موسوعة الملل والأديان - الدرر السنية

مجموعة من المؤلفين

مقدمة

مقدمة الحمد لله القائل وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد: فلا شك أن الكلام في الأديان المخالفة للدين الحق دين الإسلام، وبيان ما هي عليه من الضلال والزيغ عن الصراط المستقيم - والتي تتخبط خبط عشواء في عقائدها وأفكارها- له أهمية كبيرة. فبه تستبين سبيل الهداية من سبل الضلال، ويعرف الحق من الباطل، وبه تقام الحجة على المقلد الجاهل، قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55]، والمسلم يحمد الله تعالى أن هداه للإسلام، ويزداد يقينا بدينه، كلما ازداد علمه بتلك الديانات ويقف على أوجه الانحراف فيها وشبهها التي يتعلقون بها. لاسيما في هذا العصر مع هذا الانفتاح الهائل، والتواصل الدائم الذي يعيشه العالم الآن، سواء كان عبر شكة الإنترنت، أو غيرها من وسائل الإعلام. هذا وقد ألف العلماء قديماً وحديثاً في الملل والنحل كتباً كثيرة، منها المطول ومنها المختصر، ومنها الجامع، ومنها المقتصر على بعض تلك الأديان، ولما كان الوقوف على أكثر هذه الكتب عسيراً، وبعضها فيه الصواب والخطأ، وكثيرٌ منها بحاجة إلى تحقيق وتنقيح، وتنقية وتصفية، وليس فيها كتاب واحد، بل ولا برنامج أو موقع إلكتروني واحد يجمع كل هذه الأديان السماوية منها والوثنية، شرعنا بفضل الله وتوفيقه في موقع الدرر السنية بجمع ما تفرق في كتب الأديان القديمة والمعاصرة، معرفين بها، وبأبرز شخصياتها، وأفكارها ومعتقداتها، والرد على الشبه المتعلقة بها، وأماكن انتشارها ومواقع نفوذها وغيرها من المباحث، وذلك من عشرات الكتب والمراجع مع تحقيقها، وتنقيحها، والتأليف بينها، وتخريج أحاديثها، وتصنيفها تضنيفاً موضوعياً شجرياً، مع الحرص على ذكر الكلام المنقول كما هو مع ذكر المرجع، إلا أنه أحيانا يتم التصرف في بعض المواضع ويشار إلى ذلك، ونسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، وينفع به المسلمين.

تمهيد

تمهيد الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا الدلالة على صحته برهاناً مبيناً، وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقاً يقيناً، ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجراً جسيماً، وذخر لمن وافاه به ثواباً جزيلاً وفوزاً عظيماً، وفرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، والاعتصام بعراه وأسبابه. فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه اهتدى المهتدون وإليه دعا الأنبياء والمرسلون. أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:] 83، فلا يُقبل من أحد دين سواه من الأولين والآخرين وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران85:]. شهد بأنه دينه، قبل شهادة الأنام، وأشاد به ورفع ذكره وسمَّى به أهله، وما اشتملت عليه الأرحام، فقال تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران: 18 - 19]. وجعل أهله هم الشهداء على الناس يوم يقوم الأشهاد، لِما فضلهم به من الإصابة في القول والعمل والهدى والنية والاعتقاد؛ إذ كانوا أحق بذلك وأهله في سابق التقدير، فقال وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج: 78]. وحكم سبحانه بأنه أحسن الأديان، ولا أحسن من حكمه ولا أصدق منه قيلا فقال: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء: 125]. وكيف لا يميز من له أدنى عقل يرجع إليه بين دين قام أساسه وارتفع بناؤه على عبادة الرحمن، والعمل بما يحبه ويرضاه مع الإخلاص في السر والإعلان، ومعاملة خلقه بما أمر به من العدل والإحسان، مع إيثار طاعته على طاعة الشيطان، وبين دين أُسِّسَ بنيانه على شفا جرف هار فانهار بصاحبه في النار. أُسِّسَ على عبادة النيران، وعقد الشركة بين الرحمن والشيطان، وبينه وبين الأوثان.

أو دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان، وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى وأقام هناك مدة من الزمان، بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبيًّا رضيعًا يشب شيئاً فشيئاً ويبكي ويأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان، ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان، هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان، ثم قبضوا عليه وأحلوه أصناف الذل والهوان، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجاً من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً على وجهه وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان. ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان، ثم شُدَّت بالحبال يداه مع الرجلين، ثم خالطهما تلك المسامي التي تكسر العظام وتمزق اللحمان، وهو يستغيث: يا قوم ارحموني! فلا يرحمه منهم إنسان، هذا وهو مدير العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن، ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان، ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان، فما ظنك بفروعٍ هذا أصلها الذي قام عليه البنيان. أو دين أسس بنيانه على عبادة الإله المنحوت بالأيدي بعد نحت الأفكار من سائر أجناس الأرض على اختلاف الأنواع والأصناف والألوان، والخضوع له والتذلل والخرور سجوداً إلى الأذقان، لا يؤمن من يدين به، بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه يوم يجزى المسيء بإساءته والمحسن بالإحسان. أو دين الأمة الغضبية الذين انسلخوا من رضوان الله كانسلاخ الحية من قشرها، وباءوا بالغضب والخزي والهوان، وفارقوا أحكام التوراة ونبذوها وراء ظهورهم واشتروا بها القليل من الأثمان، فترحل عنهم التوفيق وقارنهم الخذلان، واستبدلوا بولاية الله وملائكته ورسله وأوليائه ولاية الشيطان. أو دين أسس بنيانه على أن رب العالمين وجود مطلق في الأذهان، لا حقيقة له في العيان، ليس بداخل في العالم ولا خارج عنه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا محايث ولا مباين له، لا يَسمع، ولا يَرى، ولا يعلم شيئا من الموجودات ولا يفعل ما يشاء، لا حياة له، ولا قدرة، ولا إرادة، ولا اختيار، ولم يخلق السموات والأرض في ستة أيام بل لم تزل السموات والأرض معه، وجودها مقارن لوجوده، لم يحدثها بعد عدمها، ولا له قدرة على إفنائها بعد وجودها، ما أنزل على بشر كتاباً، ولا أرسل إلى الناس رسولاً، فلا شرع يُتَّبع، ولا رسول يُطاع، ولا دار بعد هذه الدار، ولا مبدأ للعالم ولا معاد، ولا بعث ولا نشور، ولا جنة ولا نار، إن هي إلا تسعة أفلاك وعشرة عقول، وأربعة أركان وأفلاك تدور، ونجوم تسير، وأرحام تدفع، وأرض تبلع وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية: 24]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد له ولا ند له، ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا كفء له، تعالى عن إفك المبطلين، وخرص الكاذبين، وتقدس عن شرك المشركين، وأباطيل الملحدين. كذب العادلون به سواه، وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون: 91].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من بريته، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، ابتعثه بخير ملة وأحسن شرعة، وأظهر دلالة، وأوضح حجة، وأبين برهان إلى جميع العالمين إنسهم وجنهم عربهم وعجمهم حاضرهم وباديهم، الذي بشرت به الكتب السالفة، وأخبرت به الرسل الماضية، وجرى ذكره في الأعصار، في القرى والأمصار، والأمم الخالية، ضربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر، إلى عهد المسيح ابن البشر، كلما قام رسول أخذ عليه الميثاق بالإيمان به والبشارة بنبوته، حتى انتهت النبوة إلى كليم الرحمن، موسى بن عمران، فأذن بنبوته على رؤوس الأشهاد بين بني إسرائيل معلنا بالأذان: جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران. إلى أن ظهر المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي ألقاها إلى مريم، فأذن بنبوته أذاناً لم يؤذنه أحد مثله قبله، فقام في بني إسرائيل مقام الصادق الناصح، وكانوا لا يحبون الناصحين فقال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف: 6]. تالله لقد أذن المسيح أذاناً أسمعه البادي والحاضر، فأجابه المؤمن المصدق وقامت حجة الله على الجاحد الكافر. الله أكبر، الله أكبر عما يقول فيه المبطلون ويصفه به الكاذبون، وينسبه إليه المفترون والجاحدون، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له ولا كفء له، ولا صاحبة له ولا ولد له، بل هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ثم رفع صوته بالشهادة لأخيه وأولى الناس به، بأنه عبد الله ورسوله، وأنه أركون العالم، وأنه روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه إنما يقول ما يقال له، وأنه يخبر الناس بكل ما أعد الله لهم، ويسوسهم بالحق، ويخبرهم بالغيوب ويجيئهم بالتأويل، ويوبخ العالم على الخطيئة، ويخلصهم من يد الشيطان، وتستمر شريعته وسلطانه إلى آخر الدهر، وصرح في أذانه باسمه ونعته وصفته وسيرته حتى كأنهم ينظرون إليه عياناً، ثم قال: حي على الصلاة خلف إمام المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين، حي على الفلاح باتباع مَنِ السعادة في اتباعه، والفلاح في الدخول في زمرة أشياعه. فأذن وأقام وتولى وقال: لست أدعكم كالأيِتام، وسأعود وأصلي وراء هذا الإمام، هذا عهدي إليكم، إن حفظتموه دام لكم الملك إلى آخر الأيام. فصلى الله عليه مِن ناصحٍ بشَّر برسالة أخيه عليهما أفضل الصلاة والسلام، وصدَّق به أخوه ونزَّهه عما قال فيه وفي أمه أعداؤه المغضوب عليهم من الإفك والباطل وزور الكلام، كما نزه ربه وخالقه ومرسله عما قال فيه المثلثة عباد الصليب، ونسبوه إليه من النقص والعيب والذم. ¤هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية ص 19 - 24

الباب الأول: مدخل لدراسة الأديان

المبحث الأول: تعريف الأديان لغة واصطلاحا: الأديان: جمع دين، والدين في اللغة بمعنى: الطاعة والانقياد. والدين في الاصطلاح العام: ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة (¬1). وفي الاصطلاح الإسلامي: التسليم لله تعالى والانقياد له. والدين هو ملة الإسلام وعقيدة التوحيد التي هي دين جميع المرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران: 19] وبعد أن جاء الإسلام فلا يقبل الله من الناس دينا غيره، قال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85]. وقال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة: 3]. ¤الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري - ص10 الدين في اللغة: مشتق من الفعل الثلاثي: (دان)، وهو تارة يتعدى بنفسه، وتارة باللام، وتارة بالباء، ويختلف المعنى باختلاف ما يتعدى به، فإذا تعدى بنفسه يكون (دانه) بمعنى ملكه، وساسه، وقهره وحاسبه، وجازاه. وإذا تعدى باللام يكون (دان له) بمعنى خضع له، وأطاعه. وإذا تعدى بالباء يكون (دان به) بمعنى اتخذه ديناً ومذهباً واعتاده، وتخلق به، واعتقده. وهذه المعاني اللغوية للدين موجودة في (الدين) في المعنى الاصطلاحي كما سيتبين؛ لأن الدين يقهر أتباعه ويسوسهم وفق تعاليمه وشرائعه، كما يتضمن خضوع العابد للمعبود وذلته له، والعابد يفعل ذلك بدوافع نفسية، ويلتزم به بدون إكراه أو إجبار. الدين في الاصطلاح: اختلف في تعريف الدين اصطلاحاً اختلافاً واسعاً حيث عرفه كل إنسان حسب مشربه، وما يرى أنه من أهم مميزات الدين. فمنهم من عرفه بأنه (الشرع الإلهي المتلقَّى عن طريق الوحي) وهذا تعريف أكثر المسلمين. ويلاحظ على هذا التعريف قَصرُهُ الدين على الدين السماوي فقط، مع أن الصحيح أن كل ما يتخذه الناس ويتعبدون له يصح أن يسمى ديناً، سواء كان صحيحاً، أو باطلاً، بدليل قوله عز وجل: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85]. وقوله عزَّّ وجلَّ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 6]، فسمَّى الله ما عليه مشركو العرب من الوثنية ديناً. أما غير المسلمين فبعضهم يخصصه بالناحية الأخلاقية كقول (كانت) (بأن الدين هو المشتمل على الاعتراف بواجباتنا كأوامر إلهية). وبعضهم يخصصه بناحية التفكر والتأمل كقول (رودلف إيوكن): (الدين هو التجربة الصوفية التي يجاوز الإنسان فيها متناقضات الحياة). إلى غير ذلك من التعريفات التي نظرت إلى الدين من زاوية، وتركت أوجهاً وزوايا عدة. وأرجح التعريفات أن يقال: الدين هو اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلًّا وحبًّا، رغبة ورهبة. فهذا التعريف فيه شمول للمعبود، سواء كان معبوداً حقًّا- وهو الله عز وجل- أو معبوداً باطلا، وهو ما سوى الله عز وجل. كما يشمل أيضا العبادات التي يتعبد الناس بها لمعبوداتهم، سواء كانت سماوية صحيحة كالإسلام، أو لها أصل سماوي ووقع فيها التحريف والنسخ كاليهودية، والنصرانية، أو كانت وضعية غير سماوية الأصل كالهندوكية، والبوذية، وعموم الوثنيات. كما يبرز التعريف حال العابد؛ إذ لابد أن يكون العابد متلبساً بالخضوع ذلًّا وحبًّا للمعبود حال العبادة؛ إذ إن ذلك أهم معاني العبادة. ويبين التعريف أيضاً هدف العابد من العبادة، وهو إما رغبة أو رهبة، أو رغبة ورهبة معاً؛ لأن ذلك هو مطلب بني آدم من العبادة. والله أعلم. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف - ص 11 ¬

(¬1) ويطلق كذلك على الدين (الملة) وجمعه: (ملل).

المبحث الثاني: الفرق بين الدين والمذهب:

المبحث الثاني: الفرق بين الدين والمذهب: الدين أشمل من المذهب، وأوسع مفهوما؛ لأن الدين يشتمل على اعتقاد الإنسان حول الخالق والمخلوقات وأمور الغيب والآخرة، أما المذهب فيكون في بعض هذه الأمور أو مسائل منها، وقد يكون في أمور الحياة فقط. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص10

المبحث الثالث: تقسيم الأديان:

المبحث الثالث: تقسيم الأديان: تنقسم الأديان التي يدين بها البشر باعتبار النظر في المعبود إلى قسمين: القسم الأول: أديان تدعو إلى عبادة الله. وهي في الدرجة الأولى: الإسلام، ثم يليه اليهودية، أما النصرانية فإن واقعها وحقيقتها الشرك، وهو عبادة المسيح عليه السلام والروح القدس مع الله تعالى، إلا أن أصحابها يزعمون أنهم يعبدون الله الواحد ذو الثلاثة أقانيم- كما سيأتي تفصيل ذلك. القسم الثاني: أديان وثنية شركية تدعو إلى عبادة غير الله عز وجل. وهي: الهندوكية والبوذية وغيرها من الشركيات القديمة والحديثة، والنصرانية يمكن اعتبارها من هذا القسم على اعتبار عبادتهم للمسيح والروح القدس. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 14

الفصل الثاني: الأديان في القرآن وباعث التدين وعلاقته بالشرك:

المبحث الأول: علم الأديان في القرآن الكريم وكتابة المسلمين فيه: القرآن الكريم كتاب أنزله الله عز وجل لهداية البشرية جمعاء وهو خاتم الكتب السماوية، وهو كتاب دعوة وهداية، لهذا ذكر الله عز وجل فيه أديان الناس السابقة والمتزامنة مع نزوله، لأن ذلك وسيلة من وسائل دعوة أصحاب الأديان، فإن عرض ما هم عليه من الباطل وبيان أوجه بطلانه مع عرض الحق والتركيز على مميزاته، وأوجه رجحانه، كل ذلك مما ينير الأذهان التي غلفها التقليد، والجهل، والهوى، ويفتح أمامها آفاق المعرفة السليمة من أجل المقارنة والموازنة ثم الإيمان عن اقتناع ويقين. وإذا نظرنا في القرآن الكريم نجد أنه حوى من ذلك الشيء الكثير، فمن ذلك أن الله عز وجل قد حصر الأديان التي عليها الناس في قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [الحج: 17]. فأديان البشر لا تخرج عن واحد من هذه، وهي: الإسلام، واليهودية، والصابئة، والنصرانية، والمجوسية، والوثنية. كما ذكر الله عز وجل الأنبياء عليهم السلام وأبان أن دعوتهم كانت واحدة، وهي الدعوة إلى التوحيد، قال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]. وقال عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. وأن دينهم واحد وهو الإسلام، قال عز وجل عن نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ [البقرة: 128]. وقال عن نبيه إبراهيم ويعقوب عليهما السلام: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة: 131 - 132] وقال عز وجل: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس: 84] وقال عز وجل: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]. كما ذكر الله عز وجل مجادلة الأنبياء لأقوامهم، وإقامتهم للحجة عليهم من أوجه عديدة. وذكر الأديان التي يدين بها الناس، فذكر الديانة التي أنزلت على موسى عليه السلام، وذلك في آيات عديدة أيضا، ومن المثال على ذلك: قوله عز وجل: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه: 11 - 16].

وذكر الله عز وجل انحراف بني إسرائيل وكفرهم وتحريفهم لكلام الله في آيات عديدة، منها قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78]. وقال عز وجل: وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [المائدة: 62]. وذكر الله عز وجل النصارى وعقائدهم وانحرافاتهم في آيات عديدة، منها قوله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 72]، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 73]. كما ذكر أقوالاً أخرى عديدة لهم في المسيح وأمه وذكر ادعاءهم صلبه، وأبان عن الحق في كل ذلك. وإضافة إلى أقوال أصحاب الديانات ذكر الله عز وجل أيضاً أصول بعض تلك المقالات المنحرفة، فمن ذلك قوله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة: 30]. فبين سبحانه أن هذه المقالة اقتبسها اليهود والنصارى من الكفار قبلهم، وهذا أمر ثابت واضح لكل من نظر في الأديان السابقة على اليهودية والنصرانية، فإنه سيجد ادعاء الولد لله- تعالى الله عن ذلك - منتشراً لدى الكفار من الفراعنة واليونان والرومان وغيرهم. كما ذكر الله عز وجل المشركين الوثنيين فذكر عباداتهم وآلهتهم في مثل قوله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم: 19 - 20]. وقال عز وجل: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ [الصافات:125]. كما ذكر حججهم مجملة ومفصلة، فمن المجملة قوله عز وجل: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [إبراهيم:9 - 10].

ومن حجج المشركين المفصلة وجدالهم لأنبيائهم عليهم السلام قوله عز وجل: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَما أناْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى ما أنهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَما أنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ. [هود: 84 - 93]. كما عقد جل وعلا المقارنات العديدة بين الحق والباطل ليفسح المجال أمام العقل للمقارنة والموازنة، من ذلك قوله عز وجل: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: 39]. وقوله عز وجل: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إلى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. [الأعراف: 191 - 196].

كما ذكر الله عز وجل الملاحدة الذين ينكرون وجود الخالق، وينكرون بالتالي الأديان حيث ذكر إمامهم فرعون في مواطن كثيرة، منها قوله عز وجل: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ [القصص:38] بل بين سبحانه أن فرعون هو إمام الإلحاد، وذلك في قوله عز وجل: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص:41 - 42]. فبين سبحانه أن فرعون وأتباعه هم أئمة الدعاة إلى النار، ولاشك أن أعظم الدعاة إلى النار هم الفلاسفة الملاحدة والمؤلهة منهم، وهذا خلاف ما هو مشتهر لدى كثير من الناس من عزو الفلسفة والإلحاد إلى فلاسفة اليونان، فإن الصحيح أن الفراعنة كانوا هم أئمة اليونان في هذا، فقد أخذ اليونان فلسفتهم الوثنية عنهم، وكل من نظر في أساطير اليونان وفلسفتهم وكذلك أساطير الرومان الذين ورثوا ذلك عن اليونان، ثم نظر في أساطير وفلسفة الفراعنة قبلهم علم أن هذه الأقوال بعضها من بعض، وإن كان اليونان قد توسعوا في ذلك وانتشرت عنهم تلك الأقوال فنسبت إليهم. قال د. محمد دراز: (لم يبق الآن مجال للشك في أن القدامى من علماء اليونان وفلاسفتهم تخرجوا في مدرسة الحضارات الشرقية، والحضارة المصرية بوجه أخص. وليس معنى هذا أن الإغريق (اليونان) كانوا بمثابة أوعية مصمتة نقلت علوم الشرق ومعارفه نقلاً حرفيًّا، فذلك ما لا يستسيغه عقل، ولم يقم عليه دليل من صحيح النقل، ولكن المعنى أنهم لم ينشئوا هذه العلوم إنشاءً على غير مثال سابق، كما ظنه بعضهم، بل وجدوا مادتها في الشرق فاقتبسوا منها وأفادوا كثيراً. وإن قدماء اليونان أنفسهم يذهبون إلى الاعتراف بهذه التلمذة إلى القول بأن عظماءهم أمثال (فيثاغورس) و (أفلاطون) مدينون بأرقى نظرياتهم إلى المدرسة المصرية، والناقدون المحدثون وإن استبعدوا حصول نقل حرفي لهذه النظريات، لم يسعهم إلا التسليم بتبعية هؤلاء الفلاسفة في الدين والأخلاق، للنظريات المصرية). كما أمر الله عز وجل بمجادلة أهل الكتاب لإزالة شبههم وإقامة الحجة عليهم وذلك بالحسنى، كما قال عز وجل: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: 46]. كما حكم الله عز وجل في هذا القرآن بين بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه من القضايا الدينية إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76]. فبرَّأ الله عز وجل فيه سليمان عليه السلام مما اتهمه به اليهود من الكفر، وأثبت له النبوة التي كانوا ينكرونها، كما برَّأ مريم رضي الله عنها مما اتهمها به اليهود، وأبان عن حصانتها وعفتها وطهارتها، وبرأ ابنها مما نبزه به اليهود من الكفر والضلال، كما برأه مما ادعاه فيه النصارى من الألوهية والبنوة، ورد على اليهود والنصارى دعوى صلبه، وأخبر أنه أنجاه منهم ورفعه إليه. فهذه المعلومات الغزيرة والمتنوعة عن الأديان التي وردت في القرآن الكريم، تدل دلالة واضحة على عظيم أهمية هذا العلم في مجال الدعوة إلى الله عز وجل، فتنبه لذلك علماء المسلمين فكتبوا، في الأديان قاصدين بذلك الدعوة إلى الله من خلال ذلك فكان من أوائل من كتب في ذلك:

علي بن ربن الطبري في كتابيه (الرد على النصارى) وكتاب (الدين والدولة في إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم). والجاحظ في كتابه: (الرد على النصارى)، والأشعري في كتابه (الفصول في الرد على الملحدين)، والمسعودي في كتابه (المقالات في أصول الديانات)، والبيروني في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة)، وابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل)، والشهرستاني في كتابه (الملل والنحل)، والقرافي في كتابه (الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)، وغيرها كثير أرسى به المسلمون قواعد هذا العلم حيث أوردوا عقائد أصحاب الديانات وعباداتهم، ونقلوا ذلك عن كتبهم ومصادرهم المعتبرة لديهم، وناقشوهم فيها وأبانوا عن بطلان أقوالهم وأقاموا الحجة عليهم بالأدلة النقلية والعقلية، وسلكوا في ذلك منهجاً دعويًّا متأسين بذلك بالقرآن الكريم. وقد سبق المسلمون في هذا المضمار الغربيين الذين لم يعتنوا بهذا العلم إلا في العصور المتأخرة بعد ما يسمى بعصر النهضة في القرنين 15، 16م؛ لأن النصارى بعد عصر النهضة وابتداء عصر الاستعمار أخذوا يرسلون البعوث من رجال دينهم إلى الشرق الأدنى والأقصى؛ للاطلاع على ديانات الناس والتعرف عليها والكتابة فيها، وتلك البعوث لم تكن في الواقع إلا طلائع الاستعمار، ومن الأشياء الجديدة التي استطاع الغربيون إضافتها إلى هذا العلم، البحث في الديانات القديمة، وساعدهم على ذلك التنقيب عن الآثار، وتعلم اللغات القديمة، فأفادوا في هذا الباب معرفة ديانات الأقوام القديمة التي اندثرت، فأكملوا بذلك ما كان بدأه المسلمون، مع أن المسلمين يتميزون عن الغربيين أن بين أيديهم مرجعاً عظيماً قد حوى في هذا الباب علماً جمًّا ذا دلالات مفيدة نافعة لهداية الإنسان ومصلحته الدينية، ذلك هو الوحي الإلهي في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو مصدر علمي معصوم من الخطأ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيعصم العقل البشري من البحث في علوم لا تعود بفائدة على الإنسان في دينه أو دنياه، كالبحث في أديان أقوام غبرت واندثرت من أهل الشرق والغرب، كما يعطيه المعلومات الصحيحة عن أمور لا يمكن للبشر التوصل إليها والقطع فيها بالحق إلا بالعلم الإلهي، كما في بحثهم في نشأة التدين وباعثه - كما سيأتي- فإن البحث في ذلك كثير منه هو من باب التخرص إذ لم يستند إلى الوحي الإلهي. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 15

المبحث الثاني: باعث التدين:

المبحث الثاني: باعث التدين: قال الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً [النحل:36]. وقال عز وجل أيضا: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24]. قال ابن كثير- رحمه الله- عند الآية الأولى: (وبعث في كل أمة أي: من كل قرن وطائفة رسولاً ... ثم قال: ( ... فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح عليه السلام). فهذا فيه دلالة واضحة على أن البشر ما أنفكوا عن رسل يدعونهم إلى الله، ويشرعون لهم الشرائع التي يتعبدون الله بها، كلما أندرست معالم التوحيد، وانطمست أنواره في نفوسهم. وذلك يعني أن التجمعات البشرية لم تخل من دين تدين به وتضبط كثيراً من نواحي حياتها وفْقَه، وهذا ما أكده أيضاً علم الآثار والبحوث الاجتماعية في التجمعات البشرية، إذ يصرح كثير من ذوي هذه الاختصاصات: (أن الجماعات البشرية القديمة والحديثة، المتحضرة وغير المتحضرة كان لها دين تدين به. قال هنرى برجسون: (لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غيرعلوم وفنون وفلسفات، ولكن لم توجد جماعة بغير ديانة). فهذه الدلالات المؤكدة، والحقيقة التي لا تقبل الجدل في أن النزعة الدينية متعمقة في الإنسان ومغروزة فيه، تجعل الباحث والناظر في ذلك يتساءل عن الباعث على هذا التدين ما هو؟ مع أن الدين ليس من الماديات، ولا من الشهوات التي تتعلق بها النفوس، بل الدين له تبعات ولوازم تجعل الإنسان في كثير من الأحيان يبذل دمه من أجله، فضلا عن ماله ووقته وعواطفه، ويتحكم الدين في كثير من تصرفات الإنسان وعلاقاته، فلهذا كثر في بيان الباعث على التدين القيل والقال، والاستنتاجات، والتخمينات. وإليك بعض هذه الأقوال وهي كلها لغير المسلمين: قال بعضهم: إن الدافع إلى التدين الخوف من الطبيعة حوله بما فيها من برق، ورعد، وزلازل، وبراكين، وحيوانات متوحشة، جعلت الإنسان في الأزمان القديمة- وهو الضعيف الذي لا حول له ولا طول مع هذه الأحوال المتغيرة حوله- يبحث عن قوة غيبية لها سيطرة وتأثير في هذه الطبيعة حوله، ولها قدرة على حمايته وحفظه، فأله وعبد ما يرى أنه أقوى وأقدر على حمايته من المخلوقات التي حوله كالشمس والقمر والبحر ونحو ذلك. وقال بعضهم وهو (ماكس موللر): (إن العقل هو الباعث على التدين، وذلك أن العقل ميزة الإنسان عن الحيوان، وهو باعث على النظر والتفكر في هذه المخلوقات، والإعجاب بها، وتعظيمها، ومن هنا أخذ العقل يفكر فيما وراء الطبيعة، وأداه عقله مع اللغة المستخدمة في الحديث عن الجمادات إلى صبغها بصبغة الأحياء ذوات الأرواح، مما جعله يتعبد لها ويتخذها إلها (. وهناك قول ثالث في الباعث قال به) دوركايم (الفرنسي، وهو: أن الحاجة الاجتماعية هي الباعث على التدين، وذلك أن المجتمعات البشرية تحتاج إلى نظم وقوانين تحفظ الحقوق وتصون الحرمات، ويؤدي كل إنسان واجبه بمراقبة داخلية، مما جعل بعض الأفذاذ وذوي القيادة يتولد في أذهانهم الدين، ويبثونه في جماعتهم، فتقبله الجماعة لحاجتها لذلك. هذه الأقوال يظهر منها واضحاً ادعاء أن الدين مصدره الإنسان، وأن باعثه أمر من الأمور المتعلقة بالطبيعة حول الإنسان، أو دوافع داخلية في الإنسان.

ولا تحتاج هذه الأقوال إلى كثير عناء في إبطالها وردها؛ إذ إن هذه البواعث المذكورة كثيراً ما تكون غير موجودة، ومع ذلك يكون التدين ظاهراً واضحاً يصدم دعاة الإلحاد ويهدم تخرصاتهم. ولا يعدو ما ذكر هنا من باعث التدين أن يكون تخرصا وفرضاً باطلاً؛ إذ إن الحديث عن باعث التدين يحتاج إلى سبر أغوار النفس البشرية، ودراسة تاريخية متعمقة، تشمل الإنسان الأول، وتسير معه سيراً متأنياً، كاشفة عن مشاعره وأحاسيسه وتقلباتها حسب الظروف والأحوال التي تحيط به؛ إذ إن الدين له أوقات يظهر بها ويتضح جليًّا في حياة الإنسان، وهي أوقات الأزمات والمخاوف التي يقع فيها الإنسان، كما أن له أوقاتاً يكمن فيها ولا يظهر، وهي أوقات الرخاء والغنى، إذ يقع الإنسان فيها فريسة سهلة للغفلة والبعد عن الدين. كما أن الباحث يجب أن يكون في حال بحثه خاليا من المؤثرات البيئية والدينية والثقافية، وذلك من أجل أن يكون حكمه على الظواهر التي يقع عليها سليما من المؤثرات الخارجية، وأنَّى للباحث أن يتخلص من ذلك. فهذه الأمور تجعل الوصول إلى باعث التدين الحقيقي من الصعوبة والعسر بما لا يتمكن منه الإنسان. ونحن- المسلمين- نعتقد أن الباعث على التدين: هو الفطرة، ونعتمد في ذلك على الوحي الإلهي والنور الرباني، فإن القرآن والسنة نصَّا على أن الإنسان مفطور على الإقرار بالخالق والعبودية له والبراءة من الشرك، يدل على ذلك قول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم: 30].

وقوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: 172 - 173]. فهذه الآية تشهد للآية قبلها، وتبين أن الله جعل ذلك في فطر بني آدم، وأنه أخرجهم من أصلاب آبائهم وأخذ عليهم بذلك العهد والميثاق، فقد روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك)) (¬1).وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قال: ((إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان - يعني عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذرِّ، ثم كلمهم قبلا قال: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172])) (¬2).ومن الأدلة الدالة على أن الإنسان مفطور على الدين الحق حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء)) (¬3).وحديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبداً حلالٌ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ... )) الحديث (¬4). فهذه الأدلة صريحة في بيان أن الإنسان مفطور على الإقرار بالخالق، والعبودية له، وهذا هو التدين وذلك باعثه - ومن أصدق من الله حديثا- كما دلت هذه الأدلة أيضاً على أمرين: أحدهما: أن هذه الفطرة والإقرار بالخالق إلهاً وربًّا، قابلة للتأثر والتغير والانحراف بفعل مؤثرات خارجية، ولذلك نعتقد بأن السبب في وجود الوثنيات السابقة في الأمم البائدة، واللاحقة في الأمم القديمة والحاضرة، هو هذه المؤثرات التي وردت في هذه النصوص. ثانيهما: أن المؤثرات التي تؤدي إلى انحراف الفطرة عن وجهتها الصحيحة على ضوء هذه الأدلة ثلاثة وهي: 1 - الشياطين: وهي المؤثر الخارجي الأصلي والأول في هذا الأمر، كما دل على ذلك حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه المتقدم. ¬

(¬1) رواه البخاري (3334) , ومسلم (2805). (¬2) رواه أحمد (1/ 272) (2455) , والنسائي في ((الكبرى)) (6/ 347) (11191) , والحاكم (2/ 593) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 189): رجاله رجال الصحيح, وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (1/ 83): إسناده جيد قوي على شرط مسلم, وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (2/ 370): إسناده لا مطعن فيه, وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1701). (¬3) رواه البخاري (1385) , ومسلم (2658). (¬4) رواه مسلم (2865).

2 - الأبوان، ويقوم المجتمع بدور الأبوين في حال فقدهما، وهذا المؤثر هو أقوى المؤثرات، وأخطرها؛ لشدة التصاق الأولاد بآبائهم وقوة تأثيرهم عليهم، وقد دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، وقد قدمت الشياطين على الآباء؛ لأن الشياطين هي المؤثر الخارجي الأول في انحراف الآباء أنفسهم. 3 - الغفلة: وهي المؤثر الثالث في انحراف هذه الفطرة، كما دلت على ذلك آية سورة الأعراف. ولسائل أن يسأل: ما هي فائدة الفطرة وهي على هذه الحال من الضعف، حيث تتأثر بهذه المؤثرات الخارجية التي تؤدي إلى انحرافها، ولا يكاد الإنسان ينفك عن واحد من هذه المؤثرات والصوارف، أو كلها؟ والجواب عن ذلك أن يقال: إن حكمة الله اقتضت جعل الفطرة بهذه الحال؛ ليتحقق الغرض من ابتلاء الإنسان بالخير والشر، ومن ثم جزاؤه على عمله؛ إذ لو كانت الفطرة قوية لا تتأثر بشيء لما وقع الكفر والانحراف في بني آدم، بل صاروا غير قابلين للكفر، فلا يتحقق الابتلاء، ولله الحكمة البالغة. ومع ذلك فإن لهذه الفطرة فوائد عديدة منها: أولاً: أن هذه الفطرة غرزت في النفس البشرية التدين والتعبد لله تعالى، فإذا لم يهتد الإنسان إلى الله عز وجل فإنه يُعبِّد نفسه لأي معبود آخر؛ ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولو كان خبيثاً ليسد به جوعته. وهذا ما يفسر لنا وجود التدين عند عموم البشر، وقد يكون الدين والمعبود في كثير من الأحيان باطلاً. ثانياً: أن هذه الفطرة جعلت في جبلة الإنسان قبول العبودية والانسجام مع لوازمها، وهذا من الأمور المهمة للإنسان، لأن كل ما لا يتفق مع الفطرة فإن النفس تنفر منه ولا تستجيب لمتطلباته. ثالثاً: أن هذه الفطرة مرجحة للحق، فإذا تعرف الإنسان على دينين حق وباطل، فإن الفطرة تميز بينهما وتميل إلى الحق، بل يقع ذلك في قرارة النفس ويتيقن القلب منه، فإما أن يعلن ذلك ويلتزم به، أو لا يستجيب له بسبب هوى، أو خوف، أو إلف وتقليد ونحو ذلك من الصوارف عن الحق. كما قال عز وجل عن فرعون وقومه وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: 14]. رابعاً: أن هذه الفطرة تهب للمهتدي يقينا بالحق الذي هو عليه، وإن لم يكن عنده من الأدلة النظرية ما يهبه هذا اليقين، وهذا يفسر لنا - والله أعلم- عدم ترك المسلم لدينه رغبة عنه، وما ذلك إلا لتناسبه مع فطرته، فيعطيه ذلك يقينا بأنه الحق، وكذلك من اهتدى إلى الإسلام من ذوي الأديان الأخرى الباطلة، فإنه يتمسك به تمسك الغريق بحبل النجاة، وما ذلك إلا لتيقنه من أن هذا الدين هو الحق؛ لتناسبه وانسجامه مع الفطرة. والله أعلم. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 26

المبحث الثالث: بيان أن التوحيد سبق الشرك:

المبحث الثالث: بيان أن التوحيد سبق الشرك: لم توجد أمة من الأمم إلا وكان لها دين تدين به، وعبادة تلتزم بها، كما تقدم بأن الأديان نوعان: دين التوحيد وهو سماوي، وأديان وضعية شركية، وقد زعم الملحدون: أن الشرك كان أسبق في الوجود على الأرض من التوحيد، وهو قول مبني على إنكارهم للخالق جل وعلا، وزعمهم أن الإنسان إنما وجد من الطبيعة حيث كان أميبا، ثم تطور بفعل الرطوبة حتى وصل بعد أزمان عديدة إلى صورة القرد، ثم تطور فصار القرد إنساناً، فزعموا أن هذا الإنسان- وكان في ذلك الوقت في طور الطفولة البشرية- أخذ يبحث عن إله يعبده، فتوجه إلى عبادة الآباء والأجداد، والأشجار، والحيوانات الضخمة، والشمس، والقمر، إلى غير ذلك من الأشياء التي يستعظمها في نفسه، ثم بدأ هذا الإنسان يتطور في عقله وأحاسيسه، فبدأ يتخلى عن كثير من الآلهة التي كان يعبدها حتى توصل في عهد الفراعنة إلى التوحيد، ولا يعني ذلك عندهم عبادة الله وحده لا شريك له، وإنما عبادة إله واحد وهو) رع (في زعمهم الذي يرمز له بقرص الشمس، ظاهر من هذا القول أن أصحابه يزعمون أن الأديان من صنع البشر وليست من قبل الله عز وجل، والعجيب أن يوافقهم على هذا القول بعض المنتسبين للإسلام كالعقاد في كتابه (الله جل جلاله) وعبد الكريم الخطيب في كتابه (قضية الألوهية بين الفلسفة والدين) وقد زعم أصحاب هذا القول أن لهم عليه دليلين: أولا: القياس على الصناعة، فكما أن الإنسان قد تطور في صناعته، فهو كذلك تطور في ديانته. ثانياً: أن حفريات الآثار دلتهم على أن الناس وقعوا في الشرك وتعدد الآلهة، وأن الإنسان عرف التوحيد متأخراً. وهذا في الواقع قياس فاسد، واستدلال باطل، فقولهم: إن الدين كالصناعة. قياس مع الفارق؛ لعدة أمور: أولاً: أن الصناعات شيء مادي، والأديان شيء معنوي، فكيف يقاس شيء معنوي غير محسوس على شيء مادي محسوس، فهو كمن يقيس الهواء على الماء. ثانيا: أن الصناعة تقوم على التجربة والملاحظة، وتظهر النتائج بعد استكمال مقوماتها، بخلاف الدين الذي لا يقوم على ذلك ........ ، ثالثا: يلزم من هذا القياس أن يكون الإنسان في هذا الزمن صادق التدين خالص التوحيد؛ لأن الصناعة قد بلغت مبلغاً عاليا من التطور، والواقع خلاف ذلك فإن الإنسان أحط ما يكون من الناحية الدينية؛ إذ إن الإلحاد متفشٍّ في أكثر بقاع العالم، كما يلزم منه أن لا يوجد شرك في هذا الزمن، والواقع خلاف ذلك، حيث الشرك متفشٍّ في الشرق والغرب. أما زعمهم الاستدلال على قولهم بالآثار ومخلفات الأمم السابقة، فيقال: إن هذه الآثار ناقصة، فلا دلالة فيها على ما ذكروا سوى التخمين ومحاولة الربط بين أمور متباعدة، وغاية ما تدل عليه الحفريات والآثار أن الأمم السابقة وقعت في الشرك، وهذا لا ننكره بل القرآن والسنة نصَّا على ذلك وبيناه، أما عبادة الإنسان الأول وعقيدته فلا يمكن معرفتها من خلال الآثار حتى يعثروا على الإنسان الأول ويجدوا آثاراً تدل على عقيدته وعبادته. ثم إن من المؤكد أن الأمم تتقلب في عباداتها، فتنتقل من التوحيد إلى الشرك، ومن الشرك إلى التوحيد، فمثلاً أهل مكة كانوا على التوحيد دين إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، ثم وقعوا في الشرك، ثم عادوا إلى التوحيد بدعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمعرفة عبادة أمة من الأمم لا يعني أنها لم تعرف سوى تلك العبادة، بل ذلك يعني أنها كانت على تلك العبادة في تلك الفترة فقط. وبهذا يظهر جليا واضحاً فساد هذا القول، وأن ما استدلوا به ليس إلا تخرصات وتوهمات، لا تقوم في وجه الحق الواضح البين وهو:

أن الإنسان أول ما عرف التوحيد، ثم بدأ بالانحراف فتدرج في ذلك حتى وقع في الشرك، وذلك لأن الإنسان الأول هو آدم عليه السلام كان نبيًّا يعبد الله وحده لا شريك له، وعلم أبناءه التوحيد، إلى أن وقع بنو آدم في الشرك بعده بأزمان- وهذا يقر به ويقول به كل من يؤمن بأن الله هو الخالق، وكل من يؤمن بالإسلام أو باليهودية والنصرانية إلا من تابع قول الملحدين منهم. ومن الأدلة- زيادة على هذا- قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة: 213] قال ابن عباس رضي الله عنه، فيما روى عنه ابن جرير بسنده: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين). (¬1) ويؤيد هذا قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما كَانَ النَّاسُ أُمَّة وَاحِدَة (فَاخْتَلَفُوا) فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيينَ ... الآية. ويؤيده أيضا قوله عز وجل في سورة يونس: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ [يونس: 19].فهذا ينص على أن بني آدم عبدوا الله عز وجل فترة من الزمن وهي عشرة قرون، كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه، ثم إنهم انحرفوا عن هذا النهج القويم فبعث الله إليهم الرسل ليردوهم إلى التوحيد. وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنه بيَّن لنا كيف بدأ وقوع بني آدم في الشرك، فقد أخرج البخاري بسنده عنه أنه قال في معنى قول الله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: 23]، قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت) (¬2). فهذا كان مبدأ وقوع بني آدم في الشرك وانحرافهم عن توحيد الله عز وجل، ولا يعني استدلالنا هذا أن هذا الأمر لم يثبت إلا عن طريق الوحي - وإن كان كافياً في هذا - بل إن هذا القول أثبته علماء في الآثار وباحثون في الأديان من الغربيين وغيرهم. يقول الباحث) آدمسون هيوبل (المتخصص في دراسة الملل البدائية:) د مضى ذلك العهد الذي كان يتهم الرجل القديم بأنه غير قادر على التفكير فيما يتعلق بالذات المقدسة أوفي الله العظيم، ولقد أخطأ) تيلور (حيث جعل التفكير الديني الموحد نتيجة للتقدم الحضاري والسمو المعرفي، وجعل ذلك نتيجة لتطور بدأ من عبادة الأرواح والأشباح ثم التعدد ثم أخيراً العثور على فكرة التوحيد (. ويقول الباحث (اندري لانج) من علماء القرن الماضي: (إن الناس في أستراليا وأفريقيا والهند لم ينشأ اعتقادهم في الله العظيم على أساس من الاعتقاد المسيحي، وقد أكد هذا الرأي العالم الأسترالي (وليم سميث) حيث ذكر في كتابه (أسس فكرة التوحيد) مجموعة من البراهين والأدلة جمعها من عدة مناطق واتجاهات تؤكد أن أول تعبد مارسه الإنسان كان تجاه الله الواحد العظيم). ¬

(¬1) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) (4/ 275)، ورواه الحاكم (2/ 480) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬2) رواه البخاري (4920)

ويقول الدكتور الحاج (أورانج كاي) من علماء الملايو في إندونيسيا (: عندنا في بلاد أرخبيل الملايو دليل أكيد على أن أهل ديارنا هذه كانوا يعبدون الله الواحد، وذلك قبل أن يدخل الإسلام إلى هذه الديار، وقبل أن تدخل النصرانية، وفي عقيدة جزيرة كلمنتان بإندونيسيا لوثة من الهندوسية ورائحة من الإسلام، مع أن التوحيد كعبادة لأهل هذه الديار كان هو الأصل قبل وصول الهندوسية أو الإسلام إليها، وإذا رجعنا إلى اللغة الدارجة لأهل هذه الديار قبل استخدام اللغة السانسكريتية أو قبل هجرة الهندوسية أو دخول الإسلام تأكدنا من أن التصور الاعتقادي لأجدادنا حسب النطق والتعبير الموروث هو أن الله في عقيدتهم واحد لاشريك له). ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 34 الدين الإلهي وعقيدة التوحيد الخالصة هما الأصل في حياة البشر منذ أن خلق الله آدم (وذريته) بخلاف ما تدعيه النظريات المادية والفلسفية السائدة التي تزعم أن البشرية في أول أمرها كانت لا تعرف التوحيد، وأن الناس كانوا يعبدون ما حولهم من المخلوقات التي كانوا يروجونها أو يخافونها فهذا باطل ومحض افتراء، إنما يقوم على تخرصات الخراصين وظنون الجاهلين، إنما عبدت الأوثان بعد أزمان حيث كثر الخبث، وحاد أكثر البشر عن الله وشرعه القويم. خلق الله الناس حنفاء موحدين: فقد ثبت بالقرآن الكريم وصحيح السنة والآثار أن الله تعالى خلق الناس حنفاء موحدين مخلصين لله الدين، وفطرهم على التوحيد، وأن الشرك والضلال والانحراف إنما هو شيء طارئ حدث بعد أحقاب من الزمان، ولم تخل أمة ولا زمان على طول التاريخ البشري من دين ورسل وأنبياء يدعون إلى التوحيد، ويحذرون من الشرك. قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24] وقال تعالى: رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165]. وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ [يونس: 47]. وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36].كما ثبت في صحيح السنة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي يرويه عن ربه تبارك وتعالى، وفيه: ((خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)). رواه مسلم (¬1). بطلان نظرية تطور الدين: إذن فقد عرفت يقينا أن التوحيد والصلاح هما الأصل الذي كانت عليه البشرية في أول وجودها، وأن الشرك والفساد والضلال أمور طارئة بما كسبت أيدي الناس. وبعد هذا فلا تغتر بما يقوله بعض الكتّاب المحدثين والمفكرين، وكثير من علماء الاجتماع والتربية وعلم النفس والتاريخ من أن الناس في أول أمرهم على الجهل والوثنية والهمجية، ثم تطوروا إلى التوحيد، فالقائلون بهذا مقلدون للنظريات الغربية المادية التي لا تستند على دليل علمي ولا وحي سماوي. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص14 ¬

(¬1) رواه مسلم (2856) بلفظ) ( .... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم .... )) من حديث عياض بن حمار المجاشعى.

الفصل الثالث: واقع العالم الديني وواجب المسلم تجاهه

الفصل الثالث: واقع العالم الديني وواجب المسلم تجاهه من البدهي لدى كل مسلم أن الإسلام ـ عقيدة وسلوكا ـ هو الميزان الصحيح الحكم، والحكم العدل في تقويم الأديان والمذاهب، والحكم على مدى استقامة الأمم والشعوب أو انحرافها. وعلى هذا فإن المتأمل لحال البشرية الدينية اليوم يرى أن الناس على أربعة أصناف: الصنف الأول: مسلم متمسك بدينه معتصم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يؤمن بالله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على هدى من دين الله وبصيرة. وهؤلاء رغم قلتهم منتشرون ـ بحمد لله ـ في سائر المعمورة يربطهم رباط العقيدة الصحيح وأخوة الإيمان، وهم الطائفة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) (¬1).والمقصود بأمر الله هنا: قيام الساعة كما هو صريح في أحاديث أخرى ((حتى تقوم الساعة)) (¬2) فاحرص أخي المسلم على أن تكون من هذه الطائفة؛ لتسعد في الدنيا والآخرة بنعمة الإسلام والإيمان وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف: 28] الصنف الثاني: المنتمون للإسلام وهم على شيء من الانحراف والضلال أو على الكفر أو الجهل، وهم مع الأسف كثير ممن يدعي الإسلام من الصوفية، والرافضة، والباطنية، والنصيرية، والمقابريين (¬3) وأصحاب المبادئ والاتجاهات الهدامة: كالاشتراكية، والبعثية، والقومية، والعلمانية، وسواهم من ذوي الانحراف العقدي والعملي. وهؤلاء هم الذين استثنى منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق رغم قلتها، والتي أشرنا إليها آنفا (في الصنف الأول). وينبغي لك أخي المسلم أن تتسلح بالعقيدة، وتكون على حذر من هؤلاء الأدعياء؛ لأنهم دعاة شر على أبواب جهنم، ويملكون من الأساليب والوسائل الجذابة والخادعة ما يشكل خطرا على شباب المسلمين الذين لم يتسلحوا بالعقيدة الإسلامية الصافية التي تحصنهم. الصنف الثالث: أتباع الديانات الضالة: وهؤلاء: إما كتابيون، وهم الذين ينتمون إلى الأديان المنزلة من الله في أصلها، ولكن دخلها التحريف والشرك ثم نسخت، وهم اليهود والنصارى. وإما وثنيون يتبعون دينا مبتدعا يقوم في أصله على الشرك والوثنية وتقديس المخلوقات، كالبراهمة، والبوذيين والكنفوشسيين والمجوس وأكثر الفلاسفة، وهذا الصنف كافر صريح الكفر، وعلى المسلم أن لا يرتبط معهم بأخوة أو مودة أو ولاء؛ لأنهم محادون لله ورسوله. الصنف الرابع: الملاحدة: وهم الذين لا يدينون بدين، أو يتبعون مذاهب تجحد وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهم بعض الفلاسفة، والدهريون، والشيوعيون، وبعض العلمانيين ونحوهم، وهم كفار ملاحدة، وعلى المسلم أن يتبرأ منهم ويعاديهم، فلا يوالهم ولا يصادقهم ولا يوادهم وأن يكون على حذر منهم. واجب المسلم تجاه هذا الواقع: فعليك أخي المسلم أن تكون على بصيرة من أمرك واعيا ومدركا لواجبك وما يدور حولك، وما يحاك لدينك وأمتك، لتعرف الخير فتتمسك به، وتدرك الشر فتحذره، وتكون جنديا مخلصا لعقيدتك ودينك وأمتك فأنت أمل المسلمين بعد الله. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص13 ¬

(¬1) رواه مسلم (1920) , عن ثوبان رضي الله عنه. (¬2) رواه الترمذي (2192) , وابن ماجه (6) , وقال الترمذي: حسن صحيح, وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (403): صحيح على شرط الشيخين. (¬3) المقابريون ـ أو القبوريون ـ هم أولئك الذين يعظمون القبور والأضرحة ويبنون عليها القباب ويتخذونها مساجد وأعياد، ويذبحون عندها النذور والقرابين ويتمسحون بها زعما منهم أن الموتى ينفعونهم أو يضرون فيدعونهم ويرجونهم مع الله, ويزعمون أن لهم قدرة على تصريف الأقدار ومقاليد الكون, وهذا شرك وضلال مبين. فالقبورية من البدع الشركية التي تروجها الطرق الصوفية وأول من ابتدعها ونشرها الرافضة وفرقهم كالفاطميين والقرامطة.

الباب الثاني: اليهودية وما تفرع عنها:

المبحث الأول: تعريف اليهودية: اليهودية: هي ديانة العبرانيين المنحدرين من إبراهيم عليه السلام والمعروفين بالأسباط من بني إسرائيل الذين أرسل الله إليهم موسى عليه السلام مؤيداً بالتوراة؛ ليكون لهم نبيًّا. واليهودية ديانة يبدو أنها منسوبة إلى يهود الشعب، وهذه بدورها قد اختلف في أصلها، وقد تكون نسبة إلى يهوذا أحد أبناء يعقوب، وعممت على الشعب على سبيل التغليب. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي اليهودية: مصطلح حادث يطلق على الديانة الباطلة المحرفة عن الدين الحق الذي جاء به موسى عليه السلام. ولعل هذا هو التعريف الصحيح لليهودية، ومن خلاله يتبين الخلل في بعض التعريفات التي تقول: إنها الدين الذي جاء به موسى - عليه السلام -. أو: إنها دين موسى عليه السلام. وهذا خطأ؛ إذ موسى عليه السلام لم يجئ باليهودية، وإنما جاء بالإسلام - بمفهومه العام- الذي يعني الاستسلام لله وحده؛ فهو دين جميع الأنبياء من لدن نوح إلى محمد عليهم السلام. قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: 67]. وقال - تبارك وتعالى - عن موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس:84]. وقال عن عيسى عليه السلام: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52]. فهذا هو الإسلام العام الذي جاء به جميع الأنبياء. أما الإسلام الخاص فهو: شريعة القرآن التي جاء بها محمد (¬1). وهذا الإسلام الخاص يشترك مع كافة الشرائع بالتوحيد والأصول، ويختلف في تفصيل بعض الشرائع. ومن خلال ما مضى يتبين أن اليهودية ديانة باطلة محرفة عن الدين الحق الذي جاء به موسى عليه السلام. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، لمحمد الحمد ص 62، 63 ¬

(¬1) انظر ((التدمرية)) لابن تيمية (196 - 175).

المبحث الثاني: سبب التسمية:

المبحث الثاني: سبب التسمية: سميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود، وقد تعددت أسباب تسمية اليهود بهذا الاسم؛ فقيل في ذلك أقوال منها: -1 أنهم سموا يهوداً نسبة إلى يهوذا بن يعقوب، الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى عليه السلام فقلبت العرب الذال دالاً. -2 نسبة إلى الهَوَد: وهو التوبة، والرجوع، وذلك نسبة إلى قول موسى عليه السلام لربه: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف: 156]. أي: تبنا ورجعنا إليك يا ربنا. قال ابن منظور: الهود: التوبة، هادَ يهود هوداً، وتهوَّد: تاب ورجع إلى الحق؛ فهو هائد، وقومٌ هُوْد مثل حائك وحُوك، وبازل وبُزْل (¬1). -3 نسبة إلى التقرب والعمل الصالح، قال زهير بن أبي سلمى: سوى رَبَعٍ لم يأتِ فيه مخافةً ... ولا رهقاً من عابد متهود فالمتهود: المتقرب، والتهود: العمل الصالح (¬2). -4 من الهوادة، وهي المودة، فكأنهم سموا بذلك؛ لمودة بعضهم بعضاً. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، لمحمد الحمد ص 63، 64 ¬

(¬1) [13])) ((لسان العرب)) (3/ 439) (¬2) ([14]) ((لسان العرب)) (3/ 349)

المبحث الثالث: أسماء اليهود:

المبحث الثالث: أسماء اليهود: لليهود عدة أسماء منها: -1 اليهود. -2 بنو إسرائيل: وإسرائيل لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: (عبد الله). لأن إسرا بمعنى عبد، وإيل: اسم الله. أي: أنه مركب من كلمتين: إسرا، وإيل، كما يقولون: بيت إيل (¬1). -3 الذين هادوا: كما قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ [البقرة: 62]. وقال: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ [المائدة: 44]. -4 أهل الكتاب: إشارة إلى اسمهم المتأخر خاصة بعد ظهور عيسى عليه السلام، وتميزهم عن أتباعه النصارى. ولذلك يطلق هذا الاسم عليهم وعلى النصارى؛ إشارة إلى أن الله أنزل عليهم كتاباً من السماء، وهو التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام. وعلى أية حال فاسم اليهود أشمل من بني إسرائيل؛ لأنه يطلق على الذين اعتنقوا الديانة سواء كانوا من بني إسرائيل أو من غيرهم. في حين أن بني إسرائيل وهم ذرية يعقوب عليه السلام قد يكون منهم اليهودي، أو النصراني، أو المسلم، أو سواهم. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، لمحمد الحمد ص 64، 65 ¬

(¬1) انظر ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (1/ 450).

المبحث الرابع: نبذة عن تاريخ بني إسرائيل:

المطلب الأول: النشأة: يُعَدُّ الخليل إبراهيم عليه السلام الأب المشترك للعرب، واليهود، والنصارى. والخليل هو إبراهيم بن تارِخ بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر ابن شالخ بن أَرْفَخْشَذ بن سام بن نوح عليه السلام (¬1). اختلف في مكان ولادة الخليل عليه السلام. قال ابن كثير: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ولد إبراهيم بغُوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون).ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل (¬2). وتذكر كتب التواريخ أن إبراهيم عليه السلام تزوج سارة، وكانت عاقراً لا تلد، وأن تارخ انطلق بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين، أي: من العراق إلى بيت المقدس فلسطين. وقد حصل له من البلاء، والجهاد في سبيل الله ما يطول ذكره. ولما وصل إلى بيت المقدس، ومكث فيها عشر سنين قالت له سارة: إن الرب حرمني الولد؛ فادخل على أَمَتي هذه - تعني هاجر -لعل الله يرزقنا منها ولداً. فلما وهبتها له دخل بها إبراهيمُ عليه السلام فحملت ووضعت إسماعيل عليه السلام، وكان للخليل حينئذ ست وثمانون سنة. ثم أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة، فخر له ساجداً؛ فولد له إسحاق بعد إسماعيل بثلاث عشرة سنة، فحمد الله إبراهيم كما قال عز وجل عنه: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم: 39]. ثم انتقل بعد ذلك إبراهيم من أرض كنعان بابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع عند موقع البيت فيما عرف باسم مكة. وكان ذلك بسبب أمر الله عز وجل، وقيل: بسبب غيرة سارة عليها السلام. ويقال: إن إسماعيل كان إذ ذاك رضيعاً؛ فلما تركه وأُمَّه هناك، وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر، وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا؟ فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: فإذاً لا يضيعنا (¬3). جاء في (صحيح البخاري) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ((أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً، لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفَّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتى بلغ يَشْكُرُونَ [إبراهيم37:]. ¬

(¬1) انظر ((البداية والنهاية)) لابن كثير (1/ 324) (¬2) انظر ((البداية والنهاية)) (1/ 325). (¬3) ([18]) انظر ((البداية والنهاية)) (1/ 356).

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط - فانْطَلَقَتْ؛ كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي: فذلك سعي الناس بينهما. فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت: صه؛ تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أَسْمَعْتَ إن كان عندك غواث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بِعَقِبِه- أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عيناً معيناً. قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول؛ فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي: فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس. فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنْفَسهم وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوَّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيِّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنَّا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيِّر عتبةَ بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك؛ الحقي بأهلك. فطلَّقها، وتزوَّج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي: ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه. قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيه يثبِّت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام،

ويأمرك أن تثبِّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة] 127: قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (¬1). ثم حصل لإبراهيم ما حصل من البلاء بذبح ابنه وغير ذلك من البلايا. وبعد أن بلغ إبراهيم عليه السلام مائة سنة رزقه الله تعالى بإسحاق. وكان عمر سارة آنذاك تسعين سنة. قال الله تعالى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ [الصافات: 112 - 113]. قال ابن كثير: وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت ثبوائيل في حياة أبيه كان عمره أربعين، وأنها كانت عاقراً، فدعا الله فحملت، فولدت غلامين توأمين: أولهما سمَّوه عيصو، وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم. والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه؛ فسمَّوه يعقوب، وهو إسرائيل الذي ينسب إليه بنو إسرائيل (¬2). ومما جاء في سيرة يعقوب عليه السلام أنه رحل من بيت المقدس إلى خاله لابان بأرض حران؛ فلما قدم على خاله إذا له ابنتان اسم الكبرى: لَيّا، ويقال لها: ليئة، واسم الصغرى: راحيل؛ فخطب إليه راحيل، وكانت أحسنهما وأجملهما؛ فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين؛ فلما مضت المدة عمل خاله لابان طعاماً، وجمع الناس عليه، وزفَّ إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين، وليست بذات جمال. فلما أصبح يعقوب، قال لخاله: لم غدرت بي وإنما خطبت إليك راحيل؟ فقال: إنه ليس من سننا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها؛ فعمل سبع سنين، وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نسخ في شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كافٍ على وقوع النسخ؛ لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته؛ لأنه معصوم (¬3). وبعد ذلك وهب خالُه لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية؛ فوهب لليا جارية اسمها زلفا، وقيل: زلفة، ووهب لراحيل جارية اسمها بلها، وقيل: بلهة. وقد جبر الله تعالى ضعفَ ليا بأن وهب لها أولاداً؛ فكان أول من ولدت ليعقوب: روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا. وكانت راحيل لا تحبل؛ فوهبت ليعقوب جاريتها بلها؛ فوطئها؛ فحملت وولدت له غلاماً سمَّته دان، وحملت وولدت غلاماً ثانياً سمَّته يفثالي، وقيل: اسمه ثفيالي، أو نفتالي. فعمدت عند ذلك ليا؛ فوهبت جاريتها زلفا من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد، وأشير، ثم حملت ليا، فولدت غلاماً خامساً وسمته أيساخر، ويقال: إنه يساكر. ثم حملت وولدت غلاماً سادساً سمَّته زابلون، أو زوبلون، ثم حملت وولدت بنتاً سمَّتها دنيا، فصار لها سبعة من يعقوب. ¬

(¬1) رواه البخاري (3364). (¬2) ((البداية والنهاية)) (1/ 447). (¬3) ([21]) ((البداية والنهاية)) (1/ 449).

ثم دعت راحيل الله تعالى وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب؛ فسمع الله نداءها، وأجاب دعاءها؛ فحملت، وولدت غلاماً عظيماً شريفاً، حسناً جميلاً سمَّته يوسف. كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه، ثم طلب يعقوب من خاله أن يأذن له بالرحيل؛ فأذن له ورحل إلى فلسطين عند أبيه إسحاق عليهما السلام. وبعد رجوعه إليها حملت زوجته راحيل؛ فولدت غلاماً وهو بنيامين إلا أنها جهدت في طلقها به جهداً شديداً، وماتت عقيبه، فدفنها يعقوب في بيت لحم (¬1). وبعد ذلك مرض إسحاق، ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه: العيص، ويعقوب مع أبيه الخليل عليهم السلام. وهكذا استقر يعقوب هو وأبناؤه الأسباط الاثنا عشر في فلسطين. ومن ذرية الأسباط يتكون نسب بني إسرائيل. ثم حصل ما حصل بين يوسف وإخوته، وبعد ذلك دعا يوسف والده وإخوته إلى مصر، فنزحوا من فلسطين، ومات يعقوب في مصر، فذهب به يوسف وإخوته وأكابر أهل مصر إلى فلسطين، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي اشتراها الخليل. ثم رجعوا إلى مصر، وعزى إخوة يوسفَ يوسفَ، وترققوا له؛ فأكرمهم، وأحسن منقلبهم؛ فأقاموا بمصر، ثم حضرت يوسف الوفاة؛ فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر؛ فيدفن عند آبائه، فحنطوه، ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه، كما يقول ابن كثير فيما نقله عن نصوص أهل الكتاب (¬2). وبعد ذلك تناسل الأسباط، وكثروا، وأبوا أن يندمجوا مع المصريين؛ فعزلوا أنفسهم عنهم، وتواصوا فيما بينهم أن يكون لكل سبط نسله المعروف المميز عن بقية الأسباط، وذلك ليضمنوا الاحتفاظ بنسبهم؛ اعتزازاً به، وتعالياً على غيرهم، باعتبار أنهم من ذرية الأنبياء. وهذه العزة التي عاشها اليهود في مصر، مع الشعور المصاحب لهم من التعالي بنسبهم، جعل مقامهم في مصر قلقاً مضطرباً (¬3). وبعد ثلاثة قرون أو تزيد اضطهدهم الفراعنةُ حكامُ مصر واستعبدوهم, فبعث الله موسى نبيًّا فيهم، ورسولاً إليهم وإلى فرعون. وقد بيَّن لنا القرآن الكريم سيرة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث منَّ الله على بني إسرائيل ونجَّاهم من سوء العذاب الذي كان فرعون يسومهم به، ونصرهم عليه بقيادة موسى عليه السلام حيث إنهزم فرعون وأهلكه الله بالغرق. وكان جديراً ببني إسرائيل بعد هذا النصر أن يحمدوا الله ويطيعوه، إلا أنهم أبوا إلا الكفر والذلة والمسكنة، فآذوا موسى عليه السلام وتعنَّتوا حين أُمِرُوا أن يدخلوا فلسطين، الأرض المقدسة. وقد أكرمهم الله وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، ولما ذهب موسى لمناجاة ربه استضعفوا هارون، وعبدوا العجل الذهب، وتعنَّتوا على موسى بعد عودته، وقالوا له: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]. ورفع الله فوقهم الطور؛ تهديداً لهم، فاستسلموا؛ خوفاً، وأعطوا مواثيقهم، ولكنهم نقضوا، واعتدوا فيالسبت؛ فمسخهم الله قردة وخنازير (¬4). وتوالت عليهم الآيات والعبر، كقصة البقرة، والخسف، وغيرها، ولكن قست قلوبهم، ولم تنفعهم الآيات والعبر؛ فهي كالحجارة أو أشد قسوة. ثم توالت بعد ذلك غطرستهم، وتبجحهم، وعنادهم، وتحريفهم، وتبديلهم مع كليم الله ومَنْ بعده من الأنبياء عليهم السلام. ¬

(¬1) ((البداية والنهاية)) (1/ 447,455)، و ((التحرير والتنوير)) (1/ 732). (¬2) ((البداية والنهاية)) (1/ 504). (¬3) ([24]) ((حقيقة اليهود)) (ص1). (¬4) انظر ((حقيقة اليهود)) (ص3).

ثم بعث الله فيهم عيسى عليه السلام، وبدلاً من أن يصححوا خطأهم وانحرافهم، ويكفوا عن خبثهم وتزييفهم أجمعوا على قتله عليه السلام، ولكن الله عز وجل نجَّاه منهم، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157] ولم يكتفوا بما فعلوه بالمسيح عليه السلام في حياته، وإنما دوَّنوا افتراءات كثيرة على المسيح عليه السلام واتهموا أمه مريم عليها السلام بالبهتان، وعاثوا في الأرض فساداً (¬1). واستمروا على جرمهم بعد رفع عيسى عليه السلام وأخذوا يكيدون لأتباعه، ويطاردونهم، ويعملون على تحريف الإنجيل، حتى تمكنوا من ذلك بالسر والعلن، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً حتى حقدت عليهم الأمم والشعوب؛ فشردوا في الأرض أكثر من مرة، فتفرَّقوا قبل الإسلام بالشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، في يثرب وخيبر ونجران واليمن. وفي كل أرض يحلون بها يكون ديدنهم التفريقَ بين الناس - كما فعلوا مع الأوس والخزرج في المدينة- واحتكارَ التجارة، والربا، وإشاعة الرذيلة والبغاء، وأكل أموال الناس بالباطل. واستمروا على هذه الحالة إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستفتحون على الذين كفروا، ويخبرونهم بأنه سوف يخرج نبي، وأنهم سوف يحاربون مع هذا النبي، فلما ظهر النبي، كذَّبوه، وآذوه، واستهزؤوا به، وسحروه، وهموا بقتله، وألَّبوا عليه المشركين، وبدؤوا يبثون سمومهم داخل الصف المسلم، وظهر فيهم النفاق، واستمرَّ كيدهم للإسلام والمسلمين إلى اليوم؛ حيث أسهموا إسهاماً كبيراً في إثارة الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة بمختلف طوائفها، والصوفية بمختلف طرقها إلى اليوم، والشيوعية الحمراء، وغيرها من الفرق والطوائف التي لا تحصى. كل هذه الفرق والطوائف إما من صنعهم، أو من تشجيعهم، ومساندتهم, وصدق الله تعالى إذ يقول: وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:33]، ويقول: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة: 217] (¬2). ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، لمحمد الحمد ص65 - 75 من المعلوم أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب هو الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، وكان يسكن في منطقة فلسطين، متنقلاً في مناطق عدة فيها، وكان توطنها هو وأبناؤه من بعد إبراهيم الخليل عليه السلام يعيشون فيها حياة البداوة، قال عز وجل فيما حكاه من كلام يوسف عليه السلام: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ [يوسف: 100]. قال ابن كثير: مِنَ الْبَدْوِ أي: من البادية، قال ابن جريج وغيره: (وكانوا أهل بادية وماشية). ¬

(¬1) ((حقيقة اليهود)) (ص3). (¬2) انظر ((الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة)) (ص27 - 29).

المطلب الثاني: انتقال يعقوب عليه السلام بأولاده من بادية فلسطين إلى مصر:

المطلب الثاني: انتقال يعقوب عليه السلام بأولاده من بادية فلسطين إلى مصر: بعد أن مكَّن الله ليوسف عليه السلام في أرض مصر وصار على خزائنها، أرسل إلى أبيه وأهله جميعاً أن يأتوا إليه، فأقبل يعقوب عليه السلام بأولاده وأهله جميعاً إلى مصر واستوطنوها، ويذكر اليهود في كتابهم أن عدد أنفس بني إسرائيل حين دخلوا مصر سبعون نفساً. وكانوا شعباً مؤمناً بين وثنيين، فاستقلوا بناحية من الأرض أعطاهم إياها فرعون مصر، فعاشوا عيشة طيبة زمن يوسف عليه السلام. ثم بعد وفاة يوسف عليه السلام بزمن- الله أعلم بطوله- تغيَّر الحال على بني إسرائيل وانقلب عليهم الفراعنة طغياناً وعتوًّا واستضعافاً لبني إسرائيل، فاستعبدوهم وأذلوهم، وبلغ بهم الحال ما ذكر الله عز وجل في قوله: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص: 4 - 6]. فكان الفراعنة يقتلون الذكور ويستحيون الإناث، واستمرت هذه المحنة وهذا البلاء عليهم زمناً طويلاً، إلى أن بعث الله عز وجل موسى عليه السلام، فدعا فرعون إلى الإيمان بالله، وأن يترك دعوة الناس إلى عبادة نفسه، وأن يرفع العذاب عن بني إسرائيل، ويسمح لهم بالخروج من مصر، فأبى فرعون ذلك بغطرسة وكبر، واستمرَّ في تعذيب بني إسرائيل، كما قال عز وجل: وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف: 127]. فأخذ الله تعالى فرعون وقومه بالجدب وهلاك الزروع، وأرسل عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم، ولكنهم استكبروا وجحدوا، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام بعد ذلك بالخروج ببني إسرائيل. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 49

المطلب الثالث: خروج بني إسرائيل من مصر:

المطلب الثالث: خروج بني إسرائيل من مصر: خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل ليلاً بأمر الله عز وجل له بذلك، قال عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ. [الشعراء:52 - 66] فأنجى الله عز وجل موسى ومن معه، وأهلك فرعون وجنوده. ويذكر اليهود في كتابهم أن مدَّة مكثهم في مصر كانت أربعمائة وثلاثين عاماً، وكان عدد الرجال عند الخروج دون النساء والأطفال نحو ستمائة ألف رجلٍ، وهذا عدا بني لاوي أيضاً الذين لم يحسبوهم، وهو عدد مبالغ فيه جدًّا؛ إذ معنى ذلك أن عددهم كان وقت خروجهم بنسائهم وأطفالهم قرابة مليوني نسمة، وهي دعوى مبالغ فيها جدًّا ولا يمكن تصديقها؛ إذ إن ذلك يعني أنهم تضاعفوا خلال فترة بقائهم في مصر قرابة ثلاثين ألف ضعف؛ إذ كان عددهم وقت الدخول سبعين نفساً، والله عز وجل قد ذكر قول فرعون: إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [الشعراء: 54] ومليونا شخص لا يمكن أن يعبَّر عنهم بهذا، كما أن تحرك مليوني شخص في ليلة واحدة مستحيل، إذا علمنا أن في هذا العدد أطفالاً ونساءً وشيوخاً. والله أعلم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 51

المطلب الرابع: ما حدث من بني إسرائيل بعد الخروج:

المطلب الرابع: ما حدث من بني إسرائيل بعد الخروج: حدث من بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر حوادث عدة، فمن هذه الحوادث: طلبهم من موسى أن يجعل لهم صنماً إلهاً، وفي هذا يقول الله عز وجل: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. [الأعراف: 138 - 140] ولا شك أن هذا الطلب من بني إسرائيل مدعاة للعجب والاستنكار، فقد رأوا من الآيات ما فيه مقنع وكفاية لو كانوا يعقلون. ومنها: عبادتهم للعجل: وذلك أن موسى عليه السلام لما ذهب لموعده مع ربِّه، أضلَّ السامري بني إسرائيل، وصنع لهم عجلاً مسبوكاً من الذهب الذي استعاره بنو إسرائيل من المصريين عند خروجهم من مصر، ودعاهم إلى عبادته، فعبدوه في غياب موسى عليه السلام، وقد حذَّرهم هارون عليه السلام ونهاهم عن ذلك. قال الله عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [طه:90 - 91]. ولما رجع موسى عليه السلام إلى قومه غضبان أسفا، أنَّبهم وأحرق العجل وذره في اليمِّ، ثم حكم عليهم بأن يقتل عبدة العجل أنفسهم؛ ليتوب الله عليهم. ورُوي في كيفية قتلهم أن يقوم أناس منهم بالسكاكين ومن عبد العجل جلوس، فتغشاهم ظلمة فيبتدئ الواقفون بطعن الجالسين حتى تنقشع الظلمة، فتكون توبة لمن مات ولمن بقي منهم. ومنها: نكولهم عن قتال الجبابرة: دعا موسى عليه السلام قومه إلى قتال الجبابرة، وهم قوم من الحيثانيين والفزريين والكنعانيين، وكانوا يسكنون الأرض المقدسة، فأبى بنو إسرائيل القتال وجبنوا عنه، واقترحوا على موسى عليه السلام ما ذكره الله عز وجل في قوله: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24]، فهناك دعا موسى عليه السلام ربَّه عزَّ وجلَّ بقوله: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25]، فحكم الله عليهم بالتيه بقوله: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 26]، فظلوا تائهين المدة التي قضى الله عليهم. ومات في هذه الفترة موسى عليه السلام، وكان هارون عليه السلام مات قبله أيضاً. ويقول اليهود في كتابهم التوراة: إنه قد مات في زمن التيه كل من كان بالغاً وقت نكولهم، ولم يدخل الأرض المقدسة منهم سوى يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، وهما -فيما قيل- اللذان قال الله عنهم: قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ [المائدة:23]. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 52

المطلب الخامس: دخول بني إسرائيل أرض فلسطين:

المطلب الخامس: دخول بني إسرائيل أرض فلسطين: بعد انقضاء المدة المحكوم على بني إسرائيل فيها بالتيه، فتح بنو إسرائيل الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون عليه السلام، ويذكر اليهود أنهم دخلوها من ناحية نهر الأردن. ويقسم المؤرخون تاريخهم في فلسطين إلى ثلاثة عهود: أ - عهد القضاة: والمراد به أن يوشع بن نون عليه السلام لما فتح الأرض المقدسة، قسم الأرض المفتوحة على أسباط بني إسرائيل، فأعطى لكل سبط قسماً من الأرض، وجعل على كل سبط رئيساً من كبرائهم، وجعل على جميع الأسباط قاضياً واحداً يحتكمون إليه فيما شجر بينهم، وهو يمثل الرئيس لجميع الأسباط، واستمر هذا الحال ببني إسرائيل قرابة أربعمائة عام فيما يذكر اليهود، وكان بينهم وبين أعدائهم حروب دائمة يكون النصر فيها لبني إسرائيل مرَّة ولأعدائهم أُخرى. ب - عهد الملوك: وهو العهد الذي بدأ فيه الحكم ملكيًّا، وقد قصَّ الله علينا خبر أول ملوكهم في قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ [البقرة:246]. فجعل الله عزَّ وجلَّ عليهم طالوت ملكاً، فقبلوه على كره منهم، ويسمونه في كتابهم شاؤول. وملك عليهم بعده داود عليه السلام، ثم ابنه سليمان عليه السلام، وكان عهدهما أزهى العهود التى مرت على بني إسرائيل على الإطلاق، وذلك لما أوتيه هذان النبيَّان الكريمان من العدل والحكمة مع الطاعة والعبادة لله عزَّ وجلَّ. ج - عهد الانقسام: هو العهد التالي لسليمان عليه السلام حيث تنازع الأمر بعده رحبعام بن سليمان عليه السلام ويربعام بن نباط، فاستقل رحبعام بسبط يهوذا وسبط بنيامين، وكوَّن دولة في جنوب فلسطين عاصمتها (بيت المقدس)، وسُميت دولة يهوذا نسبة إلى سبط حكامها، وهو سبط يهوذا الذي من نسله داود وسليمان عليهما السلام وملوك تلك الدولة. واستقلَّ يربعام بن نباط بالعشرة أسباط الأخرى، وكوَّن دولة في شمال فلسطين، سُميت دولة إسرائيل وجعل عاصمتها نابلس، وأهل هذه الدولة يسمون لدى اليهود بـ (السامريين)، نسبة إلى جبلٍ هناك يسمَّى (شامر) اشتراه أحد ملوكهم وهو (عمري) وسمَّاه نسبة إلى صاحبه السامرة، وسُميت منطقتهم (السامرة). ويلاحظ أن السامريين - وهم شعب دولة إسرائيل- غيَّروا قبلتهم من بيت المقدس إلى جبل يسمى (جرزيم) ويعتبرهم اليهود من شعب يهوذا ملاحدة وكفاراً؛ لتغييرهم القبلة. ثم إنَّ الدولتين كان بينهما عداء وقتال، وكان يحدث في بعض الفترات من تاريخهما توافق وتعاون، وكانت دولة إسرائيل كثيرة القلاقل والفتن وتغيَّرت الأسرة الحاكمة فيها مراراً عديدة. أما دولة يهوذا فاستقر الحكم في سبط يهوذا في ذرية سليمان بن داود عليه السلام، وكانت تقع على الدولتين حروب من جيرانهم الأراميين، والفلسطينيين، والأدوميين والموآبيين كما أن الدولتين وقع من حكامهما وشعبيهما عبادة للأصنام في كثير من الأوقات وخاصة دولة إسرائيل واليهود السامريين. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 54

المطلب السادس: استيلاء الأجنبي عليهم:

المطلب السادس: استيلاء الأجنبي عليهم: استمرت دولة إسرائيل مستقلة، لها سيادتها على أرضها قرابة (244) عاماً حيث سقطت بعدها في يد الآشوريين زمن ملكهم سرجون عام (722) ق. م تقريباً فسبي شعبها، وأسكنهم في العراق، وأتى بأقوام من خارج تلك المنطقة وأسكنهم إياها، فاعتنقوا فيما بعد ديانة بني إسرائيل وبذلك تمَّ القضاء على تلك الدولة. أما دولة يهوذا فاستمرت قرابة (362) عاماً ثم سقطت بأيدي فراعنة مصر عام (603) ق. م تقريباً، وفرضوا عليها الجزية، وامتدَّ حكم الفراعنة في ذلك الوقت إلى الفرات. ثم جاء بعد ذلك حاكم بابل الكلداني بختنصر، واسترجع منطقة الشام وفلسطين، وطرد الفراعنة منها، ثم زحف مرة أخرى على دولة يهوذا التي تمردت عليه، فدمَّرها ودمَّر معبد أورشليم وساق شعبها مسبيًّا إلى بابل، وهذا ما يسمَّى بالسبي البابلي، وكان في هذا نهاية تلك الدولة التي تسمَّى يهوذا وذلك في حدود عام (586) ق. م. ثم سقطت دولة بابل في يد الفرس في عهد ملكهم (قورش) سنة (538) ق. م. الذي سمح لليهود بالعودة إلى بيت المقدس، وبناء هيكلهم وعيَّن عليهم حاكماً منهم من قبله. ومن الجدير بالذكر أن اليهود ذكروا في كتابهم أن (قورش) أرسل النداء في مملكته قائلاً: (جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا ... ). وهذا النص إذا صدق اليهود فيه يكون دليلاً على أن (قورش) كان مؤمناً بالله. واستمرَّ حكم الفرس من (332 - 538) ق. م، ثم زحف على بلاد الشام وفلسطين الإسكندر المقدوني اليوناني واستولى عليها، وأزال حكم الفرس بل استولى على بلادهم وبلاد مصر والعراق، فدخلت هذه المناطق تحت حكمهم من نهاية القرن الرابع قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد، حيث زحف بعد ذلك على البلاد القائد الروماني (بومبي) سنة (64) ق. م، وأزال حكم اليونانيين عنها، فدخل اليهود تحت حكم الرومان وسيطرتهم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 57

المطلب السابع: تشتتهم في الأرض:

المطلب السابع: تشتتهم في الأرض: في زمن سيطرة الرومان على منطقة فلسطين بُعث المسيح عليه السلام، وبعد رفعه وقع بلاء شديد على اليهود في فلسطين، حيث قاموا بثورات ضد الرومان، مما جعل القائد الروماني تيطس عام (70) م يجتهد في استئصالهم والفتك بهم وسبي أعداد كبيرة منهم وتهجيرها، ودمَّر بيت المقدس ومعبد اليهود، وكان هذا التدمير الثاني للهيكل، وقد زاد في تدمير الهيكل الحاكم الروماني أدريان سنة (135) م، حيث أمر جنوده بتسوية الهيكل بالأرض، وبنى فيها معبداً لكبير آلهة الرومان الذي يسمونه (جوبتير) وهدم كل شيءٍ في المدينة، ولم يترك فيها يهوديًّا واحداً، ثم منع اليهود من دخول المدينة، وجعل عقوبة ذلك الإعدام، ثم سمح لليهود بالمجيء إلى بيت المقدس يوماً واحداً في السنة، والوقوف على جدار بقي قائماً من سور المعبد، وهو الجزء الغربي منه، وهو الذي يسمَّى (حائط المبكى). وبهذا تشتَّت اليهود في أنحاء الأرض، وسلَّط الله عليهم الأمم يسومونهم سوء العذاب ببغيهم وفسادهم وسوء أخلاقهم. وفي هذا يقول الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأعراف: 167]. وكان من الجزاء الذي حكم الله به عليهم- مع هذا العذاب المستمرِّ إلى يوم القيامة- تقطيعهم في الأرض وتشتيتهم فيها جزاء كفرهم وفسادهم، قال عزَّ وجلَّ: وَقطّعْنَاهُم في الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُم الصَّالِحُون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيِّئات لعلَّهم يرجعونَ فَخَلَفَ مِن بعدهم خلْفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثلُهُ يأخذوه ألم يُؤخَذْ عليهم ميثاقُ الكِتَابِ ألاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إلاّ الحقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يتَّقُونَ أفلا تَعْقِلُون [الأعراف:168 - 169]. فهذه الآيات الكريمة تشرح واقع اليهود، فالآية الأولى تفيد بأن الله قضى عليهم بالعذاب المستمر بأيدي الناس إلى يوم القيامة. والآية الثانية: تفيد بتمزيقهم في الأرض، وتمزيقهم أدعى إلى أن يقع بسببه البلاء الشديد عليهم جماعة جماعة، ولا يستطيع أن ينصر بعضهم بعضاً بسببه. وقد خلف المسلمون الرومان النصارى في القرن الأول الهجري الذي يوافق القرن السابع الميلادي على الشام وفلسطين وجميع ما كان في يد الرومان في هذه المناطق. وكان اليهود في حالة تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، ولم يكن يسمح وقتها لليهود بالسكنى في بيت المقدس، كما سبق بيانه، بل كان من بنود المعاهدة بين نصارى بيت المقدس وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن لا يسمح لليهود بالسكن في بيت المقدس. فاستمرَّ اليهود في التشتت والتمزُّق في أنحاء الأرض إلى بداية القرن العشرين. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 59

المطلب الثامن: تجمعهم في فلسطين في العصر الحديث:

المطلب الثامن: تجمعهم في فلسطين في العصر الحديث: لقد ابتدأت الفكرة لدى العالم الغربي في تجميع اليهود في دولة، من أيام حملة نابليون بونابرت الفرنسي عام (1799) م حيث دعا يهود آسيا وأفريقيا للانضمام إلى حملته من أجل بناء مدينة القدس القديمة، وقد جنَّد منهم عدداً كبيراً في جيشه، إلاَّ أنَّ هزيمة نابليون واندحاره حال دون ذلك. ثم ابتدأت الفكرة تظهر على السطح مرَّة أخرى، وبدأ العديد من زعماء الغرب وكبار اليهود يهتمون بها، ويؤسسون كثيراً من الجمعيات المنادية لهذا الأمر، وابتدأ التخطيط الفعلي من إصدار (تيودور هرتزل) الزعيم الصهيوني عام (1896) م كتابه (الدولة اليهودية)، حيث عقد مؤتمر بال في سويسرا سنة (1897) م، وجاء في خطاب افتتاح هذا المؤتمر: (إننا نضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية). ثم اقترح برنامجاً يدعو إلى تشجيع القيام بحركة واسعة إلى فلسطين، والحصول على اعتراف دولي بشرعيَّة التوطين. وكان من قرارات ذلك المؤتمر: إنشاء (المنظمة الصهيونية العالمية) لتحقيق أهداف المؤتمر، والتي تولّت أيضاً إنشاء جمعيات عديدة علنية وسرِّية؛ لتخدم هذا الهدف، ودرس اليهود حال المستعمرين، فوجدوا أن بريطانيا أنسب الدول لهذا الأمر التي تتفق رغبتها في وضع داء في وسط الأمة الإسلامية موالٍ للغرب، مع رغبة اليهود في وطن قومي لهم، وكانت أكثر البلاد العربية تحت سيطرتها، فدبروا معها المؤامرة، وأخذوا بذلك وعداً من (بلفور) رئيس وزراء بريطانيا، ثم وزير خارجيتها عام (1917) م، أعلن فيه أن بريطانيا تمنح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وأنها ستسعى جاهدة في تحقيق ذلك. وكان اليهود قد بدؤوا الهجرة إلى فلسطين في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الانتداب البريطاني، فاستطاع اليهود بسبب الهجرة من تكوين دولة داخل دولة، وكانت الحكومة البريطانية تحميهم من بطش المسلمين، وتتعامل معهم بكل التسامح، في الوقت الذي تتعامل فيه مع المسلمين بكل شدَّة وتنكيل. ولما ضعفت بريطانيا عن تحقيق أماني اليهود أحالت الأمر إلى الأمم المتحدة، والتي تتزعمها الولايات المتحدة، التي بدورها استلمت الدور البريطاني في المنطقة، فأرسلت الأمم المتحدة لجانها إلى فلسطين، ثم قررت هذه اللجان تقسيم فلسطين بتخطيط يهودي وضغط أمريكي، فأعلن قرار التقسيم لفلسطين بين المسلمين واليهود في 29/ 11/1947م. فقررت الحكومة البريطانية بعده الانسحاب من فلسطين، تاركة البلاد لأهلها، وذلك بعد أن تأكَّدت أن اليهود قادرون على تسلم زمام الأمر، فحال خروجها في مايو عام (1948) م، أعلن اليهود دولتهم التي اعترفت بها أمريكا بعد إحدى عشرة دقيقة، وكانت روسيا قد سبقتها بالاعتراف، ثم استطاعت هذه الدولة اليهودية أن تقوم على قدميها، وأن تخوض ضد المسلمين عدَّة حروب، مني فيها المسلمون بهزائم، بسبب بعدهم عن دينهم، وتفرقهم إلى أمم وأحزاب، وخيانة بعضهم، ولا زالت هذه الدولة قائمة في قلب الأمة الإسلامية داءً سيفجر كثيراً من الفساد والشرور، ما لم يقتلع من جذوره، فاليهود منذ أزمان بعيدة وهم داء، أينما حلوا نشروا الفساد والشحناء والعدوان بين أهل البلاد التي يحلون فيها، وقد رأت الدول الغربية أنها ستكسب مكسبين عظيمين من إقامة هذا الكيان في جسد الأمة الإسلامية: أحدهما: أنها تسلم من شرور اليهود وسيطرتهم، وفسادهم وتحكمهم في البلاد وثرواتها. ثانيهما: أنها تضع في قلب الأمة الإسلامية دولة حليفة لهم، وهي في نفس الوقت علة تستنزف قوى الأمة الإسلامية، وتضع بذور الفرقة والخلاف بين أفرادها، حتى لا تقوم لها قائمة. وهذا الوضع لا زال قائماً، والأيام مليئة، وكل يوم يظهر الهدف واضحاً، وتظهر الشخصية اليهودية الحقيقية أكثر وأوضح، وما لم يفق المسلمون لواقعهم المرير، وينظروا لمستقبلهم بالعين المستبصرة بنور الله، المهتدية بشرعه الواثقة من نصره، فإنه لن يتغير الحال، بل ستزداد الأزمات والمصائب على العالم الإسلامي، حتى يأذن الله بأمره وتعود الأمة إلى ربها ودينها، فتكون جديرة بنصر الله واستعادة مقدساتها. ونرى أن تجمعهم هذا مقدمة لتحقيق كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأن المسلمين يقتلون اليهود. ولعل فلسطين ستكون مقبرتهم، والله غالب على أمره، ولن يفلح قوم سجل الله عليهم غضبه، ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة، بل لعلها مؤذنة بفنائهم والقضاء على بذرتهم الخبيثة، كما نرى أنهم ما توصلوا إلى ما توصلوا إليه إلَّّا بعد أن صار المسلمون في غاية التخلف والضعف والبعد عن الدين الذي به يتوصلون إلى خير الدنيا والآخرة. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 61

المطلب التاسع: ادعاءات اليهود:

أولا: مسألة: ادعاء اليهود أن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في فلسطين: قد تقدَّم بيان أن بني إسرائيل هم سلالة يعقوب عليه السلام، وأن أول دخول لهم إلى فلسطين كان مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى عليه السلام في التيه وبعد نكولهم عن القتال أول الأمر. وقد كان في فلسطين قبل استيلاء بني إسرائيل عليها ثلاث قبائل وهم: الفينيقيون: وسكنوها حوالى سنة (3000) ق. م، واستوطنوا المنطقة الشمالية منها على البحر الأبيض المتوسط. الكنعانيون: نزلوا جنوب الفينيقيين، وشغلوا المنطقة الوسطى من فلسطين سنة (2500) ق. م. وهذه كانت من القبائل العربية المهاجرة من شبه الجزيرة العربية، ثم جاءت جماعات من جزيرة كريت حوالي عام (1200) ق. م، وكانت تسمى فلستين، ونزلت بين يافا وغزَّة على البحر الأبيض المتوسط. وسمَّى الكنعانيون هولاء القوم فلسطين، وغلبت التسمية على المنطقة كلها، فأًصبحت تدعى فلسطين. وحسب ما أورده اليهود في كتابهم، وما كُتب في تاريخ المنطقة، فإن هذه الشعوب استمرَّت في المنطقة، وكان بينها وبين بني إسرائيل واليهود حروب عديدة، استمرت طوال فترة وجود اليهود في تلك المنطقة. فمن الناحية التاريخية، يتبيَّن لنا أن اليهود ليسوا أول من سكن فلسطين، بل دخلوها أو بعضها واستولوا على أجزاء منها بعد أن كانت في يد هؤلاء القوم. أما من الناحية الدينية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة: 21]. فقوله تعالى: كَتَبَ الله ُ لَكُمْ قال ابن اسحاق: (التي وهب الله لكم). وقال السدي: (التي أمركم الله بها). وقال قتادة: (أمر القوم بها كما أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة) (¬1). إذاً قوله تعالى: كَتَبَ الله ُ لَكُمْ. ليس هو تمليكا على رأي بعض العلماء، وعلى الرأي الآخر هو تمليك لهم بشرط أن يدخلوها. وعلى رأي البعض: هي هبة لهم. فهذا يبيِّن معنى كَتَبَ الله ُ لَكُمْ، ومع هذا فليس فيه دليلٌ على أن لهم الحق في فلسطين، وذلك لأن الله ينعم على عباده المؤمنين في حال الإيمان بنعم كثيرة، وهي لهم في حال الإيمان، أما في حال الكفر فلا حق لهم بها، وبنو إسرائيل حين أمرهم الله بالدخول نكلوا، فمنعهم منها، وحين استجابوا وأطاعوا منحها الله لهم؛ لهذا قال ابن كثير في الآية: (التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل، إنه وراثة من آمن منكم) (¬2). فعليه فهي لهم في حال إيمانهم، أما في حال كفرهم فليس لهم فيها حق. يدل على هذا قول الله جلَّ وعلا: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ [إبراهيم: 13]. وقال: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]. وبما أن اليهود كفروا بالله وبأنبيائه، وسجل الله عليهم غضبه ولعنته، فليس لهم حق في الأرض المقدسة، بل هي من حق عباده المؤمنين، كما قال تعالى: أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَالِحُونَ [الأنبياء:105]. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 65 ¬

(¬1) ((تفسير ابن جرير)) (6/ 173) , و ((فتح القدير)) للشوكاني (2/ 29). (¬2) ((تفسير ابن كثير)) (2/ 36).

ثانيا: مسألة: كذب اليهود المعاصرين في ادعائهم أنهم نسل بني إسرائيل:

ثانيا: مسألة: كذب اليهود المعاصرين في ادعائهم أنهم نسل بني إسرائيل: اليهود المعاصرون يشيعون وينشرون أنهم نسل بني إسرائيل الأوائل الذين قطنوا فلسطين، وهم في زعمهم وارثو أولئك الإسرائيليين الأوائل الذين كانوا في فلسطين، ويجتهد اليهود في نشر دعوى نقاء العنصر اليهودي من الاختلاط بالأمم الأخرى، فهم جنس حافظ - في زعمهم - على نقاء عنصره، ولليهود في ذلك هدف خطير وحيوي بالنسبة لهم، وهو أن هذه الدعوة تجعلهم في نظر النصارى أبناءً ليعقوب ومن ذريَّته، فيكونون بذلك مقصودين بالوعود الواردة في العهد القديم لبني إسرائيل، فيستدرون بذلك عطف النصارى وإحسانهم ونصرتهم، خاصة إذا علمنا أن النصارى يقدسون التوراة، ويعتقدون أن ما فيها وحي من الله عزَّ وجلَّ، كما سيأتي بيانه. لكن الواقع يكذب اليهود في دعواهم نقاء جنسهم، وذلك أن نظرة عامة في هيآتهم وسحنتهم تدل على تباين أصولهم، ففيهم ذو السحنة الأوروبية، وذو السحنة العربية، وفيهم ذو السحنة الأفريقية. ومع هذا التباين لا يمكن إدعاء أن أصلهم واحد؛ إذ لا بد من أن يكونوا قد اختلطوا بأمم أخرى أورثتهم هذا التباين في السمات. ثم إن اليهود ذكروا في كتابهم أن كثيراً منهم تزوَّجوا بنساء أجنبيات، وأن نساءهم أخذهن رجال أجانب حتى إنهم ينسبون إلى سليمان عليه السلام ذلك. كما أنه ثبت تاريخيًّا أن أمة كبيرة- وهي شعب دولة الخزر- تهوَّدوا في القرن الثامن الميلادي، وكان ذلك الشعب من قبل وثنيًّا، وهو شعب تركي آري كان يقطن منطقة آسيا الوسطى، ودولتهم التي تسمَّى باسمهم دولة الخزر كانت تقع في المنطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وتشغل منطقة شمال أذربيجان وأرمينية وأوكرانية وجميع منطقة جنوب آسيا إلى حدود موسكو عاصمة روسيا، وكان بحر قزوين يسمى بحر الخزر. وقد جاء في (الموسوعة اليهودية) عن الخزر ما يلي: ( .. الخزر شعب تركي الأصل، تمتزج حياته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود روسيا .. أكرهته القبائل البدوية في السهول من جهة أخرى على توطيد أسس مملكة الخزر في معظم أجزاء روسيا الجنوبية، قبل قيام الفرانجيين سنة (855) م بتأسيس الملكية الروسية، في هذا الوقت (855) م كانت مملكة الخزر في أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة، وعند نهاية القرن الثامن تحوَّل ملك الخزر ونبلاؤه وعدد كبير من شعبه الوثنيين إلى الديانة اليهودية .. كان عدد السكان اليهود ضخماً في جميع أنحاء مقاطعة الخزر خلال الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن العاشر الميلادي .. بدا عند حوالي القرن التاسع أن جميع الخزر أصبحوا يهوداً وأنهم اعتنقوا اليهودية قبل وقت قصير فقط). ثم إن هذه الدولة سقطت بعد ذلك في يد الروس، الذين احتلوها وقضوا عليها تماماً، واستولوا على جميع أراضيها، وقد تلاشت هذه الدولة من خارطة أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي، وتوزع شعبها على دول أوربا الشرقية والغربية، وكانت أكبر تجمعاتهم في أوربا الشرقية هنغاريا وبولندا ورومانيا والمجر وروسيا. فهذا يدل دلالة واضحة أن اليهود الذين يسمون الإشكنازيم- وهم يهود أوربا- لا يمتون بصلة إلى يعقوب عليه السلام وذريته. ونحن المسلمين نعتقد أن انتسابهم إلى يعقوب عليه السلام أو غيره لا يغير من موقفنا منهم ما داموا يهوداً ومحاربين لنا ومعتدين على إخواننا؛ إذ إن الأنساب لا وزن لها مع الكفر، ولا حاجة إليها مع الإسلام. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 67

الفصل الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المبحث الأول: التأسيس وأبرز الشخصيات: 1 - موسى عليه السلام: رجل من بني إسرائيل، ولد في مصر أيام فرعونها رمسيس الثاني على الأرجح (1301ـ 1234) ق. م، وقد تربى في قصر هذا الفرعون بعد أن ألقته أمه في النهر داخل تابوت، عندما خافت عليه من فرعون الذي كان يقتل أبناء بني إسرائيل. ولما شبَّ قتل مصريًّا مما دفعه للهرب إلى مدين حيث عمل راعياً لدى شيخ صالح هناك- قيل: إنه شعيب عليه السلام- الذي زوَّجه إحدى ابنتيه. ـ في طريق عودته إلى مصر أوحى الله إليه في سيناء بالرسالة، وأمره أن يذهب هو وأخوه هارون إلى فرعون لدعوته ولخلاص بني إسرائيل، فأعرض عنهما فرعون وناصبهم العداء، فخرج موسى ببني إسرائيل وقد كان ذلك سنة (1213) ق. م في عهد فرعونها منفتاح الذي خلف أباه رمسيس الثاني، ولحق بهم هذا الفرعون، لكن الله أغرقه في اليم، ونجَّى موسى وقومه. ـ في صحراء سيناء صعد موسى الجبل ليكلم ربه وليستلم الألواح، لكنه لما عاد وجد غالب قومه قد عكفوا على عجل من ذهب صنعه لهم السامري فزجرهم موسى، ولما أمرهم بدخول فلسطين امتنعوا عليه وقالوا له: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة: 22] فلما حاورهم رجال من بني جلدتهم في ذلك قالوا لموسى: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24] هنا دعا موسى على قومه: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 25] فغضب الله عليهم وتركهم يتيهون في الصحراء أربعين سنة، مات خلالها موسى ودفن في كثيب أحمر دون أن يدخل فلسطين. مات كذلك أخوه هارون ودفن في جبل هور، ويذكر المؤرخون أن الذين كانوا مع موسى ماتوا كلهم في التيه، باستثناء اثنين كان يوشع أحدهما. 2 - يوشع بن نون: تولى القيادة بعد موسى، ودخل ببني إسرائيل عن طريق شرقي الأردن إلى أريحا، وقد مات يوشع سنة (1130) ق. م. تم تقسيم الأرض المفتوحة بين الاثني عشر سبطاً، الذين كان يحكمهم قضاة من الكهنة، ......... 3 - آخر القضاة صموئيل شاءول صار ملكاً عليهم، وهو الذي يسميه القرآن طالوت، وهو الذي قادهم في معارك ضارية ضد من حولهم، وكان داود واحداً من جنوده، وفي إحدى المعارك تغلب داود على جالوت قائد الفلسطينيين، ومن هنا برز داود النبي القائد. 4 - داود عليه السلام أصبح الملك الثاني فيهم، وقد بقي الملك في أولاده وراثيًّا، واتخذ من أورشليم (القدس) عاصمة ملكه مشيداً الهيكل المقدس، ناقلاً إليه التابوت، وقد دام حكمه أربعين سنة. 5 - سليمان بن داود عليهما السلام: خلف أباه، وقد علا نجمه حتى إنه صاهر فرعون مصر شيشنق ودانت له سبأ، لكن ملكه انكمش بعد مماته مقتصراً على غرب الأردن. 6 - رحبعام: الذي صار ملكاً سنة (935) ق. م، إلا أنه لم يحظ بمبايعة الأسباط، فمال عنه بنو إسرائيل إلى أخيه يربعام، مما أدى إلى انقسام المملكة إلى قسمين: ـ شمالية اسمها إسرائيل، وعاصمتها شكيم. ـ جنوبية اسمها يهوذا، وعاصمتها أورشليم. ـ حكم في كل من المملكتين (19) ملكاً، واتصل المُلك في ذرية سليمان في مملكة يهوذا فيما تنقل في عدد من الأسر في مملكة إسرائيل. 7 - عاموس: نبي ظهر حوالي سنة (750) ق. م، وهو أقدم أنبياء العهد القديم الذين وردت أقوالهم إلينا مكتوبة؛ إذ عاش أيام يربعام الثاني (783ـ 743) ق. م.

وقع اليهود الإسرائيليون في سنة (721) ق. م تحت قبضة الآشوريين في عهد الملك سرجون الثاني ملك آشور فزالوا من التاريخ، وسقطت مملكة يهوذا تحت قبضة البابليين سنة (586) ق. م، وقد دمر نبوخذ نصر (بختنصر) أورشليم والمعبد، وسبى اليهود إلى بابل، وهذا هو التدمير الأول. 8 - أشعيا: عاش في القرن الثامن ق. م، وقد كان من مستشاري الملك حزقيال ملك يهوذا (729ـ 668) ق. م. 9 - أرميا: (650ـ 580) ق. م ندد بأخطاء قومه، وقد تنبأ بسقوط أورشليم، ونادى بالخضوع لملوك بابل مما جعل اليهود يضطهدونه ويعتدون عليه. 10 - حزقيال: ظهر في القرن السادس قبل الميلاد، قال بالبعث والحساب وبالمسيح الذي سيجيء من نسل داود ليصبح ملكاً على اليهود، وقد عاصر فترة سقوط مملكة يهوذا، أبعد إلى بابل بعد استسلام أورشليم. 11 - دانيال: أعلن مستقبل الشعب الإسرائيلي؛ إذ كان مشتهراً بالمنامات والرؤى الرمزية، وقد وعد شعبه بالخلاص على يد المسيح. - سنة (538) ق. م احتل قورش ملك الفرس بلاد بابل، وقد سمح لهم قورش بالعودة إلى فلسطين، ولكن لم يرجع منهم إلا القليل. - في سنة (320) ق. م آل الحكم في فلسطين إلى الإسكندر الأكبر ومن بعده إلى البطالمة. - اكتسح الرومان فلسطين سنة (63) ق. م. واستولوا على القدس بقيادة بامبيوس. - وفي سنة (20) ق. م بني هيرودس هيكل سليمان من جديد، وقد ظل هذا الهيكل حتى سنة (70) م حيث دمر الإمبراطور تيطس المدينة وأحرق الهيكل، وهذا هو التدمير الثاني. وقد جاء أوريانوس سنة (135) م ليزيل معالم المدينة تماماً، ويتخلص من اليهود بقتلهم وتشريدهم، وقد بنى هيكلاً وثنيًّا (اسمه جوبيتار) مكان الهيكل المقدس، وقد استمر هذا الهيكل الوثني حتى دمره النصارى في عهد الإمبراطور قسطنطين. ـ في سنة (636) م فتح المسلمون فلسطين وأجلوا عنها الرومان، وقد اشترط عليهم صفرونيوس بطريرك النصارى أن لا يسكن المدينة أحد من اليهود. ـ في سنة (1897) م بدأت الحركة الجديدة لليهود تحت اسم الصهيونية، لبناء دولة إسرائيل على أرض فلسطين (يراجع بحث الصهيونية). ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثاني: الجماعات اليهودية:

أولا: السفارد Sephardim: ( سفارد) مصطلح مأخوذ من الأصل العبري (سفارديم). ويُشار إلى السفارد أيضاً بكلمة (إسبانيولي)، وباليديشية بكلمة (فرانك) التي تشبه قولنا بالعربية (الفرنجة) (ومن هنا تسمية جيكوب فرانك، أي جيكوب السفاردي). و (سفارد) اسم مدينة في آسيا الصغرى تم ربطها بإسبانيا عن طريق الخطأ فتُرجمت الكلمة في الترجوم (الترجمة الآرامية لأسفار موسى الخمسة) إلى (إسباميا)، و (سباميا)، أما في البشيطا (الترجمة السريانية لأسفار موسى الخمسة) فهي (إسبانيا). وابتداءً من القرن الثامن الميلادي، أصبحت كلمة (سفارد) هي الكلمة العبرية المستخدمة للإشارة إلى إسبانيا. وتُستخدَم الكلمة في الوقت الحاضر للإشارة إلى اليهود الذين عاشوا أصلاً في إسبانيا والبرتغال، مقابل الإشكناز الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم أوربا. وقد استقر أعضاء الجماعة اليهودية في شبه جزيرة أيبريا في أيام الإمبراطورية الرومانية. ولكن أهم فترة في تاريخهم هي الفترة التي حكم فيها المسلمون شبه جزيرة أيبريا والتي يُشار إليها باسم (العصر الذهبي). وكان أعضاء الجماعة اليهودية يتحدثون العربية في تلك الفترة، ويفكرون ويكتبون بها. ثم جاء الغزو المسيحي لشبه الجزيرة واستردادها، فاكتسب اليهود الصبغة الإسبانية وتحدثوا باللادينو، وهي لهجة إسبانية، ثم تم طردهم من إسبانيا عام 1492م، ومن البرتغال عام 1497م، فاتجهت أعداد منهم إلى الدولة العثمانية التي كانت تضم شبه جزيرة البلقان وشمال أفريقيا. ويُعَدُّ ميناء سالونيكا (في شبه الجزيرة اليونانية) عاصمة السفارد في العالم حتى الحرب العالمية الأولى، فقد كانت هذه المدينة تضم أغلبية سفاردية. ومن أهم المدن الأخرى التي استقر فيها السفارد في الدولة العثمانية: أدرنة والأستانة وصفد والقدس والقاهرة. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثانيا: الإشكناز Ashkenazim:

ثانيا: الإشكناز Ashkenazim: ( الإشكناز) من (إشكنازيم) العبرية. و (الإشكناز) هم يهود فرنسا وألمانيا وبولندا. و (إشكناز)، حسب الرواية التوراتية، اسم أحد أحفاد نوح. ومن المحتمل أن تكون الكلمة قد استُخدمت للإشارة إلى قبيلة ظهرت في زمن أسرحدون تَحالَف أعضاؤها مع آشور. وهم الذين تشير إليهم المدونات الآشورية في القرن السابع قبل الميلاد بلفظ (إشوكوزا)، وهم الذين أشار إليهم اليونانيون بكلمة (إسكيثيانز Scythians) وهم الإسكيثيون. ويبدو أن هذه الأقوام كانت تشغل المنطقة الموجودة على حدود أرمينيا في أعالي الفرات، وجزءاً من مملكة الميديين. ويقرن يوسيفوس كلمة (إشكناز) بمدينة في مركز ميديا. وفي بعض الكتابات الحاخامية، يُشار إلى آسيا بأسرها باعتبارها (إشكناز)، كما كان يُشار إلى الخَزَر باعتبارهم (إشكناز)، بل واستُخدمت الكلمة للإشارة إلى حملات الفرنجة. أما الاشتقاق الحالي لكلمة (الإشكناز)، فهو من كلمة (إشكناز) بمعنى (ألمانيا). ومن الصعب معرفة متى حدث هذا التَرادُف. وثمة آراء احتمالية عدة، فهناك من يربط بين إشكناز وإسكندنافيا، وهناك من يربط بينها وبين الساكسون ومن ثم بينها وبين ألمانيا. ومع زمن راشي، أصبح هذا الترادف أمراً مقبولاً تماماً، فهو يشير إلى (لشون إشكناز)، أي (اللسان الألماني) أو (اللغة الألمانية). وكان يشير إلى (إرتس إشكناز) أي (أرض ألمانيا). ومن هنا، أصبح المصطلح يشير إلى يهود فرنسا وألمانيا ونسلهم من اليهود الذين هاجروا إلى إنجلترا وشرق أوربا (بولندا وليتوانيا) بعد حروب الفرنجة. ويطرح آرثر كوستلر نظرية أخرى عن أصل أكبر كتلة بشرية إشكنازية (أي يهود بولندا)، فيرى أن الجماعات اليهودية في فرنسا وألمانيا قد أبيدت تماماً أو اختفت، وأن يهود بولندا هم في الواقع بقايا يهود الخزر الذين نزحوا عن أراضيهم بعد سقوط دولتهم وأسسوا دولة المجر ثم هاجروا منها إلى بولندا. وبالتالي، فإن الإشكناز عنصر تركي غير سامي. وقد انتشر الإشكناز من بولندا إلى أوربا، خصوصاً بعد هجمات شميلنكي في أوكرانيا (1648م)، فاستقرت أعداد منهم في بولندا وألمانيا وإنجلترا والعالم الجديد. ثم هاجر الملايين منهم في نهاية القرن التاسع عشر إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلندا، بعد الانفجار السكاني الذي حدث في صفوفهم. كما أنهم توجهوا إلى آسيا وأفريقيا مع حركة التوسع الإمبريالي. ولما كان يهود شرق أوربا هم أهم كتلة بشرية يهودية، فقد ارتبط المصطلح بهم، ولكننا نُفضِّل أن نشير إلى هؤلاء باعتبارهم (يهود اليديشية). ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثالثا: اليهود الغربيون Western Jews:

ثالثا: اليهود الغربيون Western Jews: ( اليهود الغربيون) مصطلح يُستخدَم للإشارة إلى اليهود الذين هاجروا من العالم الغربي إلى إسرائيل. ولما كانت أغلبيتهم من الإشكناز، أي من يهود بولندا ذوي الأصول الألمانية، فإن مصطلح (اليهود الغربيون) أصبح مرادفاً لمصطلح (الإشكناز). ولكن مصطلح (اليهود الغربيون) يظل (مقابل اليهود الشرقيون) هو المصطلح الأدق والأشمل لأنه يشير إلى الانتماء العرْقي والحضاري والإثني لهؤلاء اليهود، في حين نجد أن مصطلح (الإشكناز) تداخله أبعاد دينية تطمس معالمه وتجعله أداة غير دقيقة. فيهود هولندا يُشار إليهم بلفظ (إشكناز)، مع أن بعضهم يتبع التقاليد السفاردية في العبادة. وأغلبية اليهود الغربيين من يهود اليديشية (يهود شرق أوربا)، إلا أنهم فقدوا هويتهم اليديشية هذه وأصبحت أغلبيتهم تتحدث الإنجليزية (في الولايات المتحدة وإنجلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا) وبقيتهم تتحدث لغات بلادهم. كما أن هناك جماعات من يهود الغرب، مثل: يهود اليونان (الرومانيوت أو الجريجوس)، ويهود إيطاليا، ويهود جورجيا. لكن هؤلاء الغربيين لا ينتمون إلى التشكيل الإشكنازي (إن صح التعبير) من قريب أو بعيد. واليهود الغربيون في إسرائيل هم الأقلية العرْقية والحضارية المسيطرة على الحكومة والجيش والأحزاب والاقتصاد وعلى التوجه الحضاري العام، وهو ما يسبب حالة اغتراب شديدة لليهود الشرقيين، ويعمق الفوارق الاجتماعية. ويُلاحَظ أن مصطلح (اليهود الغربيون) مصطلح حضاري ثقافي، ومن ثم يُشار إلى يهود جنوب أفريقيا بوصفهم غربيين، مع أن أفريقيا جزء من الشرق. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

رابعا: اليهود الشرقيون Oriental Jews:

رابعا: اليهود الشرقيون Oriental Jews: ( اليهود الشرقيون) مصطلح كان يُطلَق على نسل أولئك اليهود الذين اتجهوا، عندما غادروا فلسطين قديماً، إلى العراق وإيران وأفغانستان وشبه الجزيرة العربية ومصر وبلدان شمال أفريقيا، وعلى يهود القوقاز (يهود جورجيا والجبال). ولكنه يشير الآن، في التجمع الاستيطاني الصهيوني، إلى اليهود الذين لا ينحدرون من أصل غربي، وقد أصبح لفظ (سفارد) مرادف للفظ (شرقيين) لأن معظم اليهود الشرقيين، في البلاد العربية على وجه الخصوص، يتبعون التقاليد السفاردية في العبادة. ولكن مصطلح (سفارد) غير دقيق، فبعض اليهود الغربيين في هولندا وإنجلترا وإيطاليا من السفارد. كما أن الحسيديين يتبعون بعض التقاليد السفاردية في العبادة. لذا، يجب أن نستخدم مصطلح اليهود الشرقيين باعتبار أنه الكل الذي يضم معظم السفارد كجزء، وهذا الكل يضم يهود الفلاشاه ويهود الهند وغيرهم، وباعتبار أن مصطلح اليهود الشرقيين ذو مضمون طبقي عرْقي ثقافي مُتعيِّن، على عكس مصطلح (سفارد) ذي المضمون الديني غير المُحدَّد. كما يُستخدَم مُصطلَح (اليهود الغربيون) للإشارة إلى كل يهود الغرب. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

خامسا: اليهود المستعربة Arabized Jews:

خامسا: اليهود المستعربة Arabized Jews: اليهود المستعربة هم يهود البلاد العربية الذين اكتسبوا خصائص الحضارة العربية فأصبحوا عرباً، وهم أغلبية يهود العالم العربي، ولا سيما قبل دخول الاستعمار الغربي الذي فرنج عدداً منهم. وهم يُسمَّون خطأ (السفارد). والواقع أن كثيراً منهم يتبع المنهاج السفاردي في العبادة، ولكن هذا لا يجعلهم من السفارد بالمعنى الإثني، الذي لا ينطبق إلا على اليهود الذين خرجوا من إسبانيا والذين ينتمون إلى أولئك الذين كانوا يتحدثون اللادينو ومنهم المارانو (أو البرتغاليون). واليهود المستعربة جزء ممن نُطلق عليهم الآن مصطلح (يهود الشرق) ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

سادسا: الصابرا: جيل ما قبل عام 1967م

سادسا: الصابرا: جيل ما قبل عام 1967م Sabra: Pre 1967 Generation صابرا كلمة عبرية مُشتقَّة من الكلمة العربية (الصبار) أو (التين الشوكي)، وقد تَردَّد المصطلح بمعناه الاجتماعي، لأول مرة، في أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة حيث أطلق في مدرسة هرتزليا الثانوية في تل أبيب على التلاميذ اليهود من مواليد فلسطين والذين كانوا يُحسّون نقصاً حيال أقرانهم الأوربيين الأكثر تَفوُّقاً في الدراسة مما كان يجعلهم يلجأون إلى تعويض هذا الشعور بتَحدِّي هؤلاء الأوربيين بنوع من النشاط الخشن يرد لهم اعتبارهم. وقد تمثل ذلك النشاط في الإمساك بثمرات التين الشوكي وتقشيرها بالأيدي العارية، وهي مهارة يدوية تأتي بالمران والممارسة وليس من خلال الدراسة الفكرية. وقد أصبحت كلمة (الصابرا) تُطلَق اسماً على كل يهودي يُولَد في فلسطين. ومن المصطلحات الأخرى المرتبطة بها كلمة (شوتسباه) اليديشية التي تشير إلى مجموعة من الصفات مثل الجرأة الزائدة، التي قد تصل إلى حد الوقاحة، والسذاجة المختلطة بالذكاء. وحسب الرؤية الإسرائيلية الشائعة، فإن جيل الصابرا يتسم بالشوتسباه، أي الجرأ الزائدة هذه. ومن صفات الصابرا أيضاً ما يُسمَّى (تسيفتسوف إيحاد جادول)، وهي عبارة عبرية تعني (تصفيرة واحدة كبيرة)، وتشير إلى مقدرة جيل الصابرا على أن يسخر من كل المشاكل ويقابلها بهذه التصفيرة. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري 7 - حركة الكنعانيين Canaanite Movement; Semitic Action: حركة الكنعانيين حركة سياسية ثقافية ذات نظرة خاصة لما يُسمَّى (التاريخ اليهودي). بدأت نشاطها في الأربعينيات في فلسطين. وينطلق دعاتها من أسطورة مفادها أن اليهود عندما عادوا من مصر إلى أرض كنعان لم يجدوا قبائل معادية لهم أو مختلفة عنهم من الناحية العرْقية، وإنما وجدوا شعباً يتكلم العبرية ويُشبههم في الملامح والخصائص البدنية، ولذلك فإن اليهود أو العبرانيين ليسوا إلا كنعانيين وما الإسرائيليون المحدثون سوى (الكنعانيين الجدد)، وبهذا تكون للأمة الإسرائيلية الجديدة جذور راسخة في الأرض الفلسطينية، وهي جذور تمتد إلى العبرانيين القدامى قبل أن تنتشر بينهم اليهودية، وهم بهذا يؤكدون وحدة الشعب الإسرائيلي وتربة فلسطين، أو كما يقول يتسوري (الذي اشترك في اغتيال اللورد موين في القاهرة عام 1934م): (نحن لسنا صهاينة، نحن الأبناء الطبيعيون لتربة إسرائيل). وعن طريق تأكيد هذه الوحدة، يُسقط الكنعانيون من حسابهم تراث يهود الدياسبورا (أعضاء الجماعات اليهودية في العالم) بل والتراث اليهودي كله، فيهود الدياسبورا ـ حسب تَصوُّرهم ـ ليست لهم أية سمات قومية متميِّزة، فلغتهم وأنماطهم الثقافية وجنسيتهم أو مواطنتهم، تنتمي جميعاً إلى البلدان التي يعيشون فيها، فهم من البولنديين أو الإنجليز أو الأمريكيين، ولهذا السبب فإن لهم أثراً ضاراً على الإسرائيليين لأنهم يعوقون تَطوُّر الأمة العبرانية الجديدة. وهذه الأمة الجديدة تتكون من كل المولودين في إسرائيل، حتى ولو كانوا مسلمين أو مسيحيين، شريطة أن يَتقبَّلوا الهوية الكنعانية الجديدة. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المطلب الثاني: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية:

المطلب الثاني: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية: • تمهيد: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية. • أولا: اليهود المتخفون Crypto-Jews: . • ثانيا: البرتغاليون The Portuguese:. • ثالثا: يهود المارانو: تاريخ وعقيدة The Marranos History and Doctrine:. • رابعا: جديد الإسلام Jedid al-Islam: . • خامسا: تشويتاس Chuetas:. • سادسا: الرومانيوت Romaniot:. • سابعا: يهود الهند Indian Jews:. • ثامنا: بنو إسرائيل: Bene Israel:. • تاسعا: يهود كوشين Cochin Jews:. • عاشرا: يهود مانيبور Mainpur Jews:. • حادي عشر: اليهود البغدادية Baghdadi Jews:. • ثاني عشر: يهود القوقاز The Jews of the Caucasus:. • ثالث عشر: يهود جورجيا Georgian Jews:. • رابع عشر: يهود بخارى Bukhara Jews:. • خامس عشر: يهود الجبال (يهود التات، يهود داغستان):. • سادس عشر: يهود الخَزَر Khazar Jews:. • سابع عشر: الكرمشاكي (تاريخ يهود شبه جزيرة القرم). • ثامن عشر: اليهود الأكراد Kurdish Jews:. • تاسع عشر: يهود الصين (يهود كايفنج):. • عشرون: اليهود الزنوج Negro Jew:. • واحد وعشرون: العبرانيون السود. • اثنان وعشرون: الفلاشاه: تاريخ وهوية.

تمهيد: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية

تمهيد: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية هي تلك الجماعات اليهودية التي لا تنتمي إلى أيٍّ من الجماعات الأساسية الثلاث: 1 ـ الإشكناز. 2 ـ السفارد. 3 ـ يهود العالم الإسلامي. ويُلاحَظ أن الجماعات الثلاث الأساسية تُشكِّل، من ناحية الكم، ما يزيد على 98%، ويمتد وجودها إلى عدة قرون ويستمر حتى الوقت الحاضر. وتدور الجماعات الثلاث في إطار اليهودية الحاخامية. كما أنها تنتمي إما إلى العالم الغربي أو العالم الإسلامي. أما الجماعات المنقرضة والهامشية، فهي جماعات كبيرة أو صغيرة اندثرت تماماً أو على وشك الاندثار (الخَزَر ـ المارانو ـ السامريين ـ الكرمشاكي ـ يهود الصين)، أو جماعات صغيرة للغاية (العبرانيون السود ـ يهود كوشين). كما نُلاحظ أن معظم هذه الجماعات الهامشية قد انفصل عن تيار الجماعات اليهودية الأساسي وأحياناً عن اليهودية الحاخامية (الدونمه ـ يهود مانيبور ـ يهود الصين ـ الفلاشاه ـ القرَّائين). ويُلاحَظ أن الجماعات الهامشية هذه، نظراً لانفصالها عن المراكز الدينية والثقافية اليهودية الكبرى، قد استوعبت عناصر إثنية ودينية من محيطها الحضاري بشكل ملحوظ وانفصلت عن أية معيارية يهودية. وتَكمُن أهمية دراسة الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية في أنها تتحدى النظام التصنيفي الصهيوني والمعادي لليهود، الذي يُصنِّف كل أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم (يهود والسلام) بطريقة اختزالية تبسيطية. كما يمكن القول بأن هذه الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية تشكل لحظة تَبلور النموذج (اليهود كجماعات غير متجانسة واليهودية كتركيب جيولوجي لا ككل عضوي أو شبه عضوي متماسك) ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

أولا: اليهود المتخفون Crypto-Jews:

أولا: اليهود المتخفون Crypto-Jews: ( اليهود المُتخفّون) هم اليهود الذين يتظاهرون باعتناق دين آخر غير اليهودية، بسبب الظروف المختلفة، ويظلون على دينهم في الواقع. ومن أهم فرق اليهود المتخفين (المارانو)، ويُشار إليهم أيضاً باسم (المسيحيين الجدد) و (الكونفرسوس) و (البرتغاليين) في شبه جزيرة أيبريا، كما يُشار إليهم باسم (الدونمه) في تركيا، وباسم (جديد الإسلام) في إيران، وباسم (التشويتاس) في جزيرة مايوركا. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثانيا: البرتغاليون The Portuguese:

ثانيا: البرتغاليون The Portuguese: البرتغاليون مصطلح يُستخدَم للإشارة إلى اليهود المتخفين من المارانو الذين خرجوا من شبه جزيرة أيبريا (إسبانيا والبرتغال). ومن المُرادفات الأخرى (كونفرسوس) أي (المهتدون)، و (المسيحيون الجدد)، وبالعبرية (أنوسيم) أي (المُكرَهون) بل و (السفارد). ولعل تسمية (البرتغاليون) تعود إلى أن أغلبية المارانو جاءت من البرتغال. كما أن مصطلح (برتغالي) كان أكثر تهذيباً من مصطلح (مارانو)، وكذلك أكثر إبهاماً من مصطلح (المسيحيون الجدد). وبالتالي، كانت الدول (مثل إنجلترا) تسمح لليهود بالاستقرار فيها باعتبارهم (برتغاليين) (اسماً) وهي تعلم جيداً أنهم (مارانو) (فعلاً). وكان هؤلاء يمارسون شعائرهم الدينية إما سراً وإما علناً. وكانت المؤسسة الحاكمة تغض النظر عن كل هذا. وقد لجأت بعض المؤسسات الحاكمة إلى هذا الحل لحاجتها الشديدة إلى اليهود بسبب نفعهم ولأنهم مادة استيطانية مهمة، حيث لم يكن بوسعها استصدار التشريعات اللازمة لذلك بسبب المعارضة الشعبية وبسبب الهيكل القانوني ذاته الذي كان يستند إلى شرعية دينية. ومع نهاية القرن السابع عشر، بدأت كثير من الدول تعترف بالبرتغاليين كيهود. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثالثا: يهود المارانو: تاريخ وعقيدة The Marranos History and Doctrine:

ثالثا: يهود المارانو: تاريخ وعقيدة The Marranos History and Doctrine: كلمة (مارانو) أطلقت على أولئك اليهود المتخفين، في إسبانيا والبرتغال، الذين تراجعوا ظاهرياً عن اليهودية وادعوا اعتناق الكاثوليكية حتى يتمكنوا من البقاء في شبه جزيرة أيبريا مع تَراجُع الحكم الإسلامي وبعد طَرْد يهود البرتغال عام 1480 وطَرْد يهود إسبانيا عام 1492. وقد أطلق عليهم أيضاً تعبير (كونفرسوس)، أي (الذين اهتدوا إلى دين جديد)، و (كريستاوس نوفوس)، أو (المسيحيون الجدد). وكلمة (مارانو) التي أحرزت شيوعاً في القرن السادس عشر ليست معروفة الأصل على وجه التحديد. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

رابعا: جديد الإسلام Jedid al-Islam:

رابعا: جديد الإسلام Jedid al-Islam: جديد الإسلام مصطلح إيراني بمعنى (المسلمون الجدد)، ويشير هذا المصطلح إلى اليهود المتخفين الذين اعتنقوا الإسلام في إيران في القرنين السابع والثامن عشر، فأظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية. ويشير المصطلح على وجه التحديد إلى أعضاء الجماعة اليهودية في مشهد، والذين اعتنقوا الإسلام إبان حكم أسرة الكاجار عام 1839. ولا نعرف شيئاً عن مصير اليهود الذين اعتنقوا الإسلام في القرنين السابع عشر والثامن عشر. والظن الغالب أنه تم استيعابهم في المجتمع الإسلامي. أما جماعة مشهد، فقد احتفظت بهويتها ولم يتزاوج أعضاؤها إلا فيما بينهم، ثم هاجر بعضهم إلى القدس عام 1890. أما بقية الجماعة، فقد ظلت في مشهد حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وكونت جماعة اقتصادية مستقلة. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري – بتصرف – موقع المسيري

خامسا: تشويتاس Chuetas:

خامسا: تشويتاس Chuetas: تشويتاس من كلمة (تشويا) وتعني (لحم خنزير) بلهجة جزيرة مايوركا، إحدى جزر البالياريك التابعة لإسبانيا. غير أن هناك نظرية أخرى تذهب إلى أن الكلمة مُشتقَّة من كلمة (تشوهينا) وتعني (يهودي) بلهجة الجزيرة. وهم من أهم جماعات المارانو التي استمر وجودها حتى الوقت الحالي في جزيرة مايوركا. وأعضاء هذه الجماعة يعملون أساساً بالتجارة وصناعة الحلي الفضية. وقد فَقدوا كل علاقة باليهودية، ومع هذا فهم لا يزالون يحتفظون بعزلتهم وهويتهم الخاصة الباهتة. ولا يُعرَف عددهم على وجه الدقة، وإن كان لا يتجاوز مائتين أو ثلاثمائة. وقد هاجرت أعداد منهم إلى إسرائيل وتم تهويدهم واستوطنوا فيها، ولكن التجربة فشلت فعادوا إلى مايوركا. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

سادسا: الرومانيوت Romaniot:

سادسا: الرومانيوت Romaniot: تُستخدَم كلمة رومانيوت للإشارة إلى الجماعة اليهودية داخل الإمبراطورية البيزنطية في آسيا الصغرى وشبه جزيرة البلقان. وكان الرومانيوت يُسمَّون أيضاً (الجريجوس)، كما تُستخدَم الكلمة للإشارة إلى نسلهم ومن ورثوا تراثهم اللغوي والثقافي. وكان الرومانيوت يتسمَّون بأسماء يونانية، كما كانت معابدهم تُعرَف بأسماء يونانية أيضاً. وقد تأثروا بعمق بالتراث اليوناني وباللغة اليونانية التي أصبحت لغة الصلاة في المعبد. وقد صدرت عام 1547 ترجمة العهد القديم باليونانية الحديثة واللادينو. ومع بداية القرن السادس عشر، بدأ يهود السفارد يصلون لاجئين إلى الدولة العثمانية، وكان مستواهم الثقافي الرفيع وخبراتهم الإدارية والمالية واتصالاتهم العالمية تؤهلهم لاستلام قيادة الجماعات اليهودية في الدولة العثمانية، الأمر الذي وضع يهود الرومانيوت في حالة دفاع عن النفس. وعلى أية حال، فقد بدأت معابدهم في التناقص وأصبحت لهجتهم اليونانية مقصورة على بضعة تجمعات يهودية متناثرة. وقد انتهى الأمر باندماج معظمهم في السفارد وتَبنِّيهم اللادينو التي أصبحت لغة معظم يهود الدولة العثمانية في الكتابة والحديث. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري– موقع المسيري

سابعا: يهود الهند Indian Jews:

سابعا: يهود الهند Indian Jews: توجد عدة جماعات يهودية في الهند من بينها بنو إسرائيل في بومباي، ويهود كوشين على ساحل مالابار، في ولاية كيرالا، واليهود البغدادية في بومباي أيضاً، ويهود مانيبور على الحدود مع بورما. وقد بلغ عددهم عام 1947 نحو 26.000. أما في عام 1961، فقد بلغ عددهم 14.608 في الهند ذاتها، إضافة إلى 23 ألفاً في إسرائيل، و2000 في إنجلترا حسب إحصاءات عام 1968، أي أن عددهم يبلغ نحو 39.500، وهو ما يعني أن نسبة التكاثر بين يهود الهند من أعلى النسب بين الجماعات اليهودية (إذا كانت الإحصاءات دقيقة). وقد تأثرت كل هذه الجماعات اليهودية بالبيئة الهندية وبنظام الطوائف المغلقة. وهي لا تنتمي إلى أيٍّ من الكتل اليهودية الثلاث الكبرى: الإشكناز، والسفارد، ويهود العالم الإسلامي. ولذا، فهم يُعَدُّون ضمن الجماعات الهامشية مثل الفلاشاه ويهود كايفنج. ويُلاحَظ أن قبول اليهود في مجتمع ما، واندماجهم فيه، يؤدي إلى ذوبانهم وانصهارهم. ولكن يهود الهند يمثلون نمطاً مغايراً تماماً إذ أن اندماجهم أدَّى إلى الحفاظ على هويتهم. وهذه مفارقة واضحة تعود إلى حركيات المجتمع الهندي ذاتها، فهو مجتمع تُعَدُّ الوحدة الأساسية فيه القرية والطائفة المغلقة. وتستطيع أنواع مختلفة من البشر الاحتفاظ بهوياتهم فيه، ماداموا يقبلون الطائفة المغلقة إطاراً للتنظيم الاجتماعي، وربما ببعض المعتقدات الهندوكية الأساسية. وتقوم عملية التضامن داخل الجماعة المغلقة بتقوية الهوية مادامت لا تهدد النظام الاجتماعي. وبالتالي، فإن ثمة هويات هندية يهودية مختلفة، بل ومتصارعة، لكلٍّ سماتها الواضحة. وهذا، بطبيعة الحال، مختلف عن وجود هوية يهودية محددة داخل كل مجتمع، وعن الافتراض الصهيوني القائل بوجود هوية يهودية عامة أو عالمية. ويُلاحَظ أن الهويات اليهودية الهندية آخذة في الاختفاء بسبب الهجرة من الهند سواء إلى إسرائيل أو إلى غيرها من البلدان. كما أن الأجيال الجديدة من الهنود اليهود بدأت تتمرد على نظام الطوائف المغلقة، تماماً مثل جيل الشباب الهندي ككل. ويعيش القسم الأكبر من يهود الهند الذين هاجروا إلى إسرائيل في مدن التنمية، خصوصاً تلك الموجودة في النقب والمنطقة الجنوبية مثل: بئر سبع وعسقلان وعراد إضافة إلى بيسان في غور الأردن. ويعيش قسم آخر في المدن الكبرى الثلاث: القدس، وتل أبيب، وحيفا. ويعيش عدد قليل للغاية في بعض الكيبوتسات (وهي مؤسسات إشكنازية بالدرجة الأولى) والموشافات. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثامنا: بنو إسرائيل: Bene Israel:

ثامنا: بنو إسرائيل: Bene Israel: بنو إسرائيل اسم عَلَم يُطلَق على مجموعة من يهود الهند كانت تقطن أساساً في منطقة كونكان، ولكنها، ابتداءً من القرن الثامن عشر، انتقلت إلى بومباي حيث أسست أول معبد يهودي عام 1796. ومع حلول عام 1833، كان ثلثا يهود بني إسرائيل يعيشون في بومباي. ولا نعرف الكثير عن أصل يهود بني إسرائيل، إلا أنهم، حسب روايتهم، يعودون إلى ما قبل الميلاد. وقد انقطعت صلتهم باليهودية الحاخامية، ولكنهم بعد احتكاكهم بيهود كوشين تَعلَّموا على أيديهم أصول عقيدتهم مرة أخرى، كما أنضم إليهم اليهود البغدادية في القرن التاسع عشر. ولون يهود بني إسرائيل أميل إلى البياض مقارنةً بلون بشرة الهنود العاديين، وهم يرتدون الملابس الهندية ويتحدثون الماراثي (وهي اللغة الشائعة في المنطقة التي يعيشون فيها)، ويتسمَّون أسماءً هندية. ونظراً لانفصالهم عن اليهودية الحاخامية لعدة قرون، فإن شعائرهم الدينية تختلف عن شعائر باقي يهود العالم في كثير من النواحي، فهم لا يعرفون التلمود، بل كانوا قد نسوا التوراة بعض الوقت ولكنهم أعادوا اكتشافها من بعد. ولم يُترجَم العهد القديم إلى اللغة التي يتحدثونها إلا في بداية القرن التاسع عشر. ومع هذا، فهم يعرفون صلاة عبرية هي صلاة الشماع، وللنبي إلياهو مكانة خاصة في عبادتهم. ومن عاداتهم الدينية عادة تُسمَّى (ماليدا) وهي إعداد طعام خاص يقدم قرباناً. وتُتلَى بعض الصلوات اليهودية في مناسبات مهمة مثل الختان والزواج. وأعيادهم وأيامهم المقدَّسة هي: رأس السنة (ويُحتفَل به لمدة يوم واحد)، ويوم الغفران، وعيد الفصح. ولكنهم كانوا لا يعرفون عيد التدشين. كما كانوا لا يعرفون شيئاً عن هَدْم الهيكل على يد تيتوس. وهم يقيمون شعائر السبت والختان وبعض قوانين الطعام، ويمارسون صيام رمزان (وقد يكون هذا الاسم تصحيفاً لكلمة (رمضان)) ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

تاسعا: يهود كوشين Cochin Jews:

تاسعا: يهود كوشين Cochin Jews: كوشين مدينة هندية، وتُسمَّى بهذا الاسم أيضاً منطقة على ساحل مالابار تقع جنوب غربي الهند، وهي الآن جزء من ولاية كيرالا. وتضم كوشين جماعة يهودية متميِّزة تمثلت كثيراً من سمات الحضارة الهندية. وتعود أصول هذه الطائفة إلى عصور قديمة. ويَدَّعي يهود كوشين أنهم من قبيلة منَسَّى، وأنهم وصلوا إلى مالابار بعد هَدْم الهيكل. وفي حوزة يهود كوشين وثيقة مكتوبة على ألواح من النحاس تتضمن صك الانتماء إلى طائفة النبلاء، وقد منحها الراجا الهندي لليهودي يوسف رابان. وحسبما جاء فيها، فإن الصك يعطي يوسف هذا عدة مزايا، فقد أصبح من حقه أن يركب فيلاً، وأن يُحمَل في محفَّة، وأن يُحمَى من الشمس بمظلة من مظلات الدولة، ومن حقه أيضاً أن يفرض الضرائب، وأن تسبقه الطبول والمزامير كلما خرج إلى الشوارع، كما مُنح قرية انجوفانام على حدود كوشين يتوارثها أبناؤه من بعده. وقد كان يهود كوشين يساعدون الراجا في حروبه ضد الإمارات المجاورة، وانضمت إليهم عناصر يهودية جديدة في القرن السادس عشر (مع وصول الاستعمار الغربي)، فجاء يهود من هولندا وإسبانيا وألمانيا وحلب. وقد وقعت كوشين تحت حكم البرتغاليين (1502 ـ 1663). ولكن الراجا حمى اليهود من ممارسات البرتغاليين العنصرية، وعيَّن لهم رئيساً (مداليار). وقد أعقب ذلك مرحلة هولندية (1663 ـ 1795) كانت تتسم باستقرار اليهود النسبي حيث تَحوَّل بعض أعضاء الجماعة إلى وسطاء تجاريين، ونشأت علاقة بينهم وبين يهود هولندا. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

عاشرا: يهود مانيبور Mainpur Jews:

عاشرا: يهود مانيبور Mainpur Jews: مانيبور منطقة في الهند، على حدودها مع بورما، تُوجَد فيها جماعة يهودية لا يزيد عددها عن مائة شخص. ويرى يهود مانيبور أن أصولهم تعود إلى يهود الصين، وأنهم هربوا من كايفنج منذ ثمانمائة عام أمام الغزو المغولي، ثم استوطنوا الكهوف في الهند الصينية ووصلوا مانيبور في القرن الثامن عشر. وقد نسي أعضاء الجماعة تراثهم اليهودي. وهم لا يمارسون معظم الشعائر، مثل الختان، ولا يعرفون التلمود، ونسوا حتى التوراة مثل يهود الصين. ولكن من المفارقات أنهم حينما احتكوا بالإرساليات المسيحية، اكتشفوا التوراة وبدأوا يمارسون بعض شعائرها، وإن كان بعضهم يمارس الشعائر المسيحية أو العبادات الوثنية السائدة في المنطقة مع الشعائر اليهودية جنباً إلى جنب. ويذهب يهود بني إسرائيل إلى أن يهود مانيبور ليسوا يهوداً، ولذا فإن عليهم التهود إن أرادوا الانضمام للجماعة اليهودية. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

حادي عشر: اليهود البغدادية Baghdadi Jews:

حادي عشر: اليهود البغدادية Baghdadi Jews: يهود البغدادية مجموعة من يهود بغداد السفارد هاجروا إلى الهند في القرن التاسع عشر، وكانوا على مستوى ثقافي راق كما كانوا من الأثرياء. وأسسوا كثيراً من الصناعات التي خلقت عدداً كبيراً من الوظائف. وقد رحب بهم يهود بني إسرائيل في البداية حيث لم يكن بينهم كاهن يقوم بالطقوس الكهنوتية، إلا أن اليهود البغدادية كونوا جماعة مستقلة عن يهود بني إسرائيل ويهود كوشين بسبب إحساسهم بالتفوق على أعضاء الجماعتين. ولذلك، أقام اليهود البغدادية سياجاً من العزلة حولهم وادعوا أن الدماء اليهودية الخالصة لا تسري إلا في عروقهم وحدهم. وأصبح لهم مؤسساتهم الدينية والخيرية المستقلة، وكانت لهم مدارسهم الخاصة التي يتم التدريس فيها بالإنجليزية. وقد بلغ إحساسهم بالتفوق أنهم كانوا لا يحسبون أعضاء بني إسرائيل ضمن النصاب اللازم لإقامة الصلاة في المعبد، كما لم يكن يُنادى على أيٍّ منهم لتلاوة التوراة. وحاولوا استبعادهم من استخدام الأسرَّة المخصصة لليهود في بعض المستشفيات، بل ومن العضوية في معبد رانجون. ولا يتزاوج اليهود البغدادية مع بني إسرائيل إلا في حالات نادرة. وقد بلغ تعداد اليهود البغدادية 6500 نسمة عام 1947، لكن هذا العدد تناقص بسبب الهجرة بحيث أصبح لا يزيد على الألف. ويبدو أنه لم يهاجر منهم سوى أعداد قليلة للغاية إلى إسرائيل، وربما يعود هذا إلى أن لديهم من رأس المال والخبرات ما يسمح لهم بالاستقرار في الغرب، تماماً كما استقرت النخبة الثرية والمثقفة من يهود المغرب العربي في فرنسا ولم تتجه إلى إسرائيل. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثاني عشر: يهود القوقاز The Jews of the Caucasus:

ثاني عشر: يهود القوقاز The Jews of the Caucasus: تُعَدُّ القوقاز من أكثر المناطق تنوعاً من الناحية العرْقية. ويحيط بمنطقة القوقاز روسيا الأوربية شمالاً، والبحر الأسود غرباً، وتركيا وإيران جنوباً، وبحر قزوين شرقاً. وهي مقسَّمة إلى ثماني عشرة منطقة إدارية وهو ما يعكس ثراءها الحضاري. وقد احتفظت عناصر قومية كثيرة بهويتها المستقلة، وذلك بسبب عزلتها في الجبال والوديان. ويبلغ عدد سكان القوقاز اثني عشر مليوناً تشمل ما لا يقل عن ثلاثين قومية أساسية. وقد انعكس هذا على الجماعات اليهودية، إذ توجد عدة جماعات يهودية في القوقاز منها يهود جورجيا الذين يختلفون عن يهود الجبال (أو يهود داغستان)، أو يهود بخارى، أو عن بقايا يهود الكرمشاكي. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثالث عشر: يهود جورجيا Georgian Jews:

ثالث عشر: يهود جورجيا Georgian Jews: ( جورجيا) هي إحدى جمهوريات دول الكومنولث (الاتحاد السوفييتي سابقاً)، وتقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود. ويعتقد يهود جورجيا أنهم من نسل قبائل يسرائيل العشر المفقودة التي هجَّرها شلمانصر. وهم يدعمون هذا بقولهم إنه لا يوجد بينهم كهنة. ومهما يكن الأمر، فإن جذورهم في جورجيا موغلة في القدم، وقد قامت علاقات ثقافية بينهم وبين يهود الخزر. وتوجد إشارات عديدة إليهم في الوثائق التاريخية، وقد تحوَّل بعضهم (بعد الغزو المغولي) إلى أقنان يعمل بعضهم بالزراعة والحرف (النسيج والصباغة) والتجارة. وكان الأقنان يعيشون في ضياع أسيادهم وقراهم بمعزل عن يهود العالم، الأمر الذي أدَّى إلى ضمور الهوية والانتماء الديني لديهم، وكان الأقنان يُقسَّمون إلى: أقنان الملك، وأقنان الإقطاعيين، وأقنان الكنيسة. ومع ضم جورجيا إلى روسيا عام 1801، تحوَّل أقنان الملك إلى أقنان الخزانة إذ كان عليهم دفع ضريبة للخزانة. وقد اعترفت الحكومة القيصرية بحقوق اليهود في جورجيا (على خلاف يهود اليديشية الذين كانوا خاضعين لبعض القيود). وألغيت القنانة في جورجيا في الفترة 1864 ـ 1871. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

رابع عشر: يهود بخارى Bukhara Jews:

رابع عشر: يهود بخارى Bukhara Jews: بخارى إمارة إسلامية تركية ضمتها الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر. وتقع بخارى الآن ضمن جمهورية أزبكستان. وتعود جذور يهود بخارى إلى عصور قديمة، فتقول أساطيرهم إنهم منحدرون من أسباط يسرائيل العشرة المفقودة. وهم مندمجون في الوسط الحضاري الذي يعيشون فيه، ويتحدثون اللغة الطاجيكية، وهي لهجة فارسية. وقد كان يهود بخارى وأفغانستان ووسط آسيا يُشكِّلون وحدة ثقافية واحدة، ثم انقسمت هذه الجماعة في القرن السادس عشر، مع بداية الحكم الشيعي في إيران، إلى يهود إيران ويهود وسط آسيا ويهود أفغانستان الذين ظلوا تحت الحكم السني. ثم انقسمت الجماعة الأخيرة، في القرن الثامن عشر، وتفرَّع عنها يهود بخارى ويهود أفغانستان. ويبلغ عددهم، حسب إحصاء 1959: ثمانية وعشرين ألفاً، يعيش ثلاثة وعشرون ألفاً منهم في أزبكستان، في سمرقند وبخارى، والباقون في طاجيكستان. أما إحصاء 1989، فيحدد العدد بنحو 36.568 ألفاً. وإن صدقت هذه الأرقام، تكون الجماعة اليهودية في بخارى هي الجماعة الوحيدة في كومنولث الدول المستقلة التي زاد عدد أعضائها. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

خامس عشر: يهود الجبال (يهود التات، يهود داغستان):

خامس عشر: يهود الجبال (يهود التات، يهود داغستان): ( Mountain Jews )Tat Jews; Daghestan Jews: يهود الجبال: جماعة يهودية لها خصوصياتها الإثنية واللغوية، يعيش أعضاؤها في مقاطعة داغستان السوفييتية وأذربيجان (ومن هنا يشار إليهم بلفظ (يهود داغستان)) كما يُشار إليهم كذلك باسم (يهود التات). ويُسمِّي يهود الجبال أنفسهم (جوهور). ولكن مصطلح (يهود الجبال) ذاته هو مصطلح روسي صكته السلطات الروسية القيصرية في منتصف القرن التاسع عشر بعد ضم المنطقة إليها. وتشير الدلائل اللغوية والتاريخية إلى الأصول الإيرانية ليهود الجبال، فلهجتهم من أصول إيرانية شمالية دخلت عليها كلمات تركية وعبرية. وقد تكوَّنت الجماعة نتيجة هجرة اليهود المستمرة من شمال إيران (وربما من الإمبراطورية البيزنطية) لأذربيجان حيث استوطنوا بين متحدثي لغة التات التي أصبحت لغتهم. وقد بدأت هذه العملية في منتصف القرن السابع الميلادي مع الفتح الإسلامي للمنطقة، واستمرت حتى غزاها المغول في القرن الثالث عشر. وفي هذه الفترة، اتصل يهود الجبال بيهود الخزر. وقد انقطعت الصلة بعد ذلك بين يهود الجبال وبقية يهود العالم حتى بداية القرن التاسع عشر تقريباً. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

سادس عشر: يهود الخزر Khazar Jews:

سادس عشر: يهود الخَزَر Khazar Jews: الخَزَر: قبيلة من أصل تركي عاشت في منخفض الفولجا جنوب روسيا وكوَّنت مملكة كان حكامها وبعض سكانها يدينون بعبادات وثنية ولكنهم تحولوا إلى اليهودية. ويُنطق الاسم أحياناً (خازارا) كما هو الحال في العربية. ولكن ثمة دلائل على أن هناك طرائق أخرى للنطق، فهو بالعبرية (كوزاي) وبالصينية (كوزا). وربما يعود الاسم إلى الكلمة التركية (قزمق) بمعنى (يتجول أو ينتقل كالبدو) (المشتق منها كلمة (قوزاق)) أو ربما يعود إلى كلمة (قوز) أو (جاز) بمعنى (جانب الجبل المتجه إلى الشمال)، وقد يُفسِّرهذا الاشتقاق الأخير النطق العبري (كوزاري). وقد وصل الخَزَر إلى منطقة الفولجا والقوقاز من أقصى الشرق في تاريخ غير معروف، وإن كان آرثر كوستلر يذكر نقلاً عن برسكس، رسول الإمبراطور البيزنطي لقبائل اليهود في القرن السادس الميلادي، أن الخَزَر ظهروا على المسرح الأوربي حوالي منتصف القرن الخامس الميلادي باعتبارهم شعباً خاضعاً لسيادة قبائل الهون. ويمكن أن يُعتبروا هم والمجر وغيرهم من القبائل نسل قبيلة أتيلا زعيم البرابرة الشهير. وتُطلق التواريخ الروسية المعاصرة على الخَزَر مصطلح (الأوجاريين البيض)، مقابل (الأوجاريين السود)، وهم الهنغار أو المجريون. وقد أدى موت أتيلا إلى ظهور فراغ كبير وهو ما يسر عملية ظهور الخزر باعتبارهم قوة في المنطقة التي شغلوها، فقاموا بصهر واستيعاب وقهر بعض القبائل التركية الأخرى، ثم هزموا البلغار في نهاية الأمر واضطروهم إلى الهجرة. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

سابع عشر: الكرمشاكي (تاريخ يهود شبه جزيرة القرم)

سابع عشر: الكرمشاكي (تاريخ يهود شبه جزيرة القرم) ( Krimchaki )History of the Jews of the Crimean Peninsula يهود الكرمشاكي: جماعة يهودية صغيرة ذات سمات إثنية خاصة، تسكن شبه جزيرة القرم، ويتحدث أعضاؤها لهجة تترية دخلت عليها كلمات عبرية آرمية وكلمات قليلة من اللادينو واليديشية، وهى تكتب بحروف عبرية. وكان الكرمشاكي يطلقون على أنفسهم لفظ (يهودى) أو (سريلى بالالارى) (أبناء إسرائيل). ولكنهم مع نهاية القرن التاسع عشر، بدأوا يستخدمون الكلمة الروسية (كرمشاك) أي (سكان شبه جزيرة القرم). وقد ظهر هذا الاسم لأول مرة في السجلات الروسية عام 1859م. ويبدو أن السلطات الروسية قد صاغت هذا الاسم للتمييز بينهم وبين القرائين والإشكناز. ويعود تاريخ اليهود في القرم إلى القرن الثاني قبل الميلاد (مع الاستيطان اليوناني فيها). ويبدو أنهم كانوا يعملون بالتجارة وفي بعض الحرف، كما عملوا في الدولة والجيش. وقد تغيرت هوية أعضاء الجماعة اليهودية عدة مرات، ويبدو أن تتريكهم بدأ في حكم إمبراطورية الخزر، ولكنهم اكتسبوا هويتهم التترية التركية مع الغزو التتري عام 1239م، فارتدوا الأزياء التركية الإسلامية وتبنوا اللغة التترية. وتأثر بناء الأسرة التترية، فظلوا يمارسون تعدد الزوجات حتى بدايات القرن التاسع عشر. وكانوا بمعزل عن الحركات الفكرية التي اكتسحت يهود أوروبا مثل الاستنارة والصهيونية والإصلاح الديني. وكانت غالبيتهم من الحرفيين، واشتغلت أقلية منهم بالزراعة وعدد قليل جداً منهم في التجارة. ورغم تبنيهم الأنماط الحضارية التركية والتترية، إلا أن أسماء عائلات الكرمشاكي تدل على تنوع أصولهم العرقية، فهناك أسماء تركية (لولباكش - ديمارجى - أزميرلى)، وأسماء قوقازية (أبابيف)، وإيطالية وإسبانية (كونفينو - مانتو)، كما توجد أسماء من أصل إشكنازي (سليزر - أورى) وهناك أسماء عبرية (كوهين - مزراحى). وبعد ضم روسيا القيصرية للقرم، تغير وضع الكرمشاكي تماماً إذ بدأت عملية تحديثهم وترويسهم، ولكنهم لم يستجيبوا لذلك في بداية الأمر ورفضوا التزاوج مع يهود اليديشية الذين كانوا يعدون عنصراً روسياً ويوطنون في القرم كعنصر استيطانى. وقد تصاعدت هذه العملية مع الثورة البلشفية، وزاد المستوى التعليمى بينهم، الأمر الذي نجم عنه تآكل أشكال الحياة التقليدية. وقد قام كثير من أعضاء الجماعة الذين عملوا مهنيين (مهندسين أو مدرسين أو أطباء) بقطع صلتهم بمجتمع الكرمشاكي. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

ثامن عشر: اليهود الأكراد Kurdish Jews:

ثامن عشر: اليهود الأكراد Kurdish Jews: اليهود الأكراد: جماعة يهودية لها سماتها الإثنية الخاصة، يعيش معظم أعضائها في العراق، رغم أن معظم الأكراد يعيشون في تركيا، حيث توجد 146 قرية يهودية في العراق و19 في إيران و11 في تركيا، كما توجد أيضاً مجموعة في سوريا. وتوجد بين أكراد العراق أقليتان دينيتان: المسيحيون النسطوريون (الذين يسمون أيضاً الآشوربين)، واليهود. وقد تأثر أعضاء الجماعتين بالثقافة الكردية. ولكنهم، مع هذا، لم يتبنوا اللغة الكردية إذ أنهم يتحدثون الآرامية ويتحدث يهود الموصل العربية، وهم بذلك لا يصنفون باعتبارهم أكراداً. ويقال إن وجود اليهود في هذه المنطقة يعود إلى أيام التهجير الآشوري ومملكة أديابنى ... وفى منتصف القرن العشرين، كان 80% من يهود كردستان يعيشون في المدن ويعملون تجاراً صغاراً وبقالين، وكان الحرفيون يعملون صباغين وترزية ونجارين ودباغين ومراكبية ينقلون الأخشاب في قوارب أنهار الموصل. وكان العشرون في المائة الباقية يعيشون في المناطق الريفية. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري – بتصرف – موقع المسيري

تاسع عشر: يهود الصين (يهود كايفنج):

تاسع عشر: يهود الصين (يهود كايفنج): Chinese Jews (K'aifeng Jews): يهود الصين: جماعة يهودية كبيرة كانت تعيش في مدينة كايفنج عاصمة مقاطعة هونان الواقعة على ضفاف النهر الأصفر، ولذا يقال لهم أيضاً (يهود كايفنج). ويبدو أن تاريخهم يعود إلى القرنين التاسع والعاشر، حيث هاجرت مجموعة من يهود إيران وربما الهند. ويبدو أن الجماعة اليهودية كانت مهمة نوعاً، فقد عين أباطرة أسرة تانج أحد أعضاء طبقة الماندرين (وهي الأرستقراطية الثقافية من الموظفين/ العلماء) مسئولاً عنهم، فكان يزور معبدهم باسم الإمبراطور مرة كل عام، ويحرق البخور أمام المذبح. وكان المهاجرون اليهود (فى بداية الأمر) يتحدثون الفارسية، وكانوا متخصصين في المنسوجات القطنية وصباغتها وطباعة الألوان عليها، وهى صباغة كانت متقدمة في الهند. وكان سكان الصين يتزايدون في تلك المرحلة، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في المنسوجات الحريرية ونشوء حاجة إلى المنسوجات القطنية، وهو ما قد يفسر استقرار اليهود في الصين في ذلك الوقت. ومن الناحية الاجتماعية والطبقية، كان اليهود ينتمون إلى طبقة التجار والصناع التي تقع بين الفلاحين من جهة وطبقة الموظفين/العلماء من جهة أخرى. ومن ثم كان طموحها الاجتماعي، مثلها مثل الطبقات التي تقع في الوسط، هو الاتصال بالطبقة العليا والابتعاد عن طبقة الفلاحين. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري – موقع المسيري

عشرون: اليهود الزنوج Negro Jew:

عشرون: اليهود الزنوج Negro Jew: اليهود الزنوج: مصطلح يستخدم للإشارة إلى الزنوج السود الذين يؤمنون باليهودية جميعاً. وبالتالي، فإن المصطلح يضم الفلاشاه والعبرانيين السود، وكذلك جماعات بشرية أخرى ذات هويات يهودية سديمية. وقد وجد أحد الباحثين في ساحل لوانجو في غرب أفريقيا جماعة تصنف باعتبارها يهودية ويسمى أعضاؤها أنفسهم (مافانبو) ويقيمون شعائر السبت. ومن المعروف أن ساحل لوانجو لا يبعد كثيراً عن جزيرة ساوتومى البرتغالية التي أحضر إليها الأطفال اليهود الذين تم تنصيرهم عنوة عام 1493 - ولعل هذا هو مصدر تسميتهم باليهود. وتوجد بالقرب من ساحل مدغشقر فرقة يهودية تسمى (زافي إبراهيم)، يدعى أفرادها أنهم يهود، ولكن ليس هناك أي شيء يميزهم عن بقية السكان. وفى عام 1750، أسست مستوطنة بالقرب من سورينام (غينيا الهولندية) تضم أبناء اليهود الذين تزوجوا من العبيد الأفريقيين السود، وكانوا يتحدثون لهجة (الدجو تونجو) أي (لغة اليهود)، وهى خليط من البرتغالية والعبرية وبعض الكلمات المحلية. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

واحد وعشرون: العبرانيون السود

واحد وعشرون: العبرانيون السود Black Hebews العبرانيون السود: فريق من الأمريكيين السود الذين يؤمنون باليهودية ويلتزمون بتطبيق الشريعة اليهودية بتشدد يفوق تشدد اليهود البيض. ويدعي العبرانيون السود الانتساب إلى قبائل يسرائيل العشر المفقودة، وأنهم هم وحدهم (وليس يهود الأرض المحتلة أو يهود العالم) سلالة اليهود القدامى الحقيقية. ويؤكد العبرانيون السود أن أنبياء اليهود من السود، وأن إسرائيل القديمة كانت أيضاً دولة سوداء، وأن قناة السويس ما هى إلا ثغرة صنعها الإنسان الأبيض لفصل إسرائيل عن أفريقيا السوداء. وانطلاقاً من هذا، كتب شاليح بن يهودا، مساعد رئيس الجماعة، إلى رؤساء الدول الأفريقية يحثهم على المطالبة بحقوقهم في إسرائيل والتي سرقها اليهود. ويطمح رئيس الجماعة، بن عمى كارتر، إلى أن يترأس الدولة الصهيونية. بل أنهم يقولون إن إسرائيل بأسرها ملك خاص لهم سرقها الإشكناز، أي اليهود البيض. وقد بدأ العبرانيون السود في التوافد إلى إسرائيل ابتداء من أغسطس عام 1969 من شيكاغو، احتجاجاً على أوضاع الزنوج هناك. ثم استمرت جماعات منهم في الاستيطان حتى بلغ عددهم 1500 مهاجر (ويرتفع هذا العدد حسب التقديرات الأخرى إلى 3000). ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

اثنان وعشرون: الفلاشاه: تاريخ وهوية

اثنان وعشرون: الفلاشاه: تاريخ وهوية Falashas: History and Identity الفلاشاه: كلمة أمهرية تعني (المنفيين)، كما أنها تعني أيضاً (غريب الأطوار). وأصل الكلمة يعود إلى الجذر (فلاشا) في اللغة الجعزية، ويعنى (يهاجرا) أو (يهيم على وجهه). ويستخدم أهل إثيوبيا الكلمة للإشارة إلى جماعة إثنية أفريقية تدين بشكل من أشكال اليهودية، وهى لا تنتمى إلى أي من الكتل اليهودية الكبرى الثلاث: الأشكناز والسفارد ويهود العالم الإسلامي. كما يستخدمون كلمة (إيهود)، أي (يهود) أما الفلاشاه فيشيرون إلى أنفسهم بوصفهم (بيت إسرائيل). وأصول الفلاشاه ليست سامية خالصة هى حامية أيضاً، إن قبلنا هذا التمييز العرقي والحضاري، فهم ينتمون إلى مجموعة القبائل السامية من جنوب الجزيرة العربية. ويقال إن اليهودية انتشرت بينهم من خلال يهود الجزيرة العربية قبل الإسلام (ويقال إن عبد الله بن سبأ من أصل فلاشي). وثمة رأي قائل بأن أصل الفلاشاه يعود إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، وربما وصلتهم اليهودية عن طريق مصر وربما جاءوهم أنفسهم من صعيد مصر. قد كانت توجد جماعة من الجنود المرتزقة اليهود على حدود مصر الجنوبية (فى جزيرة إلفنتاين) بالقرب من الشلال الأول في أسوان. وثمة رأي آخر يذهب إلى أن أصلهم يرجع إلى جماعة من اليهود استوطنوا بشكل دائم. ويقال إن عدد الفلاشاه كان كبيراً قبل أن تعتنق أسرة أكسوم الحاكمة الديانة المسيحية في القرن الرابع. ولكن، بعد هذا التحول إلى المسيحية، نشبت صراعات حادة وحروب عديدة بينهم وبين جيرانهم المسيحيين. واشترك الفلاشاه في التمرد الذي قامت به قبائل الأجاو ضد إكسوم في القرن العاشر، حيث أسقطوا النجاشي وفتكوا بالرعايا المسيحيين وهدموا كنائسهم وأديرتهم. ولكن أسرة زاج، التي حلت محل أسرة أكسوم، كانت هي الأخرى مسيحية وحاولت تأكيد السلطة المسيحية. وفى عام 1270م، وتحت تأثير الكنيسة، اعتلى أحد أعضاء أسرة أكسوم القديمة العرش. وقرر ملوك الأسرة المالكة، بعد استعادة الحكم، أن يضعوا حداً لاستقلال الفلاشاه، خصوصاً وأنهم كانوا يعتبرونهم عنصراً مشكوكاً في ولائه في حروبهم مع الممالك الإسلامية المجاورة. ولذلك، قام ملوك أكسوم بتجريد مجموعة من الحملات ضدهم. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

الفصل الثالث: الفرق اليهودية

تمهيد: الفرق اليهودية Jewish Religious Sects توجد في اليهودية فرق كثيرة تختلف الواحدة منها عن الأخرى اختلافات جوهرية وعميقة تمتد إلى العقائد والأصول، فهي في الواقع ليست كالاختلافات التي توجد بين الفرق المختلفة في الديانات التوحيدية الأخرى. ومن ثم، فإن كلمة (فرقة) لا تحمل في اليهودية الدلالة نفسها التي تحملها في سياق ديني آخر. فلا يمكن، على سبيل المثال، تصوُّر مسلم يرفض النطق بالشهادتين ويُعترَف به مسلماً، .... أما داخل اليهودية، فيمكن ألا يؤمن اليهودي بالإله ولا بالغيب ولا باليوم الآخر ويُعتبر مع هذا يهودياً حتى من منظور اليهودية نفسها. وهذا يرجع إلى طبيعة اليهودية بوصفها تركيباً جيولوجياً تراكمياً يضم عناصر عديدة متناقضة متعايشة دون تمازج أو انصهار. ولذا، تجد كل فرقة جديدة داخل هذا التركيب من الآراء والحجج والسوابق ما يضفي شرعية على موقفها مهما يكن تطرفه. وأولى الفرق اليهودية التي أدَّت إلى انقسام اليهودية فرقة السامريين التي ظلت أقلية معزولة بسبب قوة السلطة الدينية المركزية المتمثلة في الهيكل ثم السنهدرين. ولكن، مع القرن الثاني قبل الميلاد، خاضت اليهودية أزمتها الحقيقية الأولى بسبب المواجهة مع الحضارة الهيلينية. فظهر الصدوقيون والفريسيون، والغيورون الذين كانوا يُعَدون جناحاً متطرفاً من الفريسيين. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري – بتصرف – موقع المسيري

المبحث الأول: الفريسيون:

المبحث الأول: الفريسيون: كلمة فريسيون: مأخوذة من الكلمة العبرية (بيروشيم)، أي (المنعزلون). وكانوا يلقبون أيضاً بلقب (حبيريم)، أي (الرفاق أو الزملاء)، وهم أيضاً (الكتبة)، أو على الأقل قسم منهم، من أتباع شماي الذين يشير إليهم المسيح عليه السلام. والفريسيون فرقة دينية وحزب سياسي ظهر نتيجة الهبوط التدريجي لمكانة الكهنوت اليهودي بتأثير الحضارة الهيلينية التي تُعلي من شأن الحكيم على حساب الكاهن. ويُرجع التراث اليهودي جذورهم إلى القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، بل يُقال إنهم خلفاء الحسيديين (المتقين)، وهي فرقة اشتركت في التمرد الحشموني. ولكن الفريسيين ظهروا باسمهم الذي يُعرَفون به في عهد يوحنا هيركانوس الأول (135 - 104 ق. م)، وانقسموا فيما بعد إلى قسمين: بيت شماي وبيت هليل. وقد كان الفريسيون يشكلون أكبر حزب سياسي ديني في ذلك الوقت إذ بلغ عددهم حسب يوسيفوس نحو ستة آلاف، لكن هذا العدد قد يكون مبالغاً فيه نظراً لتحزبه لهم، بل لعله كان من أتباعهم. ويُقال إنهم كانوا يشكلون أغلبية داخل السنهدرين، أو كانوا على الأقل أقلية كبيرة. ومن المعروف أنه حينما عاد اليهود من بابل، هيمن الكهنة عليهم وعلى مؤسساتهم الدينية والدنيوية، تلك المؤسسات التي عبَّر عن مصالحها فريق الصدوقيين. ولكن اليهودية كانت قد دخلتها في بابل أفكار جديدة، كما أن وضع اليهود نفسه كان آخذاً في التغير، إذ أن حلم السيادة القومية لم يَعُد له أي أساس في الواقع، بعد التجارب القومية المتكررة الفاشلة، وبعد ظهور الإمبراطوريات الكبرى، الواحدة تلو الأخرى. وقد زاد عدد اليهود المنتشرين خارج فلسطين، وخصوصاً في بابل (ويقول فلافيوس إن عدد يهود فلسطين آنذاك كان نصف مليون وحسب، وإن كانت التقديرات التخمينية ترى أن عددهم يقع بين المليونين والمليون ونصف المليون، وهم أقلية بالنسبة ليهود العالم آنذاك). ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث الثاني: الصدوقيون:

المبحث الثاني: الصدوقيون: الصدوقيون: مأخوذة من الكلمة العبرية (صِّدوقيم)، ويُقال لهم أحياناً (البوئيثيون Boethusian). وأصل الكلمة غير محدَّد. ومن المحتمل أن يكون أصل الكلمة اسم الكاهن الأعظم «صادوق» (في عهد سليمان) الذي توارث أحفاده مهمته حتى عام 162 ميلادية. و (الصدوقيون) فرقة دينية وحزب سياسي تعود أصوله إلى قرون عدة سابقة على ظهور المسيح عليه السلام. وهم أعضاء القيادة الكهنوتية المرتبطة بالهيكل وشعائره والمدافعون عن الحلولية اليهودية الوثنية. وكان الصدوقيون، بوصفهم طبقة كهنوتية مرتبطة بالهيكل، يعيشون على النذور التي يقدمها اليهود، وعلى بواكير المحاصيل، وعلى نصف الشيقل الذي كان على كل يهودي أن يرسله إلى الهيكل، الأمر الذي كان يدعم الثيوقراطية الدينية التي تتمثل في الطبقة الحاكمة والجيش والكهنة. وكان الصدوقيون يحصلون على ضرائب الهيكل، كما كانوا يحصلون على ضرائب عينية وهدايا من الجماهير اليهودية. وقد حوَّلهم ذلك إلى أرستقراطية وراثية تؤلِّف كتلة قوية داخل السنهدرين. ويعود تزايد نفوذ الصدوقيين إلى أيام العودة من بابل بمرسوم قورش (538 ق. م) إذ آثر الفرس التعاون مع العناصر الكهنوتية داخل الجماعة اليهودية لأن بقايا الأسرة المالكة اليهودية من نسل داود قد تشكل خطراً عليهم. واستمر الصدوقيون في الصعود داخل الإمبراطوريات البطلمية والسلوقية والرومانية، واندمجوا مع أثرياء اليهود وتأغرقوا، وكوَّنوا جماعة وظيفية وسيطة تعمل لصالح الإمبراطورية الحاكمة وتساهم في عملية استغلال الجماهير اليهودية، وفي جمع الضرائب. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري – موقع المسيري

المبحث الثالث: المتعصبون:

المبحث الثالث: المتعصبون: فكرهم قريب من فكر الفريسيين، لكنهم اتصفوا بعدم التسامح وبالعدوانية، قاموا في مطلع القرن الميلادي الأول بثورة قتلوا فيها الرومان، وكذلك كلَّ من يتعاون من اليهود مع هؤلاء الرومان، فأطلق عليهم اسم السفَّاكين. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الرابع: الكتبة أو النساخ:

المبحث الرابع: الكتبة أو النَّساخ: عرفوا الشريعة من خلال عملهم في النسخ والكتابة، فاتخذوا الوعظ وظيفة لهم، يسمون بالحكماء، وبالسادة، وواحدهم لقبه أب، وقد أثروا ثراءً فاحشاً على حساب مدارسهم ومريديهم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الخامس: القراءون:

المبحث الخامس: القراءون: القراءون: نسبة إلى المصدر العبري (قرائيم)، ومعناه الذين يقرؤون المقرأ، أي: التوراة. وينتسبون إلى رجل يسمى (عنان بن داود) من أهل بغداد زمن أبي جعفر المنصور، وتوفي في نهاية القرن الثامن الميلادي، وأطلق عليهم اسم العنانيون نسبة إلى عنان هذا. ومن أهم ما يتميزون به: - لا يعترفون إلا بالعهد القديم، وينكرون التلمود والروايات الأخرى الشفوية، وهم في هذا موافقون للصدوقيين. - يقولون بالبعث يوم الدين. - يعزى إلى شيخهم عنان الإقرار ببعثة عيسى عليه السلام، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه يزعم أنه نبي للعرب وليس لليهود. وقد انتشرت أفكار عنان بن داود بين اليهود انتشاراً قويًّا، وخاصة في البلدان العربية والشرق، وكان بينهم وبين التلموديين عداء شديد، وتكفر كل واحدة منهما الأخرى، ولا زال منهم أناس يعدون ببضعة آلاف يسكنون قرب تل أبيب في فلسطين، ويتميزون عن بقية اليهود في أعيادهم ومحاكمهم وأماكن ذبحهم للحيوانات، وقانون الحكومة اليهودية التلمودية الآن يمنع الزواج بين القرائين وغيرهم من اليهود. وهم يعتبرون من أعداء الصهيونية التلمودية، لأن كلًّا منهم يكفر الآخر، ويرى ارتداده عن الدين. ويذكر د/ حسن ظاظا: أنه بعد أن تمكنت الصهيونية التلمودية من الاستيلاء على فلسطين اصطادت بضعة آلاف من القرائين وأدخلتهم إلى فلسطين، وهم يعيشون هناك كرهائن، وكوسيلة للمساومات مع من بقي من القرائين خارج فلسطين، إذ أرغمتهم الصهيونية على التزام الصمت والكف عن مهاجمتها حرصاً على حياة أبناء الطائفة في فلسطين وأمنهم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 145

المبحث السادس: السامريون:

المبحث السادس: السامريون: السامريون: في الأصل هم شعب دولة إسرائيل التي تكونت في الشمال من دولة يهوذا، وذلك بعد سليمان عليه السلام. وقد استمر وجود السامريين إلى عصرنا الحاضر، إلا أنهم يشكلون مجموعة صغيرة تسكن في فلسطين بجوار مدينة نابلس، ويتميزون عن بقية اليهود بأنهم: - لا يؤمنون بنبوة أحد من أنبياء بني إسرائيل سوى هارون وموسى ويوشع بن نون عليهم السلام. - لا يقدسون من كتب اليهود سوى الأسفار الخمسة التي تسمَّى التوراة، ويضيفون إليها سفر يوشع بن نون فقط، وما عدا ذلك فلا يؤمنون به، ونسخة التوراة التي لديهم تختلف عن النسخة العبرية في ستة آلاف موضع، كما أنهم لا يؤمنون بسائر الكتب الأخرى في العهد القديم ولا بالتلمود ولا غيره من كتب اليهود. المكان المقدس لديهم هو جبل (جرزيم) الذي يقع في منطقة نابلس، ويستقبلونه وينكرون صهيون وبيت المقدس، وبقية اليهود يكفرونهم لذلك. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 143

المبحث السابع: السبئية:

المبحث السابع: السبئية: هم أتباع عبد الله بن سبأ الذي دخل الإسلام؛ ليدمره من الداخل، فهو الذي نقل الثورة ضد عثمان من القول إلى العمل مشعلاً الفتنة، وهو الذي دسَّ الأحاديث الموضوعة؛ ليدعم بها رأيه، فهو رائد الفتن السياسية الدينية في الإسلام. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثامن: الحسيديم:

المبحث الثامن: الحسيديم: فرقة من فرق اليهود متأخرة النشأة، وتعزى إلى رجل يسمى (إسرائيل بن اليعازر) الملقب بـ (بعل شم طوب) في أوكرانيا، المتوفى سنة (1760) م. و (حسيديم) مشتقة من الكلمة العبرية (حسيد)، والتي تعني المنقى والناذر نفسه للدين. والذي يظهر أن الحسيديم فرقة صوفية منشقة عن الفريسيين التلموديين، فهم يعظمون التلمود ويقبلون أقواله، إلا أن لهم تفسيراتهم الباطنية الخاصة بذلك، وهم يعتمدون في مخالفاتهم لبقية اليهود على التأويل الباطني والتوجه الصوفي، ولهذه الفرقة أتباع كثيرون. ومن أهم ما يميزهم أمور، منها: - اعتقادهم بوحدة الوجود، وأن لا وجود حقيقي إلا وجود الله تعالى، وأن المخلوقات ما هي إلا مظاهر لذلك الوجود وتعبير عنه. - يقولون بالجبر، وأن الخير والشر من الله، وأن الإنسان إذا ارتكب منكراً فعليه أن يكون مرتاح البال؛ لأن ذلك من الله، وكل ما هو من الله فهو خير. - يقولون بالتناسخ، وأن الغرض منه تطهير النفس، وإعطاؤها الفرصة للصلاح، فإذا لم تصلح تتناسخ في جسد آخر لأكثر من مرة حتى تصل إلى الصلاح. - يقولون بالثواب والعقاب، وأن الإنسان لا بد أن يتطهر قبل دخوله الجنة، وذلك بأن تهزه الملائكة بعد الموت حتى تذهب سيآته الحسية والجسدية، وتتقاذفه الملائكة بين أيديها حتى يتطهر من سيآته النفسية المتعلقة بالأفكار والكلام. وعندهم أن اليهودي لا يقضي في جهنم أكثر من اثني عشر شهرا. - يستعملون الغناء والموسيقى في صلواتهم. - من أكثر طوائف اليهود حماساً لمجيء المسيح المخلص، الذي يعتقدون أنه سيكون من نسل داود، وبمجيئه تنتهي كل مشاكل اليهود، ولهم في ذلك حكايات كثيرة يطول ذكرها من ناحية تصورهم لقرب مجيئه، حتى أن منهم من كان يقول لأهله إذا أراد النوم: (إذا جاء المسيح المخلص وأنا نائم فأيقظوني دون تردد). ومنهم من جعل غرفة خاصة في بيته وضع فيها كل غال ونفيس عنده، ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إليها يسميها (غرفة المسيح)، وبعضهم يتفوه بكلمات كفرية قبيحة في حق الله تعالى معاتباً له على تأخر المسيح، مثل قول أحد رؤسائهم المسمَّى موسى بن زفي المتوفى (1841) م: (لو كنت أعلم أن شعر رأسي سيكون أبيض، ولا ترى عيناي المسيح المخلص لما بقيت حيًّا، يا رب أنت الذي أبقيتني وحفظتني بهذا الأمل وهذا الاعتقاد، إنك ضحكت عليَّ، فهل هذا شيء جيد؟ وهل هو شيء جيد أن تضحك على رجل كبير مثلي؟ أجبني). - يتركون ضفائر على جانبي الرأس، كما لا يحلقون ولا يقصون شيئاً من لحاهم ولا من سائر شعر الوجه سوى الشوارب. - أكثر الحسيديم يذمون الصهيونية ويطعنون فيها، وإن كانوا مؤيدين لها في إنشاء دولة اليهود في فلسطين، وقد هاجر كثير منهم إلى فلسطين واستقروا بها، وكونوا لهم تجمعات كبيرة، بل يقول الكتاب: إن أكثر من نصف المدارس في دولة اليهود تعود للحسيديم ما عدا فرقة (الستمار) منهم، فإنها تحرم السفر إلى دولة اليهود في فلسطين، ويطعنون في الصهاينة، ويعتبرونهم كفاراً مارقين، وهم يرون أن خلاصهم لا يكون إلا بأمر معجز عن طريق المسيح المخلص، وأن وجود دولة اليهود يعوق خلاصهم ويؤخر مجيء المسيح المخلص، وأكثر هذه المجموعة يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 147 - 149

المبحث التاسع: الإصلاحيون:

المبحث التاسع: الإصلاحيون: الإصلاحيون هم فرقة من الفرق المعاصرة التي تحاول التملص من تشديدات اليهود وتسلط الحاخامات وإذلالهم لبني جنسهم، وكان من أوائل من دعا إلى التحرر من قيود التلمود وتشديدات الحاخامين: موسى مندلسون المتوفى سنة (1776) م في برلين، فقد دعا إلى اندماج اليهود مع الشعوب التي تشاركهم في الأوطان، والمحافظة على جميع القوانين لتلك البلدان، مع المحافظة على دين الآباء والأجداد، ثم انتقلت تلك الدعوة إلى أمريكا وفيها قويت وانتشرت بين اليهود، وصار لها أتباع يجاوزون المليونين. ومن أهم ما يميزهم عن بقية اليهود: - إنكارهم للوحي في العهد القديم، وقولهم: إن الكتاب المقدس من صنع الإنسان، ويعتبرونه أعظم وثيقة أوجدها الإنسان، وهم لا يقبلون منه إلا التشريعات الأخلاقية، أما العبادات والشعائر فيقبلون منها ما يوافق العصر. - إنكار التلمود، واعتبار تعاليمه وقوانينه خاصة بعصره، ولا تصلح للعصور الحديثة. - إنكار دعوى المسيح المنتظر. - إنكار البعث الجسدي والعذاب بعد الموت. - إقامة الصلوات باللغات القومية، ولا يلزم عندهم أداؤها باللغة العبرية، وإباحة اختلاط الجنسين في المعابد اليهودية، وتعديل القوانين الخاصة بالزواج والطلاق؛ لتتواءم مع العصر. - حذفوا من أدعيتهم وصلواتهم ما يتعلق بالعودة إلى صهيون، واعتبروا أن اليهودية دين وليس قومية. وقد كان الإصلاحيون في أول الأمر معارضين للصهيونية، ولكن وجد فيهم من يناصرها بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد تقتيل النازيين لليهود، حيث بدأ الكثير منهم يميل للصهيونية، وبقي منهم عدد كبير أيضاً خارج الصهيونية وضدها، ويكافحها مكافحة مستميتة. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 149 - 150

المبحث العاشر: الأرثوذكسية:

المبحث العاشر: الأرثوذكسية: الأرثوذكسية، هي المسمى الذي يطلق على اليهود الذين يدينون بالكتاب المقدس مع التلمود مع جميع التعصبات اليهودية، وهم فيما يبدو امتداد للربانيين والتلموديين والفريسيين، وهم يشكلون الغالبية العظمى من اليهود، وتجمعهم الأكبر في دولة اليهود في فلسطين. ولا تعترف الدولة اليهودية إلا بالأرثوذكسية، كما أن غالبية أعضاء المجلس الصهيوني من الأرثوذكس. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 150 - 151

المبحث الحادي عشر: المحافظون:

المبحث الحادي عشر: المحافظون: هم طائفة كبيرة أيضاً من اليهود، حاولوا التوسط بين انفلات الإصلاحيين وتشدد الأرثوذكس، وقد نشأ هذا المذهب في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أسس ذلك (زكريا فرانكل) رئيس حاخامين دريسون بألمانيا، المتوفى سنة (1875) م، ثم تطوروا وزاد انتشارهم فيما بعد في أمريكا، حيث يشكلون فيها قرابة المليون شخص. ومما يتميزون به من أمور: -اعتبار التوراة هي الموحى بها من الله، أما التلمود فيعتبرونه نتاجا ثقافيًّا لليهود يجب أن يستفاد من قيمه العامة في المواقف للشعب اليهودي، ويعتبرون دعوى أن موسى استلمه شفهيًّا من الله خرافة من خرافات الربابنة. - حذف القراءات المطولة والأناشيد الخليعة والمدروشة من الكنيس. - تربية النساء تربية دينية وإشراكهن في العمل الديني. - إقامة الصلوات باللغات التي يفهمها المصلون إذا لم يفهموا العبرية. والمحافظون موافقون للصهاينة في برنامجهم السياسي، وهم من أكبر الداعمين للتوطن في فلسطين، وتبني سياسات الصهاينة. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 151 - 152

المبحث الثاني عشر: العنانية:

المبحث الثاني عشر: العنانية: نسبوا إلى رجل يقال له: عنان بن داود رأس الجالوت يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد، ويذبحون الحيوان على القفا ويصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإشاراته. ويقولون: إنه لم يخالف التوراة البتة، بل قررها ودعا الناس إليها، وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة ومن المستجيبين لموسى عليه السلام، إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته. ومن هؤلاء من يقول: إن عيسى عليه السلام لم يدع أنه نبي مرسل، وليس من بني إسرائيل، وليس هو صاحب شريعة ناسخة لشريعة موسى عليه السلام، بل هو من أولياء الله المخلصين العارفين بأحكام التوراة، وليس الإنجيل كتابا أنزل عليه وحيا من الله تعالى، بل هو جمع أحواله من مبدئه إلى كماله، وإنما جمعه أربعة من أصحابه الحواريين فكيف يكون كتابا منزلا؟ قالوا: واليهود ظلموه حيث كذبوه أولًا ولم يعرفوا بعد دعواه، وقتلوه آخرا ولم يعلموا بعد محله ومغزاه، وقد ورد في التوراة ذكر المشيحا في مواضع كثيرة، وذلك هو المسيح، ولكن لم ترد له النبوة ولا الشريعة الناسخة، وورد فارقليط وهو الرجل العالم، وكذلك ورد ذكره في الإنجيل، فوجب حمله على ما وجد، وعلى من ادعى غير ذلك تحقيقه وحده. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 257

المبحث الثالث عشر: العيسوية:

المبحث الثالث عشر: العيسوية: نسبوا إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وقيل: إن اسمه عوفيد الوهيم. أي: عابد الله، كان في زمن المنصور، وابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بني أمية مروان بن محمد الحمار، فاتبعه بشر كثير من اليهود، وادعوا له آيات ومعجزات، وزعموا أنه لما حورب خط على أصحابه خطًّا بعود آس، وقال: أقيموا في هذا الخط، فليس ينالكم عدو بسلاح. فكان العدو يحملون عليهم حتى إذا بلغوا الخط رجعوا عنهم خوفا من طلسم أو عزيمة ربما وضعها، ثم إن أبا عيسى خرج من الخط وحده على فرسه فقاتل وقتل من المسلمين كثيرا، وذهب إلى أصحاب موسى بن عمران الذين هم وراء النهر المرمل ليسمعهم كلام الله. وقيل: إنه لما حارب أصحاب المنصور بالري قتل وقتل أصحابه. زعم أبو عيسى أنه نبي وأنه رسول المسيح المنتظر. وزعم أن للمسيح خمسة من الرسل يأتون قبله واحدا بعد واحد. وزعم أن الله تعالى كلمه وكلفه أن يخلص بني إسرائيل من أيدي الأمم العاصين والملوك الظالمين. وزعم أن المسيح أفضل ولد آدم، وأنه أعلى منزلة من الأنبياء الماضين، وإذ هو رسوله فهو أفضل الكل أيضا، وكان يوجب تصديق المسيح ويعظم دعوة الداعي، ويزعم أيضا أن الداعي هو المسيح. وحرم في كتابه الذبائح كلها، ونهى عن أكل كل ذي روح على الإطلاق طيرا كان أو بهيمة، وأوجب عشر صلوات، وأمر أصحابها بإقامتها وذكر أوقاتها، وخالف اليهود في كثير من أحكام الشريعة الكثيرة المذكورة في التوراة. وتوراة الناس هي التي جمعها ثلاثون حبرا لبعض ملوك الروم حتى لا يتصرف فيها كل جاهل بمواضع أحكامها. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 257

المبحث الرابع عشر: اليوذعانية:

المبحث الرابع عشر: اليوذعانية: نسبوا إلى يوذعان من همدان وقيل: كان اسمه يهوذا، كان يحث على الزهد وتكثير الصلاة، وينهى عن اللحوم والأنبذة وفيما نقل عنه تعظيم أمر الداعي. وكان يزعم أن للتوراة ظاهرا وباطنا وتنزيلا وتأويلا، وخالف بتأويلاته عامة اليهود، وخالفهم في التشبيه، ومال إلى القدر، وأثبت الفعل حقيقة للعبد، وقدر الثواب والعقاب عليه وشدد في ذلك. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 257

المبحث الخامس عشر: الموشكانية أصحاب موشكان:

المبحث الخامس عشر: الموشكانية أصحاب موشكان: كان على مذهب يوذعان غير أنه كان يوجب الخروج على مخالفيه ونصب القتال معهم فخرج في تسعة عشر رجلا فقتل بناحية قم. وذكر عن جماعة من الموشكانية أنهم أثبتوا نبوة المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام إلى العرب وسائر الناس سوى اليهود؛ لأنهم أهل ملة وكتاب. وزعمت فرقة من المقاربة أن الله تعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بواسطة ملك اختاره، وقدمه على جميع الخلائق، واستخلفه عليهم، وقالوا: كل ما في التوراة وسائر الكتب من وصف الله تعالى فهو خبر عن ذلك الملك، وإلا فلا يجوز أن يوصف الله تعالى بوصف. قالوا: وإن الذي كلم موسى عليه السلام تكليما هو ذلك الملك، والشجرة المذكورة في التوراة هو ذلك الملك، ويتعالى الرب تعالى أن يكلم بشرا تكليما. وحمل جميع ما ورد في التوراة من طلب الرؤية ومشافهة الله، وجاء الله، وطلع الله في السحاب، وكتب التوراة بيده، واستوى على العرش استقرارا، وله صورة آدم وشعر قطط ووفرة سوداء، وأنه بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأنه ضحك الجبار حتى بدت نواجذه إلى غير ذلك- على ذلك الملك. قال: ويجوز في العادة أن يبعث ملكا روحانيا من جملة خواصه ويلقي عليه اسمه، ويقول: هذا هو رسولي ومكانه فيكم مكاني وقوله قولي وأمره أمري وظهوره عليكم ظهوري. كذلك يكون حال ذلك الملك. وقيل: إن أريوس حيث قال في المسيح: إنه هو الله وإنه صفوة العالم. أخذ قوله من هؤلاء، وكانوا قبل أريوس بأربعمائة سنة، وهم أصحاب زهد وتقشف. وقيل: صاحب هذه المقالة هو بنيامين النهاوندي، وقرر لهم هذا المذهب، وأعلمهم أن الآيات المتشابهات في التوراة كلها مؤولة، وأنه تعالى لا يوصف بأوصاف البشر، ولا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شيء منها، وأن المراد بهذه الكلمات الواردة في التوراة ذلك الملك العظيم. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 258

المبحث السادس عشر: الغيورون (قنائيم)

المبحث السادس عشر: الغيورون (قنَّائيم) Zealots كلمة غيورون: ترجمة للفظة (قنَّائيم)، وهي من الكلمة العبرية (قانَّا) بمعنى (غيور) أو (صاحب الحمية). والغيورون فرقة دينية يهودية، ويُقال إنه جناح متطرف من الفريسيين وحزب سياسي وتنظيم عسكري. وقد جاء أول ذكر لهم باعتبارهم أتباعاً ليهودا الجليلي في العام السادس قبل الميلاد. ويبدو أن واحداً من العلماء الفريسيين، ويُدعَى صادوق، قد أيده. ولكن يبدو أن أصولهم أقدم عهداً، إذ أنها تعود إلى التمرد الحشموني (186 ق. م). ويذكر يوسيفوس شخصاً يُدعَى حزقيا باعتباره رئيس عصابة أعدمه هيرود، وحزقيا هذا هو أبو يهودا الجليلي الذي ترك من بعده شمعون ويعقوب ومناحم (لعله أخوه). وقد تولَّى مناحم الجليلي، وهو زعيم عصبة الخناجر، قيادة التمرد اليهودي الأول ضد الرومان (66 ـ 70م)، وذلك بعد أن استولى على ماسادا وذبح حاميتها واستولى على الأسلحة، ثم عاد إلى القدس حيث تولَّى قيادة التمرد هو وعصبته الصغيرة، فأحرقوا مبنى سجلات الديون، وأحرقوا أيضاً قصور الأثرياء وقصر الكاهن الأعظم آنانياس ثم قاموا بقتله، بل يبدو أنهم حاولوا إقامة نظام شيوعي. ويبدو كذلك أن عصابة مناحم كانت متطرفة ومستبدة في تعاملها مع الجماهير اليهودية. وقد كانت لدى مناحم ادعاءات مشيحانية عن نفسه، كما أنه جمع في يديه السلطات الدينية والدنيوية. ولذا، قامت ثورة ضده انتهت بقتله هو وأعوانه، وهروب البقية إلى ماسادا. وقد استمر نشاط الغيورين حتى سقوط القدس وهدم الهيكل عام 70 ميلادية، ولكن هناك من يرى أنهم اشتركوا أيضاً في التمرد اليهودي الثاني ضد هادريان (132 ـ 135م). وكان الغيورون منقسمين فيما بينهم إلى فرق متطاحنة متصارعة. ومن قياداتهم الأخرى، يوحنان بن لاوي وشمعون برجيورا. ويُعَدُّ ظهور حزب الغيورين تعبيراً عن الانهيار الكامل الذي أصاب الحكومة الدينية وحكم الكهنة. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث السابع عشر: الأسينيون:

المبحث السابع عشر: الأسينيون: Essenes فرقة يهودية يبدو أنها انقرضت مع القرن الأول للميلاد، وكان هذا أمراً طبيعياً لأن أتباعها عاشوا نظام زهد وتنسك ورهبانية في الكهوف والمغاور، واعتزلوا الناس، وكان لهم نظام حياة خاص لا نساء فيه. كانوا يضمون إلى جماعتهم من أعرض عن الزواج، ويعيشون حياة جماعية شبه اشتراكية لجهة الموارد والإنفاق، على ضآلة ذلك. وكانوا يقيمون بعيداً عن المدن في مناطق نائية، ومعاشهم من الرعي والزراعة. التزم الإسينيون نظام طهارة قاس نسبياً حيث درجوا على الاغتسال بالماء البارد كل صباح شرط أن يكون هذا الماء من منابعه مباشرة. عاشوا حياة تأمل مقرونة بهذا الزهد مع الاهتمام بالاغتسال. ¤موسوعة الأديان الميسرة - ص 85

المبحث الثامن عشر: عصبة حملة الخناجر: Sicarii

المبحث الثامن عشر: عصبة حملة الخناجر: Sicarii عصبة الخناجر ترجمة لكلمة (سيكاري) المنسوبة إلى كلمة (سيكا) اللاتينية، التي تعني الخنجر. و (سيكاريوس sicarius) كلمة مفردة تعني (حامل الخنجر) وجمعها (سيكاريي sicarii). وعصبة الخناجر جماعة متطرفة من الغيورين الذين كانوا بدورهم جماعة متطرفة من الفريسيين، وقد كانوا يخبئون خناجرهم تحت عباءاتهم ليباغتوا أعداءهم في الأماكن العامة ويقتلوهم. وأثناء التمرد اليهودي الأول ضد الرومان (66 ـ 70م)، يُقال إنهم كانوا تحت قيادة مناحم الجليلي، وأنهم هم الذين أحرقوا منزل الكاهن الأعظم أنانياس، وقصري أجريبا الثاني وأخته بيرنيكي عشيقة تيتوس. كما أحرقوا سجلات الديون حتى ينضم الفقراء المدينون إليهم. وقد أدَّى نشاطهم إلى فرار الأرستقراطيين اليهود. ولكن الجماهير، بقيادة الغيوري المعتدل إليعازر بن حنانيا من حزب القدس، تمردت على المتطرفين وقتلت زعيمهم مناحم الجليلي، ففرت فلولهم. ويُقال إن الجماعة التي لجأت إلى ماسادا، وأبادت الجالية الرومانية بعد استسلامها، من أعضاء عصبة الخناجر. وثمة رأي آخر يرى أن جماعة إليعازر بن جاير كانت معادية لهم، ولكنها اختلفت معهم بشكل مؤقت. ويبدو أنه كان يوجد داخل حركة الغيورين جناحان: جناح متطرف هو عصبة الخناجر، وجناح القدس، ويشار إلى أعضاء هذا الجناح باسم (الغيورين). ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث التاسع عشر: الفقراء (الإبيونيون): Ebionites

المبحث التاسع عشر: الفقراء (الإبيونيون): Ebionites الكلمة العبرية (إبيون) تعني (فقير)، وهي كلمة ذات مدلول اقتصادي ومنها (الإبيونيون)، وقد أصبحت هذه الكلمة ذات تضمينات دينية واستخدمها بعض أعضاء الجماعات اليهودية المسيحية في بداية العصر المسيحي للإشارة إلى أنفسهم باعتبار أنهم ورثة مملكة الرب. وقد تبع الإبيونيون الشريعة اليهودية، وأصروا على أن المسيحيين ملزمون بها، كما أنهم راعوا شعائر السبت. وقد رفض معظمهم فكرة ألوهية المسيح وولادته العذرية، ولكنهم آمنوا بأنه الماشيَّح الذي اختاره الإله عند تعميده. ومن هنا كان تعميد المسيح موضوعاً أساسياً في إنجيل الإبيونيين. وقد اعتبر الإبيونيون تعاليم بولس الرسول هرطقة محضة. وذهب فريق من الإبيونيين مذهب الغنوصيين، فقالوا بأن المسيح هو آدم. وقال فريق آخر إنه الروح القدس حل بآدم، ثم بالآباء، وأخيراً حل بعيسى، فلما صُلب عيسى صعد الروح القدس، الذي هو المسيح، إلى السماء. ومع اتساع الهوة بين اليهودية والمسيحية، اختفت هذه الجماعات في نهاية القرن الرابع الميلادي. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث العشرون: القبالة Kabbale؛ الكابالا:

المبحث العشرون: القبالة Kabbale؛ الكابالا: فرقة أو مذهب يهودي أساسه الأفكار التلمودية، حيث اعتمدوا لفهمها تفسيرات باطنية، وقد سميت أول أمرها: الحكمة المستوردة، ومن ثم بات اسمها القبالة؛ والكلمة من أصل آرامي ومعناها القبول أو تلقي الرواية الشفهية. والشخصيات التي تعود نشأة القبالة إليها: سمعان بن يوشاي من القرن الثاني الميلادي، وقد اختفى عن الأنظار مدة في مغارة ومن ثم خرج عليهم ليقول: إن أسراراً قد كشفت له، وأنه قد حصَّل شكلاً من الكشف أو الإلهام. تأثرت القبالة بفلسفات هندية وفارسية ويونانية إشراقية، كما أنها أخذت بفكرة الانتظار. وفكرة القبالة شقت طريقها فعلياً بين يهود بدءاً من القرن الثالث عشر الميلادي، وقد ظهرت مجموعة نصوص عندهم جمعوها في كتاب أو سفر سموه: زوهار. والزوهار كلمة آرامية معناها النور أو الضياء، وقد دون الزوهار بالآرامية موسى اللبوني (1250م – 1305م) في إسبانيا، إلا أن قسماً كبيراً من هذه النصوص تعود إلى القرن الثاني الميلادي مع سمعان بن يوشاي. كل كلمة في الزوهار وكل حرف يحمل، باعتقاد القباليين، معنى باطنياً لا يعرفه سوى حاخاماتهم، ولهذا جعلوا من القبالة حركة باطنية سرية. وللسحر مكانة أساسية عندهم، وما ذلك إلا لاعتقاد أتباع القبالة أن السحر منزل من الخالق عن طريق الأنبياء الذين نقلوه إلى الحكماء، وهذا طرح غريب ومستغرب. والقباليون يعتمدون التأمل الذي يقود صاحبه إلى أن يصبح منيراً، وقد اعتمدوا نصاً من سفر دانيال فيه: (وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، بعضهم للحياة الأبدية وبعضهم للعار والرذل الأبدي، ويضيء العقلاء كضياء الجلد، والذين جعلوا كثيرين أبراراً كالكواكب إلى الدهر والأبد). إن القبالة لا تزال منتشرة بين اليهود إلى اليوم. ¤موسوعة الأديان الميسرة – ص 402

المبحث الحادي والعشرون: المغارية Maghariya:

المبحث الحادي والعشرون: المغارية Maghariya: المغارية: فرقة يهودية ظهرت في القرن الأول الميلادي حسبما جاء في القرقشاني. وهذا الاسم مشتق من كلمة (مغارة) العربية، أي كهف، فالمغارية إذن هم سكان الكهوف أو المغارات، وهذه إشارة إلى أنهم كانوا يخزنون كتبهم في الكهوف للحفاظ عليها، ويبدو أنها فرقة غنوصية، إذ يذهب المغارية إلى أن الإله متسام إلى درجة أنه لا تربطه أية علاقة بالمادة (فهو يشبه الإله الخفي في المنظومة الغنوصية)، ولهذا فإن الإله لم يخلق العالم، وإنما خلقه ملاك ينوب عن الإله في هذا العالم. وقد كتب أتباع هذه الفرقة تفسيراتهم الخاصة للعهد القديم وذهبوا إلى أن الشريعة والإشارات الإنسانية إلى الإله إنما هي إشارات لهذا الملاك الصانع. وقد قرن بعض العلماء المغارية بالأسينيين والثيرابيوتاي. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث الثاني والعشرون: المعالجون (ثيرابيوتاي): Therapeutae

المبحث الثاني والعشرون: المعالجون (ثيرابيوتاي): Therapeutae المعالجون: ترجمة لكلمة (ثيرابيوتاي) المأخوذة من الكلمة اليونانية (ثيرابي) أي (العلاج)، وتعني (المعالجون). والمعالجون (ثيرابيوتاي) فرقة من الزهاد اليهود تشبه الأسينيين استقرت على شواطئ بحيرة مريوط قرب الإسكندرية في القرن الأول الميلادي، ويشبه أسلوب حياتهم أسلوب الأسينيين وإن كانوا أكثر تشدداً منهم. وقد كانت فرقة المعالجين تضم أشخاصاً من الجنسين، وأورد فيلون في كتابه كل ما يعرفه عنهم، فيذكر إفراطهم في الزهد وفي التأمل وبحثهم الدائب عن المعنى الباطني للنصوص اليهودية المقدَّسة. كما يذكر فيلون أنهم كانوا يهتمون بدراسة الأرقام ومضمونها الرمزي والروحي، كما كانوا يقضون يومهم كله في العبادة والدراسة والتدريب على الشعائر. أما الوفاء بحاجة الجسد، فلم يكن يتم إلا في الظلام (وهو ما قد يوحي بأصول غنوصية). ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث الثالث والعشرون: المستحمون في الصباح (هيميروبابتست): Hemerobaptists

المبحث الثالث والعشرون: المستحمون في الصباح (هيميروبابتست): Hemerobaptists المستحمون في الصباح: ترجمة للكلمة اليونانية (طوبلحاشحريت) أو (هيميروبابتست) والمستحمون في الصباح فرقة يهودية أسينية كان طقس التعميد بالنسبة إليها أهم الشعائر. ولذا، فقد كان هذا الطقس يُمارَس بينهم كل يوم بدلاً من مرة واحدة في حياة الإنسان. كما أنهم كانوا يتطهرون قبل النطق باسم الإله ... وقد ظلت بقايا من هذه الفرقة حتى القرن الثالث الميلادي. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري – بتصرف – موقع المسيري

المبحث الرابع والعشرون: عبدة الإله الواحد (هبسستريون) Hypsisterion:

المبحث الرابع والعشرون: عبدة الإله الواحد (هبسستريون) Hypsisterion: عبدة الإله الواحد: ترجمة للكلمة اليونانية (هبسستريون). وعبدة الإله الواحد هم فرقة شبه يهودية كانت تعبد الإله الواحد الأسمى (والاسم مشتق من كلمة يونانية لها هذا المعنى). وقد كان أعضاء هذه الفرقة يعيشون على مضيق البسفور في القرن الأول الميلادي وظلت قائمة حتى القرن الرابع. ومن الشعائر اليهودية التي حافظوا عليها شعائر السبت والطعام، وكانت عندهم شعائر وثنية مثل تعظيم النور والأرض والشمس، وخصوصاً النار، ومع هذا يُقال إن الأمر لم يصل بهم قط إلى درجة تقديس النار كما هو الحال مع المجوس. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

المبحث الخامس والعشرون: البناءون (بنائيم): Banaaim

المبحث الخامس والعشرون: البناءون (بنائيم): Banaaim البناءون: ترجمة لكلمة (بنائيم). والبناءون فرقة يهودية صغيرة ظهرت في فلسطين في القرن الثاني الميلادي. ومعنى الكلمة غير معروف بصورة محددة، فيذهب بعض العلماء إلى أن الاسم مشتق من كلمة (بنا) بمعنى (يبني)، وأن أتباع هذه الفرقة علماء يكرسون جلّ وقتهم لدراسة تكوين العالم (كوزمولوجي). ويذهب آخرون إلى أن (البنائيم) فرع من الأسينيين. ويذهب فريق ثالث إلى أن الاسم مشتق من كلمة يونانية بمعنى (حمام) أو (المستحمون). ويذهب فريق رابع إلى أنهم أتباع الراهب الأسيني بانوس. ولعل ربط البنائيم بالأسينيين يرجع إلى اهتمامهم البالغ بشعائر الطهارة والحفاظ على نظافة ملابسهم. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – لعبد الوهاب المسيري - موقع المسيري

الفصل الرابع: كتبهم:

المبحث الأول: التوراة والكتب الملحقة بها: تعريف التوراة: التوراة: كلمة عبرانية تعني الشريعة أو الناموس، ويراد بها في اصطلاح اليهود: خمسة أسفار يعتقدون أن موسى عليه السلام كتبها بيده، ويسمونها (بنتاتوك) نسبة إلى (بنتا) وهي كلمة يونانية تعني خمسة، أي: الأسفار الخمسة، وهذه الأسفار هي: 1 - سفر التكوين: ويتحدث عن خلق السموات والأرض، وآدم، والأنبياء بعده إلى موت يوسف عليه السلام 2 - سفر الخروج: ويتحدث عن قصة بني إسرائيل من بعد موت يوسف عليه السلام إلى خروجهم من مصر، وما حدث لهم بعد الخروج مع موسى عليه السلام. 3 - سفر اللاويين: وهو نسبة إلى لاوي بن يعقوب، الذي من نسله موسى وهارون عليهما السلام، وأولاد هارون هم الذين فيهم الكهانة، أي: القيام بالأمور الدينية، وهم المكلفون بالمحافظة على الشريعة وتعليمها الناس، ويتضمن هذا السفر أموراً تتعلق بهم وبعض الشعائر الدينية الأخرى. 4 - سفر العدد: وهو معنيٌّ بعدِّ بني إسرائيل، ويتضمن توجيهات، وحوادث حدثت من بني إسرائيل بعد الخروج. 5 - سفر التثنية: ويعني تكرير الشريعة، وإعادة الأوامر والنواهي عليهم مرة أخرى، وينتهي هذا السفر بذكر موت موسى عليه السلام وقبره، وقد يطلق النصارى اسم التوراة على جميع أسفار العهد القديم. أما في اصطلاح المسلمين فهي: الكتاب الذي أنزله الله على موسى عليه السلام نوراً وهدى لبني إسرائيل. أما الكتب الملحقة بالتوراة فهي: أربعة وثلاثون سفراً، حسب النسخة البروتستانتية، فيكون مجموعها مع التوراة تسعة وثلاثين سفراً، وهي التي تسمى العهد القديم لدى النصارى، ويمكن تقسيمها إلى خمسة أقسام: أولاً: الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام ثانياً: الأسفار التاريخية، وهي ثلاثة عشر سفرا: 1 - يشوع 2 - القضاة 3 - راعوث 4 - صموئيل الأول 5 - صموئيل الثاني 6 - الملوك الأول 7 - الملوك الثاني 8 - أخبار الأيام الأول 9 - أخبار الأيام الثاني 10 - عزرا 11 - نحميا 12 - إستير 13 - يونان (يونس عليه السلام). وهذه الأسفار تحكي قصة بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام إلى ما بعد العودة من السبي البابلي إلى فلسطين، وإقامتهم للهيكل مرة أخرى بعد تدميره، ماعدا سفري أخبار الأيام الأول والثاني، فإنها تعيد قصة بني إسرائيل، وتبتدئ بذكر مواليد آدم على سبيل الاختصار إلى السنة الأولى لملك الفرس قورش، وكذلك سفر يونان (يونس عليه السلام) يحكي قصته مع أهل نينوى الذين أرسل إليهم. ثالثاً: أسفار الأنبياء وهي خمسة عشر سفراً: 1 - أشعيا 2 - إرميا 3 - حزقيال 4 - دانيال 5 - هوشع 6 - يوثيل 7 - عاموس 8 - عوبديا 9 - ميخا 10 - ناحوم 11 - حبقوق 12 - صفنيا 13 - حجى 14 - زكريا 15 - ملاخى. وهذه الأسفار يغلب عليها طابع الرؤى، والتنبؤات بما سيكون من حال بني إسرائيل، وحال الناس معهم، وفيها تهديدات لبني إسرائيل، ووعود بالعودة والنصر. والذين نسبت إليهم هذه الأسفار هم ممن كانوا زمن السبي إلى بابل وبعده. رابعاً: أسفار الحكمة والشعر (الأسفار الأدبية). وهي خمسة أسفار: 1 - أيوب 2 - الأمثال 3 - الجامعة 4 - نشيد الإنشاد 5 - مراثي إرميا. خامساً: سفر الابتهالات والأدعية سفر واحد، وهو سفر المزامير المنسوب إلى داود عليه السلام. هذه أسفار النسخة العبرانية المعتمدة لدى اليهود والبروتستانت من النصارى. أما النصارى الكاثوليك، والأرثوذكس فيعتمدون النسخة اليونانية، وهي تزيد على العبرانية بسبعة أسفار هي: سفر طوبيا، ويهوديت، والحكمة، ويشوع بن سيراخ، وباروخ، والمكابيين الأول والمكابيين الثاني. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 76

المبحث الثاني: التلمود:

المطلب الأول: تعريفه: التلمود هو: تعليم ديانة وآداب اليهود، وهو يتكون من جزئين: متن: ويسمى المشناة: بمعنى المعرفة أو الشريعة المكررة. شرح: ويسمى جمارا: ومعناه الإكمال.

المطلب الثاني: تدوين التلمود:

المطلب الثاني: تدوين التلمود: التلمود هو القانون أو الشريعة الشفهية التي كان يتناقلها الحاخامات الفريسيون من اليهود سرًّا جيلاً بعد جيل. ثم إنهم لخوفهم عليها من الضياع دونوها، وكان تدوينها في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وأطلق عليها اسم (المشناة)، ثم شرحت فيما بعد هذه المشناة، وسمي الشرح (جمارا) وأُلِّفَتْ هذه الشروح في فترة طويلة، امتدت من القرن الثاني بعد الميلاد إلى أواخر السادس بعد الميلاد. وتعاقب على الشرح حاخامات بابل، وحاخامات فلسطين، ثم سُمِّي المتن- وهو المشناة- مع الشرح- وهي جمار- (التلمود)، وما كان عليه تعليقات وشرح حاخامات بابل سمي تلمود بابل، وما كان عليه شروح حاخامات فلسطين سُمِّي تلمود فلسطين.

المطلب الثالث: تقديس اليهود له:

المطلب الثالث: تقديس اليهود له: التلمود يقدسه ويعظمه الفريسيون من اليهود، وباقي الفرق تنكره، وكما تقدم في تدوينه فإن الحاخامات الفريسيين هم الذين دونوه وتناقلوه، والفريسيون هم أكثر فرق اليهود في الماضي والحاضر، وهم يرون أن التلمود له قدسية، وأنه من عند الله بل يرون أنه أقدس من التوراة. فيقولون فيه: (إن من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها، ومن درس المشناة فعل فضيلة يستحق المكافأة عليها، ومن درس الجمارة فعل أعظم فضيلة). فالتلمود على هذا هو كتاب مقدس عندهم، وله أثر كبير في نفسية اليهود المفسدة الفاسدة.

المطلب الرابع: مبادئه وخطره على غير اليهود:

المطلب الرابع: مبادئه وخطره على غير اليهود: التلمود له مبادئ فاسدة وخطرة، نذكر بعضاً منها؛ لتتضح نظرة اليهود إلى أنفسهم وإلى غيرهم، فمن مبادئه: 1 - كلامهم عن الله عز وجل: وصف اليهود الله عز وجل بصفات النقص، تعالى الله عن قولهم. فمن ذلك زعمهم أن الله عز وجل، شغله هو تعلم التلمود مع الملائكة، واللعب مع الحوت، وأنه جلَّ وعلا يبكي لأجل ما حل باليهود من التعاسة سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:139]. 2 - كلامهم عن أنفسهم: يزعم اليهود أن أرواحهم جزء من الله، وأنهم عند الله أرفع من الملائكة، وأن من يضرب يهوديًّا فكأنما ضرب العزة الإلهية، وأنهم مسلطون على أموال باقي الأمم ونفوسهم؛ لأنها في الواقع أموال اليهود، فإذا استرد الإنسان ماله فلا لوم عليه، وأن الناس إنما خلقوا لأجلهم ولخدمتهم، ولليهودي إذا عجز عن مقاومة الشهوات أن يسلم نفسه إليها، وأن الجنة لا يدخلها إلاَّ اليهود. 3 - موقفهم من غيرهم: أن أرواح غير اليهود أرواح شيطانية، وشبيهة بأرواح الحيوانات، وأنهم مثل الكلاب والحمير، وإنما خلقوا على هيئة الإنسان حتى يكونوا لائقين بخدمة اليهود. لا يجوز لليهودي أن يشفق على غير اليهودي، ولا أن يرحمه ولا يعينه، بل إذا وجده واقعاً في حفرة سدها عليه، ويحرم على اليهودي أن يرد لغير اليهود ما فقد منهم، ويحرم على اليهودي أن يقرض غير اليهودي إلاَّ بالربا، وزعموا أن الله أمرهم بذلك، والزنا بغير اليهودي ذكوراً أو إناثاً جائز ولا عقاب عليه، وعلى اليهودي أن يسعى إلى قتل الصالحين من غير اليهود. إن الجحيم مأوى جميع الناس غير اليهود، وأنه أوسع من الجنة بستين مرة. افتراؤهم على المسيح عليه السلام وأمه مريم، وقولهم عليها بهتاناً عظيماً. هذه بعض مبادئ التلمود، وهي تصور لناظره والمطلع عليه خطورة هذه التعاليم، وأن لها أثراً واضحاً في اليهود السابقين واللاحقين، حيث جعلتهم بحق أعداءَ الإنسانية وأعداء الفضيلة والخير والتسامح، وأعداء الأديان، والمتقربين إلى الله عزَّ وجلَّ بالفساد والفجور والإفساد في الأرض والقتل، سواءٌ في ذلك بإزهاق الروح، أو بإزهاق الخلق والدين في نفوس أصحابه، فهم المتربصون بالبشرية، والناظرون إليها بعين الحقد والحسد والتكبر والتجبر، يستغلون كل مناسبة لصالحهم، ويحاولون أن يزيدوا من وقع المصيبة على المنكوبين والموتورين. وإذا لم ينتبه المسلمون ويعوا هذه الحقائق ويتعرفوا على هذه النفسيات المنحرفة، فيعتصموا بالله ويعاملوا أعداءه بما يستحقون فسيفيقون على سيطرة اليهود عليهم وتحكمهم بهم وحرفهم عن ما تبقى لهم من دينهم، ويفعلون بهم ما فعلوا بالعالم الأوربي والأمريكي وغيرهم من الدول التي سيطروا على حكوماتها، ثم سيطروا بالتالي على شعوبها، فنشروا كل رذيلة وخلق منحط، وأزالوا كل هيمنة للدين على النفوس بنشر الإلحاد ومحاربة الفضيلة، فحققوا بذلك مآربهم المادية التي في الواقع مطلبهم الأول والأخير، واليهود لا زالوا لا يستطيعون أن يظهروا سيطرتهم الفعلية باسمهم وبالشخصية الحقيقية لهم؛ إذ يحكمون من وراء ستار، فهل يكشفون عن أنفسهم أم يكتفون بما حققوا من مكاسب مادية وإشباع لرغبتهم في الفساد والإفساد؟ ولا بد أن يعلم أن راية الباطل لا ترتفع ولا تظهر إلا في رقدة الحق وغفلة أهله، ومتى أفاق أهل الحق فلن يكون للباطل صولة ولا جولة. والله نسأل أن يلهم المسلمين الرجوع إلى دينه، وأن يعتز أهل الإسلام بإسلامهم فيعرفوا حقيقته وقيمته، فينشطوا في الدعوة إليه؛ ليخرجوا بذلك الناس من الظلمات إلى النور، والله غالب على أمره ولو كره المشركون. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 122

المبحث الثالث: بروتوكولات حكماء صهيون:

تمهيد: البروتوكولات لا تعتبر من المصادر الدينية لدى اليهود، وإنما هي نتاج التحريف الموجود في التوراة، والأكاذيب والضلالات الموجودة في التلمود، وهي تعتبر مخططا تطبيقيًّا لأهداف صهاينة اليهود.

المطلب الأول: تعريفها:

المطلب الأول: تعريفها: البروتوكولات: جمع، واحده بروتوكول، وهو كلمة إنجليزية معناه: محضر مؤتمر، مسودة أصلية - ملحق معاهدة - إلخ. والمراد بـ (بروتوكولات حكماء صهيون): وثائق محاضرة ألقاها زعيم صهيوني على مجموعة من الصهاينة؛ ليستأنسوا بها، ويسيروا عليها في إخضاعهم للعالم والسيطرة عليه.

المطلب الثاني: ظروف تدوينها:

المطلب الثاني: ظروف تدوينها: الذي يظهر أن هذه الوثائق (البروتوكولات) عرضت على زعماء الصهاينة في المؤتمر الذي عقد في مدينة - بال- في سويسرا سنة (1897) م، وكان قد حضر هذا المؤتمر نحو ثلاثمائة من أعتى الصهاينة، يمثلون خمسين جمعية يهودية، ولا يعرف لها كاتب معين.

المطلب الثالث: الغرض منها:

المطلب الثالث: الغرض منها: هو اطلاع الصهاينة على الخطة التي يستعبدون بها العالم، ثم كيف يحكمونه إذا وقع تحت سيطرتهم. د- اكتشاف هذه الوثائق وانتشارها: اكتشفت هذه الوثائق (البروتوكولات) في سنة (1901) م, وذلك أن امرأة فرنسية اطلعت على هذه الوثائق أثناء اجتماعها بزعيم من أكابر رؤساء الصهاينة في وكر من أوكار الماسونية السرية في باريس، فاستطاعت هذه المرأة أن تختلس بعض هذه الوثائق ثم تفر بها، وهي الموجودة الآن بين أيدينا. ووصلت هذه الوثائق إلى (أليكس نيقولا فيتش) - كبير أعيان روسيا الشرقية في عهد القيصرية- وكانت روسيا في ذلك الوقت تشهد حملات شديدة على اليهود بسبب فسادهم ومؤامراتهم. فلما رآها هذا الرجل أدرك خطورتها على بلاده وعلى العالم أجمع، فدفعها إلى صديق له أديب روسي اسمه (سرجي نيلوس) فدرسها وتبيَّن خطورتها، فترجمها إلى اللغة الروسية، وقدم لها بمقدمة تنبأ فيها بسقوط روسيا القيصرية بيد الشيوعية الفوضوية، وحكمها حكماً استبداديًّا، واتخاذها مقرًّا لنشر القلاقل والمؤامرات في العالم. وكذلك سقوط الخلافة الإسلامية، وتأسيس دولة إسرائيل في فلسطين، وسقوط الملكيات في أوربا، وإثارة حروب عالمية يهلك فيها الطرفان، ولا يستفيد منها سوى اليهود. وكذلك نشر الأزمات الاقتصادية، وبنيان الاقتصاد على أساس الذهب الذي يحتكره اليهود، وغير ذلك. فطبع الكتاب لأول مرة في سنة (1902) م, باللغة الروسية نسخاً قليلة، فلما رآها اليهود جنَّ جنونهم، وحملوا ضد الكتاب حملات مسعورة يتنصلون من الكتاب، لكن الواقع كان يؤكد أن نسبة الكتاب إليهم صحيحة، وحملت عليهم روسيا القيصرية بسببه حملة شديدة حتى قتل منهم في إحدى المذابح عشرة آلاف. وطبع الكتاب مرة أخرى في سنة (1905م) ونفدت هذه الطبعة بسرعة غريبة ووسائل خفية؛ لأن اليهود جمعوا النسخ من الأسواق وأحرقوها. وطبع أيضاً سنة (1911) م, فنفدت نسخه على النحو السابق. وطبع سنة (1917) م, فصادره الشيوعيون؛ لأنهم كانوا قد استلموا زمام الحكم في روسيا، وأسقطوا الدولة القيصرية. وكانت نسخة من الطبعة الروسية سنة (1905) م, وصلت إلى المتحف البريطاني في لندن، وختم عليها بخاتمه سنة (1906) م. وبقيت النسخة مهملة حتى قيام الانقلاب الشيوعي في روسيا سنة (1917) م, فطلبت جريدة (المورننغ بوست) من مراسلها (فكتور مادسون) أن يوافيها بأخبار الانقلاب، فقام بالاطلاع على عدة كتب روسية، وكان من بينها كتاب (البروتوكولات) الذي بالمتحف. فحين رآه قدَّر خطره، ورأى نبوءة ناشره بوقوع القيصرية بيد الشيوعيين، فعكف على ترجمته إلى الإنجليزية، ثم نشره باللغة الإنجليزية، وطبع خمس مرات كان آخرها سنة (1921) م, ثم لم يجرؤ ناشر في بريطانيا وأمريكا على نشره. ومع محاولات اليهود احتواء الكتاب، إلا أنه طبع بلغات كثيرة منها الألمانية، والفرنسية، والإيطالية، والبولونية. ومن طبعة (1921) م, الإنجليزية ترجم الكتاب لأول مرة إلى العربية، وطبع سنة (1951) م, على يد مترجمه الأستاذ (محمد خليفة التونسي) وقد قدم له بمقدمة شرح بها تاريخ الكتاب، وذكر شيئاً من حال اليهود وحالهم المعاصر وتغلغلهم في كثير من الدول. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 127

الفصل الخامس: تاريخ التوراة:

الفصل الخامس: تاريخ التوراة: إن كل كتاب يستمد قيمته من قيمة صاحبه، ولابد أن يثبت صحة نسبته إلى صاحبه، وإلا فإنه يفقد قيمته، والكتب المنزلة المقدسة تستمد قدسيتها من نسبتها إلى من جاءت من عنده، وهو الله عز وجل، ولابد لثبوت قدسيتها أن تثبت صحة نسبتها وسندها إلى الله عز وجل، وما لم يثبت ذلك فإنها لا تكون مقدسة، وغير واجبة القبول؛ إذ تكون عرضة للتحريف، والتبديل، والخطأ. فلهذا لابد لنا أن نتعرف على حال التوراة المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وهي أهم جزء في العهد القديم الذي بين يدي اليهود والنصارى من ناحية إسنادها فنقول: إن من نظر في التوراة والأسفار الملحقة بها يجد ذكراً محدوداً لأسفار موسى التي يسمونها الشريعة، أو سفر الرب، أو التوراة. ومن خلال هذه المعلومات نجد أن اليهود ذكروا: 1 - أن موسى عليه السلام دوَّن جميع الأحكام وكتبها، وهي أحكام أعطيها شفهيًّا وفي هذا قالوا في (سفر الخروج) (24/ 3): (فجاء موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام، فأجاب جميع الشعب بصوت واحد، وقالوا: كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل. فكتب موسى جميع أقوال الرب ... ) ثم قالوا: (وأخذ كتاب العهد، وقرأ في مسامع الشعب فقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له). 2 - أن موسى أُعطي شريعة مكتوبة بيد الله تعالى، وفي هذا قالوا في (سفر الخروج) (24/ 12) (وقال الرب لموسى: اصعد إلى الجبل، وكن هناك فأعطيك لوحي الحجارة، والشريعة، والوصية التي كتبتها لتعليمهم). ثم ذكروا بعد هذا أن موسى عليه السلام مكث أربعين يوماً في الجبل، وذكروا شرائع كثيرة أعطيها، وتكلم الله بها معه، ثم في نهاية ذلك ذكروا إعطاءه الألواح، وفي هذا قالوا في (سفر الخروج) (31/ 18): (ثم أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة، لوحي حجر مكتوبين بإصبع الله). وفي أثناء غياب موسى عليه السلام عبد بنو إسرائيل العجل، فلما عاد موسى عليه السلام ورأى قومه يرقصون حول العجل ألقى الألواح فتكسرت، ثم إن الله سبحانه وتعالى فيما يذكر اليهود كتب له لوحين آخرين بدلاً عنها. 3 - ذكر اليهود أن موسى عليه السلام قبيل وفاته كتب التوراة، وأعطاها لحاملي التابوت، وفي هذا قالوا في (سفر التثنية) (31/ 9): (وكتب موسى هذه التوراة، وسلمها للكهنة من بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب، ولجميع شيوخ إسرائيل، وأمرهم موسى قائلاً: في نهاية السبع السنين في ميعاد سنة البراء في عيد المظال حينما يجيء جميع إسرائيل؛ لكي يظهروا أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره، تقرأ هذه التوراة، أمام كل إسرائيل في مسامعهم). ثم ذكر اليهود في خاتمة هذا السفر السبب الذي لأجله دوَّن موسى عليه السلام التوراة فقالوا في (سفر التثنية) (31/ 24): (فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها، أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم؛ ليكون هناك شاهداً عليكم؛ لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة. هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرى بعد موتي). 4 - ذكر اليهود في سفر يشوع أن يشوع (يوشع) كتب التوراة مرة أخرى على أحجار المذبح حسب وصية موسى عليه السلام، وفي هذا قالوا: (حينئذ بنى يشوع مذبحاً للرب إله إسرائيل في جبل عيبال ... وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى التي كتبها أمام بني إسرائيل ... وبعد ذلك قرأ جميع كلام التوراة البركة واللعنة، حسب كل ما كتب في سفر التوراة).

5 - انقطع بعد هذا ذكر التوراة وخبرها، فلا يذكر اليهود في كتابهم التوراة التي كتبها موسى، ولا ما كتبه يشوع على حجارة المذبح، وإنما ذكروا التابوت الذي وضع موسى عليه السلام فيه التوراة، وأن هذا التابوت استولى عليه الأعداء في زمن النبي صموئيل في قولهم، ثم أعيد إليهم بعد سبعة أشهر، فجعلوه في قرية يسمونها يعاريم. وبقي هناك فيما ذكروا عشرين عاماً إلى أن جاء داود عليه السلام فأصعده من هناك إلى أورشليم، وجعله في خيمة، ثم نقله سليمان عليه السلام إلى الهيكل الذي بناه، وجعله في قدس الأقداس فيما يقولون، وكانوا يستقبلونه في الصلاة. وقد ذكروا أن سليمان عليه السلام حين فتح التابوت لم يكن فيه سوى لوحي الحجر اللذين وضعهما موسى عليه السلام، فأين ذهبت نسخة التوراة التي نسخها موسى عليه السلام ووضعها في التابوت؟ هذا مالا يجد اليهود ولا النصارى جواباً له. 6 - بعد سليمان عليه السلام انقسمت دولة بني إسرائيل إلى قسمين: دولة إسرائيل في الشمال: وهي تحت حكم يربعام بن نباط، وعاصمتها نابلس. ودولة يهوذا في الجنوب، وهي تحت حكم رحبعام بن سليمان، وعاصمتها أورشليم. وذكر اليهود حادثة في زمن رحبعام، لها دلالتها المهمة: وهي أن رحبعام ترك شريعة الرب هو وكل إسرائيل، وذلك يعني انحرافهم عن الدين فهاجمهم فرعون مصر في ذلك الزمن، واستباح ديارهم، وفي هذا قالوا في (سفر الملوك الأول) (14/ 22): (وعمل يهوذا الشر في عيني الرب، وأغاروه أكثر من جميع ما عمل آباؤهم بخطاياهم التي أخطأوا بها، وبنوا لأنفسهم مرتفعات، وأنصاباً، وسواري على كل تل مرتفع، وتحت كل شجرة خضراء، وكان أيضاً مأبونون في الأرض فعلوا حسب كل أرجاس الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل. وفي السنة الخامسة للملك رحبعام صعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم، وأخذ جميع خزائن بيت الرب، وخزائن بيت الملك، وأخذ كل شيء، وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمان). وفي (سفر أخبار الأيام الثاني) (12/ 1) وصفوا شيشق، وما معه من قوة بما يلي: (وفي السنة الخامسة للملك رحبعام صعد شيشق ملك مصر على أورشليم- لأنهم خانوا الرب- بألف ومائتي مركبة، وستين ألف فارس، ولم يكن عدد للشعب الذين جاؤوا معه من مصر، لوبيين وسكيين وكوشيين، وأخذ المدن الحصينة التي ليهوذا، وأتى إلى أورشليم ... ). فهذا النص فيه دلالة واضحة على أن عاصمة اليهود الدينية استباحها فرعون مصر، واستولى على ما فيها، وهذا يدل على أن اليهود فقدوا التوراة في هذه الحادثة حيث لم يشر كتابهم المقدس إليها بعد هذا إلا في زمن الملك يوشيا، أي: بعد ما يقارب ثلاثة قرون وزيادة، كما سيأتي بيانه في الفقرة التالية، كما أن التابوت ينتهي خبره بعد هذه الحادثة إلى زمن الملك يوشيا أيضاً، حيث طلب من اللاويين أن يجعلوا التابوت في البيت الذي بناه النبي سليمان عليه السلام، ثم ينقطع بعد هذا خبره إلى يومنا هذا، ولعله كان مما دمره بختنصر في غزوه لبيت المقدس. 7 - يزعم اليهود أن الملك يوشيا الذي تولى الملك في يهوذا بعد سليمان عليه السلام بما يقارب (340) عاماً، وقبيل غزو بختنصر لدولة يهوذا وتدميرها مرة أخرى وجد سفر الشريعة، وهذا نص كلامهم: (وفي السنة الثامنة عشرة للملك يوشيا، أرسل الملك شافان بن أصليا بن مشلام الكاتب إلى بيت الرب قائلاً:

اصعد إلى حلقيا الكاهن فيحسب الفضة المدخلة إلى بيت الرب التي جمعها حارسو الباب من الشعب فيدفعوها ليد عاملي الشغل الموكلين ببيت الرب ... فقال حلقيا الكاهن العظيم لشافان الكاتب: قد وجدت سفر الشريعة في بيت الرب، وسلم حلقيا السفر لشافان فقرأه، وجاء شافان الكاتب إلى الملك ورد على الملك جواباً .... وأخبر شافان الملك قائلاً: قد أعطاني حلقيا الكاهن سفراً، وقرأه شافان أمام الملك، فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه، وأمر الملك حلقيا الكاهن، وأخيقام بن شافان .... قائلاً: اذهبوا اسألوا الرب لأجلي، ولأجل الشعب، ولأجل كل يهوذا من جهة كلام هذا السفر الذي وجد؛ لأنه عظيم، هو غضب الرب الذي اشتعل علينا من أجل أن آباءنا لم يسمعوا لكلام هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا ... وأرسل الملك فجمعوا إليه كل شيوخ يهوذا وأورشليم وصعد الملك إلى بيت الرب، وجمع رجال يهوذا، وكل سكان أورشليم معه والكهنة والأنبياء، وكل الشعب من الصغير إلى الكبير، وقرأ في آذانهم كل كلام سفر الشريعة الذي وجد في بيت الرب). فهذا الخبر الذي ذكره اليهود فيه دلالة واضحة على أنهم كانوا قد فقدوا التوراة، وأنهم أيضاً ضيعوا أحكامها، ونسوا الشيء الكثير منها، وما وجدوه في الواقع ليس فيه أي دليل على أنه التوراة؛ إذ من المستبعد جدًّا أن يكون اليهود قد فقدوا التوراة كل هذه المدة الطويلة- أكثر من ثلاثة قرون- وهي موجودة في الهيكل مع أنه معبد عام، وقد تعاقب على رئاسته خلال تلك المدة الكثيرة من الكهنة، وهم يبحثون عنها كل تلك المدة ولا يجدونها مع ما لها من القداسة في نفوسهم ثم يجدها الكاهن حلقيا؟ هذا في الواقع مستبعد جدًّا، وليس بعيداً أن يكون الكاهن حلقيا كتبها من محفوظاته ومعلوماته، وزعم أنها سفر الشريعة؛ ليرضي بذلك الملك يوشيا، الذي كان له تدين ورغبة في استقامة الشعب. والله أعلم. 8 - بعد الملك يوشيا بخمس وعشرين سنة تقريباً- وذلك سنة (586) ق. م- هجم بختنصر الكلداني على دولة يهوذا ودمرها، ودمر الهيكل، وسبى بني إسرائيل، وفي هذا قالوا في كتابهم بعد ذكر مبررات التدمير من فساد بني إسرائيل وكفرهم: (فأصعد عليهم ملك الكلدانيين فقتل مختاريهم بالسيف في بيت مقدسهم، ولم يشفق على فتى، أو عذراء، ولا على شيخ أو أشيب بل دفع الجميع ليده، وجميع آنية بيت الله الكبيرة والصغيرة، وخزائن بيت الرب وخزائن الملك ورؤسائه أتى بها جميعا إلى بابل، وأحرقوا بيت الله، وهدموا سور أورشليم، وأحرقوا جميع قصورها بالنار، وأهلكوا جميع آنيتها الثمينة، وسبى الذين بقوا من السيف إلى بابل فكانوا له ولبنيه عبيداً إلى أن ملكت مملكة فارس). فيجمع الكُتَّاب هنا على أن التوراة فقدت من بني إسرائيل مرة أخرى بسبب هذا التدمير الشامل. 9 - يزعم اليهود أن عزرا الكاتب قد هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها، وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء. وعزرا هذا كان زمن السبي البابلي، ولما عاد بنو إسرائيل إلى أورشليم في زمن ملك الفرس جمعهم لقراءة ما كتب من شريعة موسى، وفي هذا قالوا: (اجتمع كل الشعب كرجل واحد إلى الساحة التي أمام باب الماء، وقالوا لعزرا الكاتب أن يأتي بسفر شريعة موسى التي أمر بها الرب إسرائيل، فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء، وكل فاهم ما يسمع في اليوم الأول من الشهر السابع، وقرأ منها أمام الساحة التي أمام باب الماء من الصباح إلى نصف النهار أمام الرجال والنساء والفاهمين، وكانت آذان كل الشعب نحو سفر الشريعة).

فيظهر من هذا واضحاً أن عزرا قد كتب لهم التوراة، ولم يذكر اليهود من أين وصلت التوراة إليه، وبينه وبين موسى عليه السلام أكثر من ثمانية قرون؟ وقد فقدت التوراة قبل زمن عزرا قطعاً كما مرَّ ذكره. فعلى هذا يتبين أن التوراة التي كان عزرا يقرأها على الناس إما أن تكون مفتراة مكذوبة، دوَّنها عزرا من محفوظاته وما وصل إليه من مدونات ومعلومات، وليست توراة موسى، وبالتأكيد لا يوثق بحفظه ولا ما وصل إليه من أوراق وكتب؛ إذ إن ذلك يحتاج إلى إثبات السند المتصل منه إلى موسى عليه السلام، وهذا أبعد عليهم من السماء. وإما أن تكون معلومات متوارثة في الأحكام الواجب على بني إسرائيل التزامها، دوَّنها عزرا على أنها الفرائض التي أوجبها الله على بني إسرائيل، وزعم هو أو زعم كُتَّاب الكلام السابق أنها سفر شريعة موسى، وبين الأمرين كما بين السماء والأرض؛ إذ إن توراة موسى منزلة من عند الله، وما جمعه عزرا ودوَّنه لا يعدو أن يكون فهوماً واستنباطات بشرية يعتريها ما يعتري البشر من النقص والخلل، وهذا الاحتمال الأخير أرجح من سابقه، وذلك لأن اليهود ذكروا في كتابهم عن عزرا قولهم: (لأن عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها، وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء). فهذا يدل على أنه أخذ يجدُّ في الجمع والتتبع والعمل والتعليم. وهناك نص آخر يدل على أن بني إسرائيل قد أهملوا العمل بكثير من التعاليم من أيام يوشع بن نون، وفي هذا قالوا عن أحد أعيادهم التي عملوها بدعوة من عزرا: (وعمل كل الجماعة الراجعين من السبي مظال وسكنوا في المظال؛ لأنه لم يعمل بنو إسرائيل هكذا من أيام يشوع بن نون إلى ذلك اليوم، وكان فرحا عظيما جدًّا). فهذا ينص صراحة على الإهمال للتعاليم، وعدم أدائها من زمن بعيد، فلا يمكن لرجل مهما أوتي من العلم جمع كل التعاليم الواجبة مع البعد الزمني، وكثرة التقلبات والانحرافات التي وقع فيها بنو إسرائيل، ومع ذلك فجمعه لا يعدو أن يكون عملاً بشريًّا لا يصح بأي حال نسبته إلى الله عز وجل. 10 - ذكر المؤرخون أن الحاكم اليوناني (بطليموس الثاني) الذي كان في الفترة من (282 - 247 - ق. م) طلب من اليعازار رئيس الكهان أن يرسل إليه اثنين وسبعين عالماً من علماء التوراة؛ لترجمة أسفار موسى الخمسة إلى اليونانية فنفذ الطلب، وكان اليعازار على رأس أولئك، وتمت المهمة خلال اثنين وسبعين يوماً، فكانت الترجمة المعروفة بـ (السبعينية) في اللغة اليونانية للأسفار الخمسة. وعن اليونانية ترجم العهد القديم إلى اللاتينية. فهذه الترجمة للأسفار تمت بعد فترة طويلة جدًّا من وفاة موسى عليه السلام، إذ تقارب العشرة قرون، وكذلك بعد فترة طويلة من نسخة عزرا التي سبق ذكرها؛ إذ بين هذه الترجمة وتلك النسخة قرابة قرنين من الزمان، مما يجعل الكتاب الذي ترجم عنه إلى اليونانية لا سند له، فيكون المترجَم بالتالي لا قيمة له.

كما أن هذه المعلومة لم يذكرها إلا رجل يوناني يسمى (أرستاي) في رسالة له لهذا ردها كثيرٌ من متأخري اليهود والنصارى، وإن كان المتقدمون قد قبلوها. كما ذكر ذلك الدبس في (تاريخ سورية). فهي معلومة لم يتوفر لها الإثباتات اللازمة، إضافة إلى غرابتها حيث زعم قائلها أن اليعازار أرسل اثنين وسبعين رجلاً من علماء اليهود، ستة من كل سبط من أسباطهم الاثني عشر، وأنهم جعلوا في أماكن منفرد بعضهم عن بعض، فكانت ترجماتهم متطابقة تماماً. فهذا الخبر لا يمكن قبوله وتصديقه، وذلك لأن مما هو متفق عليه عند اليهود أن عشرة أسباط من بني إسرائيل وهم الذين كانوا شعب دولة إسرائيل شمال دولة يهوذا قد سبوا من أيام الأشوريين في سنة (722) ق. م وانقرضوا حيث يوصفون بالأسباط العشرة الضائعة، وحسب الخبر المذكور هنا فإن اليعازار قد أحضر ستين عالماً منهم، وهذا مستبعد جدًّا. 11 - أن اليهود فقدوا المقدرة على فهم اللغة العبرية المدونة القديمة بعد اختلاطهم بالأمم، وذلك أن اللغة العبرية في أصلها بدون نقط ولا حركات، وهذا يسبب أخطاءً كثيرة في القراءة، فاهتدوا إلى وسيلة لإزالة هذا اللبس بإدخال النقط والحركات، والفواصل، واستمر هذا العمل من القرن السابع الميلادي إلى القرن العاشر الميلادي، فأخرجوا نسخة من التوراة باللغة العبرية على هذا النمط تسمى النسخة الماسورية، انتهوا منها في القرن العاشر الميلادي، وعن هذه النسخة- أي: العبرية- المعدلة نسخت جميع النسخ العبرية والمترجمة عنها. والسؤال المطروح هنا: أين النسخ الأصلية التي نقلت عنها النسخة الماسورية؟ الجواب عن ذلك: أنه لا يوجد بأيدي اليهود أو النصارى شيء من النسخ الأصلية سوى مخطوطات وادي قمران عند البحر الميت، والتي عثر عليها في الفترة من عام (1947) - (1956) م وهي مجموعات متكاملة للعهد القديم كتبت قبل الميلاد بثلاثة قرون، وأقربها عهداً ما كتب قبل الميلاد بقرن واحد، إلا أن هذه المخطوطات التي استولى على الجزء الأكبر منها كل من أمريكا، وبريطانيا، واليهود في فلسطين لم تكشف ولم تعلن حتى الآن، مما يجعل في الأذهان استفهامات عديدة حولها، وأنها تتضمن أمورا خطيرة، جعلت اليهود والنصارى يتفقون على عدم كشفها على غير عادتهم في الآثار التاريخية. ومن خلال هذا العرض التاريخي الموثق للتوراة يتبين ما يلي: 1 - أن التوراة التي أعطيها موسى عليه السلام مكتوبة، والتي دوَّنها، وكذلك التي دوَّنها يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام فقدت، إما قبل عهد سليمان عليه السلام، أو بعده مباشرة. 2 - أن اليهود زعموا أنهم عثروا على التوراة زمن الملك يوشيا، وهو ادعاء يحتاج إلى العديد من الإثباتات لاعتقاد صحته. 3 - أن اليهود فقدوا ما ادعوا أنهم وجدوه زمن الملك يوشيا، وذلك بسبب تدمير بيت المقدس وما أعقب ذلك من سبي اليهود وتهجيرهم. 4 - أن عزرا أعاد لهم التوراة وكتبها فيما زعم اليهود، وإذا قبلنا كلام اليهود هذا فإن ذلك لا يعدو أن يكون عملاً بشريًّا، وإذا كان عزرا نسبه إلى الله عز وجل فهو كاذب في ذلك؛ لأن التوراة لم يدَّعِ أحد لا من اليهود، ولا من النصارى، ولا من المسلمين أنها أنزلت مرتين مرة على موسى، ومرة على عزرا. وقد يكون الذي ادَّعى أن تلك هي التوراة ألهمها عزرا هم الكتبة فيما بعد، فهم في هذا كاذبون؛ لأن عزرا لم يقل ذلك فيما نقلوا عنه. وأدلة بطلان ذلك ظاهرة من ناحية بُعد الزمان، وانقطاع السند، وفساد بني إسرائيل.

5 - أن نسخة عزرا وما دوَّنه عزرا لا يعلم على التحقيق مصيرها، وإنما بعد ذلك بما يقارب قرنين من الزمان كتبت النسخة السبعينية، ولم يذكر من أي نسخة ترجمت، وادعاء أنها من حفظ الكهنة بعيد جدًّا؛ إذ إن اليهود لا يحفظون كتابهم عن ظهر قلب، وليس فيهم من يدَّعي ذلك. 6 - أن النسخة العبرية، والتي تنتمي إلى النص الماسوري، لا تختلف عن الكتاب المترجم من ناحية أنها أخذت طريقة في الكتابة مغايرة للغة الأصلية التي كتب بها العهد القديم، مما يجعل ثبوت صحتها منوطاً بوجود النصوص الأصلية التي تتفق مع اللغة القديمة، حتى يمكن المقابلة عليها، وإلا تعتبر لا أصل لها يشهد لصحتها، فتكون بذلك مثلها مثل النسخة اليونانية. 7 - أن النص اليوناني والنص العبري للتوراة والعهد القديم لم يؤخذا من مصدر واحد، بل من مصدرين مختلفين يدل على هذا اختلافهما في عدد الأسفار، حيث إن اليونانية ستة وأربعون سفراً، وأما العبرية الماسورية فهي تسعة وثلاثون سفراً، كما أن بينهما اختلافات كثيرة وعديدة مما يدل على أنهما من مصدرين مختلفين. ومن خلال هذا يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن العهد القديم كتاب ليس له أي سند تاريخي يثبت تسلسل نقله، وأنه تعرض لفترات عديدة من الضياع، وأن أصله العبري لا وجود له بأيدي اليهود، مما يجعل المجال واسعاً للتحريف والتبديل، وهو ما سنبينه إن شاء الله من واقع ما بأيدي اليهود والنصارى من النصوص. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 80

الفصل السادس: تحريف التوراة:

تمهيد: مما سبق ذكره وبيانه عن التوراة يتضح أن الكتاب الذي بين يدي اليهود والنصارى لا سند له يمكن أن يعتمد عليه في صحة المعلومات الواردة فيه، فلهذا لا يمكن لليهود ولا للنصارى أن ينفوا إمكانية التحريف والعبث فيه، خاصة وأن الذين استؤمنوا عليه- وهم اليهود- قد انحرفوا انحرافات خطيرة في الدين، وكفر كثير منهم، وأعرضوا عن دين الله، وتركوه رغبة عنه، وحبًّا للدنيا، وإيثاراً لها، وهذا ظاهر واضح لكل من طالع سجل تاريخهم، وهو العهد القديم. فمع هذا الانحراف والفساد كيف يمكن أن تسلم التوراة من العبث والتحريف؟! هذا ما لا يقبله العقل السليم وواقع الإنسان. وسنذكر هنا ما يؤكد وقوع التحريف.

المبحث الأول: أدلة التحريف من القرآن الكريم والتوراة:

المبحث الأول: أدلة التحريف من القرآن الكريم والتوراة: قد شهد الله عزَّ وجلَّ بتحريف اليهود لكتابهم، وأبان عن هذا في القرآن الكريم في مواضع عديدة، فمن ذلك قوله عز وجل: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 75]. فهذا فيه دلالة على أنهم غيَّروا وبدَّلوا عن إصرار وعلم. وقوله عزَّ وجلَّ: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79]. وقوله عزَّ وجلَّ: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 78]. فهذا فيه دلالة على أنهم أدخلوا في كلام الله ما ليس منه، وافتروا على الله الكذب بأن نسبوا إليه سبحانه ما لم يقله وهم يعلمون ذلك؛ فجوراً منهم، وجرأة على الله تعالى وتقدس. وقوله عزَّ وجلَّ: قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: 91]. فهذا فيه دلالة على أنهم قد أَخفَوا وكتموا ما عندهم من علم، وما أنزل الله عليهم من كتاب حسب أهوائهم. وقوله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [المائدة: 13]. وفي هذه الآية دلالة واضحة على التحريف وعلى أنهم نسوا حظًّا، أي: نصيباً وجزءاً مما أنزل عليهم. وهذا جزاء من الله عزَّ وجلَّ لهم بسبب كفرهم وفسادهم وسابق تحريفهم ونقضهم للميثاق. كما ورد في كتابهم ما يتفق مع ما ذكره الله عز وجل عنهم، فمن ذلك ما ورد في (سفر إرميا) (8/ 8) مما ينسب إلى الله عزَّ وجلَّ القول: (كيف تقولون نحن حكماء، وشريعة الرب معنا، حقًّا إنه إلى الكذب حوَّلها قلم الكتبة الكاذب، خَزِىَ الحكماء ارتاعو وأُخِذُوا ها قد رفضوا كلمة الرب). فهذا النص من نبي من أنبيائهم الكبار على ما ذكروا وكان في عصر متأخر، قد عاصر انحرافاتهم، وذلك قبيل الغزو البابلي وسبي اليهود، وهو نص على تركهم لدين الله وتحريفهم لشريعته، وأن الكتبة الموكلون بالكتب المنزلة قد حوَّلوها إلى الكذب والزور.

المبحث الثاني: الأمثلة على وقوع التحريف في التوراة:

المطلب الأول: الاختلاف في عدد الأسفار: مما هو معلوم أن بين يدي اليهود والنصارى ثلاث نسخ مشهورة من التوراة والعهد القديم. ومن هذه النسخ تتفرع سائر الترجمات تقريباً، وهي: 1 - النسخة العبرية: وهي المقبولة والمعتبرة لدى اليهود وجمهور علماء البروتستانت النصارى، وهي مأخوذة من الماسورية وما ترجم عنها. 2 - النسخة اليونانية: وهي المعتبرة لدى النصارى الكاثوليك والأرثوذكس، وهي التي تسمى السبعينية وما ترجم عنها. 3 - النسخة السامرية: وهي المعتبرة والمقبولة لدى اليهود السامريين. وإذا عقدنا مقارنة بين النسخ الثلاث من ناحية عدد الأسفار نجد أن النسخة العبرية تسعة وثلاثون سفراً فقط. أما النسخة اليونانية فهي ستة وأربعون سفراً، حيث تزيد سبعة أسفار عن النسخة العبرية، ويعتبرها النصارى الكاثوليك والأرثوذكس مقدسة. أما النسخة السامريه فلا تضم إلا أسفار موسى الخمسة فقط، وقد يضمون إليها سفر يوشع فقط، وما عداه فلا يعترفون به ولا يعدونه مقدساً. فهذا الاختلاف الهائل بين النسخ لكتاب واحد، والكل يزعم أنه موحى به من قبل الله عزَّ وجلَّ، ويدَّعي أن كتابه هو الكتاب الحق وما عداه باطل، مع عدم القدرة على تقديم الدليل القاطع على صحة ما يدعيه، فذلك دليل على التحريف من قبل المتقدمين، وأن المتأخرين استلموا ما وصل إليهم بدون نظر في ثبوته أو عدم ثبوته، أو أن المتأخرين وصلتهم كتب عديدة ومتنوعة، فأدخلوا ما رأوا أنه مناسب وذو دلالات مهمة، وحذفوا ما رأوا عدم تناسبه مع ما يعتقدون أو يرون، بدون أن يكون لهم دليل صحيح على إضافة ما أضافوا من الأسفار، أو حذف ما حذفوا منها.

المطلب الثاني: الاختلاف والتباين بين النسخ في المعلومات المدونة:

المطلب الثاني: الاختلاف والتباين بين النسخ في المعلومات المدونة: إذا قارنا بين النسخ الثلاث فيما اتفقت في ذكره من أخبار وقصص نجد بينها تبايناً شديداً واختلافاً كبيراً، ومن الأمثلة على ذلك: 1 - أنَّ اليهود ذكروا تاريخ مواليد بني آدم إلى نوح عليه السلام، ونصوا على عمر كل واحد منهم، وكذلك عمره حين ولد له أول مولود، وبعقد مقارنة بين أعمار من ذكروا حين ولد لهم أول مولود تتبين اختلافات واضحة بين النسخ الثلاث، فمن ذلك: الاسم العبرانية السامرية اليونانية آدم 130 130 230 شيث 105 105 205 آنوش 90 90 190 قينان 70 70 170 يارد 162 62 262 متوشالح 187 67 187 الزمان من خلق آدم إلى الطوفان 1656 1307 2262 فهذه أمثلة تدل على تحريفهم وتبديلهم لكلام الله - إن ثبت أن ما سبق هو من كلام الله المنزل- حيث لا يمكن الجمع بين هذه الروايات المتناقضة.

المطلب الثالث: الاختلاف بالمقارنة مع ما ذكروه في مواضع أخرى من كتابهم:

المطلب الثالث: الاختلاف بالمقارنة مع ما ذكروه في مواضع أخرى من كتابهم: 1 - ذكروا في سفر التكوين أن سفينة نوح استقرت بعد الطوفان على جبال أراراط بعد سبعة أشهر وسبعة عشر يوماً، ثم ذكروا أن رؤوس الجبال بعد الطوفان لم تظهر إلا في أول الشهر العاشر. وهذا نص كلامهم في (سفر التكوين) (8/ 4): (واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط، وكانت المياه تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر، وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال). ففي هذا تناقض ظاهر، فكيف رست السفينة على الجبال بعد سبعة أشهر مع أن رؤوس الجبال لم تظهر إلا في أول الشهر العاشر؟! 2 - ذكروا أن الله أمر نوحاً أن يحمل في الفلك من كل جنس اثنين، فقالوا في (سفر التكوين) (6/ 19): (ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كلٍّ تدخل إلى الفلك؛ لاستبقائها معك، تكون ذكراً وأنثى من الطيور كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها). وبعده مباشرة ذكروا أن الله أمره أن يأخذ من كل جنس سبعة سبعة ذكراً وأنثى، ماعدا البهائم غير الطاهرة فيأخذ اثنين. ففي (سفر التكوين) (7/ 2) قالوا: (من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكراً وأنثى، ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكراً وأنثى، ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكراً وأنثى؛ لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض). 3 - ذكروا في (سفر الخروج) (24/ 9) أن موسى وهارون وشيوخ إسرائيل رأوا الله، فقالوا: (ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل. ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل، فرأوا الله وأكلوا وشربوا). هكذا زعموا في هذا الموضع وفي (سفر التثنية) (44/ 12) زعموا أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام ممتنًّّا عليه وعلى بني إسرائيل: (فكلَّمكم الرب من وسط النار وأنتم سامعون صوت كلام، ولكن لم تروا صورة بل صوتاً ... فاحتفظوا جدًّا لأنفسكم، فإنكم لم تروا صورة ما ... ). فهذا فيه أنهم لم يروا الله عزَّ وجلَّ، وهذا الحق، فهم لم يروا الله عزَّ وجلَّ إلا أن فيه بيان تناقض كلامهم. 4 - قالوا في (سفر الخروج) (33/ 11) في كلام الله لموسى: (ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه، كما يكلم الرجل صاحبه). ففي هذا يزعمون أن الكلام يتم مقابلة مما يوحي بأن موسى عليه السلام يرى وجه الله تعالى حين يكلمه. وفي نص آخر بعد هذا يقولون: إن الله قال لموسى لما طلب أن يراه (سفر الخروج) (33/ 20) (لا تقدر أن ترى وجهي؛ لأن الإنسان لا يراني ويعيش). فهنا ذكروا أن الله تعالى نفى أن يستطيع موسى أو أي إنسان رؤية وجهه عزَّ وجلَّ. وفي هذا تناقض واضح مع ما قبله، ودليل على التحريف. والحق أن موسى عليه السلام لم يرَ الله عزَّ وجلَّ، كما ذكر ذلك ربنا جلَّ وعلا في القرآن الكريم حيث قال: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 143]. 5 - أنهم ذكروا أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام كما في (سفر التكوين) (22/ 2): (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال). فلا شك أن هذا خطأ؛ لأن إسحاق عليه السلام لم يكن وحيد إبراهيم عليه السلام، بل الذي كان وحيده هو بكره إسماعيل عليه السلام، حيث نص اليهود في كتابهم على أن إسماعيل عليه السلام ولد قبل إسحاق عليه السلام، حيث ختن وعمره ثلاث عشرة سنة، ولم يكن إسحاق ولد بعد، وفي هذا قالوا في (سفر التكوين) (17/ 25): (وكان إسماعيل ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته، في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه) ثم ذكروا بعد ذلك بشارة الملائكة بإسحاق حين ضافوا إبراهيم عليه السلام، وهم في طريقهم إلى قوم لوط، والذي يبدو أن اليهود حسدوا أبا العرب إسماعيل عليه السلام على هذه المنقبة العظيمة فغيَّروا وحرَّفوا لأجل ذلك.

المطلب الرابع: الزيادة والإضافات:

المطلب الرابع: الزيادة والإضافات: توجد في التوراة العديد من الجمل التي لا يمكن أن يصح نسبتها إلى موسى عليه السلام، ومن ذلك: 1 - أن الكتاب من أوله إلى آخره مليء بقولهم: (وقال الرب لموسى)، (وقال موسى للرب)، (وحدَّث موسى الشعب). ونحو ذلك من العبارات التي تدل على الحكاية والرواية مما يقطع بأنها ليست من كلام موسى عليه السلام ولا من كلام الله عزَّ وجلَّ. 2 - جاء في (سفر التكوين) (36/ 31): (وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبل ما مَلَك ملكٌ لبني اسرائيل)، فهذه العبارة لا يمكن أيضا أن تكون من كلام موسى عليه السلام؛ إذ إن ملوك بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بزمن طويل. 3 - جاء في (سفر التثنية) في آخره (34/ 5) حكاية وفاة موسى ودفنه فقالوا: (فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض مؤاب، مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم). فهذا النص لا شك أنه أُدخل في الكتاب وليس منه؛ إذ ليس من المعقول أن يكتب موسى عليه السلام موته ودفنه، وأن إنساناً لا يعرف قبره إلى يوم كتابة ذلك الكلام. وببعض ما ذكرنا يستدل اللبيب والعاقل على أن اليهود لم يحافظوا على كلام الله وكتبه، بل ضيَّعوها وحرَّفوها، وغيَّروا فيها وبدَّلوا، وأضافوا وحذفوا حسب أهوائهم وشهواتهم وأغراضهم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 96 - 104 يزعم اليهود أنهم أتباع موسى عليه السلام وأن كتابهم هو التوراة. ولكن التوراة التي يزعمون أنهم يأخذون بها ليست هي التي أُنزلت على موسى عليه السلام. فالتوراة - في الأصل- هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى عليه السلام، والتوراة كتاب عظيم اشتمل على النور والهداية، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ [المائدة: 44]. وقال تعالى: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 154]. وكثيراً ما يقرن الله عز وجل في القرآن بين التوراة والقرآن؛ وذلك لأنهما أفضل كتابين أنزلهما الله على خلقه. هذه باختصار هي حقيقة التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام. الفصل السابع: التوراة الموجودة اليوم (¬1): أما التوراة الموجودة اليوم فهي ما يطلق على الشريعة المكتوبة، كما يطلق لفظ (التلمود) على الشريعة الشفهية. والتوراة الموجودة اليوم تشتمل على خمسة أسفار وهي: 1 - سفر التكوين: ويتحدث هذا السفر عن خلق العالم، وظهور الإنسان، وطوفان نوح، وولادة إبراهيم إلى موت يوسف عليهما الصلاة والسلام. 2 - سفر الخروج: ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر، منذ أيام يعقوب إلى خروجهم إلى أرض كنعان مع موسى ويوشع بن نون عليهما السلام. 3 - سفر اللاويين: نسبة إلى لاوي بن يعقوب، وفي هذا السفر حديث عن الطهارة، والنجاسة، وتقديم الذبائح، والنذر، وتعظيم هارون وبنيه. 4 - سفر العدد: يحصي قبائل بني إسرائيل منذ يعقوب، وأفرادَهم، ومواشيهم. 5 - سفر التثنية: وفيه أحكام، وعبادات، وسياسة، واجتماع، واقتصاد، وثلاثة خطابات لموسى عليه السلام. ¬

(¬1) انظر ((مقارنة بين القرآن والتوراة)) لمحمد الصوياني.

هذه هي التوراة الموجودة اليوم، وكل عاقل منصف- فضلاً عن المسلم المؤمن- يعلم براءة التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام مما هو موجود في التوراة اليوم، وذلك لأمور عديدة منها: أ- ما حصل للتوراة من الضياع والنسخ والتحريف والتدمير، فلقد حُرِّف فيها، وبُدِّل، وضاعت، وتعرضت لسبع تدميرات، منذ عهد سليمان عليه السلام قبل الميلاد إلى أن حصل التدمير السابع عام (613) م مما يدل على ضياعها، وانقطاع سندها. ب- ما تشتمل عليه من عقائد باطلة لا تَمُتُّ إلى ما جاء به المرسلون بأدنى صلة. ج- اشتمالها على تنقص الرب جلَّ وعلا وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم: إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب. ومن ذلك قولهم: إن الله ندم على خلق البشر لما رأى من معاصيهم، وأنه بكى حتى رمد؛ فعادته الملائكة. تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً. د- اشتمالها على سب الأنبياء والطعن فيهم، وقد مر شيء من ذلك عند الحديث عن عقائد اليهود. هـ - اشتمالها على المغالطات، والمستحيلات، والمتناقضات. وأن المعركة التي قامت بين التوراة وحقائق العلم الحديث أثبتت ما في التوراة من الأخطاء العلمية. ومن تلك الكتب التي تكلمت على هذا الموضوع كتابان هما: (أصل الإنسان) و (التوراة والإنجيل والقرآن) لعالم فرنسي اسمه (موريس بوكاي) حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه، بل سجل شهادات تَفَوُّقٍ سَبَقَ القرآنُ فيها العلمَ بألف وأربعمائة عام (¬1). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص86 - 88 ¬

(¬1) انظر ((التوراة والإنجيل والقرآن والعلم)) (لموريس بوكاي) ترجمة الشيخ حسن خالد.

الفصل السابع: الأسفار المقدسة عند اليهود:

المبحث الأول: تعريف هذه الأسفار: إن الكتب المقدسة عند اليهود تنقسم على وجه الإجمال إلى قسمين هما: الأول: التوراة وما يتبعها من أسفار الأنبياء المقدسة عند اليهود، وهذا القسم يسميه اليهود بعدة أسماء، منها: 1 - أهمها وأشهرها (التناخ) ويكتبونها بالعبرية (ت، ن، ك) وهي حروف اختصار من الألفاظ (توراة)، نبوئيم (الأنبياء)، كتوبيم (الكتب) وهي الأجزاء الثلاثة الكبيرة التي يتألف منها العهد القديم، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. 2 - (المقرا) ومعناه: النص المقروء؛ لأنهم مطالبون بقراءته في عباداتهم والرجوع إلى الأحكام الشرعية فيها التي تنظم حياتهم. 3 - (المِسُورَه) أو (المِسُورِتْ) وهو عندهم صفة علمية خاصة، يعنون بذلك النص المقدس المروي عن الأسلاف رواية متواترة - على حد زعمهم - ارتضتها أجيال العلماء ورفضت ما عداها. الثاني: التلمود: الذي يعتبره اليهود مصدراً من مصادر التشريع اليهودي ومن أسفارهم المقدسة لديهم، ويتكون من جزئين: أحدهما يسمى المِشْنا أو المشْنَة، والثاني الجمارا أو الجمارة. وهناك أسفار أخرى كثيرة عند اليهود لم تدخل ضمن الأسفار القانونية التي يتكوّن منها كتاب اليهود المقدس، وإن كانوا يحيطون تلك الأسفار الغير معترف بها- ويسمونها بـ (الكتب غير القانونية) أو (الأبوكريفا) - بكثير من العناية والاهتمام، ويجعلونها استمراراً لتاريخهم. وسوف نبدأ الحديث - إن شاء الله تعالى - بشيء من التفصيل عن القسم الأول عرضاً ونقداً، ثم نتلوه بالقسم الثاني. فأما القسم الأول: فإنه يندرج تحت ما يسمّى بـ (الكتاب المقدس) The Bible الذي يبذل النصارى جهوداً جبارة وخبيثة في سبيل ترجمته بمختلف اللغات واللهجات ونشره وتوزيعه في جميع أنحاء العالم. وهذا الكتاب المزعوم بأنه مقدس ينقسم إلى قسمين رئيسين هما: الأول: يسمى (العهد القديم أو العتيق) Old Testament ويحتوي على الأسفار المنسوبة إلى موسى والأنبياء من بعده الذين كانوا قبل عيسى عليهم الصلاة والسلام. الثاني: يسمى (العهد الجديد) New Testament ويحتوي على الأناجيل وما يتبعها من الأسفار المنسوبة إلى الحواريين وتلامذتهم. وهذا التقسيم والتسمية من النصارى الذين يقدسون العهد القديم والجديد، ومجموعهما هو الكتاب المقدس عندهم، ويعتقدونه وحياً كُتب بإلهام من الروح القدس لمؤلفيها. العهد: هو الميثاق، ومعنى ذلك أن هذه الأسفار تعتبر ميثاقاً أخذه الله على الناس؛ ليؤمنوا ويعملوا به، وأخذ هذا المعنى من (سفر الخروج في التوراة) (24/ 8) وفيه: (وأخذ موسى الدم ورشَّه على الشعب، وقال: هو ذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال). أما اليهود فإنهم لا يقدسون إلا العهد القديم فقط، وهو الكتاب المقدس عندهم، ولا يعترفون بالعهد الجديد ويكفرون به لكفرهم بالمسيح عليه الصلاة والسلام وقولهم بأنهم قتلوه وصلبوه، لذلك سوف تتركز دراستنا في هذا البحث على العهد القديم أو ما يسميه اليهود بـ (التناخ، أو المقرا، أو المسورت) ويشتمل على ستة وثلاثين سفراً، يقسمه اليهود باعتبار محتوياته إلى ثلاثة أقسام رئيسة. ومما يجدر التنبيه إليه أن اليهود والنصارى قد وضعوا مصطلحات خاصة بكتبهم المقدسة لديهم؛ ليسهل عليهم الوقوف والرجوع إلى نصوصها، ومن تلك المصطلحات: السفر: ويعني (الكتاب أو الباب)، وجمعه أسفار، وله عنوان أو مسمى، فيقال مثلاً: سفر التكوين، سفر أرميا ونحوه. الإصحاح: ويعني (الفَصْل)، حيث إن السفر يشتمل على عدّة إصحاحات، ولكل إصحاح رقم، فيقال مثلاً: الإصحاح الأول، الإصحاح الثاني، وهكذا. وقد يرمز للإصحاح بالرمز (صح).

الفقرة: وتعني (العبارة أو النص)، فالإصحاح الواحد يحتوي على عدة فقرات أو نصوص مرقّمة. كما تختصر تلك المصطلحات في عدة رموز، مثاله: (تك 7/ 21 - 35)، ومعناه (سفر التكوين)، الإصحاح السابع، الفقرات من الفقرة الحادية والعشرين إلى الفقرة الخامسة والثلاثين. تقسيم اليهود لأسفارهم المقدسة (العهد القديم) بحسب محتوياته (1) التوراة ويشتمل على خمسة أسفار هي: 1 - سفر التكوين (50 إصحاحاً) 2 - سفر الخروج (40 إصحاحاً) 3 - سفر اللاويين (27 إصحاحاً) 4 - العدد (36 إصحاحاً) 5 - التثنية (34 إصحاحاً) (2) أسفار الأنبياء أسفار الأنبياء الأول (المتقدمين) وهي: 1 - سفر يشوع (يوشع بن نون) (24 إصحاحاً) 2 - سفر القضاة (21 إصحاحاً) 3 - سفر صموئيل الأول (31 إصحاحاً) سفر صموئيل الثاني (24 إصحاحاً) 4 - سفر الملوك الأول (22 إصحاحاً) سفر الملوك الثاني (25 إصحاحاً) أسفار الأنبياء الأُخر (المتأخرون) وهي: 1 - سفر أشعيا (66 إصحاحاً) 2 - سفر أرميا (52 إصحاحاً) 3 - سفر حزقيال (48 إصحاحاً) 4 - أسفار الأنبياء الصغار أو الاثني عشر نبياً وهي: 1/ سفر هوشع (14إصحاحاً) 2/سفر يوئيل (3 إصحاحات) 3/ سفر عاموس (9إصحاحات) 4/ سفر عوبديا (إصحاح واحد) 5/ سفر يونان (4 إصحاحات) 6/ سفر ميخا (7 إصحاحات) 7/ سفر ناحوم (3 إصحاحات) 8/ سفر حبقوق (3 إصحاحات) 9/ سفر صفنيا (3 إصحاحات) 10/ سفر حجاي (إصحاحان) 11/سفر زكريا (14 إصحاحاً) 12/ سفر ملاخي (4 إصحاحات) (3) الكتب (كتب الحكمة) وتشتمل على الأسفار الآتية: 1 - مزامير داود (150 مزموراً) 2 - أمثال سليمان (31 إصحاحاً) 3 - سفر أيوب (42 إصحاحاً) 4 - نشيد الأناشيد (8 إصحاحات) 5 - سفر روث (راعوث) (4 إصحاحات) 6 - مراثي أرميا (5 إصحاحات) 7 - سفر الجامعة (12 إصحاحاً) 8 - سفر إستير (10 إصحاحات) 9 - سفر دانيال (12 إصحاحاً) 10 - سفر عزرا (10 إصحاحات) 11 - سفر نحميا (13 إصحاحاً) 12 - سفر أخبار الأيام، وينقسم إلى قسمين: أخبار الأيام الأول (29 إصحاحاً)، أخبار الأيام الثاني (36 إصحاحاً)

المبحث الثاني: نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار:

المبحث الثاني: نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار: لقد ذكرنا فيما سبق بعض آيات القرآن الكريم الصريحة في أن اليهود قد حرَّفوا التوراة وغيرها من كتب الله المنزلة على أنبيائه من بني إسرائيل، ولقد انطلق علماؤنا المسلمون من تلك الآيات وغيرها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في نقدهم للتوراة وما يتبعها من الأسفار المقدسة عند اليهود، واستخرجوا منها الأدلة والشواهد على تحقيق ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم من وقوع التحريف والتبديل والكذب في كتبهم، ونستطيع أن نقرر بكل ثقة أن الأسبقية في نقد التوراة والأناجيل والكتب الأخرى المحرفة كان لعلمائنا المسلمين بهدي من القرآن الكريم الذي وضع أصول ذلك النقد الهادف إلى إظهار الحق وإزهاق الباطل، وقد تأثر أحبار اليهود والنصارى ومفكريهم بالمسلمين في دراساتهم النقدية للتوراة والأناجيل، ومن ثم تجرؤوا على المشاركة في تلك الدراسات النقدية لكتبهم المقدسة بعد أن تخلصوا من طغيان الكنيسة وسيطرتها، واستطاعوا إعلان نتائج دراساتهم التي سبقهم إلى كثير منها علماؤنا المسلمون بقرون عديدة. وفي هذه الدراسة الموجزة جدًّا سنحاول أن نبين الخطوط العريضة والعناوين الرئيسة في نقد أسفار العهد القديم وخاصة التوراة، وستتركز على ناحيتين: الأولى: نقد سند كتبهم المقدسة، وعدم صحة نسبتها إلى أنبيائهم، الثانية: نقد المتن، وبيان ما فيه من مواطن التحريف والتبديل والخطأ. الناحية الأولى: نقد السند: لقد أرشدنا القرآن الكريم إلى طريقة المجادلة، والرد على دعاوى اليهود والنصارى، وبيان بطلانها، وهي مطالبتهم بالحجة والدليل على مزاعمهم، قال تعالى: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين [البقرة: 111]. وبما أن اليهود وكذلك النصارى يزعمون أن التوراة الحالية كتبها موسى بيده وأن أسفارهم الأخرى كتبها أنبياؤهم أو أشخاص أوحي إليهم بها، فإنا نطالبهم بالأدلة والبراهين التي تثبت صحة نسبة التوراة المحرفة إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وكذلك سائر أسفارهم المنسوبة إلى أنبيائهم قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ! [البقرة:111]. ومن الأدلة التي نطالبهم بها: - النسخة الأصلية للتوراة التي كتبها موسى عليه الصلاة والسلام، أو أملاها على غيره، وكذلك النسخ الأصلية لأسفارهم الأخرى. - السند المتصل المتواتر بنقل الثقات العدول الذي يثبت سلامة النص الحالي لأسفارهم من التحريف والتبديل. وتأتي الإجابة لطلبنا من أحبار اليهود والنصارى وباحثيهم بأنهم لا يملكون النسخ الأصلية للتوراة أو غيرها من الأسفار، وأن أقدم مخطوطة لديهم لأسفارهم تعود إلى القرن الرابع الميلادي، علما بأن موسى عليه الصلاة والسلام قد عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على الأرجح، وآخر نبي من أنبيائهم في العهد القديم عاش في القرن الرابع قبل الميلاد. يقول مؤلفو (قاموس الكتاب المقدس): ولكن لا توجد لدينا الآن هذه المخطوطات الأصلية (للعهد القديم والجديد) التي دوَّنها كتبة الأسفار المقدسة.

ويعلل اليهود والنصارى فقدان النسخ والسند لكتبهم المقدسة بكثرة حوادث الاضطهاد والنكبات التي نزلت بهم خلال تاريخهم الطويل. ومن تلك الحوادث: الغزو الآشوري عليهم في سنة (722) ق. م، ثم الغزو البابلي الشهير سنة (586) ق. م ونتج عنه تدمير الهيكل وأخذ بني إسرائيل سبياً إلى بابل، ثم الاضطهاد اليوناني ومن بعده الاضطهاد الروماني الذي استمر لعدة قرون، وقد نتج عن هذه الاضطهادات إحراق أسفارهم وإتلافها ومنع قراءتها وقتل أحبارهم وعلمائهم. ونضيف سبباً آخر مهمًّا لضياع أسفارهم، وانقطاع أسانيدهم، هو كثرة حوادث الردة والشرك في بني إسرائيل، وكفرهم بالله عزَّ وجلَّ، وإهمالهم للتوراة وغيرها، وهي مذكورة في أسفارهم المقدسة لديهم، ومنها ما ورد في (سفر القضاة) 2/ 11 - 15: (وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر، وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها وأغاظوا الرب، تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت، فحمي الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم، ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم، حيثما خرجوا كانت يد الرب عليهم للشر، كما تكلم الرب وكما أقسم الرب لهم). وقد تكررت الردة والشرك بالله من بني إسرائيل مرات عديدة في عهد القضاة. ثم تكرر ذلك منهم في عهد الملوك، فقد ورد في (سفر الملوك) (12/ 28 - 33): (أن يربعام استشار الملك وعمل عجلي ذهب، وقال لهم: كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم، هو ذا آلهتكم يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر. ووضع واحداً في بيت إيل، وجعل الآخر في دان، وكان هذا الأمر خطية، وكان الشعب يذهبون إلى أمام أحدهما حتى إلى دان ... ). وما ذكرناه مما يجعل كل عاقل منصف منهم يرتاب ويشك في صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى وسلامتها من التحريف والتبديل!!! وكانت تلك الأسباب وغيرها قد دفعت بالكثيرين من محققي اليهود والنصارى إلى الاعتراف بأن أسفار العهد القديم مشكوك في أمر مؤلفيها، وإليك مختصرا لما يقوله محررو طبعة سنة (1971) م الإنجليزية من كتابهم المقدس لديهم، وهي آخر طبعة معدَّلة من كتابهم وآخر طبعة حتى الآن، يقول المحررون: - سفر التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية: مؤلفه موسى على الأغلب. - سفر يشوع: معظمه منسوب إلى يشوع. وتكرر منهم الشرك والردَّة عن دين الله الحق مرات عديدة في عهد الملوك. - انظر: (سفر الملوك الأول)، (الإصحاحات: 19، 22)، و (سفر الملوك الثاني)، (الإصحاحات: 1/ 13، 14، 15، 16، 17، 21، 22، 23، 24). بل وصل بهم الكفر إلى حد وصف نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بالكفر وعبادة غير الله، والعياذ بالله. - انظر: (سفر الملوك الأول)، (الإصحاح:11). نقلاً من كتاب (التحريف في التوراة)، (ص3) د. محمد الخولي، ووجدت أيضاً تلك الاعترافات بجهالة مؤلفي أسفارهم في مقدمة الكتاب المقدس (المدخل) طبع المطبعة الكاثوليكية سنة (1988) م بلبنان، وفي كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة) - تأليف الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا، وكتاب (السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم)، و (قاموس الكتاب المقدس) في التعليق على تلك الأسفار. - سفر القضاة: مؤلفه صموئيل على الاحتمال. - سفر راعوث: مؤلفه غير محدد، ولكن ربما يكون صموئيل. - سفر صموئيل الأول: المؤلف مجهول. - سفر صموئيل الثاني: المؤلف مجهول. - سفر الملوك الأول: المؤلف مجهول. - سفر الملوك الثاني: المؤلف مجهول - سفر أخبار الأيام الأول: المؤلف مجهول، ولكن ربما جمعه وحرره عزرا. - سفر أخبار الأيام الثاني، المؤلف مجهول، ولكن ربما جمعه وحرره عزرا.

- سفر عزرا: من المحتمل أن عزرا كتبه أو حرره. - سفر أستير: المؤلف مجهول. - سفر المزامير: المؤلف الرئيسي داود، لكن معه آخرون وبعضهم مجهولون. - سفر الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد: المؤلف مجهول، ولكنها عادة تنسب إلى سليمان. - سفر إشعياء: ينسب معظمه إلى أشعيا، ولكن من المحتمل أن بعضه قد كتبه آخرون. - سفر يونان: المؤلف مجهول. - سفر حبقون: لا يعرف شيء عن مكان أو زمان ولادته. وبعد هذا الاعتراف منهم فإن الأمر لا يحتاج إلى زيادة تعليق منا. ومن الأدلة أيضاً على عدم الوثوق بالتوراة الحالية ما ورد في (سفر الملوك الثاني) (22/ 8 - 13) في عهد الملك يوشيا من ملوك مملكة يهوذا، أن التوراة قد فقدت وضاعت من بني إسرائيل سنوات عديدة، ثم ادعاء العثور عليها على يد الكاهن في الهيكل، ولا نسلم لهم بأن التوراة التي عثر عليها هي توراة موسى؛ إذ إن اتهام الكاهن بالتزوير قائم في مسايرته لرغبة الملك في العودة إلى التوحيد بعد ارتداد وكفر من سبقه من آبائه، إضافة إلى أن هذه النسخة من التوراة قد فقدت أيضاً في الغزو البابلي وحوادث الحروب الأخرى. ومن الأدلة القاطعة على عدم صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى عليه الصلاة والسلام نصوص التوراة نفسها، وإليك بعض الشواهد: - خاتمة التوراة في (سفر التثنية) (34/ 1 - 12) وفيه: (فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء ... ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوماً، فكملت أيام بكاء مناحة موسى، ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة، إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرب موسى، ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه ... ) وبذلك ينتهي كتاب التوراة. ولا أعتقد أن عاقلاً يجرؤ على القول أن كاتب هذا الكلام هو موسى عليه الصلاة والسلام!!! - إن بعض نصوص التوراة تتحدث عن موسى بضمير الغائب، وبصيغة لا يمكن التصديق بأن كاتبها هو موسى، ومن تلك النصوص: (تحدث الله مع موسى) (وكان الله مع موسى وجهاً لوجه) (وكان موسى رجلاً حليماً جدًّا أكثر من جميع الناس) (فسخط موسى على وكلاء الجيش) (موسى رجل الله) ونحو ذلك، فلو كان موسى كاتب تلك النصوص لقال مثلاً: كلمني الرب، تحدثت مع الله. ونحوه. -إن ملاحظة اللغات والأساليب التي كتبت بها التوراة وما تشتمل عليها من موضوعات وتشريعات وبيئات اجتماعية وسياسية وجغرافية تنعكس فيها، تظهر أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى، مما يثبت أن هذه الأسفار قد كتبت بأقلام اليهود التي تعكس أفكارهم ونظمهم المتعددة في مختلف أدوار تاريخهم الطويل، مثال ذلك: ورد في التوراة في (سفر التكوين) (14/ 14) أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام تتبع أعداءه إلى (دان). وهي اسم مدينة لم تُسَمَّ بهذا الاسم إلا بعد موت يوشع بعد دخول بني إسرائيل فلسطين واستقرارهم بها، فقد ورد في (سفر القضاة) (18/ 29) (وسمّوا المدينة دان) باسم أبيهم الذي ولد لإسرائيل، وكان اسم المدينة قبل ذلك) لاييش) فكيف يذكر موسى - وهو يقص قصة إبراهيم- اسم مدينة لم تسمَّ بهذا الاسم إلا من بعده بزمن طويل جدًّا؟!! تلك بعض الملاحظات التي جعلت الفيلسوف اليهودي باروخ سبنوزا (ت1677م) يعلن صراحة قوله: (من هذه الملاحظات كلها يظهر واضحاً وضوح النهار أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، بل كتبها شخص آخر عاش بعد موسى بقرون عديدة). ا. هـ

أضف إلى ذلك أيضاً اختلاف فرق اليهود في قبول ورفض بعض أسفار العهد القديم، فطائفة السامرة من اليهود لا تعترف إلا بالتوراة الخمسة الأسفار، وتنكر ما عداها من الأسفار، وتقبل منها سفري يوشع والقضاة باعتبارهما أسفارا تاريخية فقط. ويخالفها جمهور اليهود الذين يقبلون أسفار العهد القديم المذكورة. ويختلف مع اليهود أيضاً طائفة الكاثوليك من النصارى في قبول ورفض بعض أسفار العهد القديم. الناحية الثانية: نقد المتن: قال الله عز وجل: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء: 82]. وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون [النحل: 90]. وقال تبارك وتعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]. في ضوء هذه الآيات الكريمة- التي وضحت بعض خصائص الوحي الإلهي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - نبين بعض مواطن الاختلاف والتناقض والباطل الذي يدل على وقوع التحريف والتزوير في أسفار اليهود، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم، ويمكننا تلخيص أبرز الانتقادات الموجهة إلى متن الأسفار في العناوين الرئيسة الآتية، وتندرج تحتها عشرات الأمثلة والشواهد، وسنكتفي بذكر بعضها: (1) الاختلاف بين نسخ التوراة المختلفة: إن التوراة الحالية ليست نسخة واحدة مجمعاً عليها من اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة: التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية. فالتوراة السامرية تؤمن بها فرقة السامرة من اليهود، والتوراة العبرية يعترف بها جمهور اليهود وفرقة البروتستانت من النصارى، والتوراة اليونانية تعترف بها فرقة الكاثوليك من النصارى، وكل فرقة لا تعترف بالنسخة الأخرى. وتوجد اختلافات جوهرية وتناقضات صريحة بين النسخ الثلاث مثال ذلك: - أن قبلة اليهود ومكان بناء مذبح الرب في التوراة العبرية واليونانية (تثنية 27/ 4 (جبل عيبال بأورشليم (بيت المقدس)، وفي التوراة السامرية (تثنية 27/ 4) أن القبلة جبل جريزيم بمدينة نابلس. - ورد أن مجموع الأعمار (الفترة الزمنية) من عهد آدم إلى إبراهيم عليهما الصلاة والسلام في التوراة العبرية يبلغ (2023) سنة، وفي التوراة السامرية يبلغ مجموع الأعمار (2324) سنة، وفي التوراة اليونانية يبلغ (2200) سنة!! وهناك اختلافات أخرى كثيرة من حيث الألفاظ والإملاء والقواعد النحوية وغيرها. (2) الاختلاف بين أسفار التوراة بعضها ببعض وبين الأسفار الأخرى مثال ذلك: - ورد في (سفر التكوين) (6/ 3) أن الله غضب على البشر؛ لطغيانهم في عصر نوح عليه الصلاة والسلام فقضى بأن عمر الإنسان لا يتجاوز (120) عاماً، وهذا النص يختلف مع ما ورد في التوراة أيضا في (سفر التكوين) (11/ 10 - 32) من أن سام بن نوح عاش (600) سنة، وابنه أرفكشاد عاش (438) سنة، وشالح عاش (433) سنة، وعابر عاش (464) سنة وغيرهم كثير ممن تجاوزت أعمارهم (120) سنة!! - ورد في (سفر التكوين) (7/ 12) (أن طوفان نوح عليه الصلاة والسلام استمر مدة أربعين يوماً وليلة)، ولكن ينقضه ما ورد في نفس (السفر والإصحاح: 7/ 24) (أن الطوفان استمر مدة مائة وخمسين يوماً!!)

- ورد في (سفر التكوين) (8/ 4 - 5) (واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط، وكانت المياه تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر، وفي الشهر العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال). وفي هذا اختلاف واضح؛ لأنه إذا ظهرت رؤوس الجبال في الشهر العاشر فكيف تكون سفينة نوح قد استقرت على جبال أراراط (أرمينيا) في الشهر السابع، أي: قبل شهرين ونصف من ظهور رؤوس الجبال؟!! - ورد في (سفر الخروج) (20/ 5) و (سفر التثنية) (5/ 9) (أن الأبناء يؤاخذون بذنب الآباء حتى الجيل الثالث والرابع)، ولكن ورد في (سفر حزقيال) (18/ 20) وفي (سفر أرميا) (31/ 30) (أن الأبناء لا يعاقبون بذنب الآباء). وفي هذا تناقض؛ لأن اليهود لا يقولون بنسخ أحكام التوراة. - ورد في (سفر التكوين) (46/ 21) (أن أبناء بنيامين بن يعقوب عددهم عشرة أبناء)، ولكن ورد في (سفر أخبار الأيام الأول) (7/ 6) (أن أبناء بنيامين ثلاثة)، وفي نفس السفر (8/ 1 - 2) (أن أبناء بنيامين خمسة فقط)!!! - ورد في (سفر صموئيل الثاني) (24/ 13) (فأتى جاد داود وأخبره وقال له: أتأتي عليك سبع سنين جوعاً في أرضك أم تهرب أمام أعدائك ثلاثة أشهر وهم في أثرك) ويناقضه ما ورد في (سفر أخبار الأيام الأول) (21/ 11) (فأتى جاد داود وقال له: كذا قال الرب تخير إما ثلاث سنين جوعاً، وإما ثلاثة أشهر تهرب فيها أمام أعدائك، وسيف أعدائك يدركك) فهل هي سبع سنوات جوعاً أم ثلاث سنوات؟؟!!! -ورد في (سفر صموئيل الثاني) (8/ 4) (فأخذ داود منه ألفاً وسبعمائة فارس وعشرين ألف راجل) ولكن تكرر الخبر في (سفر أخبار الأيام الأول) (18/ 4) كالآتي (فأخذ داود منه ألف مركبة وسبعة آلاف فارس وعشرين ألف راجل). - ورد في (سفر الملوك الأول) (4/ 26) (وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته واثنا عشر ألف فارس ( ولكن تكرر الخبر في (سفر أخبار الأيام الثاني) (9/ 25) كالآتي: (وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس). - ورد في (سفر الملوك الثاني) (كان أخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ سنة واحدة في أورشليم)، وتكرر الخبر في (سفر أخبار الأيام الثاني) (22/ 2) بصورة مختلفة (كان أخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ سنة واحدة في أورشليم!!) والأعجب من ذلك ما ورد في (أخبار الأيام الثاني) نفسه (21/ 5) (أن يهورام - والد أخزيا- كان ابن اثنين وثلاثين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ ثمان سنين في أورشليم) فكيف يكون الابن أكبر سنا من أبيه؟!! - ورد في (سفر الملوك الثاني) (24/ 8) (كان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك، وملك ثلاثة أشهر في أورشليم (، وتكرر الخبر باختلاف في (سفر الأيام الثاني) (36/ 9) (كان يهوياكين ابن ثماني سنين حين ملك، وملك ثلاثة أشهر وعشرة أيام في أورشليم). (3) الاختلاف مع الحقائق العلمية والتاريخية، مثال ذلك:- - ورد في (سفر التكوين) (1/ 6 - 8) (وقال الله: ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصل بين مياه ومياه، فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد، ودعا الله الجلد سماء، وكان مساء وكان صباح اليوم الثاني). يقول موريس بوكاي: أسطورة المياه هنا تستمر بانفصالها إلى طبقتين بواسطة الجلد الذي سيجعل الطبقة العليا عند الطوفان تنفذ من خلاله لتنصب على الأرض، إن صورة انقسام المياه هذه إلى كتلتين غير مقبولة علميًّا. ا. هـ.

- ورد في (سفر التكوين) (15/ 13) أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر ستكون (400 سنة) ولكن ورد في (الخروج) (12/ 40) أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت (430) سنة، وكلا التاريخين يختلفان مع الحقيقة التاريخية التي اعترف بها أحبارهم ومفسرو أسفارهم من أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر لا تزيد عن (215) سنة، بدليل حساب عمر إسرائيل) يعقوب) عليه الصلاة والسلام عند دخوله مع بنيه أرض مصر، ثم أعمار الأجيال إلى زمن خروج بني إسرائيل من مصر مع موسى عليه الصلاة والسلام. (4) وجود الأقوال القبيحة والتهم الشنيعة والأوامر الباطلة والتعاليم الفاسدة والقصص البذيئة - في أسفارهم- التي تستحيل أن تكون وحياً من عند الله عز وجل، مثال ذلك:- - ورد في (سفر التكوين) (2/ 1 - 3) أن الله - سبحانه وتعالى- لما خلق الخلق في ستة أيام فإنه تعب واستراح في اليوم السابع. - ورد في (سفر التكوين) (9/ 20 - 27) وصف نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام بأنه شرب الخمر حتى سكر وتعرّى في خبائه، وأبصر ابنه الأصغر حام عورته. - ورد في (سفر التكوين) (19/ 30 - 39) قذف نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام بالزنا، حيث زعموا - لعنهم الله - أن ابنتيه سقتاه خمراً وضاجعتاه حتى أولد منهما نسلاً -والعياذ بالله- من هذا الكفر. - ورد في (سفر التكوين) (27/ 1 - 30) وصف يعقوب عليه الصلاة والسلام بأنه خدع أباه إسحاق عليه السلام واحتال وكذب عليه حتى ينال دعوته وبركته قبل أخيه عيسو. - ورد في (سفر الخروج) (الإصحاح:32) وصف هارون عليه الصلاة والسلام بأنه صنع العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته. - ورد في (سفر يشوع) (6/ 17، 21) أن الله أمر يوشع عليه السلام عند استيلائه على مدينة أريحا أن يقتل في المدينة كل رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، وقد فعل يشوع ذلك حسب زعمهم، والله عزَّ وجلَّ منزه عن ذلك؛ لأنه تعالى يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي. - ورد في (سفر صموئيل) (الإصحاح:2) وصف داود عليه الصلاة والسلام بأنه زنا بزوجة قائده واحتال في قتله؛ لكي يتزوج بزوجته من بعده. - ورد في (سفر الملوك الأول) (11/ 1 - 6) وصف سليمان عليه الصلاة والسلام بأنه تزوج نساءً وثنيات، وبأن نساءه أضللنه حتى أشرك بالله، وعبد أصنام نسائه الوثنيات في شيخوخته. - ورد في (سفر حزقيال) (الإصحاح:33) قصة زنا أهولة وأهوليبة وفجورهما بأسلوب جنسي فاضح قبيح بذيء. - ورد في (سفر نشيد الأناشيد) المنسوب إلى سليمان عليه الصلاة والسلام شعر جنسي وغزل فاحش وكلام بذيء، يستحى من ذكره وتسطيره. - ورد في (سفر هوشع) (1/ 2 - 9) أن الله - سبحانه وتعالى- أمر نبيه هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زانية، وينجب منها أولاد زنى. تعالى الله عزَّ وجلَّ عما يقول الكافرون علوًّا كبيراً، وتَنَزَّه الله عزَّ وجلَّ عن هذا الكفر، فإن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. ونكتفي بهذا القدر اليسير جدًّا من فضائح كتبهم الكثيرة، فلا عجب أن يكون حال محققيهم ومفكريهم كما وصفهم الله عز وجل بقوله: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ [هود: 110]. ¤ الأسفار المقدسة عند اليهود وأثرها في انحرافهم عرض ونقد لمحمود عبد الرحمن قدح – ص 329 فما بعدها (مجلة الجامعة الإسلامية – عدد 111)

المبحث الثالث: ما تثبته النصارى بخلاف نص التوراة وتكذيبهم لنصوصها التي بأيدي اليهود:

المبحث الثالث: ما تثبته النصارى بخلاف نص التوراة وتكذيبهم لنصوصها التي بأيدي اليهود: وادعاء بعض علماء النصارى أنهم اعتمدوا في ذلك على التوراة التي ترجمها السبعون شيخا لبطليموس، لا على كتب عزراء الوراق، واليهود مؤمنون بكلتا النسختين، والخلاف عند النصارى موجود فيها. قال أبو محمد: في توراة اليهود- التي لا اختلاف فيها بين الربانية والعانانية والعيسوية منهم- لما عاش آدم ثلاثين سنة ومائة سنة ولد له ولد كشبهه وجنسه وسماه شيث، وعند النصارى- بلا اختلاف بين أحد منهم ولا من جميع فرقهم- لما أتى على آدم مائتان وثلاثون سنة ولد له شيث. وفي التوراة التي عند اليهود: لما عاش شيث خمس سنين ومائة سنة ولد أنيوش. وعند النصارى كلهم: لما عاش شيث مائتي سنة وخمس سنين ولد أنيوش. وفي التوراة التي عند اليهود: أن أنيوش لما عاش تسعين سنة ولد قينان. وعند النصارى كلهم: أن أنيوش لما عاش تسعين سنة ومائة سنة ولد قينان. وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا: أن قينان لما عاش سبعين سنة ولد مهلال. وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا: أن مهلال لما بلغ خمسا وستين سنة ولد يارد. وعند النصارى كلهم: أن مهلال لما بلغ مائة سنة وخمسا وستين سنة ولد يارد، واتفقت الطائفتان في عمر يارد إذ ولد له خنوخ. وفي التوراة التي عند اليهود: أن خنوخ لما بلغ خمسا وستين سنة ولد متوشالخ، وأن جميع عمر خنوخ كان ثلاثمائة سنة وخمسا وستين سنة. وعند النصارى كلهم: أن خنوخ لما بلغ مائة سنة وخمسا وستين سنة ولد متوشالخ، وأن جميع عمر خنوخ كان خمسمائة سنة وخمسا وستين سنة. ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين: أحدهما: سن خنوخ إذ ولد له متوشالخ. والثانية: كمية عمر خنوخ، واتفقت الطائفتان على عمر متوشالخ إذ ولد له لامخ، وعلى عمر لامخ إذ ولد له نوح، وعلى عمر نوح إذ ولد له سام وحام ويافث، وعلى عمر سام إذ ولد له أرفخشاذ. وفي التوراة التي عند اليهود: أن أرفخشاذ لما بلغ خمسا وثلاثين سنة ولد له شالخ، وأن عمر أرفخشاذ كان أربعمائة سنة وخمسا وثلاثين سنة، وعند النصارى كلهم: أن أرفخشاذ لما بلغ مائة سنة وخمسا وثلاثين سنة ولد له قينان، وأن عمر أرفخشاذ كان أربعمائة سنة وخمسا وستين سنة، وأن قينان لما بلغ مائة سنة وثلاثين سنة ولد له شالخ، فبين الطائفتين في هذا الفصل وحده اختلاف في ثلاثة مواضع: أحدها: عمر أرفخشاذ جملة. والثاني: سن أرفخشاذ إذ ولد له ولده. والثالث: زيادة النصارى بين أرفخشاذ وشالخ قينان وإسقاط اليهود له. وفي التوراة عند اليهود: أن شالخ لما بلغ ثلاثين سنة ولد له عابر وأن عمر شالخ كان أربعمائة سنة وثلاثين سنة. وعند النصارى كلهم: أن شالخ لما بلغ مائة وثلاثين سنة ولد له عابر، وأن عمر شالخ كله كان أربعمائة سنة وستين سنة. ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين: أحدهما: سن شالخ إذ ولد له عابر. والثاني: كمية عمر شالخ، وعند اليهود في التوراة: أن فالغ إذ بلغ ثلاثين سنة ولد له راغو، وعند النصارى كلهم: أن فالغ لما بلغ مائة سنة وثلاثين ولد له راغو، وفي توراة اليهود: أن راغو لما بلغ اثنتين وثلاثين سنة ولد له شاروع، وعند النصارى كلهم: أن راغو لما بلغ مائة سنة واثنتين وثلاثون ولد له شاروع. وفي التوراة عند اليهود: أن شاروع إذ بلغ ثلاثين سنة ولد له ناحور، وكان عمر شاروع كله مائتي عام وثلاثين عاما، وعند النصارى كلهم: أن شاروع إذ بلغ ثلاثين سنة ومائة سنة ولد له ناحور وأن عمر شاروع كله كان ثلاثمائة وثلاثين سنة. ففي هذا الفصل بين الطائفتين تكاذب في موضعين: أحدهما: عمر شاروع جملة.

والثاني: سن شاروع إذ ولد له ناحور، وفي التوراة عند اليهود: أن ناحور لما بلغ تسعا وعشرين سنة ولد له نارخ، وأن عمر ناحور كله كان مائة سنة وثمانيا وأربعين سنة. وعند النصارى كلهم: أن ناحور لما بلغ تسعا وسبعين سنة ولد له نارخ، وأن عمر ناحور كله كان مائتي عام وثمانية أعوام. ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين: أحدهما: عمر ناحور كله. والثاني: سن ناحور إذ ولد له نارخ، وفي التوراة عند اليهود- كما ذكرنا-: أن نارخ كان عمره كله مائتي عام وخمسة أعوام، وعند النصارى كلهم: أن نارخ كان عمره كله مائتي عام وثمانية أعوام. قال أبو محمد: فتولد من الاختلاف المذكور بين الطائفتين زيادة عن ألف عام وثلاثمائة عام وخمسين عاما عند النصارى في تاريخ الدنيا على ما هو عند اليهود في تاريخها، وهي تسعة عشر موضعا كما أوردنا، فوضح اختلاف التوراة عندهم، ومثل هذا من التكاذب لا يجوز أن يكون من عند الله عزَّ وجلَّ أصلا، ولا من قول نبي البتة، ولا من قول صادق عالم من عرض الناس، فبطل بهذا بلا شك أن تكون التوراة وتلك الكتب منقولة نقلا يوجب صحة العلم، لكن نقلا فاسدا مدخولا مضطربا، ولا بد للنصارى ضرورة من أحد خمسة أوجه لا مخرج لهم عن أحدها: إما أن يصدقوا نقل اليهود للتوراة، وأنها صحيحة عن موسى عن الله عز وجل، ولكتبهم، وهذه طريقتهم في الحجاج والمناظرة، فإن فعلوا فقد أقروا على أنفسهم وعلى أسلافهم الذين نقلوا عنهم دينهم بالكذب؛ إذ خالفوا قول الله تعالى وقول موسى عليه السلام. أو يكذبوا موسى عليه السلام فيما نقل عن الله عزَّ وجلَّ، وهم لا يفعلون هذا. أو يكذبوا نقل اليهود للتوراة ولكتبهم، فيبطل تعلقهم بما في تلك الكتب مما يقولون إنه إنذار بالمسيح عليه السلام؛ إذ لا يجوز لأحد أن يحتج بما لا يصح نقله. أو يقولوا- كما قال بعضهم-: أنهم إنما عوَّلوا فيما عندهم على ترجمة السبعين شيخا الذين ترجموا التوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام لبطليموس، فإن قالوا هذا فإنهم لا يخلون ضرورة من أحد وجهين: إما أن يكونوا صادقين في ذلك، أو يكونوا كاذبين في ذلك، فإن كانوا كاذبين في ذلك فقد سقط أمرهم- والحمد لله رب العالمين- إذ لم يرجعوا إلا إلى المجاهرة بالكذب. وإن كانوا صادقين في ذلك فقد حصلت توراتان متخالفتان متكاذبتان متعارضتان: توراة السبعين شيخا، وتوراة عزرا، ومن الباطل الممتنع كونهما جميعا حقًّا من عند الله، واليهود والنصارى كلهم مصدق مؤمن بهاتين التوراتين معا، سوى توراة السامرية، ولا بد ضرورة من أن تكون أحدهما حقًّا، والأخرى مكذوبة، فأيهما كانت المكذوبة فقد حصلت الطائفتان على الإيمان بالباطل ضرورة، ولا خير في أمة تؤمن بيقين الباطل، وإن كانت توراة السبعين شيخا هي المكذوبة فلقد كانوا شيوخ سوء كذابين ملعونين؛ إذ حرَّفوا كلام الله تعالى وبدَّلوه، ومن هذه صفته فلا يحلُّ أخذ الدين عنه ولا قبول نقله، وإن كانت توراة عزرا هي المكذوبة فقد كان كذَّابا؛ إذ حرَّف كلام الله تعالى، ولا يحلُّ أخذ شيء من الدين عن كذاب، ولا بد من أحد الأمرين. أو يكون كلاهما كذبا، وهذا هو الحق اليقين الذي لا شك فيه؛ لما قدمنا مما فيها من الكذب الفاضح الموجب للقطع بأنها مبدلة محرفة، وسقطت الطائفتان معا، وبطل دينهم الذي إنما مرجعه إلى تلك الكتب المكذوبة، ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: فتأملوا هذا الفصل وحده ففيه كفاية في تيقن بطلان دين الطائفتين، فكيف بسائر ما أوردنا إذا استضاف إليه، وفي التوراة عند اليهود وعند النصارى اختلاف آخر اكتفينا منه بهذا القدر، والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته علينا بالإسلام، المنقول نقل الكواف إلى رسول الله المعصوم صلى الله عليه وسلم، البريء من كل كذب ومن كل محال، الذي تشهد له العقول بالصحة، والحمد لله رب العالمين ¤ الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم – ص 2/ 21

الفصل الثامن: صفات الله عز وجل في التوراة المحرفة:

تمهيد: الله عز وجل له صفات الكمال المطلق التي لا تشوبها شائبة نقص، ولا شك أن موسى عليه السلام قد علَّم بني إسرائيل ذلك، كما أن التوراة المنزلة قد تضمنت ذلك، إلا أن بني إسرائيل قد كفروا وضلوا وانحرفوا عن دين الله عزَّ وجلَّ، فتكونت لديهم عقيدة منحرفة جعلتهم يقولون في الله قولاً عظيماً، ومن ذلك ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم من قوله عزَّ وجلَّ: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة: 64]. وقال عزَّ وجلَّ: لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران: 181]. فهذا الكفر والوقاحة من اليهود أثر من آثار تحريفهم لكتابهم، حيث تضمن كتابهم المسمى التوراة، وكذلك الكتب الملحقة به كثيراً من الصفات التي لا يصح ولا يليق وصف الله عزَّ وجلَّ بها، وهي من أدل الأدلة على التحريف، فمن ذلك:

المبحث الأول: وصفهم الله عز وجل بالتعب:

المبحث الأول: وصفهم الله عزَّ وجلَّ بالتعب: يزعم اليهود في كتابهم أن الله عز وجل تعب من خلق السموات والأرض، فاستراح في اليوم السابع، فقد ورد في (سفر التكوين) (2/ 2) ما نصه: (وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل). وفي (سفر الخروج) (31/ 17) قالوا: (لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفس). وقد ردَّ الله عزَّ وجلَّ عليهم وبيَّن بطلان قولهم هذا في قوله عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ [ق: 38].

المبحث الثاني: وصفهم الله عز وجل بالجهل:

المبحث الثاني: وصفهم الله عزَّ وجلَّ بالجهل: وصف اليهود الله عزَّ وجلَّ بالجهل في عدة مواطن من كتابهم، منها: قولهم في قصة آدم وحواء بعد أن أكلا من الشجرة كما في (سفر التكوين) (3/ 8): (وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني فأكلت). فيتضح من كلامهم هذا أن الله عزَّ وجلَّ لم يعلم بآدم حين أكل من الشجرة، ولم يره حين أكل، بل لم يعلم بمكانه بعد أن اختبأ في الجنة. فهل يصحُّ أن يقول أحد: إن الله العليم بكل شيء، والذي لا يغيب عن سمعه وبصره شيء مهما خفي ودقَّ، يخفى عليه أمر آدم على هذه الحال التي ذكر اليهود؟ فلاشك أن ذلك من تحريفهم. ولو نظرنا في كلام الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم عن هذه الحادثة لوجدنا الفرق الشاسع بين التعبيرين ودلالتهما. ففي القرآن يقول الله عزَّ وجلَّ: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُما أني لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُما أن الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 19 - 23] ففي هذا النص الكريم ما يتناسب مع كمال علم الله وكمال سمعه وبصره، وأنه محيط بكل شيء، فحالما أكل آدم وزوجته من الشجرة ناداهما ربهما قائلاً: أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُما أن الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ [الأعراف: 22] فلم يسأل آدم أين هو؟ ولا من أعلمه أنه عريان؟ وهل أكل من الشجرة؟ كما يزعم اليهود. كما أن جواب آدم في القرآن الكريم هو الجواب اللائق بالنبي الكريم، حيث اعتذر مباشرة بأنه معتدٍ في هذا الأكل، وسأل الله المغفرة والرحمة، وهذا هو اللائق بآدم العبد الصالح والنبي الكريم، لا ما ذكره اليهود من أنه ألقى باللائمة على زوجته، وحمَّلها وحدها المسئولية. ومن وصفهم الله عزَّ وجلَّ بالجهل أيضاً زعمهم أن الله عزَّ وجلَّ يجب أن توضع له علامة؛ ليستدل بها عليهم حيث قالوا: إن الله أمرهم قبل خروجهم من مصر أن يلطخوا أبوابهم: العتبة العليا والقائمتين بالدم، ويعللون ذلك بقولهم: (فإن الربَّ يجتاز ليضرب المصريين فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين يعبر الرب عن الباب، ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب). (سفر الخروج) (12/ 23). وهذا باطل؛ فإن الله جلَّ وعلا عالم الغيب والشهادة يقول سبحانه عن نفسه: عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سبأ: 3].

المبحث الثالث: وصفهم الله عز وجل بالندم:

المبحث الثالث: وصفهم الله عز وجل بالندم: يزعم اليهود أن الله عز وجل ندم على فعله، فمن ذلك قولهم في (سفر الخروج) (32/ 14): (فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه). وقد كذَّبهم الله في ذلك فقال جلَّ وعلا: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] وقال: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [الفرقان: 77] وهل يندم إلا الغرُّ الجاهل بالعواقب؟ والله عزَّ وجلَّ منزه عن ذلك. وقد ورد في كتابهم أيضا ما يبين بطلان هذا الوصف وأن الله جلَّ وعلا لا يوصف به. جاء في (سفر العدد) (23/ 19): (ليس الله إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم).

المبحث الرابع: وصفهم الله عز وجل وتعالى وتقدس بالبكاء وذرف الدموع:

المبحث الرابع: وصفهم الله عزَّ وجلَّ وتعالى وتقدس بالبكاء وذرف الدموع: وفي هذا يقولون في كتابهم أن الله قال لهم: (وإن لم تسمعوا- أي: كلامه وتطيعوه- فإن نفسي تبكي في أماكن مستترة من أجل الكبرياء، وتبكي عيني بكاءً وتذرف الدموع؛ لأنه قد سبي قطيع الرب). (سفر إرميا) (13/ 17). وأيضاً قالوا بعد ذلك مثله في (سفر إرميا) (14/ 17): إن الله قال لهم: (لتذرف عيناي دموعاً ليلاً ونهاراً ولا تكفا؛ لأن العذراء بنت شعبي سحقت سحقاً عظيماً بضربة موجعة جدًّا). فهذا كله لاشك أنه من افتراءات اليهود على الله عزَّ وجلَّ ووقاحتهم في كلامهم عن الله سبحانه. وهو دليل واضح على التحريف والتلاعب بكلام الله وكتب الأنبياء وفق أهوائهم، لا يراعون في ذلك لله وقاراً، ولا لكلامه تعظيماً وإكباراً، سوى ما يتفق مع أمزجتهم وأهوائهم، فعليهم من الله ما يستحقون. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 105

الفصل التاسع: وصف اليهود للأنبياء عليهم السلام في التوراة المحرفة:

تمهيد: من يقرأ التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن أنبياء الله والموكلين بهداية الناس وتعليمهم الهدى والخير لا يتمتعون بصفات الصالحين والأتقياء، بل يجد أن العهد القديم ينسب إليهم كثيراً من المخازي والقبائح التي يتنزه عنها كثير من الناس العاديين، فكيف يليق أن يُنسب شيء من ذلك إلى الأنبياء الذين قد اصطفاهم الله وخصَّهم بهذه المهمة العظيمة، وهي تبليغ دينه، والذين هم قدوة للصالحين، وأئمة في البرِّ والتُّقَى. ومما لاشك فيه أن الأنبياء عليهم السلام أكمل الناس ديناً وورعاً وتقوى، وأن الله اصطفاهم ورعاهم، وكمَّلهم وحفظهم، وعصمهم من القبائح والرذائل، هذه حقيقتهم بلا مراء ولا تردد، وما أضافه اليهود إليهم مما لا يليق نسبته إليهم هو محض افتراء وكذب، ودليل واضح على تحريفهم لكتبهم لأغراض في نفوسهم، غير مراعين حرمة لمقام النبوة، ولا لما جبل الله عليه أولئك الأنبياء عليهم السلام من الكمال البشري في خلْقهم وخُلقهِم. وإليك الأمثلة الدالة على تحريف اليهود لكتابهم بطعنهم في أنبياء الله عزَّ وجلَّ، ووصفهم بالصفات التي لا يجوز بحال نسبتها إليهم.

المبحث الأول: نوح عليه السلام:

المبحث الأول: نوح عليه السلام: زعم اليهود في كتابهم أن نوحاً عليه السلام، شرب الخمر وتعرَّى داخل خبائه، وفي هذا قالوا في (سفر التكوين) (9/ 20): (وابتدأ نوح يكون فلاحاً، وغرس كرماً وشرب من الخمر وتعرَّى داخل خبائه). هكذا وصفوا نبي الله نوحاً عليه السلام، وهو أول أنبياء الله إلى المشركين، والذي دعا قومه إلى دين الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، كما ذكر الله عزَّ وجلَّ حيث قال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت: 14] وامتنَّ الله على بني إسرائيل أنهم ذرية ذلك العبد الصالح نوح عليه السلام، فقال جلَّ وعلا: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء:2 - 3] فامتنَّ الله على بني إسرائيل بنسبتهم إلى ذلك العبد الصالح، واليهود يصفونه بتلك النقيصة، وما ذلك منهم إلَّا خدمة لأهوائهم وأغراضهم التي تتضح من بقية كلامهم في القصة نفسها، حيث يقولون بعد الكلام السابق في (سفر التكوين) (9/ 22): (فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجاً، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته). فيتضح من هذا النص أن مقصد اليهود منه لعن الكنعانيين الذين كانوا أعداءً لبني إسرائيل، كما أن فيه خطأً ظاهراً من ناحية أن حام هو الذي أبصر عورة أبيه حسب النص السابق، فلماذا يلعن ابنه كنعان، مع أن لحام أبناءً آخرين غير كنعان، فإن اليهود قالوا في (سفر التكوين) (10/ 6): (وبنو حام كوش ومصرايم ونوط وكنعان). فلماذا خص كنعان من بين إخوته؟ ما ذلك إلا لهدف خاص في نفوسهم، وهو لعن الكنعانيين أعدائهم، ولو كان بالافتراء على الله عزَّ وجلَّ وعلى نبيه نوح عليه السلام.

المبحث الثاني: لوط عليه السلام:

المبحث الثاني: لوط عليه السلام: ومن الأنبياء الذين افترى عليهم اليهود لوط عليه السلام، فقد افتروا عليه فرية عظمى، ورموه بشنيعة كبرى يترفع عنها أعظم الناس فساداً، حيث زعم اليهود أن لوطاً عليه السلام قد زنى بابنتيه الكبرى والصغرى بعد أن أنجاه الله من القرية التي كانت تعمل الخبائث، وأن البنتين أنجبتا من ذلك الزنى، وهذا محض افتراء وبهتان لنبي كريم ولبناته وأهل بيته الصالحين، وقد ذكر الله عز وجل لنا صلاح لوط عليه السلام وأهل بيته وطهارتهم على لسان أعدائه، فقال جلَّ وعلا: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل: 56] ولو بحثنا عن سبب افتراء اليهود لهذه الفرية في كتابهم لوجدنا أنهم إنما قصدوا الطعن في أعدائهم المؤابيين والعمونيين من خلال هذه الفرية؛ لأنهم زعموا أن البنت الكبرى حملت من ذلك الزنى فأنجبت مؤاب، وهو أبو المؤابيين، وأن الصغرى حملت أيضاً من ذلك الزنى وأنجبت بني عمي، وهو أبو بني عمون، فلهذا السبب والهوى كذب اليهود على نبي الله ووصموه بهذه الفعلة الشنيعة، وفي ذلك أوضح دليل على التحريف.

المبحث الثالث: يعقوب عليه السلام:

المبحث الثالث: يعقوب عليه السلام: زعموا أن يعقوب عليه السلام احتال لأخذ النبوة والبركة من أبيه إسحاق عليه السلام لنفسه، فذكروا أن إسحاق عليه السلام لما كبر وكف بصره دعا ابنه عيسو، وهو الأكبر، وحسب التقليد لديهم فإن البركة تكون للأكبر، وطلب منه أن يصطاد له جدياً ويطبخه حتى يباركه، فذهب عيسو للصيد كما أمره أبوه، إلا أن أمهما كانت تحب يعقوب- وهو الأصغر- أكثر من أخيه عيسو، وأرادت أن تكون البركة له، فدعته وأمرته أن يحضر جدياً فيطبخه، وأن يلبس ملابس أخيه، ويضع فوق يديه جلد جدي حتى يبدو جسمه بشعر مثل جسم أخيه عيسو، فيظن إسحاق عليه السلام أنه هو فيباركه، ففعل يعقوب عليه السلام ذلك ثم دخل على أبيه، ففي ذلك قالوا: (فدخل إلى أبيه وقال: يا أبي. فقال: ها أنذا، من أنت؟ فقال يعقوب لأبيه: أنا عيسو بكرك قد فعلت كما كلمتني، قم اجلس وكلْ من صيدي؛ لكي تباركني نفسك. فقال إسحاق لابنه: ما هذا الذي أسرعت لتجد يا بني؟ فقال: إن الرب إلهك قد يسر لي. فقال إسحاق ليعقوب: تقدم لأجسك يا ابني أأنت هو ابني عيسو أم لا؟ فتقدم يعقوب إلى إسحاق أبيه فجسه، وقال: الصوت صوت يعقوب، ولكن اليدين يدا عيسو. ولم يعرفه؛ لأن يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو أخيه، فباركه وقال: هل أنت هو ابني عيسو؟ فقال: أنا هو. فقال: قدِّم لي لآكل من صيد ابني حتى تباركك نفسي. فقدم له فأكل وأحضر له خمراً فشرب، فقال له إسحاق أبوه: تقدَّم وقبِّلني يا ابني. فتقدم وقبله، فشم رائحة ثيابه وباركه، وقال: انظر رائحة ابني كرائحة حقل، قد باركه الرب، فليعطك الله من ندى السماء، ومن دسم الأرض، وكثرة حنطة وخمر، ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل، كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين) (سفر التكوين) (27/ 18 - 29). وفاز يعقوب بالبركة بهذه الحيلة، وبعد أن جاء أخوه عيسو لم يكن أمامه إلا الصراخ والعويل لفوات البركة. وبهذا الكلام يصمون أباهم يعقوب عليه السلام بالكذب مراراً، وانتحال شخصية أخيه كيداً، وأخذ ما ليس له فيه حق احتيالاً، كما يصمون أباهم إسحاق عليه السلام بالجهل الشديد إلى حد التغفيل والغباء حيث لم يستطع أن يميز بين ولديه، وهو أمر مستبعد جدًّا أن يقع لأقل الناس إدراكاً وأشدهم تغفيلاً، فضلاً عن نبي الله إسحاق عليه السلام. وهذا كله مما لا يليق وصف الأنبياء عليهم السلام به، كما أن النبوة ليست بيد إسحاق ولا بيد غيره من الأنبياء، بل هي محض تفضل من الله عز وجل. قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ. [الزخرف:32] وقال تعالى: وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام: 124]. ويتجلى في هذه القصة طرف من مكر اليهود وكيدهم، فإذا نظرنا إلى قصة إسماعيل وإسحاق عليهما السلام نجد أنهم أغفلوا مسألة البكورية في استحقاق البركة، والتي يقصدون بها النبوة، وجعلوا البركة لإسحاق دون إسماعيل عليه السلام؛ لأن إسماعيل عندهم ابن جارية، ولما صار الأمر متعلقاً بعيسو ويعقوب، وعيسو هو الأكبر حسب كلامهم اخترعوا هذه القصة، حتى يبينوا أن يعقوب قد أخذ البركة دون أخيه عيسو. وأيضاً تلك البركة التي يزعمون أنها للأكبر لا نراها بَعْدُ في نبي آخر من أنبيائهم، حتى أن يعقوب عليه السلام لما بارك أبناءه عند موته جعل البركة العظمى ليوسف عليه السلام، وهو أصغر أبناء يعقوب، ما عدا شقيقه بنيامين فقد كان أصغر منه، وهكذا أيضاً بارك يعقوب أفرايم ومنسي ابني يوسف عليه السلام، فقد كان منسي هو البكر، فجعل يعقوب عليه السلام البركة الأهم لأفرايم- وهو الصغير- حيث وضع عليه يده اليمنى، فهذه قصة مخترعة مفتراة على نبي الله إسحاق ويعقوب عليهما السلام، لاشك في ذلك.

المبحث الرابع: هارون عليه السلام:

المبحث الرابع: هارون عليه السلام: زعموا أن هارون عليه السلام هو الذي صنع لهم العجل ودعاهم إلى عبادته فقالوا في (سفر الخروج) (32/ 1): (ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا ... فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها .... فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل). فهل يعقل أن نبيًّا أرسله الله لدعوة قومه إلى عبادة الله وحده يصنع لقومه عجلاً، ويدعوهم إلى عبادته؟! حاشا أنبياء الله من ذلك. وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ في القرآن أن الذي صنع لهم العجل هو السامري، فقال عزَّ وجلَّ: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ [طه: 85]. أما هارون عليه السلام فقد قام بواجبه من ناحية نهيهم عن عبادة العجل، قال جلَّ وعلا: وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي [طه: 90].

المبحث الخامس: داود عليه السلام:

المبحث الخامس: داود عليه السلام: زعموا أنه زنى بامرأة أحد جنوده، وحبلت من ذلك الزنى، ثم إنه تسبب في مقتل زوجها حيث أمر أن يُجعل في مقدمة الجيش حتى يعرِّضه للقتل، ثم بعد مقتل زوجها تزوَّجها ومات ذلك المولود الأول، ثم حبلت مرة أخرى، فأنجبت النبي سليمان عليه السلام.

المبحث السادس: سليمان عليه السلام:

المبحث السادس: سليمان عليه السلام: زعموا أن سليمان عليه السلام تزوَّج بنساء مشركات يعبدن الأصنام، ثم هو عبد الأصنام معهن وبنى للأصنام أيضاً معابد لعبادتها. ذلك كله محض افتراء وكذب، وهو من افتراءات اليهود على أنبياء الله تعالى وكذبهم عليهم، وأن هذا من أظهر أدلة تحريف الكتب الإلهية، والعبث فيها وفق أهوائهم ورغباتهم. ولسائل أن يسأل لماذا طعن اليهود في أنبيائهم, وقد كان لأنبيائهم الدور الأكبر والفضل العظيم عليهم بعد فضل الله فيما نالوا من خير الدنيا وعزِّها في سابق حياتهم؟ إن هذا لسؤال محير!! إلا أنَّا إذا تصورنا أن هذه الكتب قد طالتها يد التحريف، ولا نعرف على التحقيق من الذي تولَّى تحريفها، ولا الزمان الذي حرِّفت فيه، إلا أننا نقطع حسب ما أوردوا في كتبهم أن بني إسرائيل انحرفوا عن دينهم انحرافات خطيرة وكثيرة، بل تركوا دينهم وعبدوا الأصنام والأوثان خاصة فيما قبل السبي، ولا نشك أن جزءاً كبيراً من التحريف كان في تلك الفترات، وهي التي لا يتورع أصحابها عن الافتراء على الله عزَّ وجلَّ وعلى أنبيائه عليهم السلام فتمَّت في ذلك الزمان التحريفات الكثيرة، أو كتابة كتب كاملة ونسبتها إلى نبي من الأنبياء، ثم إن المتأخرين منهم لم يكن لديهم الجرأة على تمحيص تلك النصوص، أو أنهم أيضاً اختلَّت موازينهم بسبب ذلك التحريف. ولكن السؤال لازال قائماً: لماذا حرَّف أولئك اليهود كلام الله، وطعنوا في أنبيائهم وأصحاب الفضل عليهم بهذه المطاعن؟ الذي يبدو لي أن أولئك المحرفين أرادوا أن يبرروا ما هم فيه من فساد وانحراف وفسق، فألصقوا أنواعاً من التُّهم بأنبيائهم حتى لو احتجَّ عليهم محتجٌّ بأمر من الأمور المتعلقة بانحرافهم احتجوا له بأن النبي الفلاني فعل كذا وفعل كذا، كذباً وزوراً. وأيضاً ليخدموا غرضاً في نفوسهم، كما سبق أن قلنا عن طعنهم في نبي الله نوح ولوط عليهما السلام. وهذا كله يكفي في التعبير عنه قول الله عز وجل: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُون [البقرة: 79]. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 110

الفصل العاشر: أهم مواسم اليهود وأعيادهم:

الفصل العاشر: أهم مواسم اليهود وأعيادهم: ـ زيارة بيت المقدس: يتحتم على كل يهودي- ذكر رشيد- زيارة البيت المقدس مرتين كل عام. ـ الهلال الجديد: كانوا يحتفلون لميلاد كل هلال جديد حيث كانت تنفخ الأبواق في البيت المقدس، وتشعل النيران ابتهاجاً به. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي 1 - يوم السبت: وهو (شباث) في العبرانية، بمعنى راحة؛ لأنه يوم يزعمون أن الله استراح فيه- تعالى الله عن قولهم- وأمر عباده بالاستراحة فيه وباركه. ومدته من غروب شمس يوم الجمعة إلى غروب شمس يوم السبت، وجعلوا أهم شعائره الكف عن أي عمل، بذلك جاء الأمر صريحاً في الوصايا العشر المنسوبة إلى موسى (واليوم السابع سبت للرب إلهك لا تصنع فيه عملاً لك). وتعدي السبت والعمل فيه يعتبر من أعظم الخطايا عندهم. 2 - عيد الفصح: ويسمَّى عيد الربيع وعيد الفطير، ومدته سبعة أيام تبدأ من الخامس عشر من شهر نيسان، ويقيمه اليهود إحياءً لذكرى نجاة بني إسرائيل من فرعون وخلاصهم من العبودية في مصر. وطقوسه توجب على اليهود أن يأكلوا فيه الخبز من عجين الفطير، ويتلون الأدعية، ويقيمون الصلوات، ويحرقون القرابين، ويجتمعون على مائدة تُقصُّ فيها حكاية الفصح، وهي قصة ما حدث لبني إسرائيل مع موسى إبان خروجهم من مصر. 3 - يوم التكفير والغفران: وهو اليوم العاشر من شهر تشرين، وهو من أهم أعيادهم، وأقدس أيام السنة عندهم، وهو عندهم ذكرى نزول موسى عليه السلام من جبل سيناء ومعه الشريعة، وأعلن لهم فيه أن الله قد غفر لهم خطيئتهم في عبادتهم للعجل، ويبدأ قبل غروب الشمس من اليوم التاسع من تشرين، ويستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي. ويشرع لهم فيه الصيام ويطلبون فيه المغفرة عن الذنوب التي فعلها اليهود، في صلاة جماعية يؤديها الكهنة. وعندهم أعياد أخرى مرتبطة بمناسبات بعض الأحداث التي حدثت لهم، كعيد المظال، وعيد الفوريم ونحوها ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 137

الفصل الحادي عشر: بداية انحراف اليهود:

الفصل الحادي عشر: بداية انحراف اليهود: كانت عقيدةُ اليهود قبل أن يحرفوها عقيدةَ التوحيد الخالص، والإيمان الصحيح المنزلة من الله على موسى عليه السلام قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ [المائدة:44]. هذه هي عقيدتهم، ولكنهم حرَّفوها، وبدَّلوها، وابتدعوا فيها ما لم ينزله الله حتى صاروا فيما بعد- وإلى الآن- على الشرك والعداء لله ورسله. أما بداية انحرافهم عن العقيدة الصحيحة فكانت في عهد موسى عليه السلام، وهو حي بين ظهرانيهم؛ حيث تعنتوا، وعاندوا، وآذوا موسى عليه السلام. وفيما يلي أمثلة من ذلك: 1 - اتخاذهم العجل معبوداً من دون الله، قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 51 - 54]. 2 - قولهم لموسى: أرنا الله جهرة. قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة: 55 - 57]. 3 - قولهم: حنطة. بدلاً من قول: حطة. قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون [البقرة: 58 - 59]. 4 - قولهم لموسى: لن نصبر على طعام واحد. قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْوَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَارَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة: 60 - 61]. 5 - ما حصل من العناد والتعنت في قصة القتيل الذي اختصموا فيه وفيمن قتله، قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون [البقرة: 72 - 74]. 6 - قولهم لموسى: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون [المائدة: 24]. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص75 - 77

الفصل الثاني عشر: نبذة مختصرة عن عقيدة اليهود المحرفة:

المبحث الأول: الجذور الفكرية والعقائدية: عبادة العجل مأخوذة عن قدماء المصريين حيث كانوا هناك قبل الخروج، والفكر المصري القديم يعد مصدراً رئيسيًّا للأسفار في العهد القديم. أهم مصدر اعتمدت عليه أسفار العهد القديم هو تشريع حمورابي الذي يرجع إلى نحو سنة (1900) ق. م، وقد اكتشف هذا التشريع في سنة (1902) م محفوراً على عمود أسود من الصخر، وهو أقدم تشريع سامي معروف حتى الآن. - يقول التلمود بالتناسخ، وهي فكرة تسربت لبابل من الهند، فنقلها حاخامات بابل إلى الفكر اليهودي. - تأثروا بالفكر النصراني، فتراهم يقولون: (تسبَّب يا أبانا في أن نعود إلى شريعتك، قرِّبنا يا ملكنا إلى عبادتك، وعد بنا إلى التوبة النصوح في حضرتك). - في بعض مراحلهم عبدوا آلهة البلعيم والعشتارت وآلهة آرام وآلهة صيدوم، وآلهة مؤاب وآلهة الفلسطينيين (سفر القضاء: 10/ 60). ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثاني: الإله عند اليهود:

المبحث الثاني: الإله عند اليهود: اليهود كتابيون موحدون، وهذا الأصل. ـ كانوا يتجهون إلى التعدد والتجسيم والنفعية، مما أدَّى إلى كثرة الأنبياء فيهم؛ لردهم إلى جادة التوحيد كلما أصابهم انحراف في مفهوم الألوهية. ـ اتخذوا العجل معبوداً لهم بُعَيْد خروجهم من مصر، ويروي العهد القديم أن موسى قد عمل لهم حية من نحاس، وأن بني إسرائيل قد عبدوها بعد ذلك، كما أن الأفعى مقدس لديهم؛ لأنها تمثل الحكمة والدهاء. ـ الإله لديهم سموه يهوه، وهو ليس إلهاً معصوماً، بل يخطئ ويثور، ويقع في الندم، وهو يأمر بالسرقة، وهو قاس، متعصب، مدمر لشعبه، إنه إله بني إسرائيل فقط، وهو بهذا عدو للآخرين، ويزعمون أنه يسير أمام جماعة من بني إسرائيل في عمود من سحاب. - عزرا هو الذي أوجد توراة موسى بعد أن ضاعت، فبسبب ذلك وبسبب إعادته بناء الهيكل سُمِّي عزرا ابن الله، وهو الذي أشار إليه القرآن الكريم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي مظاهر انحراف عقيدتهم: 1 - الشرك بالله في العبادة، كاتخاذهم العجل ... . 2 - نسبتهم الابن إلى الله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ [التوبة: 30]. 3 - جرأتهم على الله تعالى، كقولهم: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء. [آل عمران: 181] وقولهم: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64]. 4 - القول على الله بغير علم: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً [البقرة: 80] , وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 111]. 5 - زعمهم أن الله تعالى تعب من خلق السموات والأرض، فردَّ الله عليهم بقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب. [ق: 38] وذلك لكمال قوته وقدرته. 6 - زعمهم أن الله ندم على خلق البشر، ومرض حتى عادته الملائكة، وأنه بكى حتى رمد من كثرة البكاء، لما رأى من معاصي البشر. 7 - فساد اعتقادهم في وحي الله وكتبه، حيث اعتقدوا أن الله لم ينزل شيئاً وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ ما أنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون [الأنعام: 91]. 8 - فساد اعتقادهم في النبوة والأنبياء، ومن ذلك أنهم يرون أن النبوة لا يستحقها إلا من كان منهم، ويرشحونه للنبوة، لذلك إذا جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون. ومن مظاهر انحراف عقيدتهم في النبوة والأنبياء أنهم نسبوا للأنبياء والمرسلين أعمالاً قبيحة فمن ذلك قولهم كما جاء في كتبهم (¬1): أ - إن نبي الله هارون عليه السلام صنع عجلاً وعبده مع بني إسرائيل، (إصحاح 32 عدد 1 من سفر الخروج). وقد بيَّن الله ضلالهم في القرآن عندما أخبر أن الذي صنع لهم عجلاً هو السامري. ب - إن إبراهيم عليه السلام قدَّم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها. (إصحاح 12 عدد 14 من سفر التكوين). ¬

(¬1) انظر ((محمد نبي الإسلام)) (ص145)، و ((الرسل والرسالات)) د. عمر الأشقر (ص104 - 105)، و ((المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم)) د. محمد البار (ص177 - 365).

ج - ومن ذلك قولهم: إن لوطاً شرب الخمر حتى سكر ثم قام على ابنتيه، فزنى بهما الواحدة تلو الأخرى, ومعاذ الله أن يفعل لوط ذلك، وهو الذي دعا إلى الفضيلة طوال عمره. (سفر التكوين إصحاح 19 عدد 30). د - وأن روابين زنى بزوجة أبيه يعقوب، وأن يعقوب عليه السلام علم بهذا الفعل القبيح فسكت. (سفر التكوين إصحاح 31 عدد 17). هـ - وأن داود عليه السلام زنى بزوجة رجل من قواد جيشه، ثم دبر حيلة لقتل الرجل، فقتله، وبعدئذ أخذ داود الزوجة وضمَّها إلى نسائه فولدت سليمان. (سفر صموئيل الثاني إصحاح 11 عدد 1). ووأن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره، وعبد الأصنام وبنى لها المعابد. (سفر الملوك إصحاح 11 عدد 5). هذه بعض المخازي والقبائح التي نسبتها هذه الأمة الغضبية إلى أنبياء الله الأطهار، وحاشاهم مما وصفوهم به، وقد فعل اليهود ذلك لمرض قلوبهم وخبث نواياهم، وليسهل عليهم تسويغ ذنوبهم ومعايبهم عندما ينكر عليهم منكرٌ، أو يعترض عليهم معترض. 9 - فساد اعتقادهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: ومن ذلك إنكارهم وجحودهم لنبوته مع علمهم بذلك حقًّا: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ [الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ] الأنعام: 20 [.] 10 - فساد اعتقادهم في الملائكة: حيث يزعمون أن جبريل وميكائيل من أعدائهم، وقد بيَّن الله تعالى ذلك وتوعَّدهم، فقال: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِين [البقرة: 98]. 11 - فساد عقيدتهم في اليوم الآخر: فهم يزعمون أنه لن يدخل الجنة إلا من كان من اليهود، وأن العاصي منهم مهما فعل من المعاصي والآثام فلن يدخل النار إلا أياماً معدودات. وقد كذَّبهم الله تعالى بقوله: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين [البقرة: 111]. وقال: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُون [البقرة: 80]. 12 - زعمهم أنهم هم أصحاب الحق: وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين [البقرة: 135]. 13 - تنقصهم لله تعالى وكذبهم عليه: ومن ذلك قولهم: أ - النهار اثنتا عشرة ساعة في الثلاثة الأولى منها يجلس الله ويراجع الشريعة، وفي الثلاثة الثانية يحكم، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت والأسماك. ب - ليس الله معصوماً من الطيش والغضب والكذب. ج - أرواح اليهود مصدرها روح الله، وأرواح غير اليهود مصدرها الروح النجسة. د - خلق الله الناس باستثناء اليهود من نطفة حصان، وخلق الله الأجنبي على هيئة إنسان؛ ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم. هـ - اليهودي معتبر عند الله أكرم من الملائكة. ولو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة في الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص78 - 81

المبحث الثالث: اليوم الآخر لدى اليهود:

المبحث الثالث: اليوم الآخر لدى اليهود: كانت عقيدة بني إسرائيل- وذلك حين كانت تستمد تشريعها من السماء- هي الإيمان باليوم الآخر، وأنه دار الجزاء، وقد أثبت الله ذلك عنهم في عدة آيات من القرآن الكريم، قال عزَّ وجلَّ في خطابه لموسى عليه السلام: إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: 15]، وقال عزَّ وجلَّ على لسان موسى عليه السلام: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف: 156]، وقال عزَّ وجلَّ عن صالحي جنود طالوت: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 249]، إلا أنَّ اليهود انحرفوا عن هذا الاعتقاد بانحرافهم عن دين الله عزَّ وجلَّ، وقد سجَّل الله عليهم هذه الانحرافات، وعابهم عليها، وكذَّبهم فيها، فقال عزَّ من قائل: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُون [البقرة: 80] وزعموا أن الجنة لهم وحدهم، وكذَّبهم الله بذلك قال عزَّ وجلَّ: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 111] هذا ما حكاه الله عزَّ وجلَّ عن صالحيهم وفاسقيهم من ناحية الإيمان بالبعث والجنة والنار. أما كتابهم التوراة: فقد خلا تماماً من ذكر الجنة والنار، والبعث والنشور، وكذلك سائر الكتب الملحقة فيه إلا نزراً يسيراً. فمن ذلك صورة غير واضحة وردت في (سفر دانيال) (12/ 2) وهو قولهم: (وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي). ويذكر الدكتور (علي وافي): أنه لا يوجد في فرقهم الشهيرة من يؤمن باليوم الآخر، ففرقة الصادوقيين تنكر قيام الأموات، وتعتقد أن عقاب العصاة وإثابة المتقين إنما يحصلان في حياتهم. وفرقة الفريسيين تعتقد أن الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الأرض؛ ليشتركوا في ملك المسيح الذي يأتي آخر الزمان، فهم ينكرون على هذا البعث يوم القيامة. ومن نظر أدنى نظرة في كتاب اليهود التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن الوعود الواردة فيه مقابل الأعمال الصالحة والإيمان بالله تدور حول المتعة الدنيوية من انتصار على الأعداء وكثرة الأولاد، ونماء الزرع، إلى غير ذلك، كذلك الوعيد الوارد على المعاصي والكفر، كله يدور حول انتصار الأعداء عليهم وسبي ذراريهم وموت زرعهم وماشيتهم إلى غير ذلك من العقوبات الدنيوية، مما يدل على عدم إيمانهم باليوم الآخر حسب التوراة والكتب الملحقة بها. وهذا يختلف عما لديهم في التلمود، حيث صرَّحوا بالنعيم والجحيم، فقد ورد فيه: أن الجنة مأوى الأرواح الزكية لا يدخلها إلا اليهود، والجحيم مأوى الكفار، ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء؛ لما فيه من الظلام والعفونة والطين، وأن الجحيم أوسع من النعيم ستين مرَّة. كما ورد في نص الأصول الثلاثة عشر التي وضعها موسى بن ميمون، وجعلها أركان الإيمان اليهودي، قولهم في الركن الثالث عشر: (أنا أؤمن إيماناً كاملاً بقيامة الموتى، في الوقت الذي تنبعث فيه بذلك إرادة الخالق- تبارك اسمه وتعالى ذكره- الآن وإلى أبد الآبدين). وهذا ليس فيه تصريح باليوم الآخر؛ لاحتمال أن يقصد بذلك بعثاً دنيويًّا على نحو عقيدة الفريسيين السابقة، ولكن ذلك يدل على تغير في العقيدة لديهم عما كان عليه كثير من أسلافهم المتقدمين، ولعله من تأثرهم بعقيدة المسلمين؛ لاحتكاكهم بهم؛ لأن موسى بن ميمون كان طبيباً للأيوبيين في مصر. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 119 - 121

المبحث الرابع: من أهم عبادات اليهود:

المطلب الأول: الصلاة: جاء في (سفر دانيال) أن دانيال كان يصلي ويركع ويشكر الله تعالى ثلاث مرات كل يوم (دانيال 6:10)، وأحياناً مرتين كل يوم (مزمور 55:17)، وهي واجبة عندهم. وكانت الصلاة مركبة غالباً من النثر ثم من النظم، وتتلى بالغناء في الابتداء، وبالتدريج صار البعض يستعمل الآلات الموسيقية، كما يتضح من سفر المزامير، وكان يخصص مغنون لهذا القصد (عزرا21:65). وتبدأ الصلاة بغسل اليدين فقط، ثم يوضع شال صغير على الكتفين، وفي الصلوات الجماعية يوضع شال كبير حول العنق، ثم يقرأ القارئ مرتديا ثوباً أسود وقبعة على رأسه؛ لأنه يجب تغطية الرأس عندهم في الصلاة، ويعبرون بذلك عن الاحترام لنصوص التوراة. ويتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس. وكانوا في السابق يركعون ويسجدون في صلاتهم، وبعضهم لا زال يصلي كذلك، إلا أن غالبهم اليوم يصلون جلوساً على الكراسي، كما يفعل النصارى. وهم يحرصون على وضع اليدين على الصدر مع حني الرأس قليلاً، كوقوف الخادم أمام سيده؛ لزيادة الاحترام. وثمة اختلافات في طقوس الصلوات بين فرق اليهود كالسفارديم والإشكنازيم، ولكنها قليلة جدًّا، وتنحصر في الأغاني والملحقات، أما أساس الصلاة والبركات فلا اختلاف فيها. والصلوات الواجبة على اليهودي ثلاث مرات في كل يوم: - صلاة الفجر ويسمونها صلاة السحر (شحاريت). - صلاة نصف النهار أو القيلولة (منحة). - صلاة المساء ويسمونها صلاة الغروب (عربيت). والصلاة عندهم على نوعين فردية وجماعية: أما الفردية: فهي صلوات ارتجالية من الأفراد تتلى حسب الاحتياجات، ولا علاقة لها بالطقوس والمواعيد والمواسم. أما الجماعية فهي تؤدى باجتماع جملة أشخاص علناً في أمكنة مخصوصة ومواعيد معلومة حسب طقوس مقررة من رؤساء الدين والكهنة. وقد تقرأ في تلك الصلاة نصوص من التوراة في لفائف محفوظة في أماكن مخصصة لذلك، بعدها تطوى تلك اللفائف، وقد تنتهي الصلاة بهذا، وقد يتلوها خطبة قصيرة ونشيد تقليدي ودعوات، ويختم كل ذلك بالتبريك، وبهذا تنتهي الصلاة ويخلو المعبد. وقد يسبق انفضاض المعبد قداس أو تبريك بتوزيع كأس من الخمر ورغيفين مبركين لكل مصل.

المطلب الثاني: الصيام:

المطلب الثاني: الصيام: الصيام عند اليهود يبتدئ من قبل غروب الشمس إلى بعد غروب الشمس من اليوم اللاحق، ويمتنعون فيه عن الطعام والشراب والجماع، وبعض الأيام يكون صيامهم فيه من شروق الشمس إلى غروبها، ويمتنعون فيه عن الطعام والشراب فقط. ولليهود أيام عديدة متفرقة يصومونها لمناسبات عدة، منها: - صوم يوم الغفران: وهو أهم صوم عندهم، وهو الصوم الوحيد الذي يعزونه إلى الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام. - صوم تموز: وهو صيام يوم واحد، وهو في الثامن عشر من شهر تموز اليهودي، ويعتبرونه حداداً على حوادث مختلفة، أهمها: تحطيم ألواح التوراة، إبطال القربان اليومي صباحاً ومساء، إحراق التوراة في أورشليم على يد القائد (إتسويندوموس)، وكذلك يجعلون هذا الصوم ذكرى بداية مهاجمة تيطس الروماني لأورشليم بقصد إبادة اليهود سنة (70) م. - صيام التاسع من آب: وهو ذكرى سقوط أورشليم على يد تيطس، وتخريب الهيكل الثاني زمن أدريانوس ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 135

المبحث الخامس: المعاملات:

المطلب الأول: الزواج: يعتبر بقاء اليهودي في العزوبة أمراً منافياً للدين، ويحرم الزواج بين اليهود وغيرهم، والزواج بغير اليهودي أو اليهودية يعتبر فجوراً وزناً مستمرين. ويجوز لليهودي الزواج ببنت أخيه أو ابنة أخته، ولكن العكس محرم، فلا يتزوج الرجل من عمته أو خالته. وحرَّم كثير من فقهائهم زواج بنت الأخت. وتعدد الزوجات جائز عند اليهود، وليس في الدين حد أقصى لتعدد الزوجات، وإن صدرت فتوى متأخرة ابتداء من القرن الحادي عشر في الغرب بتحريم التعدد، وبعض اليهود لازالوا يمارسون هذا الحق. ومن شرائعهم في الزواج أن أرملة اليهودي الذي مات ولم ينجب منها يجب تزويجها لأخيه الأعزب على وجه الإجبار، فإذا أنجب منها فإن المولود يحمل اسم أخيه الميت وينسب إليه، وإذا امتنع الأخ من تزوج أرملة أخيه فإنه يشهر به ويخلع من المجتمع اليهودي، وتسمى المرأة التي تؤول إلى أخي زوجها الميت (يبامه).

المطلب الثاني: الطلاق:

المطلب الثاني: الطلاق: الطلاق في التوراة كان حقًّا موضوعاً بيد الرجل، مستخدمين عبارة (طرد الزوجة من البيت)، لكن فيما بعد أفتى الحاخام جرشوم بن يهودا المتوفى سنة (1040) م بتحريم طرد المرأة من بيت الزوجية إلا إذا أفتى القاضي بطلاقها، أو اتفقت مع زوجها بالتراضي على الطلاق. ولا يعتبر الطلاق نافذاً حتى تصدر فيه وثيقة من الحاخام، وبهذه الوثيقة تستطيع المطلقة الزواج، أما إذا لم تحصل عليها فلا يحق لها الزواج، ويعتبر زواجها بغير الوثيقة غير صحيح، وأولادها من ذلك الزواج غير شرعيين.

المطلب الثالث: المأكل والمشرب:

المطلب الثالث: المأكل والمشرب: من شرائعهم في المطعومات أنه لا يجوز لهم من الحيوانات ذوات الأربع إلا كل ماله ظلف مشقوق، وليس له أنياب، ويأكل العشب ويجتر، فالخيل والبغال والحمير والجمال كلها محرمة، وكذلك الخنزير والسباع والأرانب. ويحرم من الطيور كل ما له منقار معقوف أو مخلب، أو كان من أوابد الطير التي تأكل الجيف والرمم. ويحل أكل الدجاج والأوز والبط والطيور البرية آكلة العشب والحب، أما الأحياء المائية فيحل منها السمك الذي له زعانف وعليه قشور، وما عدا ذلك فكل صيد البحر حرام. ولا يجوز لهم الجمع بين اللحم واللبن والحليب في طعام واحد. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 139

المبحث السادس: أفكار ومعتقدات أخرى:

المبحث السادس: أفكار ومعتقدات أخرى: ـ يعتقدون بأن الذبيح من ولد إبراهيم هو إسحاق المولود من سارة. والصحيح أنه إسماعيل. ـ لم يرد في دينهم شيء ذو بال عن البعث والخلود والثواب والعقاب إلا إشارات بسيطة، وذلك أن هذه الأمور بعيدة عن تركيبة الفكر اليهودي المادي. ـ الثواب والعقاب إنما يتم في الدنيا، فالثواب هو النصر والتأييد، والعقاب هو الخسران والذل والاستعباد. ـ التابوت: وهو صندوق كانوا يحفظون فيه أغلى ما يملكون من ثروات ومواثيق وكتب مقدسة. ـ المذبح: مكان مخصص لإيقاد البخور يوضع قدام الحجاب الذي أمام التابوت. ـ الهيكل: هو البناء الذي أمر به داود وأقامه سليمان، فقد بني بداخله المحراب (أي: قدس الأقداس) وهيَّأ كذلك بداخله مكاناً يوضع فيه تابوت عهد الرب. ـ الكهانة: وتختص بأبناء ليفي (أحد أبناء يعقوب)، فهم وحدهم لهم حق تفسير النصوص وتقديم القرابين، وهم معفون من الضرائب، وشخصياتُهُم وسيلة يتقرب بها إلى الله، فأصبحوا بذلك أقوى من الملوك. ـ القرابين: كانت تشمل الضحايا البشرية إلى جانب الحيوان والثمار، ثم اكتفى الإله بعد ذلك بجزء من الإنسان، وهو ما يقتطع منه في عملية الختان التي يتمسك بها اليهود إلى يومنا هذا، فضلاً عن الثمار والحيوان إلى جانب ذلك. ـ يعتقدون بأنهم شعب الله المختار، وأن أرواح اليهود جزء من الله، وإذا ضرب أممي (جوييم) إسرائيليًّا فكأنما ضرب العزة الإلهية، وأن الفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بمقدار الفرق بين اليهودي وغير اليهودي. ـ يجوز غش غير اليهودي وسرقته، وإقراضه بالربا الفاحش، وشهادة الزور ضده، وعدم البر بالقسم أمامه، ذلك أن غير اليهود في عقيدتهم كالكلاب والخنازير والبهائم، بل إن اليهود يتقربون إلى الله بفعل ذلك بغير اليهودي. ـ يقول التلمود عن المسيح: إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أمه مريم أتت به من العسكري باندارا عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة. ـ بسبب ظروف الاضطهاد نشأت لديهم فكرة المسيح المنتظر كنوع من التنفيس والبحث عن أمل ورجاء. ـ يقولون بأن يعقوب قد صارع الرب، وأن لوطاً قد شرب الخمر وزنى بابنتيه بعد نجاته إلى جبل صوغر، وأن داود قبيح في عين الرب. ـ لقد فقدت توراة موسى بعد تخريب الهيكل أيام بختنصر، فلما كتبت مرة ثانية أيام أرتحشتا ملك فارس جاءت محرفة عن أصلها، يقول الله تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [المائدة: 13]. ـ إن ديانتهم خاصة بهم، مقفلة على الشعب اليهودي. ـ الولد الأكبر الذي هو أول من يرث، وله حظ اثنين من إخوته، ولا فرق بين المولود بنكاح شرعي أو غير شرعي في الميراث. ـ بعد الزواج تعد المرأة مملوكة لزوجها، ومالها ملك له، ولكن لكثرة الخلافات فقد أقر بعد ذلك أن تملك الزوجة رقبة المال والزوج يملك المنفعة. ـ من بلغ العشرين ولم يتزوج فقد استحق اللعنة، وتعدد الزوجات جائز شرعاً بدون حد، فقد حدده الربانيون بأربع زوجات بينما أطلقه القراءون. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل الثالث عشر: مزاعم وأساطير يهودية باطلة:

تمهيد: اليهود- لعنهم الله- قوم بهت وكذب، وهذه الصفة من أقبح الصفات التي انغرست في نفوسهم - خاصة في زعمائهم- وأصبحت طبعاً لازماً لهم، كأنهم جُبلوا عليها، وقد بلغت بهم الجرأة في الكذب والكفر إلى حد الافتراء والكذب على الله عزَّ وجلَّ، وقد سجَّل القرآن الكريم عليهم تلك الصفة المذمومة، فقال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُون. [البقرة: 79] وقال تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون. [آل عمران:78] وقال تعالى: .... وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 41] , وغيرها من الآيات الكريمة. كما شهد عليهم شاهد من أنفسهم، هداه الله إلى الإسلام، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله: ((يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي. فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا. وتنقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله)) (¬1). وقد استخدم الصهاينة اليهود سلاح الكذب والافتراء في خداع الرأي العالمي - خاصة الغربي- وتضليله وتسخيره لأطماعهم ومخططاتهم الصهيونية، وذلك بواسطة نشر الأكاذيب والأساطير والدعاوى اليهودية الكاذبة، وتقديمها إلى الناس على أنها حقائق ثابتة لا تقبل الشك والريب بها - بزعمهم - عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية العالمية اليهودية وأبواقها التابعة لها، ومن أبرز تلك الأكاذيب ما يأتي: 1 - الادعاء بأنهم أبناء الله وأحباؤه وشعب الله المختار. 2 - الزعم بنقاء الجنس والعنصر اليهودي المتميز. 3 - الادعاء بأن لليهود حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في فلسطين. إن هذه الادعاءات أسهمت في تبرير جرائمهم ومكائدهم وحروبهم ومفاسدهم أمام الرأي العالمي؛ لتحقيق الهدف الصهيوني في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين - والغاية تبرر الوسيلة حسب القاعدة الميكافيلية اليهودية- حيث ترافق وتزامن نشر هذه الادعاءات اليهودية الصهيونية وغيرها مع الخطوات والمراحل السابقة لمخطط اليهود في احتلال فلسطين، وسوف نبين إن شاء الله تعالى بطلان هذه المزاعم بالأدلة والبراهين الساطعة. ¬

(¬1) رواه البخاري (3938).

المبحث الأول: زعمهم بأنهم شعب الله المختار:

المبحث الأول: زعمهم بأنهم شعب الله المختار: إن الشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع الخلق داء عضال ومزمن عند الأمة اليهودية، ذكره القرآن الكريم عنهم في آيات كثيرة، وتزخر به نصوص كتبهم المقدسة لديهم، ومنها ما ورد في توراتهم المحرفة: (أنتم أولاد للرب إلهكم ... لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض) ويقول الرّبي عقيبا في المشنا (وصايا الآباء 3/ 18): بنو إسرائيل أحباء الله؛ لأنهم يدعون أبناءه، بل هناك برهان أعظم على هذا الحب، وهو أن الله نفسه قد سماهم بهذا الاسم في قوله في التوراة: (أنتم أولاد للرب إلهكم). وفي مصطلحاتهم نجدهم يخلعون على أنفسهم صفات المدح والتعظيم فيسمون أنفسهم أيضاً بـ (الشعب الأزلي) وبالعبرية (عام عولام)، و (الشعب الأبدي) وبالعبرية (عام ينصح)، و (شعب الله) وبالعبرية (عام ألوهيم). وانبنى على ذلك احتقارهم للأمم الأخرى وتسميتها بألفاظ السباب والشتائم مثل (الجوييم) و (عاريل) و (ممزير)، ثم تمادوا في ادعائهم بأن لهم حق السيطرة على العالم ما داموا أنهم أبناء الله وأحباؤه. - بطلان هذه الدعوى: لقد بيَّن القرآن الكريم بطلان زعمهم بالأدلة الواضحة الدامغة فقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير [المائدة: 18]. قال الإمام القرطبي في تفسير الآية الكريمة: (لم يكونوا يخلون من أحد أمرين: إما أن يقولوا: هو يعذبنا. فيقال لهم: فلستم إذاً أبناؤه ولا أحباؤه، فإن الحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم تقرون بعذابه، وذلك دليل على كذبكم، وإما أن يقولوا: لا يعذبنا. فيكذبوا ما في كتبهم وما جاءت به رسلهم، ويبيحوا المعاصي وهم معترفون بعذاب العصاة منهم، فيلتزمون أحكام كتبهم). وقد كان وسيكون عذاب الله عزَّ وجلَّ لليهود على ذنوبهم في الدنيا قبل الآخرة كما سبق في أثناء الحديث عن تاريخهم. ثم بَيَّن الله عز وجل بطلان أصل الادعاء، وبيّن لهم ما هو الحق من أمرهم فقال تعالى: بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء [المائدة:18] أي: ليس الأمر كما زعمتم أيها اليهود، بل الحق أنكم كسائر البشر من خلق الله، إن آمنتم وأصلحتم أعمالكم نلتم الثواب، وإن بقيتم على كفركم وجحودكم نلتم العقاب، لا فضل لأحد على أحد عند الله إلا بالإيمان والعمل الصالح. فالناس من أصل وأب واحد من آدم عليه الصلاة والسلام، وهو من تراب قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُون [الروم: 20]. فلا فرق بين أسود وأبيض، ولا ميزة لفرد على آخر، ولا فضل لإنسان على إنسان عند الله إلا بالتقوى، وهو المقياس الصحيح، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. [الحجرات: 13] كما أبطل الله عزَّ وجلَّ زعمهم بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. [النساء: 49]

وتحداهم الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم لإظهار كذبهم بقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:6 - 8]، وبقوله تعالى: قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين [البقرة: 94]. ثم نقول متعجبين ومستنكرين: كيف يكون اليهود أبناء الله وأحباؤه وقد غضب الله عليهم ولعنهم في كتبه المقدسة المنزلة على أنبيائه الكرام؟! فقد ورد في القرآن الكريم لعن الله عزَّ وجلَّ وغضبه عليهم صراحة في أحد عشر موضعاً في الآيات القرآنية الآتية: قال تعالى: وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُون [البقرة: 88] وقال تعالى: وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين [البقرة: 89]. - وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون [البقرة: 159]. - وقال تعالى: أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين [عمران: 87]. - وقال تعالى: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلا [النساء: 46]. - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً [النساء: 47]. - وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء: 51 - 52]. - وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين [المائدة: 13].

- وقال تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللهِ مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة: 60]. - وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء .... [المائدة: 64]. - وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون [المائدة: 78 - 79]. ولعنهم الله ضمناً مع الكافرين والمنافقين والظالمين والكاذبين في آيات كثيرة في القرآن الكريم. كما عذبهم عزَّ وجلَّ بألوان من العذاب لم تحدث لغيرهم، كالمسخ قردة وخنازير. قال تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللهِ مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 60 - 63]. وحرَّم عليهم طيبات أحلت لغيرهم، قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين [الأنعام: 146 - 147]. وقضى الله عزَّ وجلَّ عليهم بالتشريد والعذاب والمسكنة والغضب عليهم، قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون [آل عمران: 112].

وإن إنزال العذاب من الله عزَّ وجلَّ على اليهود بسبب كفرهم وعصيانهم ثابت في كتبهم التي يقدسونها لتظل شاهداً على افترائهم وكذبهم، فقد ورد في توراتهم قول موسى عليه الصلاة والسلام: (لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هو ذا وأنا بعد حيٌٌّ معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحري بعد موتي ... لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به، ويصيبكم الشر في آخر الأيام؛ لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم). وذكرت المزامير بعض العقوبات الإلهية التي نزلت على اليهود بسبب كفرهم وعصيانهم، وفيها: (وتعلقوا ببعل فغور، وأكلوا ذبائح الموتى وأغاظوه بأعمالهم فاقتحمهم الوباء، فوقف فينحاس ودان فامتنع الوباء ... لم يستأصلوا الأمم الذين قال لهم الرب عنهم، بل اختلطوا بالأمم وتعلموا أعمالهم، وعبدوا أصنامهم فصارت لهم شركاً، وذبحوا بنيهم وبناتهم للأوثان، وأهرقوا دماً زكيًّا، دم بنيهم وبناتهم الذين ذبحوهم لأصنام كنعان، وتدنست الأرض بالدماء، وتنجسوا بأعمالهم، وزنوا بأفعالهم، فحمي غضب الرب على شعبه وكره ميراثه، أسلمهم ليد الأمم، وتسلَّط عليهم مبغضوهم، وضغطهم أعداؤهم فذلوا تحت يدهم ... ). وقال نبيهم أرميا في رثاء بيت المقدس وما أصابها من الأعداء: (لأن الرب قد أذلها لأجل كثرة ذنوبها، ذهب أولادها إلى السبي قدام العدو). وقال أرميا عن الله وعذابه: (نحن أذنبنا وعصينا أنت لم تغفر، التحفت بالغضب وطردتنا). وقال: (ردَّ لهم جزاءً يا رب حسب عمل أياديهم، لعنتك لهم، اتبع بالغضب وأهلكهم من تحت سماوات الرب). ثم قال في نهاية رثائه لما أصاب بني إسرائيل: (لماذا تنسانا إلى الأبد وتتركنا طول الأيام، ارددنا يا رب إليك فنرتد، جدِّد أيامنا كالقديم، هل كل الرفض رفضتنا؟! هل غضبت علينا جدًّا؟!). كما أن الأناجيل نسبت إلى المسيح عليه الصلاة والسلام ذمَّ اليهود وتوعدهم بالعذاب الإلهي، فقال: (يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء، وراجمة المرسلين إليها، كم أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحها ولم تريدوا، هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً) ..

المبحث الثاني: زعمهم نقاء الجنس اليهودي:

المبحث الثاني: زعمهم نقاء الجنس اليهودي: إن الإحساس بالتميز والاستعلاء والاستكبار لا بد أن يؤدي باليهود إلى التعصب لجنسهم، وزاد في ذلك تأثرهم بمن كانوا يعيشون بينهم في أوروبا القومية، وبالتعصب الديني السائد في أوروبا في العصور الوسطى مما ألجأ اليهود إلى الانعزال - إضافة إلى عوامل أخرى - والانفراد بأحياء خاصة بهم عرفت باسم (الجيتو) كما عرفت في الدول العربية باسم (حارة اليهود)، فادعوا تلك الدعوى الزائفة (بأن جميع يهود العالم من سلالة شعب إسرائيل، وأن يهود كل بلدان العالم إنما هم امتداد عضوي للآباء الأول من عصر إسحاق ويعقوب). وقال زعيم الصهيونية هرتزل: (إن اليهود بقوا شعباً واحداً وعرقاً متميزاً، إن قوميتهم المتميزة لا يمكن أن تزول، ويجب أن لا تنقرض، لذلك لا يوجد غير حل واحد فقط للمسألة اليهودية، هي الدولة اليهودية). بهذا النص يتبين لنا الهدف والمغزى من تلك الدعوى الزائفة، وهو تبرير الاحتلال اليهودي الصهيوني لفلسطين بدعوى العودة إلى أرض الآباء والأجداد!! وقد بلغ من تأثير الدعاية الصهيونية وترويجها لهذه الأسطورة أن صدَّقها بعض العرب، فاعتقدوا بأن اليهود المتجمعين في إسرائيل هم من سلالة النبي الكريم يعقوب (إسرائيل) عليه الصلاة والسلام. - بطلان هذه الدعوى:

إذا عدنا إلى تاريخ اليهود وكتبهم المقدسة لديهم وجدنا أن الاختلاط الجنسي بين اليهود وغيرهم ثابت منذ بداية تاريخهم، فقد ورد في كتبهم ما يأتي: (فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء، وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم). ولو ألقينا نظرة خاطفة على اليهود المعاصرين لوجدناهم مختلفي الألوان والأشكال حسب البلاد التي عاشوا فيها وقدموا منها إلى فلسطين، لذلك يقول عالم الأنثروبولوجيا السويسري أوجين بيتار: (إن جميع اليهود في نظر علماء الأنثروبولوجيا، على الرغم من كل ما يدَّعيه اليهود والمنضوون تحت الفكرة العنصرية الإسرائيلية، بعيدون عن الانتماء إلى (جنس يهودي)، وكما يقول رينان: (لا توجد سحنة يهودية، بل هناك عدة سحنات يهودية)، وليس هناك أصحُّ من قوله هذا، فنحن لا نستطيع أن نعتبر اليهود الحاليين مكوِّنين لكتلة بشرية ذات عنصر واحد، ولا حتى في فلسطين، بعد أن جرَّت إليها الحركات الصهيونية كثيراً من الإسرائيليين دون اختيار أو تمييز. فاليهود ينتمون إلى طائفة دينية واجتماعية، اندمج فيها في كل عصور التاريخ أشخاص من أجناس متباينة، وكان أولئك المتهودون يدخلون فيها من جميع الآفاق المسكونة بالبشر، من اليهود الأحباش- الفلاشة- إلى اليهود الأشكناز- من الجنس الجرماني- إلى التاميل - اليهود الأفارقة الزنوج - إلى اليهود الهنود الذين يسمَّون ببني إسرائيل، واليهود الخزر الذي ينتمون إلى الجنس التركي، فهل هناك من هذه الأنواع الإسرائيلية نوع يعتبر من ناحية التشريح والتحليل ممثلاً حقيقيًّا ونقياً للجنس اليهودي؟! (ويستمر عالم الأجناس البشرية السويسري في تحليل كل نوع من الجاليات اليهودية في العالم، من حيث القامة والجمجمة والهيكل العظمي والتقاطيع ولون البشرة والشعر والعينين وشكل الأنف وغيرها من المميزات البيولوجية، ليخرج بنتيجة حاسمة، وهي أن الدعوى العنصرية التي يجاهر بها اليهود من ناحية وأعداء اليهود من ناحية أخرى ليست إلا ادعاءً خرافيًّا من نسج الخيال). ولو أردنا معرفة حقيقة الكثرة الغالبة من اليهود المعاصرين في فلسطين المحتلة، وخاصة الطبقة الحاكمة في إسرائيل من السياسيين وكبار القادة العسكريين وأقطاب الصهيونية الحديثة، لوجدنا أنهم ينتمون إلى يهود الأشكناز، وهم أحفاد الخزر الذين كانوا في جنوب روسيا، واعتنقوا الديانة اليهودية في القرنين السابع والثامن الميلادي. وعن هؤلاء الخزر تقول الموسوعة اليهودية طبعة (1903) م في المجلد الرابع ص (1 - 5) ما يأتي:

(الخزر: شعب تركي الأصل تمتزج حياته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود روسيا ... أكرهته القبائل البدوية في السهول من جهة، ودفعه توقه إلى السلب والانتقام من جهة أخرى ... على توطيد أسس مملكة الخزر في معظم أجزاء روسيا الجنوبية، قبل قيام الفارنجيين سنة (855م) بتأسيس الملكية الروسية ... في هذا الوقت (855م) كانت مملكة الخزر في أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة ... وعند نهاية القرن الثامن ... تحوَّل ملك الخزر ونبلاؤه وعدد كبير من شعبه الوثنيين إلى الديانة اليهودية ... كان عدد السكان اليهود ضخما في جميع أنحاء مقاطعة الخزر، خلال الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن العاشر ... بدا عند حوالي القرن التاسع، أن جميع الخزر أصبحوا يهودا، وأنهم اعتنقوا اليهودية قبل وقت قصير فقط). إن مملكة الخزر اليهودية التي قامت في جنوب روسيا - بمنطقة القوقاز فيما بين نهري الفولجا والدون- استمرت لمدة قرنين تقريباً، وكان اسم عاصمتها (إتل) وسقطت على يد أمراء (كييف) الروس في الفترة بين سنة (964) و (973) م، ودامت لهم ولاية في القرم نصف قرن آخر إلى سنة (1016) م خريطة منقولة عن دائرة المعارف اليهودية تبيِّن التوزيع الديني في أوربا عام (900) ميلادية، وفي وسطها تظهر إمبراطورية الخزر اليهودية، التي دامت ثلاثة قرون، وكانت كبرى دول اليهود في التاريخ، ولا تمت بأية صلة عرقية إلى دولتي إسرائيل ويهوذا التاريخيتين على أرض فلسطين. والحقيقة أنَّ من يزعمون أنفسهم (يهودا) المنحدرين تاريخيًّا من سلالة الخزر يشكلون أكثر من 92% بالمائة من جميع من يسمون أنفسهم (يهودا) في كل مكان من العالم اليوم، والخزر الآسيويون الذين أنشؤوا مملكة الخزر في أوروبا الشرقية أصبحوا يسمون أنفسهم (يهودا) بالتحول والاعتناق سنة (720م)، وهؤلاء لم تطأ أقدام أجدادهم قط (الأرض المقدسة) في تاريخ العهد القديم، هذه حقيقة تاريخية لا تقبل جدلاً. ويؤيد ذلك معظم الباحثين في علوم الإنسان والآثار والتاريخ المختصون بموضوع خزر أمس ويهود اليوم. وإن حرص اليهود المعاصرين - الذين بيَّنَّا حقيقة أصلهم ونسبهم - على الانتساب- كذباً وزوراً وبهتاناً - إلى نسل بني إسرائيل القدماء؛ لتكون لهم حجة ودليلٌ لتعزيز ادعائهم الباطل بأن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في أرض فلسطين، وهو ما سنبين بطلانه إن شاء الله تعالى في الأكذوبة الثالثة من أكاذيب اليهود وأساطيرهم.

المبحث الثالث: زعمهم أن لهم حقا تاريخيا ودينيا في فلسطين:

المبحث الثالث: زعمهم أن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في فلسطين: يدَّعي اليهود أن لهم حقوقاً تاريخية في فلسطين؛ لأن أجدادهم سكنوها فترة من الزمن، بدءاً بإبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومروراً بموسى ويوشع بن نون عليهم الصلاة والسلام، وإقامة مملكتهم زمن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، وانتهاءً بطرد آخر يهودي من بيت المقدس في عصر التشرد والتشتت اليهودي الذي بدأ عام (70) م. ويدعي اليهود أيضاً أن لهم حقًّا دينيًّا على ما جاء في كتبهم المقدسة لديهم أن الله وعدهم بامتلاك (أرض كنعان) فلسطين وما جاورها (من النيل إلى الفرات) وهي أرض الميعاد؛ لتكون لهم ملكاً ووطناً، ويستدلون على ذلك بما ورد في التوراة أن ذلك الوعد كان مع أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما قال له الرب: (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات). وقال له الرب أيضاً: (وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبديًّا؛ لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبديًّا وأكون إلههم). ويزعم اليهود المعاصرون أنهم أحفاد إبراهيم وسلالته، وأنهم شعب الله المختار فهم الأحق إذاً بفلسطين وما جاورها أرض الآباء والأجداد. بطلان هذه الدعوى: فأما بالنسبة لزعمهم بالحق التاريخي فنبين بطلانه بالآتي: 1 - أن من الثابت تاريخيًّا وجود القبائل العربية من الكنعانيين والفينقيين في فلسطين قبل ظهور اليهود بآلاف السنوات، ولم ينقطع وجود العرب واستمرارهم في فلسطين إلى يومنا، بخلاف اليهود. وقد بيَّنَّا ذلك من قبل. 2 - أن على اليهود المعاصرين - سلالة الخزر- أن يطالبوا بالحق التاريخي لمملكة الخزر بجنوب روسيا وبعاصمتهم (إتل)، وليس بفلسطين أو بيت المقدس، لأن أجدادهم لم يطؤوها من قبل، وقد أوضحنا ذلك أيضاً. 3 - كانت مدة بقاء بني إسرائيل في فلسطين لا تزيد عن ثلاثة قرون ونصف قرن - وبعض المؤرخين يرى أنها تبلغ خمسة قرون- فهل المدة التي مكثوها في فلسطين كافية في إثبات حقهم مقابل وجود العرب في فلسطين من قبلهم وبعدهم لمئات القرون؟!! وأما بالنسبة للحق الديني والوعد الإلهي لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وانتسابهم إليه دينيًّا فهو باطل من وجوه عديدة نذكر منها ما يأتي: 1 - بعد أن أوضحنا بطلان انتساب معظم اليهود المعاصرين إلى سلالة إسرائيل (يعقوب) بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فقد بيَّن لنا القرآن الكريم بطلان انتساب اليهود إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام دينيًّا، فقال عزَّ وجلَّ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَما أنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. [آل عمران: 65 - 68] وقال عزَّ وجلَّ: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون [البقرة: 140].

2 - أنه لا يسلم لليهود صحة كتبهم المقدسة لديهم وما احتجوا بها من نصوص، فقد أثبت القرآن الكريم أنهم تجرؤوا على كتب الله المنزلة على أنبياء بني إسرائيل بالتحريف والتزوير والتغيير قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ .... [المائدة: 13]. وهذا ما سنبينه ونذكر الشواهد والأدلة عليه فيما سيأتي إن شاء الله تعالى. 3 - وعلى فرض التسليم لهم -جدلاً- صحة ما استدلوا به على الوعد الإلهي من كتبهم، فإنا نقول: إن الوعد الإلهي قد أعطي لإبراهيم أولاً عند وصوله أرض كنعان ولم يولد له ولد حينئذ (تكوين 12/ 7)، وتكرر الوعد حين رجوعه إلى أرض كنعان من مصر (تكوين 13/ 15)، ثم تكرر الوعد ولم يكن لإبراهيم ولد (تكوين 15/ 18)، ثم تكرر الوعد لإبراهيم بعد أن ولد له إسماعيل عليهما الصلاة والسلام (تكوين 17/ 8). بناء على ذلك فالوعد الإلهي من حق إسماعيل عليه الصلاة والسلام جدُّ العرب والمسلمين دون غيره؛ لأن إسحاق الابن الثاني لإبراهيم عليهما الصلاة والسلام لم يولد بعد. فإن قيل: بأن الوعد الإلهي لهم بالأرض المقدسة إرثٌ وموطنٌ أبديٌ قد ذكر في القرآن الكريم في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينََ [المائدة: 20 - 21]. فالجواب: أنه بقطع النظر عن كون يهود اليوم هم غير بني إسرائيل القدماء- كما بيناه من قبل - وأن ما جاء في الآية لا يعنيهم؛ لأنها لا تشمل من دان باليهودية من غير بني إسرائيل، وهم معظم أو كل يهود اليوم، فإن الحق في هذا الأمر الذي عليه جمهور المفسرين هو أن عبارة الآية ليست على التأبيد، وإنما هي خاصة بالزمن الذي وعدوا فيه بذلك، ونتيجة لما كان من استجابتهم لأوامر الله وصبرهم، وذلك الجزاء لإيمانهم وتفضيلهم على عالمي زمانهم سنَّة إلهية في عباده عزَّ وجلَّ، قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]. فلما أنحرف بنو إسرائيل عن دين الله الحق، وارتدوا وفسدوا وأفسدوا في الأرض، لم يعد لهم حقٌّ بالتمسك بالوعد الإلهي لهم، بل كان الجزاء عليهم بما تضمنته الآيات الكريمة بلعنة الله عليهم وغضبه وعقابه بتشتيتهم في الأرض، وتسليط من يسومهم سوء العذاب عليهم إلى يوم القيامة، وضرب الذلة والمسكنة عليهم أين ما ثقفوا جزاءً لنقضهم مواثيق الله وكفرهم بآياته. 4 - كما يمكن القول أيضاً أن وعد الله لهم قد تحقق بعد موسى عليه الصلاة والسلام حينما دخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون - فتى موسى عليهما الصلاة والسلام - وأقاموا فيها زمن داود وسليمان عليهما السلام حينما فضَّلهم الله عزَّ وجلَّ على عالمي زمانهم، ولكن حينما كفروا بالله وفسدوا وأفسدوا في الأرض غضب الله عليهم، فعذبهم وسلَّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، وحرمهم من الأرض المقدسة، وشرَّدهم وشتَّتهم في الأرض. وأما فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان الوعد أبديًّا ولا يمكن نسخه: فيقول الدكتور الفرد جلوم - أستاذ دراسات العهد القديم في جامعة لندن- بأنه لم يقطع إطلاقاً أي وعد غير مشروط بأن التملك سيكون أبديًّا، هذا مع أن المقصود كان فترة طويلة غير محددة. اهـ.

5 - إن الوعد الإلهي مشروط بالإيمان والعمل الصالح، فقد ورد في التوراة الأمر بذلك وبالمثوبة عليه، والوعيد الشديد لمن كفر بالله وارتدَّ عن دينه ونصه: (فإن انصرف قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها، فإني أنبئكم أنكم لا محالة هالكون). وقد ثبت في أسفارهم المقدسة لديهم أنهم قد كفروا بالله وارتدوا وعبدوا آلهة وأوثاناً أخرى، وقد أوضحنا ذلك أثناء سردنا لتاريخهم. لذلك حلَّ بهم العذاب والبلاء والغضب من الله، وهو ثابت أيضاً في أسفارهم حيث يقول نبيهم أرميا: (لماذا بادت الأرض واحترقت كبرية بلا عابر؟! فقال الرب: على تركهم شريعتي التي جعلتها أمامهم، ولم يسمعوا لصوتي ولم يسلكوا بها، بل سلكوا وراء عناد قلوبهم ووراء البعليم التي علمهم إياها آباؤهم، لذلك قال رب الجنود إله إسرائيل: ها أنا ذا أطعم هذا الشعب أفْسِنْتينا، وأسقيهم ماء العلقم، وأبددهم في أمم لم يعرفوها هم ولا آباؤهم، وأطلق وراءهم السيف حتى أفنيهم). وقال: (هكذا قال الرب: إن كنت لم أجعل عهدي مع النهار والليل فرائض السماوات والأرض، فإني أرفض نسل يعقوب وداود عبدي). بل قد ورد التصريح في أسفارهم المقدسة لديهم بحرمانهم من بيت المقدس بسبب كفرهم وضلالهم وعصيانهم، فقال أشعيا: (فكان إليَّ كلام الرب قائلاً: يا ابن آدم، إن الساكنين في هذه الخرب في أرض إسرائيل يتكلمون قائلين: إن إبراهيم كان واحداً وقد ورث الأرض ونحن كثيرون، لنا أعطيت الأرض ميراثاً، لذلك قل لهم: هكذا قال السيد الرب تأكلون بالدم وترفعون أعينكم إلى أصنامكم وتسفكون الدم، أفترثون الأرض!! وقفتم على سيفكم فعلتم الرجس، وكل منكم نجَّس امرأة صاحبه، أفترثون الأرض!!). فمتى نقض اليهود عهد الله فإنه عزَّ وجلَّ لا ينفذ عهده ووعده لهم، بل ينفذ وعيده وعذابه، فالأرض لله يورثها من أقام دينه واتبع تعاليمه، لا من يفسد في الأرض ويعيث فساداً، قال الله تعالى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]. وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]. وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون [النور: 55]. وقال تعالى: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور [الحج: 41]. والمسلمون هم المراد بهذه الآيات الكريمة إذا صدقوا ما عاهدوا الله عليه ورجعوا إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، وتمسكوا بالإسلام كاملاً أفراداً وأُسراً، ومجتمعات ودولاً، ونكتفي بهذه الأوجه في الردِّ على مزاعم اليهود وبيان بطلانها ¤ موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة لمحمود عبد الرحمن قدح -ص 271 فما بعدها

الفصل الرابع عشر: من أوصاف اليهود وأخلاقهم:

الفصل الرابع عشر: من أوصاف اليهود وأخلاقهم: لليهود أوصاف قبيحة، وأخلاق ذميمة مرذولة، والكتاب والسنة حافلان في بيان ذلك. كما أن شواهد التاريخ والواقع شاهدان على اليهود بالسوء والفساد. فمن أخلاقهم وصفاتهم على سبيل الإجمال: الكبر، والحسد، والظلم، وكتمان الحق، وتحريف الكلم عن مواضعه. ومنها الخيانة، والغدر، وسوء الأدب، واحتقار الآخرين، والسعي في الفساد، وإثارة الفتن والحروب. ومنها الكذب، والجشع، وقسوة القلب، ومحبة إشاعة الفاحشة، وأكل الربا. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص81 فمن صفاتهم وأخلاقهم: أـ كتمان الحق والعلم، حتى وإن كان وحياً منزلا من الله تعالى لهم، فإنهم لا يتورعون عن جحده وكتمانه ما دام لا يخدم أغراضهم وغاياتهم الفاسدة، قال الله تعالى عنهم يعاتبهم على ذلك: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون [عمران: 71]. ب ـ الخيانة والغدر والمخادعة، فهم بجهلهم وغرورهم يخادعون الله تعالى وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، فقد خانوا موسى عليه السلام، وخانوا الله ورسوله في المدينة حيث نقضوا عهدهم، وحالفوا المشركين، وهموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أجلاهم من المدينة. ج ـ الحسد: فهم يحسدون الناس على كل شيء حتى على الهدى والوحي المنزل من الله رحمة للعالمين، قال الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [البقرة: 109]. وقال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ [النساء: 54]. د ـ الإفساد وإثارة الفتن والحروب: قال الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ما أنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين [المائدة: 64]. هـ ـ تحريف كلام الله تعالى وشرعه، والكذب على الله بما يتفق مع أهوائهم وأغراضهم الفاسدة، فقد قال تعالى عنهم: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ [المائدة: 13]. ثم هم يبتدعون كلاما وشرعا ويوهمون الناس بكلامهم المزيف أنه منزل من الله، قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 78].

وإذا لم توافق أحكام الشرع أهواءهم تحايلوا في انتهاك حرمات الله، قال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما): ((قاتل الله اليهود حرَّم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها)). هذا لفظ مسلم (¬1) كما حصل منهم في قصة اعتدائهم في السبت. وـ البذاءة وسوء الأدب: وهذا ناشئ عن احتقارهم لغيرهم من الأمم والشعوب، بل إنهم ليحتقرون أنبياء الله تعالى ويسخرون منهم، فقد كانوا يمرون برسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون له: (السام عليك). فقد روى مسلم عن جماعة من الصحابة ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود فقالوا: السام (¬2) عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم)). (¬3) ولذلك صح في السنة أن يردَّ المسلم على الكافر إذا سلَّم عليه بقوله: (وعليك). ليردَّ التحية بمثلها، والمبادر بالسوء أظلم. ز ـ احتقار الآخرين: فهم يزعمون أنهم شعب الله المختار، وأنهم أولياء الله وأحباؤه، وأنهم وحدهم أهل الجنة والمستحقون لرضا الله ورحمته، ويسمون غيرهم من النصارى والمسلمين وسواهم (الأمميين) أو الأميين؛ لذلك هم يستبيحون أموال الآخرين ودماءهم وأعراضهم، بل يرون أنهم كالأنعام مسخرة لليهود، وذكر الله عنهم بأنهم يقولون: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ. [آل عمران: 75]. أي: ليس علينا حرج إذا أخذنا أموالهم واغتصبنا حقوقهم وجعلناهم فريسة لنا. وقد ذكروا ذلك أيضا في مخططاتهم يقولون: (إن الأمميين (غير اليهود) كقطيع من الغنم وإننا الذئاب، فهل تعلمون ما تفعل الغنم حينما تنفذ الذئاب إلى الحظيرة) (¬4) ح ـ قسوة القلوب: وقد جاء ذلك عقوبة من الله تعالى لهم على مخالفتهم لأوامره، وكثرة شغبهم على رسله، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة: 13]. وقال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة: 74]. ط ـ الجشع والطمع والحرص على الحياة الدنيا، قال الله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة: 96]. ي ـ كراهية المسلمين والكيد الدائم لهم: قال الله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة: 82]. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص31 ومن صفاتهم الغباوة: ... ¬

(¬1) رواه مسلم (1583) , والبخاري (2224) , واللفظ لمسلم. (¬2) السام: السم والموت. قاتلهم الله. (¬3) رواه مسلم (2165) , من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬4) ((الخطر اليهودي، بروتوكولات حكماء صهيون)) (ص 158).

فقد حكى الله لك عن جهل أسلافهم وغباوتهم وضلالهم ما يدل على ما وراءه من ظلمات الجهل التي بعضها فوق بعض، ويكفي في ذلك عبادتهم العجل الذي صنعته أيديهم من ذهب، ومن عبادتهم أن جعلوه على صورة أبلد الحيوان وأقله فطانة، الذي يضرب المثل به في قلة الفهم، فانظر إلى هذه الجهالة والغباوة المتجاوزة للحد، كيف عبدوا مع الله إلهاً آخر وقد شاهدوا من أدلة التوحيد وعظمة الرب وجلاله ما لم يشاهده سواهم؟! وإذ قد عزموا على اتخاذ إله دون الله، اتخذوه ونبيهم حي بين أظهرهم لم ينتظروا موته! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من الملائكة المقربين ولا من الأحياء الناطقين، بل اتخذوه من الجمادات! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من الجواهر العلوية كالشمس والقمر والنجوم، بل من الجواهر الأرضية! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من الجواهر التي خلقت فوق الأرض عالية عليها كالجبال ونحوها، بل من جواهر لا تكون إلا تحت الأرض، والصخور والأحجار عالية عليها! وإذ قد فعلوا لم يتخذوه من جوهر يستغني عن الصنعة وإدخال النار وتقليبه وجوهاً مختلفة وضربه بالحديد وسبكه، بل من جوهر يحتاج إلى الأيدي له بضروب مختلفة وإدخاله النار وإحراقه واستخراج خبثه! وإذ قد فعلوا لم يصوغوه على تمثال ملك كريم ولا نبي مرسل ولا على تمثال جوهر علوي لا تناله الأيدي بل على تمثال حيوان أرضي. وإذ قد فعلوا لم يصوغوه على تمثال أشرف الحيوانات وأقواها وأشدها امتناعاً من الضيم كالأسد والفيل ونحوهما، بل صاغوه على تمثال أبلد الحيوان وأقبله للضيم والذل بحيث يحرث عليه الأرض، ويسقى عليه بالسواقي والدواليب، ولا له قوة يمتنع بها من كبير ولا صغير. فأي معرفة لهؤلاء بمعبودهم ونبيهم وحقائق الموجودات؟ وحقيق بمن سأل نبيه أن يجعل له إلهاً فيعبد إلهاً مجعولاً بعد ما شاهد تلك الآيات الباهرات، أن لا يعرف حقيقة الإله ولا أسماءه وصفاته ونعوته ودينه، ولا يعرف حقيقة المخلوق وحاجته وفقره. ولو عرف هؤلاء معبودهم ورسولهم لما قالوا لنبيهم: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]. ولا قالوا له: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا [المائدة:24]. ولا قتلوا نفساً وطرحوا المقتول على أبواب البرآء من قتله، ونبيهم حي بين أظهرهم، وخبر السماء والوحي يأتيه صباحاً ومساءً، فكأنهم جوزوا أن يخفى هذا على الله كما يخفى على الناس! ولو عرفوا معبودهم لما قالوا في بعض مخاطباتهم له: يا أبانا انتبه من رقدتك، كم تنام؟. ولو عرفوه لما سارعوا إلى محاربة أنبيائه وقتلهم وحبسهم ونفيهم، ولما تحيلوا على تحليل محارمه وإسقاط فرائضه بأنواع الحيل. ولقد شهدت التوراة بعدم فطانتهم، وأنهم من الأغبياء، ولو عرفوه لما حجروا عليه بعقولهم الفاسدة أن يأمر بالشيء في وقت لمصلحة، ثم يزيل الأمر به في وقت آخر؛ لحصول المصلحة وتبدله بما هو خير منه، وينتهي عنه ثم يبيحه في وقت آخر؛ لاختلاف الأوقات والأحوال في المصالح والمفاسد، كما هو مشاهد في أحكامه القدرية الكونية التي لا يتم نظام العالم ولا مصلحته إلا بتبديلها واختلافها بحسب الأحوال والأوقات والأماكن، فلو اعتمد طبيب أن لا يغير الأدوية والأغذية بحسب اختلاف الزمان والأماكن والأحوال لأهلك الحرث والنسل وعُدَّ من الجهال، فكيف يحجر على طبيب القلوب والأبدان أن تتبدل أحكامه بحسب اختلاف المصالح؟! وهل ذلك إلا قدح في حكمته ورحمته وقدرته وملكه التام وتدبيره لخلقه؟

ومن جهلهم بمعبودهم ورسوله وأمره أنهم أُمروا أن يدخلوا باب المدينة التي فتحها الله عليهم سُجَّداً ويقولوا: حطة. فيدخلوا متواضعين لله سائلين منه أن يحط عنهم خطاياهم, فدخلوا يزحفون على أستاههم بدل السجود لله، ويقولون: هنطا سقمانا. أي: حنطة سمراء، فذلك سجودهم وخشوعهم، وهذا استغفارهم واستقالتهم من ذنوبهم. ومن جهلهم وغباوتهم أن الله سبحانه أراهم من آيات قدرته وعظيم سلطانه وصدق رسوله ما لا مزيد عليه، ثم أنزل عليهم بعد ذلك كتابه وعهد إليهم فيه عهده، وأمرهم أن يأخذوه بقوة فيعيدوه بما فيه، كما خلصهم من عبودية فرعون والقبط فأبوا أن يقبلوا ذلك وامتنعوا منه، فتنقل الجبل العظيم فوق رؤوسهم على قدرهم، وقيل لهم: إن لم تقبلوا أطبقته عليكم. فقبلوه من تحت الجبل. قال ابن عباس: رفع الله الجبل فوق رؤوسهم، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر من تحتهم ونودوا: إن لم تقبلوا أرضختكم بهذا وأحرقتكم بهذا وأغرقتكم بهذا. فقبلوه وقالوا: سمعنا وأطعنا ولولا الجبل ما أطعناك. ولمّا أمنوا بعد ذلك قالوا: سمعنا وعصينا. ومن جهلهم أنهم شاهدوا الآيات ورأوا العجائب التي يؤمن على بعضها البشر ثم قالوا بعد ذلك: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]. وكان الله سبحانه قد أمر موسى أن يختار من خيارهم سبعين رجلاً لميقاته، فاختارهم موسى وذهب بهم إلى الجبل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل، وقال للقوم: ادنوا. ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الحجاب وقعوا سُجَّداً، فسمعوا الرب تعالى وهو يكلم موسى ويأمره وينهاه ويعهد إليه، فلما أنكشف الغمام قالوا: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]. ومن جهلهم أن هارون لما مات ودفنه موسى قالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته حسدته على خلقه ولينه ومحبة بني إسرائيل له. قال: فاختاروا سبعين رجلاً فوقفوا على قبر هارون، فقال موسى: يا هارون أقتلت أم مت؟ قال: بل مت وما قتلني أحد. فحسبك من جهالة أُمة وجفائهم أنهم اتهموا نبيهم ونسبوه إلى قتل أخيه، فقال موسى: ما قتلته. فلم يصدقوه حتى أسمعهم كلامه وبراءة أخيه مما رموه به. ومن جهلهم أن الله سبحانه شبههم في حملهم التوراة وعدم الفقه فيها والعمل بها بالحمار يحمل أسفاراً، وفي هذا التشبيه من النداء على جهالتهم وجوه متعددة: منها: أن الحمار من أبلد الحيوانات التي يضرب بها المثل في البلادة. ومنها: أنه لو حمل غير الأسفار من طعام أو علف أو ماء لكان له به شعور، بخلاف الأسفار. ومنها: أنهم حملوها لا أنهم حملوها طوعاً واختياراً، بل كانوا كالمكلفين لما حملوه لم يرفعوا به رأساً. ومنها: أنهم حيث حملوها تكليفاً وقهراً لم يرضوا بها ولم يحملوها رضا واختياراً، وقد علموا أنهم لا بد لهم منها، وأنهم إن حملوها اختياراً كانت لهم العاقبة في الدنيا والآخرة. ومنها: أنها مشتملة على مصالح معاشهم ومعادهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فإعراضهم عن التزام ما فيه سعادتهم وفلاحهم إلى ضده من غاية الجهل والغباوة وعدم الفطانة. ومن جهلهم وقلة معرفتهم أنهم طلبوا عوض المن والسلوى- اللذين هما أطيب الأطعمة وأنفعها وأوفقها للغذاء الصالح- البقل والقثاء والثوم والعدس والبصل، ومن رضي باستبدال هذه الأغذية عوضاً عن المن والسلوى، لم ينكر عليه أن يستبدل الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى والغضب بالرضا والعقوبة بالرحمة، وهذه حال من لم يعرف ربه ولا كتابه ولا رسوله ولا نفسه. وأما نقضهم ميثاقهم، وتبديلهم أحكام التوراة، وتحريفهم الكلم عن مواضعه، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم الرشا، واعتداؤهم في السبت حتى مُسخوا قردة، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وتكذيبهم عيسى ابن مريم رسول الله، ورميهم له ولأمه بالعظائم، وحرصهم على قتله، وتفردهم دون الأمم بالخبث والبهت، وشدة تكالبهم على الدنيا وحرصهم عليها، وقسوة قلوبهم وحسدهم وكثرة سخطهم، فإليه النهاية. وهذا وأضعافه من الجهل وفساد العقل، قليلٌ على من كذَّب رسل الله وجاهر بمعاداته ومعاداة ملائكته وأنبيائه وأهل ولايته، فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله؟ وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة؟ وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق المؤولة إليه ومآله بعد الوصول إليه؟! فأهل الأرض كلهم في ظلمات الجهل والغي إلا من أشرق عليه نور النبوة ¤ هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية - ص357 - 364

الفصل الخامس عشر: موقف اليهود وأهدافهم تجاه المسلمين:

المبحث الأول: مواقف اليهود مع المسلمين قديماً وحديثاً: منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام واليهود يكيدون لهذا الدين ولنبيه، مع أنهم يعرفون أنه رسول الله حقًّا، ولديهم الأدلة على ذلك، كما ذكر الله عنهم أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك كله جحدوا نبوته وأنكروها، وحاولوا النيل من النبي صلى الله عليه وسلم، فحاولوا قتله، وسحروه، ووضعوا له السم، وقاموا بإثارة الفتن بين الأوس والخزرج حتى قال الله تعالى فيهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [آل عمران: 100 - 101]. وتتبع اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسئلة ليحرجوه، وطلبوا أن ينزل عليهم كتاباً من السماء، وقد هوَّن الله أمرهم على رسوله، فقال: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا [النساء: 153]. وعندما فشلوا في إثارة الفتن لَبس بعضهم لباس الإسلام؛ ليطعنوا الإسلام باسم المسلمين: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران: 72]. واستمر كيدهم ونشطوا في عهد عثمان، ولبسوا لباس الإسلام بقيادة ابن السوداء عبد الله بن سبأ، وظلوا يؤلبون المسلمين على عثمان بدعوى أنه ليس أحق بالخلافة، وأن انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى يعني انتقال شخصه إلى علي، كما أنتقلت شخصية موسى إلى يوشع، وذهب عثمان ضحية لهذه الفتنة. وعندما فتح المسلمون الكثير من الأمصار رحب أكثر أهل الذمة من اليهود والنصارى بهذه الفتوح في بلاد العراق والشام ومصر؛ رغبة في الخلاص من الاضطهاد الروماني، حيث عاشوا في ظل دولة الإسلام عيشة أحسن من التي كانوا يعيشونها في السابق مع بني قومهم، إلا أنهم لم يتخلوا عن مكرهم وكيدهم؛ فكلما سنحت لهم فرصة اهتبلوها، وبادروا إليها. وخلاصة القول: أننا لوا استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أن لليهود دوراً في كل فتنة وحدث يضر بالمسلمين، وإن لم يكن الحدث من صنعهم ابتداءً، لكنهم يوقدونه ولو بعد حين. وهذا ما جعل بعض الباحثين يذهبون إلى أن اليهود وراء كل الفتن والأحداث. ولا يشك أحد بأن اليهود عملوا جهدهم- ولا يزالون- في الدس والتفريق بين المسلمين، ومحاولة إفساد عقيدتهم وأخلاقهم؛ فالمحققون يجزمون بأن اليهود هم الذين أنشؤوا التشيع والرفض ابتداءً، وهم الذين بذروا بذور الفرق الضالة كالمعتزلة والجهمية وسائر الفرق الباطنية كالنصيرية، والإسماعيلية، والدروز، والقرامطة، وهم الذين مهدوا للدولة الفاطمية الشيعية وعن طريقها نشر اليهود البدع القبورية، والطرق الصوفية، والأعياد المبتدعة، كعيد الميلاد، والبدع والخرافات التي سادت في عهد الدولة الفاطمية، ودولة القرامطة وما بعدها. ولما ظهرت القاديانية، والبهائية أيدوها ثم احتضنوها.

وهم الذين ساهموا في سقوط الخلافة العثمانية، ولن ينسى المسلمون ما فعله يهود الدونمة في تركيا حين أظهروا الإسلام، ودخلوا في عمق الخلافة، وكادوا الإسلام؛ فأسسوا الجمعيات السرية للإطاحة بالخلافة، ثم إعلان العلمانية ومكَّنوا لصنيعتهم مصطفى كمال أتاتورك. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص82 - 83 عرف اليهود أنهم لن يستطيعوا أن ينالوا من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أصل دينه ما يريدون علنا، كما فعلوا بدين النصارى، وكما فعلوا بالأنبياء من قبل من التكذيب المعلن والإيذاء والقتل. لذلك سلكوا مسلك الكيد الخفي للمسلمين، وصارت لهم اليد الطولى في إثارة الفرقة والخلافات والفتن التي حدثت في التاريخ الإسلامي ولا يزالون. ويجب أن لا نبالغ- كما يسلك بعض الكتاب والباحثين- لنقول بأنهم هم وراء كل الأحداث والفتن؛ لأنهم أجبن وأضعف من أن يكونوا كذلك. لكن الذي نجزم به أنهم انتهازيون، وكيدهم متواصل للإسلام وأهله، ولذلك فهم يستفيدون من الأحداث والاضطرابات والفتن، فيكونون من جندها ويوقدونها لئلا تنطفئ، كما أنهم يدعمونها بما يملكون من جهد ووقت ومال. فإذا استعرضنا التاريخ الإسلامي وجدنا أن لليهود دورا في كل فتنة وحدث يضر بالمسلمين، وإن لم يكن هذا الحدث من صنعهم ابتداء لكونهم يوقدونه ولو بعد حين، وهذا ما جعل بعض الكتاب والباحثين يذهبون إلى أن اليهود هم وراء كل الفتن والأحداث. ولا يشك أحد بأن اليهود عملوا جهدهم ـ ولا يزالون ـ في الدس والتفريق بين المسلمين ومحاولة إفساد عقيدتهم وأخلاقهم، فالمحققون يجزمون بأن اليهود هم الذين أنشؤوا التشيع والرفض ابتداء، وهم الذين أسهموا في بذور الفرق التي حادت عن طريق السنة والعقيدة السليمة: كالمعتزلة، والجهمية، وسائر الفرق الباطينة: كالإسماعيلية، والنصيرية والقرامطة والدروز. وهم الذين مهدوا للدولة الفاطمية حتى قامت، وحين قامت أيضا عملوا تحت لوائها معززين مكرمين، وصار لهم نفوذ ظاهر وباطن، وعن طريقها تحقق لليهود الكثير من أهدافهم، مثل نشر البدع القبورية والطرق الصوفية، والأعياد المبتدعة ـ كعيد الميلاد ـ والبدع والخلافات التي سادت في عهد الدولة الفاطمية ودولة القرامطة وما بعدهما. ولما ظهرت القاديانية والبهائية أيدوهما ثم احتضنوهما فيما بعد، ولن ينسى المسلمون ما فعل يهود الدونمة في تركيا حيث أظهروا الإسلام ودخلوا في عمق الخلافة وكادوا للإسلام فأسسوا الجمعيات السرية للإطاحة بالخلافة ثم إعلان العلمانية المشؤومة (بالحكم بغير ما أنزل الله) وحرب الإسلام من الداخل. هذه نماذج من دور اليهود في الكيد للمسلمين، ولا يزال كيدهم متواصلا، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص35

المبحث الثاني: أهداف اليهود:

المبحث الثاني: أهداف اليهود: أهداف اليهود وطموحاتهم لا تقف عند حد؛ فهم يخططون للسيطرة على العالم كله حتى يكون تحت هيمنة مملكتهم إسرائيل التي تم إنشاؤها في فلسطين، والتي يزعمون أن حدودها تكون من العراق شرقاً إلى مصر غرباً- من الفرات إلى النيل- ومن شمال الشام شمالاً إلى يثرب جنوباً. ويمكن إجمال بعض أهدافهم فيما يلي: 1 - تأسيس وتثبيت مملكتهم إسرائيل: بحيث يكون مركزها أور شليم- القدس- وتكون هي منطلق نشاطهم. وبسبب تخلف المسلمين وبعدهم عن دينهم تمكن اليهود من تحقيق أكثر أحلامهم مع الأسف. 2 - التحكم في شعوب العالم، وتسخيرها لخدمتهم؛ لأنهم بزعمهم هم شعب الله المختار، وغيرهم يجب أن يكون مسخراً لخدمتهم. 3 - القضاء على المسلمين: لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُون [التوبة: 10]، وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ... [البقرة: 217] , 4 - إفساد الشعوب، وتحطيم أخلاقهم بسلاح المنكرات من خمر، وزنى، وكذب، وسينما، وربا، وغش، وغدر، وخيانة. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص84

المبحث الثالث: وسائل اليهود ومخططاتهم:

المبحث الثالث: وسائل اليهود ومخططاتهم: يسلك اليهود في سبيل الوصول إلى أهدافهم وسائل شتى، ويقومون بمخططات واسعة مدروسة، ومن ذلك: 1 - إشعال نار الفتنة بين الحكومات وشعوبها: وذلك عن طريق إغراء الحكومات باضطهاد الشعوب، وإغراء الشعوب بالتمرد على الحكومات، ومحاولة إبقاء كل من قوة الحكومة، وقوة الشعب؛ لتبقى العداوة دائمة مستمرة. 2 - إغراء الحكام والوزراء والرؤساء بالاستعلاء على شعوبهم والانغماس بالفساد، والرذيلة، والعهر عن طريق النساء، والخمر، والقمار، والرشاوى والمناصب، والمؤامرات، والفتن. 3 - استعمال العنف والإرهاب في حكم العالم: فهم يصرحون بذلك في بروتوكولاتهم كقولهم: خير النتائج في حكم العالم ما ينتزع بالعنف والإرهاب. 4 - إشاعة الفوضى والخيانة؛ ليتردى العالم، وينحط، ويسهل التحكم به. 5 - العمل على تحطيم عقيدة الولاء والبراء في نفوس المسلمين باسم السلام والتطبيع؛ لكي يزول حاجز النفرة منهم. 6 - استغلال أجهزة الإعلام، وتوجيهها وجهة تخدم مصالحهم، بأن تكون هابطة أخلاقيًّا، ومضللة سياسيًّا، ومذبذبة فكريًّا. 7 - التحكم بالاقتصاد العالمي: وذلك بامتلاك أكبر عدد من المؤسسات والشركات والبنوك، واحتكار الذهب، ومضاعفة الأعمال الربوية، وتشجيع الأنظمة الرأسمالية الربوية، والضرائبية، والاشتراكية التأمينية المحطمة. 8 - نشر المبادئ الهدامة والجمعيات السرية التجسسية، والأحزاب المتطرفة والحركات الثورية، وتشجيع عصابات الخطف والاغتيالات. 9 - السيطرة على الدول النصرانية والشيوعية؛ لتكون أداة مسخرة تخدم أهدافهم، وتحمي دولة إسرائيل الناشئة. وهذا ما حدث فعلاً من بعض الدول خاصة بريطانيا، وأمريكا، وروسيا. هذا شيء من أهدافهم ومخططاتهم، وقد عملوا وجَدُّوا في تحقيق ذلك، وحقَّقوا الكثير، ولم يكن ليتحقق لهم ذلك إلا بعد أن غفل المسلمون عما يدور حولهم. ومتى ما رجع المسلمون إلى رشدهم، وآبوا إلى ربهم فلن تقوم لإسرائيل قائمة بإذن الله. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص85، 86

الفصل السادس عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفصل السادس عشر: الانتشار ومواقع النفوذ: عاش العبريون في الأصل - في عهد أبيهم إسرائيل - في منطقة الأردن وفلسطين، ثم انتقل بنو إسرائيل إلى مصر ثم ارتحلوا إلى فلسطين ليقيموا هناك مجتمعاً يهوديًّا، ولكن نظراً لانعزالهم واستعلائهم وعنصريتهم وتآمرهم، فقد اضطهدوا وشردوا، فتفرقوا في دول العالم فوصل بعضهم إلى أوروبا وروسيا ودول البلقان والأمريكتين وإسبانيا، بينما اتجه بعضهم إلى داخل الجزيرة العربية التي أجلوا عنها مع فجر الإسلام، كما عاش بعضهم في أفريقيا وآسيا. - منذ نهاية القرن الميلادي الماضي وهم لا يزالون يجمعون أشتاتهم في أرض فلسطين، تحرضهم على ذلك، وتشجعهم الصهيونية والصليبية. - مما لا شك فيه أن اليهود الحاليين - الذين يبلغون حوالي خمسة عشر مليوناً - لا يمتون بصلة إلى العبرانيين الإسرائيليين القدماء المنحدرين من إبراهيم عليه السلام؛ إذ إنهم حالياً أخلاط من شعوب الأرض المتهودين الذين تسوقهم دوافع استعمارية. أما الذين يرجعون إلى أصول إسرائيلية فعلاً هم اليوم - وفي إسرائيل بخاصة - يهود من الدرجة الدنيا. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي مراجع للتوسع: ـ إظهار الحق، رحمة الله الهندي. ـ اليهود: نشأتهم وعقيدتهم ومجتمعهم، زكي شنودة ـ ط 1 ـ مكتبة نهضة مصر ـ (1974) م. ـ تاريخ الأقباط، زكي شنودة. ـ الله، عباس محمود العقاد. ـ خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل. ـ مقارنة الأديان: اليهودية، د. أحمد شلبي ـ ط 4 ـ النهضة المصرية ـ (1974) م. ـ اليهود في تاريخ الحضارات الأولى، غوستاف لوبون ـ ترجمة عادل زعيتر ـ طبعة عيسى البابي الحلبي. ـ التوراة، عرض وتحليل، د. فؤاد حسنين. ـ تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، محمد عزة دروزة. ـ الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، عبد القادر شيبة الحمد ـ مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي المراجع الأجنبية: - Berry: Religions of the World. - Reinach: History of Religion. - Smith J.W.D: God and Man in Early Israel. - Kirk: A short History of the Middle East. - Max Margolis and Alexander Mare: A History of the Jewish People. - Herzle: The Jewish state. - Weech: Civilization of Near East. - Wells: A short History of the World . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل السابع عشر: يهود الدونمة:

المبحث الأول: التعريف بهم: هم جماعة من اليهود أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية؛ للكيد للمسلمين، سكنوا منطقة الغرب من آسيا الصغرى، وأسهموا في تقويض الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة عن طريق انقلاب جماعة الاتحاد والترقي ... ولا يزالون إلى الآن يكيدون للإسلام، لهم براعة في مجالات الاقتصاد والثقافة والإعلام؛ لأنها هي وسائل السيطرة على المجتمعات. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: أسسها سباتاي زيفي (1626م-1675) م، وهو يهودي إسباني الأصل، تركي المولد والنشأة، وكان ذلك سنة (1648) م حين أعلن أنه مسيح بني إسرائيل ومخلصهم الموعود، واسمه الحقيقي موردخاي زيفي، وعرف بين الأتراك باسم قرامنتشته. ـ استفحل خطر سباتاي فاعتقلته السلطات العثمانية، وناقشه العلماء في ادعاءاته، ولما عرف أنه تقرر قتله أظهر رغبته في الإسلام، وتسمى باسم محمد أفندي. ـ واصل دعوته الهدامة من موقعه الجديد كمسلم وكرئيس للحجاب، وأمر أتباعه بأن يظهروا الإسلام ويبقوا على يهوديتهم في الباطن. ـ طلب من الدولة السماح له بالدعوة في صفوف اليهود، فسمحت له بذلك، فعمل بكل خبث واستفاد من هذه الفرصة العظيمة للنيل من الإسلام. ـ اتضح للحكومة بعد أكثر من (10) سنوات أن إسلام سباتاي كان خدعة، فنفته إلى ألبانيا ومات بها. - أطلق الأتراك على أتباع هذا المذهب الدونمة، وهي مشتقة من المصدر التركي دونمك، بمعنى العودة والرجوع. - إبراهام نطحان: يهودي، وقد أصبح رسول سباتاي إلى الناس. - جوزيف بيلوسوف: وهو خليفة سباتاي ووالد زوجته الثانية، كان يتحرك باسم عبد الغفور أفندي. - مصطفى جلبي رئيس فرقة قاش، وهي من ضمن ثلاث فرق تفرعت عن الدونمة، وهم اليعاقبة والقاقاشية والقاباتجية. - ليس لهم مؤلفات مطبوعة ومتداولة، ولكن لهم نشرات سرية كثيرة يتداولونها فيما بينهم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات:

المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات: يعتقدون أن سباتاي هو مسيح إسرائيل المخلص لليهود. - يقولون: إن الجسم القديم لسباتاي صعد إلى السماء، فعاد بأمر الله في شكل ملاك يلبس الجلباب والعمامة ليكمل رسالته. - يظهرون الإسلام ويبطنون اليهودية الماكرة الحاقدة على المسلمين. - لا يصومون ولا يصلون ولا يغتسلون من الجنابة، وقد يظهرون بعض الشعائر الإسلامية في بعض المناسبات كالأعياد مثلاً؛ إيهاماً وخداعاً، ومراعاة لعادات الأتراك, ذرًّا للرماد في عيونهم، ومحافظة على مظاهرهم كمسلمين. - يحرمون مناكحة المسلمين، ولا يستطيع الفرد منهم التعرف على حياة الطائفة وأفكارها إلا بعد الزواج. - لهم أعياد كثيرة تزيد على العشرين منها: الاحتفال بإطفاء الأنوار وارتكاب الفواحش، ويعتقدون أن مواليد تلك الليلة مباركون، ويكتسبون نوعاً من القدسية بين أفراد الدونمة. - لهم زي خاص بهم، فالنساء ينتعلن الأحذية الصفراء، والرجال يضعون قبعات صوفية بيضاء مع لفها بعمامة خضراء. - يحرمون المبادرة بالتحية لغيرهم. - يهاجمون حجاب المرأة، ويدعون إلى السفور والتحلل من القيم، ويدعون إلى التعليم المختلط؛ ليفسدوا على الأمة شبابها. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المبحث الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: عقيدتهم يهودية صرفة، وبالتالي فهم يتحلّون بالخصال الأساسية لليهود، كالخبث والمراوغة والدهاء والكذب والجبن والغدر، وتظاهرهم بالإسلام إنما هو وسيلة لضرب الإسلام من داخله. - لهم علاقة وطيدة بالماسونية، وكان كبار الدونمة من كبار الماسونيين. - يعملون ضمن مخططات الصهيونية العالمية. - يمتلكون ويديرون أكثر الجرائد التركية انتشاراً، مثل جريدة حريت ومجلة حياة ومجلة التاريخ وجريدة مليت وجريدة جمهوريت، وكلها تحمل اتجاهات يسارية، ولها تأثير واضح على الرأي العام التركي. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المبحث الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: غالبيتهم العظمى توجد الآن في تركيا. ـ ما يزالون إلى الآن يملكون في تركيا وسائل السيطرة على الإعلام والاقتصاد، ولهم مناصب حساسة جدًّا في الحكومة. ـ كانوا وراء تكوين جماعة الاتحاد والترقي، التي كانت جل أعضائها منهم، وكما ساهموا من موقعهم هذا في علمنة تركيا المسلمة، وسخَّروا كثيرًا من شباب المسلمين المخدوعين لخدمة أغراضهم التدميرية. ويتضح مما سبق: أن الدونمة طائفة من اليهود ادعت الإسلام ولا علاقة لهم به قدر ذرة، وكانوا يتحينون الفرص للانتقام من الإسلام، وإفساد الحياة الاجتماعية الإسلامية، والهجوم على شعائر الإسلام. ويكفي أنهم أداروا الجزء الأعظم من انقلاب تركيا الفتاة الذي أسقط السلطان عبد الحميد الثاني. مراجع للتوسع: ـ يهود الدونمة، محمد علي قطب. ـ وثائق منظمات وعادات السباتاي، إبراهيم غالانتي. ـ مجموعة مقالات عن الدونمة، علاء الدين غوسة. ـ يهود الدونمة، للدكتور محمد عمر (مؤسسة الدراسات التاريخية). ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل الثامن عشر: الصهيونية:

المبحث الأول: التعريف بهم: الصهيونية حركة سياسية عنصرية متطرفة، ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين تحكم من خلالها العالم كله. واشتقت الصهيونية من اسم (جبل صهيون) في القدس حيث ابتنى داود قصره بعد انتقاله من حبرون (الخليل) إلى بيت المقدس في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وهذا الاسم يرمز إلى مملكة داود وإعادة تشييد هيكل سليمان من جديد، بحيث تكون القدس عاصمة لها. وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل، الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والمعاصر، الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي سبب التسمية: سميت الصهيونية بذلك نسبة إلى جبل صهيون الذي يقع جنوب بيت المقدس، ويقدسه اليهود. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص94

المبحث الثاني: تاريخ الصهيونية:

المبحث الثاني: تاريخ الصهيونية: تاريخ الصهيونية جزء من تاريخ اليهود، والصهيونية هي امتداد لما يقوم به اليهود منذ القدم، وللصهيونية جذور تاريخية وسياسية منذ قيام حركة المكابين التي أعقبت السبي البابلي. ومرت بعد ذلك بمراحل كثيرة منذ تلك القرون، وذلك قبل ظهور المسيحية، وقبل ظهور الإسلام وبعده. وكانت مهمتها في مراحلها الأولى تحريض اليهود على العودة إلى أرض فلسطين، وبناء هيكل سليمان، وتأسيس دولة إسرائيل الكبرى. أما في العصر الحديث فقد بدأت نواتها الأولى عام (1806) م حين اجتمع المجلس الأعلى لليهود بدعوة من نابليون لاستغلال أطماع اليهود، وتحريضهم على مساعدته. والصهيونية الحديثة هي المنسوبة لـ (تيودور هرتزل) الصحفي اليهودي النمساوي (1860 - 1904) م، وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم. وقد بدأ اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، وفي محاولتين لكنهم أخفقوا. وبعد ذلك أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عالمي في بال بسويسرا عام (1897) م، ونجح في تجميع يهود العالم حوله، كما نجح في جمع دهاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ اليهود، وهي (بروتوكولات حكماء صهيون) المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها. ومن ذلك الوقت بدأ حكماء اليهود يتحركون بدقة، ودهاء، وخفاء؛ لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها اليوم واضحة للعيان. ومما هو معروف أنه بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في - بال- بدأ هرتزل جولته في العمل؛ لاحتواء السلطان عبد الحميد عن طريق الترغيب ثم الترهيب. وقد كان موقف السلطان عبد الحميد واضحاً صريحاً حيث قال: بلِّغوا الدكتور هرتزل ألا يبذل بعد اليوم شيئاً من المحاولة في هذا الأمر- التوطن بفلسطين- فإني لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد في هذه البلاد ليذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك شعب روَّى ترابها بدمائهم؛ فلتحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب. ثم بدأ الصهاينة من ذلك اليوم بمحاولة الإطاحة بعبد الحميد، وإزالة الخلافة الإسلامية، ثم تحقَّق لهم ما يريدون، وكان إسقاط عبد الحميد (1909) م، والتمهيد لإلغاء الخلافة عام (1924) م، وكان الذي بلغ السلطان قرار الخلع قُرَّه صُو عضو حزب الاتحاد والترقي اليهودي الأصلي. وقبل ذلك تمكَّن اليهود من تأليب الدول الاستعمارية على الدولة العثمانية، وإثارة السموم، والدسائس حول السلطان، ورميه بمختلف الاتهامات. ولم تكن الخلافة لتسقط لولا أن البدع قد انتشرت، وبدأت تدب في جسم الخلافة وتنخر فيه. وبالرغم من ذلك كله فإن الخلافة كانت ترهب أعداء الله، وتضع هيبة ومنعة للمسلمين. وكما نجح اليهود في بث الدعايات والأكاذيب على السلطان عبد الحميد، ووصفه بأنه سكير فاسق ظالم متوحش، فإنها أيضاً نجحت في إضفاء جميع صور البطولة على اليهودي مصطفى كمال الذي مثَّل رأس الأفعى اليهودية، ونفَّذ لدغتها القاتلة التي أدت إلى هدم الخلافة الإسلامية، وتمزيق الوجود السياسي للمسلمين. وقد كان هذا الخبيث يتظاهر بالتدين، ويصلي في مقدمة الجنود، ويتملق العلماء، وعموم المسلمين، وعندما تمكَّن نفَّذ خطته اللئيمة على النحو التالي: 1 - إلغاء الخلافة الإسلامية. 2 - فصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية؛ فحطم الدولة الإسلامية العظيمة. 3 - أعلن العلمانية الإلحادية. 4 - اضطهد العلماء أبشع اضطهاد، وقتل منهم العشرات، وعلقهم بأعواد الشجر. 5 - أغلق كثيراً من المساجد، وحرَّم الأذان، والصلاة باللغة العربية. 6 - أجبر الشعب على تغيير الزي الإسلامي، ولبس الزي الأوروبي. 7 - ألغى الأوقاف، ومنع الصلاة في جامع (أيا صوفيا)، وحوَّله إلى متحف. 8 - ألغى المحاكم الشرعية، وفرض القوانين الوضعية المدنية السويسرية. 9 - فرض العطلة الأسبوعية يوم الأحد، بدلاً من يوم الجمعة. 10 - ألغى استعمال التقويم الهجري، ووضع مكانه التاريخ الميلادي. 11 - حرَّم تعدد الزوجات، والطلاق، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث. 12 - شجع الشباب والفتيات على الدعارة، والفجور، وأباح المنكرات، بل كان قدوة في انحطاط الخلق، والفساد، وإدمان الخمر. 13 - قضى على التعليم الإسلامي، ومنع مدارس القرآن الكريم، واستبدل اللاتينية بالعربية. 14 - فتح باب تركيا لعلماء اليهود. هذه صورة عامة عن تاريخ الصهيونية. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص94 - 97

المبحث الثالث: أهداف الصهيونية:

المبحث الثالث: أهداف الصهيونية: من المعلوم أن الصهيونية حركة يهودية خالصة، أما أهدافها فهي أهداف سياسية دينية، وتلك الأهداف تتلخص فيما يلي: 1 - إثارة الحماس الديني لدى أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة. 2 - هدم الأديان لإعلاء اليهودية التلمودية. 3 - حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية، والعبادات، والشعائر اليهودية، والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية. 4 - إثارة الروح القتالية، والعصبية الدينية والقومية لدى اليهود؛ للتصدي للأديان، والأمم، والشعوب الأخرى. 5 - تزييف التاريخ للادعاء بوعد فلسطين. 6 - تدمير الإنسان عن طريق نظريات (فرويد) في الأخلاق، و (ماركس) في المال، و (دوركايم) في الاجتماع، و (سارتر) في أدب الانحلال والضياع. 7 - فرض المادية على الفكر البشري. 8 - محاولة تهويد فلسطين، وذلك بتشجيع الهجرة من سائر أقطار العالم إلى فلسطين. 9 - تدويل الكيان الإسرائيلي عالميًّا، وذلك بانتزاع اعتراف أكثر دول العالم بوجود دولة إسرائيل في فلسطين. 10 - متابعة وتنفيذ المخططات اليهودية العالمية السياسية، والاقتصادية خطوة خطوة، ووضع الوسائل الكفيلة بالتنفيذ السريع والدقيق لهذه المخططات، ثم التهيئة لها إعلاميًّا، وتمويلها اقتصاديًّا، ودعمها سياسيًّا. 11 - توحيد وتنظيم جهود اليهود في جميع أنحاء العالم أفراداً، أو جماعات ومؤسسات، وتحريك العملاء والمأجورين عند الحاجة لخدمة اليهود، وتحقيق مصالحهم ومخططاتهم. 12 - تطوير اللغة العبرية، والثقافة العبرية. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص97، 98

المبحث الرابع: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المبحث الرابع: التأسيس وأبرز الشخصيات: للصهيونية العالمية جذور تاريخية- فكرية وسياسية- تجعل من الواجب الوقوف عند الأدوار التالية: ـ وردت لفظة صهيون لأول مرة في العهد القديم عندما تعرض للملك داود الذي أسس مملكته (1000ـ 960) ق. م. ـ حركة المكابيين التي أعقبت العودة من السبي البابلي (586ـ 538) قبل الميلاد، وأول أهدافها العودة إلى صهيون وبناء هيكل سليمان. ـ حركة باركوخيا (118ـ 138) م, وقد أثار هذا اليهودي الحماسة في نفوس اليهود، وحثَّهم على التجمع في فلسطين وتأسيس دولة يهودية فيها. ـ حركة موزس الكريتي، وكانت شبيهة بحركة باركوخيا. ـ مرحلة الركود في النشاط اليهودي بسبب اضطهاد اليهود وتشتتهم. ومع ذلك فقد ظل الشعور القومي عند اليهود عنيفاً لم يضعف. ـ حركة دافيد روبين وتلميذه سولومون مولوخ (1501ـ 1532) م, وقد حثَّ اليهود على ضرورة العودة لتأسيس ملك إسرائيل في فلسطين. ـ حركة منشه بن إسرائيل (1604ـ 1657) م, وهي النواة الأولى التي وجَّهت خطط الصهيونية وركَّزتها على أساس استخدام بريطانيا في تحقيق أهداف الصهيونية. ـ حركة سباتاي زيفي (1626ـ 1676) م, الذي ادَّعى أنه مسيح اليهود المخلص، فأخذ اليهود في ظله يستعدون للعودة إلى فلسطين، ولكن مخلصهم مات. ـ حركة رجال المال التي تزعَّمها روتشيلد وموسى مونتفيوري، وكانت تهدف إلى إنشاء مستعمرات يهودية في فلسطين كخطوة لامتلاك الأرض ثم إقامة دولة اليهود. ـ الحركة الفكرية الاستعمارية التي دعت إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين في بداية القرن التاسع عشر. ـ الحركة الصهيونية العنيفة التي قامت إثر مذابح اليهود في روسيا سنة (1882) م، وفي هذه الفترة ألف هيكلر الجرماني كتاب بعنوان (إرجاع اليهود إلى فلسطين حسب أقوال الأنبياء). ـ ظهور مصطلح الصهيونية Zionism لأول مرة على يد الكاتب الألماني ناثان برنباوم سنة (1893) م. ـ في عام (1882) م, ظهرت في روسيا لأول مرة حركة عرفت باسم (حب صهيون)، وكان أنصارها يتجمَّعون في حلقات اسمها (أحباء صهيون)، وقد تم الاعتراف بهذه الجماعات في عام (1890) م, تحت اسم (جمعية مساعدة الصناع والمزارعين اليهود في سوريا وفلسطين) وترأسها ليون بنسكر، واستهدفت الجماعة تشجيع الهجرة إلى فلسطين وإحياء اللغة العبرية. ـ الصهيونية الحديثة وهي الحركة المنسوبة إلى تيودور هرتزل الصحفي اليهودي المجري، ولد في بودابست في (2/ 5/1860) م, حصل على شهادة الحقوق من جامعة فينا (1878) م، وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم بدءًا بإقامة دولة لهم في فلسطين. وقد فاوض السلطان عبد الحميد بهذا الخصوص في محاولتين، لكنه أخفق، عند ذلك عملت اليهودية العالمية على إزاحة السلطان وإلغاء الخلافة الإسلامية. ـ وقد أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عالمي سنة (1897) م، مستغلًّا محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي دريفوس الذي اتهم بالخيانة (1894) م؛ لنقله أسراراً عسكرية من فرنسا إلى ألمانيا، لكن ثبتت براءته فيما بعد، ونجح هرتزل من تصوير المأساة اليهودية- في زعمه- من خلال هذه الواقعة الفردية، وأصدر كتابه الشهير الدولة اليهودية الذي أكسبه أنصاراً لا بأس بعددهم مما شجَّعه على إقامة أول مؤتمر صهيوني في - بال- بسويسرا (29ـ 31/ 8/47) وقد علَّق عليه بقوله: (لو طلب إليَّ تلخيص أعمال المؤتمر فإني أقول بل أنادي على مسمع من الجميع: إنني قد أسست الدولة اليهودية). ونجح في تجميع يهود العالم حوله، كما نجح في جمع دهاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ العالم، وهي بروتوكولات حكماء صهيون المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها، ومن ذلك الوقت أحكم اليهود تنظيماتهم، وأصبحوا يتحرَّكون بدقة ودهاء وخفاء لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها واضحة للعيان في زماننا هذا. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الخامس: الأفكار والمعتقدات:

المبحث الخامس: الأفكار والمعتقدات: - تستمد الصهيونية فكرها ومعتقداتها من الكتب المقدسة التي حرَّفها اليهود، وقد صاغت الصهيونية فكرها في بروتوكولات حكماء صهيون. - تعتبر الصهيونية جميع يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية. - تهدف الصهيونية إلى السيطرة اليهودية على العالم، كما وعدهم إلههم يهوه، وتعتبر المنطلق لذلك هو إقامة حكومتهم على أرض الميعاد، التي تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات. - يعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود، وكل الشعوب الأخرى خدم لهم. - يرون أن أقوم السبل لحكم العالم هو إقامة الحكم على أساس التخويف والعنف. - يدعون إلى تسخير الحرية السياسية من أجل السيطرة على الجماهير، ويقولون: يجب أن نعرف كيف نقدم لهم الطعم الذي يوقعهم في شباكنا. - يقولون: لقد انتهى العهد الذي كانت فيه السلطة للدين، والسلطة اليوم للذهب وحده، فلا بد من تجميعه في قبضتنا بكل وسيلة؛ لتسهل سيطرتنا على العالم. - يرون أن السياسة نقيض للأخلاق، ولا بد فيها من المكر والرياء، أما الفضائل والصدق فهي رذائل في عرف السياسة. - يقولون: لا بد من إغراق الأمميين في الرذائل بتدبيرنا عن طريق من نهيئهم لذلك من أساتذة وخدم وحاضنات ونساء الملاهي. - يقولون: يجب أن نستخدم الرشوة والخديعة والخيانة دون تردد ما دامت تحقق مآربنا. - يقولون: يجب أن نعمل على بثِّ الفزع الذي يضمن لنا الطاعة العمياء، ويكفي أن يشتهر عنا أننا أهل بأس شديد؛ ليذوب كل تمرد وعصيان. - يقولون: ننادي بشعارات الحرية والمساواة والإخاء؛ لينخدع بها الناس ويهتفوا وينساقوا وراء ما نريد لهم. - يقولون: لا بد من تشييد أرستقراطية تقوم على المال الذي هو في يدنا والعلم الذي اختص به علماؤنا. - يقولون: سنعمل على دفع الزعماء إلى قبضتنا، وسيكون تعيينهم في أيدينا، واختيارهم يكون حسب وفرة أنصبتهم من الأخلاق الدنيئة وحب الزعامة وقلة الخبرة. - يقولون: سنسيطر على الصحافة تلك القوة الفعالة التي توجه العالم نحو ما نريد. - يقولون: لا بد من توسيع الشقة بين الحكام والشعوب وبالعكس؛ ليصبح السلطان كالأعمى الذي فقد عصاه، ويلجأ إلينا لتثبيت كرسيه. - يقولون: لا بد من إشعال نار الخصومة الحاقدة بين كل القوى لتتصارع، وجعل السلطة هدفاً مقدساً تتنافس كل القوى للوصول إليه، ولابد من إشعال نار الحرب بين الدول، بل داخل كل دولة، عند ذلك تضمحل القوى، وتسقط الحكومات، وتقوم حكومتنا العالمية على أنقاضها. - يقولون: سنتقدم إلى الشعوب الفقيرة المظلومة في زي محرريها ومنقذيها من الظلم، وندعوها إلى الانضمام إلى صفوف جنودنا من الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين والماسونيين، وبسبب الجوع سنتحكم في الجماهير، ونستخدم سواعدهم لسحق كل من يعترض سبيلنا. - يقولون: لا بد أن نفتعل الأزمات الاقتصادية لكي يخضع لنا الجميع بفضل الذهب الذي احتكرناه. - يقولون: إننا الآن بفضل وسائلنا الخفية في وضع منيع بحيث إذا هاجمتنا دولة نهضت أخرى للدفاع عنا. - يقولون: إن كلمة الحرية تدفع الجماهير إلى الصراع مع الله ومقاومة سنته، فلنشغلها هي وأمثالها إلى أن تصبح السلطة في أيدينا. - يقولون: لنا قوة خفية لا يستطيع أحد تدميرها، تعمل في صمت وخفاء وجبروت، ويتغير أعضاؤها على الدوام، وهي الكفيلة بتوجيه حكام الأمميين كما نريد.

- يقولون: لا بد أن نهدم دولة الإيمان في قلوب الشعوب، وننزع من عقولهم فكرة وجود الله، ونحل محلها قوانين رياضية مادية؛ لأن الشعب يحيا سعيداً هانئاً تحت رعاية دولة الإيمان. ولكي لا ندع للناس فرصة المراجعة يجب أن نشغلهم بشتى الوسائل، وبذلك لا يفطنوا لعدوهم العام في الصراع العالمي. - يقولون: لا بد أن نتبع كل الوسائل التي تتولى نقل أموال الأمميين من خزائنهم إلى صناديقنا. - يقولون: سنعمل على إنشاء مجتمعات مجردة من الإنسانية والأخلاق، متحجرة المشاعر، ناقمة أشد النقمة على الدين والسياسة، ليصبح رجاؤها الوحيد تحقيق الملاذ المادية، وحينئذ يصبحون عاجزين عن أي مقاومة، فيقعون تحت أيدينا صاغرين. - يقولون: سنقبض بأيدينا على كل مقاليد القوى، ونسيطر على جميع الوظائف، وتكون السياسة بأيدي رعايانا، وبذلك نستطيع في كل وقت بقوتنا محو كل معارضة مع أصحابها من الأمميين. - يقولون: لقد بثثنا بذور الشقاق في كل مكان، بحيث لا يمكن اجتثاثه، وأوجدنا التنافر بين مصالح الأمميين المادية والقومية، وأشعلنا نار النعرات الدينية والعنصرية في مجتمعاتهم، ولم ننفك عن بذل جهودنا في إشعالها منذ (20) قرناً، ولذلك من المستحيل على أي حكومة أن تجد عوناً من أخرى لضربنا، وأن الدول لن تقدم على إبرام أي اتفاق مهما كان ضئيلاً دون موافقتنا؛ لأن محرك الدول في قبضتنا. - يقولون: لقد هيَّأنا الله لحكم العالم، وزوَّدنا بخصائص ومميزات لا توجد عند الأمميين، ولو كان في صفوفهم عباقرة لاستطاعوا مقاومتنا. - يقولون: لا بد من الانتفاع بالعواطف المتأججة لخدمة أغراضنا عوض إخمادها، ولا بد من الاستيلاء على أفكار الآخرين وترجمتها بما يتفق مع مصالحنا بدل قتلها. - يقولون: سنولي عناية كبرى بالرأي العام إلى أن نفقده القدرة على التفكير السليم، ونشغله حتى نجعله يعتقد أن شائعاتنا حقائق ثابتة، ونجعله غير قادر على التمييز بين الوعود الممكن إنجازها والوعود الكاذبة، فلا بد أن نكوِّن هيئات يشتغل أعضاؤها بإلقاء الخطب الرنانة التي تغدق الوعود، ولا بد أن نبثَّ في الشعوب فكرة عدم فهمهم للسياسة، وخير لهم أن يدعوها لأهلها. - يقولون: سنكثر من إشاعة المتناقضات، ونلهب الشهوات، ونؤجج العواطف. - يقولون: سننشئ (إدارة الحكومة العليا) ذات الأيدي الكثيرة الممتدة إلى كل أقطار الأرض، والتي يخضع لها كل الحكام. - يقولون: يجب أن نسيطر على الصناعة والتجارة، ونعوِّد الناس على البذخ والترف والانحلال، ونعمل على رفع الأجور وتيسير القروض ومضاعفة فوائدها، عند ذلك سيخر الأمميون ساجدين بين أيدينا. - يقولون: في الرسميات يجب علينا أن نتظاهر بنقيض ما نضمر، فنستنكر الظلم، وننادي بالحريات، ونندد بالطغيان. - يقولون: إن الصحافة جميعها بأيدينا إلا صحفاً قليلة غير محتفل بها، وسنستعملها لبث الشائعات حتى تصبح حقائق، وسنشغل بها الأمميين عما ينفعهم، ونجعلهم يجرون وراء الشهوة والمتعة. - يقولون: الحكام أعجز من أن يعصوا أوامرنا؛ لأنهم يدركون أن السجن أو الاختفاء من الوجود مصير المتمرد منهم، فيكونوا طاعة لنا وأشد حرصاً ورعاية لمصالحنا. - يقولون: سنعمل على ألا يكشف مخططنا قبل وقته، ولا نهدم قوة الأمميين قبل الأوان. - يقولون: نحن الذين وضعنا طريقة التصويت ونظام الأغلبية المطلقة؛ ليصل إلى الحكم كل من نريد بعد أن نكون قد هيأنا الرأي العام للتصويت عليهم. - يقولون: سنفكك الأسرة، وننفخ روح الذاتية في كل فرد ليتمرد، ونحول دون وصول ذوي الامتياز إلى الرتب العالية.

- يقولون: لا يصل إلى الحكم إلا أصحاب الصحائف السود غير المكشوفة، وهؤلاء سيكونون أمناء على تنفيذ أوامرنا؛ خشية الفضيحة والتشهير، كما نقوم بصنع الزعامات وإضفاء العظمة والبطولة عليها. - يقولون: سنستعين بالانقلابات والثورات كلما رأينا فائدة لذلك. - يقولون: لقد أنشأنا قوانا الخفية لتحقيق أهدافنا، ولكن البهائم من الأمميين يجهلون أسرارها فوثقوا بها، وانتسبوا إلى محافلها، فسيطرنا عليهم وسخرناهم لخدمتنا. - يقولون: إن تشتيت شعب الله المختار نعمة وليست ضعفاً، وهو الذي أفضى بنا إلى السيادة العالمية. - يقولون: ستكون كل دور النشر بأيدينا، وستكون سجلات التعبير عن الفكر الإنساني بيد حكومتنا، وكل دار تخالف فكرنا سنعمل على إغلاقها باسم القانون. - يقولون: ستكون لنا مجلات وصحف كثيرة مختلفة النزعات والمبادئ، وكلها تخدم أهدافنا. - يقولون: لا بد أن نشغل غيرنا بألوان خلابة من الملاهي والألعاب والمنتديات العامة والفنون والجنس والمخدرات؛ لنلهيهم عن مخالفتنا أو التعرض لمخططاتنا. - يقولون: سنمحو كل ما هو جماعي، وسنبدأ المرحلة بتغيير الجامعات، وسنعيد تأسيسها حسب خططنا الخاصة. - يقولون: سنتصرف مع كل من يقف في طريقنا بكل عنف وقسوة. - يقولون: سنكثر من المحافل الماسونية، وننشرها في كل وسط؛ لتوسيع نطاق سيطرتنا. - يقولون: عندما تصبح السلطة في أيدينا لن نسمح بوجود دين غير ديننا على الأرض. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السادس: الجذور الفكرية والعقائدية:

المبحث السادس: الجذور الفكرية والعقائدية: الصهيونية قديمة قدم التوراة نفسها، وهي التي أجَّجت الروح القومية عند اليهود منذ أيامها الأولى، وحركة (هرتزل) إنما هي تجديد وتنظيم للصهيونية القديمة. - تقوم الصهيونية على تعاليم التوراة المحرفة والتلمود، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن عدداً من زعماء الصهيونية هم من الملاحدة، واليهودية عندهم ليست سوى ستار لتحقيق المطامع السياسية والاقتصادية. - تعتبر أكثرية من اليهود ما يعرف بالتلمود دستوراً دينيًّا لهم، وهو مؤلف من بحوث أحبار اليهود وفقهائهم، وقد رسموا فيه الحدود لكل جوانب الحياة الخاصة والعامة، وقد دُوِّن فيه من الأحكام والتعليمات ما يبرِّر وضعهم الاجتماعي والسياسي، وما يغرس في نفوسهم ونفوس أجيالهم اللاحقة احتقار المجتمع البشري، وحب الانتقام منه، وأكل أموال الناس بالباطل، والسطو على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، واستنزاف دماء غير اليهود لاستعمالها في بعض المناسبات الدينية، حيث يستعمل الدم البشري بوضع نقط منه على فطير الفصح أو غيره. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

المبحث السابع: الانتشار ومواقع النفوذ: الصهيونية هي الواجهة السياسية لليهودية العالمية، وهي كما وصفها اليهود أنفسهم (مثل الإله الهندي فشنو الذي له مائة يد) فهي لها في جلِّ الأجهزة الحكومية في العالم يد مسيطرة موجهة، تعمل لمصلحتها. - هي التي تقود إسرائيل وتخطط لها. - الماسونية تتحرك بتعاليم الصهيونية وتوجيهاتها وتخضع لها زعماء العالم ومفكريه. - للصهيونية مئات الجمعيات في أوروبا وأمريكا في مختلف المجالات التي تبدو متناقضة في الظاهر، لكنها كلها في الواقع تعمل لمصلحة اليهودية العالمية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثامن: أعمال الصهيونية في العالم:

تمهيد: هناك من يبالغ في قوة الصهيونية مبالغة كبيرة جدًّا، وهناك من يهون من شأنها، والحقيقة، كما قيل: تضيع بين التهوين والتهويل. ومن استقرأ الواقع تبيَّن له أن اليهود يعيشون الآن فترة علوٍّ استثنائية. وقد حقَّقوا الكثير مما يصبون إليه، والواقع يشهد بذلك. ولم يكونوا ليحققوا ذلك إلا لأسباب عديدة منها: 1 - أخذهم بالأسباب. 2 - انغماس الناس في الشهوات، وركونهم للحياة الدنيا، وخصوصاً المسلمين. 3 - ترك فريضة الجهاد، وتعطيل السنن الربانية. 4 - أن هذا الاستعلاء الاستثنائي إنما هو استدراج وإملاء وإمهال من الله لهم، وهو في الوقت نفسه امتحان للمسلمين وعقوبة لهم. 5 - الخواء الروحي عند الغرب، والطغيان الكنسي. 6 - تخلِّي أمة الإسلام عن مهمتها في قوامة البشرية. ومن هذا المنطلق حقَّق اليهود كثيراً من أهدافهم. وهم عندما يضعون الخطط لا يستطيعون الجزم بتحقيقها، وغالباً ما يخفقون، إلا أنهم يضعون احتمالات كثيرة لكل عمل يعملونه. وما نراه الآن في هذا العالم دليل واضح على أنهم نجحوا في تنفيذ مخططاتهم. ومن خلال نظرة سريعة على الإعلام العالمي، والتعليم، والاقتصاد، والاجتماع، والرياضة، والفن يتبين لنا مدى نجاحهم. ولعل أهم هدف سعوا من أجله واجتهدوا في الحصول عليه هو استيطانهم في فلسطين، فما سبب حرصهم عليها؟ وكيف حصلوا عليها؟ وهل اكتفوا بها؟ وماذا يريدون بعد ذلك؟ هذا ما سيتبين في الفقرة الآتية. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص101، 102

المطلب الأول الصهاينة وفلسطين:

أ - سبب حرص الصهاينة على فلسطين: أما سبب حرص الصهاينة على فلسطين: فذلك راجع لاعتقادهم أنها أرض الميعاد التي سيعود إليها اليهود، ويجتمعون فيها، وذلك حسب ما جاء في كتبهم المحرفة، كذلك حرصوا على فلسطين لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، الذي يهدفون من ورائه إلى احتلال العالم. ويؤيد ذلك ما صرَّح به (ناحوم غولدمان) قائلاً: (لم يختر اليهود فلسطين لمعناها التوراتي بالنسبة إليهم، ولا لأن مياه البحر الميت تعطي سنويًّا بسبب التبخر قيمة ثلاثة آلاف مليار دولار من المعادن، وأشباه المعادن، وليس أيضاً لأن مخزون فلسطين من البترول يعادل عشرين مرة مخزون الأمريكتين مجتمعتين، بل لأن فلسطين نقطة الارتكاز الحقيقية لكل قوى العالم، ولأنها المركز الاستراتيجي العسكري للسيطرة على العالم). ومن هذا المنطلق جدَّ اليهود في الحصول عليها، وقد مرَّ بنا موقف السلطان عبد الحميد من طلب اليهود، ومرَّ بنا سعيهم في الإطاحة به ونجاحهم في ذلك. ومنذ أن سقط السلطان عبد الحميد فتحت فلسطين أبوابها للهجرة اليهودية، وجرى المخطط في طريقه إلى غايته عن طريق (هرتزل) وحلفائه. وتمت مؤامرة إنجليزية أخرى كانت الدعامة الأولى لإسرائيل، وهي التي منحت اليهود وعد بلفور عام (1917) م، وهي التي هَجَّرت ثلاثمائة ألف يهودي ما بين عام (1922 - 1939) م. وفي أغسطس عام (1923) م, تم تهجير اليهود الألمان لأرض فلسطين (أرض الميعاد) كما يزعمون، واليهود الألمان هم أخطر وأهم يهود الأرض، وهم الذين حركوا الصناعة اليهودية، وانبعثت على أيديهم الصناعة، وذلك بما سرقوه وتعلَّموه من الألمان، وهم أرقى وأعلم اليهود. ولذا فهم في المناصب العسكرية، والبحوث العلمية، وقد حرص (هرتزل) على تهجيرهم. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص102، 103

ب- وعد بلفور:

ب- وعد بلفور: يعدُّ وعد بلفور الدعامة الأولى لإسرائيل؛ فما هو ذلك الوعد، وما أسبابه، وماذا يتضمن؟ وعد بلفور: هو ذلك الوعد الذي أصدرته الحكومة البريطانية بإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وذلك في الثاني من نوفمبر عام (1917) م. وقد تواتر أن الباعث الأعظم الذي حقق حلم الصهيونية هو ما رواه (لويد جورج) رئيس الوزارة البريطانية الأسبق في مذكراته عن الدور الذي قام به وايزمان في خدمة بريطانيا إبان الحرب العظمى، وذلك عندما ساعد بريطانيا في استخراج مادة الأسيتون التي تستخدم في صنع الذخائر الحربية التي كانت تستخرج من خشب الأشجار، وكان استخراجها بكميات كافية يحتاج إلى مقادير هائلة من الخشب، وليس في إنجلترا غابات كثيرة تفي بهذه الحاجة، فكانت تستورد من أمريكا، والأسعار ارتفعت. وأخيراً اهتدى لويد- وكان يومئذ رئيس لجنة الذخائر- إلى أستاذ بارع في الكيمياء وضع مواهبه تحت تصرف بريطانيا، وهو الدكتور (وايزمان) الذي أصبح بعد ذلك مشهوراً، وكان وايزمان مقتنعاً بأن أمل الصهيونية رهين بانتصار الحلفاء؛ فاستطاع بعد بضعة أسابيع أن يستخرج المادة المطلوبة الأسيتون من عناصر أخرى غير الخشب، مثل الحبوب والذرة على وجه الخصوص، وبذلك حلَّ لبريطانيا أعوص مشكلة عانتها أثناء الحرب. ورفض الدكتور (وايزمان) كل جزاء مقابل عمله، بشرط أن تصنع بريطانيا شيئاً في سبيل الوطن القومي اليهودي. ولما تولى (لويد جورج) رئاسة الوزارة خاطب بلفور بأن بريطانيا تريد أن تجتذب إلى صفها اليهود في الدول المجاورة، وكانوا ميالين إلى ألمانيا لسخطهم على روسيا، وكان لذلك أثره على وعد بلفور. وبعبارة أخرى فإن بريطانيا رغبت في مكافأة إسرائيل على عملها، ومساعدتها لها في الحرب، ورغبت أيضاً في كسب اليهود، فكان ذلك الوعد ... عام (1917) م. وكان الثمن إعطاء ما لا يملك شيئاً لمن لا يستحق شيئاً. وبعد ذلك تتابعت الهجرة اليهودية من شتى أقطار العالم، وانصهرت في بوتقة اليهودية أكثر من سبعين جنسية من مصر، واليمن، والحبشة، والعراق، والهند، وأوربا، وروسيا، وأمريكا، وغيرها. وفي عام (1948) م, ارتفع عدد اليهود من خمسين ألف مهاجر إلى ستمائة وخمسين ألفاً، ثم تتابعت الهجرات من كل أنحاء العالم. وآخر ما حصل من ذلك تهجير يهود الفلاشا من الحبشة، ومحاولات تهجير اليهود الروس، وصدق الله تعالى: فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا [الإسراء: 104]. ولعل تلك الهجرات مصداق للآيات، والأحاديث التي أخبرت بذلك. وبرغم تلك العمليات التهجيرية، فإن هناك كثيراً من اليهود لم يستجب للعودة إلى فلسطين، وليس ذلك كرهاً لفلسطين، وإنما ذلك لخوفهم من الذبح في فلسطين، فهم يعلمون من كتبهم بأنهم سيذبحون بسيوف عباد الله، وأنهم في فلسطين سيدفنون بلا أحفاد. ولهذا فإن كثيراً منهم هاجر من فلسطين بعد أن هاجر إليها. وما هذا الوعد إلا سلسلة من التعاون بين اليهود والنصارى الذين يودون إبعاد المسلمين عن دينهم. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 103 - 105

ج- الوعود البلفورية:

ج- الوعود البلفورية: Balfour Declarations « الوعود البلفورية» مصطلح نستخدمه للإشارة إلى مجموعة من التصريحات التي أصدرها بعض رجال السياسة في الغرب يدعون فيها اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ويعدون بدعمه وتأمينه نظير أن يقوم اليهود على خدمة مصالح الدولة الراعية، أي أنها دعوة لتوقيع العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية. والوعود البلفورية تعبير عن نموذج كامن في الحضارة الغربية يضرب بجذوره فيها. وهي حضارة تنحو منحى عضويًّا، وتجعل التماسك العضوي مثلاً أعلى. ونظراً لأن التماسك العضوي هو المثل الأعلى، فإن عدم التجانس يصبح سلبيًّا كريهاً. وينتج عن هذه الرؤية للكون رفض الآخر في شكل الأقليات. ومن ثم، نجد أن الحضارة الغربية (والمسيحية الغربية) لم تتوصل إلى إطار تتعامل من خلاله مع الأقليات، وبالذات اليهود، وإنما همَّشتهم (شعب شاهد) وحوسلتهم (جماعة وظيفية). ومنذ عصر النهضة الغربية والثورة العلمانية الشاملة، بدأت أزمة الجماعات اليهودية، وظهرت الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي تُعَدُّ جزءاً من فكرة العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم: شعب عضوي منبوذ ـ نافع ـ يُنقَل خارج أوربا إلى فلسطين؛ ليُوظَّف لصالحها في إطار الدولة الوظيفية. وقد صدرت معظم الوعود البلفورية في القرن التاسع عشر، واستمرَّت حتى صدور وعد بلفور عام (1917) م، الذي حسم مسألة علاقة اليهود بالحضارة الغربية. وسنقوم بمحاولة تحليل عدد من الوعود البلفورية، وسنقسمها إلى ثلاثة عناصر أساسية. 1 ـ نص الوعد. 2 ـ الديباجة العلنية (أو الأسباب المعلنة) التي عادةً ما ترد في الوعد نفسه أو في مجال الدفاع عنه. 3 ـ الدوافع الخفية (العميقة أو الحقيقية) وهي عادةً لا ترد في أيٍّ من الوعود، وعلينا أن نبحث عنها في نصوص وحقائق تاريخية تشكِّل السياق التاريخي للوعد البلفوري موضع البحث. ويُعتبَر نابليون بونابرت من أوائل القادة الغربيين الذين أصدروا وعداً بلفوريًّا، وهو أيضاً أول غاز للشرق في العصر الحديث. وفيما يلي الجزء المهم من نص الوعد: (من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين. أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي، وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط.

إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مواهب المتنبئين مثل إشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبَّأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع من دمار وشيك لمملكتهم ووطنهم: أدركوا أن عتقاء الإله سيعودون لصهيون وهم يغنُّون، وسيُولَد الابتهاج بتَملُّكهم إرثهم دون إزعاج، فرحاً دائماً في نفوسهم (إشعياء (35/ 10 انهضوا إذن بسرور أيها المبعدون. إن حرباً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تخوضها أمة دفاعاً عن نفسها بعد أن اعتبر أعداؤها أرضها التي توارثوها عن الأجداد غنيمة ينبغي أن تُقسَّم بينهم حسب أهوائهم. وبجرة قلم من مجلس الوزراء تقوم للثأر وللعار الذي لحق بها وبالأمم الأخرى البعيدة. ولقد نُسي ذلك العار تحت قيد العبودية والخزي الذي أصابكم منذ ألفي عام. ولئن كان الوقت والظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم أو التعبير عنها، بل وإرغامكم على التخلي عنها، فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات، إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، والذي يقوده العدل ويواكبه النصر، جعل القدس مقرًّا لقيادتي، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تَعُد تُرهب مدينة داود. يا ورثة فلسطين الشرعيين: إن الأمة التي لا تتاجر بالرجال والأوطان، كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادهم لجميع الشعوب (يوئيل 4/ 6 (، تدعوكم لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء. انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تُخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تَحالُفهم الأخوي شرفاً لإسبرطة وروما (مكابيون 12/ 15 (، وأن معاملة العبودية التي دامت ألفي عام لم تُفلح في إخمادها. سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سُلبت منكم لآلاف السنين، وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه، طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد. (يوئيل 4/ 20.) وفيما يتعلق بوعد نابليون البلفوري، يمكن ملاحظة ما يلي: 1 ـ جوهر الوعد هو العبارة التالية: (تقدِّم فرنسا فلسطين لليهود في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات ... وهذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين). (تدعوكم (فرنسا) لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء). (وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد. 2 ـ لا يختلف تصريح نابليون عن وعد بلفور، فنابليون يعتبر أعضاء الجماعات اليهودية شعباً غريباً عن وطنه (وهو ما يعني إسقاط المواطنة عنه) وهو شعب مرتبط بفلسطين. وقد وجَّه نابليون نداءه إلى (الشعب الفريد) و (المبعدين) الذين عاشوا (تحت قيد العبودية والخزي ... منذ ألف عام) و (ورثة فلسطين الشرعيين) (أي: الشعب العضوي المنبوذ) بأن يتبعوا فرنسا التي ستقدم لهم إرث إسرائيل، أي: أرض فلسطين، أي: أنهم سيتم خروجهم من فرنسا وتوطينهم في فلسطين.

3 ـ ثم نأتي ثالثاً إلى الدوافع الخفية الحقيقية، وليس من الصعب تخمينها، فنابليون لم يَكُنْ يُكِنُّ كثيراً من الحب أو الاحترام لليهود، وهذا يظهر في تشريعاته داخل فرنسا. ولذا فإن إرسالهم إلى فلسطين فيه حل للمسألة اليهودية في فرنسا (والتي كانت قد بدأت في التفاقم). ومع هذا كان نابليون يهدف إلى توظيف اليهود في خدمة مشاريعه وتحويلهم إلى عملاء له، وهذا ما قاله ملك إيطاليا لهرتزل (وقد وافقه الزعيم الصهيوني على رأيه). ولعل إشارة نابليون إلى التقاليد المكابية هو إشارة خفية للدور القتالي (المملوكي) الذي يمكن أن تلعبه الدولة اليهودية المقترحة في خدمة المصالح الغربية. وقد صدرت أيضاً عدة وعود بلفورية ألمانية. ويمكننا هنا أن نتوقف قليلاً عند واحد من أهم إسهامات (هرتزل) للحركة الصهيونية، وهو أنه إذا كانت الفكرة الصهيونية إمكانية كامنة في الحضارة الغربية تود أن تتحقق، فلم يكن بإمكانها أن تخرج من عالم الوجود بالقوة إلى عالم الوجود بالفعل إلا من خلال آليات محددة، أهمها: تنظيم المادة البشرية (اليهودية) التي سيتم ترحيلها، وتأسيس إطار تنظيمي يستطيع أن يتلقَّى الوعود، وأن يقوم بتنفيذها. وحينما أصدر نابليون وعده البلفوري لم يكن هناك تنظيم يهودي يمكنه تلقِّي هذا الوعد، والعمل على تسخير المادة البشرية لتنفيذه. وهذا ما أنجزه (هرتزل) بعد أن نشر كتابه (دولة اليهود) الذي وضَّح فيه ما نسميه «العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية». فقرَّر (هرتزل) أن يأخذ بزمام الأمور، وأن يتوجه للدول العظمى. وقد ساعده في مسعاه هذا القس (الواعظ) الصهيوني نصف المجنون (هشلر) إذ قدمه إلى أحد كبار المسئولين الألمان الذي تحدَّث إلى القيصر عن الموضوع. وكانت ثمرة هذه الاتصالات وعد بلفوري ورد في خطاب من دون إيلونبرج باسم حكومة القيصر إلى (هرتزل) مؤرخ في سبتمبر (1898) وجاء فيه: (إن صاحب الجلالة على استعداد أكيد أن يناقش الأمر (توطين اليهود) مع السلطان، وأنه سيسعده أن يستمع إلى مزيد من التفاصيل منكم في القدس. وقد أصدر جلالته أوامره بأن تُذلِّل كل الصعاب التي تواجه استقبال وفدكم. وأخيراً يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها. وجلالته حينما يكشف لكم عن نواياه، فهو يعوِّل، بطبيعة الحال، على مقدرتكم على الكتمان. وكم يسعدني أن أنقل لكم هذه المعلومات، وأتمنى أن تنجح في الوصول إلى القدس في الموعد المحدد. وفي الحقيقة، فإن فشلكم في هذا سيسبب لجلالته خيبة الأمل. وأترك لكم- بما تتميزون به من لباقة- أن تقرروا ما إذا كنتم تودون الوصول إلى إستنبول في الوقت الذي يصل فيه جلالته إليها أم لا). ويمكننا ملاحظة ما يلي: 1 ـ جوهر الوعد يُوجَد في العبارة: (يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها (وأنه) على استعداد أكيد أن يناقش الأمر (توطين اليهود) مع السلطان.

2 ـ وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الديباجة العلنية والنوايا المعلنة، فإننا لن نجد لها أيَّ أثر، فقيصر ألمانيا لم يكن تحت أية ضغوط للبحث عن مسوغات رومانسية، بل إن العكس في حالته هو الصحيح؛ إذ كان عليه أن يبرر أمام شعبه مسألة تعاطفه مع المشروع الصهيوني وتأييده له، بل واستعداده لأن يضع الصهاينة تحت حمايته. وكما قال في خطابه المؤرخ (29) سبتمبر (1898) م, والمُرسَل إلى دوق بادن، فإن تسعة أعشار شعبه سيُصدَم صدمة عميقة إذا اكتشف هذه الحقيقة. فاليهود ـ كما يقول ـ هم قتلة المسيح، وهو يعترف بهذه الحقيقة، ولكنه يضيف قائلاً: (إن الإله قد أنزل بهم العقاب على ما اقترفوه من آثام، إلا أنه لم يأمر المسيحيين بأن يسيئوا معاملة هذا الشعب). 3 ـ وأما العنصر الثالث، أي: الدوافع الحقيقية الخفية، فهي موجودة وبغزارة، في خطاب القيصر المذكور، وفي تعليقه على تقرير سفير ألمانيا في سويسرا عن المؤتمر الصهيوني الأول (1897) م, فهو في مجال تسويغ تعاونه مع (قتلة المسيح) يورد الأسباب التالية لتأييد ألمانيا للمشروع الصهيوني: أ) سينتج عن توطين شعب إسرائيل رخاء للمنطقة، ولا سيما أن الملايين ستصب في الأكياس العثمانية، الأمر الذي قد يؤدي إلى شفاء الرجل المريض. ب) ستُوجَّه طاقة اليهود ومواهبهم إلى أهداف أكثر نبلاً من استغلال المسيحيين. جـ) إفراغ ألمانيا من اليهود الذين فيها (وكلما عجلوا بالذهاب .. ، كان ذلك أفضل. فلن أضع أية عراقيل في طريقهم). د) إذا بُحثت المسألة من منظور الحقائق السياسية (لا الأخلاقية)، فإن ألمانيا ستستفيد غاية الاستفادة؛ لأن رأس المال اليهودي العالمي، بكل خطورته، سينظر بعين العرفان إلى ألمانيا. ولعل موقف القيصر من اليهود، بما يتسم به من كره عميق لهم، وترحيب شديد بالتخلص منهم، واستعداد تام لتوظيفهم في خدمة المصالح الألمانية- لا يختلف كثيراً عن موقف نابليون من قبله، أو موقف بلفور من بعده. ورغم وعود القيصر، ورغم حرصه على تبنِّي المشروع الصهيوني، إلا أنه لم يكن مدركاً مدى عُمْق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول. ولذا، فحينما تم اللقاء في نهاية الأمر في القدس، حيث كان من المتوقع أن يُصدر القيصر وعده البلفوري العلني الكامل، تراجع واكتفى ببعض المجاملات الخالية من المعنى.

ومن الأمثلة الأخرى على الوعود البلفورية: الوعد البلفوري الروسي القيصري. فقد قام (هرتزل) بمقابلة فون بليفيه، وزير الداخلية الروسي المعادي لليهود، بتفويض من المؤتمر الصهيوني الخامس (1901) م، حتى يَحصُل على تصريح يُعبِّر عن نوايا الروس يتلوه في المؤتمر الصهيوني السادس المزمع عقده سنة (1903) م. وبالفعل، صَدَر الوعد البلفوري القيصري على النحو التالي (في شكل رسالة وجَّهها فون بليفيه إلى تيودور هرتزل). وهذا هو منطوق الوعد: (ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك. وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي يفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا). وقد توصَّل (هرتزل) أيضاً إلى اتفاق مع المسئولين الروس مفاده: أنْ تبذل الحكومة الروسية مساعيها الحميدة لدى تركيا؛ لتسهيل دخول اليهود إلى فلسطين. وستقدم مساعدات مالية للمهاجرين تُجمَع من مصادر يهودية، وستُسهِّل تنظيم الجمعيات الصهيونية الملتزمة ببرنامج بازل. وقد سُمح أيضاً لبنك الاستيطان اليهودي ببيع أسهمه في روسيا شريطة أن يفتح فرعاً له في البلد لكي تستطيع السلطات مراقبة عمليات البيع. كذلك قام (بليفيه) بتزويد (هرتزل) برسالة موقعة منه، وبعد أن بحث محتوياتها مع القيصر، أعلن فيها أن الحكومة الروسية تنظر بعين العطف إلى الصهيونية ما دام هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين، وأنها على استعداد لمساعدتها. وهذه المساعدة قد تتخذ شكل حماية الممثلين الصهاينة أمام الحكومة العثمانية، وتسهيل نشاط جمعيات الهجرة ومساعدتها ماليًّا من الضرائب التي تُجبى من اليهود. وقد استغلَّ (هرتزل) هذه الرسالة، في أكثر من مناسبة، فيما بعد. ويُلاحَظ أنه لا توجد أية ديباجات رومانسية في هذا الوعد، فهو مسألة تعاقدية جافة يتحدث فيها كل طرف عن الفائدة المرجوة وعلى العائد من الصفقة. ولذا، فقد أكَّد فون بليفيه- دون مواربة أو حياء- أن الهدف هو التخلص من اليهود عامة، باستثناء الأثرياء منهم، وجاء هذا واضحاً في قوله: ( ... إن نجاح اليهود في إقامة دولة مستقلة لهم تستوعب عدة ملايين منهم لهو أمر نقبله وندعمه ... إننا لا نريد التخلص من جميع اليهود الروس ... إننا نريد فقط التخلص من المعدمين والمضطربين). وحذَّر فون بليفيه من أن التأييد الروسي القيصري سيتم سحبه إن كان هدف الصهيونية، غير المعلن، هو تحقيق تركيز قومي لليهود في روسيا، فالدعم الروسي مشروط بالتخلص من اليهود.

وقد كان ذلك مفهوماً تماماً لدى (هرتزل) الذي أكد في مفاوضاته مع بليفيه أن الحركة الصهيونية (ستستقطب جميع اليهود وضمنهم المتطرفون (أي: العناصر الثورية التي كانت تقض مضجع الدولة الروسية القيصرية). أما إذا انهارت آمالنا، فإن الوضع سينقلب رأساً على عقب، وستكسب الأحزاب الثورية إلى صفوفها أولئك الذين سينسحبون من الصهيونية التي أُمثِّلها أنا وزملائي). كما أن (هرتزل) فهم تماماً تحذير بليفيه. وهكذا فإننا نجده، في المؤتمر الصهيوني السادس (1903) م, يؤكد للمجتمعين أن الحكومة الروسية لن تسبب أية مشاكل للحركة الصهيونية، ما دام نشاطها منحصراً ضمن النظام والقانون (أي: في عملية التخلص من اليهود، وتفريغ روسيا منهم). واستطاع (هرتزل) بجهد وتصميم أن يحول بين المؤتمر وبين مناقشة مذابح كيشينيف، وقد علَّق على الموضوع في رسالة بعث بها إلى بليفيه قال فيها (: ... رغم المصاعب التي واجهتني في إدارة جلسات المؤتمر بجوها المشحون نتيجة الأحداث المؤلمة (مذابح كيشينيف)، إلا أنني نجحت في المحافظة على النظام وإعادة الهدوء إلى الجلسات .. ولا شك في أن الفضل يعود في ذلك إلى رسالتكم التي تكرمت بإرسالها في (12) أغسطس، والتي كشفت محتوياتها؛ لأخمد بذلك كل جدال ثار حول تلك الأحداث). ويمكن أن ننظر إلى مشروع شرق أفريقيا باعتباره أحد أهم الوعود البلفورية، وهو لا يختلف كثيراً عن الوعود البلفورية التي أشرنا إليها، وإن كان أكثر جدية وأكثر تحديداً منها. كما أنه يشبه في كثير من النواحي وعد بلفور الذي صدر في نهاية الأمر.

وقد صدر آخر الوعود البلفورية عن ألمانيا بعد صدور وعد بلفور نفسه عن إنجلترا، إذ استغل الصهاينة الوضع الدولي الناشئ عن الجمود الذي ساد جبهات القتال عام (1916) م, واتجهوا إلى حثِّ الحكومة الألمانية على إصدار بيان رسمي يتضمن العطف على الصهيونية في فلسطين. ولكن الحكومة الألمانية كانت لا تزال مرتبطة بتحالف مع الحكومة العثمانية. كما كانت تخشى أن يؤدي تدهور الوضع العسكري إلى أن تسارع الحكومة العثمانية بعقد صلح منفرد مع الحلفاء. وحيث إن ألمانيا لن تضحي بتحالفها من أجل الصهاينة، فإنها ترددت كثيراً في الاستجابة للمطلب الصهيوني. ثم صدر وعد بلفور نفسه عام (1917) م، وعند هذه النقطة. وحسبما جاء في دراسة الدكتور محافظة، (اندفع الصهاينة يلحون على حكومة برلين لتلبية مطالبهم مع تشكيل وزارة طلعت باشا في عام (1917) م، وحاولت الحكومة الألمانية إرضاء الصهاينة بتَدخُّلها الحاسم لإلغاء التدابير العسكرية التي فرضها جمال باشا على اليهود في فلسطين عام (1917) م. وبعد صدور تصريح بلفور، اتجه الصهاينة إلى برلين لاستصدار تصريح مماثل. كما أنتهزوا زيارة الصدر الأعظم (طلعت باشا) في مطلع يناير (1918) م، فقابله الزعيم الصهيوني ألفريد نوسيج الذي بحث معه موضوع اليهود في الدولة العثمانية (ومما يجدر ذكره أن هذا الزعيم الصهيوني أصبح عميلاً للجستابو النازي فيما بعد، كما وضع خطة لإبادة يهود أوربا. وقد قبض عليه ثوار جيتو وارسو. وبعد محاكمة قصيرة، نُفِّذ فيه حكم الإعدام). وطلب نوسيج باسم الصهاينة إلغاء القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين. فوعدهم الصدر الأعظم بأن الباب العالي سوف يعيد تنظيم الأوضاع حالما تعود القدس وجنوب فلسطين إلى السيادة العثمانية بصورة تَكفُل الرضا التام لليهود، وتحقق أمانيهم كافة. وقد نُشر هذا التصريح في الصحف الألمانية في اليوم التالي للقاء. ولا يمكن أن نسمِّي هذا التصريح وعداً بلفوريًّا بمعنى الكلمة، وإن كان يقترب من ذلك. ومن الواضح أن ذلك يمثل إحدى الحيل التي كانت تستعملها الدولة العثمانية على ممثلي العالم الغربي، وهو فن تَملَّك العثمانيون ناصيته نظراً لضعفهم العسكري. ولكن أهمية هذا التصريح لا تكمن فيه وإنما في أنه أعطى الضوء الأخضر للدولة الألمانية. وقد استمرَّ الصهاينة في ضغوطهم حتى حصلوا على تصريح من وكيل وزارة الخارجية الألمانية في اليوم التالي لتصريح الصدر الأعظم، هذا نصه: (نحن نؤيد رغبة الأقليات اليهودية، في البلدان التي لهم فيها ثقافة متطورة، في أن تختط طريقها الخاص بها، ونميل إلى دعم أمانيها. أما بالنسبة إلى أماني اليهود، وبخاصة أماني الصهاينة منهم في فلسطين، فإن الحكومة (الألمانية) ترحب بالتصريح الذي أدلى به مؤخراً الصدر الأعظم، طلعت باشا، والذي يعبِّر عن عزم الحكومة التركية، المتفق مع نظرتها الودية نحو اليهود بوجه عام، على تنمية استقرار يهودي مزدهر في فلسطين، عن طريق الهجرة غير المُقيدة، والاستيطان ضمن قدرة البلاد الاستيعابية، وقيام حكم ذاتي يتفق وقوانين البلاد، والتطور الحر لحضارتها). ويُلاحَظ أن صياغة هذا الوعد تميل نحو الإبهام الشديد، فهو يؤكد حق اليهود المندمجين في الاستمرار في اندماجهم، وهو يميِّز بينهم وبين الصهاينة الذين لهم أمان في فلسطين، حيث سيسمح لهم (باستقرار يهودي مزدهر في فلسطين)، وهي عبارة غامضة حاول الوعد تحديدها عن طريق عبارة (قيام حكم ذاتي)، ثم عاد وعدَّلها من خلال إضافة عبارة (يتفق وقوانين البلاد والتطور الحر لحضارتها).

ولنلاحظ أن فكرة (قوانين البلاد) تحل محل عبارة (القانون العام) أو (القانون الدولي) التي ترد في الأدبيات الصهيونية، خصوصاً في صياغتها الهرتزلية، وهي عبارة تعني: (حسب القانون الغربي أو الاستعماري). فكأن الوعد هنا ينزع المشروع الصهيوني من سياقه الغربي، ويضعه في سياق عثماني، الأمر الذي يعني فقدانه كل معنى، فالمستوطنون الصهاينة كان معروضاً عليهم دائما أن يحصلوا على المواطنة العثمانية، ويستقروا في فلسطين كعثمانيين لا كعنصر استيطاني تابع لدولة غربية. والقضية لم تكن قضية عدة آلاف يهودي لا وطن لهم، أو مضطهدين في أوطانهم ويبحثون عن مأوى لهم، وإنما هي قضية غَرْس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات تَوجُّه غربي استعماري استيطاني رفض هذا الحل. وبعد صدور الوعد البلفوري الألماني، استمرَّ الصهاينة في الضغط على الدولة العثمانية. وكلَّف الصدر الأعظم- بعد عودته من برلين- النائب اليهودي التركي قاراصو بتأليف لجنة يهودية عثمانية لوضع التفاصيل العملية لإنشاء شركة ذات امتياز في إستنبول تتولَّى العمل في المناطق المأهولة باليهود لإقامة حكم ذاتي فيها. وأمر طلعت باشا بدراسة الخطة التي وضعهتا اللجنة، ووعد بتبنيها عند بَحْث شروط الصلح بعد انتهاء الحرب. وسعى الصهاينة، انطلاقاً من هذا الوعد، إلى الحصول على مزيد من التنازلات من الجانب العثماني، وإصدار تصريح عثماني مماثل لتصريح بلفور. وقد تمكَّنوا من الحصول على هذا التصريح في (14) تموز (1918) م، وتشكَّلت لجنة عثمانية لوضع ما جاء فيه موضع التنفيذ. ويمكننا ملاحظة اختفاء الديباجات العلنية المزخرفة أو الإشارة إلى الدوافع الحقيقية، فلا توجد أية إشارة للشعب اليهودي أو أمانيه القومية أو ارتباطه الأزلي بالأرض، وإنما هي إشارة روتينية إلى (أماني الصهاينة) وحديث عن استقرار يهودي مزدهر. ومقابل هذا، لا توجد أية إشارة لكره اليهود أو الرغبة في استخدامهم أو تأسيس حامية عسكرية يقطنون فيها كمادة قتالية. ولا شك في أن وجود العثمانيين كطرف هو الذي أفضى إلى هذا الوضع. فهم لم يتحمسوا قط للمشروع الصهيوني، بل كانوا يرونه جزءاً من المحاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم. ومع هذا، فقد اضطروا كارهين للدخول في حوار مع الصهاينة، وتقديم بعض التنازلات بسبب تدهور الوضع العسكري العام على الجبهات كافة، وفقدان معظم فلسطين، واعتقاد الدولة العثمانية أن تحقيق بعض المطالب الصهيونية قد يُحسِّن وضعها في مؤتمر الصلح الذي كان مقبلاً. ويمكننا أن نقول: إن وعد بلفور هو أهم حدث في تاريخ الصهيونية وتاريخ الجماعات اليهودية في العالم، كما أن أهميته بالنسبة لفلسطين والفلسطينيين لا تخفى على أحد. وعد بلفور Balfour Declaration « وعد بلفور» هو التصريح الشهير الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام (1917) م, تعلن فيه عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وحين صدر الوعد كان عدد أعضاء الجماعة اليهودية في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان. وقد أخذ الوعد شكل رسالة بعث بها لورد بلفور في (2) نوفمبر (1917) م, إلى اللورد إدموند دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك. وفيما يلي النص الكامل للرسالة:

(عزيزي اللورد روتشيلد: يسعدني كثيراً أن أنهي إليكم، نيابةً عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي تعاطفاً مع أماني اليهود الصهاينة التي قدَّموها، ووافق عليها مجلس الوزراء. إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين أو بالحقوق أو الأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. وسوف أكون مديناً بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني. ) إمضاء ( وفيما يتصل بهذا النص، نلاحظ ما يلى: 1 ـ صيغة الوعد واضحة تماماً هنا إذ تُوجَد هيئة حكومية (حكومة جلالة الملك) تؤكد أنها تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي سيضم (الشعب اليهودي)، أي: أنه تم الاعتراف باليهود لا كلاجئين أو مضطهدين مساكين، كما أن الهدف من الوعد ليس هدفاً خيريًّا، ولكنه هدف سياسي (استعماري). كما أن هذه الحكومة التي أصدرت الوعد لن تكتفي بالأمنيات، وإنما سوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. هذا هو الجوهر الواضح للوعد. 2 ـ ثم تبدأ بعد ذلك الديباجات التي تهدف إلى التغطية، فالوعد لن يضر بمصالح الجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا بمصالح الجماعات اليهودية التي لا تود المساهمة في المشروع الصهيوني، بل تود الاستمرار في التمتع بما حققته من اندماج وحراك اجتماعي. وسنلاحظ أن الديباجات تتسم بكثير من الغموض؛ إذ إن الوعد لم يتحدث عن كيفية ضمان هذه الحقوق. ثم نأتي الآن للأسباب التي يوردها بعض المؤرخين (الصهاينة أو المتعاطفون مع الصهيونية) لتفسير إصدار إنجلترا لوعد بلفور. فهناك نظرية مفادها أن بلفور قد صدر في موقفه هذا عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد، وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود، ولذلك فإنه كان يرى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية. ولكن من الثابت تاريخيًّا أن بلفور كان معادياً لليهود، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة الإنجليزية بين عامي (1903و1905) م, هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا؛ لرفضهم الاندماج مع السكان، واستصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية؛ لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده. وقد كان لويد جورج رئيس الوزراء لا يقل كرهاً لأعضاء الجماعات اليهودية عن بلفور، تماماً مثل تشامبرلين قبلهما، والذي كان وراء الوعد البلفوري الخاص بشرق أفريقيا. وينطبق الوضع نفسه على الشخصيات الأساسية الأخرى وراء الوعد، مثل جورج ملنر وإيان سمطس، وكلها شخصيات لعبت دوراً أساسيًّا في التشكيل الاستعماري الغربي.

ويرى بعض المؤرخين أن إنجلترا أصدرت الوعد تعبيراً عن اعترافها بالجميل لوايزمان؛ لاختراعه مادة الأسيتون المحرقة أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو تفسير تافه لأقصى حد، لا يستحق الذكر إلا لأنه ورد في بعض الدراسات الصهيونية والدراسات العربية المتأثرة بها. ويبدو أن وايزمان نفسه قد تقبَّل هذا التفسير بعض الوقت. ولذا حينما توترت العلاقات بين إنجلترا والمستوطنين الصهاينة في الأربعينيات، وضع وايزمان مواهبه العلمية تحت تصرف الإمبراطورية، متصوراً أن بإمكانه ممارسة بعض التأثير عليها. وبطبيعة الحال، لم يُوفَّق وايزمان في مساعيه. وفيما يتصل بجهوده الدبلوماسية نفسها أثناء الحرب، يمكن القول بأنه كان شخصية محدودة الذكاء، فلم يدرك الأبعاد الإمبريالية للمشروع الصهيوني أو لوحشية المشروع الإمبريالي، وغير مدرك حتى لدقائق السياسة البريطانية (وهذا هو وصف موظفي الخارجية البريطانية له في تقاريرهم السرية التي تم الكشف عنها مؤخراً). وحينما أندلعت الحرب العالمية الأولى، كان وايزمان قد وصل لتوه إلى سويسرا في إجازة صيفية. ثم اضطر إلى العودة إلى بريطانيا، فطلب منه لويد جورج أن يقابل هربرت صمويل، فعبَّر عن خوفه من أن يكون صمويل مثل سائر يهود إنجلترا معادياً للصهيونية، ولكنه فوجئ بأن صمويل هذا صهيوني هو الآخر. وحينما تقدَّم بطلباته الصهيونية، أخبره صمويل بأن طلباته هذه متواضعة أكثر من اللازم، وأن عليه أن يفكر على مستوى أكبر من ذلك (ويبدو أن هرتزل لم يشف التسلليين تماماً من ضيق الأفق والفشل في إدراك عالمية الظاهرة الإمبريالية ووحشيتها). ثم أخبره صمويل بأن أعضاء الوزارة يفكرون في أهداف صهيونية، ودوَّن وايزمان بعد ذلك العبارة التالية: (لو كنت يهوديًّا متديناً لظننت أن عودة الماشيَّح قد دنت). ومع هذا، وكما سنبيِّن فيما بعد، أظهر وايزمان شيئاً من الذكاء باكتشافه بريطانيا (لا ألمانيا) باعتبارها القوة الإمبريالية الصاعدة التي يمكنها أن ترعى المشروع الصهيوني. ولعل الأمر لا يدل على ذكاء بقدر ما ينبع من وجوده في إنجلترا بالفعل، وتَحرُّكه داخل إطار المصالح البريطانية، ولعله لو وُجد في فرنسا لما أدرك شيئاً. وهناك نظرية تذهب إلى أن الضغط الصهيوني (واليهودي) العام هو الذي أدَّى إلى صدور وعد بلفور، ولكن من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا كتلة بشرية ضخمة في بلاد غرب أوربا، وهم لم يكونوا من الشعوب المهمة التي كان على القوى العظمى أن تساعدها أو تعاديها، بل كان من الممكن تجاهلهم. ويمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا مصدر ضيق وحسب، ولم يكونوا قط مصدر تهديد. أما الصهاينة فلم تكُن لهم أية قوة عسكرية أو سياسية أو حتى مالية (فأثرياء اليهود كانوا ضد الحركة الصهيونية). ولكل هذا، لم يكن مفر من أن تكون المطالب الصهيونية على هيئة طلب لخدمة مصالح إحدى الدول العظمى الإمبريالية. ولعل أكبر دليل على أن الضغط الصهيوني أو اليهودي لا يشكل عنصراً فعالاً في عملية استصدار وعد بلفور، وأنه عنصر ثانوي على أحسن تقدير، هو نجاح الصهاينة في إنجلترا وفشلهم في ألمانيا. فقد بذل صهاينة ألمانيا جهوداً محمومة لاستصدار وعد بلفوري، وكانت توجد عندهم مقومات النجاح، ولكن كل هذا لم يُجد فتيلا: 1 ـ بذل صهاينة ألمانيا قصارى جهدهم ليبينوا للحكومة الألمانية مدى نفع اليهود للمشروع الاستعماري الألماني، وقد كان هناك كثير من المفكرين الألمان غير اليهود يشاركون في هذه الرؤية. 2 ـ كان عدد كبير من الزعماء الصهاينة يقف وراء ألمانيا، وكانت برلين لوقت طويل المقر الرئيسي للمنظمة.

3 ـ كانت ألمانيا حليفة لتركيا التي كانت فلسطين تابعة لها. 4 ـ كانت لغة المؤتمرات الصهيونية هي الألمانية، كما كانت ثقافة مؤسسي الحركة الصهيونية ألمانية. 5 ـ كانت الجماعة اليهودية في ألمانيا مُشرَّبة بالثقافة الألمانية، وكان كثير من أعضاء النخبة الثقافية الألمانية من اليهود، وقد يسَّر هذا على اليهود الحركة داخل المجتمع الألماني. 6 ـ كانت الجماعة اليهودية في ألمانيا ذات ثقل مالي وثقافي وسياسي كبير؛ إذ كانت أهم البنوك الألمانية في أيد يهودية. 7 ـ اشترك أعضاء الجماعة اليهودية في ألمانيا في القوات الألمانية أثناء الحرب بأعداد تفوق نسبتهم القومية. 8 ـ كانت القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى تقوم بما سمته «تحرير» بولندا وليتوانيا وغرب روسيا (مراكز الكثافة البشرية اليهودية)، واعتبرت اليهود عنصراً بشريًّا ألمانيًّا تابعاً لألمانيا. وقد أسَّس الزعيم الصهيوني ماكس بودنهايمر لجنة لتحرير يهود روسيا عام (1914) م. وكان بين أعضائها ليو موتزكين. وقد تم إصدار نشرة بالعبرية كتب ناحوم سوكولوف افتتاحيتها. وكان أمل الصهاينة أن تستولي القوات الألمانية على غرب روسيا حيث كان يوجد معظم اليهود. ومعنى هذا أنه كان ثمة تلاق بين الآمال الصهيونية والآمال التوسعية الألمانية. 9 ـ كانت أرستقراطية اليهود في أمريكا (كبار المموِّلين) من أصل ألماني، وقد كانت هذه الأرستقراطية متعاطفة تماماً مع ألمانيا ومؤيدة لها. ويمكن أن نقارن هذا الوضع بوضع الجماعة اليهودية في إنجلترا، التي كانت صغيرة العدد ومندمجة ومعادية للصهيونية، وكانت الحركة الصهيونية فيها ضعيفة للغاية. ومع هذا، فشل صهاينة ألمانيا في استصدار وعد بلفوري من ألمانيا. وحينما نجحوا، كان ذلك في مرحلة متأخرة من الحرب وكان وعداً باهتاً للغاية، بينما نجح صهاينة إنجلترا فيما فشل فيه صهاينة ألمانيا. وفي الواقع، يمكننا تفسير الفشل الصهيوني في ألمانيا، والنجاح الصهيوني في إنجلترا، لا بالقوة والضعف الذاتيين الصهيونيين، ولا بحجم الضغوط الصهيونية مهما كانت ضخمة ومهمة وحيوية، ولكن بالعودة إلى المصالح الإستراتيجية الغربية. ويبدو أن ألمانيا، بسبب علاقتها الحميمة مع تركيا، لم يكن بإمكانها أن تُصدر مثل هذا الوعد (تماماً كما كان الوضع مع إنجلترا عام (1904) م, حينما أصدرت وعد شرق أفريقيا البلفوري، ولم تذكر فلسطين من قريب أو بعيد؛ لأن علاقتها مع الدولة العثمانية لم تكن تسمح بذلك). ومن المعروف أن وايزمان، كي ينجح في الحصول على وعد بلفور، قطع علاقته مع اللجنة التنفيذية الصهيونية في برلين، ورفض التراسل مع زملائه في دول الوفاق Entente ورفض موقف الحياد الرسمي الذي اتخذته المنظمة. كما أنه لم يخبر المقر الرئيسي للمنظمة في كوبنهاجن بمباحثاته مع إنجلترا. ويُقال: إن انقسام الحركة الصهيونية لم يُعق جهوده بل ساعدها. والواقع أن نجاحه في إنجلترا، تماماً مثل الفشل الصهيوني في ألمانيا، يمكن تفسيره بإستراتيجية الإمبراطورية الإنجليزية التي قررت تقسيم الدولة العثمانية واحتلال الشرق العربي. ولعل ذكاء وايزمان يَكمُن في اكتشافه ذيلية الصهيونية، وحتمية الاعتماد على الإمبريالية، وصعود القوة البريطانية، فتبعها بكل قوته، وقطع كل علاقاته مع المنظمة الصهيونية ذات الجذور الألمانية والتوجه الألماني. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لعبد الوهاب المسيري – موقع المسيري

المطلب الثاني: خطط اليهود المستقبلية:

المطلب الثاني: خطط اليهود المستقبلية: اليهود لم يكتفوا بفلسطين فقط، بل إنهم يسيرون ويعملون على تحقيق أطماعهم، وأحلامهم المستقبلية، وذلك بإقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تسيطر على العالم. وكما أنهم يسعون سعياً حثيثاً في سبيل رفع الحصار عنهم، فهم يعملون على إزالة حاجز النفرة بينهم وبين المسلمين باسم السلام تارة، وباسم التطبيع أخرى. وقد حدث شيء من ذلك، فقد حصل تطبيع بينها وبين بعض الدول العربية، فوجدوا بذلك الفرصة للإفساد والخراب، ونشر الرذيلة والفحشاء، كما حدث في مصر وغيرها، وهم لا يقتنعون بشيء، ولا يرضون حتى نتبعهم وندخل معهم في كل ما يريدون، وصدق الله إذ يقول: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]. وقد استعملوا في ذلك شتى الطرق، واستعانوا بالنصارى وغيرهم، وجعلوهم حميراً يمتطونها؛ لتحقيق أغراضهم وأهدافهم. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص 105

المطلب الثالث: اللوبي اليهودي والصهيوني (أو جماعات الضغط الصهيونية)

المطلب الثالث: اللوبي اليهودي والصهيوني (أو جماعات الضغط الصهيونية) Jewish and Zionist Lobby » لوبي « Lobby كلمة إنجليزية تعني: «الرواق» أو «الردهة الأمامية في فندق»، ولذا يُقال مثلاً: (سأقابلك في لوبي الفندق)، أي: في الردهة الأمامية التي توجد عادةً أمام مكتب الاستقبال. وتُطلَق الكلمة كذلك على الردهة الكبرى في مجلس العموم في إنجلترا، وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، حيث يستطيع الأعضاء أن يقابلوا الناس، وحيث تُعقَد الصفقات فيها، كما تدور فيها المناورات والمشاورات، ويتم تبادل المصالح. وقد أصبحت الكلمة تُطلَق على جماعات الضغط (الترجمة الشائعة للمعنى المجازي لكلمة «لوبي lobby «) التي يجلس ممثلوها في الردهة الكبرى، ويحاولون التأثير على أعضاء هيئة تشريعية ما مثل مجلس الشيوخ أو مجلس النواب. وفعل «تو لوبي to lobby « يعني أن يحاول شخص ذو نفوذ (يستمده من ثروته أو مكانته أو من كونه يمثل جماعة تشكل مركز قوة) أن يكسب التأييد لمشروع قانون ما عن طريق مفاوضة أعضاء المجلس التشريعي في ردهته الكبرى، فيعدهم بالأصوات أو بالدعم المالي لحملاتهم الانتخابية، أو بالذيوع الإعلامي إن هم ساندوا مطالبه، وساعدوا على تحقيقها، ويهددهم بالحملات ضدهم، وبحجب الأصوات عنهم إن هم أحجموا عن ذلك. ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من لوبي أو جماعة ضغط تمارس معظم نشاطاتها في العلن بشكل مشروع، وإن كان هذا لا يستبعد بعض الأساليب الخفية غير الشرعية (مثل الرشاوي التي قد تأخذ شكل منح نقدية مباشرة، أو تسهيلات معيَّنة، أو منح عقود، أو التهديد بنشر بعض التفاصيل أو الحقائق التي قد تسبب الحرج لأحد أعضاء النخبة الحاكمة وصانعي القرار ... إلخ ( وتوجد أشكال وأنواع من جماعات الضغط، فهناك جماعات الضغط الإثنية: مثل اللوبي اليوناني أو اللوبي الأيرلندي، كما يوجد الآن لوبي عربي. وهناك كذلك جماعات الضغط الدينية، فهناك لوبي كاثوليكي وآخر علماني. ويوجد جماعات ضغط مهنية وجيلية ونفسية واقتصادية، فيوجد لوبي للمصالح البترولية، وآخر لمنتجي الألبان، وثالث لمنتجي البيض، ورابع لزارعي البطاطس، وخامس لنقابات العمال، وسادس لمنتجي التبغ، وسابع لصانعي السجائر، وثامن لمن يحاربون التدخين، وتاسع للعجائز، وعاشر للشواذ جنسيًّا (وهناك بالطبع لوبي لمن يحاربون الشذوذ الجنسي، ويدافعون عن قيم الأسرة). وقد أصبحت جماعات الضغط على درجة من الأهمية جعلت النظام السياسي الأمريكي أصبح يُسمَّى «ديموقراطية جماعات الضغط»، أي: أنه لم يَعُد هناك نظام ديموقراطي تقليدي يعبِّر عن مصالح الناخبين مباشرةً حسب أعدادهم (لكل رجل صوت)، بل أصبح النظام يعبِّر عن مقادير الضغوط التي تستطيع جماعات الضغط أن تمارسها على المشرِّعين الأمريكيين لتحديد قرارهم بشأن قضية ما، بحيث تَصدُر تشريعات وقوانين معيَّنة وتُحجَب أو تُعدَّل أخرى. فالمواطن الأمريكي لم يَعُد يمارس حقوقه الديموقراطية مباشرةً، وإنما أصبح يمارسها من خلال هذه الجماعات. ويُقال: إن أهم جماعات الضغط في الولايات المتحدة جماعة المدافعين عن حق المواطن الأمريكي في اقتناء الأسلحة النارية (دون ترخيص) واستخدامها للدفاع عن النفس. وهو حق يعود للجذور الاستيطانية الإحلالية للولايات المتحدة، ويشبه (حق) المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية في استخدام الأسلحة لقتل العرب (دفاعاً عن النفس).

وتشير كلمة «لوبي»، بالمعنى المحدَّد والضيق للكلمة، إلى جماعات الضغط التي تسجل نفسها رسميًّا باعتبارها كذلك، ولكنها، بالمعنى العام، تشير إلى مجموعة من المنظمات والهيئات وجماعات المصالح والاتجاهات السياسية التي قد لا تكون مسجلة بشكل رسمي، ولكنها تمارس الضغط على الحكام وصناع القرار. وعبارة «اللوبي اليهودي الصهيوني» في الأدبيات العربية والغربية (في كثير من الأحيان) تشير إلى معنيين اثنين: 1 ـ اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدَّد: تشير كلمة لوبي في هذا السياق إلى لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك)، وهي من أهم جماعات الضغط، ومهمته، كما يدل اسمه، الضغط على المشرعين الأمريكيين؛ لتأييد الدولة الصهيونية. ويتم ذلك بعدة سبل، من بينها تجميع الطاقات المختلفة للجمعيات اليهودية والصهيونية، وتوجيه حركتها في اتجاه سياسات وأهداف محددة عادةً تخدم إسرائيل. كما أن اللوبي يحاول أيضاً أن يحوِّل قوة الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية (وخصوصاً القادرين على تمويل الحملات الانتخابية)، وأعضاء الجماعات اليهودية على وجه العموم (أصحاب ما يُسمَّى «الصوت اليهودي») إلى أداة ضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة، فيلوح بالمساعدات والأصوات التي يمكن أن يحصل المرشح عليها إن هو ساند الدولة الصهيونية، والتي سيفقدها لا محالة إن لم يفعل. 2 ـ اللوبي الصهيوني بالمعنى العام الشائع للكلمة: وهو إطار تنظيمي عام يعمل داخله عدد من الجمعيات والتنظيمات والهيئات اليهودية والصهيونية تنسق فيما بينها، من أهمها: مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، والمؤتمر اليهودي العالمي، واللجنة اليهودية الأمريكية، والمؤتمر اليهودي الأمريكي، والمجلس الاستشاري القومي لعلاقات الجماعة اليهودية. وكل هذه المنظمات لديها ممثلون في واشنطن للتأثير على عملية صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ورغم أن هذه المنظمات لديها أنشطة مختلفة ترتبط بالموضوعات الاجتماعية، فإنها أيضاً تعمل بشكل مباشر في الموضوعات التي ترضي إسرائيل حيث تسعى إلى الضغط على الكونجرس من خلال إرسال الخطابات إلى أعضائه، وغير ذلك من أشكال الضغط. وهناك أيضاً عدد من الجماعات الصهيونية التي تسعى إلى كسب تعاطف الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل، والتي ظهرت في بداية الأمر من أجل السعي لإنشاء دولة إسرائيل ثم تأييدها بعد ذلك. ومن هذه المنظمات: المنظمة الصهيونية لأمريكا، والتحالف العمالي الصهيوني، والهاداساه، ومنظمة النساء الصهاينة في أمريكا. وتعمل هذه الجماعات على كسب الرأي العام عن طريق مشروعات متعددة تتراوح بين إنشاء المدارس التي تعلِّم العبرية، وإنشاء المستشفيات، وإنتاج الأفلام الموالية لإسرائيل، وتمويل رحلات الباحثين والسياسيين الأمريكيين إلى إسرائيل. ومن الناحية التنظيمية: تتميَّز هذه الجمعيات والمنظمات عن نظيراتها الأمريكيات بكونها تضم عضوية كبيرة، كما أن أجهزتها تتميَّز بوجود موظفين متميزين ومدربين على العمل في مجالات جماعات الضغط والتأثير. كذلك فإنها قادرة حالياً على تشجيع برامج سياسية واجتماعية غير مرتبطة دائماً بالبرنامج الصهيوني، كما أنها تملك جماعات متخصصة وقادرة على معالجة مشاكل بعينها، وتنمية شبكات للاتصال. وكذلك فإن لديهم بيروقراطية مركزية لها القدرة على الربط الدائم بين اليهود النشيطين سياسيًّا على مستوى أمريكا كلها عن طريق كل من مؤتمر الرؤساء ولجنة الشئون العامة. هذا بدوره يجعل لدى الجماعات الصهيونية القدرة على الرد الفوري والتعبئة السريعة وبشكل منسق على المستوى القومي، وذلك عندما تظهر موضوعات تستحق التدخل من جانب هذه الجماعات.

وفي مجال الدعاية والتأثير على الرأي العام الأمريكي، فإن اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدد للكلمة، وبالمعنى العام، نجح في جعله موالياً لإسرائيل بصورة عامة. وهذا النجاح لا يرجع فقط إلى الدعاية المنظمة والمؤتمرات، وإنما يرجع أيضاً لقدرة اللوبي الصهيوني على عقد تحالفات دائمة مع جماعات المصالح الأخرى، مثل العمال والمرأة والمنظمات الدينية، وتلك التي تمثل الأقليات الأخرى، وجمعيات حقوق الإنسان، واستخدام هذه الجماعات للتأثير على الرأي العام والكونجرس. ولا يعمل اللوبي الصهيوني (بالمعنى العام الشائع) بشكل مستقل عن الحركة الصهيونية، وإنما ينسق معها. وعندما يُثار موضوع مهم، فإن قادة مؤتمر الرؤساء ولجنة الشئون العامة يحتفظون باتصال وثيق مع العاملين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن ومع المستويات العليا في الحكومة الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلتا المنظمتين لديها القدرة على تنسيق أنشطتها مع الجماعات الصهيونية على المستوى العالمي من خلال المنظمة الصهيونية. هذا هو المعنى الشائع، ولكننا سنطرح معنى ثالثاً غير شائع؛ إذ إننا نذهب إلى أن اللوبي الصهيوني لا يتكون من عناصر يهودية وحسب، وإنما يضم عناصر غير يهودية أيضاً، وهو يضم كل أصحاب المصالح الاقتصادية الذين يرون أن تفتيت العالم العربي والإسلامي يخدم مصالحهم، وأعضاء النخبة السياسية والعسكرية ممن يتبنون وجهة نظرهم. كما يضم اللوبي الصهيوني كثيراً من الليبراليين ممن كانوا يدعون إلى اتخاذ سياسة ردع نشيطة ضد الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، وكثيراً من المحافظين الذين يرون في إسرائيل قاعدة للحضارة الغربية وقاعدة لمصالحها، كما يضم جماعات الأصوليين (الحَرْفيين) ممن يرون في دولة إسرائيل إحدى بشائر الخلاص. ولا يُوظِّف اللوبي اليهودي الصهيوني عناصر اليهودية والصهيونية وحسب، وإنما يُوظِّف عناصر ليست يهودية ولا صهيونية (بل قد تكون معادية لليهود واليهودية) ولكنها مع هذا تُوظِّف نفسها دفاعاً عنه وعن مصالحه، بسبب الدور الذي تؤديه الدولة الصهيونية في الشرق الأوسط، وبسبب تلاقي المصالح الإستراتيجية الغربية والصهيونية. اللوبي اليهودي والصهيوني: الأطروحة الشائعة Jewish and Zionist Lobby: The Dominant Hypothesis يُعَدُّ اللوبي اليهودي والصهيوني (بالمعنى الشائع) أداة ضغط فعالة في يد من يمثلون مصالح الدولة الإسرائيلية. ولا يستطيع أي دارس أن ينكر قوة اللوبي الذاتية التي يمكن تلخيص مصادرها فيما يلي: 1 ـ يستند اللوبي اليهودي والصهيوني إلى قاعدة واسعة من الناخبين من أعضاء الجماعة اليهودية. 2 ـ توجد بين هؤلاء الناخبين نسبة عالية من الأثرياء، يُقدَّر أنهم يتبرعون بأكثر من نصف مجموع الهبات الكبرى للحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي، إضافة إلى مبالغ ضخمة لحملات الحزب الجمهوري. 3 ـ ازدادت أهمية هؤلاء الناخبين بعد الزيادة الهائلة في كلفة الحملات الانتخابية. 4 ـ من أسباب قوة اللوبي اليهودي والصهيوني ارتفاع المستوى التعليمي لأعضاء الجماعات اليهودية. 5 ـ يوجد عدد كبير من المثقفين الأمريكيين اليهود الذين أصبحوا جزءاً عضويًّا من النخبة الحاكمة، فهم أبناء حقيقيون للمجتمع الأمريكي لا يعيشون على هامشه أو (في مسامه) وإنما في صلبه، وهو ما يجعلهم قادرين على ممارسة الضغط والتأثير بشكل مباشر. 6 ـ الجماعة اليهودية جماعة منظمة لدرجة كبيرة، وهذا يجعلها قادرة على مضاعفة قوتها، وزيادة نفوذها لدرجة لا تتناسب مع أعداد أعضائها.

7 ـ ساعد نظام الانتخابات في الولايات المتحدة على أن يلعب اليهود دوراً ملحوظاً في الانتخابات بسبب تركُّزهم في بعض أهم الولايات التي تقرر مصير الانتخابات الأمريكية .. (نيويورك ـ كاليفورنيا ـ فلوريدا). 8 ـ لا يهتم الناخب الأمريكي كثيراً بقضايا السياسة الخارجية ولا يفهمها كثيراً، ولذا فإن أقلية مثل الجماعة اليهودية عندها هذا الاهتمام بإسرائيل وسياسة الولايات المتحدة تجاهها يمكنها أن تمارس نفوذاً قويًّا في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية. والافتراض الكامن في كثير من الأدبيات العربية أن اللوبي اليهودي الصهيوني (بالمعنى الشائع) هو الذي يؤثر في صناع القرار الأمريكي، بل يرى البعض أنه يسيطر سيطرة تامة على مراكز صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وأنه يدفع هذه السياسة في اتجاه التناقض مع المصالح القومية الأمريكية الحقيقية بما يخدم مصلحة الدولة الصهيونية (وينسب البعض للوبي مقدرات بروتوكولية رهيبة). وهذا يعني بطبيعة الحال أن اللوبي الصهيوني هو لوبي يهودي، وأن اليهود يشكلون قوة سياسية، وكتلة اقتصادية موحدة خاضعة بشكل شبه كامل للسيطرة الصهيونية، ويتحركون وفق توجيهاتها، وأن بإمكان أقلية قوامها (4,2%) من السكان أن تتحكم في سياسة إمبراطورية عظمى مثل الولايات المتحدة. كما يفترض المفهوم أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة علاقة عارضة متغيرة، وليست إستراتيجية مستقرة، وأن تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل ناجم عن عملية ضغط عليها (من الخارج) تقوم به قوة مستقلة لها آلياتها المستقلة وحركياتها الذاتية ومصلحتها الخاصة، وليس نابعاً من مصالح الولايات المتحدة، أو من إدراكها لهذه المصالح. ويستند إدراك كثير من المنادين بمقولة قوة اللوبي الصهيوني إلى مجموعة من المقدمات المنطقية المعقولة التي تكاد تكون بدهية، ومن وجهة نظرهم فنحن إذا حكَّمنا العقل، ودرسنا الواقع بشكل موضوعي لتوصلنا إلى أنه ليس من صالح الولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل في معركة مع الشعب العربي، بل من صالحها أن تتعاون معه في كل المجالات الممكنة؛ لأن مثل هذا التعاون سيؤدي إلى استقرار المنطقة العربية، وسيعود على الولايات المتحدة بالفائدة. فالعالم العربي يشغل موقعاً إستراتيجيًّا مهمًّا، فهو يقع في وسط أفريقيا وآسيا، وله امتداد حضاري وسكاني في كليهما، وهو شريك أوربا في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويشكل نواة العالم الإسلامي. ولذا فمن صالح الولايات المتحدة أن تكون علاقاتها جيدة مع شعب يشغل مثل هذا الموقع الإستراتيجي، وألا يزاحمها أحد في مثل هذه المكانة. علاوة على هذا، يضم العالم العربي نسبة ضخمة من بترول العالم، ومن مخزونه الإستراتيجي المعروف، وهذا البترول ـ كما هو معروف ـ أمر حيوي بالنسبة للمنظومة الصناعية في الغرب. كما أن الأسواق العربية من أهم الأسواق من منظور تسويق السلع، وكذلك استثمار رأس المال. والعلاقة الطيبة بين الدول العربية والولايات المتحدة ستؤدي حتماً إلى تحسين صورتها لا في العالم العربي وحسب، بل في العالم الثالث بأسره. ولكن الولايات المتحدة، هذا البلد العقلاني الذي تحكمه معايير عملية عقلانية مادية باردة، لا تسلك حسب هذه المعايير المعقولة البديهية، فهي تتمادى في تأييد إسرائيل، وتقف وراءها بكل قوة، وتستجلب على نفسها عداء العرب. مثل هذا الوضع شاذ وغير عقلاني لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود قوة خارجية، ذات مقدرة ضخمة، قادرة على أن تضغط على الولايات المتحدة بحيث تتصرف، لا بحسب ما تمليه عليها مصالحها الموضوعية، وإنما حسبما تمليه عليها مصالح هذه القوة، أي: المصالح اليهودية والصهيونية والإسرائيلية التي يمثلها اللوبي اليهودي والصهيوني (بالمعنى الشائع (. ولكن ما لم يطرأ لمثل هؤلاء على بال هو أن من المحتمل أن الولايات المتحدة لا تدرك (مصالحها) بهذه الطريقة التي يتصورون أنها عقلانية، بل لعلها ترى أن (عدم الاستقرار أو عدم الاستقرار المحكوم) (بالإنجليزية: كونترولد إنستابيليتي ( Controlled instability أفضل وضع بالنسبة لها، وأن وضع التجزئة العربية هو ما يخدم (مصالحها)، وأن إسرائيل هي أداتها في خلق حالة عدم الاستقرار المحكوم هذه، والخادم الحقيقي (لمصالحها) ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية د. عبد الوهاب المسيري 6/ 504 فما بعدها

المطلب الرابع: تاريخ موجز للحركة الصهيونية:

المطلب الرابع: تاريخ موجز للحركة الصهيونية: • أولا: المرحلة التكوينية:. • ثانياً: مرحلة الولادة في مطلع القرن العشرين:. • ثالثاً: الاستيطان في فلسطين:. • رابعاً: أزمة الصهيونية:.

أولا: المرحلة التكوينية:

أولا: المرحلة التكوينية: 1 ـ الصهيونية ذات الديباجة المسيحية) حتى نهاية القرن السابع عشر (: شهدت هذه المرحلة من ناحية الخلفية العامة البدايات الحقيقية للانقلاب التجاري في الغرب. إذ هيمن الجيب التجاري (الذي كان منعزلاً في المدن في أوربا الإقطاعية) على الاقتصاد الزراعي الإقطاعي عام (1500) م, تقريباً، وأعاد صياغة الإنتاج وتوجيهه بحيث خرج به عن نطاق الاكتفاء الذاتي وسد الحاجة. وبدأ التجار يلعبون دوراً مهمًّا في توجيه سياسات الحكومات، وهذا ما يُعبَّر عنه باصطلاح «الانقلاب التجاري». وقد شجَّع هذا الانقلاب حركة الاكتشافات الجغرافية، وهي حركة استعمارية ضخمة كانت تأخذ شكل استيطان في مراكز تجارية على الساحل. وفي أواخر القرن السادس عشر، وبداية القرن السابع عشر، أصبحت إنجلترا- بعد أن تحوَّلت عن الكاثوليكية، ونفضت النفوذ الإسباني عنها- أهم قوة استعمارية، فراكمت الثروات، وسيطرت على رقعة كبيرة من الأرض. وواكب كل هذا حركة الإصلاح الديني التي أعادت تعريف علاقة الإنسان بالخالق وبالكتاب المقدَّس، بحيث أصبح في إمكان الفرد أن يحقق الخلاص بنفسه لنفسه خارج الإطار الكنسي الجمعي، ودون حاجة إلى رجال الدين، وأصبح من واجبه أن يفسر الكتاب المقدَّس لنفسه. وإذا ما تركنا الخلفية جانباً وانتقلنا إلى الساحة، فلسطين، وجدنا أن الإمبراطورية العثمانية في هذه المرحلة كانت لا تزال تقف شامخة تحمي كل رعاياها، مسلمين ومسيحيين ويهوداً، وتُشكِّل كتلة بشرية ضخمة متماسكة، ولم يكن الاستعمار الغربي يجرؤ على مواجهتها، وكان يفضل الالتفاف من حولها. ومع هذا يجب أن نسجل أن هذه الفترة شهدت بداية جمود الدولة العثمانية وظهور علامات ضعفها (في الوقت الذي كانت فيه الدول القومية الأوربية تزداد قوة بتأثير الانقلاب التجاري). ظهرت الصيغة الصهيونية الأساسية في أواخر القرن السادس عشر على شكل الأحلام الاسترجاعية في الأوساط البروتستانتية الاستعمارية، وخصوصاً في إنجلترا، وقد وُلدت كفكرة وحسب، كإمكانية تبغي التحقق لا في أوربا وإنما خارجها، وليس من خلال الإنسان الأوربي ككل، وإنما من خلال الجماعات الوظيفية اليهودية. وكانت الصيغة الصهيونية الأساسية متدثرة بديباجات مسيحية بروتستانتية. وقد كانت هذه الصهيونية ترى اليهود باعتبارهم مادة بشرية يمكن حوسلتها. ولذا، فلم يُتصوَّر أن يكون لهم دولة وظيفية مستقلة (فمركز الحلول هو المسيحيون البروتستانت) والمكان الذي سيُنقَلون إليه كان يختلف من مفكر لآخر. والهدف من نقلهم هو الإعداد للخلاص المسيحي. ويُلاحَظ أن هذا الضرب من الصهيونية (شأنه شأن أية صهيونية توطينية) ينظر إلى اليهود من الخارج كعنصر يُستخدَم ومادة تُوظَّف. وإن كان يجدر ملاحظة أن الصهيونية هي بالدرجة الأولى حركة غير يهودية، لم يشترك فيها أعضاء الجماعة اليهودية من قريب أو بعيد. كما يُلاحَظ أن الخطاب الصهيوني كان هامشيًّا جدًّا، مقصوراً على الأصوليين البروتستانت. 2 ـ صهيونية غير اليهود (العلمانية) (حتى منتصف القرن التاسع عشر): شهدت هذه المرحلة تراكم رؤوس الأموال وهيمنة الملكيات المطلقة (بتوجهها المركنتالي) على معظم أوربا، غربها ووسطها، وإلى حدٍّ ما شرقها. ورغم أن القوى السياسية التقليدية كانت لا تزال مسيطرة على دفة الحكم, فإن الطبقات البورجوازية ازدادت قوة وثقة بنفسها وبدأت تطالب بنصيب من الحكم، بل بدأت تؤثر فيه. وقد عبَّر هذا عن نفسه من خلال الفلسفات الثورية المختلفة والنظريات الكثيرة عن الدولة والفكر العقلاني، وأخيراً من خلال الثورة الفرنسية التي تُعدُّ ثمرة كل الإرهاصات السابقة وتشكِّل نقطة تحوُّل في تاريخ أوربا بأسرها.

وقد أدَّى تراكم رؤوس الأموال والفتوحات العسكرية والاكتشافات الجغرافية وتقدُّم العلم والتكنولوجيا إلى حدوث النقلة النوعية التي يُطلَق عليها «الثورة الصناعية»، ويرى بعض المؤرخين أن بدايتها تعود إلى هذه الفترة. وكانت إنجلترا في المقدمة في هذا التحول، فقد كانت أول دولة في العالم تتحول من دولة تجارية إلى دولة رأسمالية صناعية، ثم تحوَّلت إلى قوة عظمى بعد انتصارها على فرنسا في حرب السنوات السبع، وبعد توقيع معاهدة أوترخت عام (1713) م. وفي نهاية القرن الثامن عشر كانت إنجلترا أكبر قوة استعمارية في العالم. ومع تصاعُد المشروع الاستعماري انزوى دعاة الديباجات الدينية، وتدثرت الصياغة الصهيونية الأساسية بالديباجات العلمانية الرومانسية والعضوية والنفعية والعقلانية. وقد دعا نابليون (أول غاز في الشرق الإسلامي وعدو اليهود) إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين مستخدماً خليطاً من الديباجات الرومانسية والدينية والنفعية. وكان الوهن الذي دبَّ في أوصال الدولة العثمانية (رجل أوربا المريض) قد بدأ يظهر ويتضح، وكانت كل القوى الغربية تفكر في طريقة للاستفادة من هذا الضعف, لتحقق لنفسها بعض المكاسب. وقد أخذ هذا شكل الهجوم المباشر من روسيا التي ضمت بعض الإمارات التركية على البحر الأسود، ثم هجوم نابليون على مصر، بينما قررت إنجلترا، ومن بعدها ألمانيا (في مراحل مختلفة) الحفاظ على هذه الإمبراطورية، مع تحقيق المكاسب من خلال التدخل في شئونها و (إصلاحها) حتى تقف حاجزاً ضد أي زحف روسي محتمل. ولعل أهم حقيقة سياسية في هذه المرحلة هي ظهور (محمد علي) المفاجئ وقيامه بتكوين إمبراطوريته الصغيرة. فقد قلب موازين القوى، وهدَّد المشروع الاستعماري الغربي الذي كان يفترض أن العالم كله إن هو إلا ساحة لنشاطه وسوق لسلعه، ووضع حدًّا لآمال الدول الغربية التي كانت تترقب اللحظة المواتية لاقتسام تركة الرجل المريض المحتضر. ولذا تحالفت الدول الغربية كلها، ومنها فرنسا، وعقدت مؤتمر لندن عام (1840) م, وقرَّرت فيه الإجهاز عليه، فاضطرته إلى التوقيع على معاهدة لندن؛ لتهدئة المشرق. وعند هذه النقطة تبلورت الفكرة الصهيونية بين غير اليهود، وتحوَّلت من مجرد فكرة إلى مشروع استعماري محدد، إذ بدأت تُطرَح فكرة تقسيم الدولة العثمانية، ومن ثم اكتسبت الصيغة الصهيونية الأساسية مضموناً تاريخيًّا وبُعْداً سياسيًّا، وأصبح بالإمكان دمج المسألة اليهودية (مسألة الشعب العضوي المنبوذ) مع المسألة الشرقية (تقسيم الدولة العثمانية) وطُرحت إمكانية توظيف الشعب المنبوذ، وبدأ التفكير في حل المسألة اليهودية عن طريق نَقْل اليهود إلى فلسطين وإيجاد قاعدة للاستعمار الغربي (أي: أن تتم حوسلة اليهود باسم الحضارة الغربية ومصالحها التي هي مركز الحلول. (ويمكن القول بأن الفكرة الصهيونية قد بدأت تتحول إلى فكرة مركزية في الوجدان السياسي الغربي. وهذه المرحلة هي مرحلة صهيونية غير اليهود (العلمانية)، وهي صهيونية توطينية. وظهر أهم مفكر صهيوني (إيرل أوف شافتسبري السابع)، كما ظهر (لورانس أوليفانت). ولكن حتى هذه المرحلة لم تكن فكرة الدولة اليهودية قد ظهرت؛ إذ كان التصور لا يزال أن يكون التجمُّع اليهودي محمية تابعة لدولة غربية. وحتى فلسطين نفسها كمكان للتجمُّع كان لا يزال أمراً غير مقرر. وكانت النظرة لليهود لا تزال خارجية، فقد كان يُنظَر إليهم كمادة استعمالية لا قيمة لها في حد ذاتها، تكتسب قيمتها من نفعها. وكانت ديباجات الصهيونية في هذه المرحلة عقلانية مادية ورومانسية (لا عقلانية مادية (.

3 ـ صهيونية أثرياء اليهود المندمجين في مجتمعاتهم الغربية (النصف الثاني من القرن التاسع عشر (: في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تَعُد الحروب ضد دول آسيا وأفريقيا، بعد التطورات الصناعية المذهلة في أوربا، أمراً يبهظ خزائن الدول الاستعمارية، بل إن العائد أصبح يفوق التكاليف (وكانت إحدى مقولات أعداء المشروع الاستعماري أن تكاليف الإمبراطورية تفوق عائدها.) ومما تجدر ملاحظته كذلك أن الضغوط السكانية والأزمة الاقتصادية داخل المجتمعات الغربية جعلتها تبحث عن حل لمشاكلها خارج أوربا. ولكل هذا طرحت الإمبريالية نفسها باعتبارها المخرج من المأزق التاريخي. ولكن المشروع الإمبريالي لم يكن يتم في ظل نظريات التجارة الحرة، إذ سيطر فكر احتكاري جديد يُسمَّى «نيو ـ مركنتالي neo-mercantile» ( أي «المركنتالي الجديد») بحيث تم تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ واحتكارات، كل منطقة منها مقصورة على الدولة التي استعمرتها (ومنها المؤتمرات الدولية المختلفة في هذه الفترة لتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ). ومع منتصف القرن التاسع عشر كانت إنجلترا ورشة العالم بلا منازع، فإنتاجها الصناعي كان قد وصل إلى مستوى لم تعرفه البشرية من قبل، وإمبراطوريتها كانت مترامية الأطراف تحميها قوة عسكرية ضخمة، وأسطول يُسيطر على كل بحار العالم. وقد اتخذت السياسة البريطانية شكلاً إمبرياليًّا أكثر حدة، ولا سيما بعد تحطيم مطامع روسيا في حرب القرم، وبعد أن تحوَّل مشروعها الاستعماري إلى أواسط آسيا وغيرها من المناطق البعيدة عن أفريقيا والشرق الأوسط اللذين تزايد الاهتمام الإمبريالي البريطاني بهما. فاشترت بريطانيا أسهم شركة قناة السويس عام (1876) م، واستولت على قبرص عام (1878) م، واحتلت مصر (الطريق إلى الهند) عام (1882) م. ونتيجة كل هذا أصبح مصير فلسطين جزءاً من المخطط الاستعماري البريطاني، الأمر الذي حدا بكتشنر أن يطالب بتأمين ضم فلسطين للإمبراطورية. ومع هذا كانت بريطانيا لا تزال ملتزمة بضمان ممتلكات الدولة العثمانية (من النيل إلى الفرات) التي (وعد الرب بها إبراهيم) ومن ثم أصبحت منطقة نفوذ بريطانية. ولكن في عام (1885) م, قرَّرت حكومة المحافظين أن من الخير الموافقة على اقتراح القيصر بتقسيم الإمبراطورية (العثمانية). ومع هزيمة فرنسا على يد ألمانيا عام (1871) م, نشط المشروع الإمبريالي الألماني، وبالتالي العلاقة مع الدولة العثمانية، فزاد حجم القروض الألمانية لها، وزار القيصر وليام الثاني القسطنطينية عام (1898) م, وزار بعدها فلسطين، ولذا ظل المشروع الصهيوني متأرجحاً بين أعظم قوتين إمبرياليتين في ذلك الحين: البريطانية والألمانية. كانت الصيغة الصهيونية حتى هذه المرحلة مجرد فكرة غربية تبحث عن المادة البشرية اليهودية المُستهدَفة التي ستُوظَّف. ومع تعثُّر التحديث في شرق أوربا في أواخر القرن التاسع عشر، تدفَّق المهاجرون اليهود من شرق أوربا إلى غربها، الأمر الذي هدَّد أمن هذه الدول، كما هدَّد مكانة أعضاء الجماعات اليهودية فيها، وقد أدَّى هذا إلى تشابك مصير يهود غرب أوربا ومصير يهود اليديشية. وحلاًّ لهذه المشكلة، اكتشف يهود الغرب الحل الصهيوني دون أية ديباجات قومية أو سياسية (ومن هنا رفض فكرة الدولة اليهودية، والابتعاد عن فلسطين كمكان للتوطين، وعدم الاهتمام بالدولة الراعية؛ إذ لا حاجة لها) وظهرت الصهيونية التوطينية بين أعضاء الجماعات اليهودية في غرب أوربا، وخصوصاً بين الأثرياء منهم المندمجين في مجتمعاتهم. وعلى هذا، فهو يعتبر أول اتجاه صهيوني يظهر بين اليهود، ومع هذا فهو يشبه صهيونية غير اليهود في أنه ينظر لليهود من الخارج

ويمكننا أن نقول: إن تاريخ صهيونية غير اليهود يبدأ مع ظهور حركة الاستعمار الاستيطاني، وتتبلور ديباجاته وتكتسب بُعْداً أساسيًّا مع ظهور (محمد علي) وسقوطه (ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية لا علاقة لهم بتطور الفكرة الصهيونية). ولا يبدأ تاريخ الصهيونية عند اليهود إلا مع تعثُّر التحديث وتعاظم الإمبريالية، كرؤية وكممارسة. ومن أهم الصهاينة التوطينيين في هذه المرحلة إدموند دي روتشيلد وهيرش ومونتفيوري. 4 ـ إرهاصات التيارات الصهيونية المختلفة بين اليهود (العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر): لا تختلف الخلفية التاريخية لهذه المرحلة كثيراً عن سابقتها، فالإمبريالية الغربية كانت قد قسَّمت العالم بينها. وكانت ألمانيا تحاول أن تُعيد التقسيم؛ لتوسيع الرقعة التي تهيمن عليها. ومن هنا استمرار تذبذب الصهاينة بين بريطانيا وألمانيا. ورغم أن سياسة بريطانيا الرسمية كانت الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية وأملاكها إلا أن القرار بتقسيمها كان قد تم اتخاذه بالفعل. وكان التعبير عن كل هذه الصراعات هو الحرب العالمية الأولى التي انتهت بضم فلسطين (الساحة) إلى الإمبراطورية البريطانية، واختفاء الدولة العثمانية كقوة سياسية. أ) الصهيونية التسللية: اكتشف يهود شرق أوربا الصهيونية كحركة استيطانية، ولكنهم لم يدركوا حتمية الحل الإمبريالي. ونظراً لقصور رؤيتهم، حاولوا الاستيطان دون دعم إمبريالي، وحاولوا تجنيد أثرياء يهود الغرب المندمجين ليرعوا مشروعهم ويدعموه، وهذا ما سميناه «الصهيونية التسللية» (التي يقال لها: «عملية») وهي أول صهيونية استيطانية، وتتسم بأنها نابعة من المادة البشرية المُستهدَفة. ويظل مفهوم الدولة شاحباً بين دعاة الصهيونية التسللية، كما أن فلسطين ليست بالضرورة ساحة الاستيطان. ومن أهم دعاة الصهيونية التسللية ليلينبلوم وبنسكر، ثم ظهرت جماعات البيلو وأحباء صهيون، ويمكن النظر إليها باعتبارها إرهاصات لهرتزل وللصيغة الصهيونية الأساسية بعد تهويدها. ب) إرهاصات الصهيونية الإثنية الدينية والعلمانية: وظهرت كتابات كاليشر والقلعي التي تُعتبر إرهاصات الصهيونية الإثنية الدينية، ونشر آحاد هعام كتاباته الصهيونية التي ترى أهمية تأسيس دولة يهودية في فلسطين، ولكن وظيفتها لم تكن الإسراع بعملية دمج اليهود، بل الحفاظ على هويتهم. جـ) إرهاصات الصهيونية العمالية: وقد ظهرت كذلك كتابات هس في منتصف القرن التاسع عشر التي ساعدت مفكري الصهيونية العمالية على صياغة أفكارهم. 5 ـ مرحلة (هرتزل) (العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (:

ظهر (هرتزل) بين صفوف يهود الغرب المندمجين التوطينيين، فاكتشف حاجة الغرب ويهود الغرب للتخلص وبسرعة من يهود شرق أوربا. ولكنه اكتشف الحقيقة البدهية الغائبة عن الجميع: حتمية التحرك داخل إطار الإمبريالية الغربية التي يمكنها وحدها أن تنقل اليهود خارج أوربا، وأن توظفهم لصالحها، نظير أن تزودهم بالدعم والحماية. وقد اكتشف (هرتزل) أيضاً فكرة القومية العضوية والشعب العضوي (فولك) التي تستطيع أوربا العلمانية الإمبريالية أن تدرك اليهود من خلالها. وقد نجح (هرتزل) في التوصُّل إلى خطاب مراوغ وهو ما جعل وضع نصوص العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم ممكناً، وهو عقد يُرضي يهود الشرق، ولا يُفزع يهود الغرب، ويجعل بإمكان الإمبريالية أن تضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. كما أنه فتح الباب أمام عملية تهويد الصيغة الصهيونية الأساسية من خلال الديباجات اليهودية المختلفة. ويتميز هرتزل عن كلٍّ من شافتسبري وأوليفانت في أنه هو نفسه يهودي ينظر إلى المادة البشرية المُستهدَفة من الداخل. ولكنه مع هذا يهودي غير يهودي، ولذا فهو ينظر إلى هذه المادة من الخارج، ويراها باعتبارها مشكلة تبغي حلاًّ لا قيمة إنسانية تبغي التحقق. وبسبب ازدواجيته هذه، نجح (هرتزل) في أن يكون جسراً بين التوطينيين والاستيطانيين وبين اليهود والغرب، ولذا يمكن القول بأن الصهيونية تحوَّلت من فكرة إلى مشروع استيطاني استعماري على يد (هرتزل) في مؤتمر- بال- الذي وُلدت فيه الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. وقد فزع أثرياء الغرب اليهود من دعوة (هرتزل) في بادئ الأمر، كما رفضها معظم الجماعات والمنظمات اليهودية في العالم. 6 ـ تبلور الفكرة الصهيونية بين اليهود: أ- حتمية الحل الإمبريالي: أدرك قادة يهود شرق أوربا حتمية الحل الإمبريالي من خلال (هرتزل). ب- استقرار الصيغة الصهيونية الشاملة: تم قبول الدولة اليهودية الوظيفية باعتبارها الهدف الأساسي للحركة الصهيونية والإطار الذي يتم توظيف اليهود من خلاله. وأدَّى تقسيم الدولة العثمانية إلى حسم الأمور تماماً لصالح دعاة الاستيطان في فلسطين. جـ - تهويد الصيغة الصهيونية: أحس قادة يهود شرق أوربا أن الصيغة الصهيونية الأساسية، وصيغة (هرتزل) الاستعمارية، لا يمكن أن تُجنِّد يهود اليديشية، ولذا فقد أثاروا قضية المعنى والوعي اليهودي وأضافوا ديباجات إثنية دينية وعلمانية أدَّت إلى تهويد الصيغة الصهيونية، وجعلت الشعب اليهودي مرة أخرى مركزاً للحلول، وجماعةً لها قيمة في حد ذاتها، الأمر الذي جعل بإمكان يهود شرق أوربا استبطان الصيغة الصهيونية الأساسية. ويُلاحَظ أن الصهيونية الإثنية الدينية والعلمانية لا هي بالتوطينية ولا هي بالاستيطانية؛ لأنها تتوجه لمستوى الهوية والوعي الذي يتجاوز ثنائية الاستيطان والتوطين، وإن كان لها ثنائيتها الخاصة (ديني/علماني)، وهي صهيونية تنظر إلى اليهود من الداخل. د - الديباجات والتيارات السياسية: أدخل بعض الصهاينة العلمانيين ديباجات ليبرالية (الصهيونية العامة) أو اشتراكية (صهيونية عمالية) أو فاشية (الصهيونية التصحيحية) لتحديد شكل الدولة المزمع إقامتها، أي: أنهم حددوا شكل الاستيطان، وبذا تكون الفكرة الصهيونية قد اكتملت وتحدَّدت ملامحها، وصيغت كل الديباجات اللازمة لتسويقها أمام قطاعات وطبقات الجماعات اليهودية في شرق أوربا وغربها. وحتى ذلك التاريخ، كانت هناك صراعات كثيرة داخل الحركة الصهيونية: أ - صراع بين التسلليين والدبلوماسيين. ب - بين الدينيين والعلمانيين. جـ - بين دعاة الاعتماد على ألمانيا في مواجهة دعاة الاعتماد على إنجلترا. د - صراعات أيديولوجية بين دعاة الليبرالية ودعاة الاشتراكية. هـ - صراع بين دعاة الصهيونية الإقليمية ودعاة الصهيونية التوطينية، أي: بين دعاة الاستيطان في أي مكان، ودعاة ما يُسمَّى «صهيونية صهيون» أي: الاستيطان في فلسطين وحدها. 7 ـ تأسيس المنظمة الصهيونية: لم تكن بلورة الفكرة الصهيونية كافية، بل كان ضروريًّا أن يوجد إطار تنظيمي. وقد وضع (هرتزل) التصور الأساسي في كتابه (دولة اليهود)، ثم دعا للمؤتمر الصهيوني الأول (1897) م, وتم تأسيس المنظمة الصهيونية.

ثانيا: مرحلة الولادة في مطلع القرن العشرين:

ثانياً: مرحلة الولادة في مطلع القرن العشرين: تختلف خريطة العالم السياسية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى عن التي سادت قبلها اختلافاً بيِّناً. فقد انتصر الاستعمار البريطاني على الاستعمار الألماني، والتهم النصيب الأكبر من الإمبراطورية العثمانية، ثم ظهرت إرهاصات القومية العربية (ولكن حركة القومية العربية وحركة المقاومة العربية الفلسطينية، وبخاصة في العقود الأولى من هذه الفترة كانت ضعيفة غير قادرة على تعبئة الجماهير، وتنظيمها ضد الاستعمارين الإنجليزي والصهيوني بتنظيمهما الحديث، وعلاقاتهما العالمية، وتعاونهما الوثيق داخل فلسطين وخارجها). وقد تصاعدت المقاومة في الثلاثينيات، ولكن المؤسستين الاستعماريتين نجحتا في قمعها، وانتهى الأمر بطرد غالبية الفلسطينيين من ديارهم، وأُعلنت الدولة عام (1948) م, بموافقة الدول الغربية العظمى كلها، وموافقة الاتحاد السوفييتي (ولم تظهر المقاومة الفلسطينية مرة أخرى بشكل منظم إلا عام (1965) م, بقيادة فتح، وبمشاركة الفصائل الفلسطينية الأخرى رغم أنها لم تتوقف إذ أخذت أشكالاً تلقائية غير منظمة طيلة الفترة السابقة (. وفي بداية هذه المرحلة ظهرت الولايات المتحدة كقوة كبرى لها ثقل يُعتدُّ به على الصعيد العالمي. أما الاتحاد السوفييتي فقد دخل مرحلة البناء والتحديث الاشتراكي التي فرضت عليه نوعاً من العزلة. ومع ثلاثينيات القرن بدأ مركز الإمبريالية في الانتقال من لندن إلى واشنطن، وهي عملية يمكن القول بأنها اكتملت بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الولايات المتحدة قائداً للمعسكر الإمبريالي بلا منازع. كما يُلاحَظ تَركُّز معظم يهود العالم في الولايات المتحدة، وقد كان لهذين العنصرين أعمق الأثر في تعميق توجُّه الحركة الصهيونية ثم الدولة الصهيونية نحو أمريكا. مع وعد بلفور، حُسمت كل الأمور. فبعد ظهور الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، وقبول القيادات الصهيونية لها، يظهر بلفور (ممثل الإمبراطورية البريطانية والحضارة الغربية ككل) ويوقع عقد بلفور باعتباره ممثلاً للحضارة الغربية (ويوقعه عن الطرف الآخر الصهاينة التوطينيون من يهود الغرب المندمجين، والصهاينة الاستيطانيين اليهود ممثلي المادة البشرية اليهودية من شرق أوربا) فتصبح الحركة الصهيونية مشروعاً استعماريًّا استيطانيًّا إحلاليًّا متكاملاً. ويجب ألا نخلق انطباعاً خاطئاً بأن هناك تعاقباً زمنيًّا صارماً، فالصهيونية ذات الديباجة المسيحية لا تزال مزدهرة رغم أن الحضارة الغربية قد تطوَّرت بطريقة همشت المسيحية ككل، كما أن صهيونية غير اليهود) العلمانية) لا تزال قائمة، والصهيونية التوطينية لا تزال هي الصهيونية المنتشرة بين معظم يهود العالم (ويُطلَق عليها صهيونية الدياسبورا (. وبعد إعلان وعد بلفور، وبعد اكتساب المنظمات الصهيونية، الشرعيةَ الاستعمارية التي كانت تسعى إليها، تغيَّرت الصورة تماماً، فلم تَعُد القضية قضية بعض قيادات الفائض اليهودي من شرق أوربا، ولم تَعُد المسألة متصلة بإغاثة بضعة آلاف من اليهود، وإنما أصبحت المنظمة تابعة لأكبر قوة استعمارية على وجه الأرض آنذاك، وأصبحت ذات وظيفة محددة هي نَقْل المادة البشرية اليهودية إلى فلسطين لتأسيس قاعدة لهذه القوة. ولذا فلم يَعُد هناك مجال للاختلافات الصغيرة بين دعاة الاستيطان العمليين مقابل دعاة بذل الجهود الدبلوماسية مع الدولة الراعية. كما لم يَعُد هناك أي مبرر لوجود دعاة الصهيونية الإقليمية (أي: توطين اليهود خارج فلسطين)، وتساقطت بالتالي كثير من التقسيمات الفرعية، أو أصبحت غير ذات موضوع، وتم تقسيم العمل على أساس جديد يقبله الجميع، وظهر ما يمكن تسميته «الصهيونية التوفيقية». كما أن الرفض اليهودي للصهيونية فقد دعامته الأساسية: الخوف من ازدواج الولاء؛ إذ أصبح تأييد الصهيونية أمراً لا يتناقض مع ولاء الإنسان الغربي لوطنه وحضارته.

ثالثا: الاستيطان في فلسطين:

ثالثاً: الاستيطان في فلسطين: تاريخ الحركة الصهيونية بعد ذلك هو تاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين تحت رعاية حكومة الانتداب ومقاومة العرب لهذا الاستيطان. وقد ظهرت بعض التوترات بين القوة الاستعمارية الراعية والمستوطنين (وهو توتر يسم علاقة أية دولة راعية بالمستوطنين التابعين لها، وهو لا يعود إلى تناقض المصالح، وإنما إلى اختلاف نطاقها، فمصالح الدولة الراعية أكثر اتساعاً وعالمية من مصالح المستوطنين) ولذا فقد أصدرت الحكومة البريطانية الراعية مجموعة من الكتب البيضاء؛ لتوضِّح موقفها من المستوطنين الصهاينة ومن العرب. وقد انتقل دور الدولة الراعية من إنجلترا إلى الولايات المتحدة. ولكن كل هذه العناصر لا تغيِّر بنية الفكر الصهيوني ولا اتجاه الحركة، ولا تؤثر في المنظمة الصهيونية. أما بالنسبة للمنظمة الصهيونية، فبعد صدور وعد بلفور كان ضروريًّا أن يكون لها ذراعها الاستيطاني الذي يتعامل مع حقائق الموقف في فلسطين. وقد أسَّست المنظمة الصهيونية ساعدها التنفيذي المعروف باسم الوكالة اليهودية عام (1922) م، إذ نص صك الانتداب البريطاني على فلسطين على الاعتراف بوكالة يهودية مناسبة لإسداء المشورة إلى سلطات الانتداب في جميع الأمور المتعلقة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وفي عام (1929) م، نجح وايزمان ـ رئيس المنظمة الصهيونية آنذاك ـ في إقناع أعضاء المؤتمر الصهيوني السادس عشر بضرورة توسيع الوكالة اليهودية، بحيث يتشكل مجلسها من عدد من أعضاء المنظمة وعدد مثله من غير أعضائها. وكان الغرض من ذلك استمالة أثرياء اليهود التوطينيين لتمويل المشروع الصهيوني دون إلزامهم بالانخراط في صفوف المنظمة، والإيحاء في الوقت نفسه بأن الوكالة تمثل جميع يهود العالم، ولا تقتصر على أعضاء المنظمة. وكان من شأن هذه الخطوة أن تعطي دفعة قوية للحركة الصهيونية، وتدعم الموقف التفاوضي للمنظمة الصهيونية مع الحكومة البريطانية التي كان يقلقها تصاعد الأصوات الرافضة للصهيونية في أوساط يهود بريطانيا (وقد ظلت المنظمتان تُعرَفان بالاسم نفسه على النحو التالي: المنظمة الصهيونية/الوكالة اليهودية حتى عام (1971) م, حين جرت عملية مزعومة وشكلية لإعادة التنظيم بحيث أصبحت المنظمتان منفصلتين قانونيًّا، ولكل منهما قيادة مختلفة). ولم يهدأ الصراع تماماً بين التوطينيين والاستيطانيين. فحتى عام (1948) م، كان الصراع يدور حول من يتحكم في المنظمة وحول تحديد أهداف المشروع الصهيوني. أما بعد عام (1948) م، فإن مجال الصراع أصبح تعريف اليهودي (الديني والعلماني) إذ حُسمت قضية التحكم في المنظمة لصالح المستوطنين تماماً، ولم يعد الصهاينة التوطينيون يهتمون به. رغم عدم اشتراك يهود البلاد العربية في إفراز الفكر الصهيوني أو الحركة الصهيونية، ورغم أن الصهيونية (بشقيها الشرقي والغربي) لم تتوجه إليهم بشكل خاص، ولم تحاول تجنيدهم بشكل عام وواسع قبل عام (1948) م، إلا أن إنشاء الدولة قد خلق حركيات تتخطى إرادتهم. كما أن حاجة الدولة الصهيونية إلى طاقة بشرية (بعد عزل يهود الشرق أو اختفائهم وبعد رفض يهود الغرب الهجرة) جعلها تهتم بهم وتجندهم، وتفرض عليهم في نهاية الأمر «مصيراً صهيونيًّا»، أي: الخروج من أوطانهم. وقد استقرت أعداد كبيرة منهم في الدولة الصهيونية، وإن كان من الملحوظ أن أعداداً أكبر استقرت خارجها. وقد ظهرت صراعات بين دعاة الديمقراطية ودعاة الشمولية، وبين دعاة المشروع الرأسمالي الحر والنهج الاشتراكي، ولكنها صراعات لا علاقة لها بالفكر الصهيوني ولا الحركة الصهيونية، فهي صراعات داخلية بين المستوطنين، وإذا شارك فيها الصهاينة التوطينيون فإن مساهمتهم تظل ثانوية. وتعود هامشية هذه الصراعات إلى أن الولايات المتحدة تمول التجمُّع الصهيوني بأسره، بمن فيه من رأسماليين وإرهابيين وعقلاء ومجانين واشتراكيين وقتلة. فالحقيقة الأساسية هي وظيفية الدولة الصهيونية، ولذا فإن الصراعات ذات المضمون الأيديولوجي العميق أو السياسي المسطح ليست ذات أهمية كبيرة. أما الصراع بين الإشكناز والشرقيين فهو صراع عميق ومهم، ولكنه لا يؤثر في الفكر الصهيوني أو الحركة الصهيونية، فهو قضية إسرائيلية داخلية تماماً. وخاضت الدولة الصهيونية حروبها المتعددة ضد العرب، من حرب (1948) م, إلى حرب (1956) م, إلى حرب (1967) م, إلى حرب (1973) م, إلى اجتياح لبنان عام (1982) م, وما تبعه من توسُّع ومزيد من القمع. وتزايد الرفض الفلسطيني للدولة الاستيطانية الصهيونية والمقاومة لها.

رابعا: أزمة الصهيونية:

رابعاً: أزمة الصهيونية: تواجه الصهيونية- كفكرة وحركة ومنظمة ودولة- أزمة عميقة لعدة أسباب، من بينها انصراف يهود العالم عنها. فالصهيونية لا تعني لهم الكثير، فهم يفضلون إما الاندماج في مجتمعاتهم أو الهجرة إلى الولايات المتحدة، وقد تدهورت صورة المُستوطن الصهيوني إعلاميًّا بعد الانتفاضة؛ إذ إن هذه الدولة الشرسة أصبحت تسبب لهم الحرج الشديد. وقد أدَّى هذا إلى أن المادة البشرية المُستهدَفة ترفض الهجرة، الأمر الذي يسبب مشكلة سكانية استيطانية للمُستوطَن الصهيوني. ويُلاحَظ تزايد حركات رفض الصهيونية، والتملص منها، وعدم الاكتراث بها بين يهود العالم. وعلى المستوى الأيديولوجي، يُلاحَظ، في عصر نهاية الأيديولوجيا وما بعد الحداثة، أن كل النظريات تتقلص ويختفي المركز، والشيء نفسه يسري على الصهيونية؛ إذ إن إيمان يهود العالم بها قد تقلَّص تماماً، ولذا فإن من يهاجر إلى إسرائيل إنما يفعل ذلك لأسباب نفعية مادية مباشرة. وفي داخل إسرائيل، تظهر أجيال جديدة تنظر إلى الصهيونية بكثير من السخرية. وعلى المستوى التنظيمي، تفقد المنظمة كثيراً من حيويتها، وتصبح أداة في يد الدولة الصهيونية، وتُقابَل اجتماعاتها بالازدراء من قبَل يهود العالم والمستوطنين في فلسطين. ولم تغيِّر اتفاقية أوسلو من الأمر كثيراً، بل لعلها تُسرع بتفاقم أزمة الصهيونية، باعتبار أن الدولة ستصبح أكثر ثباتاً واستقراراً، وستتحدد هويتها كدولة لها مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية المتشعبة التي ليس لها بالضرورة علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية في العالم. وهذه المرحلة شهدت تحول الفكرة الصهيونية، الاستيطانية الإحلالية، إلى واقع استيطانى إحلالي، إذ نجحت الدولة الصهيونية في طرد معظم العرب من فلسطين، واستبعاد من تبقَّى منهم. وأصبحت الدولة الصهيونية هي الدولة/ الشتتل أو الدولة/ الجيتو، المرفوضة من السكان الأصليين، أصحاب الأرض. ولكن في عام (1967) م، مع ضم المزيد من الأراضي العربية بمن عليها من بشر، تحوَّلت الدولة الصهيونية من دولة استيطانية إحلالية إلى دولة استيطانية مبنية على التفرقة اللونية (الأبارتهايد) الأمر الذي يتبدى في المعازل والطرق الالتفافية. وشهدت هذه الفترة مولد المقاومة الفلسطينية المنظمة وتصاعدها، واندلاع الانتفاضة المباركة، التى استمرت ما يزيد عن ستة أعوام، ولم تنطفئ جذوتها بعد، وهى بذلك تكون أطول حركة عصيان مدني في التاريخ. ¤ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية د. عبد الوهاب المسيري 6/ 133 فما بعدها يتضح مما سبق: أن الصهيونية حركة سياسية عنصرية متطرفة ترمي لحكم العالم كله من خلال دولة اليهود في فلسطين، واسمها مشتق من اسم جبل صهيون في فلسطين، وقد قامت على تحريف تعاليم التوراة والتلمود التي تدعو إلى احتقار المجتمع البشري، وتحض على الانتقام من غير اليهود. وقد قنن اليهود مبادئهم الهدامة فيما عرف ببروتوكولات حكماء صهيون التي تحوي بحق أخطر مقررات في تاريخ العالم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث التاسع: اليهود في العصر الحديث:

المبحث التاسع: اليهود في العصر الحديث: اليهود هم اليهود في عقائدهم وأخلاقهم، كما كانوا من قبل، إلا أنهم في العصر الحاضر أجمعُ شملاً، وأقوى نفوذاً، وأكثر تنظيماً، وأحكم سيطرة على مقاليد العالم، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث إنتهزوا الخواء الروحي والاقتصادي والسياسي الذي مُنِيَ به الغرب؛ فتمكنوا، وتحكموا في مقاليد الأمور هناك فكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، خاصة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا. ثم هم وراء ابتداع وترويج النظرية الماركسية-الشيوعية- ثم تطبيقها في روسيا القيصرية، ثم تصديرها إلى شرق أوربا وبعض دول ما يسمى بالعالم الثالث. وكذلك قاموا بترويج النظريات الهدامة الأخرى في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع كنظرية التطور لدارون، ونظرية دور كايم الاجتماعية، ونظرية ميكافيلي السياسية التي ترى أن الغاية تسوغ الوسيلة. ولعل أبرز عمل قاموا به في هذا العصر هو احتلالهم لفلسطين بناءً على وعد بلفور عام (1335) هـ, حيث احتلوها سنة (1367) هـ، وقامت بعدها (إلى) اليوم بتوسيع رقعتها، وضم بعض الأراضي؛ سعياً في تحقيق الحلم بإقامة دولة إسرائيل الكبرى. وخلال تلك الفترة إلى هذا اليوم قامت إسرائيل بمجازر رهيبة جماعية وفردية, كذلك قاموا باحتلال لبنان والجولان، وأفسدوا في البلدان التي أقاموا معها جسوراً وعلاقات؛ حيث نشروا الفساد والرذيلة؛ فانتشر بذلك الانحلال، والأمراض الفتاكة كالإيدز وغيرها, كذلك انتشرت المخدرات, وعمليات التجسس. كما أنهم يحرصون على كل ما فيه هدم للقيم والأخلاق. كما أنهم يحرصون على إقامة دولتهم، وعلى جمع اليهود في شتى بقاع العالم؛ حيث قاموا بنقل يهود الفلاشا، ويهود الاتحاد السوفييتي وغيرهم إلى فلسطين. ولا يزالون يعيثون في الأرض فساداً، ويكررون اعتداءاتهم على الأقصى الشريف، ويذيقون أهل فلسطين ألواناً من العَسْف، والطغيان، والتسلط. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص 89، 90 مراجع للتوسع: ـ جذور البلاء، عبد الله التل، وله أيضاً: الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام ـ وخطر اليهودية العالمية. ـ المخططات التلمودية الصهيونية اليهودية في غزو العالم الإسلامي، أنور الجندي. ـ بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة أحمد عبد الغفور عطار. عجاج نويهض، شوقي عبد الناصر، محمد خليفة التونسي، حسين الطنطاوي. ـ القوى الخفية، ل. فراي. ـ مؤامرة الصهيونية على العالم، أحمد عبد الغفور عطار. ـ الصهيونية وربيبتها إسرائيل، عمر رشدي. ـ الصهيونية العالمية، عباس محمود العقاد. ـ اليهودي العالمي، هنري فورد. ـ هذه هي الصهيونية، إسرائيل كوهين. ـ إسرائيل الزائفة، فريد عبد الله جورجي. ـ أحجار على رقعة الشطرنج، وليم غاي كار. ـ الصهيونية بين تاريخين، عبد الله النجار ـ كمال الحاج. ـ موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية، عبد الوهاب المسيري. ـ سياسة الاستعمار الصهيوني تجاه فلسطين، حسن صبري الخولي. ـ الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية، عبد المنعم الحفني. ـ إسرائيليات، أحمد بهاء الدين. ـ الأيديولوجية الصهيونية، عبد الوهاب المسيري. ـ الصهيونية، زينب عصمت وآخرون. ـ خطر اليهودية العالمية، عبد الله التل. ـ اليهودية دين لا قومية، المر برجر. ـ الصهيونية بين الدين والسياسة، عبد السميع الهراوي. ـ أصول الصهيونية في الدين اليهودي، إسماعيل راجي الفاروقي. ـ الملل المعاصرة في الدين اليهودي، إسماعيل راجي الفاروقي. ـ الفكر الديني الإسرائيلي أطواره ومذاهبه، حسن ظاظا. ـ الصهيونية العالمية وإسرائيل، حسن ظاظا وآخرون. ـ من يجرؤ على الكلام، بول فندلي. ـ مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني، محمد حرب عبد الحميد. ـ حكومة العالم الخفية، شيريب سيريد وفيتش. ـ السلطان عبد الحميد الثاني وفلسطين، رقيق شاكر النتشة. ـ تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة، محمد عبد الرؤوف سليم. ـ الصهيونية والعنف، حسين الطنطاوي. ـ الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني المعاصر، محمود دياب. ـ أمريكا مستعمرة صهيونية، صلاح دسوقي. ـ الصهيونية العالمية وأرض الميعاد، علي إمام عطية. ـ لهذا أكره إسرائيل، أمين سامي الغمراوي. ـ أساليب الغزو الفكري، علي جريشة ـ محمد شريف. ـ الإسلام والمستعمرات الصهيونية، جمال الدين اليرماوي. ـ حقائق عن قضية فلسطين، محمد أمين الحسيني. - نهاية اليهود: د. أبو الفداء محمد عزت عارف. - الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري - معركتنا مع اليهود: سيد قطب. - المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم: د. محمد البار. - المخططات التلمودية: أنور الجندي. - العلمانية: د. سفر الحوالي. - حقيقة اليهود: سيد رفاعي.

الباب الثالث: النصرانية وما تفرع عنها:

المبحث الأول: التعريف: النصرانية لغة: قيل: نسبة إلى نصرانة، وهي قرية المسيح عليه السلام من أرض الجليل، وتسمى هذه القرية ناصرة ونصورية، والنسبة إلى الديانة نصراني، وجمعه نصارى. النصرانية اصطلاحاً: هي دين النصارى الذين يزعمون أنهم يتبعون المسيح عليه السلام، وكتابهم الإنجيل. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 165 التعريف: هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح، ولكنها جابهت مقاومة واضطهاداً شديداً، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى؛ لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي تطلق النصرانية على الدين المنزل من الله تعالى على عيسى عليه السلام، وكتابه الإنجيل (¬1). وأتباعها يقال لهم: (النصارى) نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين، وهي التي ولد فيها المسيح. أو إشارة إلى صفة: وهي نصرهم لعيسى عليه السلام، وتناصرهم فيما بينهم. وهذا يخص المؤمنين منهم في أول الأمر، ثم أطلق عليهم كلهم على وجه التغليب. ويشهد لذلك قوله تعالى: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ [آل عمران: 52]. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص64 ¬

(¬1) النصارى لا يزالون يقدسون التوراة (العهد القديم) والإنجيل ويسمونه: (العهد الجديد).

المبحث الثاني: أصلها:

المبحث الثاني: أصلها: فالنصرانية في أصلها دين منزل من الله تعالى، لكنها غيِّرت وبدِّلت وحرِّفت نصوصها، وتعددت أناجيلها، وتحوَّل أتباعها عن التوحيد إلى الشرك (وذلك باعتراف مؤرخي النصارى أنفسهم) ثم نسخت بالإسلام، فأصبحت باطلة؛ لتحريفها ولنسخها كاليهودية. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص64

المبحث الثالث: هل يصح إطلاق المسيحية على النصرانية؟

المبحث الثالث: هل يصح إطلاق المسيحية على النصرانية؟ وقد أطلق على أتباع الديانة النصرانية في القرآن الكريم نصارى، وأهل الكتاب، وأهل الإنجيل، وهم يسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إلى المسيح عليه السلام، ويسمون ديانتهم (المسيحية). وأول ما دُعيَ النصارى (بالمسيحيين) في أنطاكية حوالي سنة (42) م، ويرى البعض أن ذلك أول الأمر كان من باب الشتم. ولم ترد التسمية بالمسيحية في القرآن الكريم ولا في السنة، كما أن المسيح حسب الإنجيل لم يسمِّ أصحابه وأتباعه بالمسيحيين، وهي تسمية لا توافق واقع النصارى؛ لتحريفهم دين المسيح عليه السلام. فالحقُّ والصواب أن يطلق عليهم نصارى، أو أهل الكتاب؛ لأن في نسبتهم للمسيح عليه السلام خطأ فاحشا؛ إذ يلزم من ذلك عزو ذلك الكفر والانحراف إلى المسيح عليه السلام، وهو منه بريء. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 165 سئل فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن إطلاق المسيحية على النصرانية؟ والمسيحي على النصراني؟ فأجاب بقوله: لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم انتساب غير صحيح؛ لأنه لو كان صحيحا لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى قال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين [الصف: 6] , ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به؛ لأن البشارة بما لا ينفع لغو من القول لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلا، فضلا عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولي العزم، عيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي بشَّر به عيسى ابن مريم بنى إسرائيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف: 6]. وهذا يدل على أن الرسول الذي بشَّر به قد جاء، ولكنهم كفروا به وقالوا: هذا سحر مبين. فإذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا كفر بعيسى ابن مريم الذي بشَّّرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا: إنهم مسيحيون. إذ لو كانوا حقيقة لآمنوا بما بشَّر به المسيح ابن مريم؛ لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين [آل عمران: 81]. والذي جاء مصدقًا لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِما أنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ [المائدة: 48]. وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع؛ لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام. ¤ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين – 3/ 133 وسئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله هل الصحيح أن يقال: مسيحي أو نصراني؟ فأجاب قائلا: معنى مسيحي نسبة إلى المسيح ابن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم، وقد كذبوا فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله. فالأولى أن يقال لهم نصارى، كما سمَّاهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ... [البقرة:113]. ¤ مجموع فتاوى ابن باز- 5/ 416

المبحث الرابع: نشأتها وتاريخها:

المبحث الرابع: نشأتها وتاريخها: النصرانية تعتبر امتدادا لليهودية؛ لأن عيسى عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل مجددا في شريعة موسى عليه السلام، ومصححا لما حرفه اليهود منها، وليحل لهم بعض الطيبات التي حرِّمت عليهم. قال تعالى عن عيسى عليه السلام: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ... إلى قوله تعالى: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران: 48 - 50]. علاقتها باليهودية: الديانة النصرانية امتداد لليهودية، ومكملة لها؛ لأن عيسى عليه السلام- كما أسلفنا- جاء رسولا إلى بني إسرائيل، مصححا ما حرَّفوه من الدين المنزل على موسى عليه السلام في التوراة، وليحل لهم بعض الطيبات التي حرِّمت عليهم، ومبشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا يأتي من بعده. فقال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين [الصف: 6]. لكن غالب بني إسرائيل (اليهود) كذَّبوا عيسى عليه السلام، وأنكروا رسالته وحاربوا أتباعه، ولمَّا رفعه الله إليه حرَّفوا الدين الذي جاء به، وحاولوا طمسه بمكرهم ودسائسهم، ولم يمض ثلاثة قرون على الديانة النصرانية حتى تحوَّلت تماما عن مسارها الصحيح المتمثل في التوحيد إلى الشرك المتمثل في التثليث، وتبدَّلت نصوصها وأحكامها. كما فعلوا بدين موسى عليه السلام من قبل. فالنصرانية الحاضرة صنعة اليهود، تسير في ركابهم، لذلك نرى النصارى لا يزالون يعترفون بكتاب اليهود (التوراة)، ووصايا الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى عليه السلام رغم تحريف اليهود، ويسمونها (العهد القديم) بالإضافة إلى كتابهم الإنجيل المحرَّف الذي يسمونه (العهد الجديد). أما اليهود فهم ينكرون كل ما عدا التوراة، إلا ما ورد عن علمائهم ومفسريهم ويسمونه (التلمود)، وهو مقدم عندهم على التوراة. والنصارى يكفِّرون اليهود؛ لتكذيبهم عيسى عليه السلام. واليهود يكفِّرون النصارى؛ لأنهم يرونهم مبتدعين، ودينهم باطل؛ لأن عيسى عليه السلام بزعمهم ساحر كذاب. قال الله تعالى عن الفريقين: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [البقرة: 113] - أهل الكتاب (اليهود والنصارى): ويطلق على اليهود والنصارى معا (أهل الكتاب) إشارة إلى أن أديانهم سماوية منزلة من الله تعالى إليهم بكتاب. وأحيانا يطلق على أحدهما، والكتاب هو التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام. وقد ورد هذا الإطلاق في الكتاب والسنة. ومع أن اليهود والنصارى (أهل الكتاب) يكفِّر بعضهم بعضا إلا أنهم يجتمعون على الكيد للإسلام، والإضرار بالمسلمين. وقد ذكر الله عنهم ذلك في أكثر من آية، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109]. وقال تعالى: مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة: 105]. والذين كفروا من أهل الكتاب هم من لم يسلم من اليهود والنصارى. وأهل الكتاب مكلفون بإقامة التوراة والإنجيل معا، لكنهم كفروا بهما، قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [المائدة: 68]. ومن إقامة التوراة والإنجيل: الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم حيث بشَّرت به هذه الكتب، واتباع الإسلام الذي نسخ ما قبله من الأديان. ¤ الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص65

المبحث الخامس: التعريف بالمسيح عليه السلام:

المبحث الخامس: التعريف بالمسيح عليه السلام: إجمالاً من خلال القرآن الكريم وما يتفق معه مما ورد في أناجيل النصارى: المسيح عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل، دعا إلى الله عزَّ وجلَّ، وبلَّغ رسالة ربه عزَّ وجلَّ، وقد ذكر الله عزَّ وجلَِّ هذا النبي الكريم في القرآن الكريم، وذكر دعوته في مواضع عديدة، من أشملها قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِما أنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِين [آل عمران: 45 - 60]. هذا هو المسيح عليه السلام في كلام الله عزَّ وجلَّ، بشر خلقه الله بكلمته، كما خلق من قبله آدم عليه السلام بكلمته، وهي قوله: (كن) وجعله الله سبحانه آية حيث خلقه في بطن أمه مريم بدون أن يكون لها زوج أو يمسها بشر، بل كانت- رضوان الله عليها- عبدة صالحة طاهرة مبرأة من الخبث والفساد.

وبيَّن الله عزَّ وجلَّ لنا حقيقة دعوة المسيح عليه السلام، وأنه رسول دعا إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له، وقد وجَّه دعوته لبني جنسه، وهم بنو إسرائيل الذين كانوا في ذلك الوقت قد انحرفوا كثيراً عن دين موسى عليه السلام، إلا أن قومه كذَّبوه وسعوا إلى قتله، فأنجاه الله منهم ورفعه إلى السماء. وإذا نظرنا إلى الأناجيل الموجودة بين يدي النصارى نجد أنها صرَّحت بما ذكره القرآن تصريحاً واضحاً لا لبس فيه، ومن ذلك: 1 - بشرية المسيح: ذكر الله عزَّ وجلَّ بشرية المسيح في الآيات السابقة، وقد قصَّ لنا الربُّ جلَّ وعلا خبره من لدن جدته امرأة عمران ثم أمه ثم خبر ولادته. وقد ذكرت جميع الأناجيل أنه ولد من مريم، وأنه طرأ عليه ما يطرأ على البشر من الوجود بعد العدم، والأكل والشرب والتعب والنوم والموت، وسائر الخصال البشرية. 2 - أنه رسول الله: وذلك في قوله عز وجل: ما الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ [المائدة: 75]. وقد صرَّّح النصارى أن المسيح عليه السلام قال لهم في مواطن كثيرة في الأناجيل بأنه رسول من عند الله، فقد ورد في إنجيل متى (10/ 40): (من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني). وفي إنجيل لوقا (4/ 43): (فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشِّر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا أرسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل). ويقول لتلاميذه الذين أرسلهم إلى المدن لدعوة الناس للإيمان به وبرسالته حسب قول لوقا (10/ 16): (الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني. والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني). وفي إنجيل يوحنا ذكر أنه رسول من الله في مواطن كثيرة منها (4/ 34): (قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله). وفي (17/ 3) يذكر عن المسيح أنه قال: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). 3 - أنه رسول إلى بني إسرائيل خاصة: قال الله عزَّ وجلَّ في الآيات السابقة: وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرائيلَ [آل عمران:49]. وقد ورد في إنجيل متى (15/ 24) أن المسيح عليه السلام لحقته امرأة كنعانية تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، فقال المسيح: (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). وكذلك في إنجيل متى (10/ 5) أن المسيح أرسل تلاميذه إلى القرى اليهودية، وقال لهم: (إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). 4 - أنه دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له: قال جلَّ وعلا عن المسيح أنه قال: إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [آل عمران: 51]. وذكر متى في إنجيله (4/ 10) عن المسيح أنه قال: (للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد). وفي إنجيل مرقص (12/ 29) أن المسيح أجاب من سأله عن أول الوصايا والواجبات بقوله: (إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك). وفي إنجيل لوقا (4/ 8) أن المسيح قال للشيطان لما طلب منه أن يسجد له: (اذهب يا شيطان، إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد). وفي إنجيل يوحنا (17/ 3) أن المسيح قال: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). وكذلك قال للمرأة التي رأته بعد القيامة في كلامهم في إنجيل يوحنا (20/ 17): (قال لها يسوع: لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). 5 - إنه متبع لشريعة موسى عليه السلام ومكمل لها:

قال عزَّ وجلَّ: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ. [آل عمران: 50]. قال متى في إنجيله (5/ 17) عن المسيح أنه قال: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل). 6 - أنه دعا إلى التوبة: وهو معنى قوله عزَّ وجلَّ: وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُون [آل عمران: 50] وقد ذكر بعض الكُتَّاب أن لبَّ دعوة المسيح عليه السلام حسب الأناجيل هو: الدعوة إلى التوبة، والأخذ بشريعة موسى عليه السلام. وفي هذا ورد في إنجيل متى (9/ 13): (لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة). وفي إنجيل مرقص (1/ 14): (وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). فهذه النصوص يظهر منها واضحاً بشرية المسيح عليه السلام، وأنه رسول دعا بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا يتفق تمام الاتفاق مع ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم عنه، ويتفق مع دعوة الأنبياء السابقين الذين ورد ذكرهم في القرآن، أو ذكرهم اليهود في كتبهم. كما يتفق ذلك مع العقل وترتاح له النفس. وهذا بخلاف ما تدَّعيه الكنيسة وتزعمه من الأمور المناقضة للعقل والشرع، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك عند الحديث عن عقائد النصارى. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 167

المبحث السادس: تاريخ النصرانية إجمالا:

تمهيد: إن الحديث عن تاريخ النصارى الأوائل والنصرانية من المصادر النصرانية يعتبر من أصعب الموضوعات وأكثرها تعقيداً؛ لأن التاريخ إنما يعتمد على النصوص والروايات المحفوظة التي تبين تاريخ حقبة ما. والناظر في المصادر النصرانية يواجه مشكلة الانقطاع التاريخي في فترة من أهم الفترات المتعلقة بالنصرانية، وهي الفترة التي تعقب رفع المسيح عليه السلام إلى منتصف القرن الثاني من الميلاد، فإن هذه الفترة تعتبر فترة حرجة جدًّا، والمصادر التي يمكن أن يعتمد عليها في بيان تاريخ تلك الفترة تعتبر نادرة جدًّا، بل لا يوجد بين يدي النصارى سوى كتاب (أعمال الرسل) الذي تحدَّث كاتبه في أوله عمن يزعم أنهم تلاميذ المسيح حديثاً محدوداً، ثم خصَّص بقية كتابه للحديث عن بولس وأعماله، ورغم ذلك فإن المعلومات عن بولس تنقطع قبل موته بعد وصوله روما، وهذه النهاية التي انتهى إليها صاحب الكتاب هي نهاية المعلومات المتوفرة لدى النصارى عن تلك الفترة، يضاف إلى ذلك ما يمكن استفادته واستخلاصه من رسائل بولس الأربع عشرة التي فيها إشارات قليلة تخص بولس من ناحية تاريخية، إلا أنها شبه خالية من المعلومات عن الحواريين الذين هم تلاميذ المسيح عليه السلام الحقيقيون. ومع ذلك فسنحاول ذكر تاريخ إجمالي للنصارى والنصرانية إلى عهد ما بعد الإمبراطور قسطنطين حسب المعلومات المتاحة، وذلك لإعطاء القارئ تصوراً عن النصرانية من ناحية تاريخية، ربما يكون قريباً من الواقع.

المطلب الأول: المسيح عليه السلام من خلال مصادر النصارى:

المطلب الأول: المسيح عليه السلام من خلال مصادر النصارى: المسيح هو: عيسى بن مريم عليه السلام، وينسبه النصارى إلى داود عليه السلام، ويعتقدون أنه لا أب له من البشر؛ لأن الله أرسل إلى مريم الملك جبريل عليه السلام فكان الحمل به عليه السلام، ثم إنها وضعته بعد ذلك في بيت لحم في فلسطين، وزعم صاحب إنجيل متى أن أمه ذهبت به من فلسطين إلى مصر خوفاً من هيرودس حاكم اليهودية، الذي عزم على قتل جميع الأطفال الذين ولدوا في ذلك العام؛ لأن منجمين مجوس أخبروه بولادة ملك اليهود. وبعد بلوغ المسيح عليه السلام الثلاثين من عمره ابتدأ دعوته بعد أن اعتمد من يحيى عليه السلام فكان يعظ الناس في أماكن تجمعهم، وإذا رأى مرضى يشفيهم - بِإِذْنِ اللهِ-، ويتجول في سائر المدن اليهودية، وظهرت على يديه آيات كثيرة مثل تكثير الطعام، وشفاء المرضى، والمشي على الماء وغير ذلك، وفي هذه الفترة المبكرة من دعوته التحق به من يزعم النصارى أنهم حواريو المسيح، وتابعوه في رحلاته، ثم أرسل تلاميذه اثنين اثنين إلى القرى للدعوة، وشعر رؤساء اليهود بالخطر الذي سيحيق بهم، من جراء دعوة المسيح عليه السلام، ولذا فقد اتفقت كلمتهم على ضرورة القضاء عليه. فلما كان في اليوم الأول من أيام عيد الفصح علم اليهود بمكانه في بيت المقدس، وذلك بوشاية من أحد أتباعه، وهو يهوذا الإسخريوطي، فجاءوا وألقوا القبض عليه، ففرَّ تلاميذه وتركوه، فأخذه اليهود إلى رئيس كهنتهم، وواجهوه بما يتهمونه به، إلا أنهم رأوا أن الشهود لا تتفق كلمتهم فيما شهدوا به عليه، وأخيراً سأله رئيس الكهنة وقال له: أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال عيسى: أنا هو وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً في سحاب السماء. فمزَّق رئيس الكهنة ثيابه. وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود قد سمعتم التجاديف، ما رأيكم؟ فحكم الجميع عليه أنه مستوجب للموت. ثم حملوه إلى الوالي الروماني (بيلاطس البنطي) الذي قرره بما كان متهماً به، وهو أنه (ملك اليهود) وهي التهمة التي أوعز اليهود إلى الوالي الروماني أن المسيح يدَّعيها لنفسه، إلا أن المسيح لم يجبه بشيء، فرأى بيلاطس أنه لا يستحق الموت، وهو الجزاء الذي كان يطالب اليهود بإيقاعه به، إلا أن بيلاطس بعد ذلك ونزولاً عند رغبة اليهود حكم عليه بالموت على الصليب، فحمل يوم الجمعة صباحاً إلى موضع الصلب، حيث علِّق على الصليب في زعمهم في الساعة الثالثة صباحاً، وبقي على الصليب إلى الساعة التاسعة عصراً (¬1)، حيث مات بعد أن صاح (إلهي إلهي لماذا تركتني). ثم أُنزِل عن الصليب وأدخل قبراً بقي فيه تلك الليلة ونهار السبت وليلة الأحد، فلما جاءوا صباح الاثنين وجدوا القبر خالياً، وقيل لهم: إنه قام من قبره، ثم إنه ظهر لتلاميذه بعد ذلك، وبيَّن لهم أنه حيٌّ وبقى معهم حسب كلام صاحب أعمال الرسل (أربعين يوماً) ثم ارتفع إلى السماء وهم ينظرون إليه، وكانت مدة دعوة المسيح حسب الأناجيل الثلاثة الأولى لا تزيد عن سنة واحدة، إذ لم يذكروا خلال دعوة المسيح إلا عيداً واحداً، أما أنجيل يوحنا فذكر ثلاثة أعياد لليهود، لهذا يرى كثير من النصارى أن مدة دعوته كانت ثلاث سنوات، وكان أتباعه خلال هذه المدة والذين خَلَّفهم بعده ينحصرون في الاثني عشر حواريًّا، وآخرين يبلغ مجموعهم مائة وعشرين فقط. ¬

(¬1) هذا على حساب الساعة الغروبي الذي يكون أول ساعة بعد غروب الشمس هي الساعة الواحدة ليلا إلى اثنتي عشرة ساعة ... فتكون الساعة الثالثة هنا صباحا حوالي التاسعة والنصف في عرفنا والتاسعة توافق الثالثة والنصف مساء.

وكل من نظر في الأناجيل التي بين يدي النصارى، والتي تحوي دعوة المسيح ونشاطه، وتحركاته، ومواعظه، يتيقن أن المسيح لم يؤسس ديانة جديدة البتة، بل كان يلتزم بشريعة موسى عليه السلام، ويدعو إلى الالتزام بها، ويحرم الخروج عليها، وبهذا أيضاً وصَّى تلاميذه الذين أرسلهم إلى الدعوة في القرى. أما محور دعوة المسيح عليه السلام حسب الأناجيل، فهو الدعوة إلى التوبة والإنابة إلى الله والتبشير بالملكوت القريب، وكان يضرب لهم الأمثال في ذلك، ولا يختلف في هذا عن الأنبياء من بني إسرائيل الذين سبقوه وجاءوا بعد موسى عليه السلام، إلا أنه زاد في النهي عن الفواحش والفساد بتأكيد تحريم الوسائل إليها، فمن ذلك قوله في إنجيل متى (5/ 27): (قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لاتزن. وأما أنا فأقول لكم: إن من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه). وفي (5/ 33): (سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تحنث بل أوف للرب أقسامك. وأما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتة ...... بل ليكن كلامكم نعم نعم، لا لا). وكذلك أكَّد على التسامح والعفو والمحبة، وفي هذا يقول متى (5/ 43): (سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم). أما التشريع فلم يذكر عنه منه شيء سوى ما يتعلق بالحض على عدم الطلاق وعدم زواج المطلقة. يقول متى عنه في (5/ 31): (وقيل: من طلَّق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: إن من طلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني). وفي إنجيل لوقا (16/ 18) يقول: (كل من يطلِّق امرأته ويتزوَّج بأخرى يزني، وكل من يتزوَّج بمطلقة من رجل يزني). فهذا يدلُّ على أن المسيح عليه السلام لم يؤسس ديانة جديدة البتة، بل كان شأنه ودعوته شأن ودعوة الأنبياء السابقين من بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام، إلا أن الله جعله وأمه آية لبني إسرائيل.

المطلب الثاني: تلاميذ المسيح عليه السلام بعد رفعه:

المطلب الثاني: تلاميذ المسيح عليه السلام بعد رفعه: المصادر التاريخية لهذه الفترة بعد رفع المسيح عليه السلام نادرة جدًّا وقليلة، فلا يوجد بين يدي النصارى سوى سفر (أعمال الرسل) الذي ورد فيه جانب من أعمال حواريي المسيح وتلاميذه، ثم خُصص بقية الكتاب للحديث عن بولس، ويضاف إلى هذا السفر بعض الجمل الواردة في الرسائل الملحقة بالعهد الجديد التي تتحدث عن شيء من تاريخ تلاميذ المسيح. هذا كل ما لدى النصارى من كتب عن هذه الفترة. ولهذا سنشير إشارة مختصرة إلى هذه الفترة حسب المعلومات المتاحة، فنقول: إن تلاميذ المسيح فيما يذكر النصارى بعد رفعه قاموا بالدعوة في جميع مدن اليهودية. وحسب سفر (أعمال الرسل) فقد أظهروا آيات وعجائب كثيرة قاموا بها، وخاصة شفاء المرضى، وبناءً على تلك الآيات أقبل الناس على سماع كلامهم والاستجابة لهم، إلا أن هذا لم يمنع كهنة اليهود ورؤساءهم من أن يتوعدوا التلاميذ ويتهددونهم؛ ليتوقفوا عن الدعوة، إلا أن ذلك التهديد لم يوقف حماس التلاميذ ونشاطهم في الدعوة، وتتركز دعوة التلاميذ وتعاليمهم على وجوب التوبة والتعميد، والإيمان بالمسيح عيسى عليه السلام؛ لتغفر لهم خطاياهم، وهي الدعوة التي كان المسيح عليه السلام يدعو إليها، كما سبق بيانه. ولم يكن في دعوتهم تصريح بألوهية المسيح ولا بنوته لله، بل أعلن (بطرس) كبيرهم فيما يذكر النصارى أمام اليهود في أول خطبة له عامة: (إن يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم أيضاً تعلمون)، بعد هذا ازداد حنق اليهود على التلاميذ، فقبضوا على أحدهم- ويسمَّى إستفانوس- ورجموه بالحجارة حتى قتلوه، وقتلوا بعده آخر يسمَّى يعقوب أخو يوحنا، ثم اضطهدوا بقية الأتباع، حتى تشتت كثير منهم في سائر أنحاء اليهودية والسامرة، وكان التلاميذ إلى ذلك الوقت مقتصرين في دعوتهم على أبناء جلدتهم من اليهود، إلا أنهم رأوا أن غير اليهود يقبلون أيضاً دعوتهم، وقد انضمَّ إليهم عدد من اليونانيين، فشجَّعهم هذا على تكثيف الدعوة بين الأجانب، فأرسلوا برنابا إلى أنطاكية؛ ليدعو الأجانب، فآمن بدعوته أيضاً العديد من الناس، وكان قد انضم إلى التلاميذ بولس (شاؤول اليهودي) فكُلف هو وبرنابا بدعوة الوثنيين، فنجحا في دعوتهما نجاحاً كبيراً، وحدث من جراء قبول الوثنيين اليونانيين وغيرهم للديانة النصرانية إشكال خطير، وهو أن بعض دعاتهم صاروا لا يُلزمون من تنصَّر من الوثنيين بالتمسك بتعاليم الشرائع الموسوية، وعلى رأس هؤلاء بولس، وأما الدعاة الآخرون فكانوا يرون وجوب العمل بتعاليم الشريعة الموسوية، ومن ضمنها الختان. فحدث خلاف بينهم، اجتمعوا على إثره في مجمع في بيت المقدس، فقرروا عدم مطالبة الوثنيين بالالتزام بالشريعة، ويكتفى من ذلك بالامتناع عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا. هكذا ذكروا. وينتهي بعد هذا خبر التلاميذ، ولا يعلم على التحديد ما حدث منهم ولا ما حدث عليهم، وإنما يمكن تتبع بولس في دعوته، وأنه نشط نشاطاً قويًّا في دعوته، فزار مدناً عديدة في آسيا، ثم كان خاتمة مطافه في روما، وهذا آخر ما ذكره صاحب سفر الأعمال، ولا يعطينا عن خاتمة حياة بولس شيئا، ولا يعرف النصارى على التحقيق عنها شيئاً.

المطلب الثالث: العصور اللاحقة لعصر تلاميذ المسيح إلى مجيء الإمبراطور قسطنطين:

تمهيد: إن الحديث عن العصور المتقدمة من هذه الفترة يلفه الغموض الشديد، ويكاد يكون الجهل بتلك الفترة جهلاً مطبقاً، وهي فترة من أكثر فترات التاريخ النصراني غموضاً وأشدها صعوبة وخطورة؛ إذ أفرزت هذه الفترة- وخاصة اللاحقة مباشرة لعصر التلاميذ- بروز الأناجيل الكثيرة، التي ظهرت في وقت متقارب من تلك الفترة، وهي متضاربة تضارباً شديداً. كذلك برزت للوجود الأقوال المنحرفة الكثيرة عن المسيح وديانته، وهي أيضاً أقوال متضاربة متباينة. يقول الكاتب النصراني حبيب سعيد متحدثاً عن تلك الفترة: (ومع أنه من اليسير جمع نتف من هنا وهناك عن هذه الفترة- نهاية عصر الحواريين - إلا أن الأربعين سنة من (70) إلى (110) م - تبقى أكثر فترات التاريخ المسيحي غموضاً وإبهاماً، وهو أمر يؤسف له؛ لأن هذه الفترة حفلت بكثير من معالم التغيير في الكنيسة نفسها، ولأن فيها برز كثيرون من دعاة المسيحية المجهولين بعد (بولس)، وظهر كثير من الأفكار التي حملها- بلا شك- المتنصرون الوثنيون من مصادر غير مسيحية، وخاصة حول العقائد والممارسات المسيحية، مثل الأسرار، والأصوام وأشكال العبادة، ودستور الكنيسة نفسه خضع لبعض التعديلات). ويميز هذه الفترة المتقدمة من تاريخ النصارى حادثة مهمة جدًّا لعلها من أهم الحوادث التي وقعت على النصارى بعد رفع المسيح عليه السلام ألا وهي حادثة تدمير بيت المقدس من قبل القائد الروماني تيطس سنة (70) م, في عهد الإمبراطور (لوسباسيانوس) حيث قضى هذا القائد على اليهود في فلسطين، وخاصة في القدس قضاء شبه تام بسبب ثورتهم ضد الرومان. ولاشك أن عملية القتل والإبادة هذه قد طالت أكبر عدد من النصارى في ذلك التاريخ؛ لأنه لم يكن هناك فرق بين اليهودي والمتنصر إبان تلك الفترة، كما أن البلاء والقتل والإبادة كان شبه عام لجميع المناطق التي يتواجد فيها اليهود في فلسطين خاصة، والمناطق المجاورة لها. ومن هنا فإن الحديث عن تلك الفترة فيه عسر واضح؛ إذ إنها حلقة مجهولة في تاريخ النصرانية، حتى إن نهاية أتباع المسيح عليه السلام- وكذلك بولس- تعتبر مجهولة بسبب ذلك البلاء الطويل الذي حلَّ باليهود متتابعاً متلاحقاً من قبل الرومان، منذ رفع المسيح عليه السلام إلى تدمير تيطس لبيت المقدس سنة (70) م، ثم استمرَّ البلاء على من بقي منهم إلى التدمير الثاني في عهد الإمبراطور (أدريان) حيث تجمَّع مجموعة من اليهود وأمَّروا عليهم رجلاً يسمَّى (بركوكبا) وزعموا أنه المسيح المنتظر فخرج بهم على الرومان، فما كان من الإمبراطور الروماني (أدريان) حوالي عام (130) م, إلَّا أن أرسل حملة كبيرة، وأمرها بتدمير جميع المحلات التي يمرون عليها، محلًّا، محلًّا، واستمرَّ في ذلك سنتين حتى دمَّر بلاد اليهود، وقضى عليهم، وأعاد تدمير بيت المقدس، وبنى محله هيكلاً للمشتري، معبود الرومان في ذلك الوقت، وحرَّم على اليهود الدخول إلى بيت المقدس إلا يوماً واحداً في السنة بعد دفع غرامة مالية كبيرة. فلا شكَّ أن أحداثاً جساماً كهذه كانت سبباً من الأسباب المباشرة للانقطاع التاريخي البيَّن في تاريخ النصارى الذين كانوا في ذلك الوقت لا يتميزون عن اليهود بشيء خاصة لدى من هو خارج إطارهم مثل الرومان واليونان الوثنيين. كما أن الثقل الديني والالتزام بمبادئ المسيح عليه السلام كان متمركزاً في بيت المقدس، وكان سبق أن حدث انقسام بين دعاة النصارى في مسألة شريعة موسى عليه السلام، ووجوب التزامها، وإلزام المتنصرين من الوثنيين بها، وكان المحافظون على الشريعة والموجبون للالتزام بها من المتبعين للمسيح من اليهود هم القوة الغالبة في ذلك الوقت. إلا أن تدمير بيت المقدس وقتل اليهود وجَّه لهذه الفئة بالذات ضربة قاصمة، وأفسح المجال لبولس وأتباعه المنادين بإلغاء العمل بالشريعة الموسوية، وفصلها عن ديانة المسيح عليه السلام. يقول حبيب سعيد: (أما خراب أورشليم في الشرق إثر التمرد اليهودي سنة (70) م, فكان له أثر عميق في المسيحية، وذلك لأنه قضى على الجماعات الفلسطينية، وتضخم أعداد متنصري الوثنية، من العوامل التي جعلت كفاح (بولس) للتخلص من اليهودية الناموسية الضيقهة، غير ذي موضوع، وغدت أنطاكيه ورومية وبعدها أفسس أهم المراكز في تطور التاريخ المسيحي). ظهور المذاهب والأقوال المختلفة في المسيح وديانته: والناظر في تاريخ تلك الفترة يجد أنها أفرزت إفرازات خطيرة جدًّا في الديانة النصرانية حيث ظهرت المذاهب والأقوال المختلفة والمتباينة في المسيح وديانته، نذكر منها:

الفرع الأول: الغنوصية:

الفرع الأول: الغنوصية: وهو اسم يطلقه النصارى على فرق عديدة، تجمع في عقيدتها بين إلهين اثنين أو أكثر، وتبني مطالبها على المعرفة. المارسيونية أو الماركونية: وهم أتباع مارسيون الذي ولد في آسيا سنة (85) م، وبعضهم يقول: (120) م، ومن معتقداته القول بإلهين: أحدهما إله اليهود، وهو في زعمه إله قاس شرس، وهو الذي خلق هذا العالم المادي. ومع ذلك فهو أقل مستوى من الإله الآخر الذي هو إله الرحمة والمحبة، حيث هو الإله الحقيقي المحتجب، والذي ظهر في شخص المسيح، ويرى أن المسيح لم يمت على الصليب، ولم يدفن، ولم يقم من القبر، ولكنه اختفى فجأة؛ ليبشر الموتى في الهاوية، ثم رجع بعد ذلك ليقوم بعمله كالأب المحتجب في السماء.

الفرع الثاني: المونتانية:

الفرع الثاني: المونتانية: وهي تنسب إلى رجل اسمه (مونتانس) ادَّعى النبوة بعد منتصف القرن الثاني الميلادي، وزعم أن الروح القدس يتكلم إليه، وتنبَّأ معه أيضاً امرأتان أعلنتا قرب نهاية العالم، وقرب رجوع المسيح عليه السلام. ولكي يستعدوا لهذا المجيء أمرت المتنبئتان الناس بالكفِّ عن الزواج، وعن شرب الخمر، وعن الأطعمة الشهية، وصاروا ينتظرون مجيء المسيح، حتى خرج مجموعة منهم إلى الصحراء لاستقبال المسيح، وكادوا أن يهلكوا من الجوع والعطش لولا أن السلطات أنقذتهم. وقد استمرت المونتانية قائمة إلى القرن الخامس الميلادي.

الفرع الثالث: البنويون:

الفرع الثالث: البنويون: وقولهم: أن المسيح إنسان ولد من مريم بطريقة إعجازية، وأن الله عزَّ وجلَّ في وقت تعميد المسيح تبناه ووهبه قوة لعمل المعجزات، واستمرَّ بشراً إنساناً إلى أن صلب ثم مات، وقام من الموت، ورفع إلى السماء، وهم ينتظرون مجيئه؛ ليخلص أتباعه من العار الذي أصابهم بسبب صلبه، وهم يتمسكون بالشريعة الموسوية.

الفرع الرابع: الانتحالية أو الوحدوية:

الفرع الرابع: الانتحالية أو الوحدوية: • أولا: السابليوسية:. • ثانيا: الآريوسية:.

أولا: السابليوسية:

أولا: السابليوسية: نسبة إلى الكاهن سابليوس المتوفى سنة (261) م, وهو كما قيل عنه يعتقد: بأن الله واحد غير قابل للتجزئة، وينكر الثالوث إلا أنه يرى أن الله الخالق تجسد بعد في صورة المسيح فصار ابناً، فتألم وصلب، ثم تحوَّل بعد ذلك إلى الروح القدس الذي صار مرشداً للتلاميذ. فعنده أن الله واحد قد أخذ هذه الأدوار الثلاثة كلها. بولس السميساطي: وهو أسقف أنطاكيه الذي رُسِّم أُسقفًّا لها سنة (260) م، وكان يقول: إن الله واحد، وأن كلمته وحكمته من صفاته، وأن هذه الصفة (الكلمة) حلَّت على المسيح الذي هو بشر ولد من مريم فحين حلَّت عليه الكلمة صار المسيح الفادي والمخلص، ورفعه الله مكافأة له، وأعطاه اسماً فوق كل اسم.

ثانيا: الآريوسية:

ثانيا: الآريوسية: نسبة إلى الأسقف الليبي (آريوس) الذي درس على تلميذ بولس السميساطي وهو (لوقيانوس)، وكان آريوس يعلم بأن الله إله واحد غير مولود، أزلي، أما الابن فليس أزليًّا، بل وجد وقت لم يكن الابن فيه موجوداً، وهو خرج من العدم مثل غيره من المخلوقات حسب مشيئة الله، فهو ليس إلهاً، ولايملك شيئاً من الصفات الإلهية، إلا أن الله منحه مجداً جعله فوق كل الخلائق. وقد انتشرت الآريوسية انتشاراً عظيماً، وهي التي انعقد مجمع نيقية سنة (325) م, بأمر الإمبراطور قسطنطين للنظر فيها وغيرها من المذاهب التي كان يتوزع إليها النصارى في ذلك الوقت. فهذه المذاهب والأقوال المتباينة كانت منتشرة بين النصارى في ذلك الوقت، ولأتباعها نشاط قوي أيضاً، وكانت المواجهات القوية كثيراً ما تحدث بينهم وبين من يخالفهم، وخاصة أتباع مذهب (بولس) الذي كان له تلاميذ وأتباع فيما يظهر أقوياء وذوي نشاط في دعوتهم، وقد استطاعوا أن يترأسوا المراكز الدينية في ذلك الوقت، بعد سقوط عاصمة الديانة الأولى، وهي بيت المقدس، وتلك المراكز تمثَّلت في أنطاكية، والإسكندرية، وروما، وكانت في الغالب في يد أتباع بولس، وقد كان من أولئك الأتباع: أسقف أنطاكية إغناطيوس الأنطاكي الذي نصب أسقفًّا لكنيسة أنطاكية، وذلك في سنة (70) م. وأسقف كنيسة روما إكلميندس الروماني الذي نصب فيما يظن من سنة (92 - 101) م. وأسقف سميرنا (أزمير) بوليكاربوس: الذي قتل في اضطهادات الحاكم ماركوس أوريليوس سنة (156) م. وأسقف ليون إيريناوس: الذي يعتقد أنه توفي بين سنتي (190 - 202) م. جاستين- يوستينوس مارتر الذي فتح مدرسة في روما ثم أعدم في سنة (165) م. وإكلميندس الإسكندري: الذي ولد سنة (150) م, في بلاد اليونان، ثم انتقل إلى الإسكندرية حيث التحق بمدرستها التي تدعى (مدرسة التعليم المسيحي) وتولى إدارتها، ويعتقد أنه توفي سنة (215) م. وإريجانوس المصري: الذي ولد حوالي (185) م, في الإسكندرية، وتولى إدارة المدرسة اللاهوتية فيها بعد مديرها السابق، توفي في صور سنة (253) م. وإثناسيوس: الذي نُصِّبَ أسقفًّا على الإسكندرية سنة (328) م خلفاً لإسكندروس، واللذان كان لهما أكبر الأثر في تحريف دين المسيح عليه السلام بترسيخ عقيدة ألوهية المسيح في مجمع نيقية الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين سنة (325) م، ونبذ دعوة التوحيد التي كان يتزعمها آريوس الليبي. وكانت هذه المواجهات بين المختلفين من دعاة النصارى وأساقفتهم تنتهي في الغالب بالدعوة إلى مجمع من المجامع، الذي يعلن في نهايته بحرمان من قصد حرمانه، وطرده من الشركة النصرانية، وفي الغالب لا ينصاع المطرود والمحروم لتلك القرارات، بل يستمر في نشر تعاليمه.

ومن المعلوم أن النصارى في تلك الفترة لم تكن لهم دولة، ولم يقم لهم تجمع متكامل بحيث يمكن أن يقال عنهم: إنهم أمة مجتمعه، بل كانوا أول الأمر يعيشون بين بني جنسهم اليهود ثم بين الوثنيين، وهذا جعلهم في حالة من البلاء والعذاب شديدة، فحين كانوا بين بني جنسهم اليهود كانوا يُضْطَهدون؛ لأن اليهود اعتبروهم خارجين عن شريعتهم، وفي نفس الوقت يضطهد الجميع الرومان الوثنيون الذين كانوا لا يعرفون فرقاً بين اليهودي والنصراني، لهذا فقد كان لثورات اليهود على الرومان أسوأ الأثر على النصارى، وبعد القضاء على اليهود، وطرد من بقي منهم خارج فلسطين واجه النصارى الذين كانوا بين الوثنيين اضطهاداً شبه متواصل من قبل حكام الرومان الوثنيين استمر قرابة ثلاثة قرون، إلى أن تولَّى الإمبراطور قسطنطين عرش روما، فأوقف الاضطهاد بمرسوم ميلان سنة (313) م، وابتدأ النصارى منذ ذلك التاريخ، يظهرون على السطح، وبدأت ديانتهم تنتشر انتشاراً فعليًّا على حساب الوثنية التي كانت تدين بها أكثر الشعوب في ذلك الوقت، إلا أن النصرانية نفسها في هذه الفترة المتأخرة قد وصلت إلى الوثنيين، وقد أثرت في كثير من دعاتها السنون العجاف المتطاولة التي مرَّت بهم، فانحرفوا عن دين المسيح عليه السلام، وجعلوه ديناً وثنيًّا يقوم على تأليه ثلاثة آلهة في ثلاثة أقانيم يزعمون أنها إله واحد، ويعتمدون في شرح الديانة وتفصيل العقيدة على الفلسفة، وخاصة الأفلاطونية الحديثة والرواقية، وكان من يسمون بالمدافعين عن النصرانية في تلك العهود جلهم قد درس الفلسفة الوثنية، وربما كان تابعاً لها فترة طويلة ثم تحوَّل إلى النصرانية بفلسفته وسابق تصوراته، فهذا كله جعل الوثني لا يجد فرقاً كبيراً بين ما كان يعتقد وما يدعوا إليه النصارى. وكان لتنصر أباطرة الرومان- وأولهم قسطنطين- أكبر الأثر في انتشار النصرانية في الدولة الرومانية المترامية الأطراف - والناس على دين ملوكهم- إلا أن تنصر الأباطرة قد جعل النصارى يواجهون مشكلة كبرى، وهي وصاية الأباطرة على الديانة وتعاليمها، حيث صارت بعد ذلك في يد الأباطرة الرومان الذين يسيِّرون العقائد النصرانية وفق أهوائهم، فينصرون من المذاهب ما يتفق مع أهوائهم، فإذا كان هناك أحد يدعو إلى تعاليم لا يميلون إليها فإنهم يطلبون من النصارى عقد مجمع، ويوعز إليهم بطرد ولعن من لا يرغبون، يقول حبيب سعيد: (وباحتضان الإمبراطورية للكنيسة، تعرَّضت القوى الروحية في الكنيسة لخطر الاختناق والفناء، وغدا تنفيذ القانون الكنسي، واستدعاء المجالس العامة وتنفيذ قرارتها، وتعيين الأساقفة في المراكز الهامة، وحق الاختصاص الأعلى للمحاكم الروحية، والقول الفصل في المشاكل الجدلية، والتي قد تنشأ حول العقائد، غدت كلها من الحقوق التي طالبت بها الدولة الرومانية، وأصرت على انتزاعها من السلطات الدينية). يؤكد لنا هذا التسلط ويوضحه أن الذي دعا إلى مجمع نيقية سنة (325) م, هو الإمبراطور قسطنطين، وكان حاضراً في ذلك المجمع، وقرَّر فيه أُلوهية المسيح، وطرد آريوس وجماعته، ثم صدق بعده بعشر سنوات على قرارات مجمع صور التي فيها إعادة آريوس إلى الكنيسة، وطرد إثناسيوس الذي كان وراء إقرار ألوهية المسيح عليه السلام. ثم دعا كل من الإمبراطور الغربي قسطنطين الثاني والإمبراطور الشرقي قسطنديوس إلى مجمع في مدينة سارديكا سنة (343) م, بغرض توحيد النصارى، لكن النصارى لم يتفقوا، وخرجوا أشد اختلافاً وتفرقاً.

ثم بعد مقتل الإمبراطور قسطنطين الثاني دعا الإمبراطور قسطنديوس إلى مجمع ميلانو سنة (355) م, وطلب من الأساقفة إصدار حكم بخلع إثناسيوس، ووقعت الأغلبية على ما أراد، ثم دعا ذلك الإمبراطور أيضاً إلى مجمعين في نفس الوقت مجمع في تركيا ومجمع في إيطاليا سنة (359) م، وأمر الذين يشرفون على مجمع إيطاليا بإرغام المجتمعين على التوقيع على قرار المجمع الذي يوافق نوعاً ما مذهب الآريوسيين الذين يسمون (الأريوسيين المعتدلين). كما استخدم القوة العسكرية من أجل إرغام المجتمعين في تركيا على التوقيع، ثم جاء الإمبراطور ثيود وسيوس- وكانت ميوله ضد الآريوسية- فدعا إلى مجمع القسطنطينة سنة (381) م، وقرر المجمع العودة إلى قانون الإيمان النيقوي، وزادوا عليه: ألوهية الروح القدس، واعتبار الآريوسية ضد القانون الروماني، وهو المذهب الذي عليه الغالبية العظمى من النصارى إلى الآن. وهكذا نجد أن النصرانية صارت ألعوبة بيد أباطرة الرومان يسيرونها وفق أهوائهم ورغباتهم إلى أن سقطت الدولة الرومانية أمام هجمات القبائل القادمة من الشرق والشمال الشرقي التي استولت على روما سنة (410) م. وبهذا نكون قد عرضنا في هذا المبحث التاريخ النصراني المبكر بشكل مختصر، ولعله يكون وافياً بالغرض، ولابد أن نبين هنا أن انتصار أتباع بولس ومذهبه قد جعل مصادر دارسي مثل هذه الموضوعات تعتمد عليهم، فهم الذين نقلوا كل هذه المعلومات عن معلميهم، وعن الفرق الأخرى ومعلميها، لذا فإن الحكم على صحة المعلومات عن تلك الفرق وأولئك الناس- وخاصة في مجال العقيدة- لا يكون صحيحاً دقيقا إلا في حالة الاطلاع على كلام صاحب المقالة، أو كلام تلاميذه وأتباعه عنه، فعلى المطالع لذلك الانتباه في هذا الموضوع والحذر. والله تعالى أعلم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 173

المبحث السابع: نشأة الرهبانية والديرية وتأثير الفلسفة على النصرانية:

المبحث السابع: نشأة الرهبانية والديرية وتأثير الفلسفة على النصرانية: في خلال هذه المرحلة ظهرت الرهبنة في النصرانية في مصر أولاً على يد القديس بولس الطبي (241 - 356) م, والقديس أنطوان المعاصر له، إلا أن الديرية – حركة بناء الأديرة - نشأت أيضاً في صعيد مصر عام (315 – 320) م, أنشأها القديس باخوم، ومنها انتشرت في الشام وآسيا الصغرى. وفي نفس الوقت دخلت غرب أوروبا على يد القديس كاسليان (370 – 425) م, ومارتن التوري (316– 387) م، كما ظهرت مجموعة من الآباء المتأثرين بمدرسة الإسكندرية الفلسفية (الأفلاطونية الحديثة) وبالفلسفة الغنوصية، مثل كليمنت الإسكندري (150– 215) م, أوريجانوس (185 - 245) م, وغيرهما. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثامن: الكنيسة في عصر النهضة:

المبحث الثامن: الكنيسة في عصر النهضة: في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ازداد غضب الناس والعلماء والفلاسفة من سوء سلوك رجال الكنيسة، ومن الرقابة التي فرضوها على المطبوعات، وتوسُّعهم في استخدام محاكم التفتيش، ومبالغتهم في القسوة والتعذيب ضد المخالفين والعلماء، مما أثار الفلاسفة من أمثال ديكارت وفولتير، الذين وجَّهوا سهام النقد إلى الكنيسة وآرائها، ودعوا إلى إعلاء العقل مقابل النصوص الرئيسية، بفرض أن العقل يستطيع إدراك الحقائق العلمية، والخير والشر. - في عام (1790) م, أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية قرارات قاصمة لظهر الكنيسة حيث ألغت العشور الكنسية، وصادرت أموالها، وأجبرت رجال الكنيسة على الخضوع للدستور المدني، وأخذت تعين رجال الكنيسة بدلاً من البابا، بالإضافة إلى إغلاق المدارس التابعة للكنيسة، وتسريح الرهبان والراهبات. - في سبيل حفاظ البابا جريجوري السادس عشر على مكانته بعد هذه القرارات، أصدر البابا عدة منشورات يدين فيها حركة الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، على أنها تحمل مضامين تخالف الدين المسيحي. - جاء القانون الذي أقرَّته الحكومة الفرنسية (1905) م, بفصل الدين عن الدولة على أساس التفريق بينهما، وإعلان حياد الدولة تجاه الدين، كقاصمة أخرى شجَّعت المعارضين للكنيسة على نقد نصوص الكتاب المقدس والكنيسة بحرية، كما أجبر هذا القانون رجال الكنيسة على أن يقسموا يمين الولاء والطاعة للشعب والملك والدستور المدني الجديد. وقد امتدت هذه القرارات حتى شملت دول أوروبا، لينتهي بذلك دور الكنيسة في محاولة السيطرة على السياسة، ولتنزوي داخل الجدران؛ لتمارس الوعظ والترانيم على الأنغام الموسيقية.

المبحث التاسع: الكنيسة والماسونية:

المبحث التاسع: الكنيسة والماسونية: - تنبَّه رجال الكنيسة إلى شرور الحركات السرية بعد أن رأوا أن معظم رجال تلك الحركات أعضاء في الجمعيات والأندية الماسونية، ويعتبر البابا تليمنوس الثاني عشر أول من تصدى لهم وكشف زيفهم في مؤتمر (28/ 4/1738) م, ثم تبعه البابا بندكتوس الرابع عشر، والبابا بيوس السابع، والبابا أوربان الذي أصدر قراراً بالبراءة من الماسونية. - كان موقف البابا بيوس العاشر من أقوى تلك المواقف في التصدي للماسونية في العصر الحاضر، وذلك بعد رفضه محاولة مؤسس الصهيونية تيودر هرتزل عام (1903) م, في كسب موافقة الفاتيكان للاستيطان في فلسطين، كما رفض مبدأ قيام دولة لليهود في فلسطين، والاستيلاء على القدس، إلا أن اليهود استطاعوا بعد تغلغلهم في النصرانية تنصيب أحد عملائهم- البابا بولس السادس- الذي ما أن جلس على كرسي البابوية حتى غيَّر موقف الفاتيكان من الماسونية واليهود، حيث أعطى في ديسمبر (1965) م, الحق للكهنة في إلغاء الحرمان عن الكاثوليك الذين انضموا إلى الماسونية. بل عقد مجمعاً في الفاتيكان؛ ليعلن براءة اليهود من دم المسيح، ضارباً بنصوص الكتاب المقدس وقرارات المجامع والباباوات السابقين له عرض الحائط، متابعاً لرأي الكاردينال بيا اليهودي الأصل. وقد عارضه في ذلك الكاردينال الكاثوليكي الفرنسي مارسيل ليفيفر بقوله: (لقد زج المجمع المسكوني الكنيسة للثورة. ومن هذا الزواج السفاح لا يجيء غير أبناء الزنا .. ). وفي أثناء زيارة البابا بولس السادس للقدس عام (1964) م, أعلن اعترافه بدولة اليهود في فلسطين المحتلة.

المبحث العاشر: الكنيسة في خدمة الاستعمار الغربي:

المبحث العاشر: الكنيسة في خدمة الاستعمار الغربي: - مع إقرار الكنيسة بفصل الدين عن السياسة داخل أوروبا، فإن مجلس الكنائس العالمي يقرر في مؤتمر سالونيك باليونان عام (1956) م: (أن السياسة هي المجال الذي يتحتم على الكنيسة في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن تعمل فيه، وأن على الكنائس أن تراقب خطط التنمية في تلك الدول؛ لتميز بين ما يتفق مع إرادة الله – الزراعة والفلاحة فقط – وبين عمل الشيطان – الصناعة والتقدم العلمي – لتعلن للقوم أين يقف الله، ومن أين يطل الشيطان)، ويقرر في مؤتمر نيودلهي عام (1961) م: (إن على الكنيسة أن تكون متأهبة للصراع مع الدولة في أي وضع وتحت أي نظام سياسي) وما ذلك إلا لتسخير تلك الشعوب ومقدراتها، وضمان تبعيتها باستمرار للمستعمر الغربي؛ حيث تشيع بينهم أن التقدم الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة سيأتي دائماً معه بكثرة الخطايا والشرور. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل الثاني: عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام:

الفصل الثاني: عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام: عقيدة المسلمين- وهي الحق الذي لا مرية فيه- في المسيح عليه السلام- تتلخص فيما يلي: 1 - أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ [النساء:171].وقال صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) (¬1). فقوله: عبد الله: رد على الغالين, وقوله: ورسوله: رد على الجافين, ومعنى: كلمته: أي: كن؛ فعيسى خلق بكن، وليس هو كن. وقوله: وكلمته، وروح منه. ليس معنى ذلك أنه جزء من الله؛ لأن ما أضيف إلى الله أو جاء بلفظ: منه. فإنه على وجهين: أ- إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو مملوك له، والإضافة من باب إضافة الشيء إلى مالكه أو المخلوق إلى خالقه, وقد تقتضي تلك الإضافة تشريفاً كناقة الله، ورسول الله، وبيت الله، وكليم الله, وقد لا تقتضي تشريفاً مثل أرض الله، وسماء الله. ب- وإن كان المضاف إلى الله عيناً غير قائمة بنفسها فهي صفة من صفات الله مثل: سمع الله، يد الله، كلام الله. وقوله: منه: أي: مخلوقة منه صادرة من عنده. 2 - أنه ولد من غير أب كما خُلق آدم من غير أب ولا أم: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون [آل عمران: 59]. 3 - أنه أحد أولي العزم من الرسل، قال الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]. 4 - أنه عبد ليس له من خصائص الربوبية والألوهية شيء: إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ [الزخرف: 59]. 5 - أن الله أظهر على يديه المعجزات والآيات، كإحياء الموتى، وإبراء الأكمه، وكلامه وهو في المهد صبيًّا. 6 - أنه دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ودعاهم إلى العقيدة الصحيحة، والأخلاق القويمة: إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [آل عمران:51]. 7 - أنه بشَّر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]. 8 - أنه ليس بينه وبين محمد- عليهما الصلاة والسلام- نبي؛ لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]. 9 - أنه لم يصلب ولم يقتل، بل رفعه الله إليه، كما قال تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55] , وكما قال: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157، 158]. 10 - أنه يَنْزِلُ في آخر الزمان فيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب, ويضع الجزية، وينتقم من مسيح الضلالة, ثم يموت في الأرض، ويدفن فيها، ويخرج منها كما يخرج سائر بني آدم؛ لقوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]. هذه هي عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام، وهي العقيدة الصحيحة؛ فمن خالفها فقد شاق الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون [مريم:34، 35]. ¤ رسائل في الأديان للحمد ص137 - 139 ¬

(¬1) رواه البخاري (3435)، ومسلم (28).

الفصل الثالث: التأسيس وأبرز الشخصيات:

تمهيد: مرَّت النصرانية بعدة مراحل وأطوار تاريخية مختلفة، انتقلت فيها من رسالة منزلة من عند الله تعالى إلى ديانة مُحرَّفة ومبدلة، تضافر على صنعها بعض الكهان ورجال السياسة، ويمكن تقسيم هذه المراحل كالتالي:

المبحث الأول: المرحلة الأولى:

المبحث الأول: المرحلة الأولى: النصرانية المُنزَّلة من عند الله التي جاء بها عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: - هي رسالة أنزلها الله تعالى على عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية. وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من يؤمن بأن غاية الإنسان هي الحياة الدنيا، حيث لا يوم آخر، ولا جنة ولا نار، ومنهم من يعتقد أن الثواب والعقاب إنما يكونان في الدنيا فقط، وأن الصالحين منهم يوم القيامة سيشتركون في ملك المسيح الذي يأتي لينقذ الناس؛ ليصبحوا ملوك العالم وقضاته. كما شاع فيهم تقديم القرابين والنذور للهيكل؛ رجاء الحصول على المغفرة، وفشا الاعتقاد بأن رضا الرهبان ودعاءهم يضمن لهم الغفران؛ لذا فسدت عقيدتهم وأخلاقهم، فكانت رسالته ودعوته عليه الصلاة والسلام داعية إلى توحيد الله تعالى حيث لا رب غيره ولا معبود سواه، وأنه لا واسطة بين المخلوق والخالق سوى عمل الإنسان نفسه، وهي رسالة قائمة على الدعوة للزهد في الدنيا، والإيمان باليوم الآخر وأحواله، ولذا فإن عيسى عليه الصلاة والسلام كان موحِّداً على دين الإسلام ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. - المبلِّغ: عيسى بن مريم عليه السلام، أمُّه البتول مريم ابنة عمران أحد عظماء بني إسرائيل، نذرتها أمها قبل أن تحمل بها لخدمة المسجد، وكفلها زكريا أحد أنبياء بني إسرائيل وزوج خالتها، فكانت عابدة قانتة لله تعالى، حملت به من غير زوج بقدرة الله تعالى، وولدته عليه السلام في مدينة بيت لحم بفلسطين، وأنطقه الله تعالى في المهد دليلاً على براءة أمه من بهتان بني إسرائيل لها بالزنا، فجاء ميلاده حدثاً عجيباً على هذا النحو؛ ليلقي بذلك درساً على بني إسرائيل الذين غرقوا في الماديات، وفي ربط الأسباب بالمسببات؛ ليعلموا بأن الله تعالى على كل شيء قدير. - بُعث عيسى عليه السلام نبيًّا إلى بني إسرائيل، مؤيَّداً من الله تعالى بعدد من المعجزات الدالة على نبوته، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. كما كان يخبر الناس بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم بإذن الله. وقد أيَّده الله هو وحواريِّيه بمائدة من السماء أنزلها عليهم؛ لتكون عيداً لأولهم وأخرهم. - تآمر اليهود على قتله برئاسة الحبر الأكبر (كايافاس) وأثاروا عليه الحاكم الروماني لفلسطين (بيلاطس) لكنه تجاهلهم أولاً، ثم لما كذبوا عليه وتقوَّلوا على عيسى عليه السلام بأنه يدعو نفسه مسيحاً ملكاً، ويرفض دفع الجزية للقيصر، دفع ذلك الحاكم إلى إصدار أمر بالقبض عليه، وإصدار حكم الإعدام ضده عليه السلام. - اختفى عيسى وأصحابه عن أعين الجند، إلا أن أحد أصحابه دلَّ جند الرومان على مكانه، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام وصورته عليه، ويقال: إنه يهوذا الإسخريوطي. وقيل غيره، فنُفِّذ حكم الصلب فيه بدلاً من عيسى عليه الصلاة والسلام، حيث رفعه الله إليه، على أنه سينزل قبل قيام الساعة؛ ليحكم بالإسلام، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ثم يموت كما دلَّت على ذلك النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة. - آمن بدعوة المسيح عليه السلام الكثير، ولكنه اصطفى منهم اثني عشر حواريًّا، كما هم مذكورون في إنجيل متى. - وهناك الرسل السبعون الذين يقال بأن المسيح عليه السلام اختارهم ليعلِّموا النصرانية في القرى المجاورة.

المبحث الثاني: المرحلة الثانية:

المبحث الثاني: المرحلة الثانية: ويسميها مؤرِّخو الكنيسة بالعصر الرسولي، وينقسم هذا العصر إلى قسمين: التبشير وبداية الانحراف، والاضطهاد الذي يستمر حتى بداية العهد الذهبي للنصارى. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل الرابع: التبشير وبداية الانحراف:

المبحث الأول: التبشير: بعدما رُفع المسيح عليه الصلاة والسلام، اشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص؛ حيث قُتل يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الصياد، فكان أول من قتل من الحواريين، وسجن بطرس، وعذِّب سائر الرسل، وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه الصلاة والسلام حتى كادت النصرانية أن تفنى. وفي ظل هذه الأجواء المضطربة أعلن شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه عمالائيل، أعلن شاول- الذي كان يُذيق أتباع المسيح سوءَ العذاب- إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق، مؤنِّباً له على اضطهاده لأتباعه، آمراً له بنشر تعاليمه بين الأمم، فاستخفَّ الطرب النصارى، في الوقت الذي لم يصدِّقه بعضهم، إلا أن برنابا الحواري دافع عنه وقدَّمه إلى الحواريين فقبلوه، وبما يمتلكه من حدَّة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين، وتسمَّى بـ بولس. - انطلق الحواريون للتبشير بين الأمم اليهودية في البلدان المجاورة، التي سبق أن تعرَّفت على دعوة المسيح عليه السلام أثناء زيارتها لبيت المقدس في عيد العنصرة، وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن متَّى ذهب إلى الحبشة، وقُتل هناك بعد أن أسس فيها كنيسة ورسَّم - عيَّن- لهم أسقفها. وكذلك فعل مرقس في الإسكندرية بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما، وقتل في عهد نيرون عام (62) م. - أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية، وأسَّس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم، ورسَّم لهم أساقفة. وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فوجدا خلافاً حادًّا بين أتباع الكنيسة حول إكراه الأمميين على اتباع شريعة التوراة، فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين؛ لحسم الخلاف بينهم.

المبحث الثاني: بداية الانحراف:

المبحث الثاني: بداية الانحراف: - فيما بين عام (51 - 55) م, عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين – مجمع أورشليم – تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة (62) م, ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر- إعمالاً لأعظم المصلحتين- استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو الدافع لانخلاعهم من ربقة الوثنية، على أنها خطوة أولى يُلزم بعدها بشريعة التوراة. كما تقرر فيه تحريم الزنا، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذُبح للأوثان، بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة. - عاد بولس بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا، وحدث بينهما مشادة عظيمة؛ نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة، وقوله أنها: (كانت لعنة تخلَّصنا منها إلى الأبد) و (أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد). ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم الحشر. وهكذا كرَّر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه وانفصل عنه، مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَّنها عقيدته ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى؛ ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة (65) م. - قد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى: ففي القرن الثاني الميلادي تصدَّى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير. وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قُتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها.

المبحث الثالث: الاضطهاد:

المبحث الثالث: الاضطهاد: - عانت الدعوة النصرانية أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالاً عديدة؛ مابين الحمل على الخُشبِ، والنشر بالمناشير، إلى التمشيط مابين اللحم والعظم، والإحراق بالنار. - من أعنف الاضطهادات وأشدها: 1 - اضطهاد نيرون سنة (64) م, الذي قُتل فيه بطرس وبولس. 2 - واضطهاد دمتيانوس سنة (90) م، وفيه كتب يوحنا إنجيله في أفسس باللغة اليونانية. 3 - واضطهاد تراجان سنة (106) م, وفيه أمر الإمبراطور بإبادة النصارى وحرق كتبهم، فحدثت مذابح مُروِّعة، قُتل فيها يعقوب البار أسقف أورشليم. 4 - ومن أشدها قسوة وأعنفها اضطهادُ الإمبراطور دقلديانوس (284) م, الذي صمم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى تصل الدماء إلى ركبة فرسه، وقد نفذ تصميمه؛ وهدم الكنائس، وأحرق الكتب، وأذاقهم من العذاب صنوفاً وألواناً، مما دفع النصارى من أقباط مصر إلى اتخاذ يوم (29) أغسطس (284) م, بداية لتقويمهم تخليداً لذكرى ضحاياهم. - هكذا استمر الاضطهاد يتصاعد إلى أن استسلم الإمبراطور جالير لفكرة التسامح مع النصارى لكنه مات بعدها، ليعتلي قسطنطين عرش الإمبراطورية. - سعى قسطنطين بما لأبيه من علاقات حسنة مع النصارى إلى استمالة تأييدهم له؛ لفتح الجزء الشرقي من الإمبراطورية حيث يكثر عددُهُم، فأعلن مرسوم ميلان الذي يقضي بمنحهم الحرية في الدعوة، والترخيص لديانتهم، ومساواتها بغيرها من ديانات الإمبراطورية الرومانية، وشيَّد لهم الكنائس، وبذلك انتهت أسوأ مراحل التاريخ النصراني قسوة، التي ضاع فيها إنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام، وقُتل الحواريون والرسل، وبدأ الانحراف والانسلاخ عن شريعة التوراة، ليبدأ النصارى عهداً جديداً من تأليه المسيح عليه الصلاة والسلام وظهور اسم المسيحية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل الخامس: مراحل الصراع الديني:

المبحث الأول: العهد الذهبي للنصارى: يطلق مؤرخو الكنيسة اسم العهد الذهبي للنصارى ابتداء من تربُّع الإمبراطور قسطنطين على عرش الإمبراطورية الرومانية عام (312) م, لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ النصرانية. ويمكن تقسيم ذلك العهد إلى مرحلتين رئيسيتين: [مرحلة جمع النصارى على عقيدة واحدة (عصر المجامع أو عهد الخلافات والمناقشات):] - ما أن أعلن قسطنطين إعلان ميلان حتى قرَّب النصارى، وأسند إليهم الوظائف الكبيرة في بلاط قصره، وأظهر لهم التسامح، وبنى لهم الكنائس، وزعمت أمه هيلينا اكتشاف الصليب المقدس، الذي اتخذه شعاراً لدولته بجانب شعارها الوثني، فنشطت الدعوة إلى النصرانية، ودخل الكثير من الوثنيين أصحاب الفلسفات في النصرانية، مما كان له أثره البالغ في ظهور الكثير من العقائد والآراء المتضاربة، والأناجيل المتناقضة، حيث ظهر أكثر من خمسين إنجيلاً، وكل فرقة تدعي أن إنجيلها هو الصحيح، وترفض الأناجيل الأخرى. - وفي وسط هذه العقائد المختلفة والفرق المتضاربة مابين من يُؤَلِّه المسيح وأمه (الريمتين) أو من يؤله المسيح فقط، أو يدعي وجود ثلاثة آلهة: إله صالح، وإله طالح، وآخر عدل بينهما (مقالة مرقيون). أعلن آريوس أحد قساوسة كنيسة الإسكندرية صرخته المدوية بأن المسيح عليه الصلاة والسلام ليس أزليَّا، وإنما هو مخلوق من الأب، وأن الابن ليس مساوياً للأب في الجوهر، فالتف حوله الأنصار، وكثر أتباعه في شرق الإمبراطورية حتى ساد مذهبه ..... كنائس مصر والإسكندرية وأسيوط وفلسطين ومقدونيا والقسطنطينية وأنطاكية وبابل، مما أثار بطريرك الإسكندرية بطرس ضده، ولعنه وطرده من الكنيسة، وكذلك فعل خلفه البطريرك إسكندر، ثم الشماس إثناسيوس، وضماناً لاستقرار الدولة أمر الإمبراطور قسطنطين عام (325) م, بعقد اجتماع عام يجمع كل أصحاب هذه الآراء للاتفاق على عقيدة واحدة يجمع الناس حولها، فاجتمع في نيقية (2048) أسقفاً منهم (338) يقولون بألوهية المسيح، وانتهى ذلك المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بألوهية المسيح ولينفضّ على القرارات التالية: 1 - لعن آريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وحرق كتبه، ووضع قانون الإيمان النيقاوي (الأثناسيوسي) الذي ينص على ألوهية المسيح. 2 - وضع عشرين قانوناً لتنظيم أمور الكنيسة والأحكام الخاصة بالأكليريوس. 3 - الاعتراف بأربعة أناجيل فقط: (متى، لوقا، مرقس، يوحنا) وبعض رسائل العهد الجديد والقديم، وحرق باقي الأناجيل لخلافها عقيدة المجمع. - للتغلب على عوامل انهيار وتفكك الإمبراطورية أنشأ قسطنطين مدينة روما الجديدة عام (324) م, في بيزنطة القديمة باليونان على نفس تصميم روما القديمة، وأنشأ بها كنيسة كبيرة (أجياصوفيا)، ورسَّم لهم بطريركاً مساوياً لبطاركة الإسكندرية وأنطاكية في المرتبة، على أن الإمبراطور هو الرئيس الأعلى للكنيسة. وعُرفت فيما بعد بالقسطنطينية، ولذلك أطلق عليها بلاد الروم، وعلى كنيستها كنيسة الروم الشرقية أو كنيسة الروم الأرثوذكس. - تمهيداً لانتقال العاصمة إلى روما الجديدة (القسطنطينية) اجتمع قسطنطين بآريوس حيث يدين أهل القسطنطينية والجزء الشرقي من الإمبراطورية بعقيدته، وإحساساً منه بالحاجة إلى استرضاء سكان هذا القسم أعلن الإمبراطور موافقته لآريوس على عقيدته، وعقد مجمع صور سنة (334) م, ليعلي من عقيدة آريوس، ويلغي قرارات مجمع نيقية، ويقرر العفو عن آريوس وأتباعه، ولعن أثناسيوس ونفيه، وهكذا انتشرت تعاليم آريوس أكثر بمساندة الإمبراطور قسطنطين. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثاني: مرحلة الانفصال السياسي:

المبحث الثاني: مرحلة الانفصال السياسي: قسَّم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام (337) م, على أبنائه الثلاثة: فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وقسطنطيوس الشرق، وأخذ قنسطانس الجزء الأوسط من شمال أفريقيا، وعمد كل منهم إلى تأييد المذهب السائد في بلاده؛ لترسيخ حكمه. فاتجه قسطنطيوس إلى تشجيع المذهب الآريوسي، بينما شجع أخوه قسطنطين الثاني المذهب الأثناسيوسي، مما أصَّل الخلاف بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني. - توحَّدت الإمبراطورية تحت حكم قسطنطيوس عام (353– 361) م, بعد وفاة قسطنطين الثاني، ومقتل قنسطانس، ووجد الفرصة سانحة لفرض مذهبه الآريوسي على جميع أجزاء الإمبراطورية شرقاً وغرباً. - لم يلبث الأمر طويلاً حتى اعتلى فلؤديوس عرش الإمبراطورية (379– 395) م, الذي اجتهد في إلغاء المذهب الآريوسي والتنكيل بأصحابه، والانتصار للمذهب الأثناسيوسي. ولذا ظهرت في عهده دعوات تنكر الأقانيم الثلاثة ولاهوت الروح القدس، فقرَّر عقد مجمع القسطنطينية الأول (382) م، وفيه فرض الإمبراطور العقوبات المشددة على أتباع المذهب الآريوسي. كما تقرر فيه أن روح القدس هو روح الله وحياته، وأنه من اللاهوت الإلهي، وتم زيادته في قانون الإيمان النيقاوي، ولعن من أنكره مثل مكدنيوس، وذلك بالإضافة إلى عدة قوانين تنظيمية وإدارية تتعلق بنظام الكنيسة وسياستها. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثالث: نشأة البابوية:

المبحث الثالث: نشأة البابوية: على إثر تقسيم الإمبراطورية إلى شرقية وغربية، ونتيجة لضعف الإمبراطورية الغربية تم الفصل بين سلطان الدولة والكنيسة، بعكس الأمر في الإمبراطورية الشرقية، حيث رسخ الإمبراطور قسطنطين مبدأ القيصرية البابوية، ومن هنا زادت سلطات أسقف روما، وتحوَّل كرسيه إلى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في بلدان العالم المسيحي الغربي (روما – قرطاجة). وقد لعب البابا داماسوس الأول (366– 384) م, دوراً هامًّا في إبراز مكانة كرسي روما الأسقفي - سيادة البابوية - وفي عهده تمَّ ترجمة الإنجيل إلى اللغة اللاتينية، ثم تابعه خلفه البابا سيرى كيوس (384– 399) م, في تأليف المراسم البابوية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الرابع: بداية الصراع والتنافس على الزعامة الدينية بين الكنيستين:

المبحث الرابع: بداية الصراع والتنافس على الزعامة الدينية بين الكنيستين: ظهر الصراع والتنافس بين كنيسة روما بما تدعي لها من ميراث ديني، وبين كنيسة القسطنطينية عاصمة الدولة ومركز أباطرتها في مجمع أفسس الأول عام (431) م حيث نادى نسطور أسقف القسطنطينية بانفصال طبيعة اللاهوت عن الناسوت في السيد المسيح عليه السلام، وبالتالي فإن اللاهوت لم يولد ولم يصلب، ولم يقم مع الناسوت، وأن المسيح يحمل الطبيعتين منفصلتين: اللاهوتية والناسوتية، وأنه ليس إلهاً، وأمه لا يجوز تسميتها بوالدة الإله، وقد حضر المجمع مائتان من الأساقفة بدعوة من الإمبراطور ثاؤديوس الصغير، الذي انتهى بلعن نسطور ونفيه، والنص في قانون الإيمان بأن مريم العذراء والدة الإله. - وبسبب دعوى أرطاخي باتحاد الطبيعتين في السيد المسيح عقد له أسقف القسطنطينية فلافيانوس مجمعاً محليًّا، وقرر فيه قطعه من الكنيسة ولعنه؛ لكن الإمبراطور ثاؤديوس الصغير قبل التماس أرطاخي، وقرر إعادة محاكمته، ودعا لانعقاد مجمع أفسس الثاني عام (449) م, برئاسة بطريرك الإسكندرية ديسقورس لينتهي بقرار براءته مما نسب إليه. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الخامس: انفصال الكنيسة مذهبيا:

المبحث الخامس: انفصال الكنيسة مذهبيًّا: لم يعترف أسقف روما ليو الأول بقرارات مجمع أفسس الثاني (449) م، وسعى الإمبراطور مركيانوس لعقد مجمع آخر للنظر في قرارات ذلك المجمع، فوافق الإمبراطور على عقد المجمع في القسطنطينية، ثم في كلدونية (451) م, لمناقشة مقالة بابا الإسكندرية ديسقورس: من أن للمسيح طبيعتين في طبيعة واحدة (المذهب الطبيعي – المونوفيزتية)، ليتقرر لعن ديسقورس وكل من شايعه ونفيه، وتقرير أن للمسيح طبيعتين منفصلتين. فكان ذلك دافعاً أن لا تعترف الكنيسة المصرية بهذا المجمع، ولا بالذي يليه من المجامع. ومنذ ذلك التاريخ انفصلت في كنيسة مستقلة تحت اسم الكنيسة المرقسية – الكنيسة الأرثوذكسية – أو القبطية تحت رئاسة بطريرك الإسكندرية، وانفصلت معها كنيسة الحبشة وغيرها؛ ليبدأ الانفصال المذهبي عن الكنيسة الغربية. بينما اعترفت كنيسة أورشليم الأرثوذكسية بقرارات مجمع كلدونية، وصارت بطريركية مستقلة تحت رئاسة البطريرك يوفيناليوس. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السادس: نشأة الكنيسة اليعقوبية:

المبحث السادس: نشأة الكنيسة اليعقوبية: واجه الإمبراطور جستنيان (527– 565) م, صعوبة بالغة في تحقيق طموحه بتوحيد مذهبي الإمبراطورية؛ لتتحقق له سلطة الإمبراطورية والبابوية معاً. وبعد انتصاره في إيطاليا ودخول جيوشه روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزتية) على البابا فجليوس الذي رفض ذلك بشدة، مما عرَّضه إلى القبض عليه وترحيله إلى القسطنطينية، ليعقد مجمع القسطنطينية الخامس سنة (553) م, الذي انتهى بتقرير مذهب الطبيعة الواحدة، ولعن أصحاب فكرة تناسخ الأرواح، وتقرير أن عيسى عليه السلام كان شخصية حقيقية وليست بخيالية. - ومن آثار هذا المجمع استقلالُ أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة، إقامةُ كنيسة منفصلة لهم، تعرف بالكنيسة اليعقوبية، تحت رئاسة مؤسسها يعقوب البرادعي أسقف الرَّها مما زاد في عداء البابوية للإمبراطورية الشرقية.

المبحث السابع: نشأة الكنيسة المارونية:

المبحث السابع: نشأة الكنيسة المارونية: في عام (678–681) م, عمل الإمبراطور قسطنطين الرابع على استرضاء البابا أجاثون بعدما فقد المراكز الرئيسية لمذهب الطبيعة الواحدة في مصر والشام؛ لفتح المسلمين لهما، فتمَّ عقد مجمع القسطنطينية الثالث عام (680) م؛ للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة. وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة، ولذلك انفصلت طائفة المارونية ولحقت بسابقتها من الكنائس المنفصلة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثامن: انفصال الكنيسة إداريا:

المبحث الثامن: انفصال الكنيسة إداريًّا: - جاء هذا الانفصال بعد النزاع والصراع الطويل ابتداءً من الإمبراطور ليو الثالث (726) م, الذي أصدر مرسوماً يُحرِّم فيه عبادة الأيقونات، ويقضي بإزالة التماثيل والصور الدينية والصلبان من الكنائس والأديرة والبيوت على أنها ضرب من الوثنية، متأثراً بدعوة المسلمين لإزالة هذه التماثيل التي بالكنائس في داخل الدولة الإسلامية. - تصدى لهذه الدعوة البابا جريجوري الثاني، ثم خَلَفه البابا جريجوري الثالث ليصدر الإمبراطور قراراً بحرمان الكراسي الأسقفية في صقلية وجنوب إيطاليا من سلطة البابا الدينية والقضائية، وجعلها تحت سلطان بطريرك القسطنطينية. واستمر الوضع على ذلك إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين الخامس (741 – 775) م، وازدادت الثورات اشتعالاً ضد دعاة اللاأيقونية، فعقد مجمعاً في القسطنطينية؛ لتبرير سياسة تحريم الصور والأيقونات. وقد رفضت البابوية حضوره، ولم يحضره سوى ثلاثمائة وأربعين أسقفًّا تحت رئاسة بطريرك القسطنطينية، ليقضي بتحريم تصوير المسيح في أي شكل، وكذلك تحريم عبادة صور القديسين، وتحريم طلب الشفاعة من مريم؛ لأن كل هذا من ضروب الوثنية. - ولكن هذه القرارات لم تدم طويلاً حيث أمرت الإمبراطورة الأيقونية إيرين التي خلفت زوجها الإمبراطور ليو الخزري بعقد مجمع نيقية عام (787) م, بعد تعيينها للبطريرك خرسيوس المتحمس للأيقونية بطريركاً على القسطنطينية، وانتهى المجمع على تقديس صور المسيح ووالدته والقديسين، ووضع الصور في الكنائس والأديرة والبيوت والطرقات بزعم أن النظر إليهم يدعو للتفكير فيها. - في عام (869) م, أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة انبثاق الروح القدس من الأب وحده، فعارضه – كالعادة – بطريرك روما وقال: إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن معاً، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع (869) م, (مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرَّر فيه أن الروح القدس منبثقة من الأب والابن معاً، وأن جميع النصارى في العالم خاضعون لمراسيم بابا روما، وأن من يريد معرفة ما يتعلق بالنصرانية وعقائدها عليه برفع دعواه إلى بابا روما. ولذلك تم لعن وعزل فوسيوس وحرمانه وأتباعه، إلا أن فوسيوس استطاع أن يعود إلى مركزه مرة أخرى. وفي عام (879) م, عقد المجمع الشرقي اليوناني (القسطنطينية الخامس) ليلغي قرارات المجمع السابق، ويعلن أن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، ويدعو إلى عدم الاعتراف إلا بالمجامع السبعة التي آخرها مجمع نيقية (787) م. - وهكذا تمَّ الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية تحت مسمى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، أو كنيسة الروم الأرثوذكس برئاسة بطريرك القسطنطينية، ومذهباً بأن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، على أن الكنيسة الغربية أيضاً تميَّزت باسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية، وبزعم أن لبابا روما سيادة على كنائس الإمبراطورية، وأنها أم الكنائس ومعلمتهن، وتميزت بالقول بأن الروح القدس منبثقة عن الأب والابن معاً. ولم يتمَّ الانفصال النهائي – الإداري – إلا في عام (1054) م، وبذلك انتهى عهد المجامع المسكونية، وحلَّت محلَّها المؤتمرات الإقليمية أو سلطات البابا المعصوم، لتستكمل مسيرة الانحراف والتغيير في رسالة عيسى عليه السلام. ومن أبرز سمات هذه المرحلة الأخيرة - القرون الوسطى - الفساد، ومحاربة العلم والعلماء، والتنكيل بهم، والاضطهاد لهم، وتقرير أن البابا معصوم له حق الغفران، مما دفع إلى قيام العديد من الحركات الداعية لإصلاح فساد الكنيسة، وفي وسط هذا الجو الثائر ضد رجال الكنيسة انعقد مؤتمر ترنت عام (1542 - 1563) م, لبحث مبادئ مارتن لوثر التي تؤيدها الحكومة والشعب الألماني، وانتهى إلى عدم قبول آراء الثائرين أصحاب دعوة الإصلاح الديني. ومن هنا انشقَّت كنيسة جديدة هي كنيسة البروتستانت، ليستقر قارب النصرانية بين أمواج المجامع التي عصفت بتاريخها على ثلاث كنائس رئيسية لها النفوذ في العالم إلى اليوم، ولكل منها نحلة وعقيدة مستقلة، وهي: الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، بالإضافة إلى الكنائس المحدودة مثل: المارونية، والنسطورية، واليعقوبية، وطائفة الموحدين، وغيرهم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل السادس: مصادر النصرانية:

تمهيد: النصارى يستمدون عقائدهم وتشريعاتهم ومعارفهم الدينية من مصدرين أساسيين هما: أولاً: الكتاب المقدس: ثانياً: المجامع النصرانية:

المبحث الأول: الكتاب المقدس:

المبحث الأول: الكتاب المقدس: • المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة إجمالا:. • المطلب الثاني: تاريخ الأناجيل الأربعة تفصيلاً:. • المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متناً:. • المطلب الرابع: الأغلاط في الأناجيل:. • المطلب الخامس: إنجيل برنابا:.

المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة إجمالا:

المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة إجمالا: • تمهيد:-. • الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالاً:.

تمهيد:-

تمهيد:- الإنجيل كلمة يونانية تعني الخبر الطيب (البشارة). والإنجيل عند المسلمين: هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام فيه هدى ونور، قال تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [المائدة:46]. وقد دعا المسيح عليه السلام بني إسرائيل للأخذ بالإنجيل والإيمان به، فقد جاء في إنجيل مرقص (1/ 14): (وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). وقد ذكر هذا الإنجيل أوائل النصارى، ودعوا إلى الإيمان به، وفي هذا يقول سفر (أعمال الرسل) (8/ 25) عن بطرس ويوحنا في دعوتهما للسامريين من اليهود: (وكما شهدا وتكلما بكلمة الرب رجعا إلى أورشليم، وبشَّرا بالإنجيل في قرى كثيرة للسامريين) وذكره بولس أيضاً في رسائله، مثل قوله في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي (2/ 2): (جاهرنا في إلهنا أن نكلمكم بإنجيل الله في جهاد كثير؛ لأن وعظنا ليس عن ضلال ولا عن دنس ولا بمكر، بل كما استحسنا من الله أن نؤتمن على الإنجيل هكذا نتكلم ... ثم يقول: ... فإنكم أيها الإخوة تذكرون تعبنا وكدنا إذ كنا نكرز لكم بإنجيل الله .. ). فإذاً الإنجيل كان كتاباً موجوداً ومعروفاً لدى النصارى الأوائل بأنه إنجيل الله أو إنجيل المسيح، إلا أن هذا الإنجيل لا نجده بين الأناجيل الموجودة بين يدي النصارى اليوم، فأين هو؟ على النصارى أن يجيبوا على هذا السؤال، أو يعترفوا بأنهم فقدوه في زمن مبكر من تاريخهم، ولعل هذا هو الأرجح؛ إذ يقول الله عز وجل: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:14]. وقد صار عند النصارى بدل الإنجيل الواحد أربعة أناجيل، يجعلونها في مقدمة كتابهم العهد الجديد، ولا ينسبون أيًّا منها إلى المسيح عليه السلام، وإنما هي منسوبة إلى متى ومرقص ولوقا ويوحنا - الذي يزعم النصارى أن اثنين منهم من الحواريين وهما متى ويوحنا، والآخران أحدهما مرقص تلميذ بطرس، والآخر لوقا تلميذ بولس في زعمهم. وهذه الأناجيل تحوي شيئاً من تاريخ عيسى عليه السلام حيث ذُكِرَ فيها ولادته، ثم تنقلاته في الدعوة، ثم نهايته بصلبه وقيامته في زعمهم، ثم صعوده إلى السماء. كما تحتوي على مواعظ منسوبة إليه وخطب، ومجادلات مع اليهود، ومعجزات كان يظهرها للناس دليلاً على صدقه في أنه مرسل من الله، فهذه الأناجيل أشبه ما تكون بكتب السيرة، إلا أن بينها اختلافات ليست قليلة، وبعضها اختلافات جوهرية لا يمكن التوفيق بينها إلا بالتعسف كما سيتبين. والقارئ لهذه الأناجيل الأربعة يستطيع بسهولة أن يدرك أن ما ورد فيها من دعوة وخطب ومواعظ ومجادلات تعود إلى مطلبين أساسيين، هما: 1 - الدعوة إلى التوبة والعمل بما جاء في الشريعة التي أنزلت على موسى عليه السلام. 2 - التبشير بقرب قيام مملكة الله التي يتحقق فيها العدل والمساواة. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف - ص 199

الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالا:

الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالاً: قبل الحديث عن تاريخ الأناجيل الأربعة لدى النصارى لا بد من بيان أن الكتب الدينية لها مكانة عظيمة لدى أتباعها، ولها دور خطير في الحياة؛ إذ يعتمد عليها في توضيح الطريق إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة. فلهذا يجب أن تكون الكتب ثابتة الإسناد إلى أصحابها الذين هم رسل الله، والمبلغون عن الله عزَّ وجلَّ، فإذا لم تكن كذلك فإنها تفقد قيمتها؛ إذ تكون عرضة للتحريف والتبديل من قبل أصحاب الأهواء والمقاصد الخبيثة، أو من قبل العوارض البشرية كالنسيان، وقلة العلم، والوهم ونحو ذلك. فصحة الإسناد بعدالة رواة الأخبار وضبطهم، وعدم انقطاعه، هو السبيل الذي يمكن به وصول هذه الكتب إلى الناس سليمة صحيحة كاملة، فيتعرَّف الناس على الحق من خلالها. وإذا نظرنا في كتب الحديث عند أهل الإسلام- والتي تتضمن أقوال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وجميع ما يتعلق به- عرفنا الجهد العظيم الذي بذله أولئك الأئمة في المحافظة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليماً صحيحاً، حيث يستطيع المسلم في القرن الخامس عشر الهجري أن يعرف صحة الحديث من عدمه. وإذا بحثنا في التاريخ لدى النصارى عن إسناد لهذه الأناجيل إلى من تنسب إليه لا نجد من ذلك شيئاً البتة لا قليلاً ولا كثيراً. ورسائل بولس، وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها إشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة، الأمر الذي يترتب عليه أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطَّلع عليها أحد منهم، وفي هذا دلالة قوية على أن نشأة هذه الكتب وظهورها كان متأخراً عن هذه الرسائل، بخلاف إنجيل الله أو إنجيل المسيح فقد ورد ذكره في كلام بولس مراراً عديدة، كما ورد ذكره في إنجيل مرقص، وأعمال الرسل مما يدل على وجوده وأنه معروف معلوم. وقد حاول النصارى أن يجدوا لهذه الكتب إسناداً أو إخباراً عنها في كلام متقدميهم يتفق مع الزمن الذي يزعمون أنها كتبت فيه، وهو الربع الأخير من القرن الأول الميلادي على أكثر تقدير. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، مما اضطرهم إلى الاعتراف بأن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من تنسب إليه بعشرات السنين، فتكون نسبتها إلى أولئك الناس نسبة لا تقوم على أدنى دليل، وإليك بعض كلام النصارى في هذا الأمر: يقول القس (فهيم عزيز) الأستاذ بكلية اللاهوت الإنجيلية: (لكن قانونية أسفار العهد الجديد لم تتم في وقت واحد ولم يكفها جيل أو جيلان، بل استمرت مدة طويلة، ولم تقف الكنائس المختلفة موقفاً موحداً من الأسفار المختلفة، بل اختلفت آراؤها من جهة بعض الأسفار، واستمرت في ذلك حقبة طويلة، فلهذا يلزم تتبع هذا التاريخ الطويل لقانونية أسفار العهد الجديد. الكنيسة الأولى: يوم الخمسين (100) م: من المعلوم جيداً أنه لم تكن في تلك الفترة كتب مقدسة تسمى العهد الجديد، ولكن الكنيسة لم تمكث بدون مصادر إلهية تستند عليها في كل شيء من وعظ وتعاليم وسلوك ومعاملات، وقد كان لها في هذا المجال ثلاثة مصادر). ثم ذكر أن المصادر الثلاثة هي: العهد القديم، المسيح، الرسل، ثم قال: (ثانياً: (100 - 170) م, ظهور الكتب القانونية في العهد الجديد: كانت أول مجموعة عرفتها الكنيسة من العهد الجديد هي مجموعة رسائل بولس. فهي أول ما جمع من كل كتب العهد الجديد، ولقد كتب بولس رسائله إلى كنائس وأفراد لظروف خاصة ومواقف محددة .. ).

ثم قال: (أما المجموعة الثانية: فهي مجموعة الأناجيل الأربعة، وقد ظهرت هذه المجموعة متأخرة بعض الوقت عن مجموعة كتابات بولس. ومع أن تاريخ اعتبارها كتباً قانونية مقدسة متساوية في ذلك مع كتب العهد القديم لا يزال مجهولاً، لكن الاقتباسات العديدة التي وجدت في كتابات آباء الكنيسة الرسوليين وشهاداتهم تلقي بعض الضوء على هذه الحقيقية الجوهرية في العصر المسيحي، ويلاحظ الدارس الأمور الآتية: أن بولس لم يشر في كتاباته إلى أي من الأناجيل المكتوبة، ولا إلى أي كتاب عن حياة المسيح أو أقواله .. ). ثم ذكر المصنف سبع نقاط أخرى أورد في بعضها اقتباسات لمتقدمين من النصارى تتوافق في بعضها مع ما ورد في بعض الأناجيل بدون النص على اسم الإنجيل. وأهم ما ذكره من الملاحظات هي قوله في الملاحظتين السابعة والثامنة: 7 - أما جاستن أو يوستينوس الشهيد الذي كان سامريًّا يونانيًّا، وتحوَّل إلى المسيحية، ودرس في روما، واستشهد حوالي (165) م، فيؤخذ من كتاباته أنه قد عرف الأناجيل الأربعة مرتبطة معاً، مع أنه لم يكشف النقاب عمن جمعها، ولا في أي مكان جمعت، وهو يصفها عندما يذكرها في دفاعه ضد الوثنيين بأنها الذكريات، ولكنه عندما كان يكتب للمسيحين كان يقول عن الرسل: (هم أولئك الذين كتبوا ذكرياتهم عن كل الأشياء التي تختص بيسوع المسيح المخلص). ثم يقول مرة أخرى: (الذكريات التي عملها الرسل التي تسمى الأناجيل. 8 - أما الشاهد الأخير فهو (الديا طسرن) الذي كتبه (تاتيان)، وأراد أن يجمع فيه الأناجيل الأربعة معاً في إنجيل واحد، وقد أضاف تاتيان هذا بضعة كلمات للمسيح لا توجد في هذه الأناجيل، ولكنها أخذت من كتب أبوكريفية أخرى، وهو بذلك يشهد أن الأربعة الأناجيل وجدت معاً، ولكن إضافاته مجرد اقتباسات لا تدلُّ على أنه كان يعتبر أن هناك كتباً أخرى تضارعها في سلطانها وقداستها). وبعد هذا النقل عن أحد القسس المتعمقين والمتخصصين في دراسات العهد الجديد، ننقل كلام مجموعة من المتخصصين النصارى عن أناجيلهم وذلك في المدخل إلى العهد الجديد قالوا في التعريف بتاريخ وقانونية العهد الجديد ما يلي: (لقد سيطرت على المسيحيين الأوائل فكرة تناقلتها الألسن شفاهاً - تعلن انتهاء هذا العالم سريعاً وعودة المسيح ثانية إلى الأرض؛ ليدين الناس، وكان من بين نتائج هذا المعتقد أن توقف التفكير في تأليف كتابات مسيحية تسجل أخبار المسيح وتعاليمه، فتأخر لذلك تأليف الأناجيل؛ إذ لم يشرع في تأليف أقدمها - وهو إنجيل مرقس الذي لم يكن قط من تلاميذ المسيح - إلا بعد بضع عشرات من السنين، لقد كانوا يؤمنون بنهاية العالم وعودة المسيح سريعاً إلى الأرض: قبل أن يكمل رسله التبشير في مدن إسرائيل، وهي عملية لا تستغرق أكثر من عدة أشهر أو بضع سنين على أكثر تقدير ..... (الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان) متى (10/ 23)). - وقبل أن يموت عدد من الذين وقفوا أمامه يستمعون إلى تعاليمه ومواعظه. وهي فترة يمكن تقديرها دون خطأ يذكر في حدود خمسين عاماً على أقصى تقدير: (الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته) متى (16/ 28)

- وهو يعود ثانية إلى الأرض قبل أن يفنى ذلك الجيل الذي عاصر المسيح، وهي فترة لا تتجاوز أقصى ما قدرناه، أي: خمسين عاماً: ....... (الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله) متى (24/ 24). ومعلوم أن ذلك كله لم يحدث؛ إذ لا يزال الكون قائماً، وبنو آدم يعيشون في عالمهم الدنيوي حتى يأتي أمر الله، هذا - ولما بردت الحمية التي أثارتها فكرة عودة المسيح سريعاً إلى الأرض، ظهرت الحاجة ماسة إلى تدوين الذكريات عنه وعن تعاليمه، ومن هنا كانت النواة لتأليف أسفار- ما صار يعرف فيما بعد باسم - العهد الجديد، وهي الأسفار التي لم يعترف بشرعيتها إلا على مراحل وعلى امتداد أكثر من ثلاثة قرون. إن كلمة (قانون) اليونانية مثل كلمة (قاعدة) في العربية قابلة لمعنى مجازي يراد به قاعدة للسلوك أو قاعدة للإيمان، وقد استعملت هنا للدلالة على جدول رسمي للأسفار التي تعدها الكنيسة ملزمة للحياة وللإيمان. ولم تندرج هذه الكلمة بهذا المعنى في الأدب المسيحي إلا منذ القرن الرابع، كانت السلطة العليا في أمور الدين تتمثل عند مسيحي الجيل الأول في مرجعين. أولهما: العهد القديم، وكان الكتبة المسيحيون الأولون يستشهدون بجميع أجزائه على وجه التقريب استشهادهم بوحي الله. وأما المرجع الآخر الذي نما نموًّا سريعاً، فقد أجمعوا على تسميته: الرب. ولكن العهد القديم كان يتألف وحده من نصوص مكتوبة، وأما أقوال الرب وما كان يبشر به الرسل، فقد تناقلتها ألسنة الحفاظ مدة طويلة، ولم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة كل من: تدوين أهم ما علَّمه الرسل، وتولى حفظ ما كتبوه. ويبدو أن المسيحيين حتى ما يقرب من السنة (150) م, تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر -إلا قليلاً جدًّا- إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية، ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقاً بالكتاب المقدس، بل كانوا يَدَعُون الأحداث توجِّههم، فقد كانت الوثائق البولسية مكتوبة، في حين أن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلاً على ألسنة الحفاظ. ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهوراً واضحاً كما يظهر شأن رسائل بولس.

أجل لم تخل مؤلفات الكتبة المسيحيين الأقدمين من شواهد مأخوذة من الأناجيل أو تلمح إليها، ولكنه يكاد أن يكون من العسير في كل مرة الجزم: هل الشواهد مأخوذة من نصوص مكتوبة كانت بين أيدي هؤلاء الكتبة، أم هل اكتفوا باستذكار أجزاء من التقليد الشفهي؟ ومهما يكن من أمر، فليس هناك قبل السنة (140) م, أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة، ولا يذكر أن لمؤلَفٍ من تلك المؤلفات صفة ما يلزم، فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحاً على مرِّ الزمن بأن هناك مجموعة من الأناجيل، وأن بها صفة ما يلزم، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدريجي. فيمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة (170) م, بمقام الأدب القانوني، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين. لم يوضع (لم يستقر) الجدول التام للمؤلفات العائدة إلى القانون إلا على نحو تدرجي، وكلما تحقق شيء من الاتفاق، فهكذا يجدر بالذكر ما جرى بين السنة (150) م, والسنة (200) م, إذ حدد على نحو تدرجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني، وقد حصل شيء من الإجماع على رسالة يوحنا الأولى. ولكن ما زال هناك شيء من التردد في بعض الأمور: فإلى جانب مؤلفات فيها من الوضوح الباطني ما جعل الكنيسة تتقبَّلها تقبُّلها لما لابد منه، هناك عدد كبير من المؤلفات الحائرة يذكرها بعض الآباء ذِكْرَهم لأسفار قانونية، في حين أن غيرهم ينظر إليها نظرته إلى مطالعة مفيدة ذلك شأن: الرسالة إلى العبرانيين، ورسالة بطرس الثانية، وكل من رسالة يعقوب ويهوذا. وهناك أيضاً مؤلفات جرت العادة أن يستشهد بها في ذلك الوقت على أنها من الكتاب المقدس، ومن ثم جزء من القانون، لم تبق زمناً على تلك الحال، بل أخرجت آخر الأمر من القانون، ذلك ما جرى لمؤلَّف: هرماس، وعنوانه (الراعي)، وللديداكي ورسالة إكليمنضس الأولى، ورسالة برنابا، ورؤيا بطرس، وكانت الرسالة إلى العبرانيين، والرؤيا، موضوع أشد المنازعات، وقد أنكرت صحة نسبتها إلى الرسل إنكاراً شديداً مدة طويلة. ولم تقبل من جهة أخرى إلا ببطء: رسالتا يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية، ورسالة يهوذا. ولا حاجة إلى أن نتتبع تتبعاً مفصلاً جميع مراحل هذا التطور الذي أدَّى خلال القرن الرابع إلى تأليف قانون هو في مجمله القانون الذي نعرفه اليوم). من خلال هذا البيان والنقل المطول عن النصارى أنفسهم في حديثهم عن كتبهم يتلخص لنا ما يلي: 1 - أن الله أنزل كتاباً على المسيح سماه الإنجيل، ودعا المسيح عليه السلام الناس إلى الإيمان به، وذكره أوائل النصارى، كما ذكره بولس في رسائله. 2 - أن النصارى لا يعرفون شيئاً عن مصير ذلك الإنجيل، ولا أين ذهب!!. 3 - أنه كانت هناك روايات شفوية ووثيقة مشتركة متداولة كان يتناقلها الحواريون ودعاة النصارى الأوائل، ويعتقد أنها كانت المصدر الأساسي لأوجه الاتفاق بين الأناجيل. وتلك الروايات الشفوية لا يبعد أن يكون الإنجيل الأصلي من ضمنها، إلا أن النصارى لم يدوِّنوه مجموعة واحدة، كما أنهم لم يميزوه عن غيره من الروايات، مما جعله غير محدد، ولا يستطيع أحد الجزم والاعتقاد بشيء من النصوص أنها منه، وهذا تصديق قول الله عزَّ وجلَّ: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [المائدة:14].

4 - أن المتقدمين من النصارى لم يشيروا إلى الأناجيل الأربعة، ولم يذكروها ألبته، فبولس- على كثرة رسائله- لم يذكرها في رسائله أبداً، وكذلك لم يذكرها سفر أعمال الرسل الذي ذكر دعاة النصارى الأوائل، وهذا يدلُّ على أن هذه الكتب لم تكن موجودة في ذلك الزمن، وأنها أُلِّفت وكتبت بعد ذلك. 5 - أن أول من ذكر مجموعة من الكتب المدونة ذكراً صريحا هو جاستن الذي قتل عام (165) م، وهذا لا يدل صراحة على الأناجيل الأربعة نفسها، وأما أول محاولة التعريف بها ونشرها فكانت عن طريق (تاتيان) الذي جمع الأناجيل الأربعة في كتاب واحد سماه (الدياطسرن) في الفترة من (166 - 170) م, وهذا هو التاريخ الذي يمكن أن يعزى إليه وجود هذه الكتب، وهو تاريخ متأخر جدًّا عن وفاة من تعزى إليهم هذه الكتب؛ إذ إنهم جميعاً ماتوا قبل نهاية القرن الأول، مما يدلُّ على أنهم برءاء منها، وأنها منحولة إليهم. 6 - أنه حتى بعد هذا التاريخ- وهو (170) م, إلى القرن الرابع الميلادي- لم تكن الأناجيل الأربعة وحدها هي الموجودة، بل كانت هناك أناجيل كثيرة موجودة منتشرة ربما تبلغ مائة إنجيل، ولم يكن لأيٍّ منها صفة الإلزام والقداسة، وذلك أمر تكون الأناجيل الأربعة معه عرضة للتحريف والتغيير خلال تلك الفترة أيضاً. 7 - أن النصارى لا يعرفون بالضبط تاريخ إعطاء هذه الكتب صفة الإلزام والقداسة، وإنما يرون أنه خلال القرن الرابع الميلادي أخذت كتبهم صفة القداسة بشكل متدرج، يعني: رويداً رويداً. 8 - أن النصارى لا يملكون السند لكتبهم، ولا يعرفون مصدرها الحقيقي، ولا تعدو أن تكون كتباً وجدوها منحولة إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم فنسبوها إليهم، واعتقدوا صحة ذلك بدون دليل، وهذا أمر لا يمكن أن يعطي النفس البشرية القناعة المناسبة لما تراد له هذه الكتب في الأصل من تجنب سخط الله وبلوغ رضوانه. 9 - أننا نعجب غاية العجب من زعم النصارى: أن هذه الكتب حقيقية وصادقة، وتنقل بأمانة وإخلاص كلام المسيح، وتروي أخباره. كيف تجرؤوا على مثل هذا الكلام، وكيف قبله أتباعهم مع أنهم لا يملكون الدليل على ذلك، وكل دعوى عريت عن الدليل فهي باطلة. قال الله عزَّ وجلَّ: قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ [الأنعام:148]. وكل من تحدث في دين الله بلا علم فهو ضال مضل، قال عزَّ وجلَّ: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ [الحج:3]. وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:8 - 9]. ولأن دعاويهم عارية عن الدليل فهي نابعة من الهوى، فلهذا سمى الله عز وجل ما عند اليهود والنصارى من دين أهواء في قوله عزَّ وجلَّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:120]. ولكن ذلك العجب يذهب، وتلك الدهشة تزول إذا علمنا أن للآباء والكبراء والسادة من أهل الضلالة الذين يسعون إلى المحافظة على مكاسبهم الدنيوية الدور الأكبر في إضلال العوام والدهماء الذين لا يستخدمون ما وهبهم الله من عقل وسمع وإدراك، وإنما يتابعون وينقادون انقياد الأعمى، وفي هذا يقول الله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى ما أنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة:104]. وقال عزَّ وجلَّ: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:66 - 68]. والواجب على الإنسان أن لا يخضع للتقليد فيما تتعلق به نجاته وسعادته أو هلاكه وشقاوته، بل يتحقق من الأمر، ويتأكد من صحته، ويسأل الله الهداية والتسديد والرشد إلى أن يصل إلى الحق والنور الذي لن يخطئه بإذن الله تعالى إذا أخلص الطلب، واجتهد في الدعاء، وتحرَّر من الأهواء والتقليد والعصبية. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 203

المطلب الثاني: تاريخ الأناجيل الأربعة تفصيلا:

المطلب الثاني: تاريخ الأناجيل الأربعة تفصيلاً: • أولاً: إنجيل متى:. • ثانياً: إنجيل مرقص:. • ثالثاً: إنجيل لوقا:. • رابعاً: إنجيل يوحنا:.

أولا: إنجيل متى:

أولاً: إنجيل متى: يصدر النصارى كتابهم المقدس بهذا الإنجيل، فهو أول كتبهم في الترتيب، وهو أطولها؛ إذ يحوي ثمانية وعشرين إصحاحاً. ويزعم النصارى أن (متى) الذي ينسب الكتاب إليه هو أحد الحواريين، وكان قبل اتباعه للمسيح عشاراً (جابي ضرائب). إلا أن النصارى لم يستطيعوا أن يبرزوا لنا دليلاً يُعتمد عليه في صحة نسبة هذا الكتاب إلى (متى)، وأقدم من يعتمدون على قوله في نسبة الكتاب إلى (متى) أحد كتابهم، ويسمى (يوسابيوس القيصري) في كتابه (تاريخ الكنيسة) حيث نقل عن أسقف كان لهيرا بوليس سنة (130) م, يدعى (بابياس)، أنه قال: (إن متى كتب الأقوال باللغة العبرانية). وهذا القول ولدى جميع العقلاء لا يمكن أن يعتمد عليه في إثبات صحة نسبة الكتاب إلى (متى) الذي يزعمون أنه حواري. وذلك لأن (بابياس) المذكور هنا لم يكن سمع تلك التعاليم وتلك الكتب من أصحابها، بل كان يسمعها بواسطة، حيث يقول عن نفسه فيما ذكر عنه (يوسابيوس): (وكلما أتى واحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم؛ لأنني لا أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيد بقدر ما يصل من الصوت الحي). فهو هنا لا يتحرى في النقل، ومما لاشك فيه أن أولئك الوسائط لابد أن تثبت عدالتهم، وإلا فلا يعتد بما يروونه ويقولونه. كما أن (يوسابيوس القيصري) قد طعن في بابياس نفسه حيث قال عن رواياته: (ويُدوِّنُ نفس الكاتب روايات أخرى يقول: إنها وصلته من التقليد غير المكتوب. وأمثالاً وتعاليم غريبة للمخلص وأموراً خرافية ... ). ثم قال عنه وعن آرائه: (وأظن أنه وصل إلى هذه الآراء بسبب إساءة فهمه للكتابات الرسولية، غير مدرك أن أقوالهم كانت مجازية؛ إذ يبدو أنه كان محدود الإدراك جدًّا كما يتبين من أبحاثه، وإليه يرجع السبب في أن كثيرين من آباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء مستندين في ذلك على أقدمية الزمن الذي عاش فيه). فهذه طريقة (بابياس) في النقل حيث ينقل عن كل من اتبع المشايخ بدون تحر لمقدرة التلميذ على الحفظ والضبط للروايات والعدالة وما إلى ذلك من شروط صحة الخبر، كما أن (بابياس) نفسه ضعيف التمييز بين الأقوال محدود الإدراك جدًّا. فكيف تعتبر أقوال من هذه حاله في أخطر قضية، وهي الشهادة لكتاب بأنه كلام رب العالمين؟ كما أن في المقابل هناك عدة أدلة تدل على عدم صحة نسبة الإنجيل إلى (متى) الذي يزعمون أنه حواري وهي: 1 - أن النصارى لم ينقلوا الإنجيل بالسند، وقول (بابياس) السابق لم يعين فيه من هو (متى)، هل هو الحواري أم رجل آخر؟ كما أنه لم يعين الكتاب بل قال: (الأقوال). وأيضاً فقد ذكر أمراً آخر يختلف تماماً عما عليه إنجيل متى الموجود، وهو أنه قال: إنه كتبه باللغة العبرانية، مع أن النصارى يجمعون على أن: الكتاب لم يعرفوه إلا باللغة اليونانية، ولا يعرفون للكتاب نسخة عبرانية، بل الكثير منهم يرى أن: الكتاب يظهر من لغته أنه أول ما كتب إنما كتب باللغة اليونانية، وليس العبرانية، فهذا يدل على أن قول (بابياس) لا ينطبق على إنجيل متى الموجود بين يدي النصارى. كما أن هناك استفساراً آخر في حالة أن يكون الإنجيل مترجماً من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية، وهو: من هو مترجمه؟ وهذا أمر مهم؛ لأنه ما لم يعلم دين المترجم، وصدقه، وضبطه، وقوة معرفته باللغتين لا يمكن أن يعتمد على ترجمته. 2 - إن الدارسين لهذا الكتاب والباحثين من النصارى وغيرهم يرون أن كاتب هذا الإنجيل اعتمد كثيراً على إنجيل مرقص، ومرقص في كلام النصارى تلميذ بطرس، فهل من المعقول أن يعتمد أحد كبار الحواريين في زعمهم على تلميذ من تلاميذهم في الأمور التي هم شاهدوها وعاينوها وعايشوا أحداثها؟ هذا يدل على أن كاتبه غير (متى) الذي يزعمون أنه حواري، وأن دعوى النصارى أن كاتب الإنجيل هو متى الحواري دعوى عارية عن الدليل، وهي من باب الظن والتخمين الذي لا يغني من الحق شيئاً.

ثانيا: إنجيل مرقص:

ثانياً: إنجيل مرقص: هذا الإنجيل الثاني في ترتيب الأناجيل لدى النصارى، وهو أقصرها؛ إذ إنه يحوي ستة عشر إصحاحاً فقط. أما كاتب الإنجيل فهو في زعم النصارى رجل من أتباع الحواريين، والمعلومات عنه قليلة جدًّا وغامضة، ولا تتضح شخصيته وضوحاً يُطمئن النفس؛ إذ إن كل ما ورد عنه الإشارة إلى أن اسمه يوحنا، ويلقب مرقص، وأنه صاحَبَ بولس وبرنابا في دعوتهما، ثم افترق عنهما، ثم ذكر بولس في رسائله اسم مرقص ذكراً مقتضباً لا يعطي غناء في التعريف به، وورد ذكر اسمه مع بطرس حيث يقول عنه: (تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقص ابني). فهذه المعلومات يفهم منها أن الرجل مجهول؛ إذ إنها لم تعط تعريفاً بدينه، وعلمه، وأمانته، ونحو ذلك مما يجب توافر معرفته فيمن يكون واسطة لكتاب مقدس. أما الكتاب وهو الإنجيل: فأقدم المعلومات التي عزته إلى من يسمَّى مرقص ما نقله (يوسابيوس) في تاريخه الكنسي عن بابياس حيث قال: (ولقد قال الشيخ أيضاً: إن مرقص الذي صار مفسراً لبطرس قد كتب بكل دقة كل ما تذَكَّره من أقوال وأعمال الرب، ولكن ليس بالترتيب؛ لأنه لم يسمع الرب ولم يتبعه، ولكن كما قلت قبلاً عن بطرس الذي ذكر من تعاليم السيد ما يوافق حاجة السامعين، بدون أن يهدف إلى كتابة كل ما قاله الرب وعمله، وهكذا فصل مرقص أنه لم يعمل خطأً واحداً في كل ما ذكره وكتبه .. ). هذه أقدم شهادة لدى النصارى عن الكتاب والكاتب، فهي شهادة مطعون فيه، لمجهول الحال- وهو مرقص- عن أمر مجمل، حيث ذكر أنه كتب ما تذكر، ولم يفصل في المكتوب ما هو!! فهل تكفي هذه الشهادة في إثبات صحة الكتاب!!، لاشك أنها لا تكفي؛ فإن مثل هذه الأدلة والشواهد لو قدِّمت لدى قاض في قضية لم يقبلها ولم يحكم وفقها.

ثالثا: إنجيل لوقا:

ثالثاً: إنجيل لوقا: هذا الإنجيل الثالث في ترتيب النصارى لكتابهم، ويحوي أربعة وعشرين إصحاحاً. وكاتب الإنجيل في زعم النصارى هو أحد الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح بعد رفعه، وكان رفيقاً لبولس (شاؤول اليهودي) حيث ذكره بولس في ثلاثة مواضع من رسائله، واصفاً إياه بأنه رفيقه. ولا يوجد لدى النصارى معلومات عنه سوى أنه أممي رافق بولس في بعض تنقلاته، حيث ورد اسمه في تلك الرحلات. فهو بذلك يعتبر شخصية مجهولة وغير معروفة ولا متميزة بعدالة وديانة، ومع هذا أيضاً لا يوجد لدى النصارى دليل يعتمد عليه في صحة نسبة الكتاب إليه. ولندرة المعلومات التي توثق نسبة الكتاب إلى لوقا المذكور يستشهد النصارى بكلام مجهول، حيث يقول القس (فهيم عزيز) في كتابه (المدخل إلى العهد الجديد) في استدلاله على صحة نسبة الكتاب إلى لوقا ما يلي: (هناك مقدمة كتبت لإنجيل لوقا فيما بين (160 - 180) , اسمها (ضد مارسيون) فيها يقول الكاتب عن لوقا: إنه من أنطاكية في سوريا، مهنته طبيب، وكان أعزب بدون زوجة، مات وهو في سن (84) في بواتييه ممتلئاً بروح القدس، وقد كتب إنجيله كله في المناطق التي تحيط بأخائيه؛ لكي يفسر للأمم القصة الصحيحة للعهد الجديد الإلهي .. ) ثم قال صاحب الكتاب معلقاً: (هذه مقتطقات عن هذه الشهادة التي لا يعرف كاتبها، وقد قبلها كثير من العلماء؛ لأنهم لم يجدوا من أتباع مارسيون من يكذبها، مما يدل على أنها تقليد كنسي قوي). بمثل هذه الشهادة المجهولة يثبت النصارى صحة كتابهم إلى ذلك الرجل المجهول لوقا، وهي لاشك شهادة لا قيمة لها ولا تفيد شيئاً، ويدل استدلالهم بها على أنهم لا يملكون أدلة على صحة نسبة الكتاب إلى من يسمونه (لوقا)، وذلك يبين لنا أن النصارى حين زعموا أن إنجيل لوقا كتاب صحيح وصادق، فإن ذلك مجرد دعوى بدون بينة.

رابعا: إنجيل يوحنا:

رابعاً: إنجيل يوحنا: هذا الإنجيل الرابع في ترتيب العهد الجديد، وهو إنجيل متميز عن الأناجيل الثلاثة قبله؛ إذ تلك متشابهة إلى حد كبير، أما هذا فإنه يختلف عنها؛ لأنه ركَّز على قضية واحدة، وهي إبراز دعوى ألوهية المسيح وبنوته لله- تعالى الله عن قولهم - بنظرة فلسفية لا تخفى على الناظر في الكتاب، لهذا يعتبر هو الكتاب الوحيد من بين الأناجيل الأربعة الذي صرَّح بهذا الأمر تصريحاً واضحاً. وإذا بحثنا في صحة نسبة الكتاب إلى يوحنا الذي يزعم النصارى أن الكتاب من تصنيفه نجده أقل كتبهم نصيباً من الصحة؛ لعدة أدلة أبرزها منكروا نسبة الكتاب إلى يوحنا الحواري وهي: 1 - أن بوليكاربوس الذي يقال: إنه كان تلميذاً ليوحنا. لم يشر إلى هذا الإنجيل عن شيخه يوحنا، مما يدلُّ على أنه لا يعرفه، وأن نسبته إلى شيخه غير صحيحة. 2 - أن الكتاب مملوء بالمصطلحات الفلسفية اليونانية التي تدلُّ على أن لكاتبه إلماماً بالفلسفة اليونانية، أما يوحنا فكما يذكر النصارى فقد كان يمتهن الصيد، مما يدلُّ على أنه بعيد عن الفلسفة ومصطلحاتها. 3 - أن النصارى الأوائل لم ينسبوا هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري المزعوم، وأن (يوسابيوس) الذي كان يسأل (بابياس) عن هذه الأمور يقول: (الواضح أن بابياس يذكر اثنين اسمهما يوحنا: الأول: الرسول وقد مات، والثاني: الشيخ وهو حيٌّ. ويلوح أنه هو الذي كتب الإنجيل). فلهذا يقول القس (فهيم عزيز) بناء على ذلك: (إن الكنيسة كانت بطيئه في قبولها لهذا الإنجيل). وبناءً على ذلك فمنذ نهاية القرن التاسع عشر ظهر الاعتراض على نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا بشكل واسع، ووصفته (دائرة المعارف الفرنسية) بأنه إنجيل مزور، وهذه الدائرة اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى، ونص كلامهم: (أما أنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولاشك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى، وقد ادَّعى هذا الكاتب المزور في متن الكتاب أنه الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصًّا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهودهم ليربطوا- ولو بأوهى رابطة- ذلك الرجل الفلسفي الذي ألَّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى). نقول مع هذه الاعتراضات، ومع عدم وجود أدلة تثبت صحة نسبته إلى يوحنا الحواري المزعوم، فلا يجوز لعاقل أن يدعي صحة نسبته إلى يوحنا، فضلاً عن أن يزعم أنه كتاب مقدس موحى به من الله، فهذا فيه افتراء عظيم على الله عزَّ وجلَّ، وإضلال لعباد الله بالباطل. بعد هذا كله يتضح للناظر اللبيب أن النصارى- وكذلك اليهود من قبلهم- لا يملكون مستنداً صحيحاً لكتبهم يثبت صحة نسبتها إلى من ينسبونها إليه، وإن من المعلوم أن أي إنسان أراد أن يقاضي إنساناً آخر لدى محكمة فلا يمكن أن تنظر المحكمة في دعواه ما لم يقدم من الإثباتات الصحيحة ما يصح اعتباره دليلاً، والنصارى لم يقدِّموا لأنفسهم ولا لأهل ملتهم من المستندات والأدلة شيئاً يثبتون به صحة كتبهم، بل لا يعرفون طريقاً إلى شيء من المستندات الصحيحة، يقول الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه العظيم (إظهار الحق): (ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل، فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة). وفي هذا كفاية ودلالة على أن تلك الكتب التي تُسمَّى الأناجيل كتب لا يملك أصحابها أي مستند يمكن الاعتماد عليه في صحة نسبتها إلى من ينسبونها إليه، فضلاً عن أن يصحَّ نسبتها إلى المسيح عليه السلام أو إلى الله عزَّ وجلَّ. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 217

المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متنا:

المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متناً: إن الكتب المقدسة كتب معصومة عن الخطأ، محفوظة من الخلل والزلل؛ لأن المفترض فيها أن تكون من قبل رب العالمين الذي يعلم السرَّ وأخفى، وهو الحق لا يصدر منه إلا الحق جلَّ وعلا. والنصارى يسندون كتبهم إلى الله عزَّ وجلَّ عن طريق الإلهام إلى كتَّابها، والدارس لهذه الكتب يستطيع أن يتبين صدق هذه الدعوى من كذبها؛ إذ إن الحقَّ لا خفاء فيه. وقد سبق أن ذكرنا نبذة عن هذه الكتب من ناحية السند، حيث تبين أن النصارى لا يوجد عندهم دليل يثبت صحة نسبة كتبهم إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم، فعليه لا يمكن اعتبارها كتباً صحيحة، ولا يجوز لعاقل أن ينسبها إلى أولئك الرجال، فضلاً عن أن ينسبها إلى الله عزَّ وجلَّ. ومما يؤكد عدم صحتها الاختلافات الكثيرة بينها، وكذلك الأغلاط العديدة فيها، وسنضرب لذلك أمثلة: أولا: الاختلافات: إذا قارنا بين الأناجيل الأربعة نجد بينها اختلافات جوهرية تدل على خطأ كُتَّابها، وأنهم غير معصومين ولا ملهمين، وأن الله عزَّ وجلَّ بريء منها، ورسوله عيسى عليه السلام، ومن الأمثلة على ذلك: 1 - نسب المسيح عليه السلام: إن مما يدهش له الإنسان أشدَّ الدهش أن النصارى لم يستطيعوا أن يضبطوا نسب المسيح عليه السلام، ولم يتفقوا عليه، فأعطاه كلٌّ من صاحب إنجيل متى وصاحب إنجيل لوقا نسباً مختلفاً عن الآخر، وإليك جدولاً بذلك يوضح الفرق بينهما: إنجيل لوقا إنجيل متى المسيح ابن المسيح ابن 1ـ يوسف 15ـ شمعي 29ـ اليعازر 1ـ يوسف 15ـ آمون 2ـ هالي 16ـ يوسف 30 ـ يوريم 2ـ يعقوب 16ـ منسى 3ـ متثاب 17ـ يهوذا 31ـ متثات 3ـ متان 17ـ حزقيا 4ـ لاوي 18ـ يوحنا 32ـ لاوي 4ـ اليعازر 18ـ أحاز 5ـ ملكي 19ـ ريسا 33 - شمعون 5ـ أليود 19ـ يوثام 6ـ ينا 20 - زربايل 34 - يهوذا 6ـ أخيم 20ـ عزيا 7 - يوسف 21ـ شألتئيل 35 ـ يوسف 7ـ صادوق 21ـ يورام 8ـ متاثيا 22ـ نيري 36ـ يونان 8ـ عازور 22ـ يهوشافاط 9ـ عاموص ـ 23 ـ ملكي 37ـ مليا 9ـ الياقيم 23ـ أسا 10ـ ناحوم 24ـ أدى 38ـ مليا 10ـ ابيهود 24ـ أبيا 11ـ حسلي 25ـ قصم 39 ـ مينان 11ـ زربابل 25ـ حبعام 12ـ نجاي 26ـ ألمودام 40 ـ متاثا 12ـ شألتئيل 26ـ سليمان 13ـ مآث 27ـ عير 41ـ تاثان 13 ـ يكنيا 27ـ داود 14ـ متاثيا 28ـ يوسى 42ـ داود 14ـ يوشيا ففي هذا النسب فوارق وأغلاط عدة هي: 1 - أن متى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود عليهما السلام. أما لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام. 2 - أن متى جعل آباء المسيح إلى داود عليه السلام سبعة وعشرين أباً، أما لوقا فجعلهم اثنين وأربعين أباً، وهذا فرق كبير بينهما يدل على خطئهما أو خطأ أحدهما قطعاً. والنصارى يدَّعون أن أحد الإنجيلين كتب فيه نسب مريم، والآخر كتب فيه نسب يوسف، وهذا كلام باطل؛ إذ إن صاحب إنجيل متى (1/ 16) يقول: (يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح). أما أنجيل لوقا (3/ 23) فيقول: (ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي). فكلاهما صرح بنسب يوسف. أما الأغلاط في هذا النسب فعديدة منها:

1 - أن نسبة المسيح عليه السلام إلى يوسف خطيب مريم في زعمهم خطأ فاحش، وفيه تصديق لطعن اليهود في مريم أم المسيح عليه السلام، وكان الواجب على النصارى أن ينسبوه إلى أمه مريم لا إلى رجل أجنبي عنه. خاصة وأن ولادته منها كانت معجزة عظيمة وآية باهرة، فنسبته إليها فيه إظهار لهذه المعجزة، وتأكيد لها وإعلان، أما نسبته إلى رجل وليس هو أبوه فيه إخفاء لهذه المعجزة واستحياء. والله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم صرَّح في مواطن عدة بنسبته إلى مريم الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17، 72، 75]. عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [آل عمران: 45] , [النساء: 157، 171]. 2 - أن صاحب إنجيل متَّى أسقط أربعة آباء من سلسلة النسب: ثلاثة منهم على التوالي بين (عزيا ويورام) حيث النسب كما هو في أخبار الأيام الأول (3/ 11 - 13) (عزريا بن أمصيا بن يواش بن أخزيا بن يورام)، كما أسقط واحداً بين (يكنيا ويوشيا) وهو (يهو ياقيم) وسبب إسقاط اسم يهوياقيم بين يوشيا ويكنيا هو أن (يهوياقيم) هذا مَلَكَ دولة يهوذا بعد أبيه، إلا أنه كان عابدا للأوثان فكتب له (إرميا) يحذره من قبيح صنعه، ويبين له مغبة أفعاله، فأحرق (يهوياقيم) الكتاب ولم يرجع عن غيه، فقال عنه إرميا حسب كلامهم: (لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم مَلِكِ يهوذا لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً) سفر إرميا (36/ 30). ومعنى هذا الكلام أنه لا يكون من نسله ملك، فأسقطه (متى) لهذا السبب، وعلل صاحب تفسير العهد الجديد ذلك التصرف بأن (متى) أراد أن يجعل كل مجموعه من النسب تحوي أربعة عشر اسماً. ونقول: إذا كانت هذه العلة التي لا معنى لها من أجلها حذف أربعة آباء من نسب المسيح، فذلك يعني أن الكاتب قد كتبه لخدمة أهداف في نفسه، وأنه لا يكتب ما علم وسمع مجرداً من الهوى والآراء الخاصة، ومن هنا يمكن أن ندرك كيفية تعامل النصارى الأوائل مع المعلومات الواردة إليهم، وأنهم يصوغونها وفق ما يرون ويعتقدون، لا وفق الحق مجرداً عن الهوى والآراء الخاصة. ولنا أن نبحث هنا عن السبب في هذا الخطأ الفاحش والاختلاف في نسب المسيح عليه السلام، فنقول: إن سبب خطأ النصارى في نسب المسيح عليه السلام أنهم نسبوه إلى رجل مغمور غير مشهور هو (يوسف النجار) خطيب مريم في زعمهم، فلهذا أخطؤوا في نسبه، فأعطاه (متَّى) نسباً ملوكيًّا، وأعطاه (لوقا) نسباً آخر غير معروف ولا معلوم. ولكن لماذا أعرض كُتَّاب النصارى عن مريم، ولم يعطوه نسبها، فيجعلونه كما هو الحق عيسى بن مريم بنت عمران؟.

السبب في هذا ظاهر وهو: أن مريم بنت عمران امرأة عابدة مشهورة، تربَّت في بيت النبي زكريَّا عليه السلام، الذي كان من نسل هارون عليه السلام حيث كان كاهن بيت المقدس والمسؤول عن البخور عندهم هو زوج (أليصابات) خالة مريم، وهي من نسل هارون عليه السلام أيضاً، فتكون مريم من السبط نفسه، وهو سبط لاوي بن يعقوب عليه السلام، وذلك أن تشريع اليهود يأمرهم أن تتزوج المرأة من سبطها، ولا تتزوج من سبط آخر حتى تستمر الأموال في نفس السبط، ولا تنتقل إلى أسباط أخرى بواسطة الميراث. فلهذا تكون مريم من سبط زكريا عليه السلام وزوجته، وكذلك خطيبها المزعوم إن صحَّ كلامهم في ذلك يكون من السبط نفسه، وهو سبط لاوي الذي منه هارون عليه السلام، ومما يدلُّ على أن مريم من سبط هارون قول الله عزَّ وجلَّ: يَا أُخْتَ هَارُونَ [مريم:28]. قال السدي: قيل لها: يَا أُخْتَ هَارُونَ. أي: أخي موسى؛ لأنها من نسله كما يقال للتميمي: يا أخا تميم. وللمضري: يا أخا مضر. وهذا الأمر فيما يبدو علمه كتَّاب الأناجيل فأزعجهم إزعاجاً شديداً؛ لأنهم يظنون أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام فأعطوه ذلك النسب المخترع إلى داود عليه السلام، وذلك حتى ينطبق عليه ما يزعمه اليهود، وهو أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام حتى يكون مسيحاً. والله أعلم. 3 - ذكر إنجيل متَّى (11/ 13) من كلام المسيح عن يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام) قوله: (لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع). وورد في إنجيل متَّى أيضاً (17/ 1) أنهم سألوا المسيح عليه السلام فقال: (وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم، حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان). فالمسيح هنا يبين أن يحيى عليه السلام هو إيليا. ويخالف هذا قول يوحنا في إنجيله (1/ 19) حين جاء اليهود يسألون يحيى عن نفسه حيث قال: (أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت، فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح، فسألوه من أنت، إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. النبي أنت؟ فأجاب لا. فقالوا له: من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية قَوِّمُوا طريق الرب كما قال إشعيا النبي). فهنا أنكر يحيى عليه السلام أن يكون هو إيليا، وهذا تناقض واضح. 4 - أن متى ذكر في إنجيله (20/ 29 - 34) أن عيسى عليه السلام لما خرج من أريحا قابله أعميان فطلبا منه أن يشفيهما من العمى فلمس عيونهما فشفيا. وقد ذكر هذه القصة مرقص في (10/ 46 - 52) وبين أن بارينماوس الأعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك فقط. 5 - أن مرقص ذكر في (6/ 8) أن عيسى عليه السلام أوصى حوارييه حين أرسلهم للدعوة في القرى بأن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط لا مزوداً، ولا خبزاً، ولا نحاساً، وذكر ذلك لوقا في (9/ 3) إلا أنه قال: إن عيسى عليه السلام أوصاهم وقال لهم: (لا تحملوا شيئاً للطريق لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضة) ففي الأول أجاز لهم حمل العصا، والثاني نهاهم عن حمل العصا أيضاً. 6 - أن إنجيل متى ذكر فيه في (15/ 21) أن المرأة التي طلبت من المسيح شفاء ابنتها كانت كنعانية. وذكر القصة مرقص في إنجيله (7/ 24) ونص عبارته عن جنس المرأة: (وكانت المرأة أممية وفي جنسها فينيقية سورية).

7 - أن إنجيل متى ذكر أسماء تلاميذ عيسى الاثني عشر فقال (10/ 2): (وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له: بطرس، وإندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوني، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه). وذكر مرقص في (3/ 16) الأسماء فوافق فيها متى، وخالفهما لوقا حيث حذف من قائمة متى (لباوس الملقب تداوس) ووضع بدلاً عنه (يهوذا أخا يعقوب). 8 - اختلافهم في الذين حضروا لمشاهدة قبر المسيح بعد دفنه المزعوم ووقت ذلك، حيث يقول متى (28/ 1): (وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية، ومريم أخرى لتنظرا القبر). وفي إنجيل مرقص (16/ 1) يقول: (وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جدًّا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس). وفي إنجيل لوقا (24/ 1) يقول: (ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس) وفي إنجيل يوحنا (20/ 1) يقول: (وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر). فهذه الاختلافات وغيرها كثير- ذكرها علماء الإسلام وغيرهم- تدلُّ دلالة واضحة على أن في الكتاب صنعة بشرية، وتحريف وتبديل. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 227

المطلب الرابع: الأغلاط في الأناجيل:

المطلب الرابع: الأغلاط في الأناجيل: كما بين الأناجيل اختلافات يوجد بها أغلاط وأخطاء كثيرة أيضاً، نذكر منها: 1 - قال متَّى في إنجيله (1/ 3) مستدلًّا للمسيح وولادته من مريم بنبوءة سابقة جاءت على لسان إشعيا: (وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه (عمانوئيل) الذي تفسيره الله معنا). وهذا غلط؛ لأن هذا اللفظ الذي ورد على لسان إشعياء لا ينطبق على المسيح، فإن له قصة تدل على المراد به، وهي: أن (رصين) ملك أرام، (وفقح بن رمليا) ملك إسرائيل، اتفقا على محاربة (آحاز بن يوثان) ملك يهوذا، فخاف منهما (آحاز) خوفاً شديداً، فأوحى الله إلى النبي إشعياء أن يقول لآحاز: بأن لا يخاف؛ لأنهما لا يستطيعان أن يفعلا به ما أرادا وأن ملكهما سيزول أيضاً، وبين له إشعياء آية لخراب ملكهما وزواله، أن امرأة شابة تحبل وتلد ابناً يسمى (عما نوئيل)، فتصبح أرض هذين الملكين خراباً قبل أن يميز ذلك الابن بين الخير والشر، ونص كلامه: (ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه (عمانوئيل) زبداً وعسلاً يأكل، متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير؛ لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الأرض التي أنت خاش من ملكيها) سفر إشعياء (7/ 14). وقد وقع ذلك فقد استولى (تغلث فلاسر) الثاني ملك آشور على بلاد سوريا، وقتل (رصين) ملكها، أما (فقح) فقتله في نفس السنة أحد أقربائه، وتولَّى الملك مكانه، كل ذلك حدث بعد هذه المقولة بما يقارب إحدى وعشرين سنة، أي: قبل ميلاد المسيح بما يقارب سبعة قرون. 2 - قال متى في إنجيله (27/ 51) بعد الصلب المزعوم للمسيح وإسلامه الروح: (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تفتقت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين). فهذه الحكاية التي ذكرها متَّى لم يذكرها غيره من كتَّاب الأناجيل مما يدلُّ على أن كلامه لا حقيقة له؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها. 3 - أنه ورد في إنجيل متَّى (12/ 40) وكذلك في (16/ 4) أن المسيح قال: (إنه لن يعطي لليهود آية إلا آية يونان (يونس عليه السلام). ونصه: (لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال). وهذا غلط؛ لأن المسيح عليه السلام في زعمهم صلب ضحى يوم الجمعة، ومات بعد ست ساعات، أي: وقت العصر، ودفن قبيل غروب الشمس، وبقى في قبره تلك الليلة، ونهار السبت من الغد، وليلة الأحد، وفي صباح الأحد جاؤوا ولم يجدوه في قبره، مما يدل على أنه مكث في زعمهم ليلتين ويوماً واحداً فقط، فيكون كلام متَّى السابق غلط واضح. 4 - أن متَّى ذكر في مواضع من كتابه أن القيامة ستقوم على ذلك الجيل، ومن ذلك قوله في (16/ 27) على لسان المسيح: (فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته). كما ورد في الإنجيل نفسه (3/ 23) قولهم على لسان المسيح: (فإن الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان). فهذه النصوص تؤكد القيامة قبل موت الكثيرين من ذلك الجيل، وقبل أن يكمل الحواريون الدعوة في جميع مدن بني إسرائيل، وهذا أمر لم يتحقق، .........

5 - جاء في إنجيل لوقا (1/ 30) في البشارة بالمسيح قوله: (ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية). وهذا خطأ بيِّن؛ لأن المسيح عليه السلام لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب، بل كان أكثرهم معادين له إلى أن رفع إلى السماء بسبب محاولتهم قتله. 6 - ورد في إنجيل مرقس (11/ 23): (فأجاب يسوع وقال لهم: ليكن لكم إيمان بالله؛ لأن الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر. ولا يشك في قلبه، بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له، لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم). وورد أيضا في إنجيل مرقس (16/ 17): (وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون). وفي إنجيل يوحنا (14/ 12): (الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها؛ لأني ماض إلى أبي، ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله). فهذه النصوص الثلاثة لاشك في أنها خطأ، فلا يستطيع النصارى أن يدعو ذلك لأنفسهم. كما أن عبارة إنجيل يوحنا فيها مغالات شديدة، حيث زعم أن من آمن بالمسيح يعمل أعظم من أعمال المسيح نفسه، وهذا من الترهات الفارغة. وبمجموع ما ذكر عن الأناجيل من ناحية تاريخها، ومتنها يتبين لنا أن هذه الكتب لا يمكن أن تكون هي الكتاب الذي أنزل الله عزَّ وجلَّ على عبده ورسوله المسيح عليه السلام، وأحسن أحوالها أن تكون متضمنة لبعض ما أنزل الله عزَّ وجلَّ على عيسى عليه السلام. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – بتصرف - ص 237

المطلب الخامس: إنجيل برنابا:

المطلب الخامس: إنجيل برنابا: إنجيل برنابا لا يعتبر من الأناجيل القانونية لدى النصارى، ولا يعترفون به، ولأهمية ما يحتويه من معلومات، ولما بينه وبين الأناجيل الأربعة من تشابه في التعريف بالمسيح عليه السلام ودعوته نُعرِّف به هنا في نقاط مختصرة. أ- التعريف بـ (برنابا): برنابا: اسمه (يوسف) ويلقب ابن الوعظ، وهو لاوي قبرصي الجنسية، وهو خال (مرقس) صاحب الإنجيل فيما يقال، وكان من دعاة النصرانية الأوائل، ويظهر من إنجيله أن له مكانة لدى المسيح عليه السلام، والنصارى يرون أنه من الدعاة الذين لهم أثر ونشاط ظاهر، وكان من أعماله البارزه أنه باع حقله وأتى بقيمته من النقود ووضعها تحت تصرف الدعاة، وحين ادَّعى بولس (شاؤول اليهودي) الدخول في دين المسيح عليه السلام خاف منه الحواريون لما يعلمون من سابق عداوته، فشفع له برنابا عندهم فقبلوه ضمن جماعتهم، ثم اختلف معه بعد فترة من العمل في الدعوة سويا وانفصلا. ب- التعريف بإنجيله: أقدم خبر عن إنجيل برنابا كان قريباً من عام (492) م، وذلك حين أصدر البابا (جلاسيوس) الأول أمراً يحرم فيه مطالعة عدد من الكتب، كان منها كتاب يسمَّى (إنجيل برنابا) وهذا كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يظهر له خبر بعد ذلك إلا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي حيث عثر أحد الرهبان اللاتينيين وهو (فرامرينو) على رسائل (لإريانوس) يندد فيها ببولس، وأسند (إريانوس) تنديده هذا إلى إنجيل برنابا. فحرص هذا الراهب على الاطِّلاع على هذا الإنجيل. واتفق أنه أصبح مقرباً للبابا (سكتس) الخامس، ودخل معه يوماً إلى مكتبته فأخذت البابا غفوة نام فيها، فأخذ (فرامرينو) يطالع في مكتبته رغبة في قطع الوقت، فوقعت يده على هذا الكتاب فوضعه في ثوبه وأخفاه، ثم استأذن بعد أن أفاق البابا، وخرج فطالع الكتاب بشغف شديد، ثم أسلم على إثر ذلك - بيَّن هذه المعلومات المستشرق سايل في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم- ثم في أوائل القرن الثامن عشر عام (1709) م, عثر (كريمر) أحد مستشاري ملك بروسيا على نسخة لإنجيل برنابا باللغة الايطالية، عند أحد وجهاء مدينة أمستردام- حيث كان يقيم وقتئذ - وأهداها (كريمر) إلى الأمير (إيوجين سافوي) لولعه بالعلوم والآثار التاريخية، ثم انتقلت تلك النسخة فيما بعد- وذلك عام (1738) م- مع جميع مكتبة ذلك الأمير إلى مكتبة البلاط الملكي في فينا، حيث هي موجودة الآن، ثم ترجمت إلى الإنجليزية، وعنها إلى العربية من قبل الدكتور خليل سعادة، وهو لبناني نصراني. وكان يوجد لهذا الكتاب نسخة أخرى بالإسبانية، يظن أنها منقولة عن الإيطالية عُثِرَ عليها في أوائل القرن الثامن عشر أيضاً، وكانت عند رجل يدعى الدكتور (هلم) أهداها إلى المستشرق (سايل)، ثم دفعها هذا بدوره إلى الدكتور (منكهوس) الذي ترجمها إلى الإنجليزية، ودفعها مع ترجمتها عام (1784) م, إلى الدكتور (هويت) أحد مشاهير الأساتذة في إكسفورد ببريطانيا، وعنده اختفت تلك النسخة مع ترجمتها. وقد أورد الدكتور (هويت) مقتطفات عديدة منها في دروسه، وقد اطَّلع على تلك المقتطفات خليل سعادة، مترجم كتاب إنجيل برنابا إلى العربية. وحين ظهر هذا الإنجيل أحدث دويًّا في الأوساط النصرانية لما فيه من المعلومات المضادة لعقائدهم، فحاولوا دفعه بوسائل كثيرة، ومما زعموه: أنه تأليف عربي مسلم، أو يهودي أندلسي تنصر ثم أسلم- وهذا في الواقع من التخرصات، ويدلُّ على بطلان تلك الدعاوى أمور منها: 1 - لماذا يؤلف رجل أسلم كتاباً للنصارى، ويفتري الكذب وهو قد دخل في الإسلام. 2 - أن في الكتاب معلومات غير موجودة في كتب اليهود والنصارى الآن.

3 - أن مترجم الكتاب إلى العربية- وهو خليل سعادة النصراني- قد وصف صاحب الإنجيل بأنه على إلمام واسع جدًّا بالعهد القديم والنصرانية أكثر ممن نذروا أنفسهم للدين النصراني وتفسيره وتعليمه، حتى إنه ليندر أن يكون فيهم من يقرب من إلمام صاحب هذا الإنجيل، فكيف يكون مسلماً وله هذا الإلمام الواسع؟! 4 - إن مما يدفع أن يكون صاحبه مسلم أن فيه أخطاء لا يمكن أن تقع من المسلم لبداهتها، ومنها قوله: إن السموات عشرة. وخلطه بين اسم ميخائيل وميكائيل، ويقول: أدريل بدل إسرافيل. وعلى كل حال فهذا كتاب ظهر في بلاد نصرانية، وبخط ولغة نصرانية، ولم يرد عن أحد المسلمين أنه اطَّلع على الكتاب مع سعة اطلاع علماء المسلمين، وحرصهم على الرد على النصارى، وهو لاشك مما يظهره الله عزَّ وجلَّ دليلاً للحق ودحراً للباطل وردًّا له. ج- أهم مبادئ إنجيل برنابا التي يختلف بها عن الأناجيل الأربعة: إن الذي جعل النصارى يحملون على هذا الإنجيل حملتهم، ويتنصلون منه، هو مخالفته لأناجيلهم المعتمدة وعقيدتهم في أخطر وأهم نقاطها، وهي:- أولاً: أنه صرح أن المسيح عليه السلام إنسان، وليس إله ولا ابن إله، وبيَّن أن سبب تأليف إنجيله هو رد هذه الفرية التي أطلقها بولس مع غيرها من الافتراءات، كترك الختان وإباحة أكل اللحوم النجسة، وفي هذا يقول في أول إنجيله: (أيها الأعزاء، إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة، للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر الله به دائماً مجوزين كل لحم نجس، الذين ضلَّ في عدادهم أيضاً بولس، الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا، ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله. ثانياً: أنه نقل عن المسيح التصريح بأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، وليس إسحاق كما يزعم اليهود، وفي هذا يقول:- (أجاب يعقوب: يا معلم قل لنا من صنع هذا العهد، فإن اليهود يقولون بإسحاق، والإسماعيليون يقولون بإسماعيل؟ أجاب يسوع: صدقوني؛ لأني أقول لكم الحق، إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق. حينئذ قال التلاميذ: يا معلم، هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحاق؟. أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله. الحق أقول لكم: إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون حديث كتبتنا وفقهائنا؛ لأن الملاك قال: يا إبراهيم، سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله حقًّا، يجب عليك أن تفعل شيئاً لأجل محبة الله، أجاب إبراهيم: هاهو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله، فكلَّم الله حينئذ إبراهيم قائلاً: خذ ابنك بكرك إسماعيل، واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة. فكيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين؟ فقال حينئذ التلاميذ: إن خداع الفقهاء لجلي، لذلك قل لنا أنت الحق؛ لأننا نعلم أنك مرسل من الله). وذكر برنابا أيضاً أن المسيح خاطب رئيس كهنة اليهود قائلاً له: (إن إبراهيم أحب الله حيث إنه لم يكتف بتحطيم الأصنام الباطلة تحطيماً ولا بهجر أبيه وأمه، ولكنه كان يريد أن يذبح ابنه طاعة لله. أجاب رئيس الكهنة: إنما أسألك هذا ولا أطلب قتلك، فقل لنا: من كان ابن إبراهيم هذا؟ أجاب يسوع: إن غيرة شرفك يا الله تؤججني ولا أقدر أن أسكت. الحق أقول: إن ابن إبراهيم هو إسماعيل الذي يجب أن يأتي من سلالته مسيا الموعود به إبراهيم أن به تتبارك كل قبائل الأرض.

فلما سمع هذا رئيس الكهنة حنق وصرخ: لنرجم هذا الفاجر؛ لأنه إسماعيلي، وقد جدف على موسى وعلى شريعة الله). ثالثاً:- أنه نقل عن المسيح التصريح بالبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم باسمه وذلك في مواطن عدة من كتابه منها: أن اليهود سألوا المسيح عليه السلام عن اسم النبي المنتظر فقال: (فقال الكاهن حينئذ: ماذا يسمى مسيا، وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟ فأجاب يسوع: إن اسمه المبارك (محمد). حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله، أرسل لنا رسولك، يا محمد، تعال سريعاً لخلاص العالم. وأورد أيضاً برنابا حواراً تمَّ بينه وبين المسيح عليه السلام بعد أن رفع إلى السماء، ثم عاد مرة أخرى ليطمئن أمه وحوارييه بأنه لم يمت، ثم ارتفع مرة أخرى إلى السماء، وهذا نصه: (فقال حينئذ الذي يكتب: يا معلم إذا كان الله رحيماً فلماذا عذبنا بهذا المقدار بما جعلنا نعتقد أنك كنت ميتاً، ولقد بكتك أمك حتى أشرفت على الموت، وسمح الله أن يقع عليك عار القتل بين اللصوص على جبل الجمجمة وأنت قدوس الله؟ أجاب يسوع: صدقني يا برنابا إن الله يعاقب على كل خطيئة- مهما كانت طفيفة- عقاباً عظيماً؛ لأن الله يغضب من الخطيئة، فلذلك لما كانت أمي وتلاميذي الأمناء الذين كانوا معي أحبوني قليلاً حبًّا عالميًّا، أراد الله البر أن يعاقب على هذا الحب بالحزن الحاضر حتى لا يعاقب عليه بلهب الجحيم، فلماذا كان الناس قد دعوني الله وابن الله على أني كنت بريئاً في العالم، أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا، معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب؛ لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة، وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله، الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله). رابعاً: أن برنابا صرَّح أن المسيح لم يُصلب، وإنما رُفع إلى السماء، وأن الذي صلب هو يهوذا الإسخريوطي، وهو الذي وشى بالمسيح لدى اليهود، حيث أُلْقِي عليه شبه المسيح، فقبض عليه وصلب بدلاً عن المسيح عليه السلام. وهذا نص كلامه:- (ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنو جم غفير، فلذلك انسحب إلى البيت خائفاً، وكان الأحد عشر نياماً، فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم، فجاء الملائكة الأطهار، وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبِّح الله إلى الأبد. ودخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع، وكان التلاميذ كلهم نياماً. فأتى الله العجيب بأمر عجيب، فتغيَّر يهوذا في النطق وفي الوجه، فصار شبيها بيسوع حتى إننا اعتقدنا أنه يسوع، أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم، لذلك تعجبنا وأجبنا: أنت يا سيد هو معلمنا أنسيتنا الآن؟ أما هو فقال متبسماً: هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الإسخريوطي. وبينما كان يقول هذا دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا؛ لأنه كان شبيهاً بيسوع من كل وجه). وبعد أن ذكر محاكمة يهوذا وجلده من قبل اليهود والوالي الروماني وهم يظنون أنه يسوع قال: (وأُسْلِمَ يهوذا للكتبة والفريسيين كأنه مجرم يستحق الموت، وحكموا عليه بالصلب وعلى لصين معه. فقادوه إلى جبل الجمجمة حيث اعتادوا شنق المجرمين، وهناك صلبوه عرياناً مبالغة في تحقيره). هذه أهم مبادئ هذا الكتاب الذي أحدث بمبادئه وقت ظهوره دويًّا لدى النصارى، أما نحن المسلمين فلا يقدم عندنا هذا الكتاب ولا يؤخر، فنحن مطمئنون لكتاب ربنا الذي بين أيدينا نعرف به الحق، وعلى ضوئه نقيس الحق. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 241

المبحث الثاني: المجامع النصرانية:

تمهيد: المجامع النصرانية يعرفها النصارى بأنها: هيئات شورية في الكنيسة تبحث في الأمور المتعلقة بالديانة النصرانية وأحوال الكنائس. والمجامع النصرانية نوعان: مجامع محلية: وهي التي تبحث في الشؤون المحلية للكنائس التي تنعقد فيها. ومجامع مسكونية (عالمية): تبحث في العقيدة النصرانية، ومواجهة بعض الأقوال التي يرى غرابتها ومخالفتها للديانة. وأول المجامع كما يذكر سفر أعمال الرسل، كان مجمع أورشليم الذي عقد أيام الحواريين من أجل النظر في حكم إلزام غير اليهود بالشريعة الموسوية، فقرَّر المجتمعون هناك أنهم لا يلزمون بالختان ولا بالشرائع الموسوية، وإنما يلزمون فقط بالامتناع عن الذبح للأصنام والزنى وأكل المخنوق والدم.

المطلب الأول: أهم المجامع المسكونية:

1 - مجمع نيقية سنة (325) م: كان هذا المجمع أول المجامع المسكونية وأخطرها أيضاً. سبب انعقاده: سبب انعقاد هذا المجمع هو التعارض والاختلاف العقدي الموجود في الكنسية في تلك الأزمان، وذلك أنه ما أن توقف الاضهاد الواقع على النصارى من قبل الرومان بمرسوم ميلان، حتى ظهر على السطح ذلك الخلاف العقائدي الكبير بين طوائف النصارى، والذي كان يخفيه من قبل الحالة الاضطهادية الواقعة على جميع أصناف النصارى، والذي كان من أسباب رسوخ هذه الانحرافات العقدية كما سيتبين. وكان أبرز وجوه الاختلاف: ذلك الخلاف والتعارض بين دعوة كنيسة الإسكندرية- التي كانت تنادي بألوهية المسيح على مذهب بولس- وبين دعوة الأسقف الليبي (آريوس) في الإسكندرية أيضاً. الذي وُصِفَ بأنه عالم مثقف، وواعظ مفوه، وزاهد متقشف، وعالم بالتفسير، حيث أخذ ينادي بأن الله إله واحد غير مولود أزلي، أما الابن فهو ليس أزليًّا وغير مولود من الأب، وأن هذا الابن خرج من العدم مثل كل الخلائق حسب مشيئة الله وقصده. وشايع آريوس في دعوته العديد من الأساقفة، منهم أسقف نيقوميديه المسمى أوسابيوس وغيره. وكان الإمبراطور (قسطنطين) في ذلك الوقت قد أبدى تعاطفاً قويًّا تجاه النصارى، ورفع عنهم الاضطهاد، واهتم بشؤونهم، فهاله ما رأى من انقسام النصارى، وأدرك خطورة تلك الانقسامات على دولته، والتي كان أخطرها ما كان بين أسقف كنيسة الإسكندرية الكسندروس وآريوس وأتباعه. وكان الخلاف قد تطور بينهما، وذلك بأن طلب أسقف الإسكندرية عقد مجمع في الإسكندرية للنظر في قضية آريوس ودعوته، فقرَّر ذلك المجمع قطع آريوس من الخدمة، وهذا جعل (آريوس) يخرج من الإسكندرية ويتوجه إلى آسيا، حيث عقد في (بثينيه) بآسيا الصغرى مشايعوه من الأساقفة مجمعاً قُرر فيه قبول آريوس وأتباعه وكتابة طلب إلى أسقف الإسكندرية برفع الحرمان الذي قرروه على (آريوس)، فهذا ما جعل الإمبراطور (قسطنطين) يدعو إلى مجمع عام في نيقية سنة (325) م, لبحث هذه القضية. - عدد الحاضرين ومذاهبهم: اختلف كلام النصارى في ذكر عدد المجتمعين فالبعض يرى أن عدد المجتمعين كان (318) أسقفًّا فقط، وبعضهم يرى أنهم ما بين (300 - 5201)، ويذكر مارى سليمان في كتاب (المجدل) وكذلك ابن البطريق أن عددهم كان (2048) أسقفًّا. أما مذاهب الحاضرين فكانت متباينة تبايناً شديداً. وكما يقول ابن البطريق بأنهم كانوا مختلفين في الآراء والأديان. - فمنهم من كان يقول: إن المسيح وأمه إلهان من دون الله، وهم البربرانية. - ومنهم من كان يقول: إن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وهي مقالة سابليوس. - ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مرَّ في بطنها كما يمر الماء في الميزاب. - ومنهم من كان يقول: إن المسيح إنسان مخلوق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وأن الابن من مريم، ويرون أن الله جوهر قديم واحد وأقنوم واحد، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بالروح القدس، وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية، ومنهم من كان يقول: إنهم ثلاثة آلهة لم تزل: صالح، وطالح، وعدل بينهما. وهي مقالة مرقيون وأصحابه. - ومنهم من كان يقول بألوهية الميسح، وهي مقالة بولس ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًّا. قرارات المجمع ونتيجته: بعد أن تداول المجتمعون الآراء في ذلك المجمع خرجوا بتقرير ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه ابن الله - في زعمهم - أي: من ذات الله، وأنه مساوٍ لله جلَّ وعلا، وأنه مولود منه غير مخلوق، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

كما قرروا أن هذا الإله تجسد بصورة البشر؛ لخلاص الناس، ثم ارتفع إلى السماء بعد قيامته من الموت، كما تم لعن (آريوس) ومشايعيه وحرق كتبه. وقد وقع كثير من المجتمعين على هذه القرارات لمناصرة قسطنطين لها، ويرى ابن البطريق أن (318) أسقفًّا فقط هم الذين أظهروا هذا القول ووقعوا عليه، وخالفهم بقية الأساقفة، والبعض الآخر يرى أن الجميع وقعوا عليها ما عدا يوسابيوس أسقف نيقوميديه في قول بعضهم، وشخص آخر فقد رفضا التوقيع على ذلك النص. وهكذا انتصر في أول الأمر القائلون بألوهية المسيح بمساندة وتأييد الإمبراطور، حيث ينص بعض المؤرخين على ترأسه لذلك المجمع ومما يدلُّ على أن المجتمعين في نيقية لم يقبلوا ذلك القول بألوهية المسيح، ولم يكن عند القائلين به حجة مقنعة أنهم كما يذكر القس (حنا الخضري) بعد ذكر الانتصار الذي حقَّقه مشايعو مقولة بولس قال: (ولكن للأسف الشديد كانت الحقيقة الواقعة تختلف الاختلاف كله عن القرارات السنودسية والمجمعية، فقد رجع الأساقفة بعد مجمع نيقية إلى أبرشياتهم والقسوس إلى كنائسهم، وبدأ كل منهم يعلم ما كان يعلم به قبلا، بل إن البعض تطرف في الهرطقة التي فاقت هرطقة (آريوس) نفسه. فمع أن (آريوس) وبعض أتباعه نُفُوا إلا أن الآريوسية بنت عشها في حدائق كثيرين من الأساقفة والرعاة). ولما كان قرار نيقية بألوهية المسيح فرض بقوة السلطان، فإن السلطان- وهو الإمبراطور- رجع فيما بعد عنه، وأمر بعقد مجمع صور سنة (334) م، وقرر فيه إعادة (آريوس) إلى الكنيسة، وخلع (أثنا سيوس) أسقف الإسكندرية، أحد أكبر المدافعين عن عقيدة ألوهية المسيح، كما أن الإمبراطور نفسه قد عُمِّد، وهو على فراش الموت على مذهب (آريوس) حيث عمده الأسقف (أوسابيوس النيقوميدي) أكبر أنصار آريوس. وهكذا يتبين أن هذا المجمع الذي يعد من أخطر المجامع كان ألعوبة بيد الإمبراطور الذي كان وثنيًّا، ولم يكن من أهل تلك الملة وقت ترأسه ذلك المجمع، كما أن المجتمعين لم يكونوا يعتمدون على نصوص متفق عليها مقبولة لدى الجميع، وإلا لتمَّ الإذعان لمدلولها، وإنما كانوا يعتمدون على تصوراتهم أو تصورات أمثالهم من الناس، فلهذا وقع الإعراض عنها بعد عودتهم إلى كنائسهم.

2 - مجمع القسطنطينية:

2 - مجمع القسطنطينية: دعا الإمبراطور (ثيودسيوس) سنة (381) م, إلى عقد مجمع القسطنطينية لمواجهة دعوات كانت منتشرة بين الكنائس. - منها دعوة (مقدونيوس) الذي كان أسقفًّا للقسطنطينية، الذي نادى بأن الروح القدس مخلوق وليس إلها. - ودعوة (صابيليوس) الذي كان ينكر وجود ثلاثة أقانيم. - ودعوة (أبوليناريوس) الذي كان أسقفًّا على اللاذقية والشام، والذي أنكر وجود نفس بشرية في المسيح. فحضر ذلك المجمع مائة وخمسون أسقفًّا، قرروا فيه ألوهية الروح القدس، ولعن وطرد من خالف ذلك، فاكتمل بذلك ثالوث النصارى. وكما هو ظاهر فإن هذا المجمع عقد بدعوة من الإمبراطور (ثيودسيوس) الذي كان قد سن القوانين والتشريعات لمصلحة القائلين بألوهية المسيح والمثلثين من النصارى.

3 - مجمع أفسس سنة (431) م:

3 - مجمع أفسس سنة (431) م: انعقد هذا المجمع لمواجهة قول (نسطور) أسقف القسطنطينية، الذي قيل عنه: إنه كان يقول بأن المسيح له طبيعتان: إلهية وإنسانية بشرية، وأن مريم والدة الإنسان وليست والدة الإله. فعقد المجمع في أفسس سنة (431) م, بحضور مائة وستين أسقفًّا، وقُرِّر فيه أن المسيح إله وإنسان ذو طبيعة واحدة وأقنوم واحد، وأن مريم أم إلههم، وحكم على (نسطور) بالطرد من الكنيسة. وبعد مجمع أفسس عُقدت مجامع عديدة كلها تبحث في طبيعة المسيح عليه السلام، منها:

4 - مجمع خلقيدونيه سنة (451) م:

4 - مجمع خلقيدونيه سنة (451) م: في هذا المجمع عادوا للبحث في طبيعة المسيح، وقرَّر المجتمعون: أن المسيح له طبيعتان: إلهية وبشرية بلا اختلاط ولا تحول ولا انقسام ولا انفصال! وكان المناصرون لهذا القول هم الأساقفة الغربيين الذين لعنوا وطردوا من لا يقول بهذا القول. ولم توافقهم الكنائس الشرقية على هذا، وقد أصروا على قرارهم السابق في مجمع (أفسس) بأن المسيح له طبيعة واحدة إلهية وبشرية، وهذا من أهم الفوارق بين الكاثوليك القائلين بالطبيعتين، والأقباط والأرمن والسريان القائلين بالطبيعة الواحدة. بعد هذا عقدت مجامع عديدة من أهمها:

5 - المجمع السابع سنة (754، 787) م:

5 - المجمع السابع سنة (754، 787) م: المراد بالمجمع السابع مجمعان: المجمع الأول انعقد سنة (754) م, بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الخامس وذلك للنظر في موضوع الصور والتماثيل، وما يقدم لها من التقديس والعبادة. وخرج بقرار يلعن به كل من يصور المسيح أو أمه أو آباء الكنيسة باعتبار أنها وثنية. ثم أمر الإمبراطور أن يُمحى ويُدمر كل ما في الكنائس من صور وتماثيل، كما حمل على الرهبان فأغلق الأديرة وصادر أموالها، كما أرغم الرهبان على أن يتزوجوا الراهبات، وبعد وفاة الإمبراطور قسطنطين الخامس سنة (775) م, تولى على الإمبراطورية زوجته إيريني التي كانت تؤيد الصور والتماثيل، فدعت إلى مجمع عام سنة (787) م في نيقية حضره (350) أسقفًّا خرجوا بقرار وجوب تعليق الصور والتماثيل للمسيح وأمه وقديسيهم وكذلك الملائكة، ويقدم لهم صنوف التكريم من التقديس والسجود، ويستشفع بهم إلى الله في الحاجات لما لهم من المكانة، والدالة على الله - تعالى الله عن قولهم - كما لعن المجمع كل من لا يكرم تلك الصور والتماثيل، واستمر النصارى على هذا إلى أن جاء البروتستانت فحملوا على الصور والتماثيل، وحرَّموها وانشقوا بذلك عن بقية النصارى من الكاثوليك والأرثوذكس.

6 - المجمع الثامن سنة (869) م:

6 - المجمع الثامن سنة (869) م: وكان سبب انعقاده: الخلاف بين كنيسة القسطنطينية، وكنيسة روما في الروح القدس: هل انبثق من الأب فقط -وهو زعم كنيسة القسطنطينية- أم من الأب والابن معاً، كما هو زعم كنيسة روما؟ وقد قرر في هذا المجمع قول كنيسة روما بأن الروح القدس انبثق من الأب والابن معاً. ولم يوافق على ذلك بطريرك القسطنطينية ومن كان معه وأصروا على قولهم، وعقدوا لذلك مجمعاً سنة (879) م, قرروا فيه أن الروح القدس انبثق من الأب وحده، فانقسمت بسببه الكنيسة إلى قسمين: 1) الكنيسة الغريبة ويتزعمها البابا في روما وهم الكاثوليك. 2) الكنيسة الشرقية ويتزعمها بطريرك القسطنطينية وهم الأرثوذكس.

7 - المجمع الثاني عشر الذي عقد سنة (1215) م:

7 - المجمع الثاني عشر الذي عقد سنة (1215) م: وقد تقرر فيه أن العشاء الرباني يتحول إلى جسد ودم المسيح، وأن الكنيسة البابوية الكاثوليكية تملك حق الغفران، وتمنحه لمن تشاء.

8 - مجمع روما عام (1769) م:

8 - مجمع روما عام (1769) م: والذي تقرر فيه عصمة البابا في روما. من خلال هذا الاستعراض السريع لبعض المجامع النصرانية وقراراتها يتبين لنا ما يلي: أولاً- أن النصارى لا يملكون أدلة صحيحة صريحة في أكثر دعاويهم؛ لهذا اختلفوا تلك الاختلافات الخطيرة التي تمس جميع نواحي العقيدة لديهم. ثانياً - أن ما يستند إليه النصارى ويتحمسون له لا يعدو أن يكون فهما خاصا يسعى أصحابه لتثبيته عن طريق تلك المجامع، ولا يخلو الأمر من الأهواء والأغراض الخاصة من حب الرئاسة وفرض السيطرة. ثالثاً- أن المجامع لم تكن يوماً من الأيام هيئات شورية يتباحث القسس فيها الآراء، ويتوصلون فيها إلى الحق بأدلته، بل كانت في الأغلب تعقد لفرض رأي أو تصور عن طريق تلك المجامع وبقوة السلطان أو قوة الكنيسة. رابعاً- أن تلك المجامع كانت أداة بيد الأباطرة الرومان يسخرونها لرغباتهم في التوسع والسيطرة، أو تحقيق أغراض سياسية. خامساً - أن تلك المجامع كانت من أعظم أسباب الفرقة وتثبيتها في العالم النصراني، بحيث إنهم لم يخرجوا في واحد منها متفقين، بل كلما اجتمعوا في مجمع من تلك المجامع يزداد اختلافهم، وبالتالي انقسامهم. سادساً - أن المجامع صاغت العقيدة وقررتها بعد خلاف طويل، وهذا يدلُّ على أن العقيدة النصرانية في الإله وفي المسيح، وفي نقاط عديدة ليس لأدلتها من الوضوح ما يكفي لجعلها مسلمات وقطعية الدلالة لكل نصراني نظر في الأناجيل وعلم أقوال المسيح، وهذا أمر يجب التوقف عنده والتفكير في مهمة المسيح ماذا كانت؟ فإنه إذا لم يكن وضَّح وجلَّى تلك القضايا، وأبان عنها البيان الكامل الذي لا يفتح مجالاً للاختلاف فيها، وخاصة أنها من أصول الديانة، وأهم العقائد، فما هي مهمته إذاً؟ هل جاء ليلقي كلاماً مبهماً لا يعرف معناه يحار الناس فيه قروناً؟ أم أنه تكلم بكلام واضح وجلي كما هي حقيقة مهمة الرسل إلا أن الناس حرَّفوا كلامه بعد ذلك، وحملوه على غير محامله ونسبوا إليه ما لم يقل؟! سابعاً- إن المجامع قررت قرارات ولعنت وحرمت من لم يقل بها، وقررت أن سبيل النجاة هو اعتقاد تلك الأقوال- وهنا سؤال يطرح نفسه ماهو حال حواريي المسيح وأوائل النصارى الذين لم يكونوا يعتقدون تلك العقيدة ولم يتكلموا فيها بكلمة، كالتثليث، وطبيعة المسيح وانبثاق الروح القدس من الأب أو الأب والابن معاً إلى غير ذلك. ثامناً- إن المجامع قد صاغت العقيدة النصرانية بكل تفاصيلها، وذلك يدل على أن تلك العقيدة بتفاصيلها صنعة بشرية لم ينزلها الله تعالى على المسيح عليه السلام. تاسعاً- أن المجامع النصرانية هي المصدر الحقيقي للديانة النصرانية المحرفة؛ لأن تلك الفهوم التي كانت تقرر وتصدر وفقها القرارات لم تكن تعتمد على نصوص قطعية واضحة، بل أحياناً كانت تعتمد على نصوص متشابهة وكلام محتمل لأكثر من معنى، ويكون من أقلها احتمالاً المفهوم الذي تدعيه الكنيسة، كما في دعوى ألوهية المسيح عليه السلام. وأحياناً كانت لا تعتمد على أي نصوص موجودة لديهم وهو الأكثر، بل يكون تركيباً ذهنيًّا وهميًّا، أو تصوراً خاطئاً بني على تصور خاطئ، كما في قراراتهم المتعلقة بألوهية الروح القدس، وطبيعة المسيح، وتقديس الصور والتماثيل، وعصمة البابا ونحو ذلك. ويصدق عليهم فيما يدعونه من عقيدة ويشرعونه للناس أنهم جعلوا أنفسهم أرباباً من دون الله يحلون ويحرمون، فينطبق عليهم قول الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:30 - 31]. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 249

الفصل السابع: عقيدة النصارى:

تمهيد: المسيح عليه السلام جاء بالديانة بيضاء نقية توحيدا خالصا، ومنهجا ربانيا واضحا، كما تقدم بيانه أول الكلام على النصرانية. إلا أن النصارى انحرفوا بهذه الديانة عن وجهها الصحيح، إلى وثنية خالصة، وعقائد منحرفة لم يعرفها المسيح عليه السلام ولا حواريوه. وقد كان ابتداء تحريفها من دخول بولس (شاؤول اليهودي) هذه الديانة بعد رفع المسيح عليه السلام. وهذه الديانة المحرفة لم تقرر على ما هي عليه في الوقت الحاضر إلا بعد انصرام ما يقارب خمسة قرون من رفع المسيح عليه السلام، حيث أصبحت تقوم على ثلاثة أسس هي: 1 - التثليث. 2 - الصلب والفداء. 3 - محاسبة المسيح للناس. وسنبين بيانا مختصراً مقولتهم في كل واحد من هذه العقائد، ونبين بإذن الله بطلانها.

المبحث الأول: التثليث:

المبحث الأول: التثليث: • المطلب الأول: استدلالات النصارى على التثليث:. • المطلب الثاني: إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث:. • المطلب الثالث: أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل:.

المطلب الأول: استدلالات النصارى على التثليث:

المطلب الأول: استدلالات النصارى على التثليث: ليس للنصارى على التثليث ما يستحق أن يسمَّى دليلا؛ إذ إن ما ذكروه يدل على أنهم لفَّقوا كلاماً زعموا أنه دليلٌ، فمن ذلك قولهم: 1 - إن الله عزَّ وجلَّ ورد اسمه بالعبرية (ألوهيم) الذي يدل على الجمع، وأنه استخدم صيغة الجمع في التحدث عن نفسه في مثل ما ورد في سفر التكوين (1/ 26) (وقال الله: نعمل الإنسان). 2 - ألفاظ الصورة الموضوعة للمعمودية، وهي (عمدوا باسم الآب والابن والروح القدوس) الواردة في إنجيل متى (28/ 19). 3 - الأحوال التي واكبت تعميد المسيح حيث ورد في إنجيل متى (3/ 16) (فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة، وآتياً عليه، وصوت من السماوات قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت). بهذه الأدلة التي هي أوهى من خيوط العنكبوت يزعم النصارى أن الله ثلاثة، وأن هؤلاء الثلاثة واحد، ويتركون جميع أسفار العهد القديم التي نصت على وحدانية الله، وانفراده جلَّ وعلا في وحدانية الذات، والصفات، والعبادة، وكذلك جميع النصوص الواردة في العهد الجديد التي تدل على ذلك أيضاً، وسيأتي إيراد بعض ذلك.

المطلب الثاني: إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث:

المطلب الثاني: إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث: أدلة النصارى المذكورة هي من الضعف بحيث يَهُمُّ العاقل بالإعراض عنها، إلا أنه لابد من الرد عليهم؛ لأن استدلالهم بها يعني أن لها شأناً عظيماً في نفوسهم، فنقول: أما الدليل الأول: فدعواهم أن (ألوهيم) تعني الجمع، فهذا باطل بنص التوراة التي نصت على أن الله واحد. كما أن اليهود الذين وجِّه إليهم الخطاب بهذا لم يفهموا ذلك، ولم يعملوا به، بل يعتبرون أن ادعاء إله غير الإله الواحد الذي هو الله شرك أكبر، يستحق معتقده القتل. كما أن كلمة (ألوهيم) كما يذكر الدارسون واردة في نص من النصوص التي تتكون منها التوراة الحالية، وأنه يقابلها في النص الآخر لنفس القصة لفظ (يهوه). أما ما أوردوه من سفر التكوين وهو قول: (وقال الله: نعمل الإنسان). فلا يعني أكثر من أنها وردت على صيغة التعظيم. ومن أولى بالتعظيم والتفخيم في الخطاب من الله عزَّ وجلَّ؟ كما أن مئات الأقوال واردة في العهد القديم على لفظ الإفراد، فكيف تترك تلك المئات، ويؤخذ بهذه اللفظة الواحدة وشبهها؟. أما الدليل الثاني: وهو لفظ المعمودية (عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس) فهؤلاء ثلاثة وليسوا واحدا، ولا تعني أكثر من طلب الإيمان بهؤلاء الثلاثة الذين هم: الله جلَّ جلاله، ورسوله المسيح عليه السلام، والملك جبريل عليه السلام، كل على ما يليق به، إذا صدق راوي هذه العبارة، وسيأتي زيادة إيضاح لهذه العبارة في الكلام على الروح القدس. أما الدليل الثالث: فعلى فرض صحة الرواية بذلك فهي تدل على ثلاثة، وهم: المسيح الذي اعتمد، والروح القدس الذي نزل على شكل حمامة، وقائل من السماء: (هذا ابني الحبيب). أين أن هؤلاء الثلاثة واحد، هذا ما لا يستطيع النصارى إثباته لا نقلا ولا عقلا.

المطلب الثالث: أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل:

المطلب الثالث: أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل: التوحيد دين الرسل جميعاً ولم يخالف في ذلك إلا النصارى الذين ادعوا على المسيح عليه السلام أنه جاء بالتثليث، والتوحيد أوضح مطالب التوراة والكتب الملحقة بها؛ إذ يقوم الكتاب كله على التوحيد ومحاربة الشرك والوثنية بكل أشكالها. ومن الأدلة على هذا ما ورد في سفر التثنية (4/ 35) (إنك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه). وكذلك ما ورد في سفر التثنيه (6/ 4) (اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد). وفي إنجيل متى (4/ 7) (قال له يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) ومثله ورد في إنجيل لوقا (4/ 8). وفي إنجيل مرقس (12/ 28) أن أحد اليهود سأل المسيح (أية وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد ... فقال له الكاتب: جيدا يا معلم بالحق قلت لأنه الله واحد وليس آخر سواه). فهذه وصية المسيح وبيَّن أنها أول الوصايا وأعظمها، ولو كان يقول بالتثليث لوجب عليه أن ينص عليه في مثل هذا الموطن؛ إذ كيف يمكن أن يكون مبلغاً عن الله عزَّ وجلَّ، ولم يوضح أهم ما أمر به؟ وفي إنجيل يوحنا (17/ 3) أن المسيح عليه السلام قال في آخر أيامه: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). لقد أنطق الله هؤلاء الكتاب بالحق والصدق، وهو أن لا إله إلا الله وحده، وعيسى المسيح رسوله، فأين هذا الكلام النوراني الواضح من دعوى التثليث المظلمة التي افتراها ضلال النصارى، وغلوا في دينهم، وقالوا بها على الله غير الحق؟ قال الله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً [النساء:171]. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 277

المبحث الثاني: الأقانيم الثلاثة تعريفها وأدلتهم عليها وبيان بطلان تلك الأدلة:

المبحث الثاني: الأقانيم الثلاثة تعريفها وأدلتهم عليها وبيان بطلان تلك الأدلة: • المطلب الأول: الأقنوم الأول: الأب:. • المطلب الثاني: الأقنوم الثاني: الابن:. • المطلب الثالث: الأقنوم الثالث: الروح القدس:. • المطلب الرابع: إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام:.

المطلب الأول: الأقنوم الأول: الأب:

المطلب الأول: الأقنوم الأول: الأب: 1 - المراد به: يراد بالأب عندهم: الذات الإلهية مجردة عن الابن والروح القدس، وهو بمنزلة الأصل والمبدأ لوجود الابن. مع أن هذا لا يعني لديهم أن الأب سبق الابن في الوجود، بل الابن أزلي الوجود معه لم يسبق أحدهما الآخر. وليس له عمل عندهم إلا الاختيار والدعوة. 2 - أدلتهم على أبوة الله للمسيح - تعالى الله عن قولهم-: وردت كلمة الأب لدى النصارى في العهد الجديد في مواطن عديدة، وورد في بعضها نسبة أبوة الله للمسيح، منها ما ورد في إنجيل متى (10/ 32): (فكل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السماوات). وأيضاً قوله عن وقت القيامة (24/ 36): (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد من ملائكة السماوات إلا أبي وحده). ورد في إنجيل لوقا (2/ 49) من كلام المسيح لأمه وزوجها في زعمهم: (فقال لهما: لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي). وورد أيضاً في إنجيل يوحنا (8/ 19): (فقالوا له: أين هو أبوك؟ فأجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً). فبناءً على هذه النصوص زعم النصارى أن الله تعالى (أبٌ) للمسيح أبوة حقيقية، وهو كلام باطل، ووهم خاطئ، وافتراءٌ على الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرا. 3 - الرد عليهم وبيان بطلان قولهم: يُرد عليهم من عدة أوجه: أولاً: أن النصارى اعتمدوا في إثبات هذا على ألفاظ وردت في الأناجيل الأربعة وغيرها من كتب العهد الجديد، وهذه الأناجيل كما سبق بيانه لا تصلح أن تكون مستنداً لهذا؛ لأنها كتب غير موثقة، ولم يستطع النصارى أن يثبتوا صحة نسبتها إلى الأشخاص الذين نسبت إليهم، فضلاً عن أن ينسبوها إلى المسيح عليه السلام أو إلى الله عزَّ وجلَّ. كما أن بينها اختلافات عديدة في هذه الألفاظ نفسها، فكلمة (أبي) وردت في (إنجيل متى) من كلام المسيح ما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة، ولا تكاد تراها في (إنجيل مرقص)، أما (إنجيل لوقا) فذكرت في موضعين تقريباً، وأما (إنجيل يوحنا) فوردت فيه فيما يقارب ثمانية عشر موضعا، مما يدل على أن هذه الكلمة تتبع عقيدة خاصة وفهما خاصا لدى الكاتب، لا يرتبط فيه ولا يلتزم بعبارة المسيح وألفاظه، وإنما يكتبها ويعبر عنها الكاتب وفق عقيدته وتصوره. مثال ذلك: أن المثال السابق المذكور عن وقت الساعة من إنجيل متى، ورد فيه (أبي وحده)، وقد ذكر مرقس في (13/ 32) هذه الجملة، إلا أنها عنده هكذا: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب). فهنا قال: الأب. بدون ياء النسب وهناك في (متى) قال: (أبي). وبينهما فرق عظيم. ثانياً: أن النصارى لا يعتقدون أن الله أبٌ للمسيح أبوة حقيقية من ناحية أن الأب غير الابن، وأنه قبله في الوجود، بل يرون ويعتقدون أن الله تعالى أب للمسيح، وهو في نفس الوقت هو هو، ليس هو غيره، حيث يقولون: إنهما جوهر واحد، ولم يسبق الأب الابن في الوجود، وهذا يجعل كلمة الأب الواردة في الأناجيل لديهم ليس لها مفهوم حقيقي، وهذا يبطل استدلالهم بهذه النصوص، ويجعلهم يستدلون بها على غير ما يقصدون ويعتقدون. ثالثاً: على فرض صحة الروايات الواردة لديهم في الأناجيل في كلمة (الأب) فيجب أن تفسَّر على معنى غير الأبوة الحقيقة لأمرين: 1 - أنهم أوردوا على لسان المسيح كلاماً كثيراً لا يمكن أن يحمل على المعنى الظاهري، بل لابد من حمله على المجاز كقوله: (فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة). يوحنا (6/ 35) وأيضا أنه قال لليهود: (أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا). يوحنا (8/ 44).

فهذا كلام لا يؤخذ على ظاهره، فكذلك أبوة الله للمسيح. 2 - أن نسبة الأبوة إلى الله ليست خاصة في المسيح لديهم، بل وردت في العهد القديم، وفي الأناجيل منسوبة إلى غير المسيح، ومن ذلك ما ورد في سفر صموئيل الثاني (7/ 14) في كلام الله في زعمهم عن سليمان بن داود عليهما السلام: (أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا). وورد في إنجيل متى (6/ 1) من كلام المسيح لتلاميذه: (احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم أمام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات). وفي إنجيل مرقص (11/ 25) من قول المسيح لتلاميذه أيضاً: (ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء؛ لكي يغفر لكم أيضاً أبوكم- الذي في السماوات- زلاتكم، وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر لكم أبوكم- الذي في السماوات- أيضاً زلاتكم). في إنجيل لوقا (11/ 2) من قول المسيح لتلاميذه: (فقال لهم: متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السماوات). وفي إنجيل يوحنا (20/ 17) وهو من آخر كلام المسيح بعد القيامة المزعومة: (قال لها يسوع: لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). فهذه النصوص على فرض صحتها فيها دلالة واضحة على نسبة أبوة الله تعالى للتلاميذ، والمراد بها في كلام النصارى في هذه المواضع أبوة النعمة. وما سبق ذكره من النصوص التي ورد فيها أبوة الله للمسيح لا تختلف عن هذه النصوص، فالقول فيها مثل القول في هذه. فمن هنا يتضح أنه ليس في هذا اللفظ ما يدل على معتقد النصارى في الله، وأنه أب للمسيح سوى من ناحية النعمة والإحسان ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف - ص 282

المطلب الثاني: الأقنوم الثاني: الابن:

المطلب الثاني: الأقنوم الثاني: الابن: المراد بالابن عندهم كلمة الله المتجسدة وهو المسيح عليه السلام، ويزعمون أن الابن مساو للأب في الوجود، وأن الأب خلق العالم بواسطة الابن، وأنه الذي نزل إلى الأرض بالصورة البشرية فداء للبشر، وهو الذي يتولَّى محاسبة الناس يوم القيامة. تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً. أدلتهم على أن المسيح ابن الله، تعالى الله عن قولهم: استدلَّ النصارى على أن المسيح ابن لله بما ورد في الأناجيل من النصوص التي تنسب المسيح ابنا لله، ومن تلك النصوص ما ورد في إنجيل متى (16/ 16) من قول بطرس لما سأله المسيح عن نفسه ماذا يقول الناس عنه قال: (أنت هو ابن الله الحي). وفي إنجيل يوحنا (11/ 4) ورد على لسان المسيح في زعمهم: (فلما سمع يسوع قال: هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله). فبمثل هذه الإطلاقات اعتقد النصارى أن المسيح ابن الله، بمعنى أنه خرج من الله عزَّ وجلَّ، وهو قول باطل وافتراء على الله عزَّ وجلَّ، تعالى الله عن قولهم. الرد عليهم: وللرد على النصارى يمكن القول بأن ما أوردوه من أدلة لا تصلح أن تكون مستنداً لإثبات عقيدة خطيرة كهذه؛ لما يلي: أولاً: أن كتبهم التي يستندون إليها في هذا هي كتب غير موثقة، وغير سليمة من التحريف، وقد سبق بيان هذا. ثانياً: أن البنوة التي يزعمها النصارى تختلف عن ظاهر لفظ (ابن الله) الوارد في الأناجيل، فالابن في الأصل جزء من الأب، ومتخلق من نطفته، ويكون الأب سابقا للابن في الوجود، والفضل له في وجوده، وما يعتقد النصارى في المسيح لا يتفق مع البنوة الحقيقية، وإنما يزعمون أن الابن هو الأب، وأنه مساوٍ له في الجوهر والوجود والمجد، وهي أمور لم ترد في الأناجيل، ولا يستطيع النصارى أن يقيموا عليها الدليل العقلي فضلاً عن الشرعي. ثالثاً: أن هذا الوصف- وهو (ابن الله) - أطلق على غير المسيح في مواطن كثيرة من أناجيلهم، منها في إنجيل متى (5/ 9): (طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم أبناء الله يدعون)، وفي (5/ 45) أن المسيح خاطب تلاميذه قائلاً: (وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات). وفي إنجيل يوحنا (1/ 12) فقد ورد عن المؤمنين بالمسيح (وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله). وفي إنجيل لوقا (20/ 36) قال: (لأنهم مثل الملائكة، وهم أبناء الله أبناء القيامة). وورد وصف يعقوب وبنيه بذلك، ففي سفر الخروج (4/ 22) أن الله خاطب موسى قائلا له: (فتقول لفرعون هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني) وكذلك ورد في سفر إشعياء (43/ 6): (ائت ببني من بعيد وببناتي من أقصى الأرض). والنصارى لا يقولون: إن بني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة. وإنما يقولون: هذه بنوة مجازية، تعني العبادة من طرف العباد، والحفظ واللطف والرعاية من قبل الله عزَّ وجلَّ لهم، فكذلك إذاً ما ورد من بنوة المسيح لله لا تعني غير ذلك، إذ إن العبارتين واحد، فيجب أن يستويا في الدلالة والمعنى، ما لم يدلَّ دليل على خلاف ذلك، وليس هناك ما يدلُّ على خلاف ذلك. رابعاً: أن المسيح عليه السلام قد دلت الأدلة الكثيرة على بشريته، وأنه رسول الله، كما أوردت الأناجيل وصفه بأنه ابن الإنسان وابن داود وغير ذلك من الأوصاف الدالة على بشريته، ومن ذلك ما ورد في إنجيل متى (8/ 20): (فقال له يسوع: للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه). وفي إنجيل مرقص (2/ 28): (ابن الإنسان هو رب البيت أيضاً). وفي إنجيل لوقا (7/ 34) من كلام المسيح لليهود: (جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فتقولون: هو ذا إنسان أكول شريب خمر محب للعشارين والخطاة). وفي إنجيل يوحنا (1/ 51): (الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان). وفيه أيضا (8/ 40) يقول لهم المسيح (وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله). فورد وصفه بأنه ابن الإنسان في ثمانية وستين موضعا تقريباً في الأناجيل الأربعة، أما ما ورد وفيه إطلاق (ابن الله) عليه فقد ورد في ثلاثة وعشرين موضعا تقريباً في الأناجيل الأربعة، منها أربعة مواضع فقط التي ورد فيها هذا الوصف من كلام المسيح، أما الباقي فليس من كلام المسيح بل بعضه من كلام إبليس والشياطين، فكيف يترك المعنى الظاهر الواضح الذي تؤيده النصوص الكثيرة والواقع، والذي يتفق مع العقل والمنطق إلى المعنى الخفي البعيد الذي تعارضه النصوص ولا يتفق مع العقل ولا المنطق!! ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 288

المطلب الثالث: الأقنوم الثالث: الروح القدس:

المطلب الثالث: الأقنوم الثالث: الروح القدس: وهو عندهم مساو للأب والابن في الذات والجوهر والطبع، وهو في كلامهم روح الله الذي يتولى تأييد أتباع المسيح وتطهيرهم. وقد استدلوا على قولهم بألوهية الروح القدس بأن الكتاب المقدس لديهم وصف الروح القدس بصفات لا يوصف بها إلا الله عزَّ وجلَّ، فدلَّ هذا عندهم على ألوهيته. وللرد عليهم نقول: إن ما أورده النصارى مما نقلوه عن الأناجيل، فليس في الأناجيل أي عبارة تدل على المعنى الذي يدَّعونه في الروح القدس، وهو الألوهية. فقد ورد اسم الروح القدس في حمل مريم بالمسيح عليه السلام في إنجيل متى (1/ 18): (لما كانت مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس). والروح القدس في هذه القصة المراد به جبريل عليه السلام، كما فسَّره بذلك لوقا في إنجيله (1/ 26): (وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصره إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم). فعلى هذا التفسير يكون الروح القدس المراد به جبريل عليه السلام في كل موطن ورد ذكره فيه، إلا أن تكون الصفة المطلقة عليه لا تطلق إلا على الله عزَّ وجلَّ فهنا لابد من التحقق من صحة العبارة ودقة نقل الألفاظ. ومما ورد لديهم في هذا ما ورد في إنجيل يوحنا عن (الباركليت) أو (المعزى) فمما قالوا فيه (16/ 12): (وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية). فهذا فيه دلالة واضحة على أن الموصوف بأنه روح الحق شخصية مستقلة، وهو مبلغ لرسالة أوكل إليه تبليغها، فليس فيه ما يدل على ألوهيته، ولا أنه جزء من الإله، وإلا للزم أن يكون الأنبياء آلهة أيضا؛ لأنهم يعلمون كل ما علَّمهم الله به، ويخبرون عن أمور آتيه مستقبلة. أما ما أوردوه من إنجيل متى (28/ 19) أن المسيح قال لتلاميذه بعد قيامته: (فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس). فأولاً: هذا النص لم يذكره إلا صاحب إنجيل متى، وهو إنجيل غير موثق، وغير ثابت النسبة إلى متى الحواري. ثانياً: على فرض صحة هذه العبارة فإن هؤلاء ثلاثة وليسوا واحداً، وكل واحد منها له مدلوله الواضح تفسيره، فالأب هو: الرب جلَّ وعلا. أما الابن فلا يمكن أن يكون المقصود به البنوة الحقيقية، وقد سبق بيان هذا، وأن المراد به العبد الصالح، فيكون المقصود به المسيح عليه السلام، وهو عبد الله ورسوله. أما الروح القدس فلا يمكن أن يكون المقصود به جزء من الإله الذي هو صفة الحب أو الحياة أو نحو ذلك؛ إذ إن ذلك لا دليل عليه إنما يعني الملك جبريل عليه السلام، كما هو مصرح به في رواية لوقا السابق ذكرها التي فيها أن الملاك جبريل عليه السلام هو الذي نزل على مريم، فتكون العبارة هي دعوة الناس إلى الإيمان بالله والنبي والملك. فمن هذا كله يتضح لنا أن عقيدة النصارى –التثليث- ليس لها أدلة تثبت صحتها، كما أن كل أقنوم من أقانيم الثالوث لا يوجد له أدلة تثبت مفهومهم له، مما يجعل التثليث كله قائم على دعاوى لا دليل عليها، ولا مستند لها شرعي ولا عقلي. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 293

المطلب الرابع: إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام:

المطلب الرابع: إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام: القول الأول: في الآية الثالثة من الباب السابع من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام في خطاب الله هكذا: (وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته) فبيَّن عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية عبارة عن أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي وأن عيسى عليه السلام رسوله. وما قال: إن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي، وأن عيسى إنسان وإله. أو: أن عيسى إله مجسم. ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء فلا احتمال ههنا للخوف من اليهود، فلو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لبيَّنه، وإذا ثبت أن الحياة الأبدية اعتقاد التوحيد الحقيقي لله، واعتقاد الرسالة للمسيح، فضدهما يكون موتا أبديًّا وضلالا بيِّنا البتة، والتوحيد الحقيقي ضد التثليث الحقيقي كما عرفت مفصلا في الفصل الأول، وكون المسيح رسولا ضد لكونه إلها؛ لأن التغاير بين المرسل والمرسل ضروري، وهذه الحياة الأبدية توجد في أهل الإسلام بفضل الله. وأما غيرهم فالمجوس ومشركو الهند والصين محرومون منها؛ لانتفاء الاعتقادين فيهم، وأهل التثليث من المسيحيين محرومون منها؛ لانتفاء الاعتقاد الأول، واليهود كافة محرومون منها؛ لانتفاء الاعتقاد الثاني. القول الثاني: في الباب الثاني عشر من (إنجيل مرقس) هكذا (28): (فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله: أية وصية هي أول الكل؟). (29): (فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا: اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد).

(30): وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى (31) وثانية مثلها هي: أن تحب قريبك كنفسك ليس وصية أخرى أعظم من هاتين. (32) فقال له الكاتب: جيدا يا معلم بالحق قلت؛ لأنه) أي: الله (واحد وليس آخر سواه). (33) (ومحبته من كل القلب، ومن كل الفهم، ومن كل النفس، ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح (34) (فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له: لست بعيدا عن ملكوت الله). وفي الباب الثاني والعشرين من إنجيل متى في قوله عليه السلام بعد بيان الحكمين المذكورين هكذا: (بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والأنبياء). فعلم أن أول الوصايا الذي هو مصرح به في التوراة، وفي جميع كتب الأنبياء، وهو الحق، وهو سبب قرب الملكوت، أن يعتقد أن الله واحد ولا إله غيره، ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجاة لكان مبينا في التوراة وجميع كتب الأنبياء؛ لأنه أول الوصايا، ولقال عيسى عليه السلام: أول الوصايا: الرب واحد ذو أقانيم ثلاثة ممتازة بامتياز حقيقي. لكنه لم يبين في كتاب من كتب الأنبياء صراحة، ولم يقل عيسى عليه السلام هكذا، فلم يكن مدار النجاة. فثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد الحقيقي، لا اعتقاد التثليث، وهوسات التثليثيين باستنباطه من بعض كتب الأنبياء لا يتم على المخالف؛ لأن هذا الاستنباط خفي جدًّا مردود بمقابلة النص، وغرض المخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له دخل ما في النجاة لبينه الأنبياء الإسرائيلية بيانا واضحا، كما بينوا التوحيد في الباب الرابع من كتاب الاستثناء - (35) (لتعلم أن الرب هو الله وليس غيره). (39) (فاعلم اليوم واقبل بقلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت وليس غيره). وفي الباب السادس من السفر المذكور (4) (اسمع يا إسرائيل: إن الرب إلهنا فإنه رب واحد). (5) (حب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك). وفي الباب الخامس والأربعين من كتاب إشعياء – (5) (أنا هو الرب وليس غيري، وليس دوني إله، شددتك ولم تعرفني). (6) (ليعلم الذين هم من مشرق الشمس والذين هم من المغرب أنه ليس غيري أنا الرب وليس آخر). فالواجب على أهل المشرق والمغرب أن يعلموا أن لا إله إلا الله وحده لا أن يعلموا أن الله ثالث ثلاثة. وفي الآية التاسعة من الباب السادس والأربعين من كتاب إشعياء – (2) (إني أنا الله وليس غيري إلها وليس لي شبه). (القول الثالث) في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس قول المسيح عليه السلام هكذا: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب) وهذا القول ينادي على بطلان التثليث؛ لأن المسيح عليه السلام خصص علم القيامة بالله، ونفى عن نفسه كما نفى عن عباد الله الآخرين، وسوَّى بينه وبينهم في هذا، ولا يمكن هذا في صورة كونه إلها، سيما إذا لاحظنا أن الكلمة وأقنوم الابن عبارتان عن علم الله، وفرضنا اتحادهما بالمسيح، وأخذنا هذا الاتحاد على مذهب القائلين بالحلول، أو على مذهب اليعقوبية القائلين بالانقلاب، فإنه يقتضي أن يكون الأمر بالعكس ولا أقل من أن يعلم الابن كما يعلم الأب، ولما لم يكن العلم من صفات الجسد فلا يجري فيه عذرهم المشهور أنه نفى عن نفسه باعتبار جسميته، فظهر أنه ليس إلها لا باعتبار الجسمية، ولا باعتبار غيرها.

(القول الرابع): في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: (20) (تقدمت إليه أم ابني زيدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا). (21) (فقال لها: ماذا تريدين قالت له: قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك). (22) (فأجاب يسوع) إلخ. (23) (الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدلهم من أبي) انتهى ملخصا. فنفى عيسى عليه السلام ههنا عن نفسه القدرة وخصصها بالله، كما نفى عن نفسه علم الساعة وخصصه بالله، ولو كان إلها لما صح هذا. (القول الخامس): في الباب التاسع عشر من إنجيل متى هكذا: (16) (وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟). (17) (فقال له: لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله). فهذا القول يقلع أصل التثليث، وما رضي تواضعا أن يطلق عليه لفظ الصالح أيضا، ولو كان إلها لما كان لقوله معنى، ولكان عليه أن يبين لا صالح إلا الأب وأنا وروح القدس، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وإذا لم يرض بقوله الصالح فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلاتهم (يا ربنا وإلهنا يسوع لا تضيع من خلقت بيدك) حاشا جنابه أن يرضى بها. (القول السادس): في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: (46) (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائل: إيلي إيلي لما شبقتني؟. أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟). (50) (فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح). وفي الآية السادسة والأربعين من الباب الثالث والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: (ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه، في يديك أستودع روحي). وهذا القول ينفي ألوهية المسيح رأسا، سيما على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب؛ لأنه لو كان إلها لما استغاث بإله آخر بأن قال: (إلهي إلهي لماذا تركتني؟ ولما قال: يا أبتاه في يديك أستودع روحي). ولامتنع العجز والموت عليه. الآية الثامنة والعشرون من الباب الأربعين من كتاب أشعيا هكذا: (أما عرفت أو ما سمعت إله سرمدي الرب الذي خلق أطراف الأرض لن يضعف ولن يتعب وليس فحصا عن حكمته). والآية السادسة من الباب الرابع والأربعين من الكتاب المذكور هكذا: (هكذا يقول الرب مثلك إسرائيل وفاديه باب الجنود أنا الأول وأنا الآخر وليس إله غيري). والآية العاشرة من الباب العاشر من كتاب أرسياء هكذا: (أما الرب هو إله حق هو إله حي وملك سرمدي) إلخ. وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب حقوق هكذا: (يا رب إله قدوسي ولا تموت). وفي الآية السابعة عشرة من الباب الأول من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس هكذا: (وملك الدهور الذي لا يفنى لا يُرى الإله الحكيم وحده). فكيف يعجز ويموت الذي هو إله سرمدي بريء من الضعف والتعب حي قدوس لا يموت؟، ولا إله غيره، أيكون الفاني العاجز إلها؟ حاشا وكلا، بل الإله الحقيقي هو الذي كان عيسى عليه السلام يستغيث به هذا الوقت على زعمهم. والعجب أنهم لا يكتفون بموت الإله، بل يعتقدون أنه بعد ما مات دخل جهنم أيضا. نقل جواد بن ساباط هذه العقيدة من كتاب (الصلاة) المطبوع سنة (1506) هكذا: (كما أن المسيح مات لأجلنا ودفن، فكذا لابد أن نعتقد أنه دخل جهنم) انتهى.

(القول السابع): في الآية السابعة عشرة من الباب العشرين من (إنجيل يوحنا) قول المسيح عليه السلام في خطاب مريم المجدلية هكذا: (لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) فسوَّى بينه وبين الناس في هذا القول (أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) لكيلا يتقولوا عليه الباطل، فيقولوا: إنه إله أو ابن إله. فكما أن تلاميذه عباد الله وليسوا بأبناء الله حقيقة، بل بالمعنى المجازي، فكذلك هو عبد الله وليس بابن الله حقيقة، ولما كان هذا القول بعد ما قام عيسى عليه السلام من الأموات على زعمهم قبل العروج بقليل، ثبت أنه كان يصرخ بأني عبد الله إلى زمان العروج، وهذا القول يطابق ما حكى الله عنه في القرآن المجيد: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117]. (القول الثامن): في الآية الثامنة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (إن أبي أعظم مني) ففيه أيضا نفي لألوهيته؛ لأن الله ليس كمثله شيء فضلا عن أن يكون أعظم منه. (القول التاسع): في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول المسيح عليه السلام هكذا: (الكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للأب الذي أرسلني) ففيه أيضا تصريح بالرسالة، وبأن الكلام الذي تسمعونه وحي من جانب الله. (القول العاشر): في الباب الثالث والعشرين من (إنجيل متى) قول المسيح عليه السلام في خطاب تلاميذه هكذا: (9) (ولا تدعوا لكم أبا على الأرض؛ لأن أباكم واحد الذي في السماوات). (10) (ولا تدعوا معلمين؛ لأن معلمكم واحد المسيح). فهنا أيضا صرح: (بأن الله واحد وإني معلم لكم). (القول الحادي عشر): في الباب السادس والعشرين من (إنجيل متى) هكذا: (36) (حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها: جشيماني. فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك). (37) (ثم أخذ معه بطرس وابني زيدي وابتدأ يحزن ويكتئب). (38) (فقال لهم: نفسي حزينة جدا حتى الموت، امكثوا ههنا واسهروا معي). (39) (ثم تقدَّم قليلا وخرَّ على وجهه، وكان يصلي قائلا: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ليس كما أريد، بل كما تريد أنت). (40) (ثم جاء إلى التلاميذ ... إلخ). (42) (فمضى أيضا ثانية، وصلى قائلا: يا أبتاه إن لم يكن أن تعبر عني هذه الكأس ألا أشربها فلتكن مشيئتك). (43) (ثم جاء ... إلخ). (44) (فتركهم ومضى أيضا، وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه). فأقواله وأحواله المندرجة في هذه العبارات تدل على عبوديته ونفي ألوهيته. أيحزن ويكتئب الإله ويموت ويصلي لإله آخر ويدعو بغاية التضرع؟ لا والله. ولما جاء جنابه الشريف إلى العالم، وتجسد؛ ليخلص العالم بدمه الكريم من عذاب الجحيم، فما معنى الحزن والاكتئاب، وما معنى الدعاء: بـ (إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس)؟! (القول الثاني عشر): كان من عادته الشريفة أنه إذا عبر عن نفسه كان يعبر بابن الإنسان غالبا كما لا يخفى على ناظر هذا الإنجيل المروج أيضا: مثلا في الآية 20 باب 8، 6 باب 9، 13، 27 باب 16، 9، 12، 22 باب 17، 11 باب 18، 28 باب 19، 18، 28 باب 20، 27 باب 24، 24، 35، 64 باب 26 من إنجيل متى وهكذا في غيره، وظاهرٌ أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنسانا. ¤إظهار الحق لرحمة الله الهندي 3/ 736 فما بعدها

المبحث الثالث: الاتحاد: (التجسد):

المبحث الثالث: الاتحاد: (التجسد): الاتحاد لدى النصارى المراد به هو: أن الله - تبارك وتعالى - اتخذ جسد المسيح له صورة، وحلَّ بين الناس بصورة إنسان هو المسيح، تعالى الله عما يقولون. أدلتهم على دعواهم في الاتحاد (التجسد): النصارى يزعمون أن لهم أدلة على هذه الدعوى، ومن أظهر ما يستدلون به على ذلك ما ورد في إنجيل يوحنا في بدايته (1/ 1 - 14) من قول صاحب الإنجيل: (في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ... والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا). ومن أدلتهم أيضاً ما ورد في إنجيل متى (1/ 23) من البشارة بالمسيح وهو قولهم: (وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: (هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه) عمانوئيل (الذي تفسيره الله معنا). ويستدلون أيضاً بقول بولس في رسالته الأولى لتيموثاوس (3/ 16): (عظيم هو سر التقوى. الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح). كما يستدلون أيضاً بما ورد في الرسالة إلى العبرانيين (1/ 2): (الذي به أيضاً عمل العالمين الذي هو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته). فهذا أهم ما يستدلون به ويعولون عليه في هذه القضية الخطيرة والعقيدة العجيبة. الرد عليهم: يُرد على النصارى في هذه العقيدة الباطلة من عدة أوجه: أولاً: هذه العقيدة من المستحيل عقلاً قبولها؛ لأنها تعني أن الله جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه قد تقمص هيئة النطفة أو هيئة الجنين، ودخل في بطن مريم، وعاش في تلك الأوحال والأقذار فترة من الزمن، يرتضع الدم ثم اللبن، وتمرُّ عليه أحوال وأطوار الجنين والوضع ثم الطفولة ومستلزماتها. فهل في الأقوال والتصورات أشد بطلاناً وأقبح تصوراً من هذه العقيدة وهذه المقولة؟ إن الإنسان السوي ليعجز عن التعبير عن قباحة مثل هذه اللوازم لهذه المقولة الفاسدة. ثم يقال لهم: من الذي كان يدير العالم ويدبر شؤونه، وربه وسيده ومدبره في زعمهم الفاسد في بطن امرأة يتقلب بين الفرث والدم؟ فهل يعقل النصارى ما يقولون ويزعمون، أم لا يعقلون؟ ثانياً: إن دعوى التجسد لديهم بما فيها من اللوازم الفاسدة، والتصورات القبيحة المهينة في حق الله جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه إنما هي مبررات للصلب ثم الفداء في زعمهم - وسيأتي بيان بطلان ذلك كله، وأنها من مخترعات النصارى التي لا دليل عليها - فعلى ذلك فما بني على باطل فهو باطل أيضاً. ثالثاً: ما يستندون إليه مما ورد في إنجيل يوحنا فقد سبق بيان عدم الثقة به؛ لعدم وجود إسناد يثبت صحة ذلك الإنجيل، وأنه أقل الكتب نصيباً من الصحة، بل صرَّح الكثير من النصارى- كما سبق بيانه- بأنه إنجيل مزور، كما أن النص المذكور منه هو نص مضطرب لفظاً ومعنى، ولا يتضح مدلوله، إنما ينبئ عن عقيدة مهزوزة مضطربة، ليست واضحة المعالم لدى قائله، فقوله: (في البدء كان الكلمة). ما هو الذي كان الكلمة؟ إذا كان الله تعالى، فهل الله كلمة؟ هذا ما يبدو من سياق العبارة حيث يضيف (وكان الكلمة الله) فهل في عقيدة النصارى أن الله كلمة؟ ذلك باطل ولا يقول به النصارى، كما أن معنى ذلك أن كلمة أنتجت كلمة، والكلمة الأولى هي الله، والكلمة الثانية هي المسيح، ولا يقول النصارى بذلك، فهي عبارة مضطربة لا معنى لها في عقيدة النصارى. ثم ما المراد بالبدء؟ هل يعنى ذلك بداية الله، أم بداية الكلمة التي يزعمون أنها المسيح؟ كلاهما باطل في عقيدة النصارى، فهم يعتقدون أن الله أزلي والكلمة معه أزلية, وأن الله لم يسبق المسيح في الوجود، فهذه أيضاً لا مدلول ولا معنى لها في عقيدة النصارى، بل هي تناقض عقيدتهم.

وما بعدها أعجب منها حيث يقول: (وكان الكلمة عند الله). فكيف هي الله؟ وكيف هي عنده؟ هذا ما لا يقبله العقل السليم، أما عقول النصارى الضالة فتقبله؛ لأنهم يزعمون أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وهو عند الله في وقت واحد. ثم قوله: (والكلمة صار جسداً ثم حلَّ بيننا). هذا بيت القصيد لدى النصارى، وهو أن الكلمة تحولت إلى جسد، وهو المسيح، وحلَّت بين الناس، ومرادهم بالكلمة في تأويلاتهم الفلسفية: عقل الله أو فكر الله، وهي مقولة الفلاسفة الوثنيين حيث زعموا أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وهذا الذي صدر عنه هو العقل الفعَّال، وهو الذي خُلق العالم بواسطته، فهذه مقولة الفلاسفة اقتبسها كاتب الإنجيل، وضمنها كتابه بدون أي مستند من وحي سماوي. رابعاً: النص المذكور من إنجيل متى واستشهادهم بالنبوءة السابقة قد سبق بيان أنها غلط من أغلاطهم، ومن دلائل تحريفهم، وأن ما كتبوه إنما أملاه البشر، وليس من عند الله؛ إذ إن هذه النبوءة المقصود بها شخص آخر ولد وتحققت النبوءة، وانتهت في زمن ذلك النبي (إشعياء)، كما نص على ذلك العهد القديم. فعليه فهو استشهاد خاطئ، وما بني عليه خطأ وضلال، ثم إن النصارى- لتعمقهم في إضلال أنفسهم وأتباعهم- يحرفون تفسيره من (الله معنا) إلى (الله ظاهر لنا)، ومعلوم أن معية الله لا يتضح منها التجسد صراحة، فأضافوا (الله ظاهر لنا) حتى تكون مفسرة للمعية، وهذا من تعمقهم في الضلال وإضلال الناس. خامساً: ما أوردوه من كلام بولس هو كلام مردود عليه وغير مقبول؛ إذ يجب عليه أن يبين مستنده لما يقول من كلام المسيح نفسه، وإلا يعتبر مدعيا كاذبا، وهذه حقيقة ذلك الرجل الذي أضل النصارى عن دين المسيح حيث تنسب إليه جميع التحريفات التي عليها النصارى. سادساً: ما أوردوه من الرسالة إلى العبرانيين، فإن صحَّ كلامهم في نسبة الرسالة إلى بولس فالقول فيها ما سبق. وإن لم يثبت نسبتها إلى بولس، فكيف يأخذ النصارى عقيدة خطيرة كهذه من كتاب لا يعرف كاتبه، ولا يدرى من هو؟! كما يدلنا هذا على مستوى اهتمام النصارى بالأمور الدينية وعنايتهم بصحة ثبوتها والثقة بناقليها، حيث إنهم اعتمدوا على أقوال المجهولين والنكرات في أخطر عقيدة يعتقدونها، وهي التجسد المزعوم، وذلك يبين لنا مدى وضوح النداء القرآني لهم في قوله عز وجل: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَما أنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ [المائدة:68]. سابعاً: أن هذه العقيدة مع خلوها من النصوص الشرعية التي تثبتها فهي مناقضة للعقل، ويعترف النصارى بذلك، ويجعلونها من الأسرار، وفي هذا يقولون عن التجسد: (فهو سر الأسرار الذي فيه يستعلن الله العظيم الأبدي إلى الإنسان الضعيف في صورة الناس المنظورة وتحت حكم الزمن، وبالعقل لا يدرك الإنسان من هذا السر شيئاً، وإنما يمكن للروحانيين بالروح القدس أن يعرفوا حتى أعماق الله). لقد قطع النصارى على أنفسهم نعمة النظر واستخدام العقل الذي وهبهم الله إياه، وتحكموا في أتباعهم بإجبارهم على إلغاء عقولهم فيما يملون عليهم من ترهات وسخافات، وذلك بقولهم بزعمهم: (أنها سر لا يدرك) ولا يفهم ولا يعرف. والأمر إذا خلا من الدليل الشرعي والدليل العقلي لا يكون إلا من إملاء الشياطين وأتباعهم.

ثم إن النصارى يخدعون الناس بما يزعمون من أن الأمر يدرك بالروح القدس. فإن هذا من الكلام الفارغ الذي لا معنى تحته؛ لأن معنى قولهم هذا أن قبول شخص من الأشخاص لهذه العقيدة إنما يتم بالروح القدس، فإذا لم يقبلها عقله ولا قلبه بناءً على خلوها من الدليل الشرعي والعقلي، قالوا له: إن الروح القدس لم يهبك الإيمان بها. وهذا كلام فارغ؛ إذ من المعلوم أن جميع الوثنيين يؤمنون بترهاتهم وشركهم، وإيمانهم بها لم يقم على دليل شرعي ولا عقلي، وهذا وجه بطلان عقائدهم. إذاً فقبولهم لها تمَّ عن طريق التسليم لعلمائهم ودعاتهم بدون دليل أو وعي صحيح، فمن هنا يشبه النصارى الوثنيين من ناحية دعواهم بوجوب التسليم لمقولتهم بدون استناد على الشرع، أو استخدام للعقل في القضية. أما الروح القدس فأقحم هنا إقحاماً، وإلا فما الذي يثبت أن الروح القدس هو الذي جعل أحدهم يؤمن بما يقال له، وليس شيطاناً من الشياطين؟ كيف يفرق الإنسان بين الاثنين؟ ليس هناك وسيلة للتفريق إلا بالدليل الشرعي والعقلي معاً. وقد استطاع النصارى بخبث شديد أن يعطلوهما ويلغوهما لما زعموا أن الأمر سر من الأسرار الكنسية التي يجب الإيمان به إيماناً مجرداً عن الفهم. وهم إذا عجزوا عن فهم قضية وإقامة الدليل عليها زعموا أنها سر. ولازم ذلك: أن كبارهم وعلماءهم إما أن يعلموا ذلك السر أولا يعلمونه. والحقيقة أنهم لا يعلمونه ولا يدرون له وجهاً، وأن علم الطالب المبتدئ منهم مثل علم أكبر القسس فيهم في مثل هذه القضايا، وإذا كان أمر لا يعرفه الكبير ولا الصغير فكيف يقبلونه؟! فلا بالشرع استناروا، ولا بالعقل استرشدوا، ودعوى أن الروح القدس يعلمهم، دعوى فارغة لا حقيقة لها، وإلا وجب أن يوحى إليهم بالسر، وهم يعلمون الناس، حتى تكون للناس قناعة، وهم أنفسهم يجدوا القناعة بما يقولون ويعتقدون. ثم ما هذه الدعوى العريضة التي زعموا، وهي أن الروحانيين يعرفون أعماق الله، ماذا يعرفون عن أعماق الله؟ انظر كيف فتحوا الباب للافتراء على الله والكذب عليه جلَّ وعلا بما لا يستطيعون أن يأتوا منه بشيء، والله عز وجل يقول: وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [البقرة:255]. ويقول: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110] جلَّ وعلا عن افتراءات الجاهلين وتخرصات المتخرصين الظالمين. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 296

المبحث الرابع: الصلب والفداء:

المطلب الأول: الصلب: الصلب هوالتعليق على خشبة الصليب. واليهود والنصارى يعتقدون أن المسيح عليه السلام مات مصلوباً. ويزعم اليهود أن المسيح كفر بالله؛ لهذا حملوا عليه وطالبوا بدمه، وزعموا أنه مات مصلوباً. والموت على الصليب يستلزم اللعنة عندهم، فقد ورد في سفر التثنية (21/ 22): (وإذا كان على إنسان خطيئة حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنها في ذلك اليوم؛ لأن المعلق ملعون من الله). أما النصارى فهم يعتقدون كذلك أن المسيح مات مصلوبا، إلا أنهم يعللون ذلك بأنه صلب فداء للبشر؛ لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام، وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها، فانتقلت تلك الخطيئة إلى أبنائه، وأغضبت الله عليهم أيضاً، فكان لابد من وسيط يتحمل هذا الإثم، ويرضى بأن يموت على الصليب، وهذا الوسيط المخلص في زعمهم لابد أن يكون ذا وضع متميز خال من الإثم والخطأ، ولا يكون هذا إلا ابن الله - الذي هو الله في زعمهم- ثم لابد أن يكتسب الخطيئة عن طريق الجسد، فهذا ما جعله يتجسد في صورة عيسى، ويخرج من بطن مريم ثم يموت على الصليب فداء للبشر، فيرضى الله بذلك عن بني آدم، وترتفع عنهم تلك الخطيئة؛ لأنهم يزعمون أن الله جلَّ وعلا منذ وقع آدم في الخطيئة، وهو غضبان على بني آدم بسبب الخطيئة، ولابد بناء على عدله أن يعذبهم، وهو بناء على رحمته يحب أن يرحمهم، فأنزل ابنه ليكون الوسيط والفداء الذي يقع عليه العدل، فيعذب على الصليب حتى الموت، فيكون موته فداء لبني آدم، فيمكن بعد ذلك رحمة بني آدم؛ لأن العقاب قد حلَّ بالوسيط المخلص، فكان بهذا المسيح هو الذي جمع بين عدل الله ورحمته، وفتح باب رحمة الله لخلقه مرة أخرى. فتبين أن هنا أمران وهما: الصلب، والفداء فنبين ما يتعلق بكل واحد منهما: الصلب: أ- قصة الصلب إجمالا كما وردت في الأناجيل: يعتقد النصارى كما سبق بيانه أن المسيح مات مصلوباً. وقصة الصلب كما وردت في الأناجيل باختصار هي: أن المسيح عليه السلام طلبه اليهود ليقتلوه؛ لأنه في زعمهم كفر بالله، فدلَّهم على مكانه أحد أتباعه- وهو يهوذا الإسخريوطي- بعد أن أغروه بالمال، فقبضوا عليه ليلة الجمعة بعد أن كان قد فرغ من صلاة طويلة تضرع وتوسل فيها إلى الله عزَّ وجلَّ أن لا يذيقه هذه الكأس، ثم ساقوه إلى دار رئيس كهنة اليهود الذي تحقق من أنه مستحق للقتل، ثم حمل إلى دار الوالي الروماني الذي حكم عليه بالصلب بناء على رغبة اليهود، فصلب الساعة الثالثة صباحاً من يوم الجمعة ومات على الصليب الساعة التاسعة مساء، أي: وقت العصر، بعد أن صاح: (إلهي إلهي لماذا تركتني). ثم أُنِزْل من الصليب في تلك الليلة، وأُدِخْل قبرا بقي فيه تلك الليلة، ثم نهار السبت، ثم ليلة الأحد، ولما جاؤوا إليه صباح الأحد وجدوا القبر خاليا، وقيل لهم: إنه قام من قبره ثم إنه ظهر لهم في الجليل وكلمهم، وبقي معهم أربعين يوماً، ثم ارتفع إلى السماء وهم ينظرون إليه، هذا ما ورد في الأناجيل عن قصة الصلب اجمالاً. ب- اختلاف المعلومات الواردة في الأناجيل عن الصلب: إذا نظرنا إلى قصة الصلب في الأناجيل نجدها مختلفة في أكثر نقاطها، وإليك بيان الاختلافات الموجودة في رواية هذه القصة: 1 - ذكر لوقا: أن ملكاً من الملائكة تراءى للمسيح يقوي عزيمته في آخر صلاة صلاها. ولم يذكر ذلك الآخرون. 2 - ذكر لوقا: أن المسيح صلى مرة واحدة، ولم يوقظ تلاميذه إلا مرة واحدة، أما متَّى ومرقص، فذكرا أن ذلك تكرر ثلاث مرات، ويوحنا لم يذكر من ذلك شيئاً.

3 - أن الأناجيل الثلاثة متَّى ومرقص ولوقا ورد فيها: أن العلامة بين يهوذا الذي دلَّ اليهود على مكان المسيح، واليهود الذين جاؤوا للقبض على المسيح هي أن من يقبله فهو المسيح، ويوحنا ذكر أن المسيح خرج إليهم وسألهم عمن يطلبون، فقالوا: يسوع. فقال لهم: أنا هو. 4 - أن يوحنا ذكر: أن اليهود لما قبضوا على المسيح ساقوه إلى حنان الذي كان حماً لرئيس الكهنة قيافا، أما الأناجيل الأخرى فلم تذكر ذلك، بل ذكرت أنهم ذهبوا به مباشرة إلى قيافا رئيس كهنة اليهود. 5 - ذكر يوحنا: أن بطرس وتلميذاً آخر تبعا المسيح إلى رئيس الكهنة بعد أن قبض عليه، أما الآخرون فلم يذكروا سوى بطرس الذي خرج بعد ذلك، ولم يشاهد المحاكمة. 6 - سؤال رئيس الكهنة للمسيح وقت المحاكمة حسب مرقص: (أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو، وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء). وفي متَّى: (أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع: أنت قلت. وأيضا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء). وفي لوقا أن الجماعة سألوه: (إن كنت أنت المسيح فقل لنا، فقال لهم: إن قلت لكم لا تؤمنون، وإن سألتكم لا تجيبوني ولا تطلقوني. ولكن من الآن يكون ابن البشر جالسا عن يمين قدرة الله. فقال الجميع: أفأنت ابن الله؟ فقال لهم: أنتم تقولون: إني أنا هو). وفي يوحنا أن رئيس الكهنة سأل المسيح عن تلاميذه وعن تعليمه، فأجابه، وليس في شيء منها قوله السابق عن نفسه. 7 - الأناجيل الثلاثة ذكرت: أن المسيح لما ذهب به اليهود إلى بيلاطس الوالي الروماني، فسأله عما يتهمونه به من أنه ملك اليهود، لم يجبه المسيح بشيء حتى تعجب منه بيلاطس. أما أنجيل يوحنا فيذكر كلاماً بين المسيح وبيلاطس. 8 - الأناجيل الثلاثة ذكرت أن الصليب الذي صلب عليه المسيح سخر له رجل اسمه (سمعان القيرواني) لحمله. أما أنجيل يوحنا فيذكر أن المسيح هو الذي حمل صليبه. 9 - ذكر لوقا: أن المسيح التفت إلى الجموع وهو في طريقه إلى الصليب، وحذَّرهم مما سيقع لهم في الأيام القريبة من الأمور الخطيرة العظيمة. ولم يذكر ذلك أي من الأناجيل الأخرى. 10 - إن علة صلب المسيح حسب لوقا مكتوبة على الصليب هكذا (هذا هو ملك اليهود) باليونانية واللاتينية، والعبرانية. وفي مرقص (ملك اليهود) ولم يذكر اللغات التي كتب بها. وفي متَّى (هذا هو يسوع ملك اليهود) ولم يذكر اللغات. وفي يوحنا (يسوع النصارى ملك اليهود) باليونانية واللاتينية والعبرانية. 11 - أن مرقص ومتَّى ذكرا: أن اللصين اللذين صلبا مع المسيح كانا يعيرانه مع الناس. أما لوقا فقد ذكر: أن أحدهما عيَّره، أما الآخر فردَّ عليه، ودافع عن المسيح، ولم يذكر يوحنا ذلك. 12 - ذكر يوحنا: أنه كان يقف عند الصليب أم المسيح وأخت أمه ومريم المجدلية مع التلميذ الذي يحبه المسيح، ويعني نفسه. وأما لوقا ومرقص ومتَّى فقد ذكروا: أن نساء من بعيد كن ينظرن إليه، من بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويسى وسالومة وأخر كثيرات، ولم يذكروا حضور أي تلميذ من تلاميذه الصلب. 13 - في متَّى ومرقص: أن المسيح صرخ في الساعة التاسعة وقال: (ألوى ألوى لما شبقتني. الذي تفسيره (إلهي إلهي لماذا تركتني؟). وفي لوقا قال: (ونادى يسوع بصوت عظيم قائلا: يا أبت في يديك أستودع روحي). وفي يوحنا أنه لم يصرخ وإنما قال: (قد أكمل، ونكس رأسه، وأسلم الروح).

14 - الاختلاف في الأحداث بعد الصلب حيث قال متَّى: (انشق حجاب الهيكل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبر بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين). وفي مرقص (انشق حجاب الهيكل إلى اثنين). وفي لوقا (أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل). ويوحنا لم يذكر من ذلك شيئا. 15 - الاختلاف في عدد ووقت الذين جاؤوا صباح الأحد لمشاهدة القبر الذي فيه المسيح ووجدوه خاليا - وقد سبق ذكر ذلك. فهذه الاختلافات العديدة بينهم في رواية أعظم حادث في حياة المسيح- حسب معتقد النصارى- وهو: الصلب، إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنه ليس لديهم علم مؤكد ومحقق في هذا الأمر، وأن ذلك كله من باب الظن والخرص الذي لا يغني من الحق شيئا، ولو كان عندهم فيه شيء مدون، أو رواة ثقات عاينوا وشاهدوا الأحداث لما اختلفوا فيه. وإن من دلالة صدق الرواة لحدث من الحوادث اتفاقهم على رواية الخبر وتفاصيل وقائعه، وإن من دلالة كذب الرواة أو عدم علمهم به اختلافهم في رواية الخبر وتباين كلامهم عنه. وهذا حقيقة حال النصارى في هذا الحادث الذي قامت النصرانية المحرفة كلها عليه، كما سبق بيانه، فإنهم ليس عندهم علم به مؤكد، إن يظنون إلا ظنا. وانظر واستمع إلى دقة كلام الله عزَّ وجلَّ في تعبيره عن الواقعة وعن رواتها حيث قال عزَّ وجلَّ: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157 - 158] فأكَّد الله جلَّ وعلا عدم صلبه، وأنه رفعه إليه، وبيَّن أن الأمر قد شُبِّه على اليهود الذين زعموا أنهم صلبوه، كما أن الذين اختلفوا فيه- وهم النصارى الضالون- علمهم فيه غير مؤكد؛ إذ هم متبعون للظن في قولهم وزعمهم، ويؤكد ذلك ويبينه أن الأناجيل الثلاثة متَّى، ومرقس، ولوقا, قد ذُكر فيها: أن التلاميذ حال القبض على المسيح تركوه وفروا جميعاً، فهم لم يعاينوا القبض عليه، ولا محاكمته، ولا رفعه على الصليب، ولا موته، ولا دفنه، ولا قيامته من القبر، وأن الذي شاهد الصلب مجموعة من النساء كن ينظرن إليه من بعيد. أما رواية إنجيل يوحنا بأن التلميذ الذي يحبه المسيح كان حاضراً وقت المحاكمة وعند الصلب، وكذلك أم المسيح كانت موجودة وقت الصلب، فهي رواية غير صحيحة لاشك لمخالفتها لرواية الأناجيل الثلاثة الأخرى. كما أن إنجيل يوحنا هو أقل الأناجيل نصيباً من الصحة - كما سبق بيانه في فصل المصادر. جـ - حقيقة نهاية المسيح عليه السلام على الأرض ومجيئه مرة أخرى: الحق بالنسبة للمسيح عليه السلام أن الله عزَّ وجلَّ أنجاه من أعدائه اليهود، وهذا الذي يتناسب مع سؤال المسيح وتضرعه إلى الله أن يعبر عنه هذه الكأس، فقد استجاب الله له ورفعه إليه، قال الله تعالى:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِما أنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. [آل عمران:52 - 55] وقوله: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ المراد به من الاستيفاء وهو القبض، أو النوم، على معنى قول الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ [الأنعام:60]، أو أن فيها تقديما وتأخيراً، تقديره رافعك إليَّ ومتوفيك. وقال عزَّ وجلَّ رادًّا على اليهود ادعاءاتهم على المسيح وأمه مبيناً الحق فيما يتعلق بنهاية المسيح عليه السلام: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. [النساء: 156 - 158].وقد دلت السنة على أن المسيح عليه السلام سينزل آخر الزمان، وفي هذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لايقبله أحد)) (¬1). وقد أجمع المسلمون على هذه العقيدة وهي أن المسيح عليه السلام سينزل آخر الزمان بناء على تواتر الأحاديث في ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع من العقلانيين في هذه الأزمان المتأخرة ممن زعموا أن هذه عقيدة يهودية دخلت على المسلمين، وتابعهم على ذلك كثير من الكتاب الذين ليس لهم علم بهذه الأمور سوى التقليد. والحق أن هذه العقيدة ثبتت بالأدلة الصحيحة من السنة، وأجمع علماء الإسلام عليها، مما لاحاجة لنا معه إلى قول أحد من الناس وتخرصاته. ومما يجدر ذكره هنا أن النصارى يعتقدون رجعة المسيح قبل يوم القيامة، وأنه سيحاسب الناس ويضم أتباعه إليه. ومن النصوص الدالة على ذلك عندهم ماورد في سفر أعمال الرسل (1/ 15) بعد رفع المسيح إلى السماء قولهم: (أيها الرجال الجليليون، مابالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء). وكذلك اليهود يؤمنون بأن مسيحاً سيأتي آخر الزمان، وينتصر به اليهود على أعدائهم، واليهود منذ زال ملكهم وهم ينتظرون ذلك المسيح الذي يعيد إليهم ملكهم. وإن في ذلك أمراً عجيباً له دلالات عجيبة غريبة، نشير إلى ما يبدو منها مما فيه تأييد للوحي والحق، فأقول: ¬

(¬1) رواه البخاري (2222) ومسلم (155)

إن مما لاشك فيه ولا مرية أن المسيح عليه السلام قد رفعه الله إلى السماء، كما ذكر الله عزَّ وجلَّ ذلك في القرآن، وسوف ينزل آخر الزمان كما ثبت في السنة، وهما المصدران اللذان لم تشُبهما شائبة التحريف، ولم يطلهما تغيير ولاتبديل، وكما ارتفع المسيح عليه السلام بشراً، سيعود بشراً ليس إلهاً ولا ابن إله، كما زعم النصارى, ونزوله عليه السلام من علامات الساعة الكبرى، أي: الأمارات الدالة على قرب قيام الساعة. ومما لاشك فيه ولامرية أيضاً أن هناك رجلا آخر سيسبق مجيء المسيح عيسى عليه السلام ألا وهو المسيح الدجال، وهو مسيح الضلالة والغواية، والدعوة إلى الكفر، ونصير الكفار، فهما مسيحان سيأتيان في وقت متقارب جدًّا إذا ظهر أولهما لحقه الآخر، هذا مما ثبت لدينا نحن المسلمين بالأدلة القاطعة الثابتة، فإلى أيهم سينتمي الناس؟.لاشك أن المسلمين الصادقين سينتمون إلى مسيح الهداية والخير عيسى بن مريم عليه السلام، بل إن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام سينزل عليهم في جماعتهم عند إقامة الصلاة، فقد ورد في حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)) (¬1) وقال: ((فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة)) (¬2). أما اليهود والمنافقون والكفار فإنهم ينضمون إلى مسيح الضلالة، المسيح الدجال. أما أنحياز اليهود إليه فلأنه يهودي منهم، فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ابن صياد قال لأبي سعيد رضي الله عنه: يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ألم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه يهودي))؟ يعني الدجال. (¬3) وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)) (¬4) كما أن قتله يكون بين اليهود في فلسطين بباب لد. فهذا فيه دلالة واضحة على أن المسيح الدجال هو الزعيم والملك الذي ينتظره اليهود بفارغ الصبر. ¬

(¬1) رواه مسلم (1923) من حديث جابر. (¬2) رواه مسلم (156) (¬3) رواه مسلم (2927) (¬4) رواه مسلم (2944)

وإن من عجيب قدر الله جلَّ وعلا أن اليهود كانوا قبل مجيء المسيح عيسى عليه السلام ينتظرون مسيحاً، إلا أن آمالهم كانت متعلقة بشخصية محاربة يملكون بها الدنيا، ويعيدون لأنفسهم بها ما سلف من مجدهم، وما أندثرمن عزهم بسبب كفرهم، ويرفعون عن أنفسهم تسلط الرومان، الذين كانوا متسلطين عليهم في ذلك الزمان، فلما جاءهم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام نبيًّا كريماً ذا خصال حميدة وخلال كريمة، يدعو إلى التوبة والإيمان، والتقوى والإحسان، والعفو عن الظالم، والصبر على البلاء، نفروا منه نفوراً شديداً، وكرهوه وكرهو دعوته عليه الصلاة والسلام، فسعوا بناء على ذلك إلى قتله تخلصاً منه، حيث خيب آمالهم في تملك الدنيا، وإخراجهم من الذل الذي كانوا فيه، إلا أن الله سبحانه بكريم فضله وعظيم إنعامه أنقذ عبده ورسوله منهم وأنجاه ورفعه إليه، وحاق بالذين حاولوا قتله البلاء العظيم، فبعده بمدة وجيزة حلَّ باليهود عذاب أليم وبلاء شديد، تشتتوا بسببه في أنحاء الارض شذر مذر. ثم إن مما سيكون من عجيب القدر والتقدير أن الذي هو أمل اليهود في السيطرة على العالم، وزعيمهم الذي سيخُضِع العالم لهم سيأتي ولا قِبَل لأحد من الناس به، إلا أن الله عزَّ وجلَّ ادَّخر له عيسى ابن مريم عليه السلام الذي لم يقبله اليهود؛ لأنه لم يحقق لهم أطماعهم، ولم يستجب لأهوائهم، حيث سيكون على يديه الكريمتين هلاك ملك اليهود، ورجائهم في السيطرة والغلبة، فبعد ظهور المسيح الدجال واتباع اليهود وأهل الضلالة له، ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((فينزل - يعني عيسى عليه السلام- عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه – أي: المسيح عيسى عليه السلام يطلب ويلحق المسيح الدجال- حتى يدركه بباب لدٍّ في فلسطين فيقتله .. )) (¬1). فيكون بذلك دمار اليهود النهائي، ودمار ملكهم على يدي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أولاً، ثم سائر المؤمنين من بعده، حيث ستكون مقتلة عظيمة يقتل بها جميع اليهود في فلسطين، والمسيح الدجال من أعظم البلايا والفتن على بني الإنسان، فإنه ما من نبي إلا حذَّر أمته منه، فقد روى عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذره قومَه، لقد أنذره نوح قومَه، ولكن أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، تعلموا أنه أعور، وإن الله تبارك وتعالى ليس بأعور)) (¬2).وللدجال طاقات ومقدرة وقوة يفتن بها الناس، ويدعو الناس إلى عبادة نفسه، حيث سيزعم أنه رب وإله، فمن تابعه نال مما معه من لذة الدنيا ومتعها، ومن خالفه أصابه بلاء وعناء، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام في بيان سرعته في السير في الأرض وماأُعْطِيَ من قوة: ((قلنا: يارسول الله، وما إسراعه في الأرض؟، قال: (كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمرُّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) (¬3). فلهذه الفتن التي تكون معه يتبعه المنافقون وأهل الأهواء والكفار. أما النصارى ..... والله أعلم أن أكثرهم سيكون من أتباع مسيح الضلالة المسيح الدجال، وأنه سيكون فتنة عظيمة لهم. وذلك أن النصارى ينتظرون مسيحاً هو الرب والإله في زعمهم، فإذا جاء المسيح الدجال فإنه يدَّعي الربوبية ومعه جنة ونار- كما ورد في الحديث- فمن آمن به أدخله جنته، ومن لم يؤمن به أدخله ناره، وماجنته إلا نار الآخرة وما ناره إلا جنة الآخرة. ثم إن النصارى يظنون أنه سيكون في هذه الدنيا حساب وإدانة للناس من قبل المسيح عيسى في زعمهم، فهذه كلها دلائل تشير إلى أنهم سيفتنون به إلا من عصمه الله منهم، واستبان له حقيقة ذلك الدجال بما جعل الله في خلقته من القبح والنقص، وما سيكون لاشك في دعوته وديانته من الفساد والانحراف والكفر. ولكن أنَّى للنصارى أن يتبينوا الفساد في الديانة، وهم على ديانة غاية في الانحراف، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – بتصرف - ص 304 ¬

(¬1) رواه مسلم (2937) (¬2) رواه البخاري (3057) , ومسلم (169) (¬3) رواه مسلم (2937).

المطلب الثاني: الفداء:

المطلب الثاني: الفداء: الفداء: هو اعتقاد النصارى أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم التي انتقلت إلى أبنائه بالوراثة. أ- أدلة النصارى على الفداء: يزعم النصارى أن مستندهم في ذلك الكتاب المقدس، ونورد فيما يلي بعض النصوص التي يستدل بها النصارى لهذه العقيدة منها: 1 - (أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف). يوحنا (10/ 11). 2 - (لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية) يوحنا (3/ 16). 3 - (إن ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَمَ بل ليَخْدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين) مرقص (10/ 45). هذا مما ورد في الأناجيل. ومما ورد في كلام النصارى في العهد الجديد: 1 - في رسالة يوحنا الأولى (3/ 16): (بهذا أظهرت المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا). 2 - قال بولس في رسالته لكورنثوس (1/ 15/3): (مات من أجل خطايانا حسب الكتب). وأيضاً في كورنثوس (5/ 21): (إن الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا؛ لنصير نحن برَّ الله فيه). وقال في رسالته لأهل أفسس (2/ 16): (أسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة). ب- بيان بطلان أدلتهم وكلامهم في الفداء: الأدلة التي أوردها النصارى لا قيمة لها ولا اعتبار في مسألة الفداء؛ لعدة أمور: أولاً: أن الاستدلال بما ورد في الأناجيل فرع عن ثبوت صحة تلك الأناجيل وسلامتها من التحريف، وقد سبق بيان حال هذه الأناجيل، وأن النصارى لا يملكون أدلة لثبوتها. ومثلها في الضعف الرسائل الملحقة بها، وبولس الذي كثر كلامه عن الفداء في رسائله، كلامه غير مقبول؛ لأنه لم يشاهد المسيح، ولم يسمع كلامه، فما ذكره لم يسنده عن الحواريين، ولم يبين مصدره فيه، فهو من قِبَل نفسه. ثانياً: أن جميع النصوص التي يذكرونها في الدلالة على أن الصلب وقع فداء للبشر ليس فيها نص واحد يعيِّن الخطيئة التي يزعم النصارى أن الفداء كان لأجلها، وهي خطيئة أبينا آدم التي انتقلت في زعم النصارى إلى أبنائه بالوراثة، فجميع النصوص لا تعيِّن هذا الأمر ولا تحدده، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى المتأخرين، الذين حاولوا أن يرقعوا بها فساد القول بالفداء كفارة عن الخطايا. ثالثاً: أن كلام النصارى في الخطيئة التي رفعها المسيح عليه السلام بموته المزعوم على الصليب كلام مضطرب، ولا ينصون في كلامهم على الخطيئة التي كفرها المسيح في كل مقام. رابعاً: أن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين: أحدهما: تكفير خطايا الناس التي اقترفوها في الماضي، أو التي سيقترفونها في المستقبل، وكلاهما باطل. أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلهي في زعمهم، وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافيا. أما الخطايا المستقبلة فلا يستطيع النصارى أن يزعموا أن صلب المسيح مكفر لها؛ لأن ذلك يعني إباحتها، وعدم ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم، وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا، وفتح للإباحية والفجور والكفر. مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع فيه الإنسان من الآثام، وهي الخطايا الماضية؛ إذ التكفير من كفر، أي: ستر وغطَّى، ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث. ثانيهما: ما ذكره كثير من النصارى- وهو تكفير خطيئة آدم عليه السلام التي انتقلت إلى أبنائه- هو ادعاء باطل كما سبق بيانه، وسيأتي زيادة لبيان أوجه البطلان أيضا.

وحقيقة قولهم في الفداء هو: أنهم اخترعوا هذه الفرية، وادَّعوها بدون دليل من شرع أو عقل حتى يبرروا قضية الصلب التي اعتقدوها وآمنوا بها، ويرفعوا عن المسيح تلك السبة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن، فادَّعوا أن الصلب هو الشرف الحقيقي، وهو الهدف الأسمى من رسالة المسيح، وأنه لولا الصلب ما جاء المسيح، فأخذوا يدندنون حول هذا الأمر، ويبحثون له عن الأوجه التي تجعله في حيز المقبول والمعقول. إلا أن كلامهم في الحقيقة يزيد الأمر تعقيداً وإرباكا للقارئ والسامع، وإليك مقتطفات من كلام (ج. ر. و. ستوت) في كتابه (المسيحية الأصيلة) في الموضوع حيث افتتح الكلام عن معنى الصليب بقوله: (ولكن لا أجسر أن أتناول الموضوع (يعني معنى الصلب) قبل أن أعترف بصراحة بأن الكثير منه سوف يبقى سرًّا خفيًّا؛ ذلكم لأن الصليب هو المحور الذي تدور حوله أحداث التاريخ! وياللعجب كيف أن عقولنا الضعيفة لا تدركه تماماً، ولابد أن يأتي اليوم الذي فيه ينقشع الحجاب، وتحل كل الألغاز، ونرى المسيح كما هو ... ). ثم يقول في آخر الكلام بعد فلسفة مطولة استغرفت عشر صفحات: (ومن المدهش أن هذه القصة الخاصة بيسوع ابن الله الذي حمل خطايانا ليست محبوبة في عصرنا الحاضر، ويقال عن حمله خطايانا ورفعه قصاصها عنا: إنه عمل غير عادل وغير أدبي وغير لائق ويمكن تحويله إلى سخرية وهزء ... ثم قال: وفوق الكل يجب أن لا ننسى (أن الكل من الله) نتيجة رحمته ونعمته المتفاضلة، فلم يفرض على المسيح قصاصاً لم يكن هو نفسه مستعدًّا له، فإن الله (كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه) فكيف يمكن أن يكون الله في المسيح بينما جعل المسيح خطية لأجلنا؟ هذا ما لا أستطيع أن أجيب عنه. ولكن الرسول عينه يضع هاتين الحقيقتين جنبا إلى جنب، وأنا أقبل الفكرة تماماً، كما قبلت أن يسوع الناصري هو إنسان وإله في شخص واحد. وان كانت تبدو ظاهريا على شيء من التناقض، لكني أراه في عمله كما أراه في شخصه، وإن كنا لا نستطيع أن نحل هذا التناقض، أو نفك رموز هذا السر، فينبغي أن نقبل الحق كما أعلنه المسيح وتلاميذه، بأنه احتمل خطايانا، بمعنى أنه احتمل قصاص الخطية عنا كما تعلمنا الكتب). وإننا لنعجب غاية العجب من هذا الاعتراف بعدم معقولية هذه العقيدة ثم الإصرار عليها، فهذا غاية الضلال والانحراف، وكان الأولى بهم إذ لم يعقلوا هذه المسائل أن يبحثوا في مصادرها حتى يظهر لهم الحق، فان تلك المصادر أساس الانحراف والضلال الذي يوجد لدى النصارى، سواء في ذلك الأناجيل أو الرسائل الملحقة بها، ولكن يزول عجبنا إذا علمنا أن ما عليه النصارى من انحراف وضلال إنما هو صيغة محسنة من الوثنيات السابقة، فرأى النصارى أنها شيء جميل بالنسبة لما كانوا عليه من الوثنيات، وما عرفوا الإسلام وما فيه من الحق والجمال والانسجام والوضوح الذي يبعث في النفس الطمأنينة والراحة، لما هي عليه من عقيدة، ولو أن النصارى وأهل الكتاب عموماً أصغوا إلى الدعوة الربانية الواردة في القرآن الكريم لزالت وانكشفت عنهم من الحيرة التي ولجوا فيها ولم يستطيعوا الخروج منها، ومن ذلك آيتان كريمتان فيهما شفاء لما هم فيه، أما الآية الأولى فقوله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15 - 16]. أما الآية الثانية: فقوله عز وجل: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة: 77]. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 320

المطلب الثالث: بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء:

المطلب الثالث: بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء: إن دعوى الصلب والفداء مناقضة في الحقيقة للشرع والعقل، فمما يبين ذلك ويدل على بطلان دعواهم- إضافة لما سبق- أن يقال لهم: 1 - إن آدم عليه السلام الذي يزعمون أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عزَّ وجلَّ: ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:122]. وقد قبل الله توبته. كما أنه عوقب عليه السلام بإخراجه من الجنة وتأثر أبناؤه بالعقوبة، وإن لم يكونوا مقصودين بها. كما أورد اليهود في كتابهم أن الله قال لآدم: (لأنك يوم تأكل من الشجرة موتا تموت) سفر التكوين (2/ 17). وقد وقع هذا لآدم بعد الأكل من الشجرة بإخراجه وزوجته من الجنة إلى الأرض ثم موتهم فيها، فقد عوقبا بذلك، كما ينص اليهود على إخراجهما من الجنة إلى الأرض التي فيها الكد والتعب. فمن أين أتى النصارى بفرية خطيئة آدم، وأحيوها هذا الإحياء، وألبسوها هذا اللبوس؟!!! 2 - إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له، وهذا ذنب منه في حقِّ الله عزَّ وجلَّ الذي نهاه عن الأكل منها، فالذنب بهذا لم يكن يلزم للتكفير عنه أن ينزل الرب جل وعلا ليصلب على الصليب، بعد أن يُهان ويُذل من أجل أن يرضي نفسه، بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط، وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القرآن الكريم. 3 - أن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيرا بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عزَّ وجلَّ والاستهزاء به، وعبادة غيره جلَّ وعلا، والإفساد في الأرض بالقتل، ونشر الفساد والفتن، وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك، فهذه أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام. فعلى كلام النصارى أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم. 4 - إن صلب المسيح الذي هو الله في زعمهم- تعالى الله عن قولهم- قد تمَّ بلا فائدة تذكر، فإن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم إنما ما يقلق الإنسان ويخيفه ذنوبه وجرائمه، وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم. 5 - إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم، وسأل الله أن يغفرها له، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى. 6 - إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح بناء على كلامهم هذا, كانوا يدعون إلى ضلالة، وقد أخطؤوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة، ويوعوهم بخطورتها، كما يفهمها النصارى. 7 - إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة؛ لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى. 8 - إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً، فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه. 9 - إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه، ولا يستحقون هم العقوبة عليها؛ لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره، بل هذا ينافي قواعد العدل، وقد نصَّ الله عزَّ وجلَّ على هذا في القرآن الكريم بقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]. وكذلك ورد في التوراة (لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل). سفر التثنية (24/ 16). 10 - هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟ والمسيح في زعم النصارى ابن الله، فهو ليس من جنس بني آدم، فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة؛ لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم.

11 - أن المسيح في زعم النصارى ابن الله، فأين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه، ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة؟! 12 - في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وأن المصلوب المهان الملعون- تعالى الله عن قولهم، وتقدَّس- هو الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه، فهل يوجد كفر أعظم من هذا، وافتراء على الله أكبر من هذا؟ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:139]. 13 - هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه، ويسمح لأبغض أعدائه إليه اليهود قتلة الأنبياء، والرومان الوثنين أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه؟ ثم هو يفعل هذا؟ لماذا؟ لأجل أن يرضي نفسه؟ لأجل من؟ من أجل عبيده؟ هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال، بل يجب أن يستعاذ بالله من الشيطان الرجيم عند مرور مثل هذا الخاطر والوسواس، ويقال: سبحانك هذا بهتان عظيم! 14 - حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس برًّا وفضلاً على النصارى والبشرية عموماً اليهود والرومان والواشي بالمسيح؛ لأنهم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح، وهو الموت على الصليب. 15 - إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه، مما جعل اليهود يغضبون عليه، فيعلقونه على الصليب. 16 - بناء على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه، فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك؛ لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه، مثل من كان عليه دين فجاء أحد من الناس فقضى ذلك الدين عنه، فالمطالبة تسقط عنه بمجرد القضاء، وهذا ما لا يقول به النصارى مخالفين في ذلك دليل العقل. 17 - إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع على الجسد البشري الذي حمل الخطيئة، وأن هذا الجسد مات. دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم، فلو كان تجسد لأجل تحمل الخطيئة، فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه. 18 - إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه، ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية؛ لأن الدور الذي تجسد من أجله قد أدَّاه وانتهى، ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه، وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون. بعد هذا كله من حق الإنسان أن يتساءل: هل النصارى على درجة كبيرة من الذكاء والخبث الشيطاني الذي جعلهم يُغلِّفون بغضهم لله عزَّ وجلَّ، وبغضهم للمسيح عليه السلام بهذه الدعاوى الكاذبة التي يظهرونها، ويُصرون على التمسك بها بدون أدنى دليل عقلي أو شرعي، زاعمين أنهم يعبرون بذلك عن شدة حبهم لله عزَّ وجلَّ وشدة حبهم للمسيح أيضاً؟! أم أنهم على درجة شديدة من الغباء والحمق الغالي الذي جعلهم لا يميزون بين ما هو ثناء وحب حقيقي، وبين ما هو طعن وسخرية وبغض وأحقاد تنفث على الله عزَّ وجلَّ وعلى نبيه المسيح عليه السلام؟ وصدق الله القائل: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8]. وفي ختام الكلام على هذه العقيدة الباطلة لابد من الإشارة إلى أن الديانة النصرانية كلها تقوم على مسألة الصلب، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها، إذ ليس في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب الناس إليها، وليس فيها ما يمكن أن يتحدث فيه، ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون عليها تركيزاً شديداً، وهي مسألة: الصلب والفداء، وذلك بإيحائهم للناس أنهم هالكون مردودة عليهم أعمالهم مغضوب عليهم منذ ولادتهم وقبل أن يولدوا، مما يجعل الإنسان الجاهل بحقيقة الأمر يحس بثقل عظيم على كاهله من تلك الرزية والخطيئة التي لم يكن له دور فيها، ثم إنهم بعد أن يوقعوا الإنسان فريسة الشعور بالذنب والخطيئة، وتأنيب الضمير، والخوف من الهلكة، يفتحون له باب الرجاء بالمسيح المصلوب، فيزينون له ذلك العمل العظيم الذي قام به المسيح لأجل الناس، ويدعونه إلى الإيمان به، فإذا كان ممن لم يتنور عقله بنور الهداية الربانية ونور الإسلام يجد أن هذه هي الفرصة العظيمة التي يتخلص بها، وما علم المسكين أن الأمر كله دعوى كاذبة وخطة خبيثة للإيقاع به وأمثاله. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 327

المبحث الخامس: أهم الأفكار والمعتقدات الأخرى:

المبحث الخامس: أهم الأفكار والمعتقدات الأخرى: يمكن إجمال أفكار معتقدات النصرانية بشكل عام فيما يلي، علماً بأنه سيفصل فيما بينهم من خلاف في المباحث التالية: الألوهية والتثليث: مع أن النصرانية في جوهرها تُعنى بالتهذيب الوجداني، وشريعتها هي شريعة موسى عليه السلام، وأصل اعتقادها هو دين الإسلام حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأنبياء إخوة لعَلَّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد)) (¬1) لكنه بعد ضياع الإنجيل وظهور العشرات من الأناجيل والمجامع والدعاوى المنحرفة استقرت أصول عقائد النصرانية على ما يلي: - الإله: الإيمان بالله الواحد، الأب مالك كل شيء، وصانع ما يرى وما لا يرى. هكذا في قانون إيمانهم، وواضحٌ تأثُّرهم بألفاظ الفلاسفة في قولهم: صانع ما يرى. والأولى قولهم: خالق ما يرى وما لا يرى. حيث بينهما فرق كبير؛ فالصانع يخلق على أساس مثال سابق، بينما الخالق على العكس من ذلك. - المسيح: إن ابنه الوحيد يسوع المسيح بكر الخلائق، ولد من أبيه قبل العوالم، وليس بمصنوع (تعالى الله عن كفرهم علوًّا كبيراً)، ومنهم من يعتقد أنه هو الله نفسه- سبحانه وتعالى عن إفكهم- وقد أشار القرآن الكريم إلى كلا المذهبين، وبيَّن فسادهما، وكفَّر معتقدهما؛ يقول تعالى: وقَالت اليهودُ عُزيرٌ ابنُ الله وقَالت النصارى المسيحُ ابن الله [التوبة: 30]. وقال تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيحُ ابنُ مَريم [المائدة: 72]. ـ روح القدس: إن روح القدس الذي حلَّ في مريم لدى البشارة، وعلى المسيح في العماد على صورة حمامة، وعلى الرسل من بعد صعود المسيح، الذي لا يزال موجوداً، وينزل على الآباء والقديسين بالكنيسة يرشدهم ويعلمهم، ويحل عليهم المواهب، ليس إلا روح الله وحياته، إله حق من إله حق. - الأقانيم: ولذلك يؤمنون بالأقانيم الثلاثة: الآب، الابن، الروح القدس، بما يُسمونه في زعمهم وحدانية في تثليث، وتثليث في وحدانية. وذلك زعمٌ باطل صعُب عليهم فهمه، ولذلك اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً، وكفرت كل فرقة من فرقهم الأخرى بسببه، وقد حكم الله تعالى بكفرهم جميعاً إن لم ينتهوا عما يقولون، قال تعالى: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 73]. - الصلب والفداء: المسيح في نظرهم مات مصلوباً فداءً عن الخليقة؛ لشدة حب الله للبشر ولعدالته، فهو وحيد الله - تعالى الله عن كفرهم- الذي أرسله ليخلص العالم من إثم خطيئة أبيهم آدم وخطاياهم، وأنه دفن بعد صلبه، وقام بعد ثلاثة أيام متغلباً على الموت ليرتفع إلى السماء. - قال تعالى مبيناً حقيقة ما حدث وزيف ما ادعوه: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 157، 158]. - الدينونة والحساب: يعتقدون بأن الحساب في الآخرة سيكون موكولاً للمسيح عيسى بن مريم الجالس- في زعمهم- على يمين الرب في السماء؛ لأن فيه من جنس البشر مما يعينه على محاسبة الناس على أعمالهم. ¬

(¬1) رواه مسلم (2365) بلفظ (من علات) وأحمد (2/ 406) (9259) وابن حبان (6814) والحاكم (2/ 648) (4153)

- الصليب: يعتبر الصليب شعاراً لهم، وهو موضع تقديس الأكثرين، وحملُه علامة على أنهم من أتباع المسيح، ولا يخفى ما في ذلك من خفة عقولهم وسفاهة رأيهم، فمن الأولى لهم أن يكرهوا الصليب ويحقروه؛ لأنه كان أحد الأدوات التي صلب عليه إلههم وسبب آلامه. وعلى حسب منطقهم فكان الأولى بهم أن يعظموا قبره الذي زعموا أنه دفن فيه، ولا مس جسده تربته فترة أطول مما لامس الصليب. مريم البتول: يعتقد النصارى على ما أضيف في قانون الإيمان أن مريم ابنة عمران والدة المسيح عليه السلام، هي والدة الإله، ولذا يتوجَّه البعض منهم إليها بالعبادة. - الدين: يؤمن النصارى بأن النصرانية دين عالمي غير مختص ببني إسرائيل وحدهم، ولا يخلو اعتقادهم هذا أيضاً من مخالفة لقول المسيح المذكور في (إنجيل متى)، الإصحاح (10:5، 6): (إلى طرق الأمم لا تتجهوا، ومدن السامريين لا تدخلوا، بل انطلقوا بالحري إلى الخراف الضالة من آل بني إسرائيل). - الكتاب المقدس: يؤمن النصارى بقدسية الكتاب المشتمل على: العهد القديم: والذي يحتوي التوراة - الناموس - وأسفار الأنبياء التي تحمل تواريخ بني إسرائيل وجيرانهم، بالإضافة إلى بعض الوصايا والإرشادات. العهد الجديد: والذي يشمل الأناجيل الأربعة: (متَّى، مرقس، لوقا، يوحنا) فقط، والرسائل المنسوبة للرسل، على أن ما في العهد الجديد يلغي ما في العهد القديم؛ لأنه في اعتقادهم كلمة الله، وذلك على خلاف بين طوائفهم في الاعتقاد في عدد الأسفار والرسائل، بل وفي صحة التوراة نفسها. - المجامع (التقليد): يؤمن النصارى بكل ما صدر عن المجامع المسكونية من أمور تشريعية، سواء في العقيدة أو في الأحكام، وذلك على خلاف بينهم في عددها. - الختان: يؤمن النصارى بعدم الختان للأطفال على عكس شريعة التوراة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السادس: خلاصة عقائد النصارى:

المطلب الأول: الخطيئة والخلاص: تزعم النصرانية أن آدم لما وقع في خطيئة الأكل من الشجرة احتاج الجنس البشري إلى التكفير، وإلى مخلِّص ينقذهم منها، وأن الله رحم بني آدم فنزل ابنه الوحيد ـ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا ـ لكي يصلب ويقتل تكفيرا عن تلك الخطيئة، ومن هنا وجب على كل البشر الإيمان بالمسيح ابناً لله، ومخلصا للبشر، ومكفرا عن خطيئتهم، ولهذا يقدس النصارى الصليب، ويجعلونه شعارهم الدائم.

المطلب الثاني: التثليث:

المطلب الثاني: التثليث: يتفق النصارى جميعا على أن الله ثلاثة، ويسمونها (ثلاثة أقانيم) وهي: الآب، والابن، وروح القدس، ثم يقولون: إن الثلاثة واحد. ولكنهم يختلفون في معنى الأقنوم، وفي طبيعة كل أقنوم وخصائصه اختلافا كبيرا، وما يزالون على مدار ألفي سنة يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا بسبب ذلك. ويشهد التاريخ الأوروبي أن ضحايا هذه الاختلافات فيما بينهم تفوق من قتل منهم على أيدي المسلمين واليهود والمجوس أضعافا كثيرة. والعجيب أن من أسباب هذا الاختلاف عدم تصور حقيقة التثليث حتى اعتقد بعض علمائهم أنه لا يمكن معرفته إلا يوم القيامة عندما تتجلى الحقائق.

المطلب الثالث: التوسط والتحليل والتحريم:

المطلب الثالث: التوسط والتحليل والتحريم: تؤمن المسيحية المحرفة بالتوسط بين الله والخلق في العبادة، وهذا التوسط هو مهمة رجال الدين، فعن طريقهم يتم دخول الإنسان في الدين واعترافه بالذنب وتقديم صلاته وقرابينه، وقد أدَّى هذا إلى أن يتحوَّل رجال الدين إلى طواغيت يستعبدون الناس، ويحللون لهم ويحرمون من دون الله، كما قال الله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: 31].وقد فسَّر الرسول صلى الله عليه وسلم عبادتهم بأنها طاعتهم في التحليل والتحريم، كما في حديث عدي بن حاتم (¬1)، وما يزال النصارى إلى اليوم إذا رأوا أن المصلحة تقتضي تحريم شيء أو تحليله يطلبون ذلك من (البابا) ورجال الدين، فتصدر القرارات التي قد تخالف نصوص الإنجيل. وقد أدَّى هذا المبدأ إلى نتائج سيئة؛ منها: إصدار صكوك الغفران، واحتكار رجال الدين القراءة والكتابة قرونا طويلة. 4ـ الإيمان بالكتب المقدسة عندهم (العهد القديم والعهد الجديد) وهي التوراة والرسائل. ¤ أصول الفرق والأديان والمذاهب لسفر الحوالي – ص 95 ¬

(¬1) رواه الترمذي (3095). قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث. وقال الذهبي في ((المهذب)) (8/ 4108): فيه غطيف ضعفه الدارقطني، وقيل غضيف.

المبحث السابع: دعوى محاسبة المسيح الناس:

المبحث السابع: دعوى محاسبة المسيح الناس: يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام سوف يتولَّى يوم القيامة محاسبة الناس وإدانتهم، ولهم على ذلك نصوص من إنجيل يوحنا وغيره. ومن ذلك ما ورد في (إنجيل يوحنا) (5/ 26): (كما أن الأب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً؛ لأنه ابن الإنسان). وجاء في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس (5/ 10): (لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح؛ لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً). وثبوت هذه العقيدة فرع عن ثبوت أصلها، وهي الأناجيل أو الرسائل، أما الأناجيل فقد سبق الحديث عنها، و (إنجيل يوحنا) أقلها نصيباً من الصحة. أما كلام بولس في رسائله فإنه غير مقبول؛ لأنه كما سيتبين يهودي متعصب، وهو أول من انحرف بالديانة النصرانية عن وجهها إلى الشرك ودعوى ألوهية المسيح إلى غير ذلك من الضلالات. وما نعتقده في ذلك أن الله عزَّ وجلَّ هو الذي يتولَّى حساب الناس يوم القيامة، ويكون الرسل شهوداً على أقوامهم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 333

المبحث الثامن: قول النصارى في البعث والجنة والنار:

المبحث الثامن: قول النصارى في البعث والجنة والنار: يعتقد النصارى بالبعث الجسدي. ورد في (قاموس الكتاب المقدس): (تتضمن القيامة بحسب تعليم الكتاب المقدس قيامة الأجساد وتغيير هذه الأجساد وبقاءها إلى الأبد ... ). ثم قال: (ولقد عَلَّم المسيح بوضوح بأن الموتى سيقومون). كما أن النصارى يؤمنون بالنعيم الأبدي في الجنة والعذاب الأبدي في النار، كما جاء في (إنجيل متى) (25/ 34) (ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ... فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية). إلا أنهم يزعمون أن الجنة ليس فيها أكل ولا شرب ولا نكاح ولا شيء من المتع الحسية، وإنما يعتقدون أن المتعة تكون برؤية الله فقط. فلهذا يقول ميخائيل مينا: (إن نعيم الأبرار هو عبارة عن اتصالهم بالله ورؤيتهم جلاله، ورؤية الله هي الجزاء الأعظم الفائق كل خير الذي يملأ رغبة كل إنسان، ويشبع شهوات نفسه، بل هو سعادته النهائية المشتهاة من كل مشاعره، والتي إليه تتجه كل أشواق قلبه). وإنكارهم هذا يعود إلى أنهم يرون أن الأجساد يوم القيامة ستكون أجساداً روحانية لا تحتاج إلى الطعام والشراب، وليس فيها شهوة الجماع، ولا فرق فيها بين جسد المرأة وجسد الرجل. ويستدلون لذلك بنصين: أحدهما في (إنجيل متَّى) (22/ 29) وفيه يقول المسيح: (لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء). والآخر من كلام بولس في كورنثوس الأولى (15/ 44) وهو يتحدث عن قيامة الأموات (يزرع جسماً حيوانياً ويقام جسماً روحانياً). وهذا الكلام من بولس لا دليل له عليه، وهو من اختراعاته وافتراءاته العديدة. أما النص المنسوب إلى المسيح فليس فيه سوى نفي الزواج، وليس فيه نفي الطعام والشراب، وقد ثبت في نصوص الأناجيل إثبات الطعام والشراب في الآخرة، فقد ذكر (لوقا) في (22/ 29): أن المسيح قال لتلاميذه الذين يؤمنون به: (وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتا لتأكلوا وتشربوا على مائدتي، وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر). وفي (إنجيل متى) (26/ 29) أن المسيح قال لتلاميذه بعد آخر شراب شربه معهم: (وأقول لكم: إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي). فهذه النصوص تعارض ذلك النص السابق الذي ينكر النعيم الحسي، وتدل على عدم صحته؛ لأن الحق أن أهل الجنة يتنعمون فيها نعيماً كاملاً، ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم، وبيَّنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً، وليس هناك مانع عقلي منه، والله على كل شيء قدير وفضله عظيم. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 334

الفصل الثامن: بعض العبادات والشعائر عند النصارى:

تمهيد: المسيح عليه السلام من بني إسرائيل، وكان ملتزماً بما كان من الشريعة قبله، وفي هذا يذكر صاحب (إنجيل متى) (5/ 17) أن المسيح قال للجموع شارحاً دعوته: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل). إلا أن النصارى بعد المسيح بدَّلوا وغيَّروا ديانته في العقيدة والشريعة، فألغى (بولس) الناموس أو شريعة موسى، وأبطل العمل بها، بل اعتبر العمل بها لا ينجي الإنسان بل يهيئه للعنة. وفي هذا يقول في رسالته لأهل غلاطية (2/ 16) (إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس ... لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما). وفي (3/ 10) يقول: (لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة؛ لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به). لهذا انقطعت صلة النصارى بالعبادات والشرائع الموجودة في العهد القديم. وصارت عندهم عبادات وشعائر مختلفة نذكر منها:

المبحث الأول: العبادات:

المطلب الأول: الصلاة: وهي سبع صلوات في اليوم والليلة، وليس لها كيفية محدودة وإنما هي دعاء. ويختارونه في الغالب من الأدعية المنسوبة للمسيح عليه السلام، أو الأدعية المنسوبة إلى داود عليه السلام، كما ذكروها في المزامير من العهد القديم. وللصلاة عندهم شرطان فقط، وهما: 1 - أن تقدم الصلاة باسم المسيح؛ لأنه الواسطة عندهم، وهذا أصرح ما يكون في عبادتهم له. 2 - أن يتقدم الصلاة الإيمان الكامل بالتثليث وغيره من العقيدة. والصلاة أنواع: منها صلاة فردية سرية، وصلاة عائلية في البيت، ومنها الصلاة العامة في الكنيسة، وأهمها صلاة يوم الأحد حيث يقرأ الكاهن عليهم شيئاً من المزامير أو من غيرها من الكتاب المقدس، والجميع وقوف يستمعون، وعند نهاية كل مقطع يؤمنون. ومما يجدر ملاحظته هنا أن النصارى يوردون عن المسيح أنه حضَّ على الصلاة، فقد ذكر متَّى في (6/ 5) (ومتى صليت فلا تكن كالمرائين ... وأما أنت فمتى صليت فادخل مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك في الخفاء). ولكن لم يرد عن المسيح عليه السلام بيان لكيفية الصلاة، والذي يظهر أن المسيح عليه السلام كان يصلي مثل صلاة بني إسرائيل، وحواريوه كانوا يعرفون الصلاة؛ لأنهم من بني إسرائيل، فلهذا لم يعرفهم المسيح عليه السلام كيفية الصلاة. ومما يلاحظ أن المسيح حين صلَّى كان يقع على وجهه على الأرض، كما يقول متَّى في (26/ 39) (ثم تقدم (المسيح) قليلاً وخرَّ على وجهه وكان يصلي). فهذا يفهم منه أن المسيح كان يسجد في صلاته، وهو ما لا يفعله النصارى، وهذا يدلنا على أن النصارى لا يعرفون كيف كان يصلي المسيح على التفصيل، وإنما أخذوا من أمره بالصلاة المعنى العام، وهو الدعاء، والتزموه بدون دليل صحيح. - الصلاة: الأصل عندهم في جميع الصلوات إنما هي الصلاة الربانية، والأصل في تلاوتها أن يتلوها المصلي ساجداً، أو تكون بألفاظ منقولة أو مرتجلة أو عقلية، بأن تنوي الألفاظ ويكون الابتهال قلبيًّا، وذلك على خلاف كبير بين طوائفهم في عددها وطريقة تأديتها، ليس لها عدد معلوم مع التركيز على صلاتي الصباح والمساء.

المطلب الثاني: الصوم:

المطلب الثاني: الصوم: وهو الامتناع عن الطعام حتى بعد منتصف النهار، ثم تناول طعام خال من الدسم عند البعض، والبعض منهم يرى أن الصوم امتناع عن الأكل والشرب من الصباح إلى المساء، وهم يصومون يوم الأربعاء؛ لأنه يوم المشاورة على موت المسيح عندهم، ويوم الجمعة؛ لأنه صلب عندهم فيه المسيح، وصوم الميلاد وعدد أيامه (43) يوماً تنتهي بعيد الميلاد، وأياماً أخرى غيرها وضعوها لمناسبات خاصة تختلف من كنيسة إلى كنيسة. وبعضهم يرى أنه لا يوجد صيام دوري على النصراني، بل يصوم الإنسان وقت الحاجة للصيام، ويَعْتِبر كل صيام محدد بدعة غير مشروعة. - الصوم: هو الامتناع عن الطعام الدسم وما فيه شيء من الحيوان أو مشتقاته، مقتصرين على أكل البقول، وتختلف مدته وكيفيته من فرقة إلى أخرى. وما سبق أن قلناه في الصلاة نقوله في الصوم، فإن المسيح حضَّ على الصوم عموماً ولم يحدد فيه كيفية ولازماناً ولا شيئاً من ذلك، فتأوله كل جماعة منهم على ما أرادوا بدون أن يكون هناك أي دليل يعتمد عليه من قبل المسيح. وهذا كله لأن النصارى فصلوا بين العبادة الواردة في العهد القديم والعبادة في العهد الجديد، فحرَّم عليهم بولس العمل بشيء من تعاليم الناموس (التوراة) كما سبق بيانه - فصارت ديانتهم دعوة عامة ليس فيها تفصيل لشيء من العبادات.

المبحث الثاني: الشعائر عند النصارى:

المطلب الأول: التعميد: هو مفتاح الدخول في النصرانية، فمن لم يعمد فليس نصرانيًّا عندهم، ولو كان من أبوين نصرانيين، ويمكن أن يعمَّد الشخص وهو طفل أو في أي وقت من حياته، كما يمكن تعميده وهو على فراش الموت، ومرادهم بالتعميد أن يكون الإنسان طاهراً مبرءاً من الذنوب. وطريقته عندهم رش الماء على الجبهة، أو غمس أي جزء من الجسم في الماء، أو غمس الشخص كله في الماء، ولا يكون إلا في الكنيسة وعلى يد كاهن.

المطلب الثاني: العشاء الرباني أو القربان المقدس:

المطلب الثاني: العشاء الرباني أو القربان المقدس: هو قطع من الخبز مع كأس من الخمر، يتناوله النصارى في الكنيسة رمزا وتذكارا لصلب المسيح عندهم. وعند الكاثوليك من النصارى أن من أكل هذا الخبز وشرب الخمر فقد أكل لحم المسيح، وشرب دمه؛ لأنه عندهم يتحول حقيقة إلى لحم المسيح ودمه. بينما يرى غير الكاثوليك أن هذا رمز لما حلَّ بالمسيح، أو أن المسيح يحضر روحيًّا هذا العشاء، وليس له وقت محدد، وإنما يرون ممارسته مراراً عديدة في العام، ويجب أن يبلغ الناس عنه قبل موعده بأسبوعين على الأقل، وهاتان الفريضتان الأخيرتان هما أهم شعائر النصارى؛ إذ هما فقط الذي ورد عن المسيح في زعمهم الأمر بهما.

المطلب الثالث: الاعتراف للقس، وصكوك الغفران:

المطلب الثالث: الاعتراف للقس، وصكوك الغفران: التوبة عند النصارى لا تتمُّ إلا بالاعتراف بالذنوب والخطايا أمام القس أو الكاهن في الكنيسة، ثم يمسحه هذا الكاهن فتغفر ذنوبه. ثم إن ذلك تطور حيث قُرر في المجمع الثاني عشر سنة (1215) م, أن الكنيسة الكاثوليكية تملك حق الغفران للذنوب، وتمنحه لمن تشاء. فاستغلت الكنيسة والقسس هذا الأمر، وطبعوا صكوك الغفران، وباعوها وربحوا من ورائها أموالاً طائلة، وهذه الصكوك يغفر فيها جميع الذنوب السابقة واللاحقة، وتخلص صاحبها من جميع التبعات والحقوق التي في ذمته. وهذا وصمة عار في جبين النصارى، ومظهر من مظاهر تلاعبهم وعبثهم؛ لأن من المعلوم أن الإنسان لا يتجاوز ويتسامح عما لا يملك، فكيف يسقط الكاهن أو القسيس حقوق الآخرين التي في ذمة الإنسان، وأكبر منها وأعظم الذنوب التي يرتكبها الإنسان مخالفاً بها أمر الله ومتعدياً حدوده، فمغفرتها حقٌّ لله عزَّ وجلَّ وحده. فهل الله جلَّ وعلا عاجز عن تولي ذلك؟ أم أنه غائب لا يدري؟ أم أن البابوات والقسس أعلم منه بخلقه؟ أم هم أرحم منه بخلقه؟ لاشك أن كل ذلك غير حاصل، وإنما هو جرأة على الله وتعد على حقوقه جلَّ وعلا، واستعباد لخلقه، وتأليه لأنفسهم وتعظيم، ومما لاشك فيه أن أعظم رجاء للإنسان وأمل هو أن يغفر الله له ذنوبه ويتجاوز عن سيآته وخطاياه، فإذا جعل البابوات والقسس هذا الأمر بأيديهم، فإنهم يحولون بذلك بين الخلق وربهم، ويحجبونهم عنه فلا يسألونه، ولا يرجونه وتصبح آمالهم معلقة بأمثالهم من الناس في الخطيئة والجهل والنقص. وصدق ربنا جلَّ وعلا إذ يقول عنهم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]. ثم يقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34].

المطلب الرابع: الزواج عند النصارى:

المطلب الرابع: الزواج عند النصارى: الزواج عند النصارى جائز عندهم ما عدا القسس والرهبان اقتداء في زعمهم بالمسيح عليه السلام الذي لم يتزوج. وعندهم أن الذي يستطيع أن يضبط نفسه عن الزنا، فالأفضل أن لا يتزوج، ولا يجوز عندهم الزواج بأكثر من واحدة، ولا طلاق عندهم إلا في حالة الزنا عند الأرثوذكس، وإذا طلَّق أحدهما الآخر فلا يتزوج مرة أخرى. ويجوز الطلاق عندهم في حالة اختلاف الدين بين الرجل والمرأة إذا لم يتمَّ التوافق بينهما.

المطلب الخامس: حمل الصليب وتقديسه:

المطلب الخامس: حمل الصليب وتقديسه: النصارى يرمزون بالصليب الذي يحملونه، والذي لا تكاد تجد نصرانيا إلاّ وهو يحمله، إلى صلب المسيح عليه السلام عندهم. ويزعمون أن حمله يشعرهم بإنكار النفس، واقتفاء أثر المسيح في هذا الإنكار، والسير وراء مخلِّصهم وفاديهم. ولا يوجد لدى النصارى دليل على حمل الصليب فضلاً عن تقديسه، كما أنه لا يُعرَف متى صار الصليب مقدساً، حيث لا يوجد له أي ذكر لدى المتقدمين من النصارى، ولا يُعرف من الذي دعا إلى حمله على التحقيق، وإنما هو أمر استحسنوه ودرجوا عليه في زمن متأخر حتى صار من أظهر شعائرهم.

المطلب السادس: تقديس يوم الأحد:

المطلب السادس: تقديس يوم الأحد: من المعلوم أن المسيح عليه السلام من بني إسرائيل، وبنو إسرائيل يعظمون يوم السبت ويقدسونه، فكان المسيح عليه السلام على ذلك، إلا أن النصارى فيما بعد، بوقت طويل تركوا السبت، وأخذوا يعظمون الأحد رغبة منهم في مخالفة اليهود الذين يكنون لهم العداء والبغض. وهذا يُعدُّ من النصارى تحريفا وتغييرا لدين المسيح عليه السلام بما يوافق أهواءهم بدون أن يكون عندهم دليل على ذلك. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 339

المطلب السابع: الأسرار السبعة:

المطلب السابع: الأسرار السبعة: والتي ينال بها النصراني النعم غير المنظورة في صورة نعم منظورة، ولا تتم إلا على يد كاهن شرعي، ولذا فهي واجبة على كل نصراني ممارستها، وإلا أصبح إيمانه ناقصاً. وبالجملة فإنها من ضمن التشريعات التي لم يُنزل الله بها من سلطان، وإنما هي من تخرُّصات البابوات. 1 - سر التعميد: ويقصد به تعميد الأطفال عقب ولادتهم بغطاسهم في الماء، أو الرش به باسم الأب والابن والروح القدس؛ لتمحي عنهم آثار الخطيئة الأصلية، بزعم إعطاء الطفل شيئاً من الحرية والمقدرة لعمل الخير، وهذا أيضاً على خلاف بينهم في صورته ووقته. 2 - سر التثبيت (الميرون): ولا يكون إلا مرة واحدة، ولا تكمل المعمودية إلا به، حيث يقوم الكاهن بمسح أعضاء المعتمد بعد خروجه من جرن المعمودية في ستة وثلاثين موضعاً - الأعضاء والمفاصل - بدهن الميرون المقدس. 3 - سر العشاء الرباني: ويكون بالخمر أو الماء ومعه الخبز الجاف؛ حيث يتحول في زعمهم الماء أو الخمر إلى دم المسيح، والخبز إلى عظامه، وبذلك فإن من يتناوله فإنما يمتزج في تعاليمه بذلك، وكذلك ففرقُهم على خلاف في الاستحالة بل وفي العشاء نفسه. 4 - سر الاعتراف: وهو الإفضاء إلى رجل الدين بكل ما يقترفه المرء من آثام وذنوب، ويتبعه الغفران والتطهير من الذنب بسقوط العقوبة، وكان الاعتراف يتكرر عدة مرات مدى الحياة، ولكن منذ سنة (1215) م أصبح لازماً مرة واحدة على الأقل، وهذه الشعيرة عندهم أيضاً مما اختُلِف في وجوبها وإسقاطها. 5 - سر الزواج: يُسمح الزواج بزوجة واحدة مع منع التعدد الذي كان جائزاً في مطلع النصرانية، ويُشترط عند الزواج حضور القسيس؛ ليقيم وحده بين الزوجين، والطلاق لا يجوز إلا في حالة الزنى- على خلاف بينهم- ولا يجوز الزواج بعده مرة أخرى، بعكس الفراق الناشئ عن الموت، أما إذا كان أحد الزوجين غير نصراني فإنه يجوز التفريق بينهما. 6 - سر مسحة المرضى: وهو السر السادس بزعم شفاء الأمراض الجسدية المتسببة عن العلل الروحية وهي الخطيئة، ولا يمارس الكاهن صلوات القنديل السبع إلا بعد أن يتثبَّت من رغبة المريض في الشفاء. 7 - سر الكهنوت: وهو السر الذي ينال به الإنسان بزعمهم النعمة التي تؤهِّله لأن يؤدي رسالة السيد المسيح بين إخوانه من البشر، ولا يتمُّ إلا بوضع يد الأسقف على رأس الشخص المنتخب، ثم يتلى عليه الصلوات الخاصة برسم الكهنة.

المطلب الثامن: التنظيم الكهنوتي:

المطلب الثامن: التنظيم الكهنوتي: تختلف كل كنيسة- فرقة- عن الأخرى في التنظيم الكهنوتي، ولكنه بوجه عام هو تنظيمٌ استعارته الكنيسة في عهودها الأولى من الرومان حيث كان يرأسها أكبرهم سنًّا على أمل عودة المسيح، ويقدسون رهبانهم ورجال كنيستهم، ويجعلون لهم السلطة المطلقة في الدين وفي منح صكوك الغفران، يقول تعالى مبيناً انحرافهم: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ [التوبة: 31].

المطلب التاسع: الهرطقة ومحاربتها:

المطلب التاسع: الهرطقة ومحاربتها: حاربت الكنيسة العلوم والاكتشافات العلمية وكل المحاولات الجديدة لفهم كتابهم المقدس، ورمت ذلك كله بالهرطقة، وواجهت هذه الاتجاهات بمنتهى العنف والقسوة، مما أوجد ردة فعل قوية، تمثَّلت في ظهور المذاهب العلمانية والأفكار الإلحادية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل التاسع: البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس:

تمهيد: لقد بشَّر المسيح عليه السلام بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6]. وقد جدَّ النصارى- ومن قبلهم اليهود- في حذف هذه البشارات من كتبهم أو صرفها عن وجهها، ويزعمون أنه لا يوجد في كتبهم إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن وجد شيء صرفه النصارى إلى عيسى ابن مريم، وصرفه اليهود إلى المسيح الذي ينتظرونه، وهي في الواقع لا تنطبق إلا على نبي هذه الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وقد بقي من هذه البشارات الشيء الكثير مع تحريفهم لكتبهم، وقد ذكر منها الشيخ (رحمة الله الهندي) في كتابه (إظهار الحق) ثماني عشرة بشارة، منها إحدى عشرة بشارة في العهد القديم، وسبع بشارات في العهد الجديد، فنذكر بعضاً من تلك البشارات مما ورد في العهدين القديم، والجديد.

المبحث الأول بشارة العهد القديم والجديد:

المطلب الأول: البشارة الأولى: ورد في سفر التثنية (18/ 17): (قال لي الرب: قد أحسنوا فيما تكلموا أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه). هذا الكلام لا ينطبق إلا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه قال: (من وسط إخوتهم). وإخوتهم هم أبناء إسماعيل عليه السلام؛ لأنه أخو إسحاق الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل حيث هما ابنا إبراهيم عليه السلام. وأيضاً قال (مثلك) ومعلوم أن اليهود يرون أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى حيث قالوا في سفر التثنية (34/ 10): (ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى، الذي عرفه الرب وجهاً لوجه). وفي النسخة السامرية من التوراة هكذا (ولا يقوم أيضاً نبي في إسرائيل مثل موسى الذي ناجاه الله شفاها). واليهود يزعمون أن هذه البشارة لنبي لم يأت بعد، وإن زعم بعضهم أن المراد بها يوشع بن نون، فهذا غير صحيح؛ لأنه ليس مثل موسى، ويزعم النصارى أن المراد بها عيسى عليه السلام، وهي في الواقع لا تصدق عليه بأي وجه؛ لأنه:- أولاً: من بني إسرائيل وليس من إخوتهم. ثانياً: هو ليس مثل موسى عليه السلام، فإنه تابع له، كما أنه عند النصارى إله، وابن إله، فلو أقروا بأنه مثل موسى لهدموا ديانتهم وما هم عليه. أما النبي صلى الله عليه وسلم فتصدق عليه من جميع الوجوه، فإنه من إخوتهم، وهو مثل موسى عليه السلام نبي رسول، وأتى بشريعة جديدة، وحارب المشركين، كما فعل موسى عليه السلام. ثم إنه قال: (أجعل كلامي في فمه). فهذا كناية عن القرآن المحفوظ في الصدور، الذي تلقَّاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مشافهة من جبريل عليه السلام، وحفظه في قلبه، وتلاه بعد لأمته من فمه عليه الصلاة والسلام، حيث كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب عليه الصلاة والسلام. ثم إن الله جلَّ وعلا أتم وعده للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذين لا يطيعونه فإن الله سيطالبهم، وقد طالبهم، فانتقم من أعدائه المشركين واليهود، ثم ممن عداهم من الأمم. وهذا لم يكن لنبي غيره، وعيسى عليه السلام لم ينتقم الله من أعدائه، بل كان أعداؤه في مكان المنتصر، فأرادوا قتله إلا أن الله جلَّ وعلا أنجاه منهم، وفي زعم النصارى أنهم قبضوا عليه وأهانوه وصلبوه.

المطلب الثاني: البشارة الثانية:

المطلب الثاني: البشارة الثانية: جاء في سفر التثنية (33/ 1): (وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم). فمجيء الرب من سيناء معناه إعطاء موسى عليه السلام التوراة، وقوله: (أشرق من سعير). التبشير بالمسيح عليه السلام؛ لأن ساعير جبل في أرض يهوذا في فلسطين، وقوله: (وتلألأ من جبل فاران). المراد به التبشير بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن فاران جبل من جبال مكة، وقد سموه بكتابهم بهذا الاسم، فقالوا عن إسماعيل عليه السلام في سفر التكوين (21/ 21): (سكن برية فاران وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر) وإسماعيل عليه السلام لم يسكن إلا مكة.

المطلب الثالث: البشارة الثالثة:

المطلب الثالث: البشارة الثالثة: جاء في سفر (حجي) (2/ 7) - أن حجي وهو أحد أنبيائهم - أخبر بني إسرائيل بعد تدمير الهيكل وسبيهم إلى بابل وعودتهم مرة أخرى بما قال الله له معزياً لهم: (لأنه هكذا قال رب الجنود: هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات، والأرض، والبحر، واليابسة، وأزلزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً، قال رب الجنود: ولي الذهب يقول رب الجنود: مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود: وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود). فقوله هنا: (مشتهى كل الأمم). ترجمة بالمعنى لكلمة (حمدا) بالعبري، كما يقول البرفسور عبد الأحد داود والتي لازالت مكتوبة بالعبري بهذا اللفظ والتي تعني المشتهى، والشهية، والشائق، وأن هذه الكلمة (حمداً) بالعبري يوازيها بالعربي (أحمد) فتكون نصا صريحاً، وكذلك قوله بعد: (وفي هذا المكان أعطي السلام). والسلام والإسلام شيء واحد، وقد جاء السلام إلى بيت المقدس برحلة النبي عليه الصلاة والسلام إليه في الإسراء، ثم بفتحه في عهد عمر رضي الله عنه. ثم إن ما تعلق بعد ذلك من الأحداث بمجيء (حمدا) لا تنطبق إلا على نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فبعد خراب بيت المقدس سنة (70) م لم يعد له مجد إلا على يد المسلمين، وهو مجد أعظم من مجده السابق، وما أحدثه الإسلام في الأرض بأن زلزل الدول، وأهلك الله جلَّ وعلا على يد المسلمين أهل الذهب القياصرة، وأهل الفضة الفرس، وصارت أموالهم تنفق في سبيل الله، كل هذا لم يفعله أحد من اليهود، ولم يفعله المسيح عليه السلام، ولم يتحقق إلا على يد نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضوان الله عليهم وأتباعهم.

المطلب الرابع البشارة الرابعة:

المطلب الرابع البشارة الرابعة: ورد في إنجيل يوحنا (16/ 7): (لكني أقول لكم الحق أنه من الخير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم (المعزى) ولكن إن ذهبت أرسله لكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة ... ثم قال: (إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني؛ لأنه يأخذ مما لي ويخبركم). فقوله: (المعزى). المراد به الذي أجد به عزاء، وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يجد عيسى عليه السلام به العزاء؛ لأنه يبين الحق، ويظهر الله على يديه الدين الذي لم يتمكن المسيح عليه السلام من إظهاره. ثم إن الذي ذكر مكان هذا اللفظة- وهي (المعزى) - في الترجمات الأخرى عدا العربية هي لفظة (الفارقليط) اليونانية، وقد بدَّله المترجمون في النسخ العربية إلى (المعزى)؛ لأن معنى (الفارقليط) هو المعزى، ولكن الذي بيَّنه (الشيخ رحمة الله الهندي) وغيره أن (الفارقليط) هو تحريف لكلمة (بيرقليط) التي تعني محمد أو أحمد، ولحسد النصارى وبغيهم حرفوا هذه الكلمة التي هي نص في اسم النبي صلى الله عليه وسلم في لغة اليونان، مع العلم أن النص اليوناني لإنجيل يوحنا أقل ما يقال فيه: أنه ترجمة لما نطق به المسيح؛ لأن المسيح عليه السلام كان يتكلم الآرامية، وليس اليونانية، كما أن الواقع أن (المعزى) لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا معزى بعد المسيح إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن كل بشارة بأحد وردت على لسان المسيح عليه السلام إنما تنصرف باللزوم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس بينهما نبي، وليس بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي. بهذا يتضح أن الله عزَّ وجلَّ قد أقام الحجة على اليهود والنصارى بما بين أيديهم يقرؤونه ويرونه، لو كانوا يبصرون. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 389

المبحث الثاني بشارات الأنبياء:

المطلب الأول: بشارة يعقوب عليه السلام بشيلون: وقد توالى الأنبياء وهم يبشرون بمقدم نبي آخر الزمان، ويذكرون صفاته وأحواله، والتي من أهمها أنه ليس من بني إسرائيل، كما أنه صاحب شريعة تدوم إلى الأبد، يسحق أعداءه، ودعوتُه تكون لخير جميع الأمم. وهذه الصفات لم تتوافر في أحد ادعى النبوة سواه، ولا يمكن للنصارى حمل تلك النبوءات التي يقرون في أنها نبوءات، لا يمكن لهم أن يحملوها على غيره صلى الله عليه وسلم؛ إذ موسى وعيسى كانا نبيين إلى بني إسرائيل فقط، وكان موسى صاحب شريعة انتصر أتباعه على أعدائهم، وأما عيسى فلم ينزل بشريعة مستقلة؛ إذ هو نزل بشريعة موسى وبتكميلها، فهو القائل: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل). (متى 5/ 17)، ولم يُقيَّض له أن ينتصر على أعدائه، بل تزعم النصارى أنهم تمكنوا منه وصلبوه. فكيف يقال بأنه المختار الذي يسحق أعداءه وتترقبه الأمم؟ وأقدم النبوءات الكتابية الصريحة التي تحدثت عن النبي الخاتم جاءت في وصية يعقوب لبنيه قبل وفاته، حين قال لهم: (ودعا يعقوب بنيه، وقال: اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام، اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، واصغوا إلى إسرائيل أبيكم ... لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب). (التكوين 49/ 10)، فهو يخبرهم عن وقت زوال الملك والشريعة عنهم في آخر الأيام. وأما نسخة الرهبانية اليسوعية، فالنص فيها: (لا يزول الصولجان من يهوذا، ولا عصا القيادة من بين قدميه؛ إلا أن يأتي صاحبها وتطيعه الشعوب).والنص حسب (ترجوم يوناثان) أوضح، وفيه: (لا يتوقف الملوك والحكام من عائلة يهوذا، ولا يتوقف معلمو الشريعة من نسله حتى يجيء الملك المسيا أصغر أبنائه) (¬1). وتختلف التراجم في ثلاث من كلمات النص، فقد أبدل البعض كلمة (قضيب) بالملك أو الصولجان، وكلها بمعنى واحد، وكذا أبدلت كلمة (مشترع) بالراسم والمدبر أو عصا القيادة، وهي متقاربة بمعنى صاحب الشريعة مدبر قومه. وأما الاختلاف الأهم فكان في كلمة (شيلون) التي أبقتها معظم الترجمات على حالها، وفي تراجم عبرانية أخرى قيل: (إلى أن يأتي المسيح)، وقد فسر القس إبراهيم لوقا (شيلون) بالمسيح، واعتبرها ترجمة صحيحة لكلمة (شيلوه) العبرية، ففيه (???????)، وذكرت الطبعة الأمريكية للكتاب المقدس في هامشها أن كلمة (شيلون) تعني: الأمان، أو: الذي له. فما هو المعنى الدقيق للكلمة (شيلون) التي تدور حولها النبوءة؟ في الإجابة عن هذا السؤال يرى القس السابق والخبير في اللغات القديمة عبد الأحد داود أن كلمة (شيلون) لا تخرج في أصلها العبري عن معان، أهمها:- 1 - أن تكون من الكلمة السريانية مكونة من كلمتي (بشيتا) و (لوه)، ومعنى الأولى منهما: (هو) أو (الذي)، والثانية: (لوه) معناها: (له)، ويصبح معنى النبوءة حسب ترجمته المفسرة: (إن الطابع الملكي المتنبئ لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب). 2 - أن تكون الكلمة محرفة من كلمة (شيلواح) ومعناها: (رسول الله) كما يعبر بالكلمة مجازاً عن الزوجة المطلقة؛ لأنها ترسل بعيداً، وتفسير الكلمة بالرسالة مال إليه القديس جيروم، فترجم العبارة (ذلك الذي أرسل). (¬2) وأيًّا كان المعنى فإن النبوءة تتحدث عن شخص تدعوه: شيلون. وليس عن المكان المسمى (شيلون) كما ادَّعى بعض المفسرين، فمن هو شيلون؟ ¬

(¬1) برهان يتطلب قراراً، جوش مكدويل، (ص 175). (¬2) انظر ((محمد في الكتاب المقدس)) عبد الأحد داود، (ص77 - 85، 182)، و ((قاموس الكتاب المقدس))، (ص536).

وليس المقصود بزوال الملك زواله حقيقة، بل زوال أحقيته وموجبه من قبل الله؛ لأن زوال الملك من اليهود لم يوافق ظهور نبي، أيًّا كان هذا النبي، فالمقصود زوال الاصطفاء والبركة. ولا يمكن القول بأن شيلون هو موسى؛ لأن ملوك يهوذا كانوا بعده بقرون، ولا يمكن القول بأنه سليمان؛ لأن الملك دام بعده في ذريته، ولم ترفع به الشريعة، كما لم ترفع بالمسيح الذي ما جاء لنقض الناموس، ولم تخضع له شعوب، بل ولا شعب اليهودية الذين بعث إليهم فقال: (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) (متى 15/ 24). والمسيح عليه الصلاة والسلام لم يملك على بني إسرائيل يوماً واحداً، بل هرب منهم لما أرادوا تمليكه عليهم (لما علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده) (يوحنا 6/ 15). ولما ادعى عليه اليهود عند بيلاطس أنه يقول عن نفسه بأنه ملك نفى ذلك، وتحدث عن مملكة روحية مجازية غير حقيقية فقال: (مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود) (يوحنا 18/ 36). ولا يمكن أن يكون هذا النبي من بني إسرائيل؛ لأن مبعثه يقطع صولجان وشريعة إسرائيل، كما يفهم من النص، فمن ذا يكون شيلون؟ إنه النبي الذي بشرت به هاجر وإبراهيم (يده على كل واحد) (التكوين 16/ 12)، والذي قال عنه النبي حزقيال: (يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه) (حزقيال 21/ 27). وقد قال المسيح مبشراً بالذي ينسخ الشرائع بشريعته: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل) (متى 5/ 17 - 18). هذا (الذي له الكل)، هو (الذي له الحكم). وهو النبي الذي يسميه بولس بالكامل، ومجيئه فقط يبطل الشريعة وينسخها (وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل؛ لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل، فحينئذ يبطل ما هو بعض) (كورنثوس (1) 12/ 8 - 10).

المطلب الثاني: بشارة موسى عليه السلام:

الفرع الأول: موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله: وينزل موسى عليه السلام عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه، فيقول مخاطباً بني إسرائيل: (قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى، فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي. وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه) (التثنية 18/ 17 - 22). والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكون. ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء، وهو عيسى عليه السلام، فقد قال بطرس في سياق حديثه عن المسيح (فإن موسى قال للآباء: إن نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به، ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب، وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبؤوا بهذه الأيام) (أعمال 3/ 22 - 26)، فبطرس يرى نبوءة موسى متحققة في شخص المسيح. لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح، بينما يظهر في النص عند تحليله أدلة كُثر تشهد بأن المقصود به هو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ إذ يذكر النص التوراتي أوصاف هذا المبعوث المبشر به: 1 - أنه نبي (أقيم لهم نبيًّا)، والنصارى يدَّعون للمسيح الإلهية، بل يدَّعي الأرثوذكس أنه الله نفسه، فكيف يقول لهم: أقيم نبيًّا، ولا يقول: أقيم نفسي، أو أقيم إلهاً. 2 - أنه من غير بني إسرائيل، بل هو من بين إخوتهم أي: أبناء عمومتهم (من وسط إخوتهم)، وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق، وبنو إسماعيل بن إبراهيم. ومن المعهود في التوراة إطلاق لفظ (الأخ) على ابن العم، ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: (أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو) (التثنية 2/ 4)، وبنو عيسو بن إسحاق - كما سلف- هم أبناء عمومة لبني إسرائيل، وجاء نحوه في وصف أدوم، وهو من ذرية عيسو (وأرسل موسى رسلاً من قادش إلى ملك أدوم، هكذا يقول أخوك إسرائيل: قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا) (العدد20/ 14)، وفي موضع آخر (لا تكره أدوميا لأنه أخوك) (التثنية 23/ 7). فسماه أخاً، وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل. ومثله سمى (سفر الأيام) الملك صدقيا أخاً للملك يهوياكين، فقال: (أرسل الملك نبوخذ ناصر فأتى به) أي: الملك يهوياكين (إلى بابل مع آنية بيت الرب الثمينة، وملك صدقيا أخاه على يهوذا وأورشليم) (الأيام (2) 36/ 10)، وهو في الحقيقة عمه، كما نص عليه سفر الملوك، فقال: (ملّك ملك بابل متّنيا عمه عوضاً عنه، وغيّر اسمه إلى صدقيا) (الملوك (2) 24/ 17 - 18)، فاستخدم لفظ الأخ، ومراده العم، مما يؤكد صحة هذا الاستخدام في قوله: (إخوتهم)، ومراده أبناء عمومتهم. وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقاً للبركة الموعودة في نسل إسماعيل، وقد يكون من بني عيسو بكر إسحاق. لكن أحداً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر.

3 - هذا النبي من خصائصه أنه مثل موسى الذي لم يقم في بني إسرائيل نبيٌّ مثله (ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه) (التثنية: 34/ 10)، وقد جاء في النسخة السامرية من التوراة ما تعريبه: (ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله) (التثنية 34/ 10). وهذه الخصلة، أي: المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى الله عليه وسلم، ممتنعة في أخيهما المسيح عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، حيث نرى الكثير من أمثلة التشابه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا نجدها في المسيح، من ذلك ميلادهما الطبيعي، وزواجهما، وكونهما صاحبا شريعة، وكل منهما بعث بالسيف على عدوه، وكلاهما قاد أمته، وملك عليها، وكلاهما بشر، بينما تزعم النصارى بأن المسيح إله، وهذا ينقض كل مثل لو كان. وقد وصف المسيحُ النبي القادم بمثلية موسى، صارفاً إياه عن نفسه فقال: (لا تظنوا أني أشكوكم إلى الأب، يوجد الذي يشكوكم، وهو موسى الذي عليه رجاؤكم؛ لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني؛ لأنه هو كتب عني، فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي) (يوحنا 5/ 45 - 47)، فسماه موسى المرجو أو المنتظر؛ لمشابهته له. وعن هذا الذي يشكو بني إسرائيل يقول المسيح: (أجاب يسوع: أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي وأنتم تهينونني، أنا لست أطلب مجدي، يوجد من يطلب ويدين) (يوحنا 8/ 49 - 50). 4 - من صفات هذا النبي أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة (وأجعل كلامي في فمه)، وقد كان المسيح عليه السلام قارئاً (انظر لوقا 4/ 16 - 18). 5 - أنه يتمكن من بلاغ كامل دينه، فهو (يكلمهم بكل ما أوصيه به). وهو وصف منطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]. وقد وصفه المسيح في نبوءة البارقليط، التي يأتي شرحها، فقال: (وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم) (يوحنا 14/ 26). ولا يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو ذلك النبي الذي يبلغ كل ما يوصيه به ربه، فقد رفع المسيح عليه السلام، ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلاميذه، لكنه لم يتمكن من بلاغه، لكنه بشَّرهم بالقادم الذي سيخبرهم بكل الحق؛ لأنه النبي الذي تكمل رسالته، ولا يحول دون بلاغها قتله أو إيذاء قومه، يقول عليه السلام: (إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به) (يوحنا 16/ 12 - 13).

6 - أن الذي لا يسمع لكلام هذا النبي فإن الله يعاقبه، (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه)، وقد فسرها بطرس، فقال: (ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب)، فهو نبي واجب السمع والطاعة على كل أحد. ومن لم يسمع له تعرض لعقوبة الله، وهو ما حاق بجميع أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنتقم الله من كل من كذَّبه من مشركي العرب والعجم، وقد قال المسيح عنه في نبوءة الكرامين - ويأتي شرحها-: (ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه) (متى 21/ 44)، فهو الحجر الصلب الذي يفني أعداءه العصاة، والذي بشر بمقدمه النبي دانيال (وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب) (دانيال 2/ 21 - 45). وأما المسيح عليه السلام فلم يكن له هذه القوة وتلك المنعة، ولم يتوعد حتى قاتليه، فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلامه، فقد قال لوقا في سياق قصة الصلب: (فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم؛ لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون) (لوقا 23/ 34)، فأين هو من خبر ذاك (الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه). 7 - من صفات هذا النبي أنه لا يقتل، بل يعصم الله دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل، فالنبي الكذاب عاقبته (يموت ذلك النبي)، أي: يقتل، فالقتل نوع منه، ولأن كل أحد يموت، وهنا يزعم النصارى بأن المسيح قتل، فلا يمكن أن يكون هو النبي الموعود. وبالرجوع إلى التراجم القديمة للنص نرى أن ثمة تحريفاً وقع في الترجمة، فقد جاء في طبعة (1844) م (فليقتل ذلك النبي)، ولا يخفى سبب هذا التحريف. 8 - يتحدث عن الغيوب ويصدق الواقع كلامه، وهذا النوع من المعجزات يكثر في القرآن والسنة- مما يطول المقام بذكره - ويكفي هنا أن أورد نبوءة واحدة مما تنبأ به صلى الله عليه وسلم، فكان كما أخبر. ففي عام (617) م كادت دولة الفرس أن تزيل الإمبرطورية الرومانية من خارطة الدنيا، فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل، ودانت له أجزاء عظيمة من مملكة الرومان، ففي سنوات معدودة تمكن جيش الفرس من السيطرة على بلاد الشام وبعض مصر، واحتلت جيوشهم أنطاكيا شمالاً، مما يؤذن بنهاية وشيكة للإمبرطورية الرومانية، وأراد هرقل أن يهرب من القسطنطينية، لولا أن كبير أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس. ووسط هذه الأحداث، وخلافاً لكل التوقعات أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي: فيما لا يزيد عن تسع سنين، فقد نزل عليه قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم: 2 - 5].

وكان كما تنبأ، ففي عام (623، 624، 625) م, استطاع هرقل أن يتخلص من لهوه ومجونه، وشنَّ ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الشام، وفي عام (627) م, واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان، وأعادوا لهم الصليب المقدس الذي كان قد وقع بأيديهم، فمن ذا الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه النبوءة العظيمة؟ إنه النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلام. يقول المؤرخ إدوار جِبن: (في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً؛ لأن السنين الاثنتي عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية). (¬1) روى الترمذي عن ابن عباس في قول الله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:2 - 3]. قال: ((كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل الكتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما أنهم سيغلبون. فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهروا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته إلى دون العشر. قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر. قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:2 - 3].)) (¬2). وهكذا ظهر لكل ناظر منصف أن النبي الذي تنبَّأ عنه موسى لم تتحقق أوصافه في المسيح العظيم عليه الصلاة والسلام، وتحققت في أخيه محمد صلى الله عليهما وسلم تسليماً كثيراً. ومما يؤكد ذلك أن هذه الصفات مجتمعة لم تتوافر في غيره من الأنبياء، فإن اليهود لا يقولون بمجيء هذا المسيح فيما سبق، بل ما زالوا ينتظرونه. إذ لما بعث يحيى عليه السلام ظنَّه اليهود النبي الموعود، وأقبلوا عليه يسألونه (النبي أنت؟ فأجابهم: لا) (يوحنا 1/ 21)، أي: لست النبي الذي تنتظره اليهود. ثم أراد تلاميذ المسيح أن تتحقق النبوءة في المسيح، فذات مرة لما رأوا معجزاته (قالوا: إن هذا بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم). وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده ((يوحنا 6/ 14 - 15)، فقد أراد تلاميذ المسيح تنصيبه ملكاً ليحققوا النبوءة الموجودة لديهم عن النبي المنتظر الذي يملك ويحقق النصر لشعبه، فلما علم المسيح عليه السلام أنه ليس النبي الموعود هرب من بين أيديهم. ويرى النصارى أن ثمة إشكالاً في النص التوراتي (التثنية 18/ 17 - 22) يمنع قول المسلمين، فقد جاء في مقدمة سياق النص أن الله لما كلم موسى قال: (يقيم لك الرب إلهك نبيًّا من وسطك من إخوتك مثلي ... قد أحسنوا في ما تكلموا: أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك) (التثنية 18/ 15 - 18)، فقد وصفت النبي بأنه (من وسطك) أي: من بني إسرائيل، ولذا ينبغي حمل المقطع الثاني من النص على ما جاء في المقطع الأول، فالنبي (من وسطك) أو كما جاء في بعض التراجم (من بينك) أي: أنه إسرائيلي. لكن التحقيق يرد هذه الزيادة التي يراها المحققون تحريفاً، بدليل أن موسى لم يذكرها، وهو يعيد خبر النبي على مسامع بني إسرائيل، فقال: (قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك) (التثنية 18/ 17 - 18)، ولو كانت من كلام الله لما صح أن يهملها. كما أن هذه الزيادة لم ترد في اقتباس بطرس واستفانوس للنص، كما جاء في أعمال الرسل قال بطرس: (فإن موسى قال للآباء: إن نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به) (أعمال 3/ 22). وقال استفانوس: (هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون) (أعمال 7/ 37)، فلم يذكرا تلك الزيادة، ولو كانت أصلية لذكرت في سائر المواضع. ¬

(¬1) ((تاريخ سقوط وانحدار الإمبراطورية الرومانية))، إدوار جبن (5/ 74). (¬2) رواه الترمذي (3193) وأحمد (1/ 267) (2495) والحاكم (2/ 445) (3540) قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ومثله قال الذهبي ووافقهما الألباني

الفرع الثاني: نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران:

الفرع الثاني: نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران: وقبيل وفاة موسى عليه السلام ساق لبني إسرائيل خبراً مباركاً، فقد جاء في سفر التثنية: (هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة، فأحب الشعب، جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك) (التثنية 33/ 1 - 3). وأكد هذه النبوءة النبي حبقوق، حيث ذكر خبراً أفزعه؛ لأنه يشير إلى انتقال النبوة بعيداً عن قومه بني إسرائيل، يقول: (يا رب قد سمعت خبرك، فجزعت، يا رب عملك في وسط السنين أحْيِه، في وسط السنين عرّف، في الغضب اذكر الرحمة، الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم .... ) (حبقوق 3/ 3 - 6). وقبل أن نمضي في تحليل النص نتوقف مع الاختلاف الكبير الذي تعرض له هذا النص في الترجمات المختلفة. فقد جاء في الترجمة السبعينية: (واستعلن من جبل فاران، ومعه ربوة من أطهار الملائكة عن يمينه، فوهب لهم وأحبهم، ورحم شعبهم، وباركهم وبارك على أظهاره، وهم يدركون آثار رجليك، ويقبلون من كلماتك. أسلم لنا موسى مثله، وأعطاهم ميراثاً لجماعة يعقوب). وفي ترجمة الآباء اليسوعيين: (وتجلى من جبل فاران، وأتى من رُبى القدس، وعن يمينه قبس شريعة لهم). وفي ترجمة (1622) م, العربية: (شرف من جبل فاران، وجاء مع ربوات القدس، من يمينه الشريعة)، ومعنى ربوات القدس أي: ألوف القديسين الأطهار، كما في ترجمة (1841) م, (واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار). واستخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة معهود في الكتاب المقدس (ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه) (دانيال 7/ 10)، ومثله قوله: (كان يقول: ارجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل) (العدد 10/ 36)، فالربوات القادمين من فاران هم الجماعات الكثيرة من القديسين، الآتين مع قدوسهم الذي تلألأ في فاران. والنص التوراتي يتحدث عن ثلاثة أماكن تخرج منها البركة، أولها: جبل سيناء حيث كلم الله موسى. وثانيها: ساعير، وهو جبل يقع في أرض يهوذا. (انظر يشوع 15/ 10)، وثالثها: هو جبل فاران. وتنبئ المواضع التي ورد فيها ذكر (فاران) في الكتاب المقدس أنها تقع في صحراء فلسطين في جنوبها. لكن تذكر التوراة أيضاً أن إسماعيل قد نشأ في برية فاران. (انظر التكوين 21/ 21)، ومن المعلوم تاريخيًّا أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز. ويرى المسلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلام في سعير في فلسطين، ثم محمد صلى الله عليه وسلم في جبل فاران، حيث يأتي ومعه الآلاف من الأطهار مؤيدين بالشريعة من الله عزَّ وجلَّ. وذلك متحقق في رسول الله لأمور: 1 - أن جبل فاران هو جبل مكة، حيث سكن إسماعيل، تقول التوراة عن إسماعيل: (كان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر) (التكوين 21/ 20 - 21).وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة، فتقول التوراة: (هؤلاء هم بنو إسماعيل ... وسكنوا من حويلة إلى شور) (التكوين 25/ 16 - 18)، وحويلة كما جاء في (قاموس الكتاب المقدس) منطقة في شمال أرض اليمن، بينما شور في جنوب فلسطين. (¬1) ¬

(¬1) انظر ((قاموس الكتاب المقدس)) (329ص).

وعليه فإن إسماعيل وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل. كما وقد قامت الأدلة التاريخية على أن فاران هي الحجاز، حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين كما نقل عنهم المؤرخ الهندي مولانا عبد الحق فدرياتي في كتابه (محمد في الأسفار الدينية العالمية) ومن هؤلاء المؤرخين المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس فقالا بأن فاران هي مكة (¬1). وجاء في قاموس Strong's Hebrew Bible Dictionary أن فاران في صحراء العرب، حيث يقول: ( Paran, a desert of Arabia). 2- أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب سيناء لا يمنع من وجود فاران أخرى، هي تلك التي سكنها إسماعيل، فقد ورد مثلاً إطلاق اسم سعير على المنطقة التي تقع في أرض أدوم والتي هي حالياً في الأردن، وتكرر ذلك الإطلاق في مواضع عديدة في الكتاب، ولم تمنع كثرتها أن يطلق ذات الاسم على جبل في وسط فلسطين غربي القدس في أرض سبط يهوذا. (انظر يشوع 15/ 10). ولنا أن نسأل أولئك الذين يصرون على أن فاران هي فاران سيناء: من هو القدوس الذي تلألأ من ذلكم الجبل الذي لا يرتبط بأدنى علاقة بأي من أحداث الإنسانية المهمة، فمن الذي تلألأ عليه؟ 3 - لا يقبل قول القائل بأن النص يحكي عن أمر ماضٍ؛ إذ التعبير عن الأمور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس. يقول اسبينوزا: (أقدم الكتاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر، وعلى الماضي بلا تمييز، كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل ... فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات). 4 - ونقول: لم خص جبل فاران بالذكر دون سائر الجبال، لو كان الأمر مجرد إشارة إلى انتشار مجد الله كما زعم بعض كتاب اليهود، فإن مجد الله لم يتوقف عند حدود فاران أو جبل سعير. 5 - ومما يؤكد أن الأمر متعلق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم بعض التراجم (أطهار الملائكة) أي: أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا أن (ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنينُ وملائكتُه ... ) (الرؤيا 12/ 7). فمتى شهدت فاران مثل هذه الألوف من الأطهار إلا عند ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ 6 - وما جاء في سفر حبقوق يؤيد قول المسلمين حيث يقول: (الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم ... ) (حبقوق 3/ 3 - 6). فالنص شاهد على أنه ثمة نبوة قاهرة تلمع كالنور، ويملأ الآفاق دوي أذان هذا النبي بالتسبيح. وتيمان كما يذكر محررو الكتاب المقدس هي كلمة عبرية معناها: (الجنوب)، لذا يقول النص الكاثوليكي للتوراة: (الله يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران)، ولما كان المخاطبون في فلسطين فإن الوحي المبشر به يأتي من جهة الجنوب أي من جزيرة العرب، فالقدوس سيبعث في جبل فاران. ومن هذا كله فالقدوس المتلألئ في جبال فاران هو نبي الإسلام، فكل الصفات المذكورة لنبي فاران متحققة فيه، ولا تتحقق في سواه من الأنبياء الكرام. ¬

(¬1) انظر ((محمد في بشارات الأنبياء)) (ص14) , محمود الشرقاوي،.

المطلب الثالث: المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان:

المطلب الثالث: المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان: وها هي المزامير تبشر بالنبي الخاتم، ويصفه أحد مزاميرها، فيقول مخاطباً إياه باسم الملك: (فاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك، لساني قلم كاتب ماهر: أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد. تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك، وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف، نُبُلُك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوبٌ تحتك يسقطون. كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم. من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ... بنات ملوك بين حظياتك، جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير. اسمعي يا بنت وانظري، وأميلي أذنك، انسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له ... عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض، أذكر اسمك في كل دور فدور. من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد) (المزمور 45/ 1 - 17). ويسلم النصارى بأن النص نبوءة بالنبي الآتي، ويزعمون أنه عيسى عليه السلام، فيما يرى المسلمون أن الصفات التي رمزت في النص إنما تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وتمنع أن يكون المعني به عيسى أو غيره من الأنبياء الكرام، ففي النص تسع أوصاف لهذا النبي، وهي: 1 - كونه صاحب حسن لا يعدل في البشر (بهي في الحسن أفضل من بني البشر)، ولا يجوز للنصارى القول بأنه المسيح، وهم الذين يقولون: تحققت في المسيح نبوة إشعيا، وفيها أن المتنبئ به (لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه) (إشعيا 52/ 2)، وهذا المعنى الذي لا نوافقهم عليه (¬1) أكده علماؤهم، فقال كليمندوس الإسكندراني: (إن جماله كان في روحه وفي أعماله، وأما منظره فكان حقيراً) وقال ترتليان: (أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي) ومثله قال مارتير وأوريجانوس وغيرهما. (¬2). فمن كان هذا قوله بالمسيح لا يحق له أن يقول بأنه أيضاً: (أبرع جمالاً من بني البشر).وقد جاءت الآثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جماله بعد أن كساه الله بلباس النبوة، فلم ير أجمل منه. ففي الأثر الصحيح يقول البراء بن مالك: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً، وأحسنه خَلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) (¬3). 2 - أن النبوة وكلامها يخرج من شفتيه (انسكبت النعمة على شفتيك)، فقد كان أميًّا، ووحيه غير مكتوب، فيما كانت لإبراهيم وموسى صحفاً، كما كان عيسى قارئاً. (انظر لوقا 4/ 16). ¬

(¬1) لا يبعث الله نبياً إلا غاية في الحسن، فذلك أدعى لتصديقهم وعدم عيبهم بخلقهم، وقد وصف رسول الله عيسى عليه السلام خصوصاً بأنه كان غاية في الحسن، فقد رآه في رؤيا عند الكعبة ((فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماءً ... فسألت: من هذا؟ فقيل: هذا هو المسيح بن مريم)). رواه مسلم ح (169). (¬2) انظر ((محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن)) (ص18) محمد عزت الطهطاوي. ((أقانيم النصارى)) (ص31) أحمد حجازي السقا. ((النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام)) (ص 136) أحمد عبد الوهاب. ((المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح)) (ص396 - 404) علاء أبو بكر. (¬3) رواه البخاري (3548) ومسلم (2347).

وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النبي القادم منها ما سبق في سفر التثنية (أجعل كلامي في فمه) (التثنية 18/ 18)، وما جاء في إشعيا (أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، فيقال له: اقرأ، فيقول: لا أعرف الكتابة) (إشعيا 29/ 12).وفي غير الترجمة العربية المتداولة (لا أعرف القراءة) وهي تماثل - كما سبق - قول النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء: ((ما أنا بقارئ)) (¬1). 3 - كونه مبارك إلى الأبد، صاحب رسالة خالدة (باركك الله إلى الأبد ... كرسيك يا الله إلى دهر الدهور). 4 - كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لإقامة الحق والعدل (تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ... بجلالك اقتحم. من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف. نُبُلك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوب تحتك يسقطون). والمسيح عليه السلام لم يحمل سيفاً ولا أسقط أعداءه، ولا صوَّب نبله في قلوب أعدائه لنشر دعوة الحق، كما لم يكن ملكاً في قومه. 5 - وهذا النبي محب للخير، مبغض للإثم كحال جميع الأنبياء، لكن الله فضله عليهم. (مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك). 6 - يؤتى لهذا النبي بالهدايا لعزه، وبنات الملوك يكن في خدمته أو في نسائه (بنات ملوك بين حظياتك .. بنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية ... ). وقد تزوج النبي بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه، كما أهديت إليه مارية القبطية، وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تحت ابنه الحسين رضي الله عنه. 7 - تدين له الأمم بالخضوع، وتدخل الأمم في دينه بفرح وابتهاج (بملابس مطرزة وتحضر إلى الملك، في إثرها عذارى صاحباتها، مقدمات إليك، يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك). 8 - يستبدل قومه بالعز بعد الذل (عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض). 9 - يكتب له الذكر الحميد سائر الدهر (أذكر اسمك دور فدور، من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد) فهو أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم. - داود عليه السلام يبشر بنبي من غير ذريته: ويتحدث داود عن النبي القادم فيقول: (قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك، يرسل الرب قضيب عزك من صهيون، تسلط في وسط أعدائك شعبك، فتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة .. أقسم الرب ولن يندم: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. الرب عن يمينك، يحطم في يوم رجزه ملوكاً يدين بين الأمم، ملأ جثثاً، أرضاً واسعة سحق رؤوسها .. ) (المزمور 110/ 1 - 6). ويرى اليهود والنصارى في النص نبوءة بالمسيح القادم من ذرية داود من اليهود. وقد أبطل المسيح لليهود قولهم، وأفهمهم أن القادم لن يكون من ذرية داود، ففي متى: (كان الفريسيون مجتمعين، سألهم يسوع: ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟ قالو له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلاً: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك، فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيب بكلمة) (متى 22/ 41 - 46) وفي مرقص (فداود نفسه يدعوه ربا. فمن أين هو ابنه) (مرقص 12/ 37) و (انظر لوقا 20/ 41 – 44). وتسمية عيسى عليه السلام للنبي بالمسيح سبق التنبيه عليها. فلقب (المسيح المنتظر) يتعلق بمسيح يملك ويسحق أعداءه، وهو ما رأينا تنكر المسيح عليه السلام له في مواطن عديدة، منها أنه قال لبيلاطس: (مملكتي ليست في هذا العالم) (يوحنا 18/ 36)، أي: أنها مملكة روحية. ¬

(¬1) رواه البخاري (3) ومسلم (160)

وهي غير المملكة التي يبشر بها داود في مزاميره، حيث قال: (أضع أعداءك موطئاً لقدميك، يرسل الرب قضيب عزك من صهيون، تسلط في وسط أعدائك شعبَك .. يحطم في يوم رجزه ملوكاً يدين بين الأمم، ملأ جثثاً، أرضاً واسعة سحق رؤوسها .. ). وهو الذي قال عنه يعقوب: (له خضوع شعوب) (التكوين 49/ 10). وينقل القس الدكتور فهيم عزيز عميد كلية اللاهوت للبروتستانت في مصر عن علماء الغرب إنكارهم (أن يسوع كان يتصرف ويتكلم كمسيح لليهود أو المسيا الذي كان ينتظره العهد القديم). وقد تنبأ وبشَّر سليمان أيضاً في المزامير بالنبي الملك صلى الله عليه وسلم، فقال: (ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية، وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة، ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية، ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له؛ لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين؛ إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء، من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا، ويصلّي لأجله دائماً، اليوم كله يباركه، تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال، تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض. يكون اسمه إلى الدهر، قدام الشمس يمتد اسمه، ويتباركون به، كل أمم الأرض يطوّبونه، مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده، ومبارك اسم مجده إلى الدهر، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده، آمين ثم آمين). (المزمور 72/ 8 - 19)، فمن هو الذي سجدت وأذعنت وذلَّت له الملوك، ومجدَّه الله في كل الدهور؟ لا ريب أنه محمد صلى الله عليه وسلم، الذي دانت لسلطانه أعظم ممالك عصره: الروم والفرس.

المطلب الرابع: البشارة بالملكوت:

المطلب الرابع: البشارة بالملكوت: ومن الألقاب التي أعطيت للدين الجديد وأتباعه في (الكتاب المقدس) (الملكوت) أو (ملكوت السماوات)، الذي أنبأ المسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إلى أمة أخرى، فقال: (إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره) (متى 21/ 43). هذا الملكوت تقاطرت الأنبياء على البشارة به (كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا، ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله، وكل واحد يغتصب نفسه إليه) (لوقا 16/ 16 - 17). والملكوت قد بشر باقتراب عصره النبي يوحنا المعمدان، يقول متى: (جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى 3/ 1 - 2).وتحدث المعمدان عن الملكوت القادم فقال لليهود متوعداً: (يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي ... والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ. حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه .... ) (متى 3/ 1 - 13) (¬1). ولنتوقف سريعاً مع الصفات التي ذكرها يوحنا المعمدان لصاحب الملكوت. فأولها: أنه يأتي بعده، فلا يمكن أن يكون هذا الآتي بعده هو المسيح الذي أتى في أيام يوحنا المعمدان. وثانيها: أنه قوي، وقوته تفوق قوة يوحنا المعمدان، ومثل هذا الوصف لا ينطبق على المسيح الذي يزعم النصارى مصرعه على الصليب قريباً مما جرى ليوحنا المعمدان، وأنَّى هذا من غلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر أعدائه؟ ثم بلغ من القوة أنه طهَّر الأرض من رجس الوثنية بالروح والنار أي: بدعوته العظيمة وقوته القاهرة، وكل ما تقدَّم لا ينطبق على أحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد وفاة يوحنا المعمدان جدَّد يسوع البشارة باقتراب الملكوت، (ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى 4/ 17)، (وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت) (متى 4/ 23)، (كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر) (لوقا 8/ 1). وقد اعتبر المسيح عليه السلام البشارة بالملكوت مهمته الأولى، بل الوحيدة، فقال: (فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت) (لوقا 4/ 34). وأمر تلاميذه بأن يبشروا باقتراب الملكوت فقال: (اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى 10/ 7). ثم علم المسيح تلاميذه أن يقولوا في صلاتهم تلك العبارة التي ما يزال النصارى يرددونها إلى اليوم (أبانا الذي في السماوات .. ليأت ملكوتك) (لوقا 10/ 2). ¬

(¬1) يعلق الأب متى المسكين - على هذه الفقرة التي تشير إلى قوة صاحب الملكوت القادم - فيقول بأن المعمدان وتلاميذه (خاب أملهم فيه [المسيح]؛ لأنهم انتظروه يحمل بيده مذراته - رفشه - ليجمع التبن للحريق، فإذا به وديع متواضع، لا يسمع أحد صوته في الشارع، محب للخطاة، ويأكل ويشرب مع العشارين، ويغفر للزناة .. فإن كان المسيح هكذا لطيفاً مع الخطاة يصنع الآيات والمعجزات وحسب؛ فقد أخطأ المعمدان في حساباته وأوصافه عن مسيا الآتي الأقوى منه، ومعروف كيف أن المعمدان كان شخصية حديدية نارية أرعب الكتبة والفريسيين ... فنظر وإذا المسيح أهدأ من نسيم الصباح (. ((الإنجيل بحسب القديس متى)) (ص381) الأب متى المسكين.

ومن خلال هذا كله نستطيع أن نقول بأن رسالة عيسى كانت بشارة بالملكوت الذي بشَّر به يوحنا المعمدان، ووصفا بعض ما يكتنفه، وهذا الملكوت هو بعد المسيح في أمة تعمل أثماره، ولا تضيعه كما أضاعه اليهود. فما هو هذا الملكوت؟ يجيب النصارى بأن الملكوت (شيوع الملة المسيحية في جميع العالم وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول المسيح)، وفسَّره آخرون بأنه انتصار الكنيسة على الملحدين، وفسَّره آخرون بأنه البشارة بالخلاص بدم المسيح، يقول القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: (فإن الملكوت الذي أعلنه السيد المسيح هو) بشارة الملكوت (أو) إنجيل الملكوت ( ... تعبر عن أخبار الخلاص المفرحة التي قدَّمها لنا الله في ابنه يسوع). ويعجب المسلمون لانصراف النصارى عن معنى الملكوت، وتعلقهم بما لا طائل وراءه، فلقد انتصرت الكنيسة، وحكمت أوربا قروناً عدة، ولم نر ما يستحق أن يكون أمراً يبشر به المعمدان والمسيح والتلاميذ. وكذلك فإن أخبار الخلاص المزعوم لا يمكن أن تكون هي البشارة التي كان المسيح يطوف مبشِّراً بها في المدن والقرى، فأقرب تلاميذه لم يفهموا هذا المعنى، ومنهم التلميذان المنطلقان لعمواس بعد حادثة الصلب، فقد كانا يبكيان لفوات الخلاص بموت المسيح (فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين ... كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه، ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل، ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك) (لوقا 24/ 17 - 21). لقد جهل التلميذان موضوع الخلاص بموت المسيح، فهما يبحثان عن خلاص آخر، وهو الخلاص الدنيوي الذي ينتظره بنو إسرائيل. وأيضاً جهلت الجموع المؤمنة التي شهدت الصلب أن الصلب هو البشارة المفرحة التي كان يبشر بها المسيح فرجعوا وهم يبكون وينوحون (وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان، رجعوا وهم يقرعون صدورهم) (لوقا 23/ 48 - 49). ولا يمكن أن يكون الملكوت الموعود هو الخلاص بدم المسيح؛ لأن النصوص ذكرت أموراً تحدث قبل مجيء الملكوت، فهي علامات تتحقق قبل حلول الملكوت، ومن بينها قيام أمة جديدة ومملكة جديدة، وهو ما لم يتحقق قبل انتشار المسيحية في العالم، ولا حين صلب المسيح، يقول متى: (فسألوه قائلين: يا معلّم متى يكون هذا؟ وما هي العلامة عندما يصير هذا؟ فقال: انظروا لا تضلوا، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو. والزمان قد قرب، فلا تذهبوا وراءهم، فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا؛ لأنه لا بد أن يكون هذا أولاً، ولكن لا يكون المنتهى سريعاً. ثم قال لهم: تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء. وقال لهم مثلاً: انظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار، متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب، هكذا أنتم أيضاً، متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أن ملكوت الله قريب. الحق أقول لكم: إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل، السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول، فاحترزوا لأنفسكم؛ لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم بغتة؛ لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض، اسهروا إذاً وتضرَّعوا في كل حين، لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان) (لوقا 21/ 6 - 36). وفي قوله: (وتقفوا قدام ابن الإنسان) ما يربط الملكوت بشخص ابن الإنسان القادم، فهو لا يتحدث عن انتشار المسيحية، بل يتحدث عن ظهور النبي الخاتم ابن الإنسان ويدعوهم للاستعداد للقائه.

فالملكوت هو أمة تعمل وفق إرادة ورضاء صاحب الملكوت جلَّ جلاله. يقول (وليم باركلي) في تفسيره لسفر الأعمال: (الملكوت هو مجتمع على الأرض، تُنفَّذُ فيه إرادة الله تماماً كما في السماء). وفي أحد تشبيهات المسيح للملكوت أبان لتلاميذه عن سبب انتقاله عن بني إسرائيل فقال: (اسمعوا مثلاً آخر، كان إنسان رب بيت، غرس كرماً، وأحاطه بسياج، وحفر فيه معصرة وبنى برجاً، وسلمه إلى كرامين وسافر. ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين؛ ليأخذ أثماره، فأخذ الكرامون عبيده، وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً، ثم أرسل إليهم أيضاً عبيداً آخرين أكثر من الأولين، ففعلوا بهم كذلك. فأخيراً أرسل إليهم ابنه قائلاً: يهابون ابني، وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم، وقتلوه. فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟ قالوا له: أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً رديًّا، ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطون الأثمار في أوقاتها. قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه. ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم) (متى 21/ 33 - 45)، (وانظر لوقا 20/ 9 - 19)، فمن تراه تكون الأمة العظيمة التي إذا غزت أمة سحقتها، وإذا أرادتها أمة نكصت على عقبيها؟ لا ريب أنها الأمة التي هزمت أعظم دولتين في عصرها: الروم والفرس، وانساحت في الأرض، وملكت خلال قرن واحد ما بين الصين وفرنسا، إنها أمة الإسلام. ونبوءة متَّى السالفة تحيل على نبوءة في كتب الأنبياء، وهي ما جاء في مزامير داود عن الآتي باسم الرب (أحمدك؛ لأنك استجبت لي، وصرت لي خلاصاً، الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا، هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه، آه يا رب خلّص، آه يا رب أنقذ، مبارك الآتي باسم الرب) (المزمور 118/ 21 - 25). وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتاً، فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت هاهنا لبِنة، فيتم بنيانك؟، فقال صلى الله عليه وسلم: فكنت أنا اللبِنة)) (¬1). إنه الحجر الذي تمت به النبوات. وقبل أن ننتقل إلى شرح النبوءة يحسن بنا أن ننوه إلى الخطأ الذي وقع فيه بطرس حين زعم أن المسيح هو الحجر الذي رفضه البناؤون، فقال: (يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم ... هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون، الذي صار رأس الزاوية، وليس بأحد غيره الخلاص؛ لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص) (أعمال 4/ 10 - 12)، مع أن الحجر الذي أخبر عنه داود ثم المسيح نبوة غالبة، وأمة ظافرة، وهذه النبوة ليست في بني إسرائيل، كما شهد المسيح عليه السلام. ولبطرس عذر في خطئه، فهو إنسان عامي عديم العلم، كما شهد له أولئك الذين استمعوا لحديثه وتعجَّبوا من المعجزات التي صنعها، فقد قال في ذات السياق: (فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان، تعجبوا) (أعمال 4/ 13). ¬

(¬1) رواه البخاري (3535)، ومسلم (2286)

وهذا المثل العجيب من المسيح (مثل الكرامين) يحكي تنكر اليهود لنعم الله واصطفائه لهم، بقتلهم أنبياءه وهجر شريعته، ويحكي انتقال الملكوت إلى أمة تقوم بأمر الله تعالى، وتقوى على أعدائها وتسحقهم. وهذه الأمة مرذولة محتقرة (الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية)، لكن الله اختارها رغم عجب اليهود من تحول الملكوت إلى هذه الأمة المرذولة، لكنه قدر الله العظيم (من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا) .. فمن تكون هذه الأمة المرذولة؟ إنها أمة العرب، أبناء الجارية هاجر، التي يزدريها (الكتاب المقدس)، فقد قالت سارة: (اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن الجارية لا يرث مع ابني إسحاق) (التكوين 21/ 10). وقال بولس مفتخراً على العرب محتقراً لهم: (ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها؛ لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة: لسنا أولاد جارية، بل أولاد الحرة) (غلاطية 4/ 30 - 31). وقد ضرب المسيح المزيد من الأمثال للملكوت القادم، فبيَّن في مثل آخر أنه ليس في بني إسرائيل الأمة التي لم تستحق اصطفاء الله لها، يقول متى: (جعل يسوع يكلمهم أيضاً بأمثال قائلاً: يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه، وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا، فأرسل أيضاً عبيداً آخرين قائلاً: قولوا للمدعوين: هو ذا غذائي أعددته، ثيراني ومسمناتي قد ذبحت، وكل شيء معدٌّ، تعالوا إلى العرس. ولكنهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم. فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده، وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم، ثم قال لعبيده: أما العرس فمستعد، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين، فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس. فخرج أولئك العبيد إلى الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين، فامتلأ العرس من المتكئين، فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك إنساناً لم يكن لابساً لباس العرس، فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت، حينئذ قال الملك للخدام: اربطوا رجليه ويديه وخذوه، واطرحوه في الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان؛ لأن كثيرين يدعون، وقليلين ينتخبون) (متى 22/ 1 - 14). وفي مثل آخر بين لهم أنواع الناس في قبول الملكوت والإذعان له، ودعاهم لقبوله والإذعان له، فقال: (فكلمهم كثيراً بأمثال قائلاً: هو ذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته. وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً؛ إذ لم يكن له عمق أرض، ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف. وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه. وسقط آخر على الأرض الجيدة، فأعطى ثمراً، بعض مائة، وآخر ستين، وآخر ثلاثين، من له أذنان للسمع فليسمع ... فاسمعوا أنتم مثل الزارع، كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم، فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه، هذا هو المزروع على الطريق. والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح، ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين، فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالاً يعثر. والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة، وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة، فيصير بلا ثمر.

وأما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم، وهو الذي يأتي بثمر فيصنع بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين) (متى 13/ 1 - 23).ويتطابق هذا المثل الإنجيلي مع المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لأحوال الناس مع دعوته، حيث قال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا، وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) (¬1). وحدَّث المسيح تلاميذه عن انتشار الملكوت الذي هو أصغر البذور، لكنه أعظمها انتشاراً، يقول متَّى: (قدم لهم مثلاً آخر قائلاً: يشبه ملكوت السموات حبة خردل، أخذها إنسان، وزرعها في حقله، وهي أصغر جميع البذور، لكن متى نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة، حتى إن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها. قال لهم مثلاً آخر: يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبَّأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع، هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال، وبدون مثل لم يكن يكلمهم) (متى 13/ 31 - 34). (انظر مرقس 4/ 30 - 32).يقول الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل متى: (وتكاد الأمثلة في هذا الإصحاح أن تصف الملكوت على الأرض من بدايته إلى نهاية العالم، ففي المثل الأول يزرع الملكوت في القلوب، وفي الثاني يحاربه الشيطان فيزرع فيه زواناً، ولكن لابد أن ينمو الملكوت منتشراً في العالم ويصير شجرة ضخمة (حبة الخردل)، على أن روح أبناء الملكوت لابد أن تكون هي الاندماج في العالم لتخليصه من الداخل كالخميرة) (¬2). وفي نص آخر يتحدث عن هيمنة الشريعة الجديدة على سائر الشرائع السابقة ونسخها لها، فيقول: (أيضاً يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفيًّا في حقل وجده إنسان، فأخفاه، ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له، واشترى ذلك الحقل. أيضاً يشبه ملكوت السموات إنساناً تاجراً يطلب لآلئ حسنة، فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له، واشتراها) (متى 13/ 44 - 46). وقد قال المسيح مبشراً بالقادم الذي ينسخ الشرائع بشريعته: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل) (متى 5/ 17 - 18)، فمن هو هذا الذي له الكل، إنه ذات النبي الذي يسميه بولس بالكامل، ومجيئه فقط يبطل الشريعة وينسخها (وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل؛ لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض) (كورنثوس (1) 12/ 8 - 10). وكما تحدث المسيح عن هذا النبي تحدث عن تأخر زمان ظهوره عن النبوات السابقة، لكن ذلك لن يمنع عظيم الأجر والثواب لأمته، فضرب هذا المثل وقال: (فإن ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح؛ ليستأجر فَعَلة لكرمه، فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه، ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قياماً في السوق بطالين، فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم، فمضوا. وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل ذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياماً بطالين، فقال لهم: لماذا وقفتم ههنا، كلَّ النهار بطالين؟ ¬

(¬1) رواه البخاري (79). (¬2) ((تفسير إنجيل متى)) (ص211) , الأنبا أثناسيوس.

قالوا له: لأنه لم يستأجرنا أحد. قال لهم: اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم. فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله: ادع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدئاً من الآخرين إلى الأولين. فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا ديناراً ديناراً، فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر، فأخذوا هم أيضاً ديناراً ديناراً، وفيما هم يأخذون تذمَّروا على رب البيت قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة، وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر. فأجاب وقال لواحد منهم: يا صاحب، ما ظلمتك، أما اتفقت معي على دينار؟ فخذ الذي لك واذهب، فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك. أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي أم عينك شريرة لأني أنا صالح! هكذا يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين؛ لأن كثيرين يُدعَون، وقليلون ينتخبون) (متى 20/ 1 - 16). وهكذا فاز الآخرون بالأجر والثواب. فالآخرون هم الأولون السابقون، كما قال المسيح، وأكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((نحن الآخرون السابقون)) (¬1). وقوله: ((مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط، فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: مالنا أكثر عملاً وأقل عطاءً؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء)) (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري (238) ومسلم (855). (¬2) رواه البخاري (2268).

المطلب الخامس: النبي دانيال يتنبأ بزمان الملكوت:

المطلب الخامس: النبي دانيال يتنبأ بزمان الملكوت: وقد نقل الكتاب المقدس بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت، ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها، ففسَّرها له النبي دانيال فقال: (أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جدًّا وقف قبالتك، ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد، والبعض من خزف. كنت تنظر إليه إلى أن قطع حجرا بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أنت أيها الملك ملك ملوك؛ لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء ... فأنت هذا الرأس من ذهب. وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد؛ لأن الحديد يسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء، وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد، فبعض المملكة يكون قويًّا والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين، فإنهم يختلطون بنسل الناس ..... وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد؛ لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين) (دانيال 2/ 21 - 45). يقول (هودجكن) في كتابه (المسيح في كل الكتب): (وأما الحجر الذي قطع بغير يدين ويسحق التمثال العظيم فكناية عن مملكة (المسيا): أي: المسيح المنتظر).وفي التفسير التطبيقي: (وأما الحجر المقطوع من الجبل فيشير إلى ملكوت الله الذي يحكمه المسِيَّا ملك الملوك إلى الأبد). (¬1) فالرؤيا كما يظهر هي عن الممالك التي ستقوم بين يدي بني الملكوت، فأولها مملكة بابل التي يرأسها بختنصر، والتي يرمز لها في الحلم بالرأس الذهبي. ثم مملكة فارس التي قامت أقامها خسرو، وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (593 ق. م)، ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين من فضة. ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وأسَّسها الإسكندر المقدوني (336) ق. م، ويرمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس. ثم تلتها إمبراطورية الرومان، والتي أسَّسها الإمبرطور بوفبيوس (63) ق. م، ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين: إحداهما من خزف، وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أو انقسام الإمبراطورية الرومانية (¬2). (وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً)، فقد جاء الحجر الذي رذله البناؤون وقد قطع بغير يدين، إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم، وأقام الملكوت الموعود في الدنيا قروناً طويلة، ولم ينقطع بأس هذه الأمة إلا في هذا القرن الأخير. ولعل في هذه النبوءة ما يبشِّر بكون هذا الكسوف عرضاً زائلاً ما يلبث أن يزول، فتشرق شمس أمة الإسلام من جديد. ¬

(¬1) ((التفسير التطبيقي)) (1684ص). (¬2) انظر ((إظهار الحق))، رحمة الله الهندي (4/ 1166 – 1169)، ((البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل))، أحمد حجازي السقا (2/ 48 – 51).

وقريباً من رؤيا بختنصر رأى دانيال رؤيا الحيوانات الأربع: (قال: كنت أرى في رؤياي ليلاً، وإذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير، وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك، الأول كالأسد ... وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب ... وإذا بآخر مثل النمر ... وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدًّا، وله أسنان من حديد كبيرة، أكل وسحق وداس الباقي برجليه، وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون ... كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً؛ لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض) (دانيال 7/ 3 - 18). ويوافق النصارى على أن الممالك الأربعة هي البابلية ثم الفارسية ثم اليونانية ثم الرومانية، ويرون الملكوت متحققاً في ظهور دين المسيح، وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم. لكن المملكة الروحية التي أسَّسها الحواريون لا يمكن أن تكون الملكوت الموعود؛ لأن دانيال يتحدث عن أربع ممالك حقيقية، سحق آخرَها ملكٌ حقيقي، لا روحي (وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك) (دانيال 2/ 44). وقال عن المملكة ونبيها: (لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة) (دانيال 7/ 14). وقد فهم التلاميذ من المسيح أن هذه المملكة القادمة زمنية لا روحية، فسألوه وهم يظنون أنها تقوم على يديه، لذلك تساءلوا بعد حادثة الصلب: (هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟) (أعمال 1/ 6)، وقد اجتهد المسيح في إفهامهم أن مملكته روحية، بينما المملكة القادمة مملكة حقيقية. ثم إن مملكة التلاميذ لم تقهر الدولة الرومانية، بل إن الرومان قهروا المسيحية بعد حين، حين أدخلوا وثنياتهم فيها. وكيف للنصارى أن يقولوا بقهر الرومان، وهم يزعمون أن المسيح مات على أعواد صليب روماني. أما المسلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية، واقتلعوها من أرض فلسطين، ثم بقية بلاد الشام ومصر، ثم أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للإسلام دين الملكوت ..

المطلب السادس: البشارة بـ (محماد) مشتهى الأمم:

المطلب السادس: البشارة بـ (محماد) مشتهى الأمم: وبعد عودة بني إسرائيل من السبي، وتخفيفاً لأحزانهم، ساق لهم النبي حجي بشارة من الله فيها: (لا تخافوا؛ لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود .... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود) (حجي 2/ 6 - 9). وهذه النبوءة لا ريب تتحدث عن القادم الذي وعد به إبراهيم، وبشَّر به يعقوب وموسى ثم داود عليهم الصلاة والسلام. وقبل أن نلج في تحديد شخصية هذا المشتهى من كل الأمم نتوقف مع القس السابق عبد الأحد داود، وهو الخبير باللغات القديمة، إذ يسوق لنا النص بالعبرانية: (لسوف أزلزل كل الأرض، وسوف يأتي (محماد) لكل الأمم ... وفي هذا المكان أعطي السلام)، فقد جاء في العبرية لفظة (محماد) أو (حمدت) كما في قراءة أخرى حديثة، ولفظة (محِمْادْ) في العبرانية تستعمل عادة لتعني: (الأمنية الكبيرة) أو (المشتهى)، والنص حسب الترجمة العبرانية المتداولة: (فباؤا حمدات كول هاجوييم). لكن لو أبقينا الاسم على حاله دون ترجمة، كما ينبغي أن يكون في الأسماء، فإنا واجدون لفظة (محماد) هي الصيغة العبرية لاسم أحمد، والذي أضاعها المترجمون عندما ترجموا الأسماء أيضاً. يقول المؤرخ (ول ديورانت): (ولفظ محمد مشتق من الحمد، وهو مبالغة فيه، كأنه حمد مرة بعد مرة، ويمكن أن تنطبق عليه بعض فقرات في التوراة تبشِّر به) (¬1).وجاء في تمام النبوءة الحديث عن البيت الأخير لله، والذي هو أعظم مجداً من البيت الأول، ثم يقول: (في هذا المكان أعطي السلام)، وقد استخدمت الترجمة العبرية لفظة (شالوم) والتي من الممكن أن تعني الإسلام، فالسلام والإسلام مشتقان من لفظة واحدة (¬2). وقوله: (في هذا المكان أعطي السلام)، قد تتحدث عن عقد الأمان الذي عم تلك الأرض والذي أعطاه عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما فتحها، فتكون النبوءة عن إعطاء السلام، ولم تنسبه إلى المشتهى، ذلك أن الأمر تمَّ بعد وفاته في أتباعه وأصحابه الكرام. ولا ريب أن النبوءة لا تتحدَّث عن المسيح؛ إذ لا تقارب بين ألفاظ النبوءة واسمه، أو بين معانيه وما عهد عنه عليه السلام؛ إذ لم يستتب الأمن في القدس حال بعثته، بل بشر اليهود بخراب هيكلهم بعد حين، كما كان رسولاً إلى بني إسرائيل فحسب، وليس لكل الأمم، والقادم هو مشتهى الأمم جميعاً، وليس خاصًّا ببيت يعقوب، كما جاء في وصف المسيح مراراً. وهذا الاستعمال لكلمة (السلام) بمعنى (الإسلام) يراه عبد الأحد داود لازماً في موضع آخر من (الكتاب المقدس)، فقد جاء في (إنجيل لوقا) أن الملائكة ترنموا عند ميلاد المسيح قائلين: (المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة) (لوقا 2/ 14). ويتساءل القس السابق عبد الأحد داود أي سلام حلَّ على الأرض بعد ميلاد المسيح، فقد تتابع القتل، والحروب ما تزال تطحن، وإلى قيام الساعة، ولذلك فإن الترجمة الصحيحة لكلمة (إيرينا) اليونانية في العبرانية: (شالوم)، وهي في العربية (الإسلام) كما (السلام). ¬

(¬1) ((قصة الحضارة)). (¬2) ومثل هذا في القرآن في قوله: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً *البقرة: 208*.

وإن أصرَّ النصارى على تفسير كلمة (إيرينا) بالسلام، فقد جعلوا من عيسى مناقضاً لنفسه، إذ قال: (جئت لألقي ناراً على الأرض ... أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض. كلا أقول لكم، بل انقساماً ... ) (لوقا 12/ 49 - 51)، وفي متى: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً) (متى 10/ 34). وتبعاً لهذا يرى عبد الأحد داود أن صانعي السلام هم المسلمون، وذلك في قول المسيح: (طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم يدعون أبناء الله). (متى 5/ 9) فيرى أن الترجمة الدقيقة هي (طوبى للمسلمين)، وليس صانعي السلام الخيالي، الذي لم ولن يوجد على الأرض. كما لا يستطيع أحد ينتمي إلى فرق النصارى المختلفة والمتباغضة طوال تاريخ النصرانية، لا يستطيع أن يقول بأن السلام قد تحقق في نفوس المؤمنين؛ إذ الأحقاد المتطاولة بينهم تكذب ذلك كله. وجاء في تمام الأنشودة المزعومة للملائكة: (وبالناس المسرة)، واستخدم النص اليوناني كلمة (يودوكيا) وهي كلمة مشتقة من الفعل اليوناني (دوكيو)، ومعناها كما في القاموس الإغريقي: (لطيف، محسن، دمث ... ) ومن معانيها أيضاً السرور - المحبة - الرضا - الرغبة، الشهرة ... فكل هذه الإطلاقات تصح في ترجمة كلمة (يودوكيا) التي يصح أيضاً أن تترجم في العبرانية إلى (محماد، ما حامود) المشتقة من الفعل (حمد) ومعناه: المرغوب فيه جدًّا، أو البهيج، أو الرائع أو المحبوب أو اللطيف، وهذا كله يتفق مع المعاني التي تفيدها كلمة (محمد وأحمد)، واللتان تقاربان في الاشتقاق كلمتي (حمدا ومحماد) العبرانيتين، ومثل هذا التقارب يدل على أن لهما أساسا واحدا مشتركا، كما هو الحال في كثير من كلمات اللغات السامية. وينبِّه الأب السابق عبد الأحد داود إلى وجود هذا النص في (إنجيل) لوقا اليوناني، في الوقت الذي كانت فيه العبارات سريانية حين مقالها، ولا يمكن- حتى مع بذل الجهد وفرض الأمانة في الترجمة- أن تترجم كلمة ما من لغة إلى أخرى، وتفيد نفس المعاني الأصلية للكلمة، ومع ضياع الأصول لا يمكن التحقق من دقة هذه الترجمة. والترجمة الصحيحة للترنيمة- كما يرى عبد الأحد داود- هي: (الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد). (¬1) ¬

(¬1) انظر ((محمد في الكتاب المقدس))، عبد الأحد داود، (ص147 - 165)، ((الإنجيل والصليب))، عبد الأحد داود، (ص33 - 55)، ((البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل))، أحمد حجازي السقا (2/ 370 – 372).

المطلب السابع: البشارة بإيلياء:

المطلب السابع: البشارة بإيلياء: ومن الأسماء التي رمز الكتاب المقدس بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم (إيلياء) وهي وفق حساب الجمّل اليهودي تساوي (53) (¬1). وهو أيضاً اسم لنبي عظيم أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى بني إسرائيل، وكان ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد، وهو الذي يسميه القرآن إلياس. وفي آخر أسفار التوراة العبرانية يتحدث النبي ملاخي في سفره القصير عن عصيان بني إسرائيل وعن إيليا أو إيلياء القادم الجديد، وهو غير إلياس الذي كان قد توفي منذ سبعة قرون، فيقول ملاخي بأن الله يقول: (هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود. من يحتمل يوم مجيئه، ومن يثبت عند ظهوره؛ لأنه مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار ... (ملاخي 3/ 1 - 2). فالنص في سفر النبي ملاخي يتحدث عن اثنين: أحدهما: الذي يهيئ الطريق أمام القادم من عند الرب. والثاني: هو الذي يأتي بغتة إلى الهيكل، ويسميه: السيد، وملاك العهد. وهو الذي يطلبه بنو إسرائيل وينتظرونه. وفي آخر سفره يقول ملاخي، وحديثه مازال متصلاً عن هذا القادم، وعن تبديل بني إسرائيل وكفرهم، فيقول: (اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام. هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن) (ملاخي 4/ 4 - 5).فقد سمى ملاخي النبي القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوريب، والتي ذكر فيها موسى النبي القادم مثله من بين إخوة بني إسرائيل، قال المفسر صاحب (تحفة الجيل): (إن إيلياء الرسول المذكور في آخر سفر ملاخي هو ملغوز، وهذا هو حبر العالم الذي يأتي في آخر الزمان) (¬2). ويرى النصارى أن النبي الذي يمهِّد الطريق هو يوحنا المعمدان المسمى بإيليا في النص يقول مرقص: (كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك .. كان يوحنا المعمدان يعمد في البرية ... وكان يكرز قائلاً: يأتي بعدي من أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه، أنا عمدتكم بالماء، وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس، وفي تلك الأيام جاء يسوع .. ) (مرقص 1/ 2 - 9)، وهو ما نقله لوقا عن لسان المسيح: (بل ماذا خرجتم لتنظروا، أنبيًّا؟ نعم أقول لكم: وأفضل من نبي، هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك؛ لأني أقول لكم: إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه) (لوقا 7/ 26). فالممهِد للطريق- حسب رأي النصارى- هو يوحنا المعمدان، والممهد له المنتظر هو عيسى عليه السلام. ويعتبرون الأول إيليا؛ لقول متى على لسان المسيح في سياق حديثه عن يوحنا المعمدان: (ماذا خرجتم لتنظروا. أنبياً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي، فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه ... لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبئوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع) (متى 11/ 9 - 15). ¬

(¬1) (أ=1، ي=10، ل=30)، وهو ما تساويه كلمة أحمد (أ=1، ح=8، م=40، د=4). (¬2) انظر ((الفارق بين المخلوق والخالق))، عبد الرحمن باجي البغدادي، (ص654).

ويذكر متى أيضاً بأن المسيح قال: (إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه ... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان) (متى 17/ 10 - 13). وهكذا يرى النصارى أن المبشِّر الممهد للطريق هو يوحنا (إيليا)، والمبشَّر به هو المسيح. والصحيح أن إيليا رمز للنبي القادم، وليس للنبي الممهد لطريقه. وقبل أن نلج لفهم حقيقة هذه النبوءة نرى لزاما أن ننبه ببعض ما تعرضت له هذه النصوص من تحريف، ففي ملاخي (ملاك العهد)، وهو في الترجمات القديمة: (رسول الختان)، وفي الترجمة الحديثة يقول: (أرسل ملاكي)، وفي القديمة: (أرسل رسولي)، وفي بعض الطبعات: (يأتي السيد) وفي بعضها: (الولي)، وفي أخرى: (إيليا). وفي نصوص الأناجيل تحريف للاقتباس من ملاخي الذي استعمل ضمير المتكلم (الطريق أمامي)، وفي الأناجيل أصبح الضمير راجعاً على المسيح (يهيئ طريقك قدامك). كما نرى يد التحريف قد طالت كلام المسيح والمعمدان حين زعم الإنجيليون أن المسيح اعتبر المعمدان هو الممهد لدعوته (هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك) (لوقا 7/ 26)، وأنه سماه إيليا المنتظر (ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه ... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان) (متى 17/ 12 - 13). ومن التحريف قولهم: إن المعمدان أخبر أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو المسيح (ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه .. وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم، هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي رجل صار قدامي؛ لأنه كان قبلي) (يوحنا 1/ 26 - 40). ودعوانا التحريف ليس مردها عدم اتفاق هذه النصوص مع المسألة التي نحن بصدد إثباتها، بل مرده أن يوحنا المعمدان أنكر أن يكون هو النبي إيليا الممهد بين يدي السيد القادم، فقد نفى هو ذلك عن نفسه لما جاءه رسل اليهود من الكهنة واللاويين (ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح. فسألوه إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. النبي أنت؟ فأجاب: لا) (يوحنا 1/ 19 - 21)، فهذا نص صريح ينكر فيه يوحنا أنه إيليا الممهد للطريق، كما هو ليس المسيح المنتظر أو النبي القادم. ويلزم من قول المعمدان تكذيب المسيح في قوله بأن إيليا قد جاء، أو أن يكون المعمدان كاذباً حين أنكر أنه إيليا، أو يلزم القول بأن التلاميذ لم يفهموا كلام المسيح، وهذا الأخير هو الأولى، فقد أخطأ متى حين قال: (حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان)، لقد ظنوا أنهم فهموا، بينما الحقيقة أنهم لم يفهموا، لقد كان يحدثهم عن نفسه، فهو النبي القادم الذي يهيئ الطريق للقادم المنتظر (هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود). ثم إن صفات إيليا لا تنطبق على المعمدان؛ لأنه يأتي بعد المسيح، فقد قال المسيح عنه: (إيليا المزمع أن يأتي) والمسيح والمعمدان متعاصران. وعندما يأتي إيليا فإنه (يرد كل شيء)، (فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم)، ومثل هذا لم ينقل عن المعمدان الذي عاش في الصحراء، طعامه الجراد والعسل، ولباسه وبر الإبل، وغاية ما صنعه تعميد من جاءه تائباً. (انظر متى 3/ 1 - 5).

ولا يمكن التسليم بأن المعمدان كان تمهيداً للمسيح؛ إذ كيف يقال ذلك، والمعمدان قبيل مقتله - حسب الأناجيل- لا يعرف حقيقة المسيح، ويرسل تلاميذه ليسألوا المسيح (أنت هو الآتي أم ننتظر غيرك؟) (متى 11/ 3). فكيف يقال بأنه أرسل بين يديه، وهو لم يعرف حقيقته؟ ثم ماذا صنع يوحنا بين يدي مقدم المسيح؟ هل صنع شيئاً يتعلق بالمهمة التي تزعمها الأناجيل له؟ لم يرد عنه سوى البشارة بالملكوت كما بشر به المسيح بعده. (انظر متى 3/ 1) كما كان يعمد الذين يأتونه معترفين بخطاياهم. (انظر متى 3/ 6)، وهذا الذي صنعه المسيح أيضاً، وهو ما يؤكد أن دعوتهما واحدة، ألا وهي البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم نبي الملكوت، كما قال: (فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت) (لوقا 4/ 34)، فقد أرسل للبشارة بالملكوت القادم، فهو ممهد ومبشر بين يديه. والحق أن المعمدان وعيسى صاحبا دعوة واحدة، أي: كلاهما بعث مبشراً بالنبي الخاتم، فهما المبشِّران بالنبي الخاتم، والذي أسماه متَّى بملكوت السماوات، فقد بشر باقتراب عصره النبي يوحنا المعمدان، (جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى 3/ 1 - 2). وبعد وفاة يوحنا المعمدان جدَّد يسوع البشارة بالملكوت، (ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى 4/ 17)، (وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت) (متى 4/ 23). وأمر تلاميذه بأن يبشروا باقتراب الملكوت فقال: (اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات) (متى 10/ 7)، لقد كانت دعوتهما واحدة، وهي البشارة والتمهيد للنبي القادم. وكما لم يتحقق في المعمدان صفات الممهد للنبي القادم، فإن الصفات التي ذكرها يوحنا المعمدان للآتي بعده لم تتحقق في المسيح، فقد قال المعمدان: (أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ، حينئذٍ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه) (متى 3/ 11 - 13). فالقادم المبشَّر به سيعمد بالروح القدس والنار، أما المسيح عليه السلام فلم يعمد أحداً طوال حياته، وإن كان شاع بين الناس أنه يعمد، لكنه لم يفعل ذلك حقيقة، وإن صنعه تلاميذه باسمه (فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا أن يسوع يصيّر ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا، مع أن يسوع نفسه لم يكن يعمد بل تلاميذه) (يوحنا 4/ 1 - 2). وذكر المعمدان أن الآتي بعده يعمد بالروح والنار، أي: يملك سلطان الدين والدنيا؛ لتغيير المنكر والحفز على التوبة، فهو لا يتوقف عن حدود الطهارة الظاهرية للجسد بالاغتسال بالماء، بل يهتم بطهارة الباطن، ووسيلته ما يأتي به روح القدس (جبريل) من وحي وبلاغ وبيان، كما قام بتطهير كثير من الأرض من الوثنية بالنار. ومثل هذه المعمودية لم يفعلها المسيح الذي عمد تلاميذه بالماء، وكانت بشارته استمراراً لمعمودية المعمدان، وهي البشارة بالتوبة ومغفرة الخطايا، فإن المسيح دعا - بعد حادثة الصلب والقيامة - كل واحد من تلاميذه (أن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا) (لوقا 24/ 47)، فلم تختلف معموديته عليه السلام عن معمودية المعمدان في شيء. (انظر يوحنا 3/ 22 – 23).

واستمر تلاميذه بعده يعمدون بالماء كما كان المعمدان يعمد، ولما جاء بولس إلى أفسس إذ وجد تلاميذ قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟. قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم: فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا: بمعمودية يوحنا. فقال بولس: إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي: بالمسيح يسوع، فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع) (أعمال 19/ 1 - 5)، ولو كان للمسيح عليه السلام تعميد يخالف ما عليه تعميد المعمدان عليه السلام لعرف بين التلاميذ وشاع. كما وصف المعمدان النبي القادم بعده بأنه (أقوى مني)، وليس في دعوة المسيح أو حياته الشخصية ما يشير إلى هذه القوة، فكلاهما لم يبعث بشرع جديد، كما لم يملك على قومه، ولم يكن لأي منهما نفوذ أو سلطان، بل تزعم النصارى- باطلاً- أن كلًّا منهما مات مقتولاً! فأين القوة التي ذكرها المعمدان؟ كما لم يحقق المسيح قول المعمدان عن النبي الآتي: (رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ) وهذه كناية يفسرها الدكتور وليم أدي بقوله: (كناية عن نهاية العمل كله، ويمكن أن يكون القصد من هذا التشبيه: الإشارة إلى تأديب الله للناس، وقصاصه لهم في هذه الحياة). بل هو كناية أبعد من ذلك، إذ تبين سلطانه الذي ينقي الأصل الذي أنزله الله على أنبيائه مما علق فيه، فيحذف الترهات الدخيلة ويزيفها. وعليه فالآتي المبشَّر به هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو فقط الذي أتى إلى أرض القدس والهيكل بغتة يوم أسري به إلى بيت المقدس، بينما نشأ المسيح ويوحنا في ربوع الهيكل. وهو النبي الذي سمَّته بعض الترجمات برسول الختان؛ إذ كان قد دعا إليه ونبَّه إلى أنه من سنن الهدى، والتزمه المسلمون بعده.

المطلب الثامن: الأصغر في ملكوت الله:

المطلب الثامن: الأصغر في ملكوت الله: وثمة بشارة أخرى جاءت على لسان المسيح تبشِّر بالمسيح المنتظر صلى الله عليه وسلم، وتؤكِّد أنه أعظم الأنبياء، وأنه النبي المسمى إيليا، وأنه الذي تقاطرت النبوات على البشارة به، يقول المسيح: (الحق الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه .. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع) (متى 11/ 11 - 15)، فالأصغر في ملكوت السماوات هو إيلياء المزمع أن يأتي، الذي تنبأ به الأنبياء، نبيًّا تلو نبي، وكان آخرهم يوحنا المعمدان. فمن هو إيليا، الأصغر في ملكوت السماوات؟ إنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صغر بتأخره في الزمان عن سائر الأنبياء، لكنه فاقهم جميعاً باكتمال رسالته ورضا الله بدينه ديناً خاتماً إلى قيام الساعة، فإن لم يكن محمداً صلى الله عليه وسلم فمن ذا يكون؟ ولا يمكن لنصراني أن يدَّعي بأن عيسى هو آخر الرسل والأنبياء لإيمانهم برسالة تلاميذه، بل وغيرهم كبولس، كما لم تكمل رسالته عليه السلام بدليل التعديل والنسخ الذي أجراه الحواريون عليها في المجمع الأورشليمي الأول بزعم التيسير على المتنصرين، فأبطلوا الختان، وأحلُّوا بعض محرمات التوراة. وعليه فلا تصدق على المسيح عليه السلام كلمة (الأصغر)؛ لأنه ليس آخر الأنبياء، كما أنه لم يصرح ولا يفهم أنه كان يتحدَّث عن نفسه حين قال: (ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه .. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع) (متى 11/ 11 - 15). وهذا الأصغر إنما يأتي في ملكوت السماوات التي لم تكن قد قامت يومذاك، وهو مزمع أن يأتي ولما يأت بعد، إنه محمد صلى الله عليه وسلم.

المطلب التاسع: المسيح يبشر بالبارقليط:

المطلب التاسع: المسيح يبشر بالبارقليط: لكن أعظم بشارات العهد الجديد بالنبي الخاتم هي نبوءات المسيح عليه السلام عن مجيء البارقليط إلى هذا العالم. وينفرد يوحنا في إنجيله بذكر هذه البشارات المتوالية من المسيح بهذا النبي المنتظر، حيث يقول المسيح موصياً تلاميذه: (إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم ... إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً. الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني، بهذا كلمتكم وأنا عندكم، وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم. قلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون، لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً؛ لأن رئيس هذا العالم يأتي، وليس له فيَّ شيء) (يوحنا 14/ 15 – 30). وفي الإصحاح الذي يليه يعظ المسيح عليه السلام تلاميذه طالباً منهم حفظ وصاياه، ثم يقول: (متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً؛ لأنكم معي في الابتداء. قد كلَّمتكم بهذا لكي لا تعثروا، سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله ... قد ملأ الحزن قلوبكم، لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، أما على خطية: فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر: فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة: فلأن رئيس هذا العالم قد دين. إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني؛ لأنه يأخذ مما لي ويخبركم) (يوحنا 15/ 26 - 16/ 14). ¤ هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن محمود السقار

الفصل العاشر: تحريفات النصارى ومزاعمهم:

الفصل العاشر: تحريفات النصارى ومزاعمهم: • المطلب الأول: الاضطهادات:. • المطلب الثاني: ضياع الإنجيل وانقطاع السند:. • المطلب الثالث: بولس (شاؤول اليهودي):.

المطلب الأول: الاضطهادات:

المطلب الأول: الاضطهادات: إن مما لاشك فيه أن الدعوات خاصة الدينية والإصلاحية تنمو وتزدهر في السلام والأمن، وتنكمش وتتقوقع في الخوف والاضطهاد، وقد يؤدي الاضطهاد المركز إلى القضاء عليها، وخاصة إذا واكب نشأتها قبل أن تنغرس جذورها في الأرض وتثبت قدمها فيها. وإن الدارس لتاريخ المسيح عليه السلام وأتباعه ودعوته يجد أن الاضطهاد واكب نشأتها، واستمر قروناً عدة يشتد حيناً، ويفتر حيناً آخر. فقد كان المسيح عليه السلام مطارداً من اليهود، بل سعوا جادين إلى قتله، إلا أن الله عزَّ وجلَّ أنجاه منهم ورفعه إليه، ثم إن النصارى حسب كلامهم وقع عليهم اضطهاد شديد من بعده، أولاً من قبل اليهود، فقد قُتل أحد كبار النصارى ويسمى (إستفانوس) رجماً، وقُطع بعده رأس (يعقوب) مما جعل بقية الأتباع يتفرقون في البلدان، وينتشرون في أرض الله خوفاً من اضطهاد بني جنسهم اليهود لهم، ثم وقعت على من بقي منهم في فلسطين نكبتان مدمرتان: أولاهما عام (70) م، وهي: فتك الوالي الروماني (تيطس) باليهود وتدميره لبيت المقدس بسبب عصيانهم وتمردهم. والأخرى وهي أكبر من أختها: عام (135) م, في عهد الإمبراطور (هادريان) الذي قضى على اليهود في فلسطين، ولم يبق بعده فيها إلا أقلية نصرانية واهنة مبعثرة. ثم استمر اضطهاد أباطرة الرومان للنصارى قرنين آخرين، ذاق خلالهما النصارى ألواناً شتى من الذل والاضطهاد، حتى أصبح اتهام أي رجل بالنصرانية في بعض الأحيان مبرراً قويًّا لإلقائه للوحوش المفترسة والحكم عليه بالموت، ولم يتوقف هذا الاضطهاد إلا بتولي قسطنطين الإمبراطورية الرومانية، وإصداره مرسوم ميلان سنة (313) م، والقاضي بإعطاء النصارى الحرية الدينية وحرية الأديان عموماً. فكان هذا الاضطهاد من العوامل المهمة في تحريف دعوة المسيح عليه السلام؛ لأن تثبيت العقيدة والدعوة إليها والعمل بها، يحتاج إلى وضع آمن، بل يحتاج إلى قوة داعمة ومناصرة لترسخ العقيدة في النفوس، ويتمكن الدعاة من نشرها بين الناس، وإلا فإن عقائد الناس وعباداتهم القديمة تطغى على الدعوة الجديدة، وقد تصبغها بصبغتها، وكذلك أعداء الأديان من أصحاب الأهواء والنفعيين فإنهم يجدون أرضية مناسبة لبث آرائهم وأهوائهم في الأديان، كما أن الجهل بالدين الصحيح في كثير من الأحيان مع النية الصالحة في العمل قد تدفع الإنسان إلى استحسان أمور وادعاء أمور أنها من الدين وهي ليست منه. فهذه الأمور وغيرها تطفو على السطح وتظهر في حالة الاضطهاد وعدم الأمن، وإذا نظرنا إلى تاريخ النصرانية نجد أنه في فترة الاضطهاد شاع بينهم ما يسمونه بـ (الهرطقة) وهي التعاليم المخالفة لما عليه النصارى، كما كثرت الكتب والرسائل المنسوبة إلى دعاة النصارى الأوائل. واستمر وجود تلك البدع والكتب إلى أن جاء قسطنطين وسعى إلى توحيد النصارى بدعوته إلى مجمع نيقية سنة (325) م، إلا أنه وحدَّهم على إحدى تلك البدع، وهي بدعة بولس، فمما لا شك فيه أن ذلك كله كان عاملاً من العوامل التي تسببت في انحراف النصرانية عن الدين الحق الذي جاء به المسيح عيسى عليه السلام.

المطلب الثاني: ضياع الإنجيل وانقطاع السند:

المطلب الثاني: ضياع الإنجيل وانقطاع السند: تقدم الكلام على الأناجيل، وأن الأناجيل الموجودة ليس منها شيء منسوب إلى عيسى عليه السلام، ولا يُعرَف أثر لإنجيل عيسى عليه السلام، كما أن النصارى لم يعتنوا بالتدوين مباشرة بعد رفع المسيح، وإنما تأخروا في التدوين مما جعل كثيراً من الأناجيل تظهر، ولا يعرف على اليقين كاتبها، ولا من أين أخذ معلوماته. وهذا انحراف بدعوة المسيح عليه السلام عن وجهها الصحيح؛ لأن أصحاب تلك الأناجيل ليسوا معصومين، فوقعوا في أخطاء كثيرة، وسوء فهم، وغير ذلك من العوارض التي تعرض للبشر، مما جعل الديانة المعتمدة على مثل تلك الكتب المليئة بالأخطاء تبدو ديانة مرتبكة مختلة التركيب، كما هو حال النصرانية.

المطلب الثالث: بولس (شاؤول اليهودي):

تمهيد: هو شاؤول اليهودي أحد ألد أعداء المسيح عليه السلام، وأحد اليهود المتعصبين لليهودية، ولد وتربى في طرسوس التي كانت مركزاً من مراكز الفلسفة وتنوع الثقافات الوثنية في ذلك الوقت. وانتقل بولس إلى أورشليم، وتعلم الشريعة اليهودية، وكان من أشد الناس تعصباً لها، ثم لما بعث المسيح عليه السلام كان من أشد الناس على ديانته وعلى أتباعها. فهو يقول عن نفسه: (سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية إني كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي؛ إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي). ثم إن هذا الرجل زعم أنه دخل في دين المسيح، وفي هذا يقول لوقا في أعمال الرسل (9/ 1): (أما شاؤول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب، فتقدم إلى رئيس الكهنة، وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساً من الطريق رجالاً أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم، وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: شاؤول شاؤول. لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن تَرْفُسَ مَنَاخِس، فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب ماذا تريد أن أفعل؟ فقال له الرب: قم وادخل المدينة، فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل ....... وكان شاؤول مع التلاميذ الذين في دمشق أياماً وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله). وبهذه القصة التي لا دليل عليها ولا شاهد إلا دعواه، زعم أنه دخل في دين المسيح، وحين قدَّم نفسه للحواريين لم يقبله الحواريون أولاً لمعرفتهم بعداوته وبطشه بهم، ولكن (برنابا) توسط له عندهم فقبلوه، فنشط بعد قبولهم له، وصار رأساً في النصرانية، يبني الكنائس، ويطوف البلاد شرقاً وغرباً يدعو، ويرسل الكتب والرسائل يبين فيها ديناً وأمراً غريباً عن الحواريين وعن شريعة عيسى عليه السلام. وبالنظر الفاحص فيما خلَّف بولس من رسائل يتضح للناظر فيها ملاحظات عديدة، نقتصر منها على ذكر أهم مخالفاته لدعوة المسيح عليه السلام:

الفرع الأول: ادعاؤه أن المسيح ابن الله:

الفرع الأول: ادعاؤه أن المسيح ابن الله: من الدعاوى التي أطلقها بولس هي ادعاؤه أن المسيح عليه السلام ابن الله- تعالى الله عن ذلك - فمن ذلك ما ورد في سفر أعمال الرسل عن بداية دعوة بولس (9/ 20) قال: (وللوقت جعل- يعني بولس- يكرز في المجامع أن هذا هو ابن الله). ويقول بولس في رسالته إلى غلاطية (4/ 4) (ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس). فهذه الدعوى ظهرت أولاً في كلام بولس ودعوته، ثم ظهرت قوية في المجامع النصرانية، وقامت عليها الديانة كلها، وهذا كله خلاف ما صرَّح المسيح عليه السلام به مراراً من أنه رسول لبني إسرائيل، وأنه إنسان، وابن إنسان، وابن داود، وغيرها من الألقاب التي تؤكد أنه بشر ابن بشر، ومن ذلك قول (إنجيل متى) (8/ 20) (فقال له يسوع: للثعالب أوجرة ولطيور السماء أو كار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه؟). وفي (إنجيل يوحنا) يقول (8/ 40) (وأنا إنسان علمكم بالحق الذي سمعه من الله) فهذه النصوص قد أكَّد بها المسيح بشريته إلا أن بولس بعدُ، قد أضفى على المسيح صفة (ابن الله) وأعطاها ذلك المضمون الذي أخذت به النصرانية من اعتقادهم أن المسيح إله، ابن إله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً.

الفرع الثاني: ادعاؤه أن الغاية من مجيء المسيح عليه السلام هو الصلب وتكفير الخطايا:

الفرع الثاني: ادعاؤه أن الغاية من مجيء المسيح عليه السلام هو الصلب وتكفير الخطايا: وفي هذا يقول بولس في رومية (3/ 23): (إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدَّمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة). ويقول في رومية أيضاً في (5/ 6) (لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار ... ولكن الله بيَّن محبته لنا؛ لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا). وفي رسالته الثانية إلى كورنثوس (5/ 21) يقول (لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا؛ لنصير نحن بر الله فيه). فهذه الدعوى التي علَّل بها بولس حياة المسيح وموته هي التي قامت عليها النصرانية بعد، ولم يكن لها في الحقيقة شيء من الصدى في حياة المسيح ولا كلامه، بل ورد عن المسيح عليه السلام التصريح بأنه جاء ليدعو إلى التوبة والإنابة. وفي هذا ورد في إنجيل متى (9/ 13) قوله: (لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة). وفي (إنجيل مرقص) (1/ 12) يقول: (وبعد ما أُسْلِم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). فهذا ظاهر منه أن المسيح عليه السلام قد صرَّح بأن الهدف من رسالته هو الدعوة إلى التوبة، إلا أن بولس اخترع من عند نفسه هدفاً آخر للمسيح لم يصرح به المسيح ولم يقله، وهو أنه إنما جاء ليصلب تكفيراً للخطايا.

الفرع الثالث: ادعاؤه أن دعوة المسيح عليه السلام كانت عامة لجميع بني البشر:

الفرع الثالث: ادعاؤه أن دعوة المسيح عليه السلام كانت عامة لجميع بني البشر: ادَّّعى بولس أن المسيح عليه السلام رسول لجميع الأمم ثم زعم لنفسه بأنه مرسل إلى جميع البشر، وفي هذا يقول في رومية (11/ 13): (فإني أقول لكم أيها الأمم، بما أني أنا رسول للأمم أمجد خدمتي). وفي غلاطية (1/ 15) يقول: (ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم). وفي أفسس (3/ 8) يقول: (أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم). وهذه الدعوى منه تخالف ما ذكره المسيح عن نفسه وما وصَّى أيضا به تلاميذه، حيث يقول عن نفسه في (إنجيل متى) (15/ 24): (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). ووصَّى تلاميذه بقوله في (إنجيل متى) (10/ 5): (إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).

الفرع الرابع: إلغاؤه لشريعة موسى عليه السلام، ودعواه أن الإنسان ينجو بالإيمان المجرد بدون عمل.

الفرع الرابع: إلغاؤه لشريعة موسى عليه السلام، ودعواه أن الإنسان ينجو بالإيمان المجرَّد بدون عمل. ألغى بولس شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في رسالته إلى رومية (2/ 16): (إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس؛ لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما ..... فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي، لست أبطل نعمة الله؛ لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب). ومما يجدر ذكره أن بولس لما وسع نطاق دعوة المسيح عليه السلام لتشمل جميع الناس واجه عقبة كؤود، وهي عدم قبول الوثنيين للشرائع الموسوية، وتصوَّر أنه لا يمكن أن تنجح الدعوة بينهم مع وجود الشريعة، فقرَّر إلغاءها، ويذكر سفر أعمال الرسل أن هذا أولاً تمَّ بمطالبة من بولس ودعوة منه، ثم قبله بعد ووافق عليه سائر التلاميذ، وقرروا أن لا يلزم الناس بشيء من الأمور الواجبة عند بني إسرائيل سوى الامتناع عن الذبح للأصنام، وعن أكل الدم، والمخنوق، والامتناع عن الزنا. وإلغاء بولس للعمل بشريعة موسى عليه السلام خلاف ما أكَّده المسيح عليه السلام ودعا إليه، فقد ورد في (إنجيل متى) (5/ 17) أنه قال: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإن الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة من الناموس حتى يكون الكلُّ، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات، وأما من عمل وعلم، فهذا يُدعَى عظيماً في ملكوت السموات. فإني أقول لكم: إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات). فهذه تأكيدات واضحة من المسيح على التزام شريعة موسى عليه السلام وتحريم الخروج عليها. فإلغاء العمل بشريعة موسى هو في الحقيقة هدم لديانة المسيح تماماً؛ لأن مما هو ظاهر من دعوة المسيح عليه السلام أنه لم يأت بتعاليم جديدة تذكر، وإنما ركَّز تركيزاً خاصًّا على التوبة والتخلص من الخطايا. وهذا لا شك مع التزام الشريعة السابقة، فإذا ألغيت الشريعة بقيت دعوة المسيح عليه السلام دعوة عامة للتوبة والصلاح بدون أعمال يتوصل الإنسان من خلالها إلى تهذيب نفسه وتزكيتها، وهذا ما آل إليه أمر ديانة المسيح عليه السلام بسبب دعوة بولس الذي نشط بعد ذلك في بيان بطلان شريعة موسى عليه السلام وَوَجْهِ إلغائها، وتكرَّر هذا الأمر في أغلب رسائله، وهو من أهمِّ ما يميز دعوته، مع أنه لا يملك دليلاً واحداً يبيح له مثل هذا العمل، الذي يعتبر كفراً بالديانة ونقضاً لها من أساسها. كما يُعتبر بكل المعايير فشلاً في الدعوة، وليس نجاحاً كما يظن النصارى؛ لأن النجاح في الدعوة هو أن تنجح في الدعوة إلى كامل المنهج الذي تدعو إليه بأصوله وفروعه، أما تغييره أو الاكتفاء بجزء شكلي منه، فلاشك أن ذلك فشل كبير.

الفرع الخامس: إلغاؤه للختان:

الفرع الخامس: إلغاؤه للختان: اختتن المسيح عليه السلام والتزم به؛ لأنه من شريعة موسى، فقد ذكر اليهود في كتابهم أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام كما في التكوين (17/ 11): (يختن منكم كل ذكر فَتُخْتَنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم ... وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها إنه قد نكث عهدي). ومع هذا التأكيد على الختان، فقد ألغاه بولس من ضمن ما ألغى من شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في رومية (2/ 28) (لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًّا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان). هذه بعض الأمور التي يلاحظها الإنسان الذي يطَّلع اطلاعة سريعة على رسائل بولس التي تكونت بعدُ منها النصرانية، وقامت عليها وغطت تعاليمه على تعاليم المسيح عليه السلام، بل ألغتها وحلَّت محلَّها، كما سبق ذكره، ومن الجدير بالذكر أن أتباع المسيح الأوائل لم يقبلوا تلك الدعاوى من بولس، بل ردوها، وفي هذا يقول في رسالته الثانية إلى تيموثاوس (1/ 15): (إن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني). وهذا هو المتوقع من الحواريين والذين عرفوا الحق ورأوا المسيح عليه السلام وتتلمذوا عليه. إلا أن تلك الدعاوى وجدت رواجاً لدى الرومان واليونان، وخاصة في غرب أوربا حيث كان الغالبية وثنيين، فناسبتهم هذه المبادئ فأخذوا بها، ثم طبعها بطابع الشمول والإلزام مجمع نيقية سنة (325) م, حيث قرروا فيه ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطايا البشر كما تقدَّم، فأصبحت الديانة النصرانية مدينة في الواقع لبولس، وليس للمسيح منها إلا الاسم فقط.

الفرع السادس: التأثر بالوثنيات والفلسفات الوثنية:

الفرع السادس: التأثر بالوثنيات والفلسفات الوثنية: لقد نادى المسيح عليه السلام بأنه لم يرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة، بل نهى أتباعه عن الذهاب إلى قرى غير اليهودية، إلا أن أتباعه فيما بعد خالفوا ذلك، وتوجهوا إلى الوثنيين من الرومان واليونان والفرس وغيرهم في المناطق المجاورة، والأماكن التي أمكنهم الوصول إليها، ولما كانت الديانة المسيحية تفتقر للمقومات التي تكفل لها التأثير في تلك المجتمعات، حيث كانت دعوة لبني إسرائيل خاصة، وليس لها الصبغة العالمية التي يمكن أن تتغلب بها على تلك الأديان والفلسفات. لذا فقد غُلبت وأمكن للديانات الوثنية أن تصبغها بصبغتها، بل ألغتها تماماً، واحتلت مكانها، وأخذت مسمَّاها، هذا أمر يتضح لكل ناظر في الديانة النصرانية المحرَّفة، وقد أكَّد علماء الأديان والتاريخ ذلك، وأن الديانة النصرانية قد اصطبغت بالصبغة الوثنية، وأنها أخذت عقيدتها وعبادتها من تلك الوثنيات فضمتها إليها ووضعت عليها اسمها. ومن الأمثلة على أن النصارى قد ردَّدوا عقائد الوثنيين الذين كانوا قبلهم ما يلى: 1 - أن التثليث موجود عند الهنادكة والبوذيين قبل النصارى، وفي هذا يقول (فابر) في كتابه (أصل الوثنية): (وكما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلفاً من برهمة وفشنو وسيفا، هكذا نجد عند البوذيين فإنهم يقولون: إن بوذا إله ويقولون بأقانيمه الثلاثة ... ). كما كان يوجد ذلك أيضاً لدى المصريين والفرس واليونان والرومان والأشوريين والفينيقيين والاسكندنافيين والتتر والمكسيكيين والكنديين. وكذلك المصريين القدماء كانوا يعتقدون أن الآلهة ثلاثة وهم: (أتوم وشو وتفنوت) أو أوزيريس وأيزيس وهورس. 2 - إن الصلب - فداءً للبشر- عقيدة وثنية كانت موجودة لدى الهنادكة، وفي هذا يقول (هوك) في كتابه (رحلة هوك): (ويعتقد الهنود بتجسد أحد الآلهة وتقديم نفسه ذبيحة فداء عن الناس من الخطيئة). وقال (دوان) في كتابه (خرافات التوراة والإنجيل) ما نصه: (ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو والذي لا ابتداء ولا انتهاء له على رأيهم، تحرَّك حنوا كي يخلص الأرض من ثقل حملها، فأتاها وخلَّص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه). وقالت (مسز جمسون) في كتابها (تاريخ سيدنا من الآثار): (كان الميليتيون يمثلون الإله إنساناً مصلوباً مقيد اليدين والرجلين بحبل خشبة وتحت رجليه صورة حمل، والسوريون يقولون: إن تموز الإله المولود البكر من عذراء تألَّم من أجل الناس، ويدعونه المخلِّص، والفادي، والمصلوب). 3 - الاعتقاد بأن إلهاً تجسَّد ووُلد من عذراء هو كذلك من عقائد الوثنيين، ففي هذا يقول (دوان) في كتابه السابق: (والهنود يقولون: إن كرشنة هو ابن العذراء النقية الطاهرة ديفاكي، ويدعونها والدة الإله. ويقول المصريون: إن هورس (حورس) المخلِّص وُلد من العذراء إيسيس (ايزيس)، وأنه المنبثق الثاني من عامون، ويقولون: الابن المولود. ويصورونه إما على يدي أمه أو على حضنها).

فهذه أمثلة واضحة على تأثر الديانة النصرانية بالأديان الوثنية قبلها، بل إن الأديان الوثنية تغلَّبت على ديانة المسيح عليه السلام وصبغتها بصبغتها، وقد صرَّح المؤرخ (هـ. فيشر) بذلك التشابه حيث قال: (غير أنه ليس ثمة شك أن اتخاذ المسيحية- فيما بعد- ديانة رسمية للبلاد - يعني الإمبراطورية الرومانية - ساعد على ازدياد صفوف المسيحيين زيادة سريعة، سيما أن التحول عن الوثنية إلى المسيحية لم يكن انتقالاً إلى جو غريب تمام الغرابة، أو شعوراً بانقلاب باغت مفاجئ، بل بدا الولوج في المسيحية عملية رفيقة في كثير من التدرج الشعوري العاطفي، إذ شابهت طقوس الديانة المسيحية وأسرارها المقدسة ما للديانة القديمة من طقوس وأسرار، كما اشتملت تعاليمها على تعاليم الأفلاطونية الحديثة، يضاف إلى ذلك أن القول بوجود واسطة بين الله والناس أمر مألوف عند الفرس وأهل الأفلاطونية الحديثة سواء). وفي نفس الموضوع يقول (شارل جنيبر) رئيس قسم تاريخ الأديان في جامعة باريس: (إن المسيحية لم تكن تستطيع مدافعة أمام هذه النزعات والشعائر السائدة، وإذا كانت- أي: النصرانية- قد انتصرت في القرن الثالث على سائر ألوان (التأليف) الديني الوثني، فذلك لأنها كانت قد تطورت هي الأخرى إلى تأليف ديني تجتمع فيه سائر العقائد الخصبة والشعائر الجوهرية النابعة من العاطفة الدينية الوثنية، قامت هي- أي: النصرانية- بترتيبها، وتركيبها، وأضفت عليها الإنسجام الذي تفتقر إليه، بحيث استطاعت أن تقف مفردها أمام أشتات المعتقدات والشعائر التي يؤمن بها أعداؤها دون أن تظهر ضعفاً أو نقصاً عليها في أي من المجالات الهامة. وتمت ظاهرة التشرب هذه- وهي من الظواهر الأساسية في تاريخ المسيحية - في بطء بطيء معتمدة على الاتصال الدائب بتطور الإيمان بين جميع طبقات المجتمع الوثني، ذلك المجتمع الذي اختلفت فيه صور الإيمان باختلاف بيئاته، وباختلاف العهود التي مرَّ بها، ... وإنها لظاهرة تفسر لنا كيف جاء العصر الذي استطاعت فيه المسيحية أن تكسب عطفاً نشيطاً بين رحاب العالم اليوناني الروماني). فهذا يكفي للدلالة على تشرب الديانة النصرانية للأديان الوثنية التي توجَّهت إليها، وهذا في عرف الدين الحق انحلال وكفر بالدين الإلهي، الذي يجب أن يكون صحيح النسبة إلى الله تعالى، في أصوله وفروعه، نقيًّا في عقائده وتشريعاته من خرافات البشر، وإملاءات الشياطين. ولكن كيف تشرَّبت الديانة النصرانية الأديان الوثنية؟ إن الناظر في كبار الدعاة إلى النصرانية في العصور الأولى، والذين يُشار إليهم بأنهم من أعظم الناس أثراً وتأثيراً في الديانة النصرانية، هم فلاسفة متعمقون في الفلسفات الوثنية، وبعد تنصرهم نقلوا تلك الفلسفات معهم إلى الدين الجديد، وحاولوا أن يسدوا الثغرات التي يجدوها في الديانة النصرانية- وما أكثرها- بمزيج من الفلسفات التي كانوا عليها من قبل، ومن هؤلاء الذين كان لهم دور في ذلك: بولس (شاؤول اليهودي) وسبق الحديث عنه. (يوستينيوس) الذي وُلد سنة (100أو 105) م, فقد وُلد من أبوين وثنيين، وتربَّى على الديانة الوثنية وتعلَّم الفلسفة الرواقية، ثم درس فلسفة الأكاديميين والفيثاغوريين. قال عنه القس حنا الخضري: (مما لاشك فيه أن الدراسات الفلسفية الكثيرة التي درسها يوستينوس قبل تجديده تركت في تعاليمه بعض الآثار الوثنية) (تاتيان السوري) المولود عام (110) م, من عائلة وثنية، درس الفلسفة في بلاد اليونان، ثم ذهب إلى روما ودرس دياناتهم وفلسفاتهم، ثم تتلمذ على يوستينوس. (أثينا غورس الأثيني): كان معاصراً (لتاتيان السوري) كان يحب الفلسفة، وكتاباته مليئة بالاقتباسات الشعرية والفلسفية.

(ثيوفيلوس الأنطاكي): ولد من أبوين وثنيين، وكانت ثقافته يونانية وثنية، وهو أول من استعمل كلمة الثالوث في تاريخ العقيدة النصرانية. (إكلميندوس الإسكندري) ولد على ما يحتمل سنة (150) م, في أثينا من أبوين وثنيين، وكان محبًّا للعلم شغوفاً به مولعاً بالبحث عنه أينما وجد، ورحل في ذلك رحلات عديدة، إلى أن حطت به الرحال في الإسكندرية ملتقى الثقافات المتنوعة، وصار بعد أن دخل النصرانية مديراً لمدرسة التعليم المسيحي في الإسكندرية والتي أسسها باثنيوس الذي كان قبل دخوله النصرانية وثنيًّا رواقيا. وكان إكلميندوس الإسكندري متأثراً جدًّا بـ يوستنيوس وفلسفته، فأدخل هذه الأمور في تعاليمه عن المسيح، وفي هذا يقول القس حنا الخضري: (مما لا شك فيه أن العلوم والفلسفات الوثنية الكثيرة التي درسها والبيئة التي نشأ فيها إكلميندس، تركت فيه أثراً عميقاً لم يكن من السهل محوه محواً تامًّا). (أغسطينوس) ولد سنة (354) م, في مدينة سقسطة في الجزائر، وتوفي سنة (430) م، الذي تميَّزت سنوات شبابه بالصراع العقلي والأدبي، فقد جذبته الفلسفة الثنائية لجماعة المانويين، وصار تابعاً أميناً للعقيدة المانوية وفلسفتها، ثم ضاق بالمانوية وصار اهتمامه بالأفلاطونية الحديثة، والتي من خلالها صار يعتبر نفسه مسيحيًّا، ثم خلع عنه فيما بعد حياة المجون والفساد، واستقبل الحياة النصرانية، وبرز فيها إلى أن صار أسقفًّا لهيبو في منطقة تونس، إلى أن توفي سنة (430) م، وصار من أعظم قادة الكنيسة بعد بولس، إلا أن أفكار الأفلاطونية الحديثة أثَّرت على تعاليمه، يقول جون لوريمر: (كانت معالجة أغسطينوس للأوجه الرسمية الخاصة بالفكر اللاهوتي متأثرة بخلفيته عن الأفلاطونية الحديثة). ولا نريد أن نطيل في عرض هذا الموضوع، إنما المراد الإشارة إلى أن العقائد الأجنبية التي اصطبغت بها النصرانية دخلتها عن طريق هؤلاء وأمثالهم الذين كانوا رواداً للديانة في بداية انطلاقها إلى البلدان الوثنية، فقد عبرت إلى الوثنيين عن طريق هؤلاء المتشبعين بالفلسفات والوثنيات، حيث صبغوها بفهومهم ومعارفهم وعقائدهم السابقة، وقدَّموها للناس - شارحين ومدافعين - ديانة مخلوطة بالفلسفة الوثنية في ثوب ديانة توحيدية سماوية.

الفرع السابع: تدخل الإمبراطور قسطنطين:

الفرع السابع: تدخل الإمبراطور قسطنطين: الإمبراطور قسطنطين إمبراطور الدولة الرومانية هو الذي رفع الاضطهاد عن النصارى بعد أن دام ما يقارب (300) سنة من قبل اليهود والرومان، فقرَّب هذا الإمبراطور النصارى إليه، ورفع الاضطهاد عنهم، فانحازوا هم إليه وقبلوا منه ذلك، ثم إنه لما رأى اختلافهم وتباين أقوالهم دعاهم إلى مجمع نيقية سنة (325) م، فاجتمعوا في ذلك المجمع، ولما كان هو وثنيًّا ولا علم عنده أيضاً بالمسيحية انحاز إلى ما يوافق هواه ورغبته، فنصر قول القائلين بألوهية المسيح، وأمر بلعن وطرد من خالفهم وملاحقته. وبالفعل تم ذلك وترتب عليه القضاء على التوحيد، واندراس معالمه بعد ذلك، كما أدَّى ذلك إلى انتشار النصرانية المثلثة بقوة السلطان، وأولهم (قسطنطين) الذي لم يدخل في الديانة النصرانية إلا وهو على فراش الموت.

الفرع الثامن: المجامع النصرانية:

الفرع الثامن: المجامع النصرانية: تبين أن تلك المجامع هي التي كوَّنت الديانة النصرانية، ووضعت أهم أسسها، وهي التي حاربت التوحيد عن طريق قراراتها، فأصبحت الديانة النصرانية تدين في الواقع لهذه المجامع في تكوينها وفي دعوتها لمحاربة وتكفير كل من يخالف قراراتها. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 349

المبحث الثاني: الرد على شبهات النصارى في ادعائهم الإيمان، وأن القرآن قد أثنى على دينهم، وحكم لهم بالنجاة يوم القيامة:

المبحث الثاني: الرد على شبهات النصارى في ادعائهم الإيمان، وأن القرآن قد أثنى على دينهم، وحكم لهم بالنجاة يوم القيامة: هذه الشبهات متتالية، كل شبهة تعقبها الإجابة عنها:- 1 - فمنها: أنهم قالوا: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- لم يبعث إلينا، فلا يجب علينا اتباعه، وإنما قلنا: إنه لم يرسل إلينا؛ لقوله تعالى في الكتاب العزيز: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف: 2]. ولقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]. ولقوله تعالى: بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ [الجمعة:2]. ولقوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون [القصص:46]. ولقوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين [الشعراء:214]. ولا يلزمنا إلا من جاءنا بلساننا، وأتانا بالتوراة والإنجيل بلغاتنا. فالجواب من وجوه: أحدها: أن الحكمة في أن الله تعالى إنما يبعث رسله بألسنة قومهم، ليكون ذلك أبلغ في الفهم عنه ومنه، وهو أيضا يكون أقرب لفهمه عنهم جميع مقاصدهم في الموافقة والمخالفة، وإزاحة الأعذار والعلل، والأجوبة عن الشبهات المعارضة، وإيضاح البراهين القاطعة، فإن مقصود الرسالة في أول وهلة إنما هو البيان والإرشاد، وهو مع اتحاد اللغة أقرب، فإذا تقررت نبوة النبي في قومه قامت الحجة على غيرهم، إذا سلموا ووافقوا، فغيرهم أولى أن يسلم ويوافق، فهذه هي الحكمة في إرسال الرسول بلسان قومه، ومن قومه. وفرق بين قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] وبين قوله: وما أرسلنا من رسول إلا لقومه. فالقول الثاني هو المفيد لاختصاص الرسالة بهم، لا الأول. بل لا فرق بين قوله: وما أرسلنا من رسول إلا لقومه. وبين قوله: وما أرسلنا من رسول إلا مكلفا بهداية قومه. فكما أن الثاني لا إشعار له بأنه لم يكلف بهداية غيرهم، فكذلك الأول، فمن لم يكن له معرفة بدلالة الألفاظ، ومواقع المخاطبات سوَّى بين المختلفات، وفرَّق بين المؤتلفات. وثانيها: أن التوراة نزلت باللسان العبراني والإنجيل بالرومي، فلو صحَّ ما قالوه لكانت النصارى كلهم مخطئين في اتباع أحكام التوراة، فإن جميع فرقهم لا يعلمون هذا اللسان إلا كما يعلم الروم اللسان العربي بطريق التعليم، وأن تكون القبط كلهم والحبشة مخطئين في اتباعهم التوراة والإنجيل؛ لأن الفريقين غير العبراني والرومي، ولو لم ينقل هذان الكتابان بلسان القبط، وترجما بالعربي لم يفهم قبطي، ولا حبشي، ولا رومي شيئا من التوراة، ولا قبطي ولا حبشي شيئا من الإنجيل إلا أن يتعلموا ذلك اللسان، كما يتعلمون العربي.

وثالثها: أنه إذا سلم أنه عليه السلام رسول لقومه، ورسل الله تعالى خاصة خلقه وخيرة عباده معصومون عن الزلل، مبرؤون من الخطل، وهو عليه السلام قد قاتل اليهود، وبعث إلى الروم ينذرهم ........ وكتب إلى المقوقس بمصر لإنذار القبط ولكسرى بفارس، وهو الصادق البر، كما سلم أنه رسول لقومه، فيكون رسولا للجميع، ولأن في جملة ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاس [سبأ:28]. فصرَّح بالتعميم، واندفعت شبهة من يدَّعي التخصيص، فإن كانت النصارى لا يعتقدون أصل الرسالة، لا لقومه، ولا لغيره، فيقولون: أوضحوا لنا صدق دعواكم. ولا يقولون كتابكم يقتضي تخصص الرسالة، وإن كانوا يعتقدون أصل الرسالة لكنها مخصوصة لزمهم التعميم لما تقدم، وكذلك قوله تعالى: بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ [الجمعة:2]. لا يقتضي أنه لم يبعثه لغيرهم، فإن الملك العظيم إذا قال: بعثت إلى مصر رسولا من أهلها لا يدل ذلك على أنه ليس على يده رسالة أخرى لغيرهم، ولا أنه لا يأمر قوما آخرين بغير تلك الرسالة، وكذلك قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا ما أنذِرَ آبَاؤُهُمْ [يس:6]. ليس فيه أنه لا ينذر غيرهم، بل لما كان الذي يتلقى الوحي أولا هم العرب كان التنبيه عليه بالمنة عليهم بالهداية أولى من غيرهم، وإذا قال السيد لعبده: بعثتك لتشتري ثوبا. لا ينافي أنه أمره بشراء الطعام، بل تخصيص الثوب بالذكر لمعنى اقتضاه، ويسكت عن الطعام؛ لأن المقصد الآن لا يتعلق به، وما زالت العقلاء في مخاطباتهم يتكلمون فيما يوجد سببه، ويسكتون عما لم يتعين سببه. وإن كان المذكور والمسكوت عنه حقين واقعين، فكذلك الرسالة عامة، ولما كان أيضا المقصود تنبيه بني إسرائيل، وإرشادهم خصوا بالذكر، وخصصت كل فرقة من اليهود والنصارى بالذكر، ولم يذكر معها غيرها في القرآن في تلك الآيات المتعلقة بهم، وهذا هو شأن الخطاب أبدا، فلا يغتر جاهل بأن ذكر زيد بالحكم يقتضي نفيه عن عمرو، وكذلك قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين [الشعراء:214]. ليس فيه دليل على أنه لا ينذر غيرهم، كما أنه إذا قال القائل لغيره: أدِّب ولدك. لا يدل على أنه أراد أنه لا يؤدب غلامه، بل ذلك يدل على أنه مراد المتكلم في هذا المقام تأديب الولد؛ لأن المقصود مختص به، ولعله إذا فرغ من الوصية على الولد يقول له: وغلامك أيضا أدبه؛ وإنما بدأت بالولد لاهتمامي به. ولا يقول عاقل: إن كلامه الثاني مناقض للأول. وكذلك قرابته عليه السلام هم أولى الناس ببره عليه السلام وإحسانه، وإنقاذهم من المهلكات، فخصَّهم بالذكر لذلك، لا أن غيرهم غير مراد، كما ذكرنا في صورة الولد والعبد. وبالجملة فهذه الألفاظ ألفاظ لغتنا، ونحن أعلم بها، وإذا كان عليه السلام هو المتكلم بها، ولم يفهم تخصيص الرسالة، ولا إرادته، بل أنذر الروم والفرس وسائر الأمم، والعرب لم تفهم ذلك وأعداؤه من أهل زمانه لم يدَّعوا ذلك، ولا فهموه، ولو فهموه لأقاموا به الحجة عليه، ونحن أيضا لم نفهم ذلك. 2 - ومنها أنهم قالوا: إن القرآن الكريم ورد بتعظيم عيسى عليه السلام، وبتعظيم أمه مريم رضي الله عنها، وهذا هو رأينا واعتقادنا فيهما، فالدينان واحد، فلا ينكر المسلمون علينا. والجواب من وجوه:

أحدها: تعظيمهما لا نزاع فيه، ولم يكفر النصارى بالتعظيم، إنما كفروا بنسبة أمور أخرى إليها لا يليق بجلال الربوبية، ولا بدناءة البشرية من الأبوة والبنوة والحلول، والإلحاد، واتخاذ الصاحبة والأولاد، تعالى الله عما يقول الكافرون علوًّا كبيرا، فهذه مغالطة في قوله: (موافق لاعتقادنا)، ليس هذا هو الاعتقاد المتنازع فيه، نعم لو ورد القرآن الكريم بهذه الأمور الفاسدة المتقدم ذكرها- وحاشاه- كان موافقا لاعتقادهم، فأين أحد البابين من الآخر؟ وثانيها: أنه اعترف بأن القرآن الكريم ورد بما يعتقد أنه حق، فإن الباطل لا يؤكد الحق، بل المؤكد للحق حق جزما، فيكون القرآن الكريم حقا قطعا، وهذا هو سبب إسلام كثير من أحبار اليهود ورهبان النصارى، وهو أنهم اختبروا ما جاء به عليه السلام، فوجدوه موافقا لما كانوا يعتقدونه من الحق، فجزموا بأنه حق وأسلموا واتبعوه، وما زال العقلاء على ذلك يعتبرون كلام المتكلم، فإن وجدوه على وفق ما يعتقدونه من الحق اتبعوه، وإلا رفضوه. وثالثها: أن هذا برهان قاطع على رجحان الإسلام على سائر الملل والأديان، فإنه مشتمل على تعظيم جملة الرسل وجميع الكتب المنزلة، فالمسلم على أمان من جميع الأنبياء عليهم السلام على كل تقدير، أما النصراني فليس على أمان من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، فتعين رجحان الإسلام على غيره، ولو سلمنا تحرير صحة ما يقوله النصراني من النبوة وغيرها يكون المسلم قد اعترف لعيسى عليه السلام، ولأمه رضي الله عنها بالفضل العظيم والشرف المنيف، وجهل بعض أحوالهما، على تقدير تسليم صحة ما ادَّعاه النصارى والجهل ببعض فضائل من وجب تعظيمه لا يوجب ذلك خطرا، أما النصراني فهو منكر لأصل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، بل ينسبه للكذب والرذائل والجراءة على سفك الدماء بغير إذن من الله، ولا خفاء في أن هذا خطر عظيم، وكفر كبير، فيظهر من هذا القطع بنجاة المسلم قطعا، ويتعين غيره للغرر والخطر قطعا، فليبادر كل عاقل حينئذ إلى الإسلام، فيدخل الجنة بسلام. 3 - ومنها أنهم قالوا: إن القرآن الكريم ورد بأن عيسى عليه السلام روح الله تعالى وكلمته، وهو اعتقادنا. والجواب من وجوه: أحدها: أن من المحال أن يكون المراد الروح والكلمة على ما تدعيه النصارى، وكيف يليق بأدنى العقلاء أن يصف عيسى عليه السلام بصفة، وينادي بها على رؤوس الأشهاد، ويطبق بها الآفاق، ثم يكفر من اعتقد تلك الصفة في عيسى عليه السلام، ويأمر بقتالهم وقتلهم، وسفك دمائهم، وسبي ذراريهم، وسلب أموالهم؟، بل هو بالكفر أولى؛ لأنه يعتقد ذلك مضافا إلى تكفير غيره، والسعي في وجوه ضرره، وقد اتفقت الملل كلها مؤمنها وكافرها على أنه عليه السلام من أكمل الناس في الصفات البشرية خَلقا وخُلقا وعقلا ورأيا، فإنها أمور محسومة، إنما النزاع في الرسالة الربانية، فكيف يليق به عليه السلام أن يأتي بكلام هذا معناه، ثم يقاتل معتقده ويكفره؟، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم والفضلاء من الخلفاء من بعده، وهذا برهان قاطع على أن المراد على غير ما فهمه النصارى. ثانيها: أن الروح اسم الريح الذي بين الخافقين يقال لها: ريح وروح، لغتان، وكذلك في الجمع رياح وأرواح، واسم لجبريل عليه السلام وهو المسمى بروح القدس، والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني. والكلمة اسم للفظة المفيدة من الأصوات، وتطلق الكلمة على الحروف الدالة على اللفظة من الأصوات، ولهذا يقال: هذه الكلمة خط حسن ومكتوبة بالحبر. وإذا كانت الروح والكلمة لهما معان عديدة، فعلى أيهما يحمل هذا اللفظ؟ وحمل النصراني اللفظ على معتقده، تحكُّمٌ بمجرد الهوى المحض.

وثالثهما: وهو الجواب بحسب الاعتقاد لا بحسب الإلزام، أن معنى الروح المذكور في القرآن الكريم في حق عيسى عليه السلام هو الروح الذي بمعنى النفس المقوم لبدن الإنسان، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام من روحه أنه خلق روحا نفخها فيه، فإن جميع أرواح الناس يصدق أنها روح الله، وروح كل حيوان هي روح الله تعالى، فإن الإضافة في لسان العرب تصدق حقيقة بأدنى الملابسة، كقول أحد حاملي الخشبة لآخر: شل طرفك. يريد طرف الخشبة، فجعله طرفا للحامل، ويقول: طلع كوكب زيد. إذا كان نجم عند طلوعه يسري بالليل، ونسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقط، فكيف لا يضاف كل روح إلى الله تعالى، وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها؟ وكذلك يقول بعض الفضلاء لما سئل عن هذه الآية فقال: نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام روحا من أرواحه، أي: جميع أرواح الحيوان أرواحه، وأما تخصيص عيسى عليه السلام، وعلو منزلته بذكر الإضافة إليه، يقال: كما قال تعالى: وَما أنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [الأنفال:41]، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42] مع أن الجميع عبيده، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص، وأما الكلمة فمعناها أن الله تعالى إذا أراد شيئا يقول له: كن فيكون. فما من موجود إلا وهو منسوب إلى كلمة كن، فلما أوجد الله تعالى عيسى عليه السلام قال له: كن في بطن أمك. فكان، وتخصيصه بذلك للشرف، كما تقدم، فهذا معنى معقول متصور ليس فيه شيء كما يعتقده النصارى من أن صفة من صفات الله حلَّت في ناسوت المسيح عليه السلام، وكيف يمكن في العقل أن تفارق الصفة الموصوف، بل لو قيل لأحدنا: إن علمك أو حياتك انتقلت لزيد. لأنكر ذلك كل عاقل، بل الذي يمكن أن يوجد في الغير مثل الصفة، وأما أنها هي في نفسها تتحرك من محل إلى محل فمحال؛ لأن الحركات من صفات الأجسام، والصفة ليست جسما، فإن كانت النصارى تعتقد أن الأجسام صفات، والصفات أجسام، وأن أحكام المختلفات وإن تباينت شيء واحد سقطت مكالمتهم، وذلك هو الظن بهم؛ بل يقطع بأنهم أبعد من ذلك عن موارد العقل ومدارك النظر، وبالجملة فهذه كلمات عربية في كتاب عربي، فمن كان يعرف لسان العرب حق معرفته في إضافاته وتعريفاته وتخصيصاته، وتعميماته، وإطلاقاته وتقييداته، وسائر أنواع استعمالاته فليتحدث فيه ويستدل له، ومن ليس كذلك فليقلد أهله العلماء به، ويترك الخوض فيما لا يعنيه ولا يعرفه. 4 - ومنها: أنهم قالوا: إنه في الكتاب العزيز: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55].

والجواب: أنَّ الذين اتبعوه ليسوا النصارى الذين اعتقدوا أنه ابن الله، وسلكوا مسلك هؤلاء الجهلة، فإن اتباع الإنسان موافقته فيما جاء به، وكون هؤلاء المتأخرين اتبعوه، محل النزاع، بل متبعوه هم الحواريون، ومن تابعهم قبل ظهور القول بالتثليث، أولئك هم الذين رفعهم الله في الدنيا والآخرة، ونحن إنما نطالب هؤلاء بالرجوع إلى ما كان أولئك عليه، فإنهم قدَّس الله أرواحهم آمنوا بعيسى وبجملة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين، وكان عيسى عليه السلام بشَّرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكانوا ينتظرون ظهوره ليؤمنوا به عليه السلام، وكذلك لما ظهر عليه السلام جاءه أربعون راهبا من نجران، فتأملوه فوجدوه هو الموعود به في ساعة واحدة بمجرد النظر والتأمل لعلاماته، فهؤلاء هم الذين اتبعوه فهم المرفوعون المعظمون، وأما هؤلاء النصارى فهم الذين كفروا به مع من كفر، وجعلوه سببا لانتهاك حرمة الربوبية بنسبة واجب الوجود المقدس عن صفات البشر إلى الصاحبة والولد الذي ينفر منها أقل رهبانهم، حتى أنه قد ورد أن الله تعالى إذا قال لعيسى عليه السلام يوم القيامة: أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ؟ [المائدة:116]. .......... ، 5 - ومنها: أنهم قالوا: إن القرآن الكريم شهد بتقديم بيع النصارى وكنائسهم على مساجد المسلمين بقوله تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [الحج:40]. فقد جعل الصوامع والبيع مقدمات على المساجد، وجعل فيها ذكر الله كثيرا، وذلك يدل على أن النصارى- في زعمهم- على الحق، فلا ينبغي لهم العدول عما هم عليه؛ لأن العدول عن الحق إنما يكون للباطل. والجواب: من وجوه: أحدها: أنَّ المراد بهذه الآية أن الله تعالى يدفع المكاره عن الأشرار بوجود الأخيار، فيكون وجود الأخيار سببا لسلامة الأشرار من الفتن والمحن، فزمان موسى عليه السلام يسلم فيه أهل الأرض من بلاء يعمهم بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة الموسوية، وزمان عيسى عليه السلام يسلم فيه أهل الاستقامة على الشريعة العيسوية، وزمان محمد صلى الله عليه وسلم يسلم فيه أهل الأرض بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة المحمدية، وكذلك سائر الأزمان الكائنة بعد الأنبياء عليهم السلام، كل من كان مستقيما على الشريعة الماضية هو سبب لسلامة البقية، فلولا أهل الاستقامة في زمن موسى عليه السلام لم يبق صوامع يعبد الله تعالى فيها على الدين الصحيح؛ لعموم الهلاك، فينقطع الخير بالكلية، وكذلك في سائر الأزمان، فلولا أهل الخير في زماننا لم يبق مسجد يعبد الله فيه على الدين الصحيح، ولغضب الله تعالى على أهل الأرض. والصوامع أمكنة الرهبان في زمن الاستقامة حيث يعبد الله تعالى فيها على دين صحيح، وكذلك البيعة والصلاة والمسجد، وليس المراد هذه المواطن إذا كُفِرَ بالله تعالى فيها وبدلت شرائعه، وكانت محل العصيان والطغيان لا محل التوحيد والإيمان، وهذه المواطن في أزمنة الاستقامة لا نزاع فيها، وإنما النزاع لما تغيرت أحوالها، وذهب التوحيد وجاء التثليث وكذبت الرسل والأنبياء عليهم السلام، وصار ذلك يتلى في الصباح والمساء، حينئذ هي أقبح بقعة على وجه الأرض وألعن مكان يوجد، فلا تجعل هذه الآية دليلا على تفضيلها.

وثانيها: أن الله تعالى قال: صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ [الحج:40]. بالتنكير، والجمع المنكر لا يدل عند العرب على أكثر من ثلاثة من ذلك المجموع بالاتفاق، ونحن نقول: إنه قد وقع في الدنيا ثلاث من البيع، وثلاث من الصوامع كانت أفضل مواضع العبادات بالنسبة إلى ثلاثة مساجد، .......... ، وثالثها: أن هذه الآية تقتضي أن المساجد أفضل بيت عند الله تعالى على عكس ما قاله هؤلاء الجهال بلغة العرب، وتقريره أن الصنف القليل المنزلة عند الله تعالى أقرب للهلاك من العظيم المنزلة، والقاعدة العربية أن الترقي في الخطاب إلى الأعلى فالأعلى أبدا في المدح والذم والتفخيم، والامتنان؛ فتقول في المدح: الشجاع البطل، ولا تقول: البطل الشجاع؛ لأنك تعد راجعا عن الأول، وفي الذم: العاصي الفاسق، ولا تقول: الفاسق العاصي، وفي التفخيم: فلان يغلب المائة والألف، وفي الامتنان لا أبخل عليك بالدرهم ولا بالدينار، ولا يقول بالدينار والدرهم، والسر في الجميع أنك تعد راجعا عن الأول كقهقرتك عما كنت فيه إلى ما هو أدنى منه، إذا تقرر ذلك ظهرت فضيلة المساجد ومزيد شرفها على غيرها، وأن هدمها أعظم من تجاوز ما يقتضي هدم غيرها، كما نقول: لولا السلطان لهلك الصبيان والرجال والأمراء. فترتقي أبدا للأعلى فالأعلى؛ لتفخيم أمر عزم السلطان، وأن وجوده سبب عصمة هذه الطوائف، أما لو قلت: لولا السلطان لهلك الأبطال والصبيان. لعد كلاما متهافتا. ورابعها: أن الآية تدل على أن المساجد أفضل بيت وضع على وجه الأرض للعابدين من وجه آخر، وذلك أن القاعدة العربية أن الضمائر إنما يحكم بعودها على أقرب مذكور، فإذا قلت: جاء زيد، وخالد، وأكرمته فالإكرام خاص بخالد؛ لأنه الأقرب، فقوله تعالى: يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [الحج:40]. يختص بالأخير الذي هو المساجد، فقد اختصت بكثرة ذكر الله تعالى، وهو يقتضي أن غيرها لم يساوها في كثرة الذكر، فتكون أفضل، وهو المطلوب. فائدة: الصومعة موضع الرهبان، وسمِّيت بذلك لحدة أعلاها ودقته، ومنه قول العرب: أصمعت الثريدة. إذا رفعت أعلاها، ومنه قولهم: رجل أصمع القلب. إذا كان حاد الفطنة. والصلاة: اسم لمتعبد اليهود، وأصلها بالعبراني صلوتا فعربت، والبيع اسم لمتعبد النصارى، اسم مرتجل غير مشتق، والمسجد اسم لمكان السجود، فإن مفعلا في لسان العرب، اسم للمكان، واسم للزمان الذي يقع فيه الفعل نحو: المضرب لمكان الضرب ورماته. 6 - ومنها: أنهم قالوا: القرآن دل على تعظيم الحواريين والإنجيل، وأنه غير مبدل بقوله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:48] وإذا صدَّقها لا تكون مبدلة، ولا يطرأ التغيير عليها بعد ذلك؛ لشهرتها في الأعصار والأمصار، فيتعذر تغيرها، ولقوله تعالى في القرآن: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:1 - 2]. والكتاب هو الإنجيل؛ لقوله تعالى: فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184]. والكتاب ها هنا هو الإنجيل، ولأنه تعالى لو أراد القرآن لم يقل ذلك؛ بل قال هذا، ولقوله تعالى: آمَنتُ بِما أنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ [الشورى:15].

والجواب: أن تعظيم الحواريين لا نزاع فيه، وأنهم من خواص عباد الله الذين اتبعوا عيسى عليه السلام، ولم يبدلوا، وكانوا معتقدين لظهور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، على ما دلَّت عليه كتبهم، وإنما كفر وخالف الحادثون بعدهم، وأما تصديق القرآن لما بين يديه فمعناه: أن الكتب المتقدمة عند نزولها قبل تغييرها وتخبيطها كانت حقا موافقة للقرآن، والقرآن موافق لها، وليس المراد الكتب الموجودة اليوم، فإن لفظ التوراة والإنجيل إنما ينصرفان إلى المنزلين. وأما قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2]، وأنه المراد به الإنجيل: فمن الافتراء العجيب والتخيل الغريب، بل أجمع المسلمون قاطبة على أن المراد به القرآن ليس إلا، وإذا أخبر الناطق بذا اللفظ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد هذا الكتاب، كيف يليق أن يحمل على غيره؟، فإن كل أحد مصدق فيما يدعيه في قول نفسه إنما ينازع في تفسير قول غيره، إن أمكنت منازعته، وأما الإشارة بذلك التي اغتر بها هذا السائل فاعلم أن للإشارة ثلاثة أحوال: ذا للقريب، وذاك للمتوسط، وذلك للبعيد، لكن البعد والقرب يكون تارة بالزمان وتارة بالمكان، وتارة بالشرف، وتارة بالاستحالة، ولذلك قالت زليخا في حق يوسف عليه السلام بالحضرة، وقد قطعن أيديهن من الدهش بحسنه: فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ [يوسف:32]. إشارة لبعده عليه السلام في شرف الحسن، وكذلك القرآن الكريم لما عظمت رتبته في الشرف أشير إليه بذلك، وقد أشير إليه بذلك؛ لبعد مكانه؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وقيل: لبعد زمانه؛ لأنه وعد به في الكتب المنزلة قديما، وأما قوله تعالى: جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184]. فاعلم: أن اللام في لسان العرب تكون لاستغراق الجنس نحو حرم الله الخنزير والظلم، وللعهد نحو قولك لمن رآك أهنت رجلا: أكرمت الرجل بعد إهانته. ولها محامل كثيرة ليس هذا موضعها، فتحمل في كل مكان على ما يليق بها، فهي في قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]. للعهد؛ لأنه موعود به مذكور على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، فصار معلوما فأشير إليه بلام العهد، وهي في قوله تعالى: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ [آل عمران:184]. للجنس، إشارة إلى جميع الكتب المنزلة المتقدمة، ولا يمكن أن يفهم القرآن الكريم إلا من فهم لسان العرب فهما متقنا، وقوله تعالى لنبيه عليه السلام، فهو أمر له بأن يقول: آمَنتُ بِما أنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ [الشورى:15]. فالمراد الكتب المنزلة لا المبدلة، وهذا لا يمتري فيه عاقل، ونحن ننازعهم في أن ما بأيديهم منزلة، بل هي مبدلة مغيرة في غاية الوهن والضعف، وسقم الحفظ، والرواية والسند بحيث لا يوثق بشيء منها.

7 - ومنها: أنهم قالوا: القرآن الكريم أثنى على أهل الكتاب بقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ إلى قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين [الكافرون:1 - 6]. وبقوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]. والظالمون إنما هم اليهود عبدة العجل، وقتلة الأنبياء، وبقوله تعالى: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون [العنكبوت:46]. ولم يقل: كونوا به مسلمين، وبقوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون [المائدة:82]. فذكر حميد صفاتنا وجميل نياتنا، ونفا عنا الشرك بقوله: والذين أشركوا، ومدحنا بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]. والجواب: أما قوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1 - 6] إلى آخرها، فمعناها: أن قريشا قالت له عليه السلام: اعبد آلهتنا عاما، ونعبد إلهك عاما. فأمره الله تعالى أن يقول لهم ذلك، فليس المراد النصارى، ولو كان المراد النصارى لم ينتفعوا بذلك؛ لأن قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين [الكافرون:6]. معناه الموادعة والمتاركة، فإن الله تعالى أول ما بعث نبيه عليه السلام أمره أولا بالإرشاد بالبيان ليهتدي من قصده الاهتداء، فلما قويت شوكة الإسلام أمره بالقتال بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير [التوبة:73]. قال العلماء: نسخت هذه الآية نيفا وعشرين آية منها: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين [الكافرون:6] , لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر [الغاشية:22] وغير ذلك، وليس في المتاركة والاقتصار على الموعظة دليل على صحة الدين المتروك. وقوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]. دليل على أنهم على الباطل، فإنهم لو كانوا على الحق ما احتجنا للجدال معهم، فهي تدل على عكس ما قالوا، وقوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46] المراد من طغى، فإنا نعدل معه عن الدليل والبرهان إلى السيف والسنان، وأمره تعالى لنا بأن نؤمن بما أنزل على أهل الكتاب صحيح، ولكن أين ذلك المنزل؟ والله إن وجوده أعز من عنقاء مغرب! وأما مدح النصارى بأنهم أقرب مودة، وأنهم متواضعون فمسلم، لكن هذا لا يمنع أن يكونوا كفرة مخلدين في النار؛ لأن السجايا الجليلة والآداب الكسبية تجمع مع الكفر والإيمان، كالأمانة والشجاعة، والظرف واللطف، وجودة العقل، فليس فيه دليل على صحة دينهم.

وأما نفي الشرك عنهم فالمراد الشرك بعبادة الأصنام، لا الشرك بعبادة الولد، واعتقاد التثليث، وسببه أنهم مع التثليث يقولون: الثلاثة واحد. فأشاروا إلى التوحيد بزعمهم بوجه من الوجوه، ويقولون: نحن لا نعبد إلا الله تعالى، لكن الله تعالى هو المسيح، ونعبد المسيح، والمسيح هو الله. تعالى الله عن قولهم، فهذا وجه التوحيد من حيث الجملة، ثم يعكسون ذلك فيقولون: الله ثالث ثلاثة. وأما عبدة الأوثان فيصرحون بتعدد الآلهة من كل وجه، ولا يقول أحد منهم: إن الصنم هو الله تعالى، وكانوا باسم الشرك أولى من النصارى، وكان النصارى باسم الكفر أولى، حيث جعلوا الله تعالى بعض مخلوقاته، وعبدوا الله تعالى، وذلك المخلوق، فصاروا عبدة الأوثان في عبادة غير الله تعالى، وزادوا بالاتحاد والصاحبة والأولاد، فلا يفيدهم كون الله تعالى خصَّص كل طائفة من الكفار باسم هو أولى بها في اللغة مدحا ولا تصويبا لما هم عليه. 8 - ومنها: أنهم قالوا: مدح الله قرباننا وتوعدنا إن أهملنا ما متعنا بقوله تعالى: إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ إلى قوله تعالى: قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِين [المائدة:112 - 115]. فالمائدة هي القربان الذي يتقربون به في كل قداس. والجواب: إن من العجائب أن يدعي النصارى أن المائدة التي نزلت من السماء هي القربان الذي يتقربون به مع الذين يتقربون به من مصنوعات الأرض، وأين المائدة من القربان؟ نعوذ بالله تعالى من الخذلان، بل معنى الآية أن الله تعالى طرد عادته وأجرى سنته أنه متى بعث للعباد أمرا قاهرا للإيمان لا يمكن العبد معه الشك، فمن لم يؤمن به عجل له العذاب؛ لقوة ظهور الحجة، كما أن قوم صالح لما أخرج الله تعالى لهم الناقة من الحجر فلم يؤمنوا عجَّل لهم العذاب، وكانت هذه المائدة جسما عليه خبز وسمك نزل من السماء يقوت القليل من الخلق العظيم العدد، فأمرهم أن يأكلوا، ولا يدَّخروا، فخالفوا وادَّخروا، فمسخهم الله تعالى، ونزول مثل هذا من السماء كخروج الناقة من الصخرة الصماء، فأخبر الله تعالى أن من لم يؤمن بعد نزول المائدة عجِّلت له العقوبة، ولا تعلُّق للمائدة بقربانهم البتة؛ بل المائدة معجزة عظيمة خارقة، والقربان أمر معتاد ليس فيه شيء من الإعجاز البتة، فأين أحد البابين من الآخر لولا العمى والضلال؟. 9 - ومنها: أنهم قالوا: إن الله تعالى أخبر خبرا جازما أنا نؤمن بعيسى عليه السلام بقوله تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]. فكيف نتبع من أخبر الله تعالى عنه أنه شاك في أمره بقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [سبأ:14]. وأمره في سورة الفاتحة أن يسأل الهداية إلى صراط مستقيم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] والمنعم عليهم هم النصارى، والمغضوب عليهم اليهود، والضالون عبدة الأصنام.

والجواب: أن النصارى لما لعبوا في كتابهم بالتحريف، والتخليط صار ذلك لهم سجية، وأصبح الضلال والإضلال لهم طوية، فسهل عليهم تحريف القرآن، وتغيير معانيه لأغراضهم الفاسدة، والقرآن الكريم بريء من ذلك، وكيف تخطر لهم هذه التحكمات بغير دليل ولا برهان؛ بل بمجرد الأوهام والوسواس؟، وأما قوله تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]. ففيه تفسيران: أحدهما: أن كل كافر إذا عاين الملائكة عند قبض روحه ساعة الموت ظهر له منهم الإنكار عليه بسبب ما كان عليه من الكفر، فيقطع حينئذ بفساد ما كان عليه، ويؤمن بالحق على ما هو عليه فإن الدار الآخرة لا يبقى فيها تشكك ولا ضلال، بل يموت الناس كلهم مؤمنين موحدين على قدم الصدق ومنهاج الحق، وكذلك يوم القيامة بعد الموت، لكنه إيمان لا ينفع ولا يعتد به، وإنما يقبل الإيمان من العبد حيث يكون متمكنا من الكفر، فإذا عدل عنه وآمن بالحق كان إيمانه من كسبه وسعيه، فيؤجر عليه، أما إذا اضطر إليه، فليس فيه أجر، فما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام وعبوديته لله تعالى قبل موته، لكن قهرا لا ينفعه في الخلوص من النيران وغضب الديان. التفسير الثاني: أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان عند ظهور المهدي بعد أن يفتح المسلمون القسطنطينية من الفرنج، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ولا يبقى على الأرض إلا المسلمون، ويستأصل اليهود بالقتل، ويصرِّح بأنه عبد الله ونبيه، فتضطر النصارى إلى تصديقه حينئذ لإخباره لهم بذلك، وعلى التفسيرين ليس فيه دلالة على أن النصارى الآن على خير. وأما قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [سبأ:14]. فهو من محاسن القرآن الكريم، لأنه من تلطف الخطاب وحسن الإرشاد، فإنك إذا قلت لغيرك: أنت كافر فآمن. ربما أدركته الأنفة فاشتد إعراضه عن الحق، فإذا قلت له: أحدنا كافر ينبغي أن يسعى في خلاص نفسه من عذاب الله تعالى، فهلم بنا نبحث عن الكافر منا فنخلصه. فإن ذلك أوفر لداعيته في الرجوع إلى الحق، والفحص عن الصواب، فإذا نظر فوجد نفسه هو الكافر فرَّ من الكفر من غير منافرة منك عنده، ويفرح بالسلامة، ويُسرُّ منك بالنصيحة، هكذا هذه الآية سهَّلت الخطاب على الكفار؛ ليكون ذلك أقرب لهدايتهم، ومنه قول صاحب فرعون المؤمن لموسى عليه السلام: وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا [غافر:28 - 29]. فخصَّهم أولا بالملك والظهور؛ لتنبسط نفوسهم مع علمه بأنه وبال عليهم، وسبب طغيانهم، ولم يجزم في ظاهر اللفظ بصدق موسى عليه السلام مع قطعه بصدقه، بل جعله معلقا على شرط؛ لئلا ينفِّرهم فيحتجبوا عن الصواب، فكل من صحَّ قصده في هداية الخلق سلك معهم ما هو أقرب لهدايتهم، وكذلك قوله تعالى لموسى وهارون في حق فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] وقوله لمحمد صلوات الله عليهم أجمعين: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]. وقوله: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]. فهذا كله من محاسن الخطاب، لا من موجبات الشك والارتياب.

وأما أمره تعالى لمحمد عليه السلام ولأمته بالدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم، فلا يدلُّ على عدم حصول الهداية في الحال؛ لأن القاعدة اللغوية أن الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والشرط وجزاءه إنما يتعلق بالمستقبل من الزمان دون الماضي والحاضر، فلا يطلب إلا المستقبل؛ لأن ما عداه قد تعيَّن وقوعه، أو عدم وقوعه، فلا معنى لطلبه، والإنسان باعتبار المستقبل لا يدري ماذا قضي عليه، فيسأل الهداية في المستقبل؛ ليأمن من سوء الخاتمة، كما أن النصراني إذا قال: اللهم أمتني على ديني. لا يدل على أنه غير نصراني وقت الدعاء، ولا أنه غير مصمم على صحة دينه، وكذلك سائر الأدعية، وأجمع المسلمون والمفسرون على أن المغضوب عليهم اليهود، وأن الضالين النصارى، فتبديل ذلك مصادمة ومكابرة ومغالطة وتحريف وتبديل، فلا يُسمع من مدعيه. 10 - ومنها: أنهم قالوا: ليس من عدل الله تعالى أن يطالبنا باتباع رسول لم يرسله إلينا، ولا وقفنا على كتابه بلساننا. والجواب: أنه عليه السلام لو لم يرسل إليهم فليت شعري من كتب إلى قيصر هرقل ملك الروم؟، وإلى المقوقس أمير القبط يدعوهم إلى الإسلام؟! وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل 11 - ومنها: أنهم قالوا: إن قال المسلمون: لم أطلقتم لفظ الابن والزوج الأقانيم، مع أن ذلك يوهم أنكم تعتقدون تعدد الآلهة، وأن الآلهة ثلاثة أشخاص مركبة، وأنكم تعتقدون ببنوة المباضعة؟ قلنا للمسلمين: هذا كإطلاق المتشابه عندكم من لفظ اليد، والعين، ونحوها، فإنه يوهم التجسيم، وأنتم لا تعتقدونه. والجواب: أن آيات وأحاديث صفات الله ليست من المتشابه عند أهل السنة؛ بل هي معلومة المعنى، نثبتها لله كما أثبتها لنفسه دون تشبيه أو تعطيل، أو تأويل. وأما ما كان من المتشابهات التي بيَّنها العلماء والواردة في قوله تعالى: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]. فإنما يطلق المسلمون المتشابه بعد ثبوته نقلا متواترا نقطع به عن الله تعالى أنه أمر بتلاوته امتحانا لعباده ليضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وليعظم ثواب المهتدين حيث حصلت الهداية بعد التعب في وجوه النظر، ويعظم عذاب الضالين حيث قطعوا لا في موضع القطع، ولم ينقلوا ذلك عن أمره كما اتفق ذلك في الإنجيل؛ بل ما اقتصر المسلمون على الجمع القليل، بل ما اعتمدوا على العدد الذي يستحيل عليهم الكذب، فلما تحققوا أن الله أمرهم بذلك نقلوه، وأما النصارى فأطلقوا بعض ذلك من قبل أنفسهم، كالأقانيم والجوهر، وبعضها نقلوه نقلا لا تقوم به حجة في أقل الأحكام، فضلا عن أحوال الربوبية، فهم عصاة لله تعالى حيث أطلقوا عليه ما لم يثبت عندهم بالنقل، بل لو طولبوا بالرواية لإنجيلهم لعجزوا عن الرواية، فضلا عن النقل القطعي، فلا تجد أحدا له رواية في الإنجيل يرويه واحد عن واحد إلى عيسى عليه السلام، وأقل الكتب عند المسلمين من الارتياب وغيرها يروونها عن قائلها، فتأمَّل الفرق بين الاثنين، والبون الذي بين الدينين؛ هؤلاء المسلمون ضبطوا كل شيء، والنصارى أهملوا كل شيء، ومع ذلك يعتقدون أنهم على شيء. 12 - ومنها: أنهم قالوا: الله له عدل وفضل، وهو سبحانه وتعالى يتصرف بهما، فأرسل موسى عليه السلام بشريعة العدل لما فيها من التشديد، فلما استقرت في نفوسهم وقد بقي الكمال الذي لا يصنعه إلا أكمل الكملاء، وهو الله تعالى، ولما كان جوادا تعيَّن أن يجود بأفضل الموجودات، وليس في الموجودات أجود من كلمته يعني نطقه، فجاد بها واتحدت بأفضل المحسوسات، وهو الإنسان، لتظهر قدرته، فحصل غاية الكمال، ولم يبق بعد الكمال إلا النقص؛ فتفضل بالنصرانية.

والجواب: أما شريعة موسى عليه السلام، فكانت عدلا وفضلا، وقل أن يقع في العالم عدل مجرد، وإنما وقع ذلك لأهل الجنة. وتقرير هذا الباب: أن كل جود وإحسان فهو فضل من الله تعالى، وهو جود لا يجب عليه عري عن الخير والإحسان البتة، فهو العدل المحض؛ لأن الملك ملكه، والتصرف في الملك المملوك كيف كان عدل ليس بظلم. فإن وقع الخير المحض فهو التفضيل المحض، وهذا هو شأن أهل الجنة. إذا تقرَّر هذا، فشريعة موسى عليه السلام كان فيها من الإحسان أنواع كثيرة، فتلك كلها فضل، كتحريم القتل والغصب والزنا والقذف والمسكر من الخمور المغيبة للعقول، وإنما أباح فيها اليسير الذي لا يصل إلى حد السكر، وكإباحة الفواكه واللحوم والزواج وغير ذلك، وهذه كلها أنواع من الفضل، ثم إن عيسى عليه السلام جاء مقررا لها وعاملا بمقتضاها، ومستعملا لأحكامها، ولم يزد شيئا من الأحكام، إنما زاد المواعظ والأمر بالتواضع والرقة والرأفة، فلم يأت عيسى عليه السلام بشريعة أخرى حتى يقال: إنها الفضل. بل مقتضى ما قاله أن تكون شريعة الفضل هي شريعتنا؛ لأنها هي الشريعة المستقلة التي ليست تابعة لغيرها، ولا مقلدة لسواها، وهذا هو اللائق لمنصب الكمال أن يكون متبوعا لا تابعا، فهذه الحجة عليه لا له. ثم قولهم: لا يصنع الأكمل إلا هو سبحانه. فهو باطل؛ لأنه لا حجر عليه سبحانه في ملكه، فيأمر بعض خلقه بوضع الأكمل، ويرسل للناس بأوامر وشرائع هي في غاية جلب المصالح ودرء المفاسد، كما هي شريعتنا المعظمة. ثم قولهم: الله تعالى جواد، فجاد بأعظم الموجودات وهو كلمته، فجعله متحدا بأفضل المحسوسات وهو الإنسان، باطل لوجوه: أحدها: أن الجود بالشيء فرع إمكانه، فإن الكرم بالمستحيل محال، فينبغي أن يبين أولا تصور انتقال الكلام من ذات الله تعالى إلى مريم رضي الله عنها، ثم يقيم الدليل على وقوع هذا الممكن بعد إثبات إمكانه، وقد تقدم بيان استحالة ذلك. وثانيها: سلمنا أنه ممكن، لكن لم قلتم: إن الكلام هو أفضل الموجودات؟. ولم لا يكون العلم أفضل منه، لأن الكلام تابع للعلم؟ وثالثها: أن الذات الواجبة الوجود التي الصفات قائمة بها أفضل من الصفات؛ لأن الصفات تفتقرللذات في قيامها، والذات لا تفتقر لمحل بخلاف الصفة. ورابعها: أنها صفة من الصفات، والصفات بجملتها مع الذات أفضل من الكلام وحده، ولم يقل أحد باتحاد هذا، فالأفضل لم يحصل حينئذ، ولما كان كلام النصارى نوعا من الوسواس اتسع الخرق عليهم. ¤إفحام النصارى مختصر من (الأجوبة الفاخرة للقرافي) لسليمان بن صالح الخراشي – بتصرف - ص 15 - 68

المبحث الثالث: نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل:

المبحث الثالث: نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل: إن الآيات التي تبين وحدانية الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن هي نفسها نافية بمفاهيمها ولوازمها لألوهية المسيح عليه السلام، وبعضها بمنطوقها، وكذا ما جاء في التوراة والأناجيل حول وحدانية الله. إلا أن النصارى كثيراً ما يجادلون بالباطل ويتعسفون الأدلة ويؤولونها وفق أهوائهم، ولذا سندحض افتراء أن القرآن دال على ألوهية المسيح من خلال طريق آخر سوى ما سبق، ألا وهو آيات من القرآن ناطقة بنفي الألوهية عن عيسى نطقاً صريحاً، وكذا من خلال الأناجيل لإلزام النصارى والمنصرين من خلال مسلماتهم وما يؤمنون به إن كانوا يعقلون، وذلك كما يأتي: أ- نفي الألوهية عن عيسى من خلال القرآن: جاءت في القرآن آياتٌ محكمات متعددة تنفي الألوهية عن المسيح عليه السلام، منها: 1 - قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ... [المائدة:17] والأية: [72]. 2 - وقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116]. فهذا عبد الله ورسوله إلى بني إسرائيل يكذِّب النصارى في دعوى تأليههم له وينزِّه الله سبحانه وتعالى عن أن يقول قولاً لا ينبغي له أن يقوله، وهو أنه دعا النصارى إلى تأليهه. 3 - وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]. 4 - وقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 73] وانظر [النساء:171]. فالله واحدٌ أحدٌ ليس معه إله غيره، وهذا تهديد وتحذير من الله للنصارى عن القول بالتثليث وتأليه أحدٍ معه، ومن أول ذلك تأليه المسيح عليه السلام؛ لأن الخطاب للنصارى. 5 - وقوله تعالى: ... وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبه: 30]. فقد شابهوا من كان يقول: إن للآلهة أبناء. من وثنيي اليونان والرومان وغيرهم من الوثنيين. 6 - وقوله تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم: 34 - 35]. وقوله: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة: 75]. يقول ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ: (وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية؛ لحاجة الآكل إلى ما يدخل في جوفه ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلات). ب- نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال الأناجيل:

يقوم هذا الموضوع على ما نسب لعيسى عليه السلام من أقوال يثبت فيها صفاتٍ وأسماء لله نفاها هو عن نفسه عليه السلام، فإضافة إلى كل عوارض البشرية التي طرأت على المسيح وتطرأ عليه- مما سوف يمر- والدالة على الحدوث والتغير من حالٍ إلى حالٍ، وأنه لا يختلف في شيء عن غيره من الرسل إلا ما اختصه الله به. إضافة إلى ذلك جاء في الأناجيل: 1 - قوله: (فقال (أي: عيسى) لها (لأم ابني زبدي) ماذا تريدين؟ قالت له: قل، أن يجلس ابناي هذان واحداً عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال: لستما تعلمان ما تطلبان، أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدِّ لهم من أبي) قوله: (فأجاب يسوع وقال لهم: الحق أقول لكم، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الأب يعمل). وقال: (ليس كل من يقول: يا رب. يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات). ففي النصوص السابقة نفى عيسى عليه السلام القدرة على إدخال من شاء ملكوت الله، وأبان أنه لا يدخل ملكوت الله إلا من أراد الله وحده له ذلك، وليس ذلك للمسيح؛ لأن مشيئة المسيح تحت مشيئة الله، وقدرته تحت قدرة الله كما في النص- الآنف الذكر- حيث يقول: (لا يقدر الابن (المسيح) أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الأب (الله) يعمل) فالله وحده - سبحانه - هو القادر على كل شيء قدرة تليق بجلاله وعظمته. وقد جاء في نص آخر: (لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله). وكذا القول المنسوب إلى المسيح عليه السلام نفسه (عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله؛ لأن كل شيء مستطاع عند الله). أما قدرة المسيح فهي قدرة محدودة تناسب مقامه، وليس له إلا ما أقدره الله عليه. ومشيئة المسيح تحت مشيئة الله وبإذن الله، كما قال المسيح، فيما نسب إليه: (يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت). نسب إلى عيسى في الإنجيل قوله: (لا يقدر أحد أن يُقبل إلي إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني). فهنا الاجتذاب أو الهداية هداية توفيق خاصة بالله سبحانه وتعالى، وليس للمسيح أن يهدي أحداً إلا أن يشاء الله له الهداية على يد المسيح أو غيره. 2 - نسب إلى عيسى قوله: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب). وفي نصٍ آخر عن الموضوع نفسه: (إلا أبي وحده)، وهذه النصوص في سياق إخباره لبني إسرائيل عن تهدم الهيكل. فعيسى هنا يخبر النصارى بأمر مستقبلي- وإن صح النقل عنه فهو بإعلام الله له- وعلى الرغم من هذا حينما سُئل عن وقت التهدم نفى علمه بوقت ذلك، وأخبر أنه لا أحد يعلم ذلك لا الملائكة ولا هو عليه السلام، وإنما الذي يعلم ذلك هو علام الغيوب وحده، وهو الله سبحانه وتعالى، وليس للمسيح من علم الغيب شيء إلا ما أطلعه الله عليه. وجاء في نص آخر (وفي الغد لما خرجوا من بيت عينا جاع فنظر شجرة تينٍ من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً؛ لأنه لم يكن وقت التين). فسبحان الله هذا النص ظاهر جلي في بشرية عيسى عليه السلام ونفي لألوهيته من وجوه منها: أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، فلو كان إلهاً- تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً- لما كلف نفسه مشقة الذهاب إلى الشجرة الخالية من إثمار التين. - ثم لو كان إلهاً لعلم أن هذا ليس وقت إثمار أشجار التين، فهل يجهل الإله أمراً كهذا؟ - ثم لو كان إلهاً لأمر الشجرة أن تنبت تيناً فأنبتت. - ثم هل الإله يجوع؟ إن هذا نقص في إلههم المزعوم، أما الله الإله الحق فهو الغني جلَّ وعلا.

3 - ينسب إلى عيسى قوله: (لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون؛ لأنني قلت: أمضي إلى الأب؛ لأن أبي أعظم مني). فعيسى يصرح أن الآب (الله) أعظم منه، فهناك فارق كبير عبر عنه بأفعل التفضيل بينه وبين ربه وخالقه سبحانه وتعالى، وإذا كان عيسى قد نطق بأن الله أعظم منه، فإن هذا وفق مفهوم المخالفة يعني أن عيسى أقل من الله، وهو ما يوضح أنه ليس هو الله، ولا ابن الله كما تزعم النصارى حيث يقولون: إنه ابن الله الذي هو: (الله في المسيح). تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً. 4 - ينسب إلى عيسى قوله: (وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه (أحاكمه وأحاسبه) لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم، من رذلني فله من يدينه). إذاً يوضح عيسى أن مالك الحساب والجزاء إنما هو غيره، فعيسى لا يملك هذا، وإنما الذي يملكه هو الله سبحانه وتعالى وحده، كما يوضحه السياق بعده، وكما يوضحه قوله السابق: (أبي أعظم مني). وهذا أيضاً نفي لألوهية عيسى عليه السلام. 5 - قال عيسى: (اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). فيُسمِّي المؤمنين به (إخوتي) ثم يقول: (أبي وأبيكم وإلهي والهكم). فمثله مثل المؤمنين به، ربه الله، وإلهه الله - سبحانه وتعالى - وهذا اعتراف بألوهية الله، وفي الوقت نفسه نفي قوي على لسانه لألوهيته المفتراة على الله- سبحانه وتعالى- ثم عليه، ثم كيف يكون هو إله نفسه؟ 6 - جاء في الإنجيل أن (الله لم يره أحد قط) وقول المسيح عن الله سبحانه وتعالى: (لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته). بينما أبصروا المسيح وسمعوا صوته، وكلمهم وكلموه، بل وأكل وشرب معهم وتفل على التراب، فعجن الطين وطلى به أعين عُمْيٍ، إلى غير ذلك مما سوف يمرُّ من دلائل بشريته، وهذا كله ينفي الألوهية عن المسيح عليه السلام. 7 - كثرت النصوص الإنجيلية التي توضح أن عيسى كان يدعو الله - سبحانه وتعالى - ويسجد له، ويخضع له، ويصوم له، حتى بلغ صيامه أربعين نهاراً وأربعين ليلة. وأنه يفعل ما يرضي الله سبحانه ويحفظ أقواله. فلمن يتوجه عيسى عليه السلام بهذه العبادات؟ أيعبد عيسى نفسه؟ أم هل يدعو نفسه؟ أم هل يصوم لنفسه؟ هل العابد هو عين المعبود؟ إن هذا محال عقلي، مثبت لعدم ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام، وأن الإله هو غير عيسى، وهو الذي يتوجَّه له عيسى بأنواع العبادات، إنه الله سبحانه وتعالى وحده.

المبحث الرابع: بشرية عيسى- عليه السلام- وعبوديته من خلال القرآن والأناجيل:

المبحث الرابع: بشرية عيسى- عليه السلام- وعبوديته من خلال القرآن والأناجيل: ينقسم هذا الموضوع إلى الفقرتين التاليتين: أ- بشرية عيسى عليه السلام وعبوديته من خلال القرآن: أخبر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن عيسى عليه السلام عبد من عبيد الله، كما قال تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ. [النساء: 172]. وكما قال تعالى: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم: 30]. يقول ابن كثير: (أول شيء تكلَّم به أن نزَّه جناب ربه تعالى وبرَّأه عن الولد، وأثبت لنفسه العبودية لربه). وقد جاء في آيات أخرى قوله: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة: 117]. وقوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم: 36]. فهو إنسان مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى كما خلق آدم من تراب، قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]. وكما قال تعالى على لسان مريم: قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 47]. فعيسى - عليه السلام - ولد لمريم، خلقه الله ووهبه لها، كما قال تعالى: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً [مريم:19]. فهو ولد لمريم مخلوق، وليس بإله ولا ابن إله، فنسبه بشري عائد إلى أمه، فهو في القرآن الكريم: المسيح عيسى ابن مريم بنت عمران من بني إسرائيل، ومن ذرية إبراهيم، ومن ذرية نوح، وقد حملت به والدته كما أراد الرحمن - سبحانه وتعالى - من أم بلا أب، ووضعته بعد مخاض، وجاءت به قومها تحمله فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً [مريم: 29]، وكان يأكل الطعام هو وأمه كما قال تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة: 75]. بكل ما يعنيه ذلك من حاجة للطعام ولإخراجه والنمو والتحول من حال إلى حال، وهو كما خلق من تراب بعد أن لم يكن شيئاً، وولد بعد أن كان جنيناً، واكتهل بعد أن كان صبيًّا، فسوف يموت بعد نزوله في آخر الزمان، ثم يبعث حيًّا، كما قال تعالى على لسان عيسى: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً [مريم:33]. فهو إنسان يطرأ عليه ما يطرأ على أمثاله من البشر من عوارض. وهو عبد من عباد الله. خلقه الله سبحانه وتعالى من أم بلا أب آية للعالمين، ومثلاً لبني إسرائيل. كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50]. وكما قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ [الزخرف:59]. كما أوصاه الله سبحانه بعبادته مادام حيًّا، كما قال تعالى على لسان عيسى: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31]. فمحكم القرآن يدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام إنسان مخلوق، خلقه الله سبحانه وتعالى كما شاء واقتضته حكمته، وهو عبد من عباد الله الذين أنعم الله عليهم، ولن يستنكفوا عن عبادته سبحانه وتعالى. ب- بشرية عيسى- عليه السلام- وعبوديته من خلال الأناجيل:

تدلُّ الأناجيل الحالية على بشرية عيسى- عليه السلام - وعبوديته دلالة بينة حيث جاء في بعضها فيما ينسب إلى عيسى عليه السلام قوله: (ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله). فعيسى - عليه السلام - وضع نفسه في الموضع اللائق به، وهو أنه إنسان رسول يدعوهم، ويبلغهم بما أوحاه الله إليه، وكفى بذلك دليلاً على بشريته وعبوديته، وأنه ليس بإله حيث أثبت بشريته، وأثبت لنفسه العبودية والخضوع لمن أرسله وهو الله - سبحانه وتعالى - إلهه وإله بني إسرائيل والخلق أجمعين، كما جاء فيما نسب إليه قوله: (إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). وقوله: (إذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد). وفي الأناجيل ما يدل على عبادة عيسى- عليه السلام- وطاعته لله سبحانه وتعالى حيث صام و (خرَّ على وجهه، وكان يصلي قائلاً: يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت). كما أنه (خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله). وسبحان الله قضى الليل كله يصلي لخالقه، وإلهه، وربه، فأنَّى يكون إلها، أو يكون هو الله؟ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً. أنَّى يكون العابد هو عين المعبود؟ ولاسيما أنه كان (يصلي بأشد لجاجة) لله سبحانه وتعالى. بل جاء - فيما نسب إليه- في الأناجيل أنه قال: (لم يتركني الآب وحدي؛ لأني في كل حين أفعل ما يرضيه). فهو مجتهد في عبادة ربه سبحانه وتعالى، خاضع له ومطيع له في كل وقت وحين. ثم إن نظرة معاصري عيسى- عليه السلام- له لم تكن إلا على أنه إنسان، وليس بإله. من ذلك قوله (أجاب الخدام: لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان. فأجابهم الفريسيون: ألعلكم أنتم أيضاً قد ضللتم؟. ألعل ناموسنا يدين إنساناً لم يسمع منه أولاً؟). وفي نص آخر: (فقالوا له: كيف انفتحت عيناك (لرجل أعمى أبصر بإذن الله على يد عيسى)؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يقال له: يسوع). كما أن نسب عيسى عليه السلام وفق الأناجيل أنه: المسيح عيسى ابن مريم، من نسل داود ومن ذرية إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - خلقه الله من أم بلا أب بقدرته، كما خاطب جبريل مريم - عليهما السلام - حيث قال لها: (لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله). حينما تعجبت واستفهمت من جبريل (. كيف يكون هذا (أي: الحمل بعيسى وولادته) وأنا لست أعرف رجلاً). فأمه مريم، وتزعم الأناجيل أن له إخوة وأخوات ممن ادعت أنه زوج أمه، وهو يوسف النجار، ونسيبة أمه - كما جاء في الأناجيل- هي أليصابات أم يحيى عليه السلام، وهي من بنات هارون، وبذلك يحيى وزكريا من قرابة عيسى. كذلك من أدلة بشرية - عيسى عليه السلام - كما جاء في الأناجيل: أن أمه حملت به عدة الحمل كاملة، ثم ولدته بعد أن لم يكن شيئاً، وختن بعد أن كان أغلف، واكتهل بعد أن كان صبيًّا، وتعلم القراءة والكتابة. وكتب بإصبعه على الأرض، وجاع، وطعم، بل أكل الفصح مع حواريه، كما شرب الماء، ومشى فتعب وتصبب عرقاً حتى بلغ عرقه الأرض، ثم جلس من التعب، وامتطى الجحش، وتفل على الأرض، وصنع من التفل طيناً، وطلى بالطين عيني الأعمى، وحزن واكتأب ثم بكى، وكان يجثو على ركبتيه، ويخرُّ على وجهه إلى الأرض ساجداً لله سبحانه وتعالى، إلى غير ذلك مما جاء في الأناجيل. كما أن من الأمور التي تجلي عبودية عيسى- عليه السلام- وبشريته سوى ما ذكر هنا ما أثبته عيسى- عليه السلام- من أسماء وصفات لله وحده، نافياً إياها عن نفسه عليه السلام، مثل: أن الله هو القادر وحده، وأنه هو الهادي وحده، وأنه هو علام الغيوب، وأنه العظيم ومالك يوم الدين، وأنه لا يُرى في الدنيا إلى آخر ما مرَّ. لذا ولغيره ذكر أبو الوليد الباجي - ردًّا على راهب من فرنسا- أن عيسى عليه السلام (بشر مخلوق وعبد مربوب لا يعدو عن دلائل الحدوث والتغير من حال إلى حال، وأكل الطعام والموت الذي كتب على جميع الأنام. ولو جوزنا كونه - صلى الله عليه وسلم - مع هذه الصفات والأحوال المحدثات إلهاً قديماً لنفينا أن يكون العالم أو شيء مما فيه محدثاً مخلوقاً؛ لأنه ليس في شيء مما ذكرنا من البشر والعالم وما فيه من الحيوان والجماد من دلائل الحدوث غير ما في عيسى عليه السلام). إن ما سبق مثبت لبشرية عيسى عليه السلام وعبوديته فماذا عن نبوة عيسى عليه السلام ورسالته؟ ¤ افتراءات المنصرين على القرآن الكريم أنه يؤيد زعم ألوهية المسيح عليه السلام لعلي الحربي ص 23

المبحث الخامس: نبوة عيسى عليه السلام ورسالته من خلال القرآن والأناجيل:

المبحث الخامس: نبوة عيسى عليه السلام ورسالته من خلال القرآن والأناجيل: ينقسم هذا الموضوع إلى فقرتين: أ- نبوته ورسالته عليه السلام من خلال القرآن: يوضح القرآن أن المسيح عيسى عليه السلام نبي رسول، وهو من أولي العزم من الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وهذه بعض الآيات الدالة على رسالة عيسى ونبوته: يقول تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [المائدة: 75]. ويقول تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ [النساء: 171]. ويقول تعالى على لسان عيسى: وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 49]. كما يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ... [الصف: 6]. ويقول تعالى: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم: 30]. فعيسى نبي رسول من رسل الله وظيفته طاعة الله، وإبلاغ رسالة ربه - سبحانه وتعالى- التي أرسله بها، وأمره بإبلاغها، وحثَّ بني إسرائيل على عبادة الله، كما قال تعالى عن عيسى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة: 117]. وكما قال تعالى عن عيسى: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:51]. - نبوته ورسالته عليه السلام من خلال الأناجيل: كذلك تدلُّ الأناجيل الموجودة اليوم على نبوة عيسى ورسالته، فقد جاء في الأناجيل نصوص عدة منها: 1 - (أما يسوع فقال لهم: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته) فهذا مما ينسب إليه من أقوال يشير بها إلى نفسه. 2 - ومما يوضح نظرة بعض المدعويين من بني إسرائيل له وأنه نبي قوله: (ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم، وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع؛ لأنه كان عندهم مثل نبي). 3 - وقوله: (ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل). 4 - مرَّ بنا قول عيسى عليه السلام: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع الذي أرسلته). 5 - وقوله: (فنادى يسوع وهو يعلم في الهيكل قائلاً: تعرفونني وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق الذي أنتم لستم تعرفونه أنا أعرفه؛ لأني منه وهو أرسلني). فهذا من أقواله التي يوضح فيها أنه رسول من رسل الله. إن ما سبق من نصوص تدل على نبوة عيسى عليه السلام ورسالته من خلال الأناجيل، على أن هناك نصوصاً أخرى تضيف إلى ما سبق بيان مهمة عيسى عليه السلام ووظيفته التي أرسله الله من أجلها، ألا وهي الدعوة إلى الله وإلى عبادته وطاعته وإبلاغ ما أمره الله أن يبلغه لبني إسرائيل من دين الله الذي أنزل على يديه آنذاك، وهو النصرانية الصحيحة الموحدة التي نسخها الله بالإسلام، ولذا يسمَّى عيسى في الأناجيل معلم، وهي وظيفة الرسل حيث يعلمون الناس الخير، ويبلغونهم دين الله سبحانه وتعالى. وإن النصوص الدالة على ذلك:

1 - قول الإنجيل: (وبعدما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز (يدعو) ببشارة ملكوت الله ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). فها هو عيسى يدعو بني إسرائيل إلى التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والإيمان بالإنجيل، كتاب الله الذي أنزله عليه. 2 - قوله: (فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشِّر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل). 3 - قوله: (فقال لهم: لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً؛ لأني لهذا خرجت). 4 - وجاء في الإنجيل قوله: (كان يسوع يطوف كل الجليل يعلِّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت). 5 - كما جاء قوله: (حينئذٍ ابتدأ يوبخ المدن التي صنعت فيها أكثر قواته (المعجزات التي أظهرها الله على يديه) لأنها لم تتب: ويلٌ لك يا كورزين، ويل لك يا بيت صيدا. وأنت يا كفرناحوم). 6 - جاء قوله: (ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار، يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل). 7 - قوله: (لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية، فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم). يصدق هذا ما جاء في القرآن على لسان عيسى مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ [المائدة:117]. فعيسى عليه الصلاة والسلام- كما تدلُّ عليه الأناجيل- نبي رسول جاء لإبلاغ بني إسرائيل رسالة ربه؛ ليتوبوا من معاصيهم وآثامهم، ويتبعوا كتاب الله الذي أنزله الله عليهم آنذاك على يد عيسى وهو الإنجيل. ¤ افتراءات المنصرين على القرآن الكريم أنه يؤيد زعم ألوهية المسيح عليه السلام لعلي الحربي ص 31

المبحث السادس: نماذج من انحرافاتهم في القرآن والسنة، وتحذير المسلمين من ذلك:

تمهيد: تظاهرت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في بيان ما وقع به النصارى من انحراف خلقي وعقدي، وما ذلك البيان إلا لحكمة عظيمة، وهي أن يبتعد المسلمون عن سلوك سبيلهم، وألا يتشبهوا بهم. ومن تلك الانحرافات التي ذكرت في القرآن والسنة:

المطلب الأول: نماذج من انحرافات النصارى، من القرآن الكريم:

المطلب الأول: نماذج من انحرافات النصارى، من القرآن الكريم: 1 - الحسد: قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109]. 2 - كتمان العلم: قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187]. 3 - معرفة الحق بالرجال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِما أنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:91]. 4 - الغلو: قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]. 5 - الرهبانية: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27]. 6 - جعل حق التشريع لغير الله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]. 7 - حكم الأغلبية: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً [الكهف:21]. 8 - احتقار ما عند الخصم: وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113]. 9 - الاختلاف بسبب البغي: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم [الجاثية:17]. 10 - التفرق: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]. 11 - البعد عن سبيل المؤمنين: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115]. 12 - اتباع الهوى: وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]. 13 - قسوة القلوب: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].

المطلب الثاني: نماذج من انحرافات النصارى، من السنة:

المطلب الثاني: نماذج من انحرافات النصارى، من السنة: 1 - الفتنة بالنساء: قال صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) (¬1).2 - كثرة السؤال، والاختلاف على الأنبياء: كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: ((ذروني ماتركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم؛ فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) (¬2).3 - التشدد: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشدِّدوا على أنفسكم فيُشَدَّد عليكم؛ فإن قوماً شدَّدوا على أنفسهم؛ فشدَّد الله عليهم, فتلك بقاياهم في الصوامع والديار)) (¬3).4 - التفرقة العنصرية: كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، ((أن قريشاً أهمهم شأنُ المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم رسول الله؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبُّ رسول الله؟. فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟. ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) (¬4).5 - اتخاذ القبور مساجد: كما في حديث جندب بن عبدالله البجلي في صحيح مسلم: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)) (¬5). ومع ذلك البيان الجلي والنهي الشديد عن التشبه بهم، فقد وقعت طوائف كثيرة من هذه الأمة فيما وقع به أهل الكتاب والله المستعان. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص145 - 148 ¬

(¬1) (([74] رواه مسلم (2742). (¬2) (([75] مسلم (1337). (¬3) رواه أبو داود (4904) وأبو يعلى (6/ 365) (3694) و ((الأوسط)) (3/ 258) قال البوصيري في ((الإتحاف)) (4/ 84) إسناده صحيح. وأورده الألباني في ((الصحيحة)) برقم (3214) (¬4) رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688). (¬5) مسلم (532).

الفصل الحادي عشر: علاقة النصارى بالمسلمين وأساليب نشر ديانتهم:

المبحث الأول: علاقة النصارى باليهود وعداؤهم للإسلام: أرسل الله سبحانه وتعالى المسيح عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل متمماً رسالة موسى عليه السلام، ومصححاً ما حرفه اليهود فيها، إلا أن اليهود ناصبوه العداء، وكذبوه، وأَغْروا به الحكام, وحاولوا قتله. بل ادعوا قتله وصلبه عليه السلام. ومنذ ذلك الحين والعداوة بين اليهود والنصارى على أَشُدِّها, وقد بلغ ذلك العداء قمته قديماً عندما اعتنقت الدولة البيزنطية العقيدة النصرانية، فعملت بعد ذلك على قتل اليهود، وتشريدهم، وملاحقتهم. وبالرغم من تلك العداوة والاختلاف، وقيام بعضهم بتكفير بعض، إلا أن ذلك يزول ويختفي أثره، بل يَحُلُّ محلَّه الوئامُ إذا كان عدو الطرفين الإسلام أو المسلمين (¬1). وهذا مصداق لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] وليس في تاريخ العداوات عداوة تماثل شراستها وأبديتها ذلك النوع الذي تواجه به طوائفُ اليهودِ والنصارى الأمةَ الإسلاميةَ (¬2).ولم يكن الرضا عن اليهود متفقاً عليه من قبل جميع النصارى، بل إن هناك من النصارى المتعصبين من يقف ضد اليهود؛ فقد طردوا من إنجلترا عام (1290) م، ومن فرنسا عام (1390) م، ومن النمسا سنة (1420) م، ومن إسبانيا سنة (1692) م وذلك من قبل محاكم التفتيش التي أقيمت ضد المسيحيين واليهود على السواء، ثم أخرجوا من ألمانيا عام (1719) م، ومن روسيا سنة (1727) م، ثم جاء هتلر فقتل منهم من قتل (¬3). وإزاء هذه العداوة العنيفة، وهذا الاضطهاد العظيم- خصوصاً وأنهم يزعمون أنهم شعب الله المختار- فكروا جديًّا بالتخلص من تلك العداوة التي تقف أمام كثير من مخططاتهم. خصوصاً وأن أوربا كانت تعاني من الخواء الروحي، والطغيان الكنيسي بكافة ألوانه؛ فسلكوا في هذا الموضوع خطوات عديدة منها: 1 - تظاهرُ كثيرٍ من حاخاماتهم وعلمائهم بالدخول في النصرانية. 2 - إنشاء المنظمات السرية كالصهيونية، والماسونية وغيرها التي كانت ترفع شعارات الحرية والإخاء والمساواة. 3 - إحداث الثورات ضد الكنيسة أو استغلالها إذا قام بها غيرهم، ومن ذلك ما قام به مارتن لوثر ضد الكنيسة الغربية الكاثوليكية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وكذلك الثورة الفرنسية التي قام بها نابليون عام (1789) م, والتي كانت تنادي بنفس شعارات الماسونية: الحرية والإخاء والمساواة.4 - السعي للسيطرة الاقتصادية على الدول الأوربية (¬4). وقد حصل اليهود على نتائج مهمة، واستغلوا الفرصة التي أتاحها لهم نفور الأوربيين من دينهم. ومن تلك النتائج التي حقَّقها اليهود من وراء مخططاتهم ما يلي: 1 - علمنة الحياة في أوربا، حيث أُقصي الدين المسيحي عن الحياة تماماً. 2 - تمكن اليهود من تَبَوُّء مناصب ومواقع رفيعة في الحكومات الغربية لم يكونوا يحلمون بها في عصور الاضطهاد. 3 - السيطرة التامة على الاقتصاد الغربي وثرواته، بل وعلى اقتصاد وثروات العالم. 4 - كسر حدة العداء لليهود عند الأوربيين.5 - تمكن اليهود من إحياء التحالف اليهودي النصراني مرة أخرى ضد الإسلام (¬5). ¬

(¬1) ((موقف أصحاب الأهواء والفرق من السنة النبوية ورواتها: جذورهم ووسائلهم وأهدافهم قديماً وحديثاً)) د. محمد بن مطر الزهراني (ص 32). (¬2) ((العلمانية)) د. سفر الحوالي. (ص 528). (¬3) انظر ((موقف أصحاب الأهواء والفرق من السنة النبوية ورواتها)) (ص 33). (¬4) انظر ((موقف أصحاب الأهواء والفرق)) (ص 33). (¬5) انظر ((موقف أصحاب الأهواء والفرق)) (ص 34).

يقول الشيخ الدكتور سفر الحوالي - حفظه الله -: ومنذ أن أحكمت اليهودية العالمية أنشوصتها على العالم الغربي الذي أوقعته أسيراً في شباكها الأخطبوطية اتخذت العداوة مساراً واحداً تحفزه الروح الصليبية، وتوجهه الأفعى اليهودية؛ فقد تشابكت، وتداخلت مصالح الطرفين. وكان الغرب الصليبي مستعدًّا للتخلي عن كل حقد وعداوة إلا عداوته للإسلام في حين كانت الخطط التلمودية تروم تسخير العالم الصليبي بعد أن شلَّت قواه، وركبت رأسه للقضاء على عدوها الأكبر الإسلام (¬1). ويقول الشيخ - حفظه الله -: وتجدر الإشارة إلى أن خطة العمل الموحد المشترك بين الصليبية واليهودية أصبحت لزاماً وواجباً على كلا الطرفين بعد الموقف الصلب الذي واجه به السلطان عبد الحميد هرتزل؛ إذ تعين بعدها أن القضاء على الخلافة الإسلامية ضروري لمصلحة الفريقين: النصارى الذين كانت لهم دولهم الاستعمارية تتحين الفرصة للأخذ بثأر الحروب الصليبية، واليهود الذين أيقنوا أن فشلهم مع السلطان يستوجب التركيز على العالم الصليبي، وتسخيره لمآربهم التلمودية. وبلغت الخطة ذروة التوحد بعد قرار المجمع الماسوني الذي ينص على تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام، والذي كان يهدف إلى محو كل أثر عدائي مسيحي لليهود، وبالتالي إيجاد كتلة يهودية نصرانية واحدة لمجابهة الإسلام (¬2). وهكذا نجد أن اليهود والنصارى متعادون متناحرون لا يجمعهم سوى مصالحهم، وأعظم مصلحة يجتمعون عليها هي عداء الإسلام والمسلمين. وما نراه اليوم من تحالف بين أمريكا وإسرائيل, وما وعد بلفور المشؤوم إلا نموذج لذلك التحالف. وقد تبنَّى بعض النصارى في أمريكا وأوربا فكرة وجود إسرائيل الحديثة على أنها تحقيق لنبوآت الكتاب المقدس، وعلامةٌ على قرب عودة المسيح إلى الأرض ثانية؛ حيث إنهم يعتقدون أن المسيح سينزل في آخر الزمان، وهم متفقون مع المسلمين في هذه القضية إلا أن اليهود - بخبثهم ومكرهم وبغباء النصارى- حوَّلوا هذه القضية لصالحهم؛ فاليهود يعتقدون بمجيء مُنْتَظر؛ لأنهم يعتقدون أن عيسى عليه السلام كذَّاب دجال. أما المنتظر الذي ينتظرونه فهو - ملك السلام - كما يزعمون، وفي الحقيقة هو المسيح الدجال. ومن هنا غرَّروا بالنصارى، وقالوا: لابد أن نعمل بما اتفقنا عليه، وهو أن المسيح سينزل, أما من هو المسيح الذي سينزل فسنتركه جانباً؛ فاليهود يعتقدون بأن النصارى سينتهون إذا جاء منتظرهم، والنصارى بعكسهم، حيث يعتقدون بأن المسيح إذا نزل سيقتل كل من لم يدخل في المسيحية. ومن المؤتمرات التي عقدت بهذا الصدد المؤتمر المسيحي الصهيوني الدولي الذي عقد في إبريل عام (1988) م, في إسرائيل، وألقى فيه إسحاق شامير رئيس الوزراء بنفسه كلمة الافتتاح. وفي كلمته التي اتسمت بالعاطفة والحماسة أكد شامير - وبكل وضوح - استمراره في تثبيت أركان الدولة الصهيونية، ومقاومة الفلسطينيين بكل الوسائل. وفي نهاية كلمته وقف كل المستمعين لتحيته، وذلك حينما دعاهم لأن يدعوا كل مسيحيي العالم لتعضيد دولة إسرائيل (¬3).وفي هذا المؤتمر قال أحد القساوسة المشاركين فيه، وهو (فان درهوفيه) قال: إن الكنيسة التي لا تتبع هذا الطريق - تأييد إسرائيل - سوف تنتهي مثل الدخان (¬4). ولعلنا نجد من ثمار ذلك ما تقوم به الدول الغربية من حماية لمصالح اليهود، والحرص على هجرتهم، وتشجيعها، وتسهيل ذلك، أو محاولة تخفيف عداء المسلمين لليهود. ¬

(¬1) ((العلمانية)) (ص 532). (¬2) ((العلمانية)) (ص 534). (¬3) انظر ((مجلة المجتمع)) (ص23, العدد 982). (¬4) ((مجلة المجتمع)) (ص 23, العدد 982).

وبالرغم من هذا التحالف إلا أننا نجد بين الفينة والأخرى من يعارضه من النصارى، ويعده أضحوكة يهودية؛ لكي يستغلوا النصارى في تنفيذ مخططاتهم التلمودية. ومن هؤلاء الكتاب الذين كتبوا عن هذا الموضوع قس مصري اسمه إكرام لمعي، وينتمي للكنيسة الإنجيلية، وله كتاب اسمه (الاختراق الصهيوني للمسيحية).حيث بيَّن فيه مدى الاستغلال الصهيوني اليهودي للدين المسيحي؛ لتحقيق الأطماع والأحلام (¬1). ومن خلال ما مضى يمكن إجمال علاقة النصارى مع اليهود بما يلي: 1 - أنهم أهل كتاب كما سمَّاهم الله تعالى وكتابهم الذي يجمعهم هو الكتاب المقدس إلا أن اليهود لا يؤمنون بالأناجيل في آخره. 2 - أنهم متعادون فيما بينهم عداء شديداً، وأهم ما يجمعهم عداء المسلمين؛ حسداً من عند أنفسهم. 3 - أنهم متفقون مع اليهود في عقيدة المسيح المنتظر الذي سينزل في آخر الزمان، وأن مكان نزوله في فلسطين. ولكنهم يختلفون في ماهية هذا المنتظر؛ فاليهود يزعمون أنه ملك السلام الذي سيحكم الأرض، ويقتل كل من سوى اليهود. والنصارى يعتقدون أنه المسيح عليه السلام، وأنه سيدخل جميع الناس في النصرانية ومن رفض قتله. والحقيقة أنهم ينتظرون المسيح الدجال، والنصارى ينتظرون مسيحاً وهميًّا لا حقيقة له. والمسلمون ينتظرون المسيح عليه السلام؛ ليحكم بشرع محمد ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وقد حققوا من جراء هذا التحالف الشيء الكثير، كالإطاحة بالخلافة الإسلامية، وباحتلال اليهود لفلسطين. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص157 - 162 ¬

(¬1) انظر ((مجلة المجتمع)) (ص 23, عدد 982).

المبحث الثاني: عداوة النصارى للمسلمين، وموقفهم منهم:

المبحث الثاني: عداوة النصارى للمسلمين، وموقفهم منهم: أ- في القديم: منذ أن ظهر دين الإسلام وأهل الكتاب يكيدون لهذا الدين ولنبيه، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر. وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن عداوتهم للمسلمين، وأنها من سننه الكونية، قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]. وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109]. وقال: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105]. وأخبر تعالى أنهم لا يقنعون بشيء حتى نتبعهم في دينهم, قال عزَّ وجلَّ: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم [البقرة:120]. ولقد وقف النصارى من المسلمين موقف المعادي المبغض الشانئ, وحاولوا بكل ما أوتوا من قوة على مرِّ العصور أن يردوا هذه الأمة عن دينها, وسلكوا في هذا السبيل طرائق شتى، وخططاً مختلفة ملائمة لكل زمان ومكان. ففي الماضي قاموا بحرب المسلمين وغزوهم في بلادهم، مع أنهم كانوا ينعمون في ظل عدالة الدولة الإسلامية أكثر مما يلقونه تحت حكم النصارى أنفسهم. وما الحروب الصليبية عنا ببعيد، تلك الحروب التي استمرت قرنين من الزمان (490هـ -690) هـ، والتي قامت بين المسلمين في المشرق العربي وبين الصليبيين القادمين من أوربا؛ لاحتلال بيت المقدس وبلاد الشام ومصر، والقضاء على الإسلام، وَوَقْفِ انتشاره في أوربا. وهي حروب دينية شنَّتها أوربا النصرانية الحاقدة بدعوى تحرير القدس من المسلمين، والحقيقة أنها قامت لإذلال المسلمين، ورغبة في القضاء على الإسلام. ويذكر المؤرخون أن لتلك الحرب أسباباً كثيرة، ولعل أهمها وأجلاها وأوضحها ما يلي: 1 - الحقد الصليبي، والعداء للإسلام. 2 - ما أثاره الرهبان والبابوات في نفوس النصارى في أوربا, ومن تلك الإثارات ما قام به القديس بطرس؛ حيث أخذ يجوب أوربا على حماره، ويحرض الأوباش والعوام على تحرير القدس, والاستعداد لنزول المسيح. 3 - رغبة النصارى في التوسع. 4 - رغبة البابا أوربان الثاني في توحيد الكنيستين الشرقية والغربية, ومحاولته جمع النصارى تحت هدف مشترك، وهو قتال المسلمين, وغزوهم في بلادهم، وذلك عندما دعا البابا أوربان الثاني إلى مؤتمر (كليرمونت)، وألقى فيه كلمة مشهورة ملأها بالهجوم على المسلمين، وإثارة الأحقاد في نفوس النصارى, ثم أخرج في نهاية الخطبة صليباً، وعلَّقه على صدره, ودعا الحاضرين إلى تعليقه والدفاع عنه. هذه - بإجمال- أسباب الحروب الصليبية. وبعد ذلك بدأت أول حملة عام (490) هـ, بقيادة (جود فري دريموند)، واستولى على كثير من بلاد الشام، ثم تتابعت الحملات، واستولوا على كثير من بلاد المسلمين، وأهمها بيت المقدس عام (492) هـ, وما كانوا ليستطيعوا فعل ذلك لولا أن المسلمين متناحرون متفككون يشتغل بعضهم ببعض. عندئذ قام النصارى بتلك الحروب، وقتلوا المسلمين شرَّ قتلة في كثير من الأماكن، وخصوصاً في بيت المقدس؛ حيث مثَّلوا في القتلى، فلم يوقروا كبيراً، ولم يرحموا صغيراً, حتى النساء لم تسلم منهم، بل إن الزهاد والعباد الذين انقطعوا للعبادة في بيت المقدس لم يسلموا منهم, حتى إن الخيل غاصت إلى الركب من جثث القتلى؛ حيث قتل الآلاف من أهل تلك البلاد.

ومهما يكن من شيء فإن المسلمين آنذاك كانوا يعرفون الداء والدواء؛ فالداء يكمن في بعدهم عن دينهم وعقيدتهم, والدواء بالرجوع إلى ذلك, فهم يعرفون سبيل العزة. ولماَّ كانت تلك الجذوة تتحرك في قلوبهم؛ ولما كانوا يتَّهمون أنفسهم ويلقون باللائمة عليها، كان ذلك بداية طريق العزة. ومن هنا تعالت صيحات الجهاد، وارتفعت الدعوات مطالبة باستعادة الأراضي، وطرد عُبَّاد الصليب, ولذلك سادت الروح الجهادية في ذلك العصر, ونجد أن الشعراء قد وقفوا شعرهم على شعر الجهاد وتحريك الهمم، كما نجد ذلك في قصيدة أبي المظفر الأبيوردي التي قالها محرضاً على الجهاد بعد استيلاء الصليبيين على بيت المقدس عام (492) هـ, يقول: مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراحم وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم فإيهاً بني الإسلام إن أمامكم ... وقائعَ يُلْحِقْنَ الذُّرى بالمناسم وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كل نائم وإخوانكم في الشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم وكم من دماء قد أبيحت ومن دُمى ... تواري حياء حسنها بالمعاصم بحيث السيوف البيض محمرة الظُّبا ... وسمر العوالي داميات اللهازم وتلك حروب من يَغِبْ عن غمارها ... ليسلمَ يقرعْ بعدها سن نادم فليتهم إن لم يذودوا حميةً ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم وإن زهدوا بالأجر إذ حمي الوغى ... فهلا أتوه رغبة في الغنائم فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... رمينا إلى أعدائنا بالجرائم ومن ذلك قول ابن المجاور يبكي القدس: أعيني لا ترقي من العبرات ... صلي في البكا الآصالَ بالبكرات إلى أن يقول: لتَبكِ على القدس البلادُ بأسرها ... وتعلن بالأحزان والترحات لتَبكِ عليها مكة ٌفهي أختها ... وتشكو الذي لاقت إلى عرفات لتَبكِ على ما حل بالقدس طيبة ... وتشرحه في أكرم الحجرات وهكذا نجد أن روح الجهاد سرت في ذلك العصر, ثم قيَّض الله -سبحانه وتعالى- رجالاً مؤمنين مخلصين مجاهدين، كأمثال عماد الدين زنكي, ونور الدين محمود، وصلاح الدين - رحمهم الله أجمعين - فاستعاد المسلمون بعد ذلك ما أخذه الصليبيون، واستردوا بيت المقدس, ولا ينسى الصليبيون موقف صلاح الدين منهم عندما عفا عنهم بعد أن قدر عليهم. وإن ينسَ المسلمون شيئاً فلن ينسوا ما فعله النصارى في الأندلس, تقول الدكتورة سينجريد هونكه: في (2) يناير (1492) م, رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على الحمراء القلعة الملكية للأسرة الناصرية؛ فكان ذلك إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على إسبانيا, وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوربا طوال القرون الوسطى. وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضاراتهم وثقافتهم. لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حرِّم عليهم استخدام اللغة العربية والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي, ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يُعذَّب أشد العذاب (¬1). وهكذا قوِّضت أطناب الدولة الإسلامية في الأندلس، وانتهى الإسلام من تلك الربوع التي رفرفت فيها رايته ثمانية قرون، فلم يبقَ مسلم واحد في إسبانيا يظهر دينه. وغير خافٍ ما قامت به محاكم التفتيش من التفنن في أساليب القتل والوحشية في المخالفين لها من المسيحيين، فضلاً عن المسلمين. ¬

(¬1) ((قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله))، لجلال العالم (ص12).

فمن ذلك أنهم وضعوا غرفاً فيها آلات رهيبة للتعذيب، منها: آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري, وكانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم. ومن ذلك أن هناك آلة للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة يلقى بها المعَّذب، ثم يطبقون بابه وخناجره, فإذا أغلق مَزَّق جسم المعذب المسكين وقطَّعة إرباً إرباً. وهناك آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج منها اللسان (¬1). ثم بعد ذلك كان هناك تفكير ذكي اتعظ بالهزائم العسكرية المتلاحقة التي مني بها الغرب، ونقَّب عن السر العظيم لصلابة المسلمين، وانتفاضتهم المفاجئة، ووجد السر فعلاً؛ أنه الإسلام نفسه ولا شيء سواه. ولقد فكَّر الغرب في تحطيم تلك القوة وذلك الرصيد في نفوس المسلمين، ووضع خطته الخبيثة بناء على النتيجة, خطة لا تقوم على إبادة المسلمين، ولا على احتلال أراضيهم، وإنما تقوم على إبادة الإسلام نفسه، واقتلاعه من نفوس أبنائه وضمائرهم، أو تقليص دائرته، وعزله عن واقع الحياة (¬2). وبدؤوا بالسير حثيثاً في سبيل ذلك الأمر، وأخذوا بوصية لويس التاسع الذي أُسِر بالمنصورة في إحدى الحروب الصليبية، وعندما خرج أوصى قومه بأن يعملوا على إذابة الإسلام من نفوس أهله، وإطفاء تلك الجذوة التي ما تفتأ تعود بقوة بعد أن يُظنَّ أن المسلمين قد انتهوا تماماً، ألا وهي العقيدة. فطالما أن جذوة العقيدة تتقد في قلوب المسلمين فإنهم لن يهزموا، وإن هزموا فسيعودون مرة أخرى. فما الحل إذاً، وكيف تهزم هذه الأمة؟ أخذ الغرب يبحث عن الحل فارتأى أن الحلَّ هو حرب العقيدة نفسها. وقد سلكوا في هذا السبيل وسائل عديدة امتازت بالدقة والتنظيم، وتتلَّخص جهودهم في عدة وجوه وهي: 1 - الاستشراق. 2 - الاحتلال العسكري. 3 - التنصير (التبشير). ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص163 - 168 ¬

(¬1) انظر ((قادة الغرب)) (ص 16 - 17 - 18). (¬2) انظر ((العلمانية)) (ص 535).

الفصل الثاني عشر: النصارى في التاريخ الإسلامي:

الفصل الثاني عشر: النصارى في التاريخ الإسلامي: لما ظهر الإسلام وتوسعت الفتوحات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كان النصارى قسمين: الأول: الغالبية منهم دخلت الإسلام: طوعا أو كرها، وهم نصارى الجزيرة العربية والعراق والشام وفلسطين، ومصر وأفريقية، وكذلك النصارى من أهل فارس وما حولها من بلاد الشرق، وكان النصارى أكثر قبولا للإسلام من اليهود والمجوس والوثنيين. الثاني: البقية الذين لم يدخلوا الإسلام وهم على حالين: أ- نصارى لم تصلهم الفتوحات الإسلامية، وهم نصارى أوروبا (عدا الأندلس وشرق أوروبا)، وهؤلاء مركزهم روما، ومنهم انطلقت الهجمات النصرانية على المسلمين في الشام ومصر وأفريقية أيام الحروب الصليبية وما قبلها وما بعدها إلى عهد ما يسمى بـ (الاستعمار (¬1) الحديث) بل وحتى اليوم. ب- النصارى الذين بقوا على نصرانيتهم داخل الدولة الإسلامية (أهل الذمة) أو تحت الرق، وكان لهؤلاء دور كبير في الكيد للإسلام والمسلمين، وكثيرا ما يتضامنون مع اليهود سرا في ذلك، كما حصل في مقتل عمر رضي الله عنه والفتن التي تلت ذلك، كما أن هؤلاء قاموا بجهد كبير في بثِّ المعتقدات والشبهات والفلسفات الدخيلة على العقيدة الإسلامية، والتي أسفرت عنها الفرق الكلامية كالقدرية، والجهمية، والمعتزلة، والفرق الباطنية: كالرافضة، والإسماعيلية، والحلولية، والاتحادية والاتجاهات الفلسفية، والطرق الصوفية، وكل هذه الفرق والمذاهب أثر النصرانية فيها جلي واضح. وللنصارى في العصر الحديث أثر كبير في غزو المسلمين عسكريا وسياسيا، وفكريا، وأخلاقيا، واقتصاديا. ¤الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة: د. ناصر العقل ود. ناصر القفاري – ص75 ¬

(¬1) هذه التسمية غير صائبة فالاستعمار هو العمران والإصلاح، والأولى أن يقال: الاستعباد أو الاحتلال، أو الاغتصاب، أو التخريب، ونحو ذلك.

الفصل الثالث عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفصل الثالث عشر: الانتشار ومواقع النفوذ: - تنتشر النصرانية اليوم في معظم بقاع العالم، وقد أعانها على ذلك الاستعمار والتنصير الذي تدعمه مؤسسات ضخمة عالمية ذات إمكانات هائلة. يتضح مما سبق: - لم تكن عقيدة التثليث معروفة في عصر الحواريين (العصر الرسولي) تقول دائرة المعارف الفرنسية: (وإن تلاميذ المسيح الأوّلين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكوِّنة لذات الخالق، وما كان بطرس حواريه يعتبره أكثر من رجل يوحى إليه من عند الله). وتستشهد على ذلك بأقوال قدماء المؤرخين مثل جوستن ماراستر من القرن الثاني الميلادي، حيث يصرِّح بأنه كان في زمنه في الكنيسة مؤمنون يعتقدون أن عيسى هو المسيح، ويعتبرونه إنساناً بحتاً، وأنه كان أرقى من غيره من الناس، وحدث بعد ذلك أنه كلما تنصَّر عدد من الوثنيين ظهرت عقائد جديدة لم تكن من قبل. - لضياع النصوص الأصلية من الأناجيل نتيجة للاضطهاد من جانب، وللاحتكاك والتأثر بالفلسفات والحضارات الشرقية والوثنية من جانب آخر، حملت الديانة النصرانية المحرفة عوامل اختلافها وتناقض نصوصها، الذي ظهر بشكل واضح من خلال المجامع المختلفة التي عقدت لوضع أصول الدين وتشريعاته بشكل لم يَرِد عن المسيح عليه السلام ولا عن حوارييه. - سيطرت عقائد وأفكار بولس على النصرانية؛ يقول دبليو ريد: (إن بولس قد غيَّر النصرانية لدرجة أنه أمسى مؤسسها الثاني، إنه في الواقع مؤسس المسيحية الكنسية). ويؤيده لوني دنيله، وستون استيورت، جيمبرلين في أن بولس أضفى على المسيحية بتمزيقها إطاراً غير اليهودية، ولذلك بات خالق الكنائس التي أسست باسم اليسوع. ويقول لوني نيك: (لو لم يكن بولس لعادت المسيحية فرقة من الديانة اليهودية، ولما كانت ديانة كونية). - كل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هي قبل الافتراق، حيث كان لتلاميذ بولس من أمثال لوقا ويوحنا دورٌ كبير في إخفاء تاريخهما بعد الخلاف بينهما، وهذا ما أيدته دائرة المعارف البريطانية من أن قوة نفوذ وأتباع بولس أخفت تاريخ كل من يعارض بولس مثل برنابا وبطرس. - هناك رسالتان تُنسبان لبطرس يوافق فيهما أفكار بولس، أثبتت دائرة المعارف البريطانية أنهما ليستا له، وأنهما مزوَّرتان عليه حيث تتعلَّق بتاريخ ما بعد موته، ولم تقبلهما كنيسة روما إلا في سنة (264) م، بينما اعترفت بهما الإسكندرية في القرن الثالث، وكذلك بالنسبة للرسالة المنسوبة ليعقوب، يؤكد العلماء عدم صحة نسبتها إليه أيضاً حيث أوصى يعقوب بولس بأداء الكفارة لخلافه شريعة التوراة، وألزمه بالعمل بها. - لم تُعرف الأناجيل الأربعة المتفق عليها عند النصارى اليوم المعرفة الكاملة قبل مجمع نيقية (335) م, حيث تمَّ اختيارها من بين عشرات الأناجيل، وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها، وإنما تمَّ الاعتراف بها فيما بعد. - إن تلاميذ المسيح عليه السلام ليسوا بكتَّاب هذه الأناجيل فهي مقطوعة الإسناد، والنصوص الأصلية المترجَم عنها مفقودة، بل ونصوص الإنجيل الواحد متناقضة مع بعضها فضلاً عن تناقضها مع غيرها من نصوص الأناجيل الأخرى، مما يبطل دعوى أنها كُتبت بإلهام من الله تعالى. - بعد الدراسة المتأنية لنصوص الإنجيل نجد فضلاً عن التناقضات، لا بين نصوص الإنجيل الواحد أو الأناجيل المختلفة فقط، وإنما بين نصوص الأناجيل ورسائل الرسل المزعومة، وأيضاً بينها وبين نصوص العهد القديم ما يدلِّل ويؤكد التحريف، سواء كان بقصد أو بغير قصد.

- هناك مئات النصوص في الأناجيل الأربعة تدل على أن عيسى إنسان وليس إلهاً، وأنه ابن الإنسان، وليس ابن الله، وأنه جاء رسولاً إلى بني إسرائيل فقط، مكملاً لشريعة موسى وليس ناقضاً لها. - وهناك نصوص أخرى تدل على أن عيسى لم يُصلب، وإنما أنجاه الله ورفعه إلى السماء، وتدحض كذلك عقيدة الغفران، وتبين أن الغفران يُنال بالتوبة وصلاح الأعمال. وهناك نصوص إنجيلية تؤكد بشارة عيسى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم. - بل إن هناك نصوصاً عديدة في الرسائل تثبت زيف زعم بولس بأنه يوحى إليه، وتبين كذلك تناقضه مع نفسه ومع عيسى عليه السلام. - رأينا كيف تدخَّلت السياسة والحكام في تقرير عقائد الكنيسة وتبديلها من خلال المجامع المختلفة، وأن الأصل في الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية نشأ لا عن موقف عقدي بقدر ما هو محاولة إثبات الوجود والسيطرة. - لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن في آيات عديدة إفكَ النصارى وقولهم في مريم، واعتقادهم في المسيح على اختلاف مذاهبهم، مبيِّناً انحرافهم، ومصحِّحاً عقائدهم، وداعياً إياهم إلى عدم الغلو في الدين، وأن لا يقولوا على الله إلا الحق. - وعموماً فإن النصارى يُعتبرون بالنسبة للمسلمين أهل كتاب مثل اليهود، وحكمهم في الإسلام سواء، فقد كذَّبوا برسول الله وآياته، وأشركوا بالله، فهم بذلك كفار لهم نار جهنم خالدين فيها. يقول تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [البينة: 6]. لكنهم مع ذلك يُعاملون بما أمر الله تعالى به من الإحسان والبر والقسط إليهم، وأكل طعامهم والتزوج من نسائهم، طالما أنهم لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، فهم أهل ذمة إذا عاشوا في ديار المسلمين، ما لم ينقضوا عهدهم، فإن نكثوا عهدهم وتجرؤوا على الإسلام والمسلمين؛ بأن حاولوا الدعوة إلى باطلهم وكفرهم بين أبناء المسلمين، أو طعنوا في الدين مثلاً، فلابد من قتالهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل الرابع عشر: فرق النصارى:

المطلب الأول: الملكانية: أصحاب ملكا الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها، ومعظم الروم ملكانية، قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته. ويعنون بالكلمة: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس: أقنوم الحياة، ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم: إن الكلمة مازجت جسد المسيح، كما يمازج الخمر أو الماء، اللبن. وصرَّحت الملكانية أن الجوهر غير الأقانيم، وذلك كالموصوف والصفة، وعن هذا صرَّحوا بإثبات التثليث، وأخبر عنهم القرآن: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [المائدة: 73]. وقالت الملكانية: إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي، وهو قديم أزلي من قديم أزلي، وقد ولدت مريم عليها السلام إلها أزليا، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معا. وأطلقوا لفظ الأبوة والبنوة على الله عزَّ وجلَّ وعلى المسيح لما وجدوا في الإنجيل حيث قال: إنك أنت الابن الوحيد. وحيث قال له شمعون الصفا: إنك ابن الله حقا. لعل ذلك من مجاز اللغة، كما يقال لطلاب الدنيا: أبناء الدنيا. ولطلاب الآخرة: أبناء الآخرة. وقد قال المسيح عليه السلام للحواريين: أنا أقول لكم: أحبُّوا أعداءكم (1/ 222) وباركوا على لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل من يؤذيكم؛ لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء الذي تشرق شمسه على الصالحين والفجرة، وينزل قطره على الأبرار والأئمة، وتكونوا تامين، كما أن أباكم الذي في السماء تام. وقال: انظروا صدقاتكم فلا تعطوها قدام الناس؛ لتراءوهم، فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء. وقال حين كان يصلب-بزعمهم-: أذهب إلى أبي وأبيكم. ولما قال أريوس: القديم هو الله، والمسيح هو مخلوق. اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في بلد قسطنطينية بمحضر من ملكهم، وكانوا ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا، واتفقوا على هذه الكلمة اعتقادا ودعوة، وذلك قولهم: نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء، وصانع ما يرى وما لا يرى، وبالابن الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلها، الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها، وليس بمصنوع، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم، وخلق كل شيء من أجلنا، ومن أجل معشر الناس، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسَّد من روح القدس، وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول، وقتل وصلب أيام فيلاطوس، ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء تارة أخرى بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة؛ لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية، وبقيام أبداننا والحياة الدائمة أبد الآبدين. هذا هو الاتفاق الأول على هذه الكلمات، وفيه إشارة إلى حشر الأبدان. وفي النصارى من قال بحشر الأرواح دون الأبدان، وقال: إن عاقبة الأشرار في القيامة غم وحزن الجهل، وعاقبة الأخيار سرور وفرح العلم. وأنكروا أن يكون في الجنة نكاح وأكل وشرب. وقال مار إسحاق منهم: إن الله تعالى وعد المطيعين وتوعد العاصين، ولا يجوز أن (1/ 223) يخلف الوعد؛ لأنه لا يليق بالكريم، ولكن يخلف الوعيد فلا يعذب العصاة، ويرجع الخلق إلى سرور وسعادة ونعيم وعمم هذا الكل؛ إذ العقاب الأبدي لا يليق بالجواد الحق تعالى. ¤الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 266

المطلب الثاني: النسطورية:

المطلب الثاني: النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه، وإضافته إليهم إضافة المعتزلة إلى هذه الشريعة، قال: إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة: الوجود والعلم والحياة، وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات، ولا هي هو، واتحدت الكلمة بجسد عيسى عليه السلام لا على طريق الامتزاج كما قالت الملكانية، ولا على طريق الظهور به كما قالت اليعقوبية، ولكن كإشراق الشمس في كوة على بلورة، وكظهور النقش في الشمع إذا طبع بالخاتم. وأشبه المذاهب بمذهب نسطور في الأقانيم أحوال أبي هاشم من المعتزلة، فإنه يثبت خواص مختلفة لشيء واحد ويعني بقوله واحد يعني الإله قال: هو واحد بالجوهر. أي: ليس هو مركبا من جنسين، بل هو بسيط وواحد. ويعني بالحياة والعلم أقنومين جوهرين، أي: أصلين مبدأين للعالم، ثم فسَّر العلم بالنطق والكلمة، ويرجع منتهى كلامه إلى إثبات كونه تعالى موجودا حيا ناطقا، كما تقول الفلاسفة في حد الإنسان، إلا أن هذه المعاني تتغاير في الإنسان؛ لكونه جوهرا مركبا، وهو جوهر بسيط غير مركب. وبعضهم يثبت لله تعالى صفات أخر بمنزلة القدرة والإرادة ونحوهما، ولم يجعلوها أقانيم كما جعلوا الحياة والعلم أقنومين. ومنهم من أطلق القول بأن كل واحد من الأقانيم الثلاثة حي ناطق إله، وزعم الباقون أن اسم الإله لا يطلق على كل واحد من الأقانيم، وزعموا أن الابن لم يزل متولدا من الأب، وإنما تجسَّد واتحد بجسد المسيح حين ولد، والحدوث راجع إلى الجسد والناسوت، فهو إله وإنسان اتحدا. وهما جوهران أقنومان طبيعتان: جوهر قديم، وجوهر محدث إله تام وإنسان تام، ولم يبطل الاتحاد قدم القديم، ولا حدوث المحدث، لكنهما صارا مسيحا واحدا طبيعة واحدة، وربما بدَّلوا العبارة، فوضع مكان الجوهر الطبيعة ومكان الأقنوم الشخص، وأما قولهم في القتل والصلب فيخالف قول الملكانية واليعقوبية. قالوا: إن القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته؛ لأن الإله لا تحلُّه الآلام. وبوطينوس وبولس الشمشاطي يقولان: إن الإله واحد وأن المسيح ابتدأ من مريم عليها السلام وأنه عبد صالح مخلوق، إلا أن الله تعالى شرَّفه وكرمه لطاعته، وسمَّاه ابنا على التبني، لا على الولادة والاتحاد. ومن النسطورية قوم يقال لهم: المصلين. قالوا في المسيح مثل ما قال نسطور، إلا أنهم قالوا: إذا اجتهد الرجل في العبادة وترك التغذي باللحم والدسم، ورفض الشهوات الحيوانية والنفسانية، تصفَّى جوهره حتى يبلغ ملكوت السموات، ويرى الله تعالى جهرة، وينكشف له ما في الغيب، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. ومن النسطورية من ينفي التشبيه، ويثبت القول بالقدر خيره وشره من العبد، كما قالت القدرية ¤الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 268

المطلب الثالث: اليعقوبية:

المطلب الثالث: اليعقوبية: أصحاب يعقوب، قالوا بالأقانيم الثلاثة إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده بل هو هو. وعنهم أخبرنا القرآن الكريم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:73] (1/ 225) فمنهم من قال: إن المسيح هو الله تعالى. ومنهم من قال: ظهر اللاهوت بالناسوت، فصار الناسوت المسيح مظهر الجوهر، لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة، بل صار هو هو، وهذا كما يقال: ظهر الملك بصورة إنسان. أو: ظهر الشيطان بصورة حيوان. وكما أخبر التنزيل عن جبريل عليه السلام: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17]. وزعم أكثر اليعقوبية أن المسيح جوهر واحد، أقنوم واحد إلا أنه من جوهرين، وربما قالوا: طبيعة واحدة من طبيعتين، فجوهر الإله القديم، وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركيبا، كما تركبت النفس والبدن، فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا، وهو إنسان كله وإله كله. فيقال: الإنسان صار إلها. ولا ينعكس فلا يقال: الإله صار الإنسان. كالفحمة تطرح في النار، فيقال: صارت الفحمة نارا. ولا يقال: صارت النار فحمة. وهي في الحقيقة لا نار مطلقة، ولا فحمة مطلقة بل هي جمرة، وزعموا أن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي، ولربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج والادراع، والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة المجلوة ¤الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 270

المبحث الثاني: الفرق النصرانية المعاصرة:

تمهيد: لما فقد النصارى كثيراً من آثار الوحي والنبوة التي جاءتهم، ولم يعد عندهم أصل صحيح يرجعون إليه. اختلفوا وتفرقوا شيعاً وأحزاباً متباغضة متعادية. وفي هذا يقول الله عز وجل: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة: 14]. ومن الجدير بالذكر أن دعوة التوحيد التي نادى بها المسيح عليه السلام استمرت في تلاميذه وحوارييه قوية فاعلة إلى تدمير بيت المقدس سنة (70) م، ثم استمرت على نحو أضعف إلى التدمير الثاني سنة (135) م، حيث قُضِي عليها وتشرَّد أتباعها، فانفسح المجال واسعاً أمام المذاهب المنحرفة التي ظهرت في النصارى في وقت مبكر بدخول بولس (شاؤول اليهودي) في النصرانية، بعد رفع المسيح عليه السلام بسنوات قلائل، وبتأثير الديانات الوثنية والفلسفات الوثنية. فتوزع النصارى إلى فرق وأقوال عديدة متباينة تبايناً شديداً في أصول الديانة والعقيدة، إلا أن دعوة التوحيد كانت تظهر بين الحين والحين مع شوائب عديدة، ولم يبدأ الانقراض التدريجي لها إلا بعد مجمع نيقية سنة (325) هـ, الذي انعقد أصلاً للنظر في قول فرقتين من أكبر فرق النصارى في ذلك الوقت، وهو قول الفرقة الأريوسية الموحدة بأن المسيح بشرٌ مخلوق، وقول الفرقة البولسية بأن المسيح ابن الله خالق، وليس مخلوقا، تعالى الله عن قولهم. فانتصر في ذلك المجمع القائلون بألوهية المسيح، وهو مذهب بولس، واعتنقت الدولة الرومانية المسيطرة في ذلك الزمان ذلك المذهب، مما أتاح لهذه الفرقة الدعم القوي والبقاء والانتصار على جميع الطوائف الأخرى التي اندثرت بعد ذلك بسبب شدة الكنيسة البولسية على مخالفيها، وصار بعد ذلك جُلُّ النصارى يجمعون على القول بألوهية المسيح، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام، واعتبار أن الأناجيل الأربعة متَّى- مرقص- لوقا - يوحنا وبقية العهد الجديد مع العهد القديم هي الكتب المقدسة، ويختلفون في أمورٍ أخرى متعلقة بتلك العقائد أو غيرها من التشريعات. وينقسمون إلى طوائف عدة: أولاً: القائلون بالطبيعة الواحدة للمسيح. هم من أخذ بقرار مجمع أفسس السابق، وهم الأقباط واليعاقبة، والأرمن والأحباش. ثانياً: القائلون بأن المسيح له طبيعتان. هم من أخذوا بقرار مجمع خلقيدونية، ويقال لهم: الملكانية. نسبة إلى الملك، وهو الإمبراطور الروماني البيزنطي، والملكانية انقسموا إلى ثلاث طوائف كبار، هي: الطائفة الأولى: الكاثوليك. الطائفة الثانية: الأرثوذوكس. الطائفة الثانية: البروتستانت، ويسمَّون: (الإنجيليين). ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 371

المطلب الأول: الأرثوذكس:

الفرع الأول: التعريف: هي أحد الكنائس الرئيسية الثلاث في النصرانية، وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية بشكل نهائي عام (1054) م، وتمثَّلت في عدة كنائس مستقلة لا تعترف بسيادة بابا روما عليها، ويجمعهم الإيمان بأن الروح القدس منبثقة عن الأب وحده، وعلى خلاف بينهم في طبيعة المسيح، وتُدعى أرثوذكسية بمعنى مستقيمة المعتقد، مقابل الكنائس الأخرى، ويتركَّز أتباعها في المشرق، ولذا يطلق عليها الكنيسة الشرقية. الأرثوذكس: وهم نصارى الشرق الذين تبعوا الكنيسة الشرقية في القسطنطينية وأهم ما يتميزون به هو: 1 - أن الروح القدس انبثق عندهم من الأب فقط. 2 - تحريم الطلاق إلا في حالة الزنا، فإنه يجوز عندهم. 3 - لا يجتمعون تحت لواء رئيس واحد، بل كل كنيسة مستقلة بنفسها. وهذا المذهب منتشر في أوربا الشرقية وروسيا. ¤ دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 375

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: في نهاية القرن التاسع الميلادي، وبالتحديد بعد انقضاء مجمع القسطنطينية الخامس عام (879) م أصبح يمثل الأرثوذكسية كنيستان رئيسيتان: - الكنيسة الأرثوذكسية المصرية أو القبطية، والمعروفة باسم الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية أو كنيسة الإسكندرية، التي تؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، وتضم كنائس الحبشة والسودان، ويوافقها على ذلك كنائس الأرمن واليعقوبية. - الكنيسة الأرثوذكسية أو كنيسة القسطنطينية، والمعروفة باسم كنيسة الروم الأرثوذكس أو الكنيسة الشرقية، تخالف الكنيسة المصرية في طبيعة المسيح، بينما توافق الكنيسة الكاثوليكية الغربية بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ويجمعها مع الكنيسة المصرية الإيمان بانبثاق الروح القدس عن الأب وحده، وتضم كنائس أورشليم واليونان وروسيا وأوروبا الشرقية.

الفرع الثالث: الكنيسة الأرثوذكسية المصرية:

الفرع الثالث: الكنيسة الأرثوذكسية المصرية: - يدعي أصحابها أن مؤسسها مرقص الرسول عام (45 م). - بوادر الانفصال: ظهرت بوادر الانفصال المذهبي للكنيسة المصرية، منذ أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس كنيسة القسطنطينية هي الكنيسة الرسمية للإمبراطورية الشرقية عام (381) م، وأن كنيسة الإسكندرية تليها في المرتبة، مما دفع بطريرك الإسكندرية كيرلس عام (412) م, إلى تولي زعامة الشعب ضد الإمبراطور وعماله في مصر. - زادت هوَّة الخلاف بين الكنيستين على إثر إعلان نسطور – أسقف القسطنطينية – مقالته التي تصدى لها كيرلس بطريرك الإسكندرية في مجمع أفسس عام (431) م, الذي استطاع استصدار حكم ضد نسطور باللعن والطرد.

الفرع الرابع: الانفصال الرسمي:

الفرع الرابع: الانفصال الرسمي: - بعث فلافيانوس بطريرك القسطنطينية مقالة نسطور مرة أخرى فتصدَّى لها ديسقورس بطريرك الإسكندرية في مجمع أفسس عام (449) م, والذي لم يعترف به أسقف روما، فعقد لذلك مجمع كليدونية عام (451) م, ليقرر لعن ديسقورس ونفيه، بل وتعيين بطريرك ملكاني خلفاً له، الأمر الذي دفع الكنيسة المصرية لإعلان عصيانها وعدم اعترافها بمجمع كليدونية عام (451) م, ولا بقراراته، مما سبَّب عودة الاضطهاد مرة أخرى؛ لحمل الكنيسة المصرية على اتباع عقيدة كنيسة القسطنطينية، والتي توافقها عليها الكنيسة الغربية. - هكذا عاشت الكنيسة المصرية سلسلة من المنازعات حول تعيين الأسقف، إلى أن تم الاتفاق عام (482) م على أن يختار المصريون أسقفهم دون تدخل من الإمبراطور، فكان هذا التاريخ يمثل بداية الانفصال الحقيقي عن كنيسة القسطنطينية. - سرعان ما عاد الاضطهاد مرة أخرى للكنيسة المصرية، بعدما ولَّى هرقلُ المقوقس حُكم مصر بعد استردادها من الفرس عام (628) م، في محاولة منه لتوطيد أركان ملكه عن طريق توحيد عقيدة الإمبراطورية على مذهب الطبيعتين، فلم يألُ المقوقس جهداً في إنفاذ ذلك، كما لم يعدم حيلة، مستخدماً الترغيب تارة، والترهيب والعذاب والتنكيل تارة أخرى، مما دفع بطريرك الكنيسة المصرية بنيامين للهروب إلى الصحراء، وأن يكتب إلى جميع أساقفته باللجوء إلى الجبال والبراري فراراً بعقيدتهم. ما أن ظهرت بشائر الفتح الإسلامي منطلقة من الجزيرة العربية حتى رحبت بها الكنيسة المصرية؛ للتخلص من ظلم واضطهاد إخوانهم نصارى الإمبراطورية البيزنطية ....... - رغم ذلك لم يهدأ لكنيسة روما بال عن فرض سيادتها على كنائس الشرق، مستخدمة في ذلك أساليب الحرب والقوة تارة، والدبلوماسية والمفاوضات تارة أخرى. ففي سنة (1219) م, قامت الحملة الصليبية الخامسة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا في محاولة لإخضاع الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لمذهب الكنيسة الغربية الكاثوليكية. وقد تمكنت في بادئ الأمر من احتلال مدينة دمياط، وفرض بطريرك كاثوليكي من الآباء الفرنسيسكان عليها، ليمثِّل أول وجود كاثوليكي في مصر، فما أن هبَّ المسلمون لصدِّ العدوان حتى انهزمت الحملة، وأُسر قائدها، وبذلك باءت مخططاتها بالفشل. - وفي سنة (1769) م, أعادت الكنيسة الغربية الكَرَّة، ولكن هذه المرة عن طريق المفاوضات والمصالحة، وعرض انضمام الكنيسة المصرية إليها، ليقابلها بطريرك الكنيسة المصرية يؤانس الثامن عشر بالرفض التام. - بدأت بوادر حركة إصلاح وتطوير الكنيسة المصرية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وبخاصة في عهد البطريرك كيرلس الرابع (1854– 1862) م, (أبو الإصلاح) كما يسميه أتباع الكنيسة؛ لإدخاله العديد من الإصلاحات؛ لمواجهة نشاط الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية، التي زاد نشاطها، واستطاعت تأسيس مراكز للدعوة إلى مذاهبهم في صعيد مصر بوجه خاص. وكانت استجابة بعض الأرثوذكس لهم دافعاً للقيام بهذه الإصلاحات وافتتاح مدارس للبنين والبنات، وإنشاء المدرسة البطريركية، بالإضافة إلى إدخال أول مطبعة إلى مصر. - وبأسلوب آخر تصدى البطريرك ديمتريوس الثاني (1862 - 1874) م, للتبشير الكاثوليكي والبروتستانتي في مصر، بإصدار قرارات الحرمان ضد المرسلين الأمريكيين ومن يتصل بهم من الأقباط.

- ازدادت حملة الكنيسة المصرية ضراوة ضد إرساليات الكنائس الغربية في مصر في عهد البطريرك كيرلس الخامس (1874– 1927) م, حيث أغلق مدارسهم، وأصدر قرارات تَعتبر هذه الكنائس وإرساليتها وتابعيها ومن ينضم إليها من الأقباط مهرطقين، ولم يفلح تدخل القنصل الأمريكي وليم تاير والمنصِّر جون هوم في إقناع البطريرك من أن نشاطهم غير موجه ضد الأرثوذكس. يُعد حبيب جرجس (1867 - 1951) م, من أبرز رواد الإصلاح والتطوير في الكنيسة المصرية، حيث إنشأ مدارس الأحد والمدرسة الإكليريكية، ودعم وساهم في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي توسَّعت بعده إلى حد كبير، فظهرت المجلات والجرائد النصرانية، كما أنشأ العديد من المدارس والمكتبات ودور النشر التي تهتم بنشر التعاليم النصرانية بين المسلمين. وازدادت تبعاً لذلك عدد المؤسسات الاجتماعية المختلفة التي تخدم الأرثوذكس، كل هذا بغية التصدي للإرساليات التبشيرية الغربية. لكن هذا الموقف الرافض للتعاون أو القبول بوجود الكنائس الغربية بين الأرثوذكسية تغيَّر بشكل ملحوظ أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، الذي ساعد وشجَّع هذا الاتجاه بما أثاره في نفوس الأقباط من أن أرض مصر المسلمة أرض نصرانية، وأن المسلمين دخلاء يجب طردهم، وشجع حبيب جرجس على رفع شعار الأمة القبطية مقابل الأمة الإسلامية. وفي عهد الخديوي إسماعيل دخل عدد كبير من الأرثوذكس القضاء والمجالس النيابية وكلفوا بالخدمة العسكرية، وظهرت في الساحة السياسية أسماء كبيرة متعاونة مع الاستعمار الإنجليزي، مثل بطرس باشا غالي ويوسف باشا سليمان. ـ بعد مؤتمر (1910) م, والذي انعقد بمناسبة مقتل بطرس باشا غالي، زاد نفوذهم السياسي، وبخاصة بعد انضمامهم إلى حزب الوفد، وتولَّي مكرم عبيد منصب نائب رئيس الحزب. في عهد البطريرك يوساب الثاني أصدر القس إبراهيم لوقا مجلة اليقظة للدعوة إلى تقارب الكنيستين: البروتستانتية الأسقفية والقبطية، كما دعا إلى أن الوقت قد حان لأن يتبادل قسوس الطوائف النصرانية المختلفة الوعظ في كنائس بعضهم البعض. - في عام (1921) م, عُقد مؤتمر حلوان بضاحية حلوان بمصر لعموم الكنائس الشرقية والغربية بهدف توحيد جهود الكنائس لتنصير المسلمين، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الكنيسة المصرية. وإمعاناً في التقارب انضمت الكنيسة المصرية إلى عضوية مجلس الكنائس العالمي الذي أنشئ عام (1946) م. - في عام (1952) م, عاد الأقباط مرة أخرى إلى الانزواء داخل الكنيسة؛ لخوفهم من حكومة جمال عبد الناصر، ومن ثم هاجر الكثير منهم إلى أوروبا وأمريكا، مما كان لذلك أكبر الأثر في تحويل الرأي العام الغربي نحو الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ومساندتها وممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة المصرية؛ لتحقيق مركز ديني وسياسي واجتماعي متميز للأقباط الأرثوذكس في مصر. - وفي هذه الأثناء أعلن إبراهيم فهمي المحامي- أحد خريجي مدارس الأحد- تأسيس جماعة الأمة القبطية، وأنشأ لها فروعاً على مستوى محافظات مصر. وقد دعا إلى إحياء مفهوم الأمة القبطية من خلال التمسك بالعادات والتقاليد الكنسية، وبإحياء اللغة القبطية، واستخدام التقويم القبطي، وكذلك بإصدار الجرائد والمجلات التي تهتم بالأقلية القبطية، وهكذا تطور معه الأمر إلى أن أعلن بياناً يطالب فيه بالحكم الذاتي لأقباط مصر.

- في عام (1954) م, قامت جماعة الأمة القبطية باختطاف البطريرك يوساب الثاني، وإجباره على توقيع وثيقة تنازل عن كرسي البابوية، ودعوة المجمع المقدس للانعقاد، ووضع وثيقة جديدة لانتخاب البطريرك تشارك فيها كل الطوائف النصرانية، لذلك ألقت الحكومة المصرية القبض على زعيم الجماعة، واعتقلت أفرادها، ثم قامت بحلِّها وإعادة البطريرك إلى كرسيه. - خطا البطريرك كيرلس السادس (1959 – 1969) م خطوات جديدة نحو تطوير الكنيسة؛ حيث إنشأ العديد من الأسقفيات، منها أسقفيات الخدمات، ومهمتها العلاقات الخارجية، والاتصال بالكنائس الأخرى، سواء كانت الكنائس الغربية ومؤسساتها، أو بالكنائس القبطية خارج مصر، وأسقفية للخدمات والشئون المالية مهمتها جلب فرص العمل للأقباط، والحصول على توكيلات أكبر البنوك والشركات في العالم، وأسقفية البحث العلمي، ومهمتها إنشاء معهد عالٍ للدراسات القبطية، وإصدار طبعات جديدة للكتاب المقدس، ووضع دائرة معارف قبطية، كما أنشأ أسقفية للتربية الكنسية، مهمتها الإشراف على كليات اللاهوت ومدارس الأحد وجميع شؤون التعليم والتربية الكنسية. واستغلالاً للثقل الدولي للكنيسة بعد انضمامها إلى مجلس الكنائس العالمي، ومجلس الكنائس العالمية العاملة في أفريقيا، وتعاونها مع مجلس كنائس أمريكا زاد الضغط على الحكومة لإلغاء النظام الهمايوني الذي أصدرته الدولة العثمانية في عام (1856) م, كنظام إصلاحي لتنظيم بناء وترميم الكنائس النصرانية داخل الدولة. وبالفعل تمت الاستجابة لمطلبهم، وأنشئت العديد من الكنائس، منها كاتدرائية القديس مرقس بميدان العباسية بالقاهرة عام (1967) م، وتمَّ إصلاح الأديرة وتعميرها وتحويلها من أماكن للعبادة إلى مراكز إنتاجية، ومراكز اتصالات واسعة ومؤثرة على شؤون الكنيسة؛ مستخدمة في ذلك الدعم السخي، والأموال الطائلة من الكنائس الغربية والقبطية في الخارج. - في عام (1971) م تولى البابا شنودة الثالث رئاسة الكنيسة المصرية واسمه نظير جيد، تخرَّج من كلية الآداب جامعة القاهرة، والتحق بالقوات المسلحة كضابط احتياط، ثم عمل صحفيًّا وكاتباً وشاعراً، وتسمَّى بعد ترهبه باسم شنودة الثالث. وللأب شنودة الثالث درس أسبوعي - درس الجمعة - ظل محافظاً على إلقائه في كاتدرائية العباسية منذ افتتاحها. مما كان لدرسه هذا الأثر الكبير في تكوين وانتشار الأسر الدينية النصرانية في أروقة الجامعة المصرية المختلفة. - في عهده زاد التوجه السياسي للكنيسة المصرية، وتقديم مفهوم جديد للنصرانية على أنها دين ودولة، مستخدماً في ذلك سياسة الانتشار الدولي، والتقارب مع الكنائس الغربية ومؤسساتها؛ لدعم السياسات الداخلية للكنيسة وتحقيق أغراضها، كما أعلن عن تنظيمات جديدة للكنيسة، ودعا إلى تطوير الكلية الأكليريكية وإعادة الكنيسة إلى مكانتها العالمية، فزاد اهتمامه بإنشاء الكنائس في الخارج وعيَّن لها الأساقفة، من أجل ذلك تعددت جولاته ولقاءاته. ومن أبرز هذه اللقاءات: لقاؤه ببابا الفاتيكان بولس السادس عام (1973) م، الذي تمت فيه المصالحة بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية والكنيسة المصرية الأرثوذكسية. وتوقيعه وثيقة رفع الحرم المتبادل بين كنيسته والكنائس الأرثوذكسية الكلدونية وغير الكلدونية في شميزي عام (1990) م. أيضاً الاتفاق على تحقيق الوحدة بين كل الكنائس النصرانية، وزيارته لرئيس أمريكا كارتر عام (1977) م, والتي كان لها أثرها السياسي والديني لصالح الكنيسة المصرية.

- تحت رئاسة وإشراف البابا شنودة تعددت الاجتماعات ذات الصبغة الدينية والسياسية، التي تطالب بإعطاء الكنيسة الأرثوذكسية في مصر دوراً فاعلاً في السياسة، وأن يكون لها نصيبها من المناصب الوزارية. كما دعت الحكومة المصرية إلى التخلي عن فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية، والموافقة على إنشاء جامعة للأقباط على غرار جامعة الأزهر. ومن أشهر هذه الاجتماعات اجتماع الكنيسة المرقسية بالإسكندرية عام (1973) م, واجتماع الإسكندرية عام (1977) م, واجتماع تدريب مدرسي ومدرسات وخدام الدين النصراني في كنيسة مارجرجس بدمنهور في (27 - 28 يناير 1977) م، واجتماع المحامين الأقباط بالإسكندرية. كما اهتم بزيادة عدد الأبروشيات حيث ارتفعت إلى ثلاث وخمسين أبرشية بدلاً من ثلاث وعشرين في عهد سلفه، وبالتالي زاد عدد الأساقفة إلى اثنين وستين أسقفا. - وزادت في عهده أيضاً - وبشكل ملحوظ - النشرات والكتب، وحملات التنصير والاستفزاز للمسلمين، مما أشعل المواجهات بين المسلمين والنصارى فيما عرف بأحداث الفتنة الطائفية (الزاوية الحمراء ومناطق مختلفة من صعيد مصر) الأمر الذي دعا الرئيس السابق لمصر – السادات- إلى عزله ونفيه في دير وادي النطرون، وقد أفرج عنه وعاد إلى كرسيه في عهد الرئيس الحالي لمصر محمد حسني مبارك. - نتيجة للمنحى الجديد للكنيسة المصرية في عهد البابا شنودة الثالث، ظهرت داخل الكنيسة اتجاهات أخرى تعارضه، ويمكن تقسيم اتجاهات الكنيسة في عهده إلى: 1 - اتجاه علماني: يؤكد انفصال الدين عن الدولة في النصرانية، ويرى أن الكنيسة في هذا العصر خرجت على النصرانية الصحيحة - بزعمهم - لخلطها بين الدين والدولة، كما يطالب بأهمية قيام الكنيسة بواجبها الديني، وابتعادها ورجال الكنيسة عن السياسة. ومن أبرز ممثلي هذا التيار المهندس ميلاد حنا الخبير الإسكاني، وأحد رموز الحركة اليسارية في مصر. 2 - اتجاه انعزالي كنسي: يدعو إلى تبني الكنيسة للخطاب الديني المحض، ويتجه إلى إصلاح الأديرة وتطويرها، ويمثّله الأب متى المسكين اسمه يوسف إسكندر - صيدلي - انقطع للرهبنة في دير أبي مقّار قرب الإسكندرية. 3 - اتجاه روحي انعزالي: يدعو إلى تكفير كل من يخالفه من المسلمين والأقباط على حد سواء، مستخدماً في محاربتهم الحرب الروحية بصراع الأرواح الشريرة. كما يدعو إلى محاربة التلفزيون كأحد أساليب مملكة الشر، وإلى مواجهة المجتمع والدولة سواء كانوا مسلمين أو نصارى مواجهة علنية. وإلى هذا الاتجاه تُنسب الحوادث الأخيرة من إغماء الفتيات المسلمات في شوارع مصر، ويمثل هذا التيار الأب دانيال البراموسي خريج كلية الهندسة، وصاحب النشاط المؤثر بين الشباب النصراني في صعيد مصر خاصة، والقمص زكريا بطرس كاهن كنيسة مارجرجس بمصر الجديدة (1979) م, الذي أُبعد عن منصبه وحُرم من الوعظ؛ لمهاجمته الدولة، ودعوته لتنصير المسلمين بشكل علني. 4 - اتجاه شمولي: يرى أن الكنيسة مؤسسة شاملة مكلفة بأن تقدم الحلول لكل المشكلات، والأجوبة لكل الأسئلة المتصلة بالدين والدنيا، ويمثله البابا شنودة الثالث، والأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي واسمه وهيب عطا حاصل على دكتوراه في فلسفة اللغات. 5 - اتجاه توفيقي: يرى أن للكنيسة دوراً دينيًّا ذا بعد وطني، يحتِّم عليها أداء أدوار وطنية محددة؛ مثل الوقوف في وجه المستعمر، مع البعد عن الأمور السياسية، ويمثله المفكر القانوني وليم سليمان قلادة.

الفرع الخامس: الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية:

الفرع الخامس: الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية: - رغم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية عن الكنيسة الغربية تحت اسم كنيسة الروم الأرثوذكس أو الكنيسة الشرقية، برئاسة بطريرك القسطنطينية بعد رفض قرارات مجمع القسطنطينية الرابع عام (896) م, إلا أنها خضعت إداريًّا للكنيسة الغربية تحت رئاسة بابا روما حتى الانفصال النهائي عام (1054) م. - توسعت الكنيسة البيزنطية في القرن التاسع في أوروبا الشرقية؛ فأسست في بلغاريا كنيسة، وأصبحت النصرانية الدين الرسمي للدولة بعدما أجْبر الحاكم البلغاري بوريس الأول (852 - 888) م, على قبول المعمودية من الإرساليات التبشيرية. - عمل خليفته القيصر سيمون (893 - 927) م, على حماية الكنيسة، وجعل اللغة السلافية لغة الطقوس الكنيسية بدلاً من اليونانية، وفي عهده استقلت الكنيسة البلغارية في بطريركية مستقلة. - أثناء حكم الإمبراطور باسل الثاني (976 - 1025) م, توطدت دعائم الكنيسة الأرثوذكسية السلافية على يد مبشري الدولة البيزنطية، مثل القديسين كيرلس، وميثيوديوس والمعروفين برسل السلاف، ولذلك حيكت ضد الإمبراطور المؤامرات مما اضطره إلى الاستعانة بأمير كييف فلاديمير (978 - 1015) م, للتصدي لها، فكان ذلك سبباً في اعتناق فلاديمير النصرانية على المذهب الأرثوذكسي عام (990) م, لتنضم روسيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وتصبح كنيستها أحد فروع الكنيسة اليونانية. - في الفترة ما بين القرنين العاشر والخامس عشر ظهرت داخل الأرثوذكسية فرقة البوجوميلي نسبة إلى مؤسسها القس بوجوميل على أنها حركة سلافية تهدف إلى الإصلاح باسم الكنيسة الأرثوذكسية البلغارية، متأثرة في ذلك بآراء الثنوية والمانوية الحديثة. ولذلك فإنها تؤمن بأن العالم المرئي مملوء بالشر، كما تعارض عقيدة التجسد النصرانية من جانبها المادي، وترفض التعميد، وتحتقر الصليب والمعجزات والكنائس الضخمة ونظام الكهنة. وبالجملة ترفض النظام الكنسي العام. وسرعان ما أنتشرت في البلدان الخاضعة للإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى الحكم بهرطقتها، وإنزال العذاب الشديد بأتباعها، وحرق قائدهم في القسطنطينية أمام الجماهير الحاشدة. أراد ميخائيل كيرولاريوس بطريرك القسطنطينية عام (1053) م, الانفصال النهائي عن سلطة الكنيسة الغربية ليصبح إمبراطوراً وبطريركاً، مساوياً لبابا روما، فاستغل الاضطراب السياسي في الإمبراطورية البيزنطية، وأعلن أن البابوية في روما أصبحت ألعوبة في يد رجال الدولة الغربية، وأن تقاليد الكنيسة الغربية فيها كفر ومخالفة للتعاليم النصرانية الأولى؛ فتصدَّى له بابا روما ليو التاسع وقضى على حركته باستمالة الإمبراطور البيزنطي قسطنطين التاسع إلى جانب دعواه بأحقيَّة سيادة الكنيسة الغربية على الكنيسة الشرقية. - ما لبث أن توفي بابا روما ليو التاسع عام (1045) م, حتى استغل بطريرك القسطنطينية الفرصة السانحة ليجمع حول دعوى الانفصال رجالَ الكنيسة الشرقية مرة أخرى، حيث خضع لرأيهم الإمبراطور، وأعلن رسميًّا استقلال الكنيسة الشرقية استقلالاً تامًّا عن الكنيسة الغربية لتصبح كنيسة أجا صوفيا التي أعاد بناءها الإمبراطور جستنيان في القرن السادس مركزاً للحياة الدينية في الكنيسة الأرثوذكسية. - في عهد البابا أنورت الثالث (1198 - 1216) م, انطلقت الحملة الصليبية الرابعة لاحتلال القسطنطينية، والقضاء على كنيستها؛ لتحقيق وحدة الكنيسة المسيحية على مذهب روما الكاثوليكي.

- دخلت الحملة الصليبية الرابعة القسطنطينية عام (1204) م, كالجراد المنتشر، فأتت على الأخضر واليابس، فلم تترك فيها حرمة إلا انتهكتها، ولا ديراً ولا كنيسة إلا خرَّبتها بعد نهب ما فيها من تحف وثروات. ولما استقر لهم الأمر، ودانت لهم الإمبراطورية تم تقسيمها وعاصمتها على زعماء الحملة، وانتُخب بلدوين دي فلاندرز إمبراطوراً للإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية (1204 - 1261) م، وتعيَّن البطريرك الكاثوليكي توماس مورسيني بطريركاً لكنيستها، مما زاد من حنق ونفور البيزنطيين من الغرب وكنيسته. - بعد عودة كنيسة القسطنطينية إلى سيادة الإمبراطورية البيزنطية، قامت محاولات عديدة لتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية خلال الفترة من منتصف القرن الثالث عشر حتى بدايات القرن الخامس عشر الميلادي من أهمها: - ما قام به الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثامن (1259 - 1282) م, بالتعاون مع بابا روما نيقولا الثالث (1277 - 1280) م, والمتحمس لهذا الأمر، لكنها باءت بالفشل للمعارضة الشديدة من بطريرك القسطنطينية الذي أصدر قراراً بحرمان الإمبراطور ميخائيل الثامن، وأيَّده على ذلك بابا روما مارتن الرابع بقرار حرمان آخر للإمبراطور. - محاولة أخرى قام بها الإمبراطور البيزنطي مايكل فلايولتوس أثناء مواجهته لملك صقلية شارل أونجو، حيث أرسل اعترافاً إلى البابا جورج العاشر بسيادة الكنيسة الغربية، وبذلك نجح الإمبراطور في فرض بطريرك كاثوليكي شرقي يدعى جون بيكوس على رئاسة كنيسة القسطنطينية، وما أن مات الإمبراطور حتى رفض المجلس الأرثوذكسي هذا الاعتراف. - ومن آخر محاولات التوحيد في تلك الفترة ما قام به المجمع الذي عقد في فرارا ثم فلورنس امتداداً لمجمع بال؛ لمواجهة نشاط العسكرية الإسلامية التي طوَّقت القسطنطينية، وقد نجح هذا المجمع في أن يقبل الأرثوذكس معظم النقاط التي عرضها الإمبراطور جون الثامن، ورغم توقيع الإمبراطور البيزنطي حنا السادس عليها إلا أنها لم تتم للمعارضة الشديدة من الشعب وخدام كنيسة القسطنطينية، بالإضافة إلى معارضة بطاركة كنائس الإسكندرية وأنطاكية وبيت المقدس. - في منتصف القرن التاسع عشر ارتفعت من جديد نداءات الاتحاد بين الكنيستين: ففي عام (1848) م, وجَّه البابا بيوس التاسع نداءه إلى الكنائس الشرقية للاتحاد مع كنيسة روما إلا أنه رُفِضَ كما رفض غيره من قبل. - في عهد الأمير إيفان الأول (1328 - 1341) م, أصبحت موسكو المركز الروحي لروسيا بانتقال رئيس أساقفة روسيا من كييف إلى موسكو. - تمتعت كنيسة روسيا بحماية ملوك المغول، وعدم تدخلهم في سياستها مما ضاعف من نفوذها وثرواتها. في مايو (1453) م, فتحت جيوش السلطان العثماني محمد الفاتح مدينة القسطنطينية، فأمَّن أهلهم وطمأنهم على أنفسهم وأعراضهم، ومنحهم حقَّ الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر والعبادات الخاصة بهم، وأعلن الكثير منهم إسلامهم، ومن ثم أمر بتحويل كنيسة أجا صوفيا إلى مسجد. ....... - جعل السلطان بطريرك القسطنطينية رئيس النصارى الديني والمدني، وجرى تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية البلقانية إلى وحدات قومية، أصبحت القسطنطينية مركزاً لليونان، وأصبح للصرب بطريركاً خاصًّا في بيج بيوغسلافيا، والبلغار مطرانيتهم في أوهريد. أما سكان رومانيا فكان لهم مؤسسات دينية مشابهة، وعهدت الحكومة العثمانية للكنيسة بسلطة إدارة العديد من الوظائف والمهام الدينية والمدنية. وبذلك أصبحت الكنيسة جزءاً من الجهاز الحكومي. وهكذا مارس بطريرك القسطنطينية سلطات أوسع من السلطات التي كانت مُخوَّلة له عام (1588) م, في الدولة البيزنطية، ..........

- استقلت الكنيسة الروسية ببطريركية مستقلة عام (1588) م, وأبطلت سيادة كنيسة القسطنطينية عليها بعد فرار البطريرك اليوناني من القسطنطينية إلى موسكو. - وفي عام (1589) م, عيَّن الإمبراطور فيودا الأول أول بطريرك روسي، وحمل بطاركة الشرق على الاعتراف به عام (1593) م. - أصبحت الكنيسة الروسية ذات أهمية خاصة بعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين عام (1453) م، فقد اعتبرت نفسها المركز الحقيقي والحامية للأرثوذكسية الصحيحة، وبذلك أصبحت روما الثالثة. يقول الراهب فليوثيوس من باسكوف: (لقد سقطت الرومايان (روما والقسطنطينية) وهذه روما الثالثة، ولن يكون هناك روما رابعة). - في أثناء حكم نيكون (1652 - 1658) م, انقسمت الكنيسة الروسية نتيجة لاقتراح نيكون بضرورة أن تتطابق الكنيسة الروسية في أفكارها، ومعتقداتها الكنسية الإغريقية. - ألغى بيتر العظيم عام (1721) م, البطريركية الروسية وتبنى المذهب البروتستانتي. - ألغى الإمبراطور بطرس الأكبر البطريركية الروسية مرة ثانية، وتولَّى مجمع السينودس المقدس إدارة الكنيسة في المسائل الدينية محتفظاً لنفسه وخلفائه برئاستها. - في عام (1744) م, أصدرت بطريركية الكنيسة في القسطنطينية مرسوماً بتحريم الماسونية والانتساب إليها. - وفي أيام الإمبراطورة كاترين استولت الحكومة على أملاك الكنيسة الروسية، واحتفظت لنفسها بأمر تعليم الكهنة وتعيينهم. وقد استمر أثر هذه الإجراءات حتى عام (1917) م, حيث الثورة البلشفية التي أدخلت النصرانية في روسيا في مرحلة جديدة منفصلة بذلك عن الكنائس الأخرى، وانتُخِب أول بطريرك لها أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتالي أصبحت تعلن ولاءها للحكومات الشيوعية، وتؤكد سياستها ضد الغرب. استقلَّت الكنيسة اليونانية في عام (1833) م, عن كنيسة القسطنطينية. ظهرت في بلغاريا حركة تعمل على إصلاح الكنيسة البلغارية برئاسة الأب نيوفت بوزقيلي، وبعد أن عينت الحكومة العثمانية أساقفة غير بلغاريين على الكنيسة البلغارية. - وفي عام (1860) م, أعلن الأسقف غيلادبون مكاريو بولسكي استقلال الكنيسة البلغارية، ووافقت السلطات العثمانية على ذلك، وأنشأت لهم كنيسة خاصة في استانبول تحت رئاسة مطران وهيئة مساعدة خاصة بهم. - وردًّا على ذلك عقد مجمع القسطنطينية عام (1873) م, بحضور بطاركة القسطنطينية وأنطاكية وأورشليم والإسكندرية؛ ليصدر قراراً بحرمان جميع النظام الكنسي البلغاري. - بعد سيادة الشيوعية في دول شرق أوربا انضمت الكنيسة البلغارية والرومانية إلى الكنيسة الروسية مرة أخرى. - استقلت الكنيسة الأرثوذكسية اليابانية عام (1939) م, عن الكنيسة الروسية التي ظلَّت تابعة لها منذ تأسيسها عام (1860) م على يد إرسالية أرثوذكسية روسية.

الفرع السادس: أهم الأفكار والمعتقدات:

الفرع السادس: أهم الأفكار والمعتقدات: - تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية مثل باقي الكنائس الأخرى بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي (325) م. - كما تؤمن بربوبية وألوهية الرب والمسيح في آن واحد، على أنهما من جوهر واحد ومشيئة واحدة، ومتساويين في الأزلية، لكن كنيسة أورشليم الأرثوذكسية اليونانية ومن يتبعها تؤمن بأن المسيح له طبيعتان ومشيئتان موافقةً لمجمع كليدونية (451) م. - يؤمن الأرثوذكس بالزيادة التي أضيفت على قانون الإيمان النيقاوي في مجمع القسطنطينية عام (381) م، التي تتضمن الإيمان بالروح القدس الرب المحيي والمنبثق من الأب وحده، فله طبيعته وجوهره، وهو روح الله وحياة الكون، ومصدر الحكمة والبركة فيه. - يعتقد الأرثوذكس الأقباط أن الأقانيم الثلاثة ما هي إلا خصائص للذات الإلهية الواحدة، ومتساوية معه في الجوهر والأزلية، ومنزَّهة عن التأليف والتركيب، لكن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، ومن تبعها تعتبر أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة، ولذلك فهي عند اليونان مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان. - الإيمان بتجسُّد الإله في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم، وذريته من بعده، فيعتقدون أنه وُلد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الخلائق يوم الحشر. - الإيمان بأن السيدة مريم العذراء والدة الإله، ولذا يوجبون تقديسها كما يقدسون القديسين، والأيقونات غير المجسمة، وذخائر القديسين، ويقدسون الصليب، ويتخذونه رمزاً وشعاراً. - تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالمجامع المسكونية السابقة على مجمع كليدونية لعام (451) م، بينما تؤمن الكنيسة اليونانية ومن تابعها وكنيسة أورشليم الأرثوذكسية بجميع المجامع السابقة على مجمع القسطنطينية (869) م. - الإيمان بنصوص الكتاب المقدس وبما يتضمنه من أسفار التوراة وأسفار الأنبياء بالإضافة إلى باقي الأسفار الأخرى، ولكنها تستخدم في الطقوس الكنسية النموذج البروتستانتي الذي يشتمل على الأسفار الخمسة فقط، كما تؤمن بنصوص العهد الجديد ورسائل الرسل على ما أقر في مجمع نيقية الأول (325) م.

الفرع السابع: العبادات والشعائر:

الفرع السابع: العبادات والشعائر: - تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بالأسرار السبعة للكنيسة: 1 - سر المعمودية. 2 - سر الميرون. 3 - سر القربان. 4 - سر الاعتراف. 5 - سر مسحة المرض. 6 - سر الزواج. 7 - سر الكهنوت. - الصلاة: يعتقد الأرثوذكس بوجوب سبع صلوات: صلاة باكر، وتقال في الفجر، والساعة الثالثة وتقال التاسعة صباحاً، وصلاة السادسة، وتقال ظهراً، وصلاة التاسعة وتقال حوالي الثالثة بعد الظهر، وصلاة الغروب، وصلاة النوم، وصلاة نصف الليل وتقال على دفعات. والصلاة إما أن تكون فردية أو جماعية، وهي عبارة عن دعاء بهيئة معينة، ولا تستخدم الآلات الموسيقية في الترانيم الكنسية، ولا يقام فيها القداس يوميًّا. - الصوم: وهو الامتناع عن الأكل حتى الغروب، ولغير المستطيع أن يصوم على قدر طاقته، ويعفى منه خمس فئات: المرضى، والرجل الشيخ، والمرأة العجوز، والأطفال أقل من اثنتي عشر سنة، والمرأة الحامل، والمرضع، ويمكنهم أن يأكلوا تبعاً لما رسمه لهم آباء الكنيسة بالامتناع عن اللحوم بأنواعها ومستخرجاتها، ويقتصر على ما تنبت الأرض. وأنواع الصوم عندهم سبعة: الصوم الكبير السابق لعيد القيامة عندهم، والصوم السابق لعيد الميلاد، صوم يونان، صوم الرسل بين عيد الخماسين وعيد الرسل، صوم السيدة العذراء، صوم البرمون، وذلك على مدد متفاوتة لكل منها. - الأعياد: تنقسم الأعياد في الأرثوذكسية إلى: 1 - أعياد سيدية كبرى. 2 - أعياد سيدية صغرى، وللكنيسة المصرية أعياد خاصة بها مثل أعياد القديسين والشهداء. - تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد ميلاد السيد المسيح في اليوم السادس من شهر يناير. درجات الكهنوت: الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة شعبية يقوم على رأسها البابا أو البطريرك، ويرأس كل مجموعة كنائس بطريركية في البلد أو الإقليم، ويقوم بجانبها مجلس مقدس كالمجلس الملي في مصر الذي يضم مطارنة وعلمانيين، وتشرف عليه الحكومة المصرية. ويتكون التنظيم الكهنوتي للكنيسة من البطريرك، ثم المطارنة، ثم الأساقفة، ثم القمامصة، ثم القساوسة ثم الشمامسة ولا تعترف الكنيسة بسلطة بابا روما ولا بعصمته. - الرهبنة: وهي سبع مقامات روحية، وتنقسم إلى نوعين: رهبنة فردية، رهبنة ديرية. - الدين: تؤمن الأرثوذكسية مثل باقي الكنائس بعالمية النصرانية، كما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بضرورة بعث ميراث الكنيسة القبطية، وإحياء القومية واللغة القبطية. وينادي بطريرك الكنيسة الحالي شنودة الثالث بأن الكنيسة مؤسسة شاملة مكلفة بأن تقدم حلولاً لكل المشكلات وأجوبة على كل الأسئلة المتصلة بالدنيا والدين، ولذلك نشطت في عهده في التنصير، وإقامة الكنائس في أفريقيا وغيرها. - تقبل زواج الكهنة إذا تزوجوا قبل الدخول في الرتب الكنسية، ولا تسمح بزواج الكهنة بعد وفاة الزوجة الثانية. - تعمل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على عرقلة تطبيق الشريعة الإسلامية، أو قصرها على المسلمين فقط، كما تسعى إلى امتلاك ناصية الاقتصاد المصري. - تمنح الكنيسة الجوائز للمتزوجين، ومساعدة من يريد الزواج منهم لزيادة نسلهم.

الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقائدية:

الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقائدية: - الكتاب المقدس بالإضافة إلى المجامع المسكونية حتى مجمع كليدونية 451م بالنسبة للكنيسة المصرية، ومجمع القسطنطينية بالنسبة للكنائس الأرثوذكسية الأخرى. - الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، والفلسفة الغنوصية. - الحضارات القديمة: المصرية، اليونانية، الهندية.

الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ: تنتشر الكنائس الأرثوذكسية اليونانية في الدول التالية: تركيا، اليونان، روسيا، ودول البلقان، وجزر البحر الأبيض، والمجر ورومانيا، وتشرف كنيسة أنطاكية على بيت المقدس، كما أن لطور سيناء في مصر كنيسة مستقلة تشرف على دير سانت كاترين، ومطرانها هو الأب رئيس الدير. - ينتشر نفوذ الكنيسة المصرية في مصر حيث يبلغ إجمالي نصارى مصر بجميع مذاهبهم وطوائفهم 5.78% من إجمالي السكان حسب الإحصائيات الرسمية بالتعاون مع عشر هيئات محلية وعالمية من بينها الأمم المتحدة، ويتبعها نصارى الحبشة والسودان حيث بها أقدم الكنائس التابعة لكنيسة الإسكندرية. وفي العصر الحديث أسست الكنيسة المصرية عدة كنائس تابعة لها في كل من: كينيا، وليبيا، الجزائر، الكويت، العراق، الإمارات، دبي، أبو ظبي، البحرين، بلاد الشام، فلسطين، دير السلطان، الأردن، لبنان، أمريكا الشمالية، كندا، استراليا، وبعض دول أوروبا مثل: النمسا، وفرنسا. - الأرمن: تتفق كنيسة الأرمن مع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في الأفكار والمعتقدات وإن كان لها ترتيب كنسي خاص بها. - اليعقوبية: تتفق مع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في الإيمان بالمذهب المونوفيزيتي في القول بالطبيعة الواحدة للمسيح، ويتواجد معظم أتباعها في العراق، بينما يقيم بطريركهم في حمص بسوريا. يتضح مما سبق: - اختلاف أتباع المذهب الأرثوذكسي فيما بينهم في أصل العقيدة وقانون الإيمان، ولذلك فإن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية فضلاً عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية تحكم بكفر وهرطقة الكنيسة المصرية. - كان للفلسفة الأفلاطونية الحديثة، وللأفكار الغنوصية أثرُها على عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية. - كان للتلفيق بين تعاليم النصرانية والعقائد الوثنية في مصر وبلاد الكنيسة الأرثوذكسية- بزعم الترغيب في النصرانية- أثره البالغ في انحراف عقائد وأفكار الكنيسة. - ظهرت القسوة والاضطهاد بين أبناء الملة الواحدة لمحاولة السيطرة، وفرض مذاهبهم بالقوة، مثل ما حدث بين أتباع الأرثوذكسية البيزنطية وبين أبناء الكنيسة المصرية من الاضطهاد والتعذيب، وبين أتباع الكنائس الغربية، سواء كانت كاثوليكية أو بروتستانتية أو أتباع الأرثوذكسية. - كان لتحكُّم الإمبراطورية البيزنطية في الكنيسة وسياستها أثره البالغ على عدم استقرارها وكثرة انحرافاتها. - تحالف النصارى الأرثوذكس مع الحملات الصليبية في سوريا ولبنان ومصر إبان الحملة الفرنسية والحملة الإنجليزية على مصر والشام، وبرزت شخصيات نصرانية متعصبة، ومتأثرة بالدعاية الغربية التي أخذت تدعو في مصر مثلاً إلى إحياء القومية واللغة القبطية. - الأثر البالغ والبعيد المدى لمدارس الأحد في تخريج قيادات الكنيسة المصرية على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية. - ظهور التوجه السياسي للكنيسة القبطية، ومحاولة التأثير في السياسات الحكومية بما يوافق مصالحهم وخططهم، مستخدمة في ذلك انتشار وزيادة نفوذ الكنيسة في داخل وخارج مصر، مستغلة العلاقات الدولية والتجمعات القبطية في الخارج لتهيئة الرأي العام العالمي ضد المسلمين؛ لكسب المزيد من التعاطف الدولي لدعم قضاياهم الدينية والسياسية. - اهتمام الكنيسة المصرية بالحملات التنصيرية في داخل وخارج مصر مستخدمة في ذلك وسائل متعددة. أما الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية ومن يتبعها فكانت جهودهم ضعيفة في هذا الجانب؛ نظراً للتحجيم الشيوعي لدور الكنائس في روسيا ودول أوروبا الشرقية. مراجع للتوسع: - دائرة المعارف الإسلامية، إصدار شركة سفير، القاهرة. - دائرة المعارف - القاموس العام لكل فن ومطلب، المعلم بطرس البستاني، دار المعرفة بيروت.

- موسوعة تاريخ الأقباط، زكي شنودة - مطبعة التقدم - القاهرة. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. -تاريخ أوروبا في العصور الوسطى - الحضارة والنظم، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، السيد الباز، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. نسيم جوزيف يوسف، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ الدولة البيزنطية. د. نسيم جوزيف يوسف، مكتبة الأنجلو المصرية. - الدولة العثمانية والبلقان، د. علي حسون، المكتب الإسلامي. - مصر من الإسكندر الأكبر حتى الفتح العربي، مصطفى العبادي، مكتبة وهبة. - المسلمون والأقباط في إطار الوحدة الوطنية، طارق البشري، الهيئة العامة للكتاب، مصر. -الفتنة الطائفية في مصر - جذورها، أسبابها، جمال بدوي، المركز الدولي للصحافة. - الأقباط في السياسة المصرية، مصطفى الفقي، دار الشروق. - قصة الكنيسة القبطية، إيزيس حبيب، المصري، كنيسة مارجرجس. - قذائف الحق، محمد الغزالي، المكتبة العصرية. - خريف الغضب، محمد حسنين هيكل، شركة المطبوعات العصرية. - يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، مكتبة الاعتصام. - محاضرات النصرانية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي. -ما هي النصرانية، محمد تقي الدين العثماني، رابطة العالم الإسلامي. -المسيحية نشأتها وتطورها، شارل جان بيير، ترجمة د. عبد الحليم محمود. -الفروق العقيدية بين المذاهب المسيحية، القس إبراهيم عبد السيد، كنيسة مارجرجس. - الماسونية عقدة المولد، محمود الشاذلي، مكتبة وهبة. - ملف الكنيسة المصرية، محمد مورو، مكتبة المختار الإسلامي. - تاريخ الفكر المسيحي، حنا جرجس الخضيري، دار الثقافة، القاهرة. - من أغمى فتيات مصر، أبو إسلام أحمد عبد الله، بيت الحكمة، القاهرة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني: الكاثوليك:

الفرع الأول: التعريف: أكبر الكنائس النصرانية في العالم، وتدَّعي أنها أم الكنائس ومعلمتهن، يزعم أن مؤسسها بطرس الرسول، وتتمثل في عدة كنائس تتبع كنيسة روما وتعترف بسيادة بابا روما عليها، وسميت بالكنيسة الغربية أو اللاتينية لامتداد نفوذها إلى الغرب اللاتيني خاصة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي الكاثوليك: وهم أتباع البابا في روما، وأهم ما يتميزون به هو: 1 - قولهم بأن الروح القدس انبثق من الأب والابن معا. 2 - يبيحون أكل الدم والمخنوق. 3 - أن بابا الفاتيكان هو الرئيس العام لجميع الكاثوليك. 4 - تحريم الطلاق بتاتاً حتى في حالة الزنا. والكاثوليك هم أكثر الأوربيين الغربيين وشعوب أمريكا الجنوبية، وتسمَّى كنيستهم الكنيسة الغربية. ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 374

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: - يدعي أصحابها بأن القديس بطرس ت (62) م, هو المؤسس الأول لكنيستها على حسب ما أشار إليه القديس سيبريان (248 - 258) م, مع أن مصادر التاريخ الكنسي تشير إلى أن لكل من بولس وبطرس دوره في وجودها. - أول من استعمل لفظ كاثوليك للدعوة لتأييد الكنيسة مقابل حركات الخروج على مفاهيمها وعقائدها - الهرطقة - أسقُف أنطاكية القديس أغناطيوس الأنطاكي في القرن الثاني الميلادي. - منذ أن أسس قسطنطين مدينة القسطنطينية، روما الجديدة، وبنى فيها كنيستها أجا صوفيا، وجعلها تلي كنيسة روما في المكانة، قام التنافس بين الكنيستين في السيطرة على العالم المسيحي، الذي استمر إلى أن تم الانفصال الإداري بينهما عام (869) م, بعد مجمع القسطنطينية. وفي خلال تلك الفترة وما يليها وقعت أحداث جسام، وبرز باباوات وقديسون، كان لهم أكبر الأثر في تطور الكنيسة. وفيما يلي أهم تلك الأحداث وأبرز هذه الشخصيات:

الفرع الثالث: تأكيد سيطرة الكنيسة الغربية:

الفرع الثالث: تأكيد سيطرة الكنيسة الغربية: - اعترف مجمع سرديكا عام (343) أو (344) م, بحق استئناف قرارات المجامع الإقليمية إلى أسقف روما، مما زاد من دعاوى روما بأنها الحكم الأعلى للنصرانية. - البابا داماسوس الأول (366 - 384) م, (له دور كبير) في ترجمة الإنجيل إلى اللاتينية، كما رأس مجمع روما عام (382) م, للرد على قرارات مجمع القسطنطينية لعام (381) م, لتأكيد صدارة روما التي تستمد مكانتها من وعد المسيح لبطرس الرسول بقوله: (وأنا أقول لك أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها). - البابا ليو الأول (440– 461) م, والملقب بليو العظيم؛ حيث كان له دور بارز في حماية روما والحفاظ عليها بعد سقوطها عام (410) م, في يد الآريوسيين - أتباع آريوس- و ..... في تمييز الكنيسة الغربية بعقيدتها في المسيح من حيث إن له طبيعتين - المذهب الملكاني - بعد تصديه لأصحاب مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح - المونوفيزتية - في مجمع كلدونية عام (451) م. - أصدر الإمبراطور فالنتيان سنة (455) م, مرسوماً يقضي بخضوع كل أساقفة وموظفي الإمبراطورية للبابا، مما زاد في نفوذ وثروات الكنيسة، وأقبل الناس على الدخول في الكنيسة بأعداد كبيرة؛ تطلعاً للمكانة والكسب المادي. - كان لاعتناق الإمبراطور كلوفس النصرانية، وتعميده على العقيدة الكاثوليكية عام (496) م أكبر الأثر في اعتناق الفرنجة السالين – أحد الطوائف الجرمانية – للمذهب الكاثوليكي. - في (6 أغسطس سنة 525) م, قرَّر الإمبراطور ثيودريك تسليم جميع الكنائس الكاثوليكية للأريوسيين؛ ردًّا على حملة الإمبراطور جستنيان في الدولة البيزنطية ضد الأريوسيين. فأنزل الاضطهاد والتعذيب على الكاثوليك، وسجن في هذه الفتنة البابا يوحنا الأول عام (525) م.

الفرع الرابع: العصور المظلمة:

الفرع الرابع: العصور المظلمة: ويطلقها مؤرخو النصرانية على الفترة من تولِّي البابا جرجوري الأول عام 590 م حتى تولِّي شارلمان الإمبراطورية (800 - 840) م حيث شهدت العديد من الصراعات والانشقاقات التي أدَّت إلى الانهيار السياسي والانحطاط العلمي والثقافي للنصرانية. وإن تميَّزت بقوة التبشير النصراني، بالإضافة إلى شروق شمس الإسلام من جبال فاران (بمكة المكرمة) عام (610) م, حتى عمَّت أشعتها نصف العالم، وأخضعت العديد من الممالك النصرانية في مصر وأفريقيا والأندلس وصقلية ودول الشام وإيران، ومن أبرز شخصيات هذا العصر: - البابا جرجوري الأول (590 – 604) م: الذي يلقب بجريجوري العظيم؛ لاهتمامه البالغ بتطوير الكنيسة وإصلاحها، متأثراً بمبادئ وأصول الأديرة البندكتية التي نشأ فيها. بالإضافة إلى اهتمامه بالنواحي السياسية والإدارية، والدعوة للنصرانية حتى امتد نفوذ الكنيسة في عهده إلى أفريقيا وغاليا- فرنسا- ودخلت إسبانيا وإنجلترا في النصرانية بعد بعثة القديس أوغسطين عام (597) م، وقد أصبحت الكنيسة في عهده أشبه بالحكومة المدنية العلمانية، وبذلك استطاع فرض سيادة البابوية على الأساقفة الشرقيين في النواحي القضائية بما فيهم بطريرك القسطنطينية، فحقق بذلك للبابوية قسطاً من السمو لم يسبق إليه مما كان لذلك الأثر البالغ في تذكية الصراع بين البابوية والإمبراطورية.

الفرع الخامس: القرون الوسطى:

الفرع الخامس: القرون الوسطى: وتطلق على الفترة ما بين (800 – 1521) م, التي اتسمت بكثرة الحروب الأهلية، والتي دامت طويلاً بين البابوية والإمبراطورية، واتسمت بظهور حركات الخروج على مبادئ الكنيسة فيما وسَمَتها الكنيسة بالهرطقة، ولذلك توسعت في استخدام محاكم التفتيش ضد هذه الحركات، وضد الأصوات المنادية بالإصلاح الكنسي. وفي تلك الفترة أيضاً كانت بداية الحروب الصليبية، بالإضافة إلى فتح المسلمين للقسطنطينية عام (1453) م ويمكن تقسيم أهم أحداث الكنيسة الكاثوليكية خلالها إلى: - العهد فيما بين شارلمان وجريجوري السابع (800 - 1073) م: وفيه ازدهرت البابوية، حيث اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث (800) م, نفسه حامياً للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معاً، فأصبح يعيِّن الأساقفة، ويتولَّى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضافة إلى تشريعه للقوانين اللازمة للكنيسة – القانون الكنسي – كما اهتمَّ بإصلاح المدارس الدينية، ورفع مستوى رجال الدين الثقافي؛ فظهرت لذلك نهضة علمية واسعة في عصره، إلا أن الصراع مع البابوية تجدَّد مرة أخرى؛ لرغبة البابا ليو الثالث في التخلص من سيطرة الإمبراطور، لكنه لم يفلح في ذلك. - الشقاق العظيم: والمراد به الاختلاف الكبير الذي أدَّى إلى الانفصال النهائي للكنيسة الشرقية والأرثوذكسية عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية، بعد محاولة البابا ليو التاسع 1054 م فرض عقائد وأفكار الكنيسة الغربية على الشرق، التي رفضها بطريرك القسطنطينية ميخائيل كيرولاريوس، الأمر الذي فجَّر ما بينهما من الخلافات القديمة حول انبثاق روح القدس. - العهد فيما بين البابا جريجوري السابع والبابا بويفيس (1073 - 1294) م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام (1112) م, والثاني عام (1139) م, الذي أعلن فيه البابا أنوسنت الثاني (1130 - 1143) م, أن البابا له السيادة العليا على جميع الحكام العلمانيين. وما أنتهى هذا الصراع في هذه المرحلة إلا بعد توقيع الصلح بين البابوية والإمبراطور فردريك (1177) م. ومن أهم أحداث هذه الفترة انطلاق الحملات الصليبية التي دعا إليها البابا جريجوري السابع عام (1074) م. وقد أعلن عن بداية هذه الحملات البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت عام (1095) م، ولم يكتب لهذه الحملات النصر إلا في الحملة الأولى، ثم انكسرت شوكتهم بعد ذلك. كما شهدت تلك الفترة ظهور حركات الهرطقة ضد الكنيسة، ومنها حركة المارسونية التي تُمثل أكبر بدعة ناهضت الكنيسة في تلك الفترة، بالإضافة إلى سقوط القسطنطينية على يد الحملة الصليبية الرابعة (1453) م، بالإضافة إلى تقنين القانون الكنسي. - العهد بين البابا بونيفيس الثامن إلى عهد الإصلاح (1294 - 1517) م: وهذه الحقبة التاريخية تمثل آخر فترات القرون الوسطى في أوروبا، وفيها اشتدَّ الصراع بين البابوية والإمبراطورية التي عملت على تفتيت قوة ونفوذ البابوية إلى أن تمَّ إضعافها تحت ضربات حركات الإصلاح المتتالية، وتأسيس كنيسة البروتستانت المعترضين. ومن أهم الأحداث الكنيسية في تلك الفترة: فشل حركات الإصلاح الكنسي؛ لتواطؤ البابا مارتن الخامس والبابا أبو جينوس الخامس (1417 - 1447) م على إجهاض حركات الإصلاح؛ تحقيقاً لأطماعهم الشخصية. كما شهدت تأسيس عدد من الجمعيات الرئيسية لمساعدة الكنيسة ضد حركات الخروج عليها، وإمدادها بأتباع مخلصين مثل: اليسوعيين عام (1534) م، والإخوان الفرنسيسكان والإخوان الدومينكان.

- مجمع ترنت (1542 - 1563) م: الذي عقد على أثر ثورات الإصلاح التي علا صوتها بعد إعدام حناهس التي من أبرزها ثورة مارتن لوثر التي ساندتها الحكومة والشعب الألماني. وفي الوقت نفسه كان في سويسرا ثورة أخرى بقيادة الرخ زونجلي، ليعارض الكنيسة، ويؤيد دعوة لوثر، فعُقِد مجمع ترنت ليقرر عدم قبول آراء الثائرين، ويقضي بمحاكمة لوثر أمام محكمة التفتيش، ثم ليصدر البابا ليو العاشر قراراً بحرمانه من الحقوق المدنية والرئيسية والقانونية، ليظهر بعد ذلك معارض ثالث في فرنسا: جون كلفن (1509 - 1564) م, الذي هرب إلى سويسرا لينشر مبادئ مارتن لوثر، ويجمع حولها الأنصار، وتؤيده في ذلك بعض الدول؛ ليتقلص نفوذ الكنيسة الغربية - الكاثوليكية- وتنفصل عنها كنيسة جديدة - البروتستانتية - لتزيد من الفرقة والشقاق في العالم النصراني، ولتشتعل الحروب الطاحنة بين الكنيستين لعدة سنوات التي ذهب ضحيتها خلق كثير، حتى أمكن التوصل إلى صلح - صلح أوجزبرج - سنة (1555) م, على أساس إقرار مبدأ إسيبير الأول سنة (1526) م, القائل بأن لكل أمير الحق في اختيار المذهب الذي يريد سريانه في إمارته. وهكذا غربت شمس الكنيسة الكاثوليكية، وتقلَّص سلطانها؛ إذ أصبح بمقدور كل دولة الخروج على سلطة البابا. - مجمع روما (1769) م: في هذا الجو العاصف بالحركات الثائرة على الكنيسة عُقِد هذا المجمع ليحدث مزيداً من الانشقاق داخل الكنيسة بسبب تقريره عصمة البابا، لتظهر جماعة من المخالفين للقرار، سمَّوا أنفسهم بالكاثوليك القدماء. - موقف الكنيسة من العلم والعلماء: ما أن ظهرت في أوروبا بوادر ما يسمى بالنهضة العلمية المتأثرة بحضارة المسلمين في الأندلس بعد ترجمة العلوم الإسلامية واليونانية إلى اللاتينية، وبرز عدد من العلماء الذين بيَّنوا بطلان آراء الكنيسة العلمية، وبخاصة في الجغرافيا والفلك، حتى تصدَّت لهم الكنيسة استناداً على ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: (إن كان أحد لا يثبت فيَّ، يُطرح خارجاً كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق). ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة على الكتب والمطبوعات؛ لئلا يذيعوا آراءً مخالفةً للعقيدة الكاثوليكية، وتوسَّعوا في تشكيل محاكم التفتيش ضدهم، وقد حكمت تلك المحاكم في الفترة من (1481 - 1499) م, على تسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بأحكام مختلفة، كما أصدرت قرارات تحرِّم قراءة كتب جاليليو وجيوردا نويرنو، وكوبرنيكوس، ونيوتن؛ لقوله بقانون الجاذبية الأرضية، وتأمر بحرق كتبهم. وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس في غرناطة ثمانية آلاف كتاب مخطوط؛ لمخالفتها آراء الكنيسة.

الفرع السادس: بعث الأمة الكاثوليكية:

الفرع السادس: بعث الأمة الكاثوليكية: البابا الحالي للفاتيكان يوحنا بولس الثاني (1978 - ) م, الكاردينال كارول البولندي الأصل الذي يتميز عن غيره بأنه رجل تنظيم وسياسة. ولذا فإنه يتبنى فكرة بعث الأمة الكاثوليكية من خلال إيجاد حكومة عالمية أو إمبراطورية مقدسة، التي لا تكون إلا من خلال تحقيق وحدة القارة المسيحية الأوروبية، وبناء أوروبا جديدة على القواعد النصرانية، مما لابد فيه من حدوث صراع سياسي ومالي وربما عسكري، وأن مهمة الفاتيكان فيه هو تهيئة الأجواء؛ لكسب هذا الصراع الحتمي مع التجمعات الأيدلوجية الأخرى. والبابا متأثر في ذلك بأفكار حركة المنشأة الإلهية ( Opos Dei) والقاضية بأنه بالحكم والمال وحدهما تتحقق الآمال، ويحدث التغيير. كما يراهن البابا يوحنا بولس الثاني على أن قارة أفريقيا ستصبح قارة نصرانية عام (2000) م, وفي سبيل ذلك فإنه يقوم بما يزيد على أربع رحلات سنويًّا، ويحاول التقارب وإيجاد أرضية عمل مشترك مع الطوائف النصرانية الأخرى، رغم ما بينهم من خلافات جذرية. - أعلنت لجنة الفاتيكان للعلاقات مع اليهود براءة جديدة لليهود من دم المسيح في (24يونيو 1985) م، ونشرتها مجلة أوبسير فاتوري رومانو لسان حال الفاتيكان في عددها الصادر بتاريخ (25 يونيو 1985) م، وذلك بناءً على توجيهات البابا يوحنا بولس الثاني. كما دعت تلك الوثيقة إلى عدم اعتبار اليهود شعباً منبوذاً أو معادياً للمسيح. على أن المسيح نفسه كان يهوديًّا وسيظل يهوديًّا، ولذلك فهي تؤكد أيضاً أن أرض فلسطين المحتلة هي أرض أجداد اليهود، كما تدعو إلى ترك المفهوم التقليدي للشعب المعاقب كما في نظر النصرانية؛ لأنه يبقى في النهاية الشعب المختار.

الفرع السابع: الأفكار والمعتقدات:

الفرع السابع: الأفكار والمعتقدات: - الألوهية: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية مثل باقي الكنائس الأخرى بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس، على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي لعام (325) م، كما تؤمن بأن للمسيح طبيعتين بعد الاتحاد: إحداهما لاهوتية، والأخرى ناسوتية. - يؤمن الكاثوليك بما أُقرَّ في مجمع القسطنطينية الرابع عام (869) م, من أن الروح القدس منبثق من الآب والابن معاً. - الأقانيم: يعتقد الكاثوليك أن أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة، وأن الأقانيم ما هي إلا مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان، ولذا فهي ذوات متميزة يساوي فيها المسيح الأب حسب لاهوته، وهو دونه حسب ناسوته، كما ينص على ذلك قانون الإيمان الأثناسيوسي. - التجسد والفداء: الإيمان بتجسُّد الله- تعالى عن قولهم - في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم وذريته من بعده، فيعتقدون أنه وُلد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الخلائق يوم الحشر. - السيدة مريم والأيقونات: يقدسون السيدة مريم والقديسين والقديسات، والأيقونات المجسمة والمصورة مع الإشادة بالمعجزات. - الإلهام: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بالإلهام كأحد مصادر المعرفة والوحي المستمرة. - الصليب: يقدسون الصليب ويتخذونه شعاراً. - الكتاب المقدس: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بنصوص الكتاب المقدس، وبما يتضمنه من التوراة وأسفار الأنبياء وبالعهد الجديد ورسائل الرسل على ما أقر في مجمع نيقية الأول. - أسرار الكنيسة: يؤمن الكاثوليك بممارسة سر الاعتراف مرة واحدة في السنة، وكذلك سر التناول في عيد الفصح، كما يستعملون الفطير في العشاء الرباني بدلاً من الخبز المختمر، والمعمودية لا تتمُّ إلا بالرش لا بالتغطيس ثلاثاً، وتكون من الكاهن أو بالصبغة بدم الشهيد في سبيل الإيمان فقط، والمسح بالميرون المقدس يجوز تأخيره عن التعميد للقاصر حتى يبلغ سن الرشد، ولا يمسح بالزيت المقدس إلا لمن شارف على الموت، ويحرم الطلاق في جميع الأحوال حتى في حالات الزنا، وقد انفردت الكنيسة الكاثوليكية بسر ثامن عن الكنائس الأخرى، ألا وهو عصمة البابا عن ارتكاب المعاصي والآثام. - الحياة الأخرى: يعتقد الكاثوليك أنه يوجد بعد الموت مكان ثالث يسمَّى المطهر تُعتقل فيه النفوس التي لم تصل إلى درجة النقاوة الكاملة، وتظل تُعذَّب حتى تطهر بما بقي عليها من الدين للعدل الإلهي، وعندئذ يسمح لها بدخول الملكوت. - خلق أفعال العباد: وأن كل ما خلقه الله تعالى حسن، وإنما الشر من خلق العباد. - تبيح أكل الدم والمنخنقة على خلاف قرارات مجمع الرسل الأول في أورشليم (51 - 55) م، ويجوز للرهبان أكل دهن الخنزير، ولبس الأساقفة الخواتم في أصابعهم، كما يجوز للكهنة حلق لحاهم على عكس الأرثوذكس. - القداس: القداس محور العبادة والحياة الروحية على أنه يقام يوميًّا. - الصلاة والصيام: الصلاة الفردية أساسية في الدين على أن للصلاة طرقاً عديدة، وينبغي أن تقترن بشيء من التقشُّف، والصيام المفروض هو الصوم الكبير السابق لعيد الفصح، وجعل صوم الجمعة والسبت فقط عبارة عن الانقطاع عن أكل اللحوم. كما فرض أيضاً صوم الأزمنة الأربعة فيما يعرف بصوم البارامون (أي: الاستعداد للاحتفالات) وهي السابقة لأعياد الميلاد، والعنصرة وانتقال العذراء وجميع القديسين. ويوجد خلاف بين الكنيسة اللاتينية وطوائف الكنيسة الكاثوليكية الشرقية في قواعد الصوم. - الطقوس: تتميز باستعمال اللغة اللاتينية، والبخور، والصور، والتقويم الخاص بها. - للكنيسة الكاثوليكية عدة طقوس إلى جانب الطقوس الرومانية، هناك من يستعمل الطقوس الشرقية مثل الروم الكاثوليك، جنوب إيطاليا، والموارنة والسريان الذين يتبعون الطقس الأنطاكي، وهناك كاثوليك أقباط وأحباش يستمسكون بالطقس القبطي. - التنظيم الكهنوتي (الإكليروس): يدير البابا الكنيسة بواسطة كرادلة في روما ومطارنة في جميع أنحاء العالم. تنقسم الكنيسة عند الكاثوليك إلى أبروشيات على رأس كل أبروشية مطران يعيِّنه البابا، وفي كل أبروشية عدة كنائس يديرها كهنة رعاة لخدمة أبناء الكنيسة. - البابا: كما تعتقد أن السيد المسيح أقام بطرس نائباً على الأرض، ورئيساً على الرسل، ورأساً للكنيسة، وعلى ذلك فالبابا في روما هو خليفة بطرس، ورأس الكنيسة من بعده، ومرشدها الأعلى لجميع الكاثوليك في العالم. ونظراً لاعتقادهم بعصمة البابا فإن المغفرة حق من حقوق الكنيسة تعطيها لمن تشاء. - الجماعات الدينية المكونة من الرهبان والراهبات تخضع لبابا روما عن طريق رؤسائها الموجودين في روما. - يدرس الكهنة قبل اضطلاعهم بمهمتهم العلوم الدينية خمس أو ست سنوات، ويدربون في معاهد دينية خاصة، ولا يتزوج رجال الدين إلا القليل منهم.

الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقدية:

الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقدية: - نصوص الكتاب المقدس، بالإضافة إلى المجامع المسكونية والإقليمية أو المحلية التي أيَّدت عقيدة الكنيسة. - الديانات الوثنية: المجوسية، البوذية، الرومانية، المصرية القديمة. - الفلسفةالأفلاطونية الحديثة، الفلسفة الغنوصية.

الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ

الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ - تنتشر في أوروبا: إيطاليا، فرنسا، لتوانيا، بولندا، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، أيرلندا، كندا الفرنسية، أمريكا اللاتينية، الفلبين، وجنوب شرق آسيا. وهناك أقليات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وألمانيا، وبعض دول أفريقيا. يتضح مما سبق: - أن المتأمل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية لَيجِد أنه كان لها دور كبير في أحداث تاريخ أوروبا بمختلف مراحله. - كان للصراع مع الحكام والملوك أثره في ظهور عقائد جديدة في الكنيسة لم تكن من قبل مثل: سمو مكانة البابوية والكنيسة الغربية، وعصمة البابا عن ارتكاب الآثام والمعاصي بزعم أن روح القدس ينطق من فِيِه، على ما أقر في مجمع روما عام (1769) م السر الثامن (1). - ونظراً لاتباع الهوى وترك التشريع للرجال والمجامع ظهر التضارب في آراء الكنيسة والانقسام في صفوفها، فما يُقرُّ في مجمع يُنقَض في آخر، وفي كلتا الحالتين يأخذ صفة الحكم الإلهي، ففي فترات سيطرة رجال الكنيسة على مقاليد الحكم تستند إلى أقوال القديس أغسطس القاضية بأن تخضع سلطة الدولة لسلطة الكنيسة التي تمثل مدينة الله. وفي فترات الاضطهاد تظهر دعاوى فصل الدين عن الدولة مثلما جاء في رسالة هوزيوس أسقف قرطبة للإمبراطور قسطنطيوس عام (355) م: (أما من جهتك فينبغي ألا تجرَّ على نفسك جريمة ارتكاب ذنب خطير، بأن تسعى لأن تتولى حكومة الكنيسة، فلتُعطِ ما لقيصر لقيصر، ولتجعل لله ما لله، فلا يجوز لنا أن نباشر سلطة دنيوية، وليس لك أيها الإمبراطور الحق في أن تحرق البخور). وهذا ما اعتقدته حركة الإصلاح الكلوانية أنه سبيل لإصلاح الكنيسة. - انتشرت داخل الكنيسة كافة مظاهر الانحراف والفساد مثل السيمونية، ومخالفة القانون الكنسي، رغم دعاوى الرهبنة والعزوبة وحياة الزهد والتقشف التي فرضها القانون الكنسي، ولم تستثن أحداً بدءًا من البابا حتى أصغر كاهن وراهب. تقول القديسة كاترين السينائية في القرن الرابع عشر الميلادي: (إنك أينما ولَّيت وجهك سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو لم تر إلا شرًّا ورذيلة، تزكم أنفك رائحة الخطايا الآدمية البشعة، اتخذوا بطونهم إلهاً لهم، يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة، حيث يتمرغون في الأقذار، ويقضون حياتهم في الفسق والفجور). - كان للرهبانية أثرها البالغ على الأخلاق الأوربية، فانعدمت أخلاق الفتوة والمروءة التي أصبحت من المعايب والرذائل، كما هجر الناس البشاشة والسماحة والشجاعة. ومن أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم حياة الأسرة، فكثيراً ما أصبحت الأمهات ثكلى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، بعد خطفهم من الرهبان، فأصبحوا يتكفَّفون الناس ويتوجَّهون إلى الصحراء، همُّهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم في الآخرة. وكان الرهبان يفرُّون من ظل النساء، ويتأثَّمون من قربهن، يعتقدون أن مصادفتهن في الطريق العام والتحدث إليهن- ولو كن أمهات أو زوجات أو شقيقات- تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية.

- رغم الجوانب والآثار السلبية للحروب الصليبية، وما تميزت به من قسوة ضد المخالفين، سواء كانوا من نصارى أو مسلمين، إلا أنها كانت سبباً في انتقال المعارف الإسلامية إلى أوروبا. تقول الكاتبة الألمانية هونكة في شمس العرب تسطع على الغرب: (وكان للحروب الصليبية دور هام في تطور نظام الحصون وطرق الدفاع، أي: في أوروبا)، وتقول: (اختلط ملوك أوروبا وأمراؤها بملوك الشرق وأمراء المسلمين في أثناء الحرب الصليبية، ورأوا بأعينهم أدباء العرب وشعراءهم ومؤرخيهم، لاسيما من كان منهم بمعية صلاح الدين الأيوبي). وتقول: (وفي مراكز العلم الأوروبية لم يكن هناك عالم واحد من بين العلماء إلا ومدَّ يديه إلى الكنوز العربية). ومع ذلك لا تزال الصليبية على عهدها الأول يمنعها عن قبول الحق حواجز التقليد للآباء والأجداد والعقائد المتوارثة حتى لو شهدت الأدلة الساطعة على بطلانها. وقد نصَّ القرآن الكريم على أمثالهم بقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة: 170]. - لم تقتصر محاكم التفتيش على المخالفين للكنيسة من النصارى فقط، ولكنها طالت المسلمين أيضاً، ففي القرن الخامس عشر والسادس عشر بعد سقوط الأندلس ذبحوا وأحرقوا ما يزيد على (31) ألفاً من المسلمين، ولم يتركوا مسلماً على قيد الحياة أو غير منفي. وبعد استقلال اليونان عن الدولة العثمانية أباد النصارى شعب موريا المسلم عن آخره، بل ودمَّروا المساجد، وما فعله الأسقف مكاريوس بمسلمي قبرص، والمتعصب جوليوس نيريري بمسلمي زنجبار ليس منا ببعيد. - تنتقد دائرة المعارف البريطانية دعوى الإلهام التي ما زالت تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية على أنها أحد مصادر المعرفة والوحي بقولها في المجلد الحادي عشر: (إن كل قول متدرج في الكتب المقدسة ليس إلهاميًّا) وهو ما أيَّده جيروم وكرتيس وبمركوبيس وغيرهم من علماء النصرانية في القرن الثاني الميلادي حيث قالوا: (إن الذين يقولون: إن كل مندرج في الأناجيل إلهامي. لا يقدرون على إثبات صحة دعواهم). وهو ما أكَّدته دائرة المعارف الفرنسية في المجلد السابع من أن: (هؤلاء الحواريين أصحاب المسيح ما كان يرى بعضهم بعضاً صاحب وحي، كما يظهر في مباحثاتهم في محفل أورشليم). - وكما جنت الكنيسة على الديانة النصرانية بإدخال العقائد الوثنية، علاوة على التبديل والتحريف الذي لحق بالنصرانية وكتابها، جنت أيضاً عليها وعلى الإنسانية بمحاربتها للعلم والعلماء باسم الدين. وظهور الفساد داخل الكنيسة، مما دفع الأفكار الإلحادية المناوئة للدين إلى الظهور تحت ستار المناداة بحرية الفكر، وحرية اختيار المذاهب الاعتقادية ولو كانت إلحادية، وبالتالي ظهرت الدعوات إلى الإلحاد والعلمانية بمذاهبها المختلفة. يقول فولتير في كتابه مقبرة التعصب: (ينبغي أن يخضع القسس للحكومة؛ لأنهم أفراد من الرعية التابعة للدولة). ونتيجة لحرية الفكر والقضاء على رقابة الكنيسة تم بعث التراث الفلسفي اليوناني، سواء المترجم بالعربية أو اليونانية، وظهرت المذاهب المادية الإلحادية والفلاسفة الماديين أمثال برتراندراسل، هيجل، وأنجلز، وكثرت مؤلفاتهم التي تدعو إلى القضاء على الدين. يقول ديدرو هلباخ، ورينال في الأنكلوبيديا: (إن الشرائع والأديان هي العوائق التي تحول دون حصول الإنسان على السعادة، فيجب عليه محوها ليرجع إلى الطبيعة) (تاريخ التمدن الحديث، شارل أسنيوبوس، ص47).

- إن النصرانية التي يتبناها الفاتيكان اليوم هي النصرانية السياسية التي تريد ربط دول آسيا وأفريقيا بعجلة الغرب عن طريق نشر النصرانية بينهم، وخلق جملة من الأفكار النصرانية التي تقف أمام الإسلام والمسلمين في جميع الميادين. وفي سبيل ذلك تقاربت طوائف النصرانية واليهودية للحدِّ من مارد الإسلام الذي بدأ يصحو من جديد. - يقول رازينجر منظر السياسة في الفاتيكان: (من يبحث عن حل خارج الكنيسة في عصرنا الحديث ليس إلا واحد من اثنين: - العودة إلى عصر ما قبل المسيح - أرسطو وأمثاله. - التعلق بثقافة غير أوروبية من جهة وبالإسلام من جهة أخرى. - وبما أن الاحتمال الأول ليس له إمكانية الحياة، فيبقى الاحتمال الثاني - الإسلام - فعلينا أن نحذر الإسلام أكثر بكثير مما مضى، فهو اليوم يعود من أعماق التاريخ؛ ليقدم بديلاً عن نظامنا المشبع بالنصرانية). ويقول في أهمية وجود أندية لملء الفراغ الأيدلوجي لسقوط الشيوعية: (إن حدوث الفراغ الأيدلوجي في الثقافة العالمية بما يعني الانفتاح على الثقافات الأخرى بما فيها من مثل وقيم ومبادئ، وإن البقاء على التقليدية الكنسية السابقة، وما لقيصر لقيصر، ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، سيترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها لدخول الإسلام). ولذلك عملت الكنيسة على تجنيد السياسة والإعلام الأوروبي، وتوجيه عموم الشعب، نحو خصم جديد: الإسلام، ويتضح ذلك من ردود فعل رجال السياسة الأوروبيين وتصريحاتهم حول رواية سلمان رشدي وغيره، ومن الحملات الإعلامية حول الأصولية والإرهاب. مراجع للتوسع: - دائرة المعارف البريطانية. - دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب، المعلم بطرس البستاني، دار المعرفة، بيروت. - الموسوعة العربية الميسرة، بإشراف محمد شفيق غربال، الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. - الموسوعة الثقافية، مديرة التحرير/ فايزة حكيم رزق الله – دار الشعب – مصر. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى- الحضارة والنظم، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، السيد الباز، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمر فينا، د. عبد الحميد البطريق. - تاريخ أوروبا في العصر الحديث، هـ. أ. ل. فيشر. ترجمة أحمد نجيب هاشم، دار المعارف مصر، د. عبد العزيز سليمان نوار، دار النهضة العربية، د. عبد المجيد نعنعي، مكتبة الأنجلو المصرية. - التاريخ المعاصر-أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، الحركة الصليبية، د. سعيد عبد الفتاح عاشور. - الثورة الفرنسية، د. حسن جلال، لجنة التأليف والنشر. - العلمانية، د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، دار طيبة. - سقوط العلمانية، أنور الجندي، دار الكتاب اللبناني. - تهافُت العلمانية، د. عماد الدين خليل، دار الرسالة. - قصة الاضطهاد الديني في المسيحية والإسلام، توفيق الطويل، دار الفكر، القاهرة. - قصة النزاع بين الدين والفلسفة، توفيق الطويل، مكتبة مصر، القاهرة. - لوثر والإصلاح الديني، م. هـ مواري، ترجمة مرقص فهمي فرح (المجلد السادس – تاريخ العالم) مكتبة النهضة. - قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر. - شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون، د. كمال دسوقي. - موقف الإسلام والكنيسة من العلم، عبد الله سليمان المشوخي، رسالة ماجستير، مخطوط المكتبة التجاري للطباعة والتوزيع. - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن علي الحسني الندوي، مطبعة التقدم. - ما هي النصرانية، محمد تقي الدين العثماني، رابطة العالم الإسلامي. - يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار الاعتصام. - المسيحية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة العربية. - تطور المسيحية، شارل جنيبيير، ترجمة د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، مصر. - الميزان في مقارنة الأديان – حقائق ووثائق، مستشار محمد عزت طنطاوي، دار العلم، دمشق. - الكتاب المقدس يتكلم، عبد الرحمن دمشقية، مخطوط. - مجلة الأمة القطرية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ذو الحجة (1405هـ - يونيو 1985) م. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثالث: البروتستانت:

الفرع الأول: التعريف: فرقة من النصرانية احتجوا على الكنيسة الغربية باسم الإنجيل والعقل، وتسمَّى كنيستهم بالبروتستانتية حيث يعترضون ( Protest) على كل أمر يخالف الكتاب وخلاص أنفسهم، وتسمى بالإنجيلية أيضاً حيث يتَّبعون الإنجيل دون سواه، ويعتقدون أن لكل قادر الحق في فهمه، فالكل متساوون ومسؤولون أمامه. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي البروتستانت: ويسمون الإنجيليين: وهم أتباع مارتن لوثر الذي ظهر في أوائل القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا، وكان ينادي بإصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد الذي صار صبغة لها. وأهم ما يتميَّز به أتباع هذه النحلة هو: 1 - أن صكوك الغفران دجل وكذب، وأن الخطايا والذنوب لا تغفر إلا بالندم والتوبة. 2 - أن لكل أحد الحق في فهم الإنجيل وقراءته، وليس وقفا على الكنيسة. 3 - تحريم الصور والتماثيل في الكنائس؛ لأنها مظهر من مظاهر الوثنية. 4 - منع الرهبنة. 5 - أن العشاء الرباني تذكار لما حلَّ بالمسيح من الصلب في زعمهم، وأنكروا أن يتحول الخبز والخمر إلى لحم ودم المسيح عليه السلام. 6 - ليس لكنائسهم رئيس عام يتبعون قوله. وهذه النحلة تنتشر في ألمانيا وبريطانيا وكثير من بلاد أوربا وأمريكا الشمالية ¤دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص 376

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: الكنيسة البروتستانتية حركة إصلاحية بدأت في الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر متأثرة بدعوات الإصلاح السابقة لها، ومن ثَمَّ تحولت من حركة إصلاحية داخل الكنيسة إلى حركة عقائدية مستقلة ومناهضة لها، ومن أبرز المؤسسين: - مارتن لوثر: ولد لوثر في ألمانيا، وعاش في بيئة نصرانية تشيع فيها الخرافات والمعتقدات الزائفة. - وفي عام (1405) م, نال شهادة أستاذ في العلوم من جامعة إيرمورت، ولكنه لم يُتمَّ دراسته القانونية، وتحوَّل بعدها إلى الدراسات اللاهوتية، فدخل إلى دير الرهبان الأوغسطنين. ـ في عام (1507) م, عُيِّن قسيساً لرعاية كنيسة كنتبرج بألمانيا. - في عام (1510) م, دفعته نزعته الدينية وإخلاصه للكنيسة ورجالها إلي أن يحج إلى روما؛ ليتبرك بالمقر الرسولي في روما، حيث منَّى نفسه برؤية القديسين والزهاد من الرهبان والكرادلة. ولكن ما أن حلَّ في روما حتى هاله ما رأى من دعاوى: غفران الذنوب، وامتلاك سرِّ التوبة، وحقِّ منح صكوك الغفران، وتفشِّي مظاهر الفساد والانحلال الخلقي في الطبقات العليا من الكنيسة بوجه أخص. ومن ثم عاد إلى ألمانيا خائباً رجاؤه، ومستنكراً ما رأى، وأصبح منشغلاً بوضع خطة لإصلاح الكنيسة. - في عام (1517) م, أرسل البابا ليو العاشر مندوبه الراهب حمنا تتزل؛ لبيع صكوك الغفران في ألمانيا، فما أن أعلن عنها وبالغ في أمرها حتى ثار عليه لوثر، وكتب في معارضته وثيقَته الشهيرة التي تتضمن خمسة وتسعين مبدأ في معارضة الكنيسة، وعلَّقها على باب كنيسة القلعة. في الوقت الذي نشط في تأليف الكتب التي تعلن مبادئه، والتي أصبحت حديث الطبقة المتعلمة في ألمانيا مما زاد في التفاف الناس حوله، ولهذا كله أصدر البابا قراراً بحرمانه في عام (1520) م. - عندما تلَّقى لوثر القرار بحرمانه، قام بتحريض من بعض الأمراء الألمان من أصحاب دعوى الانفصال عن الإمبراطورية بحرقِه في وسط الجموع الحاشدة في وتنبرج، التي أصبحت جامعتها المهد الأساسي للتعاليم اللوثرية في ألمانيا. - في عام (1520) م, بعد ما أظهر مارتن لوثر تأييداً للنزعة القومية في الدولة الألمانية في تولِّي إدارة كنيستها، عقدت الكنيسة في روما مجمعاً قضى بمحاكمة لوثر أمام محكمة التفتيش، لكنه هرب إلى قلعة وارتبورج، وفيها ترجم العهد الجديد إلى الألمانية، ثم شرع في ترجمة الكتاب المقدس كله، لكنه لم يتمَّه، وعاد إلى وتنبرج مرة أخري. - في عام (1529) م, أراد الإمبراطور تنفيذ قرارات الحرمان ضد مارتن لوثر، فأعلن حكام الولايات الإنجيلية في ألمانيا في مجلس سبير في (19) نيسان أنهم مستعدون لطاعة أوامر الإمبراطور والمجلس في كل القضايا الواجبة إلا التي تتعارض مع الكتاب المقدس أو التي لا يوجد لها نص فيه، وبالتالي رفضوا تسليم لوثر لمندوبي الإمبراطور. - عندما رأى لوثر صعوبة تحقيق دعوة الإصلاح الكَنَسِيّ كرَّس كل جهده لقضايا الإيمان في الكنائس الإنجيلية الناشئة. توفي لوثر في بلدة وتنبرج عام (1546) م, مخلِّفاً مجموعة من الكتب والمؤلفات التي تؤصِّل قواعد دعوته. -الروخ هولدريخ زوينجلي: (1484 - 1531) م: ولد ونشأ في سويسرا، وأصبح قسيساً وأحد دعاة حركة الإنسانية التي بدأت مع عصر النهضة الأوربية. دعا إلى نفس المبادئ التي دعا إليها مارتن لوثر، وبدأ دعوته في زيوريخ بسويسرا، وقد قاوم استعمال الطقوس والصور والتماثيل في الكنائس، كما عارض فكرة عزوبة رجال الأكليروس، وحبَّذ المسئولية الفردية في المعتقد.

لاقت دعوة زوينجلي التأييد من السلطات الحكومية في مدينة زيوريخ، فشاعت لذلك دعوته، وأصبح زعيماً للبروتستانت في جنوب ألمانيا ومعظم سويسرا. في عام (1529) م, وفي مدينة ماربورج التقى زوينجلي بمارتن لوثر، وتناقشا حول إصلاح الكنيسة، واختلفا حول فرضية أو سرِّ العشاء الرباني، كما اختلفا في أسلوب معارضة الكنيسة الكاثوليكية، حيث استخدم زوينجلي القوة في سبيل نشر مبادئه ابتداءً من الحظر التجاري الذي فرضه على بعض المقاطعات الكاثوليكية في شرقي سويسرا، حتى القتال والصدام مع رجال الكنيسة الذي قُتل فيه، وهُزم أتباعه في كاييل عام (1531) م. ذابت تعاليم زوينجلي في تعاليم جون كالفن التي ارتكز في بعضها على عقيدته. -جون كالفن: (1509 - 1564) م: ولد ونشأ في فرنسا، وتثقَّف بثقافة قانونية، لكنه مال عنها إلى الدراسة اللاهوتية، فتأثَّر بآراء مارتن لوثر دون أن يقابله بواسطة بعض أقاربه وبعض أساتذته. شارك في إعداد خطاب ألقاه نيكولاس كوب مدير جامعة السربون بفرنسا التي كانت مركزاً لأكثر علماء الكاثوليكية، والذي يتضمن شرحاً لآراء مارتن لوثر؛ مما أغضب آباء الكنيسة عليه، فاضطرَّ إلى الهرب إلى جنيف في سويسرا. بعد أن عاد في الحادي والعشرين من مايو (1534) م, إلى مدينة نويون مسقط رأسه سلّم كهنةَ كاتدرائيتها كل شارات الامتياز الأكليريكية الخاصة به، ثم هرب بصحبة نيكولاس كوب إلى جنيف في سويسرا مرة أخرى. في عام (1535) م, شارك كلفن في حوار دعا إليه المبشرون المصلحون مع الأساقفة الكاثوليك في المدينة، الذي انتهى بانسحاب الكاثوليك، مما مكَّن دي فاريل صديق كلفن الحميم من الاستيلاء على الكنائس الرئيسية الثلاثة في المدينة: كنيسة سان بيتر، المجدلية، سان جرفيز؛ وتحويلها إلى كنائس إنجيلية أو بروتستانتية. استغلَّ كلفن استقراره في جنيف في تنظيم وتقنين مبادئ زعماء الإصلاح، وعلى رأسهم مارتن لوثر، وظهرت له مؤلفات وكتابات عديدة في ذلك، ولذلك فإنه يعد أحد مؤسسي المذهب البروتستانتي. خالف كالفن لوثر في سرِّ- فرضية- العشاء الرباني من حيث كيفية حضور المسيح العشاء، رغم اتفاقهما على عدم استحالة (أي عدم تحول) الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح. عدل كلفن عن فكرة لوثر في إشراف الحكومة على الكنائس؛ لما رأى ما يحدث للبروتستانت في فرنسا، وطالب بأن تحكم الكنيسة نفسها بنفسها، وعلى الحاكم المدني أن يساعدها ويحميها، مما كان سبباً في انقسام الكنيسة الإنجيلية إلى لوثرية وكلفينية (الإصلاحية - الكلفينية). تميَّزت حركته بالانتشار في فرنسا، فأصبحت الدين الرسمي في أسكتلندا، كما امتدت إلى المقاطعات شرق سويسرا، واعتنقها معظم سكان المجر، يقول فيشر: (أصبحت أكثر أشكال الإصلاح البروتستاني اتساعاً). تأسست جمهورية هولندا عام (1669) م, على مبادئ البروتستانت الكليفنية بعد الحرب الدامية بين الكاثوليك والبروتستانت. نتيجةً للحرية الفردية في فهم وتفسير الكتاب المقدس لكل فرد من المؤمنين بالمذهب البروتستانتي انقسمت الحركة البروتستانتية إلى كنائس عديدة، وطوائف مختلفة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حسب إحصائيات عام (1982) م, يوجد (76,754,009) بروتستانتي ينتمون إلى (200) طائفة إنجيلية.

الفرع الثالث: أهم الكنائس البروتستانتية:

الفرع الثالث: أهم الكنائس البروتستانتية: -الكنيسة اللوثرية: وقد بدأ إطلاق هذه التسمية على المؤمنين بأفكار معتقدات مارتن لوثر في القرن السادس عشر، وذلك رغم مقاومة لوثر نفسه لهذه التسمية، وأصبحت جامعة وتنبرج المهد الأساسي لها. اهتمَّ مارتن لوثر بقضايا الإيمان، وترك الأمر الإداري للكنيسة لغيره يقوم به، لكنه عيَّن بعض المراقبين ليتعاونوا مع حكام الدولة في الأقضية، وبذلك كان أول ظهور لنظام السينودس. ارتبطت اللوثرية في ألمانيا ارتباطاً وثيقاً بالحالة السياسية منذ أن دعا لوثر إلى إشراف الدولة على الكنيسة، ولذلك فإن الحكومة الألمانية تدخَّلت أكثر من مرة لحلِّ الخلافات بين أعضاء الكنيسة، أو للاتفاق مع كنائس المصلحة. كان لظهور الكنائس المعمدانية في القرن السابع عشر أثرها في إثارة الخلافات بين البروتستانت مرة أخرى. في زمن فريدريك وليم الثالث ملك بروسيا تمَّ الاتحاد بين الكنائس اللوثرية والمصلحة، ومنها تشكَّلت الكنيسة القديمة، غير أن جماعة كبيرة من اللوثرية لم تنضمَّ إلى هذه الكنيسة، وعُرفوا باللوثريين القدماء. في عام (1923) م, تأثرت الكنيسة بالنظام النازي في ألمانيا، حيث حاول صبغ الكنيسة الألمانية بصبغة قومية، فجرى توحيد (28) كنيسة مصلحة ولوثرية على أساس أن الدم الآري أحد المؤهلات العضوية لهذه الكنيسة القومية العنصرية. وقد تناول هذا التأثير العقائد والمبادئ أيضاً، مما مهَّد لقيام ثورة من آلاف القسوس البروتستانت من بينهم مارتن تيمولر؛ للمطالبة بتشكيل السينودس الذهبي. في عام (1934) م, عارض السينودس الذهبي تدخل الدولة في شئون الكنيسة بل رفض ذلك رفضاً حاسماً. في عام (1935) م, أنشأت الحكومة وظيفة وزير الدولة للشئون الكنسية، وخوَّلت له سلطات مطلقة على الكنيسة الإنجيلية الألمانية. انتشرت في عام (1936) م, حركة الإيمان الألماني التي تحالفت مع الفلسفة الوثنية الجديدة. بعد الحرب العالمية الثانية ألغت الكنيسة الإنجيلية دستورها المُوصَى به من النازية لعام (1933) م، وبدأت تنظيم نفسها من جديد. والكنيسة اللوثرية هي كنيسة الدولة في الدنمارك وأيسلندا والنرويج والسويد وفنلندا. يصدر الاتحاد اللوثري العالمي مجلة اللوثرية العالمية بالألمانية والإنجليزية. الكنائس المصلحة: وإن كان يُقصَد بها بوجه عام جميع الكنائس البروتستانتية، إلا أنه من الناحية التاريخية تقتصر على الكنائس البروتستانتية التي يرتكز أصلها على عقائد كلفن، وعلى أساس النظام الكنسي المشيخي الذي تركِّز فيه السلطات على سلسلة مجالس من الشيوخ العلمانيين ورجال الأكليروس، وتنزع إلى الشكل البسيط في العبادة. وقد قويت هذه الكنائس في إنجلترا في القرن السادس عشر، وخصوصاً في أسكتلندا وشمال أيرلندا، وسمِّيت كنائس سويسرا وهولندا وعدد من كنائس ألمانيا بالمصلحة، كما توجد بالولايات المتحدة الأمريكية كنائس تحمل لقب المصلحة. الكنائس الأسقفية: تطلق الكنيسة الأسقفية عند الإطلاق على الكنيسة الإنجليزية، ويتبعها في أمريكا عدد من الكنائس الأسقفية، وتتبع هذه الكنائس النظام الأسقفي على أنه نظام إلهي، خلافاً لسائر الفرق البروتستانتية، وذلك في تعيين أو اختيار أو عزل القساوسة، والشمامسة، أو تدشين الأراضي والأبنية الدينية، وإدارة تركات الموتى لحين وجود وصي شرعي للميت. ويلقب أساقفة إنجلترا بلقب لورد حيث يُعتَبرون من أشراف المملكة، ويرأس ملوك إنجلترا الكنيسة الإنجليزية، وبذلك يعيِّنون الأساقفة الذين يتمُّ انتخابهم من القسوس بعد ذلك، ورئيس أساقفة كانتربري هو رأس الكنيسة، ويليه في المرتبة رئيس أساقفة يورك، أما أساقفة الولايات المتحدة الأمريكية فينتخبهم نُوَّاب من قسوس الأسقفية وأهاليها قبل عرضهم على مجمع الأساقفة أو على مجمع نواب مؤلف من السينودس والأهالي.

الفرع الرابع: الصهيونية المسيحية:

الفرع الرابع: الصهيونية المسيحية: كان لليهود المهاجرين من إسبانيا إلى أوربا- وبخاصة فرنسا وهولندا- أثرهم البالغ في تسرب الأفكار اليهودية إلى النصرانية من خلال حركة الإصلاح، وبخاصة الاعتقاد بأن اليهود شعب الله المختار، وأنهم الأمة المفضلة، كذلك أحقيتهم في ميراث الأرض المباركة. في عام (1523) م, أصدر مارتن لوثر كتاب عيسى وُلِد يهوديًّا متأثراً فيه بالأفكار الصهيونية. وفي عام (1544) م, أصدر لوثر كتاباً آخر فيما يتعلق باليهود وأكاذيبهم. كانت هزيمة القوات الكاثوليكية وقيام جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية عام (1609) م, بمثابة انطلاقة للحركة الصهيونية المسيحية في أوربا، مما ساعد على ظهور جمعيات وكنائس وأحزاب سياسية عملت جميعاً على تمكين اليهود من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ومن أبرز هذه الحركات: الحركة البيوريتانية التطهيرية التي تأسست على المبادئ الكالفينية بزعامة السياسي البريطاني أوليفر كروميل (1649 - 1659) م, الذي دعا حكومته إلى حمل شرف إعادة إسرائيل إلى أرض أجدادهم، حسب زعمه. في عام (1807) م, أُنشئت في إنجلترا جمعية لندن؛ لتعزيز اليهودية بين النصارى، وقد أطلق أنطوني إشلي كوبر اللورد ريرل شانتسبري (1801 - 1885) م، أحد كبار زعمائها شعار: (وطن بلا شعب لشعب بلا وطن) الأمر الذي أدَّى إلى أن يكون أول نائب لقنصل بريطانيا في القدس وليم برنج أحد أتباعها، ويعتبر اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا (1784 - 1765) م, من أكبر المتعاطفين مع أفكار تلك المدرسة الصهيونية المسيحية، وأيضاً فإن تشارلز. هـ. تشرشل الجد الأعلى لونستون تشرشل - رئيس الحكومة البريطانية الأسبق - أحدُ كبار أنصارها. انتقلت الصهيونية المسيحية إلى أمريكا من خلال الهجرات المبكرة لأنصارها نتيجة للاضطهاد الكاثوليكي، وقد استطاعت تأسيس عدة كنائس هناك من أشهرها الكنيسة المورمونية. يعتبر سايسروس سكلوفليد (1843) م, الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية في أمريكا. لعبت تلك الكنائس دوراً هامًّا في تمكين اليهود من احتلال فلسطين، واستمرار دعم الحكومات الأمريكية لهم - إلا ما ندر- من خلال العديد من اللجان والمنظمات والأحزاب التي أنشئت من أجل ذلك، ومن أبرزها: الفيدرالية الأمريكية المؤيدة لفلسطين التي أسسها القس تشارلز راسل عام (1930) م، واللجنة الفلسطينية الأمريكية التي أسسها في عام (1932) م, السناتور روبرت واضر، وضمَّت (68) عضواً من مجلس الشيوخ، و (200) عضو من مجلس النواب، وعدد من رجال الدين الإنجيليين، ورفعت هذه المنظمات شعارات: الأرض الموعودة، والشعب المختار. وفي العصر الحديث تعتبر الطائفة التدبيرية التي يبلغ عدد أتباعها (40) مليون نسمة تقريباً والمعروفة باسم الأنجلو ساكسون، البروتستانت البيض من أكثر الطوائف مغالاة في تأييد الصهيونية، وفي التأثير على السياسة الأمريكية في العصر الحاضر. ومن أشهر رجالها اللاهوتيين: بيل جراهام، وجيري فولويل، جيمي سويجارت. ومن أبرز رجالها السياسيين الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان. اهتمَّت الكنيسة البروتستانتية بنشر الإنجيل في أوروبا وأمريكا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم تطور عملها في شكل منظمات وإرساليات، ووضعت اللوائح والقوانين المنظمة لها وكذلك الميزانيات اللازمة. ومن ثم انتقل العمل التبشيري البروتستانتي إلى القارتين الأفريقية والآسيوية، وبخاصة التي كانت تستعمرها الدول الغربية ذات العقيدة البروتستانتية. ومن أوائل الذين قادوا حركة التبشير: جوف وسلي، ووليام ولبرفورس، ووليام كيري، أبو المبشرين في العصر الحديث.

الفرع الخامس: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الخامس: الأفكار والمعتقدات: تؤمن الكنائس البروتستانتية بنفس أصول المعتقدات التي تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها تخالفها في بعض الأمور، ومنها ما يلي: الخضوع لنصوص الكتاب المقدس وحده، حيث إن الكتاب المقدس بعهديه هو دستور الإيمان، وعليه تقاس قرارات المجامع السابقة وأوامر الكنيسة؛ فيُقبل ما يوافقه فقط، يقول لوثر: (يجب أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا الأخير للعقيدة أو أداء الشعائر). عدد أسفار العهد القديم ستة وستون سفراً، وهي الأسفار القانونية، أما باقي الأسفار- وعددها أربعة عشر- فتسميها الأبوكريفيا، أي: غير الصحيحة فلا تعترف بها. كما لا تؤمن الكنائس البروتستانتية بعصمة البابا أو رجال الدين، وتهاجم بيع صكوك الغفران حيث ترى أن الخلاص والفوز في الآخرة لا يكون إلا برحمة الله وكرمه، وفي الدنيا في الالتزام بالفرائض والكرازة: التبشير بالإنجيل. إن القديسيين لقب يمكن أن يوصف به كل إنسان نصراني، حيث إن القداسة في فهمهم ليست في ذات الشخص، ولكنها مقام يصل إليه. ترفض البروتستانتية مرتبة الكهنوت حيث إن جميع المؤمنين بها كهنة، وليس هناك وسيط ولا شفيع بين الله والإنسان سوى شخص المسيح؛ لأنه جاء في معتقدهم رئيساً للكهنة، كما لا تؤمن بالبخور والهيكل. تؤمن بسرَّين فقط من أسرار - فروض- الكنيسة، وهما سرَّا المعمودية، والعشاء الرباني، على خلاف بينهم في كيفية حضور المسيح سر العشاء. لا تؤمن بالصوم كفريضة، بل هو سنة حسنة، ولا يُطلق إلا على الإمساك عن الطعام مطلقاً فقط. كما لا تؤمن بالأعياد التي تقيمها الكنائس الأخرى. الصلاة ليس لها مقدار محدد، كما أنه ليس من الحتم الالتزام بحرفية الصلاة الربانية؛ ولذلك يجيزون الصلاة بلغة غير مفهومة كاللاتينية التي تستعملها الكنائس الكاثوليكية. لا تؤمن الكنيسة البروتستانتية بنظام الرهبنة. الكهنوت درجتان فقط هما: القسوسية، الشمامسة، الراعي هو الأسقف، والرئاسة تكون بمجمع السنودس لا لفرد. منع البروتستانت اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها، معتقدين أن ذلك منهي عنه في التوراة. تؤمن بعض الكنائس الإنجيلية - الصهيونية - أن شرط المجيء الثاني للمسيح هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين.

الفرع السادس: الجذور الفكرية والعقائدية:

الفرع السادس: الجذور الفكرية والعقائدية: · نصوص الكتاب المقدس، وبخاصة نصوص العهد القديم. · الديانات الوثنية. · الفلسفة الأفلاطونية الحديثة. · الأفكار والمبادئ الصهيونية والتلمودية. · يعتقد بعض الباحثين أن الإصلاحات التي نادت بها حركة الإصلاح، ونتج عنها البروتستانتية قد تأثرت بالإسلام.

الفرع السابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع السابع: الانتشار ومواقع النفوذ: تنتشر الكنائس البروتستانتية في: ألمانيا، هولندا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، الدنمارك، وتوجد أقليات بروتستانتية في باقي الدول الأخرى. يتضح مما سبق: لا تختلف الكنائس البروتستانتية عن باقي الكنائس النصرانية، سواء في الإيمان بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس، تثليث في وحدة، أو وحدة في تثليث، حسب افترائهم. أو في الإيمان في عقيدة الصلب والفداء وتقديس الصليب. كانت لحركات الإصلاح البروتستانتية الأثر الكبير في كشف عورات الكنيسة الكاثوليكية، وفي فضح سلوك القائمين عليها. كما أنها أفسحت المجال أمام العلماء والمفكرين وعامة المؤمنين بالكنيسة في حق فهم الكتاب المقدس، وبالتالي كسرت احتكار رجال الدين لهذا الأمر، مع ما نشأ عن ذلك من آثار سلبية عديدة على النصرانية بوجه عام، وعلى الكتاب المقدس بوجه خاص، حيث تعرض للنقد الشديد والتشكيك في صحة نصوصه. مع أن البروتستانت قرَّروا حرية البحث والنظر في الأمور الاعتقادية، إلا أنهم حرَّموها فيما بعد كالكاثوليك، بل وأصبحت حرية الفكر عندهم مقتصرة فقط على نقد رجال الكنيسة الكاثوليكية. فقد عذَّبوا رجالاً من أجل عقائدهم، مثل سرفيتوس الإسباني، ومنعوا كتباً من النشر؛ لأنها تحوي في نظرهم ما لا يتفق وتعاليم الكتاب المقدس. يقول هربرت فيشر في أصول التاريخ الأوروبي الحديث عن لوثر: (لم يكن يؤمن بالبحث الحر ولا بالتسامح). وينقل غوستاف لوبون في كتابه روح الثورات والثورة الفرنسية تصريحاً للوثر بأنه لا يجوز للنصارى أن يتَّبعوا غير ما جاء في الكتاب المقدس. وعن موقف حركة الإصلاح الديني من العلم، يقول (أ. وولف) في كتابه عرض تاريخي للفلسفة والعلم: (أما من حيث حركة الإصلاح الديني فإن المصلحين كانوا لا يقلُّون تعصباً عن رجال الكنيسة الكاثوليكية إن لم يزيدوا عليها). ولذلك فإنهم هاجموا النظريات العلمية، واضطهدوا من يقول بها، ويقول كلفن بعد أن أعلن كفر من يقول بدوران الأرض: (مَن مِن الناس يجرؤ على أن يضع سلطة كوبر نيكوس فوق سلطة الروح القدس؟). لم يكن اضطهاد العلماء في تلك الفترة بأقل من اضطهاد الفلاسفة. فكما حاربت البروتسانتية النظريات العلمية المخالفة لنصوص الكتاب المقدس، كذلك حاربت العقل، واضطهدت الفلاسفة أمثال آرازموس الذي حاول التوفيق بين العقل والكتاب المقدس. يذكر ديورانت في قصة الحضارة تصريحات للوثر تبين تطرفه في إنكار العقل حيث يقول: (أنت لا تستطيع أن تقبل كلًّا من الإنجيل والعقل، فأحدهما يجب أن يفسح الطريق للآخر) ويقول: (إن العقل أكبر عدو للدين). نتيجة للحروب بين الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية، واضطهاد العلماء وقتلهم، وقتل الروح العلمية والفكرية، وتطرُّف زعماء حركة الإصلاح البروتستانتي في ذم العقل، أدَّى ذلك كله إلى ظهور الأفكار المناوئة للدين، وتعالت الصيحات الإلحادية التي تطالب بحرية الفكر وسيادة العقل، واعتباره المصدر الوحيد للمعرفة، وأيضاً المناداة بفصل الدين عن الدولة. استطاع اليهود تهويد بعض الكنائس البروتستانتية، وتسريب الأفكار الصهيونية، وإنشاء أحزاب وكنائس تتبناها وتدعو إليها من خلال ما يعرف بالصهيونية المسيحية. وللحقِّ فإن هناك من داخل الكنيسة الإنجيلية في أمريكا مَنْ وقف لهم بالمرصاد مثل: المجلس الوطني للكنائس المسيحي، الذي يضمُّ (34) طائفة يبلغ عدد أتباعها نحو الأربعين مليون شخص. وتتعاطف الكنائس الإنجيلية: المشيخية، المنهجية، المعمدانية، الأسقفية، بنسب متفاوتة مع هذا الاتجاه. مراجع للتوسع:

- الموسوعة العربية، إشراف محمد شفيق غربال- دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. - الموسوعة الثقافية، مدير التحرير/ فايزة حكيم رزق الله - دار الشعب- مصر. - دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب، بطرس البستاني - دار المعرفة - بيروت. - قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود ومحمد بدران، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. - روح الثورات والثورة الفرنسية، د. غوستاف لوبون، ترجمة محمد عادل زعيتر، المطبعة العصرية. - عرض تاريخي للفلسفة والعلم، أ. وولف، ترجمة محمد عبد الواحد خلاف، مطبعة لجنة التأليف والترجمة. - المصلح مارتن لوثر- حياته وتعاليمه، د. القس حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر. - جون كلفن – دراسة تاريخية عقائدية، تأليف د. القس حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر. - حديث مع جون كلفن، القس لبيب مشرقي، دار نوبار، مصر. - إيماني الإنجيلي، د. القس فايز فارس، القس منيب عبد النور، القس إميل زكي. - تاريخ الفكر المسيحي، د. القس حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر. - محاضرات في النصرانية، الشيخ محمد أبو زهرة. - موقف الإسلام والكنيسة من العلم، عبد الله سليمان المشوخي، مخطوط على الآلة الكاتبة. - الأصول الوثنية للمسيحية، أندريه نايتون، إدغار ويند، كارل غوستاني يونج، ترجمة سميرة عزمي الزين. سلسلة من أجل الحقيقة، من منشور المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. - مصلح في المنفى جون كلفن - موجز عن حياته ومبادئه، د. هاري إيبرتس، ترجمة وليم وهبة بباوي. - من يجرؤ على الكلام، بول فنرلي. - النبوءة والسياسة، غريس هالسل، ترجمة محمد السماك، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية. - الصهيونية المسيحية، محمد السماك، دار النفائس. - المسيحية والسيف، رواية شاهد عيان لإبادة ملايين البشر في الأمريكتين، سلسلة من أجل الحقيقة -3 - من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. - النشاط السري اليهودي في الفكر والممارسة، غازي محمد فريج، دار النفائس، بيروت. - شهود يهوه، بين برج المراقبة الأمريكي وقاعة التلمود اليهودي، حسين عمر حمادة، دار قتيبة، دار الوثائق، دمشق، بيروت. - شهود يهوه – أبو إسلام أحمد عبد الله - بيت الحكمة - القاهرة - مصر. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع: المارونية:

الفرع الأول: التعريف: المارونية، طائفة من طوائف النصارى الكاثوليك الشرقيين، قالوا بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، ينتسبون إلى القديس مارون، ويعرفون باسم الموارنة متخذين من لبنان مركزاً لهم.

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: تنتسب هذه الطائفة إلى القديس مارون الذي انعزل في الجبال والوديان، مما جذب الناس إليه مشكِّلين طائفة عرفت باسمه، وكانت حياته في أواخر القرن الرابع الميلادي، فيما كان موته حوالي سنة (410) م, بين أنطاكية وقورس. - وقع خلاف شديد بين أتباع مارون وبين كنيسة الروم الأرثوذكس مما اضطرهم إلى الرحيل عن أنطاكية إلى قلعة المضيق قرب أفاميا على نهر العاصي، مشيِّدين هناك ديراً يحمل اسم القديس مارون. - وقع كذلك خلاف آخر في المكان الجديد بينهم وبين اليعاقبة الأرثوذكس من أصحاب الطبيعة الواحدة عام (517) م, مما أسفر عن تهديم ديرهم، فضلاً عن مقتل (350) راهباً من رهبانهم. - خلال فترة الرحيل نالهم عطف الإمبراطور مرقيانوس الذي وسَّع لهم الدير عام (452) م. وعطف الإمبراطور يوستغيان الكبير (527 - 565) م, الذي أعاد بناء ديرهم بعد تهديم اليعاقبة له. وكذلك عطف الإمبراطور هرقل الذي زارهم سنة (628) م, بعد انتصاره على الفرس. - احتكم الموارنة واليعاقبة عام (659) م, إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - لإنهاء الخلاف بينهم، لكن الخصومة استمرت؛ إذ حدثت حروب انتقامية بين الطرفين مما أسفر عن هجرة الموارنة إلى شمالي لبنان، وهو المكان الذي أصبح موطناً لهم فيما بعد. - ظهر في موطنهم الجديد بلبنان القديس يوحنا مارون الذي يعتبر صاحب المارونية الحديثة ومقنن نظريتها ومعتقدها، وتتلخَّص سيرة حياته فيما يلي: - ولد في سروم قرب أنطاكية، وتلقَّى دراسته في القسطنطينية. - عُيِّن أسقفًّا على البترون على الساحل الشمالي من لبنان. - أظهر معتقد الموارنة سنة (667) م, الذي يقول بأن في المسيح طبيعتين، ولكن له مشيئة واحدة لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد. - لم تقبل الكنائس النصرانية هذا الرأي، فدعوا إلى مجمع القسطنطينية الثالث الذي عقد سنة (680) م، وقد حضره (286) أسقفا، وقرَّروا فيه رفض هذه العقيدة، وحرمان أصحابها ولعنهم وطردهم، وتكفير كل من يذهب مذهبهم. يعدُّ يوحنا مارون أول بطريرك لطائفة الموارنة، وبه يبدأ عهد البطاركة المارونيين. تصدَّى بجيش من الموارنة لجيش قاده يوستغيان الثاني الذي أراد هدم معابدهم واستئصالهم، إلا أن الموارنة هزموه في أميون مما أظهر أمرهم كأمة جبلية ذات شخصية مستقلة. لقد تحايلت كنيسة روما بعد ذلك عليهم في سبيل تقريبهم منها، حيث قام البطريرك الماروني أرميا العمشيتي بزيارة لروما حوالي سنة (1113) م، وعند عودته أدخل بعض التعديلات في خدمة القداس وطقوس العبادة وسيامة الكهنة. ولقد زاد التقارب بينهما حتى بلغ في عام (1182) م, إعلان طاعتهم للكنيسة البابوية، أما في عام (1736) م, فقد بلغ التقارب حد الاتحاد الكامل معها، فأصبحت الكنيسة المارونية بذلك من الكنائس الأثيرة لدى باباوات روما. لقد كان لهم دور بارز في خدمة الصليبيين من خلال تقديمهم أدِلَّاء؛ لإرشاد الحملة الصليبية الأولى إلى الطرق والمعابر، وكذلك إرسالهم فرقة من النشابة المتطوعة إلى مملكة بيت المقدس. لقد بلغ رجالهم القادرون على القتال (40,000) على ما ذكر مؤرخو الحروب الصليبية. احتلَّ الموارنة في الممالك التي شيَّدها الصليبيون المرتبة الأولى بين الطوائف النصرانية، متمتعين بالحقوق والامتيازات التي يتمتَّع بها الفرنجة، كحقِّ ملكية الأرض في مملكة بيت المقدس.

لويس التاسع كان أول صديق فرنسي لهم؛ إذ تقدم إليه- عندما نزل إلى البر في عكا- وفدٌ مؤلَّف من خمسة عشر ألف ماروني، ومعهم المؤن والهدايا، وقد سلَّمهم بهذه المناسبة رسالة مؤرَّخة في (21/ 5/ 1250) م, فيها تصريح بأن فرنسا تتعهَّد بحمايتهم، فقد جاء فيها: (ونحن مقتنعون بأن هذه الأمة التي تعرف باسم القديس مارون هي جزء من الأمة الفرنسية). استمرَّ هذا التعاطف من الغرب مع الموارنة في الأجيال التالية، وذلك عندما أرسل نابليون الثالث فرقة فرنسية؛ لتهدئة الجبل عام (1860) م، وكذلك بعد الحرب العالمية الأولى عندما صار لبنان تحت الانتداب الفرنسي. تيوفيل (تيوفيلوس) بن توما من شمال سوريا، ماروني، كان يعمل منجِّماً في قصر الخليفة العباسي المهدي (775 - 785) م, كما قام بترجمة إلياذة هوميروس. المؤرخ إسطفانوس الدويهي المشهور، ماروني، توفي سنة (1704) م. البطريرك جرجس عميرة، ماروني، ألّف أول غراماطيق سرياني، واضعاً قواعده باللاتينية؛ تسهيلاً على المستشرقين دراسة هذه اللغة. من مشاهيرهم: يوسف حبيش وبولس مسعد ويوحنا الحاج والبطريرك إلياس الحويك. ومن الأساقفة: المطران جرمانوس فرحان ويوسف سمعان السمعاني ويوحنا حبيب ويوسف الدبس. ومن بيوتاتهم المعروفة: آل خازن ودحداح وحبيش والسعد وكرام والظاهر والبستاني والشدياق والنقاش والباز .. ومن زعاماتهم المعاصرة: آل جمَيِّل، وشمعون، وفرنجية، وإده .. من تنظيماتهم السياسية الحزبية العسكرية حالياً: حزب الكتائب وحزب الأحرار. منذ عام (1943) م, حتى اليوم استقرَّ الأمر بأن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية من الطائفة المارونية، وذلك بموجب الميثاق الوطني الذي تمَّ فيه الاتفاق شفويًّا بين المسلمين والنصارى حول توزيع المناصب الرئيسية للدولة اللبنانية على مختلف الطوائف الدينية فيها.

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات: أهم نقطة تميزهم عن بقية الطوائف النصرانية هو معتقدهم بأن للمسيح طبيعتين، وله مشيئة واحدة، وذلك لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد. عقيدة المشيئة الواحدة قال بها بطريرك الإمبراطور هرقل أيضاً (638) م؛ ليوفق بين عقيدة أصحاب الطبيعة الواحدة الذين يشكِّلون الأكثرية من رعاياه النصارى في سوريا وبين أصحاب العقيدة الأرثوذكسية للكنيسة البيزنطية، إلا أن هذه المحاولة لم تفلح في سد الثغرة بينهما. يعتقدون أن خدمة القداس عندهم مأخوذة عن تلك الخدمة التي ينسبونها إلى القديس يعقوب، كما يعتقدون أن هذه الخدمة إنما هي أقدم خدمة في الكنيسة المسيحية؛ إذ إن أصولها ترجع إلى العشاء الرباني الأخير. ما تزال الكنيسة المارونية تحتفظ باللغة السريانية في القداس إلى يومنا هذا. وما يزال الطابع السرياني سارياً حتى في الكنائس التي تعترف بسلطة البابا. منذ أوائل القرن الثالث عشر تمَّ إدخال بعض التعديلات على الطقس الماروني القديم، وذلك في عهد البابا أنوسنت الثالث؛ ليكون أكثر تلاؤماً مع الطقس اللاتيني ومن ذلك: تغطيس المعمود ثلاث مرات في الماء. طلبة واحدة للثالوث. تكريس الأحداث على أيدي المطارنة فقط. لقد صار الكهنة يتبعون الزي اللاتيني في لبس الخواتم والقلنسوة التي تشبه التاج والعكاز. استعمال الأجراس بدلاً من النواقيس الخشبية التي تستعملها سائر الكنائس الشرقية في الدعوة إلى القداس، متبعة بذلك التقليد اللاتيني.

الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: الموارنة فرع عن الكاثوليك الشرقيين، الذين هم بدورهم فرع عن النصرانية بشكل عام؛ لذا فإن جذورهم هي نفس الجذور النصرانية. يمتازون بالمحافظة الشديدة على تراثهم ولغتهم السريانية القديمة، وقد اقتربوا على مدار الزمن من الكنيسة البابوية بروما بعد إدخال عدد من التعديلات على الطقوس المارونية القديمة.

الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: البداية في أنطاكية، ومن بعدها رحلوا إلى قلعة المضيق، وأخيراً صاروا إلى جبال لبنان موطنهم الحالي منذ النصف الثاني من القرن السابع الميلادي. منذ القرن الخامس عشر الميلادي أصبح دير قنُّوبين شمالي لبنان فوق طرابلس المبني في صخر من صخور وادي قاديشا (أي: المقدس) مقرًّا للبطريركية المارونية، كما أصبحت بكركي المبنية فوق جونية المقر الشتوي حتى يومنا هذا؛ إذ لا يزال سيد بكركي يُلقَّب ببطريرك أنطاكية وسائر الشرق؛ ذلك لأنه مستقل عن سائر البطاركة الشرقيين، كما تخضع لإدارته مطارنة وأبرشيات وجمعياتٌ رهبانية مختلفة. عندما استردَّ صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس غادر الملك غوي دي ليزنيان إلى قبرص، فتبعه جمهور كبير من الموارنة؛ لوقوفهم إلى جانب الصليبيين إبَّان الاحتلال، مستوطنين هناك الجبل الذي يقع شمالي نيقوسيا. لقد فرَّ كثير من الموارنة من لبنان بسبب الحروب والهجرة، فوصلوا إلى تكريت وغيرها من المدن بين دجلة والفرات منذ القرن الثاني والثالث عشر، كما ذهب بعضهم تجاه سوريا الداخلية مستوطنين دمشق وحلب، وفريق ذهب إلى القدس، وهبط بعضهم الآخر إلى مصر ورودس ومالطة، وهاجر آخرون إلى أمريكا وأفريقيا وإندونيسيا، وما يزال أغلبهم يعيشون في لبنان، ولهم أكبر الأثر في توجيه السياسة اللبنانية المعاصرة. ويتضح مما سبق: أن المارونية طائفة من النصارى الكاثوليك الشرقيين، الذين كانوا دائماً على خلاف مع معظم الطوائف الأرثوذكسية؛ لأنهم يقولون بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، وهم يتخذون من لبنان مركزاً لهم، وقد أعلنوا طاعتهم لبابا روما عام (1182) م، وقد تعاونوا مع الفرنجة إبَّان الحروب الصليبية، ومنذ عام (1943) م, تمَّ الاتفاق بين المسلمين والنصارى في لبنان، على أن يكون رئيس الدولة مارونيًّا. مراجع للتوسع: - النصرانية والإسلام، المستشار محمد عزت إسماعيل الطهطاوي - مطبعة التقدم - مصر - (1977) م. - محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة - ط3 - مطبعة يوسف - مصر - (1385هـ/ 1966) م. - أضواء على المسيحية، محمد متولي شلبي - نشر الدار الكويتية - (1387هـ/1968) م. - تاريخ لبنان، د. فيليب حتى - ط2 - دار الثقافة- بيروت - (1972) م. - خطط الشام، محمد كرد علي-ج6 - ط2 - دار القلم - بيروت – (1391هـ /1971) م. - مقارنة الأديان (المسيحية)، د. أحمد شلبي- ط5 - النهضة المصرية - القاهرة- (1977) م. - تاريخ الطائفة المارونية، اسطفان الدويهي - طبع بيروت - (1890) م. - التواريخ القديمة من المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء - نشر فليشر - ليبسغ- (1831) م. - التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق، سعيد بن البطريق - نشر شيخو - الجزء الثاني - بيروت - (1909) م. - تاريخ مختصر الدول، ابن العبري - نشره أنطوان صالحاني - بيروت - (1890) م. - التنبيه والإشراف، للمسعودي – طبعة دي غويه - ليدن- (1983) م. - المحاماة عن الموارنة وقديسهم، أفرام الديراني - بيروت- (1899) م. - تاريخ سورية، يوسف الدبس - ج5 بيروت - (1900) م. - الأديان المعاصرة، راشد عبد الله الفرحان – ط1 - شركة مطبعة الجذور - الكويت – (1405هـ/1984) م. المراجع الأجنبية: - W. Wright. Catalogue of Syriac Manuscripts in the British Museum (London, 1871). - Edward Gibbon. The History of the Decline and Fall of the roman Empire. ed.J.Bury. Vol. V (London. 1898). - A History of Deeds Done Beyond the Sea. Tr. Emily A. Babcock and A.C Krey (New York. 1943). - Fausto (Murhij) Naironi. Dissertation de Origine, Nomineac religione Maronit arum (rome. 1679). - Pierre Dib, Leglise Maronite, Vol. 1, (Paris, 1930). - Bernard G.Al- Ghaziri. rone et Leglise Syrienne-Maronite (paris, 1906) . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الخامس: الجزويت:

الفرع الأول: التعريف: الجزويت فرقة كاثوليكية يسوعية تنتشر في أوروبا بصفة عامة، وفي البرتغال وإسبانيا وفرنسا بصفة خاصة، وهي جمعية دينية متعصبة، تهدف حالياً إلى القضاء على الدين الإسلامي.

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: أنشأها قسيس فرنسي يُدعَى أنياس لايولا في القرون الوسطى، وقد ساهمت في القضاء على المسلمين في الأندلس من خلال محاكم التفتيش، ويقوم عليها الآن مجموعة كبيرة من القسس والرهبان.

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات: يلتزم الرهبان الذين ينتمون إليها بالمحافظة على أسرارها، وعدم إفشائها ولو لأعضائها. يلتزم أعضاؤها كذلك بالمحافظة على سرية تعليماتها، والحيلولة دون وصولها إلى أيدي الأجانب بشكل عام، والأعداء بشكل خاص. بعد طرد هذه الجمعية من كثير من الدول الأوروبية، بدأت تستقطب عطف الساسة والمسئولين من خلال إظهار العداء للدين الإسلامي، والتغلغل في الدول الإسلامية؛ لبث الأفكار الهدامة بين المسلمين من خلال المدارس، وتحت غطاء دور الخير والبر. تتستر هذه الجمعية خلف أعمال البر، كإنشاء المدارس والمستشفيات في شتَّى بقاع العالم، وتظهر العطف على المرضى، وتلزم أعضاءها باصطناع التواضع؛ لاستقطاب الناس إليها، وإلى الدين النصراني. تقبل التبرعات وتتفنَّن في أساليب جمع الأموال، ولكي تنفي عن نفسها مظنة الاكتناز، فإنها تتبرع ببعض الأموال في نفس المكان؛ للإيهام بأن هدفها هو خدمة الفقراء. يلتزم أعضاء الجمعية بالمحافظة على هيبتها، فلا يختلفون أمام الغير، بل يظهرون تماسكهم، ورغبتهم في خدمة الآخرين. عندما يذهب أعضاء الجمعية إلى إحدى المدن لأول مرة، فإنهم يجتنبون المبادرة إلى شراء الأرض، مدة معينة، حتى إذا ما ثبت أن شراء الأرض يعتبر ضروريًّا، قاموا بالشراء، وغالباً ما يتمُّ شراء الأرض باسم مستعار حتى لا تهتزَّ ثقة الناس في الجمعية. تعتبر واردات الجمعية سرًّا مقدساً، فلا يطَّلع عليها إلا رئيس الرهبان، وتعتبر خزانة الجمعية في روما، بكافة محتوياتها، سرًّا مقدساً كذلك، فلا يجوز إفشاؤه. الهدف الأساسي لهذه الجمعية الآن هو القضاء على أتباع الديانات الأخرى، لاسيما الدين الإسلامي، لذلك فإن أعضاءها لا يستنكفون عن استخدام كافة أساليب الاستمالة، ووسائل جذب الناس من أجل تنصيرهم. ولتحقيق هذا الهدف، فإن هذه الجمعية تعمل على كسب ثقة رجال الدولة، وإرضائهم، والإشادة بهم، وغضِّ الطرف عن ممارساتهم غير السوية، وأعمالهم غير المستقيمة، وإفهامهم عند الاقتضاء أن الرب قد غفر لهم. كما تعمل هذه الجمعية على كسب ثقة حكام البلدان التي يمارسون التبشير فيها، فيرسلون إليهم مندوبين على درجة عالية من الذكاء والدهاء والثقافة، ويحرص هؤلاء المندوبون على إيهام أولئك الحكام أنهم موفدون من قبل بابا روما، وأنهم يحملون إليهم تحياته. يتجنب أعضاء الجمعية التكلف في اللباس، ولا يقبلون الهدايا لأنفسهم، بل يحيلونها إلى دير الجمعية القريب من مكان وجودهم، حتى يدخلوا في روع الناس أنهم مخلصون، فيزداد العطف على الجمعية. يحاول أعضاء الجمعية بكافة الطرق الحيلولة دون إنشاء أو تأسيس أية مدارس بالقرب من مدارس الجمعية، التي تهتمُّ بالرياضة البدنية، وتتفانى في القيام بالعملية التربوية خير قيام، مع معاملة الدارسين معاملة حسنة، حتى يثقوا في هيئة التدريس وما تبثُّه من أفكار تبشيرية. تعمل الجمعية بكافة الطرق الممكنة على كسب ود النساء الأرامل، وإذا كان لإحداهن راهب من غير الجمعية فإنه يتمُّ إبعاده، ويستبدل به راهب من الجمعية؛ لإدارة أعمالها بالتدريج. ولكي تتمَّ السيطرة التامة على الأرامل: فإن الجمعية ترغبهن في التصدق على الفقراء باسم المسيح ومريم، ويستمرُّ هذا الوضع حتى تنفد جميع أموالهن، وفي سبيل ذلك فإن هذه الجمعية لا تستنكف عن مساعدة هؤلاء الأرامل في إشباع رغباتهن، وقضاء وطرهن عند الاقتضاء.

وإذا كان للأرامل بنات فإنه يتم إقناعهن بالرهبنة أو التربية النصرانية، أما البنون فإنه يتمُّ حثُّهم على أن يغشوا الأديرة والكنائس، مع إغراقهم في الملذات، والتلميح لهم بأنه لا إثم في العلاقات الجنسية الحرة، كما تيسِّر لهم سبل الانخراط في معسكرات صيفية، يتمُّ فيها إقناعهم بأهمية التربية النصرانية. يكرِّر أعضاء الجمعية زياراتهم للمرضى الميئوس من حالتهم، ويتمُّ تخويفهم من النار، وحثُّهم على التصدق بكل أموالهم للجمعية. كل من يخرج على المبادئ الهدامة لهذه الجمعية، يُطرد ويتمُّ اجتنابه، ويُحرم من كافة الامتيازات التي يتمتع بها الأعضاء، ويتمُّ الطرد بوجه خاص، عند تشويه سمعة الجمعية، أو إفشاء أسرارها، أو الإضرار بأعضائها، أو الكسل وعدم القيام بالمهام المنوطة به. تحاول الجمعية الحصول على الأسرار السياسية، والأخبار الموثوقة والخطيرة، وإخبار الحكام بها؛ للفوز بمكانة مرموقة لديهم، تساعدهم على اجتذاب أصحاب الثروات والنفوذ والأسر الكبيرة للجمعية. تحافظ الجمعية على هيبتها في نفوس الآخرين، من خلال إفهامهم أنها تأسست على يد الراهب شوواكيم بإلهام إلهي؛ للحدِّ من انحراف الكنيسة، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، ونشر دين عيسى في جميع أنحاء العالم، وبذا تبرِّر مسلكها القديم الذي كانت تبيع فيه صكوك الغفران، وترسم معالم طريقها الجديد الذي تقضي فيه على الإسلام والمسلمين. ويتضح مما سبق: أن الجزويت فرقة كاثوليكية يسوعية، تتستر خلف أعمال البرِّ كإنشاء المدارس والمستشفيات وغيرهما؛ لتستقطب الناس للنصرانية، لاسيما المسلمين منهم، وتحاول هذه الفرقة الغوص في أعماق الأسرار السياسية، ومدَّ بعض الحكام بها؛ للفوز بمكانة مرموقة لديهم، تمنحهم نفوذاً كبيراً لمباشرة عمليات التبشير، وهو تبشير يعتمد على هدم القيم الدينية، ونشر الرذائل، والقول بطبيعية العلاقات الجنسية الحرة، وإشاعة الأفكار الهدَّامة بين المسلمين، ومن ثمَّ جعلهم لبنة هشة تقبل التشكيل الذي يلائم أهداف هذه الفرقة.

الفرع الرابع: أماكن الانتشار:

الفرع الرابع: أماكن الانتشار: تتخذ هذه الفرقة من أوروبا ككل، مركز انطلاق لها، وهي تتركز في البرتغال وإسبانيا حيث الرغبة في القضاء على كلِّ أثر للإسلام هناك، وفي فرنسا حيث نشأت مقولة الحرية المطلقة في مجال العقيدة، وإيطاليا حيث بابا الفاتيكان، ومن هذه المرتكزات تمدُّ هذه الفرقة أذرعتها صوب التجمعات الإسلامية في دول حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا، وبخاصة في إندونيسيا. مراجع للتوسع: - محاضرات في النصرانية، دار الفكر العربي ط4 الشيخ محمد أبو زهرة. - دائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد وجدي، دار المعرفة، بيروت ط4. - حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، ط1 أحمد عبد الوهاب. - التبشير والاستعمار ط1، عمر فروخ ومصطفى الخالدي. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس: المورمون:

الفرع الأول: التعريف: المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًّا منشقة عن النصرانية الأم، تلبس لباس الدعوة إلى دين المسيح عليه السلام، وتدعو إلى تطهير هذا الدين بالعودة به إلى الأصل أي: إلى كتاب اليهود، ذلك أن المسيح - في نظرهم - قد جاء لينقذ اليهود من الاضطهاد، وليمكنهم من الأرض، إنها - كما تسمِّي نفسها - طائفة القديسين المعاصرين لكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، نبيها المؤسس هو يوسف سميث، وكتابها المقدس هو الكتاب المقدس الحديث.

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: ولد يوسف سميث في (23/ 12/ 1805) م, بمدينة شارون بمقاطعة وندسور التابعة لولاية فرمونت. وعندما بلغ العاشرة من عمره رحل مع والده إلى مدينة بالمايرا بمقاطعة أونتاريو التابعة لولاية نيويورك. في الرابعة عشرة من عمره انتقل مع أهله إلى مانشستر من نفس المقاطعة. ولما بلغ الخامسة عشرة وجد الناس حوله منقسمين إلى طوائف: الميثوديست، والمشيخي، والمعمداني .. فشعر باضطراب وقلق. في ربيع عام (1820) م, ذهب إلى غابة، وأخذ يصلِّي منفرداً، طالباً من الله الهداية، وبينما هو كذلك إذ شاهد - كما يزعم - نوراً فوق رأسه، تمثَّل هذا النور في شخصين سماويين هما الله، وابنه عيسى- تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً- وقد نهياه عن الانضمام إلى أي من هذه الفرق. يدَّعي بأن الوحي قد انقطع عنه، وأنه خضع لاضطهاد عنيف وسخرية من جراء جهره برؤيته هذه، وقد تورَّط خلال ذلك بزلَّات طائشة، إذ يقول عن نفسه: (وكثيراً ما أدَّت مخالطتي لشتى البيئات إلى اقتراف زلات طائشة، وللاتِّسام بما للشباب من نزق، وما للطبيعة البشرية من قصور، وقد ورَّطني ذلك للأسف في ألوان من التجارب والآثام المبغضة إلى الله، ولا يتبادر إلى الذهن بسبب هذا الاعتراف أني ارتكبت إثماً فظيعاً أو وزراً منكراً، فما كان بي نزوع قط إلى مثل هذه الأوزار أو تلك الآثام) شهادة يوسف (ص7). ـ كما يدَّعي أنه في مساء (21 سبتمبر 1823) م, نزل عليه ملاك من السماء اسمه موروني، وأخبره بأنه قد أعدَّه لمهمة ينبغي عليه إنجازها، وأخبره عن كتاب نقشت عليه كلمات على صحائف من الذهب، تروي أخبار القوم الذين استوطنوا القارة الأمريكية في الأزمنة الغابرة، وتاريخ السلف الذين انحدروا منهم، وأنبأه عن حجرين في قوسين من الفضة لترجمة الكتاب، وغادره هذا الملاك بعد أن نهاه عن إظهار أحد من الناس على هذه الصحف. في (18 يناير 1827) م, تزوَّج من فتاة اسمها إيما هيل، فكان له من حميه فيما بعد سنداً قويًّا أعانه على نشر فكرته، وذلك لما تتمتع به هذه الأسرة من مكانة طيبة. في (22 سبتمبر 1827) م, استلم الصحف - كما يزعم - متعهداً بإعادتها بعد نهوضه بالمطلوب. رحل عن مقاطعة مانشستر الأمريكية، وذهب إلى حيث حموه في مقاطعة سوسكويهانا بولاية بنسلفانيا، واستوطن مدينة هارموني. شرع في الترجمة بمساعدة مارتن هاريس الذي أخذ بعض الحروف وشيئاً من الترجمة، وعرض ذلك على الأستاذ تشارلز آنثون، والدكتور ميتشيل فأقرا بأن ما رأياه إنما هو ترجمة عن اللغة المصرية القديمة، وأن الأصل إنما يتألف من حروف مصرية قديمة، وحروف كلدانية، وحروف آشورية، وحروف عربية. في (25 مايو 1825) م, ذهب مع أوليفر كودري للصلاة في الغابة، حيث زعما أنه هبط عليهما يوحنا المعمدان (أي: نبي الله يحيى عليه السلام) وأمرهما بأن يعمد كل منهما الآخر، وأخبرهما بأنه قد جاء إليهما تنفيذاً لأمر بطرس يعقوب، ورسَّمهما لرعاية الكنيسة المورمونية. يدَّعي كل من أوليفر كودري، وداود ويتمر، ومارتن هاريس أنهم قد شاهدوا الصحف، وأنهم يشهدون على صحة الترجمة ودقتها، وبأن هذا الكتاب إنما هو سجل لقوم نافي ولإخوتهم اللامانيين. أعلن في عام (1830) م, وبحضور عدد من الشخصيات عن تأسيس كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة. رحل يوسف سميث وأتباعه عن نيويورك إلى مدينة كيرتلاند المجاورة لمدينة كليفلاند بولاية أوهايو حيث شيَّد هيكلاً عظيماً، كما أنه قام بعمل تبشيري واسع النطاق في تلك المنطقة وما جاورها. بعث بإحدى الإرساليات إلى ولاية ميسوري للتبشير ولاكتساب المؤيدين.

تعرَّضوا للاضطهاد فتنازلوا عن منازلهم ومزارعهم، ورحلوا إلى ولاية الينوي حيث اشتروا المستنقعات الشاسعة المهجورة على شاطئ المسيسبي، وقاموا بإصلاحها، وبنوا مدينة نوفو، أي: الجديدة. سجن يوسف سميث وأخوه هايرم في مدينة كارسيج بولاية الينوي لاتهامات ضدهما، وبينما هما في السجن دخل عليهما مسلحان مقنعان فقتلاهما بالرصاص. وقد حدث ذلك في (27 يونيو1844) م، فانتهت بذلك حياة هذا النبي المزعوم. آلت رئاسة الحركة والنبوة بعده إلى بريجام يونج الذي رحل بالقوم إلى جبال روكي حيث حدَّد لهم مكان إقامتهم، فبنوا مدينة سولت ليك، وقد خطط الهجرات إلى يوتاه؛ إذ كان بينهم آلاف البريطانيين والإسكندنافيين، كما يعتبر يونج مسئولاً عن هذه الرحلة المأساوية، والتي حدثت عام (1856) م, حيث مات أثناءها أكثر من مئتي شخص من أتباعه. ـ رؤساء الكنيسة هم الأنبياء، فقد تتابع هؤلاء الأنبياء - بزعمهم - وآخرهم سبنسر كيمبل، وقد زاد عدد أعضاء هذه الطائفة إذ بلغوا خمسة ملايين شخص تقريباً، وما يزالون في نمو وازدياد. هناك أقلية من المورمون لم توافق على سيطرة يونج بعد موت يوسف سميث، فقد بقي هؤلاء في الينوي مؤسسين - بالتعاون مع إيما سميث الزوجة الأولى لنبيهم ومع ابن سميث جوزيف - كنيسة يسوع المسيح للقديسين المعاصرين المعاد تنظيمها، ومركزها ميسوري، تنفيذاً لوصية النبي المؤسس الذي قال لهم: إن صهيون ستكون فيها. وقامت كذلك فئات أخرى منشقة، كل منها تدَّعي بأنها قد تلقَّت صحفاً فيها كتب قديمة مقدسة. أوليفر كودري، ومارتن هاريس، كانا ممن شارك في مرحلة التأسيس، وتلقَّيا الوحي المزعوم. وتتابع أنبياؤهم الذين هم رؤساء الكنيسة على النحو التالي: يوسف سميث. بريجام يونج. جون تيلور. ويلفورد وودروف. لورينزوسنو. هيبر جرانت. جورج ألبرت سميث. داود مكاي. يوسف فليدنج سميث. سبنسر كيمبل. يرد في كتبهم اسم: إلما، يارد، لحي، إنهم أنبياء في كتاب المورمون. لهم شخصيات بارزة في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات: الكتب المقدسة لديهم اليوم: الكتاب المقدس: يعتقدون بأنه مجموعة من كتابات مقدسة تحتوي على رؤى الله للإنسان، وأنها مخطوطات تتناول قروناً كثيرة منذ أيام آدم حتى الوقت الذي عاش فيه المسيح، وقد كتبها أنبياء كثيرون - على زعمهم - عاشوا في أزمنة مختلفة، وهو ينقسم إلى قسمين: 1 - العهد القديم: فيه كثير من النبوءات التي تنبَّأت بقدوم المسيح. 2 - العهد الجديد: يروي حياة المسيح وتأسيس الكنيسة في ذلك اليوم. كتاب المورمون: هو سجل مقدس لبعض الناس الذين عاشوا في قارة أمريكا بين (2000) ق. م, إلى (400) بعد الميلاد، وهو يروي قصة زيارة يسوع المسيح لشعب القارة الأمريكية بعد قيامه من الموت مباشرة (كما يعتقدون). وهذا الكتاب يعدُّ الحجر الأساسي لديهم، وإن الإنسان المورموني يتقرَّب إلى الله بطاعة تعاليمه، وقد قام يوسف سميث بترجمته إلى اللغة الإنجليزية بموهبة الله وقوته، وقد نزل به ملاك من السماء اسمه (موروني) على يوسف سميث. كتاب المبادئ والعهود: هو مجموعة من الرؤى الحديثة التي تخصُّ كنيسة يسوع المسيح، كما أعيدت إلى أصلها في هذه الأيام الأخيرة، وهو يوضح تنظيم الكنيسة وأعمالها ووظائفها، وفيه نبوءات عن حوادث ستأتي، وفيه أجزاء فيها معلومات مفقودة لمئات السنين، وفيه تعاليم الكتاب المقدس. الخريدة النفيسة: يحتوي على: 1ـ سفر موسى: فيه بعض رؤى موسى وكتاباته كما كُشفت ليوسف سميث في عام (1830) م. 2 ـ سفر إبراهيم: ترجمة يوسف سميث من درج بردي مأخوذ من مقابر المصريين القدماء. 3 ـ كتابات يوسف سميث ذاته: تحتوي على جزء من ترجمة الكتب المقدسة ومختارات من تاريخ الكنيسة المورمونية وبنود الإيمان لديهم ورؤية المملكة السماوية. 4ـ رؤية فداء الأموات: وهي تروي زيارة يسوع المسيح للعالم الروحي، وهي رؤية أعطيت للرئيس يوسف سميث في (3 أكتوبر 1918) م. إضافة إلى الكتب الأربعة السابقة، فإن كلمات الوحي والرؤى التي يذكرها أنبياؤهم تصبح كتباً مقدسة، وكل النشرات والتعاليم وقرارات المؤتمرات كلها تعتبر كتباً مقدسة أيضاً. بنود الإيمان لديهم: كما وضعها يوسف سميث ذاته: الإيمان بالله، الأب الأزلي، وبابنه يسوع المسيح، وبالروح القدس. الإيمان بأن البشر سيعاقبون من أجل خطاياهم، وليس بسبب تعدِّي آدم. الإيمان بأن جميع البشر يستطيعون أن يخلصوا عن طريق كفارة المسيح، وذلك بإطاعة شرائع الإنجيل ومراسيمه. الإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي: 1ـ الإيمان بالرب يسوع المسيح. 2ـ التوبة. 3ـ العماد بالتغطيس لغفران الخطايا. 4ـ وضع الأيدي لموهبة الروح القدس. الإيمان بأن الإنسان يجب أن يُدعى من الله عن طريق النبوة، ووضع الأيدي على يد هؤلاء الذين لهم السلطة لكي يبشر بالإنجيل، ويقوم بالمراسيم المتعلقة به. الإيمان بنفس التنظيم الذي قامت عليه الكنيسة القديمة، أي: الرسل والأنبياء والرعاة والمعلمون والمبشرون إلخ. الإيمان بموهبة الألسن والنبوة والرؤيا والأحلام والشفاء وتفسير الألسن. الإيمان بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله بقدر ما ترجم صحيحاً، والإيمان بأن كتاب المورمون هو كلمة الله. الإيمان بكل ما كشفه الله وبما يكشفه الآن وبأنه سيظل يكشف أموراً كثيرة عظيمة تتعلق بملكوت الله. الإيمان بتجمع إسرائيل واستعادة القبائل العشر، وأن دولة صهيون (أورشليم الجديدة) ستؤسس على القارة الأمريكية وأن المسيح سيحلُّ شخصياً على الأرض، وأن الأرض ستتجدد وتتسلم مجدها الفردوسي. يدَّعون امتياز عبادتهم لله القوي طبقاً لما يمليه عليهم ضميرهم كما يسمحون لجميع البشر بهذا الامتياز، فليعبدوا ما يريدون وكيف يريدون وأين يريدون.

الإيمان بأنه يجب عليهم الخضوع للملوك والرؤساء والحكام وأصحاب السلطة القضائية، كما يؤمنون بأنه يجب عليهم إطاعة القانون واحترامه وتعضيده. الإيمان بأنه يجب عليهم أن يكونوا أمناء وصادقين وأطهاراً ومحسنين وأصحاب فضيلة، وأن يعملوا الخير لكل البشر، وهم يسعون وراء كل شيء ذي فضيلة ومحبوب، ويستحق التقدير أو المدح. مراتبهم الدينية والتنظيمية: ينقسم الكهنوت لديهم إلى قسمين: 1 - كهنوت ملكي صادق: وهو أعظم كهنوت؛ إذ يملك التوجيه والتبشير بالإنجيل، كما يملك سلطة قيادة الكنيسة. 2ـ كهنوت هارون: وهو الكهنوت الذي منح لهارون ولأولاده خلال جميع الأجيال، وأصحاب هذا الكهنوت يقومون بمراسم الإيمان والتوبة والتعميد. خلاصة أفكارهم: يعتقدون أن الله هو على شكل إنسان له لحم وعظام، وبداخل جسده الملموس روح أزلية. كما يؤكدون على أن الإله متطور عن الإنسان، والناس يمكنهم أن يتطوروا إلى آلهة - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً-. الإنسان - كروح - ولد من والدين سماويين، وقد بقي هذا الإنسان في منازل الأب الأبدية قبل المجيء إلى الأرض في جسد مادي، كما أن المسيح هو الروح الأولى، فهو بذلك الابن الأكبر. يسوع المسيح هو الذي خلق الأرض وكل ما فيها، وخلق كذلك عوالم أخرى بتوجيه من أبيه السماوي. ثم خلق بعد ذلك الحيوانات. المسيح عليه السلام: أمه مريم العذراء التي كانت مخطوبة لشخص اسمه يوسف، وقد حلَّ عليها الروح القدس وقوة العلي ظلَّلتها، وولدها هو ابن الله، وقد جاء الولد وارثاً لسلطة إلهية من أبيه، ووارثاً الفناء من أمه. قام يوحنا المعمدان بتعميده وهو في الثلاثين من عمره، وقد صام أربعين يوماً؛ ليحارب الشيطان، كما أنه قد ظهرت على يديه معجزات. إن المسيح قد ضُرِبَ، وعُذِّبَ، ومن ثم صُلِبَ؛ ليسجل انتصاره على الخطيئة، وقد استودع روحه بين يدي أبيه، وقد ظل جسده ثلاثة أيام في القبر، ثم عادت إليه روحه فقام متغلباً على الموت. بعد قيامه بقليل ظهر في أمريكا، وأسَّس كنيسته، ثم صعد إلى السماء. وقد دخلت الوثنية إلى العقيدة المسيحية، كما حارب رجال الدين بعضهم بعضاً مما استوجب نزول المسيح مرة أخرى مع الله، وهبوطهما على يوسف سميث بغية إعادتها إلى الأرض مرة أخرى، كما كانت في الأصل. حواء ابنة مختارة أعطيت لآدم، وسمح لهما بالأكل من كل الأشجار عدا شجرة معرفة الخير والشر، وقد أغراهما الشيطان فأكلا منها، فأصبحا فانيين يشتغلان وينجبان. الروح القدس: عضو في الهيئة الإلهية، وله جسد من الروح في شكل إنسان، وهو يوجد في مكان واحد فقط في نفس الوقت، إلا أن نفوذه يصل إلى كل مكان. النبي رجل دعاه الله ليمثله على الأرض ويتكلم بالنيابة عنه، والنبوة لديهم مستمرة لا تنقطع. التعميد: ترمز المعمودية إلى الموت والقيامة، وذلك بأن ينزل رجل الدين إلى الماء مع الشخص الذي يريد تعميده، فيغطسه في الماء ثم يخرجه، وبذا تنتهي الحياة الخاطئة وتبدأ الحياة الجديدة، وهي تسمَّى الميلاد الثاني. القربان: كانت القرابين قبل المسيح تقدَّم على شكل ذبائح من الحيوانات، لكن كفَّارة المسيح بقتله أنهت هذا النوع من القرابين، وصارت عبارة عن خبز ونبيذ مصحوبة بالصلوات. وخلال رؤية حديثة لقديسي الأيام الأخيرة جعلوها خبزاً وماءً. يقدِّسون يوم السبت؛ لأن الله استراح فيه بعد انتهائه من خلق الكون، ولقد كان قيام المسيح بعد صلبه في يوم الأحد الذي صار محل تقديس عوضاً عن يوم السبت.

الصوم: هو الامتناع عن الطعام والشراب مدة أكلتين متتابعتين، وبذلك يصوم الشخص أربعاً وعشرين ساعة. فإذا أكل أحدهم العشاء فلا يجوز له أن يأكل مرة ثانية حتى العشاء الآخر. كما يقدِّم الصائم للقائد الكهنوتي إما مالاً أو طعاماً مساوياً لطعام الوجبتين، وهذا يسمَّى بعطاء الصوم. يحرمون شرب النبيذ، والمسكرات الكحولية والتبغ والدخان بكل أنواعه، ويمتنعون عن شرب القهوة والشاي لما يحتويان عليه من عقاقير مضرة. ويحذرون من تناول المرطبات وما فيها من مشروبات الصودا والمشروبات الفوارة والمياه الغازية، والكولا أشدها خطراً. وينبهون إلى عدم الإسراف في أكل اللحم من دون تحريم، ويبيحون تناول الفواكه والخضر والبقول والغلال، مركزين على القمح بخاصة؛ لاعتقادهم بأنه نافع لجسم الإنسان، ويؤدي إلى المحافظة على صحته وقوامه. وجدير بالذكر أن يوسف سميث كان يرقص ويشرب الخمر، ويشترك في المصارعة، وقد كتب يقول: (خلق الإنسان ليتمتع بحياته). يبيحون تعدد الزوجات ويجيزون للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء؛ لأن في ذلك إعادة لما شرعه الله في الأزمان الغابرة. ولا يسمحون بذلك إلا لذوي الأخلاق العالية على أن يثبتوا قدرة على إعالة أكثر من أسرة. وقد مارس يوسف سميث هذا التعدد. كما استمرت هذه العادة حتى عام (1890) م. تخلوا عن التعدد - ظاهريًّا- في عهد نبيهم ولفورد؛ نتيجة للضغط الشديد الذي قوبلوا به من الطوائف الأخرى، وكذلك بغية تمكنهم من الانضمام إلى السلطات الاتحادية. وعلى الرغم من التحريم الرسمي العلني إلا أنهم يمارسون التعدد سرًّا. يحرمون الزنى تحريماً مطلقاً، والذي يخطئ يمكنه التوبة والرجوع عن جميع خطاياه. يجب على كل فرد أن يدفع عُشر النقود التي يكسبها، على أن يكون ذلك مصحوباً بالفرح والسرور. يدفعون عطاء الصوم، ويدفعون اشتراكات مختلفة وعطايا لغير سبب، فكنيستهم بذلك من الكنائس الغنية الموسرة. من علامات القيامة: - الشرور والحروب والاضطرابات. - استعادة الإنجيل. - بزوغ كتاب المورمون. - اللامانيون يصبحون شعباً عظيماً. - بناء أورشليم الجديدة في ولاية ميسوري. - بيت إسرائيل يصبح شعب الله المختار. بعد الحساب هناك عدة ممالك: - المملكة السماوية: للذين تسلَّموا شهادة يسوع، وآمنوا باسمه وتعمدوا. - المملكة الأرضية: للذين رفضوا الإنجيل على الأرض ولكنهم استلموه في العالم الروحي. - المملكة السفلية: للذين لم يتسلموا الإنجيل ولا شهادة يسوع سواء على الأرض أو في العالم الروحي، ومع هؤلاء يكون الزناة والفجار. - الظلمة الخارجية: للذين شهدوا ليسوع بالروح القدس، وعرفوا قوة الرب، لكنهم سمحوا للشيطان بأن يتغلَّب عليهم، فينكروا الحق ويَتحَدُّوا قوة الرب. يؤمنون بالعهد الألفي السعيد الذي يدوم ألف سنة من تاريخ مجيء المسيح إلى الأرض، حيث يقوم كثير من الأموات، وبعضهم يختطف للقائه عندما ينزل، وهي القيامة الأولى. أما الأشرار فيهلكون في الأجساد ويبقون كذلك مع الأشرار من الأموات حتى انتهاء الألف سنة، حيث تأتي القيامة الآخرة. في فترة الألف سنة هذه تسود المحبة والسلام، ويملك يسوع شخصيًّا، وتجتمع الأرض في مكان واحد، فلن يكون هناك قارات مختلفة، وينمو الأطفال بدون خطيئة. لن يكون هناك موت؛ لأن الناس سيتغيَّرون من حالتهم الفانية إلى حياة الخلود في لحظة. في نهاية العهد الألفي سيطلق سراح الشيطان لمدة قصيرة، وتحدث معركة بين أتباع الأنبياء وأتباع الشيطان، وعندها ينتصر المؤمنون، ويطرد الشيطان إلى الأبد مدحوراً. المورمون واليهود: مما لا شك فيه أن لليهود دوراً فعالاً ونشيطاً في حركة المورمون ولذلك فهم:

يعتقدون بأن الله أعطى وعده لإبراهيم، ومن ثم لابنه يعقوب بأن من ذريته سيكون شعب الله المختار. وأن يعقوب الذي اسمه (إسرائيل) رزق باثني عشر ابناً يُعرفون بالأسباط. وأن هؤلاء الأنبياء ارتكبوا الشرور، فبدَّدهم الله في الأرض منقسمين إلى مملكتين: 1 - المملكة الشمالية: وتسمَّى إسرائيل حيث عاش فيها عشرة أسباط. 2 - المملكة الجنوبية: وتسمَّى مملكة يهوذا حيث عاش فيها سبطان فقط. الأسباط الشماليون هزموا في معركة ودفعوا إلى السبي، وقد هرب بعضهم وتاهوا في البلاد. بعد مائة عام انهزمت المملكة الجنوبية حوالي عام (600) ق. م. عندها ترك لحي وعائلته أورشليم مستقرين في القارة الأمريكية فكان منهم النافيون، وكذلك اللامانيون الذي يعتبرون من سلالة لحي. وقد هدمت أورشليم عام (586) ق. م. سبطا إسرائيل اللذان بقيا أُخِذا أسيرين، كما أعيد بناء أورشليم بعد المسيح، إلا أن الجنود الرومانيين قد خرَّبوها مرة ثانية. يصرِّحون بأنه في هذا الزمان قد وعد الرب بأنه سيجمع بني إسرائيل؛ ليتعلموا الإنجيل، كما أن موسى النبي قد نزل على يوسف سميث عام (1836) م, وأعطاه سلطة جمع بيت إسرائيل في هيكل كيرتلاند. بيت إسرائيل الآن في طريقه إلى الجمع؛ إذ إن آلافاً من الناس ينضمون إلى الكنيسة سنوياًّ من الإسرائيليين الذي ينتمون إلى عائلة إبراهيم ويعقوب إما بعلاقة الدم أو بعلاقة التبني حسب ادعاءاتهم. سيجمع سبطا إفرايم ومنسي في أرض أمريكا، وسيعود سبط يهوذا إلى أورشليم، كما أن الأسباط العشرة المفقودة ستتسلَّم البركات التي وعدت بها من سبط إفرايم في أمريكا. الإسرائيليون المشتتون في كل دولة يدعون للتجمع في حظيرة المسيح في أوتاد صهيون. هذا التجمع الحرفي لإسرائيل لن يتمَّ حتى المجيء الثاني للمخلِّص كما يزعمون. ستكون هناك عاصمتان في العالم: الأولى في أورشليم، والثانية في أمريكا؛ لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم تخرج كلمة الرب.

الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: لليهود دور في نشوء هذه الطائفة؛ تعزيزاً للانشقاق داخل الكنائس المسيحية، بغية السيطرة عليها. كتاب المورمون يشبه التلمود في كل شيء ويحاكيه، وكأنه نسخة طبق الأصل عنه. إن إسرائيل قد جنَّدت كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة، عاملة على استمرارية العون والمساندة النصرانية لها. يعملون على ربط صهيون أو القدس الجديدة بالأرض الأمريكية المقدسة - حسب وصايا الرب - انتظاراً لعودة المسيح الذي سيعود ليملك الأرض، ويملأها جنات خالدات. يقولون عن فلسطين في كتاب المورمون في الإصحاح العاشر الفقرة (31): (فاستيقظي وانتفضي من الثرى يا أورشليم، نعم والبسي حللك الجميلة يا ابنة صهيون، ووسِّعي حدودك إلى الأبد؛ لكي لا تعودي مغلوبة، ولكي تتحقق عهود الأب الأزلية التي قطعها معك، يا بيت إسرائيل). يقولون في الإصحاح الرابع عشر فقرة (6) مخاطبين المورمون: (لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دوركم قدام الخنازير؛ لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت لتمزقكم). نلاحظ تعانق الفكر الصليبي مع الفكر الصهيوني في نظرتهم إلى فلسطين، إنهم يقولون ذلك منذ عام (1825) م, يوم كانت فلسطين ما تزال جزءًا من أرض الإسلام.

الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: آمن بفكرة المورمون كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمِّس، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ثمانون بالمائة منهم في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتمركزون في ولاية يوتاه، حيث إن (68%) من سكان هذه الولاية منهم، و (62 %) من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجَّلون كأعضاء في هذه الكنيسة، ومركزهم الرئيسي في ولاية يوتاه الأمريكية. انتشروا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا الجنوبية، وكندا، وأوروبا، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعاً ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم. إنهم يوزعون كتبهم مجاناً، ودعوتهم تأتي خدمة لمصلحة إسرائيل، وتأكيداً لأهدافها المرسومة. ولهم (175) إرسالية تنصيرية، كما أنهم يملكون: شبكة تلفزيونية، وإحدى عشرة محطة إذاعية. ويملكون مجلة شهرية بالإسبانية، وصحيفة يومية واحدة. ويملكون مركزاً متطوراً جدًّا للمعلومات في مدينة سولت ليك في ولاية يوتاه الأمريكية. ويتَّضح مما سبق: أن المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًّا، انشقَّت عن النصرانية، وتدعو إلى التمسك بالكتب اليهودية وكتاب المورمون وكتاب المبادئ والعهود وغيرها، ويدعون إلى الإيمان بالمسيح الذي جاء - في نظرهم - لينقذ اليهود من الاضطهاد، والإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي: الإيمان بالرب يسوع المسيح كما يقولون، والتوبة والعماد بالتغطيس لغفران الخطايا ووضع الأيدي لموهبة الروح القدس. ويصل شركهم مداه عندما يقولون: إنهم يعتقدون أن الله تعالى هو على شكل إنسان له لحم وعظام، وبداخل جسده الملموس روح أزلية، كما أن البشر عندهم هم أبناء وبنات الله. مراجع للتوسع: هناك نشرات توزعها كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بمدينة سولت ليك بولاية يوتاه في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها: a) The Church of Jesus Christ of Latter-day Saints · ومن نشراتهم باللغة العربية ما يلي: - مبادئ الإنجيل. - دليل الشعبة. - دليل القائد الكهنوتي. - كلمة الحكمة. - شهادة يوسف سميث. - دليل العائلة. - ماذا عن المورمون – طبع الولايات المتحدة. - مقال عن المورمون في مجلة الأمة عدد (22) شوال (1402هـ/ آب 1982) م. - مقال في الموسوعة البريطانية عن المورمون. - ولهم كذلك نشرات باللغة الإنجليزية هي: - Succession in the Presidency. - W.H.Y. Famillies? - A Family home evening program suggested by the Church of Jesus Christ of latter-day saints. - The Mormons and the Jewish people. - The Lord’s Day. - What the Mormons think of Christ. - A Word of Wisdom, Mark E. Perersen. - Baptism. How and by Whom administered? ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي - بتصرف

المطلب السابع: شهود يهوه:

الفرع الأول: التعريف: هي منظمة عالمية دينية وسياسية، تقوم على سرية التنظيم، وعلنية الفكرة، ظهرت في أمريكا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كما تدَّعي أنها مسيحية، والواقع يؤكد أنها واقعة تحت سيطرة اليهود، وتعمل لحسابهم، وهي تعرف باسم (جمعية العالم الجديد) إلى جانب (شهود يهوه) الذي عرفت به ابتداء من سنة (1931) م، وقد اعترف بها رسميًّا في أمريكا قبل ظهورها بهذا الاسم وذلك سنة (1884) م.

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: أسَّسها سنة (1874) م, الراهب تشارلز راسل (1862 - 1916) م، وكانت تعرف آنذاك باسم مذهب الراسلية أو الراسليين نسبة إلى مؤسسها كما عرفت باسم الدارسون الجدد للإنجيل. وعرفت بعد ذلك باسم جمعية برج المراقبة والتوراة والكراريس Watch Tower Bible and Tract Society ثم استقرَّ الأمر أخيراً وعرفت باسم يهوه نسبة إلى يَهْوَه إله بني إسرائيل على ما تُردِّد توراتهم، (راجع سفر الخروج6: 2 - 4) (وكلَّم الله موسى قال له: أنا الرب. أنا الذي تجليت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب إلهاً قادراً على كل شيء، وأما اسمي يهوه فلم أعلنه لهم). ثم خلفه في رئاسة المنظمة فرانكلين رذرفورد (1869 - 1942) م الذي ألَّف سنة (1917) م, كتاب سقوط بابل، ويرمز ببابل لكل الأنظمة الموجودة في العالم. ثم جاء نارثان هرمر كنور (1905) م، وفي عهده أصبحت المنظمة دولة داخل الدولة كما يقال.

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات: إشاعة الفوضى الخلقية والتحلل من جميع الفضائل الإنسانية التي حثَّت عليها التعاليم الدينية. يؤمنون بيهوه إلهاً لهم، وبعيسى رئيساً لمملكة الله. يؤمنون بالكتاب المقدس للنصارى، ولكنهم يفسرونه حسب مصالحهم. الطاعة العمياء لرؤسائهم. يستغلون اسم المسيح والكتاب المقدس للوصول إلى هدفهم، وهو: إقامة دولة دينية دنيوية؛ للسيطرة على العالم. تهيئة النفوس لإقامة الدولة اليهودية الكبرى. نفي الحساب والعقاب في الآخرة، فلا إثم على من يقترف ذنباً أو معصية في دنياه. لا يؤمنون بالآخرة ولا بجهنم، ويعتقدون بأن الجنة ستكون في الدنيا في مملكتهم. يعتقدون بقرب قيام حرب تحريرية يقودها عيسى، وهم جنوده يزيحون بها جميع حكام الأرض. يقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تحبب إسرائيل واليهود إلى الناس، ويقومون بنشرها. لا يؤمنون بالروح وبخلودها، ولهم معابد خاصة بهم يسمونها القاعة الملكية أو بيت الرب. الأخوة الإنسانية مقتصرة عليهم دون من سواهم من البشر. يعادون النظم الوضعية، ويدعون إلى التمرد، ويعادون الأديان إلا اليهودية، وجميع رؤسائهم يهود. إشاعة الفوضى العالمية بتحريض الشعوب على التمرد على حكوماتهم، وشقِّ عصا الطاعة عليها، ومقاطعة جميع النشاطات الرسمية في الدولة، ويبررون ذلك بما جاء في كتابهم الأخضر (ليكن الله صادقاً بأنهم سفراء الله في ملكوته المقدس، ومن ثمَّ فهم يتمتعون بحصانة تعفيهم من الخضوع للحكومات المدنية أيًّا كانت مقوماتها). يعترفون بقداسة الكتب التي تعترف بها اليهودية وتقدسها، وهي 19 كتاباً. يقولون بالتثليث ويفسرونه بـ (يهوه، الابن، الروح القدس). يمرُّ العضو فيها بمراحل معقدة، ويخضع الالتحاق بها إلى شروط قاسية، وتنتظم عضوية جمعية شهود يهوه ثلاث مراتب: أعضاء الرجاء السماوي: وهم أعضاء الإدارة العليا، ويرأسهم العبد العظيم أو الحكيم، ويعرف مقره ببيت (إيل) أي: بيت الله. صف جلعاد أو الرجاء الأرضي: ويشمل من الأعضاء الرواد والمعاونين ونظار المناطق، وهؤلاء هم أعضاء الإدارة التنفيذية. المبشرون: ويعرف أعضاؤها بالخدم، وتضم هذه المرتبة الشهود، وهم الأعضاء المكلفون بتوزيع مطبوعات الجمعية ورسائلها. شعاراتهم ورموزهم: تبني المينورا، وهي الشمعدان السباعي الذي هو رمز اليهود الديني والوطني. تبني النجمة السداسية، وهي رمز لليهود كذلك. تبني اسم يهوه، ويكتبونه بالعبرية، وهو (الإله) عند اليهود. من كتب المنظمة: تنطق باسمهم مجلة كانت تصدر تحت اسم برج مراقبة صهيون، ثم عدَّلوها إلى: برج المراقبة؛ لإخفاء كلمة صهيون. هذا الخبر الجيد عن المملكة (المقصود مملكتهم المأمولة). الأساس في الإيمان بعالم جديد. لقد اقترب علاج الأمم. العيش بأمل نظام عادل جديد. الجذور الفكرية والعقائدية: يمكن اعتبارهم فرقة مسيحية منفردة بفهم خاص، إلا أنهم واقعون تحت سيطرة اليهود بشكل واضح، ويتبنون العقائد اليهودية في الجملة، ويعملون لأهداف اليهود. تأثَّروا بأفكار الفلاسفة القدامى واليونانيين منهم بخاصة. لهم علاقة وطيدة بإسرائيل وبالمنظمات اليهودية العالمية كالماسونية. لهم علاقة تعاون مع المنظمات التبشيرية والمنظمات الشيوعية والاشتراكية الدولية. لهم علاقة كبيرة مع أهل النفوذ من اليونانيين والأرمن.

الفرع الرابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع الرابع: الانتشار ومواقع النفوذ: لا تكاد تخلو دولة في العالم من نشاط لهذه المنظمة السرية الخطرة. مركزهم الرئيسي في أمريكا - حي بروكلين بنيويورك: 124 Columbia Heights. (i Brooklyn 1. New York - USA) وصل عدد البلدان التي يزاولون فيها نشاطهم سنة (1955) م إلى 158 دولة، وكان عددهم آنذاك (632929) عضواً، وعدد دعاتهم (1814) داعية، فكم يكون إذن عددهم الآن؟ وقد فطنت بعض الدول إلى خطورتهم فمنعت نشاطهم، وتعقبتهم، ومن هذه الدول: سنغافورة، لبنان، ساحل العاج، الفلبين، العراق، النرويج، الكاميرون، الصين، تركيا، سويسرا، رومانيا، هولندا .. وما يزالون ينشطون في هذه الدول بطريقتهم الخاصة السرية. أما في أفريقيا والدول الإسلامية فغالباً ما يكون نشاطهم بالتعاون مع المنظمات التبشيرية.

الفرع الخامس: طريقتهم في العمل:

الفرع الخامس: طريقتهم في العمل: يرون أنه ثبت بالدليل أن عدداً كبيراً من الناس لا يحضرون إلى المعابد، وأن أكثر من نصف الناس في بعض البلدان لا ينتمون إلى طائفة من الطوائف الدينية، وأن ملايين من المنتمين إلى الطوائف الدينية لا يحضرون عبادتهم، ولا يريدون أن يستمعوا إلى رجال الدين، فعملت شهود يهوه على أن تخفي نفسها تحت أستار أنها فرقة مسيحية تطوف بالبيوت والمقاهي والأندية العامة والطرقات، حاملة الكتب والمنشورات، تعرض فيها تعاليمها بحماسة مدعية أنها حاملة رسالة دين جديد يجمع تحت لوائه أهل الأديان كافة، تتظاهر بعدم معاداة أحد أو أية طائفة من الطوائف. كما عملت على عدم الاحتفاظ بأسماء أعضائها، واكتفت فقط بحفظ ناشري مطبوعاتها ونشراتها وعملت - أيضاً - على عدم الإعلان عمن يساعدها بالأموال في أداء مهامها. يصدرون آلاف الكتب والنشرات والصحف، ويوزِّعونها مجاناً مما يدلُّ على قوة رصيدهم المالي. لهم مدارس خاصة بهم ومزارع ودور صحافة ودور نشر .. ولكل منها إدارة خاصة بها. لهم مكاتب للترجمة والتأليف ولجان دينية عليا لتفسير الكتاب المقدس وفق مصلحتهم. لهم تعاون كبير مع المنظمات المماثلة التي تعمل لصالح اليهود. تستفيد هذه المنظمة من أعضائها في أعمال الاستخبارات والجاسوسية والدعاية. ويتضح مما سبق: أن منظمة شهود يهوه تدَّعي المسيحية، وتوالي اليهودية، وتعادي الإسلام، وهي من المنظمات المشبوهة التي يلزم وقف نشاطاتها في أي بلد إسلامي - إن وجد - وعدم السماح بتداول مطبوعاتها ومجلاتها تحت أي مسمى كان، ويكفي أن علاقتهم وطيدة بإسرائيل، وأن روابطهم وثيقة بعملاء التنصير. مراجع للتوسع: - شهود يهوه، د. محمد حرب. - كتابان باللغة التركية: الأستاذ حكمت تانيو وهما: - Yehora Sahitleri. - Tharih Boyunca Turkler ve Yahudiler. - الماسونية العالمية في ميزان الإسلام، عبد الله سمك، كلية أصول الدين بالقاهرة (1407هـ/ 1987) م. - شهود يهوه في الميزان، جبرائيل فرح البوس. - الصهيونية بين الدين والسياسة، عبد السميع الهراوي. - لهذا أكره إسرائيل، أمين سامي الغمراوي. - اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية، إيليا أبو الروس. - نظرة حول المؤامرات الدولية اليهودية، د. سعيد محمد أحمد بانجة. - الماسونية في العراء، د. محمد علي الزعبي. - شهود يهوه. التطرف المسيحي في مصر، أبو إسلام أحمد عبد الله. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثامن: الأبوس ديي:

الفرع الأول: التعريف: الأبوس ديي منظمة سرية دينية لا رهبانية نصرانية كاثوليكية معاصرة، تسعى إلى سيادة التعاليم الإنجيلية، والعودة إلى النصرانية الأولى كما هي موجودة في الإنجيل المتداول. وذلك وفق ضوابط تنظيمية دقيقة محكمة مع الاستفادة الكاملة من معطيات العصر الحديث، وتتلمس طريقها من خلال السيطرة على النواحي السياسية والاقتصادية والتربوية. واسمها يجمع بين اسمي جمعية الصليب المقدس، ومنظمة العمل الإلهي معاً. وتختلف عن الهيئات الأخرى في عدم ارتداء زيٍّ خاص بها، وسرية النذر، وعدم وجود حياة جماعية مشتركة بشكل إجباري، ومصادر دخلها تعتبر سرًّا من الأسرار.

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: - أسَّس هذه المنظمة القس خوسيه ماريا أسكريفا JOSE MArIA ESCrIVA في إسبانيا، وذلك في (2 أكتوبر 1928) م، وهو يزعم أنه قد اختير لهذه المهمة بوحي إلهي، وذلك كي يضفي على هذا التأسيس هالة من التقديس. - في عام (1930) م، تمَّ تأسيس الفرع النسائي للمنظمة على نفس نمط الفرع الرجالي تنظيماً وانتشاراً. - وجدت أفكار أسكريفا أرضاً خصبة في إسبانيا تحت حكم الجنرال فرانكو، وبخاصة عقب الانتهاء من الحرب الأهلية فيها. - للمنظمة أعضاء وصلوا إلى الوزارة في كل من إسبانيا وإيطاليا، ويشكِّلون ثقلاً مهمًّا في كلا البلدين. - لهم الآن ثلاثون نائباً على الأقل في البرلمان الإسباني ينتمون إلى المنظمة، ويتحرَّكون بإيحاءاتها. - هناك أساقفة وقساوسة منتمون سرًّا للمنظمة، ويعملون بين مختلف الطبقات الاجتماعية الإسبانية وفي صفوف الجيش. - ولهم رئاسة قسم الدراسات اللاهوتية في روما، وهو فرع من جامعة نافارا الإسبانية.

الفرع الثالث: الهيكل التنظيمي:

الفرع الثالث: الهيكل التنظيمي: - المجلس العام: ويتألَّف من الرئيس والسكرتير العام والنائب العام وشخصيات من أربع عشرة دولة، وهو الذي يتخذ القرارات الحاسمة باعتباره أعلى سلطة في المنظمة بجميع فروعها في العالم، وبأقسامها الثلاثة: القساوسة والمدنيين والفرع النسائي. - القساوسة: وهي أعلى درجة يطمح العضو فيها، ويرتقي إليها العضو النظامي، وحتى عندما يتحول العضو النظامي إلى قسيس فإنه لا يتخلَّى عن عمله المهني، ويصبح في هذه الحال طبيباً قسيساً أو محامياً قسيساً .. إلخ. - العضو النظامي وهي أعلى درجة في التنظيم. - الناذر نفسه (القربان) ويقوم بنذر نفسه للمنظمة، ويكرِّس حياته لها. - العضو غير النظامي. - المتعاون، علاقته كنصير أو مؤيد. - اعترفت الكنيسة الإسبانية بهذا الهيكل التنظيمي للأبوس ديي اعترافاً شبه رسمي، مما دعم مكانتها، وزاد في انتشارها. - لقي المؤسس اهتماماً من الفاتيكان مما جعله يقرر الانتقال من إسبانيا إلى روما، والإقامة هناك بشكل نهائي، جاعلاً منها المقر الرئيسي للمنظمة. - ظل إسكريفا رئيساً لهذه المنظمة طيلة حياته إلى أن توفي عام (1975) م. - يقوم تنظيم نسائي على يد أخوات الأعضاء البارزين في الحركة.

الفرع الرابع: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الرابع: الأفكار والمعتقدات: - أفكار دينية وتنظيمية: أهداف المنظمة دينية صرفة، فهي تعمل من أجل إعلاء النصرانية وفق العقائد الكاثوليكية، عن طريق التربية والسياسة والاقتصاد. - يتضمن نشاط المنظمة جهود رجال الدين، ومن غير رجال الدين، كما يشمل الرجال والنساء، ويعطي عناية خاصة للشباب. - يحرض التنظيم على أن يكون أعضاؤه قدوة حسنة، كما يحرص على السرية والكتمان. - يهدف التنظيم فيما يعلنون إلى تربية جادة صارمة لأعضائه، تقوم على الجدية، والعفة وحسن الخلق، بل والتقشف أيضاً، فكأنه يريد أن يحيي فيهم روح الأوائل. - يقوم التنظيم على ضوابط دقيقة في الانتساب، ثم في التعامل بين الأعضاء في مرحلة ما بعد الانتساب، وحتى في حالات الاستقالة أو الفصل، وتوزَّع الأمور توزيعاً موضوعيًّا يعطي المرء حق التظلم والاعتراض. - التنظيم عمل متكامل يهدف إلى المواءمة بين النواحي الروحية الدينية، وبين الاستفادة من كل ما تقدِّمه الحضارة الحديثة من أدوات تنظيمية دقيقة ذات أهداف ومناهج وضوابط وموارد مالية. - لقد نشأت هذه المنظمة في الأصل لتكون لصيقة بنظام الجنرال فرانكو، وكان لتأييده لها أثر مهم في زيادة نفوذها وانتشارها. - يمكن أن توصف المنظمة بأنها (مافيا دينية كاثوليكية) بوحي من أهدافها وحسب مصلحتها؛ للسيطرة السياسية والاقتصادية في إسبانيا بخاصة، وفي مختلف دول العالم بعامة. وقد شكَّلت المنظمة إمبراطورية اقتصادية صناعية تماثل أرقى وأحدث صور الإمبراطوريات الصناعية الاقتصادية المتعددة الجنسيات الموجودة في العالم. وهي متغلغلة في جميع الأوساط والطبقات. - تحاول المنظمة الوقوف بكل حزم أمام تيار المنظمات اليسارية والليبرالية والماسونية. - إذا أظهر المرشح رغبة للانضمام فإن عليه أن يخضع (لإرادة الرب)، وإرادة الرب عندهم هي أن يدخل المرء في هذه المنظمة، وبعد ستة أشهر تقريباً من العيش داخل المنظمة وروحانيتها يقبل المرشح بشكل رسمي. - بعد ستة أعوام من الانضمام تقام حفلة (الإخلاص والوفاء) لتأكيد عضوية المتقدم بشكلٍ نهائي، حيث يعطي خاتماً عليه قطعة من الحجر الكريم يفرض عليه حمله طوال حياته. - كثير من أعضاء المنظمة يجعلون من الحمار شعاراً لهم، ويقولون: إن المسيح قد دخل القدس وهو راكب على ظهر حمار. ومن صلوات إسكريفا قوله مخاطباً ربه: (أنا حمارك الجربان). - تتركز النواحي الروحية للحركة فيما يلي: - تقبل الأرض عند الاستيقاظ. - الحمام والحلاقة خلال نصف ساعة على الأكثر. - نصف ساعة للصلاة الفردية، وبعد ذلك قداس جماعي لمدة عشر دقائق. - بعد الغداء زيارة مكان القربان المقدس، وبعد ذلك ثلاث ساعات من الصمت الأصغر. - (العصرونية) وهو وقت مخصص للنشاط الجماعي، بسبب وجود بعض المدعوين (المرشحين) حيث تختلق مناقشات في موضوع ديني ما أو حادثة دينية معينة. نصف ساعة للصلاة. - نهاية اليوم: وتقرأ فيه الصلوات، ثم يجري فحص عام للنشاطات الروحية أو المالية التي جرت فيه، ويبدأ بعد الصمت الأكبر الذي يمنع فيه الكلام خلال كل الوقت الباقي حتى اليوم التالي. - قبل النوم يرسم الأعضاء إشارة الصليب بأيديهم على جسمهم، ويرشون الماء المقدس على الفراش، ثم يقومون بصلاة قصيرة وينامون. - في الثاني من شباط سنة (1947) م, قام الفاتيكان بمنح الأبوس ديي درجة (هيئة دينية لا رهبانية) أي: هيئة دينية للعمل ضمن ومن خلال المجتمع المدني. · المؤلفات: - ألف إسكريفا كتيباً صغيراً عام (1934) م سماه اعتبارات روحية، لكن الكتاب اختفى فجأة ليحل محله كتاب الطريق الذي يعد إنجيل المنظمة، وقد ظهرت طبعته الأولى عام (1939) م، ويحتوي على (999) حكمة، ومقسم إلى أربعين باباً و (136) موضوعاً. - لإسكريفا أطروحة دكتوراه، وله كتب صغيرة حول صلاتهم. - من كتب المنظمة: القيمة الإلهية للإنسان تأليف خوسي أورتيغا، يتكلم فيه عن الإنسان الكاثوليكي الصليبي. وكتاب روحانية العلمانيين تأليف خوان باركيستا توريو.

الفرع الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية:

الفرع الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية: - هذه المنظمة نصرانية كاثوليكية تدعو إلى العودة إلى النصرانية الأولى، مستفيدة من معطيات العصر الحديث. - توجهها ديني سياسي اقتصادي تربوي. - تؤمن المنظمة بكل معطيات النصرانية من تثليث وأب وابن وروح القدس والعذراء والصليب والفداء والقرابين والخطيئة وأكل لحم الخنزير، وما إلى ذلك مما يعتقده النصارى بعامة.

الفرع السادس: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع السادس: الانتشار ومواقع النفوذ: - لا يوجد في العالم بلد نصراني إلا وللمنظمة وجود فيه، فقد اتسع وجود المنظمة ليشمل أكثر من خمسين دولة في العالم، تغلغلت من خلالها في جميع الجوانب الفكرية والثقافية والسياسية والمالية. - تتركز قوتها في المناطق التالية: إسبانيا وفيها ثقلها الأساسي، إيطاليا حيث يقوم المركز الرئيسي والدولي في روما بشارع فيرلا برورو Virla Bruro ومهمته الإدارة والتنظيم، الفلبين في شرق آسيا، المكسيك وفنزويلا في أمريكا اللاتينية، وقد دخلت الحياة العامة في كولومبيا والبيرو وتشيلي، وأخيراً في الأرجنتين ولكن بنسب متفاوتة، وكينيا في أفريقيا. - يصل عدد أعضاء المنظمة في العالم اليوم إلى حوالي (72000) نسمة من (78) جنسية، نصفهم في إسبانيا. وتملك المنظمة أكثر من (700) مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية ومعهد وبيت للطلبة ومركز ثقافي منتشرة في العالم، منها (497) جامعة ومدرسة عليا. - يملكون (52) محطة إذاعة، (12) شركة توزيع وإنتاج سينمائي، و (694) مطبوعة دورية، و (38) وكالة أنباء، و (13) بنكاً، وشركات ومصانع وعقارات كثيرة. - وصلت المنظمة إلى السيطرة شبه الكاملة على المجلس الأعلى للأبحاث العلمية في إسبانيا. في إسبانيا وحدها تملك المنظمة (21) بيتاً من بيوت الطلبة تديرها بشكل مباشر. ويتضح مما سبق: أن الأبوس ديي منظمة سرية دينية نصرانية، هدفها إعلاء المسيحية الكاثوليكية عن طريق الإفادة من كل المعطيات الحديثة للتربية والسياسة والاقتصاد، ومن خلال أعضاء يجب أن يكونوا قدوة حسنة، ويحرصون على السرية والكتمان، بغية تحقيق السيطرة الدينية والسياسية في إسبانيا وغيرها من الدول التي انتشرت فيها. وللمنظمة هيكل تنظيمي، يسهر كله على تحقيق النواحي الروحية للمنظمة التي يتخذ كثير من أعضائها الحمار شعاراً لهم. مراجع للتوسع: - الكتب والمؤلفات التي تصدرها المنظمة. - منظمة الأبوس ديي: النشأة، التنظيم، التطور، تقرير في ملفات الندوة العالمية للشباب الإسلامي. - دستور هيئة الأبوس ديي، تقرير في ملفات الندوة العالمية للشباب الإسلامي. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي - بتصرف

المطلب التاسع: المونية (حركة صن مون التوحيدية):

الفرع الأول: التعريف: المونية: حركة مشبوهة تدعو إلى توحيد الأديان وصهرها في بوتقة واحدة بهدف إلغاء الفوارق الدينية بين الناس؛ لينصهروا جميعاً في بوتقة (صن مون) الكوري الذي ظهر بنبوة جديدة في هذا العصر الحديث.

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: - مؤسس هذه النحلة هو القس الثري صن مون المولود في كوريا عام (1920) م, الذي ادَّعى بأنه على اتصال بالمسيح عليه الصلاة والسلام منذ عام (1936) م، وأنه منذ بلوغه السادسة والعشرين من عمره بدأ يدرس حياة الأنبياء والقادة الروحيين من مثل موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، ومن مثل بوذا وكرشنا، ويطلع على تعاليم الأديان السماوية والوضعية، كاليهودية والنصرانية والإسلام، وكذلك البوذية والهندوسية. - في عام (1973) م انتقل إلى الولايات المتحدة، وعقد صلات عدة مع كبار الشخصيات هناك. - أُلقي القبض عليه وأودع السجن الفيدرالي بكنكتيكت لمدة سنة ونصف السنة بسبب تهربه من دفع الضرائب، وقد استطاع أتباعه تصوير سجنه على أنه اضطهاد في سبيل المعتقد الديني الذي يحمله. - تولى منصب الرئيس للمجلس العالمي للأديان. - زار ألمانيا، لكن سلطات بون أعلنت أنه شخص غير مرغوب فيه. - يحاول أن يكون قريباً من الأحداث المهمة؛ إذ كان له ولطائفته دور مهم في الوقوف إلى جانب الرئيس ريتشارد نيكسون في فضيحة ووترجيت، كما أنهم كانوا نشيطين في حماية برنامج الرئيس ريغان وسياسته في أمريكا الوسطى. - شانج هوان كواك: يشغل منصب مساعد رئيس المجلس العالمي للأديان، وهو أكبر معاوني مون، وقد أعلن في بيانه الذي ألقاه في المؤتمر المنعقد بتركيا سنة (1985) م, عن نبوة مون وأنه يتلقَّى الوحي revelation من السماء. اليهودي فرانك كوفمان: يقيم في نيويورك، ويتبع مون، ويعمل في مؤسسته، وقد ناشد علماء المسلمين في مؤتمر تركيا (أن يتفهموا موقف الأديان الأخرى مثل اليهودية والبوذية والهندوكية). دكتور يوسف كلارك: قس كاثوليكي من مساعدي مون، وهو عضو مجلس إدارة المجلس العالمي للأديان، كان ممثل المجلس في مؤتمر تركيا. كوزا: رئيس مكتب مون في هندوراس ويعمل بهمة على نشر الحركة في أمريكا اللاتينية. موسى دست: رئيس كنيسة مون بالولايات المتحدة الأمريكية.

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات: يزعم أنه على اتصال بالمسيح، وأنه يتلقَّى الوحي من السماء مدعياً نبوة جديدة. شعاره وهدفه المعلن هو السعي من أجل توحيد الأديان على اختلاف أنواعها. يقول للنصارى بأن الإله قد رمى بالمسيحية جانباً، وأبدلها برسالة جديدة هي رسالة توحيد الأديان الداعي إليها. من القانون الأساسي لحركة مون: (إن الهدف الرئيسي هو العمل من أجل توحيد العالم تحت راية إله واحد بحيث تضمحل من هذا العالم كل الحواجز والعوائق الكنسية والسياسية والوطنية والقومية والاجتماعية). يقولون في كتابهم المبدأ المقدس: (إن رسالة آدم الأساسية أن يخلق الأسرة الكاملة في الأرض، وهذه المهمة لم تتحقق نتيجة لعمل الشيطان الذي كان نشيطاً في مهمته منذ بداية الخلق، وعيسى قد خلق آدم، وفشل في أمر الزواج، وترك مبدأ تكوين الأسرة الكاملة، وفشله ليس كاملاً فقد أحيا الجانب الروحي للإنسان، وقد ظل جسد الإنسان مستعبداً للشيطان، هذا أيضاً يجب تجديده، وهذا يستلزم آدماً ثالثاً بالاتحاد مع زجة مثالية يمكن تحقيق هذا الهدف لإنجاب الإنسان الكامل). إنهم يقومون بدراسة رسومات بيانية يزعمون أنها (تبين أن التاريخ والأحداث متكررة ومقدرة سلفاً ووفقاً لهذه الجداول البيانية، ويقولون: إن هناك أمثلة متكررة من البشر قد اختيروا ليصيروا آباء كاملين، لكن الشيطان قد اعترض سبيلهم فلم ينجحوا، وقد وجدت هذه الأسر المثالية على مر التاريخ الإنساني في فترات متقطعة على مدى أربعمائة عام سلفت). يتم اقتناص الشخص ليصبح عضواً في حركتهم عن طريق دعوته أولاً إلى وجبة طعام ثم دعوة للاشتراك في رحلة نهاية الأسبوع. يمنع الأفراد الجدد من تحدث بعضهم لبعض، وعليهم الانتظار حتى اللقاء الآخر في نهاية الأسبوع. يمضي المدعو عدة أسابيع مع معلِّمه، وقد يجعلونه بعد ذلك في مسكن واحد مع أعضاء جدد آخرين؛ ليلقنوهم جميعاً العقيدة الجديدة، مع التركيز على تقديس وتمجيد شخصية مون، والتأكيد على ضرورة التنكر لعقيدة أهاليهم ومجتمعاتهم. يقول مون في كتابه التوجيهي أقوال الأب الروحي: (إن عملية البعد عن العائلة والأصدقاء لا يتم بالصدفة؛ إذ لابد أن تتمرس على حياتك الجديدة ومن بعدها يمكنك أن تتنكر لعائلتك وأصدقائك وجيرانك). إذا ما حاول العضو الفرار منهم فسيكون ذلك صعباً لعدة أمور: 1 - لأنه يكون قد انفصل عن عائلته، فلا يستطيع العودة إليها بعد أن ناصبها العداء بسبب معتقده الجديد الذي يخالف معتقدها. 2 - لأنه يكون قد غُسِلَ دماغُه، وصار أداة طيعة في أيديهم يحركونه كيفما يريدون، بعد أن سيطروا عليه روحيًّا، وخدعوه بالوعود السماوية الكاذبة. 3 - لأن أفراد عصابة مون سيتابعونه ويطاردونه حتى يعود إلى حظيرتهم من جديد. 4 - إذا ما استسلم العضو الجديد لهم، فإنهم يسخرونه لبيع الورود والشموع؛ ليكون مصيدة لجذب الأعضاء الجدد، فضلاً عن الإيراد المالي الذي يحققه لميزانية الحركة. نظَّم مون عملية زواج جماعية في ميدان ماديسون جاردن بنيويورك، قام خلالها بتزويج (2075) شابًّا وفتاة، على الرغم من أن المجلس القومي الكنسي في أمريكا كان قد أصدر بياناً يعلن فيه عدم الاعتراف بكنيسة مون. يؤكِّد مون محاربته للشيوعية، ويركِّز هجومه عليها، كما أنه يرسل البعثات لمناهضتها في أماكن عديدة من العالم. لقد عقد مون عدداً من المؤتمرات سعياً وراء تحقيق أهدافه، ومنها: - مؤتمر توحيد اليهود في سويسرا. - مؤتمر اتحاد العالم المسيحي في إيطاليا. - مؤتمر البوذيين في اليابان. - مؤتمر الهندوكية في سيريلانكا.

- مؤتمر اتحاد العالم الإسلامي: الذي تم عقده في تركيا قرب اسطنبول، وذلك في الفترة من (19 - 22 سبتمبر 1985) م، وقد تعاونت معهم كلية الإلهيات بجامعة مرمرة بهدف إنجاح المؤتمر. - كان أتباع مون المشاركون في المؤتمر بتركيا يصوِّرون الخلافات بين الأديان على أنها لا تعدو أن تكون شبيهة بتلك الخلافات الفقهية الموجودة بين المذاهب الإسلامية ذاتها، وهذا محض افتراء، إذ إن الخلاف بين الأديان خلاف عقائدي قبل كل شيء، في حين أن الخلاف بين المذاهب الفقهية ليس أكثر من خلاف داخلي اجتهادي في الفروع دون الأصول. - قال اليهودي كوفمان في الجلسة الختامية لهذا المؤتمر: (إن الأمر يحتاج إلى أن نبذل المزيد من الجهد حتى نفهم بعضنا، فإننا قد ننتسب إلى شيء واحد وعقيدة واحدة، ورغم ذلك نختلف، ومن أجل أن نلتقي لابد لنا من أن نتفهم غيرنا من خلال نظرته)!! تذكر جريدة المسلمون في عددها (36) أن المجلس العالمي للأديان الذي يترأسه صن مون إنما يعمل تحت رقابة المؤسسة العالمية المتحدة للأديان IrF وهي واحدة من الوكالات الدينية الإنسانية التابعة للكنيسة الموحدة التي هي إحدى الحركات الدينية الجديدة التي أسسها صن مون في كوريا. - وتذكر الجريدة بأن أهداف المجلس العالمي للأديان حسبما تورده مذكرة المجلس ذاته هي: 1 - المناداة بوحدة الإنسانية. 2 - منح الاحترام الواجب للتراث الإنساني المختلف. 3 - دعوة الناس من كل الأديان إلى نوع من الوحدة الروحانية، واحترام خصوصيات كل دين. 4 - تشجيع الفهم المتبادل والتعاون بين ومع المعتقدات الدينية في العالم. 5 - معاونة هؤلاء المتطلِّعين إلى إيجاد تناسق وانسجام بين الأديان، والمساعدة في التعاون بين المنظمات الدينية. 6 - توسيع استخدام وجهات النظر الدينية في حلِّ المشكلات الإنسانية العامة. 7 - الدفاع عن حقوق الإنسان بما في ذلك حق حرية المعتقدات الدينية وممارستها. 8 - التأييد العلمي للطموحات الفردية الخاصة بالمعتقدات الدينية عن طريق وضع برامج من شأنها تخفيف المعاناة، وتحسين حال البشرية.

الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: إن اليهود - باعتبارهم أقلية مفسدة - يسعون دائماً لبثِّ دعاوى إذابة الفروق بين العقائد مما يمهِّد الطريق لهم ليتغلغلوا داخل شعوب الأرض، ويكونوا هم المستفيدين في النهاية على حساب الأديان الأخرى جميعاً. إن هذه الحركة تدور في فلك الحركات المسخَّرة لخدمة الصهيونية العالمية؛ إذ إن التشابه بين هذه الحركات يدلُّ على أنها ذات أصل واحد، وتعمل لهدف مشترك واحد. إن الثراء الفاحش الذي يتحرَّك فوقه صن مون ليشير إلى الجهة التي تموله، وتقف وراءه لتستفيد من عمله ودعوته في تفتيت الأديان، وتحطيم الأخلاق.

الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: تتمتع هذه الحركة بوجود ضخم في جنوب ووسط أمريكا إذ إن لهم علاقات قوية مع كبار السياسيين في تشيلي وأرجواي والأرجنتين وهندوراس وبوليفيا. في أيرلندا لهم مركز وكنيسة اسمها الكنيسة التوحيدية، وتجدر الإشارة إلى أن لأيرلندا دوراً كبيراً في دعم أمثال هذه الحركات. لهم استثمارات في جنوب كوريا، وقد سمحت لهم حكومة سيول بإقامة كنيسة لهم خارج العاصمة. - إنهم متغلغلون في الجناح الأيمن للحزب الجمهوري بالولايات المتحدة، كما يشكلون الجناح الأيمن للدكتاتورية في أمريكا الجنوبية. - يمتلك زعيمهم عدة عقارات في العالم، وشركات ومطاعم وأراض، ومحلات لبيع المجوهرات وشركة للنشر تسمَّى Paragon House كما أسَّس جريدة الواشنطن تايمز التي يوزَّع منها (75) ألف نسخة في اليابان ونيويورك وأرجواي وقبرص، ولديه فندق نيويوركر New Yorker في مانهاتن. ويتضح مما سبق: أن المونية حركة مشبوهة، تدعو إلى القضاء على كلِّ الأديان، وابتداع دين جديد، ينصهر في بوتقة المتنبي الكوري صن مون، ويجذب الشباب إليه، مغرياً إياهم بالانحراف، والانفصال عن أسرهم، والغرق في بحور الملذَّات؛ خدمة لأهداف الصهيونية العالمية. مراجع للتوسع: - جريدة المسلمون الأسبوعية، العدد (35) , (21 محرم 1406هـ/ 5 أكتوبر 1985) م - وكذلك أعداد (36، 37، 38). - جريدة الواشنطن بوست تاريخ (28/ 8/1983) م. - باللغة الإنكليزية: - Carol Cultrer: Are religions Cults Dangerous? The Mercier Press, Dublin and Cork, 1984. - باللغة الفرنسية: - Gibert Picard: L’enfer des Sectes, Editions le carrousel – Fn Paris, 1984. - باللغة الإسبانية: - Pepe redriguez: Esclavos De un Mesias. Barcelona. 1984. ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي – بتصرف

المطلب العاشر: الأبرشانية Congregationalism:

المطلب العاشر: الأبرشانية Congregationalism: كنائس أكدت سيطرتها تاريخيا من خلال عناصر منتخبة من قبل أعضائها مع استقلال (ومن ثم مستقلين) كل كنيسة محلية، ومؤخرا تداعت الكنائس إلى إيجاد تعاون بينها، وحددت العضوية بتعابير (التجمع الكنسي) للمؤمنين الملتزمين (بالميثاق). وقد أثرت الأبرشانية بقوة في مؤسسي المستعمرات، نيوانكلند (وبشكل خاص الآباء الحجاج) وبقيت الولايات المتحدة المركز الرئيسي، وشكل الأبرشانيون والمشيخانيون ( Persbyterianesn) الكنيسة المستصلحة الموحدة في (1972)، وهي كالفينية في الأساس ( Calvinism) من حيث المذهب، ومؤخرا أصبح الأبرشانيون منفتحين للتأثر بالبروتستنتية المتحررة Liberal Protestantism . ¤ المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار - 1/ 17

المطلب الحادي عشر: أخوة بلايموث Plymouth Brethern:

المطلب الحادي عشر: أخوة بلايموث Plymouth Brethern: هيئة مسيحية (بروتستنتية) نشأت في انكلترا من خلال أعمال، بشكل خاص ج. ن داربي J. N. Darby 1800 – 1882 م، وهو قسيس سالف في الكنيسة الأنغليكانية Anglicanirsm والتعاليم الأصلية للأخوة كانت توراتية وتأثرت بالكلفينية Calvinism وأحيانا بالالفيين Millenarianism. وليس لهم كهنوت منفصل Ministry ومراكز عبادة (لكسر الخبز)، وهو طقس بسيط يتخذ كذكرى للعشاء الأخير ليسوع المسيح Jesus Christ (Eucharist القربان المقدس). والأنماط الرئيسية للأخوة هي (المفتوح) (والحصري). والحصرية هي معايير صارمة ترمي إلى نبذ كثير من المظاهر في الحياة العصرية وتقييد الصلات الاجتماعية مع غير الأخوة حتى من أعضاء أسرهم الخاصة. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – 1/ 37

المطلب الثاني عشر: السريان:

المطلب الثاني عشر: السريان: السريان هم أتباع الكنيسة السريانية، إبان انعقاد المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية عام 451 م. جرى خلاف حول تحديد شخص المسيح من حيث إن له طبيعة واحدة (وهو ما اعتمده السريان والأقباط والأرمن) أو طبيعتين (إلهية وإنسانية) وهو ما اعتمدته الكنيسة الرسمية وتبناه المجمع. أدى هذا إلى شرخ في الكنيسة رفض فيه الطرف الأول مقررات المجمع وأدى إلى بروز هذه الكنائس خارج حدود الكنيسة الواحدة، فصارت تعرف، فيما بعد، بالكنائس اللاخلقيدونية، أي التي رفضت تعاليم المجمع. وبنتيجة الإرساليات الكاثوليكية في هذه المنطقة حدث شرخ آخر داخل الكنيسة السريانية، أدَّى إلى بروز الكنيسة السريانية الكاثوليكية المنضوية تحت لواء بابا روما والمتحدة بالكنيسة الكاثوليكية، وهي ما يسمى اليوم بالكنيسة الكلدانية التي يرأس مجمع أساقفتها بطريرك يقيم في بغداد حيث غالبية أبنائها. أما في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، فهناك بطريركان، يقيم الواحد في دمشق والآخر في الهند. وما يزال هناك سريان يعيشون في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن إضافة إلى إيران وتركيا والهند، فيما أنتشر كثيرون منهم في مختلف بلاد العالم. وقد أدى التقارب بين الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة الروم الأرثوذكس إلى إصدار بيانات تنادي بالإيمان الواحد للكنيستين، وبأن الخلاف الماضي كان حول تفسير التعابير اللاهوتية. ¤موسوعة الأديان الميسرة – ص 300

المطلب الثالث عشر: البروتستنتية المتحررة Liberal Protestantism:

المطلب الثالث عشر: البروتستنتية المتحررة Liberal Protestantism: حركة مختلفة نوعا ما في الديانة البروتستنتية قامت في النصف الثاني من القرن 19 ( Protestantism). وهي تتميز بموقف ناقد للتمسك الساذج بحرفية الكتاب المقدس (مثل التأكيد ببساطة على بيانات الكتاب المقدس) وعلى الصياغة التقليدية الجازمة للعقيدة المسيحية. ومن الناحية الثانية فهي معنية بتقديم روح الكتاب المسيحي المقدس بتعابير عصرية وبتأكيد أهمية الخبرة الدينية الفردية، وقد تأثر تطورها المبكر إلى درجة كبيرة بألبريخت ريتشل Alberecht Ritchl (1822 – 89) وأتباعه، وأصر ريتشل على أن الدين غير قابل للاختزال إلى أشكال أخرى من الخبرة، وأن المعرفة الدينية هي أمر (أحكام قيم)، وأن علم المسيحية Caristology يجب أن يأخذ بجدية نتائج البحوث التاريخية في حياة يسوع المسيح Jesus christ، وأن التسوية مع الرب واسترضائه يجب أن يعبر عنها بالنشاط الأخلاقي في العالم (الخلاص Salvtion). والتعبير التقليدي عن موقف البروتستنتية الفعلية قد قام به أدولف هارناك Adolf Harnack (1851 – 1930 م). في ما هي المسيحية؟ وقد فسر العقيدة المسيحية تفسيراً شعبياً باصطلاحات أبوة الله، وأخوة الإنسان والصلاح الأسمى، وتمكن الحب. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – بتصرف -1/ 180

المطلب الرابع عشر: أنغليكان:

المطلب الرابع عشر: أنغليكان: إن تعبير أنكليكان: يطلق على أتباع الكنيسة الأنغليكانية التي تسمى أيضاً كنيسة إنكلترا والتي هي كنيسة وطنية لها أتباع خارج حدود إنكلترا من جنسيات مختلفة، وينتظمون في أبرشيات لكل منها أسقف وقسس يعاونونه، مرجعهم الأعلى هو السلطة الكنسية في البلد الأم. نشأت هذه الكنيسة عندما أنفصل الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية (حوالي 1532 – 1534م) عندما رفض الباب إعطاءه الطلاق من امرأة، بغية الزواج من أخرى. عندها نادى به البرلمان (الرئيس الأعلى للكنيسة الإنكليزية)، مؤسساً بذلك القاعدة التي ما زالت متبعة حتى اليوم لجهة كون ملك أو ملكة إنكلترا رئيس الكنيسة الأنكليكانية. وقد ظلت هذه الكنيسة كاثوليكية الطابع والمظهر إلى أيام الملك إدوار السادس الذي أمر بإصدار كتاب الصلوات الخاص بها عام 1549هـ، والذي ظهر في طبعته الثانية عام 1552م أكثر ميلاً إلى البروتستانتية. هذا التيار قوي إبان حكم الملكة إليزابيث الأولى والملك يعقوب الأول اللذين قاوما محاولات إحياء التوجه الكاثوليكي للكنيسة الأنغليكانية. إن هذين الاتجاهين، أي الكثلكة والبروتستانتية ما زالا حيين داخل الكنيسة الأنغليكانية، وهما يتسببان ببعض التأزم بين أتباع هذا أو ذاك مما يجعل الشكلين يتعايشان داخلها. إن هذه الكنيسة تضم 44 أبرشية في مقاطعتين داخل إنكلترا وهما كانتربري ويورك، وتضم كل منهما رعايا يخدم كل منها كاهن أو قس. كما أن للكنيسة جمعيات ومؤسسات ولها علاقة حميمة مع كنيستي ويلز وسكوتلندا. هذا، ويعتبر رئيس أساقفة كانتربري رئيس المجمع الذي يضم كل أساقفة الكنيسة. ¤موسوعة الأديان الميسرة – ص 111

المطلب الخامس عشر: كيبتاوالا Kibtawala:

المطلب الخامس عشر: كيبتاوالا Kibtawala: حركة واسعة الانتشار في وسط أفريقيا تحت تأثير شهود يهوا Jehovahos Witnesses أو برج مراقبة التوراة Watch Tower Bible ( ومن ثم تاولا Tawala) ومجتمع تراكت Tract، وقد ظهرت نسخ أفريقية في شمال نياسالاند Nyasaland ( مالاوي الآن) Malawi تحت اليوت كاموانا Elliott Kamauana من (1907م) حتى تم خلعه في (1909م) وفي شمال ما كان يسمى في حينه روديسيا Rhodesia ( الآن زامبيا Zambia) والكونغو البلجيكية (الآن زائير Zaire) تحت نيرياندا Nyrienda الذي ادعى أنه موانا ليزا Mwana Lesa ( ابن الإله)، وأعدم في (1926م)، وعلى الرغم من الإعدامات الكثيرة بقيت الحركة قائمة. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار - 2/ 739

الفصل الخامس عشر: التنصير:

تمهيد: المقصود بالإرساليات ما دأب غزاة الأفكار على القيام به، وتمويل أعضائه من المنصِّرين والمستشرقين، وبثِّهم في العالم الإسلامي؛ لإدخال المسلمين ضمن نفوذ الصليبيين. يقول المستشرق الميسو (ل. شاتليه) رئيس تحرير مجلة (العالم الإسلامي) التي كانت تصدرها جمعية (الإرسالية العمالية المغربية) قال بعد مقدمة بيَّن فيها أن من واجب فرنسا أن يكون عملها في الشرق مبنيًّا قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية، حيث قال: (ومن هذا يتبين لنا أن إرساليات التبشير الدينية التي لديها أموال جسيمة، وتدار أعمالها بتدبير وحكمة، تأتي بالنفع الكثير في البلاد الإسلامية، من حيث إنها تبثُّ الأفكار الأوروبية، إلا أن لإرساليات التبشير مطامع أخرى، كما يتبيَّن من الجملة الآتية التي استخرجتها من رسالة أرسلها القسيس المحترم) صموئيل زويمر (منشئ مجلة) العالم الإسلامي (الإنجليزية) وهو يبني فيها صروح شامخة على أعمال المبشرين البروتستانت، قال: (إن لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم، أو بالأحرى مزية تحليل وتركيب) (¬1). ويقصد بهذا الكلام الغزو الثقافي والمدِّ السياسي. وهذه شهادة صارخة على ما يبيِّتونه للإسلام والمسلمين، وقد أتبع الغزاة أقوالهم بالأفعال، فأسَّسوا مئات الجمعيات التبشيرية، ومئات المعاهد والجمعيات في مختلف بقاع الأرض من آسيا وأفريقيا وبقية قارات العالم وبلدانه، وأقاموا مئات المؤتمرات؛ لبحث كيفية انتشار التنصير، وأنجح الوسائل التي يجب أن يستخدموها في ذلك، وأنشؤوا أعدادا غفيرة من المدارس والمستشفيات ودور الحضانة وبيوت الشباب. وفي سباق حثيث أنشؤوا مئات الكنائس في ديار المسلمين وفي غيرها، ولم يألوا جهدا في افتتاح مئات الإذاعات التنصيرية التي تُبَثُّ إلى العالم بمختلف اللغات في برامج منظمة معدة إعدادا متقنا؛ لتجد لها طريقا إلى قلوب السامعين، ثم أغرقوا المكتبات بتوزيع كتب التنصير، وعلى رأسها ما يسمَّى بـ (الكتاب المقدس) إما توزيعا بالمجان، وإما بثمن رمزي، وذلك عن طريق ستار، إما الطلب أو التدريس أو الفن أو غير ذلك، بل حتى مصادقة من فيه النباهة، أو يتردد إليه الناس حتى وإن كان ثرثارا يحسن اجتذاب الناس إليه، المهم عندهم لفت أنظار المسلمين إلى النصرانية تحت أي مستند كان، على طريقتهم المشهورة (الغاية تبرر الوسيلة) ومما لا ريب فيه أن المنصرين والمستشرقين كلهم من المصائب والفتن التي ابتلي بها العالم الإسلامي. ¤المذاهب الفكرية لغالب العواجي 1/ 287، 288 ¬

(¬1) انظر ((الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية)) (ص 35)

المبحث الأول: التعريف بالتنصير:

المبحث الأول: التعريف بالتنصير: التنصير حركة دينية سياسية استعمارية، بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة، وبين المسلمين بخاصة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي وهو دعوة جادة لتنصير المسلمين وغيرهم، وإدخالهم في عداد الأمم النصرانية، وضمن نفوذهم السياسي بل والجغرافي. أسماؤه: أطلقت على هذا النوع من النشاط التسميات الآتية: التنصير، التبشير (كما يسمونه كذبا وزورا) الاستشراق، التكريز. وقد جاء في الكتاب الذي يقدسه النصارى إطلاق تسمية عملهم بالتكريز وبالبشارة. شعارهم: يتظاهر المنصِّرون بالدعوة إلى إنقاذ الأمم من الهلاك والشقاء على يد المسيح الفادي عليه السلام، ومع أن الديانة التي جاء بها نبي الله عيسى عليه السلام لم تكن عالمية- كما سيأتي إيضاحه - إلا أن المنتسبين إلى المسيح - وخصوصا ذلك العدو اللدود للمسيحية الحقة، وهو بولس ومن سار على طريقته - خالفوا هذا المبدأ، ونادوا بها عالمية، ويقصدون بذلك السيطرة على العالم، وإعلاء الوثنية، وحين أخفقوا في تحقيق ما كانوا يحلمون به من السيطرة على العالم، الذي يُراد به في الظاهر إنقاذ البشر، والخلاص على يد المسيح- كما يزعمون- ولكن يراد به في الباطن تحقيق ما عجزوا عنه بالوسائل الحربية، فاهتموا بالتبشير اهتماما بالغا، وأنشؤوا المدارس على اختلافها؛ لتخريج جحافل التنصير في مختلف بلدان العالم، وأتبعوا ذلك بطباعة كتبهم المملوءة بالدسِّ والغزو، كما اهتمُّوا بالمساعدات المادية، تدعمهم في كل جهودهم الدول الطامعة مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم من دول الغرب، وقد وجَّهوا جلَّ اهتمامهم إلى الدول الإسلامية ذات الكثافة السكانية، مثل مصر وإندونيسيا وغيرها من البلدان التي توجد بها أعداد من النصارى، كانوا قلة فأصبحوا كثرة، يشكِّلون رأس الحربة ضد المسلمين، والعيون الساهرة لتدعيم قواعد النصرانية، وبثِّها بين عوام المسلمين تحت عدة أقنعة. ومما يُذكر أن أول من اخترع فكرة التنصير هو الملك لويس التاسع، الذي اعتقل في مدينة المنصورة أثناء هزيمته في الحملة الصليبية السابقة، وخلوته هذه في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفرك بعمق في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء المسلمين، وقد أنهى به التفكير إلى تلك الآراء والمآخذ التي أفضى بها إلى إخوانه المخلصين أثناء رحلته إلى عكا مقلعا إليها من دمياط (¬1) وقد نجحت هذه الخطة، ولم يفطن إليها المسلمون إلا متأخرين، ولم يعد غرض المنصِّرين أو المبشِّرين- ومن يقف وراءهم من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية- خافيا على أحد، فلقد أصبح الغزو الفكري لبلاد المسلمين موضع مؤتمرات غربية علنية وسرية، ومحل مفاوضات، يدرسون أقرب الآراء إلى إنجاح الحملات التنصيرية، ويخطِّطون لاقتحام البلدان التي يريدونها مسرحا لنشر نشاطهم ونفوذهم دون أي خوف من جهة المسلمين، وقد أعلنها صراحة في مئات النصوص. ¤المذاهب الفكرية لغالب عواجي 1/ 289 - 291 ¬

(¬1) انظر: ((أخطار الغزو الفكري على العالم الإسلامي)) (ص 171).

المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: ريمون لول: أول نصراني تولَّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها؛ إذ إنه قد تعلم اللغة العربية بكل مشقة، وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين. - منذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشِّرون الكاثوليك إلى أفريقيا، وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيرية البروتستانتية إنجليزية وألمانية وفرنسية. - بيتر هلينغ: احتكَّ بمسلمي سواحل أفريقيا منذ وقت مبكر. - البارون دوبيتز: حرَّك ضمائر النصارى منذ عام (1664) م, إلى تأسيس كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي. - المستر كاري: فاق أسلافه في مهنة التبشير، وقد ظهر إبَّان القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر. - كان للمبشر هنري مارتن ت (1812) م, يد طولى في إرسال المبشرين إلى بلاد آسيا الغربية، وقد ترجم التوراة إلى الهندية والفارسية والأرمنية. - في عام (1795) م, تأسَّست جمعية لندن التبشيرية، وتبعتها أخريات في إسكوتلانده ونيويورك. - في سنة (1819) م, اتفقت جمعية الكنيسة البروتستانتية مع النصارى في مصر، وكوَّنت هناك إرسالية عهد إليها نشر الإنجيل في أفريقيا. - دافيد ليفنستون (1813 - 1873) م: رحَّالة بريطاني، اخترق أواسط أفريقيا، وقد كان مبشِّراً قبل أن يكون مستكشفاً. - في سنة (1849) م, أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام، وقد قامت بتقسيم المناطق بينها. - وفي سنة (1855) م تأسَّست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان، وقد انحصرت مهمتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشبان كما يزعمون. - في سنة (1895) م تأسَّست جمعية اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم، وهي تهتمُّ بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد، مع العمل على بثِّ روح المحبة بينهم (المحبة تعني التبشير بالنصرانية). - صموئيل زويمر Zweimer: رئيس إرسالية التبشير العربية في البحرين، ورئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط، كان يتولَّى إدارة مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية التي أنشأها سنة (1911) م، وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد. دخل البحرين عام (1890) م، ومنذ عام (1894) م, قدَّمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل. وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسَّسها زويمر كان في حقل التطبيب في منطقة الخليج، وتبعاً لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان. ويُعدُّ زويمر من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أسس معهداً باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين. - كنيث كراج K.Cragg: خلف صموئيل زويمر على رئاسة مجلة العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت، وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتيفورد بأمريكا، وهو معهد للمبشِّرين، ومن كتبه: (دعوة المئذنة) صدر عام (1956) م. - لويس ماسينيون: قام على رعاية التبشير والتنصير في مصر، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما أنه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا. - دانيال بلس: يقول: (إن كلية روبرت في إسطانبول (الجامعة الأمريكة حالياً) كلية مسيحية غير مستترة لا في تعليمها ولا في الجو الذي تهيئه لطلابها؛ لأن الذي أنشأها مبشِّر، ولاتزال إلى اليوم لا يتولَّى رئاستها إلا مبشِّر. - الأب شانتور: رَأَسَ الكلية اليسوعية في بيروت زمناً طويلاً أيام الانتداب الفرنسي. - مستر نبروز: ترأَّس جامعة بيروت الأمريكية عام (1948) م, يقول: (لقد أدَّى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان). - دون هك كري: كان أكبر شخصية في مؤتمر لوزان التبشيري عام (1974) م، وهو بروتستانتي، عمل مبشراً في الباكستان لمدة عشرين سنة، وهو أحد طلبة مدرسة فلر للتبشير العالمي. وبعد مؤتمر كولورادو التبشيري عام (1978) م, أصبح مديراً لمعهد صموئيل زيمر الذي يضمُّ إلى جانبه داراً للنشر ولإصدار الدراسات المختصة بقضايا تنصير المسلمين، ومقرها في كاليفورنيا، وهو يقوم بإعداد دورات تدريبية لإعداد المبشرين وتأهيلهم. - يرى بابا الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أن من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به، وتجنِّده ضدَّه، والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول. ويقوم البابا بمغادرة مقرِّه بمعدل أربع رحلات دولية؛ لكسب الصراع مع الأيديولوجيات العالمية، وعلى رأسها الإسلام. وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرفه للإنفاق منها على إرسال المنصِّرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث، وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيري في كل أنحاء العالم، وتقويم نتائجه أولاً بأول. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات:

المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات: - محاربة الوحدة الإسلامية: يقول القس سيمون: (إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التخلُّص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهمٌّ في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوِّل بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية). - يقول لورنس براون Lawrance Brawn: ( إذا اتَّحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير). - يقول مستر بلس: (إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في أفريقيا). - لقد دأب المنصرون على بثِّ الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم؛ ليمنعوهم من دخول الإسلام، وليشوِّهوا جمال هذا الدين. - يقول المبشر نلسون: (وأخضع سيف الإسلام شعوب أفريقيا وآسيا شعباً بعد شعب). - يقول هنري جسب: Henry Jesups المبشر الأمريكي: (المسلمون لا يفهمون الأديان، ولا يقدِّرونها قدرها، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإن التبشير سيعمل على تمدينهم). - لطفي ليفونيان وهو أرمني ألَّف بضعة كتب للنيل من الإسلام يقول: (إن تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح). - أديسون Addison الذي يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم: (محمد لم يستطع فهم النصرانية، ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب). - المبشِّر نلسن يزعم بأن الإسلام مقلِّد، وأن أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانية، وسائر ما فيه أُخذ من الوثنية، كما هو أو مع شيء من التبديل. - المبشِّر ف. ج هاربر يقول: (إن محمداً كان في الحقيقة عابد أصنام ذلك لأن إدراكه لله في الواقع كاريكاتور). - المبشر جسب يقول: (إن الإسلام مبنيٌّ على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء). - ويقول كذلك: (الإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة). - المبشِّر جون تاكلي يقول: (يجب أن نُريَ هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً). - أما القس صموئيل زويمر فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم: (يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم). (يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين؛ لأنه أهم عمل مسيحي). (تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم؛ لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها). (ينبغي للمبشِّرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة؛ إذ إن من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء). - وقال صموئيل زويمر كذلك في مؤتمر القدس التنصيري عام (1935) م: (لكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها). (إنكم أعددتم نَشْئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتمُّ بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهرة، وإذا تبوَّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء). - وقد كتب أحد المبشِّرين في بداية هذا القرن الميلادي يقول: (سيظلُّ الإسلام صخرة عاتية تتحطَّم عليها كل محاولات التبشير ما دام للمسلمين هذه الدعائم الأربع: القرآن، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعي، ومؤتمر الحج السنوي العام). ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الرابع: هل جاء المسيح بديانة عالمية؟

المبحث الرابع: هل جاء المسيح بديانة عالمية؟ الجواب: إن نشاط الغرب النصراني، ودعم المنصرين بسخاء؛ لنشر دين المسيح- بزعمهم- أمر لا مبرِّر له، ولا يستند على حقٍّ فهل جاء المسيح بديانة عالمية؟ الجواب بداهة بالنفي، فلم يأت المسيح بديانة عالمية، وإنما أرسله الله إلى بني إسرائيل بخصوصهم، ولم يرسل الله قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بديانة عالمية أي رسول، قال صلى الله عليه وسلم: (( ... وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة)) (¬1) أما بالنسبة للمسيح عليه السلام فقد صرَّح في أكثر من نصٍّ في الأناجيل بأنه جاء لهداية خراف بني إسرائيل الضالة ليس إلا، وهذا هو ما تفيده نصوص الأناجيل (العهد الجديد) فقد جاء فيه قول المسيح لتلاميذه الاثني عشر الذين أرسلهم للدعوة قائلا لهم: (إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بني إسرائيل الضالة) (¬2) بل هناك ما هو أوضح من هذا النص في تحديد رسالته إلى بني إسرائيل حيث جاءت امرأة كنعانية تصيح به أن يشفي ابنتها، فامتنع بحجة أنه لم يرسل إلا إلى بني إسرائيل، ولكن بعد أن ألحَّت عليه وحاجته لبَّى طلبها، كما في النص الآتي: (ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني يا سيدي يا ابن داود، ابنتي مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة، فتقدَّم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها؛ لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة: يا سيدي أعنّي. فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت: نعم يا سيدي والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة (¬3) تعقيب: تلك النصوص وغيرها مما جاء في معناها في كتابهم الذي يقدِّسونه واضحة الدلالة على أن المسيحية التي جاء بها المسيح ليست ديانة عالمية، وإنما هي خاصة باليهود لم تتعدَّ ديارهم طول فترة وجود المسيح بينهم باعتراف الأناجيل التي يدعون قداستها، فإما أن يؤمنوا بكل ما دُوِّن في الأناجيل، فيعترفوا بأن ديانة المسيح ليست ديانة عامة، وإما أن يكذِّبوا أناجيلهم في تقريرها، ولهم أن يدعوا ما يشاؤون، أما أن يجمعوا بين المتناقضات فهو مرفوض في بدائه العقول، وهذا الجواب يوجَّه للمنصِّرين والمستشرقين الذين يجوبون الأرض؛ للدعوة إلى نصرانيتهم المحرفة الوثنية البولسيَّة باسم المسيح، والمسيح عليه السلام براء منهم، ومن اعتقاداتهم الوثنية التي أنشأها بولس؛ لتحويل النصرانية إلى الوثنية، ثم تغطية الوثنية بالنصرانية التي انتشرت باسم المسيح عليه السلام، فاتَّضح أن الديانة التي تحوَّلت إلى عالمية هي النصرانية التي يزعمون انتسابها إلى المسيح، وإنما هي الوثنية التي قررها بولس والحكام الوثنيون في وقته ومن بعده إلى اليوم؛ لميل كثير من الناس إلى عبادة الأوثان. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (335) واللفظ له ومسلم (521). (¬2) ((إنجيل متى الإصحاح العاشر)) , رقم (5 - 7). (¬3) ((إنجيل متى، الإصحاح الخامس عشر))، رقم (21 - 28).

المبحث الخامس أسباب انتشار التنصير في البلاد الإسلامية:

المبحث الخامس أسباب انتشار التنصير في البلاد الإسلامية: لانتشار التنصير في البلاد الإسلامية أسباب كثيرة، بعضها واضح وبعضها خفي، يسير خلف خطط مدروسة، وعلى كواهل كثير ممن لا يشار إليهم بالبنان، كالمبشِّرة التي تمسى (الأم تريزا) حيث لم يسمع عنها أحد إلا في رثائها من إذاعات التنصير حيث ماتت السنة الماضية، فقد نصَّرت عددا كثيرا في الهند، وخصوصا الأطفال. والذي يتَّضح ... من الأسباب الظاهرة لانتشار التنصير في بلدان المسلمين أنه يرجع إلى أمور كثيرة، لعل من أهمها: 1ـ جهل المسلمين بدينهم. 2ـ جهلهم بحقيقة التنصير. 3ـ نشاط المنصرين في مختلف المجالات .. 4ـ فقر بعض البلدان الإسلامية، حيث يدخلون عليهم عن طريق مختلف المساعدات المادية من بناء مدارس ومستشفيات ودور حضانة وبيوت للشباب وحفر آبار وبناء مراكز تثقيفية - كما يسمونها- والإسهام في كثير من المشاريع الأهلية والحكومية والقروض المالية .. إلخ. 5ـ قوة نفوذ الدول الغربية الصليبية في الأصل، مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا، وغيرها، وقوة تغلغلهم في بلدان المسلمين للحاجة إليهم، وعدم استطاعة كثير من الدول الإسلامية - بل كلها - الاستغناء عنهم، خصوصا فيما يتصل بالحياة العصرية واكتشافاتها المختلفة وصيانة أجهزتها الحديثة. 6ـ انبهار المسلمين ببريق الحضارة الغربية، وربطها المنصِّرون باتباعهم تعاليم المسيح، كما يفترون. 7ـ الذلُّ الذي أصاب القائمين على مصالح الشعوب الإسلامية من أصحاب السلطة والكلمة والجاه، وتوددهم إلى النصارى خوفا وطمعا، وتيسير أمر المنصِّرين؛ للوصول إلى أماكن المسلمين القريبة والنائية تحت ضغط أو تشجيع الدول النصرانية الحاقدة. 8 ـ وصول بعض الشخصيات النصرانية إلى موقع التأثير في المسلمين إما ظاهرا وإما في الخفاء، وقد منع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من الاستعانة بغير المسلمين. 9ـ الدعوة إلى تقارب الأديان، وهي حيلة لجرِّ المسلمين للخروج من دينهم؛ إذ إنه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لا يوجد إلا دين واحد فقط إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسلام [آل عمران: 19] 10ـ اختلاط الأقليات الإسلامية بالنصارى، مع عدم وجود التوعية اللازمة للمسلمين، فتأثَّروا بهم.

المبحث السادس: الأساليب التي يتبعها أعداء الإسلام في حربهم له واتفاقهم على ذلك:

المبحث السادس: الأساليب التي يتبعها أعداء الإسلام في حربهم له واتفاقهم على ذلك: • المطلب الأول: بيان أنواع الوسائل والطرق إجمالا:. • المطلب الثاني: بعض الكتب ووسائل الدعاية التنصيرية:.

المطلب الأول: بيان أنواع الوسائل والطرق إجمالا:

المطلب الأول: بيان أنواع الوسائل والطرق إجمالا: • 1 - عن طريق المؤتمرات التنصيرية:. • 2 - عن طريق الإعلام:. • 3 - عن طريق التعليم:. • 4 - عن طريق الطب:. • 5 - عن طريق حاجة المسلمين إلى الأيدي العاملة من النصارى:. • 6 - عن طريق استغلال المرأة:. • 7 - عن طريق الصناعات:. • 8 - عن طريق التجارة:. • 9 - عن طريق المناداة بوجوب تحديد النسل:. • 10 - عن طريق محاصرة الإسلام:. • 11 - عن طريق تحبيب النصرانية والصليب إلى الأطفال .. • 12 - عن طريق أعياد الميلاد:. • 13 - عن طريق تأليب الحكام على المصلحين:. • 14 - عن طريق السخرية بعلماء المسلمين:. • 15 - عن طريق إثارة الهزائم النفسية:.

1 - عن طريق المؤتمرات التنصيرية:

1 - عن طريق المؤتمرات التنصيرية: ومن ذلك: مؤتمر القاهرة عام (1324هـ/1906) م, وقد دعا إليه (زويمر) بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية؛ للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين، وقد بلغ عدد المؤتمرين (62) شخصا بين رجال ونساء، وكان (زويمر) رئيسا لهم. المؤتمر التبشيري العالمي في (أدنبره) باسكوتلندا عام (1328هـ/1910) م, وقد حضره مندوبون عن (159) جمعية تبشيرية في العالم. مؤتمر التبشير في (لكنو) بالهند عام (1339هـ/ 1911) م, حضره (صموئيل زويمر) وبعد انقضاء المؤتمر وُزِّعت على الأعضاء رقع مكتوب على أحد وجهيها (تذكار لكنو سنة (1911) م, وعلى الوجه الآخر (اللهم يا من يسجد له العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع انظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح) ... !!! مؤتمر (بيروت) عام (1911) م. مؤتمرات التبشير في القدس: في عام (1343هـ/ 1924) م. في عام (1928) م، مؤتمر تبشير دولي. في عام (1354هـ / 1935) م, وقد كان يضم (1200) مندوب. في عام (1380هـ / 1961) م. مؤتمر الكنائس البروتستانتية عام (1974) م, في (لوزان) بسويسرا. وأخطر المؤتمرات، مؤتمر (كلورادوا) في أكتوبر (1978) م, تحت اسم (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين) حضره (150) مشتركا، كانوا يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمرَّ لمدة أسبوعين بشكل مغلق، وانتهى بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها، مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها ألف مليون دولار، وقد جمع هذا المبلغ فعلا، وتمَّ إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى. المؤتمر العالمي الذي عقد في (السويد) في شهر أكتوبر (1981) م, تحت إشراف المجلس الفيدرالي اللوثراني الذي نوقشت فيه نتائج مؤتمري (لوزان) و (كلورادوا) وخرج بدراسة مستفيضة عن التنصير لما وراء البحار، بهدف التركيز على دول العالم الثالث. ومن مؤتمراتهم كذلك: مؤتمر إستانبول. مؤتمر حلوان بمصر. مؤتمر لبنان التبشيري. مؤتمر بغداد التبشيري. مؤتمر قسطنطينة التبشيري في الجزائر، وذلك قبل الاستقلال مؤتمر شيكاغو. مؤتمر مدراس التبشيري في بلاد الهند، وكان ينعقد هذا المؤتمر كل عشر سنوات. مؤتمر بلتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية عام (1942) م، وهو مؤتمر خطير جدا، وقد حضره من اليهود (بن جوريون). بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاما جديدا، إذ ينعقد مؤتمر للكنائس مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلا من بلد إلى آخر. مؤتمر أمستردام (1954) م ـ هولندا. مؤتمر إيفانستون (1954) م ـ أمريكا. مؤتمر نيودلهي (1961) م ـ الهند. مؤتمر أوفتالا (1967) م ـ أوفتالا بأوربا. مؤتمر جاكرتا (1975) م ـ إندونيسيا، وقد اشترك فيه (3000) مبشر نصراني. وكل تلك المؤتمرات وغيرها تهدف إلى تحقيق مآرب كثيرة تدرس كيفية نشر الديانة النصرانية خصوصا بين المسلمين. ومن تلك الجمعيات: 1 - جمعية لندن التنصيرية، وتأسست سنة (1179هـ / 1765) م، وهي موجهة إلى أفريقيا. 2 - جمعيات بعثات التنصير الكنسية، وتأسست في لندن سنة (1214هـ / 1799) م، وهي موجهة إلى الهند ومنطقة الخليج العربي. 3 - جمعية تبشير الكنيسة الإنجليكانية البريطانية وتأسست سنة (1214هـ / 1799) م وتدعم من الأسرة المالكة في بريطانيا. 4 - جمعية طبع الإنجيل البريطانية، وتأسست سنة (1219هـ /1804) م، وتهتم بالطبع والترجمة والتوزيع. 5 - جمعية طبع الإنجيل الأمريكية، وتأسست سنة (1231هـ1861) م، ولها مطابع ومكتبات تجارية في البلاد العربية كمطبعة النيل ومكتبة الخرطوم. 6 - مجلس الكنيسة المسيحية الأمريكية، ونشأت سنة (1253هـ/ 1883) م، وهي موجهة إلى العالم العربي.

7 - جمعية الكنيسة التنصيرية، ونشأت سنة (1260هـ/1844) م، وتركز على التعليم والخدمات العلاجية، ويسهم الألمان فيها بجهود. 8 - جمعية الشبان النصارى ونشأت سنة (1271هـ / 1855) م. 9 - جمعية الشبان القوطيين للتنصير في البلاد الأجنبية. 10 - الكنيسة الإصلاحية الأمريكية، وتأسست سنة (1273هـ /1857) م، وهي موجهة إلى منطقة الخليج العربي. 11 - جمعية الروح القدس في (زنجبار)، وتأسست سنة (1280هـ / 1863) م، وهي كاثوليكية وتهتمُّ بالعلاج والتعليم الصناعي. 12 - أنشأ البابا (ليو الثالث عشر) سنة (1295هـ/ 1878) م أسقفيتين لمباشرة التنصير الكاثوليكي في شرق أفريقيا، واحدة منها في منطقة فكتوريا، والأخرى في منطقة تنجانيقا. 13 - اتحاد البعثة التنصيرية الإنجيلية وتأسست سنة (1307هـ/ 1890) م، في الولايات المتحدة الأمريكية. 14 - الإرساليات العربية الأمريكية، ونشأت سنة (1311هـ / 1894) م، في الولايات المتحدة الأمريكية، وتهتم بمنطقة الخليج العربي. 15 - جمعية اتحاد الطلبة النصارى، وتأسست سنة (1331هـ / 1895) م. 16 - حملة التنصير العالمية، وتأسست سنة (1331هـ / 1913) م، في الولايات المتحدة الأمريكية، وتهتمُّ بالطب والتعليم والأدب والترجمة. 17 - زمالة الإيمان مع المسلمين، وأنشئت سنة (1334هـ / 1915) م, في بريطانيا وكندا، وتهتمُّ بالمطبوعات. 18 - عمودية التعبئة، وتأسست سنة (1377هـ /1958) م، وهي موزعة، وتعتني بتدريب الشباب على التنصير. 19 - جمعية تنصير الشباب، ونشأت سنة (1372هـ / 1952) م. 20 - الامتداد النصراني في الشرق الأوسط، ونشأ سنة (1396هـ / 1976) م، وهو موزع، ويهتمُّ بالمطبوعات. 21 - الإرسالية الجامعية لوسط أفريقيا، وقد قامت تلبية لنداءات المكتشفين الجغرافيين الإنجليز في الجامعات والجمعيات البريطانية. 22 - إرسال الكنيسة الحرة الأسكتلندية، وتهتمُّ بالصناعات اليدوية. 23 - جمعية التنصير في أرض التوراة العثمانية. 24 - جمعية تنصير شمال أفريقيا. 25 - لجنة التنصير الأمريكية. 26 - إرسالية كنيسة أسكوتلنده الرسمية، وقامت تلبية لنداء المستكشف الإنجليزي (ليفينجستون).27 - هذا بالإضافة إلى الجمعيات المحلية في العواصم والمدن الإسلامية (¬1) ¬

(¬1) انظر ((التنصير)) للنملة، (ص 42، 43).

2 - عن طريق الإعلام:

2 - عن طريق الإعلام: وهذا الجزء يتمثل في البثِّ الإعلامي على اختلافه من مرئي ومسموع، وحيلهم في جذب المستمعين إليهم، وعرضهم لعقيدتهم في صورة سهلة محببة، مع التشجيع السخي بالهدايا والجوائز المختلفة لكل من يطلب التعامل معهم، ولكي تقف على حقيقة كثرة الإذاعات التنصيرية في العالم، ونشاطهم القوي في تلك الإذاعات، والفائدة الكبيرة التي يحصلون عليها من وراء ذلك البثِّ الهائل، أحب أن تقف على الأمور الآتية: الرابطة الكاثوليكية للراديو والتلفزيون ومقرها سويسرا، وتضمُّ مائة محطة إذاعية كاثوليكية. الرابطة العالمية للإذاعة المسيحية، ومقرها جنيف. الاتحاد العالمي للاتصالات المسيحية أنشئ في لندن سنة (1968) م. الرابطة الدولية للإذاعيين المسيحيين، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية. جمعية التنصير العالمية بالراديو، ومقرها نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، وتتبعها إذاعة حول العالم من إذاعة مونت كارلو. الهيئة التنصيرية العالمية في هونج كونج. الاتحاد الفلبيني للإذاعيين الكاثوليك، ومقره تايلند. وقد بلغ عدد الإذاعات التنصيرية في عام (1980) م، أكثر من (35) هيئة ومؤسسة إذاعية دولية، وقد بلغ عدد المحطات التي تمتلكها أو تستأجرها الطائفة المعمدانية وحدها أكثر من (100) محطة تنصيرية في أكثر من (80) بلداً، وقد عقدت عدة مؤتمرات لبحث أفضل الوسائل وأنجحها لكيفية إيصال الإذاعات التنصيرية إلى كل المستمعين في العالم، فعقدوا مؤتمرا في زامبيا سنة (1961) م، حضره مندوبون من أمريكا وأوربا وأفريقيا، وخرجوا بقرارات بهذا الشأن. ثم عقدوا مؤتمرا في روما عام (1965) م. ثم عقدوا مؤتمرا في سويزلندا عام (1980) م. ثم عقدوا مؤتمرا في تنزانيا (9999) عام (1981) م، وكل تلك المؤتمرات تهدف إلى بحث أنجح الوسائل في البثِّ الإذاعي، وتطوير برامجه، واستحواذها على المستمعين، وتعمل الآن عدة محطات إذاعية من أمثلتها: 1 - إذاعة راديو الفاتيكان، وهي إذاعة دولية مسيحية تمتلك أقوى أجهزة بثٍّ على مستوى العالم، تأسَّست عام (1931) م، تذيع بأكثر من (47) لغة من بينها اللغة العربية، تهتمُّ بأخبار العالم المسيحي وأخبار البابا والأمور الدينية بصفة خاصة، وهم يدسون في نشراتهم بالعربية الوعظ والمصطلحات المسيحية دون أن يشعر المستمع بتعمدهم ذلك. إذاعة حول العالم (موناكو (تهتمُّ بالتنصير، وتقدم برامجها بخمسة وسبعين لغة لم ترتبط بأية طائفة دينية مسيحية، بل فضلت أن تعمل تحت اسم الهيئة التي تنتمي إليها، وقد اشتملت على برامج متنوعة لجذب المستمع، وفيها دسٌّ على الإسلام، وتعريض بتعاليمه، ومدح للنصرانية والمنصِّرين، وتحبيبهم إلى المستمع. إذاعة (صوت الأمل). إذاعة (صوت الغفران). إذاعة (صوت الشبيبة). إذاعة (صوت المحبة والوفاء). إذاعة (المركز المعمداني). إذاعة (مقدم الحق). إذاعة (مركز النهضة). إذاعة (صوت الإصلاح). إذاعة (نور على نور) مرسيليا. إذاعة (المدرسة الإنجيلية). إذاعة (صوت كلمة الحياة) إسبانيا. إذاعة (نداء الرجاء). إذاعة (دار الهداية) سويسرا. إذاعة (ميجانوسا) إندونيسيا. إذاعة (إدفنت) إندونيسيا. (الإذاعة الإنجيلية) إندونيسيا. إذاعة (زيون) إندونيسيا. إذاعة (تليستار) زائير. إذاعة (صوت الإنجيل) إثيوبيا. إذاعة (صوت الحق) لبنان. وهناك إذاعات كثيرة تحت أسماء مختلفة، ولا يزالون يعملون بجِدٍّ في إنشاء الإذاعات في كل منطقة يصطادونها في سباق حثيث (¬1). ومن ذلك قولهم: المسيح هو الرب. المسيح هو الله والإنسان معا. المسيح هو المخلِّص المبارك. المسيح هو مخلِّص الإنسانية من خطاياها. المسيح هو الذي صلب من أجلنا. ¬

(¬1) عن ((الإذاعات التنصيرية))، (ص 62 - 76.

المسيح هو الذي صلب من أجل سعادتنا. المسيح هو الذي رفض وصلب من قبل اليهود. المسيح هو الذي تألم ليحمل خطايا البشر جميعا في جسده عندما مات على الصليب. المسيح هو الذي قدَّم جسده ذبيحة على الصليب. اختار أن يموت بديلا عنا آخذا عقاب دينونة ذنوبنا. المسيح هو سيد العذاب والألم. المسيح هو الذي قدَّم جسده ضحية وفداء على خشبة الصليب. المسيح هو الذي مات طوعا واختيارا؛ لكي يدفع عقاب خطاياك. المسيح هو آدم الثاني. المسيح هو القادر أن يغير نظرتك وفكرك. المسيح هو الذي يضمن لك الحاضر والمستقبل. المسيح هو الذي ينقلك من الفكر الجسدي الشهواني إلى الفكر الروحي. المسيح هو السلام. المسيح هو مفتاح بيت الفرج. المسيح هو حامل بشارة السلام. المسيح هو زهرة الفرح والحرية للبشرية كلها. المسيح هو الذي تحمَّل الآلام والعار والعذاب والاحتقار من أجل أن يعطينا سلامتنا مع الله الأب في السماء. المسيح هو الوحيد الذي يمكن أن تعتمد عليه وتثق به. المسيح هو الطريق الذي تسلم له الحياة. المسيح هو الطريق الوحيد إلى الله. المسيح هو الذي مات من أجل أن نجد الطريق إلى الله. المسيح هو محبة، والمحبة هي صليب المسيح الذي عُلِّق فوقه. المسيح هو الطريق إلى الحياة الروحية. المسيح هو الذي فتح أبواب الحياة على مصراعيها. المسيح هو الحياة الأبدية وبدونه يكون الموت والعذاب الأبدي. قيامة المسيح هي قهر الموت عدو الإنسان اللدود. الإيمان بالمسيح الذي ييسر مشاكل الحياة. الإيمان بالمسيح هو الخط الفاصل بين السماء وبين الجحيم. الإيمان بالمسيح هو الطريق الوحيد لتحقيق السعادة. الإيمان بالمسيح وعمله الكامل على الصليب هو طريق الحياة الأبدية كما رسمه الله. -عن طريق الدعايات لكتابهم الذي يقدسونه: حينما أحسَّ النصارى بضعف كتابهم الذي يطلقون عليه (الكتاب المقدس) اخترعوا له أيضا أوصافا ليكملوا ما شعروا به من النقص، وقد أحببت أن تطَّلع عليها أخي القارئ فيما يلي: الإنجيل هو الكتاب الذي رسم الله فيه طريق الحياة الأبدية. الإنجيل هو الإيمان. الإنجيل هو كلمة الله (¬1). الإنجيل هو الطريق الوحيد للحصول على راحة وسلامة القلب، وصحة النفس. الإنجيل من أسهل وأوضح الكتب. الإنجيل كتاب نحبه. يعترفون بضياع إنجيل عيسى، الذين لا يؤمنون بالإنجيل، هم أصحاب القلوب والعقول المظلمة (¬2) الإنحراف والفساد والرشوة والانحلال الأخلاقي تأتي بسبب ترك الإنجيل. -عن طريق مدحهم لدينهم: وصدق من قال: (القرد في عين أمه غزال). إن النصارى يدركون أكثر من غيرهم خواء عقيدتهم وهزالها، فذهبوا يمتدحونها، يعظِّمون من قدرها؛ لعلها ترتفع في أعين الناس، ومن ذلك قولهم: المسيحية هي طريق القداسة والمحبة والإيمان العميق. المسيحية هي الكمال الأخلاقي، والكمال الأدبي، والتطابق بين المعرفة العقلية والتطبيق الحياتي. المسيحية هي لقب الحياة كاملة، وليست لقبا لدولة أو مجموعة دول. المسيحي هو الذي يعيش حسب قدوة المسيح ومثله. ¬

(¬1) ويعترفون أن الأناجيل ليست هي كلام الله. (¬2) ولكنهم لا يطبقونه هم أيضا.

3 - عن طريق التعليم:

3 - عن طريق التعليم: يقول نفر من المبشرين: (إن أهداف المدارس والكليات التي تشرف عليه الإرساليات في جميع البلاد كانت دائما متشابهة، إن المدارس والكليات كانت تعتبر في الدرجة الأولى وسيلة تعلم من كتب غربية، وعلى أيدي مدرسين غربيين تحمل معها الآراء التبشيرية) ويقول المبشر (هنري هريس جسب): (إن التعليم في الإرساليات التبشيرية إنما هو وسيلة إلى غاية فقط، هذه الغاية هي قيادة الناس، وتعليمهم حتى يصبحوا أفرادا مسيحيين وشعوبا مسيحية). ويقول أيضا: (إن المدارس شرط أساسي لنجاح التبشير، وهي بعد هذا وسيلة إلى غاية في نفسها، لقد كانت المدارس تسمَّى بالإضافة إلى التبشير (دق الإسفين) وكانت على الحقيقة كذلك في إدخال الإنجيل إلى مناطق كثيرة لم يكن بالإمكان أن يصل إليها الإنجيل أو المبشرون من طريق آخر). ويقول بعض المبشِّرين: (إن المدارس قوى لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم أكثر من كل قوة أخرى، ثم إن هذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون في يوم ما قادة في أوطانهم). ويقول المبشر (تكلى): (يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية، وتعلموا اللغات الأجنبية). ويقول (صموئيل زويمر): (ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية، فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بها، وهذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب). فيم يجيب العلمانيون عن هذا المخطط الواضح؟!! وهل تنفعهم المراوغة والاحتيال لصرف الناس عن التصديق به؟!! وتقول المبشِّرة (آنا ميلي غان): (لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهن باشوات وبكوات، ولا يوجد مكان يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ المسيحي، وبالتالي ليس هناك من طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة).ويقول المبشِّر (بزوز) الذي جاء عام (1948) م, ليتسلم زمام الرئاسة في جامعة بيروت الأمريكية: (لقد أدَّى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان، ومن أجل ذلك تقرر أن يختار رئيس الكلية البروتستانتية الإنجيلية (¬1) من مبشري الإرسالية السورية (¬2) وقد أصبح التعليم كله على مختلف فنونه يهدف إلى تحقيق غاية واحدة، هي إعلاء الفكر المضاد للإسلام: الفن والشعر والعلوم والتاريخ والرياضة والتمثيليات والمسرحيات الطلابية والمسابقات الثقافية، وسائر الفنون الأخرى كلها لا بد فيها من تحقيق الطموح الغربي، والتنفيس عن الحقد الصليبي، وأن تشتمل كلها على تحقيق هذا الهدف. وهناك حيل أخرى يستعملها المفكرون الغربيون ضد المدارس التي لم يتوصلوا إلى التدخل المباشر فيها: وذلك بإشاعة أن السنة الدراسية وحضور الطالب فيها يكفي لنجاحه إلى السنة التي تليها، بغضِّ النظر عن مستواه التعليمي؛ لكي ينتشر التعليم بسرعة، ويقضي على الأمية، إلى غير ذلك من المبررات التي أقنعوا بها المسئولين، وكانت نتيجة هذه المكيدة التي يحملها أمثال هؤلاء الذين نالوا الشهادة دون مقابل من التعليم يستحقه، والغرض الخفي وراء هذه المكيدة تدنِّي المعرفة في العالم الإسلامي، وتخريج متعلمين جهالا، لا يثقون بأنفسهم، ولا تثق بهم مجتمعاتهم، وبالتالي إيجاد الحيرة والاضطراب في الجميع. ¬

(¬1) وهي الجامعة الأمريكية اليوم. (¬2) نقلا عن كتاب ((عزو في الصميم)) (ص 25 - 29).

وهناك حيلة أخرى أيضا تؤدِّي إلى نفس الغرض السابق، وإن كان يبدو أنها تشدِّد على المتخرِّجين، حيث يوهمون المسئولين بأنه يكفي لنجاح الطالب أن يشترط عليه الحصول على نسبة مئوية تؤهله للنجاح، والانتقال في المرحلة التعليمية، ولتكن تلك النسبة متدنية إلى حد ما؛ إذ المطلوب تسهيل نجاح الطالب، ومتابعته الدراسية، وتمَّ هذا، ولكن النتيجة لم تختلف عن الطريقة السابقة. ثم اخترع الغزاة للأفكار حيلة أخرى، وهي دمج المواد المتشابهة وإعطاؤها درجة واحدة، مع أن كل مادة تستحق أن تفرد بالدراسة الكاملة، وبالدرجة المستقلة، وكان غرضهم من هذا أن يجد الطالب الكسول الفرصة الملائمة له لدراسة أي جزء تميل إليه نفسه؛ ليأخذ الدرجة كاملة عن كل المواد الأخرى الواردة تحت تلك التسمية، فتتدنَّى المعرفة، ويزداد الكسل والخمول والأمية. مثلا (مادة الدين) تشمل العقيدة الإسلامية والفقه والتفسير والحديث والمصطلح وعلوم التجويد والسيرة النبوية، والتاريخ إلى غير ذلك مما يتعلَّق بمواد الدين، هذه كلها أصبحت مادة واحدة ودرجتها واحدة، فأي نفع سيحصل عليه الطالب من هذا الوضع؟ وكذلك مواد اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وأدب وإملاء وخط وقراءة وتعبير ونصوص وعروض هي مادة واحدة كذلك!! وهناك حيلة رابعة تسمَّى بنظام الساعات، حيث يتمُّ فيها تجزئة المادة العلمية إلى وحدات دراسة صغيرة، تنتهي دراستها في مدة وجيزة، يتركها الدارس متى نجح فيها، ليأخذ بعدها وحدة أخرى، وهكذا إلى أن تنتهي المراحل الدراسية يأخذ المعلومات على عجل، ثم يتركها على عجل كذلك، فلا تثبت المعلومات في ذهنه، بل ينساها تباعا، أو لا يحصل له فيها اهتمام بالقدر الذي يجب (¬1). وهي دسائس لا بد أن تؤثر سلبا على الدارس عاجلا أم آجلا. ومن أخطر أنواع الغزو الفكري عن طريق التعليم ما يسمَّى بوسائل التفريغ والملء، وهي وسائل خبيثة يراد من ورائها أن يبقى المسلمون بعيدين عن أي اتصال بدينهم، بسبب ما يضعونه أمامهم من العراقيل والمفاهيم والشبهات الباطلة، فتفسد بذلك مفاهيمهم عن الإسلام، ويتمثل هذا السلوك في أمور كثيرة، من أهمها: فصل العلوم الدينية عن العلوم الدنيوية، وبالتالي الفصل بين من يريد تعلم الأمور الدينية، وبين من يريد العلوم الدنيوية، وهي خطة غاية في المكر ..... إثارة العصبية البغيضة بين أتباع كل علم، بحيث يتعصَّب صاحب كل علم لمبدئه، فتحصل الفرقة والتباغض بينهم، وهو المراد من تلك الخطة. إقصاء أصحاب العلوم الدينية كي يضطروا إذا أرادوا أن يكون لهم ذكر في المجتمع أو تأثير، أو أن يعيشوا عيشة كريمة- كي يضطروا إلى نبذ دراساتهم الدينية، والالتحاق بدراسة تلك العلوم الدنيوية التي يزعمون أنها لا تتوافق مع التعاليم الدينية. تشجيع كل صاحب هدف ما على أن يلفق عن الإسلام وعن نبيه العظيم وعن سلف أمة الإسلام، لكي ينشأ جيل يعتقدها صحيحة، فيفضلها ويقدمها على أنها هي التعاليم الإسلامية جهلا بحقيقتها، وتكوّن تلك المفتريات بغض الإسلام الصحيح وبغض علمائه السلفيين. ومن جهة أخرى يستفيد أعداء الإسلام منها الحيلولة دون معرفة حقيقة تلك الأغاليط والأكاذيب المفتراة؛ لضمان عدم رجوع من سلك سبيلهم عنها. ومنها اضطهادهم طلاب العلوم الدينية ودعاته، وإثارة بعضهم على بعض، وغمزهم بكل النقائص وإدخال عناصر بينهم؛ للتجسس عليهم، ولتفريق كلمتهم. ¬

(¬1) بتصرف عن كتاب ((غزو في الصميم)) ص (90 – 98).

الهجوم على الإسلام، وإثارة الشبهات والشكوك حول صلاحيته، وأنه مصدر تخلف المسلمين، بينما الحضارة الغربية بزعمهم كانت هي مصدر التقدم الأوربي حينما تركت تعاليم الكنيسة، وهؤلاء قد يكونون مغاليط معتمدين مع اقتناعهم بصلاحية تعاليم الكنيسة وتعصبهم لها، ويقولون ذلك من باب تشجيع المسلمين على ترك دينهم نفاقا لهم، وإما أن يكونوا جادين في ذلك بسبب ما رأوه في تعاليم الكنيسة من اضطهاد للعلم والعلماء، وهم يقولون ذلك لتشجيع الإلحاد، ونبذ الأديان كلها، سواء ما كان وضعيا كالنصرانية، أو إلهيا صحيحا كالإسلام، دون أن يلتفتوا إلى الفوارق الهائلة بين الدين الإلهي والدين الوضعي البشري. السخرية والتهكم بعلماء الإسلام، وبالأحكام الإسلامية، والعبادات في الإسلام، ووصفهم بكل صفات النقص، وتشويه صورهم الناصعة، إلى حد أن جعل بعض ضعاف النفوس يستحي أو يخاف أن ينسب نفسه إلى الإسلام في بعض الأماكن والبلدان؛ لئلا يكون محل سخرية وتهكم من المحيطين به من شياطين الإنس. وإذا كانت تلك الوسائل كلها المقصود بها تفريغ عقل المسلم من دينه، فهناك أيضا وسائل أخرى متممة لها يستعملها الغزاة لملء ذلك الفراغ الذي تحدثه الوسائل السابقة، ويتمُّ هذا عن طريق هيمنتهم على التعليم والمناهج الدراسية وعلى طريقتهم. الغضُّ من جدوى التعليم الإسلامي. التشجيع المادي والمعنوي لكل من انضمَّ إليهم من المسلمين، وإغداق الأموال والهدايا عليهم، وتمكينهم من الوصول إلى مواقع السيطرة، والنفوذ في بلدانهم، وتهيئة الرأي العام لهم إذا كانوا يصلحون للقيادة ليملؤوا الفراغ الذي رتَّبوه. إهمال مُدَرِّسي الدين الإسلامي وازدراؤهم، وإحلال مُدَرِّسي المواد الأخرى في حال أحسن من حال أولئك. تسخير كل شيء لصالح الغزاة من المواد الدراسية إلى لعبة كرة القدم والمسارح والسينما والتمثيليات والنزهات والاختلاط، ووسائل ما يسمُّونه بالفن والكتب والمجلات والصحف والإذاعة والتلفزيون ... إلى آخر تلك الأمور التي لا تحصر إلا بالكلفة، كلها تهدف في النهاية إلى خدمة الغزاة، بملء الفراغ في كل مكان يتطلَّبه الأمر، أو يخرج منه الإسلام، والأنكى في كل ذلك أن يقوم بعض من ينتسب إلى الإسلام في الأساس ممن باعوا دينهم وضمائرهم وعقولهم لغزاة الأفكار أن يقوم هؤلاء بتنفيذ ما يريده الغزاة بكل دقة وجرأة تامة دون أي اكتراث بالمصير المشؤوم الذي يتهدَّد أمتهم الإسلامية. -عن طريق المعاهد التنصيرية: أما معاهد الدراسة ومراكز البحوث فقد اهتمَّ المنصِّرون بإنشاء معاهد للدراسة النصرانية في مختلف البقاع ومنها: معهد (بونتيفيكو) للدارسات العربية، ومقره روما في إيطاليا، تشرف عليه الكنيسة الكاثوليكية. معهد الآداب العربية، ومقره تونس، وتشرف عليه أيضا الكنيسة الكاثوليكية. المركز النصراني لدراسات شمال أفريقيا، كان مقره في الجزائر، وقد أغلقته الحكومة الجزائرية عام (1969) م. مركز دراسات العالم العربي الحديث، ومقرُّه بيروت، وتشرف عليه الكنيسة الكاثوليكية والجمعية اليسوعية. معهد الشرق الأدنى للاهوت، ومقرُّه بيروت في لبنان أيضا، وتشرف عليه طوائف نصرانية. مركز دراسات الإسلام في أفريقيا، ومقرُّه نيروبي في كينيا، وتشرف عليه عدة طوائف نصرانية. المركز النصراني للدارسات، ومقرُّه راولبندي في باكستان، وتشرف عليه طوائف مسيحية. معهد هنري مارتن للدراسات الإسلامية، ومقرُّه حيدر آباد في الهند، وتشرف عليه عدة طوائف نصرانية. مركز أبحاث دانسلان، ومقرُّه مدينة أليجان في الفلبين، وتشرف عليه كلية دانسلان التابعة للكنيسة المسيحية الموحدة. مركز دانكان ماكدونالد لدراسة الإسلام والعلاقات النصرانية الإسلامية، وتشرف عليه مؤسسة هارتفورد النصرانية في الولايات المتحدة الأمريكية. معهد زويمر للدراسات الإسلامية، ومقرُّه كاليفورينا بأمريكا. الوكالات الدينية التنصيرية، وتوجد عدة وكالات في أمريكا وكندا وأستراليا على غرار معهد زويمر (¬1). وقد نجح هؤلاء الشياطين في استجلاب كثير من المسلمين إلى صفوفهم في أفريقيا وفي آسيا، ...... والله تعالى غالب على أمره. ¬

(¬1) باختصار وتصرف عن ((الإذاعات التنصيرية)) (ص25 - 30).

4 - عن طريق الطب:

4 - عن طريق الطب: في بناء المستشفيات التي ظاهرها الرحمة، وباطنها من قبلها العذاب، وقد لجؤوا إلى نشر النصرانية عن طريق الطب بعد أن فشلوا في نشرها بالوعظ والدعوة المباشرة، وقد استغلوا حاجة المرضى أسوأ استغلال، وبطرق شيطانية ماكرة يطول شرحها، إذ يقدِّمون للمريض- كما يذكر عنهم- الدواء الفاسد باسم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يقدِّمون له الدواء الجيد باسم المسيح عليه السلام، ثم يسألون المريض عن المقارنة بين الحالتين مذكِّرين المريض بأن شفاء المرضى وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ... وغير ذلك كان جزءا من قدرة المسيح عليه السلام على الشفاء، وغير ذلك من الأساليب والخدع الماكرة. ومن أقوال كبارهم: قال (بول هاريسون) في كتابه (الطب في بلاد العرب): (لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى).وتقول المبشرة (إيد هاريس): (يجب على الطبيب أن ينتهز الفرصة ليصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم) (¬1). وغير ذلك من أقوالهم في الحث على نشر التنصير عن طريق الطب والأطباء. ¬

(¬1) ((الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي)) (1/ 683).

5 - عن طريق حاجة المسلمين إلى الأيدي العاملة من النصارى:

5 - عن طريق حاجة المسلمين إلى الأيدي العاملة من النصارى: كذلك استغلوا حاجة المسلمين إلى الأيدي العاملة من النصارى في مجالات التقنيات الحديثة، في مجال النقل- كالطيران- أو الاقتصاد، كالبترول ... وغير ذلك.

6 - عن طريق استغلال المرأة:

6 - عن طريق استغلال المرأة: حيث استغلوا المرأة أقبح استغلال بالتركيز على أنها مظلومة جاهلة، ويجب أن تتحرَّر من استعباد الرجل الشرقي، وأن النصرانية توفِّر لها كل شيء.

7 - عن طريق الصناعات:

7 - عن طريق الصناعات: حيث وصلوا إلى أبعد حدٍّ ممكن حتى حلي النساء، فتجد بعضه يصنع على شكل الصليب، وكذا بقية الأدوات من لباس وفرش وغير ذلك من أنواع الأثاث.

8 - عن طريق التجارة:

8 - عن طريق التجارة: حيث يفعلون ذلك عن طريق مبادلة المنافع والسلع بزعمهم، حيث يحتوي ذلك على كثير من الدس التنصيري في الاتفاقيات والصيغ التي تكتب بها.

9 - عن طريق المناداة بوجوب تحديد النسل:

9 - عن طريق المناداة بوجوب تحديد النسل: وذلك بتشجيعه بين المسلمين، وكذلك الدعوة إلى الزواج المتأخر، وفي المقابل الدعوة الجادة للمسيحيين بالإكثار من النسل، والزواج المبكر، وتشجيعهم على ذلك بعدة وسائل ومغريات. وهناك أوجه كثيرة ووسائل متعددة يستخدمها المنصِّرون للتأثير على البسطاء من المسلمين يستجلبونهم بها من حيث يشعرون أو لا يشعرون. فقد ملؤوا الدنيا ضجيجا بأن أصحاب الديانات كلهم على خط واحد في محاربة الشيوعية، وبالتالي فوحدة الأديان هي المطلب المشترك في مجابهة الإلحاد (¬1) وقد أثرت هذه الدعاية في الكثير من المسلمين ظانين أنه كلام صحيح واتجاه سليم، ولم يعلموا أنه فكر باطل لا يجوز أن ينخدع به المسلم ذلك أن كل ما سوى الإسلام من الديانات فهي باطلة منسوخة، سواء كانت اليهودية أو النصرانية أو الشيوعية ... أو غير ذلك إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسلام [آل عمران: 19] .... وأن الشيوعية أقل ضررا من النصرانية فهي منبوذة بطبيعة الحال، ولها تلك الأوجه التي للنصرانية من الحيل والمسالك المقنعة بالدعوة إلى الله تعالى، وإلى الرجوع إليه، والرغبة فيما عنده، ونحو ذلك من الطرق المشبعة بالنفاق والمكر. وكذلك خطر الوثنية، فإنه لا يصل إلى الخطر الكامن في التنصير؛ إذ الوثنية أمرها معلوم وكفرها واضح، وليس فيها كذلك تلك الأوجه المتعددة للنصرانية من استعمال العبارات المألوفة، مثل (غفران الذنوب، التوجه إلى الله، البعد عن الخطايا ... ) ونحو ذلك من الكلمات التي لا وجود لها في الوثنية والشيوعية. ¬

(¬1) هذا الكلام كان قبل أن تسقط الشيوعية، وأما اليوم فالمجابهة على أشدها بين الإسلام والنصرانية علانية ..

10 - عن طريق محاصرة الإسلام:

10 - عن طريق محاصرة الإسلام: لقد عمل المنصِّرون كلَّ ما في وسعهم وطاقتهم على محاصرة الإسلام، وعدم وصول نوره إلى النصارى من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى غير النصارى من أصحاب الديانات الباطلة، بل المنصِّرون يتمنَّون أن تبقى الشعوب على أي عقيدة كانت إلا العقيدة الإسلامية، وأن يبقوا على جهلهم؛ ليحوزوا السبق إليهم قبل أن يصلهم الإسلام الذي هو العدو الأول لهم، والذي تتمثل محاربتهم له في مجالات كثيرة منها: 1ـ الحفاظ على من دخل النصرانية كي لا يتركها، بحيث لا يتركون له المجال للتفكير أو الاتصال بالمسلمين. 2ـ إخراج المسلمين عن دينهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلا. 3ـ التشكيك في التعاليم الإسلامية وصلاحيتها لإسعاد البشرية بزعمهم الكاذب. 4ـ إرغام المسلمين على النطق بألفاظ التنصير في المعاملات وفي أسماء صناعاتهم، وفي التحايا بينهم، مثل (أوكي، مرسي، والرب معكم ... ) إلخ. 5ـ نشر الدعايات الكاذبة أن النصرانية هي التي أوصلت الأوربيين إلى ما وصلوا إليه من التقدم، وأن الإسلام هو الذي جعل أتباعه بهذه المنزلة من التخلف والضعف.

11 - عن طريق تحبيب النصرانية والصليب إلى الأطفال.

11 - عن طريق تحبيب النصرانية والصليب إلى الأطفال.

12 - عن طريق أعياد الميلاد:

12 - عن طريق أعياد الميلاد: ومن أشد وسائل التنصير شيوعا هو الاحتفال بأعياد الميلاد المسيحية، وتبادل التهاني بينهم وبين غيرهم من المسلمين!!

13 - عن طريق تأليب الحكام على المصلحين:

13 - عن طريق تأليب الحكام على المصلحين: لقد توجَّه اهتمام المبشرين إلى الإيعاز للحكام أن يستولوا على كل وسيلة كسب لعلماء المسلمين كي لا يعتزوا بأنفسهم عن الذل لغيرهم، وخصوصا الأوقاف التي كانت في الزمن القديم من الصدقات الجارية للمؤسسات الخيرية، فسلبت تلك الأوقاف، وجعلت من أملاك الدولة في بعض بلدان المسلمين؛ نكاية بالمسلمين وبدينهم الحنيف.

14 - عن طريق السخرية بعلماء المسلمين:

14 - عن طريق السخرية بعلماء المسلمين: ثم وجَّهوا اهتمامهم إلى السخرية بعلماء الإسلام، وتصويرهم بصور شتى؛ لكي يسقطوا من أعين الناس، وبالتالي فلا يلتفتون إلى تعاليمهم، ولا يقدرونهم حقَّ قدرهم. وبالتالي ينفذون إلى التشكيك في الإسلام، وزعزعته من قلوب أتباعه، وبل وإلى ما هو أبعد من ذلك، وهو تفريق كلمة المسلمين، وإثارة العصبيات والبغي بينهم، وتعالي بعضهم على بعض، وقد صوَّرت إحدى الصحف في دولة عربية إسلامية، الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته في صورة تدل على استهزائهم بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبتعاليمه، وبصورة لا يمكن أن تصدر عن مسلم.

15 - عن طريق إثارة الهزائم النفسية:

15 - عن طريق إثارة الهزائم النفسية: كما أنهم لم يألوا جهدا في إلحاق الهزائم النفسية، وإثارة الشعور بالخوف والقلق، وإيجاد عدم الثقة في قلوب المسلمين بدينهم ولا بقوتهم ولا بأرضهم، حيث تصبح الأرض في نهاية التبشير ملكا لهم تحت غطاء الخلاص في الكتاب المقدس. ¤المذاهب الفكرية لغالب العواجي 1/ 294 - 388 بتصرف

المطلب الثاني: بعض الكتب ووسائل الدعاية التنصيرية:

المطلب الثاني: بعض الكتب ووسائل الدعاية التنصيرية: - جمعت موضوعات مؤتمر القاهرة (1906) م, في كتاب كبير اسمه وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين. - صنَّف زويمر كتاباً جمع فيه بعض التقارير عن التبشير، أسماه (العالم الإسلامي اليوم) تحدَّث فيه عن الوسائل المؤدية للاحتكاك بالشعوب غير المسيحية، وجلبها إلى حظيرة المسيح مع بيان الخطط التي يجب على المبشر اتِّباعها. - (تاريخ التبشير): للمبشر أدوين بلس البروتستانتي. - كتاب المستر فاردنر: ركَّز فيه حديثه عن أفريقيا، وسبل نشر النصرانية فيها، وعوائق ذلك ومعالجاته. - مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية التي تصدر في مدينة بال بسويسرا، والتي تحدثت عن مؤتمر أدنبره سنة (1910) م. - مجلة الشرق المسيحي الألمانية تصدرها جمعية التبشير الألمانية منذ سنة (1910) م. - (دائرة المعارف الإسلامية) التي صدرت بعدة لغات حية. - (موجز دائرة المعارف الإسلامية). - طبع الإنجيل بشكل أنيق وبأعداد هائلة وتوزيعه مجاناً، وإرساله بالبريد لمن يطلبه، وأحياناً لمن لا يطلبه أيضاً. - توزيع أشرطة الفيديو والكاسيت المسجل عليها ما يصرف المسلم عن دينه، واستخدام الموجات الإذاعية والتليفزيونية التي تبثُّ سمومها، وتصل إلى المسلمين في مخادعهم، وتعتمد على التمثيليات والبرامج الترفيهية والثقافية والرياضية من أجل خدمة أهدافهم الخبيثة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المبحث السابع: الجذور الفكرية والعقائدية: يبلغ عدد المبشِّرين في أنحاء العالم ما يزيد على (220) ألف منهم (138000) كاثوليكي، والباقي وعددهم (62000) من البروتستانت. - لقد بدأ التنصير، وتوسَّع إثر الانهزامات التي مُني بها الصليبيون طوال قرنين من الزمان (1099 - 1254) م, أنفقوهما في محاولة الاستيلاء على بيت المقدس، وانتزاعه من أيدي المسلمين. - الأب اليسوعي ميبز يقول: (إن الحروب الصليبية الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر لا تزال مستمرة إلى أيامنا، إن الرهبان الفرنسيين والراهبات الفرنسيات لايزالون كثيرين في الشرق). - يرى المستشرق الألماني بيكر Becker بأن (هناك عداء من النصرانية ضد الإسلام، بسبب أن الإسلام عندما أنتشر في العصور الوسطى أقام سدًّا منيعاً في وجه انتشار النصرانية، ثم إن الإسلام قد امتدَّ إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها). - التنصير في أساسه يهدف إلى تمكين الغرب النصراني من البلاد الإسلامية، وهو مقدِّمة أساسية للاستعمار، وسبب مباشر لتوهين قوة المسلمين وإضعافها. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ:

المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ: لقد انتشر التنصير، وامتدَّ إلى كل دول العالم الثالث. - إنه يتلَّقى الدعم الدولي الهائل من أوروبا وأمريكا ومن مختلف الكنائس والهيئات والجامعات والمؤسسات العالمية. - إنه يلقي بثقله بشكل كثيف حول العالم الإسلامي عن طريق فتح المدارس الأجنبية، وتصدير البعوث والإرساليات التبشيرية، وتشجيع انتشار المجلات الخليعة، والكتب العابثة، والبرامج التلفزيونية الفاسدة، والسخرية من علماء الدين، والترويج لفكرة تحديد النسل، والعمل على إفساد المرأة المسلمة، ومحاربة اللغة العربية، وتشجيع النعرات القومية. - إنه يتمركز في إندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان وفي أفريقيا بعامة. - يزداد تيار التنصير نتيجة لسياسة التساهل من قبل الحكام في بعض البلدان الإسلامية، فبعضهم يحضر القدَّاس بنفسه، وبعضهم يتبرَّع بماله لبناء الكنائس، وبعضهم يتغافل عن دخول المسيحيين بصورة غير مشروعة. والمطلوب اتخاذ سياسة حازمة لإيقاف تيار التنصير قبل فوات الأوان. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث التاسع: التنصير في مصر:

المبحث التاسع: التنصير في مصر: تعتبر مصر الآن هي مركز النشاط التنصيري في الشرق، وذلك لعدة أسباب هامة منها: - قوة الكنيسة المصرية السياسية والدينية والاقتصادية؛ فالكنيسة القبطية مثلاً تعتبر ثاني أكبر الكنائس في التاريخ المسيحي بعد الكنيسة الرومانية, وقد تمكَّنت هذه الكنيسة من ترؤس كنائس الشرق جميعًا، حتى بدأ النشاط البروتستانتي في إضعاف دورها، لكنها ما لبثت أن عادت إلى قوتها بعد سيطرة تنظيم الأمة القبطية الذي يتزعمه (البابا شنودة) ومجموعة رهبان الستينات والسبعينات لها، ووصولها إلى قمة هرم السلطة فيها، والكنيسة الإنجيلية تعمل بنشاط وقوة منذ نشأتها أيام الاحتلال الأجنبي في القرن ال (19)، وهي المسؤولة عن النشاط التنصيري في جميع دول الشرق الأوسط وأفريقيا. -تشجيع الدولة للتيارات العلمانية واللبرالية المعادية للإسلام، والغريب أن تتوطَّد علاقة الكنيسة مع هذه التيارات، ويستفيد كل منهم من الآخر في دعم ومساندة موقفه في الحرب على الإسلام. -انتشار الجهل بين المسلمين بصورة لم تحدث من قبل في تاريخ الأمة. -حملة شهوانية مسعورة تملأ على المسلمين حياتهم، تقعد لهم بكل صراط وسبيل، تصدُّهم عن سبيل الله، وتزرع في نفوسهم الدياثة وحب الفواحش، حتى صار العامة لا يبالون إلا ببطونهم وفروجهم، وهذه الحملة تستخدم كل وسائل الاتصال البشري المسموعة والمرئية والمكتوبة. -حالة الفقر المدقع والغلاء الفاحش والبطالة التي تخنق المسلمين في مصر، والتي وصلت إلى ذروتها؛ مما دفع البعض إلى الانتحار أو قتل الأطفال؛ لعدم القدرة على إطعامهم، أو شيوع البغاء والسرقة، وما يسمى أخلاقيات الفقر والعنوسة، وأصبح لا همَّ للعامة سوى الحصول على المال للبقاء على قيد الحياة بكل وسيلة ممكنة، دون النظر إلى شرعية الوسيلة أو عواقبها. كل هذه الأسباب سواء كانت تمَّ التخطيط لها من قبل أعداء الأمة الإسلامية، أو وقعت لجهل المسلمين وبُعدهم عن دينهم أو لكليهما معًا، فإن المتيقن منه الآن أن مصر تجهزت تمامًا لتأخذ نصيبها من مخطط الشرق الأوسط الكبير، وأن التنصير أحد أهم الوسائل المخصصة لذلك.

المبحث العاشر: استقراء واقع التنصير:

المبحث العاشر: استقراء واقع التنصير: من خلال استقرائنا لواقع التنصير نلاحظ أنه تمَّ توزيع الأدوار على الكنائس المختلفة، وهذا التوزيع استغل الخصائص المختلفة للكنائس؛ ليوظفها كعناصر قوة دافعة في برنامج واحد بمنظومة واحدة؛ هدفها تشويه الإسلام، وزعزعة اليقين في قلوب المسلمين، وتسخين الوضع الطائفي عن طريق شحن الأقباط بعقدة التفوق والاضطهاد؛ مما يضمن تمسكهم، وانعزالهم، وبث الثقة واليقين فيهم، وإثارة جرأتهم على الإسلام. ولذلك تمَّ تقسيم الحملة التنصيرية إلى قسمين: القسم الأول: السياسي: وتتولاه الكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها أقلية أصلية، وليست وافدة، وهي الأكثر عددًا والأكفأ تنظيمًا وإعداداً، وقد تجهزت الكنيسة الأرثوذكسية لهذا الدور عبر إعداد جيل كامل من الرهبان والكهنة المشبعين بالتعصب، والموالين لتنظيم الأمة القبطية الذي يتزعمه البابا نفسه .. وكذلك إنشاء التنظيم الدولي المساعد الذي يمثله أقباط المهجر، وهي ظاهرة صنعها البابا شنودة بنفسه، وهو يفخر بهذا، وقد استطاع هذا التنظيم إنشاء لوبي قوي في أمريكا وكندا واستراليا, وتمكَّن هذا التنظيم من الوصول إلى دوائر صنع القرار في أمريكا وأوربا مستغلًّا العون اليهودي المقدم لإضعاف الدولة المصرية. ويهدف هذا القسم إلى: - تدويل قضية نصارى مصر سياسيًّا على المستوى الدولي، وتهيئتهم للانفصال عن الدولة. - انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب والامتيازات من الحكومة. - الوقيعة المستمرة بين المسلمين والأقباط؛ ليصبح الانفصال حلًّا مريحًا للجميع. - استقطاب الشخصيات العامة عن طريق الرشوة، والمصالح المتبادلة، أو إرهابها وتحيديها. - تحييد المؤسسات الدينية الرسمية (الأزهر ـ الأوقاف)، عن طريق الترهيب والترغيب، والتنادي بمسمَّيات الوحدة الوطنية، ووأد الفتنة الطائفية، ونزع أسباب التوتر. ويتزعم هذه الحملة السياسية داخليًّا القمص (مرقس عزيز) كاهن الكنيسة المعلقة والمستشار (نجيب جبرائيل) المستشار القانوني للبابا شنودة وخارجيًا تنظيم (عدلي أبادير). القسم الثاني: هو القسم العلمي: وتتزعمه بالأساس الكنيسة البروتستانتية باعتبارها الأكثر تعلماً وثقافة وقدرة على الجدل مع المسلمين، وكذلك لارتباطها مع المؤسسات التنصيرية العالمية، وهي في أغلبها مؤسسات بروتستانتية تتمتع بسند أمريكي وبريطاني باعتبار رابط المذهب الديني. ويهدف هذا القسم إلى: - تشويه صورة الإسلام؛ لإقامة حائط صدٍّ يمنع المسيحيين من اعتناقه أو حتى التفكير فيه. - تشكيك المسلمين في دينهم وهزيمتهم نفسيًّا. - استفزاز المسلمين للقيام بأحداث ثأرية تصبُّ في صالح الشق السياسي، وتزيد الضغوط على الدولة، وتتزعم هذا القسم داخليًّا كنيسة (قصر الدوبارة) برئاسة القس (منيس عبد النور) والدكتور (داود رياض) وجمعية خلاص النفوس الإنجيلية والقس (عبد المسيح بسيط)، وهو كاهن كنيسة العذراء الأرثوذكسية، ويتزعمه خارجيًّا القمص (زكريا بطرس) وتنظيمه. وعتاد هذا القسم هو: عدد من القنوات الفضائية مثل: (الحياة) , (سات7) , (النور) , (السريانية)، (أغابي)، (المعجزة)، (الكرامة) المسيح للجميع (( CTV . وأكثر من خمسمائة موقع إلكتروني مثل: (صوت المسيحي الحر)، (الكلمة) , (النور والظلمة) , (فازر زكريا) , (فازر بسيط) , (الأقباط متحدون) , مسيحيو الشرق الأوسط ... أكثر من عشر مجلات متخصصة مثل (الكتيبة الطيبية) , (الطريق) ,الأخبار السارة , أخبار المشاهير ... أكثر من مائتي غرفة حوارية على برامج المحادثة الإلكترونية مثل (البالتوك) و (الماسنجر) و (الياهو) و (سكاي بي).

بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المنصرين والمتنصرين الذين يقودون الحرب على الإسلام باعتبارهم أصحاب تجربة، وهؤلاء ينشطون داخل شبكات تنصير منظمة وممولة. ومن هذه الشبكات التنصيرية: 1 - شبكة قمح مصر، وهي تنشط في أكثر من محافظة، لاسيما القاهرة والمنيا وبني سويف، ويقودها شاب متنصر كان اسمه (محمد عبد المنعم) وأصبح (بيتر عبده) من محافظة المنصورة، ويساعده شاب متنصر أيضًا كان اسمه (مصطفى)، وأصبح (جون) وكلاهما تنصَّر على يد دكتور أمريكي اسمه (بوب) , وقد تفوق (محمد عبد المنعم) أو (بيتر) فحصل على منحة لدراسة اللاهوت بالأردن، وهو يتقاضى راتبًا شهريًّا يصل إلى عشرة آلاف دولار. 2 - جمعية أرض الكتاب المقدس، ومقرها الرسمي (بكينجهام شاير) ويرأسها شخص اسمه (موبير نلي) وتنشط في الريف المصري، ويقوم عليها مجموعة من المنصرين العرب الأجانب، وتقوم هذه الجمعية بزيارة المناطق الفقيرة والمعدمة، وتقوم ببناء البيوت، ودفع اشتراكات التلفونات ومصاريف المدارس، وتشارك هذه الجمعية في مشروع بناء مصر العليا، وهو مشروع تنصيري ممول من جمعيات تنصيرية أوربية، وفي آخر رصد لنشاط جمعية أرض الكتاب المقدس خرج فريق من منصري هذه الجمعية إلى قرية الكوم الأخضر أحد قرى الجيزة، وظلوا لمدة عشرة أيام كاملة يساعدون العائلات في بناء بيوتهم وتجديدها وإعمارها، حيث إنفق الفريق أكثر من مائة ألف جنية إسترليني هناك. 3 - الجمعية الإنجيلية للخدمات الإنسانية، وهي جمعية تقوم بإقامة مشروعات صغيرة لفقراء المسلمين عن طريق القروض الميسرة، وتنشط في القاهرة الكبرى بوجه خاص، لاسيما المناطق العشوائية، وهي خاضعة لكنيسة (قصر الدوبارة البروتستانتية)، وقد تنصر بسببها عدد كبير من المتنصرين، ويمولها عدد من الشركات المسيحية التجارية. 4 - الجمعية الصحية المسيحية، وهي جمعية ممولة من السفارة الأمريكية، وتدير عدة مدارس ومستشفيات، وتقدم الخدمات المجانية لعدد كبير من المسلمين. 5 - مؤسسة (دير مريم) وهي مؤسسة قديمة تقدم الدعم المادي والقروض الحسنة، وتعرض خدمات الهجرة والسفر للمتنصرين. 6 - مؤسسة (بيلان) وهي أيضًا مؤسسة عريقة في التنصير، وبجانب ما توفره من دعم مادي تقوم بإقامة حفلات عامة يوم الأحد، وتدير شبكة مراسلة وتعارف بين الشباب من سن الحادية عشرة إلى الخامسة عشرة سنة بين مصر والبلاد الأوربية. 7 - مؤسسة حماية البيئة، ومقرُّها الأساسي في منشية ناصر أحد أفقر أحياء القاهرة، ولها فروع في العديد من المناطق الشعبية، وتقوم بتدريب الشباب والفتيات من كل الأعمار على الأشغال اليدوية، وإقامة المشروعات الصغيرة، وتقوم بالتعاون مع السفارة الأمريكية بإعداد معارض لمنتجات المتدربين فيها، وتضمُّ كذلك دور حضانة ومدارس بأجور رمزية، يقوم فيها المسيحيون بالتدريس لصغار المسلمين. 8 - جمعية (الكورسات) بالإسكندرية، وهي جمعية إنجيلية تقوم برعاية أطفال الشوارع، حيث توفر لهم ثلاث وجبات يومية، ومدرسة لمحو الأمية، وورش لتعلم الحرف، ...... ويقدر تقرير أمريكي نشرته صحيفة (المصريون) بتاريخ (15/ 8/2007 (م, أعداد الجمعيات والمنظمات التنصيرية بقرابة ألفي منظمة وجمعية، منها قرابة ثلاثمائة تقيم في مصر بشكل رسمي ودائم، ويعمل بها ما لا يقل عن خمسة آلاف مصري وألف وخمسمائة أجنبي. وجميعها تتلقَّى الدعم مالي من المؤسسات التنصيرية العالمية مثل: مؤسسة (ماري تسوري) ومؤسسة (كريتاس) التابعة (لمجلس الكنائس العالمي) ومؤسسة (الكريستيان أيد) ومؤسسة (ما وراء البحار) ومؤسسة (الطفولة الأمريكية) وهيئة (سدبا) ومؤسسة (كاتليست). ومن الملاحظات التي رصدناها في الفترة الأخيرة، هو انتشار النشاط التنصيري إلى أماكن التوتر العرقي في مصر، فقد رصدنا عمليات تنصير تجري في النوبة، وهي تقوم بالأساس على استغلال مشاكل النوبة الاقتصادية والسياسة، وتقوم جمعيات تنصيرية أمريكية بمشروع يسمى (الوعي القومي) في هذه المناطق، وهو يهدف إلى عزلهم كمجموعة مستقلة لغة وثقافة وعرقًا، وقد نجحت هذه المجموعات التنصيرية في تنصير الكثير من هؤلاء مطبقة بذلك نموذج (أمازيغ) الجزائر، ويساعدهم في ذلك أحد كبار مثقفيهم وهو (حجاج أدول)، وقد حصل على عدة جوائز أدبية، وشارك في العديد من المؤتمرات الخاصة بالأقباط في أمريكا. كذلك رصدنا مجموعة من المنصرين تنتشر بين بدو سيناء مستغلة مشاكلهم الاقتصادية والأمنية مع الدولة، وتدير هذه المجموعة نشاطها من بعض الفنادق والأديرة، ويشاركها مجموعة من جمعية المعونة الأمريكية، وقد حققت نجاحات على مستوى الأطفال والنساء، وإقامة علاقات وثيقة مع شيوخ بعض القبائل. كذلك انتشر التنصير في صعيد مصر الذي يعاني من التهميش والإهمال والفقر، وبينما توفر الكنيسة للنصارى فيه الدعم والسند المالي الكبير؛ والذي جعلهم أقلية منعمة ومرفهة

المبحث الحادي عشر: استقراء الواقع من خلال نماذج من المتنصرين:

المبحث الحادي عشر: استقراء الواقع من خلال نماذج من المتنصرين: تم تدريب فرق من الشباب المسيحي للعمل في مجال التنصير، وهؤلاء الشباب يتلقون تدريبات مكثفة على كيفية إدارة الحوار مع المسلمين، وكسب مودتهم وثقتهم، واكتشاف نقاط الضعف في شخصيتهم واستثمارها، ويتركز النشاط التنصيري على عدة جبهات أساسية وهي: المراكز التعليمية: الجامعات والمدارس والمدن الطلابية. المراكز الاجتماعية: النوادي والتجمعات الليلية، وأماكن تجمع الشباب بصفة خاصة. المراكز الطبية: مستشفيات وجمعيات مرضى الكلى والسرطان، فهناك رحلات تنظمها الكنائس إلى هذه الأماكن، وتقوم بتوزيع الهدايا والأموال والتعرف على احتياجات المرضى، وقيام صداقات بينهم وبين المنصرين. التجمعات الفقيرة: مثل منطقة (الكيلو أربعة ونصف) و (منشية ناصر) و (عزبة الهجانة) و (الدويقة) و (البساتين) و (مصر القديمة) و (المقطم) و (جزيرة الدهب) بين (المعادي) ومنطقة (البحر الأعظم) جزيرة الوراق (إمبابة). مراكز الإيداع الخاص: السجون وملاجئ الأطفال ودور المسنين، ومع حساسية هذه الأماكن وظروفها الخاصة. ¤ واقع التنصير في مصر- ملفات متنوعة – بتصرف من موقع ملتقى أهل الحديث - نقلا عن: مجموعة المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير

المبحث الثاني عشر: التنصير في الجزيرة العربية:

المبحث الثاني عشر: التنصير في الجزيرة العربية: • تمهيد:. • المطلب الأول: التنصير في البحرين:. • المطلب الثاني: التنصير في الكويت:. • المطلب الثالث: التنصير في عمان:. • المطلب الرابع: التنصير في قطر:. • المطلب الخامس: التنصير في الإمارات:.

تمهيد:

تمهيد: إن بناء الكنائس في ديار الإسلام جريمة شنعاء، وعاراً مخزياً أن يكون للوثنية موقع قدم في ديار أعزَّها الله بالإسلام, ورفع عنها الجاهلية رحمة منه, وإقامة للحجة على عباده، فما الذي سيجنيه العالم الإسلامي من وجود هذه الكنائس بين ظهرانيهم؟ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50] , وأكرر أنه إذا كان وجود الكنائس في ديار المسلمين أمراً مخزيا، فإن وجودها في جزيرة العرب يعتبر أشد خزياً, بل ومن أشد المنكرات التي يجب إزالتها والأخذ على أيدي المنتسبين إليها, فقد حرَّم الإسلام تحريما مؤبدا أن يجتمع فيها دينان إلى يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً)) (¬1). وقد جاء في معناه أحاديث كثيرة كلها تحرِّم أن يجتمع بجزيرة العرب دينان, فأين المسلمون من تصميم النصارى على غزو بلاد العرب وإقامة الكنائس لو تيسر لهم - لا سمح الله - على أنقاض المساجد, وإعادة السيطرة الصليبية على كل أراضي العرب في الجزيرة، ليكون مصيرهم مصير إخوانهم من المسلمين في أفريقيا وفي شرق آسيا ... وغيرها من البلدان التي وطئتها أقدام المنصرين النجسة, يغمرهم الحقد على الإسلام وعلى نبيه العظيم, وعلى كل مسلم غيور على دينه, ولقد تجرأ النصارى على المسلمين، فصاروا يهاجمون الإسلام وأهله علانية غير مكترثين بمشاعر المسلمين، ولا بمشاعر أهل البلد الذي آواهم، وسمح لهم بإظهار كفرهم؛ رعاية لمصالح المواطنين بزعمهم. لقد أصبح الخليج العربي بين فكي الكماشة, التنصير من جانب, والنفوذ الرافضي من جانب آخر, وكل هذا يراد به حصار الإسلام والعقيدة السلفية والقضاء عليها. وقد جاءت نصوص مستفيضة عن الصحابة على منع بناء الكنائس في ديار المسلمين, وفي كتب الحديث ما يشفي ويكفي، وكذلك من جاء بعد الصحابة كلهم على تحريم بناء الكنائس, وفي كتب الفقه في بيان حقوق أهل الذمة وأهل الملل الأخرى ما لا يحصى من الأقوال عن علماء المسلمين في تحريم بناء الكنائس بين ظهراني المسلمين, وأن من فعل ذلك فإنه يعزَّر وتهدم الكنيسة، خصوصا بناء الكنائس المستحدثة, ولم يتوانَ المسلمون في هدم كنائس الكفار إلا ما كان قبل قدوم المسلمين أراضيهم ودخول أولئك الكفار في الذمة بالصلح فلهم ذلك, ما لم ينقضوا عهدهم, فإذا نقضوه فللمسلمين حينئذ هدم كل كنائسهم، وعلى المنخدعين بزخارف القول بتقارب الأديان السماوية, أو رعاية المصالح الوطنية, أو ترديد شعار المؤاخاة بين الإسلام واليهود والنصرانية, عليهم إن كانوا غيورين على دينهم أن يراجعوا كلام علماء الإسلام وفقهائهم؛ ليتأكدوا من حقيقة موقف الإسلام من التعاليم الباطلة الجاهلية, ومن موقفه من رفع الكنائس وسائر الشعائر النصرانية في ديار المسلمين, فما أحرى بالمسلمين أن يروا الله خيرا من أنفسهم، وأن يمنعوا - حكاماً ومحكومين - كل ما يضادُّ الإسلام، ويرفع شأن الديانات الباطلة في ديارهم, فإنه ما غزي قوم في عقر ديارهم إلا ذلوا. وعسى أن يأتي اليوم الذي يستفيق فيه المسلمون قريبا، ويكون شعارهم (لا دينان في جزيرة العرب) بل ولا في أي بلد إسلامي, وأن يطهروا بلدانهم عن نجس النصرانية البولسية الوثنية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: 28] , عسى أن يأتي ذلك اليوم، وليس ذلك على الله بعزيز ..... وعلى من انخدع بزخارف دعايات النصرانية أن يرجع إلى دينه الحنيف الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يقبل الله دينا سواه. وفيما يلي أشير بتصرف واختصار على حركة التنصير في الخليج من كتاب: (التبشير المسيحي في منطقة الخليج). ¬

(¬1) رواه مسلم (1767).

المطلب الأول: التنصير في البحرين:

المطلب الأول: التنصير في البحرين: إن أول ما بدأ التنصير في الخليج كان من البحرين حين زار (زويمر) هذا البلد عام (1890) م، وجاءته الأموال من الكنيسة الإصلاحية الأمريكية, وقد دخل المنصِّرون عن طريق الأعمال الطبية، حيث أنشؤوا مستشفى البعثة الأمريكية الذي أسس عام (1902) م، ثم بنيت مدرستين, إحداهما للبنين، والأخرى للبنات في هذا البلد, ووصل عدد الطلاب إلى (500) طالب, بالإضافة إلى المكتبة المسيحية هناك التي تسمَّى مكتبة العائلة لبيع كتب التنصير, وعلى رأسها الأناجيل ويبلغ عدد أتباع الكنائس العالمية في دولة البحرين من الجنسيات المختلفة كما يلي: أتباع الكنيسة السورية الأرثوذوكسية في (مالابار)، ويتبعها حوالي (200) عضو, معظمهم من الهنود. أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية, ويتبعها حوالي (2700) عضو, معظمهم من الهنود, وتقام الصلوات لديهم بالإنكليزية. أتباع الكنيسة الإنكليكانية, وعدد أعضائها (500) عضو. أتباع الكنيسة الوطنية الإنجيلية, وهي الكنيسة الوحيدة في البحرين التي تضمُّ عددا أكثر من المواطنين بين أعضائها (150) عضوا, بينهم 60 بحرانيا. كما أن هناك طائفة إنجيلية تتحدث بالإنجليزية, وتضم (180) عضوا تقريبا, وأتباعها من اليهود والباكستانيين. أتباع كنيسة الرب, وتضمُّ هذه الطائفة الآن حوالي (40) عضوا نظاميا, ويشرف عليها قسيس من الولايات المتحدة الأمريكية، وكل أعضائها من المهاجرين. (والمبشرون يشعرون أن السلطات في البحرين تودُّ أن تكون الكنائس للأجانب, ولا تسمح بالتبشير بين المسلمين, كما تمنع في نفس الوقت اضطهاد المسيحيين) (¬1). ويلاحظ في هذه الأعداد كثرة المتنصرين من الهنود والباكستانيين, وقد بلغ أتباع تلك الكنائس أكثر من (3770) شخصا, وهو عبارة عن عدد كبير في دولة صغيرة هي البحرين, كما أن هذا التقرير قد كتب في وقت متقدم. ¬

(¬1) بتصرف عن ((التبشير المسيحي في منطقة الخليج)) (ص 16 - 19).

المطلب الثاني: التنصير في الكويت:

المطلب الثاني: التنصير في الكويت: الكاثوليك يشكلون حوالي (50%) من المسيحيين, ويقدر عدد المسيحيين هناك بـ (19500) شخصا, معظمهم من الهنود والأرمن والسوريين والأقباط, كما توجد في الكويت سبع طوائف بروتستانتية، أكبرها أتباع كنيسة (مارتوما) الهندية. ويوجد أيضاً أكثر من (25000) مسيحي تابعين للمذهب الأرثوذوكسي لطوائف مختلفة من الأرمن والأقباط والمالابار السوريين, ولا توجد في الكويت كنائس وطنية, والكويت هي البلد الوحيد في الخليج الذي أسس فيه المسيحيون (المؤتمر الكنسي الكويتي) كمركز للتشاور والتنسيق) (¬1). ويلاحظ أن القول بعدم وجود كنائس في الكويت غير مسلَّم به، ولعلَّ الذي يذكر هذا كان صحيحا في وقته, أما وجود الكنائس في الكويت فهي موجودة. ¬

(¬1) ((التبشير المسيحي في منطقة الخليج)) (ص21 - 22).

المطلب الثالث: التنصير في عمان:

المطلب الثالث: التنصير في عمان: وأما التنصير في عمان فقد بدأ منذ وصول القس (زويمر) وزميله (جيمس)، وحصلوا على المساعدات الضخمة من الكنيسة الإصلاحية الأمريكية, وتوجد بعمان مكتبة مسيحية لبيع الكتب التنصيرية. أما أتباع الكنائس العالمية في عمان فهي:- الكنيسة الإصلاحية الأمريكية, وقد بدأت في عام (1890) م, ويوجد الآن لها ثلاث كنائس ذات بنايات ضخمة, ويوجد منهم حوالي (500) شخص بروتستانتي. الكنيسة الكاثوليكية, أنشئت في عمان (1971) م, ويوجد منهم حوالي (700) من الكاثوليك. الكنيسة الأرثوذوكسية, ومعظم أتباعها من الهنود. ويلاحظ أن تلك الكنائس هي لأجانب من طوائف وبلدان شتى في العالم, وأكثر الإمدادات المالية تأتيهم من الكنيسة الإصلاحية الأمريكية. (¬1) ¬

(¬1) ((التبشير المسيحي في منطقة الخليج)) (ص23 - 25).

المطلب الرابع: التنصير في قطر:

المطلب الرابع: التنصير في قطر: أما قطر فإنها لا تختلف عن غيرها من دول الخليج في انتهاز الكنيسة الإصلاحية الأمريكية للتنصير فيه. وأتباع الكنائس في قطر: الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها حوالي (2500) عضو مختلفي الأجناس, معظمهم هنود, والبقية أوربيون, وقد رفضت الحكومة فيها اقتراحاً للجالية الكاثوليكية ببناء كنيسة, وتقام طقوسهم في منازل وأبنية خاصة لشركات النفط (¬1). الكنيسة البروتستانتية, ومعظم أتباعها من الأوربيين. الكنيسة الأرثوذوكسية, وأتباعها قليلون, ومعظمهم من الهنود الملاباريون. (¬2) ¬

(¬1) ثم تم افتتاح أول كنيسة كاثوليكية في قطر عام 2008. (¬2) ((التبشير المسيحي في منطقة الخليج)) (ص25 - 27).

المطلب الخامس: التنصير في الإمارات:

المطلب الخامس: التنصير في الإمارات: وأما الإمارات العربية المتحدة ففيها خمسون ألف مسيحي, ويبدو أن التنصير فيها أنشط منه في سائر دول الخليج, وقد دعمت بناء الكنائس والمستشفيات والمدارس لهم, ويتمثل النشاط التنصيري في (البعثة المتحدة الإنجيلية) التي أقامت مستشفى يتسع لأربعين سريرا في (العين) بتعاون مع (أبو ظبي) في تكوين مركز للنشاطات التبشيرية، وتوزِّع هذه المستشفيات المطبوعات التبشيرية للمرضى الخارجيين, وللمرضى المقيمين, وللمنصِّرين هناك مكتبات وقاعات اجتماعات ومستوصفات تدار من قبل المنصرين في (الفجيرة) وفي (الشارقة) - وقد أغلق- وفي (البريمي) ومدرسة (أبو ظبي). ولديهم حالياً أكثر من (800) طالب يتعلمون العربية والإنجليزية, منهم حوالي (30) قدموا من الهند وباكستان, وفي (أبو ظبي) مكتبة مسيحية وغير ذلك من النشاطات. أما أتباع الكنائس في الإمارات العربية المتحدة فهي:- كنيستان بروتستانتيان, إحداهما: في (أبو ظبي) والثانية في (دبي) ولهم مجموعات متفرقة تدار من قبل بعض القساوسة, وقد تنصَّر بعض المسلمين هناك فيما قيل. ثلاث كنائس حديثة البناء تابعة للكنائس الكاثوليكية, وعدد أتباعها يبلغ (16000) تقريباً. طائفتان من أتباع الكنيسة السورية الأرثوذوكسية, كنيسة كبرى في (أبو ظبي) , وصغرى في (دبي). (¬1) ومن تلك الأعداد الضخمة للكنائس وأتباعها يتبين مدى النشاط الذي يبذله المنصِّرون في ديار الإسلام مع التنبه إلى عدد السكان في الخليج, ويبدو لي أن تلك النسب السابقة كانت في فترة متقدمة على الأقل قبل حرب الخليج, وأما بعد حرب الخليج فلا تسأل عن تكالب المنصِّرين وتسابقهم إلى سدِّ كلِّ ثغرة في دول الخليج؛ لملئها بدعاياتهم وتبشيرهم البغيض على المذاهب الغربية الضالة, وإقبال بعض الفتيان والفتيات للعمل معهم, وقد فرح النصارى بهم، ليجعلوا منهم دعاية مغرية لغيرهم. ¤المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي – 1/ 314 ¬

(¬1) ((التبشير المسيحي في منطقة الخليج)) (ص27 - 30).

المبحث الثالث عشر: حسرات المنصرين:

الحسرة الأولى: هوان النصرانية: ارتبطت النصرانية في ذهن المسلم بالكفر، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ [المائدة: 73]. وارتبطت النصرانية- أيضا- في وجدان المؤمن بالتطاول على الله تطاولا كادت السماوات أن تتفطر منه، وأن تنشق الأرض، وتخر الجبال هدا، قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم: 88 - 93]. وهانوا على أنفسهم؛ ليقينهم بفساد عقيدتهم، وعجز ملتهم أن تقدِّم لهم نظاما يحقِّق الرقي الإنساني للإنسان، ويكفل لهم سمو الأخلاق. يقول المنصِّر فاليري هوفمان: (لا يزال معظم الناس في جميع أنحاء العالم يقرون التفوق التقني للحضارة الغربية، فإن هذا التفوق على المستوى الأخلاقي مشكوك فيه ومحل تساؤل، واليوم وعلى ضوء الواقع الحالي في تفكك الأسرة في مجتمعنا الغربي، وارتفاع معدلات الجرائم وحالات الطلاق، والزيادة المستمرة في الانحرافات الجنسية، لم يتبق لنا إلا القليل الذي نفخر به) (¬1).وجاء في كتاب صدر عن الفاتيكان عام (1969) م, بعنوان: (توجيهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين) ما يؤكد يقينهم بفساد عقيدتهم، وعجزها عن مواجهة الحق حيث جاء فيه (في أي حوار يجب على المسيحي أن يقنع المسلم بأن المسيحية قائمة على التوحيد، وألا يناقش أية تفاصيل، فأي كلام سيقوله المسيحي تبريرا للعقيدة لن يمكنه أن يقنع به المسلم الذي لا يرى الثالوث إلا المساس بالتوحيد) (¬2) وأختم هذه الفقرة بحسرة (جون فان إس) على ضياع الجهود التعليمية في طلاب يتعلمون في مدارسهم التنصيرية، ثم يذيعون خزيهم وينظرون عيوبهم، إذ يقول متحدثا عن التطبيب والتدريس: (فهذا الهدف عائق وليس مساعدا؛ لأن الأعمال المجيدة هي الأساس في محاربة الإسلام، ولا نتحمل ثمن دعم هذه الفكرة، فالمدرسة مهما كانت مجهزة في بلد مثل هذا، فهي أسوأ من أن تكون غير ذات قيمة إذا كانت تثقف العقل؛ لأنها تنتج متعلمين أوغادا يأخذون عيوبنا ويشوهون فضائلنا) (¬3). فهل كنت تعلم الرذيلة؟ أم كنت تشيع الفاحشة؟ ولكن وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف: 58]. وقد اعترف أرباب النصرانية أنها عاجزة في نفسها، عاجزة أن تقدم لأهلها ما يسعدهم، بل من تدرِّسهم في مدارسها يصبحون أوغادا؛ لأنهم عرفوا عيوبها وهجروها، فهل يرجو المنصر ممن منَّ الله عليه بالعقيدة الصافية، والمنهج الكامل، والشريعة الشاملة أن يهجر التوحيد ليعتنق التثليث؟ ويهجر الطهر والعفاف ليرتكس في حمأة الرذيلة والفجور؟ ويتخلَّى عن اليقين ليعيش الحيرة والشك والاضطراب؟. ¬

(¬1) ((التنصر)) (ص:812). (¬2) نقلا عن ((مؤامرة الفاتيكان على الإسلام))، د. زينب عبد العزيز (ص: 170). (¬3) ((أصول التنصير في الخليج العربي))، (ص: 47).

الحسرة الثانية: جرائم النصارى السابقة في حق الأمة الإسلامية:

الحسرة الثانية: جرائم النصارى السابقة في حق الأمة الإسلامية: منذ أن تخلَّت هذه الأمة عن الجهاد في سبيل الله؛ - لإعلاء كلمة الله ونشر دين الله، والدفاع عن حرمات المسلمين وأعراضهم ودمائهم - تجرأت على الأمة الإسلامية أيد كانت صاغرة، تدفع الجزية وهي ذليلة ... فاستباحت الديار، وسفكت الدماء، وهتكت الأعراض، وسلبت الأموال، واحتلَّت الأوطان، ولا تزال هذه اليد النصرانية الآثمة الغاشمة في ساحات الأمة الإسلامية، فهذه سيوفهم تقطر من دمائنا في كلِّ واد في البوسنة والهرسك وكوسوفو وبورما والفلبين والصومال وفلسطين، ولا تزال تسمع دوي الانفجارات وأزيز الطائرات فوق رؤوس الضعفاء والمساكين. وهذا الأمر- رغم شدته لم يكن شرًّا محضا- بل كان فيه خير للأمة الإسلامية؛ إذ أورثها بغض النصارى ومنافرتهم وعدم قبولهم دينهم، حيث ارتبطت النصرانية في ذهن المسلم بالحروب الصليبية وبالاستعمار، وارتبطت في العصر الحاضر بالاستحواذ الاستعماري على خيرات الأمة، والاستبداد السياسي، والتطفيف في الوزن في القرارات الدولية، وفي الإخلال بجودة الصادرات إلى المسلمين .. . فأنتج كل ذلك شعورا بمقت النصارى مقتا لمسه النصارى أثناء دعوتهم للمسلمين إلى النصرانية، فقد كتب (نورمان دانيال): (لقد كان أكثر ما أصيب بالضرر هو الاتصال وإمكانية التخاطب مع هؤلاء الناس؛ نتيجة للعلاقة الاستبدادية غير المحتملة من قبل الغزاة تجاه المغلوبين، والتي يستحيل التخفيف من آلامها ... وقد بدأ التشويش على الاتصال عندما رفض الأوربيون أن يقتنعوا بأن العالم مثله كمثل أوربا له الحق في أن تكون له ثقافته الخاصة، لقد كانت مأساة الكنيسة النصرانية هي الخلط بين حقائق الدين والثقافة) (¬1)، ومما يوجه إليه المحاور النصراني في حواره مع المسلمين (ضرورة القيام بفصل المسيحية في حدِّ ذاتها عن العالم الغربي ومواقفه المادية ومواقفه الاستعمارية، فالمسلم لم ينس ذلك بعد) (¬2)، وفي تحليل لشارلي عن البيئة الإسلامية ومدى قبولها للنصرانية قال: (إن تاريخ العلاقة بين الإسلام والنصرانية تاريخ حافل بالحروب التي لم تنقطع، فهنالك فتوحات المسلمين في شمال أفريقيا وإسبانيا، والحروب الصليبية والحروب التي دارت بين الطرفين في العصور الوسطى، وفي عصر النهضة، وفي وسط وشرق أوربا، والتوسع الاستعماري للقوى النصرانية الغربية داخل أراضي المسلمين، هذا بالإضافة إلى المواجهات الراهنة حول الصهيونية ولبنان والنفط، وعبر هذا التاريخ الطويل تصرف النصارى بصورة لا تمت إلى تعاليم النصرانية بصلة، وكان لتلك التصرفات أثرها في تشويه رسالة الإنجيل وإحباط مراميها) (¬3).يريد النصارى أن ينسى المسلمون الحروب الصليبية حتى تزول الحواجز النفسية التي يظنون أنها هي التي تحول بينهم وبين النصرانية، ومن أجل ذلك انطلقت من أوربا. (مسيرة مصالحة) نصرانية؛ للاعتذار للمسلمين عن الحملات الصليبية، وقد بدأت هذه المسيرة عام (1996) م, في فرنسا، ثم تبعها في ألمانيا حوالي (1000) شخص عام (1997) معظمهم من سلالة الصليبين، وقد زارت هذه المسيرة تركيا ولبنان، والتقت ببعض المسؤولين وببعض المارة، وقدموا لهم بعض الهدايا مع اعتذار شفهي عن جرائم أجدادهم الصليبين الذين غزوا المنطقة قبل تسعمائة سنة، وارتكبوا فيها المجازر، وألحقوا بالبلاد الدمار (¬4). فهل يظن النصارى السذَّج أن المسلمين ينسون ذلك التاريخ بهدية تافهة، واعتذار بارد؟ ... فهلَّا أقاموا مدنا في بلاد المسلمين عما دمَّروه، وهلَّا قدَّموا إعانات مالية لأبناء المسلمين، وهلَّا قدَّموا تدريبا تعليميا وتقنيا، وهلَّا قدَّموا رعاية مالية للمعوزين والأيتام .. كما يقدمون اليوم لليهود ضريبة لما ارتكبوه في حقهم، كما افترى ذلك عليهم اليهود؟. ولكن هل نسيت تلك المسيرات النصرانية أن دماءنا لا زالت راعفة في البوسنة والهرسك، وأن جراحنا لا زالت دامية في كوسوفو، وأن إخواننا المسلمين في تلك البلاد يسكنون الخيام بعد أن دمَّرت النصرانية بيوتهم؟ .. فمتى ستتجوَّل مسيرة مصالحة أخرى عن هذه الجرائم؟؟ ¬

(¬1) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 254). (¬2) توجيهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين، صادر عن الفاتيكان عام 1969 م، نقلا عن ((مؤامرة الفاتيكان على الإسلام)) (ص: 170). (¬3) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 201). (¬4) جريدة الشرق الأوسط العدد 7225 الصفحة الأولى، والعدد 7232 الصفحة التاسعة.

الحسرة الثالثة: الوسائل الفاشلة:

الحسرة الثالثة: الوسائل الفاشلة: كثير من وسائل النصارى لنشر نصرانيتهم وسائل فاشلة، فهي وإن أبرقت وأرعدت زبد لا ينفع الناس، فضلا عن أن يغريهم بهجر الحق، وذلك لأنها من عمل مفسد كافر، وتحمل في طيَّاتها باطلا، وتدعو إلى كفر، وتواجه حقًّا، وتدعو مؤمنين ... مثلها مثل سحرة فرعون الذين قال لهم موسى عليه السلام، كما أخبر الله عن ذلك في محكم تنزيله: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:81 - 82].إن الذي حكم على كثير من وسائلهم بالفشل منصِّرون جرَّبوا كثيرا من الوسائل في تنصير المسلمين، فكانت نتيجتها هباء وخسارة وحسرة في قلوبهم، يقول أحد المبرمجين: (إن الحاجة الماسة هي إلى برمجة فعالة مؤثرة، إن حوالي (95%) من البرامج النصرانية الموجهة إلى المسلمين لا تجد قبولا لدى أغلبية المستمعين في هذه البلدان) (¬1)، فالحمد لله الذي ردَّ كيد الفجار، وحفظ الأمة من أن تؤثر فيها ألاعيب أولياء الشيطان. كما أكَّد دونالدر في بحثه المعنون بـ (تطوير وسائل جديدة لتساعد في تنصير المسلمين) أن الجمعيات التنصيرية لم تشهد تحولا نحو النصرانية إذ يقول: (إن جمعيات التنصير التي عبَّرت عن هذا الهدف (أي: كسب المسلمين إلى النصرانية) لم تشهد تحولا كبيرا نحو النصرانية من قبل المسلمين، ولم تستطع إنشاء كنيسة محلية قوية (¬2)، ولم تنعم كذلك بتكاثر المؤمنين .. إلى أن قال: ولكن مثل هذه الجمعيات لم تر أبدا عظمة الرب في كسب المسلمين) (¬3). وهذا منصِّر آخر قال بعد أن سرد الحواجز التي تحول بين المسلمين وبين النصرانية: (إن نموا هاما للكنيسة على حساب المجتمع المسلم غير محتمل حتى يمكن استنباط بعض الوسائل لكسب أجزاء متجاوبة منه) (¬4)، وهذا منصِّر آخر قال بعد أن أمضى أربعين سنة يزرع اليأس، ويحصد الهم والغم في محاولة تعيسة لتنصير المسلمين: (وبعد خبرة أربعين عاما كانت بعضها تجربة قاسية وحزينة في بذر البذور فوق الصخور، ومشاهدة الطيور تلتقطها عن آخرها) (¬5). ونحن نقول لهذا المنصِّر وغيره جرِّب ما شئت من الوسائل، وأجلب بخيلك ورجلك، وأبشر بالفشل الذريع، وبسوء العاقبة؛ فإن الله كتب النصر والتمكين لهذا الدين، فأنت وأمثالك ممن قال الله فيهم: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32]. ومما يؤكِّد فشل أساليبهم ما ورد في الخطاب الرئيس الذي قدمه و. ستانلي مونيهام إلى المؤتمر التنصيري المنعقد في أمريكا عام (1978) م, إذ جاء فيه (إن مطبوعات الإرساليات التنصيرية التي تعمل في صفوف المسلمين مليئة بإشارات وعبارت مثل (عدم الاستجابة) أو (منطقة صعبة) أو (نمو بطيء) أو (أرض وعرة).أما السعادة التي يدعون إليها ويبشرون بها فقد ظهرت آثارها في تايلاند، كما في الخطاب السابق، حيث جاء فيه (كنا منذ شهور في حملة تنصير في أرجاء مدينة (شينك ماي) وكانت الحملة جزءا من احتفال يشمل البلاد برمتها بذكرى مرور (150) عاما على بدء التنصير فيها، وتعتبر هذه المدينة المركز النصراني في شمال تايلاند، وقد وصلها الكتاب المقدس منذ (110) أعوام، ومع ذلك فإن النصارى في هذه المدينة لازالوا أقلية صغيرة مكتئبة) (¬6). ¬

(¬1) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 534). (¬2) يقصد بالكنيسة المحلية التي يديرها ويشرف عليها رهبان من أبناء البلد المراد تنصيره. (¬3) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 604). (¬4) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص:143). (¬5) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 556). (¬6) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 30 - 31).

الحسرة الرابعة: محاولات يائسة:

الحسرة الرابعة: محاولات يائسة: يقوم المنصِّرون بين آونة وأخرى بتجارب جديدة لدعوة المسلمين إلى النصرانية، ثم ما يلبثون أن يكتشفوا أن هذه التجارب محاولات يائسة، ومن ذلك ما قام به أحد القساوسة في منطقة الشرق الأوسط من تغيير لطريقة دعوته ومظهره وأسلوب خطابه ونوع أدلته؛ ليحاكي بذلك الداعية المسلم إذ وعظهم بأسلوب حماسي ولبس ملابس مشابهة لملابس الداعية المسلم (¬1)، وطلب من الحضور رفع أيديهم أثناء الصلاة كما يفعل المسلمون، كما طلب منهم الوقوف لأداء الصلاة .. ثم قدَّم هذه التجربة في بحث إلى المؤتمر التنصيري في أمريكا- كلورادوا- زاعما أنه بهذه الطريقة يؤثِّر على المسلمين، وينقلهم إلى النصرانية .. ومما استقبلت به هذه التجربة في ذلك المؤتمر قول أحدهم: (إذا كانت طريقة القس إبراهيم مؤثرة إلى مثل هذه الدرجة فأين هؤلاء الذين استطاع أن يحوِّلهم عن دينهم)؟ (¬2). ومن ذلك- أيضا- ما قدَّمه دونالدر ريكاردز من اقتراح إيجاد مسجد عيسوي؛ ليكون وسيلة لدعوة المسلمين إلى النصرانية، وتتلخَّص الأفكار الرئيسة في هذه التجربة بما يلي: 1 - القرارات الخاصة بما ينبغي عمله خلال شهر رمضان. 2 - التقويم النصراني للناس الذين لديهم استعداد للتقبل، وذلك بمراعاة أن يبدأ الأسبوع من يوم الجمعة بدلا من يوم الأحد. 3 - الإصرار على الإبقاء على الخلفية الثقافية. 4 - وضع الأحذية خارج المسجد، وأن تكون هناك أوضاع متعددة للصلاة كالركوع ورفع الأيدي واستعمال الحصر للصلاة. 5 - عدم إلزام المصلين بالاتجاه شرقا. وبعد تدارس هذه التجربة في المؤتمر السابق، واعتراض كثير من المؤتمرين عليها، كان رد الكاتب كالتالي: (ليس من الحكمة الإقرار بأن (99%) من الاستجابات كانت متوقعة، لقد كانت- مذلة أن أقرأ آراء زملائي حول الوسائل الجديدة على الرغم من الجهد الذي بذلته فيها، ومن جهة أخرى فقد كان مزعجا حقا أن تكون هناك مقاومة كبيرة كهذه) (¬3). ومن هذه التجارب التي طرحت أمام المنصرين تجربة الحوار النصراني الإسلامي، وبعد استعراض نتائجه قال دانيل آربر وستر: (والأمر الذي يقلق المنصرين- كما أقلقتهم الموضوعات السابقة، وربما كان أكثر الأمور التي تبعث على القلق- هو مفهوم المحاورة الذي أتقنه مجلس الكنائس العالمي والذي يقول: إن المحاورة التي تتمُّ بأمانة وصراحة وبدون عداوة أو حلول مسبقة قد تقود إلى كسب النصراني إلى جانب المسلم) (¬4). ¬

(¬1) ليس للداعية المسلم ملابس خاصة، ولكنه ظن ذلك فاجتهد في تغيير ملابسه. (¬2) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 119 - 124). (¬3) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 618). (¬4) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 728).

الحسرة الخامسة: قوة الإسلام:

الحسرة الخامسة: قوة الإسلام: الله أكبر، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، هذا الدين الذي أنزله الله وأكمله وأظهره على الدين كله، وأخبر أن أعداءه يكيدون لهذا الدين كيدا؛ للقضاء عليه، ولطمس معالمه، ولكن يريدون ليطفئوا نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون، فمهما حاولوا، ومهما أجلبوا بخيلهم ورجلهم .. يبقى هذا الدين راسخا رسوخ الجبال، يعجز الكفار أن ينالوا منه حتى يقول قائلهم: (إنني أميل إلى الاتفاق مع فاندر وزويمر ومزيتاك وآخرون فيما ذهبوا إليه من أن الإسلام حركة دينية (¬1).، معادية للنصرانية مخططة تخطيطا يفوق قدرة البشر؛ لمقاومة إنجيل (¬2) ربنا يسوع المسيح، إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وترفض بكل وضوح صحة الإنجيل والثقة بما فيه، وأبوة الرب، وأن المسيح ابنه إلى أن يقول .. إنه الخلاف الأكبر في النصرانية وفي الكتاب المقدس، ولكن محرك هذا الخلاف هو الإسلام، وليس النصرانية وفي ذات الوقت فالنظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا وسياسيا، ويفوق في ذلك النظام الشيوعي، ولكن هذه هي الحقيقة) (¬3)، وسبق هؤلاء (جاير دنر) في خطابه الذي ألقاه في مؤتمر القاهرة التنصيري المنعقد عام (1910) م, إذ قال: (إن مشكلة الإسلام هذه، مسألة لا يمكن أن نتغافلها ببساطة، ليست في مواجهة الأوضاع العاجلة بطريقة لا يمكن وصفها، والتي تواجهنا في الشرق الأقصى وهذه أولا؛ لأن الإسلام على أبوابنا، فمن أقصى الساحل الشمالي الأفريقي يواجه أوربا، إنه فعلا يلمسها، ويمكن القول إنه يمسكها عمليا من طرفي البحر المتوسط .. فكروا في تلك الكتلة المركزية للعالم الإسلامي الصلب من شمال أفريقيا إلى غرب ووسط آسيا، إنه كإسفين ثابت يحجب الغرب المسيحي عن الشرق الوثني .. إلى أن يقول: فإن ذلك الوتد الغريب عنا والمعادي لنا، وهو غير منسجم أو متعاطف معنا، سيقطع العالم النصراني الشرقي والغربي كلية إلى نصفين، فاصلا الاثنين، مظهرا ليس فتقا فحسب، بل صدعا من القمة إلى القاع في ثوب الكنيسة التي لولا الإسلام لانتصر عليها المسيح، فحقا فلذلك يجب ألا نؤجِّل مشكلة الإسلام، إنها مشكلة اليوم كما رأينا) (¬4). بل الإسلام هو العقبة الكؤود التي ستقف أمام الجهود التنصيرية بإذن الله. يقول شارلي والحسرة تملأ قلبه: (والإسلام نفسه عقيدة تبشيرية عدوانية نجحت عبر التاريخ في ضمِّ العديد من الشعوب، ونتيجة للتفاعل بين الإسلام (الأصيل) وبين البيئات المحلية المختلفة ظهرت أمور جديدة واسعة نجدها في الإسلام المعاصر، كما أن تاريخ الاحتكاك الطويل بين المسلمين والنصارى جعل المسلمين يشعرون بأنهم يفهمون النصرانية على حقيقتها) (¬5). فالحمد لله الذي منَّ على أهل التوحيد بمعرفة النصرانية على حقيقتها، وجعل النصارى يعلمون ذلك من أهل التوحيد، فيزيدهم ذلك يأسا وقنوطا من دعوتهم إلى النصرانية. ومنذ ظهر الإسلام، وانتشر نوره في أرجاء الأرض، والنصرانية البائسة تحاول جاهدة أن توقف نموه، وأن تحول بينه وبين عباد الله يقول د. ¬

(¬1) الإسلام ليس حركة دينية بل دين إلهي. (¬2) الإسلام لا يقاوم إنجيل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بل يؤمن به، وإنما يحكم بتحريف وفساد أناجيل النصارى الموجودة اليوم الممتلئة بالكفر والبهتان. (¬3) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 566). (¬4) ((الوثيقة الإسلام الخطر)) (ص: 18 - 19). (¬5) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص:202).

ماكس كيرشو: (منذ ظهوره في القرن السابع والإسلام يمثل تحديا لكنيسة يسوع المسيح، ولست بحاجة لسرد التقدم الذي أحرزه الإسلام في قرونه الأولى، أو تعداد المحاولات التي تمَّت لوقف المد الإسلامي بالقوة العسكرية، وبصورة عامة كانت الحملات التنصيرية غير فعالة نسبيا في استعادة مناطق إسلامية إلى المسيح، بينما استمر الإسلام في الانتشار على طول آسيا وأفريقيا، وينتشر اليوم في العالم الغربي) (¬1).فالحمد لله الذي كتب النصر والتمكين والبقاء لهذا الدين، وجعله في منأى عن كيد الفجار، وجعل مهمة من يروم دعوة أتباعه مهمة صعبة، بل عسيرة ومثبطة للعزيمة، وانظر إلى قول المنصِّر الخبيث زويمر - بعد أن أعياه هذا الأمر- (إن تنصير العالم الإسلامي مهمة عظيمة صعبة للغاية ومثبطة للعزيمة إلى درجة لا يمكن أن يشجع عليها إلا تطلع المتسلقين إلى الأعلى) (¬2). ¬

(¬1) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 315). أكثرت النقل من هذا المصدر، لأنه جماع الأبحاث التي قدمت إلى المؤتمر التنصيري في كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1978) م، ولأن هذه الأبحاث قدمت إلى هذا المؤتمر في أجواء سرية مما صبغها بصبغة المصارحة. (¬2) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 43) وقصد بقوله: المتسلقين إلى الأعلى: متسلقي الجبال الذي يبذل الواحد منهم جهده لتسلق الجبل، ونادرا ما يرى القمة، لأنه مشغول بالنظر إلى مواقع أقدامه ومتوجس من الهوة السحيقة التي تحته، ولهذا يشعر بالتعب المتزايد والعبء الثقيل والفشل المتوقع، والخسارة العظيمة.

الحسرة السادسة: مقاومة المسلمين للنصرانية وبغضهم للمناشط النصرانية:

الحسرة السادسة: مقاومة المسلمين للنصرانية وبغضهم للمناشط النصرانية: أخبر الله في محكم تنزيله عن صفة هذه الأمة في الكتب السابقة، فقال جل ثناؤه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29]. وقال عزَّ من قائل: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]. فالحمد لله الذي وفَّق هذه الأمة للتمسك بدينها، وغرس في قلوب أبنائها منافرة أعدائها، فمهما ضعفت الأمة، ومهما افتقرت، ومهما تناحرت فيما بينها، إلا أنها تبقى وفيَّة لدينها، كافرة بمن كفر بربها، كارهة لكل كافر يلبس لبوس الرحمة والشفقة؛ ليقدم لها في يوم جوعها لقمة تسد رمقها؛ ليسرق منها دينها، وينتهك عفافها (¬1)، ولما ذكر تشارلس كرافت أحد أساليب فرض النصرانية بالقوة في المجتمعات الإسلامية، قال معلقا على ذلك: (لقد قاوم المسلمون بصورة عامة- بالطبع- هذا الإكراه الثقافي وخاصة في المسائل اللاهوتية، وبهذا تركونا بدون استراتيجية تنصيرية، علينا لذلك أن نتعلم كيف نكسب أو ننال حق الإصغاء إلينا) (¬2). وقال زويمر في كلمته التي ألقاها أثناء انعقاد مؤتمر القدس التنصيري عام (1935) م, ردا على ما أبداه المنصرون من روح اليأس التي كانت مخيمة على المؤتمرين: (إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة: 1 - إما صغير لم يكن له من أهله من يعرِّفه ما هو الإسلام. ¬

(¬1) خير شاهد على ذلك موقف المسلمين المستضعفين في الصومال الذين شردتهم الحرب وأرهقهم الجوع والمرض ولم يمدوا أيديهم إلى الجمعيات التنصيرية. (¬2) ((التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي)) (ص: 166).

2 - إما رجل مستخفٌّ بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، وقد اشتدَّ به الفقر، وعزَّت عليه لقمة العيش.3 - وإما آخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية (¬1).وهذا منصِّر آخر بعد أن ذكر حسد المنصِّرين للمسلم على عبادته لربه وخضوعه واستسلامه له، وأن تقوى المسلم وولاءه لربه ودينه كادت أن تجرَّ المنصِّرين إلى ترك حقائق دينهم؛ لشدة إعجابهم بتقوى المسلمين، فيقول: (ويمكن أن يكون العاملون في مجال التنصير في هذه الأيام- والذين كيَّفتهم الظروف- قد تأثَّروا كثيرا بالتقوى والولاء الديني لكثير من المسلمين حتى كادوا يهملون حقائق الشهادة الإنجيلية الواضحة تماما، والتي تعرضنا لها قبل قليل، وكان تركيزهم منصبًّا على هذه التقوى المثيرة للإعجاب بحيث إنهم جعلوها نقطة البداية في تفسيراتهم اللاهوتية حول المواجهة الدينية، لقد وقفوا بكل رهبة أمام المسلم المنهمك في عبادة الله وقوته وعظمته، وتجاوبوا مع التزامه المحسوس للخضوع لرغبة الله، إنهم يحسدون غيرة المسلم على عبادة الرب الواحد الذي يتصرَّف في ملكوته .. إلى أن يقول: سيكون غريبا ومزعجا أن تواجه مسلما ورعا) (¬2).وقد تضمَّن البحث الذي قدَّمه جورج بينرز بعنوان: (نظرة شاملة عن إرساليات التنصير العاملة وسط المسلمين) أسباب قلة المسلمين الذين تحوَّلوا إلى النصرانية فقال: (أولا: كان المسلمون عبر تاريخهم متدينين ومتشددين ومكافحين، بل أكثر المتدينين تعصبا) (¬3). وأقول: أبشر بالذي يسوؤك؛ فكل يوم يمرُّ يكتشف فيه المسلمون النصارى على حقيقتهم، وتنكشف أمامهم غايات النصارى وأهدافهم مما يزيدهم منافرة لكم ومقتا لأعمالكم، ووحشة من طروحاتكم. فالحمد لله الذي جعل إنفاقكم لأموالكم في هذا السبيل خسارة عليكم، وأعمالكم حسرات عليكم، قال تعالى: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 167]. وكما أن أعمالهم حسرات عليهم، فإن تكذيبهم بهذا القرآن حسرة عليهم يوم القيامة، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ [الحاقة: 48 - ] 50. وما ذاك إلا لأنهم استحبُّوا الحياة الدنيا على الآخرة، وصدوا عن سبيل الله، ويبغونها عوجا، قال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ [إبراهيم: 3]. وقال جل ثناؤه: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ [هود: 19 - 20]. ¤ التنصير لعبد الرحمن الصالح ويتضح مما سبق: ¬

(¬1) ((تنصير المسلمين)) (ص: 20). (¬2) ((تنصير المسلمين)) (ص: 186). (¬3) ((تنصير المسلمين)) (ص: 556).

أن التنصير حركة سياسية استعمارية تستهدف نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث عامة، وبين المسلمين على وجه الخصوص. ويستغلُّ زعماؤها انتشار الجهل والفقر والمرض؛ للتغلغل بين شعوب تلك الأمم، متوسلين بوسائل الإعلام التقليدية من كتب ومطبوعات وإذاعة وتلفاز وأشرطة سمعية ومرئية، فضلاً عن المخيمات والتعليم والطب، إلى جانب الأنشطة الاجتماعية الإنسانية والإغاثية الموجهة لمنكوبي الفتن والحروب وغفلة، وتساهل حكام بعض الدول الإسلامية. وتعتمد تلك الحركة في تحقيق أهدافها على تشويه صورة الإسلام وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، مسخرين إمكاناتهم الضخمة لتحقيق مآربهم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي مراجع للتوسع: - الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد البهي - ط8 - مكتبة وهبة بالقاهرة – (1395هـ/1975) م. - التبشير والاستعمار، المستشار محمد عزت إسماعيل الطهاوي - المطابع الأميرية بالقاهرة - (1397هـ/1977) م. - التبشير والاستعمار، د. مصطفى الخالدي ود. عمر فروخ - ط5 - (1973) م. - الغارة على العالم الإسلامي، أ. ل. شاتليه، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي - ط3 - المطبعة السلفية - (1385) هـ. - معاول الهدم والتدمير في النصرانية والتبشير، إبراهيم سليمان الجبهان - ط4 - عالم الكتب - الرياض - (1981) م. - أضواء على الاستشراق، د. محمد عبد الفتاح عليان - ط1 - دار البحوث العلمية (1400هـ/ 1980) م. - قادة الغرب يقولون، جلال العالم - ط2 - (1395هـ/ 1975) م. - مجلة البلاغ، العدد (484) في (14/ 2/1979) م. - دائرة المعارف الإسلامية، The Encyclopaedia of Islam. - دائرة معارف الدين والأخلاق، Encyclopaedia of religion and Ethics 11 – Focus on Christian – Muslim relations. - التبشير بالنصرانية خطر مغلف، ندوة عقدتها جريدة الرياض السعودية ونشرت بتاريخ (13) ربيع الأول سنة (1403هـ الموافق 28 ديسمبر 1982) م العدد (5312). - مجلة الأمة القطرية، عدد شوال (1401) هـ. - التنصير في الخليج، معالي عبد الحميد حمودة. - مذكرة عن التنصير، رابطة العالم الإسلامي. - التنصير: خطة تنصير العالم الإسلامي، وهي ترجمة لبحوث مؤتمر كلورادو عام (1978) م, صدر بالإنجليزية بعنوان: The Gospel And Islam. ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفصل السادس عشر: الاستشراق:

المبحث الأول: تعريف الاستشراق: هو دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون كافرون من أهل الكتاب بوجه خاص للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخاً ونظماً وثروات وإمكانيات؛ بهدف تشويه الإسلام، ومحاولة تشكيك المسلمين فيه وتضليلهم عنه, وفرض التبعية للغرب عليهم, ومحاولة تسويغ هذه التبعية بدراسات ونظريات تدَّعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي (¬1). ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 171 والمستشرقون هم: أدمغة الحملات الصليبية الحديثة، وشياطين الغزو الثقافي للعالم الإسلامي, ظهروا في حلبة الصراع في فترة كان المسلمون فيها يعانون من الإفلاس الحضاري والخواء الروحي وفقدان الذات؛ مما جعل الفرصة سانحة لأولئك الأحبار، والرهبان، وجنود الصليبيين الموتورين كي يثأروا لهزائمهم الماضية، وينفثوا أحقادهم الدفينة (¬2). والمستشرقون يلتقون مع المبشرين في الأهداف؛ فكلهم يهدف إلى إدخال المسلمين في النصرانية، أو رد المسلمين عن دينهم، أو- في الأقل- تشكيكهم بعقيدتهم, كما أن من أهدافهم وقف انتشار الإسلام. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 171 ¬

(¬1) انظر ((رؤية إسلامية للاستشراق)) , أحمد عبد الحميد غراب (ص: 7). (¬2) ((العلمانية)) (ص: 453).

المبحث الثاني: خصائص الاستشراق:

المبحث الثاني: خصائص الاستشراق: أما خصائص الاستشراق فيمكن إيجازها فيما يلي (¬1): 1_ أنها دراسات ذات ارتباط وثيق بالاستعمار الغربي. 2_ أنها دراسات ذات ارتباط وثيق بالتنصير. 3_ أنها دراسات تسهم في صنع القرار السياسي في الغرب ضد الإسلام والمسلمين. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 171 ¬

(¬1) ((رؤية إسلامية للاستشراق)) , أحمد عبد الحميد غراب (ص 8 - 9).

المبحث الثالث: المقصود بالاستشراق:

المبحث الثالث: المقصود بالاستشراق: الاستشراق هو الوجه الآخر لعملة التنصير، تنوعت الأسماء والهدف واحد، كما أن التنصير ظاهر والاستشراق نفاق، أو هو النار تحت الرماد. المقصود به في الظاهر حسب زعم علماء الغرب دراسة كل ما يتعلق بشؤون الشرق من جميع الجوانب الدينية والثقافية والاجتماعية وغير ذلك، نسبوا أنفسهم إلى الشرق الإسلامي، وزعموا أن كل اهتمامهم ينصبُّ على معرفة شتَّى الاتجاهات الإسلامية والشرقية ودراستها بدقة؛ ليفيدوا بها أممهم إذا رجعوا إليهم مع تظاهرهم بأنهم على الحياد في دراستهم، وأنهم يريدون الوصول إلى الحقائق دون أي اعتبار آخر. ولكن هذا المفهوم للاستشراق كذب، فإنهم يريدون على الحقيقة دراسة كل ما يتعلَّق بالإسلام والمسلمين، وضرب الحركات التصحيحية الصحيحة بصفة خاصة؛ خدمة لدينهم ولحكوماتهم المتطلعة إلى استعمار بلدان العالم الإسلامي، وهم عون للمنصرين في دعوتهم، وجواسيس أمناء للمستعمرين، وطليعة لهم، كما ظهر ذلك واضحا للمسلمين بعد فوات الأوان في كثير من البلدان.

المبحث الرابع: حقيقة أمر المستشرقين:

المبحث الرابع: حقيقة أمر المستشرقين: لقد خدع ثعالب المستشرقين جواسيس الغرب كثيراً من الناس، فظنوا أن مهمة المستشرقين تنحصر فعلا في تلك الأهداف النبيلة والمجالات النافعة، وأنهم ليسوا جواسيس الغرب أو طلائع الاستعمار ومقدماته في ديار المسلمين، ولكن حينما نظرت الشعوب الإسلامية إلى الأفعال الحقيقية التي تصدر تباعا على أيدي المستشرقين علموا يقينا أن المهمة التي يخوض المستشرقون غمارها لم تكن طلب الحق والمعرفة والحياد في ذلك، وإنما هم حقيقة جواسيس لشعوبهم وحكامهم، وأن مهمتهم هي الاطلاع على كل أحوال المسلمين ودراستها دراسة شاملة، ومعرفة مدى قوة المسلمين وأماكن ضعفهم، والإسهام في تفريق كلمتهم، وبذر أسباب النزاع، وإيقاع الفتن بينهم، وملاحقة كل حركة إصلاحية، وتوجيه الدعايات السيئة ضدها، وإحياء البدع والخرافات بين المسلمين، وإعادة طبع الكتب التي تشتمل عليها، والإشادة بها، مثل كتب الصوفية الخرافية، وكتب ابن عربي والحلاج وغيرهما من دعاة الضلال، كما تتمثل مهمتهم في إحياء النعرات الجاهلية والقوميات، وسائر التراث الجاهلي والحضارات الجاهلية، وحبك الخطط والمؤامرات، فلا ينبغي الالتفات إلى زخارف أقوالهم ودعاياتهم الباطلة أنهم على الحياد، أو أنهم طلاب معرفة وبحوث علمية عن الشرق الإسلامي، وللإنصاف نذكر أن بعض المستشرقين كان هدفه فعلا الاطلاع والدراسة، دون أن يكون مدفوعا من قبل التبشير، ولهذا نجد في كلام كثير منهم ذكر الحقائق بإنصاف، وبعضهم دخل في الإسلام، وكانت لهم جهود واضحة في خدمته، وهم قلة قليلة جدًّا.

المبحث الخامس: السبب في تغيير الغرب اسم التنصير إلى الاستشراق:

المبحث الخامس: السبب في تغيير الغرب اسم التنصير إلى الاستشراق: بعد أن عرف المسلمون أهداف التنصير، وبدؤوا يحذرون منها، غيَّر الغرب التسمية من التبشير إلى الاستشراق، مع بقاء الهدف كما هو، والغرب يجيدون التلاعب بالمسميات والأفكار، ومن واقع دراستهم المتلاحقة للعالم الإسلامي عرفوا كيف يتعاملون مع الأحداث التي تطرأ على المسلمين، فيتعاملون معها حسبما يلائمها، ويتلونون كما تتلون الحرباء، على أنه لم يكن التغيير فقط في المجالين السابقين، بل هناك عدة مجالات كثيرة يعرفون وجوه الاحتيال فيها، ويخترعون لها تسميات ظاهرة، فهي الرحمة واللين، وحقيقتها المكر المبين، وهذا يكثر في إرسالهم الجمعيات المختلفة إلى العالم الإسلامي تحت أي غرض من الأغراض الإنسانية، كما يسمونها. ولأنه قد لحقت بالمنصرين مساوئ كثيرة نفرت الناس عنهم، فاخترعوا لهم تسمية المستشرقين من باب التجديد والتمويه.

المبحث السادس: العلاقة بين الاستشراق والتنصير وحكومات الدول النصرانية:

المبحث السادس: العلاقة بين الاستشراق والتنصير وحكومات الدول النصرانية: العلاقة بين الاستشراق والتنصير علاقة وثيقة، وفي غاية المتانة، ذلك أن الاستشراق هو الرافد الآخر للتنصير، وكلاهما ينبعثان من الكنيسة، فهم قساوسة جميعا، ويخدمون الكنيسة على حد سواء، وتتركز مهمة الجميع في هدم الإسلام، أو تشكيك أهله فيه، وتشويه تاريخ الأمة الإسلامية ونبيها العظيم، وجعل العالم الإسلامي مناطق نفوذ للغرب، ولهذا يلقى المستشرقون بسخاء من كافة الدول الكبرى التي تتطلع إلى العودة لاستعمار الدول الإسلامية من جديد، وقد أقيمت لهم مختلف الجامعات لدراسة كيفية التنصير والاستشراق؛ للتغلغل إلى ديار المسلمين وإلى قلوبهم وإلى استعمار بلدانهم، وإيجاد المبررات لذلك، ومن هنا فإنه يجب التنبيه لمغالطتهم في زعمهم أن الاستشراق هو غير التنصير، وأن الاستشراق يخدم الثقافة بعيدا عن التأثير بأي معتقد، وقد عرفت أن الغرض الحقيقي لدعاة التنصير هو الرغبة في إدخال الناس النصرانية، فلا ريب أن من صدق هذا فقد جانب الحقيقة. نعم قد تختلف الوسائل بين المنصرين والمستشرقين، ولكنها في النهاية تصبُّ في مكان واحد، وعن الفرق بين المستشرقين والمنصرين في الوسائل كان القسيس (إبراهيم خليل أحمد) ممن هداه الله إلى الإسلام، وكتب بعد ذلك في بيان مكر المستشرقين في كتابه (المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي) حيث بيَّن فيه أهداف المستشرقين وما يبيتونه للعالم الإسلامي من ويلات لإخراجهم عن دينهم الحنيف إلى مناطق نفوذ للنصرانية الوثنية، ولا شك أن شهادته لها وزنها بحكم خبرته السابقة عن هؤلاء؛ لأنه كان واحدا منهم - كما - بيَّن في ذلك الكتاب: 1ـ أن التبشير والاستشراق دعامتان من دعائم قيام الاستعمار في البلاد التي يغزونها ويمهدونها لاستقبال المستعمرين. 2ـ الاستشراق والتبشير والاستعمار كلهم يسيرون حسب خطة مرسومة، الاستشراق مهمته اجتذاب الناس عن طريق العلم والتعليم، والتبشير مهمته اجتذاب الناس عن طريق الدعوة المباشرة، وتحبيب النصرانية إلى القلوب بكل وسيلة يستطيعونها. 3ـ استطاع المبشرون الأمريكيون بحكم امتيازاتهم أن يتغلغلوا إلى كل مكان يريدونه في آسيا وأفريقيا. 4ـ استخدم المبشرون عملاءهم في كل دولة؛ للقيام بمهمتهم دون أن يثيروا أي مشكلة بحكم انتماء أولئك العملاء الوطني.5ـ استعان التبشير بالقوى العسكرية الاستعمارية لحمايته؛ كي يعملوا على هدوء واستقرار (¬1) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37] ¬

(¬1) ((أجنحة المكر الثلاثة)) (ص 157 - 162) نقلا عن كتاب ((المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي)) تأليف: إبراهيم خليل أحمد.

المبحث السابع: متى ظهر الاستشراق؟

المبحث السابع: متى ظهر الاستشراق؟ اختلف الباحثون في بداية وقت ظهور الاستشراق، وتعود صعوبة تحديد الوقت إلى أن الأفكار تسير متغلغلة دون أن تحدد بزمن دقيق؛ إذ لا يمكن التحديد إلا بأمرين: أحدهما: أن يصرِّح به صاحب الفكرة الأساسي. وثانيهما: أن يتمَّ التحديد في وقت ظهور الفكرة عند انتشارها، ومما قيل عن تحديد نشأة الاستشراق (¬1) قيل: إنه ظهر في أيام الدولة الإسلامية في الأندلس حينما وفد إليها كثير من فرنسا وغيرها للتعلم. ....... وقيل: إنه ظهر في أيام الصليبيين وحروبهم مع المسلمين في بداية القرن الثامن عشر الميلادي بداية الاستعمار. وقيل: إنه ظهر في القرن الثاني الهجري، وأنه نشط في بلاد الشام في بدايته. وإذا لاحظنا أن الاستشراق هو امتداد للتنصير، فلا يمنع أن يحدَّد ظهوره بالعصور الأولى للدولة الإسلامية، ولهذا أرجعه بعضهم إلى القرن الأول الهجري، إلا أنه كان على صورة غير نظامية، فإنه بدأ يكتمل بوجهه الجديد في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث أنشئت المدارس النظامية، وعقدت المؤتمرات، وفتحت المراكز والبعثات والجمعيات والمعاهد، وكان هذا بعد انتهاء الحروب الصليبية، ولا جدال في أن النصارى وقفوا ضد الإسلام من أول ظهوره، وكل رجال الكنيسة من البابوات وزعماء الدول الغربية ينظرون بحقد شديد إلى انتشار الإسلام وقوة المسلمين، حيث رأوا أخيرا أنه لا يمكن وقف المدِّ الإسلامي إلا بغزوه فكريا مع إبداء الصداقة للعرب، وغيرهم من المسلمين، في الوقت الذي يبذلون فيه غاية جهودهم لمقاومة الإسلام، والتصدي للمسلمين؛ لإطفاء نور الإسلام، وقد ظلَّ هذا التوجه للنصارى قائما في شكل صراع محتدم على طول تاريخ الغرب النصراني والشيوعي على حد سواء، حيث أدَّى ذلك إلى اختلاف العلماء في تحديد ظهور الاستشراق أول مرة، ولكنه بالتأكيد كان بعد قيام الحرب الصليبية والهزائم التي أُلحقت بالنصارى. ¬

(¬1) ((الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي)) ط ج 1 (ص: 697). وانظر ((أجنحة المكر الثلاثة)) (ص 120).

المبحث الثامن: أهداف المستشرقين:

المبحث الثامن: أهداف المستشرقين: • المطلب الأول: الأهداف الدنيوية:. • المطلب الثاني: الأهداف السياسية:. • المطلب الثالث: الأهداف الدينية:.

المطلب الأول: الأهداف الدنيوية:

المطلب الأول: الأهداف الدنيوية: فمن أهمها - كما عرفت - تنبيه حكوماتهم إلى نهب خيرات البلدان الإسلامية، خصوصا البترول والمعادن الأخرى، والمخطوطات الإسلامية، وكذلك الوصول إلى مكاسب تجارية من وراء بيعهم لمذكراتهم التي يكتبونها عن الشرق الإسلامي، وبيع أفلامهم التي يصورونها عن الحياة الشرقية، كما يسمونها في دعاياتهم، وكذا بيع جميع أجهزتهم، وبيع ما لا يحتاجون إليه منها، وهم دائما يتسابقون إلى خدمة أي دولة إسلامية، خصوصا في المجالات التجارية التي تبرمها شركاتهم مع العالم الإسلامي، بغرض بسط نفوذهم التجاري، وفرض هيمنتهم على اقتصاد تلك الدول الفقيرة التي ستصبح عالة على تلك الشركات العملاقة والمهندسين فيها من دعاة الاستشراق.

المطلب الثاني: الأهداف السياسية:

المطلب الثاني: الأهداف السياسية: فقد أصبحت واضحة مهما حاول البعض تجاهلها، فقد تابع المستشرقون تجسسهم على جميع النشاطات الإسلامية ورصدها بدقة، وأرسلوا أخبارها مهما دقَّت إلى حكوماتهم الغربية، فكانوا العون الحقيقي الخفي لجيوش المستعمرين التي ضربت العالم الإسلامي، وأتت على الأخضر واليابس، وجهَّلوا المسلمين بدينهم، ونهبوا تراثهم، وأرسلوه إلى مكتباتهم في الغرب، ومهَّدوا المسلمين للاتجاه إلى الغرب، واعتمادهم عليهم حتى في الشؤون السياسية التي تهمُّ مصالح المسلمين، وقسَّموهم إلى ولاءات مختلفة الاتجاهات، وقد شمل نشاط المستشرقين مختلف القضايا، إلا أنهم أولوا بعض الجوانب مزيد عناية واهتمام.

المطلب الثالث: الأهداف الدينية:

المطلب الثالث: الأهداف الدينية: فتظهر بوضوح في خدمة عقائدهم النصرانية أو اليهودية أو الشيوعية؛ إذ الغرض الرئيسي هو إخراج المسلمين عن دينهم، وليذهبوا إلى أي ملة، وقد اتضحت جهودهم في خدمة اليهودية في قيام دولة في قلب العالم الإسلامي، فإنهم هم أول من أشار بقيام دولة يهودية في فلسطين في مؤتمر لندن سنة (1907) م، كما أن من أهدافهم تشويه الإسلام، وهذا هو الأساس الذي تمَّ عليه الاستشراق، فقد دأبوا على الافتراء بأن الإسلام إما هو مأخوذ عن الديانات السابقة ومستمد منها، وأن الأصل إنما هو ما جاء في الكتاب المقدس، وأن الخلاص كله في اتباع الطرق الغربية في كل المجالات الدينية والسياسية والاجتماعية، وفي جميع المظاهر الحضارية التي وصل إليها الغرب، وتخلَّف عنها المسلمون بسبب دينهم – كما يفترون – ومن المؤسف أن تسمع مختلف الصيحات من الإذاعات العربية المنتمية إلى الإسلام بالمناداة باللحاق بالحياة الأوروبية المتطورة، أو اللحاق بركب التقدم، وأننا نحتاج إلى سنين عديدة للوصول إلى ما وصل إليه الغرب من الحضارة العصرية، وغير ذلك من الأقوال التي تدلُّ على انبهار هؤلاء بالحياة الغربية، وتفضيلهم لها على ما جاء به الإسلام، وفيها الغمز الخفي في الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم حينما يصدقون دعاة النصرانية في أن تأخر المسلمين يكمن في تمسكهم بالإسلام. وقد تركَّز اهتمام المستشرقين بالجوانب الثقافية وأولوها مزيد العناية والاهتمام عن طريق الآتي: 1ـ الوصول إلى وسائل التعليم والتدريس. 2ـ تحقيق بعض الكتب، والنشر والترجمة، والاهتمام بالمخطوطات العربية. 3ـ الوصول إلى المجامع العربية اللغوية والعلمية بهدف الدسِّ في اللغة العربية، والحطِّ من قيمة الفكر الإسلامي واللغة العربية، وأنها عاجزة عن متابعة ما تزخر به الحضارة الغربية من وسائل الصناعات. 4ـ تأليف الكتب التي تطعن في الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وعظماء المسلمين بطريقة صريحة، أو بطرق غامضة لا يفطن لها إلا الدارس المتخصص، وهي مملوءة بالدسِّ وتشويه حقائق الإسلام، وإعطاء معلومات غير صحيحة. وانتشرت بعض هذه الكتب في المكتبات الإسلامية بصورة خطيرة مثل كتاب (دائرة المعارف الإسلامية) والموسوعة العربية الميسرة وكتاب (يقظة العرب) وكتاب (المنجد)، وغير هذه الكتب التي قلما تخلو منها مكتبة في ديار المسلمين (¬1) ¬

(¬1) انظر ((سموم الاستشراق)) أنور الجندي (ص 16 - 17).

المبحث التاسع: أساليب المستشرقين:

المبحث التاسع: أساليب المستشرقين: ومن أساليب المستشرقين في غزوهم الفكري للمسلمين كذلك: بعث الخلافات القديمة، وإحياء الشبه المدفونة، ويظهر هذا بوضوح في نبشهم لخلافات حدثت بين المسلمين، وانتهى الأمر فيها، ولم تعد بحاجة إلى إعادة الخلاف فيها، سواء كانت مسائل عقدية أو فقهية أو غير ذلك، فإذا بأولئك يبعثون الشبه حولها، ويقترحون الحلول، ويعقدون المقارنات بينها، واستغلوا مشكلة الخوارج، كما استغلوا قضية الخلاف بين السنة والشيعة نقطة انطلاق، وما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما منطلقا، وما وقع بين الدولة الأموية والعباسية من أمور سياسية وجفاء، أمثلة لوحشية المسلمين بزعمهم. ومن الأساليب أيضا: صرف همم المسلمين إلى الاتجاهات الأدبية والنظرية، وتحويل أنظارهم عن الاتجاه إلى العلوم التجريبية حتى يظل العالم الإسلامي بعيدا عن أسباب التقدم العلمي. ومن أساليبهم: الدعوة إلى تحريم الجهاد حتى أصبحت كلمة الجهاد كأنها وصمة عار في تاريخ المسلمين، بحجة أن الجهاد تخلُّف ووحشية، ومخالف للتمدن، وقام أذيالهم في البلاد الإسلامية بترديد نفس هذه الفكرة الباطلة، بينما قتلهم للمسلمين بالقنابل السامة والمدافع والصواريخ والرشاشات التي تأكل الأخضر واليابس تعتبر رحمة وتمدنا، في حين أن الإسلام لا يجيز قتل أحد إلا أن يكون مستحقا للقتل، إما لأنه طاغية يقف في وجه المسلمين، ويمنع انتشار الإسلام، ويحمل السلاح كذلك، ويأبى عن الإسلام أو الجزية أو غير ذلك من الأمور التي توجب قتله، فحينئذ يبيح إزالته ورفع أذاه، ولم يضعف المسلمون ويلاقوا ألوان الإهانات إلا حين تركوا الجهاد. ومن أساليبهم: إثارة وإحياء النعرات الجاهلية تتميما لما بذله المنصرون، فقد اهتمَّ المنصِّرون والمستشرقون بإثارة وإحياء النعرات الجاهلية التي قضى عليها الإسلام، واعتبرها داء يجب علاجه من الدعوة إلى القومية والعرقية والوطنية والشعوبية، ومحاولتهم إلهاء المسلمين بها، وهم يتظاهرون بأن تحقيق القومية هو الذي يوحد الشعوب ويؤلف القلوب، ولقد صدَّقهم الكثير من مرضى القلوب من المنتسبين إلى الإسلام، وكأن هؤلاء الجهال لا يرون ماذا يحدث عند قيام الحروب الأهلية من فظاعة بين أبناء الوطن الواحد ذوي القومية الواحدة (¬1) ¬

(¬1) سنبحث قضية القومية بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

ومن أساليبهم: إثارة الفتن الطائفية بين المسلمين، وقد كان من توصيات رؤساء الدول الغربية ومفكريهم الاهتمام بإثارة الفتن الطائفية، واستغلالها؛ لإشغال المسلمين عن التوجه لخدمة دينهم وبلدانهم، ولكي يجدوا مجالا للتدخل، وعلى رأس الفتن الطائفية استغلال النصارى في أي بلد إسلامي لإثارة القلاقل والفتن فيه، واستغلال الحروب، وقيام المعارك التي تحصل بين المسلمين والنصارى، وتسليمهم فيما بعد زمام السلطة، وإضعاف المسلمين، وإقصائهم عن مراكز الحكم الهامة، كما فعلوا في لبنان والحبشة وإريتريا وغيرها من بلدان المسلمين. ومن أساليبهم: التدخل في أنظمة الحكم في العالم الإسلامي، ولا ريب أن القارئ الكريم يعرف أنه مرَّت فترات بالمسلمين كان الغربيون هم المسيطرين على أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية، ولكن المسلمين استيقظوا وأشعلوا مقاومة عنيفة لإخراجهم بالقوة، حتى تمَّ لهم ذلك، إلا أن الغربيين عادوا من وراء الستار حتى لا يثيروا مشاعر الشعوب مرة أخرى، فإن التدخل في هذه المرة كان على الحياة الغربية، وتربوا في مدارسهم، فقد عاد هؤلاء وهم ينظرون إلى الحياة الإسلامية باشمئزاز تام، ويريدون تغيير الحال ولو بجدع الأنف فكان هؤلاء أشد على شعوبهم من أولئك بعد أن تركوا دينهم وباعوا ضمائرهم ولا يخفي الغرب هذا الأسلوب بل يفتخرون علنا ويتمدحون بأنهم هم الذين ربوا حكومات أكثر الدول الإسلامية (¬1) ومن أساليب التدخل في مناهج التعليم في العالم الإسلامي على منوال ما كان يفعله المنصرون وقد تحقق لهم: 1ـ إبعاد دراسة الدين الإسلامي ما أمكن، وإحلال دراسة بعض الشبهات حول الإسلام محله. 2ـ إحلال دراسة الحياة الغربية وتاريخها محل الإسلام. 3ـ الاهتمام بالرياضة وألعاب القوى والرسم، وغيرها من الأشغال البدنية. 4ـ إبعاد اللغة العربية إلا للضرورة، وإحلال اللغة الإنجليزية والفرنسية محلها، واعتبارهما اللغة الرسمية في الدراسة وفي سائر المعاملات. 5ـ إبعاد التاريخ الإسلامي، والاكتفاء ببعض الفقرات التي تعطي انطباعا بعدم كفاءة التاريخ الإسلامي. وتدخُّل أقطاب النصرانية في البلدان الإسلامية أمر واضح إلى هذا الوقت - إلا من رحم الله - ولا ينكره إلا جاهل أو متجاهل، ويجب على المسؤولين في العالم الإسلامي أن يراجعوا جميع المناهج الدراسية إذا أرادوا لشعوبهم الخير والاستقلال الصحيح، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ومن أساليبهم: إبعاد الإسلام عن مجال الحياة، أو فصل الدين عن الدولة، والهدف من هذا الأسلوب هو عزل الإسلام، ورفع تشريعاته، وإحلال الأنظمة الجاهلية وقوانينها محله في التحاكم، مدعين أنهم اكتشفوا البديل عنه، وكذبوا على العلم فسموا ذلك الاكتشاف للقوانين الجاهلية (علمانية) نسبة إلى العلم، وهو خداع الديمقراطية التي زعموا فيها أن الناس سيصبحون فيها كلهم حكاما، يحكمون أنفسهم بأنفسهم دون الحاجة إلى الشرطة والجنود والسجون والمعتقلات، كما نجد أن الشيوعية كذلك ربطت الوصول إلى هذه الوعود الكاذبة الخادعة بتطبيق الشيوعية الجهنمية، بينما ربطتها النصرانية الاستشراقية بتطبيق الحضارة الغربية وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1] ومن الظلم الصريح أن ينادوا بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية؛ لأنها لا تصلح لهذا العصر بينما هم من أجهل الناس بها، ليس لهم بها أي صلة، كما يقال: الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وفاقد الشيء لا يعطيه. ¬

(¬1) انظر كتاب ((احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام)) (ص 172).

ومن أساليبهم أيضا: القضاء على الترابط بين الأسر المسلمة، فجاء دعاة الشر من المنصرين والمستشرقين بتشجيع المجتمعات الإسلامية على التفسخ والاستهتار بالقيم الدينية، ونبذ الحياء، مستعينين بكل ما عندهم من وسائل الإغواء. ومن أساليبهم: مسخ المرأة المسلمة التي لا يمكن أن تجد مكانتها الحقيقية إلا في ظل الإسلام، فأظهروا الاهتمام الكاذب بها في ظاهر دعاياتهم، فنادوا بتحريرها ومساواتها بالرجل، وتفننوا في الدعايات، فخدعوها عن عفتها حتى صارت لحما على وضم، وخدعوها عن بيت زوجها، فخرجت نافرة عنه، وخدعوها عن أولادها، فسلمتهم للمربية الجاهلة بهم، وخرجت هي للكدح والعمل، بعد أن نزعوا كل عرق ينبض بالحياء فيها. ومن أساليبهم: الدعوة إلى تحديد النسل، ولقد بيَّن الله هذه القضية في كتابه الكريم، وبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأوضح بيان، وفصَّل علماء الإسلام كل ما يدور حولها، وأصبح أمرها واضحا تماما. ومن أساليبهم أيضا: القضاء على الحركات الإسلامية الصحيحة، وتشجيع الحركات الفاسدة؛ إكمالا لما بدأه المنصرون. ومن أساليبهم: إنشاء الفرق الهدامة الضالة، ورعاية زعمائها ماديا ومعنويا، واستعملوا في ذلك وسائل لا حصر لها، كان من ضمن تلك الوسائل: تشجيع كل الحركات والأفكار الهدامة وتقويتها، وإمدادها بالمال والمفكرين، بل وأحيانا بالسلاح، فأنشؤوا القاديانية في الهند وباكستان، وأنشؤوا البابية في إيران، وأنشؤوا البهائية في فلسطين، وما من طائفة تدعو إلى محاربة الإسلام إلا وتجد لها المساعدة المادية والمعنوية عند أعداء الإسلام. ومن الأساليب الهامة ما يتعلق بالمنح والقروض للدول الإسلامية الفقيرة، فإنه من البلاهة والبلادة أن يتصوَّر أي بلد مسلم أن ما يقدمه له أعداء الإسلام من نصائح أو قروض استثمارية أو منح أو هبات أن ذلك لأجل سواد عيون أهله، أو تشجيعا لهم على الحفاظ على إسلامهم، وإنما وراء ذلك مطامع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا حد لها ولا حصر، وقد تبين ذلك واضحا من خلال إذلال الشعوب المقترضة أو المتقبلة للهبات. ـ ومن أساليبهم: الغزو عن طريق التشكيك في القرآن الكريم: 1ـ زعموا أن القرآن الكريم ليس من عند الله تعالى، وإنما من تأليف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بينما ذلك الكلام الملفق في ما يسمونه بالكتاب المقدس هو كلام الله!! 2ـ وحينما رأوا ضعف قولهم بأن القرآن من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، اخترعوا مقالة أخرى؛ ليجتثوا الفضائل كلها، فزعموا أن القرآن كله مقتبس من التوراة والإنجيل، ومن الوثنيات الأخرى، وأعماهم الحقد عن ما يعرفونه هم من تناقض التوراة والأناجيل، والتي فقدت عدة مرات وكتبها من لا يعرف حاله ممن أظهر الإلحاد، والدعوة إلى الفسق والفاحشة علنا في كلامه في التوراة والأناجيل. افتراء للمتظاهرين بالإنصاف منهم: ولقد زعم بعض من يتظاهر من المستشرقين بالإنصاف والبحث العلمي المجرد أن القرآن هو مصدر إصلاحي، وليس بدين سماوي؛ لإجماعهم على أنه ليس كلام الله تعالى؛ لكي ينفذوا من خلال هذا التشكيك إلى إبعاد المسلمين عنه، كما يتمثل افتراؤهم في اهتمامهم بترجمة القرآن الكريم، فقد اهتمَّ هؤلاء المستشرقون والمنصرون بدراسة القرآن الكريم وترجمته إلى لغات عدة، ولكنهم يريدون من وراء هذه الترجمات هدم القرآن الكريم وتشويهه في أذهان المسلمين - ولن يتمَّ لهم هذا- وحينما يكملون ترجمته يكتبون على ظهر الغلاف (قرآن محمد) (¬1)، وكل تلك الترجمات على كثرتها مملوءة بالكذب على الله، وتزوير الحقائق، والحذف والإضافة المتعمدة؛ لتتوافق مع معتقداتهم. ¬

(¬1) انظر ((الاستشراق)) (ص 121).

الغزو عن طريق مزاعمهم ضد السنة النبوية: 1ـ زعموا أنَّ السنة النبوية إنما هي أحاديث وضعت بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المسلمين استجدَّت بهم أحداث لم توجد في زمن نزول القرآن الكريم، فاضطروا إلى إعطائها وجهة دينية بانتحالهم تلك الأحاديث، وعزوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليقبلها المسلمون باحترام ويعملون بها. ومن الواضح أن هجوم أعداء الإسلام على السنة النبوية اتخذ أشكالا عديدة، فمنهم من يزعم بأنه يجب ردُّها تماما، والاكتفاء بما في القرآن الكريم، ومنهم من يطعن في صحة الأحاديث، ومنهم من يطعن في الأسانيد، ومنهم من يطعن في المتن. ومن تلفيقاتهم ضد السنة أنهم زعموا أن كثيرا من الأحاديث والتشريعات الإسلامية إنما جاءت بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث واجهت المسلمين أحداث اقتضت حلولا لها، وأن تلك الحلول التي وجدت لها كانت هي الأحاديث التي نسبت بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا يزعمون، وهم بهذا يتجاهلون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد بيَّن كل ما يحتاج إليه المسلم، ولعلهم يقصدون بكلامهم المفترى بحث المسائل الفقهية التي كانت تحصل بين الصحابة ومن جاء بعدهم، وهذا جهل منهم بحقيقة الأمر، ذلك أن تلك الاجتهادات الفقهية لم تقم على الهوى، وإنما قامت على ضوء أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى ضوء ما جاء في كتاب الله تعالى دون أن يكون لهم فيها إلا استخراج المعنى، والمراد الذي تهدف إليه النصوص، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يجرؤون على إصدار أي حكم إلا بعد الحصول على دليل له من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، عملا منهم بأمر الله عز وجل في التفكر في الدين، واستخراج أحكامه التي تقبل الاجتهاد، وإعمال الفكر والمقارنات بين النصوص في كل شيء للعقل مجال فيه، وهي منقبة عظيمة وليست مذمة. الغزو عن طريق مزاعمهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم: لقد جاءت في كتابات بعض المستشرقين وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالبطل الشجاع، وبالمفكر الذي لا مثيل له في العرب، والعبقري النادر، وزعموا أنه كان يمارس تعلم الفصاحة حتى برع وفاق أقرانه، كما زعم المستشرق (مايور) (¬1) .... إلخ ما وصفوه به - وهو حقا كذلك وفوق ذلك - ولكن ما هو هدفهم من هذا الثناء؟ إنه ثناء الموتور ثناء من غمَّه الحقد، وأعيته الحيلة للنيل من خصمه، ذلك أن وصفهم للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه بطل شجاع إنما جاء ضمن أبطال ذكروهم في الوثنية، وأبطال في إشعال الحروب، وأبطال في قول الشعر والمجون، وأبطال في دعوى النبوة أو التدين، فمن نجح من أولئك فهو بطل، وبطولته لا لشيء إلا لأنه صاحب عزم نافذ استطاع أن يتغلب على قهر نفسه وترويضها، وقهر غيره وترويضه، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان كذلك فاستحق لقب (بطل) على حد قول الشاعر: نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإحجاما ومعلوم عند كل المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وسلم بطل الأبطال، ولكنهم لا ينظرون إلى تلك البطولة مجردة عن عناية الله به، واختياره نبيا، ولا أنها نابعة من صدق يقينه، وقوة عزمه، بل ينظرون إليها على أنها نابعة من إيمانه بربه، ونصره له وتأييده، وإنزال السكينة عليه، وغير ذلك من اللوازم التي ينفيها عنه المستشرقون، حيث يصفونه بأنه من الأبطال شأنه شأن غيره من الأبطال الذين ذكروهم المجازفين في قومهم؛ للوصول إلى إعجابهم بهم، واعتبارهم في المجتمع. الغزو عن طريق مزاعمهم ضد اللغة العربية: ¬

(¬1) ((أجنحة المكر الثلاثة)) (ص 145).

قد عرف أعداء الإسلام أنه ما دامت اللغة العربية حية في نفوس الناس، فإنهم لا يزالون قادرين على فهم الإسلام، ومن هنا نجد أن أعداء الإسلام حاولوا بكل ما أوتوا من الحيل والخداع للغض من شأنها، والتشجيع على تركها بالكلية، فهي تقض مضاجعهم، ومن العجيب أن يسميها المستعمرون الفرنسيون والبريطانيون في مستعمراتهم في أفريقيا بأنها لغة المستعمر، فأي بلد الآن في الدنيا يستعمره العرب، ولكن كما قيل في المثل (رمتني بدائها وانسلت). ومن المؤسف أن يتنكر بعض المسلمين عربا أو عجما لهذه اللغة الكريمة، ويحاربونها متأثرين بشبهات أعدائهم من المنصرين واليهود، واللغة العربية وإن كانت تقلق أعداء الإسلام في الدول الشرقية والغربية على حد سواء، ولكنهم مع عداوتهم لها يهتمون بها اهتماما عظيما، فهم يقبلون على تعلمها بنهم شديد، بغرض التصدي للإسلام وأهله، ولمحاربتهم بنفس لغتهم وأساليبهم، وبذلوا في ذلك جهودا جبَّارة حتى صار منهم عباقرة في اللغة العربية نثرا ونظما، وألَّفوا المعاجم المطولة فيها، وفتحوا مدارس عديدة لتعليمها ممن يقع عليه اختيارهم من النابهين منهم، وأتموها بجامعات ودراسات عليا لتخريج المستشرقين والمنصرين ومن تبعهم، لبثهم في العالم الإسلامي مزودين بشبهات أملتها يد الحقد على الإسلام، ومخاصمين المسلمين بلغتهم التي يفهمونها؛ لكي يكسر الشجرة أحد أغصانها، كما أوصاهم (زويمر). ولقد أوعز المستشرقون إلى عملائهم من العرب أن يعتبروا اللغة العربية هي السبب في تخلف الشعوب العربية؛ لأنها معقدة، وليس فيها سلاسة العامية وسهولتها التي يجيدها عرب اليوم. وكان للشعر النبطي والأزجال العامية حظ الأسد في مقارعة المستشرقين للغة العربية، فهم يوصون دائما بتجديد اللغة، أي: إدخال اللهجات المحلية، والتخاطب بها محل العربية، وقيامها على العامية شعرا ونظما، وتُوِّجت تلك الدعوات لإقصاء العربية بما أحدثه الحداثيون من تعابير ملتوية، ودسائس لا يدركها إلا المتخصصون في دراستها من أمثالهم، حيث يتفاهمون بها، كما تتفاهم البهائم فيما بينها. والمستشرقون لا يخفون فخرهم في إحلالهم العامية محل العربية، بأنه يعود إلى تأثير الحضارة الأوروبية وأدبائها، وأن الفضل في هذه الحركة في البلاد العربية إنما يعود للمفكرين الأوربيين. ¤المذاهب الفكرية لغالب العواجي 1/ 393 - 454 بتصرف

المبحث العاشر: آثار الدراسات الاستشراقية:

تمهيد: قدَّم الاستشراق خدمات كبيرة للغرب النصراني في خدمة أهدافه التي قام من أجلها، من أهداف دينية وسياسية واقتصادية واستعمارية وثقافية. وحتى عندما استغنى الغرب عن مصطلح الاستشراق، وأنشأ أقسام دراسات الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى، أو مراكز البحوث المختلفة، فما زالت الأهداف القديمة موجودة. ولكنه في الوقت نفسه أثَّر تأثيرات سلبية في العالم الإسلامي في المجالات العقدية، والتشريعية، والسياسية، والاقتصادية والثقافية. وفيما يأتي أبرز هذه الآثار:

المطلب الأول: الآثار العقدية:

المطلب الأول: الآثار العقدية: من أبرز الآثار العقدية للاستشراق في العالم الإسلامي ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين- وحتى الناس العاديين أو العامة- الذين نادوا بفصل الدين عن الحياة، أو ما يطلق عليه العلمانية. فالعقيدة الإسلامية تربط كل مجالات الحياة بالإيمان بالله عزَّ وجلَّ، وبالتصور العام الذي جاء به الإسلام للخالق سبحانه وتعالى والكون والإنسان. فلمَّا كانت أوروبا قد وجدت الديانة النصرانية المحرفة تعيق تقدمها ونهضتها ظهر فيها التيار الذي أطلق عليه التنوير منادياً بفصل الدين عن الحياة، أو قصر الدين على الشعائر التعبدية، والعلاقة بين الله والإنسان. أما شؤون الحياة الأخرى من سياسة واقتصاد واجتماع فلا علاقة للدين به. ونظراً لأن أوروبا لم تعرف النصرانية الحقيقية أو الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام بما أحدثه بولس فيها من تحريفات، فإن ما ينطبق على أوروبا لا يمكن أن ينطبق على الإسلام. ونهضت أوروبا نهضتها بمحاربة الدين والكنيسة، وبلغت الذروة في هذه الحرب في الثورة الفرنسية. وقد أثَّر الاستشراق في هذا المجال عن طريق البعثات العلمية التي انطلقت من العالم الإسلامي إلى فرنسا، كما يقول الشيخ محمد الصبَّاغ: (إنَّ إفساد الطلبة المبعوثين لم يكن ليتحقق في بلد من البلاد الأوروبية كما كان يمكن أن يتحقق في فرنسا التي خرجت من الثورة الفرنسية وهي تسبح في بحور من الفوضى الخلقية والفكرية والاجتماعية من أجل ذلك كانت فرنسا محل البعثات.) (¬1) فانطلقت هذه البعثات من تركيا ومن مصر ومن إيران ومن المغرب. وكانت هذه البعثات تحت إشراف مستشرقين فرنسيين؛ فمثلاً كانت البعثة المصرية تحت إشراف جونار. ويقول أحد المستشرقين عن البعثات الأولى أنها كانت لدراسة الهندسة والفنون الحربية، ولكن المعلمين الفرنسيين كانوا حريصين على أن ينقلوا إلى الطلاب المسلمين الآداب الفرنسية والثقافة الفرنسية (¬2). ومن تأثير الاستشراق في المجال العقدي: الاهتمام المبالغ فيه بالصوفية، وبخاصة تلك التي ابتعدت عن الكتاب والسنَّة، فتجدهم يجعلون لابن عربي مكانة خاصة في النشاطات الاستشراقية، ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه الاهتمامات. كما أن من اهتمامات الاستشراق التي تدعو إلى الشكوك في نياتهم الاهتمام بالفرق المنحرفة، كالرافضة والإسماعيلية وغيرها من الفرق، فيعطونها من وقتهم ومن دراساتهم ما تجعل الغريب عن الإسلام يظن أن هذا هو الإسلام. وقد حرص الاستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم الإسلامي، فمن ذلك الكلية الإنجيلية التي تحوَّلت إلى الجامعة الأمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت وإسطنبول ودبي. بالإضافة إلى كلية فيكتوريا (مدرسة ثانوية، وقد أصبحت منذ أكثر من عشرين سنة تضم المراحل الدراسية كلها) والكلية الأمريكية في بيروت (مدرسة ثانوية) وقد زعم كرومر Cromer في احتفال بمدرسة فيكتوريا بأن الهدف من هذه المدرسة وشبيهاتها تنشئة أجيال من أبناء المسلمين يكونون جسراً بين الثقافة الغربية ومواطنيهم المسلمين. ولعلها عبارة ملطّفة لتكوين جيل ممسوخ لا يعرف ثقافته ولا عقيدته (¬3). وقد وصف الشيخ سعيد الزاهري التلاميذ الجزائريين الذين درسوا في المدارس الفرنسية في الجزائر - أطلق عليها خداعاً المدارس العربية - بأنهم لا يصلون ولا يصومون ولا يتحدثون اللغة العربية فيما بينهم، ولا يؤمنون بأن القرآن الكريم وحي من الله) (¬4). ¬

(¬1) محمد الصباغ ((الابتعاث ومخاطره)) (ص 29 - 30). دمشق: المكتب الإسلامي، 1398هـ 1978م. (¬2) - Bernard Lewis. ( The Middle East Versus The West.( In Encounter. Vol. Xxi, no.4 October 1963.pp. 21-29. (¬3) ([156]) محمد محمد حسين ((الإسلام والحضارة الغربية)) (ص 46) - ط 5 - بيروت: مؤسسة الرسالة, 1402 - 1982. (¬4) ([157]) محمد السعيد الزاهري ((الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير)) (ص108) الجزائر: دار الكتب الجزائرية، بدون تاريخ.

المطلب الثاني: الآثار الاجتماعية:

المطلب الثاني: الآثار الاجتماعية: تعدُّ الآثار الاجتماعية من أخطر الآثار التي ما زال الاستشراق حريصاً على تحقيقها في العالم الإسلامي. فقد اهتمَّ المستشرقون بدراسة المجتمعات الإسلامية ومعرفتها معرفة وثيقة حتى يمكنهم أن يؤثروا فيها بنجاح. وإن دوافعهم لهذا تنطلق من النظرة الاستعلائية الغربية بأن المجتمعات الغربية وما ساد فيها من فلسفات ونظريات هي المجتمعات الأرقى في العالم. وقد تمكَّن الاحتلال بالتعاون مع الاستشراق في إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة في البلاد التي وقعت تحت الاحتلال الغربي. ففي الجزائر مثلاً حطَّم الاستعمار الملكيات الجماعية أو المشاعة للأرض، وذلك لتمزيق شمل القبائل التي كانت تعيش في جو من الانسجام والوئام (¬1). وقد تعاون الاستشراق والاحتلال على إحداث النزاعات بين أبناء البلاد الإسلامية بتشجيع النزعات الانفصالية، كما حدث في المغرب العربي أيضاً بتقسيم الشعب المغربي إلى عرب وبربر، والتركيز على فرنسة البربر، وتعليمهم اللغة الفرنسية، ونشر الحملات التنصيرية في ديارهم. وقد أنشأت الحكومة الفرنسية الأكاديمية البربرية في فرنسا؛ لتشجيع هذه النزعة. ومن الجوانب الاجتماعية التي عمل فيها الاستشراق على التأثير في المجتمعات الإسلامية: البنية الاجتماعية، وبناء الأسرة، والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية. فقد اهتمَّ الاستشراق بتشويه مكانة المرأة في الإسلام، ونشر المزاعم عن اضطهاد الإسلام للمرأة، وشجَّع الدعوات إلى التحرير المزعوم للمرأة التي ظهرت في كتابات قاسم أمين والطاهر الحداد ونوال السعداوي وهدى الشعراوي وغيرهم. ويرى الدكتور محمد خليفة أن موقف الاستشراق من المرأة المسلمة نابع من وقوعه (تحت تأثير وضع المرأة الغربية أنها نموذج يجب أن يحتذى به، وأن ما حققته من مساواة - في نظرهم - وحقوق يجب أن يتسع ليشمل المرأة المسلمة والمرأة الشرقية العامة .... ويضيف خليفة بأن الاستشراق يسعى) إلى تقويض وضع المرأة المسلمة داخل الأسرة على التمرد على النظام، والخروج باسم الحرية، وتصوير وضع المرأة المسلمة تصويراً مزيَّفاً لا يعكس الحقيقة.) (¬2) وقد أنشئت رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط ضمن تنظيم رابطة دراسات الشرق الأوسط الأمريكية، وهي التي تهتمُّ بأوضاع المرأة المسلمة، وتشجِّع اتجاهات التغريب من خلال مجلتها ربع السنوية، واجتماعاتها في إطار المؤتمر السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط، وذلك بدعوة الباحثات المسلمات اللاتي يتبنين الأفكار الغربية من أمثال نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي وحنان الشيخ وغيرهن، ومن خلال تنظيم الندوات حول وضع المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية. ويقوم الاستشراق الإعلامي بدور بارز في الترويج للفكر الغربي في مجال المرأة، ومن ذلك الصحافة الغربية والإذاعات الموجهة. فمن الكتب التي قدمت هيئة الإذاعة البريطانية عروضاً لها كتاب (ثمن الشرف) للكاتبة البريطانية الأصل جان جودون Jan Goodwin التي تناولت فيه دراسة أوضاع المرأة في خمس دول إسلامية هي الباكستان وأفغانستان والكويت ومصر والمملكة العربية السعودية. وقد خلطت الكاتبة فيه بين موقف الإسلام من المرأة وبعض التطبيقات الخاطئة في هذه الدول. ومن المعروف أن الإسلام حَكَمٌ على أهله، وليس سلوك المسلمين حجة على الإسلام .... ¬

(¬1) ([158]) مازن مطبقاني ((الحياة الاجتماعية في المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق)) في المنهل (جدة) عدد 471، م 50. (¬2) محمد خليفة حسن ((آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية)) (ص 64) القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 1997.

المطلب الثالث: الآثار السياسية والاقتصادية:

المطلب الثالث: الآثار السياسية والاقتصادية: يزعم الغربيون أن الديموقراطية الغربية هي أفضل نظام توصَّل إليه البشر حتى الآن، ولذلك فهم يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع، ومن بين الدول التي يريدون لنظامهم أن يسودها البلاد الإسلامية. وقد سعوا إلى هذا من خلال عدة سبل، وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي الإسلامي. وقد ظهرت كتب كثيرة عن نظام الخلافة الإسلامي، وافتروا على الخلفاء الراشدين بزعمهم أن وصول الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) إلى الخلافة كان نتيجة لمؤامرة بين الاثنين (¬1). وكتب مستشرقون آخرون زاعمين أن النظام السياسي الإسلامي نظام قائم على الاستبداد، وفرض الخضوع والمذلة على الشعوب الإسلامية (¬2). بل بالغ لويس في جعل النظام السياسي الإسلامي يشبه النظام الشيوعي في استبداده وطغيانه (¬3). وقد تأثَّرت بعض الدول العربية التي خضعت للاحتلال الغربي بالفكر السياسي الغربي، بأن قامت باستيراد النظام البرلماني دون أن يتمَّ إعداد الشعوب العربية لمثل هذه الأنظمة، فكانت كما قال أحد المستشرقين بأن العرب استوردوا برلمانات معلبة دون ورقة التعليمات (¬4). وما زالت هذه البرلمانات في البلاد العربية يتحكم فيها الحزب الحاكم الذي لا بد أن يفوز بأغلبية المقاعد بأية طريقة كانت. ومع ذلك فما زال الغرب حريص على نشر الديموقراطية وقد كانت تصريحات الساسة الغربيين بأن (حرب الخليج الثانية) ستكون مناسبة لفرض الديموقراطية في العالم العربي، وستكون البداية في الكويت (¬5). ومن الحقائق المثيرة للانتباه أن تركيا (كما رأينا) كانت من أقدم الدول الإسلامية تغرباً وتطبيقاً للنظام الديموقراطي، ولكن عندما وصل الإسلاميون للحكم، وانقلب السحر على الساحر- كما يقال- قلبت الدول الغربية لنظامهم الديموقراطي ظهر المجن، وسعوا إلى تأييد العسكر في كبت الحريات ومصادرة الديموقراطية. ويمكن أن يضاف إلى هذا ما حدث في الجزائر حيث كاد الإسلاميون (جبهة الإنقاذ) أن تصل إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع والديموقراطية بأسلوبها الغربي، ولكن تكالبت الدول الغربية وغيرها على إجهاض هذه التجربة، وحرمان الإسلاميين من حقهم في الوصول إلى الحكم. أما في المجال الاقتصادي: فإن الغرب سعى إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي الاشتراكي والرأسمالي، وذلك بمحاربة النظام الاقتصادي الإسلامي، وكما يقول محمد خليفة: (إنَّ المستشرقين في سعيهم للترويج للفكر الاقتصادي الغربي قاموا بـ (إعادة تفسير التاريخ الاقتصادي الإسلامي من وجهة نظر الرأسمالية والشيوعية، كنوع من التأصيل للنظريتين، وتقديمهما على أنهما لا يمثلان خروجاً عن النظام الاقتصادي الإسلامي) (¬6). وكان من نتائج الترويج للاشتراكية والرأسمالية في العالم الإسلامي أن انقسم العالم الإسلامي على نفسه، فأصبح قسم منه يدور في الفلك الشيوعي، والقسم الآخر في الفلك الرأسمالي. ولعل من طرائف المواقف الاستشراقية أن تسعى الدول الغربية إلى بث ِّالنظام الاشتراكي في بعض الدول العربية، بتدريس الاقتصاد الاشتراكي، والترويج بأن التنمية الحقيقية في العالم العربي تتطلب تأميم وسائل الإنتاج، وأن الحرية الاقتصادية الغربية لا تناسب مراحل التنمية الأولى، ولا شك أن سعيهم إلى بثِّ هذا الفكر أن يبعدوا الإسلام عن العودة إلى حياة المسلمين سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. وكان من تأثير الاستشراق أيضاً تشجيع الصناعة في البلاد الإسلامية دون الاستعداد الكافي لها، وإهمال قطاع الزراعة، فقد اقتنع العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة، ولذلك أهملت الزراعة إهمالاً شبه كلي، مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت بالاهتمام بالزراعة، وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في العالم. ومن الأمثلة على هذا ما حدث في مصر في عهد الرئيس عبد الناصر، حيث تمَّ التوسع في مشروعات صناعية (خيالية) مع إهمال شبه تام للزراعة، حتى أصبحت البلاد عالة على الدقيق الأمريكي والأسترالي وغيرهما. وقد حدث مثل هذا في الجزائر. وإن كنَّا في الحقيقة لم نتقدَّم لا في الزراعة ولا في الصناعة. ¬

(¬1) - Thomas Arnold. The Caliphate. (Lahore: 1966)p.25 (¬2) - Bernard Lewis.( On The Quietist and Activist Tradition in Islamic Political Writing. In Bulletin of S. O. A. S Vol. XLIX Part 1, 1986.p.141. (¬3) - B. Lewis.( Communism and Islam. ( in International Affairs. Vol. 30, 1954.pp 1-12. (¬4) ([163]) برنارد لويس ((الغرب والشرق الأوسط)) (ص79) ترجمة نبيل صبحي. القاهرة: المختار. (¬5) - Washington Times, February 2,1991.And Washington Post. February 19,1991. (¬6) محمد خليفة حسن ((آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية)) (ص 79).

المطلب الرابع: الآثار الثقافية والفكرية:

المطلب الرابع: الآثار الثقافية والفكرية: حقَّق الاستشراق نجاحاً كبيراً في التأثير في الحياة الثقافية والفكرية في العالم الإسلامي، فبعد أن كان القرآن الكريم والسنَّة المطهرة وتراث علماء الأمة الذين فهموا هذين المصدرين فهماً جيداً، وعاش المسلمون على هدي من هذه المصادر في جميع مجالات الحياة، أصبحت المصادر الغربية تدخل في التكوين الفكري والثقافي لهذه الأمة، سواء أكان في نظرتها لكتاب ربها سبحانه وتعالى، ولسنة نبيها، أو للفقه أو للعلوم الشرعية الأخرى، أو في منهجية فهم هذه المصادر ومنهجية التعامل معها، كما أثَّر الفكر الغربي في المجالات الفكرية الأخرى، كالتاريخ أو علم الاجتماع أو علم النفس أو علم الإنسان أو غيره من العلوم. وقد استطاع الاستشراق تحقيق هذا النجاح بما توفَّر له من السيطرة على منابر الرأي في العالم الإسلامي، فقد أنشأ الغرب العديد من المدارس، كما أن العديد من أبناء الأمة الإسلامية تلقوا تعليمهم على أيدي المستشرقين في الجامعات الغربية (الأوروبية والأمريكية). ولمَّا كانت بعض البلاد العربية والإسلامية خاضعة للاحتلال الأجنبي فقد مُكِّن لهؤلاء الذين تعلَّموا في مدارسه. فما زالت الصلة قوية فيما بين الطلبة الذين تخرَّجوا في كلية فيكتوريا بعد أن تسلَّم كثير منهم مناصب حساسة في بلادهم. ومن المنابر التي استطاع الغرب أن ينشر من خلالها الثقافة والفكر الغربيين وسائل الإعلام المختلفة، من صحافة وإذاعة وتلفاز ونشر بأشكاله المتعددة. فقد أنشئت الصحف والمجلات التي تولَّى رئاسة تحريرها أو عملية الكتابة فيها كثير من الذين تشبَّعوا بالثقافة الغربية. وقد بذلوا جهوداً كبيرة؛ للرفع من شأن تلاميذهم، فهذا يطلق عليه (عميد الأدب العربي)، وآخر يطلق عليه (أستاذ الجيل) وثالث يطلق عليه (الزعيم الوطني) (¬1)، ........ كما أنشؤوا المسارح والسينما، وأدخلوا إلى حياة الشعوب العربية الإسلامية فنون اللهو غير المباح من مراقص وغناء وغير ذلك. وكان للاستشراق دوره في مجال الأدب شعراً ونثراً وقصة. فقد استغلت هذه الوسائل في نشر الفكر الغربي العلماني، وبخاصة عن طريق ما سمِّي بـ (الحداثة) التي تدعو إلى تحطيم السائد والموروث، وتفجير اللغة، وتجاوز المقدس، ونقد النصوص المقدسة. وقد استولى هؤلاء على العديد من المنابر العامة، ولم يُتيحوا لأحد سواهم أن يقدِّم وجهة نظر تخالفهم، وإلَّا نعتوه بالتخلف والرجعية والتقليدية وغير ذلك من النعوت الجاهزة. وقد انتشرت في البلاد العربية الإسلامية المذاهب الفكرية الغربية في جميع مجالات الحياة: في السياسة والاقتصاد، وفي الأدب وفي الاجتماع. ففي السياسة ظهر من ينادي بالديموقراطية ويحارب الإسلام، وفي الاقتصاد ظهر من تبنَّى الفكر الشيوعي والاشتراكي، وفي الأدب ظهر من نادى بالنظريات الغربية في دراسة اللغة وفي الأدب وفي النقد الأدبي، وأخذ كثيرون بالنظريات الغربية في علم الاجتماع وفي التاريخ وفي علم النفس وفي علم الإنسان وغير ذلك من العلوم (¬2). ¤ الاستشراق لمازن صلاح مطبقاني ¬

(¬1) ناقش الأستاذ محمد قطب في كتابه ((واقعنا المعاصر)) مسألة صناعة الزعيم حيث يتحول الكفاح ضد المستعمر الأجنبي قضية وطنية وتراب وتحرر وليس جهاداً إسلامياً كما أراده الله، وقد نجحوا في صناعة الزعيم في العديد من البلاد العربية الإسلامية، كما أسهموا فيما أطلق عليه سرقة الثورات. (¬2) ([167]) محمد خليفة حسن ((آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية))، الفصل الخامس بعنوان: الآثار السلبية للفكر الاستشراقي في المجال الثقافي والفكري (ص 87 - 100).

المبحث الحادي عشر: نماذج من أسماء أشهر المستشرقين:

المطلب الأول: إيطاليا: (¬1): 1 - إغناطيوس جويدي Ignazio Guidi (1844-1935) م: ولد في روما وتعلَّم العربية في جامعة روما، وتولَّى تدريس العربية فيها. ودعته الجامعة المصرية لتدريس الأدب العربي فيها، وله العديد من البحوث في اللغة العربية وآدابها. 2 - ديفيد سانتيلانا. David Santillana (1855-1931) م: ولد في تونس، حصل على الدكتوراة في القانون من جامعة روما، وتخصَّص في الفقه الإسلامي والفلسفة الإسلامية. أسهم في وضع القانونين المدني والتجاري بالاعتماد على الشريعة الإسلامية. عمل في الجامعة المصرية أستاذاً لتاريخ الفلسفة، ثم عمل في جامعة روما أستاذاً للقانون الإسلامي. له العديد من الآثار في مجال الفقه والقانون المقارن. 3 - الأمير ليوني كايتاني Leone Caetani (1869-1926 ) م: من أبرز المستشرقين الإيطاليين، فقد كان يتقن عدة لغات منها العربية والفارسية. عمل سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة. زار الكثير من البلدان الشرقية، منها الهند وإيران ومصر وسوريا ولبنان. من أبرز مؤلفاته حوليات الإسلام المكون من عشرة مجلدات تناولت تاريخ الإسلام حتى عام (35). وأنفق كثيراً من أمواله على البعثات العلمية لدراسة المنطقة. يعد كتابه الحوليات مرجعاً مهمًّا لكثير من المستشرقين. 4 - كارلو نللينو Carlo Alfoso Nallino (1872- 1938) م: ولد في تورينو وتعلَّم العربية في جامعتها، عمل أستاذاً للغة العربية في المعهد العلمي الشرقي بنابولي، ثم أستاذاً بجامعة بالرمو ثم جامعة روما، وعُيِّن أستاذاً للتاريخ والدراسات الإسلامية في جامعة روما، ودُعي من قبل الجامعة المصرية محاضراً في الفلك ثم في الأدب العربي ثم في تاريخ جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام. 5 - جابرييلي فرانشيسكو Gabrieli Francesco.( 1904-1997) م: كان مهتما باللغة العربية وآدابها حتى عيِّن كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها بجامعة روما. عُرف بدراسته للأدب العربي، وفي تحقيق التاريخ الإسلامي، انتخب عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق عام (1948) م. واشتهر فرانشسكو بمواقفه المعتدلة من التاريخ الإسلامي حتى إنه كتب عن صلاح الدين الأيوبي بوصفه بطلاً وشخصية عظيمة، بالرغم مما تعرَّضت له هذه الشخصية من تشويه في الكتابات الغربية (¬2). ¬

(¬1) التراجم التي لم يذكر لها مرجع ففي الغالب جاءت من كتاب العقيقي أو عبد الرحمن بدوي أو كتاب ميشال جحا فهذه أوسع الكتب في الترجمة للمستشرقين وإن كان العقيقي هو أوسعها لأنه جاء في ثلاثة مجلدات وقد استعان بالمستشرقين أنفسهم الذين أمدوه بالمادة العلمية أو عاد إلى بعض المجلات والدوريات الاستشراقية التي تترجم لبعضهم وخاصة عند الوفاة. (¬2) سمير القريوتي - رحيل فرانشسكو جابرييلي- ((في الشرق الأوسط)) عدد (6592)، 5 شعبان 1417هـ 15ديسمبر 1996م.

المطلب الثاني: فرنسا:

المطلب الثاني: فرنسا: 1 - سيلفستر دي ساسي Silvester de Sacy (1758-1838) م: ولد في باريس عام (1758) م، وتعلَّم اللاتينية واليونانية، ثم درس على بعض القساوسة منهم القس مور والأب بارتارو، ثم درس العربية والفارسية والتركية. عمل في نشر المخطوطات الشرقية في مكتبة باريس الوطنية، وكتب العديد من البحوث حول العرب وآدابهم وحقق عدداً من المخطوطات. عُيِّن أستاذا للغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية الحية عام (1795) م، وأعدَّ كتاباً في النحو ترجم إلى الإنجليزية والألمانية والدنماركية، وأصبح مديراً لهذه المدرسة عام (1833) م، وعندما تأسست الجمعية الآسيوية انتُخب رئيساً لها عام (1822) م. ومن أبرز اهتماماته الدروز، حيث ألَّف كتاباً حولهم في جزأين. أصبحت فرنسا في عهده قبلة المستشرقين من جميع أنحاء القارة الأوروبية، ويقول أحد الباحثين إنّ الاستشراق اصطبغ بالصبغة الفرنسية في عصره. عمل دي ساسي مع الحكومة الفرنسية، وهو الذي ترجم البيانات التي نشرت عند احتلال الجزائر، وكذلك عند احتلال مصر من قبل حملة نابليون عام (1797) م (¬1). 2 - إل. أسيديو L.A. Sedillot (1808-1876) م: درس العربية في مدرسة اللغات الشرقية الحية، وحضر محاضرات سيلفستر دي ساسي في كلية فرنسا، ثم صار سكرتيراً له. اهتمَّ بعلم الفلك عند العرب، ومن أشهر مؤلفاته (خلاصة تاريخ العرب) ويقول فيه العقيقي: (وقد أغرق في تفصيل فضل العرب على الحضارة الأوروبية) اهتمَّ بالعلوم عند العرب (¬2). 3 - أرنست رينان Ernest Renan(1823-1892) م: تلقى تعليمه في المدارس اللاهوتية، وتعلَّم العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس، زار المشرق وعاش بلبنان فترة من الزمن، واهتمَّ بالعقيدة الإسلامية. من أبرز اهتماماته دراسته، ابن رشد والرشديين. اهتمَّّ باللغات السامية وله موقف مشهور من العقل السامي بأنه لا يصلح لدراسة العلم، وقد ردَّ عليه كل من جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده في كتابه (الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية.) 4 - رينيه باسية Rene Baset(1855-1924) م: ولد في مدينة لونيفيل، تعلّم اللغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس، تولَّى منصب أستاذ كرسي اللغة العربية بكلية الآداب بالجزائر، وكان من اهتماماته التفتيش عن الآثار حيث قام بهذا العمل في تونس. كما درس المعتقدات والأخلاق والعادات في الشمال الأفريقي. عمل محرراً في المجلة الأفريقية، ونشرة المراسلات الأفريقية. ومن المناصب العلمية العمل في هيئة تحرير دائرة المعارف الإسلامية. التحق بالعمل في الحكومة الفرنسية حيث عيِّن قنصلاً في الجزائر. 5 - كازانوفا P. Casanova: تعلَّم العربية في معهد فرنسا، ثم عمل أستاذاً لفقه اللغة، كما اهتمَّ بدراسة تاريخ مصر الإسلامية. من أبرز آثاره تحقيق كتاب الخطط للمقريزي، وله كتاب بعنوان: (محمد وانتهاء العالم في عقيدة الإسلام). 6 - وليم مارسيه William Marcais (1874-1956) م: ¬

(¬1) قاسم السامرائي ((الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية)) , الرياض: دار الرفاعي، 1403هـ (¬2) العقيقي، مرجع سابق ص 169. وهناك بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة قدمه الطالب سلطان الحصين بعنوان ((موقف المستشرق سيديو من السيرة النبوية: دراسة نقدية من خلال كتابه تاريخ العرب العام)) عام 1413هـ.

عمل مديراً لمدرسة تلمسان وأستاذاً فيها، وهي إحدى المدارس العربية الثلاث التي أنشأتها فرنسا لتخريج مساعدين لها في أعمالها في إدارة البلاد. اتصل بعلماء الجزائر وتونس والمغرب، ودرس لهجات المنطقة. من أهمِّ آثاره نشر كتاب (التقريب والتيسير) للنووي متناً وشرحاً وترجمة. كما ترجم (جامع الأحاديث الصحيحة) للبخاري في أربعة أجزاء، وله كتاب عن اللهجات العربية، وبحث بعنوان (أصول النثر العربي الفني.) 7 - لوي ماسنيون Louis Massingon (1883-1962) م: ولد في باريس، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في بحث عن المغرب، كما حصل على دبلوم اللغة العربية من مدرسة اللغات الشرقية الحية (فصحى وعامية)، زار كلًّا من الجزائر والمغرب، وفي الجزائر انعقدت الصلة بينه وبين بعض كبار المستشرقين مثل جولدزيهر وآسين بلاثيوس وسنوك هورخرونيه ولي شاتيليه. التحق بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة عدة أعوام (1907 - 1908) م، وفي عام (1909) م, عاد إلى مصر، وهناك حضر بعض دروس الأزهر، وكان مرتدياً الزي الأزهري. زار العديد من البلاد الإسلامية منها الحجاز والقاهرة والقدس ولبنان وتركيا. عمل معيداً في كرسي الاجتماع الإسلامي في معهد فرنسا (1919 - 1924) م, وأصبح أستاذ كرسي (1926 - 1954) م, ومديراً للدراسات في المدرسة العلمية العليا حتى تقاعده عام (1954). لقد اشتهر ماسنيون باهتمامه بالتصوف الإسلامي، وبخاصة بالحلاج، حيث حقَّق ديوان الحلاج (الطواسين)، وكانت رسالته للدكتوراة بعنوان (آلام الحلاج شهيد التصوف) في جزأين، وقد نشرت في كتاب تزيد صفحاته على ألف صفحة (ترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية)، وله اهتمام بالشيعة والتشيع. وعرف عن لويس صلته بالحكومة الفرنسية وتقديمه المشورة لها. 8 - ليفي بروفنسال Levi-Provencal (1894-1956) م: ولد في الجزائر، حصل على درجة الليسانس من كلية الآداب بالجزائر، عمل في معهد الدراسات العليا المغربية في الرباط، وعمل أستاذاً للعربية والحضارة الإسلامية في جامعة باريس وفي كلية الآداب بالجزائر. ودُعي للعمل أستاذاً زائراً في جامعة القاهرة، ومن أبرز اهتماماته تاريخ الأندلس. 9 - ريجيس بلاشير. R.L. Blacher(1900-1973) م: ولد في باريس وتلقَّى التعليم الثانوي في الدار البيضاء، وتخرَّج باللغة العربية من كلية الآداب بالجزائر. تولَّى العديد من المناصب العلمية، منها أستاذ اللغة العربية في معهد مولاي يوسف بالرباط، ومدير معهد الدراسات المغربية العليا (1924 - 1935) م، وأستاذ كرسي الأدب العربي في مدرسة اللغات الشرقية الحية بباريس، وأستاذاً محاضراً في السوربون، ثم مدير مدرسة الدراسات العليا والعلمية، ثم أستاذ اللغة العربية وحضارتها في باريس. من أبرز إنتاجه ترجمته لمعاني القرآن الكريم، وكذلك كتابه (تاريخ الأدب العربي) في جزأين، وترجمه إلى العربية إبراهيم الكيلاني، وله أيضاً كتاب (أبو الطيب المتنبي: دراسة في التاريخ الأدبي)، ترجمه أيضاً إبراهيم الكيلاني. 10 - مكسيم رودنسون Maxim Rodinson (1915) م: ولد في باريس في (26 يناير 1915) م، وحصل على الدكتوراة في الآداب، ثم على شهادة من المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية والمدرسة العلمية العليا. تولَّى العديد من المناصب العلمية في كل من سوريا ولبنان في المعاهد التابعة للحكومة الفرنسية هناك. تولَّى منصب مدير الدراسات في المدرسة العلمية للدراسات العليا قسم العلوم التاريخية واللغوية، ثم محاضراً فيها في قسم العلوم الاقتصادية والاجتماعية. نال العديد من الأوسمة والجوائز من الجهات العلمية الفرنسية والأوروبية. له العديد من المؤلفات، منها (الإسلام والرأسمالية) و (جاذبية الإسلام) و (محمد) و (إسرائيل والرفض العربي)، وله العديد من الدراسات التاريخية والتاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي. وهناك العديد من المستشرقين الفرنسيين البارزين مثل هنري لاوست وكلود كاهن وشارل بيلا وإميل درمنجهم والأب لويس جارديه والأب البلجيكي الأصل الفرنسي الجنسية الأب لامانس. وأندريه ريموند، وروبير مانتران. وغيرهم.

المطلب الثالث: بريطانيا:

المطلب الثالث: بريطانيا: 1 - وليام بدول William Bedwell (1516-1632) م: عمل راعياً لكنيسة إيلبيرج، وجمع إلى عمله الكنسي دراساته وبحوثه في اللغة العربية. ظهر له كتابات امتلأت بالحقد على الإسلام، وهما حول الرسول صلى الله عليه وسلم (¬1). 2 - إدوارد بوكوك Edward Pocoke (1648-1727) م: ومن أبرز أعماله (نماذج من تاريخ العرب) وتحقيق (لامية العجم للطغرائي) والمختصر في الدول. 3 - جورج سيل George Sale(1697-1736) م: ولد في لندن، التحق في البداية بالتعليم اللاهوتي، تعلَّم العربية على يد معلِّم من سوريا، وكان يتقن اللغة العبرية أيضاً. من أبرز أعماله ترجمته لمعاني القرآن الكريم التي قدَّم لها بمقدمة احتوت على كثير من الافتراءات والشبهات. ومن الغريب أن يقول عنها عبد الرحمن بدوي: (ترجمة سيل واضحة ومحكمة معاً، ولهذا راجت رواجاً عظيماً طوال القرن الثامن عشر إذ عنها ترجم القرآن إلى الألمانية عام (1746 م). ويقول في موضع آخر: (وكان سيل منصفاً للإسلام بريئاً- رغم تدينه المسيحي- من تعصب المبشِّرين المسيحيين، وأحكامهم السابقة الزائفة) (¬2). 4 - إدوارد لين Edward Lane. (1801-1876) م: بدأ حياته الدراسية في مجال الدراسات اللاهوتية، ولكنه تركها ليعمل في مهنة النقش، ثم سافر إلى مصر ليقيم فيها ثلاثة أشهر، وتعلم هناك العربية الفصحى والعامية، ألف كتاباً عن أخلاق المصريين المعاصرين وعاداتهم، ولكنه اشتهر بمعجمه الذي صدر منه خمسة مجلدات في حياته، ونشر ابن أخته إستانلي لين بول الأجزاء الباقية (¬3). 5 - وليام ميور William Muir (1819-1905) م: وصفه عبد الرحمن بدوي بأنه مستشرق ومبشِّر وموظف إداري إنجليزي، تعلَّم العربية في أثناء عمله في الهند، واهتمَّ بالتاريخ الإسلامي، شارك في أعمال جمعية تنصيرية في الهند. وألَّف ميور كتاباً يناصر الجهود التنصيرية بعنوان (شهادة القرآن على الكتب اليهودية والمسيحية)، ومن أهمِّ مؤلفات ميور كتابه في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في أربعة مجلدات، وكتابه حول الخلافة، كما ألَّف كتاباً حول القرآن الكريم بعنوان (القرآن تأليفه وتعاليمه) تولَّى ميور منصب مدير جامعة أدنبره في الفترة من عام (1885حتى عام 1903) م. 6 - ديفيد صموئيل مرجليوث David Samuel Margoliouth (1858-1940) م: بدأ حياته العلمية بدراسة اليونانية واللاتينية، ثم اهتمَّ بدراسة اللغات السامية، فتعلَّم العربية، ومن أشهر مؤلفاته ما كتبه في السيرة النبوية وكتابه عن الإسلام وكتابه عن العلاقات بين العرب واليهود. ولكن هذه الكتابات اتسمت بالتعصب والتحيز والبعد الشديد عن الموضوعية، كما وصفها عبد الرحمن بدوي. ولكن يحسب له اهتمامه بالتراث العربي، كنشره لكتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي، ورسائل أبي العلاء المعري وغير ذلك من الأبحاث (¬4). 7 - توماس وولكر آرنولد Sir Thomas Walker Arnold (1864-1930) م: ¬

(¬1) - Alastair Hamilton. William Bedwell The Arabist(1563-1632).(Leiden:1985)p. 69. (¬2) عبد الرحمن بدوي ((موسوعة المستشرقين)) (ص 252) بيروت: دار العلم للملايين 1984. (¬3) ([174]) ((موسوعة المستشرقين)) (ص 357 ومابعدها). (¬4) ((موسوعة المستشرقين)) (ص 379).

بدأ حياته العلمية في جامعة كامبردج حيث أظهر حبه للغات، فتعلَّم العربية، وانتقل للعمل باحثاً في جامعة علي كرا (عليكرا) في الهند حيث أمضى هناك عشر سنوات، ألَّف خلالها كتابه المشهور (الدعوة إلى الإسلام)، ثم عمل أستاذاً للفلسفة في جامعة لاهور، وفي عام (1904) م, عاد إلى لندن ليصبح أميناً مساعداً لمكتبة إدارة الحكومة الهندية التابعة لوزارة الخارجية البريطانية، وعمل في الوقت نفسه أستاذًا غير متفرغ في جامعة لندن. واختير عام (1909) م, ليكون مشرفاً عامًّا على الطلاب الهنود في بريطانيا. ومن المهام العلمية التي شارك فيها عضوية هيئة تحرير الموسوعة الإسلامية التي صدرت في ليدن بهولندا في طبعتها الأولى. والتحق بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن بعد تأسيسها عام (1916) م, عمل أستاذاً زائراً في الجامعة المصرية عام (1930) م. له عدة مؤلفات سوى كتابه الدعوة إلى الإسلام، ومنها (الخلافة) وكتاب حول العقيدة الإسلامية، وشارك في تحرير كتاب تراث الإسلام في طبعته الأولى، بالإضافة إلى العديد من البحوث في الفنون الإسلامية. بالرغم من شهرة آرنولد بأنه من المستشرقين المعتدلين، فإن البحث الدقيق في كتاباته تدل على أنه يشارك غيره من المستشرقين في الطعن في الإسلام بأسلوب هادئ، وبخاصة في كتابه الخلافة وفي كتابه الدعوة إلى الإسلام، كما أوضح ذلك أحد الباحثين في المعهد العالي للدعوة الإسلامية في المدينة المنورة (¬1). 8 - سير هاملتون جيب. Sir Hamilton R. A. Gibb: ولد هاملتون جيب في الإسكندرية في (2/ 1/ 1895) م، انتقل إلى أسكتلندا وهو في الخامسة من عمره؛ للدراسة هناك، ولكنه كان يمضي الصيف مع والدته في الإسكندرية. التحق بجامعة أدنبرة لدارسة اللغات السامية. عمل محاضراً في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام (1921) م، وتدرج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح أستاذًا للغة العربية عام (1937) م، وانتخب لشغل منصب كرسي اللغة العربية بجامعة أكسفورد. انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد بعد أن عمل أستاذاً للغة العربية في الجامعة. بالإضافة إلى اهتمامه اللغوي فقد أضاف إلى ذلك الاهتمام بتاريخ الإسلام وانتشاره، وقد تأثَّر بمستشرقين كبار من أمثال تومارس آرنولد وغيره. من أبرز إنتاج جيب (الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى) (1933) م ودراسات في الأدب العربي المعاصر وكتاب (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) وشارك في تأليف (إلى أين يتجه الإسلام). وقد انتقل جيب من دراسة اللغة والآداب والتاريخ إلى دراسة العالم الإسلامي المعاصر، وهو ما التفت إليه الاستشراق الأمريكي حينما أنشأ الدراسات الإقليمية أو دراسات المناطق. وله كتاب بعنوان (المحمدية) ثم أعاد نشره بعنوان (الإسلام)، وله كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم. 9 - مونتجمري وات Montgomery Watt: ¬

(¬1) محمود حمزة عزوني ((دراسة نقدية لكتاب الدعوة إلى الإسلام تأليف توماس ولكر آرنولد)) بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في الدعوة من المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة والترجمة مستقاة من مقالة أوريل ساين في محاضر الأكاديمية البريطانية Aurel Srien.( Proceedings of British Academy.( 1930.

ولد في كريس فايف في (14 مارس 1909) م, والده القسيس أندرو وات درس في كل من أكاديمية لارخ (1914 - 1919) م, وفي كلية جورج واتسون بأدنبرة وجامعة أدنبرة (1927 - 1930) م, وكلية باليول بأكسفورد (1930 - 1933) م, وجامعة جينا بألمانيا (1933) م, وبجامعة أكسفورد وجامعة أدنبرة في الفترة من (1938 - 1939) و (1940 - 1943) م, على التوالي. عمل راعياً لعدة كنائس في لندن وفي أدنبره، ومتخصصا في الإسلام لدى القس الأنجليكاني في القدس. عمل رئيساً لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة أدنبره في الفترة من (1947 - 1979) م. نال درجة الأستاذية عام (1964) م. دُعي للعمل أستاذاً زائراً في كل من الجامعات الآتية: جامعة تورنتو (1963) و (1978) م, وكلية فرنسا في باريس عام (1970) وجامعة جورجتاون بواشنطن عام (1978 - 1979) م. أصدر العديد من المؤلفات من أشهرها (محمد في مكة) و (محمد في المدينة) و (محمد نبي ورجل دولة) و (الفلسفة الإسلامية والعقيدة) و (الفكر السياسي الإسلامي) و (تأثير الإسلام في أوروبا القرون الوسطى) و (الأصولية الإسلامية والتحديث) و (العلاقات الإسلامية النصرانية) ومن آخر كتبه (حقيقة الدين في عصرنا) (1996) م, وكتاب (الفترة التكوينية للفكر الإسلامي) (1998) م, و (موجز تاريخ الإسلام) (1995) م, وغيرها كثير. وقد تقاعد قريباً، ويعمل حالياً راعياً لإحدى الكنائس في منطقة أدنبرة (¬1). 10 - آرثر جون آربري Arthur John Arberry (1905-1969) م: ولد في (12مايو 1905) م, في مدينة بورتسموث بجنوب بريطانيا، التحق بجامعة كامبريدج لدراسة اللغات الكلاسيكية اللاتينية واليونانية. وشجَّعه أحد أساتذته (منس) على دراسة العربية والفارسية. ارتحل إلى مصر لمواصلة دراسته للغة العربية. عاد إلى مصر ليعمل في كلية الآداب رئيساً لقسم الدراسات القديمة (اليونانية واللاتينية) وزار فلسطين وسوريا ولبنان. اهتمَّ بالأدب العربي، فترجم مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي كما حقق كتاب (التعرف إلى أهل التصوف) , واصل اهتمامه بالتصوف وذلك بنشره كتاب (المواقف والمخاطبات) للنفري، وترجمه إلى الإنجليزية. عمل آربري مع وزارة الحرب البريطانية في أثناء الحرب العالمية الثانية مهتمًّا بشؤون الإعلام والرقابة البريدية. وأصدر كتابه (المستشرقون البريطانيون) (1943) م, تولَّى منصب أستاذ كرسي اللغة العربية في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، ثم انتقل لجامعة كمبردج ليحتل منصب أستاذ كرسي اللغة العربية في هذه الجامعة. ولعلَّ من أبرز جهود آربري ترجمته لمعاني القرآن الكريم، حيث أصدر أولاً مختارات من بعض آيات القرآن الكريم مع مقدمة طويلة، ثم أكمل الترجمة وأصدرها عام (1955) م, (¬2). 11 - برنارد لويس Bernard Lewis. (1916- ) م: ولد لويس في (31مايو 1916) م, وتلقَّى تعليمه الأول في كلية ولسون والمدرسة المهنية، حيث أكمل دراسته الثانوية، ولا تذكر المراجع أية معلومات عن تلقيه تعليماً دينيًّا يهوديًّا خاصًّا. التحق بجامعة لندن لدراسة التاريخ، ثم انتقل إلى فرنسا للحصول على دبلوم الدراسات السامية (1937) م, متتلمذا على المستشرق الفرنسي ماسنيون وغيره. ثم عاد إلى جامعة لندن: مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، وحصل على الدكتوراة عام (1939) م, عن رسالته القصيرة حول أصول الإسماعيلية. ¬

(¬1) ([177]) هذه الترجمة بقلم وات نفسه أرسلها للباحث وهي نسخة من سيرة موجزة تنشر في دليل الباحثين البريطانيين. (¬2) ([178]) بدوي، ((موسوعة المستشرقين)) (ص 5 - 8).

استُدعي في أثناء الحرب العالمية الثانية لأداء الخدمة العسكرية، وأعيرت خدماته لوزارة الخارجية من (1941) حتى عام (1945) م. عاد بعد الحرب إلى مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية؛ لتدريس التاريخ الإسلامي وأصبح أستاذ كرسي التاريخ الإسلامي عام 1949 م ثم أصبح رئيساً لقسم التاريخ عام (1957) م، وظل رئيساً لهذا القسم حتى انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (1974). دُعِي للعمل أستاذًا زائراً في العديد من الجامعات الأمريكية والأوربية منها جامعة كولمبيا وجامعة أنديانا وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وجامعة أكلاهوما وجامعة برنستون التي انتقل إليها، والعمل فيها من (1974) حتى تقاعده عام (1986) م. وهناك عيِّن مديراً مشاركاً لمعهد أنانبرج اليهودي للدراسات اليهودية والشرق أوسطية في مدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا. يعدُّ لويس من أغزر المستشرقين إنتاجاً (وإن كان له قدرة على إعادة نشر بعض ما سبق نشره بصور أخرى) وقد تنوَّعت اهتماماته من التاريخ الإسلامي، حيث كتب عن الإسماعيلية وعن الحشاشين وعن الطوائف المختلفة في المجتمع الإسلامي، إلى الحديث عن المجتمع الإسلامي، ولكنه في السنوات الأخيرة - قبل تقاعده بقليل - بدأ الاهتمام بقضايا العالم العربي والإسلامي المعاصرة، فكتب عن الحركات الإسلامية (الأصولية) وعن الإسلام والديموقراطية. قدَّم خدماته واستشاراته لكل من الحكومة البريطانية التي كلَّفته القيام برحلة إلى العديد من الجامعات الأمريكية، وإلقاء الأحاديث الإذاعية والتلفازية عام (1954) م، كما قدَّم استشارته للكونجرس الأمريكي أكثر من مرة. وفي إحدى المرات (8 مارس 1974) م, ألقى محاضرة في أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي حول قضية الشرق الأوسط، ولأهمية هذه المحاضرة نشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد أسبوعين من إلقائها (¬1). ¬

(¬1) - C. E. Bosworth, et al.(ed.) The Islamic World From Classical To Modern Times. (Princeton,1989)p. p. IX-X and Also Who’s Who in the USA 1989. نقلاً عن رسالة الدكتوراة التي أعدها الباحث بعنوان: منهج المستشرق برنارد لويس في دراسة الاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، ونشرت لدى مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عام 1416بعنوان: ((الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي)) (ص 69 وما بعدها).

المطلب الرابع: ألمانيا مصادر التعريف بالمستشرقين الألمان هي كتاب يوهان فوك ((تاريخ حركة الاستشراق))، ترجمة عمر لطفي العالم , دمشق: دار قتيبة 1417 - 1996. وكتاب ميشال جحا ((الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا)) بيروت: معهد الإنماء العربي 1982. وكتاب عبد الرحمن بدوي ((موسوعة المستشرقين)).:

المطلب الرابع: ألمانيا (¬1): 1 - يوهان جاكوب رايسكه Johann Jakob Reiske (1716-1774) م: يعدُّ رايسكه مؤسس الدراسات العربية في ألمانيا، حيث بدأ تعليم نفسه العربية، ثم درس في جامعة ليبزيج Leipzig، وانتقل إلى جامعة ليدن لدراسة المخطوطات العربية فيها، كما اهتمَّ بدراسة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، وإن كان له فضل في هذا المجال فهو الابتعاد بالدراسات العربية الإسلامية عن الارتباط بالدراسات اللاهوتية التي كانت تميز هذه الدراسات في القرون الوسطى (الأوروبية). 2 - جورج ولهلهم فرايتاج George Wilhelm Freytag (1788-1861) م: بدأ دراسة اللغة العربية في ألمانيا ثم التحق بمدرسة الدراسات الشرقية الحية في باريس على يدي المستشرق الفرنسي المشهور سيلفستر دي ساسي. عيِّن أستاذاً للغات الشرقية بجامعة بون، ومن أهم إنتاجه القاموس العربي اللاتيني في أربعة أجزاء. كما اهتمَّ بالشعر العربي وبخاصة المعلقات، وحقَّق ونشر بعض الشعر الإسلامي. شارك في نشر كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي. 3 - غوستاف فلوجل Gustav Flugel (1802-1870) م: تعلَّم اللغة العربية في جامعة ليبزيج وفي جامعة فيينا، ثم التحق بمدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس على يدي دي ساسي. ومن أهم أعمال فلوجل وضع (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) كما اهتمَّ بالتراث الإسلامي في مجال الفلسفة، والنحو العربي. 4 - يوليوس فيلهاوزن Jullius Wellhausen (1844- 1918) م: تخصَّص في دراسة التاريخ الإسلامي والفرق الإسلامية، من أبرز إنتاجه تحقيق تاريخ الطبري. وألَّف كتاباً بعنوان (الإمبراطورية العربية وسقوطها) ومن اهتماماته بالفرق الإسلامية تأليف كتابيه (الأحزاب المعارضة في الإسلام) وكتابه (الخوارج والشيعة) وكتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه (تنظيم محمد للجماعة في المدينة) وكتابه (محمد والسفارات التي وجهت إليه). 5 - ثيودور نولدكه Theodor Noldeke (1836-1930) م: ولد في هامبرج في (2مارس 1836) م، ودرس فيها اللغة العربية، ودرس في جامعة ليبزيج وفينا وليدن وبرلين. عيِّن أستاذاً للغات الإسلامية والتاريخ الإسلامي في جامعة توبنجن، وعمل أيضاً في جامعة ستراستبرج. اهتمَّ بالشعر الجاهلي وبقواعد اللغة العربية، وأصدر كتاباً بعنوان (مختارات من الشعر العربي) من أهمِّ مؤلفاته كتابه (تاريخ القرآن) نشره عام (1860) م، وهو رسالته للدكتوراة، وفيه تناول ترتيب سور القرآن الكريم، وحاول أن يجعل لها ترتيباً ابتدعه. ذكر عبد الرحمن بدوي أن نولدكه يعد شيخ المستشرقين الألمان. 6 - كارل بروكلمان Carl Brockelmann (1868- 1956) م: ولد في (17سبتمبر 1868) م, في مدينة روستوك، بدأ دراسة اللغة العربية، وهو في المرحلة الثانوية، ودرس في الجامعة بالإضافة إلى اللغات الشرقية، اللغات الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية) ودرس على يدي المستشرق نولدكه. اهتمَّ بدراسة التاريخ الإسلامي، وله في هذا المجال كتاب مشهور (تاريخ الشعوب الإسلامية)، ولكنه مليء بالمغالطات والافتراءات على الإسلام (¬2). ¬

(¬1) مصادر التعريف بالمستشرقين الألمان هي كتاب يوهان فوك ((تاريخ حركة الاستشراق))، ترجمة عمر لطفي العالم , دمشق: دار قتيبة 1417 - 1996. وكتاب ميشال جحا ((الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا)) بيروت: معهد الإنماء العربي 1982. وكتاب عبد الرحمن بدوي ((موسوعة المستشرقين)). (¬2) انظر كتاب عبد الكريم علي باز: ((افتراءات فيليب حتّي وكار بروكلمان على التاريخ الإسلامي)) , جدة: تهامة للنشر، 1403هـ - 1983م.

ومن أشهر مؤلفاته كتاب (تاريخ الأدب العربي) الذي تُرجم في ستة مجلدات، وفيه رصد لما كُتب في اللغة العربية في العلوم المختلفة من مخطوطات، ووصفها ومكان وجودها. 7 - كارل هاينرتش بيكر Carl Heinrich Becker(1876-1933) م: ولد في (2 أبريل 1876) م، ودرس في جامعة لوزان وفي جامعة هيدلبيرج وجامعة برلين. كان له اهتمام كبير بدراسة الأديان، وهي التي قادته إلى الاهتمام بدراسة الدين الإسلامي. ويعدُّ من أشهر المستشرقين الذين كتبوا في التاريخ الإسلامي وبخاصة في جوانب تأثير العوامل الاقتصادية وتأثير العناصر الإغريقية والمسيحية في الحضارة الإسلامية. واهتمَّ كذلك بدراسة التاريخ الاقتصادي والإداري في صدر الإسلام. قام برحلات علمية كثيرة في أنحاء أوروبا حيث عمل فترة في مكتبة الأسكوريال بمدريد (إسبانيا)، واطلع على المخطوطات العربية فيها. زار مصر وتعمَّق هناك بدراسة اللغة العربية. تولَّى منصب أستاذ في معهد هامبورج الاستعماري الذي أنشأته الحكومة الألمانية لمساعدتها في التعامل مع الشعوب العربية والأفريقية. أسهم في إنشاء مجلة (الإسلام) Der Islam عام (1910) م، وتولَّى منصب وزير الثقافة في بروسيا. (إحدى الولايات الألمانية). 8 - جوزف شاخت Josef Schacht (1902-1969) م: ولد في (15مارس 1902) م، درس اللغات الشرقية في جامعة برسلاو وليبتسك، انتدب للعمل في الجامعة المصرية عام (1934) م, لتدريس مادة فقه اللغة العربية واللغة السريانية. شارك في هيئة تحرير دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الثانية. عُرف شاخت باهتمامه بالفقه الإسلامي، ولكنه صاحب إنتاج في مجال المخطوطات وفي علم الكلام وفي تاريخ العلوم والفلسفة. 9 - هيلموت ريتر Hellmut Ritter (1892-1971) م: ولد في (27فبراير 1892) م، درس على المستشرق الألماني هينريتش بيكر، عمل في الجيش الألماني، عاش في إسطنبول بتركيا في الفترة من (1927 - 1949) م, مما أتاح له الفرصة للاطلاع على ما في مكتبات تركيا من كنوز المخطوطات الإسلامية. وله تحقيقات مهمة من أبرزها ما يأتي: مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري. الوافي بالوفيات. فرق الشيعة للحسن بن موسى النوبختي. أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني. أسس المكتبة الإسلامية بألمانيا عام (1918) م, للعناية بحفظ ونشر المخطوطات الإسلامية، كما أسس مجلة أويانس عام (1948) م, ( Oriens). 10- رودي بارت Rudi Paret: ولد عام (1901) م، درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من (1920حتى 1924) م, وتخرَّج على يد المستشرق الألماني ليتمان. أمضى سنتين في القاهرة (1925 - 1926) م، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي، ولكنه تحوَّل إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية، وبخاصة القرآن الكريم. تولَّى العديد من المناصب العلمية منها مدرِّس في جامعة توبنجن وأستاذاً بجامعة هايدلبرج، ثم عاد إلى توبنجن أستاذاً للغة العربية والإسلاميات من عام (1951 - 1968) م. ومن أهمِّ مؤلفاته (محمد والقرآن) وترجم معاني القرآن الكريم إلى الألمانية، وله كتاب عن القرآن بعنوان (القرآن تعليق وفهرست). 11 - آنا ماري شميل Annemarie Schimmel (1922- ) م: من أشهر المستشرقين الألمان المعاصرين، بدأت دراسة اللغة العربية في سن الخامسة عشرة، وتتقن العديد من لغات المسلمين، وهي التركية والفارسية والأوردو. درَّست في العديد من الجامعات في ألمانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي أنقرة. اهتمت بدراسة الإسلام، وحاولت تقديم هذه المعرفة بأسلوب علمي موضوعي لبني قومها، حتى نالت أسمى جائزة ينالها كاتب في ألمانيا تسمَّى جائزة السلام. ولكن بعض الجهات المعادية للإسلام لم يرقها أن تنال هذه الباحثة المدافعة عن الإسلام في وجه الهجمات الغربية عليه، حاولوا أن يمنعوا حصولها على الجائزة .....

المطلب الخامس: روسيا:

المطلب الخامس: روسيا: 1 - ف. ف. بارتولد V.V. Barthold (1869-1930) م: درس التاريخ الإسلامي في جامعة بطرسبرج، وعمل فيها أستاذاً لتاريخ الشرق الإسلامي. اهتمَّ بمصادر التاريخ الإسلامي العربية، كما اهتمَّ بدراسة ابن خلدون ونظريته في الحكم. انتخب عضواً في مجمع العلوم الروسي ورئيساً للجنة المستشرقين. له كتابات كثيرة في مجال التاريخ الإسلامي، وقد كتب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.2 - إجناطيوس يوليانوفيتش كراتشكوفسكي. Ignaij Julianovic Krackovskij (¬1) : ولد في (16مارس 1883) م، أمضى طفولته في طشقند حيث تعلَّم اللغة الأوزبكية، درس اللغات الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية)، بدأ بتعلم اللغة العربية بنفسه. وفي عام (1901) م, التحق بكلية اللغات الشرقية في جامعة سان بترسبرج. ودرس عدداً من اللغات منها العبرية والحبشية والتركية والفارسية. درس التاريخ الإسلامي على يد المستشرق بارتولد. زار العديد من الدول العربية والإسلامية، منها تركيا وسوريا ولبنان ومصر، وتعرَّف إلى كثير من أعلام الفكر العربي الإسلامي، منهم الشيخ محمد عبده والشيخ محمد كرد علي وغيرهما، اهتمَّ بالشعر العربي في العصر الأموي وفي العصر العباسي. 3 - و. إيفانوف. W. Ivanov (1886-1970) م: اهتمَّ بدراسة الإسماعيلية، ومن آثاره المخطوطات الإسلامية في المتحف الآسيوي، وثائق جديدة لدراسة الحجاج، وعقيدة الفاطميين. 4 - كريمسكي A.E. Krymsky (1871-1941) م: درس في جامعة موسكو في الفترة من (1892 إلى 1896) م, اللغات السلافية والعربية والفارسية. عاش في سوريا في الفترة من (1896 إلى 1898) م, عمل أستاذاً للعربية وآدابها في كلية لازاريف، وأستاذاً للعربية في قازنا (1898 - 1918) م. تولَّى منصب سكرتير مجمع العلوم الأكراني. وترأس قسم الدراسات العليا في خاكوف بعد الثورة البلشفية (1917) م. من آثاره: (العالم الإسلامي ومستقبله) (1889) م، (تاريخ الإسلام) في جزأين (1904) م, و (الأدب العربي الحديث في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) (موسكو 1906) م. 5 - شميت. A.E. Schmidt (1871-1941) م: تلقَّى تعليمه على يد المستشرقين روزين وجولدزيهر، تخصَّص في دراسة اللغة العربية والتاريخ الإسلامي، عمل أستاذاً في جامعة بطرسبرج مدة عشرين سنة، ثم انتقل إلى طشقند عام (1920) م, ليؤسس جامعة فيها، وكان أول رئيس لها. من آثاره (تاريخ الإسلام) و (النبي محمد) و (محاولة التقريب بين السنة والشيعة) و (فهرس المخطوطات العربية في طشقند). 6 - بارانوف Baranov (1892- ) م: درس اللغات التركية والفارسية والعربية في معهد لازاريف ودرَّس العربية في المعهد نفسه، عمل أستاذ كرسي في المعهد الشرقي بموسكو، أنشأ مدرسة المستعربين اللغوية، انتخب رئيساً لمعهد العلوم الشرقية. شارك في إعداد كتاب لتعليم اللغة العربية، وألَّف القاموس الروسي العربي للمصطلحات السياسية والاقتصادية والفلسفية. وألَّف أيضاً القاموس العربي الروسي. 7 - ماريا فيدياسوفا Maria Vidiassova: ولدت ماريا فيدياسوفا في (7/ 5/ 1945) م، تلقَّت تعليمها الجامعي في جامعة موسكو الحكومية: معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية، تخصصت في التاريخ وعلم الإنسان الاجتماعي. تتقن كلًّا من الإنجليزية والفرنسية، ولها قدرة على القراءة باللغة العربية. قامت برحلات علمية إلى كل من تونس (1966 - 1967) م, ومصر (1993) م, والمغرب (1995) م، من بحوثها (ابن خلدون كما يراه المثقفون العرب) عضو رابطة المستشرقين الروس. ¬

(¬1) انظر ترجمة له بقلم أنا دولينينا. (اغناطيوس كراتشوفسكي: من ((تاريخ الاستشراق في الاتحاد السوفييتي)) في الاستشراق, سلسلة كتب الثقافة المقارنة (ص56 - 59) العدد 2 شباط 1987.

المطلب السادس: إسبانيا:

المطلب السادس: إسبانيا: 1 - مقيل آسين بلاثيوس Miguel Asin Placios (1871-1944) م: ولد في (5 يوليو 1871) م, بمدينة سرقسطة، والتحق بكلية الآداب بجامعة سرقسطة، بالإضافة إلى دراسته في المعهد المجمعي، فتخرج فيه قسيساً. درس اللغة العربية على يد المستشرق ربيرا. التحق بجامعة مدريد؛ للحصول على درجة الدكتوراة، وكانت عن الغزالي. تولَّى كرسي اللغة العربية في جامعة مدريد. من أبرز إنتاجه العلمي بحثه المعنون (الرشدية اللاهوتية في مذهب القديس توما الإكويني) وبحثه عن تأثر دانتي (الشاعر الإيطالي) بعنوان (الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية). وأبدى اهتماماً بابن حزم والقرطبي وأبي حامد الغزالي، ومحيي الدين بن عربي. شارك مع المستشرق ربيرا في إصدار مجلة الثقافة الإسبانية (1906 - 1909) م, واختير عضواً في الأكاديمية الملكية للعلوم الأخلاقية (1912) م, وعيِّن عضواً في الأكاديمة الإسبانية عام (1919) م. 2 - سيكودي لوثينا باريديس: Secode Lucena Paredes ولد في غرناطة، ودرس الفلسفة في كلية الآداب في جامعة غرناطة، عمل مستشاراً للثقافة والتعليم في الإقامة الإسبانية في المغرب. عيِّن أستاذاً للغة العربية بجامعة غرناطة عام (1942) م. عيِّن مديراً لمعهد الدراسات العربية بغرناطة، وعمل رئيساً لقسم الدراسات العربية في معهد الدراسات الأفريقية بمدريد. انتُخب عضواً في مجمع الفنون الجميلة. له إنتاج غزير في مجال تحقيق المخطوطات، وفي البحوث حول الشريعة الإسلامية، وكذلك التاريخ الإسلامي والآثار الإسلامية. 3 - إميليو جارثيا جوميز.: Emilio Varcia Gomez ولد في مدريد ودرس في جامعتها. عمل أستاذاً بجامعة غرناطة وبجامعة مدريد. تولَّى إدارة المعهد الثقافي الإسباني. زار سوريا ولبنان. انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق عام (1948) م. عمل سفيراً لبلاده في بغداد وفي لبنان. له دراسات عديدة في الأدب العربي وترجمات لبعض الشعر العربي إلى الإسبانية. 4 - بوش فيلا Bosch Villa: ولد في فيجراس عام (1922) م، درس في جامعة برشلونة فقه اللغات السامية، وحصل على الدكتوراة من جامعة مدريد بعنوان (الإقطاع: مملكة الطوائف على عهد بني رزين) عمل في تدريس اللغة العربية في كل من جامعتي برشلونة وجامعة سرقسطة. تولَّى منصب أستاذ مساعد للتاريخ والنظم الإسلامية بجامعة مدريد، وعمل أمين مكتبة معهد الدراسات العربية بمدريد، ودرَّس التاريخ والنظم الإسلامية بجامعة غرناطة. تولَّى رئاسة الجمعية الإسبانية للمستشرقين، وهو عضو جمعية شمال أمريكا لدراسات الشرق الأوسط. تركزت بحوثه في مجال الدراسات الإسلامية والجغرافيا والتاريخ، كما اهتمَّ بقضايا العالم العربي المعاصرة. 5 - فيدريكيو كورينتي: Fedrico Coriente ولد في غرناطة في (14/ 11/1940) م, درس اللغات الشرقية في جامعة مدريد، حصل على الدكتوراة في علم اللغة. عمل مديراً للمركز الثقافي في القاهرة (1962 - 1965) م,. تولَّى منصب أستاذ اللغة الإسبانية في مدرسة الألسن العليا بجامعة عين شمس في الفترة نفسها، وترأس قسم اللغة الإسبانية بجامعة محمد الخامس بالرباط عام (1965 - 1968) م, عمل في جامعة فيلاديلفيا أستاذاً للغات الشرقية والعربية. أستاذ كرسي اللغة العربية بجامعة سرقسطة منذ عام (1976) م.

المطلب السابع: هولندا:

المطلب السابع: هولندا: 1 - رانيهارت دوزي Rienhart Dozy(1820-1883) م: ولد في (21فبراير 1920) م, في مدينة ليدن، بدأ دراسة العربية في المرحلة الثانوية، وواصل هذه الدراسة في الجامعة. حصل على الدكتوراة عام (1881) م, عن بحثه (أخبار بني عيَّاد عن الكتاب العرب) اهتمَّ بالمخطوطات العربية، وبخاصة كتاب الذخيرة لابن بسام وغيره من الكتب. اهتمَّ بتاريخ المسلمين في الأندلس، وأبرز كتبه (تاريخ المسلمين في إسبانيا) المكون من عدة مجلدات. 2 - مايكل دي خويه Michael Jan De Goje ( 1836- 1909) م: ولد في (9 أغسطس 1836) م، تخصَّص في جامعة ليدن بالدراسات الشرقية، ومن أساتذته المستشرق دوزي، وكانت رسالته للدكتوراه بعنوان (نموذج من الكتابات الشرقية في وصف المغرب مأخوذ من كتاب البلدان لليعقوبي)، عمل في التدريس بجامعة ليدن، وكان أبرز اهتماماته الجغرافيا وكذلك التاريخ الإسلامي. ومن إنتاجه تحقيق كتاب (فتوح البلدان) للبلاذري، كما شارك وأشرف على تحقيق (تاريخ الطبري). وهو غزير الإنتاج. 3 - سنوك هورخرونيه Christiaan Snouk Hurgronje (1857-1936) م: ولد في (8 فبراير1857) م, درس اللاهوت، ثم بدأ دراسة العربية والإسلام على يد المستشرق دي خويه. ودرس كذلك على يد مستشرقين آخرين، منهم المستشرق الألماني نولدكه. كانت رسالته للدكتوراه حول الحج إلى مكة المكرمة عام (1880) م. عمل مدرساً في معهد تكوين الموظفين في الهند الشرقية (إندونيسيا)، أعلن إسلامه وتسمَّى باسم عبد الغفار، وسافر إلى مكة المكرمة، وأمضى فيها ستة أشهر ونصف. تعرَّف خلال هذه الفترة على عدد من الشخصيات في مكة، وبخاصة الذين تعود أصولهم إلى الجزر الإندونيسية. جمع مادة كتابه عن مكة المكرمة. انتقل إلى العمل في إندونيسيا لخدمة الاستعمار الهولندي، حيث عمل مستشاراً لإدارة المستعمرات في عام (1891) م, يعدُّ سنوك نموذجاً للمستشرق الذي خدم الاستعمار خدمات كبيرة، وسخَّر علمه لهذا الغرض (¬1). 4 - أرنت فنسنك Arnet Jan Wensink(1882-1939) م: تتلمذ على يد المستشرق هوتسمان ودي خويه وسنوك هورخرونيه وسخاو. حصل على الدكتوراة في بحثه (محمد واليهود في المدينة) عام (1908) م, بدأ في عمل معجم مفهرس لألفاظ الحديث الشريف مستعيناً بعدد كبير من الباحثين، وتمويل من أكاديمية العلوم في أمستردام ومؤسسات هولندية وأوروبية أخرى. وأصدر كتاباً في فهرسة الحديث ترجمه فؤاد عبد الباقي بعنوان (مفتاح كنوز السنة) أشرف على طباعة كتابات سنوك هورخرونيه في ستة مجلدات. له مؤلفات عديدة منها كتاب في العقيدة الإسلامية نشأتها وتطورها التاريخي.5 - جاك واردنبرج. Jacque Waardenburg (¬2) : ولد في (15مارس 1930) م، درس القانون بجامعة أمستردام، ودرس أيضاً علم اللاهوت بالجامعة نفسها. درس العربية في الفترة من (1953إلى 1956) م, بجامعة أمستردام، وفي ليدن وفي مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس. حصل على منحة من اليونسكو لزيارة بعض الدول العربية والإسلامية، فزار إيران ولبنان ومصر والأردن. كانت رسالته للدكتوراه بعنوان (الإسلام في مرآة الغرب) من جامعة أمستردام. عمل في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة ماقيل بكندا في الفترة من (1962 - 1963) م. قام بزيارات علمية لإجراء بحوث حول الجامعات في العالم العربي في كل من تونس ولبنان وسوريا والعراق والأردن. عمل باحثاً زائراً في جامعة كليفورينا- لوس أنجلوس، وعمل في مجال التدريس في جامعة أوترخت بهولندا (1968 - 1987) م، ثم انتقل إلى جامعة لوزان بسويسرا، وبقي فيها حتى تقاعد عام (1995) م. له إنتاج غزير في مجال الدراسات الإسلامية منها (الإسلام في مرآة الغرب) و (واقع الجامعات العربية- مجلدان) والطرق الكلاسيكية لدراسة الدين. شارك في الكتابة في دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة الثانية)، وقد كتب مادة (مستشرقون). ¬

(¬1) ([183]) انظر ترجمته بتوسع في كتاب الدكتور قاسم السامرائي. ((الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية)) (ص110 - 140). (¬2) هذه الترجمة مختصرة من ترجمة موسعة، بقلم واردنبرج نفسه قدمها للباحث.

المطلب الثامن: دول أوروبا الأخرى:

المطلب الثامن: دول أوروبا الأخرى: 1 - بول كراوس Paul Eliezer Kraus (1904-1944) م: ولد في (1904) م, في براغ بتشيكوسلوفاكيا لأسرة يهودية، هاجر إلى فلسطين ليعيش في إحدى المستعمرات، ودرس في مدرسة الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية في القدس، ثم انتقل إلى برلين، ليحصل من هناك على درجة الدكتوراة. اهتمَّ بالتراث العلمي الإسلامي، وكانت له دراسات حول جابر بن حيَّان والبيروني والرازي. أسهم مع ماسنيون في دراسة الحلاج، كما كان له دراسة مستقلة حول تاريخ الإلحاد في الإسلام، ترجمت إلى العربية، ونشرها الدكتور عبد الرحمن بدوي. مات منتحراً. 2 - هنري لامانس Henry Lammens: ولد في مدينة خنت في بلجيكا في (1/ 7/ 1862) م، تعلَّم في الكلية اليسوعية في بيروت، وبدأ حياة الرهبنة فيها. يقول عنه عبد الرحمن بدوي: (بلجيكي وراهب يسوعي شديد التعصب ضدَّ الإسلام، يفتقر افتقاراً تامًّا إلى النزاهة في البحث، والأمانة في نقل النصوص وفهمها، ويعدُّ نموذجاً سيئاً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين). عمل معلماً في الكلية اليسوعية في بيروت حيث درَّس التاريخ والجغرافيا، ثم أصبح أستاذاً للتاريخ الإسلامي في معهد الدروس الشرقية في الكلية نفسها. تولَّى رئاسة تحرير مجلة الشرق، وتولَّى كذلك إدارة مجلة تنصيرية أخرى هي البشير. له كتابات حول السيرة النبوية وحول الخلفاء الراشدين والدولة الأموية (¬1). 3 - بوهل F. Buhl (1850-1932) م: ولد في كوبنهاجن بالدنمارك، درس اللاهوت وتعلَّم العربية، درس بجامعتي فينا وليبزيج (1876 - 1978) م. زار العديد من البلاد العربية والإسلامية، منها مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وتركيا. نال الدكتوراة في النحو العربي وتاريخ اللغة. عمل أستاذاً (للعهد القديم) بجامعة كوبنهاجن، من آثاره كتابه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وترجم معاني بعض أجزاء من القرآن الكريم إلى اللغة الدنماركية. 4 - إجناز جولدزيهر. Ignaz Goldziher (1850-1921) م: ولد في (22 يونيه 1850) م, لأسرة يهودية، درس في بودابست ثم برلين، ثم انتقل إلى جامعة ليبسك، والتحق فيها بقسم الدراسات الشرقية. رحل إلى القاهرة وسوريا، وحضر بعض الدروس في الأزهر. عمل في جامعة بودابست في مجال الدراسات العربية والإسلامية. أصبح أستاذاً للغات السامية عام (1894) م. كتب كثيراً حول الإسلام عقيدة وشريعة وتاريخاً، وكان له تأثير في الدراسات الاستشراقية حتى يومنا هذا، حيث انتشرت كتبه في مختلف اللغات الأوروبية. وما تزال جامعة برنستون- مثلاً- تقرَّر كتابه (دراسات إسلامية) في مناهج قسم دراسات الشرق الأدنى، حيث قامت الجامعة بنشر ترجمة جديدة لهذا الكتاب، مع تعليقات المستشرق برنارد لويس. وقد ردَّ عليه كثير من المسلمين، ومن أبرزهم الدكتور مصطفى السباعي في كتابه (السنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي) كما أُعدَّت بعض البحوث حول الجوانب العقدية والتاريخية في كتاباته في قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة (¬2). تاسعاً: الولايات المتحدة الأمريكية: 1 - كرنيليوس فانديك Cornilius Van Dyke: ¬

(¬1) بدوي ((موسوعة المستشرقين)) وبالرغم من أن كثيراً من المستشرقين ينتقدون منهج لامانس لكنك تجدهم يرجعون إليه ويستندون إلى بعض آرائه ومن هؤلاء توماس آرنولد في كتابه ((الخلافة)). (¬2) من هذه البحوث التكميلية دراسة بعنوان ((أساليب المستشرق قولدزيهر في عرضه للإسلام: دراسة استقرائية)) قدمها الطالب علي بن عبد الله بن محفوظ. عام 141هـ.

درس العربية في لبنان، أسهم في إنشاء مدرسة كانت نواة الجامعة الأمريكية، شارك في تكملة ترجمة التوراة إلى اللغة العربية. وله كتابات في المجال العلمي. 2 - دنكان بلاك ماكدونالد. Dunckan Black MacDonald (1863-1943) م: أصله انجليزي، بدأ الدراسة في جلاسجو (أسكتلندا) وانتقل إلى برلين للدراسة مع المستشرق زاخاو. انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام (1893) م, لتعليم اللغات الساميَّة. أسَّس في الولايات المتحدة مدرسة كندي للبعثات عام (1911) م، وشارك مع زويمر في السنة نفسها في تأسيس مجلة العالم الإسلامي. تنوَّع إنتاجه بين الدراسات الشرعية والدراسات اللغوية. 3 - جورج سارتون. George Sarton (1884-1956) م: بلجيكي الأصل متخصِّص في العلوم الطبيعية والرياضية. درس العربية في الجامعة الأمريكية في بيروت (1931 - 1932) م. ألقى محاضرات حول فضل العرب على الفكر الإنساني، أشرف مع ماكدونالد على مجلة إيزيس (1913 - 1946) م, وأبرز إنتاجه (المدخل إلى تاريخ العلم). 4 - جوستاف فون جرونباوم Gustav Von Grunbaum (1909-1972) م: ولد في فينا في (1/ 9/ 1909) م، درس في جامعة فينا، وفي جامعة برلين، هاجر إلى الولايات المتحدة، والتحق بجامعة نيويورك عام (1938) م، ثم جامعة شيكاغو، ثم استقرَّ به المقام في جامعة كاليفورنيا، حيث أسهم في تأسيس مركز دراسات الشرق الأوسط، الذي أطلق عليه اسمه فيما بعد. من أهم كتبه (الإسلام في العصر الوسيط)، كما اهتمَّ بدراسة الأدب العربي، وله إنتاج غزير في هذا المجال. 5 - جورج رنتز George Rentz: درس في واشنطن وفي جامعة الفلبين وجامعة كاليفورنيا تخصَّص في اللغة العربية وآدابها. عمل في السفارة الأمريكية في القاهرة. أسَّس قسم البحوث والترجمة في شركة أرامكو، شارك في مشروع التاريخ الشفوي لمنطقة الخليج العربي. عمل أميناً لمجموعة الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد. من أبرز اهتماماته حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث كانت موضوع رسالته للدكتوراه، وله كتابات كثيرة عن الجزيرة العربية من النواحي التاريخية والجغرافية. توفي منذ عدة سنوات. 6 - ويلفرد كانتويل سميث. Wilfred Cantwell Smith: ولد في كندا عام (1916)، درس اللغات الشرقية في جامعة تورنتو. حصل على الماجستير والدكتوراة في مجال دراسات الشرق الأدنى من جامعة برنستون. متخصص في دراسة الإسلام وأوضاع العالم الإسلامي المعاصرة، وأشهر كتبه في هذا المجال (الإسلام في العصر الحديث) عمل أستاذاً في جامعة هارفرد، وفي معهد الدراسات الإسلامية بجامعة مقيل بكندا. قام بتدريس الدين الإسلامي بكلية نورمان المسيحية بمدينة لاهور بباكستان (1941 - 1945) م. دعي للعمل أستاذاً زائراً في العديد من الجامعات. صدر له (1998) م, عدة كتب منها (نماذج الإيمان حول العالم) وكتاب (الإيمان نظرة تاريخية) وكتاب (الإيمان والاعتقاد والفرق بينهما). 7 - إبراهام يودوفيتش Abraham Udovitch:

ولد في بريطانيا في (31/ 5/1993) م, ودرس في جامعة كولومبيا وييل متخصصاً في التاريخ الإسلامي. عمل أستاذاً مساعداً في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون (1962 - 1970) م، تولَّى رئاسة القسم في الفترة من (1973 - 1977) م، وكذلك في الفترة من (1980 إلى 1993/ 1994) م. عضو مجلس أمناء معهد البحوث الأمريكي في تركيا منذ عام (1969) م، عمل رئيساً للجنة الدراسات الإسلامية في الجمعية الاستشراقية الأمريكية، محرر مشارك في مجلة الدراسات الإسلامية، يهتمُّ بدراسة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في التاريخ الإسلامي. من مؤلفاته (الشراكة والربح في إسلام العصر الوسيط) شارك في تأليف كتاب بعنوان (آخر اليهود العرب: مجتمعات جربة) (تونس).8 - باربرا ريجينا فراير ستواسر Barbara Regina Fryer Stowasser (¬1) : وُلدت في ألمانيا حيث تلقَّت تعليمها الأوَّلي، ثم حصلت على الشهادة الجامعية من جامعة أنقرة في دراسة اللغة التركية العثمانية والحديثة واللغة الفارسية والعربية والتصوف. حصلت على الماجستير من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس في تاريخ الشرق الأوسط وحضارته. حصلت على الدكتوراة من جامعة منستر Munster بألمانيا في الدراسات الإسلامية. تولَّت العديد من المناصب، منها أستاذة مساعدة بقسم اللغة العربية في جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة. ثم عُيِّنت مديرة لمركز الدراسات العربية المعاصرة بالجامعة نفسها في الفترة من (1993) م, حتى الآن. لها العديد من المؤلفات منها (النساء في القرآن وفي الحديث وفي التفسير) و (التطور الديني والسياسي: بعض الأفكار حول ابن خلدون وميكيافيللي) وعدد كبير من البحوث حول الدراسات الإسلامية، وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة في الإسلام قديما وحديثاً. عضو مؤسس في المجلس الأمريكي لجمعيات الدراسات الإسلامية، وعضو في الجمعية الاستشراقية الأمريكية وعضو الرابطة الأمريكية لمعلمي اللغة العربية.9 - ريتشارد بوليت. Richard Bulliet (¬2) : درس في جامعة هارفرد حيث حصل على البكالوريوس في التاريخ (1962) م, والماجستير (1964) م, في دراسات الشرق الأوسط والدكتوراة (1967) م, في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط. عمل في العديد من الجامعات، منها هارفارد وجامعة بيركلي في كاليفورنيا وجامعة كولمبيا حيث ترأس معهد الشرق الأوسط في الفترة من (1984إلى 1990) م, والفترة من بعد (1993) م, تولَّى مناصب علمية في عدد من المؤسسات، منها رابطة دراسات الشرق الأوسط: سكرتير تنفيذي (1977 - 1981) م، عضو مجلس إدارة جمعية الدراسات الإيرانية، وعضو مجلس أمناء المعهد الأمريكي للدراسات الإيرانية. قدَّم خدمات استشارية للعديد من الجهات العلمية والسياسية منها وكالة إعلام الولايات المتحدة التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الخارجية الأمريكية، ومجلة التايم وغيرها. شارك في نشاطات علمية في كل من اليابان وأوزبكستان ومصر والهند وعُمان واليمن وباكستان وإسبانيا. له العديد من المؤلفات منها: (دراسة في تاريخ الإسلام الاجتماعي في القرون الوسطى)، و (التحول إلى الإسلام في القرون الوسطى)، وكتاب (الإسلام نظرة من الخارج). له مشاركات إعلامية في الصحافة والإذاعة والتلفاز. ¤ الاستشراق لمازن صلاح مطبقاني بتصرف هذا وقد حقَّق المستشرقون الكثير من أهدافهم التي يريدون تحقيقها لخدمة مخططاتهم الصليبية اليهودية. وهم بعيدون- في الجملة - عن الموضوعية والإنصاف, أما من أراد منهم الحق وسعى له، فإنه لا محالة سيدخل في الإسلام عن رغبة أكيدة وعزيمة صادقة, وكل ما ألَّفوه من كتب وما نشروه من بحوث لم يكن إلا لخدمة أهدافهم، ولكي يجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق. وبالإجمال فالاستشراق في جوهره ليس ظاهرة جديدة، بل هو امتداد لموقف العداوة العقائدية: أي: موقف الكافرين بالإسلام من المشركين وأهل الكتاب منذ ظهور الإسلام حتى اليوم , وهو موقف لإنكار الرسالة والتكذيب للرسول (وإثارة الشبهات حول الإسلام وحول القرآن والرسول) بوجه خاص, وذلك لتشكيك المسلمين في دينهم, وردهم عنه, كما قال تعالى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة:105]. هذا وقد سار على نهج الاستشراق عدد كبير من المستغربين، وقاموا بما لم يقم به المستشرقون أنفسهم. وخلاصة القول أن من تأثَّر بالمستشرقين لا يمكن أن يكون ولاؤه ولا براؤه خالصين لأمته إلا من تداركه الله برحمة منه. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 176 ¬

(¬1) ([187]) الترجمة بقلم البروفيسورة ستواسر نفسها قدمتها للباحث. (¬2) ترجمة ذاتية بقلم بوليت نفسه قدمها للباحث.

المبحث الثاني عشر: أهم مؤتمرات وجمعيات ومجلات المستشرقين:

المطلب الأول: المؤتمرات والجمعيات: - عقد أول مؤتمر دولي للمستشرقين في باريس سنة (1873) م. - تتابعت المؤتمرات بعد ذلك حتى بلغت أكثر من ثلاثين مؤتمراً دوليًّا، فضلاً عن الندوات واللقاءات الإقليمية الكثيرة الخاصة بكل دولة من الدول، كمؤتمر المستشرقين الألمان الذي عقد في مدينة درسدن بألمانيا عام (1849) م، وما تزال تنعقد مثل هذه المؤتمرات باستمرار حتى الآن. - يحضر هذه المؤتمرات مئات من العلماء المستشرقين، حيث حضر مؤتمر أكسفورد تسعمائة (900) عالم من خمس وعشرين دولة، وثمانين جامعة، وتسع وستين جمعية علمية. - هناك العديد من الجمعيات الاستشراقية، كالجمعية الآسيوية في باريس، تأسَّست عام (1822) م، والجمعية الملكية الآسيوية في بريطانيا وأيرلندا عام (1823) م، والجمعية الشرقية الأمريكية عام (1842) م, والجمعية الشرقية الألمانية عام (1845) م.

المطلب الثاني: المجلات الاستشراقية:

المطلب الثاني: المجلات الاستشراقية: للمستشرقين اليوم من المجلات والدوريات عدد هائل يزيد على ثلاثمائة مجلة متنوعة، وبمختلف اللغات، نذكر منها على سبيل المثال: 1 - مجلة العالم الإسلامي The Muslim World أنشأها صمويل زويمر ت (1952) م في بريطانيا سنة (1911) م، وقد كان زويمر هذا رئيس المبشرين في الشرق الأوسط. 2 - مجلة عالم الإسلام Mir Islama ظهرت في بطرسبرج عام (1912) م, لكنها لم تعمِّر طويلاً. 3 - مجلة ينابيع الشرق أصدرها هامر برجشتال في فيينا من (1809إلى 1818) م. 4 - مجلة الإسلام ظهرت في باريس عام 1895م ثم خلفتها عام 1906م مجلة العالم الإسلامي التي صدرت عن البعثة العلمية الفرنسية في المغرب، وقد تحوَّلت بعد ذلك إلى مجلة الدراسات الإسلامية. 5 - في عام (1910) م, ظهرت مجلة الإسلام Der Islam . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثالث عشر: الاستشراق في خدمة الاستعمار:

المبحث الثالث عشر: الاستشراق في خدمة الاستعمار: كارل هنيريش بيكر Kar Heinrich Beeker ت (1933) م, مؤسس مجلة الإسلام الألمانية، قام بدراسات تخدم الأهداف الاستعمارية في أفريقيا. - بارتولد Barthold ت (1930) م, مؤسس مجلة عالم الإسلام الروسية، قام ببحوث تخدم مصالح السيادة الروسية في آسيا الوسطى. - الهولندي سنوك هرجرونجه Snouck Hurgonje, G. 1857-1936 م قدم إلى مكة عام (1884) م, تحت اسم عبد الغفار، ومكث مدة نصف عام، وعاد ليكتب تقارير تخدم الاستعمار في المشرق الإسلامي. وقد سبق له أن أقام في جاوه مدة (17) سنة، وقد صدرت الصور التي أخذها لمكة والأماكن المقدسة في كتاب بمناسبة مرور مائة سنة على تصويرها. معهد اللغات الشرقية بباريس المؤسس عام (1885) م، كانت مهمته الحصول على معلومات عن البلدان الشرقية وبلدان الشرق الأقصى مما يشكل أرضية تسهل عملية الاستعمار في تلك المناطق. وهكذا نرى أن مثل هؤلاء المستشرقين جزء من مخطط كبير هو المخطط الصهيوني الصليبي لمحاربة الإسلام، ولا نستطيع أن نفهمهم على حقيقتهم إلا عندما نراهم في إطار ذلك المخطط، الذي يهدف إلى تخريج أجيال لا تعرف الإسلام، أو لا تعرف من الإسلام إلا الشبهات، وقد تمَّ انتقاء أفراد من هذه الأجيال لتتبوأ أعلى المناصب ومراكز القيادة والتوجيه لتستمر في خدمة الاستعمار. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الرابع عشر: آراء استشراقية خطرة:

المبحث الرابع عشر: آراء استشراقية خطرة: - جورج سيل G.Sale زعم في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن (1736) م، أن القرآن إنما هو من اختراع محمد ومن تأليفه، وأن ذلك أمر لا يقبل الجدل. - ريتشارد بل richard Bell يزعم بأن النبي محمد صلى الله عيه وسلم قد استمدَّ القرآن من مصادر يهودية ومن العهد القديم بشكل خاص، وكذلك من مصادر نصرانية. - دوزي ت (1883) م: يزعم أن القرآن الكريم ذو ذوق رديء للغاية، ولا جديد فيه إلا القليل، كما يزعم أن فيه إطناباً بالغاً ومملًّا إلى حد بعيد. - جاء في تقرير وزير المستعمرات البريطاني أو مسبي غو لرئيس حكومته بتاريخ (9 يناير 1938) م: (أن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الإمبراطورية وحدها بل فرنسا أيضاً، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة، وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة). - يقول شيلدون آموس: (إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للإمبراطورية الشرقية معدلاً وفق الأحوال السياسية في الممتلكات العربية، ويقول كذلك: (إن القانون المحمدي ليس سوى قانون جستنيان في لباس عربي). - قال رينان الفرنسي: (إن الفلسفة العربية هي الفلسفة اليونانية مكتوبة بأحرف عربية). - أما لويس ماسينيون فقد كان زعيم الحركة الرامية إلى الكتابة في العامية وبالحرف اللاتيني. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الخامس عشر: الجذور الفكرية والعقائدية:

المبحث الخامس عشر: الجذور الفكرية والعقائدية: لقد كان الاستشراق وليد الاحتكاك بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني أيام الصليبيين، وعن طريق السفارات والرحلات. ويلاحظ دائما أن هناك تقارباً وتعاوناً بين الثالوث المدمر: التنصير والاستشراق والاستعمار، والمستعمرون يساندون المستشرقين والمنصرين؛ لأنهم يستفيدون منهم كثيراً في خططهم الاستعمارية. - كان الدافع الأساسي هو الجانب اللاهوتي النصراني، بغية تحطيم الإسلام من داخله بالدسِّ والكيد والتشويه، ولكن الاستشراق بعد ذلك وفي الآونة الأخيرة بدأ يتحلَّل من هذا القيد نوعاً ما، ليتوجه توجهاً أقرب إلى الروح العلمية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السادس عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:

المبحث السادس عشر: الانتشار ومواقع النفوذ: الغرب هو المسرح الذي يتحرَّك فوق أرضه المستشرقون، فمنهم الألمان، ومنهم البريطانيون والفرنسيون والهولنديون والمجريون، وظهر بعضهم في إيطاليا وفي إسبانيا، وقد علا نجم الاستشراق في أمريكا، وصارت له فيها مراكز كثيرة. - لم تبخل الحكومات، ولا الهيئات ولا الشركات ولا المؤسسات ولا الكنائس في يوم من الأيام في دعم حركة الاستشراق، ومدِّها بما تحتاجه من مال، وتأييد وإفساح الطريق أمامها في الجامعات حتى بلغ عدد هؤلاء المستشرقين آلافاً كثيرة. - لقد كانت حركة الاستشراق مُسخَّرة في خدمة الاستعمار، وفي خدمة التنصير وأخيراً في خدمة اليهودية والصهيونية التي يهمها إضعاف الشرق الإسلامي، وإحكام السيطرة عليه بشكل مباشر أو غير مباشر. - استطاع المستشرقون أن يتسللوا إلى المجامع العلمية وقد عُيِّن عدد كبير منهم أعضاء في هذه المجامع، في سوريا ومصر، كما استطاعوا أن يؤثروا على الدراسات العربية والإسلامية في العالم الإسلامي من خلال تلاميذهم ومؤلفاتهم. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي ويتضح مما سبق: أن الاستشراق تيار فكري، يتَّجه صوب الشرق؛ لدراسة حضارته وأديانه وثقافته ولغته وآدابه، من خلال أفكار اتسم معظمها بالتعصب، والرغبة في خدمة الاستعمار، وتنصير المسلمين، وجعلهم مسخاً مشوِّهاً للثقافة الغربية، وذلك ببثِّ الدونية فيهم، وبيان أن دينهم مزيج من اليهودية والنصرانية، وشريعتهم هي القوانين الرومانية مكتوبة بأحرف عربية، والنيل من لغتهم، وتشويه عقيدتهم وقيمهم، ولكن بعضهم رأى نور الحقيقة فأسلم، وخدم العقيدة الإسلامية، وأثَّرَ في مُحْدثيهم، فبدأت كتاباتهم تجنح نحو العلمية، وتنحو نحو العمق بدلاً من السطحية، وربما صدر ذلك عن رغبة من بعضهم في استقطاب القوى الإسلامية، وتوظيفها لخدمة أهدافهم الاستشراقية، وهذا يقتضي الحذر عند التعامل مع الفكر الاستشراقي الذي يتدثر الآن بدثار الموضوعية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي مراجع للتوسع: - الاستتشراق، إدوارد سعيد- ترجمة كمال أبو ديب- مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت (1981) م. - المستشرقون، نجيب العقيقي - دار المعارف - القاهرة - (1981) م. - الاستشراق والمستشرقون، د. مصطفى السباعي - ط2 - المكتب الإسلامي - (1979) م. - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي - بيروت (1978) م. - إنتاج المستشرقين، مالك بن نبي. - أوروبا والإسلام، هشام جعيط - ترجمة طلال عتريسي - دار الحقيقة - بيروت - (1980) م. - الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، د. جورج سارطون - ترجمة د. عمر فروخ - ط1 - مكتبة المعارف - بيروت - (1952) م. - الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق - ط1 - كتاب الأمة (1404) هـ. - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي – دار الفكر – بيروت (1973) م. - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، د. عبد الكريم زيدان - مؤسسة الرسالة - بيروت - (1981) م. - الإسلام في الفكر الغربي، محمود حمدي زقزوق - دار القلم - الكويت (1981) م. - الدراسات الإسلامية بالعربية في الجامعات الألمانية، رودي بارت - ترجمة د. مصطفى ماهر - القاهرة (1967) م. - أضواء على الاستشراق، د. محمد عبد الفتاح عليان - ط1 - دار البحوث العلمية -الكويت (1980) م. - المستشرقون والإسلام، محاضرة للأستاذ محمد قطب. - المستشرقون والموضوعية، د. أحمد غراب. المراجع الأجنبية: - rudi Parel: Der Koran Uebersetzung Stuttgart 1980.

- C.E. Bosworth: Orientalism and Orientalists (in Arab Islamic Bibliography) 1977 Great Britain. H.A. Flacher – Bernicol: Die Islamische revolution Stuttgart 1981. -Johann Fueck: Die Arabischon Studien in Europa Leipzig 1955. -Custar Pfonn Mueller: Handbuch der Islami Leteratur Berlin 1933. - M. rodinson, Mohammed: Frank Furt 1975 . مراجع للتوسع: - القرآن الكريم. - الكتاب المقدس، قاموس الكتاب المقدس - دار الكتاب المقدس بالشرق الأدنى. - البداية والنهاية، ابن كثير. - الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، مطبعة المدني - القاهرة. - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، ابن قيم الجوزية اعتنى به د. أحمد حجازي السقا- المكتبة القيمة القاهرة. - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن قيم الجوزية، مكتبة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة. - الملل والنحل، للشهرستاني، طبعة بيروت. - الفصل في الملل والأهواء والنِّحل، لابن حزم، دار المعرفة بيروت. - العقائد الوثنية في الديانة النصرانية، محمد طاهر التنير - تحقيق د. محمد عبدالله الشرقاوي - دار الصحوة القاهرة. - الأديان في كفة الميزان، محمد فؤاد الهاشمي. - إنجيل برنابا، تحقيق أ. د. محمود كريت، شباس الملح، القاهرة. - الفارق بين المخلوق والخالق، عبد الرحمن زادة. - المسيحية نشأتها وتطورها، شار جينيبير، ترجمة الدكتور عبد الحليم محمود، دار المعارف بمصر (1981) م. - ما هي النصرانية، محمد تقي العثماني، مكتبة دار العلوم، كراتشي (1403) هـ. - أديان العالم، حبيب سعد، دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية بالقاهرة، (1977) م. - يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار الاعتصام بالقاهرة، (1980) م. - أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية ط (1991) م، الجزء الأول: التاريخ السياسي، الجزء الثاني: الحضارة والنظم. - تاريخ أوربا العصور الوسطى، د. السيد الباز العريني، دار النهضة العربية بيروت (1968) م. - تاريخ الدولة البيزنطية، د. نسيم جوزيف، مكتبة الأنجلو المصرية. - محاضرات في النصرانية - محمد أبو زهرة. - إظهار الحق لرحمة الله الهندي. - أضواء على المسيحية - متولي يوسف شلبي. - التبشير والاستعمار - مصطفى الخالدي وعمر فروخ. المراجع الأجنبية: - ropertson: Pagan Christs. - Berry: religions of the World. - Berry: A History of Freedom of Thought. -Pfledere: The Early Christian Conception of Christ. - T.W. Doane: Bible Mythology. - Harnak: What is Christianity. - Encyclopedia of religion and Ethics. - Khwaja kamaluddin: The Sources of Christianity. -H. Maurica relton: Studies in Christion Dortrine. Encyclopedia Britonnica. ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الباب الرابع: الوثنية:

تمهيد: تتشابه الأديان الشرقية في عدد من الخصائص التي تجمعها مع الديانات العالمية الأخرى، إلا أنها تتجاذبها نزعتان مختلفتان تمام الاختلاف، فيما يتعلق بالإله، وهاتان النزعتان هما نزعتا الوحدانية وتعدد الآلهة. فقلما نجد دولة من الدول أو شعباً من شعوب الديانات الشرقية، لا تتمثل إلهاً لكل قوى الطبيعة النافعة والضارة، يستنصرونه في الشدائد، ويلجؤون إليه في الملمات، ويتضرعون إليه؛ ليبارك لهم في ذرياتهم وأموالهم، ولم يصل هؤلاء إلى عبادة هذه الظواهر دفعة واحدة، وإنما مروا بمراحل انتهت بهم إلى عبادتها، ولقد كثرت الآلهة عندهم، لاسيما عند الهندوس، كثرة كبيرة، وكانوا يسمون إلههم بكل اسم حسن، ويصفونه بكل صفة كاملة، ويخاطبونه باسم (رب الأرباب) أو (إله الآلهة) توقيراً وتعظيماً وإجلالاً. وفي القرن التاسع قبل الميلاد، استطاع بعض كهنة تلك الدول اختصار الآلهة، فقد جمعوا الآلهة في إله واحد، وقالوا: إنه هو الذي أخرج العالم من ذاته. ثم ظهرت حركات عقلية آمنت بالتناسخ، وظهرت حركات أخرى آمنت بالإله أساساً لفلسفة الدين، وعندما فتح محمود الغزنوي الهند، وأخضعها للحكم الإسلامي، قدَّم أروع الأمثلة على سماحة الدين الإسلامي، عندما ترك الحرية للهنود فيما يعبدون، وانتشر الإسلام في الهند، ومنها انتقل إلى دول شرقية أخرى تركت لها حرية العبادة كذلك، ولكن الناس كانت تجد في عقيدة التوحيد ملاذها، فاندفعت إليها عن حب ورضا. ومن أهم أهداف هذه الموسوعة، وضع يد القارئ على كثير من الحقائق المتعلقة بالأديان الشرقية، وقد يمكن القول: إن كثيراً من هذه الديانات ربما بدأت كديانات توحيد سماوية؛ إعمالاً لقوله تعالى: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24]. ولكن التحريف لحق هذه الأديان، كما لحق غيرها، ودليل ذلك أن فكرة التوحيد كان لها وجود بشكل أو بآخر في هذه الديانات، كما أن بعض كتب هذه الأديان انطوت على إشارات إلى نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، ولذا فإن هذه الموسوعة عندما تشير إلى حقائق هذه الأديان في الوقت الحاضر، فإنها لا تنفي عن أصل نشأتها إمكانية أن تكون ديانات توحيد قبل أن يلحقها التحريف، وتتطرق إليها الوثنية. وأيًّا ما كان الأمر، فقد عالجت هذه الموسوعة أهم الأديان الشرقية المعاصرة، كما هي، لا كما كانت، وهي: (1) الصابئة المندائيون: وتعدُّ من أقدم الديانات التي تعتقد بأن الخالق واحد، وهي بهذا الوصف تعتبر من الديانات السماوية ويعتبر أتباعها أتباع دين كتابي. (2) الهندوسية: وتسمَّى أيضاً البرهمية، وهي ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وليس في الهندوسية دعوة إلى التوحيد، بل إنهم يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلها يعبد، ثم قالوا بوجود آلهة ثلاثة، من عبد أحدها فقد عبدها جميعاً وهي براهما وفشنو وسيفا. (3) الشنتوية: وهي ديانة ظهرت في اليابان منذ وقت طويل، وقد بدأت بعبادة الأرواح ثم قوى الطبيعة ثم عبادة الإمبراطور مؤخراً، حيث يعتبرونه من نسل الآلهة. (4) الطاوية: وهي إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي تستلزم العودة إلى الحياة الطبيعية مع ضرورة الإيمان بوحدة الوجود؛ إذ الخالق والمخلوق شيء واحد. (5) الجينية: وهي ديانة منشقة عن الهندوسية، وتدعو إلى التحرر من كل قيود الحياة، والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم، كالعيب والإثم والخير والشر. (6) الكونفوشيوسية: وهي ديانة أهل الصين، وتدعو إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم، مع إضافة بعض آراء الحكيم كونفوشيوس إليها، وهي تقوم على عبادة الإله الأعظم وعبادة أرواح الآباء والأجداد، وتقديس الملائكة. (7) البوذية: وهي الديانة التي ظهرت في الهند بعد البراهمية (الهندوسية) في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي تدعو إلى التصوف والخشونة، ونبذ الترف والمناداة بالتسامح، ويعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الإله عندهم، وأنه مخلِّص البشرية من مآسيها. (8) السيخية: وهي ديانة السيخ الذين هم جماعة دينية هندية، تدعو إلى دين جديد، تزعم فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمين). (9) المهاريشية: وهي نحلة هندوسية دهرية ملحدة، انتقلت إلى أمريكا وأوروبا داعية إلى طقوس كهنوتية بغية تحصيل السعادة الروحية.

الفصل الأول: لمحة تاريخية عن الديانات الهندية:

الفصل الأول: لمحة تاريخية عن الديانات الهندية: بلاد الهند تعجُّ بكثير من المعتقدات الباطلة، ولا يعرف حتى اليوم ديانات الهند التي سبقت الديانة الفيدية، ولم تكن البوذية هي الديانة التي كانت في الطليعة، بل سبقتها ديانات مختلفة، ولا يعرف منها إلا ما كان في العصر الفيدي الذي قامت ديانته على الكتب الفيدية، وهي الديانة البرهمية. وكلمة (فيدا) من اللغة السنسكريتية، ومعناها القانون، أو العلم، أو المعرفة. وللفيدا كتب أربعة هي: أناجيل البراهمة، والرأي في حقيقتها مختلف متى وضعت؟ ومتى وجدت؟ ومما قيل في ذلك: أن كتاب (الفيدا) أقدم من التوراة بآلاف السنين، وأنه يتألف من أربعة أسفار هي: 1 - الريجا فيدا. 2 - الساما فيدا. 3 - الباجورا فيدا. 4 - الأثارا فيدا. وكان الغربيون يسمون دياناتهم بالهندوكية، وقد ذاعت هذه التسمية حتى تقبلها أهل الديانة أنفسهم، وإن كانوا فيما بينهم يستعملون لفظ (دراما) التي تعني (نهج الحياة، والتفكير والحياة). وكانت تسمَّى قديماً بالبرهمية نسبة إلى (براهما)، التي يزعمون أنها الروح العليا الخالدة للكون، ويذهبون إلى أن براهما كان بدء الخليقة، وأنه وجد من بيضة ذهبية كانت طافية على الماء من العماء منذ البدء، فهو وجد قبل الخلق، وحددوا له عمراً زعموا أنه مائة سنة من سِنِيِّه، وكل نهار من أيام تلك السنين يقدر بـ (4,320,000,000) سنة من سنواتنا الشمسية المعروفة، وفي نهاية كل نهار ينتهي عالم من العالمين، فيستريح الإله ليلة، لينشئ عالماً آخر جديداً. وهم بذلك حددوا له بداية ونهاية، ونفوا عنه صفة القِدَمِ؛ لأن هناك ما هو أقدم، وهو البيضة الذهبية التي خرج منها، كما نفوا صفة الآخِر؛ لأنه سينتهي بعد عمره الطويل. ومن المراحل المعروفة عندهم مرحلة (اليوبا نيشاد) وهي مكونة من كلمتين: (يوبا) بمعنى: (قريباً)، و (شاد) بمعنى: (يجلس). وأطلق في الأصل على من يجلس قريباً من المُعلِّم أو الحكيم يتلقَّى منه، والمتلقِّي هو المريد. وتشتمل كتب هذه المرحلة على تأملات غامضة، وظلَّت تعتبر أسراراً لحلقات الطبقات العليا. ولعله يبدو من ذلك أفكار النسك الأعجمي الذي انتقل إلى الإسلام باسم التصوف. والبوذية تعدُّ امتداداً طبيعيًّا للهندوسية البرهمية، وسمِّيت الهندوسية بذلك - كما سماها الغربيون- نسبة إلى بلادهم الهند، وتسمَّى بالبرهمية نسبة إلى براهما - كما مرَّ- وهو الذي جدَّد الديانة الهندوسية في القرن الثامن قبل الميلاد، فَأُطْلِقَ على الديانة اسم البرهمية. وموجز القول أن في الهند دياناتٍ أخرى صغيرةً، وفيها من الآلهة والأرباب ما يعدُّ بالملايين، وفيها ديانات العالم الصحيحة والباطلة، وكل من تسوِّل له نفسه اختراع مذهب أو دين جديد يجد له في الهند أتباعاً وعباداً، ولكن الديانة الغالبة هي الهندوسية البرهمية. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص 34

الفصل الثاني: دراسات مقارنة بين أديان الهند:

الفصل الثاني: دراسات مقارنة بين أديان الهند: إن أديان الهند تسير في فلك واحد، وإن الهندوسية هي الدين الأم، وتشعب منها الأديان الأخرى، ثم تعود إليها غالبا في صورة أو أخرى، وهكذا تلتقي أديان الهند في الاعتقاد بالكارما، وإن اختلفت هذه الأديان في تفسيرها، وتلتقي تبعا لذلك في القول بالتناسخ، وفي محاولة التخلص من تكرار المولد بقتل الرغبات والحرمان، وأديان الهند تتجه للتشاؤم، وتسعى كلها إلى الانطلاق أو النجاة، وليست مدلولات هذه بعيدة الاختلاف. ويصف wells الارتباط بين أفكار بوذا وبين سواها من الأفكار الهندية بقوله: (إن جوتما لم يكن له أي علم ولا بصيرة بالتاريخ، ولم يكن لديه شعور واضح عن مغامرة الحياة الفسيحة الكثيرة الجوانب في انطلاقها في أرجاء الزمان والفضاء، كان ذهنه محصورا في دائرة فكرات عصره وقومه، وقد جمدت عقولهم حول فكرات التكرار الدائم المتواصل. وأبرز ألوان الخلاف بين أديان الهند يتضح في مسألة الطبقات، فقد قررتها الهندوسية ووضعت حدودا حاسمة تفصل كلا منها عن الأخرى، ولم تقل بها الجينية ولا البوذية، ولكن أيا منهما لم تستطع أن تتخلص من النظام الطبقي في الحياة العملية. ومن أوجه الخلاف كذلك مسألة الألوهية، ففي الهندوسية مجموعة كبيرة من الآلهة، وأنكرت الجينية الإله، ورفضت البوذية الحديث عنه، ولكن هذه الهوة لم يطل عمرها، فسرعان ما أله الجينيون مهاووا والبوذيون بوذا واختلطت التماثيل والآلهة، إذ وجد الجينيون والبوذيون أن الدليل على عدم الإله أصعب من التدليل على وجوده، ومما يتصل بالإله ما تقوله الجينية من عدم الاعتراف بوحدة الوجود، ومن أنها ترى أن كل روح وحدة مستقلة خالدة، وليس مصيرها أن تندمج في روح عام، بل ستبقى مستقلة خالدة، وهي بذلك تخالف الهندوسية. ولا تعترف البوذية بسلطان الكهنة ولا بقانون الويدا وتختلف البوذية عن الجينية في أن الأولى تسعى لإنقاذ المجموع والثانية لإنقاذ الفرد. ¤ أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص 75 مراجع للتوسع: - أديان الهند الكبرى، دكتور أحمد شلبي - ط6 - مكتبة النهضة - المصرية – (1981) م. - محاضرات في مقارنات الأديان، الشيخ محمد أبو زهرة - مطبعة يوسف - مصر. - حقائق عن الهند، منشورات قلم الاستعلامات الهندي. - حضارة الهند، غوستاف لوبون. - أديان العالم الكبرى، لخصه عن الإنجليزية حبيب سعد. - الله، عباس محمود العقاد. - تاريخ الإسلام في الهند، عبد المنعم النمر. - فلسفة الهند القديمة، محمد عبد السلام. المراجع الأجنبية: - Weech and rylands: Peoples and religions of India. - Hinduism Ed. By Lewis renan. - Wells. A Short History of the World.

الفصل الثالث: أهم الديانات الوثنية:

المطلب الأول: التعريف: الصابئة المندائية هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيًّا لها، يقدِّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية، من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى. ولقد حقَّق شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (الرد على المنطقيين) ط6 (ص454 وما بعدها) حقيقة الصابئة كما وردت في القرآن الكريم، فقال ما حاصله: إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون. أما الصابئة الحنفاء فهم بمنزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والإنجيل قبل النسخ والتحريف والتبديل من اليهود والنصارى. وهؤلاء حمدهم الله وأثنى عليهم. والثابت أن الصابئين قوم ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي، وهم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين، ولكنهم عرفوا الله وحده، ولم يحدثوا كفراً، وهم متمسكون (بالإسلام المشترك) وهو عبادة الله وحده، وإيجاب الصدق والعدل، وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على إيجابه وتحريمه، وهم يقولون (لا إله إلا الله). فقط، وليس لهم كتاب ولا نبي. والصحيح أنهم كانوا موجودين قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأرض اليمن. وأما الصابئة المشركون فهم قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية. وعلى ذلك فمن دان من الصابئة بدين أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، ومن لم يدن بدين أهل الكتاب فهو مشرك، ومثالهم من يعبد الكواكب. كمن كانوا بأرض حران عندما أدركهم الإسلام، وهؤلاء لا يحلُّ أكل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وإن أظهروا الإيمان بالنبيين، وقد أفتى أبو سعيد الاصطخري بأن لا تقبل الجزية منهم، ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء.

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: - يدَّعي الصابئة المندائيون بأن دينهم يرجع إلى عهد آدم عليه السلام. - ينتسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، فهم ساميون. - يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم. - كانوا يقيمون في القدس، وبعد الميلاد طردوا من فلسطين، فهاجروا إلى مدينة حران، فتأثروا هناك بمن حولهم، وتأثروا بعبدة الكواكب والنجوم من الصابئة الحرانيين. - ومن حران هاجروا إلى موطنهم الحالي في جنوبي العراق وإيران وما يزالون فيه، حيث يعرفون بصابئة البطائح. - منهم الكنزبرا الشيخ عبد الله بن الشيخ سام الذي كان مقيماً في بغداد سنة (1969) م وهو الرئيس الروحي لهم، وقد كان في عام (1954) م, يسكن في دار واقعة بجوار السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد.

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

أولا كتبهم: - لديهم عدد من الكتب المقدسة مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية وهي: 1 - الكنزاربّا: أي: الكتاب العظيم، ويعتقدون بأنه صحف آدم عليه السلام، فيها موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة (1815) م، وطبع في لايبزيغ سنة (1867) م. 2 - دراشة إديهيا: أي: تعاليم يحيى، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام. 3 - الفلستا: أي: كتاب عقد الزواج، ويتعلَّق بالاحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة. 4 - سدرة إدنشاماثا: يدور حول التعميد والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض، ومن ثمَّ إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية. 5 - كتاب الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم. 6 - كتاب إسفر ملواشه: أي: سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم. 7 - كتاب النباتي: أي: الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي. 8 - كتاب قماها ذهيقل زيوا: ويتألَّف من (200) سطر، وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار. 9 - تفسير بغره: يختصُّ في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله. 10 - كتاب ترسسر ألف شياله: أي: كتاب الاثني عشر ألف سؤال. 11 - ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد بأنواعه على شكل ديوان. 12 - كتاب كداواكدفيانا: أي: كتاب العوذ.

ثانيا طبقات رجال الدين:

ثانيا طبقات رجال الدين: يشترط في رجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة، كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتبهم على النحو التالي: 1 - الحلالي: ويسمَّى (الشماس) يسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولايتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته، ومنع من وظيفته، إلا إذا تعمَّد هو وزوجته (360) مرة في ماء النهر الجاري. 2 - الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدَّسين سدره إنشماثا والنياني أي: كتابَيْ التعميد والأذكار، فإنه يتعمَّد بالارتماس في الماء الموجود في المندي، ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقَّى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار. 3 - الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق، ولا ينتقل من مرتبته هذه. 4 - الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً، يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا، وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربّا، فيصبح حينئذٍ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه؛ لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها. 5 - الريش أمه: أي: رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها، ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة؛ لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة. 6 - الربّاني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيي بن زكريا عليهما السلام، كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار، وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني.

ثالثا الإله:

ثالثا الإِله: - يعتقدون- من حيث المبدأ- بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لاتناله الحواس، ولايفضي إليه مخلوق. - ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله (360) شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار. - هؤلاء الأشخاص الـ (360) ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم، فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل امرأته فوراً، وتلد واحداً منهم. - يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها.

رابعا المندي:

رابعا المندي: - هو معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لابدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدَّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل.

خامسا الصلاة:

خامسا الصلاة: - تؤدَّى ثلاث مرات في اليوم: قبيل الشروق، وعند الزوال، وقبيل الغروب، وتستحبُّ أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة تقريباً. - يتوجَّه المصلِّي خلالها إلى الجدي بلباسه الطاهر، حافي القدمين، يتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمدًّا منه العون، طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.

سادسا الصوم:

سادسا الصوم: - صابئة اليوم يحرِّمون الصوم؛ لأنه من باب تحريم ما أحلَّ الله. - وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والأخلاق الرديئة، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة (32) يوماً متفرقة على طول أيام السنة. - ابن النديم المتوفى سنة (385) هـ في فهرسته، وابن العبري المتوفى سنة (685) هـ في تاريخ مختصر الدول ينصَّان على أن الصيام كان مفروضاً عليهم لمدة ثلاثين يوماً من كل سنة.

سابعا الطهارة:

سابعا الطهارة: - الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز. - تكون الطهارة في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي. - الجنابة تحتاج إلى طهارة، وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات، مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة؛ لأنها لا تجوز على جنب. - عقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص، وهو متَّجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين، مصحوباً بأدعية خاصة. - مفسدات الوضوء: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.

ثامنا التعميد وأنواعه:

ثامنا التعميد وأنواعه: - يعتبر التعميد من أبرز معالم هذه الديانة، ولا يكون إلا في الماء الحي، ولا تتمُّ الطقوس إلا بالارتماس في الماء، سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاءً، وقد أجاز لهم رجال دينهم مؤخراً الاغتسال في الحمامات، وأجازوا لهم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة. - يجب أن يتمَّ التعميد على أيدي رجال الدين. - يكون العماد في حالات الولادة، والزواج، وعماد الجماعة، وعماد الأعياد، وهي على النحو التالي: 1 - الولادة: يعمد المولود بعد (45) يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة، حيث يُدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الاتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من الآس. 2 - عماد الزواج: يتمُّ في يوم الأحد، وبحضور ترميدة وكنزبرا، يتمُّ بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أُخذ من النهر يسمَّى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة)، ويدهن جبينهما بدهن السمسم، ويكون ذلك لكلا العروسين، لكل واحد منهما على حدة، بعد ذلك لا يُلمسان لمدة سبعة أيام، حيث يكونان نجسين، وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد، وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها. 3 - عماد الجماعة: يكون في كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة لمدة خمسة أيام، ويشمل أبناء الطائفة كافة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، وذلك بالارتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة. والمقصود منه هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في بحر السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أن التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً، وفي أيام الآحاد فقط. 4 - عماد الأعياد: وهي: أ - العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم (36) ساعة متتالية، لا تغمض لهم عين خشية أن يتطرق الشيطان إليهم؛ لأن الاحتلام يفسد فرحتهم، وبعد الاعتكاف مباشرة يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام، تنحر فيه الخراف، ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي. ب- العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتدُّ لثلاثة أيام من أجل التزاور، ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً. ت - عيد البنجة: سبق الحديث عنه، وهو خمسة أيام تكبس بها السنة، ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر. ث - عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً، وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبيًّا خاصًّا بهم، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الانحراف بسبب تقادم الزمان. - تعميد المحتضر ودفنه: ج - عندما يحتضر الصابيء يجب أن يؤخذ - وقبل زهوق روحه - إلى الماء الجاري ليتمَّ تعميده. ح - من مات من دون عماد نجس ويحرم لمسه. خ - أثناء العماد يغسلونه متجهاً إلى نجم القطب الشمالي، ثم يعيدونه إلى بيته، ويجلسونه في فراشه بحيث يواجه نجم القطب أيضاً حتى يوافيه الأجل. د - بعد ثلاث ساعات من موته يغسَّل ويكفَّن ويدفن حيث يموت؛ إذ لا يجوز نقله مطلقاً من بلد إلى بلد آخر. ذ- من مات غيلة أو فجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا بواجب العماد عنه. ر - يدفن الصابيء بحيث يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه متجهة نحو الجدي، حتى إذا بعث واجه الكوكب الثابت بالذات. ز- يضعون في فم الميت قليلاً من تراب أول حفرة تحفر لقبره فيها. س - يحرم على أهل الميت الندب والبكاء والعويل، والموت عندهم مدعاة للسرور، ويوم المأتم من أكثر الأيام فرحاً حسب وصية يحيى لزوجته. ش - لا يوجد لديهم خلود في الجحيم، بل عندما يموت الإنسان إما أن ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة حتى يطهر، فتنتقل روحه بعدها إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.

المطلب الرابع: أفكار ومعتقدات أخرى:

المطلب الرابع: أفكار ومعتقدات أخرى: - البكارة: تقوم والدة الكنزبرا أو زوجته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها لعريسها، وذلك بغية التأكد من سلامة بكارتها. - الخطيئة: إذا وقعت الفتاة أو المرأة في جريمة الزنى فإنها لا تقتل، بل تهجر، وبإمكانها أن تكفر عن خطيئتها بالارتماس في الماء الجاري. - الطلاق: لا يعترف دينهم بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة، فيتمُّ التفريق عن طريق الكنزبرا. - السنة المندائية: (360) يوماً، في (12) شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يقام فيها عيد البنجة. - يعتقدون بصحة التاريخ الهجري ويستعملونه، وذلك بسبب اختلاطهم بالمسلمين، ولأن ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان مذكوراً في الكتب المقدسة الموجودة لديهم. - يعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه، ولا يعملون فيه أي شيء على الإطلاق. - ينفرون من اللون الأزرق النيلي ولا يلامسونه مطلقاً. - ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرة. - يتنبئون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم وبعض الحسابات الفلكية. - لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها، ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها. - إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً فإنه يمرُّ بالمطهر؛ ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار، ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى، حيث تتلبس روحه في جسم روحاني، فيتزوج وينجب أطفالاً. - يؤمنون بالتناسخ، ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم. - للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه. - يرفضون شرب الدواء، ولا يعترضون على الدهون والحقن الجلدية. - الشباب والشابات يأتون إلى الكهان؛ ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم. - لا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح - بعد أن يتوضأ - بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات، ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة، ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستنزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة. - تنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر، لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإسلامي.

المطلب الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية: - تأثر الصابئة بكثير من الديانات والمعتقدات التي احتكوا بها. - أشهر فرق الصابئة قديماً أربعة هي: أصحاب الروحانيات، وأصحاب الهياكل، وأصحاب الأشخاص، والحلولية. - لقد ورد ذكرهم في القرآن مقترناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين (انظر الآيات: (62 - البقرة) , (69 - المائدة)، (17 - الحج)، ولهم أحكام خاصة بهم من حيث جواز أخذ الجزية منهم أو عدمها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى. - عرف منهم الصابئة الحرانيون الذين انقرضوا، والذين تختلف معتقداتهم بعض الشيء عن الصابئة المندائيين الحاليين. - لم يبق من الصابئة اليوم إلا صابئة البطائح المنتشرون على ضفاف الأنهر الكبيرة في جنوب العراق وإيران. - تأثروا باليهودية، وبالمسيحية، وبالمجوسية؛ لمجاورتهم لهم. - تأثروا بالحرانيين الذين ساكنوهم في حران عقب طردهم من فلسطين، فنقلوا عنهم عبادة الكواكب والنجوم أو على الأقل تقديس هذه الكواكب وتعظيمها، وتأثَّروا بهم في إتقان علم الفلك وحسابات النجوم. - تأثروا بالأفلاطونية الحديثة التي استقرت فلسفتها في سوريا، مثل الاعتقاد بالفيض الروحي على العالم المادي. - تأثَّروا بالفلسفة الدينية التي ظهرت أيام إبراهيم الخليل - عليه السلام - فقد كان الناس حينها يعتقدون بقدرة الكواكب والنجوم على التأثير في حياة الناس. - تأثروا بالفلسفة اليونانية التي استقلت عن الدين، ويلاحظ أثر هذه الفلسفة اليونانية في كتبهم. - لدى الصابئة قسط وافر من الوثنية القديمة يتجلى في تعظيم الكواكب والنجوم على صورة من الصور.

المطلب السادس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب السادس: الانتشار ومواقع النفوذ: - الصابئة المندائيون الحاليون ينتشرون على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهواز وشط العرب، ويكثرون في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح والحلفاية والزكية وسوق الشيوخ والقرنة، وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهم موزعون على عدد من الألوية مثل لواء بغداد، والحلة، والديوانية والكوت وكركوك والموصل. كما يوجد أعداد مختلفة منهم في ناصرية المنتفق والشرش ونهر صالح والجبابيش والسليمانية. - كذلك ينتشرون في إيران، وتحديداً على ضفاف نهر الكارون والدز ويسكنون في مدن إيران الساحلية، كالمحمرة، وناصرية الأهواز وششتر ودزبول. - تهدمت معابدهم في العراق، ولم يبق لهم إلا معبدان في قلعة صالح، وقد بنوا معبداً منديًّا بجوار المصافي في بغداد، وذلك لكثرة الصابئين النازحين إلى هناك من أجل العمل. - يعمل معظمهم في صياغة معدن الفضة لتزيين الحلي والأواني والساعات؛ وتكاد هذه الصناعة تنحصر فيهم؛ لأنهم يحرصون على حفظ أسرارهما، كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر. - مهاراتهم في صياغة الفضة دفعتهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية، ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا. - ليس لديهم أي طموح سياسي، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين. ويتضح مما سبق: إن الصابئة من أقدم الديانات التي تعتقد بأن الخالق واحد، وقد جاء ذكر الصابئين في القرآن باعتبار أنهم أتباع دين كتابي. وقد اختلف الفقهاء حول مدى جواز أخذ الجزية منهم، إن كانوا أحدثوا في دينهم ما ليس منه. وقد أصبحت هذه الطائفة كأنها طائفة وثنية تشبه صابئة حران الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وعموماً فالإسلام قد جبَّ ما قبله، ولم يعد لأي دين من الديانات السابقة مكان بعده. مراجع للتوسع: - الصابئة المندائيون، الليدي دراوور - مطبعة الإرشاد - بغداد - (1969) م. - مندائي أو الصابئة الأقدمون، عبد الحميد عبادة - طبع في بغداد - (1927) م. - الصابئة في حاضرهم وماضيهم، عبد الرزاق الحسني - طبعة لبنان - (1970) م. - الكنزاربّا، وهو كتاب الصابئة الكبير، ومنه نسخة في خزانة المتحف العراقي. - الفهرست، ابن النديم - طبع في القاهرة - (1348) هـ. - المختصر في أخبار البشر، تأليف أبي الفداء - طبع في القاهرة (1325) هـ. - الملل والنحل، للشهرستاني - طبعة لبنان - (1975) م. - معجم البلدان، لياقوت الحموي - طبع في القاهر - (1906) م. - مقالة لأنستاس الكرملي، مجلة المشرق - بيروت - (1901) م. - مقالة لزويمر، مجلة المقتطف - القاهرة - (1897) م. - مقالة لإبراهيم اليازجي، مجلة البيان - القاهرة - (1897) م. - الموجز في تاريخ الصابئة المندائين العرب البائدة، لعبد الفتاح الزهيري، مطبعة الأركان ببغداد (1403) هـ. - الصلاة المندائية وبعض الطقوس الدينية، لرافد الشيخ عبد الله نجم - بغداد - (1988) م. - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، فخر الدين الرازي - القاهرة - (1356) هـ. -إبراهيم أبو الأنبياء، عباس محمود العقاد - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - صفحة (139 - 148) طبعة عام (1386هـ/1967) م. المراجع الأجنبية: - Handbook of Classical and Modern Mandai, Berlin 1965. - Mandaean Bibliography, Oxford University Press, 1933. - Die Mandaer: ihre relligion und ihre Geschichte Muller: Amsterdam 1916. - Frankfort Dr. Henri Archeology and the Sumerian Problem, Chicago Studies in Ancient Oriental Civilization. No. 4 (Univ. of Chicago Press, 1932). - J.B. Tavernier, Les Six Voyaojes, Paris 1713. - M.N. Siouffi, Etudes Sur la religion des Soubbas, Paris 1880. - E.S. Drower, The Mandaeans of Iraq and Iran, London 1937. - H. Pognon, Inscriptions Mandaites des Coupes de Khouberir, Paris 1898 . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثاني: الهندوسية:

المطلب الأول: التعريف: الهندوسية ويطلق عليها أيضاً البرهمية ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر. إنها ديانة تضمُّ القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية، متخذة عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله، ولكل عمل أو ظاهرة إله.

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: - لا يوجد للديانة الهندوسية مؤسس معين، ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلفون معينون، فقد تمَّ تشكُّل الديانة، وكذلك الكتب، عبر مراحل طويلة من الزمن. - الآريُّون الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل للديانة الهندوسية. - ديانة الفاتحين الجديدة لم تمح الديانة القديمة للهنود، بل مازجتها وتأثرت كل منهما بالأخرى. - في القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية على أيدي الكهنة البراهمة الذين يزعمون أن في طبائعهم عنصراً إلهيًّا. - ثم تطورت مرة أخرى في القرن الثالث قبل الميلاد عن طريق قوانين منوشاستر.

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات: نستطيع فهم الهندوسية من خلال كتبها، ونظرتها إلى الإله، ومعتقداتها وطبقاتها إلى جانب بعض القضايا الفكرية والعقائدية الأخرى. - كتبها: للهندوسية عدد هائل من الكتب عسيرة الفهم غريبة اللغة، وقد أُلّفت كتب كثيرة لشرحها، وأخرى لاختصار تلك الشروح، وكلها مقدسة وأهمها: 1 - الفيدا veda: وهي كلمة سنسكريتية معناها الحكمة والمعرفة، وتصور حياة الآريين، ومدارج الارتقاء للحياة العقلية من السذاجة إلى الشعور الفلسفي، وفيه أدعية تنتهي بالشك والارتياب، كما أن فيه تأليهاً يرتقي إلى وحدة الوجود، وهي تتألف من أربعة كتب هي: 1 - رج فيدا أو راجا فندا (أي: الفيدا الملكية) وترجع إلى (3000) سنة قبل الميلاد، فيها ذكر لإله الآلهة (إنذار) ثم لإله النار (أغني) ثم الإله (فارونا) ثم الإله سوريه (إله الشمس). 2 - يجور فيدا Yajur veda: يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين. 3 - سم فيدا Sama veda: ينشدون أناشيده أثناء إقامة الصلوات والأدعية. 4 - أثروا فيدا Atharva veda: عبارة عن مقالات من الرقى والتمائم لدفع السحر والتوهم والخرافة والأساطير والشياطين. وكل واحد من هذه الفيدات يشتمل على أربعة أجزاء هي: أ- سَمْهِتا: تمثل مذهب الفطرة، وأدعيته كان يقدمها سكان الهند الأقدمون لآلهتهم قبل زحف الآريين. ب- البراهمن: يقدمها البراهمة للمقيمين في بلادهم مبينة أنواع القرابين. ج- آرانياك: وهي الصلوات والأدعية التي يتقدم بها الشيوخ أثناء إقامتهم في الكهوف والمغاور وبين الأحراش والغابات. د- آبا نيشادات: وهي الأسرار والمشاهدات النفسية للعرفاء من الصوفية. 2 - قوانين منو: وضعت في القرن الثالث قبل الميلاد في العصر الويدي الثاني، عصر انتصار الهندوسية على الإلحاد الذي تمثل في (الجينية والبوذية). وهذه القوانين عبارة عن شرح للويدات بين معالم الهندوسية ومبادئها وأسسها. 1 - كتب أخرى: أ - مها بهارتا: ملحمة هندية تشبه الإلياذة والأوديسة عند اليونان ومؤلفها (وياس) ابن العارف (بوسرا) الذي وضعها سنة (950) ق. م وهي تصف حرباً بين أمراء من الأسر المالكة، وقد اشتركت الآلهة في هذه الحرب. ب - كيتا: تصف حرباً بين أمراء من أسرة ملكية واحدة، وينسب إلى كرشنا فيها نظرات فلسفية واجتماعية. ت - يوجاواسستها: تحتوي على أربعة وستين ألف بيت، ألفت ابتداء من القرن السادس عبر مرحلة طويلة على أيدي مجموعة من الناس، فيها أمور فلسفية ولاهوتية. ث- رامايانا: يعتني هذا الكتاب بالأفكار السياسية والدستورية، وفيه خطب لملك اسمه (راما). ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع: تعريف بالكتب المقدسة لدى الهندوس:

المطلب الرابع: تعريف بالكتب المقدسة لدى الهندوس: الفكر الهندي يتسلط عليه اتجاه روحاني، ومن هنا كثرت الآلهة لدى الهنود، وبالتالي كثرت الكتب المقدسة حتى جاوزت المئات، ووصلت إلى الألوف، وفي الديانات السماوية يكون مصدر تقديس الكتب أنها كلام الله أوحى به إلى أنبيائه، بالمعنى فقط كالتوراة والإنجيل، أو بالمعنى واللفظ كالقرآن الكريم، أما مصدر تقديس الكتب عند الهندوس فليس لأنها موحى بها من الله، فهي لم يوح بها، بل لا يعرف لأكثرها واضع معين، وإنما اشترك في تأليفها عدد كبير من الناس على مرِّ القرون، وليس مصدر التقديس إبداعها في الفكرة أو الأسلوب، فكثيرا ما شملت هذه الكتب أفكارا بدائية وأساليب ركيكة، بل إن مصدر تقديس هذه الكتب هو على العموم الاتجاه الروحاني لدى الفكر الهندي، والموافقة على تأليه أي كائن، أو تقديس أي كتاب دون حاجة إلى إبداء الأسباب. ومن الناحية العملية كان مصدر هذه الكثرة تفسير كتاب (الويدا) الذي يعتبر أعظم الكتب المقدسة لدى الهندوس، فإن مرور الزمن على هذا الكتاب جعله عسير الفهم غريب اللغة، فأُلِّفت كتب كثيرة لشرحه وتفسيره، وعدَّها الهندوس مقدسة، ومرَّت قرون أخرى فاحتاجت هذه الشروح إلى شروح جديدة وإضافات، فكتبت كتب أخرى، واستساغ العقل الهندوسي أن يجعلها مقدسة أيضا، وتضخمت (الويدا) فاحتاجت إلى وضع مختصرات قدسها العقل الهندوسي كذلك. هذا بالإضافة إلى كتب وضعت غير متصلة بالوبدا، بل تصف حدثا دينيا أو تاريخيا جديدا. على أن الكتب المقدسة لدى الهنود ليست كلها - بطبيعة الحال - في مستوى واحد، فمنها كتب قليلة الانتشار، أو لا تحظى بتقديس جميع الهندوس، ومنها كتب أقرب إلى الغموض منها إلى الوضوح، ومن أعظم كتبهم المقدسة على العموم الوبدا وقوانين (منو). وبقي أن نعرِّف بكتب أربعة أخرى تعتبر في القمة بين كتب الهندوس المقدسة، وهذه الكتب هي: مهابهارتا - كيتا - بوجاواسستها - رامايانا. - مهابهارتا Mahapharata: مهابهارتا ملحمة الهند الكبرى، تشبه الإلياذة والأوديسة عند اليونان، وهي من الكتب الهندوسية القليلة التي يعرف مؤلفها، إن اسمه (وياس) وهو ابن العارف الكبير (برسرا) وقد أملى (وياس) هذا النشيد المقدس على (كنيتي) الذي دوَّنه. وقد وقعت هذه الملحمة الكبرى حوالي سنة (950) ق م، وهي تصف حربا بين أمراء أسرة ملكية واحدة، ولكن جميع ملوك الهند اشتركوا فيها مع هذا الجانب أو ذاك، بل اتخذ الآلهة دورا في المعركة أيضا كما تروي الأقاصيص ذلك. - كيتا Gita: هذا الكتاب جزء من الملحمة الكبرى مهابهارتا التي تحدثنا عنها آنفا، والتي - كما قلنا - تصف حربا شعواء بين فريقين من الأمراء ينحدران من أسرة ملكية واحدة، وينسب هذا الكتاب أو أكثره إلى كرشنا أحد أبطال الهندوس المقدسين، وكان قد اتخذ جانبا في هذه الملحمة تحت قيادة البطل أرجنا، ومن قراءة كيتا يُلاحَظ اهتمام هذا الكتاب لا بالجانب القصصي أو الخرافي الذي لاحظناه في النموذج السابق، بل بالجانب الفلسفي والاجتماعي، وكيتا لهذا يعتبر من الروافد التي قدَّمت إلى مهابهارتا ... التعاليم و ... الثقافات، ومنه استمدت تعاليم كثيرة رويناها في دراستنا السابقة، والكتاب يقدم لنا صورة الهيئة الاجتماعية الهندية في ذلك العصر، فنعلم منه ما كان عليه الشعب من المعتقدات الدينية، والعادات الاجتماعية، والأفكار الفلسفية، ووجهة نظره العامة في الحياة وما بعد الممات. - يوجاواسستها yogavasisthe: لا يعرف مؤلف لهذا الكتاب كالشأن في أكثر الكتب الهندية المقدسة، وهو منظوم يحتوي على أربعة وستين ألفا من الأبيات، مما يرجح أن يكون من عمل مجموعة من الناس، لا من نظم شخص واحد، وزمن تأليفه غير معروف أيضا، وإن مال بعضهم إلى أنه أُلِّف في القرن السادس الميلادي بسبب إشارات وردت فيه تشير إلى أحداث وقعت في هذا القرن، ولكن الذي نميل إليه أنه ألِّف في فترة زمنية طويلة، وأن هذه الإشارات ليست إلا للأجزاء التي ألفت في القرن السادس، وليست دليلا على تحديد، وقت لتأليف الكتاب كله. وموضوع الكتاب هو الفلسفة واللاهوت، ودراساته عميقة جدا، ويفترض الكتاب تلميذا اسمه (راما) تنتابه الشكوك والأوهام، فيسأل أستاذا له عما يساوره، ويطلب بيانا لإيضاح ما غمض عليه، ويجيبه أستاذه شارحا موضحا. - رامايانا Ramayana: رامايانا كتاب قديم لا يعرف مؤلفه ولا تاريخ تأليفه بالضبط، وكل ما نعرفه عن تاريخه أنه كله أو بعضه أقدم من مهابهارتا الذي تكلمنا عنه فيما سبق، وعرف تاريخ رامايانا التقريبي بواسطة إشارات في مهابهارتا، وإن كان ذلك لا يحدد تاريخه بالضبط؛ لأن الكتب المقدسة الهندية ألفت في فترات طويلة، فلا يدل حدث بها على تاريخ تأليف الكتاب كله. ¤أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص 75

المطلب الخامس: نظرة الهندوسية إلى الآلهة:

المطلب الخامس: نظرة الهندوسية إلى الآلهة: - التوحيد: لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم، حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى، وعندها يخاطبونه برب الأرباب أو إله الآلهة. - التعدد: يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال .. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين. - التثليث: في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته، وهو الذي أسموه: 1 - براهما: من حيث هو موجود. 2 - فشنو: من حيث هو حافظ. 3 - سيفا: من حيث هو مهلك. فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً، أو عبد الواحد الأعلى، ولا يوجد أي فارق بينها. وهم بذلك قد فتحوا الباب أمام النصارى للقول بالتثليث. - يلتقي الهندوس على تقديس البقرة وأنواع من الزواحف كالأفاعي، وأنواع من الحيوان كالقردة، ولكن تتمتع البقرة من بينها جميعاً بقداسة تعلو على أي قداسة، ولها تماثيل في المعابد والمنازل والميادين، ولها حق الانتقال إلى أي مكان، ولا يجوز للهندوكي أن يمسها بأذى أو بذبحها، وإذا ماتت دفنت بطقوس دينية. - يعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلَّت كذلك في إنسان اسمه كرشنا، وقد التقى فيه الإله بالإنسان، أو حل اللاهوت في الناسوت، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح، وقد عقد الشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله - مقارنة بينهما مظهراً التشابه العجيب، بل التطابق، وعلَّق في آخر المقارنة قائلاً: (وعلى المسيحيين أن يبحثوا عن أصل دينهم). المطلب السادس: الطبقات في المجتمع الهندوسي: - منذ أن وصل الآريون إلى الهند شكَّلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن، ولا طريق لإزالتها؛ لأنها تقسيمات أبدية من خلق الله (كما يعتقدون). - وردت الطبقات في قوانين منو على النحو التالي: 1 - البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم والكاهن، والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم. 2 - الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين، ويحملون السلاح للدفاع. 3 - الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية. 4 - الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة. - يلتقي الجميع على الخضوع لهذا النظام الطبقي بدافع ديني. - يجوز للرجل أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته، ويجوز أن يتزوج من طبقة أدنى، على أن لا تكون الزوجة من طبقة الشودر الرابعة، ولا يجوز للرجل من طبقة الشودر أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته بحال من الأحوال. - البراهمة هم صفوة الخلق، وقد ألحقوا بالآلهة، ولهم أن يأخذوا من أموال عبيدهم (شودر) ما يشاؤون. - البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه. - لايجوز للملك - مهما اشتدت الظروف - أن يأخذ جباية أو إتاوة من البرهمي. - إن استحق البرهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل. - البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشودري الذي ناهز المائة، كما يفوق الوالد ولده. - لا يصحُّ لبرهمي أن يموت جوعاً في بلاده. - المنبوذون أحط من البهائم، وأذل من الكلاب بحسب قانون منو. - من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة، وليس لهم أجر أو ثواب. - إذا مدَّ أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه فُدِعت رجله. - إذا هَمَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد. - إذا ادَّعى أحد المنبوذين أنه يعلِّم برهميًّا فإنه يسقى زيتاً مغليًّا. - كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء. - ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم ودخولهم في أديان أخرى، لا سيما النصرانية التي تغزوهم، أو الشيوعية التي تدعوهم من خلال فكرة صراع الطبقات. - ولكن كثيراً من المنبوذين وجدوا العزة والمساواة في الإسلام فاعتنقوه. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس: العبادة عند الهندوس على قسمين:

المطلب السادس: العبادة عند الهندوس على قسمين: 1ـ عبادة البراهمة، ويسمَّون الحكماء والصوفية: وهم يتعبدون بتعذيب النفس والتجرد من الدنيا الذي يهدف في النهاية إلى الاتحاد بالإله (براهما)، أي: تصبح نفوسهم جزءا من ذاته. وهم يقطعون أعمارهم في الصوم وقراءة الكتب المقدسة، وقد يعيشون في الغابات عراة، ويمارسون أنواعا من الرياضات البدنية الشاقة (ومنها اليوغا) ولا يتزوجون ولا يملكون شيئا من الدنيا. وهم يتعلمون السحر والشعوذة ليتوصلوا بها إلى إثبات الخوارق والكرامات التي يزعمون أن (براهما) أعطاهم إياها. وهؤلاء يتلقون طرائق العبادة من طريق التوارث، فكل كاهن يربِّي مجموعة من المريدين على طريقته، ولا يحق للمريد مخالفة المربي أو الاعتراض عليه في شيء. 2ـ عبادة العامة: وهم يعبدون كل شيء من شجر وحجر ودواب حتى أن منهم من يسجد للسائح الأجنبي أو سيارته، ومنهم من يسجد للعنكبوت والذرَّة، وكل ما نال إعجابه سجد له وعبده، وتزعم كتب الهندوس المقدسة أن الإله الخالق هو الذي أمر بنحت الأصنام وعبادتها، وقال: إنها تذكرهم بعبادته. العبادة المشتركة: المعبود المشترك الذي يتفق الخاصة والعامة على عبادته هو (البقرة). فالهندوس يقدسون البقرة تقديسا عظيما حتى فضلاتها، وقد صرح الرئيس السابق (غاندي) الذي كان يعتبر زعيما للعالم الثالث ودول عدم الانحياز قائلا: (إني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم ..... ) ¤أصول الفرق والمذاهب الفكرية لسفر الحوالي – ص 101

المطلب السابع: معتقداتهم:

المطلب السابع: معتقداتهم: - تظهر معتقداتهم في الكارما، وتناسخ الأرواح، والانطلاق، ووحدة الوجود: 1 - الكارما: قانون الجزاء، أي: أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة إما في الحياة الحاضرة أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء كما أنها دار الجزاء والثواب. 2 - تناسخ الأرواح: إذا مات الإنسان يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر، بحسب ما قدَّم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة. 3 - الانطلاق: صالح الأعمال وفاسدها ينتج عنه حياة جديدة متكررة، لتثاب فيها الروح أو لتعاقب على حسب ما قدمت في الدورة السابقة. - من لم يرغب في شيء ولن يرغب في شيء، وتحرر من رقِّ الأهواء، واطمأنت نفسه، فإنه لا يعاد إلى حواسه، بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما. - يؤخذ على هذا المبدأ أنه جعل التصوف والسلبية أفضل من صالح الأعمال؛ لأن ذلك طريق للاتحاد بالبراهما. 4 - وحدة الوجود: التجريد الفلسفي ارتقى بالهنادكة إلى أن الإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات، كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة، وتصير النفس هي عين القوة الخالقة. أ- الروح كالآلهة أزلية سرمدية، مستمرة، غير مخلوقة. ب- العلاقة بين الإنسان وبين الآلهة كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها، وكالعلاقة بين البذرة وبين الشجرة. ت - هذا الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي، والروح الإنسانية جزء من الروح العليا. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي - يعتقدون أن الإله له ثلاثة أقانيم - أي: ثلاثة حالات - وهي: أ - براهما موجد العالم. ب - مشنو حافظ العالم. ج - سيفا مهلك العالم. - يعتقدون أن هناك آلهة كثيرة أقل من الإله المثلث، ومن تلك الآلهة: أ - آجني إله النار. ب - فايو إله الريح. ج - أندر إله العاصفة. د - أوشاس إله الفجر. هـ - بادجبانيا إله المطر. وسوربا إله الشمس، أو مستر، أو فشنو. ز - سوما: إله النبات المقدس الذي يسكر عصيره كل الناس، وكل الآلهة. ح - سافيتار آلهة الشمس. ط - فيفا سفات إله ضوء الشمس. - يعبدون كل ما يعجبهم، أو يحبونه، أو يخافونه من المخلوقات من حولهم، ولذلك تحظى البقرة عند الهندوس حتى الآن بالمكانة الأولى تقديساً، وعبادة؛ فهم يحلبونها، ويعبدونها. ولها تماثيل في كل معبد، ومنزل وميدان، وهي تتمتع بحرية مطلقة في ارتياد الطرقات كيف شاءت. ولا يجوز للهندوس تحت أي ظرف من الظروف أن يأكل لحمها، أو يستغل جلدها في أي صناعة من الصناعات، وهي إذا ماتت وجب دفنها بجلال مع أعظم طقوس الدين. - عبادة القردة، والأفاعي، والفيلة: وأخطر الأفاعي المقدسة أفعى تسمى (ناجن)، ولها عند الهندوس منزلة عالية؛ فعضة واحدة منها تؤدي إلى موت سريع، ولهذا فهم يقيمون لها حفلاً دينيًّا كل عام، تقدَّم لها فيها هي وزميلاتها من الأفاعي قرابين من اللبن والموز عند مداخل جحورها! وأكبر مركز لعبادة الأفاعي في شرقي ميسور؛ فهناك في معابد هذا الإقليم تسكن جموع زاخرة من الأفاعي؛ حيث يقوم الكهنة على إطعامها والاهتمام بها. وهم يعبدون الأفاعي والفيلة والقردة؛ لأنهم يزعمون أنها مصادر الرعب التي ترمز إلى طبيعة الألم. وإذا كانت القردة والأفاعي والفيلة لها قدسية عند الهندوس - فهناك من الحيوانات الأخرى ما يتمتع هو بمثل هذه القدسية، مثل التماسيح، والنمور، والطواويس، والببغاوات؛ لأن لكل منها روحاً، والأرواح - بزعمهم - تمضي متنقلة بين الحيوان والإنسان، ولهذا فهي صنوف إلهية نسجت خيوطها في شبكة واحدة لا نهاية لها. - ينكرون البعث واليوم الآخر، ويرون أنه لابد من الجزاء والحساب على الخير والشر، لكن ذلك يكون في الحياة الدنيا. - يعتقدون بتناسخ الأرواح، أو تجوال الروح: وذلك سبب إنكارهم البعث؛ فهم يرون تناسخ الأرواح؛ ليكون الجزاء على الروح إذا انتقلت بين الأجساد، فهي تنتقل - بزعمهم - من جسد إلى آخر سواء أكان في الإنسان، أو الحيوان. - وحدة الوجود: وهي ما يُعرف عندهم بفكرة الانطلاق، وهي تمثل محاولةَ النفسِ الإفلاتَ من دورات تجوالها، ونتائج أعمالها؛ فالحياة - في عرف البراهمة - شر، وخداع، وأسر. أما الحياة الحقة فهي في استجلاء طلعة (براهما) التي لا تكتسب إلا بالاتحاد والاندماج فيه، كما تندمج قطرة الماء في المحيط الأعظم. وذلك إنما يجيء عن طريق الاستنارة الإلهية. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص 36 - 38

المطلب الثامن: أفكار ومعتقدات أخرى:

المطلب الثامن: أفكار ومعتقدات أخرى: - الأجساد تحرق بعد الموت؛ لأن ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى وبشكل عمودي لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً. - عندما تتخلص الروح وتصعد، يكون أمامها ثلاثة عوالم: 1 - إما العالم الأعلى: عالم الملائكة. 2 - وإما عالم الناس: مقر الآدميين بالحلول. 3 - وإما عالم جهنم: وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب. - ليس هناك جهنم واحدة، بل لكل أصحاب ذنب جهنم خاصة بهم. - البعث في العالم الآخر إنما هو للأرواح لا للأجساد. - يترقَّى البرهمي في أربع درجات: 1 - التلميذ وهو صغير. 2 - رب الأسرة. 3 - الناسك: ويقوم بالعبادة في الغابات إذا تقدم به السن. 4 - الفقير: الذي يخرج من حكم الجسد، وتتحكم فيه الروح، ويقترب من الآلهة. - المرأة التي يموت عنها زوجها لا تتزوج بعده، بل تعيش في شقاء دائم، وتكون موضعاً للإهانات والتجريح، وتكون في مرتبة أقل من مرتبة الخادم. - قد تحرق المرأة نفسها إثر وفاة زوجها تفادياً للعذاب المتوقع الذي ستعيش فيه، وقد حرَّم القانون هذا الإجراء في الهند الحديثة. - الديانة الهندية تجيز عقد القران للأطفال وهم يَحْبُون، ويحدث أن يموت الولد فتشب البنت أرملة ابتداء، ولكن القانون الهندي الحديث حرَّم ذلك، ومنع عقد القران إلا في سن الشباب. - ليس للفرد أهمية إلا إذا كان عضواً في جماعة، وتكون هذه الجماعة عضواً في جماعة أكبر، ذلك لأن العناية للجماعة لا للفرد. - يلاحظ هبوط المستوى الاقتصادي لمعتنقي الهندوسية؛ لأن بعض الطبقات لا تعمل؛ ذلك لأن العمل لا يليق بمكانتها السامية كطبقة البراهمة مثلاً. - نظام الطبقات يعطل مبدأ تكافؤ الفرص. - رفضت الهندوسية حركة الإصلاح الداخلي المتمثلة في الإسلام، وقاومتها محتفظة بتعليماتها ومعتقداتها. - حاول الزعيم الهندي (غاندي) تقليص الحدة بين الطبقات وبين المنبوذين، ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح، بل كان هو ذاته ضحية لهذه المحاولة. - حاولت جماعة (السيخ) إنشاء دين موحد من الهندوسية والإسلام، لكنهم فشلوا إذ سرعان ما أنغلقوا على أنفسهم، وصاروا طبقات متميزة يرفضون التزاوج مع غيرهم.

المطلب التاسع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب التاسع: الجذور الفكرية والعقائدية: - في القرن الخامس عشر قبل الميلاد كان هناك سكان الهند الأصليين من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية. - جاء الغزاة الآريون مارِّين في طريقهم بالإيرانيين، فتأثَّرت معتقداتهم بالبلاد التي مروا بها، ولما استقروا في الهند حصل تمازج بين المعتقدات تولَّدت عنه الهندوسية كدين فيه أفكار بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص. - وفي القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية عندما وُضع مذهب البرهمية، وقالوا بعبادة براهما. - عصفت بالديانة الهندية حركتان قويتان هما الجينية والبوذية. - ظهرت قوانين منو فأعادت إليها القوة، وذلك في القرن الثاني والثالث قبل الميلاد. - انتقلت فكرة التثليث من الفكر الهندي إلى الفكر النصراني بعد رفع المسيح عليه السلام. - انتقل فكر التناسخ والحلول ووحدة الوجود إلى بعض المسلمين الذين ضلُّوا، فظهرت هذه العقائد عند بعض المتصوفة، وكذلك ظهرت عند الإسماعيلية وعند الفرق الضالة كالأحمدية.

المطلب العاشر: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب العاشر: الانتشار ومواقع النفوذ: كانت الديانة الهندوسية، تحكم شبه القارة الهندية، وتنتشر فيها على اختلاف في التركيز، ولكن البون الشاسع بين المسلمين والهندوس في نظرتيهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس، ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها؛ كان ذلك سبباً في حدوث التقسيم، حيث أُعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والتي معظمها من المسلمين، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس، والمسلمون فيها أقلية كبيرة. ويتضح مما سبق: أن الديانة الهندوسية مزيج من الفلسفة الهندية والديانتين اليهودية والمسيحية، كما أنها عقيدة محدودة الأتباع. ويعتقد الهندوس أنها جاءت عن طريق الوحي، ولو صحَّ هذا فلا بد أنه قد حصل لها الكثير من التحريف والتبديل حتى أصبحت أسلوباً في الحياة أكثر مما هي عقيدة واضحة المعالم. وتشمل من العقائد ما يهبط إلى عبادة الأشجار والأحجار والقرود والأبقار .. إلى غير ذلك من أنواع الوثنية التي تتنافى مع أبسط قواعد التوحيد. كما أن التقسيم الطبقي فيها يتعارض مع كرامة الإنسان ويجعلها بعيدة عن الوحي الرباني. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثالث: البوذية:

المطلب الأول: التعريف: هي فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية الهندوسية في القرن الخامس قبل الميلاد. وكانت في البداية تناهض الهندوسية، وتتجه إلى العناية بالإنسان، كما أن فيها دعوة إلى التصوف والخشونة، ونبذ الترف، والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير. وبعد موت مؤسسها تحولت إلى معتقدات باطلة، ذات طابع وثني، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألَّهوه. وهي تعتبر نظاماً أخلاقيًّا ومذهباً فكريًّا مبنيًّا على نظريات فلسفية، وتعاليمها ليست وحياً، وإنما هي آراء وعقائد في إطار ديني. وتختلف البوذية القديمة عن البوذية الجديدة في أن الأولى صبغتها أخلاقية، في حين أن البوذية الجديدة هي تعاليم بوذا مختلطة بآراء فلسفية وقياسات عقلية عن الكون والحياة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني: بداية البوذية وتطورها:

المطلب الثاني: بداية البوذية وتطورها: قامت البوذية في بدايتها على مناهضة الهندوسية البرهمية، التي أغرقت في الشكليات والطقوس. وكانت - أي البوذية - متجهة إلى العناية بالإنسان، وراغبة في إيصاله إلى مرحلة (النرفانا) وهي السعادة القصوى، وذلك عن طريق خشونة العيش، وتعذيب النفس، وقتل جميع شهواتها، ونبذ الترف، والمناداة بالمحبة، والتسامح، وفعل الخير. وبعد موت مؤسسها تحوَّلت إلى ديانة ذات طابع وثني، تقوم على تأليه بوذا، وتأخذ طابعاً اجتماعياً دينيًّا يميل إلى الإلحاد، وتختلف باختلاف الأمكنة. ¤رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد ص 40 تطور البوذية: قدَّس البوذيون بوذا تقديسا عظيما، وكتبوا كثيرا عن سيرته وأعماله وأفكاره، ودخل في البوذية شعوب وأجناس شتى، ونتج عن ذلك انقسام البوذية إلى قسمين: 1ـ البوذية القديمة: وتسمَّى الجنوبية؛ لانتشارها في بورما وتايلاند وسيلان، وهي في الحقيقة تؤلِّه بوذا وتعبده، وزعيمها هو (اللاما) ومقره بلاد التبت، ويعتقد أتباعه أن الإله يحلُّ فيه، وتتميز بالرهبانية الشديدة. 2ـ البوذية الجديدة: وتسمَّى الشمالية؛ لانتشارها في اليابان وكوريا والصين. وتتميز بالفلسفة والتعمق وتعدد الآلهة، ففي الصين يعتقدون أن الآلهة ثلاثة وثلاثون، واليابانيون يعتقدون أن إمبراطورهم من نسل الآلهة. ¤أصول الفرق والمذاهب الفكرية لسفر الحوالي – ص 109

المطلب الثالث: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثالث: التأسيس وأبرز الشخصيات: أسَّسها سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا (560 – 480) ق. م وبوذا تعني العالم، ويُلقَّب أيضاً بسكيا موني، ومعناه المعتكف. وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال، وكان أميراً فشبَّ مترفاً في النعيم، وتزوَّج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف، والخشونة في المعيشة، والتأمل في الكون ورياضة النفس، وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات، ثم دعا إلى تبني وجهة نظره، حيث تبعه أناس كثيرون. اجتمع أتباع بوذا بعد وفاته في مؤتمر كبير في قرية راجاجراها عام (483) ق. م لإزالة الخلاف بين أتباع المذهب، ولتدوين تعاليم بوذا؛ خشية ضياع أصولها، وعهدوا بذلك إلى ثلاثة رهبان هم: 1 - كاشيابا، وقد اهتمَّ بالمسائل العقلية. 2 - أويالي، وقد اهتمَّ بقواعد تطهير النفس. 3 - أناندا وقد دوَّن جميع الأمثال والمحاورات. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الرابع: مؤسس البوذية:

المطلب الرابع: مؤسس البوذية: مؤسس البوذية رجل يُلقَّب بـ: بوذا، وأما اسمه فهو: سدهارتا، أو سدذارتا. وبوذا الذي تنسب إليه هذه الديانة ابن حاكم، وقد ولد في حديقة لومبيني بالقرب من مدينة كابيلا فاستو في شمال الهند من إقليم نيبال، وذلك سنة (568) قبل الميلاد. وتختلف تواريخ ميلاده، ولكن ما ذكر هو أرجح الأقوال في تاريخ مولده. وتتحدث الأساطير عن مولده وما قبله، وأيام حمله، فتذكر أنه ولد نظيفاً، لا كما يولد الأطفال، بل نزل من بطن أمه وهي واقفة ممسكة بغصن، ولم تشعر بألم، وكان جسمه نظيفاً كالمرآة، وذكروا له معجزات وكرامات. أما اسمه فقد سمي سدهارتا، أو سدذارتا - كما مرَّ- ومعناه: الذي حقَّق أمله. وأما ألقابه فكثيرة؛ فمنها (شاكياموني) أي: حكيم قبيلة شاكياس، و (بسكياموني) أي: المعتكف. ومن ألقابه (تاذاجاتا) ومعناها: الرجل الفائز بالحق، وأما (بوذا) فمعناه: المستنير، أو العالم. ونشأ بوذا في بلده على حدود نيبال، وكان أميراً؛ فشبَّ مترفاً منعماً، وتعلَّم الفروسية، وبالغ مؤرخوه في كل صغيرة وكبيرة في حياته حتى زعموا أن أربعة آلاف راقصة خُصِّصْنَ لإدخال السرور على قلبه، وأن زوجَه منتقاةٌ من خمسمائة حسناء. وقد تزوَّج في السادسة عشرة من عمره - وقيل: في التاسعة عشرة - بزوجه ياسواذا بنت أحد زعماء قبيلة كولي، وعاش معها سعيداً هانئاً، وأنجبت له ابنه راهولا. وبعد عشر سنوات من زواجه صمَّم على أن يبحث عن الحقيقة مهما كلَّفه الأمر، وذلك بعد أن مرَّ عليه صنوف من الآلام، وذلك لما رآه من الأحزان والمصائب. وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات، ثم دعا إلى تَبَنِّي وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون. وذات ليلة عزم على مغادرة القصر، وهجر زوجته وولده، وهبط إلى الاصطبل، واختار جواده الأبيض وخادمه (شنا). ويزعمون أن من معجزاته وهو يتهيأ لفراق القصر أن أبوابه فتحت من تلقاء نفسها، ولم يُسْمَع صوتُ خطوات جواده؛ حتى إذا انتهى إلى نهر أنوما نزل عن جواده ونزع ما كان يتزين به من الجواهر، وجزَّ لِمَّتَه بسيفه، وأعطى كل ذلك خادمه، وأمره أن يعود إلى قصر أبيه، ويخبره بخبره. ومرَّ به سائل فتبادل معه الملابس. ثم انتقل بعد سبعة أيام من شاطئ أنوما، وغادره إلى مدينة إجاجريها عاصمة الملك بمبيارا ملك مملكة ماجاذا، حيث يقيم في كهوف تلال ونديا نساك وقفوا حياتهم للتأمل والتفكير، ودراسة فلسفات الهند القديمة؛ رجاء أن يوفَّقوا لحلِّ مشكلة الحياة، ويفكوا ألغازها المغلقة، وقَصَد الغار الذي فيه الناسكان ألاراكالاما وأداكا، وكانت شهرة ألارا البرهمي واسعة. وعندما دخل غار ألارا وجده مستغرقاً في تأمله وتفكيره، فوقف في إجلال وصمت بين يديه خاشعاً، وهجست في نفسه خاطرة: - أترى أجد لديه مفتاح السر-؟ بعد ذلك جلس إليهما، وأخذ منهما ما لديهما، ودرس عليهما أسفار الفيدا، واليوبانيشاد، واتخذ له كهفاً، وكان موضع إعجاب النساك جميعاً، وطابت له حياة الزهادة والتقشف، وأرسل إليه والده يطلبه، ولكنه اعتذر، وقد وصل بوذا إلى درجة عالية، وهي مرشد النساك. وبعد سنتين أدرك أن البرهمية عاجزة عن حلِّ لغز الوجود، ومشكلة الحياة؛ فانصرف إلى غابة بالبنغال، وقسا على نفسه، وتقلَّب في أشد ضروب التقشف والحرمان، وقضى ست سنوات على هذه الحال حتى أشرف على الهلاك، وذاع صيته في الآفاق. ولكن ذلك التعذيب للجسد والسكون التام لم يصلا به إلى غايته، بل عاقه ذلك الضعف الذي أصابه من جراء التعذيب عن القوة والتفكير.

ثم صمَّم بعد ذلك على ترك الحياة التي حَيِيَها مما حمل أتباعه النساك الخمسة أن يثنوه عن عزمه، فلم يفلحوا، واعتبروا ذلك منه ردة، واتهموه بأنه حادَ عن الطريق، وتركوه ومضوا إلى مرج الغزال في مدينة بنارس. واستعاد سدذارتا - بوذا - نشاطه وقوته ومضى إلى شجرة، وجلس تحتها، ورأى رجلاً لديه حشائش؛ فسأله قبضةً منها فأعطاه، وجلس متربعاً ضامًّا يديه وقدميه، وعزم ألا يبارح مكانه، وألا يرسل ما ضمَّ حتى يتنزل عليه نور الحكمة والمعرفة، وآلى على نفسه أن يبقى ولو نخرت عظامه، وجف جلده، وتلف جسده. وتقول الأساطير: إن نوازع نفسه أخذت تصارعه، ولكنه انتصر على الإغراء وهزمها في الصراع، وما كاد ينتهي الليل، ويغشى الأرضَ سنا الفجر حتى أشرقت معه في قلبه وعقله الحقيقةُ الساميةُ، والمعرفةُ الصحيحة، وأدرك ما كان يرجو من الماضي والحاضر والمستقبل كل لا يتجزأ، وعرف سرَّ الحياة والموت، والعلة والمعلول، ورحلة الروح في مختلف الأجسام: متى تصعد إلى النرفانا حيث العدم العام، وفناء النفس وهي السكينة والفناء. ولكنه فناء ليس الفناء المعروف، وإنما هو وجود يفنى في وجود مثل فناء ألوان الطيف في الشمس، في البياض الناصع الذي لا لون له، كما يزعم بعض فلاسفة البوذيين العصريين. ولا يتمُّ الوصول إلى النرفانا إلا بعد صفاء النفس والفضائل في عالم الحس والواقع. ومرَّ به النهار ثم الليل، ولم يشعر بهما؛ لأنه كان غارقاً في سُبُحَاته، ثم صحا صحوةَ المنتصرِ والفرحُ يملأ قلبه؛ لأنه انتهى إلى ما كان يرجو، وتحقَّق له ما كان يأمل، وهبطت عليه الاستنارة فكان بوذا. واستفاضت شهرته، وقصده الناس، ومضى إلى بنارس، وقصد مرج الغزال إلى النساك الخمسة الذين هزؤوا به، واتهموه، وتركوه فما كادوا يبصرونه حتى هزمتهم هيبتُه وراعهم منظره؛ فَهَبُّوا لاستقباله، وتسابقوا إلى تحيته، وجاءوا بماء لغسل قدميه، فألقى عليهم أول درس من دروسه، فإذا الفرح يملأ قلوبهم، ويفيض على وجوههم بشراً، ثم بعد ذلك دَوَّت شهرته آفاق الهند، واجتذبت شريعته الجديدة شباب الأسر العريقة، والتفت به الجموع، وكثر مريدوه. وأصبح داعياً لما توصَّل إليه إلى أن توفي في الثمانين من عمره سنة (488) قبل الميلاد، وأُحرق جسده بعد موته بثمانية أيام. هكذا تقول الأساطير عنه (¬1). ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 40 ¬

(¬1) انظر ((الديانات والعقائد)) (1/ 116 - 117)) , و ((ذيل الملل والنحل)) (2/ 13 - 16))، و ((الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي)) (2/ 758)، و ((التصوف المنشأ والمصادر)) لإحسان إلهي ظهير (ص 53 - 55).

المطلب الخامس: عقائد البوذية، وأفكارها، وتعاليمها انظر ((الديانات والعقائد)) (4/ 333)، و ((ذيل الملل والنحل)) (15 - 18)، و ((الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة)) (ص86 - 88).:

المطلب الخامس: عقائد البوذية، وأفكارها، وتعاليمها (¬1): تشتمل عقائد البوذية وأفكارها وتعاليمها على خرافات كثيرة، وأباطيل عديدة، ومتناقضات شتى فمن ذلك: 1 - الإلحاد: فقد كان بوذا في أول دعوته لا يتكلم عن الألوهية، ويتحاشى الخوض في أمور الغيب، ثم تحوَّل بعد ذلك إلى محاربة الاعتقاد بوجود الله، وصار ينادي بالإلحاد. 2 - يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلِّص للبشرية من مآسيها وآلامها، وأنه يتحمَّل عنهم خطاياهم. 3 - يقولون: قد دلَّ على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء، ويدعونه (نجم بوذا). 4 - يقولون: لما ولد بوذا فرحت جنود السماء، ورتَّلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك. 5 - يقولون بقانون الجزاء، وإنكار البعث واليوم الآخر؛ فهم يرون أن الإنسان لا بدَّ له من الجزاء على أعماله خيراً وشرًّا، لكنهم يرون ذلك يحدث في الحياة الدنيا، لذلك فهم ينكرون البعث، وينكرون الجنة والنار. 6 - يعتقدون أن هيئة بوذا قد تغيرت في آخر أيامه؛ حيث نزل عليه نور أحاط برأسه، وأضاء من جسده نور عظيم؛ فقال الذين رأوه: ما هذا بشرا إن هو إلا إله عظيم. 7 - يصلي البوذيون لبوذا، ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة، وتُؤَدَّى الصلاةُ عندهم في اجتماعات يحضرها كثير من أتباعه. 8 - لما مات بوذا قال أتباعه: صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض. 9 - يقولون بتناسخ الأرواح: وذلك ناتج عن كفرهم باليوم الآخر؛ حيث قادهم ذلك إلى القول بتناسخ الأرواح؛ فهم يعتقدون أن من مات انتقلت روحه إلى حي جديد؛ فإذا مات الثاني انتقلت إلى الثالث، وهكذا إلى ما لا نهاية له؛ ثم يزعمون - بناء على قانون الجزاء - أن الروح تلقى جزاءها من النعيم أو الشقاء أثناء تنقلها من جسم إلى جسم. وهذا الاعتقاد سرى إلى كثير من الأديان والفرق التي تقول بالتناسخ. 10 - يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض؛ ليعيد السلام والبركة إليها. 11 - في تعاليم بوذا الدعوة إلى المحبة، والتسامح، والتعامل بالحسنى، والتصدق على الفقراء، وترك الغنى والترف، وحمل النفس على التقشف والخشونة، وفيها تحذير من النساء، والمال، وترغيب في البعد عن الزواج. 12 - ويرى بوذا أن أساس التدين هو التأمل ومقاومة النزعات، وقد وضع أربع حقائق أساسية في زعمه وهي: أ - الحياة هي العناء. ب - الشهوات هي أصل هذا العناء. جـ - يتوقف العناء عندما تتوقف الشهوات. د - إبطال الشهوات، ويتمُّ باتباع ما سمَّاه بالصراط النبيل، ويقوم هذا الصراط على توافر الصحة، والصواب في الاعتقاد، والعزم، والقول، والسلوك، والمهنة التي تتخذ لكسب العيش، والجهد، والتأمل الفكري والروحي. وبهذه الذاتية الروحية الفكرية السلوكية يصل إلى النرفانا وهي السعادة القصوى، وعندها تبطل الشهوات، والعواطف ويتوقف تناسخ الأرواح؛ فالبوذي السعيد هو الذي ينجو من الدوران في محيط الولادة والموت؛ إذ يصل إلى النرفانا حيث لا ولادة ولا موت، وهذه المرحلة هي انعدام التناسخ الذي هو من ضرورات النفس الشقية. ويُروى أن بوذا توصَّل إلى ذلك خلال ست سنوات من تحمل العناء ورياضة النفس، وأنه أنفق السنوات الخمس والأربعين الباقية من عمره في تعليم ما أنتهى إليه من تجربته. فالنرفانا - إذاً - يبلغها البوذي بعد أن يحطِّم جميع القيود والأغلال التي تُقيِّد نفسه، وتمنعها من إدراك الحقائق، ويعرض عن شهوة البقاء، ويتملَّكُه عقل هادئ مطمئن لا يتسرَّب إليه الخطأ، ويتجرَّد عن كل الأماني والرغبات والجهالات وأسباب الخديعة والإغراء. بعد هذا كله يبلغ البوذي طور النرفانا. وقد قيل: إن النرفانا هي الاتحاد بالإله، ولكن البوذية لا تعرف إلهاً. 13 - التسول والبطالة: فمن تعاليم البوذية أنها توصي أتباعها بالتخلي عن أموالهم وعقاراتهم وحرفهم، وتوصيهم بمد اليد للآخرين بالتسول والاستجداء؛ فهم يعيشون على البطالة والكسل. وهذه تعاليمُ لا تستقيم معها الحياة، ولا ترتقي بها الأمم بخلاف الإسلام؛ فإنه دين يأمر بالعمل والنشاط والقوة، وينهى عن الكسل والبطالة. هذه نبذة عن عقائد البوذية ويلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من المعتقدات. ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 40 ¬

(¬1) انظر ((الديانات والعقائد)) (4/ 333)، و ((ذيل الملل والنحل)) (15 - 18)، و ((الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة)) (ص86 - 88).

المطلب السادس: الأفكار والمعتقدات:

المطلب السادس: الأفكار والمعتقدات: يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلِّص للبشرية من مآسيها وآلامها، وأنه يتحمَّل عنهم جميع خطاياهم. يعتقدون أن تجسُّد بوذا قد تمَّ بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا. ويقولون: إنه قد دلَّ على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء. ويدعونه نجم بوذا. ويقولون أيضاً: إنه لما ولد بوذا فرحت جنود السماء، ورتَّلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك. وقد قالوا: لقد عرف الحكماء بوذا وأدركوا أسرار لاهوته، ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى حيَّاهُ الناس، وقد قال بوذا لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً. وقالوا: دخل بوذا مرة أحد الهياكل فسجدت له الأصنام. وقد حاول الشيطان إغواءه فلم يفلح. ويعتقد البوذيون أن هيئة بوذا قد تغيَّرت في آخر أيامه، وقد نزل عليه نور أحاط برأسه. وأضاء من جسده نور عظيم فقال الذين رأوه: ما هذا بشراً إن هو إلا إله عظيم. يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبر من الأتباع. لما مات بوذا قال أتباعه: صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض. يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها. يعتقدون أن بوذا هو الكائن العظيم الواحد الأزلي وهو عندهم ذاتٌ من نور غير طبيعية، وأنه سيحاسب الأموات على أعمالهم. يعتقدون أن بوذا ترك فرائض ملزمة للبشر إلى يوم القيامة، ويقولون: إن بوذا أسس مملكة دينية على الأرض. قال بعض الباحثين: إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية، وأنه كان يقول بالتناسخ. الجانب الأخلاقي في الديانة البوذية: في تعاليم بوذا دعوة إلى المحبة والتسامح، والتعامل بالحسنى، والتصدق على الفقراء، وترك الغنى والترف، وحمل النفس على التقشف والخشونة، وفيها تحذير من النساء والمال، وترغيب في البعد عن الزواج. يجب على البوذيِّ التقيد بثمانية أمور حتى يتمكَّن من الانتصار على نفسه وشهواته: 1 - الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من سلطان الشهوة واللذة، وذلك عند الإقدام على أي عمل. 2 - التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالأهواء. 3 - الإشراق الصحيح المستقيم. 4 - الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان إلى ما يقوم به. 5 - مطابقة اللسان لما في القلب. 6 - مطابقة السلوك للقلب واللسان. 7 - الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات. 8 - الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملاذ. في تعاليم بوذا أن الرذائل ترجع إلى أصول ثلاثة: 1 - الاستسلام للملاذ والشهوات. 2 - سوء النية في طلب الأشياء. 3 - الغباء وعدم إدراك الأمور على وجهها الصحيح. من وصايا بوذا: لا تقض على حياة حي، لا تسرق ولا تغتصب، لا تكذب، لا تتناول مسكراً، لا تزن، لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه، لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء، لا تتخذ طبيباً، لا تقتن فراشاً وثيراً، لا تأخذ ذهباً ولا فضة. ينقسم البوذيون إلى قسمين: 1 - البوذيون المتدينون: وهؤلاء يأخذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته. 2 - البوذيون المدنيون: هؤلاء يقتصرون على بعض التعاليم والوصايا فقط. الناس في نظر بوذا سواسية لا فضل لأحد إلا بالمعرفة، والسيطرة على الشهوات. وقد احتفظت البوذية ببعض صورها الأولى في منطقة جنوب آسيا، وخاصة في سيلان وبورما، أما في الشمال وعلى الأخص في الصين واليابان فقد ازدادت تعقيداً، وانقسمت إلى مذهبين هما: 1 - مذهب ماهايانا (مذهب الشمال) ويدعو إلى تأليه بوذا وعبادته وترسُّم خطاه.

2 - مذهب هنايانا (مذهب الجنوب) وقد حافظ على تعاليم بوذا، ويعتبر أتباع هذا المذهب أن بوذا هو المعلم الأخلاقي العظيم الذي بلغ أعلى درجة من الصفاء الروحي. وقد عبَّروا عن بلوغ النفس الكمال الأسمى والسعادة القصوى، وانطلاقها من أسر المادة، وانعتاقها من ضرورة التناسخ بالينرفانا، وتعني الخلاص من أسر المعاناة والرغبة، واكتساب صفاء الدين والروح، والتحرر من أسر العبودية واللذة، وانبثاق نور المعرفة عن طريق تعذيب النفس، ومقاومة النزعات، مع بذل الجهد والتأمل والتركيز الفكري والروحي، وهو هدف البوذية الأسمى. علاقتهم بالمسلمين الآن لا تحمل طابع العداء العنيف، ويمكن أن يكونوا مجالاً خصباً للدَّعوة الإسلامية. كتب البوذية: كتبهم ليست منزلة، ولا هم يدَّعون ذلك، بل هي عباراتٌ منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله، سجَّلها بعض أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين، فبوذيو الشمال اشتملت كتبهم على أوهام كثيرة تتعلَّق ببوذا، أما كتب الجنوب فهي أبعد قليلاً عن الخرافات، تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسام: 1 - مجموعة قوانين البوذية ومسالكها. 2 - مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا. 3 - الكتاب الذي يحوي أصل المذهب والفكرة التي نبع منها. وتعتمد جميع كتبهم على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال، وتختلف في الصين عنها في الهند؛ لأنها تخضع لتغيرات الفلاسفة. شعار البوذية عبارة عن قوس نصف دائري وفي وسطه قائم ثالث على رأسه ما يشبه الوردة، وأمام هذا التمثال صورة مجسمة لجرة الماء، وبجوارها فيل يتربع عليه بوذا في لباسه التقليدي.

المطلب السابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب السابع: الجذور الفكرية والعقائدية: ليس هناك ما يثبت أن للبوذية جذوراً فكرية أو عقائدية، إلا أن الناظر في الديانات الوضعية التي سبقتها أو عاصرتها يجد بينها وبين البوذية شبهاً من بعض الجوانب مثل: الهندوسية: في القول بالتناسخ والاتجاه نحو التصوف. الكونفوشيوسية: في الاتجاه إلى الاعتناء بالإنسان، وتخليصه من آلامه. ينبغي أن يلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية، وبخاصة فيما يتعلق بظروف ولادة المسيح وحياته والظروف التي مرَّ بها بوذا مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من معتقدات هذه الأخيرة. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثامن: مراحل انتشار البوذية:

المطلب الثامن: مراحل انتشار البوذية: إن التاريخ الإجمالي للبوذية يقرِّر أن هذه الديانة واصلت سيرها طوال خمسة وعشرين قرنا، وفي خلال هذه الفترة الطويلة تطورت البوذية سواء من ناحية العقيدة أو التطبيق أو الأدب أو المؤسسات المرتبطة بها، كالمعابد والمعاهد، وقد اقتحمت البوذية حوالي ثلاثين قطرا في آسيا، وكان تأثيرها عظيما في آداب هذه الأقطار وفي اتجاهاتهم الدينية، ومنذ القرن التاسع عشر اتصل الفكر البوذي ببعض دول أوربا، فأصبح للفكر البوذي أثره في الفلسفة الغربية والأدب الأوربي والموسيقى وغيرها من الفنون الثقافية. ذلك مجمل القول نحو تمدد البوذية وانتشارها ولكن إعطاء تفاصيل عن هذا الانتشار يكاد يكون أمرا متعذرا لقلة المادة الدقيقة عنه، ومن الممكن على كل حال لو قسمنا عمر البوذية إلى خمسة مراحل، كل مرحلة خمسة قرون أن تعطى أبرز التطورات عن البوذية في كل من هذه المراحل. شهدت الفترة الأولى (من مطلع البوذية حتى القرن الأول الميلادي) تحولا كبيرا في العقيدة البوذية فيما يتصل ببوذا، فقد كان في أول هذه الفترة يعد معلما ورجلا عظيما ورائدا عالميا ثم أصبح بمرور السنين رجلا مقدسا فمعبودا فإلها، ولم يكن ذلك التطور الواسع باتفاق الجميع، ولذلك عقدت عدة مؤتمرات للتوفيق. ولكنها لم تستطع أن تقنع الجماهير بترك مكان الإله شاغرا كما أراده بوذا أن يكون، فظلَّ الخلاف قائما. وفي خلال هذه الفترة ظهر الإمبراطور آسوكا الذي دفع بالبوذية إلى خارج حدود الهند- كما سبق القول- وبدأت البوذية تبنى المعابد، وتضع فيها الآلهة، كما بدأت تقيم الجمعيات التي ترعى الحياة الاجتماعية، وتشرف على شؤون الدين، وبخاصة في الهند وسيلان. وفي الفترة الثانية- أي من القرن الأول حتى القرن الخامس الميلادي- أخذت البوذية تنتشر تجاه الشرق إلى البنغال، وتجاه الجنوب الشرقي إلى كمبوديا وفيتنام، وتجاه الشمال الغربي إلى كشمير. وفي القرن الثالث اتخذت طريقها تجاه الشرق إلى الصين وأواسط آسيا، وكان دخولها إلى الصين بطريق البحر أيضا، ومن الصين اتجهت إلى الشمال الشرقي، فدخلت كوريا، وكان لنشاط الحجاج الصينيين الذين زاروا الهند وسيلان وجاوه بين سنة (399) وسنة (414) م أثر كبير في نشر البوذية في هذه البقاع، وكانت البوذية في هذه البقاع تتعاون تعاونا كاملا مع النظام الملكي الذي كان مسيطرا خلال هذه القرون على هذه الأقطار، وبواسطة هذا الارتباط بين الدين والسياسة انتشرت البوذية وكثر تابعوها، وشهدت هذه المدة تقدما واضحا في الثقافة البوذية التي أخذت تقيم المعاهد، وتنشر تراثها على أتباعها. وفي المدة التالية - أي من القرن السادس إلى العاشر الميلادي- استمرت البوذية في التقدم والانتشار، وبخاصة من كوريا والصين إلى اليابان، ومن الهند إلى نيبال، ثم إلى التبت، وزادت مواكب الحجاج في هذه الفترة، وكثر نشاطهم وتنقلهم إلى البلاد التي دخلتها البوذية ولم يكن دائما وطيدا وكان انتشار البوذية أو تقلصها يتوقف على قوة الارتباط وضعفه، وتعدُّ هذه الفترة من أزهى فترات البوذية من الناحية الثقافية، فقد اتضح تأثير البوذية على الآداب والفنون في جميع البلدان التي دخلتها. وفي المدة التالية - أي: من القرن الحادي عشر إلى الخامس عشر- ضعفت البوذية، واختفى كثير من آثارها، وذلك لعودة النشاط الهندوسي في الهند، ولظهور الإسلام في الهند، وفي سواها من الأقطار التي كانت تتربع فيها البوذية، ولكن البوذية اتجهت بنشاطها في هذه الفترة - فارَّة من الإسلام - تجاه لاوس ومنغوليا وبورما، وكان للنشاط الثقافي البوذي عظيم الأثر خلال هذه الفترة في بورما وكمبوديا وسيلان واليابان. أما الفترة الأخيرة- أي: من القرن السادس عشر إلى القرن العشر- فتعتبر فترة دقيقة في تاريخ البوذية، إذ وقفت البوذية وجها لوجه أمام تحدي للفكر الغربي الذي حمله الاستعمار إلى تلك البقاع، فقد أدخل الاستعمار الغربي إلى هذه البلاد اتجاهاته الفكرية وإصلاحاته التربوية وفلسفاته في مختلف الشؤون، ولم تجد البوذية بدًّا من أن تتعاون طوائفها المختلفة لتقف في وجه الزحف الفكري، وهكذا التقت الفرق البوذية، أو قربت بعضها من بعض؛ لتقوى على النضال في معركتها مع المسيحية الغربية والفلسفات الأوربية، وقد تبنت البوذية كثيرا من الاتجاهات الغربية، كما تشرَّبت المسيحية بعض الأفكار البوذية، وتُبودلت المطبوعات بين المشرفين على هاتين الفلسفتين وتطور التعليم في المعابد، فاقترب من كليات الغرب وجامعاته، وتمَّ تعاون في الخدمات الاجتماعية بين البوذيين والغربيين. وفي نهاية هذه الفترة اصطدمت البوذية بالشيوعية، وأصبح الحكم في كثير من الأقطار التي تنتشر بها البوذية في أيدي حكومات شيوعية. ¤ أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي – ص 183

المطلب التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ: الديانة البوذية منتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية، حيث يدين بها أكثر من ستمائة مليون نسمة، ولهم معبد ضخم في كاتمندو بالنيبال، وهو عبارة عن مبنى دائري الشكل، وتتوسطه قبة كبيرة وعالية، وبها رسم لعينين مفتوحتين وجزء من الوجه، ويبلغ قطر المبنى (40) متراً، أما الارتفاع فيزيد عن خمسة أدوار مقارنة بالمباني ذات الأدوار، والبوذية مذهبان كما تقدم: المذهب الشمالي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتبت ونيبال وسومطره. المذهب الجنوبي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة البالية، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام. ويمكن تقسيم انتشار البوذية إلى خمس مراحل: 1 - من مطلع البوذية حتى القرن الأول الميلادي، وقد دفع الملك آسوكا البوذية خارج حدود الهند وسيلان. 2 - من القرن الأول حتى القرن الخامس الميلادي، وفيها أخذت البوذية في الانتشار نحو الشرق إلى البنغال، ونحو الجنوب الشرقي إلى كمبوديا وفيتنام، ونحو الشمال الغربي إلى كشمير، وفي القرن الثالث اتخذت طريقها إلى الصين وأواسط آسيا، ومن الصين إلى كوريا. 3 - من القرن السادس حتى القرن العاشر الميلادي، وفيه انتشرت في اليابان ونيبال والتبت، وتعدُّ من أزهى مراحل انتشار البوذية. 4 - من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر، وفيها ضعفت البوذية، واختفى كثير من آثارها؛ لعودة النشاط الهندوسي وظهور الإسلام في الهند، فاتجهت البوذية إلى لاوس ومنغوليا وبورما وسيام. 5 - من القرن السادس عشر حتى الآن، وفيه تواجه البوذية الفكر الغربي بعد انتشار الاستعمار الأوروبي، وقد اصطدمت البوذية في هذه الفترة بالمسيحية ثم بالشيوعية بعد أن صار الحكم في أيدي الحكومات الشيوعية. ويتضح مما سبق: أن البوذية فلسفة وضعية انتحلت الصبغة الدينية، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية، وقامت على أساس أن بوذا هو ابن الله، ومخلِّص البشرية من مآسيها، وقد قال لأمه وهو طفل: إنه أعظم الناس جميعاً. ولما مات بوذا قال أتباعه: إنه صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض، وإنه سيرجع ثانية إلى الأرض؛ ليعيد السلام والبركة إليها. ويقول البعض: إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ. وتعتمد جميع كتب البوذيين على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال، وتختلف البوذية في الصين عنها في الهند بحسب نظرة الفلاسفة. مراجع للتوسع: - الملل والنحل جـ2، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني. - مقارنة الأديان (الديانات القديمة)، محمد أبو زهرة. - في العقائد والأديان، د. محمد جابر عبد العال الحيني. - المجلة العربية: مقال للدكتور محمد بن سعد الشويعر. - المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب، للعميد عبد الرزاق أسود. - أديان الهند الكبرى - أحمد شلبي. - حضارة الهند - غوستاف لوبون. - أديان العالم الكبرى - حبيب سعيد. - دائرة معارف القرن العشرين - محمد فريد وجدي. - الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة - عبد القادر شيبة الحمد. - Encyclopedia Britannica, Vol. 3 P. 369 – 414 (Press 1979) . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الرابع: الجينية:

المطلب الأول: التعريف: الجينية ديانة منشقة عن الهندوسية، ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد على يدي مؤسسها مهافيرا، وما تزال إلى يومنا هذا. إنها مبنية على أساس الخوف من تكرار المولد، داعية إلى التحرر من كل قيود الحياة، والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم، كالعيب والإثم والخير والشر. وهي تقوم على رياضات بدنية رهيبة وتأملات نفسية عميقة، بغية إخماد شعلة الحياة في نفوس معتنقيها. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب الثاني: لمحة تاريخية:

المطلب الثاني: لمحة تاريخية: كانت الجينية فرقة واحدة طيلة حياة مهاوبرا، ولم يحدث بها إلا خلافات غير عميقة الجذور سرعان ما كانت تلتئم، وبعد وفاة مهاويرا حدث انقسام خطير شطر الجينية إلى فرقتين، تسمَّى إحداهما ديجامبرا Digambara أي: أصحاب الزي السماوي، أي: الذين اتخذوا السماء كساء لهم (والمقصود بهم العراة). والثانية تسمَّى سويتامبرا Svetambara أي: أصحاب الزي الأبيض، وعن هاتين الفرقتين حدثت فرق أخرى كثيرة غير مهمة، ويلاحظ أن تعدد الفرق لم يمس الفلسفة الأصلية للجينية أو العقائد الرئيسة التي سبق أن تحدثنا عنها، وإنما اتصل بأمور ونقاط غير مهمة؛ وتحدث عن تفاصيل الأساطير وممارسة التقشف، ففرقة ديجامبرا ترى أن مهاوبرا حملت به أمه (ترى سالا) من بدء الأمر، لا أنه استلَّ جنينا من رحم ديونندا البرهمية، ثم ألقى به في رحم (ترى سالا) كما تعتقد فرقة سويتامبرا، وتنفي فرقة ديجامبرا عن مهاوبرا ما تراه غير لائق به، فتقول إنه لم يتزوج قط، وإنه هجر البيت والدنيا منذ مطلع حياته غير مبال بعواطف والديه، ويعتقدون أن العرفاء الكاملين لا يقتاتون بشيء، ويقولون: إن من يملك شيئا من متع الدنيا- ولو كان ثوبا واحدا يستر به عورته- لا ينجو، ويرون أن النساء لاحظ لهن في النجاة ما دمن في قوالب النساء، أي: إلا إذا دخلت أرواحهن في قوالب أخرى في حياة من الحيوات المتكررة، ويعتقدون أن التراث الديني المقدس للجينية قد ضاع كله، وأما فرقة سويتامبرا ففرقة معتدلة، ترى أن مهاويرا وإن كان ميالا - من وقت أن بدأ شعور - إلى هجر الدنيا، وقطع العلائق، إلا أنه لم يفعل ذلك في حياة والديه؛ احتراما لإحساسهما، ويروون عنه قوله في ذلك: ولا يليق بي وأنا الابن البار أن أنتف شعري، وأقبل على حياة التقشف والحرمان، تاركا البيت والأسرة؛ احتراما لعواطف والدي، وهم يبيحون الطعام للعرفاء، ويرون إمكان النجاة للنساء. ¤ أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص 126

المطلب الثالث: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثالث: التأسيس وأبرز الشخصيات: يعتقد الجينيون أن ديانتهم ساهم في تأسيسها (24) ترنكاراً أو جيناً، حيث يظهر كل منهم في نصف دورة زمنية بدأت منذ الأزل. وسوف تستمر إلى ما لا نهاية. كان أول هؤلاء هو ريشابها أو أديناثا. ويعتبر وجود هؤلاء الجينيات من قبيل الأساطير التي لم تثبت تاريخيًّا. - نيميناثا أو أريشتمانيمي: هو الجيني الثاني والعشرون، ويعتبرونه ابن عم كرشنا، ووصل إلى مرحلة النيرفانا (الخلاص) في مدينة سوراسترا في ولاية كوجرات. - برشفا ابن ملك فاراناس، يعتبر الجيني الثالث والعشرين، وهو أول الشخصيات التاريخية. عاش في القرن الثامن قبل الميلاد. - يعتبر مهافيرا المؤسس الحقيقي للجينية، وقد ولد عام (599) ق. م وترهبن في سن الثلاثين، وعلى يديه تبلورت معتقداته التي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا، وقد سار بدعوته بنجاح حتى بلغ الثانية والسبعين من العمر، وتوفي عام (527) ق. م. - ينحدر مهافيرا من أسرة من طبقة الكاشتر المختصة بشؤون السياسة والحرب. - أبوه سدهارتها أمير مدينة في ولاية بيهار، ومهاويرا هو الابن الثاني له. - عاش حياته الأولى في كنف والديه متمتعاً بالخدم والملذات العادية، وكان شديد التقدير والاحترام لوالديه، تزوَّج ورزق بابنة. - لما توفِّي والده، استأذن أخاه في التخلِّي عن ولاية العهد، والتنازل عن الملك والألقاب. - حلق رأسه ونزع حليَّه، وخلع ملابسه الفاخرة، وبدأ مرحلة الزهد والخلوة والتبتل، وكانت سنه آنذاك ثلاثين عاماً. - صام يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسده، وهام في البلاد عارياً مهتماً بالرياضات الصعبة والتأملات العميقة. - اسمه الأصلي فردهامانا، لكن أتباعه يسمونه مهافيرا، ويزعمون أن هذا الاسم من اختيار الآلهة له، ومعناه البطل العظيم، ويطلقون عليه كذلك جينا، أي القاهر لشهواته، والمتغلب على رغباته المادية. - يدَّعي أتباع هذه الطائفة بأن الجينية ترجع إلى ثلاثة وعشرين جينيًّا، ومهافيرا هو الجيني الرابع والعشرون. - تلقَّى مهافيارا علومه على يدي بارسواناث الذي يعتبرونه الجيني الثالث والعشرين، وقد أخذ عنه مبادىء الجينية، وخالفه بعد ذلك في بعض الأمور، وزاد على هذه الطريقة شيئاً استخلصه من تجاربه وخبرته مما جعله المؤسس الحقيقي لها. - غرق في تأملاته ورهبانيته، وعرَّى جسده هائماً في البلاد لمدة ثلاثة عشر شهراً، مداوماً على مراقبة نفسه في صمت مطبق، يعيش على الصدقات التي تقدَّم إليه. حصل بعدها على الدرجة الرابعة مباشرة؛ إذ كان مزوداً بثلاثة منها أصلاً كما يقولون. - تابع بعد ذلك رحلة عدم الإحساس حتى حصل على الدرجة الخامسة، وهي كما يزعمون درجة العلم المطلق، ووصوله إلى مرحلة النجاة. - بعد سنة من الصراع والتهذيب النفسي فاز بدرجة المرشد، وبدأ بذلك مرحلة الدعوة لمعتقده، فدعا أسرته ثم عشيرته، ثم أهل مدينته، ومن ثم دعا الملوك والقواد، فوافقه كثير منهم لما في دعوته من ثورة على البراهمة. - استمرَّ بدعوته حتى بلغ الثانية والسبعين، حيث توفي سنة (527) ق. م. مخلفاً وراءه خطباً وأتباعاً ومذهباً. - أرياشاما: عاش في القرن الرابع بعد مهافيرا. - كونداكاوندا أكياريا: تقدره فرقة الديجامبرا، وكتب بعض الكتب والشروح، عاش في القرون المسيحية الأولى. - انقسمت الجينية بعده إلى عدة أقسام، وصلت إلى ثمان فرق أو أكثر، أهمها الآن: - ديجامبرا: أي: أصحاب الزيِّ السماوي العراة، وهم طبقة الخاصة الذين يميلون إلى التقشف والزهد، ومعظمهم من الكهان والرهبان والمتنسكين، الذين يتخذون من حياة مهاويرا قدوة لهم، وقد انقسموا مؤخراً إلى عدد من الفرق. - سويتامبرا: أي: أصحاب الزي الأبيض، وهم طبقة العامة المعتدلون الذين يتخذون من حياة مهاويرا الأولى في رعاية والديه نبراساً لهم، حيث كان يتمتع حينها بالخدم والملذات، إذ يفعلون كل أمر فيه خير، ويبتعدون عن كل أمر فيه شر، أو إزهاق لأرواح كل ذي حياة، يلبسون الثياب، ويطبقون مبادىء الجينية العامة على أنفسهم. - أقبل الملوك والحكام في الهند على اعتناق الجينية، مما سجَّل انتصاراً على العصر الويدي الهندوسي الأول، ذلك أنها تدعو إلى عدم إيقاع الأذى بذي روح مطلقاً، كما توجب أن يطيع الشعب حاكمه، وتقضي بذبح من يتمرَّد على الحاكم، أو يعصي أوامره، فصار لهم نفوذ كبير في بلاط كثير من الملوك والحكام في العصور الوسطى. - نالوا كثيراً من الاحترام والتقدير أيام الحكم الإسلامي للهند، وقد بلغ الأمر بالإمبراطور أكبر الذي حكم الهند من (1556 – 1605) م, أن ارتدَّ عن الإسلام، واعتنق بعض معتقدات الجينية، واحتضن معلم الجينية هيراويجيا، مطلقاً عليه لقب معلم الدنيا.

المطلب الرابع: الأفكار والمعتقدات:

أولا: الكتب: - نزل مهاويرا قبل موته في مدينة بنابوري في ولاية تَبْنا، وألقى خمساً وخمسين خطبة، وأجاب عن ستة وثلاثين سؤالاً. فهذه الخطب وتلك الأسئلة أصبحت كتابهم المقدس. - يضاف إلى ذلك، الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والرهبان والنسَّاك الجينيين. - انتقل تراثهم مشافهة، وقد حاولوا تدوينه في القرن الرابع قبل الميلاد لكنهم فشلوا في جمع كلمة الناس حول ما كتبوه، فتأجَّلت كتابته إلى سنة (57) م. - في القرن الخامس الميلادي اجتمع كبار الجينيين في مدينة ويلابهي، حيث قاموا بتدوين التراث الجيني باللغة السنسكريتية، في حين أن لغته الأصلية كانت أردها مجدى. - ويوجد الآن عدد من الكتب والشروح والأساطير الكثيرة، يختلف الاعتراف بها من طائفة إلى أخرى.

ثانيا: الإله:

ثانيا: الإله: - الجينية في الأصل ثورة على البراهمة، لذا فإنهم لا يعترفون بآلهة الهندوس وبالذات الآلهة الثلاثة (برهما - فشنو - سيفا)، ومن هنا سمِّيت حركتهم بالحركة الإلحادية. - لاتعترف الجينية بالروح الأكبر أو بالخالق الأعظم لهذا الكون، لكنها تعترف بوجود أرواح خالدة. - كل روح من الأرواح الخالدة مستقلة عن الأخرى، ويجري عليها التناسخ. - لم يستطيعوا أن يتحرروا تحرراً كاملاً من فكرة الألوهية، فاتخذوا من مهافيرا معبوداً لهم، وقرنوا به الجينيات الثلاثة والعشرين الآخرين؛ لتكمل في أذهانهم صورة الدين، وليسدوا الفراغ الذي أحدثه عدم اعترافهم بالإله الأوحد. - خلق المسالمة والمجاملة دفعهم إلى الاعتراف بآلهة الهندوس (عدا الآلهة الثلاثة) ثم أخذوا يُجلُّونها، لكنهم لم يصلوا بها إلى درجة تقديس البراهمة لها، ودعوا كذلك إلى احترام براهمة الهندوس باعتبارهم طائفة لها مكانتها في الدين الهندوسي. - لا توجد لديهم صلاة، ولا تقديم قرابين، ولا يعترفون بالطبقات، بل هم ثورة عليها؛ إذ ليس لديهم سوى طبقتي الخاصة والعامة. ولم يجعلوا لخاصتهم من الرهبان أية امتيازات مما جعل الرهبنة ذات مشقة وتضحية وتكليف ذاتي.

ثالثا: من معتقداتهم الأخرى:

ثالثا: من معتقداتهم الأخرى: · الكارما: - الكارما لديهم كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها، ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف، والحرمان من الملذات. - يظلُّ الإنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه، ولا تطهر نفسه حتى تتخلَّص من الكارما، حيث تنتهي رغباته، وعندها يبقى حيًّا خالداً في نعيم النجاة. وهي مرحلة النيرفانا أو الخلاص التي قد تحصل في الدنيا بالتدريب والرياضة أو بالموت. - النجاة: - إنها تعني الفوز بالسرور الخالد الخالي من الحزن والألم والهموم، وتعني التطهر من أدران الحيوانية المادية، إنها ترمي إلى التخلص من تكرار المولد والموت والتناسخ. - طريق الوصول إلى النجاة يكون بالتمسك بالخير، والابتعاد عن الشرور والذنوب والآثام، ولا يصل إليها الإنسان إلا بعد تجاوز عوائق ومتاعب الحياة البشرية بقتل عواطفه وشهواته. - الشخص الناجي مكانه فوق الخلاء الكوني، إنها نجاة أبدية سرمدية. - تقديس كل ذي روح. - يقدِّسون كل ما فيه روح تقديساً عجيباً. - يمسك بعض الرهبان بمكنسة ينظف بها طريقه أو مجلسه؛ خشية أن يطأ شيئاً فيه روح. - يضع بعضهم غشاءً على وجهه يتنفس من خلاله؛ خوفاً من استنشاق أي كائن حي من الهوام العالقة في الهواء. - لا يعملون في الزراعة؛ حذراً من قتل الديدان والحشرات الصغيرة الموجودة في التربة. - يذبحون الحيوانات، ولا يأكلون لحومها وهم نباتيون. - لا يشتركون في معركة، ولا يدخلون في قتال؛ خوفاً من إراقة الدماء، وقتل الأحياء من البشر، فهم مسالمون بعيدون عن كل مظاهر العنف. - العواطف: - يجب قهر العواطف والمشاعر جميعاً، حتى لايشعر الراهب بحب أو كره، بحزن أو سرور، بحرٍّ أو برد، بخوف أو حياء، بخير أو شرٍّ، بجوع أو عطش، فيجب أن يصل إلى درجة الخمود والجمود والذهول، بحيث تقتل في نفسه جميع العواطف البشرية. - ترى أحدهم ينتف شعر جسده دون أن يشعر بأي ألم في ذلك. - العري: - قمة قتل العواطف هي الوصول إلى مرحلة العري، الذي يعتبر أبرز مظاهر الجينية حيث يمشي الشخص في الشوارع بدون كساء يستر جسده، من غير شعور بالحرج أو الحياء أو الخجل. وهذا تطبقه فرقة ديجامبرا من الجينية. - الرهبان يعيشون عراة، وذلك نابع من فكرة نسيان العار أو الحياء، مما يمكنه من اجتياز الحياة إلى مرحلة النجاة والخلود. - إذا تذكَّر الإنسان العاري الحياة والحسن والقبح، فذلك يعني أنه ما زال متعلقاً بالدنيا مما يحجبه عن الفوز والنجاة. - الشعور بالحياء يتضمن تصور الإثم، وعدم الشعور بالحياء معناه عدم تصور الإثم. فمن أراد الحياة البريئة البعيدة عن الشعور بالآلام فما عليه إلا أن يعيش عارياً متخذاً من السماء والهواء كساء له. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

رابعا: موجز القول في عقائد الجينية:

رابعا: موجز القول في عقائد الجينية: عقائد الجينيةيقول أحد الفلاسفة الهنود (¬1) عن الجينية: هي حركة عقلية متحررة من سلطان الويدات، مطبوعة بطابع الذهن الهندوسي العام، أسس بنيانها على الخوف من تكرار المولد، والهرب من الحياة؛ اتقاء شائماتها، منشؤها الزهد في خير الحياة؛ فزعا من أضرارها، عمادها الرياضة الشاقة والمراقبات المتعبة، ومعولها الجحود للمذات والمؤلمات، وسبيلها التقشف والتشدد في العيش، وطريقها الرهبانية، ولكن غير رهبانية البرهمية، وقد داوى الجينيون الميول والعواطف بإفنائها، ووصلوا في ذلك إلى إخماد شعلة الحياة بأيديهم، وافتقدوا النجاة في وجود من غير فعلية، وسرور من غير انبعاث. ¤ أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص 113 ¬

(¬1) ([192]) مولانا محمد عبد السلام الرامبوري: (الجينية (ضمن مقالاته وأبحاثه القيمة عن فلسفة الهند القديمة.

المطلب الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية: الجينية ثورة على الهندوسية مستنكرة آلهتها وطبقاتها، لكنها لم تستطع أن تتحرر من طابعها العام ومن سماتها البارزة، فاتخذت لنفسها آلهة خاصة بها. - الفكر الجيني يقوم أصلاً على أفكار هندوسية كالانطلاق، والكارما، والنجاة، والتناسخ وتكرار المولد، والدعوة إلى السلبية، مع صبغ هذه المفاهيم بالصبغة الجينية وتطويرها؛ لتلائم المعتقد الجيني. - تَدَّعي الجينية بأن فلسفتها ترجع إلى الجيني الأول الذي كان حيًّا في التاريخ البعيد، وإلى جيناتها الذين تتابعوا واحداً إثر الآخر حتى كان الجيني الثالث والعشرون بارسواناث؛ والرابع والعشرون مهافيرا الذي استقرت على يديه معالم هذه الديانة التي تشكَّلت خلال مرحلة طويلة من الزمن. - كان ظهورها مواكباً لظهور البوذية، وكلتاهما ثورتان داخل الفكر الهندوسي. - يعتقد بأن النصرانية قد أخذت عن الجينية فكرة الصيام عن كل ما فيه حياة؛ إذ إنهم يصومون عن اللحوم وعن جميع المشتقات الحيوانية لأيام معدودة، ويعيشون خلال ذلك على الأطعمة النباتية. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المطلب السادس: فلسفة الجينية من كتبهم المقدسة:

المطلب السادس: فلسفة الجينية من كتبهم المقدسة: المصادر المقدسة لدى الجينيين هي خطب مهاويرا ووصاياه، ثم الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والعرفاء والرهبان والنساك الجينيين، وقد انتقل هذا التراث المقدس من جيل إلى جيل عن طريق المشافهة، ثم خيف ضياع هذا التراث أو ضياع بعضه أو اختلاطه بغيره، فاتجهت النية إلى جمعه وكتابته، واجتمع لذلك زعماء الجينية في القرن الرابع قبل الميلاد في مدينة (باطلي بترا) وتدارسوا هذا الأمر، وجمعوا بعض هذا التراث في عدة أسفار، ولكنهم اختلفوا بعضهم على بعض في المصادر، كما لم ينجحوا في جمع الناس حول ما اتفقوا عليه، ولذلك تأجَّلت كتابة القانون الجيني حتى سنة (57) م، فدوَّنوا آنذاك ما استطاعوا الحصول عليه بعد أن فقد كثير من هذا التراث بوفاة الحفاظ والعارفين، وفي القرن الخامس الميلادي عقدوا مجلسا آخر بمدينة (ولابهي) حيث تقرر الرأي الأخير حول التراث الجيني المقدس. أما لغة هذا التراث فكانت اللغة المسماة (أردها مجدى)، فلما اتجهت النية إلى حفظه وتدوينه اختيرت اللغة السنسكريتية لهذا الغرض، وكانت لغة (أردها مجدى) هي لغة هذا التراث قبل الميلاد، أما اللغة السنسكريتية فقد حلَّت محلَّها في القرون الميلادية الأولى. وسنختار من هذا التراث المقدس بعض نماذج تشرح لنا أهم اتجاهات الفلسفة الجينية: اليواقيت الثلاثة: يقول الجينيون: إن الحياة الدنيا تعاسة مستمرة وشقاء متصل، نعيمها زائل والعيش فيها باطل، نطمح فيها إلى الخير فننال شرا، ونبتغي السعادة فتصيبنا الشقاوة حتى نموت ولم تنته حسراتنا! ثم نحيا حياة قد كسبتها أيدينا، خيرها تهلكة فكيف بشرها، وتدوم عجلة الموت والحياة فيا لنا من خاسرين، ولا دواء إلا بأن ننزع عنها، ونزهد في الحياة وترفها، ولكن هنا شيء يجعلنا نتمسك بالحياة، ويزين لنا باطلها، ما هو؟ إنه الغواية ( Mittyaina) التي تخلق العقائد الفاسدة، والأخلاق السيئة، والجهل المشين، وهذه تكسو الروح بظلام، ويتراكم الظلام فتعمى الروح، وتسير على غير هدى، تحب الحياة وشهواتها، وتسير في طريق الضلال، وتظل الروح على هذا الوضع بين الموت والولادة، حتى ينبثق النور إما من أعمال الروح بطريق الصدفة أو الإلهام، وإما بقيادة العرفاء والمبشرين وهدايتهم، وليس هذا النور إلا السبيل المثلث أو اليواقيت الثلاثة التي من اتبعها وصل إلى بر السلامة، وهذه اليواقيت هي: 1 - الياقوتة الأولى: الاعتقاد الصحيح، وهو رأس (النجاة)، ويقصدون به الاعتقاد بالقادة الجينيين الأربعة والعشرين، فإن ذلك هو المنهج المعبد والصراط السوي، ولا يكون الاعتقاد الصحيح إلا إذا تخلصت النفس من أدران الذنوب اللاصقة بها، والتي تحول دون وصول الروح إلى هذا الاعتقاد. 2 - الياقوتة الثانية: العلم الصحيح، ويقصد به معرفة الكون من ناحيتيه المادية والروحية، والتفريق بين هذه وتلك، وتختلف درجة المعرفة باختلاف قوة البصيرة وصفاء الروح، ويستطيع الشخص الذي يفصل أثر المادة من قوته الروحية وإشراقها أن يرى الكون في صورته الحقيقية، وتنكشف لديه الحقائق، وترتفع عنه الحجب الكثيفة، فيميز الحق من الباطل، والظن من اليقين، ولا تشتبه عليه الأمور، ولا يكون العلم الصحيح إلا بعد الاعتقاد الصحيح. 3 - الياقوتة الثالثة: الخلق الصحيح، ويقصد به التخلق بالأخلاق الجينية من التحلي بالحسنات، والتخلِّي عن السيئات، وعدم القتل وعدم الكذب وعدم السرقة، والتمسك بالعفة، والزهد في الملكية. واليواقيت الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض، وإذا اكتملت في إنسان فإنه يجد لذة لا تعدلها لذة، وسعادة ليس مثلها سعادة. المبادئ الأساسية لطهارة الروح:

وضع الجينيون سبعة أصول رئيسية لتطهير الروح، وتعتبر هذه الأصول أمهات المبادئ الجينية، وهي: 1 - أخذ العهود والمواثيق مع القادة والرهبان، بأن يتمسك المريد بالخلق الحميد، ويقلع عن الخلق السيئ. 2 - التقوى، وهي المحافظة على الورع، والاحتياط في الأقوال والأعمال، وفي جميع الحركات والسكنات، وتجنب الأذى والضرر لأي كائن حي مهما كان حقيرا. 3 - التقليل من الحركات البدنية، ومن الكلام، ومن التفكير في الأمور الدنيوية الجسمانية، حتى لا تضيع الأوقات والأنفاس الثمينة في صغار الأمور. 4 - التحلِّي بعشر خصال هي أمهات الفضائل ووسائل الكمال وهي: العفو، والصدق، والاستقامة، والتواضع، والنظافة، وضبط النفس، والتقشف الظاهري والباطني، والزهد، واعتزال النساء والإيثار. 5 - التفكير في الحقائق الأساسية عن الكون وعن النفس، وبعض أمور الكون وأمور النفس يُتوصَّل لها بالحواس الخمسة المادية، وبعضها لا يُتوصَّل إليها بمنظار الذهن، ومن هنا لزم استعمال الحواس المادية، واستعمال الفكر كذلك. 6 - السيطرة على متاعب الحياة وهمومها التي تنشأ من الأعراض الجسمانية أو المادية، كمشاعر الجوع والعطش والبرودة والحرارة، وسائر أنواع الشهوات المادية، وعليه أن يضرب حصنا متينا حوله؛ للتخلص من هذه الأعراض والحواس والتأثر بها. 7 - القناعة الكاملة، والطمأنينة، والخلق الحسن، والطهارة الظاهرية والباطنية. وتدَّعى الجينية أن هذه المبادئ تطلق الإنسان من الوثاق الذي يشده بالحياة، ويسلب عنه الراحة الذهنية والطمأنينة القلبية، وإذا اتصف أحد بهذه الصفات السبع فإنها تخرجه من الظلمات التي تحيط به بسبب هموم الدنيا ومشاكلها العديدة حتى تصير روحه حرة طليقة تنساب في سماء المعرفة والنور العلوي، وتحيط بالعلوم الربانية والكشف الباطني، فتكون في سرور دائم ولذة معنوية مطلقة، وهذه هي الطريقة الجينية للنجاة. درجات العلم في الفلسفة الجينية: تقسم الفلسفة الجينية العلم خمسة أقسام حسب مصادره، وتكثير الفلسفة الجينية من التفريعات لكل قسم، ولنكشف هنا بإيراد الأقسام الخمسة الرئيسية: 1 - الإدراك بطريق الحواس أو بطريق الذهن، ويشتمل هذا الإدراك على طريق القياس والاستقراء المبنيين على المشاهدة، كما يشتمل على الفهم والحفظ والإحساس، ويستلزم هذا العلم حضور الأشياء المعلومة للحواس أولًا حتى يتمَّ إدراكها. 2 - العلم عن طريق الوثائق المقدمة، ويُعرف هذا القسم بالعلم غير المباشر؛ لتوسط المستندات والوثائق بين من يعلم وما يعلم، وتدَّعي الجينية أن كتبهم المقدسة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة. 3 - العلم بالوجدان المحدود، وهو إدراك ذي الصورة من الأشياء الموجودة بطريق الروح، فالمدرك هنا موجود يمكن أن يرى، ولكن لبعده مثلا لا تراه العين، وتراه الروح في هذه المرحلة من مراحل العلم. وللوصول إلى هذه المرحلة لابد من تطهير الروح من الأدران والأوساخ، والسمو بها عن الوساوس والأوهام. 4 - العلم بالوجدان المحيط، وهو إدراك بطريق الروح لما ليست له صورة الآن، فهو إدراك يتخطَّى مسافات الأزمنة والأمكنة، يعلم ما في السماء وما في الأرض من ظاهر وباطن، وما كان فيهما، وهي مرحلة أعلى طبعا من سابقتها، وتستلزم مزيدا من الطهر والصفاء. 5 - العلم بمخبآت الضمائر والتصورات في السرائر، فهو علم بما لم يوجد إلا من حيث إنه خاطر في الذهن، وهو أرقى درجات العلم، ولا يتمُّ إلا للذين هجروا الأهل والوطن، وطهَّروا أنفسهم بالرياضة الشاقة. ¤ أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص 121

المطلب السابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب السابع: الانتشار ومواقع النفوذ: لم تخرج الجينية من الهند، فمعابدهم منتشرة في كلكتا ودلوارا، ولهم معابد في كهجورا وجبل آبو، وهي تعدُّ من عجائب الدنيا زينة وزخرفة، وفي القرن الثاني قبل الميلاد نحتوا كهفهم العظيم المسمى هاتي كنبا في منطقة إدريسه، ولهم كهوف أخرى منتشرة في أنحاء الهند مما يدلُّ على براعتهم في نحت التماثيل، ورسوخ قدمهم في فن معمار المعابد وزخرفتها، وتزيينها بالنقوش العجيبة. يبلغ تعدادهم الحالي حوالي المليون نسمة يعملون في التجارة وإقراض البنوك، فمعظمهم من الأغنياء مما ساعدهم على نشر الكتب والتأثير على الثقافة الهندية. ويتضح مما سبق: أن الجينية حركة عقلية متحررة مطبوعة بطابع الذهن الهندوسي العام، فمنشؤها الزهد والتقشف، وطريقتها الرياضة الشاقة، ومظهرها الرهبانية، وهم يعترفون بآلهة الهندوس، ويعيشون شبه عراة، معرضين أجسامهم لظواهر الطبيعة، وأحياناً يلجئون إلى قطع الروابط بالحياة عن طريق الانتحار، ويعتبرونه غاية لا تتاح إلا للخاصة من الرهبان. مراجع للتوسع: - حضارة الهند، غوستاف لوبون. - مهافيرا: مؤسس الجينية، ثقافة الهند - ديسمبر (1951) م. - الفلسفة الجينية، محي الدين الألوائي. - تاريخ الإسلام في الهند، عبد المنعم النمر. - فلسفة الهند القديمة، مولانا محمد عبد السلام الرامبوري. - أديان الهند الكبرى، د. أحمد شلبي - ط6 - النهضة المصرية. - حقائق عن الهند، منشورات إدارة الاستعلامات الهندي. - أديان العالم الكبرى، حبيب سعيد. - المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب، العميد عبد الرزاق محمد أسود. المراجع الأجنبية: - H.G. Wells: A Short History of the World. - Berry: religions of the World. - History of Buddhist Thought: Edward Thomas. - Weeche and rylamds: The Peoples and religions of India . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الخامس: السيخية:

المطلب الأول: التعريف: السيخ: جماعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر، وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، داعين إلى دين جديد، زعموا أن فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية، تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمون). وقد عادى المسلمين خلال تاريخهم، وبشكل عنيف، كما عادى الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند. وكلمة سيخ كلمة سنسكريتية تعني المريد أو التابع. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي السيخية دين هندوسي ظهر في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) على يد رجل يدعى (نانك)، أصله من طبقة الكاشتريا، قضى صدرا من حياته في التأمل والتفكر، ورفضت فطرته عبادة الأصنام والتماثيل التي تكثر عن الهندوس، كما رفضت نظام الطبقات المقيت، فأخذ يسيح في الأرض باحثا عن الحقيقة، وأراد أن يتعلَّم الإسلام، ولكن المسلمين في بلاده (البنجاب) كانوا يعبدون الأولياء، ويقدِّسون الأضرحة، كما يفعل الهندوس بالأصنام، فلم يجد (نانك) فرقا كبيرا بين الطائفتين، ولم يوفق لمقابلة من يعلمه الإسلام الصحيح. ثم إنه لقي صوفيا من أصحاب وحدة الوجود يُدعى (سيد حسين درويش) فتعلَّم منه أن الأديان كلها حق؛ لأن الأصنام ما هي إلا مظاهر وتجليات للحق، ومن عبدها فإنما يعبد الله في الحقيقة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فأعجب ذلك الضال الحائر بهذه العقيدة، وآمن بها، وأخذ يدعو إلى دين جديد، لا هو الهندوسية ولا الإسلام، وزار معابد الهندوس وأضرحة الأولياء، وناظر الكهنة والشيوخ داعيا إلى عقيدته، ويقال: إنه حجَّ إلى مكة وزار العراق أيضا. وكان (السيخ) ومعنى كلمة السيخ: (السيد) أو (الفارق)، وظلَّ السيخ على طريقة صوفية إلى أن جاء أحد أحفاد (نانك) في القرن الحادي عشر الهجري، فحوَّلهم إلى جماعة حربية منظمة، وغيَّر الاسم من سيخ إلى (سنغ) (وكلمة سنغ معناها: أسد) ولكن اسمهم القديم بقي هو الأشهر، ومنذ ذلك الحين أصبح السيخ أمة شديدة البأس حربية الطبع، وعاشوا في حروب مستمرة مع جيرانهم من الهندوس والمسلمين. ولما احتلَّ الإنجليز الهند دخل السيخ في طاعتهم، وظلُّوا مخلصين في الولاء لهم، وسخَّرهم الإنجليز لحرب الهندوس والمسلمين. ولما قُسِّمت الهند إلى دولتي الهند وباكستان، كان السيخ من ضمن المناطق الهندية، لا سيما عاصمتهم المقدسة ذات المعبد الذهبي، وبذلك كانوا ما يزالون من أكبر أسباب الاضطراب والشغب في الهند، كما أنهم يشابهون اليهود في شدة عداوتهم للإسلام. ¤ أصول الفرق والمذاهب الفكرية لسفر الحوالي – ص 111

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

الفرع الأول: المؤسس: المؤسس الأول ناناك، ويدعَى (غورو) أي: المعلم، ولد سنة (1469) م, في قرية ري بوي دي تلفندي التي تبعد (40) ميلاً عن لاهور، كانت نشأته هندوسية تقليدية. لما شبَّ عمل محاسباً لزعيم أفغاني في (سلطانبور)، وهناك تعرف على عائلة مسلمة ماردانا كانت تخدم هذا الزعيم. وقد أخذ ينظم الأناشيد الدينية، كما نظّم مقصفاً ليتناول المسلمون والهندوس الطعام فيه. درس علوم الدين، وتنقل في البلاد، كما قام بزيارة مكة والمدينة، وزار أنحاء العالم المعروفة لديه، وتعلَّم الهندية والسنسكريتية والفارسية. ادَّعى أنه رأى الرب حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام، ظهر بعدها معلناً (لا هندوس ولا مسلمون). كان يدَّعي حب الإسلام، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين، فأنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية، وبعض الدارسين ينظرون إليه على أنه كان مسلماً في الأصل، ثم ابتدع مذهبه هذا. أنشأ المعبد الأول للسيخ في كارتاربور بالباكستان حاليا، وقبل وفاته عام (1539) م عيَّن أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة ديرة باباناناك من أعمال البنجاب الهندية الآن، ولا يزال له ثوب محفوظ فيه مكتوب عليه سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة من القرآن. خلفه من بعده عشرة خلفاء معلمون، آخرهم غوبند سنغ (1675 - 1708) م, الذي أعلن انتهاء سلسلة المعلمين. صار زعماؤهم بعد ذلك يعرفون باسم المهراجا، ومنهم المهراجا رانجيت سنغ المتوفى سنة (1839) م. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

الفرع الثاني: السيخ بعد المؤسس (نانك):

الفرع الثاني: السيخ بعد المؤسس (نانك): بعد وفاة نانك خلفه خلفاء منهم ابنه (شري شند) ثم ابنه الثاني الذي يلقب بـ: (صاحب زاده) أي: ابن الرئيس. ثم تتابع بعد ذلك أئمة السيخ، وحصل على أيديهم تطورات، وتغيرات، كما سيتبين فيما سيأتي عند الحديث عنهم، وعن معتقدات السيخ (¬1). ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 53 ¬

(¬1) انظر ((الهندوس والسيخ)) (ص 18).

الفرع الثالث: أئمة السيخ وخلفاؤهم:

الفرع الثالث: أئمة السيخ وخلفاؤهم: خلف نانك خلفاء وأئمة للسيخ، وعددهم تسعة، وهم: 1 - الإمام الثاني للسيخ (خليفة نانك) (أنغد) (1504 - 1552) م: ولد (أنغد) في زمن الملك (إسكندر اللودي) في فيروز فور عام (1504) م، وخلف (نانك) بعد وفاته، وعمره يومئذ خمسة وثلاثون عاماً. 2 - الإمام الثالث (أمرداس) (1479 - 1574) م: وهو الذي نجح في إدخال كثير من التعاليم السيخية الجديدة التي تميزهم عن الهندوس، فمهدت تلك التعاليم بعد ذلك للفصل بين العقيدتين، وكسر جسور الانتساب لهم، فأقام طقوساً خاصة بالمواليد والوفيات تختلف عن طقوس الهندوس. كذلك أبطل عزلة المرأة، ودافع عن الزواج بواحدة، وشجَّع الاتصالات بين الطبقات، وزواج الأرامل من النساء. كما منع بشدة ممارسة عادة الساتي ( sait) أو حرق النساء الأرامل بعد موت أزواجهن. 3 - ثم خلف (أنغد) (رام داس) (1534 - 1581) م: في عهد الإمبراطور (همايون). 4 - الخليفة الخامس (أرجون) (1563 - 1606) م: أنجب (رام داس) ثلاثة من البنين، واستخلف على سرير الخلافة أصغر أبنائه (أرجن). ولد أرجن في زمن الإمبراطور المغولي (أكبر) في عام (1573) م في مدينة (غوبندال)، وكرَّس جهوده بعد الاستخلاف لتجميع صفوف السيخ وتوحيدها، ودخل في عهده آلاف الناس في الديانة السيخية. 5 - الخليفة السادس (هرغوبند) (1595 - 1644) م: وظهر أمام الدنيا كملك لا كناسك، وجعل في حقويه سيفين. 6 - الخليفة السابع (هر راي) (1630 - 1661) م: نصب (هرغوبند) حفيده (هر راي) خليفة له، ولم يحصل في زمانه كبير شيء، وتوفي وهو ابن إحدى وثلاثين سنة. 7 - الخليفة الثامن (هر راي كرشن) (1656 - 1664) م: ثم جلس على سرير الخليفة ابن (هر راي)، (هر كرشن). 8 - الخليفة التاسع (تيغ بهارد) (1621 - 1675) م: ثم جلس على سرير الملك (تيغ بهارد) أصغر أولاد (هاري غوبند) (الخليفة السادس). 9 - الخليفة العاشر والأخير (غوبند) (1666 - 1708) م: ولما قُتل (تنغ بهادر) خلفه ابنه (غوبند) وهذا الخليفة كان من أشجع خلفاء السيخ، وأخبرهم بأمور الحرب، وهو الذي صرف همَّه كله لتوحيد صفوف السيخ، وبثَّ فيهم روح العداء للمسلمين، وفتح الباب لجميع من أراد الدخول في الديانة السيخية، ولم يفرِّق بين الطبقات، فدخل الناس في دينه أفواجا. ثم جعل لقومه زيًّا خاصاً يتميزون به عن الآخرين، وأوجب على كلِّ سيخي أن يتخذ لديه قطعة من الحديد؛ وذلك دليلاً على شجاعته وصلابته، وألا يحلق شيئاً من شعر جلده، وأن يكون عنده مشاطة، وأوجب تعظيم البقرة، ورفع القيود عن المأكل والمشرب حتى أباح الخمر، وأوجبَ على كلِّ سيخي إذا قابل أخاه أن يقول: -بول واه غرو جي كا خالصة- ومعناها: لتحيا فكرة حرية الحرية - غوبند رائي، والآخر يرد: - سرى واه غرو جي كي فتح- ومعناها: يا للعظمة لفتوح الشيخ. واتخذ مع اسمه لقب (سنغ) أي: الأسد، ثم أطلق هذا اللفظ على كل سيخي، فما منهم من أحد إلا وفي اسمه سنغ، وهو الذي لقَّب السيخ بـ: (الخالصة) أي: القوم الأحرار. وهو الذي فصل الأمة السيخية عن الأمة الهندوسية فصلاً تامًّا. وفي عهده أصبح السيخ أعدى أعداء المسلمين، وصاروا يسعون للانتقام منهم في كل فرصة سنحت لهم. وقد نسجت حول شخصيته حكايات عجيبة غريبة تتحدث عن شجاعته وهمته، حتى أنه يقال: إنه قاتل الأعداء إلى أربعة عشر ميلاً في الميدان بعد أن فُصِل رأسُه عن جسده، والحاملُ إذا سمعت اسمه ألقت ما في بطنها. وغيرها من الحكايات. فلا شك أنه وحَّد قومه وجمعهم على بغض المسلمين وكرههم، وجعل في قتال المسلمين مجداً وشرفاً، ولا يتخلفون عنه أبداً.

وكان (غوبند رائي) آخر الخلفاء العشرة، وانتهت به سلسلة الخلافة في الديانة السيخية. وانقسم السيخ في هذه الأيام إلى طائفتين لكل منهما أتباع، وتتقاتلان فيما بينهما أحياناً، وليست حقيقتهما إلا مثل (الكاثوليك) و (البروتستانت) عند النصارى. فطائفة (آكلي خالصة) تعتقد أن الوصول إلى الألوهية لا يمكن إلا بالطريق التي سلكها مؤسس الديانة وخلفاؤه، وأنه يجب اتباع التقاليد والعادات الموروثة فيهم. وتعتقد في أن كل سيخي إنما هو (سنت) أي: ناسك، وليس (سباهيا) أي جنديًّا؛ فيحرم عليه حمل السلاح إلا إذا طلبت منه الحكومة، وأن سلسلة الخلافة انتهت بموت الخليفة العاشر، وغير ذلك من العقائد. وطائفة (نرى كاري) لا توجب التزام التقاليد والعادات الموروثة، وتعتقد في أن سلسلة الخلافة لم تنته، وإنما توقفت لمدة، وأن الخليفة الحالي هو (باب غربشن سنغ) ويجب اتباعه فيما أمر ونهى، وأن حمل السلاح ليس محرماً عليهم، بل إذا استطاع فليحمل السلاح معه دائماً؛ للحفاظ على نفسه، وغير ذلك من معتقداتهم. بقي أن تعرف أن مقصودهم من حمل السلاح هو الحماية من المسلمين ومن معتقداتهم، وأنه لا بد للسيخي قبل أن يموت أن يقتل مسلماً حتى يحوز على رضا الإله. ولقد وقفوا مع الإنجليز، بل انضمُّوا إليهم في حربهم ضد الأفغان سنة 1838م (¬1). ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 53. ¬

(¬1) انظر ((الهندوس والسيخ))، (ص18 - 21).

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

الفرع الأول: خلفية فكرية: يدعون إلى الاعتقاد بخالق واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وينادون بالمساواة بين الناس. يؤكِّدون على وحدانية الخالق الحي الذي لا يموت، والذي ليس له شكل، ويتعدَّى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء للإله، منها واه غورو والجاب، وأفضلها عند ناناك (الخالق الحق) وكل ما عداه وَهْمٌ (مايا). يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون بعبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر الغانج، وقد انفصلوا تدريجيًّا عن المجتمع الهندوسي حتى صارت لهم شخصية دينية متميزة. أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حرَّم لحم البقر مجاراة للهنادكة. أصول الدين لديهم خمسة بانج كهكها، أي: الكافات الخمس ذلك أنها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية، وهي: 1 - ترك الشعر مرسلاً بدون قص من المهد إلى اللحد، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد التجسس. 2 - أن يلبس الرجل سواراً حديداً في معصميه، بقصد التذلل والاقتداء بالدراويش. 3 - أن يلبس الرجل تباناً، وهو أشبه بلباس السباحة تحت السراويل رمزاً للعفة. 4 - أن يضع الرجل مشطاً صغيراً في شعر رأسه، وذلك لتمشيط الشعر وترجيله وتهذيبه. 5 - أن يتمنطق السيخي بحربة صغيرة أو خنجر على الدوام، وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به عن نفسه إذا لزم الأمر. يُعتقد بأن هذه الأمور ليست من وضع ناناك، بل هي من وضع الخليفة العاشر غوبند سنغ الذي حرَّم أيضاً التدخين على أتباعه، ويقصد بهذه الأمور التميز عن جميع الناس. معلمو السيخ ينكرون المعجزات والقصص والخرافات ذات الأساطير، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد خلَّد السيخ معابد لهم (غور دوارا) مبنية على قصص تتحدث عن معجزات وقعت للمعلم ويسمَّى عندهم غورو، درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدلُّ - في نظرهم - على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الإله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون. يعتقدون بأن ترديد أسماء الإله الناما يطهر المرء من الذنوب، ويقضي على مصادر الشر في النفوس، وإنشاد الأناشيد كيرتا، والتأمل بتوجيه من معلم غورو كل هذا يؤدي إلى الاتصال بالإله. يعتقدون بأن روح كل واحد من المعلمين تنتقل منه إلى المعلم التالي له. هناك بعض التنبؤات واسمها ساوساكي المائة قصة، والمنسوبة إلى المعلم غوبند سنغ، والتي تدور حول الانقلابات في الحكم القائم، ومجيء مخلِّص ينشر السيخية في جميع أنحاء العالم. يؤمنون بولادة الإنسان وموته، ثم إعادة ولادته كارما، بحيث تتقرر حياة الإنسان المستقبلية على ضوء حياته السابقة، ويتوقف خلاصه على هذه المرحلة. إن توجيه المعلم غورو أساسي للوصول إلى مرحلة الانعتاق موكا. يقدسون العدد خمسة الذي له معنى صوفي في أرض البنجاب، أي: الأنهار الخمسة. الخلافات الدينية يحلُّها مجلس ديني يعقد في أمر تيسار، وقرارات هذا المجلس لها قوة روحية. ليس لديهم طبقة دينية مشابهة للبراهمة الهندوس؛ إذ إنهم - عموماً - يرفضون مبدأ الطبقات الهندوسي، كما يعارضون احتكار طبقة البراهمة للتعاليم الدينية. يقسِّمون أنفسهم على أساس عرقي .. منهم الجات (قبائل زراعية) وغير الجات، والمذاهبي، وهم المنبوذون، لكن وضعهم أفضل بكثير من وضع المنبوذين لدى الهندوس. يتزوجون من زوجة واحدة فقط. أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال في الهند، بالإضافة إلى عيد مولد أول وآخر غورو، وعيد ذكرى استشهاد الغورو الخامس والتاسع. خالصادال (الباختا): تعرَّض السيخ لاضطهاد المغول الذين أعدموا اثنين من معلميهم، وقد كان أشد المغول عليهم نادر شاه

(1738 - 1839) م, الذي هاجمهم مما اضطرهم إلى اللجوء إلى الجبال والشعاب. قام غوبند سنغ، وهو المعلم العاشر بإنشاء منظمة الباختا، أي: خالصادال التي سمَّى رجالها (أسوداً) ونساءها (لبؤات). هدف شباب السيخ أن يصبحوا مؤهَّلين لأن يكونوا من رجال الخالصادال، ويطلعوا على تعاليمها. إن الخالصادال مجموعة من الشباب الذين يرتبطون بنظام سلوكي ديني قاس، حيث ينصرفون إلى الصلاة والقتال من أجل الحق والعدل الذي يعتقدون به، ممتنعين عن المخدرات والمسكرات والتبغ. صاروا بعد عام (1761) م, حكاماً للبنجاب، وذلك بعد ضعف المغول، حيث احتلوا لاهور عام (1799) م. وفي عام (1819) م, امتدت دولتهم إلى بلاد الباتان، وقد وصلت إلى ممر خيبر في عهد المهراجا رانجيت سنغ ت (1839) م, متغلبين على الأفغان. عندما وصل الإنجليز حصلت مصادمات بينهم وبين السيخ، واضطروهم لأن يتراجعوا ويتوقفوا عند نهر سوتلج، واعتبار ذلك حدوداً لدولة السيخ من الناحية الجنوبية الشرقية. انكسروا بعد ذلك وتراجعوا أكثر، وأجبرهم البريطانيون على دفع غرامة كبيرة، وتسليم جامو وكشمير، كما عيَّنوا في لاهور مقيماً بريطانياً يدير بقية مملكة السيخ. صاروا بعد ذلك شديدي الولاء للإنجليز، بل ساعدوهم على احتلال البنجاب. تحوَّل السيخ إلى أداة في أيدي الإنجليز يضطهدون بهم حركات التمرد (1857) م. حصلوا من الإنجليز على امتيازات كثيرة، منها منحهم أراض زراعية، وإيصال الماء إليها عبر قنوات، مما جعلهم في رخاء مادي يمتازون به عن جميع المقيمين في المنطقة. في الحرب العالمية الأولى كانوا يشكلون أكثر من (20%) من الجيش الهندي البريطاني. انضموا إلى حركة غاندي في طلب الحرية، وذلك إثر قيام مشكلات بينهم وبين الإنجليز. بعد عام (1947) م, صاروا مقسمين بين دولتين: الهند والباكستان، ثم اضطر مليونان ونصف المليون منهم أن يغادروا باكستان إلى الهند إثر صدامات بينهم وبين المسلمين. ألغت الحكومة الهندية الامتيازات التي حصل عليها السيخ من الإنجليز، مما دفعهم إلى المطالبة بولاية البنجاب وطناً لهم. على إثر المصادمات المستمرة بين الهندوس والسيخ أمرت أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند في شهر يونيو (1984) م, باقتحام المعبد الذهبي في أمرتيسار، حيث اشتبك الطرفان، وقتل فيه حوالي (1500) شخص من السيخ، و (500) شخص من الجيش الهندي. وفي يوم (31 أكتوبر 1984) م, أقدم السيخ على قتل رئيسة الوزراء هذه انتقاماً لاقتحام المعبد، وقد حصلت مصادمات بين الطرفين عقب الاغتيال، قتل بسببها عدة آلاف من السيخ يقدرها بعضهم بحوالي خمسة آلاف شخص. اشتهر السيخ خلال حكمهم بالعسف والظلم والجور والغلظة على المسلمين، من مثل منعهم من أداء الفرائض الدينية والأذان وبناء المساجد في القرى التي يكونون فيها أكثرية، وذلك فضلاً عن المصادمات المسلحة بينهما، والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي إضافة إلى ما شرعه (نانك) أحدث خلفاؤه عقائد وعبادات منها ما هو شبيه بالهندوسية، ومنها ما هو قريب الشبه بالإسلام، وجعلوا السيخ أمة متميزة حتى الشعار واللباس، وهذه هي أهم عقائد السيخ: 1 - الإيمان بعبادة رب واحد خالق، وإنكار عبادة الأصنام. 2 - الإيمان بأن إمامهم (ويسمونه الكورو) يتوسط بين الرب والخلق. 3 - الإيمان بالكتاب المقدس عندهم المسمى (كرانته). 4 - الإيمان بالتناسخ كما هو عند الهندوس. 5 - الحج إلى المعبد الذهبي (أمرتسار) والاستحمام في حوضه الذي يعتقدون فيه مثلما يعتقد الهندوس في نهر (الكانج). ¤ أصول الفرق والمذاهب الفكرية لسفر الحوالي – ص 111

ولعل أبرز عقائد السيخ - غير ما ذُكر - ما يُعرف بالقواعد الخمس للقبيلة السيخية التي يعتمدون عليها اعتماداً كليًّا، وهي أصول الدين لديهم. وقد سُمِّيت تلك القواعد أو الشارات بالكافات الخمس أو بانج كهكها؛ لأن كلَّ واحدة منها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية، وهي: - الكيش: اقتداء بشمشون الجبار الذي اشتهر عندهم بأنَّ قدرته الخارقة تَكْمُن في شعر رأسه المسترسل؛ فقد أرخى - على هذا الأساس - السيخية شعور رؤوسهم، وأطالوا لحاهم؛ تقيداً بالقاعدة الأولى الكيش: (عدم مساس الشعر بمقص). - الكانغا: القاعدة الثانية، وهي عبارة عن الضفائر المجدولة فوق الرأس، وذلك تعويضاً عن المشط، ولكي يكونوا على أهبة الاستعداد لنجدة الطائفة، وذلك يتطلب مهارة في الحركة والوثب (المشط يحمله كل فرد). - الكاتشا: وهي عبارة عن تحريم ارتداء (الدوتي الهندي) وهو قماش فضفاض يلف حول الجسد فيعوق الحركة؛ لذلك عُدَّ هذا الزي الباهظ الثمن محرماً، ووضع مكانه (الكاتشا) وهو سروال متسع يضيق عند الركبتين للنساء والرجال على السواء: (ارتداء السروال العسكري). - الكارا: وتيمناً بفضائل نانك الذي لم يعرف البهرجة، حُرمت السيخية الزينة والحلي والجواهر، واكتفوا بسوار حديدي يُلفُّ حول المعصم ويُدعى (الكارا)، والذي اعتمد على التقليد المتوارث، والقائل بأن الحديد يبعد إغواء الشيطان (وضع السوار الفولاذي في اليد اليمنى).- الكريبان: أما القاعدة الخامسة والأخيرة، فقد دعت إلى تقلد (الكيربان) وهو سيف تنطوي قبضته على الحد المستل الذي لا يبين له أثر إلا عند الحاجة فقط. (حمل المُدى أو السيف ذي الحدين) (¬1). ¤ رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 56 ¬

(¬1) انظر ((الهندوس والسيخ))، (ص25 - 26).

الفرع الثاني: كتبهم:

الفرع الثاني: كتبهم: كتاب آدي غرانت، وهو مجموعة أناشيد دينية ألَّفها المعلمون الخمسة الأوائل، وتبلغ نحواً من (6000) نشيد ديني، كما ضمَّ إليها المعلم الأخير غوبند سنغ (115) نشيداً، نظمها أبوه تيغ بهادور، كما تحتوي على أناشيد نظمها شيوخ من الخالصادال الباختا وبعض رجال الصوفية المسلمين من مثل ابن الفارض على وجه الخصوص، وبعض شعراء بلاط غورو، وهذا الكتاب هو الكتاب المقدس الذي يعتبر أساس السلطة الروحية لديهم. أقدم مصدر عن حياة ناناك كتب بعد وفاته بخمسين إلى ثمانين عاماً، ومعظم علماء السيخ يرفضون عدداً من القصص الواردة فيه. هناك كتابات تاريخية سيخية ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. لهم كتاب مقدس مكتوب باللغة الكورمكية يسمونه كرانته صاحب.

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: ترجع حركتهم في الأصل إلى ظهور حركة فيسنافا باختي التي بدأت بالظهور بين الهندوس في منطقة التأمل، ووصلت إلى الشمال على يد رامانوجا (1050 - 1137) م. وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وبعد الاحتكاك بالمسلمين، انتشرت هذه الحركة في سهل الغانج. لذا يقال بأن ناناك (1469 - 1538) م, لم يكن الأول في مذهبه السيخي هذا، وإنما سبقه إليه شخص آخر صوفي اسمه كابير (1440 - 1518) م, درس الدين الإسلامي والهندوكي، وكان حركة اتصال بين الدينين، إذ أراد أن يؤلِّف بينهما عن طريق التوجيه والتأمل الصوفي. كان كابير هذا يتساهل في قبول كثير من العقائد الهندوكية، ويضمُّها إلى الإسلام شريطة بقاء التوحيد أساساً، لكنه لم يفلح إذ انقرض مذهبه بموته، مخلفاً مجموعة أشعار باللغة البنجابية، تُظهر تمازج العقيدتين المختلفتين الهندوسية والإسلامية، مرتبطتين برباط صوفي يجمع بينهما. أصل نظريتهم عن الكون مستمدة من النصوص الهندوسية. إنهم يحرقون موتاهم كالهندوس.

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: لهم بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة، وهي مدينة أمرتيسار من أعمال البنجاب، وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند. هناك أربعة عروش تتمتع بالقداسة: عقل تخت وهي في أمرتيسار، وأناندبور، وباتنا، وباندد. لهم في مدينة أمرتيسار أكبر معبد يحجون إليه، ويسمَّى دربار صاحب، أي: مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد فتسمى كرو داوره، أي: مركز الأستاذ. أكثرية السيخ: وهم الأقلية الثالثة بعد الإسلام والمسيحية، تقطن البنجاب إذ يعيش فيها (85%) منهم، فيما تجد الباقي في ولاية هاريانا، وفي دلهي، وفي أنحاء متفرقة من الهند، وقد استقر بعضهم في ماليزيا وسنغافورة وشرق أفريقيا وإنجلترا والولايات المتحدة وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج العربي بقصد العمل. لهم لجنة تجتمع كل عام منذ سنة (1908) م، تنشئ المدارس، وتعمل على إنشاء كراسي في الجامعات لتدريس ديانة السيخ ونشر تاريخها. انشقَّ قسم من السيخ عن الاتجاه العام، متبعين ابن ناناك الأكبر، وسُمُّوا أدواسي؛ إذ يتجه هؤلاء نحو التصوف، أما الخالصادال فلا يؤمنون بانتهاء سلالة الغورو غوبند سنغ العاشر، بل يعتقدون بأن هنالك معلماً حيًّا بين الناس ما يزال موجوداً. لديهم اعتقاد راسخ بضرورة إيجاد دولة لهم، وأن ذلك أحد أركان الإيمان لديهم، إذ ينشدون في نهاية كل عبادة نشيداً يقولون فيه: (سيحكم رجال الخالصادال) كما يحلمون بأن تكون عاصمتهم في شانديغار. يقدر عدد السيخ حاليا بحوالي (15) مليون نسمة داخل الهند وخارجها. ويتضح مما سبق: إن عقيدة السيخ تعتبر إحدى حركات الإصلاح الديني التي تأثرت بالإسلام، واندرجت ضمن محاولات التوفيق بين العقائد، ولكنها ضلَّت الطريق حيث لم تتعرف على الإسلام بما فيه الكفاية من ناحية، ولأن الأديان ينزل بها الوحي من السماء، ولا مجال لاجتهاد البشر بالتلفيق والتوليف واختيار عناصر العقيدة من هنا وهناك. مراجع للتوسع: مجلة الدعوة المصرية، العدد (95 - ذو الحجة 1404هـ سبتمبر 1984) م. - Encyclopaedia Britannica, 1974. - J.D. Cunningham: History of the Sikhs, 2 nd ed. (1953). - M.A. Macauliffe: The Sikh religion, 6 Vol. (1909). - Sher Singh: Philosophy of Sikhism (1944). - Khushwant Singh: A History of the Sikhs, 2 Vol, (1963 – 1966). (- W.H. Ncloed: Guru Nanak and the Sikh religion (1968 ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث السادس: الشنتوية:

المطلب الأول: التعريف: الشنتوية ديانة وضعية اجتماعية ظهرت في اليابان منذ قرون طويلة، ولا زالت الدين الأصيل فيها، وقد بدأت بعبادة الأرواح، ثم قوى الطبيعة .. ثم تطور احترام الأجداد والزعماء والأبطال إلى عبادة الإمبراطور الميكادو، الذي يعدُّ من نسل الآلهة، كما يزعمون.

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: لا تنتسب الشنتوية إلى شخص معين، كما نجد ذلك في البوذية مثلاً، بل هي دين اجتماعي مرَّ بأدوار كما رأينا في التعريف.

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات: في الديانة الشنتوية يوقِّر الناس الأجداد والأسلاف من الزعماء والأبطال والملوك .. وهناك فرق بين عبادة الأسلاف في الصين، وبين توقير اليابانيين واحترامهم لأجدادهم. - يطلق الشنتويون لفظ كامي على كل إله أو شيء يسمو فوق الإنسان، كالسماء أو السلطان. - تطورت فكرة احترام الأجداد إلى عبادتهم، وانحصرت هذه العبادة والتأليه في الإمبراطور الميكادو الخالد في نظرهم، المنزه عن العيوب والنقائص، والسمو به إلى درجة لا يشاركه فيها سواه. وقد جاء في منشور صدر عن وزارة المعارف اليابانية عام (1937) م: (إن أرضنا بلد إلهية يحكمها الإمبراطور وهو إله). ولا ندري كيف يجتمع هذا السخف مع التقدم العلمي في اليابان الحديثة. - الإمبراطور والدولة هما كل شيء، ولا قيمة للفرد في الديانة الشنتوية، لذلك تعدُّ التضحية به شرف عظيم له. - يعدُّ الاهتمام بالنظافة أمراً مقدساً، ويكره أتباع الشنتوية كل شيء يدنس الجسد أو الثوب.

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية (تطور الشنتوية وصلتها بالبوذية):

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية (تطور الشنتوية وصلتها بالبوذية): - تطورت الشنتوية من احترام وتوقير الأسلاف من زعماء القبائل أو الأبطال إلى عبادتهم. وكان رجال قبيلة يماتو أشد الناس إحياء لتوقير السلف من القبائل، وهم الذين صاروا سادة اليابان فيما بعد، وكان زعيمهم المعروف بالميكادو مركز دينهم وعبادتهم. ثم زعموا أن الشمس تمتُّ إليهم بصلة القربى، ومنها تحدد الميكادو، فحسبوه ممثل الشمس وآلهة السماء على الأرض. - وكانت عبادة أسلاف القبائل الذائعة في اليابان قبل إخضاع أسرة يماتو لها خير ممهد لهذه العقيدة الجديدة، وفعل رجال يماتو الكثير لتبسيطها وتقريبها إلى أذهان العامة، بأن أدخلوا عليها آلهة صغرى هم زعماء القبائل التي دانت بالطاعة والولاء لحكم الأسرة الغالبة، وكان لهذا الجمع بين الآراء السياسية والدينية أثره الكبير في وجود توقير يكاد يبلغ حد العبادة لشخص الإمبراطور. - وفي منتصف القرن السادس الميلادي هاجر إلى اليابان بعض الكهنة البوذيين من كوريا والصين، وكان لهم أثر عميق في البلاط الملكي، فقد حاولوا أن ينشروا البوذية في اليابان، ولكنهم أخفقوا إخفاقاً عظيماً، وذلك لتمسك الشعب الياباني بالشنتوية. - وفي القرن الثامن الميلادي استطاع راهب بوذي أن يؤثر في الشنتوية على اعتبار أن آلهتها مظاهر مجسدة لبوذا. - وفي العصر الحديث حينما استيقظ الشعور القومي في اليابان، وبلغ ذروته في ثورة (1868) م, نفر الشعب من كل ما هو أجنبي، ومنه البوذية فأزيلت تماثيل بوذا من المعابد، وأوقف الكهنة البوذيون عن ممارسة وظائفهم، وعادت الشنتوية ديناً قوميًّا. وكانت الحكومة اليابانية تعمل على توطيد الشنتوية في البلاد للاحتفاظ بعبادة الإمبراطور الميكادو. - بعد انهزام اليابان في الحرب العالمية الثانية (1939– 1945) م, عملت السياسة الأمريكية على إبطال عبادة الإمبراطور، وحاولت القضاء على الوطنية الفائقة التي تغرسها الشنتوية في النفس اليابانية، التي أفرزت أثناء الحرب العالمية الفرق الانتحارية التي أنهكت الأسطول الأمريكي. - ومن الملاحظ أن البوذية دخلت اليابان ولم تخرج منه، إلا أن البوذية اليابانية تختلف عن البوذية الهندية والصينية في كثير من التعاليم. - ولكن التسامح سائد بين البوذية اليابانية والشنتوية، ولهذا نرى الناس في اليابان ينتقلون من هيكل بوذي إلى معبد شنتوي دون حرج، والعقائد التي يعتنقها الفرد الياباني العادي مزيج من الشنتوية والكونفشيوسية والبوذية.

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: الشنتوية منتشرة في اليابان فقط. ويتضح مما سبق: أن الشنتوية ديانة وضعية اجتماعية ظهرت في اليابان منذ قرون طويلة، ولا زالت الدين الأصيل فيها، وقد بدأت بعبادة الأرواح وقوى الطبيعة، وانتهت بعبادة الإمبراطور الذي يعتبرونه من نسل الآلهة كما يزعمون، هناك تسامح في اليابان بين البوذية اليابانية وبين الشنتوية، وقد أصبحت عقيدة الفرد العادي الآن مزيجاً من الشنتوية والكونفوشيوسية والبوذية. مراجع للتوسع: - الملل والنحل، للشهرستاني - بتحقيق محمد سيد كيلاني (طبعة مزيدة من المحقق). - محاضرات في مقارنات الأديان: الأديان القديمة، محمد أبو زهرة - مطبعة يوسف - مصر. - أديان العالم الكبرى، لخصه عن الإنجليزية حبيب سعد. - الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبد الغفور عطار - مكة المكرمة - (1401هـ - 1981) م. - Encyclopedia Britannica 1968. - Berey: religions of the World . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي - بتصرف

المبحث السابع: الطاوية:

المطلب الأول: التعريف: الطاوية إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي ما تزال حية إلى اليوم إذ ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، تقوم في جوهر فكرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية، والوقوف موقفاً سلبيًّا من الحضارة والمدنية. كان لها دور هام في تطوير علم الكيمياء منذ آلاف السنين، وذلك من خلال مسيرتها في البحث في إكسير الحياة ومعرفة سر الخلود.

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات - يعتقد بأن لوتس Laotse الذي كان ميلاده عام (507) ق. م, هو صاحب مذهب الطاوية التي ترجع بعض معتقداتها إلى زمن سحيق. وقد وضع كتابه طاو - تي- تشينغ Tao – te – ching أي: كتاب طريق القوة. وقد التقى به كونفوشيوس فأخذ عنه أشياء، وخالفه في أشياء أخرى. - بقيت الطاوية خلال أكثر من ألفي سنة تؤثر في الفكر الصيني، وفي التغيرات التاريخية الصينية. - ظهر شوانغ تسو الذي يرجع إلى القرن الرابع والثالث قبل الميلاد زاعماً بأن لوتس كان أحد المعلمين السماويين، كما قام بشرح كتاب معلمه لوتس مضيفاً إليه شيئاً من فلسفته. - لقد نمت الطاوية المنظمة في منطقة جبال شي شوان قبل غيرها. - في عام (142) م, زعم شانغ طاولينغ أنه قد جاءه الوحي من الرب تعالى بأن يتحمل تبعات إصلاح الدين الطاوي، وأنه قد ارتقى وسُمِّي المعلم السماوي. وقاد ذلك التنظيم الذي صار تبعاً لسلالته الذين عرفوا بالمعلمين السماويين. - في القرن الثاني الميلادي انتشرت الطاوية الشعبية بفضل حركة السلم الكبير Tai-ping وقد كان للمعلمين السماويين دور كبير في نشرها. - في عام (220) م, زالت أسرة هان مما أدَّى إلى انقسام الصينيين إلى ثلاثة أقسام، الأمر الذي ترك أثره على الاختلافات الدينية الإقليمية فيما بينهم. - عقب سقوط أسرة هان، وفي القرنين الثالث والرابع الميلاديين ظهرت الطاوية الجديدة. - في عام (406 - 477) م, ظهر المصلح لوهيوشنغ، الذي يرجع إليه مفهوم القانون الكنسي لجميع الكتب المقدسة الطاوية. - مؤسسو أسرتي تانغ (618 - 907) م, ومينغ (1368 - 1644) م, قد استخدموا التنبؤات الطاوية والسحر؛ لكسب التأييد الشعبي. - تدَّعي عائلة شانغ الحالية للمعلمين السماويين بأنها من سلالة شانغ طاو لينغ المعلم السماوي الأول الذي ظهر أيام أسرة هان.

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

أولا: الكتب: - كتاب لوتس المسمَّى طاو - تي تشينغ- لم يكن ليكتب لولا رجاء حارس الممر ين شي الذي طلب من المعلم الشيخ أن يدوِّن أفكاره. وهذا الكتاب مجموعة قطع أدبية تحيط بطبيعة طاو، كما تشمل قواعد عامة وأمثلة للحاكم الذي يمتلك زمام أمر الطاو، وهو كتاب غامض في كثير من عباراته؛ إذ إن ذلك الغموض مقصود لذاته. - شوانغ تسو: بحث في النظرة الطاوية الفلسفية، كما أجرى مقابلة بين السماء والبشر، وبين الطبيعة والمجتمع، طالباً من الطاويين طرح كل الحيل المصطنعة، وفيه قصص عن بشر كاملين يستطيعون الطيران، هم الخالدون الذين لا يتأثرون بالعناصر الطبيعية، ولا يمسهم حرٌّ ولا قرٌّ، أصحاب أرواح تمتاز بحرية في تصرفها. - كتاب هوانغ - تي - ني - تشينغ، وهو من القرن الثالث قبل الميلاد، فيه تجارب على بعض المعادن والنباتات والمواد الحيوانية، وذلك انطلاقاً من اهتمامهم بالمحافظة على الصحة وإطالة الحياة. - كتاب باو - بو - تسو الذي انتهوا من تأليفه عام (317) م, يبحث في علوم الكيمياء القديمة، وفيه محاولات لتحويل المعادن إلى ذهب، وإطالة الحياة بواسطة بعض الأكاسير. - لهم أدب فلسفي وديني سري، قسم منه يعود إلى القرن الرابع والقرن الثاني قبل الميلاد، ويركز على إقناع الحكام، وقسم يبدأ منذ نهاية القرن الثاني الميلادي، وهو يمثل حركات دينية منظمة، وينتقل من الشيخ إلى تلاميذه من أداء القسم للمحافظة على سريته.

ثانيا: فكرتهم عن الإله:

ثانيا: فكرتهم عن الإله: - الإله - لديهم - ليس بصوت، ولا صورة، أبدي لا يفنى، وجوده سابق وجود غيره، وهو أصل الموجودات، وروحه تجري فيها. - إن طاو هو المطلق الكائن، وهو مراد الكون، إنه ليس منفصلاً عن الكون، بل هو داخل فيه دخولاً جوهريًّا، انبثقت عنه جميع الموجودات. - إنهم يؤمنون بوحدة الوجود؛ إذ إن الخالق والمخلوق شيء واحد، لا تنفصل أجزاؤه، وإلا لاقى الفناء. - إن نظرتهم إلى الإله قريبة جدًّا من مذهب الحلولية الذي يذهب إلى أن الخالق حالٌّ في كل الموجودات، كما أن الخالق لا يستطيع أن يتصرف أو يعمل إلا بحلوله في الأشياء. - يؤمنون بالقانون السماوي الأعظم الذي هو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض. - يرى شونغ تسي بأن الإنسان قد جاء إلى الوجود مع الكون، فهو يحب الله، ولكنه يحب المصدر الذي جاء منه الله أكثر من حبه الله، فهو تصور يدلُّ على أنهم يعتقدون بأن هناك مبدأ قبل الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً. - الاحتفالات الدينية والطقوس الطاوية: - هناك طقس شيو Chioo وهو أقدم الطقوس، إذ هو تجديد لعلاقة الجماعة بالآلهة، ولا يزال هذا الطقس موجوداً في تايوان إلى اليوم. - هناك طقوس لتنصيب الكهنة، وأخرى عند ميلاد الآلهة. - بعض الكهنة يمارسون طقوساً معينة في مناسبات الدفن والزواج والولادة. - من طقوسهم معالجة المريض، وذلك بإدخاله إلى غرفة هادئة، يقضي فيها بعض الوقت متأملاً منشغلاً بذنوبه، كما يقوم بعضهم باستعمال الوسطاء الذين يسترخون في سبات، ويزعمون أنهم يقومون بنقل آراء الآلهة أو الأموات أو الأقارب. - حرق البخور موضوع أساسي لكل عبادة طاوية، فضلاً عن استعمال الخناجر والماء المسحور والموسيقى، والأقنعة والكتب المقدسة.

ثالثا: أفكار طاوية أخرى

ثالثا: أفكار طاوية أخرى - إنهم متصوفة؛ إذ إنه يجب على الطاوي أن ينظف نفسه من جميع المشاغل والشوائب؛ ليوجد في داخله فراغاً هو في الحقيقة الامتلاء نفسه، وذلك بالوصول إلى الحقائق المجردة، ويتمُّ ذلك عن طريق التجرد من الماديات؛ ليصبح الإنسان روحاً خالصاً. - أعلى مراتب التصوف هي مرحلة الوحدة التامة بين الفرد والقانون الأعظم، وذلك بحصول اندماج بين المتصوف والذات العليا؛ لتصيرا شخصية واحدة. - إذا ارتقى الإنسان إلى المعرفة الحقة عندها يستطيع أن يصل إلى الحالة الأثيرية، حيث لا موت ولا حياة. - إن الطاوية تتجه اتجاهاً سلبيًّا - على عكس الكونفوشيوسية - ذلك لأن الفضيلة لديهم تكمن في عدم العمل، والاقتصار على التأمل، داعين إلى الحياة على الجبال المقدسة، وقرب الجزر النائية. - إنهم يهاجمون الشرائع والقوانين والعلم وما إلى ذلك من مظاهر المدنية التي عملت على إفساد فطرة الإنسان الذي ولد خَيِّراً. إن مثلهم الأعلى في ذلك هو في العودة إلى النظام الطبيعي المتميز بنقاء الفطرة وسلامتها. - اهتمَّ الطاويون بطول العمر، ويعتبر التقدم في السن دليلاً على القداسة، حتى صار من أهداف التصوف الطاوي السعي لإطالة العمر والخلود، وقد ذهب بعضهم إلى ادعاء إمكانية إطالة العمر مئات السنين. وأفضل الخالدين - في نظرهم - هم الذين يصعدون إلى السماء في وضح النهار، هذا الخلود الذي من الممكن أن يتمَّ بواسطة تدريبات ورياضات خاصة جسدية وروحية، كما يزعمون. - هذا الاهتمام في البحث عن إكسير الحياة كان عاملاً مهمًّا في تقدم الطب والكيمياء على أيديهم، فضلاً عن السحر والشعوذة والدجل، مما أدَّى إلى ثراء الكهنة ثراءً فاحشاً. - إنهم يؤكدون حرصهم على التعاليم الأخلاقية، وعلى ضرورة المشاركة في الاحتفالات الجماعية الموسمية. - ليس لديهم بعث ولا حساب، إنما يكافأ المحسن بالصحة وبطول العمر، بينما يجازى المسيء بالمرض وبالموت المبكر.

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: - المفاهيم الطاوية ترجع إلى زمن سحيق، لكنها تبلورت على يد مؤسسها لوتس. - هناك عوامل تأثُّر وتأثير بين الطاوية والكنفوشيوسية والبوذية، بسبب توطن هذه الديانات في منطقة واحدة متجاورة، حيث يمكن ملاحظة فكرة التصوف التي يعبر عنها بأساليب مختلفة، ولكن في مضمون واحد. - الطاوية أقرب إلى الكنفوشيوسية منها إلى البوذية. - أخذ الطاويون عن البوذيين بناء الأديرة، وتقرير الرهبنة والعزوبية. - يذكر دوان في كتابه خرافات التوراة وما يماثلها في الديانات الأخرى (ص172)، بأن في الطاوية تثليث، فطاو هو العقل الأزلي الأول، انبثق من واحد، ومن هذا انبثق ثالث، كان مصدر كل شيء.

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: - في عام (1958) م, أُعلن أن ثلاثين ألفاً من الكهنة الطاويين لا يزالون ناشطين في مختلف أنحاء الصين. ومعلوم أن الثقافة الصينية التقليدية ما تزال الطاوية حية فيها. - في عام (1949) م, هرب آخر المعلمين السماويين شانغ اين بو إلى تايوان، وفي عام (1960) م, انبعثت هذه الديانة من جديد، وظهرت المعابد الطاوية الضخمة، كمعبد شهنان قرب تايبيه، والذي يضمُّ تمثال لو يونغ ين الذي تقمصته روح إله الطاو، كما يزعمون، وفي عام (1970) م, مات هذا المعلم السماوي ليخلفه ابنه شانغ يوان هسين. - توجد فئات طاوية في بعض نواحي ماليزيا وبينيانغ وسنغافورة وبانكوك. - تعتبر اليابان من أوسع البلاد علماً بالطاوية في أيامنا الحالية. - أما تايوان فهي أهم ملجأ للطاوية في القرن العشرين بسبب الهجرة الطاوية إليها في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويتضح مما سبق: أن الطاوية ديانة صينية مؤسسها الفيلسوف لوتس، الذي رأى أن الخير في الزهادة والاعتزال والعفو والتسامح مع الناس وعدم مقابلة السيئة بالسيئة. ولم يثبت أنها ديانة سماوية. مراجع للتوسع - الملل والنحل للشهرستاني وذيله، الكتاب من تأليف الشهرستاني لكن الذيل الملحق به من تأليف محمد سيد كيلاني - جـ2 - دار المعرفة - بيروت - ط2 - (1395هـ/ 1975) م. - الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبد الغفور عطار - ط1 - مكة المكرمة- (1401هـ/1981) م. باللغة الأجنبية: - Encyclopaedia Britannica, 1968, 17.P. 1034 – 1054. -Doane: Bible Myths and Their Parallels in other religion. P. 172 . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث الثامن: الكونفوشيوسية:

المطلب الأول: التعريف: الكونفوشيوسية ديانة أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم، مضيفاً إليها جانباً من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. وهي تقوم على عبادة إله السماء أو الإله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: - كونفوشيوس: - يعتبر كونفوشيوس المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة الصينية. - ولد سنة (551) ق. م في مدينة تسو Tsou وهي إحدى مدن مقاطعة لو Lu. - اسمه كونج Kung وهو اسم القبيلة التي ينتمي إليها، وفوتس Futze معناه الرئيس أو الفيلسوف، فهو بذلك رئيس كونج أو فيلسوفها. - ينتسب إلى أسرة عريقة، فجدُّه كان والياً على تلك الولاية، ووالده كان ضابطاً حربيًّا ممتازاً، وكان هو ثمرة لزواج غير شرعي، توفِّي والده، وله من العمر ثلاث سنوات. - عاش يتيماً، فعمل في الرعي، وتزوَّج في مقتبل عمره قبل العشرين، ورُزق بولد وبنت، لكنه فارق زوجته بعد سنتين من الزواج؛ لعدم استطاعتها تحمُّل دقته الشديدة في المأكل والملبس والمشرب. - تلقَّى علومه الفلسفية على يدي أستاذه الفيلسوف لوتس Laotse صاحب النحلة الطاوية، حيث كان يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها، وذلك إحقاقاً للعدل. - عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة لدراسة أصول الفلسفة، تكاثر تلاميذه حتى بلغوا ثلاثة آلاف تلميذ، بينهم حوالي ثمانين شخصاً عليهم أمارات. - تنقَّل في عدد من الوظائف فقد عمل مستشاراً للأمراء والولاة، وعيِّن قاضياً وحاكماً، ووزيراً للعمل، ووزيراً للعدل ورئيساً للوزراء في سنة (496) ق. م, حيث أقدم حينها على إعدام بعض الوزراء السابقين وعدداً من رجال السياسة وأصحاب الشغب، حتى صارت مقاطعة لو نموذجية في تطبيق الآراء والمبادئ الفلسفية المثالية التي ينادي بها. - رحل بعد ذلك، وتنقَّل بين كثير من البلدان ينصح الحكام ويرشدهم، ويتصل بالناس يبثُّ بينهم تعاليمه حاثًّا لهم على الأخلاق القويمة. - أخيراً عاد إلى مقاطعة لو فتفرَّغ لتدريس أصدقائه ومحبيه، منكبًّا على كتب الأقدمين يلخِّصها، ويرتِّبها، ويضمِّنها بعض أفكاره، وحدث أن مات وحيده الذي بلغ الخمسين من عمره، وفقد كذلك تلميذه المحبَّب إليه هووي، فبكى عليه بكاءً مرًّا. - مات في سنة (479) ق. م, بعد أن ترك مذهباً رسميًّا وشعبيًّا استمرَّ حتى منتصف القرن العشرين الحالي. - صفاته الشخصية: - دمث، مرح، مؤدَّب، يحبُّ النكتة، يتأثر لبكاء الآخرين، يبدو قاسياً وغليظاً في بعض الأحيان، طويل، دقيق في المأكل والملبس والمشرب، مولع بالقراءة والبحث والتعلم والتعليم والمعرفة والآداب. - مغرم بالبحث عن منصب سياسي بغية تطبيق مبادئه السياسية والأخلاقية؛ لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها. - خطيب بارع، ومتكلِّم مفوَّه، لا يميل إلى الثرثرة، وعباراته موجزة تجري مجرى الأمثال القصيرة والحكم البليغة. - لديه شعور ديني، يحترم الآلهة التي كانت معبودة في زمانه، ويداوم على تأدية الشعائر الدينية، يتوجَّه في عباداته إلى الإِله الأعظم أو إله السماء، يصلي صامتاً، ويكره أن يرجو الإله النعمة أو الغفران؛ إذ إن الصلاة لديه ليست إلا وسيلة لتنظيم سلوك الأفراد، والدِّين - في نظره - أداة لتحقيق التآلف بين الناس. - كان يغني، وينشد، ويعزف الموسيقى، وقد ترك كتاب الأغاني Book of Songs كما أنه كان مغرماً بالحفلات والطقوس، إلى جانب اهتمامه بالرماية وقيادة العربات والقراءة والرياضة (الحساب) ودراسة التاريخ. - انقسمت الكونفوشيوسية إلى اتجاهين: - مذهب متشدد حرفي، ويمثله منسيوس إذ يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس؛ إذ إنه لم يتلقَّ علومه مباشرة عنه، بل إنه أخذها عن حفيده وهو Tsesze الذي قام بتأليف كتاب الانسجام المركزي Central Harmony.

- والمذهب التحليلي، ويمثله هزنتسي Hsuntse ويانجتسي Yangtse، إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم، واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشيوسي. - أما أبرز الشخصيات إضافة إلى ما سبق فهم: - تسي كنج Tsekung ولد سنة (520) م، وأصبح من أعظم رجال السلك السياسي الصيني. - تسي هسيا Tsehsia ولد سنة (507) م، وأصبح من كبار المتفقهين في الدين الكونفوشيوسي. - تسينكتنز Tsengtse كان أستاذاً لحفيد كونفوشيوس، ويأتي ترتيبه الثاني بعد منسيوس من حيث الأهمية. - تشي هزيوان Chi- Husan عاش في عصر أسرة هان (127 - 200) ميلادية. - تشو هزي Cho-Hsi 1130 – 1200 ميلادية قام بنشر الكتب الأربعة التي كانت تدرس في المدارس الأولية والابتدائية في الصين، ويعدُّ الحجة الوحيدة. - الفيلسوف موتزي Motze 470 – 381 ق. م أضاف فكرة جديدة، وهي تشخيص إله السماء بشخص عظيم يشبه الآدميين. - في سنة (422) م, أقيم معبد لكونفوشيوس في Chufu حيث قبره. - في سنة (505) م, أقيم معبد آخر في العاصمة، وأصبحت كتبه تدرَّس في المدارس على أنها كتب مقدسة. - في سنة (630) م, أمر أحد الأباطرة ببناء معابد مزوَّدة بتماثيل لكونفوشيوس في جميع أنحاء الإمبراطورية، كما أمر بإنشاء كليات لتعليم آراء كونفوشيوس، الذي أصبح رمزاً للوحدتين السياسية والدينية. - في سنة (735) م, منح كونفوشيوس لقب ملك. - في سنة (1013) م, منح لقب القديس الأعظم. - في سنة (1330) م, منح الأفراد المنحدرون من سلالته رتبة الشرف، وصاروا يُعدُّون من طبقة النبلاء. - في سنة (1530) م، بُدِّلت التماثيل الموجودة في المعابد بصور ولوحات حتى لا تختلط الكونفوشيوسية بالوثنية. - في سنة (1905) م, بدأ نجم الكونفوشيوسية بالأفول، حيث أُلغي الامتحان الديني الذي كان يعتبر ضروريًّا للتعيين في الوظائف. - في سنة (1910) م, ظهر شهاب هالي Halley في الأجواء الصينية فاعتبر ذلك استياء من الآلهة على أسرة مانتشو التي بلغ الفساد في عهدها قمته، مما أدى إلى ثورة شعبية انتهت بتنازل الإمبراطور عن العرش سنة (1912) م، وتحول الصين إلى النظام الجمهوري مما أدى إلى اختفاء الكونفوشيوسية من الحياة الدينية والسياسية، لكنها بقيت ماثلة في الأخلاق والتقاليد الصينية. في سنة (1928) م, صدر قرار بتحريم تقديم القرابين لكونفوشيوس، ومنع إقامة الطقوس الدينية له. عندما استولَّى اليابانيون على منشورياً عادت الصين إلى استنهاض الهمم بالعودة إلى الكونفوشيوسية، وعاد الناس في عام (1930 - 1934) م, إلى تقديم القرابين مرة ثانية، كما أعيد تدريس الكونفوشيوسية في كل مكان؛ لاعتقادهم بأن نكبتهم ترجع إلى إهمالهم تعاليم المعلم الأكبر، وسادت حركة إحياء جديدة بزعامة تشانج كاي شيك، وقد استمرت هذه الحركة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. في عام (1949) م, سيطرت الشيوعية على الصين، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت الخلافات بين الصين والاتحاد السوفييتي بالظهور مما أوجد تبايناً بين كل منهما، وبعد موت الزعيم الصيني الشيوعي الشهير ماو تسي تونج بدأ التراجع عن الشيوعية في الصين، وبدأت رياح الغرب تهبُّ عليها. يعتقد الباحثون بأن الروح الكونفوشيوسية ستعمل على تغيير معالم الشيوعية مما يجعلها أبعد ما تكون عن الشيوعية الروسية التي انهارت؛ لما للكونفوشيوسية من سيطرة روحية على الشعب الصيني.

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

أولا: الكتب: هناك مجموعتان أساسيتان تمثِّلان الفكر الكونفوشيوسي، فضلاً عن كثير من الشروح والتعليقات والتلخيصات، المجموعة الأولى تسمى الكتب الخمسة، والثانية تسمَّى الكتب الأربعة. الكتب الخمسة: وهي الكتب التي قام كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب الأقدمين، وهي: 1 - كتاب الأغاني أو الشعر: فيه (350) أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغنَّى بمصاحبة الموسيقى. 2 - كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخ الصيني السحيق. 3 - كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإنسانية، وقد حوَّله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإنساني. 4 - كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخي يؤرخ للفترة الواقعة بين (722 - 481) ق. م. 5 - كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة تشو تلك الأسرة التي لعبت دوراً هامًّا في التاريخ الصيني البعيد. الكتب الأربعة: وهي الكتب التي ألَّفها كونفوشيوس وأتباعه مدوِّنين فيها أقوال أستاذهم مع التفسير تارة، والتعليق أخرى، إنها تمثل فلسفة كونفوشيوس ذاته، وهي: 1 - كتاب الأخلاق والسياسة. 2 - كتاب الانسجام المركزي. Central Harmony 3- كتاب المنتجات Analects ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس. 4 - كتاب منسيوس: وهو يتألَّف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه.

ثانيا: المعتقدات الأساسية:

ثانياً: المعتقدات الأساسية: تتمثل المعتقدات الأساسية لديهم في الإله أو إله السماء، والملائكة، وأرواح الأجداد. 1 - الإله: يعتقدون بالإله الأعظم أو إله السماء، ويتوجَّهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات. للأرض إله، وهو إله الأرض، ويعبده عامة الصينيين. الشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال .. لكل منها إله، وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء. 2 - الملائكة: إنهم يقدسون الملائكة ويقدِّمون إليها القرابين. 3 - أرواح الأجداد: يقدِّس الصينيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح. والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل. - معتقدات وأفكار أخرى: لم يكن كونفوشيوس نبيًّا، ولم يدَّع هو ذلك، بل يعتقدون أنه من الذين وهبوا تفويض السماء لهم؛ ليقوموا بإرشاد الناس وهدايتهم، فقد كان مداوماً على إقامة الشعائر والطقوس الدينية، وكان يعبد الإله الأعظم والآلهة الأخرى على غير معرفة بهم، ودون تثبُّت من حقيقة الآراء الدينية تلك. كان كونفوشيوس مغرماً بالسعي لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها، وهي مدينة مثالية لكنها تختلف عن مدينة أرسطو الفاضلة، إذ إنَّ مدينة كونفوشيوس مثالية في حدود واقعٍ ممكن التحقيق والتطبيق، بينما مدينة أرسطو تجنح إلى مثالية خيالية بعيدة عن مستوى التطبيق البشري القاصر. وكلا الفيلسوفين متعاصران. الجنة والنار: لا يعتقدون بهما، ولا يعتقدون بالبعث أصلاً؛ إذ إنَّ همَّهم منصبٌّ على إصلاح الحياة الدنيا، ولا يسألون عن مصير الأرواح بعد خروجها من الأجساد. وقد سأل تلميذٌ أستاذه كونفوشيوس عن الموت، فقال: (إننا لم ندرس الحياة بعد، فكيف نستطيع أن ندرس الموت)؟. الجزاء والثواب: إنما يكونان في الدنيا، إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر. القضاء والقدر: يعتقدون بذلك، فإن تكاثرت الآثام والذنوب كان عقاب السماء لهم بالزلازل والبراكين. الحاكم ابن للسماء: فإذا ما قسا وظلم وجانب العدل فإن السماء تسلِّط عليه من رعيته من يخلعه ليحلَّ محلَّه شخص آخر عادل.

ثالثا: الأخلاق:

ثالثاً: الأخلاق: هي الأمر الأساسي الذي تدعو إليه الكونفوشيوسية، وهي محور الفلسفة وأساس الدين، وهي تسعى إليه بتربية الوازع الداخلي لدى الفرد؛ ليشعر بالانسجام الذي يسيطر على حياته النفسية مما يخضعها للقوانين الاجتماعية بشكل تلقائي. تظهر الأخلاق في: 1 - طاعة الوالد والخضوع له. 2 - طاعة الأخ الأصغر لأخيه الأكبر. 3 - طاعة الحاكم والانقياد إليه. 4 - إخلاص الصديق لأصدقائه. 5 - عدم جرح الآخرين بالكلام أثناء محادثتهم. 6 - أن تكون الأقوال على قدر الأفعال، وكراهية ظهور الشخص بمظهر لا يتفق مع مركزه وحاله. 7 - البعد عن المحسوبية في الوساطة أو المحاباة. وتظهر أخلاق الحاكم في: 1 - احترام الأفراد الجديرين باحترامه. 2 - التودُّد إلى من تربطهم به صلة قربى وقيامه بالتزاماته حيالهم. 3 - معاملة وزرائه وموظفيه بالحسنى. 4 - اهتمامه بالصالح العام، مع تشجيعه للفنون النافعة والنهوض بها. 5 - العطف على رعايا الدول الأخرى المقيمين في دولته. 6 - تحقيق الرفاهية لأمراء الإمبراطورية ولعامة أفرادها. تحترم الكونفوشيوسية العادات والتقاليد الموروثة، فهم محافظون إلى أبعد الحدود، فيقدِّسون العلم والأمانة، ويحترمون المعاملة اللينة من غير خضوع ولا استجداء لجبروت. يقوم المجتمع الكونفوشيوسي على أساس احترام الملكية الفردية، مع ضرورة رسم برنامج إصلاحي يؤدِّي إلى تنمية روح المحبَّة بين الأغنياء والفقراء. يعترفون بالفوارق بين الطبقات، ويظهر هذا جليًّا حين تأدية الطقوس الدينية، وفي الأعياد الرسمية، وعند تقديم القرابين. النظام الطبقي لديهم نظام مفتوح، إذ بإمكان أي شخص أن ينتقل من طبقته إلى أية طبقة اجتماعية أخرى، إذا كانت لديه إمكانات تؤهله لذلك. ليس الإنسان إلا نتيجة لتزاوج القوى السماوية مع القوى الأرضية، أي: لتقمص الأرواح السماوية في جواهر العناصر الأرضية الخمسة. ومن هنا وجب على الإنسان أن يتمتع بكل شيء في حدود الأخلاق الإنسانية القويمة. يبنون تفكيرهم على فكرة (العناصر الخمسة): 1 - فتركيب الأشياء: معدن - خشب - ماء - نار - تراب. 2 - الأضاحي والقرابين خمسة. 3 - الموسيقى لها خمسة مفاتيح، والألوان الأساسية خمسة. 4 - الجهات خمس: شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط. 5 - درجات القرابة خمس: أبوَّة - أمومة - زوجية - بنوَّة - أخوَّة. تلعب الموسيقى دوراً هامًّا في حياة الناس الاجتماعية، وتسهم في تنظيم سلوك الأفراد، وتعمل على تعويدهم الطاعة والنظام، وتؤدِّي إلى الانسجام والألفة والإيثار. الرجل الفاضل هو الذي يقف موقفاً وسطاً بين ذاته المركزية وبين انفعالاته ليصل إلى درجة الاستقرار الكامل.

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: ترجع الكونفوشيوسية إلى معتقدات الصينيين القدماء، تلك المعتقدات التي ترجع إلى (2600) سنة قبل الميلاد. وقد قبلها كونفوشيوس أولاً، والكونفوشيوسيون ثانياً، دون مناقشة أو جدال أو تمحيص. في القرن الرابع قبل الميلاد حدثت إضافة جديدة، وهي عبادة النجمة القطبية؛ لاعتقادهم بأنها المحور الذي تدور السماء حوله، ويعتقد الباحثون بأن هذه النزعة قد وفدت إليهم من ديانة بعض سكان حوض البحر المتوسط. تغلَّبت الكونفوشيوسية على النزعة الشيوعية والنزعة الاشتراكية اللتين طرأتا عليها في القرنين السابقين للميلاد، وانتصرت عليهما. كما أنها استطاعت أن تصهر البوذية بالقالب الكونفوشيوسي الصيني، وتنتج بوذية صينية خاصة متميزة عن البوذية الهندية الأصلية. لا تزال المعتقدات الكونفوشيوسية موجودة في عقيدة أكثر الصينيين المعاصرين، على الرغم من السيطرة السياسية للشيوعيين.

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: انتشرت الكونفوشيوسية في الصين. منذ عام (1949) م, أبعدت الكونفوشيوسية عن المسرحين السياسي والديني، لكنها ما تزال كامنة في روح الشعب الصيني، الأمر الذي يؤمل أن يؤدي إلى تغيير ملامح الشيوعية الماركسية في الصين. ما تزال الكونفوشيوسية ماثلة في النظم الاجتماعية في فرموزا أو (الصين الوطنية). انتشرت كذلك في كوريا وفي اليابان حيث دُرِّست في الجامعات اليابانية، وهي من الأسس الرئيسية التي تشكِّل الأخلاق في معظم دول شرق آسيا وجنوبها الشرقي في العصرين الوسيط والحديث. حظيت الكونفوشيوسية بتقدير بعض الفلاسفة الغربيين، كالفيلسوف ليبنتز (1646 - 1716) م, وبيتر نويل الذي نشر كتاب كلاسيكيات كونفوشيوس سنة (1711) م، كما ترجمت كتب الكونفوشيوسية إلى معظم اللغات الأوروبية. ويتضح مما سبق: أن الكونفوشيوسية ليست ديناً سماويًّا معروفاً. وقد تتضمَّن بعض تعاليمها دعوة إلى خلق حميد، أو رأي سليم، أو سلوك قويم، ولكنها ليست مما يُتقرَّب إلى الله به: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. وهي تماثل البوذية والهندوسية وغيرها من الأديان الباطلة. وعموماً فقد جبَّ الإسلام ما قبله من الأديان إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]. وللحق فليس هناك ما ينفي أو يثبت ابتعاث رسول معين إلى الشعوب الأخرى، ودعوى ذلك لا تخلو من الحدس والتخمين، والقرآن الكريم يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78]. وقد كان المزج المحكم بين الفلسفة الخلقية والتعاليم الدينية على أتمِّ وضوح في الكونفوشيوسية وصاحبها كونفوشيوس الذي لم يكن رسولاً مبعوثاً ولا مدعياً لرسالة. مراجع للتوسع: - الحوار، كونفوشيوس فيلسوف الصين الأكبر، ترجمة محمد مكين - المطبعة السلفية - القاهرة - (1354) هـ. - كونفوشيوس: النبي الصيني، د. حسن شحاتة سعفان - مكتبة نهضة مصر. - الملل والنحل للشهرستاني، الطبعة الثانية - دار المعرفة - بيروت. انظر الذيل الذي هو من تأليف محمد سيد كيلاني صفحة (19). - محاضرات في مقارنات الأديان، محمد أبو زهرة مطبعة يوسف - مصر. مراجع أجنبية: - Lin Yutang: The Wisdom of Confucius, N.Y. 1938. - K. Wilhelm: Kungte, Leben und Lehre, 1925. - Kuntse und Konfuzianismus, 1930. - H.A. Giles: Confucianism and its rivals, London 1915. - M.G. Pouthie: Doctrine de confucius, Paris. - P. Masson – oursel: La philosophieen Orient. 1938. - Social Philosophers. -Ch. Luan: la Philosophie Morale et pollitique de Mencius, 1927 . ¤ الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي

المبحث التاسع المهاريشية:

المطلب الأول: التعريف: المهاريشية نحلة هندوسية دهرية ملحدة، انتقلت إلى أمريكا وأوروبا متخذة ثوباً عصريًّا من الأفكار التي لم تخف حقيقتها الأصلية، وهي تدعو إلى طقوس كهنوتية من التأمل التصاعدي (التجاوزي) بغية تحصيل السعادة الروحية، وهناك دلائل تشير إلى صلتها بالماسونية والصهيونية التي تسعى إلى تحطيم القيم والمثل الدينية، وإشاعة الفوضى الفكرية والعقائدية والأخلاقية بين الناس.

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

المطلب الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: مؤسسها فقير هندوسي، لمع نجمه في الستينات، واسمه مهاريشي - ماهيش - يوجي انتقل من الهند ليعيش في أمريكا ناشراً أفكاره بين الشباب الضائع الذي يبحث عن المتعة الروحية، بعد أن أنهكته الحياة المادية الصاخبة. بقي في أمريكا مدة (13) سنة حيث التحق بركب نحلته الكثيرون، ومن ثَمَّ رحل لينشر فكرته في أوروبا وفي مختلف بلدان العالم. في عام (1981) م, انتسب إلى هذه الفرقة ابن روكفلر عمدة نيويورك السابق، وخصَّص لها جزءًا من أمواله يدفعها سنويًّا لهذه الحركة، ومعروف انتماء هذه الأسرة اليهودية إلى الحركة الصهيونية والمؤسسات الماسونية.

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات:

المطلب الثالث: الأفكار والمعتقدات: لا يؤمن أفراد هذه النحلة بالله سبحانه وتعالى، ولا يعرفون إلا المهاريشي إلهاً وسيداً للعالم. لا يؤمنون بدين من الأديان السماوية، ويكفرون بجميع العقائد والمذاهب، ولا يعرفون التزاماً بعقيدة إلا بالمهاريشية التي تمنحهم الطاقة الروحية - على حدِّ زعمهم - وهم يرددون: لا رب .. لا دين. لا يؤمنون بشيء اسمه الآخرة أو الجنة أو النار أو الحساب .. ولا يهمهم أن يعرفوا مصيرهم بعد الموت؛ لأنهم يقفون عند حدود متع الحياة الدنيا لا غير. حقيقتهم الإلحاد، لكنهم يظهرون للناس أهدافاً براقة؛ لتكون ستاراً يخفون بها تلك الحقيقة. فمن ذلك أنهم يدعون إلى التحالف من أجل المعرفة أو علم الذكاء الخلاق، ويفسرون ذلك على النحو التالي: علم: من حيث دعوتهم إلى البحث المنهجي التجريبي. الذكاء: من حيث الصفة الأساسية للوجود، متمثلاً في هدف ونظام للتغيير. الخلاق: من حيث الوسائل القوية القادرة على إحداث التغييرات في كل زمان ومكان. وهم يصلون إلى ذلك عن طريق (التأمل التجاوزي) الذي يأخذ بأيديهم - كما يعتقدون- إلى إدراك غير محدود. (التأملات التجاوزية) تتحقق عن طريق الاسترخاء، وإطلاق عنان الفكر والضمير والوجدان حتى يشعر الإنسان منهم براحة عميقة تنساب داخله، ويستمرُّ في حالته الصامتة تلك حتى يجد حلاًّ للعقبات والمشكلات التي تعترض طريقه، وليحقق بذلك السعادة المنشودة. يخضع المنتسب للتدريب على هذه التأملات التصاعدية خلال أربع جلسات موزعاً على أربعة أيام، وكل جلسة مدتها نصف ساعة. ينطلق الشخص بعد ذلك ليمارس تأملاته بمفرده، على أن لا تقل كل جلسة عن عشرين دقيقة صباحاً، ومثلها مساءً كل يوم وبانتظام. من الممكن أن يقوموا بذلك بشكل جماعي، ومن الممكن أن يقوم به عمال في مصنع رغبةً في تجاوز إرهاقات العمل وزيادة الإنتاج. يحيطون تأملاتهم بجوٍّ من الطقوس الكهنوتية مما يجعلها جذَّابة للشباب الغربي الغارق في المادة، والذي يبحث عما يلبي له أشواقه الروحية. ينطلقون في الشوارع يقرعون الطبول، وينشدون، دون إحساس بشيء اسمه الخجل أو العيب أو القيم، ويرسلون شعورهم ولحاهم، ولعلَّ بعضهم يكون حليق الرأس على نحو شاذ، وهيئتهم رثة، كل ذلك جذباً للأنظار، وتعبيراً عن تحللهم من كل القيود. استعاض المهاريشية عن النبوة والوحي بتأملاتهم الذاتية، واستعاضوا عن الله بالراحة النفسية التي يجدونها، وبذلك أسقطوا عن اعتبارهم مدلولات النبوة والوحي والألوهية. يطلقون العنان لشبابهم وشاباتهم لممارسة كل أنواع الميول الجنسية الشاذة والمنحرفة؛ إذ إن ذلك- كما يعتقدون - يحقق لهم أعلى مستوى من السعادة. وقد وجد بينهم ما يسمى بالبانكرز، وما يسمى بالجنس الثالث. يدعون شبابهم إلى عدم العمل، وإلى ترك الدراسة، وإلى التخلي عن الارتباط بأرض أو وطن، فلا يوجد لديهم إلا عقيدة المهاريشي، فهي العمل وهي الدراسة وهي الأرض وهي الوطن. عدم إلزام النفس بأي قيد يحول بينها وبين ممارسة نوازعها الحيوانية الطبيعية. يحثون شبابهم على استخدام المخدرات كالماريجوانا والأفيون حتى تنطلق نفوسهم من عقالها سابحة في بحر من السعادة الموهومة. يلزمون أتباعهم بالطاعة العمياء للمهاريشي، وعدم الخضوع إلا له؛ إذ إنه هو الوحيد الذي يمكنه أن يفعل أي شيء. يلخِّصون أهدافهم ومجالات عملهم بسبع نقاط براقة، تضفي على حركتهم جوًّا من الروح العلمية الإنسانية العالمية، وهي أهداف لا يكاد يكون لها وجود في أرض الواقع وهي: 1 - تطوير كل إمكانات الفرد. 2 - تحسين الإنجازات الحكومية. 3 - تحقيق أعلى مستوى تعليمي. 4 - التخلص من كل المشكلات القديمة للجريمة والشر، ومن كل سلوك يؤدي إلى تعاسة الإنسانية. 5 - زيادة الاستغلال الذكي للبيئة. 6 - تحقيق الطموحات الاقتصادية للفرد والمجتمع. 7 - إحراز هدف روحي للإنسانية. أما وسائلهم المعتمدة لتحقيق هذه الأفكار فهي: 1 - افتتاح الجامعات في الأرياف والمدن. 2 - نشر دراسات عن علم الذكاء الخلاق، والدعوة إلى تطبيقها على المستوى الفردي والحكومي والتعليمي والاجتماعي، وفي مختلف البيئات.

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

المطلب الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية: إنها ديانة هندوسية مصبوغة بصبغة عصرية جديدة من الحرية والانطلاق. إنها مزيج من اليوغا ومن الرياضات المعروفة عند الهندوس. خالطت معتقداتها طقوس صوفية بوذية هندية. تأثر مذهبهم بنظرية أفلوطين الإسكندري في الفلسفة الإشراقية. إن استشراف الحق عن طريق التأمل الذاتي نظرية قديمة في الفلسفة اليونانية، وقد بعثت هذه النظرية من جديد على يد ماكس ميلر، وهربرت سبنسر، وبرجسون، وديكارت، وجيفونس، وأوجست، وغيرهم. كان لفلسفة فرويد ونظريته في التحليل النفسي، ولآرائه في الكبت، وطرق التخلص منه النصيب الوافر في معتقدات هذه النحلة، التي راحت تبحث عن سعادتها عن طريق الإرواء الجنسي بشتى صوره.

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

المطلب الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ: مؤسسها هندوسي لم يجد له مكاناً في الهند؛ لمضايقة الهندوس له؛ لخوفهم من استقطابه الأتباع بسبب اتباعه سياسة الانفتاح الجنسي. انتقل إلى أمريكا وأنشأ جامعة في كاليفورنيا، ومن ثمَّ انتقل إلى أوروبا وصار له أتباع فيها، ورحل بحركته إلى أفريقيا، ليقيم لها أرضية في ساليسبورغ، ووصلت دعوته إلى الخليج العربي ومصر حيث يزرع الأتباع هنا وهناك، ويتحرك فوق ثروة مالية هائلة. وتملك المهاريشية إمكانيات مادية رهيبة تدعو إلى التساؤل والاستغراب، وتشير إلى الأيدي الصهيونية والماسونية التي تقف وراءها مستفيدة من تدميرها لأخلاق وقيم الأمم. في عام (1971) م, أنشأ زعيمهم جامعة كبيرة في كاليفورنيا سمَّاها (جامعة المهاريش العالمية) ويقول بأنه فعل ذلك بعد أن أحسَّ بتقبل مذهبه في أكثر من (600) كلية وجامعة في أنحاء العالم. وفي عام (1974) م, أُعلن عن قيام الحكومة العالمية لعصر الانبثاق برئاسة مهاريشي - ماهيشي - يوجي ومقرها سويسرا، كما أن لهذه الدولة دستوراً ووزراء وأتباعاً وثروة طائلة واستثمارات في مختلف أنحاء العالم. في كانون الأول (1978) م, ادعوا بأن حكومتهم المهاريشية قد أرسلت إلى إسرائيل بعثة من (400) محافظ ليقيموا دورة هناك لثلاثمائة رجل حتى تجعل الشعب أكثر اجتماعية وأقل حدةً وتوتراً. يعتبر عام (1978) م, عام السلام لديهم، حيث إنهم قد أعلنوا أنه لن تقهر أمة في العالم بعد ذلك. وقد دعوا في ذلك العام إلى عقد مؤتمر في ساليسبورغ؛ لتكوين نظام عدم القهر لأية أمة، كما أسس فيه المجلس النيابي لعصر الانبثاق. كتبهم ومطبوعاتهم تكتب بماء الذهب، وهم يمتلكون أكبر المصانع والعقارات في أوروبا، وقد اشتروا قصر برج مونتمور في بريطانيا؛ لتأسيس عاصمتهم الجديدة هناك. يحرصون دائماً على اعتبار مؤسستهم مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب، على الرغم من غناهم الفاحش. يخدم مع المهاريشي سبعة آلاف خبير، ويشتري هذا المهاريشي، الفقير أصلاً، عشرات القصور الفارهة فمن أين له ذلك؟ إن اليهودية قد وجدت فيها خير وسيلة لنشر الانحلال والفوضى بين البشر، فتبنتها ووقفت وراءها مسخرة لها الأموال والصحافة، وعقدت لها المناقشات؛ لطرح نظريتها والدعوة إليها. وصل بعضهم إلى دبي، وعقدوا اجتماعاً في فندق حياة ريجنسي، يدعون فيها علانية لمذهبهم، وقد أُلْقِي القبض على هؤلاء الأشخاص الأربعة الذين قدموا إليها بتأشيرة سياحية، ثم أُبعِدوا عن البلاد. وصل بعضهم إلى الكويت، وتقدَّموا بطلب للحصول على ترخيص لهم باعتبارهم مؤسسة خيرية غير تجارية، وقد نشروا في الصحافة الكويتية أكثر من مقال، وبثَّ لهم التلفزيون الكويتي بعض المقابلات قبل أن تتضح أهدافهم الحقيقية. نظموا دورة لموظفي وزارة المواصلات في الكويت في فندق هيلتون، وقد دعوا الموظفين أثناء الدورة إلى مراجعة مواريثهم العقائدية والفكرية. طُرد المهاريشي من ألمانيا بعد أن ظهر أثره السيئ على الشباب. نشرت رابطة العالم الإسلامي في مكة بياناً أوضحت فيه خطر هذا المذهب على الإسلام والمسلمين، مؤكدة ارتباطه بالدوائر الماسونية والصهيونية. ويتضح مما سبق: أن المهاريشية دين هندوسي وضعي دهري ملحد، لا يعترف بالآخرة، ويدعو إلى إلغاء كافة العقائد والأديان السابقة، ويطالب بالتخلي عن كل القيود والتعاليم الخلقية، ويسعى لاستقطاب الشباب، وإغراقه في متاهات التأمل التجاوزي، والانحلال الجنسي، والسقوط فريسة سهلة للمخدرات. والحقيقة أن المهاريشية ما هي إلا ضلالة جديدة انتهزت فرصة إخفاق النصرانية في احتواء الشباب، وظهور صرعات الهيبيز والخنافس وأبناء الزهور، فتقدَّمت لتملأ الفراغ، تحت وهم جلب الراحة النفسية، ومطاردة موجات القلق والاضطراب، عن طريق الرياضات الروحية، بعيداً عن طريق الوحي والنبوات. ولا يستبعد أن تكون ذراعاً جديداً للماسونية، ويرى الكثيرون في ماهيش يوغي مؤسس المهاريشية أنه راسبوتين العصر، لطابع الدجل والاستغلال والانحراف الذي يتحلَّى به. مراجع للتوسع: - مجلة المجتمع الكويتية، العدد (286) في (10صفر 1396) هـ. - مجلة المجتمع الكويتية، العدد (296) في (20 ربيع الآخر 1396هـ/ 20 إبريل 1976) م. - مجلة المجتمع الكويتية، العدد (299) في مايو (1976م/ جمادى الأولى 1396) هـ. - مجلة نيوزويك، العدد الصادر في (8 مارس 1976) م. - مجلة الإصلاح الاجتماعي، الإمارات - شعبان (1404هـ/ مايو 1984) م. - مجلة الجندي المسلم، المملكة العربية السعودية - العدد (35) ربيع الأول (1405) هـ. ¤الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي - بتصرف

المبحث العاشر: المجوس:

المطلب الأول: التعريف: هم عبدة النيران، القائلون: إن للعالم أصلين: نور وظلمة. قال قتادة: الأديان خمسة، أربعة للشيطان، وواحد للرحمن. وقيل: المجوس في الأصل النجوس؛ لتدينهم باستعمال النجاسات ¤ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – 12/ 23

المطلب الثاني: عقائدهم:

المطلب الثاني: عقائدهم: وأثبتوا أصلين، إلا أن المجوس الأصلية زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي، والظلمة محدثة، ثم لهم اختلاف في سبب حدوثها: أمن النور حدثت، والنور لا يحدث شرا جزئيا، فكيف يحدث أصل الشر؟ أم من شيء آخر، ولا شيء يشرك النور في الإحداث والقدم، وبهذا يظهر خبط المجوس. وهؤلاء يقولون: المبدأ الأول من الأشخاص كيومرث، وربما يقولون: زروان الكبير، والنبي الثاني زردشت. والكيومرثية يقولون: كيومرث هو آدم عليه السلام. وتفسير كيومرث هو الحي الناطق. وقد ورد في تواريخ الهند والعجم أن كيومرث هو آدم عليه السلام، ويخالفهم سائر أصحاب التواريخ. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 278

المطلب الثالث: فرق المجوس:

1 - الكيومرثية: أصحاب المقدم الأول كيومرث أثبتوا أصلين: يزدان وأهرمن. وقالوا: يزدان أزلي قديم، وأهرمن محدث مخلوق. وقالوا: إن سبب خلق أهرمن أن يزدان فكَّر في نفسه أنه لو كان لي منازع كيف يكون؟ وهذه الفكرة كانت رديئة غير مناسبة لطبيعة النور، فحدث الظلام من هذه الفكرة، وسمِّي أهرمن، وكان مطبوعا على الشر والفتنة والفساد والفسق والضرر والإضرار، فخرج على النور، وخالفه طبيعة وفعلا، وجرت محاربة بين عسكر النور وعسكر الظلمة. ثم إن الملائكة توسَّطوا فصالحوا على أن يكون العالم السفلي خالصا لأهرمن سبعة آلاف سنة، ثم يخلي العالم، ويسلمه إلى النور، والذين كانوا في الدنيا قبل الصلح أبادهم وأهلكهم، ثم بدأ برجل يقال له: كيومرث. وحيوان يقال له: ثور. فقتلهما فنبت من مسقط ذلك الرجل ريباس، وخرج من أصل ريباس رجل يسمى ميشة، وامرأة تسمى ميشانة، وهما أبو البشر، ونبت من مسقط الثور الأنعام وسائر الحيوانات. وزعموا أن النور خيَّر الناس- وهم أرواح بلا أجساد- بين أن يرفعهم عن مواضع أهرمن، وبين أن يلبسهم الأجساد فيحاربون أهرمن، فاختاروا لبس الأجساد ومحاربة أهرمن، على أن تكون لهم النصرة من عند النور والظفر بجنود أهرمن وحسن العاقبة وعند الظفر به وإهلاك جنوده تكون القيامة. فذاك سبب الامتزاج وهذا سبب الخلاص. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 278

2 - الزروانية:

2 - الزروانية: قالوا: إن النور أبدع أشخاصا من نور كلها روحانية نورانية ربانية، ولكن الشخص الأعظم الذي اسمه زروان شكَّ في شيء من الأشياء، فحدث أهرمن الشيطان- يعني إبليس- من ذلك الشك. وقال بعضهم: لا، بل إن زروان الكبير قام فزمزم تسعة آلاف وتسعمائة وتسعا وتسعين سنة؛ ليكون له ابن، فلم يكن، ثم حدَّث نفسه وفكَّر وقال: لعل هذا العلم ليس بشيء. فحدث أهرمن من ذلك الهم الواحد، وحدث هرمز من ذلك العلم، فكانا جميعا في بطن واحد، وكان هرمز أقرب من باب الخروج، فاحتال أهرمن الشيطان حتى شقَّ بطن أمه، فخرج قبله وأخذ الدنيا. وقيل: إنه لما مثل بين يدي زروان، فأبصر ورأى ما فيه من الخبث والشرارة والفساد أبغضه ولعنه وطرده، فمضى واستولى على الدنيا. وأما هرمز فبقي زمانا لا يد له عليه، وهو الذي اتخذه قوم ربًّا وعبدوه؛ لما وجدوا فيه من الخير والطهارة والصلاح وحسن الخلق. وزعم بعض الزروانية أنه لم يزل كان مع الله شيء رديء: إما فكرة رديئة وإما عفونة رديئة، وذلك هو مصدر الشيطان, وزعموا أن الدنيا كانت سليمة من الشرور والآفات والفتن، وكان أهلها في خير محض ونعيم خالص، فلما حدث أهرمن حدثت الشرور والآفات والفتن والمحن، وكان بمعزل عن السماء، فاحتال حتى خرق السماء وصعد. وقال بعضهم: كان هو في السماء، والأرض خالية عنه، فاحتال حتى خرق السماء ونزل إلى الأرض بجنوده كلها، فهرب النور بملائكته، واتبعه الشيطان حتى حاصره في جنته، وحاربه ثلاثة آلاف سنة لا يصل الشيطان إلى الرب تعالى، ثم توسط الملائكة وتصالحا على أن يكون إبليس وجنوده في قرار الأرض تسعة آلاف سنة بالثلاثة آلاف التي قاتله فيها، ثم يخرج إلى موضعه. ورأى الربُّ - تعالى عن قولهم - الصلاح في احتمال المكروه من إبليس وجنوده، وأن لا ينقض الشرط حتى تنقضي المدة المضروبة للصلح، فالناس في البلايا والفتن والخزايا والمحن إلى انقضاء المدة، ثم يعودون إلى النعيم الأول، وشرط إبليس عليه أن يمكنه من أشياء يفعلها، ويطلقه في أفعال رديئة يباشرها، فلما فرغا من الشرط أشهد عليهما عدلين ودفعا سيفيهما إليهما، وقالا لهما: من نكث فاقتلاه بهذا السيف. ولست أظن عاقلا يعتقد هذا الرأي القائل، ويرى هذا الاعتقاد المضمحل الباطل، ولعله كان رمزا إلى ما يتصور في العقل، ومن عرف الله سبحانه وتعالى بجلاله وكبريائه لم يسمح بهذه الترهات عقله، ولم يسمع مثل هذه الترهات سمعه. وأقرب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزني أن المجوس زعمت أن إبليس كان لم يزل في الظلمة والجو خلاء بمعزل عن سلطان الله، ثم لم يزل يزحف ويقرب بحيله حتى رأى النور، فوثب وثبة فصار في سلطان الله في النور، وأدخل معه هذه الآفات والشرور، فخلق الله تعالى هذا العالم شبكة، فوقع فيها وصار متعلقا بها، لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه، فهو محبوس في هذا العالم، مضطرب في الحبس، يرمي بالآفات والمحن والفتن إلى خلق الله تعالى، فمن أحياه الله رماه بالموت، ومن أصحه رماه بالسقم، ومن سره رماه بالحزن، فلا يزال كذلك إلى يوم القيامة. وفي كل يوم ينقص سلطانه حتى لا تبقى له قوة، فإذا كانت القيامة ذهب سلطانه، وخمدت نيرانه، وزالت قوته، واضمحلت قدرته، فيطرحه في الجو، والجو ظلمة ليس لها حد ولا منتهى، ثم يجمع الله تعالى أهل الأديان فيحاسبهم ويجازيهم على طاعة الشيطان وعصيانه. وأما المسخية فقالت: إن النور كان وحده نورا محضا، ثم انمسخ بعضه فصار ظلمة، وكذلك الخرمدينية قالوا بأصلين، ولهم ميل إلى التناسخ والحلول، وهم لا يقولون بأحكام وحلال وحرام. ولقد كان في كل أمة من الأمم قوم مثل الإباحية والمزدكية والزنادقة والقرامطة كان تشويش ذلك الدين منهم، وفتنة الناس مقصورة عليهم. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 278

3 - الزردشتية:

3 - الزردشتية: أولئك أصحاب زردشت بن يورشب الذي ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب الملك، وأبوه كان من أذربيجان وأمه من الري واسمها دغدوية. وزعموا أن لهم أنبياء وملوكا أولهم كيومرث، وكان أول من ملك الأرض، وكان مقامه بإصطخر، وبعده أوشنهك بن فراوك، ونزل أرض الهند، وكانت له دعوة ثم, وبعده طمهودت، وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه, وبعده أخوه جم الملك, ثم بعده أنبياء وملوك: منهم منوجهر ونزل بابل وأقام بها, وزعموا أن موسى عليه السلام ظهر في زمانه حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب، وظهر في زمانه زردشت الحكيم. وزعموا أن الله عزَّ وجلَّ خلق من وقت ما في الصحف الأولى والكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ على تركيب صورة الإنسان، وأحفَّ به سبعين من الملائكة المكرمين، وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض، وبني آدم غير متحركة ثلاثة آلاف سنة، ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين، وأحفَّ بها سبعين من الملائكة المكرمين، وغرسها في قمة جبل من جبال أذربيجان، يعرف باسمو يذخر، ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة، فشربه أبو زردشت فصار نطفة ثم مضغة في رحم أمه، فقصدها الشيطان وعيرها، فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها فبرئت. ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر، فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ومدرجة الخيل ومدرجة الذئب، فكان ينهض كل واحد منهم لحمايته من جنسه، ونشأ بعد ذلك إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فبعثه الله تعالى نبيا ورسولا إلى الخلق فدعا كشتاسب الملك، فأجابه إلى دينه وكان دينه عبادة الله والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الخبائث. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 281 وتدَّعي الزردشتية له معجزات كثيرة: منها: دخول قوائم فرس كشتاسب في بطنه، وكان زردشت في الحبس فأطلقه، فانطلقت قوائم الفرس. ومنها: أنه مرَّ على أعمى بالدينور، فقال: خذوا حشيشة - وصفها لهم - واعصروا ماءها في عينه فإنه يبصر، ففعلوا فأبصر الأعمى. ومن المجوس الزردشتية صنف يقال لهم: السيسانية والبهافريدية. رئيسهم رجل يقال له: سيسان من رستاق نيسابور، من ناحية يقال لها: خواف. خرج في أيام أبي مسلم صاحب الدولة، وكان زمزميا في الأصل يعبد النيران، ثم ترك ذلك ودعا المجوس إلى ترك الزمزمة، ورفض عبادة النيران، ووضع لهم كتابا أمرهم فيه بإرسال الشعور. وحرَّم عليهم الأمهات والبنات والأخوات، وحرَّم عليهم الخمر، وأمرهم باستقبال الشمس عند السجود على ركبة واحدة، وهم يتخذون الرباطات ويتباذلون الأموال، ولا يأكلون الميتة، ولا يذبحون الحيوان حتى يهرم. وهم أعدى خلق الله للمجوس الزمازمة، ثم إن موبذ المجوس رفعه إلى أبي مسلم فقتله على باب الجامع بنيسابور. وقال أصحابه: إنه صعد إلى السماء على برذون أصفر، وإنه سينزل على البرذون فينتقم من أعدائه. وهؤلاء قد أقروا بنبوة زردشت، وعظَّموا الملوك الذين يعظمهم زردشت، ومما أخبر به زردشت في كتاب زند أوستا أنه قال: سيظهر في آخر الزمان رجل اسمه أشيزريكا- ومعناه الرجل العالم- يزين العالم بالدين والعدل، ثم يظهر في زمانه بتياره، فيوقع الآفة في أمره وملكه عشرين سنة ثم يظهر بعد ذلك أشيزريكا على أهل العلم، ويحيي العدل ويميت الجور، ويرد السنن المغيرة إلى أوضاعها الأول، وتنقاد له الملوك، وتتيسر له الأمور، وينصر الدين والحق، ويحصل في زمانه الأمن والدعة وسكون الفتن وزوال المحن. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 281 مقالة زردشت في المبادئ: وقد أورد الجيهاني إحدى مقالات زردشت في المبادئ وهي:

إن دين زردشت هو الدعوة إلى دين مارسيان، وإن معبوده أورمزد. والملائكة المتوسطون في رسالاته إليه: بهمن وأرديبهشت وشهريور وأسفندارمز وخرداد ومرداد. وقد رآهم زردشت واستفاد منهم العلوم. وجرت مساءلات بينه وبين أورمزد من غير توسط: أولها: قال زردشت: ما الشيء الذي كان ويكون وهو الآن موجود؟ قال أورمزد: أنا والدين والكلام. أما الدين: فعمل أورمزد وكلامه وإيمانه. وأما الكلام: فكلامه. والدين أفضل من الكلام؛ إذ العمل أفضل من القول. وأول من أبدع من الملائكة بهمن، وعلمه الدين وخصه بموضع النور مكانا، وأقنعه بذاته ذاتا، فالمبادئ على هذا الرأي ثلاثة. السؤال الثاني: قال: لم لم تخلق الأشياء كلها في زمان غير متناه؟، إذ قد جعلت الزمان نصفين: نصفه متناه ونصفه غير متناه، فلو خلقتها في زمان غير متناه كان لا يستحيل شيء منها. قال أورمزد: فإن كان لا يمكن أن تفنى ثم آفات الأثيم إبليس. السؤال الثالث: قال مماذا خلقت هذا العالم؟ قال أورمزد: خلقت جميع هذا العالم من نفسي، أما أنفس الأبرار فمن شعر رأسي، وأما السماء فمن أم رأسي، والظفر والمعاضد فمن جبهتي، والشمس فمن عيني، والقمر فمن أنفي، والكواكب فمن لساني، وسروس وسائر الملائكة فمن أذني، والأرض فمن عصب رجلي. وأريت هذا الدين أولا كيومرث، فشعر به، وحفظه من غير تعلم ولا مدارسة. قال زردشت: فلماذا أريت هذا الدين كيومرث بالوهم وألقيته إليَّ بالقول؟ قال أورمزد: لأنك تحتاج أن تتعلم هذا الدين وتعلِّمه غيرك، وكيومرث لم يجد من يقبله، فأمسك عن التكلم وهذا خير لك؛ لأني أقول وأنت تسمع، وأنت تقول والناس يسمعون ويقبلون. فقال زردشت لأورمزد: هل أريت هذا الدين أحدا قبلي غير كيومرث؟ قال: بلى أريت هذا الدين جم خمسين نجما مخمسا من أجل إنكاره الضحاك. قال: إذا كنت عالما أنه لا يقبله فلماذا أريته؟ قال: لو لم أره لما صار إليك، وقد أريته أيضا أفريدون وكيكاوس وكيقباد وكشتاسب. قال زردشت: خلقك العالم وترويجك الدين لأي شيء؟ قال: لأن فناء العفريت الأثيم لا يمكن إلا بخلق العالم وترويج الدين، ولو لم يتروج أمر الدين لما أمكن أن تتروج أمور العالم ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 285

المبحث الحادي عشر: الثنوية:

المطلب الأول: التعريف: هؤلاء هم أصحاب الاثنين الأزليين: يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وذكروا سبب حدوثه. وهؤلاء قالوا بتساويها في القدم، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 285

المطلب الثاني: فرق الثنوية:

الفرع الأول: المانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام، أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية. وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام، ولا يقول بنبوة موسى عليه السلام. حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق، وكان في الأصل مجوسيا عارفا بمذاهب القوم أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين: أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم. وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين داركين سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان، وفى الحيز متحاذيان تحاذي الشخص والظل. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 290

الفرع الثاني: المزدكية:

الفرع الثاني: المزدكية: أصحاب مزدك: ومزدك هو الذي ظهر في أيام قباذ والد أنوشروان، ودعا قباذ إلى مذهبه فأجابه، واطلع أنوشروان على خزيه وافترائه فطلبه فوجده فقتله. حكى الوراق أن قول المزدكية كقول كثير من المانوية في الكونين والأصلين، إلا أن مزدك كان يقول: إن النور يفعل بالقصد والاختيار، والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق، والنور عالم حساس والظلام جاهل أعمى. وأن المزاج كان على الاتفاق والخبط لا بالقصد والاختيار، وكذلك الخلاص إنما يقع بالاتفاق دون الاختيار. وكان مزدك ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال، أحلَّ النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيهما، كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ. وحكي عنه أنه أمر بقتل الأنفس؛ ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة. مذهبه في الأصول والأركان أنها ثلاثة: الماء والأرض والنار. ولما اختلطت حدث عنها مدبر الخير ومدبر الشر، فما كان من صفوها فهو مدبر الخير، وما كان من كدرها فهو مدبر الشر. وروي عنه أن معبوده قاعد على كرسيه في العالم الأعلى على هيئة قعود خسرو في العالم الأسفل وبين يديه أربع قوى: قوة التمييز والفهم والحفظ والسرور. كما بين يدي خسرو أربعة أشخاص: موبذ موبذان والهربد الأكبر والأصبهيد والرامشكر، وتلك الأربع يدبرون أمر العالم بسبعة من ورائهم سالار وبيشكار وبالون وبراون وكازران ودستور وكوذك. وهذه السبعة تدور في اثني عشر روحانيين: خواننده ودهنده وستاننده وبرنده خورننده ودونده وخيزنده وكشنده وزننده وكننده وأبنده وشونده وباينده. وكل إنسان اجتمعت له هذه القوى الأربع والسبع والاثنا عشر صار ربانيا في العالم السفلي، وارتفع عنه التكليف. قال: وإن خسرو العالم الأعلى إنما يدبر بالحروف التي مجموعها الاسم الأعظم، ومن تصور من تلك الحروف شيئا انفتح له السر الأكبر، ومن حرم ذلك بقي في عمى الجهل والنسيان والبلادة والغم في مقابلة القوى الأربع الروحانية. وهم فرق: الكوذية, وأبو مسلمية, والماهانية, والإسبيدخامكية, والكوذية, بنواحي الأهواز وفارس وشهرزور، والأخر بنواحي سغد سمرقند والشاش وإيلاق. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 294

الفرع الثالث: الديصانية:

الفرع الثالث: الديصانية: أصحاب ديصان: أثبتوا أصلين: نورا وظلاما. فالنور: يفعل الخير قصدا واختيارا. والظلام: يفعل الشر طبعا واضطرارا. فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور. وما كان من شر وضرر ونتن وقبح فمن الظلام. وزعموا أن النور: حي عالم قادر حساس دراك، ومنه تكون الحركة والحياة. والظلام: ميت جاهل عاجز جماد موات، لا فعل له ولا تمييز. وزعموا أن الشر يقع منه طباعا وخرقا. وزعموا أن النور جنس واحد، وكذلك الظلام جنس واحد. وأن إدراك النور إدراك متفق، فإن سمعه وبصره وسائر حواسه شيء واحد، فسمعه هو بصره، وبصره هو حواسه، وإنما قيل سميع بصير؛ لاختلاف التركيب، لا لأنهما في نفسهما شيئان مختلفان. وزعموا أن اللون هو الطعم، وهو الرائحة، وهو المحسة، وإنما وجدوه لونا؛ لأن الظلمة خالطته ضربا من المخالطة، ووجده طعما؛ لأنها خالطته بخلاف ذلك الضرب، وكذلك القول في لون الظلمة وطعمها ورائحتها ومحستها. وزعموا أن النور بياض كله، وأن الظلام سواد كله. وزعموا أن النور لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحة منه، وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها. واختلفوا في المزاج والخلاص: فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة، والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ، فتأذَّى بها وأحبَّ أن يرقصها ويلينها، ثم يتخلص منها، وليس ذلك لاختلاف جنسهما، ولكن كما أن المنشار جنسه حديد، وصفحته لينة، وأسنانه خشنة، فاللين في النور، والخشونة في الظلمة، وهما جنس واحد، فتلطَّف النور بلينه، حتى يدخل تلك الفرج، فما أمكنه إلا بتلك الخشونة، فلا يتصور الوصول إلى كمال وجود إلا بلين وخشونة. وقال بعضهم: بل الظلام لما احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفحته، فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعه عن نفسه، فاعتمد عليه فلجج فيه، وذلك بمنزلة الإنسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه، فيعتمد على رجله ليخرج، فيزداد لجوجا فيه، فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه. وقال بعضهم: إن النور إنما دخل أجزاء الظلام اختيارا؛ ليصلحها، ويستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه، فلما دخل تشبثت به زمانا، فصار يفعل الجور والقبيح اضطرارا لا اختيارا، ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه إلا الخير المحض والحسن البحت، وفرق بين الفعل الاضطراري وبين الفعل الاختياري. ¤الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 296

الفرع الرابع: المرقيونية:

الفرع الرابع: المرقيونية: أصحاب مرقيون: أثبتوا أصلين قديمين متضادين: أحدهما النور، والثاني الظلمة، وأثبتوا أصلا ثالثا هو المعدل الجامع، وهو سبب المزاج، فإن المتنافرين المتضادين لا يمتزجان إلا بجامع. وقالوا: إن الجامع دون النور في المرتبة وفوق الظلمة، وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم. ومنهم من يقول: الامتزاج إنما حصل بين الظلمة والمعدل؛ إذ هو أقرب منها، فامتزجت به؛ لتطيب به، وتلتذ بملاذه، فبعث النور إلى العالم الممتزج روحا مسيحية، وهو روح الله وابنه تحننا على المعدل الجامع السليم الواقع في شبكة الظلام الرجيم، حتى يخلصه من حبائل الشياطين، فمن اتبعه فلم يلامس النساء، ولم يقرب الزهومات أفلت ونجا، ومن خالفه خسر وهلك. قالوا: وإنما أثبتنا المعدل؛ لأن النور الذي هو الله تعالى لا يجوز عليه مخالطة الشياطين، وأيضا فإن الضدين يتنافران طبعا، ويتمانعان ذاتا ونفسا، فكيف يجوز اجتماعهما وامتزاجهما؟ فلا بد من معدل يكون بمنزلة دون النور، وفوق الظلام، فيقع الامتزاج منه. وهذا على خلاف ما قالته المانوية، وإن كان ديصان أقدم، وإنما أخذ ماني منه مذهبه، وخالفه في المعدل، كالحاكم على الخصمين الجامع بين المتضادين لا يجوز أن يكون طبعه وجوهره من أحد الضدين، وهو الله عز وجل الذي لا ضد له ولا ند. وحكى محمد بن شبيب عن الديصانية أنهم زعموا أن المعدل هو الإنسان الحساس الدراك، إذ هو ليس بنور محض ولا ظلام محض. وحكي عنهم أنهم يرون المناكحة وكل ما فيه منفعة لبدنه وروحه حراما، ويحترزون عن ذبح الحيوان؛ لما فيه من الألم. وحكي عن قوم من الثنوية أن النور والظلمة لم يزالا حيين، إلا أن النور حساس عالم، والظلام جاهل أعمى. والنور يتحرَّك حركة مستوية مستقيمة، والظلام يتحرك حركة عجرفية خرقاء معوجة، فبينا هما كذلك إذ هجم بعض هامات الظلام على حاشية من حواشي النور، فابتلع النور منه قطعة على الجهل لا على القصد والعلم، وذلك كالطفل الذي لا يفصل بين الجمرة والتمرة، وكان ذلك سبب المزاج. ثم إن النور الأعظم دبر في الخلاص، فبنى هذا العالم ليستخلص ما امتزج به من النور، ولم يمكنه استخلاصه إلا بهذا التدبير. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 298

الفرع الخامس: الكينوية والصيامية والتناسخية:

الفرع الخامس: الكينوية والصيامية والتناسخية: حكى جماعة من المتكلمين أن الكينوية زعموا أن الأصول ثلاثة: النار والأرض والماء، وإنما حدثت هذه الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين اللذين أثبتهما الثنوية. قالوا: والنار بطبعها خيرة نورانية, والماء ضدها في الطبع, فما كان من خير في هذا العالم فمن النار، وما كان من شر فمن الماء, والأرض متوسطة, وهؤلاء يتعصبون للنار شديدا من حيث إنها علوية نورانية لطيفة، لا وجود إلا بها، ولا بقاء إلا بإمدادها, والماء يخالفها في الطبع فيخالفها في الفعل, والأرض متوسطة بينهما، فتركيب العالم من هذه الأصول والصيامية منهم أمسكوا عن طيبات الرزق، وتجرَّدوا لعبادة الله، وتوجَّهوا في عباداتهم إلى النيران؛ تعظيما لها. وأمسكوا أيضا عن النكاح والذبائح. والتناسخية منهم قالوا بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من الراحة والتعب والدعة والنصب فمرتَّب على ما أسلفه من قبل وهو في بدن آخر؛ جزاء على ذلك. والإنسان أبدا في أحد أمرين: إما في فعل وإما في جزاء وما هو فيه فإما مكافأة على عمل قدمه، وإما عمل ينتظر المكافأة عليه. والجنة والنار في هذه الأبدان، وأعلى عليين درجة النبوة، وأسفل السافلين دركة الحية، فلا وجود أعلى من درجة الرسالة، ولا وجود أسفل من دركة الحية. ومنهم من يقول: الدرجة الأعلى درجة الملائكة، والأسفل دركة الشياطين. ويخالفون بهذا المذهب سائر الثنوية، فإنهم يعنون بأيام الخلاص رجوع أجزاء النور إلى عالمه الشريف الحميد، وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس الذميم. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 1/ 299

المبحث الثاني عشر: أصحاب الروحانيات:

المبحث الثاني عشر: أصحاب الروحانيات: • المطلب الأول: الباسنوية:. • المطلب الثاني: الباهودية:. • المطلب الثالث: الكابلية:. • المطلب الرابع: البهادونية:.

المطلب الأول: الباسنوية:

المطلب الأول: الباسنوية: زعموا أن رسولهم ملك روحاني نزل من السماء على صورة بشر، فأمرهم بتعظيم النار، وأن يتقربوا إليها بالعطر والطيب والأدهان والذبائح، ونهاهم عن القتل والذبح إلا ما كان للنار. وسنَّ لهم أن يتوشحوا بخيط يعقدونه من مناكبهم الأيامن إلى تحت شمائلهم، ونهاهم أيضا عن الكذب وشرب الخمر، وأن لا يأكلوا من أطعمة غير ملتهم ولا من ذبائحهم، وأباح لهم الزنا؛ لئلا ينقطع النسل. وأمرهم أن يتخذوا على مثاله صنما يتقربون إليه ويعبدونه ويطوفون حوله كل يوم ثلاث مرات بالمعازف والتبخير والغناء والرقص. وأمرهم بتعظيم البقرة والسجود لها حيث رأوها، وأن يفزعوا في التوبة إلى التمسح بها، وأمرهم أن لا يجوزوا نهر كنك. ¤ الملل والنحل للشهرستاني - 2/ 607

المطلب الثاني: الباهودية:

المطلب الثاني: الباهودية: زعموا أن رسولهم ملك روحاني على صورة بشر اسمه باهود، أتاهم وهو راكب على ثور على رأسه إكليل مكلل بعظام الموتى من عظام الرءوس، ومتقلد من ذلك بقلادة، وبإحدى يديه قحف إنسان، وبالأخرى مرزاق ذو ثلاث شعب، يأمرهم بعبادة الخالق عزَّ وجلَّ وبعبادته معه، وأن يتخذوا على مثاله صنما يعبدونه، وأن لا يعافوا شيئا، وأن تكون الأشياء كلها في طريقة واحدة؛ لأنها جميعا صنع الخالق عزَّ وجلَّ، وأن يتخذوا من عظام الناس قلائد يتقلدونها، وأكاليل يضعونها على رءوسهم، وأن يمسحوا أجسادهم ورؤوسهم بالرماد. وحرَِّم عليهم الذبائح والنكاح وجمع الأموال، وأمرهم برفض الدنيا، ولا معاش لهم فيها إلا من الصدقة ¤الملل والنحل للشهرستاني – 2/ 608

المطلب الثالث: الكابلية:

المطلب الثالث: الكابلية: زعموا أن رسولهم ملك روحاني يقال له: شب. أتاهم في صورة بشر متمسح بالرماد، على رأسه قلنسوة من لبود أحمر، طولها ثلاثة أشبار، مخيط عليها صفائح من قحف الناس، متقلد قلادة من أعظم ما يكون، متمنطق من ذلك بمنطقة، متسور منها بسوار، متخلخل منها بخلخال، وهو عريان، فأمرهم أن يتزيَّنوا بزينته، ويتزيُّوا بزيه، وسنَّ لهم شرائع وحدودا. ¤الملل والنحل للشهرستاني – 2/ 608

المطلب الرابع: البهادونية:

المطلب الرابع: البهادونية: قالوا: إن بهادون كان ملكا عظيما، أتانا في صورة إنسان عظيم، وكان له أخوان قتلاه، وعملا من جلدته الأرض، ومن عظامه الجبال، ومن دمه البحار, وقيل: هذا رمز. وإلا فحال صورة الإنسان لا تبلغ إلى هذه الدرجة, وصورة بهادون راكب على دابة كثير شعر الرأس قد أسبله على وجهه، وقد قسم الشعر على جوانب رأسه قسمة مستوية، وأسبله كذلك على نواحي الرأس قفا ووجها، وأمرهم أن يفعلوا كذلك, وسنَّ لهم أن لا يشربوا الخمر، وإذا رأوا امرأة هربوا منها، وأن يحجوا إلى جبل يدعَى جورعن، وعليه بيت عظيم فيه صورة بهادون، ولذلك البيت سدنة، لا يكون المفتاح إلا بأيديهم، فلا يدخلون إلا بإذنهم, وإذا فتحوا الباب سدُّوا أفواههم حتى لا تصل أنفاسهم إلى الصنم, ويذبحون له الذبائح، ويقربون له القرابين، ويهدون له الهدايا, وإذا انصرفوا من حجهم لم يدخلوا العمران في طريقهم، ولم ينظروا إلى محرم، ولم يصلوا إلى أحد بسوء وضرر من قول وفعل. ¤ الملل والنحل للشهرستاني – 2/ 608

الفصل الرابع: ديانات أخرى:

المبحث الأول: أميرينديان ديانات Amerindnian religions: انتشرت خلال حقبة تمتد لأكثر من (25000) سنة منذ أيام الهجرات الأولى عبر جسر بيرينغ Bering الأرضي حتى يومنا هذا، ديانات السكان البدائيين الأصليين لشمال أمريكا بصور متنوعة، وتراوحت هذه الديانات مع بين طقوس الصيد البسيطة عبر ممارسات موزعة زمنياً وأكثر تفصيلا (على مدار السنة). وتقوم على أساس الاقتصاد الزراعي المستقر والمتطورة من خلال الصيد، والطوائف المتصلة بحروب قبائل السهول البدوية إلى بيانات أكثر حداثة، تتضمن رقصة الأشباح وأشكال التوافق البيوتية Peyotism التي تحمل تأثير المسيحية. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – 1/ 121

المبحث الثاني: أودين Odin:

المبحث الثاني: أودين Odin: إحدى الديانات الرئيسية في اسكندنافيا في عصر الفايكنغ، وهو قائد الايزير Aesir، وكان يعرف باسم Wodan ( بالإنكليزية القديمة Woden) بالنسبة للشعوب الجرمانية، وقد ساوى الرومان بينه وبين ميركيوي Mercuy، وكان يحمل شبهاً للوغ Lug الكلتي، وكان أودين مرتبطاً بالسحر، والشعر والنشوة، وكسب الثروة، ... وكان يعبد من قبل الملوك والمحاربين، ويقرر رمحه النصر في المعركة، وكان البيرسيرك Berserk الذين يقاتلون في هياج وحشي أتباعه المخلصين، وكان الفالكري Valkyies يقومون بالدعوة له وينفذون أوامره ويقودون الموتى من المحاربين إلى قصره Vaihalla، وكان يمثل بمحارب راكب يحمل رمحاً ويرافقه غراب أسود ونسر وذئب ويحمله حصانه ذو الثمانية أرجل سليبنر Sleipnir عبر السماء، وتبعه كما في الأدب الشعبي اللاحق كتيبة وحشية من الموتى، وظهر أيضاً في صورة رجل أعور يلبس عباءة يتجول متنكراً ليسبب النزاع. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – بتصرف - 1/ 141

المبحث الثالث: بون: Bon

المبحث الثالث: بون: Bon الديانة الأصلية المتقدمة على البوذية في التبت Tibet، وعلى الرغم من علاقتها بالشامانية ( Shaman) فهي معقدة وفي الشكل الأولي منها يبدو أنه كانت هناك وجوه شبه محددة، والاصطلاح (بون) في ذاته يحتمل أنه مشتق من تلاوة الطقوس ( bon) من قبل من يقومون بها، والشكل المتطور من هذه الديانة الذي مازال موجوداً إلى اليوم هو نتيجة تركيب المذاهب الأصلية مع البوذية التي دخلت إلى التبت في القرنين السابع والثامن وما فوقهما. وطبقا للتقاليد التي نادى بها من أرض الصوفية زانغ زونغ Zhang Zong فإن مؤسس الأخيرة (المطهر) بون كان شنراب ميوو Shanrab Mioo والذي تروي الأساطير أنه أصبح مكافئاً لشكيا موني بوذا Shakyamuni Buddha حيث منح شرف نشر السوترا Sutras والتنترا Tantras وتأسيس نظام رهبانية. ويقال إن بون ( Bon) كانت موجودة في التزيغ Tazig ( إيران) في الأزمنة القديمة، وفي الواقع إن بعض الروايات قد أوحت بوجود نفوذ للزرادشتية Zoroastrianism وخاصة زوران Zurvan، وكثيراً ما يعرف علماء البوذية التيبتية شنراب Shenrab بـ لاو ـ تزو، وبهذا يجعلون بون ( Bon) اشتقاقاً من الطاوية Taoism طاوشياو ( Tao Chiao). وعلى أي حال يسلم العلماء المحدثون بأن نفوذ شيفيت Shaivite سيفا ( Sheva) من كشمير عامل في تطوير مذهب بونبو Bonpo. وفي صورها الأولى كانت نحلة بون إيمانية ثنوية Theistic & dualistic توحي بأن خلق العالم تم بتعايش مبادئ الخير والشر، ومع ذلك تتفق نحلة بون المتطورة عموماً مع المعتقدات غير الإيمانية البوذية، وهي بشكل خاص تشاطر مدرسة النينغاما Nyingma التركيب اللاهوتي الخلاصي Soteriological Structure لليانات التسعة ( Yanas) ( المراكب) وذروة اليانات التسعة في التأمل في الكمال الأعظم، الذي يدعى Bonpos أنه نقل للمرة الأولى عن طريق شرناب، ولم يدخل إلا مؤخرا في تقاليد النينغاما. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – 1/ 213

المبحث الرابع: البيوتية Peyotism:

المبحث الرابع: البيوتية Peyotism: حركة أهلية دينية لها سابقة متعلقة بكولومبيا، ظهرت كشكل مميز بين القبائل الأمرندية في السهول الجنوبية لأمريكا الشمالية في القرن (19)، وهي قائمة على استعمال Mescal ( ضرب من الشراب المسكر) يستحضر من تقطير الأوراق الداخلية لنوع من الصبار يدعى البيوت ( Lophophora Williamsii) Peyote، له تأثير مثير للهلوسة، وقد استخدم هذا العقار لأغراض طبية (ومن حين لآخر أثناء الأعمال الحربية، وفي العرافة)، وقد انتشرت البيوتية بسرعة بين المحرومين من حقوقهم الشرعية والمكبوحين، وتأوجت في 1918م، بتشكيل الكنيسة الأهلية الأمريكية Native American Church، وتجمع هذه العقيدة التوفيقية بين العناصر الحانقة مثل قراع الطبل، وممارسي الغناء والرؤى واستعمال الغليون المقدس، (الكالوميت Calumet) والممارسات المسيحية من الإشفاء، والصلاة، والإيمان بالأسرار المقدسة الضرورية. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – 1/ 216

المبحث الخامس: البيوريتانية (التطهرية) Puritanism:

المبحث الخامس: البيوريتانية (التطهرية) Puritanism: البيوريتانية: بالأصل حركة انكليزية قامت في القرن 16 لتطهير الكنيسة الانكليزية، وفي البداية هاجم البيوريتانيون الملابس (الأردية الاحتفالية خاصة التي تستخدم في طقوس القربان المقدس Eucharist) والاحتفالات وتبنى بعضهم مع ذلك المشيخانية Presbyterianism وكانوا يأملون في تغيير الكنيسة الانكليزية إلى هذا النظام، وقبل آخرون الأساقفة وكتاب الصلاة الشائعة (الانغليكانية Anglicanism) مع بعض التعديلات، وكان البيوريتانيون بين الرواد في المستعمرات في أمريكا الشمالية، وكان لهم آثار طويلة الأمد على ديانة الولايات المتحدة ومجتمعها، وتستخدم كلمة بيوريتان أيضاً بشكل غير دقيق لأفكار ضيقة وصارمة. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – 1/ 217

المبحث السادس: جون فروم Jon Frum:

المبحث السادس: جون فروم Jon Frum: ديانة الحمولة Cargo Cult: المنتشرة في تانا Tanna والجزر المجاورة في نيوهيبريد New Hebrides ( وتعرف الآن باسم فانواتو Vanuatu) وتظهر بشكل متقطع منذ (1940م) وقد تركزت على جون فروم الخفي الذي يعرف أحياناً بأنه رب أعلى جبل في تانا أو (طبقاً لعقد مع القوات الأمريكية) على أنه (ملك أمريكا King Of America)، من حيث ستأتي البضاعة. وكانت الحركة التي استعادت عاداتها التقليدية، مضادة للبيض وللمبشرين (المشيخانية Presbyterian)، وفي صراع دائم مع الحكومة، وكانت ما تزال نشطة عند الاستقلال في (1980م). ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد– سهيل زكار – 1/ 306

المبحث السابع: حركات ما أوري Maori Movementes:

المبحث السابع: حركات ما أوري Maori Movementes: أقدم الحركات (حوالي الثلاثين) في نيوزيلاندا منذ 1833م، هي رينغاتو Ringatu ( اليد المرفوعة)، التي أسسها تي كوتي Te Kooti في 1868م، مع طقوس شفهية تقوم على الكتابات المقدسة العبرية ( Bible) وعبادة يوم السبت ... ، وكان أعضاؤها الخمسة آلاف يتحركون في اتجاه مسيحي، وأكبر حركة هي كنيسة الراتانا Ratana التي صدرت عن ويرموراتانا Wiremuratana (1837 – 1939 م)، وكان يعالج في 1908م وباء الأنفلونزا، وهي ترفض الديانة التقليدية وتؤكد وجود الملائكة، والرتانا كوسطاء، وكان لها 25000 عضواً ونفوذاً سياسياً هائلاً. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد– سهيل زكار- بتصرف – 1/ 330

المبحث الثامن: الحركة التبشيرية الكامنة:

المبحث الثامن: الحركة التبشيرية الكامنة: اصطلاح شامل يعطي مجالاً واسعاً من مجموعات الحركات التي ضمت معتقداتهم وممارساتهم لتطوير الكمال والوعي الذاتي، والتطوير الذاتي وإدراك الذات للأفراد المتنورين، وترجع جذورها على الأقل إلى غوروجيف Gurojief، ولكن خلال ستينات هذا القرن وسبعيناته اتسعت الحركة بسرعة في أنحاء الغرب، وبشكل خاص في كاليفورنيا لتضم العديد من الفنون التي يمكن أن تكون قديمة (مثل أنماط اليوغا المختلفة)، وغريبة مثل بعض تأملات (المانترا Mantra) أو جديدة تماماً (مثل التغذية الحيوية الارتجاعية). ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد– سهيل زكار – 1/ 330

المبحث التاسع: ديانة البحيرة الجميلة Handsome lake Religion:

المبحث التاسع: ديانة البحيرة الجميلة Handsome lake Religion: وتعرف أيضاً باسم لونغهوس Longouse أو غوي ويو Gui Wiio ( الرسالة الطيبة). وقد أسسها سكير، هو رئيس السينكا Seneca، غانيودا يو Ganioda'yo، ( البحيرة الجميلة)، (1735 – 1815م) ...... وانتشرت الحركة بين قبائل الايروكوا Iroqouis Tribes، ومازال وعاظ مخولون بشرح قوانين البحيرة الجميلة يعملون في خدمة نحو 5000 من التابعين في نيويورك العليا، وأونتاريو Ontario وفي كويبك، ويحتفظون بكيانهم الهندي. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد– سهيل زكار – بتصرف- 1/ 390

المبحث العاشر: لينغاياتا Lingayata:

المبحث العاشر: لينغاياتا Lingayata: حركة هندوسية ذات خاصة تطهرية نوعا ما بين الشيفا ( Shiva Shaiva) في جنوب الهند. وأعضاؤها نباتيون بشكل صارم وممتنعون عن الكحول، ولعدم قبولهم بالتمييز الطبقي فإنهم يرفضون فكرة المنزلة العالية للبراهمانيين Brahmans، ويقال إن الحركة قد تأسست في القرن الثاني عشر الميلادي. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار - 2/ 760

المبحث الحادي عشر: مبونا 2 II Mbona:

المبحث الحادي عشر: مبونا 2 II Mbona: أحد الأديان الأرضية الشهيرة في وسط أفريقيا، والمزار الرئيسي يقوم في خولوبفي Khulubvi على جانب نهر الشير Shire، في أقصى جنوب مالاوي، بين شعب المانغ أنجا Mang anja، ويزيد عمره على 500 سنة، وقد تغيرت طبيعته مع التغيرات السياسية والظروف الاجتماعية، ..... وإذا كان المزار معتمدا بشكل فعال على السلطة السياسية فإن له قدرا من الروحانية والاستقلال المعنوي، ويضم تنظيم المزار إلى جانب زوجة مبونا والكهنة، والوسطاء ممثلين عن كثير من المشيخات ورسل يجلبون الالتماسات من منطقة واسعة تضم المحيط الهندي، بعيداً إلى ما وراء أراضي مانغ أنجا Mang Anja، وهناك مزارات أدنى لمبونا مقامة في أماكن أخرى مع ديانات متنوعة، وتصور مبونا كلا من العمق التاريخي والمؤسسات الدينية الأفريقية المنتشرة بين القبائل. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد – سهيل زكار – بتصرف - 2/ 781

المبحث الثاني عشر: ميستريا Mysteria:

المبحث الثاني عشر: ميستريا Mysteria: ديانات أغريقية أمكن التوصل إليها بعد تلقين خضعوا له بالاختيار الشخصي، ويبدو أنه كثيرا ما شمل اتصالات أوثق بالألوهية. وقد بدأت كطقوس طائفية زراعية، ثم أحرزت المظهر التلقيني والوظائف اللاهوتية الخلاصية ... ، وأكثرها أهمية ميستريا الاليوزية Elusinian Mytemes، التي ترتبط بديانة الدولة الأثينية، التي تبجل في المقام الأول ديميتر Demeter، وكور Kore ( برسفون Persephone)، ( الحياة الآخرة - اليونان Afterlife - creek - ميتوس Mythos وأورفيوس Orpheus وثيوا Theoi)، وتنامت الديانات الميسترية في العصر الهلنستي، وأصبحت ميستريا مرتبطة بديانات ذات آلهة شرقية معينة - مثل الباخكية Bacchi الديونيزاكية Dionysaic الميسترية (أورفيوس Orpheus) - ولم تكن مرتبطة بمواقع معينة. ¤المعجم الموسوعي للديانات والعقائد- سهيل زكار - بتصرف - 2/ 854

§1/1