاته تبطل بذلك إلا للمضطر كالمريض ونحوه فيجوز له ذلك، وهو أفضل في حقِّه من الجلوس. وأجاز جماعة من الصحابة والسلف الاتكاء مطلقًا منهم أبو ذرٍ وأبو سعيد الخدري - رضي الله عنهم -. مج ج 3 ص 220. * * *

فصل في أبواب سجود السهو

فصل في أبواب سجود السهو (¬1) باب في من قرأ في غير موضع القراءة هل يسجد للسهو؟ مسألة (294) عوام أهل العلم على أنه لا سجود للسهو على من قرأ القرآن في غير موضع القراءة، وهو قول العلماء كافة إلا رواية عن أحمد وهو المعتمد في المذهب عند الشافعية. مج ج 4 ص 47. باب في السجود السهو للزيادة وللنقصان مسألة (295) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن سجود السهو يشرع للزيادة كما يشرع للنقصان. وقال علقمة والأسود: لا يسجد للزيادة. مج ج 4 ص 48. باب في من سها في أكثر من موضعين كم مرة يسجد للسهو؟ مسألة (296) أكثر العلماء على أن من سها في صلاله أكثر من مرةٍ فإنه يجزئه سجود للسهو واحد (يعني سجدتين)، وهو قول إبراهيم النخعي ومالك والشافعي ¬

_ (¬1) من المسائل المهمة التي اختلف فيها الفقهاء والتي كان مدرك الخلاف فيها اختلاف الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسألة موضع السجود هل هو قبل السلام أم بعده، لخصها ابن رشد في أربعة مذاهب. الأول: سجود السهو يكون أبدًا قبل السلام في الزيادة وفي النقصان، وبه قال الشافعي. الثاني: يكون أبدًا بعد السلام، وبه قال أبو حنيفة. الثالث: إن كان في النسيان (النقصان) فهو قبل السلام وإن كان في الزيادة فهو بعد السلام، وهو مذهب مالك. الرابع: ما سجد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل السلام فهو قبل السلام، وما سجد فيه - صلى الله عليه وسلم - بعد السلام فهو بعد السلام وإلا فسجوده أبدًا قبل السلام، وبه قال أحمد، ثم نقل ابن رشد مذهبًا خامسًا عن أهل الظاهر وهو أنه لا يسجد إلا في المواضع الخمسة التي ورد أنه سجد فيها - صلى الله عليه وسلم - فيفعل كما فعل وما سوى هذا فلا سجود للسهو فيه. انظر بداية ج 1 ص 251. والمواضع التي سجد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة: قام من اثنتين وسلَّم من اثنتين وصلُّى خمسًا وسلم من ثلاث وسجد للشك، هكذا حكاها ابن رشد. انظر بداية ج 1 ص 253. قلت: وبمذهب الشافعي قال أبو هريرة وسعيد بن المسيب والزهري وربيعة والأوزاعي والليث بن سعد وبمذهب أبي حنيفة قال عليٍّ وابن مسعود وعمار - رضي الله عنهم - والثوري، وبه قال أيضًا الحسن والنخعي وابن أبي ليلى، وقد حكى الإمام الماورديُّ اتفاق الكل على جوازه قبل السلام وبعده لكن الاختلاف في الأولى. قلت: هذا ما قاله الماورديُّ وأرجو أن يكون كذلك. انظر مغ ج 1 ص 673. الحاوي ج 2 ص 214.

باب في سجود السهو لمن قعد لما يقام له وعكسه

والثوري والليث وأحمد وأصحاب الرأي. وقال الأوزاعي: إذا سها سهوين سجد مرتين (يعني أربع سجدات) (¬1) مج ج 4 ص 55، مغ ج 1 ص 693. باب في سجود السهو لمن قعد لما يُقام له وعكسه مسألة (297) جمهور أهل العلم على أن سجود السهو يشرع لمن قام في موضع القعود أو قعد في موضع القيام، وإليه ذهب ابن مسعود - رضي الله عنه - وقتادة والثوري والشافعي وإسحاق واصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد. وقال علقمة والأسود: لا سجود فيه. مغ ج 1 ص 676. باب في من نسى الجلوس للتشهد الأول واستوى قائمًا هل يرجع؟ مسألة (298) أكثر الفقهاء على أن المصلِّي إذا نسي الجلوس للتشهد الأول واستوى قائمًا وشرع في قراءته فإنه لا يجوز له العود للتشهد، بل يمضي في صلاته ثم يسجد للسهو، رُوي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان ابن بشير وابن الزبير وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي. قلت: ومذهب إبراهيم النخعي وأحمد كمذهب الجمهور إلا أن يتذكر قبل شروعه في القراءة فيعود في هذا الحال للتشهد، وأبى ذلك الشافعي -رحمه الله- فقال: إن انتصب قائمًا حرم عليه العود للتشهد، وفي مذهبه إن عاد بطلت صلاته، ونقل النووي عن عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه موافقتهم للشافعي في تحريم العود للتشهد إذا انتصب قائمًا. ¬

_ (¬1) قلت: في المسألة تفصيل: إن كان قد سها سهوين أو أكثر من جنس واحدٍ كفاه سجود واحد، وحكى الموفق في المغني نقلًا عن ابن النذر اتفاق العلماء على هذا. فالله أعلم، وأما إذا سها سهوين أو أكثر من جنسين مختلفين فالجمهور أنَّه يكفيه سجود واحد وهو المذكور في مسألة الكتاب، وبه قال أحمد في روايةٍ، وقال في أخرى: لابد له من أربع سجدات (يعني سجودين)، وقال الأوزاعي وابن أبي حازم وعبد العزيز بن أبي سلمة: إذا كان عليه سجودان أحدهما قبل السلام والآخر بعده سجدهما في محليهما (يعني واحد قبل السلام والآخر بعده). انظر مغ ج 1 ص 693.

باب في الإمام يتحمل السهو عن المأموم

وقال مالك: إن كان للقيام أقرب لم يعد وإلا عاد. وقال الحسن البصري: إن ذكره قبل الركوع عاد وإلا فلا (¬1) مغ ج 1 ص 677، بداية ج 1 ص 255. باب في الإمام يتحمل السهو عن المأموم مسألة (299) عوام أهل العلم على أن الإِمام يتحمل سهو المأموم وأن المأموم لا يشرع له سجود السهو إذا كان غير مسبوق (يعني كان موافقًا لإمامه) ولا يشرع كذلك للإمام أن يسجد عن سهو مأمومه سواء كان المأموم موافقًا أو مخالفًا (مسبوقًا) (¬2). وقال مكحول: يسجد المأموم لسهو نفسه. مج ج 4 ص 56، مج ج 1 ص 695، بداية ج 1 ص 256. باب في الإمام يسهو هل يسجد المأموم معه للسهو؟ مسألة (300) جمهور العلماء على أن الإِمام إذا سها فسجد للسهو لزم المأموم أن يتابع إمامه في ذلك. وقال ابن سيرين: لا يلزمه، وبه قال إسحاق (¬3). مج ج 4 ص 58. باب في الرجل يشك لا يدري كم صلى كيف يفعل؟ مسألة (301) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من شكَّ في صلاته فلم يدرِ كم صلى فإنه يبني على ما استيقن ويسجد للسهو قبل السلام. المنفرد والإمام سواء في ذلك. رُوي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وشريح والشعبي وعطاء وسعيد بن جبير، وبه قال سالم بن عبد الله وربيعة ومالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ¬

_ (¬1) انظر ج 4 ص 53، وانظر قول مالك في المدونة. فإنه قال إذا نسي الجلوس حتى نهض عن الأرض قائمًا واستقل عن الأرض فَليْتَمَادَ قائمًا ولا يرجع جالسًا وسجوده لسهوه قبل السلام. ج 1 ص130. (¬2) أما إذا كان المأموم مخالفًا للإمام في عدد الركعات (مسبوقًا) فإن سها بعد ما سلم الإمام وإذا قضى المأموم صلاته سجد للسهو وهل يسجد للسهو إذا سها قبل سلام إمامه؟ أم يتحمله الإمام؟ فيه نظر. (¬3) حكى ابن رشد اتفاق العلماء على أن المأموم يتبع إمامه في سجوده للسهو إذا كان موافقًا لإمامه (غير مسبوق) وأما المسبوق ففي المسألة تفصيل واختلاف. انظر بداية ج 1 ص 257.

باب في أصل سجود السهو هل هو واجب؟

والثوري والشافعي وإسحاق والأوزاعي. وقال آخرون: يبني على غالب ظنه المنفرد والإمام في ذلك سواء، رُوي ذلك عن عليِّ بن أبي طالب وابن مسعود، وبنحوه قال النخعي وأصحاب الرأي. ورُوي عن أحمد أن هذا في الإِمام خاصة، أما المنفرد فيبني على ما استيقن. وقالت طائفة: إذا شكَّ فليس عليه رجوع إلى يقين ولا تحرٍّ وإنما عليه السجود (¬1). مغ ج 1 ص 667، في ج 4 ص 37. باب في أصل سجود السهو هل هو واجب؟ مسألة (302) جماهير العلماء على أن سجود السهو سنَّة ليس بواجب وسواء في ذلك الزيادة والنقصان. وقال أبو حنيفة: هو واجب وليس شرطًا في صحَّة الصلاة فلو تركه أثم وصحت صلاته. وقال الإِمام مالك: هو واجب في النقص دون الزيادة. وقال أحمد: هو واجب في الزيادة وفي النقصان (¬2). مج ج 4 ص 61. باب في سجود السهو في الفرض وفي النفل مسألة (303) جماهير العلماء على أن سجود السهو يشرع إذا وجد سببه في كل صلاة. سواء كانت فرضًا أو نفلًا. وقال ابن سيرين: لا يشرع في صلاة النفل. مج ج 4 ص 64، مغ ج 1 ص 698. باب في من صلَّى المغرب أربعًا. ماذا يفعل؟ مسألة (304) جمهور العلماء على أن من سها فصلَّى المغرب أربعًا فحقه أن يسجد للسهو ثمّ يسلم لا غير، وبه يقول علقمة والحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 258. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 250.

باب في المسبوق هل عليه سجود للسهو إذا لم يوجد سببه؟

وقال قتادة والأوزاعي: يلزمه الإتْيَان بركعة أخرى لتصير صلاته وترًا ثم يسجد للسهو وتكون الركعتان الزائدتان تطوعًا. وقال أبو حنيفة: إن ذكر قبل أن يسجد جلس للتشهد، وإن ذكر بعد السجود وكان جلس عقيب الرابعة قدر التشهد صحت صلاته، ويضيف إليهما أخرى (يعني ركعة أخرى) لتكون نافلة فإن لم يكن جلس في الرابعة بطل فرضه وصارت صلاته نافلةً، ولزمه إعادة الصلاة، وقال نحوه حماد بن أبي سليمان (¬1). مج ج 4 ص 65. باب في المسبوق هل عليه سجود للسهو إذا لم يوجد سببه؟ مسألة (305) جماهير العلماء على أن المأموم المسبوق إذا سلَّم إمامه قام فأتم ما فاته، ولا يشرع سجود للسهو إلا أن يوجد سببه. وحكي عن ابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - أنهم قالوا في المسبوق إذا أدرك وترًا من صلاة إمامه يتم ما فاته ثمَّ يسجد للسهو، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق (¬2). مج ج 4 ص 66، مغ ج 1 ص 697. * * * ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 684. (¬2) قالوا لأنه جلس للتشهد في غير موضعه. انظر مغ ج 1 ص 697.

فصل في أبواب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها (صلاة النافلة)

فصل في أبواب الساعات التي نُهي عن الصلاة فيها (صلاة النافلة) (¬1) باب في وقت الكراهة في صلاة الصبح مسألة (306) جمهور العلماء على أن وقت الكراهة في صلاة الصبح يدخل بمجرد طلوع الفجر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد. وهو أحد الأوجه لأصحاب الشافعي. وذهب أصحاب الشافعي في الصحيح المعتمد عندهم إلى أن وقت الكراهة لا يدخل إلا بأداء صلاة الفجر (¬2). مج ج 4 ص 68. باب في قضاء الفوائت في الأوقات المنهي عنها مسألة (307) جمهور الفقهاء على جواز قضاء الفوائت في الأوقات المنهى عنها. رُوي ذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه، وبه قال أبو العالية وإبراهيم النخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وهو مذهب الشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى أجمعين. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: تُباح الفوائت بعد الصبح والعصر، ولا تُباح في الأوقات الثلاثة الأخرى إلا عصر يومه فتباح عند اصفرار الشمس (¬3). مج ج 4 ص70. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد الاتفاق على ثلاثة أوقات. من لدن (من وقت) أن تُصلَّي الصبح حتى تطلع الشمس، ووقت طلوعها ووقت غروبها. واختلفوا في وقتين: الزوال وبعد العصر. انظر بداية ج 1 ص 132. (¬2) قلت: ثم المنع من التنفل بعد طلوع الفجر سوى ركعتي سنة صلاة الصبح قيده طائفة من السلف بصلاة الوتر إذا لم تُصَلَّ حتى طلع الفجر، وقد مرت هذه المسألة في أبواب صلاة الوتر وأن طائفة جوزوا فعل الوتر بعد الفجر وقبل صلاة الفجر وأن الظاهر من حكاية أقوالهم أنهم لم يعتبروا هذا الفعل قضاء وإنما اعتبروه أداءٌ موسعًا وبعضهم أطلق، وبعضهم قيده بغير المتعمدين من أصحاب الأعذار وقد ذكرنا في محله أن جماعة وسَّعوا في أمر الوتر إلى غير هذا الذي ذكرناه فانظره في محله. قال الموفق ابن قدامة: ورُوي عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر فقال: لنعم ساعة الوتر هذه. وروى عن عاصم (أظنه عاصمًا الأحول التابعي) قال: جاء ناسٌ إلى أبي موسى فسألوه عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن (يعني لصلاة الفجر) قال: لا وتر له، فأتوا عليًا فسألوه، فقال: أغرق في النزع، الوتر ما بينه وبين الصلاة. قال الموفق: وأنكر ذلك عطاء والنخعي وسعيد بن جبير، وهو قول أبي موسى على ما حكينا. انظر مغ ج 1 ص 756. قلت: انظر قول الجمهور في هذه المسألة في محله. (¬3) انظر مغ ج 1 ص 748، بداية ج 1 ص 134.

باب في وقت النهي عن التنفل بعد صلاة العصر

باب في وقت النهي عن التنفل بعد صلاة العصر مسألة (308) جماهير العلماء على أن النهي عن صلاة النافلة بعد صلاة العصر مطلق وغير مقيد بوقت اصفرار الشمس أو غروبها. قلت: ونقل ابن المنذر عن طائفة كثيرة من أهل العلم من الصحابة والتابعين الترخيص في التنفل بعد العصر، وأن النهي منحصر في تحري طلوع الشمس وغروبها. رُوي هذا عن عليٍّ والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان بن بشير وأبي أيوب الأنصاري وعائشة، وفعله الأسود بن يزيد وعمر وميمون ومسروق وشريح وعبد الله بن أبي الهزيل وأبو بردة وعبد الرحمن بن الأسود وابن البيلماني والأحنف بن قيس، قال الموفق بن قدامة -رحمه الله-: وحكى عن أحمد أنه قال: لا نفعله ولا نعيب فاعله، وذلك لقول عائشة - رضي الله عنها -: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها. رواه مسلم. وقول عليٍّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا صلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة". قلت: ومذهب مالك اعتبار اصفرار الشمس (¬1). مغ ج 4 ص 71. باب في صلاة الجنازة في الأوقات المنهي عنها مسألة (309) جمهور أهل العلم على النهي عن صلاة الجنازة عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها، روي هذا عن جابر وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وبه قال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية. قلت: ومذهب مالك في وقت اصفرار الشمس ووقت غروبها، وفي وقت الإسفار بعد الصبح ووقت طلوعها. لا تُصلِّي عنده الجنائز في هذه الأوقات إلا أن يُخشى على الميت من التلف وقت الإسفار ووقت اصفرار الشمس. وقال الشافعي وأحمد في رواية بالجواز (¬2). مغ ج 1 ص 749. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 755، بداية ج 1 ص 134. (¬2) انظر مج ج 4 ص70، المدونة ج 1 ص 171.

تابع لقضاء الفوائت

تابع لقضاء الفوائت (¬1) باب من نسي صلاة من يوم ولا يعرف عينها مسألة (310) أكثر أهل العلم على أن من نسي صلاةً من يومٍ ولا يعرف عينها ظهرًا أو عصرًا أو غير ذلك لزمه قضاء صلوات يوم وليلةٍ، أي خمس صلوات، وهو مذهب الشافعي وأحمد غيرهما، وذكر النووي وجهًا في المذهب وهو أنه يلزمه صلاة أربع ركعات، وينوي الفائتة، ويجلس في ركعتين ثم يجلس في الثالثة ثمَّ يجلس في الرابعة، وحكاه صاحب المهذب أبو إسحاق الشيرازي عن المزنى. قلت: ولم يحك الموفق في المغني من خالف الجمهور في هذا فلينظر في قول المزني -رحمه الله- (¬2). مغ ج 1 ص 646. * * * ¬

_ (¬1) قلت: وأما ترتيب قضاء الفوائت فمسألة فيها خلاف شديد والقائل بوجوب الترتيب أكثر ممن لم يشترطه، قال باشتراط الترتيب النخعي والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والليث وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وروي عن ابن عمر ما يدل على هذا. وقال بعدم الوجوب مع الاستحباب: طاوس والحسن ومحمد بن الحسن وأبو ثور وداود وهو مذهب الشافعي. انظر مغ ج 1 ص 641، مج ج 3 ص 68. (¬2) هذا الباب مع مسألته كان الأليق به في أول كتاب الصلاة بعد مسألة قضاء الصلوات المتروكات عمدًا ولو تسنَّى للطابع أن ينقلها مع مراعاة ترقيم المسائل لكان أمرًا حسنًا مشكورًا عليه.

فصل في أبواب صلاة الجماعة

فصل في أبواب صلاة الجماعة باب في حكم صلاة الجماعة مسألة (311) جمهور العلماء على أن صلاة الجماعة للفرائض الخمس ليست فرضًا على الأعيان بل سنَة مؤكدة، وبه يقول مالك والثوري وأبو حنيفة، ومذهب الشافعي أنها فرض على الكفاية، وعلى الأعيان كقول الجمهور. قلت: وكل من سبق يقول لا يصحُّ أن تعطل الجماعات في المساجد فظهر أنَّه لا فرق بين مذهب الشافعي وبين من ذكرناهم والله أعلم. وقال عطاء والأوزاعي وأحمد وأبو ثور والمزني وابن المنذر: هي فرض على الأعيان لكنها ليست شرطًا لصحة الصلاة، رُوي نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -. وقال داود: هي فرض على الأعيان وشرط لصحة الصلاة، وبه قال بعض أصحاب أحمد -رحمه الله- (¬1). مج ج 4 ص 77، بداية ج 1 ص 186. باب في المرأة العجوز (¬2) تحضر صلاة الجماعة مسألة (312) جمهور الفقهاء على أنه لا يكره للمرأة العجوز شهود شيء من صلوات الجماعة. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يكره إلا في الفجر والعشاء والعيد. باب في المشي بالسكينة لمن قصد صلاة الجماعة مسألة (313) أكثر العلماء على أنه يُستحب لقاصد الجماعة في المسجد أن يأتيها بسكينة ولا يسرع سواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا، وهو مذهب زيد بن ثابت وأنس بن مالك ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 2 ص 2، 3. قلت: حكى ابن رشد عن الجمهور أنها سنَّة أو فرض كفاية. انظر بداية ج 1 ص 186. (¬2) أما المرأة الشابة فكره كثير من أهل العلم حضورها الجماعة لكنها لا تُمنع، وكره الشافعي لها حضور الصلوات في الجماعة مطلقًا حتى في العيد ورخَّص للمتجالة والعجوز، وقريب من ذلك مذهب مالك في صلوات الجماعة.

باب في إدراك الركوع مع الإمام

رضي الله تعالى عنهما. وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر. وقال ابن مسعود وابن عمر - رضي الله عنهما - والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد التابعيان وإسحاق بن راهويه: إذا خاف فوت تكبيرة الإحرام أسرع. مج ج 4 ص 91، بداية ج 1 ص 198. باب في إدراك الركوع مع الإمام مسألة (314) جماهير العلماء على أن من أدرك الإِمام وهو راكع فركع معه مطمئنًا أنه يدرك الركعة بذلك. وذهبت طائفة يسيرة إلى أنه لا يدرك الركعة، وهو منقول عن أبي بكر بن خزيمة وأبي بكر الصِبْغي، وحُكي هذا عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. حكاه عنه ابن رشد. وحُكي عن الشعبي أنه يدرك الركعة ولو رفع الإِمام من الركوع إذا أدرك بعض المأمومين ولما يرفعوا من الركوع بَعْدُ. مج ج 4 ص 100، بداية ج 1 ص 243. باب فيمن فاته الركوع مع الإمام مسألة (315) جمهور العلماء على أن من لم يدرك الإِمام في الركوع فقد فاتته الركعة. وقال زفر: تُحسب إن أدركه في الاعتدال. مج ج 4 ص 101. باب في الكلام بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة مسألة (316) جمهور العلماء على أنه لا يُكره الكلام بعد الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام والأولى تركه إلا لحاجة. وكرهه أبو حنيفة وغيره من الكوفيين. مج ج 4 ص 110.

باب في الاستخلاف للإمام إذا حزبه أمر

باب في الاستخلاف للإمام إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ مسألة (317) جمهور العلماء على جواز الاستخلاف للإمام إذا حَزَبَهُ أمرٌ. وبه قال عمر بن الخطاب وعليٌّ رضي الله تعالى عنهما وعلقمة وعطاء والحسن البصري والنخعي والثورى ومالك وأصحاب الرأي وأحمد في روايةٍ. قلت: وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى. وقال أحمد في روايةٍ ببطلان صلاة المأمومين، وعدم جواز الاستخلاف. قال أبو بكر الأثرم: تبطل صلاتهم روايةً واحدةً (¬1). مج ج 4 ص 126. * * * ¬

_ (¬1) قال الموفق ابن قدامة: لأن أحمد قال: كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف وجَبُنْتُ عنه. انظر مغ ج1 ص 374.

فصل في أبواب الإمامة وصفة الأئمة

فصل في أبواب الإمامة وصفة الأئمة باب في اقتداء المأموم بمن يخالفه في فروع الفقه مسألة (318) أكثر العلماء بل جمهورهم على صحة اقتداء المأموم بمن يخالفه في الفروع الاجتهادية، وعلى هذا مضى حال فقهاء الصحابة والتابعين ومن بعدهم وأن العبرة في صحة صلاة الجماعة إنما هي باعتقاد الإِمام ومذهبه. وذكر القاضي روايةً عن أحمد بالمنع (¬1). مغ ج 2 ص 27. باب في اجتماع الرجل والصبي والمرأة مع الإِمام كيف يقفون؟ مسألة (319) أكثر أهل العلم على أنه لو اجتمع مع الإِمام رجلٌ واحدٌ وصبيٌّ واحد وامرأة واحدة فإنه يقف الرجل والصبي خلف الإِمام والمرأة من خلفهما. وقال الحسن البصري: يقومون متواترين بعضهم خلف بعض (¬2). مغ ج2 ص 36. باب في إمام الجمعة يكون مسافرًا مسألة (320) جمهور العلماء على صحة صلاة الجمعة خلف الإِمام المسافر وهو مذهب الشافعي وغيره من الأئمة رحمهم الله تعالى. ونقل العبدري عن زفر وأحمد أنها لا تصحُّ. مج ج 4 ص 131. باب في إمام الجمعة يكون عبداً مسألة (321) جمهور العلماء على صحَّة صلاة الجمعة خلف العبد، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو المشهور في المذهب الشافعي. وقال مالك: لا تصح، وهو رواية عن أحمد. مج ج 4 ص 131. ¬

_ (¬1) وذكر النووي وجوها في المذهب ثمَّ جعل أصحها أن العبرة باعتقاد المأموم. انظر مج ج 4 ص 164. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 86.

باب في الصلاة خلف الفساق والمبتدعة

باب في الصلاة خلف الفُسَّاقِ والمبتدعة مسألة (322) جمهور العلماء على صحَّة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع الذي لا يُكَفَّرُ ببدعته (¬1). وهو مذهب الشافعي. وفرَّق أحمد بين المعلن ببدعته الداعية إليها, وبين المُسِرِّ ولم يفرِّق بين البدعة المكفِّرة وبن البدعة غير المكفِّرة، فأوجب الإعادة على من صلَّى خلف المعلن، وأما غير المعلن فعنه في ذلك روايتان. وقال مالك: لا تصح وراء فاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني، وبه قال أحمد. قلت: واختلف عن مالك في أهل الأهواء والبدع، فمرة توقف، ومرة قال: يُصلي خلفهم، ولعله توقف في طائفة معينة ولم يتردد قوله في آخرين، وهذا هو الظاهر من نقل ابن القاسم عنه (¬2). مج ج 4 ص 134. باب في المرأة تكون إمامًا للرجال هل صحح إمامتها أحد؟ مسألة (333) جماهير العلماء من السلف والخلف على عدم صحة إمامة المرأة للرجال، الفرض والنفل في ذلك سواء. وهو مذهب فقهاء المدينة السبعة التابعين، ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان وأحمد وداود. وقال أبو ثور والمزني وابن جرير: تصحُّ صلاة الرجال وراءها (¬3). مج ج 4 ص 136، مغ ج 2 ص 33، بداية ج 1 ص 192، الحاوي ج 2 ص 326. ¬

_ (¬1) أما الفرق بين الاعتقادات المكفرة وبين الاعتقادات غير المكفرة. فأرجع إلى كتابنا "القانون في عقائد الفرق الإِسلامية" تجد فيه إن شاء الله تعالى ما يشفي ويكفي، وهذا الكتاب يعتبر سَبقًا علميًا لأنه الأول في بابه من حيث وضع قانون كليٌّ يرجع إليه المختلفون من أصحاب المقالات والفرق الإِسلامية لا يعتمد على قال فلان أو ذهب فلان، وإنما هو قانون مبني على قواعد النظر والاستدلال واللغة العريية وكليات الكتاب والسنة التي تواطأ عليها المسلمون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ عصر الصحابة والتابعين معًا وحسب، وهذا الكتاب فوق أنه قانون ومنهاج إلا أنه في الوقت نفسه دعوة علمية صادقة لا عواطف فيها ولا مجاملات أو مداهنات للوحدة بين المسلمين والعمل بمقتضيات العقيدة وترك للمراء والجدل. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 84، مغ ج 2 ص 20، 23، الحاوي ج 2 ص 328، بداية ج 1 ص 191. (¬3) انظر في هذه المسألة المدونة ج 1 ص 85.

باب فيمن صلى محدثا (على غير وضوء) متعمدا هل يكفر؟

باب فيمن صلى مُحْدِثًا (على غير وضوء) متعمدًا هل يكفر؟ مسألة (324) جمهور العلماء على عدم تكفير من صلَّى مُحْدِثًا متعمدًا بل هو آثم فاسق إلا أن يستحل ذلك فيكفر، وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: يكفر لتلاعبه واستهزائه. مج ج 4 ص 142. باب في صلاة المتوضئ خلف المتيمم مسألة (325) جمهور العلماء على صحة صلاة المتوضئ خلف المتيمم الذي لا يقضي، وهو قول ابن عباس وعمَّار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري وحماد بن أبي سليمان ومالك والثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وكره ذلك عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وربيعة ويحيى الأنصاري وإبراهيم ومحمد بن الحسن. وقال الأوزاعي: لايؤمهم إلا أن يكون أميرًا أو يكونوا متيممين مثله. مج ج 4 ص 144. باب في إمامة العبد للعبيد وغيرهم مسألة (326) جمهور العلماء على عدم كراهة إمامة العبد للعبد وللأحرار ولكن الحر أولى. وهو مذهب الشافعي، قال الموفق -رحمه الله-: هذا قول أكثر أهل العلم ورُوي عن عائشة - رضي الله عنهما -، أن غلامًا لها كان يؤمها (¬1). وقال أبو مجلز التابعي: تُكره إمامته مطلقًا وهي رواية عن أبي حنيفة. وقال الضحاك: تُكره إمامته للأحرار ولا تُكره للعبيد. وقال مالك: لا يؤمهم إلا أن يكون قارئًا وهم أميون (¬2). قلت: قيده مالك في رواية ابن القاسم في السفر (¬3). ¬

_ (¬1) قال الموفق: وصلَّى ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر وراء أبي سعيد مولي أبي أُسَيْد وهو عبدٌ، وممن أجاز ذلك: الحسن والشعبي والنخعي والحكم والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. انظر مغ ج 2 ص 29. (¬2) القارئ: هو الذي يحسن قراءة ما يجب أن يقرأ في الصلاة كالفاتحة وتكبيرة الإحرام والتشهد أعني الجزء المفروض منه والأميّ هو خلافه. (¬3) انظر المدونة ج 1 ص 85.

باب في إمامة ولد الزنا

باب في إمامة ولد الزنا مسألة (327) جمهور العلماء على عدم كراهة إمامة ولد الزنا، وهو قول عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنهما - وعطاء والحسن والزهري والنخعي وعمرو بن دينار وسليمان بن موسى والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وابن المنذر. وقال أصحاب الرأي: لا تجزئ الصلاة خلفه، حكاه عنهم الموفق ابن قدامة. وكرهه مجاهد وعمر بن عبد العزيز، وحكاه الموفق عن الشافعي. قلت: وهو غلط (¬1). وقال مالك والليث: يكره أن يكون إمامًا راتبًا (¬2). مج ج 4 ص 165. باب في المأموم إذا كان واحدًا أين يقف من الإمام؟ مسألة (338) عوام أهل العلم على أن المأموم إذا كان رجلًا واحدًا أو صبيًا مميزًا يعقل أمر الصلاة فإنه يقف عن يمين الإِمام. وحُكي عن سعيد بن المسيب أنه يقف عن يساره. وعن النخعي أنه يقف وراءه إلى أن يريد الإِمام أن يركع، فإن لم يجيء مأموم آخر تقدم فوقف عن يمينه (يمين الإِمام) (¬3). مج ج 4 ص 168، مغ ج 2 ص 43، بداية ج 1 ص 196، الحاوي ج 2 ص 339. باب في الجماعة في غير المسجد مسألة (339) جمهور العلماء بل جماهيرهم على أنه يُشترط لصحة الجماعة في غير المسجد ألا تطول المسافة بين الإِمام والمأموم، وهو مذهب الشافعي. وقال عطاء: يصحُّ مطلقًا وإن طالت المسافة ميلًا وأكثر إذا علم المأموم صلاة إمامه. مج ج 4 ص 181. ¬

_ (¬1) حكى الموفق في المغني عن الشافعي كراهته إمامة ولد الزنا وقد ذكر النووي ما ذكره الشيخ حامد والعبدري من القول بالكراهة (يعني أنه منسوب للشافعي) وغلَّطَهُما فيه وذكر أن إمامة غير ولد الزنا أولى منه إن وجد وقال -رحمه الله-: ولا يقال إنه مكروه. انظر قول الموفق مغ ج 2 ص 59، وانظر قول النووي مج ج 4 ص 165. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 85. (¬3) انظر المدونة ج 1 ص 86.

باب في الطريق يحول بين الإمام وبين المأمومين إذا كانوا في غير المسجد

باب في الطريق يحول بين الإِمام وبين المأمومين إذا كانوا في غير المسجد مسألة (330) أكثر أهل العلم على صحة اقتداء المأمومين بالإمام في غير المسجد إذا حال بينهما طريق، وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يصح. مج ج 4 ص 181. باب في الإمام يقرأ الفاتحة هل يقول هو آمين؟ مسألة (331) جمهور الفقهاء على أن الإِمام إذا انتهى من قراءة الفاتحة قال: آمين. وهو مذهب الشافعي وأحمد، وبه يقول مالك في رواية المدنيين عنه. وقال مالك في رواية ابن القاسم والمصريين: لا يؤمن هو، وإنما التأمين للمأمومين (¬1). بداية ج 1 ص 193. باب في صلاة المنفرد خلف الصف هل تصحُّ؟ مسألة (332) جمهور العلماء على صحة صلاة المنفرد خلف الصفِّ مع الكراهة، حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي وحكاه غيره عن زيد بن ثابت الصحابي - رضي الله عنه - والثوري وابن مالك وداود. قلت: وهو مذهب الشافعي. وقالت طائفة: لا تجوز صلاته، حكاه ابن المنذر عن النخعي والحكم والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق. قال ابن المنذر: وبه أقول. قال النووي: والمشهور عن أحمد وإسحاق أن المنفرد خلف الصفِّ يصحُّ إحرامه، فإن دخل في الصف قبل الركوع صحَّت قدوته، وإلا بطلت صلاته. قلت وذكر الموفق تفصيلًا غير هذا. قلت: وقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: من صلى خلف الصفوف وحده فإن صلاته تامةٌ مجزئةٌ عنه ولا يَجْبِذْ إليه أحدًا. قال ابن القاسم: فقلت لمالك: أفيجبذ إليه ¬

(¬1) انظر المدونة ج 1 ص 73.

رجلًا من الصفِّ؟ قال: لا. وكره ذلك. قال -رحمه الله-: وقال مالك: لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد (¬1). بداية ج 1 ص 197، الحاوي ج 2 ص340. * * * ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 1 ص 102، مج ج 4 ص 171، مغ ج 2 ص 63.

أبواب صلاة المريض

أبواب صلاة المريض (¬1) باب في الرجل يفتتح صلاته قاعدًا ثم يقدر على القيام مسألة (333) جمهور العلماء عل أن من افتتح صلاته عاجزًا لمرض ونحوه قاعدًا ثم قدر على القيام فإنه يقوم ويتمُّ صلاته وما مضى من صلاته صحيح وصلاته تامة. وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي. قلت: وبه قال ابن القاسم صاحب مالك، وهو المذهب عنده (¬2). وقال محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: تبطل صلاته. مج ج 4 ص 188. * * * ¬

_ (¬1) لا يختلف أهل العلم على أن المريض يصلي حسب حاله في الصلاة, فما قدر عليه من الأركان أن يأتي به على وجهه فعله، وما عجز عنه فعل المستطاع منه وإلا أومأ برأسه. انظر المدونة ج ص 75. (¬2) انظر المدونة ج 1 ص 77. قلت: وهاهنا مسألة مهمة لا إجماع فيها اختلف فيها العلماء, وهي مسألة صلاة القائم الصحيح خلف الإِمام المريض القاعد، وهي ملخصة في ثلاثة مذاهب، الأول: يصلي المأمومون خلفه قائمين، وتصح صلاتهم وصلاته، ولا تجوز صلاتهم خلفه قاعدين، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأبو ثور والحميدي وبعض أصحاب مالك، وهو مذهب الشافعي. الثاني: يصلُّون خلفه جلوسًا، نُقِل هذا عن أربعة من الصحابة أسيد بن حضير وجابر وقيس بن فهد وأبي هريرة، وبه قال الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق وأحمد وابن المنذر. الثالث: لا تصح صلاتهم خلفه مطلقًا لا جالسين ولا قائمين، وبه قال مالك في رواية، وهو قول محمَّد بن الحسن، وأومأ أحمد إلى بطلان صلاة القائم خلف القاعد لإخلاله بالمتابعة، وإنما الواجب عنده أن يصلي خلفه قاعدًا. انظر في هذه المسألة المهمة مغ ج 2 ص 47، مج ج 4 ص 145، بداية ج 1 ص 207. قلت: ولا خلاف يُعلم في صحة صلاة العاجز القاعد خلف الإِمام الصحيح القائم.

فصل في أبواب صلاة المسافر

فصل في أبواب صلاة المسافر باب في قصر الصلاة في السفر بدون خوف هل يُكره؟ مسألة (334) جمهور العلماء على جواز قصر الصلاة في السفر ولو بدون خوف ولا كراهة في ذلك، وهو مذهب الشافعي. وكرهه بعض السلف. رُوي هذا عن عائشة رضي الله تعالى عنها (¬1). مج ج 4 ص 189، بداية ج 1 ص 219. باب في قصر الصلاة الرباعية في السفر ركعتين مسألة (335) جمهور العلماء على أن الصلاة الرباعية تقصر في السفر فتصلَّى ركعتين بخوف وبدون خوف، وبه يقول الشافعي وسائر الأئمة. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: الصلاة في الخوف ركعةٌ واحدة وحُكي هذا عن الحسن البصري -رحمه الله- كذلك (¬2). مج ج4 ص 189. باب في رخصتي القصر والجمع هل يجب شيء منهما في السفر؟ مسألة (336) أكثر العلماء على أن القصر والإتمام في السفر كلاهما جائز وأن القصر أفضل، هذا قول عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعائشة وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وبه يقول الحسن البصري ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود. ورواه البيهقي عن سلمان الفارسي في اثني عشر من الصحابة، وعن أنس بن مالك والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وسعيد بن المسيب وأبي قلابة رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم أجمعين. وقال أبو حنيفة والثوري وآخرون: القصر واجب، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وجابر وعمر بن عبد العزيز ومالك في رواية وأحمد. ¬

_ (¬1) وحكى الموفق ابن قدامة الإجماع في هذه المسألة. انظر مغ ج 2 ص90. (¬2) انظر بداية ج1 ص 233. قلت: وقول ابن عباس أخرجه مسلم في صحيحه قال: الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع، وفي السفر ركعتان، وفي الخوف ركعة واحدة. وأخرجه غير مسلم.

باب في القصر في السفر المباح والسفر في المعصية

قال أبو حنيفة: فإن صلَّى أربعًا وقعد بعد الركعتين قدر التشهد صحَّت صلاته؛ لأن السلام ليس بواجب عنده وتقع الأخيرتان نفلًا، وإن لم يقعد هذا القدر بعد الركعتين فصلاته باطلة (¬1). مج ج 4 ص 198، مغ ج 2 ص 107، 108، 110. باب في القصر في السفر المباح والسفر في المعصية مسألة (337) جماهير العلماء على جواز القصر في السفر المباح وغيره، إلا أن يكون سفر معصيةٍ فلا يجوز حينئذٍ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: لا يجوز القصر إلا في سفر حج أو غزو وفي رواية عنه لا يجوز إلا في سفر طاعةٍ، ولا يُشترط كونه واجبًا، وبه قال عطاء في روايةٍ. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والثوري والمزني: يجوز القصر في سفر المعصية وغيره (¬2). مج ج 4 ص 202، مغ ج 2 ص 99، 101، قرطبي ج 5 ص 355، 356. باب في المسافر يشرع في القصر إذا جاوز بنيان بلده هل يجوز قبل ذلك؟ مسألة (338) جماهير العلماء على عدم جواز الشروع في قصر الصلاة للمسافر حتى يجاوز المسافر بنيان بلده وإن غادر منزله وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وذهب البعض إلى جواز القصر مذ أنشأ السفر ولو كان في داره، ورُوي عن الحارث ابن أبي رييعة أنه أراد سفرًا فصلَّى بهم ركعتين في منزله وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحدٍ من أصحاب ابن مسعود. قال القرطبي: وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى. وذهب البعض إلى جواز القصر إذا غادر حيطان منزله. مج ج 4 ص 205، مغ ج 2 ص 96، بداية ج 1 ص 223، قرطبي ج 5 ص 356. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 220. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 222.

باب في الرجل يسافر ليلا أو نهارا متى يبدأ بالترخص؟

باب في الرجل يسافر ليلًا أو نهارًا متى يبدأ بالترخص؟ مسألة (339) أكثر أهل العلم بل عامتهم على أن المسافر إذا غادر بنيان بلده جاز له الترخص بالقصر سواء سافر ليلًا أو نهارًا. وقال مجاهد: مسافر الليل يترخص إذا دخل النهار، ومسافر النهار يترخص إذا دخل الليل. مغ ج 2 ص 97. باب في المسافة التي يشرع فيها قصر الصلاة في السفر مسألة (340) أكثر أهل العلم بل جمهورهم على أنه لا يجوز القصر في مطلق السفر؛ بل لابد من مسافة لجواز القصر، وأكثرهم على أنه لا يجوز القصر في أدنى من مسيرة يوم تام. قال ابن المنذر: عامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام، وبه نأخذ، وبه قال الأوزاعي. ورُوي عن جماعة من السلفى رحمهم الله ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم. فقال الأوزاعي: كان أنس يقصر فيما يينه وبين خمسة فراسخ، وكان قبيصة بن ذؤيب وهانىء بن كلثوم وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس. وذهب جماعة إلى أنه لا يجوز القصر في أقل من مسيرة يومين وهي أربعة بُرُدٍ أو ستة عشر فرسخًا أو ثمانية وأربعون ميلًا هاشمية (حوالي 81 كيلو مترًا) وبه قال ابن عمر وابن عباس والحسن البصري والزهري ومالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال آخرون: لا يجوز القصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام، وبه يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وسويد بن غَفَلة والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن بن صالح والثوري وأبو حنيفة، وعن أبي حنيفة أنه يجوز في يومين وأكثر الثالث وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقال داود: يقصر في طويل السفر وقصيره. قال الشيخ أبو حامد: حتى قال (يعني داود): لو خرج إلى بستان خارج البلد قصر. ورُوي عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه فقال: أردت أن أعلمكم سننكم. وعن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط - رضي الله عنه - إلى قرية على رأس

باب في نية القصر عند الإحرام

سبعة عشر ميلًا أو ثمانية عشر ميلًا فصلى ركعتين فقلت له؟ فقال: رأيت عمر بن الخطاب يصلِّي بالحليفة ركعتين وقال: إنما فعلت كما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل. رواه مسلم. ورُوي أن دحية الكلبي خرج من قرية من دمشق مرةً إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس وكره آخرون أن يفطروا؛ فلمَّا رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظن أني أراه، إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يقول ذلك للذين صاموا قبل. رواه أبو داود (¬1). مغ ج 2 ص 91، 92. باب في نية القصر عند الإحرام مسألة (341) أكثر العلماء على أنه يشترط لصحة قصر الصلاة أن ينوي نية القصر عند الإحرام للصلاة، وهو مذهب الشافعي وغيره. وقال المزني: لو نواه في أثناء صلاته ولو قبل السلام جاز القصر. وقال أبو حنيفة: لا تجب نية القصر. مج ج 4 ص 208. باب في القصر والإتمام في السفر أيُّهما أفضل؟ مسألة (342) جمهور الفقهاء (¬2) على أن القصر في السفر أفضل من الإتمام، وبه قال مالك وأحمد وسائر الأئمة. وقال الشافعي في أحد قوليه: الإتمام أفضل. مغ ج 2 ص 110. باب في رخصة الجمع في السفر وقت النزول ووقت السير (¬3) مسألة (343) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديمًا وتأخيرًا للمسافر نازلًا وسائرًا، وبه قال عطاء وجمهور علماء ¬

_ (¬1) انظر مج ج 4 ص 191، بداية ج 1 ص 221. (¬2) يعني القائلين بعدم وجوب القصر وهم جمهور العلماء كما مرَّ. (¬3) هذه المسألة في قول من يجيز الجمع في السفر وهم الجمهور، وسيأتي أصل مسألة الجمع في السفر.

باب في صلاة المسافر خلف المقيم هل يقصر أو يتم؟

المدينة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق وابن المنذر (¬1). وذهبت طائفة إلى أن جواز جمع التأخير إلى وقت الثانية إنما يجوز للمسافر السائر في وقت الأولى وأما إذا كان نازلاً فإنما يجوز له الجمع تقديمًا أي في وقت الأولى. ورُوي هذا عن سعد وابن عمر - رضي الله عنه -. وبه قال عكرمة وأحمد في إحدى الروايتين. مغ ج2 ص 114. باب في صلاة المسافر خلف المقيم هل يقصر أو يتم؟ مسألة (344) جمهور العلماء على أن المسافر إذا اقتدى بمقيم ولو في جزءٍ من صلاته فإنه يجب عليه أن يصلَّي صلاة المقيمين ولا يجوز له القصر. وهذا محكيٌّ عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - وجماعة من التابعين، وبه يقول الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور وسائر أصحاب الرأي. وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وقتادة ومالك: إن أدرك ركعة فأكثر لزمه الإتمام وإلا فله القصر. وقال طاوس والشعبي وتميم بن حزام: إن أدرك ركعتين معه أجزأتاه (يعني أجزأتاه قصراً). وقال إسحاق بن راهويه: له القصر خلفى المتمِّ بكل حال، فإن فرغت صلاة المأموم تشهَّد وحده وسلم وقام الإِمام إلى باقي صلاته، وحُكي مثل هذا عن طاوس والشعبي وداود (¬2). مج ج 4 ص 112. باب في الرجل تفوته الصلاة في الحضر فيريد أن يقضيها في السفر مسألة (345) جمهور العلماء على أن من فاتته صلاة في الحضر فأراد قضاءها في السفر فعليه أن يصليها تامةٍ من غير قصر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وقال الحسن البصري والمزني: يقصر (¬3). مج ج 4 ص 224. ¬

_ (¬1) قلت: ثم ذهب هؤلاء إلى أن الأفضل أن تصلي الثانية مع الأولى في وقت الأولى إذا كان نازلاً والعكس إذا كان مسافراً. انظر مج ج 4 ص 228، بداية ج1 ص 227. (¬2) انظر مغ ج 2 ص 128، بداية ج 1 ص 248. (¬3) وقد نقل الموفق في المغني عن الإمام أحمد وابن المنذر الإجماع في هذه المسألة، ولعله لم يصلهما أو لم يثبت عندهما قول الحسن البصري والمزني، لكن المسألة فيها خلاف بلا شك. انظر مغ ج 2 ص 126.

باب في الرجل تدركه الصلاة حاضرا ثم يسافر قبل خروج وقتها

باب في الرجل تدركه الصلاة حاضًرا ثم يسافر قبل خروج وقتها مسألة (346) جمهور العلماء على أن من أدركته الصلاة في الحضر ثمَّ سافر ولم يخرج وقت الصلاة فله أن يقصرها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ والأوزاعي (¬1). وقال المزني وأبو العباس بن سريج: لا يجوز. وبه قال أحمد في روايةٍ. مج ج 4 ص 224، مغ ج 2 ص 127. باب في الجمع في السفر هل قال أحدٌ بعدم جوازه؟ مسألة (347) جمهور العلماء من السَّلف والخلف على جواز الجمع في السفر المباح بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت الأولى تقديمًا أو في وقت الثانية تأخيرًا، وهو محكي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وابن عمر وابن عباس وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهم- وهو قول طاوس ومجاهد وعكرمة وزيد ابن أسلم وربيعة ومحمد بن المنكدر وأبي الزناد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال الحسن البصري ومحمد بن سيرين ومكحول وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وبعض أصحابه: لا يجوز الجمع بسبب السفر بحالٍ، وإنما يجوز في عرفات في وقت الظهر، وفي المزدلفة في وقت العشاء بسبب النسك للحاضر والمسافر، وحكى هذا القول عن المزني كذلك. مج ج 4 ص 226، مغ ج 2 ص 112، بداية ج 1 ص 225. باب في الجمع في الحضر من غير عذر هل يجوز؟ مسألة (348) جمهور العلماء على أنه لا يجوز الجمع في الحضر من غير عذرٍ كمرض أو مطر أو خوف، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وقالت طائفة: يجوز بدون عذرٍ. قلت: ورُوي هذا عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. ¬

_ (¬1) وكذا إن أدرك شيئًا من وقتها في السفر لكنه لم يصلِّها حتى خرج الوقت بشرط أن يكون قد نوى نية الجمع وأن تكون من الصلوات التي يصحُّ فيها الجمع، وإلا أتم وجاز له قضاؤها قصرًا.

باب في الجمع في الحضر بسبب المطر

وقال ابن سيرين: يجوز للحاجة ما لم يتخذه عادةً (¬1). مج ج 4 ص 238، مغ ج 2 ص 121، بداية ج 1 ص 228. باب في الجمع في الحضر بسبب المطر مسألة (349) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز الجمع بين الصلاتين في مسجد الجماعة بسبب المطر. وبه قال ابن عمر وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وسائر فقهاء المدينة السبعة ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. قلت: ثمَّ ذهب أكثر هؤلاء إلى أن هذا جائز فقط بين المغرب والعشاء في وقت الأولى دون الظهر والعصر. وقال أبو حنيفة وأصحاب الرأي: لا يجوز، وهو قول المزني من أصحاب الشافعي (¬2). مغ ج 2 ص 116. باب في فعل النوافل في السفر مسألة (350) جماهير العلماء على استحباب فعل النوافل في السفر، وهو مذهب القاسم بن محمَّد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقالت طائفة: لا يصلي النوافل في السفر، وهو مذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنه تعالى عنهما. قلت: ورُوي عنه أنه قال لو أردت أن أتطوع في السفر لأتممت أو نحو هذا (¬3). مج ج 4 ص256. ¬

_ (¬1) قال مالك في المريض إذا كان أرفق به أن يجمع بين الصلوات جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر إلا أن يخاف أن يغلب على عقله (يُغمى عليه) فيجمع قبل ذلك عند الزوال ويجمع بين المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق، إلا أن يخاف أن يُغلب على عقله فيجمع قبل ذلك عندما تغيب الشمس، وإنما ذلك (يعني الرخصة) لصاحب البطن أو ما أشبهه من المرض أو صاحب العلة الشديدة التي تضرُّ به أن يصلي في وقت كل صلاةٍ، ويكون هذا أرفق به أن يجمعهما لشدة ذلك عليه. ا. هـ قلت: ثمَّ علل سحنون صاحب مالك هذا الذي قاله مالك -رحمه الله- بأن الجمع بين الصلاتين في السفر إنما كان للشدة والتعب في السفر، فالمريض أتعب وأشد عليه أن يصلي الصلاة لوقتها فكان أولى بهذه الرخصة من المسافر. قلت: وهو قياس صريح. انظر المدونة ج 1 ص 111. (¬2) وانظر مج ج 4 ص 238، مغ ج 2 ص 117، بداية ج 1 ص 292. (¬3) انظر مغ ج 2 ص 141.

فصل في أبواب صلاة الخوف

فصل في أبواب صلاة الخوف باب في عدد ركعات صلاة الخوف مسألة (351) مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم الأئمة الأربعة أن صلاة الخوف كالصلاة في الأمن من حيث عدد الركعات لكل صلاة، الصبح ركعتان والظهر أربع وكذا العصر والعشاء، والمغرب ثلاث، فإذا انضم للخوف السفر المعتبر في الشرع جاز في صلاة الخوف قصر الرباعية كما في صلاة المسافر سواءً بسواء. ورُوي هذا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - والنخعي والثوري. وذهب عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن البصري والضحاك وإسحاق بن راهويه إلى أن صلاة الخوف ركعة لا غير (¬1). وحُكي هذا القول كذلك عن جابر بن عبد الله الصحابي رضي الله تعالى عنه وطاوس، وحكى الجمهور عن هؤلاء رحمهم الله تعالى أن صلاة الخوف ركعة على المأموم والإمام، وحكى الشيخ أبو حامد عنهم أن الفرض على الإِمام في الخوف ركعتان وعلى المأموم ركعة، والله تعالى أعلم. مج ج 4 ص 259، مغ ج 2 ص 270. باب في الرخصة في صلاة الخوف مسألة (352) مذهب الجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن صلاة الخوف رخصة ثابتة باقية إلى يوم القيامة وليست مختصة بزمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن مختصة بحضور النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تُنسخ في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم. وذهب أبو يوسف وإسماعيل بن علبة ومحمد بن الحسن (¬2) إلى أنها كانت مختصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن يصلي معه، وذهبت بوفاته - صلى الله عليه وسلم - وحكى ابن رشد عنه أنها ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 233، الحاوي ج 2 ص 460. قال الموفق ابن قدامة: قال أبو داود في السنن: وهو مذهب ابن عباس وجابر قال: إنما القصر ركعة عند القتال، وقال طاوس ومجاهد والحسن وقتادة والحكم كذا يقولون: ركعة في شدة الخوف يومئ إيماءً. وقال إسحاق: يجزئك عند الشدة ركعةُ تومئ إيماءً، فإن لم يقدر فسجدة واحدة، فإن لم يقدر فتكبيرة؛ لأنها ذكر لله تعالى، وعن الضحاك أنه قال: ركعة، فإن لم يقدر كبَّر تكبيرة حيث كان وجهه. انظر. مغ ج 2 ص270. (¬2) حكاه عنه الماوردي. انظر الحاوي ج 2 ص 459.

باب في تأخير الصلاة لشدة الخوف هل يجوز؟

لا تُصلَّى بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بإمام واحدٍ، وإنما تُصلَّى بعده - صلى الله عليه وسلم - بإمامين يصلي واحدٌ منهما بطائفةٍ ركعتين، ثمَّ يصلِّي الآخر بطائفةٍ أخرى -وهي الحارسة- ركعتين أيضًا وتحرس التي قد صلَّت. وقال المزني: كانت ثمَّ نُسخت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. مج ج 4 ص 259، مغ ج 2 ص260، بداية ج 1 ص230، قرطبي ج 5 ص 364. باب في تأخير الصلاة لشدة الخوف هل يجوز؟ مسألة (353) مذهب الجمهور أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها حتى يدخل وقت الصلاة التي بعدها لا في شدة الخوف ولا في غيره وإنما يصلِّي في شدة الخوف ولو في الالتحام على الهيئة المعروفة في مواطنها مسايفين ومقاتلين راجلين وراكبين متوجهين إلى القبلة وغير متوجهين. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: إذا التحم القتال جاز التأخير، وحكاه ابن رشد عن طائفةٍ من فقهاء الشام. قال: لا يصلِّي أحد في حال المسايفة، ولا يصلِّي الخائف إلا إلى القبلة. مج ج 4 ص 286، مغ ج 2 ص270، بداية ج 1 ص 231، 234، قرطبي ج 5 ص 369، الحاوي ج 2 ص 470. باب في جواز صلاة الخوف مسألة (354) مذهب الجماهير أن صلاة شدة الخوف جائزة وحكى البعض فيها الإجماع. وحكى الشيخ أبو حامد عن البعض أنها لا تجوز بل يجب تأخير الصلاة حتى يزول الخوف. قلت: وهو قول أبي حنيفة. مج ج 4 ص 286, بداية ج 1 ص 234. باب في حمل السلاح في صلاة الخوف مسألة (355) أكثر أهل العلم على أنه لا يجب حمل السلاح في صلاة الخوف.

وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأصحاب أحمد. وقال الشافعي في قوله الآخر وداود: يجب. مغ ج 2 ص 267. * * *

فصل في أبواب ما يكره لبسه وما لا يكره

فصل في أبواب ما يُكره لبسه وما لا يكره باب في لبس الحرير والتحلي بالذهب للنساء مسألة (356) يجوز للنساء لبس الحرير والتحلِّي بالفضة وبالذهب كالخاتم والحلقة والسوار والخلخال والطوق والعقد والقلائد وغيرها، هذا مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومذهب الأئمة الأربعة، وقد حكى كثير من العلماء الإجماع على هذا، وذهبت طائفة يسيرة من المتقدمين ووافقهم بعض العصريين إلى تحريم الذهب على النساء إذا كان سميكًا. مج ح 2 ص 294، 295. باب في النقش على الخاتم مسألة (357) مذهب الجمهور جواز نقش الخاتم بما فيه ذكر الله تعالى ولا كراهة في ذلك، وهو مذهب سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه ومالك والشافعي رحمهم الله تعالى. وكره بعضهم ذلك منهم ابن سيرين لخوف امتهانه. مج ج 4 ص 303. باب في خاتم الفضة للنساء مسألة (358) مذهب الجماهير جواز خاتم الفضة للنساء ولا كراهة فيه. وقال الخطابي: يُكره لها خاتم الفضة؛ لأنه من شعار الرجال. مج ج 4 ص 304. * * *

فصل في أبواب صلاة الجمعة

فصل في أبواب صلاة الجمعة (¬1) باب في سقوط الجمعة عن المسافر مسألة (359) أكثر العلماء على عدم وجوب الجمعة على المسافر (¬2) وهو مذهب الأئمة الأربعة. وقال إبراهيم النخعي والزهري: تجب عليه إذا سمع النداء، وهو مذهب داود الظاهري وأصحابه. مج ج 4 ص 313، مغ ج 2 ص 173، بداية ج 1 ص 207. باب في سقوط الجمعة عن العبيد مسألة (360) جمهور العلماء على أن الجمعة لا تجب على العبد ولا المكاتب وكذا المدبر قال ابن المنذر: وهو قول عطاء والشعبي والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل الكوفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور. قلت: وهو مذهب الشافعي. ¬

_ (¬1) حكى غير واحد من العلماء الإجماع على وجوب صلاة الجمعة وأنها فرض على الأعيان الحاضرين المقيمين غير أصحاب الأعذار ومن نقل هذا الإجماع وحكاه ابن قدامة والنووي والماوردى وابن العربي وحكاه العربي عن ابن المنذر لكن ابن رشد حكى خلافًا ضعيفًا في هذه المسألة. فقال: أما وجوب صلاة الجمعة على الأعيان فهو الذي عليه الجمهور لكونها بدلًا من واجبٍ وهو الظهر ثمَّ قال -رحمه الله-: وذهب قوم إلى أنها من فروض الكفايات، وعن مالك رواية شاذة: أنها سنَّة. قال: والسبب في هذا الاختلاف تشبيهها بصلاة العيد لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن هذا يوم جعله الله عيدًا". قلت: وهو حديث أخرجه مالك مرسلًا وأخرجه الطبري وغيره وحكى النووي عن بعض الأصحاب نقلًا عن القاضي أبي الطيب في تعليقه وكذلك ابن الصباغ صاحب الشامل أنها فرض كفاية وقال: وسبب غلطه أن الشافعي قال: من وجبت عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين. انظر مج ج 4 ص 311، الحاوي ج 2 ص400، مغ ج 2 ص 142، بداية ج 1 ص 207. وانظر كلام القرطبي في هذه المسألة فهو قريب مما ذكرناه. قرطبي ج 18 ص 105 قال ابن العربي: ولا يلتفت إلى ما يحكى في ذلك. لا سيما ما يُؤثر عن سحنون أنه قال: أن بعض الناس قال: يجوز أن يتخلف العروس عنها فإن العروس عندنا لا يجوز له أن يتخلف عن صلاة الجماعة لأجل العرس فكيف عن صلاة الجماعة. أحكام القرآن ج 4 ص 1803. (¬2) هناك بحث في حكم وجوب الجمعة على المقيم غير المستوطن على اعتبار أن هناك فرقًا بين المستوطن وبين المقيم وهو المشهور في مذهب أحمد وسوف أوضح هذه المسألة في الشرح إن شاء الله تعالى. راجع مغ ج 2 ص 195 على أن هناك فرقًا بين أحكام وجوب الجمعة وبين أحكام رخص السفر إذ لا تلازم بينهما.

باب في اجتماع الجمعة والعيد

قال ابن المنذر: قال بعض العلماء: تجب الجمعة على العبد فإن منعه السيد فله التخلُّف وعن الحسن وقتادة والأوزاعي وجوبها على عبد يؤدي الضريبة وهو الخراج وقال داود: تجب عليه مطلقًا وهي رواية عن أحمد (¬1). مج ج 4 ص 313، بداية ج 1 ص 207. باب في اجتماع الجمعة والعيد مسألة (361) جمهور العلماء على أنه إذا اجتمع في يوم الجمعة صلاة الجمعة وصلاة العيد فإن الجمعة تسقط على أهل القرى إذا صلُّوا العيد ولا كراهة في تركها وييقى الوجوب على أهل البلد فلابد لهم من صلاة الجمعة ولو حضروا صلاة العيد، وهو مذهب عثمان بن عثمان رضي الله تعالى عنه وعمر بن عبد العزيز رحمهم الله تعالى. وقال عطاء بن أبي رباح: إذا صلُّوا العيد لم تجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ولا الظهر ولا غيرهما إلا العصر لا على أهل القرى ولا أهل البلد، وبه قال الشعبي والنخعي والأوزاعي. قال ابن المنذر: وروينا نحوه عن علي بن أبي طالب وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم. وقال أحمد: تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد ولكن يجب الظهر. واختلف عن أحمد في وجوبها على الإِمام. وقال أبو حنيفة: لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى (¬2). مج ج 4 ص 320، مغ ج 2 ص 212. باب في السفر ليلة الجمعة مسألة (362) مذهب العلماء كافة إلا ما سنحكيه عن إبراهيم النخعي أنه يجوز السفر ليلة الجمعة وإن لم يدرك الجمعة في طريقه. وحكى العبدري عن إبراهيم النخعي أنه لا يجوز السفر بعد دخول العشاء ليلة الجمعة. مج ج 4 ص 327. ¬

_ (¬1) قلت: اتفقوا على أنها لا تجب على المرأة والمريض العاجز عن السعي إليها. انظر. بداية ج 1 ص 207، وانظر قرطبي ج 18 ص 103. (¬2) انظر في هذه المسألة: بداية ج 1 ص 286، قرطبي ج 18 ص 107.

باب في الجمعة على أهل القرى

باب في الجمعة على أهل القرى مسألة (363) جمهور العلماء على صحة الجمعة لأهل القرية إذا كان فيهم أربعون رجلًا ممن تصح بهم الجمعة وجمهورهم على وجوب الجمعة عليهم حينئذٍ وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وحكاه الشيخ أبو حامد عن عمر وابنه وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وقال علي بن أبي طالب والحسن البصري وابن سيرين والنخعي فيما حكاه عنهم ابن المنذر: أن الجمعة لا تصحُّ إلا في مصر جامع، وبه قال أبو حنيفة والثوري (¬1). مج ج 4 ص 333. باب في انعقاد الجمعة بمن لا تجب عليهم مسألة (364) جمهور أهل العلم على أن الجمعة لا تنعقد بالعبيد ولا المسافرين (¬2) وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: تنعقد. مج ج 4 ص 333. باب في الوقت الذي تصحُّ به الجمعة مسألة (365) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة والشافعي أن وقت الجمعة هو وقت صلاة الظهر ولا تصح قبله. وحكاه القرطبي عن جمهور السلف والخلف. وذهب أحمد وعطاء وإسحاق إلى جوازها قبل الزوال مع اختلاف عن أصحاب أحمد في الساعة التي تصحُّ قبل الزوال (¬3). ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 211, قرطبي ج 18 ص 112، 113، الحاوي ج 2 ص 407. قلت: ولا خلاف يعلم في أنها تجب على أهل المدن والأمصار إذا سمعوا النداء، وما ذكرته هنا هو محصلة أقوال العلماء في هذه المسألة. (¬2) ولا بالمقيمين غير المستوطنين في وجه في مذهب أحمد. راجع مغ ج 2 ص 195. قلت: وتنعقد بالمرضى والنساء. انظر بداية ج 1 ص 207. (¬3) ذهب بعض الصحابة والتابعين إلى أن وقت صلاة الجمعة كوقت صلاة العيد لأنها عندهم عيدٌ، رُوي هذا عن عبد الله بن مسعود ومجاهد وعطاء رحمهم الله تعالى. راجع مغ ج 2 ص210. قلت: وواضح أن من صلَّى الجمعة وقت صلاة الظهر فصلاته صحيحة بلا خلاف.

باب في الخطبة يوم الجمعة

ونقل الماوردي في الحاوي عن ابن عباس كقول أحمد ومن وافقه. مج ج 4 ص 339، مغ ج 2 ص210، بداية ج 1 ص 208، قرطبي ج 18 ص 105. باب في الخطبة يوم الجمعة مسألة (366) جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد أنه لابد لصحة الجمعة من خطبة وأكثرهم على اشتراط تقدم خطبتين وحضور العدد المطلوب في الجمعة لهما. وقال أبو حنيفة: الخطبة شرط ولكن تجزئ خطبة واحدة ولا يشترط العدد لسماعها كالأذان، وبالاكتفاء بالخطبة الواحدة قال الأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي. وعن الحسن البصري أن الجمعة تصحُّ بلا خطبة، حكاه عنهم ابن المنذر، وبه قال داود وعبد الملك من أصحاب مالك. قال القاضي عياض: ورُوي عن مالك (¬1). مج ج 4 ص 343، مغ ج 2 ص 149، 151، بداية ج 1 ص 212، الحاوي ج 2 ص 432. باب في اشتراط القيام للخطبة مسألة (367) جمهور العلماء على أن القيام في خطة الجمعة واجب وهو شرط لصحتها ولا يسقط إلا للعاجز عن القيام، وهو مذهب مالك والشافعي. قال الموفق: ويحتمله كلام أحمد -رحمه الله-. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله (يعني أحمد) يسأل عن الخطبة قاعدًا أو يقعد في إحدى الخطبتين؟ فلم يعجبه. حكاه ابن المنذر عن جل أهل العلم من علماء الأمصار. وقال مالك في رواية: القيام واجب فإن تركه أساء وصحَّت الخطبة. وقال أحمد في المنصوص عليه وأبو حنيفة: القيام للخطبة ليس واجبًا ولا شرطًا. وحكاه النووي عن مالك وأبي حنيفة وأحمد. قلت: والصحيح ما فصلناه وأن القيام للقادر واجب، حكاه عن الجمهور القرطبي وابن المنذر، ونقله عن ابن المنذر الحافظ في الفتح. ¬

_ (¬1) قال القرطبي: وبه قال علماؤنا (أي القول بوجوب الخطبة) إلا عبد الملك بن الماجشون فإنه رآها سنَّة. انظر قرطبي ج 18 ص 107.

باب في الجلوس بين الخطبتين

والشوكاني في النيل، وأن المعتمد في مذهب مالك أن القيام واجب وليس شرطًا للصحة (¬1). قرطبي ج 18 ص 114، فتح ج 5 ص 63، نيل ج 3 ص 329. باب في الجلوس بين الخطبتين مسألة (368) جمهور العلماء على أنه لا يشترط الجلوس بين الخطبتين بل هو سنَّة وهو قوله مالك وأبي حنيفة وأحمد حكاه عن الجمهور الموفق والنووي وابن عبد البر وذهب الشافعي إلى أن كلًا من القيام والجلوس شرط لصحة الجمعة، ورُوي عن مالك وأحمد ما يوافق قول الشافعي في الجلوس بين الخطبتين حكاه القاضي عياض (¬2). مج ج 4 ص 344، مغ ج 2 ص 153، فتح ج 5 ص70. باب في سلام الخطيب على الحاضرين مسألة (369) أكثر أهل العلم على أنه يُستحب للإمام أن يسلِّم على الجالسين إذا صعد المنبر لخطبة الجمعة وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأحمد والشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: يكره (¬3). مج ج 4 ص 357. * * * ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة: الحاوي ج 2 ص 434، مج ج 4 ص 344، مغ ج 2 ص 150، الشرح الصغير ج 1 ص 499. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 213. قال الحافظ في الفتح: وزعم الطحاوي أن الشافعي تفرد بذلك وتعقب بأنه محكى عن مالك أيضًا في روايةٍ وهو المشهور عن أحمد نقله شيخنا في شرح الترمذي. انظر فتح ج 5 ص 69. قال ابن عبد البر: ذهب مالك والعراقيون وصائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي أن الجلوس بين الخطبتين لا شيء على من تركه. حكاه عنه الموفق. انظر مغ ج 2 ص 154. قلت: الصحيح أن زعم الطحاوي -رحمه الله- معتبرُ ووجيه وأن هذه المسألة مما انفرد به الشافعي -رحمه الله- عن أكثر الفقهاء ولا يضيره هذا -رحمه الله- تعالى ولا يخلو فقه إمام من مثل هذه الانفرادات لكن الحق والنظر الحصيف يقتضي من أهل الفقه أخذ هذا بعين الاعتبار حتى يكون أتباعهم أو اجتهادهم بالدلائل والبينات لا بالهوى والعصبيات، والله الموفق لا رب سواه. (¬3) راجع مغ ج 2 ص 144، المدونة ج 1 ص 140.

أبواب غسل الجمعة

أبواب غسل الجمعة باب في غسل الجمعة مسألة (370) جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد: أن غسل الجمعة سنَّة ليس بواجب، وبه قال الأوزاعي والثوري. وقال أبو هريرة الصحابي رضي الله تعالى عنه فيما حكاه عنه ابن المنذر والحسن البصري فيما حكاه الخطابي: أنه واجب، وهو رواية عن مالك وأحمد. ويُروى كذلك عن عمار بن ياسر الصحابي أيضًا وهو قول أهل الظاهر (¬1). مج ج 4 ص 364، مغ ج 2 ص 200، بداية ج 1 ص 217، قرطبي ج 18 ص 106. باب في غسل الجنابة هل يجزئ عن غسل الجمعة؟ مسألة (371) أكثر العلماء على أن من اغتسل من جنابة نهار الجمعة فإنه يجزئه عن غسل الجمعة وهو قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومجاهد ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور. وقال أحمد -رحمه الله-: أرجو أن يجزئه. وقال أبو قتادة الصحابي رضي الله تعالى عنه: لا يجزئه، وهو قول بعض الظاهرية. مج ج 4 ص 365، مغ ج 2 ص 201. باب في الغسل ليلة الجمعة مسألة (372) مذهب الجماهير من العلماء أن من اغتسل للجمعة ليلتها فإنه لا يجزئ عن غسل الجمعة وهو المذهب الصحيح عند الشافعية. وقال الأوزاعي: يجزئه. مج ج 4 ص 366، مغ ج 2 ص 201. باب في وقت غسل الجمعة مسألة (373) مذهب الجمهور أن أول وقت غسل الجمعة يدخل بطلوع فجرها وهو مذهب الحسن ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور حكاه عنهم ابن ¬

_ (¬1) قال القرطبي: وأغربت طائفة فقالت: إن غسل الجمعة فرض. قال ابن العربي: وهذا باطل. قرطبي ج 18 ص 106.

باب فيمن اغتسل للجمعة ثم أجنب

المنذر وهو مذهب الشافعي. وقال مالك -رحمه الله-: لا يجزئه إلا عند الذهاب إلى الجمعة. مج ج 4 ص 366، مغ ج 2 ص 201. باب فيمن اغتسل للجمعة ثم أجنب مسألة (374) جمهور الفقهاء على أن من اغتسل للجمعة في وقتها المعتبر ثمَّ أجنب فإنه لا يلزمه إعادة غسل الجمعة وهو مذهب الشافعي. وقال الأوزاعي: يبطل غسل الجمعة ويلزمه إعادته. ثمَّ اختلف الجمهور في استحباب إعادته فمنهم من استحب ومنهم من لم يستحب. مج ج 4 ص 366. باب في غسل الجمعة للمرأة مسألة (375) جمهور الفقهاء على استحباب الغسل للمرأة إذا حضرت الجمعة وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أحمد: لا تغتسل. مج ج 4 ص 366. باب فيمن يشترط في غسل الجمعة أن يكون عن جنابة مسألة (376) جماهير العلماء على أن غسل الجمعة المسنون لا يُشترط فيه أن يكون غسل جنابة على الحقيقة وإنما غسل كغسل الجنابة في صفاته. وذهب بعضهم إلى أن إتيان الأهل مستحب قبل الرواح إلى الجمعة فيكون أعون له على غض بصره. مج ج 4 ص 369. باب في وقت التبكير للجمعة مسألة (377) أكثر العلماء على اعتبار أول النهار زمنًا لبدء ساعات التبكير إلى الجمعة وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى وغيره.

باب في إتيان الجمعة بالسكينة

وقالت طائفة: هو من طلوع الشمس. وقالت طائفة: هو لحظات خفيفة بعد الزوال وهو مذهب مالك -رحمه الله- (¬1). وجعل ابن العربي المالكي الأصح هو ما ذهب إليه الجمهور. مج ج 4 ص 370، قرطبي ج 18 ص 105. باب في إتيان الجمعة بالسكينة مسألة (378) جمهور العلماء على استحباب إتيان الجمعة مشيًا بسكينة ووقار وجمهورهم على كراهة الإسراع، وحكاه ابن المنذر في مطلق الصلوات عن زيد بن ثابت وأنس بن مالك وأبي ثور وأحمد واختاره ابن المنذر، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وروى ابن المنذر عن جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم الإسراع عند سماع الإقامة منهم ابن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهم - والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد وإسحاق رحمهم الله تعالى (¬2) ورُوي عن ابن مسعود خلاف هذا. مج ج 4 ص 372. باب في الكلام وقت جلوس الخطيب على المنبر مسألة (379) جمهور العلماء على أنه لا بأس بالكلام لمن حضر الجمعة إذا جلس الإِمام على المنبر ما لم يشرع في الخطبة، وبه قال عطاء وطاوس والزهري وبكر المزني والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق وأحمد ويعقوب ومحمد. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- يمتنع الكلام من حين يخرج الإِمام أي من حين دخوله المسجد, ورُوي ذلك عن عمر وابن عباس (¬3). مج ج 4 ص 387. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 146: قلت: والذي حكاه ابن رشد عن مالك أنها أجزاء ساعة واحدةٍ قبل الزوال وبعده. انظر. بداية ج 1 ص 218. (¬2) قال القرطبي: قال الحسن (يعني البصري): أما والله ما هو بالسعي على الأقدام (يعني قوله تعالى) {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع. انظر قرطبي ج 18 ص 103. قلت: قال ابن العربي فيمن ذهب إلى أن السعي هو الاشتداد والجري: وهو (أي هذا المعنى) الذي أَنكره الصحابة الأعلمون والفقهاء الأقدمون. انظر أحكام القرآن ج 4 ص 1804، قرطبي ج 18 ص 102. (¬3) راجع مغ ج 2 ص 169.

باب في المسبوق يدرك الجمعة

باب في المسبوق يدرك الجمعة مسألة (380) أكثر العلماء على أن من أدرك ركوع الركعة الثانية مع الإِمام يوم الجمعة فقد أدرك الجمعة. حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن المسيب والأسود وعلقمة والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبي يوسف وأحمد وإسحاق وأبي ثور. رحمهم الله تعالى واختاره ابن المنذر، وحُكي مثله عن الشعبي وزفر ومحمد بن الحسن رحمهم الله تعالى. وقال عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول: من لم يدرك الخطبة فقد فاتته الجمعة ويصلي أربعًا، وحكى مثله عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة: من أدرك التشهد مع الإِمام أدرك الجمعة، ونقل عنهم أنه يدرك الجمعة إذا أدرك الإِمام قبل سلامه أو مادام متلبسًا بصلاته. مج ج 4 ص 389، مغ ج 2 ص 159، 158. باب في تشميت العاطس في غير الجمعة مسألة (381) جمهور العلماء على أن تشميت العاطس سنَّة ليس بواجب. وقال بعض أصحاب مالك هو واجب. قلت: وهذا في غير الجمعة (¬1). مج 4 ص 426. باب في الأذان للجمعة مسألة (382) جمهور الفقهاء على أن وقت أذان الجمعة هو إذا خرج الإِمام وجلس على المنبر، واختلفوا فيما سواه من الأذان. بداية ج 1 ص 209. باب في توجه الحاضرين للجمعة جهة الخطيب مسألة (383) مذهب العامة من العلماء استحباب انحراف حاضري الجمعة ¬

_ (¬1) قال مالك فيمن عطس والإمام يخطب قال -رحمه الله-: يحمد الله في نفسه سرًا. قال: ولا يشمت أحدٌ العاطس والإمام يخطب. رواه ابن القاسم عنه. انظر المدونة ج 1 ص 139.

باب في الكلام والخطيب يخطب

وتوجههم جهة الخطيب أثناء خطبته، وممن رُوي عنه أنه كان يستقبل الإِمام أثناء خطبته وينحرف عن القبلة عبدُ الله بن عمر وأنس، وبه قال شريح وعطاء ومالك والثوري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر ويزيد بن أبي مريم والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي حكى هذا كله ابن المنذر وقال: هذا كالإجماع. ورُوي عن الحسن أنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الإِمام وعن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل هشام بن إسماعيل إذا خطب فوكَّلَ به هشام شرطيًّا يعطفه إليه. مغ ج 2 ص 151. باب في الكلام والخطيب يخطب مسألة (384) أكثر أهل العلم على كراهية (¬1) الكلام لحاضر الجمعة والخطيب يخطب ووجوب الإنصات، وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه. ولم يرَ في الكلام أثناء الخطبة بأسًا عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي والثوري وداود (¬2). وقال آخرون: يجب الإنصات لسامع الخطبة وأما غيره فله أن يسبِّح ويذكر الله تعالى، وحكى القرطبي أن الإنصات واجب وجوب سنَّةٍ ومن تكلم فقد لغا ولا تفسد صلاته. مغ ج 2 ص 166، بداية ج 1 ص 213. باب في الاحتباء يوم الجمعة مسألة (385) أكثر أهل العلم على جواز الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب رُوي ذلك عن ابن عمر وغيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرين وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وشريح وعكرمة بن خالد وسالم ونافع ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. ¬

_ (¬1) وهي كراهية تحريم عند هؤلاء إلا ما حكاه القرطبي. ونقل ابن رشد عن الجمهور أن من تكلم لم تفسد صلاته وقال ابن وهب: من تكلم أو لغا فصلاته ظهر أربع. انظر بداية ج 1 ص 214، قرطبي ج 18 ص 116 (¬2) رُوي عن أكثر هؤلاء عدم وجوب الإنصات في حال مخصوص وهو حال استماعهم للحجاج وقالوا: لم نُؤمر أن ننصت لمثل هذا. راجع مغ ج 2 ص 166، مج ج 4 ص 353.

باب في الجمعة تنعقد بالبالغين

وكره ذلك عبادة ابن نسي، حكاه عنه أبو داود وقال إنه لم يبلغه عن أحدٍ غيره أنه كرهه (¬1). مغ ج 2 ص 171. باب في الجمعة تنعقد بالبالغين مسألة (386) أكثر أهل العلم على أن الجمعة لا تنعقد إلا بالبالغ وأنها لا تجب على الصبي (¬2). قال الموفق في المغني: وذكر بعض أصحابنا في الصبي المميز رواية أخرى أنها واجبةٌ عليه. مغ ج 2 ص 172. باب في تعدد صلاة الجمعة في البلد الواحد مسألة (387) جمهور العلماء على عدم جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد إذا لم تدع إلى ذلك حاجة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وقال عطاء: يجوز التعدد (¬3). مغ ج 2 ص 190. باب في صلاة الظهر للمعذور في ترك الجمعة مسألة (388) أكثر أهل العلم على أن أصحاب الأعذار ممن لا تجب عليهم الجمعة لهم أن يصلوا الظهر يوم الجمعة إذا دخل وقت الظهر ولا يلزمهم الانتظار حتى يقضي إمام الجمعة صلاته (¬4). وقال أبو بكر بن عبد العزيز: لا تصح صلاته قبل الإِمام. مغ ج 2 ص 198. باب في السفر في نهار الجمعة مسألة (389) أكثر أهل العلم على جواز السفر يوم الجمعة قبل دخول وقتها، وبه قال الحسن وابن سيرين وأحمد في إحدى الروايات عنه. ¬

_ (¬1) راجع مج ج 4 ص 411. (¬2) أما وجوبها على الصبي فالإجماع شبه منعقد على خلافه. (¬3) راجع مج 4 ص 410، بداية ج 1 ص 211. (¬4) راجع مج ج 4 ص 322.

باب فيما يقرأ في الجمعة

وقال أحمد في رواية: لا يجوز، وقال أحمد في أخرى: يجوز للمجاهد فقط. مغ ج 2 ص 218. باب فيما يقرأ في الجمعة مسألة (390) أكثر الفقهاء على أنه يُسن أن يقرأ في الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة واستحب مالك أن يقرأ في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} والثانية بالغاشية كالعيدين. بداية ج 1 ص 216 * * *

فصل في أبواب صلاة العيدين

فصل في أبواب صلاة العيدين باب في حكم صلاة العيد مسألة (391) جماهير العلماء على أن صلاة العيدين سنة مؤكدة ليست بواجبة وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وداود رحمهم الله تعالى، وروي عن أحمد مثل ذلك. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: هي فرض كفاية، وهي رواية عن أحمد (¬1). مج ج 5 ص 6. باب في التنفل لصلاة العيد مسألة (392) جمهور العلماء على أنه لا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها، رُوي هذا عن علي وابن مسعود وحذيفة وجابر، وبه قال أحمد. وقال آخرون: يُتنفل قبلها وبعدها، وهو مذهب أنس وعروة. وبه قال الشافعي. وقال آخرون: يتنفل بعدها ولا يتنفل قبلها، وبه قال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة ورُوي هذا عن ابن مسعود أيضًا. قال ابن رشد: وفرق قوم بين أن تكون الصلاة في المصلى (يعني لا يتنفل لها) أو في المسجد (أي فيتنفل) وهو مشهور مذهب مالك. بداية ج 1 ص 288. باب في الأذان والإقامة للعيد مسألة (393) جمهور العلماء على أنه لا أذان ولا إقامة في صلاتي العيد وإنما ينادي لها. ونقل ابن المنذر عن ابن الزبير أنه أذن لها وأقام (¬2) مج 5 ص 19، مغ ج 2 ص 235. ¬

_ (¬1) وهو المعتمد في مذهب أحمد. قال الموفق -رحمه الله-: وصلاة العيد فرض على الكفاية في ظاهر المذهب إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وإن اتفق أهل بلدٍ على تركها قاتلهم الإِمام. راجع مغ ج 2 ص 223. (¬2) حكى ابن رشد الإجماع في هذه المسألة. انظر بداية ج 1 ص 283.

باب في التكبيرات صلاة العيد

باب في التكبيرات صلاة العيد مسألة (394) أكثر العلماء على أن تكبيرات صلاة العيدين الزوائد هي في الأولى سبع وفي الثانية خمس وهو محكى عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي وزيد بن ثابت وعائشة وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم ويحيى الأنصاري والزهري ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. وقالت طائفة: في كل ركعة سبعًا. حكاه ابن المنذر عن ابن عباس والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب والنخعي. وحكى الترمذي عن ابن مسعود: في الأولى خمس وفي الثانية أربع. وحكى ابن المنذر عن ابن مسعود وحذيفة وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم وعقبة بن عمرو في كل ركعة ثلاث تكبيرات، وهو مذهب أبي حنيفة. وحكى عن الحسن البصري في الأولى خمس وفي الثانية ثلاث. وحكى عن ابن مسعود وحذيفة وأبي موسى وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم في كل ركعة أربع تكبيرات. وحكى عن الحسن البصري رواية في الأولى ثلاثًا وفي الثانية اثنتين (¬1). مج 5 ص 25. باب في التكبير في صلاة العيد مسألة (395) جماهير العلماء على أن محل التكبيرات الزوائد في صلاتي العيد تكون بين دعاء الاستفتاح والتعوذ، وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يقرأ في الثانية قبل التكبيرات ثمَّ يكبِّر. وحكى عن أبي يوسف أنه يتعوذ قبل التكبيرات ليتصل التعوذ بدعاء الاستفتاح. وحكى عن محمَّد أنه يكبر التكبيرات ثمَّ يأتي بدعاء الاستفتاح ثمَّ التعوذ (¬2). ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 238، بداية ج 1 ص 284. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 240.

باب في المسبوق في صلاة الجماعة متى يكبر؟

باب في المسبوق في صلاة الجماعة متى يكبر؟ مسألة (396) جمهور العلماء على أن تكبيرات العيد إثر الصلوات تكون في حق المسبوق في صلاة الجماعة بعد إنتهائه من صلاة نفسه. ونقله ابن المنذر عن ابن سيرين والشعبي وابن شبرمة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. واختاره ابن المنذر. وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. وحكي عن الحسن البصري أنه يكبِّر ثمَّ يقضي. وعن مجاهد ومكحول يكبِّر ثمَّ يقضي ثمَّ يكبر. مج 5 ص 45، مغ ج 2 ص 257. باب في التكبيرات إثر الصلوات للمنفرد وغيره مسألة (397) جماهير العلماء على استحباب التكبير إثر الصلوات أيام الأضحى للمنفرد والمؤتم. وهو مذهب مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي. وحكى ابن المنذر وغيره عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، والثوري وأبي حنيفة وأحمد أن المنفرد لا يكبِّر (¬1). مج 5 ص 47. باب في مشروعية تكبير الفطر مسألة (398) جماهير العلماء أن تكبير عيد الفطر سنَّة ليس بواجب للعامة والخاصة سواء كبر الإِمام أو لم يكبِّر. وحُكي عن ابن عباس أنه لا يكبِّر إلا أن يكبر إمامه. وحُكي عن أبي حنيفة أنه لا يكبِّر مطلقًا ونُقل عنه أنه قال: يكبر يوم الأضحى ولا يكبِّر يوم الفطر. وحكى العبدري وغيره عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وداود أنهم قالوا: ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 289.

باب في وقت التكبير في عيد الفطر

التكبير في عيد الفطر واجب وفي عيد الأضحى مستحب (¬1) مج 5 ص 48. باب في وقت التكبير في عيد الفطر مسألة (399) جمهور العلماء على أن أول وقت التكبير في عيد الفطر من وقت الغدو إلى صلاة العيد. حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وأبي أمامة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير والنخعي وأبي الزناد وعمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان وأبي بكر بن محمَّد والحكم وحماد ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وحكاه الأوزاعي عن الناس. وذهب سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة وزيد بن أسلم فيما نُقل عنهم إلى أن أول وقت التكبير من غروب شمس ليلة العيد، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. مج 5 ص 48 بداية ح1 ص 289. باب في التكبير في العيدين مطلقًا مسألة (400) جمهور العلماء على أن التكبير في العيدين في الجملة سنَّة مستحبة وخاصة عند خروجه من ييته إلى صلاة العيد، رُوى ذلك عن عليٍّ وابن عمر وأبي أمامة وأبي رهم وغيرهم رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان وأبي بكر بن محمَّد والنخعي وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحكم وحماد ومالك وإسحاق وأبو ثور والشافعي وابن المنذر. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يكبِّر يوم الأضحى، ولا يكبِّر يوم الفطر لأن ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر فقال: ما شأن الناس؟ فقيل: يكبرون. فقال: أمجانين الناس؟ وقال إبراهيم: إنما يفعل ذلك الحواكون. مغ ج 2 ص 231، بداية ح1 ص 289. * * * ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 226، بداية ج 1 ص 289.

باب في الجهر بالقراءة في صلاة العيد

باب في الجهر بالقراءة في صلاة العيد مسألة (401) أكثر أهل العلم على أنه يُستحب الجهر بالقراءة في صلاة العيد. ورُوى عن عليٍّ أنه كان يسمع من يليه ولم يجهر جهرًا يسمع غيرهم. مغ ج 2 ص 236. * * *

أبواب صلاة الكسوف

أبواب صلاة الكسوف (¬1) باب في الخطبة لصلاة الكسوف مسألة (402) جمهور العلماء على استحباب خطبتين بعد صلاة الكسوف وهو مذهب الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد في رواية: لا تشرع لها الخطبة (¬2). مج 5 ص 58. باب في الجهر والإسرار في صلاتي الكسوف والخسوف مسألة (403) أكثر الفقهاء على أنه يُستحب الإسرار في صلاة كسوف الشمس وبه قال الشافعي. وقال أبو يوسف ومحمد وإسحاق: يستحب الجهر فيها (¬3). الحاوي ج 2 ص 508. * * * ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على أن صلاة الكسوف سنَّة وليست واجبة وأنها تصلى في جماعة، وأما مسائل الجمهور فهي قليلة معدودة، واختلفوا فيما سوى ذلك من فروعها كعدد الركعات وصفة القراءة فيها وحكم صلاتها في الأوقات المنهي عنها والخطبة فيها إلى غير ذلك. انظر بداية ج 1 ص 274. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 278، بداية ج 1 ص 278. (¬3) أما صلاة خسوف القمر فالمستحب فيها الجهر، حكى فيه الإجماع الماوردي. انظر الحاوي ج 2 ص 508.

أبواب صلاة الخسوف

أبواب صلاة الخسوف باب في الصلاة لخسوف القمر مسألة (404) أكثر أهل العلم على مشروعية صلاة الكسوف لخسوف القمر، نقل فعلها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وبه قال عطاء والحسن والنخعي الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك: ليس لكسوف القمر سنَّة. وحكى ابن عبد البر عن مالك وأبي حنيفة أنهما قالا: يصلِّي الناس لخسوف القمر وحدانًا ركعتين ركعتين ولا يصلون جماعة لأن خروجهم إليها مشقة (¬1). مغ ج 2 ص 273. باب في صلاة الكسوف في الساعات المكروهة مسألة (405) أكثر أهل العلم على أن الكسوف إذا وقع في أوقات النهي عن الصلاة فإن صلاة الكسوف لا تشرع. رُوي ذلك عن الحسن وعطاء وعكرمة بن خالد وابن أبي مليكة وعمرو بن شعيب وأبي بكر ابن محمَّد بن عمرو بن حزم ومالك وأبي حنيفة. وقال الشافعي: تصلَّى في أوقات النهي، وروى ابن وهب عن مالك: لا يُصَلَّى لكسوف الشمس إلا في الوقت الذي تجوز فيه النافلة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ح 1 ص 279. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 278 قلت: وروى ابن القاسم عن مالك أن سنتها أن تصلَّى ضحى إلى الزوال.

أبواب صلاة الاستسقاء

أبواب صلاة الاستسقاء (¬1) باب في تقديم الصلاة على الخطبة مسألة (406) جمهور العلماء على تقديم صلاة الاستسقاء على الخطبة وهو مذهب الشافعي ومالك ومحمد بن الحسن (¬2). وقال جمع: يُستحب تقديم الخطبة على الصلاة حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وحكاه العبدري عن عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد (¬3). مج 5 ص 87، مغ ج 2 ص 288. باب في مشروعية صلاة الاستسقاء مسألة (407) جماهير العلماء على جواز صلاة الاستسقاء وعلى أنها سنَّة مؤكدة وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: ليس في الاستسقاء صلاة وإنما هو الدعاء، وحكى عنه الماوردي أنه قال هي بدعة. مج 5 ص 92، مغ ج 2 ص 285، بداية ج 1 ص280، فتح ج 5 ص 176، الحاوي ج 2 ص 417. باب في وقت الخروج لصلاة الاستسقاء مسألة (408) جمهور العلماء بل جماعتهم على أنه يستحب الخروج لصلاة الاستسقاء عند زوال الشمس. حكاه عن جماعة العلماء ابن المنذر. ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على استحباب الخروج للاستسقاء والدعاء والتضرع، وأن يخرج الناس والإمام إلى خارج المصر والبلد. انظر بداية ج 1 ص 280. قلت: وأجمعوا على أنها لا تصلى وقت الكراهة. نقل عدم الخلاف في ذلك الموفق ابن قدامة مغ ج 2 ص 286. (¬2) قال ابن عبد البر: وعليه جماعة الفقهاء. راجع مغ ج 2 ص 288، بداية ج 1 ص 281، الحاوي ج 2 ص 419. (¬3) ورُوي كذلك عن أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل وأبي بكر بن محمَّد بن عمر وبن حزم. راجع مغ ج 2 ص 288.

باب في تحويل الرداء في الاستسقاء

وخالف أبو بكر بن حزم في هذا (¬1) مغ ج 2 ص 287. باب في تحويل الرداء في الاستسقاء مسألة (409) أكثر أهل العلم على أنه يُستحب في صلاة الاستسقاء تحويل الرداء للإمام والمأموم، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يُستحب وحكى عن سعيد بن المسيب وعروة والثوري أن تحويل الرداء مختص بالإمام دون المأموم، وهو قول الليث وأبي يوسف ومحمد بن الحسن (¬2). مغ ج 2 ص 289، بداية ج 1 ص 282، فتح ج 5 ص 184. * * * ¬

_ (¬1) هذه المسألة اختلف فيها الناقلون فابن قدامة نقل عن ابن عبد البر أن الخروج إلى صلاة الاستسقاء هو عند زوال الشمس وخالف أبو بكر ابن حزم، وابن رشد جعل العكس هو الذي عليه جماعة العلماء وإن كان هناك خطأ في النسخة المطبوعة وهي بزيادة "من" بعد كلمة "جماعة" والذي رأيته أن معظم كتب الفقه من مختلف المذاهب والمدارس على أن وقتها هو وقت صلاة العيد على الاختيار وأنه لا وقت لها معين من حيث الجواز إلى وقت الكراهة. انظر. الحاوي ح 2 ص 518، مغ ج 2 ص 287، بداية ج 1 ص 283، مج ج 5 ص 76، فتح ج 5 ص 186. قلت: وقال الشافعي في الأم: يصليها بعد الظهر وقبل العصر. ووجهه النووي بأنه يفيد أنه لا وقت لها معين، والذي أظنه أن عبارة ابن عبد البر صحيحة وأن العمل عند جماعة العلماء هو الاستسقاء بعد صلاة الظهر، وهكذا رأيتهم يفعلون عندنا في دمشق الشام، والله تعالى أعلم. (¬2) انظر الحاوي ج 2 ص 419.

كتاب الجنائز

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الجنائز

أبواب غسل الميت

كتاب الجنائز أبواب غسل الميت باب في الزوجة تغسل زوجها الميت مسألة (410) جماهير العلماء على أن للزوجة غسل زوجها الميت حتى نقل الإجماع فيها ابن المنذر والعبدري وغيرهما. وقال أحمد في رواية: ليس لها ذلك (¬1). مج 5 ص 118. باب في الزوج يغسل زوجته الميتة مسألة (411) جمهور العلماء على أن للزوج غسل زوجته الميتة، حكاه ابن المنذر عن علقمة وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي وعطاء وداود وابن المنذر. وقال أبو حنيفة والثوري: ليس له غسلها، وهو رواية عن الأوزاعي (¬2). مج 5 ص 118، بداية ج 1 ص 300. باب في الميت يكون جنبًا أو تكون حائضًا مسألة (412) جماهير العلماء على أن الجنب والحائض إذا ماتا غسلًا غسلًا واحدًا. وقال الحسن البصري: يُغسلان غسلين، قال ابن المنذر: لم يقل به غيره. مج 5 ص 119 مع ج 2 ص 328. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 300. قلت: قد حكى الاتفاق في هذه المسألة أيضًا الماوردي. انظر الحاوي ح 3 ص 15. قلت: ونقل ابن رشد الإجماع على أن المطلقة المبتوتة لا تغسل زوجها. قال: واختلفوا في الرجعية: فروى عن مالك أنها تغسله، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال ابن القاسم: لا تغسله وإن كان الطلاق رجعيًّا وهو قياس قول مالك لأنه ليس يجوز عنده أن يراها، وبه قال الشافعي. بداية ج 1 ص 300. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 398، الحاوي ج 3 ص 16.

باب في قلم أظفار الميت ونحوه

باب في قلم أظفار الميت ونحوه مسألة (413) جمهور العلماء على كراهة قلم أظفار الميت وأخذ شعر إبطه وعانته وشاربه منهم مالك وأبو حنيفة والثوري والمزني وابن المنذر وهو المختار من أقوال الشافعي -رحمه الله-. وقال جمع بالاستحباب منهم سعيد بن المسيب وابن جبير والحسن البصري وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه. وهو قول للشافعي مرجوح (¬1). مج 5 ص 136. باب في الغسل على من غسَّلَ ميتًا مسألة (414) أكثر العلماء على أنه لا يجب على من غسَّل ميتًا أن يغتسل وهو قول ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم والحسن البصري والنخعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. وهو اختيار ابن المنذر. وقال جماعة: يغتسل، وهو مروي عن علي وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وابن المسيب وابن سيرين والزهري. ورُوي عن أحمد والنخعي وإسحاق أنه يتوضأ. والمختار الصحيح عند أصحاب الشافعي أنه يُسن الاغتسال ولا يجب (¬2). مج 5 ص 139. باب في تسريح شعر الميت مسألة (415) جماهير الفقهاء على عدم استحباب تسريح شعر الميت وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى. والمذهب عند الشافعية استحبابه. مج 5 ص140. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 304. (¬2) قال الشافعي: إلا أن يثبت فيه حديث أبي هريرة، وهو قوله فيما رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم -: "من غسل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" أخرجه أبو داود وغيره. وهو حديث لا يصح عند أكثر علماء الحديث. انظر بداية ج 1 ص 301.

باب في الكافور ونحوه للميت

باب في الكافور ونحوه للميت مسألة (416) جمهور الفقهاء على استحباب الكافور في الغسلة الأخيرة وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال أبو حنيفة: لا يُستحب. مج 5 ص 140. باب في الإيتار في غسل الميت مسألة (417) جمهور العلماء على استحباب الإيتار في غسل الميت وأقله ثلاثًا وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال مالك: لا تقدير في ذلك. مج 5 ص140. باب في توجيه الميت إلى القبلة مسألة (418) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على استحباب توجيه الميت أو من حضره الموت إلى القبلة، وممن استحبه: عطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق وخلائق من السلف والخلف (¬1). وأنكر ذلك سعيد بن المسيب -رحمه الله- (¬2). مغ ج 2 ص 306. باب في المضمضة والاستنشاق للميت مسألة (419) أكثر أهل العلم على عدم استحباب إدخال الماء فا (فم) ومنخري الميت مضمضة واستنشاقًا، وبه قال سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأبو حنيفة وهو مذهب أحمد. وقال الشافعي: يمضمضه وينشقه كما يفعل الحي. مغ ج 2 ص 320. ¬

_ (¬1) قد حكى النووي في المجموع الإجماع في هذه المسألة ولعله فاته -رحمه الله- أثر ابن المسيب. راجع مج ج 5 ص 102. (¬2) قال الموفق: فإنهم لما أراودا أن يحوِّلوه إلى القبلة قال: مالكم؟ قالوا: نحوِّلك إلى القبلة. قال (يعني مستنكرًا): ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟ راجع مغ ح 2 ص 306.

باب في الرجل يغسل زوجته

باب في الرجل يغسل زوجته مسألة (420) أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز للرجال غسل أحد من النساء وليس للنساء غسل أحد من الرجال غير الإجماع الحاصل من جواز غسل المرأة زوجها, وجواز غسل الرجل زوجته الذي ذهب إليه الجمهور، وما سوى هذا فمذهب جمهور أهل العلم المنع، وسواء كانت المرأة أو الرجل من المحارم أو لا. وحُكي عن أبي قلابة أنه غسَّل ابنته. وقال الحسن ومحمد ومالك: لا بأس بغسل ذات محرم عند الضرورة (¬1). مغ ج 2 ص 399، بداية ج 1 ص 299. باب في المبطون والغريق ونحوهما مسألة (421) جماهير العلماء على أن من مات في غير معترك الكفار فإنه يُغسَّل، ويُصلَّى عليه والمبطون ومن مات تحت الهدم والنفساء في ذلك سواء. قلت: وكذلك الغريق والحريق. وحُكي عن الحسن أنه لا يصلِّى على النفساء واعتبرها شهيدةً. مغ ج 2 ص 405. باب في الميت غير المختون هل يُختن؟ مسألة (422) أكثر أهل العلم على أن من مات من المسلمين غير مختن فإنه لا يشرع ختنه. وحكى الإِمام أحمد عن بعض الناس أنه يُختتن. مغ ج 2 ص 409. * * * ¬

_ (¬1) فإن لم يوجد من يغسِّل المرأة أو من يغسِّل الرجل ممن يجوز لهم ذلك: فالجمهور على أن الميت ييمم يعني ييمم الرجل المرأة وتيمم المرأة الرجل، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة. وقال آخرون: لا يُغسل ولا يُيمم بل يُدفن من غير غسل، وبه قال الليث بن سعد، وقال آخرون: بل يُغسل أحدهما صاحبه للحاجة والضرورة. بداية ج 1 ص 299.

أبواب الكفن للميت

أبواب الكفن للميت باب في مؤنة كفن الميت وجهازه مسألة (423) جماهير العلماء على أن مؤنة كفن الميت وتجهيزه تخرج من رأس ماله، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن حكاه عنهم ابن المنذر، ثمَّ قال: وبه نقول. وقال خِلاس بن عمرو: من ثلث التركة وقال طاوس: إن كان المال قليلًا فمن الثلث، وإلا فمن رأس المال. حكى القولين الأخيرين ابن المنذر مج 5 ص 142. باب في كفن الميت الرجل والصبي مسألة (424) جمهور العلماء على استحباب ثلاثة أثواب للبالغ والصبي سواءً بسواء وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، وهو اختيار ابن المنذر. قال ابن المنذر: وكان سويد بن غفلهّ يُكَفِّنُ في ثوبين، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-. وقال: وكان ابن عمر يُكفن في خمسة. وقال ابن المسيب في الصبي يكفن في ثوب. وقال أحمد وإسحاق: في خرقة، فإن كُفِّن في ثلاثة فلا بأس. ورُوي عن الحسن وأصحاب الرأي: في ثوبين (¬1). مج 5 ص 159. باب في كفن المرأة مسألة (425) أكثر العلماء على استحباب خمسة أثواب للمرأة منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. حكاه ابن المنذر ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 330، بداية ج 1 ص 304، الحاوي ج 3 ص 20.

باب في المستحب في تكفين الميت

عنهم، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال عطاء: ثلاثة أثواب درع وثوب ولفافة فوقهما. وقال سليمان بن موسى: درع وخمار ولفافة (¬1). مج 5 ص 159 مع ج 2 ص 341. باب في المستحب في تكفين الميت مسألة (426) أكثر أهل العلم على استحباب أن يُكفَّن الميت في أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. وحُكى عن أبي حنيفة أن المستحب أن يُكفَّن في إزار ورداء وقميص. مغ ج 2 ص 328. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 304.

أبواب الصلاة على الميت

أبواب الصلاة على الميت (¬1) باب فيمن يقدم للصلاة على الميت مسألة (427) أكثر أهل العلم على تقديم الوالي (يعني إمام المسلمين) على ولي الميت وهو قول علقمة والأسود والحسن البصري وسويد بن غفلة ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وهو قول الشافعي القديم واختيار ابن المنذر رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال الشافعي في الجديد والضحاك وأبو يوسف: الولي مقدم على الوالي (¬2). مج 5 ص 176، مغ ج 2 ص 367، بداية ج 1 ص 319. باب في الميت يوصي أن يصلي عليه غير الأولياء مسألة (428) أكثر الفقهاء على أن الميت لو أوصى أن يصلِّي عليه غير الأولياء فإن وصيته لا تنفذ. وبه قال الشافعي وسائر الفقهاء خلا من سنذكرهم. وقال أحمد بن حنبل: الوصي أولى بالصلاة من جميع الأولياء، وبه قال ابن سيرين، وحكى هذا عائشة وأم سلمة وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم. الحاوي ج 3 ص 47. باب في السلام في صلاة الميت هل هو تسليمة أو تسليمتان؟ مسألة (429) أكثر العلماء على اجزاء تسليمة واحدة في صلاة الجنازة، حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وواثلة ابن الأسقع وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى وأبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنهم والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير والثوري وابن عيينة وابن المبارك وعيسى بن يونس ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد الإجماع على رفع اليدين في التكبير في الجنازة (يعني تكبيرة الإحرام)، وهذا الإجماع في مشروعيته لا في وجوبه. قال -رحمه الله-: واختلفوا في سائر التكبير. بداية ج 1 ص 308. (¬2) قال ابن المنذر: وقَدَّمَ الحسينُ بن عليًّ - رضي الله عنهما - سعيدَ بن العاص وهو والي المدينة ليصلي على الحسن بن عليٍّ - رضي الله عنهما - وقال: لولا أنها سنَّةٌ ما تَقَدَّمْتَ (يخاطب سعيد بن العاص) قال ابن المنذر: وبه أقول: نقله ابن رشد. بداية ج 1 ص 319، وانظر. الحاوي ج 3 ص 45.

باب في الصلاة على الطفل والصبي

وقال أبو حنيفة: تسليمتان وهو مذهب الشافعي رحمهما الله تعالى واختيار المزني. مج 5 ص 194، مغ ج 2 ص 373، بداية ج 1 ص 310. باب في الصلاة على الطفل والصبي مسألة (430) جماهير العلماء على وجوب الصلاة على الطفل والصبي ونقل ابن المنذر الإجماع عليه. وحُكي عن سعيد بن جبير أنه قال: لا يصلَّى عليه ما لم يبلغ. وحُكي عن بعضهم أنه إن كان قد صَلَّى صُلِّي عليه وإلا فلا (¬1). مج 5 ص 205. باب في الصلاة على السقط مسألة (431) جمهور العلماء على أن السقط إذا بلغ أربعة أشهر ولم يتحرك لا يُصلَّى عليه وبه قال الشافعي في الجديد وهو المعتمد في المذهب. وقال أحمد وداود: يصلَّى عليه، وهو قول الشافعي في القديم من مذهبه. وحكى ابن المنذر عن جابر بن زيد التابعي والحكم وحماد ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي في السقط أنه إذا لم يستهل لا يصلَّى عليه. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يُصلَّى عليه وإن لم يستهل، وبه قال ابن سيرين وابن المسيب وأحمد وإسحاق (¬2). مج ج 5 ص 206. باب في غسل الشهيد والصلاة عليه مسألة (433) جمهور العلماء على أن الشهيد لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، وهو قول عطاء والنخعي وسليمان بن موسى ويحيى الأنصاري والحاكم وحماد والليث ومالك ومن وافقه من أهل المدينة، وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري: يُغسل ويُصلَّى عليه، وهو قول عبيد الله ابن الحسن العنبري. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 318. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 397، بداية ج 1 ص 317.

باب في الصبي الشهيد

وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: يُصلَّى عليه ولا يُغسَّل، وبه قال أحمد في رواية (¬1) مج 5 ص 213، مغ ج 2 ص 401، بداية ج 1 ص 298. باب في الصبي الشهيد مسألة (433) جمهور العلماء على أن الصبي إذا استشهد لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وابن المنذر، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال أبو حنيفة: يُغسَّل ويُصلَّى عليه. مج 5 ص 215. باب في الصلاة على ولد الزنا مسألة (434) جمهور العلماء على وجوب الصلاة على ولد الزنا إذا مات، وبه قال النخعي والزهري ومالك وأحمد وإسحاق. حكاه عنهم ابن المنذر، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال قتادة: لا يُصلَّى عليه (¬2). مج 5 ص 217. ¬

_ (¬1) قال الموفق: وعن أحمد رواية أخرى أنه يُصلَّي عليه اختارها الخلال وهو قول الثوري وأبي حنيفة، إلا أن كلام أحمد في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة وقال في موضع: إن صلَّى عليه فلا بأس به، وفي موضع آخر قال: يصلِّى وأهل الحجاز لا يصلون عليه وما تضره الصلاة لا بأس به: وصرح بذلك في رواية المروذي فقال: الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأ. قال الموفق: فكأن الرواتين في استحباب الصلاة لا في وجوبها. اهـ. راجع مغ ج 2 ص 401، وانظر بداية ج 1 ص 316. (¬2) قلت: وحكى ابن رشد عن أكثر أهل العلم إجماعهم على جواز الصلاة على كل من قال لا إله إلا الله سواء كان من أهل الكبائر أو من أهل البدع (يعني غير المكفرة) قال: إلا أن مالكًا كره لأهل الفضل الصلاة على أهل البدع ولم يرى أن يصلي الإِمام على من قتله حدًّا. قلت: ومن الاختلاف الصلاة على من قتل نفسه. منهم من اجازها ومنهم من منعها. انظر بداية ح 1 ص 314. قلت: وبالمنع من الصلاة على قاتل نفسه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وبجواز الصلاة عليه قال الشافعي ومالك والجمهور، وهو قول عطاء والنخعي. انظر مغ ح 2 ص 418، المدونة ج 1 ص 161. قلت: وستأتي هذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى.

باب في الصلاة على الميت بين القبور

باب في الصلاة على الميت بين القبور مسألة (435) جمهور العلماء على كراهة الصلاة على الجنازة في المقبرة بين القبور. حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم وعطاء وابن سيرين وأحمد وإسحاق وأبي ثور واختاره ابن المنذر رحمهم الله تعالى، وهو رواية عن مالك. ولم يرَ الكراهة أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز ومالك في رواية رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. مج 5 ص 218. باب في دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة مسألة (436) جمهور أهل العلم على أن المستحب لمصلي الجنازة أن يبدأ بالفاتحة بعد الاستعاذة وبعد التكبيرة الأولى من غير أن يدعو بدعاء الإستفتاح. وقال ابن المنذر: كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة. قال الموفق: وقد رُوي عن أحمد مثل قول الثوري (¬1). مغ ج 2 ص 369. باب في الجهر والإسرار في صلاة الجنازة مسألة (437) جماهير العلماء على أن المستحب في صلاة الجنازة الإسرار في القراءة والدعاء. ورُوي عن ابن عباس أنه جهر بفاتحة الكتاب، وبه قال جماعة من الأصحاب في المذهب الشافعي منهم أبو حامد الإسفراييني والمحاملي وسليم الرازي وغيرهم (¬2). مغ ج 2 ص 370. ¬

_ (¬1) راجع مج ج 5 ص 183. (¬2) راجع مج ج 5 ص 184. قلت: القراءة في صلاة الجنازة في أصله ليس متفقًا عليه. قال أبو حنيفة ومالك: ليس فيها قراءة وإنما هو دعاء. قال مالك: قراءة فاتحة الكتاب فيها ليس بمعمول به في بلدنا بحالٍ. قال: وإنما يحمد الله ويثنى عليه بعد التكبيرة الأولى، ثم يكبِّر الثانية فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يكبَّر الثالثة فيشفع للميت ثمَّ يكبِّر الرابعة ويسلم. وقال الشافعي: يقرأ بعد التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب ثمَّ يفعل في سائر التكبيرات كقول مالك، وبه قال أحمد وداود. انظر بداية ح 1 ص 309.

باب في الرجل تفوته صلاة الجنازة هل يصلي منفردا؟

باب في الرجل تفوته صلاة الجنازة هل يصلي منفردًا؟ مسألة (438) أكثر أهل العلم على أن من فاتته صلاة الجنازة مع الجماعة فله أن يصلي عليها وحده ما لم تدفن فإذا دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر. رُوي ذلك عن أبي موسى وابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم وبه قال الأوزاعي والشافعي وأحمد. وقال النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة: لا تُعاد الصلاة على الميت إلا للولي إذا كان غائبًا ولا يُصلى على القبر إلا كذلك (¬1). مغ ج 2 ص 391. باب في تكبيرات صلاة الجنازة مسألة (439) أكثر أهل العلم على أن المشروع في صلاة الجنازة أربع تكبيرات وبه قال من الصحابة عمر وابنه وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وعبد الله بن أبي أوفي والحسن بن عليٍّ والبراء بن عازب وأبو هريرة وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهم، وهو قول محمَّد بن الحنفية وعطاء والأوزاعي ومالك وأبي حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. قال النووي: قال ابن المنذر: وقال ابن مسعود وزيد بن أرقم: يكبِّر خمسًا وقال ابن عباس وأنس بن مالك وجابر بن زيد: يكبِّر ثلاثًا وعن ابن سيرين نحوه. وقال بكر بن عبد الله المزني: لا ينقص من ثلاث تكبيرات ولا يُزاد على سبع. وقال أحمد: لا ينقص من أربع ولا يزاد على سبع وعن ابن مسعود: يكبِّر ما يكبِّر الإِمام، وقال عليٌّ رضي الله تعالى عنه: يكبِّر ستًّا ولو كبر الإِمام خمسًا فا (¬2) ختلف القائلون بأربع. فقال الثوري ومالك وأبو حنيفة: لا يتابعه وقال أحمد وإسحاق: يتابعه. قال ابن المنذر: بالأربع أقوال. ¬

_ (¬1) راجع مج ج 5 ص 199، بداية ج 1 ص 313. قلت: ومن هذا الباب اختلافهم في الصلاة على الغائب الذي مات في بلدٍ آخر. حكى ابن رشد عن أكثر العلماء أنه لا يصلي عليه إلا من حضره، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في روايته، وقال بالجواز الشافعي وأحمد في رواية. انظر في هذه المسألة مغ ح2 ص 391. بداية ج 1 ص320، مج ج 5 ص200. (¬2) كانت في الأصل هكذا [و] فجعلتها فاء لأنها أولى بالسياق.

قال النووي: وقال العبدري: ممن قال بخمس تكبيرات زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان والشيعة وعن عليٍّ رضي الله تعالى عنه أنه كبر على أهل بدر ستًا، وعلى غيرهم من الصحابة خمسًا وعلى سائر الناس أربعًا، ورُوي أنه كبر على أبي قتادة سبعًا وكان بدريًا: وقال داود -رحمه الله-: إن شاء خمسًا وإن شاء أربعًا، وعن أحمد رواية أنه لا يتابع الإِمام في زيادة على الأربع، وفي رواية: يتابعه إلى خمس والمشهور عنه يكبِّر أربعًا فإن زاد إمامه يتابعه إلى سبع (¬1). مغ ج 2 ص 394، بداية ج 1 ص 308. * * * ¬

_ (¬1) راجع مج ج 5 ص180.

أبواب حمل الجنازة والدفن

أبواب حمل الجنازة والدفن باب في النساء يتبعن الجنازة مسألة (440) جماهير العلماء على كراهة اتباع النساء للجنازة. حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة رضي الله تعالى عنهم ومسروق والحسن والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وهو قول الثوري ومذهب الشافعي رحمهم الله تعالى. وقال جماعة: لا يُكره، وهو مروي عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه والزهري وربيعة. ومالك يكره في الشابة دون غيرها. وحكى العبدري عن مالك أنه يكره إلا أن يكون الميت ولدها أو والدها أو زوجها وكان ممن يخرج مثلها لمثله. مج 5 ص 224. باب في السير خلف الجنازة وقدامها مسألة (441) جماهير العلماء على أن السير أمام الجنازة أفضل من السير خلفها الراكب والماشي في ذلك سواء، وبه قال أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر والحسن بن علي وأبو قتادة وأبو هريرة وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم والقاسم بن محمَّد وسالم وشريح وابن أبي ليلى والزهري ومالك وأحمد وداود، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى. وقال الثوري -رحمه الله-: يسير الراكب خلفها والماشي حيث شاء منها (¬1). مج 5 ص 227، مغ ج 2 ص 361. باب في تجصيص القبر والكتابة عليه مسألة (442) جماهير العلماء على كراهة تجصيص القبر والكتابة عليه، وبه قال مالك وأحمد وداود. وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر بداية ح 1 ص 306. قلت: وحكى ابن رشد عن أكثر العلماء أن القيام للجنازة منسوخ وذهب البعض أنه واجب غير منسوخ. انظر بداية ج 1 ص 307.

باب في المرأة تموت وفي بطنها جنين

وقال أبو حنيفة: لا يكره (¬1) مج ج 5 ص 250. باب في المرأة تموت وفي بطنها جنين مسألة (443) أكثر الفقهاء على أنه إن ماتت امرأة وفي جوفها جنين ظاهره الحياة شُقَّ بطنها وأخرج الجنين، وهو قول ابن سريح من الشافعية، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى. واختار النووي التفصيل باعتبار رجاء حياته وعدمه (¬2). مج ص 252. باب في الدفن ليلًا هل يكره؟ مسألة (444) مذهب الجماهير من العلماء على عدم كراهة الدفن ليلًا. وقال الحسن البصري -رحمه الله-: يُكره (¬3). مج 5 ص 255. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 322. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 413. (¬3) راجع مغ ج 2 ص 417.

أبواب التعزية وزيارة القبور

أبواب التعزية وزيارة القبور باب في تعذيب الميت ببكاء أهله مسألة (445) جمهور العلماء على أن أحاديث تعذيب الميت ببكاء أهلة محمولة على من أوصى بذلك. وقالت طائفة: معناها أن الميت يُعذَّب بْذكرِ أَهْلهِ نَقَائِصَهُ وقبائحه ظنًا منهم أنها منائح ومحاسن، أو بادعاء ما يحرم كقولهم يا مرمل النساء وميتم الأطفال وما أشبه ذلك. وقالت طائفة: عذاب الميت ببكاء أهله هو حزنه عليهم ورفقه من أجلهم، واختاره ابن جرير الطبري. ورجَّحه القاضي عياض. وقال طائفة: هو محمول على الكافر وصاحب الذنب فيعذب الكافر بكفره والعاصي بذنبه وليس ببكاء أهله، وهو قول عائشة رضي الله تعالى عنها (¬1). مج 5 ص 265. باب في الجلوس على القبر مسألة (446) جمهور العلماء على كراهة الجلوس على القبر والاتكاء عليه منهم النخعي والليث وأبو حنيفة وداود وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى. وقال مالك: لا يكره. مج 5 ص 269. باب في المشي بالنعال والخفاف بين القبور مسألة (447) أكثر العلماء على عدم كراهة المشي بين القبور بالنعلين أو الخفين ونحوهما وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال أحمد -رحمه الله-: يكره، وهو اختيار صاحب الحاوي الإِمام الماوردي من الشافعية. مج 5 ص 269 مغ ج 2 ص 423. فائدة: نقل الإِمام النووي عن أكثر العلماء قولهم ببقاء حياة الخَضِرِ -عليه السلام-. مج 5 ص 259. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 412.

باب في التعزية بعد الدفن

باب في التعزية بعد الدفن مسألة (448) جمهور العلماء على جواز التعزية بعد الدفن. وقال الثوري: لا تستحب بعد الدفن لأنه خاتمة أمره. مغ ج 2 ص 403. باب في قراءة القرآن للميت (¬1) وإهداء ثوابها له هل يصله ذلك؟ مسألة (449) جمهور أهل العلم على أن من قرأ للميت قرآنًا وأهدى ثوابه للميت فإن ذلك لا يلحقه. هكذا حكاه النووي عن الشافعي والجمهور. قلت: وذهب أحمد وآخرون إلى أنه يلحقه ثوابه وينتفع به إن شاء الله تعالى (¬2). شرح ج 11 ص 85. * * * ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على جواز التصدق عن الميت والدعاء له وقضاء ديونه وأن ذلك كله ينفعه وكذلك ما ترك من صدقات جاريات كالعلوم النافعة وبناء المساجد وإهداء المصاحف وتسبيل المياه وغير ذلك من أنواع الأوقاف والحبوسات المشروعة. انظر. شرح ج 11 ص 85. (¬2) انظر مغ ج 2 ص 429.

كتاب الزكاة

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الزكاة

باب في الزكاة على المكاتب

كتاب الزكاة (¬1) باب في الزكاة على المكاتب مسألة (450) جمهور العلماء على أنه لا زكاة على المكاتب في ماله، الزرع وغيره في ذلك سواء، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أنه أوجبها في مال المكاتب في كل شيء كالحر تمامًا. وحكاه العبدري عن داود رحمهما الله تعالى. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يجب العشر في زرعه ولا تجب الزكاة في باقي أمواله (¬2). مج 5 ص 283، مغ ج 2 ص 495، الحاوي ج 3 ص 154. باب في الزكاة على العبد مسألة (451) جمهور العلماء على أنه لا يجب على العبد زكاة، وبه قال ابن عمر وجابر رضي الله تعالى عنهم والزهري وقتادة ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى. وهو مذهب أحمد والصحيح في مذهب الشافعي. وحكى ابن المنذر عن عطاء وأبي ثور الوجوب، ورُوي مثل ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، قاله ابن المنذر وحكاه العبدري عن داود رحمهم الله تعالى (¬3). مج 5 ص 283، مغ ج 2 ص 493. باب في الزكاة في مال الصبي والمجنون مسألة (452) جمهور العلماء على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون. حكاه ¬

_ (¬1) اتفقوا على وجوب الزكاة على كل مسلم هو بالغ عاقل مالكٍ للنصاب ملكًا تامًا. واختلفوا في ما سوى ذلك. وسيأتي بيان بعض ذلك في محله إن شاء الله تعالى. انظر بداية ح 1 ص 323 وانظر الحاوي ج 3 ص 152، مغ ج 2 ص 493. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 324. (¬3) انظر الحاوي ج 3 ص 154 وبداية ج 1 ص 324. قلت: حكى الماوردي الاتفاق على أنه لا زكاة على السيد في أعيان ما يملكه من العبيد إلا أن يكونوا للتجارة. انظر الحاوي ج 3 ص 191.

باب في تأخير الزكاة

ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وجابر والحسن بن علي وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وطاوس وعطاء وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري والحسن بن صالح وابن عيينة وعبيد الله بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وسليمان بن حرب رحمهم الله تعالى. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال أبو وائل وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي: لا زكاة في مال الصبي. وقال سعيد بن المسيب: لا يزكي الصبي حتى يصلِّي ويصوم رمضان. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: في ماله الزكاة لكن لا يخرجها الولي بل يحصيها فإذا بلغ الصبي أعلمه فيزكي في نفسه. وقال ابن أبي ليلى: فيما ملكه زكاة لكن إن أداها الوصي ضمن. وقال ابن شبرمة: لا زكاة في ذهب وفضة، وتجب في إبله وبقره وغنمه وما ظهر من ماله زكيته وما غاب عني فلا. وقال أبو حنيفة: لا زكاة في ماله إلا عشر المعشرات (¬1). مج 5 ص 283. باب في تأخير الزكاة مسألة (453) جمهور العلماء على عدم جواز تأخير الزكاة إذا وجبت بل الواجب إخراجها على الفور وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم -رحمه الله-. ونقل عن أبي حنيفة أنها على التراخي، وقد اختلف أصحاب أبي حنيفة في المسألة، فقال الكرخي بقول الجمهور، وقال أبو بكر الرازي: على التراخي. مج 5 ص 288. باب في مانع الزكاة مسألة (454) أكثر العلماء على أن من أخفى ماله تهربًا من الزكاة ثمَّ ظهر عليه فالواجب أخذ زكاة ماله وحسب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 493، بداية ج 1 ص 323، الحاوي ج 3 ص 152.

وقال أحمد: تُؤخذ منه زكاة ماله ونصف ماله عقوبة له (¬1). وهو قول للشافعي قديم، وبه قال إسحاق بن راهوية وأبو بكر بن عبد العزيز من أصحاب الوجوه في المذهب الحنبلي. مج 5 ص 289. مغ ج 2 ص 435. * * * ¬

_ (¬1) المعتمد في المذهب الحنبلي موافقة الجمهور في هذه المسألة، ولم يذكر الموفق في المغني قولًا لأحمد مخالفًا لهذا. راجع مغ ج 2 ص 435. وحكى ابن رشد عن الجمهور أن مانعها لا يحكم بردته خلافًا لما ذهب إليه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -. انظر بداية ج 1 ص 330. قلت: ثم قال: وذهبت طائفة إلى تكفير من منع فريضة من الفرائض وإن لم يجدها.

أبواب صدقة المواشي

أبواب صدقة المواشي باب في زكاة الخيل مسألة (455) أكثر العلماء على أنه لا زكاة في الخيل. حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر والشعبي والنخعي وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والحاكم والثوي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي حنيفة وأبي بكر بن أبي شيبة، وحكاه غيره عن عمر بن الخطاب والأوزاعي ومالك والليث وداود، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. ولم يفرق الجمهور بين أن تكون سائمة أو معلوفة بشرط أن لا تكون معدَّة للتجارة. وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة: تجب الزكاة في الخيل إن كانت معدة للتوالد والتناسل فإن كانت ذكورًا وإناثًا ففيها الزكاة قولًا واحدًا، وإن تمحضت إناثًا فعن أبي حنيفة روايتان وكذا إن تمحضت ذكورًا، ويُعتبر في زكاة الخيل الحول دون النصاب ومالكها بالخيار إن شاء أعطى من كل فرس دينارًا، وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر قيمتها. ويخرج من هذه المسألة ما لو أعدت الخيل للتجارة ففيها الزكاة عند الكل، وكذلك منها ما لو أعدت للجهاد أو للاستعمال فلا زكاة فيها مطلقًا (¬1). مج 5 ص 291، مغ ج 2 ص 491، بداية ج 1 ص 332، قرطبي ج 10 ص 79. باب في الزكاة في الأموال المعدَّة للنماء مسألة (456) جماهير العلماء على أنه لا زكاة في الأموال المعدة للنماء في نصابها حتى يحول عليها الحول ونقل العبدري عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنهما قالا: تجب الزكاة فيه يوم ملك النصاب فإذا حال الحول وجبت زكاة ثانية (¬2). مج 5 ص 308، الحاوي ج 3 ص 88. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 191. (¬2) ذكر ابن رشد مسألة اشتراط الحول لوجوب الزكاة وحكى الإجماع فيها بين الفقهاء وذكر أن فيها خلافًا ضعيفًا عن ابن عباس ومعاوية فلعل هذا الذي ذكرناه في المسألة هو ما أشار إليه ابن رشد، والله أعلم. انظر بداية ج 1 ص 355. قال الإمام الماوردي في هذه المسألة: وهو (يعني اشتراط الحول) قول أكثر الصحابة وكافة التابعين والفقهاء، وقال عبد الله بن عباس إذا استفاد مالًا بهبةٍ أو بميراث أو بالعطاء لزمته زكاته من غير حول معتبر. وقال عبد الله بن مسعود: يزكي العطاء وحده دون غيره. قالا: لأن نماء ذلك متكامل بوجوده، فلم يفتقر إلى حولٍ كالركاز وغيره. انظر الحاوي ج 3 ص 88.

باب في أوقاص المواشي هل فيها زكاة؟

باب في أوقاص المواشي هل فيها زكاة؟ مسألة (457) أكثر العلماء على أنه لا زكاة في أوقاص المواشي وحكاه العبدري عن أبي حنيفة ومحمد وأحمد وداود وهو الصحيح في مذهب مالك، وهو الأصح من قولي الشافعي. وقال مالك في رواية والشافعي في قول: يتعلق الفرض بالجميع. مج 5 ص 337. باب في وسم أنعام الزكاة والجزية في غير الوجه (¬1) مسألة (458) جماهير العلماء على استحباب وسم أنعام الزكاة والجزية في غير الوجه، وقال أبو حنيفة يكره (يعني كراهة تحريم) لأنه مُثْلهٌ وتعذيث للحيوان (¬2). شرح ج 14 ص 100. باب في الإبل تكون دون خمس وعشرين مسألة (459) جمهور العلماء من السلف والخلف على أنه من ملك دون خمس وعشرين من الإبل فإنه يجزئه أن يخرج عنها بعيرًا ولو كان الفرض في حقه أن يخرج عنها شاة. وهو مذهب الشافعي. وجاء عن مالك وأحمد وداود: أنه لابد من إخراج شاة ولا يجزئه البعير. مج 5 ص 338. باب في الشياه فوق نصابٍ ودون نصابٍ مسألة (460) مذهب العلماء كافة إلا من سنذكره أن الشياه إذا بلغت (ثلاثمائة) وواحدة ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ أربعمائة ففيها أربع شياه، (وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-) ¬

_ (¬1) أما الرسم في الوجه فحرام بالإجماع حكاه النووي وغيره، والرسم كالوشم أثر كَيةٍ بالنار. انظر. شرح ج 14 ص 97. (¬2) وعندي أن الوسم جاز لحاجة أصحاب الأنعام لتمييزها عن غيرها، فإذا أمكن الوصول إلى هذا الغرض بدون تعذيب للحيوان فليكن وقد أمكن في عصرنا هذا استحداث وسائل لتعليم الحيوان كله بدون إيلام أو تعذيب فظهر بذلك المعنى الذي من أجله انفرد أبو حنيفة برأيه عن الجمهور.

باب في الحامل من الأنعام هل تجزئ في الصدقة؟

ثمَّ في كل مائة شاة شاة، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين عنه. وحكوا عن إبراهيم النخعي والحسن بن صالح أنهما قالا: إذا بلغت الشياه ثلاثمائة وواحدة وجب أربع شياه إلى أربعمائة. فإذا زادت واحدة ففيها خمس شياه، وبه قال أحمد في روايةٍ. مج 5 ص 363، مغ ج 2 ص 472، بداية ج 1 ص 346. باب في الحامل من الأنعام هل تجزئ في الصدقة؟ مسألة (461) جماهير العلماء أن الحامل تجزئ في صدقة المواشي إذا تبرع بها صاحبها، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وحكوا عن داود أنها لا تجزئ. مج 5 ص 377. باب في زكاة السائمة مسألة (462) أكثر أهل العلم على أنه لا زكاة في الأنعام إذا كانت معلوفةً أو عاملة، وإنما الزكاة في السائمة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد والثوري وهو قول علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهم -. وحُكي عن مالك في الإبل والبقر والنواضح والأنعام والمعلوفة الزكاة، وبه قال الليث (¬1). وقال داود: معلوفة الغنم لا زكاة فيها ومعلوفة الإبل والبقر فيها الزكاة، حكاه عنه الماوردي. مغ ج 2 ص 441، بداية ج 1 ص 333، الحاوي ج 3 ص 188. باب في زكاة البقر مسألة (463) أكثر أهل العلم على أن زكاة البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة إلى تسع وثلاثين فإذا بلغت أربعين ففيها مُسِنَّةٌ إلى تسع وخمسين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان ¬

_ (¬1) انظر مج ج 5 ص 302. قلت: قال أحمد: ليس في العوامل زكاة، وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل. حكاه عنه الموفق. انظر مغ ج 2 ص 441.

باب في البقر إذا كان دون الثلاثين

إلى تسع وستين، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة وإذا زادت ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة، وبه قال الشعبي والنخعي والحسن ومالك والليث والثوري وابن الماجشون والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور، وهو مذهب أحمد -رحمه الله-. وقال أبو حنيفة في بعض الروايات: فيما زاد على الأربعين بحسابه في كل بقرةٍ ربع عشر مسنة فرارًا من جعل الوقص تسعة عشر، وهو مخالف لجميع أوقاصها؛ فإن جميع أوقاصها عشرة عشرة (¬1). مغ ج 2 ص 468. باب في البقر إذا كان دون الثلاثين مسألة (464) جمهور العلماء على أنه لا زكاة فيما دون الثلاثين من البقر. وبه قال الأئمة الأربعة مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وحكى عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا: في كل خمسٍ شاة. وحكى ابن رشد عن طائفة في كل عشر من البقر شاة إلى ثلاثين ففيها تبيع (¬2) مغ ج 2 ص 468، بداية ج 1 ص 345، الحاوي ج 3 ص 106. باب في البقر الوحش هل فيع زكاة؟ مسألة (465) أكثر أهل العلم بل جمهورهم على أنه لا زكاة في بقر الوحش. واختار أبو بكر بن عبد العزيز من فقهاء الحنابلة روايةً عن الإِمام أحمد بوجوب الزكاة مغ ج 2 ص 470. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 345، الحاوي ج 3 ص 108. قلت: من العجيب أن النووي لم يحك خلافًا في زكاة البقر مع أن الخلاف في ذلك معروف. انظر مج ج 5 ص 360. (¬2) قلت: حكى ابن رشد كذلك عن آخرين أن البقر إذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ففيها بقرتان إذا جاوزت ذلك فإن بلغت مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة. قال: وهذا عن سعيد بن المسيب انظر بداية ج 1 ص 345، الحاوي ج 3 ص 106 وحكى الماوردي عن ابن قلابة كقول سعيد بن المسيب والزهري الذي ذكرناه في أصل المسألة في كل خمس شياه إلى عشرين فيها أربع شاة ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيكون فيها تبيع. انظر الحاوي ج 3 ص 106.

باب في المستفاد من الغنم أثناء الحول

باب في المستفاد من الغنم أثناء الحول مسألة (466) أكثر أهل العلم على أن ما تولد من الغنم أثناء الحول إذا اكتمل النصاب بدونها فإن الزكاة واجبة في الجميع؛ أعني الأمهات والأولاد. وحُكي عن الحسن والنخعي أنه لا زكاة في السخال حتى يحول عليها الحول. مغ ج 2 ص 477. باب في المواشي تكون في بلدانٍ متفرقة مسألة (467) مذهب العلماء كافة إلا ما رُوي عن أحمد أن من ملك أنعامًا في بلدانٍ متفرقة فإنه يضم بعضها إلى بعض فإذا بلغت نصابًا فإن فيها الزكاة وسواء بلغ البعد بين تلك الأنعام مسافة القصر أو دونها. ورُوي عن أحمد أنه لا يجمع بينها إلا إذا كانت المسافة بينها دون مسافة القصر قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد. قلت: ورُوي عن أحمد ما يوافق قول الجماعة. حكى ذلك الموفق في المغني. مغ ج 2 ص 489. باب في الخلطة المعتبرة في الأنعام مسألة (468) أكثر أهل العلم على أن الخلطة المعتبرة في الزكاة إنما هي في السائمة من الأنعام وحسب، وأنه لا أثر لهذه الخلطة في غير ذلك من الذهب والفضة وعروض التجارة والزروع والثمار، بل حكم المشتركين فيها حكم المنفردين. وقال أحمد في روايةٍ: إن شركة الأعيان تؤثر في غير الماشية فإذا كان بينهم نصاب يشتركون فيه فعليهم الزكاة، وبه قال إسحاق والأوزاعي في الحَبِّ والثمر. مغ ج 2 ص 490. باب في المستفاد من المال أثناء الحول مسألة (469) جمهور العلماء على أن من ملك نصابًا مما يعتبر فيه الحول ثمَّ استفاد له مال آخر من غير جنس المال الأول فحكمه أنه مال مستقل، فإن بلغ نصابًا استقبل به حولًا مستقلًا وإن لم يبلغ فلا شيء عليه وبه قال مالك والشافعي.

باب في العسل هل فيه زكاة؟

ورُوي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاده إذا بلغ نصابًا. قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يزكى المال المستفاد بحول الأصل إذا كان الأصل نصابًا. حكاه ابن رشد عنهم (¬1). مغ ج 2 ص 497. باب في العسل هل فيه زكاة؟ مسألة (470) جمهور أهل العلم على أنه لا زكاة في العسل، وبه يقول مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر، وبه يقول أبو حنيفة إن لم يكن في أرضٍ عشرية. قال ابن النذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يَثْبُتُ ولا إجماع فلا زكاة فيه وهو قول الجمهور، وحكاه عن الجمهور ابن رشد كذلك وابن عبد البر. وقال أحمد: فيه الزكاة، ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي وإسحاق. وبه قال أبو حنيفة إن كان في أرض العشر (¬2). بداية ج 1 ص 334. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 357. (¬2) انظر مغ ج 2 ص 577، نيل ج 4 ص 208، تحفة الأحوذي ج 3 ص 272، فتح ج 2 ص111. قلت: زعم الترمذي في جامعه على أن القول بوجوب الزكاة في العسل هو الذي عليه العمل عند أكثر أهل العلم، وذكره الحافظ في الفتح وجعله مقابل قول ابن المنذر ثمَّ قال: وأشار شيخنا (العراقي) في شرحه (على الترمذي) إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى. انظر فتح ح 7 ص 112. قلت: وقد ذكر الماوردي أن الشافعي -رحمه الله- علَّق القول فيه في مذهبه القديم، واستظهر الماوردي ما قاله الشافعي في الجديد وأنه هو الصحيح من معنى تعليق قوله في القديم. انظر. الحاوي ج 3 ص 236.

أبواب زكاة الثمار والزروع

أبواب زكاة الثمار والزروع باب في زكاة الرطب والعنب مسألة (471) جماهير العلماء على أنه لا زكاة في الرطب والعنب ما دام رطبًا حتى يصير يابسًا فيبلغ نصابًا وهو خمسة أوسق (¬1)، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة وزفر: يجب فيهما الزكاة على أي حال كانا وسواء كانا قليلًا أو كثيرًا حتى الحبة فيها العشر. مج 5 ص 415، بداية ج 1 ص 349. باب في زكاة الخضروات مسألة (473) مذهب جماهير العلماء على أنه لا زكاة في الخضر وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة: فيها الزكاة (¬2). مج ص 444. باب في اجتماع الخراج والعشر مسألة (473) مذهب الجمهور من العلماء جواز اجتماع الخراج مع العشر في زكاة الزروع. قال ابن المنذر: ممن قال به عمر بن عبد العزيز وربيعة والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح والليث وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود. اهـ، قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. ¬

_ (¬1) قال الشافعي -رحمه الله- في مختصر المزني: والوَسْقُ ستون صاعًا بصاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصاع أربعة أمداد. بمُدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي. اهـ. انظر الحاوي ج 3 ص 212. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 335. قلت: ذكر الماوردي -رحمه الله- سبعة مذاهب في زكاة الزرع: الأول: تجب الزكاة فيما زرعه الآدمي قوتًا مدخرًا: قال: وبه قال الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم. الثاني: وجوب الزكاة في الحنطة والشعير لا غير. قال به الحسن وابن سيرين والشعبي والحسن بن صالح. الثالث: في الحنطة والشعير والذرة. قال به أبو ثور. الرابع: في كل زرع نبت من بذره وأخذ بذره من زرعه، وهو قول عطاء بن أبي رباح. الخامس: في الزروع التي هي حبوب مأكولة غالبًا أعني التي أصل حبوبها من الزروع المأكولة. قال به مالك. السادس: كقول مالك مضافًا إليها القطن، قال به أبو يوسف. السابع: واجب في كل مزروع ومغروس من فواكه وبقال (بقول) وحبوب وخضر وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله-. انظر الحاوي ج 3 ص 238.

باب في العشر على الرجل يستعير الأرض

وقال أبو حنيفة: لا يجب العشر مع الخراج (¬1) مج 5 ص 454، بداية ج 1 ص 327. باب في العشر على الرجل يستعير الأرض مسألة (474) مذهب العلماء كافة إلا من سنذكر أن من استعار أرضًا أن عشرها على المستعير لا على صاحبها. ورُوي عن أبي حنيفة أنه على المعير، وهذا رواه عنه عبد الله بن المبارك وليس هو الأشهر عنه بل الأشهر عنه موافقة سائر العلماء (¬2). مج 5 ص 456. باب في الأرض المعشرة هل فيها غير العشر؟ مسألة (475) مذهب العلماء كافة إلا ما سنحكيه أن (الأرض ذات) الثمر والزرع إذا وجب فيهما العشر لم يجب بعد ذلك فيهما شيء. وقال الحسن البصري: على مالكها العشر في كل سنة كالماشية والدراهم والدنانير. مج 5 ص 456، الحاوي ج 3 ص 255. باب في نصاب الزروع والثمار مسألة (476) أكثر أهل العلم على أنه لا زكاة في زرع أو ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق وهو مروي عن ابن عمرو جابر وأبي أمامة بن سهل وبه قال عمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والحسن وعطاء ومكحول والحكم والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد. ¬

_ (¬1) ومعنى المسألة أن تكون الأرض أصلًا أرضًا خراجية ثمَّ تنتقل للمسلمين فيجمع فيها الخراج والزكاة إذا وجد نصابها وانظر في هذه المسألة: الحاوي ج 3 ص 252. (¬2) قلت: ونظير هذه المسألة من أجَّر أرضه لفلان. هل الزكاة على صاحب الزرع أم على صاحب الأرض؟. قال مالك والشافعي والثوري وابن المبارك وأبو ثور وآخرون: الزكاة على صاحب الزرع. وقال أبو حنيفة وأصحابه: الزكاة على صاحب الأرض وذلك لاختلافهم في سبب الزكاة في ما تخرجه الأرض هل هو الأرض أم الحبُّ؟. انظر بداية ج 1 ص 327. قلت: حكى ابن رشد المذهب الأول عن الجمهور. وانظر. الحاوي ح 3 ص 254.

باب في الخرص في الزكاة

وقال مجاهد وأبو حنيفة ومن تابعهما: تجب الزكاة في قليلِ ذلك وكثيره (¬1). مغ ج 2 ص 554، بداية ج 1 ص 349. باب في الخرص في الزكاة مسألة (477) أكثر أهل العلم على العمل بالخرص وهو أن يبعث الإِمام ساعي الزكاة ليقدر زكاة الثمار عند بدو صلاحها، وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل ابن أبي حتمة ومروان والقاسم بن محمَّد والحسن وعطاء والزهري وعمرو بن دينار وعبد الكريم بن أبي المخارق ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور. وحُكي عن الشعبي أن الخرص بدعة. وقال أهل الرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان الخرص تخويفًا للأكرة لئلا يخونوا فأما أن يلزم به حكم فلا. وقال داود: لا خرص إلا في النخيل فقط (¬2). مغ ج 2 ص 568، بداية ج 1 ص 350. باب في الزكاة في الثمر مختلف الأنواع مسألة (478) أكثر أهل العلم على أن الثمر الذي وجبت فيه الزكاة إن كان أنواعًا فإنه يؤخذ من كل نوع ما يخصه دون تفريق بين جيد ورديء. وقال مالك والشافعي: يؤخذ من الوسط. قال ابن المنذر: وقال غيرهما: يؤخذ عشر ذلك من كلٍّ بقدره (¬3). مغ ج 2 ص 573. باب في زكاة الحبوب مسألة (479) أكثر من بلغنا من أهل العلم على أن الحبوب التي تجب فيها الزكاة يعتبر نصابها كلٌّ على حدة فلا يُضم بعضها إلى بعض، وبه قال عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. ¬

_ (¬1) انظرالحاوي ج 3 ص 210. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 220. (¬3) انظر بداية ج 1 ص 350. قلت: قد حكى ابن رشد الاتفاق على ضم الجيد إلى الرديء في الصنف الواحد.

باب هل في الأرض حق سوى الزكاة؟

وقال عكرمة: يُضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، وحكاه ابن المنذر عن طاوس. قال أبو عبيد: لا نعلم أحدًا من الماضين جمع يينهما إلا عكرمة، وبه قال أحمد في رواية, وقال آخرون: يضم القريب إلى قريبه والشبيه إلى شبيهه فتضم الحنطة إلى الشعير وبه قال مالك والليث وأحمد في رواية (¬1). مغ ج 2 ص 594. باب هل في الأرض حق سوى الزكاة؟ مسألة (480) جماهير العلماء أنه لا يجب على صاحب المال وقت الصرام والحصاد زكاة صدقة غير الزكاة التي أوجبها الله تعالى. وحُكي عن مجاهد والنخعي أنهما أوجبا ذلك، وروي مثل ذلك عن الشعبي. مج 5 ص 456، 461. باب في حكم الأرض الموقوفة على المسلمين مسألة (481) أكثر أهل العلم على عدم جواز شراء الأرض الموقوفة أو بيعها وبه قال عمر وعليٌّ وابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم، ورُوي ذلك عن عبد الله بن مغفل وقبيصة ابن ذؤيب ومسلم بن مسلم وميمون بن مهران والأوزاعي ومالك وأبي إسحاق الغزاري. وقال الثوري: إذا أقرَّ الإِمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها، ورُوي نحو هذا عن ابن سيرين والقرطبي. مغ ج 2 ص 584. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 350.

أبواب زكاة الذهب والفضة

أبواب زكاة الذهب والفضة باب في أنواع الجواهر الثمينة هل فيها زكاة؟ مسألة (482) جماهير العلماء من السلف والخلف على أنه لا زكاة فيما سوى الذهب والفضة من الجواهر كالياقوت واللؤلؤ والزبرجد والفيروزج والزمرد وإن كثرت أو علت قيمتها، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-، ومذهبهم كذلك أن لا زكاة في حلية البحر لا في عنبر ولا غيره. وحكى ابن المنذر وغيره عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والزهري وأبي يوسف وإسحاق بن راهويه أنهم قالوا: يجب الخمس في العنبر. قال الزهري: وكذلك اللؤلؤ قال النووي: وحكى أصحابنا عن عبد الله بن الحسن العنبري أنه قال: يجب الخمس في كل ما يخرج من البحر سوى السمك. وحكى العنبري وغيره عن أحمد روايتين (إحداهما) كمذهب الجماهير و (الثانية): أنه أوجب الزكاة في كل ما ذكر إذا بلغت قيمته نصابًا في المسك والسمك (¬1). مج 5 ص 464، الحاوي ج 3 ص 280. باب في اعتبار الوزن في نصاب النقدين مسألة (483) جمهور العلماء على أن الاعتبار في زكاة الذهب والفضة هو اكتمال النصاب فيهما وزنًا فلو نقص وزنهما عن النصاب حبَّة أو بعض حبَّة لم يجب فيهما زكاة ولو كَمُلَا في السوق رواجًا، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال مالك: إن نقصت المائتان من الفضة حبَّة وحبتين ونحوهما مما يتسامح به ويروج رواج الوازنة وجبت الزكاة، وعن مالك رواية أنها إذا نقصت ثلاثة دراهم وجبت الزكاة. وعن أحمد رواية كقول مالك الأول. وعنه إن نقصت دانقًا أو دانقين وجبت الزكاة (¬2). مج 5 ص 465. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 271، مغ ج 2 ص 620. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 597، الحاوي ج 3 ص 259. قلت: واتفق العلماء على أن نصاب الفضة خمس أواقٍ أي مائتا درهم؛ لأن كل أوقية تعدل أربعين درهمًا وقد ثبت في ذلك النص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل عشرة منها تعدل سبعة بمثاقيل الإسلام، وقد حكى الاتفاق في هذا الذي ذكرته ابن رشد وابن قدامة والنووي =

باب في معنى قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة}

باب في معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} مسألة (484) جمهور العلماء على أن الكنز المقصود في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وهو كل مال وجبت فيه الزكاة ولم تؤد زكاته سواء كان مالًا مدفونًا أم ظاهرًا. وهو قول الشافعي -رحمه الله-. وقال ابن داود: الكنز في اللغة المال المدفون. سواء أديت زكاته أم لا. وقال ابن جرير: الكنز المحرَّم في الآية هو ما لم تنفق منه في سبيل الله في الغزو (¬1). مج ص 473. باب في الزكاة على ما زاد من نصاب الفضة مسألة (485) جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أنه ما زاد على نصاب الفضة يُخْرجُ منه ربع العشر، قلَّت الزيادة أو كثرت، وممن قال به: علي بن أبي طالب وابن عمر والنخعي ومالك وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد. واختاره ابن المنذر. وقال سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والحسن البصري والشعبي ومكحول وعمرو بن دينار والزهري وأبو حنيفة: لا شيء في الزيادة على مائتين حتى تبلغ أربعين ففيها درهم. حكى قول الجميع ابن المنذر -رحمه الله- (¬2). مج 5 ص 477، بداية ج 1 ص 338، الحاوي ج 3 ص 264. باب في الزكاة على ما زاد من نصاب الذهب مسألة (486) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن ما زاد على نصاب الذهب يُخْرَجُ منه ربع العشر، قلَّت الزيادة أو كثرت، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال طاوس وعطاء والزهري وأيوب وسليمان بن حرب: لا شيء في الزيادة حتى ¬

_ = وغيرهم وكذلك حكوا الاتفاق على أن زكاة الذهب والفضة إذا بلغا نصابًا ربع العشر، وأما نصاب الذهب ففيه خلاف وستأتي بعض مسائل الخلاف فيه. انظر فيما ذكرته. مغ ج 2 ص 596, 600، مج ج 5 ص 463، بداية ج 1 ص 337، وانظر الحاوي ج 3 ص 258. (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 72، 256. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 601.

باب في الاعتبار في نصاب الذهب

تبلغ أربعة دنانير (¬1) مج 5 ص 477. باب في الاعتبار في نصاب الذهب مسألة (487) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الذهب إذا لم يبلغ عشرين مثقالًا فإنه لا تجب فيه زكاة ولو بلغ مائتي درهم (¬2). وممن قال به علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي والحكم ومالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، وحكى الماوردي عن مالك إن نقصت العشرين مثقالًا حبةً وجازت جواز الوازنة وجبت فيها الزكاة، وهو كقوله -رحمه الله- في الوَرِق (الفضة). قال الماوردي: وقال عمر بن عبد العزيز: إن نقصت ربع مثقال وجبت فيها الزكاة، وإن نقصت ثلث مثقال لم تجب فيها الزكاة. وقال طاوس وعطاء والزهري وأيوب وسليمان بن حرب: يجب ربع العشر في الذهب إذا بلغت قيمته مائتي درهم ولو كان أقل من عشرين مثقالًا. حكى قول الجميع ابن المنذر -رحمه الله- (¬3). ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 601. (¬2) ولو بلغت قيمته مائتي درهم، وفي المقابل لو كان عنده عشرون مثقالًا تبلغ قيمها أقل من مائتي درهم ففيه الزكاة. انظر الحاوي ج 3 ص 267. (¬3) ومعنى المسألة أن الذي عليه جمهور الفقهاء أن نصاب زكاة المعدنين الذهب والفضة عشرون دينارًا (مثقالًا) أي وزنًا ذهبًا أو مئتا درهم فضة، وكان يومها قيمة المائتي درهم فضة تعادل عشرين مثقالًا من الذهب؛ أي عشرين دينارًا ذهبيًا، فجعل الجمهور الاعتبار في الذهب والفضة بالوزن لا بالعدد، وستمر هذه المسألة قريبًا. قال ابن رشد: أكثر العلماء على أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا وزنًا كما تجب في مائتي درهم، هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وأحمد وجماعة فقهاء الأمصار. وقالت طائفة: منهم الحسن بن أبي الحسن البصري وأكثر أصحاب داود بن علي (يعني الظاهري): ليس في الذهب شيء حتى يبلغ أربعين دينارًا، ففيها ربع عشرها دينار واحد، وقالت طائفة ثالثة: ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ صرفها (يعني بدلها) مائتي درهم، أو قيمتها (يعني قيمتها الشرائية في السوق قيمة مائتي درهم) فإذا بلغت ففيها ربع عشرها كان (يعني سواء) وزن ذلك من الذهب عشرين دينارًا أو أقل أو أكثر. قال ابن رشد تكملة لهذا القول الأخير: هذا فيما كان منها دون الأربعين دينارًا فإذا بلغت أربعين دينارًا كان الاعتبار بها نفسها لا بالدراهم لا صرفًا ولا قيمة. ا. هـ انظر بداية ج 1 ص 337. قلت: ومن المفيد للقارئ أن يرجع لما ذُكر في المجموع شرح المهذب وغيره لمعرفة حقيقة الدراهم والدنانير وأصلها. انظر مج ج 5 ص 474.

باب في ضم الذهب والفضة

مج ج 5 ص 477 مغ ج 2 ص 599، الحاوي ج 3 ص 267. باب في ضم الذهب والفضة مسألة (488) جمهور العلماء على أن الذهب والفضة لا يُضم أحدهما إلى الآخر إذا نقص نصابهما والقليل والكثير في ذلك سواء، حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك وأحمد وأبي ثور وأبي عبيد، وهو مذهب الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. قال ابن المنذر: وقال الحسن وقتادة والأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي: يُضم أحدهما إلى الآخر (¬1). مج 5 ص 478. باب في اعتبار الوزن في نصاب النقدين مسألة (489) مذهب العلماء كافة أن الاعتبار في نصاب الذهب والفضة هو الوزن لا العدد. وحكى الإِمام الماوردي وغيره عن المنقري وبشر المريسي المعتزلي أن الاعتبار بمائتي درهم عددًا لا وزنًا حتى لو كان معه مائة درهم عددًا وزنها مائتان فلا شيء فيها وإن كانت مائتان عددًا وزنها مائة وجبت الزكاة (¬2). مج 5 ص 478، الحاوي الكبير ج 3 ص 258. باب في اعتبار الحول في زكاة النقدين (الذهب والفضة) مسألة (495) جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد على أن الاعتبار في وجوب الزكاة في الذهب والفضة هو مرور حول كامل بعد اكتمال نصابهما فإذا نقص النصاب انقطع الحول فإذا كمل اسْتُؤْنِف حولٌ جديد. وقال أبو حنيفة: المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره، ولا يضر نقصه بينهما حتى لو كان معه مائتا درهم فتلفت كلها في أثناء الحول إلا درهمًا أو أربعون شاة فتلفت في أثناء الحول إلا شاة ثمَّ ملك في آخر الحول تمام (إلا شاة) المائتين وتمام الأربعين ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 597، بداية ج 1 ص 339، الحاوي ج 3 ص 268. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 338.

باب في حلي الذهب والفضة للنساء هل فيه زكاة؟

وجبت زكاة الجميع (¬1). قلت: وحكى الماوردي عن مالك أن النصاب معتبرٌ عنده بآخر الحول. مج5 ص479. مسألة (491) مذهب العلماء كافة إلا ما رُوي عن الحسن أن الذهب إذا بلغ عشرين مثقالًا ففيه الزكاة ولو لم تبلغ قيمته مائتي درهم فضةً. ورُوي عن الحسن أنه قال: لا زكاة في هذه الحال حتى يبلغ الذهب أربعين مثقالًا (¬2). مغ ج 2 ص 599، مج ج5 ص 477، الحاوي ج 3 ص 267. باب في حلي الذهب والفضة للنساء هل فيه زكاة؟ مسألة (492) أكثر أهل العلم على أنه لا زكاة في الحلي المباح اتخاذه ذهبًا كان أو فضة ولو بلغ كل منهما نصابًا، وبه قال عبد الله بن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعائشة وأسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والشعبي ومحمد بن علي والقاسم بن محمَّد وابن سيرين والزهري ومالك والأصح من قولي الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر. وقال عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وميمون بن مهران وجابر بن زيد والحسن بن صالح وسفيان الثوري وأبو حنيفة وداود فيه الزكاة. وحكاه ابن المنذر كذلك عن ابن المسيب وابن جبير وعطاء ومجاهد وابن سيرين وعبد الله بن شداد والزهري. وحكى البيهقي روايةً عن ابن عمر وابن المسيب أن زكاة الحلي عاريته (¬3). مج 5 ص 501، 492. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 269. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 337. (¬3) راجع مغ ج 2 ص 605 وانظر بداية ج 1 ص 331، الحاوي ج 3 ص 271، 279 فائدة: ذكر الماوردي الاختلاف في الاعتبار بالحلي والأواني من الذهب والفضة هل هو بالوزن أم بالقيمة؟، ورجح أنه بالوزن. انظر الحاوي ج 3 ص 277. وهذا إذا كان حليًّا مما يحرم اتخاذه أو استعماله أما إذا كان الحليُّ للتجارة ففيه تفصيل حاصله أنه ينبني على مسألة الحلي في أصلها هل فيه الزكاة أم لا. فإن قلنا لا زكاة فيه فالعبرة بالقيمة لا بالوزن وإن قلنا فيه الزكاة فعلى قولين. وانظر هذه المسألة في مغ ج 2 ص 608.

أبواب زكاة التجارة

أبواب زكاة التجارة باب في هل تجب الزكاة في عروض التجارة؟ مسألة (493) جماهير العلماء من الصحابة والتابعين على وجوب الزكاة في عروض التجارة وهو قول عمر ابن الخطاب وابن عباس والفقهاء السبعة أعني فقهاء المدينة سعيد ابن المسيب والقاسم بن محمَّد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وخارجة ابن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسلمان بن يسار وهو قول الحسن البصري وطاوس وجابر بن زيد وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد حكاه عنهم ابن المنذر. وحكى أصحابنا عن داود وغيره من أهل الظاهر أنهم قالوا: لا تجب. وقال ربيعة ومالك: لا زكاة في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دراهم أو دنانير، فإذا نضت لزمه زكاة عام واحد (¬1). مج ح 6 ص 3، 4، مغ ج 2 ص 622، بداية ج 1 ص 335. باب في زكاة عروض التجارة متى تجب؟ مسألة (494) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن زكاة عروض التجارة تجب في كل عام إذا بلغ مال التجارة نصابًا، وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد. قلت: والجمهور على أنها تخرج من قيمتها لا من أعيانها. وقال مالك: لا يزكيه إلا لحول واحد. (¬2) وقال المزني كالجمهور لكنها تخرج عنده ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ح 3 ص 282. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 354. قلت في المسألة تفصيل عن مالك فيما إذا كان التاجر تنضبط له أوقات شراء عروضه، أو كان ممن لا ينضبط له ذلك، ويُسمى عندهم "بالمدير" يعني المال الدائم الدوران في السوق بيعًا وشراء. قال ابن رشد: فحكم هؤلاء (يعني التجار الذين حلقة تجارتهم على النحو الذي ذكرناه عند مالك) إذا حال عليهم الحول من يوم ابتداء تجارتهم أن يقوم ما بيده من العروض، ثمَّ يُضم إلى ذلك ما بيده من العين، وماله من الدين الذي يرتجى قبضه، إن لم يكن عليه دين مثله -وذلك بخلاف قوله في دين غير المدير- فإذا بلغ ما اجتمع عنده من ذلك نصابًا أدَّى زكاته، وسواء نَضَّ له في عامه شيء من العين أو لم نَضَّ بلغ نصابًا أو لم يبلغ نصابًا هذه رواية ابن الماجشون عن مالك. =

باب في الحول في عروض التجارة متى يبدأ؟

من أعيانها، وقال آخرون: بل يزكي ثمنه الذي ابتاعه به لا قيمته. مغ ج 2 ص 623، بداية ج 1 ص 355. باب في الحول في عروض التجارة متى يبدأ؟ مسألة (495) أكثر من بلغنا (¬1) قوله من أهل العلم أن الحول في عروض التجارة يبدأ من حين بلوغ مال التجارة النصاب، وبه قال الثوري وأهل العراق والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر. وهو مذهب أحمد. وقال مالك: ينعقد الحول على ما دون النصاب فإذا كان في آخره نصابًا زكاه. وقال أبو حنيفة: يعتبر في طرفي الحول دون وسطه. مغ ج 2 ص 624، 633. * * * ¬

_ = قال ابن رشد: وروى ابن القاسم عنه: إذا لم يكن له ناض، وكان يتحسر بالعروض، لم يكن عليه في العروض شيء. انظر هذه المسألة في بداية ج 1 ص 354. (¬1) وقد نص الموفق على أنه قول أكثر أهل العلم عندما ذكر هذه المسألة بسياق مختلف في موضع آخر وهو قوله: وإن اشترى للتجارة ما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصابًا انعقد عليه الحول من حين صار نصابًا في قول أكثر أهل العلم. راجع مغ ج 2 ص 633.

أبواب زكاة المعدن والركاز

أبواب زكاة المعدن والركاز (¬1) باب في اشتراط الحول في زكاة المعدن مسألة (496) جماهير العلماء من السلف والخلف على أنه لا يُشترط الحول في زكاة المعدن وإنما تجب زكاته بوجوده وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي في المشهور من قوليه وهو نصه في معظم كتبه، وهو مذهب أحمد رحمهم الله تعالى. وقال المزني والشافعي في قول له: يُشترط فيه الحول (¬2). مج ح 6 ص 35. باب في المكاتب والذمي يجدان المعدن هل عليهما فيه زكاة؟ مسألة (497) جماهير العلماء على أنه لا زكاة على المكاتب والذمي في المعدن إذا أخذا منه شيئًا. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يجب عليهما. مج ج 6 ص 37. باب في وجوب الزكاة في الركاز مسألة (498) جماهير العلماء على أنه يجب في الركاز وهو دفين الجاهلية الخمسُ ¬

_ (¬1) جمهور العلماء على أن الركاز والمعدن شيئان مختلفان، وبه يقول الشافعي وأهل الحجاز وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى وغيره من أهل العراق هما شيء واحد. انظر شرح ج 11 ص 226 (¬2) انظر بداية ج 1 ص 341، 356. قلت: المعادن التي يجب فيها الزكاة عند الشافعي هي معادن الذهب والفضة يعني الذهب والفضة يستخرج من معدنه وما سواهما من الصفر والنحاس والحديد والرصاص والمرجان والياقوت والزمرد والعقيق والزبرجد والكحل والزئبق والنفط (البترول) وسواء في ملك أحد أو كانت في أرضٍ موات. وقال أبو حنيفة: تجب الزكاة في المعادن التي تنطبع كالصفر والنحاس دون ما لا ينطبع من الذائب والأحجار. انظر الحاوي ج 3 ص 333. قلت: وأما مقدار الزكاة في المعادن فقد لخصه الماوردي في ثلاثة مذاهب. الأول: ربع العشر. قال -رحمه الله-: وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق، وبه قال من التابعين الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ونصَّ عليه الشافعي في القديم والإملاء وفي كتاب الأم. الثاني: فيها الخمس كالركاز، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد أقواله. الثالث: إن كان استخرجها بمؤنة وتعب ففيها ربع العشر وإلا ففيها الخمس، وبه قال الأوزاعي. وحكاه الشافعي عن مالك وأومأ بليه في كتاب الأم. انظر الحاوي ج 3 ص 335.

باب في زكاة الركاز على الذمي

وهو مذهب الشافعي. وقال الحسن البصري: إن وُجِد في أرض الحرب ففيه الخمس، وإن وجده في أرض العرب ففيه الزكاة. مج ج6 ص 38، مغ ج 2 ص 612. باب في زكاة الركاز على الذمي مسألة (499) جمهور أهل العلم على وجوب زكاة الركاز على الذمي نقله ابن المنذر عن مالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق من أصحاب الرأي وغيرهم والأوزاعي والشافعي وأبي ثور، وبه قال ابن المنذر. وردَّ النووي حكاية هذا القول عن الشافعي فجزم أنَّ قول الشافعي أنه لا يجب على الذمِّي؛ لأنه ليس من أهل الزكاة، وقال الثوري والأوزاعي وأبو عبيد: إذا كان الواجد له عبدًا يرضخ له منه ولا يعطاه كله. مج ج6 ص 38، مغ ج 2 ص 616. باب في الركاز هل يُشترط فيه نصاب؟ مسألة (500) جمهور [أهل] العلم على أنه لا يُشترط في الركاز النصاب، وهو مذهب أبي حنيفة وأصح الروايتين عن مالك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي، نقله عنهم ابن المنذر. وقال: وهو أولى بظاهر الحديث. وذهب الشافعية في المعتمد من قولي الشافعي إلى اشتراط النصاب (¬1). مج ج 6 ص 47. * * * ¬

_ (¬1) راجع مغ ح 2 ص 619. قلت: هذه المسائل في الركاز وهو ما يوجد دفينًا في الأرض مما له قيمة مالية من الذهب والفضة وغير ذلك بشرط أن لا يكون له صاحب وكان عائدًا لأيام الجاهلية قبل نزول الشريعة وتقرير أحكام الملكية وهذا بأن يوجد في أرض الإِسلام وإذا وجد في أرض الحرب فكذلك عند الجمهور، وفيه خلاف الحسن. انظر مسألة الركاز. في الحاوي مج 3 ص 340.

أبواب زكاة الفطر

أبواب زكاة الفطر باب في زكاة الفطر هل هي واجبة؟ مسألة (501) جماهير العلماء على أن زكاة الفطر واجبة وهو قول الأئمة الأربعة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وقال ابن اللبان من الشافعية وأشهب من المالكية وإبراهيم ابن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم: إنها سنَّة، وقد كانت فرضًا حتى نسختها الزكاة المفروضة السنوية، وقد نقل الإجماع في هذه المسألة البيهقي وابن المنذر (¬1). مج ج 6 ص 48، مغ ج 2 ص 645، بداية ج 1 ص 366. باب في اليسار (الغِنَي) المعتبر في صدقة الفطر مسألة (502) جمهور العلماء على أن ضابط اليسار الموجب لصدقة الفطر هو أن يملك المرء ما يزيد على قوته وقوت من تلزمه نفقتهم ليلة العيد ويومه، وبه قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو ثور. وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: ضابطه أن يملك نصابًا من الذهب أو الفضة، أو ما قيمته نصاب ذهب أو فضة فاضلًا عن مسكنه وأثاثه الذي لابد منه، وبه قال أصحاب الرأي (¬2). مج ج6 ص52، بداية ج 1 ص 367. ¬

_ (¬1) قال ابن رشد: وذهب بعض المتأخرين من أصحاب مالك إلى أنها سنَّة: وبه قال أهل العراق، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض. وقال إسحاق (بن راهويه). هو كالإجماع من أهل العلم: قال الموفق: وزعم ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداود يقولون هي سنَّة مؤكدة، وسائر العلماء على أنها واجبة. قلت: أوهم كلام ابن رشد أن فقهاء العراق ولا شك أن أبا حنيفة مقدمهم وأولهم يقولون إنها سنَّة، والثابت عن أبي حنيفة وأصحابه أنها واجبة ليست فرضًا ولا سنَّة بناءً على أصلهم في الفرق بين الفرض وهو ما يثبت بدليل قطعي وبين الواجب وهو ما يثبت بدليل ظنى. وأما النقل عن داود فلا أظنه يثبت وقد نصَّ ابن حزم في المحلي على أنها فرض ولكنه أغرب ونقل عن مالك أنه يقول إنها ليست فرضًا. وهذا لا يصح عن مالك بل قد صرح مالك بخلافه في الموطأ وعلى ذلك جلة أهل مذهبه. انظر فيما ذكرته. بداية ج 1 ص 366، مغ ح 2 ص 645، الحاوي ج 3 ص 349، محلي ج 1 ص 118، المنتقى للباجي (شرح الموطأ) ح 2 ص 185، مج ج 6 ص 48. (¬2) راجع مغ ج 2 ص 679، الحاوي ج 3 ص 371.

باب في صدقة الفطر في عبيد التجارة

باب في صدقة الفطر في عبيد التجارة مسألة (503) أكثر الفقهاء على أن عبيد التجارة تجب فطرتهم على سيدهم، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى. وقال أبو حنيفة: لا تجب (¬1). مج ج 6 ص 59. باب في فطرة العبد على سيده مسألة (504) جمهور الفقهاء على وجوب فطرة العبيد على سيدهم إذا عملوا في أرضه أو ماشيته، وبه قال ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وطاوس وعطاء بن يسار والزهري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وحُكي عن (¬2) عبد الملك أنه لا تجب. مج ج6 ص 59. باب في صدقة الفطر عن العبيد الغائبين مسألة (505) أكثر أهل العلم على وجوب إخراج صدقة الفطر عن الرقيق الغائبين (الآبقين) عُلم مكانهم أو لم يُعلم، وسواء كانت غيبتهم قريبة أو بعيدة، وسواء كانوا في دار الإِسلام أو غير ذلك، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وهو مذهب أحمد. وأوجبها الزهري إذا علم مكانه، والأوزاعي إن كان في دار الإِسلام، ومالك أن كانت غيبته قريبة ولم يوجبها عطاء والثوري وأصحاب الرأي (¬3). مغ ج 2 ص 674. باب في إخراج زكاة الفطر عن الزوجة الكافرة والعبد الكافر (¬4) مسألة (506) جمهور الفقهاء على أنه لا يجب على السيد المسلم إخراج زكاة الفطر ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 368. (¬2) في الأصل ليس هكذا وإنما بدون "عن". (¬3) انظر الحاوي ج 3 ص 356. (¬4) قلت: أما الزوجة المسلمة فقال بوجوبها على الزوج علي وابن عمر رضي الله عنهم ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال أبو حنيفة وصاحباه والثوري: ليس على الزوج فطرة زوجته وإنما تجب عليها. انظر مج ج 6 ص 58، بداية ج 1 ص 367، الحاوي ج 3 ص 354، مغ ج 2 ص680.

باب في العبد المسلم على من تجب صدقة فطره؟

عن زوجته الكافرة ولا عن عبده الكافر، حكاه عن الجمهور في العبد الكافر الحافظ في الفتح، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وهو قول علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وابن المسيب والحسن وأبو ثور: وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري حكاه عنهم في العبد والزوجة النووي. وحكى الحافظ عن عطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق؛ أنهم أوجبوها عليه. قلت: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وحكى الموفق عن أبي حنيفة أنه يخرج زكاة الفطر عن ابنه الصغير إذا ارتدَّ (¬1). فتح ج 7 ص 140. باب في العبد المسلم على من تجب صدقة فطره؟ مسألة (507) جماهير المسلمين على وجوب زكاة الفطر على السيد في عبده المسلم. وبه قال الفقهاء كافة إلا داود الظاهري فقال: لا تجب على السيد، وإنما هي على العبد، ويجب على السيد تمكينه من الكسب لها. وقد نقل ابن المنذر الإجماع في هذه المسألة (¬2). مج ج 6 ص 60. باب في وجوب صدقة الفطر على من تجب مؤنتهم دون غيرهم مسألة (508) أكثر أهل العلم على أن زكاة الفطر لا تجب إلا عمن تجب مؤنتهم والنفقة عليهم، فمن تبرع بمؤنة فقير أو ضمَّ إليه يتيمًا في شهر رمضان فإنه لا يجب عليه إخراج صدقة الفطر عنه ولكنه يُستحب. وقال أحمد في رواية: يجب عليه، واختارها أكثر الأصحاب في المذهب، ورجَّح الموفق قول الجمهور. مغ ج 2 ص 677. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 2 ص 646، بداية ج 1 ص 368، مج ج 6 ص 58، نيل ح 4 ص 259. قلت: وقع تعارض في النقل عن جملة ممن ذكرناهم في مسألة الكتاب ممن نُسبوا للجمهور فبينما قال النووي: قال ابن المنذر: وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري. مج ج 6 ص 58 يعني القول بعدم إخراج زكاة الفطر عن العبد الذمي والزوجة الكتابية. قال ابن قدامة: ويروى عن عمر بن عبد العزيز وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي أن على السيد المسلم أن يخرج الفطرة عن عبده الذمي. مغ ح 2 ص 646. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 351.

باب في صدقة الفطر عن الجنين في بطن أمه هل تجب؟

باب في صدقة الفطر عن الجنين في بطن أمه هل تجب؟ مسألة (509) أكثر أهل [العلم] على عدم وجوب إخراج صدقة الفطر عن الجنين في بطن أمه، قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه. وقال أحمد في رواية: تجب. مغ ج 2 ص 695. باب في إخراج صدقة الفطر عن الصغير في ماله مسألة (510) مذهب الجماهير من الفقهاء من السلف والخلف وجوب زكاة الفطر على الكبير والصغير, وقال محمَّد بن الحسن: ليس في مال الصغير صدقة. وحُكِي عن ابن المسيب والحسن البصري أنها لا تجب إلا على من صلى وصام، وحُكي مثل ذلك عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، وبه قال الشعبي. مج ج 6 ص 82، مغ ج 2 ص 646، الحاوي ج 3 ص 351. باب في العبد المؤمن يكون تحت السيد الكافر مسألة (511) جماهير أهل العلم على أن الكافر لا تجب عليه زكاة الفطر في عبده المسلم. وقال الشافعية في أصح الوجهين: تجب وحُكي مثله عن أحمد. ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم الوجوب. مج ج 6 ص 82، مغ ج 2 ص 647، فتح ج 7 ص 140. باب في صدقة الفطر في مال اليتيم مسألة (512) جمهور الفقهاء على أن صدقة الفطر على اليتيم وكذا الصغير تجب في ماله إن كان له مال، وهو مذهب مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وأحمد وابن المنذر رحمهم الله تعالى. وقال محمَّد بن الحسن: ليس في مال الصغير من المسلمين صدقة (¬1). ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 367.

باب في صدقة الفطر على أهل البادية

وحكاه الماوردي عن زفر بن الهذيل. مج ج 6 ص 83، مغ ج 2 ص 646، الحاوي ج 3 ص 360. باب في صدقة الفطر على أهل البادية مسألة (513) جماهير العلماء على وجوب زكاة الفطر على أهل البادية. وحكى ابن المنذر وغيره عن عطاء وربيعة والزهري أنها لا تجب. وحكاه ابن رشد عن الليث. مج ج 6 ص 84، مغ ج 2 ص 653، بداية ج 1 ص 367، الحاوي ج 3 ص 384. باب في المجزئ في صدقة الفطر مسألة (514) أكثر العلماء على أن المجزئ في صدقة الفطر صاع من الأجناس المجزئة، ولا يجزئ نصف صاع من أي منها التمر والزبيب والشعير والبر وغيرها في ذلك سواء، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال آخرون: يجزئ نصف صاع من بر ولا يجزئ في البقية إلا صاع وبه قال الثوري وأكثر أهل الكوفة إلا أبا حنيفة فقال: يجزئ نصف صاع زبيب كنصف صاع بر. ورُوي إجزاء نصف صاع عن علي وابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن الزبير وأبي هريرة ومعاوية وأسماء. قال ابن المنذر: وروينا إجزاء نصف صاع بر عن أبي بكر الصديق وعثمان رضي الله تعالى عنهما قال: ولم يثبت عنهما، وبه قال ابن المسيب وطاوس وعطاء ومجاهد وعمر بن عبد العزيز ورُوي عن سعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومصعب بن مسعد وأبي قلابة واختلف فيه عن علي وابن عباس والشعبي (¬1). مج ج 6 ص 84، الحاوي ج 3 ص 379. باب في قدر الصاع المجزئ في صدقة الفطر مسألة (515) جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأبو يوسف وأحمد على أن قدر الصاع المجزئ في زكاة الفطر هو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. وحكاه الماوردي عن ¬

_ (¬1) نقل ابن رشد الاتفاق على أنه لا يجزئ في التمر والشعير أقل من صاع، واختلفوا في القمح انظر بداية ج 1 ص 369.

باب في إخراج القيمة في صدقة الفطر

سائر فقهاء الحرمين وأكثر فقهاء العراقيين. وقال أبو حنيفة ومحمد: ثمانية أرطال (¬1) مج ج 6 ص 85. باب في إخراج القيمة في صدقة الفطر مسألة (516) جمهور الفقهاء على عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز، وُروي مثل ذلك عن عمر بن عبد العزيز (¬2) والحسن. مج ج 6 ص 73. باب في زكاة الفطر هل يُعطى منها غير المسلمين؟ (¬3) مسألة (517) جمهور العلماء على أن زكاة الفطر مصرفها مصرف الزكاة الحولية والتي ذكر الله تعالى مصرفها في كتابه العزيز. وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو ثور. وقال أبو حنيفة يجوز إعطاؤها للذمِّي. ورُوي عن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمذاني أنهم كانوا يعطون منها الرهبان. بداية ج 1 ص370. ¬

_ (¬1) ص 36: انظر مغ ج 2 ص 651، الحاوي ج 3 ص 382. (¬2) انظر مغ ج 2 ص 662،: قال أبو داود صاحب السنن: قيل لأحمد (الإِمام) وأنا أسمع. أُعْطِي دراهم - يعني في صدقة الفطر؟ قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته. قيل له: يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة؟ قال: يدعون قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون قال فلان!. قلت: ثمَّ ذكر الموفق عن أحمد ما يدل على جواز إخراج القيمة في غير الفطرة. انظر مغ ج 2 ص 661. (¬3) قلت: فهذه المسألة في زكاة الفطر، وأما في زكاة المال فحُكي الإجماع على عدم جواز إعطائها لغير المسلمين غير واحدٍ، ونقله عن ابن المنذر الموفق والنووي ثمَّ ذكر النووي عن صاحب البيان نقله عن ابن سيرين والزهري جواز صرف الزكاة (يعني المالية) إلى الكفار. فالله تعالى أعلم. انظر مغ ج 2 ص 690، مج ج 6 ص 177.

باب تعجيل الصدقة

باب تعجيل الصدقة مسألة (518) أكثر أهل العلم على جواز تعجيل الصدقة الحولية إذا وجد نصابها. وبه قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو عبيد. وقال ربيعة ومالك وداود: لا يجوز، وهىِ حكاية عن الحسن (¬1). مج ج 6 ص 87 * * * ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 2 ص 499، بداية ج 1 ص360، الحاوي ج 3 ص 159، قلت: ومما يرتبط بهذه المسألة (تعجيل صدقة الفطر) ويتعلق الكلام بأمرين: الأول: جواز التعجيل، والثاني: وقت التعجيل أما الأول فإنهم متفقون فيما أحسب على جوازه، وأما الثاني فجماعة قالوا: يعجلها قبل يوم أو يومين من وقت الوجوب، وهو المعتمد في مذهب أحمد وجماعة قالوا: بعد نصف الشهر وهو وجه لأصحاب أحمد. وقال آخرون: في كل رمضان وهو المعتمد في مذهب الشافعي. وقال آخرون: في كل السنة قبل رمضان وبعد رمضان إلى وقت الوجوب، وبه يقول أبو حنيفة وهو وجه في المذهب الشافعي. انظر مغ ج 2 ص 668، مج ج 6 ص 68.

أبواب قسم الصدقات

أبواب قسم الصدقات باب في وسم أنعام الزكاة مسألة (519) جمهور أهل العلم على استحباب وسم الماشية المعدَّة للزكاة. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: لا يجوز وهو مُثْلة. مج ج 6 ص 120. باب في اشتراط النية في إخراج الزكاة مسألة (520) جماهير العلماء على اشتراط النية لصحة أداء الزكاة الواجبة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وأبي ثور وداود رحمهم الله تعالى. وقال الأوزاعي -رحمه الله-: لا تجب النية بل الزكاة كأي دين من الديون يصح أداؤه بدون نية. مج ج 6 ص 124، مغ ج 2 ص 505، الحاوي ج 3 ص 178. باب في عُمَّال الزكاة للولاة الظالمين هل تجزئ الزكاة إذ سُلمت لهم؟ مسألة (521) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على إجزاء الزكاة عمن أخرجها لمصدِّق الزكاة للحكام سواء كانوا بارِّين أو فاجرين. وقال أبو عبيد في الخوارج: يأخذون الزكاة على من أخذوا الإعادة؛ لأنهم ليسوا أئمة فأشبهوا قطاع الطريق (¬1). مغ ج 2 ص510. باب في القريب الذي يجوز إعطاؤه من الزكاة الواجبة مسألة (522) أكثر أهل العلم على جواز صرف الزكاة إلى كل من لا تجب نفقته على المزكي سواء كان وارثًا أو موروثًا، وبه قال الشافعي وأحمد في روايةٍ وأبو عبيد. وقال أحمد في رواية: لا يجوز صرفها للقريب إذا كان موروثًا. مغ ج 2 ص 512. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 186.

باب في الزكاة تعود للمزكي بالتوريث

باب في الزكاة تعود للمزكي بالتوريث مسألة (523) جمهور العلماء على أن من أخرج زكاته لمستحق قريب يجوز دفع الزكاة إليه ثم مات وعادت الزكاة على المزكي بالميراث فهو حلال طيب. وقال ابن عمر والحسن بن حي: لا يجوز أكل هذا المال. مغ ج 2 ص 516. باب في إعطاء عبيد بني هاشم من الزكاة مسألة (5241) أكثر العلماء على جواز صرف الزكاة إلى موالي بني هاشم. ومذهب أحمد المنع من ذلك. مغ ج 2 ص 519. باب في صرف الزكاة إلى بعض الأصناف دون بعض مسألة (525) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم من فقهاء الأمصار أنه يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية، وهو قول الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري ومالك وأبي حنيفة وأحمد وأبي عبيد. قال ابن المنذر وغيره: ورُوي هذا عن حذيفة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم قال مالك: ويصرفها إلى أمسِّهم حاجةً، وقال إبراهيم النخعي. إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف وإلا وجب استيعاب الأصناف. وقال عكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وداود والشافعي بوجوب استيعاب الأصناف مطلقًا (¬1). مج ج 6 ص 131. باب في مصرف سهم الرقاب مسألة (526) أكثر العلماء على أن سهم الرقاب يُصرف إلى المكاتبين وبه قال علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وسعيد بن جبير والزهري والليث بن سعد والثوري ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 2 ص 529، بداية ج 1 ص 361, الحاوي ج 3 ص 387.

باب في نقل الزكاة من بلد إلى آخر

وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم رحمهم الله تعالى، وذهب آخرون إلى أن سهم الرقاب يصرف في شراء العبيد ثمَّ يعتقون وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه حكاه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور (¬1). مج ج 6 ص 146. باب في نقل الزكاة من بلد إلى آخر مسألة (527) أكثر أهل العلم على كراهة نقل الزكاة من بلد المزكي إلى بلد غيره تقصر في مثله الصلاة وهو قول عمر بن عبد العزيز وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي والثوري ومالك وأحمد، وهل تجزؤه؟ في ذلك خلاف، فقد نصَّ الإِمام ابن قدامة على الإجزاء ونقله عن أكثر أهل العلم وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- ونص الإِمام النووي على عدم الإجزاء وجعله أصح قولي الشافعي -رحمه الله- تعالى وجعله كذلك قول من ذكرناهم في أول المسألة من فقهاء الأمصار. وهو إحدى الروايتين عن أحمد. مج ج 6 ص 170، مغ ج 2 ص 531. باب فيمن مات وفي ذمته زكاة هل تخرج من رأس ماله؟ مسألة (528) جمهور الفقهاء على أن من مات وقد وجبت عليه زكاة ولم يؤدها فإنها تخرج من تركته وجوبًا ولو جاوزت ثلث ماله وقال أبو حنيفة: تسقط عنه بالموت إلا أن يوصي. وبالأول قال عطاء والحسن والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور وابن المنذر. وقال بالثاني مع أبي حنيفة: أصحاب الرأي وابن سيرين والشعبي والنخعي وحماد ابن سليمان وداود بن أبي هند وحميد الطويل والمثني والثوري. وقال الأوزاعي والليث: تجب ولا تتجاوز الثلث وهي مقدمة على الوصايا ولكن بالشرط الآنف (¬2). مج ج 6 ص 181 ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 364. (¬2) مغ ج 2 ص 540.

باب زكاة الدين وصداق الزوجة

باب زكاة الدين وصداق الزوجة (¬1) مسألة (529) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من ملك مالًا بلغ نصابًا وعليه دين يستغرق ماله أو يذهب بنصابه فلا زكاة عليه في كل ما يُعدُّ من الأموال الباطنة كالدراهم والدنانير والذهب والفضة، وبه قال عطاء وسليمان بن يسار وميمون ابن مهران والحسن والنخعي والليث ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد والشافعي في القديم. وقال ربيعة وحماد بن أبي سليمان والشافعي في الجديد: لا يمنع الزكاة (¬2). وقال أبو حنيفة: الدين يمنع زكاة كل ما فيه زكاة إلا الحبوب وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناضِ (¬3) فقط إلا أن يكون له عروضٌ فيها وفاءٌ من دينه فإنه لا يمنع. مغ ج 2 ص 635. * * * ¬

_ (¬1) قلت: هذه المسألة فيما إذا كان الزوج عليه دين في ذمته ومنه صداق زوجته وأما إذا عكسنا المسألة وقلنا هل على الزوجة زكاة صداقها الذي لم تقبضه من زوجهًا بَعْدُ؟ فالجواب أن حكمه حكم الديون على ما ذكرته في الفقرة المتعلقة بالمسألة. قال الموفق ابن قدامة: وجملة ذلك أن الصداق في الذمة دين للمرأة حكمه حكم الديون على ما مضى إن كان على ملئ به فالزكاة واجبة فيه إذا قبضته أدت لما مضى، وإن كان على معسر أو جاحدٍ فعلى الروايتين. انظر مغ ج 2 ص643. (¬2) راجع مج ح 5 ص 297، انظر بداية ح 1 ص 325، الحاوي ح 3 ص 309 ص 35: قلت: ومن هذا الباب اختلافهم في من له دين في ذمة فلان فقال قوم: لا زكاة فيه حتى يقبضه الدائن ويمر عليه حول في يده، وهو قول أبي حنيفة في الإجمال وأحد قولي الشافعي وقال آخرون: يزكيه عما مضى من السنين إذا قبضه. وهو أحد قولي الشافعي وهو المعتمد في المذهب وقال مالك: يزكيه عن حول واحدٍ إذا كان أصله عن عوض (يعني كالبيع إلى أجل) وأما إذا كان عن غير عوض كالميراث أو القرض الحسن فإنه يستقبل به الحول. انظر بداية ج 1 ص 326. قلت: والمسألة فيها تفصيلات وتفريعات ليس هذا محل بسطها. وانظر الحاوي ج 3 ص 263. (¬3) الناضِ: بالتشديد هو المال يكون عرضًا يعني متاعًا ثم يتحول إلى مالٍ عيني.

كتاب الصيام

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الصيام

باب في العاجز عن الصيام

كتاب الصيام باب في العاجز عن الصيام مسألة (530) جمهور العلماء منهم طاوس وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه -رحمهم الله تعالى- أن الشيخ العاجز عن الصيام لا صوم عليه ولكن تجب في حقه الفدية مع اختلاف بين هؤلاء -رحمهم الله تعالى- في قدر تلك الفدية فذهب أكثرهم على أنها مدٌّ من طعام عن كل يوم، وبه قال علي وابن عباس وأبو هريرة وأنس وسعيد بن جبير وطاوس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي في قوله الآخر وقال مكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وابن المنذر: لا فدية عليه ولا صوم (¬1). مج ج 6 ص 212،210. باب في السفر في رمضان مسألة (531) مذهب الجماهير من العلماء جواز السفر لمن دخل عليه رمضان وهو مقيم، فإذا سافر جاز له الفطر إذا تحققت شروط السفر المعتبرة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد. وحُكي عن أبي مخلد التابعي أنه لا يسافر، فإن سافر لزمه الصوم وحرم الفطر. وحُكي عن عَبيدة السلماني وسويد بن غفلة أنه يلزمه الصوم بقية الشهر ولا يمتنع السفر، وحكى ذلك أيضًا عن أبي مجلز لاَحِقُ بن حُمَيْد التابعي (¬2). ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 79. قلت: أجمع الفقهاء على أن الصيام يجب على البالغ المسلم العاقل الحاضر الصحيح إذا لم يكن فيه ما يمنع صحة الصوم وهو الحيض والنفاس للنساء. انظر بداية ج 1 ص 373. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 448. قلت: سبب اختلافهم هو مدلول قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فالجمهور على أنه من باب العام المخصوص أي فمن كان منكم شاهدًا للشهر وهو حاضر صحيح فليصمه فإذا سافر ثبتت له رخصة الفطر والآخرون منعوا هذا التخصيص، وقالوا: هو على عمومه في حق كل من شهد الشهر سواء أنشأ سفرًا أو لم ينشىء سفرًا. وهذه عجالة لم نقصدها ومحلها في الشرح وبالله التوفيق. قلت: وقول الجمهور هذا فيما إذا سافر من الليل في رمضان، وأما إذا سافر بعد طلوع فجر يومٍ من أيام رمضان فهل يحل له أن يفطر في هذا اليوم أم يتم صومه وجوبًا ثمَّ يفطر اليوم الذي يليه إذا ظل مسافرًا إن شاء؟ ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية إلى أنه لا يحل له أن يفطر في ذلك اليوم، وهو قول مكحول والزهري ويحيى =

باب في صوم المسافر وفطره

وحكاه القرطبي عن عائشة وعليّ وابن عباس. مج ج 6 ص 216، مغ ج 3 ص 33، قرطبي ج 2 ص 299، بداية ج 1 ص 392. باب في صوم المسافر وفطره مسألة (532) جمهور العلماء على جواز الفطر والصوم في السفر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. ورُوي عن أصحاب داود الظاهرى جواز الصوم ومنعه ونقل ابن المنذر عن ابن عمر وسعيد بن جبير كراهية الصوم للمسافر وعن ابن عمر أنه قال: إن صام قضاه. قال ابن المنذر: ورُوي عن ابن عباس أنه لا يجزئه الصوم وعن عبد الرحمن بن عوف قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. قال النووي: وحكى أصحابنا بطلان صوم المسافر عن أبي هريرة وأهل الظاهر والشيعة (¬1). مج ج 6 ص 217، مغ ج 3 ص 87، بداية ج 1 ص 388، نيل ج 4 ص 305. باب في السفر المبيح للفطر في رمضان مسألة (533) جمهور أهل العلم على أن السفر المبيح للفطر في رمضان هو السفر الذي تقصر فيه الصلاة على اختلافهم في المسافة التي لأجلها تقصر الصلاة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. ¬

_ = الأنصاري والأوزاعي وحكاه ابن رشد عن فقهاء الأمصار. وقال أحمد في رواية له الفطر. وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر والمزني انظر مغ ج 3 ص 34، مج ص 6 ص 214، الحاوي ج 3 ص 488، بداية ج 1 ص 391. (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 445. قلت: حكى الموفق في نحو هذه المسألة الإجماع. انظر مغ ج 3 ص 33. قلت: ومسألة الموفق هي فيمن دخل عليه شهر رمضان وهو مسافر فحكى فيها الإجماع، وأما المسألة التي فيها الخلاف فقد أوردها -رحمه الله- وحكى فيها بعض الخلاف وهي مسألة الكتاب وإن شئت تلخيص المسألتين قلت: أجمع العلماء على أن من دخل عليه رمضان وهو مسافر أن فطره مشروع، ثمَّ الجمهور على أن هذا الإفطار جائزٌ من غير إيجاب، وذهب البعض إلى أنه لا يجزؤه إلا الفطر وإن صام لم تجزئه صومه عن رمضان. فهذه هي المسألة التي نقل فيها الموفق الإجماع، وكان لابد من تقييدها بما ذكرت. وأنها في حقيقتها مسألتان اثنتان وبالله التوفيق. قال أحمد -رحمه الله-: كان عمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة، وروى الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه - رضي الله عنه - أنه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. قال ابن عبد البر: هذا قولٌ يروى عن عبد الرحمن بن عوف هجره الفقهاء كلهم والسنة ترده. حكى ذلك كله الموفق -رحمه الله-. انظر مغ ج 3 ص 87.

باب في المسافر يطيق الصوم

وقال قوم يفطر في كل ما يطلق عليه سفرٌ. وبه يقول أهل الظاهر (¬1) بداية ج 1 ص 390. باب في المسافر يطيق الصوم مسألة (534) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المسافر إذا أطاق الصوم فالصوم في حقه أفضل، وهو قول حذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وعثمان بن العاص رضي الله تعالى عنهم، وهو قول عروة بن الزبير والأسود بن يزيد وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وسعيد بن جبير والنخعي والفضيل بن عياض ومالك وأبي حنيفة والشافعي والثوري وعبد الله بن المبارك وأبي ثور وآخرين رحمهم الله تعالى. وقال ابن عباس وابن عمر - رضي الله تعالى عنهم - وابن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبد الملك بن الماجشون رحمهم الله تعالى: الفطر أفضل. وقال آخرون: هما سواء وقال مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقتادة: الأفضل منهما هو الأيسر والأسهل عليه قال ابن المنذر: وبه أقول (¬2). مج ج 6 ص 219، نيل ج 4 ص 307. باب في المسافر يترخص بالفطر قبل خروجه من بيته هل يجوز؟ مسألة (535) مذهب العامة من العلماء أن رخصة الإفطار في رمضان للمسافر لا تحوز حتى يغادر مريد السفر بنيان البلد. وقال الحسن: يفطر في ييته إن شاء يوم يريد أن يخرج ورُوي نحوه عن عطاء. قال ابن عبد البر: قول الحسن قول شاذ، وليس الفطر لأحد في الحضر في نظرٍ ولا أثر. وقد رُوي عن الحسن خلافه. وقال محمَّد بن كعب: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل. فقلت له: سنَّة؟ فقال: سنَة. ثمَّ ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 445، مغ ج 3 ص 33، مج ج 6 ص 217، قرطبي ج 2 ص227. قلت: وانظر ما أثبتناه من قول الجمهور في صلاة المسافر فإنها مناسبة في هذا المقام. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 282.

باب في المسافر في رمضان يصوم في سفره غير رمضان هل يجوز؟

ركب. قال الترمذي: هذا حديث حسن (¬1). مغ ج 3 ص 34. باب في المسافر في رمضان يصوم في سفره غير رمضان هل يجوز؟ مسألة (536) أكثر العلماء على أن المسافر إذا ترخص بالفطر في رمضان حال سفره فإنه إن شاء أن يصوم فلا يجوز له أن يصوم إلا بنية صوم رمضان الذي هو فيه، فلا يجوز له أن يصوم قضاءً ولا نذرًا ولا تطوعًا. وقال أبو حنيفة: يقع ما نواه إذا كان واجبًا, لأنه زمن أبيح له فطره؛ فكان له صومه عن واجب كغير شهر رمضان. مغ ج 3 ص 35. باب في صيام يوم الشك والسماء مصحية مسألة (537) مذهب العامة من العلماء عدم جواز صيام يوم الشك وهو آخر يوم من شعبان إذا كانت السماء مصحية ولم يتبين للناس هلال رمضان إلا أن يوافق هذا اليوم صيامًا كان يصومه أحدهم تطوعًا. وحُكي عن القاسم بن محمَّد أنه سُئل عن صيام آخر يوم من شعبان هل يُكره؟ قال: لا إلا أن يغمى الهلال (¬2). مغ ج 3 ص 4، بدية ج 1 ص 408. باب في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "فاقدروا له" مسألة (538) جمهور السلف والخلف على أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فاقدروا له" في شأن ليلة الشك وقد حال بين الناس وبين رؤية هلال رمضان حائل من غيم أو غيره. قال هؤلاء: معناه قدِّروا بقية تمام الشهر، وأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، أو لا تصوموا رمضان حتى يتم شعبان ثلاثين يومًا تقديرًا، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر نيل ج 4 ص 311. وانظر تحفة الأحوذي ج 3 ص 512. قلت: نقل الشوكاني عن ابن العربي أنه لم يقل بقول أنس هذا أحد إلا أحمد يعني من الفقهاء. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 409.

باب في من رأى هلال رمضان وحده

وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله- تعالى وطائفة يسيرة: معناه ضيِّقوا له وقدِّروه تحت السحاب، وأوجب هؤلاء صيام ليلة الغيم، وهو مذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. وقال مطرف بن عبد الله وأبو العباس بن سريج وابن قتيبة وآخرون: معناه قدروه بحساب المنازل (¬1). مج ج 6 ص 223، مغ ج 3 ص 8، بداية ج 1 ص 374، فتح ج 8 ص 257، قرطبي ج 2 ص 293. باب في من رأى هلال رمضان وحده مسألة (539) مذهب عامة العلماء أن من رأى هلال رمضان وجب في حقه صوم رمضان حتى ولو رد القاضي شهادته فلو جامع أهله في هذا اليوم ذاكرًا مختارًا لزمته الكفارة، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد والليث. وقال عطاء والحسن وابن سيرين وأبو ثور وإسحاق بن راهويه: لا يلزمه الصوم. وقال أبو حنيفة: يلزمه الصوم ولا تلزمه الكفارة إن جامع (¬2). مج ج 6 ص 235، بداية ج 1 ص 375. ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على أن الشهر العربي يكون تسعًا وعشرين ويكون ثلاثين، وعلى أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان إنما هو الرؤية لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" أخرجه الشيخان. قال ابن رشد: وعني بالرؤية أول ظهور القمر بعد الزوال. انظر بداية ج 1 ص 373 قلت: فظهر بهذا أن القول بحساب المنازل المنسوب لمطرف بن عبد الله وغيره إنما هو في حالة العجز عن الرؤية لسحاب أو غيم، لا في مطلق الأحوال، أعني حال الصحو وتمكن الرؤية، وبهذا يظهر شذوذ من أفتى في هذا الزمان بجواز إثبات رمضان بالحساب الفلكي مطلقًا في الصحو وفي غيره، وقد حكى ابن المنذر الإجماع في معنى ما قلته وتعقبه الحافظ بما لا يناسب. تنبيه: قال الحافظ في الفتح: قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا. فتح ج 8 ص 258. قلت: ثمَّ حكى ابن رشد اتفاق العلماء على أن القمر إذا رؤي من العشيّ فهو لليوم الثاني أي أن ابتداء الشهر من اليوم الثاني، وأما إذا رؤي في النهار فالجمهور أنه كذلك لليوم الذي يليه قال: وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور أصحابهم. وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة والثوري وأبي حبيب من أصحاب مالك إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رؤي بعد الزوال فهو للآتية. انظر بداية ج 1 ص 374، انظر فتح ج 8 ص 259، مغ ج 3 ص 6 (الشرح الكبير) تحفة ج 1 ص 347، الحاوي ج 3 ص 411، قرطبي ج 2 ص302. (¬2) راجع مغ ج 3 من 92، بداية ج 1 ص 375: قلت: حكى ابن رشد الإجماع في هذه المسألة إلا عن عطاء بن أبي رباح قال: لا يصوم إلا برؤية غيره معه. وانظر قرطبي ج 2 ص 294، الحاوي ج 3 ص 449.

باب في هلال رمضان يرى في بلد هل يلزم سائر البلدان صومه

باب في هلال رمضان يرى في بلدٍ (¬1) هل يلزم سائر البلدان صومه باب فيمن رأى هلال شوال وحده مسألة (540) أكثر العلماء على أن الفطر واجب في حق من رأي هلال شوال وحده دون الناس، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، وحكاه ابن رشد عن أبي ثور، وبه قال ابن المنذر. وقال مالك والليث وأحمد: لا يجوز له الأكل (¬2) وحكاه ابن رشد عن أبي حنيفة. مج ج 6 ص 235. باب في عدد الشهود في هلال شوال مسألة (541) لا يثبت هلال شهر شوال وسائر الشهور إلا بشهادة رجلين عدلين وهو قول العلماء كافة إلا ما حكي عن أبي ثور من قبول شهادة رجل عدلٍ واحد. ¬

_ (¬1) وهذه المسألة لا إجماع فيها ولا قول للجمهور وإنما ذكرتها لأنها أصبحت من أمهات مسائل الفقه في هذا الزمان وأصبحت سببًا للجدل والخصام والنزاع ورأيت بعض من كتب في الفقه من المحدثين ينسب القول بوحدة المطالع إلى جمهور العلماء، وهو خطأ وكان من مقاصد هذه الموسوعة المباركة إن شاء الله تعالى توثيق ما يُنسب للعلماء عامة وللجمهور خاصة، والحاصل أن العلماء في هذه المسألة على مذاهب. الأول لكل بلد رؤيته، الثاني إذا رؤي في بلد صامت سائر البلدان القريبة دون البعيدة، الثالث تلزم الرؤية سائر البلدان ما قرب منها وما بعد، أما الأول فقال به عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق ومالك في رواية المدينين عنه وهو قول ابن الماجشون والمغيره من أصحابه. وحكى هذا القول الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه. قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث (حديث كريب) عند أهل العلم أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم، وأما مذهب الشافعي ففيه ستة وجوه أصحها كما قال النووي إذا اختلفت المطالع فلكل بلد رؤيته وإذا اتحدت فرؤية واحدة، ومن قال بهذا الفرق الصيدلاني وجمهور العراقيين من الشافعية، وأما الثاني وهو أن الرؤية تلزم البلاد القريبة فهو محصلة ما ذُكر عن الشافعية والمالكية من الاختلاف بينهم، وأما المذهب الثالث فحكاه الموفق عن الليث والنووي عن أحمد والشافعي وأظنه نقلًا عن ابن المنذر، ولا أظن أن النقل عن الشافعي يصح في هذه المسألة، وحكاه الحافظ عن المالكية في المشهور عنهم ثمَّ نقل عن ابن عبد البر أن الإجماع على خلافه ثمَّ قال: وقد أجمعوا على أنه لا تُراعى الرؤية فيما بعد في البلدان كخراسان والأندلس وقال ابن رشد كالحجاز والأندلس وحكاه عن الشافعي وأحمد ابن رشد كذلك قلت: والكل متفق فيما أعلم على أن للإمام المسلم إلزام الجميع ممن هم تحت سلطانه بالصيام لرؤية بلد واحد؛ لأن كل البلاد في حقه كالبلد الواحد كما قال ابن الماجشون وغيره. انظر في هذه المسألة: بداية ج 1 ص 378، مج ج 6 ص 228، مغ ج 3 ص 7، فتح ج 8 ص 260، تحفة الأحوذي ج 3 ص 337، روضة ج 2 ص 348، قرطبي ج 2 ص 296، شرح ج 7 ص 197. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 375، قرطبي ج 2 ص 294.

باب في شهادة النساء في هلال رمضان

وبه قال طائفة من أهل الحديث. حكاه عنهم ابن المنذر ونقل إمام الحرمين عن صاحب التقريب قوله: لو قلت بما قاله أبو ثور لم أكن مبعدًا (¬1). مج ج 6 ص 235، مغ ج ص 94، بداية ج 1 ص 376، الحاوي ج 3 ص 412. باب في شهادة النساء في هلال رمضان مسألة (542) مذهب الجماهير من العلماء أن شهادة النساء لا تُقبل في ثبوت هلال رمضان. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى وغيره من فقهاء الأمصار. وحكى ابن المنذر عن الثوري إجازة شهادة رجل وامرأتين. مج ج 6 ص 237، 239. باب في اجتهاد الأسير والمحبوس في هلال رمضان مسألة (543) مذهب العلماء كافة إلا الحسن بن صالح أن الأسير أو المحبوس في مكان لا يتمكن فيه تيقن هلال رمضان أن عليه أن يجتهد لمعرفة ثبوت الشهر، فإذا اجتهد ووافق اجتهاده شهر (¬2) رمضان فصيامه صحيح وقد أجزأه عن صوم رمضان وهو ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد والماوردي في هذه المسألة الإجماع إلا عن أبي ثور. انظر بداية ج 1 ص 376، الحاوي ج 3ص 412 قلت: وأما في إثبات رمضان: فالناس فيه على مذاهب، قال مالك ومن وافقه: لا يُصام ولا يُفطر إلا بشهادة رجلين، ورُوي عنه أنه يقبل بشهادة اثنين في حال الغيم دون الصحو، وقال الشافعي بشهادة رجل واحد في الصوم وباثنين في الفطر، وقال أبو حنيفة بشهادة الواحد في الصوم إذا كانت السماء مغيمة وإلا فلابد من الجمع الغفير من الناس. انظر في هذه المسألة. بداية ح 1 ص 376 قلت: قد حكى الحافظ في الفتح على أن الجمهور على صيام رمضان بشهادة الواحد، هكذا قال الحافظ، وأنا في قلبي شيء من نسبة هذا القول للجمهور فقد ذكر المسألة النووي في شرح المهذب والموفق في المغني وغيرهما كالماوردي ولم يذكروا هذا ومن قال يُشترط في صيام رمضان شهادة اثنين عطاء وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والليث وابن الماجشون وإسحاق وداود، وهو مروي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وهو قول الشافعي في الوسيط، والمشهور من قول الشافعي في عامة كتبه، أنه يكفي شهادة رجل واحد وبه قال عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل، وهو مروي عن عمر وابنه وعليٍّ - رضي الله عنه -، فالحاصل أن نسبة القول في صيام رمضان بشهادة الواحد للجمهور فيها نظر والله تعالى أعلم. انظر مج ج 6 ص 237، مغ ج 3 ص 93، بداية ج 1 ص 376، فتح ج 8 ص 259، تحفة الأحوذي ج 3 ص 373، الحاوي ج 3 ص 411 وإن كان قد حكاها الترمذي لكن من خلال التحقيق لا أطمئن كثيرًا لنقل الترمذي -رحمه الله-. (¬2) وحكى هذا القول عن الجمهور الماورديُّ في الحاوي والموفق في المغني حتى لو وافق اجتهاده ما بعد رمضان ثمَّ حكى أن مذهب العامة من الفقهاء على عدم إجزاء الصيام فيما لو وافق اجتهاده ما قبل رمضان، وحكى أن بعضًا من الشافعية خالف في هذا وقالوا بالإجزاء وحكاه الماوردي قولًا للشافعي في الأم ورجح أنه حكاه عن غيره. انظر مغ ج 3 ص 96، الحاوي ج 3 ص459.

باب في المجتهد في تحري الهلال يصوم بنية التطوع

مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأبي ثور. وقال الحسن بن صالح: عليه الإعادة. حكاه عنه الماوردي. مج ج 6 ص 240، مغ ج 3 ص 96، الحاوي ج 3 ص 459. باب في المجتهد في تحرّي الهلال يصوم بنية التطوع مسألة (544) مذهب الجمهور من العلماء إلا أبا حنيفة -رحمه الله- تعالى أن من وصفنا حاله في المسألة السابقة لو كان صام رمضان اجتهادًا ووافق اجتهاده شهر رمضان إلا أنه صامه بنية التطوع فإن صيامه لا يجزؤه. مج ج 6 ص 243. * * *

أبواب النية في الصوم

أبواب النية في الصوم باب في اشتراط النية في صيام رمضان ونحوه من الصيام الواجب مسألة (545) مذهب الجماهير من العلماء أن الصوم لا يصحُّ بدون نية، ويستوي في ذلك صوم رمضان وغيره، الواجب والتطوع في ذلك سواء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال عطاء ومجاهد وزفر: إن كان الصوم متعينًا بأن يكون صحيحًا مقيمًا في شهر رمضان فلا يفتقر إلى نية. قال الماوردي: فأما صوم النذر والكفارة فيُشترط له النية بإجماع المسلمين (¬1). مج ج 6 ص 258، بداية ج 1 ص 384، الحاوي ج 3 ص 397. باب في نية رمضان من الليل مسألة (546) مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف أن صوم رمضان لا يصح إلا بنيةٍ من الليل، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: يصح بنية قبل الزوال. قال: وكذا النذر المعين، وأما صوم القضاء والكفارة فلا يصحان إلا بنية من الليل (¬2). مج ج 6 ص 258. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص397، قرطبي ج 2 ص 319 قلت: حكى الموفق في المغني الإجماع على وجوب النية في الصيام فرضًا أو تطوعًا ولعله -رحمه الله- فاته أو لم يثبت عنده خلاف عطاء ومجاهد وزفر. انظر مغ ج 3 ص 22. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 386، الحاوي ج 3 ص 400، مغ ج 3 ص 22 قلت: وأما صيام التطوع فذهبت طائفة إلى صحته بنية من النهار إن لم يكن قد طعم شيئًا، رُوي هذا عن عليٍّ وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وطلحة وأبي أيوب الأنصاري وابن عباس، وبه قال الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك فيمن يسرد الصوم فلا يحتاج لنية من الليل. وممن قال يصح صوم التطوع بنية من النهار: السعيدان ابن المسيب وابن جبير والنخعي. قلت: ومن هؤلاء من لم يشترط كون النية قبل الزوال وهم الأقل ومنهم من شرط أن تكون قبل الزوال (قبل الظهر) وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وهو المعتمد في مذهبه، والمعتمد في مذهب أحمد جوازه في أي جزءٍ من النهار وهو ظاهر ما رُوي عن أحمد -رحمه الله-، قال الموفق -رحمه الله-: وقال رجل لسعيد ابن المسيب: إني لم آكل إلى الظهر أو إلى العصر أفأصوم بقية يومي؟ قال: نعم. قال الموفق: واختار القاضي في المحرر أنه لا تجزئه النية بعد الزوال. قلت: وقد حكى الإِمام النووي القول بصحة الصيام في النافلة =

باب في النية لكل يوم في رمضان

باب في النية لكل يوم في رمضان مسألة (547) جمهور العلماء على أنه لابد لكل صيام يومٍ من نية لذاك اليوم ويستوى في ذلك رمضان وغيره وسواء كان الصوم واجبًا أو تطوعًا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وإسحاق بن راهويه وداود وابن المنذر رحمهم الله تعالى. وقال مالك: إذا نوى في أول ليلة من رمضان صوم جَمِيعِه كفاه لجميعه، ولا يحتاج إلى النية لكل يوم، وعن أحمد وإسحاق روايتان: أصحهما: كقول الجمهور. والثانية: كمالك رحمهم الله تعالى (¬1). مج ج 6 ص 259. باب في تمييز الصيام الواجب بالنية مسألة (548) جمهور الفقهاء على وجوب تمييز الصيام الواجب بالنية أعني أنه يجب على الصائم صيامًا واجبًا أن يميزه عن غيره من الصيام الواجب بالنية فإن كان رمضان نوى صيام رمضان، وإن كان قضاءً نوى قضاءً أو كان نذرًا نوى نذرًا وهكذا. وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وداود وقال هؤلاء جميعًا ماخلا الشافعي بوجوب نية الفرضية وفي مذهب الشافعي وجهان (أصحهما) لا يشترط. وقال أبو حنيفة: لا يجب تعيين النية في الصوم الواجب الذي لا يتسع زمانه لغيره. كصوم رمضان وصوم النذر المتعين في زمان معين (¬2). مج ج 6 ص 260. ¬

_ = بنية من النهار قبل الزوال عند الجمهور في شرح صحيح مسلم ونقله عنه الحافظ في الفتح، ولم يحك هذا القول في شرح المهذب، وعندي أن ما يحكيه النووي في المجموع أوثق من حيث النقل عن الجمهور منه عن نقله في شرح صحيح مسلم فإن شرح مسلم كان قد أتمه -رحمه الله- وهو لا يزال يصنف في شرح المهذب وكان تارة ينقل عن شرحه لصحيح مسلم في المهذب فالله تعالى أعلم. قلت: وعد هذه المسألة من مسائل الجمهور كما ذكر النووي ليس بعيدًا، وذهبت طائفة إلى اشتراط النية من الليل كصيام الفريضة، رُوي هذا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد ومالك وزفر وداود والمزني وأبو يحيى البلخي من الأصحاب في المذهب الشافعي وهو قول الليث وابن أبي ذئب. حكاه عنهما الحافظ في الفتح. انظر: الحاوي ج 3 ص 405، مغ ج 3 ص 30، مج ج 6 ص 260، بداية ج 1 ص 386، فتح ج 8 ص 282، نيل ج 4 ص270، شرح ج 8 ص 35. (¬1) راجع مغ ج 3 ص 25، الحاوي ج 3 ص 401. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 401. روى الأثرم عن أحمد -رحمه الله- قال: قلت لأبي عبد الله: أسير صام شهر رمضان في أرض الروم ولا يعلم أنه في رمضان ينوي التطوع؟ قال: لا يجزؤه إلا بعزيمة أنه من رمضان. حكاه الموفق -رحمه الله- ثم ذكر مسألة النية في يوم الشك إذا أصبح صائمًا أنه لابد من جزم النية من رمضان وبه يقول مالك =

باب فيمن أصبح في رمضان بدون نية ثم جامع أهله

باب فيمن أصبح في رمضان بدون نية ثمَّ جامع أهله مسألة (549) جمهور الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد على أن من أصبح في نهار رمضان بدون نية ثم جامع أهله قبل الزوال فلا كفارة عليه لكنه يأثم. وقال أبو يوسف -رحمه الله- تعالى: عليه الكفارة. قال: ولو جامع بعد الزوال فلا كفارة عليه، والأكل عنده كالجماع في هذا. مج ج 6 ص 260. باب في وقت الإمساك عن المفطرات مسألة (550) مذهب الجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الإمساك عن مفطرات الصوم ييدأ وجوبًا بطلوع الفجر وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من فقهاء الأمصار رحمهم الله تعالى، وبه يقول عطاء وغيره من التابعين. ورُوي عن علي وحذيفة وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم جواز الأكل بعد طلوع الفجر حتى يملأ ضوءُ الفجر البيوتَ والطرقَ، وبه قال من التابعين مسروق والأعمش. ومال إسحاق بن راهويه إلى قول الجماهير من غير أن يرى بأسًا في قول الآخرين (¬1). مج ج 6 ص 262، بداية المجتهد ج 1 ص 379، مغ ج 3 ص 3، قرطبي ج 2 ص 318. * * * ¬

_ = والشافعي وأحمد في رواية وفي أخرى يجزئه ولو لم يجزم النية لرمضان لأن اليوم لا يتسع لغيره وبه يقول أبو حنيفة -رحمه الله-. انظر مغ ج 3 ص 27، وانظر المسألة نفسها في مج ج 6 ص 253، الحاوي ج 3 ص 421. (¬1) ورُوي عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه لما صلَّى الفجر قال: الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ورُوي عن ابن مسعود نحوه، وقال مسروق: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق. انظر مغ ج 3 ص 3.

أبواب ما يفسد الصوم وما لا يفسده

أبواب ما يفسد الصوم وما لا يفسده باب في الشاك في طلوع الفجر يأكل حتى يستيقن مسألة (551) مذهب الجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم خلا مالكًا -رحمه الله- تعالى أن الشاك في طلوع الفجر يجوز له الأكل والشرب حتى يستيقن أو يغلب على ظنه ولا قضاء عليه، وحكى ابن رشد عن مالك جواز الأكل واتصاله بطلوع الفجر للشاك. وهذا الذي ذكرناه هو مذهب أبي بكر الصديق وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وأبي ثور رحمهم الله تعالى حكاه عنهم الإِمام أبو بكر بن المنذر واختاره [رحمه الله] تعالى. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال مالك -رحمه الله- تعالى: عليه القضاء (¬1). باب فيمن أصبح جنبًا في نهار رمضان مسألة (552) جمهور العلماء على أن من جامع من الليل وأصبح جنبًا في نهار رمضان فصيامه صحيح، وكذلك الحال في شأن الحائض والنفساء لو طهرتا في الليل وأصبحتا في نهار رمضان من غير اغتسال، وهو مذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي ذر وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر وأم سلمة وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وهو مذهب جماهير التابعين والثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور. قال الموفق: وبه قال مالك والشافعي في أهل الحجاز وأبو حنيفة والثوري في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث وداود في أهل الظاهر. قال العبدري: وهو قول سائر الفقهاء. وقال ابن المنذر: وقال سالم بن عبد الله: لا يصحُّ صومه قال: وهو الأشهر عن أبي هريرة والحسن البصري، وعن طاوس وعروة بن الزبير روايةً عن أبي هريرة ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 74، انظر بداية ج 1 ص 381. قلت حكى ابن رشد جواز اتصال الأكل بطلوع الفجر للشاك في طلوعه عن مالك والجمهور.

باب في من أفطر ناسيا

أنه إن علم جنابته قبل الفجر ثمَّ نام حتى أصبح لم يصح صومه وإلا فيصح. وقال النخعي: يصحُّ النفل دون الفرض، وعن الأوزاعي أنه لا يصح صوم منقطعة الحيض حتى تغتسل، وبه قال الحسن بن حي وعبد الملك بن الماجشون والعنبري وأوجبوا عليها القضاء (¬1). مج ج 6 ص 265، مغ ج 3 ص 75، 76، بداية ج 1 ص 387، الحاوي ج 3 ص 414، قرطبي ج 2 ص 325. باب في من أفطر ناسيًا مسألة (553) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من فعل شيئًا من المفطرات ناسيًا فصومه صحيح ولا شيء عليه، رُوي ذلك عن عليٍّ وبه قال أبو هريرة وابن عمر وعطاء وابن أبي ذئب والأوزاعي والحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة والشافعي والثوري وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال رييعة ومالك: يفطر الناسي في فعل ما يفطر به العامد. وقال عطاء والأوزاعي والليث: يفطر الناسي في الجماع دون غيره. وقال أحمد: يفطر الناسي في الجماع ويجب عليه القضاء والكفارة. مغ ج 3 ص 51، مج ج 6 ص 286. باب فيمن أكل ظانًا عدم طلوع الفجر أو غروب الشمس مسألة (554) جمهور العلماء على أن من أكل أو شرب ظانًّا عدم طلوع الفجر أو عدم غروب الشمس فبان له خلاف ذلك فإن عليه القضاء وهو قول ابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهم، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير ومجاهد والزهري والثوري، حكاه ابن المنذر عنهم وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور. وقال إسحاق بن راهويه وداود: صومه صحيح ولا قضاء. وحكى ذلك عن عطاء ¬

_ (¬1) قال الإِمام الماوردي -رحمه الله- تعالى وطيب ثراه: أما من يصبح جنبًا من احتلام فهو على صومه (يعني صيامه صحيح) إجماعًا، وكذلك لو احتلم نهارًا كان على صومه باتفاق العلماء قلت: ثم ذكر مسألة الكتاب وأن جماعة الفقهاء على صحه صومه، ثمَّ حكى الخلاف عن أبي هريرة والحسن بن صالح بن يحيى. انظر الحاوي ج 3 ص 414.

باب في إمساك من أصبح مفطرا أول أيام رمضان

وعروة (¬1) بن الزبير والحسن البصري ومجاهد. مج ج 1 ص 268، مغ ج 3 ص 73، الحاوي ج 3 ص 95، قرطبي ج 2 ص 328. باب في إمساك من أصبح مفطرًا أول أيام رمضان مسألة (555) مذهب العامة من العلماء أن من أصبح مفطرًا ظانًا أنه آخر يوم من شعبان فقامت البينة أنه أول أيام رمضان وجب عليه الإمساك بقية يومه والقضاء (¬2). ورُوي عن عطاء أنه قال: يأكل بقية يومه. قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا قاله غير عطاء. قال الموفق في المغني: وذكر أبو الخطاب ذلك روايةً عن أحمد ولا أعلم أحدًا ذكرها غيره، وأظن هذا غلط. مغ ج 3 ص 71. باب فيمن طلع عليه الفجر وفي فمه طعام مسألة (556) عامة أهل العلم على أن من كان في فمه طعام وطلع الفجر من نهار رمضان فإنه لا يجوز له ابتلاعه بل لابد له من لفظه وإلا بطل صومه (¬3). مج ج 6 ص 270. باب في ابتلاع مالا يُؤكل في العادة هل يفطر؟ مسألة (557) جماهير العلماء على أن الصائم إذا ابتلع عمدًا مالًا يُؤكل في العادة كالحصاة والحجر والعشب فإنه يفطر، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف. قال الإِمام النووي: وحكى أصحابنا عن أبي طلحة الأنصاري الصحابي - رضي الله عنه - والحسن بن صالح وبعض أصحاب مالك أنه لا يفطر بذلك، وحكوا عن أبي طلحة أنه ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 399. (¬2) وقد ذكر الموفق في المغني أن الإمساك واجب في حق كل من أفطر خطأ والصوم لازم له، وأن هذا مذهب العامة من العلماء، ثمَّ ذكر قول عطاء السابق فقال: إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر إباحة فطر بقية يومه قياسًا على قوله فيما إذا قامت البينة بالرؤية، وهو قول شاذ لم يعرج عليه أهل العلم. راجع مغ ج 3 ص 71. (¬3) انظر الحاوي ج 3 ص 417.

باب فيمن تقيأ عمدا

كان يتناول البَردَ وهو صائم ويبتلعه ويقول (ليس هو بطعام ولا شراب). مج ج 6 ص 276، مغ ج 3 ص 36. مسألة (558) جمهور العلماء على أن من ابتلع ولو شيئًا يسيرًا كحبة سمسم في نهار رمضان فإنه يفطر. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة: لا يفطر كما في الباقي في خلل الأسنان (¬1). مج ج 6 ص 277. باب فيمن تقيَّأ عمدًا مسألة (559) أكثر أهل العلم على أن من أفطر عمدًا بالتقيؤ فإن عليه القضاء فقط. وهو مذهب علي وابن عمر وزيد بن أرقم رضي الله تعالى عنهم، وهو مذهب علقمة والزهري ومالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، وهو مذهب الشافعي أيضًا، وبه قال ابن المنذر. وقال عطاء وأبو ثور عليه القضاء والكفارة، والجمهور على الإفطار في حق من تقيأ عمدًا، وقال طاوس: لا يفطر (¬2). مج ج 6 ص 279، مغ ج 3 ص 52، بداية ج 1 ص 383. باب فيمن تقيأ بغير عمدٍ مسألة (560) أكثر أهل العلم على أن من ذرعه القيء فإن صومه لا يبطل وبه يقول علي وابن عمر وزيد بن أرقم ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر. ونُقل عن الحسن البصري ما يوافق قول الأكثرين وما يخالفه وكذلك نُقل عن أصحاب مالك الخلاف فيمن ذرعه القيئ، وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: إن تقيأ فاحشًا أفطر ونقل عن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر بالقيئ عمدًا (¬3). مج ج 6 ص 279، 280, مغ ج 3 ص 52، بداية ج 1 ص 383. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 418. (¬2) و (¬3) انظر الحاوي ج 3 ص 419.

باب في الحقنة الشرجية للصائم

باب في الحقنة الشرجية للصائم مسألة (561) مذهب العامة من العلماء أن الحقنة الشرجية (وهي التي تُؤخذ من الدبر) تفطر الصائم، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وحكاه ابن المنذر عن عطاء والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق، وحكاه العبدري عن مالك ونقله المتولي عن عامة العلماء. وقال الحسن بن صالح وداود: لا يفطر (¬1). مج ج 6 ص 280. باب في الطعام العالق بين الأسنان مسألة (562) مذهب الجماهير من العلماء أن الطعام الباقي بين الأسنان لو ابتعله عمدًا الصائم اختيارًا فإنه يفطر، وقيده الموفق بأن كان كثيرًا يمكن لفظه، ونقله عن أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: لا يفطر. حكى ذلك كله ابن المنذر -رحمه الله- تعالى (¬2). مج ج 6 ص 282، مغ ج 3 ص 47. باب في المضمضة والاستنشاق للصائم مسألة (563) أكثر الفقهاء على أن الصائم إذا تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى جوفه أو دماغه فإنه يفطر مطلقًا سواء بالغ أو لم يبالغ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والمزني. والمختار من مذهب الشافعي: أنه إن بالغ أفطر وإلا فلا. وقال الحسن البصري وأحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يبطل مطلقًا. وحكى الماوردي عن ابن عباس والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى أنه إن توضأ لنافلة بطل صومه، وإن توضأ لفريضة فلا (¬3). مج ج 6 ص 290، الحاوي ج 3 ص 458. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 3 ص 37، الحاوي ج 3 ص 456. قلت: وحكى الموفق عن مالك أنه اختلف عنه في الحقنة. (¬2) ونقل الموفق عن ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن الطعام المتخلل بين الأسنان إذا كان يسيرًا لا يمكن لفظه فازدرده (ابتلعه) فإنه لا يفطر. انظر مغ ج 3 ص 47 قلت: وحكاه الماوردي وهو متقدم على الإمام الموفق رحمهما الله تعالى. انظر الحاوي ج 3 ص 418. (¬3) انظر مغ ج 3 ص 44، الحاوي ج 3 ص 457.

باب في الفطر العمد بغير جماع هل يكفيه القضاء؟

باب في الفطر العمد بغير جماع هل يكفيه القضاء؟ مسألة (564) جمهور العلماء على أن من أفطر يومًا من رمضان عمدًا من غير جماع فإنه يكفيه لإبراء ذمته لذلك اليوم أن يقضي يومًا مكانه مع وجوب إمساك بقية اليوم الذي أفطر فيه، وأما الكفارة ففيها خلاف (¬1). وهذا الذي ذكرناه هو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وحكى ابن المنذر وغيره عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه يلزمه أن يصوم اثنى عشر يومًا، وقال سعيد بن المسيب: يلزمه صوم ثلاثين يومًا، وقال النخعي ووكيع: يلزمه صوم ثلاثة آلاف يوم، وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما: لا يقضيه صوم الدهر (¬2). مج ج 6 ص 292، مغ ج 3 ص 51. باب في المقيم يجامع في نهار رمضان ثمَّ يسافر مسألة (565) أكثر العلماء على أن المقيم الصائم إذا أفسد صومه بالجماع ثمَّ سافر فإن كفارة الجماع لا تسقط عنه، وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وسائر العلماء إلا ابن الماجشون المالكي فأسقطها بالسفر (¬3). مج ج 6 ص 306. ¬

_ (¬1) مذهب الشافعي -رحمه الله- أنه لا كفارة إلا بالجماع. وهو قول سعيد بن جبير وابن سيرين والنخعي وحماد ابن أبي سليمان وأحمد وداود، وعن أحمد فيمن أنزل (المني) بلمس أو قبلة أو تكرار نظر عليه الكفارة، وكذلك رُوي عنه في المحتجم العالم بالنهي، وبه قال عطاء مطلقًا، وقال مالك: تجب الكفارة بكل ما يفسد الصوم، وعن عطاء والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق فيمن يفطر بالأكل أو الشرب عليه الكفارة وبه يقول أبو حنيفة ولكن قيده بما يصلح أن يتغذى به أو يتداوى به عادة. انظر هذه المسألة مغ ج 3 ص 50، مج ج 6 ص 292، الحاوي ج 3 ص 434، قرطبي ج 2 ص 321. (¬2) قال أحمد: قال إبراهيم (يعني النخعي) ووكيع: يصوم ثلاثة آلاف يوم. قال الراوي: وعجب أحمد من قولهما. حكاه الموفق. انظر مغ ج 3 ص 51، وانظر الحاوي ج 3 ص 435. (¬3) انظر مغ ج 3 ص 63 (الشرح الكبير). تنبيه: هذه المسألة موجودة في الشرح الكبير ولم أرها في المغني فإما أن تكون سقطت من النساخ أو غير ذلك وإلا فإن أصل المسألة والكلام عليها يكاد يكون متماثلًا وهذا هو الغالب على الشرح الكبير، وقد ذكرها الموفق في مسألة من جامع في أول النهار ثم أعذر بترك الصيام بجنون أو مرض وفي المرأة كالحيض أو النفاس، فإن هؤلاء لا تسقط عنهم الكفارة في قول مالك والليث وابن الماجشون وإسحاق والشافعي في أحد قوليه وتسقط في قول أصحاب الرأي، وأما مسألة السفر بأن جامع أول النهار ثمَّ سافر فهي مسألة الكتاب التي ذكرها صاحب الشرح الكبير شمس الدين ابن قدامة فانظرها هناك.

باب فيمن جامع من غير إنزال

باب فيمن جامع من غير إنزال مسألة (566) جمهور العلماء على أن من أفسد صومه بجماع تام أنزل أو لم ينزل في نهار رمضان فإن الكفارة واجبة في حقه وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود. وحكى العبدري وغيره عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة أنهم قالوا لا كفارة عليه، (¬1) وحكى الماوردي أن الإجماع منعقد على خلاف ذلك. مج ج 6 ص 311، مغ ج 3 ص 55، بداية ج 1 ص 397، الحاوي ج 3 ص 424. باب في وجوب القضاء مع الكفارة في الجماع مسألة (567) مذهب العلماء كافة إلا الأوزاعي والشافعي في أحد قوليه أن من أفسد صومه بجماع فإنه يجب عليه قضاء اليوم الذي أفسده مع لزوم الكفارة في حقه. وقال الأوزاعي -رحمه الله- تعالى: إن كَفَّر بالصوم لم يجب قضاؤه، وان كَفَّر بالعتق أو الإطعام قضاه، وقال الشافعي في أحد قوليه: من لزمته الكفارة لا قضاء عليه (¬2). مج ج 6 ص 311، مغ ج 3 ص 54، بداية ج 1 ص 397. باب في كفارة الجماع في رمضان, هل هي على التخيير؟ مسألة (568) جمهور العلماء على أن كفارة إفساد الصيام في رمضان بالجماع هي على الترتيب لا على التخيير فيبدأ المكفر بعتق الرقبة فإن لم يستطع انتقل إلى إطعام ستين مسكينًا فإن لم يستطع انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في أشهر الروايتين عنه. وقال أحمد في رواية ومالك كذلك: بل هي على التخيير. ورُوي عن مالك أيضًا أنه قال: الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان إطعام ¬

_ (¬1) قلت: واختلفوا هل تجب الكفارة على زوجته إذا طاوعته على الجماع، بوجوب الكفارة عليها قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه وأحمد في إحدى الروايتين، وهو قول أبي ثور وابن المنذر والشافعي في قول، وقال الشافعي في قولٍ وداود: لا كفارة عليها، وبه قال أحمد في رواية والحسن قلت: وهو المعتمد في مذهب الشافعي، وهو الذي ذكره الماوردي ولم يذكر عن الشافعي غيره. انظر بداية ج 1 ص 400. مغ ج 3 ص 57، مج ج 6 ص 311، الحاوي ج 3 ص 424، بداية ج 1 ص 400، قرطبي ج 2 ص 321. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 433.

باب في التتابع في صوم الشهرين عن الكفارة

ستين مسكينًا أو صيام ذلك اليوم، وليس التحرير والصيام من كفارة رمضان في شيء (¬1). مغ ج 3 ص 65، الحاوي ج 3 ص 432. باب في التتابع في صوم الشهرين عن الكفارة مسألة (569) جمهور العلماء على أن كفارة إفساد الصيام بالجماع إن وجبت بالصيام أعني صيام شهرين، فإنه يشترط في ذلك التتابع. وذهب ابن أبي ليلى إلى جواز التفريق (¬2). مج ج 6 ص 311، مغ ج 3 ص 66. باب فيمن جامع في صوم واجب غير رمضان مسألة (570) جمهور الفقهاء على أن كفارة إفساد الصوم بالجماع لا تجب إلا إذا وقع هذا الإفساد في يوم من أيام رمضان وحسب، فلا تجب على من أفسد صوم نذرٍ أو قضاء أو غير ذلك من أنواع الصيام الواجب. وقال قتادة: تجب الكفارة في إفساد قضاء رمضان، ورُوي عن ابن القاسم وابن وهب أن من أفسد قضاء يوم من رمضان فعليه قضاء يومين مكانه. حكاه عنهما ابن رشد. مج ج 6 ص 312، مغ ج 3 ص 61، بداية ج 1 ص 404. باب في الحجامة للصائم مسألة (571) أكثر الفقهاء على أن الحجامة لا تفطر الصائم، والحاجم والمحجوم في ذلك سواء، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والشعبي والنخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وداود وغيرهم: قال صاحب الحاوي الإِمام الماوردي: وبه قال أكثر الصحابة والفقهاء. وقال آخرون: الحجامة تفطر، وهو قول علي بن أبي طالب وأبي هريرة وعائشة والحسن البصري وابن سيرين وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 401. قلت: وحكى ابن رشد الإجماع في من وطئ في يوم واحد مرات أن عليه كفارة واحدة وأن من وطئ في يوم وكَفَّرَ، ثم وطئ أن عليه كفارة أخرى، واختلفوا فيما سوى ذلك انظر بداية ج 1 ص 402. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 433.

باب في القبلة للصائم

قال الخطابي: قال أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم وعليهما القضاء دون الكفارة. وقال عطاء: يلزم المحتجم في رمضان القضاء والكفارة (¬1). مج ج 6 ص 317، الحاوي ج 3 ص 461. باب في القُبلة للصائم مسألة (572) جمهور الفقهاء على أن القُبْلة لا تفطر الصائم إلا أن يكون معها إنزال فإن أنزل فقد فسد صومه ووجب في حقه القضاء دون الكفارة. وحكى الخطابي عن سعيد بن المسيب أن من قبَّل في رمضان قضى يومًا مكانه. وحكاه الماوردي عن محمَّد بن الحنفية وعبد الله بن شبرمة (¬2). مج ج 6 ص 324، الحاوي ص 438. باب في الغيبة للصائم مسألة (573) مذهب العلماء كافة إلا الأوزاعي أن الغيبة لا تفطر الصائم، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وقال الأوزاعي -رحمه الله- تعالى: يبطل الصوم بالغيبة ويجب قضاؤه، وحكى ابن رشد عن أهل الظاهر أن الرفث (الفحش في الكلام) يفطر الصائم. مج ج 6 ص 324. الحاوي ج 3 ص 465. بداية ح1 ص 404. باب في الوصال في الصيام مسألة (574) جمهور العلماء على أن الوصال للصائم منهي عنه. وحكى العبدري والماوردي وابن المنذر عن ابن الزبير عبد الله أنه كان يرى جواز ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 3 ص 36، بداية ج 1 ص 382، قرطبي ج 2 ص 327. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 382، قرطبي ج 2 ص 324. قلت: بين الفقهاء خلاف فيمن أنزل المني من غير جماع ولا مباشرة كالنظر والاستمناء بيده واستحضار صورة ما يثير شهوته. أما من أنزل المني بمباشرة دون الفرج كالقبلة والمضاجعة ونحو ذلك فحكى الماوردي وابن قدامة وغيرهما الإجماع على أنه يفطر، وحكوا كذلك الإجماع على أنه إن لم ينزل فلا فطر ولا كفارة، وأما مسألة التفكر فقد حكى الماوردي الإجماع على أنه إن فكر فأنزل فلا شيء عليه وصيامه صحيح، وأيدَ ذلك الموفق واستظهره لكنه ذكر خلافًا لابن عقيل اختار فيه ما ذهب إليه أبو حفص البرمكي من أنه إن أنزل يفسد صومه. انظر في مسائل الإجماع التي ذكرتها مغ ج 3 ص 47. الحاوي ج 3 ص 435، وانظر في مسألة الإنزال بالفكر. مغ ج 3 ص 49، الحاوي ج 3 ص440.

باب في السنة كلها وقت لقضاء رمضان

الوصال وأنه كان يواصل (¬1). مج ج 6 ص 327، مغ ج 3 ص 101، فتح ج 9 ص 33، قرطبي ج 2 ص 329. باب في السَّنةِ كلها وقت لقضاء رمضان مسألة (575) جمهور العلماء على أن السَّنة كلها وقت لقضاء ما وجب قضاؤه من رمضان خلا أيام رمضان الحاضر ويومي العيد والتشريق. وهو قول سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق وأبي ثور. حكاه عنهم ابن المنذر. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. قال ابن المنذر: وروينا عن علي بن أبي طالب أنه كره قضاءه في ذي الحجة قال: وبه قال الحسن البصري والزهري قال ابن المنذر: وبالأول أقول. مج ج 6 ص 337. باب فيمن مات وعليه قضاء أيام من رمضان مسألة (576) جمهور الفقهاء على أن من أفطر أيامًا من رمضان بعذر من الأعذار التي تبيح الفطر ثم لم يتمكن من قضاء تلك الأيام حتى مات، فإنه لا يجب على أوليائه في حقه شيء، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله تعالى. قال العبدري: وهو قول العلماء كافةً إلا طاوسًا وقتادة فقالا: يجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين (¬2). مج ج 6 ص 343، مغ ج 3 ص 81. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 471 قلت: قال الماوردي -رحمه الله- وطيَّب ثراه: فإن واصل فقد أساء وصومه جائز؛ لأن النهي توجه إلى غير زمان الصوم فلم يكن ذلك قادحًا في صيامه، وقد رُوي أن عبد الله بن الزبير واصل الصيام سبعة عشر يومًا ثم أفطر عن سمنٍ ولبنٍ وصَبُرٍ وتأول في السمن أنه يلين الأمعاء وفي اللبن أنه ألطف غذاءً وفي الصبر أنه يقوي الأعضاء. قلت: حكى الحافظ في الفتح عن أحمد وإسحاق وابن النذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية جواز الوصال إلى السحر. انظر فتح ج 9 ص 33. وقال القرطبي: وممن واصل (أي ممن واصل الصيام أيامًا دون فطر) عبد الله بن الزبير وإبراهيم التيمي وأبو الجوزاء وأبو الحسن الدينوري وغيرهم. وقال -رحمه الله-: وكان أبو الجوزاء يواصل سبعة أيام وسبع ليالٍ ولو قبض ذراع الرجل الشديد لحطمها. انظر قرطبي ج 2 ص 329. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 452.

أبواب قضاء الصيام

أبواب قضاء الصيام باب فيمن مات وعليه أيام من رمضان (¬1) بغير عذر مسألة (577) أكثر أهل العلم على أن من مات وقد ترك شيئًا من قضاء رمضان بغير عذر أُطْعِمَ عنه عن كل يوم مدًّا من طعام، رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أشهر قوليه والخزرجي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم. وقال الشافعي في قوله الآخر: يصوم عنه وليه، وبه قال طاوس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور وداود. ورُوي عن ابن عباس التفريق بين صوم النذر وبين صوم رمضان فقال: يصام عنه صوم النذر ويطعم عن صوم رمضان وبه قال أحمد وإسحاق والليث وأبو عبيد وأبو ثور وحكى ابن المنذر عن ابن عباس والثوري أنه يُطْعَمُ عنه عن رمضان عن كل يوم مدان (¬2). مغ ج 3 ص 82، 83. باب فيمن ترك قضاء أيام رمضان حتى دخل رمضان آخر مسألة (578) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من لم يقض ما فاته من رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر فإن عليه القضاء وإطعام مدٍّ عن كل يوم، وبه قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم ومجاهد وسعيد بن جبير ومالك ¬

_ (¬1) فائدة: جمهور أهل العلم على أنه لا يجب على الولي قضاء ما تركه الميت من صيام فرض وإنما يستحب استحبابًا إلا أن يكون في تركته ما يسع الوفاء بذمته. راجع مع ج 11 ص 370. قلت: هذه المسألة فيها تفصيل ذكره الماوردي -رحمه الله- مفاده أن الميت في حال حياته إن كان لم يقض لعذر فإنه لا شيء عليه في ذمته بعد موته لا صيام ولا كفارة في تركته وستأتي هذه المسألة والخلاف فيها فيما أصل الكتاب، وإن كان مات بعد إمكان القضاء يعنى أنه لم يقض لغير عذرٍ ومات سقط عنه الصوم ووجبت الكفارة في ماله عن كل يوم مد من طعام ولا يجوز لوليه أن يصوم عنه بعد موته، وبه قال الشافعي في القديم والجديد، وبه قال مالك وأبو حنيفة. قال الماوردي: وهو إجماع الصحابة قال -رحمه الله-: وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور: يصوم عنه وليه إن شاء أو يستأجر من يصوم عنه. قال الماوردي: وقد حكى أصحابنا هذا القول عن الشافعي في القديم قال: لأنه قال (يعني الشافعي): وقد رُوي في ذلك خبر فإن صح قلت به. فَخَرَّجَه (يعني هذا القائل) قولًا ثانيًا، وأنكره سائر أصحابنا أن يكون للشافعي مذهبًا. انظر الحاوي ج 3 ص 452. (¬2) راجع مج ج 6 ص 343.

باب في تفريق قضاء رمضان

والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وهو قول عطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمَّد والزهري، إلا أن الثوري فيمن مضى ذكره يقول أن الفدية مدان عن كل يوم. وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: يقضيه ولا فدية عليه. مج ج 6 ص 336، مغ ج 3 ص 83. باب في تفريق قضاء رمضان مسألة (579) أكثر الفقهاء وأهل العلم على أنه لا يجب في قضاء رمضان التتابع بل يجوز قضاؤه مُفَرقًا، وبه قال علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة وابن محيريز وأبو قلابة ومجاهد وأهل المدينة والحسن وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ومالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. ورُوي وجوب التتابع عن ابن عمر وعائشة وعلي والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي والشعبي وداود الظاهري (¬1). الحاوي ج 3 ص 454. باب في الصوم على الصبي هل يجب؟ مسألة (580) أكثر أهل العلم على أن الصيام لا يجب على الصبي المميز ولا على الغلام المطيقين للصوم حتى يبلغا الحُلُم. وذهب بعض الأصحاب في مذهب الإِمام أحمد إلى وجوبه على الغلام إذا أطاقه (¬2). مغ ج 3 ص 90. باب في صبي يبلغ أثناء شهر رمضان مسألة (581) عامة أهل العلم على أن الصبي إذا بلغ أثناء الشهر وجب عليه ما بقي من الشهر ولا قضاء عليه لما مضى من الشهر سواء صامه أو أفطره مطيقًا أو غير مطيق. ¬

_ (¬1) انظر مج خ 6 ص 337، مغ ح 3 ص 88. (¬2) حكى عدم الخلاف في هذه المسألة النووي. انظر مج ج 6 ص 205، وانظر بداية ج 1 ص 373.

باب في الكافر يسلم أثناء الشهر هل يقضي ما فاته؟

وقال الأوزاعي: يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه (¬1) مغ ج 3 ص 91. باب في الكافر يسلم أثناء الشهر هل يقضي ما فاته؟ مسألة (582) مذهب العامة من أهل العلم على أنه لا يجب على الكافر إذا أسلم أثناء رمضان أن يقضي ما فاته من الشهر، وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو مذهب أحمد -رحمه الله- تعالى. وقال عطاء: يجب عليه قضاؤه، وحكاه الماوردي عن عطاء والحسن (¬2). ورُوي عن الحسن كالمذهبين السابقين. الحاوي ج 3 ص 462، قرطبي ج 2 ص 300. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 462، قرطبي ج 2 ص 300. قلت: حكى النووي عدم الخلاف في هذه المسألة. انظر مج ج 6 ص 205. (¬2) انظر مغ ج 3 ص 91، مج ج 6 ص 204. قلت: واتفق العلماء على أنه إن أسلم مثلًا ليلة السابع أنه يبدأ صيامه وجوبًا من يوم الثامن وما بقى فيه الخلاف المذكور في مسألة الكتاب، وأما إذا أسلم أثناء نهار رمضان فهل يجب عليه إمساك هذا اليوم وقضائه أم يجب عليه الإمساك دون القضاء أم لا يجب عليه واحدٌ منهما؟ كل ذلك فيه اختلاف. انظر قرطبي ج 2 ص 300، مخ ج 3 ص 91.

أبواب صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

أبواب صوم التطوع والأيام التي نُهي عن الصوم فيها باب في صوم يوم عرفة للحاج مسألة (583) أكثر العلماء على استحباب فطر يوم عرفة للحاج، رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم ونقله الترمذي والماوردي وغيرهما عن أكثر العلماء، ونقله العبدري عن عامة الفقهاء غير ابن الزبير وعائشة رضي الله تعالى عنهم، ونقله ابن المنذر عن مالك والثوري، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وحكى ابن المنذر عن ابن الزبير وعثمان بن أبي العاص الصحابي وعائشة وإسحاق بن راهويه استحباب الصوم، واستحبه عطاء في الشتاء والفطر في الصيف، وقال قتادة: لا بأس بالصوم إذا لم يضعف عن الدعاء. وحكى صاحب البيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: يجب الفطر بعرفة. مج ج 6 ص 350، مغ ج 3 ص 106، الحاوي ج 3 ص 472، فتح ج 9 ص 73، قرطبي ج 2 ص 421. باب في تعيين يوم عاشوراء مسألة (584) جمهور العلماء على أن يوم عاشوراء المستحب صيامه هو اليوم العاشر من المحرم وأن تاسوعاء هو اليوم التاسع منه. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم (¬1). مج ج 6 ص 352، فتح ج 9 ص 80. باب في صوم الدهر مسألة (585) جماهير العلماء على عدم كراهية صيامٍ الدهر إذا أفطر الأيام المنهي عنها وإذا لم يشق عليه ذلك بضرر أو غيره ولم يفوت حقًّا من الحقوق، قال صاحب الشامل: وبه قال عامة العلماء، وكذا نقله القاضي عياض عن جماهير العلماء، قال النووي -رحمه الله- تعالى: وممن نقلوا عنه ذلك عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 474. قلت: روى عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود. انظر مغ ج 3 ص 104.

باب في صيام أيام التشريق

وأبو طلحة وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم والجمهور من بعدهم. وقال أبو يوسف وغيره من أصحاب أبي حنيفة: يكره مطلقًا (¬1). مج ج 6 ص 360، فتح ج 9 ص 55. باب في صيام أيام التشريق مسألة (586) أكثر أهل العلم على عدم جواز صيام أيام التشريق لمن رام فيها صيام تطوع أو تنفل. ورُوي عن ابن الزبير وابن عمر وأبي طلحة والأسود بن يزيد أنهم كانوا يصومونها. واختلف في جواز صيام أيام التشريق للمتمتع الذي لا يجد الهدي فأجاز ذلك للمتمتع ابن عمر وعائشة والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق في رواية, وحكى ابن المنذر جواز صومها للمتمتع وغيره عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين. قلت: وهو قول الشافعي في القديم من مذهبه. ومنع من ذلك علي بن أبي طالب وأبو حنيفة وداود وابن المنذر وأحمد في أصحِّ الروايتين عنه، وسوى هؤلاء جميعًا بين المتمتع وين غيره في المنع (¬2). مغ ج 3 ص 97. باب فيمن صام تطوعًا فأفسده بعذر أو بغير عذر مسألة (587) أكثر العلماء على أنه لا قضاء على من خرج من صيام التطوع وسواء خرج من هذا الصيام بعذر أو بغير عذر وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن ¬

_ (¬1) قلت: وهذ الذي ذهب إليه الموفق ابن قدامة واستظهره، وحكى الموفق عن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم منهم أبو طلحة قيل أنه صام بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة، ونقل الموفق عن أحمد إنكاره تفسير ما ورد في حديث أبي موسى "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" بأن معناه ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها، فضحك (يعني الإِمام أحمد) وقال من قال هذا؟ فأين حديث عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره ذلك وما فيه من الأحاديث، ثمَّ حكى الموفق عن أحمد أنه قال نقلًا عن أبي الخطاب: "إذا أفطر يومي العيدين وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس". انظر مغ ج 3 ص 99. قلت: هذا الذي استنكره أحمد -رحمه الله- استظهره البيهقي والنووي وصح عن أنس أنه أخبر عن أبي طلحة أنه لم يكن يصوم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل الغزو فلما قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أنس: لم أره مفطرًا إلا يوم فطرٍ أو أضحى. رواه البخاري في الصحيح. انظر مج ج 6 ص 361، فتح ج 11 ص 307. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 407، وانظر الحاوي ج 3 ص 477، مج ج 6 ص 396.

باب في صيام يوم الشك

عباس وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال أبو حنيفة ومن وافقه يجب القضاء. قلت: وفي المسألة تفصيل ليس هذا محل بسطه (¬1). مج ج 6 ص 366، قرطبي ج 2 ص. باب في صيام يوم الشك مسألة (588) مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز صوم يوم الشك عن رمضان وبه قال عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس وابن مسعود (¬2) وحذيفة وأنس وأبو هريرة وأبو وائل وعكرمة وابن المسيب والشعبي والنخعي وابن جريج والأوزاعي. حكاه عنهم ابن المنذر. قال: وقال مالك: سمعت أهل العلم ينهون عنه. قال النووي: وممن قال به أيضًا عثمان بن عفان وداود الظاهري. قال ابن المنذر: وبه أقول. قلت: وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقالت عائشة وأختها أسماء: نصومه من رمضان، وكانت عائشة تقول: "لأن أصوم من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان" ورُوي هذا عن عليٍّ أيضًا. قال العبدري: ولا يصحُّ عنه. وقال الحسن وابن سيرين: إن صام الإِمام صاموا، وإن أفطر أفطروا. وقال ابن عمر وأحمد بن حنبل: إن كانت السماء مصحية لم يجز صومه وإن كانت مغيمة وجب صومه عن رمضان. وعن أحمد روايتان كمذهبنا (الشافعي) ومذهب الجمهور وعنه رواية ثالثة كمذهب الحسن. مج ج 6 ص 371، بداية ج 1 ص 408، مغ ج 3 ص 4. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد الإجماع على عدم وجوب القضاء على من خرج من صيام التطوع بعذر وأما بغير عذر ففيه خلاف انظر. بداية ج 1 ص 401. (¬2) في نسخة المجموع بعد ابن مسعود هكذا "وابن عمار"، وقد قال المحقق الشيخ المطيعي -رحمه الله- تعالى: ولعل ابن هنا زائدة خطأ من الناسخ أو أن اسمًا مكنى سقط مع حرف العطف فتكون وابن فلان وعمار لما نعلم من أنه ليس في فقهاء الصحابة من كُني بأبي عمار.

باب في صيام يوم الشك تطوعا

باب في صيام يوم الشك تطوعًا مسألة (589) جمهور الفقهاء على النهي عن صيام يوم الشك تطوعًا إلا أن يوافق عادة له، وبه قال عثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وحذيفة وعمار. وابن عباس وأبو هريرة وأنس والأوزاعي ومحمد بن مسلمة المالكي وداود. حكاه عنهم العبدري. قلت: وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: لا يُكره صومه تطوعًا، ويحرم صومه عن رمضان (¬1). مج ج 6 ص 371، مغ ج 3 ص 4. باب في نذر صيام يومي الأضحى والفطر مسألة (590) مذهب العلماء كافة إلا أبا حنيفة أن النذر لا ينعقد يومي الأضحى والفطر فإن نذر صومًا فيهما فلا شيء عليه. وقال أبو حنيفة: ينعقد نذره ويلزمه صوم يومٍ غيرهما قال: فإن صامهما أجزأه مع أنه حرام. مج ج 6 ص 393. باب ما يُستحب في الصيام وما يُكره وصوم التطوع مسألة (591) أكثر أهل العلم على استحباب تعجيل الفطر للصائم فيبدأ بالإفطار ثمَّ يصلى المغرب (¬2). ج 3 ص 101. باب في اختصاص الأمة بليلة القدر مسألة (592) جماهير العلماء على أن ليلة القدر مختصة بهذه الأمَّة وزادها الله تعالى شرفًا، وأنها لم تشرع لمن قبلنا. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 409، وانظر في مسألة يوم الشك. الحاوي ج 3 ص 409. (¬2) نقل ابن رشد الإجماع على استحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور في الجملة من غير تفصيل. انظر بداية ج 1 ص 404 فائدة: نقل الموفق في المغني عن جماعة كثيرة من العلماء وأئمة السلف استحباب المبيت في المسجد ليلة العيد اعتكافًا ثمَّ الخروج منه إلى مصلَّى العيد رأسًا. قلت: وهو مما يؤيد استحباب إحياء ليلتي العيد التي جاء فيها حديث ضعيف.

باب في وقت تحري ليلة القدر

وقال بعض الناس: كانت مشروعة قبلنا. مج ج 6 ص 398. باب في وقت تحري ليلة القدر مسألة (593) أكثر العلماء على أن ليلة القدر منحصرة في العشر الأواخر من رمضان، وقال غيرهم غير ذلك، وكان ابن مسعود يرى أنها في السنة كلها (¬1). وحكى الماوردي عدم الخلاف في أنها في العشر الأواخر في رمضان. مج ج 6 ص 403، مغ ج 3 ص 113. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 3 ص 4.

كتاب الاعتكاف

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الاعتكاف

باب في اشتراط الصيام للاعتكاف

كتاب الاعتكاف (¬1) باب في اشتراط الصيام للاعتكاف مسألة (594) جمهور العلماء على أن الصيام شرط لصحة الاعتكاف، وهو قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق في رواية عنهما، وقد حكي هذا القول عن جمهور العلماء القاضي عياض وذهب الشافعي والحسن البصري وأبو ثور وداود وابن المنذر وأحمد في أصحِّ الروايتين عنه إلى أن الصيام مستحب لكنه ليس شرطًا لصحة الاعتكاف. قال ابن المنذر: وهو مروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود (¬2). مج ج 6 ص 417، شرح ج 11 ص 126. باب في زمان الاعتكاف هل فيه حد معين؟ مسألة (595) أكثر الفقهاء على أنه لا حد معين في زمن الاعتكاف، وهو قول أبي حنيفة والشافعي. واختلف عن مالك في حده فقال في رواية ابن القاسم عنه: أقله عشرة أيام، وروي ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد والقرطبي وابن قدامة والنووي الاتفاق على استحباب الاعتكاف وأنه لا يجب بالنذر قال ابن رشد: إلا ما رُوي عن مالك من كراهة الدخول فيه (الدخول في نذر الاعتكاف) مخافة ألا يوفي شروطه، وحكى عن الجمهور اشتراط المسجد وذكر عن ابن لبابه أنه لم يشترط المسجد وعن أبي حنيفة أنه يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها. انظر بداية ج 1 ص 413، 414، مغ ج 3 ص 118، مج ج 6 ص 407، قرطبي ج 2 ص 335، الحجة ج 1 ص 415، وحكى الموفق الاتفاق على اشتراط المسجد إذا كان المعتكف رجلًا ومثله قال القرطبي. قال -رحمه الله-: أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لقول الله تعالى (في المساجد) واختلفوا في المراد بالمساجد، ثمَّ ساق اختلاف العلماء وهو ما حاصله أن جماعة حصروا المساجد بالمساجد الثلاثة، وقال آخرون: بل في كل مسجد جامع تصلى فيه الجمعة والصلوات الخمس، وقال آخرون بل يصح في كل مسجد. قلت: ونقل هذا الأخير عن الجمهور الحافظ في الفتح إلا ممن تلزمه الجمعة فاستحبه له الشافعي. انظر مغ ج 3 ص 123، 126، الحاوي ج 3 ص 485، قرطبي ج 2 ص 333، فتح ج 9 ص 113. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 120، الحاوي ج 3 ص 486، بداية ج 1 ص 417، قرطبي ج 2 ص 334، الحجة ج 1 ص 420.

باب في من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

يوم وليلة، وقيل غير ذلك (¬1) بداية ج 1 ص 415. باب في من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (¬2) مسألة (596) جمهور الفقهاء على أن من نوى إعتكاف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ويخرج منه بعد غروب الشمس من ليلة الأول من شوال. وهو مذهب الشافعي وجماعة الفقهاء، وهو قول أحمد في رواية ومالك والثوري وأبي حنيفة. وحكى بن أبي ثور والأوزاعي وإسحاق أنه يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من يوم واحد وعشرين (¬3) وبه قال أحمد في رواية. الحاوي ج 3 ص 488. ¬

_ (¬1) انظر قرطبي ج 2 ص 333. (¬2) (فائدة) جماعة العلماء وفقهاء الأمصار يرغبون لمن اعتكف العشر الأواخر في رمضان أن لا يخرج من معتكفه إلا بعد الفجر عند توجهه لصلاة العيد رأسًا وليس هذا على الوجوب عند جمهورهم، وروي عن سحنون من أصحاب مالك أنه على الوجوب ولم يرتضه أهل مذهبه. قلت: وهذا الترغيب الذي ذكرناه لا تلازم بينه وبين وقت انتهاء الاعتكاف كما ذكرنا في أصل المسألة إلا ما ذكرنا عن سحنون. قال القرطبي: استحب مالك لمن اعتكف العشر الأواخر أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو إلى المصلى، وبه قال أحمد، وقال الشافعي والأوزاعي: يخرج إذا غابت الشمس، ورواه سحنون عن ابن القاسم، ثمَّ قال -رحمه الله-: وقال سحنون: أن ذلك على الوجوب، فإن خرج ليلة الفطر بَطُل اعتكافه، ثمَّ ذكر القرطبي -رحمه الله- ردَّ ابن الماجشون لقول سحنون هذا. انظر قرطبي ج 2 ص 336. قلت: قول القرطبي المتقدم يوهم أن الشافعي لا يستحب الاعتكاف في المسجد ليلة العيد كما ذكرنا عن جماعة العلماء، وهذا ليس بلازم قوله في انتهاء العشر بغروب الشمس ليلة العيد، وقد صرَّح النووي باستحباب هذا الذي ذكرناه في آخر كتاب الصيام وفي كتاب الاعتكاف قال النووي: ويستحب أن يمكث في معتكفه بعد هلال شوال حتى يصلي العيد أو يخرج منه إلى المصلى إن صلوها في غيره، قال: وقد سبقت المسألة في آخر كتاب الصيام. انظر مج ج 6 ص 420. وقال الموفق -رحمه الله-: ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه نصَّ عليه أحمد، ورُوي عن النخعى وأبي مجلز وأبي بكر بن عبد الرحمن والمطلب بن حنطب وأبي قلابة أنهم كانوا يستحبون ذلك، وروى الأثرم بإسناده عن أيوب عن أبي قلابة أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر ثم يغدو كما هو إلى العيد، وكان يعني في اعتكافه لا يُلقيَ له حصير ولا مصلى يجلس عليه، كان يجلس كأنه بعض القوم. قال: فأتيته في يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينةٌ (عليها آثار الزينة) ما ظننتها إلا بعض بناته فإذا هي أمة له فأعتقها وغدا كما هو إلى العيد، وقال إبراهيم (النخعي): كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد ثم يغدوا إلى المصلَّى. انظر مغ ج 3 ص 155. (¬3) انظر بداية ج 1 ص 416، مغ ج 3 ص 155، مج ج 6 ص 420، قرطبي ج 2 ص 336.

باب في خروج المعتكف لعيادة مريض ونحوه

باب في خروج المعتكف لعيادة مريض ونحوه مسألة (597) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن المعتكف اعتكاف نذر لا يجوز له الخروج من معتكفه لعيادة مريض واتباع جنازة فلو فعل شيئًا من ذلك بطل اعتكافه، وهو قول عطاء ومجاهد وعروة بن الزبير والزهري ومالك وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأحمد في أصح الروايتين عنه وهو اختيار ابن المنذر ورواه البيهقي عن سعيد بن المسيب. وقال الحسن البصري وسعيد بن جبير والنخعي: يجوز. قال ابن المنذر: رُوي ذلك عن عليٍّ ولم يثبت عنه (¬1). مج ج 6 ص 441. باب في خروج المعتكف لصلاة الجمعة مسألة (598) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه يجوز للمعتكف اعتكاف نذر أن يخرج من معتكفه لصلاة الجمعة، وبه قال سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وأحمد وعبد الملك من أصحاب مالك وابن المنذر وداود وأبو حنيفة في رواية عنه. وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة في رواية إلى عدم الجواز وإلى بطلان الاعتكاف به. مج ج 6 ص 443 (¬2). باب في جماع المعتكف عامدًا مسألة (599) جماهير الفقهاء على أن المعتكف اعتكاف نذرٍ لو جامع عامدًا ذاكرًا عالمًا بالتحريم فإنه لا تلزمه الكفارة بهذا مع اتفاق العلماء كافة وإجماعهم على فساد اعتكافه. قال ابن المنذر: وهو قول أهل المدينة والشام والعراق. قلت: وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. وقال الحسن البصري والزهري: عليه كفارة الواطئ في صوم رمضان، قال ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 137، الحاوي ج 3 ص 495. قلت: حكى الماوردي الإجماع على جواز خروج المعتكف للتبول والتغوط في منزله بعد أو قرب. انظر الحاوي ج 3 ص 492. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 132، قرطبي ج 2 ص 335. قلت: حكى ابن رشد عن الجمهور أن الاعتكاف يفسد بارتكاب الكبيرة ج 1 ص420.

باب فيما يجوز للمعتكف فعله

العبدري: وهو أصحُّ الروايتين عن أحمد. وعن الحسن رواية أخرى أنه يعتق رقبة، فإن عجز أهدى بدنة، فإن عجز تصدَّق بعشرين صاعًا من تمر (¬1). مج ج 6 ص 457، مغ ج 3 ص 142، الحاوي ج 3 ص 499، بداية ج 1 ص 418. باب فيما يجوز للمعتكف فعله مسألة (600) أكثر العلماء على أنه يجوز للمعتكف أن يلبس ويأكل ويتطيب بما شاء مما يجوز لغير المعتكف، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أحمد: يُستحب أن لا يلبس رفيع الثياب ولا يتطيب. قال الماوردي: وحكى عن طاوس وعطاء أنه ممنوع من الطيب كالحج (¬2). * * * ¬

_ (¬1) والاتفاق على وجوب قضاء الاعتكاف المنذور على من أفسده بالجماع وأن الجماع يفسده، وهل يقضي كل الأيام التي نذرها أم ما بقي عليه منها؟ إن كان نذر أيامًا ونذر فيها التتابع قضى الكل وإلا ففي المسألة خلاف كمن نذر اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، فهذا في الاعتكاف الواجب وأما غيره فقد اختلف العلماء في وجوب قضائه، حكى ابن رشد عن الجمهور وجوب قضاء اعتكاف التطوع على من أفسده بغير عذرٍ، وكان قد حكى هذا القول ابن عبد البر فيمن خرج من اعتكاف التطوع وردهُ الموفق. انظر بداية ج 1 ص 420، مغ ج 3 ص 119، الحاوي ج 3 ص 499، فتح ج 9 ص 114. (¬2) انظر الحاوي ج 3 ص 503.

كتاب الحج

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الحج

باب في العمرة هل هي واجبة؟

كتاب الحج باب في العمرة هل هي واجبة؟ مسألة (601) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن العمرة واجبة وهو قول عمر وابن عباس وابن عمر وجابر وطاوس وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن البصري وابن سيرين والشعبي ومسروق وأبو بردة ابن أبي موسى الحضرمي وعبد الله بن شداد والشافعي في الجديد والثوري وأحمد وإسحاق وابن عبيد وداود. وقال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور: هي سنة ليست واجبة وحكاه ابن المنذر وغيره عن النخعي. قلت: وهو مذهب الشافعي في القديم (¬1). مج ج 7 ص 9. باب في معنى دخول العمرة في الحج مسألة (602) أكثر العلماء على أن تفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" هو أن العمرة جائزة في أشهر الحج. قال النووي: وهذا هو الأصح، وهو تفسير الشافعي وأكثر العلماء، ونقله الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال آخرون: معناه دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقِرآن. مج ج 7 ص 10. باب في حج الصبي مسألة (603) جماهير العلماء من السلف والخلف على صحة حج الصبي وهو مذهب ملك والشافعي وأحمد وداود وأشار ابن المنذر إلى الإجماع فيه هكذا حكاه عنه النووي ثم قال: ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 173، بداية ج 1 ص 426، الحاوي ج 4 ص 33، فتح ج 8 ص 81، قرطبي ج 2 ص 368.

باب في حج العبد

وقال أبو حنيفة في المشهور عنه: لا يصح حجه (¬1) مج ج 7 ص 33. باب في حج العبد مسألة (604) مذهب العلماء كافة إلا داود صحة حج العبد ولو بغير إذن سيده. وقال داود: لا يصح بغير إذنه. مج ج 7 ص 35. باب في الحج على العبد هل يجب قبل عتقه؟ مسألة (605) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الحج لا يجب على العبد حتى يُعْتَقَ. قال ابن رشد: وأوجبه عليه بعض أهل الظاهر (¬2). بداية ج 1 ص 424. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 421. قلت: والقول بعدم صحة وانعقاد حج الصبي ونسبة ذلك إلى أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى من الأخطاء التي وقع فيها كثير من الناقلين لمذاهب الأئمة والفقهاء فإن الصحيح الثابت عن أبي حنيفة وصاحبه محمَّد بن الحسن ومذهب الاحناف أن حج الصبي المميز المدرك ينعقد وأنه يفعل ما يفعله أهل المناسك ويجتنب ما يجتنبوه إلا أنه إذا فعل ما يوجب فدية فلا شيء عليه لأنه مرفوع القلم عنه، ومن نقل مذهب أبي حنيفة خطأ في هذه المسألة الماوردي والنووي وابن رشد والحافظ ابن حجر وغيرهم -رحمهم الله تعالى- جميعًا وحج الصبي غير المميز فيه الأجر والثواب وإن كان هو لا يستقل بالمناسك وحده، انظر في هذه المسألة الحاوي ج 4 ص 206، فتح ج 8 ص 196، وانظر كلام أبي حنيفة -رحمه الله- في حج الصغير في الحجة ج 2 ص 411، وانظر كلام الطحاوي، معاني الآثار ج 2 ص 256 فائدة: شذَّ بعض أهل العلم قديمًا فقالوا بإجزاء حج الصبي المميز عن حجة الإِسلام. ذكر هذا الإِمام الطحاوي وغيره. وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة قريبًا. انظر معاني الآثار ج 2 ص 256، مج ج 7 ص 34. (¬2) حكى الموفق في هذه المسألة عدم العلم بالمخالف وحكى الماوردي المسألة ولم يحك فيها خلافًا وقال النووي: أجمعت الأمة على أن العبد لا يلزمه الحج. انظر مج ج 7 ص 35، الحاوي ج 4 ص 5، مغ 3 ص 161. قلت: هذا البعض الذي أبهمه ابن رشد ممن يقول بوجوب الحج على العبد صرح به أبو عمر بن عبد البر فقال: خالف داود جماعة فقهاء الأمصار وأئمة الأثر في المملوك وأنه عنده مخاطب بالحج، وهو عند جمهور العلماء خارج من الخطاب العام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}. وقال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم إلا من شذَّ منهم ممن لا يُعَدُّ خلافًا على أن الصبي إذا حج في حال صغره، والعبد إذا حج في حال رِقهِ ثم بلغ الصبي وعتق العبد أن عليهما حجة الإِسلام إذا وجدا إليها سبيلًا، حكى ذلك كله القرطبي وكان قد حكى الإجماع في المسألة وقال: ولا خلاف فيه بين الأمة ولا بين الأئمة فلا نهرف بما لا نعرف، ولا دليل عليه إلا الإجماع. انظر قرطبي ج 4 ص 145.

باب في تأخر بلوغ الصبي وعتق العبد إلى ما بعد يوم عرفة

باب في تأخر بلوغ الصبي وعتق العبد إلى ما بعد يوم عرفة مسألة (606) جمهور العلماء على أن الصبي إذا لم يبلغ والعبد إذا لم يُعتق إلا بعد الوقوف بعرفة فإن عليه حجة الإِسلام وسواء كان بعد وقت الوقوف أو قبل انتهاء وقته ولكن من غير وقوف. وقال ابن سريج: يجزئهما إذا كان وقت الوقوف باقيًا وكانا قد وقفًا في عرفات قبل البلوغ وقبل العتق (¬1). مج ج 7 ص 44. باب في الحج بالمال الحرام ونحوه مسألة (607) أكثر الفقهاء على أن من حجَّ بمال حرام أو بدابة مغصوبة فإن حجه صحيح لكنه يأثم. وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي. وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: لا يجزؤه. مج ج 7 ص 45. باب فيما يُشترط من المال لوجوب الحج مسألة (608) جمهور الفقهاء على أن من كان له مال يتجر فيه وكانت غلته تكفيه وأهله ومن يعول سنته وليس له مال غيره لكنه يكفيه للحج ذهابًا وأيابًا ويفضل منه ما يكفي أهله ومن يعول حتى يعود من حجه فإن الحج واجب في حقه وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال أحمد بعدم الوجوب. مج ج 7 ص 54. ¬

_ (¬1) أما إذا بلغ الصبي وعتق العبد قبل الوقوف بعرفة أو أثناءه ووقفًا في عرفة فإن الحج يجزؤها عن حجة الإِسلام في مذهب الشافعي وفي قول إسحاق، وبه قال الحسن البصري وأحمد في العبد، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو ثور لا يجزؤهما. انظر مج ج 7 ص 41، 44. وانظر قرطبي ج 2 ص 370، وانظر مغ ج 3 ص 162 (الشرح الكبير) قلت: والصحيح في مذهب أحمد صحة حج الصبى إذا بلغ محرمًا أثناء الوقوف أو قبله وكذلك العبد إذا عتق محرمًا أثناء الوقوف أو قبله، نص عليه الموفق وذكر فيه الخلاف، وحكى الاتفاق على أنهما إذا صارا مكلفين قبل الوقوف أو أثناءه ولم يكونوا قد أحرما بَعْد ثم أحرما ووقفا فإن الحج هذا يجزئهما عن حجة الإسلام. انظر مغ ج 3 ص 200. قلت: وأبو حنيفة يشترط في المسألة المختلف فيها أن يجدد الصبي إحرامه فإن فعل اجزأه عن حجة الإسلام وإلا فلا، وانظر في هذه المسألة برمتها الحاوي ج 4 ص 244 فائدة: ذكر النووي -رحمه الله- تعالى أن الأدب في سرد الأشهر الحرم هو أن تبدأها بذي القعدة ثم ذي الحجة ثم المحرم ثم رجب، ونقل هذا عن جماهير العلماء من أهل المدينة والبصرة، وقالت طائفة من أهل الكوفة وأهل الأدب: إنه يقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. انظر شرح ج 11 ص 168.

باب في من عادته الاقتراض وسؤال الناس هل يجب عليه الحج؟

باب في من عادته الاقتراض وسؤال الناس هل يجب عليه الحج؟ مسألة (609) مذهب جماهير العلماء على أن الحج لا يلزم من عادته سؤال الناس أو المشي، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو حنيفة والشافعى وأحمد وبعض أصحاب مالك. وقال مالك: يلزمه الحج في الصورتين، وبه قال داود، وقال عكرمة: الاستطاعة صحة البدن. مج ج 7 ص 55، مغ ج 3 ص 169. باب في الحج ماشيًا وراكبًا أيهما أفضل؟ مسألة (610) أكثر الفقهاء على أن الحج راكبًا أفضل من الحج ماشيًا. وقال داود: الماشي أفضل. مج ج 7 ص 65. باب في العاجز بنفسه والقادر على استئجار غيره مسألة (611) جمهور العلماء على وجوب الحج على العاجز عن أداء الحج بنفسه لكنه واجدٌ للمال والأجير بأجرة المثل، وبه قال عليُّ بن أبي طالب والحسن البصري والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وداود. وقال مالك: لا يجب عليه (¬1). مج ج 7 ص 74. باب في العاجز ينيب عن نفسه ثمَّ يبرأ من مرضه مسألة (612) جمهور العلماء على أن المعضوب وهو العاجز عن الحج بنفسه إذا أحج أجيرًا عنه للحج ثم شُفي فإن هذا الحج لا يجزؤه وعليه أن يحج بنفسه قلت: وهو مذهب الشافعي. وقال أحمد وإسحاق: يجزؤه ولا إعادة عليه. باب في حج المرأة عن الغير مسألة (613) مذهب العامة من العلماء جواز حج المرأة عن المرأة وجواز حجها عن الرجل. وخالف الحسن بن صالح في ذلك وكره حج المرأة عن الرجل. مغ ج 3 ص 184، فتح ج 8 ص 189. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 177.

باب في وقت العمرة

باب في وقت العمرة مسألة (614) جمهور الفقهاء على أن السنة كلها وقت للعمرة، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: تُكره العمرة (¬1) يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق. مج ج 7 ص 124، بداية ح 1 ص 431. باب في تكرار العمرة مسألة (615) جمهور العلماء من السلف والخلف على استحباب تكرار العمرة في السنة ولا كراهة في ذلك حكى هذا عن الجمهور الماوردي والسرخسي والعبدري وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء رضي الله تعالى عنهم، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وقال الحسن البصري وابن سيرين ومالك: تكره العمرة في السنة أكثر من مرة (¬2). مج ج 7 ص 124. تابع كتاب الحج (¬3) باب في عمرة القارن وغيره من أدنى الحل مسألة (616) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن عمرة القارن والعمرة من أدنى الحل تجزئ كلتاها عن العمرة الواجبة. ورُوي عن أحمد أن عمرة القارن لا تجزئ وعنه كذلك أن العمرة من أدنى الحل لا تجزئ عن العمرة الواجبة، وقال: إنما هي من أربعة أميال. مغ ج 6 ص 174. ¬

_ (¬1) تنبيه: عبارة النووي فيها شرح المهذب فيها سقط ونقص فاحش ومحله عندما نقل عن أبي حنيفة -رحمه الله- قوله بالكراهة انقطع الكلام موهمًا أنه يكره العمرة يإطلاق وليس بصحيح وإنما هو يكرهها في أوقات أو في أزمان مخصوصة، وظاهر من كلام النووي بعد ذلك أن هناك سقطًا ونقصًا في أصل نسخة المهذب. انظر هذا الموضع مج ج 7 ص 124 ص 124. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 175، الحجة ج 2 ص 117. (¬3) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وبه قال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء ومجاهد والحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي، ورُوي عن عمر وابنه وابن عباس: أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، وبه قال مالك. وقال الشافعي: آخر أشهر الحج ليلة النحر، وليس يوم النحر منها. مغ ج 3 ص 263.

باب في الإفراد والقران والتمتع

باب في الإفراد والقران والتمتع مسألة (617) مذهب العلماء كافة من الصحابة والتابعين إلا ما سنذكره عن عمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنهما- جواز الإفراد والتمتع والقران ولا كراهة في شيء من ذلك. وثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أنهما كانا ينهيان عن التمتع، وفي نهيهما تأويل وتفسير للعلماء ليس هذا محل بسطه (¬1). مج ج 7 ص 127. باب في إدخال الحج على العمرة مسألة (618) جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة. قال النووي: وشذ بعض الناس فمنعه وقال: لا يدخل إحرام على إحرام كما لا يدخل صلاة على صلاة (¬2). مج ج 7 ص 140 بداية ج 1 ص 449. باب في فسخ الحج إلى عمرة مسألة (619) جمهور الفقهاء على عدم جواز فسخ الحج وقلبه عمرة أو فسخ العمرة وقلبها حجًّا لا لعذر ولا لغيره وسواء ساق الهدي أم لا. قال ابن الصباغ والعبدري وآخرون: وبه قال عامة الفقهاء. وقال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم. جمهور الفقهاء على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصًّا للصحابة رضي الله تعالى عنهم. ¬

_ (¬1) نقل غير واحد من العلماء الاتفاق على جواز أنواع النسك كلها، أعني الإفراد والتمتع والقران. وممن حكى أو نقل الإجماع فيه الموفق ابن قدامة والقرطبي. انظر مغ ج 3 ص 232. قرطبي ح 2 ص 387، 390 (¬2) حكى القرطبي إجماع أهل العلم على جواز إدخال الحج على العمرة ما لم يفتتح طواف عمرته، أما إذا افتتح الطواف ففي المسألة خلاف انظر تفصيله هناك. قلت: وأما إدخال العمرة على الحج فمنعه قوم وأجازه آخرون. قال بالمنع مالك وأبو ثور وإسحاق والشافعي في أحد قوليه. وهو المعتمد في مذهب أحمد. وقال بالجواز أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في القديم. وبالمذهب الأول قال ابن المنذر. انظر هذه المسألة والتي سبقتها في. قرطبي ج 2 ص 398. مغ ج 3 ص 512. تنبيه: أبو حنيفة وأصحابه يجعلون من أضاف العمرة إلى الحج قارنًا سيئًا تاركًا للسنة وعليه دم إساءة. انظر. الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني ج 2 ص 33.

باب في بعض شرائط التمتع

وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: يجوز فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي ونقله، أعني الجواز القاضي عياض عن بعض أهل الظاهر. مج ج 7 ص 144 مغ ج 3 ص 416 بداية ح1 ص 441 قرطبي ج 2 ص 393. باب في بعض شرائط التمتع مسألة (620) جمهور العلماء على أن من الشرائط التي يكون فيها المتمتع متمتعًا أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فلو أحرم بالعمرة قبل دخول أشهر الحج وفرغ منها قبل ذلك وحج في سنته مفردًا فلا يكون متمتعًا ولا دم عليه. وقال طاوس: يلزمه. ونقل عن الحسن أنه قال: من اعتمر بعد النحر فهي متعة. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا قال بواحدٍ من هذين القولين (¬1). مج ج 7 ص 154 مغ ج 3 ص 499 بداية ح 1 ص440 قرطبي ح 2 ص 396. باب في طواف وسعي المتمتع هل يجزئان عن حجه؟ مسألة (621) جمهور العلماء على أن المتمتع يطوف ويسعى لعمرته فإذا أحل منها وأحرم لحجه وجب عليه طواف وسعي آخران. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري وأبو ثور. وروي عن عطاء وطاوس أنه يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة. قرطبي ج 2 ص 397. ¬

_ (¬1) وحكى ابن رشد عن الحسن أنه كان يقول: هو متمتع وإن عاد إلى بلده ولم يحج أي عليه هدي المتمتع. قال ابن رشد: لأنه (يعني الحسن) كان يقول: عمرة في أشهر الحج متعة. انظر بداية ج 1 ص440. قلت: والذي أجمع عليه الفقهاء مما يجعل المحرم بالنسك متمتعًا هو ما ذكره القرطبي والنووي والموفق وابن رشد والماوردي، وحاصله هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج من ليس من أهل الحرم وحاضريه ويقضي مناسك عمرته ويتحلل منها ثم يبقى في مكة حلالًا حتى يحرم بالحج في عامه الذي أنشأ فيه عمرته دون أن يرجع إلى بلده قبل إهلاله بالحج ودون أن يرجع إلى ميقات بلده أو ناحيته قال القرطبي: فهذا إجماع من أهل العلم قديمًا وحديثًا في المتعة. قلت: وفي شرط عدم العودة إلى بلده خلاف الحسن وفي شرط إحرام العمرة في أشهر الحج خلاف طاوس. انظر. قرطبي ج 2 ص 391 بداية ج 1 ص 440. تنبيه يتعلق بالمكي: حكى القرطبي الإجماع على أن المكي يعني من كان من أهل الحرم لو انتقل بأهله عن مكة وسكن غيرها ثم جاء مكة في أشهر الحج معتمرًا ثم أقام بمكة بعد تحلُّله من عمرته إلى وقت الحج ثم أحرم بالحج في عامه هذا فهو متمتع. انظر قرطبي ج 2 ص 397.

باب في استحباب إحرام المتمتع بالحج من أول ذي الحجة إذا فرغ من عمرته

باب في استحباب إحرام المتمتع بالحج من أول ذي الحجة إذا فرغ من عمرته مسألة (622) أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم على أن المتمتع إذا تحلل من عمرته فإنه يستحب له أن يحرم بالحج من أول ذي الحجة وسواء كان واجدًا للهدي أم عادمه. وبه قال عمر بن الخطاب ومالك وأبو ثور وغيرهم. وذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وآخرون إلى أن المستحب في حقه أن يحرم بالحج يوم الثامن وهو يوم التروية. وثبت ذلك عن ابن عمر في الصحيحين من فعله. قال النووي: وكلاهما جائزٌ بالإجماع. مج ج 7 ص 160. باب في المحرم بالعمرة قبل أشهر الحج وفعلها في أشهره مسألة (632) جمهور العلماء على أن من أحرم بالعمرة قبل دخول أشهر الحج وفعل أفعالها في أشهر الحج فإنه ليس عليه دم التمتع. وبه قال جابر بن عبد الله وقتادة والشافعي في أصح قوليه وأحمد وإسحاق وداود وأبو ثور. وقال الحسن والحكم وابن شبرمة والشافعي في أحد قوليه: يلزمه (¬1) وحكى عنهم الموفق أنهم قالوا: عمرته في الشهر الذي يطوف فيه. وقال طاوس: عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم. وقال مالك: عمرته في الشهر الذي يحل فيه. وهو قول عطاء. مج ج 7 ص 161. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 500. قلت: هذه المسألة فيها تفصيل لكلا المذهبين وهو أن من قال عليه دم تمتع اعتبر أن سبب التمتع هو إيقاع معظم أفعالها أو بعض أفعالها في أشهر الحج ومن لم يوجب الدم اعتبر أن سبب التمتع هو الإحرام في أشهر الحج أعني الإحرام بالعمرة. ومن ثم قال الثوري باشتراط أن يقع طواف المعتمر كله في شوال أي بعد دخول أشهر الحج وقال أبو حنيفة: إن كان معظم طوافه في شوال فهو متمتع وإن كان معظم طوافه في رمضان فهو غير متمتع. وقال الآخرون: العبرة بإحرامه إن كان قبل أشهر الحج فليس متمتعًا وإلا فهو متمتع. انظر تفصيل هذه المسألة في. بداية ج 1 ص 442 مغ ح 3 ص 500. الحاوي ج 4 ص 49. قرطبي ج 2 ص 397. تنبيه: الذي حكاه ابن رشد في البداية عن الجمهور يعارض ما حكاه النووي.

باب في من اعتمر في أشهر الحج وحج في غير عام عمرته هل يكون متمتعا؟

باب في من اعتمر في أشهر الحج وحج في غير عام عمرته هل يكون متمتعًا؟ مسألة (624) جمهور الفقهاء على أن من شرط التمتع بالحج أن يعتمر في أشهر الحج وأن يحج من عامه الذي اعتمر فيه، فإن حج في عامٍ آخر فإنه لا يكون متمتعًا. ونقل عن الحسن البصري خلاف هذا فقال من اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج في سنته أو في غيرها. مغ ج 3 ص 500 قرطبي ج 2 ص 396. باب في الهدي على المتمتع (¬1) ما الذي يجزئ فيه مسألة (625) جمهور العلماء على أن الهدي في حق المتمتع هو شاةٌ. وهو قول مالك. وقال ابن عمر لا ينطلق الهدي إلا على الإبل والبقر وأن معنى قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي: بقرة أدون من بقرة وبَدَنة أدون من بدنة (¬2). بداية ح1 ص 487. باب في الدم على القارن مسألة (626) جمهور العلماء على أن القارن يجب عليه دم وهي شاة كدم التمتع. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد -رحمه الله- تعالى. وقال طاوس وحكاه العبدري عن الحسن بن علي وابن سريج وهو مذهب داود وابنه أبي بكر محمَّد بن داود: لا دم عليه. مج ج 7 ص 169 مغ ج 3 ص 497. باب في اشتراط وجوب الدم على القارن أن يكون آفاقيًا مسألة (627) جمهور العلماء على أن شرط وجوب الدم على القارن هو أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام. فإن كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه. ونقل النووي عن أبي حنيفة وجوب الدم على المكي إذا قرن أو تمتع (¬3). وبه قال ابن ¬

_ (¬1) أجمعوا على أن كفارة المتمتع على الترتيب. بداية ج 1 ص 488. (¬2) انظر. الحاوي ج 4 ص 354. (¬3) راجع مج ج 7 ص 146، 154.

باب في الإحرام من الميقات وقبله

الماجشون في حق المكي إذا قرن. حكاه عنه الموفق في المغني. وابن رشد في البداية والقرطبي. مغ ج 3 ص 497 بداية ج 1 ص 443 قرطبي ج 2 ص 392. باب في الإحرام من الميقات وقبله مسألة (628) مذهب العلماء كافة إلا داود جواز الإحرام من الميقات ومما فوق الميقات. وقال داود كما نقله عنه العبدري وغيره: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات وأنه لو أحرم مما فوق الميقات لم يصح إحرامه ويلزمه أن يرجع ويحرم من الميقات. مج ج 7 ص 180. باب فيمن ترك الإحرام من الميقات قاصدًا النسك مسألة (629) جمهور أهل العلم على أن من جاوز الميقات قاصدًا الحج والعمرة وأحرم بعد تجاوزه الميقات ولم يعد لميقاته فإن عليه دمًا. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال عطاء والحسن والنخعي: لا شيء على من ترك الميقات (¬1). بداية ج 1 ص 429 الحاوي ج 4 ص 72، 73. باب من ترك الإحرام من الميقات هل ينعقد حجه مسألة (630) مذهب عامة أهل العلم أن من ترك الإحرام من الميقات ومضى في حجه أو عمرته دون أن يرجع إلى الميقات للإحرام منه فإن نسكه ينعقد مع وجوب الدم عليه. وقال سعيد بن جبير: لا حج له (¬2). الحاوي ج 4 ص 72. ¬

_ (¬1) وأما ان جاوز الميقات مريدًا للنسك لكنه لم يحرم حتى عاد للميقات فلا شيء عليه بلا خلاف يعلم. حكاه الموفق في المغني والماوردي وأما الذي يجاوز الميقات غير مريد للنسك ولا يريد دخول الحرم، فهذا لا يلزمه شيء لأنه لا يلزمه الإحرام أصلًا. حكاه الموفق. قلت: ثم اختلف العلماء فيمن يدخل الحرم بغير حاجة متكررة ولا قتال، هل يجوز له أن يدخل بدون إحرام؟ وغير ذلك من الصور. انظرها في. مغ ج 3 ص 216 وما بعد. الحاوي ج 4 ص 72، 240. (¬2) انظر. مغ ج 3 ص 217.

باب في الميقات من مسكنه بين مكة والميقات

باب في الميقات من مسكنه بين مكة والميقات مسألة (631) جمهور العلماء على أن من كان مسكنه بين مكة وبين الميقات فميقاته من مسكنه، وبه قال طاوس ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور. وقال مجاهد: يحرم من مكة (¬1). مج ج 7 ص 183 مغ ج 3 ص 213 بداية ج 1 ص 429. باب فيمن جاوز الميقات ثم عَنَّ له الحج (¬2) مسألة (632) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من جاوز الميقات غير مريدٍ (¬3) نسكًا ثم عنَّ له أن يحرم بالحج أحرم من موضعه، وبه قال ابن عمر وعطاء ومالك والشافعي والثوري وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر. وقال أحمد وإسحاق: يلزمه العود إلى الميقات (¬4). مج ج 7 ص 183. باب ميقات أهل العرق والمشرق مسألة (633) أكثر أهل العلم على أن ميقات أهل العراق والمشرق هو ذات عرق. ¬

_ (¬1) ثم اختلف الجمهور في الأفضل لمن كان منزله خارجًا عن المواقيت هل يحرم من المواقيت أم من منزله فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وآخرون: يحرم من منزله أفضل. وقال مالك وإسحاق وأحمد: إحرامه من المواقيت أفضل. انظر بداية ج 1 ص 429. (¬2) فائدة: نقل النووي عن نص الشافعي -رحمه الله- تعالى وابن قدامة عن القاضي أبي يعلي الحنبلي أن من تجاوز الميقات مريدًا النسك ثم اعتمر في أشهر الحج ثم حج بعد تحلُّله من عمرته فإنه لا يعتبر متمتعًا ولا دم عليه لكن عليه دم إساءة وهو تركه الإحرام من الميقات. ونقل ابن قدامة كلام القاضي وهو فيمن جاوز الميقات بحيث بقي بينه وبين الحرم دون مسافة القصر، وكذلك نقل النووي توجيه الأصحاب في هذه المسألة بأن الأكثرين على أن هذا في حق من صار بينه وبين الحرم دون مسافة القصر وإلا وجب عليه دمان: دم التمتع ودم ترك الإحرام من الميقات. راجع مج ج 7 ص 157 مغ ج 3 ص 503. (¬3) فأما إن جاوز الميقات قاصدًا للنسك فقد أساء بتركه الإحرام من الميقات، فإن أحرم بعد تجاوزه للميقات وجب في حقه دم إلا أن يرجع عند الشافعي فيحرم من الميقات، وقال عطاء والحسن والنخعي: لا شيء على من ترك الميقات، وعند ابن جبير: لا حج لمن ترك الميقات، وعن أبي حنيفة إن رجع ولبَّى فلا دم وإلا عليه دم وقال مالك وابن المبارك وأحمد: عليه دم وإن رجع للميقات. مغ ج 3 ص 216. الحاوي ح 4 ص 72. (¬4) راجع مغ ج 3 ص 217.

باب في الإحرام من بعد الميقات لمن خشي فوت الحج

وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي. قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرامٌ من الميقات. ورورى عن أنس أنه كان يحرم من العقيق واستحسنه الشافعي وابن المنذر وابن عبد البر. وكان الحسن بن صالح يحرم من الربذة وروي ذلك عن خصيف والقاسم بن عبد الرحمن. مغ ج 3 ص 207 بداية ج 1 ص 428. باب في الإحرام من بعد الميقات لمن خشي فوت الحج مسألة (634) جمهور العلماء على أن من خشي فوات الحج بعوده إلى الميقات أحرم من موضعه، وعليه دم. وروى عن سعيد بن جبير أن من ترك العود إلى الميقات فلا حج له. مغ ج 3 ص 222. * * *

أبواب الإحرام وما يحرم فيه (محظورات الإحرام)

أبواب الإحرام وما يحرم فيه (¬1) (محظورات الإحرام) باب في الغسل للإحرام مسألة (635) عوام أهل العلم على أن الغسل للإحرام مستحب ليس واجبًا. قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن الغسل للإحرام ليس بواجب إلا ما روي عن الحسن البصري أنه قال: إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكره. وحكى ابن رشد عن أهل الظاهر أنهم أوجبوه وعن أبي حنيفة والثوري أن الوضوء (¬2) يجزئ عنه. مج ج 7 ص 192 مغ ج 3 ص 225 بداية ج 1 ص 445. باب في الطيب (التعطر) للإحرام مسألة (636) جمهور العلماء من السلف والخلف على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام. وبه قال سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن الزبير ومعاوية وعائشة وأم حبيبة - رضي الله تعالى عنهم - وهو قول أبي حنيفة والشافعي والثوري وأبي يوسف وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وداود وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال عطاء والزهري ومالك ومحمد بن الحسن: يكره. قال القاضي عياض: حكي أيضًا عن جماعة من الصحابة والتابعين (¬3). وبه قال أبو جعفر الطحاوي. مج ج 7 ص 203 فتح ج 7 ص 175. ¬

_ (¬1) فائدة: جمهور المفسرين والفقهاء على أن معنى قوله تعالى: {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} أي لا مراء في الحج. وقال مجاهد: أي لا مجادلة ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة. مغ ج 3 ص265. (¬2) روى الأثرم عن أحمد أنه سمعه يسأل عن قول بعض أهل المدينة أنه من ترك الغسل عند الأحرام فعليه دم قال الأثرم: فأظهر التعجب من هذا القول. قال الموفق: وكان ابن عمر يغتسل أحيانًا ويتوضأ أحيانًا. انظر مغ ج 3 ص 225 وقال الإِمام الماوردي -رحمه الله-: وليس الغسل فرضًا يأثم بتركه وإنما هو استحباب واختيار. قال الشافعي -رحمه الله-: وما تركت الغسل للإهلال قط، ولقد كنت أغتسل له مريضًا في السفر وإني أخاف ضرر الماء وما صحبت أحدًا اقتدى به فرأيته تركه ولا رأيت أحدًا عدا به (يعني تجاوز) أن رآه اختيارًا. انظر. الحاوي ج 4 ص 77. (¬3) راجع مغ ج 3 ص 226. بداية ج 1 ص 434. وانظر معاني الآثار ج 2 ص 133. قلت: وروي استحباب الطيب للمحرم عن أبي سعيد الخدري ومحمد بن الحنفية وعروة بن الزبير والقاسم بن محمَّد والشعبي وابن جريج. ورويت كراهته عن عمر وعثمان وابن عمر رضي الله تعالى عنهم. انظر مغ ج 3 ص 227 وحكى الماوردي تحريمه عن الحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير. قلت: والذي حكاه الماوردي عن المانعين إنما هو مقيد بما يبقى أثره، وأما ما لا يبقى أثره كالبخور وماء الورد فقد حكي أن جوازه هو قول الجماعة يعني من الفقهاء. انظر. الحاوي ج 4 ص 78.

باب في المستحب في وقت الشروع بالإحرام

باب في المستحب في وقت الشروع بالإحرام مسألة (637) جمهور العلماء من السلف والخلف على استحباب الإحرام عند بدء المسير وإنبعاث الراحلة، وبه قال مالك والشافعي في قوله الجديد. وقال أبو حنيفة وأحمد وداود: إذا فرغ من الصلاة، وبه قال الشافعي في القديم. وروي عن أحمد أن الكل سواءُ (¬1). مج ج 7 ص 205. باب في التلبية للحاج مسألة (638) أكثر الفقهاء على استحباب التلبية (¬2) في كل مكان وفي الأمصار وفي البراري وليس لها مكان تختص به. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أحمد: هو مسنون في الصحاري قال: ولا يعجبني أن يلبي في المصر. مج ج 7 ص 227. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 3 ص 229. قلت: هذه المسألة يوهم النقلُ عن العلماء فيها أن هناك تعارضًا، فقد ذكر الموفق في المغني أن ممن استحب الإحرام عقب الصلاة مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر. ونقله كذلك عن عطاء وطاوس. قال وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس ثم ذكر عن أحمد أن الكل سواء. وذكر النووي أن الإحرام عند انبعاث الراحلة وبدء المسير هو المستحب عند جمهور العلماء من السلف والخلف. والتحقيق في هذه المسألة -والله تعالى أعلم- أن يقال الاتفاق على أن لا يكون الإحرام قبل ركعتي الإحرام وإنما بعدهما. وأما متى يكون الإحرام بعدهما فهل عقيب الركعتين أم بعدهما وبعد انبعاث الراحلة وبدء المسير؟ فهاهنا الخلاف. وقد نقل الاتفاق على أن الكل جائز ولكن الخلاف في الأفضل غير واحد من العلماء منهم ابن قدامة في المغني والحافظ في الفتح وغيرهما. وقد أجمع العلماء على استحباب صلاة ركعتين عند الإحرام وهل تجزئ الصلاة المفروضة إذا حضرت عند إحرامه فصلاها عن ركعتي الإحرام فيه خلاف. انظر في المسألة السابقة وفيما ذكرته. مج ج 7 ص 202 مغ ج 3 ص 231. فتح ج 7 ص 178. الحاوي ج 4 ص 81 بداية ج 1 ص 447. (¬2) اتفق الفقهاء على أن النية في الحج ركن لا يصح النسك ولا ينعقد إلا بها، حكى ذلك القرطبي وغيره. واختلفوا في التلبية هل هي واجبة مع اتفاق الكل على طلب فعلها. فأما أبو حنيفة فذهب إلى أن النسك لا ينعقد إلا بالنية مع أحد أمرين اثنين. إما التلبية وإما سوق الهدي. وهو قول الثوري في وجوب التلبية مع النية. وقال مالك: التلبية واجبة يجب بتركها دم. وبوجوبها قال أهل الظاهر: وروى عن عطاء وطاوس وعكرمة ما يوافق هذا. وقال الشافعي وأحمد: ينعقد الإحرام بالنية دون التلبية وينعقد بالتلبية مع النية. ومثله قال مالك إلا أنه كما ذكرنا يجعلها -أعني التلبية- واجبة لكنها ليست ركنًا. انظر. بداية ج 1 ص 446، 447 والحاوي ج 4 ص 81 مغ ج 3 ص 240 مج ج 7 ص 206 قرطبي ج 2 ص 369.

باب في التلبية

باب في التلبية مسألة (639) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم استحباب التلبية أو جوازها لغير المحرم. وبه قال الحسن والنخعي وعطاء وبن السائب والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي. وكره ذلك مالك. مغ ج 3 ص 261. باب في آخر وقت التلبية للمحرم مسألة (640) جمهور أهل العلم على أن المحرم يقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر. وبقطع التلبية عند رمي الجمرة قال جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن أبي ليلى وأبو عبيد والطبري والحسن بن حي. وروي هذا عن ابن مسعود وابن عباس وميمونة -رضي الله عنهم-. وهو قول عطاء وسعيد بن جبير والنخعي وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقال مالك: يقطعها إذا زاغت الشمس من يوم عرفة. وقال: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. قال ابن شهاب الزهري: كانت الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يقطعون التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة. وروي عن سعد بن أبي وقاص وعائشة تقطع التلبية إذا راح إلى الموقف. وعن علي وأم سلمة -رضي الله عنهما- حتى تزول الشمس يوم عرفة على ما قاله مالك -رحمه الله-. وعن الحسن يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة (¬1). بداية ج 1 ص 449 مج ج 8 ص 142 معاني الآثار ج 2 ص 227. باب في انعقاد النسك هل يكون بالنية أم التلبية؟ مسألة (641) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أن الاعتبار في انعقاد النسك حجًّا أو عمرة أو كلاهما إنما هو بالنية لا بالتلبية. فمن نوى حجًّا ولبى بعمرة انعقد نسكه حجًّا. وقال داود بن علي: الاعتبار بما لبى لا بما نوى. الحاوي ج 4 ص 83. ¬

_ (¬1) انظر. مغ ج 3 ص 451. فتح ج 7 ص 340. الحاوي ج 4 ص 184.

باب فيمن أحرم وعليه قميص ونحوه هل يجب بخلعه دم؟

باب فيمن أحرم وعليه قميص ونحوه هل يجب بخلعه دم؟ مسألة (642) أكثر أهل العلم على أن المحرم إذا أحرم وعليه قميص فإنه يجوز له خلعه ولا يجب عليه شَقُّهُ ولا فدية عليه، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وروي عن عطاء وعكرمة. وحكي عن الشعبي والنخعي وأبي قلابة وأبي صالح ذكوان أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه (¬1). وحكاه الطحاوي أيضًا عن سعيد بن جبير روايةً. مغ ج 3 ص 262. باب في حلق الشعر للمحرم مسألة (643) أكثر أهل العلم على أن المحرم لا يجوز له حلق أي شعر متعلق برأس أو بدن وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أهل الظاهر: لا فدية في شعر غير الرأس. وعن مالك روايتان كالمذهبين (¬2). مج ج 7 ص 229. باب في قلم الظفر للمحرم مسألة (644) مذهب العلماء كافة إلا داود تحريم قلم الظفر للمحرم وجمهورهم على أن فيه الفدية وهو قول حماد ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأى. وقال داود: يجوز للمحرم قَلْمُ أظفاره كلها ولا فدية عليه. وروي عن عطاء المنع من قلم الظفر ولكن لا فدية عليه وروي عنه موافقة الجمهور (¬3). ¬

_ (¬1) انظر. معاني الآئار ج 2 ص 139. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 115 مغ ج 3 ص 521. قلت: حكى ابن المنذر الإجماع على تحريم حلق شعر الرأس للمحرم إذا لم يكن به علة وأن في ذلك الفدية. انظر مغ ج 3 ص 520. (¬3) انظر الحاوي ج 4 ص 117. تحفة ج 1 ص 421. قلت: اختلفوا في عدد الأظفار الذي به تجب الفدية مع اتفاقهم على أنه لو قلم خمسة أظفار من عضو واحد أن فيه الفدية. انظر في مصادر المسألة. قلت: وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره. هكذا نقله عنه الموفق. ويأتي فيه خلاف داود فالله أعلم. انظر مغ ج 3 ص 525. وانظر بداية ج 1 ص 485.

باب في المنطقة (الحزام فيه النقود وغيره)

باب في المنطقة (الحزام فيه النقود وغيره) مسألة (645) مذهب العلماء كافة إلا ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- جواز المنطقة والهميان للمحرم. روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد وطاوس والقاسم والنخعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي (¬1). وقال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- بكراهتهما في أصح الروايتين عنه. وبه قال نافع مولى ابن عمر. مج ج 7 ص 235 مغ ج 3 ص 277. باب في الخفين للمحرم مسألة (646) جمهور العلماء على أن المحرم إذا لم يجد نعلين جاز له لبس خفين بشرط قطعهما أسفل من الكعبين ولا يجوز من غير قطعهما، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وهو مروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعروة والنخعي. وقال أحمد: يجوز لبسهما من غير قطع، وروي ذلك عن عطاء وسعيد بن سالم (¬2) القداح. مج ج 7 ص 241 بداية ج 1 ص 432 الحاوي ج 4 ص 97. باب في السراويل للمحرم مسألة (647) جمهور العلماء على أن المحرم إذا لم يجد إزارًا فإنه يجوز له لبس السراويل ولا فدية عليه في ذلك. وبه قال الشافعي وأحمد وداود. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز له لبسها وإن عدم الإزار فإن لبسه لزمه الفدية. وقال الرازي الحنفي: يجوز لبسه وعليه الفدية. قلت: وكذلك الحكم فيمن لم يجد نعلين فلبس (¬3) خفين. مج ج 7 ص 242 مغ ج 3 ص 273. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار تقدموهم ومتأخروهم. مغ ح 3 ص 277. وانظر الحاوي ج 4 ص 127. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 273. (¬3) انظر. الحاوى ج 4 ص 98. تحفة ج 1 ص 421. وانظر كلام الطحاوي في معاني الآثار وأن لوجوب الفدية على من لبس السراويل والخفاف للضرورة يرفع الإثم لكنه لا يسقط الفدية. معاني ج 2 ص 136.

باب في تغطية الوجه للمحرم الرجل

باب في تغطية الوجه للمحرم الرجل مسألة (648) جمهور العلماء على جواز ستر الوجه (¬1) وتغطته للمحرم الرجل ولا فدية عليه. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. روى هذا عن عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وجابر وابن الزبير من قولهم. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه (¬2). وهو قول ابن عمر - رضي الله عنهما -. مج ج 7 ص 244. باب في السيف للمحرم مسألة (649) أكثر العلماء. على جواز تقلد السيف للمحرم وهو قول عطاء وهو مذهب الشافعي. وبه قال مالك وابن المنذر ونُقِلَ عن الحسن البصري كراهته، وعن مالك أنه لا يجوز (¬3). مج ج 7 ص 244. ¬

_ (¬1) هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للمرأة فقد اشتهر عن الفقهاء قولهم: "إحرام المرأة في وجهها" ذكرها الشافعي وغيره وذكر ابن رشد هذه العبارة وحكى فيها الإجماع فأوهم أن العلماء مجمعون على وجوب كشف المرأة لوجهها أثناء الإحرام وتحريم ستره مطلقًا، وهذا غلط فاحش تتابع عليه كثير من القدماء والمحدثين والصحيح كما صرح به الأئمة الفقهاء والمحققون أن الذي يحرم على المرأة بالنسبة لوجهها فيما يخص الحج هو ستره بشيء يلامسه كالبرقع والنقاب وأما إذا سترته بما لا يلامس الوجه أو يتجافى عنه فهو جائز بالإجماع، وكذلك أجمعوا على أن لها أن تستر وجهها عن أعين من يمر بها من الرجال الأجانب وهي محرمة والخلاف بينهم في هذه الحالة إذا سدلت على وجهها بشيء يلامسه لهذه الحاجة هل عليها دم أم لا. وقد حكى الإجماع على جواز ستر المرأة المحرمة وجهها في الحج كما ذكرته ابن رشد في نفس الصحيفة وذكر الموفق المساُلة نفسها وذكر الأجماعين اللذين ذكرهما ابن رشد فأوهم كذلك أنه يحرم على المرأة أن تغطي وجهها حال إحرامها بإطلاق. وإنما هو كما ذكرت تحريم مقيد بما يلامس الوجه كالبرقع والنقاب. وكلام الموفق بَعْدُ يدل على ما قلته، وكذلك ذكر هذه المسألة النووي في شرح المهذب بنحو ما ذكره غيره؛ فحصل من ذلك أن تحريم تغطه وجه المرأة المحرمة مقيد بما يلامسه وأما بما يتجافى عنه فجائز ولا فدية فيه وأنها تستر وجهها إذا حاذاها الرجال بما لا يلامس وجهها ولا شيء عليها بالإجماع أو بما يلامسه كالبرقع والنقاب فكذلك جائز لها كذلك بالإجماع إن لم يمكنها غيره وأما وجوب الدم ففيه خلاف رجح ابن قدامة عدم وجوبه. قال الشافعي -رحمه الله- في مختصر المزني: وإحرامها في وجهها (يعني المرأة المحرمة) فلا تخمره وتسدلُ عليه الثوبَ وتجافيه عنه ولا تمسهُ وتخمر رأسها. فإن خَمَّرت وجهها عامدةً افتددت. اهـ انظر فيما ذكرته ونقلته: الحاوي ج 4 ص 92. مج ص 231. مغ ج 3 ص 305. بداية ج 1 ص 433. فائدة: قد بينت هذه المسألة أوضح بيان في كتابي "النقاب ودعاة الاختلاط" وكتاب "الرد على كتاب حجاب المرأة المسلمة". (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 101. (¬3) انظر مغ ج 3 ص 380.

باب في تبخير ثوب المحرم وتطييبه

باب في تبخير ثوب المحرم وتطييبه مسألة (650) أكثر العلماء على عدم جواز التبخر في الثوب أو التطيب في الثوب وسواء كان الثوب مما يعلق به الطيب أو ينتفض. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. ونص عليه أحمد. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: يجوز للمحرم أن يتبخر بالعود والند ولا يجوز أن يجعل شيئًا من الطيب في بدنه، ويجوز أن يجعله على ظاهر ثوبه فإن جعله في باطنه. وكان الثوب لا ينتفض- فلا شيء عليه وإن كان ينتفض لزمته الفدية (¬1). مج ج 7 ص 256. باب في الرياحين للمحرم مسألة (651) أكثر الفقهاء على جواز أنواع الرياحين للمحرم وأنه لا فدية فيها. وبه قال عثمان وابن عباس والحسن البصري ومجاهد وإسحاق والشافعي في أحد قوليه. وقال ابن عمر وجابر والشافعي في أحد قوليه والثوري ومالك وأبو ثور. لا يجوز وفيه الفدية. وقال مالك وأبو حنيفة: يحرم ولا فدية عليه. واختلف في الفدية عن عطاء وأحمد (¬2). مج ج 7 ص 257. باب فيما لا فدية فيه من النبات مما له رائحة مسألة (652) مذهب العامة من العلماء أن النبات الذي لا ينبت للطيب ولا يتخذ ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 295. قلت: حكى الموفق عدم العلم بالخلاف في تحريم لبس الثوب الذي مسه ورس أو زعفران أو طيب للمحرم وكذلك نقل عن ابن عبد البر. والخلاف عن أبي حنيفة -رحمه الله- في البخور وفي بعض تفصيل الطيب للمحرم. انظر. مغ ج 3 ص 295 وحكى الماوردي عن أبي حنيفة أنه لا يحرم لبس الثوب المطيب وأنه لا فدية عليه إن لبسه. انظر الحاوي ج 4 ص 99. قلت: والذي حكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله- هو جواز الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران ونحوه إذا غسله المحرم قبل لبسه. انظر. معاني ج 2 ص 136. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 108. مغ ج 3 ص 294.

باب في لبس الثوب المطيب إذا زالت رائحته

منه الطيب كنبات الصحراء من الشيح والقيصوم والخزامي والفواكة كلها من الأترج والتفاح والسفرجل، وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر، فإن ذلك كله مباح للمحرم ولا فدية فيه. وروي عن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يشم شينًا من نبات الأرض من الشيح والقيصوم (¬1). مغ ج 3 ص 294. باب في لبس الثوب المطيب إذا زالت رائحته مسألة (653) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه يجوز للمحرم لبس ثوب مطيب زالت رائحته بطول الزمان أو بغلبة صبغ عليه بحيث لو رش لم تبدُ رائحة الطيب السابق. وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن عطاء وطاوس. وكره مالك ذلك إلا أن يغسل ويذهب لونه (¬2). مغ ج 3 ص 295. باب في تزوج المحرم وتزويجه مسألة (654) جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ممن بعدهم على أنه لا يجوز للمحرم التزوج ولا التزويج، وبه قال عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال الحكم والثوري وأبو حنيفة: يجوزان يتزوج ويُزَوِّج (¬3). وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما -. مج ج 7 ص 262 شرح ج 9 ص 194. ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 1 ص 108. (¬2) انظر الحاوي ح 4 ص 100. (¬3) انظر الحاوي ج 1 ص 123. مغ خ 3 ص 311. وروى محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة قال: لا بأس بأن يتزوج المحرم ويزوج غيره ولكن لا ينبغي للذي يتزوج وهو محرم أن يُقبل ولا يباشر ولا يصنع شيئًا مما يحل للحلال أن يفعله بزوجته من القبلة واللمس وغير ذلك. انظر الحجة ج 2 ص 209.

باب في نكاح المحرم. هل ينعقد؟

باب في نكاح المحرم. هل ينعقد؟ مسألة (655) جمهور الفقهاء على أن المحرم إذا تزوج فنكاحه باطل ويفرق بينهما تفرقة الأبدان بغير طلاق. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال مالك وأحمد: يجب تطليقها لتحل لغيره بيقين (¬1). مج ج 7 ص 264. باب في المحرم يراجع زوجته المطلقة مسألة (656) أكثر العلماء على جواز رجعة المحرم وصحتها وبه قال مالك والشافعي وأحمد في أحد الروايتين. وقال أحمد في أشهر الروايتين: لا يجوز (¬2). مج ج 7 ص 264 مع ج 3 ص 338. باب في بَيْضِ ما حرم صيده مسألة (657) مذهب العلماء كافة إلا داود والمزني أن كل صيد حرم على المحرم صيده حرم عليه بيضه، وإذا كَسَرَهُ لزمه قيمته. روي ذلك عن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما- وبه قال النخعي والزهري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو مذهب أحمد (¬3). وقال المزني وداود: هو حلال ولا جزاء فيه. مج ج 7 ص 294. باب فيمن قتل صيدًا عمدًا وهو محرم مسألة (658) جمهور الفقهاء بل جماهيرهم على أن المحرم إذا قتل صيدًا عمدًا أو خطأً أو ناسيًا لزمه الجزاء، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. وقال مجاهد: إن قتله خطأً أو ناسيًا لإحرامه لزمه الجزاء وإن قتله عمدًا ذاكرًا لإحرامه فلا جزاء. وبه قال الحسن البصري. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 1 ص 126. مغ ج 3 ص 313. شرح ج 9 ص 195. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 127. (¬3) حكى الموفق هذه المسألة ولم يحك خلافًا لمن ذكرهم ممن قالوا بقول الجمهور. انظر مغ ج 3 ص 540 وانظر نقل الماوردي عن داود والمزني. الحاوي ج 4 ص 334. وانظر الحجة ج 2 ص 356.

باب في الجماعة من المحرمين يشتركون في قتل الصيد

قال ابن المنذر: واختلفوا فيمن قتله خطأً فقال ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير وأبو ثور: لا شيء عليه. قلت: وحكاه ابن رشد عن أهل الظاهر. وحكاه الماوردي عن داود الظاهري. وقال ابن المنذر: وبه أقول. قال: وقال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي: عليه الجزاء (¬1). مج ج 7 ص 296 مغ ج 3 ص 530 بداية ج 1 ص 474. باب في الجماعة من المحرمين يشتركون في قتل الصيد مسألة (659) جمهور أهل العلم على أنه لو اشترك جماعة مُحْرِمُون في قتل صيد فإن عليهم جزاءً واحدًا. وهو مذهب مذهب الشافعي وقوله. حكاه الماوردي عن جمهور الفقهاء وجميع الصحابة. وقال مالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه: على كل واحدٍ منهم جزاءٌ كامل. إلا أن يكون صيد حرم فقال أبو حنيفة عليهم جزاءٌ واحد (¬2). الحاوي ج 4 ص 320. باب في محرم يقتل صيدًا بعد صيد مسألة (660) جمهور العلماء على أن المحرم إذا قتل صيدًا ولزمه جزاؤه ثم قتل صيدًا آخر لزمه جزاء الثاني، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر. قال العبدري: هو قول الفقهاء كافة إلا من سنذكره. وقال ابن المنذر: قال ابن عباس وشريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة: يجب الجزاء بالصيد الأول دون ما بعده. قال النووي: وحكاه أصحابنا عن داود. قال الماوردي: قال داود: لو قتل مائة صيدٍ إنما يلزمه الجزاء الأول فقط. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 4 ص 383. (¬2) قلت: هكذا حكى هذا القول الماوردي عن أبي حنيفة ولفظه بحروفه: ثم ناقض أبو حنيفة في صيد الحرم فقال: إذا اشترك جماعةٌ في قتل صيد المحرم فعلى جميعهم جزاءٌ واحد. ا. هـ. قلت: والنقل مطلقًا هكذا عن أبي حنيفة لا يصح، بل الصحيح عنه -رحمه الله- تقييد هذا بالحلال أي بأن كان هؤلاء المشتركون حلالًا يعني غير محرمين فقتلوا صيدًا في الحرم فإن عليهم جزاء واحدًا, وذلك لأن حرمة الحرم واحدة فأوجبت كفارة واحدة، وأما المحرمون فلكلِّ حرمة فوجبت في حق كل واحدٍ منهم كفارة. انظر كلام أبي حنيفة واستدلال محمَّد بن الحسن له في الحجة على أهل الدينة ج 2 ص 388 وانظر في هذه المسألة. بداية ج 1 ص 474 وذكر فيها التقييد الذي ذكرته عن أبي حنيفة. وانظر الشرح الكبير على المغني ج 3 ص 357.

باب في طير الماء كالبط ونحوه. هل يعتبر صيدا؟

وعن أحمد روايتان كالمذهبين (¬1) باب في طير الماء كالبط ونحوه. هل يعتبر صيدًا؟ مسألة (661) عوام أهل العلم على أن طير الماء كالبط وغيره يعتبر من صيد البر فلا يجوز للمحرم صيده. وبه قال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم. وقالوا: إن صاده ففيه الجزاء. وحكي عن عطاء أنه قال حيث يكون أكثر فهو صيده (¬2). مغ ج 3 ص 357. مج ج 7 ص 307 بداية ج 1 ص 483. باب في الجراد. هل هو صيد؟ مسألة (662) مذهب أهل العلم كافة إلا ما سنحكيه عن البعض أن الجراد يعتبر صيدًا وأن فيه الجزاء على من صاده. وقال أبو سعيد الأصطخري: لا جزاء فيه وحكاه الماوردي عن أبي سعيد الخدري وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار وعروة بن الزبير قالا: هو من صيد البحر فلا جزاء فيه. وروي كذلك عن ابن عباس. وحكاه الماوردي عن داود بن علي الظاهري (¬3). مج ج 7 ص 305 مغ ج 3 ص 534. باب في قتل الغراب مسألة (663) أكثر العلماء على إباحة قتل الغراب وأنه لا جزاء فيه. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال بعض أصحاب الحديث: إنما يباح الغراب الأبقع دون سائر الغربان (¬4). ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 524. (¬2) أي إن كان أكثر تواجده في الماء فهو صيد بحر فيجوز للمحرم صيده ولا جزاء فيه، وإن كان أكثر تواجده في البر فهو صيد بر لا يجوز للمحرم صيده وفيه الجزاء. انظر الحاوي ج 4 ص 344. (¬3) انظر. الحاوي ج 4 ص 332. (¬4) حكى الماوردي الإجماع على أنه لا جزاء على المحرم في قتل هوام الأرض والحشرات كالحية والعقرب والزنبور والخنافس ونحو ذلك. انظر الحاوي ج 4 ص 341. وانظر بداية ج 1 ص 481. وذكر ابن رشد أن في الزنبور اختلافًا بداية ج 1 ص 482. قلت: وحكى ابن رشد الإجماع في الجملة على تحريم صيد البر وتحليل صيد البحر للمحرم وإن اختلفوا في فروع هذين مما يختلف النظر والأثر فيه هل هو صيد ثم ليس بصيد وهل هو من صيد البر ثم من صيد البحر. انظر بداية ج 1 ص 481. وانظر كذلك مصادر المسائل المثبتة في هذه الأبواب.

باب في قتل الفأرة

مج ج 7 ص 308 مغ ج 3 ص 341 بداية ج 1 ص 482. باب في قتل الفأرة مسألة (664) جمهور العلماء على إباحة قتل الفأرة وأنه لا جزاء فيها. وحكى ابن المنذر عن النخعي أنه منع المحرم من قتلها. مج ج 7 ص 309 مغ ج 3 ص340 بداية ج 1 ص 481. باب في قتل القَرَادِ مسألة (665) أكثر الفقهاء على جواز قتل القراد للمحرم، قال العبدري: يجوز عندنا للمحرم أن يقرد بعيره، وبه قال عُمَرُ وابن عباس وأكثر الفقهاء. قال ابن المنذر: وممن أباح تقريد بعيره عُمَرُ وابن عباس وجابر بن زيد وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (¬1). قال ابن المنذر: وكرهه ابن عمر ومالك وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال في المحرم يقتل قرادًا يتصدق بتمرة أو تمرتين، قال ابن المنذر: وبالأول أقول. مج ج 7 ص 309. باب فيمن تطيب أو ادهن ناسيًا مسألة (666) مذهب الجمهور من العلماء أن من تطيب أو ادهن أو لبس ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم فلا فدية عليه، فإن تذكر لزمه المبادرة بإزالة الطيب أو ما تعلق به التحريم قال الشافعي -رحمه الله-: وإن تطيب ناسيًا فلا شيء عليه وإن تطيب عامدًا فعليه الفدية. هذا نصه -رحمه الله- بحروفه في مختصر المزني. قال النووي: وخالف فيه بعض السلف. قلت: حكاه الماورديُّ عن أبي حنيفة ومالكٍ والمزني وقالوا. الناسي كالعامد والجاهل بالتحريم كالعالم (¬2). مج ج 7 ص 314. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 351. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 105. قلت: ليس حكم الناسي والعامد والجاهل والعالم واحد في كل مسائل المحظورات عند الأئمة قلينتبه. انظر على سبيل المثال مسألة حلق بعض الشعر وحكم ذلك في حق الناس والعامد والمخطئ مغ ج 3 ص 520 وانظر بداية ج 1 ص 484.

باب في دخول الحمام للمحرم

باب في دخول الحَمَّامِ للمحرم مسألة (667) جمهور العلماء على أنه لا بأس للمحرم من غَسْلِ رأسه ودخول الحمام وإزالة الوسخ عن نفسه ولا شيء عليه. وبه قال الشافعي -رحمه الله- تعالى وابن المنذر. وممن رخص بغسل المحرم رأسه وبدنه عمر وابنه وعلي وجابر - رضي الله عنهم - وسعيد بن جبير وأبو ثور وأصحاب الرأي إذا غسل رأسه برفق من غير سدرٍ أو خطمي. وقال مالك: تجب الفدية بإزالة الوسخ. وكره مالك للمحرم أن يغطس في الماء ويغيب فيه رأسه (¬1). وقال أبو حنيفة: إن غسل رأسه بخطمي لزمته الفدية (¬2). وبه قال أحمد في رواية ومالك وكره ذلك جابر بن عبد الله الصحابي رضي الله تعالى عنه. قال ابن المنذر: وقال أبو يوسف ومحمد: عليه صدقة مج ج 7 ص 326 بداية ج 1 ص 436. باب في الحجامة ونحوها للمحرم مسألة (668) جمهور العلماء على أنه لا بأس للمحرم من الحجامة والفصد وقطع العِرْق ما لم يقطع شعرًا وبه قال مسروق وعطاء وعبيد بن عمير والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وابن المنذر. وقال ابن عمر ومالك: ليس له الحجامة إلا من ضروره. وقال الحسن البصري: إن فعله فعليه دم (¬3). مج ج 7 ص 326 مغ ج 3 ص 278. ¬

_ (¬1) قال الموفق: وروي عن ابن عباس قال: ربما قال لي عُمَر (يعني ابن الخطاب) ونحن محرمون بالجحفة تعال أباقيك أينا أطول نَفَسًا في الماء. وقال (ابن عباس): ربما قامست بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمون. رواهما سعيد (ابن منصور). انظر مغ ج 3 ص 269. قلت: حكى الماوردي الاتفاق على جواز الاغتسال بالماء والانغماس فيه. قلت: وقد ذكرنا قول مالك في غمس المحرم رأسه في الماء. انظر مج ج 7 ص 326. الحاوي ج 4 ص 121. (¬2) ممن كره استعمال المحرم السدر والخطمي (وهما نوعان من أنواع منظفات الرأس والبدن كالصابون والشامبو في زماننا) جابر بن عبد الله الصحابي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد ومحمد بن الحسن وأبو يوسف وغيرهم رحمهم الله تعالى. واختلفوا في وجوب الفدية. وممن قال لا فدية عليه الشافعي وأبو ثور وابن المنذر واختاره الموفق واستدل له. انظر. مغ ج 3 ص 270. الحاوي ج 4 ص 122. قلت: حكى ابن رشد اتفاق العلماء على المنع من استعمال الخطمي للمحرم. وهو نقل صحيح بمعنى الكراهية لا بمعنى التحريم إذ لو كان الكل متفقًا على تحريمه لرتبوا عليه كلهم ما يترتب على فعل المحظور فلما رأيناهم مختلفين في هذا دل على أن دعوى الاتقاق محمولة على طلب ترك الشيء على اختلاف منهم في مرتبة هذا الطلب. والله تعالى أعلم. انظر بداية ج 1 ص 436. (¬3) انظر الحاوي ج 4 ص 122.

أبواب ما يجب في محظورات الإحرام

أبواب ما يجب في محظورات الإحرام باب فيما يجب في حلق الشعرة والشعرتين مسألة (669) أكثر الفقهاء على أن المحرم إذا حلق شعرة أو شعرتين فعليه الضمان وبه قال الشافعي، وهو قول الحسن وأبي ثور قالوا: في الشعرة مُدَّ من الطعام وفي الشعرتين مُدان. وقال مجاهد: لا شيء في شعرة أو شعرتين، وبه قال داود. وهو إحدى الروايتين عن عطاء. وحكاه ابن رشد عن مالك قال: إلا أن يكون أماط به أذىً فعليه الفدية. وقال أحمد: في الشعرة والشعرتين يجب قبضة من طعام. وقال ابن الماجشون فيما قل من الشعر إطعام، وفيما كثر فدية. يعني دم. قال النووي: وقال داود: للمحرم أن يأتي في إحرامه كل ما يجوز للحلال فِعْلُهُ إلا ما نص على تحريمه، فله الاغتسال ودهن لحيته وجسده إذا لم يكن الدهن مطيبًا وله قلم أظفاره وحلق عانته ونتف إبطه إلا أن يعزم على الأضحية فلا يأخذ من أظفاره ولا من شعره في العشر حتى يضحي. قال: وللمرأة الاختضاب وللرجل شم الريحان وأكل ما فيه زعفران فإن فعل ما نهي عنه من لباس وطيب لم تجب الفدية عليه عند فعله لعدم الدليل على إيجاب ذلك. هكذا حكاه عنه العبدري. انتهى كلام النووي (¬1). مج ج 7 ص 335. باب في من حلق من شعره وحلق من بدنه. هل عليه دمان؟ مسألة (670) أكثر الفقهاء على أن من حلق من شعر رأسه شعرتين ومن بدنه شعرتين فعليه دم واحد. وروي عن أحمد أنه قال فيمن حلق من شعر رأسه وبدنه ما يجب الدم بكل واحدٍ منهما منفردًا ففيهما دمان. مغ ج 3 ص 522. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 3 ص 521 وانظر بداية ج 1 ص 486.

باب في فدية من حلق رأسه لأذى

باب في فدية من حلق رأسه لأذى (¬1) مسألة (671) جمهور أهل العلم على أن من حلق رأسه لأذي واختار الإطعام فإنه يكفيه أن يطعم ستة مساكين. والجمهور على أن الكفارة لا تجب إلا بعد إماطة الأذى. وقال عكرمة ونافع والحسن فيما روى عنهم: الإطعام لعشرة مساكين والصيام عشرة أيام. بداية ج 1 ص 484، 486. باب فيمن فعل ما يمنع منه المحرم من لباس وترفه لغير ضرورة مسألة (672) جمهور العلماء بل عامتهم على أن من لبس الثياب المخيطة أو تطيب أو حلق شعر رأسه أو قلم أظفاره لغير ضرورة فإن عليه الفدية. وقال داود ليس على من لبس السراويل واستعمل الطيب فدية لكنه يأثم (¬2). بداية ج 1 ص 485. باب في الوطء (الجماع) المفسد للحج مسألة (673) جمهور العلماء على أن المحرم إذا وطئ وطئًا مفسدًا لم يزل بذلك عقد الإحرام (¬3) بل عليه المضي في فاسده والقضاء. وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد قال الماوردي والعبدري: هو قول عامهَ الفقهاء. وقال داود ورييعة: يزول الإحرام بالإفساد ويخرج منه بمجرد الإفساد. وحكاه الماوردي عنهما. قال (يعني الماوردي): وقد حكي عن عطاء نحوه (¬4). ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على أن من أماط أذي من رأسه فإن الفدية واجبة عليه، واختلفوا فيما لو أماط شيئًا من أذى رأسه لغير ضرورة، وأجمعوا كذلك على أن الفدية في حق من أماط الأذى من رأسه لضرورة أنها ثلاث خصال الصيام أو الإطعام أو الإمساك، وأجمعوا على أن هذه الخصال على التخيير. انظر بداية ج 1 ص 484. (¬2) انظر ما حكاه النووي عن داود مج ج 7 ص 335. (¬3) هذا الموضع فيه خلاف شديد يتعلق بوقته وزمان الوطء إن كان قبل التحلل الأول أو بعده أو كان قبل الوقوف بعرفة أم بعده. راجع مغ ج 3 ص 513، 515، 516. (¬4) الإجماع منعقد على أن الوطء في الفرج يفسد الحج، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع. حكاه الموفق عنه. انظر مغ ج 3 ص 315 ولا خلاف يعلم كما قال الموفق أنه لا فرق في فساد حج من وطئ، مطاوعًا كان أو كارهًا، رجلًا أو امرأة، لكن الخلاف في هذه الحالة في وجوب الكفارة. انظر مغ ج 3 ص 316.

باب في المباشرة دون الفرج

مج ج 7 ص 360 الحاوي ج 4 ص 216 بداية ج 1 ص 489. باب في المباشرة دون الفرج مسألة (674) جمهور العلماء على أن المحرم إذا وطئ فيما دون الفرج فإن حجه لا يفسد أنزل أو لم ينزل مع اختلافهم فيما يجب عليه من دم. وبه قال سعيد بن جبير وأبو ثور وأبو حنيفة وأحمد والثوري والشافعي وابن المنذر. فأما الشافعي فأوجب شاةً في أصح قوليه، وبه قال ابن المنذر، وبدنة في قوله الآخر، وبه قال سعيد بن جبير والثوري وأحمد وأبو ثور وقال أبو حنيفة: دم. وقال عطاء والقاسم بن محمَّد والحسن ومالك وإسحاق: إن أنزل فسد حجه ولزمه قضاؤه. وعن أحمد في فساده روايتان (¬1). مج ج 7 ص 362. باب فيمن أفسد الحج بالوطء. هل يفارق زوجته؟ (¬2) مسألة (675) جمهور العلماء على أن من وطئ وهو محرم فأفسد حجه أنه يفارق زوجته من قابل إذا قضى حجه. وبه قال مالك. وقال الشافعي يفترقان من حيث أفسدا حجهما. وقالت طائفة: من أفسد حجه فليس عليه أن يفارق زوجته. وبه قال أبو حنيفة. بداية ج 1 ص 491. باب في المحرم يُقَبلُ بشهوةٍ مسألة (676) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن المحرم إذا قَبَّلَ بشهوة فإن حجه لا يفسد، وبه قال ابن المسيب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو ثور. قال ابن المنذر: روينا ذلك عن ابن عباس، وروينا عنه أنه يفسد حجه وعن عطاء رواية أنه يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه. ¬

_ (¬1) انظر. مغ ج 3 ص 322. بداية ج 1 ص 491. (¬2) المفارقة هنا لا يقصد بها الطلاق وإنما يقصد المنع من الاجتماع عقوبة لهما على إفساد الحج.

باب في إفساد الحج بالوطء بعد الوقوف بعرفة

وعن سعيد بن جبير أربع روايات (إحداها) كقول ابن المسيب (والثانية) عليه بقرة (والثالثة) يفسد حجه (والرابعة) لا شيء عليه بل يستغفر الله تعالى (¬1). باب في إفساد الحج بالوطء بعد الوقوف بعرفة مسألة (677) جمهور الفقهاء على أن من وطئ قبل رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر فقد فسد حجه ولا فرق بين أن يكون هذا الوطء قبل الوقوف بعرفة أو بعده بشرط أن يكون وطئًا عمدًا مع العلم بالتحريم. وقال أبو حنيفة وأصحاب الرأي: إن كان بعد الوقوف لم يفسد حجه وإن كان قبله فسد. قلت: وبه قال ابن عباس ومحمد بن الحسن (¬2). مغ ج 3 ص 513. باب فيمن وطئ بعد رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر وقبل الإفاضة مسألة (678) جمهور أهل العلم على أن من وطئ بعد رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر وقبل طواف الإفاضة لم يفسد حجه وعليه هديٌ. وبه قال مالك (¬3). وهو قول ابن عباس وعكرمة وعطاء والشعبي وربيعة والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وقالت طائفة: من وطئ قبل طواف الإفاضة فسد حجه. وهو قول ابن عمر -رضي الله عنهما- وبه قال النخعي والزهري وحماد. بداية ج 1 ص 490. باب في المعتمر يجامع بعد طوافه وسعيه وقبل الحلق مسألة (679) مذهب العلماء كافة سوى الشافعي أن المعتمر إذا جامع بعد الطواف والسعي وقبل الحلق فإن عمرته لا تفسد مع اختلافهم فيما يجب عليه، وبه قال ابن عباس والثوري وأبو حنيفة، وقالوا: عليه دم وبه قال مالك وقال: عليه الهدي، وبه ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 3 ص 324. (¬2) انظر بداية ج 1 ص490 مج ج 7 ص 359. (¬3) ونقل النووي عن مالك أنه يفسد ويلزمه أعمال عمرةٍ. انظر مج ج 7 ص 359. وانظر مغ ج 3 ص 515 قلت: وما حكاه ابن رشد والموفق عن مالك في أنه لا يفسد حج من وطئ بعد رمي الجمرة وقبل الإفاضة هو الأصح. انظر الشرح الصغير ج 2 ص 94.

قال عطاء وقال: يستغفر الله ولا شىء عليه. وقال الشافعي: تفسد عمرته على المذهب المخرج على اعتبار الحلق نسكًا في أصح القولين. قال ابن المنذر: ولا أحفظ هذا عن غير الشافعي (¬1). قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلى. مج ج 7 ص 263 بداية ج 1 ص490. * * * ¬

_ (¬1) حُكِىَ هذا القول عن أبي حنيفة أيضًا. حكاه ابن رشد. ونقل عن الجمهور أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى بالبيت وإن لم يحلق وذكر أن فيه خلافًا شاذًّا. انظر. بداية ج 1 ص490. قلت: وهذا النقل عن أبي حنيفة غريب. والذي نص عليه أبو حنيفة أنه لو واقع امرأته قبل الطواف فإن عمرته تفسد ويجب عليه هدي وعليه قضاؤها، أما بعد الطواف فلم أره له. انظر الحجة ج 2 ص129.

أبواب جزاء الصيد

أبواب جزاء الصيد (¬1) باب في جزاء صيد النعام مسألة (680) مذهب العلماء كافة إلا النخعي أن المحرم إذا صاد نعامة ففيها بدنة. وبه قال عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وغيرهم رحمهم الله تعالى. وقال النخعي فيما حكاه ابن المنذر عنه: في النعامة وشبهها ثمنها. وبه قال أبو حنيفة (¬2) حكاه عنه قدامة. مج ج 7 ص380 مغ ج 3 ص 542. باب في المُحْرِم يصيد (يقتل) الصيد ويأكله هل عليه جزاءان؟ مسألة (681) جمهور أهل العلم على أن المحرم لو قتل صيدًا وأكله فإن عليه جزاءً (كفارة) واحدًا. وهو قول أبي حنيفة وأهل المدينة. وبه قال محمَّد بن الحسن. وروى عن عطاء وطائفة: أن عليه كفارتين (¬3). بداية ج 1 ص 475. باب في صيد ما دون الحَمَامِ مسألة (682) جمهور العلماء على أن المحرم إذا صاد ما دون الحمام من العصافير ونحوها من الطيور فإن فيها القيمة وحسب. وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد والجمهور والصحيح من مذهب داود. وقال بعض أصحاب داود لا شيء فيه. قلت: وحكى هذا عن داود نفسه. حكاه ¬

_ (¬1) حكى النووي وابن رشد وغيرهما الإجماع على أن المحرم إذا قتل صيدًا مما له مثل أن فيه الجزاء. انظر مج ج 7 ص 338 وكذلك الحكم فيما لو قتل الصيد مما له مثل الحلالُ (غير المحرم) في الحرم. بداية ح 1 ص 475. قلت: هكذا قال النووي. والأولى أن يقال: إن الإجماع منعقد على تحريم قتل الصيد للحرام والحلال (يعني للمحرم وغير المحرم) واختلفوا في غير المحرم يقتل الصيد في الحرم هل فيه جزاء وستأتي هذه المسألة في محلها. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 292. قلت: واختلفوا في بيض النعامة كم جزاؤه بعد اتفاق الجمهور على أن فيه القيمة. انظر بداية ج 1 ص480. (¬3) انظر الحجة ج 2 ص 393.

باب في منع الكافر دخول حرم مكة

عنه الماوردي وغيره (¬1). مج ج 7 ص 381 مع ج 3 ص 540. باب في منع الكافر دخول حرم مكة مسألة (683) جمهور العلماء على منع الكافر من دخول الحرم مارًّا أو مقيمًا. وجوزه أبو حنيفة ما لم يستوطنه. مج ج 7 ص 400. باب في أفضل بقاع الأرض مسألة (684) جمهور الفقهاء والعلماء على أن مكة هي أفضل بقعة في الأرض وبه قال علماء مكة والكوفة وبه قال الشافعي وأحمد في أصح الروايتين وابن وهب وابن حبيب المالكيان. وقال مالك وجماعة: المدينة أفضل. مج ج 7 ص 401. باب في أهل البغي يتحصنون بالحرم. هل يجوز قتالهم؟ مسألة (685) جمهور الفقهاء على جواز قتال أهل البغي إذا تحصنوا في الحرم ولم يمكن رد بغيهم إلا بالقتال. وبه قال الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال البعض: لا يجوز قتالهم بل يُضَيَّقُ عليهم حتى يرجعوا عن البغي. مج ج 7 ص 402. فرع: في مسائل متعلقة بصيد الحرم ونباته باب في تحريم صيد الحرم على غير المحرم والحرم مسألة (686) مذهب العلماء كافة إلا داود تحريم صيد الحرم على الحلال (يعني غير المُحرِم) فإن قتله فعليه الجزاء. مع اتفاق الكل على تحريم صيده. وقال داود: لا جزاء عليه. مج ج 7 ص 410 مغ ج 3 ص 358 بداية ج 1 ص 475. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 4 ص 330.

باب في جزاء من صاد في الحرم

باب في جزاء من صاد في الحرم مسألة (687) أكثر العلماء على أن جزاء الحرم كجزاء الإحرام (¬1) فيه التخيير بين المثل وبين الإطعام وبين الصيام. وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا مدخل للصيام فيه. مج ج 7 ص 410. باب في تحريم صيد المدينة مسألة (688) مذهب العلماء كافة إلا أبا حنيفة أن صيد حرم المدينة حرام، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة ليس بحرام. مج ج 7 ص 411. باب في الصيد المعتبر فيه الجزاء مسألة (689) أكثر الفقهاء على أن الجزاء على المحرم إنما يجب في الصيد الذي يجوز أكله لو كان الحاج حلالًا (¬2). مغ ج 3 ص 532. باب في جزاء الصيد هل هو المثل أم القيمة؟ مسألة (690) أكثر أهل العلم على أن الواجب في جزاء الصيد هو مثله من النَّعم، وهو مذهب الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: الواجب القيمة ويجوز المثل (¬3). ¬

_ (¬1) يعني المترتب من الجزاء على من صاد حال إحرامه كالمترتب على من صاد في الحرم غير محرم. (¬2) انظر كلام الشافعي -رحمه الله- في هذا المعنى من مختصر المزني. الحاوي ج 15ص 135. (¬3) قال النوري: ومذهبنا أنه مخير بين ذبح المثل والإطعام بقيمته والصيام عن كل مُدٍّ يومًا. وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين عنه وداود إلا أن مالكًا قال: يقوم الصيد ولا يقوم المثل. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه المثل من النعم وإنما يلزمه قيمة الصيد وله صرف تلك القيمة في المثل من النعم. ثم نقل -رحمه الله- عن ابن المنذر مذهب ابن عباس والحسن والنخعي وأبي عياض وزفر بأن عليه المثل إذا وجده وإلا قومه دراهم والدراهم طعامًا وصام ولا يطعم. قال وإنما أريد بالطعام الصيام. وعن الثوري يلزمه المثل وإلا فالإطعام إن لم يجده وإلا فالصيام إن لم يقدر على الإطعام. انظر مج ج 7 ص 378 الحاوي ج 4 ص 286.

باب في صيد المدينة. هل فيه جزاء؟

مغ ج 3 ص 535. بداية ج 1 ص 573. باب في صيد المدينة. هل فيه جزاء؟ مسألة (691) جمهور العلماء على أنه لا ضمان ولا سلب ولا غير ذلك على من أتلف صيد المدينة. وبه قال الشافعي في المشهور من مذهبه. وأحمد في إحدى الروايتين. وقال الشافعي في القديم: يسلب القاتل، وبه قال أحمد في الرواية الثانية ورجحه النووي وقال: وبه قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة. وهو قول ابن أبي ذئب وابن المنذر. مج ج 7 ص 411 مغ ج 3 ص370. باب في صيد "وَجٍ" مسألة (692) مذهب العلماء كافة أن صيد وج لا يحرم. وقال الشافعي بكراهته، ثم رجح النووي حمل الكراهة على التحريم وجعله الأصح في مذهب الشافعي. مج ج 7 ص 411. * * *

أبواب صفة الحج والعمرة

أبواب صفة الحج والعمرة باب في رفع اليدين لرؤية الكعبة مسألة (693) جمهور العلماء على استحباب رفع اليدين لرؤية الكعبة، وبه قال الشافعي، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وسفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق قال: وبه أقول. وقال مالك: لا يرفع. وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. حكاه عنهم أبو جعفر الطحاوي (¬1). مج ض ج 8 ص 10. فرع: في مسائل الطواف (¬2) باب في الطهارة للطواف مسألة (694) مذهب الجمهور من العلماء اشتراط الطهارة من الحدث والنجس لصحة الطواف. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى: لا يشترط. (¬3) ويعيد من طاف أو سعى بغير طهارة استحبابًا فإن عاد إلى وطنه من غير أن يعيد أهرق دمًا. نص عليه أبو حنيفة -رحمه الله- فيما رواه عنه محمَّد بن الحسن. مج ج 8 ص 18. باب في ستر العورة للطواف مسألة (695) جمهور العلماء على أن ستر العورة شرط في صحة الطواف. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 381. وانظر معاني الآثار ج 2 ص 178. (¬2) أجمع العلماء على أن أنواع الطواف ثلاثة: طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع، وأجمعوا على أن المكي ليس عليه إلا طواف واحد وهو طواف الإفاضة وأجمعوا على أن المعتمر كذلك ليس عليه إلا طواف العمرة وهو نفسه القدوم وأجمعوا على أن المتمتع بالعمرة أن عليه طوافين، طوافًا للعمرة وطوافًا للحج يوم النحر، وأجمعوا على أن طواف القدوم، وطواف الوداع من المناسك المطلوبة للحاج إلا لمن خاف فوت الحج فإنه يجزئ عنه طواف الإفاضة. حكى هذا كله ابن رشد -رحمه الله- وحكاه غيره في مواضع متفرقة. انظر بداية ج 1 ص 454، 455. (¬3) انظر بداية ج 1 ص 453. الحجة ج 2 ص 131. قلت: حكى ابن رشد الإجماع على استحباب الطهارة للطواف، ومقصوده: أن فعل الطهارة للطواف مطوب باتفاق الكل وإنما الاختلاف في مرتبة هذا الطلب والجمهور على أنه واجب.

باب فيمن ترك شيئا من الطواف

وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: ليس شرطًا (¬1) مج ج 8 ص 20. باب فيمن ترك شيئًا من الطواف مسألة (696) جمهور العلماء على أن من بقي عليه شيء من طوافه فإنه لا يصح حتى يتمه سبعًا وسواء كان في مكة أو رجع إلى بلده، وأن هذا النقص لا يجبر بالدم وبه قال عطاء ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر. وقال أبو حنيفة. إن كان بمكة لزم الإتمام في طواف الإفاضة، وإن كان قد انصرف منها، وقد طاف ثلاث طوفات لزمه الرجوع للإتمام، وإن كان قد طاف أربعًا لم يلزمه العود بل أجزأه طوافه وعليه دم (¬2). مج ج 8 ص 24. باب فيمن طاف للوداع هل يجزئه عن طواف الإفاضة؟ مسألة (697) جمهور العلماء على أن من نسي أو ترك طواف الإفاضة وطاف للوداع فإنه يجزئه عن طواف الركن. حكاه ابن رشد عن الجمهور. وحكى عنهم أن طواف القدوم لا يجزئ عن طواف الإفاضة. وذكر الموفق أنه لا يجزئه طواف الوداع حتى ينوي طوافه عن الإفاضة (¬3). وقالت طائفة من أصحاب مالك: يجزئ طواف القدوم عن طواف الإفاضة. بداية ج 1 ص 454. باب في تقبيل اليد لمن أشار للحجر الأسود مسألة (698) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على استحباب تقبيل اليد بعد الإشارة للحجر الأسود لمن لم يستطع تقبيله (¬4) (الحجر الأسود) وبه قال ابن عمر وابن ¬

_ (¬1) مغ ج 3 ص 490. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 493. (¬3) انظر مغ ج 3 ص 494، 469. (¬4) أجمعوا على استحباب تقبيل الحجر الأسود لمن قدر على ذلك. انظر بداية ج 1 ص 451.

باب في وضع الجبهة على الحجر الأسود

عباس وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وسعيد بن جبير وعطاء وعروة وأيوب السختياني والثوري وأحمد وإسحاق، حكاه عنهم ابن المنذر. وهو مذهب الشافعي. قال ابن المنذر: وقال القاسم بن محمَّد ومالك: يضع يده على فيه من غير تقبيل (¬1). قال ابن المنذر: وبالأول أقول. مج ج 8 ص 62. باب في وضع الجبهة على الحجر الأسود مسألة (699) جمهور العلماء على استحباب السجود على الحجر الأسود لمن استطاع تقبيله حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد. قال ابن المنذر: وبه أقول. وقال مالك -رحمه الله- تعالى: هو بدعة. حكاه عنه ابن المنذر والقاضي عياض. مج ج 8 ص 62. باب في الركن اليماني. هل يستحب تقبيله؟ مسألة (700) أكثر أهل العلم على أنه لا يستحب تقبيل الركن اليماني بل يكتفي باستلامه وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يستلمه. وجزم الطحاوي بأن مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، هو استلام الركنين اليمانيين. وقال الخرقي: يستلمه ويقبله قلت: ومذهب الشافعي ومالك أنه يستلم ولا يقبل. وهو الصحيح عن أحمد. مغ ج 3 ص 394 (¬2). باب في استلام الركنين الشاميين مسألة (701) جمهور العلماء على أنه لا يستحب استلام الركنين الشاميين ولا تقبيلهما. وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد. ¬

_ (¬1) مغ ج 3 ص 395. قلت: نقل ابن رشد الإجماع على تقبيل اليد. انظر بداية ج 1 ص 451. (¬2) راجع مج ج 8 ص 62. انظر معاني الآثار ج 2 ص 185.

باب في مكان الرمل في الطواف

قال القاضي عياض: هو إجماع أئمة الأمصار والفقهاء قال: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين وانقرض الخلاف وأجمعوا على أنهما لا يستلمان وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا عليٍّ وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء قلت: وروي هذا عن معاوية رضي الله تعالى عنه. مج ج 8 ص 62 مغ ج 3 ص 394 بداية ج 1 ص 451. باب في مكان الرَّمَلِ في الطواف مسألة (702) جمهور العلماء على أن الرَّمَلَ المستحب (¬1) يكون ابتداءً من الحجر الأسود وانتهاءً إليه. وبه قال عبد الله، وعروة بن الزبير والنخعي ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور حكاه عنهم ابن المنذر. وقال: وبه أقول. قلت: وهو الصحيح من مذهب الشافعي. وقال طاوس وعطاء ومجاهد وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمَّد والحسن البصري وسعيد بن جبير: لا يَرْمُل بين الركنين اليمانيين. مج ج 8 ص 63. باب في الأشواط التي يستحب فيها الرَّمَلُ مسألة (703) جمهور العلماء على أن الرَّمَلَ المستحب إنما يكون في الطوفات الثلاث الأولى من السبع. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. ¬

_ (¬1) الجمهور على استحباب الرَّمَلِ، ونقل ابن رشد عن داود أنه أوجبه ثم حكى قولًا غربيًا من الجمهور عندما ذكر الخلاف في الرمل هل هو سنة أم فضيلة فحكي أن الجمهور على أنه سنة، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد وأبو ثور، واختلف عن مالك وأصحابه. قلت: ثم قال: والفرق بين القولين: أن من جعله سنة أوجب في تركه الدم!! ومن لم يجعله سنة لم يوجب في تركه شيئًا، فموضع الغرابة حكاية وجوب الدم بترك الرمل عن الشافعي وأحمد وأبي حنيفة مع ملاحظة أن السنة عند المالكية قد يعني بها في كثير من الأحوال الواجب الذي لا يجوز تركه، والصحيح في مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة أن الرمل من الهيئات التي لا يوجب تركها شيئًا. انظر مغ ج 3 ص 399، 407. قلت: وحكى هذا الذي ذكرناه في حكم الرمل وأن تركه لا شيء فيه ابن المنذر كما قال النووي عن ابن عباس وعطاء وأيوب السختياني وابن جريج والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي حنيفة وأصحابه. قال ابن المنذر: وبه أقول. قال النووي: وقال الحسن البصري والثوري وعبد الله بن الماجشون: عليه دم. وكان مالك يقول: عليه دم ثم رجع عنه. انظر مج ج 8 ص 63. تنبيه وفائدة معًا: قال الموفق -رحمه الله-: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأن الأصل فيهما (يعني الرمل والاضطباع) إظهار الجَلدِ ولا يقصد ذلك في حق النساء ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تَعَرضٌ للكشف. اهـ. انظر مغ ج 3 ص 412.

باب في ترك الرمل

وحكى القاضي أبو الطيب عن ابن الزبير أنه كان يرمل في السبع كلها. وقال ابن عباس: لا يرمل في شيء من الطواف. مج ج 8 ص 63. باب في ترك الرَّمَلِ مسألة (704) مذهب العامة من الفقهاء أن من ترك الرَّمَلَ في طوافه فلا شيء عليه. وحكي عن الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن الماجشون أن من تركه عليه دم وقالوا: هو نسكٌ (¬1). مغ ج 3 ص 390. باب في قراءة القرآن للطائف مسألة (705) جمهور العلماء على استحباب قراءة القرآن أثناء الطواف، وهو مذهب الشافعي وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك وأبي حنيفة ¬

_ (¬1) راجع مج ج 8 ص 63. الحاوي ج 4 ص 142. قلت: أغرب ابن رشد -رحمه الله- تعالى فنقل عن ابن عباس وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور أن الرَّمَلَ يجب بتركه دم. قال -رحمه الله-: واختلف في ذلك قول مالك وأصحابه. قلت: وهذا النقل غريب والصحيح عن هؤلاء رحمهم الله خلافه، وهو ما نقله النووي وابن قدامة والماوردي وأبو جعفر الطحاوي في أن الرمل سنة ليس واجبًا ولا ركنًا. قال النووي: مذهبنا أنه لو ترك الرمل فاتته الفضيلة ولا شيء عليه، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعطاء وأيوب السختياني وابن جريج والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي حنيفة وأصحابه. قال ابن المنذر: وبه أقول. قال النووي: وقال الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن الماجشون المالكي: عليه دم. وكان مالك يقول: عليه دم ثم رجع عنه: وحكي القاضي أبو الطيب عن ابن المرزبان أنه حكى عن بعض الناس أنه قال: من ترك الرمل أو الاضطباع أو الاستلام لزمه دم. لحديث "من ترك نسكًا فعليه دم" اهـ. وقال الشافعي في المختصر: وإن ترك الاضطباع والرمل والاستلام فقد أساء ولا شيء عليه. اهـ هذا نصه بحروفه -رحمه الله-. والذي يغلب على ظني أن هناك خطأ من النساخ والله أعلم لأنه ييعد أن يخطأ الإمام ابن رشد في النقل عن هؤلاء الأئمة مجتمعين لكن العصمة ليست إلا لكتاب الله. انظر في المسألة بداية ج 1 ص 495 بداية ج 1 ص 450. مج ج 8 ص 63 الحاوي ج 4 ص 141 معاني الآثار ج 2 ص 182. وانظر في أصل مصادر المسألة. فائدة: الرمل في الأشواط الثلانة الأول في طواف القدوم سنة مرغب فيها بلا خلاف يسلم وأعني بالسنة هنا الأمر الذي ينبغي أن لا يترك للقادر عليه: وحكى هذا الاتفاق الموفق في المغني. مغ ح 3 ص 387. قلت: ويقدح في هذا الاتفاق خلاف ابن عباس في أنه لا يسن وانظره في أصل الكتاب. وحكي ابن المنذر ونقله عنه النووي والموفق وغيرهما أنه لا يطلب في المرأة في الحج اضطباع ولا رمل في طواف ولا سعي شديد بن الصفا والمروة، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع. انظر مغ ج 3 ص 412.

باب في الطائف يخالف فيجعل البيت عن يمينه

وأبي ثور وقال: وبه أقول. وكره عروة بن الزبير والحسن البصري ومالك القراءة في الطواف. وعن أحمد روايتان كالمذهبين. مج ج 8 ص 64. باب في الطائف يخالف فيجعل البيت عن يمينه مسألة (706) جمهور العلماء على أن الترتيب شرط في صحة الطواف، وذلك بأن يجعل البيت عن يساره، ويطوف على يمينه تلقاء وجهه فإن عكسه لم يصح، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود. وقال أبو حنيفة: يعيده إن كان بمكة فإن رجع إلى وطنه ولم يعده لزمه دم وأجزأه طوافه (¬1). مج ج 8 ص 64. باب في أن الحِجْرَ من البيت مسألة (707) جمهور العلماء على أن الطائف لو طاف من الحجر لم يصح طوافه، وبه قال عطاء والحسن البصري ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، ونقله القاضي عن العلماء كافة سوى أبي حنيفة. وقال أبو حنيفة: إن كان بمكة أعاده وإن رجع إلى وطنه بلا إعادة أراق دمًا وأجزأه طوافه (¬2). مج ج 8 ص 64 بداية خ 1 ص 451. باب فيمن قطع طوافه لصلاة الجماعة مسألة (708) أكثر العلماء على أن الطائف إذا قطع طوافه للصلاة مع الجماعة الأولى وقد أقيمت الصلاة فإذا قضى صلاته بني على طوافه السابق وأتم ما بقي عليه. وبه قال الشافعي. قال ابن المنذر: وبه قال أكثر العلماء؛ منهم ابن عمر وطاوس وعطاء ومجاهد والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. قال: ولا أعلم أحدًا خالف ذلك إلا الحسن البصري فقال: يستأنف. قلت: ونقل ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 399. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 397.

باب في المريض يطاف به محمولا

الموفق ابن قدامة عن مالك أنه لا يقطع طوافه إلا أن يخاف فوت وقت الصلاة. مج ج 8 ص 64 مغ ج 3 ص 413. باب في المريض يطاف به محمولًا مسأله (709) مذهب العلماء كافة إلا عطاء أن المريض يطاف به ويجزؤه. وعن عطاء قولان: (أحدهما) هذا. (والثاني) يستأجر من يطوف عنه. حكى ذلك كله ابن المنذر -رحمه الله- تعالى. مج ج 8 ص 64. باب في القارن. هل يكفيه طواف واحد؟ مسألة (710) أكثر العلماء على أن القارن يكفيه لحجه طواف إفاضةٍ واحد وسعي واحدٍ، وبه قال ابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة وطاوس وعطاء والحسن البصري ومجاهد ومالك والشافعي وابن الماجشون وأحمد وإسحاق وابن المنذر وداود. قال الماوردي -رحمه الله-: وهو إجماع الصحابة وقول الأكثرين من التابعين والفقهاء. وقال الشعبي والنخعي وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة: يلزمه طوافان وسعيان وحكى هذا عن علي وابن مسعود. قال ابن المنذر: لا يصح هذا عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه (¬1). مج ج 8 ص 65 الحاوي ج 4 ص 164. باب في ركعتي الطواف في الأوقات المكروهة مسألة (711) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز صلاة الطواف (يعني تحية الطواف) في الأوقات المنهي عنها بلا كراهة. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس والحسن والحسين ابني عليّ وابن الزبير وطاوس وعطاء والقاسم بن محمَّد وعروة ومجاهد وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وبه قال الشافعي -رحمه الله- تعالى. وكره ذلك مالك -رحمه الله- تعالى. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 494. قرطبي ج 2 ص 391. بداية ج 1 ص 455.

باب في ركعتي الطواف في الحجر

مج ج 8 ص 62. باب في ركعتي الطواف في الحِجْرِ مسألة (712) جمهور العلماء بل جماهيرهم على أن ركعتي الطواف تصحان في أي مكان في الحرم والحِجْر كغيره في ذلك. وقال مالك: إذا صلاهما في الحِجْر أعاد الطواف والسعي إن كان بمكة، فإن لم يصلهما حتى رجع إلى بلاده أراق دمًا ولا إعادة عليه. مج ج 8 ص 67. باب في الصلاة (التنفل) بين الطوافين مسألة (713) أكثر العلماء على أن الطائف يكره له أن ينتقل من طواف إلى غيره قبل أن يصلي ركعتي الطواف لطوافه الذي انتهى منه. وبه قال ابن عمر والحسن والزهري ومالك وأبو حنيفة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر ونقله القاضي عياض عن جماهير العلماء. وذهب المسُوَّر وعائشة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وأبو يوسف. إلى جواز ذلك من غير كراهة، قلت: وجعله النووى المذهب المعتمد عند الشافعية (¬1). وحكى ابن رشد عن عائشة أنها كانت لا تفرق بين ثلاثة أساييع ثم تركع ست ركعات. مج ج 8 ص 67 بداية ج 1 ص 452. باب في الخروج إلى السعي بعد ركعتي الطواف مسألة (714) جماهير العلماء على أن المستحب في حق من طاف وصلى ركعتي الطواف أن لا يشتغل بشيء إلا استلام الحجر ثم الخروج إلى الصفا للسعي. وقال ابن جرير الطبري: يطوف ثم يصلي ركعتيه ثم يأتي الملتزم ثم يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا (¬2). ¬

_ (¬1) راجع مغ 3 ج ص 402. روى محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: أكره للرجل أن يجمع بين سُبَعين أو ثلاثة. انظر حجة ج 2 ص 279. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 403.

فرع في بيان واجبات السعي وشروطه وسننه وآدابه

مج ج 8 ص 72. فرع في بيان واجبات السعي (¬1) وشروطه وسننه وآدابه باب في كيفية السعي بين الصفا والمروة مسألة (715) جماهير العلماء على أن السعي بين الصفا وبين المروة يكون بالبداءة بالصفا والانتهاء بالمروة وأن الذهاب من الصفا إلى المروة يعتبر شوطًا والذهاب من المروة إلى الصفا يعتبر شوطًا ثانيًا وهكذا حتى يتم سبعة أشواط يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة كما ذكرنا. وذهب محمَّد بن جرير الطبري وجماعة من الأصحاب في المذهب الشافعي أن الشوط الواحد يكون بالبداءة بالصفا والعود إليه (¬2) وحكى صاحب التحفة عن الطحاوي أن عوده من المروة إلى الصفا لا يحسب شوطًا وهو بمعنى قول ابن جرير. مج ج 8 ص 75 بداية ج 1 ص 456 الحاوي ج 4 ص 159. باب في السعي لا يكون إلا بعد طواف مسألة (716) جمهور العلماء أن السعي لا يصح إلا إذا تقدمه طواف وبه قال مالك ¬

_ (¬1) اختلف العلماء في السعي هل هو ركن أم واجب يجبر تركه بدمٍ أم هو سنة لا شيء على تاركه. وبالأول قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود وأحمد في رواية. وروى هذا عن عائشة من قولها وابن عمر وجابر بن عبد الله. وبه قال من التابعين عروة بن الزبير. حكاه عنه الموفق. وعند هؤلاء لا يتم الحج إلا به كطواف الإفاضة ولا يجبر بدمٍ ونسبه ابن رشد في البداية للجمهور. وقال بالثاني -أعني أنه واجب ويجبر تركه بدم- الحسن وقتادة والثوري وأبو حنيفة. وروي عن طاوس أنه قال: من ترك من السعي أربعة أشواط لزمه دم وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع وليس هو بركن روى محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: من نسى السعي بين الصفا والمروة حتى يستبعد عن مكة. ويجاوز وقتًا من المواقيت فإنه يجزئه أن يبعث بهدي يذبح عنه بمكة ويتصدق به مكان سعيه لتركه للسعي بين الصفا والمروة لا شيء عليه غير ذلك. انظر. الحجة على أهل المدينة ج 2 ص 305. قلت: وبقول أبي حنيفة قال مالك في العتيبة قال القرطبي والمشهور من مذهبه كقول الشافعي عنه. انظر قرطبي ج 2 ص 183. وقال بالثالث عبد الله بن مسعود وأبُيّ بن كعب وابن عباس وعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم - وابن سيرين. وبه قال أحمد في رواية, وروي هذا عن عطاء وروى عنه كمذهب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى جميعًا. انظر مج ج 8 ص 81. مغ ج 3 ص 407. الحاوي ج 4 ص 155. بداية ح 1 ص 455. فائدة: قرئ في مصحف أبّي بن كعب وابن مسعود زاد الماوردي: وابن عباس (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما). قلت: وهذا عند جماعة العلماء بمنزلة التفسير لا القرآن المتعبد بتلاوته. انظر. مغ ج 3 ص 0408 الحاوي ج 4 ص 155بداية ج 1 ص 456. (¬2) قال الماوردي: وبه قال من أصحابنا أبو سعيد الإصطرخي وأبو بكر الصيرفي انظر الحاوي ج 4 ص 159وانظر مغ ج 3 ص 406. وانظر ما نقلنا عن الطحاوي في تحفة ج 1 ص 403.

باب في اشتراط البداءة بالصفا في السعي

والشافعي وأبو حنيفة وأحمد. وحكى ابن المنذر عن عطاء وبعض أهل الحديث أنه يصح قال النووي: حكاه أصحابنا عن عطاء وداود (¬1). وحكى الموفق عن أحمد -رحمه الله- أنه يجزئه أن يسعى قبل الطواف إذا كان ناسيًا بخلاف ما لو كان عامدًا فلا يجزئه. وقال الثورى: ليس على من أخطأ فسعى قبل الطواف شيء. مج ج 8 ص 82 بداية ج 1 ص 457. باب في اشتراط البداءة بالصفا في السعي مسألة (717) جمهور العلماء أن الترتيب في السعي شرط لصحته فيبدأ بالصفا وينتهي بالمروة. وهو مذهب الشافعي، وبه قال الحسن البصري والأوزاعي ومالك وأحمد وداود وحكاه ابن المنذر عن أبي حنيفة أيضًا. قال النووي: والمشهور عن أبي حنيفة أنه ليس بشرط، وعن عطاء روايتان (إحداهما) كمذهبنا (والثانية) يجزئ الجاهل. وحكى هذه الثانية عنه ابن رشدٍ في البداية (¬2). مج ج 8 ص 83 بداية ج 1 ص 456. باب في قطع السعي للصلاة مسألة (718) أكثر العلماء على أن الساعي له أن يقطع سعيه إذا أقيمت الصلاة المكتوبة فإذا أدى صلاته بني على سعيه ولا يلزمه الاستئناف، وهو مذهب الشافعي، وبه قال ابن عمر وابنه سالم وعطاء وأبو حنيفة وأبو ثور. قال ابن المنذر: هو قول أكثر العلماء. وقال مالك: لا يقطعه للصلاة إلا أن يضيق وقتها. وقال الحسن: إذا قطعه يستأنف ولا يبني. مغ ج 8 ص 83 مغ ج 3 ص 413. ¬

_ (¬1) حكى الماوردي في هذه المسألة الإجماع وقال -رحمه الله-: وهو إجماع ليس يعرف فيه خلاف بين الفقهاء. اهـ قلت: ومع أن الإمام الماوردي يعتبر مرجعًا ومصدرًا علميًا كابن المنذر ينقل عنه جلة الفقهاء الذين يرجع إلى قولهم في نقل المذاهب كالنووي وابن قدامة وابن حجر لكن لعله لم يبلغه خلاف عطاء وغيره أو لم يثبت عنده والله تعالى أعلم. انظر الحاوي ج 4 ص 157. وأنظر. مغ ج 3 ص 408. (¬2) انظر مغ ج 3 ص 406. الحاوي ج 4 ص 160.

باب في الطهارة للسعي. هل هي شرط؟

باب في الطهارة للسعي. هل هي شرط؟ مسألة (719) جمهور العلماء على أن الطهارة من الحدثين ليست شرطًا لصحة السعي فيجوز السعي من المحدث والجنب والحائض، وهو مذهب الشافعي (¬1). وعن الحسن أنه إن كان قبل التحلل أعاد السعي وإن كان بعده فلا شيء عليه. مج ج 8 ص 83 مغ ج 3 ص413 بداية ج 1 ص 457. فرع في المناسك بعد السعي باب في الإتمام لغير المسافر يوم عرفة مسألة (720) مذهب الجمهور أن إمام الحج إذا كان مسافرًا فصلى بهم الظهر والعصر يوم عرفة قاصرًا قصر خلفه المسافرون سفرًا طويلًا ولزم الإتمامُ المقيمين. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله تعالى. وقال مالك: يجوز للجميع القصر. وبه قال القاسم بن محمَّد وسالم والأوزاعي (¬2). مج ج 8 ص 95 مغ ج 3 ص 427. باب في الأذان والإقامة للجمع يوم عرفة مسألة (721) جمهور العلماء على أن الحاج إذا جمع بين الظهر والعصر في وقت ¬

_ (¬1) وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو مذهب الإِمام أحمد. تنبيه. قلت: وحكىِ ابن رشد الاتفاق على أن من شرط السعي الطهارة عن الحيض للنساء وهذا غريب جدًا فإن الطهارة التي أبى جمهور الفقهاء أن تكون شرطًا لصحة السعي هي الطهارة عن المحدثين وأن من طافت بالبيت ثم حاضت كان لها أن تسعى بين الصفا والمروة، نصوا على هذه المسألة وبينوها وذكروا فيها خلاف الحسن، فكيف يكون عكس هذا القول متفقًا عليه ولا أدري من أين جاء هذا الخطأ، أهو خطأ فاحش من النُّسَّاخِ أم هو ذهول من الإِمام ابن رشد -رحمه الله- مع أنه ذكر المسألتين في موضع واحد، والذي يغلب على الظن أن هناك خطأً فاحشًا إما في أصل النسخة وإما من الذين نقلوا عن النسخة القديمة، والله أعلم، وكيفما كان الأمر فإن فحش الغلط اقتضى التنبيه. انظر في المصادر التي أثبتناها في أصل المسألة. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 427. بداية ج 1 ص459. الحجة ج 2 ص 444. قلت: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإِمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الإِمام. وقال الموفق -رحمه الله-: وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخًا إلحاقًا له بالقصر. قال الموفق: وليس بصحيح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال: "أتمِوا فإنا سَفْر" انظر. مغ ج 3 ص 426. قلت: سَفْرٌ يعني مسافرون جمع مسافر نقول: قَوْمٌ سافِرةٌ وسَفْرٌ وأسْفَارٌ وسُفارٌ، وقد يكون السَّفْرُ للواحد. حكى هذا كله ابن منظور. انظر لسان العرب ج 4 ص 367.

باب في الجمع بين الصلاتين للمنفرد يوم عرفة

الظهر في عرفات فإنه يؤذن للأولى ويقيم لكلٍ منهما. وهو مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر. وقال مالك: يؤذن لكل منهما ويقيم، وقال أحمد وإسحاق: يقيم لكل منهما ولا يؤذن لواحدة منهما. وروي عن أحمد أنه مخيرٌ بين أن يؤذن للأولى أو لا يؤذن. حكاه عنه الموفق (¬1). مج ج 8 ص 96. باب في الجمع بين الصلاتين للمنفرد يوم عرفة مسألة (722) جمهور العلماء على أن الحاج إذا فاتته الصلاة مع الإِمام جمعًا بين الظهر وبين العصر، فإنه يجوز له أن يصليهما منفردًا جامعًا بينهما. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وهو قول عطاء في التابعين. وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وهو قول النخعي والثوري (¬2). مج ج 8 ص 96. باب في الإسرار في الصلاة يوم عرفة مسألة (723) مذهب العلماء كافة إلا ما نقل عن أبي حنيفة استحباب الإسرار في صلاتي الظهر والعصر في عرفة. قال ابن المنذر: وممن حفظ ذلك عنه طاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة. قال النووي: ونقل أصحابنا عن أبي حنيفة الجهر كالجمعة (¬3). مج ج 8 ص 96. باب في استحباب صلاة الظهر يوم التروية في منى مسألة (724) جمهور العلماء على أنه يستحب للحاج أن يصلي الظهر يوم التروية بمنى. وهو مذهب الشافعي، وبه قال الثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 459. مغ ج 3 ص 425. (¬2) انظر مغ ج 3 ص 425. (¬3) حكى ابن رشد الإجماع على أن القراءة في هاتين الصَّلاتين بالسِّرِّ. بداية ج 1 ص 459. قلت: والنقل عن أبي حنيفة في أنه يجهر فيهما غريبٌ. وفقهاء المذهب ينصون على خلاف هذا. انظر. تحفة الفقهاء للسمرقندي. ج 1 ص 404 وقد حكى الماوردي عن أبي حنيفة أنه يجهر فيهما. الحاوي ج 4 ص 170.

باب في الوقوف المجزئ في عرفة

قال ابن المنذر: وقال ابن عباس: إذا زاغت الشمس فليخرج إلى مني، قال: وصلى ابن الزبير الظهر بمكة يوم التروية وتأخرت عائشة يوم التروية حتى ذهب ثلث الليل. مج ج 8 ص 96. باب في الوقوف المجزئ في عرفة مسألة (725) جمهور العلماء على أن من وقف في عرفة نهارًا بعد الزوال ودفع منها إلى مزدلفة نهارًا بعد الزوال، فقد صح حجه، وهو مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور. قال النووي: وهو الصحيح من مذهب أحمد ونقله ابن المنذر عن جميع العلماء إلا مالكًا فقال: قال مالك: المعتمد في الوقوف بعرفة هو الليل فإن لم يدرك شيئًا من الليل فقد فاته الحج (¬1). قال النووي: وهو رواية عن أحمد. مج ج 8 ص 112 مغ ج 3 ص 432 بداية ج 1 ص460. باب في وقت الوقوف في عرفة مسألة (726) جمهور العلماء على أن وقت الوقوف في عرفة، هو ما بين زوال شمس يوم التاسع وطلوع فجر ليلة العاشر، وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة، قال القاضي أبو الطيب والعبدري: هو قول العلماء كافة إلا أحمد. وحكى ابن عبد البر الإجماع في ذلك. وقال أحمد: وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم النحر (¬2). مج ج 8 ص 112. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك. راجع مغ ج 3 ص 432. الحاوي ج 4 ص 172. وهل عليه دم إذا دفع من عرفة إلى مزدلفة قبل غروب الشمس، فيه خلاف. وبوجوب الدم قال أحمد وأبو حنيفة، وفي مذهب الشافعي قولان، وستأتي هذه المسألة في أصل الكتاب. فائدة: لو وقف الناس خطأ في عرفة في العاشر من ذي الحجة أو في الثامن يعني كان خطؤهم بيوم قبله أو يوم بعده نظرت فإن كان الحجيج هم جمهور أهل المناسك وعامتهم أجزأهم وقوفهم في العاشر خطأ بلا خلاف. حكاه النووي. وأما إن كانوا قلة من الناس انفردوا عن الحجيج خطأ فالأصح أنه لا يجزؤهم لتقصيرهم ولأنه نادرُ. وإن وقف الحجيج وهم الجمع الغفير خطأ يوم الثامن خطأ. فإن تبينوا خطأهم ووقت الوقوف الصحيح يعني يوم التاسع لازال باقيًا لزمهم الوقوف بلا خلاف، وإن تبينوا خطأهم بعد فوات وقت الوقوف، فالأصح في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد أنه لا يجزؤهم. انظر هذه المسألة مج ج 8 ص 225 وانظر كلام ابن حزم -رحمه الله- في هذه المسألة فقد ذكر كلامًا عجيبًا. على ج 7 ص 191. (¬2) راجع مغ ج 3 ص 434. الحاوي ج 4 ص 172. حكى ابن رشد الإجماع على أن من وقف في عرفة قبل الزوال وأفَاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه ذلك، وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال، أو يقف من ليلته تلك قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج. انظر بداية ج 1 ص460.

باب فيمن دفع من عرفة قبل الغروب

باب فيمن دفع من عرفة قبل الغروب مسألة (727) أكثر أهل العلم على أن من دفع من عرفة قبل الغروب فعليه دم. وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وقال ابن جريج: عليه بدنة. وقال الحسن البصري: عليه هدي من الإبل (¬1). باب فيمن وقف ببطن عُرَنَة مسألة (728) جماهير العلماء على أن الحاج لو اكتفى بالوقوف ببطن عُرنَةَ فإن وقوفه لا يصح. قال النووي: وحكى ابن المنذر وأصحابنا عن مالك أنه يصح ويلزمه دم. وقال العبدري: هذا الذي حكاه أصحابنا عن مالك لم أره له بل مذهبه في هذه المسألة كمذهب الفقهاء أنه لا يجزؤه. قال: وقد نص أصحابه أنه لا يجوز أن يقف بعرنة (¬2). مج ج 8 ص 112 مغ ج 3 ص 428. باب فيمن فاته الوقوف بعرفة كيف يفعل؟ مسألة (729) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من فاته الوقوف بعرفة تحلل من حجه بطواف وسعي وحلق (¬3) وسقط عنه المبيت والرمي. روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير -رضي الله تعالى عنهم- وروى كذلك عن مروان بن الحكم، وبه قال مالك والثوري ¬

_ (¬1) انظر. بداية ج 1 ص 461. (¬2) وجزم ابن رشد في البداية بأن مالكًا يقول بإجزاء حج من وقف بِعُرَنَةَ وأن عليه دمًا. راجع بداية ج 1 ص 461. وانظر في المسألة كذلك. تحفة ج 1 ص 405. قد وقع تصحيف فاحش في كلمة "عُرَنَة" حتى صارت "عَرَفَة" و"عُرَنَة" هي بالعين المهملة المضمومة وبالراء المفتوحة والنون المفتوحة اسم لوادٍ خارج عن حدود عرفات أو عرفة. وانظر تفصيل حدود عرفات في. الحاوي ج 4 ص 171 مع أن هناك تصحيفًا شديدًا في النسخة المطبوعة. وانظر كذلك في. مج ج 8 ص 104. مغ ج 3 ص428. وانظر لسان العرب ج 13 ص 284. تنبيه: لا يصح ما ورد في شأن وادي عُرَنَةَ مما هو مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وصح الموقوف منه. انظر مج ج 8 ص 112. وانظر. الدراية للحافظ ج 2 ص 19 حديث (438). وانظر سنن ابن ماجة ج 2 ص 1002 حديث رقم: (3012) وفيه تصحيف "عرنة" إلى "عرفة". وانظر جمع الفوائد ج 1 ص 488 حديث (3463) وانظر تنوير الحوالك ج 1 ص 275. (¬3) وإن اختلف هؤلاء الأكثرون في أن هذا الطواف والسعي هو انقلاب الحج إلى عمرة أو لا.

باب في وجوب الدم على من فاته عرفة

والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية والمزني: يجعله كالحج الفاسد فيمضي به ولا يسقط عنه شيء من أعمال الحج المتبقية عليه (¬1). مغ ج 3 ص 550. باب في وجوب الدم على من فاته عرفة مسألة (730) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من فاته الوقوف بعرفة فإن عليه دمًا وبه قال من ذكرناهم في المسألة السابقة إلا أبا حنيفة ومحمدًا وأحمد في رواية عنه (¬2). مع ج 3 ص 551 بداية ح 1 ص 489. باب في المبيت بمزدلفة. هل هو ركن؟ مسألة (731) جماهير العلماء على أن المبيت بمزدلفة ليس ركنًا من أركان الحج فلو تركه الحاج صح حجه لكنه واجب يجبر تركه بدم، وبه قال عطاء والزهري وقتادة والثورىِ والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه ونقل عن ابن خزيمة وأبي عبد الرحمن ابن بنت الشافعي أنهما قالا هو ركن لا يصح الحج إلا به. وبه قال علقمة والأسود والشعبي والنخعي والحسن البصري (¬3). مج ج 8 ص 121، 130 الحاوي ج 4 ص 177، بداية ج 1 ص 462. باب في ترك الجمع في مزدلفة مسألة (732) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من ترك الجمع بين المغرب العشاء في مزدلفة فصلى المغرب قبل أن يأتي مزدلفة فصلاته صحيحة ولا شيء عليه لكنه خالف السنة. وبه قال عطاء وعروة والقاسم بن محمَّد وسعيد بن جبير ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر. وهو مذهب أحمد. ¬

_ (¬1) راجع مج ج 8 ص 224. قلت: حكى ابن رشد الإجماع على أن من فاته الوقوف بعرفة فإن عليه طوافًا وسعيًا وأنه لا يخرج من الحج إلا بهما أي بعمرة وأن عليه الحج من قابلٍ. انظر بداية ج 1 ص 492 وانظر الحجة خ 2 ص330 في مسألة من قاته الحج. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 492. (¬3) راجع مغ خ 3 ص 441.

باب في ترك التنفل بين الصلاتين المجموعتين في مزدلفة

وقال أبو حنيفة والثوري: لا يجزئه. وقالا إن الجمع نسكٌ (¬1) مغ ج 3 ص 440. باب في ترك التنفل بين الصلاتين المجموعتين في مزدلفة مسألة (733) مذهب العامة من الفقهاء أنه لا يستحب التطوع بين المغرب والعشاء لمن جمع يينهما في مزدلفة. قال ابن المنذر: ولا أعلمهم يختلفون في ذلك. وروي عن ابن مسعود أنه تطوع بينهما ونقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. مغ ج 3 ص 440. باب في الوقوف على "قُزَح" مسألة (734) جماهير العلماء على أنه يستحب للبائت في مزدلفة إذا أصبح الصبح أن يقف بعد صلاة الصبح على قزح ولا يزال واقفًا به يدعو ويذكر حتى يسفر الصبح جدًا، وبه قال الشافعي وابن مسعود وابن عمر وأبو حنيفة. قال ابن المنذر: هو قول عامة العلماء غير مالك, فإنه كان يرى أن يرفع منه قبل الإسفار (¬2). مج ج 8 ص 130. باب في الإسراع في وادي "مُحَسّر" مسألة (735) عامة أهل العلم على استحباب الإسراع في وادي مُحَسّر. وبه قال ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير. وذكر النووي عن ابن عباس خلاف هذا (¬3). مج ج 8 ص 130. باب في معنى "المشعر الحرام" مسألة (736) جمهور العلماء من الفقهاء والمفسرين وأصحاب الحديث والسِّيَرِ على ¬

_ (¬1) انظر معاني الآثار ج 2 ص 214 وقد ذكر هناك مسألة الجمع بين الصلاتين في مزدلفة كيف يكون الأمر فيها هل هو بأذان وإقامتين أم غير ذلك؟. (¬2) انظر مغ ج 3 ص 440. (¬3) قلت: وادي محسر ليس من مزدلفة. انظر مع ج 3 ص 441، 444 وانظر. الحاوي ح 4 ص 178 وانظر ما ذكره الماوردي عن معنى الإسراع في وادي محسر ج 4 ص 182.

باب في رمي الجمرة الكبرى يوم النحر هل هو ركن؟

أن المشعر الحرام هو جميع مزدلفة. وقال آخرون: بل هو قزح جبل معروف بمزدلفة. وعده النووي مذهبًا للشافعي (¬1). مج ج 8 ص 131. باب في رمي الجمرة الكبرى يوم النحر هل هو ركن؟ مسألة (737) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن رمي جمرة العقبة الكبرى ليس ركنًا وإنما هو واجب. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك: هو ركن حكاه عنه العبدري (¬2). مج ج 8 ص 141 بداية ح 1 ص 468. باب في متى يقطع الحاج التلبية مسألة (738) جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الحاج يقطع التلبية أول شروعه في رمي جمرة العقبة، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي. وقال أحمد وإسحاق وطائفة: يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة وأشار ابن المنذر إلى اختياره (¬3). مج ج 8 ص 142 فتح ج 7 ص 341. باب في المستحب في قدر حصيات الرمي مسألة (739) جمهور العلماء من السلف والخلف على استحباب كون حصيات الرمي مثل قدر حصي الخذف، وبه قال ابن عمر وجابر وابن عباس وابن الزبير وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأبو ثور، قلت: وهو مذهب الشافعي. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 3 ص 440. (¬2) وحكاه ابن رشد عنه كذلك. انظر بداية ج 1 ص 468. (¬3) راجع مغ ج 3 ص 452. بداية ج 1 ص 440 الحاوي ج 4 ص 184. روى محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: يقطع المهل بالعمرة التلبية حين يستلم الركن للطواف بالبيت لعمرته، ويقطع التلببة في الحج في أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة يوم النحر. انظر الحجة ح 2 ص80 وقال الشافعي -رحمه الله- ولا يقطع التلبية حتى يرمي الجمرة بأول حصاةٍ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يزل يُلَبِّي حتى رمي الجمرةَ وعُمَرُ وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد لم يزالوا يُلَبون حتى رَمُوا الجمرةَ. اهـ انظر الحاوي ج 4 ص 190.

باب في موقف الرامي للجمرات

وذهب مالك إلى استحباب كونه أكبر من ذلك. حكاه عنه ابن المنذر (¬1) مج ج 8 ص 142. باب في موقف الرامي للجمرات مسألة (740) جمهور العلماء على استحباب أن يكون موقف الرامي للجمرات عند العقبة في بطن الوادي، وتكون مني عن يمينه ومكة عن يساره، وبه قال عبد الله بن مسعود وجابر والقاسم بن محمد وسالم وعطاء ونافع والثوري ومالك وأحمد، وهو مذهب الشافعي. وقال ابن المنذر: وروينا أن عمر- رضي الله تعالى عنه - خاف الزحام فرماها من فوقها (¬2). مج ج 8 ص 143 مع ج 3 ص 447. باب في الحلق. هل هو نُسك؟ مسألة (741) جمهور العلماء على أن الحلق نسكٌ (¬3) وهو المعتمد في مذهب الشافعي، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه. وذهب الشافعي في أحد قوليه وعطاء وأبو ثور وأبو يوسف إلى أنه ليس بنسك (¬4). وروى هذا عن أحمد. مج ج 8 ص 153 بداية ج 1 ص 487. باب في الحلق والتقصير مسألة (742) مذهب العلماء كافة سوى ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أن التقصير في الحج يجزئ ولا يلزمه الحلق. ¬

_ (¬1) قال الشافعي -رحمه الله-: ويأخذ منها (مزدلفة) الحصى للرمي يكون قدر حصى الخذْفِ لأن بقدرها رمى النبي -صلى الله عليه وسلم -. انظر. الحاوي ج 4 ص 178. وانظر مغ ج 3 ص 445. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 184. بداية ج 1 ص 467. قلت: ولا يختلف أهل العلم في إنه لو رماها من فوقها جاز. انظر مصادر المسألة التي أثبتناها. وحكى ابن رشد الإجماع على أن الحصاة إذا لم تقع في العقبة أنه يعيد رميها. بداية ج 1 ص 467. (¬3) نسك. يعني يجب بتركه دم. (¬4) راجع مغ ج 3 ص 458. الحاوي ج 4 ص 161.

باب في الأصلع الذي لا شعر له

وقال الحسن البصري فيما حكاه عنه ابن المنذر: يلزمه الحلق في أول حجة ولا يجزؤه التقصير (¬1). مج ج 8 ص 153 مغ ج 3 ص 456. باب في الأصلع الذي لا شعر له مسألة (743) جمهور العلماء على أن الأصلع الذي لا شعر له يستحب أن يُمِرَّ الموسي على رأسه، وأن ذلك ليس بواجب. وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وهو. قول مسروق وسعيد بن جبير والنخعي وأبي ثور وأصحاب الرأي (¬2). وقال أبو حنيفة: هذا الإمرار واجب. وحكي عن أبي بكر بن داود الظاهري أنه لا يستحب. مج ج 8 ص 154 مغ ج 3 ص 461. باب في الحلق على من لَبَّدَ رأسه مسألة (744) جمهور العلماء عل أن من لبد رأسه فإنه يجب عليه أن يحلق شعره ولو لم ينذر حلقه، وبه قال عمر بن الخطاب وابنه والثوري ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر. حكاه عن الجمهور القاضي عياض. وهو قول الشافعي في القديم. حكاه عنه الماوردي، وقال ابن عباس وأبو حنيفة: لا يلزمه حلقه، وهو الصحيح في مذهب الشافعي كما قرره الإِمام النووي (¬3). قلت: هو قول الشافعي في الجديد من أن التقصير يجزئه. مج ج 8 ص 156. ¬

_ (¬1) فائدة: قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حلق قلُّم أظفاره. قال: وكان ابن عمر يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره إذا رمى الجمرة. قال: وكان عطاء وطاوس والشافعي يحبون لو أخذ من لحيته شيئًا. انظر مغ ج 3 ص 461. مج ج 8 ص 156. قلت: حكى الماوردي عن ابن داود الظاهري المنع من الأخذ من اللحية. انظر الحاوي ج 4 ص 163. (¬2) قال الشافعي -رحمه الله- في حق من لا شعر له كالأصلع وغيره: ولو أخذ من شاربه أو من شعر لحيته شيئًا كان أحبّث إلي ليكون قد وضع من شعره شيئًا لله تعالى. مج ج 8 ص 148. قلت: نقل ابن المنذر الإجماع على أن الأصلع يمر الموسي على رأسه. حكاه عنه النووي. مج. ج 8 ص 154 وانظر في هذه المسألة: الحاوي ج 4 ص 163. (¬3) انظر مغ ج 3 ص 457. الحاوي ج 4 ص 162. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: من لبد أو ضفر أو عقد أو فتل أو عقص، فهو على ما نوى. مغ ج 3 ص 457. تنبيه: معنى كلام الجمهور في هذه المسألة أن الحلق، وهو إزله شعر الرأس كله واجب وفي قول غيرهم أن التقصير يعني أخذ شيء من شعر الرأس يجزئ. انظر الحاوي ج 4 ص 162.

باب في معنى "يوم الحج الأكبر"

باب في معنى "يوم الحج الأكبر" مسألة (745) جماهير العلماء على أن يوم الحج الأكبر، هو يوم النحر، وقال البعض: بل هو يوم عرفة. مج ج 8 ص 161. باب في تأخير طواف الإفاضة إلى ما بعد أيام التشريق. هل في ذلك دم؟ مسألة (746) جمهور العلماء على أن من أخر طواف الإفاضة إلى ما بعد أيام التشريق فلا دم عليه، وبه قال عمرو بن دينار وعطاء وابن عيينة وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد ومالك في رواية، وهو مذهب الشافعي وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: إن رجع إلى وطنه قبل الطواف لزمه العود للطواف فيطوف وعليه دم للتأخير، وهو الرواية المشهورة عن مالك (¬1). مج ج 8 ص 161. باب في ترك الدعاء عند الجمرتين مسألة (747) جمهور العلماء على أن من ترك الوقوف عند الجمرتين الأوليين للدعاء فلا شيء عليه وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وقال الثوري: يطعم شيئًا، فإن أراق دمًا كان أفضل (¬2). مج ج 8 ص 216 مغ ج 3 ص 477. باب في رفع الأيدي بالدعاء عند الجمرتين مسألة (748) جمهور العلماء على أنه يستحب رفع الأيدي وقت الدعاء عند الجمرتين الأوليين، وبه قال ابن عمر وابن عباسٌ ومجاهد وأبو ثور وابن المنذر، وهو ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 4 ص 192. مغ ج 3 ص 466. قلت: نقل الماوردي عن طاوس أن الشرب من زمزم بعد طواف الإفاضة من تمام الحج. انظر الحاوي ج 4 ص 193. (¬2) انظر بداية ج 1 ص 467.

باب فيمن خالف بين أعمال يوم النحر فقدم وأخر

مذهب الشافعي وأحمد ومن قبلهما أبي حنيفة رحمهم الله تعالى (¬1) وأنكر مالك ذلك فيما حكاه عنه ابن المنذر. مج ج 8 ص 216 مغ ج 3 ص 475. باب فيمن خالف بين أعمال يوم النحر فقدم وأخر مسألة (749) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من خالف في ترتيب أعمال الرمي والحلق والنحر والطواف فقدم شيئًا منها على الآخر ناسيًا أو جاهلًا فلا شيء عليه. وبه قال الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري. وقال أبو حنيفة: إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فإن كان قارنًا فعليه دمان، وقال زفر: عليه ثلاثة دماء لأنه لم يوجد منه التحلل الأول، فلزمه الدم كما لو حلق قبل يوم النحر (¬2). مغ ج 3 ص 471. ¬

_ (¬1) راجع تحفة الفقهاء ج 1 ص 409. قلت: ذكر ابن رشد هذه المسألة وجعلها كالأمر المجمع عليه بين العلماء في استحباب هذا الذي ذهب إليه الجمهور. قال -رحمه الله-: والسنة عندهم (يعني عند جماعة العلماء) في رمي الجمرات ... ثم ذكر المسألة. انظر بداية ج 1 ص 467. (¬2) قلت: هذا المنقول عن أبي حنيفة لا يصح. فإن أصحاب أبي حنيفة وأهل مذهبه أدرى بمذهبه من غيرهم، والثابت عن أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى من قوله ومذهبه أن الدم يجب على من أخلَّ بالترتيب عامدًا مع علمه بوجوب الترتيب أما الجاهل بحكم الترتيب أو الناسي فلا دم عليه. إلا أن يكون قارنًا أو متمتعًا فحلق قبل أن يذبح فعليه دم. وقد نقل هذا الذي ذكرته الإِمام محمَّد بن الحسن في كتاب الحجة على أهل المدينة وفي موطأه (يعني موطأ الأمام محمَّد). وقد غلط كثيرون في نسبة خلاف ما أثبته هنا إلى أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- فليعلم. راجع الحجة على أهل الدينة ج 2 ص 371. انظر في هذه المسألة: بداية ج 1 ص 466. الحاوي ج 4 ص 186. وذكر ما قلته هنا واضحًا الإمام النووي عند نقله لمذاهب العلماء في هذه المسألة وذكر هو وغيره على أن من قدم الطواف على سائر الأعمال المشروعة في هذا اليوم أو قدم الذبح على سائرها أعني بعد دخول وقت الذبح أو قدم الحلق على الذبح إن كان مفردًا أو طاف ثم حلق ثم رمى فكل ذلك جائز. وحكى ابن رشد عن ابن عباس أنه كان يقول: من قدم من حجه شيئًا أو أخَّر فليهرق دمًا وأنه من قدم الإفاضة قبل الرمي والحلق أنه يلزمه إعادة الطواف. قال ابن رشد: وقال الشافعي ومن تابعه لا إعادة عليه. وقال الأوزاعي: إذا طاف للإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ثم واقع أهله: أهرق دمًا. وحكى النووي عن مالك فيمن قدم الحلق على الرمي لزمه دم ولو قدم الحلق على الذبح فلا شيء عليه. وعن أحمد فيمن قدمه (الحلق) على الذبح أو الرمي جاهلًا أو ناسيًا فلا دم وإن تعمد ففي وجوب الدم روايتان. وعن مالك فيمن قدم الطواف (الإفاضة) على الرمي روايتان (أحدهما) يجزئه الطواف وعليه دم (والثانية) لا يجزئه. =

باب في التحلل

باب في التحلل مسألة (750) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن للحج تحللين: أول وثان، وأن من رمى جمرة العقبة الكبرى يوم النحر ثم حلق حل له كل شيء إلا النساء فإذا أطاف طواف الإفاضة حلَّ له كل شيء بما في ذلك النساء. وإلى ذلك ذهب ابن الزبير وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- وعلقمة وسالم وطاوس والنخعي وعبد الله بن الحسين وخارجة بن زيد والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في الصحيح من مذهبه. وروي عن ابن عباس وأحمد أنه يحل له كل شىء إلا الوطء في الفرج. وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يحل له كل شيء إلا النساء والطيب. وروي ذلك عن ابن عمر وعروة بن الزبير وعباد بن عبد الله بن الزبير. وروي عن عروة أنه لا يلبس القميص ولا العمامة ولا يتطيب. مغ ج 3 ص 462. باب فيمن أدركه الليل ليلة ثالث أيام التشريق مسألة (751) أكثر العلماء على أن من أدركه الليل، وهو بمنى فقد وجب عليه المبيت ليلة الثالث من أيام التشريق والرمي في يومه. وبه قال عمر وابنه وأبو الشعثاء جابر ابن زيد وعطاء وطاوس وأبان ابن عثمان والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق، حكاه ابن المنذر عنهم، وقال: وبه أقول. قال ابن المنذر: وروينا عن الحسن والنخعي قالا: من أدركه العصر وهو بمنى في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد. قال ابن المنذر: ولعلهما قالا ذلك استحبابًا والله أعلم. ¬

_ = ثم حكى النووي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وقتادة ما حكاه ابن رشد عن ابن عباس. انظر مج ج 8 ص 155. بداية ج 1 ص 466 وحكى ابن رشد والنووي الإجماع على أن من نحر قبل أن يرمي فلا شيء عليه، مج ج 8 ص 156 بداية ج 1 ص 466. فائدة: السنة المتفق عليها في ترتيب أعمال يوم النحر هي أن يبدأ بالرمي ثم بالنحر ثم بالحلق ثم بالطواف. ذكر هذا غير واحد من العلماء. انظر. الحاوي ج 4 ص 186 مج 8 ص 152. والذي يظهر لي أنه لا خلاف بين العلماء في المفرد إذا قدم شيئًا على شيء من تلك الأعمال إذا كان جاهلًا أو ناسيًا فأما إن كان علمًا عامدًا ففيه خلاف وعليه يحمل ما حكى عن ابن عباس ومن وافقه والله تعالى أعلم. وقد بين هذه المسألة بأخبارها وآثارها والصحيح من مذهب أبي حنيفة فيها الإِمام الكبير أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار. انظر معاني ج 2 ص 235.

باب في من رمى الجمرات أيام التشريق قبل الزوال

وقال النووي: وقال أبو حنيفة: له التعجيل ما لم يطلع فجر اليوم الثالث (¬1). وحكاه الماوردي عنه وعن عطاء. مج ج 8 ص 217. باب في من رمى الجمرات أيام التشريق قبل الزوال مسألة (752) جمهور العلماء على أن وقت رمي الجمرات أيام التشريق هو بعد زوال الشمس وأن من رماها قبل زوال الشمس أعادها بعد الزوال. وروى عن أبي جعفر محمَّد بن علي بن الحسين - رضي الله عنهم - أنه قال فيما حكاه عنه ابن رشد: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها. وقال طاوس وعكرمة: يجوز أن يرمي قبل الزوال كيوم النحر، وعن أبي حنيفة يجزئه قبل الزوال في اليوم الثالث (¬2) استحبابًا لا قياسًا. حكى ذلك كله الماوردي. بداية ج 1 ص 467. باب في التعجيل (النفر الأول) أيام التشريق لأهل مكة وغيرهم مسألة (752) أكثر العلماء على أن النفر الأول جائزٌ لأهل مكة كما هو جائزٌ لغيرهم، وهو مذهب الشافعي، وبه قال عطاء وابن المنذر. وحكي عن عمر بن الخطاب أنه منع أهل مكة من ذلك. وقال مالك: إن كان لهم عذر جاز وإلا فلا. مج ج 8 ص 217 مغ ج 3 ص 479. باب في طواف الإفاضة. هل يتم الحج بتركه؟ مسألة (754) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن طواف الإفاضة والذي يسمى أيضًا طواف الزيارة (¬3) ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به ولا يجبر تركه بدم وأن ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص479. الحاوي ج 4 ص 200. (¬2) انظر الحاوي ج 4 ص 194. (¬3) طواف الإفاضة له خمسة أسماء ذكرها النووي -رحمه الله- تعالى وهي: طواف الإفاضة وطواف الزيارة وطواف الفرض وطواف الركن وطواف الصَّدَر بفتح الصاد والدال قال النووي -رحمه الله- تعالى: وأما الحج ففيه ثلاثة أطواف: طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع، ويشرع له أي للحج - وللعمرة طواف رابع وهو المتطوع به غير ما ذكرناه فإنه يستحب له الإكثار من الطواف فأما طواف القدوم فله خمسة أسماء: طواف القدوم والقادم والورود والوارد وطواف التحية ثم قال -رحمه الله- تعالى بعد ذكر أسماء طواف الإفاضة: وأما =

باب في آخر وقت رمي الجمرات أيام منى

من عاد إلى بلده وقد ترك هذا الطواف فإن حجه يبقى معلقًا حتى يطوف وييقى محرمًا حتى يعود إلى مكة على إحرامه ثم يطوف. وبه قال عطاء والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر. وقال الحسن يحج من العام المقبل، وحكى نحو ذلك عن عطاء قولًا ثانيًا، وقال: يأتي عامًا قابلًا من حج أو عمرة (¬1). مغ ج 3 ص 492 مج ج 8 ص 161. باب في آخر وقت رمي الجمرات أيام منى مسألة (755) أكثر أهل العلم على أن آخر وقت الرمي هو آخر أيام التشريق (¬2) فإذا خرجت قبل أن يرمي الحاج فات وقت الرمي واستقر في ذمته الفداء الواجب في ترك الرمي. وحكي عن عطاء فيمن رمى جمرة العقبة ثم خرج إلى إبله في ليلة أربع عشرة ثم رمى قبل طلوع الفجر فإن لم يرم أهراق دمًا. مغ ج 3 ص 520. باب في طواف الوداع. هل هو واجبٌ؟ مسألة (756) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن طواف الوداع واجب يجب بتركه دم. هو مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى، وبه قال الحسن البصري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه. وحكاه الموفق عن ¬

_ = طواف الوداع فيقال له أيضًا طواف الصَّدَر. ومحل طواف القدوم أول قدومه، ومحل طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفات ونصف ليلة النحر ومحل طواف الوداع عند إرادة السفر من مكة بعد قضاء مناسكه كلها. ا. هـ مج ج 8 ص 12. (¬1) طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم إلا به بالإجماع ولا خلاف في هذا، وإنما الخلاف في المسألة المذكورة هو في تحلل الحاج من إحرامه بتركه طواف الإفاضة إذا عاد إلى وطنه. فالجمهور من أهل العلم ممن بلغنا قولهم أنه لا يتحلل حتى يعود ويطوف، وعند الحسن وعطاء فيما حكى عنهما يتحلل لكن قضاءه صار واجبًا عليه فكأنهما اتفقا مع سائر الفقهاء في المجمع عليه وهو عدم تمام الحج إلا به واختلفا في فساد الحج بتركه مع وجوب قضائه أو في بقاء الحج معلقًا لا يتحلل منه الحاج حتى يأتي به. قلت وممن نقل الإجماع على ركنية الطواف وأن الحج لا يتم إلا به ابن رشد وابن قدامة والنووي. انظر. مغ ج 3 ص 465 مج ج 8 ص 157 بداية ج 1 ص 454. (¬2) راجع مج ج 8 ص 170.

باب في سقوط طواف الوداع عن الحائض

الشافعي في قول له (¬1) وذكر النووي عن مجاهد روايتين كالمذهبين. مج ج 8 ص 218. باب في سقوط طواف الوداع عن الحائض مسألة (757) مذهب الجمهور من أهل العلم أن الحائض لا يجب في حقها طواف الوداع ولا تؤمر بالانتظار حتى تطهر، وهو مذهب الشافعي. قال ابن المنذر: وبهذا قال عوام أهل العلم، منهم مالك والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وغيرهم. قال: وروينا عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم أنهم أمروا ببقائها لطواف الوداع. قال ابن المنذر: وروينا عن ابن عمر وزيد الرجوع عن ذلك (¬2). مج ج 8 ص 218 مغ ج 3 ص 489. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 3 ص 485. والحاوي ج 4 ص 213. قال ابن رشد: وأجمعوا فيما حكاه أبو عمر بن عبد البر: أن طواف القدوم والوداع من سنة الحاج إلا لخائف فوات الحج (يعني بالنسبة لطواف القدوم) فإنه يجزئ عنه طواف الإفاضة. انظر بداية ج 1 ص 454. للشافعي قولان في طواف الوداع ذكرهما الماوردي: الأول: وهو القديم أنه واجب، والثاني: في الإملاء أنه على الاستحباب وليس واجبًا، فعلى الأول يجب بتركه دم، وعلى الثاني لا شيء عليه. انظر الحاوي ج 4 ص 213. (¬2) قال الماوردي: وروي أن زيد بن ثابت نحى ابن عباس (يعني أخذه على ناحيةٍ) فقال أنت تفتي أن الحائض تنفر بلا وداع؟! فقال له ابن عباس: اسأل أم سليم وصواحباتها. فسألها فأخبرته أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أرخص للحائض أن تنفر بلا وداع. فرجع إلى ابن عباس، وهو يبتسم وقال: القولُ ما قُلْتَ. اهـ انظر الحاوي ج 4 ص 214. قلت: رضي الله عنهم ونفعنا بأخلاقهم العلمية وآدابهم الزكية، وقد كان زيد بن ثابت من فقهاء الصحابة وكان يكبِّر ابن عباس بكثير. فائدة: اتفق الأئمة المتقدمون المحققون على أن من فرغ من طواف الوداع وأراد الانصراف صلى ركعتين عند المقام ثم خرج مودعًا الكعبةَ والحرم موليًا ظهره للكعبة ولا يرجع القهقري، نص عليه الماوردي وابن قدامة والنووي وغيرهم. قال الماوردي: وإذا خرج مودعًا ولى ظهره إلى الكعبة ولم يرجع القهقري كما يفعله عوام المتنسكين لأنه ليس فيه سنة مروية ولا أثر محكيٌّ. انظر. الحاوي ج 4 ص 213 مج ج 8 ص 202 انظر بداية ج 1 ص 471. قلت: وأما الدعاء عند وصوله لباب المسجد الحرام مستقبلًا الكعبة فلا بأس به ولا بأس أن يقول: اللهم لا تجعله آخر العهد ببيتك الحرام وإن كان ورد في ذلك خلاف عن بعض السلف. قال الموفق: قال أحمد: إذا ودع البيت يقوم عند الباب إذا خرج ويدعو فإذا ولَّى لا يقف ولا يلتفت وإن التفت رجع فودع. قلت: وروي عن جابر بن عبد الله ما يفهم منه خلاف هذا. قال الموفق: وروى حنبل في مناسكه عن المهاجرة قال: قلت لجابر بن عبد الله: الرجل يطوف بالبيت (الوداع) ويصلي فإذا إنصرف خرج ثم استقبل القبلة فقام، فقال: ما كنت أحسب يصنع هذا إلا اليهود والنصارى. قال أبو عبد الله: أكره ذلك. قلت: هذا محمول عندي -والله أعلم- على من التفت أثناء خروجه قبل وصوله للباب، وأما إذا خرج على الهيئة التي ذكرتها ثم إذا وصل الباب وقف ودعا مستقبلًا البيت فلا بأس إن شاء الله. قال الموفق: وقد قال مجاهد: إذا كِدْتَ تخرج من باب المسجد فَالْتفِتْ ثم انْظُر إلى الكعبة ثم قل: "اللهم لا تجعله آخر العهد". انظر مغ ج 3 ص 492.

باب في رفض العمرة للحائض

باب في رفض العمرة للحائض مسألة (758) جمهور الفقهاء على أن المرأة إذا أهلت بعمرة في أشهر الحج ثم حاضت فخشيت أن يفوتها الحج أن لها أن تدخل الحج على العمرة فتصبح قارنة ثم تفعل ما يفعل الحاج إلا الطواف بالبيت فتنتظر حتى تطهر (¬1). وقال أبو حنيفة فيما حكاه عنه محمَّد بن الحسن فيمن هذا حالها: أنها تهل بالحج وترفض العمرة ثم تمضي في حجتها فإذا قضت مناسكها وطافت بعد طهرها وتحلَّلَتْ من حجها خرجت إلى التنعيم فأهلت منها بعمرة قضاءٌ لعمرتها وعليها هديٌ لرفضها العمرة (¬2). مغ ج 3 ص510. باب في الفوات والإحصار مسألة (759) جمهور أهل العلم على أن من أحصره العدو فله التحلل مع وجوب الدم وهو شاةٌ وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد. وحكى النووي عن مالك أنه لا دم عليه (¬3). مج ج 8 ص 254 مغ ج 3 ص 371. باب في الإحصار في العمرة مسألة (760) جمهور العلماء على أن من أحرم بالعمرة ثم أحصر فله التحلل، وهو مذهب الشافعي. وحكى النووي عن مالك المنعَ من ذلك (¬4). مج ج 8 ص 254. ¬

_ (¬1) وبه قال مالك والشافعي وأحمد. (¬2) قال الإِمام أحمد: ما قال هذا أحد غير أبي حنيفة: قلت: قد قال به غير أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى الإمام محمَّد بن الحسن الشيباني وغيره من فقهاء الكوفة. راجع الحجة ج 2 ص 137 (¬3) نقل ابن رشد عن الجمهور عن العلماء أن المحصر قد يكون بالعدو، وقد يكون بالمرض وأنه إن أحصر بالعدو فإنه يحل من عمرته أو من حجه حيث أحصر. بداية ج 1 ص 470 وحكى -رحمه الله- الخلاف في وجوب القضاء في حق من أحصر بالعدو والإجماع في وجوب قضاء من أحصر بالمرض. (¬4) راجع ج 3 ص 371.

باب في منع الزوج زوجه من الحج الواجب إذا أحرمت به

باب في منع الزوج زوجه من الحج الواجب إذا أحرمت به مسألة (761) أكثر أهل العلم على أن الزوجة إذا أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة (يعني حجة الإِسلام وعمرته) فليس لزوجها تحليلها ومنعها من المضي فيما أحرمت به. وبه قال النخعي وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أصح قوليه. وهو مذهب الإِمام أحمد رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال الشافعي في قوله الآخر: له منعها وتحليلها. مغ ج 3 ص 554. * * *

فصل في الهدي

فصل في الَهدْي (¬1) باب في المستحب في شراء الهدي مسألة (762) جمهور العلماء على جواز شراء الهدي من مني مع استحباب شرائه من بلده وسوقه منه، وهو مذهب الشافعي، وبه قال ابن عباس وأبو حنيفة وأبو ثور وقال ابن عمر وسعيد بن جبير: لا هدي إلا ما أحضر عرفات (¬2). مج ج 8 ص 256. باب في إشعار وتقليد الهَدي مسألة (763) جماهير العلماء من السلف والخلف على استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد. قال الخطابي: قال جميع العلماء: الإشعار سنة ولم ينكره أحد غير أبي حنيفة. وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة، ونقل العبدري عنه أنه قال: هو حرام، وقال مالك: إن كانت البقرة ذات سنام فلا بأس بإشعارها وإلا فلا (¬3). مج ج 8 ص 258 مغ ج 3 ص 574. باب في تقليد الهَدْي. هل يجزئ عن الإحرام؟ مسألة (764) مذهب العلماء كافة أن من قلد هديه وأشعره لا يصير بذلك مُحرِمًا. وهو مذهب الشافعي. ونَقل عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما قالا: يصير محرمًا بمجرد ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على أن الهدي منه واجب، ومنه تطوع وأن الواجب منه ما يكون بسبب النذر ومنه ما يكون بسبب نوع النسك كهدي المتمتع، ومنه ما يكون بسبب الكفارة كهدي القضاء وكفارة الصيد، وهذا على مذهب من يقول إن في القضاء هديًا واتفقوا على أن الهدي لا يكون إلا بأنواع الأنعام الثمانية التي ذكرها الله عز وجل. حكى هذا كله ابن رشد ونقلته عنه بتصرف. انظر. بداية ج 1 ص 497. (¬2) ويسمون احصار الهدي إلى عرفة ووقوفه فيه "تعريفًا" انظر. بداية ج 1 ص 499. (¬3) انظر الحاوي ج 4 ص 372. بداية ج 1 ص 498.

باب في الهدي وبم يجب

تقليد (¬1) الهَدي. وشكك الإِمام النووي في صحة هذا النقل. مج ج 8 ص 260. باب في الهدي وبم يجب أكثر أهل العلم على أن الهدى لا يصير واجبًا في عينه بمجرد شرائه ولو بالنية ولا بالنية المجردة. وقال أبو حنيفة: يجب بالشراء مع النية. مغ ج 3 ص 559. باب في الجذع من الضأن في الهدايا مسألة (765) أكثر أهل العلم على أن الجذع من الضأن يجزئ في الضحايا والهدايا. وقال ابن عمر: لا يجزئ في الهدايا إلا الثني من كل جنس. بداية ج 1 ص 498. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 4 ص 373. فائدة: اتفق الأئمة المتقدمون لا خلاف بينهم فيمن جاء المدينة المنورة ودخل المسجد أن يصلي ركعتي تحية المسجد إلا أن يكون وقت كراهة عند بعضهم فإذا فرغ أتى قبره - صلى الله عليه وسلم - ووقف عنده - صلى الله عليه وسلم - زائرًا مُسَلِّمًا موليًا ظهره القبلة ومستقبلًا القبر الشريف فيصلي ويسلم عليه -صلوات الله وسلامه عليه- بما هو أهله ويدعو الله تعالى أن يجعله شفيعًا وأن يرزقه رفقته في الجنة مع أهله وسائر أحبابه، ثم يتنحى قليلًا يمينًا قدر ذراع فيسلم على أبي بكر - رضي الله عنه - ولا بأس أن يقول جزاك الله عن أمة الإِسلام خيرًا، ثم يتنحى قليلًا يمينًا قدر ذراع كذلك فيسلم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولا بأس أن يقول: جزاك الله عن أمة الإِسلام خيرًا، ثم يرجع -كما قال النووى وغيره- فيتقدم إلى رأس القبر فيقف بين الأسطوانه ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويمجده ويدعو لنفسه وأهله ومن شاء من المسلمين، ثم يرجع إلى الروضة الشريفة إن وجد فراغًا أو إلى موضع قريب منها أو ما تيسر من أي موضع في المسجد منشغلًا بالذكر والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقراءة القرآن وغير ذلك مما يتناسب مع قدر المكان وهيبته. قلت: هذا الذي ذكرته متفق عليه بين العلماء ولا خلاف عن أحدٍ منهم فيه، ويعبرون عن هذا الذي قلته: بزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعلون لها بابَا مستقلًا. ولا بأس عند هؤلاء كلهم إذا فرغ الحاج من مناسكه في مكة المكرمة أن يكون نيته إذا أراد التوجه للمدينة أن يزور مسجده وقبره - صلى الله عليه وسلم - أو تكون نيته زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن هذا معناه عند العامة والخاصة متضمن لزيارة المسجد وقبره - صلى الله عليه وسلم - وما حكاه البعض من المتأخرين من هذا التفصيل المشوش من جواز نية زيارة المسجد وزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - بحيث تكون زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - داخلة وتابعة لزيارة المسجد وأن نية زيارة القبر وحسب لا تجوز، أقول هذا التفصيل المشوش لأذهان العامة والمثير للخلاف والنزاع بين الخاصة من طلاب العلم لا داعي له، إذ إنه معلوم عند القاصي والداني أن كل من حج البيت كان من أعظم المهمات عنده بعد أداء المناسك وفي سفره هذا عامةً أن يتشرف بالصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والوقوف عند قبره والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -. انظر. مغ ج 3 ص 588. مج ج 8 ص 203. الحاوي ج 4 ص 214.

فصل في الأضحية وأحكامها

فصل في الأضحية وأحكامها باب في حكم الأضحية مسألة (766) أكثر العلماء على أن الأضحية سنة مؤكدة في حق الموسر ولا تجب عليه. وهو مذهب الشافعي، وبه قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر. وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى. وحكى الماوردي عن أبي حنيفة أنها واجبة على المقيم دون المسافر. قلت: وهو الصحيح من مذهبه. وقال محمَّد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار. وحكى الماوردي عن محمَّد كقول الجمهور (¬1). مج ج 8 ص 284 مغ ج 11 ص 94. الحاوي ج 15ص 71. شرح ج 13 ص 110. باب في ذبح الأضحية ليلًا ونهارًا مسألة (767) جمهور الفقهاء على جواز ذبح الأضحية ليلًا ونهارًا في أيام الذبح مع استحباب أن يكون الذبح نهارًا وكراهته ليلًا. وهو مذهب الشافعي. وبه قال أبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور والأصح عن أحمد. وقال مالك: لا يجزؤه الذبح ليلًا، بل يكون شاة لحم وهي رواية عن أحمد (¬2). مج ج 8 ص290. شرح ج 13 ص 111. ¬

_ (¬1) انظر إعلاء السنن ج 17 ص 217 (¬2) راجع مغ ج 11 ص 114. الحاوي ج 15 ص 114. حكى ابن رشد اتفاق العلماء على أن الأضحية يوم الأضحى لا تجزئ قبل الصلاة وذكر اختلاف العلماء فيمن ذبح بعد الصلاة ولكن قبل ذبح الإِمام وذكر مثله النووي وغيره. انظر بداية ج 1 ص 573 مج ج 8 ص 287. قلت: وهذا في حق أهل المناسك وأهل الأمصار ممن تقام لهم صلاة العيد وأما أهل القرى النائية والبوادي فقال ابن المنذر: وأجمعوا على أنها لا يصح ذبحها قبل طلوع الفجر يوم النحر. اهـ وأما بعد هذا الوقت فكم ينتظر هؤلاء إن لم يكن فيهم صلاة العيد؟ اختلاف بين العلماء أوجه ما قيل أنهم ينتظرون قدر الصلاة وخطبة أقرب قرية أو بلدٍ لهم ويبنون هذا على الاحتياط، انظر مج ج 8 ص 288. قلت: ومن الأئمة من لا يجعل وقت إجزاء الأضحية هو الصلاة، وإنما مضي وقت الصلاة. انظر مغ ج 3 ص 566. وانظر بداية ج 1 ص 574. وانظر الحاوي ج 15ص 85. شرح ح 13 ص 110.

باب في الأضحية بغير الأنعام. هل تصح؟

باب في الأضحية بغير الأنعام. هل تصح؟ مسألة (768) مذهب العلماء كافة إلا ما سنحكيه عن غيرهم أن الأضحية لا تصح إلا بالإبل أو البقر أو الغنم فلا يجزئ شيء من الحيوان غير ذلك. وهو مذهب الشافعي. وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه يجوز أن يضحي ببقر الوحش عن سبعة وبالضبا عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش (¬1). مج ج 8 ص 293 بداية ج 1 ص 568. شرح ج 13 ص 117. باب في الأفضل في الضحايا من الأنعام مسألة (769) جمهور أهل العلم على أن الأفضل في الضحايا الإبل ثم البقر ثم الغنم والضأن أفضل من الماعز، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وداود. وقال مالك أفضلها الكباش من الغنم والضأن أولى من الماعز، ثم البقر، ثم الإبل (¬2). بداية ج 1 ص 609. شرح ج 13 ص 118. باب في السن المجزئ في الضحايا مسألة (770) مذهب العلماء كافة إلا ما سنحكيه عن البعض أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني، ولا من الضأن إلا الجذع. وحكي عن الزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن. وعن الأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن، وحكى صاحب البيان عن ابن عمر كالزهري، وعن عطاء كالأوزاعي (¬3). مج ج 8 ص 294 بداية ج 1 ص 571 الحاوي ج 15 ص 76 - شرح ج 13 ص 117. باب في الأضحية بمكسور القرن مسألة (771) جمهور العلماء على جواز التضحية بمكسور القرن سواء كان يدمي ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي خ 15 ص 75. (¬2) انظر مج ج 8 ص 297. مغ ج 11 ص 98. الحاوي ج 15 ص 77. (¬3) راجع مغ ج 3 ص580. انظر الحاوي ج 15 ص 77.

باب في الأيام التي تجوز فيها الأضحية

(ينزف دمًا) أم لا. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيبًا (¬1). شرح ح 13 ص120. باب في الأيام التي تجوز فيها الأضحية مسألة (772) جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء أن أيام الأضحية والهدايا هىِ أربعة أيام من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق الثلاثة حتى تغيب شمسه. وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-. وبه قال علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان ابن موسى الأسدي فقيه الشام ومكحول وداود الظاهري. وقالت طائفة: يختص وقت التضحية بيوم النحر ويومين بعده. روى هذا عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهم، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد. وقال محمَّد بن سيرين: لا تجوز التضحية إلا في يوم النحر خاصة. وقال سعيد بن جبير: يجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة، ولأهل السواد في أيام التشريق. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي وسليمان بن يسار أنها من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة (¬2). الحاوي ج 15 ص 124. باب في تسمين الأضحية مسألة (772) جمهور العلماء على استحباب تسمين الأضحية. وهو مذهب الشافعي. وقال بعض المالكية: يكره (¬3). نقله القاضي عياض عنهم. مج ج 8 ص 296. شرح ج 13 ص 118. ¬

_ (¬1) انظر. بداية ج 1 ص 571. قلت: أجمع العلماء على أنه لا يجوز التضحية بالمريضة البين مرضها, ولا بالعرجاء البين عرَجُها, ولا بالعوراء البين عورها، والعجفاء التي لا تنقي انظر بداية ح 1 ص 568. قلت: والجمهور على المنع في العيوب التي هو أشد من ذلك مما هي في معناها، وخالف داود فقصر العيوب على هذه الأربعة. (¬2) انظر مج ج 8 ص 289. بداية ج 1 ص 575 مغ ج 11 ص 114. شرح ج 13 ص 111. (¬3) قال الشافعي -رحمه الله-: وزعم بعض المفسرين أن قول الله عز وجل ثناؤه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} استسمان الهدي واستحسانه. انظر الحاوي ج 15ص 79.

باب في الاشتراك في الأضحية

باب في الاشتراك في الأضحية مسألة (774) جماهير العلماء على جواز اشتراك السبعة في البدنة أو البقرة سواء كانوا أهل بيت واحد أو متفرقين وسواء قصد بعضهم أو كلهم القربى وسواء كانت أضحية أو منذورة. وهو مذهب الشافعي، وبه قال أحمد وداود (¬1) إلا أن داود جوزه في التطوع دون الواجب. وبه قال بعض أصحاب مالك. وقال أبو حنيفة: إن كانوا كلهم متقربين جاز، وقال مالك: لا يجوز الاشتراك مطلقًا كما لا يجوز في الشاة الواحدة. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة. وعن سعيد بن المسيب أن الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة. وبه قال إسحاق (¬2). مج ج 8 ص 298 مغ ج 11 ص 96 بداية ج 1 ص 573. الحاوي ج 15 ص 122. مسألة (775) قال النووي: قال جمهور العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث والفقهاء: المقابلة التي قطع من مقدم أذنها فلقة وتدلت في مقابلة الأذن ولم ينفصل، والمدابرة التي قطع من مؤخر أذنها فلقة وتلت منه، ولم تنفصل، والفلقة الأولى تسمى الإقبالة والأخرى تسمى الإدبارة. باب في الإنابة والتوكيل في الأضحية مسألة (776) جماهير العلماء على أنه يجوز لمريد التضحية أن يستنيب أو يوكل كتابيًا في ذبح أضحيته مع كراهة ذلك. وهو مذهب الشافعي. وهو قول أبي ثور وابن المنذر. وقال مالك: لا يصح وتكون شاة لحم. وحكي هذا عن أحمد. وممن كره ذلك ¬

_ (¬1) وروى ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال عطاء وطاوس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثورى والأوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. (¬2) انظر الحاوى ج 15 ص 123. وانظر مغ ج 11 ص 118. قلت: قال النووي: وزعم الطحاوي أن هذا الحديث (حديث تضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه وأهل بيته) منسوخ أو مخصوص وغلطه العلماء في ذلك فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى. قلت: وحكى النووي عن الجمهور جواز التضحية في ما يجزئ عن الواحد وجعلها عن أهل البيت كلهم. وحكى عن أبي حنيفة والثوري كراهة ذلك. انظر شرح ح 13 ص 122.

باب في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح

علي وابن عباس وجابر - رضي الله عنهم -. وهو قول الحسن وابن سيرين (¬1) مج ج 8 ص 307. شرح ج 13 ص 121. باب في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح مسألة (777) مذهب الجماهير من العلماء عدم استحباب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح، بل لا يذكر إلا الله تعالى. وهو مذهب مالك. وذهب الشافعي إلى استحباب ذلك (¬2). مج ج 8 ص 310. باب في التسمية عند الذبح مسألة (778) جماهير العلماء على أن التسمية على الذبيحة واجبة مع الذكر دون النسيان، وبه قال ابن عباس وأبو هريرة وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والحسن البصري والنخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمَّد والحكم وربيعة ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة. حكاه عنهم ابن المنذر. وقال ابن سيرين وأبو ثور وداود: لا تحل سواء تركها عمدًا أو سهوًا. حكاه عنهم العبدري. وقال ابن المنذر عن الشعبي ونافع كمذهب ابن سيرين. وذهب الشافعي إلى أنها مستحبة غير واجبة ولا تشترط لحل الذييحة (¬3). مج ج 8 ص 311 شرح ج 13 ص 73. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 15 ص 91. قال الشافعي -رحمه الله-: وأحب أن لا يذبح المناسك التي يتقَربُ بها إلى الله عز وجل إلا مسلم فإن ذبح مشرك ممن تحل ذبيحته أجزأ على كراهيتي لا وصفت. اهـ انظر المصدر المذكور. قال الموفق -رحمه الله-: وقال جابر: لا يذبح النسك إلا مسلم. اهـ. قلت: وإلى القول بالجواز ذهب الموفق في المغني: انظر مغ ج 11 ص 116. (¬2) قال الشافعي -رحمه الله-: ولا أكره الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنها إيمانٌ بالله. قال عليه الصلاة والسلام. أخبرني جبريل عن الله عز وجلَّ ذكره أنه قال: من صلى عليك صليت عليه. أهـ قال الماوردي -رحمه الله-: أما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح فليست واجبة إجماعًا ولا مكروهة عندنا واختلف أصحابنا في استحبابها على وجهين. قلت: ثم ذكر الماوردي الوجهين وأن الشافعي في الأم أشار إلى أنها مستحبة. ثم ذكر الوجه الثاني وقال: وكرهها مالك وأبو حنيفة. انظر الحاوي ج 15 ص 95. (¬3) راجع مغ ج 11 ص 33 مج ج 9 ص 75 مغ ج 11 ص117. الحاوي ج 15 ص 95 بداية ج 1 ص 589. قلت: حكى الموفق -رحمه الله- الاتفاق على أن يقول الذابح: "بسم الله والله أكبر" استحبابًا وأنه لا خلاف أنه لو تركه واكتفى بالتسمية أجزأه. انظر مغ ج 11 ص 117.

باب في بيع أجزاء الأضحية كالصوف والجلد سوى اللحم

باب في بيع أجزاء الأضحية كالصوف والجلد سوى اللحم (¬1) مسألة (779) جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز بيع شيء من أجزاء الأضحية لا جلدها ولا صوفها ولا غير ذلك. وقال أبو حنيفة يجوز مبادلته بالعروض ولا يجوز بالدراهم والدنانير. وقال عطاء: يجوز بكل شيء. بداية ج 1 ص 577. باب في الأكل من الأضحية. هل يجب؟ مسألة (780) جمهور العلماء على أن الأكل من أضحية التطوع لا يجب بل هو مستحب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم رحمهم الله تعالى. قال النووي: وأوجبه بعض السلف (¬2). قال: وهو قول أبي الطيب ابن سلمة من أصحابنا حكاه عنه الماورديُّ. قلت: وجماهير العلماء على عدم جواز الأكل من الأضحية الواجبة وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري جواز الأكل من جزاء الصيد وغيره. مج ج 8 ص 318 شرح ج 13 ص 131. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد الاتفاق على المنع من بيع لحم الأضحية. انظر بداية ج 1 ص 577 وانظر في هذه المسألة. الحاوي ج 15 ص 120. فائدة: قال الشافعي -رحمه الله-: وآَمُرُ من أراد أن يضحي أن لا يَمسَّ من شعره شيئًا اتباعًا واختيارًا بدلالة السنة. اهـ موضع الغرض. قلت: هذا نص الشافعي في مختصر المزني. واختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب. الأول أن هذا الحكم على الاستحباب والندب ولا يجب: وهو مذهب الشافعي. وهو قول مالك وحكاه عنه الموفق. وحكاه الماوردي عن سعيد بن المسيب. والثاني أنه على الوجوب. وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق. والثالث: ليس بسنة بل هو في حق المحرم خاصةً. حكاه الماوردي عن أبي حنيفة ومالك وحكاه الموفق عن أبي حنيفة أنه لا يكره أخذ شيء. انظر الحاوي ج 15 ص 73. مغ ج 11 ص 95 وانظر مج ج 8 ص 291. قلت: والقول بعدم الكراهة في شيء من ذلك مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن كذلك. حكاه عنهما وعن أبي حنيفة أبو جعفر الطحاوي. انظر معاني الآثار ج 4 ص 82 أو انظر في هذه المسألة كذلك. شرح ج 13 ص 138. (¬2) انظر. بداية ج 1 ص 577. الحاوي ج 15ص 117. قلت: وليس هناك من اتفاق على وجوب التصدق بكل أو بعض الأضحية والذي عليه العامة من العلماء أنه يستحب أن يأكل منها وأن يتصدق وأن يُهدى. وأكثرهم على أن المستحب في هذا أن يأكل الثلث وأن يتصدق بالثلث وأن يهدي الثلث. انظر. بداية ج 1 ص 577. شرح ج 13 ص 131. قلت: وحكى ابن رشد عن أهل الظاهر احتمالًا أنهم أوجبوا الأكل والتصدق والادخار كما جاء في ظاهر الحديث الذي رواه مسلم وغيره. انظر بداية ج 1 ص 577.

باب في الأضحية للمسافر

باب في الأضحية للمسافر (¬1) مسألة (781) جماهير العلماء على أن الأضحية سنة مستحبة للمقيم والمسافر وإلى هذا ذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا أضحية على المسافر. قال النووى: وروي هذا عن علي - رضي الله عنه -، وعن النخعي. وقال مالك وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة. مج ج 8 ص 325. شرح ج 13 ص 134. باب في ادخار لحوم الأضاحي مسألة (782) عامة أهل العلم على جواز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ونهى عن ذلك عليٌّ وابن عمر رضي الله تعالى عنهما (¬2). مغ ج 11 ص 110. شرح ج 13 ص 129. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 15 ص 119. (¬2) انظر الحاوي ج 15ص 115. فائدة: قلت: وأما الادخار فيما تخرجه أرض فلان من الزرع والثمر مما يجف وييبس ويصلح أن يدخر فالإجماع على جوازه إذا أخرج منه حق الفقراء على اختلاف المذاهب فيما تجب فيه الزكاة من الزرع والثمار وهذا عند وقت وجوب إخراجها، وأما الادخار فيما يشتريه الرجل من السوق فيجوز ولو كان من الأقوات إن لم يكن بالمسلمين والناس شدة وحاجة بأن كان اشترى وادخر ما لا يضيق به على الناس وهذا الذي ذكرناه أخيرًا حكاه القاضي عياض عن أكثر العلماء ونقله عنه النووي وحكى القاضي عن جماعة أنهم أباحوا الادخار مطلقًا. انظر. شرح ج 12 ص 70.

فصل في العقيقة وأحكام المولود

فصل في العقيقة وأحكام المولود باب في التسمية بأسماء الأنبياء مسألة (783) مذهب الجمهور بل الجماهير جواز التسمية بأسماء الأنبياء والملائكة وروي عن عمر بن الخطاب النهي عن التسمية بأسماء الأنبياء. وروي عن الحارث بن مكين قاضي مصر كراهية التسمية بأسماء الملائكة. وروي عن مالك كراهة التسمية بجبريل وياسين. مج ج 8 ص 334. باب فيما تجزئ به العقيقة من الأنعام مسألة (784) جمهور العلماء على أن ما يجزئ به العقيقة من الأنعام هو ما يجزئ به الضحايا من الإبل والبقر والغنم. قال ابن رشد: وأما مالك: فاختار فيها الضأنَ على مذهبه في الضحايا قال ابن رشد: واختلف قوله: هل يجزئ فيها الإبل والبقر أو لا يجزئ (¬1). بداية ج 1 ص 609. باب في الفرع والعتيرة مسألة (785) مذهب الجماهير من العلماء أن الأمر بالفرع والعقيرة منسوخ وأنها غير مشروعة. نقل هذا عن جماهير العلماء القاضي عياض. وذهب الشافعي إلى أن الذي نسخ هو وجوبها أما استحبابها أو جوازها فلم يزل. وكان ابن سيرين يذبح العقيرة في رجب (¬2). مج ج 8 ص 342 مغ ج 11 ص 125 شرح ج 13 ص 137. باب في العقيقة هل تجب؟ مسألة (786) جمهور العلماء على أن العقيقة مستحبة غير واجبة، وهو مذهب الشافعي. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 15 ص 128. (¬2) انظر الحاوي ج 15ص 131. قلت: أما العتيرة فهي الذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في العشر الأول من رجب وتسمى الرجبية وأما الفرع فهو نتاج الأنعام وقيل غير ذلك انظر. شرح ج 13 ص 136.

باب في فوات العقيقة

وبه قال مالك وأبو ثور وأحمد في الصحيح المشهور عنه. وقالت طائفة: هي واجبة: وهو قول بريدة بن الخصيب والحسن البصري وأبي الزناد وداود الظاهري وأحمد في روايةٍ. وقال أبو حنيفة: ليست بواجبة ولا سنة بل هي بدعة (¬1). قال الشافعي: أفرط في العقيقة رجلان، رجل قال: إنها واجبة، ورجل قال: إنها بدعة. مج ج 8 ص 344 مغ ج 11 ص 119 بداية ج 1 ص 608. باب في فوات العقيقة مسألة (787) جمهور العلماء على أن العقيقة يستحب أن تكون يوم السابع ولا تفوت بفوات اليوم السابع للمولود. وهو مذهب الشافعي. وبه قالت عائشة وعطاء وإسحاق. وقال مالك: تفوت (¬2). مج ج 8 ص 345 بداية ج 1 ص610. مع ج 11 ص 121. باب في العقيقة عن الغلام بشاتين وعن الأنثى بشاة مسألة (788) مذهب الجمهور من العلماء أنه يستحب أن يعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاةً، وهو مذهب الشافعي، وبه قال ابن عباس وعائشة وأحمد وإسحاق وأبو ثور. والجمهور على أنها مستحبة عن الصغير فقط. وقال ابن المنذر: وكان ابن عمر: يعق عن الغلام والجارية شاةً شاةً، وبه قال أبو جعفر (¬3) ومالك وقال الحسن وقتادة: لا عقيقة عن الجارية. ¬

_ (¬1) قال الموفق في المغني: وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية. مغ ج 11 ص 120. قلت: الثابت عن أبي حنيفة أن العقيقة كانت في الجاهلية ثم أقرت في الإِسلام ثم نسخ حكمها وصار التصدق عن المولود هو المعمول به عوضًا عن الذبح ويستند في ذلك إلى اخبار وآثار وأهل المذهب يروون ذلك عن إبراهيم النخعي ومحمد بن الحنفبة. وقد أفاض صاحب إعلاء السنن في هذه المسألة، ومع أن مذهب الجمهور والعامة من أهل العلم ظاهر الوضوح والقوة إلا أنه من المفيد الاطلاع على ما قاله المخالفون لهم من باب الإنصاف والنزاهة العلمية. انظر إعلاء السنن ج 17 ص101. وقد أشار إلى المعنى الذي ذكرته الإِمام الماوردي عندما قال عند ذكره لمذاهب الأئمة في العقيقة: اختلف فيها بعد الإِسلام فذهب الشافعي إلى أنها سنة مندوب إليها. وقال أبو حنيفة: ليست بسنةٍ ولا ندب. وقال الحسن البصري وداود: هي واجبة. قلت: ثم ذكر أدلة مذهب أبي حنيفة وغيره. انظر الحاوي ج 15ص 126. (¬2) انظر الحاوي ج 15 ص 128. (¬3) انظر الحاوي ج 15 ص 127.

باب في تلطيخ المولود بدم العقيقة

قلت: وحكى ابن رشد أن قومًا شذوا وأجازوها عن الكبير. مج ج 8 ص 344 مغ ج 11 ص120. بداية ج 1 ص 609. باب في تلطيخ المولود بدم العقيقة مسألة (789) جمهور الفقهاء على كراهة تلطيخ رأس المولود بدم العقيقة وبه قال الزهري ومالك والشافعي وأحمد وابن المنذر. واستحب الحسن وقتادة ذلك. مغ ج 11 ص 122 بداية ج 1 ص 611. * * *

كتاب النذر

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب النذر

باب في نذر صيام الأيام المنهى عنها

كتاب النذر (¬1) باب في نذر صيام الأيام المنهى عنها مسألة (790) جماهير العلماء على أن نذر صيام الأيام المنهي عن صيامها لا ينعقد ولا يلزم بهذا النذر شيء. وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: ينعقد نذره ولا يصوم ذلك بل يصوم غيره. قال: فإن صامه أجزأه وسقط عنه به فرض نذره. مج ج ص 354. باب في النذر بالمباحات. هل ينعقد؟ مسألة (791) جمهور العلماء على أن من نذر مباحًا فإن نذره لا ينعقد. وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة. وقال أحمد: ينعقد ويلزمه كفارة يمين (¬2). مج ج 8 ص 354 شرح ج 11 ص 96. باب في من نذر أن يعصي الله تعالى مسألة (792) جمهور العلماء على أن نذر المعصية لا ينعقد ولا يلزم من نذره شىء. روى هذا عن مسروق والشعبي. قال الموفق: وهو مذهب مالك والشافعي. وحكاه النووي عن داود. وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والكوفيون: لا يجوز له الوفاء بنذره ويلزمه كفارة يمين. حكاه عنهم ابن رشد وبه قال أحمد في رواية. وروى نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران بن حصين وسمرة بن حندب. ¬

_ (¬1) أجمع العلماء في الجملة على مشروعية النذر وعلى وجوب الوفاء به، واختلفوا هل هو مما يستحب ويرغب فيه أم إنه لا يستحب أو يكره؟ انظر مغ ج 11 ص 331. مج ج 8 ص 347 وانظر شرح ج 11 ص 97. (¬2) راجع مغ ج 11 ص 336.

باب في هل يشترط في النذر صيغة معينة

واختلف فيه عن أصحاب الشافعي فذهب أكثرهم مذهب الجمهور وهو اختيار النووي. وذهب بعضهم إلى أنه ينعقد ويلزمه كفارة. واختاره الإِمام أبو بكر البيهقي (¬1). بداية ج 1 ص 558 شرح ج 11 ص 96، 101. باب في هل يشترط في النذر صيغة معينة مسألة (793) جمهور أهل العلم على أن النذر ينعقد بكل صيغة أو لفظ يدل على إلزام الناذر بفعل قربة؛ كأن يقول: نذرت لله أو عليَّ لله نذر كذا، أو لله عليَّ كذا أو إن شفى الله مريض فعليّ كذا. وهو مذهب مالك والمعتمد في مذهب أحمد والصحيح في مذهب الشافعي. وروى نحو هذا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما والقاسم بن محمَّد ويزيد بن إبراهيم التيمي. وذهب سعيد بن المسيب فيما حكاه عنه ابن رشد إلى أنه لا ينعقد إلا بصيغة النذر بأن يقول لله عليَّ نذر كذا أو نذرت لله فعل كذا، ونحو ذلك مما فيه التصريح بلفظ النذر. وعن القاسم بن محمَّد مثل هذا، إلا أن الموفق جعل هذا القول مما اختلف فيه عن سعيد والقاسم (¬2). بداية ج 1 ص 557. باب في النذر المطلق مسألة (794) أكثر أهل العلم على أن من نذر التزام طاعة من غير تعليقها بحصول شيء كأن يقول ابتداءً لله عليَّ صوم شهر أنه يلزمه الوفاء به. وبه قال أهل العراق، وهو مذهب أحمد وظاهر مذهب الشافعي. قلت: وهو الأصح في المذهب وذكر النووي وجهًا آخر في المذهب وهو أنه لا يلزمه، وجعله بعضهم قولًا آخر للشافعي -رحمه الله- تعالى (¬3). مغ ج 1 ص 333 بداية ج 1 ص 557. ¬

_ (¬1) انظر مج ج 8 ص 349. مغ ج 11 ص 334. قلت: حكى الموفق الإجماع على عدم حل الوفاء بنذر المعصية. انظر مغ ج 11 ص 334. (¬2) انظر. مغ ج 11 ص 372. مج ج 8 ص 348. (¬3) راجع مج ج 8 ص 355. قلت: هذا النذر يسمى عندهم بالنذر المطلق يعني غير مقيد بشرط حصول كذا وكذا.

باب في النذر المبهم (غير المسمى)

باب في النذر المبهم (غير المسمى) مسألة (795) أكثر أهل العلم على أن من نذر نذرًا مبهمًا دون أن يسميه ففيه كفارة يمين. روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعائشة، وبه قال الحسن وعطاء وطاوس والقاسم وسالم والشعبي والنخعي وعكرمة وسعيد بن جبير ومالك والثوري ومحمد بن الحسن. وهو مذهب أحمد. وقال الشافعي: لا ينعقد نذره ولا كفارة فيه (¬1). مغ ج 11 ص 334 بداية ج 1 ص560. باب فيمن نذر المشي إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو المسجد الأقصى مسألة (796) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من نذر المشي إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو المسجد الأقصى لزمه ذلك. وبه قال مالك والأوزاعي وأبو عبيد وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه. وبه يقول أبو يوسف وقال: وإن صلى في البيت الحرام أجزأه. وقال الشافعي في قوله الآخر: لا يبين لي وجوب المشي إليهما لأن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نفل. وهو قول أبي حنيفة (¬2). مغ ج 3 ص 350. باب في النذر بالمشي إلى غير المساجد الثلاثة مسألة (797) جماهير العلماء على أن من نذر أن يمشي إلى مسجد غير المساجد ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد عن جماعة أن فيه كفارة ظهار، وعن البعض أن فيه أقل ما ينطق عليه اسم القرب كصيام يوم أو صلاة ركعتين، وهو قول الشافعي. انظر بداية ج 1 ص 560. وانظر الحاوي ج 15 ص 501. وانظر شرح ج 11 ص 104. (¬2) لا خلاف يعلم في أن من نذر المشي إلى بيت الله الحرام أن عليه أن يفي بنذره بأداء حج أو عمرة مشيًا فإن عجز عن المشي ركب وكفر (يعني أهراق دمًا كما قال الشافعي). هكذا حكى المسألة الموفق في المغني وحكاها النووي وذكر خلافًا في من قال: لله عليَّ المشي إلى المسجد الحرام عن أبي حنيفة فحصل من هذا أن الكل متفق على أن النذر مشيًا إلى بيت الله الحرام يلزم الوفاء به. وانظر في تفصيل مسائل المشي والصلاة في المسجد الحرام، مع التنبيه على أن النذر بالمشي إلى بيت الله الحرام عند أبي حنيفة يلزم دون النذر في الصلاة في المسجد الحرام؛ لأن المشي عنده يحمل على الحج أو العمرة، وهو نذر يتعلق بما أصله الوجوب في الشرع دون غيره انظر مج ج 8 ص 372 مغ ج 3 ص 345 وانظر. الحاوي ج 15 ص 468، 482.

باب في الوفاء بالنذر عن الميت

الثلاثة، وهي الحرام والمدينة والأقصى؛ لم يلزمه ولا ينعقد نذره. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال أحمد: لا ينعقد نذره ولكن يلزمه كفارة يمين. وقال الليث بن سعد: يلزمه المشي إلى ذلك المسجد. وقال محمَّد بن مسلمة المالكي: إذا نذر قصد مسجد قباء لزمه. مج ج 8 ص 377 مغ ج 11 ص350 بداية ج 1 ص 562. باب في الوفاء بالنذر عن الميت مسألة (798) جمهور أهل العلم على أن من مات وكان قد نذر نذرًا ماليًّا (¬1) ولم يترك تركة (مالًا) أو كان نذرًا غير مالي، فإنه لا يجب على الورثة الوفاء بذلك ولكن يستحب. وهو مذهب الشافعي. وقال أهل الظاهر: يجب الوفاء بالنذر عن الميت في الحالين. حكاه عنهم النووي. شرح ج 11 ص 97. * * * ¬

_ (¬1) كأن ينذر أن يتصدق بكذا على الفقراء مخصوصين أو غير مخصوصين. وغير المال كأن ينذر أن يمشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة أو أن يصوم كذا وكذا.

كتاب الأطعمة

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الأطعمة

باب في لحوم الخيل

كتاب الأطعمة باب في لحوم الخيل مسألة (799) أكثر العلماء على جواز أكل لحم الخيل بدون كراهة، وهو مذهب الشافعي، وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وداود. وحكاه الموفق عن ابن سيرين وابن المبارك وسعيد بن جبير وأبي ثور. وكرهها طائفة، منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة. قال أبو حنيفة: يأثم بأكله ولا يسمى حرامًا (¬1). وحكى الموفق كراهتها عن الأوزاعي وأبي عبيد. مج ج 9 ص 5 قرطبي ج 10 ص 76. شرح ج 13 ص 95. باب في لحوم الحمر الأهلية. هل أباحها أحد؟ مسألة (800) جماهير العلماء من السلف والخلف على تحريم لحوم الحمر الأهلية. وهو مذهب الشافعي. قال الخطابي: هو قول عامة العلماء: قال: وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس رواه عنه أبو داود في سننه. قال النووي: ورواه عن ابن عباسٍ البخاريُّ في صحيحه. قال النووي: وعند مالك ثلاث روايات في لحمها، أشهرها أنه مكروه كراهة تنزيه شديدة، والثانية حرام، والثالثة مباح. وحُكِي عن عائشة إباحتها. ذكره ابن رشد ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 11 ص 69. وقال سعيد بن جبير. ما أكلت شيئًا أطيب من معرفة برذون. انظر مغ ج 11 ص 69. وانظر هذه المسألة بداية ج 1 ص 618. الحاوى ج 15 ص 142. قال الإمام الكبير أبو جعفر أحمد الأزدي المصريُّ الطحاويُّ بعدما نقل الأخبار والآثار في المسألة وبعدما حكى عن أبي حنيفة -رحمه الله- تحريمها (الخيل) وعن أبي يوسف ومحمد الإباحة قال -رحمه الله-: ولو كان ذلك مأخوذًا من طريق النظر لما كان بين الخيل الأهلية والحمر الأهلية فرق، ولكن الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صحت وتواترت أولى أن يقال بها من النظر ولا سيما إذ قد أخبر جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في حديثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح لهم لحوم الخيل في وقت مَنْعِهِ إياهم من لحوم الحمر الأهلية فدل ذلك على اختلاف حكم لحومها. انظر معاني ج 4 ص 211.

باب في ألبان الحمر الأهلية

والموفق. وقال به عكرمة وأبو وائل (¬1). مج ج 9 ص 6. مغ ج 11 ص 65. بداية ج 1 ص 618. الحاوي 15 ص 141. شرح ج 13 ص 91. باب في ألبان الحمر الأهلية مسألة (801) أكثر أهل العلم على تحريم ألبان الحمر الأهلية ورخص فيها عطاء وطاوس والزهري. مغ ج 11 ص 66. باب في لحوم البغال مسألة (802) لحم البغل لا يجوز أكله في مذهب العلماء كافةً إلا ما روي عن الحسن أنه أباحه (¬2). مج ح 9 ص 8 مغ ج 11 ص 66. بداية ج 1 ص 618. الحاوي ج 15 ص 143. باب في لحوم الكلاب. هل قال أحد بجوازها؟ مسألة (803) جماهير العلماء على تحريم لحوم الكلاب. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد. وروى عن مالك إباحة لحم الجرو (يعني الكلب الصغير) (¬3). مج ج 9 ص 8. ¬

_ (¬1) انظر معاني الآثار ح 4 ص 210. قلت: قال ابن عبد البر: لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها. حكاه عنه الموفق. مغ ج 11 ص 65. قلت وذكر الإجماع على تحريم الحمر الأهلية القرطبي. انظر ج 7 ص 119 وأما الحمر الوحشية فجائزة بالاتفاق. انظر مج 9 ص 9. مغ ج 11 ص 69. (¬2) انظر قرطبي ج 15 ص 78. (¬3) ذكر ابن رشد مسألة الأمر بقتل الفواسق ومنها الكلب العقور. وقال إن هناك من فهم الأمر بالقتل تحريم أكلها وهو مذهب الشافعي وهناك من فهم الأمر بقتلها معنى التعدي فيها. قال: وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وجمهور أصحابهما. انظر بداية ج 1 ص 619. وانظر ذكره لتحريم الكلب عند الشافعي ج 1 ص 616. قلت: وهي لفته ذكية من ابن رشد -رحمه الله- يومئ فيها إيماء لما حكى عن مالك في إباحة لحوم الكلاب مع التنبيه أن مذهب أبي حنيفة وأصحابه تحريم لحوم الكلاب. وقد حكى بالتصريح إباحة لحوم الكلاب عن مالك الإِمام الماوردي ولم أر من صرح بالرواية عن مالك صريحًا من إباحة لحم الكلاب خاصة، وإنما المروي عنه والثابت روايتان قال -رحمه الله-: الأولى وهي في الموطأ في تحريم السباع والحمير والبغال قال القرطبي: وهو الصحيح من قوله -رحمه الله-: وقال مرة: =

باب في لحم القط الأهلي

باب في لحم القط الأهلي مسألة (804) جمهور العلماء على تحريم السنور (القط) الأهلي، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد. وذهب الليث إلى إباحته وقال مالك: يكره، واختلف في معنى الكراهة عنده (¬1). مج ج 9 ص 8. باب في أكل الضَّب مسألة (805) جمهور العلماء على إباحة أكل الضب، وبه قال مالك والشافعي وأحمد والليث وابن المنذر. وقال بكراهته أصحاب أبي حنيفة. ونقل صاحب البيان عن أبي حنيفة تحريمه. وبه قال الثوري (¬2). مج ج 9 ص 11 مع ج 11 ص 81. شرح ج 13 ص 97. ¬

_ = هي مكروهة، وهو ظاهر المدونة. لظاهر الآية (يعني قوله تعالى) في سورة الأنعام: {قُلْ لَا أَجِدُ} آية 145. ونقل القرطبي عن مالك أنه قال: لا حرام بَيِّنٌ إلا ما ذكر في هذه الآية. قال القرطبي: وقال ابن خويز منداد: تَضَمَّنتْ هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره إلا ما استثنى في الآية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير. ولهذا قلنا (القائل ابن خويز منداد): إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح. اهـ وذكر العلامة الدردير الكلب ضمن ما يكره وجعله القول الأصح في المذهب قال: وقيل بالحرمة في الجميع (يعني جميع ما ذكره من الحيوان المكروه بما فيه الكلب). قال الصاوي في حاشيته: روى المدنيون عن مالك تحريم كل ما يعدو من هذه الأشياء كالأسد أو النمر والثعلب والكلب (يعني الكلب الذي يتعدى على الناس وهو الكلب العقور) وما لا يعدو يكره أكله ولكن المشهور الأول الذي مشى عليه شارحنا، وقد علمت أن في الكلب الإنسي قولين بالحرمة والكراهة وصحح ابن عبد البر التحريم. قال: ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلاب اهـ. انظر الشرح الصغير بحاشية الصاوي ج 2 ص 186 وانظر قرطبي ج 7 ص 116، 117 ج 6 ص66. وانظر الحاوي ج 15 ص 135. قرطبي ج 7 ص 122. قلت: وقد أطلت قليلًا في هذا المقام لأن من بين مقاصد هذه الموسوعة المباركة إن شاء الله تعالى التوثق في النقل عن الأئمة -رحمهم الله تعالى- لا فرق عندنا في ذلك بين مكى ومدني وكوفي وشامي أو مصري فكلهم سواء في الحب والتقدير والاعتراف لهم بالجميل -رحمهم الله تعالى- وجمعنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار كرامته آمين. (¬1) راجع مغ ج 11 ص 67. الحاوي ج 15 ص140. انظر. بداية ج 1 ص 161. قرطبي ج 7 ص 121. (¬2) انظر. قرطبي ج 7 ص 120. بداية ج 1 ص617. الحاوي ج 15 ص 138. التمهيد ج 1 ص 156 تنبيه: يوجد نقص في البداية عند الحديث على أكل الضب. فلينظر هناك ج 1 ص 617.

باب في القنفذ

باب في القُنفذ مسألة (806) جمهور العلماء على أن القنفد حلال أكله من غير كراهة، وبه قال مالك والشافعي والليث وأبو ثور. وقال أحمد: يحرم. وهو قول أبي هريرة. حكاه عنه الموفق وحكي عن مالك كراهته. وقال أصحاب أبي حنيفة: يكره. ونقل صاحب البيان عن أبي حنيفة تحريمه. قلت: والصحيح عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن الكراهة دون التحريم (¬1). مج ج 9 ص 11. باب في اليربوع مسألة (807) جمهور العلماء على إباحة أكل اليربوع من غير كراهة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وهو قول عروة وعطاء الخراساني وأبي ثور وابن المنذر. وقال أصحاب أبي حنيفة: يكره. ونقل صاحب البيان عن أبي حنيفة تحريمه (¬2). مج ج 9 ص11. باب في لحوم السباع. هل أباحها أحد؟ جمهور العلماء على تحريم أكل السباع التي تتقوى بنابها كالأسود والنمور والذئاب والفهود وغيرها. وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وداود. وقال مالك: تكره ولا تحرم. وقال الشعبي وسعيد بن جبير وبعض أصحاب مالك: هو مباح (¬3). مج ج 9 ص 14 مغ ج 11 ص 66. باب في القرد. هل يجوز أكله؟ مسألة (808) جمهور العلماء بل عامتهم على تحريم أكل القرد. وحكى ابن عبد البر أنه لا خلاف في أنه لا يؤكل ولا يباع. قال: وما علمت أحدًا رخص في أكله إلا ما ¬

_ (¬1) انظر. قرطبي ج 7 ص120. الحاوي ج 15 ص 140. مغ ج 11 ص 65. معاني الآثار ج 4 ص 200. (¬2) انظر. قرطبي ج 7 ص 120. بداية ج 1 ص 616. الحاوي ج 15 ص 139. مغ ج 11 ص 70. (¬3) انظر. قرطبي ج 7 ص 121. بداية ج 1 ص 617. الحاوي ج 15 ص 137. قلت: والذي نقله ابن عبد البر عن مالك أنها لا تؤكل مطلقًا. انظر. التمهيد ج 1 ص 154.

باب في أكل الأرنب. هل كرهه أحد؟

ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب. سئل مجاهد عن أكل القرد؟ فقال: ليس من بهيمة الأنعام. حكى هذا القرطبي. وحكى الموفق كراهة أكله عن عمر وعطاء ومكحول والحسن ولم يجيزوا بيعه. وقال القرطبي: ذكر ابن المنذر أنه قال: روينا عن عطاء أنه سئل عن القرد يقتل في الحرم؛ فقال: يحكم به ذوا عدل. قال (ابن المنذر): فعلى مذهب عطاء يجوز أكل لحمه لأن الجزاء لا يجب على من قتل غير الصيد (¬1). وحكاه النووي عن مالك وجمهور أصحابه. قرطبي ج 7 ص 121 بداية ج 1 ص 616. باب في أكل الأرنب. هل كرهه أحد؟ مسألة (809) جمهور العلماء على إباحة أكل الأرنب وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد. وروي عن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى أنهما كرهاها (¬2). مج ج 9 ص 14 مغ ج 11 ص70 قرطبي ج 7 ص 123. شرح 13 ص150. باب في لحوم جوارح الطير مسألة (810) أكثر أهل العلم على تحريم كل ذي مخلب من الطير وهي التي تصيد ¬

_ (¬1) انظر. مغ ح 11 ص 67. مج ح 9 ص14. وانظر التمهيد ج 1 ص 157. الإشراف ج 2 ص 328 فائدة: شُنِّعَ على الشافعي -رحمه الله- تعالى لقوله بإباحة أكل الضَّبُع وأنها صَيدُ وقد ظن كثير من الناس أنه -رحمه الله- انفرد بهذا القول وليس هذا بصحيح. قال الإِمام النووي -رحمه الله-: الضبع والثعلب مباحان عندنا، وعند أحمد وداود وحرمهما أبو حنيفة وقال مالك: يكرهان. قال النووي: وممن قال بإباحة الضبع عليُّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وخلائق من الصحابة والتابعين وممن أباح الثعلب طاوس وقتادة وأبو ثور. وقال الموفق ابن قدامة -رحمه الله-: فأما الضبع فرويت الرخصة فيها عن سعد (بن أبي وقاص) وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق وقال عروة: ما زالت العرب تأكل الضبع ولا ترى بأكلها بأسًا. قال -رحمه الله-: وقال أبو حنيفة والثوري ومالك هو (يعني الأكل) حرام وروى نحو ذلك عن سعيد بن المسيب. انظر مج ج 9 ص 9. مغ ج 11 ص 82. التمهيد ج 1 ص 156. الحاوي ج 15 ص 137. قرطبي ج 7 ص 121. قلت وإلى تحريم الضبع ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن. انظر معاني الآثار ج 4 ص 191. (¬2) انظر الحاوي ج 15 ص 139.

باب في الجراد وكيف يحل أكله

بمخلبها وتتقوى به. وبه قال الشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأحمد وداود (¬1). وقال مالك والليث والأوزاعي ويحيى بن سعيد: لا يحرم من الطير شيء. قال مالك: لم أر أحدًا من أهل العلم يكره سباع الطير. مغ ج 11 ص 68. شرح ج 13 ص 82. باب في الجراد وكيف يحل أكله مسألة (811) جماهير العلماء من السلف والخلف على إباحة أكل الجراد كيفما مات، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومحمد بن عبد الحكم الأبهري المالكيان. وقال مالك: لا يحل إلا إذا مات بسبب خارج عنه، فإن مات حتف أنفه لم يؤكل. وعن أحمد كذلك أنه إذا قتله البرد لا يؤكل، وعنه كذلك (¬2) إذا مات بغير سبب لا يؤكل، وروي هذا عن سعيد بن المسيب. قرطبي ج 7 ص 269. بداية ج 1 ص 583. شرح ج 13 ص 103. باب في المتوحش من الحيوان إذا صار أهليًا. هل يحرم؟ مسألة (812) مذهب العامة من أهل العلم في المتوحش من الحيوان الذي يؤكل إذا تأهَّل واستأنس فإنه يبقى على أصله في الحل وكذلك الأهلي إذا توحش إذا كان لا يحل أكله فإنه يبقى على أصله في التحريم. وروى عن طلحة بن مصرف قال: إن الحمار الوحشي إذا أنس واعتلف فهو بمنزلة الأهلي. قال أحمد -رحمه الله- تعالى: وما ظننت أنه روى في هذا شىِء وليس الأمر عندي على ما قال. قال الموفق: وأهل العلم على خلافه لأن الظباء إذا تأنست لم تحرم والأهلي إذا توحش لم يحل، ولا يتغير منها شيء عن أصله وما كان عليه. ¬

_ (¬1) راجع مج ج 9 ص 20. الحاوى ج 15 ص 144. قرطبي ج 7 ص 121. قلت: هذه من المسائل التي تعارض فيها النقل عن الجمهور. فقد حكى ابن رشد أن الجمهور على إباحة أكل سباع الطير. انظر بداية ج 1 ص 617. (¬2) حكى القرطبي اتفاق العلماء في الجملة على حل أكل الجراد، وإنما اختلفوا في كيف يحل أكله على النحو الذي ذكرناه في مسألة الكتاب. انظر قرطبي ج 7 ص 268 وانظر الحاوي ج 15 ص 59. وحكى الماوردي عن مالك في الجراد أنه لا يؤكل حتى يقطف رأسه. انظر الحاوي ج 15 ص 64 ومن الأسباب التي تحل أكله عند من اشترط ذلك أن يسلق أو يشوي أو يقطع بعضه أو يلقى في النار حيًا. انظر شرح ج 13 ص 104.

باب في الزرع والثمر يسمد بالنجاسات. هل يؤكل؟

قال عطاء في حمار الوحش إذا تناسل في البيوت: لا ترول عنه أسماء الوحش. مغ ج 11 ص 69. باب في الزرع والثمر يُسَمَّدُ بالنجاسات. هل يؤكل؟ مسألة (813) أكثر الفقهاء على أن الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات أو سمِّدت بها فإن أكلها جائز. وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وكان سعد بن أبي وقاص يدمل أرضه بالعرة ويقول مكتل عرة مكتل بر. قال الموفق: والعرة عذرة الناس. وذهب الموفق في المغني إلى التحريم وانتصر له وجعله القول المفتى به في مذهب أحمد -رحمه الله- تعالى (¬1). مغ ج 11 ص 73. باب في تحريم مال الغير مسألة (814) جمهور العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يأكل من مال أحد إلا بإذنه إلا أن يكون مضطرًا فيأكل بقدر ضرورته وسواء كان هذا المال ثمرًا أو زرعًا أو لبنًا وسواء كان هذا المال في بستان أو أرض بحائط أو بغير حائطٍ. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وداود رحمهم الله تعالى (¬2). وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: إذا اجتاز به وفيه فاكهة رطبة وليس عليه حائط جاز الأكل منه من غير ضرورة ولا ضمان عليه عنده في أصح الروايتين، وفي الرواية الأخرى يباح له ذلك عند الضرورة ولا ضمان. مج ج 9 ص 46 مغ ج 11 ص 76. شرح ج 12 ص 29. ¬

_ (¬1) انظر مج ج 9 ص 24. فائدة: قال الموفق ابن قدامة: وسألوا أحمد عن الزرافة تؤكل؟ قال: نعم. وهي دابة تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه وأعلى منه ويداها أطول من رجليها. اهـ قلت: الصحيح أن يدي الزرافة كرجليها طولًا مع أن الناظر إليها يحسب خلاف ذلك. وذلك لضخامة ما اتصل بيديها بالنسبة لما اتصل برجليها. انظر مغ ج 11 ص 69. (¬2) الذي حكاه الموفق في المغني عن الجمهور يشعر أنه خلاف هذا الذي نقله عنهم الإِمام النووي إذ إن عبارة الموفق هكذا "قال أكثر الفقهاء: لا يباح الأكل في الضرورة" وعندي أن هذا لا يصح لأن الضرورة التي حدها الخوف على النفس محل اتفاق بين الفقهاء فلعل هناك سقط وأصل العبارة هكذا "لا يباح الأكل إلا في الضرورة" وهذا ظاهر من حكايته لأقوال العلماء والله تعالى أعلم. وانظر في المسألة. الحاوي ج 15 ص 171.

باب في الضيافة. هل هي واجبة؟

باب في الضيافة. هل هي واجبة؟ مسألة (815) جمهور العلماء على أن الضيافة على المسلم للمسلم سنة مستحبة غير واجبة، ويستوي في ذلك أهل البوادي وأهل المدن. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي. وقال الليث بن سعد وأحمد بن حنبل: هي واجبة يومًا وليلةً، قال أحمد: هي واجبة يومًا وليلة على أهل البادية وأهل القرى دون أهل المدن (¬1). مج ج 9 ص 48. شرح ج 12 ص 30. باب في كسب الحَجَّام مسألة (816) جماهير العلماء على أن كسب الحجام جائز للأحرار والعبيد، مع استحباب التنزه عنه. وهو مذهب الشافعي. وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. وقال أحمد في رواية ضعيفة عنه وفقهاء المحدثين: يحرم على الأحرار دون العبيد. حكى هذا القول عن هؤلاء النووي -رحمه الله- تعالى (¬2). مج ج 9 ص 50. شرح ج 10 ص 233. باب في الشحوم المحرمة على اليهود مسألة (817) جماهير العلماء على أن الشحوم التي كانت محرمة على اليهود جائزة وحلال أكلها من غير كراهة. وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وبعض أصحاب أحمد وهو قول الخرقي منهم. وقال العبدري: وقال مالك: هي مكروهة ليست محرمة، وقال ابن القاسم أشهب وبعض أصحاب أحمد: هي محرمة وقيل: إنه مروي عن مالك أيضًا. وقال القاضي عياض: هذا قول كبراء أصحاب مالك. قلت: وجزم ابن رشد بنقل القولين عن مالك أعني الكراهة والتحريم. مج ج 9 ص 61 بداية ج 1 ص 593. شرح ج 12 ص 102. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 11 ص 90. (¬2) انظر الحاوي ج 15 ص 152. معاني الآثار ج 4 ص 132. بداية ج 2 ص 270. قال ابن المنذر: فروينا عن عثمان بن عفان وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أنهما كرهاه وكره ذلك الحسن البصري والنخعي. وقال أحمد: نحن نعطه كما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يرخص فيه ابن عباس وقال: أنا آكله. وبه قال عكرمة والقاسم وأبو جعفر وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك. وقال عطاء: لا بأس بكسب الحجام بالجلَمَيِنْ (المقراض). قلت وإلى جوازه ذهب ابن المنذر. انظر. الأشراف ج 1 ص 248.

كتاب الصيد والذبائح

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الصيد والذبائح

فصل في التذكية وأحكامها

كتاب الصيد والذبائح فصل في التذكية وأحكامها باب في صيد المجوسي للجراد مسألة (818) جمهور العلماء على إباحة ما صاده المجوسي من جراد، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال الليث ومالك: لا يؤكل ما صاده من الجراد. بخلاف السمك. قلت: أما السمك فذكر النووي إجماع العلماء على جواز أكل ما صاده المجوسي (¬1). مج ج 9 ص 63 مغ ج 11 ص 38. باب في السمك الطافي مسألة (819) جمهور العلماء على إباحة أكل ميتة السمك الطافي، وهو الذي مات حتف أنفه. وبه قال أبو بكر الصديق وأبو أيوب الأنصاري وعطاء بن أبي رباح ومكحول والنخعي وأبو ثور ومالك والشافعي وأحمد وداود وغيرهم. وقال ابن عباس وجابر بن عبد الله وجابر بن زيد وطاوس وأبو حنيفة: لا يجوز وكرهه ابن سيرين (¬2). مج ج 9 ص 27 - 63. الحاوي ج 11 ص 64 شرح 13 ص 86. باب في ذبيحة الأقلف مسألة (820) جماهير العلماء على جواز ذييحة الأقلف وهو الذي لم يختتن. قال ابن المنذر: وبه قال عوام أهل العلم من علماء الأمصار قال: وبه نقول. قال ابن المنذر: وقال ابن عباس: لا يؤكل وهو إحدى الروايتين عن الحسن البصري. مج ج 9 ص 67. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 15 ص 64. (¬2) راجع مغ ج 11 ص 40.

باب في ذبيحة السارق ونحوه

باب في ذبيحة السارق ونحوه مسألة (821) جمهور العلماء على جواز أكل ذييحة السارق والغاصب وسائر من تعدى بذبح مال غيره، وبه قال الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة ومالك وأبو حنيفة والشافعي. وقال طاوس وعكرمة وإسحاق بن راهويه: يكره. وحكاه ابن رشد عن إسحاق وداود. مج ج 9 ص 68. بداية ج 1 ص 594. شرح ج 13 ص 145. باب في ذبائح أهل الكتاب مسألة (822) جمهور العلماء على جواز ذبيحة أهل الكتاب ولو لم يذكروا اسم الله عليه، وبه قال علي بن أبي طالب والنخعي وحماد بن سليمان وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. قال ابن المنذر: فإن ذبحوا على صنم أو غيره لم يحل. قال ابن المنذر: وقال عطاء: إذا ذبح النصراني على اسم عيسى فكُلْ قد علم الله أنه سيقول ذلك، وبه قال مجاهد ومكحول (¬1). وقال أبو ثور: إذا سموا الله تعالى فكل وإن لم يسموه فلا تأكل وحكى مثله عن عليٍّ وابن عمر وعائشة. مج ج 9 ص 68. الحاوي ج 15 ص 94. شرح ج 12 ص 102. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 11 ص 56. قلت: الخلاف في مسمى أهل الكتاب، ومن هم على الحقيقة مشهور بين الفقهاء خاصة والعلماء عامة. وقد ذكر الماوردي شيئًا من هذا الخلاف والتفصيل فذكر ما حاصله أن اليهود والنصارى قسمان: قسم من بني إسرائيل يهودًا كانوا أو نصارى اعتقادهم يوافق ما كان قبل التبديل ولا يقولون بأن العزير والمسيح هما ابنا الله قلت: وهذا القسم لا خلاف في جواز أكل ذبائهم وهم المعنيون عند طائفة من العلماء بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}. وقسم دخلوا في اليهودية والنصرانية بعد التبديل كنصارى العرب ومن جرى مجراهم. قال الماوردي: فذبائحهم حرام لا تحل لسقوط حرمتهم. القسم الثالث: بنو إسرائيل من اليهود والنصارى إذا قالوا بأن العزير والمسيح هما ابنا الله، فهذا الذي وقع فيه الخلاف، أكثر العلماء على حل ذبائحهم لعلم الله تعالى أنهم يقولون هذا، وقالت طائفة: لا تحل ذبائحهم لأنهم مشركون. انظر الحاوي ج 15 ص 93. قلت: حكى ابن رشد الإجماع على جواز أكل ذبائح أهل الكتاب في الجملة وثم ذكر تقييد هذا الإجماع بأن كانوا من غير نصارى بني تغلب ولا مرتدين وسموا الله على ذبائحهم وليست محرمة عليهم في التوراة ولا حرموها على أنفسهم ما سوى الشحم. انظر بداية ج 1 ص 591. وحكى الإجماع على جواز أكل ذبائح أهل الكتاب ابن قدامة ونقله عن ابن المنذر وأنه لا فرق بين حربي وذمي ولا فرق بين الكتابي وغيره إلا ما كان من الاختلاف في نصارى بني تغلب. قلت: ومحل هذا الإجماع الذي ذكره ابن قدامة هو إذا استوفى الشروط والقيود التي ذكرها ابن رشد وهذا ظاهر من المسائل التي ذكرها بعد ذلك الموفق نفسه، فظهر بهذا أن الإجماع المذكور مقامه ضيق والله تعالى أعلم. انظر مغ ج 11 ص 35، 56. قلت: وممن نقل الإجماع المذكور النووي -رحمه الله-. انظر. شرح ج 12 ص 102.

باب في ذبيحة المرأة والصبي

باب في ذبيحة المرأة والصبي مسألة (823) جمهور العلماء بل عامتهم على جواز ذبيحة المرأة وجمهورهم على جواز ذبيحة الصبي العاقل المميز. ولا كراهة في شيء من ذلك. وحكى ابن رشد عن أبي الصعب الكراهة (¬1). بداية ج 1 ص 594. باب في ذبائح أهل الكتاب لكنائسهم مسألة (834) جمهور العلماء على كراهة ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم، وبه قال ميمون بن مهران وحماد والنخعي ومالك والثوري والليث وأبو حنيفة وإسحاق. ورخص فيه أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي والعرباض بن سارية والقاسم بن مخيمرة وحمزة ابن حبيب وأبو مسلم الخولاني وعمرو بن الأسود ومكحول وجبر بن نوف والليث بن سعد (¬2). وقال قوم: هو حرام وحكاه النووي عن جماهير العلماء، وهو مذهب الشافعي، وبه قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: لا نأكله. حكى قول الجمهور ومن تلاهم ابن المنذر -رحمه الله- تعالى. مج ج 9 ص 68. شرح 12 ص 102. ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 15 ص 92. قلت: وقد حكى ابن المنذر الإجماع على حل ذبيحة المرأة والصبي مسلمين كانا أو كتابيين إذا كانا عاقلين، نقله عنه النووي وابن قدامة، فالذي يظهر لي أن مسألة الكتاب في الكراهة لا في أصل الإباحة والله تعالى أعلم. انظر مج ج 9 ص 69. مغ ج 11 ص 55. فائدة: لو أن فلانًا قطع ألية شاة وهي حية، فحكمها حكم ميتتها من أنه لا يجوز أكلها، وهل له أن ينتفع بشحمها في غير أكل ولبس فيه نظر واختلاف. قلت: وما ذكرته أولًا مجمع عليه. انظر. شرح ج 13 ص 145. قال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أهل العلم على أن ما قطع من الأنعام وهي أحياءٌ ميتةٌ (بعني هو ميتة) ويحرم أكل ذلك. قال ابن المنذر: جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قدم المدينة والناس يَجُبُّونَ (يقطعون) أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما قطع من البهيمة وهي حيةٌ فهو ميت". وسئل مالك بن أنس عن قطع ألية الكبش من أصل الذنب، فإنه يكثر لحمه إذا قطع ذلك منه، فقال مالك: لا أرى بذلك بأسًا ولكن لا يؤكل ذلك الذنب. قال ابن المنذر: ولا يجوز عندي قطع شيء من أعضاء البهيمة وهي حية؛ لأن في ذلك تعذيبًا لها. وقد نهي عن تعذيب البهيمة والطير ونهي عن المصبورة. ا. هـ انظر الإشراف ج 2 ص 323. قلت: الحديث الذي ذكره ابن المنذر أخرجه أبو داود وغيره بإسناد فيه مقال لكنه مجمع على معناه. (¬2) راجع مغ ج 11 ص 36. وأما إذا لم يعلم أن أهل الكتاب سموا الله على الذبيحة ولم يعلم أنهم ذبحوها لكنائسهم ونحو ذلك فقد حكى ابن رشد عن الجمهور القول بحل أكلها وقال: ولست أذكر فيه في هذا الوقت خلافًا. انظر بداية ج 1 ص 592 مغ ج 11 ص 57. قلت: الذي يظهر لي أن القائلين بالكراهة عنوا بها ما هو الأقرب إلى المنع من أكلها، وفي هذا توفيق إلى حد بين ما حكاه النووي في التحريم وبين ما ذكرناه عن ابن المنذر والله تعالى أعلم.

باب في ذبائح نصارى بني تغلب

باب في ذبائح نصارى بني تغلب مسألة (825) جمهور أهل العلم على إباحة ما ذبحه نصارى بني تغلب وتنوخ وبهراء، وبه قال ابن عباس والنخعي والشعبي وعطاء الخراساني والزهري والحكم وحماد وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وأبو ثور. وهو الصحيح في مذهب الإِمام أحمد. وقال قوم: هو حرام، وبه قال عليٌّ بن أبي طالب وعطاء وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي. وروي هذا عن مكحول (¬1). مج ج 9 ص 68. بداية ج 1 ص 592. باب في ذبائح المجوس مسألة (836) جمهور العلماء على أن ذبائح المجوس لا تحل للمسلم. وهو مذهب الشافعي، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد ومرة الهمداني والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق. حكي هذا القول عن هؤلاء ابن المنذر، وقال: وروينا عن ابن المسيب أنه قال: إذا كان المسلم مريضًا وأمر مجوسيًّا أن يذبح أجزأه وقد أساء. قلت: وحكى الموفق في المغني عن أبي ثور أنه أباح صيد المجوسي وذبيحته (¬2). قال ابن المنذر: واختلفوا في المجوسي يسمي شيئًا لناره فيذبحه مسلم فكرهه الحسن وعكرمة ورخص فيه ابن سيرين، قال ابن المنذر: يأكلها المسلم إذا ذبحها مسلم وسمى الله تعالى عليها. مج ج 9 ص 68 مغ ج 11 ص 38. بداية ج 1 ص 594. باب في ذبيحة المرتد مسألة (827) أكثر العلماء على تحريم ذبيحة المرتد. وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور. وكره ذلك الثوري. قال ابن المنذر: وكان الأوزاعي يقول في هذه المسألة معنى قول ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 11 ص 36. وانظر الحاوي ج 15 ص 93. (¬2) قال الموفق في المغني: قال إبراهيم الحربي: خرق أبو ثور الإجماع. قال أحمد: ههنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسًا. ما أعجب هذا!! يعرض بأبي ثور. اهـ مغ ج 11 ص 38.

باب في التذكية بسكين مغصوب

الفقهاء أن من تولى قومًا فهو منهم، وقال إسحاق: إن ارتد إلى النصرانية حلت ذبيحته. مج ج 9 ص 69 مغ ج 11 ص 36. بداية ج 1 ص 592. باب في التذكية بسكين مغصوب مسألة (828) مذهب العلماء كافة إلا داود وأحمد في رواية أن التذكية بسكين مغصوب أو مسروق أو كالٍّ جائزة مع الكراهة. وهو مذهب الشافعي. وقال داود وأحمد في رواية: لا تحل الذبيحة. مج ج 9 ص 72. باب في التذكية بالسن والظفر ونحوهما مسألة (829) مذهب الجماهير من العلماء أن التذكية بالسن والظفر وسائر العظام لا تجوز ولا تُحِلُّ الذبيحةَ. وهو مذهب الشافعي، وبه قال النخعي والحسن بن صالح والليث وفقهاء الحديث وأحمد وإسحاق وداود وأبو ثور ومالك في رواية. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجوز الذبح بالظفر والعظم المتصلين ويجوز بالمنفصلين وبه قال مالك في روايةٍ (¬1). وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال: تحصل الذكاة بكل شيء حتى بالسن والظفر وحكى نحو هذا عن ابن جريج. وحكى العبدري عن ابن القصار المالكي أن الظاهر من مذهب مالك إباحة الذكاة بالعظم ومنعه بالسن، قال ابن القصار: وعندي تحصل الذكاة بهما، وعن ابن جريح قال: تذكى بعظم الحمار، ولا تذكى بعظم القرد. مج ج 9 ص 72. شرح ج 13 ص 124. باب فيمن خالف فذبح الإبل ونحر الغنم والبقر مسألة (820) جمهور العلماء على جواز أكل الإبل إذا ذبحت والغنم والبقر إذا نحرت. وهو مذهب الشافعي، قال ابن المنذر: قال بهذا أكثر أهل العلم، منهم عطاء وقتادة والزهري والثوري والليث بن سعد وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال مالك: إن ذبح البعير من غير ضرورة أو نحو الشاة كذلك كره أكلها، وإن ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 11 ص 43. وانظر الحاوي ج 15 ص 28. وانظر بداية ج 1 ص 588.

باب في الذابح يتمادى في الذبح فيقطع رأس الذبيحة

نحر البقر فلا بأس. قال ابن المنذر: وإنما كره مالك ذلك كراهة تنزيه، وقد يكره الإنسانُ الشيء ولا يحرمه. قلت: ونقل ابن رشد الجواز عن جماعة العلماء. قال النووي: وذكر القاضي عياض عن مالك روايةً بالكراهة، وروايةً بالتحريم وروايةً بإباحة ذبح المنحور دون نحر المذبوح. ونقل العبدري عن داود أنه قال: إذا ذبح الإبل ونحر البقر لم يؤكل. مج ج 9 ص 79 مغ ج 11 ص 47. بداية ج 1 ص 584. شرح ج 13 ص 124. باب في الذابح يتمادى في الذبح فيقطع رأس الذبيحة مسألة (831) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المذكي إذا بالغ في تذكية الذبيحة حتى قطع رأسها بِرُمَّتِه فهي حلال. وهو مذهب الشافعي، وحكاه ابن المنذر عن عليِّ بن أبي طالب وابن عمرٌ، وعمران بن الحصين وعطاء والحسن البصري والشعبي والنخعي والزهري وأبي حنيفة وإسحاق وأبي ثور ومحمد. قلت: وبه قال ابن عباس، وكرهها ابن سيرين ونافع. وقال مالك: إن تعمد ذلك لم يأكلها، وهي رواية عن عطاء. وقال سعيد بن المسيب: قد حرمت لأنها ماتت من مبيح وحاظر. حكاه عنه الماورديُّ (¬1). باب في المنخنقة ونحوها تدرك وفيها حركة المذبوح مسألة (822) مذهب الجمهور من العلماء أن المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إذا أدركها الذابح ولم ييق فيها إلا حركة المذبوح فلا تحل. وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي. وقال أبو حنيفة وداود: إذا ذكاها قبل أن تموت حلت، ولم يفصلا. قال ابن المنذر: روينا عن عليٍّ - رضي الله عنه - إن أدركها وهي تحرك يدًا أو رجلًا فذكاها حلَّت قال: وروى معنى ذلك عن أبي هريرة والشعبي والحسن البصري وقتادة ومالك. وقال الثوري: إذا أخرق السبع بطها وفيها الروح فذبحها فهي ذكية، وبه قال ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 11 ص 53. وانظر الحاوي ح 15 ص 98. وانظر مسألة تمادي الذابح في الذبح حتى يقطع النخاع في بداية ح1 ص 587.

باب في نحر الإبل قائمة

أحمد وإسحاق. قال الليث: إن ركضت عند الذبح فلا بأس بأكلها (¬1). مج ج 9 ص 81. باب في نحر الإبل قائمة مسألة (833) مذهب العلماء كافة إلا ما سنذكره أن نحر الإبل قائمة هو المسنون والأفضل. وهو مذهب الشافعي. وقال الثوري وأبو حنيفة: نحرها قائمة وباركة سواء، ولا فضيلة في واحد منهما. وحكى القاضي عياض عن عطاء أن نحرها باركة معقولة أفضل من قائمة. مج ج 9 ص 81. باب في أكل ما ذكي إذا ترك توجيهه إلى القبلة مسألة (834) أكثر أهل العلم على أنه لا كراهة في أكل ما ذكى إذا لم يوجه إلى القبلة اثناء تذكيته مع استحباب جميعهم ذلك (¬2). وكره ابن عمر وابن سيرين أكل ما ذبح لغير القبلة. مغ ج 11 ص 46. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 579 وانظر مغ ج 11 ص 61. قلت: وأما الشاة ونحوها إذا مرضت وأشرفت على الموت فأدركها صاحبها فذكاها فلا بأس بأكلها. ذكر هذه المسألة النووي وابن قدامة وابن رشد وغيرهم، وبين النووي -رحمه الله- الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الكتاب بأن الشاة المريضة يجوز أكلها بلا خلاف (يعني في المذهب) لأنه لا يوجد سبب لهلاكها يحال عليه فإذا ذكيت حَلَّتْ، بخلاف الموقوذة ونحوها فإن سبب الهلاك فيها يمنع الذكاة فإذا لم ييق فيها إلا حركة المذبوح أحيل سبب هلاكها على الحاظر وهو الوقذ أو النطح. وقد حكى ابن رشد هذه المسألة ونسب إلى الجمهور القول بالحل. انظر بداية ج 1 ص 581 وانظر مج ج 9 ص 77. مغ ج 11 ص 62. قلت: وأجمعوا على أن الذابح إذا قطع المرئ والحلقوم والودجين فقد حلَّتْ الذبيحة وصارت مُذَكَّاة. واختلفوا فيما لو اقتصر على بعض هذه العروق دون بعض على مذاهب. الأول: يجب قطع الجميع. وبه قال الليث وأبو ثور وداود وابن المنذر. والثاني: يجب قطع ثلاثة من غير تعيين. وبه قال أبو حنيفة. الثالث: يجب قطع الحلقوم والودجين ولا يشتترط قطع المرئ. وبه قال مالك. والليث في روايةٍ. وعن مالك رواية أنه يكفي قطع الودجين. ورواية أخرى يجب قطع الأربعة. الرابع: يجب قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية. وبه قال أبو يوسف. وعنه رواية أخرى كأبي حنيفة ورواية يجب قطع الحلقوم والمرئ واحد الودجين. الخامس: يجب قطع الأكثر من كل عرق من هذه الأربعة فإن فعل حل وإلا فلا. وبه قال محمَّد بن الحسن. السادس: يجب قطع الحلقوم والمرئ وحسب. وأما الودجان فيستحب ولا يجب، وبه قال الشافعي رحمهم الله تعالى جميعًا. انظر. شرح ج 13 ص 124. بداية ج 1 ص 585. (¬2) راجع مج ج 9 ص 75. وانظر الحاوي ح 15 ص 94. بداية ج 1 ص 590.

باب في الذبيحة المذكاة تقع في الماء وفيها بقية رمق

باب في الذبيحة المذكاة تقع في الماء وفيها بقية رمق مسألة (835) أكثر الفقهاء على أن من ذكى ذبيحة فاستوفى شروط تذكيتها فلم تمت حتى وقعت في الماء فماتت أو دهسها داهس أو وقع عليها شيء فماتت فإنها حلال يجوز أكلها. وقال أحمد: لا تؤكل. مغ ج 11 ص 48. باب في بعض ما يقوله الذابح عند ذبحه مسألة (836) أكثر أهل العلم على أنه حسنٌ أن يقول الذابح عند التذكية اللهم هذا عني وعن أهل ييتي أو إذا كان وكيلًا أن يقول اللهم هذا عن فلان فتقبله مني أو من فلان. وقال أبو حنيفة: يكره أن يذكر اسم غير الله. مغ ج 11 ص 117. باب في ذكاة الحيوان الإنسي إذا توحش مسألة (837) جمهور العلماء على أن الحيوان الإنسي إذا توحش (¬1) فإن ذكاته تكون بجرحه في أي موضع من بدنه بما يجوز به التذكية من الآلات والوسائل وهذا ما يسمى بالعقر، وهو مذهب الشافعي، وبه قال علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والشعبي والحسن البصري والأسود بن يزيد ومسروق والحكم وحماد والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود. وقال سعيد بن المسيب ورييعة والليث بن مسعد ومالك: لا يحل إلا بذكاته في موضع الذبح، وهو الحلق واللبة ولا يتغير موضع الذكاه بتوحشه وترديه (¬2). مج ج 9 ص 113 مغ ج 11 ص 34. شرح 13 ص 126. ¬

_ (¬1) بحيث صار غير مقدورٍ عليه كالبعير الناد (الهارب) أو البقرة أو الشاة. وكذلك إذا وقع البعير في بئرٍ بشرط أن لا يكون رأسه في الماء. ذكر هذا الأخير الموفق -رحمه الله-. انظر مغ ج 11 ص 34. قال الموفق: وحَرِبَ (اشتد غضبه) ثَورٌ في بعض دُورِ الأنصار فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه فَسُئِلَ عنه عليٌّ فقال: ذكاةٌ وحِيَّهٌ (يعني تذكية وشدة وإنفاذ في إزهاق الروح) فأمرهم بأكله وتردى بعيرٌ في بئرٍ فَذُكِّيَ من قِبَلِ شَاكِلتِهِ فبيع بعشرين درهمًا فأخذ ابن عمر عُشْرَهُ بدرهمين. قلت: وذكر الأخير هذا الماوردي كذلك. انظر مغ ج 11 ص 34. الحاوي ج 15 ص 29. (¬2) انظر. بداية ج 1 ص 597. وانظر الحاوي ج 15 ص 26.

باب في جنين الحيوان المذكي يخرج ميتا

باب في جنين الحيوان المذكي يخرج ميتًا مسألة (838) مذهب الجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أن الجنين في بطن الحيوان المذكى إذا خرج ميتًا، فإنه حلال يجوز أكله. وبه قال الشافعي -رحمه الله- تعالى. روي هذا عن عمر وعليٍّ. وبه قال سعيد بن المسيب والنخعي وإسحاق وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وزفر: لا يحل حتى يخرج حيًّا فيذكى. وقال مالك: إن خرج ميتًا تام الخلق وتم شعره فحلال بذكاة الأم. وإن لم يتم ولم ينبت شعره فحرام. روى ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد والزهري والحسن بن صالح وقتادة والليث وأبي ثور. قال ابن المنذر: كان الناس على إباحته لا نعلم أحدًا خالف ما قالوه إلى أن جاء أبو حنيفة فحرمه، وقال ذكاة نَفْس لا تكون ذكاة نَفْسين. ونقل الخطابي أن ابن المنذر قال في كتاب آخر له: إنه لم يقل بقول أبي حنيفة أحد من العلماء غيره، قال: ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه. قال الخطابي: وقد ذهب أكثر العلماء إلى إباحته لكن اشترط بعضهم فيه الإشعار. مج ج 9 ص 115 مغ ج 11 ص 51. الحاوي ج 15 ص 148. بداية ج 1 ص 582. * * *

فصل في أحكام الصيد

فصل في أحكام الصيد (¬1) باب في الصيد بالسباع المعلمة مسألة (839) أكثر الفقهاء على جواز الصيد بجميع الجوارح المعلمة من السباع بما في ذلك الكلب الأسود. قال العبدري وبهذا قال أكثر الفقهاء. وقال ابن المنذر: وقال عوام أهل العلم من أهل المدينة وأهل الكوفة بإباحة صيد الكلب الأسود كغيره. قلت: وهو مذهب الشافعي. وقال الحسن البصري والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق: يجوز بذلك كله إلا الكلب الأسود البهيم، قال ابن المنذر: قال أحمد: ما أعلم أحدًا يرخص فيه إذا كان بهيمًا (¬2). وبه قال بعض الأصحاب من الشافعية. مج ج 9 ص 84. الحاوي ج 15 ص 6 بداية ج 1 ص 599 شرح ج 10 ص 237 ج 13 ص 74. باب في الصيد بالجوارح المعلمة من الطير مسألة (840) أكثر الفقهاء على جواز الصيد بجميع الجوارح المعلمة من الطير بما في ذلك البازي والعقاب والصقور كلها. وهو مذهب الشافعي. وبه قال سلمان الفارسي وابن عباس وعطاء وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير، وحكاه أبو الزناد عن فقهاء المدينة الذين ينتهي إلى قولهم، وحكاه ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير والحسن البصري ومالك وأبي حنيفة وأبي ثور ومحمد. وحكى العبدري عن ابن عمر ومجاهد أنهما كرها صيد البازي وغيره من الطير. وحكي أنهما لم يجوزا الصيد إلا بالكلب المعلم (¬3). مج ج 9 ص 84. بداية ج 1 ص 599. ¬

_ (¬1) حكى الماوردي الإجماع على إباحة الصيد. وحكى ابن رشد الإباحة عن الجمهور ثم نقل بعد ذلك أنه معنى الأمر في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. وقصده -رحمه الله- أن يبين مراتب الطلب في أصل الحكم الشرعي والذي هو الإباحة فذكر عن أصحابي مالك من أهل المذهب التفصيل في ذلك، وحكى عن مالك كراهة الصيد لمن يقصد به السرف، وعن البعض ما حاصله انقسام الحكم في الصيد إلى واجب ومحرم أو مكروه ومندوب. انظر بداية ج 1 ص 596. (¬2) راجع مغ ج 11 ص 12. (¬3) راجع مغ خ 11 ص 10.

باب في ما علمه مجوسي من طير أو سبع

باب في ما عَلَّمَهُ مجوسي من طير أو سَبُع مسألة (841) جمهور الفقهاء على جواز الاصطاد بالسباع والطيور الجارحة التي علَّمَهَا مَجُوسي. وهو مذهب الشافعي. قال ابن المنذر: وبه قال سعيد بن المسيب والحكم والزهري ومالك وأبو حنيفة وأبو ثور، وهو أصح الروايتين عن عطاء. وكره ذلك جابر بن عبد الله والحسن البصري وعطاء في رواية ومجاهد والنخعي والثوري وإسحاق بن راهويه. وقال ابن جرير الطبري: لا يجوز بكلب المجوسي، ويجوز ما صاده المجوسي بكلب المسلم. وكره الحسن الاصطياد بكلب اليهودي والنصرانىِ. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: كلب اليهودي والنصراني أهون (¬1). مج ج 9 ص 86. باب في صيد الكتابي مسألة (842) جمهور العلماء على جواز أكل ما صاده الكتابي بسهمه أو بجوارحه المعلمة، وبه قال عطاء وأبو حنيفة والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وابن المنذر وداود. وقال مالك: لا يحل صيده وتحل ذبيحته. مج ج 9 ص 90 مغ ج 11 ص 35. باب في صيد المجوسي مسألة (843) جمهور العلماء على تحريم ما صاده المجوسي بكلبه أو بسهمه. وبه قال عطاء وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والشافعي والليث والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وغيرهم. قال ابن المنذر: وقال أبو ثور فيهم قولان (أحدهما) كقول الجمهور (والثاني) تحل ¬

_ (¬1) انظر. انظر بداية ج 1 ص 607. وانظر الحاوي ج 15 ص 23. قلت: وقول ابن جرير المذكور في المسألة تفرد به نقله عنه الماوردي وقال: الاعتبار (يعني عند ابن جرير) بمالك الكلب دون مُرسِلِه ثم قال -رحمه الله-: وبناه على أصل تفرد به أن الكلب لو تفرد بالاسترسال من غير إرسالٍ حل صيده، وهذا فاسد الأصل لمخالفة النص. انظر الحاوي ج 15 ص 13. قلت: وفيما ذكره الماوردي من انفراد الطبري في مسألة الاسترسال فيه نظر. وقد ذكرنا في أصل الكتاب خلاف إسحاق وعطاء والأوزاعي. انظره في محله. وقد ذكر الماوردي هناك الأصم ممن قال بقول الطبري.

باب في الصيد يصاد بسهم أو جارحة فيقع في الماء أو يتردى من جبل

ذبائحهم ولهم كتاب. قلت: والأصح عن أبي ثور جواز أكل ذبيحته وصيده (¬1). مج ج 9 ص 90 مغ ج 11 ص 38. باب في الصيد يصاد بسهمٍ أو جارحة فيقع في الماء أو يتردى من جبل (¬2) مسألة (844) جمهور أهل العلم على أن الصيد إذا رمي بسهم أو أرسلت عليه جارحة فجرح ثم وقع في الماء حتى غمره أو تردى من جبلٍ فإنه لا يؤكل إلا أن يكون جرحه موحيًا (أصاب مقاتله) فلا بأس حينئذٍ. وهو قول الشافعي ومالك والليث وقتادة وأبي ثور. وقال أحمد في المشهور عنه: لا يؤكل ولا فرق بين أن تكون الجراحة موحية أو غير موحيةٍ. وبه قال ابن مسعود في ظاهر قوله وعطاء وربيعة وإسحاق وأصحاب الرأي. حكاه عن الجميع الموفق -رحمه الله-. وحكى ابن رشد عن أبي حنيفة أنه لا يؤكل إذا سقط في الماء ولو كان منفوذ المقاتل ويؤكل إن تردى (¬3). بداية ج 1 ص 605. باب في الكلب المعلم يصيد بغير إرسال صاحبه مسألة (845) جمهور الفقهاء على عدم جواز أكل ما صاده الكلب المعلم إذا استرسل وصاد بغير إرسال صاحبه وسواء خرج به صاحبه للصيد أم لا. وبه قال ربيعة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وابن المنذر، قال العبدري: هو قول الفقهاء كافة. قال: وقال الأصم: يَحِلُّ. وحكاه الماوردي عن محمَّد بن جرير الطبري. ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 15 ص 23. (¬2) أما إذا رُمي بسهم فوقع على الأرض فمات أو وقع ثم مات في الحال فيحل أكله عند أبي حنيفة والشافعي وأبي ثور وأحمد. وعند مالك يشترط أن يقع ميتًا. انظر مغ ج 11 ص 22. مج ج 9 ص 101. الحاوي ج 15 ص 47. (¬3) انظر مغ ج 11 ص 21. مج ح 9 ص 99، 100 الحاوي ج 15 ص 48. قلت: ذكر الموفق أنه لا خلاف في عدم حل أكله إذا كانت الجراحة غير موحية. ولا خلاف في إباحته إذا وقع في الماء على وجه لا يقتله كأن يكون رأسه بائنًا من الماء أو أن يتردى ترديًا لا يقتل في الغالب. انظر مغ ج 11 ص 22. وانظر مج ج 9 ص 100، 101.

باب في الكلب المعلم المرسل وغيره يشتركان في قتل الصيد

قال ابن المنذر: وقال عطاء والأوزاعي: يَؤكل إن كان إخراجه (يعني الكلب) للصيد. وقال إسحاق: إذا سمى عند انفلاته أبيح صيده (¬1). مج ج 9 ص 90 الحاوي ج 15 ص 21. شرح ج 13 ص 74. باب في الكلب المعلم المرسل وغيره يشتركان في قتل الصيد مسألة (846) جمهور العلماء على تحريم أكل الصيد الذي اشترك في قتله كلبان أحدهما معلم مرسل والآخر لا يدري حاله، أو لا يدري أيهما قتله. وبه قال عطاء والقاسم بن مخيمرة ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور. قلت: وهو مذهب الشافعي. وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي أنهما إذا اشتركا في قتله وكان الآخر مُعلمًا حل (¬2). مج ج 9 ص 91. باب في كلب الصيد يقتل الصيد بصدمه ونحوه مسألة (847) أكثر أهل العلم على أن الكلب المعلَّم إذا قتل الصيد بصدمه أو بخنقه ولم يقتل بجرحه فإنه لا يحل أكله. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والمزني والشافعي في قول. وهو قول ابن القاسم من أصحاب مالك وقال الشافعي في قول آخر: يجوز. قلت: وجعله النووي الأصح والمعتمد (¬3). وبه قال أشهب من أصحاب مالك ورواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وروى أبو يوسف ومحمد وزفر عن أبي حنيفة عدم الجواز. مغ ج 11 ص 9. ¬

_ (¬1) روى إسحاق بإسناده عن ابن عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من مرابضها فتصيد الصيد. قال: اذكر اسم الله وكل. قال إسحاق: فهذا الذي اختار إذا لم يتعمد هو إرساله من غير ذكر اسم الله عليه. قال الخلال: هذا على معنى قول أبي عبد الله (يعني الأمام أحمد). راجع مغ ج 11 ص 5. وانظر قول الطبري في الحاوي ج 15 ص 13. قال ابن رشد: وأما الشرط الثالث: وهو أن لا يشاركه في العقر من ليس عقره ذكاة له: فهو شرط مجمع عليه فيما أذكر. لأنه لا يدري من قتله. اهـ: قلت: ولعله كذلك -رحمه الله- لم يثبت عنده خلاف الأوزاعي أو لم ييلغه أو لم يستحضره. انظر بداية ج 1 ص 604 قلت: وهذه المسألة فيما إذا جهل حال الكلب الآخر، وأما إذا علم حال الكلب الآخر بأن كان كلبًا غير معلم أو كان كلبًا معلمًا لكنه استرسل دون إرسالٍ من صاحبه فهي مسألة أخرى للجمهور انظرها في محلها. وهي التي نقل فيها الموفق خلاف الأوزاعي. (¬2) نفى الموفق في المغني في هذه المسألة علمه بالمخالف ولعله لم يطلع على قول الأوزاعي أو لم يثبت عنده. (¬3) راجع مج ج 9 ص 90 - 91 بداية ج 1 ص 605 الحاوي ج 15 ص 51.

باب فيمن أرسل كلبه المعلم على صيد غير معين

باب فيمن أرسل كلبه المعلم على صيد غير معين مسألة (848) أكثر أهل العلم على أن من شرط حل الصيد بالكلب المعلم أن يرسله صاحبه على صيدٍ فإن أرسله مبهمًا فصاد صيدًا لم يجز أكله. واضطرب كلام الإِمام النووي في هذه المسألة ونقل فيها خلافًا في المذهب وخلافًا بين العلماء (¬1). مغ ج 11 ص 10. باب فيمن أغرى كلبه المعلم على صيدٍ وفيه حياة مستقرة مسألة (849) أكثر أهل العلم على أن الصائد بالكلب المعلم إذا وجد الصيد فيه حياة مستقرة وليس معه ما يذكيه به فأغرى (¬2) كلبه عليه ليقتله فإنه لا يجوز الأكل من هذا ¬

_ (¬1) اضطرب كلام النووي -رحمه الله- تعالى في هذه المسألة فمرة اعتبر قصد الصيد علةً للجواز ومرةً لم يعتبر ذلك فعندما تكلم عن إرسال السهم بغير قصد الصيد فقتل صيدًا جعل الصحيح في المذهب عدم الحل وعلل ذلك بعدم القصد. لكنه -رحمه الله- تعالى عندما ذكر مسألة إرسال الكلب بغير قصد الصيد جعل الصحيح حلَّ أكل الصيد إذا قتل الكلب المعلم صيدًا وكان قد أرسله إلى شاخصٍ يظنه حجرًا فتبين أنه صيد ثم ذكر الوجه الضعيف وهو عدم الحل وعلّله كذلك بعدم القصد. راجع مج ج 9 ص 109. (¬2) فائدة: يقال في اللغة أشلى إذا دعا. تقول أشليت الكلب إذا دعوته أو استدعيته. وأما أغرى فمعناها في أصل اللغة أرسل. تقول أغرى الكلب إذا أرسله وقد تستعمل كلمة أشلى ويراد بها الإرسال من باب استعمال الشيء وإرادة ضده وقد تكون كلمة أشلى لها معنيان متضادان وقد استعمل الإِمام الشافعي -رحمه الله- تعالى هذه الكلمة وأراد بها المعنى المضاد لها المعروف في أصل اللغة فاعترض عليه أبو بكر بن داود الظاهري رحمهما الله تعالى فأجاب النوري عن هذا الاعتراض فقال: وأجاب أصحابنا عن هذا الاعتراض بأجوبة: (أحدها) أن الشافعي من أهل اللغة ومن فصحاء العرب اللذين يحتج بلغتهم كالفرزدق وغيره لأنه عربي النسب والدار والحصر. قال الأصمعي: قرأت ديوان الهذليين على فتى من قريش يقال له محمَّد بن إدريس الشافعي. قالوا: فيكون أشلى من الأضداد يطلق على الاستدعاء وعلى الإغراء (يعني الإرسال) ومما يؤيد هذا الجواب ويوضحه أكمل إيضاح أن أبا الحسين أحمد بن فارس المجمع على توثيقه وأمانته في اللغة قال في كتاب المجمل: يقال أشليت الكلب إذا دعوته وأشليته أغريته قال: قال الأعجم. أتينا أبا عمرو فأشلى كلابه ... علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل (الجواب الثاني) أن الإشلاء -وإن كان هو الاستدعاء- فاستعماله هنا صحيح، وكأنه يستدعيه ليرسله، فعبر بالإشلاء عن الإرسال, لأنه يؤول إليه وهو من باب تسمية الشيء بما يصير إليه ومنه (قوله تعالى) {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}. (والثالث) جواب الأزهري أن معنى أشلى دعا، أي أجاب كأنه يدعوه للصيد فيجيبه ويقصد الصيد والله سبحانه أعلم. ا. هـ راجع مج ج 9 ص 86 - 87. قلت: وقد ذكر الموفق في المغني الجواب الثاني في توضيح عبارةٍ للإمام الخرقي راجع مغ ج 11 ص 13.

باب في الصيد يوجد بين كلبين معلمين أحدهما مرسل، والثاني غير مرسل

الصيد. وبه قال فقهاء الأمصار وأحمد في رواية. وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأحمد في رواية يجوز أكله (¬1). مغ ج 11 ص 13 بداية ج 1 ص 603. باب في الصيد يوجد بين كلبين مُعَلَّمين أحدهما مُرسل، والثاني غير مرسل مسألة (850) أكثر أهل العلم على أن المسلم إذا أرسل كلبه المعلم فاسترسل مع كلبه كلب آخر مُعَلَّمٌ بنفسه (يعني دون أن يرسله صاحبه) فقتلا الصيد أو وجد الصيد مقتولًا ولا يُدْرى من قتله فإنه لا يحل أكله (¬2). وقال الأوزاعي: يحل. مغ ج 11 ص 16. باب في السباع المعلمة تأكل من الصيد مسألة (851) أكثر العلماء على تحريم الصيد الذي صادته الجوارح من السباع المعلمة وأكلت منه، وبه قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي وعكرمة والضحاك وقتادة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور حكاه عنهم ابن المنذر، وقال: وبه أقول. قال النووي: وهو مذهب الحسن البصري وداود. وحكى ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك أنهم قالوا بإباحته. وروي كذلك عن أبي هريرة والشافعي في قولٍ وأحمد في رواية (¬3). مج ج 9 ص 94 مغ ج 11 ص 8. شرح ج 13 ص 75. ¬

_ (¬1) قلت: ولا أظنهم يختلفون في الصيد يجده الصائد وفيه حياة مستقرة وعنده مِن الزمن والآلة ما يقدر على تذكيته ثم يتركه صاحبه حتى يموت دون أن يذكيه أنه لا يجوز أكله. انظر مغ ج 11 ص 13 مج ج 15 ص 103 وانظر الحاوي ج 15 ص 16. (¬2) راجع مج ج 9 ص 88. وكذلك إذا أرسل المسلم كلبين أحدهما معلم والآخر غير معلم. ذكره الموفق مغ ج 11 ص 16. وانظر. الحاوي ح 15 ص 14. شرح ج 13 ص 74. (¬3) يدخل في هذه المسألة الكلب المعلم، وللشافعي في أصل المسألة قولان ذكرهما الماوردي وذكر ابن رشد المسألة وذكر فيها شيئًا من التفصيل وسبب الخلاف فانظره. بداية ج 1 ص 601.

باب في جوارح الطير المعلمة تأكل من الصيد

باب في جوارح الطير المعلمة تأكل من الصيد مسألة (852) جماهير العلماء على إباحة ما صادته جوارح الطير المعلمة وأكلت منه، وبه قال الشافعي في أحد قوليه، وحكاه ابن المنذر عنه، وعن ابن عباس والنخعي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبي حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد والمزني. قال النووي: وأما إذا أكلت منه جارحة الطير كالصقور، فالأصح عندنا تحريمه كما سبق، ثم قال النووي: ولا أعلم أحدًا وافقنا عليه بل جماهير ..... (¬1) على إباحته. مج ج 9 ص 95 مغ ج 11 ص 11 (¬2) بداية ج 1 ص 601. شرح ج 13 ص 77. باب فيما صادته السباع المعلمة. قبل أكلها من آخر صيدٍ مسألة (853) جمهور العلماء على أن الصيود الماضية التي صادتها جوارح السباع والطير قبل أن تأكل من آخر صيد صادته حلال جائز أكلها، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وداود. وقال أبو حنيفة: يحرم جميع ما صادته قبل ذلك. مج ج 9 ص 95. باب في الكلب المعلم يلعق دم الصيد مسألة (854) مذهب العلماء كافةً إلا ما سنحكيه عن البعض أن الكلب المعلم إذا لعق دم ما صاده فإن ذلك لا يحرمه. وهو مذهب الشافعي. وحكى ابن المنذر عن الشعبي والثوري أنهما كرها أكله. قال النووي: وليس ¬

_ (¬1) يياض في أصل نسخة المجموع. قال المطيعي: ولعله: العلماء أو الأصحاب. أهـ قلت: بل هي العلماء جزمًا لأن الجمهور من أصحاب الشافعي ليس لهم قول بالإباحة في هذه المسألة. والله أعلم. قلت: وهذا الكلام من الإمام النووي -رحمه الله- تعالى وطيب ثراه غاية في النزاهة والإنصاف، وكان هذا من بين مقاصدنا في إخراج هذه الموسوعة للناس كيما يتعلم الجيل الحاضر عن الغابرين والسابقين الأخلاق والآداب الحالية في ميدان البحث والنظر. -رحمه الله- تعالى أئمتنا وعلمائنا المتقدمين وجعلنا ممن يقتدون ويهتدون بسيرتهم المباركة وروحهم العلمية العطرة. (¬2) قد أثبت هنا المغني كمرجع في نقل قول الجمهور، وإن كان الموفق لم ينص على هذا صراحة لكنه لأنه لم يذكر غير الشافعي في قوله الآخر مخالفًا في هذه المسألة مع نفيه وجود المخالف للصحابة في عصرهم مع موافقة هذا الكلام كله لكلام النووي في عدم علمه بمن وافق الشافعي في هذا القول؛ لذا وجدت من اللائق إضافة المغني للمسألة كمرجع على خلاف ما التزمته في سائر المسائل.

باب في صيد المعراض

بشيء. قلت: وحكاه عن الشعبي الماوردي ونقل عنه التحريم (¬1) مج ج 9 ص 95. باب في صيد المعراض مسألة (855) جمهور العلماء بل جماهير أهل العلم على أن المعراض (¬2) إذا قتل بعرضه لا بحده صيدًا فإنه لا يحل أكله. وبه قال عليٌّ وعثمان وعمار وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وهو قول النخعي والحكم ومالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وقال ابن عمر: ما رمى من الصيد بجلاهق أو معراض فهو من الموقوذة. ولم يفرق ابن عمر بين ما قتل بحده وبين ما قتل بعرضه، وبه قال الحسن. وقال الأوزاعي وأهل الشام: يياح ما قتله بحده وعرضه (¬3). شرح ج 13 ص 75. باب في صيد البندقة مسألة (856) أكثر العلماء بل جماهيرهم على كراهة الصيد بالبندقة، وكراهة أكل ما صيد بالبندقة وهي كراهة تحريم في الغالب الأغلب. وهو الذي صرح به النووي -رحمه الله- فنقل عن الجمهور أنه لا يحل صيد البندقة. قال ابن عمر في المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة. وممن كره ذلك سالم والقاسم ومجاهد وعطاء والحسن وإبراهيم ومالك والثوري والشافعي (¬4) وأبو ثور. وهو مذهب أحمد. ورخص فيما قتل بها ابن المسيب. وروي هذا عن عمار وعبد الرحمن بن أبي ليلى. مغ ج 11 ص 37. شرح ج 13 ص 75. ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 15 ص 10. (¬2) قال الموفق: المعراض عود محدد وربما جعل في رأسه حديدة. قال أحمد (يعني الإِمام): المعراض يشبه السهمٍ يحذف به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق وقتل فيباح وربما أصاب بعرضه فقتل بثقله فيكون موقوذًا فلا بياح. مغ ج 11 ص 25. (¬3) راجع مج ج 9 ص 98. مغ ج 11 ص 26. (¬4) راجع مج ج 9 ص 98 وانظر في هذه المسألة. الحاوي ج 15 ص 50.

باب في صيد الأخبولة والشبكة

باب في صيد الأُخبُولة والشبكة مسألة (857) جمهور العلماء بل جماهيرهم على أن الصيد إذا وقع في أحبولة أو شبكة ومات فيها فهو ميتة ولو وجد في الأحبولة حديدة مات بسببها فالحكم كذلك. وهو مذهب الشافعي. وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه أجاز هذا إن كان قد سعى وقت نصبه للأحبولة والشبكة. وحكاه عنه كذلك ابن رشد. وحكى الماوردي عن أبي حنيفة أنه إن كان في الأحبولة أو الشبكة سلاح قطع بحده حلَّ أكله (¬1). مج ج 9 ص 106 مغ ج 11 ص 25. بداية ج 1 ص 604. * * * ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 15 ص 25.

كتاب البيوع

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب البيوع

باب في الإشهاد على أنواع العقود

كتاب البيوع باب في الإشهاد على أنواع العقود مسألة (858) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن الإشهاد على عقود المعاوضات المالية كالبيع والإجارة وغير ذلك مستحب غير واجب. وهو مذهب الشافعي، وبه قال أبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري والشعبي والحسن وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وغيرهم، حكاه عنهم ابن المنذر وقال: وقالت طائفة: يجب الإشهاد على البيع وهو فرض لازم يَعْصِي بتركه. وبهذا الأخير قال ابن عباس ومجاهد، قال ابن المنذر: وكان ابن عمر إذا باع بنقدٍ أَشْهَد. وممن رأى الإشهاد على البيع عطاء وجابر بن زيد والنخعى (¬1). مج ج 9 ص 141. باب في بيع المُكرَه مسألة (859) جمهور العلماء على عدم صحة بيع المُكْرهِ بغير حق. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يصح ويقف على إجازة المالك في حال اختياره. مج ج 9 ص 147. باب في بيع المضطر مسألة (860) عامة أهل العلم على أن من باع شيئًا اضطرارًا لسداد دين أو دفع مؤنة ترهقه فإن بيعه صحيح مع الكراهة في حق المشتري العالم بحاله. قلت: ولا أدري إن كان قول أبي حنيفة يتوجه في هذه المسألة. مج ج 9 ص 148. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 4 ص 311 أو انظر قرطبي ج 3 ص 402.

باب في خيار المجلس

باب في خيار المجلس مسألة (861) جمهور العلماء على ثبوت خيار المجلس للمتعاقِدَيْن. وهو مذهب الشافعي، وبه قال ابن عمر وأبو برزة الأسلمي وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء وشريح والحسن البصري والشعبي والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وعلي بن المديني، حكاه ابن المنذر عنهم وحكاه القاضي أبو الطيب عن عليّ بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وابن أبي ذؤيب. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يثبت بل يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول وحكى هذا عن شريح والنخعي وربيعة (¬1). مج ج 9 ص 171 مغ ج 4 ص 6. بداية ج 2 ص 251. شرح ج 10 ص 173. باب في خيار الشرط (¬2) مسألة (862) مذهب العامة من أهل العلم على أن خيار الشرط جائزٌ وأما من حيث التأقيت فأكثرهم على أنه بحسب حاجة المتبايعين في كل شيء وبه قال ابن أبي ليلى والحسن ابن صالح وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وداود وفقهاء المحدثين. وحكى ابن رشد عن جماعة أنهم منعوه أصلًا. وقال جماعة: لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، وهو مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وعبد الله بن شبرمة وزفر والأوزاعي في رواية عنه. مج ج 9 ص 212 مغ ج 4 ص 95. الحاوي ج 5 ص 65. بداية ج 2 ص 251 فتح ج 9 ص 180. * * * ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 5 ص 30. (¬2) حكى النووي فيه الإجماع، وحكى ابن رشد أن القول بجواز خيار الشرط في أصله هو قول الجمهور ثم حكى عن جماعة أنهم منعوه من أصله وذكر منهم الثوري وابن شبرمة وقال: وطائفة من أهل الظاهر. انظر بداية ج 2 ص 251.

أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز باب في بيع الكلاب مسألة (863) جماهير العلماء على أن بيع الكلاب لا يجوز وأن ثمنها حرام المُعَلَّم منها وغيره سواء. وكذلك الصغير والكبير. وهو مذهب الشافعي. وبه قال أبو هريرة والحسن البصري والأوزاعي وربيعة والحكم وحماد وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يصح بيع جميع الكلاب التي فيها نفع وتجب القيمة على متلفه. وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء والنخعي جواز ييع الكلب للصيد دون غيره. وقال مالك: لا يجوز بيع الكلب، وتجب القيمة على متلفه، وإن كان كلب صيدٍ أو ماشية وعنه رواية كمذهب الشافعي، وعنه رواية كمذهب أبي حنيفة (¬1). مج ج 9 ص 215. فتح ج 9 ص 30. شرح ج 10 ص 233. باب في بيع الهر الأهلي مسألة (864) جماهير العلماء على جواز ثمن الهرة الأهلية، وهو مذهب الشافعي ونقل ابن المنذر الترخيص في بيعه عن ابن عباس وابن سيرين والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي. ونقل ابن المنذر عن طائفة كراهية ييعه، منهم أبو هريرة ومجاهد وطاوس وجابر بن زيد (¬2). قال ابن المنذر: إن ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيعه، فبيعه باطل وإلا فجائز. مج ج 9 ص 216. بداية ج 2 ص 154. شرح ج 10 ص 234. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 4 ص 300. الحاوي ج 5 ص 375. بداية ج 2 ص 153. ويترتب على المسألة هنا مسألة حكم اقتناء الكلب أما اقتناؤه لحاجة المقتني إليه فلا خلاف يعلم في جواز هذا كأن يكون للزرع أو الماشية أو الحراسة ونحو ذلك وأما لغير حاجة ففيه خلاف، مذهب الشافعي عدم جوازه وحكى الماوردي عن أبي حنيفة الجواز مطلقًا. انظر. الحاوي ج 5 ص 377 مج ج 9 ص 220 مغ ج 4 ص 301. وانظر الحجة ج 2 ص 754. وانظر شرح ج 10 ص 235، 236. فائدة: اقتناء الكلاب لحفظ البيوت والدور ونحوها فيه خلاف بين العلماء الأصح عندي جوازه في الكلب الذي تتحقق فيه هذه المنفعة غالبًا وأما ما يسمى بكلاب الزينة مما تحتاج هي للحفظ والحراسة من قِبَلِ أصحابها فلا يجوز عندي قولًا واحدًا. انظر هذه المسألة في المصادر المشار إليها سابقًا. وقد نبهت على هذه المسألة وبينتها في الجزء الأول من كتابي "فقه السنن" فانظرها هناك. (¬2) راجع مغ ج 4 ص 303.

باب في بيع جلد الميتة قبل الدباغ

باب في بيع جلد الميتة قبل الدباغ مسألة (865) جمهور العلماء على عدم جواز ييع جلد الميتة قبل الدباغ. وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة بجوازه (¬1). مج ج 9 ص 218. باب في الانتفاع بشحوم الميتة في الاستصباح وطلاء السفن ونحو ذلك مسألة (866) جمهور أهل العلم على عدم جواز الانتفاع بشحوم الميتة في شيء وقال عطاء بن أبي رباح والشافعي وأصحابه ومحمد بن جرير الطبري: يجوز الانتفاع بها في طلي السفن والاستصباح وغير ذلك مما ليس بأكل ولا في بدن الآدمي. شرح ج 11 ص 6. باب في بيع السَّمنِ والزيت المتنجسين مسألة (867) جماهير العلماء على عدم جواز ييع السمن والزيت إذا تنجسا بشرط أن يكونا مائعين. وهو المشهور من مذهب الشافعي، وبه قال مالك وأحمد، وقالوا ولا يمكن تطهيرهما. وقال أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد: يمكن غسله، ويجوز بيعه قبل غسله كالثوب النجس وكما يجوز الاستصباح به والوصيه به والصدقة والهبة. وقال داود: يجوز بيع الزيت دون السمن (¬2). مج ج 9 ص 225. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 153 (¬2) انظر بداية ج 2 ص 154. الحاوي ج 5 ص 384. قلت: وأما الانتفاع بالسمن أو الزيت إذا تنجسا في الاستصباح أو جعله صابونًا، وكذلك إطعام الميتة للكلاب الجائز اقتناؤها أو للدواب كالحمير والبغال ونحو ذلك. قال النووي: فيه خلاف بين السلف. الصحيح من مذهبنا جواز جميع ذلك. ونقله القاضي عياض عن مالك وكثير من الصحابة والشافعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والليث بن سعد. قال وروي نحوه عن عليٍّ وابن عمر وأبي موسى والقاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله بن عمر. ثم قال -رحمه الله-: وقال عبد الملك بن الماجشون وأحمد بن حنبل وأحمد ابن صالح: لا يجوز الانتفاع بشيء من ذلك كله في شيء من الأشياء والله أعلم. اهـ. انظر شرح ج 11 ص 7.

باب في بيع العبد المدبر

باب في بيع العبد المُدَبَّرِ (¬1) مسألة (868) جمهور العلماء من السلف والخلف على عدم جواز بيع العبد المُدبَّرِ وبه قال مالك وأبو حنيفة في روايةٍ، وبه قال أيضًا سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري، ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء من السلف وغيرهم من أهل الحجاز والشام والكوفة. وذهب جماعة إلى جواز بيعه مطلقًا سواء كان لحاجةٍ أو لغير حاجة، وسواء كان تدبيره مطلقًا أم مقيدًا، قال النووي: هذا مذهبنا، وبه قالت عائشة أم المؤمنين ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وغيرهم. قلت: نص الشافعي على جوازه. وقال الحسن وعطاء: يجوز إذا احتاج إلى ثمنه سيِّدُهُ. وقال أبو حنيفة: إن كان تدبيرًا مطلقًا لم يجز، وإن كان مقيدًا بأن يقول: إن مت من مرضي هذا فأنت حر جاز (¬2). مج ج 9 ص 232. شرح ج 11 ص 141. باب في بيع العين الموقوفة مسألة (869) مذهب العلماء كافة إلا أبا حنيفة عدم صحة بيع العين الموقوفة سواء حكم بصحته حاكم أم لا. وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد. وقال أبو حنيفة: يجوز البيع ما لم يحكم بصحته حاكم (¬3). مج ج 9 ص 234. الشرح الكبير ج 4 ص 17. ¬

_ (¬1) ستأتي مسائله مفصلة في كتاب التدبير، والتدبير هو عتق العبد بعد موت سيده. (¬2) هذه المسألة مما وجد مِنَ الأئمة مَنْ عَارَضَ النقل فيها عن الجمهور بنقل مثله. منهم الإِمام الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقد ذكرت هذه المسألة في كتاب التدبير في الهامش وذكرت ما نقل فيها عن الأئمة فانظرها هناك. انظر مغ ج 12 ص 316. الحاوي ج 18 ص 120. بداية ج 2 ص 462. معرفة السنن والآثار ج 7 ص 528. نيل الأوطار ج 6 ص 213. قلت: انظر أيها القارئ الحبيب إلى تلك الأمانة العلمية التي كان يتمتع بها علماؤنا وأئمتنا السابقون، وهم ينقلون عن جمهور السلف والخلف ما يخالف مذهب إمامهم فرحمهم الله. (¬3) الذي حكاه شمس الدين ابن قدامة أن بيع الوقف يصح إذا حكم بصحته حاكم. انظر الشرح الكبير ج 4 ص 18.

باب في بيع الخمر

باب في بيع الخمر مسألة (870) جماهير العلماء على عدم جواز بيع الخمر وسواء باعه المسلم أو ذمي حربي أو غير حربي، وسواء باعه بنفسه أو وكَّل غير المسلم في بيعه. وهو مذهب الأئمة الثلاثة؛ مالك والشافعي وأحمد، وهو قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يجوز للمسلم أن يوكل ذميًّا في بيعها وشرائها (¬1). مغ ج 4 ص 284. باب في كسر أواني الخمر وشق أوعيتها هل يجوز؟ مسألة (871) جمهور أهل العلم على أن أواني الخمر تهراق ولا تكسر وكذا أوعيتها. لا تشق وأن على متلفها القيمة. وذلك إذا كانت تصلح لغيرها. وهو مذهب الشافعي ومالك في رواية. وقال مالك في رواية تكسر أوانيها وتشق أوعيتها (¬2). شرح ج 11 ص 5. * * * ¬

_ (¬1) راجع مج ج 9 ص 214. وانظر. الأشراف ج 2 ص 466. قلت: حكى النووي وغيره الإجماع على تحريم بيعها -يعني أن يبيعها مسلم لمسلم أو مسلم لذمي-. انظر شرح ج 11 ص 3، وكذلك حكى النووي الإجماع على تحريم بيع الميتة والخنزير. انظر شرح ج 11 ص 8. (¬2) انظر شرح ج 13 ص 151.

أبواب ما نهي عنه من بيع الغرر وغيره

أبواب ما نهي عنه من بيع الغرر وغيره باب في بيع العين الغائبة وقت البيع مسألة (872) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين علي جواز بيع العين الغائبة مع اختلافهم في اشتراط الوصف والخيار. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر نقله عن أكثر العلماء البغوي وغيره. وقال الشافعي في أصح قوليه: لا يجوز، وبه قال الحكم وحماد. وفصل ابن المنذر أقوال العلماء في هذه المسألة فقال: فيه ثلاثة مذاهب: (مذهب الشافعي) أنه لا يصح (والثاني) يصح البيع إذا وصفه، وللمشتري الخيار إذا رآه. سواء كان على تلك الصفة أم لا، وهو قول الشعبي والحسن والنخعي والثوري وأبي حنيفة وغيره من أهل الرأي (والثالث) يصح البيع، وللمشتري الخيار إن كان على غير ما وصف وإلا فلا خيار، قاله ابن سيرين وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله ابن الحسن وأحمد وأبو ثور وابن نصر، قال ابن المنذر: وبه أقول (¬1). مج ج 9 ص 291. باب في بيع الصوف على ظهر الغنم مسألة (873) جماهير العلماء على بطلان ييع الصوف على ظهر الغنم، وهو مذهب الشافعي. وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور. قال: وبه أقول. وقال سعيد بن جبير ورييعة ومالك والليث بن سعد وأبو يوسف: يجوز بيعه بشرط أن يجز قريبًا من وقت البيع. وقال أحمد في روايةٍ: يجوز إذا جز في الحال (¬2). مج ج 9 ص 319. ¬

_ (¬1) انظر. الحاوي ج 5 ص 14. قلت: للشافعي في بيع العين الغائبة إذا وصفت قولان: أحدهما يجوز. قال الماوردي: وبه قال جمهور أصحابنا. والثاني: لا يجوز. قال الماوردي: وبه قال حماد بن أبي سليمان والحكم بن عتيبة، وهو اختيار المزني والربيع (بن سليمان) والبويطي. قلت: ونقل النووي أن قول الأكثرين في المذهب على بطلانه واختاره هو واختاره الماوردي كذلك. انظر الحاوي ج 5 ص 18 مج ج 9 ص 279. (¬2) راجع مغ ج 4 ص 276. الحاوي ج 5 ص 333.

باب في بيع اللبن في ضرع الشاة

باب في بيع اللبن في ضرع الشاة مسألة (874) جمهور العلماء على عدم جواز بيع اللبن في ضرع الشاة إلا أن يحلب ويعرف قدره فيباع بعد انفصاله. وبه قال ابن عباس وأبو هريرة ومجاهد والشعبي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر. وهو مذهب أحمد. وقال طاوس: يجوز ييعه كيلًا. وقال سعيد بن جبير: يجوز ييعه. وقال الحسن البصري: يجوز شراء لبن الشاة شهرًا. وروي مثل هذا عن مالك لحاجة الصبي الرضيع. ومثله عن محمَّد بن مسلمة المالكي (¬1). مج ج 9 ص 317. بداية ج 2 ص 191. باب في بيع المزاد (المزايدة) مسألة (875) جمهور أهل العلم على جواز ييع المزاد، وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة بحضور البائع، وقد عرض عليه غيره سعرًا أقل، ثم يزيد غيره، فإذا رضي البائع سعرًا أمضى العقد مع صاحبه وترك ما سواه. وكره ذلك بعض السلف (¬2). شرح ج 10 ص 159. بداية ج 2 ص 200. باب في الرجل يسوم على سوم أخيه بعد انعقاد البيع (¬3) مسألة (876) جمهور أهل العلم على أن الرجل إذا عقد البيع لفلانٍ ولا زالا في مدة خيار المجلس فأتى رجل آخر وزاده في السعر، فعقد البائع لهذا الآخر، فإن العقد صحيح لكنه مكروه وكذلك الأمر فيما لو كان العارض هو البائع لا المشتري. وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما. ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 4 ص 276. الحاوي ج 5 ص 332. (¬2) انظر. الحاوي ج 5 ص 344. (¬3) اتفق الكل على تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وشرائه على شراء أخيه وخطبته على خطبة أخيه، وإنما الخلاف في العقد هل ينعقد أو لا ينعقد.

باب في النجش

وقال داود: لا يصح، لان وقع فسخ في أي حالة وقع (¬1) بداية ج 2 ص 199. باب في النجش (¬2) مسألة (877) أكثر أهل العلم على أن البيع الذي فيه نجش هو بيع صحيح تترتب عليه آثاره مع اتفاق الكل على تحريم هذا النوع من البيع وعلى أن الإثم يلحق الناجش. وممن قال بصحة البيع الشافعي وأصحاب الرأي. وهو اختيار الموفق ابن قدامة الحنبلي. وقال أحمد في رواية عنه: إن البيع باطل. وهو اختيار أبي بكر من أصحاب الاختيارات في مذهب الإِمام أحمد. وبه قال مالك (¬3). مغ ج 4 ص 278. باب في تلقي الركبان مسألة (878) أكثر أهل العلم على النهي عن تلقي الركبان وكراهة الشراء منهم قبل نزولهم السوق. وممن كره ذلك عمر بن عبد العزيز ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق. وحكي عن أبي حنيفة أنه لم ير بذلك بأسًا (¬4). مغ ج 4 ص 381. باب في صحة بيع المتلقي من الركبان مسألة (879) مذهب العامة من الفقهاء أن من اشترى من التجار قبل نزولهم السوق، وهو معنى تلقي الركبان، فإنه يعتبر بيعًا صحيحًا مع كراهة جمهور أهل العلم له. وممن قال بصحة البيع: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في أصح الروايتين عنه. ¬

_ (¬1) انظر شرح ج 10 ص 159. الحاوي ج 5 ص 344. (¬2) النجش هو أن يزيد في السلعة لا ليشتريها ولكن حتى يغرر بمن يسومها فيشتريها بأكثر من قيمتها. وعندي أن أصل هذه الكلمة يعود إلى: نجش ينجش الصيد إذا استثاره، وكأن الناجش يستثير المستام ليستخرج منه سعره الأعلى ليبيع السلعة بسعرٍ أغلى. راجع لسان العرب ج 6 ص 351. (¬3) انظر بداية ج 2 ص 201. وانظر شرح ج 10 ص 159 وانظر الحاوي ج 5 ص 342. (¬4) انظر بداية ج 2 ص 200. الحاوي ج 5 ص 348.

باب في بيع العبد المسلم للكافر

وروي عن أحمد أنه جعله بيعًا باطلًا لا يصح. وحكى ابن رشد عن الشافعي أن البائع بالخيار إذا أتى السوق إن شاء أمضى البيع وإن شاء رده (¬1). باب في بيع العبد المسلم للكافر مسألة (880) جمهور العلماء على صحة ييع العبد المسلم لكافر وبه قال أبو حنيفة. وقال جماعة لا يصح في مذهب الشافعي وبه قال أحمد. وروى عن مالك كالمذهبين (¬2). مج ج 9 ص 353. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 200. (¬2) انظر. الحاوي ج 5 ص 381.

أبواب ما يفسد البيع من الشروط وما لا يفسده

أبواب ما يفسد البيع من الشروط وما لا يفسده باب في اشتراط ما ينافي مقتضى العقد مسألة (881) جماهير العلماء على أن من باع شيئًا واشترط شرطًا ينافي مقتضى العقد فالبيع باطل، وسواء شرط شرطًا واحدًا أو شرطين. وهو المشهور من مذهب الشافعي، وبه قال ابن عمر وعكرمة والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة. قال الماوردي: هو مذهب جميع الفقهاء. وقال ابن سيرين وعبد الله بن شبرمة وحماد بن أبي سليمان: البيع صحيح والشرط صحيح. وقال الحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى وأبو ثور وابن المنذر: البيع صحيح والشرط باطل لاغٍ. وقال أحمد وإسحاق: إن شرط شرطًا واحدًا من هذه الشرائط صح البيع ولزم الشرط وإن شرط شرطين فأكثر بطل البيع (¬1). مج ج 9 ص 371. شرح ج 10 ص 142. باب في البيع الفاسد مسألة (882) أكثر العلماء على أن من اشترى شيئًا فاسدًا فإن آثار البيع لا تترتب عليه فلا يصح تملكه ولا التصرف فيه، بل الواجب فيه رده، فإن تلف في يده لزمه البدل. وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: يملكه بالقبض ملكًا ضعيفًا خبيثًا, ويصح تصرفه، ويلزم كل واحد منهما فسخ الملك ورد العوض على صاحبه. مج ج 9 ص 373. باب في عقد بيعيتين في بيعة مسألة (883) جمهور العلماء على أن من عقد بيعتين في بيعة واحدة فإن عقده باطل لا يصح، وهو مثل أن يقول: بعتك داري على أن تبيعني دارك، أو بعتك داري على أن تزوجني ابنتك، أو على أن تؤجرني دارك أو أؤجرك داري، أو على أن أزوجك ابنتي، أو يقول. بعتك الشيء الفلاني بكذا على أن آخذ منك الدينار بكذا. وبهذا ¬

_ (¬1) انظر الشرح الكبير ج 4 ص 54 وانظر بداية ج 2 ص 193.

باب في النهي عن بيع وسلف هل إذا ترك الشرط يصح البيع؟

كله قال أبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد، وجوز ذلك مالك وقال: لا ألتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان معلومًا حلالًا (¬1). مغ ج 4 ص 290. باب في النهي عن بيع وسلف هل إذا ترك الشرط يصح البيع؟ مسألة (884) جمهور العلماء على أن كل عقد فيه بيع وسلف هو عقد باطل وسواء ترك الشرط قبل القبض أو لم يترك. وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة. وقال مالك إذا ترك الشرط صح العقد. وبه قال أصحابه إلا محمَّد بن الحكم. قال ابن رشد: وقد روى عن مالك مثل قول الجمهور. بداية ج 2 ص 195. باب في بيع النقد والنسيئة (التقسيط) في صيغة واحدة (¬2) مسألة (885) جمهور العلماء على أن من قال بعتك هذه السلعة بكذا نقدًا أو بأكثر من كذا نسيئة فإن هذا البيع باطل لا يصح. وروى عن طاوس وحماد والحكم أنهم قالوا: لا بأس أن يقول أبيعك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا، فيذهب على أحدهما، وروي عن أحمد أنه قال: فيمن قال للخياط: إن خطته اليوم ذلك درهم، وإن خِطته غدا فلك نصف درهم. أنه يصح. مغ ج 4 ص 290. باب في بيع وسلف إذا ترك الشرط مسألة (886) جمهور العلماء على تحريم بيع وسلف وهو أن بيعه كذا بشرط أن يُسْلفَهُ كذا، أو أن يشتري كذا بشرط أن يقرض المشتري البائع كذا. وهو بيع باطل لا يصح. ونقل عن مالك أن البيع يصح فيما لو ترك المشترط السلف (¬3). مغ ج 4 ص 291 بداية ج 2 ص 195. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 5 ص 341. (¬2) وهو أحد وجهي تفسير "بيعتين في بيعة" وقد ذكر الشافعي -رحمه الله- الوجهين. انظر الحاوي ج 5 ص 341. (¬3) انظر هذه المسألة الحاوي ج 5 ص 351. قلت: ومنهم من يقول: بيع وقرض، وذكر الماوردي أن القرض بلغة أهل العراق هو السَّلفُ بلغة أهل الحجاز.

باب في بيع العرايا

باب في بيع العرايا (¬1) مسألة (887) جمهور الفقهاء على جواز العرايا وهي أن يوهب للإنسان من النخل ما ليس فيه خمسة أوسق (¬2) فيبيعها بخرصها من التمر لمن يأكلها رطبًا. وبه قال مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام وإسحاق وأحمد وابن المنذر وغيرهم. وقال أبو حنيفة: لا تجوز العرايا أصلًا (¬3). مغ ج 4 ص 181 مج ج 10 ص 302. باب فيما يشترط من بيع العرية مسألة (888) جمهور الفقهاء الذين أجازوا بيع العرايا أشترطوا لصحة هذا البيع أن يكون فيما دون خمسة أوسق، وأن تباع بخرصها من التمر لا أقل منه ولا أكثر، وأن يكون التمر المشترى به معلومًا بالكيل، فلا يجوز جزافًا، وأن يتم التقابض في المجلس. مغ ج 4 ص 182، 183، 184. باب في بيع الأصول والثمار - بيع النخل المؤبر مسألة (889) جمهور الفقهاء على أنه يجوز لأحد المتبايعين اشتراط جزءٍ من ثمر النخل المعقود عليه إذا كان معلومًا. وقال ابن القاسم من أصحاب مالك: لا يجوز اشتراط بعضها (¬4). ¬

_ (¬1) جمع عَرِيَّة. بفتح العين وكسر الراء وتشديد الياء. والعَرِيَّة هي الهبة. وأما أصلها اللغوي، فقيل: مأخوذ من عَرِيَ الشيء عن كذا إذا خلا منه كما تقول عَرِيت المفاوضات عن شيءٍ جاد إذا خلت منه، ومنه سميت العَرِيّةُ بهذا لأنها عريت عن الثمن، وهذا وجه في التخريج اللغوي، ووجه آخر، وهو أنها مأخوذة من عَرَوْتُ الرجل أَعرُوهُ إذا سألته، ومنه قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وأما معناها الفقهي فمذكور في مسألة الكتاب. انظر فيما ذكرته بداية ج 2 ص 261. (¬2) الإجماع حاصل في عدم الجواز على ما زاد على خمسة أوسق وأما ما هو أقل فيجوز عند الجمهور، وأما ما كان خمسة أوسق فاختلف القائلون بجوازها، فمنع منها أحمد والشافعي في قول وابن المنذر، وجوَّزها مالك والشافعي وأحمد في قول. راجع مغ ج 4 ص 182. (¬3) انظر في هذه المسألة بداية ج 2 ص 260 وانظر شرح ج 10 ص 189 وانظر تفصيل مسألة العرايا الحاوي ج 5 ص 213. (¬4) وهذه المسألة تحتاج لشيء من التفصيل على مذهب الجمهور، وبيانها أن من باع نخلًا قبل التأبير (التلقيح) فإن ثمرتها للمشتري إلا أن يشترط البائع، وإن باعها بعد التأيير فإن ثمرتها للبائع إلا أن يشترط =

باب في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها

مغ ج 4 ص 191 بداية ج 1 ص 227 شرح ج 10 ص 191. باب في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مسألة (890) أكثر الفقهاء على أن من اشترى ثمرًا قبل بدو صلاحه على أن يقطعها في الحال ثم تركها حتى بدا صلاحها فإن البيع صحيح. ولأحمد قولان في روايتين: أحدهما موافق للجمهور. والثاني: يبطل البيع (¬1). مغ ج 4 ص 204. باب في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط تبقية أو قطع (¬2) مسألة (891) جمهور العلماء على أن من باع ثمرة قبل بدو صلاحها مطلقًا من غير أن يشترط القطع فإن البيع باطل. وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والليث والثوري. وقال أبو حنيفة يجوز ويلزم المشتري القطع. بداية ج 2 ص 181. ¬

_ = المشتري. وهذا مذهب الجمهور. وهو مذهب الشافعي ومالك والليث فيمن باعها بعد التأبير. وخالف مالك فيما لو باعها قبل التأبير، فجعل ثمرتها للمشتري، ومنع اشتراط البائع لجزء من ثمرتها، وذهب أبو حنيفة إلى أن الثمرة للبائع قبل التأبير وبعده. وقال ابن أبي ليلى: هي للمشتري قبل التأبير وبعده. قال ابن رشد: والثمار كلها في هذا المعنى في معنى النخيل. انظر شرح ح10 ص 191. بداية ج 2 ص 227. (¬1) انظر شرح ج 10 ص 193 الحاوي ج 5 ص 190. قلت: مما يذكر في هذا الباب بيع المعاومة، وهو أن يبيع الثمرة على الشجر عامين أو ثلاثة، قال النووي: وهو باطل بالإجماع نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره. انظر شرح ج 10 ص 193 وانظر بداية ج 2 ص 181. (¬2) ولا خلاف يعلم في جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع. قال ابن رشد إلا ما روى عن الثورى وابن أبي ليلى من منع ذلك. وهي رواية ضعيفة. ولا خلاف يعلم في عدم جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط التبقية، قال ابن رشد: إلا ما ذكره اللخمي من جوازه تخريجًا على المذهب. ولا خلاف يعلم في جواز بيع الثمار بعد بدو صلاحها من غير اشتراط. انظر بداية ج 2 ص 181. وانظر في أصل المسألة. الحاوي ج 5 ص 191، 193.

باب في بيع الثمرة بعد بدو صلاحها بشرط التبقية

باب في بيع الثمرة بعد بدو صلاحها بشرط التبقية مسألة (892) جمهور أهل العلم على جواز ييع الثمر بعد بدو صلاحها بشرط التبقية (بقاء الثمرة على أصولها). وقال أبو حنيفة: لا يجوز (¬1). بداية ح 2 ص 183. باب في بيع الثمرة بعد بدو صلاحها بإطلاق (¬2) مسألة (893) جمهور أهل العلم على أن من باع ثمرة بعد بدو صلاحها بإطلاق (دون أن يشترط تبقية أو قطعًا) فإن هذا الإطلاق محمول على التبقية. وقال أبو حنيفة: بل هو محمول على القطع. بداية ج 2 ص 183. باب في بيع الأمة المكاتبة وغيرها مع اشتراط الوطء مسألة (894) أكثر الفقهاء على أنه لا يجوز بيع. الأمة مع اشتراط البائع وطئها وسواء كانت مكاتبة أو غير مكاتبة. وبه قال ابن عقيل من الحنابلة. والمشهور من مذهب أحمد أنه لا يجوز في غير المكاتبة ويجوز في المكاتبة. مغ ج 4 ص 211. باب في بيع العربون مسألة (895) جمهور علماء الأمصار على أن بيع العربون لا يجوز، وهو أن يعطى المشتري جزءًا من ثمن السلعة للبائع، فإن نفذ البيع ومضى كان العربون جزءًا من الثمن وإلا استحقه البائع. وحكي عن جماعة من التابعين أنهم أجازوه، منهم مجاهد وابن سيرين ونافع بن الحارث وزيد بن أسلم. بداية ج 2 ص 196. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 5 ص 193. (¬2) لا خلاف يعلم في جواز هذا البيع أعني البيع بعد الزُّهُوِّ وبُدُوِّ الصلاح -من غير اشتراط- والخلاف إنما هو على أي شيء يحمل هذا الإطلاق.

باب في الاستثناء في البيع

باب في الاستثناء في البيع مسألة (896) أكثر أهل العلم على عدم جواز بيع عدد من الشياه واستثناء شاة لا على التعيين. أو بيع حائطٍ (بستان ثمر أو زرع) واستثناء مكيلةٍ. وقال مالك: يصح في الأولى وفي الثانية أجازه مالك فيما كان دون الثلث (¬1). مغ ج 4 ص 214 بداية ج 2 ص 198. باب في بيع الشاة الحامل واستثناء ما في بطنها مسألة (897) جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز بيع الشاة الحامل ونحوها واستثناء ما في بطنها. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري. وقال أحمد وأبو ثور وداود: يجوز. بداية ج 2 ص 197. باب في بيع الجزاف مسألة (898) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على كراهة بيع شيء جزافًا مع معرفة مبلغ كيله أو وزنه. وممن كره هذا عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة ومالك وإسحاق وأحمد. وروي كذلك عن طاوس. وهي كراهة تحريم عند هؤلاء في أغلب الظن. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا بأس به. وروي عن أحمد أنه كرهه ولم يحرمه. مغ ج 4 ص 228. باب في المصراة (¬2) مسألة (899) جمهور أهل العلم على أن من اشترى شاة مصراة أو غيرها من بهيمة الأنعام على هذه الصفة، فإنه له الخيار في إمساكها أو ردها مع رد بدل اللبن الذي حلبه ¬

_ (¬1) وكذلك منع الجمهور بيع أشجار نخيلٍ واستثناء نخلات منها غير معينة. انظر بداية ج 2 ص 198 وانظر شرح ج 10 ص 195. (¬2) المصراة من الإبل أو الغنم وهو ترك البائع اللبن في ضرع الحيوان حتى يجتمع فيه فتبدو مليئة الضرع تغريرًا بالمشتري. وأصلها من التصرية يحنى الجمع. انظر الحاوي ج 5 ص 236.

باب في المصراة في جميع بهيمة الأنعام

على اختلاف بينهم (¬1) في أي شيء يكون البدل. روي هذا عن ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وأنس رضي الله تعالى عنهم. وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف. وذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إلى أنه لا خيار للمشتري. مغ ج 4 ص 233 الحاوي ج 5 ص 236 شرح ج 10 ص 167. باب في المصراة في جميع بهيمة الأنعام مسألة (905) جمهور أهل العلم على أن حكم المصراة يصدق على بهيمة الأنعام شاة كانت أو بقرة أو ناقة. وانفرد داود فقال: لا تكون إلا في الإبل والغنم. مغ ج 4 ص 236. باب في استثناء الشيء من الثمر معين في البيع مسألة (901) جمهور العلماء بل عامتهم على أن من باع ثمرة نخلات فاستثنى من ثمر عشر آصع فالبيع باطل. وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وحكاه النووي عن العلماء كافةً وقال: وقال مالك وجماعة من علماء المدينة. يجوز ذلك ما لم يزد على قدر ثلث الثمرة. شرح ج 10 ص 115. باب في حكم من باع وأخفى العيب عن المشتري مسألة (902) أكثر أهل العلم على أن من باع شيئًا وأخفى عيبًا فيه عن المشتري فإن العقد صحيح وتترتب عليه آثاره لكنَّ البائع آثم مرتكب حرامًا. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد. وحكى عن أبي بكر عبد العزيز من أصحاب أحمد أن البيع باطل. مغ ج 4 ص 238. ¬

_ (¬1) أكثرهم على أنه صاع من تمر، وبه قال الليث وإسحاق والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور. وذهب مالك وبعض الشافعية إلى أنه صاع من غالب قوت البلد. وقال أبو يوسف: يرد قيمة اللبن. وحكي هذا عن ابن أبي ليلى. وحكي عن زفر أنه يرد صاعًا من تمر أو نصف صاع من بُر كما هو شأن الفطرة والكفارة. راجع مغ ج 4 ص 234.

باب في بيع العينة

باب في بيع العينة مسألة (903) جمهور أهل العلم على أن بيع العينة (¬1) حرام ولا ينعقد. وبه قال من الصحابة ابن عباس وعائشة، وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وإليه ذهب أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة. وقال الشافعي: هو جائز، وهو بيع صحيح (¬2). وبه قال أبو ثور وداود. مغ ج 4 ص 256. باب في ما يملكه العبد مسألة (904) مذهب العامة من أهل العلم أن العبد لا يملك إلا ما ملَّكهُ (¬3) إياة سيِّدُهُ. وقال أهل الظاهر: يملك. مغ ج 4 ص 256. باب في بيع السلعة بثمن مكتوب عليها مسألة (905) جمهور أهل العلم على جواز البيع بالرقم -يعني بالثمن المكتوب ¬

_ (¬1) بيع العينة هو أن يبيع زيدٌ محمدًا بثمن مؤجل (بعشرة دنانير مؤجلة) ثم يشتري زيدٌ من محمدٍ نفس السلعة بتسعة دنانير نقدًا. قال العلامة ابن منظور في لسان العرب: وسميت عينة لحصول النَّقد لطالب العينة، وذلك أن العينة اشتقاقها من العين، وهو النقد الحاضر، ويحصل له من فوره، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة. راجع لسان العرب ج 13 ص 306 وانظر مسألة بيع العينة في: مج ج 9 ص 249. (¬2) قلت: وهذه من غرائب المسائل التي تعارض فيها النقل عن الجمهور، فبينما نقل الموفق في المغني عن أكثر أهل العلم تحريم بيع العينة، وأن عقد البيع فيها باطل لا ينعقد ولم يذكر من المخالفين إلا الشافعي، وجدت الإِمام الماوردي ينقل عن جُلِّ التابعين وجمهور الفقهاء القول بجواز ذلك وزيادة عليه -رحمه الله- بعد أن نقل نص الشافعي بالجواز: وهذا كما قال: إذا باع الرجل السلعة بثمن حال أو مؤجل فافترق على الرضا به جاز أن يبتاعها من المشتري قبل قبض الثمن وبعده بمثل ذلك الثمن وبأكثر منه أو أقل من جنسه أو غير جنسه حالًا ومؤجلًا وبه قال من الصحابة ابن عمر وزيد بن أرقم وجُل التابعين وجمهور الفقهاء. اهـ انظر الحاوي ج 5 ص 287 وانظر. نيل ج 5 ص 319. وانظر بداية ج 2 ص 170. وانظر شرح ج 11 ص 21. (¬3) ثم اختلف هؤلاء إذا ملكه سيده شيئًا هل يملكه أم لا؟ على قولين إلي عدم صحة تملكه ذهب أبو حنيفة والثوري وإسحاق والشافعي في الجديد. وهو اختيار أبي بكر من الأصحاب في مذهب الإمام أحمد. وذهب مالك والشافعي في القديم إلى أنه يصح تملكه. وهو اختيار للوفق في المغني. حكى الماوردي اتفاق الفقهاء على أن العبد لا يملك إلا بتمليك سيده مع اختلافهم إذا ملكه سيده هل يملك أم لا. انظر الحاوي ج 5 ص 265.

باب في بيع السلعة مع سكوت صاحبها

عليها -ولا كراهة في هذا. وكرهه طاوس. مغ ج 4 ص 264. باب في بيع السلعة مع سكوت صاحبها مسألة (906) أكثر أهل العلم على أن من باع سلعة بحضور صاحبها، وهو ساكت فهو كبيعها وهو غائب. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأبي ثور وأحمد. وقال ابن أي ليلى: سكوته إقرار. مغ ج 4 ص 275. باب في النهي عن سوم الغير. هل يدخل فيه الذمي؟ مسألة (907) جمهور أهل العلم على أن النهي عن سوم الرجل على سوم الغير لا يقتصر على المسلم، بل يتعداه إلى الكافر (الذمي). وقال الأوزاعي: بل هو مقتصر على المسلم (¬1). بداية ج 2 ص 199. باب في بيع الموصوف بالذمة مسألة (908) أكثر أهل العلم على صحة بيع ما رآه المشتري ولم يكن موجودًا عند العقد إذا كان زمان الفصل بين الرؤية وبين إمضاء العقد قصيرًا أو كانت السلعة لا تتغير بطول الزمان. وقال أحمد في رواية: لا يجوز حتى يرياها المتبايعان حالة العقد. وحكي ذلك عن الحكم وحماد. وهو قول ابن القاسم الأنماطي الشافعي (¬2). مخ ج 4 ص 87 الحاوي ج 5 ص 25. ¬

_ (¬1) وانظر مسألة الخطبة على خطبة الغير في كتاب النكاح. (¬2) حكى الماوردي عن الأنماطي مسائل عجيبة غريبة في منعه البيع للموصوف بالذمة ثم قال بعدها: وهذا المذهب شاذ الاعتقاد واضح الفساد. قلت: قد ذكر الإِمام الكبير الماوردي تفصيلات حسنة فيما يجوز بيعه إذا كان موصوفًا بالذمة، وما لا يجوز فانظرها. الحاوي ج 5 ص 26 وذكر النووي أن الإِمام البيهقي حكى عن عبد العزيز بن مقلاص أحد تلامذة الشافعي أنه نقل عن الشافعي مثل قول الأنماطي. انظر مج ج 9 ص 285، 286. وانظر بداية ج 2 ص 189.

أبواب الربا

أبوابُ الربا باب في الربا في دار الحرب مسألة (909) جمهور العلماء على تحريم الربا في دار الحرب، وسواء كان هذا بين مسلم وحربي أو بين مسلم ومسلم، وسواء دخل المسلم دار الحرب بأمان أم بغيره. وهو مذهب الشافعي، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة: لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب، ولا بين مسلمَينِ لم يهاجرا منها، فإذا باع مسلم لحربي في دار الحرب درهمًا بدرهمين، أو أسلم رجلان فيها ولم يهاجرا فتبايعا درهمًا بدرهمين جاز (¬1). مج ج 1 ص 390. باب في الربا في المطعوم مسألة (910) مذهب الجمهور ثبوت الربا في قليل المطعوم وكثيره وفيما يباع منه كيلًا أو وزنًا وفيما يباع عددًا. وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا ربا في قليل المطعوم كالحفنة والحفنتين، ولا فيما يباع عددًا كالبطيخ والبيض والسفرجل وسائر الفواكه التي تباع عددًا. مج ج 9 ص 403. باب في الحيوان. هل فيه ربا؟ مسألة (911) جماهير العلماء على أنه لا ربا في الحيوان، فيجوز بيعه متفاضلًا حالًا ومؤجلًا، وهو مذهب الشافعي. وقال مالك: لا يجوز بيع بعير ببعيرين، ولا ببعير إذا كانا جميعًا أو أحدهما لا يصلح إلا للذبح كالكسير والحطيم ونحوهما (¬2). وحكى النووي في شرح صحيح مسلم المنع من بيع الحيوان متفاضلًا عن أبي حنيفة ¬

_ (¬1) راجع مغ ج 4 ص 162. (¬2) انظر بداية ج 2 ص 162. وانظر الحاوي ج 5 ص 100.

باب في التفاضل في غير المطعوم والنقدين

والكوفيين، وكذا حكاه الماوردي عن أبي حنيفة مج ج 9 ص 403 شرح ج 11 ص 39. باب في التفاضل في غير المطعوم والنقدين مسألة (912) جمهور العلماء على جواز بيع كل ما ليس مطعومًا ولا ذهبًا ولا فضة بعضه ببعض متفاضلًا ومؤجلًا. وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: يحرم التأجيل في بيع الجنس بعضه ببعض من أي مال كان. مج ج 9 ص 404. * * *

أبواب الربا والصرف

أبواب الربا والصرف باب في ربا الفضل وربا النسيئة مسألة (913) جماهير العلماء على تحريم الربا بنوعيه؛ ربا الفضل، وربا النسيئة، وقال ابن عباس: لا ربا إلا في النسيئة. وحكي هذا عن أسامة بن زيد وزيد بن أرقم وعبد الله بن الزبير (¬1). وحكاه الماوردي عن البراء بن عازب وعمن ذكرناهم بصيغه الجزم. مغ ج 4 ص 123 بداية ج 2 ص 156. الحاوي ج 5 ص 76. باب في ربا الفضل. هل يختص الأعيان المنصوص عليها؟ مسألة (914) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الربا (أعني ربا الفضل) لا ينحصر في الأعيان المنصوص عليها في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما يتعداها إلى غيرها إذا وجد فيها علة تحريم ربا الفضل. وبه قال فقهاء الأمصار القائلين بالقياس، وهو قول مالك وأبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وأحمد وغيرهم. وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قصرا الربا على الأعيان المنصوصة. وبه قال داود وكل من نفى القياس (¬2). مغ ج 4 ص 124 بداية ج 2 ص 157 شرح ج 11 ص 9. باب في جريان ربا الفضل في الجنس الواحد فقط مسألة (915) جمهور أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد كالذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر. وقال سعيد بن جبير: كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا كالحنطة بالشعير، والتمر بالزبيب، والذرة بالدخن. وحكاه النووي عن مالك في الحنطة بالشعير أنه لا يجوز عنده وجعلهما واحدًا (¬3). ¬

_ (¬1) ذكر النووي في شرح صحيح مسلم ما جاء في رجوع ابن عباس مما أورده مسلم في صحيحه صريحًا انظر شرح ج 11 ص 24، 25. (¬2) راجع مج ج 9 ص 392. (¬3) انظر. شرح ج 11 ص 13. قلت: حكى النووي أن مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وفقهاء المحدثين وآخرين أن البر والشعير صنفان، وقال -رحمه الله-: وقال مالك والليث والأوزاعي ومعظم علماء المدينة =

باب فيما يجري فيه ربا الفضل

مغ ج 4 ص 124 شرح ج 11 ص 20. باب فيما يجري فيه ربا الفضل مسألة (916) أكثر أهل العلم بل جماهيرهم على أنه إذا اجتمع في الجنس الواحد الكيل والوزن والطعم فإنه يجري فيه ربا الفضل. قال ابن المنذر: هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث سوى قتادة فإنه بلغني أنه شذ عن جماعة الناس فقصر تحريم التفاضل على الستة الأشياء. مغ ج 4 ص 127. باب فيما لا يجري فيه ربا الفضل مسألة (917) أكثر أهل العلم على أنه إذا انتفى الكيل والوزن والطعم واختلف الجنس فإنه لا يجري فيه ربا الفضل. قلت: وقد مر خلاف سعيد بن جبير السابق. مغ ج 4 ص 127. باب في بيع الثوب بالثوب ونحوه مسألة (918) أكثر أهل العلم على جواز بيع الثوب بالثوبين والكساء بالكساءين لأنه مما لا يوزن. وكذلك ما كان أصله مما يوزن لكنه صار مما لا يوزن كبيع سكين بسكينين أو إبرة بإبرتين. وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد في رواية. وعن أحمد رواية أخرى أن الربا يجري في الكل لأن الكل أصله مما يوزن. مغ ج 4 ص 129. باب في الأعيان الربوية إذا كان فيها الصحيح والمكسور مسألة (919) أكثر أهل العلم على أنه لا فرق في التحريم والإباحة في الأعيان التي يجري فيها الربا بين الصحيح والمكسور، ولا بين الجيد والرديء فما كان مثلًا بمثل ويدًا ¬

_ = والشام من المتقدمين أنهما صنف واحد. وهو محكي عن عمر (يعني ابن عبد العزيز) وسعيد (يعني ابن المسيب) وغيرهما من السلف - رضي الله عنهم -. واتفقوا على أن الدخن صنف والذرة صنف، والأرز صنف إلا الليث بن سعد وابن وهب فقالا: هذه الثلاثة صنف واحد.

باب في بيع الرطب بالتمر. هل يجوز؟

ييد جاز أو ما كان متفاضلًا يدًا بيدٍ جاز أو ما كان مثلًا بمثل آجلًا جاز، وما كان متفاضلًا آجلًا حرم. وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد. وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمتة من جنسه، وأنكر أصحابه ذلك ونفوه عنه. وحكى عن أحمد أنه لا يجوز بيع الصحاح بالمكسرة. مغ ج 4 ص 129. باب في بيع الرطب بالتمر. هل يجوز؟ مسألة (920) جمهور الفقهاء على عدم جواز ييع الرطب بالتمر. وبه قال سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب والليث ومالك والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد. وهو مذهب أحمد. قال ابن عبد البر: جمهور علماء المسلمين على أن بيع الرطب بالتمر لا يجوز بحال من الأحوال. وقال أبو حنيفة: يجوز. مغ ج 4 ص 132. باب في بيع الرطب بالرطب ونحوه مع التماثل مسألة (921) أكثر أهل العلم على جواز بيع الرطب بالرطب والعنب بالعنب ونحوه إذا كان متماثلًا. ومنع الشافعي فيما ييبس من ذلك، وأما ما لا ييبس كالقثاء والخيار ونحوه فعلى قولين. وبه قال أبو حفص العكبري من أصحاب الترجيح في مذهب الإِمام أحمد. وكلام الخرقي يحتمله. مغ ج 4 ص 132. باب في بيع الأعيان الربوية بعضها ببعض إذا تساوت كيلًا ووزنًا مسألة (922) جمهور أهل العلم على جواز بيع الأعيان التي يجرى فيها الربا بعضها ببعض إذا تساوت كيلًا في المكيل، ووزنًا بالموزون، ولو اختلفت في غيرها من الصفات. وأنه لا يجوز بيع هذه الأعيان إذا اختلفت كيلًا في الكيل أو وزنًا في الوزون ولو تساوت في سائر الصفات، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وهو مذهب أحمد.

باب إذا اختلفت الأجناس

وقال مالك: يجوز بيع الموزونات بعضها ببعض جزافًا. مغ ج 4 ص 133. باب إذا اختلفت الأجناس مسألة (923) أكثر أهل العلم على أن الأجناس إذا اختلفت جاز بيع بعضها ببعض جزافًا، المكيل بالموزون والموزون بالمكيل. والمكيل بالمكيل والموزون بالموزون. ومنع من ذلك بعض الأصحاب في مذهب الإِمام أحمد إذا كان الجنسان مما يكال أو مما يوزن. وروي عن أحمد كراهة ذلك. وبه قال القاضي والشريف وأبو جعفر. مغ ج 4 ص 135. باب في بيع اللبن بشاة في ضرعها لبن مسألة (924) جمهور العلماء على أنه لا يجوز بيع اللبن بشاة في ضرعها لبن. وهو مذهب مالك والشافعي. وقال الأوزاعي: يجوز. شرح ج 12 ص 30. باب في بيع اللحم بحيوان من جنسه مسألة (925) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه لا يجوز ييع اللحم بحيوان (¬1) من جنسه (¬2). وبه قال مالك والشافعي وفقهاء المدينة السبعة. وقال مالك فيما حكى عنه أن هذا لا يجوز إذا كان الحيوان معدًّا للحم أما إذا كان معدًّا لغير اللحم كالزرع أو الحرث أو السقاية فلا بأس بذلك. ¬

_ (¬1) يعني: حيوان حي. (¬2) أما من غير جنسه فالمسألة فيها خلاف ظاهر، ذهب أحمد إلى المنع، واختار القاضي الجواز وللشافعي في ذلك قولان. وصورة ذلك أن تنحر جزورُ مثلًا فيأتي رجل بشاة ويقول بعني جزءًا من لحم هذا الجزور بهذه الشاة، فلا يجوز، والأقوى في العلة من المنع من هذا البيع عند الجمهور هو اتباع الأثر المروي عن أبي بكر الصديق في هذا، وهو مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب، وقد ذكر الماوردي أوجهًا في تقوية العمل بمرسل سعيد هذا وذكر أن من بين الأوجه أو الشرائط التي تقوي العمل بالمرسل أن يقول به أكثر أهل العلم. انظر. الحاوي ج 5 ص 158.

باب في بيع اللحم بحيوان غير مأكول اللحم

وقال أبو حنيفة: يجوز مطلقًا. مغ ج 4 ص 147. باب في بيع اللحم بحيوان غير مأكول اللحم مسألة (926) عامة الفقهاء على جواز بيع اللحم بحيوان غير مأكول اللحم. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه. وقال الشافعي في قوله الآخر: لا يجوز (¬1). مغ ج 4 ص 150. باب في الشراء بالدنانير والقضاء بالدراهم في البيع الحال مسألة (927) أكثر أهل العلم علي أن من اشترى من أحدٍ شيئًا بالدنانير جاز أن يقضيه ثمنها بالدراهم إذا كان البيع حالًّا وقضاه بسعر اليوم الذي اشترى فيه، وكذلك يصح العكس، وهو أن يشتري بالدراهم ويقضي بالدنانير بالشروط التي ذكرنا. ومنع من ذلك ابن عباس وأبو سلمة بن عبد الله وابن شبرمة. وروي ذلك عن ابن مسعود. مغ ج 4 ص 173. باب في المدين يقول للدائن ضع عني وأعجل لك مسألة (928) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه لا يجوز أن يقول المدين لغريمه (يعني الدائن) ضع عني شيئًا أو بعضًا من الدين وأعجِّل لك ما بقي. كره ذلك زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية وإسحاق وأبو حنيفة (¬2). ¬

_ (¬1) راجع نيل ج 5 ص 314. (¬2) قال الموفق: وقال المقداد لرجلين فعلا ذلك: كلاكما قد آذن بحربٍ من الله ورسوله. قلت: وقد اتفق الكل على استحباب أن يضع الدائن عن المدين شيئًا من الدين أو كله ابتداء. لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. وانظر شرح ج 10 ص 220. قلت: وحكى الكراهة عمن ذكرناهم في أصل المسألة ابن المنذر وزاد فيهم سفيان بن عيينة وهشام بن عبد الملك الباهلي البصري وأحمد. ونقل الترخيص عمن ذكرناهم، وروي عن الحسن البصري وابن سيرين أنهما كانا لا يرويان بأسًا بالقروض أن يأخذها من حقه قبل محله (يعني قبل وقت السداد) وأما إذا استرفق المدين الدائن في أن يضع عنه شيئًا من الدين من غير أن يغريه بالتأجيل فلا بأس في هذا، ومستحب للدائن أن يجيبه إلى ذلك، وفي هذه المسألة =

باب (في المتاجرة بمال اليتيم)

وروي عن ابن عباس والنخعي وأبي ثور أنهم لم يروا في ذلك بأسًا. مغ ج 4 ص 174. باب (في المتاجرة بمال اليتيم) (¬1) مسألة (929) جمهور العلماء على جواز متاجرة الوصي بمال اليتيم إذا كان الوصي عارفًا أمينًا أو دفع مال اليتيم لمن يتاجر فيه مضاربة، وكان المضارب عارفًا أمينًا. وممن ذهب إلى هذا عمر وابنه وعائشة والضحاك والنخعي والحسن بن صالح ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وروي عن الحسن البصري كراهة ذلك. وحكى الماوردي عن ابن أبي ليلى المنع من ذلك وقال: لا يجوز لوليه أن يتاجر بماله مغ ج 4 ص 293 الحاوي ج 5 ص 361. باب في السَّلَمِ (¬2) مسألة (930) أكثر أهل العلم على عدم جواز الشركة والتولية في المُسلَم فيه وحكي عن مالك جوازهما. مغ ج 4 ص 341. ¬

_ = حديث صحيح في قصة وضع كعب بن مالك شطر الدين عن أبي حدرد الأسلمي بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر شرح ج 10 ص 219. وانظر فيما ذكرته أولًا. الإشراف ج 1 ص 149. بداية ج 2 ص 172. (¬1) وإذا تاجر الولي بمال اليتيم جاز له ذلك عند الجمهور في حالين اثنين: الأول أن يكون اليتيم محتاجًا لهذه المتاجرة لسد نفقاته ونحو ذلك. والثاني: أن تكون المتاجرة فيها حظ له. وهذا ما يعبرون عنه بقولهم "على وجه الغبطة". انظر نص الشافعي في هذا. الحاوي ج 5 ص 366. (¬2) أجمع المسلمون على جواز السلم وهو عكس البيع إلى أجل، ومعناه تقديم العوض وتأجيل تسليم المبيع وإنما شرع لحاجة الناس إليه. قال النووي في تعريف السَلَّم: وذكروا في حد (تعريف) السلم عبارات أحسنها: أنه عقد على موصوف في الذمة (المبيع) يبذل (العوض أو الثمن) يُعطى عاجلًا. قال -رحمه الله-: سمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسمي سلمًا لتقديم رأس المال وأجمع المسلمون على جواز السلم. قلت: وقد يكون السلف حالًا وقد يكون مؤجلًا، أما المؤجل فجائز بالإجماع وأما الحالُّ فجوزه الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون. انظر شرح ج 11 ص 41 وانظر بداية ج 2 ص 243.

باب فيما يجوز فيه السلم من العروض

باب فيما يجوز فيه (¬1) السلم من العروض مسألة (931) جمهور أهل العلم على جواز السلم في العروض التي تنضبط بالصفة والعدد، وقال داود وطائفة من أهل الظاهر: لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون. بداية ج 2 ص 241. باب في القرض مسألة (932) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المستقرض إذا زاد المقرض عند وفائه القرض من غير اشتراط ولا مواطأة أو وفاه أقل منه كذلك برضاهما فهو جائز، بل الزيادة من المستقرض عند الوفاء مستحبة محمودة إذا كانت من غير اشتراط. رخص في ذلك ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق. وقال أبو الخطاب الحنبلي: إن قضاه خيرًا منه أو زاده زيادة بعد الوفاء من غير مواطأةٍ فعلى روايتين. وروي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر أنه يأخذ مثل قرضه ولا يأخذ فضلًا (¬2). مغ ج 4 ص 361. * * * ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد اتفاق العلماء على جوازه في المكيل والموزون واتفاقهم على منعه فيما لا يثبت في الذمة وهي الدور والعقار. انظر. بداية ج 2 ص 241. وانظر شرح ج 11 ص 41. (¬2) ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن قرض جَرَّ منفعةً. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى يإسنادٍ صحيح، وعليه العمل عند العلماء كافةً إلا ما كان من قبيل المكافأة من غير مواطأة (اتفاق) ولا اشتراط. وهي مسألة الكتاب. انظر الحاوي ج 5 ص 352. وانظر في شروط القرض الجائز. الحاوي ج 5 ص 355 وما بعد.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الرهن

كتاب الرهن

كتاب الرهن باب في الرهن في الحضر وفي السفر مسألة (933) جمهور أهل العلم على جواز الرهن في السفر وفي الحضر. وخالف مجاهد فقال: لا يكون الرهن إلا في السفر. حكاه عنه ابن المنذر. حكاه النووي عنه وعن داود. مغ ج 4 ص 367. شرح ج 11 ص 40 الإشراف ج 1 ص 69. بداية ج 2 ص 326. باب في رهن المصحف مسألة (934) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم جواز رهن المصحف وجواز بيعه. وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في روايةٍ. وقال أحمد في أشهر الروايتين: لا يصح رهن المصحف ولا يجوز بيعه. مغ ج 4 ص 380. باب في الراهن يؤدي بعض المال الذي رهن به مسألة (935) جمهور العلماء بل عامتهم على أن من رهن شيئًا بمالٍ فأدى بعض هذا المال وأراد فك بعض الرهن فإنه ليس له ذلك حتى يؤدي للمرتهن كل المال الذي رهن به. وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. حكاه عنهم ابن المنذر. وحكى ابن رشد عن قوم أن له ذلك ويبقى مالم يؤد ماله مرهونًا عند المرتهن (¬1). بداية ج 2 ص 327. ¬

_ (¬1) ولم يحك ابن رشد من خالف الجمهور في هذا، وإنما قال: وقال قوم. قلت: وحكى ابن المنذر الإجماع عمن يحفظ من أهل العلم على هذا الذي نقله ابن رشد عن الجمهور. انظر الإشراف ج 1 ص 93.

باب في الراهن يبيع أو يهب الرهن

باب في الراهن يبيع أو يهب الرهن مسألة (936) جمهور العلماء بل عامتهم على أنه ليس للراهن أن يتصرف في الرهن بيعًا أو هبةً أو صدقةً. وأن للمرتهن حق امضاء ما سبق أو نسخه وإبطاله. وقال مالك: وإن زعم أن تصرفه كان لتعجيل حقه حلف وكان له ذلك. وقال قوم: يجوز ييعه مطلقًا (¬1). بداية ج 2 ص 330. باب في اختلاف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن مسألة (937) جمهور أهل العلم على أن الراهن والمرتهن إذا اختلفا في قدر الرهن فالقول قول الراهن. وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي. وقال مالك: القول قول المرتهن فيما ذكره من قدر الحق ما لم تكن قيمة الرهن أقل من ذلك فإن زاد على قيمة الرهن، فالقول قول الراهن. بداية ج 2 ص 331. باب في المتراهنين يضعان الرهن في يد آخر مسألة (938) جمهور العلماء على أن المتراهنين إذا شرطا كون الرهن على يدي رجل رضيا به واتفقا عليه جاز وكان وكيلًا للمرتهن نائبًا عنه في القبض ومتى قبضه أي الوكيل صح قبضه. وبه قال عطاء وعَمْرو بن دينار والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وابن أبي ليلى: لا يكون مقبوضًا بذلك (¬2). مغ ج 4 ص 387. ¬

_ (¬1) حكى ابن المنذر الإجماع على أن الراهن ممنوع من بيع الرهن وهبته والتصدق به. فالله تعالى أعلم. انظر الإشراف ج 1 ص 77 ج 2 ص 306. (¬2) انظر مسألة قبض الرهن من المرتهن أو وكيله. الحاوي ج 6 ص 35. فائدة: في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا يغلق الرهن" نقل ابن المنذر عن مالك والثورى وأحمد وغيرهم أن معنى هذا أنه لا يجوز أن يقول الراهن للمرتهن: إذا جئتك بحقك إلى وقت كذا أو كذا وإلا فهو لك، وعن الشافعي أنه أبطل البيع الذي يعقد على أن المرتهن مستحق للرهن عند حلول وقت السداد إذا لم يوفه الراهن. وحكى ابن رشد الاتفاق في هذه المسألة. انظر الإشراف ج 1 ص 75 بداية ج 2 ص 326.

باب في وطء الأمة المرهونة

باب في وطء الأمة المرهونة مسألة (929) جماهير العلماء على أنه لا يحل للراهن وطء أمته المرهونة أيًّا كان حالها صغيرةً أو كبيرة آيسة أو غير ذلك. وقال بعض أصحاب الشافعي: يجوز له وطء أمته المرهونة إذا كانت آيسة أو صغيرة لا يتأتى منها الحبل (¬1). مغ ج 4 ص 402. باب في انتفاع المرتهن بالرهن مسألة (940) جمهور أهل العلم على أن المرتهن لا ينتفع من الرهن بشيء إذا كان الرهن بسبب القرض. ولا فرق أن يكون الرهن حيوانًا أو عروضًا أو عقارًا. وهو قول الشافعي بسبب القرض أو البيع، وقال أحمد وإسحاق في الرهن يكون حيوانًا يركب أو يحلب: له ركوبه وحلبه وعليه نفقته. وقال أبو ثور: له ركوبه إذا كان الراهن لا ينفق عليه. وكذا العبد له استخدامه إذا ترك الراهن النفقة عليه (¬2). بداية ج 2 ص 338. * * * ¬

_ (¬1) راجع روضة الطالبين ج 4 ص 77. قلت: والقول المعتمد في المذهب هو عدم الحل. وحكاه الماوردي عن جمهور الأصحاب. وانظر كذلك. الحاوي ج 6 ص 48. قلت حكى ابن المنذر الإجماع على أن للمرتهن منع الراهن من وطء أمته المرهونة. ثم ذكر -رحمه الله- اختلاف أهل العلم فيمن وطأ أمته المرهونة فحملت كيف يغرم بوطئها. انظر الإشراف ج 1 ص 78. (¬2) وأما إذا كان الرهن بسبب البيع فأجاز طائفة للمرتهن الانتفاع بالرهن يعني بنا جعل الراهن له ذلك. وهو قول الحسن البصري وابن سيرين وأحمد وإسحاق. وقال مالك: لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الراهن إلى أجل في الدور والأرضين وكره ذلك في الحيوان والثياب وأكره ذلك في القرض لأنه يصير سلفًا (يعني قرضًا) جر منفعةً. حكى ذلك كله ابن المنذر. انظر الإشراف ج 1 ص 81.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب المفلس

كتاب المفلس

كتاب المفلس باب في حبس المعسر بالدين مسألة (941) أكثر أهل العلم على جواز حبس المعسر في الدين حتى يثبت إعساره. وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان (¬1) وسوار وعبيد الله بن الحسن. وروي كذلك عن شريح والشعبي. وقال عمر بن عبد العزيز: يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس. وبه قال عبد الله بن جعفر والليث بن سعد. مغ ج 4 ص 503 الإشراف ج 1 ص 145. باب في المفلس الذي لا مال له أصلًا مسألة (942) جمهور الفقهاء على أن المفلس الذي لا مال له أصلًا فإن فلسه يسقط الدين عنه إلى وقت ميسرته. وحكي عن عمر بن عبد العزيز أن لغرمائه أن يؤاجروه بما يفي بديونهم. قال ابن رشد: وبه قال أحمد من فقهاء الأمصار (¬2). بداية ج 2 ص 346. باب في الرجل يبيع الشيء فيجده بعينه عند المفلس مسألة (943) جمهور أهل العلم على أن من باع سلعةً بعوض إلى أجل لرجلٍ ثم تبين فَلَسُهُ ووجد البائع سلعته بعينها عند المفلس فهو أحق بها من باقي الغرماء، وسواء كان له غريم أو غرماء غير البائع أو لم يكن إلا هو. وهو قول عثمان وعليّ رضي الله ¬

_ (¬1) يعني أبا حنيفة النعمان -رحمه الله-. قلت: وهذا النقل عن العلماء والذين ذكرهم الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في أصله لابن المنذر -رحمه الله- في كتاب الإشراف. قلت: وحكى ابن رشد الاتفاق على حبس المدين إذا ادعى الفلس ولم يتبين صدقه. انظر بداية ج 2 ص 346 وأما من ثبت إعساره، فحكى النووي عن الجمهور أنه لا يحبس وهو قول مالك والشافعي وعن ابن شريح أنه يحبس. انظر شرح ج 10 ص 218، 227. (¬2) انظر قول أحمد في الأشراف ج 1 ص 151.

تعالى عنهما. وبه قال عروة بن الزبير ومالك والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر قلت: على اختلاف بين بعض هؤلاء فيما لو وجد قيمة السلعة أقل أو مساويةً أو أكثر من تلك يوم بيعها. وقال الحسن البصري وابن شبرمة وأبو حنيفة: هو أسوة الغرماء (¬1). بداية ج 2 ص 341. * * * ¬

_ (¬1) انظر الإشراف ج 1 ص 137. شرح ج 10 ص 222.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي هذه الموسوعة تضمنت أمهات مسائل الفقه الإسلامي التي قال بها جمهور العلماء من أئمة السلف وصالحي هذه الأمة في خير القرون ابتداء بعصر الصحابة والتابعين وانتهاء بآخر عصر الأئمة المجتهدين تأليف الدكتور: محمد نعيم محمد هاني ساعي أستاذ فقه وأصوله - الجامعة الأمريكية المفتوحة الولايات المتحدة المجلد الثاني دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الحجر

كتاب الحجر

كتاب الحجر باب في الحجر على الكبير مسألة (944) أكثر أهل العلم على أنه يجوز الحجر على السفيه ولو كان كبيرًا قال ابن المنذر: أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرًا كان أو كبيرًا، وهذا قول القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق، وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد (¬1). وقال أبو حنيفة: لا يدفع ماله إليه قبل خمس وعشرين سنة وإن تصرف نفذ تصرفه فإذا بلغ خمسًا وعشرين سنة فك عنه الحجر ودفع إليه ماله. وهو قول إبراهيم النخعي وابن سيرين في عدم جواز ابتداء الحجر على الكبار. حكاه عنهما ابن رشد. مغ ج 4 ص 511 الإشراف ج 1 ص 128. شرح ج 12 ص 191. باب في حد (تعريف) الرشد مسألة (945) أكثر أهل العلم على أن الرشد في السفيه هو الصلاح في التصرف في المال، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وهو مذهب أحمد. وقال الحسن والشافعي وابن المنذر: الرشد صلاحه في أمر ماله وأمر دينه (¬2). مغ ج 4 ص 522. * * * ¬

_ (¬1) وحكى هذا القول ابن المنذر عن عثمان البَتِّيِّ وعبيد الله بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. وحكى عن أبي حنيفة وزفر أنه لا يحجر على الرجل الحر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال. انظر. الإشراف ج 1 ص 129 وانظر بداية ج 2 ص 332. (¬2) انظر قوله ابن المنذر في هذا في الإشراف ج 1 ص 127. قلت: وقول ابن المنذر في هذه المسألة أعني مسألة السفيه لم أره لكنه قاله في شأن اليتيم في تفسير قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، وانظر بداية ج 2 ص 334.

باب في الإناث ذوات الآباء المحجور عليهن للصغر متى يرفع عنهن الحجر؟

باب في الإناث ذوات الآباء المحجور عليهن للصغر متى يرفع عنهن الحجر؟ مسألة (946) جمهور العلماء على أن حكم الإناث المحجور عليهن بسبب الصغر إذا كان لهن آباء هو عينه حكم الذكور برفع الحجر بالبلوغ وإيناس الرشد. وقال مالك: لا يرفع عن الأنثى الحجر ما دامت في ولاية أبيها حتى تتزوج ويدخل بها زوجها ويؤنس رشدها (¬1). بداية ج 2 ص 334. باب في عتق السفيه المحجور عليه مسألة (947) جمهور أهل العلم على أن عتق السفيه المحجور عليه لا ينفذ، وهو قول الشافعي وأبي ثور، وقال ابن المنذر: وأكثر أصحابنا (¬2) ثم قال ابن المنذر: وبه نقول. وقال ابن أبي ليلى ينفذ (¬3) وقال محمَّد بن الحسن: يعتق العبد ويسعى (العبد) في جميع قيمته (¬4). بداية ج 2 ص 336. باب في طلاق السفيه مسألة (948) أكثر أهل العلم على صحة طلاق السفيه المحجور عليه. وقال ابن أبي ليلى: لا يقع طلاقه (¬5). وحكاه ابن رشد. عن أبي يوسف. مغ ج 4 ص 527 بداية ج 2 ص 336. ¬

_ (¬1) قلت: أما الذكور فحكى ابن رشد فيهم الاتفاق على رفع الحجر بالبلوغ وإيناس الرشد انظر. بداية ح2 ص 333. وحكاه النووي عن الجمهور بل الجماهير من أن الحجر على اليتيم لا يرتفع ببلوغ أو علو السنن وإنما بظهور الرشد في ماله ودينه. انظر. شرح ج 12 ص 191. (¬2) اختلف أهل العلم في ابن المنذر هل كان مجتهدًا منفردًا أعني مستقلًا له مذهبه أم كان مجتهدًا في مذهب الشافعي مخرجًا على أصوله. ومن يقول أنه كان معدودًا من جملة الأصحاب في المذهب الشافعي يستدل بأشياء، ومنها قوله هنا: وفي قول الشافعي وأبي ثور وأكثر أصحابنا. (¬3) وإذا أعتق السفيه المحجور عليه عبدًا كفارة عن ظهاره. قال محمَّد بن الحسن جاز عتقه ولا يجزؤه عن ظهاره. وقال أبو ثور: عتقه باطل. انظر الإشراف ج 1 ص 131. (¬4) انظر الأشراف ج 1 ص 132. (¬5) واختلف العلماء في نكاح السفيه المحجور عليه، وفي عتقه، وفي قتله في شبه العمد وغير ذلك من التصرفات وأنواع الغرامات والضمانات المترتبة على تصرفاته. وحكى ابن المنذر الإجماع عمن يحفظ من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه بزني أو سرقة أو حجر أو قذف أو قتل أن ذلك كله جائز صحيح. انظر الإشراف ج 1 ص 134. وحكى ابن رشد عدم العلم بالمخالف في أن وصيته تنفذ. انظر بداية ج 2 ص 336.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الصلح

كتاب الصلح

كتاب الصلح (¬1) مسألة (949) أكثر الفقهاء على أن النهي الوارد في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يمنع أحدُكم جَارهُ أن يضع خَشَبَهُ على جدارهِ" أنه محمول على الكراهية لا على التحريم. قلت: ومقتضى أصول الظاهرية أنه محمول على الوجوب. مغ خ 5 ص 44. * * * ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد الاتفاق على جواز الصلح على الأقرار، أما الصلح على الإنكار فاختلفوا فيه وهو أن ينكر فلان ما ادعى عليه من حق ثمَّ يتصالحان على الشيء. أجازه مالك وأبو حنيفة ومنعه الشافعي. انظر بداية ج 2 ص 348.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الحوالة والضمان

كتاب الحوالة والضمان

كتاب الحوالة والضمان باب في متى تبدأ ذمة المحيل مسألة (950) مذهب العامة من الفقهاء أن الحوالة إذا استوفت شروط صحتها فقد برئت ذمة المُحيِلِ. وحكاه ابن المنذر عن مالك والليث والشافعي وأحمد وأبي عبيد وأبي ثور. وبه قال ابن المنذر -رحمه الله-. وروي عن الحسن أن الحوالة لا تبِرئ ذمة المحيل (¬1) حتى يبرأه صاحب الدين. وعن زفر أنه قال: لا تنقلُ الحق. وأجراها مجرى الضمان. وحكاه ابن المنذر عن الحسن بمثل الذي ذكرناه. مغ ج 5 ص 58. باب في صاحب الدين يحال على مليء. هل يجب عليه قبول ذلك؟ مسألة (951) جمهور أهل العلم على أن صاحب الدين إذا أحيل على مليء عنده قضاءُ دينه. فلا يجب عليه قبول تلك الحوالة لكنه يندب له. وقال بعضهم: يياح ولا يندب. وقال داود: وآخرون: بل يجب قبول الحوالة. شرح ج 10 ص 228. * * * ¬

_ (¬1) يعني المدين. والمحتال: صاحب الدين. والمحال عليه: المليء الذي رضي المدين بانتقال دينه عليه ليستوفيه منه عوضًا عن المدين الأصلي. قلت: وبين العلماء خلاف في هذه المسألة فيما لو مات المحال عليه قبل استيفاء صاحب الدين دينه أو لو أفلس المحال عليه وغير ذلك من الصور. انظر. الأشراف ج 1 ص 120.

أبواب الضمان (الكفالة)

أبواب الضمان (الكفالة) باب في ضمان المحبوس والغائب مسألة (952) أكثر أهل العلم على صحة ضمان المحبوس والغائب ودين الميت. وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يصح (¬1). مغ ج 5 ص 73. بداية ج 2 ص 354. باب في الضامن والمضمون يحضران عند المضمون له مسألة (953) جمهور أهل العلم على أنه إذا حضر الضامن (الكفيل) والمضمون (المكفول) عند المضمون له (المكفول له). فللأخير هذا (يعني المكفول له) أن يطالب من شاء منهما إما الضامن وإما المضمون. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق. وحكاه ابن المنذر كذلك عن مالك وأبي عبيد. وقال ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو ثور: لا يطالب إلا الضامن (¬2). بداية ج 2 ص 352. باب في ضمان مال المكاتبة مسألة (954) أكثر أهل العلم على عدم صحة ضمان المال الذي وقع عليه عقد المكاتبة بين السيد وبين عبده. وبه قال الشافعي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية أخرى: يصح. مغ ج 5 ص 75. باب في الكفالة بالنفس مسألة (955) أكثر أهل العلم على جواز الكفالة بالنفس (¬3). وبه قال شريح ومالك والثوري والليث وأبو حنيفة. وهو مذهب أحمد. والشافعي في الصحيح المعتمد عنه. وقال الشافعي في بعض أقواله: الكفالة بالبدن ضعيفة. قال الموفق: واختلف أصحابه؛ فمنهم من قال: هي صحيحة قولًا واحدًا وإنما أراد أنها ضعيفة في القياس وإن ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 354. (¬2) انظر. الإشراف ج 1 ص 118. (¬3) أي يتكفل بإحضار من عليه الحق أو الدين.

باب في الكفيل بالنفس يتعذر عليه الوفاء

كانت ثابتة بالإجماع والأثر، ومنهم من قال فيها قولان: أحدهما أنها غير صحيحة. مغ ج 5 ص 95 بداية ج 2 ص 350 الإشراف ج 1 ص 125. باب في الكفيل بالنفس يتعذر عليه الوفاء مسألة (956) أكثر القائلين يجواز الكفالة بالنفس، وهم جمهور أهل العلم على أن الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به مع حياته أو امتنع من إحضاره لم يلزمه ما عليه ولا يغرم. وحكاه ابن المنذر عن الشعبي وشريح وحماد بن أبي سليمان وأحمد. وقال: ويشبه مذهب الشافعي في ذلك إذا مات المكفول. وقال الموفق ابن قدامة: يلزمه وحكاه ابن المنذر عن الحكم ومالك والليث. وعن ابن القاسم الفرق بين أن يموت المطلوب حاضرًا أو غائبًا فإن مات حاضرًا فلا شيء على الكفيل وإلا نظر في المسافة التي مات فيها غائبًا، فإن كان مما يقدر على إحضاره مثلها غرم الكفيل وإلا فلا. مغ ج 5 ص 96 بداية ج 2 ص 350. باب في الكفالة بالنفس على من عليه حدٌّ شرعيٌّ مسألة (957) أكثر أهل العلم على عدم صحة الكفالة بالنفس (البدن) في من عليه حدٌّ سواءٌ كان الحد حقًّا لله تعالى كالزنا والسرقة أو كان حقًّا لآدمي كحد القذف والقصاص، وبه قال شريح والحسن وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في حدود الله تعالى، وهو مذهب أحمد. واختلف قول الشافعي في حدود الآدمين فقال مرة: يصح، وقال في موضع: لا يصح (¬1). وروي عن أبي حنيفة جوازها في الحدود والقصاص أو في القصاص دون الحدود. حكى ذلك ابن رشد. مغ ج 5 ص 97 الإشراف ج 1 ص 124 بداية ج 2 ص 352. * * * ¬

_ (¬1) حكى ابن المنذر عدم صحة الكفالة في الحدود عن الأكثر من علماء الأمصار، وذكر ممن قال بهذا سوى من ذكرناهم في أصل المسألة مسروق وأبو ثور. قلت: ولم يحك -رحمه الله- من خالفهم. انظر الإشراف ج 1 ص 125.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الشركة

كتاب الشركة

كتاب الشركة (¬1) أبواب المضاربة باب في المضارب يشترط من يعمل معه مسألة (958) أكثر الصحابة على أنه يجوز للمضارب ببدنه أن يشترط على المضارب بماله أن يعمل معه غلامه أو خادمه. وهو ظاهر كلام الشافعي، وهو الوجه المعتمد عند الحنابلة. وحكاه ابن رشد عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وذهب بعض الصحابة إلى المنع. وبه قال القاضي من الحنابلة. وذكر أبو الخطاب من الحنابلة أيضًا فيه وجهان (¬2). وممن قال بالمنع أشهب من أصحاب مالك. حكاه عنه ابن رشد. مغ ج 5 ص 138. باب في المضارب يشتري من يُعْتَقُ على رب المال مسألة (959) أكثر الفقهاء على أن المضارب إذا اشترى في الذمة من يعتق على رب ¬

_ (¬1) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الشركة الصحيحة أن يخرج كل واحدٍ من الشريكين مالًا مثل مال صاحبه؛ دنانير أو دراهم ثم يخلطان ذلك حتى يصير مالًا واحدًا لا يتميز على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من أنواع التجارات، على أن ما كان فيه من فضل (ربح) فلهما، وما كان عليهما من نقصان فعليهما، فإذا فعلا ذلك صحت الشركة. اهـ. انظر الإشراف ج 1 ص 61. قلت: ومقصود ابن المنذر أن الشركة بهذا الوصف تصح بالأجماع لا أن غيرها لا يصح، وإنما قد يكون من أنواع الشركات الأخرى ما يختلف العلماء في صحته وفي فساده. كالذي ذكره ابن المنذر وغيره من الرجلين يشتركان يأتي أحدهما بألف درهم والآخر بألفين على أن يكون الربح بينهما نصفين والوضيعة (الخسارة) على قدر رؤوس أموالهما أو على أن يكون الربح والخسارة بينهما نصفين. فهذا أو ذاك مختلف فيه وإن كان كثير من أهل العلم على صحة الصورة الأولى دون الثانية. وكذلك اختلفوا في شركة الأبدان كالخياطين والصباغين والحمَّالين يشتركون في الجهد وما يخرج يكون بينهما بالتساوي، وكذلك اختلفوا في شركة المفاوضة بأن يفوض كل منها صاحبه بالاتجار ويكون أحدهما للآخر كفيلًا ووكيلًا وكذلك شركة الوجوه، وهي شركة بدون رأس مال يقول الرجل للآخر ما اشتريت في هذا الوقت من شيء فهو بيني وبينك يعني في غرمه وغُنْمه رخص فيها كثيرون ومنع صحتها الشافعي -رحمه الله-. قلت: وأكثر أهل العلم على كراهة مشاركة اليهودي والنصراني من غير تحريم أو إبطال. وبالله التوفيق. انظر الأشراف ج 1 ص 61 وما بعد. وانظر نقل ابن رشد عن ابن المنذر مسألة الإجماع التي ذكرناها آنفًا. بداية ج 2 ص 302 وانظر ما ذكرناه من أنواع الشركات في. بداية ج 2 ص 303، 304. (¬2) انظر. بداية ج 2 ص 286.

باب في المضاربة بالعروض

المال وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن من مال المضاربة، وإن فعل ضمن. وبه قال الشافعي. وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: ظاهر كلام أحمد صحة الشراء مغ ج 5 ص 155. باب في المضاربة بالعروض مسألة (960) جمهور أهل العلم على أن المضاربة بالعروض لا تصح. وحكى ابن المنذر كراهة المضاربة بالعروض عن الحسن وابن سيرين والنخعي والحارث العُكْليّ ومالك وعبيد الله بن الحسن والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. وذهبت طائفة إلى جوازها بشرط أن تُقَوَّمَ العروض قبل دفعها للعامل. وممن قال ذلك طاوس وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وابن أبي ليلى (¬1). بداية ج 2 ص 283. باب في المضارب يضارب لرجلين بمالين مختلفين مسألة (961) أكثر الفقهاء على أنه يجوز للمضارب بمال لرجل أن يضارب بمالٍ لرجلٍ آخر مطلقًا. وذهب الحنابلة إلى عدم الجواز أذا كانت المضاربة الأخرى فيها إضرار بالمضاربة الأولى. نص على ذلك الخرقي واعتمده وانتصر له ابن قدامة في المغني. مغ ج 5 ص 163. باب في تضمين المضارب بالتعدي مسألة (962) أكثر أهل العلم على تضمين المضارب إذا تعدى وفعل في مال المضاربة ما لم يأذن له صاحب المال. روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ¬

_ (¬1) انظر. الإشراف ج 1 ص 98.

باب في استيفاء رب المال ماله. قبل مقاسمة الأرباح

وروي عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- أنه لا ضمان على من شورك في الربح. وروي معنى ذلك عن الحسن والزهري. مغ ج 5 ص 540 (طبعة مكتبة الرياض). باب في استيفاء رب المال ماله. قبل مقاسمة الأرباح مسألة (963) أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز للشريكين مضاربةً قسمة الربح بينهما حتى يستوفي رب المال ماله. قاله ابن المنذر (¬1) وحكاه عنه الموفق في المغني. وبه قال أبو حنيفة. وقال الثوري والشافعي وإسحاق بالجواز إذا تراضيا (¬2) فإذا ظهر في المال خسران أو تلف المال كله لزم العامل رد إقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح نصفين. وهو مذهب أحمد. مغ ج 5 ص 179. باب في القراض (المضاربة) المؤجل مسألة (964) جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز القراض المؤجل. وقال أبو حنيفة: يجوز إلا أن يتفاسخا. بداية ج 2 ص 285. باب في المضارب يهلك عنده بعض المال قبل العمل مسألة (965) جمهور العلماء على أن المضارب إذا دفع إليه رب المال ماله فهلك بعض المال عنده، فإنه لا يجوز أن يجعل ما بقي من المال قراضًا (مضاربةً) على الشرط المتقدم، ولو صدقه رب المال حتى يتفاصلا ويستأنفان عقد قراضٍ جديد. وهو قول مالك -رحمه الله-. وقال ابن حبيب من أصحاب مالك: يجوز أن يجعل الباقي قراضًا ويلزم العامل أن ¬

_ (¬1) لم يصرح ابن المنذر في الإشراف بأنه قول أكثر أهل العلم. انظر الأشراف: ج 1 ص 108. (¬2) الذي حكاه ابن المنذر في الأشراف عن الثوري وإسحاق وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أن العامل يرد ما قبضه من ربح إلى ربِّ المال حتى يستوفي رب المال رأس ماله وبعد ذلك يقتسمان الربح. وما نقله الموفق هو في التراضي الذي يسبق العمل، والله تعالى أعلم.

باب في نفقة المضارب (المقارض)

يمضي في عقد المضاربة على الشرط المتقدم بشرط أن يكون قد صدقه رب المال. بداية ج 2 ص 287. باب في نفقة المضارب (المقارض) مسألة (966) جمهور العلماء على أن المضارب لا نفقة له في الحضر وأن له النفقة في السفر من طعام وكسوةٍ. وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري. وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي ثور وإسحاق والشافعي في رواية المزني. وقال النخعي والحسن له نفقته في السفر والحضر. وروي هذا عن الشافعي. وقال الشافعي في المشهور من أقواله: لا نفقة له لا في حضر ولا في سفر وهي رواية البويطي عنه. وبه قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان. وقال به أحمد كذلك إلا أن يشترط (¬1). بداية ح 2 ص 287. باب في الدائن يجعل دينه مضاربةً مسألة (967) أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز لمن له دين على أحد أن يجعل دينه مضاربة، وهو أن يقول صاحب الدين للمدين: اذهب وضارب بديني عليك. قال ابن المنذر: وممن حفظا ذلك عنه عطاء والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي (¬2). وبه قال الشافعي وابن المنذر. قال الموفق: وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن تصح المضاربة. مغ ج 5 ص 195. بداية ح 2 ص 284. * * * ¬

_ (¬1) انظر الأشراف ج 1 ص 113. (¬2) وحكاه ابن المنذر إجماعًا عمن يحفظ عنه أهل العلم. انظر الإشراف ج 1 ص 101. قلت: ولو قال رب المال للمضارب بجهده (العامل) اذهب واقبض لي ديني الذي لي على فلان واتجر به فإنه لا يجوز هذا مضاربة عند مالك وأصحابه، ويجوز عند الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه. انظر بداية ج 2 ص 284.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الوكالة

كتاب الوكالة

كتاب الوكالة (¬1) ¬

_ (¬1) لا توجد فيه مسائل للجمهور إلا ما ذكرناه في توكيل الذمي في بيع الخمر في مسألة بيع الخمر والإجماع منعقد على مشروعية الوكالة وأبحاثها مع مسائلها مفرقة في الكتب والأبواب الفقهية الأخرى. فائدة من كتاب الوكالة: لو وكل ذمِّيٌّ مسلمًا ببيع خمر لذمي لم يجز في قولهم جميعًا وإذا وكل ذمي مسلمًا بقبض خمر له على ذمِّيٍّ. جاز للمسلم قبض الخمر مع الكراهة عند أبي حنيفة وأصحابة. فإذا أهرقها المسلم ضمن قيمتها. وبرئتً ذمة الذمي الذي كانت عليه: وخالف أبا حنيفة غيرُه من الأئمة. منهم ابن المنذر. انظر: الإشراف ج 2 ص 487.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الإقرار

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار باب في الوارث يقر بوجود وارث آخر مسألة (968) أكثر أهل العلم على أن الوارث لو أقر بوجود وارث آخر يشاركه في الميراث صح إقراره وشارك المقر له في ميراثه (¬1) مع إجماع أهل العلم على أنه لا يثبت به نسبٌ إلا باستيفاء شروطه. وقال الشافعي: لا يشاركه. وحكي ذلك عن ابن سيبرين. وقال إبراهيم النخعي: ليس بشيء حتى يقروا جميعًا. مغ ج 5 ص 325. باب في الإقرار بالدين في مرض الموت مسألة (969) أكثر أهل العلم على أن من أقر بدين في مرض موته فهو كالإقرار في حال صحته إذا كان الدين لغير وارثٍ. ونقل ابه المنذر فيه الإجماع عمن يحفظ عنه من أهل العلم. وقال أحمد في رواية أخرى حكاها عنه بعض أصحابه في المذهب أنه لا يقبل. وقال أبو الخطاب الحنبلي: فيه رواية أخرى أنه لا يقبل إقراره بزيادةٍ على الثلث مغ ج 5 ص 342. باب فيمن أقر لامرأته بمهر مثلها في مرض موته مسألة (970) مذهب العامة من أهل العلم أن من أقرَّ في مرض موته لامرأته بمهر مثلها أو دونه فإقراره صحيح يعتدُّ به. وخالف الشعبي، فقال: لا يجوز إقراره لها. مغ ج 5 ص 344. * * * ¬

_ (¬1) وهو مذهب أحمد.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب العارية

كتاب العارية

كتاب العاريَّةِ باب في ضمان العارية مسألة (971) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن العارية لا يضمنها مستعيرها إلا إذا أتلفها بتعدٍّ. وبه قال الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن شبرمة. ووري عن ابن عباس وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهم- أنها عارية مضمونة تعدى فيها المستعير أم لم يتعد. وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق. وهو مذهب أحمد (¬1). مغ ج 5 ص 355. باب في العارية. هل هي واجبة؟ مسألة (972) أكثر أهل العلم على أن العارية مستحبةٌ غير واجبة وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة (¬2). مغ ج 5 ص 354. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 373. الأشراف ج 1 ص 270. قلت: حكى ابن المنذر الإجماع على أن المستعير ضامن للعارية إذا أتلفها يعني بتعدٍّ. ثم نقل الخلاف في المسألة إذا تلفت من غير تعدٍّ أو من غير جنايته. انظر المصدر السابق. (¬2) انظر الإشراف ج 1 ص 270.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الغصب

كتاب الغصب

كتاب الغصب (¬1) باب في المغصوب يتلف في يد الغاصب مسألة (973) مذهب العامة من أهل العلم أن المغصوب إذا تلف في يد غاصبه وكان غير متقارب الصفات، وهو ما عدا المكيل والموزون فإن الواجب فيه القيمة. وحُكِي عن العنبري أنه يجب في كل شيءٍ مثله. مغ ج 5 ص 376. باب في الغاصب يزرع الأرض المغصوبة مسألة (974) أكثر الفقهاء على أن من غصب أرضًا (¬2) وزرعها فإن لصاحبها الحق في قلع الزرع ولا يجبر على تركه والتصالح مع الغاصب. وقال أبو عبيد: لا يملك صاحب الأرض إجبار الغاصب على قلعه ويخير المالك بين أن يقر الزرع في الأرض إلى الحصاد ويأخذ من الغاصب أجر الأرض وأرش نقصها وبين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له. وهو مذهب أحمد. مغ ج 5 ص 392. باب في تغير قيمة المغصوب بيد الغاصب مسألة (975) جمهور العلماء على أن الغاصب لا يضمن تغير قيمة المغصوب بسبب تغير الأسعار. وبه قال أحمد. وحكاه ابه المنذر عن مالك وأصحاب الرأي وحكي عن أبي ثور أنه يضمنه. وحكاه ابن المنذر عنه وعن الشافعي (¬3). مغ ج 5 ص 400. ¬

_ (¬1) ذكر ابن المنذر أنه لا خلاف فيما يعلم في أن الغصب هو كل ما خرج عن كونه سرقةً أو حرابةً أو أختلاسًا أو خيانةً. انظر الإشراف ج 2 ص 493. (¬2) حكى النووي مخالفة أبي حنيفة -رحمه الله- للجمهور ومذهب الشافعي في تصور غصب الأرض قال النووي: وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه- (هكذا ترضى النووي عن أبي حنيفة وعنه نقلته): لا يتصور غضب الأرض. انظر شرح ج 11 ص 49. (¬3) انظر الإشراف ج 2 ص 497.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الشفعة

كتاب الشفعة

كتاب الشفعة (¬1) باب في الشفعة للجار مسألة (976) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه لا شفعة للجار وإنما الشفعة في الملك المشاع والشريك غير المقاسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. وبه قال عمر بن الخطاب وعثمان -رضي الله تعالى عنهما- وهو قول عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الأنصاري وأبي الزناد وربيعة والمغيرة بن عبد الرحمن ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وهو مذهب أحمد. رحمهم الله تعالى جميعًا. وقال ابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي: الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجوار. وقال أبو حنيفة: يُقدَّمُ الشريكُ فإن لم يكن وكان الطريق مشتركًا كدرب لا ينفذ تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب فإن لم يأخذوا ثبتت للملاصق من درب آخر خاصةً. وقال العنبري وسوار: تثبت بالشركة بالمال وبالشركة في الطريق (¬2). مغ ج 5 ص 461 شرح ج 11 ص 46. باب في الملك الذي تثبت فيه الشفعة مسألة (977) مذهب العامة من أهل العلم أن الشفعة تكون في الشِقْص (الحصة) المنتقل بعوض، وأما المنتقل بغير عوض، كالهبة بغير ثواب والصدقة والوصية والإرث فلا شفعة فيه. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ¬

_ (¬1) قال الإِمام الكبير أبو بكر ابن المنذر -رحمه الله-: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الشفعة في كل مالٍ لم يُقْسَم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شُفْعةَ. قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرضٍ أو دارٍ أو حائط. انظر الأشراف ج 1 ص 33. وانظر شرح ج 11 ص 45. قلت: وحكى ابن رشد الاتفاق في الجملة بين العلماء على إثبات الحكم بالشفعة. انظر. بداية ج 2 ص 305. (¬2) انظر الإشراف ج 1 ص 33. بداية ج 2 ص 305.

باب في الشفعة بين الورثة ونحوهم هل يختص بها أهل السهم الواحد دون غيرهم؟

وحكي عن مالك رواية أخرى في المنتقل بهبة أو صدقة أن فيه الشفعة ويأخذه الشفيع بقيمته. وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى (¬1). مغ ج 5 ص 468. باب في الشفعة بين الورثة ونحوهم هل يختص بها أهل السهم الواحد دون غيرهم؟ مسألة (978) جمهور أهل العلم على أن حكم الشفعة للشركاء لا يختلف باختلاف أنصبة الشركاء أو سهمانهم أو حصصهم فتخص أهل السهم الواحد أو الحصة الواحدة دون غيرهم، بل الشفعة تثبت لهم جميعًا. وقال مالك: أهل السهم الواحد أحق بالشفعة إذا باع أحدهم من الشركاء معهم في المال بسبب التعصيب. ولا حق لأهل التعصيب في الشفعة على أهل السهام المقدرة (المفروضة) وأهل السهام المقدرة يدخلون في الشفعة على ذوي التعصيب. وقال أهل الكوفة: يختص أهل السهام المقدرة (أهل الفرائض) إذا باع أحدهم شيئًا بالشفعة فيما بينهم دون أهل التعصيب، وأهل التعصيب يختصون بالشفعة فيما يينهم دون أهل الفرائض. حكاه عنهم ابن رشد وقال عطاء في رجلين اشتريا ثلث دارٍ واشترى آخران الثلثين، فباع أحد الاثنين نصيبه قال (يعني عطاء): صاحبه الذي اشترى معه أولى بالشفعة. قال ابن المنذر: وقال سائر أهل العلم: هو وسائر الشركاء سواء. هذا مذهب أصحاب الرأي وعبيد الله بن الحسن. وللشافعي قولان هذا أصحهما. قال أبو بكر (ابن المنذر): وبه نقول لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم للشريك بالشفعة، فحكم جميع الشركاء واحد (¬2). الإشراف ج 1 ص 50. ¬

_ (¬1) حكى ابن رشد الاتفاق على أنه لا شفعة في المِلْكِ المنتقل عن طريق الميراث. انظر بداية ج 2 ص 308 وانظر في نفس المصدر الرواية الثانية عن مالك في إثبات الشفعة في الملك المنتقل عن طريق الهبة بغير ثواب. قلت: وحكى ابن المنذر في الإشراف اتفاق مالك والشافعي وأصحاب الرأي على أنه لا شفعة في الملك المنتقل عن طريق الهبة التي لا ثواب فيها. ولعلَّه -رحمه الله- لم يثبت عنده ما ذكره ابن رشد مع أن المشهور عن مالك كما ذكره ابن رشد متفق مع هذا الذي حكاه ابن المنذر. انظر الإشراف ج 1 ص 58. (¬2) انظر بداية ج 2 ص 311. قلت: وحكى ابن رشد عن الجمهور أن الشركاء إذا ترك بعضهم حقه في الشفعة فليس لمن بقيت له الشفعة أن ببعض الشفعة على المشتري إلا إذا رضي المشتري بذلك. وخالف أصبغ من أصحابي مالك في هذا. انظر بداية ج 2 ص 311. قلت: وحكى ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم على عدم جواز تبعيض الشفعة على المشتري وأنه (أعني الشفيع) إما أن يأخذ الجميع أو يدع فليس له أن يأخذ بقدر حقه ويترك ما بقي. قلت: ولعل ابن المنذر لم يبلغه أو لم يصح عنده قول أصبغ. انظر الإشراف ج 1 ص 56.

باب في الشفعة للورثة

باب في الشفعة للورثة مسألة (979) أكثر أهل العلم على أن حق الشفعة لا ينتقل إلى الورثة إذا لم يطالب به صاحبه قبل موته فإن مات ولم يطالب به سقط حق الورثة فيه. روي هذا عن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي. وبه قال الثوري وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي. وقال مالك والشافعي والعنبري: ينتقل إلى الورثة طالب به الميت أم لم يطالب. قال أبو الخطاب الحنبلي: ويتخرج لنا مثل ذلك (¬1). مغ ج 5 ص 536 الإشراف ج 1 ص 49. باب في الشفعة للذمي مسألة (980) جمهور أهل العلم على ثبوت الشفعة للذمي على المسلم، فإذا باع شريك الذمي شقصه (حصته) لمسلم فإن للذمي الحق في انتزاع ذلك الشقص منه. روى هذا عن شريح وعمر بن عبد العزيز. وبه قال إبراهيم النخعي وإياس بن معاوية وحماد بن أبي سليمان والثوري ومالك والشافعي والعنبري وأصحاب الرأي قلت: وهو قول ابن المنذر. وقال الحسن والشعبي: لا شفعة لذمي على مسلم. وهو مذهب أحمد. مغ ج 5 ص 551. الإشراف ج 1 ص 48. شرح ج 11 ص 46. باب في الشفعة للبدوي (الأعرابي) مسألة (981) أكثر أهل العلم على ثبوت الشفعة للبدويِّ على القروي وللقروي على البدويِّ. وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر. وقال الشعبي وعثمان البتي: لا شفعة لمن لم يسكن المِصْرَ. مغ ج 5 ص 553. الإشراف ج 1 ص 49 شرح ج 11 ص 46. باب في الشفعة في غير العقار (الدور والأرض) مسألة (982) أكثر أهل العلم على أنه لا شفعة في العروض والحيوان، وإنما هي في العقار والدور والأرضين وممن قال بأنه لا شفعة في العروض والحيوان عطاء والحسن ¬

_ (¬1) انظر. بداية ج 2 ص 313.

باب في الشفيع والمشتري يختلفان في الثمن ولا بينة

البصري. حكاه عنهما ابن النذر وقال: وبه قال مالك والثوري. والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن، وقتادة، وربيعة والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر: وقال الحكم وحماد: لا شفعة في العبد. وقال عطاء مرةً: الشفعة في كل شيء حتى في الثوب. وقد اختلف فيه عنه. قال أبو بكر (يعني ابن المنذر)، بالقول الأول أقول. قلت: وحكى ابن رشد عن أبي حنيفة أنه لم يجز الشفعة في البئر والفحل (¬1)، وأجازها في العرصة والطريق. الإشراف ج ص 41. بداية ج 2 ص 307 شرح ج 11 ص 45. باب في الشفيع والمشتري يختلفان في الثمن ولا بينة مسألة (983) جمهور الفقهاء على أنه إذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن فقال المشتري: اشتريته بكذا. وقال الشفيع: بل اشتريته بأقل من هذا. أن القول قول المشتري إن لم يكن لأحد بينة (¬2). وحكى ابن رشد عن أصحاب مالك الاختلاف في هذه المسألة، فقال ابن القاسم: القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه باليمين، فإن أتى بما لا يشبه. فالقول قول الشفيع. وقال أشهب إذا أتى بما يشبه (يعني البينة) فالقول قول المشتري بلا يمين وإذا أتى بما لا يشبه البينة فالقول قوله مع يمينه. وحكي عن مالك قبول قول المشتري بلا يمين إذا كان ذا سلطان ويعرف عنه أنه إذا اشترى زاد في الثمن. بداية ج 2 ص 314. * * * ¬

_ (¬1) الفحل: يعني ذكر النخل الذي تلقح منه النخلة. (¬2) وأما إذا أتى كلاهما ببينة فحكى ابن رشد عن ابن القاسم سقوط البينتين إذا تساوت عدالتهما ويكون القول قول المشتري مع يمينه. وقال أشهب: البينة بينة المشتري لأنها زادت علمًا. بداية ج 2 ص 314.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب المساقاة

كتاب المساقاة

كتاب المساقاة باب في مشروعية المساقاة في الشجر المثمر مسألة (984) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المساقاة جائزة لجميع أنواع الشجر المثمر. وهو قول الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال سعيد بن المسيب وسالم ومالك والثوري والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأبو الثور. وقال داود: لا يجوز إلا في النخيل. وقال الشافعي: لا يجوز إلا في النخيل والكرم. وفي سائر الشجر له في ذلك قولان. وقال أبو حنيفة وزفر: لا تجوز المساقاة مطلقًا لا في نخيل ولا في كرم ولا (¬1) في غيرهما. مغ ج 5 ص 556. باب في مشروعية المساقاة مسألة (985) جمهور أهل العلم بل جماهيرهم على جواز المساقاة. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وعده الموفق في المغني إجماعًا، وبه قال أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وقال أبو حنيفة وزفر: لا تجوز. وروي هذا عن ابن عمر (¬2). مغ ج 5 ص 554 بداية ج 2 ص 292. شرح ج 10 ص 209. باب في المساقاة في البعل من الشجر وغيره مسألة (986) جمهور العلماء الذين جوزوا المساقاة جوزوها في البعل من الشجر المثمر الذي لا يحتاج إلى سقى وفي ما يحتاج إلى سقي، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. قلت: وقد ذكرنا فيما مضى منع أبي حنيفة لها بالجملة (¬3). مغ ج 5 ص 564. ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 293. الإشراف ج 1 ص 169 شرح ج 10 ص 209. انظر قول مالك في جواز المساقاة في كل ذي أصل من الشجر حتى الياسمين والورد والقطن. انظر. المدونة ج 4 ص 13. (¬2) قال ابن المنذر في إنكار أبي حنيفة للمساقاة: ثم هو بعد ذلك قول شاذ. وأهل الحرمين على ما ذكرناه. قديمًا وحديثًا إلى زماننا هذا. انظر. الإشراف ج 1 ص 168. وانظر المدونة ج 4 ص 2. (¬3) انظر الإشراف ج 1 ص 169. المدونة ج 4 ص 11.

باب في القسمة في المساقاة. هل تجوز بالخرص؟

باب في القسمة في المساقاة. هل تجوز بالخرص؟ مسألة (987) أكثر العلماء على أن القسمة في المساقاة بين العامل والمساقي في الثمر لا تكون إلا بالكيل، وأنها لا تجوز بالخرص (¬1). قال ابن رشد: وأجاز قوم قسمتها بالخرص. واختلف في ذلك أصحاب مالك. واختلفت الرواية عنه. فقيل: يجوز. وقيل: لا يجوز من الثمار في الربوية. ويجوز في غير ذلك. وقيل يجوز بإطلاقٍ إذا اختلفت حاجة الشريكين. بداية ج 2 ص 296. باب في المساقاة بعد بدو الصلاح في الثمرة مسألة (988) جمهور أهل العلم من القائلين بجواز المساقاة على أنها لا تجوز بعد بدو الصلاح في الثمرة. وبه قال ابن المنذر. وهو قول مالك -رحمه الله- وأبي يوسف ومحمد إلا أن يزاد الثمر بالعمل. وقال سحنون من أصحاب مالك: لا بأس بذلك. وللشافعي قولان. أحدهما هذا والثاني موافق للجمهور (¬2). وقال بالجواز أبو ثور إذا احتاج إلى من يقوم به وكرهه الليث بن سعد وقال: ولكن صاحبه يستأجر له من يسقيه. بداية ج 2 ص 297. باب في جهالة المدة في المساقاة مسألة (989) جمهور أهل العلم من القائلين بالمساقاة على أنها لا تجوز مع جهالة مدة العقد. وقالت طائفة: يجوز. وبه قال أهل الظاهر (¬3). بداية ج 2 ص 297. شرح ج 10 ص 211. ¬

_ (¬1) وقال النووي: فلا يجوز (يعني عقد المساقاة) على مجهول كقوله: على أن لك بعض الثمر. انظر شرح ج 10 ص 210. (¬2) انظر الإشراف ج 1 ص 170. المدونة ج 4 ص 5. (¬3) وفي المدونة عن مالك: لا تجوز مساقاة النخل أشهرًا ولا سنة وإنما المساقاة إلى الجذاذ. وقال فيمن أخذ شجرًا معاملة (مساقاة) وهي تطعم في الستة مرتين ولم يسم الأجل أتكون المعاملة إلى أول بطن أو السنة كلها؟ قال مالك: إنما معاملة النخل إلى الجذاذ، وليس يكون فيها أشهر مسماة، قال ابن القاسم: فهو عندي على ما ساقاه فإن لم يكن له شرط فإنما مساقاته إلى الجذاذ الأول. المدونة ج 4 ص 8.

باب في لزوم عقد المساقاة والمزارعة

باب في لزوم عقد المساقاة والمزارعة مسألة (990) أكثر الفقهاء على أن عقد المساقاة والمزارعة هو من العقود اللازمة التي تلزم طرفي العقد المضي فيها. وذهب أحمد في ظاهر المروي عنه إلى أنه عقد جائز غير لازم، وبه قال بعض أصحاب الحديث (¬1). مغ ج 5 ص 568. باب المزارعة (¬2) مسألة (991) أكثر أهل العلم على جواز عقد المزارعة قال البخاري: قال أبو جعفر: ما بالمدينة أهل بيت إلا ويزرعون على الثلث والربع، وزارع عليُّ وسعدٌ وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عليٍّ وابن سيرين، وبه قال سعيد ابن المسيب وطاوس وعبد الرحمن بن الأسود وموسى بن طلحة والزهري وعبد الرحمن ابن أبي ليلى وابنه وأبو يوسف ومحمد، وروي ذلك عن معاذ والحسن وعبد الرحمن بن يزيد قال البخاري: وعامل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا. وكره المزارعة عكرمة ومجاهد والنخعي وأبو حنيفة وزفر وروي المنع منها عن ابن عمر وجابر - رضي الله عنه -، وروي عن ابن عباس الأمران جميعًا. وقال مالك: لا تجوز المزارعة إلا ما كان من الأرض بين الشجر وأجازها الشافعي في الأرض بين النخيل إذا كان بياض الأرض أقل، فإن كان أكثر فعلى وجهين، ومنعها في الأرض البيضاء (¬3). ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 297. وانظر قول مالك في المدونة ج 4 ص 8. قلت: لم يحك ابن رشد خلافًا في هذه المسألة ولم يحك كذلك فيها اتفاقًا، وهو صنيع ابن المنذر في الإشراف إلا ما كان عن قيام العذر لواحد من المتعاقدين يضطره إلى فسخ الشركة. كأن يكون العامل خائنا أو رجل سوء يخشى أن يتلف الشجر بسببه، أو أن يمرض العامل مرضًا لا يمكنه من إمضاء العقد. انظر الإشراف ج 1 ص 176. (¬2) بين العلماء خلاف في جواز المزارعة منفردة عن المساقاة، فقال الشافعي: لا تجوز منفردة. وحكاه النووي عن الأكثرين ثم قال: وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وابن شريح وآخرون تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين، وتجوز كل واحدة منها منفردة، وهذا هو الظاهر المختار. اهـ. انظر شرح ج 10 ص 210. (¬3) انظر مغ ج 5 ص 581 وشرح ج 10 ص 210 والإشراف ج 1 ص 157.

باب في إجارة الأرض بالذهب والفضة والعروض

باب في إجارة الأرض بالذهب والفضة والعروض مسألة (992) أكثر أهل العلم على جواز إجارة الأرض لزراعتها بالذهب والفضة وسائر العروض سوى المطعوم. قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض (يعني الأرض الزراعية) وقتًا معلومًا جائزٌ بالذهب والفضة روينا هذا القول عن سعيد ورافع بن خديج وابن عمر وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة والقاسم وسالم وعبد الله بن الحارث ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي (¬1). وروي عن طاوس والحسن كراهة ذلك. مغ ج 5 ص 596 الإشراف ج 1 ص 158 شرح ج 10 ص 229 بداية ج 2 ص 265. باب في إجازة الأرض بمطعوم من غيرها مسألة (993) أكثر أهل العلم على جواز كراء الأرض (يعني إجارتها) بمطعوم من غير الخارج منها، وبه قال سعيد بن جبير وعكرمة والنخعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي. ومنع من ذلك مالك حتى منع إجارتها باللبن والعسل، وروي عن أحمد أنه قال: ربما تهيبته. قال القاضي: هذا من أحمد على سبيل الورع، ومذهبه الجواز (¬2). مغ ج 5 ص 597. * * * ¬

_ (¬1) قلت: تردد الإِمام النووي -رحمه الله- في نسبة القول بالجواز في كراء الأرض للزراعة إلى الجمهور في موضع ثم جزم بذلك في موضع آخر. انظر شرح ج 1 ص 198. وانظر شرح ج 10 ص 229. (¬2) انظر الإشراف ج 1 ص 159، وانظر بداية ج 2 ص 266.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الإجارات

كتاب الإجارات

كتاب الإجارات باب في وقوع عقد الإجار على المنفعة مسألة (994) أكثر أهل العدم على أن عقد الإجارة يقع على المنفعة (¬1) لا على العين. وقال بعضهم: يقع على العين. مغ ج 6 ص 4. باب في عقد الإجارة: هل هو عقد لازم؟ مسألة (995) جمهور أهل العلم على أن عقد الإجارة من العقود اللازمة التي لا تنفسخ إلا بما تنفسخ به من وجود العيب أو ذهاب المنفعة للمعقود عليه أو ذهاب العين كلها ونحو ذلك، وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور والثوري وأحمد وإسحاق. حكاه عنهم ابن المنذر. وقال قوم: عقد الإجارة عقد جائز كالجعالة. ووافق أبو حنيفة الجمهور في لزوم عقد الإجارة. وخالفهم في جواز فسخه بالأعذار الطارئة على المستأجر كأن يموت ما يمنعه من استيفاء المنفعة أو الوفاء بمدة العقد (¬2). بداية ج 2 ص 275. باب في مدة عقد الإجارة. هل هناك حدٌّ معين؟ مسألة (996) جمهور أهل العلم بل جماهيرهم على أنه لا حدَّ لأكثر المدة التي يصح فيها عقد الإجارة على منفعة عين ما دامت العين صالحة لتلك المدة. وهو قول ¬

_ (¬1) وسواء كانت الإجارة واقعةً على العين أم على المنفعة فإنه يشترط أن تكون المنفعة منفعة مباحة. ولذلك أجمعوا على تحريم الأجرة على الزنا والكهانة والنوح (يعني للنائحة) وكذلك تحريم الأجرة للمغنية للغناء. انظر شرح ج 10 ص 231. وانظر الإشراف ج 1 ص 245، وانظر بداية ج 2 ص 265. قلت: ومن هذا القييل الإجارة على حمل الخمر. قال ابن المنذر. واختلفوا في الرجل يستأجر الرجل ليحمل له خمرًا. فكان مالك وأبو ثور ويعقوب (أبو يوسف) ومحمد يقولون: لا يجوز ذلك، وهو يشبه مذهب الشافعي. وقال النعمان (أبو حنيفة): ذلك جائز وله الأجر قال أبو بكر (ابن المنذر) أخذ الأجرة في هذا من أَكْلِ المال بالباطل، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حامل الخمر والمحمولة إليه. انظر الإشراف ج 1 ص 246. (¬2) انظر الإشراف ج 1 ص 225.

باب في الإجارة على الحمام

مالك -رحمه الله-. واختلف عن الشافعي -رحمه الله- في هذه المسألة على ثلاثة أقوال. أصحها كقول سائر أهل العلم. (الثاني) لا يجوز أكثر من سنة. (الثالث) لا يصح على أكثر من ثلاثين سنة (¬1). مغ ج 2 ص 7. باب في الإجارة على الحَمَّام مسألة (997) أكثر أهل العلم على أن عقد الإجارة على الحَمَّامِ جائز ونقل ابن المنذر فيه الإجماع قال ابن المنذر: إذا حدده وذكر جميع آلته شهورًا مسماةً، وهذا قول مالك وأبي ثور وأصحاب الرأي وهو على مذهب الشافعي، وروي عن أحمد كراهته. والأصح عند أصحابه أنها كراهة تنزيه (¬2). مغ ج 6 ص 22. باب في موت أحد المتعاقدين في الإجارة هل يفسخها؟ (¬3) باب في المستأجر يؤجر الدار أو الدابة بأكثر مما استأجرها به (¬4) باب في المؤجر يخرج المستأجر من الدار المستأجرة قبل انتهاء المدة مسألة (998) جمهور الفقهاء على أن المؤجر لو أخرج المستأجر من الدار (¬5) التي ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 1 ص 272. (¬2) انظر الإشراف ج 1 ص 245. (¬3) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور وأنا جعلتها في أصل الكتاب معنونة لأنها من أمهات المسائل. وقد اختلف فيها العلماء. فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور لا يفسخ الموت عقد الإجارة ويقوم الورثة محل المتعاقد الأصيل وبه قال ابن المنذر، وقال أبو حنيفة والثوري والليث ينفسخ عقد الإجارة بموت أحدهما. انظر بداية ج 2 عي 276. الإشراف ج 1 ص 224. (¬4) وهذه مسألة من الأمهات المهمات خاصة في زماننا ولا إجماع فيها ولا قول للجمهور أجاز ذلك جماعة من العلماء وكرهها أو منعها آخرون وهم الأكثر إلا أن يصلح في الدار شيئًا فلا بأس حينئذٍ. وممن رخص في ذلك عطاء والحس والزهري والشافعي وأبو ثور وإليه جنح ابن المنذر. وممن كره ذلك سعيد بن المسيب وابن سيرين والشعبي ومجاهد وعكرمة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والنخعى والأوزاعي. وممن أجاز كراءها (إجارتها) بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئًا الشعبي والثوري وأبو حنيفة. قال ابن المنذر: وقال النعمان: (أبو حنيفة) إن أصلح في البيت شيئًا بتطيين أو بتجصيص فلا بأس بالفضل وإن لم يصلح فيه شيئًا فلا خير في الفضل ويتصدق به انظر الإشراف ج 1 ص 223، بداية ج 2 ص 274. (¬5) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إجارة المنازل والدواب جائزة إذا بين الوقت والأجر وكانا عالمين بالذي عقدا عليه الإجارة، ويينا من يسكن الدار ويركب الدابة، وما يحمل عليها. انظر الإشراف ج 1 ص 225.

باب في تلف العين المستأجرة قبل استيفاء منافعها

عقد عليها الإجارة قبل انتهاء مدة العقد فإنه (يعني المؤجر) يستحق أجرة المدة التي شغلها المستأجر للدار. ومذهب أحمد كما أفاده ابن قدامة أنه لا شيء للمالك إذا منع المستأجر من إتمام مدة العقد. مغ ج 6 ص 24. باب في تلف العين المستأجرة قبل استيفاء منافعها مسألة (999) عامة الفقهاء على أن من استأجر عينًا للانتفاع بمنافعها ثم تلفت بعد قبضها من غير أن ينتفع المستأجر منها بمدة معينة فإن عقد الإجارة ينفسخ ولا شيء للمالك. وقال أبو ثور: يلزم المستأجر أجرة ما استأجره. مغ ج 6 ص 26. باب في الإجارة على كتابة المصحف مسألة (1000) أكثر أهل العلم على أنه يجوز للرجل أن يستأجر من يكتب له مصحفًا روي هذا عن جابر بن زيد ومالك بن دينار، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأبي المنذر وقال ابن سيرين: لا بأس أن يستأجر الرجل شهرًا ثم يستكتبه مصحفًا. وهو مذهب أحمد. وكره علقمةكتابة المصحف بالأجر (¬1). مغ ج 6 ص 37. باب في زرع الأرض المستأجرة غير المكتوب في عقد الإجارة مسألة (1001) مذهب العامة من العلماء أن من استأجر أرضًا ليزرعها نوعًا مسمى من الزرع، فإنه له أن يزرعها غير هذا المسمى في العقد مادام ضرر المزروع يساوي ضرر المسمى في العقد أو أقل منه. وقال داود وأهل الظاهر: ليس له إلا ما سمَّاه في العقد. مغ ج 6 ص 65. باب فيمن استأجر دابة فتجاوز بها المكان المتفق عليه في العقد مسألة (1002) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من استأجر دابة لمكان معين ثم تجاوز هذا المكان فإن عليه أجرة ما سمى في العقد وأجرة المثل فيما زاد على العقد. ¬

_ (¬1) انظر الإشراف ج 1 ص 239.

باب في استئجار الدابة للغزو في سبيل الله

وبه يقول أبو الزناد ونقله عن فقهاء المدينة السبعة. وهو قول الحكم وابن شبرمة والشافعي. وهو مذهب أحمد وبضمان قيمة الدابة إذا تلفت مع تمام أجرة ما تعاقد عليه قال هؤلاء رحمهم الله، وقال الثوري وأبو حنيفة: لا أجر عليه فيما زاد وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بالدابة مسافة بعيدة خُيِّر صاحبُها بين أجرة المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي. مغ ج 6 ص 78. باب في استئجار الدابة للغزو في سبيل الله مسألة (1003) أكثر أهل العلم على أن من استأجر دابة مدة غزوه في سبيل الله، فإن العقد لا يصح؛ لجهالة المدة وقدر استهلاك المنفعة. وبه قال الأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وقال مالك: قد عرف وجه ذلك وأرجو أن يكون حقيقًا (¬1). مغ ج 6 ص 85. باب في الأجرة على الحجامة مسألة (1004) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز الأجرة على الحجامة. وبه قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وعكرمة والقاسم وأبو جعفر ومحمد بن علي بن الحسين وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وهو اختيار أبي الخطاب الحنبلي واعتمده ورجحه الموفق ابن قدامة في المغني. وكره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي، ونص على كراهته أحمد ورأى عدم جواز الانتفاع بأجرته وقال: ويصرفه في علف دوابه وطعمة عبيده ومؤنة ¬

_ (¬1) الذي حكاه ابن رشد عن مالك والشافعي وأبي حنيفة هو عدم جواز الإجارة بالمجهولات وخالف في ذلك أهل الظاهر، وإجارة المجهولات معناها أن يؤجر على العمل الذي لا تعرف غايته ولا مدته كمن دفع حمارًا لمن يسقي عليه، أو يحتطب عليه بنصف ما يعود عليه. قلت: ولأن الأصل في عقود الإجارات أنها على المنافع على مدد معلومة أو أعمال معلومة كمن يؤجر دره لمدة معلومة أو من يستأجر خياطًا يحيك له ثوبه. مما كان فية المدة متعذرة وجب أن يكون العمل معلومًا. ومثال مسألة الكتاب الجهالة فيها في العمل وفي المدة ولعلَّ مالكًا يقول بجواز مثل هذا استحسانًا لدواعي الترغيب في الغزو والتيسير على المجاهدين والمعينين عليه. انظر بدابة ج 2 ص 271.

باب في الإجارة لكحل العين المريضة

صناعته ولا يحل له أكله (¬1) مغ ج 6 ص 121. باب في الإجارة لكحل العين المريضة مسألة (1005) مذهب العامة من العلماء أن من استأجر من يكحل له عينه لمرض فيها وكانت الإجارة على مدة معينة وانتهت المدة دون أن تبرأ عينه، فإن الأجير يستحق كامل أجرته. وحكي عن مالك أنه لا يستحق شيئًا حتى تبرأ عينه. قال ابن قدامة: ولم يحك أصحابه (يعني أصحاب مالك) ذلك عنه. مغ ج 6 ص 125. باب في الراعي يتلف ما تحت يده من الماشية هل يضمن؟ مسألة (1006) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أن الراعي الأجير لا يضمن ما تلف تحت يده من الماشية إذا كان هذا من غير تفريط منه. وروي عن الشعبي أنه يضمن. مغ ج 6 ص 127. باب في تأجير الحلي للنساء مسألة (1007) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم جواز الإجارة على الحليِّ للنِّساء إذا كانت المدة معلومة والأجر معلومًا. وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي وابن المنذر. وروي عن أحمد أنه قال في إجارة الحليِّ، ما أدري ما هو؟ قال القاضي: هو ¬

_ (¬1) قلت: قد مرت مسألة كسب الحجام في كتاب الأطعمة وسبق هناك أن الجماهير من العلماء على جوازه. فإن قيل فكيف يكون فرق بين كسب الحجام وبين جواز عقد الإجارة على الحجامة؟ قلت: الذي ينبغي أن يقال: أنه إذا جوزنا كسبه عند الجمهور. كان من اللائق بقواعد الشريعة ومقاصدها أن يقول الجمهور بجواز عقد الإجارة عليها أيضًا لأنه لا يصلح أن نشرع الحجامة ونجيزها ثم يترك العوض عليها متروكًا لخواطر الناس وأريحيات نفوسهم. مع أن الحجام والمحتجم في محل الحاجة. مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا تلازم فقهًا بين جواز الحجامة والنهى عن كسبها ولا بين جواز كسبها وإبطال العقد عليها لكن اللائق بأصول الشريعة وقواعدها خلاف هذا. والله تعالى أعلم.

باب في الإجارة على ضراب الفحل

محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس به لتصريح أحمد بجوازه. وقال مالك في إجارة الحليّ والثياب: هو من المشتبهات (¬1). مغ ج 6 ص 129. باب في الإجارة على ضراب الفحل (¬2) باب في الأجرة على تعليم القرآن (¬3) باب في تأجير الدور والمحال لمن يتخدها كنيسة أو لبيع الخمر ونحوه مسألة (1008) مذهب العامة من العلماء أنه لا يجوز للمسلم تأجير داره أو محله لمن يتخذها كنيسةً أو محلًّا لبيع الخمر أو ناديًا للقمار. وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانت داره أو محله في السواد، وخالفه صاحباه في هذا وإختلف أصحابه في قوله (¬4). مغ ج 6 ص 136. ¬

_ (¬1) انظر الإشراف ج 1 ص 239. (¬2) هذه المسألة من أمهات المسائل ولا إجماع فيها ولا قول للجمهور. ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور إلى تحريم الأجرة فيها وهي أن تستأجر الجمل (الفحل) لينزو على الناقة حتى تأتي بالولد أو غير ذلك من الحيوان وبه قال عطاء إلا أن لا يجد منه بدٌ بأن لا يجد من يعطيه الفحل إلا بأجر. ورخص في ذلك الحسن وابن سيرين وأجازه مالك فيما لو أجره مدة معلومة أو مرات معلومة وحكى النووي جوازه عن جماعة من الصحابة والتابعين لم يسمهم إذا كان لمدة معلومة أو لطرقات معلومة. انظر الأشراف ج 1 ص 247. شرح ج 15 ص 230 بداية ج 2 ص 269. (¬3) ليس في المسألة إجماع ولا قول للجمهور وكره الأجرة على تعليم القرآن الزهري وإسحاق وأبو حنيفة. وقال عبد الله بن شقيق التابعي: هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت. ورخص فيها آخرون، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وبه قال ابن المنذر. قلت: ولو قلت: إن الأكثرين على الجواز لما أبعدت والله تعالى أعلم. انظر شرح ج 14 ص 188 الإشراف ج 1 ص 217 بداية ج 2 ص 268 شرح ج 14 ص 188 المدونة ج 1 ص 65. فائدة غريبة: حكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أبطل الإجارة على تعليم القرآن، وقال: لا يحل ولا يصلح، وأنه -رحمه الله- أجاز الإجارة على كتابة نوح أو شعر أو غناء إذا كان الأجر معلومًا، ونقل صاحب التحقيق عن صاحب البدائع أنه أقر هذا المحكي عن أبي حنيفة واعتذر عنه بأن الكتابة نفسها ليس منهيًا عنها وإنما المنهي عنه هو قول النوح والغناء وما أشبه ذلك. انظر الإشراف ج 1 ص 218 وانظر بداية ج 4 ص 189. (¬4) يعني سواد العراق التي يكثر فيه غير المسلمين ويحتمل أن يقصد بالسواد ضواحي البلد أو المدينة كالقرى أو الأرياف. والأول هو الأصح؛ لقول أبي حنيفة أنه لا يجوز إلا بالسواد وللمسلمين مع ذلك مَنْعُه حسبةً. وهذا يدل على أن أكثر أهل السواد لم يكونوا مسلمين بل كانوا من المجوس المقيمين بعقد الذمة. وقد قال ابن المنذر تعقيبًا على قول أصحاب الرأي: أنه يجوز ذلك في دار بالسواد والجبل: قال -رحمه الله-: لا فرق بين شيء من ذلك، أحكام الله تعالى في جميع البلاد سواء. انظر كلام ابن المنذر وتعليق المحقق في الهامش ج 1 ص 228.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب إحياء الموات

كتاب إحياء الموات

كتاب إحياء الموات باب في مشروعية إحياء الموات مسألة (1009) جمهور العلماء على أن إحياء الأرض الميتة جائز بشروطه وأن من أحيا أرضا ميتة لا يعرف لها مالك وليس فيها أثر عمارة فهي لمن أحياها. مغ ج 6 ص 147. باب في الأرض المحياة تعود مواتًا مسألة (1010) أكثر أهل العلم من القائلين بجواز الإحياء على أن الأرض الميتة إذا ملكت بالإحياء ثم تركها من أحياها حتى خرجت وصارت مواتًا فإنها لا تملك بالإحياء. وقال مالك: تملك. مغ ج 6 ص 148. * * *

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الوقف والعطايا

كتاب الوقف والعطايا

كتاب الوقف والعطايا باب في مشروعية الوقف مسألة (1011) أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على أن الوقف صحيح جائز. قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ذو مقدرة إلا وقف. وهو مذهب مالك وأبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد، ولم ير شريح الوقف، وقال: لا حبس عن فرائض الله. قال أحمد: وهذا مذهب أهل الكوفة. قلت: هو قول أبي حنيفة أن الوقف لا يلزم، وهو قول زفر. مغ ج 6 ص 185 نيل ج 6 ص 129 شرح ج 11 ص 86. باب في لزوم الوقف بغير وصية مسألة (1012) جمهور أهل العلم على أن الوقف يلزم الواقف بمجرده ولا يحتاج إلى وصية بعد الموت. فلا يحق للواقف الرجوع فيه. وقال أبو حنيفة: يحق للواقف الرجوع في وقفه ما لم يوص به بعد موته. وحكي هذا القول عن علي وابن مسعود وابن عباس. وخالف أبا حنيفة صاحباه أبو يوسف ومحمد. مغ ج 6 ص 186. باب في الوقف في مرض الموت مسألة (1013) جمهور أهل العلم القائلين بلزوم الوقف على أن من وقف شيئًا في مرض موته، فإنه يعتبر وقفًا لازمًا بقدر الثلث ولا يتوقف لزومه على إجازة الورثة، وأما ما زاد على الثلث فيتوقف صحة ولزومًا على إجازتهم. قلت: وينسحب على هذه المسألة خلاف أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- في أصل لزوم الوقف. مغ ج 6 ص 220.

باب في الوقف بما لا تبقى عينه

باب في الوقف بما لا تبقى عينه مسألة (1014) مذهب العامة من الفقهاء أن الوقف لا يصح إلا بما تبقى عينه وتجري منافعه وأما ما تفنى عينه باستهلاكه كالطعام والشراب والدراهم والدنانير والذهب والفضة والشمع وغير ذلك فلا يصح وقفه. وحكي عن مالك والأوزاعي جواز الوقف بالطعام. قال الموفق: ولم يحكه أصحاب مالك. مغ ج 6 ص 235. * * *

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الهبة والعطية

كتاب الهبة والعطية

كتاب الهبة والعطية باب في اشتراط القبض في هبة المكيل والموزون مسألة (1015) جمهور الفقهاء على أن الهبة والصدقة لا تلزمان في المكيل والموزون إلا بالقبض، فإن لم تقبضا جاز للواهب والمتصدق الرجوع فيهما. وبه قال النخعي والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة والشافعي وهو مذهب أحمد. وقال مالك. وأبو ثور: هما لازمان بمجرد العقد (¬1). مغ ج 6 ص 246. باب في لزوم الهبة بالقبض مسألة (1016) أكثر أهل العلم على أن الهبة والصدقة وسائر أنواع التبرعات مما يدخل تحت تمليك ما يملك بغير عوض في حال حياة المتبرع فإن جميعها لا تلزم إلا بالقبض مكيلًا أو موزونًا أو غير ذلك. وهو قول الثوري والنخعي والحسن بن صالح والعنبري والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية أخرى هي لازمة في غير المكيل والموزون. وروي هذا عن عليٍّ وابن مسعود. وبه قال مالك وأبو ثور (¬2). مغ ج 6 ص 251. باب في الهبة بين الزوجين. هل يجوز لأحدهما الرجوع فيها؟ مسألة (1017) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الزوجين إذا وهب أحدهما لصاحبه فإنه لا يجوز لهما الرجوع فيما وهباه. وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة ومالك والليث بن سعد والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو قول عطاء بن أبي رباح وقتادة وأحمد بن حنبل في المرأة تهب لزوجها بطيب نفس أنها لا ترجع. وبعدم جواز الرجوع في الهبة بين الزوجين قال ابن المنذر. وقالت طائفة: ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 394. (¬2) انظر بداية ج 2 ص 393 الإشراف ج 1 ص 389.

باب في الرجل يهب ولده الصغير هل يشترط فيها القبول؟

للزوجة أن ترجع في هبتها لزوجها وليس للزوج أن يرجع في هبته لها. وبه قال شريح والشعبي. وجعله الزهري عمل القضاة. الإشراف ج 1 ص 388. باب في الرجل يهب ولده الصغير هل يشترط فيها القبول؟ مسألة (1018) جمهور الفقهاء على أن من وهب ولده الصغير هبة مما لا تحتاج إلى قبض؛ فإنها جائزة صحيحة تترتب آثارها إذا أشهد عليها. وقال الشافعي: لابد فيها من قول الوالد نيابة عن ولده الصغير: قبلت. وهو قول القاضي أبي يعلى من الحنابلة (¬1). مغ ج 6 ص 260. باب في المفاضلة بين الأولاد في الهبة هل للورثة حق في ذلك؟ مسألة (1019) أكثر أهل العلم على أن من فاضل بين أولاده فوهب بعضهم دون بعض ولم يسترد ذلك في حال حياته فإنه يصبح حقًا للموهوب له ولا حق لسائر الورثة فيه. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في أشهر الروايتين عنه. ¬

_ (¬1) قلت: حكى ابن المنذر في هذه المسألة الإجماع عمن يحفظ من أهل العلم. وحكاه عن مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال -رحمه الله-: وروينا معناه عن شريح وعمر بن عبد العزيز وروينا عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه قال: أحق من يجوز على الصبي أبوه. هذا كلام ابن المنذر -رحمه الله- وكان أصل المسألة التي ذكرها فيمن وهب ولده الصغير دارًا أو عبدًا وقبض الوالد ذلك من نفسه عن ولده أنها هبة تامة إذا أشهد عليها. وما حكاه ابن رشد عن مالك وأصحابه أنه لابد في المسكون والملبوس (يعني في الدور والثياب) من القبض. قال ابن رشد -رحمه الله-: فإن كانت دارًا سكن فيها خرج منها وكذلك الملبوس إن لبسه بطلت الهبة وقالوا (يعني مالك وأصحابه) في العروض بمثل قول الفقهاء- أعني (هذا كلام ابن رشد): أنه يكفي في ذلك إعلانه وإشهاده. انظر الإشراف ج 1 ص 390 بداية ج 2 ص 394. قلت: ومما اختلف فيه الأئمة في أبواب الهبات هبة المشاع يعني الهبة يهبها الرجل لجماعة من الناس من غير أن يقسم بينهم فالأكثرون على صحتها منهم مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: لا تصح حتى يقسم، وكذلك اختلفوا في هبة المجهول والذي لم يخلق بعد. فلا يجوز في قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر. وقال مالك: يجوز. أو هو المتفق عليه في مذهب مالك. انظر الإشراف ج 1 ص 396 بداية ج 2 ص 393 الأشراف ج 1 ص 405. واختلفوا كذلك في هبة الثواب وهو أن يهب فلان شيئًا لفلان على أن يثيبه عليها أو يعطيه شيئًا. فقالت طائفة الواهب على ما اشترط إما أن يثاب عليها وإما أن تعود إليه. روي هذا عن عمر وعليّ وفضالة بن عبيد. وبه قال مالك. وقال آخرون: لا تجوز إلا أن يسمى ما اشترطه من ثواب. وهو قول الشافعي وأبي ثور. وقال أصحاب الرأي: هي بمنزلة البيع إذا سمى شيئًا معلومًا قلت: وقد حكى ابن رشد خلافًا عمن نقلنا عنهم في هذه المسألة من كتاب الإشراف لابن المنذر. انظر الإشراف ج 1 ص 393 بداية ج 2 ص 395.

باب في المتصدق أو الواهب (المتبرع) يشتري صدقته أو هبته

وقال أحمد في رواية أخرى: بل للورثة استرجاع ما وهب لبعضهم دون سائرهم ثم يقسم الموهوب وسائر ما تركه الميت على الورثة حسب ما فرض الله تعالى. وهو قول عروة بن الزبير وإسحاق. مغ ج 6 ص 284. باب في المتصدق أو الواهب (المتبرع) يشتري صدقته أو هبته مسألة (1020) جمهور العلماء على أن من تصدق بصدقة أو تبرع أو وهب شيئًا فإنه يكره له أن يشتريها ممن تصدق عليه بها ولكن لا يحرم عليه ذلك وجمهورهم على أن الهبة لو عادت للواهب بالميراث فلا بأس فيها. وقال آخرون: بل. هو ممنوع تحريمًا. وحكاه ابن رشد عن أهل الظاهر. شرح ج 11 ص 62 بداية ج 2 ص 398. باب في الرجل يعود في هبته (¬1) (الاعتصار في الهبة) باب في المفاضلة بين الأولاد في الهبة مسألة (1021) جمهور أهل العلم على أن المفاضلة في الهبة بين الأولاد مكروهه كراهة تنزيه في مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي والهبة على هذا النحو صحيحة. وقال طاوس وعروة ومجاهد والثوري وأحمد وإسحاق وداود هو حرام. قلت: اختلف في هذه المسألة عن مالك وأصحابه روى ابن القاسم عنه الكراهة في من وهب جميع ماله لواحد دون الآخرين. وروى أشهب عنه المنع، وحكى الداوودي عن أكثر أصحاب مالك المنع (¬2). بداية ج 2 ص 392. ¬

_ (¬1) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور إلا ما كان من إجماعهم الذي حكاه ابن رشد في الهبة تخرج على وجه الصدقة يعني ابتغاء وجه الله، فلا يجوز باتفاقهم الرجوع فيها، هكذا حكى الإجماع ابن رشد وما سوى ذلك من الهبات فقد اختلف في الرجوع فيها أهل العلم، فكان طاوس يمنع الرجوع في الهبة على أي جهة خرجت وبه يقول أهل الظاهر. وقالت طائفة: يجوز الرجوع في الهبة إلا ما كان منها لذي رحم محرم فيحرم العود فيها. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال آخرون: لا يجوز الرجوع في الهبة لأي أحد خرجت تلك الهبة إلا الوالد يهب لولده أو لولد ولده. وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر وهو مذهب الأوزاعي -رحمه الله-. وبه قال مالك إلا أن يتزوج الولد أو يقع عليه دَيْنٌ أو حق للغير وكذلك الأم ما دام الأب حيًا لها أن ترجع في هبتها لولدها وروي عن مالك أن الأم لا ترجع في هبتها لولدها. وقالت طائفة: إذا استهلكت الهبة لم يصح الرجوع فيها حكي هذا عن الشعبي وسعيد بن جبير. انظر. شرح ج 11 ص 64. الإشراف ج 1 ص 383، 387. بداية ج 2 ص 397. (¬2) انظر شرح ج 11 ص 16.

باب في العمرى والرقبى

باب في العُمرى والرقبى مسألة (1022) أكثر أهل العلم على أن العمرى والرقبى (¬1) كلاهما جائز وحكي عن بعضهم أنها لا تصح (¬2) قلت: وهو قول محمَّد بن الحسن (¬3). مغ ج 6 ص 303. باب في الاشتراط في العمرى مسألة (1023) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم القائلين بجواز العمرى على أن المُعْمِرَ إذا شرط أنه إذا مات المُعْمَرُ عاد له ما أعمره فإنه عقد صحيح وشرط صحيح فإذا مات المُعمَر عادت الدار إلى المُعْمِرِ. وبه قال القاسم بن محمَّد وزيد بن قُسَيط والزهري وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن أبي ذئب ومالك وأبو ثور وداود والشافعي في القديم وأحمد في رواية. وقال الشافعي في الجديد من مذهبه وأبو حنيفة وأحمد في رواية جعلها ابن قدامة ظاهر المذهب: يصح العقد ويلغى الشرط وتكون الدار للمْعمَر وورثته (¬4). مغ ح 6 ص 307. باب في الرجل يُسْكِنُ دَاَرهُ مسألة (1024) جمهور أهل العلم على أن من قال لآخر سكنى (أو اُسكُنْ) هذه الدار عمرك أو عمري فإن للِمُسْكِنِ استرداد داره في أي وقت شاء، وهي هبة منافع لا أعيان. وأيهما مات بطلت الإباحة وعادت الدار لصاحبها أو ورثته وبه قال الشعبي والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وروي معنى هذا عن حفصة رضي الله تعالى عنها. ¬

_ (¬1) العمرى أن يقول فلان لفلان أعمرتك داري أي وهبتك داري عُمري أو عُمركَ أو ما عشتَ أو ما عشتُ والرقبى أن يقول: أرقبتك داري فأينا مات أولًا فهي للآخر وسميت رقبى لأن كلا منهما يرقب موت الآخر. (¬2) الحسن ومالك وأبو حنيفة. يرون أن الرقبى باطلة. مغ ج 6 ص 311. (¬3) ولو قال رجل لرجلين عبدي هذا (ونحوه) لأطولكما حياةً فهي رقبى وهي باطلة عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن. انظر الإشراف ج 1 ص 402. (¬4) انظر شرح ج 11 ص 70. الأشراف ج 1 ص 400. قلت: وأما إن لم يشرط هذا الشرط فهي لِلْمُعْمَر له ولِعَقبه هذا قول أبي حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وآخرين. وقال مالك وأصحابه: هي لْلَمُعْمَرِ حياته فإذا مات عادت إلى صاحبها الأول أعني المُعمِرَ. انظر بداية ج 2 ص 396.

وقال الحسن وعطاء وقتادة هي كالعمرى تكون لِلْمُعْمَرِ ولعقبه. وحكي عن الشعبي أنه إن قال هي لك اسكن حتى تموت فهي له حياته وموته. وإن قال: داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها (¬1). مغ ج 6 ص 313. * * * ¬

_ (¬1) انظر شرح ج 1 ص 71 وانظر الإشراف ج 1 ص 402. قلت: وتسمى هذه المسألة السُّكْنَى ويفرقون لينها وبين العمرى والرقبى.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب اللقطة

كتاب اللقطة

كتاب اللُّقطة باب فيما لا يُعَرَّفُ من اللقطة مسألة (1025) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه لا تحديد في اليسير المباح التقاطه والانتفاع به من غير تعريف والأمر في ذلك يعود إلى العرف قلت: وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان. وقال مالك وأبو حنيفة: لا تعريف فيما لا يقطع به السارق. وهو ربع دينار عند مالك وعشرة دراهم عند أبي حنيفة. مغ ج 6 ص 323. باب في اللقطة في الأثمان والعروض مسألة (1026) أكثر أهل العلم على أنه لا فرق في أحكام اللقطة من جواز الالتقاط والتعريف حولًا والتملك بعد الحول والضمان بين الأثمان كالدراهم والدنانير وبين العروض كالثياب وسائر الأمتعة إلا ما جاء الشرع باستثنائه، وبه قال أحمد في أظهر الروايتين عنه. وهي التي انتصر لها الموفق في المغني. وقال أحمد في رواية وبه قال أكثر الأصحاب في المذهب: لا تملك العروض بالتعريف ثم اختلف هؤلاء فيما يفعل بها. فقال أبو بكر وابن عقيل: يعرفها أبدًا. وقال القاضي: هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجيء صاحبها وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها. وهل له أن يبيعها ثم يتصرف بثمنها على روايتين. مغ ج 6 ص 330. باب في الملتقط يعرِّف (¬1) اللقطة عامًا ثم تتلف في يده بعد تملكها مسألة (1027) جمهور أهل العلم على أن الملتقط إذا عرَّف اللقطة عامًا ثم تملكها ¬

_ (¬1) حكى النووي الإجماع على وجوب تعريف اللقطة عامًا على ملتقطها إذا أراد تملكها أي لا يجوز له تملكها إلا إذا عرفها سنة. وأما إذا لم يرد تملكها بل أراد حفظها لصاحبها، فهل يجب عليه تعريفها، فيه خلاف الأصح يجب. وحكى النووي الإجماع كذلك على وجوب التعريف في اللقطة التي لها قيمة ولا تعد من التوافه. انظر شرح ج 12 ص 22.

باب في جواز التقاط ضالة الغنم ونحوها

بعد ذلك وتلفت في يده بعد تملكها فإنه يضمنها لصاحبها إذا جاء وطالب بها. وقال داود: لا يلزمه بدلها ولا شيء عليه (¬1). شرح ج 2 ص 23. باب في جواز التقاط ضالة الغنم ونحوها مسألة (1028) أكثر أهل العلم على أنه يجوز التقاط الشاة وما شابهها من الحيوان الذي لا يمتنع بنفسه كفصلان الإبل وعجول البقر وأفلاء الخيل والدجاج والأوز وأن حكم هذه الحيوانات حكم غيرها من الأثمان من حيث الالتقاط والتعريف والتملك. وبه قال أحمد في الصحيح من مذهبه. وروي عن أحمد رواية أخرى أنه ليس لغير الإِمام التقاطها. وقال الليث بن سعد: لا أحب أن يقربها إلا أن يحرزها لصاحبها (¬2). مغ ج 6 ص 363. باب في ضالة الغنم إذا أكلها ملتقطها هل يضمن؟ مسألة (1029) مذهب العامة من العلماء أن ضالة الغنم إذا التقطت فعلى صاحبها الضمان إذا اختار أكلها (¬3). وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة (¬4). وانفرد مالك فقال: لا ضمان في ضالة الغنم ولا تعريف. قال ابن عبد البر: لم يوافق مالكًا أحدٌ من العلماء على قوله. مغ ج 6 ص 364 بداية ج 2 ص 366. * * * ¬

_ (¬1) حكى القاضي عياض الإجماع على وجوب الضمان في اللقطة بعد التملك إلا داود ونقله عنه النووي انظر شرح ج 12 ص 25. قلت: وحكى النووي الإجماع على أن ملتقط اللقطة لا يحتاج إلى إذن حاكم أو سلطان، وأن الجمهور على أن لا فرق في جواز الالتقاط بين الغني وبين الفقير شرح ج 2 ص 28. (¬2) حكى ابن رشد الاتفاق على جواز التقاط ضالة الغنم والاتفاق على المنع من التقاط ضالة الإبل. انظر بداية ج 1 ص 362 ص 363 قلت: لكن ابن المنذر حكى في المسألة خلافًا. انظر الأشراف ج 1 ص 289. (¬3) حكى ابن رشد الاتفاق على جواز أكل ضالة الغنم لملتقطها إذا كان في المكان القفر البعيد من العمران. انظر بداية ج 2 ص 365. وانظر أصل المسألة في ضوال الإبل والبقر والغنم في الأشراف ج 1 ص 292 ص 293. (¬4) انظر شرح ج 12 ص 23.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب اللقيط

كتاب اللقيط

كتاب اللقيط باب في اللقيط يسترق, هل يجوز؟ مسألة (1030) مذهب الجماهير من أهل العلم بل عامتهم أن اللقيط حرٌّ. وانفرد النخعي فقال: إذا التقطه احتسابًا فهو حرٌّ، وإن التقطه مريدًا استرقاقه فله ذلك (¬1). مغ ج 6 ص 374. باب في ولاء اللقيط مسألة (1031) جمهور أهل العلم على أن ولاء اللقيط يعني ميراثه إذا لم يعرف له وارث فهو للمسلمين بمن فيهم ملتقطه. وبه قال مالك والشافعي وهو مذهب أحمد. وقال شريح وإسحاق: الولاء لِمُلتَقِطهِ مغ ج 6 ص 383 شرح ج 10 ص 141. باب في المعمل بالقافة لإلحاق النسب مسألة (1032) جماهير العلماء على جواز العمل بقول القائف. وهو مذهب الشافعي وأحمد، وهو قول أنس - رضي الله عنه - وعطاء ويزيد بن عبد الملك والأوزاعي والليث وأبي ثور. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإسحاق إلى المنع من العمل بالقافة (¬2). شرح ج 10 ص 41. * * * ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 3 ص 369. (¬2) ذكر الموفق هذه المسألة عند فقد البينة أو تعارض البينتين في ادعاء النسب وأن الولد يُرى القافة مع البينتين فأيهما الحق به لحق به. انظر مغ ج 6 ص 395.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الوصايا

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا باب في حكم الوصية مسألة (1033) جمهور العلماء على أن الوصية ليست واجبة إلا على من ترك دينًا أو أمانة أو حقًّا لا يخرج من عهدته إلا بالوصية. وبه قال الشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وغيرهم. وأوجبها الزهري وأبو مجلز فيمن ترك مالًا. وأوجبها أبو بكر عبد العزيز في الأقربين اللذين لا يرثون. وبه قال داود. وحكي ذلك عن مسروق وطاوس وإياس وقتادة وابن جرير. مغ ج 6 ص 415 شرح ج 11 ص 74. باب في القدر المستحب في الوصية مسألة (1034) جمهور أهل العلم على أن المستحب في الوصية أن تكون بأقل من الثلث، وأكثر هؤلاء على أن المستحب من ذلك الخمس. روي هذا عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الثلث والثلث كثير". وري استحباب الخمس عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما. قال الموفق: وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة. وروي أن أبا بكر وعليًّا أوصيا بالخمس وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: لأن أوصى بالخمس أحب إلي من الربع. وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع. وعن الشعبي قال: كان الخمس أحب إليهم من الثلث. وعن العلاء بن زياد قال: أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصيته؟ فتتابعوا على الخمس. وقال القاضي أبو يعلي وأبو الخطاب الحنبليان: إن كان غنيًّا استحب الوصية بالثلث. يعني بذلك الورثة إذا كانوا أغنياء. وإلا استحب أن يوصي بأقل من الثلث. قاله النووي وحكاه عن المذهب (المذهب الشافعي).

باب في الرجل يوصي ولا وارث له هل يجوز بما زاد على الثلث؟

ويروى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جاءه شيخ فقال: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب موالي كلالة متزوج نسبهم أفأوصى بمالي كله؟ قال لا قال: فلم يزل يحط حتى بلغ العشر. وقال إسحاق: السُّنَةُ الربع إلا أن يكون رجلًا يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها فله استيعاب الثلث (¬1). شرح ج 11 ص 83. باب في الرجل يوصي ولا وارث له هل يجوز بما زاد على الثلث؟ مسألة (1035) جمهور أهل العلم على أنَّ الوصية إذا كانت ممن (رجل أو امرأة) لا وارث له، فإنها لا تجوز فيما زاد على الثلث وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. وقالت طائفة: يجوز. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في رواية وإسحاق وروي هذا عن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما (¬2). شرح ج 11 ص 77. باب فيمن خالف وأوصى لغير قرابته المحتاجين مسألة (1036) أكثر أهل العلم على أن من خالف المستحب في الوصية فجعلها في غير أقاربه المحتاجين اللذين لا يرثون فإن وصيته تصح وتنفذ فيهم. وبه قال سالم وسليمان بن يسار وعطاء ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وحكى عن طاوس والضحاك وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا: ينزع عنهم ويرد إلى قرابته. وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد: للذي أوصى له من غير القرابة ثلث الثلث الموصى به ويرد الباقي إلى القرابة. وحكاه ابن رشد عن الحسن وطاوس وإسحاق قالوا: ترد على القرابة، ولم يفصل عنهم. مغ ج 6 ص 418 بداية ج 2 ص 399. ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 6 ص 417. (¬2) انظر. بداية ج 2 ص 401.

باب في الوصية لبعض الوارثين

باب في الوصية لبعض الوارثين مسألة (1037) جمهور العلماء على أن من أوصى لبعض قرابته الوارثين فإن صحة الوصية متوقفة على إجازة سائر الورثة، فإن أجازوها صحت وإلا فلا. وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد. وقال المزني وأهل الظاهر والشافعي في قول وظاهر معنى روايةٍ لأحمد وبعض الأصحاب في مذهب الإِمام أحمد: الوصية باطلة ولو أجازها سائر الورثة إلا أن تعتبر عطية متبدأةً منهم (¬1). مغ ج 6 ص 419 بداية ج 2 ص 450. باب في الإشهاد على الوصية، هل هو يشترط في صحة إنفاذها؟ مسألة (1038) جمهور العلماء على أن الإشهاد على الوصية المكتوبة شرط لصحة إنفاذها والعمل بها. وهو مذهب الشافعي. وقال الإِمام محمَّد بن نصر المروزي: لا يجب الإشهاد بل تكفي الكتابة. شرح ج 11 ص 76. باب في الموصَي له يموت قبل الموصي هل يستحق الورثة شيئًا؟ مسألة (1039) أكثر أهل العلم على أن من أوصى لمن تجوز له الوصية فمات المُوصَى له قبل موت الموصي بطلت الوصية ولا يستحق ورثة المُوْصَى له شيئًا. روي ذلك عن عليَّ رضي الله تعالى عنه. وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وقال الحسن: تكون لولد الموُصَى له. وقال عطاء: إذا علم المُوْصي بموت المُوصَى له ولم يُحْدِث في ما أوصى به شيئًا فهو لوارث المُوْصَى له. مغ ج 6 ص 435 بداية ج 2 ص 400. ¬

_ (¬1) قلت: والإجماع منعقد على أنه لا وصية لوارث، وأنها لا تنفذ إذا لم يجزها الورثة. قال الموفق: قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. انظر مغ ج 6 ص 419. بداية ج 1 ص 399 قلت: والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وصية لوارث" وهو جزء من حديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من أكثر من طريق. وهو حديث ثابت. انظر بلوغ المرام ص 286. والإجماع منعقد على أن الوصية لغير الوارثين إذا زادت على الثلث، فإنها لا تنفذ إلا بإجازة الورثة. وأنهم إذا أجازوها نفذت الوصية بالإجماع. حكى هذين الإجماعين النووي. انظر شرح ج 11 ص 77.

باب في تمليك الوصية بالقبول

باب في تمليك الوصية بالقبول مسألة (1040) جمهور العلماء على أن المُوصَى له لا يملك الوصية إلا بالقبول وذلك إذا كان المُوصَى له مُعيَّنًا يمكن القبول منه. وبه قال مالك وهو مذهب أحمد، وحكى ابن رشد عن الشافعي أنه ليس شرطًا (¬1). مغ ج 6 ص 440. باب فيمن أوصى بمثل نصيب أحد ورثته من غير تعيين مسألة (1041) جمهور العلماء على أن من أوصى لأحد بمثل نصيب أحد ورثته من غير أن يسميه، فإن كان الورثة يتفاضلون في الميراث فللمُوصَى له مثل نصيب أقلهم ميراثًا يزاد على فريضتهم، وإن كانوا متساويين فله مثل نصيب أحدهم مزادًا على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم، وإن أوصى بنصيب وارث معين فله مثل نصيبه مزادًا على الفريضة. وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد. وقال مالك وابن أبي ليلى وزفر وداود: يعطى مثل نصيب المعين أو مثل نصيب أحدهم إذا كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم الباقي بين الورثة. وقال مالك: إن كانوا يتفاضلون نظر إلى عددهم فأعطى سهمًا من عددهم. مغ ج 6 ص 448. باب فيمن أوصى بمثل نصيب أحد الأبناء الثلاثة مسألة (1042) أكثر أهل العلم على أن من ترك ثلاثة بنين وأوصى آخر بمثل نصيب أحد أولاده فإن للموصَى له الربع والباقي للأبناء. وبه قال الشعبي والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وذهب مالك وموافقوه إلى أن للمُوْصَى له الثلث والباقي بين الأبناء (¬2). مغ ج 6 ص 453. باب في الاستثناء في الوصية مسألة (1043) جمهور العلماء على أن من أوصى لأحدٍ واستثنى مطلقًا ولم يذكر في ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 402. (¬2) وتصح هذه المسألة من تسعة أسهم عند مالك وموافقيه.

باب في التفاضل بين الأوصياء إذا جاوزت الوصية الثلث

استثنائه أن حصة المُوْصَى له تكون بعد نصيب الورثة ولا بعد الوصية فإن هذا الاستثناء يحمل على ما بعد نصيب الورثة وذهب محمَّد بن الحسن والبصريون إلى أنه يحمل على ما بعد الوصية. مغ ج 6 ص 461. باب في التفاضل بين الأوصياء إذا جاوزت الوصية الثلث مسألة (1044) جمهور العلماء على أن من فاضل في وصيته بين الأوصياء فأعطى بعضهم أكثر من بعض أُعْطِيَ كل منهم بقدر سهمه في الوصية وسواء جاوزت الوصية الثلث فأجازه الورثة أو لم يجيزوه أو لم تجاوز الوصية الثلث. وبه قال الحسن البصري وإبراهيم النخعي ومالك وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد. وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر إذا جاوزت الوصية الثلث بطل التفاضل بين الأوصياء وأعطي كل منهم مثل نصيب صاحبه مستخرجًا من ثلث المال. مغ ج 1 ص 465. باب في الوصية تكون أكثر من مال الميت مسألة (1045) جمهور الفقهاء على أن من أوصى فجاوز في وصيته جميع المال قُسِّمَ المال بين الأوصياء على قدر وصاياهم مثل العَوْلِ وجُعِلَت وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثة إذا زادت على المال وإن ردُّوا قُسِّمَ الثلث بينهم على قدر تلك السهام. وبه قال النخعي ومالك والشافعي. وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة: يأخذ أكثرهم وصيةً مما يفضل به على من دونه ثم يقتسمون الباقي إن أجازوا، وفي الرد لا يضرب لأحدهم بأكثر من الثلث. وإن نقص بعضهم عن الثلث أخذ أكثرهم ما يفضل به على مَنْ دونه. مغ ج 6 ص 467. باب فيمن أوصى لبني فلان هل يدخل في ذلك الإناث؟ مسألة (1046) جمهور الفقهاء على أن من أوصى لبنيه أو بني فلان فالوصية للذكور دون الإناث والخناثى. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وهو مذهب أحمد. وقال الحسن

باب في الوصية بالمنافع

وإسحاق وأبو ثور: الوصية للذكور والإناث. وقال الثوري: إن كانوا ذكورًا وإناثًا فهو بينهم، وإن كن بناتٍ لا ذكر معهن فلا شيء لهن. مغ ج 6 ص 469. باب في الوصية بالمنافع مسألة (1047) جمهور العلماء على صحة الوصية بالمنافع. وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ويعتبر عند هؤلاء خروجها من ثلث المال. وقال ابن أبي ليلى: لا تصح الوصية بالمنفعة، وبه قال ابن شبرمة وأهل الظاهر حكاه عن الجميع ابن رشد. مغ ج 6 ص 477 بداية ج 2 ص 400. باب في الرجوع الموصي ببعض أو كل وصيته مسألة (1048) أكثر العلماء على أنه يجوز لِلْمُوْصِي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو بعضه بما في ذلك العتق. روي ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه. وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وهو مذهب أحمد. وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي يغير منها ما شاء إلا العتق (¬1). مغ ج 6 ص 485. باب فيمن أوصى بشيء ثم باعه مسألة (1049) جمهور العلماء على أن من أوصى بشيء ثم باعه فإنه يعتبر رجوعًا في وصيته. وحكي أن أصحاب الرأي قالوا: لا يعتبر البيع رجوعًا. مغ ج 6 ص 486. باب في التبرعات المُنَجَّزَة كالعتق ونحوه في مرض الموت مسألة (1050) جمهور العلماء على أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة ¬

_ (¬1) واضح من محصلة هذين القولين وقوع الإجماع فيما عدا العتق، وقد نص عليه الموفق ابن قدامة راجع مغ ج 6 ص 485. وحكى ابن رشد الاتفاق على أن عقد الوصية من العقود الجائزة إلا في التدبير (تدبير العبد) انظر بداية ج 2 ص 401.

باب في التبرعات في مرض الموت, هل تقدم على الوصية؟

المقبوضة والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال إذا كانت في مرض مُخَوِّفٍ اتصل به الموت، فإنها تخرج من ثلث المال اعتبارًا بالوصية. وحكاه ابن المنذر إجماعًا عمن يحفظ عنه من أهل العلم (¬1). وحكي عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال. وحكاه ابن رشد عنهم وعن طائفة من السلف. مغ ج 6 ص 491 شرح ج 11 ص 77 بداية ج 2 ص 391. باب في التبرعات في مرض الموت, هل تقدم على الوصية؟ مسألة (1051) جمهور العلماء على أن التبرعات في حال مرض الموت المخوف والمتصل بالموت والتي تعامل كالوصية في إخراجها من الثلث فإنها تُقَدَّم على الوصية بما في ذلك العتق. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر فيما حكي عنهم: إلا العتق فإنه يقدم على تلك التبرعات. مغ ج 6 ص 492. باب في المحاباة في البيع والشراء في مرض الموت مسألة (1052) جمهور العلماء على أن المحاباة في عقد البيع والشراء في مرض الموت المخوف المتصل بالموت لا تمنع صحة العقد. وقال أهل الظاهر: العقد باطل. مغ ج 6 ص 515. باب في وصية الصبي غير المميز مسألة (1053) أكثر أهل العلم على عدم صحة وصية الصبي غير المميز وكذا المجنون والمبرسم (¬2). وبه قال حميد بن عبد الرحمن ومالك والأوزاعي والشافعي - رضي الله عنهم - وأصحاب الرأي وأحمد ومن تبعهم. وانفرد إياس بن معاوية فقال بصحة وصية الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهم الحق. مغ ج 6 ص 528. ¬

_ (¬1) انظر الإشراف ج 1 ص 395. (¬2) المبرسم هو من أصيب بمرض يهذي فيه صاحبه ويسمى البرسام.

باب في وصية المحجور عليه لسفه

باب في وصية المحجور عليه لسفه مسألة (1054) الأكثرون من أهل العلم على صحة وصية المحجور عليه لسفه. وجعل أبو الخطاب الحنبلي المسألة على وجهين. ونازعه في ذلك الموفق ابن قدامة. مغ ج 6 ص 528. باب في الوصية للعبد مسألة (1055) أكثر أهل العلم على أن من أوصى لعبده بشيء معين كثوب أو دار فالوصية باطلة وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: إنها صحيحة. وهو قول مالك وأبي ثور. وقال الحسن وابن سيرين: إن شاء الورثة أجازوا وإن شاء ردوا. مغ ج 6 ص 538. باب في المال المستفاد بعد الوصية مسألة (1056) أكثر أهل العلم على أن من أوصى بشيء من ماله ثم استفاد مالًا جديدًا بعد الوصية وقبل موته فإنه يضم إلى وصيته ثم يخرج من جميع ماله ما تلد وما جدَّ بقدر ما أوصى. وبه يقول النخعي والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. والجمهور على هذا سواء علم بما استفاده أو لم يعلم. وحكي عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك أنه لا يدخل في وصيته إلا ما علم إلا المدبر فإنه يدخل في كل شيء. مغ ج 6 ص 567. باب فيمن يصح أن يكون وصيًا مسألة (1057) أكثر أهل العلم على صحة الوصية إلى المرأة يعني أن تكون وصيًّا. روي ذلك عن شريح. وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وإسحاق والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ومنع من ذلك عطاء. مغ ج 6 ص 569.

باب في القرعة إذا تساوت الحقوق, هل تشرع؟

باب في القرعة إذا تساوت الحقوق, هل تشرع؟ مسألة (1058) جمهور أهل العلم على أن القرعة مشروعة إذا تشاح أهل الحقوق ولا سبيل لتعيين صاحب الحق وذلك في العتاق والطلاق ونحوهما وبه قال في الجملة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير الطبري وغيرهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: القرعة باطلة. قال النووي: وقد قال بقول أبي حنيفة الشعبي والنخعي وشريح والحسن. وحكي أيضًا عن ابن المسيب (¬1). شرح ج 11 ص 140. فتح ج 11 ص 116. باب في التوكيل في الوصية مسألة (1059) أكثر أهل العلم على أن من أوصى لفلان بأن يوصي إلى من يشاء بأن قال: أذنت لك أن توصي إلى من شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيتُ إليه جازت الوصية، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا تصح. مغ ج 6 ص 574. باب في العتق في مرض الموت مسألة (1060) جمهور الفقهاء على أن العتق في مرض الموت يخرج مخرج الوصية فيكون من ثلث المال فإن تجاوز الثلث توقف على إجازة الورثة (¬2). وحكي عن مسروق فيمن أعتق عبده في مرض موته ولا مال له غيره قال: أجيزه برمته، شىِءٌ جعله لله لا أرده. مغ ج 6 ص 580 الإشراف ج 2 ص 305 شرح ج 11 ص 140. * * * ¬

_ (¬1) سيكون لهذه المسألة مناسبة في كتاب العتق إن شاء الله تعالى. (¬2) أما كيف يخرج هذا من الثلث. فالأكثرون على أن من أعتق عبيده الستة في مرض موته فإذا مات أقرع بينهم فأعتق اثنان وبقى الباقي على رقهم. وفي ذلك حديث صحيح أخرجه مسلم وغيره وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال شريح وسعيد بن المسيب والحسن البصري والشعبي وقتادة والنخعي وأبو حنيفة: يعتق من كل عبد ثلثه ويستسعى في الثلثين يعني يترك العبد حتى يعمل لتخليص ثلثيه من الورثة. حكى ما ذكرناه كله ابن المنذر -رحمه الله-. انظر الإشراف ج 2 ص 305. مغ ج 12 ص 273. بداية ج 2 ص 441. الحاوي ج 18 ص 34. قلت: وسيكون لهذه المسألة ذكر في كتاب العتق إن شاء الله تعالى.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الفرائض

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض باب في الكلالة مسألة (1061) جمهور أهل العلم على أن الكلالة معناها من ليس له ولد ولا والد. فشرط في توريثهم (¬1) عدم الولد والوالد. وبه قال زيد بن ثابت وابن عباس وجابر بن زيد والحسن البصري وقتادة وللنخعي وأهل المدينة والبصرة والكوفة. ويروى عن ابن عباس أنه قال: الكلالة من لا ولد له. ويروى ذلك عن عمر قال الموفق: والصحيح عنهما كقول الجماعة. مغ ج 7 ص 5 شرح ج 11 ص 58. باب في الأخوات يجتمعن مع البنات, هل يرثن تعصيبًا؟ مسألة (1062) جمهور العلماء على أن الأخوات إذا اجتمعن مع البنات فإنهن يرثن تعصيبًا وسواء كن الأخوات الشقيقات أو الإخوات لأب. روي ذلك عن عمر وعليّ وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة -رضي الله عنهم-. وخالف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومن تابعه، فروي عنه أنه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبةً. فقال في بنتٍ وأختٍ: للبنت النصف ولا شيء للأخت. فقيل له: إن عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف، فقال ابن عباس: أأنتم أعلم أم الله؟ يريد قول الله سبحانه {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد (¬2). مغ ج 6 ص 6 شرح ج 11 ص 58. ¬

_ (¬1) يعني الورثة الذين تركهم الميت ولا ولد له ولا والد. (¬2) ومن المسائل التي روي عن ابن عباس الخلاف فيها ولم يجعل للأخت مع البنت شيئًا. فيما لو ترك الميت بنتًا وأختًا لأبوين وأخًا لأب فمذهب الجمهور كما حكاه النووي عنهم ومذهب الشافعي أن للبنت النصف والباقي للأخت. ولا شيء للأخ. وخالف ابن عباس فقال: للبنت النصف والباقي للأخ ولا شيء للأخت. دليله - رضي الله عنهما - قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر" والجمهور يقولون "أولى" يعني أقرب خلافًا لابن عباس فإنها عنده على معنى أحق. انظر شرح ج 11 ص 54.

باب في فرض البنتين

باب في فرض البنتين مسألة (1063) مذهب العامة من العلماء أن فرض البنتين الثلثان. وشذَّ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية عنه فجعل فرضهما النصف. مغ ج 7 ص 8 بداية ج 2 ص 407. باب في تعصيب بنات الابن من قبل الابن إذا كان في درجتهن كأخيهن ونحوه مسألة (1064) مذهب العامة من العلماء أنه إذا كان مع بنات الابن ابنٌ في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن أو أَنْزَلَ (أقل درجة) منهن كابن أخيهن أو ابن عمهن أو ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. روي ذلك عن عليّ وزيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي. وبه قال سائر الفقهاء إلا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ومن اتبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه إحداهن. ومذهب ابن مسعود أنه جعل الباقي للذكر دون أخواته. وبه قال أبو ثور (¬1). وحكاه ابن رشد عنهما وعن داود. مغ ج 7 ص 10. بداية ج 2 ص 408. باب في تعصيب الذكر لبنات الابن إذا كان في درجتهن مسألة (1065) جمهور الفقهاء على أنه إذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي. للذكر مثل حظ الأنثيين. وبه قال جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم. وخالف ابن مسعود ومن وافقه (وهي إحدى مسائله الست) فقال لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس، فإن كان السدس أقلَّ مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر. وإن كان الحاصل لهن بالمقاسمة أقل قاسم بهن. مغ ض ج 7 ص 12. ¬

_ (¬1) وذكر ابن قدامة مسألة على غرار تلك المسألة التي خالف فيها ابن مسعود الجمهور من فقهاء الصحابة ومن بعدهم، وهي فيما لو خلف ميتٌ خمس بنات ابنٍ بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة. فإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن، فإن كان مع الثانية عصبها وكان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة (يعني ثلاثة أسهم له سهمان ولها سهم) ... راجع مغ ج 7 ص 11.

باب في الأخوات لأب بمنزلة الأخوات الشقيقات عند عدمهن

باب في الأخوات لأب بمنزلة الأخوات الشقيقات عند عدمهن مسألة (1066) مذهب العامة من الفقهاء: أن الأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم إذا لم يكن أخوات لأب وأم، فإن كان أخوات لأب وأم وأخوات لأبٍ فللأخوات من الأب والأم الثلثان وليس للأخوات من الأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كانت أخت واحدة لأب وأم وأخوات لأب فللأخت للأب والأم النصف وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين. وخالف ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- ومن تبعه فلم يجعل للأخوات من الأب شيئًا إذا كان معهن ذكر وقد استكمل الأخوات للأب والأم الثلثين، فإن كانت أخت واحدة من أبوين وأخوة وأخوات من أبٍ جعل للإناث من ولد الأب الأضر بهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كفعله في ولد الابن مع البنات. مغ ج 7 ص 13. باب في الأم تحجب من الثلث إلى السدس. متى يكون ذلك؟ مسألة (1067) جمهور الفقهاء على أن الأم تحجب من الثلث إلى السدس إذا كان للميت ولد أو ولد ابنٍ أو اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدًا. وقال ابن عباس: لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس من الإخوة والأخوات إلا ثلاثة. وحكي ذلك عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهم. وروي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله تعالى عنه: ليس الأخوان إخوةً في لسان قومك فلم تحجب بهما الأم؟ فقال: لا أستطيع أن أرد شيئًا كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به. مغ ج 7 ص 16. باب في المسألة العُمَرية مسألة (1068) مذهب العامة من فقهاء الأمصار أن الميت لو ترك زوجًا وأبوين وليس له ولد فللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للأب. ولو ترك الميت زوجة وأبوين وليس له ولد، فللزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للأب. وتسمى هاتان المسألتان بالعُمَريتين؛ لقضاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بهما وتبعه على ذلك عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود. وروي ذلك عن عليٍّ، وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي

باب في العول

وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وذهب ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- إلى جعل ثلث المال كله للأم في المسألتين، وروي ذلك عن عليِّ وروي هذا عن شريح في زوج وأبوين. وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوجٍ وأبوين، وكقول ابن عباس في امرأةٍ وأبوين. وبه قال أبو ثور. مغ ج 7 ص 20. مسألة (1069) مذهب العامة من العلماء أن الميت لو ترك زوجًا وأمًّا وإخوةً وأخوات لأم وأختًا لأبٍ وأخوات لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللإخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم بالتسوية وللأخت من الأب والأم النصف وللأخوات من الأب السدس. وشذَّ ابن عباس في روايةٍ عنه فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين في الإخوة والأخوات من الأم. مغ ج 7 ص 24. باب في العول (¬1) مسألة (1070) مذهب الجماهير من العلماء من الصحابة ومن بعدهم أن المال إذا ضاق بأصحاب الفروض عالت المسألة إلى أسهم (حصص) بقدر فروضهم ووزع المال عليهم بقدر تلك الحصص ودخل النقص عليهم جميعًا كما يقسم المال بين غرماء المدين ولا مال له يكفي الجميع. روي ذلك عن عمر وعليّ والعباس وابن مسعود وزيد رضي الله تعالى عنهم. وبه قال مالك في أهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وأصحابه وإسحاق ¬

_ (¬1) ومن أشهر مسائل العول مسألة تسمى "أمَّ الفروخ" شبهوا أصلها بالأم وكثرة فروضها التي يعجز المال عن استيعابها كلها بالفروخ أي الأفرخ كالطائر مع أفرخه أو الدجاجة وفروخها. وهي في ميت ترك زوجًا وأمًّا وإخوة وأخوات لأم وأختًا لأب وأمًّا وأخوات لأبٍ، فللزوج النصف وللأم السدس وللإخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم بالتسوية وللأخت من الأب والأم النصف وللأخوات من الأب السدس. قال الموفق ابن قدامة: وقد اجتمع في هذه المسألة فروض يضيق المال عنها، فإن النصف للزوج والنصف للأخت من الأبوين يَكْمُلُ المال بهما ويزيد ثلث ولد الأم وسدس الأخت من الأب فتعول المسألة بثلثيها وأصلها من ستة أسهم فتعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ لكثرة عولها شبهوا أصلها بالأم وعولها بفروخها وليس في الفرائض مسألة تعول بثلثها سوى هذه وشبهها. ولابد في أم الفروخ من زوج واثنين فصاعدًا من ولد الأم وأم أو جدة واثنين من ولد الأبوين أو الأب أو إحداهما من ولد الأبوين والأخرى من ولد الأب. فمتى اجتمع فيها هذا عالت إلى عشرة. ومعنى العول أن تزدحم فروض لا يتسع المال لها كهذه المسألة فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال الفلس بين غرمائه بالحصص؛ لضيق ماله عن وفائهم، ومال (أي وكمثل مال) الميت بين أرباب الديون إذا لم يفها، والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز عنها، وهذا قول عامة الصحابة ومن تبعهم من العلماء - رضي الله عنهم -. مغ ج 7 ص 24، 25.

باب في مسألة في العول (في زوج وأخت وأم) أو مسألة المباهلة

نعيم بن حماد وأبو ثور وسائر أهل العلم إلا من سنذكرهم. وهو مذهب أحمد. ومنع من العول في مسائل الميراث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وتبعه على ذلك عدد قليل. وممن روي عنهم ذلك محمَّد بن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين وعطاء وداود. مغ ج 7 ص 25 بداية ج 2 ص 415. باب في مسألة في العول (في زوجٍ وأختٍ وأمٍّ) أو مسألة المباهلة مسألة (1071) ذهبت الجماهير من العلماء في زوج وأخت وأم إلى أن هذه المسألة تعول إلى عدد من السهام ويعطى كلٌّ بقدر فرضه من تلك السهام، وذهب ابن عباس ومن وافقه إلى إعطاء الزوج النصف والأخت النصف الآخر ولا شيء للأم (¬1). مغ ج 7 ص 26. باب في ابني عمٍّ أحدهما أخ لأم مسألة (1072) جمهور الفقهاء على أن الميت إذا ترك ابني عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس وما بقي بينهما يقسم نصفين. روي ما يدل على هذا عن عمر رضي الله تعالى عنه. ويروى ذلك عن عليٍّ وزيد وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم. وهو مذهب أحمد. وقال ابن مسعود: المال كله للذي هو أخ من أمٍّ. وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعي وأبو ثور. مغ ج 1 ص 27. فائدة: قال الموفق في المغني: حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل أشتهر قوله فيها (أحدها) زوج وأبوان (والثانية) امرأة وأبوان، للأم ثلث الباقي عندهم (يعني عند جمهور الصحابة) وجعل هو لها ثلث المال فيها، (والثالثة) أنه لا يحجب الأم إلا بثلاثة من الإخوة (الرابعة) لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة (الخامسة) أنه لا يُعِيلُ المسائل، فهذه الخمس صحت الرواية عنه فيها، وأشتهر عنه القول بها, وشذت روايات سوى هذه ذكرنا بعضها فيما مضى. مغ ج 7 ص 27. ¬

_ (¬1) وهذه أول مسألة قال فيها الصحابة بالعول وحدثت في زمن عمر بن الخطاب فجمع لها الصحابة واستشارهم فأشار عليه العباس بأن يقسم المال عليهم بقدر سهامهم. ثم خالف ابن عباس الصحابه بَعْد وقال: من شاء باهلته أن المسائل لا تعول. فسميت مسألة المباهلة. مغ ج 7 ص 26.

باب في ابني عم أحدهما أخ لأم والآخر أخ لأب

باب في ابني عمٍّ أحدهما أخ لأمٍّ والآخر أخ لأبٍ مسألة (1073) جمهور العلماء على أن الميت لو ترك ابني عم أحدهما أخ لأم والآخر أخ لأب. فللأخ من الأم السدس والباقي للأخ من الأب. فإن كان معهما أخ من أبوين فكذلك وإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو أخ لأمٍ فللأخ السدس والباقي للآخر ومقتضى مذهب ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم. مغ ج 7 ص 28. باب في ابني عم أحدهما أخ لأمٍّ وبنتٍ أو بنت ابنٍ مسألة (1074) جمهور العلماء على أن الميت لو ترك ابني عم أحدهما أخ من أم ومعه بنت أو بنت ابنٍ فللبنت أو بنت الابن النصف والباقي بينهما نصفين وسقطت الإخوة من الأم بالبنت، ولو كان الذي ليس بأخٍ ابنُ عمٍّ من أبوين أخذ الباقي كله. ومقتضى قول ابن مسعود أن الباقي للأخ في المسألتين. مغ ج 7 ص 28. فائدة: قال الموفق ابن قدامة: فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه إحداهن (يعني المسألة (1074) السابقة) (والثانية) في بنت وبنات ابنٍ وابن ابنٍ الباقي عنده للابن دون أخواته (الثالثة) في أخوات الأبوين وأخوات لأب. الباقي عنده للأخ دون أخواته (الرابعة) بنت وابن ابنٍ وبناتُ ابنٍ. عنده لبنات الابن الأضر بهن من السدس أو المقاسمة (الخامسة) أخت لأبوين وأخ وأخوات لأب للأخوات عنده الأضر بهن (السادسة) كان يحجب الزوجين والأم بالكفار والعبيد والقائلين ولا يورثهم. مغ ج 7 ص 29. فائدة: في بعض المسائل المتفرعة عن خلاف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. (1) ابنا عم أحدهما زوج والآخر أخ من أم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما. وأصل المسألة من ستة سهام. للزوج أربعة وللأخ من أم اثنان. وترجع بالاختصار إلى ثلاثة. وعند ابن مسعود الباقي للأخ فتكون من سهمين لكل واحد منهما سهم. (2) ثلاثة بني عم أحدهم زوج والآخر أخ من أم فللزوج النصف وللأخ السدس

باب في الرد

والباقي بينهما على ثلاثة. أصلها من ستة يضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج النصف تسعه، وللأخ ثلاثة. يبقى ستة بينهم على ثلاثة. فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللأخ خمسة وهي السدس والتسع وللثالث التسع سهمان. (3) فإن كان الزوج ابن عم لأبوين فالباقي كله له وإن كان هو والثالث من أبوين فالثلث الباقي بينهما وتصح من ستة للزوج الثلثان ولكل واحد من الأخوين سدس، وابن مسعود في جميع ذلك يجعل الباقي بعد فرض الزوج للذي هو أخ من أم. (4) ثلاثة إخوةٍ لأم أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم فاضمم واحدًا من كل عدد إلى العدد الآخر يصير معك أربعة بني عم وأربعة إخوة فهم ستة في العدد وفي الأحوال ثمانية ثم اجعل الثلث للإخوة على أربعة والثلثين علي بني العم على أربعة فتصح من اثني عشر لكل أخ مفرد سهم. ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو أخ ثلاثة فيحصل لهما النصف وللأربعة الباقين النصف وعلى قول عبد الله للإخوة الثلث والباقي لابني العم اللذَيْنِ هما أخوان والله أعلم. مغ ج 7 ص 29، 30. مسألة (1075) جمهور العلماء بل جماهيرهم في زوج وأم وأخوة لأم (¬1) وأخوات من أبوين أو من أب أن للأخوات هؤلاء الثلثين وعالت المسألة إلى عشرة ومقتضى مذهب ابن عباس ومن وافقه ممن لا يرى العول أنهم يردون النقص على الأخوات غير ولد الأم فيسقطون الأخوات من ولد الأبوين كما لو كانوا إخوةً. مغ ج 7 ص 24. باب في الرد (¬2) مسألة (1076) جمهور أهل العلم على أن المال الذي تركه الميت إذا لم يستوعب ¬

_ (¬1) لأن المال لا يفي بأنصبة أهل الميراث ففي هذه المسألة للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وللأخوات الثلثان. (¬2) قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- تعالى: والمسائل على ثلاثة أضرب: عادلةٌ وعائلةٌ وردٌّ. فالعادلة التي يستوي مالها وفروضها. والعائلة: التي تزيد فروضها عن مالها، والرد: التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها. انتهى موضع الغرض. مغ ج 7 ص 31. قلت: فأما العادلة فصل اتفاق. وأما العائلة والرد فمختلف فيهما. والجمهور على القول بهما.

باب في توريث الجدات

مستحقيه من أهل الميراث فإن ما بقي يرد على مستحقيه على قدر حصصهم المفروضة (¬1) روي ذلك عن عمر وعليٍّ وابن عباس، وبه قال ابن مسعود بالجملة، وحكي ذلك عن الحسن وابن سيرين وشريح وعطاء ومجاهد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه. قال ابن سراقة وعليه العمل اليوم في الأمصار. وروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرد علي بنت ولا على أخت من أبٍ مع أخت من أبوين ولا على جدةٍ مع ذي سهم. وروى ابن منصور عن أحمد أنه لا يرد على ولد الأم مع الأم ولا على الجد مع ذي سهم وضعفه الموفق في المغني. وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض يُرَدُّ لبيت المال ولا يرد على أحدٍ فوق فرضه. وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي رضي الله تعالى عنهم. مغ ج 7 ص 47. باب في توريث الجدات (¬2) مسألة (1077) مذهب العامة من العلماء توريث أم الأم وإن علت وأم الأبٍ وإن علت، وهذا إن كانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب. وحكي عن داود أنه لا يورث أمَّ أُمِّ الأبِ شيئًا. مغ ج 7 ص 54. باب في الجدة المدلية بأبٍ غير وارث مسألة (1078) مذهب العامة من العلماء أن الجدة المدلية بأبٍ غير وارثٍ لا ترثُ (¬3) وحكي عن ابن عباسٍ وجابرِ بن زيدٍ ومجاهدٍ وابن سيرين أنهم قالوا: ترث. مغ ج 7 ص 55. ¬

_ (¬1) ما خلا الزوجين فالجمهور بل عامة أهل العلم على استثنائهما من صحة الرد وروي عن عثمان بن عفان أنه ردَّ على زوج. ومسألة الرد خصها الموفق بأهل الفروض دون العصبات يعني إذا ترك الميت أهل فروض فقط. مغ ج 7 ص 46. (¬2) أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إلا رواية شاذة عن ابن عباس أنه جعلها بمنزلة الأم لأنها تدلي بها فقامت مقامها. انظر مغ ج 7 ص 52. (¬3) وهي كل جدةٍ أدلت بأب بين أمين كأمَّ أبي الأم.

باب في الجدتين تكونان من جهتين (إحداهما ليست أما للأخرى)

باب في الجدتين تكونان من جهتين (إحداهما ليست أما للأخرى) مسألة (1079) مذهب العامة من أهل العلم أن الجدتين إذا لم تكن إحداهما أمَّ الأخرى (¬1) بأن كانتا من جهتين، والقربى من جهة الأم فالميراث لها وتحجب البُعْدى. وروى عن ابن مسعود ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما. وروي عن ابن مسعود أيضًا أنه إن كانتا من جهتين فهما سواء، وإن كانتا من جهة واحدة فهو للقُربى، يعني به أن الجدتين من قبل الأب إذا كانت إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب. قال الموفق: وسائر أهل العلم على أن القربى من جهة الأم تحجب البُعْدى من جهة الأب. مغ ج 7 ص 56. باب في توريث الجد مسألة (1080) مذهب عامة أهل العلم أن الجد لا ينقص نصيبه في الميراث إذا كان وارثًا عن سدس جميع المال أو تسمية السدس له إذا عالت المسألة بحيث زادت فروض الوارثين عن المال. وروي عن الشعبي أنه قال: إن ابن عباس كتب إلى عليٍّ في ستة إخوة وجد؟ فكتب إليه: اجعل الجد سابعهم وامح كتابي هذا. وروي عنه في سبعة إخوةٍ وجد أن الجد ثامنهم. وحكي عن عمران بن حصين والشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال. مغ ج 7 ص 70. باب في حجب الجد الإخوة والأخوات مسألة (1081) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الجد يحجب (يسقط) جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات سواء كانوا إخوة أو أخوات للأبوين أو للأب وأن شأن الجد في هذا شأن الأب سواء بسواء. وإليه ذهب أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وبه قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير, وروي ذلك عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل وأبي ¬

_ (¬1) أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فأجمع أهل العلم على أن الميراث للقربى وتسقط البعدى. مغ ج 7 ص 56.

باب في الاختلاف في كيفية توريث الإخوة والأخوات مع الجد

موسى وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم. وحكى هذا كذلك عن عمران بن الحصين وجابر بن عبد الله وأبي الطفيل وعبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهم. ومن التابعين عطاء وطاوس وجابر بن زيد. وبه قال قتادة وإسحاق وأبو ثور ونعيم بن حماد وأبو حنيفة والمزني وابن شريح وابن اللبان وداود وابن المنذر. وذهب عليٌّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم إلى توريثهم والمنع من حجبهم بالجد. وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد. مغ ج 7 ص 64. باب في الاختلاف في كيفية توريث الإخوة والأخوات مع الجد مسألة (1082) أكثر أهل العلم القائلين بتوريث الإخوة والأخوات مع الجد وعدم حجبهم به ذهبوا مذهب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه في كيفية توريثهم. وهو إعطاء الجد الأحظ من المقاسمة كأنه أخٌ أو ثلث جميع المال. وبه قال مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو عبيد والثوري والنخعي والحجاج بن أرطأة وأحمد. ونسبه الموفق في المغنى إلى أكثر أهل العلم (¬1). وذهب الشعبي والنخعي والمغيرة بن المقسم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح مذهب عليٍّ بن أبي طالب وهو إعطاء الأخوات فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه له، فإن كانت أخت لأبوين وإخوة لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجدُّ الإخوة فيما بقي إلا أن تنقصه المقاسمة عن السدس فيفرضه له، فإن كان الأخوة كلهم عصبة قاسمهم الجد إلى السدس، فإن اجتمع ولد الأب وولد الأبوين مع الجد سقط ولد الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم، وإن انفرد ولد الأب قاموا مقام ولد الأبوين مع الجد، فإن كان أصحاب الفرائض بنتًا أو بنات فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقاسم به. وذهب مسروق وعلقمة وشريح مذهب عبد الله بن مسعود وهو كمذهب عليٍّ في الأخوات، وقاسم الجد الإخوة إلى الثلث، فإن كان معهم أصحاب فرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع صنيع زيد بن ثابت في إعطاء الجد الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال. ¬

_ (¬1) ولا أدري هل عني بهذا القائلين بالتوريث أو مطلقًا. فالله تعالى أعلم.

باب في توريث ذوي الأرحام

مغ ج 7 ص 67. فائدة: المسائل المشهورة بأسمائها في الفرائض كثيرة ومنها العُمَرية والمُشَرِّكَةُ وأمُّ الفروخ والحِماَريّةُ والأكْدَرّيةُ والخرقَاءُ والغراوينُ. باب في توريث ذوي الأرحام (¬1) مسألة (1083) جمهور الصحابة وفقهاء العراق والكوفة والبصرة وجماعة العلماء من سائر الآفاق على توريث ذوي الأرحام إذا عدم أصحاب الفروض والعصبات ولا أحد من الوارثين إلا الزوج والزوجة. روي هذا عن عُمَر وعليّ وعبد الله بن مسعود وأبي عبيدة بن الجراج ومعاذ بن جيل وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهم. وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وعلقمة ومسروق. وذهب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه إلى عدم توريثهم ورد الميراث إلى بيت مال المسلمين. وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وأبو ثور وداود وابن جرير وأكثر فقهاء الأمصار (¬2). بداية ج 2 ص 406 مغ ج 7 ص 83. باب في المولى المُعتَق وعصباته إذا تزاحموا مع ذوي الأرحام مسألة (1084) أكثر أهل العلم على أن المولى المعتق وعصباته أولى بالميراث من ذوي الأرحام إذا تزاحما ولم يكن أصحاب فروض ولا عصبات. وبه قال عامة من قال بتوريث ذوي الأرحام وقول من لا يرى توريثهم أيضًا. وروي عن ابن مسعود تقديم ذوي الأرحام على المعتق وعصباته وبه قال ابنه أبو عبيدة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة والأسود وعبيدة ومسروق وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والقاسم بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وميمون ومهران. مغ ج 7 ص 92. ¬

_ (¬1) هم بالجملة كما قال ابن رشد: بنو البنات، وبنو الإخوة، وبنو الأخوات وبنات الأعمام، والعم أخو الأب للأم فقط، وبنو الإخوة للأم، والعماتُ، والحالاتُ، والأخوال. (¬2) هذه لا تعني بالضرورة أكثر الأئمة المجتهدين، وإنما معناها في هذه المسألة بالذات وأشباهها الفقهاء المشهورون في الأمصار بحيث يعرف فلان بفقيه مصر أو الشام مثلًا. كما هو الحال في مالك فقيه وإمام دار الهجرة. والأوزاعي فقيه أهل الشام وهكذا.

أبواب في ميراث الخنثى والخنثى المشكل

أبواب في ميراث الخنثى (¬1) والخنثى المشكل (¬2) باب في ضابط الخنثى الذكور والخنثى الأنثى مسألة (1085) جمهور أهل العلم على أن الخنثى إذا بال من العضوين فحكمه حكم أسبقهما في التبول فإن سبق بقوله من العضو الذكري فهو خنثى ذكر وألا فهو ختثى أنثى وفي الأول أحكامه أحكام الذكور وفي الثاني أحكامه أحكام النساء. روي ذلك عن سعيد بن المسيب. وبه قال أحمد. مغ ج 7 ص 114. باب في التوقف في توريث الخنثى المشكل الصبي حتى يبلغ مسألة (1086) جمهور العلماء على أن الخنثى المشكل إذا كان صبيًّا ومات له من يرثه فإنه يتوقف في أمره حتى يبلغ ويتبين حاله بظهور علامات المذكورة أو الأنوثة. وبه قال أحمد. وحكي عن علي والحسن -رضي الله تعالى عنهما- أنهما قالا: تعد ¬

_ (¬1) الخنثى هو من كان له عضو تناسلي ذكري وآخر أنثوي فإن بال من العضو الذكري فهو خنثى ذكر وإن بال من العضو الأنثوي فهو خنثى أنثى، وفي الأول تكون علامات الذكورة غالبة عليه واضحة وفي الثاني تكون علامات الأنوثة هي الغالبة والأوضح. فإن بال من العضوين فهو خنثى مشكل، فإن تبين أنه خنثى ذكر عاملناه معاملة الرجال في أحكامهم جميعًا، وإن تبين أنه خنثى أنثى عاملناه معاملة الإناث في جميع الأحكام وهذا كله محل اتفاق بين العلماء. (¬2) لم يَفُتْ علماءنَا شأن الشواذ في المجتمع فضبطوا أحوالهم وتكلموا في أحكامهم المتعلقة بجميع أمور حياتهم ومماتهم، وهؤلاء هم الشواذ خِلْقةً وطبيعةً في أنهم خُلِقُوا هكذا فلا اختيار لهم ولا قصد فاهتم الإسلام بهم واعتبرهم جزءًا من المجتمع. لهم حقوق وحظوظ وعليهم واجبات ومسؤوليات، وهو سبق تشريعي وسبق مدني لم يصل إليه مجتمعٌ قبل الإسلام ولا بعده، فهذا في ما يتعلق بمن خلقه الله تعالى تقديرًا ومشيئة مخالفًا لما هو الأصل في الطبائع والتركيب العضوي فكان الإسلام به رحيمًا عادلًا، وأما أولئك الذين خلقهم الله تعالى أسوياء ثم إنحرفت بهم غرائزهم وشهواتهم عن الطبع السويّ قصدًا واختيارًا فهؤلاء جعلهم الإسلام في أحط الدركات واعتبرهم فرعًا خبيثًا خرج عن أصله وداء شيطانيًا يكاد يذهب بالمجتمع كله. فلا رحمة ولا رأفة، ولا حساب لهم في المجتمع ومرافقه بل هم عارٌ وضرر لابد من التعامل معه بالقسوة والشدة بالقدر الذي تتطلبه الرغبة الصادقة والهمة الحازمة في الحفاظ على المجتمع المدني المتحضر ومعالمه. فإذا انقلب الحال وانعكست المفاهيم فصار الخارج عن المألوف معروفًا والمتعدي على الفطر والسنن سويًا لا عيب فيه فهذا لعمر الحق ارتكاسة وانتكاسة في النفس البشرية والطبيعة الإنسانية وهذا ما حفظ الله تعالى منه المجتمعات الإسلامية على تخلفها المادي، لكنها بقية هذا الدين لا زالت تفعل فعلها رغم أعاصير العداوة لهذا الإسلام لتثبت أنه دين الله تعالى الذي إرتضاه ربنا لنا وللناس أجمعين لتجتمع لنا الإنسان عناصر سعادته وأسباب أمنه ونجاته في الدنيا والآخرة.

باب في توريث الخنثى المشكل إذا لم يتبين أمره

أضلاعه لأن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل، وقال جابر بن زيد: يوقف إلى جنب حائط فإن بال عليه فهو ذكر وإن بلل بين فخذيه فهو أنثى. مغ ج 7 ص 115. باب في توريث الخنثى المشكل إذا لم يتبين أمره مسألة (1087) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الخنثى المشكل إذا مات قبل بلوغه أو بلغ ولازال مُشكلًا فإنه يرث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى. وبه قال ابن عباس والشعبي وابن أبي ليلى وأهل مكة والثورى واللؤلؤي وشريك والحسن بن صالح وأبو يوسف ويحيى بن آدم وضرار ابن ورد ونعيم بن حماد. وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته وأعطى الباقي لسائر الورثة. وأعطاه الشافعي ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين منه الأمر أو يصطلح الورثة وقال بقول الشافعي أبو ثور وداود وابن جرير. وورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقى بعد اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال. قال الموفق: وفيه أقوال شاذة سوى هذه. مغ ج 7 ص 115. باب في ميراث ولد المُلَاعنة مسألة (1088) جمهور العلماء على أن المتلاعنين (¬1) إذا مات أحدهما قبل أن يلاعن ورثه الآخر. وهو مذهب أحمد. وقال الشافعي -رحمه الله- تعالى- إذا كمل الزوج لعانه لم يتوارثا حتى لو ماتت الزوجة قبل لعانها. وقال مالك: إن مات الزوج بعد لعانه. فإن لاعنت المرأة لم ترث ولم تَحِدَّ، وإن لم تلاعن ورثت وحدت. مغ ج 7 ص 121. باب في الزوجة تموت قبل لعانها وبعد لعان زوجها مسألة (1089) جمهور العلماء على أن الزوجة إذا ماتت بعد لعان زوجها وقبل أن تلاعن ورثها زوجها. وهو مذهب أحمد. وقال الشافعي: لا يرثها. مغ ج 7 ص 121. ¬

_ (¬1) وقد اتفق العلماء على أن التلاعن إذا تم بين الزوجين بحيث كمل من كل واحد منهما وفرق الحاكم يينهما فلا توارث بين الزوجين. لا يعلم في هذه المسألة خلاف عن أحد من العلماء. مغ ج 7 ص 121.

باب في الحاكم يفرق بين المتلاعنين قبل تمام الملاعنة

باب في الحاكم يفرق بين المتلاعنين قبل تمام الملاعنة مسألة (1090) جمهور العلماء على أن المتلاعنين إذا فرق الحاكم بينهما قبل تمام اللعان فإن الفرقة لا تقع ولا ينقطع التوارث بينهما. وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن فرق الحاكم بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثًا وقعت الفرقة وانقطع التوارث. وإن فرق بينهما قبل ذلك لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث. مغ ج 7 ص 122. باب في ولد الملاعنة يموت عن مولى أمه وبنتٍ وبنتِ ابنٍ مسألة (1091) جمهور الفقهاء على أن ولد الملاعنة إذا مات وترك بنتًا وبنت ابنٍ ومولى أمه فإن الباقي بعد إعطاء أهل الفرائض فرضها لمولى الأم. وقال ابن مسعود: يرد الباقي على أهل الفرائض بقدر فروضهم. مغ ج 7 ص 125. باب في ولد الملاعنة يموت عن بنتٍ وبنتِ ابنٍ ومولى أمه وأمه مسألة (1092) أكثر أهل العلم على أن ولد الملاعنة إذا مات وترك بنتًا وبنت ابنٍ ومولى أمهِ وأمًّا فإن لأمه السدس والباقي لمولى أمه. وبه قال أحمد في روايةٍ. وقال ابن مسعود: هو للأم (يعني الباقي). وهو الرواية الثانية عن أحمد. مغ ج 7 ص 125. باب في ولد الملاعنة إذا مات ولم يترك صاحب السهم مسألة (1093) مذهب الجمهور من العلماء أن ولد الملاعنة إذا مات ولم يترك ذا سهم فإن المال لعصبة أمه. روى ذلك عن عليٍّ. وقال أبو حنيفة وأصّحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث غيره ورووه كذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه. مغ ج 7 ص 126. باب في المنفي بالملاعنة إذا كانا توأمين مسألة (1094) جمهور الفقهاء على أن المتلاعنين إذا كان المنفي بالتلاعن بينهما

باب في عصبة ولد الملاعنة هل يعقلون عنه؟

توأمين ولها ابن آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث توأمه منه كميراث الآخر. وقال مالك: يرثه توأمه ميراث ابن لأبوين. وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي -رحمه الله- تعالى. مغ ج 7 ص 127. باب في عصبة ولد الملاعنة هل يعقلون عنه؟ مسألة (1095) أكثر أهل العلم على أن عصبة ولد الملاعنة لا يعقلون (¬1) عنه ولا يثبت لهم ولاية التزويج ولا غير ذلك. روى عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- أنه جعلهم عاقلةً فروى أنه قال لأولياء (¬2) المرجومة في ولدها: هذا ابنكم يرثكم ولا ترثونه وإن جنى فعليكم. روى هذا القول عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي. مغ ج 7 ص 127. باب في ميرث ولد الملاعنة وولد الزنا مسألة (1096) جمهور العلماء على التسوية بين ولد الزنا وبين ولد الملاعنة في أحكام الميراث في المتفق والختلف فيها. وقال الحسن بن صالح: عصبة ولد الزنا سائر المسلمين. مغ ج 7 ص 129. باب في ولد الزنا مسألة (1097) جمهور العلماء على أن ولد الزاني لا يلحق الزاني حتى لو استلحقه أو ادعاه (¬3). وقال الحسن البصري وابن سيرين: يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه. وقال إبراهيم النخعي: يلحقه إذا جلد الحدَّ أو ملك الموطوءة. وقال إسحاق: يلحقه. وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه. وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: لا أرى بأسًا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولدٌ له. مغ ج 7 ص 129. ¬

_ (¬1) أي لا يعقلون عنه دية القتل الخطأ أو ما جعلنا فيه الدية على العاقلة بالجملة. (¬2) لأن أحكام ولد الملاعنة كأحكام ولد الزنا في المتفق عليه من الأحكام والمختلف فيه كذلك، وهذا محل اتفاق بين العلماء ما خلا ما سنذكره من خلاف الحسن بن صالح -رحمه الله- تعالى إن شاء الله تعالى. وهذا التماثل في الأحكام هو في الجملة وسيأتي ذكر ما فيه اختلاف إن شاء الله تعالى. (¬3) مع اتفاق العلماء على أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه.

باب في ميراث العبد والأسير

باب في ميراث العبد والأسير مسألة (1098) مذهب العامة من العلماء أن العبد لا يرث ولا يورث وممن روى عنه هذا عليٌّ وزيدٌ رضي الله تعالى عنهما. وبه قال الثوري ومالك والشافعي وأسحاق وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وروي عن ابن مسعود في رجلٍ مات وترك أبًا مملوكًا، يُشْتَرى من مالِه ثم يعتق فيرث. وبه قال الحسن. وحكي عن طاوس أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه كما لو وُصِّى له. مغ ج 7 ص 130. باب في توريث الأسير المعلومة حياته مسألة (1099) مذهب العامة من الفقهاء أن الأسير (¬1) بيد الكفار إذا علمت حياته فإنه يرث. وانفرد سعيد بن المسيب، فقال: لا يرث لأنه عبدٌ، وحكي ذلك عن النخعي وقتادة. مغ ج 7 ص 131 ص 212. باب في ميراث مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ مسألة (1100) مذهب الجمهور من أهل العلم أن الميت لو ترك أبنًا نصفه حر وابن ابنٍ حر فالمال بينهما نصفين متساويين. وقال الثوري: لابن الابن الربع لأنه محجوب بنصف الابن عن الربع. مغ ج 7 ص 140. باب في ميراث من أقر له بعض الورثة بالنسب مسألة (1101) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن بعض الورثة لو أقر بمن ¬

_ (¬1) يعني الأسير المسلم بيد الكفار. وأنا لم أكتب هذا القيد لأن الأسير إذا أطلق عند الفقهاء فهو الأسير المسلم بيد الكفار. وأما لو وقع مسلم بيد مسلم بحرب بينهما فإنه لا يسمى أسيرًا وإنما يسمى حبيسًا يعني مسلم حبسه مسلم أو مسلمون لأن حرب المسلم للمسلم وقتالهما حرام إلا ما أجازه الشرع من دفع الصائل ومحاربة البغاة وقطاع الطرق من المفسدين وأهل الحرابة مع الانضباط بأحكام تلك الحالات. وإذا ورد أحيانًا استعمال لتصاريف مصدر أسَرَ في غير ما ذكرته فهو استعمال لغوي لا اصطلاحي فأحكام الأسير الكافر في أيدي المسلمين لا يشاركه فيها المسلم الذي وقع في أيدي مسلمين لأي سبب ما الأسباب.

باب في موانع الإرث

يشاركه في الميراث فللمقرِّ له فضل ما في يد المُقِر عن ميراثه. وبه قال مالك والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم ووكيع وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأهل البصرة. وقال النخعي وحماد وأبو حنيفة وأصحابه: يقاسمه ما في يده. وقال الشافعي -رضي الله عنه- وداود: لا يلزمه في الظاهر دفع شيء إليه، وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى على قولين: أصحهما لا يلزمه، فإذا قلنا: يلزمه، ففي قدره وجهان كالمذهبين. مغ ج 7 ص 144. باب في موانع الإرث مسألة (1102) جمهور العلماء على أن القاتل لا يوَرَّث من مُوَرثه الذي قتله شيئًا وذلك إذا كان القتل عمدًا (¬1). وحكي عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير أنه يرث. وبه قال الخوارج. ولمح به ابن رشد عن أهل الظاهر (¬2). مغ ج 7 ص 161 بداية ج 2 ص 428. باب في التوارث بين المسلم وبين الكافر (¬3) مسألة (1103) جمهور الفقهاء بل جماهيرهم من الصحابة ومَنْ بعدهم على أن المسلم لا يرث الكافر. روي هذا عنه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم. وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطا وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك ¬

_ (¬1) أما القتل الخطأ ففيه اختلاف شديد بين للفقهاء فذهب جماعة كثيرون إلى أنه لا يرث: وري ذلك عن عمر وعلي وزيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم. وبه قال شريح وعروة وطاوس وجابر بن زيد والنخعي والشعبي والثوري وشريك والحسن بن صالح ووكيع والشافعي وأحمد ويحيى بن آدم وأصحاب الرأي. وذهب جماعة كثيرون أيضًا إلى أنه يرث من المال ولا يرث من الدية. روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول والأوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر وداود. وروي نحوه عن عليٍّ أيضًا. مغ ج 7 ص 162. (¬2) قد ألمح إلى هذا ابن حزم في المحلى عدما عَرَّضَ بالمخالفين فذكر احتجاجهم برواية لا تصح وهي منع القاتل من الميراث فظهر أن القاتل عنده يرثُ. انظر على ج 6 ص 316. (¬3) أَجمع الفقهاء على أن الكافر لا يرث المسلم مغ ج 7 ص 165 بداية ج 2 ص 419 شرح ج 11 ص 52.

باب في التوارث بين أهل الملل الكافرة

والشافعي. ونسبه الموفق في المغني إلى عامة الفقهاء، وقال: وعليه العمل. وهو قول أحمد ابن حنبل رضي الله تعالى عنه. وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية -رضي الله تعالى عنهم- أنهم وَرثُوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم. وحكي ذلك عن محمَّد بن الحنفية وعليِّ بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق وعبد الله بن معقل والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر وإسحاق. قال الموفق: وليس بموثوق به عنهم. قلت: وحكاه ابن رشد بصيغة الجزم عن معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة وسعيد بن المسيب ومسروق من التابعين. وكذلك حكى هذا القول روايةً أبو محمَّد عليّ بن حزم (¬1) الأندلسي عن معاذ بن جبل ومعاوية ويحيى بن يعمر وإبراهيم ومسروق. قال ابن حزم وهو قول إسحاق بن راهويه وهو عن معاوية ثابت كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا (يعني أخبرنا) داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أن معاوية كان يورث المسلم، من الكافر ولا يورث الكافر من المسلم قال مسروق: ما حدث في الإِسلام قضاء أعجب إليَّ منه. اهـ. مغ ج 7 ص 65 بداية ج 2 ص 420 شرح ج 11 ص 52. باب في التوارث بين أهل الملل الكافرة (¬2) مسألة (1104) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الكفار إذا اختلفت مللهم فلا توارث بينهم. على خلاف بين أهل هذا القول في تحديد الملل التي إذا اختلفت امتنع التوارث والتي إذا توافقت جاز. فمنهم من جعل اليهودية ملةً والنصرانية ملةً وسائر من لا كتاب له ملةً واحدة. وبه يقول شريح وعطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم والثوري والليث وشريك ومغيرة والضبي وابن أبي ليلى (¬3) والحسن بن صالح ووكيع. ووروي ذلك عن مالك والنخعي في رواية وهو اختيار القاضي أبي يعلى، ولم يرتض قوم جعل سائر من لا كتاب له ملةً واحدة، قالوا: بل هم ملل مختلفة كالمجوسية وعبادة الأوثان وعبادة الشمس فهؤلاء لا يرث بعضهم بعضًا. روى ذلك عن عليّ - رضي الله عنه - وبه قال الزهري وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة وإسحاق. وهو اختيار الموفق ابن قدامة في المغني. وذهب جمعٌ إلى أن الكفر ملة واحدةٌ يرث بعضهم بعضًا لا فرق بين يهودي ونصراني وغير ذلك. وبه قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وداود. وأحمد في ¬

_ (¬1) انظر على ج 9 ص 304. (¬2) اتفق العلماء على أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضًا. مغ ج 7 ص 167 بداية ج 2 ص 420. (¬3) انظر بداية ج 2 ص 421.

باب في ميراث المرتد

رواية حرب عنه. واختاره الخلَّال الحنبلي وحكي هذا القول عن الثوري كذلك. مغ ج 7 ص 167. باب في ميراث المرتد (¬1) مسألة (1105) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المرتد إذا قتل أو مات على ردته فإن ماله لورثته المسلمين. روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر وعليّ وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. وبه قال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن البصري وعمر ابن عبد العزيز وعطاء والشعبي والحكم والأوزاعي والثوري وابن شبرمة وأهل العراق وإسحاق. وروي عن أحمد ما يدل على ذلك، وفرق الثوري وأبو حنيفة واللؤلؤي وإسحاق بين ماله قبل ردته فجعلوه لورثته المسلمين ويبن ماله الذي اكتسبه بعد ردته فجعلوه فيئًا. وذهب قوم إلى أن ماله يكون فيئًا في بيت مال المسلمين (¬2) وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وبه قال ربيعة ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية. وذهب آخرون إلى أن ماله لأهل دينه الذي اختاره إن وجد من يرث منهم وإلا فهو فيءٌ وبه قال داود. وروي ذلك عن علقمة وسعيد بن أبي عروبة. مغ ج ص 174. باب في من أسلم بعد موت موورثه المسلم (¬3) مسألة (1106) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أن الكافر أو المرتد إذا أسلم أو عاد لإسلامه بعد موت موروثه المسلم فإنه لا يرثه. وهو المشهور عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهري وسليمان بن يسار والنخعي والحكم وأبو الزناد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية. وذهب قوم إلى التفريق فإن أسلم بعد موت موروثه وقبل قسم ميراثه (¬4) ورثه، روي هذا عن عمر وعثمان والحسن بن عليّ وابن مسعود. وبه قال جابر بن زيد والحسن ¬

_ (¬1) ليس بين أهل العلم خلاف يعلم في أن المرتد لا يرث أحدًا لا مسلمًا ولا كافرًا. في ج 7 ص 170. (¬2) انظر بداية ج 2 ص 420 على ج 9 ص 305 شرح ج 11 ص 52. (¬3) لا يختلف العلماء في أنه إن أسلم قبل موت موروثه المسلم فإنه يرثه. ولا خلاف بينهم في أنه إن أسلم بعد موته وبعد قسم الميراث فإنه لا يرث. انظر مغ ج 7 ص 170، 171. (¬4) وان أسلم قبل قسم بعض الميراث وبعد قسم بعضه الآخر ورث مما بقي، وبه قال الحسن مغ ج 7 ص 172.

باب في العبد يعتق بعد موت موروثه وقبل القسمة

ومكحول وقتادة وحميد وإياس بن معاوية وإسحاق وأحمد في رواية. مغ ج 7 ص 171. باب في العبد يعتق بعد موت موروثه وقبل القسمة (¬1) مسألةأ (1107) جمهور الفقهاء من الصحابهّ ومن بعدهم على أبي العبد إذا أعتق بعد موت موروثه فإنه لا يرثه وسواء أعتق قبل القسمة أو بعدها، وبه قال أحمد، وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك عبدًا فأعتق قبل أن يقسم ميراثه فقال: له ميراثه. وحكي مثل ذلك عن مكحول وقتادة، مغ ج 7 ص 173. باب في الممنوع من الإرث هل يحجب؟ مسألة (1108) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الممنوع من الميراث بسبب من أسباب المنع كالقتل أو الرق أو غيره فإنه لا يحجب غيره ممن استحق الميراث. وقال ابن مسعود ومن وافقه: بل يحجب القاتلُ والولدُ الكافرُ والرقيق الأمَّ والزوجين، ويحجب الإخوةُ الذين على هذه الصفة الأمَّ. وبه قال أبو ثور وداود وجرى الحسن البصري مجرى ابن مسعودٍ في القاتلِ خاصةً دون غيرهِ. مغ ج 7 ص 192. باب في ميراث الحمل (¬2) مسألة (1109) أكثر أهل العلم على أن من مات عن حمل يرثه فإنه يوقف للحمل شيء من مال من يشاركه (¬3) في الميراث ثم يدفع لشركائه الباقي على اختلاف بين القائلين بهذا في قدر ما يوقف له. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي. وهو مذهب أحمد. وذهب الشافعي في المشهور ¬

_ (¬1) وأما إذا أعتق بعد القسمة فلا يرثه باتفاق. (¬2) يعني الجنين في بطن أمِّ من يرث من الميت. (¬3) لا خلاف بين العلماء في أن الورثة لا يُعْطَوْنَ كل المال ولو طالبوا به بل لابد من التوقف حتى يتيين الأمر وحكي عن داود خلاف هذا والصحيح عنه خلافه. فأما من لا ينقصه الحمل فيدفع له كامل ميراثه، وأما من ينقصه الحمل فيدفع له أقل ما يصيبه، وأما ما يسقطه الحمل إذا كتبت له الحياة فلا يدفع له شيء.

باب في دية المقتول هل يرثها أهل الميراث أم هي للعاقلة خاصة؟

من مذهبه (¬1): إلى أنه لا يدفع لشركائه شيءٌ، مغ ج 7 ص194. باب في دية المقتول هل يرثها أهل الميراث أم هي للعاقلة خاصةً؟ مسألة (1110) مذهب العامهّ من العلماء أن دية المقتول مال موروث كسائر أمواله يرثها أهل الفروض أولاً ثم العصبات ثم ذوو الأرحام وتجري فيها سائر أحكام الميراث وكذلك سائر أحكام المال الذي يتركه الميت من إنفاذ الوصايا والديون. وغيره واختلف في هذه المسألة عن عليّ رضي الله تعالى عنه. فروي عنه مثل قول الجماعة وروي عنه أنها للعصبة التي تعقل عنه خاصة وكان عمر بن الخطاب يذهب إلى هذا ثم رجع عنه لما بلغه الحديث فيها. وقال أبو ثور: هي على الميراث (يعني تعزل للميراث خاصةً) ولا تقْضَى منها ديون المقتول ولا تنفذ منها وصاياه (¬2). وعن أحمد رحمه الله تعالى نحو هذا في روايةٍ. وفي أخرى ما يوافق قول الجمهور. مغ ج 7 ص 204. باب في ميراث دية الجنين المقتول مسألة (1111) جماهير الققهاء بل عامتهم. إلا شيئاً يحكى عن ربيعة والليث أن الحامل إذا ضُرِبَ بطنها فأسقطت فإن الدية على الضارب غرة موروثةٌ عن الجنين كأنه سقط حيًّا. وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد، مغ ج 7 ص303 شرح ج 11 ص 176. باب في ميراث المفقود (¬3) باب في هل تُخَصُّ الزوجة بشيء من أحكام المفقود مسألة (1112) أكثر الفقهاء على أنه لا فرق فيما يترتب على الخلاف الجاري في ¬

_ (¬1) وهو المعتمد في المذهب والمفتى به. انظر الحاوي الكبير ج 8 ص171، وروضة الطالبين ج 7 ص 39، ومغني المحتاج ج 3 ص 28. (¬2) ولا يعلم خلاف قى أن المقتول يُجَهَّزُ منها أعني جهاز كفنه وغسله ودفنه مغ ج 7 ص205. (¬3) ليس في هذه المسألة أعني في أصلها قول للجمهور لكنني أثبتها في أصل الكتاب لأنها من أمهات مسائل للققه، ولو أردت تلخيصها لقلت: انقسم الفقهاء في زوجة المفقود الذي لا يعرف حاله إلى قسمين: قسم لم يفرق يين أحوال فقده فجعلها حالاً واحدة يستوي في ذلك من فقد في حال يغلب عليها هلاكه، ومن فقد =

باب فيمن مات وفي ورثته مفقود

أحكام المفقود بين ماله وبين زوجته، فما يجري على مال المفقود يجري على زوجه، وقال مالك والشافعي في القديم (¬1) من مذهبه تستثنى الزوجة من هذا فتتربص أربع سنين ثم يحكم لها بموت زوجها ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا ثم تحل للأزواج. ومذهبه الجديد خلاف ذلك. مغ ج 7 ص 206. باب فيمن مات وفي ورثته مفقود مسألة (1113) أكثر الفقهاء على أن من مات وفي ورثته مفقود فإنه يعطى كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره أو تمضي مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب إحداهما في الأخرى تباينًا أو في وفقهما إن اتفقنا وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا أو بأكثرها إن تناسبتا ويُعْطى كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من أحدهما لا نعطيه شيئًا ونقف الباقي. وقال بعض أصحاب الشافعي: يقسم المال على الموجودين لتحقق وجودهم وأما المفقود فمشكوك فيه فلا يورث مع الشك. وقال محمَّد بن الحسن: القول قول مَنْ المالُ في يده ولا يوقف للمفقود شيء. مغ ج 7 ص 208. باب في الميراث المترتب على النكاح في مرض الموت مسألة (1114) جمهور الفقهاء على أن من تزوج في المرض المخوف فهو كمن تزوج في حال الصحة من حيث صحة العقد وترتب آثاره من الصداق والميراث وبه قال أبو حنيفة والشافعي رضي الله تعالى عنهما. وهو مذهب أحمد -رحمه الله- تعالى. وقال ¬

_ = في حال يرجى عوده ولكن لا يعرف حاله، وقسم فرقوا على النحو الذي ذكرت، فأما من لم يفرق فعلي قولين: الأول تتربص أربع سنين بحكم حاكم ثم يحكم لها بموت زوجها وتعتد الزوجة أربعة أشهر وعشرًا ثم تحل للأزواج، والثاني: تبقى حبيسة حتى يتيقن موته. وأما من فرق فقال: إن غلب على الظن هلاكه باعتبار الحال الذي فقد فيها فتتربص أربع سنين على النحو الذي ذكرناه آنفًا. وإلا بأن كان يرجى عوده باعتبار الحال الذي فقد فيها فتبقى حبيسةً أو مدة يغلب على الظن فيها هلاكه على اختلاف يينهم في هذا منهم من قال تسعون عامًا منذ أن ولد مع زمان فقده ومنهم من قال مائة وعشرون عامًا وفيهم من قال سبعون عامًا وقد قال بهذا القول جماعة من أهل الفريق الأول أعني الذين لم يفرقوا بين أحوال فقد الغائب. انظر مغ ج 7 ص 205 الحاوي الكبير ج 11 ص 316. قلت: ومن الفقهاء من جعل هذا الاختلاف قاصرًا على زوجة المفقود فقط، فأما مال المفقود فعنده أنه لا يقسم حتى يتيقن موته إما بحكم حاكم أو بما يغلب على الظن أنه لا يعيش مدة من الزمان أكثر منها. (¬1) انظر الحاوي الكبير ج 11 ص 316.

باب في ميراث المطلقة الرجعية في مرض الموت

مالك: أي الزوجين كان مريضًا مرضًا مخوفًا أثناء عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها (يعني يطؤها) فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدمًا على الوصية. وروى عن الزهري ويحيى بن سعيد مثله. واختلف أصحاب مالك في نكاح من لا يرث كالأمة والذمية، فقال بعضهم: يصح لأنه لا يتهم بقصد توريثها. ومنهم من أبطله لجواز أن تكون وارثة (¬1). وقال رييعة وابن أبي ليلى: الصداق والميراث من الثلث. وقال الأوزاعي: النكاح صحيح ولا ميراث يينهما. وروي عن القاسم بن محمَّد والحسن البصري أنه إن قصد الإضرار بورثته فالنكاح باطل وإلا فهو صحيح. مغ ج 7 ص 212. باب في ميراث (¬2) المطلقة الرجعية في مرض الموت مسألة (1115) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من طلق في المرض المخوف طلاقًا رجعيًا ثم مات أثناء عدة مطلقته فإنها ترثه، وإن ماتت هي قبله فلا يرثها. روي هذا عن عُمَر وعثمان رضي الله تعالى عنهما. وبه قال عروة وشريح والحسن والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة في أهل العراق ومالك في أهل المدينة وابن أبي ليلى. وهو قول الشافعي - رضي الله عنه - في القديم. وروي عن عتبة بن عبد الله بن الزبير: لا ترث مبتوتة. وروي ذلك عن عليّ وعبد الرحمن بن عوف. وهو قول الشافعي الجديد لأنها بائن بموت زوجها قبل ارتجاعها. مغ ج 7 ص 217. باب في ميراث المبتوتة إذا تزوجت مسألة (116) أكثر أهل العلم على أن المبتوتة إذا تزوجت لم ترث من زوجها الأول الذي بتَّ طلاقها. وسواء كانت في عصمة الزوج الثاني أو بانت منه. وقال مالك في أهل المدينة ترثه. مغ ج 7 ص 219. ¬

_ (¬1) كأن تعتق الأمة أو تسلم الذمية قبل موت الزوج ولو بلحظة. (¬2) ها هنا مسألتان مجمع عليهما أو لا يعلم فيهما خلاف بعبارة أدق، وهي أن الرجل إذا طلق زوجته في حال صحته طلاقًا رجعيًا ثم مات أحدهما أثناء العدة فلا يسقط التوارث بينهما لأنها في حال عدتها تعتبر زوجة يلحقها ما يلحق سائر الزوجات من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء ويملك ارتجاعها بدون عقد ولا مهر. والمسألة الثانية أنه متى ما انقضت عدة المطلقة الرجعية أو طلقت في الأصل طلاقًا بائنًا ثم مات أحدهما فلا تورث بينهما بالإجماع انظر مغ ج 7 ص 217.

باب في من طلق في مرض الموت ثم برئ ثم مات بعد ذلك

باب في من طلق في مرض الموت ثم برئ ثم مات بعد ذلك مسألة (1117) جمهور العلماء على أن من طلق زوجته في مرض الموت (¬1) (المرض المخوف) ثم شفي من مرضه ثم مات بعد ذلك فإن مطلقته لا ترثه. وروي عن النخعي والشعبي والثوري وزفر أنها ترثه. مغ ج 7 ص 219. باب في ميراث المطلقة ثلاثًا في مرض الموت قبل الدخول مسألة (1118) أكثر أهل العلم على أن من طُلِّقَتْ في المرض المخوف (يعني مرض الموت) ثلاثًا قبل الدخول بها فلا ميراث لها وليس عليها عِدةٌ ولها نصف الصداق. وبه قال جابر بن زيدٍ وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايات الأربع عنه. وقال الحسن البصري وعطاء وأبو عبيد: لها الصداق كاملًا والميراث وعليها العدة. واختاره أبو بكر الحنبلي. وروى عن عطاء أنه قال: لها الميراث والصداق ولا عدة عليها. وقال مالك في رواية أبي عبيد عنه: لها الميراث ونصف الصداق وعليها العدة. مغ ج 7 ص 220. باب في الرجل يطلق في مرض الموت إحدى نسائه الأربع مسألة (1119) جمهور الفقهاء على أن من كان تحته أربع زوجات فطلق إحداهن ثلاثًا في مرض الموت ثم تزوج أخرى في عدة المطقة أو طلق امرأةً واحدة ونكح أختها ومات في عدتها فالنكاح باطل والميراث بين المطلقة وباقي الزوجات، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وهو أحد وجهي قول الشافعي القديم. وقال الشافعي في الجديد: النكاح صحيح والميراث للجديدة مع باقي الزوجات دون المطلقة. مغ ج 7 ص 229. باب في الرجل يطلق في مرض الموت نساءه الأربع مسألة (1120) جمهور الفقهاء على أن من كان تحته أربع زوجات فطلقهن في مرضه ¬

_ (¬1) وقد ذكرنا هناك في المسألة (1115) أن الطلاق في مرض الموت يمنع وقوع أثر الطلاق في المنع من الميراث فإذا ما شفى من مرضه الذي طلقه فيه ارتفع هذا المانع ووقع أثر الطلاق وكأنه طلقها في حال صحته.

ثم صح وتزوج أربعًا غيرهن ثم مات فالميراث للمنكوحات ولا شيء للمطلقات. ومقتضى قول مالك ومن وافقه أنه لا شيء للمنكوحات والميراث للمطلقات. مغ ج 7 ص 230. * * *

مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الولاء

كتاب الولاء

كتاب الولاء (¬1) باب في تقديم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام مسألة (1121) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على تقديم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام، وروى عن عمر وعليّ تقديم الرد على المولى. رروى عنهما كذلك وعن ابن مسعود تقديم ذوى الأرحام على المولى. مغ ج 7 ص 239. باب في الميراث بين السيد ومولاه عند اختلاف الدين مسألة (1122) جمهور العلماء على أن التوارث لا يجوز بين السيد وبين مولاه إذا اختلف دينهما. وقال أهل الظاهر وأحمد في رواية: يرث السيد مولاه ولو اختلف دينهما. روي ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز. وقال مالك: يرث المسلم مولاه النصراني ولا يرث النصراني مولاه المسلم. مغ ج 7 ص 241. باب في ثبوت الولاء بين الحربيين مسألة (1133) مذهب العامة من أهل العلم أن الولاء يثبت بين الحربيين, فإذا أعتق حربي حربيًا ثبت الولاء للمُعْتِقِ. وأبى ذلك أهل العراق فقالوا: العتق في دار الحرب وكذلك الكتابة والتدبير لا يصح من ذلك شيء ولو استولد سيد أمته في دار الحرب لم تصر أم ولدٍ مسلمًا كان السيفُ أو ذميًّا أو حربيًّا. مغ ج 7 ص 241. ¬

_ (¬1) أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبدًا أو عتق عليه ولم يعتقه سائبة أي أسقط حقه في ولائه فإنه له على عبده المعتق الولاء. وأجمعوا كذلك على أن السيد يرث عتيقه إذا مات جميع ماله إذا اتفق ديناها ولم يخلف وارثًا سواه. ولا يعلم بين أهل العلم خلاف في أنه إن كان للمُعْتِقِ عَصَبَةٌ من نسبه أو ذوو فروض تستغرق فروضهم المالَ فلا شيء للمولى. وكذلك اتفق أهل العلم الذين بلغنا قولهم على أن الولاء يثبت مع اختلاف الدين. انظر مغ ج 7 ص 239 ص 240.

باب في بيع الولاء وهبته

باب في بيع الولاء وهبته مسألة (1124) جمهور أهل العلم بل جماهيرهم من السلف والخلف على أن الولاء لا بياع ولا يوهب ولا يجوز للسيد أن يأذن لمولاه فيوالي من يشاء. روى ذلك عن عمر وعليّ وابن مسعودٍ وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم. وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس وإياس بن معاوية والزهري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه. وهو مذهب أحمد. روى سعيد بن منصور عن عبد الله بن مسعود قال: إنما الولاء كالنسب، فيبيع الرجل نسبه؟ وكره جابر بن عبد الله بيع الولاء. وروى سعيد بن منصور أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبًا. وروي أن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولاؤهم اليوم لهم. وروى أن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير. وقال ابن جريج قلت لعطاء: أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز؟ قال: نعم. مغ ج 7 ص 243 شرح ج 10 ص 148 ص 149. باب في انتقال الولاء للورثة إذا مات المعتق مسألة (1125) جمهور العلماء على أن الولاء لا ينتقل بموت المعتِق ولا يرثه ورثته وإنما يرثون المال بسببه مع بقائه للمعتق. روى نحو هذا عن عمر وعليّ وزيد وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عمر وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والزهري والنخعي وقتادة وأبو الزناد وابن قُسَط ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود وأحمد في أصح الروايات عنه. وشذ شريح فقال: الولاء كالمال يُؤرَثُ عن المعتِق فمن ملك شيئًا حياتَهُ فهو لورثته، وروى حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد نحو هذا، قال الموفق: وغلطهما أبو بكر وهو كما قال: فإن رواية الجماعة عن أحمد مثل قول الجماعة. مغ ج 7 ص 244، ص 263. باب في ميراث من أُعتق من الزكاة أو النَّذر أو الكفارة مسألة (1126) جمهور الفقهاء على أن من أعتق عبده عن نذر أو كفارة فولاؤه يبقى له. وقال أحمد في الذي يعتق من زكاته: إن ورث منه شيئًا جعله في مثله (¬1) قال: وهذا قول ¬

_ (¬1) يعني جعله في مصرف الرقاب في الزكاة.

باب في عتق المحارم من ذوي الأرحام على سيدهم

الحسن. وبه قال إسحاق. قال الموفق: وعلى قياس ذلك العِتقُ من الكفارة والنذر لأنه واجب عليه. وروي عن أحمد -رحمه الله- أنه قال في الذي يُعْتَقُ في الزكاة: ولاؤه للذي جرى عتقه على يديه. وقال مالك والعنبري: ولاؤه لسائر المسلمين ويجعل في بيت المال وقال أبو عبيد: ولاؤه لصاحب الصدقة (¬1). مغ ج 7 ص 247. باب في عتق المحارم من ذوي الأرحام على سيدهم مسألة (1127) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن ملك رحمًا محرمًا عتق عليه وكان ولاؤه له روي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما. وبه قال الحسن وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري والليث وأبو حنيفة والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم (¬2) وهو المشهور عن أحمد. وأعتق مالك الوالدين والمولودين وإن بعدوا، والأخوة والأخوات دون أولادهم وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق إلا عمودا النسب. وبه قال أحمد في روايةٍ. ذكرها أبو الخطاب. وانفرد داود الظاهري وأتباعه فمنعوا أن يعتق أحدٌ إلا بإعتاق. مغ ج 7 ص 247. باب في المحارم من غير ذوي الأرحام مسألة (1128) جمهور العلماء على أن المحارم من غير ذوى الأرحام لا يعتقون على سيدهم كالأم والأخ من الرضاعة والرييبة وأم الزوجة وابنتها. وحكى عن الحسن وابن سيرين وشريك أنه لا يجوز ييع الأخ من الرضاعة وروى عن ابن مسعود أنه كره ذلك (¬3). مغ ج 7 ص 248. ¬

_ (¬1) ولذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يعتق من الزكاة، وعلَّل بعضهم المنع من ذلك بأنه يجر الولاء إلى نفسه فينتفع بزكاته. وهذا قول لأحمد رواه عنه جماعة وهو قول النخعي والشافعي. مغ ج 7 ص 247. (¬2) وهؤلاء قالوا: ذو الرحم المحرم هو القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلًا والآخر امراْة. وهم الوالدان وإن علوا من قبل الأب والأم جميعًا. والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات، والإخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم. مغ ج 7 ص 247. (¬3) قال الموفق: والأول أصح. قال الزهري: جرت السُّنَّةُ بأن بياع الأخ والأخت من الرضاع. مغ ج 7 ص 249.

باب في ولاء المكاتب والمدبر

باب في ولاء المكاتب والمُدَبَّر مسألة (1129) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أن ولاء المكاتب والمُدَبَّر لسيدها إذا أعتقا. وبه يقول الشافعي وأهل العراق. وهو مذهب أحمد. وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لسيده. وقال قتادة: من لم يشترط ولاء المكاتب فلمكاتبه أن يوالي من شاء. وقال مكحول: أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز. مغ ج 7 ص 249. باب في ولاء أم الولد مسألة (1130) جمهور الفقهاء على أن ولاء أم الولد لسيدها إذا ماتت يرثها أقرب عصبات سيدها (¬1) وبه قال من الصحابة عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما. وقال ابن مسعود: تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له، وعن ابن عباس نحوه. وعن عليٍّ رضي الله تعالى عنه لا تعتق ما لم يعتقها وله بيعها (¬2) وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر. وعن ابن عباس نحوه. مغ ج 7 ص 250. باب في العتق يجر ولاء الأولاد للمُعتَق مسألة (1131) جمهور الفقهاء على أن من كان له أَمةٌ فأعتقها ثم تزوجت عبدًا فأنجب منها أولادًا ثم صار حرًّا بإعتاق سيده له فإن ولاء أولاده ينتقل من سيِّد زوجته إليه مع بقاء ولائه (المعتَقِ) لسيِّدِهِ. وعلى هذا كما أسلفنا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم. وروى هذا عن عمر وعثمان وعليّ والزبير وعبد الله وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم. وبه قال من التابعين مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز والنخعي. وبه قال من الفقهاء مالك والثوري والأوزاعي والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وإسحاق وأبو ثور. وهو مذهب أحمد. وروي عن رافع بن خديج أن الولاء لا ينجر عن موالي الأم، وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان والزهري ¬

_ (¬1) لأنها لا تعتق حتى يموت سيدها. (¬2) والجمهور يأبون هذا ويقولون: تعتق أم الولد بمجرد موت سيدها وكذلك يحرم بيعها. وستأتي هذه المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.

باب في مسائل متفرعة عن المسالة السابقة

وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن وداود. وروي نحو هذا عن عثمان وزيد بن ثابت وأنكرهما ابن اللبَّانِ وقال: مشهورٌ عن عثمان أنه قضى بالولاء للزبير على رافع بن خديج. مغ ج 7 ص 253. باب في مسائل متفرعة عن المسالة السابقة مسألة (1132) أكثر أهل العلم على أن الولاء إذا انجرَّ إلى موالي (¬1) الأب في المسألة السابقة (1131) ثم انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال ولم يرجع إلى موالي الأم بحال. وحكي عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الأم. مغ ج 7 ص 255. مسألة (1133) مذهب عامة الفقهاء على أن الأمة في المسألة السابقة لو كانت بائنًا من زوجها وأتت بولد لأقل من أربع سنين لحق الولد أباه وانجر ولاؤه وولد الأمة مملوكٌ سواء كان من نكاح أو من سفاح عربيًّا كان الزوج أو أعجميًا. وروى عن عمر أنه إن كان زوجها عربيًّا فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه. وروى عن أحمد بن حنبل مثل هذا. وبه قال ابن المسيب والثوري والأوزاعي وأبو ثور وبه قال الشافعي في القديم ثم رجع عنه. مغ ج 7 ص 256. مسألة (1134) أكثر أهل العلم أنه إذا كان أحد الزوجين الحرين في المسألة السابقة حر الأصل فلا ولاء على ولدها سواء كان الآخر عربيًّا أو مولًى أو أعجميًّا. وقال أبو حنيفة: إن كان أعجميًا والأم مولاة ثبت الولاء على ولده. مغ ج 7 ص 257. باب في ولاء الأب يشتريه ولدهُ فَيُعْتَقُ عَليهِ مسألة (1135) جمهور الفقهاء على أن العبد إذا تزوج مُعْتَقَة فاستولدها أولادًا فهم أحرار وولاؤهم لموالي أمهم كما ذكرنا من قبل، فإن اشترى أحدُهم أباه عُتِقَ عليه (¬2) وله ¬

_ (¬1) الموالي والمولى هنا بمعنى: السيِّدُ، والمولى كما هو معروف يطلق ويراد به العبد ويطلق ويراد به السيِّد كذلك، وإنما يتبين الفرق من سياق الكلام. (¬2) يعني عُتِقَ الوالد على ولده. ومعنى هذه الجملة في الأصل هكذا: تعلق عتق الوالد على شراء الولد لأبيه، ومعنى هذا أن الوالد لا يحتاج إلى أن يتلفظ الولد بلفظ الإعتاق فيقول أعتقتك، وإنما بمجرد شراء الولد لأبيه يُعْتَقُ الأبُ. وهذا في الحقيقة من اختصارات الفقهاء البليغة التي تدل على علو كعبهم في اللغة. وإن كنا نحب في هذا الزمان أن نُبسط بعض تلك المصطحات والتراكيب حتى تكون سهلة الفهم لجمهور المتعلمين.

باب في دور الولاء

ولاؤه، ويجر إليه ولاء أولاده كلهم. ويبقى ولاء المشتري لمولى أمه لأنه لا يكون مولى نفسه. وبذا قال مالك في أهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل العراق والشافعي. وهو مذهب أحمد. وشذ عمرو بن دينار المدني فقال: يجر ولاء نفسه فيصير حرًّا لا ولاء عليه. قال ابن سريج ويحتمله قول الشافعي. مغ ج 7 ص 259. باب في دور الولاء مسألة (1136) جمهور العلماء على أن العبد إذا تزوج معتقة فأولدها بنتين ثم اشترت هاتان البنتان أباها عتق عليهما ولهما عليه الولاء. فإن ماتت إحداهما قبل أبيها فمالها لأبيها. ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها، فإذا مات الأب بعد ذلِك فللباقية نصف ميراث أبيها؛ لكونها ابنته ونصف الباقي وهو الربع لكونها مولاة نصفه، ويبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبل أبيها فنصفه لهذه البنت لأنها مولاة نصف أختها لها سبعة أثمان ميراثه ولمولي أم الميتة الثمن. فإن ماتت (¬1) البنت الباقية بعدهما (¬2) فما لها لمواليها، نصفه لمولي أمها ونصفه لمولي أختها الميتة (¬3) وهم أختها وموالي أمها فنصفه لمولي أمها وهو الربع، والربع الباقي رجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء دائرٌ لأنه خرج من الميتة ثم دار إليها، والجمهور على أنه يعود لمولى أم الميتة. وبه قال بعض الشافعية وبعض أهل المدينة وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: يجعل في ييت مال المسلمين لأنه لا مستحق له نعلمه وبه قال محمَّد بن الحسن. وهو قياس قول مالك والشافعي. مغ ج 7 ص 261. باب في ما يرث النساء من الولاء مسألة (1137) جمهور العلماء على أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أَعْتَقْنَ أو أَعْتَقَ من أَعْتَقْنَ وجر الولاء إليهن من أَعْتقْنَ والكتابة كذلك. وروي عن أحمد في بنت المعتق خاصةَ أنها ترث. مغ ج 7 ص 264. ¬

_ (¬1) وهو بيت القصيد في هذه المسألة، وإنما ذكرت أولها لأنه متعلق بها. (¬2) يعني بعد موت أختها أولًا ثم موت أبيها بعد ذلك. (¬3) يوجد نقص في أصل كلام الموفق في المغني.

باب في الولاء يكون لأقرب عصبات المعتق

باب في الولاء يكون لأقرب عصبات المُعتِقِ مسألة (1138) مذهب عامة العلماء على أن المولى (¬1) العتيق إذا مات وليس له من نسبه من يرثه فإن كان سيده المُعْتِقُ حيًّا فمالُهُ لَه، وإن كان ميتًا ورث المال أقرب عصبات العبد العتيق ولدًا كان أو أبًا أو أخًا أو عمًّا أو ابن عم أو عم أب، وسواء كان المعْتَقُ ذكرًا أو أنثى، فإن لم يكن له عصبةٌ من نسبه كان الميراث لمولاه ثم لعصباته الأقرب فالأقرب. ثم لمولاه وكذلك أبدًا. روي هذا عن عُمَر رضي الله تعالى عنه، وبه قال الشعبي والزهري وقتادة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه. وهو مذهب أحمد. وروي عن عليّ ما يدلُّ على أن مذهبه في امرأةٍ ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها أن ميراث مواليها لأخيها وابن أخيها دون ابنها. وروي عنه الرجوع إلى قول الجماعة. مغ ج 7 ص 269. باب في ميراث أبي المُعْتِقِ وابنه إذا اجتمعا مسألة (1139) أكثر الفقهاء على أن العبد المُعْتَقَ إذا مات ولم يترك إلا أبا مُعْتِقِه وابن مُعْتِقِهِ فإن الابن يحوز المال كله. روي هذا عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -. وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي والحسن والحكم وقتادة وحماد والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد والشافعي، وذهب آخرون إلى أن للأب السدس وما بقى للابن. نص على هذا أحمدُ في رواية جماعة من أصحابه. وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال: ليس الجد والأخ والابن من الكبر في شيء يجزيهم على الميراث. وهذا قول شريح والنخعي والأوزاعي والعنبري وإسحاق وأبي يوسف. مغ ج 7 ص 272. باب في المُعَتِقِ يترك جد مولاه وابن أخي مولاه مسألة (1140) مذهب الجمهور أن المُعتَقَ إذا مات ولم يترك إلا جَدُّ مولاه وابني أخي مولاه فالمال لجده، وقال مالك بجعل الميراث لابن الأخ وإن سفل. وبه قال الشافعي. مغ ج 7 ص 273. ¬

_ (¬1) يعني العبد.

باب في بيان أولى الولاة بإرث الولاء

باب في بيان أولى الولاة بإرث الولاء مسألة (1141) جمهور أهل العلم على أن الولاء للكبر فلو هلك رجل عن ابنين ومولىً فمات أحد الابنين بعده عن ابنٍ ثم مات المولى فالولاء لابن معتقه. ولو هلك الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدها ابنًا والآخر تِسعة كان الولاء يينهم على عددهم لكل واحد منهم عُشْرَهُ. به قال الإِمام أحمد وقال: روي هذا عن عمر وعثمان وعليّ وزيد وابن مسعود. قال الموفق: وروي سعيد عن الشعبي أن عمر وعليًّا وابن مسعود وزيدًا كانوا يجعلون الولاء للكبر وروي ذلك عن ابن عمر وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد. وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والزهري وقتادة وابن نشيط (¬1) ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود. كلهم قالوا: الولاء للكبر. وشذَّ شريح فقال: الولاء بمنزلة المال يورث عن المعتق فمن ملك شيئًا حياته (¬2) فهو لورثته. وحكى عن عمر وعليّ وابن عباس وابن المسيب نحو هذا. وروي عن أحمد نحو هذا ولم يثبت عنه (¬3) (¬4). مغ ج 7 ص 275. باب في ميراث المولى المُعْتَقِ من مُعْتِقِهِ مسألة (1142) مذهب العامة من أهل العلم أن المولى المُعْتَقَ لا يرث من سيده الذي أعتقه إذا مات ولم يترك وارثًا. وحكي عن شريح وطاوس أنهما ورثاه. مغ ج 7 ص 277. باب في الرجل يدخل في الإِسلام على يد رجل هل له ميراثه؟ مسألة (1143) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أن الرجل إذا أسلم على يد رجل ¬

_ (¬1) وفي نسخة: ابن قسيط والصحيح ابن نشيط ذكره الماوردي. (¬2) يعني: زمن حياته. (¬3) قال الموفق: بعد أن ذكر أن رواية الجماعة عن أحمد مثل قول الجمهور: قال أبو الحارث: سألت أبا عبد الله عن الولاء للكبر؟ فقال: كذا روي عن عمر وعثمان وعليٍّ وزيد وابن مسعود أنهم قالوا: الولاء للكبر، إلى هذا القول أذهبُ، وتفسير ذلك أن يعتق الرجل عبدًا ثم يموت ويخلف ابنين فيموت أحد الابنين ويخلف ابنًا فولاء هذا العبد المعتق لابن المعتق وليس لابن الابن شيء مع الابن. مغ ج 7 ص 276. (¬4) انظر بعض التفريعات لهذه المسألة في المغني ج 7 ص 276.

باب في ولاء اللقيط وميراثه

فليس له ميراثه. وبه قال الحسن والشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: يرثه. وبه قال إسحاق وحكي النووي عن ربيعة والليث وأبي حنيفة أن له ولاؤه وحكي عن إبراهيم أن له ولاؤه ويعقل عنه. وحكي عن ابن المسيب أنه إن عقل عنه ورثه وان لم فلا. وحكي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما أنه يرثه وإن لم يواله. مغ ج 7 ص 278. شرح ج 10 ص 141. باب في ولاء اللقيط وميراثه مسألة (1144) جمهور الفقهاء على أن اللقيط حر وأنه لا ولاء عليه لملتقطه. وروي عن عمر أن ولاءه لملتقطه. وبة قال الليث وإسحاق. وحكي عن إبراهيم النخعي أنه إن نوى أن يرث منه فله ذلك. مغ ج 7 ص 279 شرح ج 10 ص 141. * * *

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الوديعة

كتاب الوديعة

كتاب الوديعة باب في متى يضمن المستودع الوديعة مسألة (1145) جمهور أهل العلم على أن الوديعة إذا تلفت في يد المستْودَعِ من غير تعدٍّ ولا تفريط فإنه لا يضمنها وحتى لو ذهب أو تلف شيء من مال المستَوْدَع معها. روي ذلك عن أبي بكر وعليّ وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. وبه قال شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية أخرى: إن ذهبت الوديعة من بين ماله (يعني مال المستودع) غرمها لما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضَمَّنَ أنس بن مالك وديعةً ذهبت من بين ماله. وصحح القاضي الرواية الموافقة للجمهور. مغ ج 7 ص 280. باب في موت المستودَعِ وعنده وديعة ودين مسألة (1146) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المستودع إذا مات وعنده وديعة لا تتميز عن ماله وكان عليه دين سواها فهي والدين سواء فإن وفي مالُه بهما وإلا اقتسماها -أعني صاحب الوديعة وصاحب الدين- بقدر الحصص وبهذا قال الشعبي والنخعي وداود بن أبي هندٍ ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق. وروي ذلك عن شريح ومسروق وعطاء وطاوس والزهري وأبي جعفر محمَّد بن علي. وروي عن النخعي أيضًا: الأمانة قبل الدين. وقال الحارث العكلي: الدين قبل الأمانة. مغ ج 7 ص 289. باب في المستودع يدعي ضياع الوديعة أو تلفها هل يحلف؟ مسألة (1147) أكثر أهل العلم على أن المستودع إذا ادعى ضياعها أو تلفها من غير تعدٍّ ولا يينة للمودع فالقول قوله مع يمينه. وقال البعض: لا يحتاج إلى اليمين. مغ ج 7 ص 292.

فصل في قسم الفيء والغنيمة والصدقة الواجبة

فصل في قسم الفيء والغنيمة والصدقة الواجبة مسألة (1148) مذهب الجماهير من العلماء على أن الفيء لا يُخَمَّسُ. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين. وقال الشافعي: يُخَمس كما تُخَمَّس الغنيمة. وروى عن عمر ما يدل عليه. قال ابن المنذر: ولا نحفظ عن أحدٍ قبل الشافعي في الفيء خَمَّسَ كخُمْس الغنيمة. مغ ج 7 ص 299. باب في سلب القاتل هل يُخمَّس؟ مسألة (1149) أكثر أهل العلم على أن سَلَبَ القاتل لا يُخَمَّسُ. مغ ج 7 ص 300. باب في صَفِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسألة (1150) أكثر أهل العلم على أن الصَّفِيِّ كان ثابتًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انقطع بموته - صلى الله عليه وسلم -. وانفرد أبو ثور فقال ببقائه للإمام من بعده - صلى الله عليه وسلم -. وزعم قوم أن الصفيَّ لم يكن أصلًا. مغ ج 7 ص 303. باب فيما يُسْهم للراجل والفارس من الغنيمة مسألة (1151) جمهور أهل العلم على أن الراجل من المجاهدين يأخذ سهمًا من الغنيمة وأن الفارس يأخذ ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد وغيرهم رحمهم الله تعالى، وقال أبو حنيفة: للراجل سهم وللفارس سهمان. مغ ج 7 ص 312. * * *

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب قسم الصدقة الواجبة (الزكاة)

كتاب قسم الصدقة الواجبة (الزكاة)

كتاب قسم الصدقة الواجبة (الزكاة) باب في مصرف (في سبيل الله) مسألة (1152) مذهب عامة أهل العلم أن مصارف الزكاة هي التي ذكرها ربنا -عز وجل- في كتابه وأن سبيل الله هو الجهاد، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية, وروى عن عطاء والحسن أنهما قالا: ما أعطت في الجسور والطرق، فهي صدقة ماضية. وروي عن ابن عباس وابن عمر أن الحج في سبيل الله وبه قال إسحاق وأحمد في رواية. مغ ج 1 ص 313 ص 327 القرطبي (الجامع) ج 8 ص 185. باب في مصرف سهم الرقاب مسألة (1153) جمهور العلماء على أن مصرف "وفي الرقاب" (¬1) يدخل فيه العبد المكاتب. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد. وقال مالك: إنما يصرف سهم الرقاب في إعتاق العبيد، ولا يعجبني أن يعان منها مكاتبٌ. مغ ج 7 ص 321. * * * ¬

_ (¬1) لا خلاف بين أهل العلم في ثبوت سهم الرقاب. هذا ما ذكره الموفق ج 7 ص 321. وهذا في زمان العز وأما في زماننا فقد انقرض أمرهم. ونحن لا نتحسر على انقراض العبيد لكنا نأسى ونتحسر على انقراض سبب وجودهم. وقد علقت تعليقًا حسنًا في تحقيقي وتعليقي على المغني فانظره هناك.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب النكاح

كتاب النكاح

كتاب النكاح مسألة (1154) جمهور العلماء على أن النكاح لا يجب إلا عند خوف الوقوع في الحرام، وما سوى هذا فهو سنة مستحبة في عموم الأحوال. وقال أبو بكر بن عبد العزيز من الحنابلة: هو واجب. وحكاه عن أحمد. وحكي عن داود أنه يجب في العمر مرةً واحدةً وحكى الوجوب عن داود أيضًا الماورديُّ (¬1) قلت: وهو قول محمَّد بن حزم. مغ ج 7 ص 334 شرح ج 9 ص 173. باب في الولي في النكاح مسألة (1155) جمهور العلماء على أنه لا نكاح إلا بولي وأن المرأة لا يجوز أن تتولى عقد النكاح بنفسها ولا أن توكل في نكاحها إلا وليّها. ولا أن تزوج غيرها. فإن جرى شيء من ذلك لم يصح عقد النكاح. روى هذا عن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلي وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد. وبه قال مالك في رواية أشهب عنه (¬2). وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمَّد والحسن بن صالح وأبي صالح وأبي يوسف أنه لا يجوز لها ذلك بغير إذن الوليّ فإن فعلت كان موقوفًا على إجازته. وقال أبو حنيفة رحمة الله تعالى: لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل غير وليها في النكاح. وقال ابن رشد (¬3) ويتخرج على رواية ابن القاسم عن مالك في الولاية قول رابع. أن اشتراطها (يعني الولاية في النكاح) سنة لا فرض. وذلك أنه روي عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير وليِّ، وأنه يجوز للمرأة غير الشريفة (¬4) أن تستخلف رجلًا من الناس على إنكاحها (¬5) وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها ليعقد عليها. وحكى الماوردي عن مالك ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 9 ص 31. وانظر محلى ج 9 ص 440. (¬2) و (¬3) انظر بداية ج 2 ص 11. (¬4) ليس المقصود بغير الشريفة العاهرة أو الداعرة، وإنما هي المرأة التي ليست من أهل الحسب والنسب والتي تسمى في مصر "بنات الذوات" وإنما هى من طبقات العامة من الناس. (¬5) وهذا موافق لقول أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى، وانظر في هذه المسألة شرح ج 9 ص 205.

باب في الخلوة في النكاح الفاسد هل يجب بها المهر؟

إنها إن كانت غير ذات شرف أو جمال أو مال صح نكاحها بغير ولي (¬1). مغ ج 7 ص 337. باب في الخلوة في النكاح الفاسد هل يجب بها المهر؟ مسألة (1156) أكثر أهل العلم على أن المهر لا يجب للمرأة بالخلوة في النكاح الفاسد. وقال أحمد في المنصوص عنه أن المهر يستقر بالخلوة قياسًا على العقد الصحيح. مغ ج 7 ص 324. باب في ترتيب (¬2) الولايه في النكاح مسألة (1157) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن أولى الناس بولاية عقد نكاح المرأة ابنها. وبه قال مالك والعنبري وأبو يوسف وإسحاق وابن المنذر وأبو حنيفة في روايةٍ. وقال الشافعي: أبوها أولى وهو المشهور عن أبي حنيفة. وهو مذهب أحمد. مغ ج 7 ص 346. * * * ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 9 ص 38. (¬2) الخلاف جارٍ في المرأة الحرة وأما الأمة فلا خلاف يعلم أن سيدها يلي عقد نكاحها. ولم يختلف أهل العلم في المرأة الحرة في تقديم الأخ بعد عمودي النسب ولا خلاف بينهم كذلك في أن المرأة المعتقة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها فمولاها المعتق أولى بعقد نكاحها, ولا خلاف كذلك في أن السلطان يلي عقد النكاح عند عدم أولياء المرأة أو عضلهم. انظر مغ ج 7 ص 346، ص 348، ص 350.

أبواب الشروط المعتبرة لثبوت ولاية النكاح

أبواب الشروط المعتبرة لثبوت ولاية النكاح باب في ولاية العبد في النكاح مسألة (1158) مذهب جمهور أهل العلم أن العبد لا تثبت له ولاية وقال أصحاب الرأي: يجوز أن يزوجها العبد بإذنها (¬1). مغ ج 7 ص 356. باب في ولاية الكافر على المسلمة مسألة (1159) مذهب عامة أهل العلم على أنه لا ولاية لكافر على مسلمة. قال ابن المنذر: أْجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وقال أحمد رحمه الله تعالى: بلغنا أن عليًّا أجاز نكاح الأخ ورد نكاح الأب وكان نصرانيًا (¬2). مغ ج 7 ص 356. باب في اشتراط البلوغ لثبوت الولاية مسألة (1160) جمهور أهل العلم على أن البلوغ شرط في ثبوت الولاية وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبو ثور. وأحمد في رواية. وعن أحمد رواية أخرى أنه إذا بلغ الغلام عشرًا زوج وتزوج وطلق وأجيزت وكالته في الطلاق. قال الموفق: وهذا يحتمله كلام الخرقي. ثم قال -رحمه الله- والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح. مغ ج 7 ص 356. باب في الولي هل له أن يزوج نفسه من موليته بإذنها؟ مسألة (1161) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من كان وليًّا لامرأة يجوز له نكاحها (¬3) ¬

_ (¬1) بناءً على أن المرأة تزوج نفسها عندهم. وانظر الحاوي ج 9 ص 140. (¬2) وذكر الموفق عن أبي الخطاب في الذمي إذا أسلمت أم ولده هل يلي نكاحها؟ على وجهين (أحدهما) يليه لأنها مملوكة فيلي نكاحها كالمسلم ولأنه عقد عليها فيليه كإجارتها (والثاني) لا يليه؛ لقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ولأنها مسلمة فلا يلي نكاحها كابنته، فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا أولى لما ذكرنا من الإجماع. مغ ج 7 ص 363 وانظر الحاوي ج 9 ص 116. (¬3) كابن العم والسيد والحاكم والسلطان.

باب في الكفاءة في النكاح

فإن له أن يزوجها من نفسه إذا أذنت له. ويتولى هو طرفي العقد (¬1). وبه قال الحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر. وأحمد في روايةٍ. وقال أحمد في رواية: لا يزوج نفسه حتى يولي رجلًا. وقال الشافعي في ابن العم والمولى: لا يزوجها إلا الحاكم، ولا يجوز أن يتولى طرفيه كالبيع ولا أن يوكل من زوجه (¬2). مغ ج 7 ص 361. باب في الكفاءة في النكاح مسألة (1162) أكثر أهل العلم على أن الكفاءة في النكاح ليست شرطًا لصحة النكاح روي نحو هذا عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين وابن عون ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: هي شرط. قال: إذا تزوج المولى العريية فُرِّق بينهما وبه قال سفيان. وقال أحمد كذلك: لو كان المتزوج حائكًا فرقت بينهما. وقال كذلك في الرجل يشرب الشراب ما هو بكفء لها يفرق بينهما (¬3). مغ ج 7 ص 372. باب في بلوغ الجارية تسعًا هل تعد بالغةً؟ مسألة 11621) جمهور الفقهاء على أن بلوغ الجارية (يعني البنت) تسع سنين لا يجعلها في حكم البالغات. وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد في روايةٍ. وقال أحمد في روايةٍ: لها حكم البالغة. مغ ج 7 ص 383. باب في تزويج الثيب البالغة مسألة (1164) جمهور أهل العلم بل جماهيرهم على أن الثيب البالغة لا تُزَوَّجُ إلا بأمرها (بإذنها) أبوها وغيره في ذلك سواء. وشذ الحسن فقال له تزويجها وإن كرهت. وقال النخعي: يزوج الأب بنته إذا كانت في عياله. فإن كانت بائنةً في بيتها مع عيالها استأمرها. مغ ج 7 ص 385. ¬

_ (¬1) على خلاف بين أهل هذا القول هل يصح بقبول وإيجاب أم بإيجاب فقط. (¬2) انظر الحاوي ج 9 ص 128. (¬3) انظر الكفاءة وشروطها، الحاوي ج 9 ص 100 ص 107.

باب في مباشرة الثيب العقد بنفسها هل يصح؟

باب في مباشرة الثيب العقد بنفسها هل يصح؟ مسألة (1165) جمهور أهل العلم على أن الثيب أحق بنفسها في النكاح في الإذن به لا في مباشرة العقد. وقال الشعبي والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وهو قول داود: لها أن تباشر العقد بنفسها (¬1). شرح ج 9 ص 203. باب في هل يشترط إعلام البكر أن إذنها صماتها (سكوتها) مسألة (1166) جمهور أهل العلم على أنه لا يشترط إعلام البكر أن إذنها هو سكوتها قال النووي: وشرطه بعض المالكية واتفق أصحاب مالك على استحبابه (¬2). شرح ج 9 ص 205. باب في الأيم التي تستامر في النكاح ما هي صفتها؟ مسألة (1167) جمهور العلماء على أن الأيم التي جاء الحديث باستئمارها في النكاح هي المرأة الثيب، وهي التي سبق لها أن تزوجت. وبه قال علماء الحجاز والفقهاء كافة إلا من سيأتي ذكرهم. وقال أبو حنيفة وزفر وأهل الكوفة: الأيم هي كل من لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا بشرط أن تكون بالغةً، وبه قال الشعبي والزهري. شرح ج 9 ص 203. باب في كيف يكون إذن الثيب (¬3) وإذن البكر مسألة (1168) مذهب العامة من أهل العلم على أن إذن البكر يجزئ أن يكون صماتها (سكوتها) ولا يشترط كلامها أو إذنها الصريح (¬4) وبه يقول شريح ¬

_ (¬1) انظر كلام الشافعي -رحمه الله- في أن المرأة لا تلي عقدة النكاح بنفسها؛ لا لها؛ ولا لغيرها, لا بولاية، ولا بوكالة. الحاوي ج 9 ص 149. (¬2) قال الموفق: لا نعلم خلافًا في استحباب استئذانها، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر به ونهى عن النكاح بدونه وأقل أحوال ذلك الاستحباب، ولأن فيه تطييب قلبها وخروجها من الخلاف. انظر مغ ج 7 ص 384. وانظر الحاوي وما ذكره الماوردي في خلاف أبي حنيفة وداود في وجوب استئذان البكر. الحاوي ج 9 ص 56. (¬3) لا خلاف يعلم بين أهل العلم على أن إذن الثيب لا يكون إلا بالكلام مغ ج 7 ص 386. (¬4) وليس هذا إسقاطًا لحقها في الكلام والتعبير عن مرادها باللسان، فلو تكلمت وصرحت بخلاف ما يفهم في صمتها فهو المعتمد ولا التفات لغيره بشرط أن يتم هذا قبل العقد لأن الشرع أعطاها حق الكلام لكنه اكتفى بصمتها صيانة لحيائها فإذا تركت حقها مع القدرة فلا عذر لها بالمطالبة به.

باب في اختلاف الزوجين في الإذن في النكاح

والشعبي وإسحاق والنخعي والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وأبو حنيفة وهو مذهب أحمد والشافعي. ولا فرق بين كون الولي أبًا أو غيره. وقال أصحاب الشافعي: في صمتها في حق غير الأب وجهان (¬1). مغ ج 7 ص 386 شرح ج 9 ص 204 بداية ج 2 ص 5. باب في اختلاف الزوجين في الإذن في النكاح مسألة (1169) أكثر الفقهاء على أن الزوجين إذا اختلفا في إذنها في النكاح قبل الدخول فالقول قولها ثيبًا كانت أو بكرًا، وقال زفر في البكر: القول قول الزوج وفي الثيب كقول الجماعة. مغ ج 7 ص 389. باب في تزويج السيد عبده الصغير مسألة (1170) أكثر أهل العلم على أن السيد يملك تزويج عبده الصغير الذي لم يبلغ بغير إذنه. وهو المذهب عند الموفق ابن قدامة الحنبلي وقال بعض الشافعية: فيه قولان، وقال أبو الخطاب من الحنابلة: يحتمل أن لا يملك تزويجه. مغ ج 7 ص 401. باب في تزويج البكر الصغيرة (¬2) من قِبَلِ غير الأب أو الجد مسألة (1171) جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز لغير الأب والجد تزويج البنت البكر الصغيرة وأنَّ الزواج إن وقع فهو باطل لا ينعقد. وهو قول مالك والثوري والشافعي وابن أبي ليلى وأحمد وأبي عبيد. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ¬

_ (¬1) انظر: الحاوي ج 9 ص 57. (¬2) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب (يعني تزويج الأب) ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفوءٍ ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها. انظر مغ ج 7 ص 379. وانظر كلام الماوردي في هذا. الحاوي ج 9 ص 52. قلت: قال الموفق -رحمه الله-: وأما البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان (إحداهما) له إجبارها على النكاح وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة، وهذا مذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق. (والثانية) ليس له ذلك واختارها أبو بكر (عبد العزيز الحنبلي) وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر. قلت: وقد بينت وجه هذا القول وقوته في تعليقي على المغني. انظر مغ ج 7 ص 380 وانظر الحاوي ج 9 ص 520.

باب في تزويج الوصي غير الولي البنت البكر الصغيرة

وجماعة من السلف: يجوز تزويجها لجميع الأولياء (يعني من قِبَلِ) فإذا بلغت كان لها الخيار أن تمضي النكاح أو الفسخ. وقال أبو يوسف: لا خيار لها إذا بلغت (¬1). شرح ج 9 ص 206. باب في تزويج الوصي غير الولي البنت البكر الصغيرة مسألة (1172) جماهير العلماء على أنه لا يجوز للوصيِّ من غير الأولياء تزويج البنت البكر الصغيرة. وقال شريح وعروة وحماد ومالك فيما حكاه عنه الخطابي له تزويجها قبل البلوغ. وحكاه الماورديُّ عن أبي ثور (¬2). شرح ج 9 ص 206. باب في تزويج الوليين المرأة من اثنين مسألة (1173) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المرأة إذا أذنت لأكثر من ولي في تزويجها وزوجها وليان من رجلين فالنكاح للسابق منهما دخل بها الثاني أو لم يدخل. وهذا قول الحسن والزهري وقتادة وابن سيرين والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي. وهو المذهب عند الحنابلة. وقال عطاء ومالك كقول الأولين إلا أن يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار النكاح له (¬3). مغ ج 7 ص 404. باب في نكاح العبد بغير إذن سيده (¬4) مسألة (1174) جمهور الفقهاء على أن العبد إذا عقد النكاح بغير إذن سيده فنكاحه باطل لا يعتد فيه. وحكى ابن المنذر فيه الإجماع. قال الموفق بعد ما حكى قول ابن ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة مغ ج 9 ص 382. الحاوي ج 9 ص 54. قلت: وحكى الماوردي الإجماع على أنه ليس لهم أن يزوجوها إن كانت بكرًا كبيرة إلا بإذنها انظر الحاوي ج 9 ص 53. (¬2) انظر: الحاوي ج 9 ص 51. (¬3) وقد علقت تعليقًا شديدًا على هذه المسألة عند تحقيقي وتعليقي على المغني لما فيها من تسيب وتساهل أعني هذه المسألة في أصلها وكتبت هناك ما يصلح أن يكون مادة قضائية قانونية ورتبت على مخالفتها العقوبة والتعزيز فلينظر هناك. وانظر الحاوي ج 9 ص 121. (¬4) اتفقوا على أنه لا ينكح بغير إذن سيده ثم اختلفوا إذا عقد النكاح بغير إذن سيده على النحو الذي بينته في مسألة الباب. مغ ج 7 ص 409، وانظر الحاوي ج 9 ص 194.

باب فيما يجب للمرأة إذا أصابها عبد في نكاح بغير إذن سيده

المنذر: والصواب ما قلنا إن شاء الله تعالى؛ فإنهم اختلفوا في صحته، فعن أحمد في ذلك روايتان؛ أظهرهما أنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر وبه قال شريح، وهو مذهب الشافعي. وعن أحمد أنه موقوف على إجازة السيد فإن أجازه جاز وإن رده بطل وهو قول أصحاب الرأي. مغ ج 7 ص 410. باب فيما يجب للمرأة إذا أصابها عبد في نكاح بغير إذن سيده مسألة (1175) أكثر الفقهاء على أن العبد إذا وطئ امرأة في نكاح لم يأذن به سيده فإن للمرأة مهر مثلها. وبه قال أحمد في روايةٍ. وقال أحمد في روايةٍ: لها من المهر خمساه. وهو قول عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وبه عمل أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه. وعن أحمد أنها إن علمت أنه عبدٌ فلها خمسا المهر، وإذا لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد. مغ ج 7 ص 411. باب فيمن تزوج أمة على أنها حرة كيف يفعل في أولادها منه؟ (¬1) مسألة (1176) أكثر الفقهاء على أن من تزوج أمة ظنَّ أنها حرة فأولد منها أولادًا فإن عليه فداؤهم لسيدها وأن فداهم هو قيمتهم. وممن قال بفداء الأولاد عمر وقضى به وعلي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: ليس عليه فداؤهم. وعن أحمد في صفة فدائهم ثلاث روايات: الأولى: وقد ذكرناها في أول المسألة والثانية: يضمنهم بمثلهم الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى، والثالثة: مخير بين القيمة وبين المثلية. مغ ج 7 ص 415. باب في الغرر (¬2) في النكاح باب في خُطْبةِ النكاح مسألة (1177) مذهب عامة أهل العلم أن خُطْبَةَ النكاح ليست واجبة لكنها مندوبة ¬

_ (¬1) اتفق الفقهاء على أن أولادها منه أحرارٌ لاعتقاده حرية أمهم. مغ ج 7 ص 413. (¬2) اختلف الفقهاء في الغرر في النكاح؛ هل يفسده أو لا على قولين الجاري في القضاء أنه لا يفسده ولكن يترتب =

باب في نكاح السر

مستحبة. وقال داود بوجوبها. وحكاه الماوردي عنه وعن أبي عبيد القاسم بن سلام. مغ ج 7 ص 433. بداية ج 2 ص 4 الحاوي ج 9 ص 164. باب في نكاح السر مسألة (1178) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على كراهية نكاح السر لكنه عقد نكاح صحيح. وممن روى عنه هذا عمر رضي الله تعالى عنه وعروة وعبد الله بن عبيد الله ابن عتبة والشعبي ونافع مولى ابن عمر. وبه يقول مع الصحة أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر وأحمد في الصحيح عنه. وقال مالك: النكاح باطل، وبه يقول أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة وجعله قولًا لأحمد وغلَّطَةُ في ذلك الموفق. مغ ج 7 ص 435. باب في الجمع في النكاح بين بنتي العم أو بنتي الخالة ونحوها (¬1) مسألة (1179) جمهور العلماء بل عامتهم على إنه لا يحرم الجمع بين بنتي العمة أو بنتي الخالة أو بنتي العم أو بنتي الخال في عقد نكاح واحد. وحكى القاضي عياض عن بعض السلف أنهم حرموا ذلك نقله عنه النووي. شرح ج 9 ص 192. باب في الحر (¬2) يجمع بين أكثر من أربع زوجات ¬

_ = عليه عن الحقوق بحسب نوع كل غرر وهو في الغالب الخيار في الفسخ، أو المضي فيه بالرضى أو التصالح، وأما المهر المترتب على الدخول في نكاح الغرر الذي فيه الفسخ، فلا يجب على الزوج إلا إذا كان الغرر من قبل من ليس لها المهر، وإما إذا كان الغرر من قبل من لها المهر فلا مهر، لها لا قبل الدخول ولا بعده، ويرجع الزوج على من غره إذا وجب عليه المهر بعد الدخول. وفي بعض ما ذكرنا اختلاف وتفصيل ليس هذا موضع بسطه. (¬1) أما الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها فحرام بالأجماع، وخالف الشيعة وبعض الخوارح في هذا. ذكره النووي. قلت: ولا فرق في هذا التحريم بين أن يكون بنكاح أو بوطء بملك يمين. انظر شرح ج 6 ص 191. (¬2) أجمع أهل العلم على أن الحرَّ لا يجمع بين أكثر من أربع من الزوجات. قال الموفق: ولا نعلم أحدًا خالفه إلا شيئًا يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعًا؛ لقول الله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} والواو للجمع ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات عن تسع وهذا ليس بشيء لأنه خرقٌ للإجماع وترك للسنة ا. هـ. قلت: وحكى هذا القول عن القاسم بن إبراهيم وطائفة من الزيدية الماورديُّ، وأما العبد فأجمعوا على جواز الجمع بين اثنين، واختلفوا فيما زاد على هذا إلى أربع، فإلى المنع ذهب عمر وعلي وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله تعالى عنهم. وبه قال عطاء والحسن والشعبي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي =

باب في ما يحرم على الرجل نكاحه من النساء

باب في ما يحرم على الرجل نكاحه من النساء (¬1) مسألة (1180) أكثر أهل العلم على أن من عقد على امرأة حرم عليه كل أم لها من نسبٍ أو رضاعٍ قريبةٍ أم بعيدة ولا يشترط في هذا التحريم الدخولُ، وبه يقول من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وغيرهم من الصحابة والتابعن رضي الله تعالى عنهم، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد. وحكي عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول بها. مغ ج 7 ص 473. باب في الربيبة (بنت الزوجة المدخول بها) مسألة (1181) مذهب العامة من الفقهاء تحريم بنت الزوجة المدخول بها سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن، وروي عن عمر وعليّ رضي الله تعالى عنهما أنهما رخَّصا فيها إذا لم تكن في حجره. وبه قال داود الظاهري -رحمه الله- تعالى. مغ ج 7 ص 473 شرح ج 10 ص 126 فتح ج 19 ص 190. باب في الزوجة تموت أو تطلق قبل الدخول، هل تحرم بنتها؟ مسألة (1182) جماهير الفقهاء على أن من تزوج امرأةً فطلقها أو ماتت قبل الدخول فإن بنتها لا تحرم عليه. وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ. وذهب ¬

_ = وأحمد. وبالجواز إلى أربع قال القاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله وطاوس ومجاهد والزهري وربيعة ومالك وأبو ثور وداود. الحاوي مغ ج 9 ص 166، مغ ج 7 ص 436 ص 437. (¬1) اتفق العلماء على تحريم من ذكر المولى عز وجل تحريم نكاحهن في كتابه العزيز من النسب وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت وكذلك من الرضاعة وهي الأم والأخت وأما بالمصاهرة فاتفق العلماء منه على تحريم حلائل الأبناء أي أزواج الأبناء وأزواج أبناء البنات وكذلك اتفقوا على تحريم زوجات الآباء وتحريم الجمع بين الأختين وما سوى هذا مما ذكر في الكتاب ففيه اختلاف يسير واتفق العلماء بالجملة على أن ما حرم بالنسب حرم مثله بالرضاع واختلفوا في بعض مسائل الرضاع وبعض مسائل التحريم بسبب الجمع مع اتفاقهم على تحريم الجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها واختلفوا في الوطء المحرم، هل يتم به التحريم بالنسب مع اتفاقهم على التحريم بالوطء المباح وبالوطء ذي الشبهة وغير ذلك من المسائل، وما ذكرته هنا يعتبر أصول مسائل التحريم بالنسب والرضاع والمصاهرة فإذا ضم هذا إلى ما أذكره في أصل الكتاب من مسائل الجمهور في هذا الباب صار عند طالب العلم ركن ركين وسقف متين، إن شاء الله.

باب في لبن الفحل

زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه إلى أنها تحرم. وبه قال أحمد في روايةٍ. واختارها أبو بكر الحنبلي. مغ ج 7 ص 473. باب في لبن الفحل (¬1) مسألة (1183) جمهور الفقهاء على التحريم بلبن الفحل وهو الرجل الذي كان سببًا في وجود اللبن المُحرِّم في المرضعة. فمن كان له امرأتان أرضعت إحداهما غلامًا والأخرى جاريةً حَرُمَ الغلامُ على الجارية لأن أباهما من الرضاعة واحدٌ. وممن قال بهذا عليٌّ وابن عباس - رضي الله عنهما -. وإليه ذهب عطاء وطاوس ومجاهد والحسن والشعبي والقاسم وعروة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. قال ابن عبد البر: وإليه ذهب فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام وجماعة أهل الحديث. وذهب جماعةٌ إلى أن لبن الفحل لا يُحَرِّمُ شيئًا. وبه قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والنخعي وأبو قلابة وروي ذلك عن عبد الله بن الزبير وجماعة آخرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مُسَمَّينَ. مغ ج 7 ص 476 الحاوي الكبير ج 11 ص 358 فتح الباري ج 19 ص 183 شرح ج 10 ص 19. باب في هل يحرم من الزنا ما يحرم بالمصاهرة الحلال؟ مسألة (1184) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أن من زنا بامرأةٍ فقد حرمت عليه البنت من الزنا وكل امرأة أدلت به لو كان نكاحًا لحرمت عليه كبنت الابن وبنت أخيه وبنت بنته. وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة وأصحاب الرأي. وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز ذلك كله. مغ ج 7 ص 485. باب في النظر إلى فرج امرأة هل ينشر حرمة المصاهرة (¬2) مسألة (1185) أكثر أهل العلم على أن من نظر إلى فرج امرأة فإنه لا ينشر حرمة ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 ص 47. (¬2) اتفق الفقهاء على أن النظر إلى وجه الأجنبية ولو بشهوة أو الخلوة بها فإن ذلك لا ينشر حرمة. انظر مغ ج 7 ص 489.

باب فيمن كان في ملك يمينه أختان هل له أن يطأ إحداهما؟

المصاهرة فلا تحرم بنت المرأة المنظور إليها وبه قال الشافعي وأحمد في روايةٍ. وروي عن عمر وابن عمر وعامر بن ربيعة وكان بدريًّا وعبد الله بن عمرو فيمن يشتري الخادم (يعني المرأة الخادم) ثم يجردها أو يقبلها لا يحل لابنه وطؤها. وهو قول القاسم والحسن ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة وأحمد في رواية. مغ ج 7 ص 487. باب فيمن كان في ملك يمينه أختان هل له أن يطأ إحداهما؟ مسألة (1186) أكثر أهل العلم على أن من كان في ملكه أختان (يعني أمتان) فله أن يطأ إحداهما. وهو المذهب الذي اعتمده الموفق في المغني. وقال الحكم وحماد لا يقرب واحدةً منهما، وروي ذلك عن النخعي وذكره أبو الخطاب مذهبًا لأحمد. مغ ج 7 ص 494. باب في الجمع بين الزوجة وبنت زوجها السابق (ربيبتها) مسألة (1187) أكثر أهل العلم على أنه يجوز للرجل أن يجمع في النكاح بين المرأة وبين بنت زوجها السابق (أي ربيبتها). فعل ذلك عبد الله بن جعفر وصفوان بن أمية. قال الموفق: وبه قال سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى رويت عنهم كراهيته. مغ ج 7 ص 498 شرح ج 9 ص 192. باب في تزويج بنت الرجل من غير زوجته من ابن زوجته من غيره مسألة (1188) مذهب العامة من الفقهاء على أن الرجل لو كان له ولد أو بنت من فاطمة وتزوج عائشة وله بنت أو ولد من غيره فإنه يجوز تزويج ولده من فاطمة من أولاد عائشة من غيره. وحكى عن طاوس كراهية ذلك إذا كان من ما ولدته المرأة (يعني عائشة) بعد وطء الرجل لها. مغ ج 7 ص 498.

باب في نكاح غير المسلمات من أهل الكتاب وغيرهم

باب في نكاح غير المسلمات من أهل الكتاب (¬1) وغيرهم مسألة (1189) جماهير أهل العلم على تحريم ذبائح المجوس وتحريم نكاح نسائهم وانفرد أبو ثور فأباح ذلك. مغ ج 7 ص 502. باب في التسري بالأمة الكتابية مسألة (1190) عامة أهل العلم على جواز الاستمتاع بالأمة الكتابية تسريًا وكره ذلك الحسن البصري (¬2). مغ ج 3 ص 506. باب في وطء إماء المجوس وسائر من يحرم نكاح حرائرهم من الكوافر مسألة (1191) أكثر أهل العلم على من حرم نكاحها من حرائر نساء غير أهل الكتاب حرم وطؤها إن كانت أمة مملوكة بملك اليمين. وبه قال مرة الهمذاني والزهري وسعيد بن جبير والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وهو مذهب أحمد. قال ابن عبد البر: على هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافًا. قال ابن عبد البر: ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس (¬3). مغ ج 7 ص 507. باب في تزويج الأمة الكتابية مسألة (1192) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية ولو كان عبدًا، وبه قال الحسن والزهري ومكحول ومالك والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وإسحاق وأحمد، وروي هذا عن عمر وابن مسعود ومجاهد. وقال أبو ميسرة وأبو حنيفة يجوز للمسلم نكاحها. مغ ج 7 ص 508. ¬

_ (¬1) اتفق أهل العلم على جواز نكاح حرائر نساء أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى في الجملة وإن اختلفوا في فروع من هذه المسألة. مغ ج 7 ص 500. (¬2) والأقرب أنها عنده كراهة تحريم. (¬3) ومذهب طاوس مذهب قوي تسنده الآثار والأخبار، وقد أشرت إلى ذلك في تعليقي على المغني فانظره هناك.

باب في نكاح المسلم الحر للأمة المسلمة

باب في نكاح المسلم الحر للأمة المسلمة (¬1) مسألة (1193) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المسلم الحر إذا لم يخش العنت وكان قادرًا على نكاح المسلمة الحرة فإنه لا يجوز له نكاح الأمة المسلمة. روي ذلك عن جابر وابن عباس. وبه قال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ومكحول ومالك والشافعي وإسحاق. وهو مذهب أحمد. وقال مجاهد: مما وسع الله على هذه الأمَّةِ نكاح الأمةِ وان كان موسرًا، وبه قال أبو حنيفة إلا أن يكون تحته حرة. وقال قتادة والثوري: إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة وان وجد الطول لنكاح الحرة المسلمة. مغ ج 7 ص 510. باب في نكاح الزانية للزاني وغيره مسألة (1194) أكثر أهل العلم على جواز أن تنكح الزانية إذا انقضت عدتها من الزنا بوضع أو غيره وإذا تابت من الزنا. ويستوي في حل نكاحها الزاني وغيره. وبه قال من الصحابة أبو بكر وعمرو وابنه وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وإليه ذهب جابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة والزهري والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة أنها لا تحل للزاني بحال. قالوا: لا يزالا زانيين ما اجتمعا. وحكاه الماورديُّ عن عليّ - رضي الله عنه - والحسن البصري. مغ ج 7 ص 518 الحاوي ج 9 ص 189. باب في هل يفسخ الزنى النكاح مسألة (1195) مذهب العامة من أهل العلم أن الزنى لا يفسخ النكاح وسواء كان من الرجل أو من المرأة، وسواء كان قبل الدخول أو بعده. وبه قال مجاهد وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وروى عن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يُفَرَّقُ بينهما وليس لها شيء، وروي هذا كذلك عن الحسن. وروي عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل الدخول بها. مغ ج 7 ص 518 الحاوي ج 9 ص 190. ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على جواز هذا بشرط خشية العنت وعدم الطول في نكاح الحرة المسلمة. انظر مغ ج 7 ص 509.

باب في الخطبة على خطبة الذمي هل يجوز؟

باب في الخطبة على خطبة الذمي هل يجوز؟ مسألة (1196) جمهور العلماء على أن تحريم الخطبة على خطبة الغير لا يقتصر على المسلم بل يتعداه إلى الكافر (الذمي). وقال الأوزاعي: بل هو مقتصر على المسلم (¬1). شرح ج 9 ص 198. باب فيما يجوز من النظر إلى المخطوبة مسألة (1197) أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز للخاطب أن ينظر لمن أراد خطبتها لما سوى الوجه والكفين. وهو مذهب الشافعي وأحمد في رواية، وفي أخرى ينظر لما يظهر منها غالبًا في منزلها، قال الشافعي -رحمه الله- وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية، وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم. وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها (¬2). باب في وطء الرجل أَمتَهُ الفاجرة (¬3) باب في خطبة الرجل على أخيه (¬4) باب في فسخ النكاح إذا اشترى الرجل امرأته للعتق مسألة (1198) مذهب العامة من العلماء أن من اشترى زوجته الأمة للعتق انفسخ النكاح ¬

_ (¬1) وانظر مسألة السوم على سوم الغير فهي هناك في الحكم سواء عند الجمهور وخالف الأوزاعي فقصر التحريم على المسلم. انظر بداية ج 2 ص 199. قلت: وجمهور العلماء على أن من خطب على رجلٍ (يعني على خطبته) فعقد نكاحه فإن عقده صحيح تترتب عليه آثاره. وهو مذهب الشافعي. وقال داود ينفسخ النكاح. وعن مالك روايتان كالمذهبين. وعن بعض أصحاب مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده. انظر شرح ج 9 ص 197. (¬2) انظر مغ ج 7 ص 453، ص 454. الحاوي ج 9 ص 33. قلت: حكى الموفق الاتفاق على جواز النظر للخاطب إلى من أراد خطبتها وحكى النووي عن قوم كراهتة نقله عن القاضي عياض ولم يعده شيئًا. وحكى النووي عن الجمهور أنه لا يحتاج لإذن من يريد النظر إليها وذكر عن مالك أنه كره ذلك إلا بإذنها وعنه روايةٌ أخرى أنه لا ينظر إلا بإذنها. وحكى الموفق الاتفاق على جواز النظر إلى وجه المخطوبة. انظر مغ ج 7 ص 453. شرح ج 9 ص 210. (¬3) نقل ابن عبد البر الإجماع على تحريم ذلك. ونقل الموفق في المغني عن ابن عباس الترخيص في ذلك. قال: وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ولعلَّ من كره ذلك كرهه قبل الاستبراء أو إذا لم يحصنها أو يمنعها من الفجور ومن أباحه بعدهما فيكون القولان متفقين. اهـ. ج 7 ص 519. (¬4) قال الموفق في المرأة تخطب فتسكن إلى خاطبها أو تجيبه أو تأذن لوليها في تزويجها إياه: قال: لا نعلم في (يعني في التحريم) هذا خلافًا بين أهل العلم إلا أن قومًا حملوا النهي على الكراهة والظاهر (يعني ظاهر =

باب فيمن ملك بعض زوجته الأمة

بمجرد تملكها وقبل أن يعتقها. وقال الحسن: هما على نكاحهما وحتى لو أعتقها. مغ ج 7 ص 528. باب فيمن ملك بعض زوجته الأمة مسألة (1199) عامة المفتين من الفقهاء على أن من ملك بعض زوجته الأمة انفسخ نكاحها ولا يحل له وطؤها حتى يستخلصها فتحل له بملك اليمين. وروي عن قتادة أنه قال: لم يزده ملكه فيها إلا قربًا. مغ خ 7 ص 528. باب في حكم النكاح إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين مسألة (1200) مذهب العامة من العلماء حتى كاد أن يكون إجماعًا أنه إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين وتخلف الآخر حتى انقضت عدة المرأة انفسخ النكاح. باب في الأمة يتزوجها المسلم ثم تباع هل ينفسخ نكاحها أو يكون طلاقًا؟ مسألة (1201) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الأمة إذا كانت مزوجة من مسلم ثم بيعت فإنها لا تطلق ونكاحها لا ينفسخ وأن قوله تعالى {إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) ¬

_ = النص) أولى. مغ ج 7 ص 520. وقسم الماوردي حال المخطوبة إلى أربعة أقسام (الأول). أن تأذن لخاطبها أو لوليها في تزويجه، فلا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها. (الثاني) أن ترد الخاطب الأول وترفضه صريحًا فيجوز حينئذ لغيره أن يتقدم لخطبتها وهذان القسمان لا خلاف معتبر فيهما. (والثالث) أن تمسك على الجواب قبولًا أو ردًا فيجوز خطبتها. وعليه يحمل ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس في استشارتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - (الرابع) أن تظهر الرضا بالخاطب دون إذن في التزويج كأن تكون لا زالت تفاوض هي أو وليها في شروط العقد أو المهر ونحو ذلك. ففي هذه الحالة اختلف الفقهاء. قال الشافعي في القديم من قوله ومالك: لا يجوز لأحد أن يخطبها. وقال الشافعي في الجديد لا يحرم حتى تصرح بالإذن. انظر الحاوي: ج 9 ص 351 وما بعد. (¬1) يعني قوله تعالى في تحريم النساء المحصنات أي المتزوجات على من أراد التزوج منهن فلا يجوز إجماعًا العقد على امرأة وهي تحت عصمة رجل آخر ثم استثنى ربنا عز وجل ملك اليمين فقال تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وهي المرأة الكتابية تسبى في الغزو (أو غير كتابية تسبى ثم تسلم) حتى يحل وطئها وتكون مزوجةً يعني تحت عصمة رجل فإذا سبيت ووقعت في ملك مسلم انفسخ نكاحها. فهذا الحكم عند الجمهور خاص بالمسبيات، وعند ابن عباس أنه عام في كل من صارت ملكًا لأحد وكانت مزوجة فإن نكاحها ينفسخ. انظر شرح ج 10 ص 35، الإشراف ج 1 ص 201. قلت: وأما إذا وقعت في مِلْك مسلم وزوجها مقيم في دار الحرب فإن عقد نكاحها ينفسخ بإجماع عمن يحفظ عنه العلم. هكذا حكاه ابن المنذر. انظر الإشراف ج 1 ص 202.

باب في ارتداد أحد الزوجين قبل الدخول

خاص بالإماء المسبيات حكاه ابن المنذر عن عوام أهل العلم وعلماء الأمصار من أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل الشام من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي. وإليه ذهب ابن المنذر، وقال ابن عباس: ينفسخ نكاحها بالبيع. وهو قول ابن مسعود وأنس ابن مالك - رضي الله عنهم -. شرح ج 10 ص 36. الإشراف ج 1 ص 200 شرح ج 10 ص 143. وروي عن النخعي أنها ترد إلى زوجها وإن طالت المدة. مغ ج 7 ص 536. باب في ارتداد أحد الزوجين قبل الدخول (¬1) مسألة (1202) عامة أهل العلم على أنه إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول انفسخ النكاح. وحكي عن داود أنه لا ينفسخ بالردة. مغ ج 7 ص 564. باب في نكاح المتعة (¬2) مسألة (1203) جماهير الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على تحريم نكاح المتعة وهو أن يعقد نكاح امرأة على أجل مسمى. وروي تحريمه عن عمر وعليّ وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير. قال ابن عبد البر: وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة وأبو حنيفة في أهل الكوفة والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر والشافعي وسائر أصحاب الآثار. وهو مذهب أحمد المعتمد. وقال زفر: يصح النكاح، ويبطل الشرط. وحكي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنها جائزة. قال الموفق: وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاوس. وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر. وقال أبو بكر الحنبلي: فيها رواية أخرى (يعني عن أحمد) أنها مكروهة غير حرام لأن ¬

_ (¬1) حكى الماورديُّ الإجماع على بطلان النكاح بردة أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول ولعله -رحمه الله- لم يبلغه خلاف داود أو لم يثبت عنده. انظر الحاوي ج 9 ص 295. قلت: وأما إذا ارتد أحدهما بعد الدخول فمذهب الشافعي ومن وافقه أنه أعنى النكاح يبقى موقوفًا إلى انقضاء العدة فإذا عاد المرتد إلى الإسلام حكم ببقاء النكاح وإلا بطل. وقال مالك: يعرض عليه الإسلام فإن رجع فهما على نكاحهما. وإلا بطل النكاح. وقال أبو حنيفة: يبطل النكاح بمجرد الردة ولا فرق أن يكون قبل الدخول أو بعده. انظر الحاوي: ج 9 ص 295. (¬2) نقل الإجماع على تحريم النكاح المتعة بعد وقوع الخلاف فيها غير واحد من علماء المسلمين؛ منهم الإِمام النووي. انظر شرح 9 ص 181.

باب فيمن عقد على امرأته وفي نيته طلاقها

ابن منصور سأل أحمد عنها فقال يجتنبها أحب إليَّ. قال: فظاهر هنا الكراهة دون التحريم. قال الموفق: وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا ويقول في المسألة رواية واحدة في تحريمها. مغ ج 7 ص 571 الحاوي ج 9 ص 328. باب فيمن عقد على امرأته وفي نيته طلاقها مسألة (1204) مذهب عامة أهل العلم أن من عقد على امرأة وفي نيته طلاقها بعد أجل من غير أن يذكر هذا في العقد فعقد النكاح صحيح لا بأس به. وقال الأوزاعي: هو نكاح متعة (¬1). مغ ج 7 ص 573 شرح ج 9 ص 182. باب في نكاح المحلل مسألة (1205) جمهور أهل العلم بل عامتهم على أن نكاح المحلل باطل لا يصح وهو حرام. وممن قال ذلك الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن المبارك والشافعي. وهو مذهب أحمد. وسواء قال الولي زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما أو أنه إذا أحلها للأول طلقها. وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح ويبطل الشرط. وقال الشافعي في الصورتن الأوليين: لا يصح، وفي الثالثة على قولين (¬2). مغ ج 7 ص 574. باب في مَن نوى تحليل امرأة لزوجها دون ذكر ذلك في العقد مسألة (1206) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من تزوج امراةً ينوي تحليلها لزوجها دون أن يذكر هذا في العقد فعقد النكاح باطل. روي هذا عن ابن عمر وابن عباس وعثمان وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال الحسن والنخعي والشعبي وقتادة وبكر المزني والليث ومالك والثوري وإسحاق وأحمد. وقال أبو حنيفة والشافعي: العقد صحيح. وهو وجه عند الحنابلة ذكره القاضي (¬3). مغ ج 7 ص 575. ¬

_ (¬1) نقل النووي عن القاض عياض أنه قال: وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا (غير مقيد بوقت أو أجل) ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها فنكاحه صحيح حلال. وليس نكاح متعة، قال: وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس. وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه، والله أعلم. انظر شرح ج 9 ص 182. (¬2) انظر الحاوي ج 9 ص 332. (¬3) انظر مغ ج 9 ص 249.

فصل في العيوب التي يفسخ فيها النكاح

فصل في العيوب التي يفسخ فيها النكاح (¬1) باب في العنين, هل يضرب أجل لاختباره مسألة (1207) جمهور الفقهاء على أن العنين إذا ادعى عليه العنةُ فإنه يضرب له أجل لاختباره وبيان حاله فإذا ثبت ما ادعى عليه كان الخيار للمرأة في فسخ النكاح. وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال سعيد ابن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان. قال الموفق: وعليه فتوى فقهاء الأمصار, منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد. قال الموفق: وشَذَّ الحكم بن عيينة وداود فقالا: لا يؤجل وهي امرأته. وروي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه (¬2). مغ ج 7 ص 603 الحاوي ج 9 ص 368. باب في كم يؤجل العنين مسألة (1208) أكثر أهل العلم من القائلين بتأجيل العنين يقولون يؤجل سنةً من وقت ترافعهما عند الحاكم. فإذا ثبتت عنته ثبت لها الخيار ولا يفسخ النكاح إلا بحكم حاكم (¬3) وعن الحارث بن ربيعة أنه أجل رجلًا عشرة أشهرٍ. مغ ج 7 ص 604، ص 605. ¬

_ (¬1) من أعجب ما ادعى فيه الاتفاق أو الإجماع بين أهل العلم حصر العيوب للتي يفسخ بها النكاح أو ادعاء الاتفاق في منع الفسخ بعيوب أخرى كالعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين ووجود الخلاف الشاذ في اعتبار العقم عيبًا ينفسخ به النكاح وأن عامة أهل العلم لا يعتبرونه عيبًا مع أن العيب الذي ينفسخ به النكاح أمر معلل معقول المعنى وقد ذكرت في تعليقي شيئًا من التوضيح لما يتعلق بهذه المسألة فانظره هناك. والمقصود بالفسخ هنا هو ثبوت خيار الفسخ لأحد الزوجين وانظر في عيوب النكاح في الحاوي ج 9 ص 338. (¬2) ذكر الشافعي مسألة تأجيل العِنِّين ثم قال: ولا أحفظ عمن لقيته خلافًا في ذلك فإن جَامَعَ وإلا فُرِّقَ بينهما. انظر الحاوي ج 9 ص 368. (¬3) وإذا تم الفسخ بحكم الحاكم أو برد الحاكم الأمر إلى الزوجة فاختارت الفسخ ففسخ النكاح فهل يكون فسخًا أو طلاقًا؟ في المسألة مذهبان بالأول قال الشافعي وهو المعتمد عند الحنابلة، وبالثاني قال أبو حنيفة ومالك والثوري وهو عندهم طلقة واحدة بائنة بتفريق الحاكم. مغ ج 7 ص 605.

باب في علم المرأة بعنة الزوج وقت العقد هل يثبت لها خيار الفسخ؟

باب في علم المرأة بعنَّة الزوج وقت العقد (¬1) هل يثبت لها خيار الفسخ؟ مسألة (1209) أكثر أهل العلم على أن الزوجة لو علمت بعنَّة زوجها وقت العقد ورضيت به فليس لها حق الخيار في الفسخ ولا يضرب للرجل أجلٌ لمعرفة حاله. وهو قول عطاء والثوري وابن القاسم وأصحاب الرأي والشافعي في القديم من مذهبه. وقال الشافعي في الجديد: يؤجل؛ لأنه قد يكون عِنِّينًا في نكاح دون نكاح. مغ ج 7 ص 607. باب في العنين يطأ امرأته ثم تدعي عِنَّتَهُ مسألة (1210) أكثر أهل العلم على أن المرأة أذا أقرت أن زوجها وطأها مرةً ثم ادعت عجزه فإنه لا حق لها في خيار الفسخ ولا يضرب لزوجها الأجل. وبه قال عطاء وطاوس والحسن ويحكى الأنصاري والزهري وعمرو بن دينار وقتادة وابن هاشم ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وقال أبو ثور: إن عجز عن وطئها أجل لها. مغ ج 7 ص 610. * * * ¬

_ (¬1) وأما إن علمت بهذا بعد العقد وسكتت عن المطالبة بحقها من غير رضى فلها أن تطالب بحقها بعد ذلك ويثبت لها خيار الفسخ فإن صرحت برضاها بعد انقضاء الأصل المضروب للرجل فلا حقَّ لها في الفسخ. وهاتان المسألتان لا خلاف فيهما بين أهل العلم. مغ ج 7 ص 608، ص 601.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الصداق

كتاب الصداق

كتاب الصَّداق (¬1) باب في الرجل يُصْدِقُ امرأته معيبًا (¬2) مسألة (1211) جمهور أهل العلم على أن للمرأة رد الصداق إذا كان معيبًا ولو شيئًا يسيرًا. وحكي عن أبي حنيفة أنه ليس لها أن ترده. مغ ج 8 (ص 13). باب في النكاح على صداق محرم مسألة (1212) جمهور أهل العلم بل عامتهم على أن من تزوج امرأة على صداقٍ محرم كخمر أو خنزير فعقد النكاح صحيح والتسمية فاسدة ولها مهر المثل إلا أن يطلق (¬3) أو يموت قبل الدخول. وممن قال بصحة النكاح وفساد التسمية الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد، وكذا قال الجمهور إذا عقد عليها بمهر مجهول. حكاه الماورديُّ. وحكي عن أبي عبيد أن النكاح فاسد، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز من الحنابلة. وفرق مالك بين قبل الدخول وبين بعده؛ فقال بفسخ النكاح قبله، وبثبوته بعده. مغ ج 8 (ص 22، 23)، والحاوي جـ 9 (ص 394). باب في جواز الصداق (المهر) بالقليل والكثير (¬4) مسألة (1213) جماهير العلماء من السلف والخلف على صحة المهر بالقليل والكثير ¬

_ (¬1) اتفق العلماء في الجملة على أن عقد النكاح يصح ولو خلا من ذكر الصداق مغ ج 8 (ص 46) بداية ج 2 (ص 32) وهناك جملة موهمة أو خطأ في بداية المجتهد (ص 23) فقد ذكر أن الصداق شرط من شروط الصحة باتفاق العلماء مما دفع صاحب الموسوعة إلى أن يجعلها من مسائل الإجماع وهذا خطأ واضح وقد نبهت على هذا في نقدي للموسوعة قلت: وأجمعوا على أن الصداق واجب. انظر الحاوي مغ ج 9 (ص390). (¬2) إذا كان العيب كثيرًا فلا خلاف بين أهل العلم في أن للمرأة رده. مغ ج8 (ص 13). (¬3) إن طلق قبل الدخول فلها نصف مهر المثل. وبه قال الشافعي. وقال أصحاب الرأي لها المتعة، وإن مات قبل الدخول فأكثرهم على ثبوت مهر المثل. وذكر أبو الخطاب الحنبلي رواية أخرى عن أحمد أنه لا يستقر مهر المثل بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها. مغ ج 8 (ص 23). (¬4) حكى الماورديُّ الاتفاق على أنه لا حد لأكثر المهر، وذكر قصة عمر في النهي عما زاد فوق ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رجوعه عن ذلك. انظر الحاوي ج 9 (ص 396). وحكى الإجماع ابن عبد البر حكاه عنه الموفق. انظر مغ ج 8 (ص5).

باب في كم تملك المرأة من صداقها بمجرد عقد النكاح؟

ونقله القاضي عياض عن العلماء كافة من الحجازيين والبصريين والكوفيين والشاميين وغيرهم. وبه يقول ربيعة وأبو الزناد وابن أبي ذئب، ويحيى بن سعيد، والليث بن سعد، والثوري، والأوزاعي، ومسلم بن خالد الزنجى، والشافعي، وابن أبي ليلى، وداود، حكاه النووي عنهم وعن فقهاء أهل الحديث، وابن وهب عن أصحاب مالك. قلت: وحكاه الماوردي عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - والحسن البصري وسعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق، وحكاه الموفق أيضًا عن عطاء وعمرو بن دينار. وقال مالك: أقله ربع دينار كنصاب السرقة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم، وقال ابن شبرمة: أقله خمسة دراهم، وقال إبراهيم النخعي: أقله: أربعون درهمًا، وعن سعيد بن جبير: أقله خمسون درهمًا (¬1) شرح جـ 9 (ص 213). باب في كم تملك المرأة من صداقها بمجرد عقد النكاح؟ مسألة (1214) مذهب عامة أهل العلم أن المرأة تملك كامل (¬2) صداقها بعقد النكاح. وحكى عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه. وروي عن أحمد رحمه الله تعالى ما يدل على هذا! قال ابن عبد البر: هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار, وأما الفقهاء اليوم (¬3) فعلى أنها تملكه. مغ جـ 8 (28). ¬

_ (¬1) انظر الحاوي جـ 9 (397). في جـ 8 (4). قلت: وحكى الموفق والنووي أن سعيدًا (بن المسيب) زوج بنته بدرهمين، وحكى عن الموفق أنه قال لو أصدقها سوطًا لحلَّت. انظر مغ جـ 8 (ص 4). (¬2) مع اتفاق العلماء على تنصيف الصداق بالطلاق قبل الدخول. مغ جـ 8 (ص 29). (¬3) وهذه مسألة في أصول الفقه مشهورة، وهي هل يرفع الإجماع الحادث الخلاف القديم. وعندي أنه لا يرفعه جزمًا لأن قول من خالف في المسألة لا يموت بموته، وهذا إذا كان الخلاف معتبرًا، وقصارى ما يوجه به إجماع من جاء بعد المختلفين أنه اتفاق على اختيار أحد أقوال المختلفين. وقد ذكرت في كتابي "القانون" أن ما اختلف فيه الصحابة كان واسعًا لمن بعدهم أن يختلفوا فيه وهو فرع بشرط أن يكون خلافًا معتبرًا، وأن ما اتفقوا فيه وأجمعوا عليه فلا يسع أحد بعدهم مع التنبيه على أن كل إجماع معتبرٍ إذا صحت دعواه بعد زمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكن في أصول الإِسلام لا في اعتقاد ولا في تشريع لأنها استقرت أصلًا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودل عليها إجماع أصحاب رسول الله. أقول: وإنما هذا الإجماع الذي وقع بحد الصحابة ما صح منه كان تفريقًا وتخريجًا على أصول الإِسلام مما يَجِدُّ من الحوادث والوقائع.

باب في النقصان يطرأ على الصداق إذا وقع الطلاق قبل الدخول

باب في النقصان يطرأ على الصداق إذا وقع الطلاق قبل الدخول مسألة (1215) أكثر الفقهاء على من أصدق امرأة وطلقها قبل الدخول فطرأ نقصان على الصداق، فإنه مخير بين أن يرجع على الزوجة بنصف قيمة الصداق (¬1) وقت إصداقها، وإما أن يرضى بأخذ نصف قيمته ناقصًا وليس له أخذ أرش النقص. وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: القياس أن له ذلك (¬2). مغ جـ 8 (ص 31). باب في المباشرة دون الفرج من غير خلوةٍ (¬3) هل توجب كامل الصداق؟ مسألة (1216) أكثر الفقهاء على أن من استمتع بامرأته بعد عقد النكاح بمباشرةٍ دون الفرج ومن غير خلوةٍ؛ فإنها لا تستحق بهذا كامل المهر. وهو وجه عند الحنابلة، وقال أحمد في المنصوص عنه: أنه إذا أخذها فمسها، وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملًا إذا نال منها شيئًا لا يحل لغيره. وقال في رواية مهنا: إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أُوْجِبُ عليه المهر. وفي رواية إبراهيم: إذا اطلع منها ما يحرم على غيره فعليه المهر. مغ جـ 8 (ص 66). ¬

_ (¬1) هذه العبارة معناها عند الفقهاء: يطالب الزوجة بنصف قيمة الصداق، والعبارة فيها اختصار وهي من اختصارات الفقهاء وأصلها هكذا: يرجع عليها مطالبًا بنصف ... (¬2) انظر الحاوي في جـ 9 (ص 422). (¬3) وأما إذا خلا بها؛ فالأكثرون مما بلغنا قولهم من الفقهاء أن ذلك يوجب المهر كاملًا، وإن لم يدخل بها. روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، يزيد بن ثابت، وابن عمر. وبه قال علي بن الحسين وعروة وعطاء والزهري والأوزاعي وإسحاق، وأصحاب الرأي والشافعي في قديم مذهبه. وقال شريح والشعبي وطاوس وابن سيرين والشافعي في جديد مذهبه لا يستقر كامل المهر إلا بالوطء. وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس. وروى نحوه عن أحمد. مغ جـ 8 (ص 62)، والحاوي ج9 (ص 540). وأما إذا طلقها قبل الدخول ومن غير خلوة، فليس لها من المهر إلا نصفه، وإذا طلقها بعد الوطء التام فلها جميع المهر. حكى الاتفاق في هاتين المسألتين الماوردي وغيره. انظر الحاوي جـ 9 (ص 540).

باب في عفو المرأة عن بعض صداقها أو كله

باب في عفو المرأة عن بعض صداقها أو كله (¬1) باب في امتناع المرأة عن تسليم نفسها حتى تتسلم صداقها (¬2) مسألة (1217) أكثر أهل العلم على أن المرأة لا تجبر على تسليم نفسها حتى تتسلم صداقها ومذهب الشافعي أن للزوج منعها من تَسَلُّمِ صداقها حتى تُسَلِّمَ نفسها (¬3). مغ جـ 8 (ص:80). باب في من جعل صداق أمَتِهِ عتقها مسألة (1218) جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز أن يعتق الرجل أمَتَهُ على أن تتزوج به، وأن يكون عتقها صداقها وإذا قبلت على هذا الشرط عتقت ولم يلزمها أن تتزوجه، وعليها قيمتها له. وبهذا قال مالك، والشافعي وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن وزفر. وقال سعيد بن المسيب والحسن والنخعي والزهري والثوري والأوزاعي وأبو يوسف وأحمد وإسحاق: يجوز أن يعتقها على ذلك ويكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك ويصح الصداق (¬4) وحكى الماوردي عن الأوزاعي أنها لا تصير زوجة بالعتق ولكن تُخَيَّرُ على أن تتزوج به بعقد مستجد. شرح جـ 9 (221). باب في المرأة تجعل صداقها طلاق غيرها مسألة (1219) أكثر الفقهاء على أن من تزوج امرأةً فجعل صداقها طلاق امرأةٍ له أخرى، فالتسمية فاسدة والنكاح صحيح ولها مهر مثلها. وبه قال أحمد في رواية واختارها أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة. وقال أحمد في رواية أخرى أن التسمية صحيحة. ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على أن للمرأة أن تعفو عن بعض صداقها الذي لها على زوجها أو كله أو تهب بعضه أو كله بعد قبضه إذا كانت جائزة التصرف في مالها. مغ جـ 8 (ص 71). (¬2) ونقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن للمرأة منع تسليم نفسها حتى تتسلم صداقها، والمسألة التي ذكرتها تفريع على المسألة التي نُقِلَ الإجماع فيها. مغ جـ 8 (ص 80). (¬3) قال الشافعي -رحمه الله-: وإن كانت بالغةً، فقال (يعني الزوج): لا أدفع حتى تدخلوها، وقالوا: لا نُدْخِلُهَا حتى تدفع (يعني المهر) فأيهما تطوع أجبرت الآخر، فإن امتنعوا معًا أَجْبَرتُ أهلها على وقت يدخلوها فيه، وأَخَذْتُ الصداق من زوجها، فإذا دخلت دفعته إليها، وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا. اهـ. انظر الحاوي جـ 9 (ص 535). (¬4) انظر الحاوي جـ 9 (85).

باب في الرجل يصدق المرأة صداقين أحدهما في نكاح سر والآخر في علانية

مغ ج 8 (ص: 87). باب في الرجل يصدق المرأة صداقين أحدهما في نكاح سر والآخر في علانيةٍ مسألة (1220) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم: على أن من أصدق امرأة صداقين أحدهما في نكاح سرًّ، والآخر في نكاح علانيةٍ , فالواجب للمرأة الصداق الذي انعقد به النكاح أولًا سرًّا كان أو علانيةً، وبه قال سعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي. وروي نحوه عن شريح والحسن والزهري والحكم بن عيينة ومالك وإسحاق، وهو اختيار القاضي أبي يعلى من الحنابلة، وحمل ما روي عن أحمد مما يخالفه عليه (¬1). وقال أحمد في ظاهر رواية الأثرم عنه: الواجب الصداق الذي انعقد به النكاح علانية. وبه قال الشعبي وابن أبي ليلى والثوري وأبو عبيد. مغ جـ 8 (ص 82). باب في صداق الموطوءة في نكاح فاسد أو شبهة والمكرهة على الزنا (¬2) * * * ¬

_ (¬1) حمل القاضي كلام أحمد -رحمه الله- تعالى على أن المرأة لم تقر بنكاح السر، فثبت لها ما أقرت به وهو نكاح العلانية. قلت: وهو عندي تكلف ظاهر. انظر مغ جـ 8 (ص 82). (¬2) أما الموطوءة في نكاح فاسد أو الموطوءة بشبهة فلا خلاف بين العلماء في وجوب المهر لها، وأما المكرهة على الزنا فاختلف العلماء في شأنها فمنهم من أوجب المهر، وأرش البكارة إن كانت بكرًا، ومنهم من أوجب لها المهر فقط، ومنهم من لم يوجب لها مهرًا ولا أرشًا إذا كانت ثيبًا، ومنهم من لم يوجب لها المهر أصلًا، وبالأخير قال أبو حنيفة، وبالأول قال الشافعي وأحمد في رواية، وبالثاني قال أحمد في رواية، وبالثالث قال أحمد كذلك في رواية. مغ ج 8 (ص 97)

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الوليمة

كتاب الوليمة

كتاب الوليمة (¬1) باب في حكم الوليمة مسألة (1221) أكثر أهل العلم على أن وليمة العرس سنة مستحبة وليست واجبةً. وقال بعض أصحاب الشافعي -رحمه الله-: هي واجبة (¬2). قلت: وكلام الشافعي -رحمه الله- ظاهره يحتمله. مغ جـ 8 (105). باب في إجابة الدعوة لوليمة العرس مسألة (1222) أكثر أهل العلم على أن إجابة الدعوة لوليمة العرس واجبة على المستطيع إن لم يكن بها لهو محرم. وبه يقول مالك والشافعي والعنبري وأبو حنيفة وأصحابه. وهو مذهب أحمد. وقال بعض أصحاب الشافعي: هي من فروض الكفايات كرد السلام. وقال بعضهم يندب إجابتها (¬3). مغ جـ 8 (ص:106). ¬

_ (¬1) قال الموفق ابن قدامة وغيره: الوليمة اسم لطعام في العرس خاصةً لا يقع هذا الاسم على غيره. حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أهل اللغة. قلت: ثم ذكر الموفق وغيره أن الوليمة تطلق على كل طعام واشتهرت لطعام العرس، نقلوه عن البعض وهو ضعيف. (¬2) قال الشافعي -رحمه الله-: ولا أرخص في تركها ومن تركها (يعني غير وليمة العرس) لم يَبِنْ لي أنه عاصٍ كما يَبِينُ لي في وليمة العرس، لأني لا أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك عدا الوليمة على عرس. الحاوي جـ 9 (ص 555)، وانظر شرح جـ 9 (ص217). قلت: نقل القاضي عياض الإجماع على أنه لا حد للقدر المجزئ في الوليمة، انظر شرح جـ 9 (ص 218) وحكى الماوردي الاتفاق على عدم وجوب غير وليمة العرس. انظر الحاوي ج 9 (ص 556). (¬3) انظر شرح جـ 9 (ص 234)، وانظر الحاوي جـ 9 (ص 557، 558) التمهيد جـ1 (ص 272) قلت: وحكى الإمام النووي عن القاضي عياض نقله اتفاق العلماء على وجوب إجابة دعوة العرس. انظر شرح جـ 9 (234).

باب في التصاوير تكون في وليمة العرس

باب في التصاوير تكون في وليمة العرس (¬1) مسألة (1223) أكثر أهل العلم على أن من دعي لوليمة عرس، فوجد تصاوير حيوان معلقةً على الستور والحيطان وعلى ما لا يوطأ؛ فإن أمكنه حطها (نزعها) أو قطع رؤوسها فعل وجلس أو كانت في موضع يوطأ أو يداس أو يتكأ عليها فلا بأس بحضوره. قال ابن عبد البر: هذا أعدل المذاهب. وحكاه عن سعد بن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير. وهو مذهب الشافعي وكره أبو هريرة التصاوير ما نصب منها وما بُسطَ. وهو مذهب مالك إلا أنه كان يكرهها تنزهًا ولا يراها محرمة أعني المبسوطة لا المعلقة (¬2). مغ ج 8 (ص 110). باب في إجابة الدعوة في غير وليمة العرس مسألة (1224) جمهور أهل العلم على أن إجابة الدعوة في غير وليمة العرس إذا خلت عن المنكر مستحبه غير واجبة. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي. وهو مذهب أحمد. وقال العنبري تجب إجابة كل دعوةٍ لعموم الأمر. وحكاه النووي عن أهل الظاهر وقال (¬3): وبه قال بعض السلف. قلت: حكاه ابن عبد البر عن أهل الظاهر أيضًا. ¬

_ (¬1) قال الشافعي -رحمه الله-: فإن رأى صورًا ذات أرواح لم يدخل إن كانت منصوبة (معلقةً)، وإن كانت توطأ فلا بأس. فإن كان صور الشجر فلا بأس. وأحب أن يجيب أخاه، وبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لو أهدى إليَّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت. انظر الحاوي جـ 9 (ص 563). وانظر في أَعْذارِ ترك إجابة وليمة العرس شرح جـ 9 (ص 234) الحاوي جـ 9 (563)، وما بعد مج ج 8 (ص 110) ومابعد. (¬2) انظر مغ جـ 8 (ص 117). (¬3) وأما دخول المنازل التي فيها صور ذوات أرواح معلقة فهل يحرم؟ في المسألة خلاف وَسَّعَ في الأمر فيها من يحسب أنه ينبغي أن يكون أشد الناس فيها مذهبًا، وهو الإِمام أحمد -رحمه الله- تعالى. قال الموفق -رحمه الله-: فأما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم، وإنما أبيح ترك الدعوة (إجابة دعوة وليمة العرس) من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لإيجاده المنكر في داره، ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام =

شرح جـ 9 (ص 234). التمهيد جـ1 (ص 273). * * * ¬

_ = أحمد، فإنه قال في رواية الفضل إذا رأى صورًا على الستر لم يكن رأها حين دخل، قال: هو أسهل من أن تكون على الجدار. قيل: فإن لم يره إلا عند وضع الخوان (المائدة) بين أيديهم أيخرج؟ فقال: لا تُضَيِّقْ علينا, ولكن إذا رأى هذا وبَّخَهم ونهاهم: يعني لا يخرج. قال الموفق: وهذا مذهب مالك، فإنه كان يكرهها تنزهًا ولا يراها محرمةً وقال أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له الدخول؛ لأن الملائكة لا تدخله، ولأنه لو لم يكن محرمًا لما جاز ترك الدعوة الواجبة من أجله. قلت: ثم استدل الموفق لمذهب أحمد ومن وافقه بجملة من الأدلة انظرها هناك مغ جـ 8 (ص 112) وانظر تفصيل الصور في مذهب مالك وغيره في التمهيد جـ 1 (ص 301). فائدة على عجل: جمهور العلماء الصحابة والتابعين على تحريم الصور أعني رسمها وعملها وكذلك اتخاذها أي تعليقها على ما فيه إكرام كالحائط والثياب ونحو ذلك ولا فرق في ذلك بين ما له ظل، وما ليس له ظل، وأما وضع الصور التي لا ظل لها على ما يداس ويمتهن فلا بأس به. هذا ملخص حكم الصور واتخاذها. ولعل الله إن أطال في العمر أن أعقد فصلًا خاصًا في الحظر والإباحة على مذهب الجمهور إن شاء الله تعالى، أو أن أجعله كتابًا صغيرًا أو وسطًا مستقلًا وبالله التوفيق. انظر شرح جـ 14 (81).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب عشرة النساء

كتاب عشرة النساء

كتاب عشرة النساء (¬1) باب في إتيان الرجل زوجته في غير القبل (¬2) مسألة (1225) جمهور العلماء على تحريم إتيان النساء في أدبارهن زوجة كانت أو أمةً أو غير ذلك. وممن قال بهذا من الصحابة عليٌّ وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد وابن المنذر. وذهب قوم إلى إباحته في الزوجة والأمة. روي ذلك عن ابن عمرو وزيد بن أسلم ونافع ومالك. وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدًا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال. قال الموفق -رحمه الله-: وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك. وروى هذا عن الشافعي -رحمه الله- تعالى كذلك رواه عنه ابن عبد الحكم. وجعل الحاكم النيسابوري هذا من مذهب الشافعي القديم قال: فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه. نيل الأوطار جـ 6 (ص 353، 355) الحاوي جـ 9 (ص 317). باب في العزل عن النساء (¬3) مسألة (1226) أكثر من بلغنا قولهم من أهل العلم في مسألة العزل أنهم ما بين مرخص فيه من غير كراهة وما بين كاره له كراهة تنزيه. وقد رويت الرخصة فيه عن عليٍّ وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، ¬

_ (¬1) ليس في مسألة خدمة الزوجة لزوجها إجماع ولا قول للجمهور بل هي مسألة اختلف فيها الفقهاء قديمًا وحديثًا وقد كتبت في تعليق على المغني ما يكفي ويشفي في هذه المسألة، وذكرت ما ملخصه أن الواجب على المرأة في خدمة زوجها هو ما تقتضيه الأعراف والعادات وطبقات الناس ومنازلهم، فانظره هناك تجد ما يسرك إن شاء الله تعالى. (¬2) اِسْتَحيَيْتُ أن اْذكر كلمة "الدبر" في عنوان الباب، وذكرتها هنا في المسألة، والله لا يستحي من الحق أي من ذكر الحق. (¬3) نقل بعض الأئمة كابن عبد البر وغيره الإجماع على أن جواز العزل مشروط بإذن الزوجة، وقد نوزعوا في هذه الدعوى، والحق أنها من مسائل الجمهور: لا الإجماع فتح جـ 19 (ص 368). انظر نيل الأوطار جـ 6 (ص 348).

باب في العزل عن الزوجة الحرة هل يعزل بغير إذنها؟

والحسن بن عليٍّ وخباب بن الأرت رضي الله تعالى عنهم. وروى هذا كذلك عن سعيد بن المسيب وطاوس، وعطاء، والنخعي، ومالك، والشافعي وأصحاب الرأي. وروي عن عمر، وعليٍّ أيضًا وابن عمر وابن مسعود كراهة ذلك وعن بعض هؤلاء هي كراهة تحريم في الأغلب وعن بعضهم كراهة تنزيه. ورويت الكراهة كذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وممن قال بالمنع من العزل تحريمًا: ابن حبان وهو مقتضى كلام الموفق في المغني، فإنه قيد كراهة التنزيه بالحاجة وأما من غير حاجة فمقتضاه التحريم وهو قول محمَّد بن حزم (¬1). قلت: ولا فرق عند من نقلنا عنهم في هذه المسألة بين الحرة وبين الأمة إذا كانت زوجة. مغ ج 8 (ص 132). باب في العزل عن الزوجة الحرة هل يعزل بغير إذنها؟ (¬2) مسألة (1227) جمهور العلماء على أن العزل لا يجوز عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي في الراجح من مذهبه ومذهب أحمد، وقال الغزالي: يجوز بغير إذنها. مغ ج19 (ص 368). باب في العزل عن الأَمَةِ مسألة (1228) جمهور العلماء على جواز العزل عن الأمة المتخذة للتسري بغير إذنها. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد (¬3) وذهب أبو محمد ابن حزم إلى المنع مطلقًا. وهو وجه للشافعية حكاه الروياني. فتح جـ 19 (ص 368) نيل الأوطار جـ 6 (ص 348). ¬

_ (¬1) انظر فتح جـ 19 (ص 368) وانظر شرح ج 10 (ص9) وانظر المحلى جـ 10 (ص 70). (¬2) حكى ابن عبد البر فيما حكاه عنه الحافظ الاتفاق على أنه لا يعزل عن الحرة الزوجة إلا بإذنها. انظر فتح جـ 19 (ص 368)، وانظر في هذه المسألة مغ ج 8 (ص 134). (¬3) انظر مغ جـ 8 (ص 133) وانظر في المسألة فتح جـ 19 (ص 368) محلىّ جـ10 (ص 70).

باب في الرجل يمتنع عن وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر

باب في الرجل يمتنع عن وطء زوجته (¬1) أكثر من أربعة أشهر مسألة (1229) أكثر الفقهاء على أن الرجل إذا امتنع عن وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، فليس للقاضي التفريق بينهما إذا طالبت الزوجة به. وقال أحمد في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول: غدًا أدخل بها غدًا أدخل بها إلى شهر، هل يجبر على الدخول؟ فقال: أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فَرَّقَ بينهما (¬2). مغ ج8 (ص 142). باب في القسم بين النساء (¬3) وبين الحرة وبين الأَمَةِ مسألة (1230) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم: أن من كان عنده حرة وأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة. وبهذا قال عليُّ بن أبي طالبٍ وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي وإسحاق وأبو عبيد. قال الموفق: وذكر أبو عبيد أنه مذهب الثوري والأوزاعي وأهل الرأي. قلت: وهو مذهب أحمد. ومالك في إحدى الروايتين. وقال مالك في الرواية الأخرى: يسوى بين الحرة والأمة في القسم (¬4) وبه قال ابن حزم. مغ جـ 8 (ص 148). ¬

_ (¬1) انظر ما ذكرته في هذه المسألة على تعليقي المغني. (¬2) قال الموفق -رحمه الله- تعالى: وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك. (¬3) لا خلاف بين أهل العلم أن القسم الواجب بين الزوجات إنما هو في المبيت وأن التسوية فيه واجبة بين زوجاته إذا كن جميعهن حرائر لا فرق في ذلك بين المريضة والصحيحة أو الكبيرة والصغيرة أو الطاهر والحائض وحتى التي لا يقدر على جماعها هي في ذلك سواء، ولا خلاف أن عماد القسم الليل، ولا خلاف أنه لا فرق في هذا بين المسلمة وبين الكتابية، ولا خلاف في أنه لا يجب عليه أن يساوي بين نسائه في الجماع. مغ جـ 8 (ص 138) وما بعدها. (¬4) قال أبو حنيفة -رحمه الله-: الحرة والأمة يكونان تحت الحر أو تحت العبد: إن القسم بينهما للحرة ليلتان وللأمة يوم وليلة. رواه عنه محمد بن الحسن، وقال: وقال أهل المدينة (يعني مالكًا وأصحابه) القسم يينهما من نفسه سواء. انظر الحجة جـ 3 (ص 254)، وانظر الحاوي جـ 9 (ص 574). الشرح لصغير جـ 2 (ص 505، 506) محلى جـ10 (ص 65). قلت: وأما القسم بين الزوجة الحرة المسلمة، وبين الزوجة =

باب في المرأة العروس كم يبيت عندها عقيب الزفاف؟

باب في المرأة العروس كم يبيت عندها عقيب الزفاف؟ مسألة (1231) جمهور العلماء على أن الرجل إذا استجد زواج امرأة؛ فإن حقها عليه أن يبيت عندها سبع ليالٍ إن كانت بكرًا، وثلاث ليالٍ إن كانت ثيبًا، وسواء كانت له زوجات أخريات أم لم يكن له، فإن كان له زوجات أخريات فبات عند البكر سبعًا أو عند الثيب ثلًاثا، عاد إلى نسائه الأخريات وعاود القسم لهن مع الجديدة ولا يقضى للقديمات مع ما باته مع الجديدة إلا أن يبيت مع الثيب سبعًا، فيقضي للقديمات ويُسَبع لكل واحدة منهن ولا يزيد للجديدة عن السبع إلا برضا الأخريات. وممن قال للبكر سبع وللثيب ثلاث وأنه لا يقضي للقديمات إذا بات عند البكر سبعًا وعند الثيب ثلاثًا. مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير، وحكاه الموفق عن الشعبي والنخعي وأبي عبيد وابن المنذر. قال الموفق -رحمه الله-: وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو، ونافع مولى ابن عمر للبكر ثلاث واللثيب ليلتان. وقال أبو حنيفة: والحكم وحماد يجب قضاء الجميع في الثيب والبكر وحكى الحافظ عن الكوفيين أن البكر والثيب سواء في الثلاث، وعن الأوزاعي للبكر ثلاث وللثيب يومان (¬1). شرح جـ1 (ص 44) فتح جـ 19 (ص 376). باب في الإقراع بين النساء إذا أراد السفر ببعضهن (¬2) مسألة (1232) أكثر أهل العلم على أن من أراد سفرًا وأراد السفر بإحدى نسائه أو ببعضهن، فإن عليه أن يقرع بينهن. ¬

_ = الحرة الكتابة أو أمة مسلمة وأخرى زوجة حرة كتابية فقد نقل ابن المنذر الإجماع على التسوية بين الذمية وبين المسلمة كل بحسب حالها، ففي الصورة الأولى يقسم بالتساوي بين الحرة المسلمة وبين الحرة الكتابية. وفي الثانية يقسم للكتابية ليلتين وللأمة المسلمة ليلة. قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذميه سواء. حكاه عنه الموفق. انظر مغ جـ 8 (ص 149). ونقل ابن قدامة الإجماع على وجوب التسوية في القسم بين الزوجات إن كن في مرتبة واحدة أعني التسوية بين الحرائر والتسوية بين الإماء والعدل في القسم بين الحرائر وبين الإماء. انظر مغ ج 8 (ص 138). (¬1) انظر الحاوي ج 9 (ص 586). مغ جـ 8 (ص 159)، وانظر كلام أبي حنيفة -رحمه الله- في هذه المسألة مما رواه عنه محمَّد بن الحسن. الحجة جـ 3 (ص 246)، وانظر محلي جـ 10 (ص 63). (¬2) وإذا أراد السفر بهن كلهن أو تركهن كلهن، فله ذلك ولا أعلم عن أحدٍ خلاف ذلك. انظر الحاوي جـ 9 (ص 590)، وانظر فتح جـ 19 (ص 370).

باب في قضاء للاتي لم يسافر بهن

وحكي عن مالك أنه لا يجب عليه ذلك، بل له أن يسافر بأيتهن شاء من غير قرعة. مغ ج8 (ص: 155). باب في قضاء للاتي لم يسافر بهن مسألة (1233) أكثر أهل العلم على أن الرجل إذا سافر ببعض نسائه وترك البعض، فإنه لا يلزمه إذا رجع من سفره أن يقضي لمن ترك من نسائه في القسم. وحكي عن داود أنه يلزمه القضاء. مغ جـ 8 (ص: 156). * * *

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الخلع

كتاب الخلع

كتاب الخلع (¬1) باب في حكم الخلع مسألة (1234) جمهور العلماء على أن الخلع ثابت جائز غير منسوخ. وقال أبو بكر بن عبد الله المزني: لا يجوز، وهو منسوخ بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}: قال ابن عبد البر: ولا نعلم أحدًا خالفه (يعني جواز الخلع) إلا بكر بن عبد الله المزني. وروى عن ابن سيرين وأبي قلابة: أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلًا لقول الله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. مغ ج8 (ص: 174)، الحاوي جـ 10 (ص: 4). باب في ما يجوز به العِوَضُ في الخلع مسألة (1235) أكثر أهل العلم على جواز الخلع بأي عوض اتفق عليه الزوجان قلَّ أو كثير بما ساوى الصداق أو أقل أو أكثر (¬2). روي ذلك عن عثمان وابن عمرو وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزًا. وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب: لا يأخذ أكثر مما أعطاها. قال الموفق: وروي ذلك عن عليٍّ بإسناد منقطع واختاره أبو بكر قال: (يعني أبو بكر الحنبلي) فإن فعل رد الزيادة: ¬

_ (¬1) الخلع هو أن تطلب الزوجة فراق زوجها على عوض تدفعه له، وذلك إذا كرهت الزوجة زوجها وخشيت أن لا تقوم بحقه، ويسمى خلعًا؛ كأنها تنخلع من لباس الزوجية. يعني عقد الزوجية. ويسمى كذلك افتداء، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. (¬2) ذكرت في تعليقي على المغني ما حاصله أن الكل متفق على ندب الزوج إلى عدم أخذ أكثر مما أعطى من الصداق، وإن كان أصل المسألة التي ذكرها الموفق -رحمه الله- تعالى هناك توهم غير ذلك، فانظره هناك ففيه بعض الفوائد إن شاء الله، وانظر في هذه المسألة. الحاوي جـ10 (ص: 12).

باب في مخالعة المرأة زوجها من غير ما بأس بها

وروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئًا. مغ ج (8) (ص:175) فتح جـ 20 (ص:65). باب في مخالعة المرأة زوجها من غير ما بأس بها مسألة (1236) أكثر أهل العلم على أن الخلع يصح بسبب وبغير سبب وسواء كرهت المرأة زوجها أو خافت أن لا تقوم بحقه أو لم يكن شيء من ذلك؛ فالخلع جائز وصحيح لكنه مكروه. وممن قال بصحته أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي ويحتمله ما روي عن أحمد -رحمه الله- تعالى. وقال ابن المنذر وداود: لا يصح ولا يجوز إلا بسبب، كالذي ذكره الله تعالى. قال ابن المنذر: وروي معنى ذلك عن ابن عباس، وكثير من أهل العلم. مغ ج 8 (ص: 177) فتح ج20 (ص: 64) الحاوي ج10 (ص: 7). باب في هل يقع الخلع إذا ضارَّ الزوج بزوجته بالضرب ونحوه؟ مسألة (1227) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الرجل إذا ضارَّ بزوجته بضرب أو تضييق أو قطع نفقه أو نحو ذلك ثم خالعته امرأته على عوض؛ فالخلع باطل والعوض مردود عليها. روي ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والقاسم بن محمَّد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري. وبه قال مالك والثوري وقتادة والشافعي وإسحاق، وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة: العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاصٍ. وروي عن مالك أنه قال: إذا أخذ منها شيئًا على جهة المفارقة ولا ينوي بذلك طلاقًا رد العوض ومضى الخلع عليه. قال الموفق: ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوضٍ. مغ ج8 (ص: 178). باب في الخلع هل هو فسخْ أم طلاق؟ مسألة (1238) جمهور العلماء على أن الخلع طلاق وأكثرهم على أنه طلقة واحدة بائنة لا يملك الزوج فيها رجعةً. روي ذلك عن سعيد بن المسيب، والحسن وعطاء وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي والزهري

باب في هل يملك الزوج في الخلع الرجعة؟

ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وأحمد في إحدى الروايتين (¬1)، وحكاه عن أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم الإِمام الترمذي. وذهب آخرون إلى أنه فسخ، وهو قول ابن عباس وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور والشافعي في القديم وأحمد في روايةٍ وداود وابن المنذر. وروي عن الشافعي أنه كناية فإذا قصد الطلاق، وإلا فهو فسخ، واعتمده السبكي وجعله آخر ما ذهب إليه الشافعي (¬2). بداية ج 2 ص 84 فتح ج 20 ص 63. باب في هل يملك الزوج في الخلع الرجعة؟ مسألة (1239) أكثر أهل العلم على أن الخلع سواء كان فسخًا أو طلاقًا، فإنه لا رجعة فيه، وبه قال الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق، وهو مذهب أحمد. وحكى عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا: الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له، وبين رده وله الرجعة. وقال أبو ثور: إن كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة. مغ ج 8 (ص: 184). باب في الخلع على عوض فاسد مسألة (1240) أكثر أهل العلم على أن من خالع امرأته على عوض فاسد؛ كأن يخالعها على فرسٍ فيبين أنها قد ماتت؛ فإن الخلع صحيح ولا يفسد بفساد العوض، وأما بم يرجع على امرأته ففي المسألة خلاف اعتبارًا بنوع العوض الفاسد، وهذا مذهب أبي ثور ومحمد بن الحسن وأبي يوسف. وقال أبو حنيفة: يرجع دائمًا بالمُسَمَّى. وقال الشافعي يرجع أبدًا بمهر المثل. قلت: ولم يذكر الموفق القول المقابل لقول الجمهور. مغ ج 8 (ص:202). ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 8 (ص 180). ونيل الأوطار جـ 7 (ص 38). (¬2) انظر الحاوي جـ 10 (ص 9).

باب في هل يصح الخلع مع الأجنبي بدون إذن المرأة؟!!

باب في هل يصح الخلع مع الأجنبي (¬1) بدون إذن المرأة؟!! مسألة (1241) أكثر أهل العلم على أن الرجل الأجنبي إذا قال لزوج امرأةٍ طلق امرأتك أو خالع امرأتك علي ألفٍ عليَّ بدون إذن المرأة ففعل الزوج صح الخلع واستحق الألف. وهو مذهب أحمد. وقال أبو ثور: لا يصح. مغ جـ 8 (ص:218). باب في اختلاف الزوجين في العوض في الخلع مسألة (1242) أكثر الفقهاء على أن المرأة إذا أنكرت ادعاء زوجها أنها خالعته على ألف بطلقة واحدة، فقالت: بل سألتك ثلاثًا بألف أنها تبين بإقراره ويلزمها ثلث الألف، وكذلك إن قالت: طلقني ثلاثًا بألف فطلقها واحدة لزمها ثلث الألف، وقال الموفق تخريجًا على المذهب أن القول قولها في سقوط العوض (¬2). مغ ج8 (ص). باب في تعليق الطلاق بصفة هل تنحل يمينه إذا نكحها بعد طلاق بائن؟ (¬3) مسألة (1243) أكثر أهل العلم على أن من علق طلاق امرأته على صفة ثم طلقها ثلاثًا ثم نكحها بعد أن تزوجت غيره، وطلقت منه ثم وجدت تلك الصفة في نكاحها الجديد؛ فإنها لا تطلق، ونقل ابن المنذر في هذه المسألة الإجماع، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد أقواله، وهو مذهب أحمد. مغ ج 8 (ص: 231). آخر أبواب الخلع والحمد لله رب العالمين ويليه كتاب الطلاق بحوله وقوته ¬

_ (¬1) وقد ذكرت في تعليقي على المغني ردًّا عنيفًا على هذا القول وبينت بطلانه من وجوه كثيرة ووضحت أوجه المفاسد التي يجرها العمل بهذا القول، وذكرت هناك ما حاصله أن المسألة المذكورة تخرج على أنها مسألة طلاق رجعى إذا تلفظ الزوج بالطلاق صريحًا. فانظر ما كتبته هناك فهو مهم لا غناء عنه إن شاء الله تعالى. (¬2) اختلف الفقهاء فيما إذا اتفق الزوجان على الخلع واختلفا في العوض، فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في روايةٍ القول قول المرأة، وقال أحمد في رواية القول قول الزوج، وقال الشافعي: يتحالفان. مغ جـ 8 (ص 229). (¬3) كان ينبغي أن تكون هذه المسألة ضمن أبواب كتاب الطلاق الآتي، ولا أدري ما وجه ذكر هذه المسألة في آخر أبواب الخلع، فلعل هناك قصدًا آخر أو هو خطأ في الترتيب من النساخ، فالله تعالى أعلم.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الطلاق

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق (¬1) باب في طلاق السنة وطلاق البدعة (¬2) مسألة (1244) عامة أهل العلم على أن من طلق امرأته للبدعة وهو أن يطلق امرأته في طهر أصابها فيه أو حائضًا؛ فإنه يأثم ويقع طلاقه. قال الموفق -رحمه الله- تعالى: قال ابن المنذر وابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، وحكاه أبو نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم والشيعة قالوا: لا يقع طلاقه. قلت: وهو قول الإِمام الكبير تقي الدين ابن تيمية الملقب بشيخ الإِسلام -رحمه الله- تعالى وقد انتصر لقوله هذا الإِمام ابن القيم -رحمه الله- تعالى (¬3)، وقد سبقهما إلى هذا القول من غير السلف الإِمام أبو محمَّد بن حزم الأندلس الظاهري، ورواه وغيره أعني القول بعدم وقوع الطلاق عن ابن عمرو طاوس. قلت: وهذا كله في المدخول بها أما غير المدخول بها فليس لها طلاق بدعة ولا سنة باتفاق العلماء إلا من حيث عدد الطلقات نقل الإجماع في هذه المسألة ابن عبد البر. مغ ج 8 (ص: 249)، الحاوي ج10 (ص: 115) شرح ج 10 (ص: 60). ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على أن الطلاق مشروع واتفقوا على أنه على مراتب من حيث نوع الحكم المتناول؛ فقد يكون واجبًا كطلاق المولى بعد التربص إذا أبي الفيئة، وقد يكون حرامًا إذا قصد الإضرار بزوجته، وقد يكون غير ذلك. مغ ج (ص: 233) شرح جـ 10 (ص: 61). (¬2) اتفق العلماء على أن من طلق امرأته في طهر لم يجامعها فيه أو طلقها وهي حامل ثم تركها حتى انقضت عدتها أو راجعها أثناء العدة؛ فإنه مصيب للسنة، فهذا نحو من الأنحاء التي اتفق عليها العلماء ثم اختلفوا في أنحاء أخرى منه أعني في طلاق السنة. في جـ 8 (ص: 235). وأجمع العلماء على تحريم طلاق الحائضِ. قال النووي -رحمه الله-: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل (غير الحامل) بغير رضاها، فلو طلقها أثِمَ ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة. ثم قال -رحمه الله-: وهذه الرجعة مستحبة لا واجبة. هذا مذهبنا، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وفقهاء المحدثين وآخرون، وقال مالك وأصحابه هي واجبة. انظر شرح جـ 10 (ص:60). فائدة: حديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" جاء بألفاظ مختلفة. وأخرجه عدة من أئمة الحديث لكن لم يصح سنده، أخرجه أبو داود والدراقطني، وابن ماجه والبزار والبيهقي وابن أبي شبية، وهو ما بين ضعيف ومرسل. انظر عون المعبود جـ 6 (ص: 226). (¬3) انظر الفتاوى لابن تيمية جـ3 (ص: 39) وما بعدها (طبعة دار القلم)، وانظر زاد المعاد جـ4 (ص: 43)، وانظر محلى جـ 10 (ص: 161).

باب فيمن طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد

باب فيمن طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد مسألة (1245) جمهور أهل العلم على أن من طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد بكلمة واحدة (¬1) أو ثلاث تطليقات فقال: أنت طالق طالق طالق، وعني بالثانية والثالثة طلاقًا منفصلًا؛ فإن زوجته تبين منه ولا يحل له أن ينكحها حتى تنكح زوجًا غيره، ولا فرق في هذا بين أن يطلق قبل الدخول أو بعده. روى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وأنس. قال الموفق -رحمه الله- تعالى: وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم. قلت: وهو قول الأئمة الأربعة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، ولا فرق عند الجمهور في هذا بين البكر وبين غيرها. قال الموفق -رحمه الله- تعالى: وكان عطاء وطاوسٍ وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة. وروى طاوس عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. رواه أبو داود، وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضًا أبو داود، وأفتى ابن عباس بخلاف ما رواه عنه طاوس وحكى النووي عن الحجاج ابن أرطأة وابن مقاتل ورواية عن محمَّد بن إسحاق (¬2) أنه لا يقع به شيء. مغ ج 8 (ص:243) شرح ج 10 (ص: 70). ¬

_ (¬1) بأن قال أنت طالق ثلاثًا، وذكر النوِووي -رحمه الله- أن جمع الثلاث دفعة واحدة ليس بحرام في مذهب الشافعي وحكاه عن أحمد وأبي ثور، والأولى عند هؤلاء تفريقها كما أمر الله، وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وهو بدعة. انظر شرح ج 10 (ص: 62)، وانظر الحاوي ج 10 (ص: 117). (¬2) قلت: وحكى وقوع طلاق الثلاث في وقت واحد الماورديُّ عن الحسن بن عليٍّ وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهم، وابن سيرين. قال -رحمه الله-: وقال أبو حنيفة: طلاق الثلاث واقع لكنه حرام مبتدع، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ومن الفقهاء مالك والعراقيون. قلت: وحكى الماوردي عن الفقهاء السبعة (فقهاء المذينة) وداود بن علي وطائفة من أهل الظاهر أْن طلاق الثلاث لا يقع. ثم ذكر الماوردي اختلاف هؤلاء هل معناه أنه يقع واحدة؟ ثم لا يقع أصلًا؟ على قولين. انظر الحاوي ج 10 (ص: 118). قلت: الذي ذكره ابن حزم وانتصر له من بين سائر الأقوال في جمع الطلاق ثلاثًا دفعة واحدة هو أنه طلاق للسنة وهو واقع، وذهب إلى أبعد من هذا وهو أنه إذا قال لها (يعني للزوجة المدخول بها) أنت طالق، فهو على ما نواه. إن نوى واحدة فواحدة أو نوى اثنتين فاثنتين، وإن نوى ثلاثًا فهو ثلاث. انظر محلى ج 10 (ص: 167) وما بعد (ص: 174)، وانظر شرح ج (ص: 54). قلت: وهذه المسألة الأخيرة كالتي ذكرها الموفق في المغني من قول الرجل: أنت طالق طلاقًا فهو بنيته؛ لأن هذه فيها تصريح بالمصدر والمصدر كما قال الموفق يقع على القليل والكثير. انظر مغ ج 8 (ص: 409).

باب في طلاق الحامل التي تبين حملها

باب في طلاق الحامل التي تبين حملها مسألة (1246) أكثر أهل العلم على أنه يجوز للرجل أن يطلق امرأته الحامل إذا تبين حملها قال ابن المنذر: وبه قال أكثر العلماء منهم طاوس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد قال ابن المنذر: وبه أقول. قلت: وهو مذهب الشافعي. وحكي عن بعض المالكية أنه حرام، وعن الحسن رواية أنه مكروه حكاها عنه (¬1) ابن المنذر. شرح ج 10 (ص:65). باب فيمن قال لامرأته أنت طالق للسنة (¬2) وكانت حائضًا أو طاهرًا وجامعها فيه باب في طلاق زائل العقل (¬3) بغير سكر وطلاق السكران المتعدي (¬4) بسكره ¬

_ (¬1) حكى الماوردي الإجماع على وقوع طلاق الحامل، وكذا الآيسة والصغيرة وغير المدخول بها والمختلعة. قلت: وجعل الماورديُّ هذه الأنواع من الطلاق الذي ليس سنة ولا بدعة. انظر الحاوي جـ 10 (ص 115). (¬2) ليس بين العلماء خلاف يعلم في أن من طلق امرأته وكانت حائضًا بأن قال لها أنت طالق للسنة أنها تطلق إذا طهرت، وكذلك إن كانت طاهرًا وقد جامعها في هذا الظهر أنها تطلق بعد انقضاء حيضتها بعد ذلك الطهر، وهذا مذهب الشافعي وأحمد. مغ ج 8 (ص: 244). (¬3) أجمع أهل العلم على أن من زال عقله بنوم أو إغماءٍ أو نحو ذلك من غير سكر ولا تعد وطلق، فإن طلاقه لا يقع مغ ج 8 (ص: 254). (¬4) أما طلاق السكران المتعدى بسكره فقد اختلف في شأنه العلماء على مذهبين الأول: يقع طلاقه وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وميمون بن مهران والحكم ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي في المعتمد من قوليه وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه وسليمان بن حرب، وروي مثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس وبه قال أحمد في رواية واختارها أبو بكر الخلال والقاضي أبو يعلى، وحكاه ابن رشد عن جمهور الفقهاء وذهب عثمان رضي الله تعالى عنه وعمر بن عبد العزيز والقاسم وطاوس وربيعة ويحيى الأنصاري والليث والعنبري وإسحاق وأبو ثور والمزني: إلى أنه لا يقع. قال ابن المنذر: هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحدًا من الصحابة خالفه. مع ج 8 (ص 255) بداية ج 2 (ص: 98)، وانظر روضة الطالبين ج 8 (ص: 62).

باب في طلاق الصبي

باب في طلاق الصبي (¬1) باب في طلاق السفيه مسألة (1247) جمهور أهل العلم على أن السفيه المحجور عليه يقع طلاقه إذا طلق، وبه قال القاسم بن محمَّد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، وهو مذهب أحمد، ومنع من وقوعه عطاء. مغ ج 8 (ص:259). باب في طلاق المكره مسألة (1248) جمهور أهل العلم على أن من أكره على الطلاق حقيقةً لا توهمًا فإن طلاقه لا يقع. روي ذلك عن عُمَرَ وعليٍّ وابن عمر وابن عباسٍ وابن الزبير وجابر بن سمرة، وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وابن عون وأيوب السختياني ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأبو عبيد وداود. وقال بوقوعه أبو قلابة والنخعي والزهري والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ابن الحسن (¬2) وعن إبراهيم النخعي إذا وَرَّى لم يقع وإلا وقع، وعن أصحاب الشافعي إن نوى قولان: أصحهما يلزمه وإن لم ينو قولان أصحهما لا يلزمه وعن الشعبي: إذا أكرهه اللصوص وقع، وإن أكرهه السلطان فلا يقع. فتح الباري جـ 2 (ص: 54). ¬

_ (¬1) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور إلا في الصبى الذي لا يعقل، فلا خلاف أن طلاقه لا يقع، أما الذي يعقل فالعلماء فيه على ثلاثة مذاهب الأول لا يقع طلاقه حتى يبلغ وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد الثوري وأبي عبيد، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق وأهل الحجاز وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية وروى هذا عن ابن عباس - رضي الله عنه -، والثاني يقع إذا عقل معنى الطلاق وبه قال أحمد في أكثر الروايات عنه وبه قال سعيد بن المسيب فيما روى عنه، وروى نحو هذا عن عطاء والحسن والشعبي وإسحاق. والثالث يقع من الصبى إذا قارب ثنتي عشرة سنة، روى هذا عن عطاء كذلك، وعن مالك إذا ناهز الإحتلام. في ج 8 (ص: 257) فتح ج 20 (ص: 59) بداية ج 2 (ص: 98). (¬2) راجع مغ ج 8 (ص: 259) بداية ج 2 (ص: 98) روضة الطالين ج 8 (ص: 56).

باب في نوع الإكراه المعذر في الشرع

باب في نوع الإكراه المعذر في الشرع (¬1) مسألة (1249) أكثر أهل العلم على أن الإكراه الذي ترتفع به بعض الأحكام ليس من شرطه وقوع العذاب أو الضرب وشبههه وإنما يكفي فيه التهديد الخوف بغلبة الظن، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية أخرى: بل لا بد من وقوع شيء من العذاب كالضرب والحبس ونحوهما. مغ ج8 (ص: 260). باب في طلاق المخطئ (¬2) مسألة (1250) جمهور العلماء على أن من سبق لسانه بالطلاق وهو لا يريده فإنه لا يقع، وبه قال أحمد وإليه ذهب جابر بن زيد والشعبي والحكم. وقال الشافعي بأنه يقع في القضاء وأما ديانةً فبينه وبين الله. والمختار في مذهب الشافعي إن دلت قرينة على صدقه عمل بقوله: وإلا فلا (¬3)، ومذهب أبي حنيفة قريب من مذهب الشافعي. قال الحافظ في الفتح: وعن الحنفية ممن أراد أن يقول لامرأته شيئًا فسبق لسانه فقال: أنت طالق يلزمه الطلاق. فتح الباري جـ 20 (ص: 55). باب في طلاق الناسي مسألة (1251) جمهور أهل العلم أن من طلق ناسيًّا فإن طلاقه لا يقع، وبه يقول عطاء وجعله الحسن البصري؛ كالعمد، إلا أن يشترط فيقول: إلا أن أنسى. فتح ج20 (ص:55). باب فيمن طلق في نفسه ولم يتلفظ به مسألة (1252) جمهور العلماء على أن من طلق في نفسه من غير أن يتلفظ بلفظ ¬

_ (¬1) راجع روضة الطالبين جـ 8 (ص: 58). (¬2) انظر مغ ج 8 (ص: 265) روضة الطالبين ج 8 (ص: 53). (¬3) انظر روضة الطالبين جـ 8 (ص: 53).

باب فيمن أوقع طلاقا قبل النكاح

الطلاق، فإنه لا يُعَدُّ شيئًا، وبه قال عطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي وإسحاق وروي كذلك عن القاسم وسالم والحسن والشعبي، وقال محمَّد بن سيرين ومحمَّد بن شهاب الزهري: يقع، وروي هذا عن مالك (¬1). فتح الباري ج 20 (ص: 61) في ج 8 (ص: 263). باب فيمن أوقع طلاقًا قبل النكاح (¬2) مسألة (1253) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن من طلق امرأة قبل أن ينكحها فإنه لا يلحقها طلاقه بعد نكاحها. حكاه الإمام البخاري عن عليٍّ وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبان بن عثمان وعليِّ بن حسين وشُرَيْح وسعيد بن جبير والقاسم وسالم وطاوس والحسن وعكرمة وعطاء وعامر بن سعد وجابر بن زيد ونافع بن جبير ومحمد بن كعب وسليمان بن يسار ومجاهد والقاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن هرم والشعبي، ونقله الحافظ في الفتح عن الشافعي وابن مهدى وأحمد وإسحاق وداود وأتباعهم وجمهور أهل الحديث. قلت: وقد صدَّر البخاري المسألة بعد الآية بأثر عن ابن عباس معلق جزمًا وهو قوله: "إنما جعل الله الطلاق بعد النكاح"، قال الحافظ: وقال بالوقوع مطلقًا: أبو حنيفة وأصحابه. وقال بالتفصيل (¬3): ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى وإبن مسعود، وأتباعه من قبل هؤلاء، وبه قال مالك في المشهور عنه، وروي عنه عدم الوقوع مطلقًا ولو عين، وعن ابن القاسم مثله، وعنه أنه توقف، وكذا عن الثوري وأبي عبيد، قال الحافظ: وقال جمهور المالكية بالتفصيل، فإن سمى امرأة أو طائفة أو قبيلةً أو مكانًا أو زمانًا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق. وجاء عن عطاء مذهب آخر مفصل بين أن يشرط ذلك في عقد نكاح امرأته أولًا، فإن شرطه لم يصح مَنْ عَيَّنها وإلا صح. أخرجه ابن أبي شبية، وتأول الزهري ومن تبعه قوله: "لا طلاق قبل نكاح" أنه محمول على من لم يتزوج أصلًا؛ فإذا قيل له مثلًا تَزَّوْج فلانة فقال: هي طالق البتة لم يقع بذلك شيء، وهو الذي ورد فيه الحديث، وأما إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق فإن الطلاق إنما يقع حين يتزوجها. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي جـ 10 (ص 150). (¬2) راجع بداية ج 2 (ص 100). (¬3) ففرقوا بين أن يوقع طلاقه قبل نكاحه من غير تعيين أو أن يعين فلانة من الناس معينة.

باب في طلاق الغضبان

قلت: وهو عينه مذهب من فصل في المسألة وقد ذكرناه قريبًا. قال الحافظ: وما ادعاه (يعني الزهري) من التأويل ترده الآثار الصريحة عن سعيد ابن المسيب وغيره من مشايخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال إن تزوجت فهي طالق، سواء خصص أم عمم أنه لا يقع، ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقًا، وقال إن تزوج لا آمره أن يفارق، وكذا قال إسحاق في المعينة. قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرًا من الأخبار والآثار الواردة في عدم الوقوع: هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الأخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما. انتهى موضع الغرض من كلام الحافظ، وفي المسألة كلام كثير ليس هذا محل بسطه بل نرجئه إلى الشرح إن شاء الله تعالى (¬1). فتح الباري ج 20 (ص: 51)، نيل الأوطار ج 7 (ص: 28) مغ ج 11 (ص: 232). باب في طلاق الغضبان (¬2) مسألة (1254) جمهور أهل العلم على أن من طلق امرأته وكان متغيظًا مغضبًا يدري ما يقول (¬3) فإن طلاقه يقع، وكذلك عتقه (¬4)، وبه يقول كل من يحفظ عنه من أهل العلم من فقهاء الأمصار وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى. وأشار أبو داود في سننه إلى المنع من وقوعه دون تفصيل، وترجم له في باب "الطلاق على غضب" وفي نسخةٍ على "غيظ" (¬5) قال الحافظ: وهو مروى عن بعض متأخري الحنابلة، ولم يوجد عن أحدٍ من متقدميهم إلا ما أشار إليه أبو داود. ¬

_ (¬1) وقد ذكر الموفق في المغني تفصيلًا لما روي عن أحمد في هذه المسألة، سأذكره في محله هناك في كتاب الأيمان، حيث ذكر المسألة الموفق -رحمه الله- تعالى، وانظر هذه المسألة في الحاوي جـ 10 (ص 25). (¬2) راجع فتح جـ 20 (ص 54). (¬3) أما الغضبان الذي لا يدري ما يقول، فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه لا يقع طلاقه، قال ابن القيم: قال شيخنا (يعني ابن تيمية): والإغلاق انسداد باب العلم والقصد عليه، فيدخل فيه طلاق المعتوه والمجنون والسكران والمكره والغضبان الذي لا يعقل ما يقول. اهـ. قلت: ويُسَمَّى عند الأحناف المدهوش الذي دهش عقله بغضب، وغيره فلا يدري ما يقول. نص عليه صاحب البدائع الإِمام الكاساني جـ3 (ص 100) وهذا رد على الحافظ في الفتح، فإنه قال بأن هذا لا يعرف عن الحنفية. (¬4) ذكرت هنا العتاق مع أنه غير مناسب للباب، وذلك إشارة إلى الحديث المروى عند أبي داود وغير "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" وفي رواية في غِلاق"، وإسناده ضعيف في إسناده محمَّد بن عبيد بن صالح المكي، وهو ضعيف. (¬5) وفي نسخةٍ "على غلط" وأكثر النسخ "على غضب".

باب في طلاق الهازل إذا صرح به

قال العلامة الآبادي: ثم الطلاق على في غيظٍ واقع عند الجمهور، وفي روايةٍ عن الحنابلة أنه لا يقع، والظاهر أنه مختار المصنف (يعني أبو داود) -رحمه الله- تعالى. عون المعبود ج 6 (ص: 261). باب في طلاق الهازل (¬1) إذا صرح به باب في من جعل الطلاق بيد زوجته (¬2) أو قال لها أمرك بيدك مسألة (1255) جمهور أهل العلم على أن من قال لامرأته أمرك بيدك؛ فإن هذا لا يكون طلاقًا إلا إذا نواه في الحال أو طلقت المرأة نفسها، وإذا ردت الأمر إليه لم يكن شيءٌ فلا يقع طلاقٌ، وممن روي عنه هذا الأخير ابن عُمَر وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز ومسروق وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والأوزاعي والشافعي، وهو مذهب أحمد. وقال قتادة: إن ردت الأمر إليه كانت طلقةً واحدة رجعيةً. مغ ج 8 (ص: 288). باب في التخيير في الطلاق مسألة (1256) جمهور العلماء على أن من خير زوجته بين أن تبقى على عصمته أو تختار فراقه؛ فإن هذا مقيد بمجلس التخيير ولا يمتد بعده. روي هذا عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي. وقال الزهري وقتادة وأبو عبيد وابن المنذر ومالك في إحدى الروايتين: هو على ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على أن من طلق امرأته بصريح لفظ الطلاق؛ فإنه طلاقه يقع هازلًا كان أو جادًا قصد، أو لم يقصد في قلبه، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء، وروي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء وعبيدة، وبه يقول الشافعي وأبو عبيد، ونقله أبو عبيد عن سفيان وأهل العراق. مغ جـ 8 (ص 279). (¬2) واختلف العلماء فيمن جعل الطلاق بيد زوجته هل يتقيد إذنه وتفويضه في المجلس نفسه، فإذا انفض المجلس ولم تطلق نفسها لم يكن لها بعد ذلك من أمر طلاقها شيءٌ، أو أن تفويضها طلاق نفسها يتراخى ويمتد فمتى شاءت طلقت نفسها؟؟ على مذهبين، وبالأول قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وبالثاني قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر، وهو مروي عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه، وهو مذهب أحمد. مغ جـ 8 (ص 287).

باب في التخيير في الطلاق هل يكون رجعيا أم بائنا؟

التراخي ولها الاختيار في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ. مغ ج 8 (ص: 294). باب في التخيير في الطلاق هل يكون رجعيًّا أم بائنًا؟ مسألة (1257) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من خير امرأته في الطلاق من غير أن يعين عدد الطلقات التي خيرها فيها ثم اختارت الطلاق. فإنه يكون طلاقًا واحدًا رجعيًّا، وبه قال من الصحابة عمر وابنه وابن مسعود وزيد بن ثابت وعائشة، وروي هذا عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو، وبه قال أحمد، وهو مقتضى قول الشافعي (¬1) -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة: هي واحدة بائن، وهو قول ابن شبرمة. وقال مالك: هي ثلاث في المدخول بها. مغ ج 8 (ص: 297). باب في المخيرة تختار زوجها أو ترد الأمر إليه مسألة (1258) جمهور العلماء على أن المخيرة في الطلاق إذا ردت الأمر إلى زوجها أو اختارت زوجها؛ فإنه لا يقع عليها طلاق. روي ذلك عن عمر وعليٍّ وزيد وابن مسعود وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وأحمد وابن المنذر. وقال الحسن: تكون واحدة رجعية وروي ذلك عن عليٍّ وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد، وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك ورده القاضي عياض، وبه قال أحمد في رواية شاذة. رواها إسحاق بن منصور قال أحمد -رحمه الله-: فإن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة، وإن اختارت نفسها فثلاث. قال الموفق: قال أبو بكر: انفرد بهذا إسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة (¬2). بداية ج 2 (ص: 89)، شرح ج 10 (ص: 79). ¬

_ (¬1) لأنه لا فرق عنده بين التخيير والتمليك قال -رحمه الله- تعالى: "اختاري" أو "أمرك بيدك" سواء، وهو بنيته؛ فإن لم يعني الزوج عددًا وطلقت المرأة نفسها أو اختارت الفراق؛ فهو واحدة رجعية. انظر بداية جـ 2 (ص 87). (¬2) انظر مغ ج (ص 298).

باب في الاستثناء في الطلاق

باب في الاستثناء في الطلاق مسألة (1259) أكثر أهل العلم على أنَّ الاستثناء في الطلاق جائز؛ فمن طلق امرأته عددًا من الطلقات أو طلق نساء، واستثنى إحداهن أو بعضهن؛ فإن المستثنى من الطلقات لا يقع والمستثنيات من الطلاق لا يقع عليهن طلاق. وحكى ابن المنذر في هذه المسألة الإجماع (¬1) قال -رحمه الله- تعالى: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة أنها تطلق طلقتين. منهم: الثوري والشافعي وأصحاب الرأي. قلت: وهو مذهب أحمد. قال الموفق -رحمه الله- تعالى: وحكي عن أبي بكر (يعني عبد العزيز) أن الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات، فلو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة وقع الثلاث، ولو قال: نسائي طوالق إلا فلانة لم تطلق. مغ ج 8 (ص:311). باب في استثناء الأكثر من الأقل في عدد الطلقات مسألة (1260) الأكثرون من أهل العلم على أن استثناء الأكثر من الأقل في عدد الطلقات أو في عدد الطوالق يصح، وبه قال مالك (¬2) والشافعي (¬3)، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال أحمد -رحمه الله- تعالى: لا يصح، وبه يقول أبو يوسف فيما روي عنه. مغ ج 8 (ص: 312) بدائع جـ 3 (ص: 155). باب في الحلف بالطلاق (¬4) وهل يجوز أن يكون الطلاق يمينًا؟ مسألة (1261) جمهور الفقهاء على أن من حلف بالطلاق على فعل شيء أو ترك شيء، ¬

_ (¬1) وقال ابن رشد: فإذا استثنى الأقل من الأكثر، فلا خلاف أعلمه أن الاستثناء يصح ويسقط المستثنى مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة. بداية جـ 2 (ص 97). (¬2) انظر بداية جـ 2 (ص 97). (¬3) نص عليه الشافعي -رحمه الله- فقال: ولو قال أنت طالقٌ ثلاثًا إلا اثنين فهي واحدة. انظر الحاوي الكبير جـ 10 (ص 248). (¬4) اختلف الفقهاء في كيف يكون الحلف بالطلاق، فمنهم من جعل الطلاق المعلق على شرط يمين طلاق إذا قصد منعًا أو زجرًا، وكان ممكنًا فعل هذا الشرط أو تركه، ومنهم من جعل استعمال لفظ الطلاق للتوكيد على فعل أمرٍ أو تركه يمين طلاق لا غير، وفي المسألة كلام كثير انظر مغ ج 8 (ص 334)، روضة جـ 8 (ص 114).

باب فيمن جعل الطلاق قسما (يمينا) على فعل شيء

ثم حنث في يمينه؛ فإن طلاقه يقع، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وذهبت طائفة من السلف وجمع من المتأخرين إلى أنه لا يقع طلاقه، وهؤلاء ما بين أن يجعلوه يمينًا ففيه الكفارة أو لا يُعَدُّ شيئًا ولا كفارة فيه ولا طلاق. قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- جوابًا على سؤال فيمن حلف بالطلاق على أمرٍ من الأمور ثم حنث في يمينه هل يقع به الطلاق أو لا؟: أما المسألة (الأولى) ففيها نزاع بين السلف والخلف على ثلاثة أقوال: (أحدها): أنه يقع به الطلاق إذا حنث في يمينه وهذا هو المشهور عند أكثر الفقهاء المتأخرين حتى اعتقد طائفةٌ منهم أن ذلك إجماع. ثم ذكر -رحمه الله- القول الثاني فقال: (والقول الثاني): أنه لا يقع به طلاق ولا يلزمه كفارة، وهذا مذهب داود وأصحابه وطوائف من الشيعة ويذكر ما يدل عليه عن طائفةٍ من السلف بل مأثور عن طائفةٍ صريحًا؛ كأبي جعفر الباقر رواية جعفر بن محمد. ثم ذكر القول الثالث فقال -رحمه الله-: (والقول الثالث): وهو أصح الأقوال، وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار أن هذه يمين من أيمان المسلمين فيجري فيها ما يجري في أيمان المسلمين؛ وهو الكفارة عند الحنث إلا أن يختار الحالف إيقاع الطلاق فله أن يوقعه ولا كفارة، وهذا قول طائفة من السلف والخلف؛ كطاوس وغيره. اهـ موضع الغرض (¬1). باب فيمن جعل الطلاق قسمًا (يمينًا) على فعل شيء مسألة (1262) أكثر أهل العلم على أن من طلق امرأته على فعل شيء؛ كأن يقول أَنْتِ طالقٌ لأقومن لأجلسنَّ لا أشربن من هذه القربة؛ فإنه يمين طلاق لا تطلق امرأته به إلا إذا حنث بترك الفعل في الوقت الذي عينه، وممى روى عنه هذا سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والشعبي والثوري وأصحاب الرأي. قلت: وهو مقتضى مذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى. وقال شريح: تطلق امرأته ولو قام، وجعله طلاقًا غير معلقٍ بشرط. مغ ج 8 (ص: 339). ¬

_ (¬1) وقد انتصر ابن تيمية لقوله هذا أشد الانتصار وأما محمَّد بن حزم الأندلسي فقد انتصر للقول الثاني وهو أنه لا يعتبر يمينًا وليس فيه كفارة ولا يقع به طلاق. انظر على ج 15 (ص 211).

باب في هل يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه؟

باب في هل يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه؟ مسألة (1263) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من حلف بالطلاق على فعل شيء؛ فإنه يمنع من وطء زوجته حتى يفعل الذي حلف عليه، وبه يقول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأبو عبيد وأحمد في رواية الأثرم عنه. وفصَّلَ يحيى الأنصاري ورييعة ومالك فقالوا: يضرب له أجل المُوْلىِ كما لو حلف أن لا يطأها، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يمنع من وطئها، وهو المفتى به في مذهب أحمد. مغ ج 8 (ص: 348). باب في الطلاق إلى أجل مسألة (1264) أكثر الفقهاء على أن من علق طلاق امرأته بأجل معين أو غير معين فإن طلاقه لا يقع قبل حلول الأجل، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وروى هذا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعطاء وجابر بن زيد والنخعي والشعبي وسفيان الثوري وأبي عبيد وإسحاق وأحمد. وقال مالك: يقع الطلاق معجلًا. روي هذا عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري ويحيى الأنصاري والليث وزفر (¬1). وقال محمَّد بن حزم: لا يقع الطلاق أبدًا (¬2). الحاوي الكبير جـ 10 (ص: 192). باب فيمن قال لامرأته الطاهر إذا حضت فأنت طالق مسألة (1265) أكثر أهل العلم على أن من قال لامرأته الطاهر إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضًا وقع عليهما الطلاق، فإن بان أنه ليس حيضًا لم تطلق حتى تحيض، وبه يقول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا قال غير ذلك إلا مالكًا (¬3). وقال مالك: يحنث حين تكلم به. مغ جـ 8 (ص: 363). ¬

_ (¬1) راجع محلى جـ 10 (ص 214)، مغ جـ 8 (ص 318). (¬2) راجع محلى جـ 10 (ص 213). (¬3) قد ذكرنا في المسألة السابقة من قال بقول مالك في أصل تلك المسألة فتبين أن مالكًا لم ينفرد بهذا، والله تعالى أعلم.

باب في الحلف بالحرام وهو قول الرجل على الحرام

باب في الحلف بالحرام وهو قول الرجل علىَّ الحرامُ مسألة (1266) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن قول الرجل "عليَّ الحرامُ" هي يمين معتدٌّ بها وتدخل في مسائل الطلاق على خلاف يينهم هل تفتقر إلى نية أم لا، وممن ذهب إلى أنها يمين طلاق إذا نوى طلاقًا: الحسن البصري والنخعي وطاوس وأبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد وإسحاق، وأما عدد الطلقات فبحسب نيته، وروي هذا عن ابن مسعود وابن عمر. وممن ذهب إلى أنها يمين طلاق بائن بينونة كبرى؛ فلا تحل له من بعد أن تنكح زوجًا غيره: الحكم وابن أبي ليلى ومالك في المدخول بها، وروي هذا عن عليٌّ وزيد ابن ثابت وابن عُمَر وأبي هريرة. وأما غير المدخول بها، فقال مالك: إذا نوى الطلاق. وممن ذهب إلى أنها يمين طلاق واحد بائن: الحكم بن عيينة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري ومالك في رواية خويز بن منداد عنه. وممن ذهب إلى أنه طلاق واحد رجعي: الزهري وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون وروي هذا عن عمر. وذهبت طائفةٌ إلى أنها يمين منعقدة فيها الكفارة، وممن روى عنه هذا: أبو بكر وعمر وعائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والأوزاعي وأبي ثور. وذهبت طائفة يسيرة إلى أنها لا شيء فلا هي يمين طلاق ولا هي منعقدة ولا كفارة فيها، وممن روى عنه هذا مسروق والشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وربيعة وأصبغ من المالكية (¬1). وقد اختلف في النقل عن بعض من حكينا قولهم، وهناك مذاهب أخرى تركتها خشية التطويل لكن حاصلها يجمعه في الأغلب ما ذكرناه وبالله التوفيق (¬2). ¬

_ (¬1) واشتد نكير الإِمام ابن حزم في هذه المسألة على من قال بخلاف هذا المذهب وانتصر له أشد الانتصار. (¬2) ومن هذه المذاهب من جعلها يمين ظهار. روي هذا عن عثمان - رضي الله عنه - وإسحاق وأحمد فيما إذا أطلق، وأما إن نوى الطلاق فرواية الجماعة عنه أنها يمين طلاق. انظر في المصادر آخر المسألة السالفة. قلت: ذكر النووي نقلًا عن القاضي عياض أربعة عشر مذهبًا في هذه المسألة لكنني جمعت محصلتها في قول واحد، وهو الذي صدرت به المسألة.

باب في تبعيض الطلاق وقول الرجل: أنت طالق نصف طلقة

فتح الباري ج 20 (ص: 34)، الحاوي الكبير ج 10 (ص: 182)، بدائع الصنائع ج 3 (ص: 105)، تفسير القرطبي ج 8 (ص: 180)، المحلى ج 10 (ص: 124) مغ ج 8 (ص: 305) روضة الطالبين ج 8 (ص: 28) شرح ج 10 (ص: 73). باب في تبعيض الطلاق وقول الرجل: أنت طالق نصف طلقة مسألة (1267) عامة أهل العلم على أن الطلاق لا يتبعض فمن طلق نصف طلقة أو طلاق فهي طلقة كاملة وهو طلاق كامل، ونقل ابن المنذر الإجماع في هذه المسألة عمن يحفظ عنه من أهل العلم، وحكاه عن الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبي عبيد، وقال أبو عبيد: وهو قول مالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق. مغ ج 8 (ص 417). باب فيمن اشتبه عليه المطلقة من نسائه هل له أن يقرع بينهن؟ مسألة (1268) أكثر أهل العلم على أن من طلق إحدى نسائه ولم يدر أيتهن التي وقع عليها الطلاق؛ فإنه لا يجزئه أن يقرع بينهن لتعيينها, ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهن حتى يعلم المطلقة منهن، وتجب نفقة الجميع عليه (¬1). وذهب أكثر الأصحاب من الحنابلة إلى أن القرعة جائزة فمن تعينت بالقرعة جاز للزوج قربان من سواها، وضعف هذا القول الموفق، وذكر من الرواية عن أحمد ما يوافق الجمهور، وأن القرعة تكون في الميراث لا في الحل. مغ ج 8 (ص 431). باب في المرأة يثبت عندها طلاقها ثلاثًا والزوج ينكره مسألة (1269) أكثر أهل العلم على أن من ثبت عندها طلاقها من زوجها ثلاثًا، وأنكر الزوج الثلاث كلها أو بعضها، فإنه لا يجوز للزوجة تمكينه منها وهي عنه أجنبيةٌ، قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين: تفر منه ما استطاعت وتفتدي منه ¬

_ (¬1) وقد ذكرت في تعليقي على المغني ما يفيد الخروج من حرج هذه المسألة، وذكرت كذلك ما هو الأنسب للإفتاء والقضاء خلافًا للجمهور، فانظره هناك ففيه فوائد إن شاء الله تعالى.

باب في المرأة المطلقة أقل من ثلاث تنكح غير زوجها ثم تعود إليه

بكل ما يمكن، وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو عبيد: تفر منه، وقال مالك: لا تتزين له ولا تبدي له شيئًا من شعرها ولا عريتها ولا يصيبها إلا وهي مكرهة، وبنحو هذا قال أحمد. وروي عن الحسن والزهري والنخعي يُسْتَحَلفُ ثم يكون الإثم عليه. مغ ج 8 (ص 440). باب في المرأة المطلقة أقل من ثلاث تنكح غير زوجها ثم تعود إليه مسألة (1270) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن من طلق امرأته دون ثلاث طلقات ثم بانت منه وتزوجت غيره ثم مات عنها أو انقضت عدتها منه من طلاق، فإذا عادت إلى زوجها الأول بنكاح جديد؛ فإنها تعود على ما بقى لها من طلاق ولا تستأنف عدد الطلقات من جديد. قال الموفق -رحمه الله- تعالى: وهذا قول الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عُمَرُ وعليٍّ وأبَيِّ ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة, وروى ذلك عن زيد وعبد الله بن عمرو بن العاص، وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر. قلت: وأحمد في رواية: ذكرها الموفق في أول المسألة، وهو قول الأوزاعي وزفر (¬1). وقالت طائفة: ترجع إليه وتستأنف عدد الطلقات، وهو المسمى بهدم الطلاق الأول، وبه قال ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبو حنيفة وأبو يوسف (¬2). مغ ج 8 (ص 442)، والحاوي ج 10 (ص 286). * * * ¬

_ (¬1) راجع الحاوي الكبير جـ 10 (ص 287). (¬2) واختلف الفقهاء إذا كان أحد الزوجين ليس من الأحرار عبدًا أو أمةً؛ فذهب جماعة إلى أن الاعتبار بالرجل، فإن كان الرجل عبدًا فطلاقه اثنتان، ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره روى هذا عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال آخرون: مهما كان أحد الزوجين ليس حرًّا نقص عدد الطلاق وبه قال ابن عمر، وقال آخرون كثيرون: الاعتبار بالنساء، فطلاق الأمة اثنتان حرًّا كان الزوج أم عبدًا، وطلاق الحرة ثلاث حرًّا كان الزوج أم عبدًا. روي هذا عن عليٍّ وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، وبه قال الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة. مغ جـ 8 (ص 443).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الرجعة

كتاب الرجعة

كتاب الرجعة (¬1) باب في اشتراط الوطء من زوجها الثاني حتى تحل للأول مسألة (1271) جمهور أهل العلم، بل عامتهم على أنه يشترط للمطلقة ثلاثًا حتى تحل الأول أن يطأها (¬2) الزوج الثاني، وممن قال هذا: عليُّ بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وتبعهم على هذا جماعة أهل العلم وفقهاء الأمصار منهم: مسروق والزهري ومالك وأهل المدينة والثوري وأصحاب الرأي والأوزاعي وأهل الشام والشافعي وأبو عبيدة وغيرهم رحمهم الله تعالى. وانفرد سعيد بن المسيب -رحمه الله- تعالى؛ فقال بعدم اشتراط الوطء فإذا تزوجها زواجًا صحيحًا لا يقصد به تحليلًا؛ فلا بأس أن يتزوجها الأول. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج. مغ ج 8 (ص: 471) شرح ج 10 (ص: 3)، والحاوي ج (ص: 326). باب في الأمة هل يختلف حكمها عن الحرة؟ مسألة (1272) جمهور العلماء على أن الأمة المطلقة البائن من زوجها بينونة كبرى لا تحل للأول حتى ينكحها رجل آخر. وقال بعض أصحاب الشافعي تحل الأمة إذا استبرأها مطلقها. مغ ج 8 (ص: 472). ¬

_ (¬1) أجمع أهل العلم على أن الرجل الحر إذا طلق زوجته دون الثلاث أو كان عبدًا فطلق دون الاثنتين أن لكل منهما أن يرتجع زوجته ما دامت في العدة، ولا خيار لها في ذلك وبدون عقد أو مهر جديدين ويُسَنُّ الإشهاد باتفاق، وأجمع أهل العلم على أن الرجل لا حق له في الرجعة في المطلقة غير المدخول بها، وأن من هذا حالها تبين بطلقة واحدة ولا عدة على من هذا حالها، وأجمعوا كذلك على أن الرجل إذا طلق زوجته طلقتين ثم ارتجعها أثناء عدتها أو تزوجها بعد مضي عدتها أنها تعود إليه، وقد بقى له عليها طلقة واحدة، وأجمعوا كذلك على أن المدخول بها إذا طلقت ثلاثًا أنها لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجًا غيره. مغ جـ 8 (ص: 470، 471، 482). (¬2) فائدة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى تذوقي عسيلته" في قصة امرأة رفاعة وقد طلقها ثلاثًا. حكى الماوردي عن الشافعي وأكثر الفقهاء أنها الجماع، وقال أبو عبيد: هي لذة الجماع، وقال آخرون: هي الإنزال. انظر الحاوي جـ 10 (ص 327).

باب في صفة النكاح الذي يحل المطلقة ثلاثا لزوجها الأول

باب في صفة النكاح الذي يُحِلُّ المُطَلَّقَةَ ثلاثًا لزوجها الأول مسألة (1273) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن النكاح الذي يحل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول هو النكاح الصحيح؛ فإن كان النكاح فاسدًا لم يحلها لزوجها الأول الوطء فيه، وهو قول الحسن والشعبي وحماد ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في قوله الجديد، وهو المفتى به في مذهب أحمد. وقال الشافعي في القديم بأن النكاح الفاسد إذا كان فيه وطءٌ أحلها لزوجها الأول وبهذا قال الحكم، وجعله أبو الخطاب من الحنابلة وجهًا في المذهب. مغ ج 8 (ص: 473). باب في وطء الزوج المملوك (¬1) هل يحل المطلقة ثلاثًا باب في المراهق هل يحلُّ وَطْؤُهُ المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول مسألة (1274) جمهور العلماء على أن الزوج لو كان مراهقًا (قارب البلوغ) فإن وطأه يحل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول. وخالف في ذلك مالك وأبو عبيد فقالا: لا يحلها. وروى هذا عن الحسن. مغ ج 8 (ص: 475). باب في رجعة الحامل بولدين مسألة (1275) مذهب عامة أهل العمل أن المطلقة الحامل بولدين إذا وضعت إحداهما؛ فإن لزوجها مراجعتها حتى تضع الثاني. وحكى عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول. مغ ج 8 (ص: 178). باب في هل يشترط في الرجعة القول أو تجوز بفعل يدل عليها؟ مسألة (1276) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من أراد أن يراجع مطلقته أثناء عدتها فلا يشترط لصحة الرجعة أن يقول لها "راجعتك" بل يجوز له مراجعتها ¬

_ (¬1) ليس بين أهل العلم خلاف يعلمُ أن المطلقة ثلاثًا إذا تزوجها عبد مملوك ووطئها أن ذلك يحلها لزوجها الأول، وهو قول عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. مغ ج 8 (ص 475).

باب في عدة من راجعها زوجها ثم طلقها قبل وطئها هل تبني على ما مضى أم تستأنف

بالقول، وبما يدل عليه من الفعل، فإذا نوى بفعله المراجعة صحت رجعته باتفاق، وأكثر هؤلاء لا يشترط النية. وممن قال تصح المراجعة بالفعل ولو بدون نية: سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد في رواية وهي اختيار ابن حامدٍ والقاضي وأصحاب الرأي، قال بعضهم: ويشهد. وممن قال: تجوز الرجعة بالفعل ولكن مع النية: مالك وإسحاق. وذهب الشافعي -رحمه الله- تعالى إلى أنه لا بد أن يراجعها بالقول، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين. مغ ج 8 (ص: 483). باب في عدة من راجعها زوجها ثم طلقها قبل وطئها هل تبني على ما مضى أم تستأنف مسألة (1277) جمهور (¬1) أهل العلم على أن المرأة إذا طلقها زوجها ثم راجعها في عدتها ثم طلقها ثانيةً قبل أن يطأها؛ فإنها تستأنف لنفسها عدة جديدة ولا تبني على ما مضى من عدتها، وبه قال طاوس وأبو قلابة وعمرو بن دينار وجابر وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وأحمد في رواية ابن منصور عنه. قال الموفق: وقال الثوري: أجمع الفقهاء على هذا. وقال عطاء والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين: تبنى على ما مضى من عدتها. وحكي عن مالك أنه إذا قصد الزوج الإضرار بها بنت وإلا استأنفت. حكاه عنه أبو الخطاب هكذا ذكره الموفق -رحمه الله- تعالى. مغ ج 8 (ص: 495). باب في من راجع امرأته المطلقة بغير علمها فتزوجت بعد انقضاء عدتها هل ترد للأول؟ مسألة (1278) أكثر الفقهاء على أن من راجع مطلقته في عدتها بغير علمها ثم ¬

_ (¬1) وإنما جعلت هذه المسألة من مسائل الجمهور لحكاية الثوري الإجماع فيها مع وجود عدد من المخالفين.

تزوجت غيره بعد انقضاء عدتها؛ فإن لزوجها الأول ردها إليه إذا أقام البينة على ارتجاعها، وسواء دخل بها الثاني أول لم يدخل ونكاح الثاني فاسد لا اعتداد به، وبه قال الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وأحمد في روايةٍ، وروى ذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه. وقال مالك وأحمد في إحدى الروايتين. هي للثاني إن كان دخل بها ويبطل نكاح الأول. روى ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وروى معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم ونافع مغ ج 8 (ص: 498). * * *

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء (¬1) باب في الشروط (¬2) التي يكون بها الحالف موليًا مسألة (1279) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن كل يمين منعت وطء المرأة (الزوجة) فهي إيلاء يستوي في ذلك من حلف بالله أو بصفاته أو بحلف بالطلاق أو العتاق أو الظهار أو نحو ذلك. روى هذا عن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما، وبه قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجاز والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق والشافعي في الجديد من مذهبه وأبو ثور وأبو عبيد وأحمد في إحدى الروايتين وغيرهم رحمهم الله تعالى، وقال الشافعي في القديم (¬3) وأحمد في رواية: إن الإيلاء لا يكون إلا بالحلف بالله أو بصفاته. مع ج8 (ص:503). باب في المدة (¬4) التي إذا حلف على ترك الوطء فيها يكون موليًا باب في الإيلاء هل يشترط أن يكون في الغضب مسألة (1280) جمهور أهل العلم على أن الإيلاء ليس من شرط صحة وقوعه أن ¬

_ (¬1) أصل الإيلاء في اللغة: الحَلْفُ. قال ابن منظور: والفعل آلى يُؤْلِي إِيَلاءً: حَلَفَ، وَتَأَّلى يَتَأَلَّى تألِّيًا، وأْتلَى يْأتَلي ائْتِلَاءً، وفي التنزيل العزيز: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ ...} الآية. لسان العرب جـ 14 (ص 40) قلت: وفي اصطلاح الفقهاء: الإيلاء: الحلف عن ترك وطء الزوجة مدة من الزمان مع اختلاف الفقهاء في تحديد المدة التي يكون فيها الزوج مُوليًا قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (¬2) لا خلاف بين أهل العلم أن أحد هذه الشروط هو الحلف على ترك الوطء، ولا خلاف بينهم على أن الحلف بالله تعالى أو بصفةٍ من صفاته مستوفٍ لأحد شروط الإيلاء، وأما الحلف بغير ذلك فسيأتي الخلاف فيه. مغ ج 8 (ص 502). (¬3) انظر الحاوي الكبير جـ 8 (ص 230). (¬4) ليس في هذه المسألة إجماع بل فيها خلاف شديد ينحصر في ثلاثة مذاهب (الأول): يكون الإيلاء بالحلف على ترك الوطء أربعة أشهر أو أكثر، وهو قول عطاء والثوري وأصحاب الرأي وحكي هذا عن أحمد. (الثاني): أكثر من أربعة أشهر وهو قول ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد، وحكاه النووي عن معظم الصحابة والتابعين. (الثالث): الإيلاء يكون بالحلف على ترك الوطء بقليل الزمان وكثيره بشرط أن يتركها أربعة أشهر؛ فإن فعل هذا كان موليًا، وبه قال قتادة والنخعي وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق، ومذهب أحمد المفتى به هو الثاني. مغ جـ 8 (ص 505). شرح ج 10 (ص 88).

باب في المؤلي يطلق في مدة الإيلاء

يكون في حالة الغضب. روي ذلك عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، وبه قال الثوري والشافعي وأهل العراق وابن المنذر. وقال مالك والأوزاعي: لا يكون مؤليًّا إذا حلف لمصلحة ولده لفطامه، وعن أبي عبيد مثله. وحكي عن عليٍّ وابن عباس - رضي الله عنهم - لا يكون موليًّا إلا إذا حلف على وجه الغضب، وروي نحو ذلك عن الحسن وقتادة والنخعي، وروي عن عليٍّ - رضي الله عنه - ليس في إصلاح إيلاء (¬1). شرح ج10 (ص: 89). باب في المؤلي يطلق في مدة الإيلاء مسألة (1281) جمهور الفقهاء على أن المُولي إذا طلق امرأته في مدة الإيلاء وقد مر عليها ثلاثة أقراء؛ فإنها تستأنف (تبدأ) عدتها من جديد. وقال جابر بن زيد: تنقضي عدتها بذلك. شرح جـ 10 (ص: 89). باب في هل تطلق (¬2) المرأة بمضى مدة الإيلاء أم غير ذلك؟ باب في الفيئة وكفارتها (¬3) مسألة (1282) جمهور العلماء على أن المُولي إذا فاء ووطأ أهله لزمته الكفارةُ. روي ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 8 (ص 254). (¬2) وهذه المسألة كذلك ليس فيها إجماع ولا قول للجمهور، وإنما أضع بعض الأبواب مع خلوها من نسبةٍ للجمهور وذلك لأنها عندي من أمهات المسائل أبتغي بذلك إفادة القارئ والمطلع، فإذا وضح هذا فإن الخلاف في هذه المسألة شديد وقد انحصر بالجملة في مذهبين، وكلاهما مروي عن عدد كبير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبت طائفة كثيرة إلى أن مضى الأربعة أشهر يوقف المدة؛ ويأمر الحاكم الزوج بالفيئة أو الطلاق، وإلا طلق الحاكم، وهل هو طلاق رجعي أم بائن فيه خلاف، وذلك إذا رفعت المرأة أمرها إلى الحاكم ولا تطلق بمجرد مضي الأربعة أشهر، روي هذا عن ابن عمر وعائشة وأبي الدرداء وعن عمر وعثمان وعليٍّ ما يدل عليه، وبهذا قال سعيد ابن المسيب وعروة ومجاهد وطاوس ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر، وقال سليمان بن يسار: كان تسعة عشر رجلاً من أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يوقفون في الإيلاء، ونقل مثل ذلك عن اثني عشر صحابيًّا سهيل بن أبي صالح، وذهبت طائفة أخرى إلى أن المولية تطلق إذا مضت الأربعة أشهر وهي طلقة بائنة. روي هذا عن عثمان وعليّ وزيد وابن عمر، وبه قال جزمًا ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - وهو قول عكرمة وجابر بن زيد وعطاء والحسن ومسروق وقبيصة والنخعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي. وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري أنهم قالوا بل هي تطليقة رجعية. مغ ج 8 (ص: 528، 542، 543) شرح جـ10 (ص 88). (¬3) قال الموفق -رحمه الله-. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء لجماع كذلك قال ابن عباس، وروي ذلك عن عليّ وابن مسعود، وبه قال مسروق وعطاء والشعبي والنخعي وسعيد بن =

باب في المعذور بالفيء بالجماع هل يجزؤه أن يفيء بلسانه

ذلك عن زيد وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وبه قال ابن سيرين والنخعي والثوري وقتادة ومالك وأهل المدينة وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر والشافعي في ظاهر مذهبه. وقال الحسن: لا كفارة عليه وبه قال الشافعي في أحد قوليه. قال قتادة: هذا خالف الناس، يعني قول الحسن. مغ ج 8 (ص: 534). باب في المعذور بالفيء بالجماع هل يجزؤه أن يفيء بلسانه مسألة (1283) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المولى إذا أراد أن يفيء، وكان لا يقدر على الوطء بعذر يبيحه الشرع؛ كمرضٍ أو إحرامٍ أو نحو ذلك فإن له أن يفيء بلسانه بأن يقول متى قدرت جامعتك ونحو هذا، وممن قال: يفيء بلسانه إذا كان ذا عذرٍ ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه، وبه يقول جابر بن زيدٍ والنخعي والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وعكرمة وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وقال سعيد بن جبير: لا يكون الفيء إلا بالجماع في حال العذر وغيره. وقال أبو ثور: إذا لم يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل إن كان غائبًا ولا تلزمه الفيئة بلسانه. وقال بعض الشافعية: يحتاج أن يقول قد ندمت على ما فعلت وإن قدرت وطئت. مغ ج 8 (ص: 537). * * * ¬

_ = جبير والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيدة وأصحاب الرأي. مغ ج 8 (ص 534). وحكى النووي الاتفاق على أن المولى لا طلاق عليه قبل مضي الأربعة أشهر؛ وأنه لو جامع قبل ذلك سقط الإيلاء عنه. انظر شرح جـ 10 (ص 88).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الظهار

كتاب الظهار

كتاب الظهار (¬1) باب كيف يكون الظهار مسألة (1284) جمهور العلماء على أن من شبه زوجته بمن تحرم عليه على التأبيد سواء كانت ذات رحم أو غير ذلك (¬2) فهو ظهار؛ كالذي يشبهها بأمه ولا فرق، ويستوي في ذلك الجدات والعمات والأمهات في الرضاعة وأمهات النساء وحلائل الأبناء والآباء ونحو ذلك، وممن قال التشبيه بذات الرحم المحرمة على التأييد كالتشبيه بالأم: الحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد، وهو مذهب أحمد، وقال الشافعي في القديم: لا يكون الظهار إلا بأم أو جدةٍ. في ج ص 556 فتح ج 2 (ص: 107) والقرطبي ج 17 (ص: 274). باب فيما لا يكون ظهارًا مسألة (1285) جمهور أهل العلم على أن من شبه زوجته بما يحرم عليه مما ليس محلًّا للاستمتاع بأصل الشرع، كالرجال من الآباء وغيرهم أو البهائم أو نحو ذلك؛ فإن هذا لا يكون ظهارًا مغ اختلافهم في وجوب الكفارة وعدمها. وهو قول أحمد في إحدى الروايتين، وقال ابن القاسم صاحب مالك فيمن يقول أنت عليَّ كظهر أبي أنه ظهار، وبه قال أحمد في روايةٍ. وروي عن جابر بن زيد. مغ ج 8 (ص: 558) فتح ج 20 (ص: 108). ¬

_ (¬1) الظهار هو أن يشبه الرجل زوجته بمن تحرم عليه على التأييد، وهو مشتق من الظهر، يعني ما يركب من الدواب وهو من باب إطلاق الجزء على الكل؛ فإن شبهها بأمه، فقال: أنت كظهر أمي فهذا ظهار صريح حكى فيه ابن المنذر الإجماع، فإن شبهها بغير ذلك، ففيه خلاف يشتد تارةً ويضعف تارة أخرى، وسيأتي بيان بعض ذلك في أصل الكتاب، مغ ج 8 (ص 556) وعامة أهل العلم على أن المظاهر هو لا يحتاج أن يقول ما به صار مظاهرًا حتى تجب في حقه الكفارة، وانفرد ابن حزم؛ فقال: لا يكون مظاهرًا تلزمه الكفارة حتى يعود لما قال لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ...}. انظر محلى جـ 10 (ص 50). (¬2) كانت هذه المسألة مسألتين الأولى: في اختلافهم في ذات الرحم المحرمة، والثانية في غيرهما، ثم وجدت أن الخلاف واحد فجعلتهما واحدةً.

باب فيمن قال أنت علي كأمي هل يكون ظهارا أم لابد له من نية؟

باب فيمن قال أنت عليَّ كأمي هل يكون ظهارًا أم لابد له من نية؟ مسألة (1286) جمهور أهل العلم على أن من قال لزوجته أنت عليَّ كأمي ولم يذكر ظهرًا؛ فإنه لا يكون مظاهرًا حتى ينوي، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ. وقال مالك (¬1) ومحمد بن الحسن: هو ظهار وإن أطلق (¬2). واختاره أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة، وروي عن أحمد. مغ ج 8 (ص 559) فتح ج 20 (ص 108). باب فيمن قال أنت علي حرام هل يكون ظهارًا؟ مسألة (1287) جمهور الفقهاء على أن من قال لزوجته أنت عليَّ حرام ونوى به الظهار؛ فإنه يكون ظهارًا، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي، وهو مذهب أحمد، ولازم (¬3) ما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وإسحاق. وذكرنا في أبواب الطلاق قول مسروق والشعبي وأبي سلمة بن عبد الرحمن وربيعة وأصبغ من المالكية أنها لا شيء، وهو قول أهل الظاهر، ذكره ابن حزم في المحلى وانتصر له (¬4)، وذكرنا هناك من جعله يمينًا مُكَفَرةً. مغ ج 8 (ص 560). باب فيمن قال أنت علي حرام وليس في نيته شيءٌ هل يكون ظهارًا؟ مسألة (1288) أكثر الفقهاء على أن من قال لزوجته أنت عليَّ حرام ولم ينو أو يقصد شيئًا؛ فإنه لا يكون مظاهرًا، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. ¬

_ (¬1) انظر بداية جـ 2 (ص 127)، والقرطبي في الجامع مغ ج 17 (ص 274). (¬2) فأما إذا قال أنت عليَّ كأمي ونوى به الظهار؛ فإن عامة أهل العلم على أنه ظهار. قلت: ومقتضى قول أهل الظاهر أنه لا يكون ظهارًا. مغ ج 8 (ص 559)؛ على جـ 10 (ص 49)، والحاوي الكبير جـ 10 (ص 430). (¬3) لأنه روى عن عثمان وإسحاق فيمن قال عليَّ الحرام وأطلق أنه ظهار، فكان بينًا أنه إذا نوى أن يكون ظهارًا من باب أولى. (¬4) راجع محلى جـ 10 (ص 124) وأما إن نوى به الطلاق؛ فقد ذكرنا حكمه في أبواب الطلاق.

باب في كفارة الظهار وهل يجوز للمظاهر أن يجامع قبل التكفير؟

وقال أحمد في رواية الكثيرين من أصحابه: هو ظهار، وحكاه إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي. قلت: وذكرنا في أبواب الطلاق أن هذا القول محكيٌّ كذلك عن إسحاق، وذكرنا هناك كذلك من لم يعتبره شيئًا ومن جعله يمينًا مُكَفَرةً وسائر اختلاف الفقهاء فيه. وبالله التوفيق. مغ ج 8 (ص 560). باب في كفارة الظهار وهل يجوز (¬1) للمظاهر أن يجامع قبل التكفير؟ (¬2) مسألة (1289) أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز للمظاهر أن يمس زوجته المظاهر منها جماعًا قبل الكفارة، وسواء كانت الكفارة في حقه عتقًا أو صيامًا أو إطعامًا، وهو قول عطاء والزهري والشافعي وأصحاب الرأي. وذهب أبو ثور إلى أنه يجوز للمظاهر الجماع قبل التكفير إن كانت الكفارة في حقه إطعامًا. قال الموفق: وعن أحمد ما يقتضي ذلك. مغ ج 8 (ص 566). باب في ميراث المظاهر مسألة (1290) جمهور العلماء على أن من ظاهر من امرأته ثم مات قبل أن يكفر أو ماتت قبل أن يطأها وقبل أن يكفر؛ فإن أحدهما يرث صاحبه. وقال قتادة: إن ماتت لم يرثها حتى يُكَفِّرَ. مغ ج 8 (ص 574). ¬

_ (¬1) أجمع الفقهاء على أن الكفارة هي عتق رقبةٍ، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا؛ دل عليه الكتاب العزيز، ولا خلاف بينهم أنها على البدل. مغ ج 8 (ص 584، 590، 594، 599). وأن الصيام فيها يلزم تتابعه، فلو قطع تتابع الصيام بعذر هل يبني أم يستأنف، اختلف في ذلك العلماء مع إجماعهم على المرأة إذا وجب عليها صيام شهرين متتابعين فأفطرت لحيضها؛ فإنها تبني. مغ ج 8 (ص 595). (¬2) لا خلاف بين الفقهاء يعلم أنه لا يجوز للمظاهر جماع زوجته المظاهر منها قبل التكفير إذا كانت كفارته عتقًا أو صيامًا وهو نص القرآن الكريم. مغ ج 8 (ص 566).

باب في هل يصح الظهار من الأجنبية؟

باب في هل يصح الظهار من الأجنبية؟ (¬1) باب في ظهار العبد (¬2) وهل كفارته ككفارة الحر؟ مسألة (1291) جمهور العلماء بل عامتهم على أن العبد إذا توجب عليه الصيام (¬3) في كفارة الظهار؛ فإنه لا يجزؤه إلا شهران متتابعان؛ كالحر سواءً بسواء. وحكي عن عطاء أنه لو صام شهرًا متتابعًا أجزأه. قال الموفق -رحمه الله-: وقاله النخعي ثم رجع عنه إلى قول الجماعة. مغ ج 8 (ص 617). باب في المظاهر يطأ قبل التكفير مسألة (1292) أكثر أهل العلم على أن المظاهر إذا وطأ زوجته قبل أن يأتي بالكفارة؛ فإنه قد عصى ربه وبقيت زوجته محرمة عليه حتى يُكَفِّرَ، واستقرت الكفارة في ذمته ولا تسقط بموت ولا بطلاق أو غير ذلك، وهي كفارة واحدة. روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس وجابر بن زيد ومورق العجلي وأبي مجلز والنخعي وعبد الله ابن أذينة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وحكاه الصلت بن دينار سماعًا عن عشرة من الفقهاء منهم: الحسن وابن سيرين وبكر المزني ومجاهد وعكرمة وقتادة ونافع. وقالت طائفة: بل عليه كفارتان. حكي هذا عن عمرو بن العاص، وروي عن قبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة. وقال أبو حنيفة: لا تثبت الكفارة في ذمته. ¬

_ (¬1) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قولٌ للجمهور وحاصلها في مذهبين. الأول: يصح الظهار من الأجنبية، فمن قال لفلانة قبل أن يتزوجها أو قال كل النساء عليَّ كظهر أمي؛ فإنه إن تزوج بفلانة في الحالة الأولى أو تزوج أي امرأة في المثال الثاني؛ فإنه لا يحل له وطؤها حتى يكفِّرَ. يروي هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وعطاء والحسن ومالك وإسحاق. (والمذهب الثاني) لا يصح الظهار إلا من زوجة وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي. قلت: والأول مذهب أحمد. مغ جـ 8 (ص 577). (¬2) عامة أهل العلم على صحة ظهار العبد، وذكر الموفق عن البعض بصيغة التمريض أنه لا يصح ظهاره: قلت: ولم يسم الموفق أحدًا مما قال بهذا. مغ ج 8 (ص 554). (¬3) اختلف أهل العلم في العبد إذا ظاهر هل يجوز في حقه العتق والإطعام إذا أذن له سيده، أم يجوز في حقه الإطعام دون الإعتاق مع اتفاقهم على جواز الصيام في حقه، أم لا يجوز في حقه إلا الصيام. انظر مغ ج 8 (ص 615).

باب في مظاهرة المرأة من زوجها

قال الموفق: وحكي عن بعض الناس أن الكفارة تسقط؛ لأنه فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس. مغ ج 8 (ص 620). باب في مظاهرة المرأة من زوجها مسألة (1293) أكثر أهل العلم على أن الظهار لا يصح إلا إذا تلفظ به الزوج، فلو قالت المرأة لزوجها أنتَ عليَّ كظهر أبي فقد عصت ربها وقالت منكرًا من القول وزورًا، لكنه لا تكون به مظاهرةً (¬1). وممن قال أن الظهار لا يقع من المرأة: مالك والشافعي إسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد. وقال الزهري والأوزاعي: هو ظهار، وروي ذلك عن الحسن والنخعي إلا أن النخعي قال: إذا قالت ذلك بعد ما تزوج فليس بشيء. مغ ج 8 (ص 621). باب في اشتراط النية (¬2) في الكفارة * * * ¬

_ (¬1) وهل تجب الكفارة في حقها؟ في المسألة خلاف عن أحمد في ذلك ثلاث روايات (الأولى): عليها كفارة ظهار (الثانية): ليس عليها شيء، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور (والثالثة): عليها كفارة يمن، وبه قال عطاء. مغ ج 8 (ص: 622). (¬2) ليس بين أهل العلم خلاف يعلم عندي أن النية شرط في صحة الكفارة وذلك لأن العتق والإطعام والصيام كل منهما قد يكون تبرعًا، وقد يكون غير ذلك فلابد لتمييزه من النية، ولا خلاف يعلم بين أهل العلم أن الكفارات لو كانت من جنس واحد أنه لا يشترط تعين سببها، ويكتفي بنية الكفارة عن جنسها فمن ظاهر من أربع وأراد أن يعتق، يكفيه فيه الكفارة عن الظهار، ولا يشترط أن يقول هذه عن هذه، وهل تحل له واحدة منهن لا على التعين أم يقرع بينهن في المسألة خلاف، وأما لو قال هذه الكفارة عن هذه حلت له التي عينها بالإجماع. انظر مغ جـ 8 (ص 625,624).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب اللعان

كتاب اللعان

كتاب اللَّعان (¬1) باب في ملاعنة المطلقة الرجعية مسألة (1294) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من رمى مطلقته الرجعية بالزنا وليس له شهود؛ فإن له أن يلاعنها وسواء كان له منها ولدٌ أم لا. روي هذا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وبه قال جابر بن زيد والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا يلاعن ويجلد إن لم يأت بالشهود (¬2). مغ ج 8 (ص 17). باب في هل للزوج القاذف أن يلتعن إذا سقط عنه الحد بإبراء أو بينة أو نحوه؟ مسألة (1295) جمهور العلماء على أنه ليس للزوج حق الملاعنة وليس هناك نسب ينفيه أو أسقط عنه حد القذف بإبراء الزوجة، أو بإقامة يينهَ ولا نسب ينفى, وقال بعض أصحاب الشافعي: له ذلك لإزالة الفراش (¬3). ¬

_ (¬1) مشتق من اللعن، وسمى لعانًا؛ لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة ان كان كاذبًا، وقال القاضي سمي بذلك؛ لأن الزوجين ينفكان من أن يكون أحدهما كاذبًا فتحصل اللعنة عليه وهي الطرد والإبعاد. حكى ذلك كله الموفق -رحمه الله- تعالى. مغ ج 9 (ص 2) واللعان مشروع بالكتاب والسنة وهو أمر مجمع عليه، وهل يصح اللعان من كل زوجين أم يشترط أن يكونا مسلمين حرين عدلين غير محدودين بقذف؟ في ذلك كله خلاف، انظر مغ ج 9 (ص5)، واتفق العلماء على أن المدخول بها وغير المدخول بها سواء في جواز ملاعنتها. نقل الإجماع فيها ابن المنذر ونقله عن عطاء والحسن والشعبي والنخعي وعمرو ابن دينار وقتادة ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعى. انظر مغ 9 (ص 7). (¬2) ليس بين الفقهاء خلاف يعلم في أن كل موضع قذف أحدٌ فيه امرأةً ولا يستحق فيه لعانًا؛ فإن النسب يثبت والحد أو التعزير لاحقان بالقاذف بحسب موجبه، أعني موجب القذف إلا أن يكون القاذف صبيًّا أو مجنونًا فلا ضرب فيه ولا لعان، وبهذا قال الثوري ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم. نقله الموفق في المغني. مغ ج 9 (ص12). (¬3) البعض يذكر هذه المسألة في عداد مسائل الإجماع ولا يصح هذا؛ لأن عدم العلم بالمخالف مطلقًا ليس طريقًا معتبرًا للاستدلال على الإجماع عند المحققين وأكثر الأصوليين، فكيف إذا انضم إليه العلم بمخالفة بعض من يجوز له المخالفة. راجع مقدمة الكتاب.

باب في موت أحد الزوجين قبل إتمام التلاعن

مغ ج 9 (ص 22). باب في موت أحد الزوجين (¬1) قبل إتمام التلاعن مسألة (1296) أكثر أهل العلم على أن الزوج إذا مات وقد أتم لعانه وقبل لعانها؛ سقط اللعان ولحقه الولد وورثته زوجته. وقال الشافعي: تبين بلعانه ويسقط التوارث وينفي الولد ويلزمها الحد إلا أن تلتعن. مغ ج 9 (ص 23). باب في موت الزوجة قبل اللعان مسألة (1297) جمهور العلماء على أن الزوجة إذا ماتت قبل أن تلتعن؛ ماتت على الزوجية ويرثها زوجها (¬2). وروي عن ابن عباس أنه إن التعن الزوج لم ترث، وروي نحوه عن الشعبي وعكرمة. مغ ج 9 (ص 23). باب في الفرقة بين المتلاعنين بم تحصل؟ مسألة (1298) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الفرقة بين الزوجين المتلاعنين لا تحصل بلعان الزوج وحده، وأكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الفرقة تقع بفراغ الزوجين من التلاعن، وبه يقول مالك والليث وأبو عبيد وأبو ثور وداود وزفر وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف والثوري وسائر أصحاب الرأي: لا تقع الفرقة إلا بتفريق الحاكم، وبه قال أحمد كذلك في رواية. وقال الشافعي: تقع الفرقة بمجرد فراغ الزوج من لعانه (¬3). مغ ج 9 (ص 29). ¬

_ (¬1) لو مات الزوج قبل التلاعن أو قبل إتمام لعانه سقط اللعان في قول الجميع، ولحقه الولد وورثته زوجته. انظر مغ جـ 9 (ص 23). (¬2) وهل للزوج الحق في اللعان بعد موتها؟ على مذهبين: الأول: لا حق له وُجِدَ ولد يريد نفيه أو لا، والثاني: أن كان ثم ولد فله ذلك. مغ ج 9 (ص 24). (¬3) انظر بداية جـ 2 (ص 147)، والحاوي الكبير جـ 11 (ص: 51)، وبدائع جـ 3 (ص: 244).

باب في هل يقع اللعان فرقة أصلا؟

باب في هل يقع اللعان فرقةً أصلًا؟ مسألة (1299) جمهور العلماء بل عامتهم على أن اللعان يوجب الفرقة (¬1) بين الزوجين المتلاعنين، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وسائر فقهاء الأمصار. وقال عثمان البتى وطائفة من أهل البصرة: لا يعقب اللعان فرقة، وإنما تكون الفرقة بطلاق الزوج زوجته (¬2) (¬3). بداية جـ 2 (ص: 146). باب في تحريم الملاعنة على زوجها هل هو على التأبيد؟ مسألة (1300) جمهور العلماء وفقهاء الأمصار على أن المتلاعنين إذا فرغا من اللعان وفُرِّقَ بينهما؛ فإنهما لا يجتمعان في نكاحٍ أبدًا سواء أكذب نفسه أم لا. نقل هذا عن عمر بن الخطاب وعليٍّ بن أبي طالبٍ وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وبه قال الحسن وعطاء وجابر بن زيد والنخعي والزهري والحكم ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأبو يوسف وأحمد في رواية الجماعة عنه (¬4) وهو قول داود -رحمه الله- تعالى. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن (¬5): إن أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب، وحُدَّ الحدَّ ولحق به الولد، ويروى هذا عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعبد العزيز بن أبي سلمة. حكاه عنهم القرطبي جزمًا. وعن سعيد بن جبير: أنه إن أكذب نفسه ردت إليه ما دامت في العدة. ¬

_ (¬1) وهل هذه الفرقة فسخ أم طلاق؟ بالفسخ قال مالك والشافعي، وهو مذهب أحمد، وبالطلاق قال أبو حنيفة ذكر الشوكاني أن الفسخ هو قول الجمهور جـ 7 (ص 67). وانظر مغ ج 9 ص 32 بداية ج 2 ص 147. (¬2) انظر مغ ج 9 (ص 30). (¬3) قد يظن أن عثمان البتي قد انفرد بهذا الرأي، لكني وجدت أن محصلة قول أبي حنيفة ومن وافقه في المسألة السابقة يتفق مع رأي البتي وذلك أن الفرقة عندهم لا تحصل بمجرد اللعان، وإنما بتفريق الحاكم حتى إن الملاعن قبل تفريق الحاكم يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه، ويبقى شذوذ البتي في أن الحاكم إنما يفرق بينهما بطلاق الزوج لا بدونه، فظهر بهذا موضع التقاء الرأيين وموضع تخالفهما والله تعالى أعلم انظر البدائع. ج 3 ص 244 بداية ج 2 ص 146. (¬4) انظر مغ ج 9 (ص: 33). (¬5) ونقل صاحب البدائع عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الفرقة باللعان طلقة بائنة ويجوز النكاح بينهما إذا أكذب الزوج نفسه فجلد الحد أو أكذبت نفسها. انظر البدائع جـ 3 (ص 245)، والحاوي الكبير جـ 11 (ص 75).

باب في انتفاء الولد باللعان وما يشترط فيه

وعن أحمد: إن أكذب نفسه حلَّت له وعاد فراشه بحاله (¬1). وقد ذكرنا من قبل قول البتي في أن اللعان لا يوجب فرقةً أصلًا (¬2). القرطبي ج 12 (ص: 194) بداية ج 2 (ص 146). باب في انتفاء الولد باللعان وما يشترط فيه مسألة (1301) جمهور العلماء على أن انتفاء الولد باللعان لا يحصل إلا بلعان الزوجين ولا يكفي في ذلك لعان الرجل وحده. وقال الشافعي -رحمه الله- تعالى: ينتفي الولد بلعان الرجل وحده ولا حاجة فيه للعان المرأة. مغ ج 9 (ص 37). باب في لحوق الولد بالملاعن إذا أكذب نفسه مسألة (1302) جمهور أهل العلم على أن الملاعن إذا نفى ولده ثم أكذب نفسه لحقه ولده وإن كان ميتًا (¬3) (يعني الوالد) وسواء كان له ولد أو لم يكن، وسواء خلف مالًا أو لم يخلف. قلت: ولم يحك الموفق من خالف هذا من الأئمة. مغ ج 9 (ص 41). باب في من لزمه الولد هل له نفيه بعد ذلك؟ مسألة (1303) جمهور العلماء على أن من لزمه لحوق الولد به بإقرار أو غيره لم يكن ¬

_ (¬1) وحكم الموفق على هذه الرواية بالشذوذ وقال: شذ بها حنبل عن أصحابه، قال أبو بكر: لا نعلم أحدًا رواها غيره. ثم قال الموفق: وينبغي أن تحمل هذه الرواية على ما إذا لم يفرق الحاكم بينهما أما مع تفريق الحاكم فلا وجه لبقاء النكاح بحاله. مغ جـ 9 (ص 33). (¬2) وأما إن لم يكذب نفسه فقد نقل عدم الخلاف في أنها لا تحل له أبدًا الموفق في المغني. قلت: ولعلَّ هذا النقل لا يسلم مع قول البتى المذكور سابقًا وقد احتاط الموفق لما ذكرته فقال بعد نقل الاتفاق وعدم العلم بالمخالف: إلا أن يكون قولًا شاذًّا. مغ ج 9 (ص: 33) قلت: فإن أكذب نفسه فعليه حد القذف، وسواء أكذب نفسه قبل اللعان أو بعده. حكى الاتفاق في هذه المسألة من حيث عدم العلم بالمخالف الموفق في المغني جـ 9 (ص 34)، وحكي الإجماع فيها الإِمام الشافعي. انظر الحاوي الكبير جـ 11 (ص 74). (¬3) وأما إن كان حيًّا فحكى الموفق عدم الخلاف بين أهل العلم في لحوق الولد به، وحكى الإجماع بلحوق الولد بمن أكذب نفسه الإِمام الشافعي في مختصر المزني. انظر مغ ج 9 (ص 41) الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 74) وانظر مختصر المزني من كتاب الأم (ص 211).

باب في من عقد النكاح على امرأة وهو في المشرق وهي في المغرب هل يلحقه الولد منها؟

له نفيه بعد ذلك، وبه قال الشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي. وقال الحسن: له أن يلاعن لنفيه ما دامت أمه عنده يصير لها الولد ولو أقر به. مغ ج 9 (ص:50). باب في من عقد النكاح على امرأة وهو في المشرق وهي في المغرب هل يلحقه الولد منها؟ مسألة (1304) جمهور العلماء، بل عامتهم على أن المشرقي لو تزوج مغربية ولم يغادر كل منهم مكانة فإن الولد لا يلحقه من زوجته تلك إذا أتت به، ولو كان لأكثر من ستة أشهر. وقال أبو حنيفة: الاعتبار بلحوق الولد العقد وأن لا يكون أقل من ستة أشهر. شرح جـ 10 (ص 38). باب في إلحاق الولد يمن لا يتأتي (¬1) منه الولد عادة باب في المرأة تنكح الرجل بعد بلوغها وفاة زوجها الغائب خطأً مسألة (1305) جمهور أهل العلم على أن المرأة إذا نكحت رجلًا بعد اعتدادها من وفاة زوجها الغائب؛ فأتت بولدٍ ثم تبين حياة زوجها الأول, فإن نكاحها الثاني يفسخ وترد إلى الأول بنكاحها الأول والولد للرجل الثاني، وتعتد منه ولها عليه صداق مثلها. روي ذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه وهو قول الثوري وأهل العراق وابن أبي ليلى ومالك وأهل الحجاز والشافعي وإسحاق وأبي يوسف وغيرهم، وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة: الولد للأول. مغ ج 9 (ص 57). ¬

_ (¬1) لا خلاف يعلم بين أهل العلم في أن المرأة إذا أًتت بولدٍ لا يمكن أن يكون من رجلٍ زوج لها؛ فإن الولد لا يلحق به كما لو أتت به بعد زواجها من رجل لأقل عن ستة أشهر، وكما لو ولدت ولدًا وزوجها مقطوع الذكر والأنثيين. مغ ج 9 (ص 53، 54) قلت: وفي الصورة الأخيرة خلاف لبعض الأصحاب في المذهب الشافعي؛ فحكى عن الإصطخري والقاضي حسين والصيدلاني أنه يلحقه. روضة جـ 8 (ص: 57) وأما مقطوع الذكر دون الاثنيين أو عكسه، ففي كذلك خلاف. انظر مغ جـ 9 (ص: 55).

باب في استحباب موعظة الإمام للمتلاعنين بعد اليمين الرابعة وقبل الخامسة

باب في استحباب موعظة الإِمام للمتلاعنين بعد اليمين الرابعة وقبل الخامسة مسألة (1306) جمهور العلماء على أنه يستحب للإمام أن يعظ المتلاعنين بعد انتهاء كلٍ منهما من اليمين الرابعة وقبل شروعهما في الخامسة (¬1). مغ ج 9 (ص: 64). باب في الأجنبي يقذف زوجة الملاعن هل يحد بذلك؟ مسألة (1307) جمهور العلماء على أن زوجة الملاعن لو قذفها أجنبي فعليه الحد وسواء رماها بعين الزنا الذي رماها به زوجها أو بغيره (¬2). وممن قال بحد الأجنبي إذا قذف زوجة الملاعن مطلقًا: ابن عباس والزهري والشعبي والنخعي وقتادة ومالك والشافعي وأبو عبيد. ونقل أبو عبيد عن أصحاب الرأي أنهم قالوا: إن لم ينف بلعانها ولدًا حُدَّ قاذُفها. وإن نفاه فلا حد على قاذفها. مغ ج 9 (ص:71). باب في امتناع المرأة عن الملاعنة بعد التعان زوجها مسألة (1308) جمهور العلماء على أن المرأة إذا أبت أن تلتعن بعد التعان زوجها؛ فإن الزوجية باقية والولد لا ينتفي (¬3). وقال الشافعي بالفرقة بمجرد لعان الرجل وله أن ينفي الولد. مغ ج 9 (ص 73). ¬

_ (¬1) وصورة هذا الوعظ أن يقول: اتق الله يا فلان فإنها الموجبة (يعني الخامسة) لعذاب الله وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قلت: ولم يذكر الموفق من خالف في هذا الاستحباب ولا أظن أن فيه خلافًا لكنني ذكرته؛ لأنه منصوص عليه. (¬2) وأما الزوج إذا قذف زوجته بعد ملاعنتها، فإن قذفها بالزنا الأول فلا حد عليه، وإن قذفها بغيره حُدَّ، وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: يُحَدَّ في الحالتين. مغ ج 9 (ص 71). (¬3) وهناك بعض الأحكام المترتبة على نكول المرأة عن الملاعنة ليس في شيء منها إجماعٌ ولا قولٌ للجمهور منها: هل يجب على المرأة الحد إذا امتنعت المرأة عن الملاعنة؟ فذهب جمعٌ إلى أنه لا حد عليها، وبه قال الحسن والأوزاعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن الحارث العكلي وعطاء الخراساني، وهو مذهب أحمد، وقالت طائفة كثيرة: بل عليها الحد، وبه يقول مكحول والشعبي ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأبو إسحاق الجوزجاني وابن المنذر، ومن قال بأنها لا تحد قال تحبس حتى تلتعن، إلا أحمد فله في ذلك روايتان: إحداهما: كقول هؤلاء، والأخرى: يخلي سبيلها. مغ ج 9 (ص 73).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب العدد

كتاب العدد

كتابُ العِدَد (¬1) باب في عدة الذمية مسألة (1309) جماهير العلماء على أن عدة الذمية من زوجها المسلم، كعدة المسلمة وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي وأحمد. وروى عن مالك أنه جعل عدة الذمية إذا توفي عنها زوجها المسلم حيضةً. مغ ج 9 (ص: 77). باب في عدة الملاعنة مسألة (1310) جمهور العلماء على أن عدة الملاعنة هي عدة المطلقة، وهو قول الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى. وروى عن ابن عباس أن عدة الملاعنةِ تسعة أشهر. مغ ج 9 (ص: 78). باب في عدة المختلعة مسألة (1311) جمهور أهل العلم على أن عدة المختلعة هي عدة المطلقة، وممن قال بهذا سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وعروة وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي والنخعي والزهري وقتادة وخلاس بن عمرو وأبو عياض ومالك والليث ¬

_ (¬1) قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- تعالى: وأجمعت الأُمَّةَ على وجوب العدة في الجملة، وإنما اختلفوا في أنواع منها. وأجمعوا على أن المطلقة قبل المسيس (الدخول) لا عدة عليها. انظر من ج 9 (ص: 76) بداية ج 2 (ص: 106) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 217). قلت: ويجب أن يقيد الإجماع في هذه المسألة بانتفاء الخلوة، وأما لو خلا بها من غير جماع فخلافٌ بين العلماء سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ولا خلاف بين العلماء كذلك في أنها لو طلقت في الحيضة؛ فإنها لا تحسب من العدة، بخلاف ما لو طلقت في الطهر هل تُحَّسَبُ من العدة أو لا؟ خلاف. انظر مغ ج 9 (ص: 85) وأجمع العلماء على أن عدة الآيسة والتي لا تحيض ثلاثة أشهر وهو نص من كتاب الله تعالى. انظر مغ ج 9 (ص: 89). قلت: هذا إذا كانت حرة. أما إذا كانت أمةً ففيها خلاف فقال البعض: ثلاثة أشهر، وقال البعض: شهران، وقال كثيرون: شهر ونصف. انظر مغ جـ 9 (ص: 91) بداية ج 2 (ص: 112).

باب في عدة المطلقة بعد الخلوة من غير جماع

والأوزاعي والشافعي. وروي عن عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر وأحمد (¬1) أن عدة المختلعة حيضة. مغ ج 9 (ص: 78). باب في عدة المطلقة بعد الخلوة من غير جماع (¬2) مسألة (1312) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الخلوة من غير جماع توجب العدة على المطلقة. روي هذا عن الخلفاء الراشدين وزيد بن ثابت وابن عمر، وبه قال عروة وعليُّ بن الحسين وعطاء والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في بعض قوله القديم (¬3)، وبه قال أحمد -رحمه الله- تعالى. وقال مالك بأنَّ (¬4) الخلوة لا توجب العدة ولا يكمل بها المهر لكن يكون لمدعى الإصابة منهما، وبه قال الشافعي في بعض قوله القديم أيضًا. وقال الشافعي في الجديد من قوله وهو المذهب المعمول به عند جلة أصحابه: لا عدة ولا كمال مهر، وإنما هو كالذي طلق من غير خلوةٍ ولا جماع في وجوب نصف المهر ولا عدة. مغ ج 9 (ص:80). باب في مذاهب العلماء في معنى القرء هل هو الطهر أم الحيضة؟ (¬5) باب في عدة الأمة إذا كانت تعتد بالأقراء مسألة (1313) جمهور العلماء على الأمة المطلقة إذا كانت من أهل الأقراء فعدتها ¬

_ (¬1) رواه عنه ابن القاسم. قاله: الموفق مغ ج 9 (ص 78). (¬2) وأما إن طلقها بعد الدخول؛ فالإجماع منعقد على وجوب العدة. مغ ج 9 (ص 80) الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 217). (¬3) راجع الحاوي الكبير جـ 11 (ص 217). (¬4) يعني مذهب مالك ولذلك جعلت أن هنا بفتح الهمزة ولو كان الكلام قول مالك بحروفه لجعلتها همزة مكسورةً. (¬5) ليس في هذه المسألة إجماعٌ ولا قولٌ للجمهور وأنا أذكرها هنا لأهميتها وهي من أمهات مسائل الخلاف التي تعود إلى دلالات الألفاظ الظنية كالاشتراك والإجمال والإبهام والإطلاق والعموم وغير ذلك، وهي في مسألتنا هذه تعود إلى اشتراك لفظ القَرْء بين معنى الطهر وبين معنى الحيض وبعضهم يقول فيه مذاهب أربعة من حيث اللغة الأول: الطهر والحيض حقيقةً، والثاني: هو الانتقال من حال إلى أخرى فيصح أن يكون بمعنى الانتقال من الطهر إلى الحيض أو العكس انظر الحاوي جـ 11 (ص: 164)، والثالث طهرٌ حقيقةً حيضٌ مجازًا، والرابع: عكسه مع اتفاق الفقهاء أنه دائر هنا بين الطهر وبين الحيض، فممن قال إنه الطهر: زيد بن ثابت =

باب في عدة الآيسة والتي لا تحيض متى تحسب أول عدتها؟

قَرْآنِ، وممن قال هذا: عمر وعليَّ وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وعبد الله بن عتبة والقاسم وسالم وزيد بن أسلم والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وروي عن ابن سيرين أن عدتها عدةُ الحرة، إلا أن تكون قد مضت بذلك سُنَّةٌ (يعني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وبه قال داود الظاهري -رحمه الله- تعالى. مغ ج 9 (ص: 81) بداية ج 2 (ص: 111). باب في عدة الآيسة والتي لا تحيض (¬1) متى تحسب أول عدتها؟ مسألة (1314) جمهور العلماء على أن الآيسة والتي لا تحيض تبدأ بحساب أشهر عدتها الثلاثة منذ لحظة طلاقها، وهو مذهب الأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد. وقال مالك: إذا طلقت نهارًا بدأت عدتها من أول الليل، وإذا طلقت ليلًا بدأت عدتها من أول النهار، وبه قال أبو عبد الله بن حامد من الحنابلة. مغ ج 9 (ص:90). باب في عدة المتوفى عنها زوجها (¬2) هل يشترط وجود الحيض فيها؟ مسألة (1315) جمهور أهل العلم بل عامتهم على أن عدة المتوفى عنها زوجها غير الحامل أربعة أشهر وعشرًا (¬3) وأنه لا يشترط أن يتخلل هذه المدة حيضٌ سواء كانت مدخولًا بها أم غير ذلك، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وهو مذهب أحمد. ¬

_ = وابن عمرو وعائشة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمَّد وسالم بن عبد الله، وأبان بن عثمان وعمر بن العزيز والزهري ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية, وممن ذهب إلى أنه الحيض عُمَرُ وعليٌّ وابن عباس وسعيد ابن المسيب والثوري والأوزاعي والعنبري وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وأحمد في روايةٍ. انظر في ج 9 (ص: 82) الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 165) بداية ج 2 (ص: 107) شرح ج 10 (ص: 62). (¬1) قد ذكرت في أول كتاب العدد أن عدتهما ثلاثة أشهر إذا كانت حرةً وهو إجماع. (¬2) أما الحرة فعدتها أربعة أشهر وعشرًا بالإجماع، ولا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها ولا بين الصغيرة والكبيرة، وهذا كله بشرط أن لا تكون حاملًا، وأما الحامل فعدتها تنقضي بوضع حملها في مذهب العامة من العلماء وسيأتي من خالف فيها في حينه، وأما الأمة غير الحامل إذا توفي عنها زوجها ففيها خلاف سيأتي بيانه. انظر مغ ج 9 (ص 106). (¬3) وهل عشر ليالٍ بأيامها أم غير ذلك الأكثرون ممن بلغنا قولهم أنها كذلك، وقال الأوزاعي: عشر ليالٍ وتسعة أيام. مغ ج 9 (ص 107).

باب في عدة الأمة المتوفى عنها زوجها

وحُكَي أن مالكًا اشترط وجود الحيض في عدة الوفاة إذا كانت المتوفى عنها زوجها مدخولًا بها (¬1) (¬2) (¬3). مغ ج 9 (ص:107). باب في عدة الأمة المتوفى عنها زوجها مسألة (1316) جمهور العلماء بل عامتهم على أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء سليمان بن يسار والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال ابن سيرين: ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة إلا أن تكون قد مضت في ذلك سُنَّةٌ أحق أن تتبع، وبه قال أهل الظاهر. مغ ج 9 (ص: 107) بداية ج 2 (ص: 116). باب في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها مسألة (1317) جماهير الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها هي مدة حملها بعد وفاة زوجها طالت أو قصرت وسواء كانت أكثر من أربعة أشهر وعشر أم ساوتها أو قَلَّتْ عنها. وذهب ابن عباس إلى أن عدتها أطول الأجلين من مدة الحمل أو الأربعة أشهر وعشر روى هذا كذلك عن عليٍّ بسندٍ غير متصل. مغ ج 9 (ص: 110) بداية ج2 (ص: 115) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 235) بدائع ج 3 (ص: 196) القرطبي ج 3 (ص: 174). باب في الحامل المتوفي عنها زوجها إذا وضعت متى تحل للأزواج؟ مسألة (1318) جمهور الفقهاء على أن الحامل المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها، فإنها ¬

_ (¬1) قال الموفق: وهذا الخلاف يختص بذات القرء، فأما الآيسة والصغيرة فلا خلاف فيها. مغ ج 9 (ص 107) وانظر الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 239). (¬2) فإن كانت المتوفى عنها زوجها مطلقة رجعيةً ومات أثناء عدتها؛ فإنها تستأنف عدة المتوفى عنها زوجها أي: أربعة أشهر وعشرًا، بالإجماع. نقله ابن المنذر وحكاه عنه الموفق في المغني مغ ج 9 (ص:108). (¬3) انظر الحاوي جـ 11 (ص: 239).

باب في المتوفى عنها زوجها وهى حامل بأكثر من جنين متى تنقضي عدتها؟

تحل للأزواج بمجرد وضع حملها ولا يلزمها الانتظار حتى تطهر من نفاسها (¬1). وحُكي عن حماد وأسحاق أنها لا تحل حتى تطهر وهو تمام عدتها، وبه يقول الأوزاعي، وكره الحسن والشعبي أن تنكح قبل أن تطهر من دم نفاسها. مغ ج 9 (ص: 110) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 236) القرطبي ج 3 (ص: 175). باب في المتوفى عنها زوجها وهى حامل بأكثر من جنين متى تنقضي عدتها؟ مسألة (1319) جمهور أهل العلم على أن الحامل بأكثر من جنينٍ إذا تُوفي عنها زوجها؛ فإن عدتها لا تنقضي ولا تحل للأزواج حتى تضع آخر جنين في بطنها. وانفرد أبو قلابة وعكرمة فقالا: تنقضي عدتها بوضع الأول ولا تتزوج حتى تضع آخر حملها (¬2). باب في الحمل والوضع المعتبرين (¬3) بانقضاء العدة وثبوت سائر الأحكام مسألة (1320) مذهب العامة من العلماء أن الحامل المتوفى عنها زوجها لو وضعت مضغةً لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي؛ فإن العدة لا تنقضي بوضع شيءٍ كهذا؛ ولا يثبت شيءٌ من الأحكام بمثله. وقال الحسن البصري: إذا علم أن المضغة كانت حملًا انقضت العدة بوضعها وفي الجناية فيها غرةٌ. مغ ج 9 (ص 115). ¬

_ (¬1) وهو قول الشافعي نص عليه في مختصر المزني. (¬2) قال الموفق: وذكر ابن أبي شيبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال: إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها. قيل له: فتتزوج؟ قال: لا. قال قتادة: خُصِمَ العبدُ. قال الموفق: هذا قول شاذ يخالف ظاهر الكتاب وقول أهل العلم. مغ ج 9 (ص: 112). قلت: وخُصِمَ العبدُ: يعني دُحِضَتْ حجةُ عكرمة وظهر خَصْمُهُ عليه لأن عكرمة كان مولى لابن عباس. (¬3) حكى ابن المنذر الإجماع على أن المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها لو وضعت ما بان فيه خلق الآدمي من رأس أو يدٍ أو رجل؛ فإن العدة تنقضي به وهو المسمى عندهم بالسقط، وحكاه عن الحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثورى ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. مغ ج 9 (ص: 113).

باب في أقل مدة الحمل هل هي ستة أشهر أو غير ذلك؟

باب في أقل مدة الحمل (¬1) هل هي ستة أشهر أو غير ذلك؟ باب في الرجل يتزوج المرأة في عدتها إذا كانت مُختلعةً منه مسألة (1321) جمهور الفقهاء على أنه يجوز للرجل إذا خالع زوجته أو فسخ نكاحه منها، فله أن يتزوجها في عدتها، وبه يقول سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهري والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. قال الموفق ابن قدامة: وشذ بعض المتأخرين فقال: لا يحل له نكاحها ولا خطبتها؛ لأنها معتدة. مغ ج 6 (ص: 126). باب في الرجل يراجع زوجته ثم يطلقها قبل المسيس كيف تكون عدتها؟ مسألة (1322) جمهور فقهاء الأمصار (¬2) على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا ثم راجعها في عدتها ثم طلقها قبل أن يجامعها (¬3)؛ فإنها تستأنف عدة جديدة من وقت طلاقها الثاني ولا تبني على عدتها الأولى من طلاقها الأول. وبه يقول مالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين وأبو حنيفة -رحمه الله- تعالى (¬4). وقال الشافعي في قوله الآخر وأحمد في الرواية الثانية: تبني على عدتها الأولى، وحكاه صاحب الحاوي عن مالك والصحيح خلافه. ¬

_ (¬1) ما أظن هذه المسألة إلا من مسائل الإجماع فإني لم أطلع على خلافٍ فيها إلى الآن. انظر مغ ج 9 (ص: 115) وبالستة أشهر يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وانظر روضة جـ 8 (ص: 374) بدائع جـ 3 (ص: 211). (¬2) لابد من إبداء التحفظ على عبارة "جمهور فقهاء الأمصار" فإنها قد لا تعني بالضرورة جمهور الفقهاء بل قد تعني جمهور الفقهاء الذين صارت رياسة الفقه والفتوى في الأمصار لهم، فليعلم وأنا لم أعتمد هذه الصيغة بالجملة في كتابي هذا للدلالة على قول الجمهور إلا بعد البحث والتحقيق. (¬3) فأما إن راجعها ثم جامعها ثم طلقها، فأكثرهم على أنها تستأنف عدة جديدة، وبه يقول الشافعي قولًا واحدًا، وحكاه الموفق قولًا واحدًا في المذهب، وهو الصحيح من مذهب مالك وأبي حنيفة -رحمه الله- تعالى، راجع في هذه المسألة مغ جـ 9 (ص: 127) الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 313). (¬4) انظر بدائع جـ 3 (ص: 201).

باب في عدة امرأة الغائب والمفقود في غير مهلكة

وقال داود: ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستأنفة. بداية جـ2 (ص: 112). باب في عدة امرأة الغائب (¬1) والمفقود في غير مهلكة (¬2) مسألة (1323) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الزوجة إذا غاب زوجها في غير مهلكة كسفر التجارة والعلم والسياحة ثم انقطع خبره؛ فإنها لا تعتد ولا تحل للأزواج حتى يأتيها خبر موته بيقين. روي ذلك عن عليّ، وإليه ذهب ابن شبرمه وأبي أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة والشافعي في الجديد في قوله، وروي هذا كذلك عن أبي قلابة والنخعي وأبي عبيد، وهو القول المفتى به في مذهب أحمد. نص عليه الموفق. وقال مالك والشافعي في القديم: تتربص أربع سنين (¬3) وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرًا وتحل للأزواج. وروي عن أحمد أنه إذا مضى على غيبته تسعون سنةً قسم ماله. قال الموفق: وهذا يقتضى أن زوجته تعتد للوفاة ثم تتزوج (¬4). مغ ج 9 (ص:131). ¬

_ (¬1) أجمع أهل العلم على أن الغائب الذي يُعلم خبره ويأتي كتابه، فالزوجية على حالها, ولا يحل لامرأته أن تعتد ولا أن تتزوج، وكذلك أجمعوا على أن زوجة الأسير لا تعتد ولا تنكح حتى تعلم يقينا موت زوجها. انظر مغ ج 9 (ص: 130) الحاوي مغ ج 11 (ص: 316). قلت: واختلفوا في زوجة العبد الآبق فأكثر من بلغنا قولهم أنها على الزوجية وأبي ذلك الحسن البصري فقال إباقه طلاقه. (¬2) وأما من فقد أو غاب في ما الغالب فيه الهلاك، فاختلف في ذلك الفقهاء على مذاهب. الأول: تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتحل للأزواج. روى هذا عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير, وبه يقول عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وقتادة والليث وعليُّ بن المديني وعبد العزيز بن سلمة ومالك والشافعي في القديم، إلا أن مالكًا قال في المفقود بين الصَّفين (يعني القتال) خاصةً لا وقت معين في انتظاره. المذهب الثاني: تبقى الزوجية على حالها حتى يعلم خبره بيقين، وبه يقول أبو قلابة والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد. المذهب الثالث: في المفقود بين الصَّفين تتربص سنةً ثم تعتد. انظر مغ ج 9 (ص: 132) بداية ج 2 (ص: 64) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 316). (¬3) لأنها عند عامه الفقهاء أكثر مدة الحمل، وفي هذه المدة آثار عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في أصل مسألة المفقود والغائب. انظر مغ ج 9 (ص: 134). (¬4) قلت: وهذا التلازم الذي أبداه الموفق ليس بلازم إذ إن هناك من الفقهاء من فرق بين مدة الانتظار للاعتداد والحل للأزواج، ويين مدة الانتظار لتقسيم المال وتوريثه، وبه يقول مالك وروى عن بعض الصحابة. انظر مغ ج 9 (ص: 143) بداية ج 2 (ص: 64). قلت: لكنَّ الموفق -رحمه الله-: أدرى بأصول مذهب أحمد وقواعده.

باب في امرأة تتزوج ثم يعود زوجها الغائب

باب في امرأة تتزوج ثم يعود زوجها الغائب (¬1) باب في أم الولد إذا مات سيدها ولم تكن حاملًا (¬2) هل تستبرأ بطهر واحد أَمْ ببعض حيضةٍ؟ مسألة (1324) أكثر أهل العلم على أن أم الولد إذا مات سيدها, ولم تكن حاملًا فإنه لا يكفى لاستبرائها طهر واحدٌ أو بعض حيضة وإن اختلفوا في أدنى ما تستبرأ به (¬3). وقال الشافعي في أحد قوليه: يكفي طهر واحد إذا كان كاملًا، وهو أن يموت السيد في حيضها، فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية حلَّت، وتم استبراؤها. مغ ج 9 (ص: 148). باب في وجوب استبراء الأمة قبل وطئها (¬4) مسألة (1325) جمهور العلماء على أن من ملك أمةً بسببٍ من أسباب الملك؛ كالبيع ¬

_ (¬1) ليس في هذه المسألة إجماع لما ذكرنا من اختلاف الفقهاء في أصل المسألة؛ أعني هل لزوجة الغائب مدة تعتد بها ثم تحل للأزواج أم تبقى محبوسة على زوجها الأول، إلا أن الخلاف في مسألتتا هذه يشتد ويضعف لاعتبار واحد وهو دخول الزوج الثاني بامرأة المفقود وعدم دخوله؛ فإن جاء زوجها الأول بعد أن نكحت زوجًا آخر وقبل الدخول؛ فإن أكثر القائلين بالاعتداد بالأربع سنين يقولون هي للأول قولًا واحدًا ولا يُخَيَّر الزوج بين امساكها أو الصداق وتكون للثاني، وأما إذا جاء الزوج الغائب بعد نكاح الثاني وبعد الدخول فكثيرون قالوا بتخيير الزوج الأول بين إمساك زوجته بعقده الأول وبين أخذ الصداق وهي للثاني على نكاحها الجديد، وقد ادعى الموفق في هذه المسألة الإجماع ولا يصح؛ إذ خلاف الشافعي في المسألة وأصلها معروف مشهور. انظر مغ ج 9 (ص: 136) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 320). (¬2) أما إن كانت حاملًا فاستبراؤها بوضع حملها بغير خلافٍ. مغ ج 9 (ص: 152). (¬3) في المسألة مذاهب الأول: تستبرأ بحيضة كاملة وهو قول ابن عمر وروي عن عثمان وعائشة والحسن والشعبي والقاسم بن محمَّد وأبي قلابة ومكحول ومالك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وأحمد في المشهور عنه. والمذهب الثاني: تعتد عدة الحرة أربعة أشهر وعشرًا، وبه قال سعيد بن المسيب وأبو عياض وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن عبد العزيز والزهري ويزيد بن عبد الملك والأوزاعي وإسحاق وأحمد في رواية. والمذهب الثالث: تعتد شهرين وخمسة أيام. روي ذلك عن عطاء وطاوس وقتادة. ويروى هذا عن أحمد من وجه ضعيف. والمذهب الرابع: تستبرأ بثلاث حيضات كعدة الحرة المطلقة، ويروي عن عليٍّ وابن مسعود وعطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي. مغ ج 9 (ص: 147). (¬4) وهل يجوز مباشرتها دون الفرج قبل الاستبراء؟ وهل إذا كانت صغيرة لا يوطء مثلها يجب استبراؤها؟ في المسألتين خلاف. انظر مغ ج 9 (ص: 159) وانظر الإشراف ج (ص: 186). قلت: أما الأمة المسبيةُ فالخلاف في تحريم مباشرتها دون الفرج قبل الاستبراء قائم كذلك. إلا أنه اضعف من غيره. قلت: وممن كره مباشرة الأمة الطارئة في الملك قبل الاستبراء ابن سيرين وأيوب السختياني وقتادة ويحيى الأنصاري ومالك والليث بن سعد =

باب فيما به تستبرأ الأمة الطارئة في الملك

والهبة والإرث وغير ذلك لم يحل له وطؤها حتى يستبرأها بِكرًا كانت أو ثيبًا صغيرة أو كبيرة ممن تحمل أو ممن لا تحمل، وهو قول الحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد وحكاه ابن المنذر كذلك عن عكرمة وأيوب السختياني والثوري وأسحاق وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: لا يجب استبراء البكر، وبه قال داود. وقال الليث بن سعد: إن كانت ممن لا يحمل مثلها لم يجب أستبراؤها. وقال عثمان البتي: يجب ألاستبرأء على البائع دون المشتري (¬1). وحكى ابن المنذر عن عطاء في العذراء التي حاضت تستبرأ بحيضة. مغ ج 9 (ص:158). باب فيما به تستبرأ الأَمَةُ الطارئةُ في المِلكْ مسألة (1326) أكثر أهل العلم على أن من ملك أمة؛ فإن أستبراءها إن كانت من ذوات الأقراء (¬2) يكون بحيضةٍ. حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر ورواه عن عليٍّ - رضي الله عنهم - قال: وبه قال عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والشعبي والنخعي ومكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، والمزني قال: وبه أقول. وقال سعيد بن المسيب وعطاء: يكون بحيضتين. وحكى ابن المنذر عن ابن سيرين أنها تستبرأ بثلاث حِيَضٍ. مغ ج 9 (ص:161). * * * ¬

_ = والثوري والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي، وعن الأوزاعي قال: لا يقربها ولا يعريها، وقال عكرمة والحسن وأبو ثور له أن يقبلها ويباشرها، وروي هذا عن ابن عمر من فعله. رواه عنه ابن المنذر وغيره وانظر مسأله استبراء الأمة التي لا يحيض مثلها لصغر أو كبر كيف تستبرأ؟ في الأشراف جـ 1 (ص 185). (¬1) انظر الإشراف ج 1 (ص:182، 187، 180). (¬2) وأما إن كانت حاملًا فبوضع حملها بلا خلاف بين أهل العلم، مغ ج 9 (ص: 161). قال ابن المنذر: ومنع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار أن يطأ الرجل جارية يملكها من السبى وهي حامل حتى تضع حملها انظر. الإشراف ج 1 (ص: 179).

فصل في أحكام العدة والإحداد

فصل في أحكام العدة والإحداد باب في وجوب إحداد المرأة الحرة على زوجها المتوفي عنها مسألة (1337) جمهور أهل العلم بل عامتهم على وجوب إحداد المرأة الحرة على زوجها المتوفى عنها. وشذ الحسن البصري -رحمه الله- تعالى فقال: إن الإحداد غير واجب (¬1). قال ابن المنذر: كان الحسن البصري من بين سائر أهل العلم لايرى الإحداد. وحكي هذا عن الشعبي والحكم بن عتيبة أيضًا. مغ ج 9 (ص: 166) بداية ج 2 (148) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 273) فتح الباري ج 20 (ص: 170) تفسير الطبري ج 3 (ص 181). باب في الإحداد على الصغيرة إذا توفي عنها زوجها مسألة (1328) جمهور العلماء على أن الزوجة غير البالغة إذا توفي عنها زوجها فإن الإحداد واجب عليها، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا إحداد على صغيرة (¬2)، وعليها العدة، وبعدم الإحداد يقول سائر أصحاب الرأي. فتح الباري ج 20 (ص: 170). باب في الإحداد على الذمية إذا توفي عنها زوجها المسلم مسألة (1329) جمهور أهل العلم على أن الإحداد على الذمية المتوفى عنها زوجها المسلم واجب، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن: لا إحداد على الذمية واتفقوا على وجوب العدة عليها إذا كان زوجها المتوفى عنها مسلمًا، واختلفوا إذا كان ¬

_ (¬1) قلت: والقول بعدم وجوب الإحداد ثابت عن الحسن والشعبي رواه عن الحسن مسندًا ابن أبي شيبة وعن الشعبي الخلال بإسناده عن أحمد عن هيثم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد. قال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: ما كان بالعراق أشد تبحرًا من هذين (يعني الحسن والشعبي): قال: وخفى ذلك (أي الإحداد) عليهما. اهـ. ونقل هذا القول عن الحسن والحكم بن عتيبة بن حزم مسندًا. انظر محلى مغ ج 10 (ص: 279). (¬2) انظر بدائع ج 3 (ص 209) الحاوي الكبير ج11 (ص 283) بداية ج 2 (ص 148) مغ ج 9 (ص 166) نيل الأوطار ج 7 (ص 95) المحلى ج 10 (ص 275).

باب في الإحداد على الأمة إذا توفي زوجها عنها

ذميًّا مثلها فأثبتها الصاحبان ونفاها الإِمام (¬1)، وقال بعدم وجوب الإحداد على الذمية ابن نافع وأشهب وروياه عن مالك. مغ ج 20 (ص: 170). باب في الإحداد على الأمة إذا (¬2) توفي زوجها عنها مسألة (1330) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم، بل الذي لا نعلم فيه خلافًا إلا عن البعض: أن الإحداد على الأمة المزوجة إذا توفي عنها زوجها واجب، وهي كالحرة في ذلك، وإن اختلفتا في العدة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وأحمد، وقال الإِمام ابن رشد في البداية: وقال قوم: ليس على الأمة المزوجة إحدادٌ، وقد حكي ذلك عن أبي حنيفة. اهـ. قلت: ونقله عن أبي حنيفة جزمًا القرطبي في التفسير حكايته عن أبي الوليد الباجي (¬3). بداية ج 2 (ص: 148) بدائع ج 3 (ص: 209) مغ ج 9 (ص: 166) الحاوي ج 11 (ص: 283) فتح ج 20 (ص: 170) نيل الأوطار ج 7 (ص: 95) المحلى ج 10 (ص: 277). باب في إحداد المطلقة ثلاثًا والمبتوتة من غير وفاة مطلقها مسألة (1331) جمهور العلماء على أنه لا إحداد إلا على ذات الزوج إذا توفي عنها زوجها فلا إحداد على المطلقة رجعيةً (¬4) كانت أو بائنًا وسواء كانت بينونتها صغرى أم كبرى، وبعدم وجوب الإحداد على المطقة البائن قال مالك والشافعي في قوله الجديد وابن المنذر، وهو قول عطاء وربيعة وأحمد في إحدى الروايتين. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ج 11 (ص 284) بداية ج 2 (ص 148) بدائع مغ ج 3 (ص 209) مغ ج 9 (ص 166) نيل الأوطار مغ ج 7 (ص 95) المحلي مغ ج 10 (ص 277). (¬2) وما سوى ما ذكرته من النساء غير المتزوجات، فلا يختلف العلماء في عدم وجوب الإحداد عليهن كأم الولد والأمة إذا مات عنهما سيدهما وكذلك المزوجة بنكاح فاسد والمزني بها والموطوءة بشبهة، ولم يختلفوا في أنه لا إحداد على المطلقة الرجعية إلا إذا مات زوجها، وأما المطلقة ثلاثًا والمبتوتة ففيها خلاف سنذكره في أصل الكتاب إن شاء الله تعالى. انظر مغ ج 9 (ص 166) فتح الباري ج 20 (ص 171). (¬3) قلت: وأنا أشك في نسبة هذا القول إلى أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى، وقد قال الإمام ابن المنذر بعد ما ذكر وجوب الإحداد على الأمة المزوجة: وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا أحفظ في ذلك عن أحدٍ خلافًا .. اهـ. قلت: وقد نص صاحب البدائع على أن الأمة كالحرة في هذا. انظر بدائع ج 3 (ص: 209). (¬4) قد ذكرنا من قبل أن المطقة الرجعية لا إحداد عليها باتفاق.

باب في ما تمتنع منه الحادة من الحلي لوفاة زوجها

وقال أبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور والمزني: عليها الإحدادُ. وبه يقول الشافعي في قوله القديم والثوري وأحمد في روايةٍ، وحكاه الحافظ في الفتح عن بعض المالكية (¬1)، وحكاه الشوكاني في النيل عن غير هؤلاء وكذا ابن حزمٍ (¬2). فتح الباري جـ 20 (ص: 171). باب في ما تمتنع منه الحادة من الحلي لوفاة زوجها مسألة (1332) جمهور العلماء على أن الحادة على زوجها المتوفى عنها تمنع من لبس الحليِّ كله ذهبًا كان أو فضةً أو غير ذلك، وقال عطاء: يباح لها حليُّ الفضة دون الذهب. مغ ج 9 (ص: 169). باب في اعتداد الحادة في منزل زوجها المتوفى عنها مسألة (1333) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم ومعهم جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر على أن المعتدة لوفاة زوجها تعتد في منزلها، روي عن هذا عن ابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وهو مذهب أحمد. وروي عن علىّ وابن عباس وجابر بن عبد اللَّه وعائشة رضي اللَّه تعالى عنهم، أن المعتدة لوفاة زوجها تعتد حيث تشاء، وبه قال جابر بن زيد والحسن وعطاء، وهو قول داود الظاهري رحمه اللَّه تعالى (¬3). مغ ج 9 (ص: 170)، تفسير القرطبي ج 3 (ص: 177). ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 9 (ص 178) بدائع ج 3 (ص: 209) الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 275) بداية ج2 (ص: 148) نيل الأوطار ج 7 (ص: 95). (¬2) حكى الإحداد على المطقة المبتوتة الإمام ابن حزم بالأسانيد عن الزهري وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والحكم والثوري والنخعي. انظر محلى جـ 10 (ص 280، 281). (¬3) أصل هذه المسألة مختلف فيه وهو: هل تجب السكنى للمعتدة من وفاة زوجها أم لا؟ على قولين للعلماء. للشافعي فيها قولان والصحيح عندي أنهما احتمالان أبداهما الشافعي رحمه اللَّه تعالى، وللإمام أحمد روايتان، وممن قال لا سكنى لها: عليٌّ وابن عباس وعائشة - رضي الله عنها - وبه يقول أصحاب الرأي واختاره المزني، ومن قال بل لها السكنى: عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت وأم سلمة، وبه يقول مالك وكثير من الفقهاء. انظر مغ ج 9 (ص: 172) والحاوى ج 11 (ص: 256).

باب في قيمة سكنى المعتدة من وفاة زوجها

باب في قيمة سكنى المعتدة من وفاة زوجها مسألة (1334) جمهور العلماء على أن السكنى إذا وجبت للمعتدة من وفاة زوجها؛ فإنها تخرج (قيمة السكنى) من رأس مال زوجها المتوفى عنها، وهي مقدمةٌ على مال الغرماء والورثة معًا ولا يباع من مال زوجها لسداد دين بيعًا يمنعها السكنى فيه حتى تقضي العدة، وبقول الجمهور يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي، وهو مذهب أحمد. قلت: ولا أدري من خالف في المسألة، وقد نقل القرطبي عن أكثر الفقهاء حق المتوفى عنها زوجها في سكنى البيت الذي يملك عينه زوجها حتى تنقضي مدة عدتها، وبه قال مالك وأبو حنيفة مغ ج 9 (ص: 172)، والشافعي وأحمد وغيرهم. تفسير القرطبي ج 3 (ص: 177). باب في المعتدة لوفاة زوجها متى يخرجها أهل زوجها من سكناها؟ مسألة (1332) (*) أكثر الفقهاء على أن المعتدة من وفاة زوجها إذا وجبت (¬1) لها السكنى في بيت زوجها الذي توفي عنها، فإن أقارب زوجها من الورثة لا يحق لهم إخراجها من مسكنها إلا أن تكون سليطة بذيئة بلسانها عليهم، وهو معنى "الفاحشة" التي ذكرها ربنا في قوله تعالى في سورة الطلاق: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، وهو قول ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما وسعيد بن المسيب، وبه يقول الشافعي وهو مذهب أحمد. وقال جابر بن زيد والحسن ومجاهد: بل هو الزنى. وقال آخرون: بل هو كل معصية، وروي هذا عن ابن عباس أيضًا. وقال آخرون: هو النشوز على الزوج فيطلقها زوجها على النشوز، فيكون لها التحول حينئذٍ من بيتها، وقال به قتادة (¬2). مغ ج 9 (ص 173). ¬

_ (¬1) كأن يحكم بها القاضي لها. (¬2) انظر أقوال المفسرين في هذه الآية في الطبري جـ 28 (ص: 133)، القرطبي جـ 18 (ص 156) وانظر أقوال الفقهاء في الحاوي جـ 11 (ص: 249) بدائع جـ 3 (ص: 205). (*) قال معد الكتاب للشاملة: خطأ في الترقيم في المطبوعة.

باب في المعتدة هل لها الخروج إلى الحج؟

باب في المعتدة هل لها الخروج إلى الحج؟ (¬1) باب في المرأة يموت عنها زوجها أو يطلقها وهو ناءٍ عنها متى تبدأ عدتها؟ مسألة (1335) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المرأة إذا توفي عنها زوجها أو طلقها وهو في غير بلدها لسفر أو غيره؛ فإن عدتها تبدأ من يوم وفاته أو طلاقه ولو لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة قبل بلوغها الخبر، وهو قول ابن عمر وابن عباسٍ وابن مسعود ومسروق وعطاء وجابر بن زيد وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وطاوس وسليمان بن يسار وأبي قلابة وأبي العالية والنخعي ونافع ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحمد في الأصح المشهور عنه. وقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم: إن قامت بينة بيوم وفاته؛ فكقول من ذكرنا آنفًا، وإلا فمن يوم يأتيها خبر وفاته. روي هذا عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز، ويروى عن عليٍّ والحسن وقتادة وعطاء الخراساني وخلاس بن عمر أن عدتها من يوم يأتيها الخبر مطلقًا. مغ ج 9 (ص 189). * * * ¬

_ (¬1) ذكر الموفق هذه المسألة مع تفريعاتها، أما أصلها فلا أظن أن فيه خلافًا، وهو أن يتوفى الزوج وتعتد الزوجة للوفاة، فلا يجوز لها في هذا الحال أن تنشأ حجًّا وممن روي عنه هذا عمر وعثمان رضي اللَّه تعالى عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي والثوري، وهو مذهب أحمد، ولم يذكر الموفق عن غيرهم خلافًا ولا أظن المسألة إلا من التي لا خلاف فيها واللَّه تعالى أعلم، وأما ما تفرع منها فالخلاف فيها قائم. انظر مغ ج 9 (ص 183).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الرضاع

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع (¬1) باب في سن الطفل الذي يُحرّمُ فيه الإرضاع (¬2) مسألة (1336) جمهور العلماء على أن أكثر المدة التي تحرم فيها الرضاعة هي سنتان لا أكثر من ذلك، روي نحو ذلك عن عمر وعليٍّ وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى عائشة رضي اللَّه تعالى عنهم (¬3) أجمعين، وبه يقول الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبور ثور ومالك في رواية, وفي أخرى حولان وشهر، وفي ثالثة حولان وشهران، ومذهب أحمد موافق للجمهور. وقال أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرًا. وقال زفر: ثلاث سنين. مغ ج 9 (ص: 201) فتح ج 19 (ص: 176). باب في إرضاع الكبير هل يُحرِّمُ؟ مسألة (1337) جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الرضاعة التي تُحَّرمُ هي رضاعة الطفل الصغير الذي لا يستغني عن اللبن، وأن رضاعة الكبير لا تحرم وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها إن رضاعة الكبير تُحِّرمُ، وروى هذا عن حفصة (¬4) وعليٍّ بن أبي طالب (¬5) وعبد اللَّه بن الزبير، وبه يقول عطاء والليث ¬

_ (¬1) أجمع الفقهاء على أنه كما تثبت المحرمية بين الرجل وين المرأة بسبب النسب أو الولادة؛ فإنها كذلك تثبت بالرضاع بالجملة، وإنما اختلف العلماء في مسائل وصور من الرضاع، سيأتي ذكر أهمها في أصل الكتاب إن شاء اللَّه تعالى. انظر مغ ج 9 (ص: 191)، بداية ج 2 (ص: 43). (¬2) اتفق العلماء على أن الرضاعة في مدة الحولين تحرم إذا كان الطفل غير مستغنٍ عن اللبن، ولم يفطم أثناء الحولين ثم يستغني عن اللبن، ثم يعاود الإرضاع، فإذا كان ثمة شيء من ذلك فالخلاف قائم. انظر بداية ج2 (ص 45) الحاوي الكبير ج11 (ص: 367). (¬3) الضمير يعود على جمع الصحابة المذكورين الشامل للرجال والنساء. (¬4) رواه الطبري عنها بإسناد صحيح. قاله الحافظ في الفتح. (¬5) نقله ابن حزم عنه بسند ضعيف من رواية الحارث الأعور. قال الحافظ: ولذلك ضعفه ابن عبد البر.

باب في قدر (عدد) الرضعات التي تحرم

والأوزاعي وحكى عن داود الظاهري (¬1). مغ ج 9 (ص: 201) فتح جـ 19 (ص: 179) بداية جـ 2 (ص: 45) الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 367) شرح جـ 10 (ص: 30). باب في قدر (عدد) الرضعات التي تحرم مسألة (1338) جمهور العلماء على أن التحريم بالرضاع (بسبب الرضاع) يثبت برضعة واحدةٍ فما فوق، وممن روي عنه التحريم بقليل الرضاع وكثيره: عليّ بن أبي طالب وابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري والليث وأصحاب الرأي، وأحمد في روايةٍ. وقالت طائفةٌ: خمس رضعات يحرمن، روي هذا عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير - رضي الله عنهم -، وعطاء وطاوس والشافعي، وبه قال أحمد في رواية جعلها الموفق الصحيح في المذهب. وقال آخرون: ثلاث رضعات فما فوق، وبه يقول أبو ثور وأبو عبيد وداود وابن المنذر وأحمد في رواية ثالثةٍ وإسحاق. قلت: وروى عن عائشة وحفصة: عشر رضعات. قال الحافظ في الفتح: أخرجه مالك في الموطأ (يعني عن عائشة)، قال -رحمه الله-: وجاء عن عائشة أيضًا سبع رضعات. أخرجه ابن أبي خيثمة بإسنادٍ صحيح عن عبد اللَّه بن الزبير عنهما. اهـ (¬2). شرح ج 10 (ص: 29). باب في قدر الرضعات التي تُحرِّمُ مسألة (1339) جمهور العلماء على أن التحريم بالرضاع يثبت برضعة واحدة فما فوق شرح ج 10 (ص: 29). ¬

_ (¬1) وفي النقل عنه ضعف. قال الحافظ في الفتح: وفي نِسْبَةِ ذلك إلى داود نظر، فإن ابن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور وكذا نقل غيره من أهل الظاهر، وهم أخبر بمذهب صاحبهم، وإنما الذي نصر مذهب عائشة، هذا وبالغ في ذلك هو ابن حزم. اهـ. فتح جـ 19 (ص 179). (¬2) انظر في هذه المسألة مغ ج 9 (ص: 192). فتح ج 19 (ص: 176). بداية ج 2 (ص: 43) المحلَّى ج 10 (ص: 9). الحاوي الكبير ج 11 (ص: 361).

باب في لبن الفحل

باب في لبن الفحل (¬1) باب في لبن البهيمة هل يُحرِّمُ ما يُحَرمه لَبَنُ الآدميةِ؟ مسألة (1340) مذهب جمهور العلماء بل عامتهم أن لبن البهيمة لا يحرم ما يحرمه لبن الآدمية، فلو ارتضع اثنان من شاة أو غيرها من الحيوان الجائز شرب لبنه لا يصيران أخوين، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وبه يقول ابن القاسم وأبو ثور وسائر الفقهاء. قال الموفق ابن قدامة في المغني والماوردي في الحاوي: وحكى عن بعض السلف أنهما يصيران أخوين؛ قال الإِمام الماوردي: وأضيف ذلك إلى مالك، وقد أنكره أصحابه أن لبن البهيمة يحرم ويصيران (¬2) بلبنهما أخوين. اهـ. مغ ج 9 (ص: 205). باب في لبن الرجل هل هو كـ "لبن" المرأة في التحريم؟ مسألة (1341) جمهور العلماء بل عامتهم على أن لبن الرجل لا يتعلق به تحريم، وقال الكرابيسي (¬3): يتعلق به التحريم؛ كالمرأة. مغ ج 9 (ص 205). باب في اللبن يخرج من ثدي المرأة من غير جماع هل ينشر التحريم؟ مسألة (1342) جمهور أهل العلم على أن اللبن إذا خرج من ثدي المرأة من غير وطءٍ؛ فإنه ينشر التحريم، وهو قول مالك وأصحاب الرأي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد في أظهر الروايتين عنه واختارها ابن حامد، وهو قول كل من يحفظ عنه ابن المنذر من أهل العلم كما حكاه الموفق عنه في المغني. ¬

_ (¬1) مرت هذه المسألة في كتاب النكاح وهي من مسائل الجمهور في باب المحرمات في النكاح مسألة (1180) مغ ج 7 (ص 476). (¬2) في الأصل "يصيرا" ولعله خطأ في النساخ، أو فيه وجه في اللغة، واللَّه تعالى أعلم. انظر الحاوي الكبير جـ 11 (ص 375). (¬3) هو الحسين الكرابيسي أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي. انظر الحاوي الكبير جـ 11 (ص: 412) مسألة رضاع الخنثى.

باب في من تزوج اثنتين فأرضعت إحداهما الأخرى

وقال أحمد بن حنبل رحمه اللَّه تعالى في رواية: لا ينشر التحريم. مغ ج 9 (ص 206). باب في من تَزوج اثنتين فأرضعت إحداهما الأخرى (¬1) مسألة (1343) أكثر الفقهاء على أن من تزوج اثنتين كبيرة وصغيرة؛ فأرضعت الكبيرة الصغيرة؛ فإن نكاح الاثنتين قد فسد (بطل)، وقد حرمت الكبيرة عليه على التأبيد (¬2) وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور، وهو مذهب أحمد. وقال ابن أبي ذؤيب: إن النكاح لا ينفسخ برضاع الضرائر. وحكى ابن بكير عن مالك رحمه اللَّه تعالى، أنه إذا لم يدخل بالكبرى بطل نكاحها؛ وثبت نكاح الصغرى، وقال الأوزاعي: عكسه (¬3). الحاوي الكبير ج11 (ص: 384). * * * ¬

_ (¬1) واضح أن المرضعة هي كبيرةٌ (بالغة) وأن المرتضعة صغيرة لا زالت في سن الرضاع. (¬2) أما الصغيرة، فإن كان دخل بالكبيرة حرمت عليه الصغيرة على التأبيد؛ لأنها ربيبة وإلا فلا وهذا على مذهب الشافعي وأحمد، ويتعلق بهذه المسألة نصف الصداق للصغيرة ويرجع به على الكبيرة لإفسادها نكاح الصغيرة وفي المسأله خلاف. ولا مهر للكبيرة إن لم يكن قد دخل بها. قال الموفق: وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافًا وإن كان دخل بالكبيرة لم يسقط مهرها. مغ ج 9 (ص: 211) يعني ثبوت نصف الصداق للصغيرة وعدم ثبوت المهر للكبيرة إن لم يطأها. (¬3) انظر مغ ج 9 (ص: 210).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب النفقات

كتاب النفقات

كتاب النفقات (¬1) باب في نفقة خادم الزوجة هل يلزم الزوج بها؟ مسألة (1344) جمهور أهل العلم على أن الزوجة إن كانت ممن لا تخدم نفسها أو احتاجت لخادم فإن نفقته على الزوج (¬2)، وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة ومالك والليث ومحمد بن الحسن. قال الحافظ في الفتح: وشذ أهل الظاهر فقالوا ليس على الزوج أن يخدمها ولو كانت بنت الخليفة. فتح ج 20 (ص: 196) بداية ج 2 (ص: 66). باب في إعسار الزوج أو امتناعه من النفقة هل للزوجة الخيار في الفرقة؟ مسألة (1345) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الزوج إذا أعسر أو امتنع (¬3) عن الإنفاق على زوجته، فلها الخيار إما الصبر على حاله، أو المطالبة بالتفريق بينها وبينه (¬4). ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على مسائل محدودة من كتاب النفقات، وللجمهور مسائل قليلةً سيأتي بيانها في أصل الكتاب إن شاء اللَّه تعالى. فما اتفقوا عليه وجوب نفقة الزوجة على زوجها، والعبيد على أسيادهم والأولاد على آبائهم والآباء على أبنائهم إذا كانوا محتاجين ومن وجبت عليهم النفقة قادرين، وهذا إذا كان الأبناء بالغين غير قادرين على الكسب ولا مال لهم أما إذا كان الأبناء غير بالغين فنفقتهم على الآباء واجبة مطلقًا باتفاق العلماء، واتفقوا على أن الفقير البالغ إذا كان له أب من أهل الإنفاق؛ فإن نفقته عليه وحده دون غيره إلا أصحاب الشافعي فيما لو كان له أب وابن موسر فلهم في ذلك وجهان: الأول: على الأب وحده: والثاني: عليهما جميعًا. انظر مغ ج 9 (ص: 229، 256) الحاوي مغ ج 11 (ص: 475). (¬2) انظر مغ ج 9 (ص: 237) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 418). (¬3) وإذا امتنع عن الاتفاق وكان موسرًا فلا خيار لها إذا قدرت أن تأخذ كفايتها من ماله ولو بغير علمه، وإن لم تقدر على ذلك رفعت أمرها إلى الحاكم، فإذا طالبه الحاكم بالانفاق وأبي حبسه؛ فإن امتنع عن الإنفاق أخذ الحاكم النفقة من ماله أو باعٍ من عقاره ما يفي بالنفقة إن لم يجد مالًا، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور، وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة: لا يبيع عرضًا إلا يإذن صاحبه. انظر مغ ج 9 (ص 245). (¬4) وهل إذا اختارت الفراق يُنْظَرْ الزوج المعسر وغيره، أولها المطالبة بالفسخ في الحال؟ فيه اختلاف، قال الشافعي في أحد قوليه: لا يشترط الإنظار، وقال حماد بن أبي سليمان: يؤجل سنةً قياسًا على العنين، وقال عمر بن عبد العزيز: اضربوا له شهرًا أو شهرين، وقال مالك: الشهر ونحوه، وقال الشافعي في قوله الآخر الجديد: يؤجل ثلاثًا، ومذهب أحمد عدم اشتراط الإنظار. انظر مغ ج 9 (ص: 243) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 458).

باب في تقدير نفقة الزوجة هل في ذلك حد؟

روي نحو ذلك عن عمر وعليٍّ وأبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحماد ومالك ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدى والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وهو مذهب أحمد. وذهب عطاء والزهري وابن شبرمة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن إلى أنها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب. مغ ج 9 (ص: 243) بداية ج 2 (ص: 63) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 454). باب في تقدير نفقة الزوجة هل في ذلك حد؟ مسألة (1346) أكثر العلماء على أن نفقة الزوجة على زوجها ليس فيها تحديد، وإنما هي مقدرة بالكفاية بحسب حال من تجب له النفقة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد (¬1) والشافعي في قول حكاه الجويني عنه. وقال الشافعي في المشهور عنه: بل هي مقدرة بالأمداد على الموسر مدان والمتوسط مد ونصف والمقتر مدٌّ واحد. وروي عن مالك نحوه. فتح ج 20 (ص: 187، 198). باب في نفقة الأبناء البالغين هل تجب على الآباء؟ مسألة (1347) جمهور العلماء على أن نفقة الأبناء على الآباء ليست واجبة مطلقًا؛ وإنما تجب لهم حتى يبلغوا إذا كانوا ذكرانًا وحتى يتزوجن إذا كن إناثًا، أو بلغوا وفيهم من المرض ما يمنعهم من الكسب أو غير ذلك من موانع الكسب (¬2). وقال الشافعي: ينفق على البنت وجوبًا حتى تحيض (¬3). وقالت طائفة بوجوب النفقة على الآباء لجميع الأولاد أطفالًا كانوا أو بالغين إناثًا وذكرانًا إذا لم يكن لهم أموالٌ يستغنون بها. حكاه ابن المنذر. فتح ج 20 (ص: 188). باب في نفقة الزوجة هل تسقط بالتقادم أم تبقى في الذمة؟ مسألة (1348) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الزوج إذا ترك النفقة لزوجتة ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 9 (ص: 231) بداية ج 2 (ص: 66) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 423). (¬2) انظر الحاوي الكبير ج 11 (ص: 478). (¬3) انظر الحاوي الكبير ج 11 (ص: 484).

باب في نفقة الأم على ولدها

فإن حق الزوجة فيه يبقى ثابتًا في ذمة زوجها وسواء ترك النفقة بعذر أو بغير عذرٍ، وبه قال الحسن ومالك والشافعي وأحمد في رواية وابن المنذر (¬1). وقال أحمد في رواية: تسقط نفقتها، ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها، وبه قال أبو حنيفة. مغ ج 9 (ص: 249). باب في نفقة الأم على ولدها مسألة (1349) جمهور العلماء على أن نفقة الأمهات على أولادهم واجبة، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال مالك: لا تجب (¬2). الحاوي الكبير ج11 (ص: 487). باب في نفقة زوجة العبد المملوك مسألة (1350) جمهور العلماء بل عامتهم (¬3) على أن على العبد نفقة زوجته، وبه قال الشعبي والحكم والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد وابن المنذر (¬4)، وحكى عن مالك أنه قال: ليس عليه نفقتها. مغ ج 9 (ص 274). باب في نفقة الزوجة الصغيرة التي لا يوطأ مثلها مسألة (1351) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الزوجة الصغيرة التي لا يحتمل مثلها الوطء؛ فإنه لا نفقة لها على زوجها، وبه قال الحسن وبكر بن عبد اللَّه المزني والنخعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي في المنصوص عنه (¬5) وهو مذهب أحمد. وقال الثوري بوجوب النفقة لها، وبه قال الشافعي في موضع. مغ ج 9 (ص: 281). ¬

_ (¬1) قال ابن المنذر: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها. انظر مغ ج 9 (ص: 250) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 454). (¬2) انظر مغ ج 9 (ص 256). (¬3) بل قد حكى فيها ابن المنذر الإجماع عمن يحفظ من أهل العلم. مغ ج 9 (ص 274). (¬4) انظر الحاوي الكبير جـ 11 (ص 449). (¬5) انظر الحاوي الكبير ج 11 ص 439.

باب في نفقة المطلقة البائن غير الحامل

باب في نفقة المطلقة البائن (¬1) غير الحامل (¬2) باب في نفق المعتدة من الوفاة إذا كانت حاملا (¬3) مسألة (1352) جمهور العلماء من التابعين والفقهاء وكثير من الصحابة على أنه لا نفقة للحامل المتوفى عنها زوجها أثناء عدتها، وبه قال جابر بن عبد اللَّه وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأبو حنيفة، وسائر أصحاب الرأي والشافعي وأحمد في رواية وإسحاق وابن المنذر. وروي عن عليٍّ وعبد اللَّه (أظنه ابن مسعود) وبه قال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تعالى عنهم، وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي وخلاس بن عمرو وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد وأحمد في رواية (¬4). الحاوي الكبير ج11 (ص: 237). باب في نفقة الزوجة الناشز مسألة (1353) جمهور العلماء بل عامتهم على أنه لا نفقة للزوجة الناشز (¬5) وبه يقول الشعبي وحماد ومالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأبو ثور والأوزاعي والشافعي، وهو مذهب أحمد. وقال الحكم: لها النفقة. قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا خالف هؤلاء (يعني الجمهور) إلا الحكم. مغ ج 9 (ص: 295). ¬

_ (¬1) أما المطقة الرجعية فلها النفقة والسكنى بإجماع أهل العلم. انظر الحاوي ج 11 (ص: 465). (¬2) أما الحامل سواء طلقت ثلاثًا أو بخلع أو بفسخ؛ فلها النفقة والسكنى بإجماع أهل العلم، وأما غير الحامل وهي التي تسمى بالحائل ففيها خلاف شديد مختصره ثلاثة مذاهب: (الأول): لها السكنى ولا نفقة لها، روي هذا عن عمر وابنه وابن مسعود وعائشة وفقهاء المدينة السبعة ومالك والشافعي وأحمد في رواية. (المذهب الثاني): لا نفقة لها ولا سكنى، روي عن علي وابن عباس وجابر، وبه قال عطاء وطاوس والحسن وعكرمة وميمون بن مهران وإسحاق وأبو ثور وداود وأحمد في رواية, وهي ظاهر المذهب كما قال الموفق ابن قدامة. (المذهب الثالث): لها السكنى والنفقة وهو قول أكثر فقهاء العراق، وبه يقول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه والبتي والعنبري. انظر مغ ج 9 (ص: 288) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 465). (¬3) أما الحائل فلا أعلم خلافًا عن أهل العلم أنه لا نفقة لها حتى حكي الماوردي الإجماع في منع النفقة عن المعتدة في الوفاة حائلًا كانت أو حاملًا. انظر الحاوي ج 11 (ص: 256). (¬4) انظر مغ ج 9 (ص: 291) القرطبي ج 3 (ص: 185). (¬5) الزوجة الناشز هي العاصية لزوجها فيما له حق فيه عليها، وأصل النشوز هو الارتفاع، ومنه قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} وسميت ناشزًا لارتفاعها عن طاعة زوجها.

فصل في حضانة الطفل وكفالته

فصل في حضانة الطفل وكفالته (¬1) باب في الحرية شرط في ثبوت الحضانة؟ مسألة (1354) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الحرية شرط في ثبوت الحضانة، وهو قول عطاء والثوري والشافعي وأبي حنيفة، وسائر أصحاب الرأي وهو مذهب أحمد (¬2). وقال مالك في حرٍ له ولدٌ حرٌ من أمةٍ: الأم أحق به إلا أن تباع فتنقل، فيكون الأب أحق به. مغ ج 9 (ص 297). باب في هل الإسلام شرط في ثبوت الحضانة؟ مسألة (1355) جمهور العلماء على أن الإسلام شرط لثبوت الحضانة فلا حضانة لكافرة على ولدها المسلم، وبه يقول مالك والشافعي وسوار والعنبري وغيرهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن القاسم وأبو ثور: بل تثبت حضانة الأم الكافرة على ولدها المسلم (¬3) وقال به ابن حزم ما لم يبلغ الولد سن الاستغناء والفهم. نيل الأوطار جـ 7 (ص: 141). باب في هل تسقط حضانة الأم إذا تزوجت؟ مسألة (1356) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها وانتقل الحق فيها إلى الأب، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأحمد في الغلام دون الجارية، وحكي ابن المنذر الإجماع عمن يحفظ في هذه المسألة. وحكي عن الحسن أنها لا تسقط بالتزويج، وروي هذا عن عثمان رضي اللَّه تعالى عنه، وبه قال ابن حزم. وقال أحمد: تسقط الحضانة في الغلام دون الجارية. ¬

_ (¬1) لا خلاف بين العلماء في وجوب حضانة الطفل وكفالته عند حدوث الفراق بين الزوجين خاصة وعند عدم وجود من يرعاه من أب أو أم عامة، وإنما اختلف العلماء في فروع هذا الفصل؛ كشروط أهلية الحضانة والأولى بحضانته عند تعارض المتأهلين وغير ذلك، واتفقوا على أن الأم أولى بحضانة ولدها ما دام طفلًا وما لم تنكح. مغ ج 9 (ص: 297، 298). (¬2) انظر الحاوي الكبير ج 11 (ص: 502). (¬3) انظر مغ ج 9 (ص: 297) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 503) المحلي 10 (ص 323) بدائع ج 4 (ص: 42).

باب في تخيير الولد بين أمه وبين أبيه إذا بلغ سبعا

وقالت طائفة: لا تسقط الحضانة إذا تزوجت قريبًا للمحضونة، وكانت المحضونة جاريةً. روي هذا عن أحمد، وروي عنه لا فرق بين الذكر والأنثى، وحكي هذا عن أبي حنيفة (¬1). مغ ج 9 (ص 306). باب في تخيير الولد بين أمه وبين أبيه إذا بلغ سبعًا (¬2) * * * ¬

_ (¬1) انظر المحلى ج 10 (ص: 343) نيل الأوطار جـ 7 (ص 139) فتح جـ 16 (ص: 62) بدائع ج 4 (ص 42). (¬2) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور، بل هي مسألة اشتد فيها الخلاف وادعاء الإجماع فيها لا مستند له، وإنما ذكرتها هنا لأهميتها فقهًا وقضاءً، ولأني وجدتها ضمن مسائل الإجماع في موسوعة الإجماع دون تعقيب أو نقد أو رد. انظر موسوعة الإجماع ج أ (ص: 363) مسألة (4) تحت "حضانة"، وحاصل الخلاف في هذه المسألة ينحصر في ثلاثة مذاهب (الأول) التخيير ولا فرق فيه بين الذكر والأنثى وبه يقول الشافعي ومن وافقه. (الثاني): التخيير للغلام، وأما الجارية فهي للأب بعد سبع سنين، وهو مذهب أحمد. (المذهب الثالث): لا تخيير أصلاً وإنما بعد السبع الأب أولى بالغلام حتى يبلغ والأم أولى بالأنثى حتى تزوج، وبعدم التخيير يقول أبو حنيفة ومالك على خلاف طفيف بينهما. انظر مغ ج 9 (ص 300) نيل الأوطار ج 7 (ص: 141) الحاوي الكبير ج 11 (ص: 499) بدائع ج 4 (ص: 44).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الجنايات

كتاب الجنايات (الجراح)

كتاب الجنايات (الجراح) باب في توبة القاتل عمدًا (¬1) هل تقبل؟ (¬2) مسألة (1357) جمهور أهل العلم على أن قاتل النفس عمدًا بغير حق له توبةٌ، فإذا تاب إلى اللَّه تعالى؛ فإن أمره إلى اللَّه تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، وقال ابن عباس أن توبته لا تقبل وهو خالد في جهنم أبدًا. مغ جـ 9 (ص 319) نيل الأوطار جـ 7 (ص 208). باب في تنوُّع القتل إلى عمد وشبه عمد وخطأ (¬3) مسألة (1358) أكثر أهل العلم على أن القتل ينقسم إلى عمدٍ وشبه عمدٍ وخطأ. روي هذا عن عمر وعليٍّ رضي اللَّه تعالى عنهما، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وحماد وأهل العراق والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد وابن المنذر. وقال مالك ليس في كتاب اللَّه إلا العمد والخطأ، فأما شبه العمد فلا يعمل به عندنا. وجعل مالكٌ رحمه اللَّه تعالى شبه العمد من قسم العمد وبه قال الليث قال الموفق: وحكى عن مالك مثل قول الجماعة. قلت: وحكى مثل ذلك ابن رشد تخريجًا. مغ جـ 9 (ص 320) بداية جـ 2 (ص 472) القرطبي جـ 5 (ص 329) نيل الأوطار جـ 7 (ص 168). ¬

_ (¬1) أجمع المسلمون على تحريم قتل النفس بغير حق. مغ جـ 9 (ص 318). (¬2) انظر مسأله توبة قاتل العمد في القرطبي جـ 5 (ص: 332). (¬3) لا خلاف يعلم بين أهل العلم في أن من قتل بمحدد كالسيف والسكين في مقتلٍ قاصدًا فهو قتل عمدٍ. مغ جـ 9 (ص: 321) ولا خلاف بينهم في أن القتل العمد إذا توافرت شروطه فإن فيه القود مغ جـ 9 (ص 333)، وأجمع أهل العلم على أن الحر المسلم إذا قتل وتوفرت في قاتله شروط قتل العمد فإنه يقاد به مهما اختلفت أوصاف القاتل والمقتول من فقر وغنى أو جمال وقبح أو سواد من بياض أو غير ذلك، ولا خلاف يعلم بين أهل العلم في أن من قتل امرءًا عمدًا واعتذر لقتله بأنه كان مضطرًا لدفعه أو وجده يزني بامرأته فإن عليه القصاص مالم يأت بالبينة، وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر. مغ جـ 9 (ص 334، 336).

باب في القتل بغير محدد مما يزهق الروح في الغالب

باب في القتل بغير محدد مما يزهق الروح في الغالب مسألة (1359) جماهير أهل العلم على أن من تعدى على فلانٍ بغير محدد لكنه يقتل مثله في الغالب (¬1) فقتله فهو قتلٌ عمدٌ يوجب القصاص، وبه قال النخعي والزهري وابن سيرين وحماد وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد، وهو مذهب أحمد. وقال الحسن: لا قود في ذلك (يعني لا قصاص). وروى ذلك عن الشعبي. وقال ابن المسيب وعطاء وطاوس: العمد ما كان بالسلاح. وقال أبو حنيفة: لا قود في ذلك إلا أن يكون قتله بالنار، وفي مثقل الحديد عنه روايتان (¬2). شرح جـ 11 (ص 158). باب في صفة القتل شبه العمد مسألة (1360) جمهور العلماء بل جماهيرهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن من ضرب فلانًا قاصدًا ضربه بما لا يقتل غالبًا، كالحجر الصغير والعصا الصغيرة والسوط فمات فهو قتلٌ شبهُ عمدٍ ولا قود فيه، بل فيه الدية على العاقلة، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال مالك: هو عمد موجبٌ للقصاص، وهو قول الليث بن سعد. ¬

_ (¬1) كالحجر الكبير وفي أيامنا هذه كالسيارة، ويسميه الفقهاء القتل العمد بغير المحدد أي بالمثقل يعني يقتل بثقله لا بعده، وفي المسألة حديث صحيح في قصة اليهودي، الذي قتل جارية بأن رضَّ رأسها بين حجرين، وفي رواية قتلها بحجر، وفي أخرى رضخ رأسها بالحجارة. انظر شرح مسلم جـ 11 (ص 157) قلت: وهذه من المسائل التي اجتهدت برأيي فنسبتها إلى أكثر من بلغني قوله من أهل العلم ثم وجدت الإمام النووي يصرح بنسبتها إلى الجمهور بل إلى الجماهير. ففرحت بذلك وحمدت اللَّه تعالى أَنْ صار عندي من المراس والمعاينة لأقوال العلماء ما مكنني بفضل اللَّه تعالى من أن أتحسس المسألة إن كانت مما ينسب فيها قولٌ للجمهور أم لا، وقد حصل معي هذا في كثير من المسائل التي صدرتها بقولي: "أكثر من بلغنا قوله أو جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم" فإذا بي أجدها منسوبةً صريحًا للجمهور. فالحمد للَّه على ما وفق وأكرم. (¬2) انظر مغ جـ 9 (ص 322).

باب في القتل الخطأ

وقال أبو بكر الحنبلي: تجب الدية في مال القاتل، وبه قال ابن شبرمة. مغ جـ 9 (ص 337) شرح جـ 11 (ص 159، 177). باب في القتل الخطأ (¬1) مسألة (1361) جمهور أهل العلم على أن من قصد فعلًا محرمًا؛ كقتل بهيمة مملوكة لغيره أو آدمي معصوم الدم فأصاب غير ما قصده من آدمي فقتله فهو قتل خطأ لا قود فيه والدية فيه على العاقلة، وهو مذهب الشافعي وأحمد. قال الموفق: ويتخرج على قول أبي بكر (أحد الأصحاب في المذهب الحنبلي) أن هذا عمدٌ لقوله فيمن رمى نصرانيًّا فلم يقع به السهم حتى أسلم أنه عمد يجب به القصاص. مغ جـ 9 (ص 339). باب في قتل المسلم الذمي (¬2) هل يقاد به؟ مسألة (1363) جمهور العلماء على أن المسلم لا يقتل قصاصًا بقتل الكافر ذميًّا كان أو حربيًّا أو أي كافرٍ كان. روي هذا عن عمر وعثمان وعليٍّ وزيد بن ثابت ومعاوية رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن وعكرمة والزهري وابن شبرمة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وغيرهم. وقال إبراهيم النخعي والشعبي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن أبي ليلى يُقْتَلُ المسلم إذا قتل ذميًّا دون غيره. وقال مالك والليث: لا يقتل السلم بالذمي إلا إذا قتله غيلةً (¬3). مغ جـ 9 (ص 341) القرطبي جـ 2 (ص 247) شرح جـ 2 (ص 165). ¬

_ (¬1) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئاً فيصيب غيره لا أعلمهم يختلفون فيه هذا قول عمر بن عبد العزيز وقتادة والنخعي والزهري وابن شبرمة والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. مغ جـ 9 (ص 338) هذا نقل الموفق، وانظر عبارة ابن المنذر في الإشراف جـ 2 (ص 108). (¬2) ولا أعلمهم يختلفون في أن المسلم لا يُقْتَلُ بغير الذمي من الكفار كالحربي المستأمن وغيره، وقد رأيت الإِمام الماوردي قد نص على هذا فانظره هناك. الحاوي جـ 12 (ص 10) وانظر بداية جـ 2 (ص 474). (¬3) قال ابن رشد: وقتل الِغيلَةِ أن يضجعه فيذبحه وبخاصةٍ على ماله (يعني من أجل أخذ ماله). اهـ. بداية جـ 2 (ص 474) وانظر في المسألة كلها. الحاوي الكبير جـ 12 (ص 10) الإشراف جـ 2 (ص 99).

باب في القصاص من السيد إذا قتل عبده

باب في القصاص من السيد إذا قتل عبده مسألة (1363) جمهور العلماء على أن السيد إذا قتل عبده فإنه؛ لا يقاد به. وحكى عن النخعي والثوري في أحد قوليه وداود يقتل به، ونقل القرطبي عن عليِّ ابن المديني والبخاري القول به (¬1). مغ جـ 9 (ص 349). باب في هل يقتل الحر بالعبد (¬2)؟ مسألة (1364) جمهور العلماء على أن الحر لا يقتل بالعبد روى هذا عن أبي بكر وعمر وعليّ وزيد وابن الزبير رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال الحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز وعكرمة وعمرو بن دينار ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وهو مذهب أحمد. قال الشافعي. ليس بين العبد والحر قصاص إلا أن يشاء الحر. وقالت طائفة: يقتل الحر بالعبد. روي هذا عن عليٍّ وابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب وقتادة وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى (¬3). القرطبي جـ 2 (ص 247) فتح جـ 26 (ص 24) شرح جـ 11 (ص 165). باب في القصاص بين الأحرار والعبيد فيما دون النفس من الجراحات مسألة (1365) جمهور العلماء على أنه لا قصاص بين الأحرار وبين العبيد فيما دون النفس من الجراحات، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وفقهاء الأمصار في الحجاز والشام ومصر والعراق، وذهب ابن أبي ليلى وداود إلى إثبات القصاص فيها (¬4). القرطبي جـ 2 (ص 247) جـ 5 (ص 314). ¬

_ (¬1) انظر القرطبي جـ 2 (ص 249) فتح جـ 26 (ص 24) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 19). (¬2) يعني إذا قتل عبد غيره، فهي مسألة مختلفة عن التي قبلها. (¬3) انظر مغ جـ 9 (ص 348) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 17) الإشراف جـ 2 (ص 97). (¬4) انظر مغ جـ 9 (ص 350) وقد نفى الموفق ابن قدامة علمه بالخلاف في هذه المسألة ولعله لم يصله خلاف ابن أبي ليلى وداود.

باب في القصاص بين العبيد في النفس

باب في القصاص بين العبيد في النفس (¬1) مسألة (1366) أكثر أهل العلم على أن القصاص بين العبيد في النفس جائزٌ. روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وسالم، وبه يقول النخعي والشعبي والزهري وقتادة والثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية. وقال آخرون: لا قصاص بين العبيد في النفس، وبه يقول الحسن وابن شبرمة (¬2). وقال أحمد في روايةٍ: أن من شرط القصاص تساوى قيمتهم، فإن اختلفت فلا قصاص. مغ جـ 9 (ص 351). باب في هل يقاد الوالد بقتل (¬3) ولده؟ مسألة (1367) جمهور العلماء وجماعتهم على أن الوالد لا يقتل قودًا إذا قتل ولده على أي وجه أو حال قتله، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد، وهو قول ربيعة والأوزاعي، ونقل هذا عن عمر بن الخطاب جزمًا، وحكى الشافعي في هذه المسألة الإجماع. وقال مالك: إن أخذه وأضجعه وذبحه قتل به وإن رماه بسهم أو حذفه بسيف فقتله أو ضربه بشيء خنقًا وتأديبًا؛ فمات فلا قود فيه بل فيه الدية. وقال ابن نافع وابن عبد الحكم وابن النذر: يقتل به إذا قتله عمدًا على أي وجه كان (¬4). بداية جـ 2 (ص 477) القرطبي جـ 2 (ص 250). ¬

_ (¬1) أما فيما دون النفس فالذي عليه كثير من الفقهاء أن القصاص يجري بينهم، وهو قول عمر بن عبد العزيز وسالم والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأحمد في رواية، وذهب غيرهم إلى أنه لا قصاص بين العبيد فيما دون النفس، وبه يقول الشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد في رواية. انظر مغ جـ 9 (ص 351) بداية جـ 2 (ص 485). (¬2) انظر بداية جـ 2 (ص 485). (¬3) الأكثرون لا يفرقون بين الأم والأب في هذا وروى عن أحمد ما يدل على التفريق والمذهب كقول الجمهور. مغ جـ 9 (ص 360). (¬4) انظر مغ جـ 9 (ص 359) الحاوي جـ 12 (ص 22).

باب في القود بين أحد الأبوين إن لم يكن بينهما ولد

باب في القود بين أحد الأبوين إن لم يكن بينهما ولدٌ (¬1) مسألة (1368) جمهور أهل العلم على أنه إذا قتل أحد الأبوين الآخر ولا ولد بينهما (منهما) فإن القصاص جارٍ بينهما، وهو قول عمر بن العزيز والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد (¬2). وقال الزهري: لا يقتل الزوج بامرأته سواء كان لهما ولد أو لم يكن. مغ جـ 9 (ص 362). باب في قتل الولد بأحد أبويه (¬3) مسألة (1369) جمهور العلماء، بل عامتهم على أن الولد يقاد إذا قتل أحد أبويه، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين (¬4) وحكى عن أحمد روايةٌ أخرى أن الابن لا يقتل بأبيه. مغ جـ 9 (ص 365). باب في قتل الجماعة بالواحد مسألة (1370) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم ومعهم جمهور فقهاء الأمصار أن الجماعة لو تمالؤوا على قتل من يجب بقتله القصاص بحيث لو انفرد كل منهم لوجب فيه القود فإنهم يقتلون به جميعًا. روى هذا عن عمر وعليٍّ والمغيرة بن شعبة وابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وأبو سلمة وعطاء وقتادة، وإليه ذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وأحمد في المشهور المعتمد عنه. وقالت طائفة غير قليلةٍ: لا تقتل الجماعة بالواحد بل يجب في حقهم الدية، وهذا قول ابن الزبير والزهري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعبد الملك وربيعة وداود الظاهري وابن المنذر وأحمد في رواية. ¬

_ (¬1) فإن كان لهما ولدٌ فلا قصاص لأن ولد المقتول صار وليًّا في الدم ولا يسلط ولد على القاتل كونه أباه أو أمه. مغ جـ 9 (ص 362). (¬2) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 25). (¬3) يعني إذا قتل أباه أو أمه عياذًا بالله تعالى من ذلك. (¬4) وهي المعتمدة في المذهب.

باب في قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل

وقال آخرون: لا يقتلون به جميعًا وإنما يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية. روى هذا عن معاذ بن جبل وعبد اللَّه بن الزبير ومحمد بن سيرين والزهري (¬1). مغ جـ 9 (ص 366) بداية جـ 2 (ص 476). باب في قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل مسألة (1371) جمهور العلماء بل عامتهم (¬2) على أن الرجل يقتل بالمرأة وأن المرأة تقتل بالرجل ولا فرق، وهو قول النخعي والشعبي والزهري وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة وإسحاق وأحمد في المشهور عنه، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم. وهو مذهب الشافعي. وروى عن عليٍّ إذا قتل الرجل بالمرأة أعطى أولياؤه نصف الدية، وحكى ذلكِ عن الحسن وعطاء، وحكى عنهما مثل قول الجماعة، وحكى هذا القول أعني إعطاء نصف الدية عن عثمان البتي. وروي عن الحسن أنه لا يقتل ذكر بأنثى وإنما فيه الدية. حكاه عنه القاضي أبو الوليد الباجي في المنتقى، وحكاه الخطابي في معالم السنن. قال ابن رشد: وهو شاذ، ولكن دليله قوي، وروى عن عليٍّ والحسن أن الأمر متروك إلى الأولياء، فإن اختاروا القتل فيه ونعمت ووقوا أولياء القاتل نصف الدية. إن كان المقتول امرأة، وإن شاءوا استحياء القاتل دفعوا الدية إلى أولياء المقتول ذكرًا كان أو أنثى. حكى هذا عن عليٍّ والشعبيُّ (¬3). قلت: وفي المسألة كلام كثير واعتراضات ليس هذا محل بسطها. فتح جـ 26 (ص 35) مغ جـ 9 (ص 377) بداية جـ 2 (ص 476) القرطبي ص 2 (ص 248) الإشراف جـ 2 (ص 95). ¬

_ (¬1) انظر القرطبي جـ 2 (ص 251) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 26) الإشراف جـ 2 (ص 103). (¬2) وقد حكى ابن المنذر في هذه المسألة الإجماع نقله عنه الموفق ولا يصح مع ثبوت من خالف فيها وقال النووي وهو إجماع من يُعْتَدُّ به قلت: الذي ذكره ابن المنذر من الإجماع كان بتحفظ، وقد ذكر -رحمه الله- ما روى من الخلاف في هذه المسألة ثم فند هذا المروي عن الحسن وعليٍّ بأن المروي عن عليٍّ لا يثبت وأن ما روي عن الحسن روي عنه خلافه ثم قال: فإذا اختلفت الأخبار عن الحسن صار وجوب القصاص بينهما (يعني بين الرجل وبين المرأة) كالإجماع مع السنن الثابتة المستغنى بها عما سواها. انظر الإشراف جـ 2 (ص 91) وانظر حكايته الإجماع التي ذكرها النووي. شرح جـ 11 (ص 158). (¬3) قال القرطبي: لا يصح؛ لأن الشعبي لم يلق عليَّا.

باب في اشتراك المخطىء والعامد في القتل هل يقاد واحد منهما؟

باب في اشتراك المخطىء والعامد في القتل هل يقاد واحد منهما؟ مسألة (1372) أكثر أهل العلم على أنه لو اشترك في القتل عامدٌ ومخطئ، فإنه لا قود على واحد منهما، أما الخطئ: فعليه نصف الدية على عاقلته وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ في ماله، وأما العامد: فعليه نصف الدية في ماله، وممن قال لا قود على واحدٍ منهما النخعي والشافعي وأبو حنيفة، وسائر أصحاب الرأي وهو مذهب أحمد. وحكى عن مالك أنه لا يعفى العامد من القود، بل عليه القصاص، وروي هذا عن أحمد. مغ جـ 9 (ص 379). * * *

فصل في القصاص في العمد في الجراحات

فصل في القصاص في العمد (¬1) في الجراحات باب في الموضحة وكل جرح (¬2) ينتهي إلى عظم مسألة (1373) أكثر أهل العلم على أن كل جرح ينتهي إلى عظم يعامل معاملة الموضحة في جواز استيفائه قصاصًا، وبه يقول الشافعي، وهو مذهب أحمد. وقال بعض أصحاب الشافعي: لا قصاص فيما سوى الوضحة في الرأس والوجه (¬3). قلت: وقد حكى ابن رشد عن الجمهور أن الموضحة لا تكون في الجسد وأوهم كلامه أن الشافعي يجعل الموضحة في جميع الرأس والوجه دون غيرهما من البدن وليس بصحيح، ونقل القرطبي عن ابن المنذر أن الموضحة في غير الرأس والوجه ليس فيها إلا الاجتهاد وجعله قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قال: وبه نقول. قلت: ولعله أراد عند العفو عن القصاص واللَّه تعالى أعلم والذي يظهر لي أن قول الجمهور الذي نقلته هنا في الاستيفاء قصاصًا لا في الدية، وأما الدية فإنها لا تكون إلا في الرأس والوجه ولا تكون في الجسد وبذا يوجه كلام ابن رشد وابن المنذر. مغ جـ 9 (ص 411). باب في المأمومة (¬4) والجائفة هل فيها قصاص؟ مسألة (1374) مذهب العامة من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنه لا قصاص في المأمومة ولا في الجائفة، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي، وهو مذهب أحمد (¬5). ¬

_ (¬1) وأما الخطأ فلا قصاص في شيء من الجراحات شجاجا كانت أو جنايات على أطراف أو غير ذلك بالإجماع. مغ جـ 9 (ص 410). (¬2) هي الجراحة في الرأس أو الوجه تصل إلى العظم فتوضحه ولذا سميت موضحةً، ولا يعلم بين العلماء خلاف في جواز استيفاء القصاص في الموضحة وهي الجرح في الرأس أو الوجه الذي يصل إلى العظم. مغ جـ 9 (ص: 411) القرطبي جـ 6 (ص 204). (¬3) انظر نص الشافعي في هذه المسألة واختلاف بعض أصحابه في الحاوي جـ 12 (ص 154) وانظر كلام ابن رشد في البداية جـ 2 (ص: 502)، وكلام القرطبي ص 6 (ص 205). (¬4) هي التي تصل إلى جلدة الدماغ التي تسمى أم الدماغ؛ فالشجة الواصلة إليها تسمى مأمومة وآمة لوصولها إلى أم الدماغ، والجائفة في البدن وهي التي تصل إلى الجوف قاله ابن قدامة. مغ جـ 9 (ص 419). (¬5) وروى عن عليٍّ - رضي الله عنه - لا قصاص في المأمومة، وقاله مكحول والزهري والشعبي، وقال عطاء والنخعي: لاقصاص في الجائفة. مغ جـ 9 (ص 419).

باب في القصاص بين الرجل وبين المرأة فيما دون النفس مما يمكن استيفاؤه بالقصاص

وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قص من المأمومة (¬1) مغ جـ 9 (ص 419) بداية جـ 2 (ص 503). باب في القصاص بين الرجل وبين المرأة فيما دون النفس مما يمكن استيفاؤه بالقصاص مسألة (1375) جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على ثبوت القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس مما يمكن استيفاؤه؛ كالموضحة في الجراحات واليد في الأطراف ونحو ذلك، وبه يقول مالك وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر. وقالت طائفة: لا قصاص بينهما فيما دون النفس، وبه يقول حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأصحابه. قلت: وهو مذهب عطاء والحسن في النفس وما دونها (¬2). شرح جـ 11 (ص 164). * * * ¬

_ (¬1) ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر نفى العلم بالمخالف في كل جراحة فوق الموضحة، وذكر ما روي عن ابن الزبير في أنه قص في المنقلة وهي التي تنقل العظم من مكانه. قال: وليس بثابت عنه مغ جـ 9 (ص 420) قرطبي جـ 6 (ص 206) وأما فيما دون الموضحة ففي المسألة خلاف. انظر مغ جـ 9 (ص 420) الحاوى الكبير جـ 12 (ص 156) بداية جـ 2 (ص 503). (¬2) انظر هذه المسألة. الإشراف جـ 2 (ص: 96).

فصل في القصاص في الأطراف

فصل في القصاص في الأطراف (¬1) باب في الأعور يقلع عيني الصحيح مسألة (1376) أكثر أهل العلم على أن الأعور إذا قلع عيني الصحيح؛ فإنه (المتعدى عليه) بالخيار بين أن يقتص ولا شيء له غير ذلك، وبين أن يختار الدية وله ديةٌ واحدةٌ لا غير، وبه يقول مالك أو نصف الدية وهو قول الشافعي. وقال القاضي أبو يعلى: يقتضي الفقه أن يلزمه ديتان: إحداهما: للعين التي تقابل عينه والدية، الثانية: لأجل العين الناتئة؛ لأنها عين أعور. وقال قوم: ليس له إلا القود أو ما اصطلحا عليه، وبه يقول فقهاء الكوفة. وروي عن عثمان وسعيد بن المسيب أنه لا قود وإنما هىِ الدية كاملة لا غير. مغ جـ 9 (ص 431) بداية جـ 2 (ص 486). باب في أخذ اليمنى باليسرى في القصاص مسألة (1377) جمهور العلماء على أن ما كان في الأطراف يمين ويسار فلا تؤخذ يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى، وممن قال هذا: مالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي والشافعي، وهو مذهب أحمد. وحكى عن ابن سيرين وشريك أنه تؤخذ يمنى بيسرى ويسرى بيمنى، وحكي هذا عن ابن شُبْرُمة كذلك. مغ جـ 9 (ص 438) القرطبي جـ 6 (ص 193). ¬

_ (¬1) الأطراف هي كل عضو مستقل محدد؛ كالعين والأذن واليد (بأقسامها)، وإنما جاز فيها القصاص بالإجماع، ولأنه يمكن استيفاء الحق فيها دون التعدي إلى غيره، والإجماع منعقد على أن الأذن تؤخذ بالأذن قصاصًا والأنف بالأنف والعين بالعين والسن بالسن والذَّكَرَ بالذَّكَرِ والأنثيين بالأنثيين واليد بأقسامها بما يقابلها من أطراف: فهذه جملة من الأصول اتفق عليها العلماء، واختلفوا في فروعها وسيأتي بيان بعضها في أصل الكتاب إن شاء اللَّه تعالى. انظر مغ جـ 9 (ص 421) وما بعد القرطبي جـ 6 (ص 191) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 157) شرح جـ 11 (ص 164). قلت: واختلفوا في القصاص في اللسان إذا جنى عليه عمدًا فأكثرهم قال لا قصاص فيه منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة، هكذا نقل ابن رشد عنهم جـ 2 (ص 505) وقد حكى ابن قدامة نفي العلم بالمخالف في جواز القصاص في اللسان مغ جـ 9 (ص 237) وعندي أن المسألة مبنية على القدرة من استيفاء القصاص فيه من غير تعدِّ واللَّه تعالى أعلم. انظر كلام القرطبي وقد نقل عن مالك أنه لا يرى القصاص في اللسان جـ 6 (ص 200).

باب في سراية الجناية وما فيها من الضمان

باب في سراية الجناية (¬1) وما فيها من الضمان (¬2) مسألة (1378) أكثر الفقهاء على أن الجناية إذا سرت إلى ما يمكن مباشرته بالإتلاف فإنه لا قصاص فيها ولكن فيها الدية. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد: فيها القصاص. مغ جـ 9 (ص 444). باب في تأخير الاقتصاص حتى يبرأ جرح المجني عليه مسألة (1379) جمهور العلماء بل عامتهم على أنه لا يقتص من الجاني في الجراح حتى يندمل جرح المجني عليه، وبه يقول النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والمزني وإسحاق وأبو ثور. وروي هذا عن عطاء والحسن، وهو المعتمد في مذهب أحمد، قال ابن المنذر كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتى يبرأ، وحكاه الشوكاني عن المغيرة (¬3). وقال الشافعي -رحمه الله-: ولو سأل (يعني المجني عليه) القود ساعة قطع إصبعه أَقَدْتُهُ. قلت: وهذا نص الشافعي في مختصر المزني (¬4). وقال الموفق ابن قدامة: ويتخرج لنا أنه يجوز الإقتصاص قبل البرء بناءً على قولنا إنه ¬

_ (¬1) أما سراية القود أو القصاص وهي أن يقتص فلان ممن قطع أصبعه فيقطع إصبعه فيسري أثر القطع إلى أصبع أخرى. أقول: ففي هذا خلاف بين العلماء من حيث الضمان لا القصاص؛ فقالت طائفة: لا ضمان، وبه قال الحسن وابن سيرين ومالك والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وهو مذهب أحمد وهو مرويُّ عن أبي بكر وعمر وعليٍّ، وقال آخرون: فيه الضمان على خلاف بينهم في كيف يكون الضمان، أعني في مال المستوفى أم على عاقلته، وممن قال بالضمان: عطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحارث العكلي والشعبي والنخعي والزهري وأبو حنيفة. انظر مغ جـ 9 (ص 443) بداية جـ 2 (ص 487) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 163). (¬2) حكى الموفق عدم الخلاف في ضمان سراية الجناية بالجملة، وأنه لا خلاف في ضمان السراية إلى النفس كان بفقأ عين فلان فتنزف فتفضي إلى موته، وأما الجناية إذا سرت إلى ما لا يمكن مباشرته بالإتلاف أي ما لا يقدر على التجني عليه بالإتلاف استقلالًا كمن ضرب فلانًا على رأسه فذهب بصره، ففي ذلك خلاف هل في ذلك القصاص أم لا؟ ثم ذكر الموفق المسألة الثانية وهي أن تسرى الجناية إلى ما يمكن إتلافه استقلالًا؛ كالتعدي على أصبع فتتلف أصبع أخرى، وهي المسألة المذكورة في أصل الكتاب. (¬3) انظر نيل الأوطار جـ 7 (ص 175). (¬4) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 167).

باب في قطع الصحيحة من يد أو رجل بالشلاء

إذا سرى إلى النفس يفعل كما فعل (¬1) مغ جـ 9 (ص: 445). باب في قطع الصحيحة من يد أو رجل بالشلاء مسألة (1380) جماهير أهل العلم على أن اليد أو الرجل الشلاء (المشلولة) إذا جنى عليها مَنْ يَدُهُ أوْرِجْلُهُ صحيحةٌ؛ فإنه لا قصاص في شيء في ذلك (¬2)، وحكي عن داود أنه أوجب فيهما القصاص، وحكاه الماوردي عنه جزمًا (¬3). مغ جـ 9 (ص 451). * * * ¬

_ (¬1) أما في غير الجراحات، فلا يجب الانتظار إلا الحامل إذا قتلت أو ارتكبت حدًّا، فإنه لا يقام عليها حد ولا قصاص حتى تضع حملها، وهذا إجماع حكاه الموفق في المغني جـ 9 (ص 449)، وقاس الموفق جراحات الأطراف في الحامل على القتل، ولا أظن أن أحدًا يختلف في أن الحامل إذا جنت بجراحة على أحد وكان استيفاء القصاص منها يؤثر على حملها أنه لا يستوفى القصاص حتى تضع حملها. (¬2) فإن كان القاطع أشل اليد والمقطوع صحيحها، فإن شاء المقطوع أن يأخذ دية يده كاملة؛ فذلك له من غير خلاف يعلم، وإن اختار القصاص فله ذلك أيضًا وهل له أرش نقص اليد الشلاء عن الصحيحة احتمالان. انظر مغ جـ 9 (ص 453) الحاوي جـ 12 (ص 161). (¬3) انظر الحاوي جـ 12 (ص 162).

فصل في أحكام الولاية في القصاص

فصل في أحكام الولاية (¬1) في القصاص باب في عفو بعض الأولياء عن القصاص دون بعض مسألة (1381) أكثر أهل العلم على أن القصاص حق لجميع أولياء المقتول من أهل ورثته صغارًا كانوا أو كبارًا نساءً أو رجالًا من ذوي القرابة بالنسب أو غيره من الأسباب، فإذا عفا أحدهم أو بعضهم فلا حق لغيرهم بعد هذا في القصاص؛ وإنما هي الدية أو العفو، وبه يقول عطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وروي معناه عن عمر وطاوس والشعبي، وهو مذهب أحمد. وقال الحسن وقتادة والزهري وابن شبرمة والليث والأوزاعي: ليس للنساء عفو، وقال مالك في المشهور عنه: هو حق موروث للعصبات خاصةً، وهو وجه لأصحاب الشافعي، ووجه آخر أنه لذوي الأنساب دون الزوجين. وذهب بعض أهل المدينة إلى أن القصاص لا يسقط بعفو بعض الأولياء دون بعض، وحكاه الماوردي عن مالك (¬2). مغ جـ 9 (ص: 464). باب في الولى يعفو ثم يقتل الجاني مسألة (1382) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الوليَّ إذا عفا عن القاتل مطلقًا أو إلى مالٍ ثم قتل من عفا عنه فإن عليه القصاص، وممن قال ذلك قتادة وعكرمة والسدي (¬3) ومالك والشافعي والثوري وابن المنذر. ¬

_ (¬1) لا خلاف يعلم بين العلماء في أن ورثة القتيل (أولياؤه) إذا كانوا أكثر من واحد؛ فإنه لا يجوز لبعضهم استيفاء القود إلا يأذن الباقين وسواء كانوا حاضرين أو غائبين، وأما إن كان بعضهم كبيرًا والبعض صغيرًا أو مجنونًا جنونًا مؤقتًا؛ فهل ينتظر هؤلاء حتى تكتمل أهليتهم؟ في المسألة خلاف وبالانتظار، قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف وإسحاق وأحمد في رواية , وبعدمه قال حماد ومالك والأوزاعي والليث وأبو حنيفة وأحمد في رواية , وأجمع العلماء على جواز العفو عن القصاص في الجملة، ولا خلاف يعلم أن الولي إذا اختار ترك القصاص وأخذ الدية؛ فله أن يصالح على الدية أو أكثر منها أو أقل. انظر مغ جـ 9 (ص: 458، 463، 477، 459) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 102). (¬2) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص: 105). (¬3) وهؤلاء قالوا عليه القتل حتمًا ولا يمكن السلطانُ الأولياءَ من العفو عنه أو أخذ الدية، وقال: سائرهم بل فيه القصاص والأمر موكول إلى الأولياء إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا مطلقًا أو أخذوا الدية، أو ما اصطحوا عليه من المال. انظر القرطبي جـ 2 (ص 255).

وقال الحسن: تؤخذ منه الدية ولا يقتل. وقال عمر بن عبد العزيز: الحكم فيه إلى السلطان (¬1) مغ جـ 9 (ص 467). * * * ¬

_ (¬1) انظر القرطبي جـ 2 (ص: 256) الحاوي جـ 12 (ص: 133).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الديات

كتاب الديات

كتاب الدّيات (¬1) باب في أصل الديات مسألة (1383) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الأصول التي ترجع إليها الديات تقييمًا هي الإبلُ والذهب والفضة والبقر والغنم (¬2)، وهو قول عمر رضي اللَّه تعالى عنه وطاوس وعطاء وفقهاء المدينة السبعة، وبه يقول الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: بل هي الإبل لا غير، وبه يقول الشافعي وابن المنذر، وحكى عن طاوس كذلك. مغ جـ 9 (ص 481). باب فيمن قتل نفسه خطأ هل تحمل عاقلته الدية؟ مسألة (1384) جمهور العلماء على أن من قتل نفسه خطأ؛ فإن عاقلته لا تحمل ديته، وبه يقول ربيعة ومالك والثوري والشافعى وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وأحمد في رواية , وشذ الأوزاعي فقال: من ذهب يضرب العدو فقتل نفسه، فعلى عاقلته الدية، وبه قال أحمد في رواية وإسحاق. ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على مشروعية الدية في الجنايات على النفس والأطراف وسائر أنواع الجراحات، وأصل الإجماع فيها الكتاب والسنة، وأجمع أهل العلم على أن الإبل من أصول الديات واختلفوا في غيرها، واتفقوا على أن دية الحر المسلم مائةٌ من الإبل، وأن دية الحرة المسلمة على النصف من دية الرجل الحر المسلم إلا ما حكى عن ابن علية والأصم من أن ديتها كدية الرجل. انظر بداية جـ 12 (ص 494) مغ جـ 9 (ص 531) القرطبي جـ 5 (ص 325)، وأجمعوا على أن دية القتل العمد إذا رضي بها أهل المقتول أنها في مال القاتل ولا تحملها العاقلة واختلفوا في كونها حالَّةً أو مؤجلةً، واختلفوا في دية شبه العمد هل هي في مال القاتل أم على العاقلة، واتفقوا على أن دية الخطأ على العاقلة، وعلى أنها مؤجلة ثلاث سنين، واختلفوا هل يشارك القاتل العاقلة في شيء من الدية أو لا يلزمه شيء، واختلفوا في تغليظ الدية إذا وقع القتل في الشهر الحرام أو البلد الحرام أو غير ذلك وسيأتي بيان هذه المسألة في أصل الكتاب إن شاء الله تعالى، ولا خلاف يعلم في أنَّ دية شبه العمد مؤجلة. انظر مغ جـ 9 (ص 480، 481، 488، 496، 497) بداية جـ 2 (ص 488، 493، 494) قرطبي جـ 5 (ص 315) وما بعد. (¬2) واتفقوا على أن الدية في الإبل مائة، وفي البقر مائتان، وفي الغنم ألفان, وفي الذهب ألف مثقال (دينار) واختلفوا في الفضة، فقال قوم: هي اثنا عشر ألف درهم، وقال آخرون: عشرة آلاف. مغ جـ 9 (ص 482).

باب في تغليظ الدية

بداية جـ 2 (ص 493) مغ جـ 9 (ص 510). باب في تغليظ الدية (¬1) باب في هل تحمل العاقلة شيئًا من العمد؟ مسألة (1385) جمهور العلماء على أن العاقلة لا تحمل شيئاً من العمد كائنًا ما كان، وحكى عن مالك أنها تحمل الجنايات التي لا قصاص فيها، كالمأمومة والجائفة، وبه قال قتادة. مغ جـ 9 (ص 503). باب في من أقر على نفسه بقتل خطأٍ أو شبه عمد (¬2) مسألة (1386) أكثر أهل العلم أن من أقر على نفسه تقبل خطأ أو شبه عمد فإن الدية تلزمه في ماله حالَّةً (معجلة). وقال أبو ثور وابن عبد الحكم: لا يلزمه شيء ولا يصح إقراره. مغ جـ 9 (ص 505). باب في هل تحمل العاقلة صلحًا أو اعترافًا مسألة (1387) جمهور العلماء على أن العاقلة لا تحمل صلحًا ولا اعترافًا، وممن قال أن العاقلة لا تحمل الصلح: ابن عباس والزهري والشعبي والثوري والليث والشافعي. وممن قال أن العاقلة لا تحمل الاعتراف: من ذكرناهم آنفًا خلا الليث ومعهم الحسن وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى، والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وهو مذهب أحمد. قلت: قد ذكر الموفق مسألة الاعتراف ونفي العلم بالمخالف. مغ ج (ص 504) القرطبي ج 5 (ص 320). ¬

_ (¬1) لا يبين لي في هذه المسألة قول للجمهور، وقد اختلف فيها الفقهاء على مذهبين الأول: تغلظ الدية مع اختلافهم في سبب التغليظ. والثاني: لا تغلظ، وبالأول قال الأكثرون، وممن روي عنه هذا: عثمان وابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس والشعبي ومجاهد وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وقتادة والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وأحمد، وممن روي عنه عدم التغليظ: الحسن والنخعي وأبي حنيفة وابن المنذر، وروي ذلك أيضاً عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز. انظر مغ جـ 9 (ص 499) الحاوي جـ 2 (ص 216). (¬2) ولا خلاف يعلم في أن العاقلة لا تحمل شيئًا من ذلك. مغ جـ 9 (ص 505).

باب في كم تحمل العاقلة من دية الخطأ؟

باب في كم تحمل العاقلة من دية الخطأ؟ مسألة (1388) جمهور العلماء على أن العاقلة لا تحمل من دية الخطأ إلا ما جاوز الثلث، وبه يقول سعيد بن المسيب وعطاء ومالك وإسحاق وعمر بن عبد العزيز وعمر بن أبي سلمة والزهري. وقال الثوري وأبو حنيفة: تحمل السن والموضحة وما فوقها ولا تحمل دون ذلك، وقال الشافعي في الصحيح عنه: تحمل العاقلةُ القليل والكثير (¬1). مغ القرطبي جـ 5 (ص 320). باب في تخميس دية الخطأ مسألة (1389) أكثر العلماء على أن دية الخطأ تعطى أخماسًا من أسنان الإبل، وهو قول ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه، وإليه ذهب النخعي وعمر بن عبد العزيز وسليمان ابن يسار والزهري والليث وربيعة ومالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي والشافعي وابن المنذر، وهو مذهب أحمد. وروي عن عليٍّ رضي اللَّه تعالى والحسن والشعبي والحارث العكلي وإسحاق أنها أرباع، وروي هذا عن زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه وطاوس. وقال أبو ثور: الديات كلها أخماس، كدية الخطأ، وحكى عنه أن دية العمد مغلظةٌ ودية شبه العمد والخطأ أخماس (¬2). الحاوي الكبير جـ 12 (ص 223) بداية جـ 2 (ص 490) القرطبي جـ 5 (ص 317). باب في من يحمل من العاقلة (¬3) مسألة (1390) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الفقير (¬4) لا يحمل شيئاً من ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 9 (ص 505). (¬2) انظر مغ جـ 9 (ص 495). (¬3) العاقلة هي من يحمل العقل عن الجاني في الخطأ أو غيره مما اختلف فيه العلماء. والعقل هو الدية، وسميت الدية عقلاً , لأنها تمنع أولياء المقتول أو المجني عليه عن الجاني في نفسه، أو لأنها تعقل لسانهم والعقل المنع. قال الموفق: ولا خلاف بين أهل العلم في أن العاقلة العصباتُ، وأن غيرهم من الأخوة من الأم، وسائر ذوي الأرحام والزوج وكل ما عدا العصبات ليسوا من العاقلة، وقال -رحمه الله- في موضع آخر: ولا خلاف بين أهل العلم في أن العاقلة لا تكلف من المال ما يجحف بها ويشق عليها، وقال كذلك: ومن مات من العاقلة أو افتقر أو جن قبل الحول لم يلزمه شيء لا نعلم في هذا خلافًا. انظر مغ جـ 1 (ص 514، 520، 522) الحاوي جـ 12 (ص: 344، 351). (¬4) وحكى ابن المنذر والقرطبي ومن قبلهما الشافعي نفى الخلاف في أن العاقلة لا يدخل فيها صبي أو امرأة. انظر مغ جـ 9 (ص 523) الحاوي جـ 12 (ص 347) القرطبي جـ 5 (ص 321).

باب في دية المسلم كالمجوسي وغيره

العقل، وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وأحمد في المشهور عنه، وحكى ابن المنذر الإجماع عمن يحفظ من أهل العلم في هذه المسألة. قال الموفق -رحمه الله-: وحكى بعض أصحابنا عن مالك وأبي حنيفة أن للفقير مدخلًا في التحمل. مغ جـ 9 (ص 523). باب في دية المسلم كالمجوسي وغيره (¬1) مسألة (1391) جمهور أهل العلم على أن دية المجوس ثماني مائة درهم وأن دية نسائهم على النصف من ذلك وهي أربعمائة درهم، وممن قال ذلك: عمر وعثمان وابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنهم، وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعطاء وعكرمة والحسن ومالك والشافعي وإسحاق، وهو مذهب أحمد. وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ديته نصف دية المسلم؛ كدية الكتابي. وقال النخعي والشعبي وأصحاب الرأي: ديته كدية المسلم. مغ جـ 9 (ص 530). باب في دية الذمي إذا قُتِلَ عمدًا مسألة (1392) جمهور أهل العلم على أن دية الذمي إذا قُتِلَ عمدًا لا تضاعف، وحكم عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه على رجل قتل ذميًا عمدًا بتغليظ الدية (¬2)، وبه قال أحمد رحمه اللَّه تعالى. مغ جـ 9 (ص 530). باب في دية العبد المكاتب مسألة (1293) جمهور أهل العلم على أن دية العبد المكاتب هي دية عبد ما دام في ذمته ولو درهم من عقد مكاتبته ويستوي في اعتباره عبدًا جنايته والجناية عليه. ¬

_ (¬1) أما دية الكتابي إذا كان حرًّا فعلى النصف من دية المسلم ونساؤهم على النصف من ذلك، وبه قال عمر بن عبد العزيز وعروة ومالك وعمرو بن شعيب وأحمد في الثابت عنه من آخر قوليه، وقال آخرون كثيرون: ديته أربعة آلاف درهم. روي هذا عن عمر وعثمان، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو بن دينار والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وقالت طائفة: بل ديته كدية المسلم، وهو قول علقمة ومجاهد والشعبى والنخعي والثوري وأبي حنيفة. انظر مغ جـ 9 (ص 527) بداية جـ 2 (ص 495) قرطبي جـ 5 (326). (¬2) رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه.

باب في دية الجنين إذا سقط ميتا بعد موت أمه

وقال إبراهيم النخعي: يؤدي بقدر ما أدى من كتابته دية الحر، وما بقي يؤدي دية العبد. وروي في ذلك شيءٌ عن عليٍّ رضي اللَّه تعالى عنه. قلت: وقد ذكر الموفق حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو داود وأحمد أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قضى بذلك، أعني بما يوافق قول إبراهيم النخعي. ثم قال: قال الخطابي: وإذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخًا أو معارضًا بما هو أولى منه. مغ جـ 9 (ص 534). باب في دية الجنين إذا سقط ميتًا بعد موت أمه مسألة (1394) أكثر الفقهاء بل جمهورهم على أن الجنين إذا سقط ميتًا بالتعدي على أمه؛ فإنه لا دية فيه ولا شيء فيه إذا كان هذا بعد موت أمه وبه يقول مالك وأبو حنيفة. وروي عن الليث وداود أن فيه غرة عبدٍ أو أمة كما لو سقط ميتاً حال حياتها , وبه قال الشافعي، وهو مذهب أحمد (¬1). القرطبي جـ 5 (ص 321). باب في تحديد دية الجنين (¬2) إذا سقط ميتًا مسألة (1395) جمهور الفقهاء على أن دية الجنين إذا سقط ميتًا هي غرة (¬3) عبدٍ أو أمةٍ لاغير، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وهو مذهب أحمد، وهي عند الجمهور عشر دية الأم أو نصف عشر دية الأب. وقال عروة وطاوس ومجاهد: غرة عبدٍ أو أمةٍ أو فرسٍ. ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 9 (ص 538) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 389) بداية جـ 2 (ص 497)، قلت: في نقل ابن رشد لمذاهب الفقهاء في هذه المسألة خطأ صريح فقد نقل عن الشافعي عكس مذهبه، وقارن بين نص الشافعي في مختصر المزني وبين مذهبه في البداية كما حكاه ابن رشد. (¬2) لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن من تعدى على حامل بالضرب فأسقطت جنينًا ميتًا، فإن فيه الدية وأنَّ فيها غرةً على خلاف بينهم في تحديد نوع الغرة وقيمتها. انظر مغ جـ 9 (ص 535) بداية جـ 2 (ص 497) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 384) القرطبي جـ 5 (ص 321). قلت: حكى ابن المنذر عدم العلم بالمخالف في أن المرأة إذا اسقطت أجنة موتى ففي كل واحدٍ غرة. مغ جـ 9 (ص 543). (¬3) الغرة هي أول الشيء وباكورته، ويسمى أول الشهر غرة والمقصود هنا الغلام العبد والجارية الأمة أي البنت الصغيرة الأمة. والأصوب في كلمة غرة أن يكون ما بعدها على البداية لا على الإضافة، فتقول: دية الجنين غرةٌ عبدٌ أو أمةٌ؛ فالغرة هي العبد أو الأمة. قاله النووي وغيره. انظر شرح 11 ص 175.

باب في الجنين يسقط حيا ثم يموت بأي شيء تعرف حياته؟

وقال ابن سيرين: غرة عبدٍ أو أمةٍ أو مائة شاة، ونحوه قال الشعبي. وقال داود: كل ما وقع عليه اسم الغرة أجزأ. مغ جـ 9 (ص 539) بداية جـ 2 (ص 496) شرح جـ 11 (ص 176). باب في الجنين يسقط حيًّا ثم يموت (¬1) بأي شيءٍ تعرف حياته؟ مسألة (1396) أكثر الفقهاء على أن الجنين إذا سقط حيًّا ثم مات أن حياته تثبت بكل ما يدل على حياته مستقرة، كالاستهلال والعطاس والحركة القوية وغير ذلك، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي والثوري، وهو المعتمد في مذهب أحمد، وقال مالك وإسحاق: لا يثبت له حكم الحياة حتى يستهل صارخًا، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة، وروي معناه عن عمر وابن عباس والحسن بن عليٍّ وجابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنهم (¬2). بداية جـ 2 (ص 497) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 399). باب في الكفارة على ضارب الحامل إذا أسقطت جنينًا (¬3) مسألة (1397) جمهور العلماء على أن من ضرب بطن امرأة حامل فأسقطت بضربه جنينها ثم مات بعد سقوطه حيًّا أو سقط ميتًا؛ فإن عليه الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، وبه يقول الحسن وعطاء والزهري والحكم ومالك والشافعي وإسحاق وهو مذهب أحمد. قال ابن المنذر: كل من يحفظ عنه من أهل العلم أوجب على ضارب بطن المرأة تلقى جنينًا، الرقبة مغ الغرة. قال الموفق: وروى ذلك عن عمر رضي اللَّه تعالى عنه. وقال أبو حنيفة: لا كفارة فيه إذا سقط ميتًا. واستحسن مالك الكفارة ولم يوجبها حكاه ابن رشد (¬4). ¬

_ (¬1) حكى ابن المنذر الإجماع عن يحفظ من أهل العلم على أن الحامل إذا ضرب بطها، فألقت جنينًا حيًّا ثم مات أن فيه الدية كاملة. مغ جـ 9 (ص 550)، وانظر القرطبي جـ 5 (ص 321) الحاوي جـ 12 (ص 399) شرح جـ 11 (ص 176) الإشراف جـ 2 (ص 207). (¬2) انظر مغ جـ 9 (ص 551) القرطبي جـ 5 (ص 321). (¬3) لا خلاف بين العلماء في أن الجنين إذا سقط حيًّا ثم مات فإن فيه الدية مع الكفارة، وإنما اختلفوا فيما لو سقط ميتًا هل فيه الكفارة؟ وهي مسألة الكتاب. انظر القرطبي جـ 5 (ص 323). (¬4) انظر بداية جـ 2 (ص 498).

باب في المرأة الحامل تسقط جنينها تعديا بشرب دواء وغيره

وجزم القرطبي (¬1) بالوجوب عن مالك ونقل عن الشافعي عدم الوجوب وهو خطأ مخالف لنص الشافعي -رحمه الله- في مختصر الزني (¬2). مغ جـ 9 (ص 556). باب في المرأة الحامل تُسقِطُ جنينها تعديًا بشرب دواء وغيره (¬3) مسألة (1398) جمهور العلماء على أن الحامل إذا شربت دواءً، فألقت جنينها بسببه فإن عليها مع الغرة كفارة وهي عتق رقبة مؤمنة. ويخرج على مذهب أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالى عدم وجوب الكفارة. مغ جـ 9 (ص 557). باب في من جنى على بهيمة فألقت جنينها مسألة (1399) مذهب العامة من العلماء أن من جنى على بهيمهة حامل فألقت جنينها أن عليه نقص إسقاط حملها. وحكي عن أبي بكر عبد العزيز من أصحاب الوجوه في المذهب الحنبلي أن عليه عُشْرَ قيمة -أمه- كجنين الأمة. مغ جـ 9 (ص 558). * * * ¬

_ (¬1) انظر القرطبي جـ 5 (ص 323). (¬2) انظر الحاوي جـ 12 (ص 391). (¬3) لا خلاف بين أهل الحلم في وجوب الغرة في هذه الحالة، وأنها لا ترث منها شيئًا. مغ جـ 9 (ص 557).

فصل في الضمان في النفوس إذا أزهقت بالتسبب من غير قصد

فصل في الضمان في النفوس إذا أزهقت بالتسبب من غير قصدٍ (¬1) * * * ¬

_ (¬1) ليس في هذا الفصل مسائل للجمهور، ومسائل الإجماع فيه شبه نادرة وذلك لاختلاف مدارك الفقهاء في تأصيل مسائله أو في التفريع على أصول مسائله مع اتفاقهم على أصل وجوب التضمين بالتسبب، كالتضمين بالمباشرة كمن حفر بئرًا في غير طريق المسلمين أو حفرها في طريقهم لكنها مستورة لا يميزها الناظر البصير فوقع فيها أحدٌ فمات أو جرح ضمنه، وهذا الأصل الكبير في المسأله وهو أن التلف الحاصل عن طريق التسبب تعديًّا أو تفريطًا فيه الضمان. انظر مغ جـ 9 (ص: 561، 564) وإن حصل التلف بتسبب مباح أي من غير تفريط أو تعدٍ فهو هدر ولا ضمان. انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص: 371) قلت: ومن هذا القبيل ما حكاه ابن المنذر من الإجماع على أن الطبيب العارف بالطب إذا أتلف وهو يعالج ولم يتعد فإنه لا يضمن. انظر الإشراف جـ 2 (ص: 75). وانظر بداية جـ 2 (ص: 279).

فصل في ديات الجراح فيما دون النفوس مما كان في الأطراف

فصل في ديات الجراح فيما دون النفوس (¬1) مما كان في الأطراف باب في الأعور يقلع العينين من الصحيح مسألة (1400) أكثر أهل العلم على أن الأعور إذا قلع عيني الصحيح، فإن المجني عليه إذا رضي بالدية إذا كانت الجناية عمدًا أو كانت في أصلها خطأ، فإنه يخير بين أن يأخذ دية كاملةً أو أن يقتص من عين الأعور الصحيحة ويأخذ نصف الدية. وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: قياس المذهب يقتضي وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الأعور والأخرى في الأخرى, لأنها عين أعور (¬2). مغ جـ 9 (ص 591). باب في أجفان العين مسألة (1401) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن في أجفان العينين الأربعة إذا جنى على جميعها الديةُ وفي كل واحد منها الربع، وبه قال الحسن والشعبي وقتادة وأبو هاشم والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد وحكى عن مالك في جفن العين وحجابها الاجتهاد. مغ جـ 9 (ص: 592). باب في دية الأذنين مسألة (1402) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن في الأذنين إذا قطعتا من ¬

_ (¬1) وذلك إذا حصل التلف بجناية خطأ أو عمدًا ولكن رضي المجني عليه بالبدل عوضًا عن القصاص، وهذا الفصل في الديات فيما جنى على ما دون النفس من أنواع الشجاج والأطراف وغير ذلك. واتفق العلماء بالجملة على أن ما كان منه عضوٌ واحد في بدن الإنسان ففيه الدية كاملة، وما كان منه عضوان ففيهما الدية كاملة وفي واحد منهما نصف الدية، وما كان منه أربعة أو أكثر من ذلك فبحسب ما ذكرنا تقسم الدية على عدد الأعضاء ذات المنفعة الواحدة، وقد يختلف العلماء في عدد بعض الأعضاء أو تحديد منافعها، وقد يأتي بيان شيء من ذلك في أصل الكتاب إن شاء اللَّه تعالى، ومما ينبغي التنبيه عليه أن هذا الفصل معقود للديات فيما دون النفس من الجراح وأن الفصل الذي مر من قبل كان في القصاص فيما دون النفس من الجراحات. انظر مغ جـ 9 (ص 584) بداية جـ 2 (ص 504). (¬2) وانظر هذه المسألة في المغني جـ 9 (431) قلت: وليس في دية عين الأعور إجماع ولا قولٌ للجمهور، والعلماء فيها على مذهبين الأول فيها دية كاملة والثاني نصف دية انظر مغ جـ 9 (ص 589).

باب في دية الشفتين

أصلهما الدية كاملة وفي إحداها نصف الدية. روى ذلك عن عمر وعليٍّ، وبه قال عطاء ومجاهد والحسن وقتادة والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومالك في إحدى الروايتين عنه، وهو مذهب أحمد. وقال مالك في الصحيح المشهور عنه: لا دية فيهما إلا إذا ذهب سمعهما (¬1) وإلا ففيهما الاجتهاد وهو الحكومة (¬2) (¬3). مغ ص 9 (ص 593). باب في دية الشفتين (¬4) مسألة (1403) جمهور العلماء على أن في كل شفة نصف دية، وفي كلتاها دية كاملة، ولا فرق في هذا بين عليا وسفلى، وبه قال أبو بكر وعلى وابن مسعود، وحكى ¬

_ (¬1) وأما السمع إذا ذهب فقد نفى الخلاف في وجوب الدية إذا ذهب من الأذنين الموفق، ونقله ابن المنذر وقال: روى ذلك عن عمر، وبه قال مجاهد وقتادة والثوري والأوزاعي وأهل الشام وأهل العراق ومالك والشافعي وابن المنذر، ولا أعلم عن غيرهم خلافًا لهم. قلت: وحكاه ابن رشد عن الجمهور. انظر مغ جـ 9 (ص 595) بداية جـ 2 (ص 504). (¬2) قال الشافعي -رحمه الله- تعالى في معنى الحكومة: ومعنى الحكومة أن يُقَوُّمُ المجني عليه كم يساوي أن لو كان عبدًا غير مجني عليه؟ ثم يقوم مجنيًّا عليه فينظر كم بين القيمتين فإن كان العُشْر؛ ففيه عُشْر الدِّية أو الخُمس فعليه خمس الدية .. اهـ، قلت: ولا شك أن هذا لا يمكن اعتباره في زماننا والذي أراه أن ينظر للعضو المجني عليه كم فوت من منفعةٍ على صاحبه؟ وذلك بالنظر إلى المجني عليه نفسه من حيث ما يمكن أن يجره على نفسه من نفع لو كان سليمًا معًا في وذلك بالنظر إلى مؤهلاته وإمكاناته أو وظيفته التي كان فيها أصلاً أو مهنته التي كان يمتهنها قبل الجناية عليه، فكل نقص في النفع جرته تلك الجناية على المجني عليه تكون قيمته المقدرة بنظر أهل الخبرة والعدل والثقة حكومةً أو نسميه بدل ضررٍ أو قيمة التلف، وهذا ممكن وجارٍ في بعض المسائل القانونية في أنحاء شتى من العالم، وهذا كله إذا لم تكن الجناية قد اتلفت شيئًا قد جاء الشرع بتحديد ديته أو قيمة الضمان فيه، هذا مبلغ اجتهادي في هذه المسألة والله تعالى أعلم. وانظر كلام الشافعي وشرحه في الحاوي جـ 12 (ص 301، 243). (¬3) وانظر معنى الحكومة في مغ جـ 9 (ص 660). (¬4) لا خلاف بين أهل العلم أن في الشفتين إذا ذهبتا معًا الدية لكن الخلاف بينهم في تفصيل ذلك إذا ذهبت إحداهما دون الأخرى وهي مسألة الكتاب، ولا خلاف بين أهل العلم أن في حاسة الشم الدية وفي الأنف إذا قطع من أصله الدية. انظر مغ جـ 9 (ص 599، 603) بداية جـ 2 (ص 503، 505) وانظر القرطبي جـ 6 (ص 195). قلت: قد حكى الموفق في المغنىِ نفى الخلف في أن في حاسة الشم الدية، ثم رأيت القرطبي يقول: والذي عليه الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون ومن تبعهم في الشم إذا نقص أو فقد حكومة. اهـ هذا كلامه بحروفه جـ 6 (ص 196) قلت: ولا أدري هل هو خطأ من النساخ أو خطاً في النقل إذ إنَّ الشافعي نص على أن في الشم الدية وابن رشد لم ينقل عن مالك خلاف ما نقله الموفق في المغني. انظر بداية جـ 2 (ص 505).

باب في اللسان وفي الكلام إذا ذهب بعضهما

كذلك عن زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال الشافعي (¬1) وأحمد في الرواية المشهورة عنه. وقال آخرون: في الشفة العليا ثلث الدية، وفي السلفى الثلثان، وهو مذهب زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه. حكاه عنه جزمًا ابن رشد، وبه قال سعيد بن المسيب والزهري. مغ جـ 9 (ص 603) بداية جـ 2 (ص 503). باب في اللسان (¬2) وفي الكلام إذا ذهب بعضهما مسألة (1404) أكثر أهل العلم على أن من جنى على لسانه فقطع بعضه فذهب بعض كلامه أنه ينظر إلى ما ذهب من حروف الكلام فيعطي من الدية بقدر ما ذهب منها، وإذا ذهب الكلام كله ففيه الدية كاملة: قال القرطبي: هذا قول مالك والشافعي (¬3) وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. القرطبي جـ 6 (ص 200). باب في الأسنان والأضراس هل هي سواء؟ مسألة (1405) جمهور العلماء على أن الأسنان والأضراس سواء في الديات فكما أن في كل سن خمس من الإبل (¬4) فكذلك الأمر في الأضراس في كلِّ منها خمس من الإبل، وممن قال بهذا: عروة وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وقد روى هذا عن ابن عباس ومعاوية رضي اللَّه تعالى عنهم. قلت: وهو المعتمد في مذهب أحمد. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 261). (¬2) حكى الموفق الإجماع أن فيه الدية ولم يحك ذلك في الكلام، وما أراهم إلا متفقين على أن في الكلام إذا ذهب الدية وكذلك لا يختلف العلماء في أن لسان الأخرس إذا قطع أن ليس فيه دية كاملة. انظر مغ جـ 9 (ص 604) بداية جـ 2 (ص 505) الحاوي جـ 12 (ص 262، 263). (¬3) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 264) مغ جـ 9 (ص 606). (¬4) وهذا مما لا خلاف فيه يعلم. مغ جـ 9 (ص 611) قلت: وهذا في الأسنان الدائمة، وأما في غيرها فلا خلاف أنه لا دية فيها في الحال إذا قلعت، ولكن إذا شك في أنها تبدل ينتظر مدة قلت: وأهل الطب لا يعسر عليهم معرفة هذا. انظر في هذه المسألة مغ جـ 9 (ص 613) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 272) القرطبي جـ 6 (ص 198، 199).

باب في السن إذا جنى عليها فاسودت

قلت: وقد حكى هذا القول عن جمهور العلماء أبو عمر بن عبد البر (¬1)، وروى عن عمر رضي اللَّه تعالى عنه أنه قضى في الأضراس ببعير بعير (¬2). وحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال: لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء، وروى ذلك مالك في موطئه وحكي عن عطاء نحوه، وحكي عن أحمد رواية أن في جميع الأسنان والأضراس الدية. قلت: وقد حمل الموفق هذه الرواية على مثل قول سعيد بن المسيب؛ لأن عدد الأسنان والأضراس مجتمعة إذا ضرب باثنين ساوى الدية كاملة. مغ جـ 9 (ص 612) بداية جـ 2 (ص 507) القرطبي جـ 6 (ص 197). باب في السن إذا جنى عليها فاسودت مسألة (1406) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن السن إذا جنى عليها فاسودت ففيها الدية وهي خمس من الإبل، روي هذا عن زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وشريح القاضي ومحمد بن شهاب الزهري وعبد الملك بن مروان والليث بن سعد وعبد العزيز ابن أبي سلمة وسفيان الثوري وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه (¬3) وأحمد في إحدى الروايتين، وقال الشافعي في موضعٍ: فيها حكومة، وبه قال أحمد في الرواية الثانية عنه. مغ جـ 9 (ص 618). ¬

_ (¬1) انظر القرطبي جـ 6 (ص 198). (¬2) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 274). (¬3) قال الإمام الماوردي: وذهب جمهور أصحابنا ومتأخروهم إلى أن ذلك على اختلاف حالين وليس على اختلاف قولين والموضع الذي أوجب فيها حكومة، إذا كانت باقية المنافع، والموضع الذي أوجب فيها الدية إذا ذهبت منافعها، وهذا أشبه لأنه قد بقى بعد اسودادها أكثر جمالها وهو سر موضعها فلم يجز أن يجب فيها مع بقاء أكثر جمالها وجميع منافعها دية. اهـ الحاوي جـ 12 (ص 278). قلت: وبنحوه قال ابن العربي. قال القرطبي: قال ابن العربي: (بعد أن ساق القرطبي الخلاف في المسألة) وهذا خلاف يؤول إلى وفاقٍ، فإنه إن كان سوادها أذهب منفعتها، وإنما بقيت صورتها كاليد الشلاء والعين العمياء فلا خلاف في وجوب الدية، ثم إن كان بقي من منفعتها شيءٌ أو جميعها لم يجب إلا بمقدار ما نقص من المنفعة حكومةً وما روى عن عُمَرَ - رضي الله عنه - فيها ثلث ديتها لم يصح سندًا ولا فقهًا. انظر القرطبي جـ 6 (ص 198).

باب في اليد إذا جني عليها مما فوق الكوع

باب في اليد (¬1) إذا جني عليها مما فوق الكوع مسألة (1407) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الجناية على ما فوق الكوع من اليد لا شيء فيه زياده على الدية، وهو قول عطاء وقتادة والنخعي وابن أبي ليلى ومالك وأبي يوسف وأحمد وبه قال سفيان الثوري إلى المرفق؛ فإن زادت على المرفق ففيها حكومة مع الدية وبعض أصحاب الشافعي يذهبون مذهب عطاء ومن ذكرنا قَبْلُ، وذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وجمهور أصحاب الشافعي -رحمه الله- إلى أن الزائد على الكف فيه حكومة مع الدية (¬2). مغ جـ 9 (ص 620). باب في ثديي الرجل (¬3) وهما الثندوتان مسألة (1408) أكثر من بلغنة قوله من أهل العلم على أنه لا دية في الجناية على ثديي الرجل وإنما فيهما حكومة، وبه قال النخعي ومالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب الشافعي وقوله المنصوص عليه في موضع. وقال إسحاق فيهما الدية وحكى ذلك قولًا للشافعي (¬4) وهو المعتمد في مذهب أحمد. مغ جـ 9 (ص 624). ¬

_ (¬1) أما اليدان إذا جنى عليهما فقطعتا من الكوع أو فوقه؛ فإن فيهما الدية كاملة مائة من الإبل وفي إحداهما نصف الدية بإجماع أهل العلم. انظر مغ جـ 9 (ص 620) بداية جـ 2 (ص 503)، وانظر في هذه المسألة الحاوي جـ 12 (ص 278). قلت: وما يقال في الرجلين عين ما قيل في اليدين من اتفاق واختلاف مغ جـ 9 (ص 630) قلت: والكوع هو العظم الناتئ الأيمن من مفصل الكف، وهذا محل اتفاق بين العلماء أن في ذلك الدية، لكنهم اختلفوا فيما زاد على الكف هل فيه شيء وهي مسألة الكتاب. (¬2) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 278) نيل الأوطار جـ 7 (ص 216). (¬3) أما ثديا المرأة ففيها الدية وفي أحدهما نصف الدية بغير خلاف يعلم. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في ثدي المرأة نصف الدية وفي الثديين الدية، وممن حفظنا ذلك عنه الحسن والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. اهـ نقله عنه الموفق في المغني جـ 9 (ص 623). قلت: ولا خلاف بين أهل العلم في أن في الأليتين الدية وفي إحداها نصفها وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى في هذا. حكاه ابن المنذر. انظر مغ جـ 9 (ص 625) ولا خلاف كذلك في أن من كسر صلبه فذهب مشيه أو جماعه أن في ذلك الدية وإنما اختلفوا في كسر الصلب من غير ذهاب المشى أو الجماع. انظر مغ جـ 9 (ص 626). (¬4) للشافعي في هذه المسألة قولان منصوصان: انظر الحاوي جـ 12 (ص 292).

باب في ذكر العنين

باب في ذَكَرِ العِنيِّن (¬1) مسألة (1409) أكثر أهل العلم (¬2) على أن في ذكر العنين الدية كاملةً إذا جنى عليه، وهو مذهب الشافعي المعتمد عند أصحابه (¬3)، وبه قال أحمد في رواية. وقال قتادة: لا دية فيه كاملة، وبه قال أحمد في الرواية الأخرى. مغ جـ 9 (ص 627). باب في الأنثيين (¬4) (يعني الخصيتين) مسألة (1410) جمهور العلماء على أن لا فرق بين الخصية اليمنى، وبين الخصية اليسرى إذا جنى عليهما، وأن في أحداهما نصف الدية، وفي الأخرى مثل ذلك. وحكي عن سعيد بن المسيب أنه جعل في اليمنى الثلث، وفي اليسرى ثلثى الدية (¬5). مغ جـ 9 (ص 629) بداية جـ 2 (ص 504). باب في دية أصابع اليدين والرجلين والأنامل مسألة (1411) مذهب العاملة من العلماء أن في كلٍ من أصابع اليدين والرجلين الدية كاملةً، وفي كل أصبع عشر من الإبل، وفي كل أنملة ثلث عقلها إلا الإبهام ففي كل ¬

_ (¬1) أما ذكر السليم ففيه الدية بلا خلاف، بل هو أمر مجمع عليه. انظر مغ جـ 9 (ص 627) وأما ذكر الخصيُّ فقد اختلف فيه العلماء منهم من جعل فيه الدية كاملة، وهو قول الشافعي وابن المنذر وأحمد في رواية, ومنهم من جعل فيه حكومة وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي وقتادة وإسحاق وأحمد في رواية. انظر مغ جـ 9 (ص 628). (¬2) قد نقل ابن رشد والشوكاني عن الجمهور خلاف ما حكاه الموفق في المغني، فجعلا قول الجمهور عدم وجوب الدية. انظر بداية جـ 2 (ص 505) نيل الأوطار جـ 7 (ص 215). (¬3) انظر الحاوي جـ 12 (ص 298). (¬4) لا خلاف بين العلماء يعلم في أن في الأُنْثَيين إذا جنى عليهما معًا الدية كاملة. مغ جـ 9 (ص 629) وحكى ابن رشد الإجماع في هذا. بداية جـ 2 (ص 504). (¬5) انظر الحاوي جـ 12 (ص 298): قلت: وإنما ذهب سعيد بن المسيب إلى هذا؛ لأنه زعم أن النسل يكون من اليسرى ففيها المنى وخالفه جمهور العلماء في أصل مسألته وفي تعليلها، ومن العجيب أن يُثْبِتَ العلمُ قريبًا من قول هذا التابعي الجليل وهو أن الخصية اليسرى هي المسؤلة الأعظم عن التخصيب المنوي، وإن كانت اليمنى لها دور في ذلك إلا أنه ليس كأختها اليسرى فثبت بهذا أن نفع اليسرى أعظم، وإذا كانت الجراحات التي لا نص فيها مدارها على المنافع فلا يبعد قول سعيد -رضي اللَّه عنه - هنا والله تعالى أعلم.

مفصل منها خمس من الإبل. روي هذا عن عمر وعليٍّ وابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال مسروق وعروة ومكحول والشعبي وعبد الله بن معقل والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وأصحاب الحديث، وهو مذهب أحمد. وروى عن عمر رضي اللَّه تعالى عنه أنه قضى في الإبهام بثلث غرةٍ، وفي التي تليها باثنتى عشرة، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تليها بتسع، وفي الخنصر بست. وروى عنه الرجوع عن هذا والرجوع إلى قول الجماعة. وروي عن مجاهد في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها ثلاث عشرة، وفي التي تليها عشر، وفي التي تليها ثمان، وفي التي تليها سبع (¬1). مغ جـ 9 (ص 631) بداية جـ 2 (ص 507). * * * ¬

_ (¬1) وإتمامًا للفائدة في خاتم فصل الديات في الأطراف أذكر بعض ما اتفق عليه أهل العلم، فمنها: اتفاقهم على أن في الرجلين الدية وأنهما معتبرتين بمفصل الكعبين، ومنها: اتفاقهم على أن في ذهاب البصر من كلتا العينين الدية كاملة وفي ذهابه من إحداها نصف الدية، واتفقوا على وجوب الدية بذهاب القدرة على الجماع أو القدرة على المشي، وكذلك في ذهاب العقل الدية كاملة وكذلك من ضرب فأعطب قدرته على إمساك البول أو الغائط عطبًا دائمًا ففي ذلك الدية إلى غير ذلك من مسائل أصول الديات والله تعالى هو الموفق لا رب سواه.

فصل في ديات الجراحات مما دون النفس والأطراف

فصل في ديات الجراحات مما دون النفس والأطراف باب في دية موضحة (¬1) الرأس والوجه مسألة (1412) أكثر أهل العلم على أنه لا فرق بين موضحة الرأس وبين موضحة الوجه وأن ديتهما سواء وهي خمس من الإبل. روي ذلك عن أبي بكر وعمر رضي اللَّه تعالى عنهما، وبه قال شريح ومكحول والشعبي والنخعىِ والزهري وربيعة وعبد الله بن الحسن وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق، وهو المعتمد في مذهب أحمد. وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: تضعف موضحة الوجه على موضحة الرأس، فيجب في موضحة الوجه عشر من الإبل، وذكره القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد. وروي عن مالك بن يسار في موضحة الوجه تبرأ على شين فيها زائدًا على عقلها مثل نصف عقلها. وقال مالك: إذا كانت في الأنف أو في اللحي الأسفل ففيها حكومة (¬2)، وروى عنه مثل قول بن يسار. مغ جـ 9 (ص 641) بداية جـ 2 (ص 502). باب في الموضحة في غير الرأس والوجه هل فيها شيءٌ مقدرٌ؟ مسألة (1413) أكثر أهل العلم على أن الموضحة في غير الوجه والرأس في العمد إذا رضي المجني عليه بالضمان أو بالخطأ، فإنه لا شيء فيها مقدرٌ (¬3). قال الموفق: قال ابن عبد البر: ولا يكون في البدن موضحة على ذلك جماعة العلماء إلا الليث بن سعد، قال: الموضحة تكون في الجسد أيضاً (¬4). وقال الأوزاعي في جراحة الجسد على النصف من جراحة الرأس وحكي نحو ذلك عن عطاء الخراساني قال في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون دينارًا. مغ جـ 9 (ص 642). ¬

_ (¬1) ولا خلاف بين العلماء في أن الموضحة مقدرة لا اجتهاد فيها. مغ جـ 9 (ص 640) نقلاً عن ابن المنذر. (¬2) انظر كلام القرطبي في هذه المسألة جـ 6 (ص 205) قلت: ولأصحاب الشافعي وجه في موضحة الوجه أنها تزيد على موضحة الرأس أذا صار فيها شين ففيها أكثر الأمرين من أرشها أو ديتها. انظر الحاوي جـ 12 (ص: 231). (¬3) فليس فيها خمس من الإبل كموضحة الرأس والوجه، وإنما فيها الاجتهاد. (¬4) وقد قدمنا أن انفراد الأوزاعي أو الليث بن سعد عن جمهور العلماء إنما هو في الدية المقدرة لا في الاستيفاء قصاصًا في الجناية العمد. راجع تلك المسألة في باب القصاص في الموضحة من غير الرأس والوجه، وانظر في هذه المسألة القرطبي جـ 6 (ص 205) الحاوي الكبير جـ 12 (ص 231).

باب في دية الهاشمة وهي التي تهشم العظم

باب في دية الهاشمة وهي التي تهشم العظم مسألة (1414) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن في الهاشمة عشرًا من الإبل، هكذا قال الموفق -رحمه الله- تعالى، وقال ابن المنذر: ووجدنا أكثر من لقيناه وبلغنا عنه من أهل العلم يجعلون في الهاشمة عشرًا من الإبل. اهـ، روى هذا عن قيبصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه، وبه قال قتادة والشافعي وعبيد ابن الحسن العنبري، ونحوه قال الثوري وأصحاب الرأي؛ فجعلوا فيها عشر الدية من الدراهم. وذهب الحسن البصري إلى عدم التوقيت فيها بشيء، وعن مالك نحوه. وقال أبو ثور: إن اختلفوا فيه ففيها حكومة. قال ابن المنذر: النظر يدل على هذا إذ لا سنة فيها ولا إجماع. اهـ. وقال القاضي أبو الوليد الباجي: فيها ما في الموضحة؛ فإن صارت مُنَقِّلة (¬1) فخمسة عشر، وإن صارت مأمومة فثلث الدية. مغ جـ 9 (ص 644) القرطبي جـ 6 (ص 205) بداية جـ 2 (ص 502). باب في دية المأمومة (¬2) مسألة (1415) عامة أهل العلم على أن في المأمومة ثلث الدية العمد والخطأ في ذلك سواءٌ. قال ابن المنذر: وأجمع عوام أهل العلم على القول به. وانفرد مكحول عن جماعة العلماء فقال: إن كانت عمدًا ففيها ثلث (*) الدية وإن كانت خطأ ففيها الثلث. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف ذلك إلا مكحولًا ثم قال -رحمه الله-: وهذا قول شاذ وبالقول الأول أقول. مغ جـ 9 (ص 646) القرطبي جـ 6 (ص 206). ¬

_ (¬1) نقل ابن المنذر الإجماع على أن في المنقلة خمس عشرة من الإبل. انظر مغ جـ 9 (ص 646) القرطبي جـ 6 (ص 205) بداية جـ 2 (ص 503) قلت: ذكر ابن رشد في البداية أنه لا خلاف في أن فيها عشر الدية، وهذا خطأ صريح وإنما فيها خمس عشرة من الإبل للحديث الوارد فيها. قال ابن المنذر: جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "في المنقلة خمس عشرة من الإبل" وأجمع أهل العلم على القول به. قال ابن المنذر: وقال كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن المنقلة هي التي تنقل منها (يعني بسببها) العظام. اهـ ذكره القرطبي جـ 6 (ص: 205) وانظر كلام الشافعي -رحمه الله- في الحاوي جـ 12 (ص 235). (¬2) قد شرحنا معنى المأمومة من قبل وأنها سميت بذا, لأنها تصل إلى أم الدماغ. (*) قال معد الكتاب للشاملة: كذا في المطبوعة، ولعل صوابها: "ثلثا".

باب في الجائفة

باب في الجائفة (¬1) مسألة (1416) جماهير العلماء من أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل الحديث وأصحاب الرأي على أن في الجائفة ثلث الدية يستوي في ذلك العمد والخطأ. وقال مكحول بقوله في المأمومة في العمد الثلثان وفي الخطأ الثلث. مغ جـ 9 (ص 647) القرطبي جـ 6 (ص 206). باب في الجائفة النَّافذة (¬2) مسألة (1417) أكثر أهل العلم على أن الجائفة النافذة هي في الدية جائفتان، ففيها ثلثا الدية ويستوي في هذا أن تنفذ من الظهر إلى البطن أو من البطن إلى الظهر، وبه يقول عطاء ومجاهد وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. قال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك. قال الماوردي: وقال أبو حنيفة تلزمه دية جائفةٍ في الوصول إلى الجوف، وحكومة في النفوذ منه، وبه قال بعض أصحابنا (¬3). مغ جـ 9 (ص: 650). باب في ديات العظام مسألة (1418) أكثر أهل العلم على أن ما سوى الأضلاع والتراقي (¬4) وعظام الزندين (¬5) فليس فيها شيء مقدر وإنما فيها حكومة. وقال القاضي أبو يعلى: في عظم الساق بعيران وفي الساقين أربعة أبعرة، وفي عظم الفخذ بعيران وفي الفخذين أربعة. وقال ابن عقيل وأبو الخطاب وجماعة من أصحاب القاضي: في كل واحدٍ من الذراع والعضد بعيران، وزاد أبو الخطاب عظم القدم (¬6). ¬

_ (¬1) قد ذكرت معنى الجائفة من قبل. (¬2) وهي أن يُجْرَحُ الرجلُ بسهم أو سكين فيدخل في بطنه ويخرج من ظهره أو عكسه، وسميت نافذة: لنفوذ الجارح من جهة إلى أخرى. انظر الحاوي جـ 12 (ص 242). (¬3) انظر الحاوي الكبير جـ 12 (ص 242) وانظر في هذه المسأله القرطبي جـ 6 (ص 206). (¬4) وحكى ابن رشد عن جمهور فقهاء الأمصار أن لا شيء مؤقت في الضلع والترقوة، وإنما فيهما حكومة. بداية جـ 2 (ص: 507). (¬5) وهذه العظام كلها فيها اختلاف بين العلماء في توقيت ديتها. انظر مغ جـ 9 (ص 454، 455). (¬6) وما سوى هذه المذكورات فلا خلاف يعلم أن في سائرها حكومة. مغ جـ 9 (ص 656).

باب في الجراحات مما دون الموضحة هل فيها دية مقدرة؟

مغ ص 9 (ص 656) بداية ص 2 (ص 507). باب في الجراحات مما دون (¬1) الموضحة هل فيها دية مقدرة؟ مسألة (1419) أكثر الفقهاء على أنه لا شيء مقدر في دية الجراحات التي قبل الموضحة. روي هذا عن عمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. وقال أحمد في رواية: في الدامية بعيرٌ، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة، وفي السمحاق أربعة أبعرة، لرواية سعيد بن منصور عن زيد بن ثابت بمثل ذلك. وعن عليٍّ: في السمحاق خاصةً مثل ذلك. مغ جـ 9 (ص: 658) بداية ص 2 (ص 501). باب في الحكومة (¬2) لا تزيد على أرش الجرح المؤقت مسألة (1420) أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز في حكومة الجراحات التي لا أرش لها مؤقت أن تزيد في قيمتها على أرش الجرح المؤقت مما هو فوق الجرح الذي لا توقيت فيه، وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد، وحكي عن مالك أنه يجب ما تخرجه الحكومة كائنًا ما كان؛ لأنها جراحة لا مقدر فيها فوجب فيها ما نقص كما لو كانت في سائر البدن. مغ جـ 9 (ص 661). باب في جراحات المرأة هل تساوي جراحات الرجل أم غير ذلك؟ مسألة (1421) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المرأة تساوى في جراحاتها دية الرجل إلى أن تبلغ الثلث من الدية ثم تكون ديتها بعد هذا على النصف من دية الرجل، روي هذا عن عمر وابنه وزيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنهم، وبه قال سعيد ¬

_ (¬1) يعني قبل الموضحة وهي خمس جراحات أولها الحارصة، قال الأصمعي: وهي التي تشق الجلد قليلاً، ثم البازلة: وهي التي يبزل منها الدم أي يسيل وتسمى الدامية والدامعة، ثم الباضعة: وهي التي تشق اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت في اللحم يعني دخلت فيه دخولاً كثيرًا ولم تبلغ السمحاق، ثم السمحاق: وهي قشرة رقيقة فوق العظم. ذكر هذا كله الموفق ونقلته عنه بتصرف يسير. انظر مغ جـ 9 (ص 657) وانظر ترتيب هذه الجراحات والخلاف في ذلك في بداية جـ 2 (ص 501) الحاوي الكبير جـ 12 (ص: 149). (¬2) راجع معنى الحكومة في باب دية الأذنين وانظر تعليقنا هناك.

ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة وابن هرمز والأعرج، قال ابن عبد البر: وهو قول فقهاء المدينة السبعة وجمهور أهل المدينة. قلت: وهو قول ربيعة ومالك وعبد الملك بن الماجشون وأحمد وإسحاق، وحكاه ابن رشد عن الليث ابن سعد، وحكى غيره خلاف ذلك، وقاله الشافعي في القديم من مذهبه (¬1). وقال ابن مسعود وشريح: المرأة تعاقل الرجل إلى نصف عشر ديته؛ أي تساويه في الدية إلى نصف عشرها، وهو دية السن والموضحة، ثم تكون على النصف من الرجل فيما زاد عليه، رروي هذا عن عثمان رضي اللَّه تعالى عنه حكى هذا المذهب الماوردي وابن رشد. وقال زيد بن ثابت وسليمان بن يسار: تعاقل الرجل إلي دية المنقلة وذلك عشر الدية ونصف عشرها، ثم تكون على النصف فيما زاد. حكاه الماوردي في الحاوي. وقال الحسن: يستويان إلى النصف ثم بعد هذا على النصف من دية الرجل. حكاه الموفق في المغني. قال ابن المنذر: وقالت طائفة: دية المرأة على النصف من دية الرجل فيما قلَّ أو كثر، روينا هذا عن عليٍّ بن أبي طالب، وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور والنعمان (يعني أبا حنيفة) وصاحباه (يعني أبا يوسف ومحمد بن الحسن) واحتجوا بأنهم لما أجمعوا على الكثير (¬2) وهو الدية، كان القليل مثله، وبه نقول. اهـ حكاه عنه القرطبي، وحكى الموفق -رحمه الله- هذا القول عن غير هؤلاء. منهم ابن سيرين والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة. مغ جـ 9 (ص 532) الحاوي جـ 12 (ص 290) بدا ية جـ 2 (ص 508) القرطبي جـ 6 (ص 207) نيل الأوطار جـ 7 (ص 225). ¬

_ (¬1) قال الماوردي: وقد ذكره الشافعي في القديم فمن أصحابه من جحله مذهبًا له في القديم، ومن أصحابنا من جعله حكايته عن مذهب غيره. انظر الحاوي برجـ 12 (ص 290) قلت: وقد أبدى الشوكاني -رحمه الله- تعالى في معنى قول هؤلاء رحمهم الله تعالى غير المنقول عن سعيد بن المسيب وهو أن تنصف الدية فيما زاد على الثلث وحسب لا كل الدية قال -رحمه الله-: لئلا يقتحم الإنسان في مضيق مخالفٍ للعدل والعدل والقياس بلا حجة نيرة. انظر نيل الأوطار جـ 7 (ص 226). (¬2) يعني لما أجمعوا على تنصيف الدية في النفس في حق المرأة بالنسبة للرجل ولا أكثر من النفس، فيلزم أن يكون ما دونها مثلها. قلت: وهذا اللازم الذي ذكره -رحمه الله- تعالى ليس بلازم لإمكانية أن يفرق، الشرع بين القليل والكثير.

فصل في القسامة والدعاوى في النفوس والكفارة فيها

فصل في القسامة (¬1) والدعاوى في النفوس والكفارة فيها باب في هل تشرع القسامة؟ مسألة (1422) جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار في الحجاز والشام والكوفة على أن القسامة مشروعة، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وسفيان وداود وغيرهم رحمهم الله تعالى. قلت: وحكم بها عبد الله بن الزبير وذهبت طائفة من التابعين وغيرهم إلى أن القسامة لا تشرع وأنها لا تحل دمًا ولا تحقنه منهم: الحكم بن عتيبة وأبو قلابة وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وقتادة ومسلم بن خالد وإبراهيم بن عُلَيَّةَ. وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه لم يقد بها، وروي أنه أذن بها. قلت: وهو مذهب البخاري وحكاه عنه النووي وقال: وعن عمر بن عبد العزيز روايتان كالمذهبين. فتح الباري جـ 26 (ص 58) بداية جـ 2 (ص 511) نيل الأوطار جـ 7 (ص 185) القرطبي جـ 1 (ص 457) شرح جـ 11 (ص 143). ¬

_ (¬1) القسامة بفتح القاف من القسم، إما أن يراد بها الأيمان الكثيرة أو يراد بها الحالفون أنفسهم ومعناها في الشرع أن يحلف أولياء المقتول على من يتهمونه بالقتل ولا بينة لهم أنه قتله أو يحلف أهل المتهم وأوليا ؤه أنه ما قتل صاحبهم وعدة الأيمان فيها خمسون يمينًا. انظر مغ جـ 10 (ص 2) فتح جـ 26 (ص 53) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 3). قلت: وهل توجب القسامة القصاص في قتل العمد أم أن قصارى ما فيها الدية؟ على مذهبين. قال بالأول أعني أنها توجب القصاص: الزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك وأصحابه والليث والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والشافعي في القديم من مذهبه، وحكاه النووي عن معظم فقهاء الحجاز، وقال: وروى عن ابن الزبير وعمر بن العزيز، قال أبو الزناد: قلنا بها وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، إني لأرى أنهم ألفُ رجلٍ، فما اختلف منهم اثنان، وقال آخرون: ليس في القسامة قصاص، وبه قال فقهاء الكوفة والشافعي في أصح قوليه، وروى هذا عن الحسن البصرى والشعبي والنخعي وعثمان الليثي والحسن بن صالح، قال النووي: وروى أيضًا عن أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاوية - رضي الله عنهم -. انظر شرح جـ 11 (ص 143). قلت: وقد حكى النووي الإجماع على أنه لا يجب بالقسامة قصاص ولا دية بمجرد الدعوى حتى تكون هناك شبهة قوية يغلب على الظن بها صدق الدعوى. انظر شرح جـ 11 (ص 144).

باب في أيمان القسامة هل يبدأ بها أهل القتيل أم المدعى عليهم؟

باب في أيمان القسامة هل يبدأ بها أهل القتيل أم المُدَّعَى عليهم؟ مسألة (1423) جمهور أهل العلم من القائلين بالقسامة على أن أيمان القسامة يبدأ بها المُدَّعُونَ أهلُ القتيل، فإذا حلفوا وجب الحق فيما ادعوه، وبه قال مالك والشافعي. قال مالك: الذي أجمعت عليه الأئمة قديمًا وحديثًا أن المدعين يبدأون في القسامة. وقال آخرون: بل يبدأ المدَّعى عليهم، وهو قول كل من لم يوجب بالقسامة قصاصًا إلا الشافعي -رحمه الله- فقال بقول الأكثرين. شرح جـ 11 (ص 144). باب في القتيل يدعي على فلان قبل موته هل يوجب ذلك قسامة؟ (1417) أكثر أهل العلم من القائلين بالقسامة على أن القتيل إذا قال قبل موته: دمي عند فلان يتهمه؛ فإن ذلك لا يوجب قِسامةً إلا إذا كان ثمة لوثٌ (¬1) بأن غلب علي الظن صدق القتيل في دعواه لعداوة أو غير ذلك، وبه يقول الثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي، وحكاه القرطبي عن جمهور العلماء. وقال مالك والليث: هو لوث يوجب القسامة (¬2). مغ جـ 10 (ص 23) القرطبي جـ 1 (ص 457) بداية جـ 2 (ص 517) شرح جـ 11 (ص 144، 159). ¬

_ (¬1) وما ذكرته بَعْدُ هو تفسير معنى اللوث عند الفقهاء، وحاصل الأمر: أن اللوث عندهم على مذهبن الأول: هو وجود العداوة بين المقتول والمُدَّعَى عليه تقوى احتمال صدق المدّعِي، والثاني: غلبة الظن بصدق المُدَّعِى لأي سبب حقيقي يفيد هذا الظن والعدواة سبب من الأسباب، ومن هذه الأسباب أن يدخل رجل دار جماعة من الناس ثم يخرج من دارهم متشحطًا بدمه ولا يوجد في الدار غيرهم، فيدعي أهل المقتول عليهم قتله. قلت: والقسامة إنما شرعت عند القائلين بها لحفظ الدماء وقد تعثر معرفة الجناة بالإدلة والبينات، ولا شك أن في عصرنا الذي نحن فيه قد ضاقت دائرة العمل بالقسامة حتى تكون قد انعدمت لتقدم علوم الأدلة الجنائية وآلاتها. انظر في معنى اللوث في المصادر المذكورة من المسألة، وانظر شرح جـ 11 (ص 145). (¬2) قلت: وقد ادعى الإِمام مالك -رحمه الله- تعالى فيما قاله هو والليث الاتفاق وأنه مما أجمع عليه الأئمة قديمًا وحديثًا، وهو أدعاء عجيب من الإمام مالك -رحمه الله- وقد فنده القاضي عياض المالكي -رحمه الله- إنصافًا ونزاهةً فقال في نقله النووي عنه: ولم يقل بهذا من فقهاء الأمصار غيرهما (يعني مالك والليث) ولا رُوِيَ عن غيرهما، وخالف في ذلك العلماء كافة، فلم ير أحد غيرها في هذا قسامةً. انظر شرح جـ 11 (ص 144).

فصل في الكفارة في القتل الخطأ

فصل في الكفارة (¬1) في القتل الخطأ باب في الكفارة في قتل الكافر المعصوم الدم خطأ مسألة (1424) أكثر أهل العلم على وجوب الكفارة بقتل الكافر المعصوم الدم خطأً؛ كالذمي والحربي المستأمن, وبه يقول الشافعي، وهو مذهب أحمد. وقال الحسن البصري ومالك: لا كفارة فيه، وبه قال أبو حنيفة حكاه عنه الماوردي (¬2). مغ جـ 10 (ص 38). باب في الكفارة على الشركاء في القتل مسألة (1425) جمهور العلماء على أن من شارك في قتل يوجب كفارةً فإن على كل شريك كفارة مستقلة ولا يكفي جميعهم كفارة واحدة، وبه يقول الحسن وعكرمة والنخعي والحارث العكلي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وأحمد في روايةٍ، وهي المعتمدة في الذهب. وقال آخرون: على الجميع كفارة واحدة، وهو قول أبي ثور، وحكى عن الأوزاعي، وحكى عن أحمد والشافعي. حكاه عن أحمد أبو الخطاب وعن الشافعي أبو علي الطبري، وأنكر ذلك الماوردي أشد الإنكار (¬3). مغ جـ 10 (ص 39). * * * ¬

_ (¬1) أجمع أهل العلم على وجوب الكفارة في القتل الخطأ إذا حدث القتل بالمباشرة، واختلفوا إذا كان بالتسبب، فقال مالك والشافعي بالكفارة به، وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة، لا كفارة بالقتل الخطأ إذا كان بالتسبب. انظر مغ جـ 10 (ص 37) واختلفوا كذلك في القتل العمد هل فيه كفارة، فقال الشافعي بها، وأبى ذلك الثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر ومالك. الحاوي جـ 13 (ص 67) انظر مغ جـ 10 (ص 40) قرطبي جـ 5 (ص 331). (¬2) انظر الحاوي جـ 13 (ص 63). (¬3) قال الماوردي -رحمه الله- تعالى: لم يعرف في شيء من كتبه (يعني كتب الشافعي) ولا نقله عنه أحد من أصحابه، ونصوصه في جميع كتبه بخلافه. الحاوي جـ 13 (ص 68) وانظر في هذه المسألة القرطبي جـ 5 (ص 331).

فصل في البينة في القتل وغيره الموجب للقصاص

فصل في البينة في القتل وغيره الموجب للقصاص (¬1) باب في عدد الشهداء فيما أوجب القصاص مسألة (1426) جمهور العلماء على أنه يكفي في الشهادة على الجناية الموجبة للقصاص في نفس أو طرف شهادة رجلين عدلين، وبه يقول مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين. قال الماوردي: وقال مالك: يقبل فيما قلِّ من الجراح شاهد وامرأتان، ولا يقبل فيما كثر إلا شاهدان. وقال أحمد في رواية: لا يقبل في الشهادة على القتل خاصة إلا أربعة شهداء، وبه قال الحسن (¬2). مغ جـ 10 (ص 41). * * * ¬

_ (¬1) ولا خلاف يعلم بين أهل العلم في عدم قبول شهادة رجل وامرأتين ولا شاهد ويمين الطالب. مغ جـ 10 (ص 41). (¬2) انظر الحاوي ص 13 (ص 72).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب قتال أهل البغي

كتاب قتال أهل البغي أو (البغاة) أو (الخارجين على الإمام)

كتاب قتال أهل البغي (¬1) أو (البغاة) أو (الخارجين على الإِمام) باب في حكم الخوارج مسألة (1437) جمهور الفقهاء على أن الخوارج الذين خرجوا على عليِّ ومن تبعهم على نحلتهم ممن يكفرون بالذنب ويستبيحون دماء مخالفيهم وأموالهم أنهم بغاة تجري عليهم أحكامهم وأنهم يستتابوا؛ فإن تابوا وإلا قوتلوا وقتلوا على إفسادهم لا على كفرهم، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي، وبه يقول كثير من أهل الحديث. وقالت طائفة من أهل الحديث: هم كفار مرتدون وحكمهم حكم المرتدين وتباح دماؤهم وأموالهم؛ فإن تميزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة صاروا أهل حرب كسائر الكفار، وإن كانوا في قبضة الإِمام استتابهم كاستتابة المرتدين، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانت أموالهم فيئًا لايرثهم ورثتهم المسلمون. مغ جـ 10 (ص 49) فتح جـ 26 (ص 137). باب فيمن أظهر رأي الخوارج من غير خروج أو سفك دمٍ مسألة (1438) جمهور الفقهاء على أن من أظهر رأي الخوارج من التكفير بالذنب واعتقاد استحلال دماء المسلمين المخالفين وترك الجماعة (يعني جماعة المسلمين) من غير أن يخرج عن سلطان الإِمام أو سفك دم حلال، فإن هؤلاء لا يكفرون ولا يحل قتلهم ¬

_ (¬1) الأصل في قتال البغاة كما قال الموفق وغيره من العلماء قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وأحاديث كثيرة بطاعة الإمام المسلم الحاكم بما أنزل الله وحرمة الخروج عليه، ووجوب قتال من خرج عليه مع القدرة وأمن الفتنة. قال الموفق -رحمه الله- تعالى: فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته وحرم الخروج وقتاله. مغ جـ 10 (ص 48). قلت: والبغاة الذين لهم الأحكام المذكورة في كتاب قتال أهل البغي هم قوم خرجوا على طاعة الإِمام لشبهة قامت عندهم أسقطت حقه في الولاية والطاعة. هذا الأصل في معنى البغاة وغير هؤلاء اليق بأن يكونوا مندرجين تحت أحكام المحاربين وقطاع الطريق، وستأتي أحكامهم في محله إن شاء الله تعالى. انظر الحاوي جـ 9 (ص 99) القرطبي جـ 16 (ص 317).

ولا قتالهم، وبه يقول أبو حينفة والشافعي، وهو مذهب أحمد وغيرهم بالجملة. إلا أن مالكًا قال في الأباضية وسائر أهل البدع يستتابون، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. قال ابن إسحاق (هو إسماعيل): رأي مالك قتل الخوارج وأهل القدر من أجل الفساد الداخل في الدين، كقطاع الطريق فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم. قال الموفق: وأما من رأى تكفيرهم فمقتضى قوله (¬1) أنهم يستتابون؛ فإن تابوا وإلا قتلوا لكفرهم كما يقتل المرتد. مغ جـ 10 (ص: 58). * * * ¬

_ (¬1) يعني قول مالك، وقد تقدم عن مالك أنه يقول بقتلهم إن لم يتوبوا لإفسادهم لا لكفرهم. قلت: وأكثر أحكام البغاة مختلف فيها؛ لأن نصوص مسائلها قليلة فاحتاجت لاجتهاد المجتهدين.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الردة وأحكام المرتدين

كتاب الردة وأحكام المرتدين

كتاب الردة (¬1) وأحكام المرتدين باب في قتل المرتدة مسألة (1429) جمهور العلماء على أن المرأة إذا أسلمت أو كانت مسلمة فارتدت عن دينها؛ فإنها تقتل كالرجل (¬2) سواء بسواء. روي ذلك عن أبي بكر وعليِّ رضي الله تعالى عنهما، وبه قال الحسن والزهري والنخعي ومكحول وحماد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وهو مذهب أحمد. حكي هذا القول عن الجمهور ابن المنذر وابن رشد. وروي عن عليِّ والحسن وقتادة أنها تسترق ولا تقتل. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: تباع بأرضٍ أخرى. وقال الثوري: تحبس ولا تقتل، ونسبه إلى ابن عباس مسندًا. وقال أبو حنيفة: تحبس المرأة الحرة على الإِسلام (يعني حتى تسلم) وتضرب ويؤمر السيد بإجبار أمته المرتدة على الإِسلام. قال ابن رشد: وشذ قوم فقالوا: تقتل وإن راجعت الإِسلام (¬3). فتح الباري جـ 26 (ص 97) بداية جـ 2 (ص: 553) شرح جـ 12 (ص 209). باب في استتابة المرتد مسألة (1430) جمهور أهل العلم على أن استتابة المرتد واجبة، وأنه يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتِلَ، وممن قال بهذا: عمر وعليِّ رضي اللَّه تعالى عنهما، وهو قول ¬

_ (¬1) هي الرجوع عن الإِسلام إلى الكفر، وأجمع العلماء على وجوب قتل المرتد مع اختلافهم في استتابته، وكذا اختلافهم في قتل المرتدة كما سيأتي في أصل الكتاب. انظر مغ جـ 10 (ص: 74) الحاوي جـ 13 (ص: 149) بداية جـ 2 (ص: 553) شرح جـ 12 (ص: 208). (¬2) ونقل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن من أسلم بإسلام أحد أبويه لا يقتل إذا ارتد لضعف سبب إسلامه. انظر الحاوي جـ 13 (ص 151). (¬3) انظر في هذه المسألة مغ جـ 10 (ص: 74) الحاوي جـ 13 (ص: 155) الإشراف جـ 2 (ص: 240).

باب في من يتولى قتل المرتد

عطاء والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في المعتمد من قوليه عند أصحابه، والأصح عندهم أنها على الوجوب. وقال أحمد في رواية أخرى: لا تجب استتابته ولكن تستحب وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال عبيد بن عمير وطاوس، وروى ذلك عن الحسن (¬1). قلت: وروي عن عطاء فيمن ولد في الإِسلام ثم أرتد أنه لا يستتاب، قال ابن المنذر: والرواية الأولى عن عطاء أثبتت. مغ جـ 10 (ص 76) فتح جـ 26 (ص 99) نيل جـ 7 (ص 7) شرح جـ 12 (ص 208). باب في من يتولى قتل المرتد مسألة (1431) مذهب عامة أهل العلم أن أمر قتل المرتد إلى سلطان المسلمين وإمامهم يستوى في ذلك الحر والعبد، وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه. وقال الشافعي في قوله الآخر: يجوز للسيد قتل عبده المرتد (¬2). مغ جـ 10 (ص 80). باب في ملك المرتد هل يزول بمجرد ردته؟ مسألة (1432) أكثر أهل العلم على أنه لا يحكم بزوال مِلْك المرتد بمجرد ردته، وإنما إذا مات على ردته، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. وقال أبو بكر عبد العزيز الحنبلي: يزول بمجرد ردته. وقال أصحاب أبي حنيفة: ما له موقوف إن أسلم تبينًّا بقاء ملكه وإن مات أو قتل على ردته تبينا زواله في حين ردته، وهو ظاهر كلام أحمد. قاله الشريف أبو جعفر. قال الموفق: وللشافعي ثلاثة أقوال كهذه الثلاثة. مغ جـ 10 (ص 81). ¬

_ (¬1) وانظر في هذه المسألة الحاوي برقم 1 (ص: 158) بداية جـ 2 (ص: 553) الإشراف جـ 2 (ص: 238). (¬2) انظر في هذه المسالمة الحاوي جـ 13 (ص 167) الإشراف جـ 2 (ص 253).

باب في الولد يموت أحد أبويه الكافرين هل يحكم بإسلامه؟

باب في الولد يموت أحد أبويه الكافرين هل يحكم بإسلامه؟ مسألة (1433) أكثر الفقهاء أن الولد من أبوين كافرين إذا مات أحدهما؛ فإنه لا يحكم بإسلامه بمجرد موته. وقال الموفق في المغني: يكون مسلمًا بمجرد موت أحد أبويه. مغ جـ 10 (ص: 97). باب في الشهادة على الردة مسألة (1434) أكثر أهل العلم بل جمهورهم أو عامتهم على أنه يكفي في إقامة البينة على الردة شهادة عدلين. وقال الحسن: لا يقبل إلا أربعة شهداء كقوله في الشهادة على القتل أو ما يوجبه, قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالفهم إلا الحسن. مغ جـ 10 (ص 99). * * *

فصل في السحر

فصل في السحر (¬1) باب في الساحر هل يقتلُ؟ مسألة (1435) جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الساحر، إذا كان يَسْحَرُ بكلام فيه كفرٌ أو يطلب من المسحور فعل أو قول ما يقتضى الكفر فإنه يقتل، وروي قتل الساحر إذا سحر بما يكفر عن عمر بن الخطاب وابنه وحفصة وجندب بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهم، وروي هذا كذلك عن قيس بن سعد التابعي. قال ابن المنذر: وهذا مذهب عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق والنعمان (أبو حنيفة). وروي عن عائشة -رضي الله عنها-، أنها باعت ساحرة كانت سحرتها وجعلت ثمنها في الرقاب ذكر هذا ابن المنذر وأوله بأنها يحتمل أنها لم تكن تسحر بما فيه كفر. قلت: ولا أحفظ عن أحد الآن أنه قال بعدم قتل الساحر إذا سحر بما فيه كفر، والله تعالى أعلم (¬2). الإشراف جـ 2 (ص: 407) شرح جـ 14 (ص: 176) بداية جـ 2 (ص: 554). * * * ¬

_ (¬1) السحر حرام تعلمه وتعليمه بإجماع العلماء إن كان مما له حقيقة يتوصل به إلى الإيذاء الإضرار. فإن اعتقد أن السحر أو الساحر يؤثر بنفسه لا بمشيئة الله وقدرته كفر بإجماع المسلمين. انظر مغ جـ 10 (ص 114) شرح جـ 14 (ص: 176) وأما ما كان من قبيل الأخيلة وخفة اليد فلا شيء فيه إلا أن يوهم خلاف ذلك مما يدخل الفتنة والشك في قلوب الناس، وانظر القرطبي جـ 1 (ص 43) وما بعدها، وانظر بداية جـ 2 (ص 554). (¬2) وأما إذا تاب الساحر قبل قتله فعند مالك لا تقبل توبته, لأنه عنده كالزنديق الذي يتلون بالكفر والإِسلام ولا يعرف له حال يحمل على الصدق في التوبة، وعند الشافعي تقبل توبته وتوبة الزنديق والمنافق المبطن للكفر والمظهر للإيمان إذا أظهر كفرًا ثم تاب، وهذا كله من الساحر الذي يسحر بما فيه كفر، وإلا بأن سحر بما ليس فيه كفر فيقتل عند مالك ولا يقتل عند الشافعي وغيره فإذا سحر وأدى سحره إلى ما يوجب القصاص؛ بأن قتل بسحر يقتل، وأقرَّ قتل في قولهم جميعًا، وإلا بأن قال: ما ظننت أن مثل هذا يقتل، أو قال: سحرته بما قد يقتل وبما قد لا يقتل، ففيه خلاف، والأصح أنه لا يقتل وفيه الدية والكفارة. انظر شرح جـ 14 (ص 176) الإشراف جـ 2 (ص: 408).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الحدود

كتاب الحدود

كتاب الحدود فصل في أحكام الزنا وشروط الإحصان الموجبة للرجم (¬1) باب في اشتراط النكاح الصحيح مسألة (1436) جمهور أهل العلم على أن من شروط الإحصان الوطء في نكاح صحيح، وممن قال بهذا: عطاء وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال أبو ثور: يحصل الإحصان بالوطء في النكاح الفاسد، وحكى مثل ذلك عن الليث والأوزاعي. قلت: وحكى ابن المنذر عن الليث كقول الجمهور. الإشراف جـ 12 (ص 9) مغ جـ 10 (ص 126). باب في اشتراط الحرية مسألة (1437) عامة أهل العلم على أن الحرية شرط من شروط الإحصان الموجبة للرجم، والجمهور على أن العبد إذا وطئ زوجته الأمة ثم عتقا لم يصيرا محصنين حتى يطأها بعد عتقهما (¬2)، وانفرد أبو ثور فقال برجم العبد والأمة إذا كانا محصنين إلا أن يكون إجماع يخالف ذلك. وحكي عن الأوزاعي في العبد تحته حرة هو محصن رجم إذا زنا وإن كان تحته أمة لم يرجم وحكى كذلك عنه في المملوكين يعتقان وهما متزوجان ثم يطأها الزوج لا يصيران محصنين بذلك. مغ جـ 10 (ص: 127). ¬

_ (¬1) ها هنا جملة من المسائل لا خلاف فيها بين العلماء بعد إجماعهم على تحريم الزنا، وأنه من الكبائر، منها: أن الجلد للبكر غير المحصن وأن الرجم للثيب المحصن، ونقل الموفق عن الخوارج أنهم شذوا فأنكروا الرجم، قلت: وهذا قد يكون فيما مضى واندثر من فرقهم أما أباضية اليوم المنسوبون للخوارج خطأ فهم قائلون بالرجم. ومنها: أن الرجم لا يجب إلا على المحصن وأن الوطء في النكاح من شروط الإحصان. الإشراف جـ 2 (ص: 9). انظر مغ جـ 10 (ص 119، 120، 126). (¬2) وحكى الموفق عن بعض أصحاب الشافعي أن العبد إذا وطىء حال رِقّهِ ثم عتق يصير محصنًا. مغ جـ 10 (ص 128).

باب في اشتراط البلوغ والعقل

باب في اشتراط البلوغ والعقل مسألة (1438) أكثر أهل العلم على أن العقل والبلوغ شرطان من شروط الإحصان وهو نص الشافعي رحمه الله تعالى في البلوغ (¬1)، وقال بعض أصحاب الشافعىِ يصح الإحصان من الصبي والمجنون. حكاه عنهم الموفق في المغني. مغ جـ 10 (ص 128). باب في اشتراط استيفاء شروط الإحصان في الرجل والمرأة معًا مسألة (1439) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم أن الرجل والمرأة لا يصيران محصنين حتى يستوفيا معًا شروط الإحصان فإذا نقص شرط أو شرطان في أحدهما لم يُحْصَنْ الآخر بذلك، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه، وقال نحوه عطاء والحسن وابن سيرين والنخعي وقتادة والثوري وإسحاق قالوه في الرقيق. وقال مالك: إذا كان أحدهما كاملًا صار محصنًا إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة لا يُحْصِنُها، وحكى نحوه عن الأوزاعي. واختلف في هذه المسألة على الشافعي رحمه الله، فقيل له قولان: أحدهما: كقول الأكثرين، والثاني: أن الكامل يصير محصنًا كقول مالك واختاره ابن المنذر، وقيل: إنما القولان في الصبي دون العبد، فإنه يصير محصنًا قولًا واحداً (¬2). مغ جـ 10 (ص 128). ¬

_ (¬1) انظر الحاوي جـ 13 (ص: 195). (¬2) قلت: للشافعي قولان منصوصان في المراهق الذي يستمتع مثله وبمثله وهو من قارب الاحتلام ولم يبلغ بعد وما سوى هذه فهي تخريجات لأصحاب الشافعي، انظرها في الحاوي الكبير جـ 13 (ص 199) وقد اختلف الفقهاء في بعض شروط الإحصان وأحواله، كالإسلام والحرية وغير ذلك. انظرها مغ جـ 10 (ص 129) الحاوي جـ 13 (ص 196، الإشراف جـ 2 (ص 8) وما بعد. قلت: ولو أردت أن أذكر بكلمةٍ جامعة الاحصان الذي اتفق عليه أهل العلم والذي يوجب الرجم على الزاني لقلت: هو الوطء في نكاح صحيح مجمع على صحته إذا كان الزوج مسلمًا بالغًا عاقلاً، وكانت الزوجة مسلمة بالغةً حرةً عاقلة طاهرًا (لا حائض ولا نفساء) وكان الوطء في الفرج بتغييب الحشفة (حشفة الذكر) فيه فإنْ زنى من هذا وصفه وجب عليه الرجم، وما سوى هذا ففيه بين أهل العلم اختلاف يقوى ويضعف بحسب الشرط المختلف فيه، وما ذكرته هنا مستخلص من كلام الأئمة مما اتفقوا عليه ومما اختلفوا فيه. انظر في مصادر أبواب الإحصان وشروط وجوب الرجم وما يدرأ به الحد في هذه الموسوعة تجد ما ذكرته صادقًا إن شاء الله تعالى والله المستعان.

باب في رجم الرجل قائما

باب في رجم الرجل (¬1) قائمًا مسألة (1440) جمهور أهل العلم على أن الرجل يرجم قائمًا. وقال مالك: يرجم قاعدًا. وقال آخرون: يخير الإِمام في ذلك. شرح جـ 11 (ص 205). باب في الجمع بين الجلد والرجم على المحصن الزاني مسألة (1441) جمهور العلماء على أن من زنى وكان محصنًا؛ فإنه ليس عليه إلا الرجم. روي هذا عن عمر وعثمان من فعلهما أنهما رجما ولم يجلدا، وروي هذا عن ابن مسعود من قوله، قال: إذا اجتمع حدَّان لله تعالى فيهما القتل أحاط القتل بذلك، وبه قال النخعي والزهري والأوزاعىِ ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وهو اختيار إسحاق الجوزجاني وأبو بكر الأثرم من الحنابلة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وروي عن عليِّ من فعله أن عليه الجلد والرجم، وبه قال ابن عباس وأبي بن كعب وأبو ذر نقله عنهم أبو بكر عبد العزيز واختاره، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وبه قال الحسن وإسحاق وداود وابن المنذر، وحكاه القرطبي عن الحسن بن صالح بن حيٍّ (¬2). بداية جـ 2 (ص 522) الحاوي جـ 13 (ص 191) شرح جـ 11 (ص 189). ¬

_ (¬1) أما المرأة فاتفق العلماء على أنها ترجم قاعدةً، واختلفوا في الحفر للمرجوم رجلًا كان أو امرأة على قولين. انظر الإشراف جـ 2 (ص 12) شرح جـ 11 (ص 205) بداية جـ 2 (ص 525). قلت: أما في الجلد فقد حكى ابن رشد عن الجمهور أن الرجل يجلد قاعدًا وأنه لا يقام الحد على المريض ولا في شدة حرِّ أو برد خلافًا لأحمد وإسحاق. انظر بداية جـ2 (ص: 226)، وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: يجلد الرجل قائمًا، وروى هذا عن عليِّ ويحيى بن الجزار التابعي، وإليه مال ابن المنذر: وأما المرأة فأكثر أهل العلم على أنها تجلد وهي قاعدة، حكاه عنهم ابن المنذر وقال: وأستر على المرأة أن تضرب وهي قاعدة؛ فالستر عليها أحبُّ إلينا. قلت: وحكى ابن المنذر أن المرأة تجلد وهي قاعدة عن الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور. انظر الإشراف جـ 2 (ص 24، 27). (¬2) انظر مغ جـ 10 (ص 124) القرطبي جـ 5 (ص 87) الإشراف جـ 2. (ص 7) وحكى النووي عن القاضي عياض نقله عن جماعةٍ من أهل الحديث أنه يجب الجمع بين الرجم والجلد إذا كان الزاني شيخًا محصنًا، ويجب الرجم دون الجلد إذا كان الزاني شابًّا محصنًا، قال النووي: وهذا مذهب باطل لا أصل له اهـ. انظر شرح جـ 11 (ص 189) قلت: لعلَّ من قال بهذا القول قد اعتلَّ بما كان يقرأ قرآنًا ثم نسخ (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فجمع بين هذا وبين ما جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم وفيه "والثيب بالثيب جلد مائةٍ والرَّجْمَ" فصار حكم الجمع بين الجلد والرجم في حق الشيخ جاء عن طريق حمل المطلق على المقيد، والله تعالى أعلم.

باب في الصلاة على من قتل حدا بزنى أو غيره

باب في الصلاة (¬1) على من قُتِلَ حدًّا بزنى أو غيره مسألة (1442) جمهور العلماء على أن من مات قتلًا بحد الزنى، فإنه يصلى عليه، وكذلك يصلى على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم، وهو قول الشافعي في الإِمام وغيره، وقال مالك: من قتله الإِمام في حدِّ لا يصلى عليه (¬2). وقال الزهري: لا يصلي أحدٌ على المرجوم وقاتل نفسه. وقال قتادة: لا يصلي على ولد الزنا. مغ جـ 10 (ص: 132) شرح جـ 11 (ص:204). باب في جلد البِكْرِ (¬3) وتغريبه مسألة (1443) جمهور العلماء على أن غير المحصن، إذا زنى فإنه يجلد مائة جلدةٍ ويُغَرِّبُ عامًا. روى التغريب مع الجلد عن الخلفاء الراشدين، وبه قال أُبيُّ وابن مسعود وابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهم، وإليه ذهب عطاء وطاوس والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأبو يوسف. وقال مالك والأوزاعي: يغرب الرجل دون المرأة. وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: لا يجب التغريب، وهو قول الحسن البصري. وقال أبو حنيفة التغريب: تعزير أمره إلى الإِمام إن شاء فعله وإن شاء تركه. مغ جـ 10 (ص: 133) القرطبي جـ 5 (ص: 87) فتح جـ 25 (ص: 306) نيل الأوطار جـ 7 (ص: 252). شرح جـ 11 (ص: 189) الإشراف جـ 2 (ص: 32). ¬

_ (¬1) ولا خلاف يعلم في أنه يغسل ويدفن في مقابر المسلمين؛ أعني الزاني والزانية. مغ جـ 10 (ص 132). (¬2) انظر الحاوي جـ 13 (ص 201). قلت: والذي ذكره النووي في اختلاف مالك والشافعي في هذه المسألة إنما هو في صلاة الإِمام يعني السلطان وأهل الفضل بخلاف العامة من الناس فإنه لا خلاف بين مالك والشافعي في أنه يُصَلَّى على المحدود بالزنا فئام الناس وعامتهم. انظر شرح جـ 11 (ص 204). (¬3) قد مرَّ أن جلد البكر أو غير المحصن مائة جلدةٍ مجمعٌ عليه، وإنما الخلاف في التغريب وهي مسألة الكتاب وقد ادعى بعضهم فيها الإجماع. انظر فتح جـ 25 (ص: 306) وانظر في هذه المسألة الحاوي الكبير جـ 13 (ص: 193) بداية جـ 2 (ص: 523).

باب في حد العبد والأمة إذا زنيا

باب في حد العبد والأمة إذا زنيا مسألة (1444) أكثر الفقهاء على أن العبد والأمة إذا زنيا، فإن حدهما خمسون جلدةً سواء كانا بِكْرَين أو ثيبين، وبه قال من الصحابة عمر وعليٌّ وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي ومالك والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي (¬1) وهو مذهب أحمد والبتي والعنبري. وقال ابن عباس وطاوس وأبو عبيد: إن كانا مزوجين فعليهما نصف الحد، وإلا فلا. وقال أهل الظاهر: حد المرأة الأمة خمسون جلدةً وحدُّ العبد الذكر مائة جلدة كالحر (¬2). وروى عن أحمد في الأمة غير المتزوجة تجلد مائة جلدة. وقال أبو ثور: في غير المحصنين نصف العذاب، وإلا عليهما الرجم. مغ جـ 10 (ص 142) بداية جـ 2 (ص 524) جـ 5 (ص 143) شرح جـ 11 (ص 214). باب في القضاة يقيمون الحدود في الأقاليم والنواحي في البلدان مسألة (1445) جمهور العلماء على أن للقضاة إذا كانت ولايتهم مطلقةً أن يقيموا الحدود في الاقاليم والأمصار سوى بلد السلطان ومقر حكمه ومملكته. وقال أبو حنيفة: لا ولاية لهم في إقامة الحدود. شرح جـ 12 (ص 209). ¬

_ (¬1) انظر نص الشافعي رحمه الله في الحاوي جـ 13 (ص 242). (¬2) فظهر من هذه الأقوال أن الكل شبه متفق على أن حد الأمة المتزوجة خمسون جلدة، وصرح بالإجماع فيه ابن رشد في البداية جـ 12 (ص: 524) وينكر عليه ما نقلناه عن أبي ثور، فالله تعالى أعلم. قلت: وقد اختلفوا في تغريب العبد والأمة، فقال به الثوري وأبو ثور، وأنكره الحسن وحماد ومالك وإسحاق، وهو مذهب أحمد، وللشافعي قولان كالمذهين. انظر مغ جـ 10 (ص 144) بداية جـ 2 (ص: 523) القرطبي جـ 5 (ص 88) الحاوي جـ 13 (ص 242) شرح جـ 11 (ص 189) قد نقل قول أبي ثور في رجم الأمة والعبد إذا كانا محصنين (ثيبين) ابن المنذر، وعلقه (أعني أبو ثور) على عدم وجود إجماع يمنع هذا، قال رحمه الله: وإن كان إجماعٌ (يعني في سقوط الرجم عن العبيد المحصنين) فالإجماع أولى. قلت: وحكى ابن المنذر عن ابن مسعود في الإماء (إذا أحصن) قال: إذا أسلمن، وقرأها ابن مسعود {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال ابن المنذر: وكذلك قرأها النخعي والضحاك وشيبة وعاصم (برواية أبي بكر بن عياش) والأعمش وحمزة والكسائي فقياس قول من قرأ هذه القراءة، وقال: أَسْلَمْنَ: ألا يكون على الأمة النصرانية حدَّ إذا زنت. انظر الأشراف جـ 2 (ص 46). تنبيه: حكى النووي الإجماع على أن الأمة المزوجة لا ترجم وأنها ليست كالحرة المزوجة. قلت: ويعكر على هذا الإجماع ما ذكرناه قبل قليل ونقلناه عن ابن المنذر وحكايته لقول أبي ثور. انظر شرح جـ 11 (ص 214).

باب في إقامة الحدود في المساجد

باب في إقامة الحدود في المساجد مسألة (1446) أكثر أهل العلم على أن الحدود لا تقام في المساجد. روى هذا عن عمر وعليِّ رضي اللَّه تعالى عنهما من فعلهما، وهو مذهب عكرمة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، حكاه عنهم ابن المنذر، وبه يقول. وروي عن الشعبي أنه ضرب يهوديًّا حرًّا في المسجد، وبه قال ابن أبي ليلى. وقال آخرون: لا بأس بالتعزير الخفيف أن يكون في المسجد، أما الحدود فلا. وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور، وبنحوه قال ابن عبد الحكم. الإشراف جـ 2 (ص 29). باب في نواب السلطان يقيمون الحدود مسألة (1447) جمهور العلماء بل عامتهم على أن نواب السلطان (أمراء الأمصار) (حكام الأقاليم) لهم أن يقيموا الحدود كلها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وسائر العلماء. وحكى النووي عن الكوفيين أن الحدود لا يقيمها في الأقاليم إلا فقهاء الأمصار. شرح جـ 12 (ص 209). باب في عفو السيد عن عبده إذا زنى مسألة (1448) مذهب الجماهير من العلماء بل عامتهم أن السيد إذا عفا عن عبده الزاني؛ فإن ذلك لا يسقط الحد عنه. وقال الحسن: يصح عفوه ويسقط الحد. مغ جـ 10 (ص 146). باب في هل يقيم السيد حد الجلد على رقيقه؟ مسألة (1449) أكثر العلماء بل جماهيرهم على أن للسيد إقامة الحد بالجلد على رقيقه القن. روي نحو ذلك عن عليِّ وابن مسعود وابن عمر وأبي حميد وأبي أسيد الساعديين وفاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي اللَّه تعالى عنهم.

باب في هل يملك السيد إقامة حد القطع والقتل على عبيده؟

وروي هذا عن علقمة والأسود والزهري وهبيرة بن مريم وأبي ميسرة، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وابن المنذر، وهو مذهب أحمد رحمه الله تعالى، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وأصحاب الرأي: ليس له ذلك إنما ذلك للسلطان (¬1). مغ جـ 10 (ص: 146) شرح جـ 11 (ص 211). باب في هل يملك السيد إقامة حد القطع والقتل على عبيده (¬2)؟ مسألة (1450) أكثر أهل العلم على أن الحدود التي فيها قطع أو قتل لا يقيمها إلا السلطان، ولا يملك السيد أن يقيمها على عبيده، وظاهر مذهب الشافعي جواز ذلك، وهو وجه في مذهب الإِمام أحمد. وبعضهم قال: هو على روايتين في قطع السارق. قاله القاضي. مغ جـ 10 (ص 147). * * * ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة والتي قبلها. القرطبي ج 5 (ص 144). (¬2) انظر الإشراف ج 2 (ص 49).

فصل في الزنا المعتبر في الشرع والذي به يجب الحد وما يدرأ به الحد من الشبهات

فصل في الزنا المعتبر في الشرع (¬1) والذي به يجب الحد وما يدرأ به الحد من الشبهات باب في من وطأ ذات محرم بعقد نكاح أو بغيره مسألة (1451) أكثر أهل العلم على أن من تزوج ذات محرم فوطئها فإن عليه الحد (¬2)، وهو قول الحسن وجابر بن زيد ومالك والشافعىِ وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وأبي أيوب وابن أبي خيثمة وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة والثوري: لا حد عليه، وإنما عليه التعزير (¬3). مغ جـ 10 (ص 152). باب في درء الحد بكل نكاح اختلف فيه مسألة (1452) أكثر أهل العلم على أن كل وطء في نكاح مختلف في جوازه وبطلانه، فإن الحد يدرأ به. كنكاح المتعة والشغار والتحليل والنكاح بلا ولي ولا شهود، وهو قول عطاء وقتادة ومالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي وخالف في ذلك أبو محمَّد بن حزم الأندلسي، فقال بوجوب الحد في كل وطء في نكاح فاسد عنده ولو كان مما اختلف فيه (¬4). وحكى ابن المنذر عن أبي ثور إثبات الإحصان ووجوب الحد في الوطء في النكاح الفاسد. مغ جـ 10 (ص 155) الإشراف جـ 2 (ص 9). ¬

_ (¬1) أما وصف الزنا الذي يجب به الحد باتفاق العلماء. فهو وطء الرجل المرأة الحيَّةَ في قبلها. انظر خلاف أبي حنيفة في من وطأ في الدبر: الحاوى جـ 13 (ص 221) بتغييب الحشفة كلها وليست هي له زوجةً ولا محرمًا بعقد صحيح أو فاسد ولا مملوكةً له ولا شبه مملوكة ولا موطوءةً بشبهة عالمًا بالتحريم مختارًا غير مكره عاقلاً بالغًا. فإن كان حرًّا محصنًا فالرجم وإن كان حرًّا بكرًا؛ فالجلد، وإن كان عبدًا محصنًا أو غير محصن أو أمة ثيبًا أو بكرًا؛ فقد مضى الكلام فيهم والله المستعان، وما سوى هذا الذي ذكرته ففيه بين أهل العلم مقالات ومساجلات قد يأتي بعضها، والله الموفق لا رب سواه. انظر مغ جـ 10 (ص 151) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 217) بداية جـ 2 (ص 519). (¬2) واختلفوا في الحد هل هو القتل أم حد الزنا بحسب حال الزاني على مذهبين. انظر مغ جـ 10 (ص 153) الإشراف جـ 2 (ص 38). (¬3) قالا: لأن فيه شبهة الوطء في صورة عقد نكاح وإن كانت حقيقته باطلة فتبقى صورته شبهة تدرأ الحد. انظر مغ جـ 10 (ص 152). قلت: ومثل هذا المذكور في هذه المسألة كل نكاح مجمعٍ على بطلانه كنكاح خامسة أو متزوجة. انظر مغ جـ 10 (ص: 154). (¬4) انظر محلى جـ 11 (ص 248).

باب في من زنى بامرأة ثم تزوجها

باب في من زنى بامرأة ثم تزوجها مسألة (1453) جمهور العلماء على أن من زنى بامرأة ثم تزوجها، فإن الحد لا يسقط عنه. وقال أبو حنيفة: يسقط. محلى جـ 11 (ص 252). باب فيمن استأجر امرأة أو استخدمها ليزني بها مسألة (1454) جمهور العلماء على أن من استأجر امرأة أو استخدمها (يعني اتخذها خادمًا) ليزني بها وزنى بها فإن عليه حد الزاني، وبه يقول مالك وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأبو ثور وأحمد وعامة الفقهاء. وقال أبو حنيفة: هو شبهة تدرأ عنه الحد (¬1). محلى جـ 11 (ص 250) بداية جـ 2 (ص 521) مغ جـ 10 (ص 194). باب في الرجل يطأ جارية ابنه (¬2) مسألة (1455) جمهور العلماء على أن الرجل إذا وطئ جارية ابنه؛ فإنه لا يقام عليه الحد لكنه يغرر لإتيانه ما حرم عليه، وبه يقول مالك وأهل المدينة والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومعهم أبو حنيفة، وهو مذهب أحمد. وقال أبو ثور وابن المنذر عليه: الحد، إلا أن يمنع ذلك إجماعٌ. ¬

_ (¬1) وذهب بعض المحققين في مذهب أبي حنيفة رحمه الله، إلى أن صورة المسألة التي خالف فيها أبو حنيفة الجمهور ليست بحروفها على هذا النحو، إذ قد اتفق أهل المذهب على أن من قال لفلانة استأجرتك بكذا على أن أزني بك أن هذا زنى محضٌ، وأنه يْحَدُّ بالاتفاق، وكذلك لو استأجرها لتطبخ له، ثم زنى بها أنه يُحَدُّ بالاتفاق، قالوا: وإنما صورة المسألة التي أورثت شبهة درأت عنه الحد هي أن يقول لها أعطيك كذا وتمكِّنيني من نفسك، أو أمهرتك كذا لِتُمَكنيني من نفسك أو أعطك كذا على أن تعطيني نفسك، أو استأجرتك بكذا لأطأك، فهذه الصور ونحوها شابهت صورة نكاح المتعة من كون المعقود عليه هو المتعة يعني الوطء فكما أن نكاح المتعة لا يجب فيه الحد عند الجمهور لوجود شبهة الخلاف فيه فكذلك تلك الصور ونحوها. انظر إعلاء السنن جـ 16 (ص 184). (¬2) وفي وطء الابن جارية أبيه خلاف ضعيف، الأقوى والذي عليه عامة أهل العلم أنه لا يدرأ عنه الحد به. انظر مغ جـ 10 (ص 157). قلت: ومسألة الكتاب جعلها الماورديُّ فيما لو لم يكن الابن قد وطئها قبل ذلك. فإن كان الابن قد وطئها قبل وطء أبيه ففي المسألة وجهان. انظر الحاوي جـ 9 (ص 177).

باب في الرجل يطأ جارية زوجته

مغ جـ 10 (ص: 157) بداية جـ 2 (ص:520) الحاوي جـ 9 (ص: 176). باب في الرجل يطأ جارية زوجته مسألة (1456) جمهور أهل العلم على أن من وطئ جارية زوجته فهو زانٍ ويقام عليه الحد، وهو مذهب عمر وعليِّ رضي اللَّه تعالى عنهما، وإليه ذهب قتادة وعطاء ومالك والشافعي، ولا فرق عند هؤلاء أن تحلها له زوجته أو لا تحلها. وقال قوم: إن كانت زوجته أحلتها له جلد مائة وإلا رجم، وجعله الموفق المذهب المعتمد. وقال آخرون: إن كانت طاوعته غرمها لزوجته وملكها، وإن استكرهها قومت عليه، وهي حرةٌ. حكاه ابن رشد عن أحمد وإسحاق وقال: وهو قول ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه، وحكاه الموفق عن الحسن كذلك. وقال بعضهم: لا حد عليه وإنما عليه التعزير لشبهة الملك كونه مالكا لامرأته وحكي عن النخعي (¬1). بداية جـ 2 (ص 520). باب في حد اللوطي (¬2) مسألة (1457) جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم (¬3) على أن اللوطي يُحَدُّ بكرًا كان أو ثيبًا مع اختلافهم في صفة الحد، فقال برجمه: عليٌّ وابن عباس وجابر بن زيد وعبد الله بن معمر والزهري وأبو حبيب وربيعة ومالك وإسحاق والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين. وروي عن أبي بكر وعليٍّ أنهما رأيا فيه التحريق، وهو قول ابن الزبير. ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 10 (ص 157). قلت: ومما ينخرط في سلك هذا النظام درء الحد عن الجاهل بالتحريم أعني تحريم الزنى، وكذلك درء الحد عن المكرهة على الزنى ولا خلاف في هاتين المسألتين، وأما المكره على الزنى فاختلف في شأنه الفقهاء فذهب البعض إلى أنه لا يعذر بهذا وهو زانٍ، وبه قال محمَّد بن الحسن وأبو ثور، وهو المعتمد في مذهب أحمد. وقال آخرون: لا يدرأ عنه الحد إلا إذا أكرهه السلطان، وبه قال أبو حنيفة، وقال آخرون: بل الإكراه عذر متصور يدرأ عن صاحبه الحد وإليه ذهب الشافعي وابن المنذر. انظر مغ جـ 10 (ص 159). (¬2) الإجماع منعقد على تحريم اللواط والسّحِاق وهو إتيان النساء النساء، وإتيان البهائم لكن الخلاف في الحد فيها. انظر مغ جـ 10 (ص 160) وما بعدها. (¬3) حتى حكى القاضي عياض في هذه المسألة الإجماع أعني إجماع الصحابة.

وقال قتادة والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور والشافعي في أشهر قوليه وأحمد في رواية: يقام عليه حد الزاني إن بكرًا فالجلد مع التغريب وإن ثيبًا فالرجم (¬1). وقال الحكم وأبو حنيفة: لا حد عليه وإنما التعزير. وحكي عن عمر وعثمان: أنه يلقى عليه حائط. وعن ابن عباس أنه يلقى من أعلي بناء في البلد، وحكى غير هذا، والله المستعان. مغ جـ 10 (ص 160) نيل الأوطار جـ 7 (ص 287) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 222) الإشراف جـ 2 (ص 26). * * * ¬

_ (¬1) وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والنخعي والثوري. نيل الأوطار، وانظر في هذه المسألة. القرطبي جـ 7 (ص 243). قلت: ومن هذا المقام اختلافهم كما ذكرت قَبلُ في شأن من أتى بهيمةً فأكثر من بلغنا قوله أنه لا يحد ولكن يعَزَّرُ، روي هذا عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق والشافعي في قولٍ له وأحمد في إحدى الروايتين، وقال أحمد في الرواية الثانية: حكمه حكم اللائط، وقال الحسن: حده حد الزاني، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: يقتل هو والبهيمة الإشراف جـ 2 (ص 37) انظر مغ جـ 10 (ص 163) القرطبي جـ 7 (ص 242) نيل الأوطار جـ 7 (ص 290) الحاوي جـ 13 (ص 224). قلت: واختلفوا كذلك في حل أكل البهيمة التي فُعِلَ بها على مذهبين. انظر المصادر السابقة.

فصل في ما يثبت به الزنى

فصل في ما يثبت به الزنى (¬1) باب في رجوع المقر بالزنى عن إقراره مسألة (1458) جمهور العلماء على أن من أقر على نفسه بالزنى ثم رجع عن إقراره؛ فإنه يقبل منه ويُكَفُّ عنه وسواء كان إقراره قبل إقامة الحد أو أثناءه، وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزهري وحماد بن مالك والثوري والشافعى وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف، وهو مذهب أحمد. وعن مالك إذا رِجع عن شبهة ترك، وإلا فعنه روايتان أشهرها يقبل. وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى وعثمان البتي وداود بن علي: لا يقبل رجوعه، لا يسقط عنه الحد (¬2). بداية جـ 2 (ص 527) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 210). باب في قبول شهادة النساء في الزنى مسألة (1459) مذهب عامة العلماء أن الشهادة على الزنى لا يقبل فيها إلا الرجال. وروي عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه شهادة ثلاثة رجال وامرأتان. قال الموفق: وهو شذوذ لا يعول عليه. وقال القرطبي: ولابد أن يكون الشهود ذكورًا لقوله: (منكم) ولا خلاف فيه بين الأئمة (¬3). مغ جـ 10ص 175 ¬

_ (¬1) الإجماع منعقدٌ على أن الزنى يثبت بالإقرار (الاعتراف) وبالشهادة، وإنما الخلاف في فروع هذين الأصلين وسيأتي بعضها في أصل الكتاب إن شاء الله تعالى. انظر بداية جـ 2 (ص 526) قلت: وأجمعوا كذلك على أن الشهداء أربعة. انظر مغ جـ 10 (ص 175) بداية جـ 2 (ص 527) واتفقوا على أنه لا يقبل الإقرار مِنْ مجنون أو صبي أو مكره إلا أن يقر المجنون بالزنى أثناء إفاقته, واختلفوا في عدد مرات الإقرار على مذهبين: الأول: يكفي مرة واحدة، والثاني: لابد من أربع مرات وبالأول قال الحسن وحماد ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وبالثاني قال الحكم وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق، وزاد أبو حنيفة: في مجالس متفرقة. انظر بداية جـ 2 (ص 527) مغ جـ 10 (ص 165، 169، 170، 172) نيل الأوطار جـ 7 (ص 262) الحاوي جـ 13 (ص 206) شرح جـ 11 (ص 192 الإشراف جـ 2 (ص 16). (¬2) انظر في هذه المسألة مغ جـ 10 (ص 173 نيل الأوطار جـ 7 (ص 270) شرح جـ 11 (ص 194) الإشراف جـ 2 (ص 17). (¬3) انظر القرطبي جـ 5 (ص 84). قلت: ولا يقوى عندي أن تجعل هذه المسألة من الخلافيات حتى يصح =

باب في شهادة العبيد في الزنى

باب في شهادة العبيد في الزنى مسألة (1460) جمهور العلماء بل عامتهم على أن العبيد لا تقبل شهادتهم في الزني وبه يقول فقهاء الأمصار. وقال أبو ثور: تجوز شهادتهم، وحكى عن أحمد مثله. مغ جـ 10 (ص 176). باب في وجوب الحد على الشهود إذا لم يكملوا أربعةً (¬1) مسألة (1461) أكثر أهل العلم على أن الشهود إذا لم يوفوا نصاب الشهادة على الزني وهو أن يكملوا أربعة حُدَّ كل من شهد بالزنا، وبه يقول مالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين وأصحاب الرأي. وقال الشافعي في أحد قوليه: لا حد عليهم (¬2) وروي عن أحمد. مغ جـ 10 (ص 179). باب في اختلاف الشهود في مكان أو زمان الزنى مسألة (1462) جمهور أهل العلم ممن بلغنا قولهم أن الشهود إذا اختلفوا في شهادتهم؛ فقال بعضهم: في يوم آخر، أو قال بعضهم: في الدار الفلانية، وقال بعضهم: في البيت الفلاني. فإن اختلافهم مسقط للحد عمن شهدوا عليه، وهو قول مالك والشافعي والنخعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد المعتمد، وحكى أبو بكر عبد العزيز عن أحمد أنه يحد لتمام الشهادة واختاره (¬3). مغ جـ 10 (ص 183). ¬

_ = السند عن عطاء، وحماد. ثم رأيت الإِمام الماوردي ينقل عن الحسن البصري جواز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين فعضد هذا عندي ما نسب لعطاء، وحماد فقوى القول بأن المسألة المذكورة من الخلافيات وأنها من مسائل الجمهور، والله تعالى أجل وأعلم وأحكم. انظر الحاوي الكبير جـ 13 (ص 226). (¬1) واختلف الفقهاء فيما إذا كمل عدد الشهود لكن كان بينهم ناقص الأهلية للشهادة كالعبيد والفساق واختلفوا كذلك فيما لو رجع بعض الشهود دون بعض هل يُحَدُّ جميعهم أم يُحَدُّ الراجع وحسب، وفروع هذه المسألة كثيرة. انظر مغ جـ 10 (ص 180) وما بعد. الحاوي الكبير جـ 13 (ص 233) وما بعد. (¬2) انظر الحاوي الكبير جـ 13 (ص 230) القرطبي جـ 13 (ص 178). (¬3) واستبعد هذا القول من حيث الدليل الموفق ابن قدامة مغ جـ 10 (ص 183)، وانظر هذه المسألة في =

باب في شهادة النساء بعذرية من شهد عليها بالزنى

باب في شهادة النساء بعذرية من شهد عليها بالزنى مسألة (1463) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن الشهادة إذا تمت على امرأة بالزنى ثم شهد أربع نسوة ثقات عليها بأنها عذراء سقط الحد عنها وعن الشهود، وبه يقول الشعبي والثوري والشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف، وهو مذهب أحمد. وقال مالك وزفر والظاهرية: تحد. وقال أبو محمَّد بن حزم بالتفصيل، فإن كانت العذرية المشهود عليها يبطلها الإيلاج كَذَّبنا الشهود وأسقطنا الحد، وإلا فلا (¬1). مغ جـ 10 (ص 189). باب في هل تصح إقامة البينة على الزنى بظهور الحبل؟ (¬2) مسألة (1464) جماهير العلماء على أنه لا يقام الحد على المرأة بمجرد ظهور الحَبَلِ، وإنما لا بد من بَيِّنة أو إقرار (اعتراف) وسواء كان للمرأة زوج أو سيد أم لا والغريبة (يعني عن البلد) وغيرها سواء، وسواء ادعت الإكراه أو سكتت، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي. ¬

_ = الحاوي جـ 13 (ص 234). قلت: وأما الشهود فهل يقام عليهم حد القذف أم لا؟ على مذهبين بالأول قال مالك والشافعي واختاره ابن قدامة، وبالثاني قال النخعي وأبو ثور وأصحاب الرأي واختاره أبو بكر عبد العزيز الحنبلي، واختلاف الفقهاء في فروع اختلاف الشهود كثير. انظر مغ جـ 10 (ص 183) وما بعد. الحاوي الكبير جـ 13 (ص: 234) وما بعد. (¬1) انظر محلى جـ 11 (ص 263) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 239). (¬2) ومما يحسن ذكره عند خاتمة أبواب ما يثبت به الزنى بعض المهم من مسائله منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه. فما اتفقوا عليه أن كل زنىً أوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهداء، وأنَّ الشهادة بالحد تجوز من غير ادعاء أو ما يسمى برفع الدعوى وأن ما أوجب الحد إذا تكرر فعله قبل إقامة الحد فإن فيه حدًّا واحدًا إلا أن يخرج عن كونه جناية إلى كونه قطع طريق وحرابةً وأنَّ الحد إذا أقيم على من تكرر منه ما يوجبه ثم جنى بعد ذلك حُدَّ مرة أخرى. حكى الموفق نفي الخلاف في المسألتين الأوليين، ونقل عن ابن المنذر الإجماع عمن يحفظ من أهل العلم في المسألتين الأخيرتين، ومما اختلفوا فيه: الشهادة على الزنى القديم، واختلفوا كذلك في إقامة الإِمام الحد بعلمه دون البينة، ومنها اختلافهم في الحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا وغير ذلك من المسائل، والله ولي التوفيق. انظر المراجع والمصادر التي ذكرنا في تلك الأبواب.

وقال عمر - رضي الله عنه -: في الحبل الحدُّ إذا لم يكن لها زوج ولا سيد، وبه قال مالك وأصحابه، فقالوا: إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة طارئة وتدعي أنه من زوج أو سيد، وقالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه إذا لم تقم بذلك مستغيثة عند الإكراه قبل ظهور الحمل (¬1). شرح جـ 11 (ص 192). * * * ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 10 (ص 292) بداية جـ 2 (ص 528)، وأجمع أهل العلم على أن المرأة الحامل إذا ثبت عليها الزنى باعتراف أو بينة فإنه لا يقام عليها الحد حتى تضع حملها، وهل تترك حتى ترضع وليدها وتفطمه أم لا؟ قال بالأول أحمد وإسحاق، وقال الأكثرون: بل ترجم إذا وضعت ولا ينتظر حتى ترضع وتفطم ولدها، وبه قال الشعبي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لكنهم، قالوا (أعني أصحاب الرأي) إذا كان جلدًا انتظر حتى تنتهي من نفاسها، وإذا كان رجمًا (يعني الحد) رجمت إذا وضعت الإشراف جـ 2 (ص 15). قلت: الذي حكاه النووي من مذهب الشافعي أنه لا ترجم الحبلى حتى تجد من يرضعه، فإذا لم تجد أُجِّلَ الحد حتى ترضعه وتفطمه، وذكر النووي هذا المذهب عن أحمد وإسحاق ومالك في المشهور من مذهبه. انظر. شرح ج 11 (ص 202).

فصل في أحكام القذف

فصل في أحكام القذف (¬1) باب في الحُر يقذف العبد أو الأمة هل عليه حد؟ مسألة (1465) جمهور أهل العلم بل عامتهم على أن الحر إذا قذف عبدًا فإنه لا حدَّ عليه وقال داود فيما روى عنه بوجوب الحد. وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر عمن قذف أم ولد لآخر فقال: يضرب الحد صاغرًا. ذكره الحافظ في الفتح وقال: وبه قال الحسن وأهل الظاهر. ثم قال: وقال ابن المنذر: اختلفوا فيمن قذف أم ولد. فقال مالك وجماعة: يجب فيه الحد، وهو قياس قول الشافعىِ بعد موت السيد، وكذا كل من يقول أنها عتقت بموت السيد، وعن الحسن البصري أنه كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد، وقال مالك والشافعي: من قذف حرًّا يظنه عبدًا وجب عليه الحد. اهـ (¬2) (¬3). مغ جـ 10 (ص 202) فتح جـ 25 (ص 339) بداية جـ 2 (ص 529). باب في المسلم الحر يقذف الرجل أو المرأة من أهل الكتاب (¬4) مسألة (1466) جمهور العلماء على أن المسلم الحر إذا قذف الرجل الكتابي أو المرأة الكتابية سواء كانا ذميين أو غير ذلك، فإنه لا يحد بذلك (¬5). وقال الزهري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى: عليه الحد إذا كان لها ولد من مسلم. ¬

_ (¬1) أجمع أهل الإِسلام على تحريم القذف بالجملة، وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف حرًّا مسلمًا بالغًا عاقلاً عفيفًا يتأتى منه الجماع، وأجمعوا على أن حد قذفِ من وصفناه إذا كان حرًّا ثمانون جلدة، وسيأتي بعض ما اختلفوا فيه في أصل الكتاب وهامشه إن شاء الله تعالى، والقذف هو الرمي أو الاتهام بالزنى من عرف بالعفة امرأة كان أو رجلاً. انظر مغ جـ 10 (ص 201) وما بعد. الحاوي جـ 13 (ص 253). (¬2) وانظر في هذه المسألة. الحاوي جـ 13 (ص 255). (¬3) وقد نقل الحافظ عن المهلب حكايته للإجماع في هذه المسألة وقال: فيه نظر، ثم أورد ما ذكرناه، وكذلك حكى الإجماع في هذه المسألة القرطبي، ولا يصح لما أثبتناه في أصل الكتاب. انظر القرطبي جـ 12 (ص 174). (¬4) أما لو قذف الكتابي الذمي المسلم الحر المحصن؛ فعليه الحد ثمانين جلدة بغير خلاف يعلم، حكاه القرطبي جـ 12 (ص: 174). (¬5) ولكن عليه التعزير في حق أهل الذمة وهو في الأصل حرام سواء كانوا أهل ذمة أو غير ذلك؛ لأنه من باب قول الزور. انظر مغ جـ 10 (ص 221).

باب في عفو المقذوف عن قاذفه هل يملكه؟

وقال آخرون: إذا قذف النصرانية وهي زوجة لمسلم حُدَّ. قال ابن المنذر: وجُلُّ العلماء مجمعون وقائلون بالقول الأول، ولم أدرك أحدًا ولا لقيته يخالف في ذلك. حكاه عنه القرطبي (¬1). مغ جـ 10 (ص: 202) القرطبي جـ 12 (ص: 174). باب في عفو المقذوف عن قاذفه هل يملكه؟ (¬2) باب في حد العبد إذا قذف حُرًّا محصنًا مسألة (1467) جمهور أهل العلم على أن حد العبد إذا قذف حرًّا محصنًا مسلمًا أربعون جلدة، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وروي عن ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وقبيصة بن ذؤيب أنه كالحر يجلد ثمانين وروي عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم من فعله، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وداود وأصحابه من أهل الظاهر، وحكاه في الفتح عن الزهري. قال ابن المنذر: والذي عليه عوام علماء الأمصار القول الأول، وبه أقول. مغ جـ 10 (ص 206) القرطبي جـ 12 (ص 174) بداية جـ 2 (ص 530) فتح جـ 25 (ص 339) نيل جـ 7 (ص 324). باب في التعريض بالزنى هل يعتبر قذفًا؟ (¬3) مسألة (1468) أكثر أهل العلم على أن التعريض بالزنى لا يعتبر قذفًا ولا يوجب الحد، وإن كان يوجب التعزير عند بعضهم. ¬

_ (¬1) ويتفرع عن هذا المسألة فيما لو قذف مسلمًا ينفيه عن أمه، فإن كانت مسلمة حرة فعليه الحد بالإجماع إن لم يأت بالبينة، وأما إن كانت كتابية أو أمةً فكذلك عند مالك، وقال النخعي: لا حد عليه. قال ابن رشد: وهو قياس قول الشافعي وأبي حنيفة. بداية ج 2 (ص 529). (¬2) ليس في هذه المسألة إجماع ولا يبين لي فيها قول للجمهور، والعلماء فيها على ثلاثة مذاهب. الأول: لا يصح العفو مطلقًا وبه يقول الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة، وحكى عن الحسن كذلك الثاني: يصح مطلقًا وصل للإمام أو لم يصل، وبه قال الشافعي، واختلف قول مالك فيه فمرة قال بقول الشافعي، وهو قول أبي ثور كذلك، ومرة قال إذا وصل للإمام لم يجز العفو وإلا فيجوز وهو المذهب الثالث. انظر بداية جـ 2 (ص 531) مغ جـ 10 (ص 205) قرطبي جـ 12 (ص 177). (¬3) اتفقوا على أن التصريح بالزنى يعتبر قذفًا موجبًا للحد. انظر قرطبي جـ 12 (ص 173) واختلفوا في التعريض وهي مسألة الكتاب.

باب في قذف من لاعنها زوجها

وممن قال بأنه ليس قذفًا: عطاء وعمرو بن دينار وقتادة والثوري والشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين. وقال مالك وأحمد في رواية وإسحاق: هو قذف وفيه الحد، وروي هذا عن عمر رضي اللَّه تعالى عنه. وروي عن عثمان من فعله، ونقل الماوردي عن مالك وأحمد وإسحاق: أنه عندهم قذف في الغضب دون الرضا (¬1). بداية جـ 2 (ص 530) نيل الأوطار جـ 7 (ص 75). باب في قذف مَنْ لَاعَنَهَا زَوجُها (¬2) باب في قذف الميت وولده حيٌّ مسألة (1469) أكثر أهل العلم على أنه لا حد على من قذف غير محصن سواء كان حيًّا أو ميتًا، وبه يقول الشافعي، وقال: إن كان الميت محصنًا كان لوليه المطالبة، وقال أصحاب الرأي: لا حد على من قذف ميتةً محصنة أو غير محصنة، واختاره أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة، واختار الموفق الحد على من قذف أم فلانٍ الميتة ولا اعتبار لإحصانها (¬3). مغ جـ 10 (ص 227). باب في من قذف رجلاً بقذف حُدَّ فيه من قَبلُ مسألة (1470) عامة أهل العلم على أن من رمى رجلاً بزنى فحد فيه ثم أعاد قذفه بنفس ما رماه به أولاً لم يُحدَّ ثانية، وحكي عن ابن القاسم أنه أوجب حدًّا ثانيًا. مغ جـ 10 (ص 234). ¬

_ (¬1) انظر الحاوي الكبير جـ 13 (ص 262)، وانظر القرطبي جـ 12 (ص 173) مغ جـ 10 (ص 213). (¬2) مرت هذه المسألة في كتاب اللعان، وأثبتناها هناك في أصل الكتاب وجعلناها من مسائل الجمهور، وقد عنونت لها هنا لأهميتها وتعلقها بأبواب القذف، ولأن الموفق ذكرها في هذا الباب أيضًا لكنه نفى فيها الخلاف بحسب علمه، وكأنه ذهل رحمه الله تعالى أو نسى ما ذكره هناك في كتاب اللعان وما نقله عن أبي عبيد في نقله عن أصحاب الرأي من الخلاف في هذه المسألة فراجعه هناك. (¬3) انظر الحاوي جـ 3 (ص 259).

باب في الرجل يقذف الجماعة بكلمة واحدة

باب في الرجل يقذف الجماعة بكلمة واحدة (¬1) مسألة (1471) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من قذف جماعة محصورين بكلمة واحدة فليس عليه إلا حدٌّ واحد سواء طالبوا به جميعًا أو بعضهم، وبهذا قال طاوس والشعبي والزهري والنخعىِ وقتادة وحماد ومالك والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن أبي ليلى وإسحاق والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين. وقال الحسن وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في قول وأحمد في رواية: يُحَدُّ لكل واحد منهم (¬2). مغ جـ 10 (ص 331). باب في القاذف يتوب قبل أن يحد هل يدرأ عنه العذاب؟ (¬3) باب في قبول توبة القاذف وقبول شهادته مسألة (1472) جمهور العلماء على أن القاذف إذا تاب، فإن شهادته تقبل بَعْدُ، وسواء تاب قبل الحد أو بعده (¬4)، وقال شريح القاضي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة: لا تقبل شهادته أبدًا. القرطبي جـ 12 (ص 179). ¬

_ (¬1) أما إن قذفهم بكلمات متعددة خص كل واحد منهم بقذف؛ فلكل واحد حَدٌّ، وبه يقول عطاء والشعبي وقتادة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة والشافعي، وقال حماد ومالك: لا يجب إلا حد واحد. مغ جـ 10 (ص 233) وانظر الحاوي جـ 13 (ص 256). (¬2) انظر بداية جـ 2 (ص 531) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 257). قلت: وأما قذف جماعةٍ غير محصورين كأهل بلد أو قرية أو شعبٍ فلا حَدَّ فيه وإنما فيه التعزير. (¬3) حكى القرطبي في هذه المسألة الإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد إلا ما روي عن الشعبي أنه أسقط الحد بها. انظر القرطبي جـ 12 (ص 179)، وإنما لم أثبت المسألة في أصل الكتاب لعدم اليقين بما روي عن الشعبي. (¬4) مع اختلافهم في معنى توبته، فمنهم من قال: هي أن يُكذِبَ نَفْسَه فيما ادعاه من قذف وروي هذا عن عمر من فعله، وقال آخرون: معناها أن يصلح عمله ويندم على ما فعل. انظر القرطبي جـ 12 (ص 179)، وانظر مغ جـ 10 (ص 74). قلت: ستمر هذه المسألة في كتاب الشهادات، وسأذكر هناك من قال بقول الجمهور من الفقهاء.

فصل في حد السرقة وفروعها

فصل في حد السرقة (¬1) وفروعها باب في الاختلاس هل فيه قطع؟ مسألة (1473) عامة أهل العلم على أنه لا قطع في الاختلاس، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وسائر فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى (¬2). وقال إياس بن معاوية بالقطع على المختلس. مغ جـ 10 (ص 240) بداية جـ 2 (ص 536). باب في جاحد العارية هل تقطع يده؟ مسألة (1474) جمهور العلماء على أن من استعار شيئًا ثم جحده؛ فإنه لا قطع في ذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. وقال أحمد في رواية: عليه القطع، وهو قول إسحاق بن راهويه. مغ جـ 10 (ص 240) بداية جـ 2 (ص 536) شرح جـ 11 (ص 188). باب في اشتراط النصاب في القطع مسألة (1475) جمهور العلماء بل جماهيرهم على أن لا قطع في السرقة إلا إذا بلغ المسروق نصابًا (¬3)، وبه يقول مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد. وقال الحسن وداود وابن بنت الشافعي بالقطع في قليل المسروق وكثيره. ¬

_ (¬1) الإجماع منعقد على وجوب القطع في السرقة بالجملة، والخلاف في فروع هذا الأصل مما سيأتي بعضه في أصل الكتاب إن شاء الله تعالى والسرقة أخذ مال الغير من حرز مثله بتستر من غير ائتمان، والاختلاس: أخذ مال الغير خلسة أي بغفلة من صاحبه. (¬2) وحكى الماوردي عن أحمد أنه إذا سرق من حرز قطع وإلا فلا. الحاوي جـ 13 (ص 344). (¬3) وقد اختلف الجمهور القائلون بالنصاب في قدره، فمنهم من ذهب إلى أنه ربع دينار فصاعدًا وهم الأكثرون وبه يقول الشافعي وهو المعتمد من مذهب أحمد ومالك، وقال آخرون: خمسة دراهم من الفضة فما فوق، وبه يقول ابن أبي ليلى وغيره، ومنهم من قال دينار، أو عشرة دراهم، وبه يقول عطاء وأبو حنيفة. انظر مغ جـ 10 (ص 242) شرح جـ 11 (ص 182) الحاوي جـ 13 (ص 269) قلت: ومن هذا القبيل اختلافهم في الجماعة يسرقون ولا تبلغ حصة كل واحدٍ منهما نصابًا، وتفريعات أخرى لهذه المسألة المهمة انظرها. مغ جـ 10 (ص 295) الحاوي جـ 3 (ص 298) القرطبي جـ 6 (ص 163).

باب في القطع بسرقة العبد الصغير

مغ جـ 10 (ص 241) بداية جـ 2 (ص 537) الحاوي جـ 13 (ص 219). شرح جـ 11 (ص 181). باب في القطع بسرقة العَبْدَ الصغير (¬1) مسألة (1476) جمهور أهل العلم، بل عامتهم على أن من سرق عبدًا صغيرًا غير مميز فإن فيه القطع، قال ابن المنذر. أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم منهم الحسن ومالك والشافعي والثوري وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا يقطع سارق العبد وإن كان صغيرًا. مغ جـ 10 (ص 245) بداية جـ2 (ص 542). باب في اشتراط الحرز (¬2) في القطع مسألة (1477) جمهور العلماء على أن لا قطع على سارق حتى يسرق ما بلغ نصابًا من حرز مثله ويخرج به، وإليه ذهب عطاء والشعبي وأبو الأسود الدؤلي وعمر بن عبد العزيز والزهري وعمرو بن دينار والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي (¬3). وذهب أهل الظاهر داود وأصحابه إلى عدم اشتراط شيء من ذلك، وانتصر الإِمام محمَّد بن حزم لهذا القول أشد الانتصار وحكاه مسندًا عن عائشة وابن الزبير وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عبيد الله والحسن البصري وإبراهيم النخعي وعبيد الله ابن أبي بكرة فيمن سرق ولم يخرج به من الحرز (¬4). مغ جـ 10 (ص 249) بداية جـ 2 (ص 540) القرطبي جـ 6 (ص 162) شرح جـ 11 (ص 185). ¬

_ (¬1) ولا خلاف بينهم في أن لا قطع في العبد الكبير؛ لأنه ممتنع بنفسه. (¬2) الحِيرزُ: هو المكان الذي يحفظ فيه المال عن أعين الغير، ويمتنع على غير مالكه. (¬3) قال الموفق: ولا نعلم عن أحد من أهل العلم خلافهم إلا قولًا حكى عن عائشة والحسن والنخعي فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع. وقال ابن المنذر: وليس فيه خبر ثابت، ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرناه فهو كالإجماع والإجماع حجةٌ على من خالفه. انظر مغ جـ 10 (ص 250). (¬4) انظر المحلى جـ 11 (ص 336) وانظر الحاوي جـ 13 (ص 280).

باب في القطع في الثمر

باب في القطع في الثمر مسألة (1478) جمهور الفقهاء على أنه لا قطع في سرقة الثمر وجمار النخل قبل إدخاله الحرز. روي معنى هذا عن ابن عمر، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وهو مذهب أحمد. وقال أبو ثور: إن كان من ثمر أو بستان محرز ففيه القطع، وبه قال ابن المنذر إن لم يصح خبر رافع (¬1). قال: ولا أحسبه ثابتًا. مغ جـ 10 (ص 262). باب في إضعاف الغرامة في سرقة الثمر مسألة (1479) جمهور الفقهاء على أن من سرق ثمرًا من غير حرزه لا يغرم أكثر من مثله. قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب غرامة مثليه. وقال إسحاق: عليه غرامة مثليه. وقال أحمد: لا أعلم سببًا يدفعه (¬2). مغ جـ 10 (ص 263). باب في السارق تقطع يمناه (¬3) ثم يعود فيسرق مسألة (1480) جمهور العلماء بل عامتهم على أن السارق إذا قطعت يمناه ثم عاد ¬

_ (¬1) وهو ما أخرجه أبو داود عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع في ثمر ولا كثر" والكثر هو جمار النخل، وانظر الحاوي الكبير جـ 13 (ص 274). (¬2) يعني الحديث الذي جاء في هذا وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الثمر المعلق، فقال: "من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذٍ خبنةً فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المَجِنّ فعليه القطع". قلت: وما سوى الثمر والغنم إذا أخذ من غير حرزه فلم يقل أحد بتغريم مثليه إلا أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة جعل إضعاف الغرامة في كل ما سرق من غير حرزه. انظر مغ جـ 10 (ص 264). (¬3) لا خلاف بين أهل العلم أن أول ما يقطع من السارق هو يده اليمنى وأنها تقطع كفه من الكوع. انظر مغ ج 10 (ص 264). قلت: وقد حكى ابن رشد عن قوم أنها تقطع من الأصابع. بداية جـ 2 (ص 544) الحاوي جـ 13 (ص 319). حكى النووي عن الجماهير من العلماء منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي أن اليد تقطع من الرسغ وهو المفصل بين الكف والذراع، وحكي عن بعض السلف أنها تقطع من المرفق، وعن بعضهم تقطع من المنكب. انظر شرح جـ 11 (ص 185).

باب في محل القطع من الرجل اليسرى

فسرق فإنه تقطع رجله اليسرى، وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الفقه والأثر من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور، وبه قال الزهري كذلك وقال عطاء فيما حكي عنه تقطع يده اليسرى. وروي هذا عن ربيعة وداود (¬1). مغ جـ 10 (ص 265) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 321). باب في محل القطع من الرجل اليسرى مسألة (1481) جمهور أهل العلم بل جماهيرهم على أن الرجل اليسرى إذا قطعت فإنها تقطع من مفصل الكعب، وعمل به عُمَرُ رضي اللَّه تعالى عنه، وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي. وقال أبو ثور: تقطع من نصف القدم من معقد الشراك، وفعل ذلك عليِّ رضي اللَّه تعالى عنه، وحكاه النووي عنهما وعن أحمد (¬2). مغ جـ 10 (ص 265) شرح جـ 11 (ص 185). باب في العبد والأمة إذا سرقا مسألة (1482) مسألة (55) جمهور الفقهاء على أن العبد أو الأمة إذا سرق واحدٌ منهما فإن عليه القطع، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة، واتفق هؤلاء على قطع يد العبد الآبق خلا أبا حنيفة، وحكى عن ابن عباس أنه لا قطع على العبيد والإماء، وحكى الموفق وابن رشد الخلاف في العبد الآبق عن عثمان ومروان وسعيد بن العاصي (¬3). مغ جـ 10 (ص 274). باب في النَّبَاش يسرق من القبر مسألة (1483) جمهور العلماء على قطع يد النَّبَّاش إذا سرق من القبر ما بلغت قيمته نصابًا، وممن قال بهذا الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشعبي والنخعي وحماد ¬

_ (¬1) انظر بداية جـ 2 (ص 544) شرح جـ 11 (ص 185). (¬2) انظر بداية جـ 2 (ص 546). (¬3) انظر مغ جـ 10 (ص 275) بداية جـ 2 (ص 537).

باب في الوالد يسرق من مال ولده

ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وروي عن ابن الزبير أنه قطع نباشًا، وهو مذهب أحمد، وقال الثوري وأبو حنيفة لا قطع عليه (¬1) (¬2). القرطبي جـ 6 (ص 164). باب في الوالد يسرق من مال ولده مسألة (1484) جمهور العلماء على أنه لا قطع على والدٍ إذا سرق من مال ولده وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وقال أبو ثور وابن المنذر: القطع على كل سارق بظاهر الكتاب إلا أن يجمعوا على شيء فيستثنى (¬3). وحكاه الماوردي عن داود. مغ جـ 10 (ص 284) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 348). باب في العبد يسرق من مال سيده مسألة (1485) جمهور العلماء على أنه لا قطع على العبد إذا سرق من مال سيده، وحكى الموفق عن أهل الظاهر أن فيه القطع. وحكاه ابن رشد عنهم وعن أبي ثور (¬4). مغ جـ 10 (ص 285) بداية جـ 2 (ص 543). باب في السارق يرجع عن إقراره (¬5) قبل القطع مسألة (1486) جمهور الفقهاء على أن السارق إذا أقر بسرقة ثم رجع عن إقراره، فإنه يقبل منه ويدرأ عنه الحد ما لم تقم بينة. ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 10 (ص 280) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 313). (¬2) واختلف الفقهاء في سرقة المُحَّرمِ كالخمر والخنزير والميتة سواء سرقها من مسلم أو ذمي فرأى قوم أنه لا قطع في مثل هذا وهو قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال عطاء فيما حكي عنه: أن سارق الخمر من الذمِّي يقطع وأن كان السارق مسلمًا. انظر مغ جـ 10 (ص 282) وانظر مسألة سرقة آلات اللهو وسائر المحرمات في الحاوي جـ 13 (ص 350). (¬3) بداية جـ 2 (ص 543) القرطبي جـ 6 (ص 170). (¬4) وجعل الموفق قول أبي ثور موافقًا للجمهور في هذا. قلت: ومما اختلف فيه الفقهاء في هذا الباب أن يسرق أحد الزوجين من الآخر والسرقة من بيت المال وسرقة الأقارب بعضهم من بعض. فكل ذلك لا إجماع فيه ولا قول للجمهور. (¬5) لا يختلف أهل العلم أن السرقة تثبت بالبينة وهي شهادة عدلين مسلمين حرين، وأنها تثبت بالإقرار. انظر مغ جـ 10 (ص 290). قلت: لكنهم اختلفوا هل يجب القطع بمجرد هذا أو لابد من دعوى صاحب المال على مذهبين. انظر مغ جـ 10 (ص 299) وكذلك إذا أقر كم مرة يجب أن يقر. مغ جـ 10 (ص 289).

باب في صاحب المال يهب ما سرق منه للسارق قبل القطع

وقال ابن أبي ليلى وداود: لا يقبل رجوعه، وهو أحد قولي الشافعي (¬1). مغ جـ 10 (ص 293). باب في صاحب المال يهب ما سُرِقَ منه للسارق قبل القطع مسألة (1487) جمهور أهل العلم على أن صاحب المال إذا وهب السارق ما سرقه من قبل أن يصل الأمر إلى السلطان أو قبل أن يقام عليه الحد وقد وصل الأمر في الحالين إلى السلطان فإن ذلك لا يدرأ عن السارق الحد، وبه يقول مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة وطائفة: لا حدَّ عليه. بداية جـ 2 (ص 549). باب في السارق تقطع يده هل يغرم ما سرقه؟ (¬2) باب في الطرار (النشال) هل تقطع يده؟ (¬3) باب في الشفاعة في السرقة (¬4) مسألة (1488) أكثر العلماء على جواز الشفاعة في الحدود قبل وصولها إلى الإمام. شرح جـ 11 (ص 186). ¬

_ (¬1) انظر الحاوي جـ 13 (ص 333). (¬2) أما إن كان ما سرقه باقيًّا لم يتلف فإنه يرد إلى صاحبه وعلى سارقه رده إلى صاحبه بالأجماع. انظر الحاوي جـ 13 (ص 342) مغ جـ 10 (ص 279)، وأما إذا تلفت فهل يجب على السارق مع القطع أن يرد مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها؟ في المسألة ثلاثة مذاهب: الأكثرون على أن عليه ردها أو قيمتها قطعت يده أو لم تقطع، وبه يقول الحسن والنخعي وحماد وعثمان البتي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وابن شبرمة وأبو ثور. وروي كذلك عن الزهري، وقال آخرون: لا غرم عليه إذا قطع ولا قطع عليه إذا غرم، وبه يقول أبو حنيفة والثوري، وقال عطاء وابن سيرين ومكحول والشعبي: لا غرم إذا قطع، وقال مالك: إذا كان موسرًا قطع وغرم، وإذا كان معسرًا قطع ولم يغرم. انظر مغ جـ 10 (ص 279). الحاوي الكبير جـ 10 (ص 342). (¬3) اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين الأول أنه إذا سرق من الجيب أو أدخل يده في كمه فسرق قطع وإلا بأن اضطر إلى قطع شيء من ثوبه حتى يستخرجه فلا قطع حينئذ، وبه يقول أبو حنيفة، وقال آخرون: يقطع في الحالتين وهو قول الشافعي وابن المنذر وفي المسألة تفصيل ومذاهب غير هذا. انظرها في مغ جـ 10 (ص 260) القرطبي جـ 6 (ص 171) الحاوي جـ 13 (ص 317). (¬4) اتفق الفقهاء على أن دعوى السرقة أو ثبوتها بأي وجه إذا وصلت إلى السلطان فلا شفاعة. أما قبل ذلك فلا بأس بها، وفرق مالك بين من عرف بالشرِّ فمنعها وبين من لم يعرف بالشرِّ والفساد فلا بأس. انظر مغ جـ 10 (ص 294) بداية جـ 2 (ص 546) واتفقوا على أن لصاحب المال أن يعفو عن السارق إذا لم يصل الأمر إلى السلطان.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقة الإسلامي كتاب قطاع الطرق أو المحاربين

كتاب قطاع الطرق أو المحاربين

كتاب قطاع الطرق (¬1) أو المحاربين (¬2) باب في قطاع الطريق يوجد فيهم الصبي أو المجنون أو ذو رحم مسألة (1489) جمهور العلماء على أن قطاع الطريق إذا وجد فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم من المقطوع عليه؛ فإن الحد لا يسقط عن غير هؤلاء. وقال أبو حنيفة يسقط الحد عن جميعهم ويصير القتل للأولياء (¬3) إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا. ¬

_ (¬1) جمهور أهل العلم على أن قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ....} نزل بشأن المسلمين إذا أفسدوا في الأرض وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقالت طائفة: نزلت الآية في أهل الشرك، وهو قول الحسن البصري وعطاء وعبد الكريم بن مالك الجزري. نقله ابن المنذر عن الطائفتين جميعًا، وقال: قول مالك أصح. انظر الأشراف جـ1 (ص 530). (¬2) المحاربون أو قطاع الطرق هم كل من خرج على الناس في الطرق والمسارات يقطعون السبيل ويقتلون ويغصبون المال بقوة السلاح جهارًا من غير تخفٍ. وهذا الوصف الذي ذكرته لا خلاف بين أهل العلم في أنهم به قطاع طرق ومحاربون وتجرى عليهم أحكام الحرابة، فإذا كانوا مشركين فكما ذكرت وإلا ففيه الخلاف المذكور سابقًا، ولو تخلف شيء مما ذكرته ففيه خلاف بين العلماء كأن يخرجوا على الناس في القرى والمدن أو أن يخرجوا عليهم بالعصى والحجارة أو يغصبوا المال بتخفٍ. انظر مغ جـ 10 (ص 303، 304) الحاوي الكبير جـ 13 (ص 360) وما بعد، والأصل في أحكامهم قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} فهذه أحكام أربعة اختلف الفقهاء في غالب ما يتعلق بها هل هي على الترتيب أو على التخيير للإمام، وإذا فعلوا ما يوجب القتل والقطع أو غير ذلك. أو ما فعلوا ما فيه حق لله وحق للآدمي أو عكس ذلك أو خلطوا بينها، فكيف يكون حكمهم، وحكم توبتهم فيما يتعلق بحقوق الآدمين أنهم يؤخذون بها ويعفى عن حقوق الله بغير خلاف يعلم، واتففوا على أنه إذا قتل وأخذ المال قتل وصلب وأنه إذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يمناه ورجله اليسرى إذا كان صحيح الأعضاء، واختلفوا فيما سوى هذا واختلفوا في معنى نفيه، واختلفوا فيمن كان معهم ردءًا من غير اشتراك في قتل أو أخذ مال هل حكمهم سواء؟ ومسائل هذا الكتاب من حيث الأصول قليلة وفروعها كثيرة ومسائل الجمهور فيه أقل من القليلة. انظر كتاب المحاربين مغ جـ 10 (ص 302) الحاوي جـ 13 (ص 353) القرطبي جـ 6 (ص 147) شرح جـ 11 (ص 153)، الإشراف جـ 1 (ص 527). (¬3) لأن الأصل أن إقامة أحكام الحرابة فوق أنها للإمام فإن ولايتها له كذلك وهذا محل أجماع انظر قرطبي جـ 6 (ص 156).

باب في دفع اللصوص ومقاتلتهم إذا أبوا

مغ جـ 10 (ص 318). باب في دفع اللصوص (¬1) ومقاتلتهم إذا أبْوا مسألة (1490) أكثر أهل العلم على أن اللص المطالب لمال غيره بغير حق يناشد بالله للكف عن عدوانه، فإن أبى دفع بما يدفعه، فإن لم يدفع إلا بقتاله وقتله استحب ذلك، وهو أولى من تركه يأخذ المال بغير حق. قال ابن المنذر: وروينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم. هذا مذهب ابن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ومالك والشافعى وأحمد وإسحاق والنعمان (أبو حنيفة). قال القرطبي: وبهذا يقول عوام أهل العلم. قلت: هذا قول ابن المنذر بحروفه. وقال جماعة: الأَوْلَى أن لا يقاتل، بل ينجو من دمه بماله (¬2). القرطبي جـ 6 (ص 156). الإشراف جـ 1 (ص 540). * * * ¬

_ (¬1) وهذه المسألة ليست في صلب كتاب المحاربين ولكن لذكر المقاتلة فيها ذكرتها في خاتمة الأبواب، وهي قد تكون أليق بأبواب رد الصائل ولكن عجلتها هنا للمناسبة، وهذه المسألة المذكورة ليست في جواز دفع اللص وقتاله إن لم يَكُفّ ولكنها في الأفضل. قلت: وقد ألحق ابن المنذر هذه المسأله في آخر كتاب المحاربين. (¬2) لأنهم ذكروا فيمن أريد عن نفسه قولين الأول: يجب الدفع، والثاني: لا يجب لمعنى إيثار بذل نفسه على أن يقتل مسلمًا، فالمال أولى. انظر الحاوي جـ 13 (ص 455).

فصل في حد المسكر

فصل في حَد المُسْكِرِ (¬1) باب في وصف المسكر الذي يحرم قليله وكثيره مسألة (1491) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن المسكر حرام قليله وكثيره، يستوي في ذلك عصير العنب وغيره من سائر الأشربة والأنبذة في تحريم شربه والحَدِّ فيه. روىِ هذا عن عمر وعليٍّ وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وأُبي بن كعب وأنس وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والقاسم وقتادة وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وقال أبو حنيفة في عصير العنب إذا طبخ فذهب ثلثاه، ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ وإن لم يذهب ثلثاه، ونبيذ الحنطة والذرة والشعير، ونحو ذلك نقيعًا كان أو مطبوخًا: كل ذلك حلال إلا ما بلغ السكر، وأما عصير العنب إذا اشتد وقذف زبده وطبخ، فذهب أقل من ثلثيه، ونقيع التمر والزييب إذا اشتد بغير طبخ: فهذا محرم قليله وكثيره. قلت: جعل أبو حنيفة -رحمه الله- الخمر من العنب والنخل، فيحرم قليلها وكثيرها ويُحَدُّ شاربها، وما سوى ذلك من الأنبذة والأشربة لا يحرم شربه إلا ما بلغ السكر (¬2). مغ جـ 10 (ص 327) نيل الأوطار جـ 9 (ص 77) شرح جـ 13 (ص 148). ¬

_ (¬1) يعني حد من شرب المسكر والإجماع على تحريم المسكر وحد شاربه في الجملة، والخلاف في فروع هذين. انظر مغ جـ 10 (ص 325) الحاوي جـ 13 (ص 376) ولا خلاف بين العلماء في الحد على من شرب المسكر من عصير العنب قلَّ أو كثر، وإنما الخلاف في غيره من الأشربة إذا شرب منها ما لا يسكر، فذهب إلى عدم الفرق الجمهور من العلماء منهم الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد، وذهبت طائفة إلى أن غير عصير العنب لا يُحدُّ شاربه حتى يسكر. منهم أبو وائل والنخعي وكثير من أهل الكوفة وأبو حنيفة وأصحابه في أهل الرأي، وقال أبو ثور: من شربه متأولًا فلا حد عليه؛ لأنه مختلف فيه. انظر مغ جـ 10 (ص 328) الحاوي جـ 12 (ص 387، 407) شرح جـ 11 (ص 218). (¬2) انظر كلام ابن المنذر في الإشراف في الرد على مذهب أهل العراق جـ 2 (ص 376) وانظر بداية جـ 1 (ص 620) جـ 2 (ص 533).

باب في الحد من الخمر

باب في الحد من الخمر (¬1) مسألة (1492) جمهور العلماء على أن حد الخمر ثماثون ضربةً (¬2)، وبه يقول مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد في رواية وابن المنذر وفعله عمر بحضره خلق كثير من الصحابة وغيرهم. وقال الشافعي وأبو ثور وداود وأحمد في رواية: أربعون، واختارها أبو بكر عبد العزيز (¬3)، والزيادة على الأربعين تعزير وأمرها إلى الإِمام. بداية جـ 2 (ص 533) فتح جـ 25 (ص 206) شرح جـ 11 (ص 217) الإشراف جـ 2 (ص 87). باب في ما يثبت به حَدُّ الخمر (¬4) مسالى (1493) جمهور أهل العلم على أن ظهور رائحة الخمر من الفم ليس من البينة التي يقام بها الحد، وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وهو المعتمد في مذهب أحمد، وقال مالك وأحمد في رواية يُحَدُّ (¬5)، وقال به جمهور أهل الحجاز. مغ جـ 10 (ص 332). ¬

_ (¬1) وهذه المسألة من عجيب مسائل هذا الكتاب؛ إذ ليس فيها إجماع مع أنها متعلقة بأصل من أصول الشريعة وهو تحريم الخمر. (¬2) وإنما قلت ضربةً؛ لأنه لا إجماع على وجوب أن يكون الحد بالسوط، بل يجوزه بغيره. انظر فتح جـ 25 (ص 198). (¬3) انظر مغ جـ 10 (ص 329) الحاوي الكبير ص 13 (ص 412) نيل الأوطار جـ 7 (ص 319). قلت: والخلاف في هذه المسألة لا يقف عند عدد الحد، وإنما في أصله فقد ذهبت طائفة إلى أنه ليس في حد شرب الخمر شيء مقدر وإنما هو التعزير كما حكاه الحافظ في الفتح نقلاً عن الطبري وابن المنذر وأومأ إليه البخاري في ترجمته للباب. انظر فتح جـ 25 (ص 206) نيل الأوطار جـ 7 (ص 319). (¬4) لا خلاف يعلم بين أهل العلم أنه يثبت بالإقرار أو البينة ويكفي إقراره مرة واحدة في قول عامة أهل العلم. مغ جـ10 (ص 331) الحاوي جـ 13 (ص 408). قلت: ويقبل رجوعه عن إقراره ما لم تقم بينة. (¬5) وهل يحد إذا تقيأ مُسْكِرًا على قولين، وبنفي الحد عنه قال الشافعي وأحمد في رواية، وبالحد قال مالك، وقياس قول أحمد. انظر في هذه المسألة وقبلها. مغ جـ 10 (ص 332) الحاوي جـ 13 (ص 409) بداية جـ 2 (ص 353) وانظر في الخلاف في ثبوت حد الخمر باستنكاه (بشم) رائحة الخمر أو تقيئه. شرح جـ 11 (ص 200، 219).

باب في العصير أو النبيذ يمضي عليه ثلاثة أيام

باب في العصير أو النبيذ يمضي عليه ثلاثة أيام (¬1) مسألة (1494) جمهور أهل العلم على جواز شرب العصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام ما لم يغل ويُسْكِرْ. قلت: وقد حكى النووي في هذه المسألة الإجماع ولعلَّه قصد قبل اليوم الرابع (¬2)، وقال أحمد: لا يجوز شربه بعد ثلاثة أيام، غلي أو لم يغل، أسكر أو لم يُسْكِرْ. وقال أحمد: إشْرَبْهُ ثلاثًا ما لم يغل، فإذا أتى عليه ثلاثة أيام فلا تَشْرَبْهُ (¬3). مغ جـ 10 (ص 340). باب في العصير يطبخ فيذهب ثلثاه ويبقى ثلثه مسألة (1495) جمهور العلماء على أن العصير إذا طبخ فذهب ثلثاه وبقي الثلث فهو مباح ما لم يسكر، وممن قال به من الصحابة: عُمَرُ وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء وعلي وأبو أمامة وخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة والثوري والليث ومالك والشافعي. وقال آخرون: هو مباح إلى النصف، روي هذا عن البراء وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما؛ وقال به جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -، ومحمد ابن الحنفية وشريح القاضي. وقال آخرون: لا اعتبار بالثلث ولا بالثلثين فيجوز شربه ما لم يسكر، وقال أبو حنيفة: يجوز شربه ما بقي منه الثلث أسكر أو لم يسكر. نيل الأوطار جـ 9 (ص 76) الإشراف جـ 2 (ص 380). باب في الخليطين (¬4) مسألة (1496) جمهور العلماء على أن شرب الخليطين جائز ما لم يسكر، وأن النهي ¬

_ (¬1) ولا خلاف بينهم في أنه إذا غلي وقذف بالزبد حرم شربه ولو قبل مضي ثلاثة أيام. انظر مغ جـ 10 (ص 340)، وانظر الإشراف جـ 2 (ص 368). (¬2) انظر نقل النووي الإجماع في هذه المسألة. شرح جـ 13 (ص 174). (¬3) قد مر ذكر النبيذ في عنوان الباب ومعناه أن يَنْبِذَ في الماء تمرًا أو زبيبًا ليحلو الماء به وحكمه حكم ما ذكرناه. (¬4) وهو أن يخلط تمرًا مع زبيب وينبذهما في الماء وورد فيه نهي صريح، وكذلك خلط كل ما يجوز انتباذه على حدة.

باب في الإمام يعزر فيموت المعزر هل في ذلك ضمان؟

عنهما إنما هو للتنزيه لا للتحريم، وبه يقول الشافعي، واختاره الموفق في المغني (¬1). وقال أحمد ومالك وإسحاق: لا يجوز، وبه يقول أهل الظاهر لكنهم خصوه بما جاءت به الأحاديث، وحكى النووي عن أبي حنيفة، وأبي يوسف في رواية أنه لا يحرم ولا يكره. نيل الأوطار جـ 9 (ص 73) شرح جـ 13 (ص 154). باب في الإمام يُعزرُ (¬2) فيموت المُعَزَّرُ هل في ذلك ضمانْ؟ مسألة (1497) جماهير العلماء على أن الإِمام إذا عَزَّرَ من يستحق التعزيرَ، فلا ضمان على الإِمام ولا على عاقلته ولا في مال ييت مال المسلمين. وقال الشافعي: يضمن الدية والكفارة. أما الدية فقال -رحمه الله- في أحد قوليه وأصحهما: تجب ديته على عاقلته، والكفارة في ماله، والقول الآخر: تجب الدية في بيت المال. وفي الكفارة وجهان: أحدهما: في بيت المال، والثاني: في مال الإِمام. شرح جـ 11 (ص 221). باب في الشرب من آنية الذهب والفضة مسألة (1498) جمهور العلماء على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وحكي عن معاوية بن قرة أنه قال: لا بأس بالشرب من قدح فضة (¬3). وحكي عن الشافعي قول أنه مكروه غير محرم، وحكي عن داود الظاهري تحريم الشرب وجواز الأكل وسائر وجوه الاستعمال. مغ جـ 10 (ص 344). ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 10 (ص 342)، وانظر الإشراف جـ 2 (ص 369). (¬2) وأما لو مات مَنْ جَلَدَهُ الإمَامُ بحدِّ من الحدود، فقد حكى النووي الإجماع على أنه لا ضمان فيه، أعني لا دية فيه ولا كفارة لا في مال الإمام ولا في عاقلته ولا في بيت مال المسلمين، وكذلك لو مات المحدود بالجلد بضرب الجلّاد الشرعي يعني المأذون له من قِبَلِ السلطان. انظر شرح جـ 11 (ص 221). (¬3) ذكر ابن المنذر أن العلَّة لمعاوية بن قرة في إباحته ذلك أنه لم يبلغه النهي. انظر الإشراف جـ 2 (ص 366)، وانظر نقل النووي الإجماع في هذه المسألة. شرح جـ 14 (ص 29).

فصل في التعزير وأحكامه

فصل في التعزير (¬1) وأحكامه باب في هل يبلغ في التعزير الحدَّ المشروع؟ (¬2) باب في هل يضمن المعزر ما تلف بتعزيره؟ (¬3) * * * ¬

_ (¬1) التعزير هو العقوبة الشرعية التي يراها الأمام في حق من ارتكب محظور شرعي لا حدّ فيه منصوص أو مقدر. (¬2) لا اجماع في هذه المسأله ولا قول للجمهور، وهي من أهم مسائل هذا الفصل فقال بعضهم: لا يزيد عن عشرة أسواط، وبه يقول أحمد في رواية، وقال بعضهم: لا يزاد على أدنى الحدود ولا يبلغ به أدناها وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة وأدنى الحد عندهما أربعون، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف لا يبلغ به أدناها وهو ثمانون وقال مالك الأمر إلى الإِمام فإن شاء بلغ الحد وزاد عليه وإن شاء نقص عنه. مغ جـ 10 (ص 348). فحصل من استقراء أقوال الفقهاء في هذه المسألة أن جمهورهم على جواز أن يزيد الإِمام (السلطان) في التعزير على عشرة أسواط، والخلاف فيما بين الجمهور في ما فوق العشرة، وهذا الذي حكيت عن الجمهور صرح به الإِمام النووي -رحمه الله- وذكر خلاف الجمهور فيما ذكرته. انظر شرح جـ 11 (ص 221). فائدة: أكثر العلماء على أن الحدود مكفر: للذنوب، وحكى عن البعض أنها موقوفة أعني الذنوب إلى الله تعالى. حكى ذلك القاضي عياض ونقله عنه النووي. انظر شرح جـ 11 (ص 224). (¬3) وهذه من أهم مسائل الفصل ولا اجماع فيها والعلماء فيها مختلفون سواء كان المعزر سلطانًا أو زوجًا أو غيره ممن له حق التعزير. مغ جـ 10 (ص 349)، وانظر مسألة تعزير السلطان في أصل الكتاب.

فصل في رد الصائل من إنسان أو حيوان

فصل في رد الصائل من إنسانٍ أو حيوانٍ باب في الرجل يدافع عن نفسه وماله وعرضه (¬1) باب في الرجل يجد امرأته تزني فيقتلهما (¬2) باب فى البهائم تفسد الأموال في ليل أو نهار (¬3) باب في الرجل يفقأ عين من اطلع من ثقب بابه (¬4) باب في الرجل يعض الرجل فيخلع المعضوض ثنية العاض (¬5) ¬

_ (¬1) لا خلاف يعلم بين الفقهاء في أن الرجل إذا عرض له من يريد نفسه أو ماله أو عرضه من إنسان أو حيوان أن له دفعه وأن له قتاله إن لم يندفع إلا بالقتال، وأن له قتله إن لم يندفع إلا بالقتل، وأما ضمان ذلك فخلاف بين أهل العلم مغ جـ 10 (ص 351)، وما بعد الحاوي جـ 13 (ص 451). (¬2) وهذه من أشهر مسائل هذا الفصل، وفيها إجماع واختلاف. أما الإجماع: فهو أنه إذا وجد الرجل في حال جماع مع امرأته، فله قتله في الحال، والخلاف هل يطالب بالبينة وإلا قيد به أو لا يطالب، وهل يفرق بين الرجل الزاني بين أن يكون ثيبًا أو أن يكون بكرًا ففي الأول لا قود وفي الثاني القود؟. انظر هذه المسأله المهمة في مغ جـ 10 (ص 353) الحاوي ج13 (ص 457). (¬3) لا إجماع في هذه المسألة ولا قول للجمهور، والخلاف فيها ينحصر في ثلاثة مذاهب الأول لا ضمان فيما أفسدته لا في الليل ولا في النهار الثاني: ضمان ما أفسدته بالليل دون النهار الثالث: الضمان في الحالين معًا بأقل الأمرين في قيمتها أو قدر ما أتلفته، وبالأول قال أبو حنيفة وبالثاني قال مالك والشافعي وهو مذهب أحمد، وبالثالث قال الليث. انظر مغ جـ 10 (ص 356) الحاوي جـ 13 (ص 466). قلت: وقد حكى القاضي عياض الإجماع على أنه لا ضمان على البهائم فيما أفسدته في النهار إذا لم يكن معها سائق أو راكب أو قائد، ويعكر على هذا الإجماع ما نقل عن الليث، والقاض عياض يتساهل أحيانًا في نقل الإجماع -رحمه الله-، وقال القاضي -رحمه الله-: فإن كان معها (يعني الدابة) راكب أو سائق أو قائد. فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته، وقال داود وأهل الظاهر: لا ضمان بكل حال إلا أن يحملها الذي هو معها على ذلك أو يقصده. نقل ذلك كله عن القاضي عياض والنووي رحمهما الله. انظر شرح جـ 11 (ص 225). (¬4) لا إجماع فيها ولا قول للجمهور ذهب الشافعي إلى عدم الضمان وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة يضمنها. مغ جـ 10 (ص 355) الحاوي ج 13 (ص 460). (¬5) لا إجماع فيها ولا قول للجمهور قال بالضمان مالك وابن أبي ليلى، وجعلها هدرًا لا ضمان فيها أبو حنيفة والشافعي، وهو مذهب أحمد. مغ جـ 10 (ص: 354) الحاوي ج 13 (ص 456). قلت: وتردد قول النووي في نسبة القول بعدم الضمان إلى الجمهور فقال: وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وكثيرين أو الأكثرين -رحمهم الله-، وقال مالك يضمن. اهـ. انظر شرح جـ 11 (ص 160).

فصل في تصادم الداوب والفرسان والسفن وما جنت الدابة وعليها أو معها صاحبها

فصل في تصادم الداوب والفرسان والسفن وما جنت الدابة وعليها أو معها صاحبها (¬1) * * * ¬

_ (¬1) هذه المسائل في هذا الفصل، الخلاف فيها شديد في وجود الضمان وعدمه في بعض الأحوال وفي كيفية الضمان ليس فيها قول للجمهور ومدرك الخلاف فيها في تحديد سبب الهلاك هل هو من جهة أو من جهتين وهل هو هلاك مقدور على ضبطه أو غير مقدور، وتحديد معنى التفريط وعدمه. راجع مسائل هذا الفصل في مغ جـ 10 (ص 358) وما بعد الحاوى جـ 13 (ص 470) جـ 12 (ص 323).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقة الإسلامي كتاب الجهاد

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد باب في فرض الجهاد هل هو على التعيين أم على الكفاية؟ مسألة (1499) جمهور أهل العلم بل عامتهم على أن الجهاد في الأصل مفروض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وأنه لا يفرض على الأعيان إلا في أحوال مخصوصة (¬1). وقال سعيد بن المسيب: هو فرض على التعيين، وحكى ابن رشد عن عبد الله بن الحسن أنه جعله تطوعًا. مغ جـ 10 (ص 364) الحاوي الكبير جـ 14 (ص 142) بداية جـ 1 (ص 504). باب في استئذان الوالدين المسلمين في جهاد التطوع (¬2) باب في دعاء (¬3) الكافرين إلى الإسلام قبل القتال مسألة (1500) جمهور العلماء على أن دعوة الكافرين الذين لم يَبْلُغْهُمْ الإِسلام قبل القتال فرض، وأما الذين بلغتهم الدعوة فمستحب، وهو قول نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبي ثور، وبه قال ابن المنذر، وحكاه عن أكثر أهل العلم، وقال مالك وغيره: يجب في الحالين وقال قوم: لا يجب في الحالين (¬4). ¬

_ (¬1) اتفق العلماء في الجملة على ثلاثة أحوال يتعين فيها الجهاد. أولها: إذا التقى الزحفان، ثانيها: إذا نزل الكفار ببلد مسلم تعين على أهله دفعهم وقتالهم، وفي لغة عصرنا إذا احتل الكفار بلدًا مسلمًا كما هو الحال في فلسطين والعراق وغيرها من بلاد الإِسلام الواقعة تحت سيطرة الكافرين، ثالثها: أن يستنفر الإمام قومًا معينين فيجب في حقهم تلبية النفير. انظر مغ جـ 10 (ص: 365) ولا خلاف في أنه يُغْزَى مع كل إمام مسلم سواء كان برًّا أو فاجرًا. مغ جـ 10 (ص 371)، ولا خلاف في أن الفرض يتعين على كل أهل ناحية بقتال من يليهم من الكفار. مغ جـ 10 (ص 372) الحاوي جـ 14 (ص 141). (¬2) هذا مما لا خلاف فيه ولا خلاف في أنه لا يلزمه استئذانهما في الجهاد العيني، وأما إن كان أبواه غير مسلمين؛ فالخلاف قائم، وكذلك إذا كان أحدهما مسلمًا والآخر مشركًا. انظر مغ جـ 10 (ص 382، 383) الحاوي ج 14 (ص 122) بداية جـ 1 (ص 505). (¬3) يعني دعوتهم. (¬4) انظر في هذه المسألة مغ جـ 10 (ص 385). قلت: وقد حكى ابن رشد الإجماع على عدم جواز المحاربة قبل الدعوة لمن لم تبلغهم بداية جـ 1 (ص 512).

باب في الانغمار في العدو واختراق صفوفهم تعرضا للقتل والشهادة

نيل الأوطار جـ 8 (ص 53) شرح جـ 12 (ص 36). باب في الانغمار في العدوّ واختراق صفوفهم تعرضًا للقتل والشهادة مسألة (1501) جماهير العلماء على أنه يجوز للمجاهد في سبيل الله أن يخترق صفوف العدو وينغمر فيها تعرضًا للقتل وطلبًا للشهادة ولا يكره ذلك. قلت: ولم يذكر النووي من خالف في هذا، وأنا أحسب أن جماعة قالوا لا يجوز ذلك إلا أن يغلب على ظنه إحداث النكاية بالعدو. شرح جـ 13 (ص 46). باب في المبارزة (¬1) مسألة (1502) جمهور أهل العلم، بل عامتهم على جواز المبارزة، وأنكر الحسن البصري المبارزة ولم يعرفها، وكره أبو حنيفة بداءة المسلم بالمبارزة، وروي هذا عن عليٍّ - رضي الله عنه - (¬2). مغ جـ 10 (ص 394). باب في مَنْ حُمِلَ على دابة للغزو هل له أن ينتفع بها مسألة (1503) جمهور العلماء على أن الرجل إذا حمل على دابة للغزو فغزا (¬3) بها فله أن ينتفع بها كيف شاء، كما ينتفع المالك بماله، وبه يقول سعيد بن المسيب وسالم والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك والليث والثوري ونحوه عن الأوزاعي، وقال مالك فيما حكي عنه: لا يحل له أن يتصرف فيها إلا في سبيل الله. مغ جـ 10 (ص 399). ¬

_ (¬1) المبارزة أن يخرج فارس من المسلمين لفارس من المشركين قبل احتدام القتال وكانت عادة مشهورة عندهم وفيها تحميس للجيش واستفزر للعدو، وهذا كان معروفًا في غير العرب، وقد يقول قائل: وما الفائدة من ذكرها في كتابك في هذا العصر؟ قلت: لا تدري لعل الزمان يطوى فيعود الناس للخيل والسيف، كما تظاهرت بذلك أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن هذا سيكون في آخر الزمان مع أن المبارزة لازال موجود أصلها حتى في حديث الأسلحة والجيوش، وقد سمعنا عن مبارزات بالطائرات وأخرى بالدبابات والله المستعان. (¬2) انظر الحاوي جـ 14 (ص 251). (¬3) أما إذا لم يغز عليها، فلا يحل له أن يتصرف فيها باتفاق. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا يقول إن له إن يبيعه في مكانه. اهـ حكاه عنه الموفق. مغ جـ 10 (ص 399).

باب في أسرى الحرب ما يفعل بهم الإمام؟

باب في أسرى الحرب ما يفعل بهم الإمام؟ مسألة (1504) أكثر العلماء على أن الإِمام إذا صار عنده أسرى من المحاربن من غير النساء والصبيان (¬1) وكانوا أهل كتاب أو مجوس (¬2) فهو مخير بين أربعة أمور: إما المنُّ، وإما الفداء، وإما الاسترقاق، وإما القتل، وبه يقول الاُوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد ومالك في رواية، وحكى النووي جواز المن على الأسير عن الجمهور. وقال مالك في رواية: لا يجوز المنُّ بغير عوض. وحكى عن سعيد بن جبير والحسن وعطاء كراهة قتل الأسرى وقالوا: لو منَّ عليه أو فاداه كما صنع بأسارى بدر. وقال أصحاب الرأي: لا من ولا فداء وإنما هو القتل أو الاسترقاق (¬3). بداية جـ 1 (ص 506) فتح جـ 12 (119) شرح جـ 12 (ص 88). باب في الإمام يُنَفلُ (¬4) السرية من الجيش مسألة (1505) جمهور العلماء على أن للإمام أن يُنَفلَ الجيش بعضه أو كله ولا يزيد في هذا عن الثلث من الغنيمة بعد عزل خمسها، وبه قال مكحول والأوزاعي وأحمد، وقال الشافعي لا حد للنفل، بل هو موكول للإمام واجتهاده (¬5). مغ جـ 10 (ص 411) نيل جـ 8 (ص 110) فتح جـ 12 (ص 223). ¬

_ (¬1) أما النساء والصبيان فلا يجوز قتلهم باتفاق، ويصيرون عبيدًا بمجرد السبي. مغ جـ 10 (ص 400) الحاوي جـ 14 (ص 172). (¬2) في غير هؤلاء خلاف وهم عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا كتاب لهم، منهم من ألحقهم بأهل الكتاب في أحكام الأسر؛ كالشافعي وأحمد في رواية، ومنهم من منع استرقاقهم وترك سائر الخيارات، وبه يقول أحمد. انظر الحاوي جـ 14 (ص 176) مغ جـ 10 (ص 402) قلت: ومذهب أبي حنيفة -رحمه الله- يجوز استرقاق العجم منهم دون العرب. انظر نفس المصادر. (¬3) انظر في هذه المسألة الحاوي جـ 14 (ص 173) مغ جـ 10 (ص 400). (¬4) النَّفَلُ هو الزيادة، ومعناه هنا: ما أعطاه الإِمام لبعض الجيش أو كله زيادة عن حصتهم في المغنم الذي فرض لهم، وقال بالنفل أكثر العلماء مع اختلافهم في مما يخرج. فقال الحسن والأوزاعي وأحمد: يخرج من أربعة أخماس المغنم بعد عزل الخمس، وقال الشافعي إنما يخرجه من خمس الخمس، وقال سعيد بن المسيب ومالك: إنما يخرجه من الخمس لا غير، وروي عن عمرو بن شعيب أنه قال: لا نفل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من المناسب أن توضع هذه المسألة في أصل الكتاب لكنني سهوت عنها، ولذلك أشرت إليها في المسألة التي بعدها. انظر مغ جـ 10 (ص: 408) بداية جـ 1 (ص 524) نيل جـ 8 (ص: 106) فتح جـ 12 (ص: 212). (¬5) انظر بداية جـ 1 (ص 525).

باب في النفل من كل غنيمة وفي غنيمة الذهب والفضة

باب في النَّفَلِ (¬1) من كل غنيمة وفي غنيمة الذهب والفضة مسألة (1506) جمهور أهل العلم على أن النفل يجوز في كل غنيمةٍ. الأولى والثانية وغير ذلك سواء، وأن النفل يكون من كل غنيمة ذهبًا كانت أو فضةً أو غير ذلك، وهو مذهب الشافعي، وقال الأوزاعي وجماعة من أهل الشام: لا ينفل الإِمام من أول غنيمة ولا من غنيمة الذهب والفضة. شرح ص 12 (ص 56). باب في الإمام يَحُضُّ من معه بالنَّفَلِ قبل القتال مسألة (1507) جمهور أهل العلم على أنه يجوز للإمام أن يجعل لمن معه مع المقَاتِلةِ النَّفَلَ من المغنم قبل القتال يحضهم به عليه، وبه يقول الثوري وأحمد، وقال مالك وأصحابه: لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة وكرهوها قبلها (¬2). مغ جـ 10 (ص 412). باب في المقاتل يكون له سَلَبُ من قتل من أهل الحرب (¬3) مسألة (1508) جمهور العلماء على أن المقاتل يستحق سلب من قتله بإذن الإِمام أو بغير إذنه، وبه يقول الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وهو المعتمد في مذهب أحمد، وحكاه النووي عن ابن جرير الطبري، وقال أبو حنيفة والثوري لا يستحقه إلا أن يشرطه الإِمام له، وقال مالك لا يستحقه إلا أن يقول الإِمام ذلك وذلك بعد انقضاء الحرب والسَلَبُ عنده من جملة الأنفال (¬4). فتح جـ 12 (ص 230). ¬

_ (¬1) تقول: نَفَّلَ فلانٌ فلانًا ونَفَّلَهُ ويُنَفِّلُ، وهذا مما يُنَفَّلُ، وتقول: نَفِّلْنِي كذا، ونَفِّلْنِيهِ، ونَفَّلَنيهِ. (¬2) انظر بداية جـ 1 (ص 525) فتح جـ 12 (ص 221). (¬3) السَّلَبُ بفتح السين واللام ما يكون مع المقاتل من أهل الحرب من عدة ومتاع الحرب، ولا خلاف يعلم أن السلب يستحقه من قتل صاحبه، وإنما الخلاف في فروع هذا. مغ جـ 10 (ص 419). (¬4) انظر مغ جـ 10 (ص 426)، وانظر شرح جـ 12 (ص 59).

باب في السلب هل يخمس

باب في السَّلَبِ هل يُخَمَّسُ مسألة (1509) جمهور العلماء على أن السَّلَبَ لا يخمس، بل كله لمستحقه روى ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وبه قال الشافعي في المشهور عنه وابن المنذر ومحمد بن جرير، وهو المعتمد في مذهب أحمد، وقال ابن عباس: يخمس، وبه قال الأوزاعي ومكحول، وقال إسحاق: يخمس الكثير دون القليل، وَنَظَرُ ذلك إلى الإِمام (¬1). فتّح جـ 12 (ص 231) مغ جـ 7 (ص 300). باب في الدابة تدخل في السلَبِ والملبوس كذلك مسألة (1510) جمهور أهل العلم على أن الدابة داخلة في السلب، وبه يقول الأوزاعي ومكحول والشافعىِ، وكذلك كل ملبوس، وعن الشافعي يختص السَلَب بأداة الحرب، وحكى الحافظ في الفتح عن أحمد أن الدابة لا تدخل، وسبقه إلى ذلك الموفق في الغني، واختاره أبو بكر عبد العزيز (¬2). فتح ج 12 (ص 230). باب في كون المقتول من المقاتلة شرطًا في استحقاق السَّلَبِ مسألة (1511) جمهور العلماء على أن من شرط استحقاق السلب للقاتل أن يكون المقتول من المقاتِلةَ. فلا يستحقه بقتل صبي أو امرأة أو شيخ يضعف عن القتال. وقال أبو ثور وابن المنذر: يستحقه في كل مقتول من أهل الحرب (¬3). فتح ج 12 (ص 234). باب في الأمان يعطى للكافرين من أهل الحرب من كل مسلم مسألة (1512) جمهور العلماء على أن الأمان للكافرين من أهل الحرب يصح من كل ¬

_ (¬1) انظر مغ جـ 10 (ص 425) نيل الأوطار جـ 8 (ص 92) بداية جـ 2 (ص 527). شرح جـ 12 (ص 59). (¬2) انظر مغ جـ 10 (ص 429). (¬3) نَفَى الِعْلمَ بالخلاف في هذه المسألة الموفق في المغني، ولعله لم يطلع على خلاف أبي ثور وابن المنذر أو لم يصح عنده. انظر مغ جـ 10 (ص 422). قلت: وهناك شرائط وأوصاف في استحقاق السلب اختلف فيها الفقهاء كثيرًا مثل شرط المبارزة وأن يقتله مقبلًا غير مدبر، وأن يكون هذا بعد أو انقضاء الحرب لا مع التقاء الصفين وأن يُغَرَّرَ (يغامر) بنفسه في قتله لا أن يقتله بسهم وهو في صف المسلمين وأن يقتله وهو في حال قوة لا مثخنًا بجراح وأن يقتله لا أن يأسره فيقتله الإمام بعد وغير ذلك، وكل ما ذكرته مختلف فيه. انظر مغ جـ 10 (ص 418) وما بعد فتح جـ 12 (ص 230) وما بعد.

باب في الإسهام للفارس من الغنيمة

مسلم ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا أو عبدًا؛ ما داموا بالغين عاقلين مختارين، وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعىِ وأحمد وإسحاق وابن القاسم. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وسحنون من المالكية: إذا أذن له سيده في القتال جاز أمانه وإلا فلا، وعن أبي حنيفة: إذا قاتل جاز أمانه وإلا فلا، وقال عبد الملك بن الماجشون في أمان المرأة: أنه إلى الإِمام إن شاء أجازه وإن شاء رده، وروى عن سحنون مثل ذلك (¬1). مغ جـ 10 (ص 432) فتح جـ 12 (ص 262). باب في الإسهام للفارس (¬2) من الغنيمة مسألة (1513) جمهور العلماء بل جماهيرهم على أن الفارس يعطي ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه. قال الموفق: قال ابن المنذر: هذا مذهب عمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين وحسين بن ثابت وعوامُّ علماء الإِسلام في القديم والحديث منهم مالك ومن تبعه من أهل المدينة والثوري ومن وافقه من أهل العراق والليث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: للفارس سهم ولفرسه سهم واحد (¬3). مغ جـ 10 (ص 443) بداية جـ 1 (ص 522) نيل جـ 8 (ص 118) شرح جـ 12 (ص 83). ¬

_ (¬1) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئًا ذكره عبد الملك. حكاه الحافظ في الفتح جـ 12 (ص 262) قلت: ولا خلاف يعلم في أن الكافر من أهل الحرب إذا طلب الأمان ليسمع كلام الله وجب اعطاؤه ذلك ثم يرد إلى مأمنه. انظر مغ جـ 10 (ص 436). (¬2) وأما ما به يعتبر الفارس فارسًا مستحقًّا لأسهمه: ففي ذلك خلاف. منهم من جعل الاعتبار بشهوده الغنيمة، فإذا شهدها فارسًا استحق ثلاثة أسهم، وإذا شهدها راجلًا استحق سهم الراجل وهو سهم واحد، والمعنى: أنه شهد الوقعة وقد تمخضت عن تلك الغنيمة فشهود الغنيمة هم شهود الوقعة، وإلى نحو هذا ذهب ابن عمر، وبه قال الأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في رواية وأبو ثور، وذهب آخرون إلى أن العبرة بدخول الحرب فمن دخلها فارسًا أعطى سُهْمَان الفارس وإن نفقت فرسه، ومن دخلها راجلًا أعطى سهم الراجل وإن حصَّل فرسًا بَعْدُ، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأحمد في رواية. انظر مغ جـ 10 (ص 441). (¬3) قلت: وقد اختلف الفقهاء في فروع هذه المسألة منها اختلافهم في الفرس الهجين هل يسهم له كالفرس العربي الأصيل، ومنها اختلافهم إذا كان مع الفارس أكثر من فرس. ففي الأولى ذهب عمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي والثوري أنهما سواء العربي والهجين، وعن أحمد أربع روايات إحداها له سهم واحد، وبه قال الحسن، وأما في المسألة الثانية فذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يسهم إلا لفرس واحد وحكاه النووي عن الجمهور، ومذهب أحمد لا يسهم لأكثر من فرسين. انظر مغ جـ 10 (ص 444، 447)، نيل جـ 8 (ص 118) شرح جـ 12 (ص 83).

باب في من غزا على البعير كيف يسهم له؟

باب في من غزا على البعير كيف يسهم له؟ مسألة (1514) جمهور العلماء على أن من غزا على بعير فليس له إلا سهم واحد ولا سهم لبعيره وهو والراجل سواء. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من غزا على بعير فله سهم راجلٍ كذلك قال الحسن ومكحول والثوري والشافعي وأصحاب الرأي حكاه الموفق عنه. وقال أحمد -رحمه الله- في أشهر الروايتين عنه: أنه إن غزا على بعير لعجزه عن الفرس أسهم له سهمان سهم له وسهم لبعيره، وإن غزا عليه لا لعجز أسهم له سهم واحد ولا شيء لبعيره. وروي عنه أنه يسهم لبعيره سهم مطلقًا، وبه قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: فيما حكىِ عنه. مغ جـ 10 (ص 448). باب في العبد والمرأة (¬1) يغزوان هل يسهم لهما؟ مسألة (1515) جمهور الفقهاء على أن العبيد والنساء إذا غزوا فإنه لا سهم لهم ولكن يرضخ لهم الإِمام بما يراه مناسبًا وله أن يفاضل في رضخه فيما بينهم وله أن يساوي، وبهذا قال سعيد بن المسيب ومالك والثوري والليث والشافعي وإسحاق، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال أبو ثور: يسهم للعبد دون المرأة. روي هذا عن عمر بن عبد العزيز والحسن والنخعي، وحكى النووي عن مالك أنه لا يرضخ للمرأة ولا للعبد، وعن الحسن وابن سيرين والنخعي والحكم في العبد إن قاتل أسهم له، وقال الأوزاعي: يسهم للمرأة، وأما العبد فلا يسهم له ولا يرضخ إلا أن يجيئوا بغنيمة أو يكون لهم غِنَاءٌ فيرضخ لهم. قلت: يعني فيهم غُنْيةٌ ومصلحة للجيش. مغ جـ 10 (ص 451) شرح جـ 12 (ص 190، 191). ¬

_ (¬1) أما الصبي فيرضخ له ولا يسهم له في قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور، وقال مالك: يسهم له إذا قاتل وأطاق ذلك، وقال الأوزاعي: يسهم له من غير اشتراط، ولم يجعل القاسم وسالم للصبىِ شيئًا. مغ جـ 10 (ص 454)، واختلف الفقهاء في الكافر إذا غزا مع المسلمين، وبالإسهام له قال الأوزاعي والزهري والثوري وإسحاق وأحمد في رواية، وقال في أخرى: لا سهم له وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة، وحكاه النووي عن الجمهور. مغ جـ 10 (ص 455) شرح جـ 12 (ص 199).

باب في استرقاق العرب في حرب الكفار

باب في استرقاق العرب في حرب الكفار مسألة (1516) جمهور العلماء على جواز استرقاق العرب الكافرين إذا وقعوا في أسر المسلمين وهو قول مالك وجمهور أصحابه وأبي حنيفة والأوزاعي والشافعي في الجديد من مذهبه. وقال آخرون: لا يجوز استرقاقهم، وبه قال الشافعي في القديم (¬1). شرح جـ 12 (ص 36). باب في الاستعانة بالمشرك (¬2) والكافر في حرب الكفار باب في الغنائم هل تقسم (¬3) في دار الحرب؟ باب في هل يفرق في السبي بين الأم وولدها الكبير؟ (¬4) مسألة (1517) جمهور العلماء على أنه لا يحرم تفريق الولد إذا كان كبيرًا عن أمه في السبي، وإنما يختص هذا بالصغير، وبه يقول سعيد بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والليث وأبو ثور والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، وقال أحمد في رواية: لا يجوز في الكبير كما لا يجوز في الصغير. مغ جـ 10 (ص 468) ¬

_ (¬1) وحكى هذا القول النووي في موضع عن أبي حنيفة. انظر شرح جـ 10 (ص 13). (¬2) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور وإنما الخلاف فيها قويُّ لتعارض الأدلة مع اتفاقهم على أن العلة في الجواز والمنع منه هي المصلحة للمسلمين ومنع النكاية فيهم فمن ذهب إلى الجواز اشترط أن يكون المشركون أو الكفار المستعان بهم ذوي رأي حسن في المسلمين وأن يكونوا تحت سلطان المسلمين، ومن منع مطلقًا فقد آثر السلامة وحقق العلة والمقصود بأقل كلفة وأدنى عناء، فإلى الأول ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية تدل على الجواز وإلى الثاني ذهب ابن المنذر والجوزجاني وجماعة آخرون. مغ جـ 10 (ص 456) نيل جـ 8 (ص 45) شرح جـ 12 (ص 199). (¬3) لا إجماع ولا قول للجمهور في هذه المسألة وإلى الجواز ذهب مالك والشافعي والأوزاعي وابن المنذر وأبو ثور، وهو مذهب محمد، وإلى أنها لا تقسم إلا في دار الإِسلام ذهب أصحاب الرأي. مغ جـ 10 (ص 466). (¬4) أما الصغير فلا يفرق بينه وبين أمه في السبى إجماعًا، ثم اختلفوا بعد ذلك في ضابط الصغر والكبر، فقال بعضهم: هو البلوغ وبه يقول أحمد وسعيد بن عبد العزيز وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه، وقال آخرون: إذا استغنى عن أمه ونفع نفسه، وهو قول الليث والأوزاعي، وقال مالك: إذا أثغر (نبتت أسنانه)، وقال الشافعي في قول: إذا صار ابن سبع أو ثمان سنين وقال أبو ثور قريبًا من قول الليث إذا توضأ وحده، ولبس وحده. مغ جـ 10 (ص 468).

باب في أم الولد تسلم قبل سيدها الحربي

باب في أم الولد تسلم قبل سيدها الحربي مسألة (1518) أكثر أهل العلم على أن أم ولد الحربي إذا خرجت إلينا في الحرب مسلمة فإنها تعتق وتستبرأ نفسها قبل أن تحلَّ للأزواج. قال ابن المنذر: وقال به كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وقال أبو حنيفة: لا تحتاج للاستبراء ولها أن تزوج بغير استبراء. مغ جـ 10 (ص 477). باب في مال المسلم يستولي عليه الكفار ثم يغنمه المسلمون مسألة (1519) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الكفار إذا استولوا في الحرب على أموال المسلمين ثم استردها المسلمون، غلبة وقتالًا فإذا عرف صاحبها رد إليه إذا كان هذا قبل أن تقسم المغانم (¬1)، وممن قال هذا عمر رضي الله تعالى عنه وعطاء والنخعي وسلمان بن ربيعة والليث ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري: لا يرد إليه وهو للجيش وبنحوه روى عن عمرو بن دينار (¬2). مغ جـ 10 (ص 478). باب في الغزاة في دار الحرب وما يباح لهم من الطعام وغيره مسألة (1520) أكثر أهل العلم بل عامتهم على أن الغزاة من المسلمين إذا دخلوا دار الحرب فلهم أن يأكلوا مما وجدوه من حلال الطعام ولهم أن يعلفوا دوابهم ولا يحتاجون لإذن الإِمام في ذلك، وممن قال هذا سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والقاسم وسالم والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهرى: لا يؤخذ إلا بإذن الإِمام، وقال سليمان بن موسى: لا يترك إلا أن ينهى عنه الإِمام فيتقي نهيه. مغ جـ 10 (ص 487). ¬

_ (¬1) وأما إن عرف صاحب المال بعد قسم المغانم ففي المسألة مذاهب أحدها هو أحق به بالثمن الذي حسب به على من أخذه من أهل الغنيمة، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين، وروي عن مجاهد، وقال آخرون: لا حق له فيه بحال وهو للجيش غنيمة وإليه ذهب عمر وعليَّ رضي الله تعالى عنهما وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث وأحمد في رواية، وقال الشافعي: صاحبه أحق به ويعطي من اشتراه ثمنه من خمس المصالح وكذلك يعطي من حسب عليه بالقيمة وبه قال ابن المنذر. مغ جـ 10 (ص 479). (¬2) ولا خلاف يعلم كما قال الموفق في أن الحربي إذا استولى على مال مسلم ثم أسلم وتلف في يده أو دخل إلينا بأمان، فإنه لا ضمان عليه. مغ جـ 10 (ص 483).

باب في الجيش يشرك السرايا فيما غنمته

باب في الجيش يُشْرِك السرايا فيما غنمته مسألة (1521) جمهور العلماء بل عامتهم على أن الإِمام إذا فصل سرية من الجيش للغزو فغنمت مغنمًا شَرِكَها الجيش وسائر سراياه، وبه يقول مالك والثوري والأوزاعي والليث وحماد والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال إبراهيم النخعي: إن شاء الإِمام خَمَّسَ ما تأتي به السريُة وإن شاء نفلهم إياه كلهم. مغ جـ 10 (ص 493). باب في الفيء (¬1) هل يُخَمَّسُ؟ مسألة (1522) جماهير العلماء بل عامتهم على أن الفيء لا يخمس. وقال الشافعىِ دون سائر العلماء يخمس. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا قبل الشافعي قال بالخمس في الفيء (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الفيء ما أخذه المسلمون من مال المحاربين بغير قتال أما بترك الكفار له وإما بالمصالحة. (¬2) وكذلك قال النووي جميع العلماء سوى الشافعي لم يوجبوا الخمس في الفيء، وهذا من النووي غاية في النزاهة والأمانة العلمية، وليس مستغربًا هذا من أمثال النووي وابن عبد البر والماورديِّ والقاضي عياض، ولعل هذا يكون تذكرة لجيل المثقفين والمتفقهين من أهل هذا العصر.

فصل في ما يجوز فعله وما لا يجوز في قتال الكافرين

فصل في ما يجوز فعله وما لا يجوز في قتال الكافرين (¬1) باب في رمي العدو بالنار (¬2) تحريقًا. هل يجوز منه شيء؟ مسألة (1523) أكثر أهل العلم على جواز تحريق العدو بالنار (رميهم بالنار) إذا عجز المسلمون عن أخذهم وقهرهم بغير ذلك، وبه يقول الثوري والأوزاعي والشافعي. مغ جـ 10 (ص 502). ¬

_ (¬1) أجمع المسلمون على تحريم الغدر وتحريم نقض العهود وعقود الأمان إلا أن يخشى السلطان غدرًا أو يرى مصلحة في نقض صلح أو عهد فلا يجوز نقض ذلك إلا بإعلامهم، وأجمعوا على تحريم قتل الولدان (الأطفال) والصبية الذين لا يقاتلون وكذلك أجمعوا على تحريم قتل النساء اللاتي لا يقاتلن، واتفقوا كذلك على النهي عن المثلة (التشنيع في جثة المقاتل). انظر شرح جـ 12 (ص 37، 48). قلت: وأما إذا قاتل النساء والصبيان فيجوز قتالهم وقتلهم عند جماهير العلماء هكذا حكاه النووي، ولم يحك عن غيرهم خلافهم، انظر شرح جـ 12 (ص 48)، وأما الشيوخ والرهبان ففيهم خلاف. الأصح لا يجوز قتلهم إلا إذا كانوا ذوي رأي في الكفار وفي حربهم ضد المسلمين، فيجوز حينئذ والله تعالى أعلم. انظر شرح جـ 12 (ص 48). قلت: والحكم الذي ذكرناه في شأن النساء والصبيان من تحريم قتلهم إذا لم يقاتلوا مختص فيما إذا كانوا متميزين عن سائر أهل الحرب من المقاتلة، وأما إذا كانوا مختلطين غير متميزين، فإذا اضطر الإِمام إلى غزوهم (أهل الحرب) ليلًا لمفاجأتهم ومباغتتهم جاز له ذلك فإن قتل في هذا الحال نساء وصبيان لعدم المكنة في تمييزهم عن غيرهم، فلا بأس في هذا، ومتى أمكن الإِمام أو قائد الجيش أن يحرز دماء الأطفال والصبيان والنساء من غير المقاتلين فعل ذلك إن شاء الله تعالى، وقد حكى النووي عن الجمهور جواز البيات يعني تبيت الكفار وغزوهم ليلًا، ولو كان فيهم نساء وصبيان. انظر شرح جـ 12 (ص 50). قلت: وهذا الجواز في المباغتة مقيد فيمن بلغتهم دعوة الإِسلام. قاله النووي. انظر المصدر السابق. (¬2) وها هنا مسألتان كلتاهما مجمع عليهما أو لا خلاف يعلم فيهما: الأولى: أنه إذا وقع العدو في يد المسلمين فإنه لا يجوز قتلهم بالتحريق، والثانية: أنه إن قدر عليهم المسلمون بغير تحريق بالنار لم يجز التحريق وأما عند العجز عليهم فهي مسأله الكتاب. انظر مغ جـ 10 (ص 502). قلت: ومعنى التحريق بالنار هنا هو بمعنى إحداث القتل العشوائي الجماعي في صفوف العدو بما يكون خارجًا عن أصل وجوب إحسان القِتْلَةِ والتعفف فيها، وهو ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل في عصرنا والتي حظرها أعداء الإِسلام المتحضرون على المسلمين وأباحوها لأنفسهم، ثم استجاب لنداءاتهم الكاذبة في التحضر والتمدن معظم حكام العرب والمسلمين وما علموا أن سنن الله في الكون تأبى هذا وأن العين بالعين والسن بالسن، وأن فقهاء الإِسلام الأوائل كانوا أذكى من ساسة الغرب والشرق معًا عندما ذكروا جواز استخدام تلك الأسلحة وبالضرورة جواز تصنيعها لضرورة الردع وتحقيق مصالح الجهاد ومن أهمها حفظ هيبة الإسلام وأهله ودياره، فإلى الله المشتكى.

باب في تغريق النحل وتحريقه

باب في تغريق النحل (¬1) وتحريقه مسألة (1524) جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز تغريق بيوت حشرات النحل ولا تحريقها، وهو قول الأوزاعي والليث والشافعي، وقيل لمالك: أتحرق بيوت نحلهم؟ قال: أما النحل فلا أدري ما هو؟ (¬2). قال الموفق: ومقتضى مذهب أبي حنيفة إباحته، مغ جـ10 (ص 506). باب في عقر دواب العدو (¬3) باب في قطع شجر العدو وتحريق زرعهم (¬4) باب في النهي عن قتل النساء والصبيان وغير الحالمين من الذكور (¬5) إلا من قاتل منهم (¬6) ¬

_ (¬1) النحل بالحاء المهمله يعني جمع نحلة الحشرة المعروفة التي تصنع العسل، وإنما ذكرت هذا، لأنها بالخاء المعجمة يعني شجر النخل. (¬2) يعني لا يدري ما القول فيه أجائز أم غير جائزٌ؟ لا أنه لا يعرف ما هو الحكم في النحل، كيف وقد كان معروفًا عندهم، وذكره ربنا في سورة باسمه. (¬3) أما عقر دوابهم لحاجة جيش المسلمين للأكل والحاجة ماسة لهذا فجائز بلا خلاف يعلم يستوى فيه ما يصلح للأكل فقط؛ كالطيور بأنواعها أو يصلح لغير ذلك؛ كالخيل وأما إن لم تدع حاجة لعقره فإن كان لا يصلح إلا للأكل فحكمه حكم الطعام في الجواز على ما أسلفنا، وأما غيره مما يصلح للطعام وغير ذلك كالخيل فلا يجوز بغير خلاف يعلم، وأما الغنم والبقر ففيه خلاف. انظر مغ جـ 10 (ص 507). (¬4) أما ما دعت حاجة القتال إلى قطعه وتحريقه فيجوز بلا خلاف يعلم، وأما ما قطعه فيه إضرار بالمسلمين فينبغي أن لا يجوز، وأما ما كان قطعه من قبيل إغاظة العدو والإضرار بهم. فعلى مذهبين: الأول: لا يجوز وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور والثاني يجوز وهو قول الجمهور، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر. انظر مغ جـ 10 (ص 510) شرح جـ 12 (ص 50). (¬5) أما النساء الصبيان فلا يجوز قتلهم بلا خلاف وأما الحالمون. فبم يعرفون؟ الذي عليه العامة من أهل العلم بثلاثة أمارات بالاحتلام، أو بلوغ خمس عشرة سنة، أو بإنبات الشعر حول الفرج، وقال الشافعي بالأخير فقط في حق الكفار وهذه الثلاثة في حق الذكر والأنثى، وتزيد الأنثى بعلامتين: الحيض، والحمل. انظر مغ جـ 10 (ص 539)، وانظر شرح جـ 13 (ص 12). قلت: وبعضهم يزيد في الأنثى بروز الثدي. (¬6) وهذا مما لا خلاف فيه ويدخل في ذلك الرهبان والشيوخ إذا قاتلوا بغير خلاف يعلم. انظر مغ جـ 10 (ص 543).

فصل في الهجرة وأحكامها

فصل في الهجرة وأحكامها (¬1) باب في أن الهجرة باقية إلى يوم القيامة مسألة (1525) عامة أهل العلم على أن الهجرة باقية لا تنقطع وهي الهجرة من دار الكفر إلى دار الإِسلام، وإنما الذي انقطع منها أنواع، وقال قوم: قد انقطعت الهجرة بكل أنواعها. مغ جـ 10 (ص 513). باب في الغال يعجز عن رد الغلول إلى أصحابه مسألة (1526) جمهور أهل العلم على أنه إذا وقع بيد الغال شيء من الغلول ولم يستطع رده إلي مستحقيه رد خمسه إلى الإِمام وتصدق بالباقي. وبه قال ابن مسعود وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم. وهو قول الحسن والزهري والأوزاعي ومالك والثوري والليث وأحمد وجمهور العلماء. وقال الشافعي وطائفة: يرده كله إلى الإِمام كسائر الأشياء الضائعة. شرح ج 12 ص 217. باب في دخول الكافرين حرم مكة والمدينة (¬2) مسألة (1527) جماهير العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد أنه لا يجوز تمكين كافرٍ من دخول مكة وحرمها بحالٍ من الأحوال. قال النووي: وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم. شرح ج 11 ص 94. ¬

_ (¬1) أرجع إلى كتابنا شرح حديث "إنما الأعمال بالنيات" ففيه مباحث مهمة في الهجرة. (¬2) وفي دخوله حرم المدينة للتجارة ونحوها من المصالح للمشركين والكافرين، وفي معنى وحدود جزيرة العرب التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج المشركين منها كلام طويل واختلاف بيناه في كتابنا عن أزمة الخليج وأحكام الفقه فيها. فائدة: جمهور العلماء على أن مكة فتحت عَنْوَةً يعني بقتالٍ، وانفرد الشافعي فيما حكاه المازري ونقله عنه النووي فقال: فتحت صلحًا. انظر شرح ج 12 ص 130. قلت: وبقول الجمهور قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء وأهل السير. حكاه النووي. (نفس المصدر).

باب في تعزير الغال من الغنيمة

باب في تعزير الغال من الغنيمة مسألة (1528) جمهور العلماء وأئمة الأمصار على أن الغال يُعَزَّرُ ولا يحرق رَحْلُهُ، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والليث وما لا يحصى من الصحابة والتابعين. وقال مكحول والحسن والأوزاعي: يحرق رحله (متاعه) وهو مذهب أحمد. قال الأوزاعي: إلا سلاحه وثيابه. وقال الحسن: إلا دابته ومصحفه (¬1). شرح جـ 12 ص 218. * * * ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 1 ص 532.

فصل في الهدنة وأحكامها وعقود الأمان وأحكامها

فصل في الهدنة وأحكامها (¬1) وعقود الأمان وأحكامها باب في من دخل دار الحرب بغير أمان وبغير إذن الإِمام فغنم شيئًا مسألة (1529) جمهور أهل العلم على أن من دخل دار الحرب بغير عقد أمان متسللًا وبغير إذن الإِمام، فإن ما غنمه هو حكم الغنائم سواءً بسواء يخمسه الإِمام ويقسم باقيه عليهم، وبه يقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايات، وقال أبو حنيفة: هو لهم خالصًا لا تخميس فيه، وبه قال أحمد في رواية، وقال أحمد في رواية: لا حق لهم فيه وإنما هو لبيت مال المسلمين. مغ جـ 10 (ص 530). * * * ¬

_ (¬1) لا خلاف يعلم بين العلماء، بل هو إجماع على أن الهدنة جائزة بين المسلمين وبين أهل الحرب من الكفار والمشركين إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك إما لضعف بالمسلمين، وإما لطمع في دخول الكافرين في الإِسلام، وأما لغير مصلحة فلا تجوز في قولهم جميعًا، وأما توقيت الهدنة بمدة غير معينة، فلا يجوز في قول العلماء جميعًا مع اختلافهم في أكثر ما تجوز فيه المهادنة، فالشافعي ومن وافقه على أنها لا تجوز أكثر من عشر سنين، وأبو حنيفة ومن معه لا يحدد فيها شيء، وإنما بحسب ما يراه الإِمام من المصالح والحاجات، وتجوز المهادنة وتسمى موادعة ومعاهدة على عوض، وعلى غير عوض أما على عوض يبذلونه لنا فجائز باتفاق، وأما على عوض نبذله لهم، فعلى مذهبين أحدهما المنع ولا شك في الجواز إذا كان بالمسلمين ضرورة لهذا. انظر في هذه المسائل. مغ جـ 10 (ص 517) وما بعد. قلت: ولا يخفى أن ما وقعه أو أقره أو رضي به أو دعا إليه معظم حكام المسلمين والعرب مع دولة اليهود الغاصبة لا يدخل تحت مسمى شرعي فقهي واحدٍ، وإنما هو خروج عن الشريعة وإجماع المسلمين ضعفًا وهوانًا، بل هو خيانة ظاهرة لمصالح الأمة ومقدساتها وإسلامٌ لديار المسلمين ودمائهم وأعراضهم لأعداء الله تعالى، فحسبنا الله ونعم الوكيل، وأما فقهاء السوء وعلماء السلاطين فعلامة من علامات غضب الله تعالى على هذه الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فصل في الغلول من الغنيمة

فصل في الغلول من الغنيمة (¬1) باب في الجاسوس المسلم هل يُقْتلُ؟ مسألة (1530) جماهير العلماء على أن الجاسوس المسلم لا يقْتَلُ، ولكن يُعَزرُة الإِمام بما يراه مناسبًا من ضربٍ وحبسٍ وغير ذلك، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية. وقال مالك: يجتهد فيه الإِمام، وقال كبار أصحابه: يقتل حكاه عنهم القاضي عياض، ونقله عنه النووي (¬2). شرح جـ 12 (ص 67). باب في الجاسوس الذمي (¬3) هل ينتقض عهده بذلك؟ مسألة (1531) جماهير العلماء على أن الذمي والمعاهد إذا تجسس على المسلمين لصالح أهل الحرب؛ فإن عهده لا ينتقض بهذا إلا أن يكون منصوصًا على هذا الشرط بعقد الذمة، وهو مذهب الشافعي، وقال مالك والأوزاعي: يكون ناقضًا للعهد بهذا وللإمام الخيار في استرقاته أو قتله. شرح جـ 12 (ص 67). باب في إقامة الحد على المسلم في أرض العدو (¬4) ¬

_ (¬1) وأجمعوا على تحريم الغلول وهو الآخذ من الغنيمة قبل القسمة بدون علم أو إذن الإِمام (قائد الجيش) وأجمعوا على أن الغالَّ إذا تاب قبل القسمة؛ فإنه يرد ما أخذه إلى المغنم ويقسم ما غلَّه مع المغنم ولا شيء عليه. انظر مغ جـ 10 (ص 532) شرح جـ 12 (ص 37، 217). (¬2) قلت: هذا الخلاف فيما لو نقل الجاسوس المسلم إلى الكفار أخبار المسلمين أو كشف شيئًا من أسرارهم مما لا يتسبب في تلف مال أو قتل نفسٍ أو تضييع ثغرٍ أو احتلال أرضٍ، فأما إن أدى عمل الجاسوس المسلم إلى هذا ونحوه، فالنظر في ذلك إلى الإِمام وأهل الفقه من أهل الاستشارة للسلطان فما كان يوجب القتل قتلوه به ولا كرامة وهذا وأمثاله مما يتسبب بنحو ما ذكرته أعظم إفسادًا من المحاربين والله تعالى أعلم. (¬3) أما الجاسوس الحربي (الكافر) فيقتل أي يجوز قتله بالإجماع حكاه النووي. انظر جـ 12 (ص 67). (¬4) لا إجماع في هذه المسألة ولا قول للجمهور ذهبت طائفة إلى أنه لا تقام الحدود على المسلمين في أرض العدو وينتظر بهم الإمام حتى يرجعوا إلى دار الإسلام، وبه قال الأوزاعي وإسحاق، وهو مذهب أحمد، وقال آخرون: بل تقام في كل مكان، وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. انظر مغ جـ 10 (ص 537).

باب في العدو يحاصر فينزل على حكم حاكم من المسلمين

باب في العدو يحاصر فينزل على حكم حاكم من المسلمين (¬1) باب في هرب المسلم من الكافرين إذا كانوا ثلاثة مسألة (1532) مذهب العامة من أهل العلم على أن المسلم لا يجوز له أن يفر من الكافرين ما داموا لا يزيدون في العدد عن مثليه إلا أن ينحاز إلى فئة من المسلمين أو التحرف لقتالهم، وحُكي عن الحسن والضحاك أن هذا كان يوم بدر خاصة ولا يجب شيء من ذلك في غيرها (¬2). مغ جـ 10 (ص 551) شرح جـ 13 (ص 4). * * * ¬

_ (¬1) لا خلاف يعلم في أنهم إذا نزلوا على حكم حاكم مسلم أنهم يحابون إلى ذلك. مغ جـ 10 (ص 545) وأما صفة الحكم فاتفق الفقهاء على أنه ما يراه الحاكم المسلم فيهم من قتل وسبي وفداء واختلفوا في المن وهو قول الشافعي. مغ جـ 10 (ص 546). (¬2) وحكى النووي عن أبي حنيفة وطائفة أن آية التخفيف من وجوب الثبات أمام العشرة من الكفار إلى وجوب الثبات أمام الاثنين فقط هي خاصة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن الحكم الأول ليس منسوخًا. انظر شرح جـ 13 (ص 4).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقة الإسلامي كتاب الجزية

كتاب الجزية

كتاب الجزية (¬1) باب في المجوس هل تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم؟ مسألة (1533) جمهور العلماء على أن المجوس حكمهم حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية وحسب، وأما ذبائحهم ونساؤهم فهي على التحريم. ونقل عن أبي ثور جواز أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم. مغ ج 10 ص 569. باب في الجزية هل هي مقدرة؟ (¬2) باب في الجزية على العبد من أهل الذمة مسألة (1534) جمهور العلماء بل عامتهم على أن العبد من أهل الذمة لا جزية عليه وسواء كان سيده مسلمًا (¬3) أو كافرًا. ¬

_ (¬1) أجمع المسلمون على مشروعية أخذ الجزية ممن سكن بأرض المسلمين أو نزل على حكمهم. انظر مغ ج 10 ص 567، وأنها تؤخذ من أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس بالإجماع. انظر مغ ج 10 ص 570. وهذا إذا كانوا عجمًا، فإذا كانوا عربًا ففي المسألة خلاف. فسوى بينهم وبين غيرهم مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأبى ذلك أبو يوسف. انظر مغ ج 10 ص 571. وبالجملة يعرض على أهل الكتاب والمجوس أحد أمور ثلاثة: إما الإسلام، وإما الجزية، وإما القتال. وأما غيرهم من عبدة الأوثان وغيرهم ففط المسألة خلاف، فقالت طائفة يستوى في هذه الخصال كل الكفار سوى عبدة الأوثان من العرب. روي هذا عن أحمد. وعنه لا يصلح لغير اليهود والنصارى والمجوس إلا الإسلام أو القتل، ومثله قال الشافعي ألا أن في مذهبه وجهين لأهل صحف إبراهيم والزبور أحدهما هم سواء ومن ذكرنا. وقال أبو حنيفة: تقبل من جميع الكفار إلا العرب. انظر مغ ج 10 ص 573. قلت: ولا خلاف بين العلماء أن الجزية لا تؤخذ من صبي ولا مجنون ولا امرأة حكاه ابن المنذر، وأما الفقير فقال الشافعي في أحد أقواله: تجب عليه، وقال غيره: لا تؤخذ منه. (¬2) ليس في هذه المسألة إجماع ولا قول للجمهور وقد اختلف فيها الفقهاء أختلافًا شديًا فقال بالتقدير أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية. وقال بعدمه الثوري وأبو عبيد وأحمد في رواية وعن أحمد أن أقلها مقدر بدينار وأكثرها غير مقدر، والمقدرون اختلفوا فيه فقال الشافعي الواجب دينار الموسر وغيره سواء، وقال مالك أربعون درهما في حق الموسر واثنا عشر في حق غيره. وعن أبي حنيفة وأحمد الموسر ثمانية وأربعون درهمًا والمتوسط أربعة وعشرون والفقير اثنا عشر. انظر مغ ج 10 (ص 575) شرح ج 12 (ص 39). (¬3) أما إذا كان سيده مسلمًا فلا خلاف يعلم في سقوط الجزية عنه. مغ ج 10 ص 586.

باب في العبد الذي يعتق هل عليه جزية؟

وروي عن أحمد في العبد الذمي لسيده الكافر فيه الجزية. وروي عن عمر وعلي ما يدل عليه. مغ ج 10 ص 586. باب في العبد الذي يعتق هل عليه جزية؟ مسألة (1535) جمهور العلماء وجماعتهم على أن العبد الذمي إذا اعتق وجبت عليه الجزية فيما يستقبل روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز. وبه قال سفيان الثوري والليث وابن لهيعة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في الصحيح المشهور عنه. وروي عن الشعبي أنَّه يُقَرُّ بغير جزية. وروي هذا عن أحمد وقيل رجع عنه إلى قول الجماعة وعن مالك إن كان المعتق له مسلمًا فلا جزية عليه لأن ولاءه له. وعنه كقول الجماعة. مغ ج 10 ص 590. باب في ما يؤخذ من نصارى بني تغلب (¬1) مسألة (1536) جمهور أهل العلم بل عامتهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الجزية لا تؤخذ من نصارى بني تغلب. وإنما تؤخذ منهم الزكاة مُضَعَّفَةً من كل حي من الإبل شاتان، ومن كل ثلاثين بقرة تبيعان، ومن كل عشرين دينارًا دينارٌ، ومن كل مئتي درهم عشرة دراهم، وفيما سقت السماء الخمس، وفيما سقت النواضح والدواليب وغيرها من آلات السقي العشر. روي عن عمر في قوله وفعله، وقال به ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي. وروي عن عمر بن العزيز أنه أبى على نصارى بني تغلب إلا الجزية، وقال: لا والله إلا الجزية، وإلا فقد آذنتكم بحرب. ¬

_ (¬1) قال الموفق: بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية فدعاهم عمر إلى بذل الجزية، فأبوا وأنفوا، وقالوا: نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة، فقال عمر: لا آخذ من مشركٍ صدقة فلحق بعضهم بالروم، فقال النعمان بن زرعة: يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس وشدة وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوك بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة، فبعث عليهم عمر في طلبهم فردهم وضعف عليهم. مغ ج 10 ص 590.

وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي، لأقتلن مقاتلتهم، ولأسبين ذراريهم؛ فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نَصّرُوا أولادهم (¬1). مغ ج 10 ص 591. ... ¬

_ (¬1) قال الموفق: وذلك أن عمر - رضي الله عنه - صالحهم على أن لا يُنَصِّرُوا أولادهم. مغ ج 10 ص 591. قلت: واختلف الفقهاء في ذبائحهم ونسائهم. فقالت طائفة: بالمنع من ذلك روي ذلك عن عليٍّ - رضي الله عنه - وهو قول الشافعي وأحمد في رواية، وكره ذبائح بني تغلب عطاء وسعيد بن جبير ومحمد بن علي بن الحسين والنخعي وذهب الجمهور إلى حل ذلك أعني حل الذبائح والنساء. وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما. وهو آخر قول أحمد فيهم. في أنه لا بأس بذبائحهم وروي نحو هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وبه قال الحسن والنخعي والشعبي والزهري وعطاء الخراساني والحكم وحماد وإسحاق وأصحاب الرأي. انظر مغ ج 10 ص 596 مغ ج 11 ص 36 مج ج 9 ص 68 بداية ج 10 ص 592. قلت: هذه المسألة موجودة في أصل الكتاب في كتاب الذبائح لكني ذكرتها هنا في الهامش لتعلقها بالباب خشية أن يكون قد طال العهد بها على القارئ الكريم.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقة الإسلامي كتاب السبق والرمي

كتاب السبق والرمي

كتاب السبق والرمي (¬1) باب في المسابقة على عوض من الإمام (¬2) وغيره مسألة (1537) جمهور العلماء على جواز المسابقة فيما يجوز المسابقة فيه علي عوض من الإِمام ومن غيره. وبه يقول أبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد. وقال مالك لا يجوز بذل العوص من غير الإِمام (¬3). فتح ج 12 ص 25. باب في بذل العوض من أحد المتسابقين دون الآخر مسألة (1538) جمهور العلماء على جواز المسابقة على عوض من أحد المتسابقين دون الآخر، وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة وهو مذهب أحمد. وحكي عن مالك أنه لا يجوز؛ لأنه قمار (¬4). فتح ج12 ص 25. باب في المسابقة على عوض من المتسابقين ومعهما محلل مسألة (1539) جمهور العلماء على جواز المسابقة على عوض من المتسابقين إذا دخل يينهما ثالث من غير أن يبذل شيئًا. وبه يقول سعيد بن المسيب والزهري والأوزاعي وإسحاق والشافعي وأصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. ¬

_ (¬1) وهي جائزة (أعني المسابقة) بالإجماع وإنما اختلف في فروعها. انظر في ح 11 ص 127 وانظر الحاوي ح 15 ص 180 قلت: وخصها بعض العلماء بالخيل والإبل والقوس يعني الرمي بالسهام. وهو قول الزهري ومالك والشافعي وأحمد وخصها بعضهم بالخليل وأجازه أهل العراق في المسابقة على الأقدام والمصارعة. وأجازها عطاء في كل شيء وهذا الذي ذكرناه إنما هو في المسابقة مع عوض، وإما على غير عوض فتجوز في كل شيء بلا خلاف يعلم، انظر مغ ج 11 ص 128 فتح ح 12 ص 25، الحاوي ح 15 ص 185. (¬2) أما من الإِمام فجائزة بلا خلاف. مغ ح 11 ص 130 فتح ح 12 ص 25. (¬3) انظر مغ جـ 11 ص 130. الحاوي ح 15 ص 182 ص 189. (¬4) انظر مغ جـ 11 ص 130 الحاوي ح 15 ص 198.

باب في المسابقة بدون راكب

وحكى أشهب عن مالك أنه قال في المحلل: لا أحب. وعن جابر بن زيد أنه قيل له إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يرون بالدخيل بأسًا. قال: هم أعف من ذلك (¬1). فتح ج 12 ص 25. باب في المسابقة بدون راكب مسألة (1540) جمهور أهل العلم على أن المسابقة في الخيل وغيره من المركوب لا تجوز من غير راكب (سائق)، وقال بعضهم: لا يشترط ذلك. فتح ص 12 ص 25. * * * ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 11 ص 135 الحاوي الكبير ح 15 ص 191. قلت: واختلف الفقهاء في عقد المسابقة هل هو عقد جائزٌ أم عقد لازم؟ على قولين. بالأول قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وهو مذهب أحمد، وبالثاني قال الشافعي في قوله الآخر. مغ ج 11 ص 131.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقة الإسلامي كتاب الأيمان

كتاب الأيمان

كتاب الأَيْمَانِ (¬1) باب في الحلف بغير الله تعالى وصفاته (¬2) مسألة (1541) جمهور العلماء على تحريم الحَلْفِ بغير الله وصفاته. وقال بعضهم: يجوز أن يحلف بما حلف الله تعالى به (¬3)، وقال الشافعي: أخشى أن تكون معصية (¬4). مغ ج 11 ص:162. باب في اليمين الموجبة للكفارة مسألة (1542) جمهور العلماء على أن من حلف علي فِعْلِ شيء أو تَرْكِ شيء في مستقبل الزمان فلم يفعل أو لم يترك وقد فات زمان الفعل أو الترك، فإن عليه الكفارة بحنثه. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وذهبت طائفة إلى أن الحنث متى كان طاعةً لم يوجب كفارةً. وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير، وقال قوم: من حلف على فعل معصيةٍ فكفارتها تركها. وهذا يشبه الذي قبله، وقال سعيد بن جبير: اللغو أن يحلف الرجل فيما لا ينبغي له يعني فلا كفارة عليه في الحنث (¬5). مغ ج 11 ص 173. ¬

_ (¬1) جمع يمين وهي الحَلْفُ بالشيء، وسميت يمينًا؛ لأن أحدهم كان إذا أراد أن يحلف رفع يمينه وضرب بها على يمين صاحبه. الحاوي ج 15 (ص 252). (¬2) سُقْتُ هذه المسألة هنا مجملة من غير تفصيل، وسيأتي بعض تفصيلها إن شاء الله تعالى. (¬3) انظر بداية ح 1 ص 539. (¬4) انظر نص كلام الشافعي في الحاوي ح 15 ص 262. قلت، ولا خلاف يعلم في أن من حلف بالله أو باسم من أسمائه التي لا يسمى بها غيره فحنث أن في ذلك الكفارة. انظر مغ ح 11 ص 183. (¬5) انظر الحاوي ح 15 ص 266.

باب في حنث المكره

باب في حِنْثِ المُكْرَهِ مسألة (1543) أكثر أهل العلم على أن من حلف على فعل شيء فحمل على فعله بالإكراه الذي ينتفي فيه ومعه القصد والإختيار (¬1) البتة فإنه لا كفارة فيه، وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وقال مالك: يحنث. مغ ح 11 ص 176. باب في اليمين الغموس (¬2) مسألة (1544) جمهور العلماء على أن من حلف على شيءِ في الماضي وهو يعلم أنه كاذب فقد ارتكب إثمًا عظيمًا واقترف ذنبًا كبيرًا أوجب الاستغفار والتوبة إلا أنه لا كفارة فيه. وممن ذهب إلى هذا ابن مسعود - رضي الله عنه - وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك والأوزاعي والثوري والليث وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي من أهل الكوفة. قال ابن مسعود: كنا نعد من اليمن التي لا كفارة لها اليمين الغموس. وقال سعيد بن المسيب: هي من الكبائر وهي أعظم من أن تُكَفَّرُ. قلت: وبه قال أحمد في أشهر الروايتين عنه وهو المعتمد في المذهب. وقال الشافعي: فيه التوبة والكفارة. وروي هذا عن عطاء والزهري والحكم وعثمان البتي. وقال به أحمد في رواية. وحكاه الماوردي عن الأوزاعي كذلك (¬3). مغ ح 11 ص 177 القرطبي ح 6 ص 266 ص 267 بداية ح 1 ص 541. باب في لغو اليمين التي لا كفارة فيها مسألة (1545) أكثر أهل العلم على أن لغو اليمين التي لا كفارة فيها هي اليمين التي لا يعقد عليها الحالف قلبه فتمر على لسانه من غير قصد ولا عقد قلب، كقول الرجل ¬

_ (¬1) مثاله: أن يحلف على أن لا يدخل الدار الفلانية فحمل وأدخل بالقوة أو دفعه أحدهم حتى صار داخلها. ومالك يقول في هذه المسأله يحنث إلا أن يدخل مربوطًا، وأما إذا كان الإكراه بالتخويف والتهديد فخرج منها الحالف بفعله، فللشافعي قولان ولأحمد روايتان في الحنث وعدمه، وقال مالك وأبو حنيفة: يحنث. انظر مغ ح 11 ص 176. (¬2) سميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في النار أو في الإثم. (¬3) انظر الحاوي الكبير ح 15 ص 267.

باب في المرء يحلف على الشيء يعتقد صدقه فيبين خلافه

في بيته لا والله وبلى والله. روي هذا عن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهما. وبه يقول عطاء والقاسم وعكرمة والشافعي والشعبي. وقال آخرون: يمين اللغو هو على ما فسرته عائشة رضي الله تعالى عنها من أنه اليمين في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا يعقد عليه القلب. روي هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك الأشجعي وزرارة بن أوفى رضي الله تعالى عنهم. وبه قال الحسن والنخعي ومالك، حَكَى ذلك عن هؤلاء الموفق رحمه الله تعالى في المغني. وحكى ابن رشد عن مالك وأبي حنيفة أن لغو اليمن عندهما أن يحلف على الشيء يظنه حقًّا فيخرج على خلاف ما استيقن. وحكاه كذلك عن الحسن بن أبي الحسن وقتادة ومجاهد والنخعي. قال ابن رشد: وفيه قول ثالث وهو أن يحلف الرجل وهو غضبان (¬1) وبه قال إسماعيل القاضي من أصحاب مالك. وفيه قول رابع: وهو الحلف على المعصية، وروي عن ابن عباس. وفيه قول خامس: وهو أن يحلف الرجل على أن لا يأكل شيئًا مباحًا في الشرع. هذا كلام ابن رشد بحروفه (¬2). مغ ج 11 ص 181. باب في المرء يحلف على الشيء يعتقد صدقه فيبين خلافه مسألة (1546) جمهور أهل العلم على أن من حلف على شيء يعتقد صدقه فتبين خلافه أنه لا كفارة فيه وهو من لغو اليمن. حكاه عن أكثر أهل العلم ابن المنذر ونقله عنه الموفق رحمه الله تعالى. وروي هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك وزرارة بن أبي أوفى رضي الله عنهم. والحسن والنخعي ومالك وأبي حنيفة والثوري. وممن قال هذا لغو اليمين: مجاهد وسليمان بن يسار والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه. قلت: وحكاه ابن رشد عن قتادة كذلك. ¬

_ (¬1) وهو مخالف لما قالت عائشة في تفسيرها للغو، قالت - رضي الله عنه - فيما رواه الزهري عن عروة: وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضبٍ أو غيره ليفعلن أو ليتركن، فذلك عقد الأيمان التي فرض الله تعالى فيها الكفارة. اهـ، وإنما سقت هذا؛ لأن الموفق -رحمه الله- حكى نفي الخلاف فيه. (¬2) انظر بداية ح 1 ص 540 وانظر الحاوي الكبير ح 15 ص 288.

وحكي عن النخعي في اليمين على الشيء يظنه حقًّا فيتبين خلافه أنه من لغو اليمين (¬1) وفيه الكفارة. وبه قال الشافعي في أحد قوليه، وروي عن أحمد أن فيه الكفارة وليس من لغو اليمين. مغ ج 11 ص 181. * * * ¬

_ (¬1) يعنى لا إثم فيه لكن فيه الضمان وهو الكفارة. قال المروزي: قول الشافعي في هذا ليس بالقوى يعني من جهة النقل. انظر قرطبي ح 6 (ص 266).

فصل فيما يكون به الحلف وما لا يكون

فصل فيما يكون به الحلف وما لا يكون باب فيمن قال لَعَمْرَك مسألة (1547) جمهور الفقهاء على أن من قال لعمري أو لعمرك فليست بيمين قصد الحلف أو لم يقصد (¬1). وقال الحسن: في قوله لعمري عليه الكفارة إذا حنث. مغ ج 11 ص 189. باب في الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله (¬2) مسألة (1548) جمهور العلماء على أن الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله تعالى يمين منعقدة فيها الحنث والكفارة قصد يمينًا أو لم يقصد. بهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه - والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليست يمينًا ولا تجب فيها كفارة بالحنث. مغ ج 11 (ص 193). باب في نذر اللجاج يخرج مخرج اليمين مسألة (1549) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من نذر نذرًا يمنع به نفسه من فعل شيء نهى الشرع عنه، بأن قال لله عليّ نذر كذا (¬3) إن كلمت فلانًا، أو إن زرت فلانًا. فإن هذا النذر يخرج مخرج اليمن المنعقدة (¬4) وهو بالخيار إن شاء برَّ بيمينه ولا شيء عليه، وإن شاء حنث وكفرَّ عن يمينه. وما ذكرناه قول عمر وابن عباس وابن عمر وعائشة وحفصة وزينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال عطاء ¬

_ (¬1) وأما لو قال لعَمْر اللهِ أو وعَمْر الله، فاختلف في ذلك الفقهاء، فقال بعضهم: هي يمين قصد الحلف أو لم يقصد، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى. وقال آخرون: إن قصد يمينا فهي يمين وإلا فلا، وبه يقول الشافعي والمعتمد في مذهب أحمد الأول. انظر مغ ح 11 ص 187 الحاوي ح 15 ص: 273. (¬2) أما لو حلف بحق القرآن فقال أحمد فيه قولًا شديدًا وهو أن عليه بكل آية كفارة إذا حنث، وهو مروي عن ابن مسعود من قوله. وبه قال الحسن. وروي عن أحمد أن عليه كفارة واحدة قال الموفق: وهو قياس المذهب ومذهب الشافعي وأبي عبيد. انظر مغ ح 11 ص 213. القرطبي ح 6 ص 270. (¬3) يعني حج البيت أو صدقة مالي أو صوم كذا وكذا. (¬4) ويسمى نذر اللجج والغضب.

باب في الحلف بالخروج من الإسلام أو بالتنصر أو التهود وشبه ذلك

وطاوس وعكرمة والقاسم والحسن وجابر بن زيد والنخعي وقتادة وعبد الله بن شريك والشافعي والعنبري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر، وهو مذهب أحمد في إحدى الروايتين، وقال سعيد بن المسيب: لا شيء في الحلف بالحج. وحكي عن الشعبي والحارث العكلي وحماد والحكم لا شيء في الحلف بصدقة ماله. وقال أحمد في رواية: لا يجزئه الوفاء بنذره وتتعين عليه الكفارة، وقال أبو حنيفة ومالك: يلزمه الوفاء بنذره (¬1). مغ ج11 (ص 195). باب في الحلف بالخروج من الإسلام أو بالتنصر أو التهود وشبه ذلك مسألة (1550) جمهور الفقهاء على أن من قال إن فعلت كذا فأنا خارج من الإسلام أو يهودي أو نصراني. لم تنعقد يمينه ولا تلزمه كفارة. وبه يقول الأوزاعي ومالك والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وحكاه النووي عن جماهير العلماء. وقالت طائفة: تنعقد يمينه وعليه الكفارة إذا حنث. وبه يقول عطاء وطاوس والحسن والشعبي والثوري والأوزاعي (¬2) وإسحاق وأصحاب الرأي منهم أبو حنيفة وصاحباه وروى هذا عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. الحاوي الكبير ح 15 (ص 263) نيل الأوطار ج 9 (ص 130) شرح ج 11 (ص 107). باب في من قال أقسم بالله هل تنعقد يمينه؟ مسألة (1551) جمهور العلماء بل عامتهم على أن من قال: أقسم بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله؛ فكل ذلك يمين تجب الكفارة بالحنث فيها قصد يمينًا أو لم يقصد. وقال الشافعي: فإن قال أقسم بالله؛ فإن أراد بها يمينًا فهي يمين، وإن أراد بها ¬

_ (¬1) قلت: وأغرب ابن رشد في البداية فزعم أن من ألزم نفسه بشيء من القرب على النحو الذي وصفناه أنها تلزمه. وجمله قولًا للجمهور. انظر بداية ج 1 (ص: 542). وانظر شرح ح 11 (ص 104). (¬2) هذا ما حكاه الموفق في المغني. وحكى عكسه الماوردي في الحاوي، فالله تعالى أعلم. انظر مغ ح 11 ص 199.

باب في الحلف برسول الله - صلى الله عليه وسلم -

موعدًا فليست بيمين، كقوله: سأحلف (¬1). مغ ج 11 (ص: 203). باب في الحلف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسأله (1552) جمهور الفقهاء على أن الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر المخلوقات كالأنبياء والكعبة لا ينعقد يمينًا ولا يجب بالحنث فيها كفارة، وقال أحمد فيما روى عنه: إن الحلف برسول الله أو بحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمين تنعقد ويجب بالحنث فيها كفارة. واتفق عليه أصحابه في المذهب (¬2). مغ ج11 (ص: 209). باب في حلف أيمانًا متعددة علي أجناس مختلفة (¬3) مسألة (1553) أكثر أهل العلم على أن من حلف أيمانًا متعددة على أجناس مختلفة كأن يقول والله لا آكل كذا، والله لا أشرب كذا، والله لا ألبس كذا، فإذا حنث في جميعها قبل أن يُكَفِّرَ عن واحدة منها فعليه في كل يمين كفارة. وبه قال أحمد في رواية المروزي عنه. وقال إسحاق: عليه كفارة واحدة. وبه قال أحمد في رواية ابن منصور عنه وجعلها القاضي وأبو بكر عبد العزيز هي المذهب. مغ ج 11 ص 212. باب في تقدم كفارة اليمين علي الحنث به (¬4) مسألة (1554) جمهور العلماء على جواز تقديم كفارة اليمين قبل الحنث به. ¬

_ (¬1) هذا نص كلام الشافعي -رحمه الله- بحروفه من مختصر المزني. انظر الحاوي ح 15 (ص 273) قلت: وقد نفى الخلاف في هذه المسألة الموفق في المغني وادعي فيها الإجماع القرطبي في تفسيره. انظر قرطبي ج 6 ص 272. (¬2) انظر نقل القرطبي في هذه المسألة عن أحمدح 6 (ص 270). (¬3) أما لو حلف يمينًا واحدة على أشياء مختلفة وحنث ففيه كفارة واحدة بلا خلاف يعلم. وأما إذا حلف أيمانا متعددة على أشياء مختلفة ثم حنث في واحد منها، وكفر عنها ثم حنث في الثانية فعليه كفارة أخرى وهكذا بدون خلاف يعلم. انظر مغ ح 11 (ص 211). (¬4) أما تقديم الكفارة قبل اليمين فلا يجوز عند أحد من العلماء. قاله الموفق -رحمه الله- تعالى. مغ ج 11 ص 224، وحكى هذا الإجماع النووي كذلك. وحكى الإجماع أيضًا على أن الكفارة لا تجب قبل الحنث، وأنه يجوز تأخيرها عن الحنث. انظر شرح ح 11 ص 109.

باب في الاستثناء في اليمين هل في ذلك توقيت؟

روي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وسلمان الفارسي وسلمة بن مخلد رضي الله تعالى عنهم. وبه قال الحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والأوزاعي والثوري وابن المبارك وإسحاق وأبو عبيد وأبو خيثمة وسليمان بن داود. وهو قول الشافعي في هذا إذا كانت الكفارة عتاقًا أو إطعامًا أو كسوة. وقال الشافعي: لا يجوز تقديم التكفير قبل الحنث إذا كان صيامًا. وقال أبو حنيفة: وسائر أصحاب الرأي لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث باليمين على أي وجه كانت تلك الكفارة (¬1). وبه قال أشهب من أصحاب مالك. حكاه عنه النووي. مغ ج 11 ص 223 شرح ح 11 ص 109. باب في الاستثناء في اليمين (¬2) هل في ذلك توقيت؟ مسألة (1555) جمهور أهل العلم على أن الاستثناء في اليمين محِلُّه إذا كان متصلاً به الكلام. فإذا انقطع الكلام بغير عذر ثم استثنى لم يحله. وبه يقول مالك والشافعي والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي وإسحاق، وقال الأوزاعي: لا يشترط الاتصال، فلو استثنى بعد ساعة صح بشرط أن لا يكون بين اليمين وبين الاستثناء كلام. قال الأوزاعي في رجل حلف لا أفعل كذا وكذا ثم سكت ساعة لا يتكلم ولا يحدث نفسه بالاستثناء، فقال له إنسان قل إن شاء الله فقال: إن شاء الله أيكفر بيمينه؛ قال: أراه قد استثنى. وحكي عن الحسن وعطاء يصح الاستثناء ما دام في المجلس، وعن عطاء قدر حلب الناقة العزوزة (¬3). وقال طاوس مثل قول الحسن وعطاء. ونحوه عن قتادة، وقال سعيد ابن جبير: إن استثنى بعد أربعة أشهر جاز، وقال ابن عباس: يدرك الاستثناء في اليمين ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ح 15 ص 290. (¬2) الإجماع منعقد على أن الاستثناء يعمل في إحلال الرجل من يمينه، ولا خلاف يعلم كذلك في أن الاستثناء يجب أن يكون بالنطق لا بالقلب فقط. انظر مغ ج 11 (ص 226) (ص 228) القرطبي ح 6 (ص 273) وحكى النووي عن بعض المالكية أن قياس قول مالك صحة الاستثناء بالنية دون اللفظ شرح ح 11 ص 120. قلت: واختلف الفقهاء في الاستثناء في الطلاق والعتاق هل له أثر في ذلك أم لا؟ قال بالأول: طاوس وحماد والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال بالثاني: الحسن وقتادة والأوزاعي ومالك وأحمد. انظر مغ ج 11 (ص: 231) بداية ج 1 (ص 547). (¬3) الغزيزة اللبن.

باب في الطلاق والعتاق قبل النكاح وقبل التملك

بعد سنة. وتابعه على ذلك أبو العالية والحسن، وقال مجاهد: من قال بعد سنتين إن شاء الله أجزأه (¬1). شرح ح 11 ص 119. باب في الطلاق والعتاق قبل النكاح وقبل التملك (¬2) مسألة (1556) جمهور أهل العلم على أنه لا يقع طلاق ولا عتاق قبل نكاح وقبل تملك. روي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعروة وجابر بن زيد وسوار وشريح القاضي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وروي هذا القول الإمام الترمذي في جامعه عن عليّ وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وسعيد بن جبير وعليَّ بن الحسين وشريح وغير واحدٍ من فقهاء التابعين قال: وهو قول أكثر أهل العلم. قلت: وبه قال أحمد في إحدى الروايات. وروي عنه أنه يصح في العتق ولا يصح في الطلاق. وجزم به أبو بكر من الحنابلة. وقال الثوري وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي: يقع الطلاق والعتاق. وروي هذا عن أحمد كذلك. وقال مالك: إن خص جنسًا من الأجناس أو عبدًا بعينه عتق إذا ملكه، وإن قال كل عبدٍ أملكه فهو حر لم يصح. مغ ج 11 (ص: 232) فتح ج 20 ص 51 نيل ح 7 ص 28. ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ح 15 ص 282. وانظر مغ ح 11 ص 227. القرطبي ح 6 ص 272. (¬2) هذه المسألة ذكرتها في كتاب الطلاق وأنا أذكرها هنا؛ لأن الموفق -رحمه الله- تعالى ذكرها هنا وقد ذكرت هناك أني سأذكرها هنا لبيان تفصيل قول أحمد -رحمه الله- تعالى فيها. وأظن وجه المناسبة في ذكر هذه المسألة هنا هو ذكر مسألة الاستثناء في الطلاق والعتاق قبلها، وكأنه جعل تعليق الطلاق والعتاق على شرط جاريًّا مجرى اليمين، والله تعالى أعلم.

باب في اليمين هل يكون على نية المستحلف أم على نية الحالف؟

باب في اليمين هل يكون على نية المستحلف أم على نية الحالف؟ (¬1) * * * ¬

_ (¬1) حكى النووي وغيره الإجماع على أن القاضي إذا استحلف يعني طلب الحلف باليمين، فإن الاعتبار بنية القاضي واستحلافه، ولانظر لنية الحالف وأنه ليس للحالف أن يُوَرِّى في يمينه، إلا إذا استحلفه القاضي بالطلاق أو العتاق فإنه يجوز له التورية؛ لأنه ليس هذا من حق القاضي ولا غيره. وهذا إذا ما استحلفه القاضي، وأما إذا حلف عند القاضي من غير استحلاف أو حلف عند غيره أو استحلفه غير القاضي، فإن العبرة بنيته، وله أن يوري إلا أن يكون بتوريته يتسبب بايذاء أحدٍ، أو تفويت حقٍّ أو غير ذلك فلا يجوز حينئذٍ. انظر كلام النووي في هذه المسألة، فقد قال كلامًا لطيفًا مختصراً -رحمه الله- ونقل عن القاضي عياض تفصيلاً في مذهب مالك، انظر شرح ح 11 (ص 117).

مَوْسُوْعَة مَسَائِل الجُمْهُوْرِ في الفِقْهُ الإسْلاَمِيِّ كتاب الكفارات

كتاب الكفارات

كتاب الكفارات (¬1) باب في الإطعام في الكفارة هل يجزئ الرضيع المسكين؟ (¬2) مسألة (1557) أكثر الفقهاء على أن الطفل الرضيع الذي لم يطعم إلا اللبن يجزئ في كفارة اليمين إذا كان مسكينًا ويقبضها عنه وليه وينفقها عليه. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين. وهي اختيار أبي الخطاب الحنبلي. وذهب مالك في ظاهر قوله وأحمد في رواية، لا يجزئ إلا أن يكون ممن يطعم غير اللبن، وهو اختيار القاضي أبو يعلى والموفق رحمهما الله تعالى. مغ ج 11 ص 252. باب في إعتاق الجنين (¬3) من كفارة اليمين مسألة (1558) جمهور أهل العلم على أن إعتاق الجنين في كفارة اليمين لا يجزئ. وهو قول أبي حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد، وقال أبو ثور: يجزئ. مغ ج 11 ص 265. ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على أن الحانث بيمينه يكفر عنها بأحد ثلاثة أمور الإطعام أو الكسوة أو العتق، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام. مغ ج 11 ص 250. (¬2) أما أن يكون الذي يطعم في الكفارة مسكينًا فهذا لا خلاف فيه لظاهر القرآن الكريم ثم اختلف الفقهاء في سائر الصفات، كالحرية والإسلام، وأما عدد المساكين فلا خلاف أن من أطعم عشرة مساكين فقد أجزأه سواء أطعمهم دفعة واحدة في يوم واحد أو أطعم كل يوم مسكينًا. إلا أنهم اختلفوا فيما لو دفع كفارته إلى مسكين واحد أو أكثر بما يفي بعدد المساكين بالجملة. انظر مغ ج 11 (ص: 251، 252، 257)، وأجمعوا على جواز إعطائها لقريبه المسكين ممن لا تجب عليه نفقته، واختلفوا في إخراج القيمة. مغ ج 11 (ص: 256). (¬3) واختلفوا في العبد والأمة يكون لهما دون سبع سنين، قال مالك والشعبي وإسحاق: لا يجزئ، وهو ظاهر كلام أحمد. وقال الشافعي: يجزئ، وروي هذا عن الحسن وعطاء والزهري. وبه قال ابن المنذر. انظر مغ ج 11 (ص 263).

باب في إجزاء ولد الزنا في العتق في كفارة اليمين

باب في إجزاء ولد الزنا (¬1) في العتق في كفارة اليمين مسألة (1559) جمهور العلماء على أن ولد الزنا يجزئ في العتق في كفارة اليمين. روي هذا عن فضالة بن عبيد وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما. وبه يقول سعيد ابن المسيب والحسن البصري وطاوس والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر. وهو مذهب أحمد، وقال عطاء والشعبي والنخعي والأوزاعي وحماد فيما روي عنهم: لا يجزئ. مغ ج 11 (ص 272). باب في اشتراط في التتابع في صيام الكفارة عن اليمين مسألة (1560) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على وجوب التتابع في صيام الأيام الثلاثة في كفارة اليمن. وهو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي ثور وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأحمد في رواية. قال الموفق: وروى نحو ذلك عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه. وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة. قلت: وهو قول الشافعي في أحد قوليه، وقال مالك والشافعي في قوله الآخر: لا بأس بتفريقها والأفضل تتابعها. وبه قال أحمد في رواية حكاها ابن أبي موسى. قلت: وهو قول المزني من أصحاب الشافعي (¬2). مغ ج 11 (ص 273). ¬

_ (¬1) اتفق العلماء على جواز أن يعتق الخَصِيُّ من العبيد، واختلفوا فيما سوى ذلك. ومما اختلفوا فيه الذمي والمدبر والمكاتب وأم الولد، وليس في ذلك قول للجمهور. فأما الذمي فقال بصحة عتقه في الكفارة عطاء وأبو ثور وأصحاب الرأي ومعهم أبو حنيفة -رحمه الله- وأحمد في رواية. وقال بالمنع: مالك والشافعي وأبو عبيد وأحمد في رواية. انظر مغ ح 11 (ص 262)، وأما أم الولد فقال بالإجزاء فيها الحسن وطاوس والنخعي وعثمان البتي وأحمد في رواية. وقال بالمنع الأوزاعي ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وأحمد في رواية ظاهر المذهب. انظر مغ ج 11 (ص 270). وأما المكاتب ففيه ثلاثة مذاهب. الأول: عدم الإجزاء مطلقًا. وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد وأحمد في رواية. الثاني: يجزئ مطلقًا وإليه ذهب أبو ثور وأحمد في رواية وهو اختيار أبي بكر الحنبلي. الثالث: إن أدي شيئاً من كتابته لم يجزأ وإلا أجزأ، وبه يقول الليث والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد في رواية. انظر مغ ح 11 (ص 271). وأما المدبر فقال بصحة عتقه في الكفارة: طاوس والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وقال بالمنع: الأوزاعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي. انظر مغ ح 11 (ص 271). (¬2) انظر قولي الشافعي في هذه المسألة في الحاوي الكبير ج 15 (ص 329).

باب في أعتق نصفي عبدين أو أمتين هل يجزئه في كفارة اليمين؟

باب في أعتق نصفي عبدين أو أمتين هل يجزئه في كفارة اليمين؟ (¬1) مسألة (1561) أكثر الفقهاء على أن من أعتق في كفارة اليمين نصفي عبدين أو نصفي أمتين أجزأه. واختار أبو بكر من الحنابلة عدم الإجزاء. ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه في المسألة أحدها بالإجزاء والثاني بالمنع، والثالث يجزئ إذا كان نصف العبد الآخر كان حرًّا في الأصل، فإذا أعتق نصفه إلآخر فقد أتى بالمقصود وهو التحرير. مغ ج 11 (ص 280). باب في المكفر عن يميته ينتقل من الأيسر إلي الأشد اختيارًا مسأله (1562) أكثر أهل العلم على جواز أن ينتقل المكفر عن يمينه من الأدنى إلى الأعلى؛ يعني من الأخف والأيسر إلى الأشد اختيارًا فله ذلك. وإن كان عاجزًا شرعًا، وأختار أبو الخطاب الحنبلي عدم الجواز وجعله ظاهر كلام أحمد من حيث المقتضى. مغ ج 11 ص 212. * * * ¬

_ (¬1) وأما لو أعتق نصف عبد وأطعم خمسة مساكين، فإن ذلك لا يجزئه بلا خلاف يعلم. انظر مغ ج 11 (ص 281).

فصل في اختلاف أهل العلم فيما يحنث به من الأيمان

فصل في اختلاف أهل العلم فيما يحنث به من الأَيْمَانِ (¬1) باب في من حلف أن لا يدحل بيتًا فدخل مسجدًا مسألة (1563) جمهور أهل العلم على أن من حلف أن لا يدخل بيتًا فدخل مسجدًا أو حمامًا، فإنه لا يحنث بذلك، وقال أحمد يحنث. مغ ج 11 (ص 322). باب في من حلف لا يأكل بيضًا فأكل بيض سمكِ وشبهه مسألة (1564) أكثر العلماء على أن من حلف لا يأكل بيضًا؛ فإنه لا يحنث بأكل بيض لا ينفصل عن بائضه؛ كالسمك والجراد وشبههه. وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وهو اختيار أبي الخطاب والموفق من الحنابلة، وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي: يحنث إذا أكل بيض سمك أو جراد. مغ ج 11 (ص:323). * * * ¬

_ (¬1) هذا الفصل يعقده الفقهاء تحت "جامع الأَيمانِ" ويذكرون فيه أنواع الأيمان التي ينطوي تحت كل نوع منها مسائل كثيرة، كالإيمان المتعلقة بدخول الدور والبيوت وغيرها من المساكن العامة والخاصة، والأيمان المتعلقة بالطعام والشراب والقيام والجلوس والكلام والضرب والزواج والطلاق وغير ذلك مما جُلُّهُ يتحمل أكثر من وجه لدقة مدركه وتباين علته ولذلك كثر فيه الخلاف وندر فيه الاتفاق، وقَلَّ فيه قول الجمهور وأكثر أهل العلم. ومع أن أهل العلم متفقون على أن اليمين في غير الشهادة على نية الحالف ولكن بشرط أن يحتمل الكلام تلك النية. وكذلك فإن اللغة ودلالاتها والعرف وأحواله كل ذلك له مدخل كبير في اختلاف آراء الفقهاء في هذا الأمر، والله المستعان.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب القضاء

كتاب القضاء أو الأقضية والأحكام

كتاب القضاء (¬1) أو الأقضية (¬2) والأحكام باب في أخذ الرزق (¬3) علي القضاء من السلطان مسأله (1565) أكثر أهل العلم على جواز أخذ الأرزاق على القضاء وممن رخص فيه شريح القاضي ومحمد بن سيرين والشافعي. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه من فعله. وهو المعتمد في مذهب أحمد واختيار الموفق -رحمه الله- تعالى، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه والحسن كراهة الأجر على القضاء (يعني الرزق). وروي عن مسروق وعبد الرحمن بن القاسم الامتناع عن أخذ الأجر عليه، قالا: لا نأخذ أجرًا على أن نعدل بين اثنين. وفصَّل أصحاب الشافعي فجوزوا لمن لم يتعين عليه أخذ الأجر. ومنعوا من تعين عليه، وروي عن أحمد أنه كان لا يعجبه أخذ الأجر على القضاء، واختار أبو الخطاب الجواز مع الحاجة وعدمها مع غيرها في وجه. وروي عن أحمد أنه يأخذ بقدر شغله لا يزيد كوالي اليتيم. مغ ج 11 (ص 376). باب في القضاء في المساجد هل يكره؟ مسألة (1566) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم لا يكرهون القضاء في المساجد ولا يرون فيه بأسًا. روى القضاء في المسجد من فعله عن شريح والحسن والشعبي ومحارب بن ¬

_ (¬1) أجمع المسلمون على وجوب قيام من ينتدب للناس للحكم والقضاء في ما شجر بينهم. وأجمعوا على أن هذا على الكفاية، فإذا قام البعض به سقط التكليف والإثم عن باقي الأمة من المتأهلين. إلا أن لا يوجد غيره فيتعين عليه. وروي عن أحمد أنه لا يتعين عليه ولا يأثم بتركه. انظر مغ ج 11 ص 373 ص376. (¬2) بعض المصنفين يجعل كتاب القضاء والشهادات والأقضية كتابًا واحدًا، وبعضه يفصل بينهما وهو صنيع الموفق -رحمه الله- تعالى. (¬3) أما أخذ الأجرة: فحكى الموفق عدم الخلاف المعلوم لديه في عدم جوازه، والفرق بين أخذ الرزق وبين الأجرة: أن أخذ الرزق يكون من باب العطاء يعطيه السلطان أو من يقوم مقامه للقضاء من غير عقد ولا اشتراط. بينما أخذ الأجرة إنما يكون بعقد إجارة وهو عقد لازم يتشارط فيه العاقدان، ويلزم كل منهما الوفاء بمقتضيات العقد. انظر مغ ج 11 ص 377.

باب في حكم الحاكم (القاضي) هل يحل الحرام ويحرم الحلال؟

دثار ويحيى بن يعمر وابن أبي ليلى وابن خلدة قاضٍ لعمر بن عبد العزيز. وروي كذلك عن عمر وعثمان وعليّ رضي الله تعالى عنهم، أنهم كانوا يقضون في المسجد. قال مالك: القضاء في المسجد من أمر الناس القديم، وبعدم الكراهة قال مالك وإسحاق وابن المنذر. وهو مذهب أحمد. وقال الشافعي: يكره ذلك إلا أن يحدث هذا على غير موعد أو ترتيب بأن يتفق أن يكون في المسجد خصمان فيختصمان إليه. وروى أن عمر أرسل إلى عبد الرحمن بن القاسم أَن لا تقضي في المسجد؛ لأنه يأتيك الحائض والجنب. مغ ج 11 ص 388. باب في حكم الحاكم (القاضي) هل يحل الحرام ويحرم الحلال؟ مسألة (1567) جمهور العلماء على أن حكم الحاكم أو القاضي لا يغير من حقيقة الأمر شيئًا فما كان حلالاً يبقى حلالاً وما كان حرامًا يبقى حرامًا. فلو أن قاضيًّا حكم على فلانة بحلها لفلان، وهي لا تحل له في حقيقة الأمر (¬1) فإنه لا يجوز لفلان أن ينكحها. وممن قال هذا: مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة: تحل له ظاهرًا وباطنًا يعني في ظاهر الحكم وفي حقيقة الأمر، وهذا في الفروج لا في الأموال. مغ ح 11 (ص 407) بداية ج 2 (ص 557) شرح ج 12 (ص 6). باب في هدايا الحكام (¬2) والولاة والعمال مسألة (1568) جمهور العلماء على أنه لا يجوز للسلطان أو الحاكم المسلم ¬

_ (¬1) كأن تكون أخته من الرضاعة أو تكون تحت زوج آخر، ويكتم الرجل والمرأة والشهود هذا عند القاضي. فهذا في النكاح والفسخ وما يتعلق بهما، وأما في الأموال؛ فاتفق العلماء على أن حكم الحاكم لا يحل ما كان حرامًا كأن يشهد شاهد زور على فلان بأنه باع أرضه لفلان وقبض الثمن، فيقضي القاضي بتمليك المشتري المزعرم أرض البائع المدعي عليه زوزًا وبهتانًا، فهذا باتفاق الجميع لا يحل الحرام. انظر بداية ح 2 ص 557. (¬2) أما الحكام بمعنى القضاة، فإن كانت من أحد الخصمين أو ممن له حاجة عند القاضي فلا خلاف يعلم في عدم جواز قبولها وأنها ترد إلى صاحبها فإن لم يستطع أن يردها لصاحبها لموته وانقراض ورثته أو لاختفائه وتعذر الوصول إليه جعلها في مصارف الصدقة أو ردها إلى بيت المال، وأما هدايا العمال يعني موظفي الدولة، فترد هداياهم إلى بيت مال المسلمين قولاً واحدًا.

باب في تعديل الشهود عند الحاكم

(الخليفة- الرئيس- الملك) أن يقبل هديةً في نفسه. وإنما يجوز له قبولها وتكون في بيت مال المسلمين، وإن كان في الحرب فهي فيء إن لم تكن عن قتال. أو غنيمة لها حكم الغنائم إن كانت عن قتالٍ أو حصارٍ، وهذا مذهب الأوزاعي ومحمد بن الحسن وابن القاسم وابن حبيب المالكي. وهو مذهب الشافعي، وقال أبو يوسف وأشهب وسحنون المالكيان: هي للإمام خاصةً. شرح ج 12 (ص 114). باب في تعديل الشهود عند الحاكم (¬1) مسألة (1569) أكثر أهل العلم على أن من شهد على عدل الشهود؛ فإنه يجزئه أن يقول أشهدُ أنه عدلٌ. ولا يحتاج أن يقول أشهد أنه عدل عليَّ ولي (¬2). وبهذا قال شريح وأهل العراق وبعض أصحاب الشافعي. وهو مذهب أحمد. وقال أكثر الأصحاب من الشافعية لا بد أن يقول عليَّ ولي. مغ ج 11 (ص 421). باب في الشهادة على كتاب (¬3) القاضي أو الحاكم إلى غيره من القضاة أو الحكام مسألة (1570) جمهور أهل العلم وأئمة الفتوى على أن كتاب القاضي إلى غيره من الحكام أو القضاة لا يكفي في توثيقه معرفة من أُرْسِلَ إليه خط القاضي وختمه، بل لابد من شهادة شاهدين على أنه كتاب القاضي الفلاني، وأنه كتبه بمحضر منهما أو قرأه عليهما أوقرئ عليه بحضرتهما. وحكي عن الحسن وسوار العنبوي أنه يكفيه معرفة خطه وختمه. وبه قال أبو ثور ¬

_ (¬1) يعني إذا شهد عند الحاكم من لا يعرفه الحاكم بجرح أو تعديل ويسمى مستور الحال. (¬2) يعني أنه عَدْلٌ في شهادته سواء شهد عليَّ أو شهد لي. (¬3) حكى الموفق الإجماع على مشروعية ووجوب أن يكتب القاضي بقضائه في مسألة كذا وكذا، وإرسال هذا الكتاب إلى غيره من القضاة ممن لهم تعلق بالقضية المحكوم فيها. فائدة: نقل النووي عن أبي جعفر في كتابه صناعة الكتاب أن أكثر العلماء أنه يستحب لمن كتب كتاباً أن يبدأ بنفسه أولاً ثم باسم المرسل إليه فيقول من فلان إلى فلان اقتداءً بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل وسائر كتبه - صلى الله عليه وسلم -. وذكر النووي أنه إجماع الصحابة رضي الله عنهما. انظر شرح ج 12 (ص 108).

باب في القضاء علي الغائب من البلد والمتعذر حضوره

والإصطخري من الأصحاب في المذهب الشافعي. وجعله الموفق قولاً يحتمل التخريج في المذهب. مغ ج 11 (ص 469) بداية ج2 (ص 568). باب في القضاء علي الغائب من البلد والمتعذر حضوره مسأله (1571) جمهور أهل العلم على جواز القضاء على الغائب فيما يتعلق بحقوق الآدمين إذا كان غائبًا عن البلد أو كان مستترًا أو نحو ذلك ويتعذر حضوره مجلس القضاء وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة وسائر الكوفيين لا يقضى عليه بشيء. شرح ج 12 (ص 8). فائدة: حكى الإمام النووي نور الله ضريحه الإجماع على أن حديث "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وأذا اجتهد فأخطأ فله أجر" إنه مُنَزَّلٌ على الحاكم المتأهل للاجتهاد في الحكم والقضاء في المسألة. وأما غيره من غير المتأهلين فلا يؤجر أبدًا، بل هو عاصٍ في الحالين أصاب أم أخطأ. قلت: وهذا الحكم نفسه في المجتهدين في أحكام الشريعة ومسائل الفقه. ومنه يعلم حرمة الخوض في الاجتهاد وأحكام الفقه المختلف فيها لغير المتأهلين، وأنهم موزورون آثمون في كل الأحوال، ولا حول ولا قوة إلا بالله. انظر شرح ج 12 (ص 13، 14). باب في القاضى يُعْزَلُ فَيقِرُّ على حُكْم حَكَم به أثناء ولايته مسألة (1572) أكثر الفقهاء على أن القاضي إذاً عزل فأقر بحكم حكم به أثناء ولايته؛ فإنه يقبل قوله حتى يأتي ببينة. وبه يقول الأوزإعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي والشافعي في ظاهر مذهبه. وهو احتمال في المذهب الحبنلي. وقال إسحاق: يقبل قوله ولا يحتاج إلى يينة وهو المعتمد في مذهب أحمد. مغ ج 11 (ص: 476). باب في القضاء على الغائب إذا كان حاضرا في البلد أو قريبًا منها مسأله (1573) جمهور الفقهاء وأهل العلم لا يجيزون الحكم على الغائب إذا كان

حاضرًا في البلد أو قريبًا منها يسهل حضوره مجلس الحكم، وجمهور أهل العلم على هذا حتى لو كان المدعي عنده بينة بما يدعيه، وقال أصحاب الشافعي في وجه له: يجوز إذا كانت ثمة يينة. مغ ج11 (ص 487). * * *

فصل فيمن يصح قضاؤه

فصل فيمن يصح قضاؤه (¬1) باب في المرأة تكون قاضيًا مسألة (1574) جمهور العلماء على أنه يشترط لمن ينتصب للقضاء أن يكون ذكرًا. وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيًّا في غير الحدود أي، في الأموال وغير ذلك. وقال محمد بن جرير الطبري: لها أن تكون قاضية في كل شيء. بداية ح 1ص 555. باب في هل يحكم الحاكم بعلمه (¬2) * * * ¬

_ (¬1) أي الشروط التي يجب أن تقوم فيمن ينتصب للقضاء وهي الحرية والذكورة والعقل والإسلام والعدالة والبلوغ ومعرفة الكتابة، وأن يكون من أهل الاجتهاد ولم يتفق الفقهاء من هذه الشروط إلا في العقل والإسلام والبلوغ والحرية، وأما العدالة ففيها شبه اتفاق وذلك لخلاف ابن علية، وحكاه ابن رشد احتمالاً في مذهب مالك من أن الفاسق إذا كان قاضيًّا، فإن حكمه يمضي ويتوجب عَزْلُهُ. انظر في شروط القاضي مغ ج 11 (ص 380) بدايةج2 (ص 555). (¬2) اختلف العلماء في الحاكم إذا قام في نفسه من العلم ما يقطع بكذب أحد الخصمين أو صدقه، كأن يرى بعينه أو يسمع بأذنه وذلك دون أن تقوم عنده بينة من أحد الخصمين ولا يمين؛ فهل له أن يحكم بعلمه أو لا بد من إعمال أحكام القضاء من سماع الدعاوي والبينات والشهود واليمين إلى غير ذلك؟ ذهب إلى منع الحاكم من الحكم بعلمه شريح والشعبي ومالك وإسحاق وأبو عبيد ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين. وأجاز ذلك أبو يوسف وأبو ثور والشافعي في قوله الآخر وأحمد في رواية. وفصل في ذلك أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى فقال ما كان من حقوق الله تعالى فلا يحكم فيه بعلمه مطلقًا، وما كان من حقوق الآدميين فيحكم به إذا علم به اثناء ولايته أما قبل ولايته فلا. انظر مغ ج 11 ص 400 بداية ج 2 (ص 569). وانظر اختلاف أهل العلم في إقامة الحاكم الحدًّ بعلمه في الإشراف ح 2 (ص 19). وانظر ما ذكره النووي في مسأله إقامة السيد الحد على أمته. فهي متعلقة بهذا الباب. شرح ج 11 (ص 211).

مَوْسُوْعَة مَسَائِل الجُمْهُوْرِ في الفِقْهُ اِلإسْلاَمِيِ كتاب القسمة كتاب الشهادات

كتاب القسمة/كتاب الشهادات

كتاب القسمة/كتاب الشهادات (¬1) باب في ما يقبل من الشهود في الزنا (¬2) مسألة (1575) جمهور العلماء على اشتراط أن يكون الشهود في الزنا رجالًا أحرارًا. وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وسائر أصحاب الرأي. قال الموفق: وشذ أبو ثور فقال: تقبل فيه شهادة العبيد. وحكى عن عطاء وحماد أنهما قالا: تجوز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين. مغ ج 12 (ص:5). باب في شهادة النساء (¬3) في الحدود مسألة (1576) جمهور أهل العلم على أنه لا يقبل في الحدود إلا شهادة رجلين. وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي وإبراهيم النخعي وحماد والزهري وربيعة ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأحمد رحمهم الله تعالى، وحكي عن عطاء وحماد أنه يقبل شهادة رجل وامرأتين (¬4). وبه قال أهل الظاهر. بداية ج 2 (ص: 562) فتح ج 11 (ص: 85). باب في الشهادة على القتل مسألة (1577) جمهور العلماء بل عامتهم على أنه يكتفى في الشهادة على القتل برجلين، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وسائر فقهاء الأمصار وأهل العلم. وقال الحسن: لا بد فيه من شهادة أربعة. مغ ج 12 (ص: 6) بداية ج 2 (ص: 561). ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على وجوب الشهادة فيما يحتاج إليه من إثبات حق أو رد باطل، وأنها فرض على الكفاية. إلا في حق من لا يقدر على أدائها غيره فتتعين عليه إلا أن يخشى الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه فلا يجب عليه حينئذٍ. انظر مغ ج 12 (ص 3). (¬2) لا يختلف الفقهاء في وجوب كون الشهود أربعة لظاهر القرآن الكريم، وإنما اختلافهم في كيف يكمل الأربعة. (¬3) لا خلاف بين أهل العلم في قبول شهادة النساء مع الرجال في الأموال خاصة. انظر بداية ج 2 (ص: 561) مغ خ 12 (ص 10). (¬4) انظر مغ خ 12 (ص: 6).

باب في شهادة النساء فيما ليس بحد ولا مال ولا ما لايختص به إلا النساء

باب في شهادة النساء فيما ليس بحد ولا مال ولا ما لايختص به إلا النساء (¬1) باب في قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع مسألة (1578) جمهور العلماء بل عامتهم على قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع فلا يحتجن أن يشهد معهن رجال. قلت: والجمهور على أنه لا يكفي في إثبات الرضاعة امرأة واحدة. حكاه عن الجمهور الحافظ عن الفتح. وقال أبو حنيفة فيما حكى عنه: لا تقبل شهادتهن منفردات (¬2). مغ ج 12 ص 15 بداية ح 2 (ص: 563) فتح ج 11 (ص: 88). باب في شهادة النساء منفردات في استهلال المولود (¬3) مسألة (1579) جمهور العلماء وعامتهم على أن شهادة النساء منفردات مقبولة في ¬

_ (¬1) ليس في هذه المسألة إجماع. وقد اختلف العلماء في قبول شهادة النساء مع الرجال فيما ليس بعقوبة ولا مال ولا مما ينفرد النساء الأطلاع عليه وذلك؛ كالعتاق والطلاق والرجعة والإيلاء والظهار والنسب والوكالة وأشباه ذلك، فقال بقبول شهادة رجل وامرأتين في ذلك الشعبي والثوري وإسحاق وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وروي هذا عن جابر بن زيد - رضي الله عنه - وإياس بن معاوية. وقال بالمنع من قبول شهادتهن: النخعي والزهري ومالك وأهل المدينة والشافعي. وبه يقول سعيد بن المسيب والحسن البصري وربيعه في الطلاق دون غيره. انظر مغ ج 12 (ص: 7) بداية ج 2 (ص: 562). قلت: وقد حكى الحافظ في الفتح عن الجمهور المنع من قبول شهادة النساء في الطلاق والعتاق والولاء والنسب. انظر فتح ج 11 (ص: 85). (¬2) واختلف الفقهاء في العدد الذي تصح فيه شهادة النساء منفردات، فقال بعضهم: يكفي شهادة امرأة واحدة، وقال آخرون: بل لا بد من امرأتين. قال بالأول أحمد في رواية وطاوس في الرضاع وهو قول أبي حنيفة في الشهادة على ولادة الزوجات دون المطلقات. وبالثاني قال الحكم وابن أبي ليلى وابن شبرمة ومالك والثوري. وقال آخرون بل لابد من أربع نساء وهو قول عطاء والشعبي وقتادة وأبي ثور والشافعي. انظر مغ ج 12 (ص: 17) بداية ص 563 فتح ج 11 (ص: 87). (¬3) يعني في إثبات حياته بعد الولادة. وأما الولادة نفسها فلا خلاف بين العلماء في قبول شهادتهن منفردات، وكذلك سائر ما تختص به المرأة ولا يطع عليه فيه إلا جنسها سوى ما ذكرنا في هاتين المسألتين، وإنما خالف أبو حنيفة فيهما لمدرك الانفراد والاطلاع فلما لم يسلم هذا المدرك عنده في الرضاع والاستهلال قال بوجوب أن يشرك النساء فيهما الرجال. انظر مغ ج 12 (ص: 15) بداية ج 2 (ص: 563).

باب في ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين

إثبات استهلال المولود. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة لا تقبل منفردات. مغ ج 12 (ص:16). باب في ثبوت المال لمدعيه بشاهد (¬1) ويمين مسألة. (1580) أكثر أهل العلم على أن من ادعى مالاً وليس له شاهدان، فإن يمينه مع شاهدٍ واحدٍ يجزئه. روي هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ رضي الله تعالى عنهم. وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والحسن وشريح وإياس بن معاوية وعبد الله بن عتبة وأبي سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن يعمر وربيعة ومالك وابن أبي ليلى وأبي الزناد والشافعي وأحمد. وقال الشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وجمهور أهل العراق والليث من أصحاب مالك: لا يُقْضَى باليمين والشاهد بل لا بد من شاهدين رجلين أو رجل وامرأتان (¬2). مغ ج 12 (ص:9). شرح ج 12 (ص:4). * * * ¬

_ (¬1) يعني بشاهد ذكرٍ. وهل تقبل شهادة امرأتين ويمين الُمدًّعِي؟ منع ذلك الشافعي وهو مذهب أحمد. وقبل ذلك مالك. انظر مغ ج 12 (ص: 13) بداية ج 2 (ص: 567). (¬2) انظر بداية ج 2 ص 566.

فصل فيمن تجوز شهادته ومن ترد

فصل فيمن تجوز شهادته ومن تُرَدُّ باب في معني العدالة (¬1) في الشهود مسألة (1581) جمهورأهل العلم على أن العدالة صفة زائدة عن الإسلام وهي في جملتها فعل للواجبات وترك للمحرمات مع الاعتناء بالمندوبات والابتعاد عن المكروهات ودنايا الخصال التي تجرح بأهل المروءات. وقال أبو حنيفة: يكفي ظاهر الإسلام وأن لا يكون معلومًا بجرحة. بداية ج 2 (ص: 558) فتح ج 11 (ص: 67). باب في شهادة الصبي مسألة (1582) جمهور أهل العلم على اشتراط البلوغ في الشهود وأنه لا تقبل شهادة الصبي صغيرًا كان أو كبيرًا مميزًا أو مراهقًا. روي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وبه قال القاسم وسالم وعطاء ومكحول وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وزفر. قلت: وقد حكى ابن رشد الإجماع في هذه المسألة في غير شهادة الصبيان بعضهم على بعض (¬2). وقال أحمد في رواية: تقبل شهادة الصبي إذا كان ابن عشر سنين. وروي عن عليّ - رضي الله تعالى عنه - أنها تقبل في شهادة بعضهم على بعض، وروي ذلك عن شريح والحسن والنخعي. قال إبراهيم النخعي: كانوا يجيزون شهادة بعضهم على بعض فيما كان يينهم. قال المغيرة: وكان أصحابنا لا يجيزون شهادتهم على رجل ولا على عبد. فتح ج 11 (ص: 67). ¬

_ (¬1) لا خلاف بينهم في اشتراط العدالة في الجملة. لكنهم اختلفوا في معناهاوفيما يجرحها. ولا خلاف بينهم في رد شهادة الفاسق الذي لم يتب. ولكنهم اختلفوا فيما يكون به الفسق الذي يرد الشهادة. انظر بداية ح2 ص 566 مغ خ 12 ص 28. (¬2) انظر بداية ج 2 (ص: 509). وانظر هذه المسألة مغ ج 12 (ص: 27).

باب في شهادة الصبيان فيما يكون بينهم من الجراحات

باب في شهادة الصبيان فيما يكون بينهم من الجراحات مسألة (1583) جمهور العلماء وفقهاء الأمصار على رد شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما يكون بينهم من الجراحات. وهو قول من ذكرناهم في المسألة السالفة ممن رد شهادتهم بإطلاق. وروي عن أحمد قبول شهادتهم إذا شهدوا قبل الافتراق وبه يقول مالك. وروي عن الزهري أن شهادتهم جائزة ويستحلف أولياء المشجوج. وذكره عن مروان. وذكرنا فيما مضى ما روي عن عليٍّ - رضي الله تعالى عنه - في هذا. قال ابن رشد: واختلف أصحاب مالك. هل تجوز إذا كان بينهم كبير. أم لا؟ ولم يختلفوا أنه يشترط فيها العدة المشترطة في الشهادة. واختلفوا هل يشترط فيها المذكورة أم لا، واختلفوا أيضًا هل تجوز في القتل الواقع بينهم؟. وبقول مالك وأحمد قال ابن أبي ليلي وقوم من التابعين (¬1). وهو قول ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما (¬2). بداية ج 2 (ص: 559). باب في شهادة الكفار من أهل الذمة وغيرهم مسألة (1584) جمهور العلماء على رد شهادة الكفار وعدم قبولها مطلقًا سواء كانت على المسلمين أو على أنفسهم اتفقت مللهم أم اختلفت، وممن قال بهذا الحسن وابن أبي ليلى والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد. وحكى ابن رشد اتفاق العلماء على هذا فيما سوى الشهادة على الوصية في السفر (¬3). وقال حماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري وقضاة البصرة الحسن وسوار وعبيد الله: تقبل شهادتهم بعضهم على بعض ولا يشترط اتفاقهم في الملة؛ فالكفر ملة واحدة. وبه يقول أبو حنيفة -رحمه الله- تعالى وأصحابه. وهو قول عثمان البتي. وقال الزهري والشعبي وقتادة: تقبل شهادة أهل كل ملة على أهل ملتهم ولا تقبل على غيرهم؛ فأجازوا شهادة اليهوديّ على اليهودي والنصراني على النصراني ومنعوا ¬

_ (¬1) قال ابن رشد: وإجازة مالك لذلك هو من باب إجازته قياس المصلحة. بداية ج 2 (ص: 559). وانظر مغ ج 12 (ص: 28). (¬2) انظر الحاوي الكبير ج 17 (ص: 59). (¬3) انظر بداية ج 2 (ص: 559).

باب في شهادة أهل الكتاب علي وصية المسلم في السفر

شهادة اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي. وحكي مثل هذا عن الحكم وأبي عبيد وإسحاق (¬1). فتح ج 11 (ص: 115). باب في شهادة أهل الكتاب علي وصية المسلم في السَّفَرِ مسألة (1585) جمهور من بلغنا قوله من أهل العلم على قبول شهادة أهل الكتاب على وصية المسلم في السفر إذا لم يوجد غيرهم من المسلمين. وبه قال من الصحابة أبو موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم. وبه يقول سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبو مجلز وإبراهيم النخعي وشريح القاضي وعَبِيدَةَ السلماني ومحمد بن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي. وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي ويحيى بن حمزة، ومال إليه أبو عبيد القاسم بن سلام لكثرة من مال إليه. كذا قال القرطبي. وهو قول أحمد بن حنبل نص عليه -رحمه الله- تعالى (¬2). وهو قول غير هؤلاء، رحمهم الله تعالى. قال ابن المنذر. وبهذا قال أكابر الماضين يعني في تفسير الآية التي في سورة المائدة. قلت: وبه قال داود وأهل الظاهر. وحكاه ابن حزم عن جمهور السلف. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم. مغ ج 12 (ص: 51) القرطبي ج 6 (ص: 349) فتح ج 11 (ص: 256) المحلى ج 9 (ص: 407). ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 12 (ص: 53). الحاوي الكبير ج 17 (ص: 61). (¬2) قال القرطبي. واختيار أحمد بن حنبل وقال: شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين. قرطبي ج 6 (ص: 349). وقال الموفق ناقلًا عن أحمد إنكاره على أهل المدينة عدم معرفتهم بحديث أبي موسى الأشعري في هذه المسألة. قال -رحمه الله-: قال أحمد: أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى من أين يعرفونه؟ مغ ج 12 (ص: 53). قلت: وحديث أبي موسى الأشعري هو ما أخرجه أبو داود بإسناد قال الحافظ: رجاله ثقات عن الشعبي قال: حضرت رجلًا من المسلميبن الوفاة "بدقوقا" ولم يجد أحدًا من المسلمين، فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته ووصيته، فأخْبِر أبو موسى الأشعري فقال: هذا لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا كتما ولا بدلا، وأمضى شهادتهما. انظر مغ ج 11 (ص: 257). وانظر أصل هذا الأثر في سنن أبي داود ج10 (عون المعبود) باب شهادة أهل الذمة والوصية في السفر ج10 (ص: 13)، وانظر في هذه المسألة الحاوي ج 17 (ص: 61).

فصل في أحكام الشهداء ممن فيهم تهمة جلب نفع أو دفع ضرر

فصل في أحكام الشهداء ممن فيهم تهمة جلب نفع أو دفع ضررِ باب في شهادة العدو علي عدوه والخصم علي خصمه مسألة (1586) جمهور العلماء على أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل وهي العداوة في الأمور الدنيوية؛ كشهادة المقذوف على القاذف وولي المقتول على القاتل وشبه ذلك، وممن روي عنه هذا ربيعة والثوري وإسحاق ومالك والشافعي. وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة: لا تمنع العداوة الشهادة (¬1). مغ ج 12 (ص:55). باب في شهادة الأب علي ابنه والابن علي أبيه مسألة (1587) جمهور العلماء على قبول شهادة الابن علي أبيه والأب على ابنه وقال أحمد في رواية أن شهادة الوالد والولد أحدهما على الآخر لا تقبل. حكاها عنه القاضي، وقال بعض الشافعية: لا تقبل شهادة الابن علي أييه في قصاص ولا حد قذف. مغ ج 12 (ص: 66). باب في شهادة الأخ لأخيه مسأله (1588) جمهور أهل العلم، بل عامتهم على قبول شهادة الأخ لأخيه. روي هذا عن ابن الزبير رضي الله عنه، وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وحكي عن الثوري أنه لا تقبل شهادة كل ذي رحم محرم. حكاه ابن المنذر. وحكي عن مالك أنه لا تقبل شهادته لأخيه إذا كان منقطعًا إليه في صلته وبره. وقال ابن المنذر: قال مالك: لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النسب وتجوز في الحقوق. مغ ج 12 (ص: 69). باب في شهادة الوالد لولده والولد لوالده مسألة (1589) جمهور الفقهاء على رد شهادة أحدهما للآخر. وممن منعها شريح والحسن والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد في رواية وأبو ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 (ص: 560) الحاوي ج 17 (ص: 161).

باب في شهادة الأقارب من غير الأصول والفروع

حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وروي عن أحمد أنه تقبل شهادة الابن لأبيه ولا تقبل شهادة الأب له. وعن أحمد رواية ثالثة تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه في ما لا تهمتة فيه كالنكاح والطلاق والقصاص والمال إذا كان مستغنيًا عنه. وقالت طائفة: شهادة كل منهما للآخر مقبوله. روي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو ثور والمزني وداود وإسحاق وابن المنذر (¬1). الحاوي الكبير ج 17 (ص: 163). باب في شهادة الأقارب من غير الأصول والفروع مسألة (1590) جمهور الفقهاء على قبول شهادة الأقارب بعضهم لبعضٍ من غير الأصول والفروع، كالعمات والخالات والأعمام والأخوال وأبناء العم وأبناء الخال وشبه ذلك. وبه يقول أبو حنيفة والشافعىِ. وهو مذهب أحمد. وروي هذا عن عمر وابن الزبير رضي الله عنهما وقال الأوزاعي: لا أقبلها من ذي محرم. وقال مالك: أقبلها في كل حق. إلا في النسب (¬2). الحاوي الكبير17 (ص: 165). باب في شهادة الصديق لصديقه مسألة (1591) جمهور العلماء على قبول شهادة الصديق لصديقه، ولو كان ملاطفاً له. وهو قول أبي حنيفة هو مذهب الشافعي وأحمد، وقال مالك لا تقبل شهادة الصديق الملاطف لصديقه وتقبل من غير الملاطف. الحاوي الكبير17 (ص: 162) مغ ج 12 (ص: 70). باب في شهادة الزوج لزوجته والزوجه لزوجها والعبد لسيده (¬3) ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 12 (ص 64). (¬2) انظر في هذه المسألة مغ ج 12 (ص: 69). (¬3) أما شهادة العبد لسيده والسيد لعبده، فالفقهاء شبه متفقين على رد شهادة أحدهما للآخر؛ لأن العبد مال سيده وكلٍّ منتفعٌ من الآخر على وجه القطع واليقين. وأما شهادة الزوجين أحدهما للآخر فاختلف في ذلك الفقهاء. فمنعها جماعة بإطلاق منهم الشافعي والنخعي ومالك وإسحاق وأبو حنيفة وأحمد في روايةٍ. وقبلها آخرون بإطلاق منهم شريح والحسن وأبو ثور وفصل آخرون فقالوا بقبول شهادة الزوج لزوجته ورد شهادة الزوجة لزوجها. انظر مغ ج 12 (ص: 67، 68). الحاوي ج 17 (ص: 166).

باب في شهادة العبد

باب في شهادة العبد (¬1) مسألة (1592) جمهور العلماء على عدم قبول شهادة العبيد، وبه يقول عطاء ومجاهد والحسن ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو عبيد. وذهبت طائفة كثيرة إلى قبولها. روي ذلك عن عليٍّ وأنس رضي الله تعالى عنهما. قال أنس: ما علمت أن أحدًا ردَّ شهادة العبد. وبه قال عروة وشريح وإياس وابن سيرين والبتي وأبو ثور وداود ابن المنذر. وهو مذهب أحمد (¬2). القرطبي ج 3 (ص: 390) بداية ج 2 (ص: 559). باب في شهادة ولد الزنا مسألة (1593) جمهور العلماء على قبول شهادة ولد الزنا. وممن ذهب إليه عطاء والحسن والشعبي والزهري والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو حنيفة وأصحابه. وهو مذهب أحمد. قلت: والجمهور على قبول شهادته في الزنا وغيره. وقال مالك والليث: لا يجوز شهادته في الزنا خاصةً. وروي عن عثمان رضي الله عنه ما يومئ إليه فقد حكى عنه أنه قال: ودت الزانية أن النساء كلهن زنين (¬3). مغ ج 12 (ص: 73). باب في قبول شهادة المحدود في القذف إذا تاب (¬4) مسألة (1594) جمهور العلماء على قبول شهادة المحدود في القذف إذا تاب. روي ¬

_ (¬1) يعني لغير سيده وعلى غير سيده. (¬2) انظر مغ ج 12 (ص: 70). الحاوي ج 13 (ص: 158). قلت: وقد ذكر الإمام الموفق -رحمه الله- تعالى كلامًا في معرض الاستدلال على صحة شهادة العبيد يجدر ذكره قال -رحمه الله-: سئل إياس بن معاوية عن شهادة العبيد فقال: أنا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب!!! وكان منهم زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس من العلماء والزهاد. وكان عمر بن عبد العزيز يرفع قدره ويكرمه. ومنهم عكرمة مولى ابن عباس أحد العلماء الثقات وكثير من العلماء الموالي، كانوا عبيدًا أو أبناء عبيد لم يحدث فيهم بالإعتاق إلا الحرية، والحرية لا تغير طبعًا ولا تحدث علمًا ولا مروءةً. اهـ. مغ ج 12 (ص: 71). (¬3) قال ابن المنذر: إنني لا أعلم ما ذكر عن عثمان ثابتًا عنه، وأشبه أن لا يكون ثابتًا عنه. وغير جائز أن يطلق عثمان كلامًا بالظن عن ضمير امرأةٍ لم يسمعها تذكره. حكاه عنه الموفق. مغ ج 12 (ص: 73). (¬4) قلت: وما أظن العلماء مختلفين في معنى التوبة في حق القاذف، وإنما اختلفوا في كيفية التصريح بها والإعلان منها وأكثر من بلغنا القول منهم من أهل العلم أنها إكذاب نفسه. انظر مغ ج 12 (ص: 77).

ذلك عن عُمَرَ وأبي الدرداء وابن عباس رضي الله تعالى عنهم. وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري وعبد الله بن عتبة وجعفر بن أبي ثابت وأبي الزناد ومالك والشافعي والبتي وإسحاق وأبي عبيد وابن المنذر. وهو مذهب أحمد. قال الموفق: وحكاه ابن عبد البر عن يحيى بن سعيد ورييعة، وقال شريح والحسن والنخعي وسعيد ابن جبير والثوري وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي لا تُقْبَلُ (¬1). القرطبي ج 12 (ص: 179). * * * ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 12 (ص: 74).

فصل في الشهادة على الشهادة

فصل في الشهادة على الشهادة (¬1) باب في قبول النساء في الشهادة علي الشهادة (¬2) مسألة (1595) جمهور أهل العلم على قبول الشهادة على الشهادة ولو كان في شهود الأصل نساء كأن يشهد رجلان على شهادة رجل وامرأتين. وروي عن أحمد أنه لا يقبل النساء في الشهادة على الشهادة لا في أصل ولا فرع. مغ ج 12 (ص: 94). باب في الشهادة على شهود الأصل منفردين كم يقبل فيه من الشهود؟ مسألة (1596) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على جواز أن يشهد شاهد واحد على كل شاهد أصل انفرادًا. وبه يقول شريح والشعبي والحسن وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وإسحاق والبتي والعنبري ونمير بن أوس وأحمد. قال إسحاق: لم يزل أهل العلم على هذا حتى جاء هؤلاء. وقال أحمد: وشاهد على شاهدٍ يجوز، لم يزل الناس على ذا شريحٌ فمن دونه. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا بد لكل شاهد أصل إذا انفرد من شاهدي فرع، وبه قال أبو عبد الله بن بطة. حكاه الموفق عنه. مغ ج 12 (ص:95). * * * ¬

_ (¬1) أجمع العلماء على جواز الشهادة على الشهادة في الجملة وإن اختلفوا في تفاصيل ذلك. انظر مغ ج 12 (ص: 86) الحاوي ج 17 (ص: 219). (¬2) أصل هذه المسألة هو في قبول شهادة النساء على الشهادة سواء كان شهود الأصل رجال أو كان فيهم نساء أو كن كلهن نساء. فذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور إلى المنع من هذا، وبه قال أحمد في رواية. وقال في رواية أخرى: يقبلن في الفرع إذا كان شهود الأصل فيهم نساء، ومسألة الباب هي رواية ثالثة عن أحمد. انظرج 12 (ص: 94) الحاوي ج 17 (ص: 226).

فصل في الأقضية

فصل في الأقضية (¬1) باب في شهادة المدين علي دائنه بدين أووصية مسألة (1597) جمهور العلماء بل عامتهم على أنه لو ثبت لرجل على رجل دين ببينة؛ فإن ذلك لا يمنع من قبول شهادة المدين على غريمه الدائن بدين آخر أو وصية، وقال ابن أبي ليلى: لا تقبل شهادته على غريمه الميت. مغ ج 12 (ص:108). باب في الُمدَّعَى عليه يحلف ليبرأ كيف تكون اليمين؟ مسألة (1598) جمهور العلماء بل عامتهم على أن المُدَّعِي إذا عدم البينة وتوجهت اليمين للمُدَّعَى عليه ليبرأ؛ فإنه يجزئه حتى يبرأ أن يقول "والله" ما عندي لفلان ما ادعاه عليَّ. وقال مالك: الأفضل أن يقول "والله الذي لا إله إلا هو". قال ابن المنذر: هذا أحب إليَّ. وقال الشافعي: إن كان المُدَّعَى قصاصًا أو عتاقًا أو حدًّا أو مالًا يبلغ نصابًا غُلِّظَتْ اليمن، فيحلف "بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية" وقال في القسامة "عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" واختاره أبو الخطاب الحنبلي. وجعل القاضي أبو يعلى الحنبلي هذا في القسامة خاصة وليس بشرط (¬2). مغ ج 12 (ص:113). باب في تغليظ (¬3) اليمين هل هو مشروع؟ مسألة (1599) جمهور الفقهاء على أن التغليظ في الأيمان بالزمان والمكان مشروع في ¬

_ (¬1) شهادة الأطباء في الجراحات وأنواعها وتحديد نوع التلف فيها لا بد فيها من شهادة طبيبين اثنين إلا أن يُعْدَمُ ذلك، فيكتفي بشهادة طبيب واحد ويشترط في شهادة الأطباء العدالة والثقة. انظر مغ ج 12 (ص: 161). (¬2) انظر القرطبي ج 6 (ص: 354) قلت: وقد ذكر الماوردي أن قول الشافعي في هذا ليس من باب الوجوب إنما هو الأولى. انظر الحاوي ج 12 (ص: 127). (¬3) تغليظ اليمين معناه أن يطلب من الحالف أن يحلف في زمان أو مكان يعظمه الشرع زجرًا للحالف وتخويفا له لعله إن كان كاذبًا أن يرتدع عن يمينه فيثبت الحق لِمُدَّعِيه. ولذلك انقسم التغليظ عند القائلين به إلى التغليظ بالزمان، الحلف بعد صلاة العصر، وإلى التغليظ، بالمكان كالحلف عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن كان بالمدينة أو الحلف بين الركن والمقام لمن كان في مكة المكرمة. وتغلظ على أهل الكتاب في بيعهم =

باب في التغليظ بالإحلاف بالمصحف هل يشرع؟

حق المسلمين وغير المسلمين من أهل الذمة ونحوهم. وبه يقول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يشرع التغليظ إلا بالعدد وهو في القسامة واللعان خاصةً. ولا يشرع بالزمان ولا بالمكان. وبقول أبي حنيفة قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وقال مسروق وأبو عبيدة بن عبد الله وعطاء وشريح والحسن وإبراهيم بن كعب بن سور والثوري وأبو عبيد التغليظ على أهل الذمة وحدهم. وهو مذهب أحمد. وهو اختيار أبي بكر وابن قدامة من الحنابلة (¬1). الحاوي الكبير 17 (ص: 107). باب في التغليظ بالإحلاف بالمصحف هل يشرع؟ مسألة (1600) عامة أهل العلم على أن الإحلاف بالمصحف لا ينبغي أن يطلبه الحكام والقضاة من الحالفين. قال ابن المنذر. ولم نجد أحدًا يوجب اليمين بالصحف، وقال الشافعي: رأيتهم يؤكدون بالمصحف. ورأيت ابن مازن وهو قاضٍ بصنعاء يغلظ اليمين بالصحف. وحكى الشافعي عن مطرف أن ابن الزبير كان يُحْلِف على المصحف. قال -رحمه الله-: ورأيت مطرفًا بضعًا يحلف على المصحف. قال الشافعي: وهو حسن (¬2). وحكى الماوردي عن الشافعي أنه لا يستحب وإنما أجازه. وحكى القرطبي أن قتادة كان يُحْلِفَ بالمصحف. وحكى عن ابن المنذر نقله عن أحمد وإسحاق أنهما كان لا يكرهان ذلك. وقال ابن العربي: هو بدعة. القرطبي ج 6 (ص: 354) مغ ج 12 (ص: 118). ¬

_ = وكنائسهم. ثم اختلف القائلون بالتغليظ في أي شيء من الدعاوي تغلظ، فقال قوم في قليل الشيء وكثيره. وبه يقول الطبري. وقال آخرون: فيما تقطع به اليد فصاعدًا وبه يقول مالك. وقال الشافعي إن كان مالًا ففي عشرين مثقالًا من الذهب فما فوق. وإن كان غير مال؛ كالحدود وما لا يثبت إلا بشاهدين ففي قليل الشيء وكثيره. انظر الحاوي ج 17 (ص: 107) وما بعد. مغ ج 12 (ص: 115) وما بعد. (¬1) انظر مغ ج 12 (ص: 114) القرطبي ج 6 (ص: 353) بداية ج 2 (ص: 564). قلت: وقد حكى الموفق -رحمه الله- تعالى أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن التغليظ ليس واجبًا إذا كان بالمكان أو بالزمان أو بالألفاظ. وقد ذكر الماوردي ما حكاه الموفق في هذه المسألة عن الشافعي في قول له إن التغليظ بالمكان والزمان واجب لا يجزئ اليمين بتركه، وإن كان الموفق قد ذكر أنه قول للشافعي في المكان دون الزمان. انظر مغ خ 12 (ص: 117). الحاوي ج 17 (ص: 113). (¬2) انظر الحاوي ج 17 (ص: 113).

باب في الرجل يحلف على نفي شيء هل يحلف على البت أوعلى نفي العلم؟

باب في الرجل يحلف على نفي (¬1) شيءٍ هل يحلف على البت أوعلى نفي العلم؟ مسألة (1601) أكثر الفقهاء على أن من استُحْلِفَ على نفي شيءٍ ادعى عليه. فإن كان يحلف على نفي فعل نفسه فهىِ (يعني اليمين) على البت والقطع، فيقول: والله ما بعتك. والله ما اشتريت، وشبه ذلك. وإن كان يحلف على نفي فعل غيره فهي نفي العلم، فيقول: والله لا أعلم إن أبي باعك أو اشترى منك أو نحو ذلك. وبه يقول مالك وأبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد. وقال الشعبي والنخعي: كلها على نفي العلم سواء كانت على نفي فعل نفسه أو فعل غيره. وبه قال أحمد في روايةٍ. ذكرها عنه ابن أبي موسى. وقال ابن أبي ليلى: كلها على البت والقطع على نفي فعل نفسه أو غيره (¬2). الحاوي الكبير ج 17 (ص: 118). * * * ¬

_ (¬1) أما الحلف على إثبات شيء فلا خلاف بين الفقهاء أعلمه أنها على البت والقطع. وكلام الموفق في المغني يوهم أن الشعبي والنخعي يقولان أنها على نفي العلم سواء كان يحلف على إثبات شيء أو نفيه. وما ذكرته في أصل المسألة فيه تفصيل وهو أولى والله تعالى أعلم. (¬2) انظر مغ ج 12 (ص: 118) قلت: من عجائب التقدير أن يكون رقم الصفحة في الحاوي هو نفسه في المغني من نفس المسألة.

فصل في رجوع الشاهدين أو الشهود عن الشهادة

فصل في رجوع الشاهدين أو الشهود عن الشهادة باب في رجوع الشهود عن الشهادة قبل الحكم مسألة (1602) عامة أهل العلم على أن الشهود إذا رجعوا عن الشهادة قبل صدور الحكم فإنه لا يجوز الحكم بمقتضى الشهادة. وشذ أبو ثور فيما حكي عنه، فقال: بل يحكم بمقتضاها. مغ ج 12 (ص: 137) الحاوي الكبير خ 17 ص 253. باب في رجوع الشهود بعد الحكم وقبل الاستيفاء مسألة (1603) جمهور العلماء على أن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد صدور الحكم وقبل استيفائه (تنفيذه) فإن كان الحكم في غير الحدود (¬1) والقصاص بأن كان مالًا أو طلاقًا أو عتاقًا استوفى (نُفِّذَ) ولم يُنْقَضْ. وقال سعيد بن المسيب والأوزاعي: ينتقض الحكم. هكذا حكي عنهما، وحكي هذا عن عبيد الله بن الحسن العنبري. مغ ج 12 (ص: 137) الحاوي الكبير ج 17 (ص: 254). باب في رجوع الشهود بعد الحكم وبعد استيفائه (تنفيذه) مسألة (1604) جمهور الفقهاء على أن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد صدور الحكم وبعد استيفائه (تنفيذه) فإن الحكم لا ينتقض بذلك. وقال سعيد بن المسيب والأوزاعي فيما حكي عنهما: ينتقض (¬2). الحاوي الكبير ج 17 (ص: 255). ¬

_ (¬1) قلت: لا خلاف يعلم بين الفقهاء أن الحدود التي تسقط بالشبهة، فإنه لا يجوز استيفاؤها إذا رجع الشهود بعد صدور الحكم وقبل الاستيفاء يعني قبل التنفيذ. وفصل الماوردي في هذا فجعل الحدود التي تسقط بالشبهة على ضربين، ضرب يتعلق بحق الله تعالى خالصًا، كحد الزنا والخمر فيسقط برجوع الشهود قبل الاستيفاء. وضرب يتعلق بحقوق الآدميين، كالقصاص وحد القذف وهو نوعان ما له بدل إلى الدية فلا تسقط بالشبهة ولا بالرجوع ويسقط الحد. والثاني: ما ليس له بدل كحد القذف ففي سقوطه برجوع الشهود وجهان أحدهما لا يسقط، لأنه من حقوق الآدميين المغلظة. انظر الحاوي ج 17 (ص: 255). (¬2) انظر مغ ج 12 (ص: 138).

باب في تغريم الشاهدين على مال يرجعان عن شهادتهما بعد الاستيفاء

باب في تغريم الشاهدين على مال (¬1) يرجعان عن شهادتهما بعد الاستيفاء مسألة (1605) جمهور أهل العلم على أن الشاهدين إذا شهدا على مال أنه لفلان ثم رجعا عن شهادتهما بعد استيفاء الحكم وقبض المشهود له للمال، فإن المشهود عليه يرجع على الشاهدين بالمال الذي شهدا به. وبه يقول مالك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وبه قال الشافعي في القديم من قوله. وقال الشافعي في الجديد: لا يرجع عليهما بشيء إلا أن يشهدا بعتق عبد فيضمنا قيمته (¬2). مغ ج 12 (ص:141). باب في تغريم المشهود له بالمال إذا رجع الشهود مسألة (1606) جمهور العلماء على أن الشهود إذا شهدوا بمال لرجلٍ ثم رجعوا عن شهادتهم بعد استيفاء الحكم، فإن المشهود عليه لا يرجع على المشهود له بشيء وحكى عن سعيد بن المسيب والأوزاعي أن الحكم ينتقض وينزع المال من يد المشهود له ويعاد به إلى المشهود عليه. مغ ج 12 (ص:141). باب في الحاكم يخطيء في الحكم هل يضمن؟ (¬3) باب في شاهد الزور هل يعزر ويُشَهَّرُ به؟ مسألة (1607) جمهور العلماء على أن الحاكم إذا تبين أن فلانا شهد زورًا عنده عَزَّرَهُ ¬

_ (¬1) أما إذا شهد الشاهدان أو الشهود على ما فيه اتلاف للمشهود عليه، وكان اتلافًا في مثله القصاص، كالقتل وسائر أنواع الجراحات التي يشرع فيها القصاص، فإن رجع الشهود وقالوا تعمدنا شهادة الزور؛ فعليهم القصاص في قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والأوزاعي والشافعي وأبي عبيد. وقال أبو حنيفة وأصحاب الرأي: لا قصاص وإنما الدية لانتفاء المباشرة، وأما إذا شهد الشهود خطأ فعليهم الدية قولًا واحدًا في مال العاقلة، بخلاف ما لو تعمدوا شهادة الزور لكنهم أخطأوا في المشهود عليه أو جهلوا أن في شهادتهم إتلافًا للمشهود عليه وكان ممن مثلهم يُعْذَرُ بجهله صارت الدية في مالهم مغلظةً. انظر في هذه المسأله مغ ج 12 (ص: 138) وما بعد. الحاوي ج 17 (ص: 257) وما بعده. (¬2) قلت والمسألة فيها تفصيل طويل. انظرها في الحاوي الكبير ج 17 (ص: 566). (¬3) هذه المسألة من أصول أمهات مسائل الفقه الإسلامي، لذلك عنونت لها وجعلت لها بابًا على حدة، وإن كان الاختلاف في تفاصيلها كثيرًا. إلا أن المتفق عليه أن الحاكم إذا حكم بشيء ثم بان له خطأ الحكم لافتقار الشهود =

باب في الشاهدين يشهد أحدهما بشيء والآخر ببعضه

وشهر به في الناس. روي ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه. وبه يقول شريح والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله والأوزاعي وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة. وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة لا يُعَزَّرُ ولا يُشَهَّرُ (¬1). مغ ج 12 (ص:153). باب في الشاهدين يشهد أحدهما بشيء والآخر ببعضه مسألة (1608) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على إنه إذا شهد شاهدٌ على فلان، بأن أقر لفلان بألف وشهد شاهدٌ ثانٍ بأنه أقر له بخمسمائة، فإن المُدَّعِي يستحق بشهادتها خمسمائة ويحلف على الخمسمائة الأخرى ويستحقها (¬2)، وبه يقول شريح ومالك والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق وأبو عبيد. وهو مذهب أحمد. وحكي عن الشعبي أنه شهد عنده رجلان أحدهما أنه طلقها تطليقةٍ. وشهد الآخر أنه طلقها تطليقتين. فقال: قد اختلفتما قومًا. يعني لم يجعل شهادتهما شيئاً وحكي عن أبي حنيفة أنه إذ شهد شاهد أنه أقر لفلان بألف وشهد آخر أنه أقر له بألفين لم تصح الشهادة حتى يشهد على إقراره شاهدان اثنان. مغ ج (ص: 156). ¬

_ =لأهليه الشهادة كأن يتبين له أنهم أو إنهما عبيد أو فسقة، فإن كان قبول شهادتهم من قِبَلِ نفسه متمحضًا فهو الضامن إذا كان الحكم تعلق به إتلاف، كقتل أو جراحات. وضمانه أن تجب الدية في مال عاقلته أو من بيت مال المسلمين على خلاف بين الفقهاء، وإن كان الإتلاف، كجلد في حدٍ فعلى الإمام الضمان أو لا ضمان عليه كما يقول أبو حنيفة -رحمه الله-. وبالأول قال الشافعي وهو مذهب أحمد. وأما إن كان الخطأ في الحكم تعلق بنكاح أو طلاق أو عتاق أو تمليك عقار أو مال، فلا ضمان لكن الحاكم ينقد العقود ويرد الحقوق لأصحابها. انظر في هذء المسألة المهمة. مغ ج 12 (ص: 149) وما بعد. الحاوي ج 17 (ص: 271) وما بعد. (¬1) وأما كيف يعزر على قول الجمهور؟ فقد ذكرنا مسألة التعزيز من قبل واختلاف الفقهاء في هل يبلغ به مبلغ الحد أو أدناه، والأمر في ذلك إلى الحاكم من حيث كيفية التعزيز وأما التشهير فلهم في ذلك أقوال كثيرة جامعها أنه يشهر بما يحذر الناس من الاغترار به. انظر مغ ج 12 (ص: 154). (¬2) وهذا إذا كان انفراد الشاهدين بجزءٍ من المشهود به من غير اختلاف أسباب أو صفات. وأما لو قال أحدهما أشهد أن فلانًا أقر لفلان بألف بيعًا، وقال الثاني: أشهد بأن فلانًا أقر لفلان بخمسمائة إجارةً. يعني أن الأول شهد على عقد بيع، والثاني على عقد إجارةٍ. ففي هذه الحالة يعتبران شاهدين منفردين، ولا يكمل أحدهما الآخر، ولو في بعض المشهود به المتفق عليه، وهو الخمسمائة في هذه الحالة. انظر مغ ج 12 (ص: 156).

باب في شهادة الوصي علي أو للموصي عليهم

باب في شهادة الوصي علي (¬1) أو للمُوصَي عليهم مسألة (1609) جمهور أهل العلم على أن شهادة الوصي لمن هو موصى عليهم لا تجوز إذا كانوا لا زالوا تحت حجره. وهو قول الشعبي والثوري ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وابن أبي ليلى. وهو مذهب أحمد. وقال شريح وأبو ثور: تجوز إذا كان الخصم غيره. مغ ج 12 (ص:160). باب في اليمين تتوجه على المُدَّعَى عليه هل يشترط أن يكون بينه وبين الَمدعِّي خلطةٌ؟ مسألة (1610) جمهور العلماء من السلف والخلف على أن اليمين تتوجه على المُدَّعَى عليه إذا ادُّعِىَ عليه حق وإذا عدم المدَّعِي البينةَ. ولا يشترط أن يكون بين المدَّعِي والمدَّعَى عليه سابق خلطة. وهو مذهب الشافعي. وقال مالك وجمهور أصحابه، وفقهاء المدينة السبعة: أن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبين المدَّعِي خلطة (¬2). شرح ج 12 (ص:3). * * * ¬

_ (¬1) أما شهادته عليهم: فحكى الموفق عدم العلم بالمخالف فيها. قلت: كان من المناسب أن توضع هذه المسألة في فصل من ترد شهادته لتهمة جلب نفع أو دفع ضرر؛ كالصديق والعدو والزوج وشبه ذلك. انظر مغ ج 12 (ص:160). (¬2) قال النووي في تعليل مذهب مالك: لئلا يبتذلَ السفهاءُ أهل الفضلِ بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد. فاشترطت الخلطة دفعًا لهذه المفسدة. قال -رحمه الله-: واختلفوا في تفسير الخلطة. فقيل: هي بمعرفته بمعاملته ومدينته (مداينته) أبشاهد أو بشاهدين. وقيل: تكفي الشبهة. وقيل: هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله. وقيل: أن يليق به أن يعامله بمثلها. اهـ. انظر شرح ج 12 (ص: 3).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب الدعاوى والبينات

كتاب الدعاوي والبينات

كتاب الدَّعَاوَي والبينَات باب في الُمدَّعِي والُمدَّعَى عليه يقيمان البينة مسألة (1611) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أنه لو ادعى رجل على رجل استحقاق شيءٍ في يد المُدَّعَى عليه، فأقام كل منهما بينة على استحقاقه للمتنازع فيه، فإن بينة المُدَّعَى عليه تقدم على بينة المُدّعِي، وبه يقول شريح والشعبي والنخعي والحكم والشافعي وأبو عبيد، وقال: هو قول أهل المدينة وأهل الشام، وروي هذا عن طاوس. وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور إذا ما أفادت بينة المُدَّعَى عليه سبب الملك وذلك فيما يكون فيه نتاج أو نساج لا يتكرر. وأما فيما فيه تكرار نسج ونتاج؛ كالصوف والخز فلا تسمع فيه يينة المدعي عليه بحال. وروي عن أحمد مثل هذا القول مطلقًا من غير تقييد أعني تقديم بينة المدعى عليه إذا أفادت بينته سبب الملك. وقال أحمد في المشهور عنه: تقدم بينة المُدَّعِي على بينة المُدَّعَى عليه مطلقًا. وبه قال إسحاق (¬1). مغ ج 12 (ص: 167) الحاوي ج 17 (ص: 303). باب في المُدَّعِي يقيم البينة وحده. هل يستحلف مع بينته؟ مسألة (1612) جمهور العلماء وأهل الفتيا على أن المُدَّعِي لو أقام البينة على صحة دعواه، ولم يكن للمُدَّعَى عليه بينة قضى للمُدَّعِى ببينته من غير أن يُسْتَحلَف. وبه يقول الزهري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وهو مذهب أحمد. وقال شريح وعون بن عبد الله والنخعي والشعبي وابن أبي ليلى: يستحلف الرجل مع بينته. قال شريح لرجل: لو أَثْبَتَّ عندي كذا وكذا شاهدًا (يعني بشهادة الشهود) ماقضيت لك حتى تحلف. مغ ج 12 (ص: 168) الحاوي الكبير ج 17 (ص: 308). ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة بداية ج 2 (ص: 572).

باب في الدار في يد رجلين يدعي أحدهما كلها والثاتي نصفها

باب في الدار في يد رجلين يدعي أحدهما كلها والثاتي نصفها مسألة (1613) عامة أهل العلم على أن الدار إذا كانت تحت يد رجلين فادعى أحدهما ملك الدار كلها، وادعى الثاني مِلكَ نصفها، ولا بينة لواحد منهما فهي يينهما نصفين، وحكى عن ابن شبرمة أن لمن ادعاها كلها ثلاثة أرباعها والربع للثاني. مغ ج 12 (ص: 177). باب في الزوجين يتنازعان في البيت وليس لهما بينة (¬1) باب في الرجل يمنع من حقه ولا بينة له هل يأخذ حقه بغير إذن؟ (¬2) مسألة (1614) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن من كان له حق عند فلان وعجز عن استيفائه لجحد مَنْ أخذ منه المال ولا بينة لصاحب الحق وكان ممتنعًا مَنْ عليه الحق في إجابته للحاكم، فإنه يجوز له أن يأخذ منه قدر حقه بغير إذنه إذا كان المأخوذ من جنس حقه ما لم يكن عَرَضًا وما لم يكن لآخذ الحق مدينًا لأحد سوى طالب ¬

_ (¬1) أما إذا كان لأحدهما بينة حكم بها بدون خلاف يعلم. مغ ح 12 (ص: 225). وأما إذا لم يكن لأحدهما بينة فلا إجماع في هذه المسألة ولا قول للجمهور لكني جعلت لها بابًا على حدة؛ لأنها من أمهات مسائل الفقه. والأصل في كتاب البينات والدعاوى أن من أدعى على فلان شيئًا فعليه البينة وإلا، فاليمين علي المدَّعَى عليه، وكل من ادعى استحقاق ملك شيء في يد غيره ولا بينة له فالقول قول مَنْ الملكُ في يده مع يمينه. والأصل في هذا الباب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على من أنكر" رواه مسلم. فإذا عدنا إلى مسألة متاع الزوجين فقد اختلف الفقهاء إذا عدمت البينة فقال بعضهم ما كان يصلح للرجال فهو للزوج وما كان يصلح للنساء فهو للزوجة وما كان يصلح للجنسين فهو بينهما وبه يقول أحمد. وقال أبو يوسف: القول قول المرأة فيما جرى العرف أنه جهاز مثلها. وقال مالك: ما صلح لكل جنس فهو له. وما صلح للجنسين فهو للرجل. وقال الشافعي وزفر وعثمان البتي: ما في البيت بينهما نصفين مع اليمين. وهو مروي عن عبد الله بن مسعود. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن بالتفصيل من حيث وجود يد كل منهما على المتاع حكمًا أو حِسًّا ومشاهدة. فما كان لأحدهما من طريق المشاهدة، فهو له مع اليمين وإذا كان يصلح لهما معًا ويدهما عليه من طريق الحكم فهو للرجل مع يمينه. انظر في هذا وما ذكرته في هذه الفقرة. مغ ج 12 (ص: 225) (ص: 193). الحاوي ج 17 (ص: 291). (¬2) اتفق العلماء على أن الذي عليه الحق لو كان مقرًّا بما عليه باذلًا له، فإنه لا يجوز لصاحب الحق أن يأخذ حقه منه بغير إذنه. وكذلك إن كان مانعًا للحق بعذر شرعي، كالتأجيل المتفق عليه أو الإعسار الثابت عند الحاكم أو عند صاحب الحق أو كان غير ذلك من الأعذار المشروعة فليس لصاحب الحق أن يأخذ حقه منه إلا بإذنه.

باب في المدعى عليه يأبي أن يحلف هل يحكم للمدعي بالنكول

الحق. وبه يقول أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والشافعي وهو وجه في المذهب الحنبلي خرجه أصحاب الحديث في المذهب وأبو الخطاب. وهو ما يدل عليه قول أحمد في غير هذه المسألة (¬1). وقال الموفق: المشهور في المذهب أنه ليس له أخذ قدر حقه، وهو إحدى الروايتين عن مالك. مغ ج 12 (ص: 229). باب في المُدَّعَى عليه يأبي أن يحلف هل يُحْكَمُ للمُدَّعِي بالنكول (¬2) مسألة (1615) أكثر الفقهاء على أن المدعى عليه إذا نكل (امتنع) عن اليمين؛ فإنه لا يُحْكمُ (يُقضى) للمّدَّعِي بمجرد نكوله، بل ترد اليمين إلى المدَّعِي؛ فإذا حلف حكم له، وبهذا الذي قلناه قال شريح والشعبي والنخعي ومحمد بن سيرين والشافعي ومالك في الأموال خاصةً (¬3). وقد صَوَّبَ قول الأكثرين أحمد فيما روي عنه فقال: ما هو ببعيد يحلف ويستحق هو قول أهل المدينة. نقله عنه أبو الخطاب. واختاره وهو قول ابن أبي ليلى في غير التهمة وإلا فلا. وقال أحمد في المنصوص عنه: أنه يُحكم للمدعِي بنكول المُدّعَى عليه في الأموال وما قصد به المال. وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى فيما كان مالًا بأن يقال له ثلاثًا إن حلفت، وإلا قضيت عليك. قال أبو حنيفة: ولا أحكم عليه بالقتل بالنكول. وخالف أبو يوسف أبا حنيفة فحكم عليه في القتل بالدية دون القود بالنكول. وحكم عليه فيما دون النفسى بالقود إذا نكل. وإن كانت الدعوى في نكاح أو طلاق أو عتق أو نسبٍ لم يوجب على المُنْكِرِ اليمين. ولم يحكم عليه بالنكول (¬4). الحاوي الكبير ج 17 (ص: 140). ¬

_ (¬1) هذا الذي ذكرته، في هذه المسألة هو الحد المتفق عليه بين الأكثرين، وبعضهم توسع في المسألة، فأجاز الأخذ حتى ولو كان المأخوذ من غير جنس حقه إذا اجتهد أن يأخذ قيمته وهو قول الشافعي وأصحاب الحديث في مذهب أحمد. (¬2) النكول هو امتناع المُدعَى عليه عن اليمين. (¬3) أما في غير المال مما لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين؛ كالنكاح والطلاق والعتاق والقتل؛ فقال مالك: حبسته حتى يحلف أويُقِرَّ. (¬4) انظر في هذه المسألة مغ ج 12 (ص: 123). بداية ج 2 (ص: 567).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب العتق

كتاب العتق

كتاب العتق (¬1) باب فيمن قال لعبده أنت ابني مسألة (1616) جمهور العلماء بل عامتهم على أن من قال لعبده إذا كان أكبر منه أو لا يولد لمثله أنت ابني؛ لم يعتق ولا يلحقه نسبه وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن حكاه عنهما ابن المنذر. وقال أبو حنيفة: يعتق. وجعله أبو الخطاب وجهًا في المذهب الحنبلي. وهو قول زفر. قال ابن المنذر: هذا من قول النعمان شاذ لم يسبقه إليه أحد ولا تبعه أحد عليه (¬2). مغ ج 11 (ص: 237) بداية ج 2 (ص: 442). * * * ¬

_ (¬1) العتق أصله من الخلوص والبيت العتيق البيت الخالص لله وخمر مُعَتَّقَةٌ أي خالصة، وأعتق فلان فلاناً إذا خلصه من الرِّق. والعتق مجمع على جوازه واستحبابه وينقسم كالطلاق إلى صريح وكناية ويحصل بالقول والمِلْكِ والاستيلاد؛ فالقول أن يعتق فلاناً بقوله: أنت حر وبالملك كالرجل يملك أباه فيعتق عليه بمجرد ملكه والاستيلاد بأن يطأ السيد أمتهُ فتأتي منه بالولد فإذا مات السيد أعتقت. (¬2) قلت: قد بينت في تعليقي على المغني وجه قول أبي حنيفة -رحمه الله-. وسأذكر هذا في شرحي لهذه الموسوعة إن شاء الله تعالي. انظر الإشراف ج 2 (ص: 309).

فصل في من يصح منه العتق

فصل في من يصح منه العتق (¬1) باب في الحربي يعتق عبده هل يصح؟ مسألة (1617) جمهور العلماء على صحة عتق الحربي، إذا كان بالغًا عاقلًا رشيدًا. وقال أبو حنيفة: لا يصح عتقه. مغ ج 12 (ص: 238). باب في عتق المحجور عليه مسألة (1618) جمهور العلماء على أن العتق من المحجور عليه لا يصح في أحد من عبيده وقال مالك يصح عتقه لأم ولده، وبه قال أكثر أصحاب مالك وأحمد في رواية (¬2). بداية ج 2 ص 435. باب فيمن ضرب عبده ضربّا مبرحّا أومثَّل به (¬3) هل يعتق عليه؟ مسألة (1619) جمهور العلماء على ان من ضرب عبده ضربًا فأتلف شيئًا منه أو مثَّل به كأن جدع أنفه أو نحو ذلك، فإنه لا يعتق عليه لكن يضمن سيده ما نقص من قيمته لو كان لغيره. وبعدم عتق العبد بما ذكرناه سواء كان عبده أو عبد غيره، قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك وأصحابه والليث بن سعد: يعتق عليه إذا كان عبده. ويكون له ولاؤه ويعاقبه السلطان. (يعني يعاقب السلطان السيَّدَ). وشذ الأوزاعي فقال: يعتق عليه أو على غيره إذا كان عبدًا يضره. قلت: ومن لازم قول الأوزاعي أن يضمن من تعدى على عبد غيره قيمة العبد لسيده. الإشراف ج 2 (ص: 308) شرح ج 11 (ص: 127) بداية ج 2 (ص: 438) (حكايته مذهب الجمهور في الضمان). ¬

_ (¬1) اتفقوا على صحة عتق البالغ الرشيد الصحيح العاقل ذي الملك التام سواء كان مسلمًا أو ذميًّا. انظر مغ ج 12 (ص: 238). (¬2) انظر مغ ج 12 (ص: 238). (¬3) أما الضرب الخفيف؛ كاللطمة ونحوها لا تتلف عضوًا ولا تحدث عاهةً فالإجماع حاصل على أنه لا يعتق العبد بشيء مثل هذا على سيده. حكى الإجماع النووي. انظر شرح ج 11 (ص: 127).

باب في عتق المريض مرض الموت

باب في عتق المريض مرض الموت مسألة (1620) جمهور العلماء على أن المريض مرض الموت إذا أعتق ثم مات خرج عتقه من ثلث ماله وإذا صح من مرضه فعتقه من كل ماله كالصحيح (¬1). وقال أهل الظاهر: عتق المريض في مرض الموت؛ كعتق الصحيح. بداية ج 2 ص 435. باب في الثلاثة يشتركون في العتق وأحدهم موسر أو كلهم معسرون مسألة (1621) أكثر أهل العلم على أنه لو كان لثلاثة معسرين عبد أو كان اثنان منهم معسرين، والثاني موسر وأعتقوه واحداً بعد واحدٍ، فإنه يعتق على كل واحدٍ منهم حقه فيه وله ولاؤه. وحكى ابن المنذر قولين شاذين فيما إذا أعتق المعسر نصيبه. الأول: باطل ولا يصح العتق. الثاني: يعتق كله وتكون قيمة نصيب الذي لم يعتق في ذمة المُعتِق يتبع بها إذا أيسر. قال الموفق: وهذان القولان شاذان لم يقلهما من يحتج بقوله ولا يعتمد على مذهبه. مغ ج 12 (ص: 240). باب في العتق بسبب القرابة مسألة (1622) جمهور العلماء بل عامتهم على أن التملك الطارئ للقرابة سبب من أسباب العتق وعامتهم بل كلهم (أعني الجمهور) على أن مَنْ ملك وَلَدَهُ أو وَالِدَهُ، فإنهما يعتقان عليه بمجرد المِلْكِ. قال ابن المنذر: وهذا قول كل من نحفظ عنه من أهل العلم إلا رجلًا (أبهم ابن المنذر اسمه لنكارة قوله) كان في زماننا، فإنه بلغني عنه أنه قال: لا يعتق عليه الوالد والولد. إلا أن يعتقه المالك الذي اشتراه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 12 (ص: 273). (¬2) هذا الرجل الذي عرَّض به ابن المنذر. هو أبو سليمان داود بن عليٍّ الأصبهاني إمام أهل الظاهر. صرح به ابن رشد في البداية وغيره. انظر بداية ج 2 (ص: 439). قلت: وحكى ابن رشد هذا القول عنه وعن أصحابه. قلت: والجمهور على أن المعتقين بالملك هم الآباء ذكورًا وإناثًا وإن علوا، يعني الأجداد والجدات =

باب في الشركاء في العبد يعتق أحدهم نصيبه وهو موسر

الإشراف ج 2 (ص: 277). بداية ج 2 (ص: 439) شرح ج 10 (ص: 153). باب في الشركاء في العبد يَعْتِقُ أحدهم نصيبه (¬1) وهو موسر مسألة (1623) جمهور من بلغنا قوله من أهل لعلم على أن من أعتق وهو موسر نصيبه في عبد بين شركاء؛ فإن جميع العبد يكون حرًّا وعلى المعتق قيمة حصص شركائه في العبد. والولاء للمعتق. وبه يقول ابن أبي ليلى ومالك وابن شبرمة والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد وإسحاق. وهو المعتمد في مذهب أحمد (¬2). قلت: والذكر كالأنثى عند الجمهور خلافًا لإسحاق حصره في الذكر، وقال عثمان البتي: لا يعتق إلا حصة المعتق ونصيب الباقين باقٍ على الرق ولا شيء على المعتق. ¬

_ = لأب أو لأم والبنون وإن سفلوا. وهو قول مالك والشافعي وابن النذر وسائر أهل العلم إلا داود. وأما ما سوى هؤلاء من القرابة فقد نقل الخلاف فيهم ابن النذر وغيره. وحاصله: أن جماعة قالوا بعتق كل ذي رحم محرم، وهو قول عطاء والشعبي والحسن يعني كالعم والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت. وقال آخرون: يعتق كل ذو رحم محرم ذكرًا كان أو أنثى. فأما الإناث فواضح أمرهم وأما الذكور فمعناه أن لو كانوا إناثًا حرم نكاحهم. وهو قول أصحاب الرأي وإسحاق ونحوه عن أحمد، وقالت طائفة: لا يعتق إلا الوالد والولد أصولًا وفروعًا، وبه قال مالك والشافعي والمزني. روي عن مالك في الإخوة شيئًا بنحو الأصول والفروع حكاه ابن رشد وابن النذر عنه. انظر الإشراف ج 2 (ص: 278). بداية ج 2 (ص: 439). (¬1) لا خلاف بين أهل العلم أن من أعتق نصيبه في عبد بين شركاء، فإن نصيبه يعتق، لكن الخلاف هل يسري العتق إلى باقي العبد أم لا وهي مسألة الكتاب. انظر مغ ح 12 ص 242 قلت: وحكى الإجماع النووي وذكر خلافًا شاذًا لربيعة نقله عنه القاضي عياض في أن نصيب المُعْتِقِ لا يعتق موسرًا كان أو معسرًا. قال النووي: وهذا مذهب باطل مخالف للأحاديث الصحيحة كلها والإجماع. قلت: وقد ذكر النووي أربعة مذاهب أخرى غير التي ذكرتها في أصل المسألة انظرها هناك. شرح ج 10 (ص: 138). وأما إذا كان المعتق لنصيبه معسرًا حال عتقه، ففي المسألة خلاف، أحدهما: مذهبان: الأول: ينفذ العتق في نصيب المعتق ويبقى نصيب غيره على الرق ولا يلزم المعتق شيء ولا العبد بالسعاية. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وآخرون. الثاني: ينفذ العتق في حصة المعتِقِ ويستسعى العبد في حصة الشريك وإليه ذهب ابن شبرمة والأوزاعي. وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وسائر الكوفيين وهو مذهب إسحاق بن راهويه. على اختلاف بين هؤلاء في رجوع العبد من قيمته باستسعائه على معتقه، وهل يكون العبد في هذا الحال في حكم المكاتب. أم هو هو حرٌّ بالسراية (يعني سرى العتق إلى الحصة الباقية باستسعائه). انظر شرح ج 95 (ص: 138). (¬2) وأما لو أعتق بقية الشركاء حصصهم قبل أن يقبضوا قيمة حصصهم ممن أعتق أولًا فلا حق لهم في عتق ولا ولاء وذلك لحصول كل العتق بإعتاق الأول، وبه يقول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه. وهو اختيار المزني. وقال الزهري وعمرو بن دينار ومالك والشافعي في قوله الآخر: لا يعتق إلا بدفع القيمة. قال الموفق: وهو مقتضى قول أبي حنيفة. قلت: والمعتمد في مذهب أحمد الأول. انظر مغ ج 12 (ص: 244).

باب في من أعتق بعض عبده ولا شركاء معه

وقال أبو حنيفة: لا يعتق إلا حصة المعتق، ولشريكه الخيار في ثلاثة أشياء. إن شاء أعتق. وإن شاء استسعى، وإن شاء ضمن شريكه فيعتق حينئذٍ (¬1). مغ ج 12 (ص: 242) فتح ج 10 (ص: 242) شرح ج 10 (ص: 137). باب في من أعتق بعض عبده ولا شركاء معه مسألة (1624) جمهور العلماء على أن من صح منه العتق؛ فأعتق بعض عبده الذي لا يملكه غيره، فإن جميع عبده يعتق. روي ذلك عن عمر وابنه رضي الله تعالى عنهما. وبه قال الحسن والحكم والأوزاعي والثوري والشافعي. قال ابن عبد البر: عامة العلماء بالحجاز والعراق، قالوا: يعتق كله إذا أعتق نصفه. قلت: وهو قول أحمد. وقال طاوس: يعتق ما أعتق ويرق ما بقي. وروى نحوه عن مالك. وحكىِ النووي نقلًا عن القاضي عياض عن أهل الظاهر والشعبىِ وعبد الله بن الحسن العنبري أن للسيد أن يعتق ما شاء من عبده. وقال حماد وأبو حنيفة: يعتق منه ما أعتق ويسعى في باقيه، وروي عن طاوس وربيعة وحماد وكذلك الحسن كقول أبي حنيفة، حكاه القاضي عياض ونقله عنه النووي. وقال: وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى أنه ليس عليه سعاية (¬2). مغ ج 12 (ص: 244) بداية ج 2 (ص: 437). فتح ج 10 (ص: 247). شرح ج 15 (ص: 138). باب في الأمة بين الشريكين يطؤها أحدهما (¬3) مسألة (1625) أكثر أهل العلم على أنه لا حَدَّ على من وطأ جاريةً، إذا كانت ¬

_ (¬1) انظر بداية ج 2 (ص: 435). الحاوي ج 11 (ص: 5) فتح ج 10 (ص: 247) قلت: والسعاية معناها أن يترك السيد عبده يسعى ويرتزق حتى يفك بقية حصته من سيده. (¬2) وسواء عند الجمهور أن يعتق نصفه أو ثلثه أو عشره، فإن العتق يسري إلى باقيه، وإن أعتق جزءًا معينًا كرأسه أو رجله فهو كالأول كذلك. وهو قول قتادة والشافعي وإسحاق. وهو مذهب أحمد. وقال أصحاب الرأي: إذا أعتق ما لا تصح الحياة إلا به عتق كله كرأسه وجسده وقلبه، إلا فلا. انظر مغ ج 12 (ص: 254). (¬3) لا خلاف يعلم بين أهل العلم في تحريم وطء الجارية المشتركة بين سيدين. وأنه يُعَزَّرُ عند الجمهور بذلك. انظر مغ ج 12 (ص: 315).

باب في الرجل يعتق في مرض موته أو يوصي بعتق ما يجاوز الثلث من ماله

مشتركة بينه وبين غيره في الملك. وقال أبو ثور: بل فيه الحد. مغ ج 12 (ص: 265). باب في الرجل يعتق في مرض موته أو يوصي بعتق ما يجاوز الثلث من ماله (¬1) باب فيمن دبَّر (¬2) بعض عبده وكان ثلث ماله يفي بحل عبده مسألة (1626) أكثر الفقهاء على أن من دبر بعض عبده، وكان ثلث ماله يفي بقيمة العبد كله؛ فإن العتق يسري إلى كل العبد ويكون حرًّا. وبه يقول أحمد في رواية والشافعي في قول. ¬

_ (¬1) هذه مسألة مهمة من أمهات مسائل الفقه الإسلامي المتعلقة بأحكام الصيد والوصايا والطلاق والعتاق وغير ذلك؛ لأن مدرك الخلاف فيها مبني على جور استعمال القرعة أو عدم جوازها إذا تساوى في الحق من وقع عليه طلاق أو عتاق وشبه ذلك، ولأن المسألة فيها حديث ثابت صحيح، فإنها تمثل نموذجًا لخلاف الجمهور من الفقهاء والأصوليين من الأخذ بالأخبار الثابتة والتوفيق بينها وبين الأصول والقواعد الثابتة، إذا كان بين الأمرين ما ظاهره التعارض في مقابل قول الأحناف وجماعة من فقهاء العراق والحجاز في تقديم الأصول والقواعد الثابتة، وطرح ما عارضها من أخبار الآحاد ولو كانت ثابتة صحيحة. قلت: وقد ذكرت أصل هذه المسألة في كتاب الوصايا من أن قول الجمهور هو أن العتق في مرض الموت يخرج مخرج الوصية، وذكرنا هناك خلاف مسروق التابعي -رحمه الله- تعالى. فإذا عدنا للمسألة فقد اختلف الفقهاء فيها على مذهبين رئيسين: الأول: أن من أعتق في مرض موته أو أوصى بعتق أو دبر؛ فإن ذلك يخرج من الثلث. فإن كان الذي أعتقه أو أوصى به أو دبره يفي به الثلث من ماله نفذ ذلك كله، وإلا بأن جاوز الثلث وكانوا عبيدًا أعتق ثلثهم ورق ثلثيهم وذلك عن طريق الاقراع، وهذا إذا وقع الإعتاق دفعة واحدة، وبه يقول عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان ومالك والشافعي وإسحاق وداود وابن جرير الطبري وأحمد. وقال آخرون: بل يعتق من كل عبد ثلثه ويستعسى في باقيه، وأنكر أبو حنيفة وأصحابه القرعة وروي نحو هذا القول عن سعيد بن المسيب وشريح والشعبي والنخعي وقتادة وحماد. انظر في هذه المسألة مغ ج 12 (ص: 273). بداية ج 2 (ص: 441). الحاوي ج 18 (ص: 34). الإشراف ج 2 (ص: 305). (¬2) التديير أن يقول السيد لعبده أنت حر إذا أنا متُّ أو إذا أنا متُّ فأنت حرٌ. وستأتي مسائله في كتاب التدبير إن شاء الله تعالى. ومسألة الكتاب فيما إذا كان ثلث مال السيد يفي بقيمة كل العبد وإلا بأن كان ثلث مال السيد لا يفي إلا بالبعض المدَّبِر عتق المدبَّر منه وحسب، ولا يسري العتق إلى باقيه. انظر مغ ج 12 (ص: 285).

باب في الرجل يعتق عبده وله مال

وقال أحمد في رواية: لا يكمل فيه العتق. مغ ج 12 (ص: 285). باب في الرجل يعتق عبده وله مال (¬1) * * * ¬

_ (¬1) يعني وللعبد مالٌ، اختلف الفقهاء في هذه المسألة. قال كثيرون: المال لسيده روي هذا عن ابن مسعود وأبي أيوب وأنس بن مالك - رضي الله عنه -، وبه قال قتادة والحكم والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وروي ذلك عن عثمان البتي وحماد وداود بن أبي هند وحميد. وقال الآخرون: المال تابع للعبد، وبه قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك وأهل المدينة. انظر مغ ج 12 (ص: 290).

فصل في تعليق العتق

فصل في تعليق العتق باب في الرجل يعلق عتق عبده على شرط ثم يخرج عن ملكه ببيع ونحوه (¬1) مسألة (1627) جمهور العلماء على أن من علق عتق عبده على شرط ثم باعه قبل وقوع الشرط أو وهبه، فإن وقع الشرط بعد ذلك، فإن البيع لا ينفسخ ولا تبطل الهبة ولا يعتق العبد. وبه يقول أبو حنيفة والشافعي. وهو مذهب أحمد، وقال النخعي وابن أبي ليلى: ينتقض البيع ويعتق العبد. مغ ج 12 (ص: 292). باب في من علق عتق عبده على شرط لا زمان له معين مسألة (1628) جمهور أهل العلم على أن من أعتق عبده على شرط من غير أن يعين زمانًا كان يقول له أنت حرٌّ إن لم أضربك عشرة أسواط أو نحو ذلك، فإنه لا يعتق حتى يموت سيده، فإذا باعه قبل ذلك صح البيع ولم ينفسخ، وقال مالك: ليس له بيعه، فإن باعه فسخ البيع. مغ ج 12 (ص: 292). باب في من أعتق كل ولد يولد له من أمته مسألة (1629) جمهور العلماء على أن من قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته، وبه يقول مالك والشافعي والأوزاعي والليث والثوري. قال ابن المنذر: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم (¬2). مغ ج 12 (ص:302). * * * ¬

_ (¬1) ولا خلاف يعلم بين أهل العلم أنه إذا تحقق الشرط وكان العبد لا يزال في ملكه فإنه يعتق. انظر مغ 12 (ص: 292). (¬2) لم يتبين لي بعد من خالف في هذه المسألة ولا إخالها إلا من مسائل الاتفاق.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب التدبير

كتاب التديير

كتاب التديير (¬1) باب في المدبر إذا أعتق هل يخرج من رأس المال أم ثلثه؟ مسألة (1630) جمهور العلماء على أن المدبر إذا أعتق بموت سيده؛ فإنه يخرج من ثلث ماله. روي ذلك عن عليٍّ وابن عمر رضي الله تعالى عنهم. وبه قال شريح وابن سيرين والحسن وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وقتادة وحماد ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وهو مذهب أحمد. وقالت طائفة: بل يعتق من رأس المال، روي هذا عن ابن مسعود ومسروق ومجاهد والنخعي وسعيد بن جبير، وبه قال حماد بن أبي سليمان والحكم بن عتيبة وداود، وحكاه النووي عن الليث وزفر، فالله تعالى أعلم. مغ ج 12 (ص: 308) الحاوي الكبير ج 18 (ص: 105) بداية ج 2 (ص: 462). شرح ج 11 (ص: 142). باب في بيع المدبر هل يجوز؟ (¬2) ¬

_ (¬1) الإجماع منعقد على جواز التدبير وهو أن يعلق السيد عتق عبده على موته، فإذا مات السيد أعتق العبد وألفاظه أنت حر على دبر مني أو إذا متُّ فأنت حرٌّ. انظر بداية ج 2 (ص: 460) مغ ج 12 (ص: 307). قلت: وأما إذا قال له: دبرتك. فهل يصير مدبرًا بنفس اللفظ أم لابد له من نية في المسألة خلاف. انظر مغ ج 12 (ص: 307) الحاوي ج 18 (ص: 104). (¬2) هذه أشهر مسألة في كتاب التدبير، بل هي من أشهر مسائل الفقه فيما له علاقة بالعبيد وأحكامهم، وقد اختلف الفقهاء في نسبتها إلى الجمهور وأكثر أهل العلم قديمًا بدءًا من زمان الشافعي -رحمه الله- تعالى. فقد ادعى من نازع الشافعي -رحمه الله- في هذه المسألة أن أكثر الفقهاء على عدم جواز البيع، فرد عليه الشافعي بقوله: بلى. قول أكثر الفقهاء أن يباع، ونقل النووي عن الجمهور المنع من بيعه مطلقًا. وحكاه عنه الشوكاني. ذكر هذا النووي في شرح صحيح مسلم في باب جواز بيع المدبر. قلت: والذي ظهر لي أن هذه المسألة ليس فيها قول للجمهور، وإنما قال بكلا القولين قول فيها طائفة كثيرة من الفقهاء، وذلك لقلة ما جاء فيها من أخبار ولخفاء مدرك الجواز وعدمه. فقالت طائفة يجوز ييع المدبر مطلقًا. بحاجة وبغيرها حاجةٍ. منهم جابر بن عبد الله وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وهو قول عمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس ومجاهد ومحمد بن المنكدر، وحكاه الشافعي عن أكثر التابعين وقال به أبو ثور وإسحاق وأحمد في =

باب في المدبرة الأمة هل تختلف عن المدبر في البيع

باب في المدبرة الأمة هل تختلف عن المدبر في البيع مسألة (1631) جمهور الفقهاء بل عامتهم على أنه لا فرق في حكم بيع المدبر بين أن يكون عبدًا وبين أن يكون أمة. وفرق أحمد يينهما في رواية فمنع بيع المدبرة مطلقًا في الدين وغيره (¬1). مغ ج 12 (ص: 318). باب في الُمدَبَّرة الحامل هل يتبعها ولدها في العتق؟ مسألة (1632) جمهور العلماء على أن المدبرة إذا حملت بعد (¬2) تدبير سيدها لها؛ فإن ولدها يتبعها في التدبير ويعتق بموت السيد، كما تعتق أمه سواء بسواء. روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر. وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاسم ومجاهد والشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد. والشافعي في أحد قوليه. وقالت طائفة قليلة لا يتبع الولد أمه في التدبير، إلا أن يذكره السيد عند تدبيره. وهو قول جابر بن زيد وعطاء والشافعي في قوله الآخر (¬3) وروي نحو هذا عن مكحول. مغ ج 12 (ص: 323) بداية ج 2 (ص: 463). باب وطء المدبرة هل يجوز للسيد ذلك؟ مسألة (1633) جمهور العلماء على أن للسيد وطأ أمته المدبرة. روي هذا عن ابن عمر رضىِ الله تعالى عنهما من فعله. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من ¬

_ = الصحيح عنه. وكره بيعه طائفة منهم ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وابن سيرين والزهري والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وأصحاب الرأي ومالك. وروي عن مالك وأحمد جواز بيعه في الدَّيْنِ والحاجة. انظر في هذه المسأله الشهيرة مغ ج 12 (ص: 316). الحاوي ج 18 (ص: 102). بداية ج 2 (ص: 462). معرفة السنن ج 7 (ص: 528). نيل الأوطار ج 6 (ص: 213). فتح ج 10 (ص:259). شرح ج 11 (ص:141). (¬1) قال الموفق: والظاهر أن هذا المنع منه كان على سبيل الورع، لا على التحريم البات، فإنه إنما قال: لا يعجبني بيعها. مغ ج 12 (ص:318). (¬2) أما لو كانت حاملًا أثناء تدبيرها والسيد يعلم هذا، فلا خلاف يعلم أن ولدها يتبعهما في التدبير. مغ ج 12 (ص: 323). (¬3) انظر الحاوي ج 18 (ص: 127).

قوله. وبه يقول سعيد بن المسيب وعطاء والثوري والنخعي ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وسائر الفقهاء إلا من سنحكي عنهم خلاف ذلك. وروي عن ابن شهاب الزهري المنع من ذلك. قال أحمد: لا أعلم أحدًا كره ذلك غير الزهري، وحُكي عن الأوزاعي جواز وطئها إذا كان سيدها يطأها قبل التدبير وإلا فلا (¬1). مغ ج 12 ص 328 بداية ج 2 ص 463. * * * ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة. الحاوي ج 18 (ص: 126).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب المكاتب أو المكاتبة أو الكتابة

كتاب المكاتب أو المكاتبة أو الكتابة

كتاب المكاتب أو المكاتبة أو الكتابة (¬1) باب في حكم المكاتبة إذا سأل العبد سيده ذلك مسألة (1634) جمهور العلماء على أن العبد إذا سأل سيده أن يكاتبه، فإنه يندب للسيد إجابته لذلك ندبًا شديدًا ولا يجب عليه ذلك، وبه يقول الحسن والشعبي ومالك والثوري والشافعي وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وهو ظاهر مذهب أحمد. وقال عطاء والضحاك وِعمرو بن دينار وداود: إذا سأل العبد الصدوق القادر على الاكتساب سيده الكتابة وجب عليه: أن يجيبه إليها وروي هذا عن أحمد. وقال إسحاق: أخشى أن يأثم إن لم يفعل. مغ ج 12 (ص: 339) الحاوي ج 18 (ص: 142) بداية ج 2 (ص: 444) القرطبي ج 12 (ص: 245). باب المكاتب إذا بقي عليه شيء من مال المكاتبة مسألة (1635) جمهور العلماء على أن العبد المكاتب يبقى عبدًا ما بقي عليه درهم من مكاتبته لم يؤده لسيده. روي هذا عن عُمَرَ وابنه وزيد بن ثابت وعائشة رضي الله تعالى عنهم وسعيد بن المسيب والزهري. وبه قال القاسم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وقال عليٌّ: يعتق منه بقدر ما أدى. وروى عن عمر وعلي وابن الزبير إذا أدى الشطر فلا رق عليه ويبقى ما عجز عنه من ذمته لسيده. وروي هذا عن النخعي. وروي عن شريح إذا أدى ثلث كتابته عتق وكان غريمًا بالباقي. وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: إذا أدى قدر قيمته فهو غريم. وقضى به شريح. ¬

_ (¬1) المكاتبة والكتابة هو تعاقد بين السيد وبين عبده على العتق مقابل عوض يؤديه العبد لسيده، وبموجب العقد يخلى بين العبد وبين السعي في تحصيل عوض كتابته، والإجماع منعقد على مشروعية المكاتبة. انظر مغ ج 12 (ص: 338). الحاوي ج 18 (ص: 140) بداية ج 2 (ص: 444).

باب في العبد يملك مالا يفي بكتابته هل يعتق في الحال

وقال الحسن: إذا عجز أستسعى بعد العجز سنتين (¬1). بداية ج 2 (ص: 449). القرطبي ج 12 (ص: 248). شرح ج 10 (ص: 142). باب في العبد يملك مالًا يفي بكتابته هل يعتق في الحال مسألة (1636) جمهور أهل العلم على أن العبد إذا ملك وفاء مكاتبته، فإنه لا يعتق بذلك، بل حتى يؤدي عوض مكاتبته. وقال أحمد في رواية: إذا ملك ما يؤدي عتق. مغ ج 12 (ص: 362). باب في المكاتب يموت ويترك ما يفي بكتابته (¬2) مسألة (1637) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المكاتب إذا مات وقد ترك مالًا يفي بكتابته، فإنه يموت حرًّا وبقي في ذمته لسيده وما بقي فلورثته. روي ذلك عن عليٍّ وابن مسعود ومعاوية. وبه قال عطاء والحسن وطاوسُ وشريح والنخعي والثوري والحسن بن صالح ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي ومعهم أبو حنيفة -رحمه الله- إلا أنه جعله حرًّا في آخر جزءٍ من حياته، وبالذي قلناه قال أحمد في رواية. وروي عن عمر وزيد بن ثابت - رضي الله عنهما - والزهري أنه يموت عبدًا وتنفسح الكتابة بموته وما ترك من مالٍ فهو لسيده. وبه قال إبراهيم وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشافعي وأحمد في رواية (¬3). مغ ج 12 (ص: 364) القرطبي ج 12 (ص: 253). باب في ولاء المكاتب لسيده مسألة (1638) جمهور الفقهاء على أن المكاتب إذا أعتق فإن ولاءه لسيده وهو ¬

_ (¬1) انظر مغ ج 12 (ص: 350) الحاوي ج 18 (ص: 179). قلت: واختار أبو الخطاب وأبو بكر والقاضي من الحنابلة إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الباقي عتق. مغ ج 12 (ص: 350). (¬2) أما إن مات ولم يترك وفاءً، ولم يكن قد أدى شيئًا من كتابته حيال حياته، فلا خلاف يعلم أنه يموت عبدًا وما ترك من مال فهو لسيده. إلا ما حكى عن مالك من أنه إن كان له مملوك من كتابته، وكان لهذا المملوك مال أجبر على دفعه لسيد المكاتب أو أجبر على السعي لتحصيل مال المكاتبة للعبد المكاتب. انظر مغ ج 12 (ص: 365) قلت: وفي المسألة تفصيل غير ذلك. انظر بداية ج 2 (ص: 452). (¬3) انظر في هذه المسألة الحاوي ج 18 (ص: 181) بداية ج 2 (ص: 452).

باب في سفر المكاتب

لعصباته من بعده دون أصحاب الفروض. وهو قول أحمد في رواية وإسحاق. وقال بعضهم: الولاء للرجال فقط. حكاه أحمد -رحمه الله-. وقال بعضهم: بل هو للرجال والنساء. وبه يقول طاوس والزهري، وهو اختيار الموفق ابن قدامة -رحمه الله-. مغ ج 12 (ص: 369). باب في سفر المكاتب مسألة (1639) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن السيد ليس له أن يمنع عبده المكاتب من السفر طويلًا كان أو قصيرًا. وبه يقول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة والشافعي في قول له. وبعض أصحابه جعلوا المسألة على حالين لا على قولين فإن كان السفر قصيرًا جاز وإلا فلا (¬1). مغ ج 12 (ص: 375) بداية ج 2 (ص: 455). باب في زواج المكاتب مسألة (1640) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن المكاتب ليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده. وهو قول الحسن ومالك والليث وابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف. وهو مذهب أحمد. وقال الحسن بن صالح: له ذلك (¬2). مغ ج 12 (ص: 317) بداية ج 2 (ص: 455). باب في وطء السيد أمته المكاتبة مسألة (1641) جمهور العلماء على أنه ليس للسيد وطء مكاتبته الأمة، وإذا وطئها ¬

_ (¬1) قلت: وأكثر هؤلاء يجعل الشرط بالمنع من السفر شرطًا باطلًا، وهو قول الحسن وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي وأبي حنيفة. مغ ج 12 (ص: 356). (¬2) انظر الحاوي خ 18 (ص: 184). قلت: وهل له أن يتسرى (يتملك أمةً للوطء) بغير إذن في المسألة خلاف أكثرهم على المنع. انظر مغ ج 12 (ص: 378) الحاوي ج 18 (ص: 185) وهل له أن يعتق عبده بغير إذن سيده؟ الأكثرون على المنع. وهو قول الحسن والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة، وهو المعتمد من مذهب أحمد. انظر مغ ج 12 (ص: 381) بداية ج 2 (ص: 454).

باب في من وطئ أمته المكاتبة بغير شرط. هل يقام عليه الحد؟

فقد ارتكب حرامًا سواء اشترط ذلك أم لم يشترط، والشرط في ذلك باطل. وبه يقول الحسن والزهري ومالك والليث والأوزاعي وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي. وقال سعيد بن المسيب: ليس له ذلك إلا أن يشترط. وهو المعتمد في مذهب أحمد وهو قول داود. وقال الشافعي كقول الجمهور إلا أنه جعل الشرط في ذلك مفسدًا للعقد وأبى ذلك مالكٌ. وحكى الموفق عن البعض أنه يجوز أن يطأها في الوقت الذي لا يشغلها فيه عن السعي. مغ ج 12 (ص: 388، 389) بداية ج 2 (ص: 455). باب في من وطئ أمته المكاتبة بغير شرط (¬1). هل يقام عليه الحد؟ مسألة (1642) جمهور العلماء على أن من وطئ أمته المكاتبة من غير أن يشترط عليها ذلك، فإنه قد ارتكب حرامًا يُغَّزرُ عليه ولا يُحَدَّ (¬2). وقال الحسن والزهري عليه الحد. مغ ج 12 (ص: 389) بداية ج 2 (ص: 456). باب في السيد يطأ أمته المكاتبة فيستولدها مسألة (1643) أكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن السيد إذا وطئ أمته المكاتبة فأتى منها بولد، فإن هذا الاستيلاد لا يبطل الكتابة، بل يبقى عقد الكتابة ساريًا وقد اجتمع لها سببان للعتق الكتابة وكونها أم ولد فأيهما سبق وقع العتق به. وبه يقول الزهري ومالك والثوري والليث والشافعي وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي، وابن المنذر وهو مذهب أحمد. وقال الحكم بن عتيبة: تبطل كتابتها به. مغ ج 12 ص 393. ¬

_ (¬1) أما إن إشترط ذلك ووطئها، فالقياس على قول من أبطل الشرط وأمضى العقد أن يكون فيه عين ما ذكر في هذه المسألة من التعزيز ورفع الحد. وعلى قول من أبطل الشرط والعقد معًا لا شيء عليه؛ لأنها عادت أمة له لا مكاتبة يينه وبينها. (¬2) ويجب لها المهر في قول الحسن والثوري والحسن بن صالح والشافعي سواء أكرهها أو طاوعته. وقال قتادة: يجب المهر بالإكراه لا بالمطاوعة. وقال مالك: لا يجب لها شيء. انظر مغ 12 (ص: 291).

باب في تنجيم العوض في الكتابة

باب في تنجيم (¬1) العوض في الكتابة مسألة (1644) أكثر أهل العلم على جواز عقد الكتابة على نجمٍ واحد إذا كان مؤجلًا (¬2) وقال الشافعي لا تصح إلا على ثلاثة أنجم فصاعدًا. قلت: والصحيح عنه على نجمين فصاعدًا (¬3). القرطبي ج 12 (ص: 247) شرح ج 1 (ص: 143). باب في السيد يكاتب عبيدًا في صفقة واحدة مسألة (1645) جمهور أهل العلم على أنه يجوز للسيد أن يكاتب أعْبُدًا له بصفقة واحدة بعوض واحد، فيقول كاتبتكم على ألف منجمة على كذا وكذا. وبه يقول عطاء وسليمان بن موسى وأبو حنيفة ومالك والحسن بن صالح وإسحاق والشافعي في المنصوص عنه، وهو مذهب أحمد (¬4). وقال بعض أصحاب الشافعي فيه قول آخر بعدم الجواز. مغ ج 12 (ص:476). * * * ¬

_ (¬1) يعني التقسيط بأن يكون العوض مقسطًا مجزءًا، وتسمى الأقساط نجومًا وأنجمًا واحدها نجم. ولا خلاف يعلم في أن عقد الكتابة عقد لازم لا يجوز فسخه قبل عجز العبد عن الوفاء. انظر ج 2 (ص: 415)، وكذلك لا يجوز فسخه من قبل العبد إذا أمهله سيده. حكى الإجماع في ذلك ابن المنذر مغ ج 12 (ص: 416). (¬2) أما إذا كانت الكتابة على عوض حالٍ غير مؤجل، فقد قال بالمنع في ذلك الشافعي وأحمد، وأجازها مالك وأبو حنيفة. انظر مغ ج 12 (ص: 346) القرطبي ج 12 (ص: 247). (¬3) انظر نص الشافعي في هذا الحاوي ج 18 (ص: 146). (¬4) وتقسم هذه الألف حصصًا عليهم كل حصة بقدر قيمة كلٍ منهم عند العقد وهذا قول الأكثرين ممن ذكرنا، وقال أبو بكر عبد العزيز: يتوجه فيه قول آخر لأحمد، وهو أن يكون موزعًا عليهم بالتساوي على عدد رؤوسهم. انظر مغ ج 12 (ص: 477).

فصل في الشروط في المكاتبة

فصل في الشروط في المكاتبة باب في السيد يشترط أن يرث عبده مسألة (1646) جمهور العلماء بل عامتهم على أن السيد إذا اشترط على عبده في كتابته أن يرثه دون ورثته أو أن يزاحمهم في الميراث فليس له ذلك وهو شرط فاسد. وبه يقول الحسن وعطاء وشريح وعمر بن عبد العزيز والنخعي وإسحاق. وقال إياس بن معاوية بجواز أن يشترط شيئًا من ميراثه (¬1). مغ ج 12 (ص: 481). * * * ¬

_ (¬1) ومن الشروط الفاسدة التي لا خلاف في بطلانها وفسادها: أن يشترط العبد على سيده أن يكون الولاء لمن شاء. وذلك لأن الولاء لمن أعتق. مغ ج 12 (ص: 480).

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي كتاب أمهات الأولاد

كتاب أمهات الأولاد

كتاب أمهات الأولاد (¬1) باب في اشتراك أم الولد مع غيرها من الإماء في الأحكام مسألة (1647) جمهور العلماء على أن أمهات الأولاد يشتركن مع سائر الإماء في جميع الأحكام ما خلا البيع (¬2). وحكى عن مالك أنه لا يجوز تأجيرها ولا تزويجها. مغ 12 (ص: 492). باب في بيع أمهات الأولاد مسألة (1648) جمهور العلماء على عدم جواز بيع أمهات الأولاد، وكذلك كل تصرف ينقل الملكية إلى غير سيدها؛ كالهبة والوقف وشبه ذلك مما يراد للبيع كالرهن. وروي هذا عن عمر وعثمان وعائشة وهو قول فقهاء الأنصار وأئمة الفتوى منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في الصحيح عنه. وبه يقول ابن حزم خلافُ الداود (¬3). وروي عن عليٍّ وابن عباس وابن الزبير إباحة بيعهن. وبه قال داود. وروى عن أحمد كراهته، فحمل بعضهم قوله هذا على جواز بيعهن مع الكراهة. وأبى ذلك الموفق -رحمه الله- تعالى. مغ ج 12 (ص: 492) بداية ج 2 (ص: 466) الحاوي الكبير ج 18 (ص: 308). باب في أن عتق أم الولد يكون من رأس المال مسألة (1649) جمهور العلماء على أن السيد إذا مات عن أم ولد، فإنها تخرج من ¬

_ (¬1) أم الولد هي الأمة تكون في ملك سيدها يطؤها فيأتي منها بالولد، وذلك إذا اتخذت للتسري؛ يعني للاستمتاع بالوطء وغيره مما يباح للرجل أن يصنعه مع امرأته، والإجماع منعقد على جواز هذا. انظر مغ ج 12 (ص: 488). وإذا أتت بولد منه لستة أشهر أو أكثر من وقت الوطء. صارت أم ولد ولحقه الولد. ومتى أقر السيد بولده لم يكن له نفيه بعد ذلك بدون خلاف يعلم. مغ ج 12 (ص: 490). (¬2) انظر الحاوي ج 18 (ص: 320). (¬3) انظر على ج 9 (ص: 39) فتح ج 10 (ص: 256).

باب فى أم الولد إذا كانت غير مسلمة أو فاجرة

رأس المال وإن لم يملك سواها. وسواء أتت بالولد منه في حالة صحة أو مرض فالأمر سواء. وخالف في هذا من خالف في المنع من بيعهن. مغ ج 12 (ص:505). باب فى أم الولد إذا كانت غير مسلمة أو فاجرة مسألة (1650) جمهور أهل العلم وأئمة الفتوى في الأمصار على أنه لا فرق في عتق أمهات الأولاد بموت السيد بين المسلمة وبين الكافرة ولا بين العفيفة وبين الفاجرة. وروي عن العُمرَينِ ابن الخطاب وابن عبد العزيز أن عتقهن محصور في المسلمات العفيفات. ومال إلى هذا القول الموفق -رحمه الله- تعالى. قلت: روي عن عمر - رضي الله عنه - أنها إذا زنت رُقَّتْ. (يعني عادت إلى الرِّق). مغ ج 12 (ص: 506) بداية ج 2 (ص: 468). باب في أم الولد تأتي بولد من غير سيدها مسألة (1651) جمهور أهل العلم على أن أم الولد إذا أتت بولد آخر من غير سيدها فحكمه حكم أمه في أنه يعتق بموت سيدها (¬1). وفيه خلاف من لم يقل بحكم الاستيلاد وجوز بيع أمهات الأولاد. وروي عن عمر ابن العزيز - رضي الله عنه - و-رحمه الله- أنه قال عن أولاد أم الولد من غير سيدها: هم عبيد. وجعل الموفق في المغني هذا القول على احتمالين أحدهما أنهم عبيد يعني حكمهم حكم أمهم , والثاني أنهم لا يعتقون بعتق أمهم. مغ ج 12 (ص: 507). باب في الوصية لأم الولد مسألة (1652) جمهور العلماء على أنه يجوز للسيد أن يوصي لأم الولد وأن الوصية في حقها تكون من ثلث المال شأن سائر الوصايا. وهو قول الشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي (¬2) وخالف في هذا من خالف في حكم الاستيلاد وبيع أمهات الأولاد. مغ ج 12 (ص:510). ¬

_ (¬1) انظر الحاوي ح 18 ص 213. (¬2) انظر الحاوي ح 18 ص 314.

باب في قذف أم الولد هل فيه الحد

باب في قذف أم الولد هل فيه الحد مسألة (1653) جمهور العلماء على أن من قذف أم ولدٍ؛ فإنه لا يقام عليه حد القاذف. وقال أحمد في رواية: يحدّ وذكره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. مغ ج 12 (ص: 515). نهاية كتاب موسوعة مسائل الجمهور وبنعمته سبحانه وتعالى تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا * * *

"تعريف بموسوعة مسائل الجمهور"

" تعريف بموسوعة مسائل الجمهور" هذا الكتاب، وهذه الموسوعة * هو أول جهد علمي امتد عبر نحو عقدين من الزمان ليجمع بين دفتيه مسائل الفقه الإِسلامىِ التي ذهب إليها، أو قال بها جمهور العلماء من أئمة السلف وصالحي هذه الأمة في خير القرون كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. * جمع هذا المصنف أمهات مسائل الفقه الإسلامي. لم يتخلف عنها إلا النذر اليسير. تلك الأمهات التي على أساسها قام صرح الفقه والتشريع الإسلامي. * يعتبر هذا الكتاب تاريخًا علميًّا عمليًّا لمدارس الفقه ومذاهبه في ظهورها الأول ابتداءً بعصر الصحابة والتابعين وإنتهاءً بعصر آخر الأئمة المجتهدين أمثال الطبري، وابن المنذر. * هذه الموسوعة هي في حقيقتها امتثال علمي عملي لما أوصى به الأئمة الكبار من التابعين ومن بعدهم أمثال: عبيدة السلماني وأبي الزناد ومالك بن أنس من العناية بمذاهب أكثر أهل العلم واتباع أقوال جمهورهم في المسائل المختلف فيها. * هذه الموسوعة ترجمة عملية لتلك الأخلاق العلمية الفذة التي تحلى بها علماء هذه الأمة وفقهاؤها في صدرها الأول. والتي كان من أبرزها تلك النزاهة والأمانة الفريدتان اللتان تحملان أمثال ابن عبد البر المالكي، وهو ينقل مذاهب الفقهاء ليقول: "ولا نعلم أحدًا وافق مالكًا من فقهاء الأمصار في قوله هذا". أو تحملان النووي لنحو هذا. وغيره كثير مما يراه القارئ في هذه الموسوعة المباركة إن شاء الله تعالى. * ضمت هذه الموسوعة إلى جانب أصل مسائلها كثيراً من مسائل الإجماع أو الاتفاق التي لها تعلق بأبواب الكتاب ومسائله مما يجعل الفائدة مضاعفة. ولا شك أن من اجتمع عنده أمهات مسائل الفقه مضمومًا إليها ما تعلق بها من مسائل الاتفاق. فقد كاد أن يجتمع له أصل الفقه الإسلامي وأساسه. * لخصت هذه الموسوعة بأسلوب سهل موجز عيون مسائل الفقه الإسلامي من أهم وأكبر مصادره مما يجعلها خلاصةً لثروة علمية فقهيَّةٍ فذة. ومرجعًا فقهيًّا لا يستغنى عنه. * هذه الموسوعة صلة وصلٍ بين حاضر الأمة وماضيها، وبن سلفها وخلفها. إذ ليس في غالبها إلا أسماء الذهب والياقوت من أكابر علماء هذه الأمة المرضية، ولعلَّ

هذا أن يكون حافزًا لجيلنا المعاصر للعودة إلى تراث الماضين وأخلاق الغابرين. * استوعبت هذه الموسوعة مسائل الفقه الإِسلامي بمختلف أبوابه. ورتبت ترتيبًا فقهيًّا. ابتداءً بكتاب الطهارة وانتهاءً بكتاب عتق أمهات الأولاد. وهي بذا تقدم فائدة علميةً سريعة لطلاب العلم وأهله خاصة. والمثقفين والباحثين عن المعرفة عامةً. * سيجد المفتون وأئمة المساجد والمراكز الإسلامية إن شاء الله تعالى في هذه الموسوعة بغيةً عزيزةً. وضالةً منشودةً؛ إذ أن الكتاب في جملته مسائل الفقه التي لا ينفك أحدٌ من العامة وإلا وهو محتاجٌ لها، أو مستفتٍ أهل العلم عنها. * هذه الموسوعة تعتبر ردًّا علميًّا عمليًّا على تلك الموجة الساذجة التي خرجت قبل نحو خسمين عامًا. وإلى أيامنا هذه -تنادي بالقضاء على الخلاف الفقهي، جاهلةً أو متجاهلة- أن الخلاف في فروع الفقه مقصدٌ ربانىِ وغاية تشريعية. تعكس جمالًا في هذا الدين إذا صدر من أهله وأئمته بأخلاقياتهم العالية وأرواحهم السامية. * هذه الموسوعة تأكيد علمي على أن مالكًا وأبا حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من فقهاء هذه الأمة ليسوا إلا حلقةً من الحلقات العلمية الفذة في سلسلة ذهبية من التلقي والتحصيل بدأت في عصر الكبار من فقهاء الصحابة والتابعين ومن بعدهم أمثال: عمر وعليٍّ وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وابن المبارك والنخعي وعلقمة ونافع والليث والأوزاعي وغيرهم رحمهم الله تعالى. * هذه الموسوعة حصن حصين لأهل الورع والاحتياط. وهي كذلك فسحة وبحبوحة لأهل المضايق والحاجات إذا عزَّ عليهم أن يجدوا في قول المعاصرين رخصةً تتسع لحاجتهم أو تستوعب نازلتهم. * وإذا كانت هذه الموسوعة تُعْنَى في أصل وضعها بالمسائل التي ذهب إليها جمهور العلماء والفقهاء، فإنها في الوقت نفسه موسوعة جمعت في كتاب واحد كل عجيبٍ وغريب من الأقوال الشاذة، والتي انفرد بها بعض أئمة أهل العلم من السلف الصالح رحمهم الله تعالى وليجد القارئُ فيها إن شاء الله تعالى كل شَيِّقٍ وممتع ومفيد. * كان من بين مقاصد هذه الموسوعة المباركة التخفيف من حدةِ التعصب للأقوال والمذاهب، وذلك إذا عُرِفَ أن كثيرًا من المسائل -التي يتحمس لها الجيل الجديد ويحسبها الصحيح الذي لا يصح غيرها، أو أنها الأصول التي لا يجوز فيها المسامحة والمجاملة- قد وجد من السلف الصالح من هم خير منا علمًا وعملًا مَنْ قالوا بخلافها أو

نقيضها, ولم يكن هذا ليفسد حال الأمة أو يعطل مسيرتها أو ينغص على أهل الإسلام محبتهم ومودتهم. * وأخيرًا وليس آخرًا، فإن أقوال الجمهور لها أهميتها الخاصة ومكانتها الرفيعة عند أهل العلم من الفقهاء والأصولين والمُحدِّثِينَ وقد بينت بعضًا من ذلك في مقدمة الكتاب وبينت كذلك حرص الأئمة الكبار على تجنب مخالفة قول الجمهور وأكثر أهل العلم قدر المكنة والاستطاعة، ونبهت على أن الفوائد العلمية والإحصائية التي يمكن أن تستنبط أو تستخلص من هذا العمل الموسوعىِ أرضها رحبةٌ، وبابها واسع، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب والحمد لله أولًا وآخرًا. * * *

§1/1