موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

مجموعة من المؤلفين

الألف

1 - آل البيت اختلف أهل العلم فى أهل البيت من هم؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته صلى الله عليه وسلم خاصة، لا رجل معهن، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن} الأحزاب34. وذهبت فرقة منهم أبو سعيد الخدرى وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة والزمخشرى والكلبى أنهم: علىُّ وفاطمة والحسن والحسين خاصة. وذهب فريق منهم الفخر الرازى والقسطلانى وآخرون إلى أنهم آولاده وأزواجه صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين، وعلىُّ منهم؛ لمعاشرته فاطمة وملازمته النبى صلى الله عليه وسلم. وذهب زيد بن أرقم إلى أنهم من تحرم عليهم الصدقة، وهم آل علىٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وهو الراجح. قال السيوطى: هؤلاء هم الأشراف حقيقة فى سائر الأعصار وهو ما عليه الجمهور، وهو معنى رواية مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد .. أيها الناس إنما اًنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب، وأنا تارك بينكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: (وأهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى) قالها ثلاثا، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: آل علىّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس رضى الله عنهم. والشيعة يخصون أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم بعلىّ وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم، لكن رواية زيد السابقة تدل على أن آله من حُرم الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله. وقد تنازع الناس فى آل محمد صلى الله عليه وسلم من هم فقيل: أمته وهذا قول طائفة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومالك وغيرهم، وقيل: المتقون من أمته، وإليه ذهب طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم واستدلوا بحديث موضوع هو: "آل محمد كل مؤمن تقى" وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد صلى الله عليه وسلم هم خواص الأولياء كما ذكر الحكيم الترمذى. لكن الصحيح أن آل محمد هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وهو المنقول عن الشافعى وأحمد رحمهما الله. وآل بيته النبى صلى الله عليه وسلم يجب حبهم أخرج ابن سعد: "قال رسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بأهل بيتى خيرا، فإنى أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصمه: خصمه الله)، ونقل القرطبى عن ابن عباس فى قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} الضحى:5. قال: رضا محمد ألاّ يدخل أحد من أهل بيته النار. وأخرج البخارى عن ابن عمر قال آبو بكر: خطب النبى فقال: (أذكركم الله فى أهل بيتى ثلاثا) وروى الامام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سائلكم كيف خلفتمونى فى كتاب الله وأهل بيتى). وروى الحاكم والترمذى، وصححه على شرط الشيخين، قال صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به، واًحبونى بحب الله وأحبوا أهل بيتى بحبى)، وهناك آثار كثيرة تدل على وجوب حب آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم. وكثير من الآثار-أيضا- تدل على تحريم بغض آل البيت منها: ما أخرجه الطبرانى والبيهقى وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يؤذوننى فى نسبى وذوى رحمى؟ ومن آذى نسبى وذوى رحمى فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله). وروى أحمد مرفوعا: (من أبغض أهل البيت فهو منافق). وروى أبو الشيخ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال رجال يؤذوننى فى أهل بيتى؟ والذى نفسى بيده، لا يومن عبد حتى يحبنى، ولا يحبنى حتى يحب ذريتى). وروى الحاكم وصحته على شرط الشيخين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار). وقد بلغ من عظيم أدب السلف الصالح أنهم كانوا لا يقرءون فى الصلاة بسورة "المسد" حفاظا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه، مع أنها قرآن منزل. والله أعلم. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ مراجع الاستزادة: 1 - تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن 2/ 5452 وما بعدها، دار الغد العربى، ط1 1990م. 2 - تفسير القاسمى المسمى محاسن التأويل 13/ 4850 ومابعدها، تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبد الباقى، ط عيسى البابى الحلبى وشركاه. 3 - مراقد أهل البيت للشيخ محمد زكى إبراهيم رائد العشيرة المحمدية ص139 مطبوعات العشيرة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الرابعة 1986م

2 - ابن السبيل

2 - ابن السبيل هو المسافر المنقطع عن بلده، وليس لديه من المال ما يعينه على الوصول إليها. وهو من الأصناف الثمانية الذين تدفع لهم الزكاة، وقد ذكرهم الله تعالى فى قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة:60. وابن السبيل المنقطع به طريقه نوعان؛ لأنه إما غريب مسافر يجتاز بالبلد، وإما منشئ سفراً من بلد مقيم به ولوكان وطنه. وقد ذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل رضى الله عنهما إلى أن المستحق للزكاة هو ابن السبيل المجتاز دون المنشئ لأن السبيل: الطريق، وابنها: الملازم لها الكائن فيها، والقاطن فى بلده ليس بمسافر، ويعطى بشرط ألا يجد مقرضا يقرضه، فإن وجد مقرضا وكان له من المال ببلده ما يفى بقرضه فلا يعطى الزكاة ويعطاها أيضا عندهما إن وجد مقرضا لكن ليس له فى بلده ما يكفى السداد. وأما الشافعية: فابن السبيل عندهم يعطى من الصدقة مطلقا سواء أكان منشئا سفرا من بلد مقيم به ولو كان وطنه، أم كان غريبا مسافرا يجتاز بالبلد حتى لو كان هناك من يقرضه كفايته وله ببلده ما يقضى به دينه. وقد اشترط الفقهاء أن يكون سفره فى طاعة، أو فى غير معصية واختلفوا فى السفر المباح: فالشافعية على أنه يعطى منها حتى لو كان سفره للتنزه. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ مراجع الاستزادة: 1 - المهذب لأبى إسحاق الشيرازى 1/ 173 ط عيسى الحلبى. 2 - الاختيار لتعليل المختار للموصلى الحنفى 1/ 56 إدارة المعاهد الأزهرية1993م. 3 - كفاية الأخيار حل غاية الاختصار للحصنى الشافعى 1/ 201 فيصل عيسى الحلبى. 4 - الشرح الصغير للدردير 2/ 197 ط عيسى البابى الحلبى. 5 - الكافى فى فقه الإمام أحمد 1/ 347 فيصل عيسى الحلبى. 6 - النظام الاقتصادى فى الإسلام د/أحمد العسال، ود/فتحى عبد الكريم ص112 مكتبة وهبه، فقه السنة للسيد سابق مكتبة دار التراث1/ 334

3 - الاتحاد

3 - الاتحاد يقصد به أن تصير ذات ذاتا أخرى من غير أن يزول عن الذات الأولى شىء من خصائصها، أو ينضاف إليها شىء آخر. والاتحاد بهذا المعنى مستحيل الوقوع عقلا ووجودا، لأن هاتين الذاتين إن بقيتا بعد الاتحاد كما هما متميزتين فلا معنى للاتحاد بينهما، وإن عُدمت إحداهما وبقيت الأخرى فلا اتحاد بينهما. وإن عُدمت الذاتان وصار الأمر إلى ذات ثالثة فلم يحدث اتحاد أصلا، وهذا هو دليل العقل على بطلان الاتحاد بالمعنى الحقيقى بين أى شيئين أو ذاتين، ومن هنا قيل: "الاثنان لا يتحدان ". وللاتحاد معنى آخر مجازى وهو الصيرورة أو التغير، بمعنى أن شيئا ما ينتقل إلى شئ آخر بعد أن تزول عنه صورته النوعية، وتحصل له صورة أخرى مغايرة، مثل صيرورة الماء هواء بعد زوال حقيقة الماء وتبدلها إلى حقيقة جديدة، هى حقيقة الهواء، ومثل صيرورة التراب والماء عن طريق التركيب طينا، وهذا المعنى المجازى للاتحاد جائز وواقع، لكن لا يسمى اتحادا حقيقيا. وفى الصوفية تستخدم بمعان عدة، تدور حول الاتحاد بمعنى: استناد الموجودات بأسرها إلى الوجود الإلهى، والنظر إليها على أنها معدومات لا وجود لها بالحقيقة. أو بمعنى مرتبة القرب التى تضمحل فيها ذات السالك، وتفنى إرادته فى إرادة الله تعالى، وصفاته فى صفاته، وتغيب عن كل ما سواه، بحيث لا يرى فى الوجود إلا الله تعالى، على ما يشيرإليه حديث: (كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصربه) أو حالة العبد عند تلاشى هويته فى مقام الكثرة، وتحققه بمظهر الأحدية. ويحرص جمهور علماء التصوف على التنبيه على أن مصطلح "اتحاد" فى علومهم إنما هو "حال" أو درجة من "الشهود" يتحد فيها مراد المحب بمراد المحبوب، وتفنى إرادة المحب فى مراد المحبوب، وأن الجامع لذلك تحقيق شهادة "ألا إله إلا الله" علما ومعرفة وعملا وجلالا وقصدا. وأن الاتحاد لا يتضمن من قريب أو بعيد أن للعبد وجودا خاصا يتحد بالوجود الإلهى، فإن ذلك محال بالضرورة عندهم وعند غيرهم. ينبه على ذلك الشيخ الأكبر "ابن عربى" فيقول "واحذرمن الاتحاد، فإن الاتحاد لا يصح ... فإن الذاتين لا تكون واحدة، وانما هما واحدان "ويطلق الاتحاد عند الفلاسفة على معان عدة كالمجانسة والمماثلة والمشاكلة والمشابهة والمساواة والمطابقة والاضافة. ولكل معنى منها حدُّ معين ومفهوم خاص. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - الكليات لأبى البقاء. 2 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام للقاشانى. 3 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 337 - 343) ط الرياض 1398هـ. 4 - كتاب الحدود لابن سيناء. 5 - المبين فى ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدى، تحقيق د/حسن الشافعى. 6 - كتاب الألف لابن عربى (ضمن رسائل ابن عربى ج1) الرسالة الثالثة ط حيدر أباد 1361هـ

4 - أحاديث الأحكام

4 - أحاديث الأحكام أحاديث الأحكام مفهوم مركب من كلمتين (أحاديث الأحكام): (أ) الأحاديث لغة: جمع على غير القياس لحديث، وهو اسم لكل ما يتحدث به من كلام وخبر، قل أوكثر، كما فى مختار الصحاح. (1) واصطلاحا: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول، أو فعل، أو تقرير. (2) فالقول: مثل قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) الحديث رواه البخارى ومسلم وغيرهما. (3) والفعل: وهو ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم من أفعال ليست جبلية (خلقية)، مثل أداء الصلاء بهيئتها المعهودة، وكيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم. والتقرير: وهو سكوته صلى الله عليه وسلم عن إنكار فعل، آو قول صدر من أحد من أصحابه فى حضرته آو غيبته وعلم به صلى الله عليه وسلم. مثل قول ابن عمر (كان الرجال والنساء يتوضؤون فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد جميعا) أخرجه البخارى وأبو داو وغيرهما. (4) (ب) الأحكام لغة: جمع حكم، ويطلق على القضاء، كما فى مختار الصحاح. (5) واصطلاحا: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير أو الوضع. (6) أحاديث الأحكام اصطلاحا: من تعريف الحديث والحكم يمكن استنباط معنى شرعى لمصطلح "أحاديث الأحكام" هو "ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير يتضمن خطابا شرعيا يفهم منه طلب الفعل، أو الكف عنه، أو جعل شئ سببا أو شرطا لشئ أو مانعا منه .. ". ومثال ذلك: 1 - ما روى على بن أبى طالب-كرم الله وجهه-قال (جعل النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم) يعنى فى المسح على الخفين (7) رواه مسلم (8). 2 - ما روى عن صفوان بن عسال أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا على سفر أن لا ننزع خفا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) رواه الترمزى (9). وأحاديث الأحكام فى عرف المحدثين يطلق على تلك الكتب التى اشتملت على أحاديث الأحكام فقط، وهى أحاديثه انتقاها مؤلفو هذه الكتب من المصنفات الحديثية الأصول، ورتبوها على أبواب الفقه، منها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير، وهى كثيرة (10) وأشهرها: 1 - الأحكام الكبرى لأبى محمد عبد الحق ابن عبد الرحمن الأشبيلى ت581هـ. 2 - الأحكام لعبد الغنى بن عبد الواحد المقدسى ت 600هـ. 3 - الإمام فى أحاديث الأحكام لمحمد بن على، المعروف بابن دقيق العيد ت 602هـ. 4 - المنتقى فى الأحكام لعبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرانى ت 652هـ. 5 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ت 852هـ. وقد شرحت أكثر هذه الكتب، وطبع بعضها طبعات متعددة، وحدها أو مع شرحها. (11) أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح، مادة (حدث)، والمصباح المنير، ومعجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعة جى، طبعة دار النفائس بيروت ط2 1408هـ 1998م ص177. 2 - مختصر المنار لزين الدين الحلبى المكتبة الهاشمية دمشق، ص16والقاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين لمحمد عثمان، ط1 دار الحديث 1416هـ 1996م ص220. 3 - صحيح البخارى كتاب بدء الوحى، وصحيح مسلم بالمقدمة. 4 - صحيح البخارى، كتاب الوضوء، باب وضوء الرجل مع امرأته 1/ 357 رقم (193) فتح البارى، وسنن أبى داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء بفضل وضوء المرأء 1/ 62 رقم (79) توزيع محمد على السيد ط1 1969م، والنسائى فى الصغرى، كتاب الطهارة، باب وضوء الرجال والنساء جميعا 1/ 57 رقم (71)، ومالك فى الموطأ كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء1/ 24 رقم (15). 5 - مختار الصحاح مادة (حكم)، ومعجم لغة الفقهاء ص184. 6 - مختصر ابن الحاجب1/ 222. 7 - سبل السلام للصنعانى 1/ 91 طبعة دار الحديث بالأزهر. 8 - صحيح مسلم 1/ 232 طبعة دار إحياء التراث العربى بيروت. 9 - تحفة الأحوذى بشرح جامع التزمذى لمحمد المباركفورى 1/ 317 ط3 دار الفكر العربى للنشر والتوزيع 1399هـ 1979م، وقال الترمذى حديث حسن. 10 - أصول التخريج ودراسة الأسانيد د/محمود الطحان ص140 ط4 دار الكتب السلفية 1402هـ 1982م. 11 - مشار لهذه الكتب فى المرجع السابق ص141

5 - الإحسان

5 - الإحسان الإحسان لغة: فعل ما هوحسن، مع الإجادة فى الصنع (كما فى المعجم الوجيز). شرعا: أن تعبد الله كاًنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. فهوفعل ما ينبغى أن يفعل من الخير فضلا ومحبة، والأفضل أن يكون ذاتيا دائما دون نقص أو انقطاع، لأنه عمل بالفضائل، ولأنه قربة إلى الله تعالى (3). وجاءت مادة "حسن" فى القرآن الكريم بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة منها اثنتا عشرة مرة بلفظ "إحسان" وهذا دليل على أهمية هذا المقام فى الإسلام، حيث أمر به الله عزوجل فى مثل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} النحل:90. ويقوم الإسلام على ثلاثة أمور، هى: الإسلام والإيمان والإحسان. فالاحسان: جزء من عقيدة المسلم، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم) فسمى الثلاثه دينا، وفى الإجابة عن الإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كانك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه البخارى. وأوضحت السنة النبوية أن الإحسان كالروح يجب أن يسرى فى كل أمور المسلم. قال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شئ .. ) رواه مسلم. والإحسان فى العبادات: يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها مع استغراق المؤمن فى شعور قوى بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكاًنه يراه تعالى ويشعر باًن الله تعالى مطلع عليه، كما جاء في حديث جبريل. والإحسان فى باب المعاملات: يكون ببر الوالدين، من حيث طاعتهما، وإيصال الخير إليهما، وكف الأذى عنهما، والدعاء والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما. قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} ثم ذكرت الاية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهى {وبذى القربى واليتامى والمساكين والجارذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} النساء:36 وكذلك ورد توجيه نبوى فى الاحسان إلى الخادم، وذلك بإعطائه أجره قبل آن يجف عرقه، وبعدم تكليفه ما لايطيق. فإن كان مقيما بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء، كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعام، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة اًو أكلتين، فإنه وَلِى علاجه) رواه البخارى. والإحسان إلى الزوجة كذلك بعض ما أمر به الاسلام فى حسن معاملتها وإيفائها كافة حقوقها وحسن عشرتها، والاحتكام إلى أهلهما إن اختلفا، وعدم الاضرار بها بوجه من الوجوه كما ورد فما غيرآية من القرآن وفى قوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم). وقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله واًنا خيركم لأهلى). وهكذا يتنوع الإحسان تبعا لأحوال الاخرين: فهو للأقرب ببرهم والرحمة بهم والعطف عليهم مع الأقوال والأفعال الطيبة. ولليتامى: بصيانة حقوقهم، وتأديبهم، وتربيتهم، وعدم قهرهم. وللمساكين: بسد جوعتهم، وستر عورتهم، والحث على إطعامهم، وإبعاد الأذى والسوء عنهم. ولأبناء السبيل: بقضاء حاجتهم، وسد خلّتهم، وصيانة كرامتهم وبإرشادهم وهدايتهم. ولعامة الناس: بالتلطف فى القول، والمجاملة فى المعاملة، مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ورد حقوقهم، وكف الأذى عنهم. والإحسان للحيوان: بإطعامه إذا جاع، ومداواته إذا مرض، والرفق به فى العمل، وإراحته من التعب. ومن الإحسان: كثرة الجود ولا سيما فى رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وكما روى ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان اًجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل ... ) رواه مسلم. والإحسان فى العمل إنما يكون بإجادته، وإتقان صنعته، مع البعد عن التزوير والغش، روى فى الحديث النبوى: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا اًن يتقنه) والإتقان إحسان الصنع. أ. د/عبداللطيف محمد العبد

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأخلاق فى الإسلام د/عبد اللطيف العبد، ط 5/ 1998 دار الثقافة العربية القاهرة. 2 - منهاج المسلم أبو بكر الجزائرى: دار الشروق بجدة 1987. 3 - التعريفات الجرجانى: طبع 1938م الحلبى القاهرة. 4 - المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية: طبع 1993 وزارة التربية والتعليم القاهرة. 5 - المعجم الفلسفى د/جميل صليب: ط أولى دار الكتاب اللبنانى بيروت 1971م. 6 - رياض الصالحين النووى، طبع المكتبة التوفيقية القاهرة 1983م

6 - أحكام القرآن

6 - أحكام القرآن لغة: جمع حكم، وأصل مأخذه فى العربية من مادة تدوركلها حول معنى المنع ومنه حَكَمة اللجام لمنعها الدابة من الانطلاقا على خلاف مراد صاحبها، ومنه الحكمة المضادة للعبث والسفه. والأحكام بمعنى المنع من الفساد وغير ذلك (1). واصطلاحا: خصوص ما جاء فى القرآن من الأحكام الشرعية بالمعنى الأصولى والفقهى المعروف للحكم الشرعى، والذى يتعلق بفعلٍ من مخاطبات القرآن المجيد على سبيل الطلب أو التخيير أو الوضع لأى منهما. فقولهم على سبيل الطلب أو التخييرهو الحكم الشرعى التكليفى، وهو لدى جمهرتهم أقسام خمسة؛ لأن الطلب إما ان يكون طلبا للفعل، أو طلبا للكف، وكل منهما إما أن يكون جازما أو غير جازم، فطلب الفعل إما أن يكون جازما فهو الايتاب، وإما أن كان غير جازم فهو الندب، وطلب الكف إن كان جازما فهو التحريم وإن كان غير جازم فهو الكراهة، وأما التخيير فهو الإباحة. وقولهم: أو الوضع لأى منهما. يعنون به الحكم الشرعى الوضعى، والذى هو عبارة عن جعل الشىء سببا أو شرطا أو مانعا (2). وقد اعتنى معظم المفسرين ولاسيما أصحاب التفاسير المبسوطة منهم بهذا النوع من مقاصد القرآن العظيم كل حسب مشربه ومذهبه. بل أفرده بالتصنيف جماعة كثيرة فى القديم والحديث، قال الزركشى فى البرهان (أولهم الشافعى ثم تلاه من أصحابنا الكيا الهراس، ومن الحنفية أبو بكر الرازى، ومن المالكية القاضى إسماعيل، وبكر بن العلاء القشيرى، وابن بكر، ومكى، وابن العربى، ومن الحنابلة القاضى أبو يعلى الكبير (3) وقد بين علماء القرآن منهج القرآن العظيم فى سياق أحكامه وطريقتهم فى استنباطها منه، ويتلخص الحديث عن المنهج فى نظرتين، ومن خلالهما يتبين للقارىء بعض طرق العلماء فى الاستنباط: إحداهمأ: أن ينظر إليه باعتبار سياقه للأحكام من حيث الجملة، أى بقطع النظر عن طريقته فى التعبير عن كل واحد من أقسام الحكم الشرعى. وتتمثل فيما أفاد صاحب الموافقات إذ يقول: تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خَصَّه الدليل مثل خصائص النبى صلى الله عليه وسلم. ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان. فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب ... وإذا كان كذلك، فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كليات، لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى {اليوم اًكملت لكم دينكم} المائدة:3، وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم تبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة وكذلك العديد من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها، وأيضا فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال وهى الضروريات والحاجيات والتحسينات (4). ومكمل كل واحد منها، وهذا كله ظاهر أيضا، فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن، وقد عد الناس قوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما اًراك الله} النساء:115. متضمنا للقياس وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه} الحشر:7. متضمنا للسنة وقوله {ويتبع غيرسبيل المومنين} النساء:115، متضمنا للإجماع وهذا أهم ما يكون. وفى الصحيح (عن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشما000) (5) الخ. فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد، يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: حديث بلغنى عنك أنك لعنت كذا وكذا فذكرته. فقال عبدالله: ومالى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى كتاب الله، فقالت المرأة. لقد قرات مابين لوحى المصحف فما وجدته. فقال لئن كنت قرأته لقد وجدتيه، قال الله عز وجل {وما اتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7. فعلى هذا لاينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة، لأنه إذا كان كليا وفيه أمور مجملة كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها، فلا محيص من النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز منه ذلك، والله أعلم (6). ثانيهما: أن ينظر إليه من حيث طريقته فى التناول لتفاصيل تلك الأقسام؛ وتتمثل فى مقولة السيوطى ونقله عن العز بن عبدالسلام رحمهما الله إذ يقول: قال الغزالى وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية، وقال بعضهم مائة وخمسون، وقيل لعل مرادهم المصرح به، فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام، قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام فى كتاب الإمام فى أدلة الأحكام: معظم آى القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على أداب حسنة، وأخلاق جميلة، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام ومنها، ما يؤخذ بطريق الاستنباط، كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله {وامرأته حمالة الحطب} المسد:4. وصحة صوم الجنب من قوله {فالآن باشروهن .... من الفجر} البقرة:187، واستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} الأحقاف:15، مع قوله: {وفصاله فى عامين} لقمان:14، قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر، وتارة بالأخبار مثل {أحل لكم} البقرة:187. و {حرمت عليكم الميتة} المائدة:3، و {كتب عليكم الصيام} البقرة:183، وتارة بمارتب فى العاجل أو الآجل من خير أو شر أو ضر، وقد نوَّع الشارع ذلك أنواعاً كثيرة، ترغيباً لعباده وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم (7) ثم قسم الشيخ عز الدين ما أجمل من تلك الأنواع حسبه أقسام الحكم الشرعى، بما يطلب من مظانه هنالك. د/إبراهيم عبدالرحمن محمد خليفة

_ الهامش: 1 - تاج العروس، لسان العرب مادة (حكم)، والبحر المحيط للزركشى، النسخة الكويتية 1/ 117. 2 - زاد بعضهم فى أقسام الحكم الوضعى جعل الشئ صحيحا أو فاسدا وزاد .. انظر تفصيل ذلك فى نهاية السول للأسنوى، والمحصول الرازى مع شرحه للقرافى، والبحر المحيط للزركشى، وغيرها. 3 - البرهان فى علوم القرآن 2/ 3. 4 - الموافقات للشاطبى، 2/ 117 - 122. 5 - البخارى كتاب التفسير سورة الحشر باب وما آتاكم الرسول فخذوه، وكتاب اللباس باب المستوصلة وباب المستوشمة، ومسلم كتاب اللباس والزينة باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة وغيرها. 6 - الموافقات للشاطبى، تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان 4/ 180 - 183. 7 - الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 4/ 40 - 41. مراجع الاستزادة: 1 - مسلم الثبوت، لمحب الله بن عبدالشكور، مع شرحة فواتح الرحموت لعبد العلى ابن نظام الدين الأنصارى. 2 - شرح منهاج الأصول للبيضاوى مع حواشية المسماة بسلم الوصول لشرح نهاية السول، للشيغ بخيت المطيعى، مع العديد من كتب اللغه

7 - الأحمدية

7 - الأحمدية هى حركة دينية ظهرت بإقليم البنجاب بالهند (باكستان حاليا) فى القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى. أطلق عليها الأحمدية نسبة إلى مؤسسها ميرزا غلام أحمد، ويطلق عليها أيضا القاديانية نسبة إلى قاديان (وهى قرية تقع بإقليم البنجاب وتبعد بنحو ستين ميلا عن لاهور) التى ولد فيها مؤسس هذه الحركة فى عام 1252هـ/1839م. ولأن هذه الحركة ظهرت فى مجتمع إسلامى على يد مسلم يعدها المؤرخون وعلماء الأديان حركة إسلامية، كما أن أتباعها يعتبرون أنفسهم مسلمين، إلا أن لجنة كونها شيخ الأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد اللبان -أول عميد لكلية أصول الدين فى ثلاثينيات القرن العشرين- قامت ببحث حالة طالبين ينتسبان إلى هذه الجماعة، كانا يروجان لمذهبهما فى مصر، وكان القرار الذى أصدرته هذه اللجنة ينص بأن القاديانيين كافرون، كما قضت بفصل الطالبين من الأزهر. وقد بُنِى الحكم بكفر من يعتنق أفكار هذه الطائفة على أساس ما ادعاه مؤسسها ميرزا غلام أحمد بأن المسيح لم يرفع ببدنه إلى السماء، بل بروحه، أما بدنه فمدفون فى الهند، وكان هذا أول رأى خالف فيه جمهور المسلمين، ثم ادعى أن روح المسيح قد حلت فيه فعودة المسيح التى يؤمن بها المسلمون قد تحققت بحلول روح المسيح فى جسده، كما ادعى أنه المهدى المنتظر، فهو مرسل ليجدد أمر الدين الإسلامى فما يقوله هو الحق، وليس لأحد أن ينكره؛ إذ هو يتكلم عن الله تعالى. لم يكتف بهذا، بل ادعى أن اللاهوت قد حل فى جسده، وأن المعجزات قد ظهرت على يديه، فهو رسول من عند الله، ورسالته لا تتنافى مع كون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فهو يفسر خاتم النبيين فى قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} الأحزاب:40، بأن كل رسول يجئ من بعده يكون بخاتمه وإقراره ويحيى شرعه ويجدده (حقيقة الوحى ص27، التعليم ص15). ومن آرائه المخالفة لتعاليم الإسلام أنه: 1 - ألغى فريضة الجهاد، معللا ذلك بأنه قد استنفد أغراضه فلا داعى إليه بعد أن زالت الفتنة فى الدين (تبليغ الرسالة ص17). 2 - عدم جواز صلاة الأحمدى خلف إمام غير أحمدى. 3 - الحكم على من لم يؤمن بدعوته بالكفر. 4 - عدم جواز زواج الأحمدية بغير أحمدى. وبعد موت ميرزا غلام أحمد فى 1908 خلفه فى رئاسة الحركة الحكيم نور الدين، وبعده انقسمت الحركة إلى شعبتين: الأولى: تزعمها بشير الدين محمود بن غلام أحمد، وهى شعبة قاديان وقد حافظ المنتسبون إلى هذه الشعبة على أفكار ميرزا غلام أحمد وتشددوا فى تنفيذها حرفيا. الثانية: تزعمها محمد على اللاهورى وهى شعبة لاهور، ومن معتقداتهم: (أ) عدم إنكار إلهامات ميرزا غلام أحمد، إلا أنهم أنكروا ادعاءه النبوة، وفسروا ما ورد عنه من نصوص فى هذا الصدد بأنها تعبيرات مجازية. (ب) تحاشوا تسمية المسلمين الذين لم يؤمنوا بدعوتهم كفارا، ولكنهم أطلقوا عليهم اسم الفاسقين. يطلق على هاتين الشعبتين (شعبة قاديان، شعبة لاهور) الحركة الأحمدية، ولهما نشاط واسع فى كثير من أقطار الأرض يتمثل فى بناء المساجد وإنشاء المراكز الثقافية. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - القاديانية والبهائية: محمد الخضر حسين، دار الكتاب العربى بمصر. 2 - تاريخ المذاهب الإسلامية: محمد أبو زهرة، دار الفكر العربى بمصر. 3 - القاديانية، نشأتها وتطورها: حسين عيسى عبد الظاهر، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1973م. 4 - أثر البينة فى ظهور القاديانية: د/محمد شامة، مكتبة وهبة القاهرة 1980م

8 - الأحوال الشخصية

8 - الأحوال الشخصية لغة: حال الشئ: صفته، وحال الإنسان ما يختص به من أموره المتغيرة الحسية والمعنوية. والشخص: يطلق على كل جسم له ارتفاع وظهور، وغلب فى الإنسان، جمعه أشخاص وشخوص، وتعنى الأحوال الشخصية فى مدلولها هذه الصفات التى تميز إنسانا من غيره (لسان العرب/المعجم الوسيط). واصطلاحا: هى الأحكام والمبادئ والمسائل المنظمة للعلاقات داخل الأسرة، بما يشمل أحكام الخطبة والزواج، والمهر، ونفقة الزوجة وواجباتها تجاه زوجها، والطلاق وتفريق القاضى بين الزوجين والخلع والنسب والرضاع وحضانة الأولاد والميراث والوصية والوقف. وتتضمن مسائل الأحوال الشخصية بعض الأمور المالية كالميراث والوصية والوقف. ومصطلح الأحوال الشخصية مصطلح حادث لم يعرفه القدامى، وقد ابتدعه الفقه الإيطالى فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر حين واجهته مشكلة "تنازع القوانين" لظهور نظامين قانونيين آنذاك: الأول: هو القانون الرومانى الذى كان له التطبيق العام فى إيطاليا كلها. الثانى: القانون المحلى الذى كان يطبق فى مدينة معينة. خاصة وقد لجأ القانون الرومانى لتمييز هذين النظامين وإلى إطلاق "حال" على النظام الثانى ثم قسم هذه الأحوال إلى أحوال تتعلق بالأموال، وإلى أحوال تتعلق بالأشخاص وأخذت القوانين الغربية هذا التقسيم الذى استقر فيها، وصار يطلق مصطلح الأحوال الشخصية على تلك القواعد الخاصة بالروابط الشخصية فى مقابل الأحوال العينية، وهى الأحوال المتعلقة بالأموال. وتختلف الأحوال العينية عن الأحوال الشخصية فى عموم تطبيق الأولى على جميع المواطنين، على حين تتعدد القواعد القانونية المنظمة للعلاقات والمراكز القانونية للمواطنين باختلاف طوائفهم ومعتقداتهم. وقد حددت محكمة النقض المصرية في حكمها الشهير بتاريخ 21/ 6 /1934م معنى مصطلح الأحوال الشخصية، فنص هذا الحكم على أن: "الأحوال الشخصية هى مجموع ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التى رتب القانون عليها أثرا قانونيا فى حياته ككونه إنسانا ذكرا أو أنثى وكونه زوجا أو أرمل أو مطلقا أو ابنا شرعيا، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو عته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية، أما الأمور المتعلقة بالمسائل المالية فكلها بحسب الأصل من الأحوال العينية، وإذن فالوقف والهبة والوصية والنفقات على اختلاف أنواعها ومناشئها من الأحوال العينية لتعلقها بالمال وباستحقاقه وعدم استحقاقه، غير أن المشرع المصرى وجد أن الوقف والهبة والوصية وكلها من عقود التبرعات تقوم غالبا على فكرة التصدق المندوب إليه ديانة، فألجأه هذا إلى اعتبارها من قبيل مسائل الأحوال الشخصية، فيما يخرجها عن اختصاص المحاكم المدنية التى ليس من نطاقها النظرفى المسائل التى قد تحوى عنصرا دينيا ذا أثرفى تقرير أحكامها". ولم يسلم هذا التعريف من الغموض والنقد إلى الحد الذى أوجب تدخل المشرع لتدارك نقص تعريف محكمة النقض المصرية وغموضه إذ جاء فى المادة 28 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة الصادرة بالقانون رقم 49 لسنة 1937م مايلى: "تمثل الأحوال الشخصية المنازعات والمسائل المتعلقة بنظام الأسرة، وعلى الأخص الخطبة والزواج وحقوق الزوجبن وواجباتهما المتبادلة والمهر ونظام الأموال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار بالأبوة وإنكارها والعلاقات بين الأصول والفروع، والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار وتصحيح النسب والتبنى والوصاية والقوامة والحجر والإذن بالإدارة، وكذلك المنازعات والمسائل المتعلقة بالهبات والمواريث وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وبالغيبة وباعتبار المفقود ميتا". وقد جاءت القوانين الصادرة بعد الغاء المحاكم المختلطة فى مصر والخاصة بنظام القضاء والسلطة القضائية فى مصر، لتؤكد هذا التعريف. وتتميز أحكام موضوعات الأحوال الشخصية باستمدادها من الفقه الإسلامى وأخذها من مذاهبه المعروفة، وذلك فى معظم بلاد العالم الإسلامى (ولم يشذ عن ذلك سوى تركيا التى اعتمدت القانون المدنى السويسرى عام 1927م بشقيه الشخصى والعينى) وذلك كمصر والسودان والباكستان. على حين أخذت بعض البلاد الإسلامية بتقنين أحكام الأحوال الشخصية تقنينا شاملا كسوريا والأردن، ومع ذلك فقد شهدت قوانين الأحوال الشخصية فى العالم الإسلامى الكثير من الاجتهادات المعاصرة استجابة لمقتضيات الحياة الاجتماعية الحديثة وذلك كتوثيق الزواج والمنع من زواج الصغار، والتوسع فى حق المرأة فى طلب التفريق من زوجها والوصية الواجبة للأحفاد. أ. د/محمد سراج

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأحوال الشخصية للمواطنين غير المسلمين د/أحمد سلامة. 2 - دراسات فى أحكام الأسرة د/محمد بلتاجى حسن. 3 - موسوعة الفقه والقضاء فى الأحوال الشخصية للمستشار محمد عزمى البكرى. 4 - الفقه الإسلامى وأدلته د/وهبه الزحيلى

9 - الأخذ بالأخف

9 - الأخذ بالأخف لغة: الأخذ خلاف العطاء، وهو أيضًا التناول، أخذت الشئ آخُذُه أخذًا: تناولته. (لسان العرب) (1). والأخف خلاف الأثقل. (لسان العرب) (2). واصطلاحا: يقصد به الأخذ باًخف الأقوال حتى يدل الدليل على الأخذ بالأثقل (3). ويعتبرالأخذ بالأخف تعبيرا واصطلاحا قريبا من قولهم الأخذ بأقل ما قيل، وإن لم يكن هو عينه فإن بينهما خلافا؛ وذلك لأن الأخذ بأقل ما قيل يشترط فيه أن يكون المختلفون فى المسألة متفقين على الأقل حتى يقال به، وهذا لا يشترط فيه هذا. (4). والقول بالأخذ بأخف القولين من جملة طرق الاستدلال، وقد ذهب البعض إلى أنه واجب على المكلف أن ياًخذ بالأخف، كما عبروا هناك بقولهم: يجب الأخذ بأقل ما قيل (5): لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر} البقرة:85 وقوله تعالى {وما جعل عليكم فى الدين من حرج} الحج 78، واعلم أن الأخذ بالأخف قد يكون بين المذاهب، وقد يكون بين الاحتمالات المتعارضة أماراتها (6)، وقد يكون بين أقوال الرواة (7). والأخذ بالأخف ليس متفقأ على القول به، فقد ذهب البعض إلى القول بوجوب الأخذ بالأشق (8) وهذا الدليل يرجع حاصله إلى أن الأصل فى الملاذ الإذن، وفى المضار المنع، والأخف فيهما هو ذلك (9). وكما استدل من قال بوجوب الأخذ بالأخف بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على اليسر والتخفيف، وأن هذه الشريعة مبنية على رفع الحرج عن العباد، فقد استدل من قال بوجوب الأخذ بالأشق والأثقل من القولين، بأنه أكثر ثوابا، فكان المصير إليه واجبا لقوله تعالى (10) {فاستبقوا الخيرات} البقرة:148. وهناك فريق ثالت لم يوجب الأخذ بشىء منهما، وحجته مبنية على أنهما قولان متعارضان فيسقطان، وانه لا معنى لهذا الخلاف فى مثل هذا؛ لأن الدين كله يسر، والشريعة جميعها سمحة سهلة، والذى يجب الأخذ به ويتعين العمل عليه هو ما صح دليله، فإن تعارضت الأدلة لم يصلح أن يكون الأخف مما دلت عليه أو الأشق مرجحا، بل يجب المصير إلى المرجحات المعتبرة عند الأصوليين وعلماء الخلاف (11). أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (أخذ) ط دار المعارف. 2 - السابق نفسه مادة (خفف). 3 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى المالكى، تحقيق د/محمد المختار بن الشيغ محمد الأمين الشنقيطى مكتبة ابن تيمية القاهرة ط1 1414هـ ص395. 4 - البحر المحيط للزركشى، ط وزارة الأوقاف بالكويت 6/ 31 1990م. 5 - السابق نفسه 6/ 31، تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى تحقيق د/عبد الله ربيع محمود، د/سيد عبد العزيز مؤسسة قرطبة ط1998م 4/ 430. 6 - البحر المحيط للزركشى 6/ 31. 7 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/ 431. 8 - البحر المحيط 6/ 31، تشنيف المسامع 4/ 430 - 431. 9 - تشنيف المسامع 4/ 430. 10 - البحر المحيط 6/ 31، تشنيف المسامع 4/ 430 - 431. 11 - انظر: غاية الوصول شرح لب الأصول للشيخ زكريا الأنصارى، ط عيسى البابى الحلبى وشركاه ص139،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكانى تحقيق د/شعبان محمد إسماعيل دار الكتب بمصر ط1 1993م 2/ 275،276. مراجع الاستزادة: 1 - الحاصل من المحصول للأرموى تحقيق د/عبد السلام أبو ناجى ط جامعة قاريونس بنغازى ليبيا 2/ 1066. 2 - جمع الجوامع بشرح المحلى وحاشية البنانى ط مصطفى الحلبى وشركاه 3/ 352. 3 - القاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين د/محمود حامد عثمان وما بعدها دار الحديث بالقاهرة ط1 1996م ص42

10 - الأخلاق

10 - الأخلاق يجىء لفظ "الخلق" ولفظ الأخلاق وصيغ أخرى تنبثق منهما وصفا لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات: ذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة لذا جاء سلوكه مرتبطا بالفكر، ومتوافقا مع ما يدين به من اعتقاد. كذلك فإن الإنسان منذ نشأته يمارس الحكم الأخلاقى على الأشياء، فهذا خير وذاك شر، وهذا حسن، وذاك قبيح، وهذا نافع، وذاك ضار الأمر الذى جعله يستحق وصف أنه كائن أخلاقى. ويطلق لفط الخلق ويراد به القوة الغريزية التى تبعث على السلوك كما يراد به السلوك الظاهر "أى الحالة المكتسبة التى يصيربها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شئ". وعلى هذا المعنى الأول جاء الحديث: (خيرما أعطى الناس خلق حسن) رواه أحمد والنسائى (1) ويشهد للمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وان الله ليبغض الفاحش البذىء) أخرجه الترمذى (2) ولم يستخدم القرآن الكريم لفظ "أخلاق" بصيغة الجمع، وإنما جاء اللفظ مفردا كما فى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} االقلم:4. أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها بلفظ الجمع وإن ورد بلفظ المفرد أكثر، فقد جاء لفظ "أخلاق" فى حديث: (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا) رواه مسلم (4) ولم تخل حضارة فضلا عن دين من الحديث عن الأخلاق لارتباطها بالإنسان ففى الحضارة المصرية القديمة حديث عن الوصايا، والفضائل حتى أن بعض مؤرخى الفكر اعتبر المصريين أول من تكلم فى مسائل الأخلاق. وفى الحضارة الصينية حديث عن الفضائل، وأهميتها للفرد والجماعة، كما جاء فيما نقل عن كونفشيوس وغيره. وأما اليونان فاهتمامهم بالأخلاق أمر مقرر من خلال ما عرفته ثقافتنا الإسلامية من خلال حركة الترجمة فى العصر العباسى. فإذا أضفنا إلى ماسبقت الإشارة إليه ماجاء فى الديانتين السماويتين اللتين سبقتا الإسلام (اليهودية، والمسيحية) من هدى إلهى فى هذا الصدد أمكننا أن نقرر أن الاهتمام بالأخلاق قاسم مشترك بين كل المذاهب والأديان باعتبار أنها خصيصة للإنسان الكائن الأخلاقى، وأمكننا كذلك أن نفهم فى ضوء هذا الحديث: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) (5). والإسلام الذى جاء ليتم البناء الأخلاقى للإنسان تميز اهتمامه بهذا الأمر إلى حد أن فسر الإسلام على أنه الخلق ففى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} القلم:4، قال ابن عباس على دين عظيم أى الإسلام. ويتضح هذا حين نشير إلى حقائق مهمة منها: 1 - الصلة الوثيقة بين الإيمان عقيدة والأخلاق سلوكا {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119، وفى الحديث: (ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع) متفق عليه. 2 - العبادات ذات أثر أخلاقى لابد من تحققه فى حياة الجماعة، وهذه بعض الأمثلة: - {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} العنكبوت:45. - {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم} التوبة:103. - {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} البقرة:197. 3 - الأخلاق شرط لصحة المعاملات: {يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم} النساء:29 {ويل للمطففين} المطففين:1، وفى الحديث (من غشنا فليس منا) (رواه مسلم). 4 - الحدود فى الإسلام زواجر عن جرائم خلقية (حد القتل، السرقة، الزنا .. ) ولعل المتأمل فى هذه الحقائق يدرك البعد الاجتماعى للأخلاق فى الإسلام باعتباره دينا للحياة ينظم علاقات الأحياء ببعضهم وبالحياة حولهم حيوانات أو جمادات مما يسمى بالبيئة أو الكون المحيط بنا. وقد أدى فهم علماء الإسلام لأهمية الأخلاق باعتبارها دينا إلى بذل جهود علمية شكلت علما يسمى بعلم الأخلاق الإسلامى، بخصائصه التى تمينره عن جهود غيرهم فى الحضارات الأخرى فى هذا المجال. ولم يكن هذا الاهتمام خاصا بعلماء دون غيرهم، بل أسهم الجميع فى إثراء هذا العلم، فأهل الحديثا بدعوا بعمل اليوم والليلة، ووصلوا إلى كتب متخصصة فى موضوع واحد مثل "جامع بيان العلم وفضله؛ لابن عبد البروغيره كما امتلأت كتب الفقه بالحديث عن الحسبة والشروط الخلقية لكثير من التصرفات كذلك تحدث الفلاسفة المسلمون عن السعادة وعن الفضائل والقيم، كما تحدث الصوفية عن التزكية والمجاهدة ونحو هذا، بل إن أهل اللغة والأدب أسهموا فى نضوج هذا العلم مثل الراغب الأصفهانى فى الذريعة إلى مكارم الشريعة، والماوردى فى آدب الدنيا والدين .. وغيرهما. الأمر الذى يجعلنا نقول: إن للمسلمين علم أخلاقا أنبثق من معتقدهم وثقافتهم وتشكل كاملا قبل أن يعرف المسلمون البحوث الأخلاقية فى ثقافات الآخرين. أ. د/أبو اليزيد أبو زيد العجمى

_ الهامش: 1 - رواه أحمد، والنسائى، والحاكم عن أسامة بن شريك، قال الحاكم صحيع، وأقره الذهبى. 2 - قال الترمذى حديث صحيح الترمذى، كتاب البر حديث 2002. 3 - مسند أحمد 2/ 281، موط مالك باب حسن الخلق، وقال عنه صاحب المقاصد الحسنة 69 حديث صحيح. 4 - مسلم كتاب الفضائل حديث رقم 2331. 5 - تفسير ابن كثير دار الكتب العلمية بيروت د. ت. مراجع الاستزادة: 1 - كونفشيوس د/حسن سعفان 56 طبعة أولى مصر د. ت. 2 - الفلسفة الخلقية نشأتها وتطورها د/توفيق الطويل 45 طبعة ثانية. 3 - الذريعة إلى مكارم الشريعة/الراغب الاصفهانى: تحقيق د/أبو اليزيد العجمى، الطبعة الثانية دار الوفاء مصر 1987 م. 4 - فلاسفة المشرق توملين: ترجمة عبد الحميد سليم -دار المعارف- القاهرة 1980م

11 - الأدارسة

11 - الأدارسة يقصد بالأدارسة الدولة التى قامت فى المغرب الأقصى سنة 172هـ /789م على يد الإمام إدريس بن عبد الله، وبه سميت الدولة، وينسب إدريس هذا إلى الفرع الحسنى، فوالده هو عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن بن على بن أبى طالب، وكان عالما جليلا، وقد احتل منزلة مرموقة فى مجتمعه، وهو شيخ بنى هاشم ورئيس العلويين فى ذلك الوقت (1)، وقد نشأ على جانب من اليسر. وبعد مقتل الإمام على بن أبى طالب، أخذ البيت العلوى يصارع فى سبيل الوصول إلى مقعد الخلافة، وقد استمر هذا الصراع فى عهد الدولتين: الأموية والعباسية لأنهم كانوا يرون أنهم أصحاب الحق الشرعى فى منصب الخلافة لذا اندلعت عدة ثورات ومن هذه الثورات ثورة أحد زعماء البيت العلوى وهو الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب فى المدينة 169هـ/786م واشترك فيها الإمام إدريس (2) ابن عبد الله ثم انتقل الثوار إلى فخ وهو مكان قريب من مكة وكان اللقاء بين الثوار والعباسيين وانتهى بمقتل الحسين ومائة من أهل بيته ومن بقى من أهل البيت اختلط بالحجاج (3) أما الإمام إدريس بن عبد الله قد فر إلى مصر ومنها إلى بلاد المغرب الأقصى حيث توجه إلى مدينة (وليلى) وهناك نزل على زعيم قبيلة أوربة وهو إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربى (4) الذى رحب به وأكرم وفادته وبايعه بالامامة هو وقبيلته ثم دعا بقية القبائل لمبايعته سنة 172هـ/789م (5) وبذلك قامت دولة الأدارسة. وقد تضافرت عدة عوامل على مبايعة الامام إدريس بن عبد الله منها معرفة البربر بأحداث المشرق، وتطلع قبائل البرير إلى زعامة دينية وسياسية مع مميزات شخصية فى الإمام ادريس ثم تأييد قبيلة اوربة للدولة الجديدة. ما أن استقرت الأمور فى (وليلى) عاصمة الدولة حتى خرج الإمام إدريس بن عبد الله على رأس جيشه لإخضاع بقية مناطق المغرب لذا خرج فى ثلاث حملات الأولى إلى الجنوب والغرب والثانية إلى الجنوب وذلك للقضاء على الضلالات المنتشرة فى تلك المناطق أما الثالثة فكانت إلى الشرق حيث استولى على مدينة تلسمان، هذا النجاج أقلق الخليفة هارون الرشيد فى بغداد ومن ثم دبر مؤامرة لاغتياله على يد أحد أتباعه وهو سليمان جرير المعروف بالشماخ وقد نجح فى تنفيذ مهمته وقتل الإمام إدريس بن عبد الله بواسطة السم سنة 175هـ/791م (6). تولى راشد وزعماء البربركفالة إدريس بن إدريس بعد مقتل والده حتى بلغ أشده وبويع سنة 188هـ/804م. وشهدت البلاد فى عهده رخاء واستقرارا مع هجرة كثير من القبائل العربية من القيروان والأندلس إلى (وليلى) مما اضطر معه الإمام إدريس بن إدريس إلى البحث عن مكان جديد للعاصمة ووقع الاختيار على مدينة فاس سنة 192هـ/808م (7) ثم تابع الإمام إدريس بن إدريس نشاط والده العسكرى فخرج فى حملتين الأولى تجاه بلاد المصامدة والثانية إلى تلمسان وقد حقق نجاحا كبيرا حتى إذا كانت سنة 213هـ/828م توفى الإمام إدريس بن إدريس ليتولى خلفا له ابنه محمد الذى قسم مناطق الدولة على إخوته وذلك بمشورة جدته كنزة التى رأت أن ذلك فى صالح الدولة؛ إلا أن هذا التقسيم حمل فى طياته بذور الخلاف والشجار، وحدث صراع بين الأخوة ثم تعاقب أمراء الأدراسة على المناطق المختلفة، وبدأت الدولة تفقد وحدتها وتماسكها حتى وصل القائد وصالة بن حبوس المكناسى أحد قادة الدولة الفاطمية سنة 305هـ/917م. لقد كان للأدارسة دور مؤثر وخطير فى حياة المنطقة إذ نجح الأدارسة فى توحيد المغرب الأقصى، وذلك نتيجة عدة خطوات منها إقامة حكومة مركزية فى وليلى ثم فى العاصمة الجديدة "فاس" تخضع لها مختلف القبائل؛ كما كانت الحملات العسكرية المتكررة مجالا لحشد هذه القبائل تحت راية واحدة وصهرها فى مجتمع واحد متجانس يضاف إلى ذلك ترحيب الأدارسة بالوفود العربية القادمة وما ترتب على ذلك من نشر للثقافة الإسلامية والعربية وإنشاء العاصمة الجديدة فاس التى ضمت مختلف هذه العناصر. وفى مجال نشر الاسلام وخدمة الدين الحنيف فقد بذل أمراء الأدارسة خطوات كبرى فى هذا المجال ومن هذه الخطوات القيام بحركة مقدسة الغرض منها القضاء على الوثنية المنتشرة فى المنطقة، وكذلك القضاء على المذاهب الخارجية التى استشرى خطرها فى البلاد فضلا عن الاستقرار السياسى والاقتصادى ودورهما المؤثر فى دخول البربر فى الاسلام، وكان المذهب المالكى هو مذهب الدولة. ومن أبرز أعمال الأدراسة فى المنطقة والتى خلدت اسمهم فى التاريخ بناء مدينة فاس التى لعبت دورا كبيرا فى تقدم المنطقة وازدهارها إذ أنها أسهمت فى تبديل الصورة القبلية التى كانت تعيشها المنطقة إلى نظام حضارى يسهم فى نشر الإسلام والثقافة العربية وإليها أقبل الدارسون من كل مكان ومنها انطلق العلماء لنشر الإسلام والثقافة العربية وما زالت مدينة فاس تلعب دورها الحضارى حتى يومنا هذا. أ. د/حسن على حسن

_ الهامش: 1 - مقاتل الطالبين (ص180). 2 - النويرى: نهاية الأرب فى فنون الأدب 23/ 71 الهيئة العامة للكتاب. 3 - ابن الأثير: الكامل فى التاريخ 5/ 76. 4 - الأنيس المطرب ابن أبى نرع 1/ 15. 5 - المرجع السابق نفسه. 6 - ابن خلدون العبر 4/ 7. 7 - ابن أبى زرع 1/ 50. 8 - الدر النفيس ص248. مراجع الاستزادة: 1 - الكامل فى التاريخ ابن الأثير: تحقيق عبد الوهاب النجار 1357هـ. 2 - الدر النفيس أبى العباس أحمد: الحلبى 1314هـ. 3 - العبر وديوان المبتدا والخبر ابن خلدون: بولاق 1284هـ. 4 - الأنيس المطرب المغرب ابن أبى زرع على بن محمد 1936م. 5 - مقاتل الطالبين أبو الفرج الأصفهانى على بن الحسن: تحقيق أحمد صقر 1949م

12 - الأدب

12 - الأدب لغة: أَدَبَ القومَ: دعاهم إلى مأدبته، والأدب: رياضة النفس بالتعليم والتهذيب، وقد ورد هذا المعنى فى الحديث الشريف (أدبنى ربى فأحسن تأديبى) (1) والأدب: الجميل من النظم والنثر كما فى الوسيط (2). واصطلاحا: أطلق فى بادىء الأمر على ما أثر عن العرب من فنون القول النثرى والشعرى وكل ما نتج عن القرائح. وقد ظهرت بعض الكتب تحمل هذه الدلالة فى عناوينها مثل: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الأدب فى صحيح البخارى وغيرهما كثير. والعلاقة بين المعنى اللغوى "الدعوة إلى الطعام" والمعنى الاصطلاحى "فنون القول" أن الأول غذاء للجسم، والثانى: غذاء للعقل والروح (3). وفى العصر الحديث قصرت كلمة "الأدب" على الكلام الإنشائى البليغ الذى يحمل الكثير من الأخيلة والتصويرات والإيحاءات (4). وكان قبل ذلك يطلق على كل ما تنتجه القرائح (5) على نحو ما يطلق عليه الأروبيون الآن (6) فيشمل فنون القول جميعا الخيالى والعقلى كالتاريخ والفلسفة والرواية والقصيد. أ. د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - النهاية فى غريب الحديث والأثر، ابن كثير، دار الفكر، ط2 1399هـ/1979م، تحقيق طاهر أحمد الزاوى، ود/محمودالطناحى (1/ 2). 2 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف، القاهرة، مادة (أدب). 3 - النقد الأدبى القديم، د/على العمارى، مقدمة الدراسة ص2. 4 - العصر الجاهلى، د/شوقى ضيف، دار المعارف، ط7، 1976م. 5 - مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون، دار الفكر، القاهرة ص553. 6 - نظرية الأدب، رينيه ويليك، واوستن وارين، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية، دمشق، تعريب محيى الدين صبحى، ط1، ص19 - 20. مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ الأدب العربى، أحمد حسن الزيات، نهضة مصر، القاهرة، ط2. 2 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، القاهرة

13 - الأدب الإسلامى

13 - الأدب الإسلامى الأدب الإسلامى قسم من الأدب العربى، ويقابله الأدب الجاهلى. ويبدأ الأدب الجاهلى باستقلال عرب الشمال (العدنانيون) عن عرب الجنوب (اليمنيون) فى منتصف القرن الخامس الميلادى، وينتهى بظهور الإسلام سنة 622 م. ويبدأ الأدب الإسلامى بظهور الإسلام إلى الآن، وقد قسّمه علماء تاريخ الأدب بحسب الزمن، وأطلقوا على كل حقبة زمانية عصرًا على الوجه الأتى: (أ) عصر صدر الإسلام، ويشمل: عصر النبوة والخلفاء الراشدين ودولة بنى أمية حتى سقوطها عام 132هـ. (ب) العصر العباسى، ويبدأ بقيام دولتهم عام 132هـ إلى سقوط بغداد على أيدى التتار عام 656هـ. (ج) العصر المملوكى، ويبدأ من سقوط بغداد ثم ينتهى بظهور النهضة الحديثة سنة 1230هـ. (د) العصر الحديث، ويبدأ بحكم محمد على لمصر، وما يزال إلى الآن (1). وثمة ضوابط أخرى تميز بين الأدب الإسلامى قد تاًثر فى صورته ومعناه بمبادئ الإسلام وقيمه، وتحرر من الأعراف والتقاليد والموضوعات والأغراض التى خضع لها الأدب الجاهلى شعرا ونثرًا (2). فعفَّت ألفاظه، وسمت معانيه، واستهدف نصرة الحق الذى جاء به الإسلام (3) ودعا إلى الفضائل والأخلاق الكريمة، وسار مع الدعوة الإسلامية حيث سارت. (4). وقد بدأ هذا التحول على أيدى شعراء الدعوة الإسلامية فى المدينة المنورة بعد الهجرة الكبرى إليها، أمثال: حسان بن ثابت. وعبدالله بن رواحه، وكعب بن زهير. ومع قيام الصحوة الاسلامية المعاصرة برز معنى جديد لمصطلح الأدب الاسلامى، وهو حصرمفهومه فى كل نتاج فنى، التزم بتوجيهات الإسلام شكلا ومضمونا وناصر قضاياه، فخمريات أبى نواس وغزله بالمذكر تعد من الأدب الإسلامى حسب التقسيم الزمنى أما فى ظل المفهوم الجديد فخارجة عنه، كما تخرج بعض أعمال الأدباء المعاصرين أمثال: نازك الملائكة فى بعض قصائدها، وعبد الرحمن البياتى وأودونيس، وبعض كتابات نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس وغيرهم. بيد أن هذا المفهوم لم يستقر حتى الآن (5) رغم اهتمامات بعض الجامعات الإسلامية بهذا النوع من الأدب الإسلامى. والأدب الإسلامى فى المفهوم العام المعاصر لا يمنع من عدّ الأعمال الأدبية التى تعالج مشكلات الخير والشر أدبا إسلاميا شريطة أن تكون النهاية هى انتصار الخير، وألا يهتم فيها بالمغالاة فى وصف الشر بالبطولة أو الامتداد الزمنى داخل العمل الأدبى نفسه، لئلا يترك تاًثيرا قويا فى طباع المتلقى وبخاصة النشء (6). أ. د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - تاريخ الأدب العربى، أ. أحمد حسن الزيات، دار نهضة مصر، ط24، ص5. 2 - فى الأدب الإسلامى والأموى، د/سليمان حسن ربيع، مطبعة السعادة القاهرة ط2، 1383هـ 1964م، ص49. 3 - دراسات فى أدب الدعوة الإسلامية، د/محمد حسن زينى، نادى مكة الثقافى، ط1، 1403هـ، ص47، 48. 4 - خصائص الأدب الإسلامى، أنور الجندى، دار الفكر، القاهرة. 5 - منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ومجلة الأدب الإسلامى "السنوى" التى تصدرها رابطة الأدب الإسلامى. 6 - الفكرة مستوحاة من منهج عبدالحميد جود السحار فى مجموعته القصصية "همزات الشياطين"

14 - أدب البحث والمناظرة

14 - أدب البحث والمناظرة اصطلاحا: علم يتعلق بقواعد نظرية وأخلاقية تضبط المباحثات والمناظرات لاستبعاد الخطأ والشك من النتائج التى يتوصل إليها المتناظران. وقد يعبر عنه بعلم "الجدل" لأن المجادل مناظر ايضا وربما يفسق بينهما بأن الجدل لايكون إلا بين اثنين متحاورين، والنظر قد يكون من جانب شخص واحد يتأمل ويستنبط لنفسه. والغرض من المناظرة إن كان لمجرد إفحام الخصم والتغلب عليه بصورة أو بأخرى فهى حرام وممنوعة وإن كانت المناظرة لإظهار الحق أو لإلزام الخصم بالحق والصواب فهى مشروعة، وتكون فرض كفاية، لأن إظهار الحق مصلحة عامة ومن فروض الكفاية ويدل عليه قوله تعالى {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن} العنكبوت:46، وأيضا: {وجادلهم بالتى هى أحسن} النحل 125. والجدل جدلان: جدل حسن وجدل مذموم، وفيصل التفرقة بينهما هو: معرفة الحق والباطل: او تبين الخطأ والصواب، وما ورد من ذم الشرع للجدل فى بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية فالمقصود منه الجدل بمعنى السفسطة والمكابرة، أو الجدل فيما لا مجال للعقل فيه. وعلم المناظرة أو الجدل علم إسلامى خالص، ومن العسير تعيين بدايته الزمنية على وجه التحديد، وأغلب الظن أنه نشأ على يد المتكلمين الأوائل من المعتزلة وغيرهم، فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى، على أقل تقدير، فقد ذكر ابن فورك (ت 406هـ) أن الأشعرى (ت 324هـ) رد على البلخى فى كتابه الذى زعم فيه أنه أصلح غلط "ابن الراوندى" فى أدب الجدل، وابن الراوندى هذا ولد سنة 205هـ ومات سنة 245هـ، ويرجع ابن خلدون بعلماء هذا الفن إلى عصر متأخر، وذلك أثناء تقسيمه لآداب المناظرة وقواعدها إلى طريقين: طريقة "البزدوى" (ت 493هـ) المطبقة فى الفقه والأحكام الشرعية، وطريقة ركن الدين العميدى (ت 615هـ) المطبقة فى كل دليل يستدل به، سواء فى العلوم الشرعية أو العلوم العقلية، وهذا العلم يعالج أركان المناظرة، وهى أربعة: السؤال والجواب والاعتراض والاستدلال يبينها فى مباحث بالغة الدقة والمنهجية المنطقية مثل: أدوات السؤال وأقسامه: السؤال الصحيح والفاسد، أقسام الجواب، ما يلزم السائل والمجيب، المعارضة، المنع، النقض، القدح، القلب، الكسر، الدليل ... الخ. وعادة ما يلحق المؤلفون بهذه القواعد جملة من الآداب تتعلق بسلوك المتناظرين مثل: الحرص على إظهار الحق، وعدم رفع الصوت ولزوم الهدوء والسكينة وعدم الاستهانة بالخصم مهما كان ضعيفا، ووجوب الصبر على السائل حتى يفرغ من كلامه، والتنبه إلى الفرق بين اليقين وغالب الظن والاحتتاج والتقريب ... الخ. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - مجرد مقالات الشيخ أبى الحسن الأشعرى. لابن فورك، تحقيق دانيال جيماريه. المكتبة الشرفية بيروت 1987م. 2 - تحكم الجدل فى علم الجدل لنجم الدين الطوخى. تحقيق فولفهارت هاينريشس، فيسبادن 1987م. 3 - مقدمة ابن خلدون تحقيق على عبد الواحد وافى القاهرة. 4 - شرح الرشيدية لعبد الرشيد الهندى مع تحقيقات على مصطفى الغرابى القاهرة 1949م

15 - الإدمان

15 - الإدمان لغة: دَمِنَ على الشئ: لزمه، وأدمن الشراب وغيره: أدامه ولم يقلع عنه، ويقال أدمن الأمر، واظب عليه. (كما فى المعجم الوسيط) (1). اصطلاحا: تعاطى المواد الضارة طبيا واجتماعيا وعضويا بكميات أو وجرعات كبيرة ولفترات طويلة، تجعل الفرد متعودا عليها وخاضعا لتأثيرها ويصعب أو يستحيل عليه الإقناع عنها. والإدمان قد يكون إدمانا على الخمر والمسكرات، أو إدمانا على المخدرات أو حتى بعض الأدوية والعقاقير. ولكنه فى كل الأحوال أكثر تعقيدا من مجرد الاشتهاء الجسمى لأنه يؤثر على أجهزة الجسم وبخاصة على الجهاز العصبى والنفسى للإنسان والقاعدة فى الشريعة الإسلامية تقرر أنه لا يحل للمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئا يقتله بسرعة أو ببطء أو ما يضره ويؤذيه، فإن المسلم ليس ملك نفسه، وإنما هو ملك دينه وأمته، وحياته وصحته وماله ونعم الله كلها عليه وديعة عنده، ولا يحل له التفريط فيها قال سبحانه وتعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة:195، وقال سبحانه وتعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء:29، فقد أثبتت الأبحاث الطبية والاجتماعية أن أشر ما يمكن أن يؤدى إلى التهلكة هو الإدمان. وليس هناك أكمل من البيان القرآنى وحجية السنة المطهرة لبيان ما ينطوى عليه من خطورة، فالله عندما شرع العقوبة جعل شرب الخمر ضمن جرائم الحدود، كما قال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} النساء:43، وقال جل شأنه: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكرالله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة:90 - 91. كما وصفها الرسول الكريم بأنها أم الكبائر وأم الخبائث لأنها تزين للإنسان الشر وتدفعه إليه، ولذا فقد لعن بائعها وعاصرها وحاملها فلقد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" رواه الإمام أحمد عن أم سلمة (2). ويعتبر الإدمان فى العصر الحديث من أشد المشكلات إيلاما لأسر المدمنين والمجتمع إذ يؤدى إلى حالة من التدهور فى الشخصية تهتز معها القيم والمعايير فلا يعود المدمن قادرا على التوافق السليم مع القانون والحياة الاجتماعية السوية. إن الإدمان ظاهرة المجتمعات التى تحتوى على كثير من العناصر البنائية المتناقضة -وبخاصة فى أنساق القيم- ويبدو أن هذا ما انتبهت إليه الحضارة الحديثة متأخرة، حيث بدأت كثير من الدول التى لا تدين بدين الإسلام بالأخذ بنظرة الإسلام والتفكير جديا فى وضع القيود والقوانين الصارمة على الخمر والمخدرات أن لم يكن تحريمها. أ. د/محمود أبو زيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية ج1، طبعة1985م، مادة (د. م. ن) ص308 القاهرة. 2 - سنن أبى داود، 3/ 295

16 - الأزهر

16 - الأزهر المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية -القاهرة- جمهورية مصر العربية. يسجل التاريخ أن (الأزهر) أنشئ فى أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعا باسم (جامع القاهرة، الذى سمى الأزهر فيما بعد) حيث أرسى حجر أساسه فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359هـ/970م، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361هـ/972م، إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة، ومقرا لنشر المذهب الشيعى فى حلقات الدروس التى انتظمت فيه، وبدأها القاضى أبو حنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله، وتولى التدريس أبناء هذا القاضى من بعده، وغيرهم من علماء المذهب الشيعى، وجانب علوم أخرى فى الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك. وبقيام الدولة الأيوبية فى مصر (567هـ) تحركت بكل الجهد لإزاحة المذهب الشيعى وطمس رسوم الدولة الفاطمية، وإحلال مذهب أهل السنة فى جامع الأزهر، وفى عدة مدارس أنشئت لتعزيزه ومنافسته فى حركته المذهبية والعلمية الجديدة. وفى العصر المملوكى بمصر اتجهت همة السلاطين من المماليك إلى إعمار الجامع الأزهر، وإسباغ الرعاية على علمائه وطلابه بالمنح والهبات والأوقاف، وأتيح للأزهريين المشاركة فى النهضة العلمية والاجتماعية والثقافية فى الدولة، وتصاعدت هذه المكانة إلى أن كان لهم دور أكثر فى توجيه سياسة الحكم. وفى عهد الخلافة العثمانية بتركيا: أنشئ منصب (شيخ الأزهر) فى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) وحدث ركود نسبى إثر قيام السلطان سليم الأول العثمانى بترحيل عدد من علماء الأزهر إلى الأستانة -عاصمة الدولة العثمانية- وكانوا طائفة صالحة من نواب القضاة على المذاهب السنية الأربعة، فضلا عن ترحيل عدد كبير من الصناع المهرة والعمال الفنيين. ثم جاءت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م، وفيما يخص الأزهر أدرك نابليون بونابرت قائد الحملة مدى أهمية الأزهر، وقوة تأثير شيوخه فى نفوس الشعب المصرى، فحاول -ونجح- فى التودد إلى طائفة منهم، وجعل ينتهز الفرصة تلو الفرصة للاجتماع بهم، ويتحدت إليهم فى موضوعات علمية حول بعض آى القرآن، ويشعرهم باحترامه لنبى الإسلام، فيخرجون من عنده وكلهم لسان ثناء عليه، يشيعونه فيمن يخالطونهم. وعندما أنشأ نابليون (ديوان القاهرة) -مركزا للشورى وتبادل الرأى- ضم إلى عضويته هؤلاء المشايخ، وكانوا أغلبية فى المركز والاجتماعات، لكن هذا لم يغب عن الشعب المصرى إن السياسة الفرنسية سياسة خداع وتخديرة فثاروا على نابليون وقواده أكثر من ثورة، وشاركهم الأزهريون أنفسهم فى ثوراتهم، بل كانوا فى مقدمة الثائرين. ولما استقر الأمر لدولة (محمد على الكبير) واتجه إلى الاستفادة من الحضارة الأوربية آنذاك واتجه إلى إرسال البعوث العسكرية والمدنية إلى إيطاليا وفرنسا وروسيا وغيرها، اختار أعضائها جميعا من الأزهريين، وبعودتهم تباعا انبعثت فى مصر -فى عهده وعهود أبنائه- حركة علمية ناشطة، غطت ساحات العمل الميدانى من ناحية وساحات الترجمة والتعليم والإعلام والقانون من ناحية أخرى. وحتى ذلك التاريخ كان التعليم فى الأزهر قائما على الاختيار الحر، بحيث يختار الطالب أستاذه والمادة التى يقوم بتدريسها، أو الكتاب الذى يقرؤه لطلابه، ويعرض نصوصه نصًا نصًا، فإذا اتم الطالب حفظه من علم الأستاذ، وأنس من نفسه التجويد تقدم لأستاذه ليمتحنه مشافهة، فإذا أظهر استيعابا ونبوغا منحه الأستاذ إجازة علمية مكتوبة، وكانت هذه الإجازة كافية لصلاحه باًن يشتغل بالتدريس فى المدارس أو فى المساجد أو فى جامع الأزهر نفسه، وظل العمل على ذلك حتى أواخر القرن التاسع عشر، حيث استعيض عنه بنظام التعليم الحديث، أو بنظام قريب منه بحسب الأحوال. وواكب ذلك إصدار عدة قوانين لتنظيم العمل بالأزهر. وأول هذه القوانين قانونا القرن التاسع عشر: أولهما فى سنة 1872م ينظم طريقة الحصول على العالمية وموادها، وثانيهما فى سنة 1885م، وأهم ما تناوله: تحديد صفة من يتصدى لمهنة التدريس في جامع الأزهر أن يكون قد انتهى من دارسة أمهات الكتب فى أحد عشر فنا واجتاز فيها امتحانا ترضى عنه لجنة من ستة علماء يرأسهم شيخ الأزهر. وفى بداية القرن العشرين استصدر قانون سنة 1908 فى عهد المشيخة الثانية للشيخ حسونة النواوى، وفيه تم تأليف مجلس عال لإدارة الأزهر برئاسة شيخ الأزهر، وعضوية كل من مفتى الديار المصرية، وشيوخ المذهب المالكى والحنبلى والشافعى واثنين من الموظفين. وفيه أيضا تقسيم الدراسة لثلاث مراحل: أولية وثانوية وعالية، ومدة التعليم فى كل منها أربع سنوات، يمنح الطالب الناجح فى كل مرحلة شهادة المرحلة. ثم تلاه القانون رقم 10 لسنة 1911 وفيه: تجديد اختصاص شيخ الأزهر، وانشاء مجلس الأزهر الأعلى هيئة إشرافية، وتنظيم هيئة كبار العلماء ونظام التوظف بالأزهر، وإثر صدور هذا القانون لوحظ إقبال المصريين على الأزهر، وأنشئت عدة معاهد فى عواصم المدن المصرية. وفى عهد المشيخة الأولى للشيخ محمد مصطفى المراغى أعد مشروع القانون رقم 49 لسنة 1930م، لكنه اصدر فى عهد مشيخة الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى ويجمع الرأى على أن هذا القانون مثّل خطوة موفقة لإصلاح الأزهر، ومكنه من مسايرة التقدم العلمى والثقافى والمعرفى. وفى هذا القانون حددت مراحل التعليم أربعة مراحل: ابتدائية لمدة أربع سنوات، وثانوية لمدة خمس سنوات، وثلاث كليات للشريعة الإسلامية، وأصول الدين، واللغة العربية، مدة الدراسة بكل منها أربع سنوات، ثم تخصص مهنى مدته سنتان فى القضاء الشرعى والإفتاء، وفى الوعظ والإرشاد، وفى التدريس ثم تخصص المادة لمدة خمس سنوات تؤهل الناجح للحصول على العالمية مع درجة أستاذ ويعد هذا القانون الذى أنشئته بمقتضاه الكليات الثلاث والتخصصات المدنية والعلمية هو الإرهاص لميلاد جامعة الأزهر القائمة الآن بمقتضى القانون 103 لسنة 1961 م. وصارت جامعة الأزهر هيئة من هيئات الأزهر الشريف، تختص بالتعليم العالى بالأزهر، إلى جانب هيئات أخرى للتعليم قبل المرحلة الجامعية الأولى، وأخرى للمجلس الأعلى للأزهر، وثالثة لمجمع البحوث الإسلامية الذى يختص بنشر الثقافة الإسلامية وتجلية التراث وتنقيته من الشوائب التى علقت به، وبشئون الدعوة والوفود الطلابية فى العالم الخارجى وإعاشتهم، وقد أنشئت لهم مدينة سكنية للإعاشة والإقامة والرعاية البدنية والنفسية، وخاصة لمن يأتون الأزهر على منح يقدمها لهم، بالإضافة إلى المنح التى تقدمها وزارة الأوقاف المصرية (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) هذا بالإضافة إلى الوفود الإسلامية المتبادلة، والمراكز الثقافية الإسلامية التى أقامتها مصر فى عديد من البلاد الأوروبية الأمريكية والأفريقية وكذلك المعاهد التعليمية. ولا ننسى أنه بصدور القانون الأخير رقم 103 لسنة 1961م وتحول النظام التعليمى إلى النظم التعليمية الحديثة، وتوسع الأزهر فى نوعيات وتخصصات التعليم والبحث العلمى للبنين والبنات على السواء، وضم إلى الكليات الشرعية والعربية كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم والتربية والهندسة، والإدارة والمعاملات، واللغات والترجمة ويتلقى طلابها قدرا لا بأس به فى العلوم الدينية، لتحقيق المعادلة الدراسية بينهم وبين نظرائهم فى الكليات الأخرى. أ. د/محمد السعدى فرهود

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأزهر فى ألف عام للدكتور/محمد عبد المنعم خفاجى. 2 - بدائع الزهور لابن إياس. 3 - تاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعى. 4 - خطط المقريزى. 5 - دائرة المعارف للبستانى. 6 - منبر الإسلام: عدد تاريخى بمناسبة العيد الألفى للأزهر الشريف، عدد جمادى الأولى وجمادى الأخرى 1403هـ/مارس 1983م (وفيه أكثر من ستين موضوعا متنوعاً)

17 - الاستحسان

17 - الاستحسان لغة: مشتق من الحسن: قال ابن منظور: "والحسن - محركة - ما حسن من كل شىء: فهو استفعال من الحسن، يطلق على ما يميل إليه الإنسان ويهواه، حسيّا كان هذا الشىء أومعنويا، وإن كان مستقبحا عند غيره" أ. هـ. (1) واصطلاحها: اختلف الأصوليون فى تعريف الاستحسان فقال بعضهم: إنه دليل ينقدح فى نفس المجتهد، وتقصر عنه عبارته. (2) وقال آخرون: هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه. (3) وقيل: هو العمل بأقوى الدليلين، أو الأخذ بمصلحة جزئية فى مقابلة دليل كلى. وبالنظر إلى هذه التعريفات نجد أن تعريف الاستحسان يتلخص فى أمرين: (5) 1 - ترجيح قياس خفى على قياس جلى بناء على دليل. 2 - استثناء مسألة جزئية من أصل كلى، أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضى ذلك. أنواعه: للاستحسان أنواع عدة منها: (6) 1 - الاستحسان بالكتاب: مثل الوصية، فإن مقتضى القياسى عدم جوازها لأنها تمليك مضاف لما بعد الموت، وهو زمن تزول فيه الملكية، إلا أنها استثنيت من تلك القاعدة العامة بقوله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أودين} النساء:11 - 12. 2 - الاستحسان بالإجماع: مثل إجماع العلماء على جواز عقد الاستصناع وهو أن يعقد شخص مع آخرعقدا لصنع شىء من الثياب أو الحذاء بثمن معين، فإن مقتضى القياس بطلانه، لأن المعقود عليه - وهو العمل - وقت القصر معدوم، ولكن أجيز العمل به لتعامل الناس به كل الأزمان من غير إنكار العلماء عليه. وهناك أنواع أخرى له منها: الاستحسان بالعادة والعرف، والاستحسان بالضرورة، والاستحسان بالسنة، والاستحسان بالمصلحة، والاستحسان بالقياس الخفى وأمثلتها مبثوثة فى كتب الأصول. حجيته: هو حجة شرعية عند: الحنفية والمالكية والحنابلة، وأنكر حجيته الشافعية والظاهرية والمعتزلة والشيعة فليس عندهم بدليل يعتد به. أ. د/على جمعه محمد

_ الهامش: 1 - انظر لسان العرب لابن منظور 13/ 117 طبعة بيروت. 2 - انظر المستصفى للغزالى 1/ 138 الأميرية الكبرى بولاق. 3 - انظر شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 288 الأميرية الكبرى بولاق. 4 - كشف الأسرار على أصول البزدوى لعلاء الدين البخارى 2/ 1123 ط الأستانة. 5 - أصول الفقه للدكتور/وهبه الزحيلى 2/ 739 دار الفكر بدمشق، ط أولى 1986م. 6 - تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى ص153 طبعة كراتشى 1990م. مراجع الاستزادة: 1 - الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور/الطيب خضرى السيد -مكتبه الحرمين بالرياض ط أولى 1983م، (ص9 وما بعدها). 2 - الاستحسان بين النظرية والتطببق للدكتور/شعبان محمد إسماعيل دار الثقافة بالدوحة ط أولى 1988م. 3 - تيسير الأصول للحافظ ثناء الله الزاهدى دار ابن حزم، بيروت ط ثانية 1997م

18 - الاستصحاب

18 - الاستصحاب لغة: طلب المصاحبة، يقال: استصحب الشىء: لازمه، ويقال استصحبه الشىء: ساله أن يجعله فى صحبته. (1) واصطلاحا: هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه فى الزمان الحاضر أو المستقبل بناء على ثبوته أو عدمه فى الزمان الماضى، لعدم قيام الدليل على تغييره. (2) وبعبارة أخرى (3): جعل الحالة السابقة دليلا على الحالة اللاحقة، أو إبقاء الشىء على حكمه السابق ما لم يغيره مغيرشرعى. اًمثلة له: (4) الأصل فى البكر بقاء البكارة حتى تثبت الثيوبة بدليل، والأصل بقاء الملكية للمالك حتى يثبت نقلها بدليل، والأصل فى الماء الطهارة حتى يثبت عدمها بدليل. اًنواع الاستصحاب: (5) وله خمسة أنواع: 1 - استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التى لم يرد دليل على تحريمها، ومعنى هذا أن المقرر عند جمهور الأصوليين، بعد ورود الشرع: هو أن الأصل فى الأشياء النافعة التى لم يرد فيها من الشرع حكم معين هو الإباحة، كما أن الأصل فى الأشياء الضارة هو الحرمة. 2 - استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص أو استصحاب النص إلى أن يرد نسخ. 3 - استصحاب ما دل العقل والشرع على ثبوته ودوامه، وقد عبر عنه ابن القيم باستصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه كالملك، عند وجود سببه، وهو العقد أو الوراثة، أو غيرهما من أسباب الملك. 4 - استصحاب العدم الأصلى المعلوم بالعقل فى الأحكام الشرعية أى انتفاء الأحكام السمعية فى حقنا قبل ورود الشرع، كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف الشرعية حتى يوجد دليل شرعى يدل على التكليف ويسمى هذا بالبراءة الأصلية. 5 - استصحاب حكم ثابت بالإجماع فى محل الخلاف بين العلماء مثاله: إجماع الفقهاء على صحة الصلاة عند فقد الماء، فإذا أتم المتيمم الصلاة قبل رؤية الماء صحت الصلاة، وأما إذا رأى الماء فى أثناء الصلاة فهل تبطل الصلاة أم لا؟ قال الشافى ومالك، لا تبطل الصلاة لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل رؤية الماء، فيستصحب حال الإجماع إلى أن يدل دليل على أن رؤية الماء مبطلة، وقال أبو حنيفة وأحمد: تبطل الصلاة ولا اعتبار بالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء، فإن الإجماع انعقد فى حالة العدم لا فى حالة الوجود، ومن أراد إلحاق العدم بالوجود: فعليه البيان والدليل. وللعلماء مذاهب فى القول بحجية الاستصحاب من عدمها موضعها كتب الأصول فلتراجع. أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور 4/ 2401 دار المعارف، المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 1/ 507 طبعة دار المعارف 1972م ط ثانية. 2 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبه الزحيلى 2/ 859 دار الفكر ط أولى 1986م تيسير أصول الفقه إعداد محمد أنور البدخشانى ص165 طبعة كراتشى بباكستان 1990م. 3 - تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى ص165. 4 - المرجع السابق نفس الصفحة. 5 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور الزحيلى 2/ 860 وما بعدها. تيسير أصول الفقه للبدخشانى ص165 وما بعدها. مراجع الاستزادة: 1 - البحر المحيط لبدر الشركشى 6/ 17 وما بعدها طبعة وزارة الأوقاف بالكويت طبعة أولى 1990. 2 - شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلى تحقيق د/محمد الزحيلى ود/نزيه حماد 4/ 403 جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية 1980. 3 - الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموى تحقيق د/عبد السلام أبو ناجى 2/ 1039 منشورات جامعة ماريونس بنغازى سنة 1994م

19 - الاستعارة

19 - الاستعارة لغة: مأخوذة من "العارية" أى نقل منفعة شئ ما من شخص إلى آخر يقال: تعاوروا الشىء واعتوروه: تداولوه، كما فى اللسان (1) ولا ينفك هذا المعنى اللغوى عن المعنى الاصطلاحى. واصطلاحا: لها عدة تعريفات وضوابط ومن أدقها وأوجزها: 1 - تعريف الخطيب القزوينى، وهو: "الاستعارة هى ما كانته علاقته تشبه معناه بما وضع له". 2 - وقد عرفها البلاغيون المتاخرون (2) تعريفا جامعا مانعا فقالوا: الاستعارة هى استعمال اللفظ فى غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى (3)، وهذا التعريف هو ما عليه جميع أهل الذكر الآن. 3 - وبعض أهل العلم يختصرون تعريفها فيقولون: "الاستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه" غير أن فيه قصورا لأنه لم يشر إلى العلامة والقرينة المانعة ويشترط لتحقق الاستعارة أن يتوفرفيها ثلاثة أركان هى: 1 - النقل: أى نقل اللفظ من معناه الوضعى إلى المعنى المجازى المراد من الاستعارة. 2 - العلاقة المسوغة للنقل، وهى تشبيه المستعار له بالمستعار. 3 - القرينة التى تمنع إرادة المعنى اللغوى (الوضعى) مع إرادة المعنى المجازى. ومن أمثلتها قول المتنبى يمدح سيف الدولة الحمدانى وقد انتصر على الروم فى وقعة الأحيدب وهو جبل دارت عليه المعركة: نثرتهم فوق الأحيدب نثرة * كما نثرت فوق العروس الدراهم شبه تفريق الأعداء (موتى) بنثر الدراهم، وحذف المشبه (التفريق) وذكر المشبه به (النثر) والعلاقة شدة البطش وأما القرينة المانعة من إرادة المعنى اللغوى فلأن النثر يكون للأجسام الصغيرة دون الكبيرة (4). أ. د/عبد العظيم ابراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى 4/ 3168 مادة (عور). 2 - نعنى بذلك علماء البلاغة المعاصرين ومن أساتذة الجامعات فى مصر والعالم الإسلامى. 3 - هذا تعريفهم عندهم بالمعنى المصدرى، ولها تعريف آخر بالمعنى الأسمى، يبدأونها بقولهم "اللفط المستعمل ... ". 4 - أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجانى، تحقيق وتعليق محمود أحمد شاكر، مطبعة المدنى، القاهرة طبعة 1991م، ص57. مراجعة الاستزادة: 1 - الإيضاح للخطيب القزوينى. 2 - ديوان المتنبى

20 - الاستفهام

20 - الاستفهام لغة: استفهم من فلان عن الأمر: طلب منه أن يكشف عنه، ليحسن صوره كما فى المعجم الوسيط. (1) واصطلاحا: طلب الفهم، والفهم هو حصول الشىء فى الذهن بعد أن لم يكن، وهو من الأساليب الإنشائية التى يكثر ورودها فى الكلام البلاغى، وفى المحادثة اليومية عند جميع الناس، والسين والتاء فيه للطلب (2) فيقال: استفهم فلان عن كذا، أى طلب الإخبار عنه. وللاستفهام أدوات تستعمل فيه، ولكل أداة منها معنى: فالهمزة لطلب التصديق أو التصور (3) وهل لطلب التصديق ومتى للسؤال وأين للحال وكم للعدد الأصل فى الاستفهام أن يكون ممن يجهل المستفهم عنه ويريد من المخاطب إعلامه به، ويسمى الاستفهام الحقيقى، فإذا كان المستقهم (اسم فاعل) عالما بما استفهم عنه سمى الاستفهام مجازيا، ويقصد منه حينئذ معان بلاغية لغرض يقصده المستفهم وفى ذلك يقول الخطيب: "ثم إن هذه الألفاظ كثيرا ما تستعمل فى معان غير الاستفهام بحسب مايناسب المقام .. (4) والمعانى التى يخرج إليها الاستفهام تنقسم قسمين كبيرين، يندرج تحت كل قسم منهما معان فرعية لا تكاد تحصر: القسم الأول: وهو استفهام التقرير (الإثبات) القسم الثانى: وهو استفهام الإنكار (النفى) أما المعانى الفرعية التى تتولد عن التقرير والإنكار بحسب المقام فكثيرة، منها: الامتنان، التذكير، الحث، والتحضيض، التوبيغ، التعجب، الاستبطاء، الاستبعاد، الأمر، النهى، التشويق، وغيرها كثير. فالتذكيرمع التقريرنحو قول فرعون لموسى فى قوله تعالى {ألم نربك فينا وليدا} الشعراء:18، والامتنان مع التقرير كقوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك} الانشراح:1، والتوبيغ مع الإنكار كقوله تعالى {أكفاركم خير من أولئكم} القمر:43، والتعجب مع الإنكار نحو قوله {مالى لا أرى الهدهد} النمل:20، والاستبعاد مع الإنكار مثل قول امرىء القيس: أيقتلنى المشرفى مضاجعى * ومسنونة زرق كأنياب أغوال أ. د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط3، دار المعارف،2/ 730. 2 - الإيضاح، الخطيب القزوينى. نشر مكتبة الأزهرية، ط1، 1984 تحقيق وشرح د/محمد عبد المنعم خفاجى، 1/ 55. 3 - التصور هو إدراك المفرد، مثل: أقام خالد أم ذهب؟ فالمسئول عنه هنا هو مجرد الإقامة والذهاب، والتصديق هو إدراك النسبة بين طرفى الإسناد مثل {أتخشونهم} أى أتكون خشية لهم. 4 - الإيضاح 4/ 68. 5 - دلائل الإعجاز، تحقيق رشيد رضا، 91، الإيضاح 4/ 72

21 - الإسراف

21 - الإسراف لغة: تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان، فيقال أسرف فى ماله، وأسرف فى الكلام، وأسرف فى القتل، وسرف الماء: ما ذهب منه فى غيرسقى ولا نفع كما فى الوسيط. (1) واصطلاحا: مجاوزة الحد فى إنفاق المال، ويقال: تارة باعتبار القدر وتارة باعتبار الكيفية وقد ذكر الفقهاء أن للإسراف حالتين: 1 - أن يقع الإنفاق فى الحرام. 2 - أن يكون الإنفاق فيما هو مباح الأصل لكن لا على وجه مشروع، كإنفاق المال الكثير فى الغرض الخسيس، وكأنه يضعه فيما يحل له لكن فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقد أشارت الآيات القرآنية إلى الإسراف والمسرفين فى إحدى وعشرين موضعا. أولا: اختص أكثر من نصفها بالتفريط والتقصير فى واجب طاعة الله وعبادته، وتجاوز حدود تلك الطاعة، وذلك: 1 - بإسراف العباد على أنفسهم فى المعاصى والآثام، فى قوله {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله} الزمر:53، {ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا} آل عمران:147. 2 - الإسراف فى الضلال والانهماك فى الشهوات وعدم تصديق كلام الله وآياته البينات فى قوله {وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه} طه:127. وقوله {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} غافر:34. 3 - الإسراف فى العصيان والإجرام وتجاوز الحدود وقتل الأنبياء والرسل، فى قوله {ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} الأنبياء:9، وقوله {ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون} المائدة:32، وقوله {كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} يونس:12، وقوله {ولا تطيعوا أمر المسرفين} الشعراء:151، وقوله {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين} الزخرف:5، وقوله {مسومة عند ربك للمسرفين} الذاريات:34، وقوله {وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار} غافر:43. 4 - الإسراف فى تجاوز الحدود من كل شىء والخروج على الفطرة، كما قال لوط لقومه {بل أنتم قوم مسرفون} الأعراف:81. 5 - وضع القرآن فرعون على رأس المسرفين لتجاوزه الحد فى الطغيان والإجرام إلى حد ادعائه للربوبية، فى قوله {وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين} يونس:83. ثانيا: بينت الآيات كذلك أن التجاوز الذى يكون فى الحقوق والواجبات يسمى إسرافا، ينهى الحق تعالى عنه. 1 - كما فى حق القصاص فى قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا} الإسراء:33. 2 - وفى حق اليتامى فى قوله {ولاتأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} النساء:6. 3 - وفى حق زكاة الزروع والثمار فى قوله {وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأنعام:141. 4 - وفى حق الأكل والشرب {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف:31، فهو سبحانه لا يحب المسرفين المتعدين لحدود الله فيما أحل وفيما حرم. وقد أكدت الأحاديث النبوية النهى عن الإسراف فى الإنفاق، فعن أبى أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والسرف فى المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا) رواه الديلمى. (3) كما عرَّف عليه السلام الإسراف فى الأكل بقوله عن أنس: (إن من السرف اًن تاكل كل ما اشتهيت) رواه ابن ماجه. (3) وقوله عن عائشة (أكثرمن أكله كل يوم سرف) رواه البيهقى فى شعهب الإيمان. إن الإسلام ينهى عن شتى صور الإسراف الذى هو خروج عن الوسط والاعتدال بالزيادة فى كل التصرفات الإنسانية - وإن كانت حلالا - ذلك أنه يترتب على الإسراف الاقتصادى خاصة: إهدار الوقت والجهد والموارد، وقصورها - على وفرتها - عن تلبية الحاجات الإنسانية، وتوفير السلع والخدمات اللازمة لإشباعها، مما يجعل الإسراف أحد الأسباب الرئيسية لما يعانيه العالم من مشاكل اقتصادية تتمثل فى عدم كفاية الموارد لتحقيق حاجات البشر، وهو ما تؤكده الإحصائيات الدولية من إصابة البعض بأمراض التخمة والسمنة، بينما يقضى الجوع على أعداد متزايدة من البشر. أ. د/نعمت عبد اللطيف عاشور

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة مادة (سرف) 1/ 443. 2 - معجم المصطلحات الاقتصالية فى لغة الفقهاء نزيه حماد. المعهد العالمى للفكر الإسلامى، الولايات المتحدة الأمريكية، ط1 سنة 1412هـ/1991م. 3 - رواه الديلمى فى مسنده. 4 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد بن ماجه، أبو عبد الله القزوينى. مراجع الاستزادة: 1 - صفوة التفاسير، محمد على الصابونى، دار القرآن الكريم، ط1 سنة 1402هـ/1981م بيروت. 2 - الكشاف الاقتصادى لآيات القرآن الكريم، محى الدين عطية، المعهد العالى للفكر الإسلامى، الولايات المتحدة الأمريكية، ط 1412هـ/1991م

22 - الأسرة

22 - الأسرة لغة: الدرع الحصين، وأهل الرجل وعشيرته، والجماعة التى يربطها أمر مشترك، والجمع أسر، كما فى الوسيط. (1) واصطلاحا: هى أصغر وحدة فى النظام الاجتماعى، ويختلف حجمها باختلاف النظم الاقتصادية. 1 - ففى المجتمعات القديمة تتكون الأسر من أب أكبر وزوجته، ومعه أولاده وأزواجهم وأولادهم وعبيدهم، وهم يقيمون فى مسكن مشترك أو فى وحدات سكنية مستقلة، ولكن معيشتهم مشتركة، وتحت إشراف رئيس العائلة الذى يتولى مسئوليتهم. 2 - ويطلق على الأسرة التى يكون للرجل أكثر من زوجة فى علم الاجتماع: الأسر المركبة، وهى المكونة من الرجل وزوجاته وأبنائه منهن، ويقوم رئيس العائلة بنفس الدور كزوج وأب لجميع الأبناء، وتوجد هذا الأسرة فى المجتمعات التى تسمح بتعدد الزوجات. 3 - والأسرة الصغيرة أصبحت هى النموذج الوحيد للأسرة فى المجتمعات الصناعية، وهى تتكون من زوج وزوجة وأبناء لم يبلغوا سن الثامنة عشرة. والأسرة هى الخلية الأولى فى المجتمع وهى البناء الاجتماعى السائد على امتداد التاريخ. وقد تدخلت الدولة فى العصر الحديث بقوانينها وخدماتها، لشد أزر الأسرة من قوانين الزواج والطلاق، وحقوق كل طرف كما قدمت خدماتها لتعليم الأطفال ورعايتهه صحيا واجتماعيا. وأساس تكوين الأسرة الزواج فهو نظام اجتماعى تبدأ به الأسرة وتُبنَى عليه، وهو نظام معترف به فى كل زمان ومكان، كأساس لنشأة العلاقات الأسرية، كما أنه النظام المشروع الذى يرضى عنه المجتمع وتعرف الشرائع السماوية لإنجاب الأطفال. والزواج ضرورة اجتماعية لصالح المجتمع، لأنه ينظم العلاقات بين الذكوروالإناث، كما أنه يؤدى إلى عمران المجتمع بالناس الذين لولاهم لما تكون المجتمع. لذا عنى الإسلام بالحديث عن العلاقة بين الرجل المرأة، وتنظيمها، وإضفاء صفة القدسية عليها، فذكر أولا أن العلاقة بين الذكر والأنثى هى قاعدة الحياة البشرية، وبين أن عنصرى الأمة (الذكروالأنثى) من أصل واحد، فلا فارق بينهما فى أصل الخلق، وأن ما تكاثر من بنى البشر على وجه الأرض إنما هو منبثق منهما، وعلاقتهما المقدسة سبب مباشر لإعمار الكون، فقال تعالى {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ... } النساء:1 بين الإسلام أن اللبنة الأولى فى بناء المجتمع هى الأسرة، وأن المودة والرحمة هما أساس الحياة الزوجية، كى يسكن كل إلى الآخر ويطمئن إليه فقال تعالى {من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} الروم:21. ثم شرع أحكاما للزواج بعضها قبل الدخول حيث بين: 1 - أساس الاختيار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك) (راوه البخارى عن أبى هريرة) (2) 2 - رؤية كل منهما الآخر قبل الخطبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) (رواه الترمزى). 3 - تأدية المهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتما من حديد) (رواه البخارى). وبعضها بعد الدخول حيث أوصى: 1 - مراعاة كل منهما حقوق الآخر، حتى يكون التألف والتآزر بينهما قائم على أساس المعروف لا على أساس الهوى والنزوة. 2 - كما حدد الإسلام لكل وظيفته فى الأسرة، فالرجل - أساسا - يقوم بالإنفاق على الأسرة وللمرأة ذلك إن دعت الضرورة، ولم ينتج عنه ضرر بحقوق بيتها وزوجها والأسرة التى تقوم على أسس إسلامية فى الاختيار، ورعاية كل لحقوق الآخر، وتاًدية كل عليه من واجبات هى البيئة الصالحة لتربية الأطفال، وحمايتهم من الانحراف، ووقايتهم من كل ما يفسد أخلاقهم، ويتعودون على السلوك الأمثل مما يرونه من تعاطف بين الأبويين ومحبة بينهما. كما حث الاسلام الأبناء على الإحسان إلى الاباء والبر بهم، فجعل عقوق الوالدين فى مرتبة تلى مرتبة الشرك بالله، فقال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبرأحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا} (الإسراء:23 - 24) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور - أو قول الزور -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس، فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) رواه مسلم. (3) وللزواج نظامان شائعان منذ القدم: زواج فردى وهو النظام الذى يكون فيه للرجل زوجة واحدة، وهو السائد فى معظم دول العالم، وبخاصة الدول المسيحية، لأن الكنيسة لا تعترف بتعدد الزوجات، كما أن الشريعة الإسلامية تعتبره - أى النظام الفردى - القاعدة العامة فى الزواج، وتسمح للرجل - عند الضرورة - بأن يكون له أكثرمن زوجة فى حدود أربع زوجات، إلا أن الزواج الفردى لا يزال من الناحية العملية - هو الشائع فى الدول الإسلامية، إذ تبلغ نسبته فى بعض الأقطار الإسلامية أكثر من 96%. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف، مادة (أسر) 1/ 17. 2 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل بن ابراهيم، بن بردذبة البخارى، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ط الأولى، القاهرة، 1990م 8/ 137. 3 - صحيح مسلم، بشرح النووى، المطبعة المصرية بالأزهر، ط1 1929م، القاهرة 2/ 81. مراجع الاستزادة: 1 - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1970م. 2 - الفكر الإسلامى والمجتمع المعاصر، محمد البهى، مكتبة وهبة القاهرة 1982م. 3 - مشكلات الأسرة والتكافل، محمد البهى، مكتبة وهبة القاهرة 1982م. 4 - القران حياة وعصمة، عبد الحميد محمد يلبغ، مطابع عابدين بالأسكندرية 1970م

23 - الأسطرلاب

23 - الأسْطُرُلاب الأسْطُرُلاب: Astrolobe كلمة يونانية الأصل معناها: مرآة النجوم، وقد أطلقت على جهاز فلكى ذى أشكال مختلفة منها الكروى والمستوى والخطى، بحسب ما إذا كان يمثل الكرة (أوالقبة) السماوية ذاتها، أو يمثل مسقط هذه الكرة على سطح مستو أو مسقط هذا المسقط على خط مستقيم. ويعد "كلاوديوس بطليموس" أول من أعطى معلومات علمية تتعلق باستخدام الأسطرلاب لقياس ارتفاع الكواكب والنجوم، وذلك حوالى 150 ق. م. ولكن علماء الحضارة الإسلامية برعوا فى تطوير صناعة الأسطرلابات بأنواعها المختلفة وأكثروا من التأليف فى وصفها وفوائدها وطرق استعمالها، ولُقِّب بعض المشهورين منهم فى هذه الصناعة بالإسطرلابى. وقد ألف أبو الريحان البيرونى (362 - 443هـ/973 - 1051م) رسائل مهمة فى الاسطرلاب، وضع فى إحداها نضرية بسيطة لمعرفة مقدار محيط الأرض ما زألت: تدرس فى مناهج تعليم الفيزياء حتى اليوم. واخترع السجستانى (توفى نحو415هـ-1024م) "الاسطرلاب الزورقى" المبنى على أساس أن الأرض تدور حول محورها. وقد شاع استعمال "الاسطرلاب" فى أوروبا إبان عصر النهضة لكنه ظل مستخدما فى البلاد العربية والإسلامية حتى القرن التاسع عشر الميلادى، وباستخدام الساعات الميكانيكية والحسابات الفلكية والآلات المساعدة أصبحت تقنية الاسطرلاب غير ضرورية فى عصر الفضاء، ولكنها لم تفقدقيمتها التاريخية باعتبارها تمثل الجيل الأول من أجهزة الرصد الفلكية. أ. د/أحمد فؤاد باشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - محمد بن أحمد الخوارزمى مفاتيح العلوم تحقيق إبراهيم الإبيارى دار الكتاب العربى بيروت 1404هـ 1984م. 2 - د/أحمد فؤاد باشا: أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى دراسات تأصيلية دار الهداية القاهرة 1967م

24 - الأسطورة

24 - الأسطورة لغة: مفرد الأساطير، وهى الأباطيل والأحاديث العجيبة. واصطلاحا: هى حكايات غريبة خارقة ظهرت فى العصور الموغلة فى القدم، وتناقلتها الذاكرة البشرية عبر الأجيال، وفيها تظهرآلهة الوثنيين وقوى الطبيعة بمظهر بشرى. وكان القصد من هذه الحكايات تفسير الظواهر الطبيعية أو العقائد الدينية أو الأحداث التاريخية الموغلة فى التاريخ القديم. وقد كانت للعرب فى جاهليتهم - مثل كل الأمم الوثنية - أساطيرهم وخرافاتهم، ومنها ما كانوا يقولونه عن سهيل، والشعرى، والقميصاء، والغيلان، والسعالى، وعزيف الجن، والهامة، والصدى، ولقمان والنسر لُبَد، وزرقاء اليمامة ... الخ. وقد ظهر فى الأعوام الأخيرة تيار نقدى يفسر الشعر الجاهلى تفسيرا أسطوريا، لكنه يجنح للأسف إلى الإسراف والاعتساف، إذ لا يكاد يترك شيئا فى ذلك الشعر إلا ويحمله بالمضامين الأسطورية خالعا عليه أساطير السومريين، والكلدان، والإغريق، وغيرهم من الأمم القديمة. وبعد التقدم الحضارى والعلمى الكبير الذى أنجزته الإنسانية انحسرت الأساطير، وحلت محلها النظرة العقلية والقانون العلمى، وإن ظل الأدباء والفنانون فى كثير من الأحيان يستخدمونها لأغراض فنيه، لا عن اعتقاد منهم بأنها حقائق قطعية. أ. د/إبراهيم عوض

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأسطورة فى الشعر العربى الحديث لأنس داود، مكتبة عين شمس 1975م. 2 - الأسطورة والحداثة لديكسون بول ترجمة خليل كلفت. المجلس الأعلى للثقافة 1998م ص7 إلى36

25 - الإسلام

25 - الإسلام مفهوم كلمة الإسلام بمعناه الشامل يعنى: الاستسلام والانقياد للخالق جل وعلا، فهو بهذا اسم للدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين. فنوح عليه السلام قال لقومه: {وأمرت أن أكون من المسلمين} يونس:72. ويعقوب يوصى أولاده {يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} البقرة:132،133. وموسى يقول لقومه {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} يونس:84. أما المعنى الخاص لكلمة الإسلام فهو يعنى: تلك الشريعة التى جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالمين، والتى لا تقتصر على جنس أو قوم ولكن إلى الناس كافة، وهى بهذا شريعة عالمية كاملة. ويدل على هذا: أن النبى قبله صلى الله عليه وسلم كان يرسل إلى قومه خاصة كما حكت آيات القرآن فى قوله {والى عاد أخاهم هودا} الأعراف:65. {والى ثمود أخاهم صالحا} الأعراف:73. {والى مدين أخاهم شعيبا} الأعراف:85، أما رسول الإسلام فقد أرسل للناس كافة وخاطبه القرآن بقوله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء:107، {وما أرسلناك إلا كافة للناس} سبا:28. وعلى هذا المعنى الخاص جاءت نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3، {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} الأحزاب:40. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) متفق عليه (1) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين جاء سائلا عن الإسلام (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).رواه مسلم (2) ومن هذين الحديثين تظهر أركان الإسلام الخمسة التى يدل عليها هذا الإطلاق الخاص للإسلام. وللإسلام بالمعنى الخاص عدة خصائص ينفرد ويتميز بها عن غيره من الأديان، ومن هذه الخصائص: 1 - الربانية: فهو من عند الله فمصدره ومُشرِّع أحكامه هو الله تعالى بخلاف الشرائع الوضعية فمصدرها الإنسان. والنصوص الشرعية التى تدل على ربانية هذا الدين كثيرة منها: قولى تعالى {إن الدين عند الله الإسلام} آل عمران:19، وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران:85، وكثير من الآيات الدالة على أن الإسلام بدوره من عند الله. 2 - الشمول: فهو يجمع بين مصالح الدنيا والدين، وهو شامل لكل شئون الحياة، وسلوك الإنسان، وهو رسالة الزمن كله، والعالم كله والإنسان كله فى أطوار حياته، ومجالاتها كلها وهناك شمول فى جميع التعاليم الإسلامية. 3 - الوسطية: ويعبر عنها أيضا بالتوازن ويعنى بها التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بحيث لا ينفرد أحدهما بالثأثير ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثرمن حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه. ومن الآيات الدالة على هذه الخصيصة قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة:143. 4 - الواقعية: يعنى بها مراعاة واقع الكون من حيث هو حقيقة واقعة ووجود مشاهد، ولكنه يدل على حقيقة أكبر منه، ووجود أسبق وأبقى من وجوده، هو وجود الواجب لذاته، وهو الله تعالى. وكذلك مراعاه واقع الحياه من حيث هى حافلة بالخير والشر تنتهى بالموت توطئة لحياة أخرى. وكذلك مراعاة واقع الإنسان من حيث ازدواج طبيعته واشتمالها على الجانب الروحى والجانب المادى. وبهذا لم يكن الإسلام كغيره مجرد وصايا ومواعظ، وإنما كان للدين والدنيا وللعقيدة والشريعة والعبادات والمعاملات والأخلاق. 5 - الجمع بين الثبات والمرونة: فالإسلام دين مرن متطور فى أحكامه وتعاليمه، وفى الوقت ذاته هو دين خالد ثابت فى تشريعه وتوجيهه، فهو بهذا دين متوازن. وهناك أنظمة للإسلام يتكون كل نظام منها من مجموعة من الأحكام ومن هذه اللأنظمة: نظام الأخلاق ونظام المجتمع، ونظام الإفتاء، ونظام الحسبة، ونظام الحكم، ونظام الاقتصاد والمال، ونظام الجهاد ونظام الجريمة والعقاب ونظام الأسرة ونظام العلاقات الدولية ونظام العلاقة بالآخر. 6 - احتواء توجيهاته على مقومات العطاء الحضارى التى مارسها سلف المسلمين فصنعوا حضارة كانت هى الأساس الذى قامت عليه النهضة الأوربية. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، محمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث القاهرة، المطبعة المصرية 1/ 16. 2 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، كتاب الإيمان، باب تعريف الإسلام والإيمان، 1/ 157. مراجع الاستزادة: 1 - الخصائص العامة للإسلام، د/يوسف القرضاوى، مكتبة وهبه، ط4 1989م. 2 - أصول الدعوة، د/عبد الكريم زيدان، ط3،1976م، ص43. 3 - التشريع الإسلامى مصادره وأطواره، د/شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، ط2، 1985م

26 - الأسماء الحسنى

26 - الأسماء الحسنى لغة: الاسم مشتق من السمو، أى الرفعة. واصطهلاحا: الاسم ما دل على الذات. والأسماء الحسنى هى أسماء الله تعالى، التى ارتضاها لنفسه فى كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولذا نرى أن القرآن الكريم قد وصفها بذلك العنوان فى آيات أربع، منها قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف:180 (1). وقد ورد كثيرمن هذه الأسماء متفرقا فى القرآن الكريم والحديث الشريف، كما ورد نص فى الحديث على عددها، وهو تسعة وتسعون، فعن أبى هريرة أنه قال (لله تسعة وتسعون اسما لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة) رواه البخارى (2) وفى رواية أخرى (من أحصاها دخل الجنة). وزادت بعض كتب السنة - غير البخارى ومسلم - على العدد بيانا تفصيليا يحدد هذه الأسماء (3)، وإن لم تتفق على قائمة واحدة، واختار الحافظ ابن حجر قائمة الإمام الترمذى التى رواها من طريق الوليد بن مسلم عن أبى هريرة، واعتبرها أقرب الروايات إلى الصحة. وعلى هذه القائمة عوّل غالب من شرح الأسماء الحسنى مثل "الزّجَّاج" فى (تفسير أسماء الله الحسنى) والرازى فى (شرح أسماء الله الحسنى) والبيهقى فى (كتاب الأسماء والصفات)، ونص هذه القائمة كالتالى: (هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العَلِىّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولى الحميد المحصى المبدئ المعيد المحى المميت الحىّ القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدّم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالى المتعال البر التواب المنتقم العفوّ الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنى المغنى المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور). رواه الترمزى عن أبى هريرة رضى الله عنه (4). وقد فتح تعدد الروايات فى أحاديث الأسماء الحسنى بابا أمام العلماء: ليتجادلوا حولها أهى مطلقة العدد، أم محصورة فى تسعة وتسعين؟ ففريق تقيد حرفيا بما ورد فى حديت أبى هريرة السابق، وأطلق فريق آخر العدد قائلا إن هذه الأسماء غير محددة، وأنها تشمل كل ما يليق بذاته المقدسة. ودليل هذا الفريق، ما يأتى: 1 - تعدد الروايات فى حصر هذه الأسماء. 2 - أن بعض الأسماء التى وردت فى قائمة الترمذى لم ترد فى القرآن الكريم، مثل: الجليل، والخافض، والرشيد، والصبور، والعدل. كما أن بعض ما ورد فى القرآن الكريم لم يرد فى قائمة الترمذى، مثل: المولى، والنصير، والناصر، والحَفِىّ، والخلاّق، والمدبر، ورب المشرقين، ورب المغربين، والأعلى، والغالب. 3 - ورود التوقيف بأسماء تزيد على التسعة والتسعين: مثل: السيد، ففى الخبر أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ياسيد، فقال: (السيد هو الله تعالى) ومثل: الديّان، والحنّان، والمنّان، فقد كان من دعاء الرسول: (يا حنان، يامنّان) رواه البخارى (5) ومثل الرفيق، والجميل، ومٌقَلِّب القلوب. ومن آصحاب هذا الرأى ابن عباس، والفخر الرازى، وابن كثير، والغزالى، والقرطبى والبيهقى. فإذا تبين أن أسماء الله تعالى غير محصورة فى عدد معين، وأن محاولة حصرها كانت مجرد اجتهاد من العلماء، فكيف يُفهَم هذا على ضوء الأحاديث التى نصّت على العدد؟ هناك أكثر من تفسير لهذه الأحاديث، آقربها إلى القبول: أن الكلام لم يتم بقول الحديث: إن لله تسعة وتسعين اسما، وإنما تمامه بقوله: لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، أو: من أحصاها دخل الجنة. وهذا بمنزلة قول أحدهم: إن لمحمد ألف جنيه أعدّها للصدقة، فلا يعنى هذا أنه لا يملك سوى هذه الألف، فكذلك الحديث الشريف لا يعنى آنه ليس لله من الأسماء سوى هذه التسعة والتسعين، وإنما يعنى أن لله آسماء كثيرة تختص تسعة وتسعون منها بأن من أحصاها أو حفظها دخل الجنة. (6). وقيل إن تلك الآسماء الحسنى شائعة غير محددة فى أسماء الله تعالى الواردة فى الكتاب والسنة والتى تجاوزت المائتين، وتكون قد أخفيت كما أخفيته ليلة القدرفما العَشر الأواخر من رمضان، وساعة الإجابة فى يوم الجمعة، والصلاة الوسطى فى سائر الصلوات حتى يجد المسلم فى طلب الخيرويَتَشَوّف لفعل كل ذلك، ليوافق الفضيلة الزائدة فى تلك الأشياء. وقد يرى أن الأسماء الحسنى هى تلك التسعة والتسعون التى وردت فى القرآن الكريم، والتى اجتهدت فى استخلاصها، وأوردها مرتبة حسب جذرها اللغوى هجائيا، كما يلى: (الآخر، الإله، المؤمن، البارئ، البر، البصير، الباطن، التواب، الجبار، ذو الجلال، المجيب، الحسيب، الحافظ، الحفيظ، الحفىّ، الحق، الحكم، الحكيم، الحليم، الحميد، المحيط، الحى، الخبير، الخالق، الخلاّق، الرؤوف، الرب، الرحمن، الرحيم، الرازق الرزاق، الرقيب، السلام، السميع، الشاكر، الشكور، الشهيد، الصادق، الصمد، المصوّر، ذو الطول، الظاهر، ذو المعارج، العزيز، العظيم، العفوّ، العليم، الأعلى، العلى، المتعال، الغفّار، الغفور، الغالب، الغنى، الفاتح، الفتاح، ذو الفضل، القادر، القدير، المقتدر، القدوس، القريب، القاهر، القهار، المقيت، القيوم، ذوالقوة، القوى، الكبير، المتكبر، الأكرم، ذوالإكرام، الكريم، الكفيل، الكافى، الطيف، المتين، المجيد، المالك، مالِك المُلك، المَلِك، المَلِيك، الناصر، النصير، ذوانتقام، المنتقم، النور، الهادى، المهيمن، الأحد، الواحد، الودود، الوارث، الواسع، الوكيل، الولىّ، المولى، الوهّاب، الأول) (7). أ. د/أحمد مختار عمر

_ الهامش: 1 - انظر كذلك الإسراء، ط8، الحشر 22. 2 - صحيح البخارى مع فتح البارى، ط دار المعرفة بيروت 11/ 214. 3 - أقدم ما حدد هذه الأسماء من كتب الحديث سنن ابن ماجه، وسنن الترمذى، والمستدرك للحاكم. 4 - سن الترمذى، وفتح البارى 11/ 220. 5 - صحيح البخارى 11/ 220 مع فتح البارى، والبحر المحيط لأبى حيان 4/ 429. 6 - شرح أسماء الله الحسنى للرازى تحقيق طه عبد الرووف سعد - بيروت 1984 ص78. 7 - أسماء الله الحسنى دراسة فى البنية والدلالة أحمد مختار عمر عالم الكتب بالقاهرة 1997م ص40. مراجع الاستزادة: 1 - الأحاديث القدسية ليحيى بن شرف النووى تحقيق/مصطفى عاشور مكتبة القرآن 1985م. 2 - المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى للغزالى تحقيق /محمد عثمان الخشت القاهرة 1985م

27 - الإسماعيلية

27 - الإسماعيلية اصطلاحا: هى إحدى الفرق الشيعية ويسمون أيضا: السبعية، الباطنية، الحشاشون، الفداوية، ويطلق عليهم خصومهم اسم: الملاحدة، كما ينكر هؤلاء الخصوم على أئمتهم أنهم من سلالة محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق وينسبونهم إلى أحد الغلاة من الشيعة وهو عبد الله بن ميمون القداح، الذى يعد المؤسس الحقيقى لهذه الفرقة. والإسماعيلية تتفق مع الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية) على صحة إمامة الأئمة الستة الأول ابتداء من على بن أبى طالب إلى جعفر الصادق - رضى الله عنهم، لكن الخلاف وقع بين الفريقين حول أى من أبناء جعفر أحق من أخيه بالإمامة: موسى الكاظم أم إسماعيل، وقد تبع الشيعة الإمامية موسى، بينما تبع الإسماعيلية إسماعيل ومن بعده ابنه محمد بن إسماعيل فسموا الإسماعيلية، وكان لهم اتجاه عقائدى متطرف يباعد بينهم وبين عقائد الشيعة الإمامية وتقاليدها المحافظة. وبدت بوادر هذا الاتجاه المتطرف فى حياة الإمام السادس جعفر الصادق نفسه (توفى سنة 148هـ/765م) إذ هاله أن يرى جمعا من أصحاب المقالات والفرق الغالية يلتف حول ابنه إسماعيل وعدّ ذلك نذير شؤم. وقد تحققت نبوءة الإمام الصادق، فضمت فرقة الإسماعيلية منذ نشأتها عددا كبيرا من القيادات المتطرفة فى التشيع، وغدت استمرارا لحركات الغلوُ فيه، وظهر هذ الغلو فى حركة القرامطة الإسماعيلية. وتدورعقائد الإسماعيلية، حول الإمام، فالدين أمرمكتوم، لا يُعرف إلا عن طريق إمام مختاز عنده علم التأويل وتفسير ظواهر الأمور والنصوص، فلكل تننريل تأويل، ولكل ظاهر باطن، وشرائع الإسلام وفرائضه كالصلاة والزكاة والحج وغيرها لها معان أخرغيرمعانيها الظاهرة، لا يقف عليها إلا الإمام ودعاته الكبار المهديون. والإمام قد يكون مستورا وقد يكون ظاهرا، فإن كان مستورا فدعاته ظاهرون، وان كان ظاهرا فدعاته مستورون يعملون فى خفية عن أعين الرقباء، وزعموا أن دور الستر- الذى بدأ بمحمد بن إسماعيل - قد انتهى بظهورالإمام عبيد الله المهدى فى بلاد المغرب (سنة 629هـ/909م) التى أقام بها الدولة الفاطمية. وحين دخلت مصرفى قبضة الفاطميين سنة (362هـ/972م) تزايد طموحهم لبسط سيطرتهم على العالم الإسلامى كله، فتحركوا فى تنظيم محكم دقيق لبث دعاتهم فى العراق والمناطق الشرقية الخاضعة للخلافة العباسية، يدعون الناس بها إلى اعتناق مذهبهم والخضوع بالتالى لنفوذ الخلافة الفاطمية بالقاهرة. وتحقق أول نجاح لهم فى المشرق الإسلامى فى عهد المعز لدين الله، حين أقام دعاة الاسماعيلية فى "المُلتان" -فى باكستان الحالية- دولة إسماعيلية خطب فيها للخليفة الفاطمى منذ سنة (348هـ/959م). ولكن السلطان محمود الغزنوى قضى على هذه الدولة فى سنة (401هـ/1010م) وفى سنة (483هـ/1090م) استطاع واحد من كبار دعاة الفاطميين ودهاتهم وهو الحسن بن الصباح أن يؤسس دولة إسماعيلية قوية فى المنطقة الجبلية الواقعة جنوبا بحرقزوين ويجعل من قلعة "ألموت" المنيعة عاصمة لها، وأنشأ منظمة إرهابية أطلقوا على أعضائها اسم "الفداوية" كان نشاطها قائما على اغتيال المناوئين، فاغتالوا عددا من الخلفاء والسلاطين والوزراء وأقضّوا مضجع حكام الدول المجاورة طيلة ألفترة التى عاشتها دولة الإسماعيلية فى إيران حتى قضى - عليها المغول بقيادة هولاكو سنة (654هـ/1256م). كان الإسماعيلية فى إيران قد قطعوا علاقتهم المذهبية بالخلافة الفاطمية بمصر عقب وفاة المستنصر بالله (سنة 487هـ/1093م) وتولى ابنه الأصغر المستعلى عرش الخلافة، وقالوا إن الابن الأكبر -"نزار" هو الأولى بالخلافة- فعرفوا منذ ذلك الحين بالنزارية، واستقلوا عن مركز التشريع المذهبى بالقاهرة، ومضوا شوطا بعيدا فى الأخذ بالتأويل الذى بلغ أقصى درجاته عندهم، فى عهد ملكهم الحسن بن محمد - إلى رفع التكاليف الشرعية كلها عن الناس، وإنزال العقوبات الصارمة بمن يواظب على أداء العبادات. وقد استقرت إمامة الإسماعيلية النزارية فى ملوك أَلَمُوت حتما قضى المغول على آخرهم - وهو ركن الدين خورشاه سنة (654هـ/1256م)، وتتناقض الروايات المتعلقة بتسلسل الأئمة الذين خلفوا ركن الدين حتى أصبح من الصعب تحديد أسمائهم وسنى حياتهم، وقد قيل: إنهم استتوا فى أذربيجان ثم كونوا طريقة صوفية عرفت باسم "نعمة إلهى" أى النعمة الإلهية، وشارك بعضهم فى الحياة السياسية فى إيران فى القرن الثامن عشر، ثم إن إمامهم حسن على شاه انتقل إلى بلاد الهند لأسباب سياسية، وأتخذ من بومباى مركزا له فى سنة 1843م، فأصبحت بومباى منذ ذلك الحين مقرا لإمامة الإسماعيلية النزارية. وحين توفى سلطان محمد شاه فى سنة 1957م خلفه الأغاخان الحالى: كريم خان. وينتشر الإسماعيلية فى الوقت الحالى فى مناطق عديدة من العالم فى سوريا وعمان وإيران وآسيا الوسطى وباكستان، ويكثرون فى الهند وشرق إفريقيا. أ. د/محمد السعيد جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - معرفة الرجال، أبو عمر بن عبد العزيز الكشى، بومباى 1317هـ. 2 - فرق الشيعة، أبو محمد الحسن بن موسى النوبختى، طبع النجف 1936م. 3 - كتاب المقالات والفرق، سعد الدين عبد الله خلف الأشعرى القمى، تحقيق محمد جواد مشكور، طبعة الأزهر. 4 - طائفة الإسماعيلية، محمد كامل حسين، مصر 1950م. 5 - دولة الإسماعيلية فى إيران، محمد السعيد جمال الدين، الدار الثقافية، ط2، 1999م

28 - الأسواق

28 - الأسواق لغة: جمع سوق، وهو الموضع الذى يجلب إليه المتاع والسلع للبيع والابتياع (تؤنث وتذكر، كما فى المعجم الوسيط) (ا)، وقد ذكرت فى القرآن فقال تعالى: {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق} الفرقان:7. واصطلاحا: مكان يجتمع فيه الناس للبيع والشراء، وهى الطريقة التى يتم بها اتصال البائعين والمشترين. وفى التاريخ القديم نمت الأسواق نموا كبيرا بعد التحول من المقايضة السلعية إلى المبادلة النقدية، وازدهرت بعض المدن قديما بسبب شهرة أسواقها، بينما كان عدم وجود السوق فى بعض المدن يدل على تخلفها. وكانت الأسواق قديما أشبه بالمعارض، وتعقد بصفة دورية خلال العام أو فى مواسم معروفة، وأشهر أسواق العرب قبل الإسلام "عكاظ"، وبعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه من مكة إلى المدينة المنورة أقام المسلمون فيها سوقا إثر تعنت تجار اليهود، وفرضهم رسوما على من يدخل أسواقهم. وخضعت سوق المسلمين لرقابة على الموازين والمكاييل والسلع للتأكد من عدم الغش للكم أو النوع، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض جزية (رسم) لدخول السوق (2) وعن الاحتجار، كما حارب الاحتكار بشدة لذلك تحددت الأسعار بقوى الطلب والعرض التنافسية الخالصة، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبررا للتسعيرحينما سئل عن ذلك لما غلا السعر. (3) ورأى بعض الفقهاء فيما بعد جواز التسعيرفى السوق إذا ساده الاحتكار لتحقيق مقصد العدل فى الشريعة، ونجسدت تشريعات تنظيم سوق المدينة فيما بعد فيما يعرف بنظام "الحسبة"، وأصبح المحتسب فيما بعد عصرالرسالة مسؤولا عن مراقبة السوق وحسم الخلافات فيها. ويلاحظ أن بعض أسواق المدن الأوربية قد خضعت للتنظيم والمراقبة خلال العصور الوسطى، وذلك لضمان دقة الموازين والمكاييل وحسم الخلافات وإقرار القانون بسلطة "محكمة" السوق، وتضمن التنظيم تحديد فئات الرسوم على السلع المباعة والمعروضة لصالح مالك مساحة أو أبنية السوق (4) مما هو فى صالح الاحتكارعلى خلاف تشريع السوق فى الإسلام. وفى العصر الحديث نصت أسواق متخصصة للسلع الصناعية على مستوى البلدان الصناعية والمستوى الدولى، وأقيمت أسواق دولية للمصنوعات فى شكل معارض فى بعض المدن الكبرى ما بين عام وآخر خلال القرن العشرين. كذلك نمت أسواق دولية منظمة فى تجارة بعض المعادن والحبوب والقطن بعقود حاضرة وآجلة، وبرزت أسواق متخصصة للخدمات (كالنقل البحرى والجوى والسياحة، وأسواق للصرف الأجنبى والأوراق المالية، وتخضع الأخيرة للوائح تنظيمية دقيقة، ويحتاج المتعاملون فيها عادة إلى خدمات الوسطاء والسماسرة، كما ظهرت فى النصف الأخير من القرن العشرين الأسواق المشتركة مثل السوق الأوربية المشتركة، وتعنى بداية (اتفاق دولتين أو أكثر على تخفيض أو إزالة القيود على حركة التجارة بين أسواقها بصفة خاصة) وساعد على نمو الأسواق الدولية المتخصصة خلال القرن العشرين التقدم التقنى الهائل فى وسائل المواصلات والاتصالات. أ. د/عبد الرحمن يسرى أحمد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة، مادة (سوق) 1/ 482. 2 - وفاء الوفاء، السمهودى، ج2. 3 - كتاب الخراج، أبو يوسف. 4 - دائرة المعارف البريطانية كلمة Market. مراجع الاستزادة: 1 - تطور الفكر الاقتصادى، عبد الرحمن يسرى أحمد، الدار الجامعية، 1997م، الأسكندرية. 2 - دراسات فى علم الاقتصاد الإسلامى، عبد الرحمن يسرى أحمد، دار الجامعات المصرية، 1988، الأسكندرية. 3 - إحياء علوم الدين، لأبى حامد الغزالى. 4 - ( Leicester 1992) Islam and the Economic challenge، M.a.ehapra)

29 - الاشتراكية

29 - الاشتراكية لغة: مصدر صناعى من الاشتراك، يقال: اشترك الرجلان أى كان كل منهما شريك الآخر (لسان العرب). واصطلاحا: هى نظام اجتماعى متكامل يختلف عن النظام الرأسمالى من حيث إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وعدم وجود طبقات. والاشتراكية عند Weble: تمّلك الدولة بالنيابة عن المجتمع لأدوات الإنتاج والصناعات والخدمات دون الأفراد، كما أن الهيئات الصناعية والاجتماعية فى الدولة لا يجورأن تُوجّه نحو الربح أو نحو خدمة فرد، وإنما توجه لخدمة المجتمع. وهناك كثيرون من المفكرين يحاولون تعريف الاشتراكية بذكر خصائصها، وتلك الخصائص هى: 1 - الملكية العامة لوسائل الإنتاج. 2 - أن تدار وسائل الإنتاج بواسطة المجتمع، والدولة نائبة عنه، وأن يكون الهدف من إدارتها إشباع حاجة الأفراد، ولذلك يراعى إنتاج الأهم فالمهم. 3 - يتم الإنتاج طبقا لبرنامج دورى يرسم وفقا للموارد القومية والبشرية والطبيعية ووفقا لحاجات الشعب لتتم المواءمة بين الإنتاج وبين الحاجات، فلا تحدث حاجة، ولا يبقى فائض يسبب الأزمات الاقتصادية. 4 - التوزيع يتم على أسس من العدل والمساواة، ويراعى فى التوزيع عمل كل فرد طبقا للقاعدة الاشتراكية: لكل فرد بنسبة عمله، لأن الإنتاج قد لا يكفي لسد حاجاتا كل الأفراد. ولقد مر النظام الاقتصادى الغربى بمراحل، هى: 1 - مرحلة النظام الإقطاعى، وحصر النفوذ السياسى والاقتصادى فى أيدى الملاك المزارعين. 2 - وعندما تدهور النظام الإقطاعى صعدت الطبقة المتوسطة التى اعتمدت على الثورة الصناعية، واهتمت بالصناعة والتجارة، وتلك هى الطبقة التى رعت الرأسمالية والملكية الخاصة. 3 - وظهرت مآسى الرأسمالية فى الظلم الاجتماعى وعدم رعاية حقوق العمال وأسرهم، فظهرت الاشتراكية. ويبدو أن اصطلاح الاشتراكية لم يستخدم قبل سنة 1800م وأن"سان سيمون" (1825م) هو أول من استعمل عبارات ربط فيها المجتمع بالاقتصاد، فظهرت كلمة Socialism مشتقة من كلمة Society ، ويقال إن "روبرت أوين" أول من استعمل كلمة Socialism ، ولكن الحركات التى تحارب الظلم الاجتماعى ترجع إلى القرن السادس عشر، وأهمها: - الاشتراكية الطوبية، التى نادى بها Thomas More Esir 1478 م. - اشتراكية باييف ودعاة المساواة 1796م. - مشروعات روبرت أوين 1771 - 1858م. - سان سيمون والمسيحية الجديدة 1760 - 1825م. وكلها تطالب بالعدل الاجتماعى والرفق بالعمال وأسرهم. والاشترأكية وإن كانت تعارض مبدأ الرأسمالية الذى يقوم على الملكية الفردية، ويقر التفاوت بين الطبقات، فإنها ليست وليدة الرأسمالية، لأنها وجدت قبل الرأسمالية، فقد قال بها أفلاطون، وتحدث عنها الفارابى، وتلاقت مع دعوات الأديان الى العدل الاجتماعى، وفى الإسلام تحدث المعاصرون عن أبى ذر الغفارى، الذى نسبه دعاة الإشتراكية فى القرن العشرين إليها حملا لرفضه التفاوت الكبير بين الطبقات في عصره، وما كان هو من دعاتها. وفى القرن التاسع عشر كثر الذين يتحدثون عن الاشتراكية، ويقترحون -التوزيع لمناهضتها وسائل مختلفة منها: نشر النظام التعاونى، أو إلغاء الميراث، أو إلغاء الملكية الفردية. لكن الاشتراكية لم تبرز إلا فى أثر الثورة الصناعية. بيد أن الاشتراكية ومثلها الشيوعية لم تصمدا فى ميدان الصناعة مع الرأسمالية، فقد ظهر أن العمل الذى يدار جماعيا لا ينال العناية التى يهتم بها الفرد فى المشروع الخاص، وبينما كانت الاشتراكية لهذا تتراجع، كانت الرأسمالية تخفف من غلوائها، ثم تدخلت الدولة لحماية الطبقة العاملة، وظهرت تشريعات خاصة ترمى إلى تذويب الفوارق بين الطبقات، واعترفت الدولة بالنقابات العمالية، ورفع الأجور، وحق العمال فى الاضراب لتحسين ظروف العمل. وأخضعت المشروعات الكبرى للمراقبة. وقدرت إجازات للعمال. وهكذا حققت الرأسمالية كثيرا من الأهداف التى كان العمال يتطلعون إليها، وأخذت بذلك الزمام الذى كانت الاشتراكية تتظاهر به. أ. د/أحمد شلبى

_ مراجع الاستزادة: 1 - الاشتراكية بول سوير القاهر 1965م (الترجمة العربية). 2 - المذاهب الاقتصادية الكبرى، جورج سسل القاهر 1962م (الترجمة العربية). 1 - H.Dichinson: Economics. لندن 1961م. 2 - The Decoy of Capitalist civilization: Well لندن 1962م

30 - الإصلاح

30 - الإصلاح لغة: ضد الإفساد وهو من الصلاح المقابل للفساد، وللسيئة .. وفى القرآن الكريم: {خلطوا عملا صالحا وآخرسيئا} التوبة:102، {ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها} الأعراف:56. فالإصلاح هو التغيير إلى الأفضل، فالحركات الإصلاحية هى الدعوات التى تحرك قطاعات من البشر لإصلاح مافسد، فى الميادين الاجتماعية المختلفة، انتقالا بالحياة إلى درجة أرقى فى سلم التطور الإنسانى. واصطلاحا: لا يفرق بينه وبين مصطلح الثورة فى مستوى التغيير وشموله، وإنما من حيث الأسلوب فى التغيير وزمن التغيير فكلاهما -إسلاميا- يعنى التغيير الشامل والعميق، لكن الثورة تسلك سبل العنف غالبا والسرعة فى التغيير، بينما تتم التغييرات الإصلاحية بالتدريج، وكثيرا ما تعطى الثورة الأولية لتغيير الواقع، بينما تبدأ مناهج الإصلاح عادة بتغيير الإنسان: وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحى الجديد. ولذلك وصفت رسالات الرسل عليهم الصلاة والسلام بأنها دعوات إصلاح فيقول رسول الله شعيب عليه السلام: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} هود:88. والناظر فى تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد فى تلك المجتمعات، وعلى سبيل المثال، نجد الحركة الإصلاحية التى قادها جمال الدين الأفغانى منذ النصف الثانى للقرن التاسع عشر، بدءا من مصروشمولا لكل العالم الإسلامى تمثل إحياء وتجديدا للفكر الإسلامى بالعودة إلى منابعه الجوهرية "القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة" ومناهج السلف الصالح. وقد عبر الإمام محمد عبده عن أهداف هذ الحركة فقال: (إنها ثلاثة): الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإسلامى. الثانى: هو إصلاح أساليب اللغة العربية فى التحرير. الثالث: هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة. (1) وهكذا مثلت هذه الحركة الإصلاحية منهاجًا وسطًا بين أهل الجمود والتقليد وبين المتغربين المنبهرين بالنموذج الحضارى الغربى، وكانت دعوتها الإصلاحية شاملة لميادين الفكر الدينى، واللغة العربية وعلومها وآدابها، وعلاقات الحاكمين بالمحكومين. ولقد تحولت فكرية هذه الدعوة الإصلاحية إلى روح سارية فى الكثير من الدعوات والحركات والمشاريع الفكرية للعديد من العلماء والمفكرين على امتداد العقود التى تلت، وعلى امتداد أقاليم عالم الاسلام. أ. د/محمد عمارة

_ الهامش: 1 - الأعمال الكاملة لجمال الدين ألأفغانى، دراسة وتحقيق د/محمد عمارة 2/ 310، 311 طبعة بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979م. مراجع الاستزادة: 1 - الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده دراسة وتحقيق د/محمد عمارة طبعة القاهرة دار الشروق 1993م. 2 - مارتن لوثر: تأليف القس حنا جرجى الخضرى طبعة القاهرة 1983م

31 - الأضحية

31 - الأضحية لغة: اسم لما يضحى به أيام عيد الأضحى، وتجمع على ضحايا وأضاح، وسميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى وقت الضحى (كما فى المعجم الوجيز) (1) ومن هذا قوله تعالى: {وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى} طه:119. وشرعا: عرف الفقهاء الأضحية كما يلى: عند الحنفية: ذبح حيوان مخصوص بنية القربة فى وقت مخصوص. (2) وعند المالكية: هى ما يتقرب بزكاته من جذع ضأن أو أنثى سائر النعم سليمين من عيب، مشروطا بكونه فى نهار عاشر ذى الحجة أو تاليه بعد صلاة العيد. (3) وعند الشافعية والحنابلة: ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق (4) وشرعت الأضحية فى السنة الثانية من الهجرة. بمثل قوله تعالى {فصل لربك وانحر} الكوثر:2. وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تركها مع القدرة على فعلها بما رواه أبو هريرة -رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) (أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى). وهى سنة على الكفاية إن تعدد أهل البيت فإن فعلها واحد من أهل البيت كفى عن الجميع، والا فإنها تكون سنة عين، وذلك على غير الحاج. وتعتبر الأضحية من أحب الأعمال إلى الله تعالى يوم النحر لما روته السيدة عائشة -رضى الله عنها- أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: (ماعمل ابن آدم يوم النحرمن عمل أحل إلى الله تعالى من إراقة الدم، وانها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا) (رواه الترمذى والحاكم وصححه). ولا تصح الأضحية إلا من نعم الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعأم} الحج:34. وقوله سبحانه وتعالى {والبدن جعلناها لكم من شعائرالله لكم فيها خير} الحج:36. والحكمة من تشريعها: - شكر الله على نعمه المتعددة وتكفير السيئات والتوسعة على أسرة المضحى وغيرهم: {كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون} الحج:36. ولا يجزئ فيها دفع القيمة على الراجح (5) استرشادا بقوله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} الحج:37. أ. د/محمود العكازى

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز طبع مجمع اللغة العربية القاهرة ص377. 2 - تبيين الحقائق ج6/ 2 تكملة فتح القدير9/ 504. 3 - الخرشى على مختصر خليل 3/ 4. 4 - مغنى المحتاج 4/ 282، زاد المحتاج 4/ 236 المغنى لابن قدامة 9/ 435 كشاف القناع 3/ 20. 5 - وعندما يدفع الحاج القيمة فى مكة فإنه يتم شراء وذبح الاضحية نيابة عنه

32 - الإطناب

32 - الإطناب لغة: المبالغة والإطالة والإكثار كما فى اللسان. (1) واصطلاحا: أن تكون الألفاظ أكثر من المعانى التى يقتضيها المقام، وقد قسم علماء "المعانى" الكلام باعتبار الدلالة ثلاثة أقسام هى: 1 - الإيجاز: وهى أن تكون الألفاظ أقل من المعانى. 2 - المساواة: وهى أن تكون الألفاظ مساوية للمعانى. 3 - الإطناب: وهى أن تكون الألفاظ زائدة على المعانى. بيد أن الزيادة إذا خلت من الفائدة فلا يسمى الكلام معها إطنابا، بل تطويلا أو حشوا، وهو مذموم (2) والإطناب ممدوح لأنه بلاغة ولا يخلو من فائدة. ولصور الزيادة فى الإطناب ضوابط عند علماء البلاغة منها: (أ) الزيادة بالاعتراض، وهو ما يقع بين كلامين متصلى المعنى، كقوله تعالى {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} النحل:57. وقد أفادت الزيادة هنا تنزيه الله عن نسبة البنات إليه. (ب) الزيادة بذكر الخاص بعد العام، كقوله تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} البقرة:98. فذكر جبريل وميكال وهما داخلان فى (ملائكته) ذكر خاص بعد عام، وفائدته زيادة تشريف الخاص. (ج) الزيادة بالاحتراس، كقوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} المنافقون:1. فقوله تعالى {والله يعلم إنك لرسوله} إطناب جىء به لدفع ما يتوهم إرادته إذ لولاه لوقع فى الوهم ان الله يقضى بكذب المنافقين فى شهادتهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويسمى الإطناب هنا ب "الاحتراس" (3) وهو كلام مثله يدفع توهم إرادة غير المراد. أ. د/عبد العظيم ابراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، مادة (طنب). 2 - شروح التلخيص، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الثانية 1343هـ، 3/ 159. 3 - بديع القرآن، ابن أبى الإصبع، ص93

33 - الاعتكاف

33 - الاعتكاف لغة: الإقامة على الشئ ولزومه، وحبس النفس عليه، ويأتى مضارعه على يعكُف ويعكِف. (كما فى المعجم الوجيز) (1) وشرعا: عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة لفظا، متقاربة معنى كالتالى: فعند الحنفية: هو اللبث فى المسجد الذى تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف. (2) وعند المالكية: هو لزوم مسلم مميز مسجدا بصوم ليلة ويوم لعبادة بنية. (3) وعند الشافعية: هو اللبث فى المسجد من شخص مخصوص بنية. (4) وعند الحنابلة: هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ممينرا طاهرا مما أوجب غسلا. (5) ويسمى "جوارا" لقول السيدة عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم (وهو مجاور فى المسجد) (متفق عليه). وفى حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا (كنت أجاور هذا العشر -يعنى الأوسط- ثم قد بدا لى اًن أجاورهذا العشر الأواخر فمن كان اعتكف معى فليبت فى معتكفه) (متفق عليه واللفظ لمسلم). والاعتكاف سنة: إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به لما رواه ابن عمروأنس وعائشة -رضى الله عنهم: (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله (متفق عليه). والاعتكاف معروف فى الشراثع السابقة. قال تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود} البقرة:125. وهو مستحب فى جميع أوقات السنة غير أنه يكون فى رمضان أفضل من غيره، وأفضل أماكنه للرجال: المسجد الحرام ثم المسجد النبوى ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد الجامع. الهدف من الاعتكاف: تحقيق صفاء القلب بمراقبة الله عز وجل، والإقبال عليه لعبادته فى أوقات الفراغ، وهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى المولى الكريم إذا كان عن إخلاص مع الصوم. أ. د/محمود العكازى

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز -طبع مجمع اللغة العربية- القاهرة ص430. 2 - الدر المختار 2/ 176، شرح فتح القدير2/ 106. 3 - الشرح الكبير 2/ 541، والشرح الصغير 1/ 325. 4 - مغنى المحتاج 1/ 449. 5 - كشاف القناع 2/ 347

34 - إعجاز القرآن الكريم

34 - إعجاز القرآن الكريم لغة: يقال عجزعن الشىء عجزا وعجزانا: ضعف ولم يقدر عليه وأعجز الشىء فلانا: فاته ولم يدركه، وأعجز فلان: سُبِق فلم يُدرَك، كما فى الوسيط. (1) واصطلاحا: من إضافة المصدر إلى القرآن: أن جميع من عدا الله من الإنس والجن قد أعجزهم القرآن عن الإتيان بمثله قلَّ ذلك الكلام أو أكثر، مع تكرار التحدى به ومطالبة من زعم أن القرآن ليس من عند الله بأن يثبتوا صدقا دعواهم بالإتيان بكلام يماثل القرآن فى بلاغته وفصاحته وعلو شأنه. وقد طولب المتحدوُّن بأن يأتوا بسورة من مثله، أو بعشر سور أو بمثله مطلقا -أقل من السورة، أو فوق السور العشر- طولبوا بهذا فى مكة قبل الهجرة، وطولبوا به فى المدينة بعد الهجرة، فعجروا تمام العجز، مع شدة حاجتهم إلى تحقيق ما طلب منهم، فدل ذلك على عجزهم التام عن محاكاة القران، لما رأوا فيه من علو الشأن، وإحكام الأسلوب، وروعة المعانى، ووصفه الوليد بن المغيرة وكان كافرا بأنه يعلو ولا يعلى عليه. وقد ورد التحدى بالإتيان بمثل القرآن فى كتاب الله العزيز مرات فى سورة البقرة ويونس وهود وغيرها، ثم ورد الإقناط من إمكان محاكاة القرآن فى قوله تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا} الإسراء:88. ولم يكن مصطلح الإعجازمعروفا فى القرون الثلاثة الأولى الهجرية، وإنما عرف واشتهر بعد أن وضع محمد بن يزيد الواسطى كتابا سماه "إعجاز القرآن" سنة 306 هجرية. وليس معنى ذلك أنه لم يكن موجودا من قبل، فقد كان البحث والجدل حول إعجاز القرآن يدور على أوسع نطاق فى بيئات العلم والعلماءوبخاصة عند علماء الكلام، وقد وضع الجاحظ كتابا حول هذه الفكرة سماه "نظم القرآن" والجاحظ توفى255 هجرية. فليست العبرة بالمصطلح نفسه بل بالفكرة التى يحويها، ومعروف أن الأفكار تسبق دائما مسمياتها. وقد كثر الجدل حول الوجوه التى كان بها القرآن معجزا، تحدث عنها علماء الكلام والأصول والمفسرون وعلماء البلاغة وغيرهم، وما يزال البحث يكشف عن جديد، وبخاصة فى هذا العصر الذى ازدهرت فيه العلوم والفنون والاكتشافات العلمية الحديثة فى النفس والفضاء والأرض وما فيها، وفى الطب ونظائره من العلوم الإنسانية والعملية. والإعجاز القرآنى عند القدماء يدور حول الوجوه الآتية: (أ) الأخبار والوعود الصادقة. (ب) الإخبار عن الغيوب التى وقعت كما أخبر عنها القرآن. (ج) فصاحة ألفاظه، وسلامة معانيه وشرفها. (د) نظمه المحكم، وتأليفه البديع، وسلامته من الطعون. أما عند المحدثين فقد ظهر الإعجاز العلمى فى كثير من ميادين المعرفة التى طرقها الإعجاز العلمى الحديت مما يضيق المقام عن ذكره، فقد ظهر الاعجاز فى الدراسات الطبية والنفسية والنباتية وطبقات الأرض وغيرها، ففى كل هذه المجالات ظهرت حقائق يقينية طابقت إشارات القرآن إليها منذ خمسة عشرقرنا، ولو لو يكن القرآن نازلا بعلم الله من عند الله، لما ظفرنا فيه بشىء من هذه الخوارق العظيمة. أ. د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، القاهرة مادة (عجز) 2/ 606. مراجع الاستزادة: 1 - بيان إعجاز القرآن، للخطابى. 2 - الإتقان فى علوم القرآن، السيوطى. 3 - الإسلام فى عصر العلم، د/محمد أحمد الغمراوى. 4 - الإعجاز العلمى للقرآن الكريم، د/عبد الحليم خضر، الدار السعودية للنشر والتوزيع

35 - الإعراب

35 - الإعراب لغة: الإفصاح والتبيين والكشف، يقال: أعرب فلان عما فى نفسه أى أبان وأفصح، والإعراب مصدر الفعل الرباعى أعرب، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: هو تغيير يطرأ على أواخر الكلمة نطقا وضبطا حسب موقعها فى الجملة، والعوامل الداخلة عليها (2). ومن تعريفات النحاة للإعراب: - ما جىء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف. - تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا (3). - تغيير العلامة التى فى آخر اللفظ بسبب تغيير العوامل الداخلة عليه، وما يقتضيه كل عامل (4). وهذه التعريفات متقاربة المعنى، فجميعها يدور حول التغيير الذى يعترى الحرف الأخير فى كل كلمة معربة. وللإعراب عوامل: (أ) معنوية مثل: وقوع الكلمة مبتدأ أو فاعلا أو حالا. (ب) لفظية، مثل: ظن وأخواتها، وكان واخواتها، وإن وأخواتها (ج) والحروف، مثل: لن، لم، إن، فى، على. وأنواع الإعراب أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم، فالرفع والنصب يدخلان فى الأسماء والأفعال، والجر خاص بالأسماء، والجزم خاص بالأفعال. ولكل نوع علامات أصلية وفرعية: فالعلامات الأصلية هى: الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر، والسكون للجزم، والعلامات الفرعية هى: الألف فى المثنى، والواو فى جمع المذكر السالم والأسماء الستة، وثبوت النون فى الأفعال الخمسة للرفع، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم، والألف فى الأسماء الستة، والكسرة فى جمع المؤنث السالم، وحذف النون فى الأفعال الخمسة للنصب، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الستة، والفتحة فى الممنوع من الصرف للجر، وحذف النون فى الأفعال الخمسة وحذف حرف العلة للجزم. والإعراب قسمان: (أ) الاعراب اللفظى، وهو ظهور ما تقتضيه العوامل على آخر الكلمة من رفع ونصب وجر وجزم. (ب) الإعراب التقديرى، وهو ما لا يمكن ظهوره في النطق على أواخر الكلمات لمانع، كأن يكون آخر الكلمة ألفا مقصورة، مثل: الفتى، يسعى، أو ياء مكسورا ما قبلها مثل كتابى (5). ومن أمثلة ذلك التغيير الذى يطرأ على أواخر الكلمة قوله تعالى {واتقوا الله ويعلمكم الله} البقرة:282، فاسم الجلالة فى الجملة الأولى منصوب بالفتحة على المفعولية، وفى الثانية مرفوع بالضمة على الفاعلية، وقوله {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ... } آل عمران:173، فالناس الأولى مرفوعة بالضمة على الفاعلية، والثانية منصوبة بالفتحة؛ لأنها اسم "إن". أ. د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (عرب) 4/ 866. 2 - صياغة جديدة للإعراب راعينا فيها جمع ما تفرق فى تعريفات النحاة. 3 - حاشية الصبان على الأشمونى، نشر عيسى البابى الحلبى، ط1، القاهرة، 1/ 47. 4 - النحو الوافى، دار المعارف، ط2، 1963، 1/ 44. 5 - حاشية الصبان على الأشمونى، باب المعرب والمبنى

36 - الأعراب

36 - الأَعراب هم سكان البادية من العرب خاصة، والنسبة إليهم "أعرابى"، وليس الأعراب جمعا ل "عرب" بل هو اسم جنس. (1) وإذا كان الأعراب بدوا فإن الأحكام التى تجرى عليهم هى ذات ما يجرى على البدو من أحكام، والأصل فى الشرع أن الأحكام تتعلق بكل مكلف، بغض النظرعن مكان إقامته، وعليه فإن الأحكام التى تجرى عليهم هى عين ما يجرى على أهل الحضرمن أحكام إلا ما ورد استثناء من ذلك لاختلاف طبيعة كل منهما. ومن بعض الأحكام التى يختلفون فيها عن أهل الحضر: أن الجمعة لا تجب عليهم فى باديتهم، لعدم الاستيطان، إلا إذا أقاموا بموضع يسمعون فيه نداء الحضرفإنها تجب عليهم. (2) ومنها: أن البدوى لا يدخل فى عاقلة القاتل الحضرى، ولا الحضرى فى عاقلة البدوى القاتل، لعدم التناصر بينهما، وعليه المالكية. (3) ومنها: أن الحنفية على أنه تكره إمامة الأعرابى فى الصلاة، لغلبة الجهل بالأحكام عليهم. (4) ومنها: أن شهادتهم على أهل الحضر مختلف فيها، فالجمهور على الجواز، والمالكية منعوها، بخلاف شهادة أهل الحضر فإنها جائزة، وعلة هذا المنع أنهم غالبا لا يضبطون الشهادة على وجها. (5) واذا ما انتقل الأعرابى من البادية إلى الحضر أصبح من أهل الحضر وجرت عليه سائر أحكامهم. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح ص421 دار المعارف. 2 - حاشية ابن عابدين 1/ 253، 546 جواهر الإكليل 1/ 92 روضة الطالبين 2/ 38 المغنى 2/ 327. 3 - الشرح الصغير للشيخ الدردير 2/ 402 دار المعارف. 4 - الاختيار لتعليل المختار للموصلى الحنفى 5/ 58 دار المعرفة بيروت. 5 - المغنى 9/ 167 وراجع الموسوعة الفقهية الكويف 8/ 45

37 - الأعراف

37 - الأَعراف لغة: جمع عرف، وكل مرتفع يُسمَّى عرفًا، ومنه عرف الديك كما فى اللسان. (1) واصطلاحا: سور عال مشرف قائم بين الجنة والنار. (2) والأعراف سورة مكية هى السابعة فى ترتيب المصحف، وهى إحدى السبع الطوال، وشأنها شأن أمثالها من القسم المكى فى توجيه أقصى العناية إلى العقائد الأمهات (الإلهيات والنبوات والسمعيات) تأصيلا وتدليلا، وهى مفتتحة بأربعة من الحروف المقطعة الواقعة فى افتتاح تسع وعشرين سورة، والتى يدل الافتتاح بها على التحدى البالغ أقصى غاياته بالقرآن من قِبَل أنه مُؤلَّف من عين الحروف التى يؤلفون منها كلامهم، بل التى لا نظم لكلامهم إلا منها، فما عجروا عن الإتيان بمثله إلا لكونه ليس من كلام البشر، وإنما هو قول خالق القوى والقُدَر. وأبرز ألوان الإعجاز المتحدّى به فى هذه السورة -فوق بلوغ ذروة البيان الشامل لجميع القرآن- هو الإخبار بأنباء الغيب، ولا سيما فى جانب الماضى السحيق المتمثل فى القصص الحق، الذى شمل من السورة ثمانية أعشارها أو يزيد. وسميت هذه السورة باسمها نظرا لورود قصة أصحاب الأعراف فيها وسريان روح هذه القصة المتمثلة فى بيان علامات أهل الهدى وأهل الضلال فى جميع السورة سريان الماء فى العود الأخضر. والمترجح فى أصحاب الأعراف من بين اثنى عشر قولا -حكاها القرطبى وغيره- هو ما عليه جماهير المفسرين، واختاره حذيفة وابن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف والخلف وكما قال الحافظ ابن كثير من أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فحالت بهم حسناتهم عن دخول النار، وعاقتهم سيئاتهم عن دخول الجنة، حتى أنعم الله عليهم أخيرا وتفضل بدخولهم الجنة، يقول تعالى {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كُلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون} الأعراف:46. أ. د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط3، بيروت، مادة (عرف). مراجع الاستزادة: 1 - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير. 2 - بصائر ذوى التمييز، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادى، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة. 3 - الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله القرطبى. 4 - مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهانى

38 - الأغالبة

38 - الأَغالبة أسرة عربية تنتمى إلى إبراهيم بن الأغلب ابن سالم التميمى، وكان عاملا على الزَّاب ثم قبض على السلطة فى إفريقية (تونس) فثبته الخليفة العباسى هارون الرشيد 170 - 193هـ بها، وأقام دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية، وكان الحكم فيها وراثيا واتخذت القيروان عاصمة لها. وقد تولى الحكم فى هذه الأسرة أحد عشر أميرا، أولهم إبراهيم المذكور (ت 184هـ/800م)، وآخرهم أبو مضر زيادة الله (ت 296هـ/908م)، وبقى حكمها حتى أسقطها الفاطميون 296هـ/908م. ومما يذكر آنه تم فتح شبه جزيرة صقلية سنة 212هـ/827م فى عهد الأمير السابع، وتولى قيادة الحملة الفقيه أسد بن الفرات قاضى قضاة القيروان. وقد نعمت إفريقية بنهضة حقيقة فى كل المجالات فى ظل بنى الأغلب، وهناك آثار بنيت فى عهدهم ما زالت باقيا معظمها حتى الآن، منها مدينة القصر القديم أو العباسية التى بناها إبراهيم بن الأغلب جنوبى القيروان لتكون معسكرا لجنده ومقرا له وعرفت بالقصر القديم تمييزا لها عن القصر الجديد. وقد كانت القيروان فى عهد بنى الأغلب مركزا للحياة الدينية والعلمية والأدبية، وازدهرت فيها المدرسة المالكية، وكان من أبرز علماء تلك المدرسة أسد بن الفرات وغيره ممن لعبوا دورا مهما فى نهضة الفقه المالكى، وتصدوا للخوارج الذين كانوا خطرا على أهل السنة وعلى سلطان بنى العباس فى إفريقية قبل وبعد حكم الأغالبة. لقد ساد حكم الأغالبة نحو قرن من الزمان، عرفت البلاد خلاله الاستقرار السياسى نسبئا وأصبحت مدنها مراكز للعلم والتجارة ونشطت حركة العمران. وعمرت الأسواق وازدهرت صناعة السفن إلى جانب العناية بالزراعة والرى حتى أضحت القيروان من أكبر المراكز التجارية، واشتهرت مدينة "رفادة" ومثلها مدينة العباسية. وكانت إفريقية تصدر القمح والشعير إلى الأسكندرية وتصدر الرقيق إلى بلاد الشام، والنسيج والأقمشة الفاخرة والأبسطة إلى "بغداد" كما استوردوا بعض محاصيل المشرق، ولهذا راجت فى زمنهم دور صناعة السفن، وأمكنهم بفضل موانى سوسه، وتونس، وبجاية، على البحر الأبيض المتوسط، تكوين الأساطيل وتحقيق الانتصارات البحرية. وتعتبر فترة إبراهيم بن الأغلب وابنه زيادة الله أزهى فترات هذه الدولة، حيث ساد الرخاء، وضربت الدنانير والدراهم، ودونت دواوين الخراج والخاتم ونشطت دار الطرز، وباختصار كان بلاط الأغالبة صورة مصغرة للبلاط العباسى. وانتهت هذه الدولة فى عهد أبى نصر زيادة الله الثالث عندما نجح الفاطميون فى الاستيلاء على عاصمتها "رقادة" سنة 296هـ/908م. أ. د/حسن على حسن

_ مراجع الاستزادة: 1 - الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى، السلاوى أحمد بن خالد الناصرىالدار البيضاء سنة 1904م. 2 - مقدمة كتاب تاريخ مملكة الأغالبة لابن وردان، عزب محمد زينهم محمدالقاهرة 1988م. 3 - تاريخ المغرب العربى، سعد زغلول عبد الحميد ثلاثة أجزاء، الإسكندرية 1979م. 4 - المغرب الإسلامى، حسن على حسن وهو الجزء السابع من موسوعة "سفير" للتاريخ الإسلامى القاهرة 1996م. 5 - دائرة المعارف الإسلامية. مادة "أغالبة" وما بها من مصادر

39 - الاقتباس

39 - الاقتباس لغة: اقتبس الشعلة من النار، فعل ماض بمعنى أخذ، والاقتباس مصدر الفعل الخماسى: اقتبس كما فى ترتيب القاموس. (1) واصطلاحا: له الآن معنيان: معنى فى العرف اللغوى العام حيث يطلق فيه على كل كلام ضمنه صاحبه كلاما آخر لغيره، وفى البحوث العلمية (الأكاديمية) يسمى: الاستشهاد إما لتوكيد فكرة، أو نقدها، أو نقضها. والاقتباس عند البلاغيين أخص دلالة من العرف الغوى العام، فهم يخصونه بتضمين الكلام كلاما من القرآن الكريم، أو الحديث الشريف (2) فيكون الاقتباس فى النثر، والشعر: فمن أمثلته في النثر قول الحريرى:"فلم يكن إلا كلمح البصر، أو هو أقرب، حتى أنشد فأغرب .. ، فهو مقتبس من قوله تعالى {وما أمر الساعة إلا كلمح البصرأوهو أقرب} النحل:77، ومن الشعر قول ابن عباد: قال لى إن رقيبى * سيىء الخلق فداره قلت دعنى، وهل * الجنة حُفَّت إلا بالمكاره فهو مقتبس من الحديث الشريف (حفت الجنة بالمكاره وحفت الناربالشهوات) رواه البخارى. وقول ابن الرومى يذم بخيلا مدحه فلم يعطه شيئا: لئن أخطأت فى مدحيك * ما أخطأت فى منعى فقد أنزلت حاجاتى * بواد غير ذى زرع. فهو مقتبس من قوله تعالى {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غيرذى زرع عند بيتك المحرم} إبراهيم:37، وبلاغة الاقتباس أنه يكسب الكلام قوة، وشرفا شريطة ألا يُخطئ المقتبس بوضع النصوص المقتبسة فى غير موضعها، أو يذكرها فى أغراض الغزل، والمجون، وما أشبهها. أ. د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ الهامش: 1 - ترتيب القاموس الطاهر أحمد الزاوى مطبعة عيسى البابى الحلبى الطبعة الثانية 1973م، 3/ 549. 2 - شروح التلخيص مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الثانية 1343هـ 4/ 512

40 - الاقتصاد الإسلامى

40 - الاقتصاد الإسلامى لغة: من مادة "قصد" قصد فى الأمر: توسط فلم يفرط، واقتصد فى النفقة: لم يسرف، ولم يقتر (كما فى لسان العرب). (1) الاقتصاد الإسلامى اصطلاحا: هو دراسة ما جاء بالشريعة الإسلامية متعلقا بالاقتصاد فى أقسامها الثلاثة: العقيدة والفقه، والأخلاق، وجاءت كلمة "قصد" ومشتقاتها فى القرآن الكريم فى ستة مواضع، من هذه المواضع: - {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} لقمان:32. - {منهم أمة مقتصدة} المائدة:66. فسّر الزمخشرى مقتصد الواردة فى سورة لقمان بمعنى متوسط (2) أما مقتصد الواردة فى سورة المائدة، فقال عنها الفخر الرازى: "معنى الاقتصاد فى اللغة الاعتدال فى العمل من غيرغلو، ولا تقصير". (3) يشير مصطلح الاقتصاد الإسلامى إلى نوعين من المعرفة: الأول ما يتعلق بالشريعة، الثانى: ما يتعلق بالتحليل الاقتصادى، ويمكن القول أن هذين النوعين من المعرفة يمثلان مرحلتين فى الكتابة عن الاقتصاد الإسلامى ومن ثم فهمه، واستيعابه. فى المرحلة الأولى يتم التعرف على ما جاء بالشريعة، ويكون له ارتباط بالاقتصاد، أما المرحلة الثانية فإنها تتضمن التحليل الاقتصادى لما جاء بالشريعة من أحكام، أو قيم، أو آداب منظمة للأمور الاقتصادية. والتحليل الاقتصادى يعنى تتبع أمر اقتصادى معين للتعرف على العوامل المؤثرة فيه، ولاستنتاج سلوكه، فمصطلح الاقتصاد الإسلامى: هو تحليل الأمور الاقتصادية التى تنشئها الأحكام الشرعية، وبالإحالة إلى الفقه فإنه يتضمن تحليل الأمور الاقتصادية التى تنشئها الأحكام الفقهية. فالادخار، والاستهلاك، والاستثمار أمثلة لموضوعات اقتصادية يقوم الاقتصاد الإسلامى بتحليلها فى مجتمع يطبق أحكام الشريعة الإسلامية كأثر الزكاة فى الموضوعات الثلاثة، وكذا أثر الميراث على توزيع الثروة. وكما يرى الإمام ابن تيمية، فإن تصرفات العباد من الأقوال، والأفعال نوعان، عبادات يصلح بها دينهم، أوجبها الله، ولا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وعادات يحتاجون إليها فى دنياهم، والاقتصاد الإسلامى يدخل فى جانب العادات، والتى تنقسم إلى نوعين: نوع جاءت فيه أحكام ونوع لم ترد فيه أحكام، ومن ثم فإن الاقتصاد به منطقة واسعة تركت للإنسان ليعمل فيها بعقله، وبتجربته، وذلك مشروط بأن تكون فى إطار القيم الإسلامية العامة. فالتراث الإسلامى فى الاقتصاد جاءت به مساهمات كثيرة تصنف فى المنطقة التى لم ترد فيها أحكام، ومن أمثلة ذلك آراء للجاحظ، وآراء للدمشقى، وآراء لابن خلدون، وآراء للمقريزى، أثبتت الدراسات أن هذه الآراء أنها لا تتعارض مع ما هو مقرر إسلاميا، لذلك فإنها تدخل فى مصطلح الاقتصاد الاسلامى. فالاقتصاد الإسلامى يسع الآراء الاقتصادية التى قالها المفكرون المسلمون عبر التاريخ، وهذه الاراء لم يثبت الأمر بها بالشرع، وهى لا تتعارض مع ما جاء به الإسلام ككل، كما يشمل نفس الموضوع الآراء التى يقولها المفكرون المسلمون فى العصر الحالى، أو عصور مقبلة. أ. د/رفعت العوضى

_ الهامش: 1 - لسان العرب ابن منظور ج3 دار صادر للطباعة والنشر بيروت 1956م. 2 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ووجوه التأويل الزمخشرى دار المعرفة بيروت 3/ 216. 3 - تفسير الفخر الرازى المشتهر بمفاتيح الغيب الفخر الرازى دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1981 12/ 50. مراجع الاستزادة: 1 - مجموع الفتاوى ابن تيمية: جمع وترتيب عبد الرحمن محمد قاسم ج29. 2 - كتاب التبصرة بالتجارة -الجاحظ: تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب- تونس دار الكتاب الجديد 1966م. 3 - الإشارة إلى محاسن التجارة الدمشقى (أبو الفضل جعفر بن على) تحقيق البشرى الشوربجى مكتبة الكيات الأزهرية القاهرة 1977م. 4 - مقدمة ابن خلدون ابن خلدون ط5 دار القلم بيروت 1984م. 5 - إغاثة الأمة بكشف الغمة المقريزى (تاريخ المجاعات بمصر تحقيق عبد النافع طليمات) دار الوليد سوريا. 6 - تراث المسلمين العلمى فى الاقتصاد د/رفعت العوضى مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى جامعة الأزهر 1998م. 7 - أصول الفقه عبد الوهاب خلاف دار القلم الطبعة الحادية عشرة 1977م. 8 - موسوعة المصطلحات الاقتصادية، د/حسين عمر مكتبة القاهرة الحديثة 1965م. 9 - The Enceclopedia Americana، Vol:g، International Edition Grolier Incor

41 - الأقصوصة

41 - الأقصوصة لغة: هى إحدى الكلمات التى اشتقت فى العصر الحديث مفردا لأقاصيص، ولم تعرفها المعاجم العربية القديمة، وإن عرفت كلمة "أقاصيص" جمعا لقصة أو قصص. واصطلاحا: هى ما يدل على القصة بكلمة واحدة. وتوضع الأقصوصة من حيث الطول -عادة- فى مواجهة "الرواية"، وإن كانت هناك فروق أخرى ببن هذين الجنسين الأدبيين أكثر أهمية، فى مقدمتها: الأثر الواحد الذى يجب أن يسود الأقصوصة من مبتدئها إلى منتهاها. أما عناصرها: فهى نفس عناصر الرواية من: شخصية، وحدث، وحوأر، ووصف، وتحليل، فضلا عن قيام هذه العناصر على أساس من التحليل المقنع، والابتعاد ما أمكن عن المصادفة. وليس شرطا أن يحتل الحدث المكان الرئيسى فى الأقصوصة، فقد تدور حول رسم شخصية من الشخصيات، أو قد تكون غايتها الأولى وصف منظر من المناظر، ووقعه على نفس بطلها، أو قد يقوم بناؤها أساسا على الحوار ... وهكذا. وقد عرف الأدب العربى القديم الحكايات: تاريخية، وواقعية، وخرافية، وكثير منها يصلح -بكل سهولة- أن يصنف داخل هذا الفن، وكتب الأدب العربى القديم زاخرة بأمثلة لا تكاد تنتهى من هذا النوع. أ. د/ابراهيم عوضى

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأدب القصصى والمسرحى فى مصر لأحمد هيكل ط4 دار المعارف 1983م القاهرة. 2 - القصة القصيرة د/الطاهر أحمد مكى دار المعارف القاهرة

42 - الإقطاع

42 - الإقطاع لغة: هو ما يقطعه ولى الأمرلنفسه، أو لغيره من أرض أو غيرها، من أى نوع من أنواع المال الثابت، أو المنقول، واقتطع من ماله قطعة أخذ منه شيئا. واصطلاحا: هو ما يقطعه الإمام، أو الحاكم من الأراضى العامة التى ليست ملكا لأحد، لينتفع بها فى زرع، أو غرس، أو بناء، استغلالا، أو تمليكا. وقد قسم الإقطاع إلى ثلاثة اقسام: إقطاع تمليك، واقطاع استغلال، واقطاع إرفاق. ومن الأحكام الفقهية للإقطاع: 1 - أن لا يقطع غير الإمام، إذ ليس لأحد التصرف فى الأملاك العامة غيره. 2 - أن لا يقطع من يقطعه أكثر مما يقدر على إحيائه، وتعميره. 3 - من أقطعه الإمام أرضا، ثم عجز عن تعميرها، استردها الإمام منه محافظة على المصلحة العامة. 4 - للإمام أن يقطع-إقطاع إرفاق-من شاء من الرعايا مجالس للبيع "فى الأسواق، والساحات العامة، والشوارع الواسعة، إن لم يحصل بذلك ضرر لعامة الناس، ولا يملك المقطوع له ذلك، وإنما يكون أحق به من غيره فقط، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهواًحق به). رواه أبو داود. 5 - ليس لمن أقطعه الإمام إقطاعا أن يتسبب فى إلحاق الضرر بأحد لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار). 6 - لا يقطع، ولا يملك بالإحياء ما يضر بكافة المسلمين كالكلأ، والآبار التى يشربون منها، أو المعدن سواء كان ملحا، أو نفطا لتعلق مصالح المسلمين به، ومن هنا تملك الدولة المناجم، ولا يملكها الأشخاص. وقد كان الاقطاع فى العصر المملوكى، كما كان فى الأصل تمليكا للمنفعة لا للرقبة، فهو إقطاع انتفاع لا إقطاع ملك، فكان المقطع يحل محل السلطان فى التمتع بغلات إقطاعه وإيراداته فحسب، ثم يؤول جميعه إلى السلطان بمجرد انتهاء مدة الاقطاع المتفق عليها، أو عند وفاة المقطع، أو عند إخلال المقطع بشروط العقد القائم، سواء فى ذلك ما يسمى باسم إقطاع التمليك، وهو الإقطاع العادى، او إقطاع الاستغلال، وهو إقطاع شخصى لجهة معينة. ومن ناحية أخرى ارتبطت كلمة الإقطاع فى الاصطلاح بالنظام الاقتصادى، والسياسى، والاجتماعى الذى تميز به الغرب المسيحى فى العصور الوسطى، والذى يقوم على علاقة التبعية بين السيد الإقطاعى -المالك لمساحات كبيرة من الأرض الزراعية- ومن يقطعه أرضا للمنفعة لا للرقبة، لقاء تعهده بتقديم، عمل أو مال يدفعه وفاء لالتزامات التبعية الإقطاعية، والمساعدة العسكرية. وكان نفوذ السيد الإقطاعى نفوذا واسعا حيث كان يتمتع بالعديد من الحقوق على سكان إقطاعيته، مما ولد نظاما من الاستغلال، والقهر. وقد أدى نمو واتساع الحركات التحريرية الأوروبية إلى مهاجمة النظام الإقطاعى وإعلان إلغائه على يد الثورة الفرنسية 1789م، والثورة البلشفية فى روسيا 1917م. أ. د/نعمت عبد اللطيف مشهور

_ مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ الرسل والملوك، محمد بن جرير الطبرى، دار المعارف. 2 - نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، عبد الحى الكتانى، دار الكتاب العربى، بيروت. 3 - تاج العروس، الزبيدى، دار ليبيا، بنغازى، ليبيا. 4 - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغرى بردى، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة

43 - الإقطاعات

43 - الإقطاعات لغة: الأرض المقطعة تسمى قطيعة، وجمعها قطائع وإقطاعات. واصطلاحا: هى الجزء فى الأرض المقطعة التى يملكها الحاكم لمن يريد من أتباعه منحة، وتطلق أيضا على الجنود الذين أقطعوا هذا الإقطاع. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أقطع، لا اختلاف فى ذلك بين علمائنا، وقد بينت كتب الفقه والتراث ذلك، فقد جاء عن طاووس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عادى الأرض لله ورسوله ثم هى لكم) يعنى أنها تقطع للناس، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقطع جماعة من المهاجرين والأنصار من أموال بنى النضير، وكانت صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، فكان فيمن سمى ممن أعطى أبو بكر أعطاه (بئر مجر)، وعمر أعطاه (بئر جرم) وأقطع صهيبا الصراطة وأقطع فرات بن حبان أرضا باليمامة. وقد سار الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على نهجه فى إقطاع الموات من الأرض لمن يحييها ويعمل علي عمارتها، فأقطع أبو بكر عبد الرحمن بن زيد أرضا قرب المدينة، وقد أقطع عمر بن الخطاب ابن سندر أرضا ميتة بمصر، كما أقطع الصحابة كذلك. وتطبيقا لأحكام الاقطاع، راجع عمر بن الخطاب بلال بن الحارث المزنى فيما أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض عريضة طويلة لم يقوعلى عمارتها بالكامل، فأخذ منه ما عجزعن عمارته فقسمه بين المسلمين. كما عارض عمر بن الخطاب في الإقطاع من أرض الفتوح لاعتبارها ملكا للمسلميين عامة، وقد أقطع عثمان بن عفان المغيرة بن شعبة دارا بالبقيع، وقد أمر الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز برد القطائع التى أقطعها أهل بيته من بنى أمية. وقد توالت إقطاعات ولاة وملوك الدولة الاسلامية المتعاقبين، فكان للجند القائمين على حماية حدود ثغور الدولة الإسلامية مكانتهم المتميزة، فأقطعهم الولاة الأراضى الزراعية لتكون غلتها لهم رزقا مقابل حمايتهم للبلاد، من ذلك أن عثمان بن عفان أقطع المقاتلة فى السواحل من الصوافى، كما أقطع بنو العباس الجند الأتراك فى فارس. وتزخر كتب التراث والتاريخ الإسلامى بإقطاعات الملوك والخلفاء الذين أقطعوا الأراضى الموات لمن يحبها، فضلا عن إقطاع المساحات الواسعة، للموالى والمقربين إلى ولاة الأمور، ومن يرجى نفعهم وتأييدهم، أو تقديرا لمكانتهم العلمية والأدبية، وكان آخر الإقطاعات. التى سجلتها كتب التراث. هى إقطاع السلطان سليم الفاتح للشيخ عبد الحكيم بن على. أ. د/نعمت عبد الحميد مشهور

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت. 2 - فتوح البلدان، البلاذرى، مكتبة النهضة، القاهرة. 3 - حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة، السيوطى، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 4 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروفة بالخطط المقريزية، المقريزى دار صادر، بيروت. 5 - معجم البلدان، ياقوت الحموى

44 - الإلحاد

44 - الإلحاد لغة: الميل عن القصد، أخذ من قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} الحج:25، أى ترك القصد فيما أمر به، ومال إلى الظلم قال تعالى: {لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذ لسان عربى مبين} النحل:103، فمن قرأ: يَلحدون، أراد: يميلون، ومن قرأ: يُلحدون، أراد يعترضون. واصطلاحا: الشك فى الله أو فى أمرمن المعتقدات الدينية. وللإلحاد تاريخ طويل حافل، وله صور كثيرة متنوعة، غير أن أوسع معنى يعزى إليه، هو أنه إنكار للنصوص السائدة عن الله أو المعتقدات الدينية، فقد أطلقت كلمة "ملحد" على "اسبينوزا" لأنه ربط بين الله والعلم على نحو مخالف للفكرة الدينية اليونانية عن الآلهة. وفى المجتمع الإسلامى اختلفت اسباب الإلحاد، فمنهم من ألحد لأسباب من العصبية القومية، حملته على أن يتعصب لدين آبائه من المجوس والوثنية المانوية، كما فعل ابن المقفع وبشار. وهناك فريق ألحد فرارا من تكاليف الدين وطلبا لسلوك مسلك الحياة الماجنة كما هو الحال بالنسبة الى كثيرمن الشعراء ممن ينتسبون الى عصبة المجان على حد تعبير أبى نواس. وهناك فريق ثالث يتنازعه العاملان؛ فجمع بين سلوك المجان، وبين عصبية الشعوبيين، مثل أبان بن عبدالحميد. ومن هنا أطلق على كل صاحب بدعة، بل انتهى الأمر أخيرا إلى أن أطلق لفظ "ملحد" على من كان يحيى حياة المجون من الشعراء والكتاب. وأشهر من وصفوا بالإلحاد: ابن الراوندى الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب: لابن منظور. 2 - التفسير الكبير: الرازى، دار الكتب العلمية، بيروت 1411هـ/1990م 3 - تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، دار الفكر، بيروت 1389هـ/1970م 4 - من تاريخ الإلحاد فى الإسلام د/عبد الرحمن بدوى، سينا للنشر 1993م. 5 - الخطر الشيوعى فى بلاد الإسلام د/محمد شامة مكتبة وهبه 1979م

45 - الإمارة

45 - الإمارة هو مصطلح إدارى معمول به في الدول الإسلامية، مشتق من الفعل أمر أى صار أميرا، كما قصد به الولاية على الإقليم، ومهمته قريبة من مهمة المحافظ أومديرالناحية فى وقتنا الحاضر. ونظام الإمارة كان معروفا منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بعث أمراءه على الأقاليم، لكن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من وضع نظاما دقيقا لأوضاع وأحوال الأمراء. والإمارة على أنواع منها العام والخاص: ومن أنواع الإمارة العامة: إمارة الاستكفاء وهى التى يعقدها الخليفة لمن يريده من كبار رجال دولته لإدارة إقليم ما. كذلك من أنواع الإمارة العامة إمارة الاستيلاء، وهى التى يعقدها رئيس الدولة مضطرا لمن يستبد بإدارة إقليم من الأقاليم ويستولى على السلطة فيه، ولكنه يعترف بالخلافة خوفا من سخط العامة. عندئذ يوليه الخليفة أمر الاقليم، وهذا النوع من الإمارة عرفته الدولة الإسلامية فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى التاسع الميلادى. أما الإمارة الخاصة: فهى التى يوليها الخليفة أحد رجال دولته؛ لأداء مهمة بعينها مثل إمارة الجيش، أو الحج. أ. د/عبد الله محمد جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأحكام السلطانية والإمارات الدينية الماوردى: مطبعة الحلبى فى القاهرة بدون تاريخ. 2 - المقدمة: ابن خلدون، القاهرة 1966م. 3 - دائرة المعارف الإسلامية: مادة "إمارة" المصادر المبينة بها

46 - الإمام

46 - الإمام لغة: هى من أََمَّ بمعنى قصد، وقد جاء فى كتب اللغة أن الإمام كل من ائتمّ به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين فهومن يقتدى به. واصطلاحا: الإمام كل شىء له قيمه، والمصلح له، فالقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم، والإمام ما ائتم به من رئيس، أو غيره. ومعنى ذلك كله، أن هذه الكلمة تفيد معنى التقدم والقصد إلى جهة معينة والهداية والإرشاد، والقيادة، وأهلية أن يكون المرء قدوة. وفى آيات القرآن الكريم ما يؤكد هذه المعانى جميعها، من ذلك قوله تعالى: {يوم ندعوكل أناس بإمامهم} الإسراء:71، أى بنبيهم، أو كتابهم، أو شرعهم: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} هود:17، {واجعلنا للمتقين إماما} الفرقان:74، {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إنى جاعلك للناس إماما} البقرة:124، {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء:72، 73، {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} القصص:5، وإذا استخدمت الكلمة لإفادة معنى الشر أو الهداية إليه، فإن استعمالها فى الهداية إلى الخير أكثر، ولهذا قال بعض المفسرين إنها لا تفيد إلا معنى الهداية إلى الخير، فإذا أريد منها معنى الشر، فلابد من النص على ذلك كقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار} القصص:41، {فقاتلوا أئمة الكفرإنهم لا أيمان لهم} التوبة:12، وقد كثر اقتران كلمة إمام بمن يؤم الناس فى الصلوات، حتى أصبح هذا المعنى هو الأكثر شيوعا، ثم اتسع حتى شمل القيادة فى أداء كل الواجبات الدينية، وإذا أطلق اللفظ فإنه لا يعنى إلا صاحب الإمامة الكبرى، أى الخلافة أو رئاسة الدولة، على حين تسمى الصلاة الإمامة الصغرى. وتلك الإمامة من أهم أعمال الولاة فى أمصار، أو ولايات الدولة الإسلامية. وكلمة إمام عند الشيعة تعنى صاحب الحق الشرعى المنصوص على إمامته، وقد أخذ هذا المفهوم يتضح عندهم اعتبارا من النصف الثانى للقرن الأول الهجرى حينما تبلور فكرهم النظرى المتعلق بالإمامة، اما عند بقية الفرق الإسلامية، فإن مصطلح إمام مرادف لكلمتى: خليفة، وأمير المؤمنين. أ. د/عبد الله جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - النظريات السياسية الإسلامية محمد ضياء الدين الريس: ط7، القاهرة 1970م. 2 - النظم الإسلامية حسن إبراهيم حسن، وعلى إبراهيم ط4 القاهرة 1970م. 3 - موسوعة السياسة الإسلامية عبد الوهاب الكيالى المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979. 4 - القاموس الإسلامى أحمد عطية الله القاهرة 1963م

47 - الإمامة

47 - الإمامة لغة: من مادة (أمّّ) بمعنى قصد، وأمهم: تقدمهم، فهى تفيد معنى التقدم والقصد إلى جهة معينة. واصطلاحا: الهداية والإرشاد، والأهلية لأن يكون المرء قدوة. وهناك آيات عديدة فى القرآن الكريم وردت فيها هذه المادة، يستنبط من مجموعها أن الإمامة هى كل نظام تكون دعامته العمل وفق شريعة سماوية، وإذا أطلقت كلمة "إمامة" فإنها تعنى القيادة الشاملة أو الإمامة الكبرى بمعنى رئاسة الدولة، أما إذا أريد بها إمامة الصلاة، فإنها عندئذ تسمى الإمامة الصغرى "ويشير ابن حزم فى الفصل 4/ 90" إلى أن هذه الكلمة قد يراد بها أيضا معنى من المعانى الخاصة، وعندئذ فلابد من إضافة اللفظ إلى ما يدل على ذلك، فيقال فلان إمام فى الدين .. وإمام بنى فلان .. إلخ. أما "ابن خلدون" فيقرر أن إطلاق لفظ الإمامة الكبرى أو العظمى على متولى قيادة الدولة الإسلامية تشبيها لها بإمامة الصلاة، فإمام الصلاة تجب علينا متابعته والاقتداء به وكذلك الحال بالنسبة للإمامة الكبرى أو العظمى. ولعل من المفيد أن نشير إلى أن طائفة الشيعة هم الذين بدأوا البحث فى علم الإمامة، ومن ثم هم الذين اختاروا مصطلحاته، وهم الذين أفردوا له مكانا بين مباحث علم الكلام الإسلامى، وكانت هذه المباحث والمصطلحات المتعلقة بالإمامة نتيجة للمناقشة بين هؤلاء الشيعة وبين مخالفيهم من الخوارج والمعتزلة وأهل السنة، وإذا كانوا هم الذين بدأوا، فإنه من الطبيعى أن تكون كلمات هذا العلم الفنية من وضعهم، ومضى خصومهم يجادلونهم بنفس لغتهم. ومصطلح "الإمامة" عند الشيعة أخص وأكمل من مصطلح "الخلافة" لأن الإمامة عندهم لا تعنى إلا صاحب الشرع المنصوص عليه المعين من قبل من سلفه، سواء تولى السلطة بالفعل أم لم يتول، أما "الخلافة" فتشير إلى صاحب السلطة الزمنية أو الواقعية ولو لم يكن صاحب حق وقد يؤيد الحق مركزه الواقعى، وعندئذ فإنه يتساوى مع الإمام. وهذا هو السبب فى أن الشيعة يخصون "عليا" -كرم الله وجهه- بلقب الإمام كما خصوا به كل من يسوقون إليه منصب الإمامة من بعده، فالحسن بن على وجعفر الصادق كلاهما إمام حتى لو لم يتول منصب رئاسة الدولة الاسلامية بالفعل، ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه خليفة وليس إماما لأنه تولى السلطة الزمنية، وإن لم يكن صاحب حق أو سلطة روحية. والإمامة عند الشيعة تثبت بالنص، لأنها من أصول الدين التى لا ينبغى أن تترك لأحاد الأمة التى تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بها بتعيينهم، بل هى ركن الدين وقاعدة الاسلام، ولا يجوز لنبى إغفاله ولا تفويضه الى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويكون معصوما من الكبائر والصغائر. فالإمامة إذن امتداد للنبوة، ومهام الإمام هى نفسها مهام النبى إن لم تكن أوسع وأشمل. ولا تتفق بقية الفرق الإسلامية مع وجهة نظر الشيعة هذه، فالإمام -عند معظمها- أنما تختارة الأمة الإسلامية ممثلة فى أهل الحل والعقد أو أهل الاختيار، ويكون اختيارها من بين من تتوافر فيهم شروط الإمامة من سداد الرأى والشجاعة، والالتزام بالوفاء لشرع الله -عزوجل- وأن يكون من يتولى قرشيا -عند البعض- وهؤلاء يردون على المخالفين ويبطلون أدلتهم بما لا مجال لعرضه هنا. أ. د/عبد الله محمد جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل ابن حزم نشر الخانجى بمصر سنة 1321هـ. 2 - المقدمة ابن خلدون القاهرة 1966م. 3 - موسوعة السياسية الإسلامية عبد للوهاب الكيالى وآخرون ط7 القاهرة، سنة 1979م. 4 - القاموس الإسلامى أحمد عطية الله: أجزاء القاهرة 1963م. 5 - النظريات السياسية الإسلامية د/محمد ضياء الدين الريس الطبعة السابعة القاهرة 1979م. 6 - نظام الحكم فى الشريعة والتاريخ ظافرالقاسمى: جزءان بيروت 1974م. 7 - نظام الدولة فى الإسلام د/عبدالله محمد جمال الدين ط2 القاهرة سنة 1990. 8 - دائرة المعارف الإسلامية مادة "إمامة"

48 - إمارة الجيش

48 - إمارة الجيش هى إحدى الولايات أو الإمارات الخاصة، ويقوم من يتولاها بتدبير أمر الجند وحماية الحدود، وتنفيذ سياسة الدولة العسكرية، أى أن على متوليها تنظيم الجيش فى مصاف الحرب، والاعتماد على القيادات المدربة المتمرسة بالقتال، ومعالجة شتى ألوان الخلل، وتفقد الصفوف وإعداد السلاح والمؤن والحاجات الضرورية للجند، وعليه الاهتمام بتدريبهم وعدم التغرير بهم واتخاذ كل ما يلزم لسلامتهم من الكمائن ومؤامرات الأعداء مع النظر فى أمرهم واقتلاع كل مظاهر الفساد بينهم، وعمل كل ما يرفع من معنوياتهم، وتنظيم أجازاتهم، ومن الواجبات المنوطة به، جمع أخبار العدو ليتسنى مواجهته وفق خطة محكمة تضمن النصر بإذن الله. وإذا اقتصرت مهمة أمر الجيش على ذلك، اعتبرت فيه شروط الولاية الخاصة، أما إذا فوض فى تقسيم الغنائم وعقد الصلح، فعندئذ ينبغى أن تتوافر فيه شروط الولاية العامة، وقد تدخل مهمة تسيير الحجيج ضمن ولايته. وكان النبى صلى الله عليه وسلم قائد جيش المسلمين، وكذلك كان الخلفاء الراشدون. وبمرور الزمن، واتساع الدولة الإسلامية، صعب على الخليفة القيام بهذه المهمة، فعهد بها إلى من عرف بالشجاعة واشتهر بحسن التدبير والذكاء. أ. د/عبد الله جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - الفخرى فى الآداب السلطانية والدول الإسلامية ابن طبا طبا محمد بن على المعروف بابن الطقطقى القاهرة 1945م. 2 - النظم الإسلامية حسن إبراهيم وعلى إبراهيم ط4 القاهرة 1970م. 3 - دائرة المعارف الإسلامية مادة جيش وما بها من مصادر

49 - الأمان

49 - الأمان لغة: عدم توقع مكروه فى الزمن الآتى، وهو مصدر للفعل "أمن". (1) وفقها: رفع استباحة دم الحربى ورقّه وماله حين قتاله أو العزم عليه، مع استقراره تحت حكم الإسلام. (3) والأصل أن إعطاء الأمان أو طلبه مباح، وقد يكون حراما أو مكروها إذا كان يؤدى إلى ضرر أو إخلال بواجب أو مندوب. وبالأمان يثبت لأهل الكفر الأمن من القتل والسبى واغتنام أموالهم؛ فيحرم على المسلم قتل رجالهم وسبئ نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم. (3) والأمان يكون من الإمام أو من آحاد المسلمين، أما من آحاد المسلمين فهو لا يكون عند الجمهور إلا لعدد محصور كأهل قرية صغيرة بخلاف غير المحصور فهو من خصائص الامام، وخالف الحنفية فهم على أنه يكون من الواحد لجماعة كثيرة أو قليله فلا فرق (4). وينعقد الأمان بما يؤدى الغرض من صريح اللفظ أو كتابته، وبأى لغة أو برسالة، أو بإشارة مفهمة. (5) ومن شروطه: انتفاء الضرر ولو لم تظهر منه مصلحة، وعلى ذلك الجمهور من المالكية، والحنابلة، وأكثر الشافعية. والحنفية على أنه يشترط وجود مصلحة ظاهرة للمسلمين بأن يكونوا -مثلا- ضعفاء واعداؤهم أقوياء. وللمؤمن شروط وهى: الإسلام، العقل، البلوغ -وذلك عند الجمهور خلافا لمحمد بن الحسن فهو على عدم اشتراطه- وعدم الخوف من الحربيين. (6) أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح دار المعارف ص26، ص27. 2 - مغنى المحتاج دار إحياء التراث العربى 4/ 236. 3 - بدائع الصنائع 7/ 107 الشرح الصغير 2/ 288 دار المعارف روضة الطالبين المكتب الإسلامى 10/ 281. 4 - المغنى مع الشرح الكبير 10/ 434، مغنى المحتاج 4/ 237 شرح الزرقانى 3/ 122، بدائع الصنائع 7/ 107، فتح القدير 4/ 298 ط بولاق. 5 - روضة الطالبين 10/ 279 حاشية ابن عابدين 3/ 227 بولاق الفروع لابن مفلح 6/ 248. 6 - حاشية الدسوقى 2/ 185،186 ط عسيى الحلبى شرح السير الكبير 1/ 283

50 - الأمانة

50 - الأمانة لغة: ضد الخيانة. كما فى مختار الصحاح. (1) وهى تطلق على كل ما عهد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية كالعبادة، والوديعة. ومن الأمانة: الأهل والولد. وكثير من الآيات القرآنية، واللأحاديث النبوية تحث عليها، وتأمر بها، وتحذر من الخيانة، مثل قوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء:58 وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} الأنفال:27 وقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولاتخن من خانك) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منى) (3) أو (ليس منا من غش) (4). واصطلاحا: تستعمل عند الفقهاء بمعنيين (5) أحدهما: الشىء الموجود عند الأمين، وذلك إنه بأن تكون هى المقصد الأصلى فى العقد كالوديعة، فكل وديعة أمانة، أو تدخل الأمانة فى العقد تبعا كما الإجارة، والعارية، والمضاربة، والوكالة، والشركة، والرهن، أو كانت بدون عقد أصلا كاللقطة، وكما إذا ألقت الريح فى دار أحد مال جاره، وذلك مايسمى بالأمانات الشرعية. ثانيهما: بمعنى الصفة وذلك فى أمور، منها: ما يسمى ببيع الأمانة، كالمرابحة، والتولية، وهى العقود التى يحتكم فيها المبتاع إلى ضمير البائع وأمانته، أو فى الولايات سواء كانت عامة كالقاضى، أم خاصة كالوصى وناظر الوقف، أو فيما يترتب على كلامه حكم كالشاهد، وكذلك تستعمل فى باب الأيمان كمن أقسم بها على أنها صفة من صفاته تعالى. وثمة معنى ثالث للأمانة بمعنى حريه الاختيار والاستعداد لتحمل المسئولية وهو ما أشار إليه قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا} الأحزاب:72. فهى تعنى قبول الإنسان لحرية الاختيار مقابل تحمل المسئولية عن نتائج أعماله وما يترتب عليها من ثواب أو عقاب بينما السموات والأرض والجبال ذلك وقبلت "التسخير" إشفاقا من تبعات حمل الأمانة. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح. ص26. 2 - أبو داود 3/ 805 الترمذى تحفة الأحوذى 4/ 479. 3 - مسلم 1/ 99. 4 - أبو داود، عون المعبود 3/ 287 سنن ابن ماجه 2/ 749. 5 - بدائع الصنائع ط الجمالية 5/ 225. مراجع الاستزادة: 1 - حاشية الدسوقى دار الفكر 3/ 164. 2 - المغنى ط الرياض 3/ 584، 4/ 203،208، 8/ 703. 3 - الفتاوى الهندية. المكتبة الإسلامية 6/ 137،146،148،150. 4 - المهذب. دار المعرفة 20/ 471، 2/ 325. 5 - مجمع الأنهر 2/ 338. 6 - مغنى المحتاج ط مصطفى الحلبى 3/ 90. 7 - القواعد فى الفقه لابن رجب دار المعرفة ص53،54. 8 - حاشية القليوبى ط مصطفى الحلبى 3/ 180

51 - الأمثال

51 - الأمثال لغة: جمع مَثَل والمثل، هو الشىء الذى يضرب لشىء مثلا، فيجعل مثله، والأصل فيه التشبيه، كما فى اللسان. (1) واصطلاحا: حكمة العرب فى الجاهلية والإسلام، وبها كانت تبلغ ما حاولت من حاجاتها فى المنطق، وقد ضربها النبى صلى الله عليه وسلم وتمثل بها هو ومن بعده من السلف (2). ويجتمع فى المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام، فهو نهاية البلاغة: 1 - إيجاز اللفظ. 2 - إصابة المعنى. 3 - حسن التشبيه. 4 - جودة الكناية (3). ولذلك كان أكثر أدب القدماء وما دونوه من علوم مشفوعا بالأمثال والقصص عن الأمم، ونطقت ببعضه على ألسن الطير والوحش حتى يكون الخير، مقرونا بذكر عواقبه، والمقدمة موحية بنتائجها (4)؛ لأن الكلام إذا جعل مثلا كان أوضح للمنطق، وأوسع لشعوب الحديث. والأمثال لا تغير، بل تجرى فى القول كما جاءت، فإذا ورد المثل. بالتأنيث، بقى على تأنيث فى كل الأحوال، فقولك: الصيف ضيعت اللبن، هو فى الأصل خطاب لامرأة ضيعت الأمر، ثم أرادت استدراكه فمنعت عنه، فإذا ضربته الآن لمفرد مذكر أو مثنى أو جمع، بقى على حاله بكسر التاء، ولا يغير عن صيغته التى ضرب بها (5). والمثل السائر فى كلام العرب كثير، نظما ونثرا، وأفضله أوجزه، وأحكمه أصدقه (6). وقد وردت الأمثال فى القرآن الكريم، والسنة النبوية، وخرجت مخرج المثل السائر. أ. د/عبد القادر حسين

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (مثل) طبعة دار المعارف. 2 - المزهر فى علوم اللغة وأنواعها للسيوطى ط عيسى الحلبى 1/ 486. 3 - مجمع الأمثال للميدانى ط السنة المحمدية 1374هـ-1955م، 1/ 5. 4 - البرهان فى وجوه البيان لابن وهب طبعة بغداد ص146. 5 - المزهر فى علوم اللغة وأنواعها السيوطى 1/ 488. 6 - العمدة لابن رشيق ط3 مطبعة السعادة 1/ 280

52 - الأمن

52 - الأمن لغة: ضد الخوف، وهو: عدم توقع مكروه فى الزمان الآتى، كما فى مختار الصحاح. (1) واصطلاحا: لا يخرج استعماله عند الفقهاء عن المعنى اللغوى له. (2) والأمن للفرد والمجتمع والدولة من أهم مقومات الحياة، إذ به يطمئن الناس على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم، ويتفرغون لما يصلح أمرهم ويرفع شأنهم وشأن مجتمعهم. (3) ولا يتحقق الأمن إلا بإمام يمنع الفوضى ويحرس الدين والدنيا وتتعلق به مسئوليته. (4) والأمن مقصود فى شريعة الاسلام فى عباداته ومعاملاته على حد سواء، فالعبادة يقصد بها سلامة النفس والمال والعرض والدين والعقل، وهى الضرورات التى لابد من حفظها لقيام مصالح الدين والدنيا، وقد اتفق الفقهاء على أن أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه شرط فى تكليفه بالعبادات، لأن المحافظة على النفوس والأعضاء -للقيام بمصالح الدنيا والاخرة- أولى من تعريضها للضرر بسبب العبادة. (5) ويلاحظ هذا فى كثير من العبادات ففى الطهارة: يعدل عن الطهارة بالماء إلى التيمم عند خشية الضرر، وفى الصلاة: يسقط عن الخائف شرط استقبال القبلة ويصلى على حاله، وكذلك صلاة الجمعة مع فرضيتها تسقط عن الخائف على نفسه أوماله بأن وجد قطاع طريق يخشاهم مثلا، وكذلك تسقط صلاة الجماعة عن المسلم عند عدم تحقق الأمن على نفسه أو ماله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر، لم تقبل منه الصلاة التى صلاها قالوا: وما العذر قال: خوف أو مرض) 0 (6) وفى الحج: يشترط لوجوبه أمن الطريق حتى تتحقق الاستطاعة التى حددها الله، وكذلك يشترط تحقق الأمن بالنسبة للامتناع عن المحرمات، وهذا يظهر فى إباحة أكل الميتة للمضطر حفاظا على نفسه، وإباحة تناول الخمر لإزالة الغصة عند فقد الماء، والتلفظ بكلمة الكفر بالنسبة للمكره، وغيرها كثير، وكذلك الأمر فى سائر العبادات، يشترط تحقق الأمن إما فى جانب الأداء أو الامتناع فإذا ما فقد الأمن وتحقق الخوف تغير الحكم الشرعى. (7) أما بالنسبة للمعاملات: فيشترط تحقق الأمن فيها -أيضا- فيشترط الأمن مثلا لمن يريد السفر بمال الشركة أو المضاربة أو الوديعة، وكذلك فى بعض تصرفات الشركاء أو العقود والمعاملات الشرعية (8). وإذا كان المقرر أن حكم الإسلام بالنسبة للمسلمين هو عصمة أنفسهم ومالهم وعرضهم وعقلهم ودينهم والتكفل بتحقيق الأمن لهم، فإن غير المسلم يتحقق له الأمن بتأمين المسلمين له بإعطائه الأمان. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح للرازى. 2 - كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازى، محمد نجيب المطيعى، الطبعة السادسة 7/ 80. 3 - مقدمة ابن خلدون ص187. 4 - الأحكام السلطانية للماوردى، طبعة مصطفى الحلبى، ط3، 1973م، ص15 - 16. 5 - المستصفى للغزالى 1/ 287. 6 - سنن أبى داود 1/ 374، المستدرك للحاكم 1/ 245 وسنن ابن ماجه 1/ 260. 7 - المهذب فى فقه مذهب الإمام الشافعى، لأبى إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى، دار المعرفة، 1/ 100، 1/ 116، 2/ 271. 8 - البدائع. مراجع الاستزادة: 1 - المغنى، لابن قدامة. 2 - مغنى المحتاج. 3 - الأشباه والنظانر للسيوطى. 4 - الموافقات للشاطبى

53 - أمهات المؤمنين

53 - أمهات المؤمنين أمهات المؤمنين كنية كرم بها القرآن الكريم أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} الأحزاب:6. وكان الهدف من إطلاق هذه الكنية على أزواج النبى تقرير حرمة الزواج بهن بعد مفارقته صلى الله عليه وسلم وهو الحكم الوارد فى قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} الأحزاب:53. وكان اعتبار زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين بمثابة وسام وضع على صدورهن تكريما لهن، وتقديرا لدورهن فى مسيرة الدعوة. وقد أطلقت هذه الكنية على ثلاث عشرة امرأة تزوج بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع فى عصمته في ترفه من الزوجات فى وقت واحد أكثر من تسع نساء. وكان اقترانه بهن على الترتيب التالى: الأولى: خديجة بنت خويلد واقترن بها صلى الله عليه وسلم قبل الوحى بخمس عشرة سنة، وولدت له ذكرين وأربع إناث، وتوفيت فى العاشر من رمضان سنة عشرة للبعثة. الثانية: سودة بنت زمعة تزوجها صلى الله عليه وسلم فى رمضان سنة عشرة للبعثة، وتوفيت فى آخر زمان عمر بن الخطاب. الثالثة: عائشة بنت أبى بكر الصديق تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم فى شوال من السنة الأولى للهجرة وهى الوحيدة من بين نساء النبى التى تزوجها بكرا وتوفيت عائشة فى ليلة السابع عشر من رمضان من السنة الثامنة والخمسين للهجرة. الرابعة: حفصة بنت عمر بن الخطاب، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم فى منتصف السنة الثالثة للهجرة، وتوفيت فى شعبان من السنة الخامسة والأربعين للهجرة. الخامسة: زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان من السنة الثالثة للهجرة. ولبثت عنده ثمانية أشهر، وماتت بالمدينة وعمرها نحو ثلاثين سنة. السادسة: أم سلمة، اسمها هند بنت سهيل، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العشر الأواخر من شوال سنة أربعة للهجرة، وتوفيت فى رمضان سنة تسع وخمسين للهجرة. السابعة: زينب بنت جحش، زوجها الله لرسوله حيث قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم} الأحزاب:37. وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلمبها فى هلال ذى القعدة من العام الخامس للهجرة، وماتت سنة عشرين للهجرة فى خلافة عمر بن الخطاب. الثامنة: جويرية بنت الحارث تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم سنة ست للهجرة، وهى أول سرية للرسول، وتوفيت فى ربيع الأول سنة ست وخمسين للهجرة. التاسعة: أم حبيبة بنت أبى سفيان واسمها رملة وهاجرت مع زوجها عبد الله ابن جحش إلى الحبشة فتنصر وثبتت هى على إسلامها فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى أن يزوجه أم حبيبة بتوكيل منه، وعادت إلى المدينة فى المحرم سنة سبع للهجرة، وتوفيت سنة آربع وأربعين فى خلافة أخيها معاوية بن أبى سفيان. العاشرة: صفية بنته حُيَىّ بن أخطب، وهى السرية الثانية، أسلمت فأعتقها وأصدقها عتقها وتزوجها، وكان أبوها حيى ابن أخطب من بنى النضير، وبنى بها فى ربيع الأول للسنة السابعة للهجرة، وماتت فى السنة الثانية والخمسين للهجرة. الحادية عشرة: ميمونة بنت الحارث، وهى أخت جويرية تزوجها فى ذى القعدة سنة سبع للهجرة، وكانت قد وهبت نفسها له كما جاء فى قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى} الأحزاب:50، توفيت عام واحد وخمسين للهجرة. الثانية عشرة: ريحانة بنت زيد، خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والعتق والزواج أو البقاء على اليهودية فاختارت الاسلام وكان ذلك فى أواخر السنة الخامسة للهجرة وعاشت ريحانة بضع سنوات ثم توفيت فى أواخر السنة العاشرة للهجرة. الثالثة عشرة: مارية القبطية، وهى التى أهداها عظيم القبط بمصر للرسول صلى الله عليه وسلم فبقيت فى بيت النبوة ملك يمين حتى حملت بإبراهيم فصارت أم ولد محررة، وهى بحكم موقعها من النبى تعتبر من أمهات المؤمنين، وقد ماتت فى المحرم من السنة السادسة عشر للهجرة. أ. د/عبد الصبور شاهين

_ مراجع الاستزادة: 1 - أمهات المؤمنين: عائشة عبد الرحمن الهيئة العامة للكتاب. 2 - سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد للصالحى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 3 - زاد المعاد فى سيرة خير العباد لابن القيم طبعة دار الريان للتراث

54 - أمير الأمراء

54 - أمير الأمراء لغة: يقال رجل إمَّرٌ وإمَّرةٌ وأمَّارة: يستأمر كل أحد فى أمره، والأمير: الملك لنفاذ أمره، بَيّن الإمارة والأمارة، والجمع أمراء، كما فى اللسان. (1) واصطلاحا: كان يُلقّب به القائد الأعلى للجيش، تلقب به "مؤنس الخادم" قائد القواد، أو أمير الأمراء العباسى. ثم أصبح مرتبة من مراتبه التشريف أدخلها الخلفاء العباسيون على نظامهم الادارى سنة 324هـ-936م، وذلك عندما عيّن الخليفة العباسى الراضى (322 - 329هـ/933 - 940م) محمد بن رائق أمير منطقة واسط والبصرة، أميرا للأمراء فى محاولة منه لتحسين الأوضاع المتردية فى الدولة آنئذ، وقد أسند إليه الخليفة أمر الخراج، والضرائب، والدواوين، والجيش، والمعاونة فى كل شئ وأمر- بأن يُخطَب له على المنابر بجانب الخليفة، وأصبح الوزير بجانبه لا يساوى شيئا. ومع ضعف سلطان الخلافة استبد حاملو هذا اللقب، وتحوّلوا إلى ملوك أو سلاطين، وكانوا سببا ساعد على نشأة الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية، وأضحى الخلفاء بجانبهم أشباحا، وبدلا من أن تساعد نشأة هذا المنصب على حل مشاكل الدولة العباسية، أضافت أعباء إلى أعبائها، وكانت من عوامل ضعفها ثم انهيارها. أ. د/عبد الله محمد جمال الدين

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (أمر) طبعة دار المعارف. مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى والاجتماعى، للدكتورحسن إبراهيم حسن ثلاثة، أجزاء، الطبعة السابعة 1965م القاهرة. 2 - الخلافة والدولة فى العصر العباسى، للدكتور/محمد حلمى محمد أحمد القاهرة 1959م. 3 - القاموس الإسلامى لأحمد عطية الله. دائرة المعارف الإسلامية مادة (أمير الأمراء) القاهرة 1963

55 - أمير المؤمنين

55 - أمير المؤمنين لقب إسلامى لم يعرف بمعناه المتداول إلا منذ عهد الخلفاء الراشدين فقيل: إن بعض الصحابة دعا "عمر بن الخطاب" ملقبا إياه بلقب "أمير المؤمنين" فاستصوبه الناس ودعوه به. فأريد به رئيس دولة الإسلام. وكان قواد البعوث يلقبون به فيعنى قائد الجند، ولقَّب الصحابة به "سعد ابن أبى وقاص" وقالوا إنه "أمير المؤمنين"، لأنه كان أميرا على جيش القادسية. وقيل: إن السبب فى استعمال هذا اللقب دالا على خليفة المسلمين: أن بريدا جاء بخبر الفتح من بعض البلاد التى أرسلت قوات إسلامية لفتحها. ودخل حامل البريد المدينة المنورة وهو يسأل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: أين أمير المؤمنين؟ وسمعها الصحابة فاستحسنوا هذا اللقب وقالوا: أصبت والله اسمه، إنه والله أمير المؤمنين حقا، فدعوه بذلك، وذهب لقبا توارثه الخلفاء. ويرى بعض الباحثين أن إطلاق هذه الكلمة على رئيس دولة الإسلام يشير إلى أن المسلمين قد أصبحوا قوة يحسب لها ألف حساب، وأن عمر رضى الله عنه أصبح أميرا لهذه القوة، وإطلاقه على ذلك يتمشى مع عهد الفتوحات الاسلامية لما فى اللفظ من معنى الجمع بين السلطتين: الحربية والادارية. أضف إلى هذا أن اللقب يمثل تعبيرا دقيقا عن مهمة الخليفة وعن طبيعة السلطة التى خولتها الأمة لحاكمها. بحيث تنتفى عنه شبهة الوراثة لمهمة النبى الدينية المتمثلة فى نزول الوحى عليه، صلى الله عليه وسلم كما تنفى عنه شبهة استبداد الملوك أو تجبر القياصرة أو الأكاسرة على النحو الذى كان معروفا آنئذ. ومهما يكن من أمرفقد استمر اللقب مستخدما منذ عهد عمر رضى الله عنه حتى العصر العثمانى، إلى جانب ما استخدمه السلاطين والملوك من ألقاب بعد ذلك. وواضح من كل ما سبق أن كلمات: الإمامة العظمى، والخلافة، وإمرة المؤمنين هى كلمات ثلاث مترادفة تشير جميعها إلى قيادة أو رئاسة الدولة الإسلامية. أ. د/عبد الله جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - النظريات السياسية الإسلامية، محمد ضياء الدين الريس: ط7 القاهرة 1979م. 2 - النظم الإسلامية، حسن إبراهيم حسن وعلى إبراهيم. ط4، القاهرة 1970م. 3 - مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون: القاهرة 1966م. 4 - الفكر السياسى عند الماوردى، صلاح الدين بسيونى: القاهرة 1983م

56 - الأناة

56 - الأناة لغة: تعنى الأناة فى لغة العرب عددا من المعانى مثل: الحلم، العقل، الرزانة، الوقار. اصطلاحا: هى الروية والتفكير قبل الحكم، لتضاد بذلك معنى "العجلة" فى الإقدام على قرار أو حكم قبل التبصر والتثبت. وتتفاوت درجات الناس فى استجابتهم للمثيرات حولهم، فمنهم من يستثار لأتفه الأسباب فيطيش ويخطئ على عجل، ومنهم من تستثيره الشدائد فيتعامل معها بعقل وحكمة وأناة، فيخرج من شدتها مأجورا مشكورا ومع هذا التفاوت فهناك علاقة وثيقة بين ثقة الفرد فى نفسه وبين أناته مع الآخرين، وتجاوزه عن خطئهم، فكلما سما دينه وخلقه اتسع صدره، ووسع غيره بعلمه، وعذر من أخطأ، وتسامح مع من سفه عليه. وقد كانت الأناة -الحلم- صفة لازمة للأنبياء، مارسوها مع الناس، ونبهوا على أهميتها فى حياة الإنسان، لذا كان رد الأنبياء على أقوامهم المكذبين والمتهمين لهم معلما للبشرية، فنبى الله "هود" عليه السلام يقول لمن قالوا: {إنا لنراك فى سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين. قال ياقوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين. أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين} الأعراف:66 - 68. وما موقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع الأعرابى الذى قال له: اعدل فإنك لم تعدل حين رد الرسول الكريم: (ويحك فمن يعدل إذا أنا لم أعدل) إلا شاهد على أناته. والأناة صفة ممدوحة إلا أن تكون تأخرا عن واجب شرعى فامتداحها فى مثل قول النبى محمد صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) أخرجه مسلم برواية ابن عباس (1) ومن المذموم قول الرسول لمن تأخر عن الصلاة وجاء يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد أذيت وأنيت) (رواه ابن ماجه) (2). أ. د/أبو اليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - صحيح مسلم بشرح النووى باب مبايعة وفد عبد القيس للنبى صلى الله عليه وسلم. 2 - سن ابن ماجه 1/ 354 إقامة الصلاة باب ما جاء فى النهى عن تخطى الناس يوم الجمعة. مراجع الاستزادة: 1 - محمد الغزالى خلق المسلم طبع الريان سنة 1987م القاهرة. 2 - الذريعة إلى مكارم الشريعة، للراغب الأصفهانى تحقيق د/أبو اليزيد العجمى

57 - الانتقام

57 - الانتقام لغة: تدل مادة (نقم) بكسر القاف وفتحها على المبالغة فى الكراهية لشئ ما، ويجئ لفظ "الانتقام" مصدرا للفعل انتقم ليدل على المبالغة فى العقوبة. شرعا: يعنى العقاب من أجل انتهاك حرمات الله. وقد وردت مادة الانتقام فى القرآن الكريم صفة لله سبحانه تدل على عقابه للكافرين بآياته والمكذبين بالحق الذى أرسل: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} الأعراف:136. ووصف سبحانه ذاته بأنه عزيز ذو انتقام: {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام} آل عمران:4. وفى الحديث الشريف: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها) (1) والانتقام المحمود هو الذى يحدث من الإنسان غيرة على دينه وحرمات ربه. أما الانتقام المذموم فهو التشفى وتجاوز حد العدل فى العقوبة على مايكره إذا وجه إليه أو مس شخصه بشكل أو بآخر. وهو مذموم لأنه ينتج عن الغضب الهائج من أجل الذات، وهيجان الغضب يوقف العقل عن التفكير السليم، فيطيش المنتقم ظنا منه إن هذه قوة وفى الحقيقة هى ضعف لأن الحديث الشريف يقرر: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب) (3) وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من يكظم الغيظ وعلى ذلك قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} آل عمران:134. ولو علم الناس أن لذة العفو خير من لذة التشفى؛ لأن العفو يأتى بالحمد والتشفى يأتى بالندم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنه لو فعل كل إنسان هذا وانتقم لنفسه لانحطّ عالم الإنسان إلى درك السباع والوحوش. أ. د/أبو اليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - البخارى، فتح البارى 6/ 566. 2 - البخا رى، فتح البارى 10، 518. مراجع الاستزادة: 1 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى تحقيق د/أبو اليزيد العجمى طبعة 1987م دار الوفاء. 2 - خلق المسلم محمد الغزالى طبعة الريان 1408هـ 1987م

58 - الأندلس

58 - الأندلس هو الاسم الذى يطلق على ما كان بأيدى المسلمين من شبه جزيرة إيبريا (إسبانيا والبرتغال اليوم)، الواقعة فى أقصى الجنوب الغربى من القارة الأوروبية. واسم "الأندلس" تعريب للفظ الوندال Vandalos إحدى القبائل القوطية التى حكمت البلاد منذ أوائل القرن الخامس الميلادى. وقد فتح المسلمون هذه البلاد بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير سنة 92هـ-711م فى عهد الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك. وينقسم تاريخ الأندلس إلى سبعة مراحل: 1 - فترة الولاة التابعبن للخلافة الأموية 92 - 138هـ 711 - 756م: تعاقب على حكم الأندلس فيها نحو عشرين واليا، وتم خلالها انتشار- الإسلام وتعريب البلاد، رغم نشوب حروب أهلية ترتب عليها انسحاب المسلمين الذين استوطنوا شمال البلاد وبدء حركة المقاومة المسيحية هناك. 2 - فترة الإمارة المستقلة 138 - 316هـ 756 - 929م: بدأت بقدوم عبد الرحمن بن معاوية الداخل وتجديد الدولة الأموية بعد انهيارها فى المشرق بأيدى العباسيين. فاستقل عبد الرحمن (صقر قريش) بالأندلس وأورث الإمارة نسله بعده. ومن أعظم أمراء هذه الفترة عبد الرحمن بن الحكم الأوسط 206 - 238هـ 822 - 852م الذى إليه الفضل فى توطيد الحكم الإسلامى وفى عدد من المنجزات الحضارية والعمرانية والثقافية. 3 - عصر الخلافة (316 - 422/ 929 - 1031): فى سنة 300هـ 912م ولى حكم الأندلس عبد الرحمن بن محمود، وكان الضعف قد دبّ فى دولة سلفه وجده الأمير عبد الله بسبب الثورات الداخلية، فتمكن عبد الرحمن من إعادة السلام والوحدة إلى البلاد، وما زال ينهض بالأندلس حتى أصبحت على جانب كبير من القوة والرخاء، وحينئذ أعلن نفسه خليفة وأميرا للمؤمنين، واتخذ لقب "الناصر لدين الله" متحديا بذلك الخلافتين العباسية والفاطمية، ويعد عصر الخلافة الذى امتد حتي نهاية القرن الرابع الهجرى أزهى عصورالحضارة الأندلسية فى جميع الميادين. وخلف الناصر ابنه الحكم المستنصر الذى اهتم بالثقافة والعلوم، وبعده الحاجب المنصور بن أبى عامر الذى فرض هيمنته على كل شبه الجزيرة. 4 - فترة ملوك الطوائف 422 - 484هـ 1031 - 1091م: فى سنة 399هـ 1008م اندلعت الفتنة أى الحرب الأهلية بين الفئات المتنازعة على السلطة لمدة ربع قرن، أعلن بعدها إلغاء الخلافة وقيام ما يعرف بدول الطوائف، إذ استقل حكام الولايات بأعمالهم، ونشبت بينهم حروب انتهت بإضعاف دولة الاسلام، حتى تمكن ألفونسو السادس ملك قشتالة (أقوى ممالك إسبانيا المسيحية) من الاستيلاء على طليطلة 478هـ 1085م، وإزاء عجز ملوك الطوائف وتواكلهم استنجد الشعب الأندلسى بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين الذى كان قد أنشأ فى المغرب دوله إسلامية قوية، فدخل الأندلس وهزم الملك ألفونسو فى معركة الزَّلاَّقة 479هـ/1086م، وبعد ذلك بخمس سنوات قام بخلع ملوك الطوائف وضم الأندلس إلى ملكه. 5 - دولة المرابطين 484 - 541هـ 1091 - 1147 م: حكم المرابطون الأندلس وجاهدوا فى الحفاظ على ما بقى بأيدى المسلمين من البلاد، ولكن جهودهم لم تحل دون سقوط "الثغر الأعلى" (سرقطة وما حولها) فى يد ألفونسو الأول ملك أرغون (وهى مملكة مسيحية أخرى) فى 512هـ 1118م. ونشبت فى أواخر عهدهم ثورات فى الأندلس، وفى المغرب واجهوا ثورة أخرى أخطر قام بها محمد بن تومرت المهدى زعيم دولة الموحدين وخلفه عبد المؤمن بن على وبمصرع تاشفين ابن على انهارت دولة المرابطين. 6 - دولة الموحدين 541 - 645هـ 1147 - 1247م: ورث الموحدون عبد المؤمن وخلفاؤه دولة المرابطين بالمغرب والأندلس وظل ملكهم قويا متماسكا فى ظل الخلفاء الثلاثة الأوائل، وأحرزوا على نصارى الشمال نصرا كبيرا فى موقعة الأرك 591هـ 1195م، ولكن الهزيمة حاقت بهم بعد ذلك فى معركة العقاب (609هـ 1313م) التى تهاوت بعدها الحواضر الأندلسية واحدة بعد أخرى فى الشرق والوسط والغرب. 7 - دوله بنى الأحمر 645 - 897هـ 1247 - 1492م: لم يبق بأيدي المسلمين منذ منتصف القرن السابع الهجرى إلا مملكة غرناطة الصغيرة التى تبلغ مساحتها نحو عشر شبه الجزيرة، ومع ذلك فقد استطاع ملوكها من بنى الأحمر الحفاظ على دولتهم نحو قرنين ونصف قرن، ولكن النزاعات الداخلية بين آخر ملوكهم والحملات النصرانية ضدهم وتقاعس البلاد الاسلامية المجاورة عن نجدتهم؛ كل ذلك أدى إلى انهيار دولتهم، فسقطت غرناطة فى أيدى الملكين الكاثوليكيين 897هـ 1492م. وأصبح مسلمو الأندلس الذين دُعوا "بالموريسكيِّين" خاضعين للسلطة المسيحية التى تعقبتهم بكل ضروب الاضطهاد حتى انتهى الأمر بطرد مئات الآلاف منهم إلى خارج إسبانيا بين 1018 - 1023هـ 1609 - 1614م. وعلى الرغم من ضعف الدولة الأندلسية المتزايد فإن الشعب الأندلسى استطاع أن يحقق منجزات حضارية وثقافية وفنية بالغة الأهمية، مثل مسجد قرطبة الجامع وقصور إشبيلية وحمراء غرناطة، كما كان للحضارة الأندلسية فضلها الكبير على إسبانيا وعلى النهضة الأوربية. د/محمود على مكى

_ مراجع الاستزادة: 1 - نفح الطيب للمقرى، تحقيق إحسان عباس، بيروت 1968م. 2 - دولة الإسلام فى الأندلس لمحمد عبد الله عنان، القاهرة 1966م. 3 - تاريخ إسبانيا الإسلامية لليفى برفنسال (بالفرنسية)، باريس، 1950 - 1953م. 4 - تاريخ الفكر الأندلسى، ترجمة حسين مؤنس، القاهرة 1955م

59 - الأنصار المهدية

59 - الأنصار المهدية مصطلح يطلق على أتباع مهدى السودان، الذى ادّعى فى ربيع الثانى عام 1298هـ، مارس 1886م أنه المهدى المنتظر، وأطلق على اتباعه الأنصار، تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم، وكان محمد أحمد المهدى زاهدا تقيا، وزعيما دينيا، قادرا على تحريك الجماهير التى قامت بدور ملموس كإحدى حركات التصدى للغزو الأوروبى للعالم الإسلامى. وقد بدأ محمد المهدى فى تكوين نواة جماعة الأنصار، عندما عاد من الحج وهاجر إلى جزيرة آبا (فى النيل الأبيض) ومناداته بنفسه مهديا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلانه أنه يقوم بحركة لتجديد الإسلام وتحرير بلاده من الترك والإنجليز (1)، فبايعته القبائل فى كردفان ودارفور وبحر الغزال وشرق السودان. وكان لجماعة الأنصار دور فى قطع وسائل المواصلات بين نواحى السودان المختلفة مما سبب مشاكل جمّة للقوات المصرية هناك حيث منيت القوات التى بعثها حكمدار السودان آنذاك رؤوف باشا بأول هزيمة تواجه الحكومة هناك منذ فتح إسماعيل باشا للسودان مما جعل الحكومة الإنجليزية تضغط على مصر ابتداء من يناير 1884م لإخلاء السودان، فكان لها ما أرادت خاصة بعدما امتد نفوذ الأنصار- ليغطى كل مناطق السودان. وبعد وفاة محمد المهدى فى رمضان سنة 1302هـ، دب الخلاف بين خلفائه الأربعة الذين اختارهم قبل وفاته، ولكن نجح عبد الله بن محمد التّعايشى الذى لقبه المهدى بالأمين الصديق أبى بكر، فى تزعمه للأنصار وذلك لأنه كان يقود أقوى فرق الأنصار وهم من البقارة والجعليين والدناقلة وهؤلاء كانوا يكونون القوة العسكرية للأنصارفى عصر- التعايش، أما الأعمال الإدارية والمالية فكانت تقوم بها جماعة من الدنقلاوية من أهل بيت محمد أحمد المهدى ويلقبون بالأشراف. وقد تزعم الأنصار بعد استعادة السودان، عبد الرحمن المهدى بن محمد المهدى 1884م، الذى كان زعيما لحزب الأمة السودانى، ثم خلفه نجله السيد صديق المهدى 1911م الذى كان أيضا زعيما روحيا. ويتزعم حاليا حزب الأمة السودانى الصادق المهدى، الذى شغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى السودان فيما بعد. أ. د/فاروق عبد الجواد شويقة

_ الهامش: 1 - تاريخ السودان الحديث ضرار حسن ضرار ص114. مراجع الأستزادة: 1 - أطلس تاريخ الإسلام. حسين مؤنس: القاهرة. الزهراء للإعلام العربى 1987م. 2 - تاريخ السودان الحديث: ضرار صالح ضرار: ط/بيروت مكتبة الحياة 1968. 3 - معالم تاريخ سودان وادى النيل، من القرن العاشر إلى القرن التاسع عشر الميلادى القاهرة، الشاطر بصيلى عبد الجليل: مطبعة أبو فاضل 1955م. 4 - تاريخ الحركة الوطنية فى السودان محمد عمر بشير 1900م-1969م ترجمة هنرى رياض، وليم رياض، الجنيد على عمر، بيروت دار الجيل 1987م

60 - الإنكشارية

60 - الإنكشارية الإنكشارية فرقة مشاة خاصة داخل الجيش العثمانى، تكونت فى عهد السلطان مراد الأول بناء على أمره، ونفذها الوزير جاندارلى خليل باشا لتقتصر مهمتها على الحرب وتتفرغ لها، وبذلك أصبحت أول فرقة عسكرية نظامية فى التاريخ. كانت الإنكشارية وسيلة فعالة فى انتصارات الدولة العثمانية وفتوحاتها فى أوروبا والبلقان والشرق الأوسط، كما تسببت فى هزائم الدولة ونكساتها. تكونت فى البداية من ألف فرد دون مراعاة السن ثم صدرت القوانين المتتالية لتنظيم سن الالتحاق بها فأصبح من 8 - 20. كان الفرد منهم قبل التحاقه يسلم إلى أسرة تركية نظير جُعل من المال لتعليمه اللغة التركية وآداب الإسلام ثم يؤخذ إلى الفرقة لينتظم فيها. وصل بعض أفرادها إلى أعلى المناصب فى الدولة العثمانية فى كافة الميادين مثل المعمار سنان وتسابقت الأسر المسيحية لإلحاق أولادها بها. من أسماء رتبهم الكبيرة: أغا الإنكشارية وهو رئيسهم وكان يحضر فى الديوان السلطانى -رغم عدم عضويته فيه- ليقدم تقريرا عن الفرقة إلى السلطان. من رتبهم الكبيرة أيضا سكبان باشى، وباشجا ويش، ومن رتب ضباطهم الصغيرة: الشوربجى، والسقا باشى، واوضه باشى. اتبعوا نظاما صارما فى التدريب والطاعة المطلقة، وحرم عليهم مغادرة الثكنات والزواج والاختلاط بالمدنيين والعمل بالتجارة، وأمروا بالتفرغ التام للجندية. ولما أصاب التأخر الانكشارية فقد أفرادها روحهم القديمة وخرجوا من الثكنات، وأسسوا بيوتا وعائلات وألهتهم التجارة عن الحروب حتى وصاوا -وهم عماد السلطنة- إلى التمرد عليها. أول حركة عصيان قاموا بها عندما اعترضوا -وهم الجنود- على ارتقاء السلطان محمد الفاتح، العرش، محتجين بحداثة سنه وكان أول تمرد حركى منهم، فى عهد السلطان القانونى الذى أدبهم ونكل بقادتهم. وصل التدهور بالإنكشارية إلى أن أفرادها كانوا يرفضون الخروج للحرب أحيانا، ويفرون من جبهة القتال أحيانا، ويعينون من يريدون فى المناصب العايا فى الدولة، ويطالبون برؤوس كبار رجال الدولة إذا خالفوهم. ولما كثر تمرد الإنكشارية ودب فيهم الفساد، وأسس السلطان سليم الثالث جيشا جديدا، دعا الإنكشارية إلى الانخراط فيه، فرفضوا وتمردوا وعزلوا السلطان وقتلوه، ولما تولى السلطان محمود الثانى الحكم قام بإلغاء الإنكشارية وضرب ثكناتهم بالمدافع، وقضى عليهم فى مذبحة شهيرة باسم "الواقعة الخيرية" عام 1825م. أ. د/محمد حرب

_ مراجع الاستزادة: 1 - فى أصول التاريخ العثمانى، أحمد عبد الرحيم مصطفى ط2، القاهرة 1993م. 2 - الدولة العثمانية، محمد حرب، الجزء الثامن من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامى، القاهرة 1996م. Ahmed Cevad Pasa، tarihi Askeri osmani،Istanbul 1882. Cengiz Orhonlu، Osmanli tarihine aid belgelcr telhisler، Istanbul، 1970. Ekmeleddin Ihsan oglu، Osmanli Devclti ve Medeniyet Tarihi، Istanbul 1994. Hakki Dursun yildiz، Dogustan Gununuze،Buyuk islam Tarihi، Istandul 1989.c.12. Ismail. Hakki Uzuncarsili، Osmanli Devletin Saray Teskilati، Teskilati، Ankara 1945. Mehmet Zeki Pakalin، Osmanli Tarihi Deyimleri ve terimleri، Istanbul 1955. Mithat sertoglu، Osmanli tarih Iugati، ist: 1986.365. Stanford J. Shaw، History of the Ottoman Impire، cambridge 1971

61 - الأهلية

61 - الأهلية لغة: الجدارة لأمر ما، يقال: هو أهل لكذا، أى: جدير به، كما فى القاموس المحيط. (1) واصطلاحا: هى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه. (2) فالأهلية صفة فى الانسان يقدرها الشارع فى الشخص تجعله محلا صالحا لأن يتعلق به الخطاب التشريعى، باعتبار أن الشارع فيما شرَّع إنما يخاطب الناس بالأحكام آمرا وناهيا، ويُلزِمُ بتنفيذها واحترامها. (3) وتنقسم الأهلية إلى: أهلية وجوب، وأهلية أداء. وكل منهما إما ناقص، وإما كامل، فالأقسام أربعة: (أ) أهلية الوجوب الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق، ولكن لا يصلح لأن يجب عليه شىء، مثل أهلية الجنين، فهى ثابتة له فى بطن أمه، وبها كان أهلا لاستحقاق الإرث والوصية. (ب) أهلية الوجوب الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له، وثبوت الواجب عليه. وهذه الأهلية تثبت للإنسان من ولادته إلى موته، فيرث ويورث، وتجب له النفقة كما تجب في ماله. (ج) أهلية الأداء الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض، ومناط هذه الأهلية هو التمييز حتى يبلغ الانسان عاقلا. (د) أهلية الأداء الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه يُعتَدّ به شرعا، وتثبت هذه الأهلية للبالغ الرشيد؛ فيكون صالحا لإبرام جميع التصرفات من غير توقف على إجازة غيره. (4) وعوارض الأهلية نوعان: من قبل الله عزَّ وجلَّ كالصغر والجنون، ومكتسب من جهة العبد كالسفه والإكراه 0 (5) أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - القاموس المحيط للفيروز أبادى -طبعة مؤسسة الرسالة- بيروت ص1245. 2 - كشف الأسرار على أصول البزدوى طبعة الحلبى، 4/ 237 معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعة جى، ص96 - طبعة دار النفائس بيروت- ط2 1408هـ 1988م. 3 - معجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء. نزيه حماد طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى ط1، 1414هـ 1993م ص77،78. 4 - القاموس القويم فى اصطلحات الأصوليين محمود عثمان طبعة دار الحديث ط1 1416هـ 1996م. 5 - مختصر المنار لزين الدين الحلبى طبعة المكتبة الهاشمية دمشق ص22 - 24

62 - أيام العرب

62 - أيام العرب اصطلاحا: ذكر الروايات العربية عن الحروب والمعارك التى نشبت بين القبائل العربية فى الجاهلية، وقد يكون مع أحد الطرفين قوات غير عربية كما حدث فى يوم "ذى قار" حيث كان الفرس يمثلون طرفا رئيسيا فى المعركة، ويعاونهم بعض العرب. وأيام العرب كثيرة ومختلفة الأهمية، فمنها ما هو واسع النطاق اشتركت فيه قبائل كثيرة، ومنها ماهو ضيق النطاق حدث بين عدد من القباتل. وأيام العرب تسمى بشىء بارز اتصل بهذه الحروب، مثل حرب البسوس التى سُمِّيت باسم البسوس خالة جسّاس بن مرة، وهى صاحبة الناقة التى كانت سببا فى هذه الحرب، ومثل ذلك يقال عن داحس والغبراء فهما اسمان لفَرسَين كانا سبب هذه المعارك، وقد تعرف باسم المكان الذى جرت فيه المعركة، مثل معركة "ذى قار" فهو مكان بين واسط والكوفة، وقد اتبع ذلك فى تسمية المعارك الإسلامية فيما بعد كغزوة بدروأحد. (1) ويقال: إن أيام العرب بلغت سبعمائة وألف يوم، وهو رقم مبالغ فيه إلا إذا لاحظنا المعارك الصغيرة التى كانت تقع بين الرعاة بعضهم البعض. وسنعرض هنا نماذج عن أشهر هذه المعارك: البسوس: من أهم أيام العرب، التى كانت الحرب فيها بين بكر وتغلب، وقد استمرت أربعبن سنة، وسببها: أن كليبا بين ربيعة من تغلب رمى بالنبل ناقة البسوس بنت منقذ، وهى خالة جساس بن مرة من بكر، وكان كليب زوجا لجليلة أخت جساس، فاستجارت البسوس بجسَّاس، فقتل جَّساس كليبا، فقامت الحرب التى أنهكت الجميع، وعندما جلست نساء تغلب فى مأتم كليب طلبن أن تخرج جليلة أخته القاتل من المأتم، فخرجت باكية، وأنشدت قصيدة تُعَدَّ من جيد الشعر العربى، أهم ما جاء بها: يا قتيلا قَوَّض الدهرُبه * سقف بيتىَّ جميعا من عَلِ هدم البيتَ الذى استحدثتُهُ * وأثنى فى هدم بيتى الأولِ ومما قاله المُهَلهَلُ أخو كليب فى وصف هذه المعارك: "قد فنى الحيَّان، وثكلت الأمهات، وتيتم الأولاد، دموع لا تنقطع، وأجساد لا تدفن". داحس والغبراء: هما فرسان، وكانت داحس ملكا لقيس بن زهيرمن عبس، والغبراء ملكا لحمل بن بدر من ذبيان، وقد أقيم سباق بين الفرسين وكان السبق لداحس، ولكن رجلا من ذبيان لطمه؛ فشغله، وأضاع عليه السبق، فبدأ الصراع الذى طال وامتد، وهلك فيه عدد كبير من الناس والحيوان والمتاع. يوم ذى قار: يوم من أيام العرب فى الجاهلية، ويقال: إنه حدث يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل بعد ذلك. و"ذو قار"،موضع بين واسط والكوفة على مشارف الصحراء، وكان ذلك اليوم بين الفرس تؤيدهم تغلب وإياد وبين جيشن عربى اشتركت فيه ربيعة وبكر وبنو عجل وبنو شيبان. وقد انهزمت الفرس وولوا الأدبار، وتبعتهم بكر تضرب وتقتل، ولا تلتفت لغنائم أو أسرى، فحققت بذلك نصرا عظيما. ويعد هذا اليوم من مفاخر التاريخ العربى، ومنه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من الفرس وبى نصروا) أ. د/أحمد شلبى

_ الهامش: 1 - مجمع الأمثال الميدانى 1/ 17. مراجع الاستزادة: 1 - مجمع الأمثال الميدانى، طبعة بيروت 1927م. 2 - أيام العرب الزبير بن بكار، القاهرة 1932م. 3 - الأغانى أبو الفرج الأصفهانى، دار الكتب المصرية

63 - الإيوان

63 - الإيوان هى كلمة من أصل فارسى، وجمعها إيوانات وأواوين. ومن أشهر الإيوانات القديمة إيوان كسرى بالعراق، واستخدمت الكلمة بوصفها مصطلحا أثريا إسلاميا للدلالة على قاعة مستطيلة المسقط الأفقى وغير مسدودة الوجه، ومسقوفة فى كثيرمن الأحيان بقبو، ويفتح جانبها غير المسدود على فناء غالبا ما يكون غير مسقوف. استخدم الإيوان بصفة خاصة فى عمارة المدارس الإسلامية منذ عصر السلاجقة. وتشتمل المدرسة على فناء مربع أو مستطيل قد يفتح عليه إيوان واحد هو إيوان القبلة، أو إيوانات متقابلات أو أربعة أواوين محورية أكبرها إيوان القبلة، ومن أبرز أمثلتها فى مصر مدرسة السلطان حسن بالقاهرة، ويعد إيوان القبلة بها أكبر يوان بعد إيوان كسرى. وعرف الإيوان فى منشات إسلامية أخرى كالخوانق والمساجد. أ. د/حسن الباشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب مادة "أون" ط دار صادر بيروت. 2 - القاموس المحيط، مادة "أون". 3 - الفنون الإسلامية والوظائف على الآثار العربية مدخل "مدرس" حسن الباشا. 4 - مدخل إلى الآثار الإسلامية: حسن الباشا، دار النهضة العربية. 5 - المدخل أحمد فكرى

الباء

1 - الباب العالي هو مقر الحكومة العثمانية، وكان يطلق عليه فى العهود العثمانية الأولى "ديوان همايون" أى الديوان السلطانى، وكان يرأسه السلطان العثمانى نفسه فلما اتسعت فتوحات الدولة العثمانية وترامت أطراف أراضيها فى آسيا وأوروبا كثر عدد الوزراء والأمراء فى ديوان همايون تبعاً لكثرة الواجبات الملقاة على عاتق الدولة العثمانية وتبعا لمسئولياتها الداخلية والخارجية فوضع السلطان محمد الفاتح (885 - 886 ـ1551 1481م) تنظيمات جديدة شملت ديوان همايون، ثم أطلق عليه، الباب العالى"، وأسند رئاسته إلى أعلى وزرائه قدراً وأعظمهم شأناً وهو "الصدر الأعظم". وقد جاء فى تنظيمات السلطان محمد الفاتح أن الباب العالى يرتكز على أركان أربعة هى الصدر الأعظم، وشيخ الإسلام أو قاضى العسكر والدفتردار (ناظر المالية) والنشانجى (كاتب سر السلطان). ويتبع كل ركن من هؤلاء الأركان هيئة معاونة، أعظمها الهيئة المعاونة للصدر الأعظم، وتتعلق أعمالها بشئون الدولة وسيادتها وولاياتها يليها الهيئة التابعة لشيخ الإسلام أو قاضى العسكر وهى من العلماء والقضاة وتسمى، "الهيئة الإسلامية"، وتتعلق أعمالها بالشريعة والفتوى والقضاء والعلم والتعليم والوقف ودور العبادة والتعليم والقضاء. ثم الهيئة التابعة للدفتردار وتتعلق أعمالها بالمال والتجارة والخراج والمقررات الأميرية على سائر الولايات. ثم الهيئة التابعة لنيشانجى، وهى الكُتَّاب المنوط بهم قيد الماليات الأميرية فى السجلات وضبطها وقيد الجلسات وقرارات المجلس والفرمانات والأحكام العدلية والفتاوى، ويرأسهم رئيس كتاب أفندى حضرتلى). وكان الوزراء والأمراء الذين يضمهم الباب العالى يتمتعون بعضويته، ولكل منهم رأى وعمل ويعد الصدر الأعظم نائبا عن السلطان فى إدارة جلسات الباب العالى ورئاسة أعضائه وإصدار القرارات والفرمانات العالية بيد أن السلطان كان يجلس فى الباب العالى خلف ستار ليتابع جلسات الباب العالى ويستمع إلى ما يدور فيها من حوار. فإذا أصدر الباب. العالى فرمانات بتوقيع السلطان وخطه أو بتوقيعه فقط سميت، "فرمانات همايونية" أى سلطانية. وإذا أصدر الباب العالى فرمانات عالية بتوقيع الصدر الأعظم وخطه أو بتوقيعه فقط سُمَّيت "فرمانات عالية، أى فرمانات الباب العالى. وكانت جلسات الباب العالى تعقد فى معظم أيام الأسبوع، وتبدأ عقب صلاة الصبح فى كل يوم من أيام هذه الجلسات. وكان الباب العالى لا يقر أمرًا ولا يصدر قرارا إلا إذا كان موافقا لأصول الشريعة الإسلامية، وعدم اعتراض شيخ الإسلام (المفتى الأعظم) أو قاضى العسكر على أى قرار يصدره الباب العالى يعنى وضوح شرعيته، فإذا اكتنف بعض المسائل أو القضايا المعروضة على الباب العالى مشكلات أو أحاط بها غموض فإن الباب العالى لا يصدر بها قرارا إلا إذا استندت إلى فتوى شيخ الإسلام (المفتى الأعظم). وكان الباب العالى يضم محكمة عليا يرأسها قاضى عسكر أفندى، ويُفتى فى قضاياها المعضلة شيخ الإسلام (المفتى الأعظم)، وهذه المحكمة تفصل في القضايا ذات المستوى الرفيع أو التى لها صلة بشئون الدولة ورجالها، وقد أنشىء على غرارها بمصر فى العصر العثمانى محكمة أطلق عليها محكمة الباب العالى. وكان الباب العالى يضم إلى عهد قريب دائرة الشورى، ودائرة التشريفات ودائرة الداخلية، ودائرة الخارجية، ودائرة الأحكام العدلية. وفى العشرين من جمادى الأولى سنة1295هـ/ مايو 1778 م شب حريق عظيم فى الباب العالى التهم دوائر الشورى والتشريفات والعدل وما فيها من أثاث فاخر وأوراق رسمية، فانتشرت فى هذا الوقت شائعات فحواها أن جماعة من الاتحاد والترقى هى التى أشعلت النيران فى الباب العالى انتقاما لمصرع صالح بك والسعاوى أفندى اللذين اقتحما قصر يلدز السلطانى بإسلامبول بمائتى ثائر لخلع السلطان عبد الحميد الثانى قبل حرق الباب العالى بثلاثة أيام وقد عرفت هذه المحاولة الفاشلة "بحادثة جراغان ". وبعد إلغاء السلطنة العثمانية بخمسة أيام (7 من ربيع الأول 341 اهـ/ أول نوفمبر 1922م) حولت منشآت الباب العالى إلى إدارات لوفد حكومة أنقرة. أد/ عبد الجواد صابر إسماعيل

_ المراجع 1 - (جامع الدول (سلاطين آل عثمان) أحمد دده منجم باشى، المولى: مخطوطة بمكتبة عثمانية باسلامبول، حقق جزء. (سلاطين ال عثمان) غسان بن على الرمال فى رسالة دكتوراة بإشرافنا، أجيزت فى كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة (17 4 1 هـ/1997 م). 2 - (تاريخ الملوك العثمانية والوزراء الصدور ومشايخ الإسلام والقبودانات) (أحمد عرابى، الشيخ:، مخطوطة بمكتبة رفاعة الطهطاوى بسوهاج. 3 - (أحمد بن مصطفى، طاش كبرى زادة، المولى الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية)، طبع دار الكتاب العربى ببيروت 1395 هـ/1975 م. 4 - (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها) عبد العزيز محمد الشناوى (الأستاذ الدكتور):، أربعة أجزاء، طبع مكتبة (1) لأنجلو المصرية بالقاهرة1400هـ/1980م 5 - السلاطين العثمانيون عبد القادر د ده اوغلو، طبع الجمهورية التونسية 1411 هـ/1990 م. 6 - محكمة الباب العالى، السجلان 1. 2، أرشيف المحكمة الشرعية بدار الوثائق بالقاهرة 7 - تاريخ الدولة العلية العثمانية محمد فريد بك، المحامى.، تحقيق الدكتور/ إحسان حقى، طبع دار النفائس ببيروت 1403 هـ/1983 م

2 - البابية

2 - البابية البابية نسبة إلى الباب، والإسماعيلية يستعملون كلمة باب للدلالة على الشيخ أو الأساس، والنصيرية أول من أطلقوا كلمة باب على سلمان الفارسى، وأما الدروز فيطلقونها على الوزير الروحانى الأول الذى يستعمل العقل الكلى. وقد ادعى على محمد الشيرازى أنه باب الإمام الغائب الذى تنتظره طوائف الشيعة، وانه باب مظهر الحقيقة الإلهية. ولد فى شيراز عام 1235هـ-1819م أو بعد ذلك بعام أو عامين، وتوفى أبوه وهو صغير فكفله خاله، ورحل به إلى بوشهر، وبعث به إلى معلم، ثم افتتح له متجرا، ولكنه انصرف عن التجارة إلى قراءة كتب التصوف والنجوم، وبدت عليه بوادر تدل على عدم الاتزان النفسى والعقلى، فكان يصعد إلى السطح فى شدة الحر ويظل جالسا عارى الرأس لفترات طويلة مغمغما ببعض الأوراد، واستمر على هذه الحال حتى وقع فريسة لنوبات عصبية ولوثات هيستيرية، والتقى به رجل من تلاميذ الرشتى يسمى جواد الطباطبانى أخذ يحدثه عن بشارات الإحساش والرشتى عن قرب ظهور المهدى، فاستهواه حديثه، وأخذ يقرأ فى كتب المشعوذين والمنجمين وتأثيرات الكواكب الروحية. وزاد اضطرابه النفسى والعصبى فبعث به خاله إلى كربلاء، أملا فى شفائه وقد طاب له المقام هناك، ولفت تلامذة الرشتى انطواؤه وعكوفه على التهجد والتلاوة، فذهبوا به إلى مجلس الرشتى: فوجد فيه بغيته، وأعجب بما يقوله ويكتبه، فآخذ يقلده، وفى حلقات الرشتى، تلقفه جاسوس روسى فعقد معه أواصر الصداقة والمودة، وتبادلا الزيارات، وانعقدت بينهما المجالس فى جوف الليل على دخان الحشيش. ومن خلال هذه الجلسات، اكتشف ذلك الروسى أن الشيرازى فريسة سهلة، فأخذ يوحى إليه بأنه هوذلك القائم الذي يبشربه الرشتى، وينادى بصاحب الأمر وصاحب الزمان. وفى مجلس الرشتى سئل عن المهدى أين هو؟ فأجاب أنا لا أدرى وقد يكون معنا فى المجلس، فتلقف هذا الروسى هذه الإجابة؛ وأخذ يلقى شباكه على الشيرازى. ليصنع منه ذلك الموعود، وفى ذلك يقول:"رأيت فى المجلس الميرزا على محمد الشيرازى فتبسمت وصممت فى نفسى أن أجعله ذلك المهدى المزعوم. وقد أثمرت هذه الايحاءات الشيطانية ثمرتها، فبعد أن انتقل الشيرازى من كربلاء إلى بوشهر أرسل خطابا لهذا الروسى فى مايو سنة 1844م يخبره فيه أنه الباب ويدعوه إلى الإيمان بأنه نائب صاحبه العصر، وباب العلم فكان جوابه عليه:"إنه يؤمن أنه صاحب الزمان وإمام العصر، لا بابه ونانبه راجيا ألا يحرمه مما عنده من حقائق، ولا يحجبه عن أصوله، لأنه أول من يؤمن به ثم يعقب قائلا: .. وحمدت الله أن سعيى لم يضع هباء، وأن جهودى التى انفقف فيها الجهد والوقت والمال قد أثمرت ثمرتها وآتت أكلها. وقد ساعد على ظهور الحركة البابية فى إيران: 1 - الاستعداد الذهنى الذى ينتظم غلبية السكان هناك من إيمانهم بانتظار ظهور الإمام الغائب. 2 - تهيئة الجو النفسى العام الذى كان يسود عددا كبيرا من الناس آنذاك نتيجة لما كانت تنادى به طائفة الشيخية على يد شيخيها أحمد الإحسائى وكاظم الرشتى اللذين كانا يكثران من الحديث عن ظهور الموعود الذى حان أوانه. 3 - نشاط الاستعمار الروسى بواسطة رجاله ومحاولته اصطناع اتباع له يأتمرون بأمره ويحققون أهدافه بإثارة القلاقل والبلبلة فى صفوف المجتمع الإيرانى. 4 - وجود الشخص المؤهل نفسيا وعقليا للقيام بما يطلب إليه تنفيذه وقد تحقق ذلك فى شخص على محمد الشيرازى (الباب) وأعلن الباب عن نفسه بأنه باب المهدى أولا، ثم أعلن بعد ذلك أنه المهدى وكان له أعوان أخذوا ينشرون دعوته، فتقبلها بعض الناس، ورفضها الغالبية، وبدأ صراع انتهى بقتل الباب. وللبابية تعاليم تتناول العقائد والعبادات خرجوا فيها على الإسلام، وخالفوا ما جاء فى الكتاب والسنة، فهم يرون أن الله يحل فى البشر، وأن حلوله فى بشر يعتبرمظهرا إلهيا فى هيكل بشرى، وهذا كفر صُراح، وأنما ظهور الله فى هيكل تعدد بتعدد الأنبياء والرسل، وأن الظهور الأخير أتم من الظهور الأول، ومن هنا يعتبر الباب نفسه أكمل مظهر بشرى للحقيقة الإلهية وهم يكفرون بالآخره، كما جاءت فى القرآن الكريم فلا يؤمنون ببعث ولا بجنة ولا نارولا حساب مثلهم مثل الدهريين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم حين قال: {وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} الجاثية:24. والقيامة عندهم قيام الروح الإلهى فى مظهر بشرى جديد، وألغوا الصلوات الخمس، وجاء فى كتاب "البيان": (رفع عنكم الصلاة كلها إلا من زوال إلى زوال تسع عشرة ركعة واحدا واحدا بقيام وقنوت وقعود لعلكم يوم القيامة بين يدى تقومون ثم تسجدون ثم تقنتون .. ) والقبلة هى بيت الباب أو سجنه أو البيوت التى عاش فيها، والصوم عندهم تسعة عشر يوما، ويسمونه شهر العلاء، لأن الشهر تسعة عشر يوما والسنة تسعة عشر شهرا، والزكاة عندهم خُمس العشار، وتسلم إلى المجلس القائم على شئون الجماعة والحج إلى الأماكن التى جعلها الباب قبلة لهم، ويصح للرجل أن يطلق زوجته تسع عشرة طلقة، وعدتها تسعة عشر يوما، وإذا كانت أرملة تكون عدتها خمسة وتسعين يوما، والذين لهم حق الميراث سبعة: الذرية بنين وبنات بدون تفريق، والزوج والزوجة، والوالد والوالدة، والأخ، والأخت. أ. د/محمد إبراهيم الجيوشى

_ مراجع الاستزادة: 1 - دائرة المعارف الإسلامية المجلد الثالث ص227. 2 - كتاب البيان الواحدالباب التاسع عشر. 3 - البابية والبهائية د/محمد إبراهيم الجيوشى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سلسلة دراسات إسلامية سنة 1998م. 4 - د/عبد اللطيف العبد فليعودوا إلى الصراط المستقيم دار الثقافة العربية سنة 1997م

3 - الباطنية

3 - الباطنية اصطلاحا: الباطنية لقب شامل لفرق كثيرة، حقيقة اتجاهاتها واحدة، وأزياؤها وأسماؤها مختلفة. وقد اتفق كثير من كتاب الملل والنحل على أن ألقابهم خمسة عشر أشهرها الباطنية، والقرامطة، والإسماعيلية، والمباركية، والسبعية، والتعليميةوالرافضة والإباحية، والملاحدة،، وا لزنادقة، والمزدكية، والبابكية، والخرمية، والمحمرة والخرمندينية، وفى زماننا نجد البابية والبهائية (1). ولا شك أن الدارسين للملل والأهواء والنحل فى مختلف الكتب والرسائل أمثال الفرق للبغدادى، والملل والنحل للشهرستاتى، والفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم، وتثبيت دلائل النبوة للقاضى عبد الجبار الهمذانى، وفضائح الباطنية للغزالى، وقواعد آل محمد الباطنية لمحمد بن الحسن الديلمى اليمانى. نقول: لاشك أن الدارسين لهذه الكتب وغيرها من كتب المؤرخين والعلماء، واجدون الكثير من حقائق عقائد الباطنية بوجه عام (2).لكن هناك رسالة صغيره (3). لا تزيد عن أربع وأربعين ورقة، كتبها واحد من أصدق فقهاء وعلماء السنة الذين عاشروا الباطنية فترة طويلة، وهو العالم الفقيه محمد بن مالك بن الفاضل الحمادى اليمانى، أحد فقهاء السنة فى اليمن، فى أواسط المائة الخامسة للهجرة، هذه الرسالة لها خطورتها وقيمتها العلمية حقا وصدقا .. أما اسم الرسالة فهو: كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة. وهو يؤكد لنا (4). فى مقدمة رسالته: إنى رأيت أن أدخل في مذاهبهم لأتيقن من صدق ما قيل عنها من كذبه، ولأطلع على سرائرهم وكتبهم ليعلم المسلمون حقيقتهم وهو يرى (5). أن أشهر ألقابهم الباطنية لزعمهم أن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً. ويذكر أنهم يعرفون فى العراق باسم القرامطة نسبة إلى حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط، وباسم المزدكية أيضاً بالنظر إلى أنهم يدينون بدين الاشتراك فى الأبضاع والأموال، ذلك الذى ابتدعه مزدك في عهد عبّاد الساسانى، ويسمون فى خراسان بالتعليمية والملاحدة، وبالميمونية نسبة إلى ميمون شقيق قرمط، وهو غيرميمون الديصانى القداح، لأنه ليس بفرع بل هو أصل البلاء كله، ويدعون فى مصربالعبيدية نسبة إلى عبيد الله المعروف، وفى الشام بالنصيرية والدروز والتيامنة، وفى فلسطين بالبابية والبهائية، وفى الهند بالبهرة والإسماعيلية، وفى اليمن بالياميّة نسبة إلى القبيلة المعروفة، وفى بلاد الأتراك بالكداشية والقزلباشية، وفى بلاد العجم بالبابية. وأشهر رجالهم حمدان قرمط فى الكوفة وقد خرج للدعوة سنة 264 هـ وأخوه ميمون المبعوث إلى خراسان، وأبوشامة الحسين، وعبدًان، وأبو سعيد بن بهرام الجنابى وقد خرج للدعوة سنة 286 هـ ثم ابناه طاهر الجنابى، وسعيد الجنابى، وابن حوشب، وأبو عبد الله الشيعى، وأخوه أبو العباسى المبعوثان للمغرب للدعوة إلى عبيد الله المهدى، والحسن بن مهران المقنع، وذكرويه بن مهرويه صاحب فتنة الشام والحسن بن الصباح. والذى لا شك فيه أنه لم يكد يصبح النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى، حتى كانت هذه الدعوة قد انداحت فى العالم الإسلامى وسلكت سبيلها المتمرد على الشريعة وعلى الإسلام، وكان الدعاة يحتالون فى جذب الجماهير العامة، بإظهار الشعوذات والتخريفات أحيانا، وأحيانا بالاستغراقات والشطحات الصوفية .. وكانت أعلامهم بيضاء، فى الأغلب الأعم لزعمهم أن دينهم هو النور الخالص الذى تعرج النفوس إليه بعد طوافها وصدق مطافها -كما يزعمون- مع طاعة الأئمة، حتى نهاية الحياة على الأرض. وقد وضع الدعاة وأئمتهم الكبار مخططا (6) موافقا لجميع عوامّ الناس، وكان لهذا المخطط بلاغات سبعة أومراحل سبع، وهى على وجه الإجمال: 1 - مرحلة التدرج: وتمضى على هذا السلم السباعى أيضا لقداسة الرقم فى نظرهم (ا) للعامة (ب) لمن يفوق العامة قليلا. (جـ) لمن استمر عاما كاملا. (د) لمن استمر سنتين (هـ) لمن استمر ثلاث سنوات (و) لمن دخل فى أربع سنوات (ز) لمرحلة الكشف الأكبر. 2 - مرحلة السّرية: وهى خاصّة بالدعاة، وخطتهم عدم البوح بالأسرار، وينادى الواحد منهم بالإمام الذى سيظهر ليخلص العالم من الشرور، وعن هذه الفكرة تمذهبت دعوى المهدى المنتظر والرجعة بكل ملحقاتها على أساس من رجعة عزير ابن الله، والمسيح عليه السلام كما يقولون. 3 - مرحلة التفلسف: على أساس استغلال الأفكار وتطبيقها حرفيا. وفي هذا المقام نجد نطرية العقل الكلى، والنفس الكلية وحلولها فى الناطق والنبى والأساس والإمام، وهى مقتبسة من الفلسفة الهللينية. 4 - إعداد الدعاة فى زى التّجار والوعاظ والمتصوفة وأرباب الحرف المختلفة حسب بيئة كل بلد، ومناخه الزراعى والثقافى والفكرى، ومع كل داع مساعدون كثيرون، ورسالتهم فى بداياتها الأولى تقمّص كل دعوة والتلوّن معها، ثم غرس البذور الجديدة لرسالتهم بعد ذلك على نهج ما يسمونه (بالتفرس والتأنيس والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والخلع والانخلاع ثم التأويل). 5 - زعزعة العقائد فى نفوس العامة، وإثارة التساؤلات العقلية حول أمثال الطواف حول الكعبة، أو تقبيل الحجر الأسود، أو رمى الجمار مثلاً. 6 - التأويل بما يتفق والدعوة السرية، على أساس أن التأويل لخواص الخواص منهم، وهم الراسخون فى العلم، أما الشريعة الإسلامية المعروفة فهى للعوام ضعاف العقول كما يقولون. 7 - التطلع الدائم ليل نهار للإمام المنتظَر رجوعه، وعلى بساط الانتظار الطويل للإمام المخلص، تتفجر القلاقل وتدور المذابح ضد الحكام والولاة طاعة للأمر المنتظر وإفساحا للمهدى المنتظر. وقد وقفت الحركات الباطنية أمام القرآن والحديث بالذات موقفا غُنوصيا واضحا يعتمد فيما يعتمد على أسلحة التأويل المذهبى والتحريف بما يدعم التأويل ووضع الأحاديث النبوية الكثيرة .. ولا شك أن اليهودية من البداية قد تعاونت تعاونا ضخماً مع الباطنية فى كل حركاتها وسكناتها وفى كل ما نسميه بالإسرائيليات حول كل المدخولات والتحريفات والتأويلات (7). والذى لا شك فيه أن من ثمرات الباطنية ظهرت رسائل إخوان الصفا التى يقولون عنها وعن أسباب ظهورها للناس أن كثيرا من أئمتهم توجهوا إلى باب العلم: وفى أحمد، ليعرفهم الفرق بين الدين والفلسفة فاستجاب لهم وألف رسائل إخوان الصفا فى اثنتين وخمسين رسالة، وأخفى اسمه لأسباب سياسية ونشره. باسم (همايون) وحروفها بالجمل تساوى (وفىّ أحمد) وهو أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق المتوفى عام 212 هجرية، والواقع أنها من تأليف كثيرين تتباين معارفهم وأساليبهم ومناهجهم، وتتفق فى منهجها مع المناهج الباطنية (8). أ. د/ عبد القادر محمود

_ المرجع 1 - 2 - الفكر الإسلامى والفلسفات المعارضة فى القديم والحديث- د عبد القادر محمود- ط 3 الهيئة العامة للكتاب 1984م (من 23 - 66). 3 - 5 - رسالة: كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة لمحمد بن مالك بن الفاضل الحمادى اليمانى طبعت هذه الرسالة لأول مرة سنة 1357هـ- 1939 م بمطبعة الأنوار بالقاهرة عن مخطوطة يرجع تاريخها إلى سنة700هـ تحت رقم ب 31364 متداخلة مع رسالة أخرى لمؤلف آخر وانظر بالذات صفحات 8،11،19،20 منها. 6 - المصدر السابق للعلامة اليمانى. 7 - 8 - الفكر الإسلامى والفلسفات المعارضة- د. عبد القادر محمود

4 - البحث العلمي

4 - البحث العلمي اصطلاحاً: الدراسة المنهجية لموضوع معين بالاستناد إلى حقائق العلم وأساليبه. ولا يقتصر معنى البحث العلمى كما هو شائع على البحث فى العلوم الطبيعية، وإنما يمتد مفهوم البحث العلمى ليشمل كل فروع الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، وهكذا فإن الدراسة المنهجية لأدب من الآداب أو لحِقْبَة تاريخية أو لمنطقة جغرافية تمثل بحثًا علميًا، ومع هذا فإن الاستعمال الشائع فى الوطن العربى فى الفترة الحاضرة للمصطلح تكاد تقتصر على البحث العلمى فى مجال العلوم فحِسِب. من أوليات البحث العلمى جمع المعلومات التى توّصَل إليها الآخرون الذين بحثوا أو كتبوا فى هذا الموضوع من قبل، ومن الواجب على الباحث أن يشير إلى رأيه الذى كونه بعد البحث فى هذه الكتابات، سواء اتفق أو اختلف مع ما سبقه إليه الآخرون، ويحسب على الباحث أن يتجاهل جهود من سبقوه ويسم هذا بحثه بالقصور، وقد شاع أن البحث العلمى لابد أن يؤدى إلى تحقيق اكتشافات جديدة فى مجال المعرفة العلمية، أو ابتكار عمليات إنتاج أو منتجات جديدة، وهى فكرة صحيحة إلى حد كبير، لكنها لا تحقق بصورة تلقائية ولا نتيجة بحث واحد، وربما قاد البحث عن شيء إلى اكتشاف شيء آخر. وللحضارة الإسلامية دور كبير فى تشجيع البحث العلمى، وقد بدأ كثير من روادها تطبيق مفاهيم التجريب منذ مرحلة مبكرة، وحققوا فى هذا المجال نجاحات مذكورة. ويفرق البعض بين البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية، فالبحوث الأساسية أسمى غرضًا وأعمق تأثيرا، وتتولاها الجامعات ومؤسسات البحث العلمى، ونتائجها قليلة العدد لكنها خطيرة الأثر، ومن أملثتها البحوث التى أدت إلى تطوير استخدام الذرة ونواتها، أما البحوث التطبيقية فهى تلك التى تهدف إلى تحقيق هدف علمى صناعى أو إنتاجى كتطوير منتج أو جهاز أو طريقة، وأحيانا يطلق على هذه البحوث مصطلح البحوث التكنولوجية من باب التجاوز، ولا تخلو مؤسسة صناعية متقدمة من إدارة متميزة لهذه البحوث، لأنها هى الكفيلة بتجديد قدرة هذه المؤسسات على المنافسة بل والوجود، وتحاط هذه الأبحاث التطبيقية بالسرية التى تكفل رجوع العائد منها على المؤسسة لا على غيرها من المؤسسات المنافسة، وتحفظ القوانين المدنية للمؤسسات الإنتاجية حقوق الانتفاع بالاختراعات والاكتشافات التى تولت تمويل إنتاجها، ولعل أبرز نموذج شائع لهذه البحوث تلك، التى ترتبط باكتشاف عقارات طبية جديدة، أو تطوير الأجهزة. أ. د/ محمد الجوادى

_ المرجع 1 - مناهج البحث العلمى د/ عبد الرحمن بدوى- مكتبة النهضة المصرية 1963 م. 2 - مناهج البحث عند مفكرى الإسلام د/ سامى النشار- طبعة الإسكندرية 1965 م.

5 - البخل

5 - البخل اصطلاحاً: البخل هو منع السائل شيئاً مما فى يد المسئول من المال. وهناك فرق بين البخل والشح، فالبخل هو أن يبخل الإنسان بما فى يده، أما الشح فهو أن يشح على ما فى أيدى الناس، والكلمتان مترادفتان، وقد يقال: إن البخل ليس فى المال فقط بل فى جميع ما ينفع الغير. وقد يتشابه البخل مع الحسد فى أن صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثم يتميز البخيل بعدم دفع ذى النعمة شيئا، والحاسد يتمنى أن لا يعطى سواه شيئاً. والكرم من فضائل العرب التى يتصفون بها، وقد جاء فى العديد من الآيات القرآنية ذم للبخل والبخلاء، مثل قوله تعالى {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} (النساء37)، وقوله تعالى، {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} (آل عمران 180)، وقوله تعالى: {فلما آتاهم من فضله بخلوا به} (التوبة 76). كما تذكر الأحاديث النبوية ذم البخل والتعوذ منه، وأنه من الصفات المرضية للإنسان، فالبخل محو للصفات الإنسانية واثبات عادات الحيوانية. واشتهر الأدب العربى بنوادر البخلاء، خاصة فى العصر العباسى، وكان كتاب "البخلاء" للجاحظ أول محاولة بذلت فى الآداب العربى لتحليل هذه الشخصية وتصويرها فى صورة قصصية. أ. د/ منى أبو زيد مراجع الاستزادة: 1 - الكليات، لأبى البقاء، تحقيق د عدنان درويش، ومحمد المصرى، مؤسسة الرسالة- بيروت ط 2 - 13 4 1 هـ/993 1 م. 2 - القاموس الإسلامى. أحمد عطية الله: مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ط 1 - 1963 م. 3 - التعريفات. الجرجانى: تحقيق إبراهيم الإبيارى، نشر دار الكتاب العربى بيروت ط 1 - 1405 هـ/1985 م. 4 - دائرة المعارف الإسلامية، النسخة العربية، مادة (البخل)، كتابة، Ch.Pellat ترجمةأحمد خورشيد. نشر فى كتاب الشعب مج 6 5 - معجم ألفاظ الحديث النبوى الشريف: د. محمد حسن أبو الفتوح مكتبة لبنان 1993 م

6 - بدء الوحي

6 - بدء الوحي لغةَ: الوحى هو الإعلام فى خفاء وسرعة، فكل إعلام بشيء في خفاء وسرعة يسمى وحيا، ولذلك جاز أن يكون هناك وحى لغير البشر، قال سبحانه {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا} (النحل 68). كما جاز أن يكون هناك وحى لغير الأنبياء من البشر، كما قال سبحانه {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} (القصص 7). وهذا الوحى لغير الأنبياء لا يكون بدين شرعى. واصطلاحاً: إعلام خفى من الله تعالى لأنبيائه ورسله، بما يريد سبحانه أن يبلغوه إلى خلقه من كتب، وتعاليم شرعية بطريق من طرق الوحى الشرعية. ولقد مربدء الوحى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمراحل حتى جاءه الملك وهو يتعبد فى غار حراء كما جاء فى الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغارحراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالى ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء، فجاءه الملك، فقال اقرأ: قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذنى فغطنى (أى ضمنى) حتى بلغ منى الجهد (التعب) ثم أرسلنى (أى أطلقنى) فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى ثانية، حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم} فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده .. من خلال الحديث السابق نرى أن بدء الوحى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مربعدة مراحل منها: أ- مرحلة الرؤيا الصادقة الصالحة فكان لا يرى رؤيا فى نومه إلا جاءت واضحة مثل فلق الصبح تماما كما رآها، وكانت هذه المرحلة ليتهيأ - صلى الله عليه وسلم - جميع لتلقى الوحى ويستعد لاستقباله. قال القاضى عياض- رحمه الله تعالى- عن حكمة البدء بالرؤيا الصالحة به: "لئلا يفجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه البشرية فبدأ أمره بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا (2) ب- مرحلة الخلوة والتعبد، وقد حبب الله إليه الخلاء فى غار حراء، وهذا الغار له مزية على غيره حيث يمكن أن يرى منه الكعبة المشرفة، وينظر إلى بيت أهله من هذا الغار، ولم يكن حبه للخلوة - صلى الله عليه وسلم - صادرا عن هوى فى نفسه، أو استجابة لطبع جبل عليه، وإنما الله تعالى هو الذى حبب إليه الخلاء ليأتنس بالخالق سبحانه وتعالى، وليعرض عما كان عليه مجتمع الجاهلية من اللهو والعبث. ومرحلة الخلوة هذه لا تدل على أن النبوة مكتسبة بالجهد والعبادة، وإنما هى هبة من الله تعالى لمن يشاء من خلقه، قال سبحانه: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام 124) كما أن تردده - صلى الله عليه وسلم - على بيت أهله فيه جملة من الفوائد: منها: أن الإنسان لا ينقطع تماما للعبادة ويترك واجباته الأخرى بل عليه أن يؤدى كل الحقوق التى استرعاه الله عليها ويوازن بينها فلا يبالغ فى أداء بعضها، ويتهاون فى بعضها الآخر، والمؤمن الحق هو الذى يؤدى كل ما عليه بدون مبالغة أو تفريط. ومنها: أن تزوده - صلى الله عليه وسلم - بالزاد يدل على ضرورة الأخذ بالأسباب، فإن التوكل الحقيقى على الله تعالى هو الأخذ بكل الأسباب الممكنة ثم تفويض الأمر بعد ذلك إلى الله تعالى. جـ- مرحلة نزول الملك: وبعد أن تهيأ النبى - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل - عليه السلام - وهو فى غار حراء بأول الآيات التى نزلت من القرآن الكريم وهى قوله تعالى] اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم [، (العلق 1 - 3). ثم فتر الوحى مدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يذهب عنه الخوف الذى أصابه عند لقائه بالملك أول مرة، وليشتد شوقه إليه، ثم تتابع الوحى بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتم الله نعمته، وأكمل دينه الذى لن يقبل من الخلق بعد بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ود دينا سواه ،] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا [، (المائدة 3). أ. د/ مروان محمد مصطفى ------ (1) البخارى: كتاب: بدء الوحى ومسلم: كتاب الايمان: باب بدء الوحى رسول الله - (- صلى الله عليه وسلم - (2) إكمال إعلام المعلم جـ1 ص478.

_ مراجع الاستزادة: 1 - فتح البارى شرح صحيح البخارى لابن حجرج 1 ط دار الفكر. 2 - عمدة القالى شرح صحيح البخارى لبدر الدين العينى ج 1ط الحلبى الطبعة الأولى 1392 - 1972 م. 3 - شرح مسلم للنووى الطبعة المكتبة المصرية 1349 هـ. 4 - إكمال المعلم بفوائد مسلم… للقاضى عياض ج 1 تحقيق د يحيى إسماعيل ط دار الوفاء الطبعة الأولى1419هـ-1998م

7 - بدر

7 - بَدر قرية بدر، إحدى قرى الصحراء، على طريق القوافل بين المدينة ومكة، وتبعد عن ساحل البحر الأحمر نحو 45 كم، وهى إلى الجنوب الغربى من المدينة بنحو 155كم، وبينها وبين مكة 310 كم. وفى بدر جرت وقائع أشهر المعارك بين المسلمين والمشركين فى السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (فبراير 624 م)، وقد أنعم الله على المسلمين يومئذ- بقيادة النبى - صلى الله عليه وسلم - - بانتصار عظيم على كفار قريش، الذين خرجوا من مكة يريدون القضاء على محمد وأصحابه، وبذلك تنتهى المشكلات الدينية والاقتصادية والاجتماعية التى فجرتها الدعوة الإسلامية، ومقاومةُ قريش لها، مقاومة أدت إلى قيام صراع مسلح بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى إحدى المعالم البارزة فى هذا الصراع. إن سبب نشوب هذه المعركة المباشر، هو خروج المسلمين لاعتراض قافلة تجارية ضخمة لقريش، مقبلة من الشام فى طريقها إلى مكة، وفى ذلك قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه] هذه عير لقريش فاخرجوا إليها، لعل الله ينفلكموها [أى يجعلها غنيمة لكم، فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، واتجهوا صوب الطريق المتوقع أن تسلكه القافلة. وعلى الجانب الآخر كان أبو سفيان بن حرب الأموى قائد القافلة رجلاً شديد الحذر والتنبه إلى ما يتوقعه من خطر اعتراض المسلمين له، فلما علم بخروجهم، غيَّر طريقه فورا، وأرسل إلى أهل مكة يستغيثهم ويطلب نجدتهم. وكان فى مكة أناس يتوقون إلى قتال محمد- - صلى الله عليه وسلم - - وأصحابه والقضاء عليهم، فانتهزوا هذه الفرصة وحرضوا قريشًا على الخروج لقتال المسلمين، أولئك الخارجين على دين الآباء، والذين يهددون تجارة مكة، وهى عصب حياة أهلها، ويتزعم هؤلاء المحرضين أبو جهل عمرو بن هشام المخزومى. وعلى الرغم من تباطؤ كثيرين فى إجابة داعى الحرب، وعدم تحمسهم لقتال المسلمين- وهم فى الواقع ذوو قرابتهم ومن عشيرتهم- فإن جيشًا كبيرا قوامه نحو ألف رجل قد انطلق من مكة نحو قرية بدر، حيث يتوقع أن يلتقوا بالمسلمين هناك. بعد أن تمكن أبو سفيان من الابتعاد بالقافلة عن متناول أيدى المسلمين، أرسل إلى قريش يخبرهم أن تجارتهم قد نجت من خطر محمد وأصحابه، وينصحهم بعدم الخروج من مكة، فلم تفلح محاولات عقلاء قريش فى تهدئة أبى جهل ورفاقه، وإثنائهم عن الخروج للحرب بعد أن زال سببها، فتغلبوا على دعاة السلم، وزحف الجيش نحو بدر. ومن جهة أخرى علم النبى - صلى الله عليه وسلم -، بإفلات عير قريش تماما، وبلغه نبأ"خروج المشركين للقتال، فعرض الأمر على أصحابه وطلب رأيهم. فأجمعوا- مهاجرين وأنصارا- على قتال القوم، وكلهم ثقة فى نصر الله إياهم وإعزاز دينه. ومروراً بتفاصيل كثيرة لا يتسع المقام لعرضها، فقد اصطف الفريقان للقتال صبيحة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكانت الضربة الأولى لصالح المسلمين، حيث قَتَلَ ثلاثةُ مسلمين ثلاثة من المشركين، ومن ثم التحم الفريقان فى قتال مرير لعدة ساعات من نهار ذلك اليوم المشهود، أسفر عن هزيمة ساحقة ألحقها المسلمون بمشركى قريش، ولم يتوقف القتال إلا بعد أن ولَّى المشركون الأدبار، حيث تعقبهم المسلمون يأسرون من لم تسعفه سرعته على الفرار. وانجلت الموقعة عن خسائر جسيمة فى صفوف قريش، فقُتِل سبعون من رجالاتهم، ووقع سبعون آخرون فى الأسر، وحصل المسلمون على غنائم كبيرة مما خلفه عدوهم. ثم أمر رسول الله بدفن قتلى المشركين، فوضعوهم فى بئر قديمة جافة وأهالوا عليهم التراب، ثم دفنوا الشهداء من المسلمين، وكانوا أربعة عشر رجلاً فقط ومما لا ريب فيه أن غزوة بدر كانت ذات أثر بالغ فى مسيرة الدعوة الإسلامية، حيث أعطت المسلمين دفعة معنوية عالية، وأكدت لهم أن الله معهم بنصره وتأييده، ماداموا ثابتين على عقيدتهم وإخلاصهم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومستعدين دوما للتضحية فى سبيل إعلاء كلمة الله ورفع راية دينه .. أد/ محمد جبر أبو سعدة

_ مراجع الاستزادة: 1 - القران الكريم، سورة آل عمران، وسورة الأنفال. 2 - الجامع الصحيح: البخارى: محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ/ 870م) طبع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت 1411 هـ/1991 م. 3 - معجم المعالم الجغرافية فى السنة النبوية- البلازرى: عاتق بن غيث: دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع بمكة 1402 هـ/1982م 4 - الطبقات الكبرى- ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع (ت 0 23 هـ/845 م): دار صادر- بيروت 1388 هـ/1969. 5 - تاريخ الرسل والملوك- الطبرى: محمد بن جرير بن يزيد (ت 310 هـ/933 م): تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. طبع دار المعارف بمصر 1396هـ1976م 6 - زاد المعاد فى هدى خير العباد- ابن قيم الجوزية: محمد بن أبى بكر (ت 751 هـ/1350 م) تحقيق شعيب الأرناؤوط وزميله. مؤسسة الرسالة- بيروت 1410هـ 1990م 7 - السيرة النبوية ابن هشام: عبد الملك بن هشام بن أيوب (ت 18 2 هـ/833م) تحقيق مصطفى السقا وآخرين: مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر 1375هـ/1955 م 8 - كتاب المغازى- الواقدى: محمد بن عمر بن واقد (ت 7 0 2 هـ/ 823م): تحقيق مارسدن جونز- دار المعارف بمصر 1385 هـ/1965 م

8 - البدعة

8 - البدعة اصطلاحَا: اختلف العلماء فى تحديد معنى البدعة، فمنهم من جعلها عامة تشمل كل ما حدث بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - سواء كان محمودًا أو مذمومًا، ومنهم من جعلها مقابلة للسنة. والبدعة هى عمل على غير مثال سابق، وسميت بدعة لأن قائلها ابتدعها على غير مثال. والبدع إما أن تكون حسنة كما فى حديث عمر - رضي الله عنه - فى قيام رمضان: نعمت البدعة هذه. أو بدعة سيئة، والتى قيل عنها: إنها أصغر من الكفر وأكبر من الفسق. وكل بدعة تخالف دليلاً يوجب العلم والعمل به فهى كفر، وكل بدعة تخالف دليلاً يوجب العمل ظاهرًا فهى ضلالة وليست بكفر. وهذا التقسيم للبدعة أخذ به الإمام الشافعى عندما رأى أن البدعة بدعتان، محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. ويشير الشاطبى فى حديثه عن البدعة إلى أنها طريقة مخترعة فى الدين تضاهى الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة فى التعبّد لله سبحانه. وقد قسم العلماء البدعة إلى أقسام كثيرة، وباعتبارات مختلفة، فمنهم من قسمها إلى حقيقية وإضافية، ومنهم من قسمها إلى واجبة ومحرمة، ومندوبة ومكروهة ومباحة، ومنهم من قسمها إلى عملية واعتقاديه وقولية، ومنهم من قسمها إلى تركية وفعلية، ومنهم من قسمها إلى عادية وعادية، كما أنها تقسم بحسب الزمان والمكان، مثل البدع الرمضانية، وبدع المسجد الحرام، وغير ذلك. ولا ينبغى أن يسمى الشيء بدعة إلا إذا كان شيئا عمليا أحدث جديداً لم يكن أيام النبى- - صلى الله عليه وسلم - - وصحابته، أما ترك شيء مما كان عليه النبى وخلفاؤه فلا يسمى بدعة، بل يسمى مخالفة. والبدعة الدينية تكون فى الأصول المتفق عليها، أما الفروع التى هى محل الاجتهاد وفيها خلافات العلماء فلا ينبغى أن توصف بالبدعة. أ. د/ منى أحمد أبو زيد

_ مراجع الاستزادة: 1 - الكليات لأبى البقاء: تحقيق د. عدنان درويش، ومحمد المصرى، مؤسسة الرسالة- بيروت 2 - التعريفات- الجرجانى. تحقيق إبراهيم الإبيارى، نشر دار الكتاب العربى بيروت ط 1 - 1985 م 3 - معجم ألفاظ الحديث النبوى الشريف- د محمد حسن أبو الفتوح- مكتبة لبنان 1991 م 4 - التصوف الإسلامى الصحيح- عبد العزيز أحمد منصور- القاهرة 1996م

9 - بدهي

9 - بدهي لغة: هو الأمر المعلوم فى أوليات العقول. واصطلاحا: هو الذى لا يتوقف العلم به على دليل خارج عن مجرد تصوره فى الذهن. وهو يرادف العلم الضرورى، ويقال: بديهى، بدهى، البديهيات، أو هو الذى لا يتوقف حصوله فى الذهن على نظر واستدلال. وقيل عنه: ما لا يحتاج العلم به- بعد توجه العقل إليه- إلى شىء أصلاً فيكون أخص من العلم الضرورى: مثل تصور العقل لمعنى عدم التناقض (اجتماع الحرارة والبرودة) والتصديق بأن النفى والإثبات، أو الحركة والسكون لا يجتمعان على شيء واحد فى آن واحد، ولا يرتفعان عن الشيء الواحد فى آن واحد. ومنه أخذت كلمة بداهة، فقيل: بدهه الأمر، بدهنى بكذا، وهو ذو بديهة، وأجاب الأمر على بديهته، وله بدائع وبدائه، وهو أمر معلوم فى بدائه العقول، أى أولياتها. ولا يقال ذلك إلا على اليقين الجازم الذى لا يقبل الشك فى تصوره. والأمر البدهى هو الذى يفرض نفسه على العقول لشدة وضوحه ولا يجد العقل مفرا من قبوله. ومن البديهيات الأمور الأولية، والمبادئ العقلية الأولى، والضروريات، مثل: الكل أكبر من الجزء، الأب أكبر من الابن، عدم الجمع بين النقيضين. ولقد شاع فى النسبة إلى بديهة بديهى والصحيح بدهى. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ مراجع الاستزادة: 1 - التعريفات، للجرجانى جـ1 الحالبى القاهرة 2 - رسالة الحدود، لابن سينا. 3 - المعجم الفلسفى (مجمع اللغة العربية) ط 1982م 4 - المعجم الفلسفى ط - دار الثقافة. مراد وهبة وآخرون 5 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشرى. دار الريان للتراث القاهرة، دار الكتاب العربى بيروت

10 - البدو

10 - البدو لغة: البادية، وسكان البادية، وفى التنزيل العزيز {وجاء بكم من البدو} (يوسف 100) والبادية فضاء واسع فيه المرعى والماء، والنسبة إلى بدو: بدوى على غير قياس، والأنثى بدوية، وجمع بادية بواد، وهى الصحراء، بخلاف الحاضرة كما فى المنجد (1). واصطلاحاً: كانت تطلق على منطقة جنوب غرب آسيا من الجزيرة العربية، وهى منطقة تخص القبائل العربية الرُّحَّل، فكان منهم قبائل قيس فى شمال بلاد العرب، واليمن فى جنوبها. ويقصد بهم حاليا أهل الجزيرة العربية ووسط آسيا وشمال أفريقيا من الرعاة الرحل وأشباه الرُّحَّل ممن لم يستقروا بعد، حيث يعيشون فى مناطق جافة وشبه جافة حيث لا تسمح الأحوال الأيكولوجية إلا بحياة الظعن والحركة (2).وكان الاعتماد على حيوان الحمل والتحمل (الجمل) وحيوان الكرَّ وا لفرَّ (الحصان)، فكانت ثقافة وحضارة خاصة تميزت بمميزات قائمة على مكونات هذين الحيوانين فى الغذاء والكساء والمأوى وما إلى ذلك. كل هذا كان قبل أن يظهر زيت البترول، ويستخرج بكميات كبيرة منحت لسكان هذه البيئات دخلاً كبيراً فدخلت الأدوات التكنولوجية المتقدمة مما بدل الحال والمعيشة كثيراً. والملاحظ أن هذه المناطق التى ظهر بها البترول يشغلها الوطن العربى ومعظم العالم الإسلامى، فكان أن أصبحت نعمة ومنحة الله للعرب والمسلمين اختبارا وابتلاء ومحنة لهم، حتى يكونوا أهل تكافل وتعاون. أ. د / فاروق عبد الجواد شويقة 1 - المنجد فى اللغة والأعلام، دار المشرق، ط 28، سنة 1986م، بيروت. 2 - أنماط من البيئات، جمال حمدان، عالم الكتب، القاهرة.

_ مراجع الاستزادة: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، ط3 مادة بدو 1/ 46. 2 - Gaisfcond John (ed):Atlas of Mon, London. Mopshall covendish books, 1978.

11 - البديع (علم)

11 - البديع (عِلْم) لغة: الحديث والجديد والمخترع على غير مثال سابق (1). واصطلاحا: علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، وإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة (2). وقد قسمه علماء البلاغة قسمين: البديع اللفظى، وفيه يكون التحسين راجعًا إلى اللفظ أكثر من رجوعه إلى المعنى، وله صور كثيرة، منها الجناس كقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى 40). فقد اتحد اللفظان واختلف المعنى، فالسيئة الأولى هى الجريمة والسيئة الثانية هى العقاب عليها. والقسم الثانى: البديع المعنوى: وهو ما كان التحسين فيه راجعًا إلى المعنى أكثر من رجوعه إلى اللفظ، وله صور متعددة، منها: الطباق، كما فى قوله تعالى: {إن فى خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب} (آل عمران 190) البديع فى الآية بين: السموات والأرض، والليل والنهار، لأنهما من الأضداد، فالسموات تضاد الأرض، والليل يضاد النهار، والبديع عامة هو أحد علوم البلاغة الثلاثة، وهى على الترتيب: المعانى- البيان ثم البديع. أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ المراجع 1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (بدع) دار صادر بيروت. 2 - شروح التلخيص. مراجع الاستزادة: 1 - العمدة لابن رشيق. 2 - معاهد التنصيص- الصناعتين لأبى هلال العسكرى 3 - مفتاح العلوم للسكاكى 4 - التحرير والتحبير لابن أبى الأصبع. 5 - معجم المصطلحات البلاغية د/ أحمد مطلوب

12 - البر

12 - البرُّ لغة: يقال: بَّرحجُّه برا: قُبل، بر اليمين: صدقت، وَبرَّ والديه: وسَّع فى الإحسان إليهما ووصلهما، فهو بارُّ، والبِرُّ: الخير، والبِرُّ: اسم من أسماء الله تعالى. كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: اسم جامع للخيرات كلها، يراد به التخلق بالأخلاق الحسنة مع الناس، بالإحسان إليهم وصلتهم والصدق معهم، ومع الخالق بالتزام أمره واجتناب نهيه. والبر يطلق ويراد به العمل الدائم الخالص من المآثم، ويقابله الفجور والإثم، وهو اسم جامع للشر. وقد حثت الشريعة الإسلامية على الأمر بالبروالحضَّ عليه، فهو خلق جامع للخير، حاض على التزام الطاعة، واجتناب المعصية، قال تعالى: {ليس البرأن تولوا وجوهكم َقبِل المشرق والمغرب ولكن البرمن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} (البقرة 177). وذكر القرطبى فى تفسيره: أن البر اسم جامع للخير، وتقدير الكلام، ولكن البِرُّ برُّ من آمن، وذلك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر من مكة إلى المدينة وفرضت الفرائض وصرفت القبلة إلى الكعبة وحُدَّت الحدود نزلت هذه الآية فأفادت أن البر ليس كله بالصلاة، ولكن البر بالإيمان بالله إلى آخرها من صفات الخير الجامعة (2). وقوله: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة 2). قال الماوردى: ندب الله تعالى إلى التعاون على البر، وقرنه بالتقوى لأن فى التقوى رضا الله تعالى، وفى البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته، وأنشد أبو الحسن الهاشمى: الناس كلهم عيال الله تحت ظلاله فأحبهم طُرَّا إليه أبرهم لعياله (3) وفى الحديث الذى رواه النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِر والإثم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (البرحسن الخلق، والإثم ما حاك فى صدرك وكَرِهْتِ أن يطلع عليه الناس) (رواه مسلم). فالبر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف، والمبرة، وحسن الصحبة، والعشرة، والطاعة. وهذه الأمور هى مجامع حسن الخلق (4). والبر نوعان: صلة، ومعروف. فأما الصلة فهي التبرع ببذل المال فى الجهات المحمودة لغير عوض مطلوب، وهذا يبعث عليه سماحة النفس وصفاؤها. ويمنع منه شحها وإباؤها قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر 9). وأما المعروف فيشمل نوعين: القول والعمل، فأما القول فهو طيب الكلام، وحسن البشْر، والتودد بجميل القول. وهذا يبعث عليه حسن الخلق ورقَّة الطبع، وأما العمل فهو بذل الجاه، والمساعدة بالنفس، والمعونة فى النائبة. وهذا يبعث- عليه حب الخير للناس، وإيثار الصلاح لهم (5). ومن البر: 1 - بر الوالدين وطاعتهما وصلتهما وعدم عقوقهما والإحسان إليهما مع إرضائهما بفعل ما يريدانه ما لم يكن إثما لقوله تعالى: {وقضى ربك الا تعبدوا إلا إياه وبالوا لدين إحسانا} (لإسراء23). فقد أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، والقضاء بمعنى الأمر والإلزام والوجوب، ولقوله: {أن اشكر لى ولوالديك إلَى المصير} (لقمان 14) فقد قرن شكرهما بشكره: شكر الله على نعمة الإيمان، وشكر الوالدين على نعمة التربية. وعن ابن مسعود قال سألت النبى - صلى الله عليه وسلم -: (أى الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أى؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أى؟ قال: الجهاد فى سبيل الله) (رواه البخارى) فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التى هى أعظم دعائم الإسلام. 2 - بر الأيتام والمساكين والضعفاء، وذلك بالإحسان إليهم والقيام على حقوقهم وعدم تضييعها لقوله - صلى الله عليه وسلم - (الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله .. ) (رواه مسلم - صلى الله عليه وسلم - ولقوله: (أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا وأشاربالسبابة والوسطى وفَرَّج بينهما) (رواه البخارى). 3 - بِرْ الأرحام وذلك بصلتهم، والإحسان إليهم، وتفقد أحوالهم، والقيام على حاجاتهم، ومواساتهم. فقد جعل الله تعالى قطع الأرحام من الفساد فى الأرض، ولعن من يقطع رحمه، فى قوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الارض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} (محمد 22 - 23). 4 - الحج المبرور، وهو الحج المقبول الذى لايخالطه إثم ولارياء لقوله - صلى الله عليه وسلم - (الحج المبرورليس له جزاء إلا الجنة) (رواه البخارى) 5 - بر اليمين، وهو أن يصدق فى يمينه، فيأتى بما حلف عليه قال تعالى:] ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا (النحل 91). 6 - البيع المبروروهو الذى لا غش فيه ولا خيانة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية 1/ 50 دار المعارف ط 3 القاهرة. 2 - تفسير القرطبى2/ 238، 239 طبعة مكتبة السلام العالمية، ودار الثقافة ط 1 - 981 1 م. 3 - أدب الدنيا والدين، الماوردى ص 184. 4 - شرح النووى على مسلم 16/ 111 5 - أدب الدنيا والدين ص 184 - 201.

13 - براعة الاستهلال

13 - براعة الاستهلال البراعة لغة: كمال الفضل. والاستهلال لغة: الابتداء، كما فى اللسان. (1) براعة الاستهلال اصطلاحا: ضرب من ضروب الصنعة التى يقدمها أمراء البيان، ونقاد الشعر، وجهابذة الألفاظ، بأن يبدأ المتكلم بمعنى ما يريد تكميله، وإن وقع فى أثناء الكلام (2) وقد ذكر ابن المعتز فنا فى محاسن الكلام سماه (حُسن الابتداءات) (3)، وأراد بهذه التسمية ابتداءات القصائدة إذ ينبغى للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها. وكذلك ينبغى للخطيب إذا ارتجل خطبة، والبليغ إذا افتتح رسالة، أن يكون ابتداء كلامه دالأ على انتهائه، فالابتدأء أول ما يقرع السمع، فإن كان عذبا، حسن التركيب، صحيح المعنى، أقبل السامع على الكلام فوعاه، وإلا أعرض عنه، وإن كان الباقى فى غاية الحسن (4). وتعد (براعة الاستهلال) فرعا فرعه المتأخرون مما يسمى (حسن الابتداءات) فيرى السيوطى أن براعة الاستهلال أخص من حسن الابتداء، لأن البراعة لابد فيها من الإشارة إلى ما سيق الكلام لأجله، بخلاف حسن الابتداء فلا يشترط فيه ذلك (5). غير أن الخطيب القزوينى لا يرى فرقا بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، فكلاهما شىء واحد، وبأيهما سميت كنت مصيبا، فأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود، ويسمى براعة الاستهلال (6). وإذا تأملت السور القرآنية، جملها ومفرداتها، رأيت من البلاغة والتفنن فى الفصاحة ما لا تقدر العبارة على حصر معناه. (7) فمن الأمثلة القرآنية، قوله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} الإسراء:7. {ليس لها من دون الله كاشفة} النجم:58. {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} البقرة:138. ومن أمثال السنة النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين) (خير الأمور أوساطها) (لا ضرر ولا ضرار) (8) ومن الأمثال الشهيرة التى سارت على وجه الدهر، قولهم: (تسمع بالمعيدى خير من أن تراه) يضرب مثلا للذى رؤيته دون السماع به. وقولهم (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) أى أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع التمثيل إذا. وقولهم (مواعيد عرقوب) وهو رجل يهودى من خيبر كان يعد ولا يفى، فضربت به العرب المثل. وقد اتفق أصحاب الذوق السليم على أن التمثيل إذا جاء فى أعقاب المعانى، سواء كان المعنى مدحا أو ذما حجاجا أو افتخارا، اعتزارا أو وعظا، كساه أبهة ورفع من شأنه، فتتحرك النفس إليه ويهفو القلب له، وهكذا الحكم إذا استقرأت فنون القول وشعوبه. (9) أ. د/عبد القادر حسين

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (برع)، ومادة (هلل) ط دار المعارف. 2 - تحرير التحبير لابن أبى الإصبع المصرى، ص168، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 3 - البديع لابن المعتز ص75 ط كراتشكوفسكى. 4 - الوشاح للكرمى 3/ 254 ط1375هـ. 5 - معترك الأقران للسيوطى 1/ 75 ط مصر. 6 - الإيضاح للخطيب القزوينى ص485 ط الآداب. 7 - التبيان للطيبى ص456 طبعة عالم الكتب. 8 - كشف الخفاء ومُزيل الإلباس للعجلونى 1/ 365، 591، ط مصر 1352هـ. 9 - أسرار البلاغة لعبد القاهرالجرجانى ص115، 116 ط جدة

14 - البربر

14 - البربر يقصد بالبربر الجماعة التى أقامت منذ أحقاب بعيدة فى الشمال الإفريقى فى الأرض الممتدة من برقة شرقا حتى المحيط الأطلسى غربا، وهذه المنطقة أطلق عليها لفظة المغرب بمدلولها العام. وأما لفظة بربر التى عرفوا بها فقد اختلف المؤرخون فى تفسيرها: 1 - فالسلاوى ينسب كلمة بربر إلى بر بن قيس (1). 2 - وابن خلدون يرجع الكلمة إلى ما قاله إفريقى بن صيفى من ملوك التبابعة حين سمع كلامهم قال: ما أكثر بربرتكم، فسموا بالبربر، والبربرة بلسان العرب هى اختلاط الأصوات غير المفهومة (2). 3 - كلمة بربر مأخوذة من لفظ برباردس، وتعنى الرافضة للحضارة الرومانية. وعاش البربر على شكل جماعات وبعضهم عاش داخل المدن، واختلطوا بمن احتل البلاد كالرومان والوندال وغيرهم، والغالبية عاشت على شكل قبائل وجماعات، واتخذت من سهول وجبال المنطقة موطنا وسكنا. والباحث فى الجذور الأولى لشعب البربر وموطنهم الأصلى يجد اختلاف وتباينا فى أقوال المؤرخين، فابن حزم قال: إنهم من بقايا ولد حام بن نوح عليه السلام وادعت طوائف منهم إلى اليمن (3) وابن خلدون يذكر أن فلسطين، كانت موطنهم الأول (4)، وابن خرداذبة يشير إلى أن مواطنهم الأولى فلسطين، وبمناقشة الآراء فى ذلك يمكننا أن نستخلص أن جيل البربركغيره من الأجيال التى عمرت الأرض وساحت فى أرجائها: طلبا للرزق وسعيا وراء العيش ثم اتخذت لها موطنا فى أرض المغرب حيث تناسلت وتكاثرت. وقد قسم النسابون العرب البربر إلى شعبين كبيرين، يقول ابن خلدون:"وأما شعوب هذا الجبل وبطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم صنفان عظيمان وهما: برنس ومادغيس ويلقب مادغيس بالأتبر فلذلك يقال لشعوبه التبر، ويقال لشعوب برنس البرانس، وهما معا ابنا بر وقد اختلف المؤرخون فى تعليل انقسام البربر إلى هذين القسمين؛ وربما كان مرجع ذلك أن قبائل التبر تغلب عليها صفة البداوة فمواطنهم الوديان العالية والوطيئة وكذلك المناطق الرعوية وشبه الرعوية التى تمتد امتدادا متصلا من طرابلس إلى تازا، وكذلك ينتشرون فى أقاليم النخيل الممتدة من غدامس إلى السوس الأقصى، وهم بذلك يكونون غالبية سكان القرى والصحراء. أما قبائل البرانس فتغلب عليها صفة الحضارة، إذ تنتشر الغالبية منها فى مناطق السهول التى تحيط بالساحل وكذلك المناطق الجبلية التى تمتد عبر المغرب. وأما أشهر قبائل التبر فهم: زواغة وزوادة ولواتة ومزاتة وتفوشة. ومفيلة وزناتة ومطغرة وغيرها وأشهر قبائل البرانس: المصامدة وغمارة وأورية وكتامة وصنهاجة وغيرها. وقد أشار ابن خلدون إلى حياتهم فهم يسكنون فى بيوت من الحجارة أو الطين أو الشعر، ويشتغل بعضهم بالرعى وآخرون بالزراعة (6) وقد جبلوا على كثير من الفضائل الإنسانية منها حماية الجار ورعى الأذمة والوفاء بالقول والصبر على المكاره والثبات فى الشدائد ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وقرى الضيف وعلو الهمة وإباء الضيم. أ. د/حسن على حسن

_ الهامش: 1 - السلاوى: الاستقصا فى أخبار المغرب الأقصى 1/ 45. 2 - العبر فى ديوان المبتدأ والخبر ابن خلدون:6/ 89. 3 - جمهرة أنساب العرب ص461. 4 - مختصر كتاب البلدان ص3. 5 - ابن خلدلن: العبر 7/ 9. 6 - المصدر السابق 6/ 89

15 - البردة

15 - البردة لغة: كساء يُلتحف به وجمعه: بُرُد، والبُرد، بضم فسكون: ثوب مخطط جمعه أبراد، وأ برد، وبُرُود. وقيل: إذا جعل الصوف شقة وله هدب فهى بردة (1) وفى حديث سهل بن سعد أنه قال للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هى شملة، فقال سهل: هى شملة منسوجة فيها حاشيتها. (رواه البخارى) (2) والشملة: شقة من الثياب ذات خمل -أى أهداب- يتوشح بها ويتلفع. واصطلاحا: حين يذكر لفظ (البردة) يتبادر منه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها. وقد خلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بردتين هما: البردة الكعبية والبردة الأيلية. 1 - أما البردة الكعبية: فقد روى أن كعب ابن زهيركانت له ملاحاة مع أخيه بجير حين أسلم، تعرض فيها لأبى بكر رضى الله عنه، فكتب بجير إليه يحذره قائلا: إن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا أتاه تائبا، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده قصيدة يظهر بها إسلامه، ويمدحه فيها، وهى قصيدة مشهورة مطلعها: بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه بردته، ولذلك سميت هذه القصيدة بالبردة، وحددت بعض الروايات أنه ألقاها إليه عند قوله: إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول يقول ابن كثير: وهذا من الأمور المشهورة جدا ولكن لم أر ذلك فى شئ من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه، فالله أعلم (3). فلما كانت خلافة معاوية بن أبى سفيان بعث إلى كعب بن زهير: بعنا بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف، فوجه إليه: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب بعثا معاوية إلى أولاده بعشرين ألفا وأخذ البردة (4)، وهى التى يلبسها الخلفاء فى العيدين (5). 2 - وأما البردة الأيلية: فقد روى أن أبا العباس عبدالله بن محمد اشتراها بثلاثمائة دينار، وأنها هى البردة التى توارثها خلفاء بنى العباس. فالبردة التى كانت عند العباسيين قد تكون هى الكعبية، ورثوها من الأمويين، أو الأيلية، اشتراها أول الخلفاء العباسيين؛ إذ كانت عندهم بردة واحدة أحرقها هولاكو (6) ويروى حسن إبراهيم حسن أن الكعبية بيعت للمنصور العباسى بأربعين ألفا ولاتزال فى القسطنطينية إلى اليوم (7)، فلعلها إحدى هاتين البردتين. ولما كانت قصيدة كعب قد أجيزت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردته، وكانت مخصصة لمدحه، فقد اتخذها الشعراء من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا ينسجون على منواله القصائد فى مدحه، تقربا إلى الله وتنفيسا عن عواطفهم، وما يزال ذلك دأبهم. ومن أشهر القصائد فى ذلك قصيدة (بردة المديح) للإمام شرف الدين أبى عبدالله محمد بن سعيد بن حماد البوصيرى الصنهاجى، ومطلعها: أمن تذكرجيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم وقد كان أحد أبويه من بوصير، وثانيهما من دلاص، وكلاهما بمصر الوسطى، ولد سنة ثمان وستمائة هجرية 1212م، وتوفى سنة ست أو أربع وتسعين وستمائة للهجرة 1296م، وقد لقيت قصيدته هذه قبولا عاما من المسلمين، حتى عقدوا لقراءتها المجالس، ورتبوا لها طرق الانشاد، معتقدين فى بركاتها، حيث إن ناظمها كان قد أصيب بالفالج حتى أبطل نصفه، وأعيا الأطباء، فصح عزمه على أن ينظم قصيدة فى مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يتشفع بها إلى الله، ويرجو منه البرء والشفاء، يقول: إنه لما ختمها رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى منامه يمسح عليه بيده المباركة. ويلفه فى بردته الشريفة فعوفى لوقته. وكما كانت قصيدة كعب بن زهيرمن عيون الشعر، كانته بردة البوصيرى؛ حتى رأى فيها الشعراء المجيدون مستوى رفيعا يتبارون فى ساحته، سواء بالمعارضة أو التشطير، أو التخميس، أو التسبيع، ورأى فيها العلماء ميدانا لفنونهم العلمية، لغوية وأدبية وحديثية، وغيرها حتى جاوزوا السبعين عددا، ومن أشهر من عارضها فى العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة عصماء مطلعها: ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمى فى الأشهرالحرم أ. د/عبد الفتاح عبد الله بركه

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (برد) ط دار المعارف. 2 - صحيح البخارى كتاب اللباس باب البرود والحبرة ط الشعب. 3 - البداية والنهاية لابن كثير مكتبة المعارف بيروت 1966م. 4 - إمتاع الأسماع للمقريزى 1/ 494 ط2 نشر الشئون الدينية بقطر وعوارف المعارف للسهروردى ص144 نشر المكتبة العلامية بمصر 1939م. 5 - الشعر والشعراء لابن قتيبة تحقيق أحمد محمد شاكر 1/ 156 ط دار المعارف بمصر 1966م. 6 - حدائق الأنوار لوجيه الدين الشيبانى تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصارى. القسم الثانى هامش (3) ص718 - 719 مطبعة محمد هاشم الليثى بدمشق نشر على نفقة أمير دولة قطر. 7 - المرجع السابق نفسه

16 - البرزخ

16 - البرزخ لغة: يقصد به كل ما يحجز بين شيئين أو مكانين، وقد ورد البررخ بهذا المعنى فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان} الرحمن:19، 20، وقوله تعالى: {وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما بررخا} الفرقان:53. واصطلاحا: يطلق على الفترة الممتدة من موت الإنسان إلى بعثه، وذلك عند النفخة الثانية. وقد ورد البررخ بهذا المعنى فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله تعالى: {ومن ورائهم بررخ إلى يوم يبعثون} المؤمنون:100، ولا يعد البرزخ منزلا من منازل الدنيا أو الاخرة عند علماء الكلام. وهو نوعان: زمانى وهو الفترة الممتدة بين الموت والبعث، ومكانى وهو: القبر. وللبرزخ عند الصوفية أيضا مراتبه حسية ومعنوية تفصل بين عالمين، فيطلق عندهم ويراد به المعنى الدينى وهو: العالم الذى ندخله بعد الموت، ويعدونه أيضا من أول منازل الآخرة. كما يطلق على العالم الذى ترحل إليه الأنفس والأرواح فى حالة النوم؛ ويستعمله ابن العربى فى عوالم عديدة أبرزها ما يسميه بالخيال المطلق أو عالم الجبروت الذى يفصل بين عالم الملك والملكوت، وهذا البرزخ فاصل وجامع فى آن واحد، وهو قابل للمتضادات، فهو: لا موجود ولا معدوم، ولا معلوم ولا مجهول، ولا منفى ولا ثابت. ومن برازخ ابن العربى أيضا: 1 - بررخ عالم المثال. 2 - برزخ الثبوت "وهو الفاصل بين مرتبة العدم ومرتبة الوجود". 3 - برزخ العالم المشهور بين عالم المعانى والصور. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - القاموس المحيط للفيروز آبادى. 2 - تفسير القرطبى (الآية 100 من سورة المؤمنون). 3 - حواشى على شرح الكبرى للسنوسى ط الحلبى مصر، 1936م (ص501 - 502). 4 - لطائف الإعلام بإشارات أهل الإلهام للقاشانى (1/مادة برزخ). 5 - الفتوحات المكية لابن العربى 1/ 304 - 307

17 - البرهان

17 - البرهان اصطلاحا: هو استدلال ينتقل خلاله الذهن من قضايا معلومة يقيئا إلى قضايا أخرى مجهولة. وقيل: هو استدلال ينتقل فيه الذهن من قضايا مسلّمة إلى أخرى تنتج عنها ولازمة لها لزومًا ضرويًا. وهو الحجة القاطعة التى تقطع حجج الخصوم، ويقال: برهن عليه إذا أقام عليه الحجة، ومنه: الصدقة برهان، بمعنى أنها حجة صاحبها على صحة إيمانه. والبرهان بيان الحجة وإيضاحها. وهوانواع: 1 - برهان إنَّى، وهو ما يفيد وجود الشيء دون بيان لعلة وجوده، فيكون الحد الأوسط فيه يفيد تصديق الحكم فقط دون أن يبين علة وجوده، فهو يبين السبب فى العقل دون الوجود، والإنية هبى ثبوت الحكم، ولا تفيد نسبة أجزاء القياس بعضها إلى بعض ولذلك فإن الإنية تفيد تصديق البرهان ولا تبين السبب فى ذلك. 2 - برهان "لما"، أو البرهان اللَّمَّى، وهو ما يفيد علة الحكم بسبب بيان ارتباط النتيجة بالمقدمات بواسطة الحد الأوسط الذى هو علة الحكم وسببه، وسمى برهانًا لِّمًا لأن اللمية هى العليَّة الكامنة فى السؤال "لما" وهو أحق البراهين، لأنه يعطى سبب الوجود والعقل معًا، والعلم اليقينى لا يحصل إلا به. 3 - برهان الخُلْف (بضم الخاء وفتحها) وهو ما يفيد ثبوت الحكم المطلوب بإبطال نقيضه، لأن إبطال أحد النقيضين يثبت الحكم للآخر، ويكون تصديق الحكم خلفا لإبطال النقيض، وتاليًا له. وكثيرا ما يستعمل هذا البرهان فى الرياضيات الهندسية. 4 - برهان " راجع "، وهو نوع جديد من البرهان يرجع فيه الفعل من فروض أولية بدهية، لا يمكن للعقل إنكارها، بحيث يتم بها إثبات المطلوب بواسطة انتقال العقل من قضية إلى أخرى أعم منها. ويسميه المناطقة بالاستقراء الرياضى. 5 - برهان المماثلة، وفيه ينتقل العقل من إثبات حكم لشيء آخر، بناء على التماثل القائم بينهما، والتشابه فى الموضوعات الداخلة فى البرهان. أو هو قياس الشبيه على شبيهه. والمناطقة يقسمون البرهان من ناحية أخرى بحسب نوع المقدمات التى يتركب منها البرهان. 1 - برهان منتج لليقين، إذا كانت مقدماته يقينية. 2 - برهان خطابى، ما كانت مقدماته مظنونة أو مقبولة لدى الجمهور. 3 - برهان شعرى، ما كانت مقدماته مركبة من قضايا متخيلة. 4 - برهان جدلى، ما كانت مقدماته من المشهودات أو المسلمات. 5 - برهان مغالطى، ما كانت مقدماته من المشبهات أو المتوهمات غير المحسوسة. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع: 1 - منطق أرسطو بتحقيق عبد الرحمن بدوى. 2 - رسالة الحدرد لابن سينا. 3 - الإشارات والتنبيهات لابن سينا. دار الكتب المصرية 4 - رسائل الكندى الفلسفية تحقيق د. ابو ريدة. 5 - التعريفات للجرجانى. جـ1 الحلبى القاهرة 6 - المعجم الفلسفى ط مجمع اللغة العربية. 7 - المعجم الفلسفى ط دار الثقافة. مراد وهبة وآخرون. 8 - أساس الاقتباس في المنطق. نصير الدين الطوسى.

18 - البريد

18 - البريد لغة: المراد منه مسافة معلومة مُقَذَّرة باثنى عشر ميلا، وقال الجوهرى: ويقال أيضًا على البريد: الُمَرتَّب، يقال: حُمِل فلان على البَرِيد. ويُطلَق أيضا على الرّسول بَريد. واصطلاحاً: اختلف فى أصل الكلمة فذهب الخليل بن أحمد إلى أنه مُشتَقٌّ من بَردَت الحدِيِد إذا أرسلت ما يخرجُ منه. وقيل من بَرَد إذا ثَبِت، لأنه يأتى بما تَستِقُّر عليه الأخبار. وذهب آخرون إلى أن أصل الكلمة فارسى مُعْرب. قال ابن الأثير فى كتابه "النهاية فى غريب الحديث " (1) بريده دم معناه: مقصوص الذنب. لأنهم إذا أقاموا بغلا فى البريد قصُّوا ذنبه كعلامة. البريد كان موجودًا فى عهد الأكاسرة من مُلُوك الفُرس والقَيَاصرة ملوك الرُّوم. وكان أول من وضعه فى الإسلام، مُعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما وذلك حين استقرت له الخلافة، فوضع البَرِيد لتسِرِع إليه أخبارُ بلاده (2). وقيل: إنما فُعل ذلك زمن عبد الملك بن مروان حين خلا وَجهه من الخوارج. ولكن الواضح أن عبد الملك إنما أحكمه. فأنشأ أماكن تقف فيها خَيلُ البَريديَّة وهى أماكن متفاوتة الأبعاد تارة لبُعْد ماء، وتارة للأنس بقرية. ويراد بالبريد فى الدول الإسلامية غير ما يراد به الآن. فقد كان صاحب البريد أو صاحب الخبر أشبه برئيس البوليس السرى، أو رقيب أصحاب الأعمال، فكانوا وسطاء بين الولاة والخلفاء، فكانوا ينقلون أوامر الخلفاء إلى ولاتهم وأخبار الولاة إلى خلفائهم. كما كان صاحب البريد رقيبا أو مفتشا من قبل الدولة، يرفعون التقارير عن أحوال الجند أو المال أو غير ذلك من أمور المملكة. فإذا تكدرت العلاقة بين الوالى والخليفة، وأراد أن يستقل بالولاية أو يتمرد، قطع البريدعن الخليفة. وقد جعل الملوك والأمراء علامة يتفقون عليها سرا بينهم وبين صاحب البريد، فلا يعتمد أحدهم كتاب صاحب بريده إلا إذا كانت فيه تلك العلامة. وقد بلغ عدد طرق البريد إبان الدولة العباسية 930 سكة، وقدرت نفقات الدواب وأثمانها وأرزاق رجالها 100و 159 دينار فى السنة. الحمام الزاجل وكان من وسائل البريد أيضا الحمام الزاجل، فقد كان له شأن عظيم عندهم، ويقال إن أول استخدامه كان فى الموصل، ثم فى مصرعلى عهد الفاطميين فالعباسيين. (هيئة التحرير) 1 - النهاية فى غريب الحديث. لابن الأثير. 2 - الأوائل: أبى هلال العسكرى تحقيق محمد المصرى ووليد قصّاب، وزرارة الثقافة والإرشاد القومى- دمشق بدون تاريخ

_ المراجع 1 - صبح الأعشى للقلقشندى طبعة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر دار الكتب ط1990.2م 2 - تاريخ التمدن الإسلامى جورجى زيدان طبعة دار الهلال القاهرة. 3 - موسوعة التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية د. احمد شلبى طبعة دار النهضة العربية القاهرة.

19 - البسط

19 - البسط يرد "البسط " فى التراث الصوفى مقروناً دائمًا بمصطلح آخر هو "القبض " وهما- فيما يقول الصوفية- مظهران من مظاهر اسمين من أسماء الله تعالى الحسنى: القابض والباسط، وحالان من الأحوال يردان على قلب السالك، ويتولدان من بواعث معينة، مثل: الخوف الذى يبعث القبض، والرجاء الذى يورث "البسط ". وقد عرفَّهما الإمام الغزالى بأن "البسط"، عبارة عن حال الرجاء، والقبض عبارة عن حال الخوف. على أن الخوف والرجاء من أحوال المبتدئين، أو لمن هو فى مقام "المحبة العامة"، بخلاف القبض والبسط، فهما حالان لمن ترقى عن مقام "المحبة العامة" ونزل بدايات مقام "المحبة الخاصة". وعند السهروردى (539 هـ- 632 هـ) أن أوائل هذا المقام موسم قبض السالك وبسطه، ووقتهما المحتوم، لا يكونان قبله ولا بعده. ويفرق الصوفية بين "الخوف والرجاء" والقبض والبسط "بأن الأوّلين يتعلقان بمحذورأومأمول فى المستقبل، بينمايتعلق الأخيران بمعنى حاصل فى الوقت واللحظة. وقد يتولد القبض والبسط بسبب من الجفاء والوفاء، أو من الفرق والجمع، أو من الوارد القلبى، وقد يتولدان لسبب أدنى من ذلك. من إشارة عتاب أو إشارة تقريب، وقد يهجمان بدون سبب، فينقبض قلب السالك أو ينبسط لغير علة أو سبب معلوم، ويجب على السالك فى هذا النوع الهجومى من القبض التوبة والاستغفار، إذ هو نتيجة تقصير أو جفوة غير معلومة، وعليه أن يصبر ويحتمل ولا يحاول دفعه أو إزالته، كما يجب عليه فى البسط السكون ومراعاة الأدب، وهذا ينبه شيوخ التصوف إلى خطر الاسترسال مع حال البسط، ويحذرون من الخفة والطرب، ويفرضون على السالك أن يحبس بسطه بالسكون والانكماش، ولهم فى ذلك عبارة مشهورة هى: "قف على البساط، وإياك والانبساط ". وأهل التحقيق من أئمة التصوف يستعيذون بالله من حالى: القبض والبسط، ويصفونهما بأنهما: "فقر وضر" أ. د/ أحمد الطيب

_ المراجع 1 - الرسالة القشيرية" القشيرى، ط. الحلبى- القاهرة،1359 هـ 1940 م. 2 - الإملاء عن إشكالات الإحياء، بهامش إحياء علوم الدين الغزالى، ط. الحلبى. بدون تاريخ. 3 - عوارف المعارف. السهروردى، مكتبة القاهرة 1393 هـ-1973م 4 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، القاشانى، ط. د ار الكتب المصرية 1996 م. 5 - مدارج السالكين (شرح منازل السائرين للهروى)، ابن القيم، مطبعة السنة المحمدية 1375 هـ-1956 م

20 - البصريات

20 - البصريات هو فرع الفيزياء والهندسة المتعلق بخصائص الضوء. وهو يصف كيف ينشأ الضوء، وكيف ينتقل، وكيف يمكن رصده، وقياسه، واستخدامه، ويتضمن علم البصريات دراسة الضوء المرئى وغير المرئى مثل الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية. وهناك عدد كبير من الأجهزة التى تعمل وفقا لنظريات علم البصريات. ومن هذه الأجهزة النظارات وآلات التصوير وآلات التكبير والميكروسكوبات وأجهزة الإسقاط والتلسكوبات، وتحتوى كل هذه الأجهزة على أدوات بصرية مثل العدسات والمرايا التى تتقل الضوء وتتحكم فيه، وقد كان للعلماء المسلمين الفضل الأكبر فى تطور علم البصريات، ولا تزال الآثار العلمية لابن الهيثم تحتل مكانة متقدمة فى التراث العلمى لهذا العلم، وأبرز فروعه الطبيعة الضوئية: وتبحث فى منشأ وخواص الأشعة الضوئية، والبصريات: وتبحث فى تأثير الأشعة الضوئية على الأبصار، أما هندسة الضوء فتبحث فى بعض الخواص مثل الانعكاس والانكسار على المرايا والعدسات، والقوانين المتحكمة فى هذه الخواص. والبصرى هو صاحب مهنة يقيس وينحت عدسات النظارات تبعاً لمواصفات الطبيب، ويحتاج البصرى (الآن)، إلى شهادة رسمية ودراسة ليمارس مهنته، مع دقة البصريات وتعقّدها، وهو غير مؤهل لفحص العيون أووصف النظارات أو قياس الإبصار، فذلك من اختصاص إخصائى أمراض العيون. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - الليزر ثورة فى طب العيون د. مدحت الحناوى ط. الهينة المصرية العامة للكتاب 1994 م. 2 - وظائف الأعضاء من الألف إلى الياء بوريس فيدروفيتش سيرجيف. ط سلسلة الألف كتاب- الهينة العامة للكتاب.

21 - البطالة

21 - البطالة لغة: يقال بَطَلَ العامل: تعطل فهو بطَّال، وبَطَّلَ العامل: عطله، وبطل العمل: قطعه (محدثة) (1) واصطلاحا: هى التوقف عن العمل أو عدم توافر العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه. والبطالة قد تكون حقيقية أو بطالة مقنعة، كما قد تكون بطالة دائمة أو بطالة جزئية وموسمية، وتتضاعف تأثيراتها الضارة إذا استمرت لفترة طويلة وخاصة فى أوقات الكساد الاقتصادى، وكان الشخص عائلا أو ربا لأسرة، حيث تؤدى إلى تصدع الكيان الأسرى وتفكك العلاقات الأسرية وإلى إشاعة مشاعر البلادة والاكتئاب. وأيا ما كانت الأسباب المؤدية إلى البطالة كأن تكون أثرا لما يوجد فى المجتمع من تناقضات فى بناء الفرصة، أو نتيجة للتخصص المتزايد والتنافس الشديد فى الإنتاج الرأسمالى، فلا سبيل إلى مكافحتها إلا بإتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابط العادلة من شرع الله والتى تهتم بالحاجات العامة للإنسان، فالدين والعمل هما إذن طوق النجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية. وإذا كانت الدولة تشعر بنوع من الالتزام الأخلاقى حيال المتعطلين فإن العمل يمثل خطا أساسيا فى الإسلام لدرجة أن الكثير من الآيات الكريمة تربط جذريا بين الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله} الجمعة:10، كما يقول الرسول الكريم: (إن طلب كسب الحلال فريضة) (2). وفى هذا ضمان خير ضمان لإشباع الحاجات من ناحية، وتحقيق المواءمة بين المصلحة العامة والخاصة من ناحية ثانية. أ. د/محمود أبوزيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية ج1، ط القاهرة سنة1985م، مادة (ب. ط. ل) ص63. 2 - السيوطى الجامع الصغير

22 - البطلان

22 - البطلان لغةَ: فساد الشىء وسقوط حكمه كما فى الوسيط (1). واصطلاحًا: عدم ترتب الأثر المقصود من الفعل عليه (2). والفساد والبطلان عند غير الحنفية لفظان مترادفان معناهما واحد، يقابلان الصحة، سواء أكان ذلك فى العبادات أم فى المعاملات. فهما فى العبادات عبارة عن: عدم ترتب الأثر عليها، أو عدم سقوط القضاء، أو عدم موافقة الأمر، وفى المعاملات عبارة عن عدم ترتب الأثر عليها. أما عند الحنفية، فالفساد والبطلان متغايران، لأنهم يعرفون الباطل بأنه: ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه، والفاسد بأنه: ما شرع بأصله دون وصفه. وقد مثل الحنفية للباطل فى المعاملات: ببيع الملاقيح، أى: الأجنّة فى بطون أمهاتها، فإنه بيع غيرمشروع أصلا، لأنه فقد أحد أركانه وهو المبيع المعقود عليه إذ الحمل معدوم حكما، ولا يقدر على تسليمه فكان بيعا غيرمشروع ولا يعتد به ولا يترتب عليه أثره. ومثلوا للباطل فى العبادات: بصوم الحائض وصلاتها فهما غير مشروعين ويوجبان الإثم. ومثال الفاسد عندهم فى المعاملات: الريا فمن حيث كونه بيعًا مشروع، ولكنه غيرمشروع باعتبار ما اشتمل عليه من وصف كالزيادة في أحد العوضين مثلا، وفيه يعتد بالبيع ويترتب عليه الملك ولا يعتد بالوصف فترد الزيادة على صاحبها. ومثاله فى العبادات: صوم يوم النحر، فمن حيث كونه صومًا مشروع، ولكنه غيرمشروع لوقوعه يوم النحر. والباطل عندهم لا يعتد به أصلا، أما الفاسد فإنه يترتب عليه آثاره مع إزالة الوصف غير المشروع، ولا عبرة بهذا الفرق عند الجمهور، وإن كانوا قد خالفوا هذه القاعدة فى عدة مواضع. أ. د/ على جمعة محمد 1 - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 1/ 1 6، مادة (بطل) الطبعة الثانية 1392 هـ- 1972م. 2 - أصول الفقه للصنعانى. تحقيق حسين السياغى ود/ حسن الأهول ص 0 4 مؤسسة الرسالة ط أولى 6 0 4 1 هـ- 986 1 م.

_ المراجع 1 - قواطع الأدلة في الأصول لابن. السمعانى تحقيق د/ محمد حسن هيتو 1/ 1 4 مؤسسة الرسالة ط أولى 1417هـ- 1966 م. 2 - البحر المحيط للزركشى تحقيق لجنة من علماء الأزهر 2/ 24 وما بعدها دار الكتبى ط اولى 1414 هـ- 1994م. 3 - التمهيد فى تخريج الفروع على الأصول للإسنوى تحقيق د/محمد حسن هيتو59 مؤسسة الرسالة ط ثانية 1 0 4 1 هـ- 981 1 م. 4 - شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلى تحقيق د/محمد الزحيلى ود/ نزيه حماد 1/ 463، جامعة الملك عبد العزيز 1400هـ - 0 98 1 م

23 - البعث

23 - البعث لغةً: بَعثَه وابْتعثَه، بمعنى: أرسله، فانبعث .. وبعث الموتى: نشرهم ليوم البعث واصطلاحاً: هو إحياء الله الموتى، وإخراجهم من قبورهم، وقد اتفق المحققون من الفلاسفة وجميع الملليين (اليهود والنصارى والمسلمين) على أن البعث حق واقع لامحالة. ولكنهم اختلفوا فى كيفية المعاد. فقال الفلاسفة: إن المعاد روحانى فقط. وعرفوه بأنه عود النفوس إلى ما كانت عليه من التجرد. وأنكروا المعاد الجسمانى. وقد رد عليهم الإمام الغزالى، وفند مزاعمهم وحكم عليهم بالكفر فى كتابه "تهافت الفلاسفة" لإنكارهم المعاد الجسمانى. وأما القائلون بالبعث الجسمانى فقد اختلفوا فى كيفيته إلى ثلاثة أقوال: منهم من قال: تعدم الأجزاء ثم تعاد. أى أن البعث يكون بإعادة المعدوم بعينه. ومنهم من قال: تفرق الأجزاء ثم تعاد. أى أن البعث يكون بإعادة جمع الأجزاء المتفرقة. ومنهم من قال: البعث يكون بإنشاء جديد مراعًى فيه النشأة الأولى، والمعاد هو الأول بعينه. أما القول الأول: (إعادة المعدوم بعينه) فقد أنكره الفلاسفة والتناسخية المنكرين للمعاد الجسمانى. وقوم من المؤمنين بالمعاد الجسمانى، وهم بعض الكرامية، وبعض المعتزلة: فإن هؤلاء وإن كانوا مسلمين ومعترفين بالمعاد الجسمانى، ينكرون إعادة المعدوم، ويقولون: إعادة الأجسام هى جمع أجزائها المتفرقة. وأما القول الثانى: (إعادة جمع الأجزاء المتفرقة) فقد أورد عليه الفلاسفة الكثيرمن الاعتراضات منها: الإنسان الذى يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا لم تعُد من هذا. لذا فقد نقل عن إمام الحرمين: أنه اختار التوقف، وعدم الجزم بكون الجسم بعد الموت ينعدم بالكلية وتتفرق أجزاؤه لأنه لم يرد من السمع دليل قاطع على تعيين أحدهما. أما القول الثالث: فهو ما عليه السلف وجمهور العقلاء:" أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل ترابا، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال فى النشأة الأولى. فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار عظاما ولحما، ثم أنشأه خلقا سويا. كذلك الإعادة: يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عَجْبَ الذنب كما ثبت فى الصحيح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كل ابن آدم يبلى إلا عَجْبَ الذّنَبِ منه خلق ابن آدم وفيه يُركّب) (رواه مسلم) وفى حديث آخر: (إنَّ السَّماء تمطرمطرا كمنىِّ الرجال ينبتون فى القبوركما ينبت النبات) (رواه الهيثمى) فالنشأتان نوعان تحت جنس، يتفقان ويتماثلان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه والمعاد هو الأول بعينه. وإن كان بين لوازم الإعادة ولوازم البداءة فرق. فالنشأة الأولى: معرضة للموت والفساد، أما النشأة الثانية (الإعادة) فهى للخلود والبقاء. أ. د/ أحمد المهدى

_ المراجع 1 - انظر. تهافت الفلاسفة: للغزالى تحقيق د/ سليمان دنيا- دار المعارف. 2 - انظر. شرح المواقف: للجرجانى- الموقف السادس- ص 177 وما بعدها. تحقيق ونشر د/ احمد المهدى 1996 م. 3 - انظر. شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى-تحقيق: بشيرعون- مكتبة دار البيان بدمشق ط أولى 1985م.

24 - البقاء

24 - البقاء لغةً: بقى الشيء بقاءً: دام وثبت. واصطلاحاً: من الصفات الإلهية التى اختلف فيها: هل البقاء من الصفات الوجودية، أو السلبية. وهو عدم آخرية الوجود لله تعالى: أى ليس لوجوده آخرفلا يكون فانيًا، فهى تنفى عن الله تعالى الفناء، وهو. أمر لا يليق بذاته تعالى. فالله تعالى مع كونه أزليا فهو أبدى لا آخر لوجوده. قال تعالى {هو الأول والآخر} (الحديد 3). وقد اتفق المتكلمون على جواز إطلاق الباقى على الخالق والمخلوق المستمر الوجود حقيقة خلافا لأبى هاشم الجبائى، فإنه قال: الباقى على الحقيقة إنما هو الله تعالى وتسمية المخلوق باقيا مجاز (1). ومن أسماء الله الحسنى الباقى: ومعناه لا آخر له. والوارث: ومعناه الباقى بعد فناء الخلق. وقد اتفق المتكلمون على أنه- تعالى- باق لم يسبق بعدم ولا يلحقه عدم، ولكنهم اختلفوا فى أن البقاء من الصفات الثبوتية، أو غيرها فقال الأشعرى ومن تبعه من أصحابه، وجمهور معتزلة بغداد: البقاء: صفة وجودية زائدة على الوجود، إذ الوجود متحقق دونه كما فى أول الحدوث، بل يتجدد بعده صفة هى البقاء. وبناء عليه فالبقاء صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى. وقال القاضى أبو بكر الباقلانى، ومن تبعه، وجمهور معتزلة البصرة: البقاء: هو نفس الوجود فى الزمان الثانى لا أمر زائد عليه-هو الوجود المستمر فى المستقبل- وهو صفة نفسية. وقال جمهور المتكلمين: البقاء: صفة سلبية، وهو عدم آخرية الوجود لله تعالى (2) قال تعالى: {هو الأول والآخر} (الحديد 3) وقال تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} (الرحمن 26 - 27) وقال - صلى الله عليه وسلم - (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) (3). أ. د/ أحمد المهدى

_ المراجع 1 - أبكار الأفكار فى أصول الدين للآمدى ص 385 وما بعدها تحقيق د/ أحمد المهدى (مخطوط بمكتبة كلية أصول الدين بالقاهرة). 2 - انظر شرح المواقف للجرجانى تحقيق أ. د أحمد المهدى ص 167 وما بعدها (وشرح العقيدة الطحاوية) لابن أبى العز الحنفى ص 57 وما بعدها- دار البيان بدمشق 1985 م. 3 - جزء من حديث طويل رواه مسلم رقم (2713) فى الذكر.

25 - البقيع

25 - البقيع لغةً: بقع الجلد، بقعا: خالط لونه لوتا آخر فهو أبقع، والبقعاء: الأرض ذات الحصى الصغير، والبقيع المكان المتسع فيه أشجار مختلفة. كما فى الوسيط (1). واصطلاحاً: مقبرة أهل المدينة، وهى داخل المدينة (2) وهو بقيع الغرقد، قال الأصمعى: قطعت غرقدات فى هذا المكان، حين دفن عثمان بن مظعون، فسمّى بقيع الغرقد لهذا، والغرقد شجر كان ينبت هناك (3). وفى فضل أموات المؤمنين المدفونين فى البقيع ورد: 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كلما كانت ليلتى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج فى آخر الليل إلى البقيع، فيقول "السلام عليكم دارقوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون غدا أو مواكلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" (رواه النسائى) (4). 2 - وفى حديث طويل قال فيه جبريل للنبى - صلى الله عليه وسلم - " وإن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم " (رواه مسلم) (5). 3 - عن ابن عمرقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل "أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكرثم عمرثم يأتى أهل البقيع فيحشرون معى ثم أنتطرأهل مكة حتى أحشر بين الحرمين " (رواه الترمذى) (6).والبقيع تشتمل على: 1 - بقيع الغرقد .ب- بقيع الزيير: فيه دور ومنازل بالمدينة. جـ- بقيع الخيل: عند دار زيد بن ثابت (7) .د- بقيع بطحان (8) هـ- بقيع الخبجبة: ناحية بئر أبى أيوب، والخبجبة شجرة كانت تنبت هناك وقيل: الخبخبة (9). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية 1/ 68. دار المعارف ط 3 القاهرة، 2 - معجم البلدان، ياقوت الحموى 1/ 473 دار إحياء التراث العربى بيروت 1979 م 3 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع- لأبى عبيد الله بن عبد العزيز البكرى الأندلسى- تحقيق: جمال طلبة1/ 244. دار الكتب العلمية 4 - سنن النسائى كتاب الجنائز باب 03 1 حديث رقم 2039 5 - صحيح مسلم بشرح النووى كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها 7/ 42 - 44. 6 - سنن الترمذى كتاب المناقب باب "18 " حديث 4056. 7 - معجم البلدان 1/ 474. 8 - صحيح مسلم بشرح النووى كتاب المساجد باب وقت العشاء5/ 140 9 - معجم ما استعجم 1/ 244 وانظر سنن أبى داود كتاب الخراج باب 0 4 حديث 2087.

26 - البلاغة

26 - البلاغة لغة: الوصول والانتهاء ومشارفة الغاية. كما فى اللسان. يوصف بها الكلام والمتكلم، ولا توصف بها الكلمة إلا على سبيل المجاز. قال الزمخشرى فى أساس البلاغة، ومن المجاز: حفظت كلمة الحويدرة (الشاعر) لقصيدته، وهذه كلمة شاعرة. واصطلاحا: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، والحال ويسمى المقام: هو الأمر الذى يدعو المتكلم إلى أن يعتبر فى كلامه خصوصية ما، فيأتى بكلامه على نحو خاص من الصياغة والتعبير من تقديم وتأخير أو ذكر أو حذف أو تعريف أو تنكير أو قصرأو إنشاء وغيرذلك من المعانى التى تترجم عن فكر المتكلم وقلبه، ولذا قالوا: لكل مقام مقال، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ومجىء الكلام معبرا عن حال صاحبه ملائما لحال المخاطب يسمى مقتضى الحال، أو الاعتبار المناسب، فذكاء المخاطب يقتضى الإيجاز، والانكار يقتضى التوكيد، والإنكار يقتضى التعريف والتكذيب والتوبيخ اقتضى همزة الاستفهام الإنكارى فى قول الله تعالى ردا على عقائد المشركين: {أصطفى البنات على البنين} الصافات:114، وهكذا تتغير الأساليب وتتنوع خصائص التعابير لتشمل كل كلام بليغ، والاعتبار المناسب يقابل مصطلح "النظم" أو نظرية النظم التى طورها وأوفى بها الغاية الإمام عبد القاهر الجرجانى 474هـ. بلاغة المتكلم: هى حالة راسخة، أو ملكة عند البليغ يعبرويبدع فى ذوق ورهافة حس، ودقة فكر ومطابقة لمقتضى الحال. مراتب البلاغة: يتفاوت البلغاء فى تعابيرهم وإلمامهم بالمقامات ومواهبهم وثقافتهم وقوة خيالهم ونفاذ فكرهم، تفاوتا كبيرا، شعرا ونثرا ثم يأتى النظم القرآنى ممثلا للإعجاز الذى فاق القوى، والقدرة والفصاحة داخلة فى مفهوم البلاغة التى تتوج علوم العربية وفنونها من اللغة والنحو والصرف والتعمق فى الأدب شعرا ونثرا ليكون الشكل والمضمون كلا لا يتجزأ. وقد تفرع من البلاغة علم المعانى أو التراكيب، وعلم البيان من تشبيه ومجاز، وكناية، وعلم البديع بمحسناته المعنويه واللفظية، إن برئت من التكلف واقتضاها المقام. أ. د/صبّاح عبيد دراز

_ مراجع الاستزادة: 1 - البلاغة تطور وتاريخ د/شوقى ضيف نشر دار المعارف ط3. 2 - عبد القاهر الجرجانى د/أحمد بدوى الناشر مكتبة مصر ط2. 3 - الإيضاح الخطيب القزوينى تحقيق د/عبد المنعم خفاجى دار الكتاب اللبنانى ط5 سنة 1403هـ-1983م. 4 - بغية الإيضاح الشيخ عبد المتعال الصعيدى المطبعة النموذجيه القاهرة. 5 - البيان والتبيين الجاحظ مكتبة الخانجى مصر. 6 - شروح التلخيص طبع عيسى الحلبى سنة 1937م. 7 - العمدة لابن رشيق دار الجيل بيروت لبنان ط4 سنة 1973م. 8 - نظرية عبد القاهر فى النظم د/درويش الجندى مكتبة نهضة مصر سنة 1960م

27 - البلاغ والتبليغ

27 - البلاغ والتبليغ لغةً: البلاغ: ما يُتبلَّغ به ويُتوصل إلى الشيء المطلوب .. والبلاغ: ما بلغك الكفاية ... وتقول: له فى هذا بلاغ كفاية. والبلاغ: الإبلاغ. وفى التنزيل {إلا بلاغا من الله ورسالاته} (الجن 23) أى لا أجد منجى إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به. والإبلاغ: الإيصال، وكذلك التبليغ، والاسم منه البلاغ، وبلغت الرسالة أى أوصلتها (1) والبلاغ: ما يتوصل به إلى الغاية، والبلاغ: بيان يذاع فى رسالة ونحوها (2) ويقول الراغب فى مفردات القرآن: البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانًا كان أو زمانًا أو أمرًا من الأمور المقدرة، وربما يعبربه عن المشارفة عليه، وإن لم ينته إليه، فمن الانتهاء قوله تعالى {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة} (الأحقاف 15)، وقوله عز وجل {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن} (البقرة 232) {ما هم ببالغيه} (غافر 56) .. والبلاغ التبليغ نحو قوله عز وجل {هذا بلاغ للناس} (إبراهيم 52) والبلاغ الكفاية نحو قوله عز وجل {إن فى هذا لبلاغًا لقوم عابدين} (الأنبياء106) وأما قوله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف (الطلاق 2) فللمشارفة .. ويقال بلغته الخبر وأبلغته مثله وبلغته أكثرقال تعالى {أبلغكم رسالات ربى} (الأعراف 62) وقال تعالى: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (المائدة 67) (3). أ. د/ حسن عبد الرؤوف محمد البدوى

_ المراجع 1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة- (بلغ) 1/ 346، دار المعارف مصر 2 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة (بلغ) 1/ 70، دار المعارف، ط 2، القاهرة. 3 - مفردات القرآن، الراغب الأصفهانى ص 71، دار الكتب العلمية، بيروت ط 1 سنة 1971 م.

28 - بنو الأحمر

28 - بنو الأحمر يقصد بهم الأسرة التى حكمت مملكة غرناطة Granada آخر معاقل الإسلام فى الأندلس، ومؤسس الدولة هو محمد بن يوسف بن نصر، الذى ينتهى نسبه إلى الصحابى سعد بن عبادة الخزرجى رضى الله عنه، ولد سنة595هـ-1198م، وكان قائدا شجاعا عاش فترة سقوط الحواضر الأندلسية الكبرى بعد هزيمة المسلمين فى معركة العقاب 609هـ-1212م ونشوب الفتن بين زعمائهم، فاضطر لمصانعة ملك قشتالة فرناندو الثالث والاعتراف بتبعيته له 643هـ-1245م، ولكنه كان يعتزم لم شتات ما بقى من الأندلس، فلجأ لغرناطة وحاضرتيها مالقة وألمرية، واستقر ملكه بهذه الرقعة الجبلية التى تبلغ مساحتها عشرشبه الجزيرة. واستطاع توطيد سلطته والتقوِّى بالمسلمين الهاربين من المدن التى استولى عليها النصارى. وتوفى فى 671هـ-1272م، وخلفه ابنه محمد الفقيه الذى نظم دواوين الدولة وجباياتها وخلع عليها صفة الملوكية، واستمر حكمه حتى 701هـ-1302م. وتعاقب بعد ذلك الملوك من بنى الأحمر على مدى القرنين التاليين، وتراوحت علاقاتهم بجيرانهم من سلاطين بنى مرين بالمغرب وملوك قشتالة وأرغون النصرانيتين بين المواجهة والمحالفة، وبلغت دولتهم فى بعض العهود درجة عالية من القوة والازدهار كما قدر لها أيام محمد الغنى بالله بن يوسف 755 - 793هـ/1354 - 1391م، على أن القرن التالى يشهد تدهور الأحوال بسبب نشوب الثورات وتزايد الحملات النصرانية والتنازع بين أفراد الأسرة الحاكمة. وخلال السنوات الثلاثين الأخيرة نشبت الحرب الأهلية بين السلطان أبى الحسن على بن سعد وأخيه محمد "الزَّغُلّ" ثم مع ابنه أبى عبد الله، ويأسر جيش قشتالة هذا الأخير ويرغمونه على تسليم غرناطة بعد سقوط معاقلها الكبرى فى سنة 897هـ-1492م. وعلى الرغم من سوء الأحوال المتزايد فى غرناطة الإسلامية فقد كان شعبها من أنشط الشعوب فى استغلال مواردها المحدودة وأكثرها حرصا على الثقافة والفنون، يشهد بذلك قصر الحمراء الذى يعد درة فنية نادرة، ثم من نبغ فى غرناطة من كبار العلماء والأدباء، مثل الوزير الشاعر المؤرخ لسان الدين بن الخطيب 776هـ-1374م والشاعر ابن زمرك 797هـ-1395م وابن خاتمة 770هـ-1369م، والفقيهين القاضيين أبى الحسن النباهى ومحمد بن عاصم القيسى 829هـ-1426م، والنحوى المفسر أبى حيان نزيل مصر 745هـ-1344م. أ. د/محمود على مكى

_ مراجع الاستزادة: 1 - نفح الطيب، تحقيق إحسان عباس، بيروت 1998م. 2 - الإحاطة فى أخبار غرناطة لابن الخطيب ط الخانجى. 3 - المغرب فى حلى المغرب ط دار المعارف. 4 - نهاية الأندلس لمحمد عبد الله عنان، القاهرة 1966م

29 - البهائية

29 - البهائية البهائية نسبة إلى بهاء الله، وهو حسين على المازندرانى، الذى سمى نفسه بهاء الله، وكان له دور كبير فى مساندة الحركة البابية، وتخطيطه لها من ورأء ستار، مستغلا لكل الظروف والشخصيات فى دعمها لتحقيق مآربه، وهو مختف حتى لا ينكشف أمره. وقد تعاون مع الروس وعملائهم عندما كان فى إيران، ولما انتقل إلى تركيا ثم فلسطين أخذ فى التعاون مع المؤسسات اليهودية العالمية، والاستعمار الإنجليزى. ولما وجد أن أخاه يزاحمه على زعامة الحركة بعد هلاك الباب همّ بقتله، ودبر مذبحة من أشنع ما عرف فى التاريخ، قضى فيها على أعوان أخيه قتلا بالسواطير والجنازير المسمومة فى وحشية يندى لها جبين الإنسان خزيا وعارا. بعد أن هلك الباب ادعى البهاء أنه خليفة القائم (الباب) ثم ادعى أنه القائم نفسه، ثم تقدم خطوة أخرى فادعى أن القائم (الباب) كان ممهدا له، فلهذا فهو .. القيُّوم ثم انتحل مقام النبوة، وأخيرا ادعى الألوهية والربوبية، وأنه مظهر الحقيقة الإلهية، التى لم تصل إلى كمالها الأعظم إلا حينما تجسدت فيه، وأن كل الظهورات الإلهية التى سبقت منذ آدم مرورا بالأنبياء جميعا كانت درجات أدنى حتى وصلت إلى كمالها فى تجسدها فى شخصه وذلك لأنهم يؤمنون بالحلول. وكان البهاء يغطى وجهه بقناع موهما من يلقاه أن بهاء الله يعلوه وقد ترك البهاء بعض الكتب والرسائل منها: 1 - الإيقان، وقد كتبه لما كان فى بغداد تأييدا لدعوى "الباب". 2 - وله عدة رسائل بعضها كتبه بالعربية وبعضها بالفارسية، ومن أسماء هذه الرسائل "الألواح"، "الاشراقات"، "الهيكل"، "الكلمات الفردوسية"، "العهد". 3 - وأشهر كتبه "الأقدس" وقد كتبه فى السنوات الأخيرة من حياته ادعى أن الأحكام التى وردت فيه نزلت من سماء المشيئة الإلهية، وأن جميع ما نزل فى الكتب المقدسة قد نسخ لعدم انسجامها مع احتياجات الإنسان المعاصر، وكتاب "الأقدس" مجموعة من الخواطر تتحدث عن الإلهام والحلال والحرام والمواعظ، ومخاطبة الأمم والملوك، وبعض الألغاز التى تشير إلى الحروف مثل قوله: يا أرض الطاء لا تحزنى من شىء قد * جعلك الله مطلع فرح العالمين. يا أرض الخاء نسمع فيك صوت الرجال * فى ذكر ربك الغنى المتعال. وبعد موته آل أمر الحركة إلى ابنه عباس عبد البهاء، ومن بعده حفيده شوقى ربانى، ثم آل الأمر إلى أحد اليهود الأمريكان، وكان اسمه ميسون. ومن عقائدهم أنهم يعبدون البهاء، ويتوجهون إلى قبره بالعبادة، ويحجون إليه، ومن كلامه فى ذلك:" من توجّه إلىّ فقد توجه إلى المعبود أما الذين يتوجهون بعبادتهم إلى الله، فإنما يتوجهون بها إلى وهم أفكته الظنون". والصلاة عندهم تسع ركعات فى الصباح والزوال والآصال أوقات طلوع الشمس وتوسطها ومغيبها، ويقدسون العدد (9) لأنه مجموع حروف (بهاء) والقبلة كانت فى حياة البهاء إلى قصره، وبعد موته إلى قبره، والصوم 19 يوما، والزكاة لمن يملك مائة مثقال من الذهب يؤخذ منه 19 مثقالا. والحج إلى قصر البهاء فى حياته وإلى قبره بعد موته. والزواج للرجل أن يتروج بامرأتين، ولم يحرم من النساء إلا الأم فقط، وإذا اقترن الزوجان عاما ولم يتفقا انفصلا بالطلاق والربا مباح والجهاد محرم، والميراث حسب ما اتبع البابية. وهم يكفرون بالآخرة متابعة لأسلافهم البابية والباطنية من قبل ولهم تأويلات يحرِّفون بها الكلام عن معانيه، ومن أمثال هذه التأويلات: القيامة: حلول روح الله فى جسد بشرى. البعث: اليقظة الروحية. رؤية الله: هى رؤية الجسد البشرى الذى حلّت فيه روح الله. الجنة: رياض المعرفة التى فتحت أبوابها فى عهد البهاء. النار: الحرمان من معرفة الحقيقة الإلهية التى ظهرت فى جسد الباب أو الكفر بأن البهاء هو رب العالمين. ولهم تأويلات كثيرة ترجع جميعها إلى الكفر باليوم الآخر كما جاء فى القرآن الكريم والكتب المقدسة السابقة. أ. د/محمد إبراهيم الجيوشى

_ مراجع الاستزادة: 1 - البابية والبهائية أ. د/محمد إبراهيم الجيوشى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة سلسلة دراسات إسلامية سنة 1998. 2 - وثائق البهائية دكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ط الأهرام القاهرة. د. ت

30 - البهرة

30 - البهرة اصطلاحاً: هى إحدى فرق الإسماعيلية المنتسبة إلى الإمام إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق. وقد انقسمت الإسماعيلية بعد وفاة الخليفة الفاطمى المستنصر بالله سنة 487 هـ إلى فرقتين: الإسماعيلية النزارية: نسبة إلى ابنه نزار. وهى المعروفة- الآن- بالأغاخانية. والإسماعيلية المستعلية: نسبة إلى ابنه الخليفة المستعلى بن المستنصر الذى تولى الخلافة بعد أبيه وهى المعروفة- الآن- بالبهرة فى الهند، والطيبية فى اليمن (1). والإسماعيلية المستعلية: هم إسماعيلية مصر، واليمن، وبعض بلاد الشام- فى ذلك الوقت- وقد عاش أتباع الإسماعيلية المستعلية فى اليمن فى محيط خاص بهم ركنوا إلى التجارة، وكان كثير منهم يتخذ التقية، فلا يظهر إسماعيليته بالرغم من وجود داعية لهم ينوب عن إمامهم المستور فى تصريف أمورهم، الدينية. وقد هيأت لهم التجارة التقليدية بين اليمن والهند فرصة لنشر الدعوة الإسماعيلية الطيبية فى الهند ولا سيما فى ولاية (جوجرات) جنوب بومباى. واعتنق جماعة من الهندوس هذه الدعوة حتى كثر عددهم، وعرفوا باسم البهرة. وكلمة (البهرة) كلمة هندية قديمة معناها التاجر (2). وقد انقسمت الدعوة الطيبية فى القرن العاشر الهجرى إلى فرقتين: فرقة البهرة الداودية، وفرقة البهرة السليمانية. فالفرقة الداودية: تنسب إلى الداعى قطب شاه داود برهان الدين المتوفى سنة 1021هـ والفرقة السليمانية: تنسب إلى الداعى سليمان بن حسن اعترف به داعية سنة 1005هـ وقد انتقل مركزدعوة الفرقة الداودية إلى الهند فى القرن العاشر الهجرى، وداعيتهم الآن هو طاهر سيف الدين وهو الداعى الحادى والخمسون، ويقيم فى مدينة بومباى بالهند. وطائفة البهرة بفرعيها يحترفون التجارة، ولا يزيد عددهم عن ربع مليون نسمة متفرقين بين الهند وباكستان وعدن وهم جميعاً يقدّسون داعيهم المطلق تقديساً تاما، ويطيعون أوامره، وله عليهم سلطة مطلقة فله أن يستولى على تركة الموتى، وأن يأخذ من الأحياء ما يريد من أموالهم. والبهرة: يتخذون لأنفسهم أماكن خاصة للصلاة اسمها "جامع خانة" ولا يسمحون بإقامة الصلوات فى المساجد العامة. وهم فرقة باطنية يظهرون غيرما يبطنون، يتظاهرون بالإسلام ويصلون كما يصلى المسلمون، ولكنهم فى الباطن يصلُّون للإمام المستور. كما أنهم يذهبون إلى مكة للحج، ولكنهم يعتقدون أن الكعبة رمز على الإمام المستور. أما عن عقائدهم: فى الألوهية والتوحيد، وفى الوحى، والنبوة، والرسالة، وعقيدتهم فى الولاية وأئمة الستر، وأئمة القيامة وعصمتهم، وعقيدتهم فى اليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار، وطريقتهم فى الدعوة، والتأويلات الباطنية لأركان الإسلام وغيرها، فهى فى مجموعها مأخوذة من عقائد الإسماعيلية الخارجة عن عقائد المسلمين. أ. د/ أحمد المهدى 1 - طائفة الإسماعيلية، محمد كامل حسين- ص 41 - 42 مكتبة النهضة المصرية 1958م. 2 - المصدر السابق ص 51

_ المراجع 1 - الحركات الباطنية فى العالم الإسلامى عقائدها، وحكم الإسلام فيها للدكتور أحمد الخطيب- مكتبة الأقصى- عمان- الأردن. 2 - إسلام بلا مذاهب، للدكتور مصطفى الشكعة- الدار المصرية اللبنانية- بالقاهرة

31 - البوذية

31 - البوذية أحد الأديان العالمية من حيث عدد من يعتنقونها، إذ هى الدين السائد فى كثيرمن دول آسيا (الصين، اليابان، نيبال، جاوة، سومطرة، بورما، سيلان، سيام) نسبتا إلى اللقب الذى اشتهربه مؤسسها بوذا (560 - 480 ق. م)، ومعناه فى اللغة السنسكريتية: المستنير، أو العالم، أو العارف. ولد بوذا فى بلدة هندية على حدود نيبال لأسرة نبيلة، إذ كان أبوه أميرا، وتزوج فى التاسعة عشرة من عمره. وعندما بلغ العام التاسع والعشرين انصرف إلى الزهد والتأمل، فهجر زوجته، وخرج هائما فى الأحراش راغبا عن الدنيا، غير معنى إلا بالتأملات، رائضا نفسه على خشونة الحياة. وبعد ست سنين ادعى أن نوعا من المعرفة قد وقع فى نفسه، وقذف بنور فى قلبه، ويقول فى وصف هذا الإحساس:"سمعت صوتا من داخلى يقول بكل جلاء وقوة: نعم فى الكون حق، أيها الناسك، هنالك حق لا ريب فيه، جاهد نفسك اليوم حتى تناله. فجلست تحته تلك الشجرة فى تلك الليلة من شهر الأزهار، وقلت لعقلى وجسدى: اسمعا لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق، لينشف الجلد، ولتنقطع العروق، ولتنفصل العظام، وليقف الدم عن الجريان، لن أقوم من مكانى حتى أعرف الحق الذى أنشده، فينجينى. ويذكر أيضا أنه تم له فى هذه الجلسة الإشراقة التى كان يترقبها. ويراها بعض الباحثين الغربيين وحيا، ويصورها بوذا بأنها صوت حادثه، مما دفعه إلى الدعوى إلى تعاليمه بالقول والعمل، فآمن بدعوته كثير، وانطلقوا فى شبه الجزيرة الهندية دعاة ومرشدين فنما عددهم بمرور الأيام، وانتشر مذهبهم، وبوذا من ورائهم يدفعهم بحمسهم إلى أن مات فى الثمانين من عمره. كانت حياته ساذجة، لا تعقيد فيها ولا تزيد عن زهد فى الحياة، وميل إلى تعذيب الجسد ليتخلص كليا من الألم بعد الموت، كما كان يدعو إلى سلوك "الممر الأوسط" بين التلذذ والزهد الخالص فى الدنيا، ويقول: إن لهذا الممر ثمانى شعبه، هى: الآراء السليمة، والشعور الصائب، والقول الحق، والسلوك الحسن، والحياة الفضلى، والسعى المشكور، والذكرى الصالحة والتأمل الصحيح. كما يرى أن المرء يمر بأربعة أطوار، تنكسرخلالها جميع القيود التى تكبل الإنسان، وتمنعه من الوصول إلى الكمال الإنسانى فإذا بلغ الطور الرابع يكون قد أدرك الهدف الذى يسعى إليه وهو النرفار وما هى النرفار؟ هى الطور الرابع الذى يبلغه الزاهد، ولكنه لم يذكر شيئا عن "العلة الأولى" الذى يدير دفة الكون. ومن هنا جاء الخلاف بين العلماء حول وضع الإله فى تعاليم بوذا، فهناك من يرى أنه أنكر وجود إله خالق للكون، ويقول أنصار هذا الرأى: إنه كان يعتقد أن فى العالم فقط روحا عاما متغلغلا فى كل شئ. ومنهم من يرى أن مذهبه إصلاحى خلقى أكثر منه دينى. وقد أحدث بوذا بإهماله الاتجاه الإلهى ارتباكا فى الفكر بين أتباعه، فلعبت بهم الأهواء، فاتجه بعضهم إلى الاعتقاد بأن بوذا ليس إنسانا محضا، بل إن روح الله قد حلت فيه، بل تطورالأمرإلى اعتباره كائنا إلهيا، وضعوا له تمثالا بين آلهة الهندوسية ولم يعارض الهندوس ذلك، لأن العقل الهندى لا يضيره أن ينضم إله جديد إلى ما يعترف به من آلهة. أما كتب البوذيين فلا يدعون أنها منزلة، ولا ينسبون ما فيها إلى جانب إلهى، بل هى عبارات منسوبة إلى بوذا، أو حكاية لأفعاله، أو نقل لما أقروه من أعمال أتباعه. ولا تعتبر البوذية فى تعاليمها إضافة فى عرض الآراء على يد غير المستأثرين بها قديما من سدنة الكهنة والمحراب. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - الله عباس العقاد، دار المعارف بمصر ط6 1969م. 2 - مقارنة الأديان محمد أبو زهرة، دار الفكر العربى. 3 - أديان الهند الكبرى أحمد شلبى، مكتبة النهضة المصرية، ط2 1969م. 4 - بحوث فى علم الأديان المقارنة محمد شامة، مطابع المدنى بمصر 1972م. 5 - حياة بوذا فاردينان هارولد، تعريب فيليب عطا الله دار الروائع الجديدة لبنان 1975م

32 - البويهيون

32 - البويهيون أسرة فارسية أسسها أبو شجاُع بُويه، وقد حاول البعض أن يرجع نسبه إلى الساسانيين لإضفاء النسب الرفيع له، أو إرجاع نسبه إلى وزراء الملوك الساسانيين، ولكن ابن طباطبا يذكر أن أبا شجاع بويه وأباه وجدّه كانوا كآحاد الرعية الفقراء ببلاد الديلم، وقيل كان بويه صياد سمك ويروى ابن خلكان أنه كان فى أول أمره يحمل الحطب على رأسه. والحق أن مؤسسى هذه الأسرة التى سرعان ما عظم شأنها هم أبناء أبى شجاع بُويه الثلاثة: على وحسن وأحمد، وكان الأخوة الثلاثة يفضلون أن يعرفوا بالتشيع وفقا لتقاليد الأسرة، غير أنهم كانوا محاربين غلاظا لم يحفلوا كثيرا بالأمور الدينية، وقد رأى هؤلاء الثلاثة أن يتخذوا الجندية مرتقى لهم فالتحقوا فى جيش "ما كان بن كاهى" أحد القادة المشهورين من أبناء الديلم وأظهروا فى عملهم براعة وتفوقا، فدفعهم هذا إلى الصفوف الأولى بين الأجناد (1). وقد خرج على "ماكان " أحد قواده وهو "أسفار بن شيرويه " ولمع نجمه وكان يساعده قائد ديلمى آخر اسمه مرداويج بن زيار، وقد استطاع أسفار ومرداويج أن يحققا نصرا مؤزراً ضد "ماكان " ولكن سرعان ماقُتِل "أسفار" وآلت سلطاته إلى مرداويج، فانضَمَّ إليه بنو بويه بعد هزيمة "ماكان " وقبلهم وأكرمهم، وقلد كل واحد من قواد "ماكان " ناحية من النواحى الخاضعة له، وكان نصيب على بُن بويه ولاية الكرج، كما استعان مرداويج بالحسن بن بويه وأخيه أحمد فى أعمال أخرى هامة (4) وحينما وصل على بن بويه إلى الكرج عمل على استمالة الزعماء والقادة إليه بإحسانه وسماحته، وضاق مرداويج به وخافه على ملكه فاندفع على بن بويه يقوى نفسه، ويعد عدّته للوقوف فى وجه سيده، ووسع ملكه فاستولى على أصفهان، ثم استولى بمعونة أخويه على شيراز سنة 322 هـ (943 م) وجعلها مقر سلطانه، ومع هذا فقد حاول ترضية مرداويج فاعترف له بالسيادة، ووضع عنده أخاه الحسن رهينة. ولم تطل المنافسة بين بنى يُويه ومرداويج، فقد هجم على مرداويج بعض جنده من الأتراك وقتلوه سنة 323 هـ وهو فى الحمام، وانتهز الحسن بن بويه فرصة الهرج الذى تلا مقتل مرداويج فهرب من بلاطه بعد ليلة من مقتله وعاد إلى أخيه على. وفتح الباب عقب ذلك لانتصارات بنى بويه، إذ استطاع الحسن أن يستولى على الرى وهمدان وبقية بلاد الفرس فى نفس العام، كما استطاع أحمد أن يستولى على كرمان، وزحف علىٌّ إلى بلاد الأهواز فاحتلها، واحتل بعدها واسط، واكتمل لبنى بويه بذلك السلطان علىّ مساحة كبيرة من أملاك الدولة العباسية، فكتب على إلى الخليفة العباسى بطلب الاعتراف به، فاستجاب له الخليفة وكتب له بذلك. وكان عماد الدولة سبب سعادة بنى بُويه التامة وانتشار صيتهم واستولوا على البلاد وملكوا الأهواز وفارس وساسوا أمور الرعية أحسن سياسة. ولسوء الأحوال فى بغداد، وضعف المماليك وأمراء الأمراء عن تسييردفة الأمور فقد كتب قادة بغداد إلى أحمد بن بويه ليدخل بغداد ويتولى السلطان بها، ففعل، وقد رحب به الخليفة العباسى وعيّنه "أمير الأمراء" وخلع عليه ولقّبه "معز الدولة" ولقب أخاه عليا"عماد الدولة" ولقب الحسن "ركن الدولة"، وخضع خلفاء بنى العباس حينا من الزمن لبنى بويه، وأصبح مصير العالم الإسلامى مرتبطا بهؤلاء السلاطين الجدد ولم يبق للخلفاء معهم نفوذ ولاسلطان، وذهبت هيبة الخلافة طيلة هذا العهد. أهم أحداث عصر بنى بويه: 1 - فى عصر بنى بويه فقدت بغداد أهميتها السياسية فانتقلت السيادة إلى شيراز حيث يقيم علىّ بُن بويه "عماد الدولة"الذى كان له السلطان العام على دولة بنى بُويه كما سلف الذكر. 2 - ازدهار جماعة"إخوان الصفا " التى كانت لها آراء فى الحكمة والفلسفة ونسبت لهم رسائل سميت برسائل "إخوان الصفا وخلان الوفا ". 3 - استقلال ممالك كثيرة عن الخلافة العباسية نتيجة لاستشراء الضعف فى سلطان بنى بويه حيث استقلت دولة عمران بن شاهين بالبطيحة والدولة النجاحية باليمن، والدولة العقيلة بالموصل، ودولة الأكراد بديار بكر والدولة المرداسية بحلب، والدولة السامانية فيما وراء النهروفى خراسان، والدولة السبكتكية بغزنة. (هيئة التحرير) 1 - االكامل فى التاريخ لابن الأثير (حوادث 334) ح 8/ 1009 2 - كتاب العبر لابن خلد ون (4/ 426) ومابعدها.

_ المراجع 1 - تجارب الأمم: لابن مسكويه (الجزء الخامس). 2 - وفيات الأعيان. لابن خلكان (الجزء الأول) القاهرة 1299 هـ 3 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ أحمد شلبى (الجزء الثالث) 4 - دائرة المعارف الإسلامية (الجزء الرابع). 5 - التاريخ الإسلامى/ محمود شاكر (الجزء الخامس) ط المكتب الإسلامى. 6 - العلوم والمعارف فى العصر العباسى أحمد زكى صفوت 1929 م القاهرة.

33 - البوسنة

33 - البوسنة بلد بلقانى ذات نظام جمهورى، مساحتها 51.123 كم2 وعاصمتها سراييفو Sarajevo ، وهى مدينة إسلامية صرفة ذات طابع إسلامى. ومجموع سكانها طبقا لتعداد 1939م هو 4.618.804 نسمة، ويقطن العاصمة، وحدها 252.980 نسمة. وتبلغ الكثافة السكانية 90.3 نسمة فى الكيلو متر المربع. ويقطنها الأجناس البشرية التالية: مسلمون سلاف 43.7 %، وصرب 31.3 %،وكروات 17.2 % ولغتها الرسمية البوسنية (الصرب كرواتية). والديانات السائدة فيها: الإسلام، الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية الرومانية. ورئيس جمهوريتها على عزت بيجوفيتش 1964م. وبها مجلس تشريعى يسمى "الجمعية الوطنية"، وتنقسم إداريا إلى مائة وحدة. أما المواصلات ففيها 1.039 كم سكك حديدية، و21.168 كم طرق، ولا يوجد بها ميناء رئيسى، وبها مطار رئيسى واحد. واعترف بها دوليا فى ربيع عام 1992م. وكانت البوسنة والهرسك (وغالبا ما يشار إليهما بالبوسنة) إحدى الجمهوريات اليوغوسلافية. وتحدها من الشرق الصرب والجنوب الجبل الأسود، والشمال والغرب كرواتيا، واشتقت البوسنة إسمها من نهر البوسنة الذى يمرفى قسم كبيرمن أراضيها. أما الهرسك فهى أقل بكثير من مساحة البوسنة وتقع فى الجنوب، وأهم مدنها موستار. الحكم العثمانى: توالت غارات الأتراك على البوسنة منذ عام 788هـ/1386م وفى عهد السلطان مراد وقع ثانى غزو على البوسنة عام 0 79هـ 1388م حتى إن السلطان جرح جرحا مميتا أثناء سير المعركة ومات بسببها. وفى سنة 867هـ/1463م. رفض ملك البوسنة أداء الجزية فغزتها الجيوش العثمانية وفتحها سريعا. وفى سنة 988هـ/1580م أنشئت إيالة البوسنة. مما أحدث تغييرات كبيرة اجتماعية ودينية وعرقية شملت السكان جميعا ودخل الناس فى الإسلام أفواجا مما سبب فى خلق قاعدة عريضة من المسلمين العسكريين والموظفين المدنيين لا من أهل المدن فحسب، بل من الفلاحين أيضا. وعندما نشبت الحرب بين الدولة العثمانية وكل من الصرب والجبل الأسود،، تدخلت الدول العظمى، وقضت معاهدة "سان استيفانو" بأن تمنح تركيا البوسنة والهرسك استقلالا ذاتيا. ثم وضعت البوسنة تحت انتداب إمبراطورية النمسا والمجر طبقا لشروط معاهدة برلين 1878م. ولقيت الجيوش النمساوية مقاومة من مسلمى البوسنة، انتهى بالاحتلال فى أكتوبر 1878م، واستمر هذا الوضع قائما حتى عام 1914. ورغم اشتراك مسلمى البوسنة مع الصرب المسيحيين فى مقاومة النفوذ النمساوى إلا أن الصرب الأرثوذكس غدروا بهم بعد الاستقلال ومارسوا ألوانا بشعة من المعاداة للمسلمين. وبعد الحرب العالمية الثانية 1945م حاول مسلمو البوسنة استرداد مكانتهم فقابلهم تيتو بحرب شرسه. وارتكب الحكم الشيوعى من المذابح الشىء الكثيرما بين القتل رميا بالرصاص أو خلال مسيرات الموت القسرية أو فى معسكرات الاعتقال 45 - 1946م ما يزيد على ربع مليون نسمة. ونظر تيتو إلى الإسلام على أنه عقيدة رجعية آسيوية يجب القضاء عليه فى بلده ة فألغى المحاكم الشرعية (1946 م)، وأصدرقانون منع النساء من ارتداء الحجاب 1950م وإغلاق الكتاتيب وجميع التكايا وحظرنشاط جميع الطرق الصوفية 1952م. وباختصار حاول النظام الشيوعى طمس الهوية الإسلامية فى البوسنة على أمل إذابة هوية المسلمين في هوية الصرب والكروات. وعندما أصر المسلمون على هويتهم الدينية قامت الحكومة اليوغوسلافية بإلغاء بند "مسلم" من التعداد، وسمح له بسجيل أنفسهم "يوغوسلاف غير معينى القومية ". وبعد وفاة تيتو وانحلال الاتحاد اليوغوسلافى، اشتعل الصراع بين الصرب والكروات، ووقفت البوسنة على الحياد، وفى محاولة للصرب استعادة ما كان للدولة اليوغوسلافية من مكانة اصطدمت بالبوسنة وحاولت تقسيمها إلى ثلاث مناطق لإضعاف المسلمين. فوقفت تدافع عن كيانها فأمطروها وابلا من قذائفهم حتى دمرت تماما، كما حاولوا تجويع المسلمين وتمزيقهم، لكن الشعب البوسنوى وقف صامدا أمام إجرام الصرب مما دفع بالدول الأوروبية والولايات المتحدة التدخل لأنقاذ البوسنة؛ وانتهى الأمر بأن اعترفت الدول الأوروبية فى شهر أبريل 1992 باستقلال البوسنة وتبع ذلك انضمامها لعضوية الأمم المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة. أ. د/عبد السلام عبد العزيز فهمى

_ مراجع الاستزادة: 1 - شبكة الانترنت مادة "بوسنة" بيانات رسمية حتى 12/ 11 /1999. 2 - دائرة المعارف الإسلامية، المجلد 8، مادة بوسنة. 3 - كتاب "البوسنة" تأليف نوبل مالكوم ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد، القاهرة 1997م. 4 - Almond، A.:Blundering in the Balkans:the Eueopean Community and the Yugoslav Crisis Oxford، 1991. 5- Anddric، I.:The Development of Spritual life in Bosnia under the Influence of Turkish Rule، Duehem، 1990. 6- Banac،I.:The National Question in Yugoslavia:Origins، History، Politico. 9 haca، New-York، 1984. 7- Dedijer، V.:The Rood to Sarajevo، London، 1996. 8- Gelenny، M.:The Fall of Yugoslavia:The Third Balkan War، London، 1992. 9- Lydall، H.:Yugoslavia in Grisis، Oxford، 1989

34 - البيت الحرام

34 - البيت الحرام هو بيت الله الذى فرض الله الحج إليه لمن استطاع إليه سبيلا وهو البيت المحرم، والبيت العتيق، والمسجد الحرام، وكانت العرب تسمى كل بيت مربع كعبة، وأمر الله المسلمين أن يتخذوه قبلتهم فى صلاتهم، وهو أول المساجد الثلاثة التى لا تشد الرحال إلا إليها: وهى المسجد الحرام، والمسجد النبوى فى المدينة، والمسجد الأقصى. والبيت الحرام هو أول بيت مبارك وضع للناس ليعبدوا فيه الله عز وجل، ويهتدوا بفضله إلى الصراط المستقيم: {إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين} آل عمران:96. وحين تأذن الله سبحانه وتعالى بأن ترفع قواعده بوأ لإبراهيم الخليل مكانه، وأمره أن يشيده ويرفع قواعده، ومعه ابنه إسماعيل عليهما السلام. ووصف أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى الكعبة التى بناها إبراهيم عليه السلام بأنها كانت بناء ذا جوانب أربعة، بارتفاع 9 أذرع وطول جداره الشرقى 32 ذراعا، والغربى 31، والشمالى 32، والجنوبى 20،وكان بابها إلى الأرض (1) وجعل إبراهيم عليه السلام فى جدارها الحجر الأسود علامة على بدء الطواف حولها، ثم أعيد بناء الكعبة قبل البعثة بنحوعشر سنوات، واشترك النبى صلى الله عليه وسلم فى أعمال البناء مع أشراف قريش ورجالها، وكان ذلك بعد حملة أبرهة الفاشلة على البيت الحرام فى سنة 570ميلادية، التى أشار إليها القرآن الكريم فى سورة الفيل. وبعد فتح مكة مباشرة أمرالنبى صلى الله عليه وسلم بتطهير الكعبة مما فيها من تماثيل وصور وأصنام، ولم يكن للبيت الحرام جدران تحده إلى أن قرر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعد أن ولى الخلافة أن يبنى حوله جدرانا ارتفاعها أقل من القامة، وذلك فى السنة السابعة عشر بعد الهجرة. وأجرى عثمان بن عفان رضى الله عنه توسعة ثانية فى السنة السادسة والعشرين بعد الهجرة، ويقال إنه جعل للمسجد أروقة. وأجريت على البيت الحرام عمائر أهمها: بناء الكعبة على يد عبد الله بن الزبيرفى العقد السابع بعد الهجرة، وإعادة بنائها على يد الحجاج بن يوسف الثقفى فى عهد عبد الملك بن مروان بعد ذلك ببضع سنواف، وعمرت الأروقة فى عهد الوليد بن عبد الملك، وفى عهد الخليفة العباسى المهدى بن المنصور، وفى عهد السلطان المملوكى الناصر فرج بن برقوق، والسلطان الأشرف برسباى، وأعيد بناء الكعبة من جديد فى سنة 1040هـ فى عهد السلطان العثمانى مراد الرابع. ونتيجة لهذه العمائر صار الحرم مستطيلا أقرب إلى التربيع، ويحيط به من جهاته الأربع أروقة تشتمل على صفوف من الأعمدة تحمل عقودا، وتسقف كل بلاطة تحف بها أربعة أعمدة قبة، قاعدتها مستديرة، وقمتها مدببة، وتقوم الكعبة المكرمة فى وسط الحرم، ولكن بميل إلى الجنوب وبجانبها حجر إسماعيل وحولها المطاف، وفى شرقها بئر زمزم، وبجوار المطاف مقام إبراهيم، وباب الكعبة مرتفع عن الأرض، وللمسجد خمسة وعشرون بابا، وسبع مآذن. وكانت الحكومة المصرية تتشرف بكسوة الكعبة المكرمة حتى قيام المملكة العربية السعودية التى أولت البيت الحرام عناية فائقة من حيث التوسعة والعمارة والتجهيز، كما قامت بعمل كسوة الكعبة الشريفة. أ. د/حسن الباشا

_ الهامش: 1 - أخبار مكة وما جاء بها من الآثار الأرزقى. مراجع الاستزادة: 1 - دليل مكة والمدينة غلام على. 2 - الرحلة النابلسية المعروفة بالحقيقة والمجاز فى رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز: عبد الغنى النابلسى. 3 - مرآة الحرمين إبراهيم رفعت. 4 - العمارة العربية فريد شافعى

35 - بيت الحكمة

35 - بيت الحكمة يقصد ببيت الحكمة دار العلم الخاصة التى أسسها الخلفاء والولاة، وكانت فى الأساس دار كتب، وربما وجد فيها أيضا مدرسون وعلماء، بالإضافة إلى مترجمين ونساخين ومجلدين. ويرجح أن أبا جعفر المنصور العباسى هو أول من أنشأ بيت الحكمة، وقد ازدهر بيت الحكمة بصفة خاصة فى عهد الخليفة المأمون الذى عهد به إلى حنين بن إسحاق، وكلفه بأن يترجم كل مايمكنه من الكتب اليونانية ويقال. إن المأمون كان يمنح ابن إسحاق زنة ما يترجم من الكتب ذهبًا. ومن بيوت الحكمة المشهورة بيت الحكمة بالقيروان، ويرجع الفضل فى إنشائه إلى زيادة الله الثالث الأغلبى (0 29 - 296 هـ/ 1 0 9 - 907 م) وكان به مكتبة ودار للترجمة والتأليف ومعهد لتدريس الطب والصيدلة والرياضيات والفلك والهندسة والنبات والموسيقى وغيرها. أ. د/ حسن الباشا

_ المراجع 1 - مروج الذهب المسعودى: ج2/ 283 2 - دراسات فى الحضارة الإسلامية حسن الباشا: ص 97، 98.

36 - بيت المال

36 - بيت المال يعد بيت المال خزينة الدولة الإسلامية التى يحفظ بها مختلف الموارد المالية للدولة، وقد عرف فى الدولة الإسلامية ديوان أطلق عليه اسم ديوان بيت المال. كانت مهمته النظر فى موارد الدولة ومصارفها. وقد ذكر أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم فى كتابه "الخراج" موارد الدولة حسبما جاءت به الشريعة بأنها خمس الغنائم والخراج والصدقات ومن ضمنها الزكاة. وكان مكان بيت المال فى أول الأمر بالمسجد الجامع فى العاصمة ثم نقل إلى دار الإمارة أو دار الوزير أو القصر أو إلى دار كانت تسمى بدار الملك فى العهد الفاطمى. هذا وبفناء الجامع الأموى بدمشق قبة من الرخام محمولة على أعمدة يطلق عليها اسم بيت المال، وفى الشرق من قبة الصخرة قبة من المرمر تسمى قبة السلسلة كانت في الأصل خزينة. أ. د/ حسن الباشا

_ المراجع 1 - مشاهد دمشق الأثرية- سليم عادل عبد الحق وخالد معاذ- ص 21 - 27. 2 - موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية- حسن الباشا- لوحة 5 4

37 - البيطرة

37 - البيطرة لغة: بطر الشئ يبطره بطرا، فهو مبطور وبطير: شقه، والبطر: الشق، وبه سُمِّى البيطار: معالج الدواب، وهو يبيطر الدواب أى يعالجها، ومعالجته: البيطرة. كما فى اللسان (1). واصطلاحا: العلم الذى يبحث فى أحوال الخيل فى حالات الصحة والمرض، ولقد استخدم مصطلح البيطرة بعد ذلك وحتى الآن للعلم الذى يبحث فى أحوال الحيوان بوجه عام من حيث وقايته من الأمراض وعلاجها. ويعتقد أن مصطلح Veterinary الذى يستخدم فى اللغات الأوروبية بمعنى بيطرى، هو كلمة عربية الأصل، جاءت من كلمة بيطار التى تحولت إلى كلمة فيتار، ومنها اشتق مصطلح Veterinary. ولقد عرف العرب فى الجاهلية طباع الحيوان وأمراضه وعلاجها، حيث تشير بعض أبيات الشعر الجاهلى إلى علاج الجمل المصاب بالجرب بدهانه بالقطران وعزله عن الجمال غير المصابة بالمرض. وتزخر المكتبة العربية بمخطوطات عديدة عن الطب البيطرة كتبها علماء العرب والمسلمين، من أهمها: - كتاب الفروسية والخيل لمحمد بن أبى حزام. - كتاب البيطرة لابن البيطار. - كتاب الحيوان لابن سينا الذى تحدث فيه عن فنون التشريح ووصف الكثيرمن أنسجة الحيوان وأعضائه. وتحدث علماء العرب عن صحة الألبان واللحوم وخواصها وطرائق حفظها، كما عرفوا الكثير من الأمراض الباطنة والمعدية التى تصيب الحيوان، مثل الكزاز (التيتانوس) فى الخيل، والسعار فى الكلاب. أ. د/عز الدين الدنشارى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، مادة (بطر) 4/ 69 - 70. مراجع الاستزادة: 1 - الطب البيطرى بين الماضى والحاضر والمستقبل النقابة العامة للأطباء البيطريين، مصر 1411هـ/1990م. 2 - الإسلام والطب البيطرى، عادل السيد أحمد، جامعة أسيوط 1409هـ/1989م. 3 - دراسة الطب البيطرى فى مصر -دراسة تاريخية- إبراهيم نجيب، محمود، مصطفى عبد العزيز، مقالات بالمجلة البيطرية 1395 - 1396

38 - البيع

38 - البيع لغة: البيع هو مطلق المبادلة مالية كانت أو غيرمالية ومن ثم جاء قول الحق تبارك وتعالى: {فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به} التوبة:111. فقد أطلق الله سبحانه وتعالى البيع على بذلهم أنفسهم وأموالهم فى سبيل الله ليظفروا بجنات النعيم. وهو مصدر الفعل (باع) ويطلق على الشىء وضده كالقرء: للطهروالحيض، فيقال باع كذا إذا أخرجه عن ملكه أو أدخله فيه. والبيع اسم المبيع، والبيعة المبايعة التى هى عبارة عن المعاقدة والمعاهدة. فقد جاء فى الحديث النبوى الكريم قول المعصوم صلى الله عليه السلام: (ألا تبايعونى على الإسلام) (1) واصطلاحا: البيع فى اصطلاح الفقهاء عبارة عن مبادلة المال المتقوم بمثله على وجه مخصوص، وبذا يكون اصطلاح الفقهاء جاريا على استعمال البيع بمعنى الإدخال فى الملك، ومن ثم قالوا:"البيع سالب والشراء جالب". وحكمة مشروعية البيع أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله بطبعه محتاجا للتعامل مع بنى جنسه، رغبة منه فى الحصول على ما يسد رمقه، وتبقى به حياته إذ هو وحده لا يستطيع القيام بمهام شئونه المختلفة التى يتطلبها أمرمعاشه. من هنا شرع الحكيم الخبير البيع، نظرا لما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس وتحقق التعاون بين أفرادهم وجماعاتهم، وبذا تنتظم حياتهم وينطلق كل واحد منهم إلى ما يمكنه الحصول عليه من وسائل العيش فالزارع يغرس الأرض ليبيع ثمارها وحاصلاتها لمن لا يستطيع الزراعة إلا أنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق آخر هيأه الله له. وكذا التاجر يحضر السلعة من جهات بعيدة نائية كى يبيعها لمن هم فى حاجة إليها. فالبيع والشراء من أهم الوسائل التى تبعث على النهوض وترقى بأسباب الحضارة والعمران، فلو لم يشرع الله سبحانه وتعالى البيع؛ لاحتاج الإنسان إلى أخذ ما بيد غيره، إما بالغلبة والقهر، وإما بالسؤال والاستجداء وإلا تذرع بالصبر حتى الهلاك. ولا شك أن هذا حال لا يقوم معه نظام الأمم لما فيه من الفساد والذل والصغار والهلاك. ودليل مشروعية البيع: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، والاجماع أما القرآن الكريم، فهناك آيات كثيرة منها قول الحق تبارك وتعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة:275. وقوله: {وأشهدوا إذا تبايعتم} البقرة:282. ومنها قوله جل وعلا: {يها أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء:29. فهذه الآيات الكريمة صريحة فى حل البيع ومشروعيته وإن سيقت لأغراض أخرى كأفادة الآية الثانية للأمر بالاستشهاد عند التبايع، دفعا للخصوصية، وحسما للنزاع حتى لا يقع الجحود أو الإنكار بينما سيقت الآية الثالثة للنهى عن أكل أموال الناس بالباطل إلا بطرق البيع ونحوه من كل تجارة مشروعة. أما الآية الأولى فقد سيقت للتفرقة بين البيع والربا ردا على من سوى بينهما، بل جعل الربا أدخل فى الحل من البيع. واًما السنة النبوية المطهرة فقد روى أن المعصوم صلى الله عليه وسلم سئل عن أطيب الكسب فقال: (عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور) (رواه الإمام أحمد والطبرانى) (2). والمبرور من البيع ما لا غش فيه. وجاء فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء) (3) وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم: (التاجر الصدوق يحشريوم القيامة مع الصديقين والشهداء) (رواه الترمذى) (4). والأحاديث فى هذا المجال مستفيضة تبلغ حد التواتر المعنوى، وقد بعث صلى الله عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم على ما لم يخالف الشريعة الغراء. وأما الإجماع فإن الأمة الإسلامية بجميع طبقاتها، وخلال كل عصورها توافقت على جواز البيع، وأجمعت على أنه أحد أسباب الملك وقد تعامل به المسلمون من لدن الصدر الأول حتى يومنا هذا دون نكير، فكان ذلك إجماعا قطعيا على مشروعية البيع. من الأدلة السابقة (قرآنا وسهنة وإجماعا) نقف على أن الأصل فى البيع الإباحة إلا أنه قد يطرأ من الأحوال والملابسات ما يخرجه عن هذا الأصل إلى أحد طرفى الطلب وهو الحظر أى الكراهة، أو التحريم، أو الفعل وهو الندب أو الإيجاب، أو الافتراض إذ البيع قد يكون مفروضا، وذلك للمضطر اضطرارا شديدا بحيث إذا لم يحصل على الشئ المبيع فورا فإنه يهلك أو يتلف عضو من أعضائه، والبائع إذا امتنع عن البيع والحالة هذه فإنه يكون آثما ومن ثم قال فقهاؤنا:"إن القاضى له أن يجبره على البيع إنقاذا للمضطر" وقد يكون واجبا وذلك كالبيع للمضطر الذى لم يبلغ به الاضطرار حدا يودى به إلى الهلاك، بل يوجد عنده حرجا ومشقة لا يزولان إلا بالحصول على المبيع بحيث، إذا لم يحصل عليه من صاحبه لا يصل إليه من غيره. وقد يكون مندوبا وذلك كبيع الشى ممن يحلف أن يشتريه منه وليس للبائع حاجة إليه. وقد يكون حراما وذلك كبيع المسلم الخمر والخنزيرأو غيرهما من كل ما نهى عن بيعه لذاته أو لصفة فيه كالبيع مع الشروط الفاسدة غير أنه قد يكون باطلا كالخمر وما ماثله. وقد يكون فاسدا كالبيع المقترن بالشرط الفاسد. وأخيرا قد يكون البيع مكروها، ومثال ذلك كل ما نهى عنه لأمر مجاور لا لخلل فى الأركان أو الشروط، وذلك كالبيع عند الآذان الأول لصلاة الجمعة الوارد فى قول الحق تبارك وتعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكرالله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الجمعة 9. وإذا ما تم عقد البيع مستكملا أركانه مستوفيا شروطه، يكون قد حاز درجة الاعتبار شرعا، وعندئذ يترتب عليه انتقال ملك كل من الطرفين عما بذله، وثبوت ملكه فيما أخذه ليثبت ملك البائع فى الثمن، وملك المشترى فى المبيع، وعندها يحل لكل منهما التصرف فيما انتقل ملكة إليه هو أهل له من التصرفات الشرعية ويصبح البيع -كما شرعه الله- واسطة السعادة بين الناس أفرادا وجماعات فتنتظم حياتهم ويتفرغ كل منهم لما يسره الله له من سبل العيش فى أمن وأمان وهدوء واستقرار وسعادة واطمئنان. أ. د/محمد عبد اللطيف جمال الدين

_ الهامش: 1 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى حديث رقم 4894 - 8/ 637 - 1/ 638 وسنن الدرامى 2/ 220. 2 - مستد الإمام أحمد حديث رقم 16252. 3 - سننن الترمذى حديث رقم 1240 - 3/ 531، ابن ماجة حديث رقم 2255 - 2/ 758. 4 - سنن الترمذى حديث 1209 - 3/ 506، سنن الدار قطنى حديث رقم 17 3/ 7

39 - البيعة

39 - البيعة لغة: التَّوْلَية، وعَقدها (كما فى اللسان). واصطلاحاً: البيعة عقد بين ولى الأمر وجمهور المسلمين يتضمن اختياره للقيام بمهام الخلافة، أى رياسة الدولة الإسلامية فى الشئون الدينية والشئون الدنيوية. وقد تمت فى المجتمع الإسلامى قبل أن يتحول إلى دولة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونفر من الأنصار على ما رأينا فى بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وكان موضوع البيعة الأولى هو إقناع طائفة من الأنصار بالإسلام ودخولهم فيه، وكان موضوع البيعة الثانية هو مناصرة الأنصار للنبى- - صلى الله عليه وسلم - - وتأييدهم لدعوته، ومنع أى اعتداء يقع عليه. لذا فإن مفهوم العقد الاجتماعى كان واضحا فى هاتين البيعتين، إذ كانتا تعتمدان لبناء الدولة فى المدينة، ومناصرة نبى الإسلام فيها. ومع ذلك فإن عقد البيعة صار بعد ذلك الأساس الضرورى لشرعية الحكم الإسلامى. حيث يختار أهل الحل والعقد من يرونه صالحا من المسلمين لتولى أمورهم، ثم يبايعونه على الإمارة، وبعد ذلك يقوم المسلمون جميعًا بالمبايعة، ولا يمكن أن تكون التولية صحيحة إلا بالبيعة لذلك كان كل الحكام فى تاريخ الدولة الإسلامية، يحرصون على الحصول على البيعة، حتى لو كانت إمارتهم قد تمت بالاستيلاء والمغالبة، فقد اعتبرت البيعة السند الشرعى لأى حاكم يختار من المسلمين لحكم الدولة الإسلامية. ونلاحظ أن عقد البيعة يتضمن دائما الشروط التى قبل المسلمون بمقتضاها تولية الحاكم، فقد كان الخليفة أو الإمام يعلن عن هذه الشروط، وإن اعتبرت معلنة ضمنًا بعد عصر الخلافة الراشدة. يقول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بعد أن بايعه المسلمون على الخلافة: "أما بعد: أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه .. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم ". ويمكن أن نستخرج من هذا الخطاب شروط البيعة، فهذه لا تعطى الحاكم سلطة مطلقة كما يعتقد البعض، وإنما سلطات مقيدة. فالخليفة أولاً ملتزم بتنفيذ أحكام الشريعة "أطيعونى ما أطعت الله ورسوله"، والمسلمون لهم حق المراقبة لأعمال الحاكم "فإن أسأت فقومونى" بل لهم أن يعزلوه إن أساء وخالف أحكام الإسلام. فهناك إعلان آخر هام بالمساواة بين عناصر الأمة، وتطبيق العدل بين كل الناس بصرف النظر عن قوة أو ضعف المحكوم. والبيعة هى الأسلوب الذى يمارس به الأفراد حقهم فى اختيار من يحكمهم، وبالتالى فهى نظام بديل عن أنظمة الانتخاب التى تعرفها الديمقراطيات الحديثة، أسلوب كان يتناسب مع ظروف الدولة الإسلامية فى عصر نشأتها، وبالتالى فالعلماء والفقهاء لا يمانعون بين تطبيق البيعة- وتعنى حرية الاختيار التعاقدى- بأى أسلوب آخر. أ. د/ جعفر عبد السلام

_ المراجع 1 - تاريخ الإسلام للذهبى. 2 - البداية والنهاية لابن كثير ط. دار الغد العربى. 3 - سيرة ابن هشام- دار التراث العربى- تحقيق أحمد حجازى السقا. 4 - الرحيق المختوم، للمباركفورى ط. دار إحياء التراث.

40 - بيعتا العقبة

40 - بيعتا العقبة كان النبى- عليه الصلاة والسلام- يعرض نفسه على القبائل فى المواسم والأسواق باحثاً عن قبيلة تقف إلى جانبه حتى يبلغ- آمنًا- رسالة ربه، وكان من الذين لقيهم أثناء هذا العرض ستة أو ثمانية من أهل يثرب لم يدخلوا فى دينه، ولم يظهروا كراهتهم له، وإنما انتظروا حتى يقصوا على قومهم خبرهذا النبى وما يدعو إليه، ولما سمع أهل يثرب من الأوس والخزرج من هؤلاء الرجال ما سمعوا راح بعضهم يقول لبعض لماذا لا يكون هذا النبى هو ما يخوفنا به اليهود؟ ويزعمون أنهم سيتبعونه ويقتلوننا تحت لوائه قتل عاد وإرم، لئن كان هو فلا ينبغى أن يسبقونا إليه، وفى الموسم التالى استقبل النبى- عليه الصلاة والسلام- منهم إثنى عشر رجلاً، وبايعوه على ألا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه فى معروف وقبل أن يودعوه ويأخذوا طريقهم إلى بلادهم، قالوا له: يا رسول الله إنا لمن قوم أولى قوة وأولى بأس شديد، وإن يجمعهم الله عليك فلا أحد من العرب أعز منك، ولما أزمعوا الرحيل أرسل معهم النبى- عليه الصلاة والسلام- مصعب بن عميروعبد الله بن أم مكتوم يتلوان عليهم القرآن ويشرحان لهم تعاليم الإسلام، ونزل الرجلان دار أسعد بن زرارة، وحالفهما النجاح حتى لم تعد تتسع هذه الدار للوفود المتوالية عليها، فاتخذا دارا أخرى أطلق عليها دار القراء، ولم يمض العام الذى أرسل فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - مبعوثيه حتى كان الإسلام قد انتشر فى أهل يثرب، ولم يبق فيها منزل إلا دخله واعتنقه الكثير من رجاله ونسائه، وعاد مصعب وابن أم مكتوم إلى مكة ومعهما سبعون رجلاً وامرأتان ضمن عدد كبير من المشركين، واستقبل النبى- عليه الصلاة والسلام- من المسلمين من أبلغه شوق إخوانهم إليه وحرصهم على لقائه، وتم الاتفاق على أن يكون اللقاء فى شعب الكعبة عند العقبة: وهى المكان الذى يُلقى الحجيج فيه الجمار على أن يكون هذا الموعد سرا حتى لا يعلم المشركون به فيسعون إلى إخفاقه، ونفذ المسلمون هذا الاتفاق فى دقة وما أن اكتمل جمعهم حتى كان النبى- عليه الصلاة والسلام- بين أظهرهم، وافتتح هذا الإجتماع العباس بن عبد المطلب، وكان على دين قومه، فقال: يا معشر الخزرج تعلمون أن محمدا فى منعة من قومه، فإن كنتم إذا حملتموه إليكم منعتموه من الأبيض والأحمر فهو دونكم فخذوه، وإن كنتم إذا مسكم الضر وعضتكم الحرب أسلمتموه وخليتم بينه وبين عدوه، فمن الآن فدعوه. فصاحوا جميعا: بل نحميه مما نحمى منه أزرنا وأبناءنا ونساءنا. فقال قائل: يا رسول الله أرأيت لو حملناك إلى بلادنا ومنعناك مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، ثم نصرك الله على أعدائك أتعود إلى قومك وتتركنا؟ قال: لا بل الدم الدم والهدم الهدم، أنتم منى وأنا منكم، ومد عليه الصلاة والسلام يده لمبايعة القوم على ما تم الاتفاق عليه من الهجرة إليهم، والمنعة له، وأمر الجلساء أن يختاروا من أنفسهم على أنفسهم نقباء يكونون على قومهم كفلاء، ويكون النبى- عليه الصلاة والسلام- كفيلا على قومه، فاختار القوم أثنى شرنقيبًا: تسعة من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع بن عمرو، وعبد الله ابن روحة بن امرئ القيس، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور بن صخر، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وعبادة بن الصامت وسعد بن عبادة بن دليم، والمنذر بن عمرو بن خنيس، وثلاثة من الأوس وهم: أسيد بن حضيربن سماك، وسعد بن خيثمة بن الحارس، ورفاعة بن المنذر بن زنير. ويلاحظ أن النبى- عليه الصلاة والسلام - لم يتدخل فى هذا الانتخاب لا بعبارة ولا بإشارة، وإنما ترك القوم أحرارًا لا تأثير على أحد منهم من قريب ولا من بعيد أ. د/ عبد العزيز غنيم

_ المراجع 1 - نقباء الأنصار. د/ عبد العزيز غنيم. مجمع البحوث الإسلامية. 1415 هـ- 1994 م. 2 - البداية والنهاية ابن كثير3/ 161 ط مكتبة المعارف بيروت. 3 - السيرة النبوية: ابن هشام 2/ 67 ط مكتبة الكليات الأزهرية.

41 - بيمارستان

41 - بيمارستان هى لفظة فارسية مأخوذة من الكلمة "بيمار" بمعنى مريض، واستان " بمعنى مكان، وتدل على المستشفى. وفى الاصطلاح الحديث يطلق اللفظ بصفة خاصة على مكان يأوى المصابين بالأمراض العقلية. يعود الفضل فى بناء أول بيمارستان فى الإسلام إلى الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ) وقد عين له أطباء مخصوصين وخصص لهم رواتب وكان للوليد أيضا اهتمام بعزل المجذوبين ورعاية المعوقين. أما الازدهار الكبير فى البيمارستانات الإسلامية، فقد حدث فى عهد هارون الرشيد نتيجة لاتصال الحضارة الإسلاميَّة بمدرسة جنديسابور الطبية، وقد وكل الرشيد إلى الطبيب النصرانى جبرائيل بن بختيشوع إنشاء بيمارستان فى بغداد واستقدم له صيدليا بارعًا من جنديسابور أيضا، وأصبح ابن هذا الصيدلى (وهو يوحنا بن ماسويه) رئيسًا لهذا البيمارستان بعد فترة، ولم تقتصروظيفة هذا البيمارستان على العلاج وإنما امتدت إلى التعليم والترجمة والتأليف الطبى. وقد انتشرت البيمارستانات فى بغداد وفى الولايات الإسلامية، وعرفت هذه البيمارستانات على أساليب العناية. بالكساء والغطاء والأدوية والأشربة وبتكييف الهواء بالطرق المتاحة عندئذ، وعهد بأمرها إلى الأطباء، وقد ترأس الرازى قبل قدومه إلى بغداد بيمارستان الرى. كما أخذت البيمارستانات الإسلامية بتقاليد رفيعة من قبيل زيارة الأطباء للسجون يوميا، وخروج الأطباء فى قوافل للمرور بالقرى ومعهم مستوصفات متنقلة من العقاقير. كما عرفت البيمارستانات التخصص فى الطب فكان هناك: الطبائعيون، والكحاليون، والجرائحيون، والمجبرون، وعرف نظام النوبتجيات، ونظام التسجيل الطبى لأسماء المرضى وكميات الأدوية والأغذية اللازمة، ومن الطريف أن بعض البيمارستانات تم تمويل بنائها من الفدية التى دفعها ملوك أجانب. وكانت مسئولية الأطباء مزدوجة على نحو ما هى الآن فى مؤسسات التعليم الطبى حيث يتولون العلاج، ويقومون بجولات لعيادة المرضى فى الصباح ويتولون كتابة الوصفات، ثم المحاضرة ثلاث ساعات يوميا. ويرى بعض المؤرخين أن أول بيمارستان عرفته مصر كان على عهد أحمد بن طولون، ثم أقام صلاح الدين البيمارستان الناصرى، أما أفخم بيمارستان فى مصر والعالم الإسلامى فكان الذى أنشأه المنصور قلاوون (683 هـ- 1284م). وقيل فى وصفه إنه كان يسمح فيه بالعلاج للرجال والنساء، ولم يكن يطرد منه أحد ولا تحدد مدة العلاج، كما عرف فى مصر البيمارستان المنصورى (وكان من قبل قصراً فاطميا)، وكان مهيأ لثمانية آلاف شخص (وهو رقم لا يوجد الآن) ومن مآثر العرب اهتمامهم المبكر بعلم إدارة المستشفيات. وللرازى على سبيل المثال كتاب "فى صفحات البيمارستان ". أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - العمارة الإسلامية فى مصر كمال الدين سامح ط. الهيئة العامة المصرية للكتاب. 2 - الخطط والآثار، للمقريزى ط. بيروت. 3 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون سعاد ماهر ط. المجلس الأعلى للشنون الإسلامية. 4 - الخطط التوفيقية، على مبارك. ط. الهيئة العامة المصرية للكتاب. 5 - الحضارة الإسلامية ط الهيئة العامة المصرية للكتاب.

التاء

1 - تابعي لغة: مأخوذ من تبعه واتبعه إذا اقتفى أثره (1)، قال تعالى: {واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب} (يوسف 38). والتابعى يطلق عليه أيضا: التباع، والتبع، ويجمع على تبع وأتباع (2). واصطلاحاً: كل مسلم لقى الصحابة ومات على الإسلام، وكان مميّزا وقت إدراكه فهو تابعى، سواء سمع منهم أم لم يسمع، وهذا ما عليه أكثر أهل الحديث. ولقد أثنى الله تعالى على التابعين فقال: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (التوبة 100). وهل الإحسان فى الآية قيد لابد منه فى التابعين؟ يرى ابن الصلاح أن مطلق التابعى مخصوص بالتابع بإحسان. فإذا كان المراد بالإحسان الإسلام فأمر واضح لابد منه فى تعريف التابعى. وإن كان المراد بالإحسان أمر زائد عن الإسلام يعنى الكمال فيه وفى العدالة، فلم يشترط العلماء ذلك فى حد التابعى. وقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التابعين فقال فيما رواه عنه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (خيرالناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) (3). ويرى جمهور العلماء أنه لابد من دراسة أحوال التابعين وبيان الحكم على كل واحد منهم من حيث العدالة، شأنهم فى ذلك شأن بقية الناس لأنه قد ظهر فيهم من اتصف بصفات ذميمة، وإن كانوا قلة .. والحديث السابق محمول فى القرنين بعد الأول على الغالبية والأكثرية ... وتتفاوت مراتبهم بحسب تمكنهم من مجالسة الصحابة قلة أو كثرة .. وبحسب الرواية عنهم قلة أو كثرة، وقد اعتبرهم الإمام مسلم وابن سعد ثلاث طبقات وأوصلهم الحاكم إلى خمس عشرة طبقة .. فأفضلهم من سمع من العشرة المبشرين بالجنة وروى عنهم مثل قيس بن أبى حازم ت 98هـ، وليس فى التابعين أحد روى عن العشرة غيره. ومن أفضل التابعين أويس القرنى ت 85هـ، وكذا فقهاء المدينة السبعة (4) ومن النساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وأم الدرداء الصغرى وأول التابعين موتا: هو أبو زيد معمر بن زيد قتل بخراسان سنة 30هـ أما آخر التابعين موتا: فهو خلف بن خليفة ت سنة 181هـ وقد جاوز المائة أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة

_ المرجع 1 - مفردات الراغب- الأصفهانى- مادة (تبع) 2 - فتح المغيث، للسخاوى، 4/ 145 3 - أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، 7/ 570، حديث رقم 212 4 - راجع تدريب الراوى، 2/ 807

2 - التأريخ

2 - التأريخ لغة: غاية الشىء ووقته الذى ينتهى إليه، ولهذا يقال: فلان تاريخ قومه فى الجود، أى الذى انتهى إليه ذلك. وقيل: إن معناه التأخير، وقيل أيضاً: إنه إثبات الشىء (1). وتأريخ مصدر من "أرخ " بلغة قيس، وهو اللفظ الشائع عند العرب أو "ورخ" بلغة تميم، وهو لفظ لم يستخدمه كاتب قط. واصطلاحاً: كلمة تأريخ تمنى الزمن والحقبة، ولم يظهر هذا الاصطلاح بهذا المعنى إلا منذ أن دخل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - التقويم الهجرى ولذلك ترد لفظة التأريخ ويراد بها أمران: الأول: التأريخ العام، أى تسجيل أهم حوادث الأمم. وبمعنى كتب الحوليات، وهذا هو الشائع، أى تدوين الحوادث عاماً بعد عام، أو بمعنى أن الأخبار تكون مرتبة بحسب العصور. ولذلك يقول العبادى: التأريخ بالهمزة، أو التاريخ بتسهيل الهمزة، والتوريخ تعريف الوقت. وقد وردت كلمة التأريخ (2) كعنوان لمصنفات تاريخية مثل: (تكملة تأريخ الطبرى)، (تأريخ بغداد)، (تأريخ الأندلس) كما أطلقت أيضا على بعض المصنفات التى تتناول التأريخ، كما فى كتاب تأريخ الحكماء المعروف بـ (إخبار العلماء بأخبار الحكماء) لابن القفطى. الثانى: بمعنى تحديد بداية الأخبار الخاصة بعصر من العصور، وبمعنى حساب الأزمات وحصرها، وبمعنى تحديد زمن وقوع الحوادث تحديدا دقيقا. وكان العرب قبل الإسلام يوقتون بالنجوم والأهلة، وينسأون الشهور ويكبسونها إلحاقا للسنة القمرية بالنسبة للسنة الشمسية؛ وكانوا يبنون التأريخ على الليالى دون الأيام، بخلاف العجم، فإنهم كانوا يبنونه على الأيام دون الليالى. كما حدث فى تأريخ الطوفان الذى مازال موضع خلاف فى الرأى بين اليهود والنصارى. وظل العرب يؤرخون بالحوادث العظام والوقائع المشهورة كعام الفيل، وبناء الكعبة، نحوهما حتى ظهور الإسلام. وفى خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر الناس أن يؤرخوا من عام الهجرة النبوية، ومضى الأمر على ذلك حتى يومنا هذا. (هيئة التحرير) 1 - أدب الكتاب للصولى، تحقيق محمد بهجة الأثرى (ص 178) القاهرة 1341 هـ. 2 - علم التاريخ، لهرنشو، ترجمة د عبد الحميد العبادى- طبعة دار الحداثة القاهرة 1988م.

_ المرجع 1 - التاريخ العربى والمؤرخون لشاكر مصطفى طبعة مؤسسة الرسالة- بيروت. 2 - فى فلسفة التاريخ اد. أحمد محمود صبحى- طبعة دار المعرفة الجامعية- الأسكندرية 1996 م. 3 - التاريخ العربى والمؤرخون لفرانز روزنثال- ترجمة صالح العلى- طبعة مؤسسة الرسالة بيروت. 4 - نظرات فى دراسة التاريخ الإسلامى د. عبد الرحمن على الحجى- طبعة دار الإرشاد- بيروت 1969 م.

3 - التاريخ (نظرية نهاية التاريخ)

3 - التاريخ (نظرية نهاية التاريخ) التاريخ لغة: فن يبحث عن وقائع الزمان من حيث توقيتها؛ وموضوعه الإنسان والزمان (1). أى: دراسة ماضى البشرية، وهو على هذا المعنى قديم عندهم، نما معرفة ساذجة من معارف العرب قبل الإسلام، ثم تكامل على مر الزمن حتى أصبح علما من أجل علومهم وأعظمها شأنا. كان عرب الجاهلية لغلبة الأمية عليهم يتذاكرون أيامهم وأحداثهم عن طريق الرواية الشفوية على هيئة أشعار وقصائد أو أخبار متفرقة، ويستثنى من ذلك أهل اليمن والحيرة، فقد نقشوا ألوانا من الخط المسند على مبانيهم دونوا عليها أخبار ملوكهم وشئونهم العامة. ودوّن آخرون أخبار ممالكهم وأودعوها أديار الحيرة وكنائسها (2). فلما جاء الإسلام، وقامت الدولة الإسلامية، مست الحاجة إلى معرفة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحواله واستقصاء السنة فتوفر رجال على جمع أخبار السيرة وتدوينها، فكان ذلك بدء اشتغال العرب فى الإسلام بالتاريخ. وذلك لأن التاريخ بوجه عام يقتصر على الأحداث البشرية التى جرت منذ نشأة الكتابة أى ما يقرب من خمسة آلاف وخمسمائة عام. ويقوم المؤرخون بدراسة جميع جوانب الحياة فى الماضى (اجتماعية، وثقافية، وسياسية، واقتصادية) لاستخلاص الدروس والعبر منها، وتُعَدّ سجلات جديدة لهذه الأحداث تعرف بكتب التاريخ كما أن موقف المؤرخ أقرب إلى موقف الفنان حيث يتمثل كلاهما الواقع بنظرة فردية، إذا أردت أن تعرف تاريخ شخصية معينة تخيل رد فعله من خلال الأحداث التى مرَّ بها. وتعددت التفسيرات حول المحرك الأساسى للصراعات التاريخية فهناك من يرى الدين سببا لهذه الصراعات وهناك من يرى المادة سببا لهذه الصراعات وهناك من يرى أن السبب الأساسى هو شخصية بعض الأفراد وميولهم. نظرية نهاية التاريخ: ولذلك ظهر توجه جديد فى نهاية القرن العشرين يضع نهاية لهذه الصراعات كما لدى فوكوياما فى كتاب: "نهاية التاريخ وخاتم البشر" ويستند فى ذلك إلى أن العالم سيتخذ من الديمقراطية الليبرالية نظاما للحكم. وذلك بالطبع سوف يشكل نقطة النهاية فى التطور الأيديولوجى للإنسانية. وبالتالى فإن ذلك سوف يمثل نهاية التاريخ بانتصار الديمقراطية الليبرالية الغربية. كما أن ثمة إشارات إلى أن الديمقراطية لا يمكن أن تنشأ فى دولة تكون معها النزعة الوطنية أو العرقية مبالغا فيها لدى أفراد الجماعات المكونة لهذه الدولة. كما يرى فوكوياما أن الدين فى حد ذاته لم يخلق المجتمعات الحرة فالمسيحية فى رأيه كمعنى كان لزاما عليها أن تلغى نفسها عن طريق صبغ أهدافها بالصبغة العلمانية قبل ظهور الليبرالية (3). وهذه النظرية مضادة لنظرية صراع الحضارات التى تقسم العالم إلى تكتلات حضارية وثقافية ودينية باعتبار أن ثمة فروقا جوهرية بين الحضارات (4). (هيئة التحرير) 1 - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوى ص 7 نشر فى كتاب (فرانز روز نثال) طبعة مؤسسة الرسالة. 2 - تاريخ الأمم والملوك للطبرى 2/ 37. 3 - نهاية التاريخ وخاتم البشر، فرنسيس فوكوياما ص 92 1. 193 مركز الأهرام للترجمة والنشر القاهرة 1993 م. 4 - نحن والعصر مفاهيم ومصطلحات إسلامية د. ناصر الدين الأسد.

_ المرجع 1 - فى فلسفة التاريخ د. أحمد محمود صبحى طبعة دار المعرفة الجامعية 1996 م. 2 - ماذا يعنى الاستقلال الحضارى لأمتنا العربية الإسلامية د محمد عمارة طبعة دار ثابت. 3 - علم التاريخ لهرنثو ترجمة عبد الحميد العبادى طبعة دار الحداثة- بيروت 1988 م

4 - التأليف

4 - التأليف لغة: هو جمع الشىء إلى نظيره تقول: ألفت بين الشيئين تأليفا فتألفا وأتلفا (1). وتقول: تألف القوم وائتلفوا أى اجتمعوا (2). واصطلاحا: جمع مسائل علم فى كتاب (3)، وهو مأخوذ من الألفة ومن الاجتماع أيضا وقد يطلق اللفظ على المؤلف وقد يسمى التأليف تصنيفا، ويسمى الكتاب المؤلف مصنفا. والمؤلف صاحب رسالة يريد أن ينقلها إلى القارىء ة ولذا فإن الاقتصار على سرد الآراء وجمع النصوص المتعلقة بموضوع معين لا يعد تأليفا، لأنه لا يضيف فكرا جديدا. كذلك فإن تحقيق النصوص القديمة وترجمة النصوص الأجنبية لا يسمى تأليفا (4) لأن الفكرة الأصلية والإضافة الحقيقية هى لمؤلف النص الأصلى وليست للمحقق أو المترجم، ويقاس على هذا القوائم الببليوجرافية التى تحصى المؤلفات فى موضوع معين، فإن القائم بها لا يعد مؤلفا وإنما جامعا. ولهذا نقول: إعداد فلان، ولا نقول: تأليف فلان. ولعل هذا هوما يفسرلنا ظهور مصطلح "السرقات الأدبية" فى تراثنا الأدبى وظهور مصطلح "حق التأليف" وقوانين حماية حق المؤلف أو حق الملكية الفكرية فى العصر الحديث، صيانة لثمرات العقول من أن تستباح فسرقة الأفكار، لا تقل شناعة عن سرقة المتاع. والمؤلف - عادة - يجمع مادته العلمية من مصادرها المختلفة ويحللها ويناقشها (5) ويكتبها فى صورة مبدئية تسمى "المسودة" وهذه المسودة تخضع للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والحذف والإضافة حتى إذا استقر صاحبها على الصيغة التى يرتضيها، بيضها فى صورة نهائية ينشرها على الناس. وقد يعيد المؤلف النظر فيما كتب، وقد يعدل عن بعض آرائه فيصدر من كتابه إصدارة جديدة أو طبعة جديدة يصفها بأنها "مزيدة ومنقحة" وتلك ظاهرة صحية لا تعيب المؤلف وإنما تحسب له وتغلى من قدره وتدل على ما يتصف به فكره من تطور ونضج ونماء، وأمانة أيضا. وفى العصور القديمة كان الإملاء إحدى طرق التأليف، وكان العالم يجلس فى المسجد أو أى مكان عام ومن حوله تلاميذه ومريدوه، يكتبون عنه ما يمليه فالسيوطى يذكر أن الإملاء كان أعظم وظائف الحفاظ من أهل الحديث (6) وابن النديم يذكر أن ابن الأعرابى "أملى على الناس ما يحمل على أجمال " (7) وتراثنا العربى يحفل بكتب كثيرة تحمل فى عناوينها كلمة "الأمالى" أو "المجالس" وقد أحصاها حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون" ومن بعده إسماعيل البغدادى فى "إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون" وأشهرها أمالى أبى علاء القالى ومجلس ثعلب. وقد انتشرت مجالس الإملاء فى الحواضر الإسلامية خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين وتحدث الخطيب البغدادى فى مواضع متفرقة من "تاريخ بغداد" عن تلك المجالس (8) ووصف ضخامتها وكيف أن بعضها كان يحضره عشرات الألوف وربما تجاوز عدد الحاضرين مائة ألف كمجلس عاصم الواسطى (ت 221هـ) (9) وكان طبيعيا ألا يسمع صوت الشيخ تلك الأعداد الكبيرة من السامعين ولهذا ظهرت فئة "المستملين" الذين يرددون كلام الشيخ وراءه كل منهم يبلغ صاحبه حتى تسمع جموع الحاضرين (10) ومهما تكن فى هذه الأرقام من مبالغة، فإنها تدل على تضخم تلك المجالس لدرجة تلفت الانتباه. أ. د/عبد الستار عبد الحق الحلوجى

_ الهامش: 1 - الصحاح للجوهرى تحقيق أحمد عبد الغفور عطار دار الكتاب العربى سنة 1377هـ ص1332. 2 - القاموس المحيط للفيروزابادى المكتبة التجارية بالقاهرة ط5 سنة 1954م 3/ 118. 3 - محيط المحيط بطرس البستانى بيروت مكتبة لبنان سنة 1977م ص14. 4 - وكذلك الحال فى الموسوعات، فالأصل فيها أن تفتت المعرفة إلى أبسط جزئياتها، وأن يعهد بكل جزئية إلى أحد المتخصصين لكى يكتب عنها، ومن ثم فان مؤلفى الموسوعة قد يصلون إلى مئات لا يذكر أى منهم صفحة العنوان، وإنما الذى يذكر هو المحرر أو المحررون الذين أشرفوا على توزيع المواد على المتخصصين وعلى إصدار الموسوعة. 5 - ويستثنى من ذلك الأعمال الفنية كاللوحات المرسومة، والقطع الموسيقية، وفنون القول من شعر وقصة ورواية ومسرحية فليس مطلوبا من صاحبها أن يبنى على جهود سابقيه، وإنما المطلوب منه أن يبدع شيئا جديدا يختلف عما سبقه، ولهذا لا تختلف نصوص أى رواية أو ديوان شعر باختلاف الطبعات. 6 - المزهر فى علوم اللغة. جلال الدين السيوطى. تحقيق أحمد جاد المولى، وعلى محمد البجاوى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية. 7 - الفهرست. محمد بن إسحاق النديم المكتبة التجارية سنة 1348هـ، ص103. 8 - انظر على سبيل المثال:3/ 28، 9/ 33، 14/ 150. 9 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام للخطيب البغدادى القاهرة مكتبة الخانجى سنة 1931م 12/ 348. 10 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 6/ 121 - 122

5 - التأويل

5 - التأويل لغة: اللفظ فى أصل وضعه يعود إلى "الأول " بمعنى الرجوع والعود، فيقال: آل الأمر إلى كذا يؤول أولاً إذا رجع وعاد، آل ما له إلى النصف إذا رجع، ومنه آل مآله يؤوله إيالة إذا أصلحه وساسه بنجاح. وآل لحم الناقة إلى كذا. ومنه الأيِّل وجمعه آيايل وسمى أيلاً لكثرة عوده ورجوعه إلى مكان الظل، أو لأنه سيؤول إلى الجبال يتحصن فيها. فاللفظ فى جميع موارده يفيد معنى العود والرجوع. قال الأزهرى فى تهذيب++ اللغة: ومن هذا الباب تأويل الكلام وهو عاقبته وما يؤول إليه ويرجع، وذلك قوله تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله} (الأعراف 53) بمعنى ما يؤول إليه أمرهم فى وقت بعثهم ونشورهم وهو مصيرهم وعاقبتهم، فالمعنى هو مصائر الأمور وعواقبها. والتأويل ورد فى القرآن الكريم على أحد أمرين مقصورين لا ثالث لهما، الأول: هو عواقب الأمور ومصائرها كما فى الآية السابقة، وكما فى آية آل عمران 7: {وما يعلم تأويله إلا الله} (آل عمران 7)، أى عواقب ما أخبر به القرآن. والمعنى الثانى هو تفسير القرآن وبيان معناه، ومنه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس] اللهم علمه التفسير وفقهه فى التأويل [". ومن هذا المعنى الأخير قول العرب أوَّلَ الكلام أى: دبره وفسره وأوضح معناه، وعن الليث التأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء، وأبو عبيدة قال: التأويل: المرجع والمصير. ومن هذا الباب قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إنها كائنة ولما يأتى تأويلها بعد) أى: لم يحصل ما أخبرت به الآية {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} (الأنعام: 65). وعند علماء البيان: التأويل: هو نقل اللفظ من معنى إلى معنى آخر لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى. أو هو نقل ظاهر اللفظ عن أصل وضعه إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، ونقل المفسرون هذا المعنى إلى مجال التفسير فقالوا: التأويل صرف الآية عن ظاهرها إلى معنى تحتمله، إذا كان المعنى المحتمل الذى تصرف إليه الآية موافقا للكتاب والسنة. وهو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح، فإن حُمِل لدليل فصحيح، أو لما يظن دليلا ففاسد، أولا لشيء فعبث لا تأويل. والمعنى الوارد فى القرآن الكريم لكلمة التأويل يدور بين التفسير والبيان، أو عواقب الأمور ومصائرها. أمّا المعنى الثالث: فلم نجد له أصلا فى المعاجم اللغوية المتقدمة ولا فى كتب التفسير بالمأثور. قال الطبرى: {وأحسن تأويلا} (الإسراء35) أى جزاء وعاقبة لأن الجزاء هو الذى صار إليه أمر القوم، وقال مجاهد: أى أحسن ثوابا. ومن المعانى الحديثة للتأويل، قراءة النصوص بفهم جديد مخالف لما كان عليه فى المادة، فيقال: إعادة تأويل النص، والمقصود إعادة تفسيره بروح العصر. ولفظ التأويل أطلقه القدماء على التفسير، وسمى بعضهم تفسيره للقرآن تأويلا ومنه تأويل القرآن للماتريدى، وغيره، ومنه] تأويل رؤياى [أى تفسيرها، و {إلاّ نبأتكما بتأويله} (يوسف 37) أى تفسيره، {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} (الكهف 78) أى تفسيره وبيانه. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المرجع 1 - تهذيب اللغة، للأزهرى. 2 - العين للخليل ابن أحمد. 3 - مقاييس اللغة لابن فارس تحقيق عبد السلام هارون، دار إحياء الكتب العربية. 4 - لسان العرب، لابن منظور دار صادر بيروت. 5 - تاج العروس، للزبيدى. 6 - جامع البيان عن تأويل آى القرآن، الطبرى ط البابى الحلبى. 7 - التعريفات، للجرحانى ط الحلبى، القاهرة. 8 - قانون التأويل، للغزالى. 9 - رسالة الإكليل فى المتشابه والتأويل، لابن تيمية.

6 - التبتل

6 - التبتل لغة: القطع، والتبتل: الانقطاع، ومنه: مريم البتول، أى: المنقطعة عن الرجال، ومنه أيضا: فاطمة البتول، ابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم لانقطاعها عن نظرائها من نساء الدنيا حسنا وشرفا. وقد ورد التبتل فى القرآن الكريم بصيغة "تبتيل" فى قوله تعالى: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} المزمل:18. واصطلاحا: الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة. وقد يطلق التبتل ويراد منه الانقطاع عن النساء، وترك النكاح والرهبنة، والتبتل بهذا المعنى منهى عنه فى الإسلام، وقد رده النبى صلى الله عليه وسلم ولم يأذن فيه؛ لأنه من باب تحريم طيبات ما أحل الله. وقد ورد فى الحديت عن سعد بن أبى وقاص: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) (صحيح البخارى كتاب النكاح باب 8) ويعنى التبتل عند الصوفية الانقطاع إلى الله تعالى، والتجرد إليه تجردا خالصا، وهو على درجات ثلاث: - تبتل العامة وهو: الانقطاع عن الناس. - تبتل المريد وهو: الانقطاع عن النفس. - تبتل الواصل وهو: تصحيح الاستقامة والاستغراق فى التوجه. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - القاموس المحيط للفيروزآبادى. 2 - تفسير القرطبى الآية (8) من سورة المزمل. 3 - الكليات لأبى البقاء الكفوى، مؤسسة الرسالة بيروت 1992م ص246. 4 - منازل السائرين، شرح القاشانى، ط قم إيران 1413هـ (ص:128 - 131). 5 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، للقاشانى، ط دار الكتب المصرية

7 - تبوك

7 - تَبوك تبوك، موضع بين وادى القرى والشام، وكانت من ديار قضاعة، تحت سلطان الروم، وهى الآن إحدى المدن المهمة فى شمال غرب المملكة العربية السعودية وتقع شمال المدينة المنورة بنحو 778 كيلو مترا. وغزوة تبوك تسمى فى كتب السيرة بغزوة العسرة، قال أبو موسى الأشعرى: (أرسلنى أصحابى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله الحملان لهم، إذ هم معه فى جيش العسرة، وهى غزوة تبوك). ويرجع ذلك إلى ما كان عليه حال المسلمين يومئذ من العسر الشديد فى المال والزاد والركائب، وفى ذلك يقول القرآن الكريم:} لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة {(التوبة 117). وكان خروج المسلمين من المدينة لهذه الغزوة فى شهر رجب سنة تسع هجرية (أكتوبر630 م)، فى وقت شديد الحر، والناس يحبون البقاء فى الظلال والثمار، ومع ذلك سارع المسلمون إلى إجابة داعى الجهاد فى سبيل الله، فبلغت عدة هذا الجيش ثلاثين ألف رجل، وهو أكبر جيش قاده الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد تسابق المؤمنون فى الإنفاق على تجهيز هذا الجيش تلبية لدعوة الله ورسوله، قال تعالى:} انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون {(التوبة ا 4)، وقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " من جهَّز جيش العسرة فله الجنة"، وكان أكثر الناس إنفاقاً يومئذ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وآخرين. إن اتجاه المسلمين فى هذه الغزوة إلى الشمال ناحية الروم، إنما هو استجابة طبيعية لداعى الجهاد، كما نبه على ذلك ابن كثير فى البداية والنهاية بقوله: فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الحق. لقربهم إلى الإسلام وأهله، وقد قال الله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلطة واعلموا أن الله مع المتقين {(التوبة 123) .. أما المنافقون .. وهم أولئك الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر- فقد تقاعسوا عن الخروج مع النبى - صلى الله عليه وسلم -، معللين تقاعسهم بشدة الحر، وقالوا- وهم يثبطون الناس عن الجهاد - لا تنفروا فى الحر، فرد عليهم القرآن بقوله تعالى:} وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون {(التوبة 81) وهكذا تخلف جلُّ المنافقين عن الخروج إلى تبوك، ومضى قليل منهم مع الجيش بقصد الإرجاف والتخذيل والفتنة، وقد فضحهم القرآن الكريم وكشف خبيئتهم فى عبارة صريحة فقال تعالى:} يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون {(التوبة 94). وانطلق الجيش نحو تبوك، ولم يلقوا جموع الروم والقبائل العربية المتنصرة، لأن حكام المدن قد آثروا الصلح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفع الجزية للدولة الإسلامية، ومن " هؤلاء الحكام ملك أيلة الذى أهدى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وصالحه، كما أعطى أهل جَرباء وأذرُح الجزية، وكتب لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - الأمان، ومنهم كذلك أكيدر بن عبد الملك الكندى ملك دومة الجندل، الذى أسرته قوة إسلامية بقيادة خالد بن الوليد فجاءوا به فصالح على الجزية. كما يروى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - - وهو بتبوك - أرسل دحية بن خليفة الكلبى إلى هرقل ملك الروم، وأن هرقل بعث التنوخى ليتعرف له على بعض علامات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. ومما لا ريب فيه أن هذه الغزوة التى لم يقع فيها قتال، كانت ذات أثر بالغ فى استقرار الأوضاع ونشر الإسلام وتأكيد سيادة الدولة الإسلامية فى تلك البلاد والمناطق التى مر بها الجيش الإسلامى حتى مدينة أيلة على رأس خليج العقبة، فلما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة بعد عشرين يوماً قضوها فى تبوك، كانت عودتهم عودة الظافرين المنتصرين. ونظراً لأهمية هذه الغزوة وما صاحبها من مواقف متباينة، وما تخللها من حوادث مختلفة فقد أنزلت بشأنها آيات عديدة فى سورة التوبة (براءة) أُنزل بعضها قبل خروج الجيش، وبعضها فى أثناء الزحف إلى تبوك، والبعض الآخر بعد العودة إلى المدينة، وقد تناولت الآيات ظروف هذه الغزوة وفضحت المنافقين، ونوَّهت بفضل المجاهدين بالأنفس والأموال من المؤمنين، وأعلنت توبة الله على المؤمنين الصادقين الذين تخلفوا عن ركب الجهاد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ا. د/ محمد جبر أبو سعدة

_ المرجع 1 - الجامع الصحيح، للبخارى: محمد بن إسماعيل (ت 356 هـ/ 70 8 م):- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت1411 هـ / 1991م. 2 - الطبقات الكبرى: ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع (ت 230 هـ/ 5 4 8 م):- دار صادر- بيروت 388 اهـ/ 1969 م. 3 - تاريخ الأمم والملوك: للطبرى: محمد بن جرير بن يزيد (ت310 هـ/ 923 م) - بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف بمصر 1396 هـ/ 1976م 4 - زاد المعاد فى هدى خير العباد ابن قيم الجوزية: محمد بن أبى بكر (ت 751 هـ/ 1350 م) - بتحقيق شعيب الأرنؤوط وزميله- مؤسسة الرسالة- بيروت- 1410 هـ/ 1990 م. 5 - البداية والنهاية: ابن كثير: إسماعيل بن عمر (ت 774 هـ/ 1372 م) بتحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركى- دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان بالقاهرة 1418 هـ/ 1997 م. 6 - السيرة النبوية ابن هشام عبد الملك بن هشام بن أيوب (ت 218هـ/ 833 م) - بتحقيق مصطفى السقا وآخرين. مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر 1375 هـ/ 1955 م. 7 - كتاب المغازى الواقدى: محمد بن عمر بن واقد (ت 7 0 3 هـ/ 823 م) بتحقيق مارسدن جونز- طبع دار المعارف بمصر 1385 هـ/ 1965م

8 - التتار

8 - التتار التتار أو التتر: هم أمة من الجنس الأصفر بلادها ممتدة من الجنوب الشرقى لروسيا إلى غربها وهى شعوب متميزة منهم: (الياقوتية، والجيرجيزية، والساموية)، والترك العثمانيون، (1) وكثير من المؤرخين لم يميزوا بين التتار والمغول حينما تناولوا الغزو على الدولة العباسية على اعتبار أنهما مشتركين فى الغزو تحت قيادة واحدة، وبينهما قرابة واضحة فى الجنس ومن المعلوم أنهم قبائل مختلفة لكل منهم حدوده الجغرافية. وأشهر طوائف هذا الشعب تتر كنشاه، وكان الروس تحت حكمهم قبل القرن العاشر الميلادى، وتتر استراخان، وتتر القرم، وتتر القازان، وتتر ارنبورغ، وتتر سيبيريا. وعَرَفَ التاريخ الإسلامى التتار بصورة شرسة فى القرن السابع الهجرى الثالث عشر الميلادى، فقد اجتاحت موجة من الغزو المغولى والتترى أواسط آسيا، واستمرت فى مسيرها غرباً حتى اقتربت من حدود الدولة العباسية التى كانت فى نزعها الأخير. وكانت الغارة التتارية الأولى على البلاد الإسلامية بقيادة "جنكيزخان " الذى كان نائب " الخان الأعظم "سنة 616 هـ، وأصيبت الدولة الخوارزمية الإسلامية من جراء غارته بخسارة فادحة وتدمير كبير، فى عهد ملكها خوارزم شاه. وزحفت جيوش التتار بقيادة "هولاكو" وقصدت قصر بغداد سنة 656 هـ، فلم تقو الحاضرة العربية الكبرى على الثبات أمام ذلك السيل الجارف، وسقطت فى يد التتار، بعد ما كان من حوادث فظيعة، وأفعال شنيعة، لم ينج منها صغير ولا كبير، ولا سوقة ولا أمير، ومن نجا من القتل لم ينج من الحرق أو الغرق. حقى الكتب فقد ذكر أن مكتبة بغداد قد ألقيت فى نهر دجلة حتى قيل: إن الخيول قد عبرت عليها. ولم تمض على غزوة التتار المخربة وسقوط بغداد أكثر من سنة واحدة حتى كانت جيوش التتار منحدرة كالسيل الجارف متجهة بغزوها نحو مصر إلا أن قبائل العرب وبطونهم تجمعت بمصر وصاروا يدا واحدة مع الملك المظفر "قطز" للقاء التتار. وكان اللقاء فى "عين جالوت " ثم "بيسان " فانتصر عليهم. وفى أوائل القرن الثامن الهجرى حدث بين التتار حادث عظيم، وتطور جديد جعلهم يعتنقون الإسلام ويتركون الوثنية، وأول من جعل الإسلام دين التتر هو الملك غازان بن أرغون حفيد هولاكو. وفى العصر الحديث أجمع بعض المؤرخين على أن أهم الصفات التى تمييز هذا الشعب عامة: السماحة، وقد وصفهم "البارون ماكستوزن " بصفات تكاد تكون شعرية محضة حيث قال: التترى مسلم غيور متمسك بدينه، ولكنه على جانب كبير من التسامح بالنسبة لمن يتدين بغير دينه، فهو نزيه من آثار الحقد المذهبى. (هيئة التحرير) 1 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى 2/ 538، طبعة دار المعرفة، بيروت الطبعة الثالثة 1971م.

_ المرجع 1 - صراع العرب خلال العصور، محمد عبد الغنى حسن، طبعة مؤسسة المطبوعات الحديثة سلسلة (مع العرب) عدد 2 القاهرة. 2 - نهر التاريخ الإسلامى، د. إبراهيم العدوى، طبعة دار الفكر العربى القاهرة. 3 - تاريخ الإسلام، أحمد شاكر، طبعة دار الفكر العربى. 4 - موسوعة التاريخ الإسلامى، أحمد شلبى، طبعة مكتبة النهضة المصرية- القاهرة.

9 - التجارة

9 - التجارة لغة: تَجَر يَتجُر تَجْراً وتجارة: باع وشرى، وكذلك اتِّجَر، ورجل تاجر، والجمع، تِجارُ، وتُجّازُ، وتَجُر. واصطلاحا: شراء شىء ليباع بربح. وقيل: هى تقليب المال بالبيع والشراء لغرض الربح. وقيل: مبادلة بضائع أو أدوات أو محاصيل أو مال من أى نوع كان، بين أمم أو أفراد، وذلك إما بطريق المقايضة، أو البيع والشراء. وقد حُكىِ عن بعض الشيوخ من التجار أنه قال- لما سئل عنها-: أنا أُعلمها لك فى كلمتين "اشتراء الرخيص وبيع الغالى". وتعد التجارة من أقدم الأنشطة الإنسانية، وقد كانت مصر مركزا لتجارة عظيمة منذ أربعين قرنا، ومن قصة يوسف عليه السلام وإخوته، يعلم ما كان لمصر من الشهرة كبلاد صادرات، وأن التجارة كانت فى الأيام القديمة ذات نظام واتفاق. وفى الإسلام شرعت التجارة لما تقتضيه سنة الحياة الكونية من حاجة الناس بعضهم إلى ما فى أيدى بعض، وكوسيلة للكسب المشروع، يقول تعالى} يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم {(النساء29) وقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أى الكسب أطيب؟ فقال - عليه السلام -: " عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور" (أخرجه أحمد) (1). ومن الآداب التى راعى الإسلام توفرها فى التجارة: 1 - الصدق والأمانة، وعدم الغش والتدليس، يقول تعالى} ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون {(المطففين 1 - 3) .. وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء" (أخرجه الترمذى) (2). 2 - السماحة فى المعاملة بيعا وشراء، قال رسول الله جميع: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" (رواه البخارى) (3). 3 - التصدق من مال التجارة لما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "شوبوا بيعكم بالصدقة" (أخرجه الترمذى) (4). وقد حظر الإسلام فى التجارة عدة أشياء، منها: 1 - اليمين الكاذبة لترويج السلعة، فقد روى عن أبى ذر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " قلت: من هم يا رسول الله؟ فقد خسروا وخابوا، قال: "المنان، والمُسْبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " (رواه مسلم) (5). 2 - سوم المرء على سوم أخيه، وذلك بأن يتفاوض المتبايعان فى ثمن السلعة؛ ويتقاربان فيجىء آخر ليشترى تلك السلعة ويخرجها من يد الأول بزيادة على الثمن. 3 - المتاجرة مع العدو، فيتقوى بذلك على حربنا. 4 - المتاجرة فيما يختلط فيه الحرام بالحلال، أو مع تجار يغلب على أموالهم الحرام. (هيئة التحرير) 1 - مسند أحمد 4/ 141 - المطبعة الميمنية. 2 - سنن الترمذى- طبعة الحلبى3/ 506. 3 - فتح البارى شرح صحيح البخارى 4/ 306. 4 - سنن الترمذى 3/ 5 50. 5 - صحيح مسلم 1/ 103 طبعة الحلبى.

_ المرجع 1 - موسوعة التاريخ الإسلامى والحضارة د/ أحمد شلبى- مكتبة النهضة المصرية. 2 - مقدمة ابن خلدون- دار العلم للملايين- بيروت. 3 - جامع العلوم فى اصطلاحات الفنون، لأحمد النكرى، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات- بيروت. 4 - تاريخ الفكر الاقتصادى- د/ حازم الببلاوى- دار الشروق ط 1994 م. 5 - بدائع الصنائع للكاسانى 6 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى- دار المعرقة- بيروت ط 3 - 1971 م.

10 - التجديد

10 - التجديد لغة: مصدر"جددّ الشيء أى صيّره جديدا" كما فى لسان العرب (1). ومفهوم التجديد: الاحتفاظ بالقديم، وترميم ما بلى منه، وإدخال التحسين عليه، "لأن التجديد إنما يكون لشيء قديم " (2). وفى الحديث الشريف "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ومعناه: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما، وتبيين السنة من البدعة، ونصرة أهل السنة وكسر أهل البدعة (3). واصطلاحا: فى الفقه: هو تنميته من داخله وبأساليبه هو مع الاحتفاظ بخصائصه الأصيلة وبطابعه المميز، (4) وإعطاء إجابات إسلامية على مشاكل العصر وما يستجد من قضايا ومعضلات (5). ويكون بوصل الفقه بالحديث، والمقارنة بين المذاهب، وبين الفقه والقانون، ورعاية أقوال الصحابة والتابعين (6) واستخدام القواعد باستنارة كقاعدة (أينما وجدت المصلحة فثَمّ شرع الله)، وقاعدة (المعاملات طلق) وإعادة النظر فى مسائل الأصول التى لم يرتفع الخلاف فيها بعد (7). ومما تم فى هذا المجال. قانون الوصية الواجبة، وإصلاح الأحكام التقليدية للأسرة، وتكوين نظرية التعسف فى استعمال الحق. ولعل قاعدة المصلحة هى التى سوغت تحريم زواج الصغار، ووجوب توثيق الزواج فى القانون الإيرانى). ثانياً: فى التفسير (المحتفظ بالأصول القديمة): عبارة عن الإفادة من مستحدثات المدنية الجديدة، وحسن تطبيق المفاهيم القرآنية على ما يشغل الناس فى العصور الحديثة، بالتوسع فى المعنى، وبحمل الشبيه على الشبيه، والاهتمام بالتمدن الإسلامى، والسياسة، وقضية المرأة، ومسألة الإصلاح الاقتصادى، والجانب التهذيبى (8). ومن التجديد: التفسير الموضوعى، وهو الذى تجمع فيه الآيات ذات الموضوع المقصود لفهمه وتفسيره بشكل صحيح كامل. ومنه: التفسير الأدبى النفسى، وهو الذى يتم فيه إحراز معان متجددة، عن طريق الحس اللغوى والدلالة الأولى للكلمة فى عصر نزول القرآن. ومنه ما استفيد فيه بعلم طبقات الأرض وغزو الفضاء وعالم البكتريا وغيرها، أسوة بما تضمنه التفسير منذ عصوره الأولى من آراء مستقاة من علوم الطب والهندسة والهيئة والجدل (9). وثالثاً: فى الأدب: وهو ماثل فى المسرحية والرواية والقصة القصيرة، وما يحكم هذه الفنون الجديدة من قواعد للآداب العالمية الحديثة بجانب جذور تراثية عربية. واستجدت فى القصيدة العربية موضوعات وصور وأخيلة. واخترعت "قصيدة النثر" وهى لا صلة لها بتاتا بالشعر العربى بمفهومه الأصيل، وتعتمد على بعض الصور الخيالية الغربية، وظهر "الشعر الحر" وهو- وإن لم يقطع صلته تماماً بعروض الخليل لا يلتزم طولا واحدا ولا قافية واحدة ولا شكلا منتظما للتقفية. واستتبع التجديد دراسات أدبية ونقدية تحدد القواعد الفنية للمسرحية والرواية والقصة القصيرة، وتتحدث عن التطورات التى طرأت على القصيدة العربية الحديثة. وأصبحت الدراسات الأدبية غاية، ووُصِلَتْ بعلم النفس، وعادت على نفسها بالنقد لبعض المسَلَّمات فى الفهم والنقد والتاريخ الأدبى، وتحولت دراسة البلاغة والنحو إلى الطريقة الذوقية الفنية (10). رابعاً: فى الحركات الإسلامية الحديثة: 1 - فى الحركة الوهابية، فهى دعوة إلى تنقية مفهوم الإسلام والفكر الإسلامى من مفاهيم الجبرية والحلول والاتحاد فى (العقيدة)، ومفاهيم التقليد فى مجال (الفقه والشريعة). 2 - وفى الحركة السنوسية، فهى دعوة إلى تنقية (العقيدة) من الشوائب، وتطهير (السنن المحمدية) من الأساطير، والمزج بين (المذاهب الفقهية) الأربعة والإضافة إليها من المذاهب التى لم يعد لها أتباع، ومن المستنبطات الجديدة من السنة، والاعتماد على الإطار (الصوفى) المؤسس على الكتاب والسنة. 3 - وفى الحركة السلفية، حركة الإصلاح الفكرى والدينى، فهى دعوة إلى التضامن الإسلامى، والتأليف بين السنة والشيعة، ومقاومة، الإمبريالية الأوروبية عن طريق العودة إلى الإسلام، فى وضع حديث علمى الطابع، والتوفيق بين الدين والعلم، وفتح باب الاجتهاد، وتنوير المهمة التربوية (11). هذا وما يسمى تجديدا فى الشرق الإسلامى ما هو إلا تقليد لفكر الغرب، وقد يكون تقليدا محرفا وهو تطرف تلتمس فيه حضارة الغرب دون التقيد بالقيم الإسلامية والتراث. أ. د/ عبد الغفور محمود مصطفى

_ المرجع 1 - المعجم الوسيط، ولسان العرب، مادة (جدد). 2 - الفقه الإسلامى بين الأصالة والتجديد للدكتور يوسف القرضاوى ص 27 دار الصحوة للنشر ط 1 سنة 1406 هـ. 3 - انظر فيض القدير للمناوى وهامشه 2/ 281 - 282 طبعة دار الفكر بدون تاريخ. وفيه أن الحديث أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى فى كتاب المعرفة عن أبى هريرة، قال الزين العراقى وغيره: "سنده صحيح ". 4 - القرضاوى السابق 26. 5 - ردود على أطروحات علمانية ص (50 - 51) تأليف منير شفيق ط 1 سنة 1413 هـ دار النشر الدولى بالرياض. 6 - راجع القرضاوى السابق 31 - 41. 7 - القرضاوى السابق 40 - 41. 8 - القرضاوى السابق 75، و (فى تاريخ التشريع الإسلامى) تأليف ن. ج كولسون ترجمة وتعليق د. محمد أحمد سراج- مراجعة د. حسن الشافعى ص (374، 378، 17 4) طبعة أولى 2 0 4 1 هـ الناشر دار العروبة بالكويت إشراف دار الصحوة بالقاهرة. 9 - الإسلام دعوة عالمية للعقاد ص (135 - 156) المكتبة العصرية، بيروت، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير لأمين الخولى (ص 333، 216، 217، وهامش ص 237) الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995 م، بحوث فى علوم القرآن الكريم للدكتور/ عبد الغفور محمود مصطفى (97، 99) ط 1 دار التوفيق النموذجية سنة 1985 م. 10 - مناهج تجديد .. السابق ص 247 - 255، النقد الأدبى الحديث للدكتور محمد غنيمى هلال، الشعر العربى المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية للدكتور عز الدين إسماعيل، الرواية فى الوطن العربى، للدكتور /على الراعى، المسرح فى الوطن العربى له أيضا. 11 - اليقظة الإسلامية لأنور الجندى ص (50، 5 5، 77، 80، 82، 96، 111)، طبعة دار الاعتصام بدون تاريخ، والفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى، للدكتور/ محمد البهى ص (177، 199) الطبعة الثامنة سنة 1395 هـ الناشر مكتبة وهبة.

11 - التجربة

11 - التجربة لغة: التجربة هى الاختبار. واصطلاحا: هى القضايا التى يحتاج العقل فى جزم الحكم بها إلى تكرار مشاهدتها، ولهذا اللفظ معنيان أحدهما عام، والآخر خاص. (أ) المعنى العام: هى التجربة بمعنى الاختبار الذى يوسع الفكر ويغنيه، وهى المتغيرات النافعة التى تحصل لملكاتنا، والمكاسب التى تحصل لنفوسنا بتأثير التمرين: أو هى التقدم العقلى الذى تكسبنا إياه الحياة، وفى نظرية المعرفة يطلق لفظ التجربة على المعارف الصحيحة التى يكتسبها العقل بتمرين ملكاته المختلفة، والفلاسفة يفرقون بين التجربة الخارجية (بطريق الإدراك الحسى)، والتجربة الداخلية (بطريق الشعور). (ب) المعنى الخاص: هى أن يلاحظ العالم ظواهر الطبيعة فى شروط معينة، ففى كل تجربة ملاحظة، والتجربة فى العلم اختبار منظم لظاهرة أو ظواهر يراد ملاحظتها ملاحظة دقيقة ومنهجية للكشف عن نتيجة ما، أو تحقيق غرض معين. وليس كل ملاحظة تجربة، بل التجربة ملاحظة ظاهرة ما، ملاحظة مقصورة تتضمن تغيير الظروف الطبيعية التى تحدث فيها تلك الظاهرة. وأوضح مثل على الملاحظة فقط ما يقوم به علماء الفلك حين يلاحظون النجوم والكواكب وحركاتها؛ بغية الوصول إلى قوانين تلك الحركات. والتجربة التى تضم فى داخلها الملاحظة أى ما يقوم به علماء النبات والحيوان حين يعزلون نباتا أو حيوانا عن ظروفه الطبيعية للتوصل إلى خصائصه وتركيبه. والتجربة أكثر أهمية من الملاحظة، حيث تفيدنا الأولى فى كشف القوانين التى لا تسمح به مجرد الملاحظة البحتة للظواهر. وللتجربة شروط عامة تجب مراعاتها حتى تكون موضع ثقتنا، أهمها: الدقة والموضوعية، والتجربة المبنية على الحس تسمى بالتجربة الحسية، أو الخبرة الحسية، ولكن هناك فرق بينهما. الخبرة هى: أى حالة يكابدها الإنسان كإحساس بلذة أو ألم، أما التجربة الحسية فيجب حصرها داخل المعمل، حيث يقوم العالم التجريبى بملاحظاته، وبهذا المعنى تعتبر كل تجربة نوعا من الخبرة، وإن لم تكن كل خبرة تجربة. ومعنى التجربة غير مقصور على التجربة الحسية فقط، بل هناك الخبرة الدينية والصوفية. والخبرة النفسية أو الذاتية، المقصود بالأولى ما يكابده المؤمن بالله من سلوك الزهد والتقشف والعبادة والعزلة وإماتة الشهوات، وهذه خبرات لا يعيها إلا من يكابدها، ولذا فهى تفتقد الموضوعية. أما الخبرة النفسية فقد تكون خبرات نفسية خاصة لا يعانيها إلا الفلاسفة، أو خبرات نفسية مألوفة، وهى التى يعانيها كل إنسان فى حالات اللذة والألم والتذكر والتصور، وغير ذلك. ا. د/ منى أحمد أبو زيد

_ المرجع 1 - كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوى ترجمة د. عبد المنعم محمد حسين، تحقيق د. لطفى عبد البديع، مراجعة ا-د. أمين الخولى، جـ1 مادة (التجربة) القاهرة 1382 هـ 1963 م. 2 - المعجم الفلسفى، د. عبد المنعم الحفنى الدار الشرقية، القاهرة ط 14101 هـ، 1990 م. 3 - المعجم الفلسفى، الدكتور جميل صليبا مادة (تجربة) جـ ا، دار الكتاب اللبنانى 1982 م. 4 - الموسوعة الفلسفية، نشر دار الإنماء العربى مج 1 (الاصطلاحات والمفاهيم) ط 1 - 1986 م، مادة تجربة كتب د. محمود فهمى زيدان.

12 - التجريب

12 - التجريب لغة: تفعيل من التجربة. واصطلاحاً: التجريب مستمد من التجربة، والتجربة هنا هى الملاحظة المحدثة لتحقيق فرضية ما والإيحاء بفكرة ما، وهى بهذا المعنى مرادفة للتجريب، والتجربة فى هذه الحالة تحدث وفق ظروف معينة يهيئها المجرب بنفسه، وغايته من ذلك الوصول إلى قانون يعلل به حوادث الطبيعة. والتجريب مذهب يقول إن الخبرة مصدر المعرفة وليس العقل، واستخدم هذا المنهج فى العلم والفلسفة، وكانت الفلسفة التجريبية نقيضا للفلسفة العقلية. والتجريبية اسم يطلق على جميع المذاهب الفلسفية التى تنكر وجود مبادئ عقلية فطرية قبل التجربة ومتميزة عنها. أما المذهب العقلى، وهو المناقض للمذهب التجريبى، فيرى أن العقل أو النفس تشتمل على مبادئ فطرية هى أساس المعرفة، وأن العقل يشتمل على مبادئ خاصة به مختلفة عن الأشياء. وقد رفض أصحاب المذهب التجريبى هذا التصور، واعتقدوا أن كل معرفة إنسانية إنما تبدأ بمعرفة حسية، أى باستخدام الحواس، وتحصل على أفكار وتصورات تجريبية، إذ إن العقل عندهم صفحة بيضاء تخط فيها التجربة ما يأتى من الحواس، فتتم المعرفة وتكون المعرفة حينئذ معرفة مكتسبة بعد التجربة والتجريب. ويرجع هذا الموقف التجريبى إلى بعض مدارس الفكر اليونانى القديم، كما ظهر أيضا عند الفلاسفة والعلماء العرب، أمثال: جابر بن حيان فى الكيمياء، الحسن بن الهيثم فى علم البصريات، أبو بكر الرازى وابن سينا فى الطب، ابن النفيس فى علم وظائف الأعضاء، أما الانتشار الحقيقى لهذا المذهب فكان من القرون الحديثة ابتداء من فرنسيس بيكون. والتجريب يوجد كذلك فى مجال العلوم، فيقال: علوم تجريبية، أى العلوم التى تعتمد على التجريب، فالطب التجريبى مقابل الطب السريرى؛ لأن الأول يعتمد على التجريب والثانى يعتمد على الملاحظة، وعلم النفس التجريبى مقابل لعلم النفس النظرى. وقد أطلق ابن سينا على المشاهدات الحاصلة من التجريب اسم المجربات وهى أمور توقع التصديق بها الحس من تكرار حدوثها، فالمجربات قضايا وأحكام تتبع مشاهدات متكررة. والتجريب الذهنى مقابل للتجريب المادى، وهو أن يتصور الإنسان بعض المواقف ويركز انتباهه فيها، ويتنبأ بما ينشأ عنها من نتائج، وهذا التجريب لا يبلغ نهايته إلا إذا أمكن تمثل المواقف تمثلا دقيقا، وهو أيسر من التجريب المادى، لأن تصوراتنا فى متناول أيدينا، مثال ذلك واضعو المشروعات، وبناة القصور فى الخيال، والروائيون، ومخترعوا لنظريات السياسية والاجتماعية، والباحثون عن الحقيقة ينصرون جميعا مشروعاتهم قبل الإقدام على تحقيقها، ويجرون تصويبات ذهنية قبل خروجها إلى الواقع، وتسمى لذلك بالتجريبية الذهنية. ا. د/ منى أحمد أبو زيد

_ المرجع 1 - المعجم الفلسفى: د. عبد المنعم الحفنى، الدار الشرقية، القاهرة 1410 هـ/ 1990 م 2 - المعجم الفلسفى ج 1 د. جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى- بيروت 1982 م. 3 - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر معهد الإنماء العربى، إشراف د. معن زيادة ج2، القسم الأول، مادة (التجريبية) كتابة د. محمود فهمى زيدان- بيروت 1988م.

13 - التجسيم

13 - التجسيم لغة: جَسُمَ الرجل يَجْسُمُ جَسَامةً، فهو جَسِيمُ وتَجَسَّمْتُ فلاناً من بين القوم، أى اخترته، كأنك قصدت جسمه وتَجَسَّمْتُ الأمر إذا ركبت أجْسَمَه ومعظمه (كما فى اللسان) (1). والتجسيم: تصور الشيء فى صورة جسم. واصطلاحا: يقصد به قول المجسمة: أن الله تعالى له جسم، ومحدود، وذو نهاية وقد اختلفت المجسمة فيما بينها فى التجسيم على ست عشرة مقالة منها: قول هشام بن الحكم: إن الله جسم محدود عريض عميق طويل، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، نور ساطع، له قدر من الأقدار بمعنى أن له مقدارا فى طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه فى مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية تتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم ورائحة ومَجَسِّة، لونه هو طعمه، وهو رائحته، وهو مجسته، وهو نفسه، لون- ولم يثبت لون غيره- وانه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد. وقد اختلف المجسمة بعد ذلك فى مقدار البارئ تعالى: فقال قائلون: هو جسم، وهو فى كل مكان، وفاضل عن جميع الأماكن، وهو مع ذلك منتاه، غير أن مساحته أكثر من مساحة العالم، لأنه أكبر من كل شيء. وقال بعضهم: مِساَحَتُه على قدر العالم. وقال بعضهم: إن للبارئ جسما له مقدار فى المساحة ولا ندرى كم ذلك القدر. وقال بعضهم: هو فى أحسن الأقدار، وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافى، ولا القليل القَمِىء. وقد اختلفوا فى هل هو فى مكان دون مكان أم لا فى مكان؟ فجماعة منهم أنكروا وجوده فى مكان وأخرى أثبتت أنه فى مكان حيث قالوا: هو جسم خارج من جميع صفات الجسم، ليس بطويل ولا عريض ولا عميق، ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة وأنه ليس فى الأشياء، ولا على العرش، إلا على معنى أنه فوقه غير مماس له. رأى السلف فى أمر التجسيم: قال أهل السنة: إن الله تعالى ليس بجسم، ولا يشبه الأشياء، وإنه على العرش، كما قال عز وجل: } الرحمن على العرش استوى {(طه 5). فلا نقدم بين يدى الله فى القول، بل نقول: استوى بلا كيف، وإنه نور كما قال تعالى:} الله نور السموات والأرض {(النور 35) وإنه تعالى له وجه كما قال تعالى:} ويبقى وجه ربك {(الرحمن 27) وإنه تعالى له يد كما قال تعالى:} خلقت بيدى {(ص 75). وإنه تعالى له عينان كما قال:} تجرى بأعيننا {(القمر 14) وإنه تعالى يجىء يوم القيامة هو والملائكة كما قال سبحانه:} وجاء ربك والملك صفا صفا {(الفجر22) وإنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء فى الحديث:" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعنى فأستجب له؟ .. " (رواه البخارى ومسلم). فلم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه فى الكتاب أو ما جاءت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أونقول كما قال الإمام مالك: " الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب ". أو قول الصحابة: العجز عن الإدراك إدراك والتفكر فى ذات الله إشراك. (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (جسم).

_ المرجع 1 - مقالات الإسلاميين للأشعرى (1/ 281) طبعة المكتبة العصرية - بيروت. 2 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى (ص.6) تحقيق شعيب الأرنؤوط ود. عبد الله بن عبد المحسن، طبعة مؤسسة الرسالة- بيروت. 3 - الملل والنحل، للشهرستانى طبعة الأزهر القاهرة 1910 م

14 - التجلي

14 - التجلي لغة: جلا الأمر جلاء وضح، جلا السيف والفضة والمرآة ونحوها كشف صدأها وصقلها، وأجلى عنه الهم: أزاله وكشفه. كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب كما يعرفه الغزالى (2)، وهذا التعريف لا يختلف- كثيرا- عن تعريفات قدماء الصوفية، كالسّرّاج الطوسى (ت 378 هـ/ 988 م)، والكلاّباذى (ت 380 هـ/ 0 99 م)، والقشيرى (376 - 465 هـ/ 986 - 1073 م)، والهجويرى (ت هـ 46 هـ/1073م) وغيرهم؛ وإن كنا نجد- عندهم- بعض استطرادات تتعلق بأحوال "التجلى" ومظاهره المختلفة لكنها لا تمس- فى جملتها- هذا المفهوم البسيط الذى لخصه الإمام الغزالى فى تعريفه السابق. فالكلاّباذى- مثلا- يهتم ببيان أحوال ثلاثة للتجلى، هى: "تجلى الذات "، وتجلى الصفات "، و "تجلى حكم الذات "" ويعنى بالتجلى الأول: رؤية الله تعالى، وهى فى الدنيا: رؤية كشفية- لا عيانية-، ويدركها السالك بقلبه ووجدانه، وفى الآخرة: رؤية عيانية، أو: كشف عيانى. ويعنى بالتجلى الثانى: تجلى "الحق " بإحدى صفاته أو بصفاته كلها، كأن يتجلى على عبده بصفة القدرة، فلا يخاف غيره ولا يرجو سواه. أما التجلى الثالث فهو من تجليات الآخرة، ويتمثل فى انقسام الناس إلى فريقين: فريق فى الجنة وفريق فى السعير .. ويفرق الهجويرى بين التجلى بمعنى "الكشف القلبى" فى الدنيا، والتجلى بمعنى "الكشف العيانى" فى الآخرة بأن التجلى فى الدنيا يحصل فى وقت ولا يحصل فى وقت آخر، والستر يعقب هذا التجلى، ويحجبه، بخلاف أهل العيان فى الجنة، فإنهم فى تجل دائم لا ينقطع، ولأن تجلى العيان "رؤية" حقيقية فإنه لا يجوز عليه الستر ولا الحجاب. ويستروح الصوفية فى أحاديثهم عن تجلى الدنيا بإشارات ولطائف من قوله - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الشريف: " اعبد الله كأنك تراه " (3)، وقول عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما:- "كنا نتراءى الله فى ذلك المكان (الطواف) " (4). غير أن هذا المفهوم البسيط للتجلى تعقَّد فى طور لاحق، وبخاصة فى مؤلفات الشيخ الأكبر: محيى الدين بن عربى (560 - 638 هـ/ 1097 - 1168م)، واكتسب أبعادا جديدة، لم تُعرف له من قبل: فتجلى الذات الذى لم يكن يعنى- عند الأوائل- أكثر من رؤية قلبية فى الدنيا وعيانية فى الآخرة أصبح يعنى تجلى الذات فى الذات، أى: تجلى الحق بذاته فى ذاته، بحيث يكون التجلى عين المتجلى، وهذا لا يكون إلا لله تعالى: أما تجلى الأسماء فإن التجلى- فيه مغاير للمتجلى، وهو ظهور وتجل من وجه، وحجاب وسترمن وجه آخر، لأنه، من وجه: أسماؤه- تعالى:. ومن وجه: حُجبه وأستاره النورانية، ويستأنس شَّراح ابن عربى من كلامهم هذا بالحديث الشريف: "دون الله تعالى ألف حجاب من نور وظلمة" (5). وللتجلى فى كلام المتأخرين مظاهر وأحوال ومراتب عدة، ولمراتبه أسماء واصطلاحات خاصة، لم تخطر للصوفية الأوائل على بال، مثل تعينات الذات، وتجليات الهوية، والتجلى السارى فى جميع الذرارى، والتجلى السارى فى حقائق الممكنات وغيرها. أ. د/ أحمد الطيب 1 - المعجم الوسيط 1/ 137 مجمع اللغة العربية. دار المعارف- القاهرة. 2 - الإملاء عن إشكالات الإحياء، الغزالى بهامش: إحياء علوم الدين 1:72 ط- الحلبى 1957م. 3 - أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان من صحيحه. 4 - أخرجه أبو نعيم فى الحلية (1: 309) بلفظ "كنا فى الطواف فتخايل الله بين أعيننا". 5 - أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير، وعزاه إليه العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء107:1، ط. الحلبى، مصر 1952م.

_ المرجع 1 - التعرف لمذهب أهل التصوف. الكلاّبازى 1 2 1، ط. عيسى الحلبى، مصر، 0 138 هـ- 0 96 1 م. 2 - كشف المحجوب. الهجويرى، ترجمة إسعاد عبد الهادى قنديل، دار النهضة العربية- بيروت 1980 م. ص 633. 3 - شرح فصوص الحكم، داود القيصرى الرومى 121 - 123 ومواضع أخرى عديدة، تعليق سيد جلال آشتيانى طهران 1375 هـ. 4 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، عبد الرازق القاشانى 300:1 - 311، تحقيق سعيد عبد الفتاح ط. دار الكتب المصرية، 5 199 م.

15 - التجويد

15 - التجويد لغة: مصدر جوّده: أى صيرّه جيدا، والجيد ضد الردىء (1) واصطلاحا: إخراج كل حرف من مخرجه، مع إعطائه حقه من الصفات اللازمة، ومستحقه من الصفات العارضة (2)، فى تلاوة القرآن الكريم. وعلم التجويد: هو العلم الذى يعرف منه مخرج كل حرف، وحقه من الصفات اللازمة كالجهر والاستعلاء، ومستحقه من الصفات العارضة كالتفخيم والاخفاء، ثم أقسام الوقف والابتداء، إلى غير ذلك. وطريق تحصيله رياضة اللسان وكثرة التكرار بعد العرض والسماع بالنطق الصحيح على يد شيخ متقن لقراءة القرآن الكريم. وحكم العمل به الوجوب العيش على كل مكلف يقرأ شيئا من القرآن، وحكم تعليم هذا العلم الوجوبا الكفائى مادام هناك أكثرمن عارف به، وأشهر مباحثه: مخارج الحروف وصفاتها وأحكامها. وأشهر كتبه قديما وحديثا: الخاقانية لموسى بن عبيد الله (ت 325هـ)، والرعاية لمكى بن أبى طالب (ت 437هـ)، والتمهيد وكذا الجزرية لمحمد بن محمد بن الجزرى (ت 833هـ)، ونهاية القول المفيد لمحمد مكى نصر، من أبناء القرن الرابع عشر الهجرى. وهداية القارئ لعبد الفتاح عجمى المرصفى (ت 1409هـ) (3) وقد كثرت الأدلة والفتاوى ونصوص العلماء على وجوبه، ومنها: {ورتل القرآن ترتيلا} المزمل:4. فهذا أمر، والأمر للوجوب. وفسره سيدنا على فقال:"الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ". {قرآنا عربيا غيرذى عوج} الزمر:28، فمن عوجه بترك تطبيق التجويد فقد ارتكب المحظور. قرأ رجل: {إنما الصدقات للفقراء} التوبة:60، مرسلة، أى بدون المد الواجب، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرانيها: (للفقراء) فمدها. فالإجماع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأ إلا بالتجويد، وتلقاه الصحابة عنه هكذا ومن وراءهم على ذلك جيلا فجيلا (4) قال يعقوب (5):إن من التحريف تغيير الأوصاف من جهروهمس وتفخيم ... فعلمنا أن هذا حرام، وأن ضده وهو التجويد واجب. وقال الشيخ حسنين مخلوف:"وقد أجمعوا على أن النقص فى كيفية القرآن وهيئته كالنقص فى ذاته ومادته، فترك المد والغنة والتفخيم والترقيق كترك حروفه وكلماته، ومن هنا وجب تجويد القرآن". أ. د/عبد الغفور محمود مصطفى

_ الهامش: 1 - انظر لسان العرب والمعجم الوسيط مادة (جود). 2 - نهاية القول المفيد الشيخ محمد مكى نصر: مطبعة الحلبى 1349هـ. 3 - مقدمة تفسير القرطبى مطبعة دار الشعب ص13. 4 - عنوان البيان للشيخ مخلوف مطبعة الحلبى ص27. 5 - المدخل ص158 الطبعة الثانية سنة 1994م جى جى لطباعة الأوفست ص158

16 - التحقيق

16 - التحقيق لغة: حَقّقَ الأمرَ: أثبته وصدَّقه، وكلام مُحَفَّق: محكم الصنعة رصين، (1) يقول ابن منظور: "وحققت الأمر وأحققته: كنت على يقين منه " (2). واصطلاحا: قراءة النص على الوجه الذى أراده عليه مؤلفه، أو على وجه يقرب من أصله الذى كتبه به هذا المؤلف وليس معنى قولنا: يقرب من أصله أننا نخمن أية قراءة معينة، بل علينا أن نبذل جهداً كبيراً فى محاولة العثور على دليل يؤيد القراءة التى اخترناها. وليس التحقيق مرادفا للنشر، وليس المراد بتحقيق النص إعداده للنشر فحسب، لأن أى باحث فى العلوم الإنسانية، مطالب بتحقيق النص، الذى يستنبط منه نتائج معينة، قبل أن يقدم على استنباط هذه النتائج. وليس من اللازم أن يكون ذلك النص مخطوطا، فكثير من الكتب المطبوعة التى بين أيدينا، لا تفترق كثيرا عن المخطوطات؛ إذ إن الذين تولوا طبعها ونشرها طائفة من الوراقين والأدعياء. وإنه لتحقيق أية مخطوطة، لابد من اتباع الخطوات التالية: 1 - جمع النسخ الأصلية للكتاب؛ وترتيُبها فى الأصالة: أن تكون بخط المؤلف، أو مقروءة عليه، أو منقولة عن نسخته، أو منسوخة فى حياته، أو عليها تعليقات أحد العلماء. 2 - الرجوع إلى مصادر الكتاب، ومراجعة الكتاب على المؤلفات المماثلة والحواشى والشروح. 3 - تحقيق النص بمقابلة نسخه وإثبات الصواب فى المتن، وفروق النسخ فى الهامش. ويشار إلى النصوص الساقطة، اللازمة لفهم الكتاب فى متنه. وإن لم تكن لازمة، توضع فى الهامش مع الإشارة. وإذا وُجد خَرْم فى أصول الكتاب، توضع ثلاث نقط فقط مكانه مع الإشارة فى الهامش. وتصحح الأخطاء والتحريفات والتصحيفات، ويضبط ما يشكل من الكلمات. 4 - تخريج النصوص أمر ضرورى، فالآيات القرآنية، يشار فى الهوامش إلى أرقام السور والآيات فيها. كما يشار إلى مصادر الأحاديث مع أرقامها هناك. وتخريج الشواهد الأدبية من الشعر والنثر، والمصطلحات العلمية بإيجاز. ويعلق على الأعلام والأماكن باختصار مع ذكر المراجع. ويشار إلى تعليقات الحواشى فى الهوامش، إذا كانت مما يفيد. 5 - مراعاة قواعد الإملاء الحديث، مع الإشارة إلى ما فى المخطوطات من خلافات، عند وصف هذه المخطوطات. 6 - تراعى قواعد الترقيم الحديث، فى الضبط، والفواصل، والأقواس العادية والمزخرفة، وعلامات التنصيص، والتعجب، والاستفهام، حسب المتبع فى هذا الموضوع. 7 - يضع المحقق مقدمة للكتاب، تشتمل على: التعريف بالمؤلف والكتاب، ومنزلته بين الكتب المماثلة، والتعريف بموضوع الكتاب، وما ألف فى فنه من الكتب المهمة. 8 - يضع المحقق للكتاب الفهارس الفنية النافعة، التى تعين على الوصول للمراد بسهولة ويسر وأقصر سبيل. أ. د/ رمضان عبد التواب 1 - المعجم الوسيط (ص 194). 2 - لسان العرب (حقق) 11/ 333.

_ المراجع 1 - أصول نقد النصوص ونشر الكتب، لبرجشتراسر- نشر الدكتور حمدى البكرى- القاهرة 1969 م. 2 - تحقيق النصوص ونشرها، لعبد السلام هارون- القاهرة 1975 م. 3 - القواعد العامة لتحقيق النصوص، للدكتور/ رمضان عبد التواب- القاهرة 16 4 1 هـ/ 1995 م. 4 - مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، للدكتور/ رمضان عبد التواب- القاهرة 6 0 4 1 هـ/ 985 ام.

17 - التحكيم

17 - التحكيم لغة: حَكَمْت وأحْكَمت وحكّمت بمعنى منعت ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم لأنه يمنع الظالم من الظلم، وحكّموه بينهم: أمروه أن يحْكُم. واصطلاحا: تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما .. يقول تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء 65). وقد وضع فقهاء الإسلام للتحكيم عدة شروط منها: 1 - قيام نزاع وخصومة حول حق من الحقوق. 2 - تراضى طرفى الخصومة على قبول حكم المحكّم، أما المعيّن من قبل القاضى، فلا يشترط رضاهما به، لأنه نائب عن القاضى وفى منزلته. 3 - اتفاق المتخاصمين والحكم على قبول التحكيم كمهمة. وللمحكِّم أيضا عدة شروط منها: 1 - أن يكون معلوما. 2 - أن يكون أهلاً لولاية القضاء. 3 - أن لا يكون بينه وأحد الخصمين قرابة تمنع من الشهادة. وتعد أشهر حادثة تحكيم فى التاريخ الإسلامى، والتى ألقت بظلالها على التاريخ الإسلامى عبر العصور، هى تلك الحادثة التى وقعت بين على بن أبى طالب - رضي الله عنه - رابع الخلفاء الراشدين، ومعاوية بن أبى سفيان، الذى رفض إعطاء البيعة لعلى بن أبى طالب - رضي الله عنه - واستئثاره بالشام دونه، ومطالبا إياه بدم عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. فكان أن حدثت الفتنة بين المسلمين بعضهم وبعض، وانقسموا فريقين فريق يناصر على بن أبى طالب - رضي الله عنه - ومن معه بالكوفة وفريق يناصر معاوية ومن معه بالشام، وما عدا هؤلاء فقد اعتصم ببيته من شر الفتنة، وجرت الحروب بين الفريقين، ومات خلق كثير فيما عرف بوقعة صفين، ولما اشتد القتال بين الفريقين، وصارت العقبة لفريق على بن أبى طالب - رضي الله عنه -، وأوشك فريق معاوية وأصحابه أن يفروا منهزمين فيما عرف بيوم الهرير، نادى معاوية وأصحابه بتحكيم كتاب الله فيما بين الفريقين، فانكسرت شوكة فريق على بن أبى طالب - رضي الله عنه - لانقسامهم عليه بين مؤيد ومعارض، فوافق على بن أبى طالب - رضي الله عنه - على التحكيم رغم علمه بأنها مكيدة وذريعة للنجاة من الهزيمة، وذلك ليوحد صفوف قومه ويحقن دماء المسلمين. وكان من كل فريق حكم، فمن فريق معاوية عمرو بن العاص ومن فريق على - رضي الله عنه - أبو موسى الأشعرى، وكانت محنة للأمة الإسلامية، امتد أثرها فيما بعد ذلك وعلى مر التاريخ الإسلامى. (هيئة التحرير)

_ المرجع 1 - الدر المختار للحصكفى- طبع البابى الحلبى. 2 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم- دار المعرفة- بيروت. 3 - المبسوط، للسرخسى. 4 - وقعة صفين، لنصر بن مزاحم المنقرى- تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون- دار الجيل- بيروت 1410 هـ/ 1990 م. 5 - الموسوعة الفقهية- وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية- الكويت. 6 - الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى- مكتبة محمد على صبيح 1387 هـ/ 1968 م.

18 - التحلي

18 - التحلِّي اصطلاحا: عند قدماء المشايخ هو نوع من " التشبه بالصادقين " محصور فى دائرة الأقوال والأعمال لا يتعداها إلى غيرها، كالإيمان- مثلا، فإنه لا يقَبْل التشبه ولا المحاكاة. ولعل هذا ما دفع السرَّاج الطوسى"، وهو يتحدث عن التحلى إلى الاستشهاد بالحديث الشريف " ليس الإيمان بالتخلى ولا بالتحلى، ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل " (1)، فى إشارة منه إلى استحالة "التحلى" بالإيمان وبالأحوال القلبية عموما. ويبدو أنه ليس للتحلى كبير شأن فى كتابات الأوائل من الصوفية، ولعل ذلك راجع إلى أن القوم- فى أحوالهم ومقاماتهم ومنازلهم- إنما يعوِّلون على الصدق والتحقق، لا على التشبّة والتظاهر، وربما كان "التحلى" محمودا عندهم، من جهة أنه تدريب على اكتساب الأقوال والأفعال المرضية، وصيرورتها عادة وجبلة فى السالك. وكثيرا ما يرد "التحلى"، فى كلامهم كمرحلة وسطى، تسبقها مرحلة "التخلى" وتعقبها مرحلة "التجلى". ويؤخذ من كلامهم أيضا ضرورة صدق السالك فيما يتحلى به، ومن هنا شدّدوا النكير على المتظاهرين من غير الصادقين، وهؤلاء- فيما يقول الهجويرى- "يفتضحون لا محالة، بل هم فى أنفسهم فضيحة، لأن سرّهم مكشوف ". وللتحلى فى كتابات المتأخرين معنى مخالف، يرجع إلى التشبه، لا بأخلاق العبودية كما هو الشأن فى التفسير السابق، ولكن بالأخلاق الإلهية، وذلك من خلال "الأسماء الإلهية" تعبدا وتمثلا، وقد يكون للمعنى الفلسفى، الذى يفسر "السعادة" بأنها التشبه بالله قدر الطاقة البشرية صلة بهذا المعنى المتأخر للتحلى. ويلاحظ أن أصحاب هذا الاتجاه يتصورون علاقة ثلاثية- عرفانية أكثر منها سلوكية- بين "التجلى" الذى هو: "ظهور الذات فى حُجب الأسماء والصفات تنزلاً"، والتحلى"، وهو "القيام بمعانى الأسماء تعبّداً وتمثلاً"، والتخلى" الذى هو "سقوط الإرادة والاختيار اعتماداً وتوكلا ". أ. د/ أحمد الطيب 1 - الحديث من رواية أنس بن مالك، وقد أورده السيوطى فى: الجامع الصغير مع فيض القدير. رقم 7570، ورمز له بالضعف.

_ المرجع 1 - اللمع، أبو نصر الطوسى، تحقيق: عبد الحليم محمود، طه سرور، ط- دار الكتب الحديثه، مصر. 138 هـ- 0 196 م ص439. 2 - الإملاء عن إشكالات الإحياء (على هامش الإحياء) الإمام الغزالى- ط. الحلبى 1957 م.72:1. 3 - كشف المحجوب، الهجويرى، 633، ترجمة: إسعاد قنديل، دار النهضة العربية، بيروت 1980 م. 4 - منتخبات من شرحه على الرسالة القشيرية (بهامش الرسالة القشيرية) زكريا الأنصارى، 42. ط الحلبى- مصر، 1940 م. 5 - لطائف الإعلام، القاشانى، 1 - 313 - 314، تحقيق، سعيد عبد لفتاح، ط. دار الكتب المصرية، 1996 م.

19 - التحليل

19 - التحليل لغة: حلَّل العقدة، فكَّها، وحلَّل الشىء: أرجعه إلى عناصره، وحلَّل نفسية فلان: درسها لكشف خباياها، وتحليل الجملة: بيان أجزائها ووظيفة كل منها. كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: على وجهين، وجه العموم ووجه الخصوص. فعلى وجه العموم هو إرجاع ظاهرة مركبة إلى أبسط عناصرها أو أجزائها. وأما على وجه الخصوص فيستخدم فى علوم إنسانية وطبيعية كثيرة بمعان متعددة، لكنها جميعا ترتبط بهذا المعنى العام. 1 - ففى علم المنطق يعتبرالتحليل -بمثابة طريقة لدراسة الظواهر تجزئ الشىء المدروس إلى وحدات متشابهة، إما بالتقسيم المادى وإما بالتفكير فى أجزاء أو صفات الشىء المتمايز كل على حدة. 2 - وفى علم النفس فإن التحليل هو تحديد مكونات أية خبرة كلية أو مركبة أو عملية عقلية، ويستخدم لفظ التحليل (اختصارا للتحليل النفسى) للدلالة على منهج ومزاولة التحليل النفسى (وهو ما يطلق عليه تجاوزا: نظرية التحليل النفسى)، حيث تدرس الأحلام والتداعيات غير المقهورة وأحلام اليقظة بتوجيه عدد كبير- من القوانين وقواعد التفسير، وتتمايز أنواع مختلفة من التحليل تبعا لهذا، فالتحليل الفعال هو الطريقة التى لا تقصرفيها المحلل نفسه على تسجيل وتفسير التداعيات الحرة، بل يتدخل بجده وفاعلية، إثارة ارتباطات ذات دلالة، ومقدما النصح على أساس المحتوى الصريح. وتحليل الذكريات هو بحث التاريخ العقلى للفرد المستمد فى جزء منه من الشخص نفسه، وفى بقيته من أقرانه ومعارفه. 3 - وفى علوم التربية يطلق تحليل المناشط على أسلوب يعمد إلى تجزئة السلوك المركب والمعقد إلى وحدات أصغر، هى أكثر نوعية وتحديدا، ويستخدم هذا بصفة خاصة فى المفردات الدراسية. 4 - وفى علوم الاجتماع يستخدم تعبير تحليل الصفة أو الجانب فى الدراسات التى تستهدف إيجاد ذلك الجانب المتميز-من سمة معينة فى مجموعة مدروسة من الناس، على نحو ما يحدث فى دراسة الثقافات المختلفة، وذلك لتحليل المعانى والصفات المشتركة المرتبطة بالقيم المختلفة. وتحليل المضمون يقودنا إلى دراسات موسعة وشائعة الانتشار الآن فى الدراسات الإعلامية والأدبية، تعنى بتحليل الخطاب الذى يدلى به الشخص على أساس ما يقال لا على أساس كيف قيل، وبمعناه العام فإن تحليل المضمون قد يكون بمثابة الجدولة الموضوعية للتكرار، التى تظهر عناصر معينة فى النص ألمحلل، وهو إذن بمثابة اكتشاف وتبويب الأفكار والمشاعر والحقائق والأطر المرجعية وفق خطة منظمة. 5 - وفى الطب بصفة عامة يعنى الأطباء بتحليل مضمون شكوى المريض، للحصول على المعلومات التى تتعلق بعناصر المرض، ويدربون فى دراستهم الإكلينيكية على القدرة على تحليل ما يتاح لهم من معلومات، حتى لو كانت ظاهرة البطلان، فالذى يشكو مما ليس فيه يريد بمثل هذه الشكوى الكاذبة شيئا آخر يستطيع الأطباء استنتاجه، والوصول إليه بحكم خبرتهم الطويلة بمثل هذه الحالات. 6 - وفى الطب النفسى يطلق التحليل المباشر على إحدى الطرق المتبعة فى علاج المصابين بانفصام. 7 - وفى حطوم الإحصاء يستخدم لفظ التحليل فى كثير من المصطلحات الإحصائية، ومنها التحليل التوزيعى. أما تحليل متعدد المتغيرات فأسلوب إحصائى يستخدم بكثرة وافرة الآن فى البحوث العلمية والطبية، ويهدف إلى بيان أثر عدة متغيرات وهى تتفاعل معا، وذلك من خلال عدة طرق مختلفة (كتحليل العوامل المتعددة وتحليل التباين الاقترانى) .. أما تحليل التباين فهى طريقة لتحديد ما إذا ثانت الفروق (ويعبر عنها بالتباين) الموجودة فى المتغير التابع تتجاوز ما يمكن أن نتوقعه عن طرق المصادفة .. وقد يعامل كل متغير بدوره على أنه المتغير التابع. 8 - وفى علوم الصوتيات يطلق تحليل الصوتيات على تجزئة تتابع صوتى إلى وحدات أصغر. 9 - وفى علوم الكيمياء يطلق على العملية التى تثبت العناصر المختلفة المكونة لمركب ما، وقد تطرق هذا المعنى إلى تحليل لبول والدم والبراز وسوائل الجسم الأخرى بل وأنسجته فى المختبرات الطبية للكشف عن عناصرمعينة تنبىء عن حالة المرض، أو نسبة معينة من مكون معين تنبىء زيادتها عن المرض وتطوره. أ. د/محمد محمد الجوادى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، 1/ 200

20 - التحمل والأداء

20 - التَّحَمُّل والأداء لغة: التحمل صيغة تَفَعُّل مأخوذ من حملت الشيء أحمله جملا- بكسر الحاء- إذا كان فى الأثقال المحمولة فى الظاهر، ومنه قوله تعالى} وساء لهم يوم القيامة حِمْلا {(طه 101). وحملت المرأة الجنين فى بطنها حَملا- بفتح الحاء، ومنه قوله تعالى} فلما تغشاها حملت حَمْلا خفيفاً {(الأعراف 189) وحملته الرسالة: كلفته حملها، ومنه قوله تعالى:} مثل الذين حمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها {(الجمعة 5). والأداء: مأخوذ من أدَّى الشيء أى دفعه، وأدَّى دينه: أى قضاه قال تعالى} إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها {(النساء 58). واصطلاحا: هذا التعبير استخدمه علماء الحديث ويقصدون به بيان الكيفية التى يستقبل بها الطالب المادة العلمية للحديث الشريف وما يتعلق به- وهو المراد بكلمة التحمل، ثم بيان الأسلوب الذى ينبغى اتباعه فى إبلاغ ما استوعبه الطالب، وهو المعبر عنه بالأداء ... فكلمة التحمل إنما هى خاصة بمرحلة طلب العلم، وكلمة الأداء خاصة بمرحلة إبلاغ العلم، ويمكن تسمية هذا العلم بلغة العصر (الاستقبال والإرسال) أو (التلقى والبلاغ). ولم يرد هذا التعبير فى كتب المصطلح الأولى، وإنما عبر عنه الأئمة بتعبيرات قريبة من هذا سماه القاضى عياض (ت 544 هـ): أنواع الأخذ وأصول الرواية (1). وابن الأثير (ت 606هـ) بقوله "مسند الراوى وكيفية أخذه" (2). وابن الصلاح (ت 643 هـ) بقوله: كيفية. سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه (3). أما الأصوليون فعبروا عن ذلك أحيانا بقولهم "صفة الرواية" (4) وأحيانا "مراتب الرواية (5). ولا يشترط للتحمل عقيدة- أعنى إسلاماً فيصح لغير المسلم أن يتحمل العلم، وإن كان لا يصح له الأداء إلا بعد إسلامه، حتى نطمئن على صدق الخبر. أما بالنسبة للسن، فالقول باشتراط سن محددة لحضور مجالس الحديث غير سديد، بل العبرة بالتمييز وفهم ما يسمع .. وقد حضر الصحابة وهم صغار السن مجالس الحديث. وللتحمل طرق .. وللأداء صيغ .. فطرق التحمل ثمانية، مرتبة كالتالى: السماع، القراءة، وتسمى العرض عند بعض العلماء، ثم المكاتبة فالمناولة، فالإجازة، فالوصية، فالإعلام، فالوجادة، وهذه الطرق الثمانية بعضها متفق على العمل بها، وهى السماع، والقراءة، والمكاتبة، والمناولة، وبعضها مختلف فيها. ولكل طريق من طرق التحمل السابقة صيغته التى يؤدى بها، والقاعدة فى هذا الشأن أن أعلى صيغ الأداء لأى طريق ما اشتق من الطريق نفسه، فمن تحمل العلم سماعا يؤديه بقوله: سمعت أو سمعنا؟ وفى القراءة: قرأت أو قرأنا وفى المكاتبة: كتب إلى 0000 إلخ. وفى طريق السماع رأى الإمام أحمد أن صيغة: حدثنى أو حدثنا أقوى من سمعت أو سمعنا، وحين سئل فى ذلك قال: حدثنى شديد000 يقصد أن الراوى لا يقول حدثنى إلا إذا كان موجودا فى مجلس الحديث0000 بخلاف سمعت فإنها قد تقال على لسان من لم يحضر الحلقة، ولو أردنا تعريفات لطرق التحمل الثمانية نقول: السماع: أن يسمع الطالب شيخه وهو يحدث بحديثٍ أو بأحاديث من حفظه، أو من كتابه. القراءة: أن يقرأ الطالب على شيخه حديثا، أو أحاديث من حفظه، أو من كتابه .. أو يستمع إلى من يقرأ على الشيخ، وبعض العلماء يسمى ذلك (عرضا) وبعضهم يغاير بين القراءة والعرض، ويجعل بينهما عموما وخصوصاً. المكاتبة: أن يرسل الأستاذ إلى الطالب رسالة مكتوبة أو كتابا يحتوى على مروياته. المناولة: أن يناول الشيخ الطالب كتابه المشتمل على مروياته. الإجازة: أن يأذن الشيخ للطالب- مشافهة أو كتابة- أن يروى عنه مؤلفاته أو مروياته .. المناولة: أن يناول الشيخ الطالب بعض مؤلفاته أو مروياته، ويجيزه روايتها صراحة أو كتابة. الوصية: أن يوصى الشيخ بكتبه أو مروياته بأن تروى عنه عند سفره أو مرضه أو موته. الوجادة: أن يجد الطالب كتابا أو كتبا لشيخ لم يتمكن الطالب من سماعها من هذا الشيخ. وفى مسند أحمد كثير مرا الروايات من رواية ابنه عبد الله عنه بالوجادة .. يقول: وجدت فى كتاب أبى كذا وكذا .. أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة 1 - الإلماع للقاضى عياض تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر ص 68، ط الأولى1970م الناشر: دار التراث. 2 - جامع الأصول، لابن الأثير، تحقيق محمد حامد الفقى، 1/ 38 ط الأولى 1370 هـ. 3 - مقدمة ابن الصلاح ص 163 ط الأولى الناشر محمد عبد المحسن الكتبى. 4 - الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 2/ 262 ط الأولى 4 0 4 1 هـ الناشر: دار الحديث. 5 - شرح مختصر الروضة للطوفى المتوفى (716) 2/ 88 ط الأولى 1410 هـ مؤسسة الرسالة- بيروت.

_ المرجع 1 - اختصار علوم الحديث لابن كثير، وتعليق الشيخ أحمد شاكر عليه. 2 - توضيح الأفكار للصنعانى وتعليق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد. 3 - فتح المغيث للسخاوى. 4 - تدريب الراوى للسيوطى. 5 - شرح علل الترمذى لابن رجب.

21 - التدافع

21 - التدافع الدَّفْع لغة: الإزالة بقوّة، دَفَعَه يَدْفَعُه دَفْعاً وتَدَفَّع وتَدافَع، وتدافَعُوا الشيءَ: دفعه كل واحد منهم عن صاحبه، وتدافَع القومُ أى دفَع بعضُهم بعضاً والدفع مصدر دفع. ومن معانى مادته: التنحية والمماطلة. واصطلاحا: يطلق هذا المصطلح ويراد به دفع الناس بعضهم بعضا فى الرزق أو فى جلب المنفعة، أو رفع الضرر أو فى درء مفسدة عن الناس. ومنها استدفع الله السُّوء: أى طلب منه أن يدفعه عنه. وذكر ابن جرير فى تفسير قوله تعالى:} ولولا دفْعُ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض {(البقرة 251). أى لولا إن الله يدفع عن قوم بآخرين، كما دفع عن بنى إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود، لهلكوا كما قال تعالى:} ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً {(الحج40). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء" وقال أيضا "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون فى حفظ الله عز وجل مادام فيهم " كما قال - صلى الله عليه وسلم - " الابدال فى أمتى ثلاثون: بهم ترزقون وبهذا تمطرون وبهم تنصرون "فالله عز وجل رحمة بهم يدفع عنهم ببعضهم بعضا، وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه فى جميع أفعاله وأقواله. ولذلك يقول ابن عباس: دفع الله بالنبيين عن المؤمنين شر أعدائهم، وبالمجاهدين عن القاعدين عن الجهاد شر أعدائهم، ولولا ذلك لفسدت الأرض بأهلها. (هيئة التحرير)

_ المرجع 1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (دفع) 8/ 87. 2 - المعجم الوسيط مادة (دفع) ص 298. 3 - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، طبعة المكتبة التوفيقية القاهرة 1/ 303. 4 - تفسير المقباس، لابن عباس ص 35 طبعة الأنوار المحمدية. 5 - روح المعانى، للألوسى.

22 - التدوين

22 - التدوين لغة: الجمع. يقال: دوَّن الكتب: جمعها كما فى الوسيط (1) لأن جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض وحقيقة التدوين أنه يكون للمسائل المتشاركة فى موضوع واحد (2). والعلوم المدونة على نوعين، أحدهما: ما دونه المتشرعة لبيان ألفاظ القرآن الكريم أو السنة النبوية لفظاً أو إسناداً، أو لإظهار ما يقصد منهما وبيان ما يستفاد من أحكام أصلية اعتقادية أو أحكام فروعية عملية ومن هذا النوع علم الحديث وأصوله والفقه وأصوله. والنوع الثانى: ما دونه الفلاسفة لتحقيق مقاصدهم من فنهم (3). والتدوين بالمعنى الأول عرف من عهد قديم فقد تم تدوين القرآن الكريم فى عصر النبوة الأولى فى عهده - صلى الله عليه وسلم - على الرقاع والألواح والعظم وغيرها على ما هو معلوم وقد اتخذ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبةً يدونون له أمر الوحى. وقد ورد لنا خبر صحف دوَّن بها حديث النبى - صلى الله عليه وسلم -، ومن هذه الصحف: صحيفة وهب ابن منبه، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وصحيفة عمرو بن حزم فى إبل الصدقة، وهى صحف مشهورة صحّت نسبتها إلى أصحابها بالسند المتصل كما وردت صحف أخرى قريبة من عهد النبوة تصف أخباراً للنبى - صلى الله عليه وسلم - وتنبئ عن سنته منها: نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومنها نسخة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وشهرتهما كبيرة وصحة نسبتهما إلى صاحبيهما ثابتة بالسند المتصل الموثوق به. وأول من أمر بالتدوين هو الخليفة الراشد الخامس عمر بن العزيز - رضي الله عنه - حيث أمر بتدوين السنة المشرفة وجمعها فى دواوينها كما هو معلوم. وفى القرن الثانى: وجدنا الفقه الأكبر للإمام أبى حنيفة وقد دوَّن فيه علم التوحيد، ووجدنا المدونة للإمام مالك بن أنس برواية سحنون، والموطأ الوارد إلينا بأكثر من أربعين رواية، والخراج لأبى يوسف صاحب أبى حنيفة وقد دوَّنه لترتيب وتنظيم الموارد العامة للدولة الإسلامية بناء على طلب من هارون الرشيد، وهناك مؤلفات محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة وله التصانيف الفائقة الرائقة منها: السير الكبير الذى تحدث فيه عن العلاقات الدولية، والجامع الكبير والصغير وغيرهما من كتب الفقه الحنفى، وهناك أيضا الرسالة للإمام الشافعى والتى دوَّن فيها أصول الفقه كأول كتاب فى هذا الفن وكتب الشافعى المدونة فى الفقه وغيره كثير، ثم توالت بعد ذلك المدونات وانتشر التدوين مما أشعر بأهميته القصوى إذ حفظ على الأمة مصادرها، وجعلها أكثر اتصالا بواقعها المعاش، وأوجد تفاعلا بينها وبين دينها، وقد مكن التدوين من نقل العلم شفاهة وكتابة، وقيَّد الشوارد فهو من أولى الواجبات. ا. د/ على جمعة محمد 1 - المعجم الوسيط 1/ 316 مادة (دون) دار المعارف، ط 3. 2 - الكليات، لأبى البقاء الكفوى 2/ 343 وزارة الثقافة والإرشاد القومى دمشق 1975 م.- دائرة معارف الأعلمى المسماة، مقتبس الأثر ومجدد ما دثر، 14/ 36 مؤسسة الأعلمى للمطبوعات بيروت 1385 هـ/1965 م ط أولى. 3 - أبجد العلوم لصديق حسن خان 1/ 44 وما بعدها منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومى، دمشق 1987 م

_ المرجع 1 - مباحث فى علوم الحديث، لمنَّاع القطان، مكتبة وهبة ط2 1412 هـ/ 1992 م. 2 - مباحث فى علوم القران، لمنَّاع القطان، مؤسسة الرسالة 18 4 1 هـ/ 1998 م

23 - التراث

23 - التُّراثُ لغة: الإرث وهو ما وُرِثَ وورثه بعضهم من بعض (1). واصطلاحا: هو كُلُّ ما خَلَّفته الأُمَّة من إرث دينى وثقافى وأدبى وفلكلورى وعلمى ... إلخ، وأصل الكلمة مأخوذ من الفعل "وَرِث " بإبدال الواو تاء، وهي من الكلمات المبنية على ما يُعْرَف فى اللغة بالقياس الخاطئ. والتُّراث الذى أعنيه هنا هو كل ما وَصَل إلينا مكتوبا فى أى علم من العلوم أو فن من الفنون مما أنتجه الفكر العربى الإسلامى على امتداد أربعة عشر قرنا، وبالتالى فالتراث ليس محدَّدًا بتاريخ مُعَيّن، فكل ما خَلفه المؤلَّف بعد حياته من نتاج يعد تراثا فكريا، وعلى ذلك فإن ما كتبه شوقى وحافظ وطه حسين والعقاد يعد تراثا لا يقل فى أهميته عما خلفه لنا أبو تمام والطَّبَرى وسيبويه وابن الهَيْثم. وقد غطَّى النتاج الفكرى الذى خلَّفه لنا العلماء العرب والمسلمون جميع فروع المعرفة، ونستطيع التعرف على هذا التراث من خلال المؤلفات الببلوجرافية التى جمعت أسماء الكتب العربية ومن أقدمها وأشهرها كتاب "الفهرست " لمحمد بن إسحاق النديم الوَراق الذى بدأ فى تأليف كتابه فى بغداد سنة 377 هـ/978 م، وكتاب "كَشْف الظنون عن أسامى الكتب والفنون" للعالم التركى مصطفى بن عبد الله كاتب جلبى المعروف بحاجى خليفة المتوفى سنة 1067هـ/ 1656م، إضافة إلى كتب التراجم والطبقات وكتب مشيخات العلماء وبرامج الشيوخ. وتعرّض هذا التراث المكتوب للعديد من الكوارث والنكبات، فقد ذهبت خزانة كتب الفاطميين التى كانت تشتمل على ألف ألف وستمائة ألف كتاب فى أعقاب استيلاء الأيوبيين على السلطة فى مصر وتفرَّقت فى أيدى الوراقين، كما ذهبت مكتبات بغداد فى أعقاب الغزو المغولى وسقوط الخلافة العباسية سنة 656 هـ/ 1258م. وأحرقت مكتبات الأندلس فى أعقاب سقوط غرناطة وما تبقى من هذا التراث المكتوب موزع اليوم بين المكتبات العربية والإسلامية ومكتبات أوروبا وأمريكا ويبلغ حجم هذا التراث نحو ثلاثة ملايين مجلد بينها بالطبع النُّسخ المكررة أو غير ذات القيمة ولكن لا شك أن حجم المخطوطات المعتبرة بين هذا العدد تجاوز النصف مليون مخطوط. وقد أخرجت المكتبات العالمية فهارس وصفية تُعَرّف بهذا التراث، كما ظهرت مؤلفات جامعة تشير إلى أماكن وجود هذا التراث فى مكتبات ومتاحف العالم أهمها كتاب "تاريخ الأدب العربى" للمستشرق الألمانى كارل بروكلمان Carl Brockelman وكتاب "تاريخ التراث العربى" للعالم المسلم التركى فؤاد سزجين Fauad Sezgin والكتابان كتبا فى الأصل باللغة الألمانية وظهرت لهما مؤخراً ترجمة عربية. واهتم العلماء فى القرنين الأخيرين بتحقيق ونشر التراث العربى المكتوب وظهرت طبعات هامة لأمهات الكتب العربية سواء على أيدى المستشرقين أو العلماء العرب والمسلمين، وقامت محاولات عدة لتعريف الباحثين بما نشر من هذا التراث حيث كتب صلاح الدين المُنَجِّد كتابه المطبوعة " فى خمسة أجزاء فى بيروت بين سنتى 1970 - 1982م، وأصدر معهد المخطوطات العربية كتاب "المعجم الشامل للتراث العربى المطبوع " الذى أعده فى خمسة مجلدات محمد عيسى صالحية بين سنتى 1992 - 1997م. أ. د/ أيمن فؤاد سيد انظر المعجم الوسيط مادة (ورث) ص 1066.

_ المرجع 1 - تحقيق التراث ا. د/ رمضان عبد التواب. ط، الخانجى. 2 - تراث الإسلام. ط سلسلة عالم المعرفة. 3 - تاريخ الأدب العربى بروكلمان. ط. الهيئة العامة للكتاب.

24 - التربح

24 - التّربُح لغة: كل ما زاد أو نما فى التجارة، ويتجوّز به على كل ما يعود من ثمرة عمل. واصطلاحا: ما زاد من ثمن سلع التجارة على ثمنها الأول، ذهبا أو فضة (ا)، أو غيرهما من العملة المتداولة. ولما كان التربح هو طلب الكسب والربح فى التجارة، فإنه لم يرد فى الشرع الإسلامى ما يقيد إطلاق الربح طالما كان مبنيا على أساس من العدالة؛ فليس فيه غبن فاحش لصاحبه، ولا استغلال لطيش بَيّن فيه، ومحررا من الحرام (2)، فما نتج من الربح عن عقد مشروع كان حلالأ مشروعا، وما نتج عن تصرف محرم كان محرما (3). غير أن الاعتدال فى التربح مطلوب "ويراعى فيه التقريب، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتادة إما لشدة رغبته فيه، أو لشدة حاجته فى الحال إليه، فينبغى أن يمتنع من قبوله؛ فذلك الإحسان ... ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته، واستفاد من تكررها ربحا كثيرا، وبه تظهر البركة، وكان علىّ رضى الله عنه يدور فى سوق الكوفة بالدِّرّة ويقول: معاشر التجار خذوا الحق تسلموا، لا تردوا قليل الربح فتخرفوا كثيره " (4). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - مواهب الجليل للحطاب دار الفكر بيروت طبعة ثانية 1398هـ /1978م 2/ 301. 2 - مصطلحات الفقه المالى المعاصر إعداد مجموعة من الباحثين بتصرف طبعة المعهد العالى للفكر الإسلامى ط1 1418هـ/1997م ص179. 3 - معجم المصطلحات الإقتصاية فى لغة الفقهاء نزيه حماد طبعة المعهد العالى للفكر الإسلامى ط1 1414هـ/1993م ص141. 4 - إحياء علوم الدين للغزالى طبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356هـ 5/ 3،5

25 - التربية والتعليم

25 - التربية والتعليم التربية اصطلاحاً: استخدم المسلمون اصطلاحات عديدة فى مفهوم التربية لعل من أكثرها شيوعا مصطلحات من مثل: رياضة الصبيان، التأديب، التعليم، وذلك منذ أن كتب الإمام أبو حنيفة النعمان (80 - 150هـ) = (699 - 767 م) أول مؤلف تربوى وصل إلينا وهو كتاب (العالم والمتعلم) وعبر ألف عام تقريبا من المؤلفات والأفكار التربوية التى ألفت من بعده، وبالعودة إلى المعاجم اللغوية العربية (لسان العرب، والمعجم الوسيط، والقاموس المحيط، الصحاح، والمورد) نخلص إلى أن مفهوم التربية محمَّل بالكثير من الدلالات وهى: الزيادة والنماء، والرعاية، والثقافة، والإصلاح، والسياسة والسيادة، والتدبير لأمور الخلق، والتنمية والاجتماع. والتأديب مصدر أدب. والأدب الذى يتأدب به الأديب من الناس، ويشمل الأدب: الخُلُق والعقل والحس. ومنها قوله: - صلى الله عليه وسلم - " أدبنى ربى فأحسن تأديبى" (قال السيوطى فى الجامع الصغير: رواه ابن السمعانى عن ابن مسعود). والرياضة: مصدر روض لها معان متكاملة تفيد الإرواء والاستنبات الدائم والتعليم والتوطئة، وتشمل الرياضة رياضة الجسم والعقل والروح. التعليم لغة: من علم، وعلمه الشيء تعليما فتعلم ومنه قوله تعالى:} وعلم آدم الأسماء كلها {(البقرة 31)، وقوله تعالى} وعلمك ما لم تكن تعلم {(النساء 113). التعليم اصطلاحا: عند علماء المسلمين يقتصر على الجانب المعرفى بل يتعداه إلى سائر الجوانب الحركية والوجدانية. وبذلك تكون التربية الإسلامية من خلال مؤلفات علماء التربية المسلمين ومن خلال الاستخدام القرآنى وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - مصطلحا شاملا لمجموعة من المفاهيم تعمل مجتمعة لتكون مفهوما واسعا وشاملا يشمل رعاية وتنمية وتأديب وتعليم وتزكية الإنسان بصورة مستمرة فى جميع مراحل حياته حتى يصل إلى أقصى كمال ممكن. وإذا كان الله بأسمائه الحسنى هو الكمال الإلهى المطلق الذى ليس كمثله شىء، وإن حاول المسلم أن يقتبس شيئا من تلك الصفات الحسنى بقدر ما يستطيع فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو القدوة والنموذج والأسوة الذى تكدح التربية الإسلامية للوصول بأصحابها إلى درجات أعلى على هذا السلم النبوى دنيا وديناً. ومصطلح التربية والتعليم فى الإسلام يستدعى لدى العقل المسلم استمرارية العملية التعليمية مدى الحياة، لما أعطى الله الإنسان من أدوات العلم والمعرفة} والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {(النحل 78) ولما يناله الإنسان العالم من مكانة وتقدير} يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم { (المجادلة 11). ولا يكشف مصطلح التعليم الإسلامى والتربية الإسلامية عن مدلولاتهما الحقيقية إلا بربط هذا التعليم وتلك التربية بأهدافهما الحقيقية وهى تحقيق العبودية لله المذكورة فى قوله تعالى:} وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {(الذاريات 56) وخلافة الإنسان المذكورة فى قوله تعالى: } وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة {(البقرة 30) وعمارة الأرض المذكورة فى قوله تعالى:} هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها {(هود 61). كذلك لا يكشف مصطلح التعليم الإسلامى والتربية الإسلامية عن مدلولاتهما الحقيقية إلا بربط هذا التعليم وتلك التربية بالمربى الحقيقى للإنسان وهو} رب العالمين {، والمعلم المثالى للإنسان محمد - صلى الله عليه وسلم -. فكل العلوم والمعارف الإسلامية توصّل إلى الله} إنما يخشى الله من عباده العلماء {(فاطر 28) وكل العلوم والمعارف من عطاء الله وتوفيقه وفضله على عباده} سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا {(البقرة 32)،} يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب {(البقرة 269) والرسول - صلى الله عليه وسلم - " هو النموذج والأسوة" لكل عالم ومتعلم العلم الذى يربط الإنسان بريه، ويعمر الكون، ويصلح الإنسان} لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا {(الأحزاب21). بكل هذه المعانى كانت التربية وكان التعليم الإسلامى فى عصور ازدهاره، وكأن من ثمار تلك التربية الإسلامية بمدلولاتها الحقيقية ما قدمته من نماذج بشرية رائعة فى شتى المجالات العلمية والبشرية والدينية والأدبية والفنية. أ. د/ عبد الرحمن النقيب

_ المرجع 1 - فى التراث التربوى دراسات نفسية تعليمية تراثية، نذير حمدان دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، 1989م. 2 - أهداف التربية الإسلامية فى تربية الفرد وإخراج الأمة وتنمية الأخوة الإسلامية، ماجد عرسان الكيلانى المعهد العالمى للفكر الإسلامى، القاهرة 1996م. 3 - من الأصول التربوية فى الإسلام، المركز الدولى للتعليم الوظيفى للكبار فى العالم العربى، عبد الفتاح جلال سرس الليان، مصر 1977م. 4 - بحوث فى التربية دار العربى عبد الرحمن النقيب ص 35: 64 القاهرة،1987م. 5 - Seyyed Hossin Nasr: Islamic Science, An Illustrated study, World of Islam Festival Publishing Company, Ltd., London,1976.

26 - الترجمة

26 - الترجمة لغةً: ترجم الكلام يترجمه: إذا فسَّره بلسان آخر. والتَّرجمان هو الذى يترجم الكلام أى ينقله من لغة إلى لغة أخرى. والجمع: تراجم وتراجمة. وفى حديث البخارى أن أبا سفيان كان بالشام فأرسل إليه هرقل فجاء إليه أبو سفيان، ومعه ركْب من قريش "فدعاهم فى مجلسه، وحوله عظماء الروم. ثم دعاهم، ودعا ترجمانه. " (رواه البخارى) (1). والترجمة: التفسير، والنقل من لغة إلى لغة. وترجم لفلان: ذكر ترجمته أى ذكر سيرته وحياته. وهو مُوَلَّد (كلما جاء فى المعجم الوسيط). واصطلاحا: هى نقل العلوم والمعارف من لغة إلى لغة أخرى، سواء أكان هذا النقل بطريق مباشر، أو عن طريق لغة وسيطة. وقد استعملت كلمة النقل- فى كتب القدامى- على سبيل التبادل أو الترادف مع كلمة الترجمة، فابن النديم يتحدث عن أسماء النقلة أى المترجمين من اللغات إلى اللسان العربى (2). ويقول القفطى عن حنين ابن إسحاق- أحد كبار المترجمين "وقعد فى جملة المترجمين لكتب الحكمة، واستخراجها إلى السريانى والعربى، واختير للترجمة وأؤتمن عليها .. وله من الكتب التى ألفها سوى ما نقله من كتب الحكماء" (3). ويتفق الدارسون للترجمة على أنها قديمة قدم العمران البشرى. وكان ظهورها- على نحو ما- بين المجتمعات البشرية منذ تعددت لغاتها، وتنوعت ثقافاتها وحضاراتها. ولعلها بدأت- فى صورتها الأولى- على هيئة ترجمة إشارية، وذلك عندما أدرك مجتمع من المجتمعات أنه يوجد إلى جواره من يتكلم لغة أخرى غير لغته. ثم تطورت الترجمة- بعد ذلك- إلى ما يمكن تسميته، تسامحا، بالترجمة الوظيفية، التى ظهرت فى دائرة التجارة وفى صحبة الجيوش المحاربة، لاسيما عند إجراء المفاوضات وعقد المعاهدات وتبادل الأسرى. وكان المترجمون حجة يرجع إليها عند تفسير نصوص الاتفاقيات وفى هذه الحالات كان يُثْبَت- بصفة خاصة- اسم المترجم فى نص المعاهد ة (4). وكان الحكَّام- كذلك- بحاجة إلى هؤلاء المترجمين لمعاونيهم فى ترجمة الرسائل الواردة إليهم من الدول الأخرى، والرد عليهما، باللغة نفسها أحيانا" منعاً للَّبس وسوء التفسير، وحسما للخلاف. ثم لم تقتصر الترجمة على هذين النمطين من الترجمة، بل امتد نطاقها إلى حقول العلم والفكر والثقافة والفن والأدب والفلسفة ونحوها وأصبحنا- عندئذ- أمام الترجمة فى ثوبها العلمى، التى تخضع- أو ينبغى أن تخضع- فى كل مرحلة من مراحلها إلى قواعد وأصول منهجيه يجتهد أهل الاختصاص فى تحديدها، والحكم على الترجمة بمقتضاها. وهذا النوع من الترجمة هو الأجدر بالمصطلح، وهو الأوْلى بالاستحضار الذهنى عند ذكره. وتعد الترجمة بين اللغات حاجة من الحاجات الأصيلة للبشرية، وهى واحدة من أهم السبل، إن لم تكن أهمها، لنقل الخبرة والمعرفة من أمة إلى أمة، ومن حضارة إلى حضارة، وهى وسيلة إلى تعويض التخلف واختصار الزمن، وتجنب العقبات والمعوقات التى وقعت فيها أمم أخرى. ولهذا قيل: إن كل خلية ترجمة تمثل "هوائيا" معرفيا يلتقط خبرات الأمم الأخرى، وبهذا تنظر الأمة إلى ما حولها بعيون كثيرة بدلا من عين واحدة، ومن نوافذ كثيرة متعددة، بدلا من نافذة واحدة، وبذلك تكون الرؤية أوضح، والآفاق أفسح (5) ". غير أن الترجمة لا تؤدى إلى تحقيق هذه الغاية النبيلة إلا إذا اجتمعت لها عوامل النجاح الضرورية، وهى عوامل ترتبط بموضوع الترجمة، وبالشروط التى يجب أن يتصف بها المترجمون. فأما موضوع الترجمة فإنه ينبغى أن يخضع لاختيار دقيق، يتحقق به ما يمكن التعبير عنه بعنصر الملاءمة والمواءمة، ونعنى بذلك أن تكون الترجمة متوافقة مع ثقافة المجتمع والقيم السائدة فيه، بحيث لا تتصادم معها أو تعمل على هدمها، ثم أن تكون ملبِّية لحاجاته بحيث تكون عاملا من عوامل تطوره، ومعاونته على التخلص من جوانب التخلف فيه، وإنما كان ذلك ضروريا لأن الترجمة أشبه بنقل الدم أو نقل الأعضاء. ولابدَّ فى الحالتين من وجود نوع من التجانس الذى يؤدى إلى تسهيل قبول الجسم لما ينقل إليه، وإلا فإن الجسم سيرفضه. ومن ثم فإن الأعمال التى ستتم ترجمتها ستلقى مقاومة فى المجتمع الذى ستنقل إليه إذا لم يتحقق لها عنصر الملاءمة. وينطبق ذلك على ما يتم ترجمته فى نطاق الثقافة بمعناها العام، وستكون المقاومة أكثر حدة وقوة إذا جاءت متعارضة مع المقومات الأساسية للمجتمعات كالدين والقومية واللغة والهوية والانتماء الحضارى. وربما تتفاوت المجتمعات فى ملاحظة جانب المواءمة: ضيقا واتساعا، وتشددا وتسامحا ولكن ذلك أمر لا يصح إغفاله أو إهماله، إذا أريد للترجمة أن تحقق الغايات المرجوة منها. وأما شروط المترجمين فهى كثيرة، ومن أهمها: - أن يكون المترجم مُجيد لِلغُّة التى يترجم منها، ولِلغُّة التى يترجم إليها، بحيث يعرف دقائقهما وأسرارهما، وطرائقهما فى التعبير، عن الحقيقة والمجاز والصور الجمالية، والتراكيب النحوية واللغوية، ليكون ذلك عونا له فى دقة الترجمة وحسن أدائها لما تضمنه النص الأصلى المترجم من حقائق وأفكار. - أن يكون على علم بموضوع الترجمة، والتخصص الذى تقع فيه، لأن لكل تخصص مصطلحاته الدقيقة التى قد يصعب أو يتعذر علي غير أهل التخصص إدراكها، ودقة التعبير عنها. - أن يتصف المترجم بالأمانة العلمية التى تستوجب نقل النص المترجم كما هو، دون زيادة أو نقصان أو تحريف أو تصرف، وأن يؤدى معانى النص، دون تدخل منه، حتى ولو كان مخالفا لآرائه وأفكاره، ويمكن له التعليق علي النص بما يشاء، بعد أن يترجم النص ترجمة أمينة. وليس تحقيق هذه الشروط بالأمر السهل، وقد تحدث الجاحظ (6) من قديم عن صعوبة الترجمة، وعدم قدرتها على نقل المعانى، ولاسيما فى الشعر والنصوص الدينية وذكر أن من بين أسباب ذلك: عدم قدرة المترجمين أنفسهم على معرفة دقائق المعانى التى تتضمنها النصوص المترجمة، ثم عجزهم عن ترجمة هذه المعانى، إذا تمكنوا من معرفتها، وهنالك- كذلك- صعوبات وآفات تصاحب النسخ والنقل، اللذين لا يخلوان- فى العادة- من الأخطاء وقد قيل حديثا: إن الترجمة خيانة للنص. ولا يخلو هذا القول من مبالغة، ولكنه- مع ذلك- يوجِّه الأنظار إلى الصعوبات التى تكتنف عملية الترجمة. وللترجمة فى النقل طريقان، كما يقول الصفدى: أحدهما: أن ينظر المترجم إلى كل كلمة مفردة، ثم يأتى بكلمة مرادفة لها فى اللغة التى يترجم إليها، ويجرى على هذا النحو فيما يقوم بترجمته. ويطلق على هذا النوع من الترجمة: الترجمة الحَرْفية. وقد وُصفت هذه الطريقة بأنها رديئة لوجهين: أحدهما أنه قد لا توجد فى اللغة المترجم إليها كلمات تقابل وتعادل جميع الكلمات فى اللغة المترجم منها. والثانى: أن خواص التركيب والنِّسَبِ الإسنادية لا تطابق نظيرها فى اللغة الأخرى، ثم إن اللغات تختلف كذلك من جهة استعمال المجازات، وهى كثيرة فى جميع اللغات. أما الطريق الثانى: فهو الترجمة المعنوية. والمترجِمُ بحسب هذه الطريقة "يأتى إلى الجملة فيحصل معناها فى ذهنه، ويَعبِّر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها، سواء ساوت الألفاظ الألفاظ أم خالفتها وهذه الطريقة أجود" (7). ولعل الطريقة الأولى أنسب فى ترجمة العلوم التجريبية الاستقرائية والعلوم الرياضية، ولعل الثانية أنسب فى ترجمة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مع بذل الجهد فى الارتباط بالنص، والعمل على تحقيق الأمانة فى نقله كما سبق القول. ا. د/ عبد الحميد عبد المنعم مدكور 1 - صحيح البخارى: باب كيف كان بدء الوحى. 2 - الفهرست، لابن النديم ص 340 - 342. 3 - إخبار العلماء بأخبار الحكماء، ص 117 - 121. 4 - راجع: كرامرز: مادة ترجمان بدائرة المعارف الإسلامية 9/ 262 - 265، طبعة الشعب. 5 - انظر: أبو يعرب المرزوقى، مدخل عام- ضمن كتاب الترجمة ونظرياتها ص 35، ومحمد عبد الغنى حسن: فن الترجمة ص 83. 6 - انظر: الحيوان، للجاحظ 1/ 75 - 79. 7 - صون المنطق والكلام، للسيوطى 1/ 43.

_ المرجع 1 - الترجمة قديما وحديثا. شحاذة الخورى، تونس 1988م. 2 - الترجمة ونظرياتها (لابن يعرب المرزوقى وأخرين) تونس 1989م. 3 - الحيوان، للجاحظ، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، طبع الحلبى 1938 م ح 1. 4 - صون المنطق والكلام عن فَنَّى المنطق والكلام، لجلال الدين السيوطى، تحقيق د/ على النشار والسيدة سعاد عبد الرازق، طبع مجمع البحوث الإسلامية 1970م. 5 - فن الترجمة للأستاذ محمد عبد الغنى حسن. الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م. 6 - المدخل إلى الترجمة، د/ سلمان الواسطى وآخرين- العراق 1979م. 7 - الترجمة والتنمية الثقافية، أصدرته لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر- إعداد لمعى المطيعى 1992م. 8 - بواكير حركة الترجمة فى الإسلام د./ عبد الحميد عبد المنعم مدكور- دار الثقافة العربية 1995م.

27 - ترجمة معاني القرآن

27 - ترجمة معاني القرآن اصطلاحا: يقصد بها نقل القدر الممكن من معنى النص القرآنى إلى لغة أخرى. ونقول القدر الممكن لصعوبة الترجمة الوافية المقابلة تماما للنص العربى، وذلك لسبب أساسى هو: الفرق الشاسع بين وعاء اللغة العربية عامة ولغة القرآن بخاصة، ووعاء أى لغة أخرى، فإمكانيات اشتقاق وتصريف الجذر الواحد فى اللغة العربية يصل إلى أكثر من ثمانين تصريفا بتفاوتات دقيقة فى المعنى بين كل منها. وهى مرونة لا توجد فى أى لغة أخرى من اللغات وخاصة اللغات الغربية اللاتينية الأصل. بل كثيرا ما نجد أن هناك صيغا أساسية كالفعل أو الفاعل أو الصفة لا وجود لها فى تلك اللغات. إضافة إلى أن لغة القرآن تشتمل على كافة الأشكال التعبيرية والبلاغية. الأمر الذى يجعل الترجمة المقابلة تماما من الأمور المستحيلة ما لم تتم الاستعانة باشتقاق كلمات جديدة فى اللغة التى تتم الترجمة إليها. وترجع أول محاولة لترجمة معانى القرآن الكريم إلى سلمان الفارسى - رضي الله عنه - المتوفى عام 35 هـ/ 655 م) وكان من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة. وقد ترجم الفاتحة إلى الفارسية. لغته الأم وأقرب اللغات إلى العربية (كما روى بمسند الإمام أبى حنيفة). وأثيرت قضية جواز الترجمة بعامة، وجواز الصلاة بالنص المترجم تحديدا. وذلك لمدة أربعة قرون، إلا أن التاريخ لم يحفظ ما يدل على أن أحدا من المسلمين قد حاول ترجمة القرآن إلى غير اللغة العربية طوال اثنى عشر قرنا. وذلك حرصا منهم على النص المنزل وعدم اندثاره ولكى لا تعتبر الترجمة بديلا للقرآن. وقد أثير موضوع ترجمة معانى القرآن فى مصر، فى العصر الحديث، ثلاث مرات: 1 - عندما منعت مشيخة الأزهر إدخال نسخة من ترجمة القرآن باللغة الإنجليزية، وطالبت مصلحة الجمارك بإحراقها (1925م). 2 - وحينما قررت حكومة تركيا برئاسة مصطفى كمال أتاتورك ترجمة معانى القرآن إلى اللغة التركية. 3 - وعندما قررت مشيخة الأزهر الشروع فى عمل تفسير منتخب لمعانى القرآن بالاشتراك مع وزارة المعارف، وذلك أيام تولى فضيلة الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغى رئاسة المشيخة للمرة الثانية (عام 1936م)، على أن تقوم لجنة من المتخصصين فى اللغات الأجنبية بترجمة هذا التفسير. وسبب هذا القرار الذى يمثل تحولا فى موقف المشيخة هو المناخ الذى كان يسود البلدان الإسلامية غير المتحدثة بالعربية. وهو مناخ مسمم بكل ما يمس الإسلام والمسلمين. فلم يكن بين أيديهم سوى ترجمات مشوهة قام بها المستشرقون. وما من إنسان يجهل أن الغرب قد بدأ محاربة الإسلام منذ بداية انتشاره. وتعد الصفحات التى خصها يوحنا الدمشقى (حوالى 650 م- 750 م تقريبا) فى كتابه المعنون "ينبوع المعرفة" فى الفصل الخاص بالهرطقات: الركيزة الأولى المليئة بالفريات ضد القرآن وضد سيد المرسلين صلوات الله عليه. وبخلاف ترجمة بعض المقتطفات التى قام بها بيزنطيون فى القرن التاسع الميلادى، وكلها تهدف إلى تحريف النص القرآنى. قام البابا بطرس المبجل أثناء تجواله فى أسبانيا لمدة عامين (1141 - 1143) فى زمن الحروب الصليبية، بتكليف القس روبير دى رتين، المقيم فى طليطلة، بأن يترجم له القرآن وذلك كما يقول عنه "رجيس بلاشير" للضرورة الماسة التى تعاوننا على محو أية آثار لعقيدتهم الأولى من عقلية الذين تم تنصيرهم حديثا (فى كتابه عن القرآن ص 9). وتعد أقدم ترجمة كاملة للقرآن الكريم فى الغرب، فى مطلع العصر الحديث، تلك التى قام بها القس مراتشى فى أواخر القرن السابع عشر والتى ظهرت عام 1698 م بعنوان "حول تفنيد القرآن" ويتضمن هذا العمل النص العربى والترجمة اللاتينية للقرآن الكريم ومقدمة. وقد قام مراتشى بالتعليق على النص العربى برمته وتفنيده كما يؤكد ذلك إدوار مونتيه (فى صفحة 55 من مقدمته لترجمة القرآن). ثم يضيف قائلا عن ترجمة مراتشى هذه: "إن هذا العمل الذى يعد من أروع الأعمال، يجب أن يلم به كافة المستشرقين الذين يكرسون أنفسهم لدراسة القرآن ودين الإسلام "!! وبناء على ترجمة مراتشى هذه التى راح ينهل منها المستشرقون، صبوا فرياتهم فى صلب ترجماتهم وفى التعليقات والهوامش المرتبطة بها وفى المقدمات الخاصة بها، أصبح هناك فى كل دولة غربية ترجمة أُمّ تُعَدّ بمثابة القالب الذى لا يجب عليهم الحياد عنه. ومنها ترجمة نولدكة فى ألمانيا، وجورج سال فى إنجلترا، ودى رييه فى فرنسا وكثيرين غيرهم. ويمكن تلخيص النقاط الأساسية التى لن تحيد عنها ترجمة من ترجماته حتى يومنا هذا، وإن اختلفت الصور والأساليب إلى ما يلى: إنكار أن القرآن الكريم منزّل من عند الله، والادعاء بأنه لا يتضمن تشريعا، والإصرار على أنه من تأليف سيدنا محمد صلوات الله عليه وإنكار أُمِّيَّته، والادعاء بأنه يزخر بالتحريف الذى تم أثناء جمعه وتدوينه، وبأنه غير صالح لكل زمان ومكان، والتلاعب فى عرض الآيات المتعلقة باختلاق التثليث، وتأليه السيد المسيح (الذى تم فى مطلع القرن الرابع)، ومريم العذراء، وتلك التى تثبت التحريف والتلاعب بالكلم الذى تم فى الإنجيل بعهديه، تعمد اختيار الألفاظ المهينة خاصة عندما يسمح اختيار العبارات بذلك، ومطالبة المسلمين بتحديث القرآن المليء بالمتناقضات فى نظرهم والبحث عن مصادر أخرى للتراث الإسلامى، والإلحاح بضرورة إخضاع القرآن للنقد التاريخى والتحليل اللغوى الحديث حتى يمكن إدماجه فى العصر الحديث. وكأنهم يتناسون أنه لا يمكن استخدام آليات التحليل والدراسات الألسنية للغة اللاتينية على اللغة العربية المختلفة الأصل والجذور. وحيال كل تلك المحاولات الدؤوب للنيل من القرآن الكريم، بدأت بعض المؤسسات الإسلامية وبعض العلماء الغيورين على دينهم فى عمل ترجمات أمينة لمعانى القرآن منذ مطلع القرن العشرين ومنها ترجمات جزئية وأخرى كاملة. ومن أهم هذه المؤسسات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية مصر العربية، ومجمع الملك فهد بالمملكة العربية السعودية. كما أشرف محمد حميد الله على الفهرس الجامع لمختلف ترجمات القرآن، الذى قام به إحسان أوغلو فى مركز الدراسات التاريخية باستنبول. ويصل عدد اللغات التى ترجم إليها القرآن الكريم إلى 132 لغة، منها 64 لغة فيها عدة ترجمات. أ. د/ زينب عبد العزيز

_ المرجع 1 - دراسة حول ترجمة القرآن الكريم " بقلم الدكتور أحمد إبراهيم مهنا " مطبوعات الشعب 1978م. 2 - Le CORAN par Régis Blachére , 2 éd. P>U>F Paris,1969 3- MAHOMAT: Le CORAN par Edouard MONTET, PAYOT,Paris 1949

28 - الترف

28 - الترف لغة: ترف فلان: تنعَّم فهو تَرِفٌ كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: التنعم باستهلاك وفير من الكماليات، على اختلاف أصنافها، أو اقتنائها، أو هو رفه فى إشباع رغبات النفس فوق ضروراتها وحاجياتها العادية، ومن ثم فالترف قرين الثراء، ولكن العكس ليس بالضرورة صحيحا. وقد بين القرآن أن المترفين أثرياء بلا عقيدة، فقال تعالى {وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين} سبأ:35، وأن كثرتهم أو تحكمهم فى مجتمع مدعاة لهلاكه فقال تعالى {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} الإسراء:16. ونهى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل فى صحاف الذهب والفضة، والشبع من الطعام، ولباس الشهرة، والفخر والمباهاة، ولبس الرجال للحرير، والتحلى بالذهب، والبناء فوق الحاجة تفاخرا، وكلها مظاهر للترف (3). وفى المسيحية دعا الآباء الأوائل إلى نبذ الترف، وارتبط ذلك بكراهة تكوين الثروة وحب الزهد، ولكن الكنيسة البروتستانتية اعتبارا من القرن السادس عشر أباحت تكوين الثروة، وتشددت فى إدانة الترف، فدعت رعاياها إلى نبذ الاستهلاك غير الضرورى، ويرى Max Weber أن هذة العقيدة أدت إلى نمو المدخرات من ثروة متزايدة، ومن ثم نمو الاستثمار، وبروغ الرأسمالية الحديثة. ويلاحظ أن الإسلام لم يحرم تكوين الثروة طالما كانت من كسب حلال، ولكنه نظم إنفاق المسلم بحيث لا يدخل الترف حياته، فحث على الاعتدال فى الانفاق، فقال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} الإسراء:29. ونهى عن التبذير فقال تعالى {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} الإسراء:26 - 27، وفرض الزكاة، وحث على الصدقات والقرض الحسن. وقد قدم ابن خلدون تحليلا لأثر الترف على النشاط الانتاجى، فرأى أنه يؤدى إلى تنوع الكماليات المنتجة، وإتقان صنعتها وزيادة قيمتها، ومن ثم دخول صانعيها، وأن ذلك ينعكس على الأسواق، فيزداد الإنفاق فيها وتنتعش، ولكنه رأى أيضا أن أحوال الترف التى تصيب الحكام تزيد من إنفاقهم مما يتطلب موارد مالية إضافية لا يحصلون عليها إلا بزيادة الجباية من الرعية فيفسد ذلك نشاطهم الإنتاجى، ويؤدى إلى خراب الدولة (3). واختلف الاقتصاديون المحدثون فى تحليل أثر الترف على النشاط الإنتاجى. 1 - فرأى التقليديون أن إنتاج السلع الترفية أقل تأثيرا فى النشاط الاقتصادى والنمو من إنتاج السلع الأخرى التى يزداد عليها طلب عامة الناس. 2 - ورأى الكنزيون معارضة الرأى السابق، لأن موارد المجتمع المحدودة ليست موظفة بالكامل دائما فى الأجل القصير، كما أعتقد التقليديون، فإذا كان بعضها معطلا فإن استخدامه فى إنتاج سلع الترف أو غيرها ينعش الاقتصاد. والرأى التقليدى أكثر رجاحة فى الأجل الطويل إذا اعتبرنا التضحية التى يتحملها المجتمع بتخصيص بعض موارده المحدودة لانتاج سلع خاصة بالأقلية الموسرة. ولقد تبين لعدد ممن تناول موضوع الترف فى القرن العشرين أن مشكلة كثير ممن يعمل بكفاءة ويزداد دخله وتتعاظم ثروته أنه لا يستطيع أن ينفق ما حصل عليه بكفاءة أو برشد، بل ربما كان سلوكه مشينا (4). أ. د/عبد الرحمن يسرى أحمد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط3، القاهرة، ج1/ 88. 2 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، الحافظ المنذرى، دار الفكر 1393هـ، بيروت. 3 - المقدمة، ابن خلدلن، ص261 - 271. 4 - دائرة المعارف البريطانية " Laxarg" فى Encyclopaedia Britannica. مراجع الاستزادة: 1 - إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالى. 2 - دراسات فى علم الاقتصاد الإسلامى، دار الجامعات المصرية الإسكندرية، طبعة 1988م. 3 - M-Weber فى كتابه The protestant

29 - التركيب

29 - التركيب اصطلاحا: يستخدم مصطلح التركيب فى كثير من العلوم والفنون بمعان تتقارب في العمومية، وإن اختلفت من علم لآخر. 1 - فى الكيمياء: التركيب ضد التحليل، وهو تأليف الكل من أجزائه، كتركيب الماء من الأكسجين والهيدروجين، ويدلنا هذا المثل بذاته على طبيعة التركيب، التى تستلزم قوة ما تجعل من العناصر مركبا فليس اجتماع الهيدروجين والأكسجين بكاف لتركيب الماء وإن كان الماء لا يتركب إلا منهما فحسب، ويمكن فهم التركيب العقلى على نفس النحو على أنه تأليف نتائج مركبة من مبادئ بسيطة، وقد أشار ديكارت فى مقالاته إلى أن التركيب قد يفرض ترتيبا بين الأمور التى لا يسبق بعضها بعضا بالطبع. 2 - فى الفلسفة: نجد التركيب عند الفلاسفة المسلمين فى كثير من الأحيان مرادفا للتأليف حيث تُجعل الأشياء المعقدة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ويتميز عنه الترتيب الذى يعنى بالإضافة إلى هذا بالتقديم والتأخير بين العناصر. وعلى هذا يمكن فهم القول بأن التركيب صفة انفعالية زائدة على ذات الأشياء التى قبلت التركيب، على حين أن الوجود هو صفة هى الذات بعينها. وفى المنطق: يطلق المركب على المؤلف، وعلى حد تعريف ابن سينا فهو الذى يدل على معنى وله أجزاء منها يلتئم مسموعة، والطريقة التركيبية فى المنطق هى انتقال العقل من المعانى والقضايا البسيطة إلى المعانى والقضايا المركبة. وتعرف الطريقة التركيبية أيضا بأنها انتقال العقل من قضايا يقينية إلى قضايا أخرى لازمة عنها اضطرارا. وفى تطبيقات المنطق يطلق المصطلح على الطريقة التى يسير عليها الباحث فى الانتقال من الفصول إلى الأصول، أى من الأجزاء إلى الكل، وقيل فى تعظيم شأن هذا المعنى أن يوما واحدا من التركيب يحتاج إلى سنين طويلة من التحليل. ويطلق مصطلح التركيب أيضا على الرأى الفكرى الذى يجمع بين رأى وضده فى قول جديد يأخذ بأحسن ما فى الرأيين ويمزج أحدهما بالآخر مستعينا على هذا بوجهة نظر أعلى من وجهتى نظر الرأيين. 3 - فى نظرية المعرفة: هو جمع تصور إلى آخر أو إلى عدة تصورات، وذلك من أجل تأليف صورة عقلية واحد ة. 4 - فى علم الصرف: يطلق التركيب على جمع حرفين أو أكثر بحيث يطلق على اجتماع الحروف معا اسم "الكلمة". 5 - فى علم النحو: مقابل للإفراد، فإن كان بين اللفظين إسناد كان التركيب إسناديا، وإن كان أحدهما مضافا والآخر مضافا إليه كان التركيب إضافيا، وان كان أحدهما موصوفا والآخر صفة كان التركيب وصفيا. 6 - فى الشعر: يطلق مصطلح "تركيب بند" على منظومة من أقسام، يتراوح عدد أبيات كل قسم بين خمسة أبيات وأحد عشر بيتا، ولكل قسم قافية، والقافية فى المصراعين الأولين هى القافية فى المصراع الثانى من كل بيت، لكن قافية كل قسم تختلف عن قافية الأقسام الأخرى، وإن كان الرَّوِىّ واحدا فى المنظومة كلها، وبعد كل قسم بيت يكرر رويّة فى الأقسام الأخرى وله قافية وحده. 7 - فى علم النفس: يطلق التركيب على الفعل الذى يؤلف به الذهن من التصورات والعواطف والنزعات المختلفة كلا عضويا واحدا. وفى علم النفس التجريبى هو جمع العناصر النفسية الواقعية بحيث تؤلف كلا واحدا. وينبغى التفريق (فى التحليل النفسى) بين التركيب العقلى الذى يجمع الظواهر الجديدة وينسقها، وبين التداعى الذى يقتصر على استحضار المجموعات السابقة استحضارا غير إرادى. ويوصف الإنسان بأنه من ذوى العقل التركيبى حين يلتفت إلى الكل دون الأجزاء على حين أن العقل التحليلى لا يفطن إلا إلى الأجزاء. والحكم التركيبى هو الحكم الذى يكون فيه المحمول زائدا على تضمنُّ الموضوع. والبرهان التركيبى فى الرياضة هو الاستنتاج الرياضى الذى تلزم فيه النتائج عن المبادئ اضطرارا كما فى علم الهندسة الذى تبنى قضاياه على التعريفات والبدهيات والمسلمات والأوضاع. 8 - فى علم الحيوان: التركيب يشير إلى التعقيل التكرارى، أى تكرار مجموعة من العناصر المنتمية إلى الأجهزة العضوية الرئيسية للجسم على طول المحور الأمامى الخلفى لجسم، وأكثر ما يحدث فى الحلقيات ومفصلية الأرجل، وينشأ عن التكرار سلسلة من الوحدات تسمى العُقل، تكون متشابهة فى تركيبها ونشأتها أساسيا، وفى دورة الأرض- على سبيل المثال- تكون كل حلقة ظاهرة عقلة، وتشتمل كل عُقلة على أوعية دموية، وتراكيب جلدية، وجهاز عصبى، وأعضاء إخراج ... الخ. ويتكرر هذا "التركيب " فى كل عقلة مع اختلاف طفيف من عقلة إلى أخرى، ومع هذا فإن مبدأ التشابه بين العقلات يكاد يتلاشى فى طوائف أخرى من الحيوانات فتكون- عُقَل الرأس مختلفه عن العقل الأخرى ... وهكذا. وفى الفقاريات يظهر التعقيل بشكل واضح فى التكوين الجنينى، لكنه يكاد يقتصر على أجزاء الأجهزة العضلية والهيكلية والعصبية فلا يظهر فى البشرة على سبيل المثال. أ. د/ محمد الجوادى

_ المرجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- بالقاهرة. 2 - الفكر العربى والتراث اليونانى إسماعيل مظهر- القاهرة 1928 م. 3 - المنطق وفلسفة العلوم- بول موى- ترجمة د/ محمود قاسم- القاهرة.

30 - الترويح

30 - الترويح لغة: إدخال الراحة والسرور على النفس. كما فى اللسان (1). والترويح عن النفس بإدخال السرور عليها والأخذ بأسبابه مما ندب إليه الشارع الحكيم، حتى يتجدد للنفس نشاطها وتقبل على العبادة بمزيد شغف وبكثير حب، وهذا هو صريح قوله صلى الله عليه وسلم: (روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت) (2). واصطلاحا: إدخال الراحة والسرور على النفس على أن يكون مشروع الوسيلة والمقصد، بأن لا يرتكب به الإنسان مخالفة شرعية فى حق نفسه أو حق غيره. أما فى حق نفسه: فبأن ينشغل عن عبادة ربه ويلهى عنه، لأنه لا خيرفى عمل يلهى عن ذكر الله، والمفروض أن الترويح تجديد لنشاط العبد حتى يقوى على تمام الطاعة، وكذلك بأن يرتكب مخالفة شرعية كأن يظهر عورة أمر الله أن تستر، أو أن يطلع على عورات الناس، أو أن يستخدم فى ذلك قبيح الألفاظ والعبارات، إلى غير ذلك مما يضر الإنسان. وأما فى حق غيره: فبأن يكون فى ترويحه مثلا سخرية واستهزاء بالآخرين، أو غيبة لهم، أو إضاعة لحقوقهم. والترويح لابد أن يكون موافقا لما أمر الله به، قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك يفرحوا هوخير مما يجمعون} يونس:58. وقال تعالى: {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين) الأنعام:162. فكل ما ليس عليه أمرالشارع فهو مردود على الإنسان يستوى فى ذلك جده ولعبه. أ. د/عبد الصبورمرزوق

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور ط دار المعارف مادة (روح). 2 - وفى رواية أخرى: (روحوا القلوب ساعة ساعة) (رواه الديلمى) وأبو نعيم والقضاعى مرفوعا عن أنس انظر كشف الخفا للعجلونى 1/ 435

31 - التسلط

31 - التسلط لغة: تَسَلَّطَ عليه: تحكم وتمكن وسيطر، وسلطه: أطلق السلطان والقدرة، وسلطة عليه: مكنه منه وحكمه فيه (كما فى المعجم الوسيط) (1). واصطلاحا: حالة تنطوى على معانى الإملاء والتحكم والرغبة فى فرض السيطرة على الآخرين. والتسلط بهذه المعانى قد توصف به الدول والحكومات أو حتى الأفراد الجماعات حيث يدين الكل بالاستبداد والقهر لإملاء ما يرونه دون مراعاة للحريات أو لحقوق الغير. ومع أن التسلط ينطوى على مضمون نفسى يرتبط بالدوافع والنزعات اللاشعورية التى يتم إسقاطها على الغير، إلا أن خطره يبدو إذا ما ارتبط بالسلطة السياسية فيما يعرف بالتسلطية التى تركز عناصر القوة فى يد فرد أو جماعة مما يجعلها قادرة على فرض إرادتها بما تملك من وسائل القمع المادى والمعنوى كما هو الحال فى كل النظم الجماعية الشمولية المستبدة (3). ولقد كان للشريعة الإسلامية فضل السبق فى تقديم الحل الأمثل لكل مشكلات التسلط والتسلطية عندما أرست مبدأ الشورى وأوضحت مقاصدها السامية التى تتمثل فى قيام مصالح الناس فى الدين والدنيا. يقول سبحانه وتعالى: {وشاورهم فى الأمر} آل عمران:159. كما جاء فى الحديث القدسى: (يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا} رواه مسلم عن أبى ذر (3). وها هو ذا أبو بكر الصديق يقول فى خطبة توليه: (أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى وان أسأت فقومونى) فيضع بذلك قاعدة هامة لتحديد سلطة رئيس الدولة؛ لكى تكون دستورا لمن يجيء من بعده منعا للاستبداد بالرأى والتسلط فى مصائر الناس دون رقابة وتقويم من الأمة التى هى مصدر السلطات (4). أ. د/محمود أبو زيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية القاهرة مادة (س ل ط) سنة1985م 1/ 460. 2 - المعجم فى علم الإجرام والاجتماع القانونى والعقاب د/محمود أبو زيد، دار الكتاب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة سنة 1987م ص70. 3 - صحيح مسلم، باب (تحريم الظلم) القاهرة 1955 4/ 199. 4 - الإسلام وقضايا العصرالعدل والسلام وحقوق الإنسان د/محمود حمدى زقزوق -المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة 1996م، ص79. 5 - Germant، ginai، Authoritanism، National Populism and Fashism 1977. 6- Ross، Aldeni the slructure of pomer and Aulhority Random House In c، N.Y. 1988

32 - التشاؤم

32 - التشاؤم الشّؤم لغة: خلاف اليُمْن، ويقال: رجل مشئوم على قومه، وقد تشاءموا به. واصطلاحا: هو التطيُّر بالشيء ومن الشيء وذلك بتوقع الشر، وقد كان العرب فى الجاهلية إذا خرج أحدهم لأمر، قصد إلى عش طائر، فهيجه، فإذا طار الطائر يُسْرة تشاءم به، ورجع عما عزم الخروج لأجله. وقد كان مذهب العرب فى التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوها، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك ونهى عنه، فقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك " (أخرجه أحمد) (1). وذهب بعض العلماء إلى أن التشاؤم والطيرة من الكبائر، وأنه يحرم اعتقادها والعمل بها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " الطيرة شرك، وما منا إلا تطيرّ، ولكن الله يذهبه بالتوكل" (رواه الترمذى) (2). كما ذهب بعضهم إلى كراهية تسمية المولود بما يتطير بنفيه أو إثباته، إذ ربما كان ذلك طريقا إلى التشاؤم والتطير. وقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما الشؤم فى ثلاثة فى الفرس، والمرأة، والدار" (رواه البخارى) (3) وقد اختلف العلماء فى تفسير ذلك، قال القرطبى: إن هذه الأشياء هى أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع فى نفسه شىء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره. وقيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جارها، وشؤم المرأة ألا تلد، وشؤم الفرس ألا يُنْزى عليها .. وقيل غير ذلك. ويعد ابن الرومى من أشهر شعراء العربية الذين ارتبط بهم التشاؤم والتطيرّ وذاعا عنه. (هيئة التحرير)

_ المرجع 1 - مسند أحمد بن حنبل 12/ 10، تحقيق أحمد شاكر- طبع دار المعارف. 2 - سنن الترمذى 4/ 161. طبع مصطفى وعيسى البابى الحلبى. 3 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى- 6/ 6 المطبعة السلفية. مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب، لابن منظور، طبعة دار المعارف. 2 - تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبرى- دار الفكر- بيروت 1979 م. 3 - ديوان ابن الرومى- اختيار وتصنيف كامل كيلانى- المكتبة التجارية القاهرة 1924 م. 4 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى- المطبعة السلفية.

33 - التشبيه

33 - التشبيه لغة: التمثيل. وعند البيانيين: إلحاق أمر بأمر لصفة مشتركة بينهما " كتشبيه الرجل بالأسد فى الشجاعة". المتشابه فى النص القرآنى يحتمل عدة معان. وفى التنزيل العزيز} منه آيات محكمات هُنَّ أم الكتاب وأُخر متشابهات {(آل عمران 7). كما فى الوسيط (1). وقد اتفق أهل السنة والجماعة: على أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا فى ذاته، ولا فى صفاته ولا فى أفعاله.} ليس كمثله شيء {وهو ُرد على الممثلة المشبهة} وهو السميع البصير {(الشورى 11) رد على النفاة والمعطلة. فمن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق، فهو المشبه المبطل المذموم. ومن جعل صفات المخلوق مثل صفات الخالق، فهو نظير النصارى فى كفرهم (2). وقد أصاب أهل السنة بتوسطهم بين التشبيه والتعطيل، أما غيرهم من المعطلة والمشبهة فقد جمع بين الخطأ وإرادة الصواب. فَنُفَاة الصفات (المعطلة) أحسنوا فى تنزيه الله سبحانه عن التشبيه بشىء من خلقه ولكنهم أساءوا فى نفى المعانى الثابتة لله تعالى فى نفس الأمر. والمشبهة: أحسنوا فى إثبات الصفات، ولكنهم أساءوا بزيادة التشبيه. أما أهل السنة والجماعة: فقد هداهم الله للحق، ووفقهم إليه. فرفضوا التشبيه كما فعل الغلاة، كما رفضوا التأويل: كما فعل المعطلة. وسلكوا طريق السلامة (3): وقالوا: نؤمن بما ورد بالكتاب والسنة، ولا نتعرض للتأويل موقنين بأن الله عز وجل لا يشبه شيئا من مخلوقاته. وكانوا يتحرزون عن التشبيه لدرجة منعهم قارئ القرآن من تحريك يده عند قراءة قوله تعالى:} خَلقتُ بيدىَّ {أو الإشارة بأصبعيه عند روايته "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن " (4). وتوَعَّدوا من يفعل ذلك. وقالوا: إنما توقفنا فى تفسير الآيات وتأويلها لأمرين. أحدهما: المنع الوارد فى التنزيل فى قوله تعالى:} فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ومَّا يذكرَّ إلا أولوا الألباب {(آل عمران 7). فنحن نتحرَّز عن الزيغ. والثانى: أن التأويل أمر مظنون بالاتفاق، والقول فى صفات البارى بالظن غير جائز، فربما أولنا الآية على غير مراد البارى تعالى - فوقعنا فى الزيغ، بل نقول كما قال الراسخون فى العلم} كُل مِنْ عندَ ربّنَا {آمنا بظاهره، وصدقنا بباطنه، ووكلنا علمه إلى الله تعالى ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه. وقد ذكر المؤولة من المتأخرين ذلك وحكموا على موقفهم، وموقف السلف وقالوا: علم السلف أسلم (فيه السلامة) وعلم الخلف: أعلم وأحكم. وأقول: ما فيه السلامة (فيه العلم والحكمة) وما خلا عن السلامة (فليس فيه علم ولا حكمة) لكل ما سبق (فعلم السلف: أسلم، وأعلم، وأحكم). ا. د/ أحمد المهدى

_ المرجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية مادة (شبه) 2 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الحنفى ص 42 وما بعدها د./ بشير عون- الناشر. 3 - الملل والنحل، للشهر ستانى 1/ 104 وما بعدها د/ محمد سيد كيلانى- دار المعرفة- بيروت لبنان. 4 - الجامع الصغير، للسيوطى حديث رقم 2344، ورمز له السيوطى بالصحة.

34 - التشريح

34 - التشريح لغة: الفتح والشرح والبيان والعرض. واصطلاحا: بيان علم، أو تفسير كتاب، واللفظ فى هذه الدلالة مثل "شَرْح ". ويطلق اللفظ- الآن- مطلقا على العلم (الفن) الذى يعنى بدراسة بناء الجسم وتموضع أعضائه وأجهزته وأنسجته، وذلك عن طريق تقطيع الجسم إلى أجزاء. ومع انتشار استخدام الميكروسكوب فى دراسة الأنسجة نشأ علم الأنسجة (الهستولوجيا) ويطلق عليه مسمى "علم التشريح الميكروسكوبى". وترتبط بهذا العلم مجموعة من العلوم الأخرى المهمة تُدرس فى إطاره وترتبط به على مستوى البحث العلمى والتعليم الطبى، ومن هذه العلوم علم الأجنة الذى يُعنى بدراسة عمليات تخليق أنسجة الجسم البشرى المختلفة وأعضائه فى أثناء الحياة الجنينية. أما علم التشريح المقارن فيقارن بين بنيان الأجسام المختلفة فى أنواع حيوانية مختلفة أو بينها وبين الإنسان. ولا تقتصر دراسة التشريح على ما بعد الوفاة، ذلك أن الأجهزة الحديثة (كالأشعة والموجات فوق الصوتية وتقنيات التصوير المختلفة) مكنت من دراسة أجزاء الجسم الحى بصورة دقيقة، وعلى سبيل المثال فإن دراسة القلب بالموجات فوق الصوتية غيّرت من فكرتنا عن تشريحه من حيث تموضع أجزائه وصلتها ببعض. ويعزى إلى العالم "فيزاليوس" فى القرن السادس عشر وضعه التشريح فى صورته الحديثة التى تطورت باستمرار واطراد حتى أيامنا هذه. أما أقدم العلماء الذين سجلوا جهودا بارزة فى علم التشريح فهو "هيروفيلس" من علماء الإسكندرية فى عهد البطالمة فى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، ثم "جالينوس " فى القرن الثانى قبل الميلاد وقد تعلم فى الإسكندرية ثم مارس الطب فى روما، وهو الذى أخذ عنه العرب معلوماتهم عن التشريح فى الحضارة العربية الإسلامية وكانوا يسمونه "الفاضل " ومن الطريف أن "ابن القفطى" لما وصف "جالينوس " جمع المعنيين الاصطلاحيين للتشريح فى الثناء عليه فقال: "جالينوس هو مفتاح الطب وباسطه وشارحه .. ولم يسبقه أحد إلى علم التشريح ". ولم يمارس أحد قبل علماء الإسكندرية التشريح، وكان "جالينوس" يمارس التشريح على القردة. ومع أن المسلمين لم يُقبلوا فى بداية عهدهم على التشريح، إلا أنهم بعد أن عرفوا قيمته لم يتركوا فرصة له إلا وأفادوا منها علوم الطب، ويستشهد مؤلفو دائرة المعارف الإسلامية على هذا المعنى بما ورد فى رحلة "عبد اللطيف البغدادى" من أنه لما علم أن بالمقس (وهى إحدى البلاد المصرية) تلاًّ من البقايا الإنسانية، أخذ فى تفحص هذه الهياكل وكتابة مشاهداته. ومما يذكر للعرب أنهم حافظوا على تراث "جالينوس " فى التشريح حتى إن المقالات الخمس الأخيرة من كتاب "جالينوس " فى التشريح (وهو من 15 مقالة) لا توجد لها أصول ولا نصوص إلا فى اللغة العربية فقط. ومن أبرز آثار علماء العرب في التشريح ثلاثة مصنفات: الأول لابن سينا فى كتابه "القانون " والثانى لعلى بن عباس (ت 384 هـ) فى كتابه "الكامل فى الصناعات الطبية" المعروف بالملوكى، والثالث للرازى (ت 320 هـ) فى كتابه "المنصورى فى الطب ". وقد عرف العرب ما نسميه الآن التشريح الجهازى وتأليف كتب متخصصة فى تشريح كل عضو من الأعضاء، فلهم كتب فى الأوردة، وحركة العضل، والعظام، والنبض…. الخ. ومما يميز مؤلفات الأطباء المسلمين فى التشريح ذلك النسق العام فى التأليف الذى يبدأ بعلم العظام بوجه عام، ثم بدراسة مفصلة لعظام الرأس والأسنان والعمود الفقرى والصدر وعظام الأطراف العليا واليدين وعظام الأطراف السفلى والقدمين، ثم دراسة العضلات بنفس النظام، ثم دراسة المجموع العصبى والشريانى، ثم شرح الأعضاء الظاهرة والباطنة (كأعضاء البصر والشم والسمع واللسان والحنجرة والرئتين والأمعاء، والطحال، والكليتين، والمثانة وأعضاء التناسل). ومن إنجاز العلماء المسلمين فى التشريح أنهم درسوا الوظيفة والتركيب معا، وأنهم استطاعوا تعريب كل ألفاظ التشريح ومصطلحاته حتى إن الموسوعة الإسلامية تذكر أنه لم توجد فى التشريح العربى ألفاظ فارسية أو يونانية ماعدا كلمة واحدة، ومع هذا فإن التشريح العربى فى رأى الموسوعة لم يزود الحضارة الأوروبية بمصطلحات ما، وإن كانت بعض ألفاظه قد استعملت لفترات متباينة المدى. أ. د/ محمد الجوادى

_ المرجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- القاهرة. 2 - تاريخ الطب والصيدلة عند العرب- د/ سامى جمارنه- القاهرة 967 ام 3 - الحاوى فى الطب، لأبى بكر الرازى - مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن بالهند طبعة 1955 م

35 - التشريق

35 - التشريق لغة: الجمال وإشراق الوجه. واصطلاحا: تطلق أيام التشريق على الأيام الثلاثة التالية ليوم النحر وهو العاشر من ذى الحجة الذى يعقب الإفاضة من عرفات. وسميت بذلك لأن لحوم الأضاحى يشرق فيها للشمس أى يشرر. وقال ابن الأعرابى: سميت بذلك لأن الهُدْى أو الأضحيات لا تنحر حتى تشرق الشمس أى تطلع. وقيل سميت بذلك لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت هذه الأيام كلها تبعا ليوم النحر. والتشريق صلاة العيد. وإنما أخذ من شروق الشمس لأن ذلك وقتها. وفى هذه الأيام يقيم حجاج بيت الله الحرام فى منى أو يبيتون فيها ويقومون برمى الجمرات الثلاث بسبع حصيات صغيرات لكل جمرة. ويجوز التقديم فى يومين لقوله تعالى:} واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى {(البقرة 203). ويكون رمى الجمار بعد الزوال، وإن قدم الرمى قبل الزوال جاز ذلك. ولا يجوز للحاج أن يطوف طواف الإفاضة إلا بعد رمى جمرة العقبة فى يوم النحر. ولو لم يرم جمرة العقبة حتى خرجت فقد فات الرمى ولزمه الدم لفواته. أ. د/ سعاد صالح

_ المرجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية. 2 - فقه السنة، السيد سابق. 3 - أركان الإسلام د/ عبد الله شحاتة.

36 - التصوف

36 - التصوف يمثل التصوف نزعة إنسانية، يمكن القول بأنها ظهرت فى كل الحضارات على نحو من الأنحاء، وهو يعبر عن شوق الروح إلى التطهر، ورغبتها فى الاستعلاء علي قيود المادة وكثافتها، وسعيها الدائم إلى تحقيق مستويات عليا من الصفاء الروحى والكمال الأخلاقى. ولم يكن المسلمون استثناء من هذه القاعدة، فقد ظهر التصوف لديهم مثلما ظهر لدى من سبقهم أو عاصرهم من الأمم. وقد قدم الصوفية تفسيرات متعددة لهذه النسبة التى تميروا بها عن غيرهم من الفرق والطوائف التى ظهرت فى المجتمع الإسلامى، ومن هذه التفسيرات ما يلى: - إن التصوف مأخوذ من صفاء الأسرار ونقاء الآثار. - إنه نسبة إلى الصف الأول فى الصلاة. - إنه نسبة إلى عمل أهل الصفة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لاحظ القشيرى أن هذه التفسيرات ليست صحيحة من الناحية اللغوية. - إن التصوف نسبة إلى صوفة القفا. - إنه منسوب إلى رجل كان يجاور بمكة قبل الإسلام يسمى صوفة بن بشر، وعلق ابن تيمية بأن النسبة إلى هذا الرجل أو إلى قبيلته نسبة ضعيفة " ... لأن غالب من تكلم باسم الصوفى لا يعرف هذه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة فى الجاهلية، ولا وجود لها فى الإسلام ". - إن هذه التسمية نسبة إلى الصوف، الذى هو زى الأنبياء، وشعار الصالحين والأولياء، ولباس أهل الزهد والتقشف والتواضع والإقبال على الله، وهم يتميزون به عن أهل الرغبة فى الدنيا. ولا يرفض القشيرى هذا التفسير، ولكنه لا يقبله قبولا تاما، وفى ذلك يقول:"فأما من قال: إنه من الصوف؟ ولهذا يقال: تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص؟ فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ". ومع ذلك يبقى أن هذا التفسير هو أقرب التفسيرات إلى القبول، وإن كان شيوخ التصوف قد أوضحوا أن التصوف يهتم بالجوهرقبل المظهر ويعنى بالحقائق والأعمال أكثرمن عنايته بالرسوم والأشكال. وأما تعريفات التصوف فإنها كثيرة جدا، وقد ذكر السهروردى أن له أكثر من ألف تعريف بل ذكرالشيخ زروق أنها تبلغ نحو الألفين وترجع هذه الكثرة إلى أن كل واحد ممن عرفوا التصوف كان يعبر عن ذوقه ووجده وحاله، ولهذا اختلفت العبارات، لأن الطرق إلى الله تعالى بعدد النجوم أو بعدد أنفس السالكين. ويمكن تصنيف هذه التعريفات إلى أنواع بحسب الطابع الغالب عليها: (أ) فبعضها يركز على الجانب العملى، الذى يهتم بمجاهدة النفس ومقاومة شهواتها، وذلك كالذكر والمراقبة، ومحاسبة النفس والزهد فى الدنيا، ومن نماذج هذه التعريفات: - التصوف: قلة الطعام، والسكون إلى الله تعالى والفرار من الناس. - التصوف: ضبط حواسك، ومراعاة أنفاسك، وهكذا. (ب) وبعضها يتجه إلى ملاحظة الجانب الأخلاقى، الذى هو من أهم أركان التصوف، ومن هذه التعريفات: - التصوف: هو الدخول فى كل خلق سَنِىّ، والخروج من كل خلق دنىّ. - التصوف: خلق فمن زاد عليك فى الخلق فقد زاد عليك فى الصفاء. - وقال الهروى الأنصاوى: واجتمعت كلمة الناطقين فى هذا العلم ان التصوف هو الخلق. (ج) وكان بعضها يهتم بجانب المعرفة، وهى المعرفة إلالهامية الذوقية التى هى موضع اعتزاز الصوفية وفخرهم. ومن هذه التعريفات ما قال العطار عن علم التصوف الذى هو "ثمرة للعمل والحال، وليس نتيجة للحفظ والقال، وإنه من العيان لا من البيان، ومن الأسرارلا من التكرارومن العلم اللدنى لا من العلم الاكسبى ... ". (د) ومن التعريفات ما يجمع هذه الجوانب كلها، ويضيف إليها ضوابط للسلوك المقبول عندهم بما يدفع التهم عن طريق الصوفية، ومن هذه التعريفات تعريف ابن خفيف للتصوف. وقد نشأ التصوف عند المسلمين لأسباب متعددة، بعضها من داخل البيئة الإسلامية، وبعضها من خارجها. وكان الزهد هو البيئة الطبيعية التي نشأ فيها التصوف، وكان الزهد نفسه ثمرة لعوامل دينية واجتماعية حيث طرأ على الحياة عند المسلمين أنماط من العيش وصور من السلوك، لم تكن مألوفة فى حياة الصدر الأول من المسلمين الذين كانوا يتميزون بالبساطة والقناعة، والبعد عن التفنن فى مطاعمهم ومشاربهم، أخذا بالورع وخشية من الحساب، ولكن الحياة تحولت فيما بعد، وعند أهل الترف والغنى إلى نماذج من السرف الفاحش الذى يستثير أهل الفقر والمسكنة، المستمسكين بما كان عليه السلف من زهد وبساطة، وكان ذلك من دواعى نشأة التصوف عند المسلمين كما يقول ابن خلدون:"واصل هذه الطريقة العكوف على العبادة ... والإعراض عن زخرف الدنيا، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ... وكان ذلك عاما فى الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا، فى القرن الثانى وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة ". على أن التصوف لم يخل من التأثر ببعض المؤثرات الوافدة من نظم صوفية أخرى، جاءت من خارج البيئة الإسلامية، بسبب الترجمة أحيانا أو بسبب اتصال المسلمين -بعد الفتوحات- بشعوب أخرى كان لها قدم راسخة فى التصوف كالهند وفارس، وقد كان بعض الصوفية من أصول ترجع إلى هذه الشعوب، وليس ببعيد أن يكون لبعض أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون بين المسلمين بعض التأثير أيضا، وكان من آثار هذه العوامل كلها أن ظهر لدى بعض الصوفية أقوال ونظريات مشابهة لبعض ما ظهر فى النظم الصوفية الأخرى. وأدى ذلك إلى أن تتفاوت نظرة المسلمين إلى التصوف، وقد انقسموا حوله إلى أنصار يرون فى التصوف طريق الولاية، وسبيل الصفاء والعرفان ونيل الكرامات وخرق العادات، وهؤلاء هم الصوفية ومن ارتضى طريقتهم. وإلى خصوم يرون التصوف بدعة وضلالة، واستعلاء على الشريعة بدعوى الحقيقة، وإعلاء للباطن على حساب الظاهر، وترويجا للأفكار والمذاهب الدخيلة التى تتحدث عن الفناء والحلول، ووحدة الوجود وإسقاط التكاليف، ووقوعا فى أسر البطالة والتواكل والجمود والسلبية، والإعراض عن العلم بدعوى العلم اللدنى. وكان من بين المسلمين من اتخذ موقفا وسطا بين هؤلاء وهؤلاء، ومن أبرز ممثلى هذا الاتجاه ابن تيمية (728هـ) وتلميذه ابن قيم الجوزية (751هـ) وقد أشار كل منهما إلى مواقف الفريقين، وذكر ابن تيمية أن "الصواب هو الإقرار بما فيها، وفى غيرها من موافقة الكتاب والسنة، والإنكار لما فيها وفى غيرها من مخالفة الكتاب والسنة". وإذا طبقنا هذا المعيار فسنجد أنه يوجد بين الصوفية: السابقون المقربون والمقتصدون الذين هم من أهل اليمين، وفيهم من هو ظالم لنفسه، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن المحققين من الصوفية يتبرأون منهم وينكرونهم. ولعل هذا الموقف هو أولى الآراء بالقبول، لأنه أقرب إلى الموضوعية والإنصاف، وأبعد من التعميم والتعصب المذموم. وينبغى ونحن نتحدث عن التصوف ألا نغفل عما حفل به التصوف من تربية أخلاقية وتحليلات نفسية كانت موضع إعجاب الدارسين فى الشرق والغرب، وقد كان للصوفية المسلمين دورهم فى نشر الإسلام، فى كثير من بقاع الأرض فى آسيا وإفريقيا قديما، وفى أوروبا حديثا، وهو دور معروف لدى المؤرخين. أ. د/عبد الحميد مدكور

_ مراجع الاستزادة: 1 - التعرف لمذهب أهل التصوف، لأبى بكر الكلاباذى، تحقيق د. عبد الحليم محمود، طه سرور دار إحياء الكتب العربية 1960م. 2 - الرسالة القشيرية، لأبى القاسم القشيرى تحقيق د. عبد الحليم محمود، د/محمود بن الشريف دار إحياء الكتب الحديثة 1966م. 3 - طبقات الصوفية لأبى عبد الرحمن السلمى تحقيق الأستاذ نور الدين شريبة القاهرة سنة 1953م. 4 - فى التصوف الإسلامى وتاريخه، نيكلسون ترجمة د/أبو العلا عفيفى لجنة التأليف والترجمة والنشر 1956م. 5 - اللمع: لأبى نصر السراج الطوسى، تحقيق د/عبد الحليم محمود، طه سرور دار الكتب الحديثة سنة 1960م. 6 - مدخل إلى التصوف الإسلامى د/أبو الوفا التفتازانى دار الثقافة للطباعة والنشر ط3/ 1979م

37 - التطرف

37 - التطرف لغة: الوقوف فى الطرف، والطرف بالتحريك: جانب الشىء، ويستعمل فى الأجسام والأوقات وغيرها. واصطلاحا: مجاوزة حد الاعتدال. والعلاقة بين المعنيين اللغوى والعرفى واضحة، فكل شىء له وسط وطرفان، فإذا جاوز الإنسان وسط شىء إلى أحد طرفيه قيل له: تطرف فى هذا الشىء، أو: تطرف فى كذا، أى جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط. وعلى ذلك فالتطرف يصدق على التسيب، كما يصدق على الغلو، وينتظم فى سلكه الإفراط، ومجاوزة الحد، والتفريط والتقصير علي حد سواء؛ لأن فى كل منهما جنوحا إلى الطرف وبعدا عن الجادة والوسط. فالتقصير فى التكاليف الشرعية والتفريط فيها تطرف، كما أن الغلو والتشدد فيها تطرف؛ لأن الإسلام دين الوسط والوسطية وإلى هذا ينبه القرآن الكريم فى قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} الإسراء:29. ويقول: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف:31. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى} (أخرجه البزار فى مسنده عن جابر وأخرج أحمد أوله فى مسنده عن أنس}. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ مراجع الاستزادة: 1 - التوقيف على مهمات التعاريف للمناوى -تحقيق محمد رضوان- دار الفكر ط أولى سنة 1990م. 2 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة (2/ 555). 3 - لسان العرب لابن منظور

38 - التعارض

38 - التعارض لغة: تفاعل من العرض، وهو المنع، والمقابلة، والمساواة كما فى المصباح (1). واصطلاحاً: تقابل الأمرين على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه (2). وذلك كأن يكون هناك دليلان أحدهما يدل على الجواز، والآخر يدل على المنع، فدليل الجواز يمنع التحريم، ودليل التحريم يمنع الجواز، فكل منهما مقابل للآخر ومعارض له ومانع (3). ويشترط لتحقيقه شروط منها: اتحاد محل الحُكْمين، واتحاد الوقت، وتضاد الحُكْمين، وتساوى الدليلين المتعارضين فى القوة، وعدم إمكان الجمع بينهما، وعدم كونهما قَطْعّيين. وقد اختلف فى وقوع التعارض" بين الأدلة الشرعية على مذاهب، أحدها: لا يجوز وقوعه بينها فى الواقع ونفس الأمر، ويجوز فى ظاهر النظر وعليه الجمهور. ثانيها: يجوز مطلقاً، وعليه ابن السبكى وجماعة، ثالثها: يجوز بين الأمارات ولا يجوز بين الأدلة القاطعة، وعليه البيضاوى والآمدى وغيرهما، والراجح منها مذهب الجمهور. والتعارض المظنون يدفع بطرق منها: الجمع بين الأدلة، والترجيح بينها عند عدم إمكان الجمع، ودعوى النسخ (4). مثال للتعارض المتوهم بين الأدلة: ما ورد من نهى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد الصبح والعصر، وظن تعارضه مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" (5) وقد جمع بينهما الإمام أحمد بأن جعل المجيز مخصصاً للمانع، والله أعلم. أ. د/ على جمعة محمد 1 - المصباح المنير، للفيومى 1/ 478طبعة مصطفى الحلبى القاهرة 2 - نهاية السول للإسنوى مع البدخشى2/ 207 مكتبة ومطبعة محمد على صبيح بمصر. 3 - شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلى 4/ 605. 4 - السابق 4/ 605وما بعدها 5 - روى البخارى، ومسلم وأحمد عن أبى سعيد - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا صلاة بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وروى البخارى ومسلم عن عمر - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب " وروى مثل ذلك أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة (انظر: صحيح البخارى مع حاشية السندى 1/ 76 صحيح مسلم بشرح النووى 6/ 110 مسند أحمد 1/ 18، 3/ 7 سنن أبى داود 2/ 294 - جامع الترمذى مع تحفة الأحوذى 1/ 540 - سنن النسائى 1/ 222/- سنن ابن ماجة 1/ 395.

_ المرجع 1 - نشر البنود على مراقى السعود، للشنقيطى2/ 273، طبعة المملكة المغربية. 2 - تيسير الأصول، لحافظ ثناء الله الزاهدى ص 1 31 وما بعدها، دار ابن حزم- بيروت ط 2 سنة 1418هـ/997 1 م

39 - التعاون

39 - التعاون لغة: العون الظهير على الأمر، والجمع أعوان، وتعاونَّا: أعان بعضنا بعضا، والمعونة: الإعانة، ورجل معوان: كثير المعاونة للناس. واصطلاحا: فى علم الاجتماع هو التضامن والتعاضد. قال ابن خلدون: فلابد للإنسان فى تحصيل الغذاء والدفاع عن النفس من التعاون عليهم بأبناء جنسه، وما لم يكن هذا التعاون، فلا يحصل لهم قوت ولا غذاء ولا تتم حياته. وإذا كان له التعاون حصل له القوت للغذاء، والسلاح للمدافعة. وقد وردت مشتقات (عون) فى القرآن منها أعانه بمعنى ساعده وقواه، كقوله تعالى:} وقال الذين كفروا إنْ هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون {(الفرقان 4) والمستعان المطلوب منه العون} والله المستعان على ما تصفون {(يوسف 18). والإسلام يربى المسلمين عموما والناشئين خصوصاً على التعاون فى القيام بكل عمل يحقق مصلحة للمؤمنين، أو يدفع عنهم مضرة، وذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده فى غنى عن الناس بحال من الأحوال ومادام الإنسان محتاجا إلى غيره من الناس بالضرورة فهم كذلك محتاجون إليه، ولا يتم تبادل الاستجابة لتغطية هذه الحاجات إلا بالتعاون. والإسلام الحنيف قد قيد التعاون بقيد إنسانى رفيع القدر عالى القيمة، إذ شرط فيه أن يكون تعاونا على البر والتقوى، وحرمه إن كان تعاونا على الإثم والعدوان لقوله تعالى:} وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {(المائدة 2) قال القرطبى: هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى أى ليعن بعضكم بعضا، وتحاثوا على ما أمر الله واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه. وقال الماوردى: ندب الله تعالى إلى التعاون على البر، وقرنه بالتقوى لأن فى التقوى رضا الله تعالى، وفى البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته. وقال ابن خويز منداد فى أحكامه: والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه: فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه، ويعينهم الغنى بماله، والشجاع بشجاعته فى سبيل الله، وأن يكون المسلمون كاليد الواحدة لقوله - صلى الله عليه وسلم - " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". قال تعالى:} والعصر إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر {(العصر 1 - 3). قال الإمام الشافعى إن الناس أو أكثرهم فى غفلة عن تدبر هذه السورة، والتواصى بالحق تعاون عليه، والتواصى بالصبر تعاون عليه كذلك وكلاهما يقوى الروابط بين الناس. وإن هذا التعاون والتناصر هو الذى يغرس المحبة بين المسلمين، روى الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تتدابروا وكونوا عباد الله إخوانا". وقال الماوردى: واعلم أن الدنيا لم تكن قط لجميع أهلها مسعدة، ولا عن كافة ذويها معرضة، لأن إعراضها عن جميعهم عطب، وإسعادها لكافتهم فساد، لائتلافهم بالاختلاف والتباين، واتفاقهم بالمساعدة والتعاون، فإذا تساوى حينئذ جميعهم، لم يجد أحدهم إلى الاستعانة بغيره سبيلا، وأما إذ تباينوا واختلفوا، صاروا مؤتلفين بالمعونة متواصلين بالحاجة، لأن ذا الحاجة وصول والمحتاج إليه موصول قال تعالى:} ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم {(هود 118 - 119) قال الحسن: مختلفين فى الرزق، هذا غنى وهذا فقير ولذلك خلقهم يعنى لاختلافهم بالغنى والفقر. والتعاون فى علم الاقتصاد مذهب اقتصادى شعاره الفرد للجماعة، والجماعة للفرد. ومظهره تكوين تعاونيات تقوم بعمل مشترك لمصلحة الأعضاء كتعاونيات الإنتاج، وتعاونيات المال وتعاونيات الاستهلاك. فتعاونيات الاستهلاك هى التى يتعاون أفرادها على شراء ما يحتاجون إليه بأسعار معتدلة تحذف منها أرباح الوسطاء، فهى تهدف إلى حماية المستهلكين، وتوفير حاجة المعيشة لهم، وضمان أسباب الرغد والرخاء، ووسيلته هو محو حلقة الوسطاء من سلسلة الاقتصاد القومى فيصبح المستهلكون موردين لأنفسهم بل مشترين وبائعين فى آن واحد، ويحصلون على حاجاتهم بسعر نفقة الإنتاج. (هيئة التحرير)

_ المرجع 1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 2/ 661، ولسان العرب 13/ 298وما بعدها. 2 - المعجم الفلسفى، جميل صليبا 1/ 300. 3 - أدب الدنيا والدين، للماوردى- مكتبة مصطفى البابى الحلبى ط 5 سنة 986 1 م. ص 5 13. 4 - تربية النشء المسلم د/ على عبد الحليم محمود- دار الوفاء ط 5 لسنة 1992ص 443 وما بعدها. 5 - معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية سنة 989 1 م 2/ 805. 6 - مجلة الشثون الاجتماعية والتعاون، العدد الأول يناير 1940 م ص 90.

40 - التعايش

40 - التعايش لغة: عَايَشَه: عاش معهُ، عيَّشه: أعاشه، وتعَاَيشُوا: عاشوا على الآلفة والمَوَدَّة ومنه التعايش السِّلمِىِّ (1). واصطلاحا: يقصد بالتعايش أن يعيش الرجل مع الخلق، فيسلم منهم وينصفهم من نفسه، فيلقى الله عَزَّ وجَلَّ، وقد أدى إليهم حقوقهم، وسلم بدينه بين ظهرانيهم. وقد اعترف الإسلام بتمام حرية الإنسان فى الإيمان بالله، وفى تقدير الرسالة التى يؤمن بها، وضمن له من جهة ثانية حريته فى التعامل مع أقرانه، فحكم ببطلان كل عقد بين طرفين شاب الإكراه أحدهما، أو قام على الخديعة لواحد منهما أو كليهما كما نرى ذلك فى عقد الزواج الذى هو عقد شخصى بحت إلا أننا نرى ما وصل إليه الإسلام فى تقرير الحرية الشخصية للإنسان، فله أن يعايش الناس بأخلاقهم، ويضمر فى جنحه الإيمان بالله. فروى عن وهب بن منبه أنه قال له رجل: إنى هممت بالعزلة، فما ترى؟ قال: لا تفعل، بك إلى الناس حاجة، وبالناس إليك حاجة، ولكن كن صموتا نطوقا، أصم سميعا، أعمى بصيرا، فإنه لابد للناس منك، ولابد لك منهم. وروى عن عبد الرحمن بن أبى عوف الجرشى قال: قال الله تبارك وتعالى: يا داود، ما لى أراك خاليا؟ قال: هجرت الناس فيك يا رب العالمين. قال: أفلا أدلك على ما تستبى به وجوه الناس، وتبلغ فيه رضاى؟ قال: نعم، يا رب. قال: خالق الناس بأخلاقهم، واحتجن الإيمان فيما بينى وبينك فهذا التعيش (2). قال تعالى:} إن تجتبوا كبائر ما تنهون عنه نكفِّر عنكم سيئاتكم {(النساء31). فلو أُمروا باعتزال الناس على ما يرى منهم، لكانت هذه مخاشنة مع الخلق، وأخذا بالخناق، فهذا باب لا يحتمله الخلق، وتضيق العشرة وتضيع الحقوق، وفيه تقاطع الأرحام، وتباين الإخوان وتفاسد الجيران، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعاشر أصحابه والأعراب وسائر الخلق من الوفود بأكثر من هذا، فإن رأى شيئا يكرهه، قال من بعده: قولوا لهذا لا يفعل كذا، أو يعارضه بمعاريض الكلام، فيقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا" (3). وكان السلف الصالح - رضي الله عنهم - يشيعون الجنائز، وفيها النوائح والنوادب، فلا يتركون تشييعها لباطلهم، ويشهدون الولائم، وفيها اللهو، ويشهدون الأسواق بتجارتهم، وفيها اللغو فيعوذون بالله من شر ذلك، وقد جاء رجل إلى سفيان بن عيينة، فقال: إن لى أخا، وكان واليا بالرى فجانبته وجاورت البيت، فرد علىّ كتابه أنه عُزل عن الرَىّ، وولى اليمن، وهو مجتاز بى هاهنا، أفأنزله بيتى، وأتصرف له فى حوائجه؟ فقال: نعم، وتلا قوله تعالى:} لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين، ولم يخُرجوكم من دياركم أن تبُّروهم وتقسطوا إليهم .. {(الممتحنة 8) فهذا فى الكفار، فكيف فى المؤمنين إن الاستمرار فى التعايش والتنسيق بين الأديان والشعوب والأجناس جميعها. من أهم الأمور التى وصى بها الإسلام وانطلاقا من ذلك تمكن المسلمون من أن يحققوا التعايش مع أنفسهم ومع مخالفيهم فى الدين. (هيئة التحرير) ا - المعجم الوسيط، مادة (عيش) (ص 663) 2 - الفروق ومنع الترادف للحكيم الترمذى، تحقيق د محمد إبراهيم الجيوشى- طبعة النهار للطبع والنشر القاهرة 998 ام. 3 - شرح السنة للبغوى (13و 143).

_ المرجع 1 - مفهوم التعايش فى الإسلام- د. عباس الجزارى من مطبوعات الإيسيسكو 96! 1 م، 2 - الإسلام فى القرن العشرين- عباس محمود العقاد- سلسلة المواجهة- طبعة الهيئة العامة للكتاب القاهرة.

41 - التعزير

41 - التعزير لغة: التأديب دون الحد، والتعزير فى قوله تعالى} وتعَّزروه {(الفتح 9) النصرة والتعظيم، فهو من أسماء الأضداد، وهو مصدر عزر من العزر وهو الرد والمنع، وسميت العقوبة تعزيرا، لأن من شأنها أن تدفع الجانى وترده عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها (1). واصطلاحا: هو عقوبة غير مقدرة شرعا تجب حقا لله تعالى أو لآدمى فى كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا (2). والتعزير مشروع لردع الجانى وزجره وإصلاحه وتهذيبه، والزجز معناه: منع الجانى من معاودة الجريمة، ومنع غيره من ارتكابها، ومن ترك الواجبات كترك الصلاة والمماطلة فى آداء حقوق الناس (3). وليس التعزير للتعذيب أو إهدار الآدمية أو الإتلاف حيث لا يكون ذلك واجبا وقد أجمع الفقهاء على أن ترك الواجب أو فعل المحرم معصية فيها التعزير إذا لم يكن هناك حد مقدر (4). ومثال ترك الواجب عندهم: منع الزكاة، وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك، وعدم آداء الأمانة، وعدم رد المغصوب، ومثال فعل المحرم: سرقة ما لا قطع فيه، لعدم توافر شروط النصاب أو الحرز مثلا وتقبيل الأجنبية والخلوة بها، والغش فى الأسواق والعمل بالربا وشهادة الزور (5). وقال القليوبى: قد يشرع التعزير ولا معصية، كتأديب طفل، وكافر، وكمن يكتسب بآلة لهولا معصية فيها (6). يجوز فى مجال التعزير: إيقاع عقوبات مختلفة يختار منها الحاكم فى كل حالة ما يراه مناسبا محققا لأغراض التعزير منها: (أ) العقوبات البدنية: التعزير بالقتل: والأصل أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، لقول الله تعالى:} ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق {(الإسراء33) وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا فى جرائم معينة بشروط مخصوصة من ذلك: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين وقتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية. (ب) التعزير بالجلد، لا يبلغ الحد. (جـ) التعزير بالحبس ومدته يقدرها الحاكم. (د) التعزير بالنفى. (هـ) التعزير بالمال وفيه خلاف بين العلماء، والتعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلافه، أو بتغيير صورته، أو بتمليكه للغير. وهناك أنواع أخرى من التعزير منها: الإعلام المجرد، والإحضار لمجلس القضاء والتوبيخ والهجر (7). أ. د/ فرج السد عنبر

_ المرجع 1 - المصباح المنير، 2/ 407، مختار الصحاح ص 429 2 - المبسوط للسرخسى 9/ 36، كشاف القناع 6/ 121، الأحكام السلطانية، للماوردى ص 293. 3 - تبصرة الحكام 1/ 366، 368، 370، نهاية المحتاج 7/ 174، كشاف القناع6/ 126. 4 - تبصرة الحكام 2/ 366 وما بعدها، كشاف القناع 6/ 121، الأحكام السلطانية للماوردى ص 293 5 - تبصرة الحكام2/ 366، كشاف القناع 6/ 121، الأحكام السلطانية للماوردى ص 294 6 - حاشية القليوبى على شرح المحلى 4/ 205. 7 - بدائع الصنائع، للكاسانى 7/ 64، نهاية المحتاج 7/ 174.

42 - التعميم

42 - التعميم اصطلاحا: عند الفلاسفة هو أخذ الصفات المشتركة بين الأشياء المفردة لجمعها فى تصور واحد؛ ومن الناحية المنطقية هو انتقال من الجزئى إلى الكلى أو من الخاص إلى العام وتعد صياغة القواعد والقوانين العلمية ضربا من التعميم ويسمى هذا النوع من التعميم بالتعميمات الاستقرائية باعتبار أنها القوانين المستخلصة من التجارب أو هى القوانين التجريبية. والتعميم الكلى هو الصورة الرمزية لجملة عامة مثل (كل الأشياء مادية) التى يمكن استخلاصها من جملة مفتوحة مثل (شيء مادى). أما التعميم الوجودى فهو الصورة الرمزية لجملة عامة مثل (بعض الأشياء مادية) التى يمكن استخلاصها من جملة مفتوحة مثل (شيء مادى). والتعميم قدرة تبلغ أرقى صورها لدى الإنسان فيستجيب لمواقف حياتية، كما أنها تأخذ شكلا جديدا فريدا لدى الإنسان تتجلى فى القدرة على التعلم الرمزى. ويتم التعميم عندما نجعل الصفات التى شاهدناها فى عدد محدود من أفراد الصنف شاملة للصنف كله، فكل انتقال من الخاص إلى العام، أو من العام إلى الأعم فهو تعميم كقوانين علم الجبر فهى تعميم لقوانين علم الحساب وكقانون الجاذبية فهو تعميم لقانون سقوط الأجسام. ويوجد للتعميم عدة معان فهناك التعميم بمعنى المفهوم، وهو عملية تجميع الصفات المشتركة بين أشياء مفردة. وهناك التعميم بمعنى الاستقراء وهو الانتقال إلى فئة من الوقائع أو الكائنات أو الأفكار أو الأفراد بفعل ما هو ملحوظ على عدد محدود من تلك الوقائع فهو مرور من المخصوص إلى الأعم ويدل التعميم على قياس التمثيل إذ هو عملية تنقل إلى فئة ما ما سبق أن أثبتناه فى فئة أخرى، وهذا القياس بالمثل أو قياس النظير أو الشبيه عند أهل البيان يسمى بقياس الغائب على الشاهد، أو الاستدلال بالشاهد على الغائب عند الأصوليين. وإن كان التعميم بهذا المعنى يتيح مجالا للشبهات فهو هنا قياس ظنى ذو نتائج محتملة وغير يقينية. وقد انتبه إلى طبيعته تلك الفقهاء والمتكلمون وإن كان التعميم بهذا المعنى غير مستقر النتائج إلا أنه له دور فى اكتشاف أحكام ومبادئ ونظريات فالتعميم منهج وحكم ونتيجة ويخضع فى سيروراته المتداخلة إلى بعض القواعد التى تحكم هذا التعميم لتصح أحكامه. أ. د/ منى أبو زيد

_ المرجع 1 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى، الدار الشرقية، القاهرة 1410هـ/ 1990 م. 2 - المعجم الفلسفى: د. جميل صليبا ج ادار الكتاب اللبنانى بيروت 1982م. 3 - المعجم الفلسفى الصادر عن مجمع اللغة العربية، تصدير د. إبراهيم مدكور القاهرة. 4 - معجم المصطلحات المنطقية د/ محمد فتحى عبد الله ج االإسكندرية 1994م. 5 - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر معهد الإنماء العربى، إشراف د/ معن زيادة. بيروت 1986م ج امادة (تعميم) بقلم د/ على زيعور

43 - التفريد

43 - التفريد لغة: تفرد بالأمر انفرد، واستفرد الشىء: أخذه فردا لا ثانى له ولا مثل. واصطلاحا: يستعمل التفريد عند الصوفية بمعان عديدة منها: 1 - أن يكون وصفا للعبد، وهو حال يصل إليه السالك بعد وصوله إلى التجريد، ويعرف الكلاباذى التفريد بهذا المعنى بأنه هو "أن يتفرد عن الأشكال، وينفرد فى الأحوال، ويتوحد فى الأفعال، وهو أن تكون أفعاله لله وحده، فلا يكون فيها رؤية نفس، ولا مراعاة خلق ولا مطالعة عوض، ويتفرد فى الأحوال عن الأحوال، فلا يرى لنفسه حالا بل يغيب برؤية يحولها عنها، ويتفرد عن الأشكال، فلا يأنس بها، ولا يستوحش منها" (1). 2 - أنما يكون التفريد مختصا بالرب -جل جلاله- وهو معنى من معانى توحده بإفراده عن المحدثات، إذ لا مجالسة بينه وبينها (3). فهو واحد آحد، فرد صمد، متفرد فى ذاته وصفاته وأفعاله. 3 - ومن الصوفية من يفهم هذا المصطلح فى سياق المذهب القائل بوحدة الوجود ومن هؤلاء: القاشانى الذى يعرف التفريد بأنه "شهود الحق ولا شىء معه، فيشهده منفردا، وذلك لفناء الشاهد فى المشهود. ومن لم يذق هذا المشهد نازعه عقله فى فهم هذا المعنى .. فيقال له: ألست تشهد نفسك بنفسك؟ مع أن ذلك لا ينافى الإفراد، فهو الشاهد من الشاهد، والمشهود من المشهودة إذ لا حقيقة لغيره، ولأن الكل تعيناته " (3). 4 - والتفريد عند الكمشخانوى معنى عام سار فى كل جانب من جوانب التصوف وفى كل مرحلة من مراحله " ... وصورته فى البدايات: تخليص الإشارة إلى الحق بالعبارة، وفى الأبواب: تخليص الإشارة إلي الحق بالعقيدة. وفى المعاملات تفريد الاشارة إلى الحق بالتأثير والتصريف. وفى الأخلاق: تصريف الاشارة إلى الحق بالحق والبعث. وفى الأصول: تخليص الاشارة إلى الحق قصدا وسلوكا، وفى الأدوية: تخليص الإشارة بالحق محبة وغيرة، وفى الولايات: تخليص الإشارة بالحق؛ افتخارا وغيرة. وفى الحقائق: تخليص الإشارة بالحق شهودا واتصالا " (4). أ. د/عبد الحميد مدكور

_ الهامش: 1 - التعرف لمذهب أهل التصوف، لأبى بكر محمد الكلابازى -تحقيق د/عبدالحليم محمود، وطه سرور- دار إحياء الكتب العربية ط1/ 1960 ص111. 2 - كشف المحجوب، لعلى بن عثماف الهجويرى، ترجمة د/إسعاد قنديل طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1975، ج2/ 519 وما بعدها اللمع، لأبى نصر السراج الطوسى، تحقيق د/عبد الحليم محمود، وطه سرور دار الكتب الحديثة مصر 1960 ص49 وما بعدها، ص424. 3 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام (للقاشانى)، تحقيق سعيد عبد الفتاح مطبعة دار الكتب المصرية 1996 ج1/ 337،338. 4 - جامع الأصول، لأحمد ضياء الدين الكمشخانوى دار الكتب العربية الكبرى مصر 1331هـ ص314. مراجع الاستزادة: 1 - المعجم الصوفى، د/سعاد الحكيم طبع دندرة للطباعة والنشر لبنان ط1/ 1981م

44 - التفسير

44 - التفسير لغة: تدور مادته حول معنى الكشف مطلقا سواء أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك، يقال فسرت اللفظ فسرا من باب ضرب ونصر، وفسرته تفسيرا شدد للكثرة إذا كشفت مغلقه (1). واصطلاحا: كشف معانى القرآن وبيان المراد منه، وهو أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى الظاهر وغيره، والمقصود منه (2). وهل يتوقف هذا الإيضاح على القطع بالمعنى المراد بأن يكون اللفظ نصا لا يحتمل إلا معنى واحدا أو الرواية الصحيحة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، أو لا يتوقف على شىء من ذلك بحيث يكفى فيه غلبة الظن بالمعنى المراد؟ الصواب هو عدم التوقف، غاية الأمر أنه يلزم عند مجرد غلبة الظن ألا يقطع المفسر بأن المعنى الذى غلب على ظنه هومراد الله من النص. بل يقول ما يشعر بعدم الجزم كقوله: المعنى عندى والله أعلم، وأشباه ذلك من العبارأت المشعرة بعدم القطع فيما لا قاطع فيه. والتفسير بهذا المعنى يشمل جميع ضروبه البيان لمفردات القرآن وتراكيبه سواء تعلق البيان بشرح لغة، أم باستنباط حكم أم بتحقيق مناسبة، أو سبب نزول، أم بدفع إشكال ورد على النص، أو بينه وبين نص آخر أم بغير ذلك من كل ما يحتاج إليه بيان النص الكريم. وقد عرف القول فى تفسير القرآن منذ عهد نزول القرآن ذاته، فالقرآن يفسر بعضه بعضا. وقد يحتاج بعض الصحابة إلى بيان شىء من القرآن فيوافيهم به النبى صلى الله عليه وسلم كما فى قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) النحل:44، ومن ثم عرف العلماء وذكروا فى تصانيفهم ألوانا شتى من تفسير القرآن للقرآن ومن تفسير السنة للقرآن. ثم سار الصحابة فمن بعدهم على هذا المنوال من البيان لكل ما يحتاج إلى بيان من القرآن فتكونت، المدارس المتقدمة للتفسير فى مكة والمدينة والشام، والعراق وهلم جرا، وحتى دونت المصنفات التى لا تكاد تحصى فى التفسير، كل على حسب مشرب صاحبه من العناية باللغة والبلاغة أو الفقه والأحكام، أو تحقيق أمور العقيدة ومباحثه علم الكلام، أو التصوف وأذواقا المتصوفة وإشاراتهم، ثم من إسهاب إلى إيجاز إلى توسط فى التناول، وهكذا صار تفسير القرآن علما قائما برأسه وضعت فيه المئات إن لم تكن الألوف من المجلدات (3). ولتقسيم التفسير اعتبارات متعددة يختلف باختلافها، وهذه الاعتبارات هى: أولا: أن ننظر إلى التفسير من حيث إمكان تحصيله وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام أخرجها ابن جرير الطبرى عن طريق سفيان الثورى عن ابن عباس فيما يلى: (أ) وجه تعرفه العرب من كلامها. (ب) وتفسير لا يعذر أحد بجهالته. (ج) وتفسير يعلمه العلماء. (د) وتفسيرلا يعلمه إلا الله (4). ثانيا: أن ينظر إلى التفسيرمن جهة استمداده من الطريق المعتاد نقلا كان من القرآن نفسه، أو من السنة، أو من كلام الصحابة، أو التابعين، أو كان رأيا واجتهادا. أو من غيرهذا الطريق بأن يكون بطريق الإلهام والفيض، فالتفسير ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام: (أ) تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور. (ب) تفسير بالدراية، ويسمى التفسير بالرأى. (ج) تفسير بالفيض والإشارة، ويسمى التفسير الإشارى (5). ثالثا: أن ينظر إلى التفسيرمن جهة كونه شرحا لمجرد معنى اللفظ فى اللغة، ثم لمعنى الجملة أو الآية على سبيل الإجمال، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: (أ) إجمالى. (ب) تحليلى (6). رابعا: أن ينظر إلى التفسير من جهة خصوص تناوله لموضوع ما من موضوعات القرآن الكريم، عاما كان كالعقيدة والأحكام أو خاصا كالصلاة والوحدانية ونحوها. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى: (أ) تفسير عام (7). (ب) تفسير موضوعى. أ. د/ابراهيم عبد الرحمن مهمد خليفة

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط3، بيروت مادة (فسر)، والبرهان فى علوم القرآن للزركشى 1/ 147. 2 - الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، 4/ 193. 3 - مناهل العرفان، د. محمد عبد العظيم الزرقانى، طبعة عيسى الحلبى، 1/ 472. 4 - تفسير الطبرى، طبعة مصطفى الحلبى، ط3، 1/ 34. مراجع الاستزادة: 1 - تفسير البحر المحيط، لأبى حيان. 2 - التفسير والمفسرون، د. محمد حسين الذهبى. 3 - مفردات القرآن للراغب. 4 - دراسات فى مناهج الفسرين، د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة

45 - التفكر

45 - التفكر لغة: يقال فكَّر فى الأمر تفكيرا، أعمل العقل فيه، ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى المجهول .. وفكر فى المشكلة أعمل الرّويَّة فيها ليصل إلى حلّها. واصطلاحا: التفكير عند معظم الفلاسفة عمل عقلى عام يشمل التصور والتذكر والتخيل والحكم والتأمل، ويطلق على كل نشاط عقلى (1). والفكر حركة النفس نحو المبادئ والرجوع عنها إلى المطالب، والنظر ملاحظة المعلومات الواقعة فى ضمن تلك الحركة. ويقال: فى الأمر فكر، أى نظر وروية، وما لى فيه فكر أى حاجة. والفكر والنظر مترادفان، والفكر هو أن ينتقل الإنسان من أمور حاضرة متصورة أو مصدق بها تصديقا علميا أو ظنيا أو وضعا أو تسليما، إلى أمور غير حاضرة فيه انتقالا لا يخلو من ترتيب كما يقول ابن سينا فى الإشارات والتنبيهات (2). وإذا قيل: إن الفكر يطلق على حركة النفس فى المعقولات سواء كانت بطلب أو بغير طلب، أو كانت من المطالب إلى المبادئ أو من المبادئ إلى المطالب؛ فإن المراد بالمعقولات ما ليست محسوسة وإن كانت من الموهومات (3). والتفكر أو التفكير هو نشاط إنسانى خالص له شكلان، فإما أننا نفكر لنصل إلى ما يمكن أن يكون الحقيقة، أو أننا نفكر لنبتَّ برأى فى مسألة ما. ويصف أرسطو (322 ق. م) هذين الشكلين بأنهما التأمل والتروّى، وينتهى التأمل الناجح إلى نتيجة، والتروى الناجح إلى قرار، ويصف التفكير المتأمل بأنه نظرى والمتروى بأنه عملى. والتفكير الإنسانى خليط من الشكلين ويتم باطنيا وقصديًّا (4). ونظريات التفكير إما أفلاطونية أو أرسطية أو تصورية أو اسمية نفسية أو سلوكية. وهى عند أفلاطون: حوار داخلى بكلمات تشير إلى صور، وعند أرسطو: فعل عقلى حيث التفكير فى الشىء مشاركته فى ماهيته، ومن ثمَّ إثراء للعقل، وعند التصوريين: نشاط يبرز أفكار العقل الفطرية، وعند الصوريين: تتابع لأحداث ترتبط فيها الصور العقلية بالعادات، وعند النفسيين: حوار نفسى، وعند الترابطيين: كلام مترابط يدور فى الذهن يمكن أن يعلنه صاحبه كتفسير لسلوكه (5). وإذا قلنا: إن الفكرة معنى من المعانى، فالمعانى هى الصور الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ والصور الحاصلة فى العقل. فمن حيث إنها تقصد باللفظ، سميت معنى، ومن حيث إنها تحصل من اللفظ فى العقل سميت مفهوما، ومن حيث إنه مقول فى جواب ما هو: سُمّيت ماهية، ومن حيث ثبوته فى الخارج، سميت حقيقة، ومن حيث امتيازه عن الأغيار سميت هوية (6). والفكرة عند أفلاطون (7) (347 ق. م) تفيد الماهية أو المثال أو الشىء بالذات المفارق للمادة. وهناك فكرة غريزية أو فطرية ليست مستفادة من الأشياء ولا مركبة بالإرادة، لكن النفس تستنبطها من ذاتها وتمتاز بالوضوح والبساطة .. والفكرة إما حادثة أو مصطنعة .. أما الحادثة فتقوم فى الفكر بمناسبة حركات واردة على الحواس من الخارج كاللون والطعم والصوت والرائحة. أما المصطنعة فنحن نركبها من الأفكار الحادثة كصورة فرس له جناحان مثلا. وعند ديكارت (8) الذى قال: أنا أفكر فأنا إذن موجود، عنده أن هناك أفكارا فطرية تطلق على الشعور والتجربة الباطنة والصور الأولية للمعرفة، يستدل بها على معرفة الروح والروحيات والعلاقات، وهذا معناه أن لدينا معارف مغايرة للمعارف المتخيلة والتى يدل عليها بلفظ idea الأفلاطونية. فإذا عدنا إلى كتابنا الكريم بالذات، فإننا نجد بيانا وافيا لمفهوم التفكر بمعنى إمعان النظر وبمعنى التدبر، وبمعنى التعقل، وبمعنى التأمل، وبمعنى التمييز وما إلى ذلك حسب المقام. من ذلك قول الله سبحانه وهو يتحدث عن مخاطر وأخطار الاقتراب من المحرمات {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} (البقرة 219). ومن ذلك قوله عن الصادقين من المؤمنين بأنهم {يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون فى خلق السموات والأرض} (آل عمران 191). ومن ذلك {هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون} (الأنعام 50) ومن ذلك: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} (الأعراف 176). أ. د/ عبد القادر محمود

_ المراجع 1 - دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدى 7/ 358: بيروت 1971م. 2 - محيط المحيط، بطرس البستانى: بيروت 1979م، انظر المعجم الفلسفى يوسف كرم 161 القاهرة 1966 م. 3 - المصادر السابقة. 4 - المعجم الفلسفى د/ عبدالمنعم الحفنى، ص 65/ 239، 1992 م. 5 - المصادر السابقة 3/ 4. 6 - المعجم الفلسفى د/ جميل صليبا، 1/ 95، 1971 م (ديكارت 1650م) 7 - المصادر السابقة. 8 - المصادر السابقة.

46 - التقاويم

46 - التقاويم التقويم فى علم الفلك: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام، وقد اتخذت شعوب كثيرة من وحدات اليوم والشهر والسنة أساسا لوضع تقاويم Calendars خاصة، مثل التقويم المصرى (القبطى) واليونانى والفارسى والهندى واليهودى وغيرها. وهذه التقاويم وإن كانت تختلف فى خصائصها الدقيقة عن بعضها البعض إلا أنه يمكن إجمالها عموما فى نوعين رئيسين: أحدهما: قمرى، أساسه دوران القمر حول الأرض. والآخر: شمسى، أساسه دوران الأرض حول الشمس. ويعتبر التقويمان الهجرى والميلادى خير مثالين لهذين النوعين من التقاويم. أما التقويم الهجرى فيتخذ من رؤية الهلال بعد غروب الشمس بداية للشهر الهجرى فى اليوم التالى للرؤية، ويبدأ اليوم فى التقويم الهجرى بغروب الشمس وينتهى بالغروب التالى، ويبلغ الشهر الهجرى 29 أو 30 يوما، وكل اثنى عشرشهرا تساوى عاما كاملا. وقد بدأ إحصاء التاريخ الهجرى منذ أول المحرم لسنة هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة. وفى هذا التقويم يبدأ ترتيب الشهور الهجرية بدءا بالمحرم، ثم صفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة. ومنذ بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بطرق الرصد الدقيق لتعيين مدارات القمر والكواكب، وأصبح بالامكان تحديد لحظة ميلاد الهلال بدقة كبيرة عن طريق حل المعادلات الرياضية لمداره حول الأرض ومدار الأرض الظاهرى حول الشمس، وبلغت هذه الحسابات من الدقة ما جعلها تصلح للتحديد المسبق لمواقع الكواكب والأقمار، وضمان الوصول الآمن إليها فى الفضاء بعد رحلات قد تستغرق سنين عديدة، وقد حفزذلك أقطارا إسلامية للاستغناء كلية عن رؤية الهلال، والاكتفاء بالحسابات الفلكية. وحسب نتائج الرؤية فى اليوم التاسع والعشرين من كل شهر هجرى، يتم الإعلان عن دخول الشهر الجديد فى اليوم التالى أو الذى يليه. وأما التقويم الميلادى الذى يعتمد على دوران الأرضر حول الشمس فقد طرأت عليه تعديلات جوهرية كثيرة على مدى القرون، إلى أن استقر على يد البابا جسريجورى، وأصبح يعرف بالتقويم الجريجورى، وصار أساسا عالميا للتأريخ والأحداث، وتشتمل السنة الجريجورية (الميلادية) على 12 شهرا طولها الشهور الفردية من الأول حتى السابع: (يناير - مارس - مايو - يوليو) والشهور الزوجية من الثامن حتى الثانى عشر: (أغسطس - أكتوبر - ديسمبر) وتبلغ 31 يوما، بينما تكون باقى الشهور ثلاثين يوما فيما عدا الشهر الثانى (فبراير) فيكون 28 يوما فى السنة البسيطة (التى لا تقبل القسمة على أربعة) و 29 يوما فى السنة الكبيسة التى طولها 366 يوما، وتأتى كل أربع سنوات، أى فى السنة التى تقبل القمسة على أربعة. أ. د/أحمد فؤاد باشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - التقاويم: لمحمد فياض سلسلة الألف كتاب. 2 - التقاويم: (الهيئة العامة للمساحة). 3 - Notical Almanac

47 - التقريب

47 - التقريب لغة: مصدر "قرب" بالراء المفتوحة المشددة، كما فى مختار الصحاح (1). واصطلاحا: هو سوق المقدمات على وجه يفيد المطلوب، وقيل: سوق الدليل على الوجه الذى يلزم المدعى، وقيل: جعل الدليل مطابقا للمدعى، ولا يتم التقريب إلا إذا كان المطلوب لازما، واللازم مطلوب. والتقريب كاصطلاح عام يدخل فى كثير من المجالات، ومنها: 1 - التقريب بين وجهات النظر المختلفة سواء أكان ذلك فيما يقع للناس فى أمور معاشهم وطرائقها، أم كان فى نظرتهم -مثلا- لبعض الفروع الفقهية واختلافهم بشأنها من جهة ما يعتريها من أحكام. ومن التقريب بهذا المعنى: محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية، خاصة بين أهل السنة والشيعة، لما يترتب على ذلك من تقوية لمفهوم الأخوة الإسلامية الجامعة، بعد أن عبثت بها نوازع الفرقة. وقد ظهرت فى مصرمنتصف القرن الثالث عشر للهجرة التاسع عشر للميلاد دعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية دعا إليها الشيخ محمد تقى الدين القمى تحمل اسم "جماعة التقريب" وسجلت بهذا الاسم وضمته نخبة من كبارعلماء مصرمنهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد المدنى وغيرهم، وكان من نتائج عملها أن درست فى كليات الشريعة بالأزهر بعض المذاهب الشيعية الأقرب إلى "أهل السنة" كالزيدية لكنها توقفت، ولم يحاول آخرون تجديدها والتمكين لدورها فى التقريب بين الشيعة والسنة وهما الجناحان الأعظمان للمسلمين فى العالم. 2 - التقريب فى الأحكام الشرعية، وذلك بأنه يتعين على الفقيه أن يجد لمسألته دليلا مباشرا صريحا، حين يتجاذب المسألة أكثر من دليل وأكثر من أصل، أو حين يجد فيها نوعا من الغموض والتقصير، فالتحقيق يفرض عليه أن يصوغ اجتهاده فى هذه الحالة صياغة تقريبية كأن يقول: الأقرب إلى الصواب فيها كذا، أو الأشبه بالحق، وغير ذلك. ومن أمثلة هذا النوع: مسألة الأراضى المفتوحة التى أشكلت على الصحابة فاختلفوا فيها، واختلف فيها الأئمة من بعدهم فذهب بعضهم إلى جعلها غنيمة توزع على الفاتحين، والبعض على أنها فىء. وقيل: التصرف فيها يخضع للاجتهاد وللاعتبارات المصلحية وهو ما استقر عليه جمهور الصحابة، وأشذ به جمهور العلماء. ولعل القضاة والمفتين هم أكثر الفقهاء احتياجا إلى التقريب فى الاجتهادات والأحكام، لكثرة ما يعرض لهم من غريب النوازل والقضايا المستجدة مما يجعلهم فى أحايين كثيرة يقفون أمام قضايا لا نص فيها وتحتاج إلى التقريب ما أمكن. 3 - التقريب فى الأوصاف، وهذا يتجلى فى الصفات المطلوبة فى الخليفة والقضاة، والشهود وغيرهم، فإن الشروط المطلوبة فى هذه النوعيات كثيرا ما تتخلف، والتوقف عن تقليد هؤلاء مناصبهم حتى تكتمل الشروط فيهم قول لا يؤيده واقع سليم، بل يكون اللجوء إلى التقريب لاختيار الأكمل ضرورة يفرضها المتاح. 4 - التقريب فى المقادير، وهو لا يختلف فى حقيقته عن النوع السابق فالمقادير التى حددها الشرع سواء أكانت مكيلة أم موزونة أم معدودة أم غير ذلك قد يتعذر الإتيان بها بتمامها، وعليه فالأصوب أن يؤتى بما يقاربها خصوصا إذا كانت الفروق فيها طفيفة. فالتقريب هو نوع تصرف تفرضه الظروف. وخصوصا إذا تعذر المباح فيتعين المتاح. أ. د/ عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح. للرازى. ط دار المعارف. ج526. مراجع الاستزادة: 1 - التعريفات للجرجانى ط مصطفى الحلبى سنة 1938م ص57. 2 - نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها فى العلوم الإسلامية، للدكتور/أحمد الريسونى. مطبعة مصعب بمكناس بالمغرب. ط2 سنة 1994م. ص87 - 97

48 - التقليد

48 - التقليد لغة: مصدر للفعل الرباعى "قلَّد" بتضعيف اللام المفتوحة يقال: قلد فلان فلانا الأمر أى ألزمه إياه. كما يقال: قلد الماء فى الحوض واللين فى السقاء يقلده قندا أى جمعه فيه. ويقال: التقليد فى الدين، وتقليد الولاة والأعمال .. وتقلد الأمر احتمله كما فى لسان العرب (1). واصطلاحا: يقصد به التزام حكم المقلد من غير دليل بحيث يلتزم المقلد قول المقلد شرعا فينعقد ما حرمه حراما وما أوجبه واجبا، وما أباحه مباحا من غير دليل يستدل به على شىء من ذلك اللهم إلا قول من قلده (2). وقد عرفه الإمام الشيرازى بأنه "قبول القول من غيردليل " (3). وعرفه إمام الحرمين بأنه "قبول قول الغير من غير حجة" (4). وقد فسر إمام الحرمين هذا القول قائلا: "فعلى هذا قبول العامى قول المفتى تقليد. وقبول من يروى أخبار الآحاد قولا وسمعه من خلق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس تقليدا لأنه حجة فى نفسه". وقبول قول الصحابى تقليد إن لم نجعل أقوالهم حجة، ولم نر الاحتجاج بقولهم. فإن اعتبرنا أقوالهم حجة يحتج بها فعند ذلك لا يسمى قبول أقوالهم تقليدا. وعرف ألإمام الآمدي التقليد بأنه "العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة" (5). وذكر الإمام الشوكاني له عدة تعريفات منها أنه "العمل بقول الغيرمن غيرحجة". ثم اختار من بين هذه التعريفات تعريفا رآه هو الأولى وهو: "قبول رأى من لا تقوم به الحجة بلا حجة". والتقليد نوعان (7): تقليد سائغ بل واجبا، وتقليد مرفوض مذموم. فأما التقليد المذموم المرفوض فهو أن يكون هناك إعراض عما انزل الله وعدم التفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء، والأجداد، أو يكون فى صورة تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يأخذ بقوله أو أن يكون تقليده بعد قيام الحجة، وظهور الدليل على خلاف قول المقلد. ولا أدل على رفض مثل هذا التقليد وذمه من قول الله سبحانه وتعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئأ ولا يهتدون) البقرة:170. وقوله جل وعلا: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) الزخرف:23 - 24. فالتقليد الواجب المستساغ هو: تقليد من بذل جهده فى اتباع ما أنزل الله وخفى عليه بعضه فقلد فيه من هوأعلم منه فلا شك أن مثل هذا التقليد محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور، والدليل على صحة مثل هذا التقليد أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم وهذا تقليد منهم قطعا؛ إذ إن قولهم لا يكون حجة فى حياة رسول صلى الله عليه وسلم. وقد قال الحق سبحانه وتعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} التوبة:122. فقد أوجب الحق سبحانه وتعالى عليهم قبول ما أنذرهم به إذا رجعوا إليهم وهذا تقليد منهم للعلماء، وقد جاءت شريعتنا الغراء بقبول قول القائف (الذى يتتبع الآثار ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه) والخارص (اسم فاعل من خرص النخلة والكرمة إذا حز ما عليها من الرطب تمرا والعنب زبيبا) والمقوم للمتلفات وغيرها ولاشك أن هذا تقليد محض. وجميع علماء الأمة قد صرحوا بجواز التقليد فقد قال محمد بن الحسن الشيبانى صاحب الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه "يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه ولا يجوزله تقليد من هو مثله" وقد صرح الإمام رضى الله عنه بالتقليد فقال فى مسألة بيع الحيوان بالبراءة الأصلية من العيوب: قلته تقليدا لعثمان. وهذا هو الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول فى مسائل الآبار وليس منه فيها، إلا تقليد من تقدمه من التابعين فيها وهذا هو الإمام مالك رضى الله عنه لا يخرج عن عمل أهل المدينة ويصرح فى موطئه بأنه أدرك العمل على هذا، وهو الذى عليه أهل العلم ببلدنا، ويقول فى غيرموضع: "ما رأيت أحدا واقتدي به يفعله، وقد قال الإمام الشافعى -رحمه ألله- فى الصحابة: رأيهم لنا خيرمن رأينا لأنفسنا. والحق أن مصلحة الخلق لا تقوم إلا بالتقليد وذلك عام فى كل علم وصناعة وقد فاوت الله سبحانه وتعالى بين قوى الأذهان كما فاوت بين قوى الأبدان، فلا يحسن فى حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله. هذا ولا يجوز للمقلد أن يفتى فى دين الله بما يقلد فيه وليس على بصيرة منه سوى أنه قول من قلده، وهذا بإجماع السلف كلهم وقد اشترط الإمام الغزالى -رحمه الله- فى سبيل الوصول إلى الحقائق أن يكون الباحث حر العقل مستقل التفكير، وقد ندد بكل فكر موسوم بالتبعية، والمحاكاة، وبلغ من حرصه على هذا المبدأ انه ختم كتابه فى المنطق "معيار العلم "بدعوة للقارئ إلى أن يدرسه بروح الفهم لا بروح التقليد. أ. د/محمد عبد اللطيف جفال الدين

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور 5/ 2718. 2 - كتاب الحدود ص64. 3 - اللمع للشيرازى ص450 البرهان 2/ 888. 4 - الإحكام فى أصول الأحكام للأمدى 4/ 297. 5 - إرشار الفحول ص365. 6 - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية 2/ 168 وما بعدها

49 - التقوى

49 - التقوى لغة: قلة الكلام، وقد استعملت التقوى -بمعنى عام- فى الصيانة والحذر والوقاية، واجتناب ما هو مكروه أو قبيح أو ضار. واصطلاحا: هى التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه، بطاعته واتباع أوامره، واجتناب نواهيه. وقد سأل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أبيا عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم. قال: فما عملت فيه؟ قال: تشمرت وحذرت، قال: فذاك التقوى (1). وتنسب مثل هذه الإجابة إلى أبي هريرة عند الشوكاني (2). وتقوم التقوى -فى جوهرها- على استحضار القلب لعظمة الله تعالى واستشعار هيبته وجلاله وكبريائه، والخشية لمقامه، والخوف من حسابه وعقابه. وإذا كان هذا هو معنى التقوى فإن نطاقها لا ينحصرفى اجتناب الكبائرفحسب، بل إنه يمتد ليشمل كل ما فيه معنى المخالفة حتى لو كان من اللَّمم أو الصغائر، وقد فهمت التقوى هذا الفهم منذ عهد الصحابة الذين قال قائلهم: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت. بل إنهم جعلوا من تمام معناها أن تتضمن الورع، عن بعض ما هو طيب أو حلال، حذرا من مقاربة الحرام، وفى ذلك يقول أبو الدرداء: "تمام التقوى: أن يتقى الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراصا ". وهذا المعنى له أصل صحيح فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس" (أخرجه أحمد والبخاري فى تاريخه). وليست التقوى -كما يفهم من معناها اللغوى وبعض استعمالاتها الشرعية- مقصورة على الحذر والاجتناب للمعاصى والرذائل، بل إنها تتضمن -كذلك- جانب الفضائل والطاعات العملية الإيجابية ويظهر هذا فى عديد من الآيات القرآنية، ولعل من أكثرها دلالة على هذا التكامل آية البر المشهورة، وهى قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البرمن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة:177. وقد كانت الوصية بالتقوى أول وصايا الله تعالى لبنى آدم. قال تعالى: {يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير} الأعراف:26. وهى وصية الله للمسلمين وللأمم من قبلهم: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتابا من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} النساء:131. وكان أهل التقوى هم أهل محبة الله: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} آل عمران:76. وهم أهل ولايته: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون} يونس:62،63. وأهل الكرامة عنده فى الدنيا وفى الآخرة: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13. وقد وصفت الجنة بأنها دار المتقين: {ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين} النحل:30، {تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا} مريم:63. وقد جعل الله التقوى من أعظم أسباب البركة فى الأرزاق ومن أعظم أسباب تفريج الكربات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات والخروج من المضائق والأزمات. والحديث عن التقوى ومكانتها، وصفات أصحابها كثير فى القرآن والسنة وقد أمر الله بها فى أمر المؤمن كله: عبادات ومعاملات دينا ودنيا، قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران:102. وقال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت ... ) رواه الدرامى (3). أ. د/عبد الحميد مدكور

_ الهامش: 1 - تفسير القرطبي 1/ 140. 2 - فتح القدير للشوكاني 1/ 34. 3 - سنن الدرامي، كتاب الرق، باب ما جاء فى حسن الخلق. مراجع الاستزادة: 1 - تفسير القرآن الحكيم، المسمى "تفسير المنار" محمد رشيد رضا طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1972 ج1. 2 - تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير طبع دار الشعب القاهرة ج1. 3 - الجامع لأحكام القرآن محمد ابن أحمد القرطبي طبع دار الشعب القاهرة ج1. 4 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير محمد بن علي الشوكاني عالم الكتب ج1

50 - التقية

50 - التَّقِيَّة لغة: التَّقِيَّة بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء المفتوحة مصدر الفعل (اتقى) أبدلت الواو تاءً ومعناها الحذر والخوف (1). اصطلاحا: أن يظهر الإنسان خلاف ما يُضمِر؛ ليحافظ على نفسه أو ماله أو عرضه، وقيل هى: مداراة وتظاهر بما ليس هو الحقيقة (2). وقد ارتبطت التقية بالشيعة، فهى النظام السرى فى شئونهم فإذا أراد إمام الخروج والثورة على الخليفة، وضع لذلك نظاما وتدابير، وأعلم أصحابه بذلك فكتموه، وأظهروا الطاعة حتى تتم الخطط المرسومة فهذه تقية، وإذا أحسّوا ضررا من كافر أو سنّى داروه وجاروه وأظهروا له الموافقة فهذه أيضا تقية وهكذا (3). كما فسروا كثيرا من أعمال الأئمة على أنهم فعلوها تقية، فسكوت عليّ - رضي الله عنه - على أبى بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كان تقية، ومصالحة الحسن لمعاوية كان تقية، وقولهم بالتقية كان السبب فى قولهم: إن للكلام ظاهرا يفهمه كل الناس، وباطنا يفهمه الخاصة، وتأولوا تفاسير بعض القرآن الكريم بمعان باطنية. وكان على عكس الشيعة فى القول بالتقية الخوارج فقالوا: لا تجوز التقية بحال من الأحوال، ولو عرضت النفس والأموال، فهم يعلنون الحرب على الإمام، على عكس الشيعة فإنهم يمارون ويدارون ويتسترون، ويتكتمون حتى تمكنهم الفرصة (4). وقد أخذ بالتقية بعض الفرق الباطنية الذين كانوا يحلمون بإيجاد دولة لهم لتنفيذ مآربهم ومخططاتهم أمثال القرامطة والفاطمية والإسماعيلية والدروز، والبابية، وغيرها من الدعوات الباطنية التى كانت تحافظ على تقاليدها بالتستر إلى أن تقوى وتعلن وجودها بعد أن تكون قد حققت لنفسها المقومات الكفيلة باستمرارية وجودها (5). وقد أخذ القائلون بالتقية أصولها من قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} (آل عمران 28). وقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (النحل 106). فقد اتخذ القائلون بالتقية هاتين الآيتين أصلا لما ذهبوا إليه من قولهم بالتقية ثم غلا أتباعهم فى معناهما حتى أخرجوهما أو كادوا يخرجونهما عن أصل معناهما وقد بيّن أئمة العلماء المراد من الآيتين، فقال أصحاب أبى حنفية: التقية رخصة من الله تعالى، وتركها أفضل، فلو أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل فهو أفضل ممن أظهر، وكذلك كل أمر فيه إعزاز للدين فالإقدام عليه حتى يقتل أفضل من الأخذ بالرخصة، وقال ابن حنبل وقد قيل له: إن عرضت على السيف، تجيب؟ قال: لا، وقال: إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟! ولم يكن أخذ الشيعة بالتقية على حد سواء، فقد غالى بعضهم وتوسط بعضهم، فهذا هو الشريف الرضى يقول: .. وقال بعضهم: معنى ذلك أن يكون المؤمن بين الكفار وحيدا، أو فى حكم الوحيد، إذا كان قليل الناصر غائب المظاهر، والكفار لهم الغلبة والكثرة، والدار والحوزة، فمباح له أن يخالقهم بأحسن خلقه، حتى يجعل الله له منهم مخرجا، ويتيح له فرجا، ولا تكون التقية بأن يدخل معهم فى انتهاك محرم أو استحلال محرم، بل التقية بالقول والكلام، والقلب عاقد على خلاف ما يظهر اللسان (6). ثم قال: وقد ذهب المحققون من العلماء إلى أن من أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل، أفضل ممن أظهر الكفر بلسانه، وإن أضمر الإيمان بقلبه " (7). (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب مادة (وقى) 5/ 401. 2 - الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد: خالد محمد الحاج، 1/ 113، ط إدارة إحياء التراث- قطر 983 1 م. 3 - ضحى الإسلام: محمد أمين 3/ 245. 4 - السابق 3/ 246. 5 - الكشاف الفريد 1/ 114. 6 - حقائق التأويل. الشريف الرضى، 5/ 74، ط النجف 1355هـ. 7 - السابق 5/ 75.

_ المراجع 1 - شرائع الإسلام، جعفر بن حسين الحلي، ص 149 وما بعدها، ط سنت بطرسيرج 1862م. 2 - روضات الجنات: الخوانسارى،، ج 4، ط طهران 1306 هـ. 3 - دائرة المعارف الإسلامية 5/ 419. 4 - مناهج الطالبين. النووى ط فان دى برج 1884 م 5 - مختلف الشيعة: ابن مطهر الحلى، 2/ 158، ط طهران 1323 هـ.

51 - التغيير الاجتماعي

51 - التغيير الاجتماعي لغة: التغيير والتبديل، تقول: غيرت الشىء فتغير، أى بدلته فتبدل (1). واصطلاحا: هو إحداث شىء لو يكن قبله (2). وإذا كان التغيير اجتماعيا أمكننا أن نعرفه بأنه: إحداث شىء فى المجتمع لم يكن موجودا من قبل. ويلاحظ فى التعبير بلفظة "التغيير": عمل الغير، أما إن أردنا أن ننبه إلى حاله الشىء المتغير فالأليق أن نعبر بالتغير، فهو: انتقال الشىء من حالة إلى حالة أخرى (3). وكثيرا ما يترادف مفهوم "التغيير الاجتماعى" مع مصطلحات: "النهضة"، و "اليقظة"، و "التطور"، و "النمو"، و "الإصلاح"، و "التقدم"، وهى مفردات شاعت لدى رواد الفكر والإصلاح العرب والمسلمين فى العصر الحديث، فاستخدام هذه الكلمات يتضمن معنى واحدا هو الصيغة الإرادية للتغيير. والتغيير الاجتماعى له عناصر لا يتم إلا بها، وهى: الأشخاص، والأشياء، والأفكار. فالتغيير يقوم على متابعة تحليلية لحركة هذه العناصر فى إطار الحياة الاجتماعية للإنسان. ولا يخفى ارتباط هذه العناصر ببعضها ارتباطا وثيقا وإن شكلت الأفكار فى عملية التغيير الاجتماعى العنصر ذا الأهمية البالغة، فأى عمل فردى أو اجتماعى لا يمكنه التحرك دون توجيه منها، وهى تؤثر فى المجتمع إما كعوامل نهوض، وإما كعوامل تعوق التحرك والنمو الاجتماعى (4). حقيقة التغييرفى منهج القرآن: ورؤية القرآن فى "التغيير" لا تقف عند تغييرما بظواهر الأحياء والأشياء لأن هذا النوع لا يعدو أن يكون تبدلا من حال إلى حال، ومن مظهر إلى مظهر يأتى اللاحق فينسخ السابق. أما التغييرالحق فهوبعض سنن الله فى الآفاق وفى الأنفس والتى قوامها تغيير ما بالنفس أى التغيير الداخلى لنفس الإنسان وهو ما يتم عادة بتغيير الفكر الذى يتم معه تغيير السلوك، وتقاس به أحوال الأقوام والأمم بين الضعف والقوة وبين السقوط والنهوض. وهذا ما قرره القرآن فى قوله: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} الأنفال:54. وقوله سبحانه: {إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} الرعد:11. وفى ضوء هذه السنة القرآنية التى قوامها الالتزام بمنهج الله أو البعد عنه: تسير مصائر الأفراد والأمم بين الازدهار والانكسار. أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح ص486 دار المعارف. 2 - التعريفات للحرجانى ص55 الحلبى. 3 - التعريفات للجرجانى ص55. 4 - التغيير الاجتماعى عند مالك بن نبى للدكتور على القريشى من ص106 إلى ص141، الزهراء للإعلام العربى، ط1 1989م. مراجع الاستزادة: 1 - التربية وقضية التغيير الاجتماعى من منظور إسلامى، رسالة دكتوراه من كلية التربية بأسيوط من إعداد د/ماجدة محمد السمالوطى، ص17:20،1994م. 2 - التغيير الاجتماعى فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ووسائله التربوية، رسالة ماجستير من إعداد د/على قطب حسن العبد من كلية التربية بطنطا 1989م

52 - التكبر

52 - التكبر لغة: تَكَبَّر أى تعظم وامتنع عن قبول الحق معاندة (1). واصطلاحا: سلوك يعبر به صاحبه عن مرض نفسى هو "الكبر" الذى هو ظن الإنسان أنه أفضل من غيره، وأن ما عنده من نعم هو جديربها، وهذا الظن وليد جهل الإنسان بحقيقته فى منشئه وحياته ومنتهاه. فإذا وقع الإنسان فى هذا الفهم الخاطى لنفسه عظمها واستصغر غيره، فإذا جاء سلوكه معبرا عن هذا فهو التكبر أى تعظيم النفس واحتقار الغير"فإذا تعظم أنف وحمى وافتخر، واستطال، ومرح، واختال" (2). والتكبر رذيلة وثيقة الصلة برذائل أخرى مثل: العجب، الحقد، الحسد، الرياء. والتكبر بلاء لا يُرحم صاحبه عليه كما قال أحد الحكماء حين سئل عن ذلك (3). المتكبر ممقوت من الله سبحانه: {إنه لا يحب المستكبرين} النحل:23. وهو محروم من نعمة التوفيق {سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق} الأعراف:146، أى أمنعهم من فهم الحجج المؤدية إلى اليقين، فالمتكبر معاقب فى الآخرة: {إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين} غافر:60، أى صاغرين (4). وذلك لأن الكبر منع أصحابه من تصديق الرسل، كما جعلهم يحتقرون اتباع الرسل، فالمتكبر محروم من حب الناس له؛ لأنه يتعظم عليهم ويحتقرهم فلا تكون المودة، وهو كذلك محروم من سديد آرائهم لأن غروره يمنعه من الأخذ عنهم حتى ولو كان حقا واضحا، وبذلك يمنع التكبر أصحابه من أن يتعاونوا مع غيرهم على البروالتقوى، ولا يبرأ مريض هذا المرض إلا إذا تذكر مم خلق، ونعم الله عليه، وإلى ماذا يصيربعد حياته الدنيا، هنا يدرك حقيقته وقدرغيره، فيتواضع لله فى خلقه. أ. د/أبو اليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط -مجمع اللغة العربية- القاهرة سنة 1985م ج2 (مادة ك. ب. ر.). 2 - الرعاية لحقوق الله الحارث المحاسبى تحقيق عبد القادر عطا ط دار الكتب العلمية بيروت 1985م. 3 - الذريعة إلى مكارم الشريعة -الراغب الأصفهانى- دار الوفاء مصر طبعة ثانية 1987 م. 4 - تفسير ابن كثير دار الأندلس بيروت الطبعة السابعة سنة1985م ج3

53 - التكفير

53 - التكفير لغة: التغطية والستر، ومنه {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ... ) الحديد:20، أى الغراس، حيث إنهم يسترون الحبوب داخل التربة. والتكفير: مصدر كفر بالفاء المفتوحة المشددة أى دعا إلى الكفر. واصطلاحا: نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر. والكفر فى الشرع: نقيض الإيمان، وهو الجحود، ومنه قوله تعالى: {وقالوا إنا بكل كافرون ... } القصص:48. أى جاحدون، وهو بهذا لا يخرج عن المعنى اللغوى، لأن الكافر يستر قلبه ويغطيه بكفره. قال ابن عابدين فى حاشيته: الكفر شرعا: تكذيبه صلى الله عليه وسلم فى شىء مما جاءبه مما هو معلوم من الدين بالضرورة. حكمه: نسبة أهل الكفر إلى كفرهم لا شىء فيه، أما نسبة المسلم إلى الكفر فإنه يدور بين حكمين: أحدهما: التحريم، وذلك إذا كان المسلم باقيا على إسلامه ولم يقم دليل على كفره لقوله تعالى: {يا أليها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) النساء:94. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا) (1). وقوله: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال والا رجعتا عليه) (2). ثانيهما: الوجوب وذلك فى حق من صدر عنه ما يكفره ممن له صلاحية إصدار الحكم كالإفتاء والقضاء لمصلحة شرعية معتبرة تترتب على الحكم بتكفيره. وحتى تكون نسبة أحد إلى الكفر صحيحة لابد وأن يكون من حكم بكفره قد رجع عن الإسلام بأحد صور الرجوع كالقول أو الفعل أو الامتناع عن الفعل، بشرط كونه قاصدا، عالما، فلا يحكم -مثلا -بكفرمن جرى على لسانه الكفر دون قصد أو دراية لمعنى ما صدر عنه. جماعات التكفير: وقد ظهرت فى النصف الثانى من القرن الماض فى مصر وغيرها مجموعات من الناس تسمى نفسها "جماعة المسلمين" كان لها غلو شديد فى الدين تحكم بتكفير المجتمع، ودعت إلى الخروج منه والخروج عليه اعتمادا على اجتهاد شخصى ممن لا يملك أهلية للاجتهاد منهم، وأعطوا لأنفسهم حق الاتهام والعقوبة وتنفيذها بالقتل فيمن يرون أنه كافر، كما أعطوا لأنفسهم حق العدوان على أموال الآخرين وفق ما سموه نظرية الاستحلال. وقد عانى المسلمون كثيرا من آثار هذه الفتنة بما نشروا من الإرهاب وما قوبلوا به من الإرهاب المضاد الذى أزهقت به أرواح أبرياء وروعت به مئات الأسر حتى قيض الله لهذه الفتنة أن تنجلى فى نهاية هذا القرن (1). أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - أخرجه البخارى، فتح البارى 1/ 496. 2 - فتح البارى 1/ 514، صحيح مسلم 1/ 79. مراجع الاستزادة: 1 - مختار الصحاح ص574 المعجم الوسيط 2/ 712 ط السعودية حاشية ابن عابدين 3/ 284 ط الحلبى (1) ظاهرة الغلو فى التكفير للدكتور القرضاوى مكتبة وهبة، ط2 1985م (2) قضية التكفير فى الفقه الإسلامى للدكتور أحمد محمود كريمة، ط1 1996م

54 - التكليف

54 - التكليف لغة: مشتق من الكلفة وهى المشقة كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: طلب ما فيه مشقة، وقيل: إلزام ما فيه مشقة (2). فعلى الرأى الأول لا يوصف بالتكليف إلا الواجب والمندوب والحرام والمكروه، وعلى الرأى الآخر لا يوصف به إلا الواجب والحرام، أما المباح فليس من التكليف على كلا الرأيين؛ حيث إنه لم يطلب ولم يلزم به. ولا يعقل التكليف إلا باجتماع أربعة أمور: التكليف وهو المصدر، والمكلَّف وهو من يقوم به التكليف وأصله طالب ملزم لكن لا يجب إلا طاعة لله وطاعة من أوجب طاعته، والمكلف وهو الذى استدعى منه الفعل، والمكلف به وهو المطلوب فعله. وتشترط شروط فى المكلَّف، والمكلّف به. فأما شروط المكلَّف وهو المحكوم عليه فمنها: 1 - الحياة فالميت لا يكلف. 2 - كونه من الثقلين "الإنس والجن " فلا تكليف على جميع الحيوانات والجمادات. 3 - البلوغ، فالصبى ليس مكلفا أصلا لقصور فهمه عن إدراك معانى الخطاب. 4 - العقل، فالمجنون ليس بمكلف إجماعا، ويستحيل تكليفه لأنه لا يعقل الأمر والنهى. 5 - الفهم، لأن الإتيان بالفعل على سبيل القصد والامتثال يتوقف على العلم به وهذا لا يحدث مع عدم الفهم كما لا يخفى. 6 - الاختيار فيمتنع تكليف الملجأ والمكره والمضطر إلى فعل. 7 - علمه بكونه مأمورا؛ لأنه لو لم يعلم لم يتصور منه قصد الامتثال. والمكلف به له شروط منها: أ- أن يكون معدوما عند الأمر به لئلا يلزم منه تحصيل الحاصل. 2 - أن يكون حاصلا بكسب المكلف. 3 - أن يكون معلوما حتى يتسنى الإتيان به. والتكليف مناطه العقل، وقد تعرض للمكلف عوارض فتؤثر فى التكليف رفعا أو تغييرا، وهى إما سماوية وإما مكتسبة. فالسماوية: ا- الصغر وهو من الولادة إلى البلوغ. 2 - الجنون، وهو آفة سماوية باعثة للإنسان على أفعال تنافى مقتضى العقل مطلقا غير ضعف فى عامة الأطراف. 3 - العته بعد البلوغ وهو آفة توجب خللاً فى العقل فيختلط كلام صاحبه. 4 - النسيان. 5 - النوم. 6 - الإغماء وهو نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل العقل. 7 - الرق. 8 - المرض وهو حالة للبدن يزول بها اعتدال الطبيعة. 9 - الحيض. 10 - النفاس. 11 - الموت وهو انعدام الحياة. والعوارض المكتسبة: 1 - الجهل. 2 - السُكْر. 3 - الهزل. 4 - السفه. 5 - السفر. 6 - الخطأ. 7 - والإكراه (3) والله أعلم. أ. د/ على جمعة محمد

_ المراجع 1 - انظر المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية 2/ 795 مادة (كلف) دار المعارف. 2 - البحر المحيط، للزركشى 2/ 50 - الحكم الشرعى عند الأصوليين د/ على جمعة محمد ص 0 4 دار الهداية 1414هـ/ 1993م- القاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين لمحمود عثمان ص 151 وما بعدها دار الحديث. 3 - البحر المحيط، للزركشى 2/ 53 وما بعدها- حاشية نسمات الأسحار، لابن عابدين على شرح إفاضة الأنوار على متن أصول المنار للحصنى ص 249 وما بعدها، طبعة الحلبى ط/ ثانية 1399 هـ/ 1979 م- تسهيل الوصول إلى علم الأصول، للمحلاوى ص 309 وما بعدها الحلبى 1341هـ.

55 - تلوث البيئة

55 - تلوث البيئة البيئة اصطلاحا: البيئة هى كل ما يحيط بالكائن الحى. وتتضمن بيئة الإنسان شتى العوامل المحيطة به كالحرارة والإمدادات الغذائية، وغيره من البشر، والبيئة البيولوجية هى الكائنات الحية أو التى كانت حية، أما البيئة غير البيولوجية فتشمل الحرارة، وضوء الشمس، والتربة، والغلاف الجوى، والإشعاع، كما تشمل المجال الحيوى المتاح للكائن الحى. والتلوث اصطلاحا: أىُّ إفساد مباشر للخصائص العضوية أو الحرارية أو البيولوجية والإشعاعات لأى جزء من البيئة، مثلا بتفريغ أو إطلاق أو إيداع نفايات أو مواد من شأنها التأثير على الاستعمال المفيد، أو بمعنى آخر، تسبب وضعا يكون ضارا أو يحتمل الإضرار بالصحة العامة، أو سلامة الحيوانات، والطيور، والحشرات، والأسماك، والموارد الحية والنباتات. تلوث البيئة اصطلاحا: يستخدم هذا التعبير للدلالة على أية مشكلة تنشأ فى أى من العوامل المحيطة بالكائن الحى، كتلوث الهواء أو الماء، وذلك بوجود نفايات فيهما. التلوث الهوائى: والمصدر الرئيسى للتلوث هو النفايات الناشئة عن احتراق الوقود، سواء فى تشغيل المصانع أو حركات السيارات ووسائل المواصلات أو التدفئة أو حرق النفايات، وتوجد أيضا ملوثات طبيعية للهواء كالغبار وحبوب اللقاح وجزيئات التربة، وقد أدى النمو السكانى السريع وزيادة أعداد السيارات والطائرات إلى تفاقم مشكلة تلوث الهواء منذ منتصف القرن العشرين، ووصل الأمر بدرجة تلوث الهواء فى بعض المدن الكبرى إلى حدود الضرر بصحة السكان، بل والحيوان، والمبانى. ويتمثل الضرر الصحى فى تلوث الهواء فى إيذاء الجهاز التنفسى، حيث تتفاقم بعض أمراضه بصورة خطيرة، كما يؤدى تلوث الهواء إلى الإضرار بالمحاصيل، والثروة الحيوانية، والمعادن، وتدهور نوعية وكمية المنتج من هذه الثروات، وقد نشطت حركات البيئة والحكومات إلى فرض التشريعات الكفيلة بتقليل مصادر التلوث، وتحديد كمية التلوث التى يمكن السماح بها، وتجهز السيارات والمصانع بوسائل تحكم فى التلوث ومحاولة تحويل الملوثات إلى مواد غير ضارة. التلوث المائى: وينشأ عن تعرض الماء للشوائب المختلفة، كالمواد الكيميائية السامة والمعادن والزيوت والمخلفات الإنسانية والحيوانية، ويمتد التلوث المائى ليصيب الأمطار (الأمطار الحمضية) والأنهار، والبحيرات والمحيطات، بل والمياه الجوفية التى تغذى مياه الآبار والينابيع. وتبذل الحكومات جهودا مكثفة للحد من كمية المخلفات التى يستسهل السكان صرفها فى المجارى المائية المخصصة للشرب، كما هو حادث فى نهر النيل والترع المتفرعة منه على سبيل المثال، وتفرض إجراءات صارمة على المصانع التى تؤثر- لأسباب اقتصادية- صرف مخلفاتها الصناعية في القنوات المائية التى تمثل مصادر مياه الشرب، كما تُبذل جهود مماثلة للسيطرة على صرف المخلفات الكيميائية الزراعية (الأسمدة والمبيدات). أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - GEIPIN: Dictionary of Environmental Terms, London, 1974. 2- World Book Encyclopedia. 3- UNEP publication. 4- Annual Report on Environment of the World. 5- البيئة فى الإسلام، سلسلة دراسات إسلامية، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ..

56 - التمريض

56 - التمريض اصطلاحا: يطلق اللفظ على الوظيفة الإنسانية التى نمارسها جميعا عند العناية بالمرضى والعجزة، ويطلق اللفظ أيضا على المهنة، سواء أكان القائم بها متبرعا أم بأجر، وهى من أقدم المهن فى التاريخ. وقد ارتبط التمريض بالطب والتطبيب، ومارسها الرجال والنساء على السواء، ومورست فى أماكن العبادة حين كان الاعتقاد فى أن الأمراض تتسبب عن الأرواح الشريرة ثم بدأت المرأة تزاول التمريض خارج بيتها فى فجر العهد المسيحى، وعرفت سيدات كثيرات بالمشاركة فى التمريض فى حروب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدر الإسلام، وبدأ تعلُّم التمريض كمهنة فى القرن السابع عشر، وإلى القديس "فنسنت دى بول " يعود الفضل فى الدعوة إلى تخصيص دراسات لهذه المهنة. أنشئت أول مدرسة لتدريب الممرضات فى ألمانيا (1836)، وقد تلقت الممرضة الشهيرة "فلورانس نيتنجيل " تعليمها فى هذه المدرسة، وإلى هذه المدرسة يعود الفضل فى إنشاء مدرسة التمريض فى مستشفى سانت توماس فى لندن، وهكذا بدأ الاهتمام بمواكبة تعليم التمريض لأداء المهنة نفسها، وأنشئت فى أمريكا (1873) عدة مدارس على غرار مدرسة نيتنجيل. وانتشرت فى القرن العشرين مدارس التمريض كما صدرت تشريعات تنظيم مزاولة المهنة فى كثير من أقطار العالم. وفى مصر شهد تعليم التمريض طفرة كبيرة فى أوائل السبعينات فى القرن العشرين حين افتتحت مدرسة للتمريض فى كل مستشفى مركزى، وبدأت الدراسة الجامعية للتمريض فى معهد عال فى جامعة الأسكندرية تحول بعد هذا إلى كلية، ومؤخرا حولت كل المعاهد العليا للتمريض إلى كليات، وتمنح الجامعات درجات الدكتوراه والأستاذية فى التمريض، كما عرف التمريض المتقدم التخصصات المختلفة شأن الطب تقريبا، ويعتمد الطب فى الولايات المتحدة الأمريكية على التمريض اعتمادا جوهريا بحيث يمكن القول بأن الطب الأمريكى أصبح جوهره تمريضا مدعوما بالطب. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- القاهرة. 2 - عمدة المحتاج فى علمى الأدوية والعلاج- للرشيدي- طبعة القاهرة 1282 هـ/ 1865 م. 3 - تاريخ الطب والصيدلة عند العرب- د/ سامى حمارنه- القاهرة 1967 م

57 - التمكين

57 - التمكين لغة: (مَكِن) (مَكّنه) الله من الشىء (تمكيناً) منه بمعنى، و (استمكن) ومكّنه مكّنته من الشىء وأمْكنْتُه منه فتمكن واستمكن كما فى القاموس والصحاح. واصطلاحا: التمكن بمعنى (القدرة) والتمكين بمعنى (الإقدار) وبهذا المعنى ورد هذا اللفظ فى القرآن الكريم، ففى سورة الحج فى قوله تعالى: {الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج 41). وبمناسبة الحديث عن ذى القرنين فى سورة الكهف قال تعالى: {إنا مكنا له فى الأرض وآتيناه من كل شىء سببا} (الكهف 84). وقوله تعالى {قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} (الكهف 95). وكما وردت بذات المعنى فى سورة يوسف فى قوله تعالى: {كذلك مكنا ليوسف فى الأرض} (يوسف 56).أما فى مجال العقيدة وعلم الكلام فنجد لفظ القدرة "التمكين " لا يبتعد عن هذا المعنى وإن كان يستعاض عنه بلفظ القدرة عند المعتزلة ويقترب من مفهوم الكسب عند الأشاعرة. وتعلق هذا اللفظ بقدرة العبد على الفعل أى بالفاعل على الحقيقة هل هو الله عز وجل كما يرى الأشاعرة أم هذا العبد كما يرى المعتزلة. كما نجد معنى لفظ "التمكين" متضمنا فى لفظ "الممكن" عند الفلاسفة مقابلا للواجب منسوبان إلى لفظ الوجود، فممكن الوجود هو الموجود بالقوة، أما واجب الوجود فهو الموجود بالفعل. ثم ينقسم واجب الوجود إلى قسمين: أحدهما واجب الوجود بذاته وهو الله عز وجل أما واجب الوجود بغيره فهو ماعدا ذلك من الموجودات. أ. د/ السيد الشاهد

_ المراجع 1 - مختار الصحاح، محمد بن أبى بكر الرازى- مطبعة دار المعارف القاهرة 1953م. 2 - القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادى- طبعة مؤسسة الحلبى بالقاهرة. 3 - الإبانة عن أصول الديانة، لأبى الحسن على بن إسماعيل الأشعرى- تحقيق عبد القادر الأرنؤوط دار اليمان دمشق- 1401 هـ/ 1981م. 4 - المحيط بالتكليف للقاضى عبد الجبار بن أحمد الهمذانى جمع الحسن بن متوية وتحقيق عمر السيد عشرى الدار المصرية للنشر والترجمة القاهرة د. ت. 5 - معالم الفكر الفلسفى فى العصور الوسطى، عبده فراج- الأنجلو المصرية- القاهرة 1386 هـ/ 1969 م.

58 - التنجيم

58 - التنجيم لغة: النظر فى الكواكب والنجوم، وحساب حركاتها، واستخدام ذلك فى ادعاء معرفة الغيب واستطلاع أقدار الناس وآجالهم، وأرزاقهم وحظوظهم فى الدنيا (1). واصطلاحا: التنجيم: حرفة مارسها المنجمون، على أساس أفكار علماء الفلك الأقدمين. وكان الكلدانيون أول من اشتغل بالتنجيم فى القرن السابع ق. م، كما اشتغل به المصريون القدماء، وأخذه الإغريق عنهم كما أخذه عنهم الهنود القدماء والرومان. واعتبرت رسالة النبى عيسى عليه السلام التنجيم وحيا من الشيطان إلى من يعمل به، ولقد كان من بعض الأعراب فى الجاهلية منجمون ومنهم: سملقة، وسطيح، وطريفة، وزوبعة، وعمران وغيرهم. ونهى الإسلام عن التنجيم واعتبر الإيمان به كفرا، فاشتفت حرفة التنجيم فى الجزيرة العربية زمنا طويلا، إلى أن ظهرت فى عصر الدولة العباسية، فكان أبو جعفر المنصور من المعجبين بالتنجيم والمهتمين به حتى كان بعض المنجمين فى صحبته دائما وكان منهم نوبخت الفارسى وغيره. وأساس التنجيم ظاهر البطلان، وما انتشر- قديما إلا بين الأمم الوثنية التى كانت تقدس النجوم وتسجد لها، كما قال الله عز وجل: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمرلا تسجدوا للشمس ولا للقمرواسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} فصلت:37. وعن زيد بن خالد -رضى الله عنه- قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل فقال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا الله ورسوله أعلم. قال: قال الله عزوجل: أصبح من عبادى مؤمن بى، وكافربى، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بى كافر بالكواكب، أما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب كافربى) (رواه البخارى) (2). وعن محمد بن على عن أبيه عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولا نجالس أصحاب النجوم) (أخرجه أحمد). ولما تأهب الخليفة المعتصم لفتح عمورية، ظهرالمذنب هالى فى السماء فتشاءم الناس منه، ونصح المنجمون الخليفة ألا يخرج للحرب، إلا أنه تذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج للحرب وانتصر. وفى ذلك قال المتنبى: السيف أصدق إنباء من الكتب * فى حده الحد بين الجد واللعب أما المنجمون فى العصر الحالى. وقد صدموا بالاكتشافات الفلكية الحديثة فقد أعلنوا أنهم لا يعتقدون أن للكواكب والنجوم تأثيرا على مقدرات الناس، وإنما هى منفعلة لإرادة الله تعالى. فالذى يراقبها من المنجمين، يتبين له وجهة الإرادة الإلهية فى بعض الأحداث الدنيوية يريد الله تعالى أن يكشفها للناس. ومن الواضح أن هذا التأويل الذى وجدوا فيه مخرجا لهم ظاهر البطلان أيضا. أ. د/احمد شوقى إبراهيم

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط -مجمع البحوث الإسلامية- القاهرة سنة 1985م. 2 - فتح البارى لشرح صحيح البخارى. مراجع الاستزادة: 1 - دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى. 2 - قصة الفلك الدكتور/محمد جمال الدين الفندى

59 - التنوير

59 - التنوير لغة: وقت إسفار الصبح، يقال: قد نور الصبح تنويرا، والتنوير: الإنارة، والتنوير: الإسفار، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: التنوير ( Renaissance): ظهر فى القرنين السادس عشر والسابع عشر تعبيرا عن الفكر الليبرالى البورجوازى ذى النزعة الإنسانية العقلية والعلمية والتجريبية، كما يتضمن هذا الفكر نزعة مادية واضحة بعد إقصاء اللاهوت، وذلك بإحلال الطبيعة والعقل بدلا من الفكر الغيبى الثيولوجى والخرافى فى تفسير ظواهر العالم ووضع قوانينه. وأطلق على هذا العصر- القرنين: السادس عشر والسابع عشر عصر النهضة ويقصد بها التحررمن السيطرة الطاغية: سيطرة الملوك والأمراء، ومن سيطرة التقاليد والعادات وتخلصا من سيطرة الكنسية واللاهوت. وقد شاع هذا المصطلح "التنوير" فى العالم العربى خلال القرن التاسع عشر الميلادى تحت مفهوم: الحداثة، نتيجة لقاء الحضارة العربية مع الحضارة الأوروبية، وكان يعنى: نفض الغبار الذى ران على العقل العربى الإسلامى خلال عصور الانحطاط التى بدأت منذ السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وتجديد الفكر العربى الإسلامى لمواجهة الفكر الغربى. ومع ذلك لم تقطع حركة التنويرالعربية الإسلامية علاقتها بالتراث العربى الإسلامى، بل اتجهت إلى إحياء جوانبه العقلية والعلمية والتجريبية، وربطها بالحضارة الحديثة فلم تكن حركة تقليد للوافد الجديد، ولا تمسكا حرفيا بالقديم الموروث، بل كانت محاولة للتجديد فى إطار عربى إسلامى. وقد بدأت هذه الحركة بومضات استنارة، ظهرت فى فكر الكواكبى، والشيخ حسن العطار، ورفاعة الطهطاوى، واتضحت معالمها فى فكر جمال الدين الأفغانى، وتلميذه الإمام محمد عبده، ومدرسة المنار: مصطفى عبد الرازق، ومحمود شلتوت، ومحمد البهى وغيرهم، إذ لم يجد هؤلاء الرواد تعارضا بين تعاليم الإسلام وبين استخدام العقل فى فهم الكون والطبيعة والإنسان، ولم يجدوا بأسا فى الأخذ بأساليب المدنية الحديثة، فلقد دعا جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وتلاميذهما إلى أن الإسلام منور للعقول بإشراق الحق، فحث المسلمين على البحث فى جميع فروع العلوم المدنية؟ إذ تلزم العقيدة معتنقيها بالتبصر فى الفنون والعلوم، كالطبيعة، والكيمياء، والهندسهة، والفلك. وغيرها. وبذلك أدى هؤلاء المصلحون خدمة للدين والعلم معا؟ بما أكدوا على حرية العقل من المنظور الدينى، وبما أنهوا من أسباب العداوة بين الدين والعلم فى المجتمع المعاصر. ولم يكن ظهور الاتجاه العقلى فى الفكر الإسلامى فى القرن التاسع عشر الميلادى بداية عصر التنوير فى المجتمع الإسلامى بل كان إحياء لظاهرة فكرية قديمة، قادها المعتزلة، وابن رشد، وابن خلدون، وغيرهم ممن كان للعقل المقام الأول فى نظرتهم للكون والطبيعة والإنسان، بل إن من الباحتين من يرى أن إخوان الصفا هم رواد التنوير فى الفكر الإسلامى، ويستدل على ذلك بأنهم دعوا فى رسائلهم إلى استخدام العقل ورفض التعصب الدينى والمذهبى، وإنكار "تكفير" الفرقاء لأسباب فكرية دينية وغير ذلك من الأفكار التى تعد معالم للفكرالتنويرى، بل ذهب بعضهم إلى أن فكر ابن خلدون -فى جوهره- منقول عن إخوان الصفا، وأن ابن النفيس اقتبس -أو نقل- عنهم كثيرا من أفكاره. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - لسان العرب: ابن منظور، مادة (نور). مراجع الاستزادة: 1 - إخوان الصفا، رواد التنوير فى الفكر العربى. محمود إسماعيل، القاهرة 1997م. 2 - أوروبا والإسلام: عبد الحليم محمود، القاهرة 1972م. 3 - تاريخ الفلسفة الحديثة: يوسف كرم، القاهرة 1966م. 4 - الدين والفسلفة والتنوير: محمود حمدى زقزوق، القاهرة 1996م

60 - التهكم

60 - التهكم هو ما كان ظاهره جدا وباطنه هزلا. وهو عكس الهزل الذى يراد به الجد، والتهكم أسلوب يستخدم للسخرية من الآخرين، صحيح الظاهر جاده، وفى داخله هزل ولمز. مثاله: قول إنسان لآخروهو فى معرض ذمه: أنت جواد كريم، ولكنه فى الحقيقة لا يقصد ظاهر هذه العبارة بل يقصد لمزه بالبخل والشح. وقد عد جماعة من قبيل التهكم قوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} الدخان:49. إذ اللفظ فى ظاهره يحمل وصفا العزة والكرم، لكن باطنه يحمل رميا بالذل والخسة والمهانة. وذهب جماعة إلى نفى التهكم والسخرية عن كلام الله -عز وجل- تنزيها له سبحانه وتعالى عن هذا الأسلوب الذى لا يناسب جلاله وكماله. أ. د/عبد الصبورمرزوق

_ مراجع الاستزادة: 1 - الكليات لأبى البقاء الكفوى مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية 1993ص 303. 2 - البحر المحيط فى أصول الفقه للزركشى دار الكتب ط أولى سنة 1994م (3/ 283). 3 - شرح الكوكب المنير -مكتبة العبيكان- تحقيق د/محمد الزحيلى، ود/نزيه حماد (3/ 26) وما بعدها. 4 - المستصفى للغزالى الأميرية (1/ 107). 5 - كشف الأسرار لعلاء الدين البخارى (1/ 107)

61 - التواشيح

61 - التواشيح ظهر فن التواشيح كنوع من أنواع الشعر العربى فى الأندلس فى أوائل القرن الثالث الهجرى على يد مقدم بن معافر من شعراء الأمير عبد الله المروانى ثم تبعه أحمد بن عبد ربه صاحب العقد الفريد وسمى بذلك لشدة تنميقه وتزيينه. واصطلاحا: يطلق على المقطوعة. وكلمة (موشح) المشتقة من (الوشاح). وينقسم الموشح إلى مطلع يتكون من شطرين يسمى كل منهما بالغصن ثم الدور، ويتكون من ثلاثة أشطار شعرية على الأقل وكل شطر من مقطع واحد على الأقل، وهذا يسمى بالموشح التام. فإن اشتمل على الدور مباشرة ولم يكن له مطلع فيقال له الموشح الناقص. ويأتى بعد الدور القفل، ويماثل المطلع فى عدد الأغصان ونظام القافية، ويسمى أخر قفل فى الموشح بالخرجة، وهى إما أن تكون عربية فصيحة أو عامية أو أعجمية. والموشح ينقسم إلى ما وافق أوزان الشعر الموروثة، وما خرج عنها، وما خرج هو الغالب على الموشحات، ويقوم الملحن بإصلاح ما فيه من عدم الوزن ويقوم الموشح على القوافى المختلفة فقد تختلف قافية المطلع مع قافية الدور، ولابد أن تتفق قافية الدور مع نفسها وقافية المطلع مع القفل. مثال ذلك ما قاله ابن اللبانة (ت 507 هـ). مطلع: 1 - شاهدى فى الحب من حرقى. 2 - أدمع كالجمر تنذرفُ دور: 1 - تعجز الأوصاف عن قمر 2 - خده يدمى من النظر 3 - بشر يسمو على البشر قفل: 1 - قد براه الله من علق. 2 - ما عسى فى حسنه أصفُ ويسمى هذا البيت الأول ثم تتتالى الأبيات. أ. د/ على جمعة محمد

_ المراجع 1 - العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسى- طبعة دار الفكر د. ت. 2 - الأغانى، لأبى الفرج الأصفهانى- طبعة دار الثقافة- بيروت 1959م.

62 - التوثيق

62 - التوثيق لغة: هو الإحكام (1) تقول: وثق الشىء قوى وثبت وكان محكما، وتوثق تقوى وتثبته (2). واصطلاحا: هو إثبات صحة الشىء أو التثبت من صحة النص، وهو مشتق من الثقة ومنه وثيقة الزواج، وتوثيق العقود أى إثبات صحتها ومصلحة التوثيق هى الجهة المنوط بها إثبات صحة العقود والمعاملات المكتوبة بين الناس. والتوثيق فى البحوث العلمية يقصد به: ربط كل الأفكار والقضايا والمسائل الواردة بها بالمصادر والمراجع التى أخذت منها، وتدعيمها بالاقتباسات والشواهد المأخوذة من تلك المصادر والمراجع (3). وأول مظهر لاهتمام العرب بتوثيق النصوص هو عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم، وحرصه على ضبط ما يكتبه كتبة الوحى فقد روى عن زيد بن ثابت قوله "كنت أكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس" (4). وبما أن الحديث النبوى هو المصدر الثانى من مصادر التشريع ونظرا لأنه لم يدون إلا على رأس المائة الثانية للهجرة فقد كان طبيعيا أن يهتم المسلمون بتوثيقه اهتماما بالغا لما له من أهمية فى شئون أمور الدين والدنيا. ولهذا وضعت القواعد لقبول الحديث وظهر الاهتمام بصحة الإسناد منذ عهد مبكر، فقد روى عن عبد الله بن المبارك قوله:"مثل الذى يطلب أمردينه بلا إسناد كمثل الذى يرتقى السطح بلا سلم " (5)، ونتج عن ذلك الاهتمام بصدق الرواة والتأكد من حسن سماعهم لما يروونه، وحقيقة لقائهم بشيوخهم وعدم الزيادة أو النقصان أو التحريف أو التصحيف أو المخالفة فيما يروون من أجل التثبت من أهليتهم لرواية الحديث، وكما نتج عنه الاهتمام بمعرفة اتصال السند أو انقطاعه، وعلوه ونزوله، وغير ذلك مما فصلته علوم الحديث، وقد تمخض هذا كله عن ظهور علم مصطلح الحديث من ناحية وكتب الجرح والتعديل من ناحية أخرى. وكان لتوثيق النصوص مظاهر متعددة تمثلت فى تدوين السماعات والقراءات والإجازات والمقابلات والمعارضات والتصحيحات والاستدراكات على النسخ المخطوطة إحكاما واستيثاقا. وفى العقد الثالث من القرن العشرين استخدم المكتبيون مصطلح "التوثيق" كمقابل لكلمة Decumentation. التى أفرزها عصر تفجر المعلومات (6)، فقد أدى التتابع السريع والمنتظم للمعلومات التى تنشر فى غير الكتب كمقالات الدوريات والبحوث والتقارير والنشرات والمستخلصات والرسائل العلمية وغيرها من صور النشر الحديثة وبخاصة فى مجال العلوم والتكنولوجيا. وأدى عجز النظم الببليوجرافية التقليدية، وقصورأمناء المكتبات التقليدية فى تلبية احتياجات الباحثين فى التخصصات الدقيقة أدى ذلك إلى تحول المكتبات المتخصصة إلى مراكز توثيق مهمتها السيطرة على هذا السبيل الجارف من المعلومات جمعا وتسجيلا وتصنيفا واختزانا فى الحاسبات الإلكترونية، وتقديم خدمة غير تقليدية للباحثين فبدأت تظهر مراكز توثيق متخصصة فى الزراعة والصناعة والتربية وغيرها من فروع المعرفة وانعكس هذا التطور على مسميات أقسام المكتبات ومعاهدها فأصبحت تسمى "أقسام المكتبات والتوثيق" واستمرت هذه الموجة ثلاثة عقود ثم بدأت فى الانحسار وبدأ مصطلح "التوثيق" يختفى من الاستخدام فى السبعينيات ليحل محله مصطلح جديد هو المعلومات Information. أ. د/عبد الستار عبدالحق الحلوجى

_ الهامش: 1 - مجد الدين الفيروزآبادى. القاموس المحيط القاهرة المكتبة التجارية ط5 سنة 1954م. 3/ 287 - 288، الصحاح. للجوهرى. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. دار الكتاب العربى القاهرة سنة 1377هـ ص1563. 2 - محيط المحيط بطرس البستانى مكتبة لبنان سنة 1977م ص956 - 957. 3 - المكتبات والمعلومات والتوثيق، أسس علمية حديثة ومدخل منهجى عربى. سعد محمد الهجرسى وسيد حسب الله دار الثقافة العلمية الاسكندرية ط2 سنة 1998م ص216. 4 - المعرفة والتاريخ يعقوب بن سليمان البسوى. تحقيق أكرم ضياء العمرى. مؤسسة الرسالة بيروت ط2 سنة 1981م 1/ 377. 5 - أدب الإملاء والاستملاء. عبد الكريم السمعانى. دار الكتب العلمية بيروت سنة 1981م. ص4. 6 - انظر مادة Documentation فى: I Webster's third New International Dictionary. Spring field Mossachusetts: Merriam Company، 1961. II Ranganathan، S.R.: Documentation and its Facets. Bombay: Asiapublishing Hovse، 1963

63 - التوحيد

63 - التوحيد لغة:"الإيمان بالله وحده لاشريك له". واصطلاحا:"معرفة الله تعالى بالربوبية، والإقرار بالوحدانية، ونفى الأنداد عنه جملة "، وهو بهذا المعنى حقيقة بسيطة تدور على إفراد الله تعالى بالعبودية، ونفيها عن كل ما سواه. والتوحيد هو جوهر الإسلام، بل جوهركل الأديان السماوية، وهو دعوة الرسل والأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. وجاء فى القرآن الكريم: {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل:36. ويقف الإسلام بخصيصة التوحيد هذه على الطرف المقابل للعقائد التى يتسع فيها مفهوم العبادة لغير الله تعالى، كائنا ما كان هذا الغير: جمادا أو حيوانا أو إنسانا أوكائنا خفيا كالجن والشياطين، كما يقف على الطرف المقابل أيضا لكل المذاهب والفلسفات التى تؤمن بحلول الله فى غيره، أو اتحاده بهذا الغير، أو تجسده فيه. ولم ترد كلمة "التوحيد" بهذه الصيغة اللغوية فى القرآن الكريم، وإنما وردت بصيغة "الواحد" وصفا لله تعالى اثنتين وعشرين مرة. كما وردت لها فيه صيغة "أحد" -وصفا لله تعالى- فى سورة الإخلاص فى قوله تعالى: {قل هو الله أحد} الإخلاص:1، وهذه السورة تعدل ثلث القرآن لما اشتملت عليه من بيان التوحيد الخالص الذى هو أصل الإسلام وذروة سنامه. والتوحيد -فى هذا الإطار الواضح الميسر- هو العقيدة التى يحملها الإسلام إلى الناس كافة ويقدمها للبشر بحسبانها معيارا وحيدا يصحح بها علاقة الإنسان بالله -تعالى- عقيدة وعبادة. ورغم بساطة هذه العقيدة ووضوحها فقد شغلت مساحة هائلة من اهتمام العلماء والمفكرين والفلاسفة المسلمين، ونشأت حولها تفسيرات وشروح وأفكار بالغة الدقة، شكلت "علما" مستقلا سمى بعلم التوحيد أو علم الكلام، وظهر هذا العلم فى وقت مبكر جدا من تاريخ الإسلام، ولازال يستمد مبررات وجوده من هذه العقيدة حتى يومنا هذا. وقد نشأت على طول هذا التاريخ مدارس وفرق كلامية اختلفت رواها وتفسيراتها العلمية لأبعاد عقيدة التوحيد، لكنها لم تختلف حول المعنى البسيط لهذه العقيدة كما يقررها القرآن الكريم والسنة النبوية. ومعنى "التوحيد" عند متكلمى أهل السنة والجماعة: إثبات الوحدانية لله تعالى فى ذأته وصفاته وأفعاله: فوحدانية الذات تعنى تنزيه ذاته تعالى عن الجسمية ولواحقها من تركب وتبعض وتحيزفى الجهة، وهو ما يعبرون عنه بنفى الكم المتصل عن الذات، كما يعنى تنزيه الذات عن أن يكون له ند أوضد أو مثل أو شريك، وهو ما يعبرعنه بنفى الكم المنفصل عن الذات، وتعنى وحدانية الصفات استحالة التعدد فى الصفة الواحدة من صفات الله تعالى كأن تكون له قدرتان أو علمان. الخ. كما تعنى استحالة استحقاق الغيرلأية صفة من الصفات الإلهية. أما وحدانية الأفعال فمعناها نفى مشاركة الغيرلله تعالى فى إيجاد شىء فى هذا الكون أو تدبيره. وقد تشددت فرقة المعتزلة فى تنزيه التوحيد فاثبتوا الذات ونفوا الصفات، وتشدد بعض الفلاسفة أيضا فمنعوا وصفه تعالى بالصفات الثبوتية، واكتفوا بوصفه تعالى بالإضافات والسلوب، وذلك خوفا من انثلام "الوحدة" الإلهية أو لحوقما التعدد بها، حتى لو كان التعدد فى الأوصاف. وهذان المذهبان يقابلان مذهب أهل السنة الذى يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من صفات وأسماء كثيرة، والذى يرى أن كثرة الصفات لموصوف واحد لا تقدح فى وحدة الذات، إذ الممنوع عقلا وجود أكثر من ذات أو جوهر يتصف كل منها بالألوهية أو تحل فيها المعانى الإلهية. ولعلماء الكلام من معتزلة واشاعرة وغيرهم براهين عقلية مطولة فى إثبات صفة الوحدانية لله وإبطال العقائد المعددة فى الألوهية بالتثنية أو التثليث أو الحلول أو الاتحاد ... الخ. والتوحيد عند شيوخ التصوف يستند -أيضا- إلى المعنى العام البسيط للتوحيد كما ورد فى القرآن والسنة، وقد عرض القشيرى فى مفتتح كتابه المسمى بالرسالة القشيرية لبيان اعتقادهم فى التوحيد بما لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة. غير أننا نلمس أبعادا أخرى -ذوقية- تقع وراء "المعنى البسيط" لعقيدة التوحيد، وتتمتل فى تقسيمه إلى مراتب تختلف باختلاف الموحدين ومدى مخالطة "بشاشة التوحيد" لقلوبهم، فهناك توحيد العامة، وهو التوحيد الذى يقف عند المعنى العام لشهادة: ألا إله إلا الله، وتوحيد الخاصة، وهو حالة لا يرى فيها العبد غير الحق، وتسقط عنده الأسباب الظاهرة، فلا يرى لها تأثيرا رغم مباشرته إياها. ثم توحيد خاصة الخاصة، وهو التوحيد الذى اختص الحق -تعالى- نفسه به، غيرأنه أظهر لبعض صفوته من هذا التوحيد لوائح وأسرارا. وطريق التوحيد فى المرتبة الأولى ملاحظة الشواهد والآيات والآثار، وفى المرتبة الثانية المكاشفات والمعاينات والأحوال من قبض وبسط وسكروصحو ومحو ... الخ. وتوحيد المرتبة الثالثة لا يقبل وصفا ولا تأخذه العبارة ولا النعت. وما يقوله شيوخ التصوف فى مراتب التوحيد ليس مسلما لدى كثيرمن علماء الإسلام وفقهائه، خصوصا: ابن تيمية، وابن القيم الذى انتقد هذه المراتب وفندها من وجهة نظرشرعية وهو يشرح منازل السائرين للصوفى الشهير: أبى إسماعيل الهروى. ويرى ابن خلدون أن المعتبر فى التوحيد ليس هو الإيمان فقط، لأن الإيمان تصديق علمى، أما التوحيد فهو علم ثان ينشأ من العلم الأول، والفرق بينهما أشبه بالفرق بين العلم بالشىء والاتصاف بهذا الشىء أو التحقق به. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: - لسان العرب لابن منظور. - التعريفات للجرجانى. - حواش على شرح الكبرى للسنوسى ص279 ط مصطفى الحلبى بمصر 1936. - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام لعبد الرزاق القاشانى 1:366 تحقيق سعيد عبد الفتاح ط دار الكتب المصرية 1995. - مدارج السالكين لابن القيم 3:499 وما بعدها مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1956. - مقدمة ابن خلدون 3:1069 وما بعدها تحقيق على عبد الواحد وافى نهضة مصر

64 - التورية

64 - التورية لغة: مأخوذة من: ورى الخبر، أى ستره، وأظهر غيره، والتورية: الستر كما فى اللسان. واصطلاحا: أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد، ويراد البعيد منهما لقرينة خفية، فكأن المعنى القريب ساتر للمعنى البعيد المراد، وكانت القرينة خفية شحذا للخيال، وإثارة للتأمل، تتجاوز المعنى القريب إلى البعيد. وتنقسم إلى أربعة أقسام: 1 - مرشحة: إذا ذكر ما يلائم المعنى القريبه غير المراد، لإثارتها مزيدا من الفكر والتأمل كقول يحيى بن منصور الحنفى من شعراء الحماسة. فلما نأت عنا العشرة كلها * أنخنا تحالفنا السيوف على الدهر فما أسلمتنا عند يوم كريهة * ولا نحن أغفينا الجفوف على وتر فإن الإغفاء مما يلائم جفن العين، لا جفن السيف، وإن كان المراد إغماد السيوف أى لم تغمد السيوف وهم وترعند أحد. 2 - مجردة: وهى التى تتجرد عما يلائم كلا المعنيين، القريب والبعيد: كقول إبراهيم الخليل عليه السلام عن سارة زوجه، لجبار من الجبابرة وقد سأله عنها: "أختى" يريد أخوة الإسلام لا أخوة النسب. 3 - مبينة: وهى ما ذكرفيها ما يلائم المعنى البعيد كقول البحترى: ووراء تسدية الوشاح ملية * بالحسن تملح فى القلوب وتعذب. فالمراد الملاحة والحسن. 4 - مهيأة: وهى التى تفتقر إلى ذكر شىء مهيىء فى العبارة كقول ابن الربيع: لولا التطير بالخلاف وأنهم * قالوا مريض لا يعود مريضا لقضيت نحبى فى جنابك خدمة * لأكون مندوبا قضى مفروضا. ومندوبا صفة لمحذوف أى ميتا مندوبا وهو المعنى البعيد المراد، والمعنى القريب: المندوب ما قابل المسنون والمفروض، وذكر المفروض هيأ التورية، وتقبل التورية إذا جاءت تلقائية دون تكلف وسرف تثير التدبر وتدل على الذكاء وامتلاك ناصية اللغة. أ. د/صبّاح عبيد دراز

_ مراجع الاستزادة: 1 - أنوار الربيع فى أنواع البديع لابن معصوم المدنى مطبعة النعمان النجف الأشراف ط1 سنة 1389هـ سنه 1969م. 2 - الإيضاح للقزوينى شرح د/عبد المنعم خفاجى دار الجيل بيروت ط3 لسنة 1414هـ سنة1993م. 3 - بغية الإيضاح الشيخ عبدالمتعال الصعيدى المطبعة النموذجية القاهرة

65 - التيجانية

65 - التيجانية لغة: يقال (1) تجّانية لا تيجانية، بتشديد الجيم دون ياء كما يقال أيضا: تجينية: اسم لطريقة صوفية كبرى حمل رجالها السيف والقلم فى الجهاد، لإعلاء كلمة الله على الأرض. منشىء الطريقة وراعيها هو السيد أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التجانى (1150 - 1330هـ/ الموافق 1737 - 1815م). ولد فى "عين ماضى (2) " بالجزائر .. قرية على مسيرة اثنين وسبعين كيلو مترا غربى " الأغواط"، وثمانية وعشرين، شرقى "تهمت ". وهو من أولاد سيدى الشيخ محمد، مات أبواه بطاعون 1166هـ- 1753م. وقد تلقى (3) علومه الأولى فى مسقط رأسه وأتمها فى فاس سنة 1171هـ- 1758م، ثم نزل أرض السودان حيث أقام فى مدينة الأبيض خمس سنوات، ثم رحل إلى تلمسان، ثم إلى مكة والمدينة سنة 1186هـ- 1773م، ثم رحل إلى القاهرة بعد ذلك، ثم عاد إلى تونس ثم تلمسان ثم فاس حيث التقى بالشيخ الإدريسى سنة 1191هـ- 1778م. وفى "فاس" بالذات لقيه تلميذه المؤرخ العالم المعروف: على حرازم بن العربى المغربى الفاسى، وهو مؤلف أهم كتب التجانية: جواهر المعانى وبلوغ الأمانى، (4) حيث رحل معه إلى "وجدة"، ثم قفل إلى "فاس" فى صحبته، وهناك لقّنه العهد وودّعه وقال له فيما قال: (الزم العهد والمحبة حتى يأتى الفتح إن شاء الله تعالى) (5). ويحكى لنا مؤرخه (6) أنه ارتحل فترة ناحية الصحراء سنة 1196هـ- 1782م، حيث نزل بقرية القطب أبى صمغون، وهى أشبه بواحة، ثم رحل إلى "توات"،، ثم عاد إلى أبى صمغون وفيها وقع له الفتح، كما يروى خليفته على حرازم. فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى تلقين الخلق بعد أن كان فارا منهم (7). ويذكر لنا تلميذه (8) المؤرخ أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أمره بأن يترك ويطرح جميع ما أخذ من الطرق، وأن يلزم طريقه هو (دون خلوة ودون اعتزال، من غير ضيق ولا حرج) وكان ذلك سنة 1200 من الهجرة الشريفة. ومن ذلك الوقت كانت تحج إليه الوفود من جميع الأمصار ويحكى لنا أيضا أنه عايشه وعاشره ما بقى من أيام حياته حتى وفاته فى فاس سنة 1230هـ- 1815م، حيث دفن بزاويته فيها. ورغم أن دعاة الطريقة قد وجدوا تربة صالحة لازدهارها فى مصر وجزيرة العرب، وبعض جهات آسيا، إلا أنهم توسعوا حقا فى أفريقيا الفرنسية، كما انتشرت الطريقة على أوسع نطاق على يد الحاج عمر الفُوتى القائد الثائر الذى جاهد بسيفه الاستعمار حيث حلَّت سيادة التجانية محل القادرية (9). وأهم (10) مصنفات التجانية: 1 - جواهر المعانى وبلوغ الأمانى فى فيض الشيخ التجانى المعروف بالكُنَاش، وقد طبع لأول مرة سنة 1345هـ بالقاهرة، وهو أهم مرجع عن التجانى الكبير كتبه وسجله تلميذه على حرازم الذى أصبح خليفة للطائفة من بعده، والمؤرخ الأكبر للتجانية. 2 - معجم ضخم عن أعيان التجانية عنوانه: كشف الحجاب عمّن تلقى مع التجانى من الأصحاب، تأليف وتقديم أبى العباس أحمد العباس سكيرج، وقد طبع فى فاس 1325هـ. وباستقراء ما كتب عن التجانى الكبير فى جواهر المعانى بالذات نراه يحدثنا عن المقام الصوفى الكبير ووحدة الشهود. ويرى أن هذا المقام هو (كمال التوحيد والتفريد والتجريد) (ومقام التمكن فى اليقين) و (شهود الحب من الله)، (ولهذا كان العبد مجذوبا لحضرة ربه والانفراد به عن كل ما سواه، والوقوف دائما ببابه والعكوف أبدا على جَنَابه .. لا يقرّ له مع غيره قرار، ولاَ لَهُ عمّا سواه دار، ولا لهج له إلا بالله فى حركاته وسكناته ويقظاته ووسناته وسائر تقلباته) (وقد امتزجت حقيقته بالتولُّه بربه والّلهج به وحبه، واطمأن به إيقانا ومعرفة وإيمانا، لا معول إلا عليه ولا استناد إلا إليه) (11). ونرى فى تراث التجانى الكبير ضرورة الدعوة إلى الوصل الكامل بين الشريعة والحقيقة دون أى انفصال أو خلاف أو شقاق، لأن الحقيقة كما يقول (لا سند لها بغير الشريعة، والشريعة أيضا لا صدق لها إلا بالتحقق بالحقيقة، ويقين الحقيقة) (12). ومن أعلام التجانية الفارس البطل عمر الفوتى (1788م- 1864م) (13) الذى كان من مخططاته إنشاء رابطة للعبادة، ومقارٍّ للتدريبات على الجهاد والحرب فى سبيل إعلاء كلمة الله، وقد دخل الإسلام على يديه مئات الآلاف من الوثنيين الأفارقة بعد انتصاره فى كثير من غزواته وفتوحاته ومن أشهر كتبه: (رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم) وقد كان كشيخه الكبير شاعرا له تأملاته فى الحضرة الإلهية والمحمدية والإنسان الكامل (14). ونرى من رعاة التجانية فى القرن العشرين الشيخ الحافظ التجانى فى مصر، والشيخ محمد مجذوب المدّثر فى السودان. أ. د/ عبد القادر محمود

_ المراجع 1 - 3 - دائرة المعارف الإسلامية م 4 (593 - 596) القاهرة 1970م، وانظر على حرازم جواهر المعانى وبلوغ الأمانى فى فيض سيدى أبى العباس التجانى. 4 - 9 - المصادر السابقة وانظر الدكتور حسن محمود، الإسلام والثقافة العربية ص 219 - 236. 10 - 12 - المصدر السابق لخليفة التجانى الكبير على حرازم. 13 - الإسلام والثقافة العربية، د/ حسن محمود أرنولد: وانظر أيضا الدعوة إلى الإسلام ترجمة الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور عبد المجيد عابدين. 14 - المصادر السابقة وانظر الحافظ التجّانى (شيخ التجانية فى مصر): عمر الفوتى 12 - 17.

66 - التيمم

66 - التيمم لغة: القصد، يقال "تيممت الشىء" أى: قصدته وتعمدته، كما فى اللسان (ا)، ومنه قولة تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) البقرة:267. واصطلاحا: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين، وهو ضربتان: إحداهما يمسح بها الوجه، والأخرى يمسح بها اليدين إلى المرفقين (2) ويكون ذلك عند فقدان الماء حقيقة، أو حكما؛ كأن يتعذر استعماله لمرض، أو أن يخاف عطشا على نفسه أو غيره من آدمى أو بهيمة، أو عدم آلة توصله إلى الماء (3). والتيمم رخصة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أوعلى سفرأوجاء أحد منكم من الغائط أولامستم النساء فلم نجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} المائدة:6. وأما السنة فما رواه مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا؛ إذا لم نجد الماء} (4). وأما الإجماع فقد انعقد على مشروعيته، وعلى أنه من خصائص هذه الأمة، لطفا من الله بها وإحسانا، وليجمع لها بين التراب الذى هو مبدؤ ايجادها، والماء الذى هو سببه استمرار حياتها (5). ويستباح بالتيمم ما يستباح بالطهارة بالماء من صلاة وغيرها من العبادات، وينقضه ما ينقض الوضوء والغسل، كما ينقضه وجود الماء قبل الصلاة اتفاقا (6). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، طبعة دار المعارف. (يمم). 2 - معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعة جى دار النفائس ص152 بيروت 1408هـ 1988م ط3. 3 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الريان للتراث 3/ 1801. 4 - صحيح مسلم حديث رقم (522) كتاب المساحة ومواضع الصلاة عيسى الحلبى 1955م 1/ 371 ط1. 5 - مواهب الجليل للحطاب دار الفكر ط2 - بيروت- 1398هـ 1978م 1/ 325. 6 - قوانين الأحكام الشرعية لابن جزى وما بعدها طبعة عالم الفكر بالحسين ط1، 1405هـ 1985م ص39

الثاء

1 - الثروة لغة: ثروة من ثرى، ثرى المال ثراء: نما، وثرى القوم: كثروا وثرى ثراء كثر ماله فهو ثر وثرى، وثرى بكذا: كثرماله فهو غنى عند الناس، والثراء كثرة المال، والثرى: الأرض (كما فى لسان العرب) (1). اصطلاحا: الثروة هى الأشياء الأساسية التى تسهم فى الرفاهية وهذه الأشياء هى التى تسمى السلع ألاقتصادية. لم ترد كلمة "ثروة" فى القرآن الكريم، والكلمة التى جاءت ولها صلة لغوية بهذه المفردة هى كلمة "ثرى" فى قوله سبحانه وتعالى: {له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى} طه:6. وقال الآلوسى فى تفسيرها: الثرى: التراب الندى، تثرى ثرى فهى ثرية كغنية (2). وردت كلمة ثروة فى حديثين من أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحد الحديثين جاء فيه: (ما بعث الله نبيا الا فى ثروة من قومه) (3). أما الحديث الثانى فجاء فيه: (وأما أول ثلة يدخلون النارفأمير مسلط وذو ثروة من المال لا يؤدى حق الله فى ماله 00) (4). يمكن القول أن كلمة (مال) هى أقرب الكلمات إلى معنى كلمة "ثروة" وذلك فى القرآن الكريم وفى الدراسات الفقهية، جاءت كلمة مال فى القرآن ستا وثمانين مرة، وفى الاصطلاح الفقهى تعددت التعاريف التى عرف بها الفقهاءمصطلح "مال"،ومما قيل فى تعريفه: "لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلت وما لا يطرحه الناس " (5). وقيل أيضا فى تعريفه: "المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة (6). وقد ميز محمد باقر الصدر بين نوعين من "الثروة": ثروة آولية وهى مصادر الإنتاج، وثروة ثانوية وهى ما يظفربه الإنسان عن طريق استخدام تلك المصادر وفى رأيه أن الثروة الأولية لا يدخل فيها العمل ورأس المال، وإنما تشمل مصادر الطبيعة للإنتاج وهى: الأرض -المواد الأولية التى تحويها الأرض- المياه الطبيعية بقية الثروات وهى محتويات البحاروالأنهار والثروات الطبيعية المنتشرة فى الجو، والقوى الطبيعية المنبثة فى أرجاء الكون، وغيرذلك من ذخائر الطبيعة وثروتها. وإذ اشرنا إلى أن كلمة "ثروة" لم ترد فى القرآن الكريم وأن كلمة (مال) أقرب مدلول لها، فقد جاءت فى القرآن الكريم مفردات كثيرة تدل على معنى الثروة ومنها كلمة: رزق ونعمة، والمعنى الذى يبرز فى هذه المفردات أنها أعطت للثروة عناصر قيمية، وأن كل مفردة من المفردات السابقة تحمل عنصرا قيميا معينا وهذا يعنى أن الإسلام لا يقصر النظر إلى الثروة من حيث العنصر المادى، إنما يضم إلى ذلك عناصرقيمية فى فهم معنى الثروة وفى استخدامها أو توظيفها، وهذه العناصر القيمية تتوزع إلى عناصر عقيدية وعناصر أخلاقية، وغير ذلك مما تدل عليه المفردات السابقة. ومما سبق يمكن تقديم مفهوم للثروة فى الإسلام وللعناصر الفاعلة فيه، فالثروة تشمل السلع النافعة والمباحة شرعا، ولا يقتصر مفهوم الثروة فى الإسلام على السلع المنتجة وإنما يدخل فيها كل مصادر الطبيعة مثل أشعة الشمس والهواء وما فى جوف الأرض من عناصر طبيعية أخرى. أ. د/رفعت العوضى

_ الهامش: 1 - لسان العرب -ابن منظور- ج14 دار صادر للطباعة والنشر بيروت سنة 1956م. 2 - روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى الآلولسى البغدادى ج16 طبعة رابعة -دار إحياء التراث الإسلامى بيروت سنة 1985م. 3 - الجامع الصحيح (سنن الترمذى) ج4 - تحقيق كمال يوسف الحوت- دار الكتب العلمية -بيروت، سنة 1987م- حديث رقم 2010. 4 - صحيح ابن خزيمة -ج4 تحقيق محمد مصطفى الأعظمى الطبعة الأولى- المكتب الإسلامى سنة 1970م حديث رقم 2249. 5 - الأشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية -السيوطى- دار الكتب العلمية -بيروت- لبنان. 6 - حاشية ابن عابدين، ج4 - ط- المطبعة الكبرى الأميرية بولاق مصر سنة 1925هـ. مراجع الاستزادة: 1 - مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج، الشربينى الخطيب شرح متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ج2 طبع مصطفى البابى الحلبى مصر سنة 1958م. 2 - اقتصادنا، دار الكتاب اللبنانى ببيروت لبنان سنة 1981م. 3 - موسوعة المصطلحات الاقتصادية د/حسين عمر محمد باقر الصدر مكتبة القاهرة الحديثة سنة 1956م. 4 - The Inceclopedlio Amercana، Internatoial Edition، grolier Incorporated، 1994، P.523

2 - الثغور

2 - الثغور لغة: مفردها ثغر. واصطلاحا: يقصد بها منطقة الحصون التى بنيت على تخوم الشام والجزيرة لصد غزوات الروم، ولهذا أطلق عليها مصطلح "الثغورالرومية ". وهناك من توسع فى مفهوم "الثغز للدلالة على كل موضع قريب من أرض العدو. وتبدأ منطقة الثغور هذه من طرسوس فى قليقلة، وتمتد فى طول البلاد حتى ملطية ثم الفرات، وكانت مهمتها حماية إقليم العواصم الممتد على طول الحدود من غارات الأعداء. وقد فرق الجغرافيون بين الثغور الشامية وثغور الجزيرة عن طريق تقسيمها إلى ثغور عربية وأخرى شامية. ويقصد بالجزيرة: المنطقة الشمالية الخصبة بين "دجلة والفرات" وتمتد إلى منطقة الدروب عند سلاسل جبال طوروس، كما تمتد إلى الجبال الفارسية. وقد كثر سكان العرب فى هذه المنطقة قبل الإسلام، ووجدت فيها قبائل وديار ربيعة ومضر وبكر. وذكر الجغرافيون عددا من الحصون فى منطقة الثغور الشامية هى: ملطية والحدث ومرعش وطرسوس والهارونية والكنيسة السوداء وعين زرنجة والمصيصة وأذنة. أما منطقة ثغور الجزيرة فمن حصونها: كمخ وشمشاط وألبيرة وحصن منصور وقلعة الروم والحدث والحمراء، ومن أشهر مدن هذا الثغر أنطاكية وبغراس. وقد تحدث "قدامة بن جعفر" عن الثغور وقال: إن منها ما هو برى وهو ما يلقى بلاد العدو ويقابله من جهة البر، ومنها ما هو بحرى حيث تلقى العدو وتقابله من ناحية البحر، ومنها ما يجتمع فيه الأمران. أما عواصم هذه الثغور فهى ما وراءها من بلدان الإسلام، وكل منها يعتبر عاصما لأنه يعصم الثغر ويمده فى أوقات النفير. ولهذا كان إقليم الجزيرة وشمالى الشام وحدة يتمم بعضه بعضا من حيث ارتباط حصونها، وتعرضها لغارات البيزنطيين، وكانت الحملات الإسلامية المتعاقبة فى حاجة إلى قواعد ترتكز عليها، فتطلع المسلمون إلى مد نفوذهم إلى تلك المراكز الأمامية المطلة على ألعدو والمعروفة "بالثغو"، وحصنوها وشحنوها بالجنود، وبدأت العواصم الخلفية وثغورها الأمامية تأخذ مكانتها المتميزة فى نظام الدولة الإسلامية منذ زمن الخلفاء الراشدين. وهكذا انقسمت الحدود فى زمن الراشدين إلى قسمين: 1 - إقليم العواصم والثغور الشامية للدفاع عن إقليم الشام والإغارة على أرض البيزنطيين بآسيا الصغرى. 2 - إقليم العواصم والثغور الجزرية للدفاع عن شمالى العراق وللحملات التى تقوم منه على أراضى الدولة البيزنطية. ولما آل حكم الدولة الإسلامية إلى الأمويين واصلوا تخطيط المدن وتمصيرها وإنزال الجنود فيها وتوسيعها، حتى أضحته أمصارا زاخرة بالمقاتلين والسلاح والأيدى العاملة. وهكذا عاش الناس فى مجتمع الثغور حراسا لدار الإسلام. وهكذا ظلت مناطق الثغور تنال اهتماما وتحظى بالتطور، إلى أن تغير حال العالم الإسلامى، وتولى أمره الظالمون ممن شغل بالمنكرات والملذات، فضعف أمر الثغور واختل نظامها وانحل عقدها نحو منتصف القرن الرابع الهجرى، العاشر الميلادى. أ. د/عبد الله جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحزبى والاتصال الحضارى محمد فتحى عثمان، ومقدمة الأستاذ الدكتور حسين مؤنس لنفس العمل، ثلاثة أجزاء القاهرة 1966م. 2 - نبذة من كتاب الخراج وصنعه الكتابة، ملحق بكتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة -قدامة بن جعفر- الكاتب البغدادى، ليدن 1989م. 3 - صورة الأرض (المسالك والممالك والمفاوز المهالك) ابن حوقل: بيروت 1964م. 4 - القاموس الإسلامى، أجزاء، عطية الله: أحمد: القاهرة 1963م. 5 - دائرة المعارف الإسلامية مادة (ثغور) وما بها من مصادر

3 - الثقافة

3 - الثقافة لغة: ثَقِفَ الرجل: صار حاذقا فطنا، والثقافة: العلوم والمعارف والفنون التى يطلب الحذق فيها، كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: مجموعة الأعراف والطرق والنظم والتقاليد التى تميز جماعة أو أمة أو سلالة عرقية عن غيرها. وعلى مستوى الفرد يطلق اللفظ على درجة التقدم العقلى التى حازها، بصرف النظر بالطبع عن مستويات الدراسة التى أنجزها. ومنذ وقت طويل تتعدد التعريفات لهذا اللفظ حتى إنه فى مطلع الخمسينات حصر عالمان أمريكيان من علماء الأنثروبولوجيا مائة وخمسين تعريفا للثقافة، وتلقى التعريفات المختلفة أضواء على المراد باللفظ الذى يفهمه العامة بأكثر مما يفهمون تعريفه، ويمكن لنا تأمل ما توحى به من تعريفات مهمة من قبيل أن مفهوم الثقافة يشير إلى كل ما يصدر عن الإنسان من إبداع أو إنجاز فكرى أو أدبى أو علمى أو فنى. أما المفهوم الأنثروبولوجى للثقافة فهو أكثر شمولا، ويعد الثقافة حصيلة كل النشاط البشرى الاجتماعى فى مجتمع معين، ويستتبع هذأ أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة المميزة، بصرف النظر عن مدى تقدم ذلك المجتمع أو تأخره. ويتميز هذا المفهوم ببعده عن تحميل الثقافة بالمضمونات القيمية، وإن اعترف بأن لكل ثقافة نسقها الخاص من القيم والمعايير. وفى مقابل هذا المفهوم الأنثروبولوجى الواسع نجد مفاهيم كثيرة أكثر تحديدا، فكثيرا ما تستخدم الثقافة للإشارة إلى النشاط الاجتماعى الذهنى والفنى، وفى أحيان أخرى إلى النشاط الفنى وحده، أو النشاط الأدبى والفنى دون النشاط العلمى الذى يعده البعض غير خاضع لأنساق الثقافات، باعتباره مرتكزا على حقائق مطلقة بعيدة عن التأثر بإلذوق أو البيئة أو الموروثات جميعا. ويتضح هذا المفهوم بطريقة بيروقراطية فى مصر حين تمنح أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا ومن قبل (المجلس الأعلى للعلوم) جوائز الدولة فى العلوم، على حين يمنح المجلس الأعلى للثقافة نفس الجوانز فى الآداب والفنون، وتضاف إليها العلوم الاجتماعية، (وقد كان هذا قائما منذ كان المجلس السابق مجلسا للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية). وتأخذ كثير من البلدات الإسلامية بمثل هذا التقسيم مع اختلافات طفيفة، فعلى حين تعد العمارة فنا من الفنون، فإنها فى أحيان كثيرة تعامل على أنها علم هندسى يتبع بالتالى العلوم ومجالسها لا الفنون. وقد ذكرنا العمارة بالذات لأنها أحد المكونات البارزة للثقافة القومية، بل ربما كانت بمثابة أولى مقومات تكوين الفكرة عن الثقافة لدى الآخرين الذين يطلعون عليها للوهلة الأولى. ومن تعريفات الثقافة الأخرى التى تلقى الضوء على معناها أنها مجموع العادات والفنون والعلوم والسلوك الدينى والسياسى منظورا إليها ككل متمايز يميز مجتمعا عن آخر. ومن ثم يمكن فهم تعبيرات مثل "الصراع الثقافى" للتعبير عن الصراع أو التسابق بين ثقافتين متجاورتين، أو التغير والارتقاء فى عدة جوانبه من النمط الثقافى. كما يمكن استخدام لفظ الثقافة للدلالة على الجوانب العقلية والفنية للحياة، فى مقابل الجوانب المادية والتكنولوجية لها، ومن ثم تصبح الثقافة بمثابة نمط كل الترتيبات -المادية أو السلوكية- التى يحقق -من خلالها- مجتمع معين لأعضائه إشباعات أكبر مما يستطيعون فى حالة مجرد الطبيعة. ويميز بعض الباحثين بين ثقافة مادية تشمل العدد والأدوات والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا وثقافة غير مادية تشمل القيم والتقاليد والتنظيم الاجتماعى، وتنطوى الثقافة على اكتساب وسائل اتصال (اللغة، المطالعات، الكتابات) وأدوات عمل معينة، وافكار وأعمال مثل الحساب، وعلى زاد ضخم من المعرفة والاعتقاد، وعلى منظومة من القيم، وعلى توجه ميول خاص ملازم، ويمكن لكل هذا أن يكتمل ويرتقى بتربية متخصصة قليلا أو كثيرا، وتدريب يسمح باستفادة اجتماعية بالأنشطة الفردية. ويرى الأنثربولوجيون أن الثقافة تتمايز وتستقل عن الأفراد الذين يحملونها ويمارسونها فى حياتهم اليومية، فعناصر الثقافة تكتسب بالتعلم من المجتمع المعاش، على اعتبار أن الثقافة هى جماع التراث الاجتماعى المتراكم على مر العصور. وعلى هذا يبعد هؤلاء عن الثقافة كل ما هو غريزى أو فطرى أو موروثا بيولوجيا. وللسمات الثقافية قدرة هائلة على البقاء والانتقال عبر الزمن، وكثير من هذه السمات والملامح التى تتمثل بوجه خاص من العادات والتقاليد والعقائد والخرافات والأساطير تحتفظ بكيانها لعدة اجيال. ويهتم علماء الاجتماع بدراسة تاريخ ثقافات الشعوب المختلفة من باب أن معرفة الماضى تساعد على فهم الحاضر. وليس من شك فى أن الثقافة الإسلامية ككل وثقافات الشعوب الإسلامية المختلفة، تمثل أنماطا بارزة للثقافة المتصلة والممتدة بجذور قوية فى الماضى، بل يكاد المراقبون ينظرون إلى الثقافات الإسلامية اليوم على أنها أقدم الثقافات التى لا تزال موجودة فى عالم اليوم دون تقلبات أو تغيرات حادة فى مفاهيمها الأولى، ويرجع هذا بالطبع إلى سمو التعليمات الإسلامية، التى تستمد وجودها من الخالق جل وعلا من خلال تشريع سماوى لم يقتصرعلى العبادات وإنما تكفل بتوجيه السلوك الإنسانى فى المعاملات والعادات ونمط الحياة اليومية على مستوى الفرد والمجتمع على نحوما نعرف جميعا. أ. د/محمد محمد الجوادى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (ثقف) 1/ 102. مراجع الاستزادة: 1 - دائرة معارف القرن العشرين (مادة ثقف) محمد فريد وجدى

4 - الثنوية

4 - الثنوية اصطلاحا: هم الذين يقولون بأصلين للوجود، مختلفين تمام الاختلاف، كل منهما له وجود مستقل فى ذاته، وبدون هذين الأصلين لا يمكن فهم طبيعة الكون، الذى تتصارع فيه القوى المتضاربة، التى ينتمى بعضها إلى أحد المبدأين، وينتمى سائرها إلى المبدا الآخر، مما يعنى أن حقيقة الوجود تنطوى على انقسام داخلى وتقابل ضرورى دائم بين أصلين، لكل منهما قوأنينه وأطواره الزمنية الخاصة به. وقد ظهرهذا المذهب منذ قديم لدى الإغريق، فأثر على أعظم فلاسفتهم كأفلاطون وأرسطو؟ إذ فرق أفلاطون بين عالم المادة وعالم المثل، وفرق أرسطو بين الهيولى والصورة، أو بين الموجود بالقوة والموجود بالفعل، وأن كانت الثنوية لديهما ممزوجة بنزوع واضح إلى الوحدة. وفى الشرق القديم قال "مانى" مؤسس المانوية فى فارس بالتقابل بين مبدأى الخير والشر، أو النور والظلام، فالنور مصدر الخير، والظلام منشأ الشر، والخير والشر هذان لا يصدران عن شىء واحد، وهما مبدأن نشيطان فاعلان إلى الأبد. وقد يرى البعض أن الزردشتية -بحكم ما فى آرائهما من مظاهر ثنوية- تجرى فى نفس الاتجاه، لكننا إذ ذكرنا ما قلناه من أن الثنوية تقول بأصلين جوهرين لا يمكن رد أحدهما إلى الآخر، أو ردهما معا إلى مبدأ ثالث أسبق منهما علمنا أن -الزردشتية- أقربا إلى القول بالوحدة، وأن المثال الصحيح للثنوية إنما هوالمانوية، وأن الزردشتية أدنى إلى التوحيد فى أساسها، فالشر عارض، والخير ينتصر فى النهاية. وقد مثلت الثيولوجية المنبثقة عن المسيحية فى العصور الوسطى مذهب الثنوية فى نظرتها إلى الحياة البشرية على أنها صراع دائم بين الروح والبدن، وهو صراع ينتج عنه تحديد مصير النفس بعد الموت فى الجنة أو فى النار، فإن انتصر البدن فى ذلك الصراع فالمصير إلى النار، وإن انتصرت الروح فالمصير إلى الجنة، ولذلك اشتدوا فى معاملة الجسد وحرموه من كل لذة وراحة، لفتح أبواب الملكوت التى لا تفتح إلا للفقراء الزاهدين، وأيا ما كانته علاقة هذا التصور بالمسيحية الأصلية فقد تضخم هذا التقابل الوجودى، واتخذ طابع المبالغة الذى أثر على مختلف مجالات الفكر والحياة فى العصور الوسطى. وفى العصر الحديث عبر ديكارت -بصورة- فلسفية أدق عن "الميتافيزيقية الثنائية" بقوله بالمبدأين، وهما: "الذهن والمادة" فكل من الذهن والجسم قائم بذاته، تختلف صفات كل منهما عن الآخر، بل يستبعد كل منهما الآخر، فما يكون صفة للذهن لا يمكن أن يكون صفة للمادة. وقد أدى هذا بديكارت إلى افترأض نوعين يسودان الوجود، فالطبيعة تخضع لقوى آلية تحكم مستقلة عن إرادة العقل، أما روح الإنسان فهى تلقائية ذاتية حرة خالصة، لا تخضع لأية حتمية تاريخية. أ. د/محمد السعيد جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى. 2 - "لغت نامه" بالفارسية، لعلى أكبر دهخذا. 3 - الأغانى، لأبى الفرج الأصفهانى، طبعة دار الكتب المصرية، ج4. 4 - مقدمة فى الفلسفة العامة، د/حسن الشافعى. 5 - الإسلام فى الفكر الغربى، د/محمود حمدى زقزوق. 6 - بين الإسلام والمسيحية، د/محمد شامة

5 - الثواب

5 - الثواب اصطلاحا: نفع مستحق مقرون بالتعظيم والجلال. وهو فضل من الله تعالى وعد به عباده المؤمنين. والجنة هى دار الثواب التى أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين. أعد لهم فيها: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومن فضل الله على عباده أن جعل لهم ثواب الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء. بينما جزاء السيئة بمثلها. قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشْرُ أمثالِها ومَن جاءَ بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وَهُم لا يُظلَمُون} (الأنعام 160) وقال تعالى أيضا: {مَثَل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سَبع سنابل فى كل سُنبلة مائة حبة والله يضاعِف لمن يشاء} (البقرة 261). وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن رب العزة جل شأنه- من حديث أبى ذر الغفارى - رضي الله عنه -: "يا عبادى: إنما هى أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه". (رواه مسلم). والمعتزلة: يوجبون الثواب على الله تعالى فيقولون بناء على قاعدتهم: فى التحسين والتقبيح العقليين: يجب على الله إثابة المطيع وعقاب العاصى. ويقولون: الثواب حق للعبد فى مقابلة عمله، فالإخلال به قبيح فيجب فعله، لأنه الغرض من التكليف، والإخلال بالغرض قبيح. ورد أهل السنة عليه: بأن الطاعات التى كلف العبد بفعلها، لا تكافئ النعم السابقة لكثرتها، وعظمتها، وحقارة أفعال العباد، وقلتها بالنسبة إليها. فالثواب فضل من الله وعد به فيفى به من غير وجوب عليه، فالخلف فى الوعد نقص ينزه الله عنه؛ ووعد الله لا يتخلف. (1) أ. د/ أحمد المهدى 1 المراجع - شرح الطحاوية ص 472 وما بعدها. مكتبة دار البيان بدمشق سنة 1985م، وشرح المواقف للجرجانى- الموقف السادس ص 199 وما بعدها، تحقيق د. أحمد المهدى.

الجيم

1 - الجائز (المباح) لغةً: يقال: أجزتُ العقد أى جعلته جائزا نافذا على الصحة، جاز القول جوزا وجُوازا، ومجازا: قبل ونفذ، وتجاوز عن الرجل: عفا عنه ولم يؤاخذه، الجائز: الخشبة بين حائطين توضع عليها أطراف عوارض السقف. كما فى الوسيط (1). واصطلاحاً: يطلق الجائز عند الأصوليين، على عدة أمور منها "المباح " (2) وعلى ما لا يمتنع شرعا وهو ما خيرَّ الشارعُ المكلَّفَ بين فعله وتركه، ولا مدح ولا ذم على الفعل والترك (3). ويقال له: الحلال. ويعرف الجائز (المباح) بأمور منها: (أ) النص الشرعى على إباحته بحِلْ الشىء. كقوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌ لكم وطعامكم حِلٌ لهم} (المائدة 5). (ب) النص من الشارع على نفى الإثم أو الجناح أو الحرج، كقوله تعالى: {إنما حُرِّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله فمن أُضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} (البقرة 173)، وقوله فى نفى الجناح: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خِطْبة النساء أو أكننتم فى أنفسكم} (البقرة 235)، وفى نفى الحرج قوله: {لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} (الأحزاب 37). (ج) التعبير بصيغة الأمر مع وجود قرينة تدل على الإباحة كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} (المائدة 2). (د) استصحاب الإباحة الأصلية للأشياء فيما لا دليل عليه، بناء على أن الأصل فى الأشياء الإباحة استصحابا للإباحة الأصلية. (هـ) نفى التحريم؛ كقوله تعالى: {قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} (الأعراف 32). (و) نفى النهى، كقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} (الممتحنة 8). (ز) النهى عن التحريم. كقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} (المائدة 187). وحكم الجائز: أنه لا ثواب ولا عقاب ولا عتاب على فعله أو تركه، ففعله وتركه سواء، ولكن قد يثاب عليه بالنية والقصد، كمن يمارس أنواع الرياضة البدنية بنية تقوية جسمه، ليقوى على محاربة الأعداء، ومن يأكل الطعام بنية تقوية جسمه، ليقوى على ممارسة العبادة. والجائز أحد أقسام الحكم التكليفى، وهى: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح على ما ذهب إليه جمهور الأصوليين. والفعل الواحد قد تجتمع فيه أقسام الحكم التكليفى كلها أو بعضها، مثل الزواج قد يكون فرضا على المسلم إذا قدر على النفقة والمهر وسائر واجبات الزوجية ويتيقن من حال نفسه أنه إذا لم يتزوج زنى. ويكون مندوبا إذا قدر على ما ذكر وكان فى حالة اعتدال لا يخاف أن يزنى إذا لم يتزوج. ويكون حراما إذا تيقن أنه إذا تزوج فسيظلم زوجته ويهضم واجباتها. ويكون مكروها إذا خاف ظلما دون تيقن. والجواز عند الفقهاء: يطلق على ما ليس بلازم، فيقولون: الوكالة والقرض والرهن عقود جائزة، ويعنون بالجائز: ما للعاقد فسخه بكل حال، إلا أن يؤول إلى اللزوم، كما يستعملون الجواز فيما قابل الحرام، فيكون لرفع الحرج، فيشمل الواجب والمستحب والمباح والمكروه. (4) وتنقسم التصرفات من حيث جوازها ولزومها إلى أقسام هى: الأول: ما لا تتم مصلحة إلا بلزومه من طرفيه، كالأوقاف والضمان والبيع. الثانى: ما تكون المصلحة فى كونه جائزا من الطرفين كالشركة والوكالة والعارية. الثالث: ما تكون مصلحته فى جوازه من أحد الطرفين، ولزومه من الطرف الآخر، كالرهن، والكتابة وعقد الجزية (5). (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية 1/ 152 - دار المعارف ط 3 - القاهرة. 2 - فواتح الرحموت 1/ 103 وما بعدها طبعة الأميرية. 3 - الوجيز فى أصول الفقه- د/ عبد الكريم زيدان ص 47 مؤسسة قرطبة، والرسالة 1987 م، وعلم أصول الفقه- د/ عبد الوهاب خلاف- ص 104 - الدار السودانية للكتب الخرطوم. 4 - المنثور فى القواعد للزركشى 2/ 7. 5 - قواعد الأحكام فى مصالح الأنام- العز بن عبد السلام 2/ 125 وما بعدها- دار الكتب العلمية.

_ المراجع 1 - أصول الفقه الإسلامى- د/ عبد المجيد محمود مطلوب. 2 - أصول التشريع الإسلامى- على حسب الله، دار المعارف. 3 - الموافقات، للشاطبى.

2 - الجاذبية

2 - الجاذبية لغة: مصدر صناعى من جاذب، وتعنى الحالة التى يجذب بها صاحبها غيره يقال: فلان له جاذبية، أى: يستميل غيره إليه. اصطلاحا: تعنى قوة التجاذب بين شيئين. ومن أنواعها: - الجاذبية الكهربية: وهى القوة العاملة بين الأجسام المشحونة كهربيا وكان الفيزيائى الفرنسى "كولوم" أول من قام بقياسها فى سنة 1119هـ سنة1785م. - الجاذبية التثاقلية: وهى بين أى جسمين ماديين، وكان العالم الإنجليزى "إسحق نيوتن" هو الذى وضع صياغة قانون الجذب العام بين الأجسام المادية، وهو القانون الذى يفسر سقوط الأجسام نحو الأرض، ويشرح حركة الكواكب حول الشمس. وكان علماء الحضارة الإسلامية أول من قدموا أساسا مقبولا لتفسير السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية، وقد بدا الحسن بن أحمد الهمدانى (ت 334هـ،945م) فى إرساء أول حقيقة علمية عن ظاهرة الجاذبية عندما تحدث عن الأرض قائلا: " ... فمن كان تحتها (أى تحته الأرض عند نصفها الأسفل) فهو فى الثبات فى قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليها، فهى بمنزلة حجر المغناطيس الذى تجذب قواه الحديد من كل جانب ". وأضاف علماء آخرون حقائق هامة عن المقذوفات من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبية الأرضية، وتحدثوا عن انجذاب الجسم إلى مجاوره الأبعد، مقتربين بذلك من المعنى الشمولى الذى توصل "نيوتن" إلى قانونه العام. أ. د/أحمد فؤاد باشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - كتاب الجوهرتين العتيقتين المانعتين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة) الحسن بن أحمد الهمدانى إعداد وتحقيق: محمد محمد الشعبى ط دار الكتاب دمشق سنة 1984م. 2 - التراث العلمى للحضارة الإسلامية ومكانته فى تاريخ العلم والحضارة -أحمد فواد باشا- سنة 1983م

3 - الجامعة الإسلامية

3 - الجامعة الإسلامية اصطلاحا: هى عبارة عن دائرة انتماء عقائدى وحضارى وسياسى، نبعت وتنبع من التوحيد الإسلامى. والانتماء إلى الجامعة الإسلامية وإن اعترف واحترم واغتنى بالانتماءات الفرعية، إلا أنه لا يكتفى بها، ولا يقف عند حدودها كنهاية للمطاف، وإنما يوظف هذه الانتماءات الفرعية. وفي العصر الحديثه أصبح شعار "الجامعة الإسلامية" المظلة التى استظلت بها دعوات وحركات جمعتها مقاصد إنهاض المسلمين بالإسلام، للخروج من مأزق التراجع الحضارى، ولمواجهة المد الاستعمارى الغربى مع التمايز فى سبل ووسائل هذا النهوض، وذلك تبعا للملابسات الإقليمية والتوجهات المذهبية عند رواد هذه الحركات والدعوات، مثل الدعوة الوهابية والدعوة السنوسية والدعوة والحركة المهدية والحزب الوطنى. وأوسع فصائل تيار الجامعة الاسلامية، كان ذلك الذى تبلور من حول جمال الدين الأفغانى والذى تأسس شعبيا وخاصة بين الصفوة والعلماء وقادة الرأى العام -ثم تحالف مع الدولة العثمانية- بقيادة السلطان عبد الحميد الثانى لنصرة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية. جمع هذا الاتجاه بين الأصول الإسلامية وبين التجديد، وانطلق من مصر فى سبعينات القرن التاسع عشر إلى كل أنحاء العالم الإسلامى وتميزت دعوته ب: 1 - الإصلاح الدينى: من منطلق العقلانية الإسلامية التى توازن بين "الرأى" و" الأثر". 2 - المحافظة على الدولة العثمانية، باعتبارها الدولة الإسلامية الجامعة. 3 - تجديد الصلات الحضارية مع الغرب واقتباس المناسب من حضارتها وعلومها، من واقع التمايز الثقافى والاستقلال الحضارى. 4 - تحرير ثروات العالم الإسلامى من النهب الاستعمارى والسيطرة الغربية. واذا كانت التحديات، واختلال موازين القوى، قد غالبت هذا "التيار الانقاذى" فحالت بينه وبين النجاح فى تجديد الدولة العثمانية إلا أن دعوته إلى الجامعة الإسلامية هى المظلة التى عملت فى ظلالها كل دعوات التجديد الإسلامى. ففى مواجهة الأحزاب الوطنية التي وقفت بالوطن عند الإقليم، وقنعت بالدولة القطرية وعلى خلاف الأحزاب القومية التى وقفت عند العرف واللغة مهملة الدائرة الحضارية الإسلامية، ظلت دعوات وحركات الجامعة الإسلامية على مناهجها الجامعة بين الوطنية والقومية فى إطار الجامعة. وهكذا أصبحت تركز على قضايا التحرر الوطنى، ومحاربة التغريب الفكرى إلى جانب تجديد الفكر الإسلامى. وأصبح طريقها إلى الجامعة الإسلامية هو إقامة الدولة الإسلامية النموذج، التى لا تقف مقاصدها عند الإقليم، وإنما تسعى لتسلك الأقاليم الإسلامية فى "رابطة شعوب إسلامية" وذلك وصولا إلى إعادة الوحدة الإسلامية فى الجوامع الخمسة: العقيدة، والشريعة، والأمة، والحضارة، ودار الإسلام. وكما طمحت دعوة الجامعة الإسلامية إلى إقامة الوحدة الإسلامية الجامعة لأقاليم عالم الإسلام، فلقد حرصت على وحدة الأمة بالمعنى السياسى، على النحو الذى يجعل القوميات الإسلامية المتمايزة فى اللغات والطوائف الدينية -غير المسلمة- المتميزة فى الملل والشرائع، لبنات فى بناء الأمة الواحدة. فالجامعة الإسلامية هى رابطة أمة، بأقوامها المتعددة ومللها المتمايزة، وهى ليست نزعة دينية متعصبة ضد غير المسلمين، سواء فى داخل الأوطان الإسلامية أو فى الغرب النصرانى، وإنما هى رابطة إسلامية لشعوب المدنية الإسلامية، تحتضن "التنوع" فى إطار جوامع الإسلام. أ. د/محمد عمارة

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغانى، دراسه وتحقيق: د/محمد عمارة -طبعة بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979م. 2 - حاضر العالم الإسلامى لوثروب ستودارد ترجمة: عجاج نوبيض تعليق شكيب أرسلان طبعة دار الفكر بيروت 1971م. 3 - الجامعة الإسلامية والفكرة القومية عند مصطفى كامل، د/محمد عمارة طبعة القاهرة دار الشروق 1994م. 4 - فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، عبد الرازق السنهورى وترجمة نادية السنهورى، طبعة الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1989م

4 - الجاهلية

4 - الجاهلية لغة: مأخوذة من الفعل (جهل)، والجهل معناه: خلاف العلم. يقول الراغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم، الثانى: اعتقاد الشىء بخلاف ما هو عليه، الثالث: فعل الشىء بخلاف ما حقه أن يفعل (1). وقد وردت مشتقات الكلمة فى القرآن الكريم بمعنى: 1 - الخلو من المعرفة، كقوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} البقرة:273. 2 - الطيش والسفه، كقوله تعالى: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون} يوسف:89. 3 - بمعناها معا كقوله تعالى: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون} الأنعام:111. اصطلاحا: اصطلح المؤرخون على أن لفظ الجاهلية قد يكون اسما للحال، ومعناها الصفات المرذولة التى كانت عليها الأمة قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر .. إلخ، ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية) (رواه البخارى) (3) أى حال أو طريقة أو عادة جاهلية أو نحو ذلك. وقد يكون اسما لذى الحال، أى الزمان، ومعناها: المدة التى كانت قبل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: زمن الكفر مطلقا، وقيل: ما قبل الفتح، وقيل ما كان بين مولد النبى والمبعث، وبهذا قال ابن حجر، ومنه قوله تعالى: {يظنون بالله غيرالحق ظن الجاهلية} آل عمران:154، وذلك لما كان عليه العرب من فاحش الجهالات فى العقيدة والعبادة والتشريع والمعاملات والأخلاق التى انتقلت إليهم وشاعت بينهم وتأصلت فى نفوسهم حتى صارت دينا حل محل الحنيفية السمحة (3). وعلى هذا نقول: طائفة جاهلية، وشاعر، جاهلى، نسبة إلى الجهل، لأن من لم يعلم الحق فهو جاهل، فإن اعتقد خلافه أو قال بخلاف الحق عالما به أو غيرعالم فهو جاهل، كقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} الفرقان:63. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل) (رواه أبو داود) (4). أى لا يعمل بعمل الجاهلية من السفه والغضب والأنفة والحمية والمفاخرة، ومنه قول عمرو بن كلثوم فى معلقته: ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا أى لا يسفه أحد علينا فنسفه عليه فوق سفهه، أى نجازيه به جزاء يزيد عليه. وكذلك من عمل بخلاف الحق فهو جاهل وإنما علم أنه مخالف للحق، كما قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبا} النساء:17، لأن العلم الحقيقى الراسخ فى القلب يمتنع أن يصدر عنه ما يخالفه من قول أو فعل، فإن صدر ما يخالفه كان جهلا، وعلى ذلك كان الناس قبل البعثة النبوية فى جاهلية وكل ما يخالف ما جاء به المرسلون من أفعال اليهود والنصارى، وتلك كانت الجاهلية العامة. أما بعد البعثة فقد مضى زمانها بمجىء الإسلام، وإن بقيت أحوالها وعاداتها بين الإطلاق والتقييد. فالمطلقة قد تكون فى بلد دون بلد، كما هى فى غير ديار الإسلام، وقد تكون فى بعض الأشخاص دون بعض، كالرجل قبل أن يسلم وإن كان فى دار الإسلام. والمقيدة قد تكون فى بعض ديار المسلمين وفى كثير من الأشخاص المسلمين؛ لقول صلى الله عليه وسلم (أربع في أمتى من أمرالجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب، والطعن فى الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) رواه مسلم (5). فهذه كلها جاهلية، وهى من المعاصى التى لا يكفر صاحبها. وقد اختلف المؤرخون فى تحديد الفترة الزمنية للجاهلية على أقوال، منها أنها بين آدم ونوح، أو بين نوح وإدريس، أو بين موسى وعيسى، أو بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال هى الفترة بين كل نبيين، والراجح أن الفترة الزمنية للجاهلية تبدأ من عصور ما قبل التاريخ، وتنتهى بالبعثة النبوية فى القرن السابع الميلادى، وعلى هذا لا يصح مطلقا أن يوصف المجتمع المسلم بأنه جاهلى، بخلاف الأفراد، فإنه يمكن إطلاق لفظ الجاهلية على الشخص إن وقع فى فعل جاهلى. أ. د/خليفة حسن العسال

_ الهامش: 1 - معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ص100 - دار الكتاب العربى تحقيق نديم مرعشلى. 2 - صحيح البخارى مع الفتح 1/ 119 كتاب الإيمان باب المعاصى من أمر الجاهلية. 3 - بلوغ الأرب ش معرفة أحوال العرب الألوسى 1/ 15 ط ثانية سنة 1923 نشر المطبعة الرحمانية بمصر. 4 - سنن أبو داود 2/ 307 كتاب الصوم. 5 - صحيح مسلم: 2/ 644 كتاب الجنائز باب التشديد فى النياحة. مراجع الاستزادة: 1 - المحجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم -نشر مجمع اللغة العربية- القاهرة سنة 1970م. 2 - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام د/جواد على مكتبة النهضة بغداد سنة 1971م. 3 - فجر الإسلام أحمد أمين النهضة المصرية ط8 سنة 1960

5 - الجبر (الاختيار)

5 - الجَبْر (الاختيار) لغةً: الجبر مأخوذ من الفعل الرباعى أجبر على وزن أفعل بمعنى أكرهه وقهره على الفعل بغير إرادة من الفاعل ولا اختيار فيه، وضده الاختيار فهو يدل على إرادة الفاعل واختياره لفعله بإرادته وقدرته، وقد يجىء لفظ الجبر من جبَر الثلاثى لكنه قليل، ومنه الجبار صفة من صفات الله تعالى، ولا يذكر منفردا وإنما يأتى مقرونا بلفظ المنتقم كما فى أسمائه الحسنى الجبار المنتقم. واصطلاحاً: والجبر والاختيار مذهبان مشهوران فى علم الكلام فالمعتزلة يقولون بالاختيار المطلق للعبد فى فعله حيث يقع منه الفعل بإرادته وقدرته المستقلة عن قدرة الله وإرادته، أما الأشاعرة فيقولون بالكسب ومعناه عندهم أن الفعل يقع بقدرة الله المطلقة مقارنا لقدرة العبد الحادثة. وأول من قال بالجبر فى الإسلام هو الجهم بن صفوان (ت: 128هـ) والإنسان عنده مقهور على فعله وهو كالريشة المعلقة فى الهواء تحركها الرياح كيف تشاء، ولقد أظهر الجهم مقالته فى الجبر حين أظهر المعتزلة مقالتهم فى نفى القدر وقالوا إن الأمر أنف وأنه لا قضاء والإنسان حر فى أفعاله وتقع منه بإرادته وقدرته مستقلا عن قدرة الله وإرادته، ثم صار لفظ الجبر لقبا على الجهم واتباعه الجهمية من بعده، وهو ليس لفظا شرعيا، لم يرد فى نص صحيح من الكتاب والسنة ولم يعرف فى عصر الخلافة الراشدة وكان السلف يتحرجون من استعماله نفيا أو إثباتا لأنه لفظ مجمل، والذى ورد فى الحديث الصحيح لفظ جبل حين قال - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: "إن فيك لَخُلُقَيْن يحبهما الله ورسوله. قال: أخُلقين تخلقتُ بهما أم جُبْلت عليهما فقال - صلى الله عليه وسلم -: بل جُبلت عليهما". فقال الأشج: الحمد لله الذى جبلنى على ما يحبه الله ورسوله. وقيل: إن الجهم أخذ مقالته فى الجبر ونفى الصفات عن الجعد بن درهم مؤدب مروان بن محمد ثم شاعت مقالته فى العصر الأموى، وقيل إن خلفاء بنى أمية استغلوا القول بالجبر لتثبيت سلطانهم وتنفيذ سياستهم فى الرعية، والمعتزلة يطلقون على الأشاعرة لفظ الجبرية، ويتبرأ الأشاعرة من هذه الصفة ويطلقونها بدورهم على الجهم والجهمية وتنقسم الجبرية إلى ثلاثة أقسام: 1 - جبرية خالصة: وهم الجهمية القائلون بالجبر المطلق وأن قدرة الإنسان لا أثر لها فى الفعل الإنسانى. 2 - جبرية متوسطة: وهم يثبتون القدرة للعبد لكن ليس لها أثر فى فعله، ولا تصلح هذه القدرة لفعل الضدين وهذه القدرة هى مناط التكليف الشرعى. 3 - القائلون بالكسب وهم الأشاعرة ويثبتون للعبد قدرة على الفعل ويسمون مباشرة قدرة العبد لفعله كسبا، ولا يسمون ذلك خَلْقَاً للفعل. ويحتج كل فريق من القائلين بالجبر والاختيار على مذهبه بآيات من القرآن الكريم ليفند بها مذهب الفريق الآخر. فمن الآيات التى يحتج بها القائلون بالجبر قوله تعالى: {فعَّال لما يريد} (البروج 16). {الله خالق كل شىء} (الزمر 62) {ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى} (السجدة 13). ومن الآيات التى يحتج بها القائلون بالاختيار قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة 7، 8) {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف 29). ويحاول كل فريق من القائلين بالجبر والقائلين بالاختيار أن يؤول هذه الآيات على طريقته الخاصة ليؤيد بها رأيه ويفند رأى الفريق الآخر. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة جبر، اختيار. 2 - الفصل فى الملل والنحل، لابن حزم، ط، دار الفكر العربى، بيروت، بدون تاريخ. 3 - قضية الخير والشر فى الفكر الإسلامى د/ محمد السيد الجليند ط الحلبى 1980م، القاهرة 4 - شفاء العليل لابن القيم، ط- دار التراث بالقاهرة 5 - الجهم بن صفوان وأراؤه الكلامية، خالد العلى، ط بغداد 1965 م. 6 - الملل والنحل، للشهرستانى، ط- دار الفكر العربى، بيروت، بدون تاريخ.

6 - الجبر (علم)

6 - الجبر (علم) الجبر هو أحد فروع علم الرياضيات، وكان محمد بن موسى الخوارزمى أول من ألف فيه كتابا فى زمن الخليفة المأمون (198 - 218هـ) أسماه "الجبر والمقابلة"، وضع فيه أصول علم الجبر وقواعده، وخرج به من نطاق الأمثلة المفردة إلى المعادلة العامة التى تسهل حل المسائل الحسابية المتشابهة طبقا لقاعدة معينة. واصطلاحا: يعنى نقل الحدود السالبة من مكانها فى أحد طرفى المعادلة الجبرية إلى الطرف الآخر، أما المقابلة فتعنى حذف الحدود المتشابهة فى الطرفين. وقد عرف الخوارزمى فى كتابه جميع عناصر المعادلة الرياضية الجبرية كما نفهمها اليوم، فشرح معنى الحد المعلوم والمجهول والمطلق والعدد الأصم وفكرة الأس واللوغاريتمات والكميات السالبة والموجبة والتخيلية ومعادلات الدرجة الأولى والدرجة الثانية وطرق حلها، ثم انتقل بعد ذلك إلى الجانب العملى الخاص بتطبيقات الجبر فى الحياة العملية، وجعله كتابا مستقلا يشتمل على الكثيرمنها والقياس عليها فى مسائلهم المتعلقة بالمعاملات والوصايا والمواريث. وأضاف علماء آخرون إلى علم الجبر، وزادوا فى أصوله ومسائله مثل أبى الوفاء البوزجانى، وشجاع بن أسلم، وعمر الخيام، والقلصاوى وغيرهم، وعنهم انتقل هذا العلم إلى جُلّ اللغات الأجنبية بلفظه العربى " Algebra" وأصبح بعد ذلك يطلق على علم المعادلات الرياضية بوجه عام. أ. د/أحمد فؤاد باشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - كتاب الجبر والمقابلة -محمد بن موسى الخوارزمى- تحقيق على مصطفى مشرفة، ومحمد موسى أحمد القاهرة سنة 1937م. 2 - تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك -قدرى حافظ طوقان- دار الشروق القاهرة د. ت

7 - الجذب

7 - الجذب الجذب مصطلح صوفى يقصد به "ملاحظة العناية الإلهية للعبد باجتذابه إلى حضرة القرب" وذلك بأن يهيىء الله للمجذوب كل ما يحتاجه فى طريقه لاجتياز المنازل والمقامات، دون كلفة ولا مشقة، وهو يقابل "السالك" الذى يقطع الطريق بالمجاهدة والرياضة. ويسمى المجذوب "مريدا" كما يسمى السالك "مريدا" أيضا، والفرق بينهما أن المجذوب لا يعانى مشقات الطريق؛ لأنه مختطف بالجذب، بخلاف السالك السائر فإن عليه أن يقطع كل عقبات الطريق. وقد ظهر هذا المصطلح مبكرا فى مراجع التصوف الإسلامى، حيث تحدث الطوسى (ت 378هـ) فى كتابه "اللمع" عن جذب الأرواح وما يتعلق به من أوصاف ترجع كلها إلى معنى "التوفيق والعناية" في اجتذاب المريد، ويقول شيوخ التصوف: إن صاحب الجذبة يرى فى بدايته ما يكون له في نهايته، وإن جذبة من جذبات الحق تُربى على أعمال الثقلين، وللمجذوب بعد جذبته إلى مقام القرب إحدى حالتين: فقد يستقر فى هذا المقام ولا يرجع إلى ما كان عليه، أولا فيسمى "عاشقا"، وقد يعود إلى حالته الأولى ويواصل سلوكه فيسمى "المجذوب السالك"، وقد تحصل الجذبة للسالك فى نهاية سلوكه فيسمى حينئذ: "السالك المجذوب"، و"المجذوب السالك" و "السالك المجذوب" كلاهما مؤهل لرتبة المشيخة وتربية المريدين، بخلاف "المجذوب المجرد "، أو "السالك المجرد" فإن أيا منهما لا يصلح لهذه الرتبة. وليس فى كلام الصوفية عن "الجذب" ما يدل على انمحاق العقل، بمعنى "الجنون" المسقط للتكاليف الشرعية، وإن كانت تعريفاتهم تشير إلى أن المجذوب مشتغل بربه، ومنقطع إليه، ومأخوذ عن نفسه. ويميل "ابن خلدون" إلى اعتبار "المجذوب" فاقدا لعقل التكليف، ويكاد يلحقه بالحمقى والمجانين في سقوط التكاليف الشرعية، ويراه أقل مرتبة من عوام المؤمنين، فضلا عن أن يكون من طبقة الأولياء المقربين. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى. 2 - اللمع للطوسى -تحقيق د/عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور- دار الكتب الحديثة مصر 1960م ص445. 3 - شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون -المطبعة الكاثوليكية بيروت 1959م- ص88. 4 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام -عبد الرازق القاشانى- ط دار الكتب المصرية 1995م (1/ 387)

8 - الجرح والتعديل

8 - الجَرْح والتعديل لغةً: الجرح التأثير فى الجسم بسلاح ونحوه (1) والتعديل: التنوية وتقويم الشىء والتزكية (2). واصطلاحاً: وصف الراوى بصفات تقتضى عدم قبول روايته، والتعديل وصف الراوى بصفات تقتضى قبول روايته، فهى شهادة بالتزكية تسهم فى تصحيح الحديث الذى يرويه. والجرح والتعديل من أهم علوم الحديث، إذ به يتميز الصحيح من السقيم، والمقبول من المردود من الروايات، ونشأ علم الجرح والتعديل مع نشأة الرواية فى الإسلام وبُدئ فى إرساء أسسه وقواعده منذ عصر الصحابة y، فقد تكلم منهم فى الرواة عدد غير قليل كما تكلم كثير من أئمة التابعين وأتباعهم، ومن أدق ما صنعه أئمة الجرح والتعديل أمران: الأمر الأول: وضع الرواة المعدَّلين فى مراتب للتعدّيل، والمجرحين فى مراتب للتجريح، ففى التعديل مرتبة تنبئ عن العدالة والضبط التامّين ومرتبة أقل من ذلك قليلا .. وهكذا، وفى التجريح مرتبة تنبئ عن عدم الحفظ، ومرتبة تنبئ عن كذب الراوى، وبينهما مراتب أخرى، ويتبع ذلك الوقوف على درجة حديث الراوى (3). الأمر الثانى: هو وضع ألفاظ للجرح والتعديل داخل المراتب السابقة تعنى وصفا دقيقا للراوى من حيث عدالته وضبطه، فمثلا قولهم فى راوى الحديث: "ثقة" أو "ثَبْت " يبين أنه فى المرتبة الأولى من مراتب العدالة، وبالتالى حديثه صحيح، وقولهم: "لا بأس به " عند جمهورهم تعنى أن ضبطه يخفّ قليلا عن درجة الثقة وبالتالى يكون حديثه حسنا، وقولهم: "ضعيف" تعنى أنه سيئ الحفظ وبالتالى حديثه ضعيفا، وقولهم: "كذاب" أو "وضَّاع " تعنى أنه فى أدنى مراتب الجرح وأن حديثه موضوع (4). وألفت الكتب التى تتناول الرواة من حيث الكشف عن كونهم عدولا أو مجرّحين، وهناك الكتب التى تتناول فترة محددة أو كتبا معينة كما أن هناك الكتب الخاصة بالثقات أى المعدلين، والكتب الخاصة بالمجرحين، وهناك الأئمة الذين برعوا فى هذا الشأن وجاءت أحكامهم كأنها ميزان أو هى ميزان دقيق، ومن هؤلاء الأئمة: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، ولم يخل عصر من العصور منذ عهد الصحابة إلى العصور المتأخرة من عدد كبير من الأئمة النقاد فى مختلف أنحاء العالم الإسلامى (5). أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (جرح). 2 - القاموس وشرحه تاج العروس، مادة (عدل). 3 - ابن أبى حاتم وأثره فى علوم الحديث (ص 217 - 244) ومصادره (د/ رفعت فوزى- مكتبة الخانجى- 1401 هـ/ 1981 م). 4 - المصدر السابق- الموضع نفسه. 5 - أصول الحديث (ص 265 - 279 ومصادره. د/ محمد عجاج الخطيب- دار الفكر- بيروت 1401 هـ/ 1981م).

9 - الجزء Part

9 - الجزء Part لغةً: النصيب، والقطعة من الشىء (1)، وما يتركب الشىء منه ومن غيره، وجمعه أجزاء. واصطلاحاً: عند علماء العروض: عبارة عما من شأنه أن يكون الشعر مقطعا به (2). وهو أيضا قسم من الثلاثين قسما التى جُزّئها القرآن الكريم تيسيرا لتلاوته (3) كما يطلق الجزء لدى الصوفية على الكثرة والتعيّن. ويُقال: أجزاء الموجود، وأجزاء النفس، بمعنى ملكات، أو قوى النفس (4). و"الجزئى الحقيقى": ما يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه كزيد. ويسمى جزئيا؛ لأن جزئية الشىء إنما هى بالنسبة إلى الكلى، والكلى جزء الجزئى، فيكون منسوبا إلى الجزء، والمنسوب إلى الجزء جزئى، وبإزائه الكلى الحقيقى. و"الجزئى الإضافى": عبارة عن كل أخص تحت الأعم، كالإنسان بالنسبة إلى الحيوان، يسمى بذلك لأن جزءيته بالإضافة إلى شىء آخر. وبإزالة الكلى الإضافى، وهو الأعم من شىء. والجزئى الإضافى أعم من الجزئى الحقيقى. فجزء الشىء ما يتركب ذلك الشىء منه ومن غيره. كما أن الحيوان جزء زيد، وزيد مركب من الحيوان وغيره، وهو ناطق وعلى هذا التقدير يكون زيد كُلا، والحيوان جزءا. فإن نُسب الحيوان إلى زيد كان كليّا، وإن نسب زيد إلى الحيوان يكون زيدٌ كلاً. (5) و"الجزئى" Particular مصطلح منطقى: يقال على القضية الجزئية الموجبة أو السالبة، والتى ينصبّ فيها المحمول على جزء من ما صدق الموضوع (6). و"الجزئى" Particle فى مادة ما: هو أصغر جزء مستقل منها، يصح أن يوجد محتفظا بالخواص الكيميائية لهذه المادة (7). و"الجزء الذى لا يتجزأ" أو"الذرة “ Atom: هو جوهر فرد ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا: لا بحسب الخارج، ولا بحسب الوهم، ولا بحسب الفرض العقلى. وتتألف الأجسام من أفراده بانضمام بعضها إلى بعض، كما هو مذهب المتكلمين (8). ويطلق عليه الآن أنه "ذرة" (9). و"العلم الجزئى": هو العلم الذى يكون موضوعه أخص من موضوع علم آخر، كعلم الطب بالنسبة إلى العلم الطبيعى (10). أ. د/ عبد اللطيف محمد العبد

_ المراجع 1 - المعجم الوجيز- لمجمع اللغة العربية بالقاهرة- مادة "جزأ". 2 - التعريفات. الجرجانى: ص 66، ط 1938م البابى الحلبى بالقاهرة. 3 - دائرة المعارف الإسلامية. 6: 372. ترجمة: أحمد الشنتناوى، وإبراهيم زكى خورشيد، وعبد الحميد يونس. ومراجعة د. محمد مهدى علام. ط 1933م. دار المعرفة- بيروت- لبنان. 4 - كشاف اصطلاحات الفنون التهانوى: 267:1 - ترجمة د. عبد المنعم محمد حسنين. وزارة الثقافة والإرشاد القومى مصر 1963 م. وانظر: ابن سينا: الحدود ص 79 - القاهرة. 5 - التعريفات، الجرجانى، ص 67. 6 - المعجم الفلسفى د. مراد وهبة: ص 146 ط 3، 1979م دار الثقافة الجديدة بالقاهرة. 7 - المعجم الوجيز- لمجمع اللغة العربية بالقاهرة- مادة "جزأ ". 8 - التعريفات، الجرجانى، ص 66. 9 - المعجم الفلسفى، د. وهبة ص 146. 0 1 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا: 1: 401، ط 1، 1971م. دار الكتاب اللبنانى- بيروت.

10 - الجسم Corp- Body

10 - الجسم Corp- Body لغة: هو الجسد، وكل ما له طول وعرض وارتفاع (أو عمق)، وكل شخص يدرك من الإنسان والحيوان والنبات، ويجمع على أجسام وجسوم. واصطلاحا: الجسم جوهر ممتد قابل للأبعاد الثلاثة (1)، وهو ذو شكل ووضع. وله مكان إذا شغله منع غيره من التداخل فيه معه. فالامتداد وعدم التداخل هما إذن المعنيان المقومان للجسم، ويضاف إليهما معنى ثالث، وهو الكتلة ( Mass)(2). وعلى هذا فإن الجسم شىء مادى مُدرك بالحواس، وموضع فى المكان، فحيثما يوجد جسم يوجد مكان. ومن هنا نجد فرقة مثل المعتزلة تعرّف الجسم بالأبعاد، أى إنه ما له يمين وشمال، وظهر وبطن، وأعلى وأسفل (3). ويرى ابن سينا أنه لابد للجسم أن يكون جوهرا مؤلفا من هيولى وصورة، وأن يكون متصلا محدودا ممسوحا فى أبعاد ثلاثة كيف شئت طولا وعرضا وعمقا (4). وحيث كان الجسم مؤلفا من الهيولى والصورة، فإنه لا وجود لهيولى تخلو عن الصورة إلا فى الوهم، وكذلك لصورة تخلو عن الهيولى إلا فى الوهم (5). وهناك ما يسمى: "الجسم الطبيعى" Natural Corp: هو مبدأ الفعل والانفعال، وهو الجوهر المركب من مادة هى محل وصورة، هى حالّة فيه، مع ملاحظة أن معنى الجوهر أعمق من معنى الجسم (6). "الجسم التعليمى" Mathematical Corp: وهو ما يقبل الانقسام طولا وعمقا. ونهايته السطح، وهو نهاية الجسم الطبيعى. وسمى "جسما تعليميا" نسبة إلى العلوم التعليمية الباحثة فيه، وهى علوم الكم المتصل والمنفصل. وقد نسبها قدماء الفلاسفة إلى التعليم لأنهم كانوا يبتدئون بها فى تعليمهم ورياضتهم لنفوس الصبيان؛ لأنها أسهل إدراكاً (7). "الجسم الحى" Living Corp: وهو الجسم المتصف بالحياة كالنبات والحيوان (8). "الجسم الجسمانى" Corporal: وهو المنسوب إلى الجسم. "الجسمانية" Corporalism: وهى تعنى المادية. و"الأجسام الطافية" فى علم الطبيعة: هى الأجسام التى إذا تركت حرة وهى مغمورة فى سائل طفت على سطحه (9). والجسم والجرم: مترادفان إلا أن أكثر استعمال الجرم فى الأجسام الفلكية، ومنه الأجرام الأثيرية مع ما فيها، وتسمى عالما علويّا (10). ويطلق الجسم على "الجسد" وهو مقابل الروح (11). لكن يرى الجرجانى رأيا خاصا فى الجسد، وهو أنه: "كل روح تمثل بتصرف الخيال المنفصل، وظهر فى جسم نارى كالجنّ، أو نورى كالأرواح الملكية والإنسانية، حيث تعطى قوتهم الذاتية الخلع واللبس، فلا يحصرهم حبس البرازخ" (12). وذهب البيضاوى إلى أن الجسد: جسم ذو لون، ولذلك لا يطلق على الماء والهواء. وبه فسّر البيضاوى قول الله تعالى: {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} (الأنبياء 8). والأجسام السبعة: عند الحكماء هى: الذهب والفضة والرصاص والأسرب (الرصاص الأسود) والحديد والنحاس والخارصين (13). و"الجسيم" Corporal: يراد به عموما الجسم الصغير، وأطلق بوجه خاص على الجزيئات وعلى الذرات فى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين (14). و"فلسفة الجسيمات": نظرية طبيعية تحاول تفسير بعض الظواهر الطبيعية، بتجميع بعض الجزيئات غير المرئية. والجزىء من مادة ما، هو أصغر جزء مستقل منها يصح أن يوجد محتفظا بالخواص الطبيعية لهذه المادة (15). أ. د/ عبد اللطيف محمد العبد

_ المراجع 1 - التعريفات، الجرجانى، ص 67، ط البابى الحلبى، بالقاهرة. 2 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا، 1/ 402 دار الكتاب اللبنانى- ط 1، 1971 م. بيروت. 3 - المعجم الفلسفى د. مراد وهبة، ص 147 دار الثقافة الجديدة بالقاهرة. ط 3، 1979م. 4 - الحدود، ابن سينا، ص 87 القاهرة. 5 - الحدود الفلسفية، الخوارزمى ص 201، المصطلح الفلسفى عند العرب، دراسة وتحقيق: د/ عبد المنعم الأعسم، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، ط 2، 1989م. 6 - المعجم الفلسفى- 1: 402. 7 - التعريفات، الجرجاني. ص 67. 8 - المعجم الفلسفى- 1/ 402. 9 - المعجم الوجيز- لمجمع اللغة العربية بالقاهرة- مادة "جسم ". 10 - المعجم الفلسفى- 1/ 402. 11 - السابق نفسه. 12 - التعريفات، الجرجانى. ص 67 - 13 - كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوى- 1/ 277 - 287. ترجمة د. عبد المنعم محمد حسنين. وزارة الثقافة بمصر 963 1 م. 14 - المعجم الفلسفى د/ مراد وهبة ص 148. 15 - المعجم الفلسفى د/ صليبا 1/ 402 - 403.

11 - الجشع

11 - الجشع لغة: الحرص الشديد، والطمع فى حق الغير، والشح. فيعرف بأنه الحرص الشديد، وقيل أسوأ الحرص على الطعام وغيره، وقيل هو أن تأخذ نصيبك وتطمع فى نصيب غيرك، ويوصف به الشحيح، والمتخلق بالباطل بما ليس فيه (1). واصطلاحا: طمع فى غير حق، ورغبة فى الحصول على أكثرمما قدر له. والباعث عليه "كما يقول المارودى: شيئان: الشره، وقلة الأنفة، فلا يقنع بما أوتى وإن كان كثيرا لأجل شرهه، ولا يستنكف مما منع وإن كان حقيرا لقلة أنفته، وهذه حال من لا يرضى لنفسه قدرا، ويرى المال أعظم خطرا، فيرى بذل أهون الأمرين لأجلهما مغنما" (2). والجشع فى باب المال يجر صاحبه إلى حرمان من فضائل هامة، "ومن أحب المال حتى استعبده المال لم يؤهل لهذه الرتبة (رتبة الفضائل) فإن حرصه على جمع المال يصده عن استعمال الرأفة وامتطاء الحق وبذل ما يجب، يضطره إلى الخيانة والاختلاق والزور ومنع الواجب. وربما أنفق أموالا جمة محبة منه للمحمدة ولا يريد بذلك وجه الله، بل يتخذها مصيدة ويجعل ذلك مكسبه، ولا يعلم أن ذلك عليه سيئة ومسبة" (3). ثم هو فى باب الشهرة، والحرص على أن يتصدر اسمه المجالس يجر إلى الكذب والرياء والتصنع، وقبول الدنية سرا، والتظاهر بضدها علنا، رغبة فى إرضاء من يريد منه مكانة أو صلة وبرا (4). فالجشع الذى هو أسوأ الطمع والحرص مرض نفسى يسبب لصاحبه الهم والذل، لأنه لا يستريح ولا يقنع حتى ولو يحقق ما يسعى إليه، فيظل فى كدر دائم، وذل للحاجة مستمر (5). وعلاجه فى النزاهة، وهى الترفع عن المطامع الدنية، وفي القناعة والزهد، ففى القناعة رضا تسكن النفس به وتستريح، وفى الزهد استعلاء على ما يذل ففيه عزة، لأنه قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال ". وهذا لا يتحقق إلا لمن آمن بأن للعبد رزقا يطلبه كما يطلبه أجله، وآمن بأنه (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)، وآمن بأنه (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه)، وعلم نصيحة رسول الله لأمته: (إن روح القدس نفث فى روعى: إن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، ولا يحملنكم إبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصى الله تعالى، فإن الله عزوجل لا يدرك ما عنده إلا بطاعته (6)، وكل هذه النصائح النبوية صدى لآيات الله فى الرزق {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} هود:6. {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الذاريات:56 - 58. أ. د/أبو اليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - أساس البلاغة ص60 مادة جشع. لسان العرب مادة جامع. 2 - أدب الدنيا والدين -الماوردى- 314 طبعة دار الكتب العلمية، بيروت تحليل مصطفى السقا. 3 - تهذيب الأخلاق -مسكويه- 44 مكتبة الحياة بيروت. 4 - الرعاية لحقوق الله -المحاسبى- 171 تحقيق عبد القادر عطا دار الكتب العلمية، بيروت. 5 - الأخلاق والسير -ابن حزم- 172 - طبعة دار المعارف- تحقيق الطاهر مكى. 6 - رياض الصالحين ص251 - طبعة الأفتاء والبحوث- الرياض

12 - الجلال

12 - الجلال وردت كلمة "الجلال" فى القرآن الكريم مرتين فى سورة الرحمن، فى قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن:27، وقوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام} الرحمن:78. ومعنى الجلال فى الآيتين: الملك والعظمة والقوة والعزة. والجليل اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: العظيم فى ذاته وصفاته وأفعاله، والفرق بين الجليل والكبير والعظيم -فى الأسماء الحسنى- أن اسم الكبيريرجع إلى كمال الذات، والجليل إلى كمال الصفات، والعظيم إلى كمال الذات والصفات معا، وصفات التنزيه ترجع -فيما يرى المتكلمون- إلى صفة الجلال، ويعنون بصفات التنزيه كل صفة تنفى عن الله تعالى معنى لا يليق بذاته المقدسة، كوصفه تعالى بأنه ليس جسما ولا عرضا ولامحتاجا ولا متحيزا فى جهة. والجلال -فى اصطلاح الصوفية- هو: احتجاب الحق بحجاب العزة عن معرفة حقيقة ذاته المقدسة، فلا يرى ذاته ولا يعلمها على حقيقتها إلا هو، وليس لمخلوق أدنى نصيب فى معرفة "الجلال" أو الكلام فيه، وسبب ذلك ... فيما يقول بعض شيوخ الصوفية: أن الجلال مرتبط بالجمال، وأن جمال الله تعالى يعلو ويدنو. وعلو الجمال وعزته هو "الجلال" الذى يتكلم فيه العارفون، وهم فى حقيقة الأمر إنما يتكلمون فى جلال الجمال لا "الجلال" المطلق، "فالجلال المطلق" معنى يرجع من الله إليه وحده، وهو مانع يمنع من رؤيته، بخلاف "جمال الجلال" فإنه يتجلى به على عباده، وهو مصحح لرؤيته تعالى فى الجنة، مع تنزهه عن الجهة والتحيز وتوابعهما، كما هو مذهب أهل السنة. وتجلى الجمال يوجب عند الصوفية الفناء والمحو والقهر. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - التعريفات للجرجانى. 2 - المقصد الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالى. ط دار المشرق بيروت 1982م. 3 - تفسير الرازى سورة الرحمن: (27 - 28). 4 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، القاشانى، 1/ 389 ط دار الكتب المصرية. 5 - كتاب الجلال والجمال لابن عربى ضمن رسائل ابن عربى، الرسالة الثانية ط حيدر آباد 1361هـ

13 - جماعة أبوللو

13 - جماعة أبوللو اصطلاحا: تطلق على هيئة أدبية جديدة أعلن ميلادها فى القاهرة الشاعر المصرى (د. أحمد زكى أبو شادى) (1892 - 1955م) فى سبتمبر سنة 1932م سماها "جماعة أبوللو" وجعل مركزها القاهرة وتجمع طائفة من أعلام الأدباء، والشعراء والنقاد، ومعهم جماعات (من أدباء الشباب) ومن بين هؤلاء أحمد محرم، إبراهيم ناجى، على محمود طه، كامل كيلانى، أحمد ضيف، وعلى العنانى، وأحمد الشايب، ومحمود أبو الوفا، وحسن كامل الصيرفى، وغيرهم وتولى أبو شادى أمانة سر هذه الهيئة بصفة دائمة واختير أمير الشعراء (أحمد شوقى) (1868 - 1932م) رئيسا لها. وفى يوم الاثنين العاشر من أكتوبر عام 1932م عقدت الجلسة الأولى له برئاسة "شوقى" فى داره (كرمة بن هانئ) بالجيزة، لوضع الأسس العامة لنظامها الإدارى، والأدبى، ولم يعش "شوقى" بعد ذلك إلا أياما معدودات ففى فجر يوم الجمعة الرابع عشر من أكتوبر سنة 1932 م انتقل شوقى إلى رحاب ربه وقد اختار أعضاء الجماعة، الشاعر (خليل مطران) (1872 - 1949م) رئيسا للهيئة وكان أحمد محرم، وإبراهيم ناجى (وكيلين). وكانت عضوية الجماعة مفتوحة فى مصر وجميع الأقطار العربية للشعراء خاصة والأدباء ومحبى الأدب عامة، ومن يهمهم تقدم أغراض الجمعية. وكانت أغراض الجمعية كما أعلنت منذ ميلادها هى ما يلى: السمو بالشعر العربى، وتوجيه الشعراء توجيها شريفا. مناصرة النهضات الفنية فى عالم الشعر. ترقية مستوى الشعراء ماديا وأدبيا واجتماعيا، والدفاع عن كرامتهم ومنذ ميلاد هذه الهيئة الأدبية، صدرت مجلة تحمل اسمها وتنشر أدبها وتذيع أفكارها وهى مجلة (أبوللو) وهى أول مجلة خصصت للشعر ونقده فى العالم العربى. وفى صدر العدد الأول نفسه قصيدة "لشوقى" حيّا بها ميلاد هذه الجماعة ومجلتها- وجاء فيها: أبوللو!! مرحبا بك يا أبوللو فإنك من عكاظ الشعر ظل عكاظ، وأنت للبلغاء سوق على جنباتها رحلوا وحلُّو عسى تأتيننا بمعلقات تروح على القديم بها تدل لعل مواهبا خفيت وضاعت تذاع على يديك وتستغل ولم تلبث هذه الجماعة ومجلتها أن أحدثت دويّا فى الأدب والنقد والشعر فى مصر وسائر أنحاء العالم العربى. وشعراء أبوللو ممن كانوا أعضاء فى جمعيتها يكونون مع رائدهم أبى شادى مدرسة متميزة فى الشعر المعاصر، لها خصائصها وآراؤها. وقد أطلق أبو شادى عليها هذا الاسم "مدرسة أبوللو" وهى مدرسة شعرية مذهبها "الرومانسية"وهى تستلهم فى شعرها الحياة وتحرص على الأصالة وتدعو إلى العاطفة الصادقة، والوحدة التعبيرية والتعبير الطليق، وشعرها هو شعر الطبع والجدة، والوجدان المعبر عن واقع الحياة فى نفس الشاعر. المدارس الشعرية التى ظهرت عند ظهور أبوللو: 1 - من العجيب أن تظهر مدرسة أبوللو الشعرية ومجلتها فى جو يسوده الظلام والحزن، وفى فترة ليس لها مثيل فى تاريخنا القومى، وفى خلال أزمة عالمية عاتية. 2 - فى الأدب والشعر كان هناك تيار محافظ يمثله عبد المطلب والرافعى والجارم والكاظمى، ومحمد فريد وجدى، والبشرى- وتيار جديد يمثله "مطران" وشكرى والعقاد والمازنى. ويدور شعر شعراء أبوللو عامة فى الموضوعات الآتية: 1 - النزعة الإنسانية- الالتفاف إلى تصوير البؤس وإظهار بعض الجوانب المظلمة فى المجتمع. 2 - الاندماج فى الطبيعة، والحديث عن الآمال- خلال البعد عن الوصف الحى. 3 - الحنين إلى مواطن الذكريات، وهو نابع من النزعة الانطوائية وتتضح السمات الآتية فى شعر شعراء مدرسة أبوللو وهى: · النزعة الإنسانية الرومانسية. · تحطيم القيود الكلاسيكية والرجوع إلى الواقعية والوحى والإلهام. · ترك المدنية إلى الريف والطبيعة. · العناية بالطابع الذاتى. · التحرر من العالم المادى إلى العالم المثالى. · البساطة فى التعبير عن نزعات المشاعر. وسميت هذه الجماعة باسم أبوللو نسبة إلى آلهة إغريقية تتغنى للشمس والشعر والموسيقى فنحن نتغنى فى حمى هذه الذكريات التى أصبحت عالمية. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - مجلة أبوللو العدد الأول- المجلد الأول- سبتمبر سنة 1933م. 2 - مجلة أبوللو العدد الرابع المجلد الثانى سنة 1933م.

14 - جماعة الديوان

14 - جماعة الديوان اصطلاحا: تطلق على النقاد الثلاثة الذين كونوا "مدرسة الديوان" وهم العقاد، والمازنى، وشكرى من حيث الرؤية الشعرية، والأسس الفنية، لأنهم التقوا فكريا حول مفاهيم نقدية وجمالية متقاربة وقد شكلوا مدرسة نقدية هامة فى تاريخ شعرنا العربى الحديث رغم قصر المدة الزمنية التى جمعت بينهم إنسانيا. وهناك خطأ يردده كثير من الدارسين- وهو تسمية هذه المدرسة باسم مدرسة "الديوان" نسبة إلى كتاب بنفس العنوان قد أخرجه (العقاد والمازنى) فى جزءين سنة 1921 م هذه التسمية غير صحيحة لأن هذا الكتاب ينقد ويهاجم أكثر من كونه يرسى أسساً فنية، ويضع تقاليد جمالية فالعقاد فيه ينقد شوقى، والمازنى ينقد المنفلوطى، بل وشكرى، ومعنى هذا أن الكتاب هجمة محمومة على أهم من فى الساحة الأدبية من الخصوم والأنصار. لقد تأثر رواد "مدرسة الديوان النقدية" وهم: (عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازنى وعبد الرحمن شكرى) فى نزعتهم الجديدة بالأدب الإنجليزى، وبالشعراء والكتاب الرومانسيين بصفة خاصة، ووقفوا موقف عداء ورفض سافر لشعراء المدرسة الكلاسيكية التى كانوا يسمونها بالمدرسة المحافظة، ويسمون شعراءها بالمقلّدين، وكان رفضهم للتقليد دافعا لهم إلى البحث عن بديل، وقد اطمأنت نفوسهم إلى أشعار الرومانسيين فأخذوا بكثير من مبادئها، والتقوا فى هذا بالخطوط العربية التى كان "مطران" يدعو إليها ويحققها فى شعره وهذه المبادئ هى أنهم: · طالبوا أن يكون الشعر تجربة شعرية لها طابعها الفردى. · نزعوا إلى الشعر الوجدانى الذى يحمل سمات صاحبه النفسية، ويبرز شخصيته المتميزة. · طالبوا بالوحدة الفنية فى القصيدة. اهتموا بالخيال وأولوه عناية خاصة. · دعوا إلى ما يعرف بالشعر المرسل، أى أن القصيدة لا تنتهى بقافية موحدة بل ينتهى كل بيت منها بقافية خاصة؛ لأنهم يرون أن القافية الموحدة فيها رتابة مملة لسامع. · كان لكل منهم طابعه الخاص المرتبط بتجاربه النفسية ومزاجه الخاص. ولقد نادى العقاد رحمه الله بمبادئ المدرسة فقال موجها الكلام لشوقى: اعلم أيها الشاعر العظيم، أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصى أشكالها وألوانها، وليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشىء ماذا يشبه، وإنما- مزيته أن يقول لك ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به. ولقد قال العقاد فى مهرجان "شوقى" الذى أقامه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، يوضح رأيه فى شوقى، ويبين موضع الخلاف بينهما فقال: · أنه كان علما للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرف والابتكار، فجُمعت له جملة المزايا والخصائص التى تفرقت فى عصره. · ومضى يشرح ذلك فقال: إن البارودى كان يفوقه فى روعة المتانة والفخامة والجزالة، ولكنه عوض ذلك بما يضارعه ويفوقه، وخاصة فى منظوماته الأخيرة، من سلاسة اللفظ وعذوبة العبارة ورقة النغمة الموسيقية. · كان ينازع السيطرة الأجنبية التى طغت واستبدت، ولم يحجم عن المشاركة فى المواقف الوطنية التى يقتضيها الواجب الوطنى. · ومضى يشيد بشعره التاريخى قائلا عن قصيدته "كبار الحوادث فى وادى النيل" إنها عمل مستقل المقصد مجتمع الأجزاء يصح أن ينفرد وحده فى بابه، كأنه شريط متسلسل من أشرطة الصور المتحركة يعرض للناظرين مواقف الدول والمناسك والأديان من أقدم عصور وادى النيل. · وأشاد بمسرحياته ونظمه فى المواعظ والأمثال، ثم قال: كان شوقى عَلما لمدرسة الشعر فى مطلع النهضة الأدبية، التى بدأت فى منتصف القرن التاسع عشر وكان حظ العَلَم فى حالتيه يلتف به شيعته فى معسكره، ويرميه الرماة من المعسكر الآخر، الذى يناجزه ويدعو إلى غير دعوته. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - الديوان ج 1 الطبعة الثانية- إبريل سنة 1921 م مطبعة السعادة القاهرة. 2 - مع العقاد، د. شوقى ضيف، ص 119، ص 120، دار المعارف القاهرة، سنة 1962 م. مرجع الديوان. 3 - شعر ناجى الموقف والأداة- د. طه وادى مكتبة النهضة المصرية القاهرة سنة 1976 م.

15 - الجمال

15 - الجمال لغة: هو "الحسن "، واسم "الجميل" فى أصل اللغة موضوع للصورة الحسية المدركة بالعين، أيا كان موضوع هذه الصورة من إنسان أو حيوان أو نبات او جماد. ثم نقل اسم الجميل لتوصف به المعانى التى تدرك بالبصائر لا الأبصار، فيقال: سيرة حسنة جميلة، وخلق جميل. وقد وردت كلمة جمال وصفا للأنعام فى قوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} النحل:6، كما وردت كلمة "الجميل" فى القرآن أيضا وصفا للصبر والصفح وتسريح الزوجة والبحر. كما وردت وصفا لله تعالى فى الحديث الشريف: (إن الله جميل يحب الجمال) (صحيح الإمام مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه) ومعنى "جميل" فى الحديث: المنزه عن النقائص والموصوف بصفات الكمال، أو: ذو النور والبهجة .. إلخ .. ويرجع المتكلمون صفات المعانى لله تعالى كالعلم والقدرة وما إليهما إلى صفة "الجمال". واصطلاحا: الجمال الحقيقى -فى المفهوم الصوفى- هو: الجمال الإلهى، وهو من صفات الله الأزلية، شاهدها فى ذاته أزلا مشاهدة علمية، ثم أراد أن يشاهدها مشاهدة عينية في أفعاله، فخلق العالم، فكان كمرآة انعكس على صفحتها هذا الجمال الأزلى. والجمال الإلهى -فيما يقول الصوفية- نوعان: جمال معنوى وجمال صورى. فالجمال المعنوى هو: معانى الصفات الإلهية والأسماء الحسنى. وهذا النوع لا يشهده إلا الله، أما الجمال الصورى فهو هذا العالم الذى يترجم عن الجمال الإلهى. بقدر ما تستوعبه الطاقة البشرية. فالعالم ليس إلا مجلى من مجالى الجمال الإلهى. وهو بهذا الاعتبار حسن. وكل ما فيه جميل، والقبح الذى يبدو فيه ليس قبحا حقيقيا، بل هو قبح بالإضافة والاعتبار لا بالأصالة. ويضربون مثلا لذلك: قبح الرائحة المنتنة التى ينفر منها الإنسان، ويتلذذ بها الحيوان، والنار التى تكون قبيحة لمن يحترق فيها، لكنها فى غاية الحسن لمن لا يحترق بها مثل طائر "السمندل" الذى يتلذذ بالمكث فى النار. فيما يقولون. وإذا كان المعتزلة يرون أن الحسن والقبح وصفان ذاتيان فى الأشياء، ويرى الأشاعرة أن الأشياء فى أنفسها قبل ورود الشرع لا توصف بحسن ولا قبح فإن الصوفية يؤكدون على أن "الحسن" وصف أصيل فى كل ما خلق الله تعالى. ولتجلى الجمال "انبهار" يقهر عقل السالك إلى درجة "الهيمان "، فإن بقى فى هيمانه سمى "مولها "، والمؤيدون من السالكين معصومون فى تجلى الجمال من الهيمان، قإذا سكروا صحوا عن قريب، وهؤلاء يسمون "بالممكنين"، وأهل "التأييد"، وأهل "التمكين" أرفع درجات من المهيمين. ويستدل الصوفية على أحوالهم فى تجلى الجمال بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: (وشوقا إلى لقائك من نكير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) (مسند الإمام أحمد، 5/ 191)، ويفسرون "الضراء المضرة" فى الحديث بذهاب العقل، و"الفتنة المضلة" بانحلال قيود العلم المؤدية إلى الزندقة. وتجلى الجمال من منازل القلب، وليس من أخلاق النفس، وهو -بهذا الاعتبار- من "الأصول"، التى يتبنى عليها السلوك. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبى العباس القرطبى" 1/ 288، دار ابن كثير، بيروت، 1417هـ-1996م. 2 - الفتوحات المكية لابن عربى تحقيق عثمان يحيى، 13:221 0 القاهرة 1990م. 3 - المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالى، دار الشروق، بيروت 1982م. 4 - التصوف -الثورة الروحية فى الإسلام- أبو العلا عفيفى، دار المعارف، مصر 1963م. 5 - حياة الحيوان الكبرى للدميرى

16 - الجمعة

16 - الجمعة لغة: جمع المتفرق جمعا: ضم بعضه إلى بعض، وجمع القوم لأعدائهم: حشدوا لقتالهم، وجمَّع الناس: شهدوا الجمعة وقضوا الصلاة فيها، واستجمع القوم: تجمعوا من كل حدب وصوب، والجامع: الذى تصلى فيه الجمعة، والجمعة: المجموعة، والجمعة ما يلى الخميس من أيام الأسبوع كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: صلاة الجمعة فرض عين تؤدى يوم الجمعة بدلا من الظهر، وهى ركعتان (2). قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} (الجمعة 9). ويوم الجمعة خير أيام الأسبوع للحديث "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام " .. (رواه مسلم عن أبى هريرة) (3). "ويوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئا إلا آتاه إياه فالتمسوها أخر ساعة بعد العصر" (رواه النسائى عن جابر) (4). ويستحب الغسل والتجمل والسواك والتطيب لحضور صلاة الجمعة، كما يندب التبكير للصلاة لغير الإمام (5)، ويسن التنفل قبل الجمعة للحديث "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" (رواه مسلم عن أبى هريرة) (6). وتجب صلاة الجمعة على: المسلم البالغ الحر العاقل المقيم القادر على السعى إليها، الخالى من الأعذار المبيحة للتخلف عنها (7)، ففى الحديث: " الجمعة حق واجب على كل مسلم فى جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبى أو مريض" (8). وقت الجمعة: هو وقت الظهر، فعن أنس ­ - رضي الله عنه - ­­ أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس (رواه البخارى عن أنس) (9). والجماعة شرط من شروط صحة الجمعة، وقد اختلف العلماء فى العدد الذى تنعقد به الجمعة، والرأى الراجح أنها تصح باثنين لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الاثنان فما فوقهما جماعة" وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع (10). والجمعة يصح أداؤها فى المصر والقرية والمسجد وأبنية البلد والفضاء التابع لها، كما يصح أداؤها فى أكثر من موضع (11) فقد كتب عمر - رضي الله عنه - إلى أهل البحرين: " أن أجمعوا حيثما كنتم " (رواه ابن أبى شيبة). وتجب قبل صلاة الجمعة خطبتان يجلس الإمام بينهما جلسة خفيفة، وفيهما يحمد الله عز وجل ويصلى على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويوصى المسلمين بالتقوى، ويقرأ آيات من القرآن، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات. وإذا اجتمعت الجمعة والعيد فى يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد، فعن زيد بن أرقم قال: " صلى النبى - صلى الله عليه وسلم - العيد ثم رخص فى الجمعة فقال: من شاء أن يصلى فليصل وإنا مجمعون " (رواه الترمذى). ويستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 1/ 141، دار المعارف ط 3 القاهرة. 2 - أركان الإسلام الخمسة للدكتور/ رفعت فوزى عبد المطلب، ص 77، دار السلام، ط1. 3 - صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب: فضل الجمعة حديث رقم 2013. 4 - سنن النسائى، كتاب الجمعة باب: فضل الجمعة حديث رقم 1389. 5 - فقه السنة، الشيخ سيد سابق، 1/ 279 - 282، دار الفتح للإعلام العربى ط 3. 6 - صحيح مسلم كتاب الجمعة حديث رقم 2013. 7 - فقه السنة 2/ 284. 8 - سنن أبى داود، كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة حديث رقم 1067. 9 - صحيح البخارى كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة إذا زالت الشمس رقم 904. 10 - فقه السنة 2/ 287. 11 - السابق 2/ 297.

_ المراجع 1 - زاد المحتاج لشرح المنهاج، عبد الله بن الشيخ حسن المحسن الكوهجى تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصارى قطر. (1/ 313 - 331). 2 - شرح فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفى طبع مصطفى البابى الحلبى. 3 - مغنى المحتاج فى معرفة ألفاظ المنهاج، للشيح محمد الشربينى الخطيب.

17 - جمع السنة

17 - جمع السنة لغة: جمع المتفرق جمعا: ضمَّ بعضه إلى بعض (1). واصطلاحا: ضم بعض السنة إلى بعض فى كتب جامعة كالمسانيد والجوامع والسنن بحيث يتيسر العثور على الحديث عند الحاجة إليه. وقد اختلف هذا الجمع بحسب الحاجة إليه والوسائل المستخدمة فيه. ففى عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - جمعت السنة فى الأذهان، وفى صحف متفرقة كَتَبَ فيها من احتاج الكتابة من الصحابة .. وساعد على هذا الجمع ارتباط السنة بحياتهم العملية فى العبادات والمعاملات ونظام الحكم وتفسير القرآن. وقد كتب الحديث جماعة من الصحابة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بإذنه صراحة أو إقرارا (2). وما ورد عند أحمد ومسلم من النهى عن كتابة الحديث موجه إلى كتاب القرآن لئلا يختلط القرآن بالحديث فى الكتابة، ففى رواية أحمد: " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن، ومن كتب شيئا سوى القرآن فليمحه" (3). ومع ثبوت كتابة الحديث فى عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعصر الصحابة فإن الاعتماد فى الرواية كان على الحفظ والضبط فى الصدر أو الكتاب، والاتصال المباشر بين الراوى ومن يروى عنه، حذرا من التصحيف والتحريف والاعتماد على المكتوب وحده، لأن الحديث مصدر للأحكام الشرعية، والخطأ فى قراءته يترتب عليه ضرر كبير. أما قول من قال: إن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عهد أصحابه لم تكن مدونة فى الجوامع ولا مرتبة (4) فلا ينافى الكتابة، وإنما يدل على عدم الترتيب والتصنيف فى هذا العصر .. أى جمع الأحاديث المكتوبة بحسب الأبواب أو الموضوعات على نظام التأليف الذى تم بعد ذلك .. وقد جمع الباحثون ما كتبه الصحابة أو كتبه التابعون عنهم وذكروا من ذلك صحيفة همام بن منبه عن أبى هريرة، وصحيفة جابر بن عبد الله، وصحيفة سمرة بن جندب (5). وعزم بعض الخلفاء كأبى بكر وعمر، وعمر بن عبد العزيز على تدوين السنة أى جمع ما عند الناس منها فى دواوين تحفظها الدولة وتنشرها بين الناس (6)، فلم يتيسر ذلك واستمرت المحاولات التى تقوم بها الدولة إلى الآن ولم تصل دولة منها إلى ذلك .. من هنا اعتمد جمع السنة على جهود علماء الأمة فى كل عصر ولم يقتصر جمعها على عالم أو على علماء دولة من دول الإسلام دون غيرها من الدول. قال الخطيب: ولم يكن علم الحديث مدونا أصنافا ولا مؤلفا كتبا وأبوابا فى زمن المتقدمين من الصحابة والتابعين ثم ذكر أول من صنف الكتب الجامعة للأحاديث المروية على نسق خاص وهم سنيد بن أبى عروبة وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والأوزاعى والربيع بن صبيح وشعبة بن الحجاج وحماد ابن سلمة ومعمر بن راشد والثورى ومالك .. هؤلاء العلماء من بلاد الإسلام المختلفة .. ثم تلاهم من بعدهم ثم من بعدهم فى التأليف .. وكان التأليف على طريقتين: 1 - التصنيف على أبواب الفقه ونحوها أى بحسب الموضوع الذى ورد فيه الحديث كالصلاة والحج والجهاد .. بحسب ما يشتمل عليه كل موضوع من الأبواب كالركوع والسجود والقراءة فى الصلاة وكانوا يضمون إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسند المتصل الحديث المرسل والموقوف على الصحابة وأقوال من بعدهم من التابعين مما ثبتت عدالة رجاله واستقامت أحوال رواته. وعلى ذلك كانت أكثر كتب المتقدمين. 2 - التصنيف على طريقة المسانيد: ولا يجمع فى المسند إلا الحديث المرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويضم حديث كل صحابى إلى بعضه، ويرتب الصحابة فى المسانيد بحسب السابقة فى الإسلام أو الصلة النسبية برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تُرتب أسماؤهم على حروف المعجم فيقدم من يبدأ اسمه بالألف ثم الباء وهكذا (7). وفى القرن الثالث الهجرى ظهرت كتب الصحاح التى اقتصرت على الحديث المستوفى لشروط الصحيح بحسب منهج المصنف كصحيح البخارى ومسلم ثم من تبعهم فى تأليف الصحيح. وكان هناك مصنفات فى السنة بحسب موضوع خاص كالإيمان والصلاة والجهاد ونحو ذلك. وهكذا استقر جمع السنة فى الكتب الأصول تخدمها فهارس ومفاتيح ومصنفات فى قواعد علوم الحديث ودراسة الرواة وبيان علل الحديث وشرح الأحاديث. أ. د/ عزت عطية

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية 1/ 140 دار المعارف. 2 - راجع صحيح البخارى، كتاب: العلم باب: كتابة العلم، ومسند أحمد 2/ 166 - دار صادر. 3 - مسند أحمد 2/ 176. 4 - أول مقدمة فتح البارى. 5 - دراسات فى الحديث النبوى، للأعظمى 1، 92 إلى نهاية الجزء، طبعة المكتب الإسلامى. 6 - السابق. 7 - الجامع لآداب الراوى والسامع للخطيب البغدادى 2/ 0 28 - 292 ط مكتبة المعارف بالرياض بالسعودية.

18 - جمع القرآن

18 - جمع القرآن لجمع القران معنيان: الأول: حفظه عن ظهر قلب. والثانى: كتابته. إذن فالجمع بمعنى حفظ القرآن فى الصدر أمر ضمنه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {إن علينا جمعه وقرآنه} القيامة:17. وأمر الله النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} المائدة:67، أما البلاغ العام فإنما هو بالتواتر (1) وقد حصل. ولذلك وجب على الأمة أن تحفظه فى عدد التواتر على الأقل فى مجموعها، وضمن الله تعالى تحقق ذلك حيث قال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر:9. وقد أجمعت الأمة على أن المراد بقوله تعالى: لحافظون. أى حفظه على المكلفين للعمل به، وحراسته من وجوه الغلط والخلط (3)، وهذا الحفظ إنما يتحقق بالتواتر (3) ولا حصر للأدلة الدالة على أن القرآن جمع بهذا المعنى، وعلى هذا المستوى (4). وأقل ما يتيسر للمتطلع أن يلاحظ الواقع التاريخى منذ قيامه صلى الله عليه وسلم وبتبليغ القرآن وإقرائه وإقراء الصحابة بعضهم لبعض وهكذا. نجد السادة عثمان بن عفان وعلى ابن أبى طالب وأبى بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبا موسى الأشعرى وأبا الدرداء. وممن جمعه معاذ بن جبل وأبو زيد وسالم مولى أبى حذيفة وابن عمر وعتبة ابن عامر. وعرضه على بعض هؤلاء أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب، والمغيرة بن شهاب المخزومى والأسود بن يزيد النخعى وعلقمة بن قيس وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى. وكان عند أبى الدرداء نيف وستمائة وألف يتعلمون القرآن، على كل عشرة منهم مقرئ. ولما كان الصوت فى هذا الجمع عنصرا فى تحصيله وضبطه لا غنى عنه فإننا نذكر الجمع الصوتى للقرآن فنقول: الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل كان له بواعثه ومخططاته وشرحها لنا تفصيلا الدكتور لبيب السعيد (5)، وهكذا أصبحنا نسمع القرآن الكريم المجمع صوتيا من مختلف الإذاعات فى العالم الإسلامى وبأصوات القراء الكثيرين وببعض الروايات المشهورة. وجمع القرآن بمعنى كتابته وقع ثلاث مرات مشهورة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته رضى الله عنهم: المرة الأولى: كانت بإملاء النبى صلى الله عليه وسلم وكان يأمر الكاتب أن يقرأ ما كتب حتى يقوم ما قد يكون من زلل فى حرف. ومن ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتابة قوله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله). وكان ابن أم مكتوم الأعمى حاضرا يسمع فقال: يارسول الله فما تأمرنى؟ فإنى رجل ضرير البصر، فنزلت مكانها: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر} النساء:95. المرة الثانية: فى عهد سيدنا أبى بكر رضى الله عنه لما كثر الشهداء من القراء فى موقعة اليمامة فخشى ضياغ شىء من القرآن بموتهم فتألفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت واستحضروا ما فى بيوت زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وما مع الصحابة، واستشهدوا على ما جاء به كل واحد أنه كتب بحضرة النبى -صلى الله عليه وسلم -. المرة الثالثة: فى عهد سيدنا عثمان بن عفان لما اختلف المسلمون فى القراءة وكاد يكفر بعضهم بعضا وهم فى غروة أرمينية (3). بل وقع خلاف أيضا عند سيدنا عثمان فكان لابد من جمع ما أجمعوا عليه من القرآن وترك ما اختلفوا فيه، فتالفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت أيضا وكتبوا ستة مصاحف مشتملة على قراءات موزعة فيها: مثل (سارعوا) فى مصاحف مكة والكوفة والبصرة وبدون الواو فى مصاحف الشام والمدينة. وبذلك اتخذ الناس فى القراءة بمعنى أنهم أجمعوا على صحه ما عندهم فلا يخطئ بعضهم بعضا فالجميع على صواب. وقام الناس بالنقل من هذه المصاحف لأنفسهم، وبقيت هى وما نقل منها إلى أن دون علم الرسم واحتوى على وصف ما فيها تفصيلا (6). أ. د/عبد الغفورمحمود مصطفى

_ الهامش: 1 - البرهان الزركشى 2/ 135 مطبعة دار المعرفة بدون تاريخ. 2 - المرجع السابق. 3 - المرجع السابق. 4 - القراءات (دراسات فيها وتحقيقات). د/عبد الغفور مصطفى. 5 - الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل بواعثه ومخططاته -لبيب السعيد- تحقيق البجاو. 6 - رسالة القراءات السابقة. مراجع الاستزادة: 1 - رسالة جمع القرآن الكريم: محمد أمين أبوبكر معوض ضمن رسائل الدكتوراة بكلية أصول الدين. 2 - كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن

19 - الجن

19 - الجن لغة: مشتق من مادة "جنن" يقال: جنّ الشىء يجنُّه جنا: ستره، فمجمل معناها: الاستتار ومنه الجنَّة لاستتار ما بداخلها وراء كثافة أشجارها، وسمى الجن بذلك؛ لاستتارهم عن أعين الناس (1). وحقيقة الجن كما ورد فى القرآن عالم غير مرئى للبشر حسب أصل خلقته، فهم من عالم الأثير وجود بلا ظل غير قابلين لرؤية البشر بدليل قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف 27)، ولذا فقد قال الإمام الشافعى: من ادعى أنه يرى الجن على خلقته ردت شهادته. واصطلاحا: الجن مخلوق من النار بأصل الخلقة إلا أنه جسم شفاف لا تحجبه المادة، قال تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} (الرحمن 15). وهم مكلفون وسيحاسبون، ومنهم الصالح وغيره، وغير الصالح منهم يسمون بالشياطين وهم نوع طاغ متكبر فاسق عدو للإنسان وقد اختص باللعنة من الرحمن، وقد نسب الله عز وجل إلى جنسهم إبليس لعنه الله. قال تعالى: {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} (الكهف 50)، وقد وصفه الله بأنه رمز الغواية والشر، وأن سلطانه وإن كان موجودا إلا أنه ضعيف لا يستطيع السيطرة على البشر، بل غاية قدرته الوسوسة وإلقاء الخواطر السيئة لإغواء البشرية قال تعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} (النساء 76)، ولما كان كيده ضعيفا فإنه يندفع بمجرد الاستعاذة قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} (الأعراف 200). وليس للجن كل هذا السلطان الذى شاع فى أوساط العامة حيث ينسبون إليه الصرع وأغلب الأمراض النفسية والعضوية (2). أ. د/ على جمعة محمد

_ المراجع 1 - لسان العرب، لابن منظور 1/ 1/70 وما بعدها مادة "جنن" ط- دار المعارف. 2 - انظر: إثبات وجود الجن، لمصطفى فهمى الحكيم 1935 م- الجن فى ذكر جميع أحوال الجن، تأليف سيد عبد الله حسين الطبعة الأولى- مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه.

20 - الجنازة

20 - الجنازة لغة: الميت، وقيل: الميت مع نعشه، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: تطلق فى كتب الفقه على الميت، وعلى صلاة الجنازة. فإذا قضى الإنسان نحبه وجبته له حقوق، أهمها خمسة: الغسل، والتكفين، والصلاة عليه، ودفنه، وقضاء ما عليه من ديون (2). وتكون صلاة الجنازة بأن ينوى الصلاة على الجنازة الحاضرة (من ذكر أو أنثى) ثم يكبر أربعا: يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، ويدعو للميت بما يتيسرله بعد الثالثة، ويدعو لعامة المسلمين بعد الأخيرة، ثم يسلم (3). ولا يشرط لصلاة الجنازة جماعة محدودة بعدد، ويشترط لها من الطهارة ما يشترط لبقية الصلوات، وشرط صحتها الإمامة، فإن فعلت بغير إمام أعيدت. والأولى فيمن يصلى على الجنازة من أوصى الميت بأن يصلى عليه، ثم الأولياء العصبة على مراتبهم فى ولاية النكاح، وينبغى لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على مظهرى الكبائر والبدع ردعا لأمثالهم، وصلاة الجنازة فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقى (4). بعد ذلك لا بأس أن يدخل الميت فى قبره من أى ناحية، والقبلة أولى لأنها أفضل الجهات، ويضجع الميت على جنبه الأيمن، يستقبل القبلة، وتمد يده اليمنى مع جسده، وتحل عقد الأكفان من عند رأسه ورجليه، ويسوى من تحت رأسه ورجليه بالتراب حتى يستوى، ويستحب الدعاء له حينئذ (5). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور طبعة دار المعارف، ومختار الصحاح لأبى بكر الرازى طبعة دار المعارف، مادة (جنز). 2 - معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعجى ص167 طبعة دار النفائس بيروت ط2 1408هـ 1988م. 3 - قوانين الأحكام الشرعية لابن جزى ص88، 90، 93 طبعة عالم الفكر بالحسين ط1 1405هـ 1985م. 4 - سبل السلام للصنعانى 2/ 532 - 575 طبعة دار الحديث، ومواهب الجليل للحطاب 2/ 308 وما بعدها دار الفكر بيروت ط2 1398هـ 1978م. 5 - بداية المجتهد لابن رشد "الحفيد" 1/ 170 وما بعدها طبعة دار الفكر العربى للنشر والتوزيع

21 - الجنة

21 - الجَنَّة لغة: جنَّ: استتر، والجنان من كل شىء جوفه، والجَنَان: ما استتر، والجَنَّة: الحديقة ذات النخل والشجر والبستان، والجمع جنان، كما فى الوسيط. واصطلاحا: الدار التى أعدها الله للمتقين جزاء لهم على إيمانهم الصادق وعملهم الصالح وقد أطلق عليها القرآن عدة أسماء، منها: جنة المأوى، وجنة عدن، ودار الخلد، والفردوس وغيرها. وقد جاء فى القرآن أن الجنة عرضها عرض السموات والأرض. والجنة لا يدخلها إلا من قام بجلائل الأعمال، واتصف بكرائم الصفات قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} (التوبة 111 - 112). ووصف الله الجنة بأن نعيمها دائم، وسرورها لا ينفد، وكل ما فيها بغير حساب، وأنهارها كثيرة ففيها أنهار من ماء، وأنهار من لبن، وأنهار من خمر، وأنهار من عسل، بلا حساب وتنحدر من الفردوس الأعلى. إن الرزق الذى يقدم لهم من الطعام والشراب يطوف به خدم من الولدان إذا رأيتهم حسبتهم لفرط جمالهم لؤلؤا منثورا، ولباسهم فيها حرير من سندس وإستبرق، وحليتهم الذهب، ومساكنهم طيبة، وهى {غرف من فوقها غرف مبنية تجرى من تحتها الأنهار} (الزمر 20). وأهل الجنة نزع من صدورهم الغل إخوانا على سرر متقابلين، وهذا النعيم فوق ما يتصور البشر، ففى الحديث الذى رواه البخارى: "يقول الله عز وجل: أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرأوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} (السجدة 17) فنعيم الآخرة لا يشبهه شىء من نعيم الدنيا، وإن شابهه فى الاسم فهو مختلف فى الصفة. ونساء الجنة مطهّرات وهن الحور العين، فلا بول ولا غائط ولا حيض ولا نفاس ولا ولادة وكلما جاها زوجها وجدها بكرا {إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارا. عربا أترابا. لأصحاب اليمين} (الواقعة 35 - 37). وأعلى نعيم أهل الجنة هو رؤية الله عز وجل ومناجاته والفوز برضاه، قال تعالى: {وجوه يؤمئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} (القيامة 22 - 23)، وقوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس 26). والجنة خالدة لا تفنى، وكذلك النار، وأهل كل منهم مخلدون، لا يدركهم الموت ولا يلحقهم الفناء، {وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها} (هود 108). فهل من مشمر إلى الجنة. كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا هل من مشمر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا حظر لها، هى وربّ الكعبة نور يتلألا، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام فى أبد، فى دار سليمة، وفاكهة خضرة، وحبرة، ونعمة، فى محلة عالية بهية" قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها. قال: " قولوا إن شاء الله " فقال القوم: إن شاء الله. (رواه ابن ماجة عن أسامة بن زيد). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 1/ 146 دار المعارف، ط 3، القاهرة. 2 - العقائد الإسلامية، للشيخ سيد سابق، ص 269 وما بعدها- دار الكتب الحديثة ط 3 - 1976 م. 3 - منهج القرآن فى عرض عقيدة الإسلام- لجمعة أمين عبد العزيز، ص 456 - دار الدعوة ط 2 - 1991 م. 4 - صحيح البخارى، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 5 - منهج القرآن ص 459. 6 - الإيمان د/ محمد نعيم ياسين. 7 - التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا- دار العنان ط 1 - 1998م.

22 - الجوهر

22 - الجوهر اصطلاحا: 1 - عند الفلاسفة: هو الموجود لا فى موضوع، وقيل: هو المتقدم بذاته والمتعين بماهيته، أو هو: القائم بنفسه الحامل للأعراض. ويقابله العَرَض وهو ما قام بغيره وهما من الألفاظ المتلازمة فيقال: الجوهر والعَرَض لملازمة كل منها للآخر بدون انفكاك لا فى التصور العقلى ولا فى الوجود الحسى. والجوهر ينقسم إلى ما هو بسيط، وما هو مركب، والبسيط إما جزء من المركب أو لا، وجزء المركب إما محل للأعراض، ويسمى المادة، أو حال فى المادة ويسمى صورة، والأول مركب بالقوة والثانى مركب بالفعل، والمركب من هذين الأمرين (المادة والصورة) يسمى جسما وهذه الأنواع تسمى جواهر مادية. أما الجواهر البسائط فهى التى لا تكون جزء المركب، وتسمى جواهر مفارقة، وهى نوعان؛ إما متصرفة فى الماديات على سبيل التدبير والتقدير، وتسمى نفوسا أو ليست متصرفة فى الماديات، وتسمى عقولا مفارقة. والجواهر بهذه القسمة خمسة أنواع: المادة، والصورة، والجسم، والنفس، والعقل، وهذه الجواهر الخمسة إما جزئيات ويعنى أشخاصا فتسمى جواهر أولى، وإما كليات- يعنى الأنواع والأجناس- فتسمى جواهر ثانية وثالثة. وهذه هى أقسام الجواهر. واللفظ فى أصل وضعه يقال على الأحجار الكريمة الثمينة لنفاسها وغلو ثمنها، فسميت جواهر بالإضافة إلى المقتنيات الأقل قيمة منها لأنها أشرف المقتنيات، ثم نقلها الفلاسفة إلى مقولة "الجوهر" ليجعلوها أشرف المقولات العشر. وهو لفظ مشترك يعرفه ابن رشد بأنه " القائم بذاته متقوم بذاته معين تعينا أولا بماهية باقية ما بقى هو". وهو أشهر المعانى للجوهر عند المدرسة المشائية، وهذا هو الإطلاق للجوهر. ويقال ثانيا: على كل محمول كُلِّى عرَّف ماهية المشار إليه من جنس أو نوع أو فصل، وهو جوهر بالتشكيك، لأن المعنى الكلى لا يتقوم بذاته بل يتقوم بأجزائه. ويقال ثالثا: على كل ما عرَّف ماهية شىء ما، أىَّ شىء كان من المقولات العشر، وهذا يسمى جوهرا بالإضافة لا بالإطلاق، والهيولى جوهر من حيث هى موضوعة للصورة، والصورة جوهر من حيث مقوّمة للموضوع. 2 - عند المتكلمين استعمل المتكلمون "الجوهر" بمعنى أنه الجزء الذى لا يتجزأ وأسموه الجوهر الفرد. أو الذى لا يقبل القسمة إلى أجزاء فى مقابل الجسم الذى ينقسم إلى أجزائه، ويمتنع عندهم بهذا المعنى أن يطلقوا لفظ الجوهر على المبدأ الأول: وقيل هو ما لا يقبل التجزئة لا بالفعل ولا بالقوة، ويسمى جوهرا فردا والجوهر عندهم ينحصر فى خمسة أقسام، الهيولى والصورة (الجسم) النفس والعقل، وهو إما مجرد أو غير مجرد. فالجوهر المجرد إذا تعلق بالبدن تعلق تدبير وتصريف سمى عقلا، والجوهر غير المجرد هو النفس وهى تتعلق بالبدن لا على سبيل التدبير والتصريف ولكن على سبيل التحريك. والجوهر ينقسم إلى بسيط روحانى كالنفس والعقل، وإلى بسيط جسمانى كالعناصر (الاستقصات). وينقسم الجوهر إلى مركب عقلى فقط كالماهيات المجردة عن المواد كماهية الجنس والنوع والفصل، وإلى مركب خارجى كالمعانى المولدة المركبة من الجنس والفصل، مثل حدود الأشياء أو التصريف بالحد التام (الجامع المانع) الذى يؤخذ فيه الجنس والفصل، والمتكلمون قد استعملوا دليل الجوهر والعرض فى الاستدلال على وجود الله، حيث قسموا العالم كله إلى جوهر حامل للأعراض حامل ملازم لها، والأعراض حادثة متغيرة وهى ملازمة للجوهر لا تنفك عنه، وكل ما لازم الحادث يكون حادثا. فثبت أن العالم محتاج إلى محدث وهو العلة. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - أساس الاقتباس للطواسى ص 63. 2 - تلخيص منطق أرسطو لابن رشد (ما بعد الطبعة 70). 3 - رسالة الحدود، لابن سينا. 4 - معيار العلم، للغزالى 1930م. 5 - الإشارات والتنبيهات، لابن سينا، دار الكتب المصرية. 6 - التعريفات، للجرجانى، ط الحلبى. 7 - المعجم الفلسفى، ط مجمع اللغة العربية. 8 - المعجم الفلسفى، مراد وهبة، ط دار الثقافة.

23 - الجوهر الفرد

23 - الجوهر الفرد اصطلاحا: يُعرِّف الجرجانى الجوهر بأنه ماهيّة إذا وجدت فى الأعيان كانت فى الموضوع، وهو منحصر فى خمسة: هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو غير مجرد (1). وقيل الجوهر الفرد: عبارة عن جوهر لا يقبل التجزى لا بالفعل ولا بالقوة. ولم يكن لفكرة الجوهر فى الفلسفة الشرقية ما كان لها من الشأن فى الفلسفة الغربية، والجوهر عند المفكرين المسلمين بحسب النظرية اليونانية، هو ما يقوم بذاته وما ليس مفتقرا إلى غيره فى وجوده، ولو من الناحية المنطقية على الأقل، فهو مختلف عن الغرض الذى يوجد دائما فى شىء آخر غيره، وعلى هذا يكون الجسم سابقا على اللون من الناحية المنطقية، فهو من حيث علاقته به يعد جوهرا، كما أن اللون من حيث علاقته بالجسم يعد عرضا على أن قيمة فكرة الجوهر ليست منطقية فحسب، وإنما هى ميتافيزيقية أيضا. فليس الأمر مقصورا على معرفة النظام الذى يعتمد فيه بعض العناصر المكونة للموجودات بعضها الآخر، ولا معرفة أى هذه الموجودات مفتقر إلى غيره فحسب، بل لابد كذلك من أن يفتش ويبحث فى قرار كل شىء عما هو ثابت دائم، أى عن الجوهر بمعناه الميتافزيقى. ويجب أن يلاحظ أن المفكرين المسلمين قد اشتغلوا فى حدود هذا المعنى الأخير بالبحث في الجوهر البسيط، وهو ما ليس له أجزاء، ولا يقبل الفساد بالتالى، وعلى هذا فإن "ابن سينا" عندما أراد أن يُبرهن على خلود النفس برهن أولا على أنها جوهر بسيط، يعنى أن قيمة النظرية تستند إلى فكرة الجوهر أقل مما تستند إلى فكرة البساطة. وللمتكلمين نظرية أخرى يستعملون فيها فكرة الجوهر البسيط استعمالا طريفا، وأكثر هؤلاء هم من أصحاب مذهب الجوهر الفرد، فالجوهر البسيط ليس عندهم غير الجوهر الفرد، وكذلك النفس التى هى جوهر بسيط يتمثلونها نوعا من الجوهر الفرد كأنها ذرّة روحية ( Monade) حقيقية والعلم قائم فى الجوهر الفرد. ولم يشارك الإمامان فخر الدين الرازى والغزالى، فى قضية مذهب الجوهر الفرد، إلا أن النسفى مؤلف العقائد، وشارحه سعد الدين التفتازانى كانا من أصحاب هذا المذهب، فقد قال النسفى: "إن العالم بكل أجزائه مخلوق، وهو مركب من جواهر وأعرض، والجواهر ما يوجد منطقيا بذاته، وهى إما مركبة كالجسم وإما بسيطة كالجوهر أى الجزء الذى لا يتجزأ (الجوهر الفرد) " (2). ولا يَطلق علم التوحيد الإسلامى اسم "الجوهر" على الله، ولا فعل ذلك المتكلمون من القائلين بمذهب الجوهر الفرد، إذ إن هذه اللفظة تدل عندهم على الجوهر الفرد بصفة خاصة، وهو الجوهر الذى يوجد فى المكان، والذى هو قسم من الأجسام، وإذا تحدث الفلاسفة الخلّص عما لا يوجد فى شىء آخر سابق فى بادئ النظر، أو عما يقوم بذاته منطقيا، فإنما يعنون بذلك "ماهية" شىء حادث معين؛ أما إذا نظر إلى هذا الشىء الحادث بصرف النظر عن وجوده، كان معنى هذا أنه يوجد ولا يوجد، وبعبارة أخرى يقال إن جواهر الأشياء ماهيّات حادثة، ولا كذلك الله تعالى الذى وجوده عين ذاته. ويرى الأشعرى أن الله يخلق جواهر الأشياء التى يدوم وجودها بذاتها خلقا متجددا فى كل لحظة؛ وإذا لم يجر الله العادة عليها لحظة واحدة زالت هى وأعراضها (3). (هيئة التحرير) 1 - التعريفات: للجرجانى، ط البابى الحلبى، 1938م ص 0 7. 2 - المبين فى شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين: للآمدى تحقيق د/ حسن الشافعى، ص 110 - ط وهبة القاهرة 1993 م. 3 - العقائد النسفية: النسفى، ص 47 - 70، ط 1313 هـ.

_ المراجع 1 - دائرة المعارف الإسلامية، ج 4. 2 - كتاب الحروف، للفارابى، تحقيق/ د. محسن مهدى، ط دار المشرق- بيروت 1970م. 3 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى، تحقيق د/ لطفى عبد البديع، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1963 م. 4 - جامع العلوم فى اصطلاحات الفنون- المعروف بدستور العلماء- ط عبد النبى عبد الرسول الأحمدى نكرى، ط حيد ر أباد الدكن 1329هـ.

24 - الجهاد

24 - الجهاد لغة: الجَهْد والجُهْد الطاقة، وقيل: الجَهْد المشقة والجُهْد الطاقة، وقال الأزهرى: الجَهْد بلوغك غاية الأمر الذى لا تألو على الجهد فيه، والجهاد: المبالغة واستفراغ ما فى الوسع والطاقة من قول أو فعل. واصطلاحا: قتال مسلم كافرا غير ذى عهد بعد دعوته للإسلام وإبائه إعلاءً لكلمة الله. وحقيقة الجهاد: المبالغة واستفراغ الوسع فى مدافعة العدو باليد أو اللسان أو ما طاق من شىء، وهو فى الإسلام على ثلاثة أضرب: 1 - مجاهدة العدو الظاهر إعلاءً لكلمة الله. 2 - مجاهدة الشيطان فى شتى صوره؛ إعلاءً لكلمة الله. 3 - مجاهدة النفس والهوى؛ اتباعا لمنهج الله. وتدخل الثلاثة فى قوله تعالى: {وجاهدوا فى الله حق جهاده} (الحج 78) وفى الحديث الشريف: " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " (رواه البخارى) (1). مشروعيته: شرع الجهاد بمعناه الاصطلاحى فى السنة الثانية من الهجرة ... يقول تعالى: {أُذِنَ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} (الحج 39) {انفروا خفافا وثقالا} (التوبة 41) {وقاتلوا المشركينَ كافة} (التوبة 36). وقد أجمع على مشروعية الجهاد لقوله تعالى: {كُتِبَ عليكم القتال} (البقرة 216)، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " من مات ولم يغزُ ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" (رواه مسلم) (2). وقد حدّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" (رواه البخارى) (3). وقد روى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - غزا سبعا وعشرين غزوة وبعث خمسا وثلاثين سرية (4). وقد اتفق الفقهاء على فريضة الجهاد لقوله تعالى: {كُتِبَ عليكم القتال وهو كُرْه لكم} (البقرة 216). وهو إما فرض كفاية أو فرض عين، وقد ذهب الجمهور إلى أنه فرض كفاية إذا حصل مقصوده وهو كسْر شوكة المشركين وإعزاز الدين. فالجهاد فرض على المسلمين فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم فى عقر دارهم ويحمى ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين وإلا فلا، والقصد من الجهاد دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أو الدخول فى ذمة المسلمين ودفع الجزية وجريان أحكام الإسلام عليهم، أو ردّ أذى أو اعتداء على المسلمين يقول تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} (البقرة 193). وقد فضَّل الله المجاهدين فى آيات كثيرة، يقول تعالى: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أُولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما} (النساء 95). كما فضل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجهاد فى أحاديث كثيرة، فحين سئل - صلى الله عليه وسلم - أىُّ العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال "الجهاد فى سبيل الله" (رواه البخارى) (5) حتى إن من اغبرت قدماه فى سبيل الله حرّمه الله على النار. شروط المجاهد: ومن الشروط الواجب توافرها فيمن يجاهد: 1 - الإسلام. 2 - العقل. 3 - البلوغ 4 - القدرة على مؤنة الجهاد. 5 - السلامة من الضرر فلا يجب على العاجز غير المستطيع. يقول تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} (الفتح 17). 6 - الذكورة: لما روته السيدة عائشة- رضى الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: "جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" (رواه ابن ماجة (6) وما تواترت أنباؤه هو اشتراك المرأة فى المساعدة أثناء المعارك فى نقل الجرحى وتمريضهم، ونقل الماء للجنود، وعلى ذلك يكون اشتراك المرأة فى الجهاد بالسيف تطوعا، ومن أشهر النساء اللائى قاتلن السيدة "نسيبة بنت كعب" والتى كانت تدفع الأعداء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى "غزوة أحد". محرمات الجهاد ومكروهاته: ومن الأشياء التى تحرم فى الجهاد، أو تبلغ حد الكراهة: 1 - القتال فى الأشهر الحرم (رجب- ذو القعدة- ذو الحجة- محرم). 2 - الغدر، وذلك بالخيانة ونقض العهد. 3 - قتل النساء والصبيان والمجانين والخنثى المشكل والشيخ الكبير، والراهب فى صومعته، وأهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس. 4 - التمثيل بالقتلى وإتلاف المال من شجر وزرع فى غير ما ضرورة. 5 - الفرار من الزحف، لقوله تعالى: {أيا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} (الأنفال 15 - 16). ومن عوامل النصر الالتزام فى الجهاد بكل ما سبق من شروط ومحرمات، مع الإيمان بالقضية والصبر عند لقاء العدو، والثبات، والطاعة للإمام، وإعداد العدة والقوة متمثلة فى قوة الإيمان وقوة العتاد من سلاح وتنظيم على أعلى مستوى من التقنية التى وصلت إليها الإنسانية. (هيئة التحرير) 1 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى، 6/ 3، ط السلفية. 2 - صحيح مسلم، 3/ 1517، الحلبى. 3 - فتح البارى، 3/ 262. 4 - المبسوط السرخسى 10/ 3/، المهذب للشيرازى 2/ 277. 5 - فتح البارى 1/ 77. 6 - سنن ابن ماجة، 2/ 968، ط الحلبى.

_ المراجع 1 - الجهاد فى الإسلام قديما وحديثا، رودلف بيترز، مؤسسة الأهرام، ط 1، 1417 م/ 1996م. 2 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد- ط البابى الحلبى، القاهرة 1960م. 3 - السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية، لأبى العباس أحمد بن تيمية. تحقيق وتعليق/ محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور مطبعة الشعب. 4 - غاية الإرشاد إلى أحكام الجهاد، فرج محمد غيث، ط البابى الحلبى، القاهرة 1955م. 5 - الجهاد: عبد الله مصطفى المراغى، مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1369 هـ/ 1950م. 6 - القرآن والقتال، الشيخ محمود شلتوت- مطبعة النصر ومكتب اتحاد الشرق القاهرة 1948م. 7 - الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ط الكويت 1988م.

25 - الجيش

25 - الجيش جيش وجند وعسكر: كلمات مترادفة، ولم تكن الجزيرة العربية تعرف الجيوش قديما بمعناها المعروف، اللهم إلا فى اليمن غالبا، وقد ظهرت نواة الجيش زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر الجيش الإسلامى آنئذ بأربعة أدوار مختلفة تدرجت من الضعف إلى القوة ومن الدفاع إلى الهجوم وهى: 1 - دور الحشد: ويبدأ من البعثة النبوية حتى الهجرة إلى المدينة المنورة. 2 - دور الدفاع عن العقيدة وتنظيم الجيش: ويبدأ من الإذن بالقتال إلى غزوة الخندق. 3 - دور التعرض: ويبدأ من غزة الخندق إلى حنين، وفى هذا الدور انتشر الإسلام فى شبه الجزيرة العربية كلها. 4 - دور التكامل: ويبدأ من حنين إلى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وفيه تكاملت قوة المسلمين فى الجزيرة العربية ومدوا أبصارهم خارجها فى غزوة تبوك سنة 9هـ /630م. وكان يعتمد على أصحاء الأبدان الذين يستجيبون لنداء الجهاد إذا ما دعوا إليه، سلاحهم السيف والرمح والقوس، وإذا ما انتهى القتال رجعوا لممارسة حياتهم العادية. وبمرور الزمن أصبح الجنود يرابطون فى معسكرات خاصة بهم فى الأمصار وكانوا قبائل مختلفة توفرت لها الرواتب المنتظمة، ويعتبر الخليفة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أول من أنشأ ديوان الجند، وقيد فيه الأسماء والأوصاف والعطايا، وهو أول من أقام الحصون وبنى الحاميات وشيد الأمصار والمعسكرات الدائمة لراحة الجند. ثم عدل النظام العسكرى منذ زمن الأموبين، وتعرض لتغييرات جذرية من حيث التكوين والتكتيك الحربى والتسليح والمرتبات، وتلك كانت ضرورة فرضها اتساع الدولة الإسلامية وتغير أوضاعها. أ. د/عبد الله جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - النظم الإسلامية، حسن إبراهيم على إبراهيم الطبعة الرابعة القاهرة 1970م. 2 - تاريخ جيش النبى صلى الله عليه وسلم اللواء الركن خطاب محمود شيت القاهرة 1980م. 3 - الجندية فى صدر الإسلام محمد جمال الدين محفوظ القاهرة 1956م. 4 - دائرة المعارف الإسلامية مادة جيش وما بها من مصادر

الحاء

1 - الحاجب لغة: اسم فاعل من حجب أى ستر. واصطلاحا: اسم يقال للذى يحفظ باب الملك أو نحوه، لكى يمنع الدخول عليه إلا بإذن، وعرف العرب الحجابة بصفتها خطة منذ الجاهلية، فقد كان لبنى قصى حجابة الكعبة وهى سدانتها وملك مفاتيحها. ولم تعرف هذه الخطة أيام الخلفاء الراشدين لأنهم كانوا لا يحجبون أحدا عن أبوابهم، فلما انقلبت الخلافة إلى ملك فى ظل بنى أمية اتخذ خلفاؤهم من يقوم بحفظ أبوابهم وسمو القاتم بذلك "الحاجب "، وكان أول من اتخذ حاجبا عبد الملك بن مروان (65هـ-86هـ). واستمرت هذه الخطة فى خلافة العباسيين بالدلالة نفسها، وكانت دون مرتبة الوزير. أما دولة بنى أمية فى الأندلس فقد قسموا الوزارة أصنافا، فتعدد الوزراء لديهم، وأفرد للتردد بينهم وبين السلطان واحد خصوه بلقب الحاجب، فكان بمثابة رئيس الوزراء وظل الأمر كذلك حتى نهاية الخلافة الأموية، ثم طوال عصر الطوائفه إذ حمل معظم أمرائهم لقب "الحاجب " ثم انقطعت بعد ذلك خطة الحجابة فى المغرب والأندلس منذ بداية دولة المرابطين فى القرن السادس الهجرى. غير أن اللقب عاد للظهور فى دولة الحفصيين بإفريقية (تونس) ولكن باختصاص آخر؟ إذ كان يحمله كبير موظفى قصر الخلافة الناظر فى ترتيب أحواله ونفقات المطابخ والاصطبلات وما إلى ذلك، ثم مازالت الخطة ترتفع حتى أصبح الحاجب مستبدا بأمور الدولة، ولكن أبا العباس أحمد بن أبى بكر ألغى خطة الحجابة وباشر الأمور بنفسه (750هـ /1349م). وفى مصر المملوكية أصبحت الحجابة إحدى الخطط التابعة لنائب السلطان وكانت النيابة نظير الوزارة فى الخلافة العباسية، وكان يعهد بالحجابة لحاكم ينفذ الأحكام فى طبقات العامة والجند تحت نظر النائب. أ. د/محمود على مكى

_ مراجع الاستزادة: 1 - مقدمة تاريخ ابن خلدون ط دار الشعب. 2 - الأحكام السلطانية للمارودى. 3 - الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى لآدم متز ترجمة أ. د/محمد عبد الهادى أبو ريدة

2 - الحب الإلهى

2 - الحب الإلهى نشأ مصطلح "الحب الالهى" بمعناه القريب فى الحياة الروحية فى الاسلام فى القرن الثانى الهجرى. وكانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل "الخوف" من الله ومن عقابه، وكان "الحسن البصرى" (21 - 110هـ) أبرز ممثلى هذا الطور فى حياة الزهاد والعباد الأوائل، فقد عرف عنه أنه كان يبكى من خوف الله حتى قيل "كأن النار لم تخلق إلا له". ويميل مؤرخو التصوف الإسلامى إلى القول بأن رابعة العدوية (ت 185هـ) هى أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل "الخوف" إلى الخضوع لعامل "الحب "، وأنها أول من استخدم لفظ "الحب " استخداما صريحا فى مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية "العبادة" من أجل محبة الله، لامن أجل الخوف من النار أو الطمع فى الجنة. وكان الصوفية -قبل رابعة- يترددون فى قبول كلمة "الحب" فمالك بن دينار الصوفى (ت 131هـ) كان يتحاشى لفظ "الحب" ويستخدم بدله كلمة "الشوق"، وعبدالواحد بن زيد (ت 77هـ) كان يفضل لفظ "العشق" فى أقواله. ومع رابعة بدأت كلمة أو مصطلح "الحب الإلهى" تأخذ مكانها فى أقوال الزهاد ممن جاؤوا بعدها، مثل: معروف الكرخى (ت 201هـ)، والمحاسبى (ت 243هـ) الذى خصص لموضوع "المحبة" فصلا كاملا فى كتابه: "الرعاية"، وذى النون المصرى (ت 245هـ) الذى فاضت مأثوراته بهذه الكلمة. ثم استكملت نظرية "الحب الالهى" ملامحها وقسماتها بعد ذلك فى مؤلفات كبار شيوخ التصوف، مثل: التعرف للكلاباذى (ت 380هـ)، وقوت القلوب لأبى طالب المكى (386هـ)، وكشف المحجوب للهجويرى (حوالى465هـ)، والرسالة للقشيرى (465هـ)، وإحياء علوم الدين للغزالى (450 - 505هـ). لكنها أخدت أبعادا عرفانية وفلسفية بالغة التعقيد ظهرت أولا فى تصوف الحلاج (ت 309هـ) ثم اكتملت بعد ذلك فى أشعار ابن الفارض (ت 632هـ)، ومؤلفات الشيخ الأكبر ابن عربى (ت 638هـ). وقد جمع القشيرى فى رسالته تعريفات عديدة لمعنى "المحبة الإلهية"، كما أحصى ابن القيم فى مدارج السالكين (ج 3) ثلاثين تعريفا للمحبة بالمعنى الصوفى. ومن الشيوخ من يرى أن تعريفها يستعصى على العبارة للطافتها، وصاحب عوارف المعارف (السهروردى) يعرف الحب بتقسيمه إلى سببين: عام وخاص، والأول ثمرة امتثال الأوامر واجتناب النواهى، وهو من "المقامات "، لأن للسالك مدخلا فى اكتسابه، والحب الثانى (الخاص) هو ماينشأ عن انكشافات الروح، وهذا النوع من "الأحوال" وليس للعبد كسب فيه. أما الهروى (ت 481هـ) فيعرف المحبة بأنها "تعلق القلب بين الهمة والأنس " بما يعنى تعلق القلب بالمحبوب تعلقا حائرا بين طلب المحب لمحبوبه طلبا لاينقطع، وبين أنسه بمحبوبه. وللمحبة درجات: الأولى محبة تقطع وساوس القلب، وتلذ الخدمة وتسلى عن المصائب، وتنشأ من ملاحظة العبد لنعم المولى الظاهرة والباطنة، وثبات هذه المحبة يكون بمتابعة النبى صلى الله عليه وسلم والتأسى به. والثانية محبة تبعث على إيثار الحق على كل ما سواه، وتنشأ بسبب من مطالعة العبد للصفات الإلهية، والارتياض بالمقامات الروحية. والثالثة محبة تنشأ من مشاهدة جمال المحبوب، وفى هذه الدرجة يختطف قلب المحب وتنقطع عبارته وإشارته، وحقيقة هذه الدرجة: الفناء فى المحبة وفى الشهود. والمحب إذا كان واعيا بحبه ومكتسبا له سمى "محبا" وإذا كان مختطفا بالحب سمى "عاشقا" والفرق بينهما -فيما يقول شيوخ التصوف- أن المحب مريد والعاشق مراد. ونظرية "الحب الإلهى" مستقاة فى أصولها من معانى أسماء الله الحسنى وصفاته كالودود واللطيف والرحيم، ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحدثت عن الحب الإلهى، ومنها على سبيل المثال -لا الحصر- قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه} المائدة:54، وقوله (اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى ومن الماء البارد) (سنن الترمذى، كتاب الدعوات، باب:73، حديث 3490). أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - الرسالة القشيرية، تحقيق د/عبدالحليم محمود ج2 ص610 دار الكتب الحديثة القاهرة. 2 - كشف المحجوب للهجويرى، ترجمة د/إسعاد قنديل، دار النهضة، بيروت 1980م. 3 - ابن الفارض والحب الإلهى محمد مصطفى حلمى دار المعارف 1971م. 4 - منازل السائرين شرح القاشانى، ط قم إيران 1413هـ

3 - الحج

3 - الحج لغة: بفتح الحاء- ويجوز كسرها- أى القصد. يقال: حج إلينا فلان أى قدم وحجه يحجه حجا أى قصده. ورجل محجوج أى مقصود. وقال جماعة من أهل اللغة: الحج القصد لمعظَّم أو القصد إلى الشىء المعظَّم. والحج بالكسر: الاسم. والحجة: المرة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس بالفتح. واصطلاحا: هو قصد موضع مخصوص وهو البيت الحرام وعرفة فى وقت مخصوص هو أشهر الحج للقيام بأعمال مخصوصة هى الوقوف بعرفة والطواف والسعى- عند جمهور الفقهاء- بشروط مخصوصة. وعرِّف أيضا بأنه: قصد لبيت الله تعالى بصفة مخصوصة فى وقت مخصوص بشرائط مخصوصة. الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام. وقد أوجبه الله سبحانه وتعالى على كل مسلم ومسلمة مرة فى العمر بشرط الاستطاعة وهى توافر الزاد والراحلة يضاف إلى ذلك للمرأة وجود مَحْرم معها أو صحبة مأمونة. وقد اتفق الفقهاء على أن الحج فرض عين على كل مكلف مستطيع فى العمر مرة. وقد ثبتت فرضية الحج بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين} (آل عمران 97) وهذه الآية نص فى إثبات الفرضية حيث عبر القرآن الكريم بصيغة " ولله على الناس " وهى صيغة إلزام وإيجاب، وذلك دليل على فرضيتها، وتتأكد فى قوله عز وجل: {ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين} فإنه سبحانه جعل مقابل الفرض الكفر. فأشعر بهذا السياق أن ترك الحج ليس من شأن المسلم وإنما هو من شأن غير المسلم. ومن السنة: وردت أحاديث عديدة تثبت هذه الفرضية. منها ما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " بُنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان " أخرجه البخارى فى صحيحه. ووجه الدلالة أن قول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " بُنِىَّ الإسلام ... " يدل على أن الحج ركن من أركان الإسلام. وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب الحج فى العمر مرة واحدة على المستطيع. وهو من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ويكفر جاحده. وأركان الحج هى: الإحرام: وهو نية الدخول فى النسك من حج أو عمرة وهذا عند جمهور الفقهاء. وزاد الحنفية مع النية التلبية "بلبيك اللهم .. " وأجمع الفقهاء على أن الإحرام من فرائض النسك حجَّا أو عمرة. الوقوف بعرفة: والمراد أن وجود الحاج فى أرض عرفة والوقوف بها ركن أساسى من أركان الحج. ويختص بأنه من فاته فقد فاته الحج لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " الحج عرفة". أخرجه أبو داود وأجمع العلماء على أن من فاته الوقوف بعرفة كان عليه حج قابل. طواف الزيارة: ويؤديه الحاج بعد أن يفيض من عرفة ويبيت بالمزدلفة ويأتى منى يوم العيد فيرمى وينحر ويحلق ثم بعد ذلك يفيض إلى مكة فيطوف بالبيت. وسمى طواف الزيارة لأن الحاج يأتى من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع ليبيت بمنى. ويسمى أيضا طواف الإفاضة لأن الحاج يفعله عند إفاضته من منى إلى مكة. وعدد أشواط الطواف سبعة. السعى بين الصفا والمروة: أى قطع المسافة بينهما سبع مرات بعد أن يكون طاف بالبيت وهو ركن- عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة- من أركان الحج ولا يصح بدونه وذهب الحنفية إلى أن السعى واجب وليس بركن. وزاد الشافعية ركنا خامسا هو الحلق والتقصير وهو عند جمهور الفقهاء واجب من واجبات الحج واختلفوا فى القدر الواجب حلقه أو تقصيره. شروط فرضية الحج: هناك شروط يجب توافرها فى الإنسان لكى يكون مطالبا بأداء الحج مفروضا عليه فمن فقد أحد هذه الشروط لا يجب عليه الحج ويكون مطالبا به. وهذه الشروط خمسة هى: 1 - الإسلام 2 - البلوغ 3 - العقل 4 - الحرية 5 - الاستطاعة وهذه الشروط متفق عليها بين العلماء. محظورات الإحرام قسمان: القسم الأول: يختص بالمحرم فقط وهو نوعان: نوع لا يوجب فساد الحج ونوع يوجب فساده، فالذى لا يوجب فساد الحج منه ما يرجع إلى اللباس ومنه ما يرجع إلى بدن المحرم كحلق الرأس، إزالة الشعر، قص الظفر، التطيب، مقدمات الجماع. والنوع الذى يوجب فساده هو الجماع. القسم الثانى: يعم المحرم والحرم جميعا وهو نوعان: 1 - ما يرجع إلى الصيد 2 - ما يرجع إلى النبات. محظورات الإحرام فى الملبس فى حق النساء: ينحصر محظور الإحرام من الملبس فى حق النساء فى أمرين هما: الوجه واليدان. فقد اتفق العلماء على أنه يحرم على المرأة فى الإحرام ستر وجهها. وذهب الحنفية ورواية عند الشافعية إلى أنه لا ينبغى ستر اليدين للمرأة بل يجوز لها اللبس بكفيها. وللحج مواقيت زمانية ومواقيت مكانية. أما المواقيت الزمانية فالمرجع فيها قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} (البقرة 197). وتكفلت السنة النبوية بتحديد أيام المناسك فى الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة وحدد يوم الوقوف بعرفات فى اليوم التاسع من الشهر نفسه. وأما المواقيت المكانية فهى مواضع فى الطريق إلى الحرم يتعين الإحرام بالحج والعمرة قبل بلوغها. والحج المبرور أى الذى لا رفث فيه ولا فسوق ولا جدال ثوابه الجنة كما بشر النبى - صلى الله عليه وسلم -. ويجوز التوكيل فى الحج، ويشترط فى الوكيل ما يشترط فى الحاج يضاف إلى ذلك أن يكون الوكيل قد أدى فريضة الحج عن نفسه أولا. أ. د سعاد صالح

_ المراجع 1 - مكة والمدينة، إبراهيم الشريف، ط. دار النهضة العربية. 2 - إعلام الساجد بأحكام المساجد، للإمام الزركشى ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 3 - النصائح الدينية: للإمام عبد الله بن علوى الحداد- تحقيق على بن السيد عبد الرحمن- ط (خاصة) الإمارات.

4 - حجة الوداع

4 - حجة الوداع لغة: حج إليه: قَدم، حج المكان قصده، حج البيت الحرام: قصده للنسك وذو الحجة شهر الحج (1). واصطلاحا: هى الحجة التى أداها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى السنة العاشرة من الهجرة ومعه عدد كبير من المسلمين يأتمون به فى الحج، ويحفظون منه المناسك. وسميت حجة الوداع لأنه ودع الناس فيها، وأشهدهم على أنه بلغ الرسالة، وأشهد الله عليهم بأنهم شهدوا بذلك. روى البخارى بسنده عن ابن عمر قال: " كنا نتحدث بحجة الوداع، والنبى - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ولا ندرى ما حجة الوداع " (2). وهى الحجة الوحيدة التى حجها - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة. وقد ورد تفصيلها فى صحيح مسلم (3) عن جابر بن عبد الله، وخلاصة الحديث أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، فأحرم من ذى الحليفة، وأهل بالتوحيد أى لبَّى، ثم أتوا البيت الحرام بمكة، فاستلم الحجر الأسود ورمل أى: أسرع السير ثلاثا، ومشى أربعا، وصلى ركعتين ومقام إبراهيم بينه وبين الكعبة، ثم سعى أى مشى بين الصفا والمروة، بدأ بالصفا إلى المروة ثم عاد إلى الصفا إلى أن أتم السعى بينهما سبع مرات، ثم أمر من ليس معه هَدى يريد أن يتقرب إلى الله بذبحه أو نحره بأن يحل من العمرة ويتمتع بالعودة إلى ما كان عليه قبل الإحرام، فلما كان يوم التروية، وهو يوم الثامن من ذى الحجة أهل من تمتع بالحج وأحرم، ثم توجهوا إلى منى فصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فلما طلعت الشمس ساروا إلى عرفة فنزل - صلى الله عليه وسلم - بنمرة حتى إذا زالت الشمس وقف بوادى عرفة وخطب الناس، وأشهدهم أنه قد بلَّغ الرسالة، ثم صلى الظهر والعصر جمع تقديم، ولم يزل واقفا حتى غربت الشمس، ثم نفروا إلى مزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء جمع تأخير، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلوا الصبح، ثم وقف يكبر ويهلل بالمشعر الحرام حتى أسفر أى ظهر النهار، فسار قبل أن تطلع الشمس إلى الجمرة الكبرى جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم انصرف إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثا وستين جملا بيده، ونحر على ما بقى من الهدى .. لإطعام المساكين والتقرب إلى الله، ثم قدم مكة فطاف طواف الإفاضة، ثم حل من إحرامه .. ثم رمى الجمار أيام التشريق بمنى .. وهذه الحجة هى الهدى النبوى الذى جمع أركان الحج وشروطه وسننه وآدابه .. وبها تمت أركان الإسلام، وأكمل الله الدين، وأتم النعمة على المسلمين. أ. د/ عزت عطية

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف 1/ 163. 2 - فتح البارى شرح صحيح البخارى، لابن حجر العسقلانى، شرح حديث رقم 4402، 4403. 3 - صحيح مسلم حديث رقم 1218، وحديث رقم 1227، وأيام التشريق هى يوم 11، 12، 13 من ذى الحجة، ويمكن الاكتفاء برمى الجمار يوم 11، 12 من ذى الحجة وترك الرمى فى اليوم الثالث لمن ترك منى وسافر منها.

5 - الحجر الأسود

5 - الحجر الأسود هو حجر بيضى الشكل، لونه أسود ضارب للحمرة، وبه نقط حمراء وتعاريج صفرأء، وقطره حوالى ثلاثين سنتيمترا، ويحيط به إطار من الفضة، عرضه عشرة سنتيمترات، يقع فى حائط الكعبة فى الركن الجنوبى الشرقى من بناء الكعبة على ارتفاع متر ونصف متر من سطح الأرض، وعنده يبدأ الطواف. وللحجر الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به حماية له من التشقق وهناك روايات غير مؤكدة تقول: إن جبريل -عليه السلام- نزل به من السماء، أو إن هذا الحجر مما كشف عنه طوفان نوح، والمؤكد أن إبراهيم -عليه السلام- وضعه فى هذا المكان علامة لبدء الطواف. ويسن تقبيله عند الطواف إذا تيسر ذلك، فإذا لم يتيسر اكتفى بالإشارة إليه، أما عن تقبيله فقد وضح لنا عمربن الخطابه رضى الله عنه ذلك بقوله: (والله إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك). وعلى ذلك فإذا استطاع من يطوف بالكعبة أن يقبله فلا بأس فى ذلك اقتداء برسول الله صلوات الله وسلامه عليه. وقد اعيد وضح الحجرفى مكانه عندما هدمت قريش الكعبة لاعادة بنائها، وعندما وصل البناء إلى الموضع الذى يوضع فيه الحجر اختلفت القبائل من قريش، فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون غيرها ووصل الأمر إلى أن تحالفوا وأعدوا أنفسهم للقتال. ومكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسة، ثم إنهم اجتمعوا فى المسجد وتشاوروا وتناصفوا، فقال أبو أمية بن المغيرة المخرومى وكان أسن قريش: يا معشرقريش، اجعلوا فيما اختلفتم فيه الحكم لأول من يدخل من باب هذا المسجد، فارتضوا ذلك، وكان أول داخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آنذاك فى الخامسة والثلاثين من عمره، فقالوا: هذا الأمين، رضينا بحكمه، فلما أخبروه الخبر. قال: هلم إلى بثوب، فأتى به له، فأخذ الحجر ووضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم أرفعوه جميعا. ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده وبنى عليه (1). وحين أعيد بناء الكعبة فى عهد عبد الله ابن الزبير قام ابنه حمزة بوضعه فى مكانه، وأطال واتره الصلاة بجماعة المسلمين حتى انتهى حمزة من وضع الحجر، وكان ذلك ليتحاشى التنافس الذى حصل من قبل، وقد غضب بعض المسلمين لهذا التصرف واعتبروه من حب الذات (2). وفى سنة 140هـ كسى الحجر الأسود بصحاف من الفضة، وقام بذلك زياد بن عبدالله. وفى سنة 317هـ دخل القرامطة مكة المكرمة، وأوقع زعيمهم أبو طاهر سليمان بأهلها، وهاجم الحجاج فقتل منهم وأسر، وسلب الأموال واقتلع الحجر الأسود كما اقتلع أبواب الكعبة، واستولى على ما كان بالكعبة من تحف وذخائر، وعاد بكل ذلك إلى هجر عاصمة دولته (3). ولم يرد القرامطة الحجر إلى مكانه إلا سنة 239هـ عندما هدد الخليفة الفاطمى أبا طاهر، وألزمه بإعادة الحجر (4). أ. د/أحمد شلبى

_ الهامش: 1 - السيرة النبوية ابن هشام 1/ 182. 2 - السيرة النبوية ابن هشام 1/ 183. 3 - صلة تاريخ الطبرى غريب بن سعد 12/ 70. 4 - الكامل فى التاريخ ابن الأثير8/ 280. مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ الأمم والملوك، الطبرى، ليدن 1981م. 2 - تاريخ أخبار القرامطة: ثابت بن سنان، القدس 1400هـ

6 - الحجية فى الكتاب والسنة

6 - الحجية فى الكتاب والسنة لغة: الدليل والبرهان (1) واصطلاحا: ما دل به على صحة الدعوى (2). والحجية مصدر صناعى، ومعنى حجية القرآن والسنة كون كل منهما يدل على صحة وحقية ما يرشد إليه. والقرآن الكريم حجة؛ لأنه قد ثبت تواتره، وهذا يوجب القطع بصدوره وثبتت نسبته إلى الله عز وجل. ويكفى حجة على ذلك ثبوت إعتازه بأسلوبه ومضامينه، وتحديه لبلغاء عصره؛ وعلى هذا فحجية القرآن ثابتة على جميع البشر، وإضافة إلى هذا يستأنس المسلمون لحجيته بتأكيد الله تعالى على عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله وتأكيد حقيقته، والأمر باتباعه فى مثل قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} الإسراء:88. كذلك يستأنسون بمثل قول النبى صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا) (3). وحجية السنة ثابتة بعدة أدلة منها ثبوت حجية القرآن والأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسى به. فى مثل قوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7. وهكذا استدل المسلمون فى جميع العصور على الأحكام الشرعية، ولم يختلفوا فى وجوب العمل بما أفاد قطعا أو ظنا راجحا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم المروية على درجة من القبول، ويستندون لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتى فليس منى) (4). كذلك قوله (ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فاحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وأن ما حرم رسول الله كما حرم الله ... ) (5). أ. د/عبد الغفورمحمود مصطفى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مادة (حجج). 2 - التعريفات للجرجانى ص36. 3 - إسناده جديد، وقال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح، وأخرجه الطبرنى فى صحيحه انظر موارد الظمآن للهيثمى بتحقيق محمد عبد الرازق 1/ 69. انظر صحيح ابن حبان لترتيب ابن بلبان 1/ 330، وابن أبى شيبة 10/ 481. 4 - انظر صحيح البخارى فى أول كتاب النكاح، وصحيح مسلم الحديت الخامس فى كتاب النكاح. 5 - أخرجه أبو داود فى كتاب السنة باب فى لزوم السنة وسكت عنه فهو حديث صالح. مراجع الاستزادة: 1 - بصائر ذوى التمييز للفيروز آبازى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1969م، 4/ 329. 2 - فتح البارى لابن حجر: أول كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة فى البخارى. 3 - الأصول العامة للفقه المقارن، محمد تقى الحكيم، دار الأندلس ص100. 4 - تلخيص الحبير، لابن حجر. 5 - الوسيلة الأحمدية على هامش برقية محمودية، دار الخلافة العلية1/ 52

7 - الحد

7 - الحد لغة: يستعمل الحد بمعنى المنع، كما فى قوله تعالى {تلك حدود الله فلا تعتدوها} (البقرة 229)، كما يستعمل بمعنى العقوبة التى قدرها الشرع فى كل الأفعال التى قرر الشرع لها حدا فيقال: حد السرقة قطع اليد، وحد الزنا الرجم إن كان محصنا، والجلد إن كان غير محصن؛ وبهذا المعنى جاء قوله تعالى {تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة 187) أى عقوبته بفعل ما يستوجبها. وحد كل شىء طرفه ونهايته، كما يقال حد البيت، وحد الجدار، أى: نهايته، وتقول العرب: حده أى منعه، اللهم احدده، أى: امنعه. قال الشاعر: لا تعبدن إلها دون خالقكم وإن دعيتم فقولوا دونه حدد وأخذ قولهم امرأة محتدة ومحد، وقد أحدت، إذا لبست الحداد على زوجها ودخلت عدة المحتدة، ومنه احتد عليه وفيه حدة، أى: بأس وغضب، واللفظ فى كل استعمالاته يفيد المنع. واصطلاحا: استعمله المناطقة فى التعريف التام المبين للماهية بالذاتيات، التى هى الجنس والفصل؛ لأن فيه معنى المنع من مشاركة غيره معه فى ماهيته، كما قيل فى بيان حد الإنسان بأنه حيوان ناطق. ويقسم الفلاسفة الحد المبين للماهية إلى قسمين. 1 - حد تام: وهو ما كان بالجنس والفصل القريبين، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق. 2 - حد ناقص: وهو ما كان بالفصل القريب وحده مثل تعريف الإنسان بأنه ناطق. وقد يكون بالجنس البعيد، كتعريف الإنسان بأنه جسم ناطق. ويطلق الحد على الفاصل بين شيئين "زمانا ومكانا"ويطلق الحد على أحد طرفى القضية المنطقية الموضوع والمحمول، كما يطلق الحد على أجزاء القياس الأرسطى، فيقال الحد الأكبر، والحد الأصغر، والحد الأوسط، ففى قولنا. كل جسم مؤلف كل مؤلف محدث كل جسم محدث يكون الحد الأصغر هو موضوع النتيجة (جسم) ويكون الحد الأكبر هو محمول النتيجة (محدث) ويكون الحد الأوسط هو لفظ "مؤلف " الذى كان محمولا فى المقدمة الصغرى، وموضوعا فى المقدمة الكبرى واختفى فى النتيجة، وهو الذى يمثل العلاقة بين طرفى القياس، ويسمى علة الحكم، وقد يكون الحد كلمة واحدة كما فى قولنا الشمس مشرقة، فالشمس موضوع القضية، وهى الحد الأول، ومشرقة المحمول، وهى الحد الثانى. وقد يكون الحد من كلمتين أو أكثر، كما فى قولنا: حرارة الشمس فى وقت القيلولة شديدة، فالشمس فى المثال الثانى جزء من حد القضية، والحرارة جزء من حد القضية. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - رسالة الحدود، لابن سينا. 2 - المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدى. 3 - الإشارات والتنبيهات، لابن سينا. 4 - التعريفات، للجرجانى ط الحلبى. 5 - المعجم الفلسفى- طبع مجمع اللغة العربية. 6 - المعجم الفلسفى- طبع دار الثقافة- مراد وهبة وآخرون. 7 - رسائل الكندى الفلسفية. تحقيق د. أبو ريدة 8 - المعجم الوسيط،- طبع مجمع اللغة العربية، القاهرة. 9 - لسان العرب، لابن منظور- دار صادر، بيروت.

8 - الحداثة

8 - الحداثة اصطلاحا: شملت الحداثة الفنون الأدبية الثلاثة الشعر- القصة- المسرحية. أولا: الحداثة فى الشعر وقد بدأت بظهور كل من: - قصيدة الشعر الحر. - قصيدة النثر. 1 - قصيدة الشعر الحر: وهو شعر التفعيلة، لم تشهد حركة شعرية عربية اضطرابا فى المصطلح الشعرى، مثلما شهدته حركة ما يسمى بالشعر الحر، التى تشارك فى قيادتها "نازك الملائكة" و "بدر شاكر السياب " فى أواخر الأربعينيات من هذا القرن ويعتمد شعر التفعيلة وزنيا على تفعيلة بحر من البحور موحدة التفعيلة، أو تفعيلتى بحر من البحور ثنائية التفعيلة، وللشاعر الحرية فى تنويع عدد التفعيلات فى كل شطر، وله الحرية فى تقييد القافية أو إرسالها، وهناك خلاف بين نازك الملائكة، وزملائها شعراء ونقاد الحركة فى ترخص العروض فيما بعد ذلك. ومن المصطلحات التى أطلقت على شعر التفعيلة، مصطلح الحداثة والذى يعنينا هنا هو إطلاق مصطلح الحداثة، على شعراء التفعيلة إذ يرى كثيرون من مؤرخى حركة الحداثة فى الشعر العربى أنها بدأت مع بداية حركة شعر التفعيلة، ومنهم من يحصرها فى حركة الشعر الحر وقصيدة النثر، ومنهم من يقصرها على شعر التفعيلة، كما فعل د. عبد الله الغذامى فى كتابه الحداثة ومسائل أخرى" أما د. محمد حمود فى كتابه الحداثة فى الشعر العربى المعاصر فإنه يركز على شعراء التفعيلة. 2 - قصيدة النثر: يقول أدونيس عن العوامل التى مهدت لذلك: هناك عوامل كثيرة مهدت، من الناحية الشكلية، لقصيدة النثر فى الشعر العربى، منها التحرر من وحدة البيت والقافية، ونظام التفعيلة الخليلى، فهذا التحرر جعل البيت مرنا وقربه إلى النثر. ومن هذه العناصر، ترجمة الشعر الغربى. والجدير بالملاحظة هنا أن الناس عندنا يتقبلون هذه الترجمات ويعتبرونها شعرا، رغم أنها بدون قافية ولا وزن. ومن هذه العناصر النثر الشعرى وهو من الناحية الشكلية الدرجة الأخيرة فى السلم الذى أوصل الشعراء إلى قصيدة النثر، وقصيدة النثر هى تمرد على نطاق الشكل الشعرى الذى يختاره الشعراء مثلما يختار الآخرون فى المجالات الفنية والأدبية والفكرية الأخرى رفضهم لأشكاله. ثانيا: الحداثة فى القصة: وقد بدأت بظهور القصة القصيرة التى تعتبر من أحدث أنواع القصة فى القرن العشرين، وهى أكثر الأنواع الأدبية رواجا فى هذا القرن، وقد أغرت كثيرا من الشباب بكتابتها وهى أصعب أنواع القصص، ومما ساعد على ظهورها، أن هذا العصر هو عصر السرعة فقد ظهرت مئات الصحف والمجلات التى تحتاج كل يوم لمئات القصص، وهى بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة، والإذاعة لا تستطيع أن تمنح المتحدث أكثر من ربع ساعة وقد ساعد ذلك على رواج القصة القصيرة، ثم هناك القصة الكاريكاتورية، وفيها يهتم الكاتب بالموقف والشخصية معا، وكلمته يرسمها بطريقة الكاريكاتير وليس هذا إحصاء لمناهج القصة القصيرة وإنما هذه أهم المناهج الشائعة، وما يزال كُتّاب القصة القصيرة يطلعون علينا بين الحين والحين بكشوفهم الجديدة. ثالثا: الحداثة فى المسرحية: وقد بدأت بظهور مسرحيات اللامعقول، وظهور مذهب السريالية، الذى يستهدف الكشف والإيحاء بمكنونات العقل الباطن، وسيطرتها الخفية على السلوك البشرى، نتيجة لسيطرة الحروب العالمية على المجتمع، وهكذا انتقلت المسرحية عبر العصور بين كل هذه الأهداف ابتدأت بالهدف الدينى لتنتهى فى عصرنا باللا معقول ولتغير الهدف أثره الحاسم فى تغير جميع مقومات المسرحية الأخرى وأصولها الفنية. ومن الحداثة فى المسرحية تجاوز الأدباء عن عنصر الصراع فى المسرحية الجديدة التى تتخذ أحيانا صورة الاستعراضات أو الدراسات أو الاستطلاعات الدرامية لقطاع من الحياة، أو ظاهرة اجتماعية أو فنية جديدة. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - الأدب وفنونه د. مندور مطبعة نهضة مصر للطبع والنشر القاهرة 1980 م 2 - الأدب وفنونه د. عز الدين إسماعيل دار الفكر العربى الطبعة الثامنة 1983 م 3 - قصيدة النثر العربية- الإطار النظرى أحمد بزون مطبعة دار الفكر الجديد بيروت لبنان ط أولى 1996 م.

9 - الحداد

9 - الحداد هو الامتناع عن الزينة والطيب. يقال: أحدَّت المرأة على زوجها فهى مُحِدُّ، والحادُّ من حدت، ثلاثيا، ويقال: حدت تَحِدُّ وتحد- بالضم- حدّا وحِدِادا، ومعناها كلها: تركت الزينة والطيب (1) وقد استعمله الشارع بهذا المعنى تقريبا. وما ورد فى الشارع من الإحداد إنما هو بالنسبة للمرأة، وليس فيه ما يعرف الآن بإحداد الدول أو إحداد الرجال. قال تعالى فى إحداد المرأة على زوجها: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة 234). وكما فى الحديث المتفق عليه: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا) (2) والإحداد واجب على المرأة المتوفى عنها زوجها عند عامة أهل العلم، وهو أن تمتنع عن الزينة والطيب (3).، ويجوز لها لبس الأبيض من الثياب والسواد منه، ولا تلبس كل ما هو متعارف عنه أنه من الزينة فى الثياب، كما لا تلبس شيئا من الحلى (4). وفى الحديث المتفق عليه: إن المرأة كانت فى الجاهلية إذا توفى عنها زوجها دخلت حِفْشا صغيرا، أى حجرة صغيرة، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة، ثم تخرجُ فتَعطىَ بَعْرَة فترمى بها- كأنها تقول: كان جلوسها فى البيت وحبسها نفسها سنة على زوجها أهون عليها من رمى هذه البعرة، وهو يسير فى جنب ما يجب من حق الزوج المتوفى. وقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى هذه المعاناة فقال: " إنما هى أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن فى الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول " (5)، وجاء الإسلام فخفف عن المرأة كل هذا العناء، وحرم عليها الزينة والطيب، ثم هى تمارس حياتها العادية سوى ذلك، وجعل ذلك لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام فقط، وهى أكثر بقليل من عدة الطلاق التى تستغرق ثلاثة أشهر تقريبا (6). أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - تاج العروس. مادة (حدد) 2 - صحيح البخارى (3/ 421) كتاب الطلاق- باب الكحل للحادة- عن أم حبيبة رضى الله عنها رقم: (5339) (طبعة المكتبة السلفية بالقاهرة)، صحيح مسلم (2/ 1123 - 124 1) كتاب الطلاق (9) باب وجوب الإحداد فى عدة الوفاة- عن أم حبيبة رضى الله عنها. رقم (58/ 1486) (طبعة عيسى البابى الحلبى- مصر بترقيم وتعليق محمد فؤاد عبد الباقى). 3 - شرح السنة للبغوى (9/ 309) المكتب الإسلامى- بيروت). 4 - الموطأ (2/ 599) (طبعة عيسى البابى الحلبى- مصر) 5 - صحيح البخارى (3/ 420 - 421) كتاب الطلاق- باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا- عن أم سلمة، وزينب بنت أبى سلمة- رضى الله عنهما. رقم (5336 - 5337)، صحيح مسلم (2/ 1124) كتاب الطلاق- باب وجوب الإحداد فى عدة الوفاة- عن أم سلمة وزينب بنت أبى سلمة رضى الله عنهما- رقم (1488 - 1489) 6 - شرح السنة (9/ 306)

10 - الحدث

10 - الحدث لغة: الحدث من الحدوث، وهو الوقوع والتجدد، وكون الشيء بعد أن لم يكن، ومنه يقال: حدث به عيب، والحدث اسم من أحدث الإنسان إحداثا: بمعنى الحالة الناقضة للوضوء. ويأتى بمعنى الأمر الحادث المنكر الذى ليس بمعتاد ولا معروف، ومنه محدثات الأمور (1). واصطلاحا: يطلق ويراد به: 1 - الوصف الشرعى أو الحكمى الذى يحل فى الأعضاء، ويزيل الطهارة، ويمنع من صحة الصلاة ونحوها. فيكون قائما بأعضاء الوضوء كما فى الحدث الأصغر. وبجميع البدن فى الحدث الأكبر. 2 - الأسباب التى توجب الوضوء أو الغسل وهى نوعان: أولا: أسباب الحدث المتفق عليها: اتفق الفقهاء على أن الخارج المعتاد من السبيلين كالبول، والغائط، والمنى، والمذى، والودى، والريح، وأيضا دم الحيض والنفاس، يعتبر حدثا حقيقيا قليلا كان الخارج أو كثيرا؛ لقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء}. (المائدة 6). وهذه الأسباب بعضها حدث أكبر يوجب الغسل كخروج المنى، والحيض والنفاس، وبعضها حدث أصغر يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والمذى والودى والريح. ثانيا: أسباب الحدث المختلف فيها: (أ) ما يخرج من السبيلين نادرا: كالدود والحصى والشعر وقطعة اللحم ونحوها. كما اختلفوا فى الريح الخارجة من الذكر أو قبل المرأة على اعتبار أنها اختلاج وليست فى الحقيقة ريحا منبعثة عن محل نجاسة. (ب) الخارج من غير السبيلين: إذا لم يكن نجسا لا يعتبر حدثا باتفاق الفقهاء أما إذا كان نجسا فاختلفوا فيه كالدم، والقيح، والصديد، والقىء ملأ الفم من مرة. والحدث الحُكمَىْ: هو ما يكون سببا لخروج الحدث الحقيقى غالبا فيقام السبب مقام المسبب احتياطا. فيأخذ حكم الحدث الحقيقى شرعا، ويدخل فى هذا النوع: زوال العقل، أو عدم التمييز؛ وذلك بالنوم والسكر، أو الإغماء، أو الجنون، أو نحوها. وهذه الأسباب متفق عليها بين المذاهب فى الجملة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور، والمصباح المنير مادة (حدث). مراجع الاستزادة: 1 - حاشية ابن عابدين1/ 95، 96. 2 - جواهر الإكليل على مختصر خليل، للأبي 1/ 20 مطبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 3 - المغنى، لابن قدامة 1/ 173 - 175، طبعة دار هجر القاهرة.

11 - الحدوث

11 - الحدوث لغة: يقال (حدث) الشيء- حدوثا وحداثة: نقيض قدُم، وإذا ذكر مع قدُم ضُمّ للمزاوجة كقولهم: أخذه ما قدمُ وما حدُث، يعنى همومه وأفكاره القديمة والحديثة. وحدث الأمر حدوثا: وقع، وأحدث الرجل: وقع ما ينقض طهارته. وحدوث الشىء ابتداعه. (1) وفى التنزيل العزيز {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} (الطلاق 1). واصطلاحا: الحادث ما يكون مسبوقا بالعدم، فهو كائن بعد أن لم يكن، ويختلف عن الممكن الذى لا وجود له ولا عدم من ذاته، فإن وجد صار حادثا ولا بد له من موجد يوجده، ويسمى "المحدث " أيضا ويقابل القديم. (2) لقد قرر القرآن حقائق كثيرة تتعلق بالكون أهمها أنه حادث مخلوق، وكل ما فيه من الكائنات له بداية ونهاية، وليس ثمة موجود أزلى أبدى إلا الله {الخالق البارئ المصور} (الحشر 24) {بديع السموات والأرض} (البقرة 117)، و {هو الأول والآخر} (الحديد 3)، وإليه ترجع الموجودات كلها من حيث هو علتها الأولى، لقوله تعالى {وأن إلى ربك المنتهى} (النجم 42) والمتصفح للقرآن يرى أنه يقرر فى وضوح لا لبس فيه الثنائية بين الله والعالم. (3) والواقع أن هناك صلة بين مصطلح الحدوث والخلق فى الفكر الإسلامى فعلماء الكلام يقولون بالخلق أى الحدوث من عدم، ولقد ذهب الغزالى فى كتابه " تهافت الفلاسفة" إلى حد تكفير الفلاسفة لقولهم بقدم العالم (يقصد الفارابى وابن سينا). فى الوقت الذى نجد فيه ابن رشد يدافع عن كون العالم قديما ولا يعنى أنه لا علة له. بل العكس يؤكد على خلق العالم فى القدم (4). وعموما مفهوم "الخلق " عند ابن رشد لم يكن بمعنى الإبداع أى بمعنى الخلق من عدم إنما كان بمعنى الإيجاد والتكوين، إن العالم عنده فى إيجاد مستمر منذ الأزل، ولكنه لم يبتدع من العدم دفعة واحدة. (5) ومسألة الحدوث فى مقابل القدم وعلاقتها بخلق العالم من المشكلات العويصة، وفى هذا الصدد يذهب الشيخ محمد عبده إلى القول بحدوث العالم، لكن ليس معنى هذا أن القائلين بالقدم قد كفروا بمذهبهم هذا، وأنكروا به ضروبا من الدين القويم وعلى هذا يؤكد الشيخ بأن كل من اعتقد بالألوهية التامة، ونزه الحق عن جميع النقائص، واعتقد بنبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وبما جاء به، ولم يكذب شيئا مما نقل عنه، مع علمه بأنه نقل عنه فهو مؤمن ناج، عدل رضى الله عنه {لا يكلف الله نفسا إلا سعها} (البقرة 286) 0 (6) أ. د/ جمال رجب سيدبى

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية 1/ 163. 2 - المعجم الفلسفى: مجمع اللغة العربية ص 65. 3 - الإنسان والكون فى الإسلام د. أبو الوفا التفتازانى: دار الثقافة للنشر والتوزيع. 4 - أثر ابن رشد فى فلسفة العصور الوسصى د. زينب الخضيرى: ص 222. 5 - نفس المرجع: ص 228. 6 - الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين، تأليف سليمان دنيا ص 182 مراجع الاستزادة: 1 - كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوى: مادة الحدوث2/ 13 وما بعدها. 2 - فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ابن رشد. 3 - رسالة التوحيد، محمد عبده 4 - النزعة العقلية فى فلسفة ابن رشد، د. عاطف العراقى: دار المعارف.

12 - الحدود

12 - الحدود لغة: جمع الحد، والحد هو المنع، والحد: الحاجز بين الشيئين، والحد من كل شىء: طرفه ومنتهاه، وحدود الله: ما حده بأوامره ونواهيه، وحدود الله تعالى: محارمه قال تعالى {تلك حدود الله فلا تعتدوها} (البقرة 229) وحد الجانى: أقام عليه الحد. كما فى الوسيط (ا). واصطلاحا: عرفها الشافعية والحنابلة بأنها عقوبة مقدرة على ذنب وجبت حقا لله تعالى كما فى الزنا، وعند بعض الفقهاء: عقوبة مقدرة بتقدير الشارع. ويطلق لفظ الحد على جرائم الحدود مجازا فيقال: ارتكب الجانى حدا، ويقصد أنه ارتكب جريمة ذات عقوبة مقدرة شرعا (2). وإقامة الحدود فرض على ولى الأمر، ودليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فمنه قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} (المائدة 38) وقوله {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} (النور 2). وأما السنة فعن أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى رضى الله عنهما: أن رجلين اختصما إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله. وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لى أن أتكلم. قال: " تكلم " قال: إن ابنى كان عسيفا على هذا- والعسيف الأجير- فزنا بامرأته فأخبرونى أنما على ابنى الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لى ثم إنى سألت أهل العلم فأخبرونى أنما على ابنى جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أما والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد إليك ". وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمى أن يأتى امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها. (رواه أبو داود) (3) وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على وجوب الحدود. وأما المعقول فهو أن الطباع البشرية والشهوة النفسانية مائلة إلى قضاء الشهوة وتحصيل مقصودها ومحبوبها، فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حتما لهذا الفساد وزجرا عن ارتكابه، ليبقى العالم على نظم الاستقامة، فإن إخلاء العالم عن إقامة الزاجر يؤدى إلى انحرافه، وفيه من الفساد مالا يخفى (4). وقد اتفق على أن ما يطبق هو على كل من جريمة: الزنا والسرقة والقذف وقطع الطريق والسكر. وزاد الحنفية حد الشرب للخمر، وزاد المالكية حد الردة، وزاد الشافعية حد القصاص (5). وقد اتفق الفقهاء على أن ما يوجب الحد من الزنا والسرقة .. إذا وقع على شخص واحد، وشارب الخمر إذا تكرر قبل إقامة الحد أجزأ حد واحد بغير خلاف، وبه قال عطاء وغيره. والأصل قاعدة: "إذا اجتمع أمران من جنس واحد، ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما فى الآخر غالبا"، وعلى هذا اكتفى بحد واحد، لأن المقصود من إقامة الحد هو الزجر، وأنه يحصل بحد واحد. ولا خلاف بين جمهور الفقهاء فى أنه لا تجوز الشفاعة فى الحدود بعد وصولها للحاكم وثبوتها عنده، ولأن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنكر على أسامة بن زيد حين شفع فى المرأة المخزومية التى سرقت. فعن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكلمه أسامة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أتشفع فى حد من حدود الله). ثم قام فاختطب فقال: " أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (6) وتسقط الحدود فى حالات هى: (أ) التوبة قبل القدرة عليه، فقد أجمع الفقهاء فى أن حد قطاع الطريق والردة يسقطان بالتوبة إذا تحققت توبة القاطع قبل القدرة عليه لقوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} (المائدة 34). وذهب جمهور الفقهاء إلى أن بقية الحدود بعد رفعها إلى الحاكم لا تسقط بالتوبة (7). (ب) وتسقط الحدود بالشبهة: لإجماع الفقهاء على أن الحدود تدرأ بالشبهات، والشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت، لقول النبى (صلى الله عليه وسلم) " ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة " (رواه الترمذى) (8). (جـ) بالرجوع عن الإقرار، إذا كان الحد حقا لله تعالى، لما روى أن ماعزا لما أقر بين يدى النبى (صلى الله عليه وسلم) بالزنا لقنه الرجوع، فلو لم يكن محتملا للسقوط بالرجوع ما كان للتلقين فائدة. (د) يسقط حد الرجم خاصة بموت الشهود- عند الحنفية- الذين يشترطون لإقامة الحد الشهود (9) (هـ) تكذيب المزنى بها للمقر بالزنا قبل إقامة الحد، وتكذيب المقذوف شهوده على القذف. ويرى جمهور الفقهاء أن الحد المقدر فى ذنب كفارة لذلك الذنب، وعند الحنفية الحد غير مطهر، بل المطهر التوبة، فإذا حد ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية لقوله تعالى {ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم} (المائدة 33) والحدود تثبت بالبينة أو الإقرار عند استجماع شرائطها واختلف الفقهاء فيما وراء ذلك، كعلم الإمام. والحدود الشرعية هى: 1 - الجلد، ويجب على الزانى غير المحصن: لقوله تعالى {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} (النور 2)، ويجب كذلك على القاذف وشارب الخمر. 2 - التغريب، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجتمع مع الجلد تغريب الزانى البكر لقوله (صلى الله عليه وسلم): "البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة" (رواه مسلم) ويرى المالكية أن التغريب ليس واجبا، وليس حدا كالجلد، وإنما هو عقوبة تعزيرية، يجوز للإمام أن يجمع بينه وبين الجلد إن رأى فى ذلك مصلحة (10). 3 - القطع، فلا خلاف بين الفقهاء أن السرقة موجبة للقطع، لقوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} (المائدة 38) ولقوله (صلى الله عليه وسلم): "تقطع اليد فى ربع دينار فصاعدا " (رواه البخارى ومسلم) وكذلك يقطع المحارب من خلاف إذا أخذ المال- ولم يقتل عند الحنفية والشافعية والحنابلة. 4 - القتل والصلب، وذلك إذا قتل المحارب وأخذ المال لقوله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} (الما ئد ة 33). ويراعى فى إقامة الحدود: (أ) لا يقيم الحد إلا الإمام، ونائبه، وذلك لمصلحة العباد. (ب) أهلية الشهود عند الإقامة، فلو بطلت أهلية الشهود بالفسق أو الردة أو غيرها لا يقام الحد. (جـ) البداية من الشهود فى حد رجم الزانى عند أبى حنيفة ومحمد، لما روى عن على - رضي الله عنه -: (ترجم الشهود أولا ثم الإمام ثم الناس). (د) ويشترط أن لا يكون فى إقامة حد الجلد خوف الهلاك، لأن الجلد شرع زجرا لا مهلكا. (هـ) يقام الحد على السكران متى انتبه من سكره، لأن المقصود هو الزجر والردع، وغياب العقل والنشوة يخففان الألم. (و) لا تقام الحدود فى المساجد لقول النبى (صلى الله عليه وسلم):"لا تقام الحدود فى المسا جد" (رواه الترمذى). (ز) تقام الحدود فى ملأ من الناس لقوله تعالى {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (النور 2) (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 1/ 167 دار المعارف ط3 القاهرة 2 - فتح القدير 4/ 113 البدائع 7/ 56، بداية المجتهد3/ 0 33 التعريفات، للجرجانى ص 74. 3 - سنن أبى داود- كتاب الحدود باب 34. 4 - حاشية ابن عابدين3/ 0 14 5 - كشاف القناع 6/ 77 وما بعدها، والمغنى، لابن قدامة 8/ 156 وما بعدها 6 - صحيح مسلم- كتاب الحدود باب 2. 7 - حاشية ابن عابدين3/ 0 4 1 الشرح الصغير 4/ 489، القوانين الفقهية لابن جزى ص4 35، المغنى، لابن قدامة 8/ 296 وما بعدها. 8 - سنن الترمذى 4/ 33 طبعة الحلبى. 9 - بدائع الصنائع 7/ 61 وما بعدها. 10 - حاشية ابن عابدين 2/ 147 وما بعدها.

13 - الحديث (مصطلح)

13 - الحديث (مصطلح) إن الله تعالى أرسل للعالمين رسولا يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم إلى صراط الله المستقيم. والله تعالى قد أنزل على هذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو القرآن الكريم، وأوكل الله تعالى بيان هذا الكتاب الكريم إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فقال سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل 44). وصدع الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأمر ربه، فشرع يبين للناس ما فى القرآن الكريم، فقامت السنة المطهرة بهذا الدور العظيم، وهو بيان ما فى القرآن الكريم. ولم يقتصر دور السنة المطهرة على ذلك الدور فقط- رغم أهميته- بل أوكل الله تعالى إليها مهمة عظيمة أخرى، وهى أن تشرع للناس أحكاما على سبيل الاستقلال، لم يسبق لها ذكر فى القرآن الكريم، والسنة بهذه المهمة الكريمة أدت دورا تشريعيا هاما جدا مع القرآن الكريم. إذن فمنزلة السنة خطيرة، ومهمتها عظيمة، فهى تبين القرآن الكريم، ولولاها لما استطعنا أن نفهم القرآن الكريم، ولا أن نطبقه، ثم هى- بعد ذلك- تقوم بمهمة التشريع مع القرآن الكريم، ولقد تنبهت أمة الإسلام لهذه المهمة الجليلة للسنة المشرفة، فتصدوا للدفاع عنها، وكان من ثمرة جهد علماء الأمة لصيانة السنة أن وضعوا (علم أصول الحديث) أو علم "مصطلح الحديث " ذلك أن السنة الشريفة عبارة عن نصوص نبوية شريفة، نقلت لنا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقام بنقلها لنا حملة هذا العلم من كل عصر، فى حلقات متواصلة من لدن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلى أن وضعت فى بطون الكتب المعروفة بين أيدينا الآن، مثل صحيح البخارى، وصحيح مسلم وغيرهما. والنص النبوى الذى نقل إلينا يسميه علماء الحديث ب "متن الحديث ". والرجال الذين نقلوا هذا المتن إلينا يسميهم العلماء "سند الحديث " أو "إسناد الحديث " أو "رجال الحديث " أو "طريق الحديث ". إذاً فنحن أمام علمين رئيسيين من علوم السنة، علم يدرس النص النبوى الكريم، ويفهمه، ويستخرج ما فيه من كنوز وأحكام تشريعية، من عقائد، وعبادات، وتشريع وأخلاق، وغيرها، وهذا ما يعرف عند علماء الحديث "بعلم الحديث رواية". وعلم يدرس سند الحديث أو رجال الحديث حتى تصدق نسبة الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويثبت لدينا حقا أنه قاله فيجب العمل به، وهذا ما اهتم به العلم الثانى، وهو "علم الحديث دراية" أو علم أصول الحديث، أو علم مصطلح الحديث، ويعرفه العلماء فيقولون: "هو علم يعرف به أحوال سند الحديث ومتنه من حيث القبول والرد"، أو "هو علم يعرف به أحوال الراوى والمروى، من حيث القبول والرد " بمعنى أننا ندرس أحوال الرواة الذين ينقلون لنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن هذه الدراسة ننتهى إلى قبول ماينقلونه- إذا توافرت فيهم شروط العدالة والضبط- أو نرفض مانقلوه، إذا لم تتوافر فيهم شروط القبول. فهذا العلم يهتم بوضع القواعد التى فى ضوئها يتم دراسة أحوال الرواة من حيث توفر صفات القبول فيهم، أو عدم توفرها. ولم يهتم هذا العلم بدراسة القواعد المنظمة لأحوال الرواة فقط- بل اهتم أيضا بدراسة المتن، فالنص النبوى الكريم له خصائص يتميز بها، وهذه الخصائص لابد أن تتميز بدراسة دقيقة، وقواعد منضبطة، حتى لا يضاف إلى كلام النبى (صلى الله عليه وسلم) ما ليس منه. ومن هنا كان اهتمام علم مصطلح الحديث بدراسة أحوال السند والمتن معا. وهذا شيء دقيق وعظيم، فهم لم يوجهوا جهدهم إلى دراسة السند فقط- وإنما كان اهتمامهم بدراسة أحوال السند والمتن معا. وفى ضوء قواعد هذا العلم العظيم نقل لنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واضحا جليا خاليا من كل شبهة، نقيا من كل شائبة. نشأة هذا العلم وتطوره: بدأت بواكير هذا العلم منذ مرحلة مبكرة جدا، منذ عصر النبى (صلى الله عليه وسلم)، وبأمر من القرآن الكريم، الذى طلب منا التثبت من نقل الرواة، فى وعدم إقامة الأحكام قبل التأكد من صدقها، فقال سبحانه {يا آيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم من نادمين} (الحجرات 6) وتثبت الصحابة رضوان الله عليهم، واشتدوا فى أمر الرواية صيانة للدين، وحفظا للشريعة الغراء. فعل ذلك أبو بكر - رضي الله عنه -، وعمر - رضي الله عنه -، وغيرهما- فى أمثلة كثيرة يطول المقام بذكرها ثم توالت حلقات هذا العلم، فتكلم عن بعض قواعده من التابعين، سعيد بن المسيب والشعبى، والحسن البصرى، وابن سيرين، " وغيرهم ثم تكلم فيه من بعدهم علماء كبار، مثل مالك بن أنس، والزهرى، وسليمان التيمى. وجاءت مرحلة جديدة دخل فيها علم مصطلح الحديث طورا جديدا من أطوار نشأته وتكوينه وذلك بتدوين بعض مباحثه بين ة طيات كتب العلماء. فممن كتب فى بعض مباحثه فى ثنايا مؤلفاته، الإمام الشافعى المتوفى سنة 204 هـ رحمه الله تعالى، حيث تكلم فى كتابيه "الرسالة" و "الأم " عن بيان السنة للقرآن الكريم، وعن الاحتجاج بالسنة، وتكلم الإمام البخارى المتوفى سنة 256 هـ فى صحيحه، وتواريخه، عن بعض مسائل علم مصطلح الحديث، وكذلك الإمام مسلم المتوفى سنة- 261 هـ تكلم فى مقدمة صحيحه عن بعض مسائله. ثم جاءت مرحلة أخرى دخل فيها علم مصطلح الحديث مرحلة المصنفات المستقلة، التى ألفت خصيصا لهذا العلم. فمن أول من صنف فيه القاضى أبو محمد الرامهرمزى فى كتابه " المحدث الفاصل " والحاكم أبو عبد الله النيسابورى المتوفى سنة 480 هـ، والخطيب البغدادى المتوفى سنة 463 هـ وله عدة كتب فى فن المصطلح، والقاضى عياض اليحصبى المتوفى سنة 544 هـ وابن الصلاح المتوفى سنة 643 هـ فى مقدمته الشهيرة، ولا يزال التأليف فى هذا العلم يتوالى حتى عصرنا الحاضر. أ. د/ مروان محمد مصطفى

_ المراجع 1 - نخبة الفكر، لابن حجر ط مكتبة الغزالى دمشق، ومؤسسة مناهل الفرقان بيروت الطبعة الثانية 1410 هـ- 1990 م. 2 - الوسيط فى علوم ومصطلح الحديث، للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة ط دار الفكر العربى. 3 - لمحات فى أصول الحديث، للدكتور محمد أديب صالح ط المكتب الإسلامى الطبعة الرابعة 1405 هـ 1985 م.

14 - حديث الآحاد

14 - حديث الآحاد لغة: جمعُ مفرده: أحد بمعنى واحد، لأنه مأخوذ من الوحدة، وإنما قيل للحديث، آحاد، لأنه رواية الآحاد، فهو إما من باب حذف المضاف، أو من باب تسمية الأثر باسم المؤثر مجازا، لأن الرواية أثر المروى. (1) واصطلاحا: المراد به عند الجمهور: ما لم يبلغ حد التواتر. وقيل: هو ما يرويه الواحد أو الاثنان عن الواحد أو الاثنين حتى يصل به إلى النبى (صلى الله عليه وسلم). وبناء على هذا التعريف نرى أن ظاهر التسمية ليس مرادا، فليس المراد بخبر الواحد ما ينقله الواحد، بل: كل خبر عن جائز ممكن لا سبيل إلى القطع بصدقه، ولا إلى القطع بكذبه، لا اضطرارا ولا استدلالا، سواء نقله واحد، أو جمع منحصرون فهو خبر آحاد. (2) لكن يخرج عن هذا التعريف خبر المعصوم جميع، فهو يفيد الصدق قطعا فيما يخبر عن الغيبيات رغم أنه خبر واحد، وإن كان ابن الأثير لا يعده من أخبار الآحاد وقد قسم العلماء خبر الآحاد إلى: مشهور، وعزيز، وغريب. وإن كان الأحناف يرون أن المشهور فى منزلة أعلى من الآحاد ودون المتواتر (3). فقسمة الخبر عندهم ثلاثية: متواتر، ومشهور، وآحاد. فالمشهور عند جمهور المحدثين: كل خبر له طرق محصورة أكثر من اثنين، وسمى بذلك لوضوحه، ويسميه بعض الفقهاء (مستفيضا) مثل حديث (إنما الأعمال بالنيات) أما المشهور عند الأحناف فهو فى الأصل آحاد، ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب وهم- خاصة- أهل القرن الثانى والثالث (4) والعزيز .. كل خبر لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين؛ بمعنى أن تتحقق الاثنينية فى أى طبقة من طبقات السند بحيث لا تقل أى طبقة عن اثنين وسمى عزيزا إما لقلة وجوده من عزّ يعَزّ، وإما لكونه قويا واشتد بمجيئه من طريق آخر، من عز يعَزّ؛ ومثاله حديث أبى هريرة مرفوعا (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده). والغريب .. أن ينفرد برواية الخبر شخص واحد فى أى طبقة من السند، ويسميه بعض المحدثين بالتفرد، ومثاله حديث النهى عن بيع الولاء وهبته. تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضى الله عنهما. وأخبار الآحاد الصحيحة المروية عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قسمها المحدثون إلى سبعة أقسام: أحدها: أحاديث البخارى ومسلم وهو المعبر عنها بالمتفق عليه. ثانيها: ما انفرد به البخارى ومسلم. ثالثها: ما انفرد به مسلم عن البخارى. رابعها: ما خرجه الأئمة بعدهما على شرطهما. خامسها: ما خُرِّج على شرط البخارى وحده. سادسها: ما خُرِّج على شرط مسلم وحده. سابعها: ما أخرجه بقية الأئمة كأبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وغيرهم من أئمة الحديث .. أما عن حكم خبر الآحاد .. فيرى جمهور أهل العلم من الفقهاء والأصوليين أنه يفيد ظنا، ولكنا مأمورون بالتعبد به، فهو حجة يجب العمل بة حتى وإن أفاد الظن. ويرى المحدثون أنه يفيد علما، ولعلهم يقصدون أنه يفيد العلم بوجوب العمل به، أو أنهم سموا الظن علما، ولذا ورد على لسان بعضهم قوله: إن خبر الآحاد يورث العلم الطاهر. (5) أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - شرح مختصر الروضة، للطوفى 2/ 103 2 - جامع الأصول، لابن الأثير 1/ 69 3 - المغنى فى أصول الفقه للخبازى، 691 تحقيق د/ محمد مظهر بقا ص 194 4 - السابق 5 - جامع الأصول، لابن الأثير 1/ 69 مراجع الاستزادة 1 - الإحكام فى أصول الأحكام، لابن حزم 1/ 102 2 - الإحكام للآمدى 1/ 169 3 - نزهة النظر لابن حجر23 4 - فتح المغيث للسخاوى4/ 2 5 - حجية السنة للشيخ عبد الغنى عبد الخالق ص 411 6 - السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى، الدكتور/ مصطفى السباعى

15 - الحديث الحسن

15 - الحديث الحسن لغة: الحَسَن: نقيض القبيح والحُسْن نقيض القبح، وتقول: أحسنت الشىء أى: أتقنت صنعته وجملته، وهذا الرجل حسن المظهر، أى جميل المنظر، قال تعالى {وصوركم فأحسن صوركم} (غافر 64) واصطلاحا: لم يكن المصطلح الحديثى لكلمة (الحسن) معروفا لدى المتقدمين فى القرن الأول الهجرى بل شاع بينهم وقتئذ فى كل مقبول أنه صحيح، وفى كل مردود أنه ضعيف أو منكر .. الخ وفى القرن الثانى وردت كلمة (الحسن) وصفا لبعض الأحاديث على لسان أئمة هذا العلم مثل: إبراهيم بن يزيد النخعى ت 96 هـ/714 م، وشعبة بن الحجاج ت 160هـ/776 م، ومالك المتوفى سنة 79 1هـ وسفيان الثورى ت سنة 61 1هـ (1). وفى القرن الثالث جرى ذكر الحسن على لسان الشافعى ت سنة 204 هـ (2)، والإمام على ابن المدينى ت 234 هـ/846 م والإمام أحمد بن حنبل ت سنة 241 هـ، والإمام البخارى ت سنة 256 هـ/70 8 م. (3) ولكن كل هؤلاء ما كانوا يقصدون المعنى الاصطلاحى، بل ولا وضعوا اصطلاحا خاصا بالحديث الحسن. حتى جاء الإمام الترمذى ت سنة 278 هـ/892 م فأكثر من ذكر الحسن فى كتابه الجامع حتى أصبح علما فى ذلك بل ووضع اصطلاحا خاصا لمفهوم الحديث الحسن .. هذا وقد، تفاوتت عبارة العلماء فى تعريفه، والترمذى هو أول من وضع اصطلاحا خاصا له قال: كل حديث يروى لا يكون فى إسناده متهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك" (4) وعرفه الخطابى ت 388 هـ/998 م وتعريفا آخر (5) وكذلك ابن الجوزى ت سنة 597 هـ (6) وفى نهاية المطاف استقر اصطلاح العلماء على تقسيمهم للحديث الحسن إلى قسمين: (أ) الحديث الحسن لذاته .. هو الحديث الذى اتصل سنده بنقل العدل الذى خفّ ضبطه وإتقانه عن درجة رجال الصحيح من غير شذوذ ولا علة. (7) ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا أن شروط الحسن لذاته هى: 1 - اتصال السند من أوله إلى منتهاه 2 - عدالة جميع الرواة 3 - وجود أحد رواة هذا الحديث غير تام الضبط. 4 - السلامة من الشذوذ 5 - السلامة من العلة القادحة (ب) الحديث الحسن لغيره .. كل حديث فى سنده راو مستور، غير مغفل، كثير الخطأ أو وجود راو سيئ الحفظ، أو موصوف بالغلط أو الخطأ، أو الاختلاط- مع وجود الصدق والأمانة. أو بسبب كون سنده غير متصل، أو فيه مدلس روى بالعنعنة؛ مع كونه ليس فيه من يتهم بالكذب؛ ويشترط مع كل هذا أن يكون الحديث غير شاذ، ويروى من غير وجه بمثله أو قريبا منه .. وبناء على هذا التعريف فإن الأصل فى الحديث الحسن لغيره أنه حديث ضعيف، ولكن وروده من طريق آخر جعله يرتقى إلى الحسن لغيره. وشروط الحسن لغيره هى: 1 - ما كان الضعف فيه ناشئا عن الجهل بأحد رواته. 2 - أو ما كان الضعف بسبب سوء الحفظ أو الغلط أو الاختلاط 3 - أو ما كان الضعف بسبب الإرسال وهو انقطاع خفيف. 4 - أن يكون الإسناد خاليا من متهم بالكذب. 5 - أن يكون خاليا من الشذوذ والنكارة. 6 - أن يكون هناك طريق آخر بمثابة التابع أو الشاهد .. وللحديث الحسن درجات، وتتفاوت درجاته من حيث السند أو المتن، وذلك بحسب تمكن الحديث من شروط الحسن، فإذا قوى الضبط كان ذلك أقرب إلى الصحة ... وإذا نزل الضبط كان ذلك أقرب إلى الضعف. وقد اتفق العلماء من محدثين وفقهاء وأصوليين على أن الحديث الحسن بقسميه حجة ويجب العمل به كالصحيح وإن كان دونه فى الرتبة. أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - انظر: الجرح والتعديل 1/ 146، والمحدث الفاصل 1/ 56، والجامع للخطيب البغدادى، وتدريب الراوى للسيوطى 1/ 177. 2 - اختلاف الحديث، للشافعى بهامش كتابه الأم 7/ 269. 3، 4 - شرح علل الترمذى، لابن رجب ص 203 تحقيق صبحى السامرائى. 5 - انظر تعريفه فى كتاب معالم السنن 1/ 11. 6 - انظر تعريفه فى كتاب الموضوعات 1/ 35. 7 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص 33. مراجع الاستزادة: 1 - توجيه النظر إلى أصول الأثر، للجزائرى ص 5 14 - 161. 2 - مقدمة ابن الصلاح، تحقيق، نور الدين عتر النوع الثانى ص 29 ط الثالثة دار الفكر سنة 1984م 3 - فتح المغيث، للسخاوى تحقيق على حسين على1/ 71ـ 112 ط الثانية 1992 م 4 - النفح الشذى فى شرح جامع الترمذى، لابن سيد الناس تحقيق د/ أحمد معبد عبد الكريم 1/ 196 - 243. 5 - المنهج الحديث فى علوم الحديث- الشيخ محمد محمد السماحى 6 - قواعد التحديث للقاسمى

16 - الحديث الصحيح

16 - الحديث الصحيح لغةً .. صحيح فعيل صفة مشبهة بمعنى فاعل، من الصحة وهى الخلو من العلل والأمراض. والصحة فى اللغة ذهاب المرض والبراءة من كل عيب، وهى حقيقة فى الأجسام والأبدان وفى المعانى على جهة الاستعارة، يقال: صح هذا القول أى سلم من الخطأ، وصحت الصلاة أى أجزأت .. كل هذا على سبيل المجاز. ومن هذا القبيل وصف المحدثين للأخبار التى رجح صدقها، وسلمت من العلل المعنوية بقولهم: حديث صحيح. واصطلاحاً .. تفاوتت عبارة العلماء فى تعريفه، وأشهر التعريفات هى: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا بعلة قادحة. ومن خلال التعريف السابق يتبين لنا شروطه وهى: 1 - الاتصال: ويقصد به المعاصرة، واللقاء، والسماع بين الراوى والمروى عنه. 2 - العدالة. ويقصد بها أن يكون الراوى مسلما، بالغا عاقلا، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، فالعدالة: أمر يتعلق بالديانة. وعرف بعضهم العدالة بأنها: هيئة راسخة فى النفس من الدين تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة .. 0 (1) 3 - الضبط: ويعنى به سماع العلم كما ينبغى أن يكون، وفهم معناه؛ والاحتفاظ به إلى أن يحتاج إليه فى درس أو فتوى ... الخ وهو نوعان: ضبط صدر .. وضبط سطر. وقسمه بعضهم إلى ضبط ظاهر: وهو ضبط الحديث بمعناه من حيث اللغة، وضبط باطن: وهو فقه متن الحديث من حيث تعلق الحكم الشرعى به .. والأول هو المراد عند أكثر العلماء. (2) فالضبط أمر يتعلق بالعلم تحملا وأداء. 4 - عدم الشذوذ: والمراد أن لا يخالف راوى الصحيح غيره الأوثق منه، أو مجموعة من الثقات. 5 - عدم العلة القادحة: وهى عيب غامض فى الحديث لا يطلع عليه إلا الحاذق الماهر. وقد قسم العلماء الحديث الصحيح إلى قسمين: (أ) صحيح لذاته: وهو كل حديث اتصل سنده بنقل عدل تام الضبط من غير شذوذ ولا علة قادحة. (ب) صحيح لغيره: وهو ما اتصل سنده بنقل عدل قل ضبطه عن الدرجة العليا وتوبع بطريق آخر مساو أو راجح، أو بأكثر من طريق إن كان أدنى، وكان غير شاذ ولا معلل. فالفارق بين القسمين هو الضبط فإن كان الراوى تام الضبط فحديثه من قبيل الصحيح لذاته وإن كان ضعيف الضبط وورد من طريق آخر فحديثه صحيح لغيره. أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - المستصفى للإمام الغزالى 1/ 157. 2 - جامع الأصول لابن الأثير 1/ 35. مراجع الاستزادة: 1 - معالم السنن للخطابى 1/ 11 2 - مقدمة ابن الصلاح ص 11 3 - توجيه النظر للجزائرى ص 69 4 - توضيح الأفكار للصنعانى1/ 8 5 - تدريب الراوى للسيوطى 1/ 61/116 6 - فتح المغيث للسخاوى 1/ 14 - 58.

17 - الحديث الضعيف

17 - الحديث الضعيف لغة .. الضعيف صفة مشبهة مأخوذ من الضعف الذى هو خلاف القوة، يقال: ضَعُف فهو ضعيف، قال تعالى {ضعف الطالب والمطلوب} (الحج 73) والضعف قد يكون فى النفس .. أو فى البدن .. أو فى الحال. والضُّعف والضِّعف لغتان. وعند الخليل: أن الضُّعف (بالضم) فى البدن، وبالفتح فى العقل والرأى، ومن هذا القبيل قوله تعالى {فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا} (البقرة 282) (1). واصطلاحا .. كل حديث فقد شرطا أو أكثر من شروط القبول .. وشروط القبول ستة: 1 - الاتصال 2 - عدالة الرواة 3 - ضبط الرواة 4 - عدم الشذوذ 5 - عدم العلة 6 - وجود العاضد عند الحاجة إليه. وأنواع الضعيف .. كثيرة، لكن يجمعها أمران: الأمر الأول: أن يكون منشأ الضعف فى السند .. إما بسبب سقط .. أو طعن فى أحد الرواة. الأمر الثانى: ضعف منشؤه المتن فمن أنواع الضعف بسبب سقط فى السند: المعلق: وهو ما سقط من أول سنده راو فأكثر على التوالى. ومنه المنقطع: وهو ما سقط من الإسناد رجل غير الصحابى، أو يذكر فيه رجل مبهم. ومنه المعضل: وهو ما سقط منه اثنان فصاعدا، أو يرسله تابع التابعى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم). ومنه المرسل: الذى رفعه التابعى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من غير ذكر الصحابى فجمهور المحدثين لا يحتجون به. (2) وفى حجيته عند الفقهاء خلاف. ومنه الشاذ: بأن يروى الثقة حديثا يخالف ما روى الأوثق أو مجموعة ثقات. ومنه المنكر: وهو الحديث الذى انفرد بروايته ضعيف. ومنه المضطرب: وهو اختلاف روايات الحديث الواحد فى المتن أو السند ولا يمكن الترجيح. وقد يكون سبب الضعف الطعن فى أحد رواة الحديث من جهة العدالة مثل: الكذب، أو الاتهام بالكذب، أو الفسق قولا أو عملا، أو الرمى ببدعة ما، أو بسبب فقد المروءة وقد يكون الضعف بسبب طعن فى الضبط مثل: فحش الغلط .. أو فحش الغفلة .. أو كثرة الوهم فيما يرويه .. وهناك فرق بين الضعيف والمضعّف .. فالضعيف: ما اجتمع أئمة هذا الشأن على ضعفه. والمضعف: كل حديث لم يجتمع الأئمة على ضعفه بل فيه تضعيف لبعض أهل الحديث، وتقوية لآخرين، وسواء كان هذا فى السند أم فى المتن. وبناء على هذا فهو أعلى مرتبة من الضعيف المجمع على ضعفه. ويوجد هذا النوع- المضعّف- فى الكتب التى التزمت شرط الصحة حتى فى صحيح البخارى .. أما حكم رواية الحديث الضعيف والعمل به .. فقد اتفق أهل الحديث على أن الحديث الضعيف الذى اشتد ضعفه لا تحل روايته إلا مقرونا ببيان حاله، وعليه فلا يجوز العمل به مطلقا لا فى العقائد ولا فى الأحكام ولا فى فضائل الأعمال، لأنه لا يصح أن يكون مصدرا من مصادر الدين بحال من الأحوال .. أما الحديث الضعيف ضعفا غير شديد بحيث يقبل الجبر، ويرتقى عند تعدد الطرق إلى الحسن لغيره فمثل هذا النوع موضع خلاف بين أهل العلم، منهم من قبله وعمل به .. ومنهم من منع العمل به وكل ذلك مدون فى كتب المصطلح فلتراجع. أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - انظر مفردات غريب القرآن، للراغب الأصفهانى مادة ضعف. 2 - مقدمة الإمام مسلم، ومقدمة ابن الصلاح. مراجع الاستزادة: 1 - قواعد التحديث للقاسمى ص 108 - 123. 2 - مقدمة ابن الصلاح ومعها التقييد والإيضاح للعراقى. 3 - توضيح الأفكار للصنعانى. 4 - المنهج الحديث فى علوم الحديث (قسم مصطلح الحديث) للشيخ محمد محمد السماحى. 5 - منهج النقد فى علوم الحديث د. نور الدين عتر ط دار الفكر سنة 1399هـ.

18 - الحديث القدسي

18 - الحديث القدسي لغة .. القدسى مأخوذ من قدُس بمعنى طهُر، والتقديس: التطهير والتبريك، والقُدْس: البركة، ومنه روح القدس: وهو جبريل عليه السلام. واصطلاحا .. كلام مضاف إلى الله تعالى منقول إلينا آحادا عنه (صلى الله عليه وسلم) وهو وحى غير متلو، وإضافته إلى الله تعالى وهو الأغلب، ونسبته إليه سبحانه وتعالى نسبة إنشاء" لأنه المتكلم به أولا. وقد يضاف إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) ? باعتبار أنه المخبر به عن الله عز وجل .. ويسمى هذا النوع من الحديث: الحديث القدسى .. أو الإلهى .. أو الربانى والأحاديث القدسية لا تنحصر فى كيفية من كيفيات الوحى، بل بجوز أن تنزل برؤيا النوم. أو الإلقاء فى الروع، أو على لسان الملك .. يذكر العلماء رواية الحديث القدسى فى صيغ متعددة؛ من يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه، وهى عبارة السلف .. أو يقال: قال الله عز وجل فيما يرويه عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو يقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يحكيه عن ربه… أو يقال: جاء فى الحديث القدسى بدون لفظ رواية، ولا حكاية. وهل هناك مغايرة بين: يرويه عن ربه .. ويحكيه عن ربه؟ منهم من يرى المغايرة فيقول: إذا أطلق الصحابة عبارة "فيما يرويه عن ربه " فيراد منه أن النبى (صلى الله عليه وسلم) بلغنا الحديث بلفظه الذى نزل من عند الله عز وجل كما نزل لفظ القرآن، ولذا سمى: قدسيا وأما لفظ الحديث "فيما يحكيه عن ربه " فيراد منه أن النبى (صلى الله عليه وسلم) حكى لنا ذلك اللفظ بلفظ مرادف من كلامه هو (صلى الله عليه وسلم)، ولذا سُمِّى: حديثا. من العلماء من يرى أن عدد الأحاديث القدسية محدودة فى حدود المائة أو تزيد قليلا، ولكن المناوى أوصلها إلى مائتين واثنين وسبعين حديثا كما فى كتابه (الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية). وقد عزاها إلى من خرجها فى كتابه، ولكن كثيرا منها غير صحيح. والحديث القدسى نوعان: (أ) ما كان لفظه ومعناه من عند الله سبحانه وتعالى، وبلغنا إياه الرسول (صلى الله عليه وسلم) دون تصرف منه. والفرق بينه وبين القرآن حينئذ: أن الحديث القدسى وحى غير متلو، والقرآن وحى متلو، متعبد بتلاوته معجز بلفظه، ولا ينزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا فى حال اليقظة ... إلخ (ب) ما كان لفظه من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومنسوب إلى الله عز وجل باعتبار أنه المتكلم به أولا، والمنشئ له. وحينئذ هناك فرق بينه وبين الحديث النبوى باعتبار أن لفظ الحديث النبوى دائما من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم). أ. د مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - فتح المبين لشرح الأربعين ص 201 لابن حجر الهيثمى، ط - عيسى البابى الحلبى. 2 - الوحى إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) للشيخ عبد اللطيف السبكى - إصدار- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 3 - قواعد التحديث للقاسمى، ص 64 - الطبعة الثانية- سنة، 1961 م. 4 - محاضرات فى علوم الحديث، للشيخ/ مصطفى التازى - 1/ 94 - ط الرابعة سنة 1971 م 5 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة (قدس).

19 - الحديث المتواتر

19 - الحديث المتواتر لغة: المتواتر مأخوذ من واتر، بمعنى: تابع، تقول: تواترت الأشياء: تتابعت، وجاء بعضها فى إثر بعض، فهو تتابع متدارك بغير فصل. ورأى الجوهرى أن المواترة بين الأشياء لا تكون إلا إذا وقعت بينها فترة وانقطاع (1)، ومنه قوله تعالى {ثم أرسلنا رسلنا تترا} (المؤمنون 44)، والمعنى: رسولا بعد رسول، ولا شك أن بين كل رسول وآخر فترة من الزمن .. ولكن المعنى الأول هو المراد من التواتر، وما قصده الجوهرى فهو من المواترة. واصطلاحا: هو خبر عن محسوس، أخبر به جماعة بلغوا فى الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه. وعرفه ابن الصلاح بأنه: خبر ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد فى إسناده من استمرار هذا الشرط فى رواته من أوله إلى منتهاه. (2) .. وبناء على التعريف السابق نرى شروط المتواتر تتمثل فى: (أ) أن يكون الخبر مستندا إلى مشاهدة حسية- أى بإحدى الحواس الخمسة- كأن يقول الراوى: سمعت كذا .. أو رأيت كذا .. إلخ (ب) أن يكون عدد المخبرين به بلغ فى الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب فيه ... ولابد من استواء طرفى السند والواسطة فى كمال العدد، ونعنى بهذا أن تكون الطبقة التى شاهدت المخبر عنه قوما كثرا، وهم الصحابة الذين شاهدوا أو عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وسلم). والطرف الثانى وهم الطبقة التى نقلت إلينا هذا الخبر، وأعلمتنا به، وهم الأئمة والعلماء الذين دونوا أو رووا هذا الخبر .. والواسطة ما كان بينهما من طبقات المخبرين .. وبالنسبة للعدد: لم يتفق العلماء على مقدار معين فيه. والصواب أن الضابط فى حصول عدد المتواتر هو حصول العلم بالخبر. أما عن وجود المتواتر فى السنة فقد رأى ابن الصلاح، والنووى أن المتواتر نادر جدا فى السنة، بل زعم البعض عدم وجود المتواتر فى السنة، وفى هذين الاتجاهين إجحاف للسنة، وإعطاء الفرصة للطاعنين فيها. والأصح أن المتواتر موجود فى السنة كثيرا، بدليل أن هذه المصنفات الحديثية الموجودة بين أيدى أهل العلم منذ أكثر من ألف سنة، وصح نسبتها إلى أصحابها، إذا اتفقت على إخراج حديث ما، وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، أفاد العلم اليقينى، وهذا النوع فى تلك الكتب كثير. والمتواتر .. ينقسم إلى قسمين: أ) لفظى، وهو ما اتفق الرواة فيه على لفظ واحد. مثل حديث "من كذب على متعمدا ... " الحديث، رواه نحو المائتين. ب) المعنوى، ما تختلف فيه ألفاظ الرواة، ويتفقون على قد ر مشترك، وذلك بأن يروى قسم منهم واقعة، وقسم آخر واقعة أخرى، ولكنهم يلتقون على قدر مشترك، وهو الذى يسمى المتواتر المعنوى، أو المتواتر من جهة المعنى. مثاله: أحاديث رفع اليدين فى الدعاء، فقد روى عنه (صلى الله عليه وسلم) نحو مائة حديث فيها أنه رفع يديه فى الدعاء، لكنها فى وقائع ومناسبات مختلفة، كل واقعة منها لم يتوافر فيها شرط التواتر، واعتبر فيها القدرالمشترك، وهو الرفع عند الدعاء، تواترا باعتبار المجموع. ولقد جمع العلماء الأحاديث التى توافر فيها شرط التواتر، سواء كان لفظيا أم معنويا، ومن أشهر تلك الكتب: 1 - كتاب الفوائد المتكاثرة فى الأخبار المتواترة للسيوطى ت سنة 911 هـ. 2 - الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة للسيوطى أيضا، اختصر السابق. 3 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتانى. أ. د/ مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - الصحاح للجوهرى، تحقيق أحمد عبد الغفور 2/ 843 مادة (وتر)، ط 2 - 1982 م-. 3 - مقدمة ابن الصلاح تحقيق د/ نور الدين عتر- ص 267 - ط 3 - دار الفكر 984 1 م مراجع الاستزادة: 1 - فتح المغيث للسخاوى- دار الإمام الطبرى 4/ 13، ط 2 - 1992م. 2 - توجيه النظر للجزائرى. 3 - قواعد التحديث للقاسمى 4. نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتانى. 5 - شرح مختصر الروضة للطوفى 2/ 73.

20 - الحديث الموضوع

20 - الحديث الموضوع لغة: الموضوع فى لغة العرب اسم مفعول مأخوذ من " وضع يضع " بفتح المعجمة ماضيا ومضارعا؛ وهو يأتى على معان متعددة منها: الحط والإسقاط، ومنه الوضيعة أى الحطيطة من رأس المال، ويطلق ويراد به الافتراء، وهو المناسب لما نحن بصدده. واصطلاحا .. كل كلام ينسب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) افتراء وزورا، ولم يثبت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قاله، أو فعله .. أسباب الوضع .. هناك أسباب حملت بعض الناس على اختلاق الحديث ونسبته إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعضها يرجع إلى: (أ) الخلافات السياسية التى انتشرت فى العالم الإسلامى فى فترة من الفترات، وترتب عليها انقسام المسلمين إلى طوائف كالشيعة والرافضة والخوارج. وأكثر الفرق كذبا على الرسول (صلى الله عليه وسلم) هم الرافضة الذين وضعوا الأحاديث فى فضل علىٍّ وآل البيت، وفى المقابل وضعوا أحاديث فى ذم الصحابة عموما والشيخين خصوصا. (ب) الرغبة فى التشويش على مبادئ الإسلام، وهذا إنما صدر عن طائفة الزنادقة الذين دخلوا فى الإسلام كراهية، فوضعوا أحاديث، ليضلوا بها الناس، ويفسدوا عقيدتهم وأخلاقهم، ومن أشد هؤلاء الوضاعين: عبد الكريم بن أبى العوجاء، ومحمد بن سعيد المصلوب. (جـ) التزلف إلى الملوك والأمراء بما يوافق أهواءهم. (د) الجهل بالدين مع الرغبة فى الخير. وهناك أسباب أخرى. فلتراجع وللحديث الموضوع علامات يعرف بها، بعضها عن طريق السند وأخرى عن طريق المتن .. فمن علامات الوضع فى السند .. (أ) إما أن يعترف الراوى بالوضع كما حصل من أبى عصمة نوح بن أبى مريم (ب) أو يكون الراوى معروفا بالكذب .. ومن علامات الوضع فى المتن .. (أ) أن يكون الحديث ركيك المعنى، بحيث يكون مخالفا لبدهيات العقول بحيث لا يمكن تأويله .. سواء انضم إلى ذلك ركة اللفظ أم لا. (ب) مخالفته لصريح القرآن أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعى، ويكون غير قابل للتأويل؛ ليوافق ما خالفه. (جـ) اشتمال الحديث على المبالغة فى ثواب عظيم على عمل يسير، أو المبالغة فى الوعيد الشديد على الأمر الهين. وقد قام العلماء بجهد مشكور فى الحفاظ على السنة من أن يدخلها نص موضوع، وكان من ثمار هذا الجهد أنهم حصروا أسماء الوضاعين، وصنفوا كتبا فى الأحاديث الموضوعة .. فجزاهم الله خيرا .. أ. د / مصطفى محمد أبو عمارة

_ المراجع 1 - الحديث والمحدثون- للشيخ محمد أبو زهرة 2 - السنة ومكانتها فى التشريع- د/ مصطفى السباعى 3 - توضيح الأفكار للصنعانى وتعليق الشيخ محمد محيى الدين 4 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية مادة (وضع) دار المعارف

21 - الحرص

21 - الحرص لغة: شدة الإرادة والاجتهاد للحصول على المطلوب، ويطلق ويراد به: الجشع، والحرص: الشق، حرص الثوب: شقة، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: طلب الشىء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد، ومنه قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم ... } النحل:37،أى أن تطلب بجهدك ذلك .. وقد فسر بعض العلماء كلمة (حريص) فى قوله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم} التوبة:128، بأنه -أى الرسول- شحيح عليكم أن تدخلوا النار. لم ترد كلمة الحرص فى القرآن الكريم، وإنما وردت مشتقاتها: مثل (حرصتت) فى سورة يوسف:103 (وتحرص) فى سورة النحل:37 و (أحرص) فى سورة البقرة 98. والحرص: الشره، والحريص: الشره، ويأتى بمعنى الشح والطمع الذى يدفع بصاحبه إلى مساوئ الأخلاق، وارتكاب المنكرات التى تتنافى مع المروءة. وقد جبل الإنسان على الحرص والطمع، ففى الحديث: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث، ولا يملأ فمه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) (رواه الترمذى) ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن شدة الحرص والمبالغة فى الطلب فقال: (إن روح القدس نفث في روعى إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب) (أخرجه ابن أبى الدنيا فى القناعة). ولا يتخلص من الحرص إلا من أدرك عز القناعة، وعزم على وقاية نفسه من ذل الطمع، فاقتصد فى معيشته، وأيقن بأن الرزق الذى قدر له لابد وأن يأتيه، وإن لم يشتد حرصه؛ فإن شدة الحرص ليست هى السبب لوصول الأرزاق، بل بالاجتهاد فى العمل وإتقانه يحصل المرء على وعد الله بأنه يرزق من يشاء بغير حساب. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، مادة (حرص). مراجع الاستزادة: 1 - التفسير الكبير، الرازى، بيروت 1990م. 2 - إحياء علوم الدين، الغزالى، تحقيق محمد الدالى بلطة، بيروت 1992م

22 - الحركة

22 - الحركة اصطلاحا: عرّفها أرسطو بأنها فعل ما هو بالقوة بما هو بالقوة على سبيل التدريج. وقيل: هى كمال بالفعل لما هو بالقوة من جهة ما هو بالقوة، لا من كل وجه. كالانتقال من مكان إلى مكان، فيشغل حيزا بعد أن كان فى حيز آخر، فهى تغير متصل للوضع فى المكان، وقد يكون التغير بالحركة عن طريق الاستحالة من كيفية إلى كيفية كحركة الماء من الكثافة إلى اللطافة بالحرارة. وأنواع الحركة ستة: التكون، والفساد، والنمو، والنقصان، والاستحالة، والتغير بالوضع. والحركة يقتضيها السكون ولا يقال ضدها. وعرّفها آخرون بأنها تبدل حالة الذات، إما فى الوضع وإما فى الكيف، وقيل: هى كونان فى آنين فى مكانين ونقيضها السكون، وهو كونان فى آنين فى مكان واحد. والحركة يصدق عليها من المقولات العشر: مقولات الكم، والكيف، والوضع. فالحركة الكمية: انتقال الجسم من كمية إلى كمية بالزيادة والنقصان، كالأجسام التى يطرأ عليها تغير كمى بالزيادة بالنمو أو النقصان بالذبول والنحافة. والحركة الكيفية: تغير يطرأ على الجسم فينقله من حال إلى حال، أو من كيفية إلى كيفية، كتغير حال الجسم من الحرارة إلى البرودة. والحركة فى الأين وهى النقلة بمعنى انتقال الجسم من مكان إلى مكان أو من أين إلى أين. والحركة فى الوضع: هى الكيفية التى يتم بها انتقال الجسم من وضع إلى وضع آخر مخالف للوضع الأول، كحركة الجسم حركة مستديرة، فإن الحركة المستديرة للجسم تتبدل فيها نسبة أجزاء الجسم إلى المكان الملازم له، كما فى حركة الرحى حول قطبها، وحركة الفرجار حول مركز الدائرة. وقيل: الحركة فى الوضع هى التى لها هوية اتصالية على الزمان، ولا يتصور حصولها إلا فى الزمان. والحركة، إما ذاتية، وإما عرضية. فالحركة الذاتية: ما يكون حدوثها للجسم من ذات الجسم المتحرك، لا من خارجه، كحركة النفس، فإنها ذاتية فيها ولها. أما الحركة العرضية: هى ما كان حدوثها للجسم المتحرك من خارجه لا من ذاته، كحركة الجسم تبعا لحركة السيارة، وحركة راكب السفينة تبعا لحركة السفينة. وقد تكون الحركة إرادية اختيارية، وهى ما كان مبدؤها من ذات الجسم المتحرك لا من خارجه، كحركة الحيوان بإرادته. أما الحركة القسرية: ما كان مبدؤها بسبب من خارج ذات المتحرك، كحركة الحجر إلى أعلا، فإن ذلك خارج عن طبيعة الحجر فى السقوط إلى جهة أسفل. والحركة قد تكون طبيعية وهى ما تحدث لا بسبب خارج عن الجسم المتحرك، لكنها تقع بلا شعور، ولا إرادة منه، كسقوط الحجر إلى جهة أسفل. وقد تكون الحركة بمعنى التوسط؛ بأن يكون الجسم. واصلا إلى حد من حدود المسافة فى كل آن لا يكون الجسم واصلا إلى ذلك الحد قبل ذلك الآن وبعده. وقد تكون الحركة بمعنى القطع، وهى تحصل عند وجود الجسم المتحرك إلى المنتهى. ويكون معناها: الأمر الممتد من أول المسافة إلى آخرها. وتطلق الحركة على العملية الذهنية التى ينتقل فيها الذهن من حال إلى حال ومن فكرة إلى فكرة، إما عن طريق التشكيك، أو التعارض، أو التداخل، ومنه جاء قولهم " الحراك " بمعنى قابلية المجتمع للحركة والتغير والتطور، والحركية" بمعنى عدم الثبات واستمرارية التغير والتطور. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور. ط بيروت، دار صادر 2 - الكشاف للزمخشرى. دار الريان للتراث القاهرة / دار الكتاب العربى بيروت ط3 1987 م 3 - التعريفات للجرجانى. تحقيق د. عبد المنعم الحفنى، دار الرشاد، القاهرة 1991 م 4 - رسالة الحدود لابن سينا. 5 - رسالة الحدود للكندى. 6 - المعجم الفلسفى- مجمع اللغة العربية 7 - المعجم الفلسفى- مراد وهبة وآخرون- ط دار الثقافة

23 - الحزب

23 - الحزب لغة: الحزب- بالكسر- الطائفة، وجَمْعه الأحزاب. واصطلاحا: له عدة معان، منها: 1 - الورد من القرآن الكريم، وهو ما يساوى نصف جزء منه. 2 - الطوائف التى تألبت وتظاهرت على حرب النبى (صلى الله عليه وسلم)، وعرفت باسم الأحزاب، وهم قريش تحت رئاسة أبى سفيان بن حرب، وكان عددهم أربعة آلاف مقاتل، وغطفان يرأسها عيينة بن حصن، وكان معه الف فارس، وبنو مرة يرأسهم الحارث بن عوف المرى، وهم أربعة آلاف، وبنو أشجع يرأسهم مسعر بن رخيلة، وبنو سليم يرأسهم سفيان بن عبد الله وهم سبعمائة، وبنو أسد يرأسهم طليحة بن خويلد الأسدى، وكانت عده الجميع عشرة آلاف مقاتل تحت قيادة أبى سفيان بن حرب، فيما عرف بغزوة الأحزاب. 3 - الجماعة التى تتفق فى عقيدتها الدينية، وقد فرق الحق سبحانه وتعالى بينهم وقصرهم على حزبين، حزب الله وحزب الشيطان، يقول تعالى {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (المجادلة 19) ويقول تعالى {رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} (المجادلة 22) وقد اختص الله سبحانه وتعالى بعض الأقوام من الأمم السابقة بهذا الوصف، يقول تعالى {وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب} (سورة ص 13) ثم شمل الحق تبارك وتعالى بهذا الوصف كل من أهلكه الله من الأمم السابقة، يقول تعالى {وقال الذى آمن يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} (غافر30) وتطلق هذه الكلمة الآن على الجماعات السياسية المختلفة المبادئ فى الأمة الواحدة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1ـ القاموس المحيط للفيروز آبادى. المطبعة الحسينية المصرية 1330 هـ 2 - السيرة النبوية لابن هشام- تحقيق مصطفى السقا وإبراهم الأبياري وعبد الحفيظ شلبى- مطبعة البابى الحلبى- القاهرة سنة 1355هـ / 1936 م 3ـ دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى- دار المعرفة- بيروت- لبنان - ط3 - سنة 1971 م. 4 - الأحزاب السياسية فى مصر- د/ يونان لبيب رزق- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة سنة 1970 م

24 - الحزب السياسي

24 - الحزب السياسي لغة: مفهوم مركب فى كلمتين، الحزب: وهو الطائفة وجماعة الناس، والسياسى: يقال: سست الرعية سياسة: أمرتها ونهيتها. واصطلاحا: الجماعة السياسية المختلفة المبادئ فى الأمة الواحدة ويعرفه "ماسيفر" Maciver بأنه جماعة يتم تنظيمها على أساس تحقيق مبدأ معين أو بلوغ سياسة بعينها، وذلك بواسطة السيطرة على الحكم. فى حين يعرفه " إدموند بيرك " Edmond Burke بأنه هيئة أو مجموعة من الأفراد متحدة بمسعاها الموحد تستهدف تحقيق الصالح القومى على أساس مبادئ محددة متفق عليها. ولعل أول متحزب سياسى فى الإسلام ظهرت بوادره فى الفتنة الشعواء التى شب لهيبها فى أواخر عهد الخليفة الشهيد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وما نجم عنها من انقسام فى حقوق المسلمين، ففريق انحاز إلى الخليفة وانتحل له الأعذار، وفريق انحاز إلى خصومه ووضع لهم مبررات الثورة والخروج، فتشعبت بالناس الآراء وذهبت بهم الظنون، فظهر الخوارج والشيعة ثم المعتزلة ثم المرجئة، وهى فرق وأحزاب وإن اتخذت طابعا دينيا فيما تحمله من أفكار وآراء، إلا أنه لا يمكن بحال تجاهل صبغتها السياسية وأثرها السياسى. وفى العصر الحديث ذهب "روهمر" فى كتابه نظرية الأحزاب السياسية إلى أنه تتميز كل هيئة اجتماعية بأربعة أحزاب سياسية كبيرة تقابل أربعة أدوار من حياة الإنسان، وهى حزب الراديكاليسم أو الأطفال، وحزب الأحرار أى الشبان، وحزب المحافظين أى الرجال المكتهلين، وحزب الإطلاقيين وهم الشيوخ. ويمكن حصر مرامى جميع الأحزاب السياسية فى ثلاثة أهداف: التقدم، الوقوف، التقهقر، ويدخل بينها أشكال لا تحصى ذات فروق ضعيفة، وتحمل كل منها اسما خاصا يتميز به عمن سواء. وللأسماء التى تعطى للأحزاب أهمية كبيرة، اذ إنها تدل على غرض الحزب ومقصده، وعلى الجهاد الذى يبذله، بل وتدل على الأمور التى يمجها ويدحضها، كما يجب أن يكون للحزب نظام صارم يقوم به رجال مخلصون ذوو إرادة صحيحة، وإلا صار حزبا خفيفا لا ينتج فى عالم السياسة شيئا ذا بال. وينبغى التفرقة فى الحزب بين أنماط أربعة على الأقل: أولا: الحزب فى نظام الحكم الليبرالى، وفى هذا النظام فإن الحزب هو الذى يتكون من جماعة منظمة معلنة تعبرعن مصالح طبقة أو شريحة اجتماعية، وتسعى لتحقيق هذه المصالح بالطرق الدستورية، وفى إطار الشرعية، سواء فى المعارضة، أو فى الحكم. ثانيا: الحزب فى نظام الحكم الفاشى، وفى هذا النظام فإن الحزب هو أداة الدكتاتورية المسيطرة على الحكم والتى تقرها الحلول التى تتفق مع مصالحها لعلاج المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وا لسياسية. ثالثا: الحزب فى المفهوم الاشتراكى هو طليعة الطبقة العاملة، ويشترط فيه أن يكون طليعة منظمة يستوعب فى الطبقة أحسن عناصرها، كما ينبغى له أن يكون على رأس هذه الطبقة من ينظر إلى أبعدها، ويقودها إلى مصالحها الحقيقية لا الوقتية، فيكون الحزب والزعيم السياسى للطبقة. رابعا: الحزب فى حركة التحرر الوطنى داخل أنظمة الحكم الاستعمارى وشبه الاستعمارى، وهو فى هذه الحركة قد يمثل حلقة، وقد يكون جبهة، وقد يكون علنيا أو سريا، وقد يسعى لتحقيق غرضه بالطرق المشروعة، وقد يسعى لتحقيقه بالثورة. وعلى اختلاف هذه الأنماط يكون لكل حزب منها وسيلته الخاصة فى نشر مبادئه وأفكاره ما بين صحف أو قنوات إذاعية أو منشورات. ولعل تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر يعطى مثالا واضحا لهذه الأنماط إذ مرت مصر بفترة كانت خاضعة خلالها للاحتلال البريطانى فنشطت الحركات القومية التحررية وما صحبها من نشأة الأحزاب إلى أن تحررت البلاد. وبعد، فإنه لا يستطيع كل إنسان أن يكون تابعا بالضرورة سياسيا، بل إن من الناس من يكون تابعا لكل حزب بالنسبة لكل حسن فيه. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى- دار المعرفة بيروت- لبنان ط3 سنة 1971م. 2 - الفكر السياسى فى الإسلام- جمال بدوى- الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1989 م 3 - الأحزاب السياسية فى مصر- د/ يونان لبيب رزق- سنة 1907، 1914 م مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة سنة 1970 م 4 - مصر قبل عبد الناصر- د/ عبد العظيم رمضان- الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1995 م. 5 - تركيا الفتاة وثورة سنة 1908 م لارنست رامزور- ترجمة صالح أحمد- بيروت سنة 1960 م. 6 - الحزب الوطنى والنضال السرى 1907 - 5 191 م- د/ عصام ضياء الدين- الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987 م 7 - Iborrs, Ronalel;Orientations. London1942

25 - الحزم

25 - الحزم لغة: حزم الأمر: ضبطه واتقنه واستعد له. كما فى المعجم الوسيط (1). واصطلاحا: اتخاذ القرار بفعل أو ترك. ويرتبط معنى الحزم بخصيصتين هامتين فى الإنسان هما: 1 - العقل والتفكير. 2 - الإرادة والاختيار. ذلك أن العاقل يفكر فى المواقف التى تجابهه، فيستثمر علمه وتجربته وما وصله من هدى إلهى فى الموازنة والترجيح ليصل إلى قرار حكيم يناسب الموقف الذى هو فيه، وهنا يختارما أداء إليه عقله وتجربته وفهمه لأحكام دينه، حلا وحرمة ونحو هذا. والحزم لا يعنى ألا يستفيد العاقل من مشاورة من يثق فى نصحهم؛ لأن المشاورة تضىء له جنبات الموقف، ثم هوبعد هذا صاحب القرار الذى سيتحمل مسئوليته، ولذا وجدنا فى القرآن الكريم: {وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} آل عمران:159. والحزم مظهر لاستقلال الشخصية وعدم تذبذبها أو تبعيتها للناس دون تفكير وموازنة، ودون اختيار رشيد، لذا وجدنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لا تظلموا) (رواه الترمذى) (2). ولم يستخدم لفظ "الحزم" فى القرآن الكريم، لكنه استعمل في السنة كثيرا من ذلك ما جاء عن أبى قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبى بكر: (متى توتر؟ قال: أوترمن أول الليل، وقال لعمر: متى توتر؟ قال آخرالليل: فقال -صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر: خذ هذا بالحزم، وقال لعمر: خذ هذا بالقوة) (رواه أبو د اود). والحزم ضرورى لمن يلى أمرا من أمور المسلمين حتى لا تتعدد الآراء وتتأرجح دون قرار يحسم الأمر ويحيله إلى التنفيذ بدلا من حيز الكلام فقط. أ. د/أبو اليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط طبع مجمع اللغة العربية القاهرة سنة1985، مادة (حزم). 2 - سنن الترمذى -كتاب البر والصلة- تحقيق كمال يوسف الحوت -ط دار الكتب العلمية- بيروت ط 1987. 3 - سنن أبو داود باب الوتر

26 - الحساب

26 - الحساب لغة: الحساب مصدر حاسب. وحسب الشىء يحسبه إذا عده. و (حاسبه) محاسبة وحسابا: ناقشه الحساب وجازاه. (يوم الحساب) يوم القيامة (1). والحسيب: اسم من أسماء الله تعالى، وفى التنزيل {وكفى بالله حسيبا"} (النساء6). واصطلاحا: توقيف الله عباده قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم خيرا كانت أو شرا، قولا كانت أو فعلا أو اعتقادا. قال تعالى {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} (غافر 17) وقد اختلف فى معنى محاسبته تعالى عباده على ثلاثة أقوال: أحدها: أن يعلمهم مالهم وما عليهم. الثانى: أن يوقف عباده بين يديه، ويؤتيهم كتب أعمالهم وفيها سيئاتهم وحسناتهم فيقول هذه سيآتكم وقد تجاوزت عنها، وهذه حسناتكم وقد ضاعفتها لكم. الثالث: أن يكلم الله عباده فى شأن أعمالهم وكيفية ما لها من الثواب وما عليها من العقاب. والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة منها {فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون} (الحجر92. 93) وقوله تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} (الأعراف) ويقول (صلى الله عليه وسلم) "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله: من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه " قال الترمذى: حديث حسن صحيح. وفى الصحيحين من حديثى عائشة- - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "من نوقش الحساب عذب،، فقلت: أليس يقول الله ({فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا، وينقلب إلى أهله مسرورا} (الانشقاق 7 - 9) فقال: "إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك" يعنى أنه لو ناقش فى حسابه لعبيده لعذبهم، وهو غير ظالم لهم ولكنه تعالى- يعفو ويصفح. وكيفية الحساب مختلفة وأحواله متباينة: فمنه اليسير، ومنه العسير، ومنه السر، ومنه الجهر، ومنه ما هو بالعدل، ومنه ما هو بالفضل والصفح. ومتولى ذلك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. والناس أمام الحساب على ثلاثة أقسام: قسم يدخل الجنة بغير حساب وقسم يدخل النار بغير حساب. لشدة غضب الله عليهم وهم الكافرون. وقسم يوقفون للحساب. أ. د/ أحمد المهدى

_ المراجع 1 - شرح المواقف، للجرجانى الموقف السادس ص 229 وما بعدها- تحقيق: أحمد المهدى. 2 - شرح الطحاوية، لابن أبى العز الحنفى ص 473 وما بعدها- مكتبة دار البيان بدمشق 1985 م 3 - لوامع الأنوار البهية للسفارينى ج 2 ص167 وما بعدها. المكتب الإسلامى 1991م 4 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية مادة (حسب).

27 - الحساب (علم)

27 - الحساب (علم) يعد الحساب أقدم وأبسط فروع علم الرياضيات، وهو يحوى دراسة الأعداد والطرق الحسابية، وحل المشكلات والمسائل باستخدام الأعداد، ويتضمن ذلك العمليات الأساسية الأربع: الجمع والطرح والضرب والقسمة، مع تطبيق هذه العمليات في مسائل الحياة العامة، ولذلك فإن الحساب هو الأساس الذى يقوم عليه الكثير من الفروع الأخرى للرياضيات كالجبر والهندسة وحساب المثلثات. وقد كان لعلماء الحضارة الإسلامية إسهامات بالغة الأهمية فى تطور علم الحساب، ويزخر التراث الإسلامى بالعديد من كتب الحساب التى كان معظمها مراجع رئيسية في مختلف جامعات العالم، من ذلك: كتاب "المقالات فى علم الحساب" لابن البناء المراكشى، وكتابا "مفتاح الحساب، لغياث الدين حمشيد الكاشى، وكتاب "الجامع فى أصول الحساب" للحسن بن الهيثم، وكتاب "طرائف الحساب" لأبى كامل شجاع بن اسلم، وكتاب "خلاصة الحساب" لبهاء الدين العاملى وغيرها كثير جدا. وكانت لعلماء المسلمين طرق خاصة لإجراء العمليات الحسابية بما يصلح أن يتخذ وسيلة للتعليم فى عصرنا، ولقد انتبه بعض رجال التربية فى أوروبا إلى قيمة هذه الأساليب من منظور تربوى، فأوصوا باستعمالها عند تعليم المبتدئين. من ناحية أخرى هذب علماء المسلمين النظام العددى العشرى المأخوذ عن الهنود، ووضعوه فى الصورة المستخدمة في عصرنا، وأخذ الأوروبيون عن العرب الصفر والأعداد وسموها الأعداد العربية. أ. د/أحمد فؤاد باشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - أساس القواعد فى أصول الفوائد -كمال الدين الفارسى: تحقيق د/مصطفى موالدى -معهد المخطوطات العربية- القاهرة 1994م. 2 - تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك -قدرى حافظ طوفان: دار الشروق- القاهرة، د ت. 3 - أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى دراسات تأصيلية -د/أحمد فؤاد باشا: دار الهداية- القاهرة 1997م

28 - الحسبة

28 - الحِسْبة لغة: اسم من الاحتساب، ويقال: فلان حسن الحسبة حسن التدبير، واحتسب عليه: أنكر، واحتسب بكذا أجرا عند الله: اعتده ينوى به وجه الله. واصطلاحا: وظيفة دينية أساسها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، استلهاما لقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران 104) ولذلك فإن كثيرا من المؤرخين والفقهاء يرجعون نشأة الحسبة إلى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعهد الخلفاء الراشدين، إذ كانت حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ملأى بنهيه عن المنكرات وأمره بالمعروف، فقد روى عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " فقال: أصابته السماء يا رسول الله. قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس " ثم قال (صلى الله عليه وسلم) " من غش فليس منى " (رواه مسلم) (1) وقال (صلى الله عليه وسلم) "إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا: مالنا بد، وإنما هى مجالسنا نتحدث فيها. قال "فان أبيتم إلا ذاك فأعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حق الطريق؟ قال "غض البصر ورد السلام وأمر بمعروف ونهى عن منكر " (رواه البخارى) (2) ومما يذكر أيضا أن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أثناء خلافته ولى الحسبة على سوق من أسواق المدينة لامرأة تسمى "أم الشفاء". ولذا فهناك من المؤرخين من يجعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو أول محتسب فى الخلافة الإسلامية، قال هذا القلقشندى، وأكده حاجى خليفة. ولا شك أن القرآن والسنة وإن كانا يعدان من المصادر الأولى لخطة الحسبة إلا أنه ينبغى لنا أن نفرق بين أعمال الحسبة ومظاهرها كاتباع لنص قرآنى واقتداء لسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وذلك فى عموم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبين الحسبة كوظيفة إدارية لها وضعها المحدد فى الهيكل الإدارى للدولة، حيث لم تعرف هذه الوظيفة الإدارية فى لقبها الاصطلاحى ولقب القائم عليها "المحتسب " إلا منذ أواخر العصر الأموى فى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (105 - 125 هـ/724 م) وأصبحت ذات شأن كبير فى الولايات الإسلامية بعد ذلك فى مطلع القرن الرابع الهجرى. غير أن هناك من المستشرقين من يعود بنظام الحسبة إلى أصل بيزنطى يقول المستشرق ديمو مبين DEMOMBYNES: وإنه ليس ثمة شك فى أن الحسبة اقتبست من البيزنطيين ثم صبغها المسلمون بالصبغة الإسلامية، فقد ورث المحتسب تلك الوظيفة الرسمية بصورة غير مباشرة عن ندّه البيزنطى" (3) ويتابعه فى ذلك الأستاذ الدكتور السيد الباز العرينى حيث يرى أن المسلمين قد فتحوا أقاليم الدولتين البيزنطية والفارسية ووجدوا فيها أنواعا من المدنيات والنظم المختلفة كما وجدوا طبقة مدربة من الموظفين اعتادت العمل فى حكومة الأقاليم فاتخذوها أداة لحكمهم الجديد (4). إلا أن مستشرقا آخر هو الأستاذ جرونياوم Gmunebeaum يقول: إن قضاء الحسبة محاولة لوضع نظام تنفيذى لتلك النصيحة التى أمر بها القرآن للمؤمنين كافة (5) {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (آل عمران 104) ومهما يكن من أمر فإن تاريخ الفتوحات الإسلامية يبرهن على أنه لم يكن هناك وجود لوظيفة الحسبة فى مصر والشام اللتين كانتا خاضعتين للدولة البيزنطية حيث فتح المسلمون هذه البلاد، ولو كان المسلمون اقتبسوا هذه الوظيفة من الروم لأبقوها فى الشام ومصر حين الفتح كما ابقوا سائر الوظائف الإدارية التى لا تتعارض مع الإسلام مما يدلل على أنها وظيفة وجدت طريقها للكيان الإدارى للدولة انطلاقا من تعاليم الإسلام الحنيف ومبادئه التى شملت كافة مناحى الحياة. ولقد تعدّت الحسبة أصولها المثالية الدينية وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى واجبات عملية تتفق والمصالح العامة للمسلمين وتمت هذه الوظيفة بنمو المجتمع الإسلامى وتطور نظمه الاقتصادية وأوضاعه الاجتماعية واتساع رقعته. والى الحسبة: وهو الناظر فى شئون الحسبة فى الدولة الإسلامية وهو موظف يعّينه الخليفة أو الوزير أو القاضى للنظر فى شئون الرعية وكل ما يهمهم فى أسواقهم ومجتمعاتهم ومعاملاتهم ويعين من يراه أهلا لذلك من الأعوان والأنصار ويعاقب على المنكرات التى يفعلها الناس بحسب أهميتها ومقدارها. وكان لاختيار المحتسب شروط منها: 1 - الإيمان 2 - التكليف من أولى الأمر 3 - القدرة. 4 - أن يكون ذا رأى وصرامة وعلم، 5 - العدالة 6 - المعرفة بأحوال المجتمع وأصناف المعايش والمهن وله بها خبرة. إضافة إلى مجموعة من الآداب التى ينبغى أن يكون متحليا بها مثل العفة والقدرة فيما يأمر أو ينهى والحلم والصبر. وقد اعتبر ابن خلدون الحسبة من أهم الوظائف الدينية وجعل ترتيبها الخامسة بين هذه الوظائف بعد الصلاة والفتيا والقضاء والجهاد. وينقسم أعوان المحتسب إلى فريقين: 1 - فريق يقوم بأعمال الضبطية وأعمال الإشراف والتفتيش. 2 - فريق يقوم بتتفيذ الجزاءات التى يوقعها المحتسب. وكانت اوجه نشاطه تتعلق بالعديد من المجالات كالمجال الدينى الاقتصادى والاجتماعى والصحى. ففى مصر كان المحتسب ينادى الناس للاجتماع لصلاة الجمعة ويراقبهم عند أوقات الآذان فى الأسواق وكان يشرف على الجوامع والمساجد ويأمر بكنسها وتنظيفها وكان يختار إمام المسجد والمؤذن ويراعى التزامهما بشروطهما، وكان يشرف على أهل الذمة وضرورة إلزامهم بتنفيذ الشروط التى ينسب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه ألزم أهل الذمة باتباعها. كما كان يشرف على الحمامات وعلى أصحاب الحرف والمهن ويوقف مضايقة الجمهور ويزيل كل ما يعوق المرور ويحكم فيما يظهر من نزاع بين أهل الصناعة الواحدة. كما كان يراقب المرأة وما ينبغى لها أن تكون وما يحرم عليها فعله كأن يمنعهن من الجلوس على أبواب بيوتهن فى طرقات الرجال، أو العوائد القبيحة التى يتبعنها فى الجنائز والمآتم وسلوكهن وسيرهن فى الطرقات. إضافة إلى تعهد النواحى الصحية عند أصحاب المهن والحرف والصيادلة والعطارين 000 إلخ علاقة الحسبة بالقضاء والمظالم والشرطة: تتميز الحسبة بسرعة الفصل فى الأمر حال وقوعه وإثباته وكانت تقتصر على ميادين خاصة لأن المحتسب لا يتصدى لدعوى العقود والمعاملات وليس من شأنه أن يحكم فيما يدخله الإنكار بحيث يحتاج فى الإتيان إلى بينة أو يمين وهو مجال القضاء0 وكانت المظالم للنظر فيما عجز عنه القضاة والمحتسب فى حين لم تكن الشرطة عامة التنفيذ فى طبقات الناس وإنما كان حكمهم على الدهماء وأهل الريب والضرب على أيدى الرعاع والفجرة. وهكذا لم تكن الحسبة منعزلة عن القضاء والمظالم والشرطة وإنما كانوا معا يمثلون دعامة قوية للعدالة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 صحيح مسلم كتاب الإيمان 164، سنن أبى داود كتاب البيوع 50. 2 - صحيح البخارى كتاب المظالم 22. 3 - النظم الإسلامية ترجمة فيصل السامر وصالح الشماع بغداد 1952 م. 4 - الحسبة فى بيزنطة د. الباز العرينى، القاهرة. 5 - حضارة الإسلام - تأليف جرونيوم - ترجمة. عبد العزيز جاويد، القاهرة 1945 م. مراجع الاستزادة: 1 ـ نهاية الرتبة فى طلب الحسبة لابن بسام مخطوط بدار الكتب تحت رقم 614 اجتماع طلعت. 2 - صبح الأعشى للقلقشندى. 3 - ثلاث رسائل أندلسية فى الحسبة والمحتسب - نشر- ليفى بروفتسال، القاهرة، 1955 م 4 - نهاية الرتبة فى طلب الحسبة، الشيزرى تحقيق ونشر الدكتور الباز العرينى. القاهرة 1946 م. 5 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردى ط 1 القاهرة 1966 م دار البازالعرينى. 6 - الحسبة فى بيزنطة، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة. 7 - العبر وديوان المبتدأ والخبر والمقدمة لابن خلدون - ط 1 - القاهرة 1930 م. 8 - الحسبة فى مصر الإسلامية - سهام مصطفى أبو زيد - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986 م.

29 - الحسد

29 - الحسد لغة: يقال حسده، يحسدُه، وحسَّده: إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضله، أو يسلبهما هو،: والحسود: من طبعه الحسد ذكرا كان أم أنثى. والجمع حُسَّد، وحُسَّاد، وحَسَدَة، والمحسدة: ما يحسد عليه الإنسان من مال أوجاه، ونحوهما، كما فى الوسيط (1). الحسد ظاهرة نفسية لا ينكرها أحد، فقد وردت كلمة حسد فى الآداب الإنسانية، كما جاء الحديث عن "الحسد" فى الكتب المقدسة، أما تأثير الحاسد فى المحسود بواسطة العين فقد اختلف فيه، إذ من المعتقدات الشائعة بين جميع الشعوب أن من الناس (الحاسد) من يملك قوى يمكنها إلحاق الضرر بالآخرين (المحسودين) سواء كان هؤلاء الآخرون: أناسا، أو حيوانات أو نباتات أو أى شىء، حتى ولو كان جمادا -بمجرد النظر إليه أو عن طريق إرسال شعاع العين إليه- أى أن الضرر ينتقل من عين الرائى -وهو الحاسد- إلى المرئى -وهو المحسود- بمجرد نظر صاحب العين الشريرة إليه أو حديثه عنه، سواء كان مدحا، أو إعجابا، أو كان مجرد وصفا له أو تقريرا لهيئته وشكله. وقد تحدثت الكتب السماوية عن إلحاق ضرر الحاسد للمحسود بواسطة العين فقد ورد فى إنجيل متى (20:17): أو ما يحل لى أن أفعل ما أريد، أن عينك شريرة لأنى صالح ". أما فى الفكر الإسلامى، فقد علل الجاحظ الإصابة بالعين: بأن لكل حادث سببا، وما دامت الإصابة لا سبب لها سوى رؤية العين، فينبغى التصديق: بأنه قد انفصل شىء من عين العائن فأصاب المعيون، ويعتبر ابن القيم من أشد المؤمنين بالعين حيث جمع الأحاديث التى تتعلق بهذا الموضوع سواء كانت تخبر عن الإصابة بالعين، أو توصى بالرقى لدرء الحسد، أو تصف طريقة علاج المحسود، ثم يعقب على ذلك بالهجوم على من ينكر الإصابة بالعين، مستشهدا بآراء من سبقوه، فيقول: "وعقلاء الأمم -وعلى اختلاف مللهم ونحلهم- لا تدفع أمر العين، ولا تنكره، وإن اختلفوا فى سببه ووجهة تأثير العين، فقالت طائفة: أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعثت من عينه قوة سمية تتصل بالعين ليتضرر ... الخ" ومما يؤخذ من كلام ابن القيم: إن الحسد ليس حالة نفسية تصيب المحسود فقط، بل لعين العائن آثار ضارة تصيب المعيون، وقد تصل الإصابة إلى حد إدخال الرجل القبر والجمل القدر، أى أن العائن قادر على إماتة الأحياء، وإهلاك الزرع والضرع .. حتى ولو كان أعمى. وذكر الحارث المحاسبى أنواع الحسد، ومجالاته، ودوافعه، وأضراره، وبين أن المحسود لا يلحقه الضرر من عين العائن، ولا يصيبه شىء من الحاسد إلا إذا تجاوز الحسد القلب إلى الجوارح، فسلك الحاسد مسالك تؤدى إلى إلحاق الضرر بالمحسود، كتدبير المؤامرات لافساد العلاقة بينه وبين مصادر نعمته، أو اتخاذ تدابير تؤدى إلى زوال ما يتمتع به المحسود من النعم، أو الاعتداء على النفس والأرواح بما يصيبها أو يهلكها، ولم يسم هذا حسدا، بل يرى أنه عمل دفع الحسد إليه. أما الأمام أبو حامد الغزالى فقد تناول حديثه عن الحسد تسع نقاط هى: ذم الحسد، حقيقته، أقسامه، حكمه، مراتبه، أسبابه، سبب كثرته بين الأمثال والأقران، دواؤه، القدر الواجب في نفيه. فهو يرى أن الحسد ليس مرضا عضويا، بل هو من أمراض القلوب، ولا يداوى إلا بإلعلم، وأنه لا ضربى فيه على المحسود فى الدنيا والآخرة إذ يقول: "وأما أنه لا ضرر فيه على المحسود فى دينه ودنياه فواضح، لأن النعمة لا ترول عنه بحسدك، بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة، فلابد أن يدوم إلى أجل معلوم قدره الله سبحانه وتعالى، فلا حيلة في دفعه، بل كل شىء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب، فإذا لم تزل ألنعمة بالحسد، لم يكن على المحسود ضرر فى الدنيا، ولا يكون عليه إثم فى الآخرة. ولعلك تقول: ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدى وهذا غاية الجهل، فلو كانته النعمة تزول بالحسد لم يبق الله عليك نعمة ولا على أحد من خلقه، ولا نعمة الإيمان أيضا لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان، قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسم .. } البقرة:109. وقد نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تخبرعن إمكانية وجود الحسد ووقوع ضرر من عين الحاسد بالمحسود، وتوصى بتلاوة نصوص محددة للتعاويذ والرقى للحماية من عين الحاسد، كما شرحت، أحاديث أخرى العلاج من ضرر الحسد .. أما فى القرآن الكريم فقد وردت كلمة "الحسد" فى أربع آيات: البقرة:109، النساء:54، الفتح:15، الفلق:5) كما وردت ألفاظ تتضمن معنى الحسد فى آيات أخرى: (البقرة:90، 213، الحسد فى آيات أخرى: (البقرة:90، 213،آل عمران:19، الشورى:14، الجاثية 17). وقد أول المنكرون لتأثير عين الحاسد فى المحسود كل ما ورد فى القرآن الكريم وخاصة فى قوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} الفلق:5، فقالوا فى تفسير هذه الآية "وتقييد الاستعاذة من شره بوقت: "إذا حسد"؟ لأنه حينئذ يندفع إلى عمل الشر بالمحسود، حين يجيش الحسد فى نفسه، فتتحرك له الحيل والنوايا، لالحاق الضرر به" أى أن الضرر لا يأتى من العين، بل من عمل الحاسد، حين يدفعه حسده إلى إلحاق الضرر بالمحسود، أما ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قبلوا ما أخبر به عن وقوع الحسد لأن وجوده فى النفس الإنسانية مسلم به إلا أنه لا يتعدى كونه ظاهرة نفسية لدى الحاسد، أما الأحاديث التى تتحدث عن الأضرار التى تصيب المحسود عن طريق غير الحاسد فقد ردوها لضعف سندها أو لتناقض معناها مع مبادىء الإسلام وتعاليمه، مثل الحديث المشهور: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر)، إذ لم يرد هذا الحديث فى أى من كتب الحديث التسعة، وإنما ذكره أبو نعيم الأصفهانى فى الحلية، قال الصابونى: "بلغنى أنه قيل له -أى لراويه شعيب بن أيوب الأنصارى-: ألا ينبغى أن تمسك عن هذه الرواية، ففعل). أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة "مادة: حسد"،1/ 178. مراجع الاستزادة: 1 - الحسد فى القرآن الكريم، محمد شامة، القاهرة 1992م. 2 - زاد المعاد، لابن القيم، بيروت 1985م. 3 - الرعاية لحقوق الله، الحارث المحاسبى، تحقيق عبد الحليم محمود، القاهرة 1984م

30 - الحشر

30 - الحشر لغة: الجمع، "حَشَرْتُ الناسَ أَحْشِرهُمْ وأَحْشُرُهُمْ حَشْراً: (جَمَعْتُهُمْ) ومنه يومُ الحَشْر. والحاشر: اسم من أسماء النبى (صلى الله عليه وسلم). واصطلاحا: الحشر: عبارة عن سوق الخلائق بعد بعثهم ونشرهم أحياء من قبورهم، وجمعهم فى أرض المحشر. قال تعالى.: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} (الكهف 47) وقال تعالى: {ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} (الأنعام 12) وقال تعالى {يوم ينفخ فى الصور فتأتون أفواجا} (النبأ 18) أى زمرا. قال أبو هريرة- y" إن الله تعالى يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان ". وقال ابن عباس- رضى الله عنهما - فى قوله تعالى {وإذا الوحوش حشرت} (التكوير5) يحشر كل شىء. والحاصل أن الله- تعالى- يجمع فى ذلك اليوم الأولين والآخرين حتى لا يدرى الشخص أين يضع قدمه لشدة الزحام. ولهذا اليوم أهوال وشدائد تذيب الأكباد، وتذهل المراضع، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} (الحج 2,1) {يوم يقوم الناس لرب العالمين} (المطففين 6) {يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا} (النبأ 38). وفى هذا اليوم العظيم تدنو الشمس من الرؤوس، روى مسلم فى صحيحه: "تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون كمقدار ميل " قال سليم بن عامر: ما أدرى ما يعنى بالميل: مسافة الأرض، أو الميل الذى تكحل به العين. قال: (فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما) وأشار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى فيه. وقد أخبر الله تعالى- بأن هذا اليوم كألف سنة، وفى آية أخرى كخمسين ألف سنة، ولا تنافى فى ذلك فكل يرى هذا اليوم بحسب عمله حتى المؤمن يرى أنه أخف من صلاة مكتوبة. كما ورد أن سبعة أصناف من المؤمنين لا يشعرون بأهوال هذا اليوم، لأن الله تعالى يظلهم فى ظله يوم لا ظل إلا ظله. وأما أنواع الحشر فهى أربعة قال اللقانى فى شرح جوهرة التوحيد وأنواع الحشر أربعة: اثنان فى الدنيا: أحدهما: إجلاؤه عليه السلام اليهود، وثانيهما: سوق النار الناس قرب قيام الساعة إلى المحشر. واثنان فى الآخرة: أحدهما: جمعهم إلى الموقف بعد إحيائهم والثانى: صرفهم من الموقف إلى الجنة أوالنار. والحشر من الأمور السمعية التى يجب الإيمان بها: لأنه ثبت بالكتاب، والسنة، والإجماع. أ. د/ أحمد المهدى

_ المراجع 1 - انظر لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفارينى 2/ 168 وما بعدها- طبع المكتب الإسلامى- بيروت الطبعة الثالثة. 2 - شرح المواقف للجرجانى الموقف السادس ص 184 وما بعدها تحقيق ونشر د. أحمد المهدى. 3 - معجم الصحاح للجوهرى مادة (حشر)

31 - الحقوق

31 - الحقوق لغة: يقال حقَّ الأمر: صحَّ وثبت، قال تعالى {لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين} (يس 70)، والحق خلاف الباطل، والحق: اسم من أسماء الله تعالى، والحق: الثابت بلا شك. والحق: النصيب الواجب للفرد والجماعة وحقوق الله ما يجب علينا له، وحقوق الدار: مرافقه كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: الثابت الذى لا يسوغ إنكاره. (2) وهو قسمان: حقوق الله، وحقوق العباد. وحقوق الله: ما لا مدخل فيها للصلح، كالحدود والزكوات والكفارات وغيرها. وحقوق العباد: هى التى تقبل الصلح والإسقاط والمعارضة عليها (3). والحق عند علماء أصول الفقه يعنى: (أ) أن الحق هو الحكم وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. (ب) الحق هو الفعل، فحق الله تعالى هو أمره ونهيه الذى هو عين العبادة (4)، والحق عند العلماء ما يستحقه الرجل (5). ومصدر الحق هو الله تعالى لتنظيم حياة الخلق حتى يكونوا سعداء فى الدنيا والآخرة فما أثبتته الشريعة حقا فهو حق، وما لم تثبته فليس بحق قال تعالى {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} (يوسف 40) وتنقسم الحقوق باعتبار عموم النفع وخصوصه إلى: الأول: حقوق الله الخالصة وهى ما يتعلق به النفع العام للعالم فلا يختص به أحد وهى أنواع منها: 1 - عبادة خالصة مثل الصلاة، وصوم رمضان. 2 - عبادة فيها معنى المئونة مثل صدقة الفطر. 3 - مئونة فيها معنى العبادة مثل زكاة الزروع. 4 - مئونة فيها معنى العقوبة مثل الخراج على الأرض الزراعية. 5 - حقوق دائرة بين العبادة والعقوبة، وهى الكفارات مثل كفارة الظهار، وكفارة الحنث فى اليمين. 6 - عقوبة خالصة، وهى الحدود مثل حد السرقة. 7 - عقوبة قاصرة، وهى حرمان القاتل من الإرث، وإنما كانت قاصرة، لأنه لم يلحق القاتل ألم فى بدنه، ولا نقصان فى ماله. الثانى: حق العبد الخالص، وهو ما كان نفعه مختصا بشخص معين، مثل حقوق الأشخاص المالية. الثالث: ما اجتمع فيه حق الله وحق العبد ولكن حق الله غالب. مثل: حد القذف بعد تبليغ المقذوف وثبوت الحد على القاذف، فللعبد الحق فى حد القذف لأنه المقذوف بالزنى فقد اتهم فى عرضه ودينه. وهو حق لله لأن القذف بالزنى مساس بالأعراض علنا مما يؤدى إلى شيوع الفاحشة. وغلب حق الله لكى يتحتم إقامة الحد على القاذف: لاعتدائه على المقذوف، ولكى يمنع المقذوف من التنازل أو الصلح. الرابع: ما اجتمع فيه حق الله وحق العبد ولكن حق العبد غالب. مثل القصاص من القاتل عمدا وعدوانا فلله فيه حق لأنه اعتداء على المجتمع واعتداء على عبده الذى حرم دمه إلا بحق، وللعبد فى القصاص حق، وغلب حق العبد، لأن ولى المقتول يملك رفع القصاص أو عدم رفعه. وقد قسم ابن رجب حقوق العباد إلى خمسة أقسام هى: (أ) حق الملك (ب) حق التملك كحق الوالد فى مال ولده، وحق الشفيع فى الشفعة. (جـ) حق الانتفاع كوضع الجار خشبة على جدار جاره إذا لم يضره. (د) حق الاختصاص مثل مراجعة الأسواق والجلوس فى المساجد. (هـ) حق التعلق لاسيتفاء الحق مثل تعلق حق المرتهن بالرهن (6). والأصل أن حقوق الله سبحانه وتعالى- سواء كانت عبادات كالصلاة، أم كانت عقوبات كالحدود، أم كانت مترددة بين العقوبة والعبادة كالكفارات، أم غير ذلك من الحقوق التى تثبت للعبد بصفة ذاتية بمقتضى الشريعة، كحق الأبوة والأمومة، وحق الابن فى الأبوة والنسب. لا تقبل الإسقاط من أحد من العباد، لأنه لا يملك الحق فى ذلك (7) ومن حاول إسقاط حق من حقوق الله تعالى يقاتل كما فعل أبو بكر yبمانعى الزكاة (8). وحق العباد بالنسبة للإسقاط وعدمه يشمل الأعيان والمنافع والديون والحقوق المطلقة، وهى التى ليست عينا أو دينا ولا منفعة (9). والأصل أن كل صاحب حق لا يمنع من إسقاط حقه إذا كان جائز التصرف. والعين ما تحتمل التعيين مطلقا كالعروض من الثياب والعقار والموزون، ومالك العين يجوز له التصرف بالنقل على الوجه المشروع من بيع وغيره، والعين على الجملة لا تقبل الإسقاط، أما على التفصيل فيجوز فى بعضها الإسقاط كالعتق إسقاط لملك الرقبة. والدين والمنافع يجوز إسقاطها والاعتياض عنها بالاتفاق. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 1/ 194 وما بعدها دار المعارف ط3 القاهرة. 2 - التعريفات للجرجانى ص 79. 3 - أعلام الموقعين 1/ 108 لابن قيم الجوزية، مطبعة السعادة مصر. 4 - تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية 1/ 157. 5 - البحر الرائق 6/ 148. 6 - قواعد ابن رجب 1/ 118. 7 - الفروق للقرافى 1/ 140 وما بعدها، مغنى المحتاج 4/ 194. 8 - البدا ئع 2/ 35، وا لمهذب للشيرازى 1/ 148. 9 - البدائع 6/ 42 وما بعدها كشاف القناع3/ 360 وما بعدها.

32 - حقوق الإنسان

32 - حقوق الإنسان لغة: الحقّ نقيض الباطل، جمعه حقُوق وحقاقٌ وحَقَّ الأمر يَحِقُّ حقا وحقوقا: صار حقا وثبت. وأحقه: كان منه على يقين (كما فى اللسان) (1) وقد وردت فى القرآن مادة (ح. ق. ق) فى مائتين وثلاثة وثمانين موضعا بدءا من سورة البقرة فى قوله تعالى {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} (آية 26) وانتهاء بسورة العصر فى قوله جل وعلا: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (آية 3) وقد جاءت فى صور الكلمات الآتية (حق- حقت- بحق- استحق- بالإفراد والتثنية" الحق- حقا- حقه- حق- حقيق). وفى السنة النبوية جاءت فى مائة وثمانية وخمسين حديثا (2). واصطلاحا: يقصد بها حفظ الضروريات الخمس للإنسان وهى: النفس والعقل والدين والمال والنسل. فحقوق الإنسان فى الإسلام أشمل وأعمق من حقوق الإنسان فى الوثائق الوضعية لأن مصدرها كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) فالإسلام تناول الحق وقرره، وساوى فيه بين الناس، مما أعلى من قيمهم الإنسانية: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات 13) وجاء فى خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى حجة الوداع: " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد فكلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربى فضل على أعجمى إلا بالتقوى ". إن إقرار حقوق الإنسان بمفهومها الإسلامى وأهمها حقه فى الحرية والمساواة تعد مدخلا لإقامة المجتمع الصالح وبما أن الأسرة نواة المجتمع نجد الإسلام يحوطها بحمايته ويهيئ لها كل أسباب الاستقرار والتقدم. أما بالنسبة للمجتمع ككل فالسلطة فيه تعد أمانة فى عنق الحاكم، وتقرر فيه السياسات التى تنظم شئونه طبقا لمبدأ الشورى وتتوافر فيه الفرص المتكافئة للجميع، حتى يتحمل كل فرد فيه مسئولياته بحسب قدرته وكفاءته. وبهذا قضى الإسلام على الطائفية وأساليب التفرقة بين الطبقات وجعل المساواة حقا مقررا فى الإسلام: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} (فصلت 46). وفى الحدود يعلن النبى (صلى الله عليه وسلم) عن ربه: {ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف 49) ومن أجل ذلك يقول لمن تشفع عنده فى حد من حدود الله: (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها). وأقر الإسلام حق الملكية للأفراد ومنع الاعتداء عليها حيث نسب المال إلى أصحابه: {واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة} (الأنفال 28) فقال تعالى: أموالكم فنسب المال إلى أصحابه. وتستمد حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية من أربعة مصادر: أولا: القرآن الكريم وهو الأصل الذى تتفرع منه كل المصادر وقد وضع المبادئ التالية: 1 - الدعوة إلى حياة إنسانية فاضلة من غير تمايز. 2 - الأمر بالمعروف الذى عرفته الشريعة الإسلامية. 3 - حماية حقوق الإنسان الأساسية من عدم الإكراه فى الدين وحرمة دمه وحق كل إنسان فى العمل وملك ثمراته وضمان حريته الشخصية وحصانة بيته وصيانة ماله وضمان العدالة فى الحكم. ثانيا: السنة النبوية المشرفة وهى فى جملتها تابعة للقرآن الكريم تفصل ما أجمله. ثالثا: الإجماع وقد اعترف القرآن والسنة بالإجماع كأصل ثالث من أصول الشريعة. رابعا: الاجتهاد: ويقصد به الرأى الذى يصدر عن علماء الشريعة فى كل زمان ومكان. وبهذا فقد قرر الإسلام للإنسان قوانين لم تبلغ إليها القوانين الحديثة لصون كرامة الإنسان وحقوقه (3)، وفى العصر الحديث نادت أصوات غربية تندد بالظلم وتنادى بالمساواة وإقامة العدل بين الناس مما شجع على ظهور حركة تحرير العبيد، والتمرد على الاستبداد بكل أشكاله، وتجلى ذلك فى تلك الوثيقة التى وضعت، وبدأت الدول تعمل على تقريرها وحمايتها منذ عام 1215م عندما أعلنت الوثيقة الإنجليزية تمرد البارونات على عهد الملك جون. أما فى فرنسا فقد صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 789 1م وقد ألحق بدستور سنة 791 1م الذى نص على (أن الناس خلقوا أحرارا ومتساوين فى الحقوق وأن هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التى لا تقبل السقوط (4). وإذا نظرنا إلى إعلان حقوق الإنسان بعد الثورة الفرنسية سنة 789 1م والإعلان العالمى لحقوق الإنسان سنة 1948 م ومبادئ القانون الدولى العام والأعراف الدولية، تجدها جميعا تتباهى بما تنطوى عليه من ذكر لحقوق الإنسان، على الرغم من أن التمييز مازال قائما بين الأفراد فى البلد الواحد وبين الدول بعضها البعض وحسبنا فى ذلك أن هذه المصادر والقوانين من صنع البشر حيث تختلف لديهم معايير المساواة فى الحقوق والواجبات كما تختلف معايير الحرية التى يتمتع بها الإنسان. رغم كون الإعلان ترديدا عاديا لبعض الوصايا النبيلة التى تلقاها المسلمون عن الرسول الكريم (5). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب مادة (حقق) ج 1 ط. دار صادر بيروت 2 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى 10/ 483 3 - حقوق الإنسان فى الإسلام ورعايته للقيم والمعاش الإنسانية، الأزهر مجمع البحوث الإسلامية ص 35 سنة 1391 هـ 4 - حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون الدولى (بحوث ودراسات، محمد الحسين مصيلحى ط. دار النهضة القاهرة 1988 م. 5 - حقوق الإنسان فى الإسلام بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة- محمد الغزالى ص 9 1984 م. مراجع الاستزادة: 1 - حقوق الإنسان فى الإسلام والرد على الشبهات المثارة حولها سليمان بن عبد الرحمن الحقيل ط. مكتبة الملك فهد الوطنية 1997 م 2 - الحقوق المعنوية للإنسان بين النظرية والتطبيق. دار الفكر العربى القاهرة 1990 م. 3 - حقوق الإنسان بين دعاوى الغرب وأصالة الإسلام- مجلة الدراسات الدبلوماسية العدد 1406 هـ. 4 - حقوق الإنسان والتمييز العنصرى عبد العزيز الخياط. دار السلام 1409 هـ.

33 - حقوق المرأة فى الإسلام

33 - حقوق المرأة فى الإسلام يكتسب موضوع حقوق المرأة فى الإسلام حيوية متزايدة، بما يثيره من جدل حول الحقوق وممارستها، وما يتصل بذلك من أسانيد وتأويلات، فضلا عن مساحات تتداخل فى الموضوع من عادات وتقاليد متوارثة فى وقت تتسارع فيه خطى التغيرات وطبيعة التحديات. ونبادر إلى القول إلى أن الفهم الشامل والواعى لحقوق المرأة فى إطار أهداف الشريعة الكلية يمثل التزاما دينيا وأخلاقيا وإنسانيا أمام المسلمين. ولقد حسمت الشريعة الغراء قبل غيرها المساواة فى الإنسانية دون تمييز بين البشر جميعا أو بين رجل وامرأة {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} الحجرات:13. وكفلت الشريعة للمرأة حقوقها المدنية والمشاركة فى الحياة العامة كعنصر فعال فى المجتمع الإنسانى، وقضى الإسلام على ما ساد المجتمعات الانسانية قبله من تفرقة بين الرجل، والمرأة أمام القانون أو فى الحقوق العامة أو فى القيمة، قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم} الإسراء:70. وقال: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرأوأنثى بعضكم من بعض} آل عمران:195. وقال: {للرجال نصيبا مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} النساء:32. وسمح الإسلام للمراة بدور فعال فى المجتمع والحياة العامة، ودعاها للعلم والمعرفة، وهى تتمتع -كالرجل- بحقوقها المدنية ومن بينها العمل والاتجار وتولى الوظائف، كما اعترف بحقوقها السياسية فى قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة:71. وجاءت أحوالها الشخصية -من أسرة وزواج وطلاق ورعاية طفل ومسئولياتها- راسخة الصلة بالمنظور الإسلامى للأسرة والمجتمع وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، لما فيه صلاح المجتمع والأمة فى إطار المساواة فى القيمة والكرامة دون نظرة دونية، تتأسى على سوء الفهم أو البعد عن الممارسة السليمة. ولقد سبق الإسلام غيره فى كل ذلك من عدة قرون حيث تأسست النظرة الإسلامية على مبدأ مساواة المرأة بالرجل، ومراعاة الاختلاف بينهما فى القدرات الطبيعية كما خلقها الله (1). والتكامل بينهما لخدمة المجتمع، وهى نظرة عميقة أبعد ما تكون عن دعاوى التهميش. وللموضوع فضلا عن ذلك أبعاده فى الإطارين الإسلامى والدولى، ففى الاطار الإسلامى اتفقت الدول الإسلامية على إصدار ميثاق حقوق الانسان فى الاسلام، ومن بين ما يقرره أن الأسرة هى الأساس فى بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها .. كما تنص المادة السادسة فى الإعلان على أن المرأة مساوية للرجل فى الكرامة الإنسانية (1). ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة، وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها، وأن على الرجل عبء الأنفاق على الأسرة ومسئوليته ورعايتها .. كما تنص المادة الخامسة والعشرون على "أن الشريعة الإسلامية هى المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أى مادة من مواد هذه الوثيقة" (2). وإذا تناولنا الاطار الدولى للموضوع فالشرعية الدولية لحقوق الإنسان بما فى ذلك حقوق المرأة تتضمنها ثلاثة وثائق رئيسية هى: 1 - الإعلان العالمى لحقوق الإنسان 1948. 2 - العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966. 3 - والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية 1966، والاتفاقيات المنبثقة عنها. وقد انعكست معالم واضحة فى الفكر الغربى (3) فى هذه الإعلانات التى يستهدف حماية مجمل حقوق الانسان اللازمة لممارسة حياة آمنة، وهى أهداف سبقت إليها الشريعة الإسلامية وقررتها وحددتها، وتبقى الممارسة السليمة علامة هامة على طريق تحقيق هذه الأهداف. السفير/نبيل محمد بدر

_ الهامش: 1 - حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية د/إبراهيم العنانى. 2 - ميثاق حقوق الإنسان فى الإسلام. 3 - Islam Tradition and Politics by Mayer. مراجع الاستزادة: 1 - حقوق الإنسان فى الإسلام، د/على عبد الواحد وافى، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 2 - مصر وحقوق الإنسان، د/محمد نعمان جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993م. 3 - حقوق الإنسان (لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،) صحيفة وقائع الأمم المتحدة، وثائق الأمم المتحدة

34 - الحقيقة المحمدية

34 - الحقيقة المحمدية الحقيقة المحمدية اصطلاح ظهر متأخرا فى أدبيات التصوف الاسلامى، وهو يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن حقيقته النورية هى أول الموجودات فى الخلق الروحانى، ومن نورها خلقت الدنيا والآخرة، فهى أصل الحياة، وسرها السارى فى كل الكائنات والموجودات الدنيوية والأخروية. وللحقيقة المحمدية أسماء أخرى عديدة، مثل: "حقيقة الحقائق" و"أول موجود فى الهباء" و"العقل الأول" و"التعين الأول" والقائلون بهذه النظرية يؤكدون على أن الأنبياء والرسل السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم هم فى حقيقة الأمر نوابه وورثته، وأن دورهم فى التاريخ إنما هو تجسيد للحقيقة المحمدية، أو الروح المحمدى قبل ظهور جسده الشريف. ومن الحقيقة المحمدية يستمد كل الأنبياء والأولياء والعارفين علومهم وأنوارهم الإلهية. وبهذا الاعتبار سمى محمد صلى الله عليه وسلم بنور الأنوار وأبى الأرواح، وسيد العالم بأسره، وأول ظاهر فى الوجود. أما ظهور الجسد المحمدى فهو الصورة العنصربة لمعنى حقيقته النورية. والنبى صلى الله عليه وسلم فى مفهوم هذه النظرية، هو الجد الأعلى للأنبياء والنبى الخاتم فى آن واحد. ويستند الصوفية فى نظريتهم هذه إلى ظواهر من نصوص القرآن والسنة النبوية ومأثورات السلف الصالح، مثل قوله تعالى: {جاءكم من الله نور وكتاب مبين} المائدة:15، وقوله تعالى: {وسراجا منيرا} الأحزاب:46، ومثل حديث ( ..... متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد) (مسند الإمام أحمد 4/ 66. الترمذى، مناقب، 1)، وقول الإمام مالك، وهو يناظر أبا جعفر المنصور، ويأمرء باستقبال القبر الشريف فى دعائه: " .. إنه وسيلتك ووسيلة أبيك آدم ". وللصوفية مروياته أخرى ردها علماء الحديث وأنكروها عليهم. أ. د/أحمد الطيب

_ مراجع الاستزادة: 1 - الفتوحات المكية لابن عربى، 1:243 244. 2 - لطانف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، عبد الرزاق القاشاتى، 1:426. 3 - سبل الهدى والرشاد للصالحى، 1:89 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1993. 4 - شفاء السقام للفقيه المحدث تقى الدين السبكى، دار جوامع العلم، القاهرة، ص73، 74. 5 - رسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه، 4:8، 70، 94 مكتبة وهبة القاهرة 1992. 6 - التصوف فى تراث ابن تيميه د/الطبلاوى محمود ط الهيئة العامة للكتاب. 7 - التعريفات للجرجانى، ط البابى الحلبى، ص81

35 - الحكم التكليفي

35 - الحكم التكليفي اصطلاحا: هو خطاب الله تعالى الذى يقتضى طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل أو تخييره بين الفعل والكف عنه (1). فمثال طلب الفعل: قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} (البقرة 43) ومثال طلب الكف قوله تعالى {ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق} (الإسراء33)، ومثال التخيير بين الفعل والكف قوله تعالى {وإذا ضريتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} (النساء101) سبب تسميته حكما تكليفيا: أنه يتضمن التكليف بفعل أو ترك فعل أو التخيير بينهما. أقسام الحكم التكليفى: ينقسم الحكم التكليفى باعتبار ما اشتمل عليه من طلب أو تخيير إلى خمسة أقسام (الإيجاب- الندب- التحريم- الكراهة- الإباحة) وذلك أن طلب الفعل إما أن يكون جازما أو غير جازم فالأول الإيجاب والثانى الندب، وطلب الكف إما أن يكون جازما أو غير جازم، فالأول التحريم، والثانى الكراهة، وإن كان متعلقا على وجه التخيير فهو الإباحة فهذه أنواع خمسة. 1 - الإيجاب: هو خطاب الله الدال على طلب الفعل طلبا جازما مثل {وآتوا الزكاة} (البقرة 43) 2 - الندب: هو خطاب الله الدال على طلب الفعل طلبا غير جازم مثل {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} (النور 33). 3 - التحريم: هو خطاب الله الدال على طلب الكف عن الفعل طلبا جازما مثل {ولا تقربوا الزنا} (الإسراء32). 4 - الكراهة: هى خطاب الله الدال على طلب الكف عن الفعل طلبا غير جازم مثل قوله (صلى الله عليه وسلم) "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ". (2) 5 - - الإباحة: هى خطاب الله الدال على تخيير المكلف بين الفعل والترك (3) مثل {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم} (النور 29) أ. د/ يحى أبو بكر 1 - المقصود بخطاب الله هنا. كلامه النفسى الأزلى سواء دل عليه كلامه اللفظى كالقرآن أو دل عليه السنة أو الإجماع أو القياس (أصول الفقه- أبو النور زهير 1/ 38). 2 - الحديث أخرجه الإمام أحمد وأصحاب الكتب الستة عن أبى هريرة وأبى قتادة رضى الله عنهما (البيان والتعريف 1/ 64). 3 - انظر. أصول الفقه، لأبى النور زهير 1/ 37 وما بعدها، طبعة المكتبة الأزهرية للتراث 1992 م تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع، لبدر الدين الزركشى تحقيق: سيد عبد العزيز وعبد الله ربيع 1/ 160 مكتبة قرطبة، ط3، القاهرة 1999 م.

_ المراجع 1 - شرح تنقيح الفصول للقرافى 684 هـ تحقيق/ طه عبد الرؤوف سعد ص 67 - مكتبة الكليات الأزهرية الطبعة الأولى 1393 هـ- 1973 م 2 - البحر المحيط، للإمام، بدر الدين الزركشى 794 هـ - ط دار الكتبى- الطبعة الأولى1414 هـ/1994 م 3 - حاشية البنانى على شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع- الطبعة الثانية مصطفى الحلبى 1937 م 4 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور/ وهبة الزحيلى- دار الفكر 1986 م الطبعة الأولى. 5 - البيان والتعريف، لإبراهيم بن محمد الحسينى- سنة 1120 هـ دار الكتاب العربى بيروت تحقيق/ سيف الدين الكاتب

36 - الحكم الوضعي

36 - الحكم الوضعي اصطلاحا، هو خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشىء سببا لشىء أو شرطا له أو مانعا منه. (1) ووجه تسميته بالحكم الوضعى أن مقتضاه وضع أسباب لمسببات وربط من الشارع بين شرط ومشروط أو بين مانع وممنوع (2) والفرق بين الحكم التكليفى والحكم الوضعى: 1 - أن الحكم التكليفى يتطلب فعل شىء أو تركه أو إباحة الفعل والترك للمكلف. أما الحكم الوضعى فلا يفيد شيئا من ذلك إذ لا يقصد به إلا بيان ما جعله الشارع سببا لوجود شىء أو شرطا له أو مانعا منه ليعرف المكلف متى يثبت الحكم الشرعى ومتى ينتفى فيكون على بينة من أمره. 2 - إن المكلف به فى الحكم التكليفى أمر يستطيع المكلف فعله وتركه فهو داخل فى حدود قدرته واستطاعته لأن الغرض من التكليف امتثال المكلف ما كلف به. أما فى الحكم الوضعى فلا يشترط فى موضوعه أن يكون فى قدرة المكلف، ومن ثم كان منه المقدور للمكلف، ومنه الخارج عن قدرته ولكن مع هذا إذا وجد ترتب عليه أثره (3) وينقسم الحكم الوضعى إلى ثلاثة أقسام: السبب والشرط والمانع، وهذه الثلاثة متفق على أنها من خطاب الوضع عند القائلين به وزاد الآمدى وغيره أربعة أنواع وهى- الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة وزاد القرافى نوعين آخرين وهما التقديرات الشرعية والحجاج (4). أولا: السبب: وهو عند جمهور الأصوليين: ما يوجد عنده الحكم لا به، سواء أكان مناسبا للحكم أم لم يكن كذلك. ويرى بعض الأصوليين أن السبب مقصور على ما إذا لم يكن مناسبا. أما إذا كان مناسبا للحكم فيسمى علة. ثانيا: الشرط وهو: ما يتوقف وجود الحكم على وجوده وجودا شرعيا بأن يوجد الشرط ويكون خارجا عن حقيقة المشروط ويلزم من عدمه عدم الحكم كالوضوء شرط فى صحة الصلاة فإنه إذا انتفى ولم يوجد تنتفى الصلاة وهو خارج عن حقيقة الصلاة لأنه ليس جزءا منها ومع هذا لا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة فقد يتوضأ ولا يصلى. ثالثا: المانع وهو فى اصطلاح الأصوليين: ما جعله الشارع حائلا دون تحقوا السبب أو الحكم، فيلزم من وجوده عدم السبب أو عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه وجود أحدهما ولا عدمه. فمثال الوصف الذى جعله الشارع مانعا للحكم، الأبوة التى جعلها الشارع مانعة من جريان القصاص بين الولد وأبيه. ومثال الوصف الذى جعله الشارع مانعا من تحقق السبب، الدَّيْن الذى جعله الشارع مانعا من وجوب الزكاة (5) أ. د/ يحيى أبو بكر

_ المراجع 1 - أصول الفقه، لبدران أبو العينين ص 385 طبعة مؤسسة شباب الجامعة، الوجيز فى أصول الفقه، د. عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة 1987 م. 2 - أصول الفقه، بدران أبو العينين ص 254 3 - الوجيز ص 27. 4 - البحر المحيط، بدر الدين الزركشى 2/ 13، دار الكتبى ط 1 - 1414 هـ/1994 م. 5 - أصول الفقه، وهبة الزحيلى 1/ 93 وما بعدها، دار الفكر- ط 1 - 986 1 م مراجع الاستزادة: 1 - نشر البنود على مراقى السعود- دار الكتب العلمية- بيروت- ط 1 - 1988 م 2 - شرح تنقيح الفصول للقرافى، ط مكتبة الكليات الأزهرية، ط 1 - 1973 م

37 - الحلف

37 - الحِلْف لغة: الحِلْف والحلف: القَسم، والحلف العهد يكون بين القوم واصطلاحا: هو المعاقدة والمعاهدة على التناصر والتساعد والاتفاق، وسمى حلفا لأنه لا يعقد إلا بالخلف؛ أى يؤكد بالأيمان. وكانت الأحلاف فى الجاهلية تعقد بين فرد وقبيلة أو فرد وفرد أو قبيلة وقبيلة، من ذلك: 1 - حلف المطيبين من قريش. 2 - حلف الفضول، وقد شهده الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنفسه قبل البعثة وكان سنه إذ ذاك قريبا من عشرين عاما، وقد قال فيه بعد ذلك " لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم ولو أدعى به فى الإسلام لأجبت " (أخرجه البيهقى) (1). وقد تعاقد فيه المتحالفون وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته. وقد روى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال فى غزوة الفتح " لا حلف فى الإسلام وأيما حلف كان فى الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " (رواه البخارى) (2) وقد اختلف العلماء فى تفسير ذلك فذهب جمهور الفقهاء إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث من أن الأحلاف الجاهلية يستمر التناصر بها حتى بعد هذا الحديث لكن لا يكون إلا تناصرا على الحق والتعاون على الخير ولا تقتضى ميراثا لكون التوارث بها منسوخا. فى حين انفرد الحنفية بأن للحليف تزويج المرأة باعتباره وليًّا لها ولكن ترتيبه فى ذلك بعد العصبات وذوى الأرحام وقبل القاضى والسلطان. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - سنن البيهقى. 6/ 267 ط دائرة المعارف العثمانية. 2 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى 4/ 473 - المطبعة السلفية. مراجع الاستزادة: 1 - أحكام القرآن للجصاص. 2 - الروض الأنف للسهيلى. تعليق طه عبد الرءوف سعد، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع. 3 - فتاوى ابن تيمية 4 - المبسوط، للسرخسى دار المعرفة للطباعة والنشر. 5 - السيرة النبوية، ابن هشام- تحقيق د. محمد فهمى السرجانى- دار الفكر العربى.

38 - حلف الفضول

38 - حلف الفضول اصطلاحا: المعاهدة التى عقدت بين بنى هاشم وبنى المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم بنحو عشرين سنة. وسبب تسميتها بهذا الاسم أن ثلاثة من قبيلة جرهم هم الفضل بن فضالة والفضل بن وداعة والفضل بن الحارث قد عقدوا قديما نظيرا لهذه المعاهدة، فلما أشبه فعل القريشيين فعل هؤلاء الجرهميين الأول المسمون جميعا بالفضل سمى الحلف: حلف الفضول. وسبب قيام هذا الحلف أن رجلا من زبيد باليمن قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمى، ثم رفض أن يؤديه ثمنها، فطلب الزبيدى من الأحلاف أن يعينوه على اقتضاء حقه فأبوا وانتهروه بسبب قدر ومكانة العاص فى قومه. فصعد هذا الرجل إلى أعلى جبل فى مكة وقريش فى أنديتهم حول الكعبة، وصاح بأعلى صوته مرددا شعرا يطلب فيه من آل فهر أن يحموه من الظلم. وكانت النتيجة أن قام الزبير بن عبد المطلب يلبى نداءه واجتمعت هاشم وزهرة وتيم فى بيت عبد الله بن جدعان بمكة وتحالفوا متعاهدين ليكونن يدا واحدة مع المظلوم حتى يؤدى له حقه، ومشوا إلى العاص، وانتزعوا سلعة الزبيدى منه، ودفعوها إليه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الحلف: (لقد شهدت فى دارعبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو دعيت إليه فى الإسلام لأجبت). أ. د/عبد الله جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - سيرة ابن هشام القاهرة 1332هـ. 2 - السيرة النبوية ابن كثير تحقيق مصطفى عبد الواحد القاهرة 1964م. 3 - الرحيق المختوم، المباركفورى دار إحياء التراث 1976م. 4 - فقه السيرة، الغزالى: الطبعة الثانية 1988م

39 - الحلم

39 - الحُلْم الحُلْم: الرؤيا، والجمع: أحلام يقال: حلم يحلم: إذا رأى فى نومه رؤيا، والحلم: ما يراه النائم فى نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ الحسن، وغلب الحلم على ما يراهن من الشر والقبح، ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام} يوسف:44، فى حديث: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه البخارى، وفى الاستعمال: يعبر كل منهما عن الآخر. بدأ الانسان حياته على الأرض وهو يحلم، وما زال يحلم حتى الآن. وفى سجل الحضارات بيان لأهمية الأحلام فى حياة الإنسان، وخاصة احلام ملوكهم من حيث إنها منذرة أو مبشرة بأحداث قادمة، مما الجأ الملوك إلى البحث عن مفسرين لأحلامهم عرفوا باسم: (رجال المعرفة فى مكتبة السحر) وقد اكتشفت إحدى اللوحات أمام غرفة فى أحد المعابد مكتوب عليها: (إنى أفسر الأحلام ولدى إذن من الآلهة بأن أقوم بذلك). ساد الاعتقاد فى المجتمعات القديمة بأن الذى يحدث فى النوم هو أن الروح تترك الجسد وتهيم فى مكان آخر، أو أنها تواجه الآلهة. ويرى أفلاطون أن الأحلام تمثل تحرر الروح من قيود الجسد، لتعبرعن مكامن خفية فى حياتنا والتى لا تعيها فى أنفسنا، إذ يقول: "فالنوم .... ، فإن الوحش الهائج فى داخلنا، والذى أشبع اللحم والشراب، فإنه ينتصب، وينفض عنه النوم، ويسعى فى طلب ذلك الذى يرضى غرائزه ... " وبهذا القول يتضح أن أفلاطون رأى فى الأحلام تعبيرا عن قوى وحاجات غريزية تكمن فى الفرد ذاته، ولا تأتى إليه من خارجه، مخالفا بذلك ما قالت به النظرية التاريخية من أن الأحلام هى رسائل يستلمها الحالم، وبدون فعل آخر منه يتجاوز هذا الاستلام. وهذا ما ذهب إليه "فرويد" فى العصر الحديث من أن الأحلام تعبر عن مكنونات خفية عن الوعى، أو أنها فى معظمها تعود إلى ذكريات بعيدة فى الطفولة أو الحداثة. وقد عارضه بعض الباحثين مثل: "ازرنسكى"، و "كلايتمان" اللذين كانت أبحاثهما بداية اكتشاف للمنظور العلمى الحديث للأحلام، الذى يربط بين ظاهرة الأحلام ونشاطات بيولوجية وفسيولوجية واسعة فى الدماغ والجسم. وبهذا يتبين أن المنظور السيكولوجى الذى طوره "فرويد" ليس بالمنظور الوحيد -أو حتى الصحيح- فى مجمله فى تفسيرظاهرة الأحلام. اعتقد العرب أن الأحلام هى من فعل القوى الخارقة والتى شملت الآلهة، كما شملت الشياطين والأرواح الشريرة، فاهتموا بها وأقبلوا على تفسيرها، وعمق هذا الاهتمام لديهم ما ورد فى القرآن الكريم عن الرؤى والأحلام، فقد جاء الحديث عن الرؤيا فى أربع سور: (يوسف، والإسراء، والصافات، والفتح). ففى سورة يوسف: 1 - إخبار يوسف لأبيه بأنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. 2 - سؤال صاحبى السجن عن تفسير ما رأياه فى منامهما بأن أحدهما رأى أنه يعصر خمرا، والآخر يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، ففسر لهما هذه الرؤيا بقوله: {ياصاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه} يوسف:41. 3 - سؤال الملك ليوسف عن تفسير ما رآه فى منامه، من أن سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف، وكان الجواب: { ... تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} يوسف:47 - 49. وقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس ... } الإسراء:60، فقد روى الرازى فى تفسيره للرؤيا فى هذه الآية أربعة أقوال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه: 1 - دخوله مع المسلمين مكه. 2 - مصارع كفار قريش فى غروة. 3 - ارتقاء بنى أمية منبره. 4 - ما أراه الله فى ليلة الإسراء على اعتبار أنه لا فرق بين الرؤية والرؤيا فى اللغة. وفى قوله تعالى: {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين} الصافات:105، خطابا لإبراهيم حين أطاع الله، فهم بتنفيذ ما أراه الله فى منامه: {فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى ... } الصافات:102. وفى قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين} الفتح:27، فهذه الآية تخبر بأن الله كان قد أرى محمد صلى الله عليه وسلم فى منامه أنهم سيدخلون مكة. أما الحلم، فلم يرد فى القرآن الكريم -فى مجال التعبير عما يراه المرء فى منامه إلا بصيغة الجمع وصفا لما يراه المرء فى نومه من الشر والقبح، {قالوا أضغاث أحلام ... } يوسف:44، فالضغت من الخبروالأمر: ما كان مختلطا لا حقيقة له، ومنه قيل للأحلام الملتبسة: أضغاث، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان). تعتبر رؤيا الأنبياء بمثابة الوحى إليهم، فقد أخبرنا القرآن الكريم عما رآه إبراهيم فى منامه بأن يذبح ولده، فهم بذبحه لأنه اعتبر هذه الرؤيا وحيا من الله واجب التنفيذ، كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رؤيا الأنبياء وحى) (رواه البخارى). وعنه أيضا: (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة). (رواه البخارى). اهتم الباحثون فى المجتمع الإسلامى بالرؤيا، واشتهر منهم محمد بن سيرين (المتوفى 108هـ-728 م) الذى ألف عددا من الكتب فى تفسير الأحلام والرؤى، وكثر المعبرون للرؤى بعد ابن سيرين، تحدث عنهم عبد الغنى بن اسماعيل، الملقب بابن النابلسى فى كتابه: (طبقات المعبرين) الذى تضمن الإشارة إلى أكثر من سبعة آلاف مفسر للأحلام. الحلم، والاحتلام: الجماع ونحوه فى النوم، الاسم: الحلم، ففى القرآن الكريم: {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} النور:58، أى لم يصلوا من الصبيان إلى حد البلوغ. وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا، يعنى الجزية. قال أبو الهيثم: أراد بالحالم كل من بلغ الحلم، وجرى عليه حكم الرجال، احتلم أم لم يحتلم. الحلم بكسر الحاء: الأناة والعقل، وجمعه: أحلام، فى القرآن الكريم: {أم تأمرمم أحلامهم بهذا} الطور:32. أى تأمرهم عقولهم بما كانوا يقولون؟ وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة: (ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى) رواه ابن ماجه، أى ذوو الألباب والعقول. والحليم فى صفة الله عز وجل معناه: الصبور، أى أنه الذى لا يستخفه عصيان العصاة، ولا يستفزه الغضب عليهم. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - إحياء علوم الدين. الغزالى، تحقيق: محمد الدالى بلطة، بيروت 1992م. 2 - باب النوم، وباب الأحلام: على كمال، بيروت 1989م. 3 - التفسير الكبير: الرازى، بيروت 1990م. 4 - تفسير أحلام التفاؤل: محمد بن سيرين، جمعها: عبد الحفيظ بيضون، بيروت 1990م. 5 - تفسير أحلام التشاؤم: محمد بن سيرين، جمعها: عبد الحفيظ بيضون بيروت، 1990م

40 - الحماسة

40 - الحماسة اصطلاحا: هى كتب فى المختارات الأدبية أدى إلى ظهورها الاتجاه إلى ترتيب الأشعار وفق الموضوعات والمعانى فظهرت كتب المعانى وأيضا كتب الحماسة. وهذا التطور لمختارا ت أبى تمام المشهورة (المتوفى 231 هـ/846 م) وأول الأبواب العشرة لهذا الكتاب مخصص لأشعار فى الحماسة، ومن ثم فهو باب الحماسة، وربما أصبح عنوان هذا الباب فى حياة أبى تمام دالا أيضا على العمل كله. وقد أطلقوا على "كتاب الوحشيات "، وهو المجموعة الثانية التى اختارها أبو تمام، اسم "الحماسة الصغرى"، قياسا على الحماسة الكبرى (ديوان الحماسة)، وقد سميت كتب مماثلة فى المختارات الأدبية بنفس العنوان فيما بعد، وقد ظل هذا العنوان مستخدما أيضا فى وقت لم تعد موضوعات المختارات تشبه حماسة أبى تمام شبها يذكر، ولم يعد الباب الأول أو أحد الأبواب التالية يحمل هذا العنوان. حماسا ت أبى تمام: هناك خبر مقتبس متداول أن أبا تمام ألف كتبه الخمسة فى المختارات الأدبية، ومن بينها الحماسة، وكتاب الوحشيات، أثناء قضائه الشتاء فى همذان، حيث استطاع الإفادة من مكتبة أبى الوفاء بن مسلمة وإذا نظرنا فى الرأى القائل بأن أبا تمام أول من اعد كتبا فى المختارات الأدبية المصنفة، جمعها من مجموعات شعرية غير مصنفة، وأنه بادر إلى عمل خمسة مختارات شعرية فى وقت قصير، لرأينا أن هذا الخبر يبدو بعيد الاحتمال إلى أقصى درجة. إنا نجد اعتراض كلا ينفرانكه على حق فلقد بحث الحماسة، ووجد أنه من الصعب ظهور كل هذه الأعمال أثناء إقامة أبى تمام فى فصل الشتاء فى همذان، وإنا نفكر من الجانب الآخر فى أن أبا تمام قد استطاع أن يعتمد على كتب المختارات الموجودة لديه، والمصنفة موضوعيا، فقد يسرت له العمل، وعجلت به، ويبدو أن أدباء العرب كانوا يعرفون مصادر أبى تمام فثمة إشارة عند النمرى (المتوفى 388 هـ/ 998 م). وهو أحد شراح الحماسة القدامى، فقد كان يرجع بين الحين والحين إلى "كتاب المعانى) لأحمد بن حاتم البهلى (ولد 60 1هـ/777 م وتوفى 231 هـ/46 8م). لم يقتصر أبو تمام فى مختاراته على شعر الجاهليين والإسلاميين فقد قبل أيضا شعرا للعباسيين. عناوين أبواب ديوان الحماسة: باب الحماسة- المراثى- الأدب- النسيب (التشبيب) - الهجاء- الأضياف والمديح- الصفات- السير والنعاس- الملح- مذمة النساء. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - تاريخ التراث العربى- المجلد الثانى- الشعر إلى حوالى 430 هـ- ترجمة الدكتور محمود فهمى حجازى- ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1404 هـ 1083 م 2 - فى حماسة أبى تمام 1954 م- على النجدى ناصف- دار نهضة مصر للطبع والنشر- القاهرة- الطبعة الأولى -1374 هـ

41 - الحماية

41 - الحماية لغة: حَمى الشىء حَمْيًا وحمى وحماية ومحمية: منعه ودفع عنه، واحْتَمى وتحَمَّى امتنع، والحامية: الرجل يحمى أصحابه فى الحرب، وهم أيضا الجماعة يحمون أنفسهم، وفلان على حامية القوم أى آخر من يحميهم فى انهزامهم، وأحمى المكان جعله حمى لا يُقرب 0 (1) واصطلاحا: تأمين المقومات الضرورية لحياة الإنسان وهى الضرورات الخمس: الدين- النفس- العقل- المرض- المال (2). ولقد تكفل الإسلام بحماية هذه الحرمات ووضع ما يكفل لها الوجود، وقد التقت كلمة الأديان السماوية على تقديس هذه الحرمات وربما شاركتها فى ذلك القوانين الوضعية على تفاوت يظهر فى تقديم بعضها على بعض، وفى التحلل أيضا من بعضها. وهذه الضرورات أو المقومات الضرورية لوجود المسلم وحياته حياة ترضى له بحسب ما ينبغى أن تكون يأتى ترتيبها من حيث قيمتها وأهميتها بالمقاييس الإسلامية الخالصة. فيأتى الدين أول هذه الضرورات الواجبة الحماية لأن دين المسلم أعز عليه وأقدس من كل ماعداه، وهو بالنسبة لمجتمع المسلمين الوطن الحقيقى. فقد وضع الله (الدين) فى كفة وما عداه من مقدسات الحياة كلها فى كفة قال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره} (التوبة 24). فالعدوان على الدين بالنسبة لشخص المؤمن به: فتنة أو إكراه أكبر من العدوان على ذات نفسه. ثم تأتى النفس وهى مقدمة بعد الدين على سائر ما يحرص الإنسان على حمايته، قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} (عبس 34 - 37) ألا وهى النفس التى شغلته عن هؤلاء جميعا. ثم العقل، لأن به تتقوم إنسانية الإنسان وأهليته لما خلق له من مكانة فى ملكوت الله، ورسالة تفرد بها بين مخلوقات الله قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان} (الأحزاب 72) وسقوط التكليف عن المجنون قاطع بأن العقل هو مناط التكليف وبه يكون الإنسان إنسانا. ثم يأتى أخيرا المال لأنه قوام الحياة فى بعدها المادى القائم على إشباع حاجات الجسد أولا وإن تسامى به الإسلام فجمله مع ذلك أداة من أدوات تطهير الروح وتزكية النفس. فبدأ النظر الإسلامى من أعلى ليبدأ بالدين ولينتهى بالمال. كيف يحمى الإسلام هذه المقومات؟ لقد أقر الإسلام حدودا يحمى بها هذه المقومات الضرورية لحياة الإنسان وقابلها بحدود بحسبها: فإزاء حرمة الدين كان حد الردة وإزاء حرمة النفس: كان حد القتل أو القصاص. وإزاء حرمة العقل: كان حد الخمر. وإزاء حرمة العرض: كان حد الزنا وحد القذف وإزاء حرمة المال: كان حد السرقة. أما الحرابة فهى حد انتهاك لحرمات المجتمع كلها. ضرورة الحماية وأثرها: إذا أمن الفرد على دينه ونفسه، وسلم له عقله وعرضه، وحفظ له ماله فقد جمعت أطراف الأمن كلها. وإذا أمن المجتمع من الخارجين عليه ممن يسمون فى عصرنا " المخلين بالأمن العام " فقد تهيأ مناخ صالح يتنفس فيه الأفراد حرياتهم، وينعمون بالطمأنينة والأمان، فتنطلق الطاقات فى ميدان العمل المنتج، وقد وقفت وراءها دوافع قوية منشؤها توافر مقومات الحياة التى وضع الإسلام نظاما لحمايتها وصيانتها والحفاظ عليها. فحينما قال الله تعالى {فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} (الملك 15) فقد أرسى سبحانه قواعد تأمين وحماية حركة الإنسان على الأرض وإشاعة جوِّ من الأمن والطمأنينة بحيث ينطلق الناس متحررين من المخاوف ممثلة فى الحدود. ولقد كان من أول ما امتن الله به على من دعاهم لدينه، أن أطعمهم من بعد جوع وآمنهم من بعد خوف {فليعبدوا رب هذا البيت، الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قريش 3 - 4) (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب مادة (حمى) ج 14/ 198 ط بيروت دار صادر. 2 - أثر إقامة الحدود فى استقرار المجتمع د/ محمد حسين الذهبى ص 27 - 28 ط وهبة القاهرة 1986 م.

_ المراجع 1 - مقدمة أبن خلدون ط دار الشعب 2 - الأحكام السلطانية الماوردى ط البابى الحلبى 0 3 - الإيمان والحياة د/ يوسف القرضاوى ط مكتبة وهبة القاهرة. 4 - الفكر الإسلامى والمجتمع المعاصر د/ محمد البهى ط مكتبة وهبة القاهرة 1982 م.

42 - الحمدانيون

42 - الحمدانيون الحمدانيون دولة من أمراء العرب ملكت الموصل والجزيرة والشام فى زمن الخلافة العباسية. وهم ينتسبون إلى حمدان بن حمدون بن الحارث، وتعود أصولهم إلى قبيلة تغلب التى كانت مسيحية الديانة. وأمير هذا البطن فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى هو حمدان بن حمدون، وقد استطاع حمدان إبان فترة اضمحلال الخلفاء العباسيين أن يستقل بقبيلته فى منطقة قريبة من الموصل سنة 260 هـ. ومن أبناء حمدان الحسين بن حمدان، الذى أصبح قائدا من قادة الخليفة البارزين، وقد اشتهر بحروبه التى قادها ضد القرامطة، وقد ناصر عبد الله بن المعتز، الذى بويع بالخلافة لمدة يومين عام 296 هـ، فكرهه المقتدر، وعزله من مناصبه، ثم عفا عنه، وولاه " قم قاشان " ثم عاد واختلف معه، وسجنه ومات فى السجن عام 306 هـ، ثم خلفه على ديار ربيعة أخوه إبراهيم عام 307 هـ وتوفى عام 308 هـ، ثم أخوه داود حتى عام 309 هـ. وأما سعيد بن حمدان فقد تولى أمر الموصل ونهاوند. وفى سنة 292 هـ عين أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان حاكما للموصل وما حولها، وقد أتاح هذا الوضع الفرصة للحمدانيين؛ ليقوى جاههم وتبنى قوتهم. وقد انتهى أمر أولاد حمدان كلهم قبل نهاية عام 322 هـ، غير أن عبد الله بن الهيجاء، قد أناب عنه فى الموصل ابنه الحسن ناصر الدولة، فاستطاع أن يحتفظ بها منذ أن تولى أمرها عام 308 هـ حتى توفى عام 358 هـ باستثناء مدة قصيرة عام 317 - 319 هـ بسط عماه سعيد ونصر نفوذهما عليها بأمر المقتدر. وكان هؤلاء الملوك رافضة. وفى عام 323 هـ قتل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله عمه سعيدا أبا العلاء والد أبى فراس، عندما أراد أن ينتزع منه الموصل. وكان ناصر الدولة وأخوه سيف الدولة على بن عبد الله بجانب الخليفة حتى جاء البويهيون، فوقعوا فى صدام معهم، ثم تصالحوا، لكن عادوا فاختلفوا، كما حاربوا البريديين الذين كانوا فى الأهواز، ودخلوا مدينة واسط. وقد استولى ناصر الدولة على قنسرين عام 332 هـ من الأخشيد، وأعطى إمرتها لابن عمه الحسين بن سعيد الحمدانى، كما استولى سيف الدولة الحمدانى على حلب عام 333 ص وتولى أمرها. وقد تقاتل ناصر الدولة الحمدانى أمير الموصل مع القائد تكين التركى، وتمكن ناصر الدولة من تكين، واستقر له الأمر بالموصل والجزيرة عام 335 هـ. وفى عام 336 هـ حدث خلاف شديد بين معز الدولة البويهى وناصر الدولة الحمدانى، ودارت بينهما حروب ومناوشات، وفى عام 345 هـ تدخل سيف الدولة الحمدانى للصلح بينهما، وتعهد سيف الدولة بأن يحمل ناصر الدولة إلى دار الخلافة فى بغداد فى كل عام مليونين وتسعمائة درهم، كما تعهد سيف الدولة أن يؤدى ما على أخيه من أموال. وعقد ناصر الدولة لابنه أبى تغلب ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة مقابل مال مقرر، وذلك عام 353 هـ، ثم اختلف ناصر الدولة مع ابنه أبى تغلب، فسجن الولد أباه، وظل فى السجن حتى مات فى عام 358 هـ. وأما الحمدانيون فى حلب فقد كان أميرهم سيف الدولة فى صراع دائم مع الروم بصفته كان أمير الثغور، أو أن الثغور قد آلت إمرتها إليه لا بصفته مجاهدا أو بطلا مغوارا، إذ لم يكن كذلك كما تصفه كتب الأدب من خلال مدح المتنبى له؛ حيث كان يطمع من ورائه الحصول على إمارة، فمديحه قول شاعر صاحب غاية. وقد دخل سيف الدولة بجيش كثيف بلاد الروم غير أنه هزم، وأخذ الروم كل ما بأيدى هذا الجيش الحمدانى، وفى عام 339 هـ عاد سيف الدولة فدخل بلاد الروم بجيش عظيم، فانتصر وأخذ عددا كبيرا من الروم أسارى، غير أن الروم قد قطعوا عليه الطريق أثناء العودة فهزموه وأخذوا ما معه من الأسرى، ونجا سيف الدولة بنفر يسير، وعاد سيف الدولة إلى بلاد الروم عام 342 هـ، وتمكن من إحراز النصر فى هذه المرة، وفى العام التالى أغار على زبطرة وملاطية، وهى ثغور إسلامية استولى عليها الروم، والتقى مع قسطنطين بن الدمشتق، فانتصر عليه، وقتل أعظم رجاله، ثم التقى بجيش الدمشتق عند "مرعش " وتغلب عليه، وأسر صهر الدمشتق وابن ابنته، وهذا ما شجعه فعاد إلى بلاد الروم عام 345 هـ فأحرز انتصارا كبيرا وعاد إلى حلب غانما، وكانت هذه أعظم انتصارات سيف الدولة على الروم. وامتداد هذا الصراع بين سيف الدولة والبزنطيين كان بها هزائم وانتصارات للحمدانيين، ولكن المتنبى استطاع بشعره أن يجعل الهزيمة نصرا، وأن يسجل مواقف البطولة لممدوحه. وفى عام 354 هـ ثار مروان أحد القرامطة فى مدينة حمص وامتلكها من سيف الدولة، فأرسل إليه سيف الدولة مولاه بدر، فالتقيا فى معركة أصيب فيها مروان بسهم مسموم فمات، وفى نفس الوقت أسر بدر فى هذه المعركة، وقتله أصحاب مروان. وفى عام 355 هـ تمت المفاداة بين سيف الدولة والروم، وكان من بين أسرى الحمدانيين أبو فراس الحمدانى. وما أن توفى سيف الدولة عام 356 هـ فخلفه ابنه سعد الدولة أبو المعالى، فاصطدم مع خاله أبى فراس فقتله عام 357 هـ وبعد وفاة سيف الدولة الحمدانى بدأت دولة الحمدانيين فى الانحلال، وقد انقرضت دولة بنى حمدان سنة 460 هـ. وقد ازدان بلاط سيف الدولة الحمدانى بنخبة ممتازة من رجال الأدب والفن لا تباريها إلا حلقات خلفاء بغداد فى أيام عزهم، فقد ضمت الفيلسوف الشهير والموسيقى البارع أبا نصر الفارابى، ومؤرخ الأدب العربى أبا الفرج الأصفهانى، والنحوى الشاعر ابن جنى وغيرهم. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - البداية والنهاية- ابن كثير- تحقيق د/ أحمد أبو ملحم وآخرين- دار الريان للتراث ط 1 سنة 1988 م 2 - التاريخ الإسلامى- محمود شاكر 6/ 127 - 128، 139ـ 140، 158 ـ 177 ـ الناشر المكتب الإسلامى ط 5 سنة 1991 م. 3 - الدولة العباسية- الشيخ/ محمد الخضرى- ص 432 - 433، 448 - 449، 453 - 458، 460 - المكتبة التوفيقية 4 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ أحمد شلبى 5/ 109 ـ 111. مكتبة النهضة المصرية ط 4 سنة 1979 م. 5 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى 3/ 582 دار المعرفة بيروت ط3 سنة 1971م.

43 - الحمل

43 - الحمل اصطلاحا: هو إثبات محمول لموضوع أو نفيه عنه، وحمل الشىء على الشىء إلحاقه به فى حكمه، أو هو: نسبة أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا. فإذا حكمنا بشىء على شىء فقلنا مثلا: إن الإنسان حيوان. فالمحكوم به يقال له المحمول والمحكوم عليه يقال له الموضوع. والمحمول هو الطرف الذى يخبر عن الموضوع أو الذى يحكم به. وسلسلة المحمولات كما وضعها أرسطو وتأثر بها مناطقة الإسلام هى: التعريف، والخاصة والعرض، والجنس، والفصل وهى ما نسميه اليوم بالكليات الخمس. وكان يسميه أرسطو واضع علم المنطق بالمحمولات. والحمل نوعان: حمل بالمواطأة: وهو ما كان بلا واسطة، وحمل بالاشتقاق: وهو ما كان بواسطة. والحمل الشائع المتعارف هو أن يكون الموضوع من أفراد المحمول. وينقسم إلى حمل بالذات وإلى حمل بالعرض. والحملى هو المنسوب إلى الحمل ومنه القضية الحملية التى هى إحدى أنواع القضايا .. يقول عنها الفارابى إنها تكون واحدة إذا كان محمولها واحدا بالمعنى لا بالاسم، وموضوعها أيضا واحدا فى المعنى. وقد تكون كثيرة بأن تكون محمولاتها معانى كثيرة أو موضوعاتها معانى كثيرة. ويشير ابن سينا إلى أن القضية الحملية تتم بأمور ثلاثة، فإنها تتم بمعنى الموضوع ومعنى المحمول وبنسبة بينهما هى الرابطة. كما يطلق الحملى على قسم من القياس الاقترانى وعلى قسم من القضية مقابل القضية الشرطية وللقضية الحملية "سور" هو اللفظ الذى يدل على الكم فيها وسمى سورا لأنه يحصر القضية كما يحصر السور الحديقة. وأسوار القضية الحملية: السور الكلى فى حالة الإيجاب، والسور الكلى فى حالة السلب، السور الجزئى فى حالة الإيجاب، والسور الجزئى فى حالة السلب. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - المبين فى الفاظ الحكماء والمتكلمين، الآمدى: تحقيق د. حسن الشافعى القاهرة 1403 هـ/ 1983م. 2 - شرح البرهان لأرسطو، ابن رشد: تحقيق د. عبد الرحمن بدوى الكويت 1984م. 3 - كتاب الألفاظ المستعملة فى المنطق، الفارابى: تحقيق د. محسن مهدى، دار المشرق بيروت 1982م. 4 - توضيح المنطق القديم د. محيى الدين أحمد الصافى: مكتبة الأزهر (د. ت). 5 - المنطق التوجيهى، أبو العلا عفيفى: القاهرة 1938م. 6 - المعجم الفلسفى، د. عبد المنعم الحفنى. الدار الشرقية، القاهرة ط 1.

44 - الحنابلة

44 - الحنابلة يقصد بالحنابلة من ينسبون إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل آخر الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وهم: أبو حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعى، وأحمد بن حنبل. وهذه الطائفة أكثر ما يميزها التمسك بالمأثور من كتاب أو سنة، وقد ثار جدل عظيم حول مكانة الإمام أحمد بن حنبل الفقهية وإن كان الكل يشهد له بمكانته كأحد أبرز المحدثين، وقد أنكر ابن جرير الطبرى كون أحمد بن حنبل فقيها، وعده ابن قتيبة من المحدثين ولم يعده من الفقهاء، وكثيرون قالوا مثل هذه المقالة أو قريبا منها، ولكن النظرة الفاحصة لفقه أحمد بن حنبل وما أثر عنه تجعلنا نحكم بأنه كان فقيها غلب عليه الأثر ومنحاه. فقد كان فقهه آثارا، أو محاكاة صحيحة لآثار، أو مقاربة لها، فكان الفقه الأثرى فى حقيقته ومنحاه فى مظاهره. وقد عضد هذا الرأى الذى ذهب إلى أنه ليس فقيها أنه كان كثيرا ما ينهى أصحابه عن كتابة فتاويه، ويرى أنه الحديث فقط ولا شىء سواه، لكن على كل فقد استجاز كتابة هذه الفتاوى فى أخريات حياته، ومهما يكن فقد توارثت الأجيال ما وصلها من فقه أحمد واهتمت بدراسته وصار له جمهور كبير يترسمون خطاه. وأبرز ما يميز الفقه الحنبلى كثرة الأقوال والروايات فيه فى المسألة الواحدة وتضاربها، حتى أننا نعجب أشد العجب من هذا، مما أثار غبارا كثيفا حول نسبة الفقه الحنبلى إلى أحمد بن حنبل، لكن يرده أن انصراف أحمد كان فى الأساس للحديث وأن فتاويه كانت أقرب بما يكون للرواية منها للتفريع الفقهى، أما كثرة الروايات عنه فإنه مأثور عن كل الأئمة ويختلفون فيه قلة وكثرة، وقد كان دافعه فى هذا الإخلاص فى تحرى الحق لما يعترى الفتوى من ملابسات توجب تغييرها. ولهذه الكثرة فى الروايات والأقوال فى الفقه الحنبلى أسباب منها: تورع أحمد عن الفتوى وحرصه على قربها من المأثور مما جعل رأيه يتغير تبعا لكثرة الروايات عنده، وأنه كان أحيانا يترك المسائل على أكثر من قول تبعا لما أثر عنده من صنيع الصحابة، وأن أصحاب أحمد كانوا يأخذون آراءه من فتاويه وأفعاله وأجوبته ورواياته وهو مجال خصب للاستنباط، وقد وضع الحنابلة ضوابط للنظر فى فقهه - رضي الله عنه - فهناك ضوابط عامة وضوابط خاصة لهذا. أما العامة: فإنها تتجلى فى الموازنة بين الأقوال بقوة السند، والترجيح بينها، والتوفيق إن أمكن، أو التعرف على الناسخ منها والمنسوخ وهكذا. والخاصة: تتجلى فى فهم عبارات أحمد - رضي الله عنه - وتصنيفها حسب ما تشير إليه من أحكام شرعية وهذا نتج من استقرائهم للنصوص. وقد كان لأحمد بن حنبل تلامذة نشروا فقهه ونقلوه، لكن أبرز هؤلاء هو أبو بكر الخلال: إذ قطع الفيافى والقفار فى سبيل ذلك من أفواه ومكتوبات أصحاب أحمد بعد تفرقهم، وجمعه فى الجامع الكبير فبلغ نحو عشرين سفرا أو أكثر، وقد نقل فقه أحمد بعد الخلال أبو القاسم الخرقى وغلام الخلال، وقد اشتهر من مصنفات الخرقى "مختصره " الذى يعد أشهر كتاب فى الفقه الحنبلى وقد شرح أكثر من ثلاثمائة شرح أشهرها " المغنى" لابن قدامة. وقد كان غلام الخلال ذا عقلية فاحصة متحررة فقد خالف شيخه الخلال فى كثير من المسائل الفقهية ولم يتابعه عليها. والفقه الحنبلى يرتكز على مجموعة أصول، فأصول الاستنباط عند الحنابلة هى: الكتاب، والسنة، والإجماع، وفتاوى الصحابة، والقياس، والاستصحاب، والأخذ بالمصلحة، والذرائع. وهناك جانب آخر ميز الفقه الحنبلى عن غيره إذ يعتبر أوسع المذاهب الفقهية الإسلامية فى نظرية الشروط المقترنة بالعقود فالعقد عندهم شريعة المتعاقدين ما داما لم يشرطا فيه ما يخل بالشريعة وأحكامها، وقد أجازوا حرية التعاقد وذهبوا إلى أن العبرة فيها وفى إنشاء العقود عدم مصادمة هذه العقود للشريعة الإسلامية. وقد اقترن الحنابلة بمصطلح التشدد عند العوام لتشددهم فى أمور الطهارة حتى صار هذا سمة مميزة، والمذهب الحنبلى قليل الأتباع قليل الانتشار لعدة أمور: منها: أنه آخر المذاهب الأربعة، خصومات علماء الحنابلة مع الحكام، وشدة تعصبهما وخصوصا بعد محنة الإمام أحمد، وتشددهم فى التمسك بما تقرره الفروع الفقهية والوقوف عند نصوصها فكثرت خصومهم من أرباب المذاهب ومن شايعهم من الحكام وجانبتهم العامة. وعلى الجانب الكلامى فإن الحنابلة لهم آراؤهم فى عدد من القضايا العقدية، كالإيمان، وحكم مرتكب الكبيرة، والقدر وأفعال الإنسان، والصفات، ورؤية الله يوم القيامة. فبالنسبة للإيمان فإنهم يرون أنه قول وعمل يزيد وينقص وأن الإسلام وسط بين الإيمان والكفر، وبالنسبة لمرتكب الكبيرة فإنهم يرونه مؤمنا غير كافر وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وفى مسائل القدر يفوضون تفويضا مطلقا لحكم الله تعالى ويؤمنون بالقضاء والقدر ويسلمون الأمور كلها لله تعالى، وبالنسبة للصفات فإنهم يثبتونها كلها لله ولا يبحثون عن كنهها ولا عن حقيقتها ويعتبرون التأويل خروجا عن السنة إن لم يكن مستمدا منها، ويؤمنون بالرؤية، إيمانا كاملا ولكنهم لا يجرون وراء تحديد كنه هذه الرؤية. والله أعلم. أ. د/ على جمعة محمد

_ المراجع 1 - انظر ابن حنبل حياته وعصره - آراؤه وفقهه للإمام محمد أبو زهرة دار الفكر العربى. 2 - أحمد بن حنبل والمحنة , م لولتر ,م ياتون , ترجمة عبدالعزيز عبد الحق - دار الهلال.

45 - الحنفاء

45 - الحنفاء لغة .. جمع حنيف، والحنَفَ - فى الأصل: هو إقبال القدم بأصابعها على القدم الأخرى - والحنيف هو المائل من خير إلى شر أو من شر إلى خير. واصطلاحا: هو المسلم الذى يتحنف عن الأديان، أى يميل عنها إلى الدين الحق. وقيل: هو الذى يستقبل قبلة البيت الحرام على دين إبراهيم. وقيل كل من أسلم لأمر الله ولم يلتو فهو حنيف. وقال أبو عبيدة فى قوله تعالى: {قل بل ملة إبراهيم حنيفا} (البقرة 135) قال: من كان على دين إبراهيم فهو حنيف عند العرب. وقال الأخفش: الحنيف، المسلم، وكان يقال فى الجاهلية: من اختتن وحج البيت قيل له حنيف: لأن العرب لم تتمسك فى الجاهلية بشىء من دين إبراهيم غير الختان وحج البيت؛ فكل من اختتن وحج قيل له حنيف. وفى قوله تعالى {حنفاء لله غير مشركين به} (الحج 31) قال الضحاك: "حجاجا" وكذا قال السدى. وقيل: الحنيف هو المستقيم، وإنما قيل للمائل الرجل "أحنف " تفاؤلا بالاستقامة. والحنيف فى الإسلام: هو الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه. أما فى الجاهلية: فهو من كان يحج البيت ويغتسل من الجنابة ويختتن. ومنهم من كان يحرم على نفسه الخمر والسجود للأصنام- وقد أطلق على هؤلاء اسم "الحنفاء"قبيل بعثة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) .. وقد تكرر ورود كلمة " حنيف " فى القرآن الكريم للدلالة على أهل الدين الحق الصحيح (يونس 105؛ الحج 31؛ الروم 30؛ البينة 5) وقد وصف به إبراهيم عليه السلام فى أكثر من موضع؛ كما تقابل الآيات بينه وبينها المشركين، كما فى (سورة آل عمران 95) ويصفه القرآن الكريم أيضا بأنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا- كما فى سورة البقرة {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} (البقرة 135) ولعل المراد به الدين الفطرى فى مقابل ما ظهر بعده من الشرك ودين أهل الكتاب المحرف، ولما كان الإسلام قد أحيا دين إبراهيم فإن كلمة "حنيف " قد استعملت بمعنى "مسلم " عند ابن هشام وغيره، وقد جاء فى الحديث: " أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة " أى ملة الإسلام، كما جاء فى الحديث أيضا: " خلقت عبادى حنفاء" أى خلقتهم حنفاء مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاق ألست بربكم؟ قالوا: بلى. ويرى بعض الباحثين أن كلمة " حنيف " كلمة دخيلة على العربية، وأنها مشتقة من الكلمة الكنعانية الآرامية "حنف "، ومعناها (المنافق أو الملحد أو الوثنى أو الكافر) - ولكن هذا بعيد للغاية، لأن هذه المعانى بعيدة كل البعد، بل مناقضة تماما لكلمة "حنيف " العربية. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1ـ لسان العرب لابن منظور ـ مادة (حنف) بيروت. دار صادر. 2ـ دائرة المعارف الإسلامية 8/ 125 ـ 130.

46 - حنين

46 - حُنَيْن حُنَيْن: واد يقع إلى الشرق من مكة بنحو ثلاثين كيلو مترا، وفيه الآن إحدى ضواحى مكة، تسمى " الشرائع " تبعد عن المسجد الحرام نحو ثمانية وعشرين كيلو مترا. وقعت هذه الغزوة عقب فتح مكة فى شوال من السنة الثامنة للهجرة (فبراير 630 م)، وقد حشدت لها قبيلتا هوازن وثقيف جندا كثيفا قدر بعشرين ألف مقاتل لحرب المسلمين؛ فلقد كانوا يعتقدون أن المسلمين يريدون قتالهم حينما خرجوا من المدينة لفتح مكة قبل شهر مضى. فاستعدوا بهذا الجيش الضخم للقضاء على المسلمين ودولتهم. وكان قائدهم يومئذ مالك بن عوف النصرى، وهو شاب شجاع جريء، لكنه قليل الخبرة ناقص التجربة، فأمر رجاله بأن يصحبوا معهم نساءهم وذريتهم وأموالهم حتى لا يفروا أمام العدو!! وعلى الرغم من أن أحد شيوخ هوازن- وهو دريد بن الصمة- قد نقد هذا الأمر وفنده، فإن مالكا لم يغير خطته التى تتمثل فى تقدم الخيل (الفرسان)، ثم الرجالة (المشاة) ويليهم النساء والذرية ثم الأغنام فالإبل، وبعد أن تلقى النبى (صلى الله عليه وسلم) تقريرا عن هذا الجيش، استعد لهذا اللقاء، فاستعار أسلحة من بعض المكيين، كما اقترض أموالا من آخرين، ثم زحف نحو حنين على رأس جيش كبير يبلغ اثنى عشر ألف جندى، عشرة آلاف فتح بهم مكة، وألفان من مسلمة الفتح من قريش. لقد كان هذا أكبر جيش إسلامى حتى ذلك الوقت، ولهذا غلب شعور بالاطمئنان إلى النصر لدى بعض الجند لكثرتهم، فعاتبهم القرآن الكريم، ونبههم إلى حقيقة أن النصر من عند الله وحده، وإلا وكلهم الله لأنفسهم، قال تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} (التوبة 25). كانت هوزان وثقيف قد سبقوا المسلمين إلى وادى حنين، فأخذوا مواقعهم فى الطرق والمداخل والشعاب وكمنوا فيها، وأصدر قائدهم أوامره بأن يرشقوا المسلمين بالسهام عند دخولهم الوادى، ثم يشدوا عليهم شدة رجل واحد، وهيأ رسول الله الجيش قبيل الفجر، ورتب الرجال صفوفا منتظمة، ثم دخل بهم الوادى المنحدر، فاستقبلوا عدوهم الذى تقهقر أمامهم، وترك بعض الغنائم، فأخذ المسلمون فى جمعها وشغلوا بها، فانقض عليهم العدو بسهامه يقذفهم من كل جانب، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فولوا مدبرين لا يبالون بشىء، وثبت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعه قلة من أصحابه، وأخذ ينادى الرجال: هلموا إلىّ أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبد المطلب!! وأمر النبى (صلى الله عليه وسلم) عمه العباس- وكان من الذين ثبتوا معه- أن ينادى المسلمين بصوته الجهورى، فأسرعوا إليه عائدين وهم يهتفون (لبيك، لبيك)، ودارت المعركة قوية ضد هوازن وثقيف، ونزل رسول الله عن بغلته (دلدل)، وتقدم أصحابه وهو يقول " الآن حمى الوطيس،، ثم تناول حفنة من التراب وقذف بها فى وجوه الأعداء وقال: "شاهت الوجوه" فأصابت عيونهم جميعا، فولوا مدبرين، فقال النبى: " انهزموا ورب الكعبة "!! وتبعهم المسلمون يقتلون من يدركونه منهم، حتى سقط المئات منهم يومئذ، وقد نهى رسول الله عن قتل النساء والأطفال والأجراء، وكل من لا يحمل السلاح. لقد غنم المسلمون فى هذه المعركة أموالا لم يدركوا مثلها من قبل؛ فبلغ السبى من النساء والذرية ستة آلاف نفس، والأموال أربعة آلاف أوقية فضة، ومن الإبل نحو أربعة وعشرين ألفا، أما الغنم فكانت أربعين ألف رأس. ومما لا شك فيه أن انهزام المشركين وانتصار المسلمين عليهم يوم حنين على هذه الصورة كان معجزة أجراها الله عز وجل على يد نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفى ضوء ذلك يفهم قول الله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا} (التوبة 26) 0 أ. د/ محمد جبر أبو سعدة

_ المراجع 1 - القرآن الكريم، تفسير سورة التوبة. 2 - الجامع الصحيح، البخارى: محمد بن إسماعيل طبع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت 1411 هـ/1991 م. 3 - معجم المعالم الجغرافية فى السنة النبوية- البلاذرى: عاتق بن غيث: دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع بمكة 2 0 4 1 هـ/1982 م. 4ـ الطبقات الكبرى- ابن سعد محمد بن سعد بن منيع. دار صادر- بيروت 1388 هـ/1969 م. 5 - تاريخ الأمم والملوك- الطبرى: محمد بن جرير بن يزيد: بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. طبع دار المعارف بمصر 1396 هـ/ 1976 م 6 - زاد المعاد فى هدى خير العباد، ابن قيم الجوزية: محمد بن أبى بكر: بتحقيق شعيب الأرنؤوط وزميله. مؤسسة الرسالة- بيروت 1410 هـ/1990 م. 7 - السيرة النبوية- ابن هشام. عبد الملك بن هشام بن أيوب: بتحقيق مصطفى السقا وآخرين. مطبعة البابى الحلبى بمصر 1375 هـ/1955 م. 8 - كتاب المغازى الواقدى: (محمد بن عمر بن واقد): بتحقيق مارسدن جونز- دار المعارف بمصر 1385 هـ/1965 م.

47 - الحوض

47 - الحوض من جوانب العقيدة الإسلامية جانب يسمى السمعيات، وهى أمور جائزة عقلا، أخبر بها المعصوم (صلى الله عليه وسلم)، فيجب اعتقادها والإيمان بها .. من هذه الأمور الحوض، والذى يستلخص من الأحاديث الواردة فى صفة الحوض: أنه حوض عظيم، ومورد كريم، يصله الماء من نهر الكوثر، الذى هو أحد أنهار الجنة، وماؤُه اشد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب من المسك .. والحوض متسع جدا، عرضه وطوله سواء، وكيزانه أكثر من نجوم السماء، ويشرب منه المؤمنون، ويكون سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الساقى لهم .. ويطرد عن الحوض الذين غيروا وبدلوا عهد الله وميثاقه، وأحدثوا فى الدين مالا يرضاه الله ورسوله، وهم الظلمة الجائرون، والمعلنون بفسقهم، وأهل الزيغ والبدع .. والذى عليه المحققون من العلماء أن المطرودين عن الحوض قسمان: - قسم يطرد حرمانا، وهم الكفار، فلا يشربون منه أبدا .. ـ قسم يطرد عقابا مؤقتا، وهم عصاة المؤمنين .. ويرى جمهور العلماء أن الحوض يقع قبل الصراط، لأن الناس يخرجون من القبور عطاشا، فيردون الحوض للشرب منه. هذا وقد روى أحاديث الحوض بضع وثلاثون صحابيا، منها ما خرجه البخارى ومسلم بسندهما عن جندب بن عبد الله رضى الله عنه سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " أنا فرطكم على الحوض " أى سابقكم. وفى رواية عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول " إنى فرطكم على الحوض، من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن على أقوام، أعرفهم ويعرفوننى، ثم يحال بينى وبينهم" زاد أبو سعيد الخدرى - رضي الله عنه -: فأقول: "إنهم من أمتى، فيقال: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا .. سحقا لمن غير بعدى" فالإيمان بمسألة الحوض واجب على سبيل الإجمال، أما التفاصيل فمن الخير إرجاؤها لعلام الغيوب. ومنكر هذه المسألة فاسق ليس بكافر، لأنها ليست من أصول الدين. أ. د/ محمد سيد أحمد المسير

_ المراجع 1 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى- لابن حجر العسقلانى 11/ 463 2 - صحيح مسلم بشرح النووى جـ 15 ص 53. 3 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضى عياض 1/ 209 ط دار الكتب العلمية- بيروت. 4 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الحنقى ص 250 ط المكتب الإسلامى سنة 1399 هـ

48 - الحياء

48 - الحياء الحياء هو انقباض النفس عن القبائح، وهو قسمان: ¨ جِبِلَّى وهو ما فطرت النفوس عليه من ترك ما يحيك فى الصدر، ويخشى المرء اطلاع الناس عليه .. ¨ مكتسب وهو ترك ما يذم شرعا .. والحياء خلق أجمعت عليه رسالات الوحى الإلهى، وجاء على ألسنة المرسلين، ففى صحيح البخارى بسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت " والذى يعين المرء على التخلق بخلق الحياء أن يستشعر خشية الله فى السر والعلن، وان يتذكر نعم الله عليه، ويرى عجزه عن الوفاء بشكرها، فيستحى أن يستخدم نعم الله فى معصية الله .. والحياء يختلف عن الجبن، لأن الحياء يمنع من القبائح، أما الجبن فيمنع من المكارم .. والحياء على النقيض من المجاهرة بالمنكر، لأن الحياء فى حقيقته خوف الذم أما المجاهرة ففيها عدم الاكتراث بالذم .. والإسلام يراعى طبائع الأشياء، فالمرأة أكثر حياء من الرجل، والفتاة أشد حياء من باقى النساء، ولهذا تعامل الإسلام مع المرأة برفق، فلم يؤكد عليها الجُمع والجماعات كما أكدها على الرجال، وعندما أمر الإسلام بأخذ رأى المرأة فى شريك حياتها فرّق بين البكر والثيب، ففى صحيح مسلم، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت " فالأيم هى التى سبق لها الزواج وطلقت أو مات عنها زوجها، والبكر هى التى لم يسبق لها الزواج، فالبكر أكثر حياء من الأيم، ومتى لم تبد اعتراضا ولم يظهر عليها أعراض الرفض كان ذلك إذنا منها لوليها، فيكفى من البكر الإشارة، ولابد للثيب من المقالة .. هذا وإذا وُصِفَ الله تعالى بالحياء، فالمراد لازمه وهو مزيد عفو عن العباد، وزيادة عطاء لهم، وفى حديث رواه أبو داود والترمذى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله حيى، يستحى من عبده إذا مد يده إليه أن يردهما صفرا. ولشرف الحياء وُصِفَ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان أشد حياء من العذراء فى خدرها، وخصه الرسول الكريم بالذكر فى شعب الإيمان، فقد أخرج البخارى ومسلم بسندهما عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ". أ. د/ محمد سيد أحمد المسير

_ المراجع 1 - الأخلاق والسير: لابن حزم- تحقيق د. الطاهر مكى- ط. دار المعارف مصر 2 - رياض الصالحين- ط. دار الإفتاء والبحوث بالرياض. 3 - خلق المسلم: محمد الغزالى. 4 - الأخلاق فى الإسلام/ د. عبد اللطيف العبد- ط دار الثقافة العربية

49 - الحياة

49 - الحياة [تفاصيل هذه المادة غير متوفرة على الموقع، وإنما وضعت تحت هذا العنوان التفاصيل المتعلقة بمادة (الحياء)!!] [عويسيان البصري]

50 - الحيل

50 - الحيل لغة: جمع حيلة، اسم من الاحتيال، وأصله: الحذق فى تدبير الأمور ثم غلب فى العرف على أستعمال الطرق الخفية التى يتوصل بها المرء إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، كما فى مختار الصحاح (1). واصطلاحا: تقديم عمل ظاهر الجوازة لإبطال حكم شرعى وتحويله فى الظاهر إلى حكم آخر. والحيل ثلاثة أقسام: 1 - حيل لا خلاف في تحريمها وإبطالها، كحيل المنافقين والمرائين، ومن ذلك. أ- الاحتيال للتفريق بين المؤمنين كما فى قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} التوبة:107 - 108. ب- الاحتيال لإسقاط الواجب على المكلف (2)، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة). (رواه البخارى وأبو داود، واللفظ للبخارى) (3). فهذا يعنى النهى عن احتيال مقصود به إبطال حكم شرعى وتحويله فى الظاهر إلى حكم آخر. 2 - حيل جائزة، وذلك اذأ كان المقصود بها أخذ حق، أو دفع باطل، أو مكروه (أذى) يلحق بصاحبه، كالنطق بكلمة الكفر حالة الإكراه. يقول تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفرصدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذابا عظيم} النحل:106. 3 - ما اختلف فيه، وهو ما لم يتبين بدليل قاطع موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته، فمن رأى من الفقهاء أن الاحتيال فى أمرها مخالفا للمصلحة منعه، ومن رأى أن الاحتيال غير مخالف لها فهو عنده جائز، بشرط أن لا يكون قصد المكلف المحتال مخالفا لقصد الشارع الحكيم. ومثال ذلك من باع ماله أو وهبه عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل البيع أو الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غيرهما لكان حراما، فهذا وما شابهه محل خلاف بين الفقهاء (4). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح لأبى بكر الرازى، مادة (حيل)، ومعجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعه جى -طبعة دار النفائس- بيروت ط2 1408هـ 1988م، ص 46، ومعجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء -نزيه حماد طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى ط1 1414هـ 1993م ص34. 2 - الموافقات للشاطبى 4/ 201 طبعة المكتبة التجارية بمصر، والقاموس القويم في اصطلاحات الأصوليين د/محمود عثمان ص189 طبعة دار الحديث ط1 1416هـ 1996م. 3 - فتح البارى شرح صحيح البخارى، لابن حجر العسقلانى -كتاب الزكاة- دار المعرفة بيروت. 4 - الأشباه والنظائر للسيوطى ص104 طبعة دار الفكر للنشر والتوزيع، ومعجم المصطلحات الاقتصادية ص75، والقاموس القويم ص190، 191

51 - الحيل (علم)

51 - الحيل (علم) علم "الحيل" الذى عرف عند العرب بهذا الاسم هو ذلك العلم الذى أطلق عليه قدامى الإغريق اسم "الميكانيكا" ولا يزال يحمل هذه التسمية حتى الآن. وقد ازدهر علم الحيل فى العالم الإسلامى ما بين القرنين الثالث والسابع الهجريين، التاسع والثالث عشر الميلاديين، واستمر عطاء المسلمين فيه حتى القرن السادس عشر الميلادى تقريبا. ويمثل علم "الحيل النافعة" الجانب التقنى المتقدم فى علوم الحضارة الإسلامية حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها تقنيا فى كل ما يخدم الدين ويحقق مظاهر المدنية والإعمار. وقد جعلوا الغاية من هذا العلم "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسيرا، ويقصد به استعمال الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن، ذلك أن الشعوب السابقة كانت تعتمد على العبيد، وتلجأ إلى نظام السخرة في إنجاز الأعمال التى تحتاج إلى مجهود جسمانى كبير، فلما جاء الإسلام ونهى عن السخرة وإرهاق الخدم والعبيد وتحميلهم فوق ما يطيق الإنسان العادى، إلى جانب تحريمه المشقة على الحيوان أتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم بالأعمال الشاقة، وبعد أن كانت غاية السابقين من علم "الحيل" لا تتعدى استعماله فى التاثير الدينى والروحى على اتباع مذاهبهم، مثل استعمال التماثيل المتحركة أو الناطقة بواسطة الكهان، واستعمال الأرغن الموسيقى وغيره من الآلات المصوتة فى المعابد، فقد جاء الإسلام وجعل الصلة بين العبد وربه بغير حاجة إلى وسائل وسيطة أو خداع حسى أوبصرى وأصبح لعلم "الحيل النافعة" هدف جديد هو التيسير على الإنسان باستعمال آلات متحركة. وقد ظهر هذا التوجه عند المسلمين الأوائل على أيدى نفر من العلماء الأعلام، لعل أشهرهم أبناء موسى بن شاكر الذين عاشوا فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وألفوا كتابهم المعروف باسم "حيل بنى موسى" وقد قام دونالد هيل " D.Hill" بترجمته إلى الإنجليزية كاملا فى عام 1979م، ويحتوى هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكى مع شروح تفصيلية ورسوم توضيحه لطرائق التركيب والتشغيل، وهو ما يدخل اليوم فى نطاق علم "الهندسة الميكانيكية" المعتمدة على حركة الهواء، أو حركة السوائل والتزامها. وقد استعملوا نظام الصمامات الآلية ذات التشغيل المتباطىء وعرفوا طريقة التحكم الآلى والتشغيل عن بعد. كذلك تضمنت ابتكارات المسلمين الأوائل فى علم الحيل النافعة تصميمات متنوعة لساعات وروافع آلية يتم فيها نقل الحركة الخطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد على التروس المسننة وهو الأساس الذى تقوم عليه جميع المحركات العصرية. ومن المؤلفات التراثية الرائدة فى هذا المجال كتاب "الجامع بين العلم والعمل النافع فى صناعة الحيل"، لبديع الزمان الرزاز الجزرى الذى عاش فى القرنين السادس والسابع الهجريين (الثانى عشروالثالث عشر الميلاديين). وقد وصفه مؤرخ العلم المعاصر"جورج سارتون "بأنه أكثرالكتب من نوعه وضوحا ويمكن اعتباره الذروة في هذا النوع من إنجازات المسلمين. أ. د/أحمد فؤاد باشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - كتاب الحيل فى تصنيف موسى بن شاكر، تحقيق الدكتور أحمد يوسف الحسن بالتعاون مع محمد على خياطة ومصطفى تعمرى جامعة حلب، معهد التراث العلمى العربى سنة 1981. 2 - أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى دراسات تأصيلية -د/أحمد فؤاد باشا، دار الهداية- القاهرة 1997م

الخاء

1 - خادم الحرمين الشريفين الحرمان الشريفان: هما المسجد الحرام بمكة المكرمة، الذى رفع قواعده سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام، والمسجد النبوى بالمدينة، وقد بناه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فى السنة الأولى للهجرة. وخادم الحرمين الشريفين: هو من يقوم على أمرهما من عمارة ورعاية، وهو وإن كان لقب مستحدثا فى العصر الحديث أطلقه الملك فهد بن عبد العزيز على نفسه، إلا أن مضمونه كان متحققا فى رجال اختصهم الله بفضله وشرفهم بخدمة الحرمين الشريفين عبر العصور. وبقدر ما تعرض الحرمان الشريفان إلى تصدع فى عمارتهما، أو عوامل الزمن التى ألقت بظلالها عليهما، تعرضا أيضا إلى إعادة إعمار وإصلاح، إضافة إلى توسعات عديدة لتستوعب المزيد والمزيد من المسلمين، وكانت أول توسعة للمسجد النبوى قام بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث أعاد بناءه ووسعه فى السنة السابعة للهجرة، ثم تعاقب بعد ذلك الإعمار والإصلاح لهما، ومن هؤلاء الرجال الذين قاموا بذلك عبر العصور: فى عهد الخلفاء الراشدين: عمر بن الخطاب (إعمار وتوسعة للحرمين) عثمان بن عفان (إعمار وتوسعة للحرمين). فى العهد الأموى: عبد الله بن الزبير (إعادة بناء الكعبة وزيادة ارتفاعها). عبد الملك بن مروان (أعاد الكعبة كما كانت وسَقَّفَ وزَيَّن المسجد الحرام). الوليد بن عبد الملك (إعمار وتوسعه للحرمين). فى العهد العباسى: أبو جعفر المنصور (توسعة الحرمين). المهدى (توسعة المسجد الحرام). المعتصم (ترميم وإعمار المسجد النبوى). المعتضد والمقتدر والمقتفى (إصلاحات بالمسجد الحرام). فى العصر المملوكى: قلاوون (إصلاحات بالحرمين). الظاهر برقوق، وقانصوه الغورى (إصلاحات بالمسجد الحرام) الظاهر بيبرس والأشرف برسباى والظاهر جمقمق وقايتباى (إصلاحات بالمسجد النبوى) ثم انفرد قايتباى بإعادة عمارة المسجد النبوى وتوسعته بعد ما احترق. وفى العهد العثمانى: السلطان سليم الثانى ومراد الرابع والشريف الحسين بن على (إصلاحات بالمسجد الحرام) السلطان عبد المجيد (إعادة إعمار للمسجد النبوى وتوسعته) وقد استغرق العمل فيه ثلاث عشرة سنة. وفى العصر الحديث بدأت التوسعة السعودية للحرمين الشريفين على أربعة مراحل: 1 - فى عهد الملك عبد العزيز 1373 هـ/1384هـ. 2 - فى عهد الملك فيصل 1384هـ /1395 هـ. 3 - فى عهد الملك خالد 1395 هـ/1402 هـ. 4 - فى عهد الملك فهد بن عبد العزيز، والذى أطلق على نفسه هذا اللقب (خادم الحرمين الشريفين) وقد وصل بالحرمين الشريفين إلى صورة تمثل قمة العمارة الإسلامية المعاصرة، وما يتبعهما من ساحات ومواقف للسيارات تحت الأرض، ومحطات ومبان للخدمات، ونظم تبريد وأنظمة صوت وإضاءة عبر نظام تحكم للأنظمة الكهربائية والميكانيكية مزودة بالحاسب الآلى. (هيئة التحرير)

_ المراجع: 1 - أخبار مكة للأزرقى 2 - تاريخ مكة أحمد السباعى مطبوعات نادى مكة الثقافى. 3 - تاريخ عمارة المسجد الحرام حسين عبد الله بإسلامة- تهامة 4 - الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية- سليمان الصمادى. 5 - المساجد فى الإسلام الشيخ طه الولى مطبوعات دار العلم للملايين. 6 - أمراء البيت الحرام- أحمد دحلان- الدار المتحدة للنشر ط 2 بيروت.

2 - الخاص

2 - الخاص لغة: مأخوذ من قولهم "اختص فلان بكذا" إذا انفرد به، فالخصوص يقتضى الانفراد ويقطع العموم والشركة (1). واصطلاحاً: اللفظ الموضوع للدلالة على معنى واحد على سبيل الانفراد (2). والخاص هو أحد أقسام اللفظ الأربعة باعتبار وضعه للمعنى وهى (الخاص. العام. المشترك. المؤول) والخاص أربعة أقسام: 1 - ما يكون موضوعاً لشخص معين كأسماء الأعلام مثل خالد ومحمد. 2 - وما يكون موضوعاً لنوع معين مثل رجل وفرس. 3 - وما يكون موضوعاً لكثير محصور (محدود) وأسماء الأعداد مثل اثنين وثلاثة وثلاثين ومائة ألف وهكذا. 4 - وما يكون موضوعاً لجنس معين كإنسان (3). حكم الخاص: إذا ورد لفظ خاص فى نص شرعى فإنه يتناول مدلوله على سبيل القطع ما لم يدل على صرفه عن معناه وإرادة معنى آخر فمثلأ لفظ ثلاثة أيام فى قوله تعالى:} فصيام ثلاثة أيام {(المائدة 89) لفظ خاص لا يمكن حمله على ما هو أقل أو أكثر فدلالته على ذلك قطعية (4) للخاص باعتبار الصيغة أربعة أنواع: المطلق، والمقيد، والأمر، والنهى (5). أ. د/ يحيى أبو بكر 1 - أصول الفقه الإسلامى- بدران أبو العينين 349. طبعة مؤسسة شباب الجامعة. 2 - انظر. فتح الغفار بشرح المنار 1/ 16 طبعة مصطفى الحلبى 936 ام أصول السرخسى 1/ 124. 3 - تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى ص 27 منشورات دار القرآن والعلوم الإسلامية 1990 م 4 - أصول الفقه الإسلامى بدران أبو العينين 350. 5 - تيسير أصول الفقه ص 28.

_ المراجع 1 - الوجيز فى أصول الفقه، د. عبد الكريم زيدان، طبعة مؤسسة الرسالة 1987 م.

3 - الخاطر

3 - الخاطر لغة: ورد الخاطر فى لسان العرب بعدة معان: 1 - ما يجول فى القلب من تخطيط وتدبير. يقول عنه ابن سيده: ما يخطر فى القلب من تدبير أو أمر، تقول: خطر ببالى، وعلى بالى كذا أى جال ببالى كذا، وخطر الشيطان بين الإنسان وقلبه أى أوصل الشيطان وسواسه إلى قلبه. 2 - المتبختر فى مشيته. يقال خطر فلان يخطر إذا تبختر فى مشيته، والفحل يخطر بذنبه عند الوعيد من الخيلاء، وفى حديث مرحب- وهو فارس يهودى قتله علىٌّ - رضي الله عنه - يوم خيبر ... فخرج يخطر بسيفه " أى يهزه معجبا بنفسه. 3 - ارتفاع القدر والمال والشرف والمنزلة عند الرجل. تقول رجل خطير: أى عظيم المنزلة والشرف. 4 - السبق الذى يترامى عليه فى التراهن. من خطر يخطرُ، تقول؛ تخاطر القوم على الأمر أى تراهنوا عليه. 5 - الإشراف على الهلاك: يقال: خاطر الإنسان بنفسه متى ألقى الإنسان بنفسه، فى مواطن الخطر، حتى أوشك على الهلاك. واصطلاحا: عند علماء الكلام، هو ما يلقى فى النفس ويجول فيها؛ ذلك لأن ما يجرى فى النفس على خمس مراتب. الأولى: الهاجس، وهو ما يلقى فى النفس ولا يجول فيها. الثانية: الخاطر، وهو ما يلقى فى النفس ويجول فيها. الثالثة: حديث النفس، وهو ما يتردد فى النفس بين فعل الخاطر أو تركه. الرابعة: الهمّ، وهو توجه النفس نحو الفعل والميل إليه. الخامسة: الفعل، وهو العزم والتصميم ومباشرة الفعل وإتيانه. ويرى علماء الكلام أن المراتب الأربع الأوليات لا يعاقب الإنسان عليها، أما الخامسة فهى موطن الثواب والعقاب. ولذلك قال بعض علماء التفسير عن تناولهم لقول الله تعالى:} ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ... {إن همه - عليه السلام - حتى لو فرضنا جدلاً أنه كان للمعصية، فإن الهمّ غير معاقب عليه شرعاً. أ. د/ عبد السلام محمد عبده

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (خطر)، بيروت، دار صادر. 2 - مفاتيح الغيب للإمام الرازى. 3 - عصمة الأنبياء للإمام الرازى

4 - ختم النبوة

4 - ختم النبوة لغة: خَتم الشىء: آخره، وخِتامُ القوم وخاتِمهم وخاتَمهم: آخرهم. يقال: خَتَم الشيء يختمه ختماً بلغ آخره. واصطلاحاً: عقيدة إسلامية بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - هو آخر الأنبياء وخاتم النبيين، وأن الدين به قد أكمل وأن رسالة الإسلام هى الرسالة الأخيرة الخاتمة. وختم النبوة والرسالة بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أمر مقرر فى القرآن الكريم يقول تعالى:} ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين {(الأحزاب 40). وجاءت السنة الصحيحة مبينة لهذا المعنى، من ذلك ما روى عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين" (رواه البخارى). وقوله - صلى الله عليه وسلم - بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبى خلفه نبى، وإنه لا نبى بعدى، (رواه البخارى). وقد اجتمعت أقوال المفسرين على هذه الحقيقة وتأكيدها، يقول الإمام ابن كثير: وقد أخبر الله تعالى فى كتابه، ورسوله فى السنة المتواترة عنه بأنه لا نبى بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده، فهو كذاب أفاك دجال مضل. ويقول الألوسى: وكونه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين مما نطق به الكتاب وصدعت به السنة وأجمعت عليه الأمة فيكفر مدع خلافه، وما كان لمسلم أن يؤول القرآن والسنة الصحيحة تأويل من لا ينصح لله ورسوله ليجيب داعية هوى فى نفسه. وهكذا انعقد إجماع الأمة على هذه الحقيقة، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور بعض الأدعياء الذين ادعوا النبوة لأنفسهم، أمثال: الأسود العنسى ومسيلمة الكذاب وسجاح .. وقد تصدت لهم الأمة الإسلامية بحسم فى عهد الخليفة أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - مما يؤكد ويدعم أن حقيقة ختم النبوة للنبى - صلى الله عليه وسلم - كانت مقررة فى صدور المسلمين. ولعل هذا التسليم بمقام النبوة وختمه بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، هو ما دفع بعض الصوفية باتخاذ مقام الولاية ونسبته إلى بعضهم بعد إسباغه معنى اصطلاحيَّا خاصا، يتفوق به عن مقام النبوة عند بعضهم. حتى قال أحدهم: مقام النبوة فى برزخ فويق الرسول ودون الولى. بدأ ذلك عند الحكيم الترمذى حيث ذهب إلى امور غريبة لم يسبق إليها، وقد أوّل معنى خاتم الأنبياء بقوله: ليس معنى كونه خاتم الأنبياء أنه آخر الأنبياء مبعثاً ورسالة، ولكنه يعنى أن رسالته مختومة بخاتم الصدق، وهو صدق العبودية لله. إلا أنه لم يذهب إلى القول بتقدم الولى عليه، وإنما جعل الرسول فى قمة الدرجات، ثم يليه النبى، ثم الولى المحدّث، ثم بقية الأولياء. وقد التقت أفكاره تلك بتراث كثير من الصوفية بعده، وعلى رأسهم ابن عربى. إلا أن أعداء الإسلام أرادوا أن يكيدوا له باسم الإسلام؛ فظهرت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى بلاد الهند الدعوى القاديانية والتى تقدّم باسم الإسلام، وقد ساندها فى نشأتها الصليبيون المستعمرون، وكان من أحد دعائم دعوتها إنكار ختم النبوة بالمصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم -، منتحلة فى ذلك مماحكات لا ترقى لأن تمثل مجرد شبهة إلا عند من اتبع هواه ليضل عن سبيل الله، وقد قدم صاحب هذه الدعوى "مرزا غلام أحمد القاديانى" نفسه باعتباره مصلحاً ثم مهديا ثم المسيح الموعود وأخيراً نبيا ورسولاً. ومثل هذا فعلته البهائية فى إيران حيث أنكرت عقيدة ختم النبوة، ولكنها أعلنت بصراحة: أنها طائفة مستقلة ليست مسلمة بمعنى الكلمة المصطلح عليها. وما كان أغناها عن هذه الصراحة، فمن المعلوم بالضرورة أن من أنكر ذلك فقد خرج من ربقة الإسلام، فإن عقيدة أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين هى الخط الفاصل بكل دقة بين الدين الإسلامى والديانات الأخرى التى تشارك المسلمين فى عقيدة التوحيد، وبهذا الخط الفاصل يستطيع الإنسان أن يحكم على طائفة بالاتصال بالإسلام أو الانفصال عنه. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - محمد الرسالة والرسول. د/ نظمى لوقا. 2 - الملل والنحل للشهرستانى. 3 - ختم الولاية للحكيم الترمذى. 4 - تفسير القرآن الكريم لابن كثير. 5 - من قضايا التصوف د/ محمد السيد الجليند. 6 - دول الإسلام للإمام الذهبى. 7 - القاديانية نشأتها وتطورها تأليف حسن عيسى عبد الظاهر. 8 - الفصل فى الملل والنحل لابن حزم. 9 - صحيح البخارى طبع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

5 - الخراج

5 - الخراج لغة: الخراج من خرج يخرج خروجاً أى برز. والاسم الخراج وأصله ما يخرج من الأرض. والجمع: أخراج، وأخاريج، وأخرجة (1). واصطلاحاً: يطلق الخراج على الغلة الحاصلة من الشيء كغلة الدار والدابة، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " الخراج بالضمان " (رواه أبو داود) (2). ويطلق الخراج أيضا على الأجرة، أو الكراء، ومنه قوله تعالى:} فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا {(الكهف 94)، وقوله تعالى:} أم تسألهم خرجًا فخراج ربك خيرا {(المؤمنون 72). واصطلح الفقهاء للخراج معنيين: معنى عام وآخر خاص. والخراج بالمعنى العام: هو الأموال التى تتولى الدولة أمر جبايتها وصرفها فى مصارفها. أما الخراج بالمعنى الخاص: فهو الضريبة التى يفرضها الإمام على الأرض الخراجية النامية. وقد أطلق الفقهاء عدة ألفاظ ومصطلحات على الخراج بالمعنى الخاص منها: 1 - جزية الأرض: وذلك لأن اللفظين (خراج وجزية) يشتركان فى معنى واحد، وهو أن كلا منهما مال يؤخذ من الذمى (3). 2 - أجرة الأرض: وذلك لأن الخراج المفروض على الأرض الخراجية النامية بمثابة الأجرة لها (4). 3 - الطِّسق: والطسق كلمة فارسية معربة يراد بها الوظيفة المقررة على الأرض (كما فى اللسان) (5). وأول من استعمل هذه اللفظة فى الإسلام الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث كتب إلى عثمان ابن حنيف - رضي الله عنه - فى رجلين من أهل الذمة أسلما- كتاباً جاء فيه: (ارفع الجزية عن رءوسهما وخذ الطسق عن أرضيهما) والخراج واجب شرعا على كل من بيده أرض خراجية نامية سواء أكان مسلماً أم كافرا، صغيرا أم كبيرا، عاقلاً أم مجنونا، رجلاً أم امرأة، وذلك لأن الخراج مؤونة الأرض النامية وهم فى حصول النماء سواء (6). وأدلة مشروعيته كما قال عمر بن الخطاب: (قد وجدت حجته فى قوله تعالى: } وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير {(الحشر 6). فقد رأى أمير المؤمنين أن من المصلحة عدم تقسيم الأرض المفتوحة عنوة، ووقفها على جميع المسلمين وضرب الخراج عليها. وأهم ما تقضى به المصلحة فى ذلك: 1 - تأمين مورد مالى ثابت للأمة الإسلامية بأجيالها المتعاقبة ومؤسساتها المختلفة حيث قال عمر - رضي الله عنه -: وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفى رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئًا للمسلمين، المقاتلة والذرية ولمن يأتيهم من بعدهم (7). 2 - توزيع الثروة وعدم حصرها فى فئة معينة. كما أشار إليه قوله تعالى:} كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم {(الحشر 7). 3 - عمارة الأرض بالزراعة وعدم تعطيلها:} وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة {(البقرة 30) وهذا هو قصد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ضرب الخراج أن تبقى الأرض عامرة بالزراعة فأهلها أقدر من الغانمين على ذلك لتوفر الخبرة والقدرة على الزراعة. وقد قسم الفقهاء الخراج إلى أنواع باعتبارات مختلفة: أولاً: باعتبار المأخوذ من الأرض وينقسم إلى قسمين: (أ) خراج الوظيفة ويسمى أيضا (خراج المقاطعة وخراج المساحة) لأن الوالى ينظر إلى مساحة الأرض ونوع ما يزرع عند توظيف الخراج عليها. (ب) خراج المقاسمة: وهو أن يكون الواجب جزءاً شائعاً من الخارج من الأرض كالربع والخمس وما أشبه ذلك. وهذا النوع يتعلق بالخارج من الأرض بالتمكن، فلو عطل المالك الأرض لا يجب الخراج. ثانيا: باعتبار الأرض التى تخضع للخراج وينقسم إلى قسمين: (أ) الخراج الصلحى: وهو الخراج الذى يوضع على الأرض التى صولح عليها أهلها على أن تكون الأرض لهم ويقرون عليها بخراج معلوم. (ب) الخراج العنوى: وأما العنوة فهى الغلبة، فهو كل مال صار للمسلمين على وجه الغلبة، ويوضع الخراج على الأرض التى فتحت عنوة، وبعد أن يقفها الإمام على جميع المسلمين، ويدخل فى هذا النوع: 1 - الخراج الذى يوضع على الأرض التى جلا عنها أهلها خوفا وفزعا من المسلمين. 2 - الخراج الذى يوضع على الأرض التى صولح أهلها على أن تكون للمسلمين ويقرون عليها بخراج معلوم. أنواع الأرض الخراجية: النوع الأول: الأرض التى صالح المسلمون أهلها عليها، إما بتركها لهم وللمسلمين الخراج، أو الأرض للمسلمين ويقر أهلها عليها بخراج معلوم. النوع الثانى: الأرض التى جلا عنها أهلها خوفا وفزعا وبدون قتال. فهى أرض خراجية. النوع الثالث: الأرض التى افتتحها المسلمون عنوة. وقد اختلف الفقهاء فى تقسيمها على المقاتلين. فقال مالك فى رواية ذكرها عنه أحمد: لا تقسم الأرض، وتكون وقفا على المسلمين ويصرف خراجها فى مصالحهم. وقال أبو حنيفة والثورى: الإمام مخير بين أن يقسمها على المسلمين المقاتلين أو يضرب على أهلها الخراج ويقرها بأيديهم. وقال الشافعى: إن الأرض تقسم بين المقاتلين، كما يقسم المنقول إلا أن يتركوا حقهم منها بعوض. (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب لابن منظور، والمصباح المنير، مادة (خرج). 2 - سنن أبى داود 3/ 780 والتلخيص الحبير 3/ 22 طبعة شركة الطباعة الفنية الكويت بدون تاريخ. 3 - شرح منح الجليل على مختصر خليل، عليش 1/ 756 طبعة مكتبة النجاح بليبيا، جواهر الإكليل على مختصر خليل، للأبي 1/ 266 مطبعة دار إحياء الكتب العربية. القاهرة. 4 - الأموال أبو عبيد ص 98 مكتبة الكليات الأزهرية. بالقاهرة ط 1، 1388هـ/ 1968 م. 5 - لسان العرب لابن منظورهـ مادة (طسق)، الأموال أبو عبيد ص 81 6 - الأحكام السلطانية للماوردى ص 142، كشاف القناع للبهوتى 3/ 94، مطبعة النصر الحديثة الرياض. 7 - الخراج لأبى يوسف ص 24، نيل الأوطار للشوكاش 8/ 18. مطبعة الحلبى. القاهرة.

_ المراجع 1 - فتح القدير الكمال بن الهمام5/ 279. 2 - رحمة الأمة فى اختلاف الأئمة على هامش الميزان للشعرانى 2/ 174دار إحياء الكتب العربية بمصر. 3 - المغنى لابن قدامة 2/ 716 طبعة دار هجر القاهرة.

6 - الخرقة

6 - الخرقة لغة: القطعة من الثوب الممزق، وخرق الشىء مزقه وشقه. كما فى المعجم الوسيط. واصطلاحا: هى ما يلبسه المريد من شيخه الذى دخل فى إرادته. ويرى الصوفية أن فى لبسها معنى المبايعة، وأنها تمثل عتبة دخول المريد فى صحبة الشيخ الذى يتولى تربيته وتهذيب أخلاقه وتقويم سلوكه. وللبس الخرقة مراسم يشترك فى أدائها كل من الشيخ والمريد وإن كان الشيخ يتولى القسط الأكبر منها، فهو يتطهر ويتوضأ ثم يأمر المريد بذلك ثم توضع الخرقة بين أيديهما، ويقرأ الشيخ الفاتحة، ثم يقوم بإلباسا للمريد مبينا له سند وصولها إليه ثم يأخذ عليه عهد الوفاء لشرائطها، ويعرفه حقوق الخدمة. ويقول الصوفية إنه يسرى -عند ذلك- من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج، وبعضهم يشبهها بقميص يوسف عليه السلام الذى لما ألقاه البشير على وجه أبيه يعقوب عليه السلام ارتد بصيرا. ويذكر السهروردى أن الخرقة خرقتان: خرقة إرادة وخرقة تبرك، ومقصود الصوفية هو الأولى منهما، أما الثانية فتأتى تبعا لها. وقد أفاض القاشانى فى بيان الفوائد التى تترتب على لبس الخرقة. وقد أراد الصوفية أن يجعلوا للخرقة إسنادا متصلا إلى الحسن البصرى عن الامام على رضى الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويذكر الشعرانى أن ابن حجر والسيوطى صححا هذا الإسناد. ولكن ابن الجوزى يرفض ذلك رفضا حاسما. على حين يرى ابن خلدون أن فى ربط الخرقة بالإمام على مظهرا من مظاهر تأثر التصوف بالتشيع. وقد قال السهروردى -الذى كان من أهم من تحدثوا عن الخرقة- عن الهيئة التى تعتمدها الشيوخ فى هذا الزمان لم تكن فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد كانت طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون الخرق ولا ينبسونها المريدين". وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة ومن يسلك بأقوام من غير لبس الخرقة، واللون المفضل للخرقة هو اللون الأزرق، ولكنه ليس بلازم. أ. د/عبد الحميد مدكور

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأنوار القدسية فى معرفة قواعد الصوفية، للشيخ عبد الوهاب الشعرانى، تحقيق وتقديم الأستاذين: طه عبد الباقى سرور، السيد محمد عيد الشافعى -مكتبة المعارف- بيروت ط1، 1688م. 2 - ظهور الحقائق فى بيان اللطائف، للسيد عبد الله بن علوى العطاس، مطبعة بكراز حسنى، 1312هـ. 3 - عوارف المعارف لأبى حفص عمر السهروردى، مطبوع مع إحياء علوم الدين للإمام الغزالى نشر مؤسسة الحلبى وشركاه 1968 م، 5/ 110 114. 4 - لطانف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام -عبد الرازق القاشانى، تحقيق الأستان سعيد عبد الفتاح- مطبعة دار الكتب المصرية 1996، ط1، ص442، 243. 5 - مقدمة ابن خلدون طبع دار الشعب، القاهرة ص445. 6 - نقد العلم والعلماء أو تلبيس إبليس، لأبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى، طبع إدارة الطباعة المنيرية، ص180 - 199

7 - خزندار

7 - خزندار لغة: يقال خزندار وخازندار وخزينة دار وخزانة دأر وخازن الدار أيضا. واللفظ مؤلف من كلمتين: 1 - خزانة العربية. 2 - دار الفارسية وهى بمعنى مُمسِك. والمعنى الكلى: الموكل بالخزانة والمتولى أمرها. واصطلاحا: موضوع هذه الوظيفة هو الإشراف على خزائن أموال الدولة أو السلطان أو الأمير، وهى بهذه الدلالة معادلة لوظيفة الخازن الذى يمكن اعتبارها الصيغة العربية المحصنة. بدأ ظهور هذا المصطلح فى العصر العباسى بصيغ قريبة، واستقر فى الصيغة "خزندار" فى عصر الأيوبيين، وزادت أهميتها فى عصر المماليك واعتبرها القلقشندى الوظيفة الثانية عشرة من الوظائف التى يشغلها عسكريون بحضرة السلطان المملوكى وكان يختار لها من "الخاصكية". وكان كبير الخزندارية يسمى أمير خزندار. وقد استمر استخدامها حتى العصر العثمانى. أ. د/حسن الباشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ البيهقى. 2 - راحة الصدور الرواندى. 3 - المقدمة ابن خلدون. 4 - صبح الأعشى: القلقشندى. 5 - زبدة كشف الممالك: خليل الظاهرى. 6 - تحفة الأحباب بمن ملك مصر من الملوك والنواب: يوسف الملوانى

8 - خصوص السبب

8 - خصوص السبب لغة: الخصوص نقيض العموم (1). والسبب ما يتوصل به إلى أمر من الأمور (2) واصطلاحا: المراد بالسبب فى قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ليس ما يولد الفعل أو يوجب الحكم، بل ما كان سببا فى الجواب، أو داعيا إلى الخطاب بذلك القول وباعثا عليه (3)، قرآنا كان اللفظ أو حديثا. والمراد بسبب النرول فى علوم القرآن هو: ما نزلت الآيات متحدثة فيه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه (4). والمراد بخصوص الشىء: كونه متعينا له وحدة تخصه فلا شركة للغير فيه (5). والغرض فى هذا المقام الإجابة على سؤال هو: أن اللفظ العام المستقل (6) بنفسه إذا ورد من أجل سبب خاص هل يعم، أو يقتصر به على سببه؟ ويرى الجمهور أن العبرة بعموم اللفظ مثل قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} هود:114. فهذا حكم عام نزل على سببه خاص، وهو قصة الأنصارى الذى قبل امرأة أجنبية عنه، فاللفظ يتناوله ويتناول كل مثيل له، لأنه باق على عمومه وهذا هو الراجح (7). وغير الجمهور يرى أن العبرة بخصوص السبب، فاللفظ عام أريد به الخصوص، فلا يتناول بحكمه إلا صورة السبب، أما مثيلها فحكمه نفس الحكم لكن من دليل آخر من قياس أو غيره (8). وعلى الرأيين لم يختلف حكم المثيل عن حكم الصورة، بل أجمعت الأمة على أن الحكم فيهما واحد (9). أ. د/عبدالغفور محمود مصطفى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط (مادة خصص). 2 - المصباح المنير (مادة سبب). 3 - البحر المحيط (4/ 292) الزركشى، دار الكتبى 1414هـ. 4 - البيان، عبد الوهاب غزلان: (ص91) دار التأليف. 5 - التعريفات الجرجانى. 6 - تيسير التحرير لباد شاه: 1/ 264 الحلبى. 7 - انظر ص144 حاشية (2) لمحمد المختار الشنقيطى على تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى طبع سنة 1414هـ مكتبة ابن تيمية. 8 - مقدمة فى أصول التفسير لابن تيمية (ص 27). 9 - اللآلىء الحسان د/موسى شاهين لاشين، دار الرسالة، مكة المكرمة1995م

9 - الخضر

9 - الخضر الخضر: هو عبد من عباد الله آتاه الله تعالى نعمة من عنده، وعلمه من لدنه علم الباطن إلهاما (1). وقصته مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف (2)، ولم يكن نبيا عند أكثر أهل العلم (3). وسمع أبو حاتم السجستانى مشايخه يقولون: "إن أطول بنى آدم عمرا: الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم" (4). لكن قد ورد ما يدل على أنه كان من بنى اسرائيل فى زمان فرعون (5). وصحح ابن جرير أنه كان متقدما فى الزمان حتى أدركه موسى عليه السلام (6). وفى الصحيح المرفوع: "إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز خلفه خضراء" (7). وأخرجة عبد الرزاق ثم قال: والفروة: الحشيش الأبيض وما أشبهه، يعنى: الهشيم اليابس (8). وقال السهيلى بصحة الطرق الواردة باجتماعه مع النبى صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهل البيت بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (9). وقال الأكثرون من العلماء إنه حى الآن. وهذا متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة (10)،واستشهد الجمهور على ذلك بأخبار عديدة (11). وقد اختلف العلماء فى اسمه ونسبه ونبوته وحياته إلى الآن (12)، وبناء عليه فليس ذلك من العقائد والله أعلم. أ. د/عبد الغفور محمود مصطفى

_ الهامش: 1 - البداية والنهاية، ابن كثير (1/ 479، 480). 2 - المرجع السابق. 3 - المرجع السابق. 4 - فتح البارى كتاب التفسير سورة الكهف. 5 - البداية والنهاية: (1/ 481). 6 - تفسير الخازن: سورة الكهف آية 65. 7 - انظر الآيات (65 - 82) سورة الكهف. 8 - تفسير الخازن: سورة الكهف. 9 - انظر التعريف والإعلام للسهيلى سورة الكهف. 10 - تفسير الخازن: سورة الكهف. 11 - البداية والنهاية (1/ 479 - 495). 12 - المرجع السابق

10 - الخطابة

10 - الخطابة لغة: مصدر خطب يخطب أى باشر الخطبة كما فى اللسان (1). واصطلاحا: قد عرفت بتعريفات كثيرة منها تعريف "أرسطو" بأنها: القدرة على النظر فى كل ما يوصل إلى الإقناع فى أى مسألة من المسائل (2). وعرفها ابن رشد بأنها: قوة تتكلف الإقناع الممكن فى كل واحد من الأشياء المفردة (3). وعرفها بعض المحدثين بأنها: نوع من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم بصواب قضية أو بخطأ أخرى (4). وعرفت بأنها: علم يقتدر بقواعده على مشافهة الجماهير بفنون القول المختلفة لإقناعهم واستمالتهم (5). والخطابة ضرورة اجتماعية تفرضها الظروف، وتعبر عن المجتمع بوجه عام، وكل الأمم فى حاجة إليها، بل إن المواقف المجيدة فى تاريخ الأمم مدينة للخطباء الذين عبروا عن قضاياهم أصدق تعبير، وأثروا فى مجتمعاتهم أعظم التأثير. والخطابة أنواع كثيرة منها: الخطابة العلمية، والخطابة السياسية، والخطابة العسكرية، والخطابة الدينية، والخطابة الاجتماعية، والخطابة القضائية، والخطابة الحفلية. وللخطابة طرق للتحصيل وعوامل للرقى، فمن طرق تحصيلها: الموهبة والاستعداد الفطرى، ودراسة أصول الخطابة، ودراسة كثير من كلام البلغاء، وحفظ الكثيرمن الألفظ والأساليب، وكثرة الاطلاع على العلوم المختلفة، والتدريب والممارسة. أما عوامل رقيها فمنها: الحرية، وطموح الأمة إلى حياة أرقى وذلك -مثلا- إذا ما تفشى فى أمة من الأمم سخط على نظام قائم ووجدت إرادة فى التغيير إلى الأفضل، والتاريخ القديم والمعاصر يشهدان لهذا، والتغيرات الدينية والسياسية والاجتما عية، والحروب والثورات، وكثرة الأحزاب والتكتلات مع تنازعها، والرغبة فى إصلاح ذات البين. وفن الخطابة له أصول يتعلق بعضها بالخطيب وبعضها بالخطبة. فأما ما يتعلق بالخطيب فأهمه: الموهبة ورباطة الجأش، وسلامة الصوت من العيوب، وطول النفس، وحسن الوقفة، وحسن استخدام الإشارة فى موضعها المناسب، والسمت الذى يستميل سامعيه. وأما ما يتعلق بالخطبة فأهمه: براعة الاستهلال، ووفرة المحصول من مختلف أساليب البيان، والتنقل بين الانشائية والخبرية، ووضوح المعانى من خلال قصر الجمل، وملاحظة تقسيم الخطبة، ثم موضوع الخطبة، ثم الختام الذى يجب أن يشتمل على جمل يسهل تردادها وتذكرها بعد انتهاء الخطيب من خطبته وخاصة فى النوعين السياسى والدينى من الخطابة. هذا وتجدر الإشارة إلى بعض الأسماء من الخطباء الذين خلد التاريخ ذكرهم مثل: "ميرابو" و"سحبان وائل" و"قس بن ساعدة" و"واصل بن عطاء" فى القديم، ومثل "غاندى" و"مصطفى كامل" و"سعد زغلول" فى الحديث (6). وللخطابة علاقة وثيقة بغيرها من العلوم، فبالنسبة للعلوم الإنسانية: لها علاقة وثيقة بعلم المنطق، وعلم النفس وخاصة علم نفس الجماعة، وعلم الاجتماع. وبالنسبة للعلوم الاسلامية: فهى تتصل بكل هذه العلوم، والعلوم الإسلامية تفيد علم الخطابة بصفة عامة والخطابة الدينية بصفة خاصة. ومن أهم ما يحتاجه الخطيب من العلوم الإسلامية ومصادرها: القرآن الكريم، والسنة النبوية، ومقارنة الأديان، ومعرفة الأحكام الفقهية ومصادر التشريع، والعلم بالتاريخ الإسلامى -ولا تخفى علاقتها- أيضا. بالشعر والأدب، والكتابة، والأخلاق والسياسة (7). أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر بيروت ط3، مادة (خطب) 1/ 360. 2 - الخطابة لأرسطو طبعة القاهرة 1950م تعريب د/إبراهيم سلامة 1/ 90. 3 - تلخيص الخطابة لابن رشد ص15. 4 - الخطابة وفن الإلقاء د/أشرف محمد موسى ط الخانجى بالقاهرة 1978م ص7. 5 - الخطابة: د/يوسف محمد يوسف عيد مطبعة الفجر الجديد ط1 1992م ص21. 6 - انظر الخطابة لأرسطو، وفن الخطابة للدكتور أحمد الحوفى، والخطابة السياسية فى مصر من الاحتلال البريطانى إلى إعلان الحماية. رسالة ماجستير للدكتور عبد الصبور مرزوق. 7 - انظر: فن الخطابة وإعداد الخطيب للشيخ على محفوظ، دار الاعتصام 1984،الخطابة أصولها، تاريخها، مقارنتها بغيرها، تطبيقاتها للدكتور يوسف محمد يوسف عيد، مطبعة الفجر الجديد، ط1 1992 م -فى بلاغة الخطاب الإقناعى- محمد العمرى، دار الثقافة بالدار البيضاء ط1 1986م

11 - خطبة الجمعة

11 - خطبة الجمعة لغة: الخطبة بضم الخاء مصدر (خطب).أى ألقى الكلام إلى الغير لإفهامه، والجمعة: اليوم المعروف وهو يوم العروبة (1). واصطلاحا: الخطبة تطلق على معنيين: أحدهما: الكلام المنثور سجعا كان أو مرسلا. وثانيهما: إلقاء الكلام المنثور مسجوعا كان أو مرسلا لاستمالة المخاطبين إلى رأى أو ترغيبهم فى عمل (3). وعلى ذلك فخطبة الجمعة عبارة عن: إلقاء الكلام المنثور وتوجيهه إلى الناس فى اليوم المعلوم من إمام الجمعة، أو هى الكلام نفسه الملقى عليهم. وهى خطبتان قبل الصلاة يجلس بينهما الإمام هنيهة، ولها أركان وشروط، على خلاف فى بعضها أو إطلاق أو تقييد. فأركانها: حمد الله تبارك وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى، والدعاء للمؤمنين وهو خاص بالخطبة الثانية، وقراءة شىء من القرآن ولو آية واحدة، والموعظة وهى القصد منها. ومن شروطها: الوقت وهو بعد الزوال، وتقديم الخطبتين على الصلاة، والقيام فيهما عند القدرة، والجلوس بينهما مع الطمأنينة فيه، والطهارة عن الحدث والنجس ثوبا ومكانا، ورفع الصوت بحيث يسمع، والعدد الذى تنعقد به الجمعة. وقد اختلف الفقهاء فى حرية الكلام أثناءها. فالجمهور على حرمته، والشافعى فى الجديد وأحمد فى رواية على عدمها. والله أعلم. د/عبد الصبورمرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح دار المعارف ص110، ص180. 2 - فن الخطابة وإعداد الخطيب للشيخ على محفوظ ص14 دار الاعتصام 1984م. مراجع الاستزادة: 1 - الكافى لابن قدامة المقدسى فيصل عيسى الحلبى 1/ 231. 3 - الاختيار لتعليل المختار للموصلى الحنفى ط الإدارة المركزية للمعاهد الأزهرية 1/ 108. 3 - مغنى المحتاح، ط مصطفى الحلبى 1/ 385. 4 - كفاية الأخيار فى حل غاية الاحتصار للحصنى الشافعى 10/ 148

12 - الخط العربي

12 - الخَطُّ العَرَبي لغة: يقصد به الطريقة التى اتخذها العرب فى الكتابة والتى أخذوها عن طريق الأنباط المجاورين للعرب الحجازيين. واصطلاحاً: عُرِفَ هذا الخط بعدة أسماء منها: الخَطّ الأنْبارى والخَطّ الحيرى. ومع ظهور الإسلام وانتشاره خارج الحجاز عُرِفَ هذا الخط بالخط البَصْرى والخط الكوفى. يقول ابن النديم: فأول الخطوط العربية الخطّ المكى وبعده المدَنى ثم البَصْرى ثم الكوفى. فأما المكى والمدنى ففى ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفى شكله انضجاع يسير. ظَلَّ الخط العربى المبكر خاليا من النَّقْط وحركات الإعراب إلى أن وضع أبو الأسود الدُّؤَلى المتوفى سنة 69 هـ/688 م طريقة لإصلاح الألسنة، فوضع نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحته، ونقطة تحت الحرف للدلالة على كسرته، ونقطة عن شماله للدلالة على ضَمَّته، وإذا كان الحرف مُنؤَّناً وضع نقطتين فوقه أو تحته أو عن شماله. ولم تشتهر طريقة أبى الأسود الدُّؤَلى إلا فى المصاحف حرصا على إعراب القرآن. ثم طلب الحجاج بن يوسف الثَّقفى- والى العراق- إلى كُتّابه أن يضعوا علامات لتمييز الحروف المتشابهة بعد أن كثر التصحيف نتيجةً لدخول الأعاجم فى الإسلام. فتولَّى عملية الإصلاح الثانى فى الكتابة العربية نَصْر بن عاصم اللَّيْثى ويحيى بن يَعْمُر العدوانى فقَّررا وضع نُقَط لتمييز الأحرف المتشابهة. ولما كان هذا الإصلاح يستدعى اشتباه نُقَط الشكل بنُقَط الإعجام قَرَّر نَصْر ويحيى أن تكون نُقَط الشكل بالمداد الأحمر ونُقَط الإعْجام بنفس مداد الحروف. وأخيراً وضع عالُم اللغة الشهير الخليل بن أحمد الفراهيدى المتوفى نحو سنة 170هـ/879 م طريقة جعل فيها الشكل بنفس مداد الكتابة وهى العلامات التى مازالت تستخدم إلى الآن. تَطَوُّر الخَطّ العربى: أخذ الخَطُّ المُحَقَّق- الذى كان يكتب به الوَرَّاقون- فى التحسن حتى عصر الخليفة المأمون، وبدأ فى التحوُّل من الشكل الكوفى إلى الشكل الذى هو عليه الآن على يد الأحْوَل الُمحرِّر، أحد صنائع البرامكة، ثم أتمَّه بعده الوزير أبو على محمد بن على بن الحسن بن مُقلْة المتوفى سنة 328 هـ/ 940 م الذى انتهت إليه وإلى أخيه أبى عبد الله جودة الخط وتحريره على رأس الثلاثمائة وإن بقى فيه تكويفٌ ما. ويُعَدّ ابن مُقْلَة أوَّل من هندس الحروف وقَدَّر مقاييسها وأبعادها بالنُّقَط وضبطها ضبطاً محكماً، واستخلص من الأقلام الموجودة ستة أقلام هى: الثُّلُث والنَّسْخ والتوقيع والرَّيحان والمُحَقَّق والرِّقاع، وأصبح يُطلْق على هذا الخط المُنْضَبط "الخط المنسوب "، ويمكن اعتبار ابن مُقْلَة وبحق منشىء الخط المنسوب، وكانت طريقته هى إكساب كل حرف من حروف الهجاء نسبة محدَّدة إلى حرف الألف ممَّا أدَّى إلى تنظيم قياسى دقيق للحروف الهجائية. وقرب منتصف القرن الرابع الهجرى ظهر طرازٌ جديد من الكتابة رسمت بعض حروفه بخطوط مائلة مميزة، والبعض الآخر ذو رءوس مثلثة الشكل عرف باسم "شبيه الكوفى" أو "الكوفى المائل " أو "الكوفى الفارسي الشرقى". ووصلت إلينا من هذا الخط نماذج كثيرة أهمها المصحف الذى كتبه علىّ بن شاذان الرازى سنة 361 هـ/972 م وقد أضفى أبو الحسن على بن هلال البغدادى المعروف بابن البَوّاب على الخط العربى العنصر الفنى الذى كان يفتقد إليه الخط المنسوب الذى ابتدعه ابن مُقْلَة. ثم جاء جمال الدين ياقوت بن عبد الله المستعصى المتوفى سنة 698 هـ/ 1299م المعروف بـ " قِبْلَه الخَطّاطين " ليلعب دوراً مهما فى تطوير الخط العربى وتجويده مُضْفياً عليه كمالاً وحُسْناً جعلت منه رائداً لمن جاء بعده من الخَطاطين. واتَّسَم خطه بالرقة والرشاقة ويُنْسَب إليه شَذْب القلم، وكتب ياقوت الكثير من المصاحف والكتب مازال بعضها محفوظاً فى دور الكتب العالمية. وكانت بغدادُ مركزاً لكل هذه التطورات. وأصبح فَنُّ الخط بعد ياقوت المستعصمى ساحة التنافس البارزة فى مجال الفنون. ولكن بغداد- أو العراق بمعنى أصح- فقدت مكانتها كمركز ريادى بعد سقوط الخلافة، وتدلنا الكتابات الكثيرة الموجودة على العمائر المملوكية والمصاحف الضخمة التى وصلت إلينا على أن مصر فى عصر المماليك أصبحت المركز الهام الثانى بعد بغداد مباشرة فى فن الخط حتى نهاية القرن التاسع الهجرى، ونما بها بصفة خاصة: الخط المُحقَّق والخط الرَّيْحان اللذين استخدما فى كتابة المصاحف. وقد صارت فى مصر طريقةُ ابن البَوّاب جنباً إلى جنب مدرسة بغداد وما ابتدعه ياقوت المُسْتَعْصِمى حتى ظهور المدرسة العثمانية فى الخط. وصار شيخ التجويد فى مصر الذى يُضرَب بجودة خطه المثل أبا عبد الله يوسف الذَّرْعى الدمشقى المعروف بابن الوَحيد الكاتب المتوفى سنة 711 هـ/ 1311م، والذى كتب للسلطان بيبرس الجَاشنكير مصحفاً من سبعة أجزاء بالخط المُحَقّقَ محفوظ الآن بمكتبة المتحف البريطانى. وكذلك عبد الرحمن بن يوسف بن الصَّائِع المتوفى سنة 845 هـ/1442 م الذى تحتفظ دار الكتب المصرية بمصحفين بخطه تحت رقم 11 و 16 مصاحف. وعرفت تركيا العثمانية منذ مطلع القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى مدرسة جديدة فى فن الخط تأثَّرت فى بادئ الأمر بمدرسة ياقوت المستعصمى، ولكن سرعان ما أصبحت لها سماتها الخاصة التى مهدت السبيل للدخول إلى العصر الذهبى لفن الخط العربى الإسلامى بفضل خطاطين من أمثال الشيخ حَمد الله بن مصطفى المعروف بابن الشيخ الأمايسى (833 - 922 هـ/1429 - 1520م الرائد الأكبر للخطاطين الأتراك الذى أدخل على خَطَّى النَّسْخ والثُّلُث إصلاحات أساسية، فأضفى جمالاً باهرا على هذين الخطين، فبينما نجد عند ياقوت أن الحروف التى تُخَطّ من أعلى إلى أسفل (أ. ك. ل.) لم تكن متوازية، فإنها أصبحت عند الشيخ حمد الله متوازية دائما. وشهد الربع الأخير من القرن الحادى عشر الهجرى / السابع عشر الميلادى مرحلة جديدة فى تطوير الخط العربى مع الحافظ عُثمان بحيث استقرت فى القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى الأقلام الستة. أ. د/ أيمن فؤاد سيد

_ المراجع 1 - الفهرست ابن النديم، نشره رضا تجدد، طهران 1971م. 2 - فن الخط تاريخه ونماذج من روائعه على مر العصور، "وغور درمان ترجمة صالح سعداوى، استانبول- أرسيكا1990 م. 3 - دراسات فى تاريخ الخط العربى منذ بدايته إلى نهاية العصر الأموى، صلاح الدين المنجد بيروت- دار الكتاب الجديد 1983م. 4 - الكتاب العربى المخطوط وعلم المخطوطات، أيمن فؤاد سيد: القاهرة- الدار المصرية اللبنانية 1997م.

13 - الخلاء Void, Emptiness والملاء Plein

13 - الخلاء Void, Emptiness والملاء Plein الخلاء لغة: من الأرض: الفضاء الواسع الخالى. ومن الأمكنة: الذى لا أحد به ولا شىء فيه (1) واصطلاحاًً: هو المكان المطلق الذى لا يُنسب إلى متمكِّن فيه (2). والخلاء عند الفلاسفة يطلق على عدة معان: 1 - الخلاء هو خلوّ المكان من كل مادة جسمانية تشغله. 2 - الخلاء هو الامتداد الموهوم المفروض فى الجسم أو فى نفسه، الصالح لأن يشغله الجسم. ويسمى أيضا: بالمكان، والبعد الموهوم، والفراغ الموهوم. وحاصله: البعد الموهوم الخالى من الشاغل. 3 - الخلاء هو خلوّ المكان من مادة معينة، توجد فيه بالطبع، كخلاء "البارومتر". 4 - الخلاء هو الخلوّ من الفكر: كخلو الجملة من المعنى، وخلو الشعر من الخيال. 5 - الخلاء هو البعد المجرّد القائم بنفسه، سواء كان مشغولاً بجسم أم لم يكن. ويسمى بُعدا مفطورا، وفراغا مفطورا (3). هذا وإن ما يسميه أفلاطون بعدا مفطورا، يسميه المتكلمون فضاء موهوما، وهو الفضاء الذى يثبته الوهم، كالفضاء المشغول بالماء أو الهواء داخل الإناء. فهذا الفضاء الفارغ هو الذى من شأنه أن يحصل فيه الجسم، وأن يكون ظرفاً له. وبهذا الاعتبار يكون حيزا للجسم، وباعتبار فراغه عن شغل الجسم إياه يكون خلاء (4). ¨ فالخلاء عند المتكلمين، هو هذا الفراغ الذى لا يشغله جسم من الأجسام، وهو غير موجود فى الخارج بالفعل؛ بل هو أمر موهوم. ¨ ومن الحكماء من لم يجوّز خلوّ البعد الموجود من جسم شاغل له، مثل "أرسطو" الذى ذهب إلى أن الطبيعة ترهب الخلاء، ومنهم من جوّزه. ¨ وهؤلاء المجوّزون وافقوا المتكلمين فى جواز المكان الخالى من الشاغل، وخالفوهم فى أن ذلك المكان بُعدٌ موهوم (5). من يرى امتناع الخلاء: من الحكماء القدماء الذين يذهبون إلى امتناع الخلاء: أرسطو، وابن سينا. حيث يقول: " الخلاء غير موجود أصلاً، وهو كاسمه، كما قال المعلم الأول (6) ". ويقول أيضا: "لا وجود للخلاء، ولا لمقدار ليس فى مادة (7) " لكن ابن سينا أثبت وجود الملاء Plein على أساس أنه جسم من جهة ما يمانع أبعاده دخول جسم آخر فيه. ومن الحكماء المحدثين "ليبنتز" الذى يقول: "إن وجود المادة مناسبة طيبة، لكى يمارس الله سلطانه وجبروته" ومن أجل ذلك وغيره: أنكر وجود الخلاء على الإطلاق (8). ويلاحظ أن الخلاف فى جواز الخلاء أو امتناعه، إنما هو بالنسبة لداخل العالم. أما بالنسبة لخارج العالم فقد اتفق الحكماء على وجوده (9). هذا وقد أثبت الذريّون القدماء وجود الملاء والخلاء: فهم يرون أن العالم يتألف مما هو موجود، أى من الملاء (الذرات)، ومما هو غير موجود، أى من الخلاء (الفراغ) على حد سواء. لكنهم يذهبون إلى أن الفراغ غير متناه فى امتداده، وأن الذرات كذلك لا متناهية من حيث عددها، وأنه ليس إلا الذرات والخلاء. كذلك ذهب الذريّون إلى أن الذرات لا تقبل الانقسام فيزيقيا، وأنها متفقة من حيث الكيف. لكنهم لم يقدموا شاهدا تجريبيا مباشرا على وجود الخلاء، سوى مغالطة مؤداها: أن الجسم يتحرك، وأنه لولا الخلاء ما حدث ذلك (10). أ. د/ عبد اللطيف محمد العبد

_ المراجع 1 - القاموس المحيط، والمعجم الوجيز-" خلاء". 2 - الحدود الفلسفية الخوارزمى ص 1 21، (المصطلح الفلسفى عند العرب- عبد الأمير الأعسم دراسة وتحقيق- ط2، 989 1 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة) 3 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا 537: ط ا، 1971م دار الكتاب اللبنانى- بيروت. 4 - التعريفات الجرجانى ص 0 9: ط 1938 م- الحلبى بالقاهرة. 5 - د. جميل صليبا: السابق- ونفس الموضع. 6 - النجاة ابن سينا ص 124. 7 - نفس المصدر: ص 199. 8 - المعجم الفلسفى د/ مراد وهبة: ص 187. ط3 979 ام. دار الثقافة الجديدة بالقاهرة. 9 - كشاف اصطلاحات الفنون التهانوى/ ترجمة-/ د. عبد النعيم محمد حسنين. ط 1977م 2: 244 الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة. 10 - الموسوعة الفلسفية المختصرة. ترجمها عن الإنجليزية فؤاد كامل وزميلاه (سلسلة الألف كتاب 481) ص 152 - 153 ط 963 1 م- مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة.

14 - الخلافة

14 - الخلافة لغة: من خلف فلان فلانا إذا كان خليفته وجاء من بعده، وهى مصدر تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه، والخلافة النيابة عن الغير. واصطلاحا: الخلافة فى الإسلام منصب سياسى يجمع صاحبه بين السلطتين الزمنية والروحية، ولكن وظيفته الدينية لا تتعدى المحافظة على شرع الله، ومن حقه قيادة الدولة الإسلامية ورسم سياستها وتنفيذها على المستويين: الداخلى والخارجى، وواجبه تبليغ الدعوة الإسلامية ونشرها والتصدى بالقتال -إذا لزم الأمر- ضد من يقف عقبة فى سبيل أدائه لمهمته، وله أن يعاقب الخارجين على أوامر الشرع، ويؤم الناس فى الصلوات ويساعدهم على أداء الفرائض السياسية. وقد وردت هذه المادة فى آيات عديدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة:30، أى قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن. وقوله سبحانه وتعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق} ص:26، أى استخلفناك على الملك فى الأرض، لأن داود -عليه السلام- كان ملكا نبيا. وقد نشأ منصب الخلافة -باعتباره ضرورة فرضتها الظروف السياسية- عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وكان نتيجة للمناقشات الحرة التى جرت بين الصحابة -رضوان الله عليهم- فى "سقيفة بنى ساعدة" لقد كان اجتماع "السقيفة" هذا أشبه بجمعية تأسيسية أو وطنية مناط بها البحث فى مصير أمة بعد وفاة موجهها وقائدها، وقد دارت المناقشات فيه بحرية كاملة، وانبثق عنه آنئذ قيام نظام الخلافة، هذا النظام الذى استمر -بشكل أو بآخر- فى العالم الإسلامى حتى القرن العشرين، ولم يغب عن مجتمعنا إلا بعد أن قام "كمال أتاتورك" بإلغائه سنة (1323هـ-1924م) عقب انهيار الخلافة العثمانية. وكان اختيار لقب "خليفة" وإطلاقه على أول رئيس للدولة الإسلامية -أبى بكر الصديق رضى الله عنه- الهدف منه، التمييز بين هذا النظام الذى أقامه المسلمون وبين أنظمة الحكم التى كانت سائدة فى العالم آنئذ، لقد كانت هذه الأنظمة تقوم على القهر والجبروت، وتستعبد الشعوب وتستغلها وتحرمها من أبسط حقوقها، بينما جاء النظام الإسلامى ليكون جديدا فى جوهره وغاياته فهو يرفض القهر والظلم، ويقوم على قواعد الحرية والمساواة والعدل والاعتداد برأى الأمة؛ ولهذا كان هذا اللقب تأكيدا لحقيقة مهمة هى أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر وباق فى أمته، وأن أبا بكر إنما يخلف محمدا صلى الله عليه وسلم فى التنفيذ والتطبيق ورعاية مصلحة الأمة، وليس فى الإضافة إلى الدين أو الانتقاص منه. نرى كل هذه الحقائق واضحة فى ذهن كل من عرض لموضوع "الخلافة" الذين قدموا لها تعريفات توضح جوهر النظام الإسلامى وغاياته، ولعل من أبرزها تعريف "ابن خلدون" الذى عبر عن ماهيتها بقوله: "الخلافة هى حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهى فى الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به ". لقد كان اختيار المسلمين لخليفتهم الأول رضى الله عنه، بناء على قاعدة الشورى، وتحددت مهمته فى قيادة المسلمين، ورعاية مصالح الناس، وتنفيذ شرع الله عز وجل، واشترط العلماء فيمن يلى هذا المنصب شروطا منها الكفاية والعدل وصحة البدن والعقل ... الخ. واستمر اختيار الخلفاء وفقا لهذه الشروط طوال عصر الراشدين، ثم حدث تحول ابتداء من العصر الأموى، فتركت الشورى، واعتمد نظام الغلبة والتوارث، وبعد أن كانت الخلافة اختيارا اصبحت قهرا وإجبارا، تقترب أو تبتعد عن قيم الإسلام ومبادئه، وتتفق معه فى قليل أو كثير إلى أن تم إلغاؤها تماما كما أسلفناه. أ. د/عبد الله محمد جمال الدين

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية -أبو الحسن المارودى- طبع الحلبى مصر بدون تاريخ. 2 - موسوعة السياسة الإسلامية: عبد الوهاب الكيالى وآخرون: المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 1979م. 3 - الخلافة توماس أرنولد: ترجمة عن الانجليزية إلى العربية جميل معلى دمشق سنة 1946م. 4 - النظريات السياسية الإسلامية، الأستاذ الدكتور/محمد ضياء الدين الريس: ط (7) القاهرة سنة 1979م. 5 - نظام الدولة فى الإسلام، الأستاذ الدكتور/عبد الله جمال الدين: ط (2) القاهرة سنة 1990م. 6 - نطام الحكم فى الشريعة والتاريخ -ظافر القاسمى جزءان- بيروت سنة 1974م

15 - الخلفاء الراشدون

15 - الخلفاء الراشدون أثيرت مسألة من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في تدبير أمور المسلمين وحراسة الدين بعد وفاته مباشرة حيث اجتمع الأنصار ليختاروا الخليفة، ولحق بهم كبار المهاجرين مثل أبى بكر وعمر، وأنهوا هذا الاجتماع الهام إلى جعل الخلافة فى قريش باعتبار سبقهم إلى الإسلام وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مشاورات عديدة بلغت حد الاختلاف، استقر الرأى على مبايعة أبى بكر بالخلافة، وكان هذا الصحابى أول من ولى أمور المسلمين بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ونلاحظ أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعين خليفة له بشكل مباشر، ولكنه ترك الأمر شورى يتولاه المسلمون. وبمبايعة أبى بكر بالخلافة بدأت مرحلة ما يعرف بعصر الخلفاء الراشدين، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، وهى مرحلة تختلف عن المراحل التالية فى تاريخ الإسلام، فقد حكم الدولة الإسلامية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا أركان الدولة، حيث واجه أبوبكر حركة الارتداد عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسم، وبدأت الفتوح الإسلامية لأكبر إمبراطوريتين فى عصره وهما: إمبراطورية الروم، وإمبراطورية الفرس، وتفغ عمر بن الخطاب لتأسيس الدولة الإسلامية فأنشأ الدواوين وتكملة الفتح الإسلامى لأراضى الفرس والروم، وأرسى مبادى واضحة لإقامة العدل بين الناس ومحاسبة الولاة. أما عثمان ففضله عظيم فى مجال جمع القرآن وتوحيد المصاحف وتكملة الفتوح ودخل بالمسلمين مجال البحر، فتم إنشاء أسطول بحرى فى عصره انتصر على الأعداء فى موقعة ذات الصوارى. وبدأت الفتنة الكبرى فى عهد عثمان، تلك الفتنة التى انتهت بقتله، ولم تهدأ آثارها فى دول الإسلام بعد ذلك فقد اشتدت الفتنة، وأدت إلى انقسام المسلمين بين مؤيد لعلى وبين معارض له بدعوى عدم قيام على بالثأر لمقتل عثمان، وبدأت تتكون الفرق المعروفة فى التاريخ الإسلامى والتى فرقت جمع المسلمين: فرق الشيعة والخوارج وغيرهم. وقد واجه على بن أبى طالب هذه الفتن بقوة وصلابة وخاصة فى واقعتين هما واقعة الجمل، وواقعة صفين، ووضع فيهما قواعد لمعاملة أهل البغى تعتبر دستورا لمعاملة المنشقين على الإمام فى كل عصر، ويستفيد منها القانون الدولى الإنسانى الآن فى مجال حقوق المحاربين فى النزاعات الدولية غير المسلحة. ومع ذلك فقد سير أمور الدولة، ووضع قواعد لتحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين كما تم تثبيت الفتوح الإسلامية فى عهده. وقد استمر حكم الخلفاء الراشدين ثلاثين عاما من عام 11هـ إلى عام 40هـ، وتميز بتداول السلطة بين المسلمين بسهولة، والحكم بالشورى، وإرساء دعائم الدولة الإسلامية. أ. د/جعفر عبد السلام

_ مراجع الاستزادة: 1 - الطبقات الكبرى ابن سعد طبعة بيروت دار صادر. 2 - تاريخ الخلفاء: السيوطى تحقيق: محيى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة. 3 - الصديق أبو بكر: محمد حسين هيكل دار المعارف. 4 - الفاروق عمر: محمد حسين هيكل دار المعارف. 5 - عثمان بن عفان: محمد حسين هيكل دار المعارف. 6 - تاريخ الإسلام فى عصر النسوة والخلافة الراشدة: عبد الشافى محمد عبد اللطيف طبعة 1996م

16 - الخلق

16 - الخلق لغة: خلق الله العالم: صنعه وأبدعه (1). واصطلاحا: الخلق مرادف للصنع، وهو ينسب إلى الإنسان على سبيل المجاز، فإذا نسب إلى الله عز وجل كان يعنى: الإيجاد من عدم كما جاء فى قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبرعتيا. قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا} مريم:8 - 9. وقد وردت كلمة الخلق منسوبة لله عز وجل بالمعنى السالف مائتين وأربعا وخمسين مرة. وأضيفت للإنسان بمعنى الصنع لا الإيجاد من عدم مرتين كقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى} المائدة:110.وفى قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام لقومه: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} العنكبوت:17. ويحدث الخلق بقوله تعالى للشىء "كن" فيكون، كما ورد فى قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} يس:82. ومن أهم السياقات الفكرية التى استخدم فيها مصطلح "الخلق" ثلاثة: "خلق العالم" و"خلق الأفعال" "وخلق القرآن". وقد عرفت مشكلة خلق العالم منذ القدم وبصفة خاصة فى الحضارة المصرية القديمة وتشهد على ذلك الآثار والمعابد والأجساد المحنطة التى تثبث أيضا وجود عقيدة البعث بعد الموت. وقد عرف الفكر القديم الخلق على فترات متعددة كما فى نظرية الصدور والفيض والعقول العشرة أو نظرية المثل الأفلاطونية أو المحرك الأول عند أرسطو طاليس ثم فى الفلسفة الهيلينية ثم انتقل ذلك إلى الفكر الاسلامى خاصة عند الكندى والفارابى (330هـ /950م) وابن سينا (427هـ /1037م) ويعد المثال الأول عند أفلاطون (347 ق. م) والمحرك الأول عند أرسطو طاليس (322 ق. م.) والحق المطلق أو الخير- المحض عند أفلوطين (270م) المقابل لكلمة الخالق تبارك وتعالى عند المسلمين. وقد عرف الفكر الإنسانى نظرية "قدم العالم" فى مقابل نظرية "خلق أو حدوث العالم ". ويرى أصحاب نظرية "قدم العالم" أن العالم قديم قدم الخالق، فهو مخلوق له ولكن لا يتأخر عنه فى الزمان بل يتأخر عنه فى الدرجة فقط لكونه معلولا للخالق. وقد انتقلت هذه النظرية إلى المسلمين عن طريق الفيلسوف الهيلينى برقلس (485 م) الذى تأثر بفلسفة أفلوطين (270 م) والأفلاطونية المحدثة التى نسبت إليه وقد تأثر بها من المسلمين بعض المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن المعدوم شىء يكتسب صفة الوجود فيخلق، أى أن الخلق ليس سوى نقل من العدم إلى الوجود. وارتبطت هذه النظرية عند المعتزلة بقولهم بارتباط الجواهر بأعراضها متأثرين في ذلك بنظرية أرسطو طاليس فى المادة والصورة. وقد تأثر أيضا بعض الفلاسفة المسلمين بهذه النظرية وذهبوا إلى القول بقدم العالم وأثبتوا خلقه فى الزمان. فجاء تقسيم الأشاعرة للموجودات إلى قسمين فقط هما: القديم والمحدث مقابلا لتقسيم المعتزلة للموجودات الى ثلاثة أقسام: قديم ومعدوم ومحدث: فالقديم هو الله تعالى فالق كل شئ. والمعدوم هو الجسم الخالى عن ألأعراض. والمحدث هو الجسم الذى انتقل من العدم إلى الوجود عن طريق اكتسابه للأعراض (2). إلا أن المعتزلة كانت تفرق بين "العدم" "والمعدوم"، فالعدم هو اللاشىء، أما المعدوم فهو الشىء الذى يمكنه أن يوجد بالخلق ليصبح جسما، وبذلك يكون المعدوم مماثلا للممكن (3). أما ردود الأشاعرة على المعتزلة ونقدهم مذهبهم فى الخلق والمعدوم فقعد فصل الحديث فيه عبد القاهر البغدادى والشهرستانى وابن حزم وغيرهم (4). أما خلق الأفعال: فقد ذهب فيه المعتزلة إلى أن الإنسان خالق لأفعاله مسئول عنها أمام الله بناء على إدرته على الفعل والترك، وقدرة الأنسان على أفعاله قدرة مخلوقة فالأنسان قادر بقدرة محدثة يخلقها الله تعالى فيه قبل الفعل، وقد رتبوا على ذلك قولهم بالاستطاعة والاستحقاق، إما استحقاق الثواب أو العقاب (4). ويقابل "الكسب" عند الأشاعرة: "الاستطاعة" عند المعتزلة (5). أما مشكلة "خلق القران": فقد ترتبت على قول المعتزلة فى الصفات بأن كلام الله مخلوق لأنه مركب من حروف ويحدث فى الزمان ولا يمكن إضافته إلى ذاته تعالى فتشاركه فى القدم. وقد ترتبه على مغالاة المعتزلة فى هذا القول وتماديهم فى محاولة إجبار علماء السنة على القول بخلق القرآن ما نعرفه فى التاريخ بمحنة الإمام أحمد بن حنبل فى زمن المعتصم إلى أن جاء الخليفة المتوكل ونصر أهل السنة وحرم القول بخلق القرآن، وقد أفرد القاضى عبد الجبار لخلق الأفعال المجلد السابع من كتابه المغنى فى أبواب التوحيد والعدل. أ. د/السيد محمد الشاهد

_ الهامش: 1 - المعحم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ط3، 1/ 260. 2 - محاضرات فى الفلسفة الإسلامية -يحيى هويدى- النهضة المصرية 1966م ص79 وما بعدها. 3 - الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء لنقى الدين النجرانى وتحقيق السيد الشاهد المجلس الأعلى للسئون الإسلامية القاهرة 1420هـ /1999م ص185 وما بعدها. 4 - أصول الدين -عبد القاهر البغدادى- دار الكتب العلمية -بيروت- 1401هـ /1981م ص33 وما بعدها. 5 - شرح الأصول الخمسة للقاصى عبد الجبار -تحقيق عبد الكريم عثمان- القاهرة 1965م ص391 وما بعدها. 6 - اللمع فى الرد على أهل الزيغ والبدع لأبى الحسن الأشعرى -تحقيق مكارثى- بيروت 1953م ص54. مراجع الاستزادة: 1 - الملل والنحل، للشهرستانى، طبعة مصر. 2 - المغنى، للقاضى عبد الجبار

17 - الخلود

17 - الخلود لغة: من "الخلد" وهو دوام البقاء، و"أخلده الله "، و"أخلده تخليدا "، والفعل أخلد بمعنى "ركن" فيقال: "أخلد إليه" أى ركن إليه. واصطلاحا: لا يختلف المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى كما ورد فى قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} الأعراف:176.وقد ورد هذا اللفظ فى صيغة المضارع بمعنى دوام البقاء فى قوله تعالى: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا} الفرقان:69، أما لفظ "الخلود" فقد ورد فى القرآن الكريم مرة واحدة بالمعنى السابق وهو دوام البقاء فى قوله تعالى: {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود} ق:34.أما فى السنة المطهرة فقد ورد لفظ الخلود بالمعنى ذاته فى مواضع كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (يقال لأهل الجنة خلود بلا موت .... ) (رواه البخارى ومسلم والترمذى فى الجنة) أما فى علم الكلام فقد حظى لفظ الخلود باهتمام خاص فى إطار مناقشة مسألة "الجوهر الفرد" أو "الجزء الذى لا يتجزأ" وقد مثل كل من أبى الهزيل العلاف (227هـ-842 م) وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850 م).قطبى الرحى فى هذه المناقشات. مقال الأول بأن الجزء لابد له أن يصل إلى جزء لا يتجزأ حيث تتوقف عملية التقسيم تماما. وأراد أبو الهزيل إثبات حدوث العالم بهذه الطريق، لأن التقسيم إلى ما لا نهاية يعنى أن العالم ليس له نهاية أو بداية، ومن ثم لا يمكن أن يكون محدثا؛ لأن المحدث بدأ فى الزمان ولابد أن ينتهى أيضا فى الزمان، فالتجزؤ إلى ما لا نهاية يعنى قدم العالم وسرمديته وهذا ما يرفضه أبو الهزيل. إلا أن النظام ألزمه على قوله أن حركات أمل الجنة لابد وأن تتوقف فى زمن ما فيتخلدون على الوضع الذى توقفت عنده حركاتهم فى سكون أبدى، وذلك لأن الحركة مرتبطة بانقسام المادة فإذا توقف الانقسام توقفت الحركة. أما النظام فقد كان يرى أنه ما من جزء إلا ويتجزأ إلى ما لا نهاية ومن ثم لا تتوقف الحركة فى الكون أبدا، وكذلك لا تتوقف حركات أهل الجنة. وقد كان رأى النظام فى الجزء الذى يتجزأ أساسا لما عرف فيما بعد بالنظرية الذرية فى الإسلام وبه قال أكثر الفلاسفة. وقد ثار الجدل حول خلود الكافر والفاسق فى النار ضمن الحديث عن الشفاعة والوعد والوعيد واستحقاق الثواب والعقاب حيث أنكرها المعتزلة بناء على ما ذهبوا إليه فى الوعد والوعيد وأثبتها أهل السنة بناء على ثبوتها بنص القرآن الكريم. أما الفلاسفة فقد قال منهم ابن سينا وأبو البركات البغدادى بخلود النفس متأثرين فى ذلك على ما يبدو بأفلاطون (347 ق. م.) وقد قررتها المسيحية والإسلام وفى الفلسفة الحديثة عن كانط خلود النفس الإنسانية من مسلمات العقل العملى، ويعنى خلود النفس حسب ما جاء فى المعجم الفلسفى: "بقاؤها بعد فناء البدن مع احتفاظها بخصائصها ومميزاتها الفردية". أ. د/السيد محمد الشاهد

_ مراجع الاستزادة: 1 - مختار الصحاح -محمد بن أبى بكر الرازى- ترتيب محمود خاطر -مصر- 1953. 2 - الانتهار -لأبى الحسن الخياط المعتزلى- تحقيق نيربرج القاهرة 1925. 3 - القرن من القرن -لعبد القاهر البغدادى- بيروت ط3 1401هـ 1981م. 4 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبدالجبار الهمذانى تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة 1965. 5 - المعجم الفلسفى مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1399هـ 1979م (مادة445)

18 - الخلوة

18 - الخلوة لغة: انفراد الإنسان بنفسه أو بغيره، أو بمعنى: المكان الذى يتم فيه ذلك، ومنه قول أنس بن مالك -رضى الله عنه- جاءت امرأة من الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فخلا بها (رواه البخارى) (1) أى ابتعد منفردا بها بحيث لا يسمع الحاضرون شكواها، لا بحيث يغيب عن أبصارهم. واصطلاحا: للفظ الخلوة استعمالان: 1 - استعمال فقهى بمعنى انفراد الرجل بالمرأة فى مكان يبعد أن يطلع عليهما فيه أحد. وخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه حرام، لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) (رواه البخارى (2)، ومسلم) (3) كما روى عن ابن عمر من خطبة لعمر -رضى الله عنهما- (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) (رواه الترمذى فى سننه) (4). ولا يلزم الزوجة أن تمكن الزوج من نفسها فى غير خلوة، ولا يجوز له أن يطلب ذلك منها. والخلوة عند المالكية نوعان: أ- خلوة الاهتداء، وهى: أن يوجد الزوج معها وحدها فى محل ترخى الستور على نوافذه إن كانت ستور، وغلق الباب الموصل لهما، بحيث لا يصل إليهما أحد. ب- وخلوة الزيارة، وهى: أن تزوره فى بيته، أو يزورها فى بيتها، أو يزور الاثنان شخصا آخر فى بيته. وعند الحنفية: الخلوة الصحيحة التي تترتب عليها أحكام الزوجية هى: أن يجتمعا فى مكان، وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء، لاحسا. ولا شرعا. ولا طبعا. ولاختلاف المذاهب فى اعتبارات الخلق وأحوالها وأحوال أطرافها، والربط بينهما وبين الآيات القرآنية من مثل قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} النساء:4، وقوله: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين. وأن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} البقرة:236،237، وقوله: {ياأيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب:49، لاختلاف المذاهب فى ذلك اختلفت بعض أحكامها فيما يتعلق بإيجاب المهر كله، أو نصفه، أو إسقاطه، وكذلك فى المتعة والعدة والنسب عند حدوث الولد، والاحصان، وحرمة من تحرم بالزواج، إلى غير ذلك من الأحكام. 2 - استعمال صوفى بمعنى محادثة السر -الذى هو محل المشاهدة- مع الحق بحيث لا يرى غيره، وهذه حقيقتها، أما صورتها فهى ما يتوصل به إلى تحقيق ذلك. وهذا يرجع إلى منهجهم فى مجاهدة النفس، حيث يرون أن الخلوة أعون للمريد على التركيزفى عبادته حتى يمحو ما فى نفسه من ذميم الصفات، ويحصل على صفو العلاقة بالله سبحانه وتعالى، فمن وجد فى نفسه القوة أن يكون مع الناس بجسمه ومع الحق وحده بروحه وسره، فالخلطة والاجتماع له افضل، وللمشايخ فى المفاضلة بين الخلوة والمخالطة ترجيحات تعود إلى تقدير أحوال المريد، وهم يرجعون فى شأن الخلوة إلى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث بدء الوحى (5)، أنه صلى الله عليه وسلم حبب إليه الخلاء، فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة رضى الله عنها فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء. وقد وضعوا للخلوة شروطا لكى تثمرثمارا صحيتة، فما كان منها وفقا لقواعد الشرع وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثمر تنوير القلب، والزهد فى الدنيا، وحلاوة الذكر، والمعاملة لله بالاخلاص، لذلك يحتاج المريد إلى تعلم ما يلزمه من علوم الشريعة قبل الدخول فى الخلوة. وما لم يستوف المريد شروطها فإنها توقعه فى فتنة أو بلية، وقد تنتج له صفاء فى النفس يستعان به على اكتساب علوم الرياضة، مما يعتنى به الفلاسفة وامثالهم، وقد يوجد عندهم ما يشبه فى صورته أحوال المتابعين للشرع، فيكون فى حقهم مكرا واستدراجا، ولا يصح للمريد أن يغتر بشىء من ذلك حتى لو مشى على الماء أوطار فى الهواء، لأن من تعلق بخيال، أو قنع بمحال، ولم يحكم أساس خلوته فى الإخلاص فإنه يدخل الخلوة بالزور، ويخرج بالغرور، ويسلبه الله لذة العبادة، ويفتضح فى الدنيا والآخرة. وكثيرا ما يكتفون فى الخلوة بأربعين يوما يسمونها الأربعينية؛ رجاء أن ينسحب حكم الأربعين على جميع الزمان بحيث تجعل المدوامة فيها على شىء خلقا كالخلق الأصلى الغريزى. واعتمدوا فى تحديد الأربعينية على حديث رواه مكحول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) (من أخلص لله تعالى العبادة أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) وهو حديث ضعيف الإسناد إلا أن الصوفية يؤيدون معناه بما ورد فى القرآن الكريم عن موسى عليه السلام حيث يقول {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} الأعراف:142، ففيها إشارة إلى الاستعداد البدنى والنفسى خلالها بمزيد عبادة وتبتل من أجل استقبال واردات الحق. ومن أصولهم أن من يدخل الخلوة ينبغى أن يكون خاليا من جميع الأفكار إلا ذكر الله، ومن جميع المرادات إلا مراد ربه، بصرف النظر عما يمكن أن يقع دون نظر إلى شىء سواه، وإلا فتن بهواه. أ. د/عبد الفتاح عبد الله بركة

_ الهامش: 1 - صحيح البخارى: كتاب النكاح باب ما يجور أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 2 - المصدر السابق: كتاب النكاح باب لا يخلون رجل بامراة إلا ذو محرم. 3 - صحيح مسلم: كتاب النكاح باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره. 4 - سنن الترمذى: أبواب الفتن باب فى لزوم الحماعة، وقال عنه هذا حديث حسن صحيح. 5 - صحيح البخارى: كيف كان بدء الوحى. 6 - حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهانى. مراجع الاستزادة: 1 - إحياء علوم الدين للغرالى، ج2، كتاب آداب العزلة، طبعة محمد على صبيح 1957م. 2 - عوارف المعارف للسهروردى، دار الريان للتراث القاهرة 1989م. 3 - الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيرى، المجلد الرابع دار احياء التراث العربى بيروت 1969م. 4 - اللمع للطوسى: دار الكتب الحديثة القاهرة 1960م. 5 - المحلى لابن حزم، ج11 مكتبة الجمهورية العربية القاهرة

19 - الخوف

19 - الخوف جاء لفظ الخوف فى القرآن الكريم فى ست وعشرين آية، مُنكّراً ومعرَّفا ومضافا، وقد ورد الأمر به- كشرط للإيمان- فى قوله تعالى:} وخافون إن كنتم مؤمنين {(آل عمران 175). والخوف من الله قد يكون خوفا من عقابه على المعاصى، أو طمعا فى جنته، والعبادة مع هذا الخوف لا تتمحض لوجه الله، فهى وسيلة للنجاة من العقاب أو الطمع فى الثواب، وللنفس فى هذه العبادة حظ ونصيب، وقد يكون الخوف من الله تعالى لمقامه العظيم ليس إلا، وهذا الخوف ينشأ من كثره التأمل عند العُبّاد- فى مقايسة ذل العبودية إلى عز الألوهية وجبروتها، وليس للنفس فى العبادة الناشئة عن هذا الخوف أدنى نصيب فى طمع أو نفع، ولعل هذا ما تشير إليه الآية الكريمة:} ولمن خاف مقام ربه جنتان {. (الرحمن 46). ويحتل موضوع "الخوف " مكانة بارزة فى أنظار الصوفية وأقوالهم، سواء من حيث " المفهوم " أو " المراتب " أو " الثمرات الروحية التى تثمرها كل مرتبة. وربما كان الكلاباذى (ت 380 هـ) من أوائل من عالجوا هذا الموضوع من منظور صوفى بعد الحكيم الترمذى (المتوفى حوالى 318 هـ) والنِّفرى (المتوفى بعد سنة 366 هـ. لكننا نجد تحليلاً أدق لهذا الموضوع فى "منازل السائرين " للهروى (المتوفى 481 هـ)، الذى أهتمَّ بتحرير مفهوم "الخوف " وبيان درجاته الثلاث، وهى: درجة العامة الذين يخافون من العقوبة، ودرجة أهل المراقبة، الخائفين من المكر وسلب لذة الحضور، ثم درجة أهل الخصوص، وهى أعلى درجات الخوف وفيها يسمى الخوف: "هيبة"، وهؤلاء يخافون من " الإعراض " بعد " الإقبال "، وتبلغ هذه الدرجة ذروة سنامها فى أنموذج النبى - صلى الله عليه وسلم - لأنه "لا إقبال أتم من إقباله " فلا خوف أشد من خوفه، وهنا يشير الصوفية إلى حديث مسلم: "… إنى لأتقاكم لله وأخشاكم له " (رواه مسلم). وتمتاز معالجة القشيرى (ت 465 هـ) لموضوع الخوف بشيء غير قليل من المنهجية وتنظيم الأفكار، وربما ظل تعريف القشيرى للخوف هو التعريف الثابت فى كتابات من جاءوا بعده وكتبوا فى مصطلح "الخوف " مثل: الإمام الغزالى، والقاشانى، والجرجانى، وابن عربى وغيرهم. وقد مزج القشيرى- كعادته- فى شرح هذا المصطلح بين "البُعد الصوفى العرفانى" المتمثل فى أقوال الصوفية وتجاربهم وحكايات الخائفين ومأثوراتهم، وبين "البُعد الشرعى" المرتكز على آيات من القرآن وأحاديث من السنة الصحيحة (1). غير أن أوفى دراسة عن الخوف وأعمقها فى التراث الصوفى نجدها عند الإمام الغزالى (450 - 505 هـ) فى كتابه: الإحياء؛ فقد تناول فيها- بإسهاب- حقيقة الخوف وبيان درجاته، وفضيلته، وهل الأفضل: الخوف أو الرجاء؟ وأيضا: علاج الخوف ودواءه، وبيان أحوال الخائفين من الأنبياء والصالحين، وغير ذلك. أ. د/ أحمد الطيب 1 - انظر على سبيل المثال- حديث عائشة الذى أورده القشيرى من جامع الترمذى: أبواب التفسير، باب: ومن سورة المؤمنين، حديث 3175. ط. دار السلام. الرياض، (1420هـ -1999م)

_ المراجع 2 - التعرف لمذهب أهل التصرف الكلاباذى: 97 - 98، ط. عيسى الحلبى. مصر 0 138 هـ- 0 196 هـ. 2 - الرسالة القشيرية، للقشيرى: 64 - 67 ط. مصطفى الحلبى- القاهرة 1359هـ - 1940م. 3 - منازل السائرين (بشرح القاشانى) عبد الله الأنصارى: 106 - 109، تحقيق محسن بيدارخر، ط. إيران 1413 هـ 4 - إحياء علوم الدين الغزالى 4: 152 - 185. ط. عيسى الحلبى، القاهرة، بدون تاريخ. 5 - لطائف الإعلام بإشارات أهل الإلهام. عبد الرازق القاشانى، 1: 56 4 - 58 4، تحقيق سعيد عبد الفتاح، ط- دار الكتب المصرية 1995م

20 - الخيال

20 - الخيال لغة: ما تشبه لك فى اليقظة والحلم من صورة، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: يقصد به أحد قوتين: 1 - القوة الذهنية التى تحتفظ بصور المحسوسات، بكل أنواعها من مرئية ومسموعة وملموسة ومشمومة، بعد غياب هذه المحسوسات عن الحواس التى أدركتها. وهو بهذا المعنى شىء يشبه الذاكرة، سواء كانت هذه الذاكرة تفصيلية حرفية تحفظ الأشياء الفردية كما أدركها صاحبها، أو ذاكرة إجمالية مجردة تحفظ الصور العامة للمدركات الحسية. 2 - القوة الذهنية الأخرى التى تعتمد على صور المدركات السابق ذكرها، فتختار منها بعض عناصرها، وتقوم بالتأليف بينها مبدعة بذلك صورا جديدة. وهذه الصور الجديدة قد تكون مع هذا واقعية (أى ليست مستحيلة؛ بل يمكن أن تقع)، وقد تكون خارقة مستحيلة، كما فى الملاحم القديمة، والخرافات والأساطير، وكما فى كثيرمن قصص "ألف ليلة وليلة" و"رسالة التوابع والزوابع" وبعض قصص جوته وإدجار ألن بو، وقصة "آلة الزمن" لهربرت جورج ولز، و"عود على بدء" لإبراهيم المازنى. وهذه الصور الخيالية قد تكون صورا محدودة جزئية، مثلما هو الحال فى التشبيه والاستعارة والمجاز، وقد تكون صورا كلية فسيحة المدى، كما هو الحال فى القصص والمسرحيات، وقد تكون شيئا وسطا بين هذا وذاك، كما فى اللوحات التصويرية في بعض القصائد والمقالات وغيرها. وقد اختلف موقف النقاد والأدباء المبدعين من الخيال: فبعضهم كأفلاطون قد أدانه، ومن ثم أخرج الشعراء من "جمهوريته ". وبعضهم رحب به أيما ترحيب، وجعله محور الإبداع، كنقاد العرب القدماء، الذين كانوا يرون أن أعذبا الشعر أكذبه، وكالرومانسيين. وغنى عن البيان أن الواقعية هى أيضا لا تستغنى عن الخيال، بل أن أحد ألوانها، وهى الواقعية السحرية، التى ظهرت مؤخرا فى أعمال قصاصى أمريكا اللاتينية، يخلط بين الواقعى والخرافى الغرائبى فى جديلة واحدة، وليس فى هذا ما يدعو إلى الدهشة أو التعجب؛ إذ لا يعدو الأمر أن يكون تضافرا بين درجتين أو نوعين من أنواع الخيال. وفى الشعر الصوفى الإسلامى يتلون الخيال بصبغة خاصة، إذ يتجه إلى عالم الغيب الأعلى تبعا لاهتمامات أصحابه، الذين يولون وجوههم نحو الله سبحانه وتعالى، محاولين الاقتراب منه، بل والفناء فيه كما يزعمون، فنراهم يتحدثون عن ليلى ووصالها لهم وهجرها إياهم، وعن الخمرة والساقى وما إلى ذلك، وهم إنما يقصدون (حسبما يقولون) الذات الإلهية، والنشوة الروحيه التى تعتريهم عند نجاحهم فى تحقيق ما يصبون إليه من الاقتراب منها، أو الفناء المزعوم فيها. أ. د/إبراهيم عوض

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور: مادة (خيل) ط دار المعارف. مراجع الاستزادة: 1 - الخيال الحركى فى الأدب النقدى لعبد الفتاح الديدى. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990م. 2 - الخيال عند ابن عربى لمحمود محمود الغراب، دمشق. 3 - الخيال فى مذهب محيى الدين ابن عربى. لمحمود قاسم -جامعة الدول العربية- معهد البحوث والدراسات العربية 1969م القاهرة. 4 - الصورة البلاغية لحسن طبل. دار الثقافة العربية

21 - خيال الظل

21 - خيال الظل لغة: الخيال ما تشبه لك فى اليقظة والحلم من صورة. واصطلاحا: خيال الظل لون من الفن التمثيلى الشعبى. ويقوم هذا الفن على تحريك شخوص جلدية كاريكاتورية بين مصدر ضوئى وشاشة بيضاء، تسقط عليها ظلال هذه الشخوص التى صممت بحيث تظهرعلى الشاشة نقوشها وألوانها. وتسمى الواحدة من تمثيليات خيال الظل "بابة" وتجمع لغتها عادة بين الفصحى والعامية، وبين الشعر والسجع، كما دخلها بعد ذلك الغناء والتلحين، ويسمى الرجل الذى يحرك هذه الشخوص ب "المخايل" أما منشد أزجال البابة، فيطلق عليه "الحازق". وقد تكون البابة انتقادا لبعض العيوب الأخلاقية والاجتماعية، أو تصويرا فكاهيا لبعض أرباب الحرف والصناعات، أو عرضا لبعض الأحداث التاريخية الهامة كمقتل طومان باى، وفتح السودان. وترجع أصول هذا الفن غالبا إلى الهند أو الصين، وربما جاء إلينا عبر المغول، وقد استمرهذا الفن معروفا فى البلاد العربية إلى أوائل القرن العشرين، وكانت تمثيليات خيال الظل تمثل فى قصور الحكام والكبراء، أو فى بيوت خاصة بها يرتادها الجمهور، كما هو الحال فى المسارح ودور الخيالة اليوم. ولعل أهم من ألف بابات خيال الظل هو "ابن دانيال" الكحال المشهور فى عصر الظاهر بيبرس، وهو عراقى الأصل، لكنه انتقل إلى مصر واستقر بها، والواقع أن "خيال الظل" يمثل خطوة رائدة لمسرح العرائس وفن الخيال كليهما. أ. د/إبراهيم عوض

_ مراجع الاستزادة: 1 - خيال الظل لأحمد باشا تيمور، ط دار المعارف. 2 - المسرح المصرى المعاصر أصله وبداياته لعبد المعطى شعراوى. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م. 3 - المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها لعمر الدسوقى ط3 مكتبة الأنجلو القاهرة

22 - الخيانة

22 - الخيانة لغة: خانه يخونه خونا وخيانة. والخون: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، والخون النقص، كما أن معنى الوفاء التمام، ومنه تخونه: إذا انتقص منه، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء؛ لأنك إذا خنته الرجل، فى شىء فقد أدخلت عليه النقصان فيه كما فى الكشاف (1). وفى الحديثه: (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب) رواه أحمد، وخائنة الأعين: ما تسارق من النظر إلى ما لا يحل، ففى القرآن الكريم: {يعلم خائنة الأعين} غافر:19، أى يعلم خيانة الأعين. واصطلاحا: من ضيع شيئا مما أمره الله به، أو اقترف أمرا مما نهى عنه أو عصى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فرط فى الأمانة يعد خائنا، يقول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} الأنفال:27. ومن أظهر خلاف ما يبطن، فهو خائن، ففى الحديث: "لا ينبغى لنبى أن تكون له خائنة الأعين" (رواه أبو داود والنسائى)، أى أن يضمر فى نفسه غيرما يظهره. ومن ضيع أمانات الناس فهو خائن، ففى الحديثه (المسلم أخو المسلم لا يخونه ... ) (رواه الترمذى) و (وآية المنافق ثلاث .... وإذا أؤتمن خان) (رواه البخارى) (2). والتعامل مع العدو أثناء الحرب لإمداده بأسرار الدولة: خيانة، يقول الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بألله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أوأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} المجادلة:22، فحكم القرآن في هؤلاء الذين يتعاونون مع أعداء الله بيِّن واضح؛ إذ يعتبر ذلك خيانة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه} آل عمران:28، إذ فى مناصرة الأعداء خطرعلى المسلمين، فمن يفعل ذلك فليس بمؤمن إلا في حالة الضعف والخوف من أذاهم، فتجوز الموالاة ظاهرا ريثما يعد المسلمون أنفسهم لمواجهة من يهددهم. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - الكشاف، الزمخشرى، بيروت 1995 مادة (خون). 2 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة الطبعة الرابعة، 1/ 36. مراجع الاستزادة: 1 - فقه السنة: السيد سابق، بيروت 1977م. 2 - التفسير الكبير: الرازى بيروت 1990م. 3 - المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها لعمر الدسوقى، ط2 مكتبة الأنجلو القاهرة

23 - الخير

23 - الخير لغة: هو اسم تفضيل على غير قياس وهو ضد الشر، والخير الحسن لذاته ولما يحققه من لذة أو نفع أو سعادة، وجمعه خيور، وخيار، وأخيار، كما فى الوسيط (1). ومنه قوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا} المزمل:20، أى تجدوه خيرا لكم من متاع الدنيا. واصطلاحا: لها عدة تعريفات: 1 - ينظر "الأبيقوريون" إلى كل شعور باللذة على أنه خير بالنسبة إلى الفرد الذى يمارسه بغض النظر عن المصدر، وهذا يؤدى بالضرورة إلى إرجاع الفارق بين أى لذتين على أساس كمى. 2 - بينما يرى "الرواقيون" أن الخيرهو الواجب؛ فالحياة الخيرة التى ينبغى لكل حكيم أن يسعى إليها هى تلك التى يتحدد بها واجب الإنسان على أساس قانون الطبيعة أو النظام الكونى للعقل. 3 - فى حين تذهب "الأفلاطونية" الحديثة إلى أن الخيرهو خلاص النفس من سجنها المادى باتصالها بالواحد الأحد. 4 - ثم جاءت "المسيحية" فبينت أن الخير هو طاعة القانون، وليس هذا القانون هو ما يكتشفه العقل البشرى، بل هو الوحى المنزل من السماء، فيجب علينا الالتزام به، لمجرد كونه تعبيرا عن الإرادة الإلهية، سواء بدا لنا معقولا أم غيرمعقول، منطقيا أم تعسفيا، عادلا أم ظالما. 5 - ويصف "الإسلام" كل ما هو طيب ونافع للإنسان، فردا أو جماعة بأنه خير، فهو إحدى القيم الإسلامية الهامة، ذكره القرآن الكريم فى مائة وتسعين آية، فأمر به الله كقيمة مطلقة، أى من حيث هو خير فى نفسه من غير قياس إلى غيره فى قوله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} الحج:77، وقوله: {فاستبقوا الخيرات} البقرة:148. وذكره الله تعالى فى معرض التفضيل فى آيات عدة، حيث بين: 1 - أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم خير مما هو عند الآخرين، فقال: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء .. } البقرة:105، فالخير فى هذه الآية هو الوحى، أى القرآن، وهو خير مما عندهم. 2 - أن عبادة الله وتقواه خير من عبادة الأوثان: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} العنكبوت:16، يعنى عبادة الله وتقواه خير لكم، أى خير للناس، إن كانوا يعلمون ما ذكره الله لهم من الآيات البينات، والدلائل الواضحة على إثبات هده الخيرية. 3 - أن إعطاء كل ذى حق حقه خير {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرللذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون} الروم:38، يمكن أن يكون معناه: ذلك خيرمن غيره، ويمكن أن يقال: ذلك خير فى نفسه وإن لم يقس إلى غيره. 4 - أن الآخرة خير من الدنيا: {والآخرة خير وأبقى} الأعلى:17، {وللآخرة خيرلك من الأولى} الضحى:4. 5 - الخير هو المال الكثير الطيب فى قوله {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} البقرة:180. ورسالة محمد خير للإنسانية، والإيمان بها خير للإنسان، فردا أو جماعة، والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذى هو عبارة عن التعظيم لأمر الله، وإلى الإحسان الذى هو عبارة عن الشفقة على خلق الله، ويدخل فيه: البر والمعروف، والصدقة على الفقراء، وحسن القول للناس، ودقة الالتزام بالقيم الإنسانية، وإتقان العمل فى جميع مجالات الحياة. والخير عند الصوفى: تفويض الأمر لله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} إبراهيم:11، والزهد فى الدنيا، والرضا، والتوكل، والانفرادية فى التعبد؛ لأنها تتيح له مواجهة نفسه، والتفتيش فيها، وتنقيتها، وتهيئتها لأن تصفو وتنجلى. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (خير) 1/ 273. مراجع الاستزادة: 1 - التفسير الكبير: الرازى، بيروت 1990م. 2 - نشأة التصوف الإسلامى إبراهيم بسيونى، القاهرة 1969م. 3 - الفلسفة، أنواعها ومشكلاتها: هينترميد، ترجمة: فؤاد زكريا، القاهرة 1985م

24 - الخيلاء

24 - الخيلاء لغة: الكبر، وقد اختال، وهو ذو خيلاء وذو مخيلة أى ذو كبر، كما فى الوسيط (1). وعن ابن عباس رضى الله عنه (كل ما شئت والبس ما شئت ما خطأتك خلتان: سرف أو مخيلة) (رواه البخارى) (2). واصطلاحا: المختال: المتكبر، يقول الله تعالى {ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور} لقمان:18، وهو الصلف للمتباهى الجهول الذى يأنف من ذوى قرابته أو جيرانه، إذا كانوا فقراء، ولا يحسن عشرتهم. أو من يكون به خيلاء، وهو الذى يرى الناس عظمة نفسه وهو التكبر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظرالله إليه .. " (رواه البخارى) (3). ولا يحمد الخيلاء إلا فى موضعين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من الخيلاء وما يحبه الله فى الصدقة والحرب "، أما الصدقة فإنها تهز أريحية السخاء، فيعطيها طيبة بها نفسه، ولايستكثر كثيرا، ولا يعطى منها شيئا إلا وهو مستقل، وأما الحرب فإنه يتقدم فيها بنشاط وقوة ونخوة وجنان" (رواه النسائى). والخائل: المعجب بنفسه الذى يتباهى أمام الناس، ويمشى فى الأرض مرحا، يقول تعالى: {ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} الإسراء:37. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - المعحم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة مادة (خيل) 1/ 276. 2 - صحيح البخارى" محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزية 9/ 153، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 3 - المصدر السابق 9/ 153 حديث رقم 5096. مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، مادة (خيل). 2 - التفسير الكبير، الرازى، بيروت 1990م. 3 - إحياء علوم الدين، الغزالى، تحقيق محمد الدالى بلطة، بيروت 1993م

الدال

1 - دار الإسلام هى كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة، وقال الشافعية: هى كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام، ويراد بظهور أحكام الإسلام كل حكم من أحكامه غير نحو العبادات كتحريم الزنى والسرقة، أو يسكنها المسلمون وان كان معهم فيها أهل ذمة، أو فتحها المسلمون، وأقروها بيد الكفار، أو كانوا يسكنونها، ثم أجلاهم الكفار عنها (1). إذا استولى الكفار على بقعة من دار الإسلام، صار الجهاد فرض عين على جميع أفراد الناحية التى استولى عليها الكفار، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، أصحاء ومرضى، فإذا لم يستطع أهل الناحية دفع العدو عن دار الإسلام: صار الجهاد فرض عين على من يليهم من أهل النواحى الأخرى من دار الإسلام، وهكذا حتى يكون الجهاد فرض عين على جميع المسلمين، ولا يجوز تمكين غير المسلمين من دار الإسلام، ويأثم جميع المسلمين إذا تركوا غيرهم يستولى على شىء من دار الإسلام. ويجب على أهل بلدان دار الإسلام وقراها من المسلمين إقامة شعائر الإسلام وإظهارها فيها كالجمعة، والجماعة، وصلاة العيدين، والأذان، وغير ذلك من شعائر الإسلام، فإن ترك أهل بلد أو قرية إقامة هذه الشعائر أو إظهارها قوتلوا وإن أقاموها سرا (2). ولا يجوز لغير المسلمين دخول دار الإسلام إلا بإذن من الإمام أو أمان فى سلم، ولا يجوز لهم إحداث دور عبادة لغير المسلمين كالكنائس والصوامع وبيت النار. استيطان غير المسلم دار الإسلام: قسم الفقهاء دار الإسلام إلى قسمين: جزيرة العرب وغيرها: فجزيرة العرب لا يُمكَّن غير المسلم من الاستيطان فيها وهذا محل اتفاق بين الفقهاء (3). واستدلوا بخبر: "لا يُترك بجزيرة العرب دينان (4). وخبر: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (5). واختلفوا فى المراد من جزيرة العرب. فقال الشافعية والحنابلة: المراد بالجزيرة العربية الحجاز، فتجوز إقامتهم فى غير الحجاز من الجزيرة، بدليل أنه ليس أحد من الخلفاء أخرج أحداً من الكفار من اليمن، وتيماء ونجران. وقال الأصمعى وأبو عبيد القاسم بن سلام حد الجزيرة من عدن إلى ريف العراق طولا. ومن تهامة إلى ما وراءها إلى أطراف الشام عرضا (6). وإذا وجد لقيط منبوذ فى دار الإسلام حكم بإسلامه وان كان فيها مع المسلمين غير مسلمين، وليس لغير المسلم إحياء موات فى دار الإسلام ولا يملكه بالإحياء ولا حفر معادنها، ولا يُمكَّن من ذلك. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع: 1 - حاشية البجيرمى على الخطيب 4/ 220 2 - أسنى المطالب شرح روض الطالب 4/ 174، روضة الطالبين للنووى 10/ 217، بدائع الصنائع ص 98، كشاف القناع 3/ 132. 3 - بدائع الصنائع 7/ 114، مواهب الجليل 3/ 381. 4 - أخرجه الإمام احمد فى المسند من حديث عائشة 6/ 275 5 - أخرجه البخارى فى كتاب الجزية والموادعة "باب إخراج اليهود من جزيرة العرب " فتح البارى بشرح صحيح البخارى6/ 312. 6 - اسنى المطالب 4/ 114، روضة الطالبين 0 1/ 309، كشاف القناع 3/ 136.

2 - دار الحرب

2 - دار الحرب اصطلاحاً: هى كل بقعة أحكام الكفر فيها ظاهرة (1). وقد قسم العلماء الناس فى شأن الهجرة من دار الحرب إلى ثلاثة أقسام: 1 - من تجب عليه الهجرة: وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه مع المقام فى دار الحرب، وإن كانت امرأة لا تجد محرما، إن كانت تأمن على نفسها فى الطريق، أو كان خوف الطريق أقل من خوف المقام فى دار الحرب (2). لقوله تعالى:} إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا {(النساء97) أما حديث: "لا هجرة بعد الفتح " (3) فمعناه: لا هجرة من مكة بعد فتحها، لصيرورة مكة دار إسلام إلى يوم القيامة إن شاء الله. 2 - من لا هجرة عليه: وهو من يعجز عنها، إما لمرض، أو إكراه على الإقامة فى دار الكفر، أو ضعف كالنساء، والولدان لقوله تعالى:} إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا {(النساء98) 3 - من تستحب له الهجرة، ولا تجب عليه: وهو من يقدر على الهجرة ويتمكن من إظهار دينه فى دار الحرب هذا يستحب له الهجرة ليتمكن من الجهاد وتكثير المسلمين. وقال الحنفية: لا تجب الهجرة من دار الحرب لحديث: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" (4). ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الربا حرام فى دار الحرب كحرمته فى دار الإسلام فما كان حراما فى دار الإسلام، كان حراما فى دار الحرب، سواء بين المسلمين وبين أهل الحرب أو بين مُسْلِمَيْنِ لم يهاجرا من دار الحرب، وبهذا قال الشافعى ومالك، وأبو يوسف من الحنفية وقالوا إن النصوص جاءت فى تحريم الربا عامة، ولم تفرق بين دار ودار ولا بين مسلم وغيره (5). وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يحرم الربا فى دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب، ولا بين مُسْلِمَيْنِ لم يهاجرا من دار الحرب (6) لحديث: "لا ربا بين المسلم والحربى فى دار الحرب" (7). ولأن مالهم مباح فى دارهم، فبأى طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه غدر، ولأن مال أهل الحرب مباح بغير عقد فبالعقد الفاسد أولى. والرأى الراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء بعموم الأدلة، والجواب عن الحديث أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه. واتفق الفقهاء على كراهة التزوج فى دار الحرب لمن دخل فيها من المسلمين بأمان لتجارة أو لغيرها، ولو بمسلمة، وتشتد الكراهة إذا كانت من أهل الحرب وعند الحنفية الكراهة تحريمية فى الحربية لافتتاح باب الفتنة، وتتزيهية فى غيرها لأن فيه تعريضا للذرية لفساد عظيم، إذ أن الولد إذا نشأ فى دارهم لا يؤمن أن ينشأ على دينهم وإذا كانت الزوجة منهم فقد تغلب على ولدها فيتبعها على دينها (8). وقال الحنابلة: إذا كان المسلم أسيرا فى دار الحرب فلا يحل له التزوج لأنه إذا ولد له ولد كان لهم رقيقا (9). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - بدائع الصنائع 7/ 30 وما بعدها، كشاف القناع، 3/ 43، المدونة 2/ 22. 2 - نهاية المحتاج 8/ 82، كشاف القناع3/ 43، أسنى المطالب 4/ 204 3 - أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير "باب فضل الجهاد والسير" فتح البارى بشرح صحيح البخارى6/ 6 4 - المبسوط للسرخسى 10/ 6 5 - المجموع شرح المهذب 9/ 442وما بعدها 6 - الهداية وشروحها6/ 177 وما بعدها. 7 - قال الزيلعى: هذا الحديث غريب لا أصل له، وقال الشافعى هذا ليس بثابت ولا حجة فيه. نصب الراية 4/ 44. 8 - مغنى المحتاج3/ 187، شرح الخرشى3/ 226، المبسوط 10/ 96، حاشية ابن عابدين 2/ 289. 9 - كشاف القناع 5/ 8.

3 - دار الصناعة

3 - دار الصناعة لغةً: الصناعة اسم لحرفة الصانع، وعمله الصنعة، يقال: صنعه، يصنعه صنعاً. " وصناعة: عمله، والصنع إجادة الفعل وكل صنع فعل، وليس كل فعل صنعاً (1). وقد ذهب المالكية والشافعية إلى أنه تكره الصناعة فى المساجد لمنافاة ذلك حرمة المساجد، واستثنى الشافعية من ذلك المعتكف (2). واصطلاحاً: يقصد بدار الصناعة أو دار الصنعة المسفن. وقد انتقلت إلى اللغات الرومانية من العربية شأن كثير من المصطلحات التجارية والبحرية. ففى الإيطالية (دارسنا) و (أرسنالى) وفى الأسبانية (أرسنال)، ومنها انتقلت إلى جميع اللغات الأوروبية منها (3). وكانت دور الصناعة فى أول أمرها أحواضا خاصة بالأسطول ويظهر أنه لم تكن هناك دور للصناعة أول أيام الخلافة الإسلامية إلا فى مصر (4). ثم بنى معاوية بن أبى سفيان داراً للصناعة فى (عكا) سنة 49 هـ ثم نقلت إلى (صور) فى أواخر عهد بنى أمية. ثم يقول المقريزى: لقد قامت بعد ذلك دور الصناعة فى جميع المواضع المهمة على الساحل، وكان المشرف على دار الصناعة يسمى "متولى الصناعة" أو "والى الصناعة" (5)، وكان من جملة مناظر الخلفاء التى تم إنشاؤها منظرة بالصناعة فى الساحل القديم بمصر وكان بهذه الصناعة ديوان العمائر، وبقيت هذه المنظرة إلى آخر الدولة الفاطمية. وكانت جميع المراكب والأساطيل تنشأ بدار الصناعة بالجزيرة فقام الوزير المأمون بتغيير ذلك، وأمر بإنشاء الشوانى وغيرها من المراكب النيلية الديوانية بالصناعة بمصر، وأضاف إليها دار الزبيب ليسهل عملية حمل الغلات السلطانية والأحطاب وغيرها. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب والمصباح المنير، ومفردات الراغب الأصفهانى مادة (صنع). 2 - أسنى المطالب 1/ 433، فتع القدير 1/ 300. 3 - دائرة المعارف الإسلامية طبعة دار المعرفة- بيروت 9/ 82. 4 - فتوح البلدان للبلاذرى ص 117. 5 - الخطط والآثار للمقريزى 2/ 189 وما بعدها

4 - دار الضرب

4 - دار الضرب لغة: الدَّارُ: المحل يجمع البناء. وقال ابن جنى: هى دَارَ يَدُورُ لكثرة حركات الناس فيها. والضَّرَِبُ: الضَّرْبُ مصدر ضَرَبُته، وضَرَبَ الدِّرْهَم يَضْرِبُهُ ضَرْباً: طَبَعَه (كما فى اللسان) (1). واصطلاحاً: هى عبارة عن منشأة صناعية، تتبع السلطة (غالباً) تقوم بإصدار عملات نقدية ذهبية، أو فضية، أو نحاسية أو برونزية، فيتداولها الناس، وتكون أساس تعاملهم المالى، ويمكن أن تَسُك هذه الدار (الرسمية) نقداً تكلفه الدولة، أو تقوم أحيانا بعملات للتجار، أو لدولة أخرى أحيانا لتزيد من سيولة النقد بعد أن تحصل على تكاليف الضرب. ودار الضرب تؤدى خدمات جليلة لا تقل شأناً عما تؤديه مصارف الإصدار اليوم. وهناك اختلاف كبير بين دار الضرب أو دار السكة ودار العيار فدار الضرب تتعامل مع النقود، لكن دار العيار تتعامل مع الصنج والموازين، ودار الضرب تابعة لمشرف الدار، فى حين أن دار العيار تابعة للمحتسب، أو صاحب الشرطة. ويمكن تصور العملية الفنية التى كان يقوم بها الصناع فى دار الضرب الإسلامية الأولى أجمالاً فى عدة نقاط: 1 - تسلم السبائك الطبيعية، أو الخامات موزونة. 2 - صهر هذه السبائك أو الخامات وإعادة وزنها. 3 - صب المعدن المصهور فى قوالب أغلب الظن أنها اسطوانية الشكل. 4 - وزن القضبان الناتجة. 5 - تقطيع القضبان قطعاً متساوية، وإعادة وزن كل قطعة. 6 - محاولة تكميل استدارة القطعة وتسوية وجهيها. 7 - الضرب على القطعة على الأزواج كل وجه على حدة، مع محاولة التحرز بجعل النقش فى الدائرة دون أن يشذ منه شىء. 8 - مرحلة الفحص النهائى وتشمل الفحص والوزن والعد والتلميع وتوجيه العملة للتداول. (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (دار) ومادة (ضرب)

_ المراجع 1 - الكامل فى التاريخ لابن الأثير طبعة بيروت 1965 م. 2 - تاريخ التمدن الإسلامى- جرجى زيدان تقديم حسين مؤنس 1958 م 3 - تعريب النقود والدواوين فى العصر الأموى حسان على، حلاق الطبعة الأولى 1978 م. 4 - صنج السكة في فجر الإسلام د. عبد الرحمن فهمى القاهرة 1957 م 5 - كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية لابن بعرة الكاملى تحقيق د عبد الرحمن فهمى- طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1966 م. 6 - النقود العربية ماضيها وحاضرها د عبد الرحمن فهمى- القاهرة 1964 م

5 - دار العهد

5 - دار العهد لغةً: الأمان والمَوْثق والذمة ومنه قيل للحربى يدخل بالأمان ذو عهد ومعاهد، والمعاهدة المعاقدة (1). اصطلاحاً: هى كل بلد صَالَح الإمام أهلُها بترك القتال على أن تكون تلك الأرض لهم وللمسلمين الخراج عنها (2) وتسمى دار الموادعة، ودار الصلح، ودار المعاهدة. يجوز أن يعقد الإمام مع أهل الحرب عهدا للمصالحة يترك بموجبه القتال مدة بعوض أو بغير عوض فتكون تلك الدار دار عهد. وينقسم عقد الصلح مع أهل الحرب إلى قسمين: 1 - أحدهما: يشترط فى عقد الصلح أن تكون تلك الأراضى لنا، ونقرها بأيديهم بخراج يؤدونه لنا، فهذا الصلح صحيح باتفاق الفقهاء، والخراج يعتبر أجرة نظير الانتفاع بالأرض لا يسقط بإسلامهم، ويؤخذ خراجها إذا انتقلت إلى مسلم، وهم يصيرون أهل عهد والدار دار إسلام ليس لهم أن يتصرفوا فيها بالبيع أو الرهن. والثانى: يشترط فى عقد الصلح معهم أن تكون الأرض لهم بموجب الصلح باتفاق الفقهاء، ويوضع الخراج على الأرض يؤدونه عنها ويكون لبيت المال وهذا الخراج يعتبر فى حكم الجزية فمتى أسلموا سقط عنهم، ولا تصير الدار دار إسلام وتكون دار عهد ولهم بيعها ورهنها، وإذا انتقلت إلى مسلم لم يؤخذ خراجها ويقرون فيها ما أقاموا على العهد، ولا تؤخذ جزية رقابهم لأنهم فى غير دار الإسلام ولا يمنعون من إظهار شعائرهم فيها كالخمر والخنزير وضرب الناقوس ولا يمنعون إلا مما يتضرر به المسلمون كإيواء جاسوس، ونقل أخبار المسلمين إلى الأعداء وسائر ما يتضرر به المسلمون. ويجب على الإمام أن يمنع المسلمين والذميين من إيذاء أهل دار العهد والتعرض لهم، لأنهم استفادوا الأمان فى أنفسهم وأموالهم بالموادعة وهذا العهد عقد غير لازم محتمل للنقض فللإمام أن ينبذ إليهم، لقوله تعالى:} وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء {(الأنفال 58). أما إذا وقع العهد على أن تجرى فى دارهم أحكام الإسلام فهو عقد لازم لا يحتمل النقض منا، لأن العهد الواقع على هذا الوجه عقد ذمة والدار دار إسلام يجرى فيها حكم الإسلام. فإن نقضوا الصلح بعد استقراره معهم فقد اختلف العلماء فيه: فذهب الشافعى وأبو يوسف ومحمد إلى أن دارهم تصير دار حرب، وقال أبو حنيفة: إن كان فى دارهم مسلم أو كان بينهم وبين دار الحرب بلد للمسلمين، فتبقى دارهم دار إسلام يجرى على أهلها حكم البغاة وإن لم يكن بينهم مسلما ولا بين دار الحرب بلد للمسلمين فتكون دار حرب (3). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 435. 2 - بدائع الصنائع 7/ 30 وما بعدها، الأحكام السلطانية للماوردى ص 175 وما بعدها، كشاف القناع 3/ 43،96 المدونة 2/ 22. 3 - الأحكام السلطانية للماوردى ص 175 وما بعدها، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير2/ 206.

6 - الداعي

6 - الداعي لغةً: دعا دعواً ودعوة دعا الله: رجاه وابتهل إليه، ودعا إلى الدين وإلى المذهب: حثّ على اعتقاده، والداعى اسم الفاعل من الفعل دعا، وهو الذى يدعو لدين أو مذهب (1) واصطلاحاً: الداعى من يقوم بدعوة حركية تسعى لتحقيق أهداف معينة حددها مقدما، وأعلن عنها كمحور للنشاط المنبعث من مذهبه. وقيل: هو من يقوم بدعاية منظمة وفق أسس فنية، تهدف إلى أغراض معينة ومحددة. (2) وقيل: هو من يقوم بدعوة الجماهير ومخاطبة المجموع لتحقيق أهداف عن طريق التكتل الجماهيرى والوحدة الحركية. (3) وظهور مصطلح الدعاة ارتبط بظهور التشيع على مسرح الحياة الإسلامية، حيث قام أفراد بالدعوة، ولم يصبح هذا اللفظ من المصطلحات التى لها مدلولها الخاص إلا بعد ظهور فرقة الإسماعيلية الباطنية، عقب وفاة جعفر الصادق (148هـ) فقد جعل الإسماعيلية نظاما خاصا لنشر دعوتهم التى كانت سرية، وبفضل هذا النظام وجهود الدعاة ثم تأسيس الدولة السياسية التى عرفت فى التاريخ بالدولة الفاطمية (296 - 963 هـ). وكان الدعاة هم الركيزة الأولى التى اعتمد عليها الخلفاء الباطنيون فى طغيانهم واستبدادهم لأن عملهم كان خدمة السلاطين، وكانوا كثيرا ما يشجعونهم على الاستبداد والطغيان، وكانت مهام الدعاة ترتكز على أربعة مستويات: 1 - علمى: وهو القيام بالدعوة وتلقين أصول المذهب. 2 - سياسى: وهو تجميع الناس حولهم ودعوتهم إلى خلع الخليفة العباسى وطاعة الخليفة الباطنى. 3 - مالى: وهو جمع الأموال من الناس وإرسالها إلى الخليفة بعد خصم النفقات اللازمة لهم أثناء تأدية أعمالهم. 4 - إدارى: وهو تقسيم البلاد أقساما إدارية حسبما يرون، وأن يأخذوا العهد على من يولونه على كل قسم نيابة عن الخليفة وهذه المهام الأربعة مجتمعة مهام سياسية بالدرجة الأولى تخدم الخليفة وتدعم سلطانه المطلق، وتقوى من إحكام قبضته على الشعب. وقد كانت للدعاية السياسية عند الباطنية خصائص منها: (أ) أنها تعبر عن عقيدة سياسية ذات جوهر دينى. (ب) أنها دعاية تشهيرية وتحريضية ضد النظام القائم. وكانت العلاقة بين الدعاة والأئمة قائمة على أساس المنفعة المتبادلة بين الطرفين فالأئمة يعتمدون على الدعاة فى تدعيم مركزهم السياسى وبسط نفوذهم على الشعب، والدعاة يحصلون فى مقابل ذلك على النفوذ والشهرة والإقطاعات والأموال الطائلة، فها هو ذا واحد من أشهر الدعاة والملقب بفيلسوف الدعوة أحمد حميد الدين الكرمانى يتحدث عن النعم الكثيرة التى أولاه إياها الحاكم بأمر الله فيقول: "وقضاء بحق النعمة فيما أولانيه ولى الله فى أرضه صلوات الله عليه وبركاته التى أصبحت بها فى نعمة تامة وروضة مدهامة ماؤها معين وهواؤها على المراد معين، وكأنها حور العين، ثم شكرا على الموهب، وطلبا للأجر والمثوبة" (4). ودرجات الدعاة عند الإسماعيلية هى: 1 - الباب، وهى أعلى درجات الدعاة، ولما يصل إليها إلا أفراد قلائل، وأحيط من يشغل هذه الدرجة بسرية تامة حتى فى عصر الظهور. 2 - الحجة أو داعى الدعاة ويكون بجانب الإمام وله الإشراف على كل شىء يتصل بالدعوة. 3 - داعى البلاغ، وله رتبة الاحتجاج. 4 - الداعى المطلق، وله رتبة تعريف التأويل بالباطن. 5 - الداعى المحدود، وله التعريف بالعبادات الظاهرة. 6 - الداعى المأذون، وله أخذ العهد والميثاق. 7 - الداعى المكالب أو المكاسر، وهو الذى يشكك الناس فى عقائدهم، يستميلهم إلى مذهب الإسماعيلية. (5) ومن أشهر الدعاة دعاة الإسماعيلية فمنهم الحسين بن حوشب بن زادان وأبو حاتم الرازى صاحب كتاب الزينة وأبو يعقوب السجزى أستاذ شيخ الدعوة الأكبر أحمد حميد الدين بن عبد الله الكرمانى، والداعى هبة الله بن موسى الشيرازى المعروف بالمؤيد فى الدين داعى الدعاة مناظر أبى العلاء المعرى، ومنهم عبدان وحمدان قرمط، وهم من دعاة القرامطة، وهى فرقة انشقت من الفرقة الإسماعيلية (6). (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية القاهرة مادة (دعو) 1/ 296. 2 - بحوث فى السياسة د/ سويلم العمرى ص 344 ط االأنجلو المصرية- القاهرة سنة 1953 م 3 - الفلسفة السياسية عند إخوان الصفا- د/محمد فريد حجاب ص 142 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1982 م. 4 - راحة العقل- تأليف أحمد بن حميد الكرمانى ص 84 تحقيق د/ مصطفى غالب- ط دار الأندلس بيروت ط ثانية 1983 م. 5 - السابق: ص 138. 6 - دائرة المعارف الإسلامية مادة الداعى 7/ 94 - هـ 9.

_ المراجع 1 - عيون الأخبار وفنون الآثار فى فضائل الأئمة الأطهار: للداعى عماد الدين القرشى- تحقيق د/ مصطفى غالب ط دار الأندلس بيروت ط أولى 1983 م. 2 - الفكر السياسى عند الباطنية وموقف الغزالى منه. د/ أحمد عرفات القاضى، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب / القاهرة 1993م ط أولى. 3 - كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة، محمد بن مالك الحمادى، تحقيق سهيل زعار، ط ثانية 975ام. 4 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الآثمة الأطهار- محمد باقر المجلس، ط ثالثة دار إحياء التراث بيروت د. ت. 5 - مذاهب ابتدعتها السياسة فى الإسلام- عبد الواحد الأنصارى ط مؤسسة الأعلمى بيروت ط أولى1973م. 6 - الحركة الباطنية فى الإسلام د/ مصطفى غالب ط 1982 بيروت.

7 - الدروز

7 - الدروز هم فرقة من الباطنية لهم عقائد سرية وهم متفرقون بين جبال لبنان وحوران والجبل الأعلى من أعمال حلب، ويطلق عليهم جماعة حمزة. وقد ظهر مذهب الدروز فى القرن الحادى عشر الميلادى فى مصر على عهد الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمى، حيث ظهر بها رجل اسمه محمد بن إسماعيل الدرزى قدم مصر من بلاد فارس، فوافق القائلين بألوهية الحاكم بأمر الله، ودعا الناس للإيمان بها وأضاف إلى هذا الدين طائفة من العقائد القديمة وعقائد غلاة الشيعة فلم تصادف هذه الدعوة قبولا فى مصر ففر صاحبها إلى الشام فوجد هنالك آذاناً مصغية. ولكن الدروز يلعنون هذا الرجل ولا يحترمونه وينتسبون إلى حمزة بن على الأعجمى الملقب بالهادى، وكان من خاصة الحاكم بأمر الله. بعض معتقدات الدروز: إن شريعة الدروز تتلخص فى إسقاط الفرائض الدينية التكليفية وعدم إقامة الفرائض الدينية الإسلامية، والاعتراف بالخصال التوحيدية، فمن اعترف بها فهو من الموحدين. وهم فى ذلك يتفقون إلى حد كبير مع المبادئ التى نادى بها الحسن بن محمد زعيم الإسماعيلية الشرقية فى آلموت (سنة 588 هـ) الذى طلب من أتباعه طرح جميع التكاليف الدينية. غير أن الدروز يصومون فى أيام خاصة، وهى التسعة أيام الأولى من شهر ذى الحجة، وصيامهم يقترب من صيام عامة المسلمين من حيث الامتناع عن الطعام والشراب وأى عمل يبطل صيام المسلم، ويحتفلون بعيد الأضحى ويسمونه العيد الأكبر ومنهم من يجاهد نفسه فيصوم عدة أشهر متوالية. ومن الدروز من يقلع عن الزواج إمعاناً فى التصوف، ومنهم من لا يأكل لحماً طوال حياته على نحو ما يفعله براهمة الهند. ومن معتقداتهم أن كلمة الشهادة عندهم: (ليس فى السماء إله موجود ولا على الأرض رب معبود إلا الحاكم بأمره) فمن معتقداتهم أن الحاكم بأمر الله هو الله تعالى نفسه، وقد ظهر على الأرض عشر مرات أولاها فى العلى ثم فى الباز إلى أن ظهر عاشر مرة فى الحاكم بأمر الله، وأن الحاكم لم يمت بل اختفى حتى إذا خرج يأجوج ومأجوج- ويسمونهم القوم الكرام- يخرج الحاكم وينجلى على الركن اليمانى من البيت بمكة ويدفع إلى حمزة سيفه المذهّب فيقتل به إبليس ثم يهدمون الكعبة ويفتكون بالنصارى والمسلمين ويملكون الأرض كلها إلى الأبد. ويعتقدون أن عدد الأرواح محدود، فالروح التى تخرج من جسد الميت تعود إلى الدنيا فى جسد طفل جديد. وهم يعتقدون بالإنجيل والقرآن ويختارون منهما ما يستطيعون تأويله ويتركون ماعداه، ويقولون إن القرآن أوحى إلى سلمان الفارسى فأخذه محمد، ونسبه لنفسه، ويسمونه فى كتبهم المسطور المبين. والدروز ينقسمون إلى عقّال أو أجاويد أى الذين يعرفون الأمور الدينية، وجهَّال أى الذين يجهلونها، والعقال درجات بحسب التقوى والمعرفة والإدراك، ويشترك النساء فى العقل الدينى مع الرجال، ولا يقبل بانتظام جاهل فى سلك العقال إلا بعد تكرار الطلب، وتأكد شيخ العقل فى القرية أو الناحية أنه مستحق، فإذا كان ذا أهلية يرتقى من درجة إلى درجة ويقال إن أعلاها مطالعة كتاب ذى شأن من كتبهم ويجتمعون فى الليل من كل يوم جمعة فى خلواتهم ليسمعوا قراءة كتبهم الدينية، فمنهم من ينصرف باكرا ومنهم فى وسط السهرة ومنهم فى آخرها حسب الدرجة، وقد يقع هذا التفاضل فى كل اجتماع أو فى بعض الاجتماعات، ويمنع الجهال الذين لا يعرفون أصول الدين ونصوصه من الاشتراك فى الاجتماعات الدينية إلا فى عيدهم، وهو عيد واحد عيد الضحية. ومن عاداتهم أنهم يجتمعون رجالا ونساء ليتحدثوا فى الشئون السياسية والدينية، ولهم رموز وإشارات فى التعارف تشبه رموز البناء الحر الماهر عند الماسونية. وينقسم الدروز فى لبنان مدنياً إلى أمراء، ومشايخ، وعامة فالأمراء هم آل أرسلان، وأشهر المشايخ هم آل جنبلاط وعبد الملك وتلجون، أما العامة فهم شديدو الانقياد يحافظون على العادات المعروفة فى الجبل بطريقة الأمراء والمشايخ، وهؤلاء المشايخ ينقسمون إلى قسمين سياسيين كان جميع أهالى جنوبى لبنان منهما وهما جنبلاطى ويزبكى، ولهم رؤساء دينيون أولون فى كل مكان، فلهم فى لبنان رئيسا عقل أولان: أحدهما جنبلاطى والآخر يزبكى يقضيان فى الأمور الدينية الحظيرة ويعرفان بشيخى العصر. ويقول ابن القيم فى كتابه القيم إغاثة اللهفان، بعد أن تحدث عن المجوس وفرقهم وأديانهم ... ومنهم الخرمية- أصحاب بابك الخرمى- وهم شرّ طوائفهم لا يقرون بصانع، ولامعاد، ولا نبوة، ولا حلال، ولا حرام وعلى مذهبهم طوائف القرامطة والإسماعيلية والنصيرية والبشكية، والدرزية، والحاكمية وسائر العبيدية، الذين يسمون أنفسهم الفاطمية وهم أكفر الكفار". وبذلك يكون ابن القيم قد جمع الدروز مع كل هؤلاء الذين حكم بكفرهم. (هيئة التحرير)

_ المراجع: 1 - كتاب العقائد: عمر عنايت: ط دار العصر للطبع والنشر، القاهرة، 1928م. 2 - طائفة الدروز: د/ محمد كامل حسين. 3 - إغاثة اللهفان: لابن القيم 2/ 243 وما بعدها. 4 - تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة د/ محمد عبد الله عثمان 5 - دائرة معارف القرن العشرين: محمد فريد وجدى 6 - دائرة المعارف بطرس البستانى. 7 - الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد/ خالد محمد على الحاج (ج 1)

8 - الدستور

8 - الدستور يقصد بالدستور القانون الأساسى الذى يوضح النظام السياسى الذى تتبناه الدولة والسلطات الرئيسية التى تمارس مهمة الحكم فيها، والعلاقة بين هذه السلطات، كما يتضمن الدستور المبادئ العامة التى يجب أن تسير عليها هذه السلطات، مغفلاً عن حقوق الأشخاص وواجباتهم. وبعبارة أخرى فهو الوثيقة الرئيسية التى تحكم عمل سلطات الدولة وتوجه السياسات التشريعية والتنفيذية والقضائية التى يجب أن تتبع فى كل دولة. فبداية يوضح الدستور شكل الدولة إذا كانت ملكية أو جمهورية مثلا، كما يوضح النظام السياسى الذى تقدم عليه، فكثير من الدول تتبنى النظام الاشتراكى، وتتبنى غيرها النظام الرأسمالى، وهكذا. وتوضح نصوص الدساتير فى جملتها ما إذا كانت الدولة تأخذ بالنظام الرئاسى الذى يجعل رئيس الدولة هو حجر الزاوية فى النظام السياسى، وتجعل السلطة التنفيذية كلها بيديه، كما نرى فى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أم أن الذى يمارس الحكم هو الحكومة المشكلة من الحزب صاحب الأغلبية فى البرلمان، وضرورة أن تكون هذه الممارسة بالتعاون بين الحكومة والبرلمان. فالنظام الأول يسمى النظام الرئاسى، والنظام الثانى، يسمى النظام البرلمانى. توضح الدساتير المعالم الرئيسية للنظام السياسى الذى تقوم عليه الدولة. وقد استقرت دساتير معظم الدول، إن لم يكن كلها الآن- على ضرورة وجود سلطات ثلاث للحكم هى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. وتقر الدساتير مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، مع وجود قدر من التعاون بينها، يختلف من دولة إلى دولة، ومن نظام إلى نظام. وتبين الدساتير المقدمات الأساسية التى يقوم عليها نظام الدولة كاحترام الأسرة وجعلها الخلية الأساسية للمجتمع كما نرى فى الدستور المصرى، والاعتراف بالملكية الفردية واحترامها، واحترام الأديان وعدم المساس بقدسيتها، إلى غير ذلك من المقومات. ويعتبر إقرار حقوق الأفراد وواجباتهم، من أهم الأمور التى تتولاها الدساتير واضعة بذلك الخطوط الرئيسية لهذه الحقوق والواجبات، تاركة للتشريعات والقوانين المختلفة، مهمة تفصيل مدى الحقوق والقيود التى توضع على ممارستها. ولم يعد هناك دستور لا يتضمن النص على حق الحياة وحمايته، وحرية الرأى بضماناته، وحرية العقيدة، واحترام الحقوق المتصلة بممارستها فضلا عن ضمانات تحقيق العدالة فى المجتمع. وتحرص مختلف الدساتير على جعل القضاء سلطة حامية للحقوق وحريات المجتمع واضعة الضمانات التى تمكنه من ممارسة هذه المهمة الجليلة فى المجتمع. وكثيرا ما يقال إن الدولة الإسلامية لم تعرف دستورا، كما يقال كثيرا إن القرآن هو دستور الدولة الإسلامية. وهذه الأقوال لا تعبر عن الحقيقة. لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما ذهب إلى المدينة وقام ببناء الدولة بها، وضع دستورا مكتوبا نجده بنصه فى سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام أى لم ينقل عن طريق الراوية وإنما يرجح أنه كتب على وسيط مما كانت تكتب عليه الأمور الهامة وانتقل إلينا بهذا الشكل. ويطلق تاريخيا على هذا الدستور مصطلح "الصحيفة". وتروى الكتب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: جمع القبائل وبطون الطوائف التى كانت تعيش فى المدينة من مهاجرين وأنصار ووثنيين ويهود فى منزل دمنة بنت الحارث- وكانت يهودية- وجلسوا جميعا فى فناء هذا المنزل الفسيح وقرأ عليهم الصحيفة وأقرها- وهى من حيث النشأة- أتى بها الاتفاق الصريح بين أهل المدينة- ومن حيث مضمون ما وجد بها من مسائل دستور كامل. فقد أوضحت من يملك مهام السلطات الثلاث، كما أوضحت عناصر بناء الدولة من إقليم وشعب وسلطة، وأوضحت كذلك حقوق وواجبات من يتلو أحكام الصحيفة، والمهم أنها جعلت الصحيفة الأساس لقيام هذا المجتمع وممارسة سلطاته فى وقت لم يكن المجتمع الدولى قد عرف ذلك. لأن الصحيفة وضعت فى العام الأول للهجرة. أ. د/ جعفر عبد السلام

_ المراجع 1 - دستور المدينة: جعفر عبد السلام مجلة كلية الشريعة- جامعة الأزهر. 2 - القانون الدولى، العدد الثالث ص219 وما بعدها. 3 - نص من نصوص الوثيقة من مجموعة وثائق الدولة الإسلامية لمحمد حميد الله.

9 - الدعوة سرا وجهرا

9 - الدعوة سرا وجهرا لغة: اسم من الفعل (دعا) ومعناها: مطلق الطلب لأى شىء حسى كطعام أو معنوى كفكرة (1) وعند ابن فارس: هى فن الإمالة للجمهور نحو شىء معين بأى وسهيلة متاحة. (2). واصطلاحا: ورد فى تعريفها عدة تعريفات منها: "العلم الذى به تعرف كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق (3). أو هى "تبليغ الإسلام للناس وتعليمهم إياه وتطبيقه فى مواقع الحياة " (4) أو "هى برنامج كامل يعم جميع المعارف التى يحتاج إليها الناس ليبصروا الغاية من محياهم وليستكشفوا معالم الطريقة التى تجمعهم راشدين. (5) أو هى فن يستميل الناس إلى الإسلام بالوسائل المناسبة ليتعلموه ويطبقوه فى واقع الحياة". والدعوة بهذا المفهوم: إما أن نتوجه بها إلى غير المؤمنين بالإسلام لنكشف لهم عن محاسن هذا الدين واستقامة عقيدته ونبل مقاصده وعظمة تشريعاته وغالبا ما يكون ذلك فى المجتمعات غير الإسلامية كأوربا وأمريكا وغيرها. وإما أن نتوجه بها إلى المؤمنين به والمعتنقين له لنأخذ بأيديهم ونبصرهم حتى يعملوا بمقتضى مبادى هذا الدين ويسيروا على نهجه الذى اختاروه فى العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والمعاملات. وعلى كل فإن كلمة الدعوة من الألفظ المشتركة التى تطلق على الإسلام كدين وعلى عملية نشره وتبليغه للناس، وسياق الكلام هو الذى يحدد المعنى المراد فمثلا إذا قيل: هذا من رجال الدعوة إلى الله كان معنى الدعوة هنا محاولات النشر والتبليغ، وإذا قيل: اتبعوا دعوة الله كان المراد الإسلام. وإذا ذكرت على إطلاقها فإنها تنصرف عرفا إلى محاولة نشر الإسلام وتبليغه للعالمين، وهو المعنى الذى تواردت عليه معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وخير من قام بتبليغ الدعوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعده الله لها وهيأه لحملها ثم كلفه بتبليغها حين نزل عليه قوله تعالى: {ياأيها المدثر. قم فأنذر} المدثر:1 - 2. فبدأ النبى صلى الله عليه وسلم دعوته سرا يدعو كل من وثق فيه إلى عبادة الله، وكان يلتقى بالأولياء والأصدقاء المقربين، وكان أول من آمن به من النساء زوجته، ومن الصبيان على بن أبى طالب، ومن الموالى زيد بن حارثه، ومن الرجال أبو بكر الصديق الذى أسلم على يديه كثير من الأحرار والعبيد، وظلت الدعوة سرية حوالى ثلاث سنوات أسلم فيها ثلاثة وخمسون شخصا بينهم عشرنساء. (6). وإنما كانت الدعوة خفية ابتداء لتتكون خلية الإسلام، فالخلايا يكون بذر البذور فيها بالكتمان؛ لأن الجهر يبددها قبل أن تتكون حتى يبدو عودها ويتكون سوقها، فكل فكرة جديدة لابد أن تلتقى حولها قلوب مؤمنة بها، ويكون بعد ذلك إعلانها والمجاهرة بها. ولم تكن السرية فى هذه الدعوة استخفاء بالدعوة فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلن ما جاء من نذير وما عنده من تبشير ولكن الذى كان يستخفى به هو إقامة العبادة ومدارسة الاسلام فى دار الأرقم بن أبى الأرقم. (7). ومكث عليه الصلاة والسلام يدعو سرا حتى نزل عليه قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء:214. وقوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} الحجر:94. فبدل بالدعوة سرا الدعوة جهرا ممتثلا أمر ربه واثقا بنصره ووعده. وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشيرته الأقربين، فصعد على الصفا فجعل ينادى: يا بنى فهر، يا بنى عدى، يا بنى عبد مناف، ثم نادى بطون قريش حتى اجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج ارسل رسولا لينظر الخبر فجاء أبولهب بن عبد المطلب وقريش فقال عليه الصلاة والسلام: (أرايتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغيرعليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا: نعم ماجربنا عليك كذبا، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، فقال أبولهب تبالك ألهذا جمعتنا) فأنزل الله شأنه: {تبت يدا أبى لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب} المسد:1 - 3 (8)؛ وهكذا دمغه الوحى بهذه الآيات البينات التى كانت بمثابة التشجيع للنبى صلى الله عليه وسلم ليستمر فى دعوته ويمضى إلى غايته، فكانت حافزا قويا على النشاط فى إذاعتها والمضى فى سبيل انتشارها، كما كانت سابقة فأل ومقدمة بشارة بأن الله سينصر الحق على الباطل ويتم نوره ولو كره المشركون. وقد وجه النبى صلى الله عليه وسلم دعوته فى السر والجهر بإصرار وثبات، وصادف من بيئته جمودا ومعارضة تمثلت فى ردود فعل مختلفة أقلها تعذيب أتباعه، ثم مقاطعتهم ثم محاولة قتله بوصفه صاحب اللواء فإذا سقط انتهت دعوته ولكن الله عصمه، ونصره بالهجرة وامتن عليه بالفتح حتى إذا صار للإسهلام الكلمة العليا في الجزيرة العربية، فاضت الوحدانية بالنور إلى الأقاليم المجاورة إقليما بعد إقليم. أ. د/خليفة حسين العسال

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مادة (دعا) مجمع اللغة العربية القاهرة 1985م 1/ 286. 2 - مقاييس اللغة، ابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون 2/ 279. 3 - د/أحمد غلوش: الدعوة الإسلامية دار الكتاب العربى اللبنانى 1978م ط1. 4 - المدخل إلى علم الدعوة: د/محمد أبوالفتح البيانونى: طبع أولى مؤسسة الرسالة بيروت 1991م ص16 - 17. 5 - مع الله: محمد الغزالى: ط3 مطبعة مخيمر1965م ص17. 6 - السيرة النبوية ابن هشام ط2 نشر الحلبى 1955م 1/ 254 - 265. 7 - فى ظلال القرآن سيد قطب ط7 دار الشروق 1978، 6/ 3750 - 3755. 8 - البخارى مع الفتح كتاب التفسير 9/ 763 كتاب التفسير

10 - دعوى

10 - دعوى لغةً: التمنى، والطلب. قال الله تعالى:} ولهم ما يدَّعون {(يس57) وجمعها دعاوى بالفتح والكسر. (1) واصطلاحاً: إخبار عن وجوب حق على الغير عند حاكم (2). وأركانها عند الحنفية: هى نفس الإخبار عن ذلك الحق (3)، وعند غيرهم ثلاثة: مدِعى وهو: من إذا ترك دعواه ترك، ومدعى عليه وهو: من إذا ترك الخصومة لم يترك، ومدعى به وهو: الشىء الذى ادعاه المدعى (4). وقد يكون كل من طرف الدعوى مدعياً، ومدعى عليه فى نفس الوقت كما لو اختلف المتبايعان فى الثمن (5). ولا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف، بشىء معلوم، محقق (6) والأصل فيها الإباحة، وقد تحرم إذا كانت بباطل، أو بغرض التشنيع (7). والأصل فى مشروعيتها قول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " لو يعطى الناس بدعواهم، لذهب دماء قوم وأموالهم، اليمين على المدعى عليه" (رواه البخارى) (8). أ. د/ أحمد يوسف سليمان

_ المراجع 1 - القاموس المحيط. للفيروز آبادى 4/ 329 باب الواو والياء.، فصل الدال. طبعة مصطفى الحلبى (1371 هـ-1953 م)، المصباح المنير للفيومى 1/ 299 مادة: (دعو)، الطبعة الأميرية الثانية (1906 م) 2 - نهاية المحتاج شرح المنهاج للرملى 8/ 333 طبعة دار الفكر بيروت سنة 4 1 4 1 هـ/994 1 م والتعريفات للجرجانى ص 9 0 1 طبعة مكتبة لبنان والمغنى لابن قدامة 10/ 204 تحقيق الشيخ محمود فايد طبعة مكتبة القاهرة. 3 - بدائع الصنائع للكاسانى 7/ 225 الطبعة المصورة بدار الفكر- بيروت. 4 - نهاية المحتاج 8/ 339 وانظر حاشية الخرشى على مختصر سيدى خليل 7/ 53 1 الطبعة بدار صادر بيروت، والمغنى لابن قدامة 10/ 242، والقاموس الفقهى لغة واصطلاحا لسعدى أبو حبيب ص 131 طبعة إدارة القرآن بكراتشى. 5 - المغنى لابن قدامة 10/ 242 6 - المغنى لابن قدامة 10/ 242، وحاشية الخرشى ص 7/ 153. 7 - الموسوعة الفقهية الكويتية 20/ 270الطبعة الثانية 1410هـ، 0 99 1 م 8 - الحديث متفق عليه وهذا لفظ البخارى فى كتاب التفسير، تفسير سورة آل عمران عن ابن عباس- رضى الله عنهما،- وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، إعداد محمد فؤاد عبد الباقى. كتاب الأقضية 2/ 192 طبعة دار الريان للتراث.

11 - الدلالة

11 - الدلالة لغة: كل شىء يقوم بدور العلامة أوالرمز له دلالته أو معناه، سواء أكانت العلامة أو الرمز كلمات وجملا، أو كانت أشياء غير لغوية، كإشارات المرور، وإيماءة الرأس، ورسم فتاة مغمضة تمسك ميزانا، والتصفيق باليدين، وغيرها. واصطلاحا: علم مستقل يعد فرعا من فروع اللغة، يهتم بدراسة دلالات الرموز اللغوية وأنظمتها، يسمى علم الدلالة، أو علم المعنى. وقد كان للعرب فضل السبق فى هذا النوع من الدراسات، فمعظم الأعمال اللغوية المبكرة عند العرب تعد من مباحث الدلالة، مثل: تسجيل معانى الغريب فى القرآن الكريم، والحديثا عن مجاز القرآن، والتأليف فى الوجوه والنظائر فى القرآن، وإنتاج المعاجم. وحتى ضبط المصحف بالشكل يعد فى حقيقته عملا دلاليا، لأن تغييرالضبط يؤدى إلى تغييرالمعنى. ولعل من أهم الدراسات العربية المبكرة التى تناولت جانبا المعنى دراسات الأصوليين التى سبقته فى كثيرمن نتائجها دراسة المعنى فى العصر الحديث، كما ضمت هذه الدراسات موضوعات مثل: دلالة اللفظ من حيث الشمول (العام، الخاص، المشترك) ودلالة المنطوق، ودلالة المفهوم، وتقسيم المعنى بحسب الظهور والخفاء، وطرق الدلالة، والتغير الدلالى، والحقيقة والمجاز، والمشترك اللفظى والمترادف. كذلك نجد دراسات واشارات كثيرة للمعنى فى مؤلفات الفلاسفة المسلمين، مثل: الفارابى، وابن سينا، وابن رشد، وابن حزم، والغزالى، والقاضى عبدالجبار وغيرهم. كما انعكس الاهتمام بالمعنى فى دراسات البلاغيين التى اهتمت بمباحث الحقيقة والمجاز، ودرست كثيرا من الأساليب، كالأمر والنهى والاستفهام، وقدمت نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجانى وغيرها. ولم يقتصر الاهتمام العربى بمباحث الدلالة على وسائل الاتصال اللفظية وحدها، بل تجاوزها ليشمل كذلك الوسائل غير اللفظية، وبخاصة حركات الجسم وما تحمله من دلالات لغوية، وفى القرآن الكريم أمثلة كثيرة على ذلك، مثل: أ- شخوص البصرعند الدهشة، كما فى قوله تعالى {واقترب الوعد الحق فإذا شاخصة أبصارالذين كفروا} الأنبياء:97. ب- غل اليدين إلى العنق للإشارة إلى البخل، كما فى قوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} الإسراء:29. وقد أشار الجاحظ فى كتابه "البيان والتبين" إلى حسن الاشارة باليد والرأس، واعتبرها من تمام حسن البيان باللسان، كما نعى على أحد المتحدثين عدم استخدامه الإشارة باليد وغيرها. كما أشار الجاحظ إلى التواصل باستخدام العين أو الجفن للتفاهم بين اثنين بطريقة تخفى على الآخرين، فى أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس. أ. د/أحمد مختار عمر

_ مراجع الاستزادة: 1 - البيان والتبيين للجاحظ. 2 - دراسات فى علم اللغة د/فاطمة محجوب طبعة النهضة العربية بالقاهرة 1967م. 3 - دراسة المعنى عند الأصوليين د/طاهر سليمان حمودة الدار الجامعية للطباعة والنشر 1967م. 4 - دلالة الألفاظ د/إبراهيم أنيس مكتبة الأنجلو بالقاهرة. 5 - علم الدلالة د/أحمد مختار عمر طبعة عالم الكتب

12 - الدهر

12 - الدهر لغةً: يُعد "الدهر" من أسماء الله الحسنى فيقول الفيروز آبادى فى القاموس المحيط: " الدهر قد يعد فى الأسماء الحسنى، والزمان الطويل والأمد الممدود وألف سنة ... جمعها أَدْهُرٌ ودُهُورٌ واصطلاحاً: يقول الجرجانى فى تعريفاته "الدهر": هو الآن الدائم الذى هو امتداد الحضرة الإلهية، وهو باطن الزمان وبه يتحدد الأزل والأبد " (1). حسب هذا التعريف يكون الدهر مرادفا للزمان على إطلاقه فى اللغة إلا أنه لا يشير بالتحديد إلى ما يتضمنه لفظ "الأزل " بمعنى القدم المطلق أو "اللابداية"، كما أنه لا يتضمن معنى الأبد أو "اللانهاية"، لأنه لو كان كذلك لأصبح مرادفا لى "السرمدية" حسب تعريف الجرجانى نفسه، حيث يقول: السرمدى ما لا أول له ولا آخر" والأمر ليس كذلك. وقد ورد لفظ " الدهر" فى القرآن الكريم مرتين، فى قوله تعالى:} وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر {(الجاثية 24). وفى قوله تعالى:} هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا {(الإنسان 1)، أما فى السنة المطهرة فقد ورد لفظ "الدهر" فى أكثر من موضع، ففى صحيح البخارى: "لا تقولوا خيبةُ الدهر فإن الله هو الدهر" (باب الأدب)، كما أورد الحديث القدسى: "يؤذينى ابن آدم َيسبُّ الدهرَ وأنا الدهرُ" (باب التوحيد). أ. د/ السيد محمد الشاهد 1 - التعريفات للشريف الجرجانى، على بن محمد ص 111 - مكتبة لبنان- بيروت- 1985م

_ المراجع 1 - القاموس المحيط للفيروز آبادى- مطبعة الحلبى- القاهرة- د. ت- مادة (دهر) 2 - التعريفات للجرجانى ص 123.

13 - الدهرية

13 - الدهرية "الدهرية" هى أصل كل مذاهب الإلحاد والمادية التى عرفتها البشرية، فهى مذهب كل من اعتقد فى قدم الزمان والمادة والكون، وأنكر الألوهية والخلق والعناية والبعث والحساب. ويتوازى مع إنكار البعث والحساب عقيدة (تناسخ الأرواح) الذى يعتقد أصحابها بأن أرواح البشر تنتقل من جسد كائن حى (إنسان أو حيوان) إلى جسد كائن حى آخر بعد موت الأول، فتشقى هذه الروح أو تسعد حسب ما اكتسبه الإنسان الذى كانت حاله فى جسده إن خيرا فخير وإن شراً فشر. وقد لخص القرآن الكريم عقيدة الدهريين فى آية كريمة، فى قوله تعالى:} وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يُهلِكنا إلا الدهر {(الجاثية 24). آما الخلق والتدبير للكون فينسبونه للكواكب (1). وُيْرجع المستشرق "دى بور" نشأة هذا المذهب إلى أصول فارسية، ويرى أن كلمة "الدهرية" تقابل " الزروائية" نسبة إلى "زروان " أو "زرفان " وهى تعنى فى اللغة الفارسية "الدهرية"، كما يرجع تاريخه إلى عهد يزدجرد الثانى (438 - 457)، وهو آخر ملوك الدولة الساسانية قبل الفتح الإسلامى (39 هـ/ 651 م) (2). ويعرِّف الشهرستانى أصحاب هذا المذهب: "بأنهم أولئك الذين أنكروا خلق العالم والعناية الإلهية، ولم يسلِّموا بما جاءت به الأديان الحقة، وقالوا بقدم الدهر، وأن المادة لا تفنى" (3). ويمكن اعتبار الفلسفة الوضعية الحديثة وكذلك الفلسفة الماركسية أحدث صور الدهرية القديمة. أ. د/1لسيد محمد الشاهد

_ المراجع 1 - المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار الهمذانى 5/ 156 - 157 الدار المصرية للتأليف والترجمة- القاهرة د. ت. 2 - تاريخ الفلسفة- دى بور- ترجمة الدكتور عبد الهادى ابو ريدة ص 15 - القاهرة- 1957م ط 4. 3 - الملل والنحل الشهرستانى 1/ 201 - المطبعة الأميرية- القاهرة- 1317 هـ.

14 - الدواء

14 - الدواء لغة: يقال داواه أى عالجه، ويقال: هو يدوى ويداوى أى يعالج، ويداوى بالشىء أى يعالج به، والدواء: ما عولج به الفرس من تضمير وحنذ، وما عولجت به الجارية حتى تستمن، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: مادة تستخدم لعلاج المرض أو تشخصيه أو الوقاية منه. ومن استعمالات الدواء: 1 - يستعمل فى تغييربعض وظائف الجسم الطبيعية مثل الإحساس بالألم. 2 - يستخدم لأغراض جراحية، مثل التخدير وتطهير الجروح. 3 - يستخدم فى تعويض النقص فى إفرازات الغدد، مثل استعمال الأنسولين في علاج مرضى السكر، واستعمال العصائر الحمضية فى علاج عسر الهضم. 4 - يستعمل فى علاج عوز الفتيامينات والعناصر المعدنية. ويحدث الدواء تأثيره بتفاعله مع الكائن الحى، سواء كان هذا الكائن عضوا من أعضاء الجسم، أو خلية من خلاياه، أو فيروسا، أو ميكروبا، أو خلايا سرطانية تلحق به المرض. ويطلق اسم "علم الأدوية" (فارماكولوجى) على الذى يختص بدراسة الدواء، وامتصاصه من الجهاز الهضمى وأعضاء أخرى، وأنتشاره فى أعضاء الجسم، وتغيير هيكله الكيميائى فى بعض الأعضاء، وخروجه من الجسم. ولقد أطلق، على هذا المبحث قديما اسم "أقراباذين" وهو مصطلح يونانى الأصل، ويعنى تركيب الأدوية المفردة وقوانينها. ولقد أخذت هذه الكلمة عند العلماء العرب مدلولا دقيقا هو "الأدوية المركبة". ولقد كان للعرب والمسلمين أبلغ الأثر فى تقدم وتطوير "علم الأدوية"، وذلك فيما بين القرن السابع والقرن الحادى عشر الميلادى، وكان لهم أثركبيرفى إثراء علم الكيمياء، الذى يعتبر الدعامة الأساسية لاكتشاف الآلاف من الأدوية المصنعة كيميائيا. ولقد استفاد علماء الغرب من خبرة وتجارب علماء الكيمياء العرب، مثل جابربن حيان، الذى ثبت دعائم الكيمياء، وبين أهمية التجربة، وأوصى بدقة الملاحظة، وهو الذى عرف العمليات الكيميائية، ولقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية، وبقيت مرجعا يعتمد عليه فى الكيمياء لمدة ألف عام. وكان لحث الإسلام للمسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء فضل كبيرعلى العالم فى تقدم وازدهار شتى مجالات العلم والمعرفة، ومنها الصيدلية، حيث شهد العالم فى العصرالإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، ولقد برع المسملون فى فن تحضير الدواء، وكانوا من أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء. ويعتبر العالمان المسلمان: أبو بكر الرازى (240 - 320هـ /854 - 932م) وابن سينا (371 - 429هـ/988 - 1037م) من أشهر علماء الطب والصيدلة، ولقد تركت دراساتهما أثرا بالغا فى علوم الأدوية والطب الأوروبية. وتضم قائمة العلماء العرب المسلمين الذين أثروا هذه العلوم البيرونى 351 - 440هـ /961 - 1045م) والزهراوى (324 - 453هـ /936 - 1013م) وابن البيطار (575 - 646هـ /1148 - 1197م) وغيرهم. ويعتبر كتاب "الطب النبوى" لابن قيم الجوزية من أشهر الكتب التى تناولت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى هداية النفوس والأبدان، وشمل الكتاب فصولا عديدة فى الطب والدواء وعلاج الأمراض. أ. د/عز الدين الدنشارى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، 14/ 280 - 281. مراجع الاستزادة: 1 - الطب النبوى، ابن القيم. 2 - تاريخ العلاج والدواء فى العصور القديمة: العصر الإسلامى - عصر النهضة فى أوروبا، محمد نزار خوام، محمد عفت عبدالله، حسن إبراهيم الشورى، دار المريخ، الرياض. 3 - الدواء من فجر التاريخ إلى اليوم، رياض رمضان العلمى، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت

15 - الدواوين

15 - الدواوين لغة: جمع "ديوان" والديوان يعنى السجل الذى يتم فيه تدوين الأعمال والأموال والقائمين بها أو عليها، أو على حد تعبير الماوردى فى الأحكام السلطانية: والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال، ثم أطلقت الكلمة أيضا من باب المجاز على المكان الذى تحفظ فيه السجلات ويجرى العمل بها. وقد اختلف الباحثون فى أصل هذه الكلمة، فذهب البعض إلى القول بأنها ترجع إلى أصل فارسى كما يذكر العلامة ابن خلدون فى مقدمته، بينما يعود بها البعض الأخر إلى أصول عربية، من دون الشىء أى: أثبته، على حد قول ابن منظور فى لسان العرب أخذا عن سيبوبه. وكانت الحاجة قد استدعت إنشاء هذا النظام والعمل به على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى السنة الخامسة عشرة للهجرة، بعد أن بدأت الفتوحات الإسلامية للمناطق المجاورة لشبة الجزيرة العربية، وأخذت الأموال تتدفق على المدينة الإسلامية، وأصبح ضروريا وضع نظام دقيق لضبط هذه الأموال ومصارفها وتسجيل المستحقين لها. ولما كان العرب قد انصرفوا فى صدر الإسلام للجهاد من أجل جعل كلمة الله هى العليا، فقد كان طبيعيا أن تكون أعمال الدواوين بأيدى أبناء البلاد المفتوحة وبألسنتهم، ومن ثم كتب ديوان الشام باليونانية أو الرومية كما يسميها المسلمون، وديوان مصر بها أيضا بالقبطية، وديوان العراق بالفارسية، وديوان إفريقية بالبربرية، وظل الأمر على هذا الحال حتى كان عهد الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان، فصدرت الأوامر بنقل هذه الدواوين جميعها إلى العربية، وهو ما عرف بتعريب الدواوين. ولاشك أن حركة تعريب الدواوين قد أسهمت إسهاما فعالا فى نشر اللغة العربية على نحو كبير، إذ سارع أبناء هذه البلاد المفتوحة إلى تعلم العربية حتى لا يفقدوا وظائفهم فى تلك الدواوين، كما أنها أدت إلى ظهور طبقة جديدة فى المجتمع الإسلامى، هى طبقة الكتاب. وكان ديوان الجند أول الدواوين التى أنشأها الخليفة عمر بن الخطاب، ويعرف أيضا بديوان الجيش أو العطاء، واختص بتدوين أسماء الجند وأوصافهم وأنسابهم وما يخصهم من العطاء، وشدد عمرعلى ضرورة التفرغ للجهاد حتى لا ينصرف الناس عنه إلى الدعة فى البلاد المفتوحة. وقد وصل ديوان الجند إلى أقصى مراحل تطوره فى أيام الخلافة الفاطمية، حيث صار يضم ثلاثة دواوين، هى الجند والرواتب والإقطاع. أما الديوان الثانى فهو ديوان الخراج، وقد نشأ فى عهد الخليفة عمربن الخطاب بعد أن اتسعت فى عهده رقعة الدولة الإسلامية وكثرت الأموال، وغدت مهمته الإشراف على جباية الأموال وتدوين ما يرد منها إلى بيت المال وأوجه الإنفاق العام، وأضحى له -مع الاتساع- فرع فى كل ولاية. ولما كان عهد بنى أمية، ونشطت حركة الفتوح، وامتدت أطراف الدولة، استدعى الأمر قيام عدد من الدواوين الأخرى، يأتى فى مقدمتها ديوان الخاتم الذى أنشأه معاوية ابن أبى سفيان ضمانا لسرية أمور الدولة، حتى أصبح ديوان الخاتم يعد أهم دواوين الدولة الإسلامية، وكانت مهمته تشمل أوأمر الخليفة ورسائله وحزمها بخيط ولصقه بالشمع ثم ختمه بخاتم الخليفة حتى لا يجرو أحد على فضه سوى المرسل إليه. ويكمل عمل هذا الديوان ديوان الرسائل الذى عرف أيضا بديوان الإنشاء، ويشرف على الرسائل الواردة من الولايات إلى الخليفة، أو من هذا إلى عماله فى الأمصار، وازدادت أهمية هذا الديوان تدريجيا حتى صار الكثيرون يتنافسون للعمل فيه، وبلغ قيمة ازدهاره فى مصر زمن الفاطميين والأيوبيين والمماليك، ومن بين أعظم من شغلوا رئاسته القاضى الفاضل والقلقشندى. وتعددت الدواوين فى الدولة الإسلامية بتطور عهودها، فظهر ديوان البريد، وتتضح أهميته من قول أبى جعفر المنصور: "ما كان أحوجنى إلى أن يكون على بابى أربعة نفرهم أركان الملك، ولايصح الملك إلا بهم .. أما أحدهم فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم، والآخرصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى، والثالث صاحب خراج لا يظلم الرعية، والرابع. وعض على أصبعه السبابة ثلاث مرات وقال صاحب بريد يكتب إلى بخبر هؤلاءعلى الصحة". وإلى جانب ما سبق هناك عدد آخر من الدواوين، كديوان الطراز، وديوان التوقيع، وديوان الجهبذة، وديوان البر والصدقات، وديوان الزمام، ولكن تظل الدواوين الخمسة الأولى صاحبة الأهمية فى الدولة الإسلامية. أ. د/رأفت عبد الحميد محمد

_ مراجع الاستزادة: 1 - المقدمة: ابن خلدون بيروت د ت. 2 - لسان العرب ابن منظور، بولاق 1300هـ. 3 - الحضارة الإسلامية أحمد عبد الرازق، القاهرة 1995م. 4 - الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى. آدم ملز ترجمة محمد عبدالهادى أبو ريدة، بيروت 1967م. 5 - النظم الإسلامية حسن إبراهيم حسن، القاهرة 1962م. 6 - تاريخ الإسلام حسن إبراهيم حسن، القاهرة 1959م. 7 - صبح الأعشى فى صناعة الإنشا: القلقشندى، دار الكتب المصرية، القاهرة 1963م. 8 - الأحكام السلطانية: الماوردى، القاهرة 1298هـ

16 - الدولة

16 - الدولة يقصد بها اكتمال عناصرثلاثة هى: الإقليم، والشعب، والحكومة، ولذلك يجب أن توجد جماعة من الناس يعيشون على إقليم محدد، كما يجب أن ينتظم هؤلاء الناس تحت حكومة معينة يحدد الإقليم نطاق السلطة التى تمارسها هذه الحكومة على الشعب. ويشمل الإقليم عناصر ثلاثة هى: الإقليم البرى والإقليم البحرى والإقليم الجوى، ويكفل الإقليم البحرى للدولة حماية شواطئها حتى امتداد معين حدد باثنى عشر ميلا بحريا، كما يكفل إقليمها الجوى حماية إقليمها من أى اختراق بواسطة الطائرات إذ يمتد إلى ما لانهاية فى الارتفاع، أما الإقليم البرى فهو موئل نشاط البشر المكونين لشعب الدولة. وتعتبر الدولة القومية المعروفة بشكلها الحالى نتاجا حديثا ظهر فى بداية العصور الحديثة أى فى القرن السادس عشر، وجاء كرد فعل لانسياب السلطة وتوزعها فى العصور الوسطى فى أوروبا ويتميز بتقوية سلطة الملك أو الحاكم بشكل عام. أما فى الإسلام فقد كون رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة المدينة، كان فيها مركز للسلطات المعروفة فى الدول الحديثة أى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد تم تحديد ذلك بوضوح في الصحيفة، أو الوثيقة الأولى لتأسيس دولة المدينة التى قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم على سكان المدينة وممثلى القبائل واليهود. وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فكرة الحدود فأرسل من يضع حدودا بين لابتيها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا كما حدد فى الصحيفة شعب المدينة وعلاقته بالشعوب المجاورة، وحدد من هم أعداء الدولة وكيف تكون العلاقة معهم، وهم هنا المشركون من قريش وهى علاقة أساسها الحرب ردا على عدوانهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومحاولتهم اجتثاث الإسلام من جذوره. ويجب أن نوضح أن دولة الإسلام ليست دولة دينية بالمفهوم الغربى، لأن الأمة هى مصدر سلطات الخليفة، وهو مسئول أمامها وتستطيع أن تحاسبه، ولايمكن الادعاء بأن الخليفة يستمد سلطاته من تفويض إلهى بشكل أو بآخر. ويتبين ذلك من التسليم فى الفقه الإسلامى بان سند تولية الخليفة هو البيعة، وقد استنتجت محكمة العدل الدولية في حكم حديث لها أن السيادة في الدولة الإسلامية ارتبطت بالبيعة. كما نود أن نشير إلى أن الإسلام كان دينا وجنسية، وكان من حق المسلم أن ينتقل بين مختلف أجزاء الدولة الإسلامية دون قيود، بل إن السلطة كانت تنتقل بين هذه الأجزاء بسهولة ويسر. ولايمكن أن نقول إن الاسلام قد اشترط شكلا معينا للدولة فيمكن أن تكون ملكية أوجمهورية بشرط أن يقيم الحاكم حدود الله وأن يحقق العدالة فى الناس، وبشرط أن يتخذ الشورى أساسا لحكمه إعمالا لقوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} الشورى:38، وأمره لنبيه بها {فاعف عنهم واستغفرلهم وشاورهم فى الأمر} آل عمران:159، مع ملاحظه أنه فى حالة النظام الملكى يستوجب الإسلام مبايعة كل ملك ورث ملكه ورضا الشعب عنه. أ. د/جعفر عبد السلام

_ مراجع الاستزادة: 1 - دستور دولة المدينة، مجلة الشريعة والقانون د/جعفر عبد السلام، العدد الثانى. 2 - السلطات الثلاث فى الإسلام -أ. د/سليمان الطماوى- القاهرة عدد طبعات من عام 1964م دار الفكر العربى. 3 - دراسات إسلامية فى العلاقات الاجتماعية والدولية، محمد عبدالله دراز -دار القلم- الكويت 1974م. 4 - نظام الحكم فى الإسلام، محمد الصادق عرجون، مكتبة وهبة القاهرة 1962م

17 - الديمقراطية

17 - الديمقراطية اصطلاحاً: يقصد بها حق الشعب فى أن يحكم نفسه بنفسه وهو مصطلح مورث من العصر اليونانى، وكانت ممارسة الديمقراطية تتم فى عاصمة اليونان- أثينا- بأن يجتمع كل الناس فى كل مكان، وتعرض عليهم مسائل الحكم والسياسة، فيبدون رأيهم فيها، ويتخذون القرارات فى مختلف الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال مجلس واحد يمثلون فيه جميعا. كان ذلك بالإمكان، لأن عدد الناس كانوا قلة، وكان الأحرار فقط هم الذين يمارسون هذا الحق السياسى الهام، حق تسيير أمور الدولة والمجتمع الذى يعيشون فيه. ولا شك أن الديمقراطية فى هذا الشكل الذى وجدت فيه هى أفضل الأساليب للحكم والإدارة؛ إذ تعنى أن إرادة الشعب هى أساس الحكم فى الدولة، وأن الناس يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ولا توجد سلطة فوقهم تسوسهم كما تهوى. ولا شك أن مثل هذا النظام يجعل الناس تشعر بأهميتها، وتبذل أقصى جهدها فى العمل والإنتاج، ويسود فيه ولاء كامل؛ إذ أن الحاكم والمحكوم سواء فى حقوق المواطنة، وفى تسيير أمور المجتمع. ولكن بعد التطورات التى حدثت فى تكوين المجتمعات وتزايد الأعداد بنسب كبيرة لم يعد ممكناً جمع الناس كلهم فى مكان واحد ليمارسوا سلطة الحكم، ومن ثَمّ أفرزت الديمقراطية ما يعرف بالنظام النيابى. وهو نظام يقوم على تأسيس مجالس للشورى، واتخاذ القرار فى الشئون التشريعية، والرقابة على شئون التنفيذ من ممثلين للشعب يختارهم بكامل إرادته عن طريق الانتخاب من المواطنين. كما أن الديمقراطية أوجدت نظام الفصل بين السلطات حتى لا تركز السلطات الخاصة بالحكم فى شخص واحد أو فى جهاز واحد، وإنما يجب الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث تستقل كل سلطة فى ممارسة عملها عن السلطات الأخرى، مع وضع نظام للتعاون بينها، على أن تكون السلطة التشريعية هى المهيمنة على الشئون السياسية وأن تُعْطَى حقوق فى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ورقابة الإنفاق العام؛ بحكم أن القوانين التى تصدرها هى التى تحدد الأطر التى تسير وفقا لها باقى السلطات، بل هى التى تحكم الشعب كله الذى يجب عليه أن يطيع وأن ينفذ التشريعات التى تصدر عن البرلمان. ويرتبط البرلمان والنظام التمثيلىّ بنظام الانتخاب، وبنظام الأحزاب وبالمجالس التشريعية، وهى أدوات ممارسة الديمقراطية فى المجتمعات الحديثة. فلكى تتحقق الديمقراطية، يجب أن يمارس الشعب سلطته فى الترشيح والانتخاب للمجالس التشريعية، ويجب أن يكون من حق كل مواطن أن يرشح نفسه لهذه المجالس، وكذا أن ينتخب الأشخاص الذين يمثلونه فيها. وحتى إذا وضعت شروط للترشيح أو الانتخاب فيجب أن تكون شروطاً عامة يجب أن تتوافر فى الجميع دون تمييز بين أحد بسبب الجنس أو الدين أو اللون، ويجب أن تكفل عمليات الترشيح والانتخاب التعبير عن إرادة الشعب الحقيقية دون تزييف أو تزوير. والشروط العامة تتصل عادة بالوصول إلى حد أدنى من السن أو التمتع بجنسية الدولة أو إجادة القراءة والكتابة، إلى غير ذلك من الشروط العامة. وقد وُجِّهت العديد من السهام إلى الديمقراطية على أساس أن الأحزاب تحتكر عملية التمثيل، وأنها هى نفسها تخضع لسيطرة رأس المال الذى يشترى الأصوات ويؤثر فى إرادة الناخبين ويحتكر الترشيح للمجالس وللوظائف الهامة، وهو نقد صحيح. كما أن من أخطر عيوب الديمقراطية أن فئة جاهلة يمكن أن تؤثر على أعمال هامة مثل عمليات التشريع والحكم والإدارة، مما يجعل النخبة العالمة والمثقفة تزهد فى دخول هذا المجال، وهو نقد صحيح بدوره، وإن كان مثل هذا النقد لا يمنع القول بأن هذا النظام هو أفضل الأنظمة المتاحة للحكم فى الوقت الحاضر. أ. د/ جعفر عبد السلام

_ المراجع 1 - أزمة الأنظمة الديمقراطية: عبد الحميد متولى، منشأة المعارف الإسكندرية 1964م. 2 - الأنظمة الانتخابية في العالم. حمدى حافظ- سلسلة كتب سياسية 1957 م. 3 - المبالغ الدستورية العامة، عثمان خليل عثمان، مطبعة مصر 1956 م. 4 - الشورى وأثرها فى الديمقراطية، عبد الحميد الأنصارى، المكتبة العصرية- بيروت 980 ام

18 - الدين

18 - الدِّين الدين من الألفاظ التى لم تخل منها لغة من اللغات بمدلولها، لأن التدين فطرة، وقد تعددت دلالتها بتعدد الأمم، وإن وجد قاسم مشترك بينها في النهاية، وقد عرفها العرب بمدلولات شتى، ووردت فى القرآن الكريم بمعان متعددة منها: 1 - الدين: الطاعة، وهو أصل المعنى، ودنت له أى أطعته، ومنه قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله} البقرة:193. وفى آية أخرى: {ويكون الدين كله لله} الأنفال:193، أى الخضوع له وحده دون سواه، قال عمرو بن كلثوم: وأياما لنا غرا كراما * عصينا الملك فيها أن ندينا ومنه قوله تعالى: {لا إكراه فى الدين} البقرة:256، أى فى الطاعة. 2 - الدين: الجزاء والمكافأة، يقال دانه دينا أى جازاه، ويقال: كما تدين تدان أى كما تجازى بحسب ماعملت، ومنه قوله تعالى {أءنا لمدينون} الصافات:53، أى مجزيون، قال خويلد بن نوفل يخاطب الحارث بن أبى شمر: يا صاح أيقن أن ملكا زائل * واعلم بأن كما تدين تدان 3 - الدين: الحساب، ومنه قوله تعالى: {مالك يوم الدين} الفاتحة:4، وبه فسر الحديث: (الكيس من دان نفسه) أى حاسبها. 4 - الدين: السلطان والملك، وقد دنته دينا، ملكته، ومنه قوله تعالى: {غير مدينين} الواقعه:86، أى غير مملوكين عند الفراء، ومنه قولهم: يدين الرجل أمره، أى يملكه. 5 - الدين: القضاء والحكم والملك، وبه فسر قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك} يوسف:76، أى فى حكمه وقضائه، والديان: هو القاضى. 6 - الدين: الحال والعادة والشأن، يقال: مازال ذلك دينى وديدنى، أى عادتى، قال المثقب العبدى: تقول إذا درأت لها وصينى * أهذا دينه أبدا ودينى قال ابن شمل: سألت أعرابيا عن شئ فقال: لولقيتنى على دين غير هذا لأخبرتك. 7 - الدين: يطلق ويراد به الإسلام، قال الراغب: ومنه قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون} آل عمران:83، يعنى الإسلام لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} آل عمران:85. وقد وردت الكلمة بمعان أخرى غير ما سبق فى لغة العرب وفى القرآن الكريم. ومن ملاحظة جملة المعانى السابقة من منظور دينى ندرك أنها تؤلف وحدة كلية. يعبركل جزء من المعانى عن جانب من المعنى المطلق لها، وهذا ما ذهب إليه أحد العلماء (د/دراز) حين قال: إن من وراء هذا الاختلاف الظاهر، تقاربا شديدا، بل صلة تامة فى جوهر المعنى، إذ نجد هذه المعاش تعود في نهاية الأمر، إلى ثلاثة معان، وإن التفاوت مرده إلى أصل الفعل من حيث التعدى بالنفس والتعدى بالغير. فإذا تعدى الفعل بنفسه (دانه دينا) عنينا به أنه ملكه وحكمه وقهره وحاسبه وجازاه. وإذا تعدى باللام، أردنا أنه أطاعه وخضع له، وكلمة الدين لله، يصح أن يفهم منها كلا المعنيين: الحكم لله أو الخضوع لله، وواضح أن هذا المعنى الثانى، ملازم للأول، ومطاوع له، وأنه دانه فدان له أى قهره فخضع وأطاع. وإذا تعدى بالباء، دان بالشىء، كان معناه أنه اتخذه دينا ومذهبا، فهو الطريقة التى يسير عليها المرء نظريا وعمليا. وجملة القول أن كلمة دين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له، فإذا وصف بها الطرف الأول كان خضوعا وانقيادا، وإذا وصفا بها الطرف الثانى كان أمرا وسلطانا وحكما وإلزاما، وإذا نظر بها إلى أمر الرباط الجامع بين الطرفين كانت الدستور المنظم لتلك العلاقة أو المظهر الذى يعبر عنها. ومعنى كلمة دين بين الإطلاق والتقييد: من الدلالة اللغوية لكلمة دين رأينا أن كل خضوع على وجه ما لشىء ما تقديسا وتقربا اليه، يسمى دينا، سواء أكان منشأ هذا الخضوع الوضع كما هو الحال فى معتقدات الوثنيين والصابئين والمجوس أو الوحى كما فى معتقدات أهل الكتاب والمسلمين. وقد وسم القرآن كل معتقد بأنه (دين) حقا كان أم باطلا، ففى قوله تعالى: {قل ياأيها الكافرون. لا أعبد ماتعبدون} الكافرون:1 - 2، ختمها بقوله {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6، وقال تعالى {ومن يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه} آل عمران:85، فسمى كل معتقد غاير الإسلام بأنه دين ويرفض البعض إطلاق كلمة دين علي كل معتقد غاير الاسلام، وهم بذلك مصادمون لنصوص القرآن والسنة، بينما يرى آخرون: أن الكلمة إذا وردت محلاة باللام يراد بها الإسلام دون سواه، واستشهد بقوله تعالى {شرع لكم من الدين} الشورى:13. وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين} الشورى:21. وأما إذا ذكرت منكرة، فإنها تحتمل الدين الحق والدين الباطل، وهذا غير صحيح، لأن الكلمة كما وردت منكرة يراد بها الدين الحق، الأديان الباطلة وردت معرفة كذلك بنفس المعنى قال تعالى: {هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} الصف:9. والتمييز بين الحق والباطل يكون بالوصف الدين الإسلامى، الدين اليهودى، الدين الحق، الدين الباطل، أو بالاضافة إلى الله أو النبى أو المتبع أو المؤسس: (دين الله) من (دين) (البوذية). أ. د/بكر زكى عوض

_ مراجع الاستزادة: 1 - مادة (د. ى. ن) فى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم محمد فؤاد عبدالباقى. 2 - معاجم اللغة العربية. 3 - المفردات فى غريب القرآن: الراغب الأصفهانى. 4 - كتاب الدين أ. د/محمد عبد الله دراز. 5 - بحوث فى علم مقارنة الأديان أ. د/محمد شامة. 6 - كتب التفاسير المشهورة عند المسلمين

الذال

1 - الذَّرِيعة لغةً: الوسيلة والسبب إلى الشىء، كما فى الوسيط (1) واصطلاحاً: ما يتوصل به إلى محظور. العقود من إبرام عقد أو حله، وقيل: التوصل بمباح إلى جناح (2). مثالها: أن يريد المكلف بيع دينار بدينارين، فيعلم أنه لا يجوز فيبيع ديناره بعشرة دراهم، ثم يبيع هذه الدراهم العشر من بائعها منه بدينارين، فالظاهر أنه لا غرض له فى ذلك إلا ليتوصل بالعقدين إلى بيع دينار بدينارين، لاسيما إن اقترن ذلك بأن يرد إليه الدراهم فى المجلس أو بالقرب أو غير ذلك من المعانى التى تذكر أن المراد بها بيع دينار بدينارين. والبيع هنا فى حد ذاته مباح، وإنما يمنع لأنه وسيلة إلى الربا المحرم، ويعبر عن هذا المنع بسد الذرائع، أى سد أسباب الفساد المؤدية إليه، وإن كانت الأسباب فى نفسها مباحة، ومثاله: حفر البئر فى طريق الناس، فإن حفر البئر فى نفسه مباح، وإنما يمنع لأنه وسيلة إلى هلاك الناس والبهائم. والذريعة كما يجب سدها يجب فتحها لأنها وسيلة، والوسائل تأخذ حكم المقاصد فهى على أقسام خمسة: محرمة، وواجبة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة. والوسائل معتبرة بقوله تعالى:} ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم {(الأنعام 108)، فسبهم مباح فى ذاته، ويحرَّم إن رتب عليه سب الله تعالى (3). والله أعلم. أ. د/ على جمعة محمد 1 - المعجم الوسيط مادة (ذرع) طبعة دار المعارف. 2 - الحدود لأبى الوليد الباجى من68. 3 - شرح تنقيح الفصول للقرافى ص 404 طبعة تونس سنة 1328 هـ- 1910 م.

_ المراجع 1 - القاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين د/ محمود عثمان ص 4 0 2 دار الحديث، ط أولى، 1416 هـ- 1996 م. 2 - شرح ابن حلولو على تنقيح الفصول ص 4 0 4 طبعة تونس 1328 هـ- 1910 م. 3 - شرح الكوكب المنير لابن النجار 4/ 434.

2 - الذكر

2 - الذِّكر ورد الذكر فى القرآن الكريم فى مواضع عديدة تبياناً لمنزلته العظمى فى مقام الإيمان بوجه عام، ومقام الإحسان بوجه خاص. وقد أمر به النبى - صلى الله عليه وسلم -، كما أمر به المؤمنون، قال تعالى:} واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة .. {(الأعراف 205)، وقال:} يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيراً {(الأحزاب ا 4). والذكر فى القرآن هو أفضل الطاعات وأكبرها:} ولذكر الله أكبر {(العنكبوت 45) بل هو الغاية من "الصلاة" التى هى أشرف الطاعات:} وأقم الصلاة لذكرى {(طه 14). والأحاديث الصحيحة الواردة فى فضل الذكر كثيرة أيضاً، منها- على سبيل المثال-: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " سبق المفرّدون " قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " (1). والذكر- عند الصوفية- على ضربين: ذكر باللسان وذكر بالقلب، والأول وسيلة إلى الثانى: والثانى أهم من الأول، والأول من شأن العوام، لأنه قد يحصل مع غفلة القلب. بخلاف الثانى فإنه من شأن الخواص من المقربين. لكن المريد الكامل هو الذى يجمع بين ذكر اللسان وذكر القلب. والذكر الممدوح فى النصوص الشرعية- فيما يقول الصوفية- هو ما كان مضبوطاً بقواعد الحلال والحرام والأدب، ولذلك ينكرون حلقات الذكر المصحوبة بالألحان والرقص واختلاط الرجال بالنساء، ويكرهون حضور المجالس إلى يُتلى فيها القرآن بالألحان، أو تُنشد فيها الأشعار مع التواجد والطرب (2). وبعض الشيوخ يقولون: إن الأفضل للمريد أن يقيم على ذكر واحد يلتزمه، ومن هؤلاء من يصرح بأن ملازمة ذكر واحد أفضل من تلاوة القرآن. لكن المحققين منهم يردون هذا القول، وبخاصة: السهروردى الذى يقول فى كتابه عوارف المعارف (على هامش علوم الدين، 4/ 494 - 495): "ولابد للمبتدئ أن يكون له حظ من تلاوة القرآن، ولا يصغى إلى قول من يقول: ملازمة ذكر واحد أفضل من تلاوة القرآن، فإنه يجد فى القرآن فى الصلاة، وفى غير الصلاة، جميع ما يتمنى، وإنما اختار بعض المشايخ أن يديم المريد ذكرا واحداً ليجتمع الهم فيه، ومن لازم التلاوة، فى الخلوة وتمسك بالوحدة، تفيده التلاوة والصلاة أوفى ما يفيده الذكر الواحد ". ويدل على علو منزلة الذكر أنه غير محدد بوقت معين، فهو أدوم العبادات وأسرعها ثمرة للعبد، والصلاة فى كونها أشرف العبادات تجوز فى وقت ولا تجوز فى وقت آخر. والذكر أفضل من الفكر، لأن الله يتصف به ولا يتصف بالفكر، قال تعالى:} فاذكرونى أذكركم {(البقرة 152). ودرجات الذكر ثلاث: الذكر الظاهر: وهو ما كان باللسان والقلب معا، والذكر الخفى: وهو ذكر القلب بوارداته وتجلياته، والذكر الحقيقى: وهو ذكر الله لعبده مع تخلص العبد من رؤية الذكر، وبعضهم يقول: إن بقاء الذاكر شاهدا لذكره أفضل من فنائه عن شهود الذكر، لأن طريق البقاء أسلم فى عواقبه من طريق الفناء، ويشترط متأخروا الصوفية "شيخ التربية" فى تلقين الذكر للمريد فى بادئ أمره. ولهم فى كيفية التلقين وآداب الذكر وحركاته كلام كثير، ولهذا أيضا فى أنواع الذكر ودرجاته تقسيمات أخرى يضيق عنها المقام. أ. د/ أحمد الطيب 1 - رواه مسلم فى صحيحه: كتاب الذكر والدعاء ... ، باب: الحث على ذكر الله. 2 - اللمع، أبو نصر السراج: بتحقيق عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور، ص372 - 374 دار الكتب الحديثة بمصر 1380 هـ- 1960م، نتائج الأفكار القشيرية فى بيان معانى شرح الرسالة القشيرية، مصطفى العروسى (شيخ الإسلام)، 1: 154، ط بولاق مصر 1290هـ.

_ المراجع 2 - التعرف لمذهب أهل التصوف، الكلاباذى، 103 ط- عيسى الحلبى، القاهرة 1380 هـ- 1960م. 2 - الرسالة القشيرية، القشيرى، 110 - 113، ط. مصطفى الحلبى، القاهرة 1359 هـ- 1940 م. 3 - مدارج السالكين شرح منازل السائرين للهروى الأنصارى ابن القيم، 2: 423 - 437 مطبعة السنة المحمدية، القاهرة 1375 هـ. 4 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، عبد الرازق القاشانى، 1: 468 - 471، ط. دار الكتب المصرية 1995 م. 5 - منارات السائرين ومقامات الطائرين، ابن شاهاور الرازى، تحقيق سعيد عبد الفتاح، ص 395، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999م.

3 - الذمة

3 - الذمة لغة: العهد، لأن نقضه يوجب الذم، وتسمية المعاهد بالذمى نسبة إلى الذمة بمعنى العهد (1)، وفسر قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم " (2) بالأمان و"من صلى الصبح فهو فى ذمة الله"، والذمة أيضا: الضمان، فإذا قلت: فى ذمتى كذا يكون المعنى فى ضمانى، وتجمع على ذِمَم. واصطلاحا: الذمة عند الفقهاء مختلف فيها (3): فمنهم من جعلها وصفا، وعرَّفها: بأنها وصف يصير الشخص به أهلا للإيجاب له وعليه. ومنهم من جعلها ذاتا، ولهذا عرَّفها: بأنها نفس لها عهد، فإن الإنسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه بإجماع الفقهاء حتى يثبت له ملك الرقبة وملك النكاح ويلزمه عشر أرضه وخراجها بالإجماع وغير ذلك من الأحكام. وقد استعملها الفقهاء بمعنى العهد، واستعملها بعض الأصوليين بمعنى أهلية الوجوب. وجاء فى المُغرب: أن الذمة تطلق على محل الالتزام كقولهم: ثبت فى ذمتى، وبعض الفقهاء يقول: هى محل الضمان والوجوب، وبعضهم يقول: هى معنى يصير بسببه الآدمى على الخصوص أهلا لوجوب الحقوق له وعليه. وتختص الذمة بعدة أمور: 1 - الذمة من صفات الشخصية الإنسانية وهى ذمة حقيقية، وقد يثور التساؤل عما إذا كان الفقه الإسلامى يعترف بوجود ذمة أو أهلية وجوب للشخص الاعتبارى من الهيئات والمنشآت أم أن الذمة مقصورة على الإنسان باعتبارها خاصة من خصائصه، ومن ثم فلا ذمة لما سوى الإنسان من الأشخاص الاعتباريين؟ والجواب: أن الذمة كما تثبت للشخص الطبيعى تثبت للشخص الاعتبارى ويتولاها من تثبت له الولاية ويكون الفرق بين الذمتين أن ذمة الشخص الطبيعى ذمة حقيقية أساسها العقد والعهد، وذمة الشخص الاعتبارى ذمة افتراضية اعتبارية لا ترقى إلى ذمة الشخص الطبيعى فلا يترتب عليها من الحقوق إلا ما يتناسب وطبيعتها (4). 2 - الذمة من توابع الشخصية الإنسانية، فتلازم الإنسان منذ وجوده حتى لو كان حملا فى البطن، فلو أوصى له إنسان بشىء صحت الوصية. 3 - لكل شخص ذمة واحدة لا تتعدد ولا يجوز الاشتراك فيها. 4 - الذمة لا حدَّ لسعتها فهى تتسع لكل الديون مهما عظمت. 5 - الذمة تتعلق بالشخص لا بأمواله وثروته فله التجارة والبيع ولو كان مدينا بأكثر مما يملك، ويقضى ما يشاء من الديون المتقدم أو المتأخر، ولا يحق لأحد الاعتراض عليه ما لم يمنع من ذلك مانع شرعى كالرهن أو الحجر أو التفليس. والذِّمَّة: تبدأ منذ الحمل وتبقى معه طيلة حياته فإذا مات تنتهى تلك الذمة إذ لا بقاء لها بعد الموت. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المرجع 1 - المصباح المنير 1/ 210، مختار الصحاح ص223، التعريفات، للجرجانى ص 95، الكليات، للكفوى- طبعة دمشق 2/ 346. 2 - أخرجه البخارى فى كتاب الفرائض "باب إثم من تبرأ من مواليه " فتح البارى شرح صحيح البخارى 12/ 42 وما بعدها. 3 - كشف الأسرار للبزدوى، 4/ 239 - طبعة دار الكتاب العربى- حاشية الجمل على شرح المنهج 5/ 205 - مطبعة مصطفى محمد، نهاية المحتاج 8/ 75 وما بعدها. 4 - النظريات العامة فى الفقه الإسلامى، للدكتور/ عبد المجيد محمود مطلوب ص 142.

4 - الذمي

4 - الذمي لغة: الذِّمَّة: الأمان والعهد، فأهل الذمة: أهل العهد، والذمى هو المعاهد (1). واصطلاحا: الذميون، والذمى نسبة إلى الذِّمَّة: أى العهد من الإمام، أو ممن ينوب عنه بالأمن على نفسه وماله نظير التزامه الجزية ونفوذ أحكام الإسلام. (2) وتحصل الذمة لأهل الكتاب ومن فى حكمهم بالعقد أو القرائن أو التبعية، فيقرُّون على كفرهم فى مقابل الجزية. والغرض منه: أن يترك الذمى القتال مع احتمال دخوله الإسلام عن طريق مخالطته بالمسلمين، ووقوفه على محاسن الدين، فكان عقد الذمة للدعوة إلى الإسلام لا للرغبة أو الطمع فيما يؤخذ منهم من الجزية (3). أما شروط عقد الذمة: فيشترط أن يكون مؤبدا، وفى قول عند الشافعية: يصح مؤقتا. وكذلك يشترط فى هذا العقد قبول والتزام أحكام الإسلام فى غير العبادات من حقوق الآدميين فى المعاملات وغرامة المتلفات، وكذا ما يعتقدون تحريمه كالزنى والسرقة، كما يشترط فى حق الرجال منهم قبول بذل الجزية كل عام. وزاد الماوردى شروطا أخرى لم يذكرها الآخرون فقال: يشترط عليهم ستة أشياء (4): 1 - ألا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن ولا تحريف له. 2 - وألا يذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتكذيب له ولا ازدراء. 3 - وألا يذكروا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه. 4 - وألا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح. 5 - وألا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله. 6 - وألا يعينوا أهل الحرب ولا يؤوا للحربيين عينا (جاسوسا). فهذه حقوق تلزمهم بغير شرط، وإنما تشترط تأكيدا لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم. وما يتمتع به أهل الذمة من حقوق فهى: 1 - حماية الدولة لهم، بدفع الظلم عنهم لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم (5). قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة" (6). 2 - حق الإقامة والتنقل فى دار الإسلام أينما يشاءون للتجارة وغيرها، لكن الفقهاء اتفقوا على عدم جواز إقامة الذمى واستيطانه فى مكة والمدينة. 3 - عدم التعرض لهم فى عقيدتهم وعبادتهم، ويكون دخول الذمى الإسلام عن طريق الدعوة لا عن طريق الإكراه. 4 - يتمتع الذمى باختيار العمل الذى يراه مناسبا للتكسب فيشتغل بالتجارة والصناعة كما يشاء، أما الوظائف العامة فيما يشترط فيه الإسلام كالخلافة والإمارة على الجهاد فلا يجوز أن يعهد بذلك إلى ذمى. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير، للفيومى، 1/ 210، ولسان العرب 3/ 1517. 2 - كشاف القناع 3/ 116، أحكام أهل الذمة، لابن القيم 2/ 475. 3 - بدائع الصنائع 7/ 111، كشاف القناع 3/ 116، شرح الخرشى 3/ 143، مواهب الجليل 3/ 281، مغنى المحتاج 4/ 242. 4 - الأحكام السلطانية، للماوردى ص 184 وما بعدها. 5 - بدائع الصنائع 7/ 111، المهذب، للشيرارى 2/ 256، كشاف القناع 3/ 139. 6 - أخرجه أبو داود فى كتاب: الخراج والإمارة والفيء "باب فى تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات " سنن أبى داود 3/ 168.

5 - الذوق

5 - الذوق تختلف عبارات الصوفية فى تحديد معنى "الذوق" من مدرسة إلى مدرسة، ومن طبقة إلى أخرى لكنها تلتقى فى أن "الذوق" عبارة عن: علوم إلهية تُدرك إدراكا قلبيا عن طريق الذوق والكشف، لا تعلّما أو نقلا من كتاب أو غيره. والشيوخ الأوائل (مثل: الطوسى فى اللمع، والقشيرى فى الرسالة) لا يخرجون فى تفسيرهم للذوق عن هذا المعنى البسيط المتبادر من إطلاقه فى كتبهم، وإن كان يرتبط - عندهم- دائما بمصطلحين آخرين يأتيان بعده على الترتيب، هما: الشرب، والرِّى. غير أن مرتبة الذوق أدون من مرتبتى: الشرب والرى، حتى إنهم ليسمون صاحب الذوق: "متساكرا"، وصاحب الشرب: "سكران"، وأما صاحب الرى فهو: "صاح" ومن ثم كان مقامه أعلى من مقام الشرب، ومقام الشرب أتم من مقام الذوق. والذوق- فيما يبين صاحب عوارف المعا رف- إيمان، وهو لأرباب "البواده"، أى: الإشارات الفجائية الخاطفة، والشرب: علم، وهو لأرباب الطوالع واللوائح واللوامع، وهى أكثر دواما وثباتا من البواده التى هى حظ الذائقين، وأما "الرى" فهو لأرباب "الأحوال" لأن الأحوال تستقر، ومالا يستقر فليس بحال (1). ويسوى الهجويرى فى كشف المحجوب بين "الذوق" و "الشرب" ويكاد يحصر الفرق بينهما فى الاستعمال فقط: فالشرب لا يستعمل إلا فيما كان لذة أو راحة كأن يقال: شربت بكأس الوصال، وكأس الوداد، بخلاف الذوق فإنه يستعمل فى اللذة وفى المشقة على السواء، فيقال: ذقت الراحة، وذقت البلاء، وذقت الخوف. ويستأنس "الهجويرى" فى تفرقته هذه، بقوله تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا} (المرسلات 43)، وقوله فى موضع آخر: {ذوقوا مس سقر} (القمر 48) 0 (2) ونفس هذه التقسيمات نجدها فى كتابات الشيوخ المتأخرين، وإن لوحظ أن "الذوق" قد حظى فى هذه الكتابات بشىء من التحليل العقلى لا يوجد فى كتابات السابقين، من ذلك- مثلا-: رجوع الذوق وارتباطه بمقام "البرق"، فإن صاحب هذا المقام يذوق قطرة من ماء "البرق" الصادق، لا البرق الكاذب، وهو: البرق الخُلّب، وهذه القطرة علوم إلهية خالصة، لا تُنال إلا بالذوق فقط. وهنا يقارن الشيوخ- أو يقربون- بين صورة اللسان الخالى من العلل والأمراض فى ذوق الطعوم على حقيقتها، وصورة "القلب" الخالى من العقائد والعلوم فى ذوق المعارف الإلهية على حقيقتها، وأن القلب المدخول يستحيل عليه ذوق العلوم الإلهية كما هى فى أنفسها، كما يستحيل على اللسان المعلول إدراك ذوق المطعومات على وجهها الصحيح، ويقولون: كما أن كيفية ذوق اللسان للعسل ليست أمرا آخر وراء كيفية حلاوة العسل ذاتها، كذلك القلوب الذائقة للعلوم الإلهية ليست لها حالة أو كيفية أخرى غير هذه العلوم المذوقة وحصولها بأنفسها فى قلوب العارفين، والفرق بين إدراك علماء الرسوم وذوق المتألهين هو فرق ما بين العلم بطعم العسل وذوق العسل نفسه، ففى الذوق يتحد العلم بالمعلوم، وشرط الذوق على هذا النحو تطهير النفس، والفناء عن جميع حظوظهما، وإزاحة كل الوسائط بين المُدرك وما يدركه. وللذوق- عند الصوفية- درجات ثلاث، هى: ذوق التصديق، وذوق الإرادة، وذوق الانقطاع، ولكل درجة: أحوالها، وتجلياتها، وثمراتها، ومواريثها. أ. د/ أحمد الطيب 1 - يخالف السهروردى الصوفية فيما ذهب إليه من اعتبار "الرِّى" الذى هو خط ثابت ودائم- من الأحوال، وهو نفسه قد تحفظ على رأيه هذا، وبيَّن أن الأحوال إذا كان من شرطها التحول وعدم الاستقرار- كما يقول الجمهور- فإن ما يجده صاحب "الرِّى" مما لا يستقر لا يكون "رِيّاً"، بل هو من باب اللوائح والطوالع التى تبدو وتغيب لصاحب "الشرب". انظر: عوارف المعارف (على هامش إحياء علوم الدين) 4: 270، طبعة. عيسى الحلبى القاهرة. 2 - هذا الفرق غير دقيق فقد ورد "الشرب" فى القرآن الكريم مستعملا فى المشقة مثل الذوق، قال تعالى: {فشاربون عليه من الحميم. فشاربون شرب الهيم} (الواقعة: 54 - 55).

_ المراجع 1 - اللمعَّ أبو نصر السراج: 449 - 450هـ تحقيق: عبد الحليم محمود، طه عبد الباقى سرور. ط. دار الكتب الحديثة، مصر 1380هـ- 1960م. 2 - الرسالة القشيرية: القشيرى، 42، ط. الحلبى، مصر، 1359هـ- 0 194م. 3 - كشف المحجوب: الهجويرى، 636 - 637، ترجمة: إسعاد قنديل، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1980م. 4 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام، القاشانى، تحقيق: سعيد عبد الفتاح، ط. دار الكتب المصرية، 1955م.

الراء

1 - رأس مال (رأسمالية) لغة: اسم للقليل والكثير من المقتنيات من كل ما يتمول ويملك، ويقصد برأس المال فى اللغة. أصل المال دون ربح أو زيادة، كما فى القرض لتحريره من الربا (1)، وكذلك لقوله تعالى {إن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} البقرة:279. واصطلاحا: يطلق رأس المال على المال الذى يدفع للعامل فى شركة المضاربة، وعلى الثمن الذى يعجل به فى بيع السلم، وعلى المبلغ الذى يدفعه كل شريك فى شركة العنان، وعلى الثمن الأصلى الذى اشترى به البائع فى معاملات التجارة، ويطلق كذلك على النقد ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من العملات (3). ويطلق فى الفكر الوضعى على أدوات الإنتاج التى لا تستخدم لأغراض الاستهلاك المباشر، وإنما للمساهمة فى إنتاج سلع أخرى، ويطلق على الرصيد المتجمع من الموارد، والذى يسهم فى إنتاج أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة. ويعرف كذلك، بأنه الرصيد الذى يستخدم كاحتياطى لتدعيم مستوى مرتفع من الاستهلاك فى وقت تشتد الحاجة فيه إليه. ويمكن التفرقة بين رأس المال والدخل، بأن الدخل هو الإيراد أو الغلة التى تعود على الفرد أو المؤسسة من العمل أو المال، كما أنه أجر العامل أو إيجار الأرض، وقد حرص الإسلام على استثمار رأس المال وتنميته. وقد اعتبر الفقهاء أن الانفاق من رأس المال تبذير، بينما الإنفاق من الربح ليس تبذيرا (3). ولا يخفى حرص الإسلام على تشجيع التكوين الرأسمالى عندما أعفى رأس المال الثابت من الزكاة وقد حدد الدمشقى وسائل حفظ المال كما يلى: 1 - ألا ينفق أكثر مما يكتسب. 2 - ألا يكون ما ينفق مساويا لما يكتسب. 3 - أن يحذر الرجل أن يمد يده إلى ما يعجز عنه وعن القيام به. ومن أنواع رأس المال: 1 - رأس المال المتداول ويقصد به المال الذى تنتهى منفعته الاقتصادية باستعماله مرة أو بضع مرات، وتحسب قيمته بالكامل فى نفقة إنتاج السلعة المنتجة، مثل القطن الخام الذى يستخدم فى صناعة المنسوجات مرة واحدة. 2 - رأس المال العامل، ويقصد به الموارد السائلة الصافية لمنشاة ما فى السوق، وهى الأصول الجارية مطروحا منها الالتزامات الجارية وتشمل عروض التجارة، ويستحق عليها الزكاة باعتبارها مالا ناميا بعد حولان الحول. 3 - رأس المال الاجتماعى، ويقصد به المرافق العامة ومشروعات البنية الأساسية ومؤسسات حفظ النظام، والأمن والعدالة، باعتبارها أصولا يتملكها المجتمع. 4 - رأس المال المعنوى ويقصد به الشهرة فى التجارة أو التصنيع أو العلامة التجارية، والذى يضمن تحقيق رقم مرتفع من المبيعات، وعلى ذلك فقد درج المحاسبون على تحديد قيمة نقدية للشهرة ضمن عناصر أصول رأس مال المشروع باعتبارها أصلا رأسماليا معنويا. 5 - الأوراق المالية والسندات باعتبارها مساهمات فى رؤوس أموال المشروعات تدر عائدا سواء فى صورة أرباح موزعة على كل سهم، وفائدة محددة تزاد على أصل قيمة السند فى تاريخ استحقاقه. ويعتبر رأس المال أحد عناصر الانتاج حيث يشترك مع غيره من العناصرلتحقيق الإنتاج بدرجة تجعله محور التنمية الاقتصادية، ويحتل مكانا بارزا فى النظرية الاقتصادية للإنتاج والتوزيع، وفى نظرية النمو الاقتصادى فى نفس الوقت. ويطلق تعبير "رأسمالية" للدلالة على النضام الاقتصادى القائم على تطبيق قواعد العرض والطلب فى السوق الحرة، وعلى حرية القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، وعلى حق الملكية الخاصة للأفراد والمشروعات، وبحيث يكون تخصيص الموارد وتوزيع الدخل بمعرفة قوى السوق الحرة دون تدخل من السلطات الحكومية، التى تقتصر وظائفها على الدفاع والأمن والعدالة ومراقبة السوق والأسعار، ويعترف النظام الاقتصادى الرأسمالى بدور ثانوى للقطاع العام وفقا لما تقرره السلطات الحكومية فى مجال المنافع العامة، ذات الربحية الاجتماعية، وفى مجال الأنشطة الاستراتيجية. أ. د/حمدى عبد العظيم

_ الهامش: 1 - المعحم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة، 2/ 927. 2 - معجم مصطلحات الفقهاء، دار التراث القاهرة. 3 - أحكام القرآن، ابن العربى، مكتبة عيسى الحلبى، الطبعة الأولى، القاهرة،2/ 1302. مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت. 2 - قاموس المصطلحات الاقتصادية، د محمد عمارة، دار الشروق، القاهرة. 3 - التنمية الاقتصادية، د. حمدية زهران، مكتبة عين شمس، القاهرة

2 - الرأفة

2 - الرأفة لغة: الرحمة، وقيل: أشد الرحمة. رأف به -يرأف، ورئف، ورؤف رأفة، ورآفة- رحمه أشد رحمة. شرعا وفى القرآن الكريم {ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله} النور:2، أى لا ترحموهما فتسقطوا عنهما ما أمر الله به من الحد. ومن صفات الله عز وجل: (الرءوف)، أى الرحيم بعباده، العطوف عليهم بألطافه، يقول تعالى: {والله رءوف بالعباد} البقرة:207، كما وصف الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} التوبة:128، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الرأفة بالمسلمين كثير المراعاة لاختلاف أحوالهم وما يعترى النفوس من فتور وملل، يقول ابن مسعود -رضى الله عنه-: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة فى الأيام كراهة السآمة علينا) (البخارى: كتاب العلم)، وكان مع شدة ولعه بالصلاة يتجوز فيها إذا سمع بكاء الصبى، فقد روى أنه قال (إنى لأقوم فى الصلاة أريد أن أطيل فيها، فأسمع بكاء الصبى، فأتجوزفى صلاتى، كراهة أن أشق على أمه). (البخارى: كتاب الأذان). ومن رأفة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، بل جعل الواجبات والفروض لا تكون مقبولة إلا إذا كانت فى اطار سهل ميسر لكل الناس، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا وأبشروا .... ). البخارى: كتاب الإيمان، ومسند أحمد: 5/ 69، ومن رأفته ورحمته أن المصر على الكفر طول حياته، إذا تاب وأناب، أسقط عنه العقاب وأعطاه الثواب الدائم والنعيم الخالد فى الآخرة. ومن رآفة محمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وصيته لأصحابه بأن ييسروا ولا يعسروا ويبشروا ولا ينفروا. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - مسكويه: تهذيب الأخلاق. 2 - خلق المسلم: محمد الغرالى. 3 - الإسلام دين ودنيا د/محمد شامه القاهرة 1688م. 4 - الذريعة إلى مكارم الشريعة: الراغب الأصفهانى، تحقيق د/أبواليزيد العجمى، ط دار الوفاع 1987

3 - الرأي

3 - الرأي لغة: يطلق على معان منها: الاعتقاد، والعقل، والتدبير، والنظر والتأمل (كما فى الوسيط) (1). واصطلاحا: عرفه الأصوليون بأنه: استنباط الأحكام الشرعية فى ضوء قواعد مقررة، وعرف بأنه: اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة ظن (2). وقيل: هو استخراج صواب العاقبة. وقيل: ما يترجح للإنسان بعد فكر وتأمل. وعرَّفه الباجى بأنه: اعتقاد إدراك صواب الحكم الذى لم ينص عليه. ويلاحظ فى هذه التعريفات مجتمعة أنه يقصد بالرأى فيها ما كان للعقل فيه نظر وبحث للتوصل إلى شىء مجهول. وهناك فرق بين الرأى والاجتهاد، فالفرق بينهما أن الاجتهاد معنى طلب الصواب، والرأى معنى إدراك الصواب، ولذلك يقال: إن الرأى المصيب ما رأيت، فلا يعبرون بذلك إلا عن كمال الاجتهاد وإدراك الصواب (3). وتعريف الباجى للرأى وكذا تعريف ابن خويز منداد وهو أن الرأى: استخراج صواب العاقبة، يظهران أن الرأى ليس بمقصور على الرأى الفقهى لأن هذا حكم كل رأى مصيب فى الفقه وغيره (4). واعلم أنه قد انتسب للرأى جماعة من الفقهاء فسموا بأهل الرأى وذلك بأنهم كانوا يفزعون إلى تلمس الأحكام الشرعية للوقائع التى تمر عليهم دون أن يجدوا لها دليلا من كتاب أو سنة، وصنيعهم هذا كان له جذور ممتدة من عمل الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - فإنهم كانوا يفزعون إلى ما يسمى بالرأى حينما يفقدون نصا فى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يستندون إليه فكانوا يبنون فتاويهم على القواعد العامة المستنبطة من مجمل الأصول الشرعية كالأخذ بالعرف، ومراعاة جلب المصالح ودفع المضار وغيرها مما يرجع مدلوله إلى الكتاب والسنة، ولم يكونوا في صنيعهم يهتمون بأصل معين يشبهون بمحله الحادثة التى يفتون فيها كما قضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على محمد بن سلمة بأن يمر خليج داره فى أرضه، لأنه ينفع جاره ولا يضر محمدا، فعلل الفتوى بأصل عام وهو إباحة النافع وحظر الضار، ولم يقله قياسا على أصل معين. ولما كان هذا الأمر فيه شىء من الخطر فقد أحس الفقهاء بهذا فرأوا أن يضيقوا دائرة الرأى فشرطوا أن يكون للمستنبط بالرأى أصل معين يرجع إليه فى فتواه وهذا الأصل هو الكتاب أو السنة، وهذا هو القياس الذى اعتبروه أصلا من أصول التشريع بعد الكتاب والسنة، وبرع فيه فقهاء العراق، إلا أنهم كثيرا ما يتركون القياس لشىء سموه الاستحسان. وأهل الرأى فى مذهبهم ينطلقون من أن الشريعة معقولة المعنى، ورأوا لها أصولا عامة نطق بها القرآن الكريم، وأيدتها السنة، ورأوا كذلك لكل باب من أبواب الفقه أصولا أخذوها من الكتاب والسنة، وردوا إليها جميع المسائل التى تعرض من هذا الباب، ولو لم يكن فيها نص (5). واعلم أن السادة الحنفية أو أهل العراق المسمون بأهل الرأى لم يكونوا وحدهم الذين يفزعون إلى الرأى والاجتهاد عند فقد النص الشرعى، ولكن شاركهم غيرهم من أرباب المدارس الفقهية والأصولية الأخرى فهاهم المالكية يقولون بالمصالح وسد الذرائع وغيرها، وغيرهم يقولون بغير ما ورد كالاستصحاب، والأخذ بالعرف، وغيرها مما يوجد فى كتب الأصول تحت مسمى الأدلة المختلف فيها، أو تحت مسمى "الاستدلال"، والاستدلال حالة عند المجتهد يكون عليها بعد أن يتشبع بالأصول الشرعية الجزئية من الكتاب والسنة يستطيع بها أن يحكم فى الوقائع عند حدوثها دونما بحث عن دليل جزئى، ومرجع الاستدلال الأدلة والقواعد العامة المستنبطة من جملة الأصول المنصوصة، فهذا هو الرأى عند الفقهاء والأصوليين، وهو والاجتهاد معنى واحد، إن لم نقل بأنه أعم من الاجتهاد كصنيع أبى الوليد الباجى إذ يعتبر الرأى هو صواب الاجتهاد .. والله أعلم. أ. د/ على جمعة محمد 1 - انظر: المعجم الوسيط 1/ 320، دار المعارف 1972 م، لسان العرب لابن منظور 3/ 1543 دار المعارف. 2 - انظر: الحدود لأبى الوليد الباجى، تحقيق: د/ نزيه حماد، ص 64 مؤسسة الزعبى للطباعة والنشر بيروت، ط أولى، 1973 م، التوقيف على مهمات التعاريف، لمحمد عبد الرؤوف المناوى، تحقيق: محمد رضوان الداية، ص 354 دار الفكر، الطبعة الأولى 1990م، المعجم الوسيط 1/ 320، معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس قلعجى، وحامد صادق قنيبى، ص218، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى 1985 م. 3 - الحدود، لأبى الوليد الباجى، ص هـ 6. 4 - الحدود، للباجى، ص 64، 65. 5 - انظر: تاريخ التشريع الإسلامى، للشيخ/ محمد الخضر بك، ص167 وما بعدها، دار الفكر، الطبعة الثامنة 1967 م.

_ المراجع 1 - القاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين، للدكتور/ محمود حامد عثمان، ص 206 وما بعدها، دار الحديث بالقاهرة، الطبعة الأولى 1996م. 2 - الكافية فى الجدل، لإمام الحرمين الجوينى، تحقيق د/ فوقية حسين محمود، ص58، عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر 1979م. 3 - تاريخ التشريع الإسلامى، للدكتور/ أحمد إبراهيم بك، أخر كتاب علم أصول الفقه، ص 29 وما بعدها، دار الأنصار بالقاهرة 1939م.

4 - الرباط

4 - الرباط اصطلاحا: الرباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدو، وأصله أن يربط كل واحد من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطا، وربما سميت الخيل أنفسها رباطا. وقد يطلق الرباط على: المواظبة على الأمر: خاصة المواظبة على مواقيت الصلاة يدل على هذا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط " (1). ويبين الرازى أصل الرباط فيقول: (2) وأصل الرباط من مرابطة الخيل: وهو ارتباطها بإزاء العدو فى بعض الثغور، والعرب تسمى الخيل إذا ربطت بالأفنية وعلقت رُبُطا واحدها ربيط، ويجمع الرُّبْطُ على: رباط، وهو جمع الجمع. قال تعالى: { ... ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال 60). ويقول الفراء فى قوله تعالى: { .. ومن رباط الخيل .. }. قال يريد الإناث من الخيل، وقال: الرباط: مرابطة العدو وملازمة الثغر، والرجل مرابط، والمرابطات جماعات الخيول التى رابطت (3). والرباط فى الثغور، وعلى حدود الإسلاميين واجب، فالأمر للوجوب فى قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال 60). والرباط فى الإسلام لحماية الدعوة والأمة، وليس للعدوان أو الاستيلاء على مقدرات الآخرين المسالمين لنا، ولذلك تلت هذه الآية تلكم الآية: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} (الأنفال 61). ولقول الله تعالى لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، والمسلمون مذهولون مما فعله الوثنيون بقتلى المسلمين، فقد مثلوا بالجثث الصريعة أبشع تمثيل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل 125). فالرسول - صلى الله عليه وسلم - داع إلى الله تعالى فهو منتصر بقدر ما يكسب من قلوب لا بقدر ما يربح من معارك. ومن معالم المرابطة ما يلى (4): أ- إن المرابطة فرض على كل قادر من الأمة، والجهاد فرض عين متى كان القتال فى بلاد الإسلام، والمسلمون يقاتلون مدافعين، ويكون فرض كفاية متى كان القتال فى غير بلاد الإسلام، والمسلمون يقاتلون مهاجمين لنشر دينهم تحقيقا للعالمية. ب- إن المرابطة لردع من تسول له نفسه فى العدوان على المسلمين أو مهاجمة أوطانهم. جـ- إن المرابطة لحماية الدعوة والوطن والعِرض والمقدرات، وليست للمباهاة، أو للاستيلاء على مقدراتهم أو استباحة أعراضهم، أو سفك دمائهم. د- إن الإسلام لا يبدأ أحدا بالعدوان ولكن إذا اعتدى عليه كان أبناؤه الرجال فلا ينامون على ضيم، ولا يولون أعداءهم الأدبار. هـ- إن الإسلام دين واقعى لا مكان فى منهجه للخيال الذى يحسن الظن بالحياة ويتصور البشر ملائكة أطهارا يترفعون على العدوان، ويأبون سفك الدماء ويتسامون عن الغدر، لكنه يعيش واقع الحياة، ويضع الأسس القويمة للتعامل معها. وتوضيح الإسلام قيمة المرابطة، وحثه عليها، وبيان الثواب الذى ينتظر المرابطين فى سبيل الله تعالى. أ. د/ عبد السلام عبده 1 - المعجم الوسيط 1/ 405. 2 - تبيين الحقائق، الشيخ محمد الشربينى 2/ 94، الشرح الصغير، لأحمد الدردير 2/ 332 وما بعدها، مغنى المحتاج 3/ 123 من كشاف القناع منصور بن يونس بن إدريس، 5/ 3. 3 - أخرجه البخارى فى كتاب النكاح، باب قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " من استطاع الباءة فليتزوج"، فتح البارى بشرح صحيح البخارى 9/ 8. 4 - تبيين الحقائق 2/ 95، بداية المجتهد 2/ 2، مغنى المحتاج 3/ 125، كشاف القناع 5/ 4، المهذب للشيرازى 2/ 33.

_ المراجع 1 - لسان العرب، ابن منظور 2/ 1561. 2 - مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازى 15/ 186. 3 - الجامع لأحكام القرآن، القرطبى 8/ 37.

5 - الرباعيات (الدوبيت)

5 - الرباعيات (الدُّوبيْت) لغة: جمع رباعية. واصطلاحا: هى مقطوعة شعرية مؤلفة من أربعة أشطر (بيتان) اعتمدها عدد من شعراء الفرس فى التعبير عن أحاسيسهم وخواطرهم وأخيلتهم. وتعرف الرباعيات، فى كتب الأدب- وبخاصة الشعر- بالدوبيت. والدوبيت اسم مركب من كلمتين، "دو" فارسية، ومعناها: اثنان و "بيت" عربية، وهو أحد أبيات الشعر. ويسميه الفرس بالرباعى، لكونه ينظم على بيتين فقط فى أى غرض يريده الناظم ولبعض شعرائهم اختصاص بشهرة إجادة الرباعيات كـ (عمر الخيام) (1) ومن أشهر أوزانه: فًعْلن (بسكون ثانيه) متفاعلن فعولن فًعَلن (بتحريك ثانيه) (أربع مرات). ومن أمثلته قول عمر الخيام: يا نفس ما هذا الأسى والكدر قد وقع الإثم وضاع الحذر هل ذاق حلو العفو إلا الذى أذنب والله عفا وغفر (2) وقوله: أطفئ: لظى القلب ببرد الشراب فإنما الأيام مثل السحاب وعيشنا طيف خيال فنل حظك منه قبل فوت الشباب (3) وقول العماد الأصفهانى: للغزو نشاطى وإليه طربى ما لى فى العيش غيره من أرب بالجد والاجتهاد نُجْحُ الطلب والراحة مستودعة فى التعب (4) أ. د/ عيد محمد شبايك 1 - والمتصفح لرباعيات الخيام يلاحظ أنها تراوح بين الصوفية المتسامية وبين النزعة الأبيقورية المتهالكة. ويقصد بالأبيقورية الانغماس فى الملذات وشرب الخمر، نسبة إلى الفيلسوف أبيقور. المعجم الأدبى. جبور عبد النور. 2 - رباعيات الخيام، ترجمها نظما عن الفارسية أحمد رامى ص 25 الدار القومية للطباعة والنشر. 3 - السابق ص 26. 4 - الروضتين، لأبى شامة المقدسى 1/ 207.

_ المراجع 1 - ميزان الذهب فى صناعة شعر العرب، للأستاذ أحمد الهاشمى. 2 - أهدى سبيل إلى علمى الخليل، للأستاذ مصطفى محمود.

6 - الرثاء

6 - الرثاء لغة: رثى له: رق له، والرثاء هو تعداد مناقب الميت، ونظم الشعر فيه. (1) واصطلاحا: ذكر الجاحظ (255 هـ) (الرثاء) بمعناه العام: أى (فن الرثاء)، والخاص: أى بكاء الميت وإحصاء محاسنه (2). وفرَّق قدامة بن جعفر (337هـ) بين المرثية والمدحة بأن المرثية يذكر فى لفظها ما يدل على أنها لهالك مثل (كان) و (تولى)، و (قضى نحبه) وما أشبه ذلك (3)، وتبعه فى ذلك ابن رشيق (456هـ) وأضاف: "وسبيل الرثاء أن يكون ظاهر التفجع بيَّن الحسرة، مخلوط التلهف والأسف والاستعظام إن كان الميت ملكا أو رئيسا" (4) والرثاء من الموضوعات البارزة فى الشعر العربى، وهو يأخذ ألوانا ثلاثة: 1 - الندب: وهو بكاء الأهل والأقارب إذا عصف بهم الموت. 2 - التأبين: وهو ثناء على الميت وتعديد فضائله. 3 - العزاء: وهو مرتبة عقلية فوق التأبين، ينفذ فيها الشاعر من حادثة الموت الفردية إلى التفكير فى حقيقة الموت والحياة، وقد ينتهى به التفكير إلى معان فلسفية عميقة. وقد عرف العرب الرثاء فى العصر الجاهلى، إذ كان الرجال والنساء يندبون موتاهم، ومن أشهر من بكت واستبكت فى الجاهلية الخنساء فى رثاء أخيها صخر: كأن عينى لذكراه إذا خطرت فيض يسيل على الخدين مدرار وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم فى رأسه نار (5) ومن الشعراء المخضرمين متمم بن نويرة وله شعر جيد فى رثاء أخيه مالك حين قتل فى حروب الردة، فيرد على صديقه بقوله: يقول: أتبكى كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت له: إن الشجى يبعث الشجى فدعنى فهذا كله قبر مالك وهذا أبو ذؤيب الهذلى يعبر عن لوعته لفقد أبنائه وقد هلكوا بالطاعون فيرثيهم بقوله. أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع أودى بنى وأعقبونى حسرة بعد الرقاد وعبرة ما تقلع وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع وهذا ابن الرومى يرثى ابنه الأوسط محمدا فيقول: توخى حمام الموت أوسط صبيتى فلله كيف اختار واسطة العقد ألام لما أبدى عليك من الأسى وإنى لأخفى منك أضعاف ما أبدى وقالوا: إن أرثى بيت هو: أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيب تراب القبر دل على القبر هذا ويدخل فى عداد الرثاء أيضا القصائد التى نظمها الشعراء فى البكاء على الإمارات والدول البائدة، والعمران الزائل والمجد الغابر كما فى كتاب المنازل والديار لأسامة بن منقذ. أ. د/ عيد محمد شبايك

_ المراجع 1 - القاموس المحيط مادة (رثى). 2 - البيان والتبيين 1/ 42 والحيوان 2/ 20. 3 - نقد الشعر 111. 4 - العمدة 358. 5 - ديوان الخنساء.

7 - الرجاء

7 - الرجاء لغة: له معان منها: الأمل: والأمل نقيض اليأس، تقول رجوت الخير، بمعنى أمَّلت الخير. التوقع: تقول رجوت قدوم محمد بمعنى توقعت قدوم محمد. الخوف: فقد جاء فى التنزيل: {ما لكم لا ترجون لله وقارا. وقد خلقكم أطوارا} (نوح 13 - 14). والرجا (مقصور): ناحية كل شىء؛ وخص بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها، وتجمع على أرجاء قال الله تعالى: {والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة 17). والرجو: المبالاة، يقال ما أرجو أى ما أبالى. وأرجأ الأمر: أخَّره تقول أرجأت الأمر، وأرجيته إذا أخرته، ومنه المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، وسموا مرجئة، لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصى (1). ورجيه وترجاه، وارتجاه ورجاه: بمعنى واحد. واصطلاحا: الرجاء هو التماس الخير من الأعلى، وهو دائما من الإنسان لخالقه. وعلماؤنا يفرقون بين الرجاء والالتماس الذى يكون بين المتساويين، والطلب الذى يكون من الأعلى للأدنى. ومن معالم الرجاء فى الإسلام: 1 - أن يكون الرجاء فى الله تعالى فلا يرجون أحدا إلا ربهم. 2 - أن يكون الرجاء للخير لملتمس الرجاء أو لغيره. 3 - أن يتحين طالب الرجاء لرجائه الأوقات الطيبة كوقت السحر من الليل، وبعد زوال الشمس من نهار رمضان، والأيام الطيبة كيوم عرفات وليلة القدر من رمضان. 4 - أن يكون طالب الرجاء طائعا، مستقيما على شرع الله تعالى فلا يجوز لمن عصى ربه أن يرجو ربه. 5 - أن يثق طالب الرجاء فى الله الذى يرجوه، وأن يطمئن إليه مهما كان رجاؤه. ومن آثار الرجاء فى نفس المسلم: أ- قتل اليأس والقنوط فى نفوس الراجين، فإذا أذنب المسلم فعليه ألا ينساق تحت وطأة الشعور بالذنب بل عليه أن يبادر بالتوبة، وأن يرجو من ربه قبولها، وأن يدرك أن رحمة الله تعالى وسعت كل شىء. ب- أن يدعو إلى التفاؤل، ويشحذ الهمم إلى العمل، وهاهو القرآن الكريم يدعو أمته إلى مواصلة الجهاد ويشد من أزرهم فى ميادين القتال حين يذكرهم بأنهم يرجون من الله تعالى ما لا يرجو غيرهم فيقول لهم: {ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليما حكيما} (النساء104). جـ- أنه يجلب الطمأنينة إلى نفس المسلم الذى يرجو ربه؛ فالمسلم حين يرجو ربه يبرأ من حوله إلى حول الله، ويخرج من طوله إلى طول الله، فلا يلوذ بحمى ما لجأ إليه خائف إلا بذل خوفه أمنا. أ. د/ عبد السلام عبده 1 - انظر لسان العرب لابن منظور، 2/ 1583 مادة (رجو).

_ المراجع 1 - جامع العلوم الملقب بدستور العلماء، لعبد النبى بن عبد الرسول الأحمد نكرى- طبع الهند ط ثانية 1985م. 2 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى- ط خياط- بيروت. 3 - اللمع: نصر الدين الطوسى- تحقيق د/ عبد الحليم محمود وآخر.

8 - الرجعة

8 - الرجعة من عقائد الشيعة الأساسية قضية الإمامة ورئاسة الدولة، فهى- فى اعتقادهم- ركن من أركان الدين- ولا تخرج عن على بن أبى طالب وذريته، وإن خرجت فبظلم أو تقية، أى بظلم من المعارضين أو تقية ومداراة من الأئمة أنفسهم. والرجعة من العقائد الشيعية المرتبطة بقضية الإمامة، فالإمام يغيب عن أعين أتباعه بالموت، أو القتل أو الهروب والانسحاب من المواجهة، ويظل مختفيا أو غائبا أوقاتا متطاولة، قد تستغرق قرونا بل قد تستغرق الزمان بأجمعه. وينتظر الشيعة عودة هذا الإمام الغائب، ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا، ولا يتفق الشيعة على عودة إمام بعينه، بل تتعدد الأئمة بتعدد الفرق. وأول من قيل فيه بالرجعة محمد بن الحنفية أحد أبناء على بن أبى طالب - رضي الله عنه - من غير فاطمة الزهراء، ويقال إنه فى جبل رضوى، بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل. وتقف فرقة الباقرية عند محمد الباقر بن على زين العابدين (57 - 114هـ) ويقولون فيه بالغيبة والرجعة. وتقف فرقة الجعفرية عند جعفر الصادق بن محمد الباقر (83 - 148م) ويقولون فيه بالغيبة والرجعة. وتتواصل الأئمة عند فرقة الاثنا عشرية إلى الحسن العسكرى الزكى (232 - 260هـ) ثم إلى ابنه محمد الطفل الرضيع الذى ولد عام 256 هـ وهو الإمام القائم الحجة المنتظر. ويحيل الشيعة هذه العقيدة إلى جواز ذلك على القدرة الإلهية، ويحاولون الاستدلال عليها بخوارق العادات التى وقعت للأنبياء- عليهم السلام- ويقيسون رجعة غيبة أئمتهم ورجعتهم على المزاعم القائلة بحياة الخضر وإلياس- عليهما السلام. وهذه المحاولات كلها فاشلة لأنها قائمة على غير أساس صحيح من النقل والعقل، وليس لهؤلاء الأئمة عصمة ولا حصانة إلهية، وهم بشر كسائر البشر، وإن القول بحياة الخضر وإلياس- عليهما السلام- يعوزه الدليل، ولا يسلم به المحققون من العلماء، ولو أحيل كل شىء إلى القدرة الإلهية بغير نص ولا عقل لبطلت النواميس الكونية وتعطلت الحياة الإنسانية. أ. د/ محمد سيد أحمد المسير

_ المراجع 1 - الملل والنحل للشهرستانى، تحقيق عبد العزيز الوكيل- ط دار الفكر- بيروت. 2 - الشيعة فى عقائدهم وأحكامهم، للسيد أمير محمد الكاظمى القزوينى، ط دار الزهراء- بيروت. 3 - مع الشيعة الإثنا عشرية فى الأصول والفروع، للدكتور على أحمد السالوس- ط دار التقوى بمصر ودار الثقافة بقطر.

9 - الرحلات والرحالة المسلمون

9 - الرحلات والرحالة المسلمون اصطلاحا: هى الرحلات البرية والبحرية التى قام بها الرحالة المسلمون، وقد تنوعت بتنوع أغراضها، ومن تلك الأغراض: التجارة أو طلب العلم أو الحج، ومن أهم دواعيها الكشف وحب استطلاع المجهول. وبعد نمو الدولة الإسلامية على متسعات من آسيا وأفريقيا وأوربا، ومن يسكنها من شعوب وحضارات وعقائد ولغات مختلفة، ظهرت الحاجة إلى معرفة العالم الإسلامى والعوالم المجاورة له؟ كما أن بعض الرحالة كانت تحدوهم أغراض سياسية كمقدمة للتوسع، أو تغليب مذهب على آخر كما حدث عندما صارت هناك دول إسلامية سنية وأخرى شيعية. وقد ترتب على الرحلة الإسلامية نمو أسس معرفية لعلوم عديدة أخصها الجغرافيا والنقل والأنثروبولوجيا والاجتماع والسياسة، وبدايات علم الخرائط التفصيلية للأقاليم بدلا من الاعتماد على خريطة العالم التى رسمها بطليموس الجغرافى السكندرى فى القرن الثانى الميلادى، والشىء نفسه تكرر فى العصر الحديث الذى بنى فيه الأوربيون علومهم على معارف المسلمين، وهذه هى سنة البناء العلمى فقد بنى المسلمون علومهم علي معارف سابقيهم من روم ويونان وفرس وهنود إلخ .. وقد ترتب على الرحلات التى قام بها الجغرافيون ظهور أنواع متتالية من التأليف. وآول الجغرافيين العرب كان الخوارزمى (ت 850م) الدى كان متأثرا بجغرافية بطليموس. وفى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ظهرت كتب كثيرة تحت مسمى "المسالك والممالك " مثل اليعقوبى (ت 897م) الذى اهتم بما نسميه الآن الجغرافيا البشرية. وابن خرداذبة (ت:912) اهتم بالطرق والمسافات فى كتابه " المسالك ". والبلخى (ت:934). وابن فضلان (بدأ رحلته إلى نهر الفولجا عام 921). والاصطخرى كتب المسالك والممالك 933م. والمسعودي (ت:957م) صاحب "مروج الذهب " الذى تضمن وصفا لاستدارة الأرض ومظاهرها الطبيعية وحضارات الماضى وشعوبه وبلاد الإسلام. والمقديسى الذى أعطى للظاهرات المختلفة ألوانا خاصة على الخرائط وكتب "أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم " بترتيب وتدقيق. وكان ابن حوقل أكثر الجغرافيين الذين ارتحلوا فى تلك الفترة، وبلغ زمن رحلته نحو 32 سنة غطى فيها مشارق العالم الإسلامى ومغاربه، فهو بدون منازع شيخ الرحالة، وكتب "صورة الأرض" 977م. وفى القرنين 11 و 12م. برز من بين الرحالة الشريف الإدريسى (ت:1166) صاحب خريطة العالم على قرمى كبيرمن الفضة التى حلت محل خريطة بطليموس كأساس محدث يستند إليه إلى أن جاءت الكشوف الجغرافية ابتداء من ق 160م. كما كتب "نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق". أما ناصرخسرو (ت:1061م) وكتابه "سفر نامه " فيتضمن معلومات دقيقة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بين فارس ومصر قبيل الغزوات الصليبية. وابن جبير الأندلسى (ت.1217م) قدم لمصر والحجاز والشام فى ثلاث رحلات طوال أوسطها بعد فتح صلاح الدين للقدس مباشرة، ولم يصلنا من كتاباته إلا القليل من الرحلة الأولى. ثم ياقوتا الحموى (ت:1229م) صاحب "معجم البلدان"، هو اتجاه بحثى هام وغير مسبوق، حفظ لنا الكثير من أسماء وأبحاث الجغرافيين السابقين الذين فقدت أعمالهم. أما العلامة البيرونى (ت:1048م) فلم يكن جغرافيا، لكنه أجاد فى الجوانب الفلكية والجغرافيا الرياضية. وأنجب القرن14م أمير الرحالة المسلمين ابن بطوطة (ت:1377م) الذى قضى نحو 25 سنة فى رحلته الأولى من المغرب إلى الصين. كما ظهر فى الفترة ذاتها عالم الاجتماع وفلسفة التاريخ ابن خلدون (ت:1406م) فى كتابه الشهير "ديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر"، وتجلت عبقريته فى مقدمة الكتاب التى تعد فلسفة فى العلوم الاجتماعية والعمرانية والسياسية. أ. د/محمد رياض

_ مراجع الاستزادة: 1 - جغرافية العرب فى العصور الوسطى: عبد الفتاح وهيبة الجمعية الجغرافيه المصرية 1960. 2 - الجغرافية والرحلات عن العرب: نقولا زيادة دار الكتاب اللبنانى بيروت 1962. 3 - الجغرافيون العرب: مصطفى الشهابى دار المعارف، سلسلة اقرأ عدد 230 القاهرة 1962. 4 - تاريخ الأدب الجغرافى العربى: إغناطيوس كراتشوكوفسكى نقله إلى العربية صلاح الدين عثمان هاشم الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1963. 5 - جهود الجغرافيين المسلمين فى رسم الخرائط: عبد العال الشامى الجمعية الجغرافية الكويتية 1981. 6 - اسهامات بعض الرحالة العرب فى الدراسات الأنثروبولوجية المبكرة مجلة "دراسات" أحمد الربايعة مجلد 10، عدد1، عمان 1983. 7 - الجغرافيون والرحالة المسلمين: مينوركسى، م. ف. ترجمة د/عبد الرحمن حميدة، الجمعية الجغرافية الكويتية، عدد 73، الكويت 1985

10 - الرحمة

10 - الرحمة لغة: الرِّقَّة، والتَّعَطُّف، و "الرحمة": المغفرة، يقول الله تعالى { .... وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس:57، أى فصلناه هاديا وذا رحمة، يقول تعالى { .... ورحمة للذين آمنوا منكم .. } التوبة:61. رَحِمَةُ رَحمًا، ورُحُمًا، ورَحمَة: رقَّ له، وشفق عليه، وتعطف وغفر له، يقول تعالى {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} البلد:17، أى أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف، والتعطف عليه. ويقول تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} الأعراف:56، أى عفوه، وعنايته، ورعايته "الرحيم": قد يكون بمعنى "المرحوم"، كما يكون بمعنى "الراحم" يقول الله تعالى { ...... وأقرب رحما} الكهف:81، وقيل: "ترحمت عليه"،قلت: رحمه الله. اصطلاحا: إرادة إيصال الخير وهى: اللطف والإحسان: أى التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس، فمساعدة الضعيف رحمة، ومد يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من -وما- تحت يد المرء رحمة، ومعاملة الأرحام -وخاصة الوالدين- بالحسنى رحمة. وقد ذكرت كلمة "رحمة" فى القرآن الكريم 79 مرة توزعت فى سوره، ابتداء من قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} البقرة:157، وحتى قوله تعالى {وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} الحديد:27، وتدور معانيها حول رحمة الله بعباده، وذلك بإنزال النعم عليهم فى الدنيا والآخرة، وفى مقدتها بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم لهم بالهدى والرحمة، يقول تعالى {فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة} الأنعام:157، ويقول { ... وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء:82، ولبيان أن الرحمة لأصحاب الفضل واجبة، يقول تعالى {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ... } الإسراء:24،أو التبشير بالرحمة لمن تاب وأناب، يقول تعالى {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} الزمر:53، فرحمة الله قريب من المحسنين وهى لعباده المطيعين لأوامره، سواء كانت أمرا أو نهيا، كما بين القرآن الكريم أن الرحمة هى أساس العلاقة بين الزوجين، يقول الله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} الروم:21، ومدح الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم .... } الفتح:29. وردت كلمة "رحمة" ومشتقاتها فى أحاديث عديدة، وكلها تدور حول: التواصل بين الناس، ووصف المؤمنين بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، مثل: (ترى المؤمنين فى توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ... ) (البخارى: كتاب الأدب)،، و (الراحمون يرحمهم الرحمن) (سنن الترمذى: كتاب البر والصلة). كما تنفرهم من القسوة وعدم الرحمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "الجماعة رحمة والفرقة عذاب " (مسند أحمد)، وقوله: (لا تنزع الرحمة إلا من شقى، وقوله: نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة، لم تلقه إلا رجيما ملعونا) (سنن ابن ماجة: كتاب الفتن)، وقوله: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) (سنن الترمذى: كتاب البر والصلة)، ولهذا نص عليها فى رد السلام: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، ليتذكرها الناس دائما فيسود التعاطف والتالف بينهم. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب لابن منظور. 2 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم محمد فؤاد عبد الباقي. 3 - خلق المسلم محمد الغزالى. 4 - الأخلاق والسير ومداواة النفوس لابن حزم، تحقيق الطاهر مكى دار المعارف. 5 - أدب الدنيا والدين للمواردى

11 - الردة

11 - الرِّدَّة عندما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب، وانتشر النفاق بالمدينة وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة، والتف على طليحة الأسدى بنو أسد وطيئ، وبشر كثير أيضا، وادّعى النبوة أيضا كما ادعاها مسيلمة الكذاب وعَظُم الخطب واشتدت الحال، ونفذ أبو بكر الصديق جيش أسامة فقل الجند عند الصديق فطمعت كثير من الأعراب فى المدينة وراموا أن يهجموا عليها فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراسا يبيتون بالجيوش حولها ... وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون عن آداء الزكاة، ومنهم من امتنع عن دفعها إلى الصديق وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} (التوبة 103). قالوا: فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا، وقد تكلم الصحابة مع الصديق فى أن يتركهم وما هم عليهم من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان فى قلوبهم ثم هم بعد ذلك يزكون فامتنع الصديق من ذلك وأباه (1). وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأبى بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق (رواه الإمام مسلم) (2). وبهذا يتضح لنا أن أهل الردة كانوا- كما يقول النووى نقلا عن الخطابى- صنفين: صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: وكفر من كفر من العرب. وهذه الفرقة طائفتان إحداهما أصحاب مسيلمة من بنى حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه فى النبوة وأصحاب الأسود العنسى ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم، وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - مدعية النبوة لغيره فقاتلهم أبو بكر حتى قتل مسيلمة باليمامة والعنسى بصنعاء، وانفضت جموعهم وهلك أكثرهم، والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرها من أمور الدين، وعادوا إلى ما كانوا عليه فى الجاهلية .. والصنف الآخر هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام وهؤلاء على الحقيقة أهل بغى .. ثم قال: وقد كان فى ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأى وقبضوا على أيديهم فى ذلك كبنى يربوع فإنهم قد جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبى بكر - رضي الله عنه - فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم، وفى أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر - رضي الله عنه - فراجع أبا بكر - رضي الله عنه - وناظره واحتج عليه بقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم نفسه وماله ". وكان هذا من عمر - رضي الله عنه - تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر فى أخره ويتأمل شرائعه .. فلما استقر عند عمر صحة رأى أبى بكر- رضى الله عنهما- وبان له صوابه تابعه على قتال القوم وهو معنى قوله: " فلما رأيت الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال عرفت أنه الحق " رواه مسلم (3). هذا وقد سلك الصديق - رضي الله عنه - فى قتال المرتدين طريقين: الأول كان الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لعلهم يعودون إلى رشدهم ويتوبون إلى ربهم وهذا ما يمكن أن نسميه بالطريق السلمى ويتجلى ذلك فى الكتاب الذى أرسله أبو بكر - رضي الله عنه - إلى المرتدين وأعطى نسخة منه لكل قائد أرسله إلى هؤلاء القوم، وفى هذا الكتاب دعاهم الصديق - رضي الله عنه - إلى الخضوع للحق والعودة إلى الإسلام وإلى الطريق المستقيم وإلا كان كل أمير أرسله أبو بكر فى حل من قتل كل من أَبَى" (4). أما الطريق الثانى: فكان الحرب حيث عقد الصديق - رضي الله عنه - أحد عشر لواء وجهها إلى المرتدين فى أنحاء الجزيرة العربية، وفيما يلى موجز لهذه الحروب: عقد الصديق - رضي الله عنه - لخالد بن الوليد - رضي الله عنه - لواء وأمره بطليحة بن خويلد، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له. وقام خالد - رضي الله عنه - بالتوجه أولا إلى طليحة الأسدى والتقى مع طليحة بمكان يقال له: بزاخه (5). ثم توجه خالد بعد ذلك إلى مالك بن نويرة التميمى بالبطاح، وكان مالك قد استجاب لسجاح بنت الحارث وهى من نصارى العرب، وقد ادّعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبى بكر الصديق - رضي الله عنه -، ثم سار خالد - رضي الله عنه - بمجموعة إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب والتقى الجمعان ودام الحصار أياما ثم قُتِلَ الكذاب لعنه الله قَتَلَهُ وحشى قاتل حمزة. وكان الصديق - رضي الله عنه - قد بعث قبل خالد إلى مسيلمة عكرمة بن أبى جهل وشرحبيل بن حسنة. ولما ارتد أهل البحرين بعث الصديق - رضي الله عنه - إليهم العلاء بن الحضرمى .. وكان العلاء من سادات الصحابة العلماء العُبَّاد مجابى الدعوة (6) فالتقوا بجواثى فنصر المسلمون (7). أما أهل عمان فخرج فيهم رجل يقال له: فى الجاهلية الجُلَنْدى فادعى النبوة أيضا وتابعه الجهلة من أهل عمان فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا وألجأهما إلى أطرافها من نواحى الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى الصديق فأخبره الخبر واستجاشه فبعث إليه الصديق بأميرين وهما حذيفة بن محصن الحميرى، وعرفجة البارقى من الأزد، حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهره فعرفجة الأمير. وأمر الصديق عكرمة بن أبى جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عمان وكل منكم أمير على جيشه وحذيفة مادمتم بعمان فهو أمير الناس فإذا فرغتم فاذهبوا إلى مهرة فإذا فرغتم منها فاذهب إلى اليمن وحضرموت فكن مع المهاجرين أبى أمية، ومن لقيته من المرتدة بين عمان إلى حضرموت واليمن فنكل به (8). واستمرت جيوش الصديق - رضي الله عنه - وأمرائه الذين بعثهم لقتال أهل الردة جوَّالين فى البلاد يمينا وشمالا لتمهيد قواعد الإسلام وقتال الطغاة من الأنام حتى رد شارد الدين بعد ذهابه ورجع الحق إلى نصابه وتمهدت جزيرة العرب، وصار البعيد الأقصى كالقريب الأدنى. وما تحقق هذا النصر للمسلمين على المرتدين إلا بسبب قوة إيمان الصديق - رضي الله عنه - ومن معه من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوة إيمان من أرسلهم لمحاربة هؤلاء المرتدين ومهارتهم الحربية والتخطيط المحكم الدقيق الذى نفذت به تلك الحروب، وبانتصار المسلمين فى تلك الحروب قوى سلطانهم وعز الإسلام ورفعت رايته خفاقة عالية، وكان ما فعله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - من محاربة المرتدين بعد نصحهم بالعودة إلى الإسلام من أسدِّ عمله وأفضل ما قدمه للإسلام (9)، فجزى الله الصديق - رضي الله عنه - خير الجزاء إزاء ما قدمه للإسلام والمسلمين، إنه نعم المولى ونعم النصير. أ. د/ حسن عبد الرؤوف محمد

_ المراجع 2 - البداية والنهاية، لابن كثير 6/ 315، ط دار الكتب العلمية بيروت 1405هـ. 2 - صحيح مسلم بشرح النووى 1/ 200، ط دار الكتب العلمية بيروت. 3 - المرجع السابق 1/ 202، 203. 4 - البداية والنهاية 6/ 320. 5 - المرجع السابق 6/ 322. 6 - المرجع السابق 6/ 332. 7 - انظر: تاريخ الخلفاء، ص 61، ط دار الفجر 1420 هـ. 8 - البداية والنهاية 6/ 334. 9 - العواصم من القواصم، للقاضى أبى بكر بن العربى ص 47 المطبعة السلفية 1399 هـ

12 - الرذيلة

12 - الرذيلة لغة: الخصلة الذميمة، وهى تقابل الفضيلة، جمعها رذائل (1). واصطلاحا: هيئة نفسانية تصدر عنها الأفعال القبيحة فى سهولة ويسر. وقيل: هى ميل مكتسب من تكرار أفعال يأباها القانون الأخلاقى والضمير، فهى عادة فعل الشر، أو هى عادة سيئة تميل إلى الجبن والتردد والإفراط والكذب والشح. (2) أجناسها: إذا كانت أصول الفضائل أربعة هى الشجاعة والعدل والسخاء والعفة- كما ذكرها مسكويه- فإن كل فضيلة منها هى وسط بين رذيلتين، إذاً يمكننا بناء على ذلك أن نحدد عدد أجناس الرذائل بأنها ثمانية هى أطراف الفضائل الكبرى. وهذه الرذائل الثمانية هى: السفه، والبله، والتهور، والجبن، والشره، والخمود والجور والمهانة، وتحت كل رذيلة من هذه الثمانية من الرذائل ما يصعب حصره، وهى فى طبيعتها كالفضائل ليست متأصلة فى النفس، لكنها تكتسب اكتسابا. وطرق اكتسابها تكون بأمور أهمها العادة والقدوة السيئة والجهل. ولأن الرذائل أمراض روحية لابد لسلامة الإنسان من معرفة دوائها، ووسائل علاجها للقضاء عليها، والنجاة من شرها وأهم هذه الوسائل: 1 - التسلح بعزم صارم أكيد لا يعرف التردد أو النكوص. 2 - أن يميل بالرذيلة نحو الجانب المضاد فإذا أحس بإفراط فى نوع من الشهوات قاوم ذلك الميل بالتزهد فيه. 3 - أن يوسع مجال فكره وأفق نظره، فمن الرذائل ما يكون مصدره ضيق دائرة الفكر والنظر، فإذا وسع دائرة حياته عرف أنه ليس إلا فردا من أفراد المجتمع، وأن غيره له حقوق يجب أن تراعى وإنما يُعرف ذلك ويتحقق بدراسة علم الأخلاق. 4 - أن يترك الخلق الذميم مرة واحدة، وهذه الخطة المهاجمة قد تسبب لصاحبها بعض الألم، ولكنه ألم ما أسرع أن يزول ويعقبه سرور الفضيلة (3). فالتخلص من نير الرذائل ليس بالأمر الهين، لأنها عادات تمكنت من صاحبها ولكن بمراعاة هذه القواعد التى ذكرت وملاحظة هذه الطرق كفيل بغرس الفضائل وهدم كل رذيلة من أساسها وإقامة الفضيلة على أنقاضها. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مادة (رذل) - ط مجمع اللغة العربية سنة 1985م 2 - علم الأخلاق، د. محمد نعيم السيد ص 120. 3 - دراسات فى الأخلاق- د/ طه خضير ص 199.

_ المراجع 1 - تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق- لابن مسكويه ط مكتبة الثقافة الدينية القاهرة سنة 1398 هـ. 2 - دراسات فى الأخلاق د/ طه عبد السلام خضير ط دار النهضة العربية سنة 1985م. 3 - الذريعة إلى مكارم الشريعة، للراغب الأصفهانى تحقيق د/ أبو اليزيد العجمى ط دار الوفاء- بالمنصورة. 4 - مباحث فى علم الأخلاق- د/ طه عبد السلام خضير. 5 - إحياء علوم الدين، للغزالى ط دار الريان للتراث سنة 1990م. 6 - الأخلاق والسير فى مداواة النفوس، لابن حزم تحقيق/ إبراهيم أبى حذيفة ط مكتبة الصحابة بطنطا سنة 1990م. 7 - الأخلاق بين فلاسفة اليونان وحكماء الإسلام، د/عبد المقصود عبد الغنى ط مكتبة الزهراء القاهرة سنة 1993م.

13 - الرزق

13 - الرزق لغة: الرزق بكسرالراء كل ما ينتفع به من المال أو الجاه أو السلطان أو الصحة أو الملبس أو المسكن أو الذرية أو العلم. ويشمل العطاء الدنيوى والأخروى. والأرزاق نوعان: أرزاق ظاهرة للأبدان "كالأقوات ". أرزاق باطنة للقلوب والنفوس "كالمعارف والعلوم" (1). أما الرزق: بفتح الراء فهو المصدر الحقيقى، والمرة الواحدة رزقة، والجمع رزقاف. يقول الجوينى الأشعرى: "والذى صح عندنا فى معنى الرزق أن كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه، فلا فرق بين أن يكون متعديا بانتفاعه، وبين أن لا يكون متعديا به" (2). واصطلاحا: الرزق يتسع ليضم كل ما يتغذى به سواء كان حراما أم حلالا وهذا ما يقول به أهل السنة. كما ورد فى عبارة الباقلانى التالية: "فإن قالوا: أفتقولون إن الله يرزق الحلال والحرام؟ قيل لهم: أجل، فقد دل على ذلك بقوله: {الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم} الروم:40، فلما كان منفردا بالخلق والإماتة والاحياء كان منفردا بتولى الأرزاق، فإن قيل: ما معنى قولكم إن الله يرزق الحرام؟ قيل لهم: تأويل ذلك أن يجعله غذاء للأبدان، وقواما للأجسام، لا على معنى التمليك والاباحة لتناوله، لأن ذلك مما قد أجمع المسلمون على خلافه (3). ويعرف بعض المعتزلة الرزق بأنه: الملك، بينما يعرفه المتأخرون منهم، بأنه: ما ينتفع به المنتفع من ملكه (4). وعلى هذا المعنى يجوز للإنسان عندهم أن يأخذ رزقا غيره، ويجوز أن يأخذ غيره رزقه. وهم يرون أن ما يتغذى به من الحرام، لا يكون رزقا من الله لأنه لا يرزق الحرام وإنما هو من فعل العبد (5). ويلزم من تعريف المعتزلة للرزق، أن البهائم لم يرزقها الله، لأنها لا تتصف بالملك، وهذا يتناقض مع قوله تعالى {وما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها} هود:6. كما يلزم قولهم بأن من تغذى بالحرام طول عمره لم يرزقه الله سبحانه، وهذا مخالف للنقل والعقل (1). ويرى أهل السنة أن كل ما أكله الانسان أو شربه فهو رزقه حلالا أو حراما لا يتعداه، فلا يأكل أحد رزق غيره، ولا يأكل غيره رزقه. أما الرزاق: فهو من غلبت نعمه شكر العباد، ولا يصح إطلاقه إلا على الله سبحانه وتعالى. أ. د/محمد الأنور حامد عيسى

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور (3/ 1636) دار المعارف القاهرة. 2 - الإرشاد: (364) للجوينى: الخانجى بمصر. 3 - التمهيد (370) للباقلانى: مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1987م. 4 - شرح الأصول الخمسة (ص784) للقاضى عبد الجبار مكتبة وهبه 1965م. 5 - راجع المغنى (11/ 35). 6 - أنطر أصول الدين للبغدادى (ص144)، والإرشاد للجوينى (ص365) استانبول 1928م

14 - رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم)

14 - رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عُنِىَ الرسول صلوات الله وسلامه عليه عناية كبيرة بتبليغ الدعوة، وقد استعمل الرسول فى سبيل تحقيق هذا الهدف الدعوة بالكلمة المقولة والكلمة المكتوبة والأسوة الحسنة. وفى الأسوة الحسنة كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه نموذجا رائعا لكل صفات الخير، ويقول القرآن الكريم عنه: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الأحزاب:21. وتقول السيدة عائشة رضى الله عنها: (كان خلقه القرآن) (1). وبمراجعة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نجد فيها أسمى طريق للخلق الحسن فى كل شىء. وعنى الرسول صلى الله عليه وسلم بتربية الحكام والقضاة والولاة كما عنى أعظم عناية بالتربية الاجتماعية (2). واذا نظرنا إلى الكلمة المكتوبة: نجد رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء يدعوهم للإسلام تحقيقا لعالمية الإسلام كما جاء فى قوله تعالى: {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} الفرقان:1، ثم توالت الآيات فى السور المكية تؤكد عالمية الإسلام كقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} سبأ:28، كما جاءت فى معنى عالمية الإسلام آيات فى سورة الأنبياء والأعراف وإبراهيم وبناء على هذه العالمية أرسل صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك عصره وأمراء عهده، وتمتازهذه الرسائل بالنقاط التالية: 1 - تجاهل الرسول صلى الله عليه وسلم تماما التوسعات الاستعمارية التى كان يقوم بها الروم والفرس ضد بعض المناطق العربية وكتب صلوات الله وسلامه عليه لولاة هذه المناطق مباشرة فكتب لوالى الروم على دمشق والمقوقس والى مصر، وكتب إلى باذان والى الفرس على اليمن، وتعتبر هذه الخطوة رائعة ذات مغزى عظيم فى الدلالة على عظمة الدعوة. 2 - صيغت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنتهى الحكمة والبراعة فالرسول فيها سمح يدعو ولا يهدد، يخاطب الملوك والروساء بألقابهم ويعترف بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم فى ظل الإسلام باق لهم، وهو بذلك يؤكد أنه ليس طالب ملك، ثم هو يذكر أن هناك زكاة فى أموال الأغنياء ولكنه يؤكد أن الزكوات والصدقات لا تحل لمحمد ولا آل محمد، وإنما تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقرائهم، وهو بهذا يؤكد أنه ليس طالب مال. 3 - كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل ملك حسب ظروفه، فإن كان من أهل الكتاب أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط، وإذا كان من غيرهم أشار إلى التزام البشرية بالعودة إلى الله وترك عبادة ما سواه. 4 - اختير المبعوثون بحيث يعرف كل منهم لغة من سيرسل إليه. 5 - امتدت فترة إرسال الرسل فيما بين الحديبية ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ونذكر هنا نصوص بعض الرسائل ككتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم: "من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين". {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا آربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} آل عمران:64. كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى فارس: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس. كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم مصر: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من أتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولو فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} آل عمران:64. وتقول الرواية: إن المقوقس لما قرأ الكتاب سأل حامله (حاطب بن أبى بلتعة): ما منع صاحبك إن كان نبيا أن يدعو على من أخرجوه من بلده فيسلط الله عليهم السوء؟ فقال حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على أولئك الذين تآمروا عليه ليقتلوه فيسلط الله عليهم ما يستحقون؟ قال المقوقس: أنت حكيم جئت من عند حكيم. كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى: من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة: سلام عليك إنى أحمد الله إليك، الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى، والسلام على من اتبع الهدى. وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء. أ. د/أحمد شلبى

_ الهامش: 1 - صحيح البخارى: باب الأخلاق. 2 - موسوعة التاريخ الإسلامى: أحمد شلبى، الجزء الأول. مراجع الاستزادة: 1 - الصحيحان: البخارى ومسلم. 2 - تاريخ الأمم والملوك: الطبرى 2/ 644 - 657. 3 - تاريخ الواقدى: 2/ 33 وما بعدها. 4 - الأموال: لأبى عبيد ص20 - 24. 5 - زاد المعاد: ابن القيم 1/ 30 - 33. 6 - الروض الأنف: السهيلى 1/ 250. 7 - الأغانى الأصفهانى 6/ 348،349. 8 - السيرة النبوية: ابن هشام 2/ 352،353. 9 - فتوح مصر وأخبارها: ابن الحكم ص40 وما بعدها. 10 - تهذيب الأسماء: 2/ 150 وما بعدها

15 - الرسالة

15 - الرسالة لغة: ما يرسل، والرسالة: الخطاب، والرسالة: كتاب يشتمل على قليل من المسائل تكون فى موضوع واحد، ورسالة الرسول: ما أُمِرَ بتبليغه عن الله، ودعوته الناس إلى ما أوحى إليه- كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: هى اختصاص العبد بسماع وحى الله تعالى بحكم شرعى تكليفى، وأمر بتبليغه. وهى تختلف عن النبوة التى تعنى اختصاص العبد بسماع وحى الله بحكم شرعى تكليفى سواء أمر بتبليغه أم لا. وترجع حاجة البشر إلى الرسالة: (أ) التعريف بحقائق الدين وأحكام الشريعة، ليقوم الناس بالعدل كقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد 35). (ب) قطع الحجة على الناس لقوله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء165). (جـ) إن العقل وحده فى قصور عن إدراك المعرفة المتصلة برب العالمين، كما أنه يضل تحت ضغط تأثير ودافع التقليد. (د) حاجة الإنسان للرسل؛ لكى يتم التوفيق بينه وبين الكون المسبح لربه. قال تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده} (الإسراء44). ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان بجميع الرسل دون التفريق بينهم، فمن كفر بواحد كمن كفر بالجميع على حد سواء {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} (النساء150 - 151). وهم من الكثرة، بحيث لا يعد عددهم، ولا يحصى ولا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، وإن كان القرآن ذكر ما يربو على خمسة وعشرين رسولا، إلا أنه خاطب رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} (النساء164). وهؤلاء الرسل والأنبياء الذين ذكروا فى القرآن يجب الإيمان برسالتهم ونبوتهم تفصيلا، بمعنى أن الإنسان لو عرض عليه واحد منهم، لا ينكر نبوته ولا رسالته إن كان رسولا، فمن أنكر نبوة واحد منهم، أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة كفر. وأما الأنبياء والرسل الذين لم يقصهم القرآن علينا، فقد أمرنا أن نؤمن بهم إجمالا، وليس لنا أن نقول برسالة أحد من البشر أو نبوته ما دام القرآن لم يذكره فى عدد الأنبياء والرسل، ولم يخبرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن لوازم الإيمان بالرسل وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم وصحة عقولهم وصدقهم فى أقوالهم وأمانتهم فى تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه. ورسل الله هم القدوة للناس فى زمانهم والكواكب الساطعة فى الليالى المظلمة، بهم يهتدون، وبأخلاقهم يتأسون، وبأفعالهم يقتدون. قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} (الأنبياء73). وقوله: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب 21). ولقد اقتضت حكمة الله وسنته فى البشرية أن يرسل إلى كل أمة رسولا بلسان قومه. قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (إبراهيم 4). وقوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} (فاطر 24). ولقد علم الله أنبياءه ورسله أسماءه وصفاته، وحدد ذلك تحديدا دقيقا؛ أصبح على المسلم بعدها أن يتبع ولا يبتدع، صحيح يمكن أن نستخلص بعض صفات الخالق سبحانه وتعالى بعقولنا بدون رسل بعد أن نرى آثارها فى أرجاء الكون، فمثلا آثار الخلق تشهد أنها من صنع الخالق، وآثار الحكمة تشهد أنها من صنع الحكيم. وهناك قاعدة تقول إن الآثار تدل على الأسماء، والأسماء تدل على الصفات، والصفات تدل على الذات، فالكون من آثار الله، وحوادثه من آثار الله كذلك. قال تعالى: {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها} (الروم 50). ولكن مع هذا يستمر عجزنا عن الإحاطة بهذه الصفات إلا بما أخبرنا به الوحى، فلا يستطيع الإنسان أن يحدد تحديدا كاملا، أو يحصى إحصاء شاملا، لا دخل فيه ولا دخن، وإلا لوصفنا الله بغير صفاته، وسميناه بغير أسمائه. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ومن الشروط الشرعية للرسول والنبى: 1 - البشرية، فليس هناك رسول أو نبى من الجن أو الملائكة، قال تعالى: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} (الأنعام 9). 2 - الحرية، فليس هناك رسول أو نبى من العبيد؛ لأن العبودية تمنعه من نشر دعوته والجهاد فى سبيلها. 3 - الذكورة، فليس هناك نبى أو رسول أنثى، لأن هذا الميدان لا تصلح له المرآة قال تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم} (الأنبياء 7). 4 - السلامة من المنفر، حتى لا يبتعد الناس عنه ويتفرقون، سواء كان هذا المنفر مرضا معديا أو خَلقيا أو خُلقيا بأن يكون متصفا بمرذول الصفات أو الفظاظة. قال تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر} (آل عمران 159). ووظائف الرسل: (أ) تلقى الوحى والعلم والدين عن الله سبحانه وتعالى على الوجه والكيفية التى يختارها الله تعالى، وتبليغ هذا الوحى يكون المهمة العظمى لتعريف الخلق بالخالق والإيمان بوحدانيته، وتخصيص العبادة له دون سواه قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء25). (ب) تبليغ أوامر الله عز وجل إلى البشر. (جـ) شرح كتاب الله وتبيينه للناس. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل 44). (د) مناقشة من أرسلوا إليهم ومجادلتهم وإزالة الشبهات والإجابة على جميع التساؤلات برفق وحكمة. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن} (النحل 125). (هـ) إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم. (و) التذكير بالنشأة والمصير وتعريف الناس بما بعد الموت من شدائد وأهوال. (ز) الشهادة على الأمة أنه بلغ إليهم الرسالة وأدى الأمانة وقدم واجب النصيحة. (حـ) قيادة الأمة وسياستها الدينية والدنيوية، فالرسول فى قومه قائدهم وزعيمهم وحاكمهم ومدبر سياستهم الدينية والدنيوية. (ط) تربية أتباعهم تربية عالية ربانية تليق بإيمانهم بربهم وتعدهم للشرف العظيم الذى ينتظرهم فى الآخرة. (ى) يضعون للبشر بأمر الله حدودا عامة يسهل عليهم أن يردوا إليها أعمالهم كاحترام الدماء البشرية إلا بحق مع بيان الحق الذى يهدر. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 1/ 356 وما بعدها- دار المعارف، ط 3، القاهرة.

_ المراجع 1 - رسالة التوحيد، محمد عبده، مطبعة على صبيح، سنة 1966 م. 2 - منهج القرآن فى عرض عقيدة الإسلام، جمعة أمين عبد العزيز، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، ط 2 - سنة 1991م. 3 - الإسلام وحاجة الإنسانية إليه، د/ محمد يوسف موسى، طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1995 م. 4 - دراسات علمية فى المسائل العقائدية، د/ آمنة محمد نصير. 5 - الإيمان والتقوى فى القران الكريم، د/ جودة أبو اليزيد المهدى،، طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1995 م. 6 - العقائد الإسلامية، للشيخ سيد سابق، دار الفتح للإعلام العربى. 7 - دراسات فى العقائد الإسلامية والأخلاق تأليف: د/ محمود محمد مزروعة، د/ أحمد طلعت الغنام، د/ محمد ربيع. 8 - عقيدة المؤمن- الشيخ/ أبو بكر الجزائرى

16 - الرصد

16 - الرَّصْد لغة: الراصد بالشىء الراقب له، ويقال: أرصدته إذا قعدت له على طريقه ترقبه، والمَرْصد: موضع الرصد. واصطلاحا: هو القسم العملى من علم الفلك، والذى يُعنى بكيفية مراقبة الأجرام العلوية من شموس وسيّارات وثوابت وتوابعها وذوات الأذناب. ويعتبر الرصد من أقدم معارف الإنسان، فقد قيل إن الإنسان رصد الكواكب من يوم وجوده لاحتياجه الاهتداء بها، ثم برع المصريون القدماء فى ذلك، وعنهم أخذ اليونان هذا العلم. وعندما فتح المسلمون البلاد ترجموا ما عند الأمم من علوم، ومنها علم الفلك، وكان أول من عنى بهذا العلم الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور، فهو أول من أشار لحركة الرصد بالآلات، فجمع لذلك علماء الفلك، وشيد مرصدا تولى الرصد بالآلات فى بغداد وجبل قيسون بدمشق سنة 214 هـ، وكانت الآلات عبارة عن جسم مربع مستو يعلم به الميل الكلى وأبعاد الكواكب، وكذا الحلقة الاعتدالية، وذات الأوتار، وذات الحلق، وذات الجيب، والأسطرلاب .. وغيرها من الآلات التى اخترعها المسلمون، حتى صار لعلماء الفلك قسم من الكادر الوظيفى فى الدولة. ونبغ فى القرن الثانى والثالث الهجريين علماء كثيرون، منهم: محمد بن موسى الخوارزمى، وبنو شاكر، وثابت بن قرة الحرانى، وأحمد بن كثير الفرغانى، وغيرهم، ثم نبغ من بعدهم فى القرنين الرابع والخامس أبو الوفا البوزجانى، والبيرونى، وبنو الأعلم، وغيرهم، وقد شيد هؤلاء العلماء مراصد عدة. ومن بعدهم نصر الدين الطوسى الذى أقام مرصدا ضخما بتركستان. وكان أول مرصد فى مصر فى عهد الفاطميين، وأقيم على جبل المقطم، وعرف بالمرصد الحاكمى نسبة إلى الحاكم بأمر الله (ت 411 هـ). وفى القرن السادس عشر توصل "تيخو براهى" إلى اختراع عدة آلات للرصد بعد نقل العلوم الإسلامية إلى الغرب، ثم ظهر من بعده تلميذه "كبلر" فأحدث انقلابا عظيما فى علم الفلك، وعاصره جاليليو، وهو الذى اخترع المنظار الفلكى فرصد به القمر أولا، وفى سنة 1610م رصد المشترى. ومنذ ذلك الحين توالت الاكتشافات، فظهرت تقنيات حديثة فى الرصد، مما مكّن الإنسان من الصعود على سطح القمر، وإطلاق سفن فضاء ترصد المجموعة الشمسية ومجراتها، وتستشرف آفاق المجهول. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - العلم عند العرب وأثره فى تطور العلم العالمى. تأليف الدومييلى. ترجمة د/ عبد الحليم النجار، ود/ محمد يوسف موسى- جامعة الدول العربية. دار القلم- القاهرة سنة 1962م. 2 - كيف ترقب السماء، تأليف فرانكلين م. برانلى. ترجمة د/ محمد جمال الدين الفندى. 3 - الفلك والحياة د/ عبد الحميد سماحة، د/ عدلى سلامة- دار القلم- القاهرة سنة 1961م. 4 - عندما تطلع النجوم، تأليف روبرت هـ. بيكر- ترجمة د/ محمد فياض. 5 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى- دار المعرفة ببيروت- لبنان ط 3 سنة 1971م. 6 - بداية الكون. تأليف جون فايفر- ترجمة د/ محمد الشحات- مؤسسة سجل العرب سنة 1959 م

17 - الرضا

17 - الرضا لغة: قبول الشىء بسرور وغبطة، والاطمئنان به قلبيا دون ألم أو ضجر أو مشقة. واصطلاحا: هو فى قضايا الشرع والدين قسمان: 1 - رضا الله تعالى عن العبد. 2 - رضا العبد عن الله تعالى. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين القسمين فقال: {رضى الله عنهم ورضوا عنه} (البينة 8). ورضا الله تعالى عن العبد يعنى مزيد الثواب والوصول إلى مرتبة الرضوان التى هى أعلى من نعيم الجنة، قال الله تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} (التوبة 72). وفى الحديث المتفق عليه، عن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير فى يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأى شىء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا". ورضا العبد عن الله تعالى يعنى التسليم لحكم الله وحكمته، ويكون التسليم للحكم بالامتثال والطاعة، وللحكمة بالشكر فى السراء والصبر فى الضراء قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء65). وفى صحيح مسلم عن أبى يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ". وللصوفية كلام فى الرضا، هل هو مقام أم حال، بمعنى هل هو مكتسب من العبد أم هبة من الله؟ وهل هو نهاية جهود العارفين أو بداية الجود الإلهى عليهم؟ وحاول الإمام القشيرى (376 - 465 هـ) التوفيق بين الرأيين فقال فى رسالته: بداية الرضا مكتسبة للعبد، وهى من المقامات، ونهايته من الأحوال، وليست مكتسبة". ويرى القشيرى أن مَنْ صح توكله على الله يرقى إلى حالة الرضا. أ. د/ محمد أحمد المسير

_ المراجع 1 - الرسالة القشيرية، للقشيرى- ط الحلبى، تحقيق د/ عبد الحليم محمود. 2 - إحياء علوم الدين، لأبى حامد الغزالى مع مقدمة فى التصوف الإسلامى للدكتور/ بدوى طبانة- ط دار إحياء الكتب العربية.

18 - الرضاع

18 - الرِّضاع لغة: شرب اللبن من الضرع أو الثدى، تقول: رضع يرضع بكسر الضاد فيهما، وبفتح الضاد فى المضارع، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: يقال: امرأة مرضع، إذا كان لها ولد ترضعه، وهو أخوه من الرضاعة بفتح الراء، ومدته حولان كاملان غير لازمة التمام (3)، يقول تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}. البقرة:233. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " (رواه مسلم). مصداقا لقوله تعالى -فى بيان بعض أسباب التحريم- {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء:23. وموجزما قاله علماء الفقه والتفسير فى إيضاح ذلك: إذا أرضعتا المرأة طفلا حرمت عليه لأنها أمه، وبنتها كأنها أخته، وأختها كأنها خالته، وأمها لأنها جدته، وبنت زوجها صاحبا اللبن لأنها أخته، وأخته لأنها عمته، وأمه لأنها جدته، وبنات بنيها وبناتها لأنهم بنات إخوته وأخواته، وأما الأخوات من الرضاعة، فهن الأخت لأب وأم، وهى التى أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أوولدت قبلك أو بعدك، والأخت للأب دون الأم، وهى التى أرضعتها زوجة أبيك، والأخت من الأم دون الأب، وهى التى أرضعتها أمك بلبان رجل آخر (3). والرضاع المحرم: هو الذى يحدث فى الحولين عند جمهور العلماء: لأنه هو الذى ينبت اللحم وينشز العظم. وزاد الإمام مالك الشهر ونحوه بعد الحولين. وزاد الامام أبو حنيفة ستة أشهر كذلك. وانفرد الإمام الليث بن سعد بالقول بأن رضاع الكبير يحرم، وهو قول السيدة عائشة رضى الله عنها، محتجة بقصة سالم مولى أبى حذيفة. حيث صار رجلا، وكان قد تربى فى حجر زوجة أبى حذيفة، فلما بلغ مبلغ الرجال ترددت فى دخوله عليها لما رأته فى وجه أبى حذيفة من التغير، فقال لها صلى الله عليه وسلم "أرضعيه " (خرّجه صاحب الموطأ، وغيره) (4). ويحصل التحريم عند الحنفية والمالكية بوصول أى قدر من اللبن إلى جوف الرضيع. ولو بمصة واحدة؛ لعموم النص. وعند الشافعى وأحمد بن حنبل بخمس رضعات متفرقات؛ لحديث عائشة مرفوعا (كان فيما أنزل الله فى القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات .. ) الحديث .. (رواه مسلم) (5). وعند داود الظاهرى بثلاث رضعات؛ محتجا بحديث (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان) (رواه مسلم) (6) فتكون الثلاثة محرمة. ولا يثبت التحريم بالشك فى الرضاع، بل لابد فيه من اليقين بحصوله. أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (رضع) طبعة دار المعارف. 2 - القوانين الفقهية لابن جزى، ص216، طبعة عالم الفكر القاهرة. 3 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص1682 ط الشعب. 4 - الموطأ للإمام مالك بن أنس 2/ 44 مع شرحه تنوير الحوالك، الطبعة الأخيرة مصطفى البابى الحلبى. 5 - صحيح مسلم 4/ 167 ط الشعب. 6 - السابق نفسه،4/ 167. مراجع الاستزادة: 1 - الذخيرة للقرافى من ص275 إلى 383 دار الغرب الإسلامى بيروت. 2 - نيل الأوطار للشوكانى 6/ 347 - 359. 3 - الهداية لأبى الحسن على بى أبى بكر بن عبد الجليل المرغينانى 1/ 223 - 225 الطبعة الأخيرة مصطفى البابى الحلبى

19 - الرفق

19 - الرِّفق لغة: ضد العنف، فهولين الجانب ولطافة الفعل، وصاحبه: رفيق، وفى الحديث: (من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير.) (سنن الترمذى-البر). رفقه: نفعه وأعانه، ورفق به، وله، وعليه -رفقا، ومرفقا-: عامله برفق، والرفق، والمِرفَق، والمَرفَق، والمَرفِق: ما استعين به، ففى القرآن الكريم {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} الكهف:116. اصطلاحا: صفة يحبها الله فى كل مجالات الحياة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق فى الأمر كله) البخارى: كتاب الأدب، ولهذا ينبغى على كل مسلم -بل على كل إنسان ذى عقل سليم- أن يلتزم بالرفق. إزاء كل من -وما- تحت يديه؛ فيرفق بأبويه وأهله، ويكون رفيقا بمن تحت يديه فى العمل، وبما سخره الله له من حيوانات، عطوفا على الضعفاء والمساكين، لينال ستر الله فى الدنيا، ويحظى بدخول جنته فى الآخرة، يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه ستر الله عليه، وأدخله جنته: رفق بالضعيف، وشفقة على الوالدين، وإحسان إلى المملوك). (الترمذى: كتاب القيامة)، والرفق -بالإضافة ثوابه فى الدنيا والآخرة- يرفع درجة صاحبه بين الناس، بحيث تلهج ألسنتهم عند ذكره بالثناء عليه والدعاء له، ومن سلب هذه الصفة، فسلك مع الناس سلوك العنف، وتعامل معهم بالشدة، صبوا عليه اللعنات. وجردوه فى حديثهم من الإنسانية. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه، ولا ينزع من شىء إلا شانه) (مسلم: كتاب البر)، فالخير كل الخير فى الالتزام بالرفق، والشر كل الشر لمن حرم الرفق، ومال إلى ضده، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حرم الرفق حرم الخير). (مسلم-كتاب البر). أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب لابن منطور دار صادر بيروت. 2 - الأخلاق والسير لابن حزم تحقيق الطاهر مكى ط دار المعارف. 3 - رياض الصالحين ط دار الإفتاء والبحوث الرياض. 4 - أدب الدنيا والدين تحقيق مصطفى السقا ط دار الكتب العلمية بيروت. 5 - خلق المسلم محمد الغزالى

20 - الرق

20 - الرِّقّ لغة: هو الشىء الرقيق، نقيض الغليظ والثخين (لسان العرب). واصطلاحا: هو الملك والعبودية، أى نقيض العتق والحرية، والرقيق-بمعنى العبد- يطلق على المفرد والجمع، وعلى الذكر والأنثى. أما العبد، فهو الرقيق الذكر، ويقابله الأمة للأنثى ومن الألفاظ الدالة على الرقيق الذكر لفظها الفتى، والغلام، وعلى الأنثى لفظتا الفتاة والجارية. أما القِنّ فهو أخص من العبد، إذ هو الذى مُلك هو وأبواه، ومالك الرقيق هو السيد، أو المولى. والرق نظام قديم قدم المظالم والاستعباد والطبقية والاستغلال فى تاريخ الإنسان، وإليه أشار القرآن الكريم فى قصة يوسف عليه السلام: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين. وقال الذى اشتراه من مصرلامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} يوسف:19 - 21، وكان الاسترقاق من عقوبات السرقة عند العبرانيين القدماء، وعندما سئل إخوة يوسف عن جزاء السارق لصواع الملك: {قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه} يوسف:75. وفى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام الإنتاج والاستغلال، وفى بعض تلك الحضارات -كالفرعونية المصرية والكسروية الفارسية- كان النظام الطبقى المغلق يحول دون تحرير الأرقاء، مهما توفر لأى منهم الرغبة أو الإمكانات. وفى الحضارة الرومانية كان السادة هم الأقلية الرومانية، وكانت الأغلبية فى الإمبراطورية برابرة أرقاء، أو فى حكم الأرقاء. وللأرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها ثورة "سبارتاكوس " (73 - 71 ق. م). وعندما ظهر الإسلام كان التمييز العرقى والطبقى والمظالم الاجتماعية بمثابة منابع وروافد تغذى "نهر الرق " فى كل يوم بالمزيد من الأرقاء. وذلك من مثل: 1 - الحرب، بصرف النظر عن حظها من الشرعية والمشروعية، فالأسرى يتحولون إلى أرقاء، والنساء يتحولن إلى سبايا وإماء. 2 - الخطف، يتحول به المخطوفون إلى رقيق. 3 - ارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم على مرتكبيها بالاسترقاق. 4 - العجز عن سداد الديون، كان يحول الفقراء المدينين إلى أرقاء لدى الأغنياء الدائنين. 5 - سلطان الوالد على أولاده، كان يبيح له أن يبيع هؤلاء الأولاد، فينتقلون من الحرية "إلى العبودية ". 6 - سلطان الإنسان على نفسه، كان يبيح له بيع حريته، فيتحول إلى رقيق. 7 - النسل المولود من كل هؤلاء الأرقاء يصبح رقيقا حتى ولو كان أبوه حرا. ومع كثرة واتساع هذه الروافد التى تمد نهر الرقيق -فى كل وقت- بالمزيد من الأرقاء، كانت أبواب العتق والحرية إما موصدة تماما، أو ضيقة عسيرة على الولوج منها. وأمام هذا الواقع، اتخذ الإسلام منذ ظهوره طريق تحرير الأرقاء، وإلغاء نظام العبودية بنهج متميز، فهو لم يتجاهل الواقع، وأيضا لم يعترف به على النحو الذى يبقيه ويكرسه. لقد بدأ الاسلام بأغلاق أغلب الروافد التى كانت تمد نهر الرقيق بالمزيد منهم إلا أسرى الحرب المشروعة، والنسل إذا كان أبواه من الأرقاء، وحتى أسرى الحرب المشروعة، فتح أمامهم باب العتق والحرية {فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوتاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} محمد:4، فعندما تضع الحرب أوزارها، يتم تحرير الأسرى، إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى الأعداء. ومع إغلاق روافد الاسترقاق ومصادره التفت الإسلام إلى "كتلة" واقع الأرقاء، فسعى إلى تصفيتها بالتحرير، فحبب إلى المسلمين عتق الأرقاء تطوعا لتحرير الانسان من عذاب النار يوم القيامة. كما جعل عتق الأرقاء كفارة للكثير من الذنوب والخطايا. وجعل للدولة مدخلا فى تحرير الأرقاء عندما جعله مصرفا من المصارف الثمانية لفريضة الزكاة. يقول سبحانه {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقابا والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة:60. كما جعل الحرية هى الأصل الذى يولد عليه الناس، والرق هو الاستثناء الطارئ الذى يحتاج إلى إثبات، فمجهولو الحكم هم أحرار، وعلى مدعى رقهم إقامة البينات، وأولاد الأمة من الأب الحر أحرار وقد قيل: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟. كذلك، ساوى الإسلام بين العبد والحر فى كل الحقوق الدينية، وفى أغلب الحقوق المدنية، وكان التمييز فقط -فى أغلب حالاته- للتخفيف عن الأرقاء مراعاة للاستضعاف والقيود التى يفرضها الاسترقاق عليهم. فالمساواة تامة فى التكاليف الدينية، وفي الحساب والجزاء، وشهادة الرقيق معتبرة عند الحنابلة، وله حق الملكية فى ماله الخاص، والدماء متكافئة فى القصاص. وإعانته على شراء حريته -بنظام المكاتبة والتدبير- مرغوب فيها دينيا {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذى آتاكم} النور:33. وبعد أن كان الرق من أكبر مصادر الاستغلال والثراء لملاك العبيد، حوله الإسلام -بمنظومة القيم التى كادت أن تسوى بين العبد وسيده- إلى ما يشبه العبء المالى على ملاك الرقيق، فمطلوب من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق، بل والمطلوب منه -أيضا- إلغاء كلمة "العبد" و "الأمة" واستبدالها بكلمة " الفتى" و "الفتاة". بل لقد مضى الإسلام إلى ما هو أبعد من تحرير الرقيق، فلم يتركهم فى عالم الحرية الجديد دون عصبية وشوكة وانتماء، وإنما سعى إلى إدماجهم فى القبائل والعشائر والعصبيات التى كانوا فيها أرقاء، فأكسبهم عزتها وشرفها ومكانتها ومنعتها وما لها من إمكانات، وبذلك أقام نسيجا اجتماعيا جديدا عن طريق "الولاء" الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب " رواه الدارمى. حتى لقد غدا أرقاء الأمس "سادة" فى أقوامهم، بعد أن كانوا "عبيدا" فيهم. وقد قال عمر بن الخطاب -وهو من هو- عن بلال الحبشى الذى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه: سيدنا أعتق سيدنا! كما تمنى عمر بن الخطاب أن يكون سالم مولى أبى حذيفة حيا فيختاره فى منصب الخلافة؛ فالمولى الذى نشأ رقيقا قد حرره الإسلام، فكان إماما فى الصلاة وأهلا لخلافة المسلمين. ورغم انتكاس الواقع التاريخى للحضارة الإسلامية بعد عصر الفتوحات وسيطرة العسكر المماليك على الدولة الإسلامية، إلا أن حال الأرقاء فى الحضارة الإسلامية قد ظلت أخف قيودا وأكثر عدلا بما لا يقارن من نظائرها خارج الحضارة الإسلامية. عندما سعت أوربا فى القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام الرق وتحريم تجارته، لم تكن دوافعها -فى أغلبها- روحية ولا قيمية ولا إنسانية، وإنما كانت فى الأساس، دوافع مادية؛ لأن نظامها الرأسمالى قد رأى فى تحرير الرقيق سبيلا لجعلهم عمالا أكثر مهارة، وأكثر قدرة على النهوض باحتياجات العمل الفنى فى الصناعات التى أقامها النظام الرأسمالى. ولقد كان القرن الذى دعت فيه أوربا لتحريرالرقيق هو القرن الذى استعمرت فيه العالم فاسترقت بهذا الاستعمار الأمم والشعوب استرقاقا جديدا، لا تزال الإنسانية تعانى منه حتى الآن. أ. د/محمد عمارة

_ مراجع الاستزادة: 1 - معجم العلوم الاجتماعية مجمع اللغة العربية، ط القاهرة 1975م. 2 - دائرة المعارف الإسلامية ط القاهرة 1418هـ 1998م. 3 - تفسير النسفى ط القاهرة 1344 هـ. 4 - الإسلام والثورة د/محمد عمارة، ط دار الشروق، القاهرة 1988م

21 - الركاز

21 - الركاز لغة: قطع ذهب وفضة أو معدن تخرج من الأرض، وقال أهل العراق الركاز، المعادن كلها، وقال أهل الحجاز الركاز: كنوز الجاهلية، فأما المعادن فليست بركاز. قال أبو عبيد: وهذان القولان تحتملهما اللغة، لأن كلا منهما مركوز فى الأرض أى ثابت، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: اختلف الفقهاء فى حقيقته، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أن الركاز هو ما وجد من دفن الجاهلية بأن توجد عليه آثارهم، أو يعثر عليه فى قبورهم أو مبانيهم، وعلى هذا يختلف الركاز عن المعدن الذى هو جزء من الأرض. بينما يذهب أبو حنيفة إلى أن الركاز يشمل ما وجد من دفن الجاهلية، أو ما استخرج من باطن الأرض من المعدن سواء كان جزءا منها، أوتكون فيها بفعل مؤثرات جيولوجية متنوعة، فيوجد على هيئة عروق ممتدة، فيقطع الجزء الخاص بالمعدن منها، ويصفى من خلال أجهزة معينة مما علق به من شوائب، ولا تخرج زكاته إلا بعد تصفيته، وقد أوجب فى الجميع الخُمس. بينما أوجب الجمهور فى الركاز، وهو ما وجد من دفن الجاهلية، الخمس لسهولة استخراجه وقلة تكاليفه خلافا للشافعى الذى أوجب فيه ربع العشر، وأوجبوا فى المعدن ربع العشر، نظرا لكثرة ما ينفق على استخراجه وتصفيته من تكاليف. أما ما وجدت عليه علامة أهل الإسلام، أو فى المبانى الإسلامية، أو فى طرق المسلمين المستعملة فى حركتهم وتنقلاتهم، فإنه ليس بكنز جاهلى ولا يعطى حكم الركاز بل هو لقطة يجب أن تعرف سنة إن كانت قيمته ذات بال، وإلا فهو لواجده، وقد ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذين النوعين بحديثه الشريف "ما كان فى طريق مأتى أو فى قرية عامرة فعرفها سنة فإن جاء صاحبها، وإلا فلك، وما لم يكن فى طريق مأتى ولا قرية عامرة، ففيه وفى الركاز الخمس " (رواه النسائى) (2). وهذا القدر الواجب إخراجه يجب على واجده أيا كان معتقده أو حاله، أى سواء كان مسلما أو ذميا، كان صغيرا أم كبيرا، عاقلا أومجنونا. وهذا قول جمهورالفقهاء لعموم حديث (وفى الركاز الخمس) خلافا للشافعى الذى أوجبه فقط على من تجب عليه الزكاة. على أن ما يخرج من القدر الواجبه فى المعدن والركاز لا يشترط فيه مرور الحول بل يخرج كل منهما بمجرد العثور عليهما، وإمكانية الانتفاع بهما. وما بقى من الركاز بعد القدر الواجب فهو لواجده من مسلم، أو ذمى، أو غيرهما، شأنه شأن الغنيمة، بخلاف المعدن، فإنه بعد إخراج زكاته يكون لصاحب الأرض التى وجد فيها، إذ هو جزء منها عند جمهور الفقهاء. وأن كان بعض العلماء يرى أنه ملك الدولة وأن كانت هى التى ملكت الأرض التى وجد بها معدن أو الركاز لبعض الأفراد أو الهيئات (3). أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (ركز) طبعة دار المعارف. 2 - سنن النسائى بشرح الحافظ السيوطى 3/ 44 طبعة دار إحياء التراث العربى بيروت. 3 - المغنى لابن قدامة 4/ 231،245 دار هجر للطباعة والنشر القاهرة، والقوانين الفقهية لابن جزى ص110 عالم الفكر. مراجع الاستزادة: 1 - التفريع لعبد الله بن الحسين بن الحسن بن الجلاب 1/ 279. 2 - حاشية الشرقاوى على تحفة الطلاب لعبد الله بن حجازى بن إبراهيم الشرقاوى من ص346 إلى ص347 دار المعارف بيروت. 3 - كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس البهوتى 3/ 226 - 228 مكتبة النصر الحديثة الرياض

22 - الرهبانية

22 - الرهبانية لغة: رَهِبَ، يَرِهَبُ، رَهبّة ورهبا، ورَهَبا: خاف رَهِبَ الشىء: خافه تَرَهَّبَ الرَّجُلُ: صار راهبا يخشى الله. والراهب: المتعبد فى صومعة، وجمعه: رهبان، وجمع الراهبة: راهبات، ورواهب. والمصدر: الرهبة، والرهبانية. والرهبنة: اسم من معنى الراهب، أى اتخاذ طريق الرهبان. واصطلاحا: حياة دينية منعزلة عن المجتمع، سماتها: التقشف، والاستغراق فى العبادة وصورتها: حياة الفرد وحده منعزلا عن الناس، أو فى جماعة عزلت نفسها عن المجتمع فى الصحراء، أو فى بناء خاص يطلق عليه: الدير. وتدل الرهبنة فى مجال التاريخ الدينى والاجتماعى على شكل اجتماعى له الخصائص التالية: مجموعة من الرجال -أو النساء- يعيشون معا فى تجمعات صغيرة، داخل مجموعات أكبر، وتتصرف فيما تحت يدها على أساس أنه ملكية شائعة طبقا للتعاليم التقشفية التى التزموا بها، ويلتزمون فى جميع تصرفاتهم بما رسمه لهم الحبر الأكبر فى معزل عن إخوانهم فى العقيدة. ولا يرتبط ظهور الرهبنة بجنس خاص من البشر ولا تتعلق الرهبنة بلغة معينة، فهى ظاهرة عامة وجدت فى كثير من المجتمعات، وتأسست تحت عباءة أديان عدة على درجات متفاوتة، وبصور متعددة، إذ توجد فى الهندوسية، والبوذية، (وخاصة فى سيلان والتبت). وكان أول ظهورها بين المسيحيين فى مصر، وكانت فى صورة حياة داخل صوامع، تحولت فيما بعد إلى أديرة على يد " Basilius "(330-370) ثم أدخلها " Benedikt " (480-547) - الذى يعتبر أب الرهبنة الأوروبية- إلى أوروبا على شكل حياة فى أديرة خاصة منعزلة عن المجتمع. ظهرت الرهبنة فى التاريخ الدينى مرتبطة بالمسيحية، ويرجع المؤرخون السبب فى ظهورها بين المسيحيين إلى أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه، فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع، ودخلوا فيه، لزمهم تمامه، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه لزمه أن يتمه. كما استدل المسيحيون على شريعة الرهبنة بنصوص من العهد الجديد، إذ يكررون فى هذا الصدد ما جاء فى إنجيل متى على لسان عيسى عليه السلام: " ...... إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك، وأعط الفقراء، فيكون لك كنز فى السماء، وتعال اتبعنى" (19:21). وبعبارة وردت فى رسالة بولس إلى العبرانيين " ...... وهم لم يكن العالم مستحقا لهم: تائهين فى برارى، وجبال، ومغاير، وشقوق الأرض، فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان .... " (11:38 - 39). وقد دفعت هذه الكلمات كثيرا من المسيحيين إلى اللجوء إلى الأديرة، فأصبحت فى مصر مكانا لمن ليس له وطن أو مكان يستقر فيه وعنده شعور داخلى يدفعه إلى الزهد فى الحياة الدنيا، كما ظهرت جماعة من الزهاد المتجولين فى سوريا، اعتبروا أنفسهم المنقذين لمبادئ الرهبنة بكاملها. وتدل كتابات " Klement " الإسكندرانى (توفى قبل عام 215 م) على أن رجال الدين كانوا يرون: أن فى محيط الرهبنة يتثقف ويتخرج أحسن التلاميذ، ويعنون بذلك أن الرهبان هم القادرون على حمل الرسالة للآخرين، وهم النموذج الأمثل فى مجال التبشير بالمسيحية. ويرى " Origenes" (185-254) أن حياة الرهبان هى النموذج الكامل لحياة المسيح وتوجد الرهبنة عند كل الطوائف المسيحيه ما عدا الطائفة الإنجيلية (البروتستانت). وفى القرآن الكريم وردت كلمة رهبانية مرة واحدة فى قوله تعالى: { ...... وجعلنا فى قلوب اللذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ... } الحديد:27، أى أنهم ابتدعوا فى الدين ما لم يأمر به الله، ثم لم يلتزموا بما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل. وفى الحديث: (إن الرهبانية لم تكتب علينا) مسند أحمد قال ابن الأثير: هى من رهبنة النصارى، وأصلها من الرهبة، أى الخوف: كانوا يترهبون بالتخلى عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى أن منهم من كان يخصى نفسه، ويضع السلسلة فى عنقه. فنفاها النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها. وفى الحديث (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام.) (مسند أحمد). أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - تفسير القرآن العظيم: ابن كثير. 2 - المسند أحمد بن حنبل. 3 - Die Religion in Geschichte، herausgegebn von Kurt Karten، Tuebengen 1957

23 - الرهن

23 - الرهن لغة: يطلق على ما يفيد الثبوت والدوام على الشىء والارتباط به، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: عرفه الفقهاء بأنه حبس الشىء، بحق يمكن أخذه منه كالدين (2) وتتكون عناصره من: 1 - الراهن، وهو المدين صاحب الرهن، وشرط: أن يكون جائز التصرف فى المال بأن يكون بالغا عاقلا رشيدا مالكا للرهن، لازم من جهته متى تم قبضه. 2 - المرتهن، وهو الدائن بدين لازم، والرهن غير لازم من جهته لأنه أخذه للتوثق بدينه، فإن حصل التوثق من جهة أخرى غير الرهن فلا بأس من إعادة الرهن إلى راهنه. والرهن يوضع عند المرتهن إلى أن يسدد الدين، ويجوز الاتفاق على وضعه عند شخص أمين. 3 - الرهن، وهو الشىء المرهون وشرطه أن يكون فيه وفاء الدين حتى إذا لم يقم المدين بالسداد فى الموعد فإن الرهن يباع ويستوفى الدين من ثمنه. 4 - المرهون به، وهو الدين الذى يشترط فيه أن يكون لازما ولابد من معرفة قدره، وجنسه، وصفته. 5 - الصيغة، وهى الإيجاب والقبول. وقد جاء فى القرآن الكريم {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} البقرة:283، فقد أفاد النص الكريم أن الرهن المقبوض فى السفر يحل محل التوثق بالكتابة التى جرى الشرع والعرف على التوثق بها، وإنه وإن ذكر السفر فى الدين لكنه ليس على سبيل الاشتراط، بل إنه خرج مخرج الغالب، إذ يغلب فى السفر عدم وجود أدوات الكتابة مع حصول النسيان والتعرض للموت فيه (3)، وقد ورد جواز الرهن فى الحضر بما روته عائشة رضى الله عنها قالت "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودى طعاما ورهنه درعا من حديد" رواه مسلم (4). واستغلال الرهن مدة الرهن إنما يكون من قبل المرتهن لحساب الراهن، ولا يأخذ من عائد الاستغلال إلا قدر نفقته عليه إن كان يحتاج إلى نفقة، لقوله عليه الصلاة والسلام (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يشرب ويركب النفقة) رواه البخارى. أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (رهن) طبعة دار المعارف. 2 - التعريفات للجرجانى ص163 ط الكتب العلمية بيروت. 3 - حاشية الصاوى على تفسير الجلالين 1/ 126 ط مصطفى البابى الحلبى. 4 - صحيح مسلم 11/ 40 مع شرحه للإمام النووى، طبعة دار الفكر بيروت. 5 - صحيح البخارى 9/ 69 طبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر. مراجع الاستزادة: 1 - الروض المربع ليونس بن منصور البهوتى 2/ 191 - 195 دار الفكر بيروت. 2 - الكافى لابن عبد البر ص140 - 141 دار الكتب العلمية بيروت. 3 - المهذب لإبراهيم بن على الفيررزآبادى 1/ 305 - 328 طبعة عيسى الحلبى

24 - رواة الحديث

24 - رواة الحديث لغة: رَوَى البعيرُ الماءَ يَرْويه من باب رَمى: حَمَله، فهو راوية، والهاء فيه للمبالغة (1). واصطلاحا: رواة الحديث هم الذين يحملونه وينقلونه إلى غيرهم، وهو مأخوذ من المعنى اللغوى السابق. وكان العرب قبل الإسلام يتحملون الشعر وينقلونه، وسُمُّوا رواة (2)، فلما جاء الإسلام حفظ المسلمون القرآن الكريم ونقلوه، وكذلك حفظوا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعاقب الأجيال على ذلك. وفى القرآن الكريم ما يدعو الرواة إلى تمحيص الأخبار والتثبت فيها عندما يروونها وتُروَى لهم. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (الحجرات 6). وقد حثَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على سماع حديثه وحفظه، ثم روايته حتى تستفيد منه الأجيال المتعاقبة فقال - صلى الله عليه وسلم -: " نضَّرَ الله امرأً سمع مقالتى فوعاها، وحفظها، وبَلَّغها، فرُبَّ حاملِ فقه إلى من هو أفقه منه " (3). وقال - صلى الله عليه وسلم - واصفا ومرشدا ما يكون من أمر سنته- وهو أنها تنقل بسماع الرواة بعضهم من بعض- " تسمعون ويُسمَع منكم، ويُسمَع ممن يَسمع منكم " (4). وحذر - صلى الله عليه وسلم - الرواة من الكذب عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث المتواتر: "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (5). فامتثلت الأمة ما أمرها به نبيها - صلى الله عليه وسلم - وندبها إليه، وبادرت إلى نقل سننه، وحافظت عليها، واستمر العمل بها خلفا بعد سلف، وتنوعوا فى حفظها وضبطها كابرا عن كابر فهم كما وصفهم نبيهم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدولهُ، ينفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين " (6). ومن هذا التوجيه النبوى وقبله القرآن الكريم نشأت الشروط التى تُشتَرَط فى رواة الحديث كى يؤدَّى الحديث آداءً صحيحا. واشترط فى رواة الحديث بعضهم عن بعض أن يكونوا مسلمين بالغين عدولا ضابطين والعدالة هى: التقوى والمروءة. والمراد بالتقوى: اجتناب الراوى للأعمال السيئة من فسق وبدعة (7). والمراد بالمروءة: اجتناب ما يُذم به عرفا من الأخلاق المذمومة (8). أما الضبط فهو أن يكون الراوى حافظا لحديثه منذ تحمله إلى أن يؤديه آداءً سليما. ويتنوع الحفظ إلى حفظ صدر وإلى حفظ كتاب (9). وتوافر العدالة والضبط أو عدم توافرهما يجعل الرواة على مستويات أو مراتب متفاوتة، وبالتالى تتفاوت أحاديثهم، ومن هنا كان هناك رواة الأحاديث الصحيحة، ورواة الأحاديث الحسنة، ورواة الأحاديث الضعيفة، ورواة الأحاديث الموضوعة، مما هو مفصل فى علم الجرح والتعديل. وهناك المصطلحات التى تطلق على كل مستوى أو مرتبة. فرواة الأحاديث الصحيحة تطلق عليهم عبارات تنبئ عن العدالة والضبط التامَّين كقولهم: "ثقة". ورواة الأحاديث الحسنة تطلق عليهم عبارات تنبئ عن ضبط أقل من سابقتها كقولهم: "لا بأس به "، وهكذا، فهناك مراتب للتعديل ومراتب للجرح (10). كما وضع هؤلاء الرواة فى طبقات، تبعا لوجودهم فى الأزمنة المختلفة (11). وصُنِّفت الكتب التى تبين أحوال كل راوٍ وشيوخه الذين أخذ عنهم، ومن أخذوا عنه، وغير ذلك مما هو مفيد فى توثيق السنة، وبيان صحيحها وضعيفها وموضوعها، واتصال بعض الرواة ببعضهم وعدم اتصالهم (12). أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - القاموس المحيط وشرحه تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح المنير، مادة (روى). 2 - ومن ذلك حديث عائشة: تَرَوَّوْا شعر حُمَيد بن المُضِّرب، فإنه يعين على البر (تاج العروس مادة روى، وفى اللسان حجية ابن المضرب). 3 - رواه الترمذى من حديث ابن مسعود، وقال: حسن صحيح (42 كتاب العلم- 7 باب ما جاء فى الحث على تبليغ السماع رقم: 2657) (سنن الترمذى- طبعة دار الغرب الإسلامى- ط (2) 1988 م). 4 - رواه الحاكم فى المستدرك، 1/ 95، عن ابن عباس، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وليس له علة، ووافقه الذهبى (طبعة دار الفكر- بيروت- 1398 هـ- 1978 م) 5 - هو متفق عليه، البخارى، 3461، وقد أورد له السيوطى فى كتابه "تحذير الخواص" أكثر من سبعين رواية عن أكثر من سبعين صحابيا، ص 9 - 63. 6 - رواه العلائى فى كتابه بغية الملتمس من حديث أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، ونقل عن الإمام أحمد أنه صحيح، ص 34 - 36 - ط 1، 1405 هـ- 1985 م، عالم الكتب، بيروت) 7 - شرح نخبة الفكر، ص: 53 (على القارى- دار الكتب العلمية- بيروت- 1398 هـ- 1978 م). 8 - توضيح الأفكار، للصنعانى، ص: 119، (محمد بن إسماعيل الأمير الصنعانى، (ت 1182هـ) - ط 1، 1366 هـ مكتبة الخانجى، القاهرة. 9 - شرح نخبة الفكر، ص: 53. 10 - تقريب التهذيب، ص 80 - 81، أحمد بن على بن حجر العسقلانى، 773 - 852 هـ، دار العاصمة- الرياض- ط 1، 1416هـ، ابن أبى حاتم ومصادره، ص: 217 - 244، د/ رفعت فوزى- مكتبة الخانجى- القاهرة 1415 هـ- 1994 م. 11 - تقريب التهذيب، ص: 81 - 82. 12 - المصنفات فى الرواة أكثر من أن تحصى، ولكن من أهمها: التاريخ الكبير، للبخارى، والجرح والتعديل، لابن أبى حاتم، وتهذيب الكمال للمزى، وتقريبه لابن حجر، وسير أعلام النبلاء، للذهبى.

25 - الروح

25 - الروح اصطلاحا: قال العلماء: لا نعلم حقيقتها وهو مما جهل العباد بعلمه مع التيقن بوجوده بدليل قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء 85) ووجود الروح أمر متفق عليه فى كل الأديان السماوية، كما قال اليهود لقريش: اسألوا محمدا عن ثلاثة أشياء فإن أخبركم عن شيئين وأمسك عن الثالث فهو نبى، اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح. ولا يلزم عن عدم العلم بحقيقتها المخصوصة نفيها مطلقا وهذا هو المراد بقوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء 85). والروح عند أهل السنة هى عبارة عن ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجىء وتتحرك وتسكن وهذا ما جاء فى القرآن الكريم حيث قال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم} (الأنعام 93) وقال تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعى إلى ربك راضية مرضية. فادخلى فى عبادى. وادخلى جنتى} (الفجر 27 - 30) وهذا يقال لها عند المفارقة للجسد، وقال تعالى: {ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها} (الشمس 8 - 9). ولقد سوى الله تعالى البدن كما سوى النفس، بل سوى البدن كقالب للنفس، فتسوية البدن تابع لتسوية النفس والبدن موضع لها، ومن هنا نعلم أنها تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها، فيتأثر البدن وينتقل عنها فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها، والنفس أيضا تكتسب الطيب والخبث من البدن، فأشد الأشياء ارتباطا وتناسبا وتفاعلا، وتأثرا من أحدهما بالآخر الروح والبدن، ولهذا يقال لها عند المفارقة: اخرجى أيتها النفس الطيبة، التى كانت فى الجسد الطيب واخرجى أيتها النفس الخبيثة التى كانت فى الجسد الخبيث. والروح عند الفلاسفة عبارة عن نور روحانى آلة للنفس كما أن السرَّ آلة لها أيضا، فإن الحياة فى البدن إنما تبقى بشرط وجود الروح فى النفس. وقيل: إن النفس جسم كثيف والروح فيه جسم لطيف، والعقل فيه جوهر نورانى، وقيل: إن الروح لطيف مودع فى القلب منه الأخلاق والصفات المحمودة. وأما الصوفية فالروح عندهم خفى لذا يسميه السالكون بالأخفى. فقيل: إنه نور لطيف من السر والروح، وهو أقرب إلى عالم الحقيقة وثمة روح آخر ألطف من هذه الأرواح. والقائلون بتجرد الروح يقولون: الروح جوهر مجرد متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، وإليه ذهب أكثر أهل الرياضيات وقدماء المعتزلة وبعض الشيعة وأكثر الحكماء، وهى النفس الناطقة. والروح عند الأطباء عبارة عن جسم لطيف بخارى يتكون من لطافة الأخلاط وبخاريتها كتكون الأخلاط من كثافتها وهو الحامل للقوى الثلاث، وبهذا الاعتبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - روح حيوانى 2 - روح نفسانى 3 - روح طبيعى. وقد أجمع المسلمون على أن الروح مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، ولذلك فلا يمكن أن يحوم حولها حائم ولا يروم وصلها رائم، لا يعلم كنهها إلا الله تعالى. والروح حادثة وليست قديمة ويظهر أنها تحدث بعد تسوية الجسم، وتتصل به، وتحل فيه، وهو جنين. كما جاء ذلك فى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " إن أحدكم يُجْمَعُ نطفة فى بطن أمه أربعين يوما. ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَةً مثل ذلك. ثم يرسل الله تعالى الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقى أم سعيد" (رواه مسلم). والروح والنفس معناهما واحد، يقول تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} (الزمر 42). وقد ذكر القرآن النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة والنفس المطمئنة. والروح بعد مفارقتها للجسد يكون الموت. وتبقى هى مدركة تسمع من يزورها، وتعرفه، وترد عليه السلام وتحس لذة النعيم، وألم الجحيم. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - الروح، لابن قيم الجوزية، طبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 2 - التعريفات، للجرجانى ص 100، طبعة الحلبى. 3 - دائرة المعارف، للبستانى 8/ 731، طبعة دار المعرفة، بيروت. 4 - مقالات الإسلاميين، للأشعرى، طبعة دار الثقافة، القاهرة. 5 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى، طبعة مؤسسة الرسالة بيروت.

26 - الرؤيا

26 - الرؤيا لغة: على وزن فُغلَى غير منصرف لألف التأنيث، وهى ما رأيته فى منامك قال الليث: لا تجمع الرؤيا، وقال غيره: تجمع الرؤيا على رؤى كما يقال عليا وعلىَّ كما فى اللسان (1). واصطلاحا: ورد فى القرآن {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين. قال يابنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين} يوسف:4،5، كما جاء فى سورة يوسف أيضا رؤيا الفتيين، ورؤيا الملك فى أكل السبع البقرات السمان للسبع العجاف (2) ورؤيا إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده (3). وقد ورد فى السنة الكثير من الحديث عن الرؤيا ونكتفى منها بحديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة. والرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس ... ) رواه مسلم (4). وقد وردت عدة روايات فى هذا الحديث جاءت بلفظ (من ست وأربعين جزءا من النبوة) وفى رواية من حديث ابن عمر رضى الله عنهما (من سبعين جزءا من النبوة) وجميع هذه الرؤايات أخرجها مسلم فى صحيحه (5) وقد نقل عن ابن عبد البر، أن الاختلاف فى مقدار الجزء إنما هو بحسب يقين الرائى، وإخلاصه، ودرجة تقواه، كما أن الأنبياء يتفاضلون (6). وبالجملة فإن أهل العلم يتفقون على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى وأن التصديق بها حق، وتحتاج إلى التأويل الحسن، ولا ينبغى أن تعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل كما أن فيها من بديع صنع الله وجميل لطفه ما يزيد المؤمن فى إيمانه، ولم ينكرالرؤيا إلا أهل الإلحاد من قدامى ومحدثين، وشرذمة من المعتزلة حيث إنهم لينسبونها إلى ما يغلب على الإنسان من الطبائع الأربعة فإن غلبت السوداء عليه رأى السواد والأهوال، وان غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والمعصفرات وإن غلب عليه البياض رأى المياه والأنهار، وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والمعازف (7) قال الكرمانى فى الرؤيا ثمانية أقسام، سبعة لا تعبر وواحد يعبر، حيث أضاف إلى الأربعة السابقة خامسا: وهو الرؤى المنعكسة عما يجول فى النفس فى حالة اليقظة. وسادسا وهو ما كان من رؤى الشيطان ويعرف بكونه يأمره بمنكر وينهاه عن المعروف. وسابعا وهو ما كان من قبيل الاحتلام. أما الرؤيا التى تعبر فهى ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ من أمور دنيا الرائى وأخراه (8) وعلى ذلك فما قاله الملحدون ومن معهم إنما هو نوع من الرؤيا وليس هو كل الرؤيا بل هو يدخل فى أضغاث الأحلام التى آشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه مسلم (9). أما الأحكام الفقهية التى تلقى فى الرؤيا وكانت مخالفة للأحكام المستقرة فى الشريعة الإسلامية فإنه لا يعمل بها قال الإمام القرافى: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقال له مثلا: إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم بأنه لم يطلقها. فالذى يظهر أن إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اليقظة مقدم على الخبر فى النوم لتطرق الاحتمال للرائى بالغلط فى ضبط المثال ولو قال له: عن أمر حرام إنه حلال، أو عين حكما من الشريعة، قدمنا ما ثبته فى اليقفلة على مارؤى فى النوم لما ذكرنا، كما إذا تعارض خبران من أخبار اليقظة فإننا نقدم اللأرجح (10). فإذا تعلقت بشىء من فضائل الأعمال وقد عبرها أحد العلماء بالتأويل فالظاهرأنه يعمل بمقتضاها إذا لم تتعارض مع حكم منصوص عليه، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت فى السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها فى السبع الأواخر) رواه البخارى (11). وهذا فى غير رؤيا الأنبياء لأن رؤيا الأنبياء حق فقد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضاها حينما رأى أنه يدخل المسجد الحرام، كما عمل إبراهيم عليه السلام بمقتضاها حينما رأى أنه يذبح ابنه كما هو معلوم ومفصل فى القرآن الكريم. أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب، لابن منظور مادة (رأى) طبعة دار المعارف. 2 - انظر الآيات 36،43 من سورة يوسف. 3 - انظر الآية 103 من سورة الصافات. 4 - صحيح مسلم 7/ 50 طبعة الشعب. 5 - صحيح مسلم 7/ 51 - 52 - 53 - 54 طبعة الشعب. 6 - الجامع لأحكام القرآن ص235 للقرطبى طبعة الشعب. 7 - تعطير الأنام فى تعبير المنام 11/ 3 لعبد الغنى النابلسى ط. عيسى الحلبى. 8 - الذخيرة للقرافى 13/ 275 ط دار الغرب الإسلامى. 9 - صحيح مسلم 7/ 50 طبعة الشعب. 10 - الذخيرة للقرافى 13/ 273

27 - الرؤية

27 - الرؤية لغة: يقال رؤية العين ورؤيا العين، ما تراه الباصرة، وجمع الرؤية رُؤَى. ورؤية العين معاينتها للشىء، وهى تتعدى إلى مفعول واحد، وإن كانت بمعنى العلم فإنها تتعدى إلى مفعولين، وقال ابن سيده: الرؤية النظر بالعين وبالقلب، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: الرؤية بالعين، هى إدراك الأشياء بحاسة البصر وعليها المعول فى الشهادة، ففى حديث ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم. قال: على مثلها فاشهد أو دع (أخرجه البيهقى فى سننه والحاكم فى مستدركه) (2). لذلك رد كثيرمن الفقهاء شهادة الأعمى مطلقا لأن مبنى الشهادة على المشاهدة، وهو لا يشاهد، وبعضهم ردها فى خصوص الشهادة على الأشياء التى تحتاج إلى مشاهدة، وأجازها فيما يمكنه التعرف عليه بلمسه أو ذوقه أو شمه أو سماعه. وقد أوجب الشارع على من اعتدى على آخر بالضرب على رأسه فأذ هب الرؤية من حاسة بصره ولو بقى جرم العين سليما - فإنه يقتص منه بمثل ما فعل، إن كان قد فعل ذلك به عمدا عدوانا، وإلا بأن كان خطأ، فتجب فيه الدية كاملة، فإن ذهبت رؤية إحدى العينين فنصف الدية. وعن رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة ذهب أكثر العلماء إلى أن قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} القيامة:22 - 23، يبشر المؤمنين برؤية ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وذلك لاقتران النظر بلفظ إلى وقد قال تعالى {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} المطففين:15، ومفهوم ذلك أن المؤمنين لايحجبون منها (3)، وأن هذه الرؤية هى الزيادة التى وعد الله تبارك وتعالى بها المؤمنين من أهل الجنة فى قوله جل شأنه {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس:26. وفى رواية صهيب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظرإلى ربهم عز وجل) رواه مسلم (4) كما ثبت فى مسلم أيضا أنهم يرونه كما يرون الشمس بالظهيرة صحوا والقمر ليلة البدر صحوا (5). وأما رؤية الله تعالى فى الدنيا فيقول الجمهور من أهل السنة بجواز وقوعها مستدلين لسؤال موسى عليه السلام فى قوله جل شأنه {قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} الأعراف:143، فبعد أن سمع موسى عليه السلام كلام ربه اشتاق لرؤيته ولم يطلب منه أن يريه آية، أو أنه طلبها ليعلم قومه الذين طلبوها منه أنها مستحيلة، كما يقول بذلك المعتزلة، وغيرهم ممن ينكر ذلك مستدلين بقوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} الأنعام:103. وقد رد ذلك بأن الإدراك المنفى فى الآية هو بمعنى الإحاطة والحصر، وليس مجرد النظر والرؤية. ومبنى الاستدلال من الجمهور أن موسى عليه السلام لو لم يعلم جواز وقوع الرؤية فى الدنيا لما طلبها إذ يبعد ألا يعلم ما يجوز فى حق الله تعالى وما يستحيل، لكن المولى عز وجل منعه منه رحمة به، لأن خلقه لا يقوى على المعاينة فقد دل على ذلك بأنه سبحانه سيتجلى للجبل وهو أقوى منه وأصلب، ثم أراه الجبل ولم يثبت، وذلك حتى يطيب نفسا، وأن حجبه عن الرؤية إنما كان رعاية له ورحمة به، وهذا هو رأى الأكثر، لكن نقل القاضى عياض عن الإمام محمد بن الطيب المشهور بأبى بكر الباقلانى شيخ علماء عصره ببغداد أن موسى عليه السلام رأى الله تعالى فلذلك خر صعقا وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلق الله له، مستنبطا ذلك من قوله تعالى {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى} الأعراف:143. ومن هنا وجد الخلاف فى مقولة رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج حيثه اشتهر القول عند ابن عباس وأبى بن كعب وأنس بن مالك والحسن وعكرمة وأبى الحسن الأشعرى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه مستدلين لقوله تعالى {ما كذب الفؤاد ما رأى} النجم:11، وأنكرت عائشة رضى الله عنها رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه بعينه وقالت: من قال إن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ذلك (نورأنى أراه) (6). وفى رواية أخرى أخرجها مسلم أيضا قال: (رأيت نورا) (6) وهذا هو المشهور عن ابن مسعود حيث قال المراد هو رؤية محمد لجبريل عليه السلام على هيئته العظيمة التى خلقه الله عليها إذ لم يره بهذه الخلقة حيث سد الأفق بجناح واحد حين فرده من أجنتته الستمائة إلا مرتين وهما اللتان أشار إليهما المولى تبارك وتعالى فى قوله عز شأنه {ما كذب الفؤاد ما رأى} وفى قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى} النجم:13،14. أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (رأى) طبعة دار المعارف. 2 - نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية للزيلعى، ط 2 المكتبة الإسلامية 4/ 82 بيروت وقال: الحديث أخرجه البيهقى والحاكم وصححه، ولكن بعض العلماء ضغفه. 3 - الأربعين فى أصول الدين للرازى ط1 مكتبة الكليات الأزهرية ص93،295. 4 - صحيح مسلم ط الشعب 1/ 112. 5 - صحيح مسلم ط الشعب 1/ 115. 6 - صحيح سلم ط الشعب 1/ 111

28 - الرياء

28 - الرياء لغة: من المراءاة وهو الاتصاف بالخير والصلاح على خلاف ما عليه صاحبه، راءى: عمل الشىء رياء وسمعة. (1) واصطلاحا: ترك الإخلاص فى العمل بملاحظة غير الله فيه (2) وقيل هو: إظهار الطاعة للناس ليحسنوا بها إلى صاحبها (3) وقيل: الرياء إرادة العبد العباد بطاعة رَبّه (4). ولقد شدد الإسلام النكير على من يتخلق بالرياء، لأنه ينافى الإخلاص فى العبادة لله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة 5) فالرياء يحبط ثواب الأعمال والطاعات، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس} (البقرة 264) وقال تعالى متوعدًّا المراءين بالويل: {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون. ويمنعون الماعون} (الماعون 4 - 7) ويخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أناس يبدو لنا من حالهم فى الدنيا الاستشهاد أو العلم أو الإنفاق، ولكن حقيقة أمرهم ليست كذلك؛ لأنهم أبطلوا ثواب أعمالهم بالرياء، فعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جرىء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فى النار ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلّمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم! وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ! فقد قيل، ثم أمر فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقى فى النار " (رواه مسلم فى صحيحه) وقد وردت آثار عن الصحابة- رضوان الله عليهم- فى النهى عن الرياء منها ما روى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه رأى رجلا يطأطئ رقبته قال: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع فى الرقاب إنما الخشوع فى القلوب. (5) والإسلام لم يحرم المسلم من فضل ثناء الناس عليه، ما دامت نيته- أساسا- خالصة لوجه الله تعالى، لأنه فى هذه الحالة يكون ثناء الناس عليه دليلا على رضوان الله عز وجل. فعن أبى ذر - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" (رواه مسلم) ولقد اهتم الصوفية ببيان حقيقة الرياء وذمّه وتوضيحه حتى لا يقع فيه الناس، حيث درسوه بعمق فى مؤلفاتهم، وقد أفردوا له صفحات طوال مثلما فعل أبو طالب المكى فى كتابه "قوت القلوب" والمحاسبى فى كتابه "الرعاية لحقوق الله " والغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " والديلمى (ت 589 هـ) فى كتابه " إصلاح الأخلاق ". (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مادة (رأى) 1/ 370 2 - التعريفات، للجرجانى، ص 70 ط البابى الحلبى 1938م، القاهرة 3 - إصلاح الأخلاق ومفتاح الأغلاق، محمد بن عبد الملك الديلمى (مخطوط بمعهد المخطوطات العربية) 4 - الرعاية لحقوق الله، الحارث المحاسبى ص 131 ط دار المعارف 1984 م. 5 - إحياء علوم الدين، للغزالى،3/ 314 ط الريان للتراث، القاهرة 1987 م.

_ المراجع 1 - الأخلاق فى الإسلام، د/ عبد اللطيف العبد ط 1 مكتبه دار العلوم 1985م. 2 - الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهانى، تحقيق د/ أبو اليزيد العجمى، ط دار الوفاء المنصورة. 3 - مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق، ابن حزم- تحقيق د/ عبد الرحمن عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة 1970م. 4 - التربية الأخلاقية الإسلامية، د/ مقداد يلجن- ط الخانجى، القاهرة 1977م

29 - الرياضة

29 - الرياضة لغة: فعالة من راض. واصطلاحا: يقصد بها رياضة النفس عن متابعة الأهواء، وتسخيرها فى ملازمة حدود الشرع، بمعنى أن الرياضة عملية تربوية تهدف إلى السيطرة على غرائز الإنسان الحيوانية والتسامى بها إلى الروحانيات. وارتبط مصطلح الرياضة بالصوفية ويعنى عندهم المجاهدة، وقيل إن الرياضة ملازمة الصلاة والصوم والمحافظة عن الآثام، وسد باب النوم والبعد عن صحبة القوم للاعتزال. واعتبر الصوفية أن الحرمان أساس كل رياضة ومجاهدة، وأخذوا من الجوع وسيلة لذلك، وباعتيادهم الجوع بلغوا ما يصبون إليه من صفاء النفس وغلبة الروح على الجسم، وأحيانا يغالون فى ذلك حتى زعموا أن الصوفى الذى بلغ هذه الدرجة من الصفاء بسبب كثرة الرياضة والمجاهدة يمكن أن تصدر عنه العجائب والخوارق. والسالك فى طريق التصوف يسلك رياضة تنقله من منزلة عبادة إلى منزلة أعلى منها، والسالك هو المنتقل من مقام إلى مقام، وهذا الطريق الذى يسكن بالرياضة لابد أن يمر فيه بمراحل متعددة تسمى المقامات كى تصل فى النهاية إلى غايته وهو الله، ويشبه ذلك بمن يبدأ رحلة سفر بطريق ما واضعا نصب عينيه المشقة التى تقوم على الرياضة. وينتقل السالك برياضته عبر مقامات فى طريقه إلى ربه، وسمى المقام مقاما لثبوته واستقراره عليه، والمقام يأتى ببذل المجهود، فهو من المكاسب وهى رتب ودرجات معنوية يتدرج فيها السالك، وتقوم الرياضة على استخدام أساليب سلبية، ووسائل إيجابية، فالسلبية هى التخلص من آفات النفس، وهذا يتم أولا، أما الإيجابية فهى التزود بما يتحلى به الصوفى فى رحلته من الأذكار والصلاة والعبادات فيطلق عليه التخلى والتحلى. والصوفى فى رياضته تلك يمر بمقامات هى: التوبة والورع والزهد والفقر والتوكل ثم الرضا، والصوفية لا يصلون إلى غاية الطريق ونهايته إلا عبر الرياضة والترقى، فلا يصح أن يقف الصوفية عند مقام أو مقامين، بل لابد من تخطى كل المقامات. وقد سئل أحد الشيوخ عن الفرق بين طريقة الإمام أبى الحسن الشاذلى التى تقوم على الشكر لله بلا مشقة، وبين طريقة الإمام الغزالى التى مدارها الرياضة، فأجاب: إن طريق الشكر هو الأصل، وأضاف إليه أهل الرياضة الفتح والكشف والجوع والسهر والصيام ودوام الخلوة، أى مختلف الرياضات حتى حصلوا على ما حصلوا عليه. والشكر يتعلق برياضة القلوب والتزام الوقوف على بابه تعالى، أما الرياضة فتتعلق برياضة الأبدان من صوم وجوع وسهر بالإضافة إلى رياضة القلوب. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - قواعد التصوف، أبو العباس أحمد بن أحمد بن زروق، تحقيق محمد زهرى النجار مكتبة الكليات الأزهرية، مصر. 2 - معجم ألفاظ الصوفية، د. حسن الشرقاوى مؤسسة مختار، القاهرة سنة 1987م. 3 - التصوف الإسلامى الصحيح، عبد العزيز أحمد منصور، القاهرة سنة 1996م. 4 - التصوف الإسلامى، د. فيصل بدير عون، مكتبة سعيد رأفت، جامعة عين شمس (د. ت)

الزاي

1 - الزاجل اسم يطلق على ضرب من الحمام يرسل إلى مسافات بعيدة (1)، وهو نوع متميز استخدم فى نقل الرسائل منذ عهد قديم كما استخدم فى أوقات الحروب، وتكتب الرسالة - التى ترسل عن طريقه - على ورق رقيق يودع فى أنبوبة معدنية أو غابة مثقوبة تحملها الحمامة حول عنقها أو تربط إلى ساقها، وتقطع الحمامة الزاجلة مئات الأميال، وتعود إلى المكان الذى سرحت منه وقلما تضل طريقها حتى فى الظلام، وكان العرب يدعونه "حمام البريد" وكان بعضه يباع فى أسواق بغداد والقاهرة بآلاف الدراهم. والحمام بوجه عام نوع من الطيور منها الأليف ومنها البرى، ويطلق العرب اسم الحمام على أنواع أخرى من الطيور، كاليمام والقمرى أو الحمامة المنزلية فهى أكثر أنواع الحمام انتشارا، وتربى فى أبراج أو أقفاص. أما عن رأس الحمامة فهى صغيرة ولكل عين ثلاثة جفون؟ ولذلك يضرب بها المثل فى حدة البصر، وللحمامة ثلاث وعشرون ريشة فى كل جناح واثنتا عشرة ريشة فى الذنب، لهذا يبدو أطول من حقيقته. أما عن غذائها فتتغذى بالحبوب وفتات الخبز، وتضع أنثى الحمام بيضتين فى كل مرة تحتضنها بالتناوب مع الذكر، ويفرخ البيض بعد تسعة عشريوما فراخا فتغذيها الأم بمنقارها. والحمام البرى ينتشر فى الصيف طلبا للقوت، ويفرخ فى الربيع، ويصطاد بالشباك أو بقيادته إلى برج من أبراج الحمام بدليل أليف من نوعه (2). أ. د/عبد الله جمال الدين

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1998م ص286. 2 - دائرة المعارف الحديثة أحمد عطية الله القاهرة 1951م ص162

2 - الزاوية

2 - الزاوية ويقصد بها المسجد غير الجامع وجمعها زوايا (1). اصطلاحا: محل تثقيف العقول دينيا وأدبيا، وتكون مسماة باسم أحد المرابطين على اصطلاح المغاربة (2). وهى عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافق، وهى مسكن الشيخ ومسجد ومكان للضيافة وحجرات لساكنى الطلاب ومحل لإيواء اللاجئين إلى الزاوية ... وتدور هذه المرافق حول الفناء الذى كان محط رجال القوافل، وبه بئر للسقيا ومخزن للمتاع ... ولكل زاوية شيخ يقيم الصلاة، ويعلم الأولاد، ويباشر عقود النكاح، والصلاة على الجنائز. وانتشرت الزوايا فى برقة وطرابلس وظهر أثرها واضحا حيث زحف الإسلام بواسطة هذه الزوايا نحو الجنوب حتى بحيرة تشاد ووسط إفريقيا (3). وفى الجزائر يدفع التلميذ عند أول قصده إتمام الدراسة - إذا كان ولدا - نحو 30 فرنكا، أما إذا كان أهله أولى ثروة فيقدمون هدايا كثيرة مساعدة للزاوية، وكثيرا ما يبذل الزوار الأغنياء الأموال الجزيلة، وبذلك قد صار لها ريع كثير من الأوقاف (4). على أن صاحب كتاب الطبقات (1) سماها خلوة وكان ينشئها البعض من أهل اليسار فى السودان، ويؤجر فقيها يقرر له راتبا معينا ويطلب منه هذه المهمة الجليلة، وفى بعض الأحايين كان ينشئها البعض من حفظة القرآن الكريم أو يشترك فى إنشائها أهل البلدة جميعا (2). أ. د/عبد الله جمال الدين

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز ص297. 2 - دائرة المعارف البستانى 1/ 161. 3 - موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى 4/ 406،408. 4 - البستانى 9/ 161 - 162. 5 - كتاب الطبقات فى خصوص الأولياء ضيف الله ص150. 6 - سودان وادى النيل فى ظل الإسلام أحمد الحفناوى ص245،246

3 - الزجل

3 - الزجل اصطلاحا: نوع من الشعر تغلب عليه العامية. ويعد من فنون الأدب الشعبى، ومن أبرز الذين نظموا فيه شاعر العامية الأول بيرم التونسى، وهو (مولد). "وفن بيرم يمتاز بخصوصية، ينفرد بها دون جميع الآثار الأدبية التى بين أيدينا، وهي النفوذ واتساع دائرة المخاطبة، ولم أر أدبا يشترك العامة والخاصة فى تذوقه، واستظهار أطايبه كأدب بيرم، وذلك لما يمتاز به من الجمال، والواقعية، وصفاء الرؤية ومعايشة الأحداث التى مرت بنا، وتعقبها وتسجيلها، من الزاوية التى يسقط عليها بحسه الفنى، ثم يقدمها من خلال نظرته الساخرة، ولقد قال أمير الشعراء أحمد شوقى "إنى لا أخاف على الفصحى إلا من أزجال بيرم ". ومن نماذج الزجل الجيد قول بيرم التونسى يهاجم المجلس البلدى فى وقت الاستعمار فيقول: يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم للمجلس البلدى كأنَّ أمى بلَّ الله تربتها أوصت فقالت أخوك المجلس البلدى وكما أن هناك أدبا لا يكتب إلا بالفصحى كالقصيدة التقليدية، والمقال الأدبى، والدراما التاريخية، فإن هناك أدبا لا يكتب إلا بالعامية كالزجل والموال، والحواديت الشعبية .. وما إلى ذلك من فنون الأدب الشعبى. وسيبقى أدب العامية، إلى جانب أدب الفصحى، طالما بقيت هذه الظاهرة اللغوية، وطالما كانت للحياة اليومية البيئية لغة، وللكتابة الرسمية لغة. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع: 1 - المعجم الوسيط، مادة زجل، 1/ 403 ط مجمع اللغة العربية، القاهرة. 2 - ديوان بيرم التونسى- دار العودة بيروت 1985م- 1405 هـ.

4 - الزخرفة

4 - الزخرفة لغة: مفعول الزُّخرُف وهو الذهب، أو الزينة وكمال حسن الشىء لسان العرب. واصطلاحا: إضفاء الجماليات على الأشياء باستعمال الأشكال الهندسية والنباتية ودون إدخال صور الكائنات الحية فيها. وقد تعددت الزخارف الهندسية والنباتية فى العمارة الإسلامية بأشكال وأنماط وألوان متعددة مستمدة من الموروث الحرفى الذى تتميز به الأقطار المختلفة من العالم الإسلامى. فقد تشكل من الحجر كما فى مصر، أو من "الطابوق" كما فى العراق، أو من الخزف كما فى إيران. وتطبق الزخارف على الأرضيات أو الحوائط أو الأسقف والقباب، وعلى الأقمشة والسجاد والأعمال الخشبية والحديدية والنحاسية؟ لتزيينها، وإضفاء مسحة من الجمال عليها. وقد أدخلت الزخرفة على العمارة الإسلامية فى مراحل ما بعد صدر الإسلام عندما انتشرت على ربوع الأرض شرقا وغربا، وقد تأثرت الزخارف بمعطيات الحضارات السابقة، فأخذت منها ما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية، ولفظت ما يتعارض معها. فالإسلام يدعو إلى إضفاء الجمال على الأشياء وتزيينها، ولكن دون إسراف أو تقتير، قال تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك لك نفصل الآيات لقوم يعلمون} الأعراف:32، فقد ربط الله تعالى الزينة بالإيمان، وربط فقد ربط الله تعالى الزينة بالإيمان، وربط الإيمان بالوسطية، حتى لا تنقلب الزينة إلى إسفاف أو إسراف. فالإسراف فى الزخرف والألوان منهى عنه خاصة فى المساجدة حتى لا يشغل المصلين عن الصلاة، عملا بمنهج الوسطية فى الإسلام، قال تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة:143. وينطبق ذلك على المسكن والملبس والأثاث وغيرها من الأدوات، قال تعالى {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون. ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون. وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} الزخرف:33 - 35. وهنا يجدر الفصل بين خصوصية الزخرف الذى لا يظهر للآخرين، والزخرف الذى يظهر للآخرين من أفراد المجتمع، وهو ما يكون من الخيلاء أو التفاخر، فالزخرف داخل المعمار له خصوصيته الفردية، أما الزخرف فى الخارج فله حدوده التى ينبغى أن تتفق مع ما ترضى عليه الجماعة. د. م/عبد الباقى إبراهيم

_ مراجع الاستزادة: 1 - الفنون الزخرفية فى العصر الإسلامى عبد العزيز مرزوق القاهرة 1974م. 2 - الخزف التركىد/سعاد ماهرالقاهرة 1960م. 3 - الحصير فى الفن الإسلامى د/سعاد ماهر-القاهرة 1960م

5 - الزكاة

5 - الزكاة لغة: الصلاح والتقوى والتطهير والزيادة والنماء، كما فى اللسان (1). ومنه قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} التوبة:103. واصطلاحا: إذا أطلقت الزكاة فإنما يراد منها زكاة الأموال التى فرضت فى السنة الثانية من الهجرة على من ملك نصابا وحال عليه الحول، فى زكاة المواشى، والنقود، وعروض التجارة، وبدو الصلاح فى الثمار والحبوب وذوات الزيوت. وتجب الزكاة على المسلم البالغ العاقل المالك للنصاب مع خلو المال من الدين عند الحنفية، لأنها من العبادات، والعبادات منوطة بالتكليف، بينما لا يشترط الجمهور البلوغ والعقل، بل تجب فى مال الصبى والمجنون ويخرجها عنهما وليهما، لأنها حق واجب فى الأموال لا يشترط فى مالكها التكليف. كما أن الخلو من الدين عند الجمهور إنما يراعى فى زكاة النقدين وعروض التجارة فى الجملة، أما الحرث والمواشى فلا يراعى فيها ذلك. وتجب فى النقود التى يتعامل بها أو ما يقوم مقامها من أوراق البنكنوت إذا ملك المسلم منها، ما يعادل عشرين دينارا شرعيا، وهو ما يوازى الآن خمسة وثمانين جراما ذهبا، ومن الفضة مائتا درهم شرعى، وهو ما يوازى الآن خمسمائة وخمسة وتسعين جراما من الفضة. والزكاة عن النقدين، إنما يراعى فيها سعر صرف يومها، والقدر الوجب فى ذلك هو ربع العشر، حيث يجب فى الألف خمسة وعشرون جنيها، وقد تضمن ذلك الحديث الشريف ( ... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شىء، وحتى تكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول؟ ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك .. ) الحديث أخرجه أبو داود (2). وعن المواشى، يجب فى أربعين من الغنم شاة، وفى مائة وواحد وعشرين شاتان، وتجب فى خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض (3) ... وفى البقر والجاموس، فى كل ثلاثين تبيع (4)، وفى كل أربعين مسنة (5)، ويراعى فى نصاب المواشى التدرج فى الارتفاع فى القدر المخرج بارتفاع الأعداد المملوكة، وتعرف تفاصيلها من كتب الفروع وعن الحبوب والثمارة يجب فيها العشر إن سقيت بدون تكلفة، ونصف العشر إذا كانت بتكلفة وذلك إذا حصل نصاب منها، وقدره خمسة أؤسق، والوسق ستون صاعا، وقدره بالكيل المصرى الحالى خمسون كيلة. وعن البقول والخضروات، فيوجب فيها الإمام أبو حنيفة الزكاة، بينما الجمهور لا يوجب فيها الزكاة، وكذلك الحلى الذى تتحلى به المرأة، فبعض العلماء يوجب فيها الزكاة، بينما يذهب فريق آخر إلى عدم وجوب الزكاة فيه لأنه ليس بمكنوز ولا نام. وعن عروض التجارة، فتجب فيها الزكاة إذا مر عليه حول منذ ملك أصله وكان فيه النصاب، والواجب فيه ربع العشر، وعروض التجارة تشمل المال المتحرك فى المحلات التجارية والمصانع، كما تشمل قيمة أسهم الشركات بمختلف أنواعها، وكل مال يتاجر فيه، بمرور الحول وملك النصاب. وعن الركاز، فيجب فيه الخمس، وهو يشمل المعدن عند الحنفية، بينما الجمهور يوجبون فيه الخمس، وأما المعادن المستخرجة من الأرض بمختلف أنواعها ففيها عندهم رتجع العشر لما يبذل فيها من تكلفة (6). وقد تحددت مصارف الزكاة بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة:60، وذلك تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعى بين المسلمين حيث يلنرم الأغنياء بسد حاجة الفقراء فى المجتمع المسلم. أما زكاة الفطر فتجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان، أو طلوع الفجر من يوم أول شوال على من كان عنده قوت يومه لحديث ابن عمر مرفوعا (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا (7) من تمر أو صاعا من شعيرعلى العبد والحرة والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه مسلم (8). أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (زكو) طبعة دار المعارف. 2 - سنن أبى داود 1/ 362 ط1 الحلبى عمر 1952م. 3 - ولد الإبل الأنثى إذا أكمل سنة ودخل فى الثانية. 4 - ولد البقرة إذا أكمل سنة ودخل فى الثانية. 5 - ولد البقرة الأنثى إذا أكمل سنتين ودخل فى الثالثة. 6 - ينظر مصطلح "ركاز". 7 - الصاع، أربعة أمداد، أى قدح وثلث. 8 - صحيح مسلم 3/ 68 طبعة الشعب. مراجع الاستزادة: 1 - الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى 3/ 7 - 175 دار الغرب الإسلامى بيروت. 2 - مغنى المحتاج للعلامة محمد الشربينى الخطيب 1/ 368 - 415 طبعة إحياء التراث العربى بيروت. 3 - المغنى لموفق الدين بن قدامة المقدسى 3/ 3 - 81 المطبعة اليوسفية بمصر. 4 - الهداية لأبى الحسن على بن أبى بكر بن عبد الجليل المرغينانى 1/ 96 - 116. الطبعة الأخيرة، البابى الحلبى

6 - الزمان

6 - الزمان لغة: اسم لقليل الوقت وكثيره، والزمان هو العصر والدهر ويجمع على أزمنة، ويقال أزمن الشىء إذا طال عليه العهد، وأزمن بالمكان إذا طال مقامه به، وأخذوا منه لفظ زمن بكسر الميم إذا أصابته آفة ولازمته فيقال: رجل زمِن بمعنى مريض أو مبتلى ويجمع على زمنى، ويقال أزمن عنى عطاؤك بمعنى أبطأ وبُعد عهدى به فلم يصلنى. واصطلاحا: الزمان عند الفلاسفة مجموع آنات متتالية (آناً بعد آن) وهو مقدار الحركة التى تقع فيه ولا تجتمع أجزاؤه أبدا ولا توجد أجزاؤه إلا متتاليات، ويتصل طرفه الماضى بطرفه فى المستقبل عن طريق الآن الحاضر. وهوية هذا المقدار الذى للحركة، هى أنه لحركة مستديرة، ولما كانت الأفلاك فى حركة مستديرة حول الشمس كان تعلق الزمان وتقديره بالحركة المستديرة، ولذلك قيل: إن الزمان هو مقدار الحركة المستديرة من المتقدم والمتأخر دون انقطاع عن طريق الآن الحاضر وصلته بالآن السابق والآن المستقبل، ولأن الحركة المستديرة متصلة لا تنقطع كانت أجزاء الزمان متصلة ولا يتصور الزمان إلا كذلك لأنه يطابق الحركة المتصلة وما طابق المتصل كان متصلا مثله. ولا ينقسم الزمان إلا بالتوهم ولا انقسام بالفعل أو بالقوة فيكون للآنات نهايات وبدايات عن طريق التوهم فقط. والزمان ليس حادثا حدوثا زمانيا بل حدوث إبداع بحيث لا يتقدمه مبدعه بالزمان ولا بالمدة بل يتقدمه بالذات، ولو كان للزمان مبدأ زمانى لكان محدثا بعد أن لم يكن، أى بعد زمان متقدم عليه، فيكون بَعْداً لقَبْل غير موجود معه فكان بعد قبل وقبل بعد فيكون له قبل غير ذات الموجود عند وجوده، وكل ما كان كذلك فليس هو أول قبل فليس مبدأ للزمان كله، فالزمان مبدع أى يتقدمه بارئه بالذات فقط لا بالزمان. والزمان يقال فى مقابل الأزلى وكل ما كان زمانيا ليس بأزلى وكل أزلى لا يتصور أن يكون زمانيا. وهو وسط متجانس الأجزاء غير محدود تمر فيه الأحداث متلاحقة وجزؤه يسمى "مدة". وعند أرسطو هو مقدار حركة الفلك وهو وعاء للحركة لأن الحركة لابد لها من زمان تقع فيه، والحركة متصلة الأجزاء فيكون الزمان متصلا كذلك، والحركة عند أرسطو قديمة والزمان قديم تبعا لها ويقابله المكان ولما كانت الحركة لا تقع إلا فى زمان ومكان، كان الزمان والمكان قديمين بقدم الحركة. وعند المتكلمين أن الزمان متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم مثل قولك آتيك عند طلوع الشمس، فإن طلوع الشمس معلوم والإتيان موهوم فإذا قرن الإتيان بطلوع الشمس صار معلوما. وقيل: الزمان ما به تقدر الحركة. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - النجاة، لابن سينا، دار الآفاق الحديثة- بيروت. 2 - الإشارات والتنبيهات، لابن سينا، ط دار الكتب المصرية. 3 - تفسير ما بعد الطبيعة، لابن رشد. 4 - منطق أرسطو، تحقيق: عبد الرحمن بدوى. 5 - التعريفات، للجرجانى، ط دار الكتب العلمية- بيروت. 6 - المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدى. 7 - أساس الاقتباس، للطوسى. 8 - المعجم الفلسفى، ط مجمع اللغة العربية. 9 - المعجم الفلسفى- مراد وهبة، ط دار الثقافة.

7 - الزنج

7 - الزَّنْج هو اسم أطلق على أحد الأجناس الثلاثة الكبرى التى ينقسم إليها النوع الإنسانى، ويتميز بخصائص جسمانية بارزة (1) هى: (أ) البشرة السوداء. (ب) الشعر الصوفى. (ج) الأنف الأفطس. (د) الفك البارز. (هـ) الشفاة الغليظة المتهدلة. كما يطلق لقب زنجى على بعض السلالات المنحدرة من القبائل الإفريقية أنى استوطنت (2). كذلك نجد الزنج المتكرر ذكرهم فى تاريخ الإسلام، والمذكور رئيسهم باسم "صاحب الزنج" تارة، وباسم "الخبيث صاحب الزنج" تارة أخرى يراد بهم نوع من الخوارج الزنوج (3). وقد أثار هؤلاء القلق فى حاضرة الخلافة العباسية، وكان مسرح هذه الثورة الجامحة العنيفة التى دامت أكثر من أربع عشرة سنة هذه المستنقعات الممتدة بين البصرة وواسط. وكان صاحب الزنج رجلا فارسيا يسمى "على بن محمد" من أهالى الطالقان، ادعى أنه من ولد على زين العابدين بن الحسين بن على، ولكنه لم يجهر بعقائد المذهب الشيعي على الرغم من ادعائه النسب إلى على وفاطمة، وإنما جهر بعقائد مذهب الخوارج. ومهما يكن فإن صاحب الزنج لم يلبث أن كشفط عن ميوله الحقيقية، حتى إن أعداءه سموه: دَعِىّ علىّ، كما سموه: الخبيث. قدم صاحب الزنج بلاد العراق واتصل ببعض بطانة الخليفة المنتصر (سنة 247 - 248هـ)، ثم سار فى سنة 249هـ، إلى البحرين، ودعا إلى تحرير العبيد، واستمال قلوبهم، حتى إنهم تركوا مواليهم وانضموا إليه، فعظم شأنه، وقويت شوكته، ولقيت دعوته قبولا بين أهالى البحرين (4). وقد أول قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} التوبة:111، تأويلا سياسيا قصد به تضليل أنصاره، إذ أولها بأن المؤمنين قد اشتروا أنفسهم أى: لم يعودوا بعد عرضة للرق والعبودية. وسرعان ما قدم إلى البصرة، فأسرع إليه بعض غلمانها رغبة فى التخلص من الرق، وما زال الزنج يلتفون حوله حتى نهبت جيوشه القادسية واستولت على البصرة وذبحت كثيرا من أهلها سنة 257هـ، واستولت جيوشه بعد ذلك على الأهواز، ثم واسط، فسير إليهم الخليفة المعتمد كثيرا من قواده، ولكن الزنج لم يضعفوا، وظل خطرهم يتزايد، فعهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبى أحمد الموفق بقتالهم، فأجلاهم عن الأهواز، وحاصر مدينتهم "المختارة". لقد دامت هذه الحرب بين جيوش العباسيين والزنج أكثر من أربع عشرة سنة، وقضى عليهم الموفق وقواده، مما جعله يخر ساجدا لله شكرا. ولكن أحد أنصار صاحب الزنج رمى الموفق بسهم فى صدره، ولكن جىء به إلى الموفق فقتله ابنه العباس، وقتل صاحب الزنج فى صفر سنة 270هـ، وبلغ عدد القتلى ألفى ألف وخمسمائة ألف (5) وقيل ألف ألف وخمسمائة ألف (6). أ. د/عبد الله جمال الدين

_ الهامش: 1 - دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله ص262 طبعة القاهرة 1951م. 2 - المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية ص293 ط التربية والتعليم سنة 1998م. 3 - دائرة المعارف البستانى 9/ 259 بيروت 1887م. 4 - الكامل فى التاريخ ابن الأثير 7/ 73 بولاق مصر 1274هـ. 5 - الفخرى فى الآداب السلطانية ابن طباطبا ص227 القاهرة 1923م. 6 - تاريخ الخلفاء السيوطى ص242

8 - الزندقة

8 - الزَّنْدَقة اصطلاحا: الزندقة اسم مشترك يطلق على معان متعددة، مختلفة فيما بينها على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه؛ فقد أطلق على القول بأزلية العالم، وعدم الإيمان بالربوبية، والشك والضلال والإلحاد والكفر، والقول بإلهين أو أكثر للعالم، وعلى المذاهب الثنوية كالزرادشتية أو المجوسية والمزدكية والمانوية، وإبطان الكفر وإظهار الإسلام، إبطان عقائد هى كفر بالاتفاق، والنطق بعقائد أخرى بالإضافة إلى الإسلام، وعلى ابتداع ما ليس من الدين، وعلى مخالفة مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى حياة المجون التى كان يحياها بعض الشعراء والكتاب. والزندقة تساوى "الكفر" عند بعض العلماء؛ قال التفتازانى فى "مقاصد الطالبين فى أصول الدين": الكافر إن أظهر الإيمان خص باسم المنافق، وإن كفر بعد الإسلام فبالمرتد، وإن قال بتعدد الآلهة فبالمشرك، وإن تدين ببعض الأديان فبالكتابى، وإن أسند الحوادث إلى الزمان واعتقد بقدمه فبالدهرى، وإن نفى الصانع فبالمعطل، وإن أبطن عقائد هى كفر بالاتفاق فبالزنديق. وقال فى شرحه: قد ظهر أن الكافر اسم لمن لا إيمان له؛ فإن أظهر الإيمان خص باسم المنافق، وإن طرأ كفره بعد الإسلام خص باسم المرتد لرجوعه عن الإسلام، وإن قال بإلهين أو أكثر خص باسم المشرك، لإثباته الشريك فى الألوهية، وإن كان متدينا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خص باسم الكتابى، كاليهودى والنصرانى، وإن كان يقول بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه خص باسم الدهرى، وإن كان لا يثبت البارى تعالى خص باسم المعطل، وإن كان مع اعترافه بنبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - وإظهاره شعائر الإسلام يبطن عقائد هى كفر بالاتفاق خص باسم الزنديق. والمراد بإبطان بعض عقائد الكفر ليس هو الكتمان من الناس، بل المراد أن يعتقد بعض ما يخالف عقائد الإسلام مع ادعائه إياه. فقد روى عن ابن عمر- رضى الله عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون فى هذه الأمة مسخ، ألا وذلك فى المكذبين بالقدر والزنديقية" (رواه أحمد). ولقد أطلق اسم "الزندقة" على بعض الفرق والمذاهب والديانات التى ظهرت فى بلاد الفرس؛ فقد كانت بلاد الفرس بلاد الوثنية والدهرية والزندقة. وفى هذه البلاد ظهرت المجوسية أو الزرادشتية، والمانوية والمزدكية، وهى ديانات ومذاهب شرك ووثنية. فقد رأى "زرادشت" متنبئ المجوس الذى عاش فى القرن السابع قبل الميلاد ومات فى عام 583 ق. م تقريبا، أن العالم مكون من قديمين، وأن جبلته حصلت من امتزاج الضدين، وهذان الضدان هما النور والظلمة اللذان يعدان أصلين للخير وللشر، وهما قوتان متنازعتان، لأن كلتيهما تتمتعان بالقدرة على الخلق، فأصل الخير هو "النور" وقد خلق كل ما هو حسن وخير ونافع؛ أما أصل الشر فهو "الظلمة" وقد خلق كل ما هو سيئ ومشوه فى هذا العالم. وقد أتى "زرادشت" المجوس بكتاب يعرف باسم "الأبستا" أو "الأوستا" وهو كتاب الزرادشتية المقدس، ولهذا شرح يسمى"زند" ولهذا الشرح شرح يسمى"بازند". أما "المانوية" فهى فرقة أخرى من الزنادقة، وهم أتباع مانى بن فاتك وقد ادَّعى دينا ممزوجا بين النصرانية والمجوسية، وقد آمنوا بما آمنت به "الزرادشتية" على بعض الخلاف بينهما، وفى أيام "مانى" هذا ظهر اسم "الزندقة" الذى إليه أضيف الزنادقة، وذلك أن الفرس حين أتاهم "زرادشت" بكتابهم "الأبستا" باللغة الأولى من الفارسية، وعمل له التفسير وهو"الزند" وعمل لهذا التفسير شرحا سماه "البازند" .. وكان "الزند" بيانا لتأويل المتقدم المنزل، وكان من أورد فى شريعتهم شيئا بخلاف المنزل الذى هو "الأبستا" وعدل إلى التأويل الذى هو "الزند"، قالوا: هذا زندى، فأضافوه إلى التأويل، وأنه منحرف عن الظواهر من المنزل إلى تأويل هو بخلاف التنزيل، فلما أن جاءت العرب أخذت هذا المعنى من الفرس وقالوا: زنديق، وعربوه، والثنوية هم الزنادقة، ولحق بهؤلاء سائر من اعتقد القدم، وأبى حدوث العالم. وقد كان لهذه الديانات والمذاهب أثرها فى الخلافات الكلامية عند المسلمين؛ كما كان لها أثرها فى إطلاق اسم الزندقة على بعض الفرق الكلامية؛ حيث أطلق على إحدى فرق الجهمية اسم "الزنادقة"، وهم الذين قالوا: ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربًّا، لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس، وما يدرك فليس بإله، وما لا يدرك لا يثبت. كما أطلق أيضا على الإسماعيلية اسم الباطنية والقرامطة والمزدكية، والتعليمية الملحدة. أ. د/ محفوظ عزام

_ المراجع 1 - القاموس المحيط: الفيروز آبادى. 2 - المعجم الوسيط. 3 - من تاريخ الإلحاد فى الإسلام: د. عبد الرحمن بدوى، ص 24، القاهرة 1945 م. 4 - إكفار الملحدين فى ضروريات الدين، محمد أنور شاه كشميرى، ص 12 - 13، كراتشى 1968م. 5 - مسند الإمام أحمد- مؤسسة قرطبة: كتاب المكثرين من الصحابة ج2. 6 - علم الكلام وبعض مشكلاته، د. التفتازانى، ص23، دار الثقافة، القاهرة 1991م. 7 - معجم الفرق الإسلامية، شريف يحيى الأمين: دار الأضواء، بيروت 1986م. 8 - الإعلام بمناقب الإسلام، أبو الحسن العامرى، 174 - 175، دار الأصالة، الرياض 1988م. 9 - تاريخ الفلسفة فى الإسلام، دى بور: ترجمة د. محمد عبد الهادى أبو ريدة، ص 12، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1938م. 10 - مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودى: تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، 1/ 250/251، بيروت، 1987م. 11 - معجم الفرق الإسلامية- شريط يحيى الأمين ص126 - 127.

9 - الزهد

9 - الزهد الزهد لغةً: ترك الشىء أو الميلِ إليه. واصطلاحا: عند الصوفية هو بغض الدنيا والإعراض عنها، وقيل إن الزهد ترك راحة الدنيا طلبا لراحة الآخرة، وقيل أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك، ومنه جاء مصطلح الزاهد أى المعرض عن متاع الدنيا ولذاتها. وهناك من فرق بين الصوفى والزاهد والعابد، فيذكر ابن سينا أن المُعْرِض عن متاع الدنيا وطيباتها يخص باسم الزاهد، والمواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوهما يسمى العابد، والمنصرف بفكره إلى الله مستديما لشروق نور الحق فى سره يخص باسم العارف. والعارف عنده هو الصوفى. ومن هنا فقد فرق بين الزاهد والصوفى. الزاهد من يزهد فى الدنيا، والصوفى يزهد فى كل ما يبعده عن الله، الزاهد يحرم نفسه من متاع الدنيا، والصوفى لا يحرم نفسه من متاع الدنيا إلا إذا حجبته عن الله، الزاهد غايته دخول الجنة، والصوفى غايته معرفة الله، الزاهد لابد أن يملك حتى يزهد فيه، والصوفى لا يشترط أن يملك شيئا حتى يزهد فيه، وعلى ذلك فإن الزهد بالمفهوم الصوفى أن تكون الدنيا فى يده لا فى قلبه. ومن ذلك نرى أن كل صوفى زاهد، وليس كل زاهد صوفيا. والتصوف أعلى منزلة من الزهد، وقد ظهر الزهد عند المسلمين عندما اتسعت فتوحاتهم وكثرت غنائمهم، وأقبل كثيرون منهم على الدنيا وجنحوا إليها، وشجعهم على ذلك الثراء المفاجىء الذى أصابوه. وكان نتيجة ذلك أن قامت فى نفوس أتقيائهم ثورة داخلية، هى نزاع بين نفس لا تزال على إيمان قوى ودنيا مقبلة عليهم بشهواتها ومباهجها، وكان الطريق الوحيد للتخلص من هذا، هو الفرار من لذات الحياة، وكانت دعوة أبى ذر الغفارى صدى لهذه الثورة. وكلمة الزهد لم ترد فى القرآن إلا مرة واحدة فى قوله تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين} (يوسف 20). إلا أن ثمة آيات كثيرة يفهم منها الحث على الزهد كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم} (الحديد 23). وقد أفردت المؤلفات الأدبية فصولا فى شعر الزهد وأحوال الزهاد، وما قيل عنه من حكم ومواعظ وأمثال للتحبيب فيه، مثل كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ و"عيون الأخبار" لابن قتيبة، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه، وغيرها من المؤلفات. ويرتبط الفقر بالزهد، فالزهد هو كمال الأبرار، وكراهة الدنيا والشغل عنها بالآخرة، فهو نقص فى الدنيا وغنى فى الآخرة، أما الراغب فيها فهو مشغول بالدنيا وبينه وبين الله حجاب لأنه يحجب نفسه بالدنيا ومشغول عن الله تعالى، والزهد مرتبط بالفقر حيث إن الزاهد محتاج إلى الله، وهو كالفقير فى شدة الاحتياج. والوصول إلى الزهد لا يتأتى بيسر، بل لابد أن يمر الراغب فيه بمراحل، فصورته فى البداية ترك الشواغل وقطع العلاقات ورفع العوائق، وإسقاط الرغبة عن الشىء بالكلية، ودرجته فى المعاملات: الزهد فى الفضول والاختصار على الحقوق ليتفرغ الزاهد إلى عمارة وقته بالعبادة. وأن تتصف أخلاق الزاهد بالتجرد عن الميل إلى كل ما هو فان، والتعود على ارتقاء الروح وتغذيتها، وفى الأصول تنحية ما دون الحق عن طريق القصد، ولزوم الفقر لغنى القلب بالحق. ويشرح "المقدسى" تدرج مقام الزهد بأنه يبدأ بقصر الأمل، وهو المقام الأول للزهد، إذ هو بداية ورع دينى واستعداد للموقف فى قصر الأمل، ويستشهد بقول للإمام علىّ- كرم الله وجهه: إنما أخاف عليكم خصلتين: طول الآمال، واتباع الهوى فيضل عن الحق؛ الثانى الجهاد والعبادة وأن يخرجوا مما يحبون ويتصدقوا بالإنفاق، وإيثارهم الفقر على الغنى. واختلف العلماء فى تفسير المزهود فيه من الدنيا، فقيل: الدينار والدرهم، وقيل: الطعام والشراب والملبس والمسكن، وقيل: الحياة، وقيل: إن الزهد قسمان زهد مقدور: وهو ترك طلب ما ليس عنده، وإزالة ما عنده من الأشياء، وترك الطلب فى الباطن، وزهد غير مقدور: وهو أن يبرد قلبه من الدنيا بالكلية، فلا يحبها أصلا، وإذا حصل للعبد القسم الأول يحصل الثانى أيضا بفضله تعالى وكرمه. والزهد عند الصوفية ثلاثة أنواع: الأول: أن يكون تاركا للظاهر ميالا للباطن، ويسمى المتزهد، ومثل هذا الشخص ممقوت من البارى تعالى، والثانى: أن يكون تاركا للظاهر والباطن ولكن عنده شعور بالترك ويعلم أنه تارك، ويسمى ناقصا، والنوع الثالث: ألا يكون عنده قدر ولا قيمة حتى يعلم الشىء الذى تركه ويسمى الكامل فى ترك الدنيا، وهذه الأنواع الثلاثة تقع فى المرتبة الأولى للزهد. أما المرتبة الثانية، فهى لمن يكون تاركا للدنيا والآخرة ولكنه ما زال لم يترك نفسه وهو يريد المولى نفسه، هذه مرتبة كاملة، والمرتبة الثالثة مرتبة تارك الدنيا والآخرة ونفسه وأن يكون غافلا عن نفسه وغير نفسه، ويهب نفسه كلية للمولى ولا يطلب نفسه إلا من أجل مولاه، وهذا الشخص فى الكمال الأكمل. وهذه المراتب الثلاث تتمثل فى ترك: 1 - الحرام وهو خاص بالعوام من الناس. 2 - ترك فضول من الحلال وهو زهد الخواص. 3 - ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى وهو زهد العارفين. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - كتاب الزهد، الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيبانى، دار الكتب اللبنانية بيروت 1976م. 2 - قواعد التصوف، أبو العباس أحمد بن زروق، تحقيق: محمد زهرى النجار، مكتبة الكليات الأزهرية. 3 - نشأة التصوف الإسلامى، إبراهيم بسيونى دار المعارف مصر سنة 1969م. 4 - كشاف اصطلاحات الفنون التهانوى، جـ 3 مادة زهد، تحقيق د. لطفى عبد البديع، ترجمة د. عبد النعيم محمد حسين، القاهرة. 5 - اصطلاحات الصوفية، عبد الرزاق الكاشانى، تحقيق د. عبد العال شاهين، دار المنار القاهرة ط 1 سنة 1413هـ/ 1992م. 6 - صفوة التصوف، المقدسى بن القيسرانى، تحقيق: غادة المقدم، دار المنتخب العربى، بيروت ط 1 سنة 1416هـ/ 1995م.

10 - الزواج

10 - الزَّوَاج النكاح لغة: الضم والجمع، أو عبارة عن الوطء والعقد جميعا (1). والزواج شرعا (2): عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة والتقبيل والضم وغير ذلك، إذا كانت المرأة غير محرمة بنسب أو رضاع أو صهر، أو هو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل، فأثر هذا العقد بالنسبة للرجل يفيد الملك الخاص به فلا يحل لأحد غيره، وأما أثره بالنسبة للمرأة فهو حل الاستمتاع لا الملك الخاص بها. والزواج مشروع بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب، فقول الله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} (النساء 3). وأما السنة: فقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " (3)، والباءة مؤن الزواج وواجباته. وأجمع المسلمون على أن الزواج مشروع. وحكمة مشروعيته: إعفاف المرء نفسه وزوجه عن الوقوع فى الحرام، وحفظ النوع الإنسانى من الزوال والانقراض، بالإنجاب والتوالد، وبقاء النسل وحفظ النسب، وإقامة الأسرة التى ينتظم بها المجتمع، وإيجاد التعاون بين أفرادها، فالزواج تعاون بين الزوجين لتحمل أعباء الحياة وعقد مودة وتعاضد بين الجماعات، وتقوية روابط الأسر، وبه يتم الاستعانة على المصالح. وأما صفة الزواج شرعا: بحسب طلب الشارع فعله أو تركه فيعرف عند الفقهاء بحسب أحوال الناس (4). 1 - الفرضية: يكون الزواج عند عامة الفقهاء فرضا، إذا تيقن الإنسان الوقوع فى الزنا لو لم يتزوج، وكان قادرا على نفقات الزواج من مهر ونفقة الزوجة وحقوق الزواج الشرعية، لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وطريقه الزواج، ولا فرق بين الفرضية والوجوب عند الجمهور. ورأى الحنفية: أن الزواج واجب إذا خاف المرء الوقوع فى الفاحشة بعدم الزواج خوفا دون اليقين، وكان قادرا على مؤن الزواج من مهر ونفقة ولا يخاف ظلم المرأة ولا التقصير فى حقها. 2 - التحريم: يحرم الزواج إذا تيقن الشخص ظلم المرأة والإضرار بها إذا تزوج بأن كان عاجزا عن تكاليف الزواج، أو لا يعدل إن تزوج بأخرى لأن ما أدى إلى الحرام فهو حرام. 3 - الكراهة: يكره الزواج إذا خاف الشخص الوقوع فى الجور والضرر خوفا لا يصل إلى مرتبة اليقين إن تزوج لعجزه عن الإنفاق، أو إساءة العشرة، أو فتور الرغبة فى النساء. 4 - الاستحباب أو الندب فى حالة الاعتدال: يستحب عند الجمهور غير الشافعى الزواج إذا كان الشخص معتدل المزاج، بحيث لا يخشى الوقوع فى الزنا إن لم يتزوج، ولا يخشى أن يظلم زوجته إن تزوج، ودليل كون الزواج سنة الحديث السابق " يا معشر الشباب " وتزوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وداوموا عليه، فالمداومة والمتابعة دليل السنة، وهذا الرأى هو الراجح. وقال الشافعى: إن الزواج فى هذه الحالة مباح يجوز فعله وتركه، والتفرغ للعبادة والعلم أفضل. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، 1/ 405. 2 - تبيين الحقائق، الشيخ/ محمد الشربينى2/ 94، الشرح الصغير، لأحمد الدردير 2/ 332 وما بعدها، مغنى المحتاج 3/ 123 من كشاف القناع- منصور بن يونس بن إدريس 5/ 3. 3 - أخرجه البخارى فى كتاب: النكاح، باب "قول النبى - صلى الله عليه وسلم - من استطاع الباءة فليتزوج " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 9/ 8. 4 - تبيين الحقائق 2/ 95، بداية المجتهد 2/ 2، مغنى المحتاج 3/ 125، كشاف القناع 5/ 4، المهذب للشيرازى 2/ 33.

11 - الزيدية

11 - الزيدية هى إحدى فرق الشيعة الثلاث الكبرى الموجودة فى العالم الإسلامى حتى اليوم، وهم أتباع زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب- رضى الله عنهم- الذى خرج على هشام بن عبد الملك، وقتل سنة 121هـ (1). ويبنى جمهور الزيدية مذهبهم على الإمامة على الأسس التالية: 1 - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نص على إمامة علىّ - رضي الله عنه - بالوصف لا بالاسم. 2 - ينبغى أن يكون الإمام فاطميا عالما زاهدا شجاعا سخيا خرج بالإمامة يجب له الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين- رضى الله عنهما. 3 - جواز خروج إمامين فى قطرين يستجمعان هذه الخصال، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة. 4 - جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، فقال: كان على بن أبى طالب - رضي الله عنه - أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبى بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين نار الفتنة وتطييب قلوب العامة. 5 - إثبات إمامة أبى بكر وعمر- رضى الله عنهما. 6 - جواز إمامة المفضول، والأفضل قائم، فيرجع إليه فى الأحكام، ويحكم بحكمه فى القضايا. وقد تتلمذ زيد بين علىّ على يد واصل بن عطاء رأس المعتزلة مع اعتقاد واصل أن جده على بن أبى طالب - رضي الله عنه - فى حروبه التى جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه، فاقتبس منه الاعتزال وصار أصحابه كلهم معتزلة. وقد جرت مناظرات بين زيد بن على وبين أخيه الباقر محمد بن على فى أمور عدَّة منها: (أ) أنه كان يتتلمذ على يد واصل بن عطاء، ويقتبس العلم ممن يجوِّز الخطأ على جده فى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين. (ب) أن زيداً كان يتكلم فى القدر بغير مذهب أهل البيت. (ج) اشتراط زيد الخروج فى صحة الإمامة، حتى قال له الباقر يوما: " على مقتضى مذهبك والدك ليس بإمام، فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج ". ولما قتل زيد بن علىّ بكناسة الكوفة قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد، ومضى إلى خراسان، وقد اجتمعت عليه جماعة كثيرة وبايعوه، ووعدوه بالقيام معه ومقاتلة أعدائه، وبذلوا له الطاعة، فبلغ ذلك جعفر بن محمد الصادق؛ فكتب إليه ينهاه عن ذلك، وعرّفه أنه مقتول كما قتل أبوه. وكان كما أخبر الصادق؛ فإن أمير خراسان قتله. وقد فوض يحيى بن زيد الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم الإمامين، وخرجا بالمدينة. ومضى إبراهيم إلى البصرة واجتمع الناس عليهما وقتلا أيضا. ولم ينتظر أمر الزيدية بعد ذلك حتى ظهر بخراسان "ناصر الأطروشى" فطلب مكانه ليقتل. فاختفى وصار الى بلاد الديلم والجبل، وكانوا لم يدخلوا دين الإسلام، فدعاهم إلى الإسلام على مذهب زيد بن علىّ فدانوا بذلك ونشأوا عليه وبقيت الزيدية فى تلك البلاد ظاهرين، وكان يخرج واحد بعد واحد من الأئمة ويلى أمرهم. ومالت أكثر الزيدية بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول، وطعنت فى الصحابة طعن الإمامية. وتنقسم الزيدية إلى فرق كثيرة أشهرها- (أ) الجارودية: وهم أصحاب أبى جارود زياد بن أبى زياد، وقد زعموا أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نصّ علىّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - بالوصف دون التسمى وهو الإمام بعده. والناس قصروا حيث لم يتعرافو الوصف، ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك. وقد خالف أبو الجارود بذلك إمامه زيد بن علىَّ حيث لم يعتقد ذلك الاعتقاد. (ب) السليمانية: وهم أصحاب سليمان بن جرير، وكان يقول: إن الإمامة شورى فيما بين الخلق ويصح أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، وإنها تصح فى المفضول مع وجود الأفضل، وأثبت إمامه أبى بكر وعمر باختيار الآمة. غير أنه طعن فى عثمان - رضي الله عنه - للأحداث التى أحدثها، وكفره بذلك، وطعن فى الرافضة. (ج) الصالحية والبترية، والصالحية أصحاب الحسن بن صالح بن حىّ، والبترية أصحاب كثير الأبتر، وهما متفقان فى المذهب. وقولهم فى الإمامة كقول السليمانية، إلا أنهم توقفوا فى أمر عثمان، أهو مؤمن أم كافر؟ وقالوا: "إذا سمعنا الأخبار الواردة فى حقه، وكونه من العشرة المبشرين بالجنة؟ قلنا: يجب أن نحكم بصحة إسلامه وإيمانه، وكونه من أهل الجنة. وإذا رأينا الأحداث التى أحدثها من استهتاره بتربية بنى أمية وبنى مروان واستبداده بأمور لهم توافق سيرة الصحابة: قلنا، يجب أن نحكم بكفره. فتحيرنا فى أمره وتوقفنا فى حاله، ووكلناه إلى أحكم الحاكمين "- أما عن الآراء الكلامية للزيدية فيمكننا أن نحكم عليهم بأنهم معتدلون فى آرائهم، لأن آراءهم مرددة بين رأى المعتزلة والأشاعرة، وليس المراد من هذا أنهم كانوا أشاعرة، ولكن آراءهم تشبه آراء الأشاعرة فقط، ولأن تاريخهم فى الوجود متقدم على وجود الأشاعرة، وأن ميلهم إلى آراء المعتزلة أكثر من غيرهم، ويظهر أن سبب ذلك أنهم تتلمذوا على يد المعتزلة. ويلاحظ أن الزيدية قد امتازت آراؤهم بالدقة أكثر من آراء الخوارج لأنهم لم يكونوا مشغولين مثلهم فى الحروب، ولم يكونوا متطرفين تطرفهم فى الحكم على مخالفيهم، ولقد كان اعتدالهم فى آرائهم سببا فى بقاء مذهبهم، واعتناق بعض المسلمين لهم حتى عصرنا هذا، وأغلب ذلك فى بلاد اليمن، ولم يقف الزيدية فى التأليف على الآراء الكلامية، وإنما ألفوا فى الفقه، ولهم فقههم المعروف باسمهم الآن "فقه الزيدية". بقى أن نقول إن الزيدية كانوا أقرب فرق الشيعة الى أهل السنة، بل إن هناك اتجاهامحافظا بينهم يتسم بطابع الولاء للأحاديث والأخبار فى صورة سلفية لا حشوية، وهذا الاتجاه المحافظ يوازن الاتجاه العقلى الاعتزالى عند القوم، مما يعطى للفكر الزيدى لونا خاصا واصالة مشهودة فى العقيدة وفى الفقه على السواء. (هيئة التحرير)

_ المراجع: 1 - الملل والنحل، للشهرستانى ص 302 323 - تحقيق محمد بن فتح الله بدران- ط ا. 2 - تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين، على مصطفى الغرابى ص 309 وما بعدها مكتبة الحسين التجارية ط 1 سنة 1948 م. 3 - دائر معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى 4/ 789 - 791 دار المعرفة ط3 بيروت 1971 م. 4 - المواقف فى علم الكلام للقاضى عبد الرحمن بن أحمد الإيجى ص 423 ومابعدها. 5 - مقدمة لدراسة علم الكلام- د/ حسن الشافعى ص 75 وما بعدها. 6 - مقالات الأشعرى 1/ 129 - 137. 7 - نشاة الفكر الفلسفى فى الإسلام د/ على النشار2/ 152 - 168.

السين

1 - السبب لغةً: ما يتوصل به إلى غيره كما فى اللسان (1). واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته (2) وقيل: السبب وصف ظاهرمنضبط يلزم من وجوده وجود الحكم، ومن عدمه عدم الحكم (3). من أمثلة السبب: السفر، فإنه سبب لجواز الفطر فى رمضان، والإسكار، فإنه سبب لتحريم الخمر، والقتل العمدة فإنه سبب لوجوب القصاص، ودلوك الشمس، فإنه سبب لوجوب صلاة الظهر، وشهر رمضان، فإنه سبب لوجوب الصوم. والسبب ينقسم إلى ما يتكرر الحكم بتكرره كالدلوك للصلاة، ورؤية الهلال فى رمضان لوجوب الصوم، وكالنصاب للزكاة، والى ما لا يتكرر الحكم بتكرره كوجوب معرفة الله عند تكرر الأدلة الدالة على وجوده، ووجوب الحج عند تكرر الاستطاعة عند من يجعلها سببا. ويقسم- أيضا- إلى وقتى كالزوال فإنه معرف لوقت الظهر، وإلى معنوى كالإسكار، فإنه معرف لتحريم الخمر، والملك، فإنه جُعل سببا لإباحة الانتفاع). (4) وقد جعل بعض الأصوليين السبب والعلة لفظيين مترادفين بمعنى واحد، من كل وصف ظاهرمنضبط دلَّ الدليل السمعى على كونه معرفا لحكم شرعى، والبعض الآخر على أنهما متغايران، فالعلة عبارة عن وصف ظاهر منضبط مقتض للحكم الطالب له، وإن تخلف الحكم عنها لمانع أو فقد شرط، وأما السبب فهو عبارة عما حصل الحكم عنده لا به. وذهب فريق ثالث الى أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، يجتمعان فى وجه وينفرد الأعم "والأعم هو السبب" فكل علة سبب وليس كل سبب علة (5). وعلى كل فقد يستعمل كل منهما فى معنى الآخر، فيذكر السبب ويراد به العلة، وتذكر العلة ويراد بها السبب. ويطلق السبب فى عرف الفقهاء على أمور (6): أحدها: ما يقابل المباشرة، ومنه قول الفقهاء: إذا اجتمع السبب والمباشرة غُلبِّ المباشرة، مثل: حَفر البئر مع التردى، فإذا حفر إنسان بئرا وجاء آخر فدفع شخصا فيه فالأول وهو من حفر متسبب، والثانى وهو الدافع مباشر، وهنا أطلق الفقهاء السبب على ما يقابل المباشرة. ثانيها: علة العلة، فالرمى فى المثال السابق سبب للقتل، وعلة للإصابة التى هى علة لزهوق الروح الذى هو القتل، فالرمى هو علة القتل، وقد سموه سببا. ثالثها: العلة بدون شرطها، مثل: ملك النصاب فى الزكاة مع عدم حولان الحول، فهو سبب "أى ملك النصاب " لوجوب الزكاة، وإن فقد شرطها وهو حولان الحول، وقد سموه سببا. الرابع: العلة الشرعية، وهى المجموع المركب من المقتضى، والشرط، وانتفاء المانع، ووجود الأهل والمحل، وقد سمى ذلك سببا على جهة الاستعارة، لأن الحكم لم يتخلف عن ذلك فى حال من الأحوال، كالكسر للانكسار. والسبب، شرعى، وعقلى، وعادى، فالأول: كالصيغة بالنسبة إلى العتق، ودخول الوقت بالنسبة إلى الصلاة، والثانى: كالنظر المحصل للعلم، والعادى: كحز الرقبة فى القتل (7). حكمه (8): إذا وجد السبب، وتوافرت الشروط، وانتفت الموانع: ترتب عليه مسبّبه حتمًا لأن المسبب لا يتخلف عن سببه شرعا سواء أقصد من باشر السبب ترتيب المسبب عليه أم لم يقصد، بل يترتب ولو قصد عدم ترتبه، فالسفر فى رمضان يبيح الفطر سواء أقصد المسافر إلى الإباحة أم لا، ومن طلق زوجته رجعيا ثبت له حق مراجعتها ولو قال: لا رجعة لي، ومن تزوج امرأة حل له الاستمتاع بها وإن لم يقصد هو ثبوت الحل. والله أعلم. أ. د/ على جمعة محمد 1 - لسان العرب، لابن منظور 3/ 1910م دار المعارف، والمصباح المنير للفيومى 1/ 400المطبعة الأميرية الكبرى بمصر، الطبعة الثانية1909 م، والمعجم الوسيط 1/ 411 دار المعارف 1972 م. 2 - التمهيد فى تخريج الفروع على الأصول للإسنوى تحقيق د/ محمد حسين هيتو ص53 مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1981 م وتقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى، تحقيق: محمد المختار الشنقيطى ص هـ 24 مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414 هـ. 3 - شرح تنقيح الفصول للقرافى ص 81، طبعة الكليات الأزهرية، وتسهيل الوصول إلى علم الأصول للشيخ المحلاوى ص255، مطبعة الحلبى بمصر 1341 هـ. 4 - البحر المحيط للزركشى 1/ 306 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990 م- 5 - القاموس القويم فى اصلاحات الأصوليين لدكتور: محمد حامد عثمان ص 4 21 وما بعدها، دار الحديث بالقاهرة. طبعة أولى 1996م. 6 - البحر المحيط 1/ 307، وشرح الكوكب المنيرلابن النجار الحنبلي- تحقيق د/ نزيه حماد ودـ/ محمد الزحيلى 1/ 448 طبعة السعودية الأولى، 7 - التمهيد للأسنوى ص83. 8 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبة الزحيلى1/ 98 دار الفكر، الطبعة الأولى 1986م-

_ المراجع 1 - تيسير الأصول لحافظ ثناء الله الزاهدى ص 172 دار ابن حزم بيروت، ط ثانية 1997 م. 2 - تيسير أصول الفقه، لمحمد أنور البدخشانى79 طبعة كراتشى بباكستان 1990 م. 3 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع، للزركشى تحقيق د/ عبد الله ربيع، ود/ سيد عبدالعزيز 1/ 174 مؤسسة قرطبة الطبعة الأولى 1998 م

2 - السجادة

2 - السَّجادة لغةً: تعود الكلمة- فى أصلها اللغوى- إلى مادة: سجد. والسجود- فى اللغة- هو الخضوع والانحناء، والتطامن، مع خفض الرأس. وهو- فى الشرع-: وضع الجبهة على الأرض فى الصلاة، وليس هناك خضوع أكثرمنه. وهو لا يكون لغير الله تعالى. واسم الفاعل: ساجد، وجمعه: سُجَّد وسجود. وقد جات الصيغتان فى القرآن الكريم. والسَّجَّاد- كشدَّاد-: الكثير السجود. والسَّجَّادة، والمِسْجَدة (بكسر الميم): القطيفة المسجود عليها، والبساط الصغير يصلى عليه. وهى- كذلك- أثر السجود فى الوجه. أما والسجِّادة- بكسر السين- فهى: مكان الصلاة، وعلامة السجدة فى الجبهة. وقد عُنى الصوفية- عند حديثهم عن آداب السلوك ومراسمه العملية- بالحديث عن الآداب المتعلقة بالسجادة. وكان مما ذكروه أنه يجوز التشبه بأهل الخير فى زيهم، لأن ذلك يُشْعربمحبتهم، والمرء مع من أحب. وهذا مشروط بأن يسلك سبيلهم، ولا يُمْنَع المريد السالك من ذلك، إلا إذا قصد التلبس والتغرير كلباس المرقعة وأخد المسبحة والعصا والسجادة" (قواعد التصوف لزروِّق ص 88). وكانت عناية الصوفية أشد بسجادة شيخ الطريقة. وكان واجباً على المريد عندهم- كما يقول الشيخ عبد القادر الجيلانى (561 هـ) "ألا يتكلم بين يدى شيخه، إلا فى حالة الضرورة… ولا ينبغى له أن يبسط سجادته بين يدى الشيخ إلا وقت أداء الصلاة- فإذا فرغ من صلاته طوى سجادته فى الحال… ويجتهد فى اجتناب بسط سجادته فوق سجادة من هو فوقه فى الرتبة، وإدناء سجادته من سجادته إلا بأمره، فإن ذلك عندهم من سوء الأدب" (الغنية 2/ 167). وإذا كان احترام الشيوخ واجبا، لأنهم الهداة الى الله تعالى، والإدلاِّء على طريقه فإن من احترامهم ألا يجلس على سجادتهم، وألا يطأها بقدميه. توقيرا لهم، حتى ولو لم يكن الشيوخ جالسين عليها. وكان من آداب الصوفية- فيما بينهم- ألا يبخل الواحد منهم على أصحابه بما تحت يده كالثياب والسجاجيد وما يجرى مجراها "ولو وطئ أحد منهم سجادته بقدمه لايستوحش منه ولا يضع قدمه على سجادة غيره. ولا يبسط سجادته على سجادة من هو فوقه فى الرتبة" (الغنية 2/ 176) وقد استعملت الكلمة- عند الصوفية- بمعنيين: أولهما: أطلقه أهل السلوك على من يستقيم على الشريعة والطريقة والحقيقة. ومن لم يكن كذلك لا يُسَمَّى سجادة إلاَّ رَسْما ومجازا. والكلمة- بهذا المعنى- معرَّبة عن سجادة الفارسية ثانيهما: فقد ظهر فى التصوف المتأخر، عندما اُطلقت الكلمةُ ليراد بها الطريقة الصوفية- فإذا قالوا: شيخ السجادة فالمراد شيخ الطريقة، وإذا قالوا: شيخ السجادة الرفاعية أو الأحمدية أو البكرية فالمراد شيخ الطريقة الرفاعية والأحمدية والبكرية. وهكذا. أ. د/ عبد الحميد مدكور

_ المراجع 1 - الغنية لطالبى طريق الحق، للشيخ عبد القادر الجيلانى، مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى. فى جزءين/ ط: 3/ 1956م 2 - قواعد التصوف لأبى العباس أحمد بن أحمد بن محمد زرُوق، تصحيح محمد زهرى النجار، مكتبة الكليات الأزهرية. د. ت. 3 - كشاف اصطلاحات الفنون/ لمحمد على الفاروقى التهانوى، تحقيق د/ لطفى عبد البديع، ترجم النصوص الفارسية: د/ عبد النعيم حسنين. طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب جـ1 3/ 1972م 4 - لسان العرب والمعجم الوسيط مادة: سجد.

3 - السجع

3 - السَّجْع اصطلاحًا: هو توافق الفِاصلتين- من النثر على حرف واحد. والأصل فى السجع الاعتدال في- مقاطع الكلام، وينبغى أن تكون الألفاظ حلوة حادة، لا غثة ولا باردة.، فإذا صفى الكلام المسجوع من الغثاثة والبرودة، فإن ورإء ذلك مطلبا آخر، وهو أن يكون اللفظ تابعا للمعنى، فإذا توافرت هذه الأمور فإن وراءها مطلبا آخر، وهو أن تكون كل واحدة. من الفقرتين أو السجعتين المزدوجتين دالة على معنى غير المعنى" الذى اشتملت عليه الأخرى. يقول السكَّاكى: السجع فى النثر كالقافية فى الشعر. ومن السجع الحَسَن المستوفى لهذه الشروط قول "ابن الأثير"، من كتاب يتضمن العناية ببعض الناس، قال:"الكريم من أوجب لسائله حقا، وجعل كواذب آماله صدفًا، وكان خرق العطايا منه خلقا، ولم يربين ذممه ورحمه فرقا، وقد يأتى السجع فى الشعر، وذلك مثل قول أبى تمام: تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتغب فى الله مرتقب أ. د / محمد سلام

_ المراجع 1 - فن البلاغة العربية-: علم البد يع .. د/ عبدالعزيز عتيق- دار النهضة العربية- بيروت 1405هـ- 1985 م. 2 - الإيضاح فى علوم البلاغة- الخطيب القزوينى- دار الفكر العربى1402هـ- القاهرة 1983م

4 - السحر

4 - السِّحْر لغة: يقال: سحره: خدعه (أى عمل له السحر) أو استماله وفتنه وسلب لبه، وسحره عن كذا: صرفه وأبعده، وجمع السحر أسحار، وسحور، وصفة المذكر: ساحر والجمع سحرة وسحار، قال الأزهرى: وأصل السحر: صرف الشىء عن حقيقته إلى غيره، فكأن الساحر لما رأى الباطل فى صورة الحق، وخيل الشىء على غير حقيقته - قد سحر الشىء عن وجهه، أى صرفه (1). واصطلاحا: عمل يتقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه، وهو كل عمل لطف مأخذه ودق، وكل أمر يخفى سببه ويتخيل على نكير حقيقته ويجرى مجرى التمويه والخداع. ولقد دأب الإنسان منذ فجر التاريخ على ممارسة السحر باعتباره وسيلة للسيطرة على الطبيعة، مثل: إسقاط الأمطار، أو حدوث التحاريق، أو إثارة الريح والزوابع، أو كسبب فى الأمراض والحوادث المميتة التى تصيب الإنسان والزرع والضرع، ولذا قد شاع بين المجتمعات الوثنية، كما انتشر فى المجتمعات التى تدين بالأديان السماوية. وكان موقف الكنيسة من السحرة متأرجحا، فقد تشددت فى محاربتهم فى بادىء الأمر، وعملت كل ما تستطيع لإبطال مفعول السحر السئ والشرير، إذ أصدرت فى أواخر القرن التاسع الميلادى قرارا بتوقيع الحرمان الكنسى على السحرة، إلا أنها كانت أقل تشددا فى الفترة بين (1258 - 1260م) حيث نصح البابا "ألكسندر الرابع" بعض المحققين فى محاكم التفتيش أن يبذلوا قصارى جهدهم فى اكتشاف الهرطقة والضرب عليها من حديد، مع ضبط النفس فى حالة السحرة، ثم عادت الكنيسة إلى اتخاذ موقف من السحرة أكثر تشددا فى عام 1948م عندما أدخل البابا "أنسونت الثامن" تعديلات على الموقف البابوى المتساهل تجاه السحرة، وأصدرت تعليمات مشددة إلى محاكم التفتيش بألا تأخذهم أدنى شفقة أو رحمة بهم. ويعتبر السحر من الموبقات السبع التى حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من الاقتراب منها، حيث أمر باجتنابها فى قوله صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا الموبقات السبع، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال (الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم (2). وقد جاء فى الروايات أن حده القتل، لقوله صلى الله عليه وسلم (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذى (3)، ويرى الشافعى أن الساحر يقتل إذا كان يعمل فى سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملا دون الكفر فلا يقتل. وليس السحر سوى محض تمويه، بدليل قوله تعالى {فلما ألقوا سحروا أعين الناس} الأعراف:116، إذ قال المفسرون لو كان السحر حقا، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم، فثبت أن المراد: أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر فى الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوا، ذلك أن السحرة أتوا بالحبال والعصى، ولطخوا تلك الحبال بالزئبق، وجعلوا الزئبق فى دواخل تلك العصى، فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوت بعضها على بعض -وكانت كثيرة جدا - تخيل الناس أنها تتحرك وتتلوى باختيارها وقدرتها. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط 3، بيروت، مادة سحر. 2 - صحيح مسلم بشرح النووى، كتاب الإيمان، باب أكبر الكبائر،2/ 83. 3 - سنن الترمذى، كتاب الحدود، باب 27. مراجع الاستزادة: 1 - التفسير الكبير، الرازى، بيروت 1990م. 2 - السحر، دراسة فى ظلال القرآن والسنة، إبراهيم محمد الجمل، القاهرة 1982م

5 - السرايا

5 - السرايا لغة: جمع سرية والسرية قطعة من الجيش ما بين خمسة أنفس إلى ثلاث مائة (1). واصطلاحا: السرايا هى ما يعقد فيها اللواء لغير الرسول صلى الله عليه وسلم، ومهمتها استطلاعية أو حربية، وقد يطلق على بعض السرايا المهمة غزوة، مثل: غروة مؤتة، وغزوة ذات السلاسل وعدتها 38 أولها سرية حمزة بن عبد المطلب إلى قريش، وآخرها سرية أسامة بن زيد إلى بنى مذجح باليمن (2). وقيل: إن عددها 47 سرية (3). ومن هذه السرايا: 1 - سرية عبيدة بن الحارث: وكانت مكونة من ستين راكبا من المهاجرين بقيادة عبيدة بن الحارث، وكان الهدف منها: تهديد تجارة قريش بين مكة والشام، وقد وصلت هذه السرية إلى وادى رابغ ورجع الفريقان دون قتال. 2 - سرية عبد الله بن جحش: إذ بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ثمانية من المهاجرين، وكتب له كتابا أمره فيه ألا يفضه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه ويمضى لما أمره به، ولا يستكره أحدا من أصحابه ففعل، حتى إذا فتح الكتاب وجد فيه إذا نظرت فى كتابى هذا فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم. 3 - سرية مؤتة: وكانت فى السنة الثانية للهجرة، وكان أعظم ما يلفت النظرفيها أنها موجهة إلى أمير بصرى وهى إمارة كانت تابعة لدولة الروم، وكان الغرض منها الانتقام للحارث بن عمير الأزدى وهو الرسول الذى كان يحمل كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمير، فأساء أنصاره إليه وقتلوه ظلما، وخالفوا بذلك أبسط القواعد المعروفة لدى جميع الأمم، وهى أن الرسل لا تقتل، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها زيد بن حارثة وقال لهم: إن أصيب فالأمير جعفر بن أبى طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة (4). وقد كانت هناك سرايا أطلق عليها سرايا تأديب الأعراب منها: 1 - سرية: عمربن الخطاب إلى تربة واد بقرب مكة سنة 7هـ. 2 - سرية: أبى بكر الصديق إلى بنى كلاب بنجد شعبان سنة 7هـ. 3 - سرية: بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك شعبان سنة 7هـ. 4 - سرية: أبى العوجاء السلمى إلى بنى سليم سنة 7هـ. وهناك سرايا أطلق عليها سرايا الدعوة إلى التوحيد منها: 1 - سرية: خالد بن الوليد إلى جذيمة من كنانة فى شوال سنة 8هـ. 2 - سرية: عيينة بن حصن الفزارى إلى بنى تميم فى المحرم سنة 9هـ. 3 - سرية: على بن أبى طالب إلى اليمن فى رمضان سنة 10هـ (5). أ. د/عبد الله جمال الدين

_ الهامش: 1 - مجمع اللغة العربية المعجم الوجيز طبعة التربية والتعليم سنة 1998م ص310. 2 - الموسوعة العربية الميسرة، محمد شفيق غربال القاهرة 1965م ص680. 3 - دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله القاهرة 1951م ص285. 4 - السيرة النبوية، محمد الطيب النجار القاهرة 1973م ص149، 195، 196. 5 - الرسول القائد محمود شيت خطاب الطبعة الثالتة القاهرة دار القلم 1964م. ص288

6 - السرمد

6 - السَّرْمَد لغة: هو الدائم الذى لا ينقطع. اصطلاحا: هو"ما لا أول له ولا آخر" (التعريفات للجرجانى)، أو هو الدائم والطويل من الليالى كما جاء فى معلقة طرفة ابن العبد: لعمرك ما أمرى على بغمة * نهارى ولا ليلى على بسرمد. وقد ورد هذا اللفظ مرتين في القرآن الكريم بذات المعنى في قوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل الي سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل ما أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون} القصص:71 - 72 0 ويجتمع فى لفظ السرمد معنيان: الأزل والأبد. فالأول ما لا بداية له، أوكما يعرفه الي الفلاسفة "الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب الماضى". أما الأبد فهو: "الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب المستقبل" والشىء الذى يوصف باللانهائية فى المستقبل يسمى "السرمد". منسوبا إلى الأشياء مع مفهوم "السرمد" مع مفهوم "القدم" الذى لا ينسب إلا لله عز وجل حسب مذهب المعتزلة، ونتج عن تماديهم ومبالغتهم فى هذا المذهب كثير من المشكلات الكلامية والفلسفية، ومنها مسألة خلق القرآن أو "كلام الله المخلوق" (انظر مادة الصفات). أما المعنى الذى يفهم من تفسير الآيتين الكريمتين من سورة القصص (71 - 72) فلا يتضمن معنى الأزلية أى اللابداية، بل أكثر ما يفهم منها هو معنى اللانهاية، لأنه لوكان المقصود أن يجعل الله الليل أو النهار أزليا أبديا لما عرف الناس غير الليل أو النهار، ولما عرفوا الفرق بينهما ولا الحكمه من اختلافهما، بل لأصبحوا يخافون اختلاف الليل والنهار الذى جعله الله آية من آياته الكبرى. كما جاء فى قوله تعالى {إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس. لآيات لقوم يعقلون} البقرة:164، فلا يتم المعنى المقصود فى آيتى سورة القصص إلا إذا كان الإنسان يعرف فوائد الليل وفوائد النهار فيكون فى انعدامها ضياع لهذه الفوائد. بهذا المفهوم يقترب معنى "السرمد" من معنى كل من "الأبد" والخلود (انظر هاتين المادتين) اللذين يتضمنان معنى بداية الأمر- لا ينتهى فى الزمان. أ. د/السيد محمد الشاهد

_ مراجع الاستزادة: 1 - مختار الصحاح محمد بن بكر الرازى القاهرة 1953م. 2 - التعريفات محمد بن الشريف الجرجانى بيروت لبنان 1985م. 3 - المعجم الفلسفى مجمع اللغه العربيه القاهرة 1399هـ/1979م. 4 - المحيط بالمحيط المعلم بطرس البستانى بيروت لبنان 1977م. 5 - مختصر تفسير الطبرى محمد على الصابونى وصالح أحمد رضا بيروت لبنان 1985م

7 - السعادة

7 - السَّعادة اصطلاحا: هو مصطلح خاض فيه علماء الكلام والفلاسفة المتصوفة، ولكل وجهة، لكن الشيء الذى هو محل إجماع المسلمين هو أن السعادة ترتبط بما يميز الإنسان عن سائر الكائنات، وهو العقل السوى، والفطرة النقية. وتتحقق السعادة فى الدنيا بانشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وفى الآخرة بالفوز بالجنة، والخلود فى الفردوس. وهذه السعادة بشقيها الدنيوى والأخروى هى ثمرة الإيمان الصحيح، والتسليم المطلق لحكم الله تعالى، والرضا الكامل بحكمة الله عزوجل. قال الله تعالى {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتَّبَعَ هداى فلا يضل ولا يشقى} (طه/ 123). وقال جل شأنه: {يوم يأت لاتكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيد. فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفيروشهيق. خالدين فيها مادامت السموات والارض إلا ماشاء ربك إن ربك فعال لما يريد. وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غيرمجذوذ} (هود 105 - 108) ويرى الأشاعرة من علماء الكلام أن السعادة هى الموت على الإيمان، وضدها الشقاوة وهى الموت على الكفر، فالعبرة بالخوا تيم. ويرى الماتريدية- من علماء الكلام- أن السعادة هى الإيمان فى الحال، وأن الشقاوة هى الكفر فى الحال، فلحظة الإيمان هى السعادة ولحظة الكفر هى الشقاوة وقد تتبدل اللحظات فينقلب المؤمن السعيد كافرًا شقيا، وينقلب الكافر الشقى مؤمنًا سعيدا .. ويذهب فلاسفة المسلمين والمتصوفة إلى أن السعادة هى المعرفة وزوال الحجب بين العبد وربه، بحيث تنعكس العلوم الإلهية من اللوح المحفوظ إلى مرآة القلب الإنسانى، فيصل المرء إلى معرفة مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والطريق إلى ذلك عند الفلاسفة: هو التأمل العقلى، والنظر الفلسفى، فيما وراء الطبيعة. والطريق إلى ذلك عند المتصوفة: هو قطع الهمة عن الأهل والمال والولد، ثم الخلوة والذكر، ثم الانتظار والكشف. ويطلق الفلاسفة والمتصوفة على من وصل إلى تلك الحال اسم العارف بالله تعالى. وهذا العارف يعبد الله لأن الله تعالى أهل للعبادة، ويزهد فى الدنيا سُمُوَّا عليها واحتقارا للذَّاتها. وتسمى تلك الحال بالفناء عن النفس والكون والكائنات، فيرى العارف الملأ الأعلى، وينكشف له عالم الملكوت، وهذا الانكشاف قد يطول وقته، وقد يقصرمنه على قدر استعداد العارف. ا. د/ محمد سيد أحمد المسير

_ المراجع 1 - تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه. 2 - الذريعة لمكارم الشريعة، للراغب الأصفهانى- تحقيق الدكتور/ أبو اليزيد العجمى. 3 - باب الهجرتين وطريق السعادتين. لابن القيم.

8 - السفسطة

8 - السفسطة السفسطة اتجاه فكرى نشأ فى بلاد اليونان، قبل الميلاد بخمسة قرون نتيجة العجز الذى أصاب الفلسفة والدين والسياسة يومئذ .. لقد عجزت الفلسفة عن تفسير الكون، وتعددت الآراء فى النشأة الأولى هل هى من ماء أو تراب، أو هواء أو نار .. إلخ. وعجز الدين الوثنى السائد فى بلاد اليونان عن تلبية الفطرة الإنسانية، وكان لكل ظاهرة كونية أو إنسانية إله يعبد ويقدس من دون الله تعالى. وعجزت السياسة، فنشأت الحروب والمنازعات بين بلاد اليونان. والسفسطة كانت تعنى- فى ابتداء الأمر- تعلم قواعد البلاغة ودراسة التاريخ وفنون الطبيعة ومعرفة الحقوق والواجبات، ثم اقتصرت على فن الجدل والحرص على الغلبة دون التزام بالحق والفضيلة، وأصبحت مرادفة لكلمتى التضليل والخداع. ومن أشهر زعمائهم فى العصر اليونانى القديم- بروتاجوراس (480 ق م- 410 ق م)، ومحور فلسفته أن الإنسان مقياس كل شيء، وهو الذى يقرر وجود الأشياء أو عدم وجودها. وجاء بعده "جورجياس " وحاول أن يثبت ثلاث قضايا خطيرة، هى: 1 - لاشيء موجود لأنه متغير. 2 - وإن وجد شيء لا يمكن أن يعلم لأن الحواس مختلفة. 3 - وإذا أمكن أن يعرف فلا يمكن إيصاله للغير لأن طريق الحواس ذاتى. وقد ناقش سقراط (ت 399 ق م) السوفسطائيين بمنهجه فى التهكم والتوليد الذى أراد به الوصول إلى حقائق الأشياء. وتابع الخطو أفلاطون (ت 347 ق م) وقاد حملة واسعة على الفكر السوفسطائى، وألف مجموعة محاورات مثل: محاورة بروتاجوراس، ومحاورة جورجياس، ومحاورة هيبياس، ومحاورة السوفسطائى .. وظهرت السفسطة فى عصور تالية، وعرفت باسم حركة الشكاك، ووقف الفيلسوف الفرنسى مونتانى (1532 - 1592م) على أعتاب الفلسفة الأوروبية الحديثة ليعلن أن العلم القديم قد سقط، فلِمَ لا يسقط العلم الجديد كذلك وإذا كان الجهل المطبق بداية العلم فإن جهل العالم هو النهاية، وآن آلات العلم عاجزة عن توفير اليقين، وستظل كذلك وقد جعل الإمام ابن حزم الأندلسى (384 - 456 هـ) السوفسطائيين ثلاثة أصناف: 1 - صنف نفى الحقائق جملة. 2 - صنف شكُّوا فيها. 3 - صنف قالوا هى حق عند مَنْ عنده حق، وهى باطل عند مَنْ هى عنده باطل .. ورد عليهم ابن حزم بأن حس العقل شاهد بالفرق بين ما يخيل إلى النائم وبين ما يدركه المستيقظ، وخاطبهم قائلا: قولكم أنه لا حقيقة للأشياء أحق هو أم باطل؟! فإن قالوا هو حق أثبتوا حقيقة ما، وإن قالوا ليس هو حقا أقروا ببطلان قولهم، وكفّوا خصومهم أمرهم. ونحن نؤكد أن الحياة قائمة على حقائق الأشياء المعلومة بيقين، وأن العقل الإذسانى فى كفالة الشرع الصحيح جدير بكشف النواميس وممارسة التجربة واستنتاج الحقائق عمارة للكون وتواصلا للحضارات. أ. د/ محمد سيد أحمد المسير

_ المراجع 1 - الفِصَل فى الملل والأهواء والنحل للإمام ابن حزم، تحقيق د. محمد إبراهيم نصر، د. عبد الرحمن عميرة. ط عكاظ سنة 1402 هـ. 2 - الموسوعة الفلسفية المختصر- نقلها عن الإنجليزية الأستاذ فؤاد كامل وآخرون، وراجعها د. زكى نجيب محمود- دار القلم- بيروت. .

9 - السكينة

9 - السَّكينة لغةً: فعيلة من السكون. ومن معانيها. الطمأنينة والاستقرار، والهدوء والوداعة والأمن، والرزانة والوقار. واصطلاحاً: فقد أخبر الله- عز وجل فى القرآن الكريم عن إنزالها على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين فى مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة، إذ هو وصاحبه فى الغار، والعدوُّ فوق رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حنين، حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار ... وكيوم الحديبية، حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التى لا تحتملها النفوس ... ". ومن مواريث هذه السَّكينة أنها إذا نزلت على القلب أو نزلت فيه فإنه يطمئن بها، ويزول عنه ما يجده من الهِّم والحزن، أو ما يشعر به من الاضطراب والخوف والفزع. وفى ذلك يقول الله تعالى: {لقد رضى الله عن المؤمنين، إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا} (الفتح 18). وبهذه السكينة التى تتنزل على القلب يزداد إيمانا وثقة ويقينا. وفى هذا المعنى يقول الله تعالى: {هو الذى أتزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما} (الفتح4) ويؤدى ذلك كله إلى انشراح القلب وانفساحه، ويصبح مُهَيَّأ لنزول الإلهامات الإلهية عليه، فيلهمه الله الحق والفرقان، ويمتلئ القلب حكمة ونورا، وينطق لسانه بالخير والصواب وقد وصف بمثل ذلك عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - الذى قال عنه على بن أبى طالب - رضي الله عنه - " ... وما نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ... " (مسند أحمد1/ 106). وعُمَر هو الذى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه " لقد كان فيمن قبلكم من الأمم مُحَدَّثون، فإن يكن فى أمتى أحد فإنه عمر" (رواه البخارى4/ 200) وكذلك قال عنه - صلى الله عليه وسلم - " إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمروقلبه" (مسند أحمد 2/ 53). وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصى بالسكينة، وخاصة فى المواطن التى تتطلب حضور القلب وخشوعه، وجمع الخواطر والهمة. كالذهاب إلى الصلاة، وعند أداء مناسك الحج، والقيام بأعباء الجهاد، ونحو ذلك من العبادات، وكان الحادى ينشد بين يديه، فى منصرفه من خيبر: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبَّت الأقدام إن لاقينا وبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن السكينة تتنزل عند قراءة القرآن والاجتماع على مدارسته، كما ذكر أنها من أعظم هدايا الله تعالى إلى عبده المؤمن. ومما جاء فى ذلك قوله "ما ازداد عبد علما إلا ازداد قصدا، ولا قلد الله عبدا قلادة خيرا من سكينة، (سنن الدرامى: 1/ 107). وقد عنى الصوفية بالحديث عن السكينة، وجعلوها منزلا من منازل السلوك إلى الله تعالى. وهى- عندهم- من منازل المواهب لا من منازل المكاسب وعرِّفها الحكيم الترمذى بأنها: سكون القلب وطمأنينته إلى الواردات التى من الله لأوليائه، وهى دليل الولاية، كما أن المعجزات دليل النبوة وعرفها القاشانى بأنها: عبارة عما تجده. النفس من الطمأنينة عند نزول الغيب. وأضاف الجرجاني إلى ذلك أنها نور فى القلب يسكن. إلى شاهده، أنها من مبادئ عين اليقين. وكان الهروى الأنصارى من أكثرهم حديثا عنها، وبيانا لأقسامها ومراتبها فى كتابه "منازل السائرين ". أ. د/ عبد الحميد مدكور

_ المراجع 1 - التعريفات للشريف الجرجانى، الحلبى، 1938 م. 2 - طائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام لعبد الرزاق القاشانى، دار الكتب المصرية بالقاهرة جـ1 2/ 1996 م 3 - مدارج السالكين، بين منازل اياك نعبد، واياك نستعين، لابن قيم الجوزية، مطبعة السنة المحمدية جـ1 2/ 1956 م. 4 - معرفة الأسرار للحكيم الترمزى دار النهضة العربية 1977 م. 5 - المفردات فى غريب القران الكريم للراغب الأصفهانى، الأنجلو المصرية 1970م. كما يمكن الرجوع إلى كتب الصحاح من الحديث النبوى كالبخارى ومسلم والتزمذى فى أبواب الصلاة والحج والجهاد والمناقب، وفضائل القرآن لاستخلاص الأحاديث النبوية عن السكينة منها.

10 - السلاجقة

10 - السلاجقة يطلق مصطلح السلاجقة على مؤسسى الدولة السلجوقية وهى من أهم الدول الإسلامية التي ظهرت على مسرح التاريخ لأنها وجهت سير الأحداث فى المنطقة المعروفة الآن بالشرق الأوسط واشتبكت فى قتال مع الغرب النصرانى ممثلا فى الدولة الرومانية الأمر الذي أدى إلى قيام الحروب الصليبية مما كان له أثره فى تاريخ الشرق والغرب على السواء، وهم مجموعة من القبائل التركية تنتمى فى الأصل إلى طائفة (الأوغوز) استقرت فى إقليم ما وراء النهر في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين بعد أن أسلمت وحسن إسلامها، ثم انتقلت بعد سنوات قليلة إلى خراسان وكونت جيشا قويا تمكنت به من دخول مدينة نيسابور فى عام (429 هـ 1027م) فأعلن زعيمها طغرل بك قيام دولة السلاجقة ونادى بنفسه سلطانا على هذه الدولة، ولقد نقل العرب المسلمون إلى أهل تلك البلاد نعمة الإسلام مما ساعد على انتشار الإسلام فى تلك البلاد. وأدى إلى امتزاج الدماء وإلى انتشار اللغة العريية- لغة الدين الحنيف- التى نزل بها القرآن الكريم وقيلت بها الأحاديث النبوية الشريفة، وصار تعلمها لازما لكل مسلم غيرعربى حتى يستطيع تعلم أصول دينه. وكان إسلام الترك نقطة تحول فى تاريخهم فقد أزال الحاجز بينهم وبين المسلمين، كما أزال الحاجز بينهم وبين التاريخ العالمى، فيّسر لهم العيش فى حياة المسلمين والدخول فى خدمة خلفاء المسلمين وسلاطينهم وأمرائهم وقوادهم، ثم واتتهم الفرصة لإقامة دولة تركية مسلمة مجاهدة. وكان قيام دولة السلاجقة حدثا بارزا فى تاريخ إيران والعراق بخاصة، وفى تاريخ العالم الإسلامى بعامة، وكانت موقعة (داندا نقان) (431 هـ 1029م) من المواقع الحاسمة الفاصلة فى تاريخ كل من الغزنويين والسلاجقة لأنها كانت موجهة لتاريخ كل من الدولتين، ولقد أدى انتصار السلاجقة إلى ظفرهم بمغانم كثيرة مادية ومعنوية، فأحكموا بعدها سيطرتهم على خراسان وما وراء النهر، وظفروا باعتراف الخليفة العباسى وقيام دولتهم وأخذوا يستعدون لبسط سلطانهم على إيران والعراق (آسيا الصغرى والشام). وكانت دولة السلاجقة عند وفاة طغرل بك (455 هـ- 1063م) دولة قوية راسخة الأركان وكان التنازع على العرش بين أفراد البيت السلجوقى والتنازع على الوزارة بين كبار رجال الدولة مشكلتين تظهران عقب وفاة كل سلطان تقريبا. ثم أخذت الأوضاع تستقر فى الدولة السلجوقية فى أوائل عام (457 هـ 1064م) وأخذ السلطان آلب أرسلان بمعاونة وزيره (نظام الملك) يرتفع ببناء الدولة وحدد أهداف السلاجقة القريبة والبعيدة وإتفقا على أن تكون أهدافهم القريبة هي تثبيت سلطانهم فى إيران والعراق وأن تكون أهدافهم البعيدة هى بسط نفوذهم على مناطق جديدة حتى. تتسع رقعة دولتهم ورجح السلطان والوزير أن تكون المناطق النصرانية المجاورة لإيران كبلاد الروم بهدف نشر الإسلام فيها، مما رفع من قدر السلاجقة وأكسبهم حب المسلمين جميعا وكانت موقعة (ملاذكرد) فى (465 هـ 1070 م)، نقطة تحول فى تاريخ غرب آسيا بخاصة، وفى التاريخ الإسلامى عامة لأنها يسرت القضاء على دولة الروم وعلى أكثر أجزاء منطقة آسيا الصغرى، مما ساعد على القضاء على دولة الروم نفسها بعد ذلك على أيدى العثمانيين والتطلع لفتح مصر وإسقاط الخلافة الشيعية. وقد جدد مصرع أآلب أرسلان) (465 هـ 1072م) النزاع على عرش السلاجقة بين أفراد البيت السلجوقي، غير أن (ملكشاه ابن آلب أرسلان عمل على توسع رقعة الدولة، وتنبيت أقدامها حتى شمل سلطانها بلاد الشام وجزءاَ كبيراً من بلاد الروم وصار لها فروع حتى كرمان والشام ومنطقة آسيا الصغرى، ولقد عين أحد أفراد البيت السلجوقى الأقوياء وهو (سليمان بن قتلمش بن إسرائيل) واليا على بلاد الروم ومؤسسا لفرع جديد من فروع الدولة عرف فى التاريخ باسم سلاجقة الروم، غير أن الدولة السلجوقية برغم بلوغها أوج قوتها لم تسلم ان مواجهة مشاكل مختلفة كان لها أكبر الأثر فى مستقبل هذه الدولة ومن بين هذه المشاكل ظهور الإسماعيلية فى إيران ومصرع الوزير نظام الملك، وموت السلطان ملكشاه. أ. د/ عزة الصاوى

_ المراجع 1 - إيران والعراق فى العصر السلجوقى- ا. د. عبدالنعيم حسنين:، دار الكتاب المصرى، القاهرة،1982 م. 2 - الكامل فى التاريخ- ابن الأثير: على بن أحمد بن الكرم- جـ8،9 طبعة القاهرة 3 - الآثار الباقية عن القرون الحالية- البيرونى أبو الريحان مسد بن احمد- طبع ليبزيج 1878 م و1879 م. 4 - تاريخ الإسلام: الحافظ شمس الدين أبو عبد لله الذهبى- طبع حيدر اباد الدين 1337هـ -الدكن. 5 - تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى والاجتماعي- دكتور حسن إبراهيم حسن جـ3 - ط3 - القاهرة- 1955 م. 6 - دائرة المعارف الإسلامية (مادة السلاجقة).

11 - السلف

11 - السَّلف لغة: السلف هو الماضى، وهو كل من تقدم. اصطلاحا: هو العصر الذهبى الذى يمثل نقاء الفهم والتطبيق للمرجعية الفكرية والدينية، قبل ظهور المذاهب التى وفدت بعد الفتوحات وأدخلت الفلسفات غير الإسلامية على فهم السلف الصالح للإسلام، والسلف أيضا هو كل عمل صالح قدمه الإنسان. وفى القرآن الكريم يرد مصطلح السلف بمعنى: الماضى، {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} البقرة:275. {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} النساء:22. هذا المعنى نجده فى الحديث النبوى الشريف، ففى مسند الإمام أحمد، عن فاطمة الزهراء، رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها فى مرض موته: ( ... ولا أراه إلا قد حضر أجلى ... إنك أول أهل بيتى لحوقا بى، ونعم السلف أنا لك) وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما ماتت زينب، ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله: (الحقى بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون). والسلف فى اصطلاح المال والتجارة، هو: إقراض الأموال قرضا حسنا، أى لا منفعة فيه للمقرض بالدنيا ... وبهذا المعنى ورد فى الحديث النبوى، فعن السائب بن أبى السائبه انه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، فى التجارة فلما كان يوم الفتح جاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بأخى وشريكى -كان لا يدارى ولا يمارى- يا سائب قد كنت تعمل أعمالا فى الجاهلية لا تقبل منك، وهى اليوم تقبل منك كان ذا سلفا وصلة} (رواه الإمام أحمد). ولما كان كل ماض هو سلف، فلقد شاع إطلاقا هذا المصطلح معرفا -السلف- على الجيل المؤسس الذى أقام الدين وطبق منهاج الإسلام جيل الصحابة الذين عاشوا بمصر فقد تنزل الوحى فيهم، وتلقوا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم البيان النبوى للبلاغ القرآنى، وحولوا جميع ذلك إلى واقع حياتى معين فعدوا لذلك السلف الصالح، بتعميم وإطلاق ... ثم انضم إليهم فى زمرة السلف من اهتدى بهديهم وعمل بسنتهم من التابعين وتابع التابعين، فالسلف: هو كل من يقلد ويقتدى أثره فى الدين. وبعد السلف والتابعين والأئمة العظام للمذاهب الكبرى من تابعى التابعين، يأتى الخلف الذين يلونهم فى التسلسل الزمنى ... وبعد الخلف تأتى أجيال المتأخرين. أ. د/محمد عمارة

_ مراجع الاستزادة: 1 - عقائد السلف للأئمة أحمد بن حنبل، وابن قتيبة، وعثمان الدارى جمعها ونشرها د. على سامى النشار، ود. عمار الطالبى، طبعة الإسكندرية 1971م. 2 - الكليات لأبى البقاء الكفوى تحقيق د. عدنان درويش ومحمد المصرى طبعة دمشق 1982م. 3 - تيارات الفكر الإسلامى للدكتور/محمد عمارة، طبعة دار الشروق 1998م

12 - السلفية

12 - السلفية لغة: نسبة إلى السلف، والسلف هو الماضى، والسالف: المتقدم (لسان العرب). وفى القرآن الكريم: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} البقرة:275. واصطلاحا: هى الرجوع فى الأحكام الشرعية إلى منابع الاسلام الأولى، أى الكتاب والسنة، مع إهدار ما سواهما. ومع وضوح هذا التعريف للسلفية، تعددت فصائل تيارها فى تراثنا وفكرنا الإسلامى، فكل السلفيين يعودون فى فهم الدين إلى الكتاب والسنة، لكن منهم فصيلا يقف فى الفهم عند ظواهرالنصوص، ومنهم من يعمل العقل فى الفهم، ومن الذين يعملون العقل: مسرف فى التأويل، أو متوسط، أو مقتصد. ومن السلفيين: أهل جمود وتقليد، ومنهم أهل التجديد، الذين يعودون إلى المنابع لاستلهامها فى الاجتهاد لواقعهم الجديد. ومن السلفيين من سلفهم -ماضيهم- فكر عصر الازدهار الحضارى والخلق والإبداع، ومنهم من سلفهم -ماضيهم- فكرعصر التراجع الحضارى والتقليد والجمود. ومن السلفيين مقلدون لكل التراث، دونما تمييز بين الفكر وبين التجارب، ودونما تمييز فى الفكر بين الثوابت وبين المتغيرات، ومنهم مستلهمون لثوابت التراث، مع الاسترشاد بتجارب ومتغيرات التاريخ. ومن السلفيين من يعيشون فى الماضى، ومنهم من يوازن بين السلف الماضى وبين الحاضر والمعاصر. وهذا التنوع الذى يقترب أحيانا من درجة التناقض، فى مناهج فصائل السلفية، هو الذى أحاط مضامين هذا المصطلح، وخاصة فى فكرنا المعاصر بكثيرمن الغموض، وسوء الفهم، بل وسوء الظن أيضا. ومن أشهر المدارس الفكرية التى حاولت الاستئثار، فى تراثنا، بمصطلح السلفية هى مدرسة أهل الحديث التى هالها الوافد اليونانى فلسفة ومنطقا وأفزعتها عقلانية اليونان المنفلتة من النقل الدينى، فاعتصمت بالنصوص، مقدمة ظواهرها، بل وحتى ضعيفها على الرأى والقياس والتأويل وغيرها من ثمرات النظر العقلى، وهى المدرسة التى انعقدت زعامتها للإمام أحمد بن حنبل (164 - 241هـ/780 - 855م) حتى ليحسبها البعض كل السلفية، بينما هى فى الحقيقة واحدة من فصائل هذا الاتجاه. وفى منهاج هذه المدرسة يعلو النص على غيره، بل ويكاد أن ينفرد بالحجية، فالنص، وفتوى الصحابة، والمختار من فتوى الصحابة عند اختلافهم، والحديث المرسل والضعيف، ثم القياس للضروة هى الأصول الخمسة التى حددها الإمام أحمد بن حنبل أركانا لمنهج هذه المدرسة رافضا بذلك الرأى، والقياس، والتأويل، والذوق، والعقل، والسببية فى الفكر الدينى. وعن هذا المنهج النصوصى "للسلفية النصوصية" -كما صاغه الإمام أحمد بن حنبل- يقول واحد من أعلامها هو الإمام ابن القيم الجوزية (691 - 751هـ/1292 - 1350م): الأصل الأول: النصوص فإذا وجد النص أفتى به ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه، كائنا من كان ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف. الأصل الثانى: ما أفتى به الصحابة فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى، لا يعرف له مخالف منهم فيها، لم يعدها إلى غيرها ولم يقدم عليها عملا ولا رأيا ولا قياسا. الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول. الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه، وهو الذى رجحه -أى الحديث الضعيف- على القياس. الأصل الخامس: القياس للضروة، فإذا لم يكن عنده فى المسألة نص، ولا قول الصحابة، أو واحد منهم، ولا آثر مرسل أو ضعيف، عدل إلى القياس، فاستعمله للضرورة. وعن المنهاج التجديدي لهذه السلفية العقلانية يعبر الإمام محمد عبده (1265 - 1323هـ/1849 - 1905م) عندما قال: لقد ارتفع صوتى بالدعوة إلى تحرير العقل من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه، وتقل من خلطه وخبطه، لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإنسانى، وأنه على هذا الوجه يعد صديقا للعلم، باعثا على البحث فى أسرار الكون، داعيا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبا بالتعويل عليها فى أدبا النفس وإصلاح العمل. ففى منهاج هذه السلفية العقلانية تآخى النص والعقل، وتزامل العلم والدين، وتآزرت السلفية والتجديد. أ. د/محمد عمارة

_ مراجع الاستزادة: 1 - عقائد السلف للإمام أحمد بن حنبل وآخرين تحقيق د/على سامى النشار ود/عمار طالبى، ط الإسكندرية 1971م. 2 - إعلام الموقعين لابن القيم، ط بيروت سنة 1973م. 3 - الأعمال الكاملة للإمام/محمد عبده، دراسة وتحقيق د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1993م. 4 - تيارات الفكر الإسلاص د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1998م

13 - السلفيون

13 - السلفيون لغة: هم الذين يحتذون حذو السلف، الذين سلفوا، أى سبقوا ومضوا. واصطلاحا: يدخل فى إطار السلفيين أغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارسه بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة، لأن لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع إليه وتنتسب له وتحتذيه وتستصحب ثوابته ومناهجه، وذلك إذا استثنينا تيار الحداثة بالمعنى الغربى، والتى يقيم أصحابه قطيعة معرفية مع الموروث. وإذا كان السلف هو الماضى فكلنا سلفيون. لكن السلفيين أنواع: فمن السلفيين من يقلد السلف، وهؤلاء هم أهل الجمود والتقليد. ومن السلفيين من يرجع إلى السلف، فيجتهد فى ميراثهم وتراثهم، مميزا فيه الثوابت عن المتغيرات والصالح للاستصحاب والاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة، والعادات المتبدلة، والأعراف المختلفة، والمصالح المستجدة. ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يتطلبه فقه الواقع الجديد. ومن السلفيين من يهاجر من واقعه المعيش إلى واقع السلف الذى تجاوزه الزمان، وإلى تجاربهم التى طوتها القرون. ومن السلفيين من سلفه عصر الازدهار والإبداع فى تاريخنا الحضارى. ومن السلفيين من سلفه عصر الركاكة والتراجع فى مسيرتنا الحضارية. ومن السلفيين من سلفه تراثنا وحضارتنا وثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية. ومن السلفيين من سلفه تراث الآخر الحضارى ومذاهبه وتياراته الفلسفية والاجتماعية، وبهذا المعنى يمكن إدخال الليبراليين الذين يحتذون حذو الليبرالية الغربية، والماركسيين اللذين يحتذون حذو الماركسية الغربية، وأمثالهم من المتغربين فى عداد السلفيين الذين أصبح الموروث والماضى الغربى سلفا لهم يحتذونه أحيانا مع قدر من التحوير، وأحيانا بجمود وتقليد. ومن السلفيين من سلفه المذاهب والتيارات النصية الحرفية فى تراثنا. ومن السلفيين من سلفه تيارات العقلانية فى تراثنا أو النزعات الصوفية فى موروثنا الحضارى. ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثى بعينه يتعصب له ولا يتعداه. ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة، على اختلاف مذاهبها، يحتضنها جميعا، ويعتز بها، ويتخير منها. ولكن مع صدق وصلاحية إدخال أغلب تيارات الفكر تحت مصطلح السلفيين، إلا أن هذا المصطلح قد ادعاه واشتهر به وكاد يحتكره أولئك الذين غلبوا النص، وفى أحيان كثيرة ظاهر النص على الرأى والقياس وغيرهما من سبل وآليات النظر العقلى، فوقفوا عند الرواية أكثرمن وقوفهم عند الدراية، وحرموا الاشتغال بعلم الكلام فضلا عن الفلسفات الوافدة على حضارة الإسلام، وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم أحيانا أهل الحديث، لاشتغالهم بصناعة المأثور وعلوم الرواية، ورفضهم علوم النظرالعقلى. وإمام هذه المدرسة هو أبو عبد الله أحمد ابن حنبل (164 - 241هـ /780 - 855م) وفيها نجد أبرز الأئمة الذين اشتغلوا بصناعة الرواية وعلومها، من أمثال: ابن راهويه (238هـ/852م) وإمام علم الجرح والتعديل، وأصحاب الصحاح والجوامع والمسانيد: البخارى (256هـ/870م)، وأبو داود (275هـ/888م)، والدارمى (280هـ/893م)، والطبرانى (360هـ/971م)، والبيهقى (458هـ/1066م) إلخ ... ولقد تطورت هذه المدرسة فى مرحلة ابن تيمية (661 - 728هـ/1263 - 1328م) وابن قيم الجوزية (691 - 751هـ/1292 - 1350م) فضمت إلى المأثور بعضا من أدوات النظر العقلى، وإن ظلت الغلبة والأولوية عندها للنصوص والمأثورات. وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس، وإن الشريعة لم تخوجنا إلى قياس قط، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها". فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصى -فى مرحلة ابن تيمية وابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص. ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله -وهم فلاسفة العقلانية اليونانية من المشائيين- إلى عقلانية غير مضبوطة بالنص الدينى، وأيضا النزعة الصوفية الباطنية الإشراقية، التى انحازت إلى الذوق والحدس، دونما ضابط من النص ولا من العقل. ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التى جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهى الأشعرية التى أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260 - 324هـ/874 - 936م) ففى هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلى والاشتغال بعلم الكلام -الذى حرم السلفيون النصيون الاشتغال به- مع علم أصول الفقه، الذى يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع. ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلانى: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجوينى: أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419 - 478هـ/1028 - 1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450 - 505هـ/1058 - 1111م). وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115 - 1206هـ/1702 - 1792م) المسماة بالوهابية، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية، النصية، تستقطب جمهور المسلمين. أ. د/محمد عمارة

_ مراجع الاستزادة: 1 - عقائد السلف للإمام أحمد بن حنبل، وإبن قتيبة، وعثمان الدارمى، جمعها ونشرها د/على سامى النشار ود/عمار الطالبى، ط الإسكندرية 1971م. 2 - إعلام الموقعين لابن القيم ط بيروت 1973م. 3 - مقالات الإسلاميين للأشعرى، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد، ط القاهرة 1969م. 4 - تيارات الفكرالإسلامى د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1998م

14 - السلوك

14 - السلوك السلوك الإنسانى- فى الإسلام- مرتبط بالعقيدة الصحيحة، فالأخلاق والعبادات والمعاملات وأفعال الخير كلها إنما تتقبل من المرء ويثاب عليها فى الآخرة إذا انطلقت من إيمان صحيح وقامت على عقيدة صادقة ودفع إليها يقين بلقاء الله تعالى. والعقيدة حدد القرآن أصولها فى قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك رينا وإليك المصير} (البقرة 285). وقسم الفقهاء السلوك الإنسانى إلى قسمين: 1 - سلوك مع الله تعالى ويسمى العبادات، وهى الصلاة والزكاة والصيام والحج 2 - سلوك مع الناس ويسمى المعاملات وهى البيوع والأقضية والشهادات والنكاح والحدود. وجاء علماء الكلام وبحثوا علاقة العمل بالإيمان، فذهب فريق منهم إلى أن الإيمان تصديق بالقلب وأن العمل شرط كمال للإيمان، لأن البيان القرآنى عطف العمل على الإيمان فى مثل قوله تعالى: {إن اللذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} (الكهف 107) والعطف يقتضى المغايرة .. وذهب فريق آخر إلى أن الإيمان يشمل التصديق والعمل معا، وفَقْدُ أحدهما يؤدى إلى فقد الإيمان استدلالاً بالحديث الصحيح المتفق عليه: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ". وبين الفريقين مجادلات ومناقشات مكانها فى كتب علم الكلام. واهتم المتصوفة بالسلوك، وحفلت كتبهم بما يسمى معارج القدس ومدارج السالكين ومنازل السائرين. وعلى سبيل المثال فإن الإمام أبا حامد الغزالى (450 - 505هـ) فى كتابه "إحياء علوم الدين " شرح علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح للوصول إلى رضوان الله عز وجل، وساق أربعة جوانب تشمل السلوك الإنسانى كله، وقدم آداب كل جانب ودقائق السنن وأسرار التشريع .. وهذه الجوانب هى: 1 - العبادات وذكر فيها قواعد العقائد وأسرار الطهارة والصلاة والزكاة والحج وآداب تلاوة القرآن، والأذكار والدعوات .. 2 - العادات وذكر فيها آداب الأكل والنكاح وأحكام الكسب وآداب الصحبة والمعاشرة مع الخلق، وآداب السفر والسماع والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. 3 - المهلكات وشرح فيها عجائب القلب ورياضة النفس وآفات شهوتى الفرج والبطن وآفات الغضب والحقد والحسد والغرور والكبر .. 4 - المنجيات وبسط القول فى كل خلق محمود ورتب المنجيات هكذا: التوبة، والصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، والفقر، والزهد، والتوحيد والتوكل، والمحبة والشوق، والأنس والرضا، والنية والصدق، والإخلاص والمراقبة والتفكر وذكر الموت. أ. د/ محمد سيد أحمد المسير

_ المراجع 1 - إحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالى. 2 - - الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبى، تحقيق د/ عبد الحليم محمود 3 - قوت القلوب لأبى طالب المكى.

15 - السماع

15 - السَّماع لغةً السِّمْعُ: حسُّ الأذن. وقال ثعلب: معناه خَلا له، فلم يشتغل بغيره وقد سَمعَه سَمْعا، وقال ابن السكيت السَّمْعُ: سَمْعُ الإنسان وغيره (كما فى اللسان) (1). واصطلاحًا: عند علماء الحديث يقصد به سماع الأحاديث فى حال تحملها، والسماع أهم وسيلة من وسائل تحمل الحديث وأدائه أداء صحيحا لأن طالب العلم إذا سمع الحديث من الشيخ فإنه يضبطه ضبطاً دقيقا وهو أرفع درجات أنواع الرواية (2)، ومن ثَمَّ عابوا على من يأخذون الحديث من الكتب، لأنه عرضة لعدم ضبطه فى التحمل وفى الأداء، وسموا ذلك "وجَادة" أى وجد كتباً فأخذ منها المرويات، واعتبروا ذلك من باب المنقطع والمرسل (3). وقد اتخذت الشروط التى تجعل السماع محققا لما يهدف إليه من صيانة الحديث وأدائه أداء صحيحاً. وأهم شروطه هو التمييزوالوعى حال التحمل، وقد اشترط بعضهم سنا معينا لذلك كحد أدنى للسماع، ولكن المرجع الأساسى هو الوعى الكامل لما يسمع سواء أكان السامع صغيرا أو كبيرا. قال ابن الصلاح: "والذى ينبغى أن يعتبر فى كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب، ورَدا للجواب، ونحو ذلك- صححنا سماعه وإن كان دون خمس، وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه، وإن كان ابن خمس، بل ابن خمسين " (4) وسئل الإمام أحمد: متى يجوز سماع الصبى للحديث؟ فقال: إذا عقل وضبط (5)، وهذا يدل على أن السماع لم يكن مجرد وسيلة، وإنما كان مُسهما فى ضبط الحديث. وينقسم السماع إلى إملاء من الشيخ أو تحديث من حفظه (6)، والتلميذ غالبا ما يكون فى يده كتاب الشيخ نقله قبل السماع، وفى بعض الأوقات يكون حافظا لحديث الشيخ فيسمعه من غير كتاب فى يده. وهكذا كان السماع مصاحبا للكتاب فى معظم الأحيان، وفى هذا زيادة فائقة فى توثيق السنة ونقلها نقلاً صحيحا. وهناك وسيلة أخرى لتحمل الحديث هى أيضا من السماع، وإن كان أصحاب الحديث قد اختاروا لها مصطلحاً آخر، وهى العرض على الشيخ، أو القراءة على الشيخ، وفيها يسمع الشيخ من أحد التلاميذ، فالتلميذ يقرأ والشيخ يسمع، يقول ابن الصلاح فى هذا الوجه من وجوه التحمل: "من أقسام الأخذ والتحمل القراءة على الشيخ، وأكثر المحدثين يسمونها عرضاً، وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع وقرأت من كتاب أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه أولا يحفظ، لكن يمسك أصله هو أوثقة غيره" (7). وهنا أيضا يبدو الكتاب أوضح من الطريقة الأولى فى مصاحبتها مما يعطى توثيقاً كبيراً فى تحمل السنة بها، وكما قلنا: إن هذه الطريقة سماع فى حقيقتها وتؤدى الهدف نفسه، ولهذا فقد رأينا بعض العلماء يجيز لمن تحمَّل الأحاديث بها أن يقول عند الأداء: "حدثنا " و" سمعتُ" (8). وممن زوى عنه أنه يجيز"حدثنا": مالك، ومنصور بن المعتمر، وعطاء بن أبى رباح، وأبو حنيفة، والزهرى، وزفر بن الحارث، والأوزاعى وغيرهم رحمهم الله. وممن أجاز أن يقول القارئ على الشيخ: "سمعتُ" عند الأداء: سفيان الثورى وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى (9). ومما يدل على أن هذه الطريقة سماع أن الذين اشترطوا السماع لم يفصلوا فى كون هذا السماع قراءة من الشيخ أو سماعا منه أى"عَرضا". وأفضل السماع ما كان إملاء من الشيخ، لأن فيه التُؤدة، ومصاحبة الكتابة، ولهذا كثر الراغبون فى هذا اللون، وكثرة الراغبين فى هذا قد تؤدى إلى تفويت فائدته، لأنه قد لايصل صوت الشيخ إلى كل التلاميذ الموجودين، ولهذا اتخذ الشيوخ مُستملين يبلغون عنهم ما يروون، بحيث يسمع جميع الحاضرين والمستملين يقول ابن الصلاح: ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث، فإنه من أعلى مراتب الراوين، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها، وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع، فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك، وممن رُوِي عنه ذلك: مالك، وشعبة، ووكيع، وأبو عاصم، ويزيد بن هارون " (10). واشترطوا فى هذا المستملى أن يكون مُحَصَّلأ، متيقظا، جهورى الصوت، وأن يكون على موضح مرتفع، وأن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف (11). ولما كان السماع بالمعنى الذى ذكرناه هو أهم وسيلة لتحمل السنة وأدائها أداء صحيحاً فقد حرص المحدثون على أن يسجلوا على الكتب والمصنفات الحديثية فى أولها أو فى آخرها أو فى حواشيها من سمعوا هذه الكتب ومن قرأوها على الشيوخ وتواريخ ذلك، ومن سمعها جميعها، ومن سمع بعضها، وسميت هذه بالسماعات، وكان ذلك حتى لا يدعى مُدَّعِ أنه سمع هذه الكتب أو أحاديث منها وهو لم يسمع. وسجلوا أيضا من كتبوا هذه "السماعات "وعرفوا خطوطهم، واعتبروا أن كل تغيير فى خطوط هذه السماعات أو إضافات لها مما يفسد هذه السماعات، ويتهم من يثبت عليه ذلك أو يدعى السماع وهو لم يسمع بأنه كذاب أو سارق للأحاديث، وهذا يطعن فى عدالته، وبالتالى فى روايته (12).وهذا قليل من كثير اتُّخذَت فيه الحَيطَة فى صيانة السنة وروايتها على وجهها الصحيح دون تحريف، سواء أكان هذا التحريف عن عمد أو غير عمد. أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - - لسان العرب لابن منظور، مادة (سمع) 8/ 162 طبعة دار صادر، بيروت. 2 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص 69 القاضى عياض- المكتبة العتيقة- تونس 1389 هـ/ 1970 م 3 - - مقدمة ابن الصلاح (ص 58 3) ط " 2 " د ار المعارف- مصر، الجرح والتعديل 3/ 673 (لابن أبى حاتم- حيدر اباد- الهند- 1372 هـ/ 1952 م، العلل ومعرفة الرجال 1/ 140 4 - مقدمة ابن الصلاح ص 315. 5 - - المصدر السابق ص 314. 6 - الإلماع ص 69 القاضى عياض- ط" 1 " د ار التراث- القاهرة- 1389/ 0 97 1 م 7 - مقدمة ابن الصلاح ص318 - 319. 8 - الإلماع ص 70 - 71. 9 - - المحدث الفاصل ص 422 10 - - مقدمة ابن الصلاح ص 424 11 - المصدر السابق ص 425 2 ا- المصدر السابق ص 386 - 387

16 - السمع

16 - السمع لغة: هو حسنُّ الأذن (1) واصطلاحا: هو قوة فى الأذن تدرك بها الأصوات وفى التنزيل {إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} (ق37) (2) ويطلق السمع على الأذن وقد يأتى بمعنى الإجابة كما فى الحديث (سمع الله لمن حمده) أى أجاب حمده وتقبله، ومنها الدعاء المأثور"اللهم إنى أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أى لا يستجاب، ولا يعتد به، كأنه غير مسموع. ومن أسماء الله الحسنى السميع، وصفة السمع بالنسبة لله عز وجل هى صفة وجودية أزلية قائمة بذاته تعالى، تكشف لله المسموعات الموجودة، وهى ليست بأذن وجارحة تسمع المخلوقات، فالله تعالى منزه عن ذلك، إنه يسمع كل شيء فى هذا الوجود، إنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء فى الليلة الظلماء. قال تعالى: {قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} (المجادلة 1). وقال لموسى وهارون: {إننى معكما أسمع وأرى} (طه 46) وفى السنة نجد مارواه أبو موسى الأشعرى - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلنا لا نصعد شرفا أولا نعلو ولا نهبط فى واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، ودنا منّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم ما تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك من كنوز الجنة: لاحول ولا قوة إلا بالله) (رواه البخارى). والدليل العقلى على ثبوت المسمع له تعالى، أنه تعالى لو لم يتصف بصفة السمع لاتّصف بضدها وهو الصمم وهذا نقص، والنقص محال، فاستحال عليه الضد ووجب اتصافه بصفة السمع. والسمع من أهم حواس الإنسان وأشرفها حتى من البصر كما عليه أكثر الفقهاء، إذ هو المدرك لخطاب الشرع الذى به التكليف، ولأنه يدرك به من سائر الجهات وفى كل الأحوال، هو أول حاسة تعمل فى حواس الإنسان منذ ولادته، ويمكن أن تعمل والإنسان نائم، لذا فقد جاء فى حال أهل الكهف قوله تعالى {فضرينا على اذانهم فى الكهف سنين عددا} (الكهف11) فيشترط فيمن يتصدى لأمر مهم من أمور المسلمين العامة كالإمامة والقضاء أن يكون سميعا، فلا يجوز أن يتم تنصيب إمام أصم، ولا تعيين قاضي لا يسمع. ومما يدخل تحت باب السمع ما يسمى بالسمعيات وهى الأمور التى يخبرنا بها الشرع مثل أشراط الساعة وعذاب القبر والبعث، والأمور التى تكون بعد البعث كالحساب والكتب والصراط والشفاعة والحوض والجن والنار والملائكة، فهذه السمعيات كلف الشارع عز وجل الناس التصديق بها بقلوبهم واعتقادها فى أنفسهم مع الإقرار بها بألسنتهم، وهى عقائد إيمانية تقررت فى الدين، ومتى أخلّ أحد بواحدة منها لم يكن مؤمنا فعندما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميع عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره (الحديث كاملاً رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب). ويدخل تحت باب السمع السماع وهو ضرب من الغناء والتغبيرأي الغناء بذكر الغابرة، وهى الآخرة، والمغبّرون قوم يغبَّرون بذكر الله تعالى بدعاء وتضرع، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتزهيدهم الناس فى الفانية (اى الدنيا) وترغيبهم فى الباقية (أى الآخرة).وقد كرهه الشافعى لأنه يلهى عن ذكرالله وعن القرآن، وقال فيه ابن تيمية: إنه من أمثل أنواع السماع، ومع ذلك كرهه الأئمة فكيف بغيره، ولقد تحدث عن السماع كثيرمن الصوفية فى كتبهم كالقشيرى والغزالى والطوسى. (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (سمع) (1) صادر. بيروت 2 - التعريفات للجرجانى، ط، البابى الحلبى

_ المراجع 1 - المنهج الإسلامى فى العقائد والأخلاق د/ عبد العزيز سيف النصر وآخرون ط مطبوعات جامعة الأزهر، 1977 م. 2 - دراسات فى العقيدة الإسلامية والأخلاقية د/ عبد المعطى بيومى وضياء الدين الكردى ط مطبوعات جامعة الأزهر د. ت 3 - كتاب السماع لابن القيسرانى- تحقيق أبو الوفا المراغى -ط- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 4 - العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ محمود مزروعة وأخران -ط - مطبوعات جامعة الأزهر د. ت. 5 - النهج الجديد فى شرح جوهرة التوحيد د/ نشأت ضيف- ط- مؤسسة المنار / د، ت 6 - مجموع الفتاوى لابن تيمية ط الرياض 11/ 298 7 - الرسالة القشيرية: للإمام القشيرى تحقيق د/ عبد الحليم محمود وزميله ط دار الكتب الحديثة.

17 - السنة

17 - السنة السنة النبوية: هى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته. والمراد بحجيتها: قبولها، واعتقاد أنها وحى من الله تعالى، وأنها جزء من الرسالة التى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغها. والناس أمام حجية السنة وعدم حجيتها أنواع: الأول: مسلمون مذعنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملتزمون بقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} النساء:65. وبقوله تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} الأحزاب:21. وبقوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7. وبقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء:80. والطاعة عند هؤلاء واجبة فيما أمر به وجوبا، وواجبة الابتعاد فيما نهى عنه تحريما، ومستحبة فيما أمر به استحبابا، ومكروهة فيما نهى عنه تنزيها، ومباحة الفعل والترك فيما أذن بطرفيه، الفعل والترك. الثانى: هناك من الناس من يقف أمام حجية السنة على طرف النقيض من النوع الأول، يردون السنة كلها، وينكرونها جملة وتفصيلا، وينكرون أنها وحى من عند الله، وأنها من جملة الرسالة، وقريب من هؤلاء من يعترف بأنها وحى لكنه يتشكك فى ثبوتها كلها، وصدورها عن محمد صلى الله عليه وسلم لعدم قدرته على الفصل بين صحيحها وضعيفها، فيردها ككل، ويدعى إمكان الاكتفاء بالقرآن الكريم. وهذان النوعان فى حاجة إلى دراسة ووعى علمى ودينى، أو الرجوع إلى أهل الذكر والاختصاص، وشأنهم فى ذلك شأن المريض الذى لا يميز بين الأدوية، ما ينفع منها، وما يضر، فيظن أن الحكمة فى ترك الدواء، كل الدواء. ومشكلة العصر فى تشكيك بعض المسلمين في السنة، بل بعض علماء المسلمين من بنى جلدتنا، ويتكلمون لغتنا، بل ويحملون مؤهلاتنا وشهاداتنا، لكنهم بهدف أو بآخر يتنصلون من بعضها، وفى الرد عليهم رد على غيرهم من الطاعنين أو المغرضين أو الشاكين، وهم يقسمون السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، فيقول أحدهم: ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ودون فى كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام: أحدها: ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب، والنوم، والمساواة فى البيع والشراء. ثانيها: ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية والاجتماعية، كالذى ورد فى شئون الزراعة، والطب، وطول اللباس وقصره. ثالثها: ما سبيله التدبير الإنسانى أخذا من الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية، وكل ما نقل من هذه الأنواع الثلاثة ليس شرعا، يتعلق طلب الفعل والترك، وانما هو من الشئون البشرية التى ليس مسلك الرسول فيها تشريعا ولا مصدر تشريع (1). ثم يقول: ومن هنا نجد أن كثيرا مما نقل عنه صور بأنه شرع أو دين أو سنة أو مندوب، وهو لم يكن فى الحقيقة صادرا على وجه التشريع أصلا (2). فهذا القول ينفى التشريع بأحكامه الأريعة (الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة) عن جميع أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم الواردة فى هذه الأمور الثلأثة، ولو تتبعنا ما ورد فى الأكل والشرب كمثال لوجدنا منه ما هو واجبه، وما هو محرم، وما هو مندوب، وما هو مكروه فأحاديث: صيد الكلب، وحل السمك، والجراد الميت، وتحريم كل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير، تحرم أشياء، وتبيح أشياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم فيها مشرعا؟ والله تعالى يقول عنه: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف:157. ويقول الآخر: فما دام الرسول كان يجتهد، وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات، أفلا يجوز لمن يأتى بعده أن يدلى فى الموضوع باجتهاده أيضا؟ هادفا إلى تحقيق المصلحة، ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول باجتهاده (3). وهذه الشبهات من أخطر ما يوجه إلى السنة من تحطيم، فشبهتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر من الناس، وهذا حق، لكن بشريته لم تلغ رسالته فى وقت من الأوقات فهو بشر رسول في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، إن جعله رسولا فى قول دون قول، وفي فعل دون فعل؟ يلغى الأمر بالاقتداء به، وينفى مراقبة الله له فى وقت من الأوقات، وفى قول من الأقوأل، وفى فعل من الأفعال. كيف تفلت بعض أفعال محمد صلى الله عليه وسلم من مراقبة الله، وكل مؤمن وغير مؤمن مراقب محاسب على ما يفعل، وهو يزيد عن البشر بالوحى والرؤية فى المنام وفي الإلهام، وبجبريل -عليه السلام- ومأمور بالاقتداء به فى أفعاله والعمل بأقواله. لقد حوسب وعوتب على أنه امتنع عن طعام يحبه، إرضاء لأزواجه، فنزل فيه قرآن يتلى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحلا لله لك تبتغى مرضات أزواجك} التحريم:1. ولقد حوسب وعوتب على عوارض انفعالاته، وتجهم وجهه فى ملاقاة أعمى لا يراه، ولا يتاثر بعبوسه، فنزل فيه قرآن يتلى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} عبس:1 - 2. بل لقد عوتب وحوسب على خلجات قلبه، ودواخل نفسه، فنزل فيه قرآن يتلى: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} الأحزاب:37. أليست كل هذه الأفعال قد صدرت بصفته البشرية؟ لكنها خضعت لرقابة الوحى، وتوجيه الوحى، ولكل فعل من أفعال المكلفين حكم عند الله، لأنه إما أن يكون مرضيا عنه من الله تعالى، وإما أن يكون غير مرضى عنه، ويستحيل أن يفعل محمد صلى الله عليه وسلم فعلا لا يرضى عنه الله، وينزل جبريل المرة بعد المرة فلا يعدله، ولا يوجهه، فنزول جبريل بعد صدور حكم له صلى الله عليه وسلم أو فعل، وعدم اعتراضه عليه، إقرار وتقرير من الله تعالى، وهو شرع لا يسند إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يسند إلى الله تعالى. وكان الصحابة يؤمنون بذلك، ويقتدون بأفعاله على أنها شرع الله حتى فيما هو من الأمور البشرية، لبس نعله فى الصلاة، فلبسوا نعالهم، فلما خلع نعله لسبب لا يعلمونه، خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته، قال لهم: (ما حملكم على إلقاء نعالكم، قالوا رأيناك ألقيت نعلك، فألقينا نعالنا، قال: إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيها قذرا أوأذى) (4) ونزل ضيفا على أبى أيوب الأنصارى، فتكلفوا له طعاما، فيها ثوم، فكره أكله فتوقف الصحابة عن أكله، فقال لهم: (كلوا، فإنى لست كأحدكم إنى أخاف أن أوذى صاحبى) (5). وقدم إليه الضب في طعامه فكره أكله، فقيل له: أحرام هو؟ قال: (لا ولكن نفسى تعافه، فأكلوه بعد أن توقفوا) (6). إن الذين ينفون التشريع عن فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى الأكل والشرب يسوون بين أكله وشربه صلى الله عليه وسلم وبين أكل وشرب أبى جهل وأبى لهب، فالكل عندهم صادر عن الجبلة والعادة والطبيعة والبشرية وما هكذا يفهم الإسلام والله المستعان. أ. د/موسى شاهين لاشين

_ الهامش: 1 - الإسلام عقيدة وشريعة، للشيخ محمود شلتوت، ص508 وما بعدها. 2 - السابق نفسه. 3 - السنة والتشريع للدكتور/عبد المنعم النمر، ص47. 4 - أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب الصلاة فى النعال. 5 - اللفظ لابن خزيمة وابن حبان والأصل فى البخارى. 6 - أخرجه البخارى فى كتاب الصيد والذبائح باب الضب

18 - السند

18 - السَّنَد لغةً: ما استندت إليه من حائط أو غيره، ومُعتَمَد الإنسان، أو هو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل (1). واصطلاحاً: هو الطريق الموصل للمتن، أو هم رواة الحديث الذين رووه كل واحد عن الآخر حتى يبلغوا متنه، سواء كان هذا للمتن مرفوعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو موقوفا على غيره من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم. والصلة واضحة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحى. وإسناد الحديث: روايته بالإسناد وهم الرواة، وقد يطلق الإسناد ويراد به السند، قال ابن جماعة: المحدثون يستعملون السند والإسناد لشىء واحد (2). ورواية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناده من أهم وسائل صيانته وأدائه أداءً صحيحا: لأنه بالإسناد يمكن تبيين حالة الرواة هل هم عدول ضابطون فيقبل حديثهم، أو غير عدول ضابطين، فلا يقبل؟ وهل هناك اتصال وثيق بين الرواة بعضهم وبعض، بمعنى أن كل واحد منهم قد سمع من الآخرة فيكون حديثهم صحيحاً، أو لم يسمع، فيكون انقطاعاً يحول دون صحة الحديث؟ ولما كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى المصدر الثانى من مصادر التشريع، وكانت صحتها تتوقف على الإسناد كما سبق بيانه، فقد اكتسب الإسناد أهمية كبرى، واعتبر من الذِّين، قال عبدالله بن المبارك "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، كما يقول "بيننا وبين القوم القوائم " يعنى الإسناد (3). ويحث محمد بن سيرين على تسمية من يؤخذ منهم الحديث، أى رواة الإسناد، والحذر من الأخذ عن غير العدول الضابطين، فيقول: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم. (4) كما يبين ابن سيرين أن الاهتمام بالإسناد إنما نشأ بعد الفتنة، والخوف على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُدَسَّ فيه ما ليس منه أو يحرف، قال "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ". (5) وقامت علوم لخدمة الإسناد حتى يحقق الهدف المَرجُوَّ منه، ومنها علم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، وعلم طبقات الرواة، وعلم علل الحديث، وغيرها. ودرجة الحديث تتوقف على صفات الإسناد فصفات إسناد الحديث الصحيح: أن يكون متصلاً والرواة فيه عدول ضابطون، وأن يكون خاليًا من الشذوذ والعلة (6)، وان كان الشذوذ والعلة قد يرجعان إلى المتن فى بعض الأحيان. وصفات إسناد الحديث الحسن: هى نفسها صفات الحديث الصحيح، غير أن ضبط بعض الرواة يقل عن تمامه فى الحديث الصحيح (7). وصفات إسناد الحديث الضعيف: هى اختلاف صفة من الصفات السابقة، كأن يكون بعض رواته غير عدل ولكنه غير كذاب، أو سيئ الحفظ، أو منقطعاً أو فيه شذوذ، أو علة. ويتنوع الانقطاع فى الإسناد، فتارة يكون في أوله، وتارة يكون فى وسطه، وتارة يكون فى آخره، وبالتالى تتنوع الأحاديث الضعيفة لهذا السبب، ويطلق على كل نوع من الانقطاع مصطلح خاص، كالمرسل، والمنقطع، والُمعضَل، والمدلَّس، والبلاغ، والمعلّق (8). أما الحديث الموضوع: فما كان فى إسناده كذِّاب. وهناك تقسيم أخر للإسناد، وهو الإسناد العالى والإسناد النازل (9)، والإسناد العالى هو قلة الوسائط فى السند، أو قدم سماع الراوى، أو قدم وفاته، والإسناد النازل هو كثرة الوسائط فيه، وكما يقول ابن الصلاح .. "العلو يبعد السند من الخلل لأن كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوًا أو عمدًاه ففى قلتهم قلة جهات الخلل، وفى كثرتهم كثرة جهات الخلل، وهذا جلىَّ واضح " (10) ولميزة العلو هذه استُحبَّت الرحلة فى طلب الحديث، ولا يكتفى كثير من المحدّثين بأن يحدثه علماء بلده عن شيوخ أحياء، بل يرحل إلى هؤلاء الشيوخ، وتنتفي هذه الواسطة، وهكذا، فتعلو الأسانيد. وكان للرحلة هدف آخر أسمى، وهو قوة الإسناد، والاطمئنان التام إليه، قال الحاكم "وقد رحل فى طلب الإسناد غير واحد من الصحابة، وساق حديث خروج أبى أيوب الأنصارى عن المدينة إلى عقبة ابن عامر بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسولا الله - صلى الله عليه وسلم - (11). ونحب أن ننوه إلى ماهو بَدهىُّ فى تاريخ العلوم الإسلامية، وهو أنه ليست السنة فقط هى التى نقلت بالأسانيد، وإنما كل العلوم الإسلامية نقلت كذلك، ابتداء من القرآن الكريم الذى نقل بأسانيد القراء جيلا بعد جيل، مع كونه نُقل متواترًا. وانتهاء بكل العلوم ويتجلى ذلك فى مخطوطات تلك العلوم، وهذا ما تمتاز به العلوم الإسلامية عن تراث الأمم الأخرى، وكما يقول ابن الصلاح "أصل الإسناد أولاً خِصَّيصة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة) (12). وبهذه الخِصَّيصة حفظ الله تعالى للأمة الإسلامية دينها، فلم يُحَرَّف كما حُرَّفت الرسالات السابقة، وصدق الله عزوجل حيث يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون} (الحجر 9). أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - تاج العروس مادة (سند) 2 - تدريب الراوى- حلال الدين السيوطى 1/ 42 دار الفكر- بيروت- 3 - مقدمة صحيح مسلم- مع شرح النووى 1/ 15طبعة د ار الشعب- القاهرة) - 4 - المصدر السابق 1/ 14 5 - المصدر السابق 1/ 15 6 - مقدمة ابن الصلاح- ص151دار المعارف- مصر- ط"2" 7 - نزهة النطر ابن حجر العسقلانى ص 29 مكتبة ابن تيمية- مصر1411 هـ- 0 199 م- 8 - المصدر السابق ص36 - 40 9 - الإرشاد للنووى 2/ 530 مكتبة الإيمان بالمدينة المنورة- ط"1" 1408 هـ- 1987 م- 10 - مقدمة ابن الصلاح ص 440 11 - معرفة علوم الحديث للحاكم ص 7 - 8المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط 1 - 12 - مقدمة ابن الصلاح ص437

19 - السنوسية

19 - السنوسية اصطلاحا: هى إحدى الحركات الإصلاحية فكريا وثقافيا وسياسيا، والتى لعبت دورا كبيرا فى الحياة السياسية بأفريقيا، وبخاصة ليبيا. وقد عدّها بعض من المؤرخين طريقة من طرق الصوفية، ولعل ذلك لخروج طرق صوفية من تحت عباءتها. وتنسب هذه الحركة إلى مؤسسها محمد بن على السنوسى بن العربى، وهو من سلالة الأدارسة الذين يتصل نسبهم بعلى بن أبى طالب - رضي الله عنه - وقد ولد فى الثانى والعشرين من ديسمبر سنة 1798م فى بلدة مستغانم بالجزائر. وفى ذلك الوقت كانت البلاد العربية تابعة للخلافة العثمانية ممثلة فى الأتراك العثمانيين، والذين كانوا عسكريين فقط، فلم يبذلوا جهدا يذكر فى ترقية الحياة الاجتماعية والثقافية عند المسلمين، وكانوا يقنعون من الوالى بأن يدفع لهم ما التزم به من مال، مما أدى إلى انتشار الجهل والتخلف الفكرى فى البلاد الخاضعة لتركيا. إضافة إلى ذلك، لم تستمر الانتصارات العسكرية، حيث انقلب ميزان القوى، وبدأت الهزائم تتوالى على تركيا والبلاد العربية التابعة لها من القرن السابع عشر، وتجمعت دول أوروبا عليها مما ولّد إحساسا بالخسارة سياسيا وثقافيا كان هو الباعث والمحفز لظهور حركات إصلاحية فى شتى البلاد العربية، فظهرت فى اليمن الحركة الزيدية، وفى مصر حركة على بك الكبير وفى فلسطين حركة الزعيم البدوى ضاهر العمر، وفى لبنان حركة الأمير فخر الدين وحركة الشهابيين، إضافة إلى حركة جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده التى انتشرت فى عدة أقطار عربية. ولم يكن السنوسى بمعزل عن هذا كله، فقد طاف البلاد العربية متعلما ومتابعا لما يحدث، فرحل إلى فاس حيث التحق بجامعة القرويين، وكذا إلى مصر حيث تعلم بالأزهر الشريف، ثم رحل إلى الحجاز وتعلم منهم، وبعد هذا التطواف تولد لديه الإحساس العميق بحاجة الدعوة الإسلامية إلى الإصلاح، فراح يعمل على وضع خطة لتنفيذ ذلك. وكان أهم عُمُد خطته الإصلاحية ما يلى: 1 - ليست هناك حدود تقسم العالم الإسلامى، فالحركة الإصلاحية يلزم أن تكون شاملة لكل أقطاره. 2 - يجب أن تكون الحركات الإصلاحية سياسية وفكرية فى نفس الوقت، فكلاهما مكمل للآخر. 3 - يجب أن تعنى الحركة الإصلاحية بنشر الإسلام وبخاصة فى اللادينيين، وذلك فى مواجهة حركة التبشير المسيحية. 4 - الاعتماد على الكتاب والسنة والانتفاع بالمذاهب المختلفة فيما يناسب المسلمين وييسر حياتهم، مع تنقية الإسلام من بدع أهل الأهواء. 5 - يجب آن تتخلى الطرق الصوفية عن الزهد والخمول والاستجداء الذى كان يغلب على طابعها لأنه ليس من الإسلام فى شيء. ولتحقيق هذه الخطة أنشأ عدة زوايا كمراكز دينية وثقافية واجتماعية وعسكرية، وهى عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافقه ممثلة فى مسجد ومسكن الشيخ ومكان للضيافة وحجرات لسكنى الطلاب ومحل لإيواء اللاجئين إلى الزاوية، وبه بئر ومخزن للأمتعة، وتكون فى مكان حصين أو نحوه ليسهل الدفاع عنها، كما يكون موقعها بحيث يسهل الاتصال بينها وبين غيرها من الزوايا، ويقوم عليها "مقدّم " يكون هو الشيخ والقيم عليها يتولى أمور الناحية، ويفصل فى الخصومات بين أهلها وسائر الشئون الاقتصادية، ولكل زاوية شيخ يقيم الصلاة ويقوم على تعليم الأولاد ومباشرة عقود النكاح وسائر الأشياء الشرعية. ويشرف على إدارة الزوايا جماعة تسمى (الخواص) وهم الذين بلغوا درجة عالية فى العلم والمعرفة. ولقد تنقل السنوسى من الحجاز إلى مصر ثم إلى طرابلس سنة1840هـ حيث استقر بها وأنشأ مركز دعوته سنة 1843م فى الزاوية البيضاء بالجبل الأخضر ثم نقله سنة 1856م إلى واحة الجغبوب. وأنشأ فيها مدرسة دينية بها مكتبة تضم ثمانية آلاف مجلد، وكان يشرف عليها إشرافا مباشرا. ولنشاط السنوسى ونشاط أتباعه انتشرت الزوايا فى نواحى برقة وطرابلس ووادى، وكان لها أكبر الأثر فى نشر الإسلام والحفاظ على ثوابته وأصوله. ولما توفى السنوسى سنة 1859م خلفه ابنه المهدى، والذى نقل مركز الدعوة من الجغبوب إلى الكفرة سنة 1895م، وكان نشيطا فى دعوته حتى إنه عند وفاته سنة 1902م كان للسنوسية 136 زاوية. وخلف المهدى ابن عمه السيد أحمد الشريف، الذى وجد نفسه فى ظروف استعمارية حملته على أن يخوض غمار الحرب ضد الفرنسيين، ثم ضد الزحف الإيطالى على ليبيا، إلا أنه اعتزل زعامة السنوسية سنة 1918م إثر الهجوم على مصر. وآلت زعامة السنوسية إلى السيد إدريس الذى تولى ملك ليبيا، حيث أصبحت السنوسية قوة دولية يعترف بها، إلى أن هبّت ثورة الفاتح وعزلته سنة 1969م. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - ليبيا فى الماضى والحاضر د/ حسن سليمان. 2 - شمال افريقية سيد العريان وآخرون. 3 - المغرب العربى د/ صلاح العقاد. 4 - تاريخ الفتع العربى فى ليبيا -الطاهر! حمد الزاوى 5 - السنوسية دين ودولة د/ محمد فؤاد شكرى 6 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ أحمد شلبى 7 - أفريقية الإسلأمية د/ عبد الرحمن زكى.

20 - سؤال القبر

20 - سؤال القبر اصطلاحا: هو سؤال الملكين منكر ونكير للميت بعد دفنه فى قبره. وهو من الغيبيات التى يجب على المسلم الإيمان بأن أول ما ينزل بالميت بعد موته سؤال الملكين فى القبر، وبأن الله يرد عليه روحه وسمعه وبصره، ثم يسأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه، فإما أن ينعم وأما أن يعذب حسب حسن إجابته أو سوئها، وقد ورد فى ذلك أحاديث كثيرة بلغت حد الشهرة والتواتر المعنوى منها: "استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل" (رواه أبو داود). وحينما تفارق روح الإنسان جسده، ويوضع فى قبره، يكون قد ودَّع الحياة الدنيا، ولم يعد يملك إلا ما كان يعمله فى الدنيا، ويبقى وحيدا، لا معين ولا نصير. وفى القبر يكون أول مواقف الحساب، وأول حادث يواجهه الإنسان بعد دفنه هو سؤال الملكين له فى القبر، ويودع الله فيه نوعا من الحياة، بها يستطيع، فهم السؤال والإجابة عليه. وقد قيل: إنه ورد فيه قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة} (إبراهيم (27). فالقول الثابت فى الحياة الدنيا هى كلمة التوحيد، وفى الآخرة أى القبر حين يسألون عن ربهم ودينهم ونبيهم فيوفقون فى الإجابة على ذلك، فعن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سئل فى القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله" ] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة [. وليس السؤال فى القبر للروح وحدها، كما قال ابن حزم وابن هبيرة، وأفسد منه قول من قال: إنه للبدن بلا روح، والأحاديث الصحيحة ترد القولين. وكذلك عذاب القبر ونعيمه يكون للنفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والإجماع، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتصلة به. واتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان بعد موته قُبِرَ أم لم يُقْبَرْ يسأل عن أعماله، وجوزى بالخَير خيرا، وبالشر شرا، وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا. ولم ينازع أحد من جمهور المسلمين فى سؤال القبر أو فى تسمية الملكين اللذين يأتيان ويسألانه- منكر ونكير- إلا بعضا من المعتزلة كالجبائى والبلخى. ولكن القاضى عبد الجبار المعتزلى يقرر أنه يجب الإيمان والإقرار بسؤال القبر، وأن الله يبعث إلى الميت ملكين يقال لأحدهما منكر، والآخر نكير، وإنهما يسألان الميت ثم يعذبانه، أو يبشرانه على حسب ما وردت به الأخبار، لأن ذلك مما لا يهتدى اليه من جهة العقل، وإنما الطريق اليه السمع فوجب قبولها. ومما جاء فى صفة الملكين وصفة سؤالهما ما رواه معمر عن عمر بن دينار وعن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: كيف بك يا عمرإذ جاءك منكر ونكير وإذ مت وانطلق بك قومك وقاسوا ثلاثة أذرع وشبرا فى ذراع وشبر ثم غسلوك وكفنوك وحنطوك ثم احتملوك فوضعوك فيه ثم أهالوا عليك التراب فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران شعورهما ومرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها؟ فقال عمريا رسول الله، أفرقنا فحق لنا أن نبعث على ما نحن عليه أو قال يا رسول الله أيرجع إلىّ عقلى، قال: نعم. قال عمر إذا أكفيكهما والله لئن سألانى سألتهما فأقول لهما: أنا ربى الله فمن ربكما أنتما؟ ومن ذلك الوصف أيضا ما رواه أبو هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قبر الميت او قال أحدكم آتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكروالآخر النكير فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له فى قبره سبعون ذراعا فى سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلى فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذى لا يوقظه إلا أحب أهله إليه يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدرى فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمى عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، رواه الترمذى وابن حيان فى صحيحه. ومما تقدم يستفاد أن لأهل القبور حياة يدركون بها أثر النعيم والعذاب، ولو تفتتت أجسادهم، وأما كيفية تنعيمهم أو تعذيبهم فأمرها غيبى لا تعرف حقيقتها، وحال الميت فى ذلك كحال النائم يرى الملاذ، ولا يرى من بجواره شيئا. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - دراسات فى العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ عبد المعطى بيومى، ص 100 وما بعدها، التذكرة ص 165،164 2 - شرح العقيدة الطحاوية ص 579 والعقائد الإسلامية- سيد سابق ص 0 31 3 - العقائد ص 209 4 - شرح المواقف الإيجى 8/ 317،التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبى،،ص 147. 5 - شرح الأصول الخمسة ص734 تحقيق د/ عبد الكريم عثمان- مكتبة وهبة- ط 1 سنة 1065م 6 - السنن الكبرى للبيهقى ص 116 - 118

21 - السورة

21 - السورة لغة: المنزلة، وقيل: مخصوصة بالرفعة (الدرجة) والسورة من البناء: ما طال وحسن، وقيل: هى العلامة كما فى مختار الصحاح (1). واصطلاحا: قرآن يشتمل على آى ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها: ثلاث آيات وهى سورة الكوثر، وقيل: الطائفة المسماة باسم خاص بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم. والسورة تشتمل على آيات، والآية: قرآن مركب من جمل ولو تقديرا، ذو مبدء ومقطع، مندرج فى سورة، وأصلها العلامة، ومنه قوله تعالى: {إن آية ملكه} البقرة:248، لأنها علامة للفضل والصدق، أو الجماعة لأنها جماعة كلمة. وقيل السورة: هى طائفة من القرآن، منقطعة عما قبلها وما بعدها، ليس بينها شبه بما سواها. والحكمة فى تقطيع القرآن سورا هى الحكمة ذاتها فى تقطيع السور آيات معدودات، لكل آية حد ومطلع، حتى تكون كل سورة، بل كل آية فنا مستقلا وقرآنا معتبرا. وسورت السور طوالا وقصارا وأوساطا: تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز، بل قصارها كطوالها، ولهذا -أيضا- حكمة فى التدرج فى تعليم الصبيان القرآن الكريم. وسور القرآن قد يكون لها اسم واحد وهو الأكثر، وقد يكون لها اسمان: كسورة البقرة فانه يقال لها: فسطاط القرآن لعظمها وبهائها، وآل عمران يقال لها فى التوراة: طيبة، والنحل تسمى سورة النعم لما عدد الله فيها من النعم على عبادء، والجاثية تسمى الشريعة، ومحمد تسمى القتال. وقد يكون لها ثلاثة أسماء: كالمائدة فإنها تسمى العقود والمنفذة، وكغافر فتسمى الطول والمؤمن. وقد يكون لها أكثر من ذلك: كسورة براءة فهى التوبة، والفاضحة، والحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين، والعذاب، والمشقشقة، والمبعثرة، وكسورة الفاتحة فإنها: أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثانىء والحمد، وقد ذكر لها بضعة وعشرون اسما. واختصاص كل سورة بما سميت به مقصود: فالعرب تراعى فى الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون فى الشىء من خلق أو صفة تخصه، أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائى للمسمى وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم، لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها، وسورة النساء سميت بذلك لما تردد فيها من كثير من أحكام النساء، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها، وهكذا فى بقية السور. وعدد سور القرآن الكريم أربع عشرة ومائة سورة، افتتحها سبحانه وتعالي بعشرة أنواع من الكلام، لا يخرج شىء من السور عنها، وهى: 1 - الاستفتاح بالثناء، مثل: الحمد لله، وتبارك، وسبحان، وسبح، ويسبح لله. 2 - الاستفتاح بحروف التهجى: مثل الم، المص، الر، وذلك فى ست وعشرين سورة. 3 - الاستفتاح بالنداء، وذلك فى عشرين سورة، مثل: مفتتح النساء، والمائدة والأحزاب. 4 - الاستفتاح بالجمل الخبرية، فى ثلاث وعشرين سورة، مثل، مفتتح النحل والأنبياء. 5 - الاستفتاح بالقسم، وذلك فى خمس عشرة سورة، مثل: مفتتح الضحى والليل والشمس. 6 - الاستفتاح بالشرط، فى سبع سور، مثل: مفتتح التكوير والانفطار والانشقاق. 7 - الاستفتاح بالأمر، فى ست سور، مثل: مفتتح الجن والأعلى والإخلاص والمعوذتين. 8 - الاستفتاح بالاستفهام، فى ست سور، مثل: الإنسان والنبأ والغاشية والفيل. 9 - الاستفتاح بالدعاء، فى ثلاث سور وهى المطففين، والهمزة، والمسد. 10 - الاستفتاح بالتعليل، فى موضع واحد، لإيلاف قريش. وهذه الافتتاحات فيها من الحسن وبراعة الاستهلال ما فيها. وخواتم السور مثل فواتحها فى الحسن، لأنها آخر ما يقرع الأسماع، ولهذا تضمنت جملة من المعانى البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد. ومن أوضحه خاتمة سورة إبراهيم {هذا بلاغ للناس ولينذروا به .. } (آية 52) والأحقاف {بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (آية35) وأول سورة نزلت فى القرآن "اقرأ" ثم "نوح"، وآخرما نزل {إذا جاء نصرالله والفتح} النصر:1. وكل سور القرآن الكريم بدأت بالبسملة إلا سورة التوبة، وسورة النمل بدأت بالبسملة ووجدت البسملة فى آية منها فى قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} النمل:30. أ. د/عبدالصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح، مادة (سور) ص320. مراجع الاستزادة: 1 - البرهان فى علوم القرآن للزركشى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة عيسى الحلبى وشركاه 1975م، 1/ 163:181. 2 - الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى وبهامشه إعجاز القران للباقلانى، المكتبة الثقافية بيروت 1973م الجزء الأول. 3 - الموسوعة الفقهية بالكويت 25/ 387 وما بعدها

22 - السياحة

22 - السياحة لغة: "الذهاب فى الأرض للعبادة والترهب "، ومنه "المسيح ابن مريم - عليه السلام - الذى "كان يذهب فى الأرض، فأينما أدركه الليل صفَّ قدميه، وصلى حتى الصباح " (1) (لسان العرب، مادة: س. ى، والسياحة بهذا المعنى غيرمفضلة فى شريعة الإسلام بل ربما ورد النهى عنها أخذاً من حديث أبى أمامة: أن رجلاً قال: يارسول الله ائذن لى فى السياحة، فقال: " إن سياحة أمتى الجهاد فى سبيل الله" وأيضا قياساً على منع التبتل فى حديث ابن مظعون، وجمهور المفسرين على أن المراد من " السائحين " فى قوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون} (التوبة 112) هم الصائمون، ويقول الزّجّاج: "السائحون فى قول أهل التفسيرواللغة جميعا: الصائمون ". وفيما يقول القرطبى: هم الصائمون أو المهاجرون أو المسافرون لطلب العلم، أو الجائلون بأفكارهم فى عالم الملكوت. والمفسرون- من شيوخ التصوف كالقشيرى وابن عجيبة- يُوَسَّعون مفهوم "السياحة" فى الآية السابقة ليشمل ما قاله غيرهم من المفسرين، وليشمل السفر من أجل زيارة المشايخ، وأيضا السياحة بالمعنى الصوفى، وهى "السفر فى الأرض على جهة الاعتبار طلبا للاستبصار"، ويقصدون بها سياحة السالك ومفارقته الأوطان لتصفية القلب بالعبادة والذكر والتفكر. ومُجمل ما تشير إليه مصنفاتهم فى هذه المسألة أنهم- غالبا- ما يتكلمون عن السياحة فى باب السفر" وأسراره، ولعل اختيارهم لعنوان "السفر" بدلا من السياحة" راجع إلى الآثار الواردة فى الترغيب عنها، لكن تاريخ الصوفية يطلعنا على "شيوخ " اختاروا السياحة منهجا ثابتا فى تحصيل علومهم وأذواقهم الإلهية. ويُعدّ "ذو النون المصرى" (ت 245 هـ- تقريبا) من أوائل من مارس السياحة بهذا المعنى، وسيرته حافلة بلقاءات- يصعب حصرها- مع الزهاد والعُبّاد والوالهين من المنقطعين فى الزوايا والبرارى والجبّانات والمغارات ورؤوس الجبال، من القيروان غربا إلى مكة شرقا، ومن اليمن جنوبا إلى جبال لبنان وجبال أنطاكية شمالا، حتى قال فيه ابن عريى: "لم أرَ فى الجماعة أكثر سياحة واجتماعا بأولياء الله من ذى النون المصرى". لكننا نرى تقييما آخر للسياحة عند الشيخ الأكبر: محيى الدين بن عربى، الذى يعلل رغبة البعض من أهل الله فى السياحة بسبب "الاٌنس " الحاصل من مخالطة الشبيه " من الناس. وهو ميل طبيعى تصعب مقاومته. وهذا الأُنس فى حقيقته ليس الا وحشة من الحق. والسياحة هى الوسيلة التى يعتدل بها الآمر ليكون الأُنس بالله والوحشة من الخلق، ورغم ان الشيخ يعدَّد كثيرا من فضائل السياحة الصوفية، إلا أنه يفضل السكون والاستقرار على السياحة وقطع المسافات. ويستلهم فى مذهبه هذا قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} (الحديد 4)، ويرى ان معنى التوكل هو السكون تحت مجارى الأقدار، والسياحة مبادرة أو مبادأة قادحة فى تجريد التوكل، ويقول: إنه ذاق الأمرين. وو صل إلى أن سكون الاستقرار أقوى فى تحصيل المعارف الالهية من السياحة، وأن " من رَّجح ترك السفر فقد أصاب فى النظر، وقَصَد عَيْن الخبر" وفى النهاية يتساءل: إذا كان الله جليس الذاكر فإلى أين يرحل؟ أ. د/ أحمد الطيب 1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (سيح) دار صادر بيروت

_ المراجع 1 - شعب الإيمان، البهيقى، باب الجهاد جـ4/ 384 تحقيق أبى هاجر دار الكتب العلمية بيروت، 1410هـ-1990م 2 - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (الآية 112 من سورة التوبة 2/ 400 مكتبة مصر، بدون تاريخ 3 - لطائف الإشارات، القشيرى،2/ 67 تحقيق ابراهيم السيوفى الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1 98 1 م 4 - البحر المديد فى تفسير القران المجيد، ابن عجيبة 2/ 433، تحقيق أحمد سلامة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1419 هـ- 1996 م 5 - الفتوحات المكية، ابن عربى 2/ 293 - 295،دار صادر، بيروت. بدون تاريخ

23 - السياسة

23 - السياسة لغة: مصدرللفعل "ساس" أى رأس وقاد، والسياسة: القيام على الشىء بما يصلحه ... والوالى يسوس رعيته، كما فى اللسان (1). وسست الرعية سياسة، أى ملكت أمرهم، كما فى الصحاح (2). وفى الحديث الشريف: "كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم " أى يتولون أمورهم كما يفعل الأمراء، الولاة بالرعية. والمعنى الاصطلاحى للسياسة حتى اليوم يتفق وتدبير أمور الرعية فى الداخل والخارج، وفى التوصيف الغربى (3) فإن السياسة هى مجموعة القرارات المترابطة المتفق عليها بقصد التوصل إلى نتائج وأهداف محددة على المستوى العام أو المستوى الشخصى. وينظر إلى السياسة غالبا باعتبارها تمثل التعامل والتفاعل بين الأفراد والعوامل، التى تحدث نتيجة تحديد المواقع والمصالح، التى يمكن تحقيقها والقرارات المصاحبة لذلك، إلا أن اللفظ اتخذ فى الإسلام طابعا دينيا، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن صاحب رسالة دينية فقط إنما كان رئيسا للجماعة الإسلامية الناشئة، التى وضع أساسها بمقتضى الصحيفة التى آخى فيها بين المهاجرين والأنصار، والتى يمكن أن يطلق عليها "دستور المدينة" إذ تضمنت تنظيما واضحا للعلاقات بين أعضاء المجتمع الإسلامى، بينهم ورياسة هذه الجماعة، وبينهم وبين من يخالفونهم فى الدين. وتعتبر الصحيفة نقلة نوعية من المنظور السياسى، حيث تضمنت من المعانى-على خلفية عالميةالإسلام- عناصر بالغة الدلالة من حيث العلاقات الدولية، فقد تضمنت إطارا لدول متعاونة على كل ما عرف خيره تتحمل مسئوليتها فرادى وجماعات فى عمارة الأرض (4) وعدم الإفساد وأنه لا إكراه فى الدين، وبرّ من يخالفنا ما لم يعتد علينا فى ديارنا أو ديننا، وأن الخلق كلهم عيال الله، وأن الحوار والتفاوض فى السياسة أمران واردان. وجاء ذلك فى إطار ما حفل به القرآن الكريم من معان سامية ينبغى أن تسود البشر لإصلاح أمورهم فى دنياهم وأخراهم، بما فى ذلك تأكيده على قيم العدل والمساواة والتعاون والسلام بين البشر -وهى قيم ينبغى أن تكون لها السيادة فى العلاقات السياسية الدولية- أتى بها الإسلام وسبق غيره بقرون عديدة. وعالمية الإسلام تكسب التوجهات الإسلامية بعدها العالمى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} الفرقان:1، وقد أمر الإسلام بالتعايش والتعارف {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} الحجرات:13، وأمر بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} المائدة:8. ويعتبر الإسلام أن السلام هو السياسة الإسلامية الأصيلة التى تمارس داخل المجتمع الاسلامى فى علاقاته مع مخالفيه (5) وهو يفرق فى هذا الصدد بين الذين يسالمون المسلمين والذين يقاتلونهم، والاختلاف ليس سبيلا للحرب بل إنه كامن فى طبيعة الحياة، والسلام لا يعنى الاستسلام للمعتدين، وحتى فى حالة الحرب فلها سياستها وآدابها، والإسلام يدعو إلى التعايش والحوار كمنهاج لممارسة السياسة، وفى ظلها تنمو العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها من أوجه العلاقات التى تتم فى إطار السياسة الدولية. أما التنافس والتدافع فى المصالح والأمور السياسية فلا يعنى بالضرورة تصارعا وقتالا، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التى تحقق التوازن والتداول فى إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزير} الحج:40. وقد عرف النظام الإسلامى أسلوب كتابة المعاهدات، وسبق اتفاقيات جنيف التى عقدت عام 1949م فى حماية ضحايا الحرب وأسراها، وحظر أعمال الثأر والانتقام ضد العدو. ولقد كان إنشاء الدولة الإسلامية فى المدينة، وامتداد نفوذها بالتدريج فى معظم أجزاء شبه جزيرة العرب فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة مجهودات كبيرة حربية وتشريعية وسياسية، وكانت حصيلة النشاط السياسى والدبلوماسى مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات التى تحدد العلاقات السياسية على أسانيدها من القرآن والسنة النبوية. السفير/نبيل محمد بدر

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت مادة (سوس). 2 - الصحاح للجوهري، مادة (سوس). 3 - Political and lagal by walter Raymond 4- الإسلام والنظام العالمى الجديد، د. حامد بن أحمد الرفاعى، المقدمة. 5 - مفهوم التعايش فى الإسلام، د. عباس الجرارى. مراجع الاستزادة: 1 - عالم الإسلام، د. حسين مؤنس. 2 - الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى، د. محمد البهى

24 - السيرة

24 - السيَّرَة السيرة لغة: السنة والطريقة، والحالة التى يكون عليها الإنسان، وهى من الفعل: سار يسير، والمصدر: سَيْر، وسِيرة، وتسيْار، وتسار، وتِسيرة. واصطلاحا: السيرة النبوية هى السجل الدقيق الكامل لحياة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -، منذ مولده يوم الاثنين، الثانى عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل (570ميلادية). إلى وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، يوم الاثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية، الثامن من شهر يونية 632 م. كذلك تقدم إلينا السيرة النبوية- فى إحاطة شاملة- يوميات الدعوة الإسلامية فى عصر النبوة، بمرحلتيها: الأولى فى مكة المكرمة قبل الهجرة، والثانية فى المدينة النبوية بعد الهجرة. ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المثل الأعلى للمسلمين أجمعين، كما قال تعالى: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب 21). فقد حرص أصحابه الكرام أشد الحرص على استيعاب وحفظ كل ما سمعوه منه وما شهدوه معه، ونقل صورة كاملة عنه إلى الجيل التالى من المسلمين- وهم التابعون- وذلك تحقيقا للاقتداء به وترسُّم خطاه، فكان حال هؤلاء التابعين كأنهم يشاهدون النبى - صلى الله عليه وسلم - بأعينهم، ويسمعونه بآذانهم، ويشهدون معه الوقائع والمواقف التى مرت به وبأصحابه إبان عصر النبوة. ومما لا ريب فيه أن حُفاظ الصحابة- وهم ينقلون هذه الصورة الحية إلى تلاميذهم التابعين- كانوا يعتقدون أنه أمر واجب يلزمهم القيام به أداء لحق الدعوة إلى الإسلام عليهم، وكذلك التزم بهذا الواجب وقام به أولئك التابعون نحو الجيل التالى لهم وهم تابعو التابعين، وهكذا حتى وصلت إلينا هذه السيرة العطرة كاملة غير منقوصة، تحفل بها بعض ُسور القرآن الكريم، وتحتشد لها كتب الحديث والتفسير، والمغازى، والشمائل ودلائل النبوة، والتاريخ والطبقات، وموسوعات الفقه، والأدب العربى. إن القرآن الكريم، ومعه كل ذلك التراث الإسلامى الحافل قد وعى سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، ومعاملته مع الله ومع الناس، ومظاهر الإبداع فى خَلْقه وخُلُقه، وفى حبه ورأفته، وفى دعائه وابتهاله، وفى منطقه وحكمته، ومعالجته لمختلف الأمور، وفى اجتماع الكمال البشرى فى شخصيته. بل ليس هناك أدنى مبالغة إذا قلنا: إنه ليس فى الدنيا إنسان كامل تحدث التاريخ عن سيرته وحياته على التفصيل كما تحدث عن تفاصيل حياة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا شك فى أن دراسة السيرة النبوية تحقق لدارسيها أهدافا ذات أهمية بالغة، منها: الوقوف على التطبيق العملى لأحكام الإسلام التى اشتملت عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فى شتى مجالات الحياة. كما أننا نقف بدراستها على دلائل نبوته ومعجزاته - صلى الله عليه وسلم - فيزيد إيماننا وتقوى عقيدتنا. كذلك فإن معرفة ما حفلت به السيرة النبوية من مواقف إيمانية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سبيل إعلاء كلمة الله، تقوَّى عزائم المؤمنين، وتثبتهم فى معركة الدفاع عن الدين والحق. وتغمر قلوبهم بالطمأنينة. وفى دراسة السيرة معرفة المثل الأعلى للإنسان الكامل الذى تجسّده شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -. إن دارس هذه السيرة يحصل على قدر عظيم من المعرفة الصحيحة بعلوم الإسلام. من حديث، وتفسير، وعقيد ة، وشريعة، وأخلاق، وتربية، واجتماع، وسياسة، وغيرها. كذلك يتعرف دارس السيرة النبوية غلى تطور الدعوة الإسلامية فى عصر النبوة. وما عاناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى سبيل نشر الإسلام، وما واجههم من مشكلات وعقبات. وكيف تغلبوا عليها. كما أن المعجزات التى أجراها الله سبحانه على يدى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تُفهم جيدا الا فى ضوء معرفة وقائع السيرة التى حدثت خلالها تلك المعجزات .. وثمة أمور أخرى يستمد الإنسان معرفتها من خلال دراسته للسيرة النبوية لا نطيل بذكرها. ويبقى أن نلم- فى إيجاز- بأهم مصادر السيرة النبوية لتتم الفائدة من هذا التعريف. وأول هذه المصادر هو القران الكريم- لا خلاف على ذلك- بل هو المصدر الرئيسى لسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -: إذ هو نص قطعى الثبوت. لأنه أصح كتاب عرفه البشر على الإطلاق ـ ولكي يمكن الإفادة من كتاب الله فى معرفة السيرة. فلابد من الرجوع إلى كتب التفسير وفى طليعتها: تفسير الطبرى. وتفسير ابن الجوزى، وتفسير ابن كثير. ثم كتب الحديث النبوى وهى الموسوعات التى عنيت بجمع أقوال النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلُقية. كما تناولت سيرته. ومغازيه وـ وسراياه. وبعوثه. ومكاتباته وفضائل أصحابه وأزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك من موضوعات السيرة النبوية. وفى مقدمة هذه الكتب: صحيحا البخارى ومسلم، والمستدرك للحاكم النيسابورى،. وكتب السنن الأربعة لآبي داود، والترمذى، وأبن ماجه، والنسائى، والسنن الكبرى للبيهقى. ومسند الإمام أحمد. وموسوعات اخرى لا نطيل بذكرها. ويلحق بكتب الحديث مصنفات أخرى. مثل: كتاب الشمائل للترمذى، وكتاب أخلاق النبى - صلى الله عليه وسلم - وآدابه لأبى الشيخ الأصبهانى، ودلائل النبوة لأبى نعيم الآصبهانى، ودلائل النبوة للبيهقى. وكتب المغازى والسير، التى وضعها أصحابها خصيصاً لعرض السيرة النبوية على جهة التفصيل ومن أهمها: سيرة ابن إسحاق، التى هذبها ابن هشام، ومغازى الواقدى. والسيرة النبوية لابن سعد، وجوامع السيرة لابن حزم، والسيرة النبوية للذهبى، والسيرة النبوية لابن كثير، وزاد المعاد لابن القيم. ثم كتب التاريخ الإسلامى التى أفردت مساحة كبيرة لعرض السيرة النبوية، مثل: تاريخ خليفة بن خياط، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان، وتاريخ المدينة لعمر بن شبَّة، وتاريخ الطبرى، والكامل لابن الأثير، وتواريخ أخرى عديدة لا يتسع المقام لذكرها. إننا ننبه إلى أن ما سبق ذكره من مصادر السيرة- يمثل مع كثيرغيره مما لم نذكره من المصادر- الأساس الذى استمد منه، وبنى عليه كل من كتب فى سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - بعدئذ من القدامى والمحدثين .. أ. د/ محمد جبر أبو سعدة

_ المراجع 1 - الجامع الصحيح للبخارى- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت- 1411 هـ/ 1991م. 2 - (دلائل النبوة) للبيهقى- بتحقيق د. عبد المعطى. قلعه جى. دار الكتب العلمية- بيروت 1405 هـ/ 1985 م 3 - سنن الترمذى للترمذى- بتحقيق أحمد محمد شاكر .. ط- البابى الحلبى بمصر 1356 هـ/ 1937 م 4 - جوامع السيرة- لابن حزم بتحقيق إحسان عباس وزميله. دار المعارف بمصر.5 5 - السنن- لأبى داود: نشر دار الحديث- بيروت 1388هـ /1969م 7 - الطبقات الكبرى- لابن سعد: دار صادر بيروت 1388هـ / 1968م 7 - تاريخ الأمم والملوك- للطبرى: بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- طبع دار المعارف بمصر 1396 هـ/ 1976 م 8 - جامع البيان عن تأويل آى القرآن (تفسير الطبرى) - للطبرى: مطبعة مصطفى البابى الحلبى. مصر. 9 - الدرر فى اختصار المغازى والسير- لابن عبد البر: بتحقيق شوقى ضيف. القاهرة 1386 هـ/ 1966 م. 10 - السيرة النبوية الصحيحة. العمرى: د/ أكرم ضياء: مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة 13 4 1 هـ/ 993 1 م. 11 - زاد المعاد فى هدى خير العباد. لابن قيم الجوزية: بتحقيق شعيب الأرنؤوط وزميله. مؤسسة الرسالة- بيروت 1410 هـ/ 1990 م. 12 - الجامع الصحيح- للإمام مسلم: دار الفكر- بيروت- لبنان. 13 - السيرة النبوية- لابن هشام: بتحقيق مصطفى السقا وآخرين مطبعة البابى الحلبى- 1375 هـ/ 1955 م. 4 1 - كتاب المغازى- للواقدى: بتحقيق مارسدن جونز. دار المعارف بمصر (1385 هـ/ 965 1 م. 15 - سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد الإمام الصالحى: ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة.

25 - سيرة ذاتية

25 - سيرة ذاتية لغةً: السيرة: السُّنَّةُ والطريقة والحالة التى يكون عليها الإنسان وغيرُه وهى مأخوذة من مادة سار: اى مشى وسلك أو ذهب فى الأرض. وهى مرادف لكلمة ترجمة التى تدل على تاريخ حياة إنسان. واصطلاحاً: يطلق مصطلح السيرة على العمل الأدبى الذى يقوم فيه مؤلفه بسرد قصة حياته، ويرى مؤرخو الأدب أن اقدم عمل أدبى من هذا الطراز كان هو كتاب (اعترافات) الذي كتبه القديس المسيحى القديس أوغسطينوس (400 م) وفيه يقص جهاده الروحى وما حققه من انتصارات على نفسه، وقد عرفت الحضارة العربية تجارب بارزة ومبكرة للسير الذاتية. منها كتاب "أسامة بن منقذ" الاعتبار. وتتيح السيرة الذاتية للقارئ الفرصة لدراسة وقراءة حياة الشخصيات المتميزة،. كما تتضمن بالضرورة وصفا مباشرا ودقيقا لبعض الحوادث التاريخية وملامح الحياة (بكل صورها) فى الفترة التى عاش فيها صاحب السيرة، حتى إن كثيرا من وقائع التاريخ (العام والقومى) بل والحياة الاجتماعية والفعلية، لا يمكن استخلاصها إلا من السير الذاتية. ومع أن بعض الذين يكتبون سيرهم الذاتية يعمدون إلى استغلالها فى تبرير بعض رؤاهم ومواقفهم. إلا أن الدراسة الواعية تستطيع بالطبع استخلاص الحقائق واكتشاف الأكاذيب من ركام النظرات الذاتية. وقد ساعدت وسائل الإعلام فى العصر الحديث على آن تجعل من كتابة السيرة الذاتية مصدر عائد مادى كبير لرجال السياسة والمجتمع الذين يتطلع العامة الى معرفة أسرارهم وممارستهم للحياة، خاصة مع تزايد تيارات الحديث عن الأسرار الشخصية والحميمية وكسر الأسرار للحياة الخاصة. وتختلف السيرة الذاتية عن السيرة بمعناها العام أو ما يسميه بعض النقاد السيرة الغيرية وهو كتابة قصة حياة الشخص بواسطة كاتب آخر، سواء كان هذا الآخر معاصرا لصاحب السيرة أو غير معاصر، وسواء التقى به أولم يلتق وسواء كان صاحب السيرة على قيد الحياة أم فارقها، وينبغى على كاتب السيرة آن يسعى إلى جمع أكبر قدر من المعلومات عن حياة من يكتب عنه، وإن لم يستلزم هذا أن يضمن ما يكتبه من سيرة كل هذه المعلومات، وتتمثل براعته ومقدرته وتفوقه فى القدرة على تقديم صورة متكاملة أقرب إلى الصدق التام وإلى الحقيقة، ومع هذا فإن بعض الكتاب المتميزين يفرضون ذاتهم على السيرة التى يتولون كتابتها. ولم تصبح السيرة فنا قائما بذاته فى أوروبا إلا فى القرن السابع عشر، وقد اشتهر فى هذا الفن جيمس بوزويل بكتابه "حياة صموئيل جونسون)، وعد بمثابة أعظم السير فى القرن الثامن عشر، وقد ازدهر فن السيرة فى أوروبا فى القرن العشرين على يد أندريه موروا وإميل لودفيج، وقد ألف بلورتارك "سير متوازية لنبلاء الإغريق والرومان " فاعتبر رائد فن السيرة فى الآداب الأوروبية، ورتبت فيه السير أزواجا، كل زوج منها يتحدث عن علم يونانى وآخررومانى مع مقارنة بين السيرتين. وقد عنى الكتاب المسلمون بفن السيرة منذ مرحلة مبكرة، وأقدم آثارهم فى هذا الفن هو سيرة ابن إسحاق التى كتب فيها سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " المغازى والسير"، وقد كتبه بأمر وتشجيع من الخليفة العباسى المنصور، وعليه عول "ابن هشام " فى سيرته المشهورة. ومن أشهر كتب السير العربية: "وفيات الأعيان " لابن خلكان، ومعجم الأدباء" لياقوت الحموى وفى العصر الحديث ألف الدكتور محمد حسين هيكل "حياة محمد" ووضع عباس محمود العقاد "عبقرية عمر" و"عبقرية خالد". ومن أشهر كتب السير الذاتية المعاصرة سيرة غاندى "قصة تجاربى مع الحقيقة" وقد ترجمها منير البعلبكى، و" الأيام" لطه حسين. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - التراجم والسير /عبد الغنى حسن، سلسلة نوابغ الفكر العربى 2 - سيرة ذاتية /عبد الحميد جودة السحار. 3 - القصة القصيرة الطاهر أحمد مكى، دار النهضة العربية.

الشين

1 - الشر لغة: فعله شرَّ يشر ويشُر بكسر الشين وضمها، وهو نقيض الخير ولا يقالَ ضده لآن الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان معا، وهذا هو شأن الخير والشر. فلا يجتمعان ولا يرتفعان معا، وجمعه شرور وقوم أشرار. واصطلاحاً: الشر صفة أخلاقية للفعل الذى يقع على خلاف الطبع، وهو عدم ملاءمة الشيء لطبعه. وعرّفه المعتزلة (فرقة كلامية) بأنه الضرر القبيح وما يؤدى إليه ويقابله الخير وهو النفع الحسن وما يؤدى إليه. وعند أهل السنة هو الفعل العارى عن الحكمة (أى العبث) أو هو وضع الشىء فى غير موضعه اللائق به، ولا ينسب الشر إلى الله تعالى لا إلى أفعاله ولا إلى أقواله. لآن أفعاله كلها لحكمة مقصودة وليست عارية من الحكمة قال تعالى {ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت} (الملك 3) (أى قصور أو تقصير) وفى الحديث الشريف: (الخيربيديك والشر ليس إليك) وفى القرآن الكريم: {قل أعوذ برب الفلق. من شرما خلق} (الفلق 1. 2) فأضاف الشر إلى المخلوق ولم يضفه إلى الخالق. وعند المعتزلة أن الله لا يخلق الشر ولا يريده لأن الشر قبيح وإرادة الشر قبيحة والله منزه عن إرادة القبيح. وهو فعل للإنسان مخلوق له ومحاسب عليه. والأشاعرة يرون ان الشر والخير كليهما مخلوقان لله لأنهم يعرِّفون الشر بأنه فعل الغير فى غير ملكه والله تعالى يفعل فى ملكه ما يشاء، وعند السلف أن الشر مخلوق لله مفعول للعبد والله تعالى لا يوصف بمفعولات العبد وإنما يوصف العبد بفعله، ولما كان الشر فعلا للعبد فينسب إليه ولا ينسب إلى الله. وقضاء الله تعالى وقدره لا يحملان الشر للإنسان حتى وإن أصابه الضرر من قضاء الله وقدره لأن كل ضرر يصيب العبد من متعلقات القضاء والقدر لا يصح أن يسمى شرا إلا على سبيل التجوز فى الاستعمال اللغوى لأن قضاء الله كله خير حيث يضع كل شيء فى موضعه اللائق من حيث الحكمة الإلهية علم ذلك من علمه وجهله من جهله. ويقسم الفلاسفة الشر إلى أنواع: 1 - شر أخلاقى كالكذب والظلم والخيانة والإنسان مسئول عنه لأنه الكاذب والظالم والخائن. 2 - شر طبيعى كالزلازل والأمراض والكوارث الطبيعية مما لا دخل للإنسان فيه، وهذا النوع إذا نظرت إليه بالنسبة إلى فاعله كان خيرا لآن للفاعل فى ذلك- وهو الله- حكمة- مقصودة- وخفاؤها على الإنسان لا يلغيها وإذا نظرت إليه بالنسبة للمحل المنفعل فإن الشارع يسميها ضررا وقد يسميها الإنسان شرا تجوزا فى الاستعمال. لكن الشرع لا يسمى ذلك شرا لأن الشرهو الفعل العارى عن الحكمة، ومحال أن يكون فعل الله عاريا عن الحكمة. 3 - شر ميتافيزيقى: وهو نقصان كل شيء عن كماله، والفلاسفة يعرفون الشر بأنه عدم الخير أو عدم الكمال، وقد يكون الشر أمرا وجوديا مثل انشغال القلب بالتفكير فى فعل الشر، وقد يكون أمرا عدمياً مثل فراغ القلب من التفكير فى فعل الخير، أو عدم التفكير فى فعل الخير، والشر العدمى سبب فى الشر الوجودى وعدم انشغال القلب بالتفكير فى فعل الخير يسمى شر النفس، وانشغال القلب بالتفكير فى فعل الشر يسمى سيئات الأعمال كما فى الحديث الصحيح .. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. والشر كله ظلم لأنه وضع الشيء فى غير موضعه، والفعل الإلهى لا يوصف إلا بالخير فعقوبة السارق والزانى والقاتل خير من جهة فاعلها- وهو الله- لأن ذلك وضع للشيء فى موضعه لكنها بالنسبة للمحل المنفعل (الإنسان) قد توصف بأنها شر لعدم ملاءمتها لطبعه فيحدث الألم المنافى للذة، والله تعالى لم يخلق شرا محضا لا خير فيه من جميع الوجوه لأن حكمته تعالى تأبى ذلك، ولأنه سبحانه ميزه بالخير فلا يضاف إليه الشر لا خلقا ولا فعلا وإنما يضاف إلى المحل المنفعل به فيكون شرا من جهة المنفعل خيرا من جهة الفاعل، لما له فى ذلك من الحكمة وأفعاله سبحانه إيجاد وإمداد وعداد، فالإيجاد خير من الإعدام، وامداد الموجود بالوجود خير من عدم إمداده، وإعداده للوجود خير من منعه. فصارت كلٌّ خيرا وسببا للخير. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور: مادة شر. 2 - الصحاح للجوهرى: مادة شر. 3 - التعريفات للجرجانى: مادة شر. 4 - المبين للآمدى: مادة شر. 5 - المعجم الفلسفى مادة شر. 6 - المغنى للقاضى عبد الجبار (خلق الأفعال) 7 - شفاء العليل لابن القيم. 8 - مقالات الإسلاميين للأشعرى. 9 - رسالة الحسنة والسيئة لابن تيمية. 10 - شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق (أحمد شاكر) ص 172 - 175. 11 - قضية الخير والشر فى الفكر الإسلامى. د. محمد السيد الجليند.

2 - الشرطة

2 - الشُرطة لغة: الخير؛ لأن شرطة كل شىء خياره، وقيل أشراط الشىء أوائله، منه أشراط الساعة، وقيل: الأشراط: الأشراف (لسان العرب). اصطلاحا: هم نخبة السلطان من جنده، وهم المكلفون بالمحافظة على الأمن الداخلى بمنع وقوع الجرائم، والقبض على الجناة، وعمل التحريات اللازمة، وتنفيذ العقوبة التى يحكم بها القضاة، وإقامة الحدود. ويطلق على واحد الشرطة شرطى، وعلى جماعة الشرطة شرط وشرطية، وصاحب الشرطة هو رئيسهم وقائدهم، وربما سمى أيضا عامل الشرطة، ومتولى الشرطة، وولى الشرطة. وقد يسند إليه أيضا القيام بأعمال أخرى، مثل: بعض أعمال الحسبة، والإشراف على الأحباس، والمساعدة فى تحصيل الأموال، وإصدار الدنانير، وإطفاء الحرائق. وقد عرف العالم الإسلامى إلى جانبه شرطة الأمن الداخلى أنواعا أخرى من الشرطة، مثل: الشرطة النهرية، وشرطة الخميس، وشرطة الجيش، والشرطة الخاصة. وقد تبلورت اختصاصات صاحب الشرطة على مدى العصور الإسلامية، فظهرت وظيفة صاحب الشرطة فى خلافة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه الذى نُظِّمت الشرطة فى عهده، ووضحت مهمة الشرطة فى العصر الأموى، وزاد تنسيقها فى العصر العباسى إذ صار لكل مدينة شرطة خاصة تخضع لرئيسها: صاحب شرطة هذه المدينة، وكان صاحب الشرطة يتخذ نائبا ومساعدين يسمون الأعوان، وكان الشرط يتخذون أعلاما خاصة، ويلبسون زيا خاصا بهم، ويحملون مطارد وترسة تحمل كتابات لباسم صاحب الشرطة، ويحملون فى الليل الفوانيس، ويصحبون معهم كلاب الحراسة. وكان تعيين صاحب الشرطة من اختصاص الوالى أو الأمير؛ ومن ثم كان عزل الوالى يتبعه فى معظم الأحيان عزل صاحب الشرطة، وكان الوالى يختار لهذه الوظيفة من بين أبنائه أو أقاربه، وكان صاحب الشرطة يخلف الوالى فى السلطة إذا غاب فى الحج أو الحرب أو غير ذلك، كما كان ينيبه عنه كثيرا فى إمامة الصلاة، وأحيانا كان يولى الإمارة، وعرف صاحب الشرطة فى الدول الإسلامية التى تفرعت من الخلافة العباسية. ومنذ عصر الولاة فى مصر كانت وظيفة صاحب الشرطة من أكبر الوظائف وأهمها، وكانت تسمى فى عصر الولاة بخلافة الفسطاط، لأنه كان ينوب عن الوالى، غير أن هذه الصيغة اختفت منذ عصر الطولونيين. وفى عصر الولاة كان صاحب الشرطة يقيم فى الفسطاط مع الوالى، وعندما آسست العسكر وجدت شرطتان: شرطة الفسطاط؛ وكانت تسمى الشرطة السفلى، وشرطة العسكر وكانت تسمى الشرطة العليا، وكانت الشرطة العليا تقيم فى دار تقع قريبا من جامع ابن طولون، وكانت دار الشرطة تعرف باسم الشرطة، وظل نظام الشرطتين -العليا والسفلى- معروفا فى العصر الفاطمى، غير أن صاحب الشرطة العليا كان يقيم فى القاهرة، وكان يسمى أيضا باسم حاكم القاهرة، واختفت صيغة صاحب الشرطة فى عصر المماليك، وصار من يتولى مهامها يسمى الوالى أو وإلى القاهرة أو وإلى المدينة أو صاحب العسس. وعرفت الشرطة وصاحبها فى العالم الإسلامى خارج مصر شرقا وغربا، وعظم أمر صاحب الشرطة بخاصة فى الأندلس فى دولة بنس أمية، وانقسمت الشرطة إلى شرطتين: شرطة كبرى، وشرطة صغرى، وكانت مهمة الشرط الكبرى: النظر فى أمر الخاصة، وربما سمى صاحب الشرطة الكبرى باسم صاحب الشرطة العليا، أما صاحب الشرطة الصغرى فكان مخصصا للنظر فى أمر العامة، وفى أواخر العصر الإسلامى فى الأندلس صار صاحب الشرطة يسمى صاحب المدينة، وعند العامة يعرف بصاحب الليل، كما عرف أيضا باسم الحاكم. وعرفت وظيفة صاحب الشرطة فى عصر الموحدين فى تونس، وكان ضمن من يجلسون بين يدى السلطان. أ. د/حسن الباشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، للقلقشندى. 2 - معيد النعم ومبيد النقم للسبكى. 3 - الشرطة، أحمد ممدوح حمدى. 4 - الفنون الإسلامية والوظائف، د/حسن الباشا

3 - شرع من قبلنا

3 - شرع من قبلنا لغة: الشرع عبادة عن البيان والأظهار يقال: شرع الله كذا أى جعله طريقا ومذهبا، ومنه المشرعة (لسان العرب) (1). وإصطلاحا: يراد بشرع من قبلنا. (2) الأحكام التى شرعها الله تعالى للأمم السابقة وجاء بها الأنبياء السابقون، وكلف بها من كانوا قبل الشريعة المحمدية كشريعة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام. وهذا الموضوع يمثل مدى صلة الشريعة الإسلامية بالديانات والشرائع السابقة، فمن القضايا المعروفة أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث فى سن الأربعين سنة 611 م، وأن شريعته صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع، وقد أخبر القرآن الكريم والسنة الشريفة عن قصص الأنبياء السابقين وبعض الأحكام التشريعية فى شرائعهم، فهل أحكام شرائع الأمم السابقة كاليهودية والنصرانية نطالب بالعمل بها؟ (3). والكلام فى هذا الموضوع يتطلب بحث أمرين: أولهما (4): هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة متعبدا بشريعة سابقة، لأنه إذا كان متعبدا بشرع سابق، ولم ينسخ فى شريعته بعد نزولها فيكون ذلك مشروعا فى حقنا كمسلمين. ثانيهما: هل النبى عليه الصلاة والسلام وأمته بعد البعثة متعبدون بشرع نبى سابق؟ وللاجابة على هذا نقول: إن تعبده صلى الله عليه وسلم بشريعة سابقة من ناحية الجواز العقلى لا مانع منه إذ لا دليل على استحالته، أما من ناحية الوقوع العقلى والجواز الشرعى فهو محل خلاف بين الأصوليين سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، فليراجع فى كتبهم. وأعلم أن شرائع من قبلنا على أربعة أقسام (5): 1 - الأحكام التى لم يرد لها ذكر فى شريعتنا لا فى الكتاب ولا فى السنة، فهذه الأحكام لا تكون مشرعا لنا بلا خلاف. 2 - الأحكام التى نسختها شريعتنا مثل: تحريم أكل ذى الظفر، وتحريم الشحوم التى تكون فى بطن الحيوان محيطة بالكرش (6). وتحريم الغنائم، فهذه أيضا ليست شرعا لنا بالاتفاق، بل منسوخة فى حقنا. 3 - الأحكام التى أقرتها شريعتنا فلا نزاع فى أننا متعبدون لها؛ لأنها شريعتنا، لورود التشريع الخاص فيها، الصياد (7) والاضحية (8) وغيرها. 4 - الأحكام التى علم قبولها بطريق صحيح، ولم يرد عليها ناسخ، ولكن لم تقرر فى شريعتنا كالتى قصها الله سبحانه فى كتابه، أو وردت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير إنكار ولا إقرار لها، مثل آية القصاص فى شريعة اليهود (9)، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف بين الفقهاء. أ. د/على جمعه محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (شرع)، التعريفات للجرجانى (ص111) مصطفى الحلبى وشركاه 1938 م، المعجم الوسيط (1/ 479) دار المعارف. 2 - القاموس القويم فى إصطلاحا الأصوليين للدكتور/محمد حامد عثمان (ص225) دار الحديث طبعة أولى 1966م. 3 - أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبه الزحيلى 2/ 838 دار الفكر طبعة أولى 1986م. 4 - المرجع السابق نفس الصفحة. 5 - انظر: الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد (2/ 135)،وما بعدها، مكتبة الحرمين بالرياض 1983م، تيسير أصول الفقه لمحمد أنور السيد خشانى (ص161) طبعة كراتشى بباكستان سنة 1990م. 6 - أى فى قوله تعالى {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما أختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيم وإنا لصادقون} الانعام:146. 7 - أى فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة:183. 8 - حيث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت شريعة إبراهيم عليه السلام رواه ابن ماجه رقم 3127. 9 - أى فى قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة:45. مراجع الاستزادة: 1 - البحر المحيط للاركشى (6/ 36 وما بعدها) طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990م. 2 - الحاصل من الموصول للأوموى، تحقيؤ عبد السلام ابوناجى (2/ 932) منشورات جامعة قاريونس بنغازى بليبيا. 3 - شرح المحلى على جمع الجوامع (2/ 352)، الحلبى وشركاه

4 - الشرك

4 - الشرك اصطلاحا: هو ادعاء وجود شريك لله. فى ملكه أو فى صفاته، أو فى أفعاله، أو هو عبادة معبود آخر مع الله. ونقيض الشرك هو: " " التوحيد"، وهو. اعتقاد أن الله واحد فى ذاته وفى صفاته، وفى أفعاله. وقد أقام القرآن الكريم عدة أدلة على وحدانية الله، منها قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (الأنبياء 22)، وكذلك آيات سورة النمل التى تختتم كل واحدة منها بقوله تعالى: {أإله مع الله} (النمل 60 - 64). ولقد اهتمت السور المكية- بصفة خاصة - بإثبات عقيدتين أساسيتين فى الإسلام: أولاهما: وحدانية الله تعالى، ووجوب إفراده وحده بالعبادة، ولذلك تكررت عبارة واحدة على السنة جمع من الرسل- (نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام) وهى] يا قوم اعبدو الله مالكم من إله غيره [فى سورة) الأعراف)، وفى سورة "هود" وفى سورة "المؤمنون" ثم هذه العبارة الجامعة .. {ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى اليه أنه لا إله الا أنا فاعبدون} (الانبياء25). أما العقيدة الثانية: فهىعقيدة الإيمان باليوم الآخر، فالسور المكية تمتلىء بالأدلة على وقوع البعث بعد الموت ووصف اليوم الآخر وما فيه من حشر وسؤال أن ونعيم وعذاب. وقد وردت كلمة الشرك وما يشتق منها فى القرآن الكريم نحوا من (184) مرة، فالقرآن الكريم فى آياته يجادل المشركين ويهددهم بالعذاب يوم القيامة (القصص 62 - 64) ويؤكد لهم ان معبوداتهم لا تملك لهم نفعا ولا ضراً ولن تغنى عنهم شيئا (الأنعام 94) وبذلك يبطل دعواهم أنها تشفع لهم عند الله، حيث قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (الزمر 3)، وانظر أيضا. (يونس18)، (الروم 13)، (الزمر 38) - كما ينذرهم القرآن الكريم بأنهم سيكونون هم وما يعبدون من دون الله وقود جهنم (الأنبياء98، وما بعدها)، بل إن هؤلاء الذين يعبدونهم من دون الله سينقلبون عليهم يوم القيامة، ويتبرأون من عبادتهم لهم، ويكونون عليهم ضدا (سورة مريم 82)، (يونس28 وما بعدها) - ويحرم القرآن على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات حتى يؤمن، كما يحرم عليهم آن يزوجوا بناتهم من المشركين حتى يؤمنوا (البقرة 221)، وقد نص القرآن الكريم صراحة على آن المشركين هم أشد الناس عدأوة للذين آمنوا- هم واليهود- {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} (المائدة 82) - كما لا يحل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى (التوبة- 113) وقد أعلن النبى - صلى الله عليه وسلم - براءته من المشركين- (التوبة 3) - وينص القرآن الكريم على أن الله تعالى يغفرجميع الذنوب لمن يشاء من عباده - ما عدا الشرك- فإنه لا يغفره إلا بالرجوع عنه والدخول فى الإسلام: {إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء} (النساء 48،116). وقد وصف القرآن الكريم الشرك بأنه ظلم عظيم (لقمان 13) ومع أنه أمر الإنسان بطاعة والديه فى كثير من آياته، إلا أنه نهاه عن طاعتهما إذا طلبا منه أن يشرك بالله: {وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما} (القمان15). ومع ذلك يأمره بأن يصاحبهما- رغم شركهما- بالمعروف. وقد سألت "أم حبيبة" بنت أبى سفيان- زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبيها، وكان لا يزال مشركا. وقد قدم لزيارتها- هل يباح لها. أن تكرمه؟ فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك وهناك أنواع أخرى من الشرك- غير اتخاذ شريك لله فى العبادة- ويطلق على هذه الأنواع اسم "الشرك الأصغر" أو "الشرك الخفى"- وفيها يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - " اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى فى أمتى من دبيب النمل " فقال من شاء الله أن يقول: وكيف وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه" (أخرجه أحمد فى مسنده) وعن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - ونحن نتذاكر المسيخ الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندى من المسيخ الدجال؟ قلنا: بلى، قال: الشرك الخفى، أن يقوم الرجل يصلى فيزين صلاته لما يرى من نظر الناس، (رواه ابن ماجه) كما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر- قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء- يقول الله عز وجل للمرائين يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: "اذهبوا إلى الذين كنتم تراء ون فى الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟ " (أخرجه أحمد فى مسند هـ) وإنما جعل الرياء فى العبادة نوعا من الشرك الخفى لأن المرائى قد قصد بعبادته شيئا آخر سوى الله، فكأنه جعل شريكا لله. كما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " التطير، نوعا من الشرك، فقال: "الطيرة شرك، ولكن الله يذهبه بالتوكل " فقدر التطيرشركا بالله فى جلب النفع أو دفع الضر، ولكنه ليس شركا حقيقيا، لأنه يذهب بالتوكل على الله- وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذى وقال: حديث حسن صحيح. وقد يقع التباس بين الشرك والكفر- غير أن الكفر "أعم من الشرك ". فهو وصف لجميع الذين لا يؤمنون بالله إيمانا يتفق مع ما جاءت به العقيدة الإسلامية، كما يوصف به جميع الذين رفضوا الدين الذى جاءتهم به أنبياؤهم- وعلى هذا تشمل كلمة الكفر "اليهود والنصارى وأمثالهم ممن انحرفوا بعقيدة التوحيد، كما تشمل أيضا المشركين الذين أشركوا مع الله غيره فى عبادته- يقول الله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من آهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تآتيهم البينة} (البينة 1) ويقول {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم} (البينة 6). وإنما دخلت "الباء" فى قوله تعالى: {لا تشرك بالله} ونحوه: لآن معناه لا تعدل به غيره فتجعله شريكا له، وفى قوله: {والذين هم به مشركون} أى أنهم عبدوا الله وعبدوا معه الشيطان- أى أطاعوه- فصاروا بذلك مشركين، وفى حديث تلبية الجاهلية-: " لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك " يريدون أن "الصنم " وما يملكه ويختص به والنذور التى تقدم إليه كلها ملك لله وحده- ومع ذلك لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم فى الصنم "هو لك" ولا قولهم "تملكه وما ملك "- مع تسميتهم الصنم شريكا- بل حبط عملهم بهذه التسمية، ولم يصح لهم التوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم] ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى [. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الكتب. 2 - روح المعانى للألوسى. 1 - دائرة المعارف الإسلامية- المجلد الثالث عشر ص 218. 2 - لسان العرب لابن منظور- مادة (شرك)

5 - الشركات

5 - الشركات لغة: هى عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل مشترك، وهو معنى قريب من المعنى الاصطلاحى فى القانون التجارى، وفى الشريعة الإسلامية (لسان العرب). واصطلاحا: اتفاق بين اثنين أو أكثر بقصد القيام بنشاط اقتصادى معين ابتغاء الربح. ويشجع الإسلام قيام الشركات، فيقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (أنا مع الشريكين ما لم يختلفا) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسهم كشريك فى نوع معين من الشركات، هو شركة المضاربة حيث قدمت السيدة خديجة رضى الله عنها مالا، وقدم هو عمله فى هذه الشركة، ولازال هذا النشاط يعد من أهم الأنشطة للشركات الآن، ومن تطبيقاته: شركات المزارعة، وشركات الاستصناع، كذلك فهو نظام شائع فى التجارة بمختلف فروعها فى الدول الإسلامية، وغير الإسلامية على السواء. هذا ويحفل الفقه الإسلامى بدراسات تتصل بمجموعات الشركات، ومن أهم الشركات التى اهتم بها الفقه الإسلامى: - شركات الأعمال: وهى شركات تقوم بين أصحاب المهن المتماثلة أو المتكاملة لأداء الأعمال للمهن التى يحترفونها، وهى شركات قامت أساسا للحفاظ على تقاليد المهن الراسخة، ومنع الدخلاء الذين لا يحترمون هذه التقاليد. - شركات الذمم: وتتميز هذه الشركات بأن الشركاء فيها لا يدفعون رأس مال وتقوم أساسا على شراء سلع بالأجل يتجرون فيها جميعا، ثم يقتسمون الربح بنسبة ما يتحمله كل منهم فى ثمن السلع المشتراة. - شركات القراض: وهى تجمع شخصا أو أشخاصا يقدمون رؤوس أموال، بالإضافة إلى لشخص أو أشخاص يقدمون العمل، ويقوم أصحاب الحصص بنشاط اقتصادى واحد أو متعدد حسب الاتفاق، ويوزعون الربح بينهم حسب الاتفاق. وهى نوع من شركات المضاربة. كما يشجع الإسلام قيام أية شركات أخرى لتنفيذ تعاليم الإسلام فى تشجيع المبادرات الفردية على العمل والإنتاج لتكوين المؤمن القوى القادر، وذلك طالما توافرت لها الشروط الآتية: 1 - عدم التعامل فى أى أشياء محرمة مثل الاتجار فى الخمر أو فى لحوم الخنزير أو فى اللحوم غير المذبوحة وفقا للشريعة. 2 - عدم التعامل بالفائدة أخذ أو عطاء؛ لذا فمن المتفق عليه ضرورة إلغاء أحكام الفائدة من نماذج إقامة الشركات التى تصدرها بعض الدول، وكذلك شطب القانون المنظم لاصدار السندات، لأن السند دين على الشركة يتم الوفاء به بعد مدة مع سداد فوائد منصوص عليها فيها. 3 - أن يؤدى قيام الشركة إلى تعظيم الإنتاج وزيادة الموارد؟ لأن فلسفة الشركة هى القيام بأعمال مفيدة يعجز عنها الفرد العادى، أو ضم جهود متعددة إلى بعضها البعض فينتج من هذا الضم القيام بأعمال ضخمة. والمثال النموذجى لذلك هو شركات المساهمة التى تقوم على تجميع الأموال أساسا من عدد كبير من الأشخاص فى أسواق المال، ويختار أصحاب الأسهم من يقومون بإدارة الشركة ويراقبون أعمالهم، ويملكون تغييرهم. أما الشركات ذات المسئولية المحدودة، فتختلف عن شركات المساهمة فى انها لا تصدر أسهما، وإنما تتم المشاركة عن طريق حصص يساهم فيها الأشخاص وغير قابلة للتداولة مثل الأسهم، كما تحدد قوانين مختلف الدول حدا أدنى لرأس المال وحدا أقصى لعدد الشركاء فى هذا النوع من الشركات. كذلك توجد "شركات أشخاص " يعتبر عامل الشخص هو الأساس فيها، منها شركات التضامن، وشركات التوصية البسيطة، وشركات التوصية بالأسهم، ورؤوس أموالها تكون بسيطة فى الغالب، كما أن وفاة أى شريك أو خروجه من الشركة ينهيها. د/جعفر عبد السلام

_ مراجع الاستزادة: 1 - مؤلفات الشركات التجارية د/على حسن يونس. 2 - مؤلف الشركات بين الشريعة، والقانون، الشيخ عبدالعزيز الخياط، طبعة عمان 1995م. 3 - مطبوعات مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى "القوانين الاقتصادية من منظور إسلامى" ط 1994م

6 - الشريعة

6 - الشريعة لغة: الموضع الذى ينحدر إلى الماء منه، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: ما شرعه الله لعباده من الدين، مثل الصوم والصلاة والحج .. وغير ذلك، وإنما سمى شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه، كما يلجأ إلى الماء عند العطش، ومنه قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} الجاثية:18، وقوله تعالى {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة:48 والشرع والتشريع هو ما يسن من الأحكام (2). والشرائع السماوية تستمد أحكامها من عدة مصادرة فالشريعة الموسوية تستمد أحكامها أساسا من كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا موسى بن عمران عليه السلام والمسمى بالتوراة، ثم زاد علماؤهم ما كتبه رجال الدين اليهوديى على امتداد قرون متطاولة، والذى جمع فيما بعد فيما سمى بالتلمود، على الرغم من اعتراضات كثيرة حوله. كما أن الشريعة العيسوية تستمد أكامها من كتابى الإنجيل والتوراة معا. أما الشريعة الإسلامية، فإنها تستمد أحكامها من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية الشريفة، ومن إجماع العلماء على حكم من الأحكام فى عصر من العصور بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم؛ مثل الإجماع على مبايعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، ومن القياس فى إثباته حكم فرعى قياسا على حكم أصلى لعلة جامعة بينهما؛ مثل إثبات جريمة إتلاف مال اليتيم بالحرق قياسا على حرمة إتلافه بالأكل، الثابت بالقرآن الكريم؛ بجامع الإتلاف فى كل. بالإضافة إلى مجموعة من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والبراءة الأصلية، والعرف المستقر، وقول الصحابى؛ حيث لم يخالف نصا شرعيا، ولم يوجد ما يخالفه من قول صحابى آخر، وشرع من قبلنا؛ إذا لم يرد فى شرعنا ما ينسخه (3). وقد أجمع العلماء على أن الشرائع السماوية متفقة على أمرين: 1 - الأمور الاعتقادية، من حيث الإقرار بوجود إله خالق رازق محى مميت موجد لهذا العالم، وواضع لنواميسه، ومرسل للرسل وما يحملون من شرائع. 2 - الدعوة إلى مكارم الأخلاق، مثل الوفاء بالعهود والعقود، والإخلاص فى الأقوال والأفعال، وأداء الأمانات .. وغير ذلك مما تدعوا إليه هذه الشرائع. لكنها تختلف من حيث الأحكام العملية فى العبادات، والمعاملات، والأقضية والشهادات، وجزاء الجنايات، ونظم المواريث؛ فلكل شريعة أحكامها الخاصة بها (4). ومن خصائص الشريعة الإسلامية أنها: 1 - إلهية المصدر. 2 - محفوظة عن التبديل والتغير. 3 - شاملة لكل شئون الحياة، حيث تعايش الإنسان جنينا، وطفلا، وشابا، وشيخا، ثم تكرمه ميتا، وتنظم انتقال تركته إلى من بعده. 4 - حاكمة على كل تصرف من تصرفات الإنسان فى هذه المراحل كلها، بالوجوب، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الندب، أو الاباحة، وفى كل مجالات الحياة من عملية، وعقائدية، وأخلاقية. 5 - واقعية، حيث راعت كل جوانب الإنسان البدنية، والروحية الفردية، والجماعية، كما راعت التدرج فى مجال التربية. 6 - صلاحيتها لكل زمان ومكان. ومن أهدافها: حفظ الضروات الخمس، وهى: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال إلى جانب مراعاتها رفع الحرج والمشقة فى مجال الحاجيات؛ كشريعة القراض، والمساقاة، والسلم، ونحو ذلك من التصرفات التى تشتد الحاجة إليها، مع الأخذ بما يليق فى جانبه التحسينات كالطهارات، وستر العورات، وأخذ أنواع الزينة، وآداب الأكل، وهكذا جاءت شريعة كاملة وافية بكل حاجات البشر فى كل زمان ومكان (5). أ. د/أحمد على طه ريان

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (شرع) طبعة دار المعارف. 2 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص5984، طبعة الشعب. 3 - أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة ص305 - 307 بتصرف، دار الفكر العربى، الفكر السامى فى تاريخ الفقة الإسلامى بتصرف ط1 مصر للطباعة. 4 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص2208، حاشية الإمام أحمد الصاوى على تفسير الجلالين 4/ 66 ط الحلبى 1941م. 5 - تاريخ التشريع الإسلامى للدكتورة/نعمات محمد الهانس ص2 - 22 بتصرف، الموفقات للشاطبى، 2/ 8 - 10 بتصرف ط2 دار المعرفة بيروت. مراجع الاستزادة: 1 - أصول الفقه للشيخ/محمد الخضرى بك ط المكتبة التجارية بمصر 1969م. 2 - علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى للشيخ/أحمد إبراهيم بك، ط دار الأنصار بمصر. 3 - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية للدكتور/عبدالكريم زيدان، ط مؤسسة الرسالة بيروت

7 - شعب أبي طالب

7 - شعب أبي طالب الشَّعب لغة: ما انفرج بين جبلين، قال الجوهرى: الشُّعب والشَّعب الطرق فى الجبل، والجمع شعاب. أبو طالب: هو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى، عم الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - شعب أبى طالب: هو الشعب الذى أوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنو هاشم، لما تحالفت قريش على بنى هاشم وكتبوا الصحيفة. وذلك بعد ست سنوات من مبعثه. وهوجزء من شعب أبى يوسف وكان لعبد المطلب، فقسمه بين بنيه حين ضعف بصره، وقيل بل كله، إذ كان النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ حظ أبيه، وكان هذا الشعب منزل بنى هاشم ومساكنهم. وكان كفار قريش لما رأوا هجرة بعض المسلمين إلى أرض الحبشة، وحمية قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذب عمه عنه، وأن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفشو فى القبائل وبين ظهرانيهم حتى أسلم عمه حمزة بن عبدالمطلب، أجمعوا أمرهم ومكرهم على أن لاتبايع قريش أحدا من بنى هاشم ولاتناكحهم ولاتعاملهم ولاتكلمهم أو يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتلوه، وكتبوا بذلك صحيفة، كتبها منصوربن عكرمة بن عامربن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وختمت الصحيفة بأربعين خاتما، وقيل: ختمت بثمانين خاتما- وعلقوها فى جوف الكعبة. فجمع أبو طالب بنى هاشم وبنى عبد المطلب فى شعبه، وكانوا أربعين رجلاً مؤمنهم وكافرهم ما خلا أبا لهب وأبا سفيان، فظاهراهم عليه فحلف أبو طالب لئن شاكت محمدا شوكة لآتين عليكم يا بنى هاشم، وحصَّن الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار. فأقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه جميع بنى هاشم وبنى المطلب فى الشعب ثلاث سنين، حتى أنفق رسول الله ماله وكذا أبو طالب، "وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها وصاروا إلى حد الضر والفاقة. وكان أبو جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبى معيط يخرجون إلى الطرقات، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بنى هاشم شيئا ويحذرونه من النهب، وكان أبو العاص بن الربيع، وهو ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجئ بالعير ليلا، عليها البر والتمر إلى باب الشعب ثم يصيح بها، فحمد النبى - صلى الله عليه وسلم - فعله. ثم نزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه أبا طالب بذلك، فقال: أربك أخبرك بهذا؟ قال: نعم، فوالله ما يدخل عليك أحد. فخرج أبو طالب إلى قريش فقال: يا معشر قريش إن ابن أخى أخبرنى بكذا وكذا، فهلموا إلى صحيفتكم فإن كان كما قال ابن أخى فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبا دفعته إليكم، فأتوا بها وفكوا الخواتيم فإذا فيها: باسمك اللهم. فقال لهم أبو طالب: اتقوا الله، وكفوا عما أنتم عليه، فسكتوا أو تفرقوا، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها، وهم: مطعم بن أبن عدى، وزهير بن أمية المخزومى، وهشام بن عمرو، وأبو البخترى بن هشام، وزمعة بن الأسود وآخرون. فخرج بنو هاشم من الشعب، بنصر من الله، وانتهى الحصار. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - أخبار مكة للأزرقى. مطابع دار الثقافة- مكة المكرمة ط 4 - 1403 هـ/ 1983م. 2 - معجم البلدان ياقوت الحموى- دار الكتب العلمية- بيروت ط 14101 هـ/ 1990 م. 3 - سيرة ابن هشام- تحقيق د/ محمد فهمى السرجانى- دار الفكر العربى. 4 - مناقب آل أبى طالب للمازندانى- تحقيق د/ يوسف البقاعى- دار الأضواء ط 2،1412هـ/ 1991 م

8 - الشعوبية

8 - الشعوبية لغة: كلمة منسوبة للشعوب، فهى بذلك لا تفرق بين شعب وآخر من حيث الرفعة أو الضعة، وإنما تدعو للمساواة وهى بهذا المعنى متفقة مع الفكر الإسلامى الذى يرى أنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى فالمفاضلة تكون بين الأفراد حسب أعمالهم، وليست بين الجماعات والشعوب، وجدى الحال على ذلك فى صدر الإسلام، فبلال الحبشى وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى كانوا من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبو ذر الغفارى على عبد له، وقال له يا ابن السوداء، صاح به الرسول صلى الله عليه وسلم إنك إمرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح (1). وبدأ الإسلام يتسع على يد العرب، ويضم أقواما لهم فى التاريخ مكان مجيد، وجاء العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه، وظهرت روح جديدة لايقرها الإسلام وهى الفرق بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غير العرب، وأحس العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر العرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس. ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب، واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه. وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين. وبدءوا بحاضرهم وماضيهم يعدون أنفسهم أسمى من العرب، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحط من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادمم، ورقى حضارتهم، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم، ووصفهم بأحقر الأوصاف. ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربي، وكان العرب حمله أوائه عندما نزل (2). ويلاحظ أن الفرس حاولوا أن يشركوا الأجناس غير العربية فى حركتهم الشعوبية فاستعانوا بأجناس وحضارات مختلفة ضد العرب، وتنفيذا لذلك راحوا يمجدون حضارة الفراعنة وحضارة الفينقيين والهند، ولكن ذلك لم يخدع هذه الشعوب، فإن هؤلاء ربحوا عقائديا وثقافيا وسياسيا بالاسلام فرفضوا أن ينضموا للفكر الشعوبى وتمسكوا بالفكر الإسلامى الذى يسوى بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم، والذى يدعو إلى التعاون بين الشعوب الإسلامية لخدمة الجميع. وبقى الفرس وحدهم فى هذا المضمار، وقد وضعوا بعض الأحاديث التى نسبوها للرسول صلوات الله وسلامه عليه والتى تعلى من قدرهم. واشترك بعض الشعراء الفرس فى هذا المجال فنظموا القصائد التى يهاجمون فيها العرب، ومن ذلك ما قاله أحدهم: همو راضة الدنيا وسادة أهلها * إذا افتخروا لإراضة الشاه والإبل وقال آخر: ولست تبارك إيوان كسرى * لتوضح أو لحومل فالدخول. ووجد اليهود الفرس فرصتهم فى هذا المجال ليهاجموا الإسلام ورسول الإسلام فقالوا: منا العديد من الأنبياء والمرسلين وليس هناك أنبياء من العرب سوى ثلاثة هم هود وصالح ومحمد، ونسوا أن كثرة الأنبياء فيهم كانت لكثرة زيفهم وضلالهم، فأرسل الله لهم العديد من الأنبياء لإصلاح شأنهم ولكن بدون جدوى، وطعن اليهود الفرس فى إسماعيل الجد الأعلى للرسول صلوات الله وسلامه عليه فقالوا إنه ابن جارية (هاجر)، أما إسحق جدهم فإن حرة (سارة). وهكذا خلق اليهود والفرس هذه النفرة للتفريق بين المسلمين، مع أن الإسلام لا ينظر إلى أصول الناس أو ثرائهم أو ألوانهم، وإنما ينظر إلى تقواهم وأعمالهم قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13. والآية تذكر الناس بوحدة المنشأ، وتقرر أن تقسيم الناس إلى قبائل وضع طبيعى ناتج عن تعدد الأولاد والأحفاد، ولكن يهدف للتعارف لا للتفرقة، كما تؤكد الآية أن التفاضل لا يتخذ أساسه أصول الناس بألوانهم وأخباسهم، بل ينظر إلى عمق الإيمان وما يقدمه الناس من العمل الصالح. أ. د/أحمد شلبي

_ الهامش: 1 - صحيح البخارى باب الأخلاق. 2 - البيان والتبيين (1/ 1043). مراجع الاستزادة: 1 - كتب الجاحظ وبخاصة البيان والتبيين. 2 - الشعوبية للدكتور نبيه حجاب رسالة دكتوراة نشرت

9 - الشعوذة

9 - الشعوذة لغة: الشعوذة خفة فى اليد وأخذ كالسحر، يُرى الشيء بغيرماعليه أصله فى رأى العين، ورجل مشعوِذ ومشعوَذ. والشعوذة: السرعة، وقيل هى الخفة فى كل أمر، والشعوذى رسول الأمراء فى مهماتهم على البريد وهومشتق منه لسرعته وقال الليث: الشعوذة والشعوذى مستعمل وليس من كلام أهل البادية (1). واصطلاحا: كل أمر مموّه باطل لاحقيقة له ولاثبات (2). وقيل الشعوذة حيل ومخرقة وتهويل وإيهام ليس لها حقائق أولها حقائق لكن لطف مأخذها، ولو كشف أمرها لعلم أنها أفعال معتادة يمكن لمن عرفها أن يفعل مثلها. والشعوذة أو الشعبذة ضرب من السحر قائم على التمائم والتعاويذ والأحجبة والطلاسم. وتكثر الشعوذة لدى الشعوب والأمم المتأخرة فى ميدان المدنية، حيث تشغل الشعوذة والسحر المحل الأول من مجهوداتها العقلية والروحية، فنجد أن بعض الأفارقة تكثر لديهم التمائم والطلاسم، ويعزون لها أمورا خارقة للعادة تحفظ من الحسد، وتشفى من الأمراض، وتجلب الرزق، وتوجب المحبة والانعطاف، فإذا بدا لأحدهم أن طلسما أخطأ غرضا ولم يأت بالنتيجة المنتظرة منه لا يشك إطلاقا فى قوة الطلسم ولا يزيد على أن يبدله بسواه معتقدا فيه العقيدة التى كانت عنده لسابقه. ومازالت الشعوذة عند كثير من الأمم مثل أهل التبت، فقد أقرّت العقيدة البوذية السحر والشعوذة وكذلك لدى الهنود والاستراليين، وهناك من يسمون بالروحانيين الذين يقومون بأعمال تدخل تحت باب الشعوذة من قيامهم بما يسمى تحضير الأرواح والاستعانة على ذلك بأجهزة وآلات تحقق لهم أهدافهم وينخدع بها كثير من الناس. ومن هنا فتجب محاربة هذه الأشياء التى هى سهم مسموم قاتل موجّه لتدمير أمتنا لقطع وريدها وإفساد عقيدتها، وتدمير قيمها، لتصبح هشيما تذروه الرياح، فلابد من كشف حقيقة المشعوذين وأباطيلهم وتعريتها. الحكم الشرعى: جعلت الشريعة السحر والشعوذة والطلسمات بابا واحدا محظورا، لأن الفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا فى ديننا الذى فيه صلاح آخرتنا، أو فى معاشنا الذى فيه صلاح دنيانا، وما لا يهمنا فى شيء منهما، فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالحاصل من السحر والشعوذة والطلسمات والنجامة التى فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير، فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور الى غير خالقها وهو المولى عز وجل فمن هنا تبدو حرمة هذه الأمور التى يجب الابتعاد عنها قربة الى الله تعالى، ولو من باب: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. والله اعلم. (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (شعوذ) 2 - أحكام القرآن/ الجصاص (1/ 43)

_ المراجع 1 - مقدمة ابن خلدون - ط - دار الشعب. 2 - دائرة معارف القرن العشرين/ محمد فريد وجدى. 3 - حصوننا مهددة من الداخل/ د. محمد محمد حسين القاهرة 1985م 4 - الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد/ خالد محمد على -ط- قطر 1985م 5 - دائرة المعارف للبستانى.

10 - الشفاعة

10 - الشفاعة لغة: من الفعل شفع يشفع شفاعة، وتشفع بمعنى طلب ورجا، ومنه الشفيع والشافع، وجمعه شفعاء وقد يجمع بالواو والنون جمعا مذكرا فيقال شافعون ومنه استشفع لفلان على فلان وتشفَّع له، وتشفع إليه فشفعه فيه وشفعه له. وفى القرآن الكريم: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} (النساء85). والشفاعة طلب ورجاء من الشفيع فى حاجة يسألها لغيره عند الغير. وفى الحديث: "إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع" واصطلاحا: عند علماء أصول الدين هى سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يتجاوز عن ذنوب أمته بمغفرتها، والشفاعة هى خصوصية اختص الله بها نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأنبياء والرسل، قال - صلى الله عليه وسلم -: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء، أحلت لى الغنائم ولم تحل لنبى قبلى، وجعلت لى الأرض مسجدا وتربتها طهورا فأيما امرؤ أدركته الصلاة فليصل، ونصرت بالرعب، وأعطيت الشفاعة، وكان كل نبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" والشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وأحاديث الشفاعة كثيرة الورود فى كتب الأحاديث الصحيحة وفى كتب السنن، وفى القرآن الكريم: {من ذا الذى يشفع عنده إلا بأذنه} (البقرة 255) وجمهور المفسرين أنه لم يؤذن لأحد فى الشفاعة من الأنبياء إلا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. فهى أصل من أصول الإيمان، ومنكرها كافر بإجماع أهل السنة والجماعة. لم يشذ إجماع المسلمين عليها إلا طائفة من الخوارج وبعض رجالات المعتزلة لأنهم قاسوا شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته على شفاعة الإنسان للإنسان فى الدنيا. والشفاعة أنواع ومراتب: 1 - الشفاعة العظمى يوم الموقف، وهى خاصة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لحديث الشفاعة الطويل الوارد فى البخارى ومسلم، وفيه: أن الناس يهرعون إلى الأنبياء جميعا طلبا لشفاعتهم من الله من هول الموقف فيهرعرن إلى آدم وإبراهيم وموسى وعيسى وكلهم يقول: لسنا لها. ثم يجيئون إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: أنالها أنالها .. الحديث. 2 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فى أقوام استوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع لهم ليدخلوا الجنة. 3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فى أقوام قد أمر بهم ليدخلوا النار. فيشفع لهم فيدخلون الجنة 4 - شفاعته فى أقوام يدخلون الجنة بغير حساب. 5 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فى أن يؤذن لجميع أمته المؤمنين به فى أن يدخلوا الجنة. 6 - شفاعته فى تخفيف العذاب عمن يستحقه. كشفاعته فى عمه أبى طالب. 7 - شفاعته فى رفع درجات بعض المؤمنين. وقد وافق المعتزلة على هذا النوع فقط من بين أنواع الشفاعة المذكورة. 8 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى." وقد أنكر ذلك الخوارج والمعتزلة. وقد يشارك الملائكة والنبيون والمؤمنون فى هذا النوع من الشفاعة فإن المؤمنين يشفع بعضهم لبعض كما فى الحديث: إن للشهيد عند الله سبع خصال، وذكرمنها: أن يشفع فى سبعين إنسان من أقاربه. وفى القرآن الكريم {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} (الطور 21) وقد اختلف المحققون فى منكر الشفاعة والراجح عندهم أنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لأنها ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع. فمن أنكر فقد أنكر ما هو ثابت بالنصوص القطعية ومن هنا قالوا بكفره. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور: مادة شفع دار صادر بيروت. 2 - الصحاح للجوهرى: مادة شفع. 3 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشرى: مادة شفع دار الريان للتراث القاهرة - دار الكتاب العربى بيروت. 4 - التعريفات للجرجانى: مادة شفاعة ط الحلبى القاهرة. 5 - العقيدة الطحاوية لأبى الغد الحنفى: تحقيق أحمد شاكر. 6 - مقالات الإسلاميين للأشعرى: ط محمد محيى الدين عبد الحميد. 7 - الفرق بين الفرق للبغدادى. 8 - التمهيد فى أصول الدين للباقلانى. 9 - اللمع للأشعرى. 10 - الإبانة فى أصول الديانة للأشعرى. 11 - أصول أهل السنة والجماعة (رسالة أهل الثغر للأشعرى).

11 - الشفعة

11 - الشفعة لغة: الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حى نضمه إلى ما عندك فتزيده، أى أنه كان، واحدا فضم إليه مازاده وشفعه به، ويسمى صاحبها شفيعا، كما فى اللسان (1). وفى القرآن الكريم {والشفع والوتر} الفجر:3، والمختار فى تفسيرها هو ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما وعدد كبير من التابعين: أن المراد من الشفع فى الآية هو الخلق قال الله تعالى: {ومن كل شىء خلقهنا زوجين} الذاريات:49، الكفر، والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال، والنور والظلمة، والليل والنهار، والحروالبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء، والأرض، والجن والإنس. والوتر: هو الله تعالى قال جل ثناؤه: {قل هوالله أحدالله الصمد} الإخلاص:1 - 2،وقال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين أسما والله وتر يحب الوتر) (2). واصطلاحا: عرفها الفقهاء؛ بأنها حق تملك قهرى يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض، وقد قيل فى الحكمة من تشريعها؛ إنها لدفع ضرر مؤنة القسمة أو استحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة وغيرها مما يحتاج إليه فى نصيبه الذى آل إليه؛ وقيل: إنها لدفع ضرر الشركة، مع شريك جديد لم تعرف معاملته ومجاورته. وأركانها: الشقص المشقوع فيه، والشريك القديم الطالب للشفعة، والمشترى لجديد للشقص، والصيغة، وهى الإيجاب والقبول بلفظ دال على عقد الشفعة. وفى الحديث الشريف: عن جابر رضى الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) (رواه مسلم) (3). فبين هذا الحديث الشريف سبب الشفعة وما يجب على الشريك الذى يريد بيع نصيبه من إخطار شريكه برغبته فى البيع، بينما آخرج البخارى هذا الحديث بلفظ (قضى النبى صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (رواه البخارى) (4) حيث دلت هذه الزيادة على الأمد الذى انتهى عنده حق طلب الشفعة وهو حصول القسمة ووضع الحدود بين الأنصياء وتصريف الطرق بينها. ومذهب جهود العلماء أن الشفعة تثبت فيما لم يقسم فى العقارات؛ وهى الأرض وما اتصل بها من بناء وأشجار، فإذا حصلت القصمة ووقعت الحدود فلا شفعة، وقد نقل هذا عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان. وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبدالعزيز، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وأبى الزناد، والأوزاعى، ومالك، والشا فعى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبى ثور، رضى الله عنهم أجمعين. وقال أبو حنيفة والثورى: تثبت الشفعة بالجوار الملاصق ولو من جانب واحد، واستدلا بحديث أبى رافع عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بسقيه) (أخرجه البخارى، والشافعى، وأحمد، وأبو داود، والنسائى وأصحها رواية البخارى) (5). ويبطل حق الشفيع بعد علمه ببيع نصيب شريكه من أجنبى وسكوته بما يظن منه أنه غير راغب فى المطالبة بالشفعة، ويثبت ذلك بقرائن الأحوال. أ. د/أحمد على طه

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (شفع) طبعة دار المعارف. 2 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص 723، ط الشعب. 3 - صحيح مسلم 11/ 46، مع شرحه للإمام النووى. 4 - صحيع البخارى 6/ 59، مع فتح البارى طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1909م. 5 - صحيح البخارى 3/ 109، مطبعة صبيح القاهرة. مراجع الاستزادة: 1 - حاشية ابن عابدين على الدر المختار 6/ 220،221 دار الفكر بيروت. 2 - شرح النووى على صحيح مسلم 11/ 46 ط دار الفكر بيروت. 3 - مغنى المحتاج 2/ 296 - 308 دار إحياء التراث العربى بيروت

12 - الشهادة

12 - الشهادة لغة: تعنى الخبر القاطع، وشهد كعلم وكرم، وشهده "كسمعه " شهودا حضره فهو شاهد والجمع شهود وشهد. والشهيد- وتكسر شينه- الشاهد والأمين فى شهادته، والذى لا يغيب عن علمه شيء، والقتيل فى سبيل الله لأن ملائكة الرحمة تشهده والجمع شهداء (1) واصطلاحاً: الشهادة ذات وظائف مختلفة، ومعان متعددة، تعنى"التوحيد " أى شهادة ألاّ إله إلا الله، وحين تذكر بصيغة التثنية- أى الشهادتين- فإنها تعنى: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهى بذلك باب الدخول إلى الإسلام والإيمان بالله ربَّا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا. وقد ورد هذا المعنى فى قوله تعالى] قل أى شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم [) الأنعام 19) 0 أى أن أعظم شهادة فى إثبات إنى رسول الله أن الله شهيد على ذلك. والعلم بالغيب والشهادة صفة خص الله سبحانه وتعالى بها نفسه، فهو وحده "عالم الغيب والشهادة"، وقد جات هذه الخاصية الإلهية فى عدد من آيات الكتاب العزيز، ويجيء ذكرها مقرونا كل مرة بشأن من شئون الألوهية، فيقول عز وجل: {قوله الحق وله الملك يوم ينفخ فى الصور عالم الغيب والشهادة} (الأنعام 73). أى أنه سبحانه يعلم ماغاب من حواسكم وما تشاهدونه. وقوله عز وجل: {ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} (التوبة 94) 0 أى الذى لا تخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها. وقوله عز وجل: {عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} (المؤمنون 92). ومن نعم الله وأفضاله على الملائكة وعلى أولى العلم من عباده تكريمهم فى مجال الشهادة، فيذكرهم مقرونين بذاته العليّة أنهم يشهدون معه أنه "لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام " وذلك فى قوله عز وجل {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} (آل عمران 18 - 19). فشهادة الله سبحانه وتعالى بوحدانيته هى إيجاد ما يدل على وحدانيته فى العالم وفى نفوسنا وشهادة الملائكة بذلك هى إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، وشهادة أولى العلم اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك، وهذه الشهادة تختص بأهل العلم، طبقا لما ذهب إلية أكثر المفسرين- وعلى هذا نبه بقوله عز وجل:} إنما يخشى الله من عباده العلماء {(فاطر 28). وأداء الشهادة واجب فى الإسلام، بل إن أداءها أقرب إلى أن يكون فرضا منه أن يكون واجبا، ففى أدائها إنصاف المظلوم مثلما أنها تثبت الحقوق لأصحابها، فضلا عن كونها أداة للفصل بين الدائن والمدين وبين أصحاب الخصومات، وفى هذه المواقف يؤكد القرآن الكريم على حتمية أدائها وذلك فى قوله عز وجل} ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون {(البقرة 140). وفى آية أخرى من سورة البقرة يرد النص القاطع بتأثيم كاتم الشهادة، وذلك فى قوله عز وجل:} ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه {(البقرة 283). وتحتل شهادة "الوصية"، مكانة متينة فى مجتمع المسلمين من منطلق أن الوصية واجبة التنفيذ، والوصية لا تكون إلا فى مجال الخيرات، ومن هنا كان قول الرحمن الرحيم} يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين {(المائدة 106). وتمضى الآيات متتابعة فى إصدار الأحكام الإلهية فى شأن تثبيت الوصية على الوجه السليم الذى لا تشوبه شائبة، وفى ذلك يقول الله عز وجل:} ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أق ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدى القوم الفاسقين {(المائدة 108). وإذا كانت الشهادة فى الإسلام من الخطورة بحيث احتلت مكانة بارزة فى كتاب الله وفى حديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الاهتمام بالشهود- وهم من يقومون بأداء الشهادة- أمر جليل الخطر، فليس كل إنسان مؤهلا لأداء الشهادة. إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما يراد من الشهادة معرفة الحق" (2) ومن منطلق هذا الهدف النبيل جاء فى السنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردَّ شهادة الخائن والخائنة وذى الغمر- ذى الشحناء- على أخيه، ورد شهادة القانع- القانع هو الأجير التابع مثل الأجير الخاص- لأهل البيت وأجازها لغيرهم (3). وعن سليمان بن موسى بإسناده، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجوز شهادة خائن ولا زان ولا زانية ولا ذى غمر على أخيه ". (4) وتبلغ الدقة فى اختيار الشاهد: الحدود التى قد تبدو غير ذات خطر، ولكن خطورة الشهادة التى على صلاحها يشيع العدل فى المجتمع جعلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول- والرواية لأبى هريرة- "لا تجوز شهادة بدوى على صاحب قرية". ويقتدى عمر بن الخطاب نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فى شأن أن يكون الشاهد مؤهلا للشهادة الصالحة، وليس به ما يعيب شهادته حيال أحد طرفى القضية التى يدلى بشهادته فيها. يقول عمر فى "رسالة القضاء" الشهيرة التى بعث بها إلى أبى موسى الأشعرى حين ولاه قضاء البصرة فى إحدى فقراتها فى شأن الشهود: "المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا فى حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا فى ولاء أو نسب) (5). إن عمر يقرر أن المسلمين جميعا أكفاء فى الشهادة، غير أن بعضا منهم لا تجوز شهادته، الفريق الأول هم الذين أقيمت عليهم الحدود لطعنهم فى أعراض المحصنات، والفريق الثانى ممن لا تجوز شهادتهم هم الذين عرف عنهم أنهم يشهدون زورا، والفريق الثالث من يظن بهم أن ثمت صلة تربط بين الواحد منهم وبين أحد طرفى النزاع مثل صلة القربى أو الرق أو ما شاكل ذلك. ومن الذين ينطبق عليهم الاستثناء فى أداء الشهادة كاملة النساء، ذلك أن "شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " طبقا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الذى مر بنا (6). وقد أورد القرآن الكريم شهادة المرأة على هذا النهج فى قوله تعالى:} واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى {(البقرة 282). ثمة نوع آخر من الشهادة يكون الإدلاء بها على جانب من الدقة بالنظر إلى الحرج الذى يقع فيه الشاهد لأنه فى حالتنا هذه يكون واحدا من الأزواج الذين يرمون زوجاتهم بالخيانة الزوجية، وليس لديه شهداء طبقا لطبيعة تطبيق هذا النوع من الحدود، وفى مثل تلك الحالة يكون على الزوج أن يشهد أمام القاضى أربع شهادات بالله أى أربع مرات أنه صادق فى رميه إيّاها بالزنا، ثم يزيد شهادة خامسة بأن يدعو على نفسه باستحقاق لعنة الله ان كان من الكاذبين. وبذلك تكون الزوجة مستحقة عقوبة الزنا وهى الرجم حتى الموت، وفى هذه الحالة لا يدفع عنها عقوبة الحد إلا أن تشهد فى مقابل شهادة زوجها أربع شهادات إنه لكاذب فى اتهامه إياها، ثم تزيد شهادة خامسة بالدعوة على نفسها أنها تستحق غضب الله إن كان زوجها صادقا فى اتهامه إياها، فإذا تم ذلك قام القاضى بالتفريق بينهما. لقد أورد القرآن الكريم هذه الشهادات من الطرفين تفصيلا فى نطاق من الإعجاز الربانى فى قوله تعالى} والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين {(النور 6 - 7) ثم يكون للزوجة أن تقوم بمثل صنيع زوجها من الإدلاء بخمس شهادات على النحو الذى سبق الاستشهاد به فى الآيتين السابقتين. ومن الشهادات التى ألف المسلمون سماعها، شهادة براءة يوسف - عليه السلام - من اتهام امرأة العزيز له بمحاولة الاعتداء عليها، وقيام أحد أقربائها بتوضيح البرهان الذى برأه من كيدها وذلك فى قوله عز وجل:} وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك {إلى قوله تعالى:} فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم {(يوسف 23 - 28). ومن القضايا التى تنال اهتمام المسلمين كل عام رؤية هلال شهر رمضان التى تصح أصلا بالشهادة، وهى هنا بمعنى الحضور والرؤية بالعين، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" والرؤية تحتاج إلى شهادة من مسلمين بالغين سليمى الإبصار، وهؤلاء يؤدون الشهادة لدى ولى الأمر بأنهم رأوا الهلال، ولا نريد هنا أن نذهب مذاهب المحدثين فى تأويل الرؤية فليس هذا مجالها، وإنما المطلوب فى هذا المقام شهود عدول يؤدون الشهادة بأنهم رأوا هلال رمضان. لعل هذا الذى أوردناه فى "الشهادة" لا يعفى من ذكر شهادات أخرى مثل شهادة الزواج وهى غير وثيقة الزواج، وشهادة توكيل العروس لمن اختارته وكيلا لها فى إتمام إجراءات الزواج. وهناك مصطلح بلفظ الشهادة، وهذه الشهادة هنا تعنى وثيقة، مثل شهادات الميلاد، والوفاة والملكية، وإبراء الذمة، وحسن السير والسلوك، وشهادة النسب الشريف، والشهادات الدراسية التى تبدأ بشهادة الإبتدائية، وتنتهى بشهادة الدكتوراه وغير ذلك كثير. والحق أن مصطلح التسمية فى تلك الأمثلة ينبغى أن يتغير، وأن تستعمل التسمية التى تدل على حقيقة هذه الحالات وهى الوثيقة. أ. د/ مصطفى الشكعة

_ المراجع 1 - القاموس المحيط- لمجد الدين الفيروز أبادى ط. مصطفى البابى الحلبى 1955م مادة "شهد" 2 - صحيح البخارى، أحكام 21 3 - سنن أبى داود باب من ترد شهادته، كتاب الأقضية03600 4 - المصدر السابق03601 5 - تاريخ الطبرى 4/ 253ومعالم الحضارة الإسلامية للدكتور مصطفى الشكعة ص 73 ط. دار العلم للملايين 6 - صحيح مسلم، باب الإيمان، 0132

13 - شهود يهوه jehovah ,s Witnesses

13 - شهود يهوه jehovah ,s Witnesses يرجع إنشاء جماعة شهود يهوه إلى سنة 1872 م فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية (1). على يد القس تشارلز راسل charles T .Russel الذى ولد على المذهب البروتستانتى سنة 1852 ولكنه رفض تعاليم كنيسته وهو فى السادسة عشرة من عمره، والتحق بكنيسة "الأدفنتست " التى يعرف أتباعها بالسبتيين، والنهائيين لأنهم يعتقدون باقتراب نهاية العالم (2). ولقد عرفت شهود يهوه فى أول عهدها بالظهور باسم "جمعية العالم الجديد" ثم غيرت اسمها إلى "الدارسون الصادقون للإنجيل " ثم تحولت إلى اسم ثالث هو "أتباع راسل " نسبة إلى مؤسسها ثم استقرت على اسمها الحالى "شهود يهوه " وكان ذلك سنة 1931 م عندما اتخذوا لأنفسهم مقرا فى حى بروكلين فى نيويورك (3). وكان الهدف من التسمية فى صيغتها الأخيرة أنهم يعتنقون الشهادة التى تقول بأن "يهوه " هو الإله الأعظم خالق الكون (4) .. على أن الشيء الجدير بالذكر أن راسل Russel مؤسس الجمعية لم يلبث أن خرج على المذهب الأدفنتستى وانصرف إلى العكوف على التوراة قراءة وتأويلا وانتهى إلى أن عليه رسالة إيمانية واجبة الأداء تتمثل فى رفض جميع الديانات، ودحض وافتراءات الديانات القائمة مثل الكاثوليكية والبروتستانتية وتضليلاتها" (هـ) .. كما شرع فى إقامة نظام دينى مختلف أسسه على تفسيره الذاتى للتوراة، وسجل المبادئ التى انتهى إليها فى عدد من المجلدات تلقفتها "الماسونية" ووجدت فيها أداة لزلزلة المذاهب المسيحية المشهورة، وتولت طباعتها ونشرها سنة 881 ام فى سبعة مجلدات تحت عنوان "بحوث كتابية". واستطاع راسل بعد إعلان مذهبه أن يؤسس مجلة ناطقة باسمه سنة 884 ام وجعل اسمها "مجلة برج صهيون للمراقبة" ثم ما لبث بعد اثنى عشر عاما أن حذف اسم صهيون من العنوان فصار عنوانها الذى استقرت عليه حتى الآن ((برج المراقبة Watch Tower)) ولما مات راسل سنة 1916 م خلفه فى قيادة حركته "جوزف فردرك رذرفورد" j.f. Rutherford وكان أكثر انحرافا من سلفه، فساد أخلاق وخراب ذمة واختلاق أكاذيب، فحكم عليه بالسجن عشرين عاما، وكان قد أعلن الحرب على الكنائس والمساجد ومع ذلك كان يلقب بالمسيح الثالث مثلما كان يلقب أستاذه بالمسيح الثانى. وبعد موت فورد سنة 942 ام عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما، خلفه فى قيادة الشهود " ناثان هومر نور Nathan H. Knorr الذي نظم المدرسة التى أنشئت فى بر وكلين بعد الحرب العالمية الثانية، كما أنشأ مبنى كبيرا ليطبع فيه مجلتى برج المراقبة، و: استيقظوا awake، وكانت تعاليمه تقضى برفض تقسيم الكتاب المقدس إلى "العهد القد يم " و "العهد الجديد" كما كان أشد عداوة للأديان وسخرية بها وبخاصة الكثلكة والإسلام (6) .. وكان ناثان قبل موته قد شارك فى توسيع هيئة أمناء الجمعية بمقرها الرئيسى فى بروكلين بعد أن كانت قد تفرقت فى جماعات متعددة، وفى سنة 989ام صار كل فرد من الأمناء الاثنى عشر قد تفرغ للعمل بالجمعية وكرس كل وقته للعمل بها (7) ومن المظاهر البارزة فى طبيعة تفكير "شهود يهوه " وعقيدتهم صلتهم الوثيقة بدولة إسرائيل الحديثة الصنع، وإيمانهم الذى لا يحده حدود بالصهيونية، فإنهم ينفردون بهذا السلوك المنحرف دون غيرهم من سائر شعوب الأرض وجميع الملل والمذاهب، إنهم يقررون فى صلب عقيدتهم "أن كلمة صهيون تطلق على جماعة الله والهيئة التى نظمها يهوه القدير حسب قصده " (8). كما يعتقدون "أن الأمة الإسرائيلية والمنظمة بعهد من الله هى رمز إلى صهيون الحقيقية التى اختارها الله سكنا له، والتى من جمالها أشرق نوره " (9) .. وفى إلحاح شديد على تأكيد هويتهم الصهيونية يقول شهود يهوه فى المصدر نفسه ((إن لفظة صهيون تطلق على شعب الله على الأرض، لأنهم من صهيون التى هى هبة الله وجمعيته ". (10) ثم يعودون لتأكيد تأييدهم الأعمى لإسرائيل بتسميتهم إياها "مملكة الرب الرمزية (11) وتضم عقيدة "شهود يهوه" الكثير من الأعاجيب التى كثيرا ما يصطدم بعضها ببعض ففى الوقت الذى يمجدون فيه" يهوه " ويوحدونه، يقولون يهوه هو الإله الحى الحقيقى الوحيد"، يؤكدون أن له شهودا على الأرض قبل آلاف السنين من مجيء المسيح، وإن "يهوه " الأب، وابنه الأول اسمه "لوغس "، وابنه الثانى اسمه "لوسيفر (12). ومن معتقدات "شهود يهوه " أن عقيدتهم مستمدة من التوراة وحدها دون أى مصدر آخر بما فى ذلك الكتب الدينية المسيحية الأخرى (13) وقد سلف القول إنهم يفرقون بين العهد القديم والعهد الجديد الذى لا يعترفون به "وشهود يهوه " لا يؤمنون بعقيدة التثليث التى هى الرمز المعرفى للمسيحية ويعتقدون التوحيد المطلق ليهوه "الكائن الأسمى" وهم ينكرون أن المسيح قد صلب ويعتبرون الصلب من الشعائر الوثنية وأن عيسى قد ربط على عمود واحد قائم من الخشب (14). وهم يحرمون نقل الدم من إنسان لآخر ولو أدى ذلك إلى هلاك المريض (15). ومن عقائد "شهود يهوه " التى تتسم بالقسوة، إيمانهم بمعركة "هرمجدون " وقد افاضت كتبهم- وبخاصة كتاب الخلاص الذى أفرد لها ستين صفحة- فى وصف قسوتها ووحشيتها، وملايين الأرواح التى سوف تزهق بها، وأنواع العذاب التى ستحل بمن لا يعتقد عقيدتهم. وإن كان الواقع يستبعد حدوثها، فقد جاء فى كتبهم أنها ستقع سنة 1918، 1920، 1925، 1941م، وقد مرت هذه السنوات ولم تحدث المعركة الموعودة مما دفع بعض أتباعهم إلى الخروج على عقيدتهم. ومرة أخرى اعتقد "شهود يهوه "طبقا لما ورد فى كتبهم أن سنة 1975م توافق مرور ستة آلاف سنة على خلق آدم فى جنة عدن وترجموا هذا التاريخ إلى سنة 4024 ق م، ومن ثم اعتقدوا أن سنة 1975 م هى التاريخ المحدد لنشوب معركة "هر مجدون " الوحشية (16)، ولكن تلك السنة قد مرت بسلام ومضى الآن على انقضائها ربع قرن من الزمان ولم يشهد أحد للمعركة "المنتظرة" أثرا ولا توقعا. أ. د. مصطفى الشكعة

_ المراجع 1 - lexicon universal Encyclopedia, lexicon publication, new york, ny 2- كتاب شهود يهوه لأبى إسلام أحمد عبد الله، ط بيت الحكمة القاهرة ص 15. 3 - watchtower bible and tract society .p.2 4-jehovah 's witnesses official web site :who are they? 5- كتاب شهود يهوه ص 18. 6 - المصدر السابق، ص 33. 7 - watch tower bible ,page 13 8-Jehovah's witnesses official web site: ways they use to tell you 9- كتاب الخلاص - إصدار جمعية شهود يهوه ص111 عن مزمور 137/ 1 - 3. 10 - المصدر السابق عن مزمور 132/ 50،13/ 2 11 - المصدر نفسه ص 301. 12 - Jehovahs witnesses Official web site gods personal name in ancient hebrew 13-Jehovah'S Witesses site : chapter , who are they ? 14- watchtower bible of tract society page 6 15- المصدر السابق ص 504. 16 - المصدر نفسه ص 9.

14 - الشورى

14 - الشورى اصطلاحا: يقصد بها النظام الذى يجب أن يطبق فى الدول الإسلامية وهو يعنى أن الحاكم ولى الأمر، وكل من ولي ولاية عامة يجب أن يستطلع رأى المسلمين فيما يعرض عليه من مهام. وقد وصف الله سبحانه وتعالى المسلمين بالشورى} وأمرهم شورى بينهم {(138). وهناك سورة كاملة فى القرآن الكريم تحمل اسم الشورى. كما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بمشاورة أصحابه فى سورة آل عمران حيث يقول جل شأنه} فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر {، (أل عمران 159). ولا شك أن الشورى تحقق أهدافا إسلامية عديدة، منها إحساس المسلمين بأنهم يديرون شئونهم والاستفادة برأى النخبة فيما يهم أمرهم، لذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشاور أصحابه، وكثيرا ما نزل على رأى بعضهم حتى وإن خالف رأيه، كما حدث فى اختيار مكان غزوة بدر، وكما حدث فى اختيار المكان الذى يحارب منه المسلمون فى غزوة أحد، وكذا فى طريق معاملة الأسرى بعد غزوة بدر، وفى كثيرمن شئون الحكم والإدارة والحرب. وتعتبر الشورى من أهم الأسس التى يقوم عليها نظام الحكم فى الإسلام، وهى تقابل بشكل أو بآخر، النظام الديمقراطى الذى يطبق فى الدول الغربية، وإن ظل النظام الإسلامى يختلف اختلافا بينا عن النظام الغربى. فأهل الشورى فى الإسلام هم النخبة المتميزة عقلا وبلاء فى خدمة الدين الحنيف، ومن لديهم القدرة على فهم الأحداث وحل مشكلات المسلمين، وهذه النخبة يطلق عليها اصطلاحا "أهل الحل والعقد " وهم يختارون الخليفة أو ولى الأمر، ويقومون بالاجتهاد معه لحسم المشكلات وقد وصف الله سبحانه وتعالى دورهم المكمل لدور الخليفة أو ولى الأمر بقوله:} وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم { (النساء 83). فأهل الشورى هم رأس المجتمع الإسلامى، والفئة القادرة على الاجتهاد، وتقدير مصالح الأمة، لذا فمنهم ركن ركين من أركان نظام الشورى. وهم يختلفون عن هؤلاء الذين لهم حق الانتخاب والترشيح وفقأ للأنظمة الحديثة، إذ عادة ما يكتفى القانون فى المرشح إجادة القراءة والكتابة فحسب، وهو شرط لا يجعل مثل هذا الشخص يقدر على تصريف الأمور، ووقاية الحكومة، والإسهام فى وضع التشريعات. ولا يستبعد النظام الإسلامى بقية أفراد الشعب من المشاركة فى تسيير أمور الدولة، ويعطيهم جميعا الحق فى "البيعة" وهو حق يجعل الخليفة غير شرعى إذا لم يبايعه المسلمون، ولكل المسلمين رقابة الحاكم المسلم وتقويمه ونصحه إن رأوا فيه أى اعوجاج، كما كان ولاة الأمور والخلفاء يطلبون دائما من المسلمين. ولم ينص القرآن الكريم ولا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أساليب معينة لممارسة الشورى , ومن ثم فقد ترك الباب واسعا للمسلمين ليقرروا الأسلوب الأمثل بالنسبة لكل زمان ومكان. واتجه بعض العلماء والفقهاء إلى أنه طالما أن الشورى واجبة، فإن كل ما يوصل إليها يأخذ حكمها أى الوجوب، وبالتالى فإذا كان يصعب جمع علماء الأمة وحكمائها فى مكان واحد لمشاورتهم، فإن الأخذ بالنظام النيابى، أى تمثيل الأمة فى مجلس منتخب من الشعب يقبله الإسلام طالما لم يوجد وسيلة أخرى تحقق الشورى. كذلك نجد من قال إن لولى الأمر- بعد المشاورة- أن يتخذ القرار المناسب وهو رأى مرجوح، إذ ما أهمية الشورى إن لم تكن نتيجتها ملزمة؟ إننا مع ضرورة تطبيق الشورى فى الدولة الإسلامية والالتزام بنتيجتها. أ. د/ جعفر عبد السلام

_ المراجع 1 - بين الشورى والديمقراطية جعفر عبد السلام بحث منشور بمجلة " الجامعة الإسلامية " التى تصدرها رابطة الجامعات الإسلامية، العدد 32 سنة 1999 م. 2 - فقه الشورى والاستشارة، توفيق الشاوى دار الوفاء للطباعة والنشر المنصورة 1992 م. 3 - نظام الحكم فى الإسلام محمد عبد الله العربى، دار الفكر، بيروت 1968 م. 4 - مبدأ الشورى فى الإسلام عبد الحميد متولى، القاهرة 1972 م.

15 - الشوقيات

15 - الشوقيات اصطلاحا: هى ديوان أمير الشعراء أحمد شوقى. تتكون الشوقيات من أربعة مجلدات وكتب مقدمة الديوان الأديب الكبير الدكتور محمد حسين هيكل. وقد طبع الديوان طبعة أولى بمطبعة الآداب والمؤيد سنة 1888 م إلى 1889 م فى جزء واحد صغير الحجم. ثم أعاد طبعه سنة 1911م ولم يضف إليه شيئا. قسمت الشوقيات إلى أربعة أجزاء فطبع الجزء الأول سنة 1926 م ولم يضف إليه شيئا. ثم طبع الجزء الثانى سنة 930ام. وبعد موت شوقى طبع الجزء الثالث الخاص بالمراثى سنة 936ام. ثم طبع الجزء الرابع سنة 943ام. المقدمة تحدث فيها الدكتور "محمد حسين هيكل " عن عبقرية شوقى الشعرية، ثم تحدث عن الحملة الفرنسية على مصر، التى فتحت باب الثقافة الغربية أمام مصر فأرسلت مصر بعثات متعددة فى شتى العلوم والفنون والآداب. ثم تحدث عن ضعف الدولة العثمانية الذى كان سببا فى ضعف المسلمين. ثم تحدث عن عطف المصريين على الدولة العثمانية، وكان المصريون يريدون الاستقلال عن الدولة العثمانية ولكن هذا لم يتم فى حينه. وسط هذه العوامل السياسية والاجتماعية وجد شوقى , وولد (باب إسماعيل) وشب فى جواره ونشأ فى حماه، فكان طبيعيا أن تتأثر نفسه بالبيئة الاجتماعية والسياسية، وقد تأثر شوقى بحياة القصور التى هذبت نفسه، ونظمت حياته، وشوقى خلق ليكون شاعرا، والشاعر يتأثر أضعاف ما يتأثر سائر الناس هـ لذلك كان لكل هذه العوامل أثر باد فى شعره، وفى حياته ومع أن شوقى درس فى فرنسا، وتأثر بالوسط الأوروبى وبالحياة الأوروبية، وبالشعر الأوروبى تأثرا كبيرا، فقد ظل تأثره بالبيئة التى سبقت ظاهرا فى حياته وفى شعره هـ كما ظل تأثره بالبيئة الأوروبية ظاهرا فيهما كذلك. وإنك لتكاد تشعر حين مراجعة أجزاء الشوقيات أنك أمام رجلين مختلفين جد الاختلاف لا صلة بين أحدهما بالآخر، إلا أن كليهما شاعر مطبوع يصل من الشعر إلى أسمى درجاته، وأن كليهما مصرى يبلغ حبه لمصر حدا لا نهاية له. الجزء الأول: ويجمع إحدى وستين قصيدة فى السياسة والتاريخ والاجتماع، ومن أبرز قصائده كبار الحوادث فى وادى النيل وقصيدة ولد الهدى، وقصيدة ذكرى المولد- سلو قلبى. الجزء الثانى: يتحدث عن الوصف، والنسيب، وفيه متفرقات مختلفة. تحدث عن الوصف فى ست وثلاثين قصيدة، ثم تحدث عن النسيب فى أربع وثلاثين قصيدة أما المتفرقات فتصل إلى ست عشرة قصيدة منها الحديث عن لبنان، وعن توت عنخ آمون، ومنها قصيدته التى قالها فى مهرجان تكريمه سنة 927ام. الجزء الثالث: فى المراثى: رثى فيه العظماء فى مصر والعالم العربى فى ستين قصيدة، تختلف طولا وقصرا حسبما تجود موهبته. الجزء الرابع: يتناول فيه متفرقات فى السياسة والتاريخ والاجتماع: منها ثمان وثلاثين قصيدة فى الاجتماع، ومنها فى الخصوصيات خمس وخمسون قصيدة، على لسان الحيوان يرمز بها إلى أشياء خاصة، وهذا القصص قد أخذه عن لافوتين أديب فرنسا الكبير، ثم قال فى الخصوصيات اثنتين وعشرين قصيدة، وكلها عظة وعبرة. ومن مشتملات الجزء الرابع من الشوقيات (ديوان الأطفال)، ويشمل عشر قصائد، ثم تحدث عن شعر الصبا فى ثمانى قصائد. وأخيرا كتب محجوبياته وهى عن الدكتور محجوب ثابت وهى أربع مقطوعات شعرية كلها فكاهة ومرح. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - مقدمة ديوان شوقى، دكتور / محمد حسين هيكل، ج1،. التجارية الكبرى، 1970 م. 2 - الشوقيات، شرح الدكتور / أحمد الحوفى، ج1، دار نهضة مصر للطبع والنشر - القاهرة، 1979 م.

16 - الشيخ

16 - الشيخ اصطلاحا: هو من استبانت فيه السِّنُّ، وظهر عليه الشيب، ومن جاوز الخمسين من عمره والجمع أشياخ، وشيوخ، وشيخة، ومشيخة، ومشيوخاء، ومشايخ، والمؤنث شيخة. قال تعالى} قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير {(القصص 23). والشيخ هو العالم المحقق، النحرير، المدرس، المحدث، المفسر، الفقيه، الأصولى النحوى، اللغوى، المنطقى، المؤرخ الرياضى، صاحب الحلقة والأمالى، وهو الإمام، والخطيب، والمقرئ، والواعظ والداعية إلى الله تعالى، الآمر بالمعروف والناهى عن المنكر، وهو الصوفى المتعبد الزاهد، الذى أخلص لله تعالى عمله وقوله وجهاده. والشيخ: الرئيس أو الزعيم، ويحدد تلك الرئاسة أو الزعامة ما يضاف إليها مثل: شيخ القراء: قراء القرآن الكريم. وشيخ المحدثين: علماء الحديث النبوى الشريف. وشيخ المفسرين: علماء القرآن الكريم قراءة وتفسيرا. وشيخ الفقهاء: علماء الفقه على المذاهب السنية الأربعة. وشيخ اللغويين والنحاة: علماء اللغة العربية وقواعدها وأصولها. وشيخ الأصوليين والمناطقة والمتكلمين: علماء الأصول والمنطق والكلام. وشيخ المؤرخين: علماء التاريخ. وشيخ الرياضيين: علماء الرياضة. وشيخ الأطباء: علماء الطب. وشيخ الأدباء: علماء الأدب العربى شعرا ونثرا. وشيخ مذهب من المذاهب الأربعة: الشافعى أو المالكى أو الحنفى أو الحنبلى. وشيخ أحد الأروقة فى الأزهر كرواق المغاربة ورواق الأتراك. ويرأس هؤلاء الشيوخ الذين تقدم ذكرهم شيخ الشيوخ، وشيخ الأزهر والإسلام، وشيخ الإسلام والمسلمين، وهو فى مصر شيخ الأزهر وأحيانا أعلم علمائه، وقاضى القضاة، وفى استانبول المفتى الأعظم. وشيخ البلد: وهو زعيم مصر، وأعظم مماليكها ورئيس الحزب المسيطر فيها إبان عصر الخلافة العثمانية. وشيخ العرب: زعيم قبيلة أو عدد من القبائل العربية البدوية ذات السطوة والنفوذ. وشيخ البكرية: زعيم أسرة استمدت شرفها من انتسابها إلى أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - وظهر لها نفوذه قوى فى مصر فى العصر العثمانى. وشيخ السادات: زعيم أسرة استمدت شرفها من انتسابها إلى على بن أبى طالب - رضي الله عنه -، وظهر لها نفوذ وقوة فى مصر فى العصر العثمانى. وشيخ الصوفية فى قُطْرٍ أو فى بلدة. وشيخ طريقة صوفية واحدة كالخلوتية والشاذلية والرفاعية. أ. د/ عبد الجواد صابر إسماعيل

_ المراجع 1 - اللطائف النورية فى المنح الدمنهورية مخطوطة بمكتبة رفاعة الطهطاوى بسوهاج. 2 - تاريخ الملوك العثمانية والوزراء الصدور ومشايخ الإسلام والقبودانات، أحمد عرابى مخطوطة بمكتبة رفاعة الطهطاوى بسوهاج. 3 - ريحانة الآلبا وزهرة الحياة الدنيا، أحمد بن محمد بن عمر الخفاجى، المولى شهاب الدين - تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، جزءان، طبع عيسى البابى الحلبى بالقاهرة 1386 هـ / 1967 م. 4 - شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، عبد الحى بن العماد الحنبلى، ثمانية أجزاء، طبع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت الأولى 1399 هـ /1979 م.

17 - شيخ الأزهر

17 - شيخ الأزهر يرى بعض المؤرخين أن هذا المنصب قد بدأ فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى فى اجتماع عقده باشا مصر. إذ لم يجر النظام على أن يعين شيخ للأزهر تعيينا رسميا منذ أنشئ إلى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى. وكان النظام المتبع قبل ذلك، أن شئون الجامع الأزهر ترجع غالبا إلى ولى الأمر سواء مباشرة، أو بطريق غير مباشر فيما يتعلق بإصلاحه وعمارته. ثم أخذت وظيفة "خطيب الجامع الأزهر " تنمو من حيث الأهمية حتى أنها كانت تسند إلى رجال من أصحاب المناصب الدينية الرفيعة كأكابر القضاة وعلماء المذاهب الفقهية الأربعة. وقد أصبح لشيخ الجامع الأزهر وعلمائه نفوذ خاص فهم يعتبرون ممثلى الأمة فى معنى من المعانى. ولذلك قام مشايخ الأزهر بواجبهم تجاه الدعوة الإسلامية والعلم الشرعى الشريف، وقاموا على خدمة الإسلام والمسلمين. فكان كل واحد منهم مضرب المثل فى التفانى والفهم والعلم والعمل وكان هذا المنصب يعطى لصاحبه سمات خاصة كما نرى فى صفحات التاريخ المصرى، أمثال الشيخ عبد الله الشرقاوى الذى امتاز بالنضال الوطنى والوقوف فى وجه الحملة الفرنسية مما جعل نابليون يصدر قرارا بتأليف ديوان يحكم مدينة القاهرة برئاسة الشيخ الشرقاوى. كذلك الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى الذى امتاز بالنشاط والكفاح العلمى والوعى القومى. حيث استطاع أن يقوم بإصلاحات جديدة فى الأزهر أرضت جميع الناس. وأصدر مجلة ثقافية باسم "نور الإسلام " ثم تغير اسمها فيما بعد إلى مجلة"الأزهر"، ومنذ تولى الشيخ مصطفى المراغى أصبح يطلق على شيخ الأزهر لقب الإمام الأكبر. وأول شيخ معروف لنا هو الشيخ محمد عبد الله الخرشى المالكى المتوفى سنة 1101هـ / 1690م، ويبلغ عدد من تولى المشيخة حتى الآن سبعة وأربعون شيخا. ويشغلها الآن الإمام الأكبر دكتور: محمد سيد طنطاوى. (هيئة التحرير)

_ المراجع: 1 - موسوعة التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية د/ أحمد شلبى ج4 طبعة دار النهضة العربية القاهرة. 2 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون د/ سعاد ماهر 1/ 181 - 184 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1971 م

18 - الشيطان

18 - الشيطان لغة: الشطن: مصدر شطنه يشطنه شطنا خالفه عن وجهه ونيته. والشاطن: الخبيث والشيطان: فيعال من شطن إذا بَعُدَ فيمن جعل النون أصلاً، وقولهم الشياطين دليل على ذلك وهو جمع شيطان، وقيل: الشيطان فعلان من شاط يشيط، إذا هلك واحترق، وهذا فيمن جعل النون زائدة (1). واصطلاحا: الشيطان من نسل إبليس اللعين أبو الشياطين وأصلهم الأول. فبين الجن والشيطان عموم وخصوص من حيث القوة والحيل فكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان. ولهذا قال الأزهرى: هو من حيث العموم: العصى الأبى الممتلئ شرا ومكرا، أو المتمادى فى الطغيان الممتد إلى العصيان (2). وقال الزجاج، فى قوله تعالى:} طلعها كأنه رؤوس الشياطين {(الصافات 65) وجهه أن الشيء إذا استقبح شبه بالشياطين، فيقال كأنه وجه شيطان، فالشيطان لا يرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء. وقدرة الشيطان تكمن فى العوذ والوسوسة، وليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان. وإنما بالزلل الذى به يكون السبب فى زوال الإنسان من مكان إلى مكان بذنبه (3). ولذلك يقول تعالى} فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه {(البقرة 36). وللشيطان قدرة على التطور والتشكل فى صور الإنس والبهائم، فيتصورون فى صور الحيات، والعقارب، وفى صور الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفى صور الطير، وفى صور بنى آدم كما أتى الشيطان قريشا فى صورة (سراقة بن مالك). وإذا كانت الملائكة جند الله الذين يمثلون الخير والفلاح، فإن إبليس ومن معه من الشياطين هم أعداء الله الذين يمثلون الشر، والفساد، فأعمال الملائكة والشياطين على طرفى النقيض. فالشيطان أعماله تتجه كلها دائما إلى التمرد وإلى التفريق والتمزيق والتخريب والتدمير، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، ووصل ما أمر الله به أن يقطع، فما من شرفى الأرض، ولا فساد فى الوجود إلا ولهم به صلة. وهم الذين زينوا للأمم السابقة سوء العمل، وحسنوا لهم الكفر والمعاصى، ودعوهم إلى تكذيب الرسل ومخالفة أوامر الله، ولا تزال هذه أعمالهم. يقول تعالى: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم {، (النحل 63). ولهذا نجد القرآن الكريم قد ذكر لفظ: (الشياطين، والشيطان، وشيطانا، وشياطينهم) حوالى ثمانيا وثمانين مرة. وذكر عياض المجاشعى - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ذات يوم فى خطبته: "ألا إن ربى أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم مما علمنى يومى هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا ... ". وفى حديث سبرة بن فاكه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه وأسلم، تم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال أتجاهد، وهو تلف النفس والمال، فتقاتل، فتقتلى فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فمن فعل ذلك، فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة ". والشيطان لا يتمكن من نفس الإنسان إلا إذا أعرض عن هداية الله، وخرج عن المنهج المرسوم. فإذا أعرض الإنسان عن الطريق المرسوم له عاقبه الله بتمكين الشيطان منه، فيوجهه وجهة الشر والفساد فى كل قول وفى كل فعل:} ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون. حتى إذا جاءنا قال ياليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين. ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون {(الزخرف 36 - 39). إن الشيطان يمثل الشر فى الأرض ويعمل دائبا على تدمير حياة الإنسان بزحزحته عن هداية الله، وإبعاده عن منهج الحق والرشاد. لهذا حذرنا الله تعالى من كيده، وأخبرنا بعداوته، ودعانا إلى مقاومته بكل وسيلة حتى يضعف سلطانه، وتخف شروره وآثامه، فقال تعالى:} إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {(فاطر 6). وقد قص علينا من عداوته لأبينا آدم - عليه السلام - ما فيه العظة البالغة، فقد استطاع أن يغريه بالأكل من الشجرة، وأن يخرجه من الجنة بكذبه وخداعه قال تعالى:} يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون {(الأعراف 27). وبين تعالى للإنسان ما أخذه الشيطان على نفسه منذ خصومته لآدم، حيث قال تعالى:} قال أرءيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا. قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادى ليس لك عليهم سلطان { (الإسراء62 - 65). والإيمان يفيض على النفس إشراقا، ويملأ القلوب نورا، وإذا أشرقت النفس واستنار القلب انمحى كل ما يوسوس به الشيطان. قال تعالى} فإذا قرأت القرأن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه. والذين هم به مشركون {(النحل 98 - 100) إلا أن نوازع الخير ودواعيه تيقظت فى قلب آدم وحواء، وعلما أنه خدعهما فتغلبت هذه النوازع والدواعى على وسوسة الشيطان وحظه من النفس، فتابا إلى الله، وأنابا قائلين:} ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين { (الأعراف 23). والإنسان بمقتضى خلافته عن الله فى الأرض فى معركة مع الشيطان الذى يحاول أن يصرفه عن تنمية قواه العليا من جانب، ويضعف من روح المقاومة بطريق الخداع والإغراء والتزيين من جانب آخر. ومن ثم كان واجبا على الإنسان أن يحذر مكايد الشيطان ويعرف أساليبه التى يتخذها، ليصرف الإنسان عن وظيفته الأولى فى هذه الحياة، فإذا زلت به قدم، أو تورط فى الإثم، أو جانب صوابا، أو مارس شرا، أو اقترف معصية، أو ارتكب فجورا فأمامه السبيل الذى رسمه له أبوه آدم من التوبة، واستئناف حياة أزكى وأطهر. والشيطان ينتهز فرصة ضعف النفس ومرضها فيهجم عليها محاولا إفسادها. ولا خلاص منه إلا إذا صحت النفس من أمراضها، التى هى المداخل الحقيقية للشيطان، وأمراض النفس كثيرة ومتعددة منها: (الضعف واليأس، القنوط، الفخر، الظلم، العجلة، البخل، الريبة، الغفلة، الكذب، الجزع، حب المال، الافتتان بالدنيا .. إلخ). فحينما يكون ذكر الله والاستعاذة به من الشيطان، والتبرى من الحول والقوة، وإسلام الوجه لقيوم السموات والأرض مما يقوى من معنويات الإنسان ويرفع من مستواه الروحى، حتى يصل الإنسان إلى درجة يخاف فيها الشيطان منه كما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "يابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " (رواه البخارى ومسلم) ومن الأشياء التى تدل على قدرة الله عز وجل على خلق المتضادات والمتقابلات. خلق الشيطان رمز الشر على الأرض فى مقابل الملائكة رمز الخير، كذلك ظهور أسمائه القهرية فى مقابل أسمائه المتضمنة عفوه ومغفرته وقد أشار النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا بقوله: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم " (رواه مسلم). (هيئه التحرير) 1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (شطن) 13/ 238 طبعة دار صادر بيروت. 2 - الكليات لأبى البقاء 3/ 55،82. 3 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 1/ 311، 312 طبعة دار الثقافة، القاهرة، 1981 م.

_ المراجع 1 - تلبيس إبليس لابن الجوزى - طبعة مكتبة المتنبى، القاهرة. 2 - العقائد الإسلامية لسيد سابق. طبعة الفتح للإعلام العربى، 1992. 3 - صيد الخاطر لابن الجوزى - تحقيق السيد محمد سيد، وسيد إبراهيم - طبعة دار الحديث القاهرة، 1996. 4 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم، المكتبة القيمة بالقاهرة. 5 - وقاية الإنسان من الجن والشيطان، وحيد عبد السلام بالى - مكتبة الصحابة بجدة، مكتبة التابعين بالقاهرة. 6 - عداوة الشيطان لبنى الإنسان. د. عبد الحكم عبد اللطيف - مكتبة الدار العربية للكتاب بالقاهرة.

19 - الشيعة

19 - الشيعة لغة: القوم الذين يجتمعون على الأمر .. والفرقة من الناس .. وأتباع الرجل وأنصاره .. وهى من المشايعة، أى المطاوعة والمتابعة .. وجمع الشيعة: شيع، وجمع الجمع: أشياع. واصطلاحا: اشتهرت كلمة الشيعة- للدلالة على الفرقة: أو الفرق- الذين يتولون ويشايعون الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وآل بيته، حتى صار مصطلح الشيعة اسما خاصا بهم. ولقد بدأت شيعة علىّ والتشيع له فى صورة أولية، تمثلت فى الميل إليه، وتمنى تقديمه فى ترتيب تولى الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك من قبل بعض بنى هاشم، ونفر من الصحابة، يذكر فيهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسى، وأبو ذر الغفارى .. أما المعيار الفارق الذى يميز الشيعة- كفرقة من الفرق الإسلامية- فلقد تجاوز الميل إلى على التفضيل له وتقديمه فى الترتيب بين الخلفاء الراشدين .. وأصبح هذا المعيار .. فى مذهب الشيعة- هو دعوى وعقيدة أن إمامة على بن أبى طالب والأئمة من بنيه إنما هى "بالنص والوصية والتعيين " أى النص الإلهى والوصية الدينية، التى بلغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأمة، كما بلغ أصول الدين .. فهى عندهم، المرادة بقول الله سبحانه وتعالى:} يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسا لته {(المائدة 67). فكل من عدا الشيعة- من الفرق الإسلامية- قد قالوا إن الإمامة والخلافة طريقها الشورى والاختيار والبيعة من الأمة أو نوابها .. بينما انفردت الشيعة- بفرقها المتعددة- بادعاء أن الإمامة سبيلها "النص والوصية والتعيين "، فهى شأن دينى سماوى، وهى من أمهات العقائد الدينية، ولا مدخل للأمة أو الشورى فيها. والشيعة قد قاسوا " الإمامة" على " النبوة" فجعلوها كالنبوة- اصطفاء إلهيا، لا اختيارا بشريا، وجعلوا للإمام العصمة التى للأنبياء، بل ورفعوا مكانتها على مكانة النبوة، لأن النبوة عندهم، "لطف خاص" أى انتهى دورها - بينما الإمامة " لطف إلهى عام " لأنها مستمرة بأداء رسالة النبوة، بعد انتهاء طور النبوات .. حتى ليقول الإمام آية الله الخمينى - عن علو مقام الأئمة على الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين: "إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبى مرسل " .. ولقد انعكست هذه العقيدة، التى ميزت نظرية الإمامة عند الشيعة .. ، والتى ميزت الشيعة عمن عداها من الفرق الإسلامية، انعكست على صفات الإمام عندهم، وعلى السلطات التى اختصوه بها .. وباستقراء المصادر الأصلية، التى كتبت فى نظرية الإمامة- من قبل مختلف الفرق الإسلامية .. وفى مقدمتها المصادر الشيعية. لا نجد ذكرا ولا مجرد إشارة لعقيدة "النص والوصية" قبل عصر إمامهم السادس- الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد (80 - 48 1 هـ 699 - 765 م) وأقدم عناوين المؤلفات التى كتبت فى الإمامة- والتى أحصاها ابن النديم (438 هـ 1047 مـ) فى (الفهرست) - والتى أشارت إلى فكرة "الوصية" بالإمامة، منسوب إلى عالمهم هشام بن الحكم (190 هـ 805 مـ) .. فمن مؤلفاته (كتاب الوصية والرد على من أنكرها) .. ويشهد لهذه الحقيقة- حقيقة الظهور المتأخر لعقيدة الشيعة فى "النص والوصية والتعيين "- خلو تاريخ الصراع على الإمامة قبل ذلك التاريخ من أية إشارة للاحتجاج بهذه العقيدة فى ذلك الصراع .. فلقد اختلف المسلمون حول من يتولى الخلافة- عقب وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سقيفة بنى ساعدة ولم يذكر أحد من الفرقاء الذين اختلفوا أن هناك نصا وتعيينا لمن يليها .. وتأخرت بيعة على بن أبى طالب لأبى بكر الصديق عدة أشهر. ثم بايع، ولم يؤثر عنه- فى ذلك التاريخ- تعليل لتأخر بيعته بأن هناك نصا يعينه هو للخلافة بدلا من الصديق .. ثم شارك علىّ فى شورى البيعة لكل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، دون أن يشير إلى أن هناك نصا إلهيا ووصية نبوية باختصاصه هو دون غيره، بالإمامة والخلافة وبعد مقتل عثمان، عقدت البيعة بالخلافة لعلى بن أبى طالب، وتلقاها وتولاها هو بالبيعة، ولم يؤثر عنه أنه قال لمبايعيه: لست فى حاجة إلى بيعتكم، لأن هناك نصا على إمامتى، يخرجها عن الشورى والاختيار والبيعة .. بل إن كتاب "نهج البلاغة "، والذى جمعه الشيعة- بواسطة إمامهم "الشريف الرضى" 359 - 406 هـ 970 - 1015 م" - باعتباره خطب ومراسلات وأحاديث وحكم الإمام على بن أبى طالب، لا أثر فيه لإشارة- مجرد إشارة- إلى عقيدة "النص والتعيين " .. الأمر الذى يجعل استقراء التاريخ، واستقراء الفكر من صدر الإسلام إلى عصر جعفر الصادق، شاهدا على أن هذه العقيدة- التى ميزت الشيعة كفرقة، بالمعنى الاصطلاحى للتشيع- لم تظهر قبل تأليف هشام بن الحكم فيها، وتبنى الشيعة للاعتقاد بها منذ ذلك التاريخ. وإذا كانت الشيعة- على اختلاف فرقهم- معتدلين كانوا أم غلاة- قد اتفقوا على نظرية "النص والوصية والتعيين " الإلهى لإمامة على بن أبى طالب، خليفة ووصيا وإماما بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم قد اختلفوا إلى فرق متعددة، بعد هذه العقيدة التى جعلوها أهم عقائد الإيمان الدينى، يَكْفُر- فى نظرهم- من جحدها. فالشيعة الأثنى عشرية- وهم أغلبية الشيعة المعاصرين- يقولون إن عليا قد أوصى بالإمامة لابنه الحسن، الذى أوصى بها إلى أخيه الحسين .. وهكذا استمرت فى أبناء على من فاطمة الزهراء حتى إمامهم الثانى عشر ولقد سموا بالاثنى عشرية لقولهم بإمامة هؤلاء الأئمة الاثنى عشر: 1 - أبو الحسن، على بن أبى طالب " المرتضى" .. - 23 ق هـ- 40 هـ 600 - 661 م) 2 - أبو محمد، الحسن بن على- "الزكى" 3 - 50 هـ 624 - 670 م ". 1 - أبو عبد الله، الحسين بن على- "سيد الشهداء"- 4 - 1 6 هـ 625 - 0 68 م 4 - أبو محمد، على بن الحسين- (زين العابدين) - "38 - 94 هـ 658 - 2 71 5 - أبو جعفر، محمد بن على- "الباقر"- 57 - 4 1 اهـ 676 - 732 م. 6 - أبو عبد الله، جعفر بن محمد- "الصادق " 80 - 48 1 هـ 699 - 765 م. 1 - أبو إبراهيم، موسى بن جعفر- "الكاظم " 28 1 - 83 1 هـ 5 4 7 - 799 م 8 - أبو الحسن، على بن موسى- "الرضا"- 53 1 - 3 0 2 هـ 0 77 - 818 م. 2 - أبو جعفر، محمد بن على- "الجواد"- 95 1 - 220 هـ 1 81 - 835 م. 3 - أبو الحسن، على بن محمد- "الهادى"- 4 1 2 - 4 25 هـ 829 - 68 8 م. 11 - أبو محمد، الحسن بن على- "العسكرى" - 232 - 0 36 هـ 846 - 873 م. 12 - أبو القاسم، محمد بن الحسن- " المهد ى" 256 - … هـ 870 - ... م الذى اختفى فى سرداب بمدينة "سامراء"- من أرض العراق ولا يزال فى " الغيبة"- فهو " المهدى"، والذى ينتظرون ظهوره، ويدعون الله أن يعجل فرجه، ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا- وعنه ينوب، فى عصور غيبته العلماء المجتهدون. أما الشيعة "الكيسانية"، فإنهم لم يحصروا الإمامة فى أبناء فاطمة الزهراء، وإنما قالوا إنها انتقلت من الإمام على إلى ابنه محمد بن الحنفية (21 - 81 هـ 642 - 700 م). أما الإسماعيلية- وهم من الباطنية الغلاة .. حتى فى نظر الاثنى عشرية- ويوجد منهم فى عصرنا: البهرة .. وا لنصيريون .. والدروز - فلقد اتفقوا مع الاثنى عشرية على تسلسل الإمامة من على حتى جعفر الصادق، ثم جعلوها- بعد الصادق- لابنه إسماعيل (143 هـ- 760 م) .. وليس لابنه موسى الكاظم، كما قالت الاثنى عشرية، ثم انفرد الإسماعيلية- منذ إسماعيل- بسلسلة خاصة بهم فى الإمامة. أما الشيعة الزيدية- أتباع زيد بن على بن الحسين (79 - 22اهـ 698 - 0 74 م) فلقد تميزوا بالاعتدال الذى اقترب بهم من فكر أهل السنة، فقالوا فى عقيدة " النص ": إن النص لم يكن على "ذات، الإمام، وإنما كان على صفاته "، وأن هذا "النص " لم يتعد ثلاثة من هؤلاء الأئمة، هم: على والحسن والحسين .. والإمامة بعدهم لمن يجتمع فيه شروط الإمام من أبناء فاطمة- وهى شروط لا أثر فيها لغلو الفرق الشيعية الأخرى .. ولأن الشيعة- فيما عدا الزيدية- قد قاسوا " الإمامة " على " النبوة"، وليس على " الإمارة .. والولاية، كما صنع أهل السنة، فلقد أضفوا على الإمام صفات فاقت حتى صفات الأنبياء ... فهو عندهم- معصوم فى كل شيء .. بينما الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله- .. وروح القدس "الذى حمل النبى به النبوة، قد انتقل بعد النبى إلى الإمام وهو يعلم- بالعلم اللدنى .. كل ما يريد علمه "بالقوة القدسية الإلهامية، بلا توقف، ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلم، تنجلى فى نفسه المعلومات كما تنجلى المرئيات فى المرآة الصافية .. " حتى ليستطيع علم كل العلوم والحديث بجميع اللغات، والكتابة بكل الحروف، دون معلم ولا مدرسة ولا كتاب ولا كُتّاب ( .. فالأئمة- كما يقولون- لم يتربوا على أحد، ولم يتعلموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة. ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ فى شيء من الأشياء، مع مالهم من منزلة علمية لا تجارى، وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه فى وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة لا أدرى"، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل، أو نحو ذلك .. "! .. وهى صورة تعلو على صورة الرسل أولى العزم، الذى كان خاتمهم - صلى الله عليه وسلم -، يسأل فينتظر- أحيانا- وحى السماء .. والذى قال لصحابته: "أنتم أعلم بشئون دنياكم " .. ولعصمة الإمام عند الشيعة .. ولأن كل الأمة- برأيهم- يمكن أن تجتمع على ضلال، كان الإمام وحده مصدر الشريعة، والحجة والقيم حتى على الدين والقرآن .. أما سلطات الإمام عندهم فهى كل سلطات الرسول، التى هى كل سلطات الله المفوضة إلى الرسول، ولذلك، فإن الراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله .. وللإمام كل الدنيا- وبعبارتهم "فإن الدنيا كلها للإمام، على وجه الملك، وأنه أولى بها من الذين هى فى أيديهم ". وغير عقيدة الإمامة- بما فيها من "النص والوصية والتعيين " .. وصفات الإمام .. وسلطاته- انفردت الشيعة بعقائد .. منها: * التقية: أى إظهار الإنسان غير ما يبطن، اتقاء لضرر محقق الوقوع .. وهى عندهم دين، يروون فيه عن جعفر الصادق: التقية دينى ودين آبائى .. ومن لا تقية له لا دين له "! * والرجعة: وتعنى- عندهم- أن الله سيعيد إلى الحياة، قبل قيام الساعة- وعند قيام المهدى- قوما قد توفاهم، فى صورهم التى كانوا عليها قبل موتهم، وفى مقدمتهم أكثر المظلومين من آل البيت، وأكثر الظالمين لهم وبعد أن يعز المظلومين ويذل الظالمين يتوفاهم ثانية. ثم، إن الشيعة، بعد ذلك باستثناء الباطنية الغلاة- يتفقون مع العديد من الفرق الإسلامية الأخرى فى ثوابت العقائد الإسلامية وشعائر وعبادات الإسلام .. فهم جزء من الأمة الإسلامية. ولو أنهم جعلوا الإمامة- كما فعل أهل السنة- من الفروع، وليس من أصول وأمهات العقائد، لكان الخلاف بينهم وبين أهل السنة مجرد تنوع فى المذهب الفقهى- المذهب الجعفرى- الذى لا تزيد الاختلافات بينه وبين مذاهب الفقه السنيّة عن الاختلافات التى بين المذاهب السنية ذاتها. ولأن عقيدة الشيعة، فى الإمامة والإمام، هى " حلم مثالى"، أفرزته معاناة الاضطهاد من قبل السلطة البشرية- فى الدولة الأموية - فلقد ظل هذا "الحلم "مستعصيا على التطبيق حتى عندما حكم الشيعة فى إيران عقب إسقاط النظام الشاهنشاهى سنة 979ام .. فلقد استمر الحكم بالمؤسسات الشورية، والنظام النيابى، الدستورى وسلطة الأمة والرأى العام .. ولم يطرأ على هذا النظام الديمقراطى- مع المرجعية الإسلامية - إلا منصب "ولاية الفقيه " .. الذى هو محل خلاف بين مراجع الشيعة .. والذى تنبئ المساجلات الدائرة حوله عن أنه فى طريقه إلى الزوال ... أما التوزيع الجغرافى للشيعة

الصاد

1 - الصابئة لغة: صبأ الرجل بمعنى ترك دينه فهو صابىء. واصطلاحها: الصابئة قوم يعبدون الكواكب أو الملائكة أو لا دين لهم، أو هم قوم يوحدون الله وليس لهم كتاب ولا نبى ولا طقوس للعبادة. وهذا المعنى يقتبس مما تدل عليه الآية الكريمة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة:62. والصابئة نوعان تبعا لإشارات القرآن الكريم، وأقوال المفكرين المسلمين: النوع الأول: يذكر بعضهم أنهم من أهل الكتاب بدليل ارتباط ذكرهم باليهود والنصارى فى بعض الآيات. النوع الثانى: ويعدهم من الوثنيين وهم صابئة حران، وهؤلاء يقولون بوسائط بين الله والعالم، وهى التى تدير الكون، وتفيض على الوجود، وهم يمنعون تعدد الزوجات، ويحرمون الطلاق والختان، ويحرصون على تطهير أنفسهم من دنس الشهوات، ويصلون ثلاث صلوات فى اليوم. والصابئة الحرانيون خدموا الإسلام عن طريق الترجمة، وكان منهم الرياضيون والوزراء مثل: ثابته بن قرة، وابن سنان. وكان لهم نشاط فكرى فى بغداد فى عهد أبى إسحاق الصابى وزير الطائع والمطيع، ثم ضعف شأنهم. ومن أشهر علمائهم ثابت بن قرة (901م) وقد برع فى الرياضة والفلك وكان من كبار المترجمين من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية، وترجم أو اشترك فى ترجمة كتب أرشميدس وإقليدس وجالينوس، ومن مؤلفاته الطبية كتاب "الذخيرة". وقد نبغ من أبنائه إبراهيم، وسنان وسنان خدم الخليفتين المقتدر والقاهر، وأشرف على إنشاء البيمارستان الذى عرف باسم والدة المقتدر، وله تصانيف فى الفلسفة وعلم الهيئة. ومن أشهر أدباء الصابئة الصابى الحرانى إبراهيم بن هلال (994م)، كان من أدباء العصر، ودرس الرياضة والفلسفة والفلك والأدب، وتولى ديوان الرسائل والمظالم سنة (960م)، سجن عدة مرات، وكان شاعرا مجيدا له ديوان، واشتهر بالرسائل الديوانية التى حوت صورا طيبة من الألفاظ الجزلة والتعبير السهل. أ. د/أحمد شلبى

_ مراجع الاستزادة: 1 - المحاسن والأضدادالجاحظ القاهرة 1932م. 2 - الديوان أبو نواس تحقيق الأستاذ محمود كامل سنة 1939م. 3 - ضحى الإسلام أحمد أمين القاهرة ط2

2 - الصبر

2 - الصبر لغة: حبس النفس عن الجزع. واصطلاحا: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله. وقد وصف الله المؤمنين بالصبر، فقال تعالى: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم} الرعد:22، فهو ليس استسلاما للذل والمهانة وليس سلبية فى مواجهة الباطل، بل ضبط النفس والتحمل فى سبيل أداء ما يجب على المرء أداؤه ابتغاء وجه الله؛ إذ يصبر رب الأسرة فى رعاية أسرته وتوجيهها، والموظف فى أداء وظيفته، والقاضى فى سبيل تحرى العدل، والحاكم فى سبيل إحقاق الحق، وإقرار الطمأنينة والأمن، والفرد فى سبيل سيطرة حكمته على هواه، والأم فى سبيل رعاية أولادها، وسلامة صحتهم وعقولهم ... إلخ. ويتطلب الصبر قدرة على الاحتمال وضبط النفس، وإيمانا بالغاية والهدف، كما يتطلب ممارسة على السيطرة على هوى النفس وانفعالاتها، وعلى الرجوع إلى العقل والتروى فى مواجهة الشدائد والأزمات، ولهذا وردت فى القرآن الكريم آيات كثيرة تحث عليه، منها قوله تعالى: {واصبرعلى ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان:17. بل إنه قرن بالصلاة والمرابطة فى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبروالصلاة إن الله مع الصابرين} البقرة:153، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران:200. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب لابن منظور. 2 - التعريفات للجرجانى. 3 - من مفاهيم القرآن فى العقيدة والسلوك د/محمد البهى القاهرة سنة 1973م. 4 - الإسلام دين ودنيا د/محمد شامة القاهرة سنة 1988م

3 - الصحابة

3 - الصحابة اصطلاحا: هم هؤلاء الأعلام الذين عرفوا من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه ينغمسون فى فيضه الذى بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته، حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم، وبلغ من محبتهم له وإيثارهم الموت فى سبيله أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه فى موقف مؤذ أو كربة يغض من قدره. ولما للصحابة من الفضل العظيم فإن الله تعالى ذكرهم فيما أنزل من الكتب؛ حتى لا يذهب ذكرهم ولا تمحى من رؤوس القبائل والشعوب مآثرهم فقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح:29. وقال تعالى {والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} الواقعة:10 - 14. ثم قال تعالى: فى سورة الواقعة أيضا {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} الواقعة:35 - 40. ويتضح من الآيات السابقة، وما يجرى فى فلكها، أن الصحابة درجات بعضها فوق بعض، فالسابقون الأولون الذين أسلموا وجوههم إلى الله، ولبوا مناديه إلى الإيمان، وكل من على سطح هذه المعمورة مخالف لهم هم كبار الصحابة الذين اصطنعهم سيدهم بنفسه، ورباهم تحت سمعه وبصره عبر ثلاث عشرة سنة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة، وقال فيهم ورحى الحرب دائرة فى بدر (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض) (1)، وقال أيضا (الله الله فى أصحابى، فلو أن أحدكم تصدق بمثل أحد ذهبا ما ساوى مده ولا نصيفه) رواه البخارى (3). يلى هؤلاء السابقين من المهاجرين، السابقون من الأنصار وهم الذين بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يمنعوه من الأسود والأحمر، والإنس والجن. يقول تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} التوبة:100. وما سوى الصحابة الكبار طبقات بعضها أفضل من بعض، فالذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، يقول تعالى {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} الحديد:10. وواضح من الآية السابقة وما يشبهها أن الله تعالى قد جعل لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مقياسا تقاس به أقدارهم وميزانا توزن به منازلهم ومراتبهم، فالسابقون الأولون من المهاجرين هم الكبار الذين لا يسمو إليهم غيرهم، ومن عداهم من الصحابة الكرام متفاوتون تبعا لأعمالهم فى نصرة الإسلام، وجهادهم تحت ألويته وراياته، فأفضلهم الذين شهدوا بدرا ودافعوا عن النبى صلى الله عليه وسلم ودينه فيها. ويليهم من شهد أحدا والخندق، وهكذا حتى غروة تبوك. وهناك عدة ثوابت تعم الصحابة، منها: 1 - الصحابة كلهم عدول، لا يجوز تجريحهم ولا تعديل البعض منهم دون البعض. 2 - الصحابة كالنجوم يهدون الحائر، ويرشدون الضال، وفيهم يقول النبى صلى الله عليه وسلم (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (3). 3 - الصحابة لم يذكرهم الله تعالى فى كتابه إلا وأثنى عليهم وأجزل الأجر والمثوبة لهم، ولم يفرق بين فرد منهم وفرد ولا بين طائفة وطائفة. وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيرالقرون قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) (رواه البخارى) (4). أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - تاريخ الرسول والملوك للطبرى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط دار المعارف، القاهرة 2/ 477. 2 - صحيح البخارى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 6/ 89. 3 - لسان الميزان لابن حجر العسقلانى، ط مؤسسة الأعلمى للمطبوعات بيروت لبنان 2/ 118. 4 - صحيح البخارى 6/ 75

4 - الصحابى

4 - الصحابى اصطلاحا: هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام (1). ويشمل هذا التعريف كذلك: 1 - من رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البلوغ؛ فإنه إن كان قد بلغ سن التمييز فهو صحابى، وإلا فإن صحبته باعتبار رؤية النبى في صلى الله عليه وسلم له، وهو تابعى من حيث الرواية. 2 - المرتد العائد للإسلام؛ فهو صحابى وإن لم ير النبى صلى الله عليه وسلم مرة أخرى. ويخرج منه: من رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو ميت؛ فليس بصحابى. ويلاحظ فى هذا التعريف أنه لم يشترط فيمن يستحق لقب الصحابى وقتا، ولا عملا ما: فمن لقى النبى صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة فهو صحابى، زادت تلك الساعة أو قلت، والأمر كذلك فيمن غزا معه ومن لم يغز، ومن روى عنه ومن لم يرو؛ فهذا اللقب الكريم لا ينزعه عمن حمله إلا عودته إلى الكفر وإصراره عليه، وهذا هو التعريف الذى اختاره وقال به الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى، وهو المتفق عليه. وهناك من العلماء من اشترط فى الصحابى أن يكون قد صحب النبى صلى الله عليه وسلم عامين، أو غزا معه غروتين (2)، ومنهم من يرى أن الصحابى هو من تحقق فيه شرط من أربعة: 1 - طول المجالسة. 2 - حفظ الرواية. 3 - الغرو مع النبى صلى الله عليه وسلم. 4 - الاستشهاد بين يديه. وقد وصف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى هذه الشروط بأنها من الشواذ. أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - الإصابة لابن حجر العسقلانى، ط دار الفكر بيروت لبنان 1398هـ 1978م 1/ 7. 2 - أسد الغابة لابن الأثير، ط دار الشعب 1/ 18

5 - الصحاح

5 - الصَّحَاح لغة: صَحَّحَ أزال خطأه أو عَيْبَه يقال: صحَّحَ الخبر وصحَّحَ الكتاب والصّحَاحُ: الصَّحيحُ (1). واصطلاحاً: هى كتب الحديث التى كان من شرطها الحديث الصحيح دون غيره، وعلى رأس هذه الكتب الصحيحان اللذان أُفردَ لهما تعريفُُ فى هذه الموسوعة، ومن هذه الكتب: 1 - المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابورى (ت 405 هـ)، وذلك أن صاحبى الصحيحين لم يستوعبا الصحيح، وإنما انتخبا منه، فتتبع الحاكم ما كان على شرطهما وما صح عندهما لم يخرجاه، وهو كما قال ابن الصلاح: "كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شىء كثير"وقال العلماء: إنه متساهل فى التصحيح، ولكن لخص الذهبى مستدركه، وتعقب بعض الأحاديث بالضعف، وعلى هذا فما اتفقا على تصحيحه يكون أحرى بالقبول والصحة (2). 2 - صحيح ابن حبان (ت 354 هـ) وسماه "التقاسيم والأنواع " وقد رتبه بعض المتأخرين على أبواب وسماه: "الإحسان فى تقريب ابن حبان " (3) ويقدمه العلماء على كتاب الحاكم، إذ هو أقل تساهلاً منه (4) وقد استخرج أبو الحسن الهيثمى زوائده على الصحيحين (5). 3 - صحيح ابن خزيمة، وهو أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان، لشدة تحريه حتى إنه يتوقف فى التصحيح لأدنى كلام فى الإسناد (6). 4 - المُوَطَّأ، فكل ما فيه من الأحاديث المسندة صحيح ما عدا أربعة أحاديث لم يهتد العلماء إلى صحتها (7). 5 - المستخرجات على الصحيحين، وهى أن يأتى المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع فى شيخه أو من فوقه، كالمستخرج للإسماعيلى على البخارى، ولأبى عوانة على مسلم (8). 6 - ومن هذه الكتب التى جُردت للصحيح: "السنن الصحاح " لسعيد بن السكن، و "المنتقى" لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ. ومما تجدر الإشارة إليه أن كثيرا من كتب الحديث غير هذه الكتب تحتوى على الكثير من الصحيح، ولكنه مختلط بغيره، وهذا كالسنن الأربع: أبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط (ص 527). 2 - طبع الكتاب بحيدر آباد، الدكن بالهند، وعلى هامشه تلخيص الذهبى 3 - رتبه الأمير علاء الدين بن بلبان (ت 739 هـ) وقد طبع أكثر من طبعة، وآخر طبعة محققة، حققها شعيب الأرنؤوط- مؤسسة الرسالة- بيروت. 4 - تدريب الراوى (1/ 108) (جلال الدين السيوطى- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف- دار الفكر- بيروت). 5 - فى كتاب موارد الظمآن وقد طبع الكتاب فى المكتبة السلفية فى مصر. 6 - تدريب الراوى (1/ 109) وقد طبع جزء منه بتحقيق د/ محمد الأعظمى- المكتب الإسلامى- بيروت. 7 - طبع له أكثر من رواية وأشهرها رواية يحيى بن يحيى الليثى، ورواية محمد بن الحسن الشيبانى (أولهما فى مكتبة عيسى البابى الحلبى- وثانيهما بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة) 8 - طبعت أجزاء من مستخرج أبى عوانة ومستخرج أبى نعيم.

6 - الصحة

6 - الصحة اصطلاحاً: تطور تعريف الصحة مع ارتقاء المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح كل ما من شأنه سلامة البدن (الجسم) والنفس والتوافق الاجتماعى. وقد حرصت التعاليم الإسلامية على التنبيه على أهمية الصحة ففى الحديث الشريف: (المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير). وفى حديث آخر ينصح الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد صحابته (إن لبدنك عليك حقاً) بعد ما قال (إن لنفسك عليك حقاً). وقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن الصحة الجيدة مطلوبة للمجتمع كما هى مندوبة للفرد. فهى تمكن الناس من الاستمتاع بحياتهم وإنجاز ما يفيدهم ويفيد المجتمع بالتالى، ولهذا السبب تدخل المستويات الصحية فى المعايير التى يقاس بها التقدم وفى معايير التنمية البشرية. وقد بلور الطب فكره فى أنه لابد لكافة أجزاء الجسم من العمل مع بعضها البعض بصورة صحيحة من أجل المحافظة على صحة البدن، ومن مقومات الحياة الصحية الرئيسية: الغذاء الصحيح، الرياضة، الراحة، النوم، النظافة، الرعاية الصحية، ورعاية الإنسان. وتلعب الصحة النفسية دوراً مهما فى سلوكيات الناس ومشاعرهم، وأولئك الذين يتمتعون بأقدار معقولة من الثبات الانفعالى يستطيعون تحقيق قدر أكبر من السعادة؛ لأنهم يتقبلون أنفسهم علماً بأوجه الضعف وأوجه القوة على حد سواء، ويظلون أيضاً على صلة بالواقع، كما يتمكنون من التعامل الرشيد مع الضغوط ودواعى الإحباط، كما يستطيعون التصرف دون الاعتماد على المؤثرات الخارجية وردود الأفعال. وفى المجتمعات المعاصرة تتولى وزارات متخصصة بالصحة المسئولية عن توفير عدد كبير من الخدمات الصحية، وقد تنامى الاهتمام المؤسسى بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة، ويشمل هذا توفير الوسائل الكفيلة بمنع الأمراض، والسيطرة عليها، والتحكم فى الأوبئة، وتنفيذ برامج للتطعيم وللفحوص الروتينية، فضلاً عن إجراءات الحجر الصحى والتوعية الصحية. وتتولى مؤسسات عديدة الإسهام فى تقديم الرعاية الصحية. وقد نشأت منظمة الصحة العالمية كإحدى منظمات الأمم المتحدة ولا تزال تعمل من أجل رفع المستوى الصحى فى كافة أنحاء العالم، وقد كان شعارها فى العقدين الماضيين "الصحة للجميع بحلول عام 2000 م"، وقد نجحت السلطات الصحية بالفعل فى استئصال بعض الأمراض كالجدرى، وفى تقليل مخاطر أمراض كثيرة أخرى. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع: 1 - دائرة معارف القرن العشرين. محمد فريد وجدى5/ 659 - 673. المكتبة العلمية الجديدة. 3 - الطب عند القدماء المصريين. د/ بول غوليونجى. 3 - الموجز فى الطب. لابن النفيس، ط، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

7 - الصحوة

7 - الصحوة لغة: من الصحو، وهو ذهاب الغيم وارتفاع النهار، وذهاب السكر، وترك الباطل. (كما فى اللسان) (1). واصطلاحا: اليقظة، تصيب الفرد أو الأمة، بعد سنة وغفلة وتخلف وتراجع. ويشيع إطلاقها -فى واقعنا المعاصر- على نزوع أمتنا إلى النهضة الإسلامية، بعد عصر التراجع الحضارى، الذى امتد تحت حكم العسكر المماليك والسلطنة العثمانية، وهى صحوة تجاهد على صعيدين، وفى جبهتين: 1 - صعيد وجبهة التخلف الذاتى الموروث عن حقبة التراجع الحضارى. 2 - وصعيد وجبهة التحديات الغربية، التى تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام. ووصف هذه الصحوة بالإسلامية، إنما يأتى تمييزا لها عن مشاريع النهوض التى اختار أصحابها المذاهب والفلسفات الغربية مرجعية لدعوات النهوض، ونماذج التحديث التى يبشرون بها ليبرالية، أو اشتراكية أو قومية. فالصحوة الإسلامية: هى ذلك التيار العريض المتعدد الفصائل والمستويات الذى يسعى إلى تجديد الدين الإسلامى لتتجدد به دنيا المسلمين. ولما كانت سنة الله سبحانه وتعالى فى مسارات الأمم والحضارات، هى سنة الدورات التى تتداول فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع، والصعود والهبوط، والنهوض والركود، والحياة والموت، وهى السنة التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} آل عمران:140، {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} محمد:38، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} البقرة:251، والتى بينها حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى قال فيه (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شىء ذهب من العدل مثله، حتى يولد فى الجور من لم يعرف غيره، ثم يأتى الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شىء ذهب من الجور مثله، حتى يولد فى العدل من لا يعرف غيره) (رواه أحمد). فإذا كانت سنة الدورات هى التى تحكم مسارات الأمم والحضارات، فإن هذه السنة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع، والجمود، فصحوة التجديد هى الأخرى سنة من سنن الله فى الاجتماع الإنسانى وفى مسارات الحضارات، وعن هذه الحقيقة ينبىء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى قال فيه (يبعثا الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (رواه أبو داود). وإذا كانت الحضارات الإنسانية هى مواضعات بشرية وإبداعات مدنية، لا توصف بالخلود ولا بالإطلاق، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها، بمعنى أن سنة الصحوة والتجديد قد تأتى فى صورة تداول الحضارات، لا بعثها وتجددها، فإن الحضارة الإسلامية -وأيضا اللغة العربية- مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصيرموت وفناء الحضارات واللغات، وذلك لارتباطهما بالمطلق الدينى، وهو الإسلام الخالد والخاتم، والقرآن الكريم الذى تعهد الله بحفظه بلسان عربى مبين. ولذلك، كانت الصحوة وكان التجديد سنة مطردة وقانونا لازما فى مسار الحضارة الإسلامية، يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذى جعل حضارتنا الإسلامية -ومعها اللغة العربية- أطول الحضارات المعاصرة عمرا، وأرسخها قدما على درب النهوض من العثرات، وأكثرها استعصاء على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك فيها بالمطلق الدينى والخالد الإلهى، فهى إبداع مدنى بشرى، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره الوضع الإلهى -المتمثل فى وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات. وإذا كانت الحقبة المملوكية العثمانية، قد مثلت مرحلة التراجع فى مسيرة حضارتنا الإسلامية، فإن بواكير الصحوة الإسلامية قد بدأت فى بلادنا منذ أكثرمن قرنين من الزمان، وفى استطاعة المؤرخ لهذه الصحوة أن يتخذ من نداء الشيخ حسن العطار (1180 - 1250هـ/1711 - 1835م) أواخر القرن الثامن عشر الميلادى علامة على مرحلة التبلور لبواكير هذه الصحوة، ذلك النداء الذى قال فيه هذا الشيخ الرائد: إن بلادنا لابدأن تتغيز ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها. ولقد كان تلاميذ الشيخ حسن العطار وفى طليعتهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1216 - 1290هـ/1801 - 1873م) الذين سعوا إلى تجديد "الذات الإسلامية" بالاحياء، وإلى الاستفادة من علوم المدنية الغربية -علوم الواقع والتمدن المدنى- بالتفاعل، وليس بالمحاكاة والتقليد هم طلائع وجذور الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة. فلما حدث وعاجل المد الاستعمارى الغربى مشروع النهضة الذى قاده محمد على باشا الكبير (1184 - 1265هـ/1770 - 1846م). والذى جسد إلى حد كبير فكر هذه الصحوة تسلم ريادة هذه الصحوة تيار الجامعة الإسلامية، الذى تبلور -شعبيا- عبر العالم الإسلامى حول جمال الدين الأفغانى (1254 - 1265هـ/1770 - 1849م) والذى كان الإمام محمد عبده المهندس الأول لمشروعه الفكرى النهوضى، والذى حملته إلى العالم الإسلامى -على امتداد أربعين عاما- مجلة (المنار) التى رأس تحريرها الإمام محمد رشيد رضا (1282 - 1354هـ/1865 - 1935م)، ثم أسلم أمانة هذه الصحوة إلى الحركات والتنظيمات الإسلامية الحديثة -سواء منها تنظيمات الصفوة أو التنظيمات الجماهيرية- تلك التى نشأت عقب عموم بلوى الاستعمار الغريى للعالم الإسلامى إبان الحرب الاستعمارية العالمية الأولى (1332 - 1336هـ/1914 - 1918م) وبعد إسقاط الخلافة الإسلامية (1342هـ)، ولأن هذه الصحوة كانت تواجه جناحى المأزق الحضارى: التخلف الموروث، والزحف الاستعمارى الغربى، ولأنها قد سعت إلى الإحياء والتجديد الدينى، لبلورة معالم المشروع النهضوى العصرى، فى مواجهة الجمود والتقليد اللذين أوجدا "الفراغ الفكرى" فى بلادنا، وهو الفراغ الذى سعى الاستعمار الغربى إلى ملئه بنموذجه الحضارى الوضعى العلمانى، فلقد كان تركيز هذه الصحوة على تجديد دين الإسلام لتتجدد به -وليس بالنموذج الغربى- دنيا المسلمين. وهذه الحقيقة هى التى جعلت رفاعة الطهطاوى يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الجديد، وإلى تقنين فقه معاملاتها، ليحكم -بدلا من القانون الوضعى الفرنسى- حركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة فى بلادنا "لأن بحر هذه الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقى والرى، ولقد انطلق الأفغانى من ذات الموقف -إسلامية الصحوة- فرفض أن نبدأ صحوتنا من حيث انتهى المشروع الغربى العلمانى، قائلا: "إنه لا ملجئ للشرقى فى بدايته أن يقف موقف الغربى فى نهايته" فالتمدن الغربى هو فى الحقيقة تمدن للبلاد التى نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنسانى، والإسلام هو السبب المفرد لسعادة الإنسان، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه، فقد ركب بها شططا، ولا يزيدها إلا نحسا، ولا يكسبها إلا تعسا. وعلى هذا الدرب فى إسلامية الصحوة سار الإمام محمد عبده، الذى قال: "إن الإسلام دين وشرع، وهو لم يدع ما لقيصر لقيصر وإنما كان من شأنه أن يحاسب قيصرعلى ماله، ويأخذ على يديه فى عمله " فهو كمال للشخص. ولم تتكف هذه الصحوة عند حدود الفكر والدعوة وإنما سلكت سبيل التنظيم، لإبلاغ الرسالة، واستمرارية الدعوة، فعرفت مسيرتها تنظيمات: الحزب الوطنى الحر وجمعية العروة الوثقى وجمعية أم القرى، فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما عرفت الحزب الوطنى الذى قاده مصطفى كامل (1291 - 1326هـ/1874 - 1908م) فى العقد الأول من القرن العشرين وهو الحزب الذى جمع فى دوائر الانتماء بين الوطنية وبين الجامعة الإسلامية. وليس صحيحا ما يظنه البعض من أن الصحوة الإسلامية قد تمثلت فقط فى الحركات والتنظيمات الإسلامية، فأوسع وأعرض فصائل الصحوة الإسلامية هو التيار الشعبى، المستمسك بالهوية الإسلامية، وفى مقدمة مؤسسات الصحوة الإسلامية الأزهر الشريف، الذى ظل يرعى علوم الشريعة والعربية ويحرس الوجدان الإسلامى للأمة عبر تاريخها الطويل. فلقد سعى على هذا الطريق العديد من أعلام الفقه والقانون، وكان الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1313 - 1391هـ/1895 - 1971م) واحدا منهم، جعل هذه المهمة مشروع حياته، تأليفا وتطبيقا، مؤكدا أن دول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شىء واحد غير الإسلام، فالإسلام بالشرق والشرق بالإسلام. وإذا كانت العقود الأخيرة قد شهدت تعاظم الصحوات الدينية، فى مختلف الديانات، بعد أن فشلت مشاريع النهوض والتحديث اللادينية، فإن تعاظم الصحوة الإسلامية يستند إلى خصيصة إسلامية، ينفرد بها الإسلام عن غيره من الديانات، هى منهاجه الشامل، الذى يجعله بديلا حضاريا، وليس مجرد عقائد وعبادات. وهكذا ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة فى النهوض، والانعتاق من أسر التخلف الموروث، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، منذ فجر هذه الصحوة وحتى الآن. أ. د/محمد عمارة

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور دار صادر بيروت ط3 14/ 452. مراجع الاستزادة: 1 - الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف د/يوسف القرضاوى قطر سنة 1402هـ. 2 - نظرات فى مسيرة العمل الإسلامى عمر عبيد حسنة قطر سنة1405هـ. 3 - حول إعادة تشكيل العقل المسلم د/عماد الدين خليل قطر سنة 1403هـ

8 - الصحيحان

8 - الصحيحان لغةً: الصحيحُ: السليم من العيوب والأمراض. ومن الأقوال: ما يعتمد عليه. والصحيح من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الحديث المرفوع المتصل بنقل عَدْلٍ ضابط فى التحرى والأداء سالماً (1) من شذوذ وعلة. واصطلاحاً: يطلق مصطلح الصحيحين على صحيحى البخارى ومسلم، وهما الكتابان اللذان تلقتهما الأمة بالقبول، واعتبرا أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل (2) فى رواية السنة المشرفة. وسمى البخارى كتابه "الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه " (3). ويعد صحيح البخارى مرحلة هامة من مراحل تطور علم الحديث رواية، إذ كانت المؤلفات فى هذا العلم قبله لا تفرد الحديث الصحيح بالتأليف، باستثناء موطأ الإمام مالك. والذى دفع البخارى إلى ذلك هو استطالة الأسانيد، وكثرة طرق الحديث وبالتالى كثرت الأحاديث بما فيها من صحيح وضعيف، وأصبح من العسير تمييز هذا من ذاك. فوفر ذلك الإمام البخارى فى كتابه، وقد أعلن هذا المحدث الكبير ابن راهويه فى مجلس من مجالسه العلمية الذى كان يضم الإمام البخارى. قال: "لو جمعتم كتابا مختصراً لصحيح سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال البخارى: فوقع فى قلبى، فأخذت فى جمع الجامع الصحيح " (4). واشترط البخارى ألا يدخل فى كتابه إلا أصح ما ورد من الحديث، ولهذا ترك الكثير من الصحيح (5)، واشترط بالإضافة إلى الشروط العامة للحديث الصحيح: طول ملازمة الراوى لشيخه، لأن ذلك أدعى إلى حفظه وضبطه للحديث الذى يرويه، كما اشترط أن يثبت عنده تاريخيا لقاء الراوى بشيخه وسماعه منه الحديث الذى يرويه عنه بصيغة تحتمل السماع وعدمه (6). وهذه الشروط إنما تنطبق على الأحاديث المسندة فى الكتاب دون المعلقة التى قد تكون على شرطه، وقد لا تكون. وقد رتب الإمام البخارى كتابه، على أبواب الفقه والعقائد، والتفسير والآداب، كل مجموعة من الأبواب ينتظمها موضوع واحد جعلها كتابا يضم معنى هذه الأبواب. وترجم البخارى لهذه الأبواب بتراجم تضمنت الكثير مما يستنبط من الأحاديث من أحكام فقهيه، ولهذا قيل بحق: فقه البخارى فى تراجمه. أما صحيح مسلم (204 هـ- 261 هـ) فاسم كتابه: "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (7). يقول عنه مسلم: "ما وضعت شيئا فى كتابى هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة" (8)، ويقول: "ليس كل شيء عندى صحيح وضعته ههنا- يعنى فى كتابه الصحيح- إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " (9). وأتى صحيح مسلم فى المرتبة الثانية بعد البخارى- على رأى الجمهور- لأنه لم يشترط ما اشترطه البخارى من ملازمة الراوى لشيخه، وثبوت اللقاء فيما عبر عنه الرواة بعبارة تحتمل السماع وعدمه، واكتفى مسلم بالشروط العامة للصحيح، لكن هذا لا يمنع أن مسلما انتخب أحاديثه من أصح الأحاديث، قال: "إنما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعا عندى، وعند من يكتبه عنى، ولا يرتاب فى صحته " (10). ورتب مسلم كتابه ترتيبا على الموضوعات كما فعل البخارى، ولكنه لم يضع تراجم لأبوابه، وجرده للصحيح فلم يدخل فيه كثيرا من التعليقات التى قد لا تكون على شرطه، كما أنه قد امتاز بجمع روايات الحديث فى مكان واحد على عكس البخارى الذى فرق الروايات فى الكتاب، لتفيد من الناحية الفقهية، أما صنيع مسلم فيفيد من الناحية الحديثية. أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط ص 527. 2 - شرح مسلم للنووى 1/ 10 دار الشعب- مصر 3 - مقدمة ابن الصلاح ص 167 بتحقيق بنت الشاطىء- دار المعارف- ط (2) مصر. 4 - هدى السارى (مقدمة فتح البارى) ص 5، دار الكتاب الجديد- لبنان. 5 - مقدمة ابن الصلاح ص 162. 6 - شروط الأئمة الخمسة ص 61 أبو بكر الحازمى- مكتبة عاطف- بالقاهرة. 7 - فهرسة ابن خير ص 98 - مكتبة الخانجى بالقاهرة. 8 - تذكرة الحفاظ 2/ 560 شمس الدين أبو عبد الله الذهبى- حيدر آباد- الهند. 9 - مقدمة ابن الصلاح ص 162. 10 - شرح مسلم للنووى.

9 - صحيفة المدينة

9 - صحيفة المدينة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمل حين هجرته إلى المدنية أن يستميل اليهود الذين بالمدينة إلى دينه، لأنهم أهل كتاب قد بشر بنبوته، وهم إن لم يستجيبوا لدينه، ويدخلوا فيه فلا أقل من أن يسالموه، ولا يكونوا مثل كفار مكة الذين اعترضوا دعوته، وحالوا دون نشرها بين الناس. وكان اليهود من جهتهم يطمعون فى أن يستطيعوا بحيلهم ومكرهم من استمالة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، واحتواء دينه فى دينهم، فأظهروا له المسالمة فى أوائل هجرته، وهم يضمرون فى أنفسهم له ولدينه العداوة والبغضاء. فلبسوا للمسلمين ثياب النفاق وخالطوهم وتبسطوا معهم، وبدوا لهم كأنهم قد قاربوا من دينهم، ورضوا عن شعائره بينهم (1). وأعلن الكثير منهم الإسلام نفاقا، ودخلوا المسجد وأدوا الشعائر مع المسلمين، وهم يظنون أنهم يخادعون الله ورسوله وهو خادعهم. ونتج عن هذه المعايشة السلمية التى كانت بين المسلمين واليهود والطوائف المشركة الأخرى التى كانت فى المدينة غير المسلمين واليهود أن قام رسول صلى الله عليه وسلم بكتابة صحفية تكون بمثابة دستور بين هذه الطوائف يحكمها ويحفظ حق كل طائفة منها، فى أداء شعائرها بحرية تامة، على أن تؤدى كل طائفة واجبات التعايش السلمى مع جيرانها فى البلد الواحد، فلا تساعد الأعداء عليها ولا تحالفهم ولا تجيرهم. واعترفت هذه الصحيفة بأن المدينة المنورة قد أصبحت دولة صغرى لها كيانها وقوانينها. وأن النبى صلى الله عليه وسلم رئيس تلك الدولة وهو يجمع فى يديه السلطتين الروحية والسياسية. وقد أورد ابن هشام نصوص هذه الصحيفة فعدد أسماء القبائل التى التزمت بها، ومنه نقتبس بعض السطور: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبى صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف (وعدد الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم قبائل المؤمنين على هذا النمط، ثم قال: وإنه لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ظلم أو أثم، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا فى كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة (2). ثم اتجهت الصحيفة للحديث عن اليهود فقالت: وإن اليهود يتفقون ما داموا محاريين، وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف (وعد على هذا النمط قبائل اليهود) ثم استمرت الصحيفة تقول: وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدثا أواشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن البر دون الإثم، وان الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره " وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3). وخلاصة هذه الصحيفة: 1 - أن للجماعة شخصية دينية وسياسية ومن حقها أن تعاقب المفسد وتؤمن المطيع. 2 - أن الحرية الدينية مكفولة للجميع. 3 - على سكان المدينة من مسلمين وغير مسلمين أن يتعاونوا ماديا وأدبيا وعسكريا، وعليهم أن يردوا متساندين أى اعتداء قد يوجه لمدينتهم. 4 - الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو الرئيس الأعلى لسكان المدينة، وتعرض عليه القضايا الكبرى وحالات الخلاف بين الأفراد ليفصل فيها. وعلى الرغم من موقف المسلمين السمح كان اليهود غيرمخلصين لما جاء فى هذه الصحيفة، ويبدو أنهم قبلوها ريثما يدبرون أمرهم كما هو معروف من دراسة مواقفهم من المسلمين بعد ذلك (4). أ. د/أحمد شلبى

_ الهامش: 1 - سيرة النبى العربى محمد التاجى، 1/ 382 - 383. 2 - سيرة ابن هشام، 2/ 106. 3 - سيرة ابن هشام، 2/ 108. 4 - موسوعة التاريخ الإسلامى، دكتور أحمد شلبى، 1/ 286

10 - صحيفة المقاطعة

10 - صحيفة المقاطعة لما رأت قريش أن المسلمين الذين هاجروا للحبشة وجدوا بها ملاذا آمنا طيبا، وأن عمر بن الخطاب دخل الإسلام هو وحمزة وقوى بهما المسلمون، اجتمعت قريش لتدبر أمرها، واتفقوا على أن يكتبوا صحيفة يتعاقدون فيها ضد بنى المطلب على ألا يزوجوهم أو يتزوجوا منهم، ولا يبيعون لهم، ولا يبتاعون منهم، وأن يقاطعوهم، وكتبوا هذه الصحيفة، وتعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة فى جوف الكعبة، وكان كاتب الصحيفة هو منصور بن عكرمة بن عامر، ويقال إنه النضر بن الحارث، وقد دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فشلت يده. وإزاء ذلك انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى طالب ودخلوا معه فى شعبه، وخرج من بنى هاشم أبو لهب (عبدالعزى بن عبد المطلب). وقد عانى المسلمون من هذه المقاطعة أشد عناء، ومسهم الضر الشديد على الجوع والحرمان، وقد استمرت هذه المقاطعة حوالى ثلاث سنوات. انتهاء المقاطعة: وكان من بين المشركين نفر عارضوا استمرار المقاطعة، إذ أحسوا بالضر الذى يعيش فيه بنو هاشم وبنو المطلب، فمشوا فى نقض الصحيفة، ومن هؤلاء هشام بن عمرو بن الحارث، وأبو البخترى العاص بن هشام، والمطعم بن عدى، وزهير بن أبى أمية، وزمعة بن الأسود، وذهب زهير بن أبى أمية إلى البيت الحرام فطاف سبعا ثم صاح قائلا: يا أهل مكة، أناكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة، وعارض أبوجهل هذا الاتجاه، ولكن جانب الخير كان أقوى. ويروى ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى طالب: (إن الله سلطد الأرضة على هذه الصحيفة فلحستها ولم تدع بها إلا اسم الله جل وعلا)، فخرج أبو طالب إلى القوم وصاح: يا معشر قريش إن ابن أخى أخبرنى أن الأرضة لحست كلمات المقاطعة فإن كان الأمر كما قال ابن أخى فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يكن كاذبا فإنى أسلمه لكم، فقال القوم: رضينا، وتعاقدوا على ذلك وذهبوا للصحيفة فإذا هى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. وانتهت بذلك صحيفة المقاطعة، وإن كان كيد قريش للمسلمين لم ينته، مما جعل المسلمين يلجأون للهجرة إلى المدينة المنورة. أ. د/أحمد شلبى

_ مراجع الاستزادة: 1 - السيرة النبوية ابن هشام 2/ 3،17،19. 2 - السيرة النبوية أحمد شلبى الجزءالأول من موسوعة التاريخ الإسلامى

11 - الصدر الأعظم

11 - الصدر الأعظم لغة: الصدرهو أعلى مقدم كل شىء وأوله، والأعظم صيغة أفعل التفضيل من عظيم، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: هو نائب السلطان ورئيس الوزراء فى الباب العالى، ورئيس ولاة الولايات العثمانية فى آسيا وأفريقيا وأوربا. وقد استحق هذا اللقب لأنه كان يتصدر مجلس الباب العالى، ويرأس الحكومة العثمانية وما اشتملت عليه من المؤسسات المختلفة، كما كان يقود المعارك وحده، أو فى معية السلطان، ولم يكن يساويه أو يفوقه غير شيخ الإسلام "المفتى الأعظم " ولم يكن هذا المنصب عثمانيا وحسب، وإنما كان إسلاميا يتقلده أصحاب الكفاءة من سائر الجنسيات. ومدة ولايته تتراوح غالبا بين تسعة أشهر وسبعة أعوام، وبعد عزله أو اعتزاله كان يتولى حكم مصر والمجر غالبا، لأنهما أهم ولايات الدولة العثمانية. وأول من تولى هذا المنصب هو خليل باشا، ابن على باشا، فى سلطنة مراد الثانى (2) وقيل بل علاء الدين باشا (3). وقد بقى هذا المنصب قائما حتى انتهى نظام السلطنة والخلافة العثمانية، وآل الحكم إلى تركيا الحديثة تحت قيادة كمال أتاتورك سنة 1344هـ-1925م. أ. د/عبد العزيز غنيم عبد القادر

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (صدر)، ومادة (عظم) مطبعة دار المعارف. 2 - جامع الدول لأحمد دده بن لطف الله مخطوط بمكتبة نور عثمانية، باستامبول 2/ 247،214،314،393،451. 3 - تاريخ الملوك العثمانية والوزراء الصدور ومشايخ الإسلام لأحمد عرابى مخطوط بمكتبة رفاعة الطهطاوى سوهاج ص5 - 15

12 - الصدق

12 - الصدق لغة: ضد الكذب، يقال: هو رجل صدق، وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل. واصطلاحا: هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع، ولذا حث الإسلام عليه، ووعد الصادقين جنات النعيم، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم} الأحزاب:24، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين ... } آل عمران:15 - 17. كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم} المائدة:119. كذلك ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل، فقد روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود. فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى). وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب لابن منظور. 2 - الإسلام كما ينبغى أن نعرفه د/محمد شامة القاهرة سنة 1983م. 3 - صحيح البخارى. 4 - سنن أبى داود

13 - صدقة الفطر

13 - صدقة الفطر لغة: الصدقة ما يعطى على وجه القربى لله تعالى لا المكرمة (1). والفطر (2): نقيض الصوم، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا. وشرعا: صدقة واجبة يقدمها المسلمون إلى المحتاجين بمناسبة عيد الفطر. وهى تسمى زكاة الفطر، وزكاة الفطرة، فمن قال: زكاة الفطر أوجبها بدخول الفطر، ومن قال: زكاة الفطرة أوجبها على الفطرة، والفطرة الخلقة، قال الله تعالى: {فطرت الله التى فطر الناس عليها} الروم:30، أى خلقته التى جبل الناس عليها (3). ولهذا فهى واجبة على المسلمين إجماعا على الحر والعبد، الذكر والأنثى، الصغير والكبير. والأصل فيها أحاديث كثيرة، منها ما ورد عن ابن عباس (4) قال: (فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات). وحيث ثبت وجوبها فهى فرض كزكوات الأموال، وقال أبوحنيفة: هى واجبة وليست فرضا كالوتر، بناء على أصله فى الفرق بين الواجبه والفرض وهذا الخلاف إذا قدر كان خلافا فى العبارة وفاقا فى المعنى، والخلاف فى العبارة مع الوفاق فى المعنى غير مؤثر. ومقدارها على كل مسلم صاع من تمر أو من شعير، كصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد فى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم (5). ووقتها قبل صلاة العيد، على خلاف بين الفقهاء فى جوازها فى أيام رمضان (6). أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، دار المعارف ط2 1972م 1/ 511، لسان العرب لابن منظور، دار المعارف 4/ 2419. 2 - لسان العرب لابن منظور 5/ 3435 المعجم الوسيط2/ 664. 3 - انظر الحاوى الكبير للماوردى تحقيق محمود مطرجى وآخرين، ط دار الفكر 1994 م 4/ 376. 4 - أخرجه أبو داود فى الزكاة (1609)، وابن ماجه (1827) والدار قطنى 2/ 138. 5 - أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الزكاة، باب كم يؤدى فى صدقة الفطر، أرقام من 1611،1616. 6 - مختصر اختلاف العلماء للطحاوى، اختصار أبى بكر الجصاص، تحقيق/عبدالله نذير أحمد دار البشائر الإسلامية ط1 سنة 1995م ص476. مراجع الاستزادة: 1 - الكافى لابن عبد البر المالكى مكتبة الرياض الحديثة ط1 1978 م 1/ 320 وما بعدها. 2 - مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لشيخ زادة، طبعة دار سعادة سنة 1327هـ 1/ 226. 3 - الكافى فى فقه الإمام أحمد بن حنبل لابن قدامة، المكتب الإسلامى ط2 1979م 1/ 316

14 - الصراط

14 - الصّراط لغة: الطريق (1). وفى التنزيل العزيز} ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله {(الأعراف 86) وفى اللسان "الصراط، السراط الزراط: الطريق " (2) واصطلاحا: هو فى الشرع "جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون حتى الكفار خلافا للحليمى، حيث ذهب إلى أنهم لا يمرون عليه ولعله أراد الطائفة التى ترمى فى جهنم من الموقف بلا صراط " (3). وفى "المواقف " "واعلم أن الصراط جسر ممدود على ظهر جهنم يعبر عليه المؤمن وغير المؤمن)، (4). ويقول ابن قدامة: "والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار" (5). وفى الفقه الأكبر للإمام الشافعى "وأما الصراط فقنطرة ممدودة على جهنم " (6). وفى الحديث الصحيح "ويضرب الصراط بين ظهرى جهنم فأكون أنا وأمتى أول من يجيز" (7). ويقول النووى: وفى هذا إثبات الصراط ومذهب أهل الحق إثباته، وقد أجمع السلف على إثباته، وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم، فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم، أى منازلهم، والآخرون يسقطون فيها" (8). وفى تحفة المريد "وفي بعض الروايات أنه أدق من الشعرة وحَدَّ من السيف، وهو المشهور ... ثم يقول: وقال بعضهم: إنه يضيق ويتسع بحسب ضيق النور وانتشاره، فعرض صراط كل أحد بقدر انتشار نوره، فإن كل إنسان لا يتعداه إلى غيره، فلا يمشى أحد فى نور أحد ومن هنا كان دقيقا فى حق قوم، عريضا فى حق آخرين .. " (9). وصدق الله إذ يقول:} وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا. ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا {(مريم 71،72). أ. د. حسن عبد الرؤوف محمد

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية1/ 512 دار المعارف الطبعة الثانية. 2 - لسان العرب، ابن منظور. مادة (صراط). 3 - تحفة المريد على جوهرة التوحيد، للشيخ إبراهيم البيجورى ص212 طبعة المعاهد الأزهرية. 4 - المواقف، لعضد الدين الإيجى ص 383مكتبة المتنبى القاهرة. 5 - الاعتقاد لابن قدامة هدية مجلة الأزهر ربيع الآخر 1407 هـ ص 33. 6 - الفقه الأكبر، للإمام الشافعى هدية مجلة الأزهر جمادى الأولى 6 0 4 1 هـ ص 66. 7 - صحيح مسلم بشرح النووى 3/ 20دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 8 - السابق 3/ 20 9 - تحفة المريد على جوهرة التوحيد ص 212 - 213.

15 - الصعاليك

15 - الصعاليك لغة: الصعلوك يقصد به الفقير .. من " صعلك فلانا: أفقره .. والتصعلك: الفقر وصعاليك العرب ذؤبانها .. وصعلك البقل الدواب .. سمنها .. وتصعلكت الإبل: طرحت أوبارها .. وتصعلك الرجل: افتقر .. وصعاليك العرب فتاكها (1). ولم تقف اللفظة فى الجاهلية عند مدلولها اللغوى الخاص .. وإنما أخذت تدل على من يتجرد للغارات وقطع الطريق .. واصطلاحا: هم طائفة من الشعراء اشتهروا بالعدو والإغارة على القبائل للنهب (2) وهم أيضا شبان فقراء أمثال "عروة بن الورد" و "تأبط شرا" و "السليك بن السلكة" ويطلق عليهم- كما أوردنا: ذؤبان العرب .. لأنهم كانوا يختطفون المال .. كما تخطفه الذئاب .. كما كان يطلق عليهم أيضا: العدائين .. لأنهم كانوا مشهورين بسرعة العدو فى السلب والنهب .. ولكنهم كانوا مع فقرهم نبلاء .. ومن نبلهم أنهم كانوا لا يهجمون إلا على الأشحاء والبخلاء من الأغنياء .. فإذا وجدوا غنيا كريما تركوه .. وإن وجدوا غنيا شحيحا هاجموه (3). وقد كانوا على ثلاث مجموعات: 1 - الخلعاء الشذاذ .. الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم .. مثل حاجز الأسدى المتوفى سنة (570 م) كان يسبق الخيل. 2 - أبناء الحبشيات السود .. ممن نبذهم آباؤهم .. ولم يلحقوهم بهم لعار ولادتهم .. فسموا هم وأضرابهم باسم " أغربة العرب " .. لأنهم كانوا يشاركون أمهاتهم فى السواد. 3 - ولم يكن أفراد هذه المجموعة من الخلعاء ولا من أبناء الإماء الحبشيات وإنما كانوا من الذين احترفوا الصعلكة احترافا (4). وقد كانت أكثر المناطق عرضة لإغارتهم .. مناطق الخب .. حيث كانوا يرصدون طرق القوافل التجارية .. وقوافل الحجاج القاصدة إلى مكة .. وكانوا ينتشرون حولها فى جبال السراة .. كما كانوا ينتشرون بالقرب من الطائف والمدينة .. وأطراف اليمن الشمالية (5). وتتميز أشعارهم بأنها تمتلئ بصيحات الفقر والجوع، وتموج أنفسهم بالثورة العارمة على الأغنياء والأشحاء .. وأنهم يمتازون بالشجاعة والصبر عند البأس .. وشدة المراس .. وتضرب بهم الأمثال فى شدة العدو. وتروى عنهم أقاصيص كثيرة فى هذا الجانب .. وكانوا يحسنون ركوب الخيل .. والإغارة عليها (6). وفى أشعارهم يتغنون بمغامراتهم .. وعندهم غير قليل من الترفع والشعور بالكرامة فى الحياة .. ونجد عروة بن الورد يعبر عن مثالية خلقية رفيعة .. تصل إلى نظام يشبه نظام الفروسية .. وهى فى حقيقتها تقوم على السلب والنهب .. وعروة هذا يسمى "عروة الصعاليك" لأنه كان كالرئيس عليهم- يجمعهم ويقوم بأمرهم .. وكان لشعره تأثير فى نفوس قبيلته (7). أ. د/ صفوت زيد

_ المراجع 1 - لسان العرب- مادة (صعلك) لابن منظور 4/ 2452. والمعجم الوسيط مجمع اللغة العربية. 2 - تاريخ آداب اللغة العربية- جورجى زيدان 1/ 141دار الهلال. والعصر الجاهلى د. شوقى ضيف 375. 3 - الصعلكة والفنون فى الإسلام. أحمد أمين 18 - 19 طبعة دار المعارف إبريل 1952م. 4 - تاريخ آداب اللغة العربية 1/ 141 5 - العصر الجاهلى د. شوقى ضيف 376. 6 - السابق 375 - 387. 7 - انظر التكافل الاجتماعى فى شعر شعراء الصعاليك .. من كتاب دراسات ونصوص فى الأدب العربى د. محمد مصطفى هدارة 47 - 65 دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية 1985 م. مراجع الاستزادة: 1 - الشعر والشعراء. لابن قتيبة ط دار المعرفة. 2 - خزانة الأدب. للبغدادى

16 - الصفاء

16 - الصفاء لغة: الصفو والصفاء نقيض الكدر (1). والصفاء: الخلوص من الشوب (2). وصفاء الذهن هو عبارة عن استعداد النفس لاستخراج المطلوب بلا تعب وبلا تشويش (3). وأما من اتصف بالصفاء عن كدر الغيرية فهم الصفوة. واصطلاحا: الصفاء عند الصوفية لفظ يطلقونه ويريدون به البعد عن المذمومات، وإماتة الشهوات، فالصفاء مرآة القلب الطاهرة التى عليها الحقائق بعد التخلص من آفات العادة والطبع الرديء. والصفاء عدم الركون لطلبات النفس من الفتوحات والكشوفات والتجليات وإنما طهارة النفس بلا ملاحظة واهتمام، فانشغال العبد بصفائه واهتمامه بتنقية قلبه إنما هو جفاء أى بعد عن الصفاء، لأنه فى هذه الحالة يكون مريدا للأحوال والمقامات، راغبا فى الكمالات، وهذا انشغال برؤية العقل عن الطاعات والموجبات فملاحظة ما صفا بالصفاء جفاء. وبذلك يصل إلى درجة عليا من الصفاء وهو صفاء الصفاء، أى يشاهد الحق بالحق ولا يكون هناك حاجز حسى أو مادى أو علة وسبب فى الاتصال بالله، لأنه هنا يكون قد وصل بعد مفارقة الطبع والعادة والفعل والعمل (4). أ. د. على جمعة محمد 1 - لسان العرب لابن منظور 4/ 2468دار المعارف- التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوى تحقيق د/محمد رضوان الداية ص 457 دار الفكر المعاصر، الطبعة الأولى، 1999 م. 2 - التعريفات للجرجانى ص 17 1 مصطفى الحلبى 1938م. 3 - التعريفات للجرجانى ص 117 - التوقيف على مهمات التعاريف، المناوى، ص 458. 4 - انظر اللمع للشيخ أبى نصر سراج الدين الطوسى ص 414، 415 طبعة لجنة نشر التراث الصوفى تحقيق د/عبد الحليم محمود.

_ المراجع 1 - جامع العلوم الملقب بدستور العلماء لعبد النبى بن عبد الرسول الأحمد نكرى 2/ 287 طبعة الهند الثانية 985 1 م. 2 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 4/ 869 طبعة خياط بيروت. 3 - معجم الفاظ الصوفية للدكتور حسن الشرقاوى ص 0 9 1 مؤسسة مختار للنشر والتوزيع بالقاهرة، الطبعة الأولى 987 1 م.

17 - الصفات

17 - الصفات لغة: جمع صفة، وهى الاسم الدال على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها. واصطلاحا: الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذى يعرف بها. والمصدر الأول لأسماء الله وصفاته هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف:180. ومشكلة الأسماء والصفات تحتل مركزا وثقلا كبيرين فى مؤلفات الفلاسفة والمتكلمين المسلمين. ويندرج تناول مشكلة صفات الله عز وجل تحت باب التوحيد خاصة عند المعتزلة والأشاعرة ومن تابعهم من الفلاسفة المسلمين. ويقسم المعتزلة الصفات المنسوبة لله تعالى إلى قسمين: أحدهما: صفات الذات، وتعرف بأنها الصفات التى لا تنفك عنها الذات وهى خمس صفات: الوجود والحياة والقدرة والعلم والإرادة والثانى: صفاته الأفعال وهى كل ما تعلق بالجوارح أو الحواس التى لا تنسب إلى الله عز وجل إلا على سبيل المجاز. أما بالنسبة للإنسان فهى تكون على وجه الحقيقة ولا يجوز وصفه تعالى بعكس صفات الذات ولا صفات الأفعال التى تليق بذاته، أما صفات الأفعال الأخرى فيمكن وصفه تعالى بأضدادها مثل المحيى والمميت، والرحيم والمنتقم، والعاطى والمانع أما صفة العدل فلا يجوز وصفه تعالى بأضدادها، وكذلك صفة الكمال والجمال والإحسان وما إلى ذلك مما لا يتصور ضدها فيه تعالى. لم ينكرأحد المسلمين ثبوت صفات الجلال لله عز وجل، وإنما وقع الخلاف فى كيفية نسبتها إلى ذاته بحيث لا توحى بالتعدد أو التغير فى ذاته تعالى. وقد حرصت المعتزلة على عدم إشراك أى مع الله فى صفة القدم ونتج عن ذلك تقارب فى الآراء بين المعتزلة أنفسهم وبينهم وبين الفرق الأخرى من جانبه آخر. وعرف فى هذا المجال ما يسمى بنظرية المعانى التى قال بها معمر بن عياد السلمى (320هـ) وأبو على الجبائى (303هـ-924م) وأخد بها الأشاعرة. كما عرفت نظرية الأحوال التى قال بها أبو هاشم عبد السلام الجبائى (321هـ-941م). ومضمون نظرية المعانى أن الصفات عبارة عن معان قائمة بالذات لا ينتج عن قيامها بالذات لا تعددا ولا تغيرا. أما الأحوال فتعنى أن الذات الإلهية تكون على حال ثم تكون على حال أخرى، فتكون تارة على حال عالمة ثم على حال قادرة ثم أخرى مريدة وهكذا، وقد قوبلت هذه النظرية بنقد شديد من كثير من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من متكلمى أهل السنة والفلاسفة. أما أول محاولة جادة لتفسير علاقة الصفات بالذات الإلهية فقد قام بها أبو الهذيل العلاف المعتزلى (227هـ-842م) حيث روى عنه أنه كان يقول بأن الله قادر بقدرة ليست هى هو ولا هى غيره، وكذا فى سائر الصفات فأثبت له تعالى حق القدرة ولكنه لم يستطع بيان علاقة القدرة أو أية صفة أخرى من صفات الذات بذاته تعالى فقال بما يتناقض مع نفسه، فهذه القدرة ليست هى هو ولا هى غيره ماذا تكون إذن؟! وكانت هذه المقولة سببا فى اتهام المعتزلة بأنهم نفوا الصفات عن الله عز وجل وأنهم مُعَطِّلة وكان من المعتزلة من يذهب إلى القول بضد الصفة لإثباتها لذاته تعالى، فنفى، العجز يتضمن الوصف بالقدرة، ونفى الجهل عنه تعالى يعنى إثبات صفة العلم لله تعالى، وهكذا فى باقى صفات الذات ومن هنا جاء وصفهم من قبل متكلمى أهل السنة بأنهم نفوا الصفات عن الله عزوجل. أما أشد أنواع الجدل فقد دار حول الصفات التشبيهية مثل تفسير اليد والوجه والاستواء وما شابه ذلك. حيث توقف أهل السنة والجماعة عن الخوض فيها، وآمنوا بها كما جاءت فى القرآن الكريم دون السؤال عن الكيف. أما المعتزلة فقد لجأوا فى تفسير ذلك إلى ما عرف بقياس الغائب على الشاهد، وفسروها أحيانا بأنها منسوبة لله عزوجل على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، ففسروا الوجه بالوجود واليد بالقدرة والرؤية (رؤية البارى عز وجل فى الآخرة) على أنها تكون بالروح لا بحاسة البصر، وقد اختلف معهم فى هذه الطريقة أيضا متكلمو السنة. ويرى أبو الحسن الأشعرى أن إثبات الصفة عن طريق نص ضدها حسبما كان يذهب إليه إبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850م) قد دخل الفكرالاسلامى عن طريق الفلسفة اليونانية ومن تأثر بها من المسلمين. وقد أيد أبو حامد الغزالى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعرى فى حق الفلاسفة لنفيهم الصفات بحجة أن إثباتها يؤدى إلى التعدد فى الذات الإلهية. وكذلك يرفض ابن رشد تفسيرالمعتزلة للصفات وعلاقتها بالذات ويدلل على بطلانه وتناقضه مع ذاته ثم جاء ابن تيمية (728هـ) ليرد على المعتزلة والأشاعرة والفلاسفة ويضع حدا للخوض فى هذه المسألة وإثبات استحالة القطع فيها عن طريق العقل. أ. د/السيد محمد الشاهد

_ مراجع الاستزادة: 1 - التعريفات للشريف الجرجانى لبنان 1985م. 2 - المحيط بالتكليف للقاضى عبدالجبار الهمذانى جمع الحسن بن متويه تحقيق عمر السيد عزمى القاهرة د. ت. 3 - مقالات الإسلاميين، لأبى الحسن الأشعرى تحقيق هيلموت زيتر اسطنبول 1929م. 4 - الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد تحقيق محمود قاسم القاهرة 1964م. 5 - درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم الرياض 1402هـ 1982م. 6 - الملل والنحل للشهر ستانى

18 - الصفويون

18 - الصفويون ينسب الصفويون إلى جدهم الأعلى الشيخ صفى الدين الذى ينتسب فيما يقال إلى الإمام موسى الكاظم، فالأسرة بذلك من أولاد الإمام الحسين ومن ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد اتجهت هذه الأسرة اتجاها صوفيا فأصبح لها مريدون وأتباع فى موطنهم الأصلى "الأردبيل " ولما كثر هؤلاء الأتباع خافهم حاكم المنطقة فطردهم، فلجأوا إلى ديار بكر فأصبحوا فى رعاية حسن أوزون، وتزوج زعيمهم بنت حسن أوزون، وقاد جيوشه، وكان إسماعيل الصفوى- الشاه إسماعيل فيما بعد- ثمرة هذا الزواج، وقد استطاع إسماعيل أن يجمع أشتات أسرته وأن يجمع أشتات أتباعه، وبعد أن كان رجل دين أصبح قائدا عسكريا، واستطاع أن يعود إلى بلاده، وأن يبدأ فى تكوين مملكة كان لها شأن كبير فى التاريخ. وحدث الصراع بين أمراء الآق قوينلو والصفويين القوة الجديدة التى قامت فى بلاد فارس، واتجهت هذه القوة إلى الاستيلاء على كل ما بأيدى الآق قوينلو ببلاد فارس والعراق وقد بدأ الصراع بين القوتين، إلا أن كفة الصفويين كانت ترجح دائما، وبخاصة أن ظهورهم بدأ فى فترة كان الخلاف واضحا بين أفراد أسرة الآق قوينلو، ومراحل هذا الصراع كما يلى: 1 - سنة 906 هـ عقب مقتل محمدى ميرزا عقدت معاهدة بين المنتصرين ألوند ومراد، بمقتضاها أصبحت أذربيجان وديار بكر إلى ألوند وأصبحت العراق وفارس لمراد. 2 - سنة 907 هـ انتهز الشاه إسماعيل الصفوى فرصة الخلاف والانشقاق فهاجم ألوند فى أذربيجان واضطره للفرار إلى بغداد ثم إلى ديار بكر وتوفى سنة 910 هـ. 3 - سنة 908 ص انثنى الشاه إسماعيل إلى مراد فالتقى به فى معركة بالقرب من همذان هزمه فيها شر هزيمة، وأرغمه على الفرار إلى بغداد. 4 - سنة 914 هـ هاجم الشاه إسماعيل بغداد فاضطر مراد وحاكم بغداد (باديك) إلى الفرار إلى مصركما سبق القول، وسقطت بغداد فى يد الصفويين وتعتبر سنة 914 هـ/508 1م تاريخا لانقراض دولة الآق قوينلو، وأصبحت العراق تابعة للصفويين وقد تحقق لإسماعيل الصفوى ما أراد، فأسس الأسرة الصفوية، ثم أخذ حكمه يتسع حتى امتد من جيحون إلى خليج البصرة ومن أفغانستان إلى الفرات، واستولى على بغداد سنة 914 هـ كما ذكرنا من قبل، وأصبحت العراق ولاية تابعة لملك الصفويين الفسيح. وتبعية العراق لبلاد فارس حدث خطير من الناحية الحضارية، فقد أصبح العراق بذلك تابعا لدولة مسلمة شيعية، بعد أن ظل عدة قرون تحت حكم جماعات أقرب للوثنية، وبهذا بدأ الطابع الإسلامى الحقيقى يعود إلى العراق هذا من الجانب الدينى إلا أن الصفويين حاولوا من جانب آخر أن يتجهوا بالعراق اتجاها فارسيا، بحيث يشمل اللغة والتقاليد، وكان هذا الاتجاه على وشك أن يعيد العراق إلى الفارسية كما كانت عليه قبل الإسلام، لولا الزحف العثمانى على العراق. ولما كان الصفويون شيعة فقد اتجهوا باهتمامهم إلى مناصرة التشيع ونشره بالعراق، وقد بدأ الشاه إسماعيل بذلك، فإنه عقب فتح بغداد أسرع بزيارة العراق، ووفد له شيعة العراق فأكرم وفادتهم، وزار كربلاء والنجف فى إجلال ظاهر، وشيد بناية فخمة على قبر موسى الكاظم، وانثنى إلى قبور أئمة السنة فهدمها وقتل جماعة من السنيين. وبذلك أحيا الصراع الطائفى الذى عرفه العراق بين السنة والشيعة منذ العهد الأول للإسلام: والولاة الصفويون لبغداد هم: 1 - لالا حسين (أول وال فارسى) 914 هـ 2 - قثعرز سلطان 921 هـ. 3 - ثورة ذى الفقار نخود 930 هـ. 4 - محمد خان بن شرف الدين 936 هـ 5 - تكلو محمد خان 940 هـ- 941 هـ. وكان هناك حاكم عربى للبصرة، ولكنه كان يدفع إتاوة سنوية إلى الشاه وندب الشاه أحد الخانات ليحكم الموصل. وكان عهد الصفويين بالعراق عهد استقرار نسبى، وقد تقاطر التجار الفرس إلى بغداد وسكنوها، وبدأ النشاط الاقتصادى يأخذ طريقه، ولكن فترة الصفويين بالعراق كانت قصيرة، حيث امتدت حدود الأتراك العثمانيين حتى تاخمت حدود الصفويين، وكان الخلاف الطائفى بين أهل السنة والشيعة حادا فاستلزم صراعا بين القوتين الكبيرتين وامتد الصراع إلى بغداد، ورجحت فيه كفة الأتراك العثمانيين، إلا أن الحكم الصفوى استطاع أن يعود مرة أخرى سنة 623 1م وكان ذلك فى عهد الشاه عباس الذى شجعه على أطماعه ضعف الدولة العثمانية، وقد حاصر الشاه بغداد حصارا طويلا، مما دفع أهلها الجائعين إلى أن يأكلوا لحوم البشر، وفى وسط هذه الأزمة الطاحنة حدثت حوادث مفزعة بين أهل السنة والشيعة، فقد صلب أهل بغداد الفرس الشيعيين وألقوا برؤوسهم إلى المحاصرين وعلقوا أجسامهم على الأسوار، وانتقاما لذلك قضى جنود الشاه عباس عندما استولوا على بغداد على أهل السنة قضاء تاما، ولم يدعوا أثرا لأبنية بغداد الشاهقة، حتى جامع أبى حنيفة وعبد القادر الجيلانى أصبحا أنقاضا. لكن كان عمر هذا النصر الصفوى قصيرا، إذ استطاع ا. لسلطان العثمانى مراد الرابع استعادة بغداد لآخر مرة سنة 638 1م وأوقع بالجيش الشيعى مثل ما أوقعه الشيعة بأهل السنة من دمار، ثم تم الصلح مع الصفويين وتم تثبيت الحدود بين الدولتين. وأصبحت العراق جزءا من الإمبراطورية العثمانية. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - السلوك فى معرفة الدول والملوك للمقريزى. 2 - دول الإسلام للذهبى. 3 - تاريخ اليعقوبى لليعقوبى. 4 - عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان للعينى طبعة الهينة العامة للكتاب. 5 - الإسلام والحضارة العربية محمد محمود على. 6 - البلاد العربية والدولة العثمانية ساطع الحصرى. 7 - تاريخ دول الإسلام رزق الله الصدفى.

19 - الصقالبة

19 - الصَّقَالِبة يطلق مصطلح الصقالبة (السٌّلاف) على أمة مرجعها أصل واحد، وقد أكثر من ذكرها مؤرخو اليونان والرومان والعرب، ولكن أكثر أقوالهم مبهمة لا تدل دلالة صريحة على أصل مرجعها، وتوزعها فى بلاد أوروبا وآسيا، ومن مؤرخى العرب من جعلها فئة قليلة، ومنهم من توسع فنسب إليها بلادا وأمما لم تكن منها. قال ياقوت الحموى: "الصقالبة جيل حمر الألوان صهب الشعور يتاخمون بلاد الخور فى أعالى جبال الروم " وقال أيضا: الصقالبة بلاد بين بلغار وقسطنطينية. وقال المسعودى: الصقالبة أجناس مختلفة ومساكنهم فى المغرب وبينهم حروب، ولهم ملوك، فمنهم من ينقاد إلى دين النصرانية، ومنهم من لا كتاب له ولا شريعة. وجعل المسعودى الترك من الصقالبة قال: وهذا الجيش (أى الترك)، أحسن الصقالبة صورا وأكثرهم عددا وأشدهم بأسا. وقال ابن خلدون: الصقالبة إخوة الخزر والترك. ولا يخفى ما فى هذا الإجمال من الإبهام والغموض. ولكل المؤرخين عذرهم لأن هذه الأمم لم تبلغ فى أيامهم شأنا يدونه التاريخ، فإنهم أخذوا ما أخذوه مما التقطوه من أفواه الناس، أو نقلوه عن تواريخ اليونان الذين لم يكن لعهدهم منزلة كبرى لهذه الأمم، غير أن الدراسات الحديثة أكدت أنهم شعوب كانت تسكن بين جبال الأورال والبحر الأدريانى فى أوروبا الشرقية والوسطى، ويتكلمون بلغات تنتمى إلى العائلة- الهند وأوروبا- ويقسمون عادة إلى ثلاثة أقسام كبرى: صقالبة الغرب ويشملون البولنديين، والتشيكيين والسلوفاكيين، وعناصر أخرى صغيرة فى شرقى ألمانيا. وصقالبة الشرق: وهم (الروس الكبار)، والأوكرانيون (الروس الصغار) البلورسيون (الروس البيض). وصقالبة الجنوب ويضمون الصربيين والكرواتيين والسلوفينيين والمقدونيين والبلغاريين. وينقسم الصقالبة ثقافيا إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى ترتبط بالكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والأخرى بكنيسة الروم الكاثوليكية. ويذكر أن الصقالبة اسم يطلق على جميع الأسرى الذين كانت تأتى بهم الجيوش الألمانية من حملاتها من جميع البلاد الأوروبية ثم يبيعونهم إلى الأندلس، وهم لا يزالون بعد فى شرخ الشباب، ولكنهم سرعان ما بدأوا يتحدثون باللغة العربية، ثم أسلموا وقد أثرى بعضهم وامتلك الضياع الواسعة، بل كان لهم عبيدهم الخاصون بهم، وتثقفت عقولهم بفضل اتصالهم بالحضارة الأندلسية الزاهرة، وكان منهم علماء مشاهير وشعراء. وفى راوية الأبار والمقرى أن أحدهم وهو حبيب الصقلبى، صنف فى عهد هشام الثانى كتابا أشاد فيه بفضائل أدباء الصقالبة من الأندلسيين، وكان عنوان الكتاب " الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة ". وكان الصقالبة فى الأندلس لهم دور بارز فى السياسة يتناسب وازدياد عددهم حتى أنهم كونوا طبقة اجتماعية تشبه إلى حد ما طبقة المماليك الأتراك فى المشرق الإسلامى. وقد استخدم الخلفاء الأمويون فى الأندلس هؤلاء الصقالبة للحد من نفوذ الأرستقراطية العربية فى الحكم، وإضعاف سيطرة الجند من العرب والبربر، وقد استمر الصقالبة يقومون بدور مهم فى سياسة الدولة الأموية، ويتدخلون فى إقامة الخلفاء وعزلهم حتى احتضار الدولة، إذ شاركوا فى المؤتمرات التى قامت فى قرطبة وغيرها من مدن الأندلس. ومن أشهر أمرائهم (أبو الجيش مجاهد العامرى الصقلبى) الذى استطاع بقوة أسطوله أن يضم جزر البليار إلى ملكه فى 405 هـ/014 1م ومن ثم اتخذها قاعدة انطلق منها أسطوله لغزو جزر البحر المتوسط. ولاشك أن هؤلاء الصقالبة قد تركوا أثرا حضاريا فى الأندلس لا يمكن إغفاله، فهم وإن كانوا قد فقدوا كل صلة ببلادهم الأصلية، واعتنقوا الإسلام، وأتقنوا اللغة العربية، فإنهم برغم ذلك قد جلبوا معهم بعض العادات الاجتماعية، والتقاليد الثقافية، والفنون الشعبية، والمفردات اللغوية التى تعلموها فى صغرهم. كذلك اشتهر منهم الأدباء والشعراء الذين ظهرت فى كتاباتهم اتجاهات شعوبية تغلب العجم على العرب. ومع ذلك فإن هؤلاء الصقالبة قد لعبوا دورا سياسيا وثقافيا فى تاريخ أسبانيا الإسلامية. ويبدو أن ابن الكلبى هو أول من لاحظ العلاقة بين الصقالبة وشعوب العرب، ولقد استعير اللفظ التركى الحديث (سلاو) من الاستعمال العلمى الأوروبى الحديث، والراجح أن استعارته كانت من الفرنسية، وأبرز معالم للتاريخ الصقلبى ظهور روسيا الموحدة من عدة دول منفصلة، وكانت الدعوة للجامعة السلافية من أقوى ما اعتمدت عليه روسيا فى توسعها. أ. د/عزة الصاوى

_ المراجع 1 - الموسوعة العربية الميسرة: محمد شفيق غربال، القاهرة، 1965 م. 2 - دائرة المعارف الإسلامية: أحمد الشنتاوى وآخرين المجلد الرابع عشر. 3 - مروج الذهب المسعودى طبعة باريس (الفهرس). 4 - معجم البلدان ياقوت الحموى مادة (صقالبة). 5 - البيان المغرب، ابن عذاره طبعة دوزى ص 276 وما بعدها. 6 - دائرة المعارف: البستانى المجلد العاشر. 7 - نفح الطيب المقرى 1/ 88، 92، 2/ 57. 8 - تكملة الصلة ابن الأبار طبعة codera رقم 89. 9 - تاريخ الشعوب الإسلامية كارل بروكلمان مادة (صقالبة). 10 - موسوعة الشروق: المجلد الأول القاهرة 1994 م.

20 - الصلاة

20 - الصلاة لغة: الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم} التوبة:103، أى ادع لهم. (1). واصطلاحا: قال الجمهور (2): هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة. وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة (3) وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية. والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها: قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} البقرة:110. وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه) (4). وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة (5). والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة، وهى: الظهر، أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، والصبح ركعتان. ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسرى به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين) (6). والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة (7). والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين: الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم، فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه، وعبد الله بن المبارك، وابن راهويه، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلى (8). وللصلاة شروط يجب توافرها، وهى نوعان: شروط وجوب، وشروط صحة. أولا: شروط الوجوب، هى: 1 - الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام. 2 - العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء. 3 - البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات. ثانيا: شروط الصحة، هى: (أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية. (ب) الطهارة من الحدث، وتكون بالوضوء، أو الغسل، أو التيمم. (ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها. (د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين. (هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام (9). أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء. نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب. والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام للقإدر عليه، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن، والركوع، والرفع من الركوع والاعتدال، والسجود، والرفع من السجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فى الأركان، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام، وترتيب أركان الصلاة (10). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير مادة (صلى). 2 - مواهب الجليل للحطاب ط دارالفكر ط2، 1398هـ-1978م 1/ 377، مغنى المحتاج للشربينى الخطيب، ط مصطفى الحلبى 1325هـ 1933م كشاف القتاع 1/ 221 مكتبة النصر الحديثة الرياض 1/ 120. 3 - البناية على الهداية للعينى، ط دار الفكر، 1/ 779. 4 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكانى، ط دار الحديث 1/ 286. 5 - البناية على الهداية 1/ 779، مواهب الجليل 1/ 379، مغنى المحتاج 1/ 121، المغنى لابن قدامة، ط عالم الكتب بيروت 1/ 369. 6 - نيل الأوطار 1/ 287. 7 - قليوبى وعميرة حاشيتان على شرح الجلال المحلى على المنهاج، ط دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى 1/ 110. 8 - حاشية ابن عابدين، ط مصطفى الحلبى، ط2، 1386هـ /1966م 1/ 352، مواهب الجليل 1/ 379، مغنى المحتاج 1/ 327، كشف القناع 1/ 227، البناية على الهداية 1/ 779، نيل الأوطار 1/ 293. 9 - حاشية ابن عابدين 1/ 370 ومابعدها، بدائع الصنائع للكاسانى 1/ 333، وما بعدها ط الناشر زكريا على يوسف، مواهب الجليل 1/ 421، أسنى المطالب شرح روض الطالب للشيخ زكريا الأنصارى 1/ 121 وما بعدها، ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة، كشاف القناع 1/ 222 وما بعدها. 10 - حاشية الدسوقى على الشرح الكيير 1/ 331 ومابعدها، ط عيسى الحلبى "دار إحياء الكتب العربية" مغنى المحتاج 1/ 148 وما بعدها، كشاف القناع 1/ 313 وما بعدها. وتجدر الإشارة إلى أن الحنفية لهم رأى خاص بهم فى أركان الصلاة، وعلى أى حال لا تخرج الصلاة به عن شكلها المعهود فى فقة المذاهب الأخرى- فيراجع شرح فتح القدير للكمال بن الهمام 1/ 192 ومابعدها ط المكتبة التجارية الكبرى - مصطفى محمد

21 - صلاة القصر

21 - صلاة القصر لغة: قصر من الصلاة وقصر من الشىء على كذا: لم يجاوز به إلى غيره، والسفر قطع المسافة كما فى الصحاح (1). واصطلاحا: أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين فى السفر (2). والصلاة التى تقصر هى: الظهر والعصر والعشاء، أما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما؛ لأن الالتزام بأحكام الصلاة أمر تعبدى. وقد ثبتته مشروعية القصر بالكتاب والسنة، قال تعالى {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، وجاء فى صحيح مسلم (3) عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: (صحبت النبى صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك). وبالنسبة إلى حكم صلاة القصر: ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة (4)، لقول السيدة عائشة رضى الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر) (5) ولا يعلم ذلك إلا توقيفا. وذهب غير الحنفية إلى جواز قصر الصلاة، فقالوا: والمسافر له القصر وله الإتمام، وذلك لما ورد عن يعلى عن أبيه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} النساء:101، فقد أمن الناس، قال: عجبت بما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) (رواه مسلم) (6). والقصر والإتمام فى السفر سواء، وإن كنا نرى أن الأولى هو قصر الصلاة مراعاة للخلاف الواقع بين الفقهاء فى حكم قصر الصلاة. ومسافة السفر التى تبيح قصر الصلاة فقد حددها الحنفية بثلاثة أيام سيرا على الأقدام، وعند غيرهم بيومين، ولا فرق فى ذلك بين أن تقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام أو تقطع بالوسائل العصرية فى ساعة واحدة، لأن العبرة فى ذلك بقطع المسافة المبيحة للسفر (7). واختلف الفقهاء فى مدة الإقامة التى ترفع حكم القصر: 1 - فذهب المالكية والشافعية إلى أن إقامة أربع أيام صحاح تقطع حكم القصر، لأن المسافر يعتبر مقيما. 2 - وذهب الحنفية إلى اعتبار الإنسان مقيما إن كانت المدة خمسة عشر يوما، ويبدأ المسافر قصر الصلاة من حين مجاوزة حدود إقامته، وتنتهى بنية الإقامة، ويظل المسافر يقصر الصلاة مادام على نية سفر، حتى وإن طالت المدة، لأن العبرة بنية السفر، ومادام قد نوى قطع السفر فإنه لا يجوز له قصر الصلاة بعد ذلك. وإذا كان الإنسان يعيش فى بلدة، وانتقل إلى بلدة أخرى وأقام بها إقامة دائمة، فإن البلدة الأولى لا تكون له دار إقامة، فإذا سافر إلى بلدته الأولى التى تركها جاز له قصر الصلاة بها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة قصر الصلاة بها، وكما نعلم جميعا أن مكة هى الموطن الأصلى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة صارت المدينة له وطنا: ولهذا قصر الصلاة بمكة، وأمر أهل مكة بإتمام صلاتهم، وهذا معناه أن العبرة بالإقامة الدائمة فى مكان معين، وليست العبرة بمحل الميلاد أو وجود الأقارب. وعلى المسافر أن يعلم أنه لا يجوز له أن يأتم بمقيم، فإن اقتدى بمقيم فعليه أن يتم صلاته تابعة لصلاة الإمام عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) (رواه مسلم) (8). ولكن يجوز للمقيم ان يأتم بالمسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر) (رواه الترمذى) (9). أ. د/صبرى عبدالرؤوف محمد عبدالقوى

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح، محمد بن أبى بكر الرازى، المطبعة الأميرية، القاهرة 1338هـ/1930م. 2 - الشرح الكبير، أحمد الدردير، وحاشية الدسوقى عليه، طبعة مصطفى محمد 1/ 362. 3 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابورى، مطبعة عيسى الحلبى، القاهرة 1/ 481. 4 - الاخنيار لتعليل المختار، عبدالله بن محمود بن مردود الموصلى، مطابع الشعب القاهرة 1/ 198. 5 - صحيح مسلم 1/ 478. 6 - صحيح مسلم 1/ 478. 7 - بدائع الصنائع، علاء الدين أبوبكر بن مسعود بن أحمد الكاسانى، ط1، 1/ 94. 8 - صحيح مسلم 1/ 309. 9 - سنن الترمذى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذى، مطبعة الحلبى، القاهرة 2/ 430. مراجع الاستزادة: 1 - مغنى المحتاج، محمد بن أحمد الشربينى، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1377هـ/1958م. 2 - كشاف القناع، منصور بن يونس البهوتى، مكتبة النصر الحديثة، الرياض

22 - صلة الأرحام

22 - صلة الأرحام لغة: وصل الشيء وصلا وصلة: ضمَّه به وجمعه ولأمه، ووصل رحمه: أحسن إلى الأقربين إليه من ذوى النسب والأصهار، وعطف عليهم، ورفق بهم، وراعى أحوالهم، والصلة العطية، والجائزة، والزاد. والرحم لغة: القرابة أو أسبابها (يذكر ويؤنث). والجمع: أرحام، وذوو الأرحام: الأقارب الذين ليسوا من العصبة، ولا من ذوى الفروض: كبنات الأخوة، وبنات الأعمام. كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: غير الفرضيين منهم- يراد بهم عند الإطلاق الأقارب (2) غير أنه فى فروع بعض المذاهب بين الأرحام والأقارب عموم وخصوص مطلق، فمثلا لا تدخل قرابة الأم فى الوقف على القرابة عند الحنابلة، بينما لو وقف على ذوى رحمه يدخل الأقارب من الجهتين، وهم عند أهل الفرائض أخص من ذلك، ويراد بهم "من ليسوا بذوى سهم ولا عصبة ذكورا أو إناثا "، والأرحام وذوو الأرحام بمعنى واحد على لسان الفقهاء. والصلة هى ما يعد به الإنسان واصلا، قال ابن حجر الهيثمى "الصلة إيصال نوع من الإحسان " (3). وصلة الرحم بالنسبة للأبوين وغيرهما واجبة عند الحنفية، والمالكية، والحنابله (4) وهو ما يصوبه النووى من الشافعية، ودليل الوجوب قول الله سبحانه} واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، {(النساء1). وقوله ?: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" (رواه البخارى). وفصل الشافعية بين الأبوين وغيرهما، فاتفقوا مع غيرهم على وجوب بر الوالدين وأن عقوقهما كبيرة، وذهبوا إلى أن صلة غيرهما من الأقارب سنة، على أن الشافعية صرحوا بأن ابتداء فعل المعروف مع الأقارب سنة، وأن قطعه بعد حصوله كبيرة (5). وللعلماء فى الرحم التى يطلب وصلها رأيان: الأول: أن الصلة خاصة بالرحم المحرم دون غيره، وهو قول للحنفية وغير المشهور عند المالكية، وهو قول أبى الخطاب من الحنابلة. قالوا: لأنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بنى آدم، وذلك متعذر، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها، ويحرم قطعها وتلك قرابة لرحم المحرم. وقد قال رسول الله ?: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها، فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ". الثانى: أن الصلة تطلب لكل قريب محرما كان أو غيره، وهو قول للحنفية، لم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم. وقد ذهب فقهاء الحنفية والشافعية إلى أن درجات الصلة تتفاوت بالنسبة للأقارب فهى فى الوالدين أشد من المحارم، وفيهم أشد من غيرهم. وليس المراد بالصلة أن تصلهم إن وصلوك، لأن هذا مكافأة، بل أن تصلهم وإن قطعوك (6) فقد روى البخارى وغيره " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها". وتحصل صلة الأرحام بأمور عديدة منها: 1 - الزيارة، والمعاونة، وقضاء الحوائج، وا لسلام. 2 - وتحصل الصلة بالكتابة إن كان غائبا، نص على ذلك الحنفية والمالكية والشافعية، وهذا فى غير الأبوين. 3 - وكذلك المال للأقارب، فإنه يعتبر صلة لهم، لقوله ?: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذى الرحم ثنتان: صدقة وصلة، وظاهر عبارة الحنفية، والشافعية أن الغنى لا تحصل صلته بالزيارة لقريبه المحتاج إن كان قادرا على بذل المال له، ويدخل فى الصلة جميع الإحسان مما تتأتى به الصلة (7). ومن فضائل صلة الرحم: 1 - البركة فى الرزق، لحديث رسول الله ?: (من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه). 2 - رضا الله سبحانه وتعالى لأنه أمر بصلة الرحم، وإدخال السرور على الأرحام. 3 - زيادة المروءة وزيادة الأجر بعد الموت، لأنهم يدعون له بعد موته، كلما ذكروا إحسانه (8). وقطع الرحم المأمور بوصلها حرام باتفاق، لقول الله سبحانه} والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار {(الرعد 25). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مادة رحم 1/ 347، ومادة وصل 2/ 1079، مجمع اللغة العربية، - دار المعارف القاهرة. 2 - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 2/ 589. 3 - البحر الرائق 8/ 8 0 5، حاشية ابن عابدين 5/ 439، نهاية المحتاج 5/ 419. 4 - حاشية ابن عابدين 5/ 264 5 - حاشية البجيرمى على الخطيب3/ 229 وما بعدها. 6 - حاشية ابن عابدين 5/ 264. 7 - كشاف القناع 4/ 252. 8 - حاشية ابن عابدين 5/ 264.

23 - الصلح

23 - الصلح لغة: اسم من الصلاح وهو التوفيق، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، فهو قطع المنازعة (1). وشرعا: هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها (2). والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} النساء:114، وقوله تعالى: {والصلح خير} النساء:128، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه. وأما السنة: فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين) (3) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح. وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور (4). أما عن درجة المشروعية: فالأصل أنه مندوب، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها، أو يترجح جانب المفسدة (5). وللصلح أنواع خمسة: (أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى. (ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق. (ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية. (د) الصلح بين المسلمين والكفار. (هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال. وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه (6). ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم، وإلا فلا يردهم، بل ينفذ القضاء فيهم، لأنه لا فائدة فى الرد (7). وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته، بل هو متفرع عن غيره، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته، وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور (8). وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة: 1 - الصيغة (الإيجاب والقبول). 2 - والعاقدان. 3 - والمحل (المصالح به والمصالح عنه). وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء. فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط. كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام: صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت. (أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح إسقاص وإبراء، وصلح معاوضة (9). (ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين: القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع. وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة (10). والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى (11). (ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان (12). 8 - وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك، كما أن الصلح يعتبربأقرب العقود إليه، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى. كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده (13). أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه على نحو ما ذكرت من مراجع. أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير للفيومى مادة (صلح)، المفردات فى غريب القرآن ص 420، ط1 الأنجلو المصرية. 2 - مواهب الجليل للحطاب 5/ 79، ط دار الفكر، أسنى المطالب للأنصارى 2/ 215، ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة. 3 - الحديث أخرجه أبو داود فى سننه سنن أبى داود، ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر، 3/ 304 (باب الصلح). 4 - بدائع الصنائع للكاسانى، ط مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328هـ سنة 1910م 6/ 40 أسنى المطالب شرح روض الطالب 2/ 214، المبدع شرح المقنع، ط المكتب الإسلامى 4/ 278. 5 - مواهب الجليل للحطاب 5/ 80، حاشية العدوى على شرح الخرشى 6/ 2، ط المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق سنة 1317هـ، أعلام الموقعين 1/ 108، 109. 6 - كشاف القناع للبهوتى 3/ 390،391 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض، نهاية المحتاج 4/ 371 ط مصطفى الحلبى، أسنى المطالب 2/ 214. 7 - بدائع الصنائع 7/ 13. 8 - تبيين الحقائق للزيلعى 5/ 31،33 ط دار المعرفة للطباعة والنشر، روضة الطالبين 4/ 193،196 ط المكتب الإسلامى، شرح الخرشى 6/ 2 - 4 كشاف القناع 3/ 394،395. 9 - مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2/ 308، ط دار إحياء التراث العربى بيروت كفاية الأخيار للحصنى 1/ 514 ط المكتبة العصرية بيروت كفاية الطالب الربانى وحاشية العدوى عليه 2/ 324 ط دار إحياء الكتاب العربى عيسى الحلبى، كشاف القناع 3/ 388. 10 - البدائع 6/ 40، شرح الخرشى 6/ 4، كشاف القناع 3/ 394. 11 - روضة الطالبين 4/ 198، البدائع 6/ 40. 12 - المراجع السابقة. 13 - بدائع الصنائع 6/ 53، شرح منتهى الإرادات ط مطبعة أنصار السنة المحمدية سنه 1366هـ سنة 1947م 2/ 263

24 - صلح الحديبية

24 - صلح الحديبية اصطلاحا: هو الصلح الذى تم بين قريش وبين النبى صلى الله عليه وسلم وألف وأربعمائة من الصحابة، فى وادى الحديبية، فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة الموافق لسنة ستمائة وسبع وعشرين ميلادية، بعد مفاوضات شاقة وظروف صعبة، وقد تم الصلح بينهما على شروط أربعة هى: 1 - أن توضع الحرب عن الناس عشر سنين. 2 - أن من أراد الدخول فى عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه، ومن أراد الدخول فى عهد قريش دخل فيه. 3 - أن يعيد محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة من أتاه مسلما من غير إذن مواليه، ولا تفعل كذلك قريش. 4 - أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم عامه هذا، ويأتى فى العام المقبل، فيقيم فى مكة ثلاثة أيام تخليها قريش له، وليس معه سوى سلاح المسافر، وهو السيوف فى الأغماد (1). وقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الشرطين الثالث والرابع، واشتد حتى قال له الصديق: الزم غرزك، فإنى أشهد أنه رسول الله، وأن الله لا يضيعه. كذلك اعترض على بن أبى طالب رضى الله عنه على ما أصرعليه سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح من كتابة باسمك اللهم بدلا من البسملة، وكتابة اسم محمد وأبيه بدلا من محمد رسول الله (2)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما سيجنيه من المكاسب للإسلام من وراء هذا الصلح ما لا يعلمه غيره، فقد أجاب سهيلا إلى ما أراده. ولما جاء وقت الحلق والتقصير لم يستجب المسلمون؛ على أساس أنهم لم يدخلوا المسجد الحرام كما وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أم المؤمنين وأخبرها الخبر، فأشارت عليه أن يكون هو البادىء بالحلق، فإن الناس لن يخالفوه، وكان الأمر كما توقعت. وقد سمى هذا الصلح فتحا مبينا من قبل الله عز وجل، ونزلت فى تسجيل أحداثه سورة تحمل هذا الاسم (سورة الفتح)، وذلك لعدة أسباب، منها: 1 - اعتراف قريش بالإسلام، والسماع للمسلمين بزيارة البيت وأداء المناسك للحج. 2 - إتاحة الفرصة أمام القبائل لإرسال بعوثها إلى المدينة لزيارة النبى صلى الله عليه وسلم والاستماع لما يدعو إليه. 3 - إرسال النبى صلى الله عليه وسلم الكتب والرسل لدعوة الحكام فى كل مكان إلى الدخول فى الإسلام هم ورعاياهم (3). أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، ط مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة 1974م 3/ 203. 2 - زاد المعاد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبدالقادر الأرنؤوط مؤسسة الرسالة ط25 بيروت لبنان 1412هـ-1991م 3/ 294. 3 - إمتاع الأسماع للمقريزى، تحقيق محمد عبدالحميد النميسى" دار الأنصار ط1 القاهرة 1401هـ/1981م 1/ 234

25 - الصليبيون

25 - الصليبيون الصليبيون: هم الذين شنوا حملات عسكرية أوروبية على الشرق الإسلامى فى القرن الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر الميلادى بحجة استخلاص الأراضى المقدسة من أيدى المسلمين. وسموا بذلك لاتخاذهم الصليب شعارا لهم، ورسمه على ملابسهم وراياتهم، محاولة منهم فى إصباغ حملاتهم بالصبغة الدينية، ولكن الحقيقة أن الدين لم يكن السبب الوحيد، ولا السبب المهم لها. فهناك أسباب ودوافع وراء هذه الحروب منها: 1 - الأسباب التاريخية: فالحروب الصليبية هى فصل من فصول الصراع بين الشرق والغرب، ذلك الصراع الذى بدأ بحرب طروادة وفارس فى الأزمنة الغابرة، وانتهى بالتوسع الاستعمارى الأوروبى فى العصر الحديث فهى حلقة من هذه السلسلة. وهذا الصراع بين الشرق والغرب يهدأ ويثور كالبركان فى هدوئه وثورته. فلما جاء القرن الحادى عشر اشتد غليان البركان، فثار متخذا الصليب هذه المرة أداة له أو مظهرا لغليانه. 2 - الأسباب الدينية: كان الشرق هو المهد الحقيقى لدين المسيح - عليه السلام -، ولكن المسيحية ترعرعت فى أوروبا، وانتشرت من خلال كنائس أوروبا وجامعاتها، وكانت هناك أديان تزاحم المسيحية فى عصورها المختلفة مثل: اليهودية والبوذية والكنفوشيوسية والإسلام. ولكن الإسلام كان هو الدين الوحيد الذى انتشر بقوة جارفة، مقتحما على أوروبا المسيحية أبوابها من الغرب عن طريق الأندلس، ومن الشرق عن طريق القسطنطينية التى دق المسلمون أبوابها منذ العهد الأموى، كل هذا جعل أوروبا تناصب الإسلام العداء. فضلا عن ذلك فإن سقوط الخلافة الأموية بالأندلس، وما تبع ذلك من هزائم وقعت بالمسلمين فى الميدان الغربى، شجع أوروبا لأن تضرب ضربتها من جهة الشرق، لتدمير قوى المسلمين، ووقف أى محاولات ترمى إلى مساعدة المسلمين لإخوانهم بالأندلس، أو مد يد العون لهم، ليستردوا قوتهم مرة أخرى، وواكب كل ذلك يقظة دينية مسيحية فى أوروبا آنذاك جعلت من أهدافها الاستيلاء على الأماكن المقدسة فى فلسطين، لتتولى الكنيسة البابوية بروما حماية هذه الأماكن المقدسة وإدارتها. 3 - الأسباب التجارية: وهى من الأسباب عظيمة الشأن فى هذا المقام، حيث إن التجار بالساحل الشمالى للبحر المتوسط فى البندقية، وجنوه، وبيزا، أرادوا امتلاك بعض الموانئ على الساحل الشرقى والجنوبى للبحر المتوسط، لتكون هذه الموانئ مركزا لتجارة الغرب فى الشرق، ولتتصل تجارة أوروبا عن طريق هذه المنافذ بالخطوط التجارية بالشرق، لذلك فقد بذل هؤلاء التجار المال والسلاح للتشجيع على الحروب الصليبية. كل هذه الأسباب تتصل بصورة مباشرة بالصليبيين، لكن هناك أسباب تتصل بالجبهة الإسلامية فى هذه الحروب منها: 1 - حالة الضعف التى أصابت العالم الإسلامى بذهاب شوكة السلاجقة وتفككهم إلى دويلات تنازعت فيما بينها. 2 - ترنح الخلافة الفاطمية، وما حدث فيها من اضطراب وفوضى فى عهد الحاكم بأمر الله، ولم يصلح من جاء بعده هذه الأمور وإعادتها إلى نصابها نتيجة لتولى الصبية الصغار للخلافة، مما جعل زمام الأمور فى يد الوزراء. 3 - النزاع بين الفاطميين والسلاجقة على بلاد الشام، وكان الفاطميون على مذهب الشيعة، والسلاجقة على مذهب أهل السنة، فسعى كل فريق منهم إلى الإيقاع بالآخر، فنشبت بينهم الحروب التى أنهكت قواهم وأضعفتهم. ولقد شن الصليبيون على الشرق الإسلامى سبع حملات: الحملة الأولى (1097 - 1099م) الحملة الثانية (1147 - 149 1م) الحملة الثالثة (1188 - 192 1م) الحملة الرابعة (1202 - 204 1م) الحملة الخامسة (1218 - 221 1م) الحملة السادسة (228 1 - 229 1م) الحملة السابعة (1248 - 250 1م) ولم تحقق هذه الحملات العسكرية أهدافها المرجوة التى حاول بها الصليبيون السيطرة على الشرق الإسلامى، وذلك للأسباب التالية التى يراها المؤرخون ومنها: 1 - سياسة الكنيسة التى كانت تضع مصلحتها فوق كل مصلحة، ولم يكن يهمها النصر، بقدر ما يهمها ما تجنيه من نتائجه. 2 - اهتمام أمراء الإقطاع بمصالحهم الخاصة، وتكوين إمارات يحكمونها ويورثونها لأولادهم، أكثر من اهتمامهم بالصالح العام الأوروبى والمسيحى فلم يكن الصليب سوى وسيلة للتغرير بالجماهير كأنه غطاء يخفون به أطماعهم الشخصية، ولكن اتضح الأمر لكثير من المسيحيين فقلل من حماستهم للحرب. 3 - عقد التجار الأوروبيون معاهدات تجارية مع المسلمين إذ كان الهدف الاقتصادى أهم باعث لديهم، فلما رأوا أهدافهم تتحقق بلا حروب وبطريق المعاهدات آثروا السلامة، وخذلوا ذويهم المسيحيين. 4 - زحف التتار على العالم الإسلامى فى مطلع القرن الثالث عشر، وما فعلوه من تدمير للحضارة الإسلامية، جعل أوروبا تجد فى زحف التتار تحقيقا لأهدافها دون بذل أى جهد من جانبها، لذا لم يقدموا مزيدا من العون للصليبيين. 5 - تجمع المسلمين من مختلف الأنحاء لمواجهة الصليبيين حيث اتضح للصليبيين أنهم ليسوا فقط أمام مصر وسوريا بل أمام القوى الإسلامية من مختلف البقاع، فقد أظهر المسلمون حماسا لم يكن فى حسبان الصليبيين، فلم يكد المسلمون يهزمون فى الشوط الأول من هذه الحروب، حتى تناسوا الى حد كبير ما بينهم من خصومات، وتجمعت كلمتهم لاستعادة الأرض التى افتقدوها، لذا مال المصريون إلى نور الدين زنكى، ورحبوا بالقائد السلطان صلاح الدين، وتغلب الصالح العام على المصالح الخاصة، ووقفت الجماهير تنصر من يعمل على تجميع الكلمة، وتخذل من يسعى لمصالح ذاتية. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - موسوعة التاريخ الإسلامى- د/ أحمد شلبى جـ 5 - ط مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، سنة 1979م ط 4. 2 - الإسلام والحضارة الغربية د/ محمد كرد على. 3 - حضارة العرب- جوستاف لوبون. 4 - الحروب الصليبية- وليم الصورى- ترجمة د/ حسن حبشى (سلسلة تاريخ المصريين عدد68 - 69). 5 - الحركة الصليبية: صفحة مشرفة فى تاريخ الجهاد الإسلامى فى العصور الوسطى- د/ سعيد عبد الفتاح عاشور- ط الأنجلو المصرية- ط خامسة سنة 1993م ج 1 وج 2. 6 - دائرة المعارف- بطرس البستانى- ط دار المعرفة بيروت ج 11.

26 - الصناعة

26 - الصناعة لغة: صنع الشىء صنعا: عمله. كما فى اللسان (1) واصطلاحا: هى كل نشاط للإنسان يتفاعل فيه مع البيئة المحيطة ليطوعها لاحتياجاته، ويصنع منها عالم أشيائه. انظر إلى الإبل كيف خلقت! يأخذ الإنسان من ألبانها، ويصنع منه أنواعا من الجبن ومن الدهن. ويأخذ أصوافها، ويصنع منه أنواعا من الثياب. ويأخذ جلودها ويصنع منها ما يشاء من اللباس، ومن الخيام ومن الأحذية. ويأخذ لحومها ويصنع منها ما يشاء من لحوم مجففة ومصنعة، لذة للآكلين. وانظر إلى الجبال كيف نصبت! يأخذ الإنسان من صخورها مواد فلزية وغير فلزية، يستخرجها ليصنع منها أدوات لحربه وسلمه. وقبل هيمنة الصناعة الغربية على العالم كان التطور الصناعى يمضى بمعدلات بطيئة، أهم ما يميزها التوازن البيئى والحفاظ على بيئتنا نظيفة متجددة. وكانت محاولات الإنسان التصنيعية تأخذ حقبا من الدهر من قبل أن تستقر فى وعاء الأمم التقنى، وخلال هذا الزمن الممتد للتجربة والخطأ يصحح الإنسان طرائق الصناعة حتى تتوافق مع احتياجاته وتتناغم مع البيئة المحيطة، وتحقق التوازن الراشد بين احتياجات الإنسان وبين الحفاظ على الكون المحيط. والصناعة وما فيها من أفكار وحيل هى وليدة علوم عصرها صحيح أن العلم والتكنولوجيا ليسا سواء، ولكنهما زوجان متمايزان متكاملان، والتكنولوجيا المتقدمة تستدعى علوما متقدمة. ولذلك ففى العصر الحديث، وعندما حدثت طفرة فى العلوم تابعتها طفرة فى الصناعة، ومع هذه الطفرة الصناعية وما صاحبها من اقتصاد من ورائه مؤسسات ضخمة، أصبح الهاجس البيئى لا يلتفت إليه. ولأول مرة فى تاريخ الإنسانية تصبح المخلفات الصناعية مصدر تهديد للحياة على وجه الأرض، تنذر بفنائها، وأصبح الإنسان لكى يأخذ دواء يستشفى به لابد أن يقرأ صفحات عن الآثار الجانبية لهذا الدواء، وربما قتلت الآثار الجانبية المريض الذى ظنها شفاء فإذا هى سم قاتل. ولأن وسائل الاتصالات والمواصلات ربطت الأرض من أطرافها وسهلت مهمة الأقوياء فى فرض منتجاتهم فى أسواق أقوام آخرين، فإن هذا الأمر قد أدى بكثير من الشعوب إلى أن تهمل صناعات بسيطة نظيفة عاشت بها مئات القرون، وتلهث وراء صناعات لا تملك من إمكانياتها إلا بيع ثرواتها الطبيعية؛ من أجل خطوط إنتاج لمنتجات لم يكن لها بها سابق عهد، إنما عملت الآلة الإعلامية الجبارة على تزيين هذه المنتجات للناس، وإغوائهم باستخدامها فى الطعام، والشراب، واللباس، والسكن، وكل نواحى الحياة. وكثيرا ما أنبه إلى ضرورة دراسة طيف التنمية دراسة دقيقة، ولقد قسمت الطيف إلى ثلاثة ألوان تنموية: 1 - تنمية البقاء. 2 - وتنمية النماء. 3 - وتنمية السبق. وتنمية البقاء: هى أن يعيش الناس بما كان يعيش به الناس لملايين السنين، وحتى منتصف هذا القرن. لقد تمخضت حياتنا من قديم عن مجموعة من الصناعات البسيطة النافعة والنظيفة. عندنا صناعة للخبز، وصناعة للألبان، وصناعات زراعية، وصناعات للبناء .. إلخ نملكها، ونستطيع توثيقها قبل فوات الأوان. إن إحدى الشركات الأمريكية استجلبت صانعا مصريا وضع لها توصيفا دقيقا لصناعة الجبن الدمياطى، ثم طرحته بالأسواق بنفس الاسم، وسجلته كاختراع أمريكى، ويمكن لهذه الشركة أن تقاضينا إذا نافسناها فى الأسواق. فى مصر كانت عندنا صناعات يدوية للقطن والكتان غزلا ونسيجا وحياكة. إن الميكنة لا تضيف جمالا ولا قوة إلى المنتجات، وإنما يظل العمل اليدوى، والمنتجات اليدوية تتمتع بالقوة والجمال. أهدانى أخ جزائرى عباءة جميلة مصنوعة من صوف الخراف، وقال لى: هذه العباءة صنعتها أمى غزلا ونسيجا وحياكة، وكنا فى زمن الثورة الجزائرية يعيش المجاهدون على هذه الصناعات، التى كانت تصنعها أمهاتنا فى قلب الصحارى بعيدا عن ظلمة المستعمرين، وكان نشيدنا القومى يبدأ بهذا البيت فى تحية العلم: "يا نسيج الأمهات فى الليالى الحالكات ... علمى ... علمى ... " وما زلت أستخدم هذه العباءة منذ ثلاثين عاما. أما تنمية النماء: فيتصل بها بعض الاختيارات النافعة من الصناعة الحديثة. ونحن والحمد لله ما زلنا فى أول الطريق بالنسبة لعمليات التصنيع العربية، ويمكننا عمل اختيارات راشدة، ويتصل بهذا بعض الصناعات الحربية التى لابد منها فى مواجهة الأخطار المحدقة بأقطارنا. ثم فى النهاية تنمية السبق: وفيها لا بد أن نبحث عن مجال نسبق فيه غيرنا أو أن تكون لنا فيه قدرة على السبق. وفى بلد كمصر نملك أمرين: الآثار والسياحة من ناحية، وكرسى الدراسات العربية والإسلامية من ناحية أخرى وفى رأيى أن الصناعات المتعلقة بالأمرين يمكننا أن نسبق بها غيرنا ثقافة، واقتصادا. ولابد أن أذكر أن الابتكار الصناعى يأتى وحيا وإلهاما، وبالطبع لابد للمتلقى لهذا الوحى أن يتهيأ له التهيؤ المناسب. وهذا درس القرآن فى سورة هود} وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلك بأعيننا ووحينا. ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون {(هود 36 - 37). فالدرس هنا أن الابتكار والإبداع- وهو من الوحى والإلهام- يحتاج إلى حماية ورعاية من فوق المخترع والمبدع ... هو درس للذين يحرصون أوديتنا الصناعية ... لا تدعوها للرياح تذروها، ولكن ارعوها حق رعايتها، واحموها من كل مفسد لا يؤمن بيوم الحساب. أ. د/ سيد دسوقى حسن 1 - لسان العرب طبعة دار المعارف مادة (صنع).

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية. 2 - الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية محمد الحسينى عبد العزيز- وكالة المطبوعات بالكويت. 3 - أعلام المهندسين فى الإسلام- أحمد تيمور- مطابع دار الكتاب العربى سنة 1957 م. 4 - تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه د./ عبد الحليم منتصر- دار المعارف سنة 1980 م

27 - الصهيونية

27 - الصهيونية لغة: الصهيونية نسبة إلى صهيون التى ذكرت فى أسفار العهد القديم ( O.T) أكثر من مائة مرة، وهو اسم عبرى أطلق أولا على إحدى ربوات مدينة القدس .. وكثيرا ما تطلق كلمة صهيون ويراد بها القدس، كما تطلق على كنيسة اليهود وجماعاتهم وأمتهم عامة (1). واصطلاحا: هى حركة قومية مسئولة عن إنشاء دولة إسرائيل الحديثة كوطن قومى لليهود، ومع أنها تنسب إلى تيودر هرتزل th. herzl وجماعات القرن التاسع عشر فإنها ترجع إلى بداية عصر الشتات اليهودى: Diaspora حيث تتحدث أسفارهم عن عودة المطرودين المنفيين إلى بابل على يد بختنصر وبعد تقويض مملكة إسرائيل عام 721 ق. م. وقد تميز تاريخ اليهود بتواتر ظهور مسحاء كذبة pseudo يزعمون قدرتهم على إعادة اليهود إلى صهيون مثل سيتاى زئيفى. s.zevi. وأسرة ناسى Nasi - الإيطالية الذين أذن لهم العثمانيون فى تكوين جماعة يهودية بالخليل. وحتى سنة 1791م - عام تحرير اليهود وانعتاقهم خلال الثورة الفرنسية، كان ينقص اليهود الأساس المحرك لنجاح الصهيونية، وفى القرن التاسع عشر، ومع تصاعد الشعور القومى فى أوروبا- ألهم موسى هس M. hess وديفيد لوزاتو وآخرين لبذل جهودهم لإحياء وبعث الشعور القومى لدى يهود الجيتو ghetto وقدم كل من موسى مونتفيورى، وإدموند روتشلد، وموسى هيرس- المساعدات المالية، ورسمت ونفذت برامج عديدة للعودة إلى فلسطين ... وفى سنة 897 1م عقد المؤتمر الصهيونى العالمى فى بازل بسويسرا برئاسة تيودور هرتزل، حيث انبثقت حركة سياسية عالمية. ونلاحظ أنه على الرغم من معارضة بعض اليهود لفكرة العودة إلى فلسطين، واعتراض بعضهم على رفض اليهود اقتراح بريطانيا بإنشاء الوطن القومى لليهود فى أوغندا- على الرغم من ذلك فإن الحركة الصهيونية قد نجحت، وحصلت فعلا على وعد بلفور 917 1م وموافقة عصبة الأمم سنة 922 1م، على الانتداب البريطانى على فلسطين لكى تحقق وعدها للصهيونية، وقد وقع عنف متزايد بين اليهود المستوطنين المهاجرين والفلسطينيين (كانت نسبة اليهود لا تتجاوز 6% من عدد السكان فى فلسطين) وأخيرا أقرت الأمم المتحدة تقسيم أرض فلسطين بين اليهود والعرب، ثم أعلنت دولة إسرائيل فى 14/ 5/1948م. هذا حديث الكاتب اليهودى شاول فريدمان (2). أما الصهيونية- فى الواقع واعتمادا على ما جاء فى كتبهم وتلمودهم- فهى أفكار وطموحات وأحلام يهودية لتأسيس مملكة صهيون العالمية لكى تبسط نفوذها على فلسطين وما حولها أولا، ثم لتفرض نفوذها الباطن أو الظاهر على العالم بأسره فهى طموحات استعمارية استيطانية تتمثل فى: 1 - إنهاك المنطقة العربية، وتفتيت وحدتها، واستهلاك طاقاتها ومواردها، وشغلها بإسرائيل بحيث لا تقوم لها قائمة تجعلها تفكر يوما ما فى الثأر لنفسها من الغرب الذى استعمرها وسلبها حريتها وسيادتها ونهب مواردها. 2 - وبهذا تظل المنطقة العربية الإسلامية منطقة نفوذ وهيمنة غربية دائمةسياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا. 3 - الحيلولة دون قيام الإسلام بدوره الحضارى التحريرى والتنويرى فى العالم. 4 - تخليص المجتمعات الغربية من مشاكل اليهود المزمنة وترحيلها وتوطينها فى العالم العربى. فالصهيونية- وإن كانت فى الأصل أفكارا وطموحات يهودية خبيثة- فإن الغرب قد وظفها لحسابه بعد أن أعاد صياغتها ووضعها فى برنامج تنفيذى، واصطنع لها- على عينه- زعماء، وهيأ بها كل وسائل النجاح السياسى والعسكرى والاقتصادى، بدءا من مؤتمر بازل، ووعد بلفور، والانتداب، واضطهاد اليهود وحرق بعضهم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، إلى قرار التقسيم، إلى إنشاء الدولة الإسرائيلية على جثث العرب مسلمين ومسيحيين. الصهيونية إذا صناعة غربية خالصة؛ لأن اليهود يعلمون- من أسفارهم المقدسة- أن إلههم قد قضى عليهم بالنفى والشتات بعد تدمير دولتهم وتخريب هيكلهم، بسبب عنادهم وإلحادهم وإفسادهم فى الأرض. وأكدت ذلك النصوص القرآنية كقوله تعالى:} وقطعناهم فى الأرض أمما {(الأعراف 168)، وقوله تعالى في سورة الأعراف أيضا (آية 167)} وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، إن ربك لسريع العقاب {. ومن تصاريف القدر أن يتم تشتيت اليهود، وطردهم من فلسطين بشكل نهائى على يد الغرب الرومانى وبأمر من الإمبراطور هادريان فى القرن الأول للميلاد، فالغرب هو الذى طردهم وشتتهم وخّرب هيكلهم، واستمر شتاتهم زهاء ألفى سنة، ثم تغيرت ظروف المنطقة، وتبدلت استراتيجيات الغرب، فبعث فى نفوس اليهود ذكرياتها الجميلة وأحلامهم الحميمة فى العودة إلى صهيون، فاستبدل بالذكريات والأحلام والتطلعات اليهودية خطة سياسية عسكرية لإنشاء دولة لإسرائيل تحت سمعه وبصره، موظفا خصائص الشخصية اليهودية التى يتفق عليها القرآن الكريم مع بقية الوحى فى أسفار العهدين، المتمثلة فى الفساد والإفساد} ويسعون فى الأرض فسادا {(المائدة 33)، إلى بذر الفتن والمؤامرات وإيقاد نيران الحروب} كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله {(المائدة 64) إلى نقض العهود والمواثيق} أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم {(البقرة100)} ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة {(الأنفال 56) إلى التحريف والتبديل والتزييف } يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون {(آل عمران 78)} يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون {(البقرة 75)، إلى قساوة القلوب وفظاظتها (وقالوا قلوبنا غلف، (البقرة 88)} فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية {(المائدة 13)، إلى الجبن والخساسة} قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون {(المائدة 24). وبعد فهذه هى الصهيونية العالمية المتآمرة مع الغرب الصليبى العنصرى الاستعمارى فى حلف أسود شيطانى، لكن سنة الله القاضية} إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم { (الرعد 11) تجعلنا نرى الضوء فى نهاية النفق} فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا { (الإسراء 104).} والله غالب على أمره {(يوسف 21). أ. د/ محمد عبد الله الشرقاوى 1 ـ قاموس الكتاب المقدس، القاهرة، 1986م. 2 ـ saul. S . friedman, arb: zionism (grolisr engc. U. s.a. 1994. وانظر _ david vital , orlgins 07 zionism, 1975. وانظر w. lagueur, ahitary 07 zionism 1972. 3 ـ د. محمد عبدالله الشرقاوى، مقارنة الأديان، دار الجيل بيروت، 1994م

_ المراجع 1ـ israel cohen , ashort hiskory of zionism, 1951. 2 ـ israel cohen ,tneodor herzl of political zionism , 1959. 3 ـ روجيه جارودى: ملف إسرائيل، دار الشروق بالقاهرة 4ـ أرنولد توينبى: فلسطين جريمة ودفاع، بيروت 1961م 5ـ برتوكولات حكماء صهيون، دار التراث بالقاهرة

28 - الصورة

28 - الصورة اصطلاحا: من المتقابلات: فيقال المادة والصورة ولا ينفك أحدهما عن الآخر وهما متلازمان تلازم الجوهر والعرض. وصورة الشيء ما تبقى فى الذهن بعد غياب شخصه، وصورة الشيء ما به يحصل الشيء فى الواقع بعد أن كان حاصلا فى الذهن بالقوة. والصورة الجسمية جوهر بسيط متصل لا وجود لمحله بدونه، قابل للأبعاد الثلاثة (الطول- العرض- السمك) المدركة من الجسم فى بادئ النظر. وقيل: الصورة هى الجوهر الممتد فى الأبعاد كلها، المدرك فى بادئ النظر ومنه الصورة النوعية وهى جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل به كالنفس بالنسبة للجسم، فهى صورته. والصورة كمال أول للمادة من حيث هى قوة صرفه، وهى ما يعطى الهيولى الوجود بالفعل فى ماهية معينة كالنفس للبدن والصورة اسم مشترك يطلق على معان؛ على النوع، وعلى كل ماهية لشيء كيف كان، وعلى الكمال الذى يستكمل النوع استكمالاته الثوانى، وعلى الحقيقة التى تقوم المحل الذى لها، وعلى الحقيقة التى تقوم النوع. فإذا قيلت على النوع كان حد الصورة: المقول على كثيرين فى جواب ما هو، وإذا قيلت على الماهية كان معناها كل موجود فى شيء لا كجزء منه ولا يصح قوامه بدونه كيف كان، وإذا قيلت على ما به يستكمل النوع يكون معناها الموجود فى الشيء لا كجزء منه ولا يصح قوامه بدونه ولأجله وجد الشيء كالعلوم والفضائل الإنسانية بالنسبة للإنسان. وإذا قيلت على الحقيقة المقومة للمحل يكون معناها: الموجود فى الشيء لا كجزء منه ولا يصح وجوده مفارقا له لكن وجوده ما هو فيه بالفعل خاصا به هو مثل صورة النار فى هيولى النار. وإذا قليت على الحقيقة المقومة للنوع يكون معناها: الموجود فى الشيء لا كجزء منه ولا يصح قوامه بدونه مفارقا له ويصح قوام ما فيه دونه إلا أن النوع الطبيعى سيحصل به. كصورة الإنسانية والحيوانية فى الجسم الطبيعى الموضوع له، وكصورة الكمال الفارق مثل النفس فحده أنه جزء غير جسمانى مفارق يتميز به، ومنها المنطق الصورى وموضوعه: العلاقات الكائنة بين أطراف القياس. وصورة المعرفة ما تدركه النفس الباطنة والحس الظاهر معا، لكن الحس الظاهر يدرك ويؤدى مدركاته إلى النفس. الصورة الجوهرية: كل معنى يوجد فى جسم طبيعى ويكون من المعانى المقومة للماهية فإنه يسمى صورة جوهرية كالزوايا الثلاثية للمثلث. صورة مادية: علة المادة فى إخراجها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. أ. د محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - رسالة الحدود لابن سينا. 2 - رسالة الحدود للكندى 3 - النجاة لابن سينا. 4 - تلخيص ما بعد الطبيعة لابن رشد. 5 - التعريفات للجرجانى. 6 - أسلس الاقتباس للطوسى. 7 - المعجم الفلسفى ط مجمع اللغة العربية. 8 - المعجم الفلسفى جـ 2. د./ مراد وهبة. 9 - الإشارات والتشبيهات لابن سينا.

29 - الصوم

29 - الصوم لغة: الإمساك عن الفعل مطلقا (1). واصطلاحا: هو فى الشرع الإمساك عن الأكل والشرب من الفجر إلى غروب الشمس، مع نية من أهله (2). وحكمه الشرعى الوجوب، وقد ثبت وجوبه بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى} يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام {(البقرة 182) وأما السنة فقوله ?: بنى الإسلام على خمس، وذكر منها الصوم (3) والإجماع قائم على وجوبه. والصيام يثبت بأحد أمرين: أحدهما رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان بعد غروب الشمس على المعتمد من آراء الفقهاء، والثانى إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما إن لم ير الهلال ليلة الثلاثين سواء كانت السماء صافية أو بها غيم. وشروط وجوبه: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والعلم بالوجوب. وشروط الاداء: الصحة والسلامة من المرض، والإقامة لقوله تعالى:} فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر {(البقرة 184). وخلو المرأة من الحيض والنفاس. وأركانه: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. والنية، وصفتها ما يلى: (أ) الجزم: فلو نوى ليلة الشك الصيام غدا إن كان من رمضان فلا يصح. (ب) التبييت: وهو أن يبيت النية من الليل لقوله ? " لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر" (4). (ج) التعيين: فلا يكفى مطلق الصوم، بل لابد أن ينوى صيام الغد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى. (د) تجديد النية لكل يوم خلافا لمالك (5) وأحمد فى رواية (6) حيث يكتفى عندهم بنية واحدة. ومفسدات الصيام كا لآتى: (أ) إدخال عين من الظاهر إلى الباطن عمدا سواء كان الداخل مطعوما أو لا، بشرط أن يكون الداخل من المنافذ المفتوحة أو الواسعة، وأن يكون الداخل مما يمكن الاحتراز عنه، فإن كان مما لا يمكن الاحتراز عنه كالغبار ونحوه، فلا يفسد الصيام، وأن يكون الصائم ذاكرا لصيامه، فإن كان ناسيا فلا يفسد الصيام، وأن يكون مختارا غير مكره على إفساد صيامه. (ب) الجماع فى نهار رمضان عمدا سواء حصل الإنزال أو لا (7). وأما ما يفسد الصيام ويوجب القضاء فهو: (أ) أن يتناول مالا يؤكل فى العادة كالحبوب النيئة، أو الثمار الفجة كالسفرجل ونحوه. (ب) تعمد إنزال المنى بلا جماع كالتقبيل، أو اللمس ونحو ذلك. (ج) تناول الأشياء التى تعطى عن طريق الأنف بالشم بشرط أن تصل إلى الدماغ، أو إلى الحلق، وذلك كالبخور أو بخار القدر ونحوهما. (د) التقصير فى حفظ الصوم، وذلك كما لو أفطر ظانا أن الشمس قد غربت، ثم تبين له أن الشمس لم تغرب. وأما ما يوجب القضاء والكفارة فهو: 1 - الجماع عمدا مختارا بشرط إدخال فرج الرجل فى فرج المرأة. 2 - الأكل والشرب طائعا عامدا بغير خطأ ولا نسيان، وأن ينوى الصيام ليلا، ولا يطرأ عليه عذر شرعى يبيح له الإفطار كالمرض (8). ويبيح الإفطار للصائم ما يلى: 1 - المرض إذا كان غير قادر على الصوم، أو يخاف الهلاك من المرض، أو الضعف، أو يخاف تأخر الشفاء، أو يخاف فساد عضو من الأعضاء. 2 - السفر بشرط أن يكون السفر مما تقصر فيه الصلاة، وأن لا يكون السفر فى معصية، وأن يجاوز محل إقامته وما يتصل بها من البناء، وأن لا يعزم الإقامة خلال سفره أربعة أيام أو أكثر خلال سفره. 3 - الحمل والرضاع، بشرط أن تخاف الحامل أو المرضع على نفسها أو على ولدها المرض، أو تخاف على نفسها أو ولدها الضرر أو الهلاك وإطلاق لفظ الحامل يتناول كل حمل ولو من زنى، وكذا المرضع حتى ولو كانت مستأجرة. 4 - الشيخوخة: وهى فناء القوة، أو الإشراف على الفناء، أو كان مريضا لا يرجى برؤه. 5 - إرهاق الجوع والعطش الشديد، بشرط أن يخاف على نفسه الهلاك بغلبة الظن، لا بالوهم، أو يخاف ذهاب بعض الحواس، وذلك كأرباب المهن الشاقة كالمحترف المحتاج إلى نفقته كالخباز أو الحصاد ونحوهما. 6 - الخوف من الضعف عن لقاء العدو سواء كان اللقاء واقعا بالفعل، أو كان متوقعا (9). أ. د/ يحيى أبو بكر 1 - لسان لعرب مادة: صوم 2 - كشاف القناع 2/ 319. 3 - أخرجه البخارى كتاب الصوم 1/ 402. 4 - أخرجه أبو داود 2/ 823. 5 - القوانين الفقهية لابن جزى المالكى ص/80. 6 - الإنصاف3/ 295. 7 - يراجع تبيين الحقائق 1/ 325، القوانين الفقهية ص/0 8، روضة الطالبين 3/ 356، كشاف القناع 2/ 320. 8 - بدائع الصنائع 2/ 96، حاشية الدسوقى 1/ 529، روضة الطالبين 2/ 1 36، كشاف القناع2/ 326. 9 - الدر المختار2/ 98، القوانين الفقهية ص/81، المجموع 6/ 320، الإنصاف 2/ 229،300

_ المراجع 1 - الإنصاف فى معرفة الراجح من الخلاف للعلامة على بن سليمان المرداوى ط السنة المحمدية عام1376 هـ. 2 - بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى نشر دار الكتاب العربى- بيروت ط ثالثة 2 0 4 1 هـ- 982 1 م. 3 - تبيين الحقائق بشرح كنز الدقائق للعلامة عثمان بن على الزيلعى ط دار المعرفة- بيروت. 4 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين محمد بن أحمد الدسوقى ط عيسى الحلبى. 5 - الدر المختار للعلامة علاء الدين الحصكفى بهامش- در المختار ط دار إحياء التراث العربى ط ثانية 7 0 4 1 هـ- 987 1 م. 6 - روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام يحيى بن شرف الدين النووى ط المكتب الإسلامى بيروت ط ثانية 1405 هـ- 1985 م. 7 - سنن أبى داود للإمام سليمان بن الأشعث الأزدى ط دار إحياء التراث العربى- بيروت- ت/ محمد محيى الدين عبد الحميد. 8 - صحيح البخارى للإمام محمد بن اسماعيل البخارى نشر دار بن كثير- بيروت 1407 هـ / مصطفى ديب البغا. 9 - القوانين الفقهية لمحمد بن أحمد بن جزى ط دار العلم للملايين- بيروت. 10 - كشاف القناع للعلامة منصور بن يونس البهوتى ط دار الفكر بيروت. 11 - لسان العرب- لابن منظور ط دار المعارف ت/ عبد الله على، محمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلى. 12 - المجموع شرح المهذب للإمام يحيى بن شرف الدين النووى ط مكتبة الإرشاد، دار الفكر- بيروت.

30 - الصيدلة

30 - الصيدلة لغة: الصيدلانى، فارسى معرب، والجمع صيادلة كما فى اللسان (1). واصطلاحا: فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول. ويدل المصطلح العربى "صيدلى" أو "صيدلانى" -طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى- على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض. ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة "صيدلانى" أيضا إلى "الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن "الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب. ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا. وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة. وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر. كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر. ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460 - 377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض. وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما، ويعتبر العالم جالينوس -وهو يونانى المنشأ- من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات". ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب، ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء. ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر. ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة. أ. د/عز الدين الدنشارى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر بيروت، 11/ 378. مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ الصيدلة والعقاقير فى العهد القديم والعصر الوسيط، د/جورج شحاتة قنواتى، دار المعارف القاهرة. 2 - التثقيف الدوائى، د/عبدالرحمن عقل، ود/عز الدين الدنشارى، عمادة شئون المكتبات، جامعة الملك سعود الرياض 1408هـ/1987م. 3 - الدواء وصحة المجتمع، د/عز الدين سعيد الدنشارى، ود/عبدالله محمد البكيرى، مكتبة التربية العربى لدول الخليج الرياض

31 - الصيرفة

31 - الصيرفة لغة: مشتقة من الصرف، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان، أى فضل الدرهم على الدرهم، والدينار على الدينار، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير (كما فى اللسان). (1) واصطلاحا: وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية. والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها، والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى. ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها: كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف. كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض، وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف، وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه، وإنما يرده إلى وليه. ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ. وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة، وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم. وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين. هذا .. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب، مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن. وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر. شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى. هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة. أ. د/حسن الباشا

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت ط3، 9/ 189. مراجع الاستزادة: 1 - الفنوق الإسلامية والوظانف، أ. د/حسن باشا القاهرة 1966م. 2 - النظم الإسلامية، د/حسن إبراهيم حسن، القاهرة 1939م. 3 - قانون ديوان الرسائل، ابن الصيرفى، مصر1905م. 4 - قوانين الدواوين، ابن مماتى، القاهرة 1943م. 5 - معيد النعم ومبيد النقم السبكى. 6 - صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، القلقشندى

الضاد

1 - الضرر لغة: اسم من الضر، وهو نقص يدخل على الأعيان، فهو ضد النفع، وهو النقصان يقول الأزهرى: "كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم، وما كان ضد النفع فهو بفتحها (1). واصطلاحا: هو إلحاق مفسدة بالغير (2). والضرر قد يكون بالقول: كرجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء، وقبض المدعى للمال، فلا يفسخ الحكم، ويضمنان ما أتلفاه على المحكوم عليه، وقد يكون الضرر ناشئا عن الفعل كتمزيق الثياب، وقطع الأشجار (3). وقد يكون بالقول والفعل كما سبق. وقد يكون بالترك، ومثاله امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها، فإن لم يحفظها الزوج حتى ألقت بنفسها من شاهق، فعليه ضمانها (4). والأصل أن سائر أنواع الضرر حرام إلا ما قام الدليل على إباحته، وتزداد حرمته كلما زادت شدته، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة، منها: قوله تعالى {لا تضار والدة بولدها} البقرة:233، وقوله تعالى {ولا تمسهكوهن ضرارا لتعتدوا} البقرة:231. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضر ولا ضرار" (5). فهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم، ومعناه أنه لا يجوز شرعا إلحاق ضرر أو ضرار بالنفس أو بالغير إلا بموجب خاص. وتجدر الإشارة إلى أن الضرر يباح استثناء فى أحوال منها: إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته، ومنها ارتكاب الضرر فى حالة الضرورة، أو ارتكاب ضرر أخف تجنبا لضرر أشد إلى غيرذلك. وهناك قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، تناولها الفقهاء وفصلوها وبينوا أحكامها، وسنذكرها إجمالا ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب القواعد. فمن هذه القواعد: "الضرر يزال " فيبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب، والخيار بأنواعه، والحجر والشفعة، وقسمة الجبر وغير ذلك (6) ويتفرع عن هذه القاعدة قاعدتان: الأولى: الضروات تبيح المحظورات وبناء عليها يجوز أكل الميتة للمضطر. الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ويتفرع عليها أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق (7). وهناك قواعد تقيد من تلك القاعدة العامة -الضرر يزال- من هذه القواعد: "الضررلا يزال بمثله " ذلك أن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فإزالته إما بلا ضرر أصلا أو بضرر أخف، أما إذا كان الضرر لا يزال إلا بضرر مثله أو أشد فلا يجوز. ومن أمثلتها: ما لوهدد المسلم بالقتل إذا لم يقتل جاره المسلم، فإنه لا يجوز له فعل ذلك، بخلاف ما لو أكرهه على أكل ماله. ومن هذه القواعد آيضا: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضررالعام ". وهذه القاعدة مقيدة لقاعدة "الضرر لا يزال بمثله ". أى لا يزال الضرر بالضرر إلا إذا كان آحدهما عاما والآخر خاصا، فيتحمل حينئذ الضرر الخاص لدفع الضرر العام. ومن هذه القواعد أيضا: "الضرر الأشد يزال بالأخف " أو بمعنى آخر " يختار أهون الشرين " ومن أمثلتها: جواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته (8). ويجوز شرعا ترك الواجب وذلك إذا تعين طريقا لدفع الضرر، وذلك كالفطر فى نهار رمضان، وترك ركعتين من الصلاة الرباعية لدفع ضرورة السفر. كما قد يفعل المحرم دفعا للضرر، كأكل الميتة فإنه حرام، ولكنه يجوز فى حال الاضطرار دفعا لضرر التلف. أما إذا أمكن تحصيل الواجب، أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات فلا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم (9). ويجب على كل مسلم محاولة دفع الضررعن غيره، فيجب قطع الصلاة لإغاثة ملهوف وغريق وحريق (10). فينقذه من كل ما يعرضه للهلاك. فإن كان الشخص قادرا على ذلك دون غيره وجبت عليه، الإغاثة وجوبا عينيا، أما إذا كان هناك من يقدر على ذلك، كان الوجوب عليه كفائيا، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء. وإنما اختلفوا فى تضمين من امتنع عن دفع الضرر عن المضطر مع القدرة على ذلك. فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يلزمه الضمان، وقد أساء؛ لأنه لم يهلكه ولم يكن سببا فى هلاكه، كما لولم يعلم بحاله. بينما ذهب المالكية وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن الممتنع مع القدرة يلزمه الضمان، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب (11). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير، القاموس المحيط مادة (ضرر). 2 - فتح المبين لشرح الأربعين النووية لابن حجر الهيثمى ط1 العامرة الشرقية فى القاهرة 1322هـ ص211. 3 - تبيين الحقائق للزيلعى ط دار المعرفة بيروت، 4/ 244. 4 - حاشية الرملى على جامع الفصولين 2/ 81، حاشية ابن عابدين ط المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الثالتة 5/ 127. 5 - الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك، والسيوطى فى الجامع الصغيرفيض القدير للمناوى 6/ 431. 6 - الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى ط دار الكتب العلمية بيروت ص85. 7 - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص85 وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطى وما بعدها ط دار إجياء الكتب العربية عيسى الحلبى ص92. 8 - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص87 وما بعدها وللاستزادة يراجع أيضا الأشباه والنظائر للسيوطى والموافقات للإمام الشاطبى. 9 - الفروق للقرافى ط عالم الكتب بيروت، 2/ 123. 10 - الدار المختار للحصكفى مع حاشية ابن عابدين ط المطبعة الأميرية ببولاق مصر 1/ 459. 11 - بدائع الصنائع للكاسانى ط مطبعة الجمالية الطبعة الأولى 1348هـ 1910م، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ط المطبعة الأزهرية بمصر 1934م 2/ 112، 4/ 242، مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ط مصطفى الحلبى 4/ 5، المغنى لابن قدامة ط علم الكتب 7/ 515، 8/ 202

2 - الضمان

2 - الضمان لغة: له عدة معان: منها الكفالة، فنقول: ضمنته الشئ ضمانا إذا كفله. ومنها الالتزام، فتقول: ضمنت المال، إذا التزمته. ومنها التغريم، تقول ضمنته الشىء تضمينا إذا غرمته (1). واصطلاحا: يطلق على المعانى التالية: (أ) يطلق على كفالة النفس، وكفالة المال عند جمهور الفقهاء. (ب) كما يطلق على غرامة المتلفات والمغصوبات والمتعيبات والتغيرات الطارئة. (ج) كما يطلق على ضمان المال والتزامه سواء كان بعقد وبغيرعقد. (د) كما يطلق على وضع اليد على المال، بغير حق أو بحق. وقد عرف الفقهاء الضمان بتعريفات كثيرة نقتصرعلى اثنين منها: الأول: التزام دين أو إحضار عين أو بدن (2). الثانى: شغل ذمة أخرى بالحق (3). والضمان جائز شرعا، حفظا للحقوق، ورعاية للعهود، وجبرا للضرر، دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومن ذلك: (أ) قوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} يوسف:72، فزعيم: أى ضامن، فقد ضمن يوسف رضى الله عنه لمن جاء بسقاء الملك قدرما يحمله البعيرمن الطعام. (ب) ما رواه أنس رضى الله عنه قال: أهدت بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم إلى النبى طعاما فى قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم (طعام بطعام، وإناء بإناء) (4). (ب) ما رواه سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) (5) أى ضمانه. ولكى يتحقق الضمان شرعا، ويجب على من التزم به، لابد من توافر ثلاثة أركان هى: التعدى، الضرر، علاقة السببية بين التعدى والضرر " الافضاء". - فالتعدى: هو مخالفة ما حده الشرع أو العرف، فيشمل التعدى: المجاوزة، والتقصير، والإهمال، وقلة الاحتراز، كما يشمل العمد والخطأ (6). - أما الضرر: فهو إلحاق مفسدة بالغير، وهذا يشمل الإتلاف والإفساد. والضرر قد يكون ناشئا عن القول أو الفعل، كما أنه قد يكون بالقول والفعل أو بالترك. (7). - أما علاقة السببية: فيشترط أن يكون التعدى مفضيا إلى الضرر، سواء كان بالمباشرة أو بالتسبب، ويشترط أيضا أن لا يتخلل بين السبب وبين الضرر فعل فاعل مختار، فإذا وجد هذا الفاعل الأجنبى فإنه يضاف الضمان إليه، وينقطع التعدى عن الضرر (8). وللضمان أسباب، ذكر الشافعية والحنابلة أنها قد تكون: (أ) العقد: كالمبيع، والثمن المعين قبل القبض، والسلم فى عقد البيع. (ب) اليد: مؤتمنة كانت كالوديعة والشركة، فى حالة حصول التعدى، أو غير مؤتمنة كالشراء الفاسد. (ج) الإتلاف: سواء كان للنفس أو المال (9). أما المالكية فقد ذكروا أن أسباب الضمان هى: (أ) الإتلاف مباشرة؛ كإحراق الثوب. (ب) التسبب فى الإتلاف: كحفر بئر فى موضع لم يؤذن فيه فيترتب عليه فى العادة إتلاف. (ج) وضع اليد غير المؤتمنة: ويندرج فيها يد الغاصب، والبائع يضمن المبيع الذى يتعلق به حق توفيته قبل القبض (10). والأمانات يجب تسليمها بذاتها، وآداؤها فور طلبها، لقوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء:58. وتضمن الأمانات فى حالة التعدى، وإلا فلا ضمان فيها. أما المضمونات فتضمن بالإتلاف وبالتلف ولوكان سماويا (11). هذا وأحكام الضمان كثيرة ومتفرعة فى سائر أبواب الفقه، فيرجع إليها لمن أراد الاستزادة من سائر كتب المذاهب. أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير مادة (ضمن)، القاموس المحيط مادة (ضمن). 2 - حاشية القليوبى على شرح المحلى للمنهاج، ط عيسى الحلبى، 2/ 323. 3 - جواهر الإكليل للآبى، شرح مختصر خليل، ط دار المعرفة بيروت، 2/ 109. 4 - الحديث أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذى 3/ 631 كتاب البيوع ط مصطفى الحلبى. 5 - الحديث أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذى 3/ 557، تلخيص الحبير لابن حجر، ط دار المعرفة 3/ 53. 6 - جامع الفصولين 2/ 122 ومابعدها، تكملة فتح القدير لقاضى زادة، ط إحياء التراث العربى 9/ 245. 7 - تبين الحقائق، للزيلعى 4/ 244 ط دار المعرفة بيروت، حاشية الرملى على جامع الفصولين 2/ 81. 8 - مجمع الضمانات، ط المطبعة الخيرية بمصر الطبعة الأولى 1308هـ ص146. 9 - الأشباه والنظائر للسيوطى، ص390 ط عيسى الحلبى، القواعد لابن رجب ط مكتبة الخانجى الطبعة الأولى 1352هـ- 1933م، ص204. 10 - الفروق للقرافى 4/ 27 الفرق 217، 2/ 206 الفرق 111، ط عالم الكتب بيروت. 11 - حاشية ابن عابدين 4/ 526 وما بعدها، ط المطبعة الأميرية ببولاق مصر، جواهر الإكليل 2/ 140، المهذب للشيرازى 1/ 366 ط عيسى الحلبى

3 - الضمير

3 - الضمير لغة: هو ما دل على متكلم كـ "أنا" أو مخاطب كـ "أنت " أو غائب كـ "هو" ومنه البارز والمستتر، فالبارز "قمت " أما المستتر فهو كالمقدر نحو قولك "قم " كما فى اللسان. ولم يرد هذا اللفظ فى القرآن الكريم ولا فى السنة المطهرة ولم أجد كذلك لفظا قرآنيا يشترك مع هذا اللفظ فى الأصل سوى لفظ "ضامر" وهو ما جاء فى قوله تعالى: {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} الحج:27. واصطلاحا: فيعرف الضمير بأنه خاصية يصدر بها الإنسان أحكاما مباشرة على القيم الأخلاقية لأعمال معينة، فإن تعلق فيما لم يقع بعد فقد يكون أمرا بالفعل أو نهيا عنه. وقد عنى به من الفلاسفة أصحاب المدرسة الحدسية، واعتبروه قوة فطرية يميز بها الإنسان بين الخير والشر تلقائيا دون خبرة مسبقة أو توجهيه من الآخرين، أما أصحاب المدرسة الطبيعية (المادية) فقد أرجعوا أحكام الضمير إلى التجربة أى الخبرة السابقة وربطوا قيمة الفعل الأخلاقى بنتائجه دون غيرها. أما فى الفكر الإسلامى فيستخدم لفظ الضمير، بالمعنى اللغوى فى الدرجة الأولى. أما المعنى الاصطلاحى للضمير فيعبر عنه بلفظ النفس اللوامة وهو المصطلح القرآنى المأخوذ من قوله تعالى {ولا أقسم بالنفس اللوامة} القيامة:2، حيث تقوم النفس اللوامة بمحاسبة الإنسان عما بدر منه، فى هذا المعنى يقول الحسن البصرى ت: (110هـ) فى النفس اللوامة: إن المؤمن والله لا نراه إلا لائما لنفسه، ما أردت بكلمتى؟ ما أردت بأكلتى؟ ما أردت بحديث نفسى؟ وإن الفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه. أما ابن جرير الطبرى فيعرف النفس اللوامة بأنها: التى تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات. بذلك يتفق المعنى المقصود بالنفس اللوامة فى القرآن الكريم مع المعنى المقصود بلفظ "الضمير" فى الاصطلاح فى الفكر الحديث. فالمقصود من كلا المصطلحين أنه جهاز مراقبة ومحاسبة داخل الإنسان السوى، يقيم ويقوم أعماله السابقة واللاحقة ويصدر عليها حكما أخلاقيا بالخير أوالشر. وللشاعر المصرى المعروف "المنفلوطى" قصيدة بعنوان " الضمير" نشرت ضمن ديوانه الشعرى (ديوان أتى النصر). أ. د/السيد محمد الشاهد

_ مراجع الاستزادة: 1 - شرح قطر الندى وبل الصدى محمد محى الدين عبدالحميد دار الفكر مصر د. ت. 2 - المعجم الفلسفى مجمع اللغة العربية القاهرة سنة 1379هـ. 3 - تفسير القرآن العظيم للحافظ أبى الفداء ابن كثير دار المعرفة بيروت لبنان 1403هـ-1983م

4 - الضوء

4 - الضوء لقد تقدم العلم بقدر كبير نحو تجلية ماهية الضوء، فقد استنتج أينشتين أن الضوء إشعاع، والإشعاع هو صورة من صور الطاقة، والطاقة لها كتلة، والكتلة (وهى مادة الكون) تتأثر بقوة الجاذبية. وتكون نتيجة ذلك أن الضوء المار خلال الكون يجب أن ينجذب إلى الأجرام السماوية المختلفة، كما لو كان كوكبا صغيرا يتحرك بسرعة الضوء وبمعنى آخر إذا كان للضوء كتلة فيجب أن ينثنى بعيدا عن مسيره كلما حدث أن قرب من جرم سماوى. واقترح أينشتين تجربة ضخمة لتحقيق نظريته، فقد كان من المتوقع حدوث كسوف للشمس فى مايو سنة1919 م عندما يمر القمر بين الأرض والشمس، وينتج عن ذلك أن تعتم السماء فى وقت النهار، وترى النجوم القريبة من الشمس بوضوح، فإذا كانت النظرية صحيحة، فإن تلك النجوم لا تظهر فى مواقعها الطبيعية لكنها يجب أن تظهر مزاحة قليلا نتيجة جذب الشمس للضوء المنبعث منها أثناء مروره بالشمس، ويجب أن تبين الصور الفوتوغرافية للنجوم التى يبدو أنها قريبة قربا مباشرا من الشمس إزاحة هذه النجوم عن مواقعها الطبيعية. وبعد عدة محاولات قام الفلكيون بها للتثبت من صحة هذه الظاهرة، إلا أنهم رأوا أن أينشتين كان محقا، حيث ظهرت النجوم بعد تجارب عديدة فى مواقعها الحقيقية، وأن الضوء له كتلة، وله وزن. إننا نرى الأشياء من حولنا ونميز بين الألوان بوساطة الضوء الذى يدخل أعيننا، ونستطيع القول: إنه مهما تكن حقيقة الضوء، فنحن نستطيع رؤية ضوء صغير منه فقط .. وإحدى خصائص الضوء هى طول موجته، حيث يتكون الضوء الأبيض من مزيج من أطوال الموجات تتراوح ما بين حوالى 0.00008سم (الأحمر) و 0.00004 سم (البنفسجى). ويسمى هذا المدى "بالطيف المنظور" ولا ترى العين البشرية الضوء الذى طول موجته يزيد أو يقل عن هذا المدى. ويقع الضوء (الأحمر) فى المنطقة التى يزيد فيها طول الموجة قليلا على 0.00008. سم. وينبعث هذا النوع من الضوء غير المنظور من جميع الأشياء الساخنة. ومن الممكن التقاط صور دون استخدام أى ضوء منظور، وذلك باستخدام ألواح فوتوغرافية حساسة للضوء تحت الأحمر. وكل ما يلزم للإضاءة فى هذه الحالة هو جسم ساخن مثل المكواة، تنعكس الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من المكواة من المنظر المراد تصويره، وتدخل فى آلة التصوير حيث تكون الصورة على الفيلم الحساس للأشعة تحت الحمراء، فالأشعة تحت الحمراء مثل الضوء العادى تنعكس وتتجمع بوساطة عدسات آلة التصوير وتسقط من مكان لآخر. ويدلنا العلماء على أن الألوان ناتجة من تفسير الإحساس الواصل إلى المخ عندما يستقبل موجة ذات تردد معين، وإذا زاد التردد عند حد ما، فإننا ندخل ضمن نطاق تردد الأمواج الضوئية المرئية التى لها نفس طبيعة الأمواج اللاسلكية، فلها أيضا تردد وطول موجى تماما، كموجات اللاسلكى بالتليفزيون والرادار. ويطلق العلماء على هذه المجموعة من الأمواج اسم "الطيف الكهرومغناطيسى" أو للاختصار اسم "الطيف ". وتذيع محطات الإرسال العادية بتردد يكون عادة حوالى مليون اهتزازة فى الثانية، فى حين أن الضوء ينتقل بموجات متوسط ترددها 6 ملايين اهتزازة فى الثانية. ويمكن تشبيه العين بجهاز الاستقبال اللاسلكى حيث يمكنها أن تميز بين تردد الأشعة المختلفة، حيث إن تردد اللون البنفسجى حوالى 7,5 ملايين مليون اهتزازة، فى الثانية، تليه الألوان الأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالى، وأخيرا اللون الأحمر الذى يبلغ تردد موجاته 4 ملايين مليون اهتزازة فى الثانية. وحقيقة الأمر أنه لا توجد فواصل محددة تفصل بين انتهاء لون وبداية لون آخر، إنم يحدث التغير بالتدريج، أى أن هناك استمراراً بين الألوان. وعندما تسقط الأشعة على عين بشرية، فإن الأشعة تصطدم بأجسام مخروطية دقيقة فى نهاية العين، حيث تستطيع بها أن تميز بين الألوان المختلفة التردد، إذ إن هناك أجساما مخروطية حساسة للون الأحمر، وأخرى للأخضر، وثالثة للأزرق والبنفسجى، فإذا استقبلت العين أشعة حمراء ذات أربعة ملايين مليون اهتزازة فى الثانية، فإن الأجسام الخاصة باللون الأحمر هى التى ترسل تيارا عصبيا إلى المخ، الذى يعطينا الإحساس بالأحمر. وكذلك إذا استقبلت العين أمواجا ذات تردد خمسة ملايين مليون اهتزازة فى الثانية، فإنها تثير الإحساس باللون الأخضر بنفس الطريقة. ونفس الشيء يحدث للونين الأزرق والبنفسجى وغيرهما، لذلك تسمى هذه الألوان الثلاثة باسم الألوان الأساسية. وإذا وصل إلى العين لونان: أخضر وأحمر معا، فإن العين تنقل الإحساس بكليهما فى نفس الوقت، ويحدث الإحساس باللون الأصفر. وبهذه الطريقة يمكن لنا أن نرى عددا لا نهائيا من الألوان. وضوء الشمس العادى ما هو إلا مزيج من ألوان الطيف، إذا استطعت أن تمزجها بنفس النسبة لأحسست باللون الأبيض. (هيئة التحرير)

_ المراجع: 1 - آفاق العلم.- د. سيد رمضان هدارة نشرته مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. 2 - العلم بين يديك فى تجارب ... د. محمد صابر سليم نشرته مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. 3 - كنوز العلم فى أسئلة وأجوبة .. وليم فرجارا.

الطاء

1 - الطِّب اصطلاحًا: هو وسيلة شفاء المرض، بمعرفة أسراره ومداواته. وقد كان إنسان ما قبل التاريخ يؤمن بأن الأمراض تحدث نتيجة غضب الآلهة، أو بسبب ما أسماه بالأرواح الشريرة، ومن ثمَّ أصبح شفاء المرض من وظائف الكُهَّان ورجال الدين .. وفى مصر القديمة كان الأطباء المصريون القدماء هم رجال الدين الذين توحى إليهم الآلهة بأسرار الشفاء، وكان هؤلاء يتخصصون فى الأمراض المختلفة، وقد طَبقت شهرتهم الآفاق، حتى سجل التاريخ أن الملوك سعوا إليهم من أنحاء الدنيا القديمة لاستشارتهم. ويذهب المؤرخون إلى أن أول طبيب فى العالم أطلق عليه اسم "طبيب " كان هو المصرى "إيمحتب"، وهو الذى تتخذ. جامعة القاهرة من تمثاله شعاراً لها، وقد أظهرت البرديات الطبية أن الأطباء المصريين القدامى أحرزوا تقدما هائلا فى العلوم الطبية، وبخاصة فى الجراحات، ويعتقد أن أولى الجراحات فى العالم كانت نشر الجمجمة، وهى العملية التى كانت تجرى لتخفيف الضغط على المخ، وقد وجدت بقايا جماجم يرجع عمرها إلى عشرة آلاف سنة. وقد تفوَّق المصريون القدماء فى علاج كسور العظام، على سبيل المثال، كما قام الصينيون القدماء بتطوير الطب وفق معتقداتهم القائلة بأن قوتين من قوى الحياة تجريان فى الجسم وتتحكمان فيه، ولا يظهر المرض إلا إذا اختل التوازن بين هاتين القوَّتين، ومازالت هذه الفكرة القائمة فى العلاج بالإبر الصينية، التى يعتقد أن الوخز بها فى أماكن معينة- تسيطر على هاتين القوتين- يعيد الاتزان المفقود إلى الجسم، ولا يزال الأطباء الصينيون- وغيرهم- يمارسون الوخز بالإبر حتى الآن. وفى القرن الخامس قبل الميلاد وضع "أبقراط " ما يعتبر بمثابة الأساس العلمى للطب بدراسة المريض والمرض، وقد أثبت أبقراط أن الأمراض ترجع إلى أسباب طبيعية مادية لا إلى أسباب دينية، وقد أنشأ مدرسته الطبية الشهيرة بجزيرة قو الإغريقية، وإلى أبقراط يرجع الفضل فى وضع أخلاقيات الطب الحديث التى يبلورها قسم أبقراط الذى ما يزال يحتفظ بمكانته إلى اليوم. وفى روما مارس الطبيب الإغريقى "جالينوس " الطب أثناء القرن الثانى بعد الميلاد، وهو أول من وضع النظريات الطبية التى تعتمد على التجارب العلمية، وقد ظلت هذه النظريات- رغم خطأ معظمها- بمثابة الدليل الذى يسترشد به الأطباء قرونا طويلة، وقد تأثر الأطباء العرب المسلمون بجالنيوس وشرحوا أفكاره وعدلوا بعضها واكتشفوا أوجه الخطأ فيها، وتطور الطب على أيديهم تطورا عظيما، على حين ظل الطب فى العصور الوسطى الأوروبية بمعزل تام عن الممارسة المباشرة للطب، وكان أطباء العصور الوسطى يمارسون الطب كالفلسفة بمعزل تام عن الممارسة الإكلينيكية التى نعرفها اليوم، وكانوا يعتمدون على الكتب القديمة وفحص البول لتشخيص الأمراض على حين تركوا الجراحة للحلاقين، والولادة للقابلات، وتركيب الأدوية للصيادلة. أما فى العالم الإسلامى فقد لمعت نجوم عدد من الأطباء الكبار الذين أسهموا فى تقدم العلوم الطبية تقدما ملحوظا، وقد وصف أبو بكر الرازى الحصبة والجديرى وصفا دقيقا، كما وضع ابن سينا موسوعة طبية كبيرة ظلت المرجع الأساسى فى الطب لقرون متصلة، وطور الزهراوى أدوات جراحية كثيرة، واستمر الأطباء المسلمون فى الإيمان بأهمية التجربة وفى ممارستها، كما طور الأطباء المسلمون استخدام عقاقير طبية كثيرة من مصادر نباتية. وفى القرن السادس عشر قام الطبيب الإيطالى فيزاليوس بتشريح عدد كبير من الجثث، ووضع أول كتاب تعليمى عن تشريح جسم الإنسان، وفى القرن السابع عشر نبغ الطبيب الإنجليزى توماس سيدنهام، وقد اتجه إلى الدراسة الإكلينيكية للأمراض والمرضى، وعنى عناية خاصة بالحميات دون اعتماد على الكتب المتوافرة، وكان يلقب بأبقراط الإنجليزى. وتوحدت الجراحة والطب فى القرن الثامن عشر، وكان جون هنتر مؤسس الأسلوب العلمى فى الجراحة، مجرّبا لا يهدأ فى العمليات الجراحية، وكوّن مجموعة من الأطباء سميت "الجراحين المفكرين " وقضى هؤلاء أوقاتا طويلة فى حجرات التشريح لتعلم تركيب جسم الإنسان وأساليب الجراحة. كذلك كان الجراح العسكرى الفرنسى "امبرواز باريه " أول من طور أساليب الجراحة الحديثة، ولهذا يسمى أبو الجراحة الحديثة. وفى نهاية القرن الثامن عشر (1796 م) اكتشف الطبيب الإنجليزى "إدوار جينر" أن بإمكانه توفير المناعة ضد مرض الجديرى- وهو مرض معد جدا- وذلك عن طريق التطعيم بمصل مستخرج من جراثيم مرض الجدرى (وهو مرض قريب الصلة بالجديرى وإن كان محدود الضرر إذا ماقورن به). وكان تقدم المجهر (الميكروسكوب) وكشف علاقة البكتريا بالأمراض سبباً فى تحويل طب القرن التاسع عشر إلى علم معملى، وأصبحت للدراسات المعملية أدوار كبيرة فى تشخيص الأمراض وفى بحوث علاجها. وقد تمكن الكيميائى الفرنسى "لويس باستير" من إثبات وجود ميكروبات دقيقة جدا ولا ترى بالعين المجردة تتسبب فى الإصابة بالأمراض وتسمى الجراثيم، كما توصل الطبيب الألمانى "روبرت كوخ " إلى أسلوب تحديد نوع الجراثيم التى تتسبب فى كل مرض من الأمراض. وقد ساعدت هذه الاكتشافات الجراحين فى تعقيم الجروح بالمطهرات، ومكافحة الإصابة بالعدوى عن طريق الغسل بالماء والمطهرات فيما قبل كل عملية. كما حفل القرن التاسع عشر بعدة اكتشافات مهمة كان لها أثرها فى تقدم الطب. وقد اكتشفت مادتا الإثير والكلورفورم وهما مادتان تقتلان الإحساس بالألم أثناء العمليات الجراحية، ومن هنا تطور التخدير تطورا كبيرا، ومن ثمَّ أمكن ممارسة عمليات جراحية فى أجزاء متعددة من الجسم. وحفل القرن العشرون بمظاهر عديدة لثورة طبية أفادت من ثمار التقدم العلمى الكبير الذى تفجر طوال هذا القرن، فقد تم اكتشاف الأشعة السينية (أشعة ×) واستخدمها الأطباء فى تصوير الأجزاء غير الظاهرة (المرئية) من الجسم، والإفادة من هذه الصور فى تشخيص العلل المختلفة. كما أثبت عدد من علماء الطب أهمية الفيتامينات، ومن ثم أمكن التغلب على بعض أمراض سوء التغذية منذ العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين وكان اكتشاف المضادات الحيوية بمثابة ثورة كبرى مكنت من مكافحة كثيرمن صور العدوى، والقضاء على كثير من الأمراض. وتوالت الاكتشافات التى ساعدت على تجويد الأداء الطبى والارتفاع بكفاءته، فعلى سبيل المثال أدى اكتشاف مجموعات الدم إلى جعل عمليات نقل الدم أكثر أماناً، كما تطورت وسائل الجراحة والتخدير، وتطورت العقارات الطبية نفسها بصورة غير مسبوقة. وبدأ الطب فى زراعة الأعضاء كالقلب والكبد والكلى، وَوُجهت هذه العمليات بالفشل عندما رفض الجهاز المناعى لبعض المرضى تقبل الأعضاء المزروعة، حتى تم اكتشاف عقار لمقاومة رفض الجسم للعضو المزروع (1978م) ويتجه الطب إلى تطوير وسائل جراحية للتغلب على أمراض كانت تعد باطنية، وأصبح من الممكن التغلب جراحيا على آثار الأزمات القلبية والاحتساء القلبى الحاد، والانضمامات الرئوية، وسكتات الدماغ. ويولى الطب الآن عناية شديدة بالتوترات العصبية والنظم الغذائية التى تتسبب فى مضاعفة الإصابة بأمراض القلب والسكتات المخية الوعائية. وقد تم توظيف كثيرمن التطبيقات التكنولوجية لأفكار هندسية وعلمية لخدمة أغراض التشخيص، وبرز هذا فى التصوير بالموجات فوق الصوتية، وبالرنين المغناطيسى، والفحوص المقطعية المبرمجة بأجهزة الكمبيوتر. ولابد من الاعتراف بأن ميكنة الطب كانت بمثابة خطوة تقدمية كبيرة إذ هيأت للطب المعاصر عدد كبير من الآلات والماكينات التى تساعد على ممارسة الطب على وجه أفضل، ولكنها لا تغنيه عن الصفات والمهارات الإنسانية التى لابد من توافرها بدرجات عالية فى الأطباء. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات الفنية والعلمية- مجمع اللغة العربية- القاهرة. 2 - قاموس القرآن الكريم. معجم الطب، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى. 997 1م. 3 - الموجز فى الطب لابن النفيس- تحقيق/ عبد الكريم الغرباوى- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 4 - تاريخ الطب العراقى- لعبد الحميد الدعلوجى- طبعة- بغداد سنة 1967م 5 - الحاوى فى الطَب لأبى بكر الرازى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية- بحيدر آباد الدكن سنة 1955 م. 6 - تاريخ الطب والصيدلة عند العرب د/ سامى حمارنة- القاهرة سنة 967 ام

2 - الطبقات

2 - الطَّبَقات لغة: الطَّبَقة جمعها الطَّبَقات من المصدر طبقه الذى تؤول أكثر معانيه إلى تماثل شيئين إذا وضع أحدهما على الآخر ساواه وكانا على حذوٍ واحد، فقيل منه "تطابق الشيئان " إذا تساويا وتماثلا. واصطلاحا: تقسيم إسلامى أصيل، وهو قد يبدو أقدم تقسيم زمنى وُجِدَ فى التفكير التاريخى الإسلامى. ولم يكن هذا التقسيم نتيجة مؤثرات خارجية ولكنه جاء نتيجة طبيعية لفكرة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتابعين .. إلخ التى تطَّورت فى أوائل القرن الثانى الهجرى بالارتباط بنقد علم الحديث للإسناد (الجرح والتعديل). يؤيد ذلك حديث أورده البخارى نصه "خيرأمتى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ". ويظهر هذا المفهوم بوضوح فى كتب الإمام ابن حبان البُستىّ المتوفى سنة 354 هـ/ 965 م حيث قَسَّم الرواة فى كتابيه "الَّثقات " و "مشاهير علماء الأمصار" إلى ثلاث طبقات، هم: الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، فصارت الطبقة هنا تعنى جيلا. واخترع المحدثون التنظيم على الطبقات لخدمة دراسة الحديث النبوى الشريف ومعرفة إسناد الحديث ونقده، فهو الذى يؤدى إلى معرفة ما إذا كان الحديث متصلا، أو ما فى السند من إرسال أو انقطاع، أو عضل أو تدليس، أو اتفاق فى الأسماء مع اختلاف فى الطبقة. وأول الكتب التى وصلت إلينا فى هذا الفن هى كتاب "الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد كاتب الواقدى المتوفى سنة 230 هـ/845 م، وكتاب "الطبقات " لخليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ/854 م، ويمثل هذان الكتابان تطوراً هاما فى الكتابة التاريخية، وإن كانا يبينان لنا أنها لم تزل مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلم الحديث، خاصة وأن موادهما جمعت فى المقام الأول بغرض نقد الحديث. ولكن كتاب ابن سعد سبقه مؤلفات أخرى لم تصل إلينا مثل: " طبقات أهل العلم والجهل " لواصل بن عطاء المتوفى سنة 131هـ/748 م و" طبقات الفقهاء والمحدثين " و "كتاب من روى عن النبى وأصحابه " للهيثم ابن عدىّ المتوفى سنة 207 هـ/823 م و "الطبقات" للواقدى. وقد تأثر بهذا النوع من التأليف نقاد الأدب، فكتب محمد بن سلام الجُمَحى كتابه "طبقات فحول الشعراء" ولكنه لم يقصد المعنى الذى يتبادر إلى الأذهان وإنما عنى بلفظ "طَبَقة" المذهب والمنهج " خاصة وأن من المعانى المختلفة لكلمة " طبقة " فى لسان العرب " الأحوال والمذاهب "، أى أنه قسمَّ الشعراء فى كتابه عشرة مذاهب أو عشرة مناهج من مذاهب الشعر ومناهجه. وهكذا كانت بواكير التأليف فى فن الطبقات والتراجم كتب طبقات علماء الحديث، ثم أخذت فى الظهور كتب طبقات الفقهاء والشعراء والكتاب والوزراء والأطباء والحكماء والفلاسفة ... إلخ. ويُعد كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادى المتوفى سنة 463 هـ/ 1071م أول كتاب فى التراجم جمع جميع هذه الفروع معا، رغم اهتمامه فى الأساس بالترجمة لرجال الحديث. أما أول كتاب حرص مؤلفه على الترجمة لمجموعات مختلفة من الشخصيات الهامة التى لعبت دوراً بارزاً فى مختلف مجالات الأنشطة العلمية فى كل أنحاء العالم الإسلامى فكتاب "وفيات الأعيان " لابن خلَّكان المتوفى فى سنة 681 هـ/1282م، وإن كنا نجد أساس هذا النوع من التراجم فى النمط الجديد لكتابة الحوليات الذى بدأه أبو الفرج بن الجوزىّ المتوفى سنة 597 هـ/ 1201م عندما ألحق فى نهاية ذكره للحوادث التاريخية فى كل عام فى كتابه "المنتظم " تراجم من مات فى هذه السنة على اختلاف تخصصاتهم، وقد استمر هذا النوع من كتابة التراجم على النظام الحَولى وخاصة عند زكى الدين المنذرى المتوفى سنة 656 هـ/1258م فى كتابه "التكملة لوفيات النَّقَلَة"وعند الذهبى المتوفى سنة 748 هـ/1347م فى كتابه "تاريخ الإسلام " و "العبر فى خير من عبر" و "سير أعلام النبلاء". وابتداء من القرن الثامن أخذ المؤلفون فى ترتيب الوفيات على القرون وتخصيص مؤلفات لوفيات كل قرن مرتبة على حروف المعجم، كان أسبقهم أبو شامة المقدسى المتوفى سنة 665هـ /1267م بكتابه "الذيل على الروضتين " أو " تراجم رجال القرنين السادس والسابع "، ثم تبعه ابن حجر العسقلانى بكتابه "الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة " وشمس الدين السخاوى بكتابه "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " .. وكان المؤهل الرئيسى لإدراج اسم شخص فى كتب الطبقات والتراجم هو مدى إسهامه فى أحد المظاهر الثقافية أو الفكرية المختلفة للمجتمع الإسلامى، على أن من أكبر عيوب التنظيم على الطبقات صعوبة العثور على الترجمة لغير المتمرسين بهذا الفن تمرسًا جيدا، فضلا عن عدم وجود تقسيم موحد للطبقة عند المؤلفين. ولكن عندما توفرت للمؤلفين مادة كافية لضبط تاريخ المواليد والوفيات إزداد عدد المؤلفين الذين ينظمون كتبهم الرجالية على الوفيات (الوفيات لابن رافع السلامى وشذرات الذهب لابن العماد) وإن أصبح الترتيب على حروف المعجم هو الأكثر شيوعا مثل "الوافى بالوفيات " للصفدى المتوفى سنة 763 هـ ومؤلفات ابن حجر والسخاوى السابق الإشارة إليها. وفى فترة انتشار كتب "الطبقات " شمل هذا النوع جميع الفنون والعلوم (الأطباء، والفقهاء، والقراء، والنحويين، واللغويين، والمفسرين، والأدباء، والشعراء)، وإذ اكانت "الطبقات الكبرى" لابن سعد هى أول ما وصل إلينا من هذا النوع من المشرق الإسلامى، فإن كتاب "طبقات الأطباء والحكماء" لابن جلجل الأندلسى المتوفى بعد سنة 377 هـ/984 م هو أول كتاب وصل إلينا فى هذا الموضوع من المغرب الإسلامى. وعادة ماتفيدنا هذه النوعية من الكتب فى التعرف على بدايات كل فن أو علم منها وتطوره من خلال دراسة رجاله وما أضافوه لهذا العلم أو الفن، فكتب التراجم والطبقات هى السجل الحافل للأنشطة الثقافية والدينية والعلمية للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى ما تمدنا به من معلومات عن الحياتين الاقتصادية والاجتماعية من خلال العلاقات التى نستخرجها من مادة هذه التراجم. وأحصى لنا حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون " أسماء الكتب المؤلفة فى فن الطبقات. د/ أيمن فؤاد سيد

_ المراجع 1 - الطبقات الكبرى ابن سعد. 2 - عجائب الآثار فى التراجم والأخبار تحقيق حسن محمد جوهر، عمر الدسوقى، السيد إبراهيم سالم (7/ 434). (طبعة أولى لجنة البيان العربى القاهرة 1386 هـ/966 1 م 3 - ببليوجرافيا- روزنتال، فرانز، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة صالح أحمد العلى (133 - 135)، بيروت- مؤسسة الرسالة1983 م. 4 - مقدمة سير أعلام النبلاء للذهبى بشار عواد معروف (97 - 9 0 1.). بيروت- مؤسسة الرسالة 981 1 م. 5 - مقدمة طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحى، تحقيق محمود محمد شاكر القاهرة- مطبعة المدنى 974 1 م. 65 - 69. 6 - "حاشية على مفهوم محمود شاكر لنظرية ابن سلام النقدية، مجلة معهد المخطوطات العربية 42/ 1 (1998م) 122 - 140 7 - Gibb, H.A.R.” Islamic biographical literature” in Historians of the Middle East, ed. By B. Lewis and P.M. Holt, London1962, pp. 54-58; Ibrahim Hafsi, “ Rechenches sur le grnre Tabaqat dans la litterature arale”, Arabica 23 (1976), pp. 227-265, 24 (1977), pp.1-41, 150-186; al-Qadi, W., “Biographical Dictionaries. Inner Structure and Cultural Significance” in The Book in the Islamic World: The Written Word and Communication in the Middle East, Albany. N.Y. 1995, PP. 93-122.

3 - الطرق الصوفية

3 - الطرق الصوفية لغة: الطرق جمع طريق وهو السبيل، وطريقة الرّجُل: مذهبه. يقال: مازال فلان على طريقة واحدة أى على حالة واحدة، والطريقة الحال. والصوفية: نسبة إلى الصوف، وهو للغنم كالشعر للمعز والوبر للإبل. واصطلاحا: طرق مخصوصة ووسائل منتخبة فى السلوك، تشتمل على مجموعة قواعد ورسوم مقصودة ينشدها السالك ويستهدفها فى رياضته بما يؤدى إلى تصفية قلبه وتحصيل صفات الكمال والقوى الروحية للوصول إلى معرفة الله تعالى. "وقد اختلف العلماء فى تعريف الصوفى، ويذكر السهروردى ضابطا يجمع جل معانيها، فيقول الصوفى هو الذى يكون دائم التصفية، لا يزال يصفى الأوقات عن شوب الأكدار: بتصفية القلب عن شوب النفس، ويعينه على كل هذه التصفية دوام الافتقار إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقى من الكدر، وكلما تحركت نفسه وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه " (1). وتتخذ الطرق الصوفية صورا شتى: فإما أن تكون فردية أو تتخذ صورة الأخوة الدينية، أو تتخذ صورة التقليد والتبعية الصارمة للشيخ الهادى أو الأستاذ المرشد أو صورة المنهج المبتكر والتأمل الذاتى والتجربة الشخصية المستقلة، وتختلف هذه الصور تبعا لمقدار ثقافة السالك ونضجه واستعداداته النفسية، فكما يقول ابن خلدون: إن "الطرق إلى الله تعالى عدد أنفاس الخلائق وإن كل واحد فى نفسه طريق، فكل سالك يليق به من التربية ما لايليق بغيره، والواردات والمواهب، والعلوم والإلقاءات والعوارض فى السلوك تختلف بحسب الأشخاص والأحوال والبدايات والنهايات والقوة والضعف، وسبيل سلوكهم غير متفق " (2). إلا أن سبيل الوصول عند القوم في عمومه واحد، وهو "العلم بكيفية تطهير القلب من الخبائث والمكدرات، بالكف عن الشهوات، وإخماد القوى البشرية بقطع جميع العلائق البدنية، والاقتداء بالأنبياء صلوات الله عليهم- فى جميع أحوالهم، فبقدر ما يتجلى من القلب ويحاذى به شطر الحق تتلألأ فيه حقائق الوجود" (3). وهذه هى الرياضة والمجاهدات. والصوفى السالك وهو فى طريقه إلى التماس الحقيقة لابد أن يتخذ لنفسه هاديا، شيخا أو مرشدا، قد خبر المجاهدات، وقطع بها طريق الله، وتجلت له الأنوار، فهو يعرف أحوالها ويدرج المريد فى عقباتها حتى تتاح له الرحمة الربانية، ويحصل له الكشف والاطلاع. وهذه التبعية من السالك للشيخ أمر لازم عند الصوفية: لأن النقل وحده لايفضى بالسالك إلى مطلوبه، لأن مدارك هذه الطريقة ليست من قبيل المتعارف من العلوم الكسبية والصنائع، وإنما من مدارك وجدانية إلهامية، فلا يدرك تمييزها بالمعارف الكسبية بل تحتاج إلى الشيخ الذى يميزها بالعيان والشفاه. ولكل طريق من هذه الطرق مقاماته يتدرج فيها السالك وكذا الأحوال النفسية المصاحبة لها، وتتفاوت الطرق فى ذكر المقامات ووصف الأحوال، وقد كانت فى بداية النمو الداخلى لحركة التصوف بسيطة فقد عدها الجنيد البغدادى أربعة مقامات وهى اتوبة تحل الإصرار، وخوف يزيل الغرة، ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات، ومراقبة الله فى خواطر القلوب. وعدها الطوسى سبعة مقامات وهى التوبة والورع، والزهدُ والفقر، والصبر والتوكل والرضا، وجعل الأحوال عشرة، وهى المراقبة والقرب والمحبة والخوف والرجاء والشوق والأنس والطمأنينة والمشاهدة واليقين. فى حين إن هذه المقامات والأحوال سرعان ما تضاعفت عند غيرهم حتى وصلت إلى مائة مقام، وروى أن بعض الشيوخ ذكروا لها ألف حالة. وقد انعقد إجماع شيوخ الصوفية على ضرورة التزام المريد المطلق فى أثناء رياضته بأحكام الشريعة الظاهرة، والعمل بالتكاليف الدينية المكتوبة فقالوا: الطرق إلى الله تعالى كثيرة، وأصح الطرق وأعمرها وأبعدها عن الشبه اتباع القرآن والسنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية. وكان الجنيد يقول: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا لمن اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبع سنته ولزم طريقته (4). وادعى بعض المنتسبين إلى الصوفية إسقاط التكاليف الدينية والتنكر لها، إلا أنهم قوبلوا بالرفض المطلق من شيوخ الصوفية، فكان التسترى يقول " أصول طريقتنا سبعة: التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، وتجنب المعاصى، ولزوم التوبة، وأداء الحقوق " (5). وقد كان للطرق الصوفية دور مهم فى نشر الإسلام، خاصة بأفريقيا، ومن هذه الطرق: 1 - الطريقة القادرية: ومؤسسها الشيخ عبدالقادر الجيلانى، والذى ولد بجيلان 488 هـ 1095م، وقد انتشرت طريقته فى العراق واليمن والصومال والهند وتركيا ومصر والمغرب. 2 - الطريقة البكائية: وهى من الطرق التى تفرعت عن الطريقة القادرية، ومؤسسها أحمد البكاى فى نهاية القرن الخامس عشر، وقد ازدهرت بأفريقيا حتى 1850م 3 - الطريقة التيجانية: مؤسسها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار، وهو فقيه مغربى ولد 1150هـ 1737م وقد اتخذ من فاس مقرا له، وأطلق على مريديه الأحباب. 4 - الطريقة الخلوتية: وتنسب إلى كريم الدين الخلوتى المصرى وقد توفى 1578م وعنها خرجت الطريقة التيجانية. (هيئة التحرير) 1ـ عوارف المعارف للسهروردى ص 65. 2 - شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون ص 87. 3 - إحياء علوم الدين للغزالى ص 198. 4 - طبقات الصوفية للسلمى ص 115. 5 - الرسالة القشيري ص 12.

_ المراجع 1 - اللمع لأبى نصر السراج الطوسى. تحقيق د/ عبدالحليم محمود، وطه عبد الباقى سرور- دار الكتب الحديثة- مصر 1960 م. 2 - التعرف لمذهب أهل التصوف- للكلاباذى- تحقيق محمود أمين النواوى- القاهرة 1969 م. 3 - الرسالة القشيرية- للقشيرى- مكتبة محمد على صبيح 1957 م. 4 - إحياء علوم الدين للغزالى- دار إحياء الكتب العربية 1957 م. 5 - عوارف المعارف للسهروردى. د ار الكتاب العربى- بيروت 1966 م. 6 - طبقات الصوفية لأبى عبدالرحمن السلمى- تحقيق نور الدين شريبة القاهرة. 7 - الحياة الروحية فى الإسلام د/ محمد مصطفى حلمى- المطبعة الثقافية القاهرة 1970 م. 8 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ احمد شلبى، مكتبة النهضة المصرية. 9 - فى التصوف الإسلامى وتاريخه. نيكلسون ترجمة د/ أبو العلا عفيفى القاهرة 1947 م. 10 - تاريخ الطرق الصوفية فى القرن التاسع عشر تأليف فريد رى يونج- ترجمة عبدالحميد فهمى الجمال- الهينة المصرية العامة للكتاب 1995 م. 11 - السلسبيل المعين فى الطرائق الأربعين، للسيد محمد بن السيد- الإدريسى، مطبعة المعاهد بالجمالية- القاهرة. 12 - المنهل الروى الرائق فى اسانيد العلوم وأصول الطرائق للسنوسى مطبعة حجازى القاهرة 1373هـ / 1954م.

4 - الطريقة المولوية

4 - الطريقة المولوية المولوية طريقة صوفية تنسب إلى مؤسسها مولانا جلال الدين الرومى. مركزها مدينة "قونية" بتركيا. مؤسسها هو محمد جلال الدين محمد بن حسين بهاء الدين البلخى القونوى، المولود فى بلخ (من أعمال خراسان) عام 604هـ - 1207م الذى ينتهى نسبه إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه واشتهر والده بلقب سلطان العلماء، عاش مولانا جلال الدين عهد اضطرابات وحروب من فتنة جنكيز خان حتى الحروب الصليبية، وما صاحب ذلك من مظاهر القتل والتخريب ومن جانب آخر ظهرت عدة فرق ومذاهب مختلفة مثل المعتزلة، والمشبهة، والمرجئة والخوارج، فرأى مولانا ضرورة ظهور دعوة تهدف إلى الحفاظ على الإسلام فى النفوس، وحث المسلمين على التماسك والحفاظ على وحدتهم، ومن هنا ظهرت الطريقة المولوية، خاصة وأن مولانا كان قد تتلمذ على يد العارف العالم "شمس الدين التبريزى" الذى حول مسار مولانا جلال من علم القال إلى علم الحال والخلوة والذكر قام شمس الدين تبريزى بتدريب مولانا جلال على أصول التوحيد الصوفى مع الاحتفاظ بالثقافة الشرعية. اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ، ويندمجون فى مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحى فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون فى وجد كامل يبعدهم عن العالم المادى ويأخذهم إلى الوجود الإلهى كما يرون. اشتهرت الطريقة المولوية بالنغم الموسيقى عن طريق الناى، وكان مولانا يرى فيه وسيلة للجذب الإلهى، ويعتبره أكثر الآلآت الموسيقية ارتباطا بعازفه، ويشبه انينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوى فى عالم الأزل. كان آخر ملهم لمولانا جلال مؤسس المولوية مريده وتلميذه "حسام الدين جلبى" الذى أحبه مولانا كثيرا ووصفه بأنه مفتاح خزائن الفرس، "وبايزيد الوقت، وجنيد الزمان "، ووصفه أنه نوره (أى نور مولانا)، وبصره، وسنده، ومعتمده. اشتهرت المولوية بكتاب المثنوى الذى ألفه مولانا، بناء على طلب مريده حسام الدين وكان أشهر كتبه على الإطلاق، واشتهرت الطريقة المولوية بتسامحها الواضح مع أهل الذمة ومع غير المسلمين أيا كان معتقدهم وعرقهم كما يقول: عرق كنت كرديا أو روميا أو تركيا لابد أن تتعلم لغة من لغة لهم وقوله "إن كنت مؤمنا أو كافرا .. بوذيا أو مجوسيا .. فتعالى أكينا". وعندما توفى مولانا فى ديسمبر عام 1273م شيعه مريدوه فى الطريقة من كل جنس وملة ودين، وكان الحاخامات يقرؤون التوراة والمسيحيون يقرؤون الإنجيل جنبا إلى جنب مع المسلمين دفن مولانا جلال فى مسجده المسمى بالقبة الخضراء فى قونية بجوار والده بهاء الدين. ويعد كتاب المثنوى أشهر أعمال مولانا جلال الدين مؤسس المولوية، وهو كتابا شعرى يضم 26 الف بيت شعر مزدوج ويشتمل على275 قصة وكلها مستقاة من القرآن الكريم وقصص الأنبياء ويعض قصص ألف ليلة وليلة وبعض نوادر جحا وطبعت فى ستة أجزاء. يصف مولانا جلال كتابه المثنوى بأنه إلهام ربانى، وفتح روحانى من معانى الكتاب والسنة كتب المثنوى بالفارسية وترجم إلى عدة لغات منها العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. وظهر فى المولوية مدى تأثر مولانا جلال الدين مؤسس المولوية بالعديد من كبار المتصوفين أمثال الغزالى، محى الدين بن عربى، شهاب الدين السهروردى، وفريد الدين العطار، ويحيى بن معاذ، وأبو يزيد البسطامى، والحلاج، والشبلى وإبراهيم بن أدهم وغيرهم. أثرمولانا جلال الدين أيضا فى علماء كثيرين، مثل كمال الدين الخوارزمى وإسماعيل الأنقروى، وعبد العلى محمد بن نظام، وعبدالعزيز آل جواهر، والشاعر إقبال، وغيرهم. كما أثر فى العديد من المستشرقين أمثال جورج روزن الألمانى، وسير جيمس رد هاوس الانجليزى، ورينولد نيكلسون الإنجليزى أيضا. من أشهر العلماء المعاصرين لجلال الدين العالم أوحد الدين الكرمانى، وبهاء الدين زكريا، نجم الدين الرازى، ومحي الدين بن عربى، وصدر الدين القونوى، وأبو الحسن الشاذلى، وعزيز الدين النسفى. لقيت المولوية عناية فائقة من علماء المسلمين والمستشرقين، وذلك لجمع مؤسسها بين الصوفية والشريعة متمشيا مع القرآن والسنة. خلف مولانا جلال فى الطريقة حسام الدين جلبى الذى نصبه رسميا قبل وفاته بإحدى عشرة سنة. اتخذت الطريقة الشكل المتماسك بفضل الحلقات التى كان يقيمها مولانا لمريديه وتلاميذه. ومن خلال الطريقة كان مولانا يهاجم الأراء الفلسفية المتناقضة مع الإسلام وكانت استدلالاته جميعها مستقاة من القرآن والسنة. لاتزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا فى مركزها الرئيسى فى قونية. ويوجد لها مراكز أخرى فى استنابول، وغاليبولى، وحلب، ورغم منع الحكومة التركية كل مظاهر التصوف إلا أن الجهات الرسمية فى تركيا تستخدم مراسم المولوية كجزء من الفولكلور التركى. ويحضر جلسات ذكر المولوية كل من يريد من كل الأجناس ومع كل الأديان ويلقى الجميع تسامحا ملحوظا من المولويين. أ. د/هدى درويش

_ مراجع الاستزادة: 1 - مثنوى، مولانا جلال الرومى، إبراهيم الدسوقى شتا، الزهراء للإعلام العربى القاهرة 1992م. 2 - جلال الدين الرومى، المثنوى، شرح المثنوى، شرح المثنوى المسمى بالمنهج القوى للشيخ يوسف بن أحمد المولوى، ستة أجزاء، بدون تاريخ غير معلوم مكان النشر. 3 - تاريخ الأدب التركى، حسين مجيب المصرى مطبعة الفكرة، القاهرة 1952م. 4 - فصول من المثنوى لجلال الدين الرومى، عبدالوهاب عزام القاهرة 1946م. 5 - جلال الدين الرومى بين الصوفية وعلماء الكلام عناية الله إبلاغ الأفغانى الدار المصرية اللبنانية 1987م. 1 - Ethem Ruhi Figlaii، mezhepler ve trikatlar Ansiklopedisi، Istanbul 1987. 2- Hasan Kucuk، tarikatlar ve Turkler uzerindek Muset tesirler، Istanbul 1976. 3- Mustafa Kara، tekkeler ve zaviyeler، Istanbul 1977. 4- Mustafa Kara،Tasavvuf ve tarikatlar tarihi، Istanbul 1985. 5- Mustafa Kara، Osmanlilarda tasavuf ve tarikatlar، Osmanli Ansiklopedisi، Istanbul، c،I ،s. 203 6- Mevlana guldestesi، Konya Buyuk sehir Belediyes، Konya 1993

5 - الطفولة

5 - الطفولة لغة: يطلق الطفل على المولود مطلقا. واصطلاحا: هى المرحلة التى لم يبلغ فيها الطفل قدرة الاكتفاء الذاتى بنفسه من حيث البلوغ والنضح العقلى. وقد اختلف فى تحديد هذه المرحلة، وإن كان قد اتفق على بدايتها، فهى تبدأ بمرحلة ما قبل ميلاد الطفل، وهو لم يزل بعد جنينا، ثم مرحلة الطفولة المبكرة وتمتد حتى نهاية السنة الخامسة من العمر وقيل: السادسة أو السابعة على الأكثر. وهناك من قصرها حتى الثالثة. تتم مرحلة الدراسة المبكرة من سن خمس سنوات إلى الحادية عشرة أو الثانية عشرة. ثم مرحلة الدراسة من سن الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة ثم مرحلة الشباب المبكر من الرابعة عشرة إلى السابعة عشرة أو الثامنة عشرة. ويضيف الدكتور مسعد عويس إلى ما سبق مرحلة الحضانة وهى من سن الثالثة إلى سن السادسة حيث يقصر مرحلة الطفولة المبكرة من سن الثالثة. فى حين تقسم "أنا فرويد" مرحلة الطفولة إلى ثلاثة أقسام: 1 - مرحلة الطفولة المبكرة والتى تمتد حتى نهاية السنة الخامسة من العمر. 2 - مرحلة الكمون وتستمر إلى أوائل دور المراهقة أى نحو الحادية عشرة أو الثالثة عشرة. 3 - مرحلة البلوغ والتى تمتد إلى حياة الرشد .. حقوق الطفل: ورد ذكر الطفل فى القرآن الكريم أربع مرات، إلا أن عنايته بالطفل شغلت قسما كبيرا من آياته، فقد اهتم الدين الإسلامى الحنيف بالطفل ووضع له حقوقا منذ أربعة عشر قرنا توفر الرعاية والحماية منذ وجوده فى رحم أمه كما كفل الإسلام للطفل حق الحياة وحق التغذية وحق الحب بكل صوره وأشكاله، وحق العدل فى المعاملة بينه وبين إخوته وحق الحماية من الظلم وحق التعليم وحق التوجيه التربوى والمهنى. ولعل أول حق قرره الإسلام للطفل هو حق الوجود بقول تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام 151) وكتب الخسران على من قتل ولده {قد خسر الذين قتلوا أولإدهم سفها بغير علم} (الأنعام 140). وهذا الحق كفله الإسلام أيضا لأطفال المشركين فى حالة الحرب فنهى عن قتل النساء والأطفال. كما كفل الإسلام حق الطفل فى التسمية، وفى الوضح الإجتماعى بأن تكون له أسرة مستقلة. هذا ولم يترك الإسلام حقا للطفل إلا وأكد عليه. كحقه فى الرضاعة يقول تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} (البقرة 233). كما قرر الإسلام كيفية معاملة الطفل بحب ورعاية، والعدل فى معاملة الأبناء والمساواة بينهم فى الحقوق من ذلك ما روى عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنى نحلت ابنى هذا بستانا أو قال حائطا كان لى، فقال: رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فارجعه (رواه مسلم). وشملت حقوق الطفل فى الإسلام والحرية واللعب لما فى ذلك من أثر فى بناء ونضج الطفل اجتماعيا واتزانه انفعاليا وتنشيطه ذهنيا كما أنه وسيلة للتعلم. كذلك حق الأمن مطلقا وبخاصة فى أسرته كأول حصن له فلا يكون مسرحا لنزاع الوالدين وشقاقهما فيكون أداة لكل منهما فى ترسيخ ذلك النزاع مما يعرضة" للخوف والقلق وعدم الأمان يقول تعالى {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} (البقرة 233) ولم يغفل الإسلام كذلك حق الطفل اليتيم بقول تعالى {فأما اليتيم فلا تقهر} (الضحى 9). هذا وقد ساهم علماء المسلمين من خلال القرآن الكريم والسنة وسيرة الصحابة فى وضع برامج متكاملة للتريية ورعاية الطفل فى جميع مراحلها. من هؤلاء الإمام الغزالى الذى ضمن كتابه:" إحياء علوم الدين" بابا بعنوان: بيان الطريق فى رياضة الصبيان فى أول نشوئهم، ووجه تأديبهم، وتحسين أخلاقهم، وفيه عدة أشياء تجب مراعاتها فى تتشئة الطفل: 1 - تشجيع الأطفال على ممارسة الخلق الجميل والتمتع بالعقل المحمود. 2 - عدم ذكر أخطاء الأطفال عند حدوث الخطأ فى أول مرة وعند عقابهم فيجب أن يكون فى السر دون العلانية. 3 - توضيح آثار الأخطاء والاستمرار فيها للأطفال حتى يتجنبوها. 4 - المحافظة على شعور الأطفال وبخاصة أمام الآخرين واحترام إنسانيتهم. 5 - أن يكون أسلوب التوجيه فى التطبع الإجتماعى سرا. 6 - عدم الإكثار من معاتبة الأطفال لأن ذلك يأتى بنتيجة عكسية. 7 - تعليم الأطفال وتعويدهم على أداء الأعمال علانية دون إخفائها. 8 - أن يعَّود الأطفال القيام بخدمة أسرتهم وكل جماعة ينتسبون إليها. 9 - تعليم الأطفال وتشجيعهم على الصدق فى الأقوال والأخلاص فى الأعمال لمرضاة الله سبحانه وتعالى. 10 - إنماء الاعتزاز بالنفس فى غير غرور مع التواضع. 11 - تعليم الطفل عدم البصق والتمخط والتثاؤب بحضور الغير والاعتدال فى الكلام وحسن الاستماع. 12 - تعليم الطفل إعطاء المحتاجين لما فى العطاء من خير والأخذ من ذل 13 - عدم تعويده النوم بالنهار لأنه يورث الكسل. 14 - الاهتمام بالتريية الرياضية والترويح عن النفس بعد تعب الدراسة. 15 - مراعاة تعليمه آداب الطعام من الأكل بيمينه، وذكر اسم الله وحمده، وأن يأكل مما يليه مع المحافظة على نظافة يديه وثوبه. 16 - تعويده لبس ما يناسبه من ثياب، وما يتفق منها وتعاليم الإسلام والأدب العام. وفى العصر الحديث شرعت القوانين فى البلاد الإسلامية لحماية حقوق الطفل وهى فى مجموعها تستلهم أسسها من القرآن الكريم والسنة والنبوية. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - حقوق الطفل فى الإسلام نظرة تربوية- حسن إبراهيم عبد العال مجلة كلية العلوم الإجتماعية ص 414 - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد السادس 1202هـ، 1982 م. 2 - أحكام الأولاد فى الإسلام- زكريا أحمد البرى الدار القومية للطباعة والنشر 1384 هـ، 1964 م. 3 - إحياء علوم الدين، للغزالىْ 3/ 67 - 68عيسى البابى الحلبى وشركاه مصر. 4 - المقدمة ابن خلدون ص 508 ط دار الشعب. 5 - أبحاث إعادة بناء الإنسان المصرى- التقرير الثالث التنشئة الاجتماعية واحتياجات الطفولة- جامعة الإسكندرية1973 م. 6 - التربية الإسلامية وفلاسفتها محمد عطية الإبراشى ط 2 عيسى البابى الحلبى وشركاه مصر 1969م. 7 - حقوق الطفل فى القانون المصرى د/ نبيلة إسماعيل رسلان- الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998 م.

6 - الطلاق

6 - الطَّلاق لغة: الحل ورفع القيد، وأصله: طُلّقت المرأة تطلق فهى طالق بدون هاء، وروى بالهاء طالقة. إذا بانت من زوجها (1). وشرعا: رفع قيد النكاح فى الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه (2). والأصل فى الطلاق: أنه ملك الزوج وحده. وقد يقوم به غيره بإنابته، كما فى الوكالة والتفويض، أو بدون إنابة كالقاضى فى بعض الأحوال. اتفق الفقهاء على أصل مشروعية الطلاق. واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: 1 - قوله تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة 229). 2 - قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " (3). 3 - إجماع المسلمين من زمن النبى - صلى الله عليه وسلم - على مشروعيته. لكن الفقهاء اختلفوا فى الحكم الأصلى للطلاق: فذهب الجمهور إلى أن الأصل فى الطلاق الإباحة أوقد يخرج عنها فى أحوال، وذهب آخرون إلى أن الأصل فيه الحظر ويخرج عن الحظر فى أحوال، على كل فالفقهاء متفقون فى النهاية على أنه تعترية الأحكام الخمسة فيكون واجبا أو مندوبا أو مباحا كما يكون مكروها أو حراما. وذلك بحسب الظروف والأحوال على ما يلى: 1 - فيكون واجبا كالُمولى إذا أبى الفيئة إلى زوجته بعد والتربص على مذهب الجمهور. ولقوله تعالى: {للذين يؤلونَ من نسائهم تربص أربعة أشهر} (البقرة 226). أما الحنفية: فإنهم يوقعون الفرقة بانتهاء المدة حكمًا، وكطلاق الحكمين فى الشقاق إذا تعذر عليهما التوفيق بيت الزوجين ورأيا الطلاق، عند من يقول بالتفريق لذلك. 2 - ويكون مندوبا إليه إذا فرطت الزوجة فى حقوق الله الواجبة عليها، مثل الصلاة ونحوها، وكذلك يندب الطلاق للزوج إذا طلبت زوجته ذلك للشقاق. 3 - ويكون مباحا عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها، أو لأنه لا يحبها. 4 - ويكون مكروها إذا لم يكن ثمة داع إليه مما تقدم، وقيل: هو حرام فى هذه الحالة، لما فيه من الإضرار بالزوجة من غير داع إليه. 5 - ويكون حراما وهو الطلاق فى الحيض، أو فى طهر جامعها فيه وهو الطلاق البدعى. حكمة تشريع الطلاق: ما قد يوجد فى حياة الزوجين الهانئين ما يثير بينهما القلاقل والشقاق كمرض أحدهما أو عجزه، وربما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزوجين أصلا كالأهل والجيران، وربما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيره، فيبدأ بنصح الزوجين وارشادهما إلى الصبر والاحتمال، وبخاصة إذا كان التقصير من الزوجة. قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء19) إلا أن هذا الصبر قد لا يتيسر للزوجين آو لا يستطيعانه، فربما كانت أسباب الشقاق فوق الاحتمال، فإما أن يأمر الشرع بالإبقاء على الزوجية مع استمرار الشقاق الذى قد يتضاعف وينتج عنه فتنة، أو جريمة، أو تقصير فى حقوق الله تعالى، أو على الأقل تفويت الحكمة التى من أجلها شرع النكاح، وهى المودة والآلفة والنسل الصالح، وإما أن يأذن بالطلاق والفراق، وهو ما اتجه إليه التشريع الإسلامى، وبذلك علم أن الطلاق قد يتمحض طريقا لإنهاء الشقاق والخلاف بين الزوجين، قال تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما} (النساء130). أ. د/ مصطفى الشكعة

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 376، مختار الصحاح ص 396، المعجم الوسيط 2/ 563 2 - حاشية ابن عابدين 3/ 414 وما بعدها، الشرح الكبير للدردير 2/ 347 المغنى لابن قدامة 10/ 323 وما بعدها، مغنى المحتاج 3/ 279. 3 - أخرجه أبو داود فى كتاب "الطلاق" باب: فى كراهية الطلاق أبى داود 2/ 261

7 - طلب العلم

7 - طلب العلم من نعم الله على خلقه أنه ميزهم بالعلم. وجعل للإنسان قدرة على التعلم لم يجعلها لأى مخلوق آخر، حتى الملائكة المقربين. والعلم هو الأساس فى تقدم الإنسان ورقيه وبالعلم حقق الإنسان إنجازات بشرية هائلة لم يكن يحلم بها خاصة فى النصف الثانى من القرن العشرين حتى الآن. ولاشك أن الفارق بين مجتمع متقدم وآخر متخلف. هو فرق مهم بين من حاز على أكبر قدر من العلوم، ويسير فى حياته وفقا للمنهج العلمى. ومن لازال يتخبط فى اتباع أى منهج. ومازال يعتمد على الخرافات والأوهام بعيدا عما أعطاه الله له من قدرات لا يريد أن يستخدمها. لذلك فرض الله على خلقه أن يتعلموا. وأعطاهم القدرة منذ خلقهم على هذا التعلم، ووصل العلماء إلى أن التعلم من فروض الكفاية فى المجتمعات الإسلامية. لذا نضج العلم نضوجًا كبيرا فى العصور الوسطى وفى مختلف أرجاء الدولة الاسلامية ولاشك أن علوم الدين لها أهمية كبرى فى الإسلام، لأن "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين" كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذا فرض القرآن الكريم على المسلمين تعلم أصول دينهم والاجتهاد لبذل الجهد فى استخراج الأحكام الكلية من أدلتها التفصيلية. بقول سبحانه وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (التوبة 122). كما يعلم الله سبحانه وتعالى المسلمين بأن يلجأوا إلى العلماء والفقهاء إن غم عليهم أمر من الأمور. يقول سبحانه وتعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (النساء83). وإذا كانت هذه الآيات تتصل بعلوم الفقه والأصول فإن القرآن الكريم يوجه المسلمين إلى التعمق فى الخلق وشئونه مما يقودهم إلى تعلم العلوم المتصلة بالحياة وبالبيئة وبالكون بشكل عام. يقول سبحانه وتعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت إلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت} (الغاشية 17 - 20). أ. د/ جعفر عبد السلام

_ المراجع 1 - حول التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية / محمد قطب- دار الشروق، القاهرة 1998م. 2 - تهافت التهافت / ابن رشد – طبعة لندن 1967م. 3 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف

8 - الطهارة

8 - الطّهَارة لغة: هى النظافة والخلوص من الأدناس، حسية كانت كالأدنالس أو معنوية كالعيوب، يقال: تطهر بالماء، وهم قوم يتطهرون: أى يتنزهون عن العيب (1). وشرعا: هى عبارة عن غسل أعضاء، مخصوصة بصفة مخصوصة (2). وعُرّفت أيضا بأنها: زوال حدث أو خبث، أو رفع الحدث، أو إزالة النجس، أو ما فى معناهما أو على صورتهما (3). وتنقسم الطهارة إلى قسمين: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس، أى حكمية وحقيقية. والأولى منهما، وهى الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر شرعت بقوله تعالى {يا آيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} (المائدة 6). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - " لاتقبل صلاة بغير طهور" (4). والثانية منهما: وهى طهارة الجسد والثوب والمكان الذى يصلى عليه من النجس شرعت بقوله تعالى {وثيابك فطهر} (المدثر 4)، وقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} (المائدة 6)، وقوله تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود} (البقرة 125). والطهارة من ذلك كله من شروط صحة الصلاة (5). وقد اتفق الفقهاء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية بشرط فى طهارة الخبث، ويطهر محل النجاسة بغسله بلا نية، لأن الطهارة عن النجاسة من باب التروك فلم تفتقر إلى النية. وقال فى العناية: الماء طهور بطبعه. فإذا لاقى النجسَ طهّره قصدَ المستعمل ذلك أو لا، كالثوب النجس (6). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - مختار الصحاح، ص 398، المصباح المنير 2/ 379. 2 - التعريفات للجرجانى ص123 ط الحلبى. 3 - حاشية الطحطاوى على مراقى الفلاح ص11، كفاية الأخيار للحصنى 11/ 6، مغنى المحتاج 1/ 16، كشاف القناع 1/ 24. 4 - أخرجه مسلم فى كتاب: الطهارة (باب وجوب الطهارة للصلاة) صحيح مسلم بشرح النووى 3/ 102. 5 - الهداية وشروحها 1/ 168 وما بعدها، الشرح الكبير بها حاشية الدسوقى 1/ 23،200المهذب للشيرازى1/ 66 وما بعدها، كشاف القناع 1/ 288. 6 - العناية على الهداية 1/ 28.

9 - الطورانية

9 - الطورانية اصطلاحا: تنسب الطورانية إلى هضبة طوران الواقعة فى آسيا الوسطى، حيث كانت تعيش الأقوام التركية قبل نزوحها غربا إلى خراسان وما وراء النهر. وقد قام (ضيا كوك آلب)، الأب الروحى للقوميين الأتراك بنشر منظومته الشهيرة (طوران) سنة 1911م وفيها طرح فكرة الوحدة الطورانية. ومؤداها: "أن وطن الترك ليس الدولة العثمانية أو الأناضول وإنما هو (طوران) ثم دعى إلى الاهتمام برقى العنصر التركى أولا. إذ إن وحدة العنصر هى الباقية: فالدين لم يقض على الفوارق العنصرية. وبعد هزيمة الدولة العثمانية فى حرب طرابلس سنة 1911م وحرب البلقان سنة 1912م. راجت مثل هذه الدعاوى العنصرية وتبناها السياسيون، فأصبح (ضيا كوك آلب) عضوا بارزا فى الاتحاد والترقى ويبدو أن تبنى جماعة الاتحاد والترقى لهذه النزعة جاء كرد فعل لظهور الدعوة إلى القومية العربية آنذاك فى الشام. حيث ظهرت مؤلفات تدعو إلى القومية منها ما نشره نجيب عاذورى سنة1324هـ بعنوان (يقظة الأمة) وما نشره عبد الرحمن الكواكبى بعنوان (أم القرى). وقد تبنى بعض الأتراك فكرة اللامركزية التى اتخذها حزب (الحرية والائتلاف) المعارض شعارا له. وقد أدت هذه الدعوة إلى هزيمة تركيا فى الحرب العالمية الأولى وأدركوا أن مغالاتهم وتطرفهم أدى بدوره إلى وقوعهم فى كثير من الأخطاء السياسية. فراجعوا حساباتهم. وتخلوا عن مواقفهم فى كثير من الأمور منها: 1 - تخلى (ضيا كوك آلب) عن دعوته الطورانية، وظهر ذلك من خلال مقالات كتبها فى مجلة (يكى مجموعة) أى بمعنى: المجلة الجديدة وجاء ذلك رداً على مجلة (تورك يوردى) المغالية فى قوميتها. وقد وضح وجهة نظره التى تهدف إلى "تقييم المبادئ فى إطار الظروف والأحداث السياسية وعرف القومية من وجهة نظره بأنها "الدعوة إلى النهوض بمستوى تركيا الحضارى وأن الوحدة السياسية بين العناصر التركية أى الطورانية أمر بعيد المنال، أما عن الإسلام: " فهو دين وعقيدة للأتراك ولا يمكنهم التخلى عنه ". وقد ردد هذه الأفكار ثانية فى كتابة (التركية والإسلامية والعصرنة) واعترف بأن صفة الإسلام هى التى تميز الأتراك عن غيرهم من الأمم، ولكن ينبغى أن تترجم معانى القرآن وكذلك الآذان والأدعية إلى التركية حتى يكون الدين ملكا لكل تركى مسلم. ثم نادى بان تنحصر العصرنة فى نقل العلوم والتقنية فقط من الغرب: إذ إن محاولة اللحاق بركب الحضارة الغربية لا يعنى تقليد العادات والتقاليد الأوروبية. ثم جاء فى كتابه (أسس القومية التركية) لينفى صفة العنصرية عن دعوته قائلا بأن القومية فى التاريخ إنما تعنى الإحساس بالانتماء إلى تراث الأتراك جميعا، وليس تراث عشيرة (فابى) التى ينتمى إليها العثمانيون بداية ظهور القومية التركية: وفكرة القومية التركية ظهرت من خلال أن الأبحاث التاريخية التى بدأت تتبع مواطن الأتراك الأوائل بالتنقيب فى المصادر الصينية. وبدأت هذه الأبحاث فى القرن الثانى عشر الهجرى. وزاد الاهتمام بها حين استطاع المستشرق الدانماركى (بروفيسوف طومسون) آن يقرأ كتابات آورخون فى آوا خر القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى ثم جاء عالم مجرى يدعى (فامبرى) يرتدى زى الدراويش المتصوفة ويتحدث التركية ليجوب تركيا والتركستان ويصل فى رحلته إلى الصين ثم عاد إلى أستانبول وأخذ يتحدث مع المثقفين الأتراك عن صفاء العنصر التركى فى أقاصى آسيا وتعبيره لهم عن إعجابه به. وفى نفس الفترة تقريبا أصدر عالم لغويات روسى يدعى (رادولف) قاموسا للتركية والألمانية كتب عليه المعجم التركى وأعقب ذلك ظهور كتاب (مدخل لتاريخ آسيا) لليهودى (ليون كاهن) الذى اتصل بجماعة الشبيبة العثمانية فى باريس. وكان لأعمال المستشرقين الأثر الكبير فى إحساس الأتراك بقوميتهم. كما أوعزوا إليهم فكرة أنهم أتراك قبل أن يكونوا عثمانيين أو مسلمين. وسرعان ما آتت جهود المستشرقين ثمارها إذ قام أحمد وفيق باشا سنة 1876م بإصدار قاموس يسمى لهجة عثمانى تناول فى مقدمته اللغة التركية وجذورها. ثم كتب سليمان باشا (تاريخ عالم) مردداً فيه ما ذكره الباحثون الغربيون عن الأصول التركية، ورغم ذلك لم تظهر كلمة تركى فى أى من هذه المؤلفات وذلك لآن سياسة السلطان عبد الحميد لم تكن لتسمح بفصل ما هو تركى عما هو عثمانى. الدعوات السلفية: أثارت هذه الحركات ردّ فعل شديد فى الأوساط العثمانية مما جعل المصلحون ينادون بضرورة العودة إلى المبادئ الإسلامية كشرط للإصلاح الاجتماعى والسياسى والأمثلة على ذلك عديدة تمثلت فى الدعوات السلفية سواء فى داخل الأناضول أو فى الولايات العثمانية الأخرى مثل دعوة الشيخ محمد قاضى زاده، ودعوة الشيخ سعيد النورسى. وتمثلت الدعوة الإسلامية فى نقطتين: الأولى: أنه لا يأتى الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى والسياسى إلا بالعودة إلى المبادئ الإسلامية. الثانية: إيقاظ الشعور لدى المسلمين فى تركيا وغيرها حتى يتحد المسلمون صفاًّ أمام القوى الاستعمارية. ومثل شعر محمد عاكف شعر الدعوة الإسلامية بكل خصائصه، إلا أن الشاعر قد تنباً بأن هذه الفوضى ستكون تربة صالحة لبذور الشقاق والفتنة فى تركيا. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - تاريخ الحضارة الإسلامية، بارتولد حمزة طاهر، القاهرة 1966 م. 2 - فى الأدب العربى والتركى، حسين مجيب المصرى، القاهرة 1962 م. 3 - الأدب التركى الإسلامى، د. محمد عبد اللطيف هريدى- نشرته إدارة الثقافة والنشر بالجامعة- القاهرة 1987 م. 4 - معالم الأدب التركى الحديث- كنعان آفيوز، ترجمة د. محمد هريدى وآخرون، القاهرة 1982 م. 5 - دراسات فى الأدب والتاريخ التركى المصرى- ندوة علمية، طبعة دار الفكر العربى القاهرة 1985 م.

10 - الطولونية (الطولونيون)

10 - الطُّولُونِيَّة (الطُّولونيُّون) أسرة حاكمة تولت حكم مصر فى الفترة بين سنتى 254هـ-868م،292هـ-905م تنسب إلى مؤسسها الوالى التركى أحمد بن طولون نشأ ابن طولون فى سامراء (سُرّ من رأى) التى شيدها بالعراق الخليفة المعتصم بالله سنة 222هـ/836م ليقيم فيها جنوده وأتباعه من الأتراك لتحاشى التنافسن بينهم وبين أهل بغداد وقد أثرت هذه النشأة كثيرا فى حياة ابن طولون. ونشأ مع استيلاء الأتراك على مقاليد السلطة فى سامراء نوع من الإقطاع الإدارى، بلغ أوجه فى زمن الخليفة المعتمد وشقيقه الموفق طلحة، فقد تطلب تحقيق السيطرة على الجيش التركى الجديد كسبا لولاء أكثر قادته قوة، فعين كل واحد من هؤلاء القادة واليا على ولاية، وفضل بعضهم البقاء فى سامراء وإيفاد من ينوب عنه من صغار الضباط الموالين له مصحوبا ببعض قواته لإدارة الولاية وحمل عائدها إليه. وتصادف أن منح الخليفة المعتز ولاية مصر إلى القائد التركى باكباك الذى عهد بها إلى غلامه أحمد بن طولون سنة 254هـ-868م وكان ابن طولون من الأتراك الطُغزغُز شابا طموحا فى الرابعة والثلاثين من عمره، وكان مدركا تماما للصعوبات والمشاكل التى كانت تمر بها الخلافة العباسية فى العراق (الحركات الانفصالية فى الولايات الشرقية وبداية ثورة الزنج) ووجد فى ذلك فرصة مواتية لإعلان استقلاله بمصر بعد أن تخلص من منافسه القوى متولى الخراج أحمد بن المدبر الذى سيره إلى الشام. وترجع أهمية الدولة الطولونية التى أسسها فى مصرأحمد بن طولون، إلى أنه لأول مرة من خلالها تحاول مصر أن تكون ولاية مستقلة، ولكن طموحات ابن طولون لم تدفعه أبعد من تأسيس أسرة حاكمة تتوارث الحكم فى مصر وتعترف بالسيادة الاسمية للخلافة العباسية، فلم تكن لابن طولون أية أهداف استراتيجية مماثلة لتلك التى حملت الفاطميين بعد ذلك بقرن على تأسيس مدينة القاهرة. وعلى ذلك فإن دار الإمارة بمدينة العسكر، العاصمة العباسية، لم تعد تناسب طموحات الحاكم الجديد الذى أخذ يبحثه عن مقر جديد يجعله عاصمة لدولته فوقع اختياره على الفضاء الممتد شمال شرق العسكر عند سفح المقطم تحت الشرف الذى كانت تقوم عليه حينئذ قبة الهواء وحيث أقام صلاح الدين بعد ثلاثة قرون قلعة الجبل، ليشيد مدينة "القطائع ". إن تأسيس هذه المدينة وتطورها يذكرنا تماما بمدينة سامراء (سر من رأى) العراقية، فمثلما كان الحال فى سامراء قسمت المدينة فى مصر إلى عدد من القطع يسكن فيها عبيد ابن طولون وعساكره وغلمانه وجعلت كل قطيعة لطائفة، فكانت بمنزلة الحارات التى قسمت إليها القاهرة فيما بعد. وقد بدأ ابن طولون فى عام 256هـ-870م ببناء "القصر" و "الميدان " الذى كان يضرب فيه بالصوالجة، وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله، فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء جنوبا بعمارة الفسطاط، وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل. كان موقع القصر الذى شيده ابن طولون هو الميدان السلطانى تحت قلعة الجبل فيما بعد، وكان "الميدان" فيما بين القصر والجامع الذى شهر باسم "جامح ابن طولون ". فهذا الجامع هو الأثر الذى خلد اسم ابن طولون والذى بقى وحده من مدينة القطائع بعد أن خربها جنود العباسيين سنة 229هـ-904م وفعل فيها الاهمال فعله، وقد فرغ من بنائه وافتتح للصلاة فى رمضان سنة 526هـ-مايو879م. ويعد هذا الجامع أقدم جوامع مصر الإسلامية المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وتخطيطها الأصلى، بنى على طراز جامع سامراء فى العراق مع مئذنته الفريدة، وأصبح تخطيطه هو النموذج الذى أثر فيما بعد فى تخطيط وبناء المساجد الجامعة فى مصر الإسلامية، حتى جامع المؤيد شيخ الذى بنى سنة 818هـ-1415م. كما أنه يعد نقطة تحول هامة فى تاريخ العمارة الإسلامية، لأنه بنى من مواد جديدة تماما وليس من أنقاض الكنائس والمعابد القديمة، حيث أستخدم فى بناء عقوده ودعائمه الآجر بدلا من استخدام الرخام حتى يتمكن من مقاومة الحريق. عمل ابن طولون بعد استقرار أمره فى مصر على مد نفوذه إلى بلاد الشام، فقد كان يعلم تماما أن أى خطر يمكن أن تتعرض له مصر لن يأتى إلا من الشام، وأن السلطة المركزية فى العراق لو فكرت فى مناؤاته فستسلك إليه طريق الشام. ودفعه إلى ذلك أيضا حرصه على أن يقوم بدور بارز فى السياسة الإسلامية المعاصرة، فحصل ابن طولون على ولاية الثغور الشامية وأصبحت له بذلك صفة المدافع عن حدود الشام حامى دار الإسلام من الخطر البيزنطى. وبلغت الدولة الطولونية أوج عظمتها فى عهد خمارويه بن أحمد بن طولون وخليفته فى حكم مصر، الذى بلغ فى إضفاء مظاهر البذخ والأبهة على عاصمته، وقد ترك لنا المقريزى فى الخطط، وصفا تفصيليا للأعمال التى قام بها خمارويه، والتى استغل فيها العائد الكبير الذى كانت تدره عليه مصر والذى كان هو المستفيد الوحيد منه. وإذا كانت فترة حكم خمارؤيه 270:282هـ-884:895م تمثل فترة ازدهار الدولة فإنها حملت فى طياتها عوامل تداعيها، فقد قادت النفقات الباهظة التى أنفقها خماروته -خاصة عند زفاف ابنته قطر الندى إلى الخليفة العباسى المعتمد- مالية الدولة إلى الإفلاس. وظهرت نتيجة ذلك فى أعقاب وفاته المفاجئة سنة 282هـ-895م فلم يخلف ولدا بالغا يخلفه فى حكم مصر، فكان الانهيار المالى وثورة الجنود عوامل أسهمت فى وضع نهاية للحكم الطولونى حيث أرسل العباسيون جيشا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب سنة 292هـ-905م وضع نهاية لاستقلال الطولونيين وأعاد مصر ولاية عباسية من جديد. أ. د/أيمن فؤاد سيد

_ مراجع الاستزادة: 1 - سيرة أحمد بن طولون البلوى: (تحقيق محمد كرد على)، دمشق 1358هـ. 2 - المغرب فى حلى المغرب ابن سعيد: (تحقيق زكى محمد حسن وآخرون) القاهرة 1953م 73 - 146. 3 - المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى: القاهرة 1853، 1:313 - 326، 2:265 - 269. 4 - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغرى بردى القاهرة 1929 - 1956، 3:1 - 143. 5 - الفن الإسلامى فى مصر، زكى محمد حسن القاهرة 1937. 6 - مصر فى عصر الطولونيين، سيدة إسماعيل الكاشف وحسن أحمد محمود القاهرة 1960. 7 - أحمد بن طولون، سيدة إسماعيل الكاشف القاهرة1965. 8 - حضارة مصر الإسلامية فى العصر الطولونى، حسن أحمد محمود القاهرة د. ت. Corbett، E.R.، "The life and work of Ahmed ibn Tulun" JRAS (1891)، pp. 527-562؛ Hassan، Z.M.، Les tulunides، - صلى الله عليه وسلم - ` tude de l'Egypte musulmene a` la fin du ix'sie`cle 868-905، Paris 1933، ed. El.2rt. Ahmed b. Tulun I، pp.287-88

الظاء

1 - الظاهرية الظاهرية: مذهب من المذاهب الفقهية البائدة تتسب إلى أبى سليمان داود بن على ابن خلف الأصبهانى المعروف بالظاهرى، ولد بالكوفة سنة 202 هـ. وأخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبى ثور وغيرهما. وكان أكثر الناس تعصبا للشافعى وصنف فى فضائله والثناء عليه كتابين، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، ثم انتحل لنفسه مذهبا خاصا أساسه العمل بظاهر الكتاب والسنة ما لم يدل دليل منهما أو من الإجماع على أنه يراد به غير الظاهر، فإن لم يوجد نص عمل بالإجماع ورفض القياس رفضا باتا وقال: إن فى عمومات النصوص من الكتاب والسنة ما يفى بكل جواب. صنف داود كثيرا من الكتب منها كتبه فى أبواب الفقه ومنها فى الأصول كتاب إبطال التقليد، وكتاب إبطال القياس، وكتاب خبر الواحد وكتاب الخبر الموجب للعلم، وكتاب الحجة، وكتاب الخصوص والعموم، وكتاب المفسر والمجمل وغير ذلك من الكتب، وقد انتهت إليه رئاسة العلم فى بغداد. وممن أخذ عنه وسار على مذهبه ابنه محمد وكان فاضلا صنف كثيرا من الكتب، ومن متبعى داود والمؤلفين على مذهبه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس توفى سنة 324هـ. وقد استمر مذهب داود متبعا إلى منتصف القرن الخامس الهجرى ثم اضمحل، وله آراء خالف فيها الجمهور نتجت من ترك القياس والعمل بظاهر الكتاب والسنة، ومن يطلع على كتاب "المحلى" لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى المتوفى سنه 456هـ. يرى فيه كثيرا من تلك المسائل، وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه فى أقوالهم، وخالف إمامهم داود. وفى طبقات الشافعية لابن السبكى هل يعتد بخلاف الظاهرية فى الفروع أم لا؟ وحكى فى ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: اعتباره مطلقا وهو الصحيح. والثانى: عدم اعتباره مطلقا ونسبه الأستاذ أبو إسحاق إلى الجمهور. والثالث: اعتباره إلا فيما خالف القياس الجلىّ. وحكى ابن السبكى عن والده أن داود لا ينكر القياس الجلى وانما ينكر الخفى فقط. قال عنه الذهبى: داود بن على بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر، رأس فى معرفة الخلاف من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دين متين، وكذلك فى فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر وذكاء قوى. وقال ابن خلدون: ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة فى النصوص والإجماع وردوا القياس الجلىّ والعلة المنصوصة إلى النص، لأن النص على العلة نص على الحكم فى جميع محالها، ثم درس مذهب أهل الظاهر بدروس أئمته أنكار الجمهور على منتحله. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - تاريخ التشريع الإسلامى، للشيخ محمد الخضرى ص 195 وما بعدها. 2 - سير أعلام النبلاء13/ 107 وما بعدها 3 - مقدمة ابن خلدون ص 446 وما بعدها.

2 - الظن

2 - الظن لغة: هو التردد الراجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم وجمعه ظنون وأظانين. وقد يوضع موضع العلم. واصطلاحا: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ويستعمل فى اليقين والشك وقيل، الظن أحد طرفى الشك بصفة الرجحان. وقد ورد لفظ الظن بالمعنى السابق أكثر من ستين مرة، إضافة إلى ثمانى مرات بمعنى اليقين فى مثل قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون} البقرة:46، وكذلك فى قوله تعالى: {إنى ظننت أنى ملاق حسابيه} الحاقة:20. استخدم لفظ الظن فى الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بالمعنى الغالب فى آيات القرآن الكريم ومقابلا للعلم أو الحق طبقا لما ورد فى قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لايغنى من الحق شيئا} يونس:36. والظن درجة من درجات العلم الذى لا يصل إلى درجة اليقين. وقد قسم المفكرون المسلمون العلوم إلى علوم ظنية، وعلوم يقينية. فالعلوم الظنية: هى العلوم التى يحصلها الإنسان بإدراكاته الحسية والعقلية. أما العلوم اليقينية فهى العلوم التى يأتى بها الوحى كما ورد فى قوله تعالى {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} الكهف:65. أما فى الحديث الشريف فقد ورد هذا اللفظ عدة مرات معظمها بمعنى الظن أو الاعتقاد الراجح وبعضها الآخر يتضمن اليقين، كما ورد فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وهما فى الغار: (ما ظنك بأثنين الله ثالثهما) (البخارى فى تفسير سورة التوبة). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث القدسى: (أنا عند ظن عبدى بى إن خيرا فخير وإن شرا فشر) وفى رواية آخرى: (فليظن بى مايشاء) (البخارى فى التوحيد ومسلم فى التوبة). أما فيما يفيد الاعتقاد الراجح فى مقابل اليقين فقد ورد عن عروة بن الزبيرعن عائشة رضى الله عنها فى تفسيرقوله تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جأءهم نصرنا} يوسف:110 قالت عائشة: "كذبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت: أجل، لعمرى لقد استيقنوا بذلك فقلت لها: وظنوا أنهم كذبوا، فقالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها" (انظر البخارى فى تفسير سورة يوسف الآية 110). وقد ورد الظن مرادفا للشك فى بعض الأحاديث النبوية الشريفة، فى مثل قوله صلى الله عليه وسلم لمن شك فى عدد الركعات التى صلاها: ( ... فشككت فى ثلاث أو أريع وأكبر ظنك على أربع تشهدت) (انظر سنن الدرامى باب الصلاة). وقد استخدم "الظن " للدلاله على أولى مراحل العلم فى إطار مايسمى بنظرية المعرفة الإسلامية، فتعرف مرحلة "الظن" بأنها تكون حينما تتعادل دلالات الإثبات مع دلالات النفى. أما المرحلة التى تلى مرحلة "الظن " فهى مرحلة "غلبة الظن " وتأتى هذه المرحلة بعد البحث والتمحيص فى أدلة النفى وأدلة الاثبات، فترجح إحدى الكفتين دونما دليل قطعى يقينى فيبقى هناك مجال للنظر. وفى الفقه تعتبر"مظنة" الحرج والمشقة الوصف المناسب الملائم للجمع بين الصلاتين عند المطر والسفر. ويعبر بعض الفقهاء، كما يروى عن الإمام أبى حنيفة النعمان، عن هذه المرحلة بالمقولة المشهورة عنه، مذهبنا صحيح يحتمل الخطأ، ومذهب الآخر خطا يحتمل الصواب وتلى مرحلة غلبة الظن مرحلة تسمى مرحلة "التصديق "ويعتمد فيها على الثقة فى صدق القائل ثم تأتى مرحلة "الإيمان " الذى ينبنى على التصديق بالخبر على شرط الثقة ثم مرحلة "حق اليقين" وهو التصديق التام بالخبر عن طريق كمال الثقة فى مصدر الخبر، كما ورد فى قوله تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم} الحاقة:49 - 52، وتلى هذه المرحلة مرحلة "علم اليقين " عندما يجتمع صدق مصدر الخبر مع القوة الاقناعية بالبراهين العقلية مثلما ورد فى قوله تعالى {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لوتعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين} التكاثر:3 - 7. وتمثل الآية رقم 7 من سورة التكاثر {ثم لترونها عين اليقين} المرحلة القصوى من مراحل العلم حيث تجتمع كل شروط المراحل السابقة مع المشاهدة العينية لموضوع المعرفة. أما فى علم الكلام فقد فصل القاضى عبدالجبار الحديث فى هذا الموضوع حيث قرر أن النظر العقلى لايولد الشك أو الظن، وهو يفرق بين لفظى الشك والظن. أ. د/السيد محمد الشاهد

_ مراجع الاستزادة: 1 - القاموس المحيط محمد بن يعقوب الفيروزأبادى مؤسسة الحلبى -مصر د. ت. 2 - التعريفات للشريف الجرجانى لبنان 1985م. 3 - صحيح البخارى دار الجيل تقديم أحمد شاكر بيروت د. ت. 4 - سنن الدارمى طبعة دمشق 1349هـ. 5 - المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبدالجبار الهمزان تحقيق إبراهيم مدكور القاهرة د. ت

3 - الظهار

3 - الظهار لغة: مأخوذ من الظهر، لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت على كظهر أمى. قيل إنما خص ذلك بذكر الظهر لأن الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيان فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذى هو ممتنع وهو استعارة فكأنه قال: ركوبك للنكاح حرام عَلىَّ (1). واصطلاحا: هو تشبيه الرجل زوجته، أو جزءاً شائعا منها أو جزءاً يعبر به عنها بامرأة محرمة عليه تحريما مؤبدا، أو بجزء منها يحرم عليه النظر إليه كالظهر والبطن وا لفخذ (2). مشروعية أحكام الظهار: كان الناس قبل الإسلام إذا غضب الرجل على زوجته لأمر من الأمور ولم يرد أن تتزوج بغيره قال لها: أنت علىَّ كظهر أمى، فتحرم عليه تحريما مؤبدا لا تحل له بحال، وتبقى كالمعلقة لا هى بالمتزوجة ولا بالمطلقة. واستمروا على ذلك فى صدر الإسلام حتى غضب أوس بن الصامت على زوجته خولة بنت ثعلبة فقال لها: أنت علىَّ كظهر أمى فذهبت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما صنع زوجها فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما أراك إلا قد حرمت عليه "، فقالت أشكو إلى الله فاقتى ووجدى (3) فنزل قول الله تعالى: {قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله} (المجادلة 1). الظهار محرم ولا يعتبر طلاقا، وصرح بعض الفقهاء بأنه من الكبائر لكونه منكرا من القول وزورا، لقوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمهاتُهُم إن أُمَّهاُتهُمْ إلا اللائى ولدْنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإنَّ الله لعفو غفور} (المجادلة 2). أثر الظهار: إذا تحقق الظهار وتوافرت شروطه ترتب عليه الآثار الآتية: (أ) حرمة المعاشرة الزوجية قبل التكفير عن الظهار، وهذه الحرمة تشمل حرمة الوطء ودواعيه من تقبيل أو لمس أو مباشرة فيما دون الفرج، لقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا} (المجادلة 3). (ب) للمرأة الحق فى مطالبة الزوج بالوطء وعليها أن تمنع الزوج من الوطء حتى يكفر، فإن امتنع عن التكفير كان لها أن ترفع الأمر إلى القاضى وعلى القاضى أن يأمر بالتكفير، فإن امتنع أجبره بما يملك من وسائل التأديب حتى يكفر أو يطلق وهذا عند الحنفية لأن الزوج قد أضر بزوجته بتحريمها عليه بالظهار حيث منعها حقها فى الوطء مع قيام الزواج بينهما (4). وعند المالكية: على القاضى أن يأمر الزوج بالطلاق فإن امتنع طلق القاضى عليه فى الحال طلاقا رجعيا، فإن قدر الزوج على الكفارة قبل انقضاء العدة كفر وراجعها (5). (ج) وجوب الكفارة على المظاهر قبل وطء المظاهر منها ودواعى الوطء وخصال كفارة الظهار ثلاثة، وهى واجبة على الترتيب: 1 - عتق رقبة. 2 - صيام شهرين متتابعين. 3 - إطعام ستين مسكينا. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 388 2 - مغنى المحتاج 3/ 353، فتح القدير على الهداية 4/ 85 وما بعدها، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير2/ 439، كشاف القناع هـ/ 368. 3 - أخرجه أبو داود فى، كتاب الطلاق، باب فى الظهار، سنن أبى داود 2/ 273 وأخرجه ابن ماجة فى كتاب الطلاق "باب الظهار" سنن ابن ماجة1/ 666 - 4ـ بدائع الصنائع3/ 234. 5ـ حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 33

العين

1 - العادات الشعبية لغة: العادات جمع عادة، والعادة: كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد، والعادة: الحالة تتكرر على نهج واحد (1). والشعبية نسبة إلى شعب، والشعب: الجماعة الكبيرة ترجع لأب واحد، وهو أوسع من القبيلة، والشعب: الجماعة من الناس تخضع لنظام اجتماعى واحد وتتكلم لسانا واحدا كما فى الوسيط (2). واصطلاحا: يقصد بالعادات الشعبية أو السنن Folkways السلوك المكتسب الذى يشترك فيه أفراد شعب معين، وهى معايير ذات قيمة اجتماعية، من شأنها أن تثير رد فعل فى المجتمع، يتمثل فى الفزع والاستهجان والاستياء، الأمر الذى يبرر توقيع جزاءات على المخالف الذى يعتدى على حرمتها. والعادات الشعبية يتلقنها الفرد من الآخرين بحسب المقتضيات والمناسبات الاجتماعية، ولذا فهى تختلف عن العادات الفردية التى يكتسبها الفرد وفقا لحاجته، مما يعنى أنها لا تقوم الا كعلاقة اجتماعية، تعمل على الانسجام مع مثيلاتها، نتيجة للتكرار الدائم لبعض الأفعال التى تصدر عن عدد كبير من أفراد المجتمع فى مواقف معينة فتبدو العادات الشعبية من ثم ذات صبغة جمعية تنمو تلقائيا، وتظهر بالتدريج حتى تتمكن من النفوس، وتصبح أشبه بالدستور غير المكتوب الذى يتمتع بقوة الإلزام. وهناك غير قليل من التداخل بين هذا المصطلح ومصطلحات العرف، والعادة المستحدثة، والتقليد، وما إلى ذلك من الممارسات الاجتماعية التى لا تخضع إلى التقنين. ولعل أهم ما يميز العادات الشعبية أنها تلب دورا هاما فى بقاء المجتمع الإنسانى واستمراره عن طريق تحديدها لأنماط الفعل وقواعد السلوك واللياقة، كما أنها كثيرا ما تقاوم العادات المستحدثة خاصة تلك التى تكون تعبيرا عن نزوات الساعة، إضافة إلى أنها مكملة للقانون وتمهد لظهوره، وإن اختلفت عنه من حيث التلقائية فى الظهوروالسرعة فى الجزاء. ومع ذلك فلم يعد مصطلح العادات الشعبية مما يتوافق مع المجتمعات التى قطعت شوطا بعيدا فى التغير الاجتماعى والثقافى، ولكنها تلب دورا كبيرا فى تلك المجتمعات التى تتسم بالبساطة، وإن كان من المهم القول مع ذلك بأن هناك بعض هذه العادات التى تبدو منافعها وصلاحيتها، مما يلزم معه وضعها فى دائرة البحث للتعريف الأعمق بها وبإيجابياتها وسلبياتها؛ لما لها من أهمية فى تنظيم الحياة الاجتماعية، على اعتبار أن السنن هى آخر الأمرالمناهج العامة التى تتخذ كطريقة للمعيشة، مما يوجد ضميرا عاما يربط الجماعة بمقاييس واحدة فيما يجوز وما لا يجوز، وهو ما يوجد فى النهاية ذلك الحياء الذى وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه شعبة من الإيمان، الذى من بين وظائفه توحيد العادات العامة، وإسباغ طريقة للحياة يمارسها الجميع بشكل واحد،،وهو ما يكسب الحياة الإسلامية قدرة خاصة على التحمل وعلى المقاومة، باعتبار أن توحد العادات يؤدى إلى توحد الفهم والقضاء على المنازعات، نظرا لمعرفة الجميع مقدما بما يجب فعله فى مختلف المناسبات. أ. د/محمود أبوزيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (عود) 2/ 658. 2 - المصدر السابق، مادة (شعب) 1/ 503

2 - العاطفة

2 - العاطفة لغة: من عطف: مال، وعطف عليه: أشفق ورحم. والعاطفة: الشفقة، وجمعها: عواطف (1). واصطلاحا: لفظ مشترك له عدة تعريفات منها: 1 - استعداد نفسى ينزع بصاحبه إلى الشعور بانفعالات وجدانية معينة، والقيام بسلوك خاص حيال فكرة أو شيء (2). 2 - العاطفة انفعال ناشئ عن أسباب معنوية، لا عن أسباب عضوية. 3 - هى الميول الخيرية دون الميول الأنانية والنفعية. فالعطوف من الرجال هو الذى يحمى الضعفاء، والعطوف من النساء هى المحبة لزوجها، وهو مذهب "روسو" وآدم سميث و" جاكوبى"، ويسمى مذهب العاطفة فى الأخلاق، وقوامه الشعور بالغيرية، أى بحب الآخرين، وطريقته المعروفة الحدسية. 4 - وقد تطلق العاطفة على اللذات والآلام، وعلى غريزة حفظ البقاء، والمشاركة الوجدانية والحب والكبرياء، والتواضع، والمنازع الخلقية والاجتماعية والدينية والجمالية والعقلية (3). وإذا كان من المألوف أن ينزع المرء بعاطفته إلى المشاركة الوجدانية، فإنه أيضا ينزع بها إلى "الكشف عن الحقيقة". غير أن الحقيقة التى نكشف عنها بعاطفتنا لا تصبح حجة عند غيرنا، إلا إذا حصل لهم من الكشف مثل ما حصل لنا. وعند "كوزان " أن العاطفة مصدر الانفعالات، وهى لهذا تقابل العقل (4). والعاطفى Sentimental هو المنسوب إلى العاطفة، ولاسيما عاطفة الحب. ويجوز أن نقول "التربية العاطفية" و" السياسة العاطفية"، وهى ضد السياسة الواقعية. والعاطفى من البشر: هو الذى يتغذى بالعواطف، أو يتبع عواطفه فى علاقاته الإنسانية، أو يفضل إظهار عواطفه على سترها. ويكون المقصود بالعواطف هنا "العواطف العذبة" وهى المصحوبة بالذكريات العذبة والأحلام الجميلة (5). وقد اهتم "صوفية الإسلام، بموضوع العاطفة لأن التصوف علم القلوب، وما يفيض به القلب من شعور وإحساس هو الأساس فى سلوكهم. ولذا كان هناك شبَه قِوىّ بين أدب الصوفية المسلمين وأدب الرومانتيكيين من الأوروبيين؛ لأن كلا الفريقين كان يمجد العاطفة، ويتخذ منها هاديا فى السلوك. بل كانوا يرون جميعا أن العاطفة أصدق من العقل، وأن الفكرة العميقة نابعة من عاطفة عميقة (6). وكل ذلك يخفف عن الإنسان وطأة الحياة المادية، ولاسيما تلك المادية التى ألقت بظلال ثقيلة على كل مناحى الحياة فى عصرنا هذا (7). هذا وإن العاطفة واحدة بين الرجل والمرأة، فليس للرجل عاطفة تختلف عن المرأة أو العكس، فهى قاسم مشترك بين الطرفين، مثلما يحدث ذلك فى الكتابة والإبداع الأدبى وغير ذلك (8). أ. د / عبد اللطيف محمد العبد

_ المراجع 1 - مختار الصحاح "عطف ". 2 - المعجم الوجيز- لمجمع اللغة العربية بالقاهرة- مادة "عطف ". 3 - المعجم الفلسفى، د. جميل صليبا: 2ـ43 - 44، ط، 1971 م. دار الكتاب اللبنانى- بيروت. 4 - المعجم الفلسفى، د. مراد وهبة ص 0 26. ط3، 1979م. دار الثقافة الجديدة بالقاهرة. 5 - المعجم الفلسفى، د. جميل صليبا: السابق- 44:2. 6 - ليلى والمجنون فى الأدبين العربى والفارسى د. محمد غنيمي هلال:- ص 240 - 241 "دون تاريخ " مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة. 7 - انظر بصفة عامة: الحياة الروحية فى الإسلام. د. محمد مصطفى حلمى. ط 954 1م عيسى االبابى الحلبى بالقاهرة. 8ـ انظر بصفة عامة عاطفة الاختلاف، قراءة فى كتابات نسوية- د. شيرين ابوالنجا: ط 1998 م الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.

3 - العالم

3 - العالَم اصطلاحا: هو مشتق من العلم والعلامة، وهو ما ِسوَى الله من الموجودات، والعالَم اسم لكل ما وجوده ليس من ذاته، بل يحتاج إلى صانع يوجده، وينقسم العالَم إلى جسمانى وروحانى، كما ينقسم المعنى إلى عام وخاص، فالعالم يضم: العالم الجسمانى: وهو مجموعة الموجودات من الأجسام الطبيعية، التى توجد فى الزمان والمكان، وهو هذه الأشكال المتعددة للمادة، والعالم بهذا المعنى مجمل الأشياء والظواهر والعلائق القائمة بين تلك الأشياء وتلك الظواهر. والعالم المادى هو العالم الذى نعيش فيه وندرسه، وتكون العلوم الطبيعية ميدان المعرفة الخاص به، حيث المناهج التى تزن، وتقيس، وتكرر التجربة، وتبحث عن قوانين مبنية عليه. وقد يختلط مصطلح العالَم مع مصطلح الكون، ولكن بينهما اختلافا دقيقا، فالعالَم هو عالم الناس، العالم الطبيعى، وعالم العلاقات بين الظواهر، أما الكون فهو أشمل، ومرادف للوجود المطلق العام، وقد يطلق على وجود العالم من حيث هو عالم، أو على العالم من جهة ما هو ذو نظام محكم، وتشمل المادة وغير المادة. وهذا العالَم المحسوس منشأ لجميع الأفراد، وفيه تفهم حقيقته، وفيه الانفصال والاتصال، والتحيز، والمغايرة، والاتفاق، والاختلاف وقد ظهر قديما بين مفكرى الإسلام خلافا حول قِدَم العالم وحدوثه، ذهب أغلب الفلاسفة إلى أنه قديم، وذهب المتكلمون إلى أنه حادث، لكن ابن رشد يرى أن هذا الخلاف فى مفهوم العالَم يجب ألا يؤدى إلى أن المذاهب تتباعد حتى يكفر بعضها بعضا. ويضم العالم الروحانى، الموجودات غير المادية، مثل عالم الأرواح والروحانيات، لأنها وجدت بأمر الحق بلا واسطة، وأحيانا يسمى هذا العالَم عند الصوفية بعالم الأمر، عالم الملكوت، عالم الغيب. وقد تناول مفكرو الإسلام العالَم بالدراسة، ووصفوا العالَم المادى، وغير المادى، فأشاروا إلى أن العالَم المادى هو ما حواه السطح الظاهر، ويقال على جمله مؤلفة من أشياء مختلفة تنقسم إلى ثقيل وخفيف، وشكله كرة، ويتكون من عناصر بسيطة، وأجسام مركبة من هذه العناصر، وهذا العالَم يسمى عندهم بعالم الملك.، وهو أيضا عالَم الشهادة، عالَم المعرفة بالحس والمشاهدة الحسية. فهو الأرض بما عليها ومن عليها، عالَم الأعيان، عالَم الخلق حيث التغير والنقص والشر والفساد، وهو عالمَ الشهادة. كما يسمى عندهم بعالَم الكون والفساد، لأن الأجسام التى تشكل أجزاء هذا العالَم تتكون ثم تفسد، وهذا العالَم فى مقابل العالَم العلوى، أى عالمَ الأفلاك وما فيه مَن العقول والنفوس والأجرام. وعالَم الأمر عندهم ضد عالَم الخلق. ويوضع العالم الأرضى فى منزلة دنيا، فالعالَم هو الدنيا ذات المرتبة الفانية، وهى الدار التى يقدم فيها الإنسان عمله، لينتقل إلى دار أخرى هى دار البقاء ليجازى عن هذا العمل. وتوجد تفسيرات أخرى للعالم قدمها مفكرون وصوفية، فقد فرق إخوان الصفا- إحدى الجماعات الفكرية- بين العالَم الأكبر والعالَم الأصغر الأول هو عالَم الموجودات، والأصغر هو الإنسان، وعقدوا مقارنة بين الاثنين، فالجبال فى الطبيعة تشابه الرأس فى الإنسان، والأنهار فى الطبيعة تقابل عروق الدم فى الإنسان. والآن يستخدم مصطلح العالمَ الأكبر إشارة إلى عالمَ الموجودات، وذلك فى مقابل المصطلح الأصغر وهو الذرة والنواة. وللصوفية تفسيراتهم للعالَم، فالعالَم عندهم هو الظل الثانى، ولا وجود لهذا العالَم عندهم، فالعالم صورة الحق، وقد تكلم الصوفية عن مفاهيم أخرى للعالم، فقالوا: عالم الجبروت، أى عالم الأسماء والصفات الإلهية، وعالم الأمر أى عالم الغيب، وعالَم الخلق وهو عالم الأجسام- والعالَم الكبير عندهم هو ما فوق السماء والصغير هو ما تحتها. وقيل: الكبير ملكوت السموات والصغير ملكوت الأرض. وأحيانا يطلقون اسم العالم الكبير على القلب، والصغير على النفس، أو قالوا كما ذهب إخوان الصفا- إن العالَم الكبير هو عالم السماء والأرض، والعالَم الصغير هو الإنسان. والمعنى الخاص للعالَم يطلق على أجناس معينة، كما نقول عالم الإنسان، أو عالَم القيم، وعالم الأدب وعالم السياسة، وعالم المقال، وعالم المعقولات، ومن هنا قالوا: إن معنى العالَم هو الجملة، وهى جملة المعانى أو الأجناس والأنواع التى تدخل فى تأليف الحكم أو الاستدلال. وهذه العوالم كثيرة، قال الغزالى: "والعوالم كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى" أ. د/ منى أحمد أبو زيد

_ المراجع 1 - التعريفات، للجرجانى، تحقيق إبراهيم الإبيارى – دار الكتاب العربى بيروت سنة 1405 هـ / 1985م. 2 - اصطلاحات الصوفية، الكاشانى تحقيق د. عبد العال شاهين، دار المنار سنة 1413هـ، 1992م. 3 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا –ج2 مادة (العالم) ومادة (الكون) دار الكتاب اللبنانى بيروت. 4 - الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربى جـ1، مادة العالم – كتاب د. على زيعور – بيروت ط1 سنة 1986م.

4 - عام الحزن

4 - عام الحزن هو العام العاشرمن بعثة النبى صلى الله عليه وسلم وسمى بعام الحزن لأنه كان من المظنون بعد انتهاء المقاطعة الجائرة، التى كانت قريش قد ضربتها على النبى صلى الله عليه وسلم ومن انحاز إليه أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا بين أحب الناس إليه وآثرهم عنده، وهما عمه أبوطالب وزوجه خديجة رضى الله عنها إلا أنهما قد توفيا فى هذا العام، وبوفاتهما وفقد الرسول صلى الله عليه وسلم لهما سمى هذا العام بعام الحزن. فقد مات عمه أبو طالب، وليس يدرى إلا الله كم كان وجده عليه (1)، إذ كان له خير نصير، يدرأ عنه الأعداء، ويجمع من حوله الأقرباء، ويمكنه من العمل لدينه، على الرغم من وعيد المشركين وتهديد قريش أجمعين، وكان إذا أذاه قومه قال صلى الله عليه وسلم (والله ما أصابنى هذا إلا بعد موت أبى طالب) (2). ثم جاءت وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها بعد أيام من وفاة عمه، فانفطر فؤاده صلى الله عليه وسلم واشتدت لوعته، فقد كانت له نعم العشير والنصير مدة خمس وعشرين سنة، فلم يسمع منها كلمة تؤذيه، ولا رأى منها نظرة تؤلمه، جاءها خائفا يرجف فؤاده فتلقته باسمة، واستقبلته راضية، ومازالت به حتى أعادت الأمن إلى نفسه، وعندما أمره ربه أن يدعو إلى دينه كانت أول من دخل فيه، ولما قاطعته قريش أبت إلا أن تدخل معه شعب أبى طالب، وكان إذا اشتد عليه قومه وقفت إلى جانبه تربت على صدره، وتمسح الأسى عن قلبه، حتى يشتد عزمه ويعود إليه نشاطه. وليس يدرى إلا الله كيف استطاع النبى صلى الله عليه وسلم احتمال فقد عمه ثم زوجه، ولا كيف احتمل أن يرى زوجه وهو يدخلها قبرها. مفتقدا نصرتهما له، ومواساتهما إياه، من أجل هذا اعتكف صلى الله عليه وسلم فى داره وسمى هذا العام الذى فقدهما فيه عام الحزن (3). أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - تاريخ اليعقوبى لأحمد بن أبى يعقوب 2/ 35 ط دار صادر بيروت لبنان. 2 - الكامل فى التاريخ لابن الأتير تحقيق الشيخ/عبدالوهاب النجار 2/ 63 ط1 سنة 1349هـ المطبعة المنيرية القاهرة. 3 - إمتاع الأسماع للمقريزى 1/ 49 ط1 1401هـ-1981 م دار الأنصار القاهرة

5 - عام الوفود

5 - عام الوفود اصطلاحا: هو العام التاسع أو العاشر الهجرى، على اختلاف فى تحديده، لأن العامين قد شهدا وفود القبائل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كانت فى الأول أكثر منها فى الثانى (1). والحق أن حركة الوفود كانت سابقة على عام الوفود، فلم يكن العام التاسع الهجرى هو الذى بدأت فيه الوفود انطلاقها إلى المدينة، وإنما كان بداية ذلك إثر صلح الحديبية، حيث انطلقت إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفود دوس ومزينة وبنى سعد، وإنما عُدّ العام التاسع أو العاشر الهجرى باعتبار الكثرة. وقد بلغت هذه الوفود واحدا وثلاثين، أقبلت إلى المدينة تخطب ود النبى صلى الله عليه وسلم وتعلن إسلامها بين يديه، ومن الأسباب التى من أجلها توافدت تلك الوفود إلى المدينة المنورة، وكثرث فى العامين المذكورين؛ أن قريشا قد أسلمت فور فتح مكة، وتحطمت الأصنام القائمة حول الكعبة، وتلتها ثقيف، وبات العرب أمام أمرين للعناد؛ إما أن يهجروا البيت الحرام فلا يحجون إليه ولا يعتمرون، وهو ما لا قدرة لهم عليه، وإما أن يواصلوا الحرب، وهو ما لا رغبة لهم فيه، خاصة وأن الجيش الإسلامى عاد من تبوك بعد إرهاب أقوى دول الأرض، وهى الروم، والقبائل المنتصرة على تخوم الشام. وإن تعجب فعجب أن القبائل الآن تحج إلى النبى صلى الله عليه وسلم طالبة رضاه، معلنة اعتناقها لدينه، وقد كان يأتيها قبل هجرته فى مواسم الحج والعمرة يدعوها إلى دينه فتأبى، ويطلب منها الحماية حتى يبلغ آمنا رسالة ربه فترفض (2). وعلى كل حال فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستمع لكل وفد ويجيبه إلى ما يريده فى إطار الشرع: ساًله ممثلو ثقيفه ألا يعشروا، ولا يحشروا، ولا يولى عليهم غيرهم، وأن ترفع الصلاة عنهم، ولا يهدم صنمهم إلا بعد ثلاث سنين، فأجابهم إلى الثلاثة الأولى دون الرابع والخامس (3). ومن الوفود من كان يتجاوز حدوده، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل معه بما يردعه وينهنه من غروره. أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - السيرة النبوية لابن كثير 2/ 299، تحقيق/أحمد عبدالشافى، ط دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 2 - إمتاع الأسماع للمقريزى 1/ 22 - 33 تحقيق محمد عبدالحميد النميسى، ط1، دار الأنصار، القاهرة 1401هـ-1981م. 3 - عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير لابن سيد الناس 2/ 272، مكتبة القدس، القاهرة 1406هـ-1986م

6 - العامة

6 - العامة لغة: عمَّ الشىء عموما: شمل، والعام: الشامل وهو خلاف الخاص، والعامة من الناس: خلاف الخاصة والجمع عوام، كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: يدل بوجه عام على معنى الجمهور الذى يشير فى الكتابات الحديثة إلى معنى الشعب، ومن ثم فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية المعرفة وبخاصة ما إذا كانت هذه المعرفة بمجالاتها وبأمورها المنوعة هى معرفة إجمالية للكافة والعامة، وما قد يترادف مع هذا من مصطلحات أخرى مثل الرعية، والسواد الأعظم، والأهالى، والعباد، والمؤمنين، أم أن بها من الأمور الدقيقة والتفصيلية ما يعتبر وقفا على الخاصة. وهو يتردد كثيرا ضمن المصطلحات الأساسية فى نظرية الحكم الإسلامية سواء ما تعلق منها بإطار الحكم فى عموميته، أو ما تعلق بطبيعة المادة البشرية للحكم أى المحكومين. ولا جدال فى أن باب الاجتهاد مفتوح أمام كل القادرين، ولكن هناك من يرى أن من الأمور اللازمة لضبط المصالح العامة ما يتصف بالخصوصية، التى تباعد بينها وبين العوام أو العامة، وعلى قمة هذه الأمور نظرية الإمامة الإسلامية، وخاصة ما تعلق بمسألة تمييز الإمام وتنصيبه، حيث يرى البعض أنه فرض على خاصة الأمة، بمعنى أنه ليس ضرويا ولا هو بالشرط اللازم اشتراك العامة واتفاقها، لأنها مهمة المؤهلين لإنجازها. وربما كان الإمام الغزالى هو صاحب الصوت الأعلى الذى أكد هذا التمييز، فالأمة أو القاعدة الشعبية فى الإسلام تتألف من قوى شعبية هى الأمناء من العلماء، ثم سائر القاعدة من عوام المسلمين، والأولون عليهم واجب الشورى، والمساهمة فى الحكم، والقيام بالدعوة، وإقامة الشريعة والدين، بينما على الباقين واجب النصرة والنصح والطاعة فهو يقول "وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء" كما يقول "اعلم أن لكل صناعة أهلا يعرف قدرها ومن أهدى نفائس صنعه إلى غير أربابها فقد ظلمها" (2). ومصداق ذلك قوله فى "أنه ليس مهما لجميع المسلمين بل لطائفة منهم مخصوصين ". ولكن التضامن الإسلامى ينشأ بالأكثر، فضلا عن وحدة الإيمان، بسبب آخر هو فرض الكفاية أى الواجب الذى لا يكلف القيام به أحد بعينه، ولكنه تكليف على المسلمين جميعا. وبذلك تبدو قضية الإمامة فرض عامة الأمة وواجبها، حتى بلغ الأمر حد القول بانعدام الإمامة ما لم يحصل الإجماع من الأمة على من ينصب إماما، وعلى ما نجد بصفة خاصة لدى أصحاب الطريقة المعروفة فى فقه الخلافة بطريقة العامة. وأيا ما كان الرأى فإن التضامن الإسلامى خاصة فى ظروف المجتمع المتغير المعاصر إنما يحتاج أشد ما يحتاج إلى تضافر الرأى، والثقافه حول أهداف الأمة وغاياتها، وفى ظنى أن هذا مما يوجب المشاركة فى إبداء الرأى وتمحيصه، وما الشورى ذاتها والتى تعتبر أساس الحكم الصالح إلا فرض كفاية من هذا النوع الأصيل. أ. د/محمود أبوزيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (عمم) 2/ 652. مراجع الاستزادة: 1 - إحياء علوم الدين، لأبى حامد الغزالى. 2 - المضنون به على غير أهله، لأبى حامد الغزالى. 3 - مستهل الاقتصاد فى الاعتقاد، لأبى حامد الغزالى

7 - العبادة

7 - العبادة لغة: الخضوع والتذلل للغير لقصد تعظيمه، ولا يجوز فعل ذلك إلا لله، وتستعمل بمعنى الطاعة (1). واصطلاحا: ذكروا لها عدة تعريفات متقاربة منها: 1 - هى عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف (2) 2 - هى الطاعة والتذلل، وطريق معبد إذا كان مذللا للسالكين (3). 3 - هى أقصى غاية الخضوع والتذلل (4). 4 - هى اسم لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال والأعمال الظاهرة والباطنة. وللعبادة مميزات: 1 - العبادة لا تصدر إلا عن وحى: لما كان المقصود من العبادة تهذيب النفس بالتوجه إلى الله والخضوع له والانقياد لأحكامه بالامتثال لأمره؛ فلا تصدر إلا عن طريق الوحى: القرآن الكريم، والسنة النبوية، فقد ورد فى الصحيح: "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (5). أما الأمور العادية التى تجرى بين الناس لتنظيم مصالحهم الدنيوية، فالمقصود منها: التوجيه إلى إقامة العدل بينهم، ودفع الضرر، فيجوز فيهما الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، لتحقيق العدل ودفع الضرر. 2 - اشتراط النية فى العبادات: لا خلاف بين الفقهاء فى اشتراط النية فى العبادات لحديث: "إنما الأعمال بالنيات " (6). والحكمة فى إيجاب النية فيها: تمييز العبادة عن العادة، ولهذا قالوا: تجب النية فى العبادة التى تلتبس بعادة، فالوضوء والغسل يترددان بين التنظيف والتبرد والعبادة، والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوى، وقد يكون لعدم الحاجة إليه، وقد يكون للصوم الشرعى، والجلوس فى المسجد يكون للاستراحة ويكون للاعتكاف، ودفع المال للغير قد يكون صدقه تطوع وقد يكون فرض الزكاة؛ فشرعت النية لتمييز العبادة عن غيرها، والصلاة قد تكون فرضا أو نفلا، فشرعت النية لتمييز الفرض عن النفل. أما التى لا تلتبس بعادة، كالإيمان بالله والخوف والرجاء والآذان والإقامة وخطبة الجمعة، وقراءة القرآن والأذكار فلا تجب فيها النية لأنها متميزة بصورتها (7). 3. هل تدخل النيابة فى العبادات؟ قسم الفقهاء العبادة إلى ثلاثة أقسام:- 1 - عبادة بدنية محضة. 2 - عبادة مالية محضة. 3 - عبادة مترددة بينهما. فالعبادة البدنية المحضة كالصلاة والصوم والوضوء والغسل، فالأصل فيها امتناع النيابة، إلا ما أخرج بدليل كالصوم عن الميت، لأن المقصود من التكاليف البدنية الابتلاء والمشقة، وهى تحصل بإتعاب النفس والجوارح بالأفعال المخصوصة، وهو أمر لا يتحقق بفعل نائبه، فلم تجزئ النيابة إلا فى ركعتى الطواف تبعا للنسك فى الحج عن الميت أو المعضوب، ولو استناب فيهما وحدهما لم يصح. أما الصوم عن الميت فيقبل النيابة لحديث ورد فيه عن ابن عباس- رضى الله عنهما: "جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم نذر" أفأصوم عنها؟ فقال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ذلك يؤدى عنها قالت نعم قال: فصومى عن أمك (8). " أما العبادات المالية المحضة: كالصدقة والزكاة والكفارات والنذر والأضحية ونحو ذلك فتصح فيها النيابة، لأن الإمام لا يفرقها على المستحقين إلا عن طريق النيابة. وأما العبادة المترددة بين المالية والبدنية: كالحج عن المعضوب أو الميت فتصح فيها النيابة. ويجوز للإنسان أن يجعل ثواب ما فعله من عبادة لغيره وهذا محل اتفاق فى العبادات غير البدنية المحضة كالصدقة والدعاء والاستغفار والوقف عن الميت وبناء المسجد عنه والحج عنه. واختلف العلماء فى العبادات البدنية المحضة كالصلاة وتلاوة القرآن فقال الحنفية والحنابلة: له أن يجعل ثواب عبادته لغيره؛ لأنه وردت أحاديث صحيحة فى الصوم والحج والدعاء وهى عبادات بدنيه. وقال الإمام الشافعى: لا يفعل عن الميت الصلاة عنه قضاء أو غيرها وقراءة القرآن لقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (النجم 39) وهو مذهب المالكية، وحكى النووى من الشافعية وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت (9). أ. د./ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 389. 2 - تفسير القرآن العظيم، ابن كنير 1/ 25دار الحديث، القاهرة. 3 - الجامع لأحكام القرآن القرطبى 1/ 192. 4 - روائع البيان فى تفسير أيات الأحكام للصابونى 1/ 27. 5 - أخرجه البخارى فى كتاب الصلح "باب اذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود"، فتح البارى بشرح صحيح. . البخارى 5/ 355. 6 - أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى "باب كيف كان بدء الوحى الى رسول الله " فتح البارى بشرح صحيح البخارى. 1/ 15. 7 - مغنى المحتاج 1/ 47، الأشباه والنظائر للسيوطى ص 12، حاشية ابن عابدين1/ 237كشاف القناع 2/ 260. 8 - أخرجه مسلم فى كتاب الصوم "باب قضاء الصوم عن الميت "صحيح مسلم بشرح النووى8/ 24 وما بعدها. 9 - مغنى المحتاج 3/ 69، حاشية القليوبى على المحلى3/ 175، وما بعدها، جواهر الإكليل 1/ 163

8 - العباسيون

8 - العباسيون العباسيون: هم أبناء عباس (1) بن عبدالمطلب القرشى الهاشمى، عم النبى صلى الله عليه وسلم وكافله بعد أخيه أبى طالب وصاحب السقاية والعمارة. ولد قبل النبى عليه الصلاة والسلام بسنتين، ودخل فى دينه قبل هجرته إلى المدينة، وكان يكتم إسلامه بناء على توجيه منه صلى الله عليه وسلم، وقد شهد العقبة الثانية ليستوثق لابن أخيه من الأنصار، وشهد معه مشاهدكثيرة، منها: فتح مكة، وغروة حنين، والطائف، وغروة تبوك، وعاش صلى الله عليه وسلم حتى شارك فى دفن الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه، وتوفى سنة اثنتين وثلاثين هجرية ستمائة واثنتين وخمسين ميلادية، وله من العمر ثمان وثمانون سنة، بعد أن أدرك خلافة الشيخين، والشطر الأكبر من خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى صلى عليه وشارك فى دفنه. والعباس (2) وإن كان أقرب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من علىّ كرم الله وجهه، فإنه لم يستشرف للخلافة، لعدم توافر شرطها الأساسى فيه وهو السبق إلى الإسلام، ووقف بجانب على رضى الله عنه يؤيده ويحضه على المطالبة بحقه ونسج على هذا المنوال نفسه أبناؤه العشرة من بعده، وهم: 1 - الفضل، وبه كان يكنى. 2 - عبدالله. 3 - عبيدالله. 4 - قثم. 5 - عبدالرحمن. 6 - معبد. 7 - الحارث. 8 - كثير. 9 - عون. 10 - تمام. فأطاعوا عليا، وشاركوا فى حكومته ومعاركه التى دارت رحاها بينه وبين معاوية ابن أبى سفيان، ولما مالت كفة الصراع إلى غير صالحه أخذوا يتوجهون إلى الأمويين، ففارقه (3) عبدالله مستقيلا من البصرة، وفارق أخوه عبيدالله ولده الحسن، وآوى إلى معاوية. ولما تنازل الحسن رضى الله عنه عن الخلافة، ونزل أخوه الحسين على إرادته، اعتقد العباسيون أن حقهم فيها قد سقط، وأنهم وحدهم صاروا أصحاب هذا الحق، فهادنوا الأمويين ونالوا جوائزهم، وفى الوقت نفسه راحوا يعدون أنصارهم للدعوة إليهم وأخذه عنوة من الأمويين وكانوا ينتظرون ثلاث علامات (4)، إحداها: هلاك الطاغية يزيد بن معاوية، والثانية: مجىء العام المكمل للمائة، والثالثة: قتل يزيد ابن أبى مسلم وانتفاض البربر. ولما تم لهم ما أرادوا أخذوا فى الدعوة إلى أنفسهم وفق برنامج غاية فى الدقة والعمق، فجعلوا للدعوة مراكز ثلاثة: الحميمة، وفيها يقيم الإمام، والكوفة، وفيها يقيم نائبه الأول على العراق، وخراسان، وفيها يقيم نائبه الثانى وأتباعه من الدعاة والنقباء، وكان الاتصال بين هذه المراكز مرتبا ترتيبا دقيقا، إذ تخرج التوجيهات من الإمام فى الحميمة إلى نائبه فى الكوفة، ومنه إلى نائبه الثانى فى خراسان، ولكى لا يخفى على الإمام شىء من أخبار الدعوة وأسرارها فإنه كان يلتقى فى موسم الحج من كل عام بنائبيه فى العراق وخراسان والدعاة السبعين ونقبائهم الاثنى عشر، الذين كان ثمانية منهم من العرب وأربعة من الموالى. كانت الدعوة فى بدايتها للرضا من أهل البيت، وذلك حتى لا يشغب أبناء فاطمة على العباسيين ويجهضوا دعوتهم قبل أن تبلغ الهدف وتدرك الغاية. تبقى المراحل التى عبرتها الدعوة حتى أتت أكلها وهى المرحلة السرية: وكانت أطولها فقد بدأت سنة مائة وانتهت سنة مائة وتسع وعشرين. أما المراحل الخمس الأخرى هى: 1 - الجهرية. 2 - المواجهة المسلحة. 3 - الفتح. 4 - قيام الدولة. 5 - الانتقام. وقد مرت عبرثلاث سنين ما خلا مرحلة الانتقام فقد استغرقت خلافة السفاح، وهو أول من بويع له بالخلافة من بنى العباس. وقد حكمت الخلافة العباسية العالم الإسلامى من سنة مائة واثنتين وثلاثين هجرية سبعمائة وتسع وأربعين ميلادية إلى سنة ستمائة وثمان وخمسين هجرية الف ومائتين وستين ميلادية. حيث سقطت على أيدى المغول، الذين خربوا بغداد، وألقوا ما فى مكتباتها فى دجلة، وحرموا العالم من تراث علمى وفنى، لو أنه بقى لغير وجه الدنيا، وعدل مسار التايخ. والذى يستعرض إنجازات هذه الخلافة يلاحظ أنها رفعت صرح الحضارة الإسلامية، ونشرت أضواءها شرقا وغربا، ففيها ترجمت إلى العربية ما تفتقت عنه العقول البشرية من الآداب، والعلوم، والفنون، وفيها ازدهرت النهضة الفقهية والمذهبية التى لم ير العالم لها نظيرا من قبل ولا من بعد. وبعد، فهؤلاء هم العباسيون وهذه هى دولتهم التى رعت الحضارة، ورفعت ألوية المدنية، وأخرجت العالم كله من ظلام الجهل إلى نور العلم. أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - أسد الغابة لابن الأثير 4/ 315 ط دار الشعب. 2 - تاريخ الخلفاء للسيوطى، ص 166، تحقيق أ/محمد محى الدين عبدالحميد، ط السعادة، القاهرة. 3 - تاريخ الرسل والملوك للطبرى 5/ 163 - 164 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط4 دار المعارف القاهرة. 4 - دور العباسيين فى طلب الخلافة أ. د/عبدالعزيز غنيم، ص 22 ط1 دار الوفاء القاهرة 1403هـ-1983م

9 - عبدة الشيطان

9 - عبدة الشيطان الحبادة الإبليسية عرفتها البشرية منذ القدم بصور مختلفة وليست مجرد ظاهرة تظهر فى بلاد الغرب أو فى الشرق من حين إلى آخر. ولكى نلقى الضوء على هذه المسألة من بدايتها نقف أمام قول الحق تبارك وتعالى: {إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خيرمنه خلقتنى من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ص:71 - 85. فى هذه الآيات نرى انطلاق الغواية والصراع بين آدم وذريته وبين إبليس وذريته إلى يوم القيامة. لكن سير الغواية كان فيما أشارت إليه الآيات: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أوتكونا من الخالدين} الأعراف:19 - 20. ثم يأتى التعبير القرآنى ليبين نتيجة الغواية: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقرومتاع إلى حين} البقرة:36. وبعدها تأتى رحمة الله لآدم ولذريته من بعده فى نافذة التوبة: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} البقرة:37. وبقيت غواية إبليس الذى يترصد لذرية آدم إلى أن تقوم الساعة فى أهم مهام بنى آدم وهى العبادة الحقة لله سبحانه وتعالى والاستخلاف وتعمير الكون. وانطلقت البشرية فى اتخاذ المعبودات المضلة التى نذكر منها: عبدة الشمس وعبدة الأصنام، وهناك من عبد النار سواء فى الهند أو عند الفرس ومن قدس الأنهار والمياه وعبد الأفعى، وكان القدماء المصريون يقدمون القرابين للنيل من الشابات الجميلات. كما كانت هناك حيوانات تعبد على أنها آلهة فى ذاتها ولها معابد خاصة مثل العجل "منفيس" والعجل "أبيس" وفى عهد الاغريق دخلت إلى مصر فى عبادة الأبطال من الرجال. وهناك من عبد الكواكب مثل الصابئة الذين كان لهم أكبر الأثر فى فرقة اليزيدية. على أن حصر العبادات المختلفة لدى البشرية وغواية إبليس للإنس على مر العصور والحضارات أمر يجل عن الحصر ومن أشهر الطوائف التى عرفت فى العالم الإسلامى هم فرقة "اليزيدية" أو عبدة الشيطان وهم طائفة ينتمى معظمها إلى الجنس الكردى، ويوجد بعض منهم فى إيران ومعظم هذه الطائفة يسكن المدن والقرى ويشتغل بالزراعة إلا أن بعضها لايزال فى طور البداوة ويؤلف قبائل رحالة تدعى "الكوجر". وترتبط عقيدتهم بطاووس ملك وهو "الشيطان" أو "إبليس" ولهم كتابهم المقدس "مصحف رش" الذى يحتوى على قصة الخلق وعقائد اليزيدية مما حلل أو حرم عليهم. وعبادة الشيطان مسألة تتجدد وتنمو مع ظهور الفساد والرغبة فى الانطلاق من قيود وضوابط الأديان وهى مسألة تنمو وتزدهر من حين إلى آخر سواء فى بلادنا العربية والإسلامية أو فى الغرب مما يفزع له أصحاب القيم الحريصون المؤمنون بالعقائد والأديان. وهذه العبادة يوجد لها كنائس ورواد وطقوس من كل لون وفن لإغواء الشباب وتلبية حاجاتهم الغريزية بفنون وطقوس وكهنة وحاخامات يزينون لهم هذه الغواية، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: {يابنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} الأعراف:27. أ. د/آمنة محمد نصير

_ مراجع الاستزادة: 1 - عبادة الشيطان أ. د/آمنة نصير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 2 - الملل والنحل للشهرستانى

10 - العثمانيون

10 - العثمانيون العثمانيون نسبة إلى عثمان مؤسس دولتهم التى حكمها 36 سلطانا واستمرت 624 سنة ونيفا ينتسبون إلى قايى من قبائل الغز، ثم شاعت صفة عثمانى على كل مواطن ينتمى إلى دولتهم العثمانية بصرف النظر عن دينه وثقافته وعرقه كونوا إمارة ثغر تابعة لدولة سلاجقة الروم فى الأناضول على حدودها مع الدولة البيزنطية ثم استقل أميرها عثمان عام 699هـ-1299م وأسس إمارته على العلم والفتوحات. وفى عهده برز الشاعر عاشق باشا أول شعراء العثمانيين. ثم توسع عثمان بالغرو والجهاد على حساب البيزنطيين، ولما مات خلفه ابنه أورخان الذى اتخذ من مدينة بورصة عاصمة سياسية وثقافية. واتبع أورخان سياسة أبيه فى نشر العلم وفى الفتح، ووصل إلى مضيق الدردنيل. ومن أبرز شعراء عصره سليمان جلبى صاحب قصيدة المولد. وتولى مراد بن أورخان الإمارة العثمانية والتى تمتد بين الأناضول والبلقان، وفى عهده تأسست فرقة الإنكشارية أول جيش نظامى فى العالم، وفتحت أدرنة من أكبر المدن البيزنطية 764هـ-1362م، وظلت عاصمة للعثمانيين حتى عام 857هـ-1453م وأنجب عصره الشاعر نسيمى الذى نشأ فى العراق العثمانى، ونظم بالتركية فى لهجتها الآذرية. وانتصر مراد على تحالف القوى الأوربية ضده فى معركة قوصوه (كوسوفا) إلا أنه استشهد عقبها. وفى عهد ابنه بايزيد الصاعقة انتهى عهد الإمارة لتتحول رسميا إلى سلطنة الخليفة العباسى فى القاهرة بتنصيبه بايزيد سلطانا على الروم إلا أن هزيمته أمام تيمور لنك فى موقعة أنقرة 805هـ-1402م تسببت فى تفرق الدولة مدة إحدى عشر عاما، بعدها لم ابنه السلطان محمد الأول شمل الدولة من جديد. وهو الذى اعتنى بالتوحيد السياسى وبالمعرفة وظهر فى عهده شيخى الشاعر المجدد صاحب خرنامة آما ثم جاء السلطان مراد الثانى وبعده محمد الثانى الذى لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية (استانبول) عام 857هـ-1453م واتخاذها عاصمة. وبه انتهى رسميا وجود الدولة البيزنطية وبدأ عهد الدولة الحديثة فى أوربا. وبه أيضا بدأ التاربخ الحديث. واشتهرالفأتح كقائد عسكرى وشاعر وأديب وراع للفنون والأدب، فبالإضافة إليه نفسه كشاعر صاحب ديوان نجد فى عهده العالم آق شمس الدين، الذى عرف الميكروب وكتب عن السرطان، والشاعر أحمد باشا وكذلك سنان باشا رائد النثر التركى العثمانى، والشاعرتين مهرى خاتون وزينب خاتون. وإذا كان الأمير عثمان المؤسس مات عن إمارة تبلغ 800 كم2 فقد توفى الفاتح عن دولة 2.000.000كم2 أى مدى 154 سنة فقط بين الاثنين. وإذا كانت الفتوحات العثمانية قد توقفت فى عهد بايزيد الثانى ابن الفاتح إلا أن سليم الأول الذى كان شاعرا فى لغته العثمانية وله ديوان بالفارسية وظهر فى عهده العالم اللغوى الفقيه المؤرخ ابن كمال، أعاد سليم حركة الفتوحات مرة أخرى بضمه مصر والبلاد العربية إلى الدولة. وبسليم تحولت الدولة من سلطنة إلى سلطنة وخلافة استمرت حتى عام 1342هـ-1923م تخللها الذروة التى وصلت فيها الدولة على عهد سليمان القانونى عصرها الذهبى من حيث توسع الدولة وسيطرتها على أوربا، ومن حيث الثقافة والفنون والأدب، فالقانونى نفسه كان أول شعراء عصره الذى أنجب فضولى أمير الشعر التركى القديم، ولامعى الشاعر، وخيرالدين باريماروس القائد البحرى، وبيرى رئيس العالم صاحب كتاب البحرية، والمعمار سنان بانى جامع السليمانية فى أدرنة قمة الفن الإسلامى المعمارى، والذى استخدم قبة الجامع التى لا تستند على أعمدة وإنما على أنصاف قباب، ثم أرباع قباب، ثم الجدار وفى ذلك توسعه لمساحة الجامع. وفى عهد سليمان قضى على نشاط فرسان القديس يوحنا بعد الفتح العثمانى لجزيرة رودوس أما هو نفسه فقد قاد 13 حملة عسكرية بدات بفتح بلغراد وانتهت بحصار قلعة سيكتوار عام 974هـ-1566م والذى مات عن 73 سنة وهو على فرسه يحاصرها، تاركا لابنه سليم الثانى دولة بلغت مساحتها 13.000.000 كم2. وبعد قرن كامل من الوصول إلى الذروة حكم خلاله عدة سلاطين أبرزهم سليم الثانى، ومراد الثالث، الذى ظهر فى عهده المورخ خوجه سعد الدين، صاحب كتاب تاج التواريخ وأول المؤرخين الرسميين، فتح فيه العثمانيون روسيا ووصلوا إلى مشارف موسكو لكنهم فشلوا فى حصار مدينة فيينا وعندها سقطت عنهم صفة "المنتصرون دائما"، بدأت فترة التوقف التى بدأ فيها العثمانيون فقد أراضيهم لصالح الأوربيين مثل المجر وترانسلفانيا، بموجب معاهدة كارلو فجه فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، أما فى معاهدة كوجوك قاينارجه بعد ذلك فقد بات واضحا هزيمة العثمانيين أمام روسيا فبدات فترة الانهيار مما جعل الدولة تبدأ مرحلة التجديد لاستعادة القوة، وهى التى بدأت بعبد الحميد الأول، وبرزت فى عهد سليم الثالث صاحب "النظام الجديد" نظرا لإحلاله النظم الأوربية الحديثة محل العثمانية القديمة فى الجيش والإدارة ومظاهر الحياة، مما أثار عليه جنود الإنكشارية فعزلوه وقتلوه. نشطت الحركة الثقافية فى عهده وترجم عاصم، قاموس برهان قاطع من الفارسية. ومن علماء عصره خوجه إسحق عالم الهندسة، ومصطفى بهجت عالم الطب جاء بعد محمود الثانى الذى هيأ الدولة لتجديد أوسع على النمط الأوربى مثلما فعل واليه على مصر محمد على باشا، مما سهل على ابنه عبد المجيد إعلان "التنظيمات" رسميا وذلك يعنى إعادة تنظيم شئون الدولة العثمانية على أسس أوربية وجعل الفرنسية لغة الثقافة تولى بعده مراد الخامس ثم عبد الحميد الثانى الذى تولى والدولة فى غاية ضعفها، مما أطمع فيها دول أوربا وبضغط من النخبة الحاكمة كرجال دولة والمثقفة على أسس غربية أعلن قيام النظام النيابى،"مجلس المبعوثان"، إلا أن هذه النخبة دفعت الدولة إلى الحرب العثمانية الروسية رغما عن إرادة السلطان وبنكبة هذه الحرب ألغى السلطان العمل بالنظام النيابى واهتم بالشئون الثقافية والدينية والعلمية طوال عهده 33 عاما وصلت فيه الثقافة والفنون والنظم التعليمية إلى درجة عالية وظهر فى عهده أساطين الأدب والفكر والفن منهم: نامق كمال، أول دعاة الجامعة الإسلامية، وضيا باشا، وعبدالحق حامد وتوفيق فكرت لكن الجيش بقيادة حزب الاتحاد والترقى أجبر السلطان عبدالحميد على ترك العرش عام 1327هـ-1909م ليحل محله السلطان محمد رشاد بتوجيه الاتحادين الذين أدخلوا الدولة فى حرب البلقان وإيطاليا ثم بمغامرة عسكرية منهم دون علم السلطان والصدر الأعظم أشركوا الدولة فى الحرب العالمية الأولى التى خرجت منها منهارة وقامت على أنقاضها دولة تركيا فى 29 أكتوبر 1342هـ-1923م. أ. د/محمد حرب

_ مراجع الاستزادة: 1 - فى أصول التاريخ العثمانى، أحمد عبدالرحيم مصطفى، ط2، القاهرة 1993م. 2 - حقائق الأخبار عن دول البحار، إسماعيل سرهنك، القاهرة1895م. 3 - مصر العثمانية، جرجى زيدان، تحقيق محمد حرب، القاهرة 1994. 4 - حاضر العالم الإسلامى، شكيب أرسلان، ترجمة عجاج نويهض، بيروت، 1973م. 5 - الدولة العثمانية، محمد حرب، الجزء الثامن من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامى، القاهرة 1996م. 6 - السلطان عبدالحميد، محمد حرب، دمشق 1990م. 7 - تاريخ الدولة العلمية العثمانية، محمد فريد، القاهرة 1912

11 - العدة

11 - العُدة لغة: الاستعداد والتأهب، والعُدة: ما أعددته من مال أو سلاح أو غير ذلك، والجمع عدد، وأعددته إعدادا هيأته وأحضرته (1). واصطلاحا: ما يحتاج إليه المجاهدون من الزاد والراحلة والسلاح (2) تعالى {ولو أرادوا الخروج لا عدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} (التوبة 46).أى (3) لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر، فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف، ولكن كره الله خروجهم معك، فحبسهم عنك وخذلهم، لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا فى الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين، ويدل على هذا قوله تعالى {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} (التوبة 47). العُدة أى الاستعداد للحرب: فريضة تلازم فريضة الجهاد، فالحرب بلا عدة إلقاء للنفس إلى التهلكة، والعدة للحرب فى سبيل إعلاء كلمة الله بأنواعها فرض على المسلمين، ويكون ذلك بإعداد السلاح، والتدريب على استعماله وعلى الرمى، لقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال 60) الآية تدل على أن الاستعداد للجهاد بتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية وقد يتعين، وقد ورد لفظ القوة فى الآية الكريمة مطلقا بغير تحديد ولا تقييد، فهو يتسع ليشمل كل عناصر القوة ماديا ومعنويا وما يتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للجهاد فهو من جملة القوة، وقد تركت الآية تحديد القوة المطلوبة، لأنها تتطور تبعا للزمان والمكان، وحتى يلتزم المسلمون. بإعداد ما يناسب ظروفهم من قوة يستطيعون بها إرهاب العدو. وقد فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القوة بالرمى (ألا إن القوة الرمى) (4) وكرر هذه الجملة ثلاث مرات للتأكيد والترغيب فى تعلمه وإعداد آلات الحرب، وهو أهم فنون القتال حيث إن الرمى أعلى المراتب فى استعمال السلاح. قال القرطبى (5): إنما فسر القوة بالرمى- وإن كانت القوة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب- لكون الرمى أشد نكاية فى العدو وأسهل مؤنة، لأنه قد يرمى رأس الكتيبة فيهزم من خلفه. فيحمل معنى الآية هنا على الاستعداد للقتال بجميع ما يمكن من الآلات كالرمى بالنبل والسيف وتعلم الفروسية، واتفاق الكلمة والثقة بالله، ويشمل فى عصرنا الرمى بالدبابات والطائرات والغواصات والصواريخ، وإنما ذكرهذا هنا لأنه لم يكن له استعداد تام فى بدر فنبهوا على أن النصر بدون استعداد لا يتأتى فى كل زمان، ودلت الآية على أن وجود القوة الحربية اتقاء بأس العدو. وخص رباط الخيل بالذكر مع أن الأمر بإعداد القوة فى الآية يتناول جميع ما يتقوى به للحرب، لأنها الأدوات التى كانت موجودة عندهم ولو أمرهم بأسباب غير معروفة لديهم ولا يطيقون إعدادها لكان تكليفا بما لا يطاق. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 396 2 - فتح القدير للشوكانى 2/ 459. 3 - الجامع لأحكام القرآن، القرطبى 4/ 3081 4 - أخرجه مسلم فى كتاب الإمارة "باب فضل الرمى والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه " صحيح مسلم بشرح النووى 13/ 64. 5 - تفسير القرطبى 4 وما بعدها، التفسير الكبير للرازى 15/ 185 الطبعة الأولى، أحكام القرآن. . للجصاص4/ 252 وما بعدها

12 - العدة

12 - العِدَّة لغة: أيام أقراء المرأة وهى مأخوذة من العد والحساب، وقيل: تربصها المدة الواجبة عليها، والجمع عدد، وهى مأخوذة من العدد لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالبا. (1) وقال الجرجانى: العدة تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته (2) واصطلاحا: هى اسم لمدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها. أو للتعبد أو لتفجعها على زوجها (3). اتفق الفقهاء على مشروعية العدة ووجوبها على المرأة عند وجود سببها، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع: (أ) أما الكتاب فمنه قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة 228) وقوله تعالى: {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (الطلاق 4) وقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة 234). (ب) وأما السنة: فمنها: ما ورد عن أم عطية عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت. فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا­ (4). وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب. العدة فى الجملة (5). وتجب العدة على المرأة بالفرقة بين الزوجين بعد الدخول بسبب الطلاق أو الموت أو الفسخ أو اللعان، كما تجب بالموت قبل الدخول وبعد عقد النكاح الصحيح. وأما الخلوة: فقد اختلف الفقهاء فى وجوب العدة بها: فعند الحنفية والمالكية والحنابلة: تجب العدة على المطلقة بالخلوة الصحيحة فى النكاح الصحيح دون الفاسد. أما الفاسد فلا تجب فيه إلا بالدخول. وعند الشافعية: أن العدة لا تجب بالخلوة المجردة عن الوطء. وقد شرعت العدة لمعان وحكم اعتبرها الشارع. منها: العلم ببراءة الرحم، وأن لا يجتمع ماء الواطئين فكثر فى رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد، ومنها: تعظيم خطر الزواج ورفع قدره وإظهار شرفه، ومنها: تطويل زمان الرجعة للمطلق لعله يندم ويفيء فيصادف زمنا يتمكن فيه من الرجعة، ومنها قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده فى المنع من التزين والتجمل. ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد، ومنها: الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد والقيام بحق الله الذى أوجبه، ففى العدة أربعة حقوق، وقد أقام الشرع الموت مقام الدخول فى استيفاء المعقود عليه. فليس المقصود من العدة مجرد براءة الرحم بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها (6) وأنواع العدد فى الشرع ثلاثة: 1ـ عدة القروء. 2 ـ عدة الأشهر. 3 ـ عدة وضع الحمل. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 396. 2 - التعريفات للجرجانى ص 129. 3 - مغنى المحتاج 3/ 384، بدانع الصنانع 3/ 190 وما بعدها، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 468 المغنى لابن قدامة 11/ 194.4 - أخرجه البخارى فى كتاب الحيض "باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، فتح البارى بشرح صحيح البخارى 1/ 492. 5 - المغنى لابن قدامة 11/ 193. 6 - إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 2/ 66

13 - العدد

13 - العدد لغة: الإحصاء. (عدَّه): يَعُده حسبه وأحصاه. (أعتد): صار معدوداً (العديد): المعدود. (أيام عديدة): أى معدودة. (العِدَّة): الجملة من الأشياء. واصطلاحا: يشير إلى تعداد (أو مجموع) بضعة أشياء، وتسمى الأعداد من هذا النوع أعدادا أصلية. وأحيانا تشير الأعداد إلى مواقع الأشياء فى قائمة مرتبة، فتسمى أعداد ترتيبية. كانت مجموعة الأعداد الأصلية تحتوى على الأعداد الطبيعية (أى الصحيحة الموجبة فقط)، ثم امتدت لتشمل أنواعا جديدة أمكن تصورها، فأضيفت الأعداد السالبة والصفر، فتكونت مجموعة "الأعداد الصحيحة". ثم أضيفت الكسور، فصار لدينا مجموعة الأعداد الجذرية"، ثم أضيفت الأعداد الصماء، وهى التى لا يمكن كتابتها على هيئة كسور بسيطة، مثل: (2) 1/ 2 (4) 1/ 3، فصار لدينا ما يسمى "الأعداد الحقيقية "، ثم جاءت إضافه مهمة إلى فكرة الأعداد، وهى الأعداد التخيلية (التى تحتوى على (-1) 1/ 2) والنظام العشرى طريقة مبسطة لكتابة القيم الحقيقية أو التقريبية للأعداد الموجودة فى نظام الأعداد الحقيقية، ومع أن بعض الكسور البسيطة مثل 1/ 3 ليس لها مقابل عشرى، إذ نلاحظ تكرارا لا ينتهى فى الأرقام إلا أن قيمتها معروفة. مثال آخر 2/ 7 = 00000 285714 و (2857714و). أما الأعداد الصماء مثل (2) 1/ 2، فنجد أنها إذا وضعت على هيئة كسر عشرى فإن هذا لا ينتهى ولا تتكرر أرقامه، فيكتفى بالتقريب المطلوب. وألفاظ العدد من ثلاثة إلى تسعة فى اللغة العربية تكون على عكس المعدود فى التذكير والتأنيث سواء كانت مفردة كسبع ليال وثمانية أيام أو مركبة كخمسة عشر بيتا وست عشرة دولة. أو معطوفا عليها. كثلاثة وعشرين كرسيا وأربع وعشرين ناقة. أما واحد واثنان فهما وفق المعدود فى الأحوال الثلاثة تقول فى المذكر واحد، وأحد عشر. وواحد وثلاثون. واثنان واثنا عشر واثنان وثلاثون. وفى المؤنث واحدة وإحدى عشرة وإحدى وثلاثون واثنتان واثنتا عشرة واثنتان وثلاثون. وأما مائة وألف فلا يتغير لفظهما فى التذكير والتأنيث. وكذلك ألفاظ العقود كعشرين وأربعين إلا عشرة، فهى على عكس معدودها إن كانت مفردة كعشرة رجال وعشر نسوة، وعلى وفقه إن كانت مركبة كخمسة عشر رجلا وخمس عشرة امرأة. ثم إذا انتقلنا إلى الإعجاز العددى للقرآن الكريم، الذى يعد دليلا على وجود الموحى ورسالة الموحى إليه، فسيجد كل باحث ودارس فى هذا الكتاب العظيم من أوجه الإعجاز العددى تساويا .. أو تناسبا .. أو توازنا آية جديدة ومعجزة فريدة. ونورد هنا بعضا من هذا الإعجاز فقد ورد لفظ محمد - صلى الله عليه وسلم - مكررا فى القرآن الكريم 4 مرات وهو بذلك يتساوى فى العدد على مرات ذكر روح القدس، وأيضا الملكوت، وكذلك السراج ويتساوى بذلك مع الشريعة بكل مشتقاتها. إذ وردت بلفظ شريعة مرة واحدة فى النص الكريم] ثم جعلنا ك على شريعة من الأمر [ (الجاثية18) كما وردت بلفظ شرع فى النص الشريف: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك} (الشورى13). ومرة بلفظ شرعوا فى قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (الشورى 21) وكذلك بلفظ شرعة فى النص الكريم] لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [ (المائدة 48). وبذلك يتساوى عدد مرا ت ذكر محمد بعدد مرات ذكر روح القدس، وعدد مرات ذكر الملكوت، وعدد مرات ذكر السراج، وعدد مرات ذكر الشريعة. هذه مجرد لفتة إعجازية سريعة، تشير إلى محمد والشريعة، وهناك مئات الإشارات العددية الأخرى تنبئ عن أسرار مدهشة تكشف عن توافقات علمية كا لعدد الذرى والعدد الكتلى يقف الإنسان إزاءها ذاهلا. وتتوالى الأنباء عن محاولات جادة ودراسات فذة لتوسيع رقعة البحث فى الإعجاز العددى للقرآن الكريم فى كل جامعات العالم بأحدث أجهزة العد والحصر. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المؤسسة الثقافية ص 658، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مطابع دار الشعب، 1972 م. 2 - الإعجاز العددى للقرآن الكريم، عبد الرزاق نوفل، جـ3 (الطبعة الثانية) 1976.

14 - العدم

14 - العدم لغة: العَدَم، العُدْم، العُدُم فقدان الشيء وزواله، يقال: عَدَمه يعدمه عُدْما وعَدَما فهو عَدم، ومنه أعدم الرجل إذا افتقر وأصبح ذا حاجة ورجل معدم يعنى أنه فقير. واصطلاحا: سلب الوجود عما من شأنه أن يكون موجودا، والعدم يقابله الوجود، وهما نقيضان (ولا يقال ضدان) لا يجتمعان معا، ولا يرتفعان معا عن الشيء الواحد فى زمان واحد ولابد للشيء من واحد منهما، فهو إما أن يكون معدوما أو موجودا. وقيل: العدم نفى الشيئية عما من شأنه أن يكون شيئا. العدم ليس بذات موجودة على الإطلاق، ولا معدومة على الإطلاق، بل هو ارتفاع الذات الوجودية بالقوة. هكذا يعرفه ابن سينا، وعند ابن رشد: لا يوجد العدم مطلقا عن الإضافة لأنه ليس هناك عدم مطلق دائما، وإنما يوجد العدم مضافا إلى شيء معدوم، فيقال عدم الخير شر، عدم الحركة سكون. وعند المعتزلة العدم ذات عارية عن الوجود قبل كون العالم ووجوده بالفعل، والعدم شيء والشيئية صفة ثابتة للعدم، ولذلك هم يقولون بشيئية المعدوم، ويسميها ابن عربى الصوفى الشهير "بالأعيان الثابتة". ويقصدون به خلو الشيء عن الصفات التى كانت موجودة فيه، أو ليست موجودة بالفعل لكنها موجودة بالقوة. كالعمى والسكون والموت بالنسبة للإنسان. والعدمية نظرية نادى بها "فور غياس" وهى تعنى أنه ليس يوجد شيء على الإطلاق وبرهن على ذلك بما يأتى: 1 - لا يوجد شيء على الإطلاق. 2 - إذا كان هناك شيء فالإنسان قاصرعن إدراكه. 3 - إذا أدركه الإنسان فلن يستطيع أن يبلغه لغيره من الناس، كما هو عليه فى نفس الأمر، ولكن كما يحسه هو. والعدمية نظرية فلسفية تقوم على إنكار القيم الأخلاقية، ويرون أن الأخلاق- القيم الأخلاقية والظواهر الأخلاقية- لا وجود لها فى ذاتها، ولكن المجتمعات هى تخترعها، وليس هناك وجود ذاتى لما يسمى قيمة خلقية، وإنما هناك تفسير إنسانى لظواهر سلوكية. العدم نقص والوجود كمال، عدم كل شيء شر له من وجوده، العدمى خلو الشيء عن صفات كماله. العدمية نزعة فلسفية تقوم على النفى المطلق للحقائق الثابته على الإطلاق. أ. د / محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - النجاة لابن سينا دار الأوقاف الحديثة، بيروت. 2 - تهافت التهافت لابن رشد. 3 - تفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد. 4 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار .. 5 - رسالة الحدود لابن سينا. 6 - التعريفات للجرجانى ط الحلبى. 7 - لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت. 8 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشرى دار الريان للتراث. القاهرة – دار الكتاب العربى بيروت. 9 - المعجم الفلسفى جـ 2 مجمع اللغة العربية. 10 - المعجم الفلسفى مراد وهبة دار الثقافة. 11 - أساس الاقتباس للطوسى.

15 - عذاب القبر

15 - عذاب القبر اصطلاحا: من السمعيات التى ورد بها الشرع، ويجب على المسلم الإيمان بها "نعيم القبر وعذابه "- فى حياة تسمى بحياة "البرزخ " وهى ما بين الموت والبعث. وقد تضافرت الأدلة من القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة علّى أن "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار"- وهذا حديث نبوى متواتر المعنى- وفى القرآن الكريم يقول الله تعالى فى "آل فرعون" {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} (غافر 46) أى قبل يوم القيامة- وذلك إنما يكون فى القبر، بدليل قوله تعالى عقب ذلك: {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر 46)؛ وفى حق قوم نوح - عليه السلام - {أغرقوا فأدخلوا نارا} (نوح 25) ومعلوم أن الفاء للتعقيب؛ وقوله: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} (غافر 11) فالإماتة الأولى تقع فى الدنيا، والثانية تقع عند النفخة الأولى فى الصور، والإحياء الأول يكون فى الدنيا قبل الموت، والإحياء الثانى يكون فى حياة البرزخ فى القبر حيث النعيم أو العذاب؛ وقد ترك ما فى الآخر من إحياء لأن القائلين "ربنا .. الخ " يشاهدون ذلك ويعاينونه عند مقالتهم تلك- كما تواتر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - استعاذته من عذاب القبر، والأحاديث فى هذا الباب كثيرة. وقد أنكر نعيم القبر وعذابه فريق ممن ينتسبون إلى الإسلام ـ وقد نسب ذلك إلى " المعتزلة " ولكن هذا ادعاء باطل فالمعتزلة لا ينكرون نعيم القبر وعذابه، إنما الذى أنكر ذلك هو ضرار بن عمرو ـ وهو ليس من المعتزلة، ولكنه كان يتردد عليهم فنسب إليهم وليس منهم. والشبهات التى استند إليها المنكرون تتلخص فى أن بعض الناس يموتون ولا يقبرون ـ كمن غرق فى البحر وأكلته الحيتان، ومن أحرقته النار فصار رمادا ـ فكيف يسأل هؤلاء وكيف ينعمون أو يعذبون ـ مع أنهم لم يدفنوا فى قبور؛ ومن شبههم أيضا أن المصلوب يبقى مصلوبا أياما بعد موته من غير أن يظهر عليه أثر للنعيم والعذاب ـ كما أننا لو فتحنا قبر ميت بعد دفنه بفترة من الزمن لوجدناه على وصفه الذى كان عليه عند دفنه ـ بدون أن يظهر عليه أثر للنعيم أو العذاب حتى لو وضعنا على صدره ـ عند دفنه ـ حبات من خردل ـ لوجدناها كما هى ـ مما يدل على أنه لم يتحرك ـ إلى نحو ذلك من شبهات. ويقال فى الرد على هذه الشبهات: 1ـ أنه إنما سمى بعذاب القبر ونعيمه؛ لأن الغالب على الموتى أنهم يقبرون- ولكن المراد به "حياة البرزخ "- فكل ميت يناله من النعيم والعذاب- فى حياة البرزخ- ما قدر له – وإن لم يدفن فى قبر. 2 - أن ما يخبر به الرسل إما أن يكون مما تشهد له العقول والفطر، وإما أن يكون مما لا تدركه العقول بمفردها- كالغيبيات- التى أخبروا بها عن حياة البرزخ واليوم الآخر وما فيه- وهى أمور لا تحكم العقول بأنها مستحيلة، وإن كانت لا تصل إلى إدراكها بمفردها- غير أنها أمور ممكنة فى ذاتها- أخبر بها الصادق الذى ثبت صدقه بالمعجزة، فتكون حقا لا ينبغى لعاقل أن يمارى فيه- وإذا حكم العقل باستحالة شيء من هذا القبيل فإن ذلك يرجع إما إلى خلل فى حكم العقل، أو كذب فى النقل عن الرسل. 3 - أن دار الدنيا لها أحكامها وقوانينها التى تجرى على الأبدان؛ وأما دار "البرزخ" فلها أحكامها التى تجرى على الأرواح - ونحن نرى مثالا لذلك فى الدنيا- وهو النائم الذى ينعم أو يعذب فى منامه بينما الملاصق له فى سريره لا يرى شيئا من ذلك ولا يحس به؛ مما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وكونه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار- هو أمر لا يحكم العقل باستحالته، وقد أخبر به الصادق المؤيد بالمعجزة؛ فيكون حقا لا ريب فيه، ولا مستند لمن ينفيه. هذا وقد اتفق المثبتون لنعيم القبر وعذابه أن الله يعيد إلى الميت فى القبر نوع حياة قدر ما يتلذذ ويتألم- ولكنهم توقفوا فى إعادة الروح إليه- وما يقال من أنه لا حياة بدون الروح فإنما يكون ذلك فى الحياة الكاملة- وهى المصحوبة بالقدرة والفعل الاختيارى- وقد اتفقوا على أن الميت لا يتمتع بذلك. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1 - شرح المقاصد لسعد الدين التفنازانى. 2 - الروح لابن القيم. 3 - شرح العقائد النسفية. 4 - شرح العقيدة "الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ط مؤسسة الرسالة بيروت

16 - العرش

16 - العرش لغة: الكلمة فى أصل وضعها اللّغوى مأخوذة من اعترش يعترش على العرش إذا علا فوقه، ويقال اعترشت المرأة عريشها إذا اعتلته، وهو مطاوع الفعل عرش، كرفع وارتفع كذلك يقال عرش واعترش، والعرش السقف، والجمع عروش، ومنه قوله تعالى {وهى خاوية على عروشها} (الكهف 42) أى علّى سقوفها، وقالوا بدت لنا عروش مكة أى سقوف بيوتها لأن أعلى البيت سقفه وتقول العرب: نساء مسكنات فى العرائش أى الهوادج. واصطلاحا: العرش عند علماء الكلام هو سرير الملك. يقال استوى الملك علّى عرشه إذا امتلك أمره، واستوى علّى عرشه إذا استولى عليه ويقال فلَّ عرشه إذا هلك. والمعتزلة (طائفة من علّماء الكلام) يقولون: {الرحمن على العرش استوى} (طَّه 5) يعنى استولى علّيه وملّك وقهر. ويستدلون على هذا المعنى ببيت من الشعر لا يعلم قائله. قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق أما أهل السنة والجماعة وما مضى عليه سلف الأمة فإنهم يقولون] الرحمن على العرش استوى [ أى علا على العرش ورفضوا تأويل المعتزلة أن استوى بمعنى استولى وملك وقهر، لأنه لا يوجد من غالب الله علّى عرشه حتى يقال إن الله استولى على العرش منه. وقد ورد] الرحمن على العرش استوى [فى ستة مواضع من القرآن الكريم فسرها أهل السنة علّى النحو السابق بأنه العلو، وفسرها المعتزلة ومتأخر والأشاعرة بالاستيلاء. والعرش هو أعلى المخلوقات، محيط بها من جميع جهاتها وهو سقفها وفوقها، فالأرض مستديرة وفوقها سماء الدنيا محيطة بها، وفوقها السماء الثانية (كرية)، محيطة بالسماء الدنيا وبالأرض، ثم السماء الثالثة إلى السماء السابعة، والكرسى فوق الأفلاك جميعها، والعرش فوق الكرسى محيط بالجميع لكون الأرض مستديرة وأعلاها من كل جانب هو جهتها من هذا الجانب، والعرش محيط بالجميع، وهو أعلّى الجميع من كل جهة كما قال تعالى {وسع كرسيه السموات والأرض} (البقرة: 255) وقوله تعالى {والله من ورائهم محيط} (البروج 20). أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - الكشاف للزمخشرى تفسير (الرحمن على العرش استوى). 2 - لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت. 3 - أساس البلاغة للزمخشرى. 4 - رسالة عرش الرحمن ما ورد فيه من القرآن لابن تيمية. 5 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 5/ 136 - 150. 6ـ الفقه الأكبر لأبى حنيفة. صفة العلو على العرش.

17 - العرض

17 - العَرَض اصطلاحا: العَرَض: يقابله الجوهر، فى الحد والمعنى، والعرض: ما لا يقوم بنفسه ولا بد له من جوهر يقوم به، ولا يفترقا وقيل: هو ما يقوم بغيره، ما يقوم فى موضوعه، الموجود الذى يحتاج إلى موضوع يقوم به، كالكون القائم بالجسم المتكون، والبياض القائم بالجسم الأبيض. وقيل: العَرَض ما ليس داخلا فى تقويم الماهية دخولا ذاتيا، كالقيام والقعود بالنسبة للإنسان، وهو من لوازم الماهية لاينفك عنها كالضاحك بالقوة بالنسبة للإنسان. وينقسم العَرَض إلى عَرَض ملازم للماهية، ومفارق لها، والملازم للماهية قد يكون ملازما لها فى الوجود الخارجى، وقد يكون ملازما لها فى العقل فقط، مثال الملازم للماهية الزوجية بالنسبة للاثنين، والزوايا الثلاثة للمثلث، ومثال الملازم للوجود الخارجى السواد بالنسبة للزنجى، وكل عرض لازم للماهية عقلاً يلازمها وجودا، ولا عكس. وينقسم من جهة أخرى إلى عرض عام وخاص. فالعرض العام: قول كلى يقال على كثيرين مختلفين فى الحقيقة قولا غير ذاتى فى موضوعه كالسواد والبياض للإنسان. والعرض الخاص: قول كلى يقال على واحد قولا عرضيا، كالكاتب للإنسان. وينقسم العرض باعتبار ثالث إلى: (أ) عرض قارّ الذات: وهو الذى تجتمع أجزاؤه فى الوجود، ولا توجد إلا كذلك، كالسواد القائم بالجسم الأسود (ب) غير قارّ الذات: وهو الذى لا تجتمع أجزاؤه فى الوجود، كالحركة بالنسبة للجسم المتحرك. والعرض اللازم للماهية: هو ما لا ينفك تصوره عنها، كالكاتب بالقوة للإنسان غير الكاتب؛ فإنها عرض ملازم لماهيته، ويقال لها: عرض بالفعل للإنسان، إذا مارس الكتابة وباشرها واقعا. والعرض المفارق هو ما يجوز تصوره عقلا منفكا عن ماهيته، كحمرة الخجل للإنسان وكصُفْرة الوجه وجلا. وقد يكون العرض ذاتيا من خواص الماهية، ولكنه ليس داخلا فى تقويمها، كالتعجب بالنسبة للإنسان، وقد يكون لاحقا للماهية، كالحركة اللاحقة للإنسان بما أنه حيوان، وقد يكون العرض لاحقا للماهية بواسطة أمر خارج عنها لاحقة كالضحك اللاحق للإنسان من التعجب، وهناك أعراض غريبة على الماهية لاحقة لها لأمر أعم منها، كحركة الجسم الأبيض بواسطة أنه جسم، فالجسم أعم من الأبيض. وكالعرض اللاحق للأخص، كالضحك بالنسبة للحيوان، من منطلق أنه إنسان، فهو أخص من الحيوان. ويكون العرض حاصلا بسبب مُبَاين، كالحرارة العارضة للماء بسبب النار، وهى مباينة بطبعها للنار. وهناك عوارض مكتسبة بفعل الكائن لا تكون جزاء من ماهيته، ولا تدخل فى تصورها، كالسكر بالنسبة للإنسان؛ فإنه ليس ذاتيا ولازما، ولا لاحقا لماهيته دائما، وإنما هو مكتسب بفعله. وابن سينا يرى أن العرض اسم مشترك يقع على كثيرين: 1 - فهو يقال لكل موجود فى محل. 2ـ يقال لكل موجود فى موضوع. 3ـ يقال للمعنى المفرد الكلى المحمول على كثيرين حملا غير مقوّم للماهية 4ـ يقال لكل معنى موجود بالشئ، خارج عن ماهيته. 5ـ يقال لكل معنى يحمل على الشئ لأجل وجوده فى آخر يقارنه. 6ـ يقال لكل معنى وجوده فى أول أمره لا يتوقف على تصوره. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - رسالة فى الحدود لابن سينا. 2 - رسالة الحدود للكندى. 3 - النجاة لابن سينا ط دار الآفاق الحديثة بيروت. 4 - أساس الاقتباس للطوسى. 5 - التعريفات للجرجانى ط الحلبى. 6 - المعجم الفلسفى ط مجمع البحوث. 7 - المعجم الفلسفى ط مراد وهبة دار الثقافة. 8 ـ رسائل الكندى الفلسفية. 9 ـ لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت. 10 ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمشخشرى دار الريان للتراث. القاهرة – دار الكتاب العربى بيروت

18 - العرف

18 - العرف لغة: المعروف وهو خلاف النكر، والعرف: ما تعارف عليه الناس فى عاداتهم ومعاملاتهم (1). واصطلاحا (3): هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من فعل شاع بينهم، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لم يوضع له فى اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماع ذلك اللفظ. فالعرف: ما يعرفه كل أحد، والعادة: ما يتكرر معاودتها مرة بعد أخرى. والعرف من الأدلة الشرعية عند الفقهاء، وإليه يحتكم فى كثير من أحكام الفقه الفرعية، وخاصة فى أحكام الأيمان والنذور، والطلاق (3). والعرف منه عملى وقولى (4) فالعرف العملى، قيل: اعتياد الناس بيع المعاطاة من غير وجود صيغة لفظية، وتعارفهم على قسمة المهر فى الزواج إلى مقدم ومؤخر، وتعارفهم على أكل القمح ولحم الضأن. والعرف القولى، مثل: تعارف الناس إطلاق لفظ "الولد" على الذكر دون الأنثى مع أنه فى الاستعمال اللغوى يطلق عليهما معا، وكذلك تعارفهم على عدم إطلاق لفظ "اللحم" على السمك. وهناك فرق بين العرف والإجماع (5). إذ الاجماع هو اتفاق مجتهدى الأمة فى أى عصر، وأما العرف فما يعتاده أكثر الناس من العوام والخواص، فلا يشترط فيه الاتفاق ويكون فيه حظ للعوام أيضا بخلاف الإجماع. والعرف سواء أكان قوليا أم عمليا نوعان (6): عرف عام وعرف خاص، فالأول: ما تعارفه غالبية أهل البلدان فى وقت من الأوقات، مثل: تعارفهم عقد الاستصناع واستعمال لفظ الحرام بمعنى الطلاق لإزالة عقد الزواج. والثانى وهو العرف الخاص: هو ما يتعارفه أهل بلدة أو إقليم أو طائفة معينة من الناس، كإطلاق الدابة فى عرف أهل العراق على الفرس، وجعل دفاتر التجار حجة فى إثبات الديون. وينقسم ثانيا إلى عرف صحيح وعرف فاسد، فالأول: ما تعارفه الناس دون أن يحرم حلالا أو يحل حراما كتعارفهم تقديم عربون فى عقد الاستصناع، والثانى ما تعارفه الناس ولكنه يحل حراما أو يحرم حلالا كتعارفهم أكل الربا، واختلاط الناس بعضهم ببعض رجالا ونساء فى الحفلات والأندية العامة. والأصل فى اعتبار العرف قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} الأعراف:199. وقول ابن مسعود: إما راه المسلمون حسنا فهو عندالله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ) (7). أ. د/على جمعه محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور 4/ 2896 دار المعارف المعجم الوسيط لمجمع الغة العربية 2/ 595 دار المعارف 1972م. 2 - أصول الفقه الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2/ 828 دار الفكر 1986م تيسير أصول الفقة د/محمد أنور البدخشانى، ص 158 طبعة كراتش بباكستان 1990م. 3 - انظر المرجعين السابقين نفس الصفحات. 4 - أصول الفقه الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2/ 828. 5 - أصول الفقه د/وهبة الزحيلى 2/ 8292 تيسير أصول الفقه ص 158. 6 - انظر المرجعين السابقين الصفحات المذكورة وما بعدها. 7 - هذا الأثر روى موقوفا على ابن مسعود، قال الزيلعى فى نصب الراية عنه غريب مرفوعا، ولم أجده إلا موقوفا على ابن مسعود انظر نصب الراية للزيلعى 4/ 133 المكتبة الإسلامية ط2 1973م. مراجع الاستزادة: 1 - العرف والعادة فى رأس الفقهاء للأستاذ الدكتور/أحمد فهمى أبو سنة ط2 1992م. 2 - العرف وأثره فى التشريع الإسلامى مصطفى عبد الرحيم أبو عجيلة طبعة المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس ليبيا ط1، 1986م. 3 - الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد 2/ 179 وما بعدمكتبة الحرمين بالرياض 1983م

19 - العروض

19 - العَرُوض لغة: ذكر الزبيدى فى معجمه تاج العروس أن للفظ العروض أربعة عشر معنى منها: الطريق فى عرض الجبل، والعروض من الكلام فحواه ومعناه، والعروض المكان الذى يعارضك إذا سرت، ويطلق على مكة والمدينة .. والعروض مؤنثة ولا تجمع لأنها اسم جنس (1). واصطلاحا: له عدة تعريفات نذكر منها: أنه علم يعرف به وزن الشعر واستقامته من انكساره. وقيل: هو ميزان الشعر، به يعرف مكسوره من موزونة .. كما أن النحو معيار الكلام، به يعرف معربه من ملحونه. وقيل: علم وضع لمعرفة شعر العرب .. وبمعرفته يأمن الشاعر على نفسه من إدخال جنس من الشعر علّى جنس .. إذ كان الاشتباه فى أجناس الشعر كثيرا .. وقد وقع فيه جماعة من العرب. (2) وهذه التعريفات- كما ترى- تختلّف لفظا، وتتحد فى المعنى، ويمكن أن نخرج منها بتعريف واحد يجمعها وهو: العروض: علم بأصول يعرف بها صحيح أوزان الشعر وفاسدها .. وما يعتريها من الزحافات والعلل .. فالعروض: ميزان الشعر. (3) وقد وضع هذا العلم .. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو الأزدى الفراهيدى (100 - 170هـ) شيخ "سيبويه " ومصنف كتاب "العين " أول معجم يحصر لغة أمة من الأمم .. مات بالبصرة (4). وقد ألهمه الله تعالى علم "العروض " فى مكة فسماه به .. تيمنا بها .. وأنه شبهه بالمعانى اللغوية الباقية بجامع مطلق التوصيل فى كل .. لكنه صار حقيقة عرفية فيه .. وحصر فيه أوزان العرب فى خمسة عشر بحرا .. وزاد عليه تلميذه "الأخفش " بحرا آخر .. ثم لم يزد عليهما أحد شيئاً يعتد به. (5). وموضوعه: الشعر العربى .. من حيث هو موزون بأوزان مخصوصة. وفائدته: تمييز الشعر من النثر .. وأمن الناظم اختلاط البحور بعضها ببعض لعظيم التشابه ودقة الفروق بينها، والسلامة من كسر الوزن أو الإخلال فيه .. وضمان قراءة الشعر قراءة صحيحة بمقتضى الوزن .. والمعاونة على نظم الشعر بمعرفة السليم الموزون منه من المكسور وزنا. (6) والعروض اسم يطلق على آخر جزء من النصف الأول من البيت .. وسمى بذلك تشبيها بعارضة الخباء .. وهى الخشبة المعترضة فى وسطه .. وأعاريض الشعر أربع وثلاثون عروضا- استعملتها العرب .. وكثرت أشعارها عليها .. وهى عند بعضهم ثلاث وثلاثون عروضا (7) أ. د/ صفوت زيد

_ المراجع 1 - تاج العروس من جواهر القاموس مادة "عرض " تحقيق على شيرى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لبنان ط 1994م. 2 - الشافى فى العروض والقوافى د. هاشم صالح مناع- دار الفكر العربى بيروت ط ثالثة 1995 م ص12 - 13. 3 - معالم العروض والقافية د. عمر الأسعد ص 11مكتبة العبيكان بالرياض ط3 سنة 1996. وانظر: معجم مصطلحات العروض والقافية. د. محمد على الشوابكة د. أنور أبو سويلم ص177 نشر جامعة مؤتة دار البشير دمشق 1991 م. والوافى فى العروض والقوافى صنعة الخطيب التبريزي تحقيق د. فخر الدين قباوة ص 32ـ 33 … دار الفكر بدمشق ط رابعة 1986م. 4 - ترجمته فى: وفيات الأعيان 2/ 244، وإنباه الرواة 1/ 341، وبغية الوعاة1/ 557 وغيرها. 5 - الإرشاد الشافى وهو الحاشية الكبرى للعلامة السيد محمد الدمنهورى .. ص 19 مطبعة مصطفى البابى الحلبى ط ثانية 1957 م. 6 - السابق نفسه. ومعالم العروض والقافية ص 16 .. والأصول الفنية لأوزان الشعر العربى د. محمد عبد المنعم خفاجى، ود. عبد العزيز شرف ص 20ـ 21 دار الجيل- بيروت ط أولى 1992 م ص 0 2 - 21. 7 - المعيار فى أوزان الأشعار والكافى علم القوافى. لأبى بكر محمد بن عبد الملك بن السراج الشنترينى الأندلسى. تحقيق د. محمد رضوان الداية ص 15 دار الأنوار بيروت ط أولى 1968 م

20 - العزيمة

20 - العزيمة لغة: القصد المؤكد، يقال عزمت على فعل كذا، أى قصدت اليه قصدا مؤكدا (1)، ومنه قوله تعالى: {فنسى ولم نجد له عزما} طه:115. واصطلاحا: هى الحكم الثابت على وفق الدليل، أو على خلاف الدليل لغير عذر (2). فالحكم: جنس يشمل الرخصة والعزيمة، ويقصد بالثابت: أنها لابد وأن تكون ثابتة بدليل. وقوله: "على وفق الدليل" لإخراج الرخصة: فهى حكم مثبت على خلاف الدليل. أما قوله: "أو على خلاف الدليل لغير عذر" فيقصد به إدخال بعض أنواع العزيمة فى تعريفها، مثل: وجوب الصلاة والزكاة والحج وغيرها من باقى التكاليف، فإنها أحكام شرعت على خلاف الأصل، وهو الأدلة الشرعية، لكن تلك المخالفة ليست لعذر؛ لأن المراد من العذر: الحاجة والمشقة أو الضرورة، وهذه التكاليف لم تشرع للحاجة والمشقة، وإنما شرعت للابتلاء والاختبار. وفى ضوء هذا التعريف يعلم تنوع العزيمة إلى نوعين: الأول: أحكام ثابتة على وفق الدليل، مثل: إباحة الأكل والشرب وسائر الطيبات، فإنها تثبت على وفق الدليل الأصلى، إذ الأصل فيها الإباحة. الثانى: أحكام ثابتة على خلاف الدليل لغير عذر، مثل أحكام سائر التكاليف الشرعية، فإنها تثبت ابتداء على خلاف الدليل الأصلى، إذ الأصل عدم التكليف، لكن بثبوتها ليس لأعذار العباد. وقد ذهب بعض الأصوليين إلى أنها تشمل الأحكام الخمسة، على الوجه التالى: 1 - الإيجاب: كإيجاب الصيام، والحج، وغير ذلك من الواجبات. 2 - الندب: مثل صلاة ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد صلاة المغرب. 3 - التحريم: مثل تحريم السرقة، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها من المنهيات. 4 - الكراهة: مثل الصلاة فى مرابض الإبل والغنم. 5 - الإباحة: مثل إباحة الأكل والشرب، وغيرهما من كل ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك. والعزيمة تقابل الرخصة. والرخصة لغة: التيسير، يقال: رخص الشارع فى كذا إذا يسره وسهله. واصطلاحا: هى أسم لما بنى على أعذار العباد، وهو ما يستباح بعذر مع قيام المحرم (3). وقال الغزالى: هى ما وسع للمكلف فى فعله لعذر مع قيام السبب المحرم (4). وبقية تعريفاتها تدور على معنى التيسير لى العباد بسبب ما يعرض لهم من أعذار. ودليلها من القرآن قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسرولا يريد بكم العسر} البقرة:185. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" (5). وقوله صلى الله عليه وسلم "ما بال أقوام يرغبون عما رخص لى فيه" (6). أ. د/عبد الصبور مرزوق

_ الهامش: 1 - القاموس المحيط ط الحلبى سنة 1952م، 4/ 151 "لسان العرب دار صادر 12/ 399، المصباح المنير الأميرية سنة 1909م. 2 - منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة بمصر سنة 1951م. ص8. 3 - كشف الأسرار 2/ 300. 4 - المستصفى 1/ 63. 5 - رواه الطبرانى فى الكبير 11/ 327، وانظر: فيض القدير. 6 - رواه مسلم من حديث السيدة عائشة. مراجع الاستزادة: 1 - دراسات فى أصول الفقه د/عبدالفتاح الشيخ دار الاتحاد العربى ط1 سنة 1973م ص44. 2 - الحكم الشرعى عند الأصوليين أ. د/على جمعة محمد دار الهداية، ط1 سنة 1993م، ص79. 3 - البحر المحيط للزركشى دار الكتبى 2/ 29. 4 - شرح الكواكب لابن النجار الحنبلى مكتبة العبيكان 1/ 476. 5 - تيسير التحرير دار الكتب العلمية 2/ 229. 6 - كشف الأسرار لعلاء الدين البخارى 2/ 300

21 - العصمة

21 - العصمة لغة: عصم إليه عصما: لجأ، وعصم القربة وجعل لها عصاما يشدها به، وعصم الله فلانا: حفظه ومنعه ووقاه من الشر والخطايا، واعتصم به: امتنع به ولجأ، واستعصم طلب العصمة وتأبى وامتنع، ومنه قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} يوسف:32،تأبى وامتنع، واعتصم بالله: امتنع بلطفه من المعصية (1). واصطلاحا: ملكة إلهية تمنع من فعل المعصية، والميل إليها مع القدرة عليها، وتمنع من خطأ الرسول، أو نسيانه فيما يبلغه عن ربه، ولذلك يجب الإيمان بكل ما يخبر الرسل به عن ألله تعالى، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به. والعصمة بهذا المعنى ليست لأحد غير الأنبياء صلوات الله عليهم، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7. وقد وردت العصمة فى القرآن الكريم أيضا بمعنى المنع والحفظ، قال تعالى: {والله يعصمك من الناس} المائدة:67. أى يمنعك ويحفظك، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرس فلما نزلت هذه الآية قال: (يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا الله عز وجل) (2). والعصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامى، ومنه قول الله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمرالله إلا من رحم} هود:43. قال الزجاج: وأصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد عصما، قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} آل عمران:103،أى تمسكوا بعهد الله، وقال: {ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم} آل عمران:101، أى من يتمسك بحبله وعهده. والعصمة: عقد النكاح، أو رباط الزوجية يحله الزوج متى شاء، ومنه قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} الممتحنة:10، أى لا تتمسكوا بعقود نكاحهن، والعصمة أيضا قيد النكاح وهو الأثر المترتب على عقده، وهو حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وأن يكون استمتاع الزوج بالزوجة على سبيل الملكية لا يشاركه فيه أحد، فللزوج ملك التمتع بالمرأة أى اختصاصه بذلك (3) فالعصمة بهذا المعنى فى يد الزوج، وهى عقدة النكاح، وفى الحديث (ولى عقدة النكاح الزوج) (4). وللزوج أن ينقل العصمة إلى المرأة إذا اشترطت ذلك، وقبل هذا الشرط منها، أو بأن يخيرها قبل الدخول أو بعده بينه وبين نفسها، فإذا اختارت نفسها فقد طلقت أو يفوضها فى طلاق نفسها منه متى شاءت فتنتقل العصمة إليها، ولها أن تطلق نفسها منه متى أرادت، ولا يسقط ذلك حقه فى أن يطلقها إذا أراد. أ. د/عبدالرحمن العدوى

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور 15/ 297 - 302، مختار الصحاح ص437، المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 105. 2 - تفسير ابن كثير 2/ 79. 3 - حاشية ابن عايدين 3/ 4. 4 - الجامع لأحكام القرأن للقرطبى 3/ 306

22 - العفة

22 - العفة لغة: عفَّ عفَّة وعَفافا: كفَّ عما لا يحل ولا يجُمل من قول أو فعل، والعفّة: ترك الشهوات من كل شيء. والتعفف التنزه عن السؤال قال تعالى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم} (البقرة 273) كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: هيئة للقوة الشهوانية متوسطة بين الفجور الذى هو إفراط هذه القوة، والخمود الذى هو تفريطها (2). وعرفها مسكويه: العفة وسط بين رذيلتين، وهما الشره، وخمود الشهوة، والشره هو الانهماك فى اللذات والخروج عما ينبغى، وخمود الشهوة هو السكون عن الحركة التى تسلك نحو اللذة الجميلة التى يحتاج إليها البدن فى ضروراته، وهى ما ترخص فيه الشريعة والعقل (3). وقيل: هى اعتدال الميل إلى اللذة وخضوعها لحكم العقل (4). ويندرج تحت العفة فضائل كثيرة عند مسكويه منها: الحياء، والدعة، والصبر، والسخاء، والحرية، والقناعة، والدماثة، والانتظام، وحسن الهدى، والوقار والورع (5). وكل من جاوز حد الاعتدال فى مأكله ومشربه أو فى فعله وسلوكه أو فى إرضاء رغباته وشهواته لم يكن عفيفا. والعفة نوعان هما: (أ) العفة عن المحارم وتشمل كف اللسان عن الأعراض، وضبط الفرج عن الحرام، فقد روى عن النبى) - صلى الله عليه وسلم - أحب العفاف إلى الله عفاف الفرج والبطن). ويتم التحكم فى ضبط الفرج عن طريق: أولا: غض الطرف عن إثارتها، وكفه عن مساعدتها؛ فإنه القائد المحرك والقائد المهلك. ثانيا: ترغيبها فى الحلال عوضا واقناعها بالمباح بدلا، فإن الله ما حرم شيئا إلا وأغنى عنه بمباح من جنسه (6). والعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام وحفظ قوته فى الحلال (7). ثالثا: إشعار نفسه بتقوى الله تعالى فى أوامره واتقاؤه فى زواجره. (ب) العفة عن المآثم وذلك بالكف عن المجاهرة بالظلم وزجر النفس عن الإسرار بالخيانة. وكان من دعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - قوله:"اللهم إنى أسألك الهدى والتقى والعفة والغنى". (رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود). وأفضل الطرق فى الحياة أن يتمتع الإنسان باللذات الطيبة فى حدود الأخلاق غير متجاوز بذلك الحدود المشروعة لقوله تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} (الأعراف 32). فالعفة ليست القضاء على الشهوات والرغبات وإنما الاعتلاء بها، وتهذيبها وفرض رقابة العقل عليها. (8) (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 2/ 634 دار المعارف، ط 3 2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا 2/ 81. 3 - السابق، وانظر مقدمة فى علم الأخلاق- د./ محمود حمدى زقزوق 156 دار الفكر العربى ط 4. 4 - مقدمة فى علم الأخلاق 155 5 - المعجم الفلسفى 2/ 80، مقدمة فى علم الأخلاق 155. 6 - المعجم الفلسفى 2/ 81. 7 - أدب الدنيا والدين على بن محمد بن حبيب البصرى الماوردى- تحقيق مصطفى السقا ص 311 - 315 مطبعة البابى الحلبى- ط هـ. 8 - مقدمة فى علم الأخلاق ص 156 مراجع الاستزادة: 1 - إحياء علوم الدين للغزالى 2 - تهذيب مدارج السالكين لابن القيم

23 - العفو

23 - العفو لغة: عفا الأثر عفوا: زال واختفى وعفا عن ذنبه: لم يعاقبه عليه وتجاوز عنه، والعفو: ما زاد على النفقة والحاجة. وفى التنزيل {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} (البقرة 219) والعفو المعروف وخيار كل شيء وأجوده والطيب من الأخلاق والأعمال. قال تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف 199) 0 واصطلاحا: الصفح عن الذنوب وترك مجازاة المسيء وقال أبو حامد الغزالى: أن يستحق حقا فيسقطه ويبرى عنه من قصاص أو غرامة، وهو غير الحلم وكظم الغيظ. والعفو: من أسماء الله تعالى على وزن فعول صيغة المبالغة، معناه كثير العفو .. قال ابن جرير فى قوله {إن الله كان عفوا غفورا} (النساء43) إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده وترك العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به. وقد ورد هذا الاسم فى القرآن خمس مرات، ومن آثار الإيمان به: 1 - أن الله سبحانه هو العفو الذى له العفو الشامل، ولا سيما إذا أتى العباد بما يوجب العفو عنهم من الاستغفار والتوبة؛ فالله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات. ولولا كمال عفوه وسعة حلمه سبحانه ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب ولا عين تطرف {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} (النحل 61) وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم - " ليس أحدا أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولدا وانه ليعافيهم ويرزقهم " (رواه البخارى). وقال ابن القيم فى النونية: وهو العفو فعفوه وسع الورى لولاه غارت الأرض بالسكان 2 - أنه تعالى عفو غفور مع قدرته على خلقه وقهره لهم وقد نبه خلقه إلى ذلك {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا} (النساء 149). أى فاعفوا أنتم أيضا عن الناس، كما أن الله يعفو عنكم ويغفر لكم. وقد حث الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار فمن ذلك {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} (النور22) وقد خاطب الله نبيه بذلك وحثه على قبول العفو فقال {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف 199) ومدح بذلك عبادة المؤمنين {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} (آل عمران 134). وقد قال النبى - رضي الله عنه - " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " ولقد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى للبشر فى العفو والصفح. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 2/ 634 وما بعدها وانظر معجم ألفاظ القرآن الكريم 2/ 773 وما بعدها. 2 - النهج الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى محمد بن حمد الحمود 2/ 639 مكتبة الإمام الذهبى الكويت. 3 - إحياء علوم الدين للغزالى 3/ 172. 4 - صحيح البخارى كتاب الأدب باب الصبر على الأذى حديث رقم 6099. 5 - شرح النونية لمحمد بن خليل الهراس 2/ 81 6 - شرح النووى على صحيح مسلم 16/ 141. 7 - النهج الأسمى 2/ 639 - 642. 8 - المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى لأبى حامد الغزالى. 9 - جامع البيان فى تفسير القرآن لابن جرير الطبرى.

24 - العقد

24 - العقد لغة: الربط والشد والضمان والعهد. قال الفيروزآبادى: عقد الحبل والبيع والعهد: شده (1). ويطلق أيضا على الجمع بين أطراف الشيء، يقال: عقد الحبل إذا جمع أحد طرفيه على الآخر وربط بينهما (2). وقال الفيومى: عقدت البيع ونحوه، وعقدت اليمين وعقَّدتها بالتشديد توكيد، وعاقدته على كذا، وعقدته عليه بمعنى: عاهدته، وعقدة النكاح وغيره: إحكامه وإبرامه والجمع عقود (3). ومنه قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح} (البقرة 235) أى إحكامه، والمعنى: لا تعزموا على عقدة النكاح فى زمان العدة (4). وعلى ذلك يكون عقدا فى اللغة: كل ما يفيد الالتزام بشيء عملا كان أو تركاً من جانب واحد أو من جانبين لما فى كل ذلك من معنى الربط والتوثيق. واصطلاحا: فيطلق العقد على معنيين (5): أحدهما خاص وهو الالتزام الصادر من طرفين متقابلين، أو ما يتم به الالتزام من كلام وغيره، مما يقوم مقامه من إشارة أو كتابة أو نحوهما صادرا من شخصين على وجه يترتب عليه أثره الشرعى، أما الالتزامات التى تصدر من طرف واحد كالطلاق المجرد عن المال والوقف والإبراء فلا تسمى عقدا بل تصرفا أو التزاما. وهذا المعنى هو الشائع المشهور الذى يكاد ينفرد بالاصطلاح حتى إذا أطلقت كلمة العقد تبادر إلى الفهم هذا المعنى. ثانيهما: عام حيث يشمل العقد ما كان الالتزام فيه من جانبين كالبيع والإجارة والزواج، أو ما يتم الالتزام فيه بإرادة واحدة من غير توقف على شيء آخر كالطلاق المجرد عن المال والعزل من التوكيل واليمين والوقف. لابد لتصور العقد ووجوده من وجود الأمور الآتية: أولا: وجود المتعاقدين اللذين يرغبان فى إنشاء العقد وتكوينه ليتوصّلا مثلا إلى أثره المترتب عليه شرعا ويلتزما بحكمه. ثانيا: الصيغة التى يتكون منها العقد وهى ما يصدر عن المتعاقدين من عبارة كاشفة عن إرادتهما ومظهرة لرغبتهما كأن يقول أحدهما: بعت أو اشتريت أو وهبت أو تزوجت ويقول الآخر قبلت. ثالثا: محل العقد الذى يقع عليه التعاقد ويكون الالتزام بخصوصه وواقعاً عليه كالسلعة المبيعة فى عقد البيع والمنفعة التى يتملكها المستأجر فى عقد الإجارة، والثمن المتفق عليه. أما سبب التعاقد: فلم يعتبره الفقهاء ركنا من أركان العقد وإن كانوا قد اعتبروه شرطا لا وجود للعقد بدونه فالعقد يكون موجودًا إذا كان سببه مشروعا: ولا وجود له إذا كان الشارع قد نهى عن التعامل فيه، فاستئجار شخص ما للسرقة، أو للاعتداء على آخر بالضرب باطل لا يترتب عليه أثر، لأن سبب التعاقد منهى عنه شرعا. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - ترتيب القاموس المحيط3/ 270. 2 - لسان العرب 4/ 3031دار صادر بيروت. 3 - المصباح المنير 2/ 421. 4 - الجامع لأحكام القرآن القرطبى 1/ 1104ط دار الكتب. 5 - النظريات العامة فى الفقه الإسلامى د. عبد المجيد محمود مطلوب، ص 79 وما بعدها

25 - العقل

25 - العقل لغة: مأخوذ من عقال البعير إذا عقله صاحبه بالحبل؛ ليمنعه من السير، والعقل فيه معنى المنع؛ لأنه يمنع صاحبه عن العدول عن سواء السبيل، ويسمى فى القرآن بالحجر، وذو الحجر ذو العقل، وأولوا الألباب: أصحاب العقول، وكذلك أولوا النُّهى. وحذف الحرف الخامس من التفعيلة العروضية "مفاعلتن " يسمى عقلا وهى اللام المتحركة لتصبح التفعيلة مفاعتن. ويسمى البيت معقولا. واصطلاحا: عند الفلاسفة يطلق على معان كثيرة. هو جوهر بسيط يدرك الأشياء بحقائقها. جوهر مفارق للمادة فى ذاته مقارن لها فى فعله، وهو النفس الناطقة فى الإنسان المشار إليها "بأنا ". العقل جوهر لطيف روحانى يتعلق بالبدن تعلق تدبير وتصريف، العقل قوة النفس الناطقة مغاير لها فى الفعل. فالنفس هى الفاعلة والعقل أداة لها فى الفعل بمنزلة السكين بالنسبة لفعل القطع. وقيل: العقل- النفس- الذهن، أسماء مختلفة لمسمى واحد، وتسمى نفسا لكونها متصرفة فى البدن، وتسمى عقلا لكونها مدركة، وتسمى ذهنا لكونها مستعدة للإدراك. وقيل العقل قوة تدرك به حقائق الأشياء محلها الرأس وقيل محلها القلب. ويستعمله الفلاسفة فى: 1 - إدراك العمليات الذهنية التى يتم بها إدراك الأشياء، والبرهنة عليها، لنميز بها بين الصواب والخطأ فى الأقوال والأفعال، والحق والباطل فى الاعتقاد. 2 - يطلق على المبادئ الأولية المؤسسة لليقين البرهانى التى يلتقى عليها العقلاء، بلا خلاف بينهم. 3 - القوة التى يتم بها تجريد المعانى الكلية من المحسوسات الجزئية، ومن شأنها انتزاع الصور من الهيولى وبتصورها مجردة من موادها المحسوسة، ليصح لنا أن نعقل الماهيات المجردة. وينقسم العقل إلى عقل عملى وعقل نظرى، فالعقل النظرى ينصب على الإدراك والمعرفة أما العقل العملى فيطلق على السلوك الأخلاقى. وأرسطو يقسم العقل إلى عقل بالفعل وعقل بالقوة، أحدهما فاعل والآخر منفعل ولا غنى لأحدهما عن الآخر. والعقل الفعال يسميه الفلاسفة بالعقل العاشر آخر سلسلة العقول العشرة (فى نظرية الفيض) وهو عند ابن سينا والفارابى مشرق على ما تحت ملك القمر (العالم) وهو صورة مفارقة بريء عن المادة وعلائقها. والعقل قوة تدرك بها الماهيات المجردة. وتدرك بها المعانى المتقابلة (الوجود والعدم- الجوهر والعرض) وندرك به النسب والإضافات، وتدرك به مباحث عامة فى كل علم كما تدرك به وجودات غير مادية لا تقبل المادة ولا تحل بها أصلا. والعقل الهيولانى استعداد فطرى محض لإدراك المعقولات ويسمى عقلا بالقوة، لأنه قوة محضة خالية عن الفعل (كفعل الطفل) وسمى هيولانيا، لأنه يشبه النفس فى حال خلوها من الصورة الجسمية. العقل بالملكة، هو علم بالضروريات واستعداد النفس لاكتسابها. وعند أرسطو هو عقل هيولانى، وقد حصل فيه المقولات الأولى. العقل بالفعل هو أن تصير النظريات مختزنة بالفعل، بحيث لا يغيب عن المرء إدراكها بالقوة العاقلة، لكثرة تكرارها بحيث تصير ملكة يستحضرها المرء متى شاء من غير صعوبة العقل المستفاد. استحضار (أن تحضر عنده) النظريات التى أدركها بحيث لا تغيب عنه. والعقل العملى عند ابن رشد هو قوة للنفس هى مبدأ تحريك القوة الشوقية إلى ما يختار من الجزئيات من أجل غاية مظنونة. هو السبب لكل ما هو بالقوة عقل فى أن يصير بالفعل عقلا. العقل القدسى حال للعقل الهيولانى، يكون مستعدا فيه للاتصال بالعقل الفعال كأنه يعرف كل شيء عن نفسه، ومنه عقل الكل، ويقال لمعنيين: أحدهما جملة العالم، والثانى الجرم الأقصى الذى يقال له جرم الكل، ولحركته حركة الكل، وأما الكل بالاعتبار الثانى فهو العقل الذى هو جوهر مجرد عن المادة من كل الجهات، وهو الذى يحرك الكل على سبيل التشوق لنفسه، ووجوده- أول وجود مستفاد عن الوجود الأول. العقل الكلى هو المعنى المعقول المقول على كثيرين مختلفين بالعدد من العقول التى لأفراد الناس. والعقل باعتباره مدركا للماهيات يسمى عقلا نظريا وإذا حكم على الأشياء بأنها خيرأو شر سمى عقلا عمليا. أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - رسالة الحدود، للكندى. 2 - رسالة الحدود، لابن سينا. 3 - النجاة، لابن سينا. 4 - تلخيص ما بعد الطبيعة، لابن رشد .. 5 - التعريفات، للجرجانى. 6 - المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدى. 7 - أساس الاقتباس، للطوسى. 8 - لسان العرب، لابن منظور: بيروت - دار صادر. 9 - الكشاف للزمخشرى. 10 - المعجم الفلسفى، ط مجمع اللغة العربية. 11 - المعجم الفلسفى، مراد وهبة.

26 - العقيدة

26 - العقيدة لغة: تدل مادة (عقد) فى مختلف استعمالاتها على معانى التوكيد والتوثيق والإبرام، سواء كان ذلك فى الجانب الحسى: أو الجوانب المعنوية، ومنها قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} (المائدة 89) أى، أقسمتم به مع النية التامة والقصد الكامل، ومنها قوله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح} (البقرة 235) ومن هنا جاءت كلمة (عقيدة) لتدل على ما يدين الإنسان به، ويعقد عليه القلب والضمير (1). واصطلاحا: كلمة (عقيدة) تتسع فى المحيط الإسلامى لتدل على "فعل الاعتقاد" نفسه حينا، ولتدل على " محتوى الاعتقاد وموضوعاته " حينا، ولتدل على (العلم) الذى يتكفل ببيان الأمرين جميعا حينا آخر. فيما يتعلق "بفعل الاعتقاد" نفسه فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مصحوبا بالجزم والتيقن والإذعان، وأن يتخلص من شوائب "الظن " الذى يعنى التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف الراجح منهما، ومن شوائب "الشك " الذى يعنى التردد بين طرفين، دون ميل إلى أحدهما، ومن شوائب "الوهم " الذى يعنى أيضا التردد بين طرفين، ثم الميل إلى الطرف المرجوح منهما (2). وحين يتخلص الاعتقاد الصحيح من هذه الشوائب- بما تعنيه من اهتزاز وارتياب. فإنه يكون مقترنا بإذعان العقل، وسكون النفس، وانشراح الصدر، ومن ثم يصير هذا الاعتقاد باعثا لصاحبه على آداء التكاليف العملية كالصلاة والصيام وغيرها فى طواعية ويسر، كما يكون دافعا لصاحبه على الالتزام الخلقى، والسلوك السوى، مصحوبا بمراقبة الله عز وجل فى السر والعلانية، حتى يبلغ ذلك الاعتقاد بصاحبه إلى مرتبة الإحسان التى عبر عنها قوله (صلى الله عليه وسلم) (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (3). من أجل ذلك فإن الاعتقاد الصحيح يجب أن يكون مؤسسا على الدليل اليقينى القاطع، سواء كان دليلا إجماليا أو تفصيليا، فالدليل الإجمالى مثلا على وجود الله تعالى، واتصافه بصفات الكمال هو العالم بكل ما فيه من بديع الصنع، ومظاهر الحكمة، ودلائل النظام والاتساق والإحكام، والدليل الإجمالى مثلا على صدق النبى (صلى الله عليه وسلم) فيما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى هو ما أيده الله تعالى به من باهر المعجزات، وأعظمها القرآن الكريم نفسه، وما اشتملت عليه رسالته السامية من هداية البشرية، وما نعمت به فى ظلها من الرفاهية والأمن والسعادة. ولئن كان الاعتقاد الصحيح مؤسسا على الدليل اليقينى القاطع فهو بالضرورة مطابق للحق وللواقع بلا ريب، وعلى هذه الأسس الثلاثة: أعنى الجزم، والتأسيس على الدليل، والمطابقة للواقع: يترسخ الاعتقاد الصحيح فى الإسلام، ويصير فرقانا بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، وبين الهدى والضلال (4)، كما يصير مرادفا للعلم المأمور به فى قوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (محمد 19). أما محتوى الاعتقاد أو "المعتقدات " فتشمل منظومة من العقائد التى تتعلق بجانب الألوهية (وتسمى الإلهيات)، وتشمل مجموعة من العقائد التى تتعلق بالأنبياء عليهم السلام، وتسمى (النبوات) وتشمل أخيرا طائفة من العقائد التى تتعلق بالأمور الغيبية التى ورد بها السمع (أى الكتاب والسنة الصحيحة) وتسمى (السمعيات). فى جانب الإلهيات يجب على المسلم الاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن النقائص التى لا تليق بجلاله وألوهيته، فهو سبحانه منزه عن الاعتماد فى وجوده على غيره، ومنزه عن أن يكون لوجوده بداية، أو نهاية، ومنزه عن أن يكون مماثلا للمخلوقات، ومنزه عن التعدد فى ذاته، وفى صفاته، وفى أفعاله، فلا ذات تماثل ذاته العلية، ولا صفات تشابه صفاته المقدسة، ولا أفعال تماثل أفعاله تعالى، ولقد سمى علماء العقائد هذه الصفات التى تدل على التنزيه بالصفات السلبية. ومن ناحية أخرى يجب على المسلم- فى جانب الإلهيات أيضا: الاعتقاد بأنه سبحانه متصف بالكماليات العليا التى تليق بجلاله وعظمته، مثل القدرة التامة الشاملة، والإرادة الكاملة التى تعنى أنه غير مقهور، ولا عاجز، والعلم المحيط الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض، وهو سبحانه متصف أيضا بالسمع والبصر والكلام، وغيرها من الصفات التى سماها علماء العقائد: الصفات الثبوتية أو الوجودية .. وفى جانب النبوات يجب على المسلم الاعتقاد بأن الأنبياء جميعا- عليهم السلام- متصفون بالصدق والعصمة، وتبليغ ما أرسلوا به دون كتمان، ومتصفون أيضا بفطانة الرأى وسداد المسلك، لأنهم قادة البشرية وهداتها إلى الحق والخير والصواب. وفى جانب السمعيات يجب على المسلم الاعتقاد بكل ما ورد فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة من معتقدات: كالملائكة والجن، والروح، والكرسى، والعرش، واللوح، والقلم، وكذلك الإيمان بالقدر، وبعث الموتى من قبورهم، وأحوال الآخرة من الحشر والنشر، والصراط، والميزان، والحوض، والشفاعة، والجنة ودرجاتها، والنار ودركاتها (5). أما "علم العقيدة"، وهو ما يسمى علم التوحيد، أو علم الكلام، أو علم أصول الدين فهو العلم الذى يتكفل ببيان الجانبين السابقين- الاعتقاد والمعتقدات- معتمدا فى ذلك على العقل والنقل جميعا، ولعل هذا الملحظ هو ما حدا بعلماء العقائد إلى الإصرار على أن تكون معرفة أحكام العقل الثلاثة- الوجوب والاستحالة والجواز- من أهم المهمات لمن يتصدى للبحث فى هذا العلم، بل لقد سماها البعض "قاعدة الدين " (6). وإذا كان هذا العلم كما يرى بعض علماء العقائد- هو العلم الذى يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه (7) فإن هاتين الوظيفتين- إقامة الحجج ودفع الشبه- لا يمكن النهوض بهما إلا لمن أحكم أصول الشرع وأصول العقل جميعا، ومن أجل هذا المعنى فقد عرفه بعض علماء العقائد بتعريف مشابه، وهو أنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية" (8). أ. د./ محمد عبد الفضيل القوصى

_ المراجع 1 - المصباح المنير، مادة: عقد، ولسان العرب، لابن منظور 3/ 288. 2 - السنوسى: شرح الكبرى: ص 3، وأيضا: شرح العقائد النسفية 1/ 9 - 10. 3 - البخارى: كتاب الإيمان، ومسلم: كتاب الإيمان. 4 - قارن شرح المقاصد للتفتازانى 2/ 194، وتبصرة الأدلة: لأبى المعين النسفى 1/ 43 والشرقاوى على الهد هدى ص 40. 5 - شرح النسفية 1/ 22 - 23 حاشية الأمير على الجوهر، ص 54ـ55. 6 - الإرشاد، الجوينى: ص 12 - 16، والعقيدة النظامية: ص 5. 7 - شرح المواقف: 1/ 34 - 35. 8 - شرح المقاصد. 1/ 5.

27 - علامات الترقيم

27 - علامات الترقيم لغة: العلامات جمع " علامة "، وا لعلامة: ما ينصب فى الطريق فيهتدى به كما فى اللسان (1)، والّرقم والترقيم: تعجيم الكتاب، ورقم الكتاب يرقمه رقما أعجمه وبينه (2). واصطلاحا: هى علامات توضع بين أجزاء الكلام المكتوب؛ لتمييز بعضه من بعض، أو لتنويع الصوت به عند قراءته (3). واعلم أن علامات الترقيم على غاية كبيرة من الأهمية؛ لأنه كما ظهر من التعريف بها يتميز غرض المتكلم من كلامه، لأن العبارات بوضعها دون هذه العلامات قد يستغلق فهمها على الكثير من أبناء هذا العصر أو يعسر، فلو نظرنا إلى هذه العبارة: زارنى حسن ومحمد وإخوتك غائبون، وجدنا أنها تحتمل معنيين، أحدهما: أن حسنا زارنى، بينما كان محمد وإخوتك غائبين، ثانيهما: أن حسنا ومحمدا زارانى، بينما كان إخوتك غائبين. ولكن هذا الإبهام يزول بتاتا، إذا فصلنا الكلمات بعضها عن بعض، فللتعبير عن المعنيين السابقين توضع العبارة هكذا: زارنى حسن، ومحمد وإخوتك غائبون. زارنى حسن ومحمد، وإخوتك غائبون. وعلامات الترقيم فى اللغة العربية علامات مستنبطة حديثا، وأول من أمر باستنباطها صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر، فسارع العلماء والمهتمون باللغة العربية ودراساتها إلى تنفيذ أمر مليكهم، وأشهر ما استنبطوه من علامات: 1 - الفصلة، وترسم هكذا، 2 - الوقفة، وترسم هكذا. 3 - النقطتان أو المزدوجة، وترسم هكذا: 4 - علامة الاستفهام، وترسم هكذا؟ 5 - علامة الانفعال والتأثر، وترسم هكذا! 6 - القوسان، وترسمان هكذا () 7 - علامة التنصيص، وترسم هكذا " " 8 - الحاصرتان، وترسمان هكذا [] 9 - الشرطة، وترسم هكذا- 10 - علامة الحذف، وترسم هكذا ..... 11 - الفصلة المنقوطة، وترسم هكذا؛ 12 - السنان، وترسم هكذا ^ ولكل علامة من هذه العلامة سبب فى التسمية باسمها، وطرق استعمال مبينة فى الكتب الخاصة بعلامات الإملاء والترقيم فلتبحث فيه (4). أ. د/ على جمعة محمد

_ المراجع 1ـ لسان العرب، لابن منظور دار المعارف 4/ 3084ـ المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية دار المعارف 1972م 2/ 660 2ـ لسان العرب، لابن منظور دار المعارف 3/ 1709 3 - نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم لمصطفى عنانى بك مطبعة حجازى بالقاهرة نشر محمود توفيق، الطبعة الخامسة 1937 م ص 42 - المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية دار المعارف 972 1 م 1/ 366. 4 - رسالة فى الترقيم والحكاية والخطاب والأسلوب النزيه، وضعها محمود أحمد خليل راشد وما بعدها، مطبعة الرشاد بالإسكندرية سنة 1929 م- 1347 هـ- نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم، تأليف مصطفى عنانى بك ص 43 وما بعدها. 5 - الإملاء والترقيم: عبد العليم إبراهيم- مكتبة غريب- القاهرة سنة 1980م

28 - العلة

28 - العِلَّة لغة: المرض الشاغل واصطلاحا: 1 - عند الفلاسفة: كل ما يصدر عنه أمر آخر بالاستقلال أو بوساطة انضمام غيره إليه، وما كان كذلك فهو علة لذلك الأمر، والأمر معلول له، والعلل عندهم إما علة فاعلية أو مادية أو صورية أو غائية، ويطلق عليها فى مجموعها العلة التامة. 2 - عند العروضيين: التغير اللاحق بالأسباب والأوتاد فى الأعاريض والضروب خاصة، لازما لها (والسبب حرفان أحدهما ساكن والآخر متحرك والوتد ثلاثة حروف متحركان وساكن أو متحركان بينهما ساكن، والأعاريض آخر الشطرة الأولى، والضروب آخر الشطرة الأخيرة من البيت). وحروف العلة عند النحاة هى الواو والألف والياء. 3 - عند الأصوليين: وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده وجود الحكم ويلزم من عدمه عدم الحكم لذاته، ويقصدون بالظاهر ضد الخفى، وبالمنضبط ضد المضطرب. والعلل العقلية عند الفلاسفة مؤثرات بمعنى أن العلة تقارن المعلول ومن هنا أنكر المتكلمون أن الله علة للعالم كما تقول الفلاسفة حيث يترتب على ذلك القول بِقِدَم العالم وهو ما لا يقبله المسلمون حيث إن القول بِقِدَم العالم يعنى عندهم أن هناك شريكا للخالق فى ِقدَمه وهو سبحانه منزه عن الشريك. والعلل الشرعية عند الأصوليين معرفات لا مؤثرات، ولذلك يمكن وجود علتين لحكم واحد لأن المعرفات قد تتعدد على المعرَّف الواحد. فالإسكار علة تحريم الخمر، وذلك لما اشتمل عليه من معنى ذهاب العقل وهو وصف يحسن شرع حكم التحريم عنده حيث إن مراد الله من خلقه العبادة له وعمارة الكون وهما لا يحصلان إلا ممن لديه العقل، والعقل مناط التكليف، وذهاب العقل حكمته، والفرق بين العلة والحكمة أن العلة منضبطة والحكمة قد لا تنضبط. والعلة ركن من أركان القياس: (وهى الأصل، وحكم الأصل وعلة حكم الأصل، والفرع) ويمكن الوصول إليها عن طريق النص أو الاستنباط، وطرق الوصول إلى العلة تسعة وهى: 1 - النص 2 - الإجماع. 3 - الإيماء 4 - التقسيم والسبر 5 - الكسر 6 - المناسبة 7 - التأثير 8 - الشبه 9 - الد وران ومن المشهور أن الحكم يدور وجودا وعدما مع علته لا مع حكمته. أ. د./ على جمعة محمد

_ المراجع 1 - الأربعين فى أصول الدين. فخر الدين الرازى. الكليات الأزهرية مصر. 2 - الأنوار الساطعة فى العلة الجامعة. رمضان عبد الودود. المطبعة المحمدية مصر 3 - الكافى فى العروض والقوافى. أحمد الدمنهورى، مصطفى الحلبى مصر

29 - العلمانية

29 - العلمانية العلمانية مصطلح ترجم بمصر والمشرق العربى للكلمة الإنجليزية ( SECULARISM) بمعنى: الدنيوى والواقعى، والعالمى .. ذلك لأن العلمانية هى نزعة فلسفية وفكرية وسياسية واجتماعية ترى العالم مكتفيا بذاته، تدبره الأسباب الذاتية المودعة فيه .. فالعالم والواقع والدنيا هى مرجعية التدبير للاجتماع الإنسانى والدولة والحياة، ومن ثم فإن الاجتماع والحياة والدولة ليست فى حاجة إلى مدبر من خارج هذا العالم ومن وراء هذه الطبيعة .. والإنسان مكتف بذاته، يدبر شئونه ويبدع قيمه ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس فى حاجة إلى شريعة سماوية تحكم هذا التدبير. فالعلمانية- لذلك- تضبط بفتح العين، لأنها نسبة إلى العالم وهناك فى المغرب العربى من يترجمها بالدنيوية. ولقد نشأت العلمانية- بأوربا- فى سياق النهضة الحديثة، وكانت من أبرز معالم فلسفة التنوير الوضعى الغربى، التى جابه بها فلاسفة عصر الأنوار- فى القرنين السابع عشر والثامن عشر- سلطة الكنيسة الكاثوليكية بعد أن تجاوزت هذه الكنيسة الحدود التى رسمتها لها النصرانية، وهى خلاص الروح، ومملكة السماء، وترك ما لقيصر لقيصر والاقتصار على ما لله .. لقد تجاوزت الكنيسة- حدود رسالتها واختصاصاتها، فبعد عصور من سيادة نظرية " الّسيْفَين theory of the two swords أى السيف الروحى- أو السلطة الدينية للكنيسة- والسيف الزمنى أى السلطة المدنية للدولة جمعت الكنيسة السلطتين معا فضمت ما لقيصر إلى ما للكنيسة واللاهوت فى ظل نظرية "السيف الواحد" theory of one sword وتحت حكم "البابوات الأباطرة" أضفت الكنيسة قداسة الدين وثباته على المتغيرات الدنيوية والاجتماعية- أفكارا وعلوما ونظما- فرفضت وحرمت وجرمت كل ما لا وجود له فى الأناجيل، وبذلك دخلت أوربا عصورها المظلمة، الأمر الذى استنفر رد الفعل العلمانى، الذى حرر الدنيا من كل علاقة لها بالدين. ففى مواجهة الكهنوت الكنسى الذى قدس الدنيا وثبتها، وجعل اللاهوت النصرانى المرجع الوحيد للسياسة جاء رد الفعل العلمانى لينزع كل قداسة عن كل شئون الدنيا، وليحرر العالم من سلطان الدين، وليعزل السماء عن الأرض، جاعلا العالم مكتفيا بذاته، والاجتماع والدولة والنظم والفلسفات محكومة بالعقل والتجربة، دونما تدخل من الدين. ولقد ساعدت الملابسات التى نشأت فيها العلمانية على هزيمة الكنيسة وتراجع اللاهوت النصرانى أمام النزعة العلمانية. وكان التخلف الأوربى شاهدا على فشل الحكم الكنسى الكهنوتى وكانت هذه الملابسات الواقعية والمواريث الدينية والفلسفية- فى أوربا- عونا لانتصار العلمانية على الكنيسة وسلطانها. ولقد تميز تياران فى إطار فلاسفة العلمانية الأوربية: أولا: تيار مادى ملحد، طمح إلى تحرير الحياة- كل الحياة- من الإيمان الدينى .. وكانت الماركسية أبرز إفرازات هذا التيار. ثانيا: تيار مؤمن بوجود خالق للكون والإنسان، لكنه يقف بنطاق عمل هذا الخالق عند مجرد الخلق فيحرر الدولة والسياسة والاجتماع من سلطان الدين، مع بقاء الإيمان الدينى علاقة خاصة وفردية بين الإنسان وبين الله .. ومن فلاسفة هذا التيار "هوبر (588 1 - 679 1م)، ولوك (632 1 - 1716م)، وليبيز (1646 - 1716 م)، وليسينج (1792 - 1871م)، ورسو (1712 - 778 1م) ". ولقد ظلت العلمانية خصوصية غربية حتى القرن التاسع عشر، عندما جاءت إلى بلادنا الإسلامية فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الغربى الحديث .. وإذا كانت مصر بحكم موقعها قد مثلت طليعة الأقاليم الشرقية فى التأثر بالفكر الأوروبى ومنه العلمانية فلقد كان وفود العلمانية إليها نموذجا لتسللها من أوربا إلى بلاد الشرق الإسلامى فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الحديث. فبعد تحطيم النظام الحمائى للصناعة والتجارة الذى أقامه محمد على باشا فى مصر، زاد نفوذ التجار الأجانب، ونشأت على عهد الخديوى سعيد، فى سنة 272 1هـ 1855م أول محكمة تجارية مختلطة بين المصريين والأجانب "مجلس تجار" تسلل إليها القانون الوضعى الفرنسى. ومع تزايد أعداد الجاليات الأجنبية ونفوذها وخاصة بعد عقد اتفاقية حفر قناة السويس نشأت المحاكم القنصلية لتقضى فى المنازعات الناشئة بين المصريين وبين الأجانب، وقضاتها أجانب ولغاتها أجنبية، وقانونها وضعى علمانى. ولما زادت فوضى القضاء القنصلى تم إنشاء المحاكم المختلطة بقضاة أجانب ولغة فرنسية وشريعة نابليون. وبعد أن كان هذا الاختراق فى المحاكم القنصلية ثم المختلطة مقصورا على المنازعات التى يكون أحد طرفيها أجنبيا حدث تعميم لبلوى هذا الاختراق العلمانى فى كل القضاء الأهلى أى فيما عدا المحاكم الشرعية، التى انحصر اختصاصها فى شئون الأسرة والأحوال الشخصية وكان ذلك عقب الاستعمار الإنجليزى لمصر، فيما سمى بالإصلاح القضائى سنة 883 1م. ولقد استعان الغرب الاستعمارى بنفر من أبناء الأقلية المارونية الذين تربوا فى مدارس الإرساليات التنصيرية بلبنان فى الدعوة إلى نموذجه الحضارى العلمانى، فكان فرح أنطون 874 1 - 922 1م أول دعاة العلمانية فى بلادنا .. ثم تخلّق للعلمانية تيار فكرى بلغ ذروته فى كتاب الشيخ على عبدا لرازق (887 1 - 966 1م) عن (الإسلام وأصول الحكم) الذى صدر سنة 925 1م مصورا الإسلام كالنصرانية دينا لا دولة، ورسالة لا حكما، يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وفى مواجهة هذا التسلل العلمانى إلى بلادنا كانت مقاومة تيار الإحياء والتجديد الدينى لعلمانية القانون والنهضة .. فلقد رأى هذا التيار الإحيائى التجديدى فى العلمانية عدوانا على شمولية المنهاج الإسلامى لأنه دين ودولة وجامع بين ما لقيصر وما لله .. ولأن نطاق عمل الذات الإلهية- فى التصور الإسلامى- لا يقف عند مجرد الخلق، وإنما هو سبحانه وتعالى خالق ومدبر للعالم والاجتماع بواسطة الشرائع والرسالات:) لا له الخلق والأمر [(الأعراف 54) {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له} (الأنعام 162، 163). فكان رفاعة الطهطاوى (801 1 - 873 1م) أول من انتقد تسلل القانون التجارى لنابليون إلى المجلس التجارى فى الموانىء التجارية، ودعا إلى تقنين فقه المعاملات الإسلامية الوافى بتنظيم المنافع العمومية، لأن بحر الشريعة الغراء لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها. ونهض القانونى البارز محمد قدرى باشا (821 1 - 888 1م) وهو من تلامذة الطهطاوى بتقصى فقه المعاملات للمذهب الحنفى، ليقدم البديل الإسلامى فى القانون، كجزء من الرفض والمقاومة للقانون الوضعى العلمانى. ولقد عبر الإمام محمد عبده (849 1 - 905 1م) بلسان مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامى عن ضرورة إسلامية النهضة؛ لأن الإسلام على عكس النصرانية منهاج شامل، فهو: كمال للشخص، وأُلفة فى البيت، ونظام للملك، وسبيل الدين لمريد الإصلاح فى المسلمين سبيل لا مندوحة عنها". ومنذ ذلك التاريخ، ظل التدافع سجالا، فى واقعنا الفكرى والقانونى والسياسى بين دعاة العلمنة لمشروعنا النهضوى وبين دعاة إسلامية هذا المشروع. وعندما أعادت مصر صياغة قانونها المدنى، الذى وضعه الدكتور عبد الرزاق السنهورى باشا (895 1 - 1971م) والذى طبق عقب إلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 948 1م، زادت فى هذا القانون مرجعية الشرعية الإسلامية عنها فى سابقه الذى وضع سنة1883م ولما وضعت مصر دستورها الجديد سنة 971 1م نصت مادته الثانية على أن مبادىء الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للقوانين وفى التعديل، الذى تم الاستفتاء عليه، لهذه المادة سنة 980 1م غدت الشريعة هى المصدر الرئيسى للقوانين، فانفتح بذلك الباب الدستورى أمام المشروع المصرى لأسلمة القانون، ولإجلاء العلمانية عن المواقع التى احتلتها فى بلادنا تحت نفوذ وحراب الاستعمار. أ. د/ محمد عمارة

_ المراجع 1 - الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوى: دراسة وتحقيق د. محمد عمارة، ط بيروت سنة 1973 م. 2 - الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: دراسة وتحقيق د. محمد عمارة. ط دار الشروق. القاهرة 1993 م. 3 - تقويم النيل: لأمين سامى باشا. ط القاهرة 1936 م. 4 - عصر إسماعيل: عبد الرحمن الرافعى. طبعة القاهرة 948 1م. 5 - العلمانية بين الغرب والإسلام: د. محمد عمارة، ط دار الوفاء. القاهرة 1996 م.

30 - علم الحديث

30 - علم الحديث لغة: العلم إدراك الشىء بحقيقته، واليقين. (1) واصطلاحا: يشمل علم الحديث موضوعين رئيسيين: علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية. 1 - علم الحديث رواية: هو العلم الذى يقوم على نقل ما أضيف إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقيّة وخُلُقِيّة نقلا دقيقا محررا (2). ويرى بعض الباحثين أنه يقوم أيضا على نقل ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم. فموضوع هذا العلم: هو أقوال النبى (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتقريراته وصفاته من حيث نقلها نقلا دقيقا، فهو يتناول ضبط كل حديث ونقله. وفى العناية بعلم الحديث رواية: حفظُ السنة وضبطها والاحتراز عن الخطأ فى نقل ما أضيف إلى النبى (صلى الله عليه وسلم). وبهذا يقدم الحديث إلى الأمة كى تستمد منه أحكامها وتقتدى برسولها، وتؤدى السنة فى الأمة دورها باعتبارها المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى. 2 - علم الحديث دراية: هو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن (3)، وهذه القوانين هى القواعد والأصول التى يتوصل بها إلى معرفة الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وما يتصل بذلك من شروط الرواية، ومعرفة الرواة وأحوالهم، وجرحهم وتعديلهم، وتواريخ الرواة من حيث الولادة والوفاة، والناسخ والمنسوخ، ومختلف الحديث، وغريبه، وغير ذلك من المباحث والأنواع التى تذكر فى هذا العلم، وفى كتبه (4). فموضوعه: السند والمتن أو الراوى والمروى من حيث القبول والرد والقواعد التى تبين ذلك، وغايته معرفة الصحيح من غيره (5). ولا يستغنى أحد العلمين عن الآخر، وعلم الحديث رواية لا يجدى ما لم يقترن بعلم الحديث دراية؛ كى يمكن معرفة المقبول من المردود، وقد أطلق علماء الحديث على علم الحديث دراية اسم "مصطلح الحديث " واسم "أصول الحديث ". والحق أن كل موضوع من موضوعات علم الحديث دراية يستحق أن يطلق عليه علم قائم بذاته، لكثرة ما فيه من مجالات وقواعد، ومن ثم قيل: علم الجرح والتعديل، وعلم الرواة، وعلم مختلف الحديث، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم غريب الحديث .... وهكذا، ولهذا أطلقوا على علم الحديث: علوم الحديث؛ لأن كل موضوع من موضوعاته يستحق أن يكون علما قائما بذاته، يقول الحازمى: "علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة، كل نوع منها علم مستقل، لو أنفق الطالب فيه عمره ما أدرك نهايته " (6) وسمى كتاب الحاكم "معرفة علوم الحديث "، وكتاب ابن الصلاح "مقدمة فى علوم الحديث " أو: "علوم الحديث " (7). وعلم الحديث رواية نشأ فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذ تلقى الصحابة- رضوان الله عليهم- الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورووه إلى من بعدهم. ونشأ التدوين فى عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعلى سبيل المثال دوَّن عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفته التى رواها حفيده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ودوَّنت صحيفة على بن أبى طالب - رضي الله عنه - وكان عند جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما- صحيفة ... وكثير من الصحابة (8). ثم كثر التدوين حتى بدأ التدوين الشامل فى مصنفات فى عهد عمر بن عبد العزيز، وأُلَفت الكتب فى علوم الحديث دراية وهى التى تصون الروايات وتميزها وتتناول قواعد ذلك. ونشأت بذور علوم الحديث دراية فى وقت مبكر ومنذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ككيفية الرواية والتثبت فيها وبيان الأخطاء فيها، والجرح والتعديل ... ، ثم ألفت الكتب الخاصة التى تتناول هذه العلوم. وأول من ألف فى علوم الحديث دراية: أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزى (ت 360 هـ) ألف كتابه " المحدث الفاصل بين الراوى والواعى" (9)، ولكونه أول محاولة لم يستوعب كل أنواع هذه العلوم ومباحثها. ثم جاء بعده أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورى (ت 405 هـ) وألف كتابه "معرفة علوم الحديث " (10)، ولكنه لم يهذب الفن كما ينبغى، ولم يرتبه الترتيب المنشود. ثم جاء الخطيب البغدادى أحمد بن على بن ثابت (392 - 463 هـ) فألف فى قوانين الرواية كتابه " الكفاية فى قوانين الرواية " (11). ثم جاء القاضى عياض بن موسى اليحصبى (479 - 544 هـ) فألف كتابه " الإلماع فى ضبط الرواية وقوانين السماع " (12). ثم جاء الحافظ الفقيه أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح الشّهَرزورى فألف كتابه المشهور" علوم الحديث"، ويعرف بمقدمة ابن الصلاح، وقد جمع ابن الصلاح متفرقات هذا الفن من كتب مطولة فى هذا الحجم اللطيف (13). وقد اعتنى العلماء بكتاب ابن الصلاح وسار فى فلكه جُلّ من ألف بعده فى علوم الحديث. أ. د/ رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط 2/ 646. 2 - تدريب الراوى، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف- دار الفكر- بيروت 1/ 40. 3 - هكذا عرفه عز الدين بن جماعة (تدريب الراسخ1/ 411). 4 - المصدر السابق 1/ 40 - 41 5 - المصدر السابق 1/ 41. 6 - المصدر السابق 1/ 53. 7 - انظر الصفحة الأولى من مخطوط ابن الصلاح فى أول المطبوعة تحقيق بنت الشاطىء (طبعة دار المعارف- مصر). 8 - دراسات فى الحديث النبوى للأعظمى، ص 92 - 142 نشر جامعة الرياض. 9 - طبع بتحقيق عجاج الخطيب- بيروت- دار الفكر. علم 1 139 هـ/ 1971 م. 10 - طبع بالهند- حيدر آباد الدكن. 11 - طبع أكثر من طبعة فى الهند ومصر 2 1 - طبع فى تونس بتحقيق السيد أحمد صقر عام 1389 هـ/ 1970 م. 13 - طبع اكثر من طبعة أشهرها: طبعة بتحقيق بنت الشاطئ، وطبعة بتحقيق نور الدين عتر ..

31 - علم الطبيعة

31 - علم الطبيعة لغة: الطبيعة السجية، وهى القوة السارية فى الجسم التى بها يصل إلى كماله الطبيعى (لسان العرب). واصطلاحا: العلم المختص بتفهم الظواهر الطبيعية التى تحدث فى الكون معتمدا على الملاحظات التجريبية والقياسات الكمية. وأهم أهدافه استنباط القوانين التى تحكم الظواهر الطبيعية لتطوير نظريات يمكن لها أن تتنبأ بنتائج التجارب، وتصاغ القوانين الأساسية لهذه النظريات بلغة الرياضيات التى تمثل الجسر الذى يربط بين النظرية والتجربة. وعندما يظهر تناقض بين النظرية والتجربة الفيزيقية، تنبثق نظريات جديدة وتجارب جديدة لحل هذا التناقض، وفى هذا دفع للبحث العلمى. وتنقسم الفيزيقا إلى ستة مجالات، هى: 1 - الميكانيكا التقليدية التى تختص بحركة الأجسام ذات سرعة تقل كثيرا عن سرعة الضوء. 2 - النظرية النسبية التى تصف الجسيمات المتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء. 3 - الديناميكا الحرارية وتختص بدراسة تغير درجة حرارة الأجسام على التركيب الداخلى للمواد. 4 - الضوء ويتضمن الضوء الفيزيقى والضوء الهندسى والظواهر الضوئية المختلفة، وكذلك علم الليزر الذى ظهر حديثا. 5 - الكهرومغناطيسية وتتضمن النظرية الكهربائية والمغناطيسية والمجالات الكهرومغناطيسية. 6 - ميكانيكا الكم وهى نظرية تختص بسلوك الجسيمات على المستوى بالغ الصغر (دون المجهر). وتسمى الفيزيقا التى تم تطويرها قبل عام 1900م "الفيزيقا التقليدية". ومن العلماء الذين أسهموا بجهد كبير فى تطوير هذه الفيزيقا على مر العصور. كل من العالم العربى المسلم "الحسن بن الهيثم" (357 - 430هـ/965 - 1038م) الذى أنجز معظم أعماله فى مدينة القاهرة، وأهمها نظرية الضوء والتفسير الصحيح لعملية الرؤية، وقد تضمن كتابه "المناظر" بحوثا عديدة تعتبر انقلابا فى علم الضوء. وترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية بعد وفاته بقرنين من الزمان، وظل هو المرجع الرئيسى لعلم الضوء حتى القرن السابع عشر. كما أن العالم المصرى القاهرى "ابن يونس" (399هـ/1008م) هو مخترع الرقاص (بندول الساعة) والذى ينسب خطأ للعالم الإيطالى جاليليو (564 - 1642م) الذى أسهم فى تطويرعلم الميكانيكا التقليدية. وإذا كان العالم الإنجليزى إسحق نيوتن (1642 - 1727م) قد صاغ قانون الجاذبية، وقوانين الحركة الثلاث؛ فإن مفهوم القانون الأول لنيوتن قد ظهر فى أعمال العلماء المسلمين ابن سينا (ت 428هـ-1037م) والرازى (ت 321هـ-924م) وغيرهم. ومن العلماء المسلمين الذين كان لهم دور كبير فى تقدم علم الفيزيقا "الخازن" القرن السادس الهجرى. القرن الثانى عشر الميلادى) الذى وضع كتابا فى الميكانيكا سماه "ميزان الحكمة" وقد سبق العالم تورشيللى (1608 - 1647م) فى وزنه الهواء، وفى تفسيره بأن حركة الأجسام فى الهواء لها قوة رافعة كالسوائل، كما قام الخازن بقياس كثافة كثير من العناصر والمركبات بدرجة من الدقة لم يصل إليها علماء القرن الثامن عشر كما أوضح أن سقوط الأجسام إلى الأرض ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام فى اتجاه مركز الأرض، وهذا هو قانون الجاذبية الذى ينسب إلى نيوتن. وبنهاية القرن التاسع عشر بدأت الفيزيقا الحديثة فى الظهور، وسبب ظهورها هو قصور الفيزيقا التقليدية عن تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية التى تم كشفها، مثل تفسير حركة الجسيمات بسرعة تقترب من سرعة الضوء، والذى فشلت قوانين نيوتن فى تفسيرها، فظهرت النظرية النسبية للعالم ألبرت أينشتين (1879 - 1955م) لتوضح هذا التفسير، كما توضح أن سرعة الضوء فى أقصى سرعة فى الكون، وكذلك تحدد العلاقة بين الكتلة والطاقة. وقد فشلت الفيزيقا التقليدية أيضا فى تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية مثل سلوك الذرات والجزيئات والأنوية، فظهر علم ميكانيكا الكم على أيدى مجموعة من العلماء منهم نيلزبور (1885 - 1962م) وشرودنجر (1887 - 1961م) وهيزنبرج (1901 - 1976م). وتعتمد هذه النظرية على مبدأ عدم الحتمية الذى صاغه هيزنبرج، ويتمثل فى استحالة حساب سرعة جسيم مع تحديد مكانه بنفس الدقة، كما تعتمد على اعتبار أن الجسيم الدقيق يمكن أن يسلك سلوك الموجات ومنه ظهرت معادلة شرودنجر الشهيرة التى تصف حركة الجسيمات عن طريق دراسة الموجات المصاحبة لها. وبحل هذه المعادلة يتم التوصل إلى الوصف الدقيق للذرة ومكوناتها، وهى النواة الموجبة والإلكترونات السالبة الشحنة، والتى تتحرك على مسافة بعيدة عن النواة -رغم ارتباطها بها- حتى لا تتلاشى الشحنات، وتتركب النواة من جسيمات البروتون والنيوترون التى تتماسك بقوة هائلة. وقد ظهرت اشعة الليزر عام 1960 وهى عبارة عن تكبير للضوء ناتج عن إثارة عدد كبير من ذرات عناصر معينة -مثل الهليوم والنيون- والتى عندما تعود إلى حالتها الطبيعية تنطلق هذه الأشعة، واليوم أصبح لها تطبيقات فى معظم فروع العلم والصناعة والطب. ويمكن تلخيص علم الفيزيقا بأنه يتناول دراسة القوى الأساسية فى الكون وهى كالآتى: 1 - القوى النووية القوية: وهى التى تربط بين دقائق النويات (البروتون والنيوترون). 2 - القوى النووية الضعيفة: وهى القوى الناتجة عن إشعاع الجسيمات الدقيقة (بيتا) والأشعة (جاما) والجسيمات غير الدقيقة (ألفا) من العناصر المشعة مثل (اليورانيوم). وتستخدم هذه المصادر فى الطب والصناعة. 3 - القوى الكهرومغناطيسية: وهى قوى التجاذب بين الشحنات المتضادة والتنافر بين الشحنات المتشابهة. 4 - القوى التثاقلية: وهى الناتجة عن تجاذب الأجسام مثل الأرض والشمس أو الأرض والقمر، وينتج عنها استقرار الحركات الدورانية للكواكب والتوابع. ومن العلماء المسلمين الذين أسهموا فى تطوير علم الفيزيقا الحديثة العالم الباكستانى عبد السلام (1926 - 1994م) الذى قام بتوحيد القوى النووية الضعيفة والقوى الكهرومغناطيسية لتصبح مجالا موحدا، وقد نال جائزة نوبل فى الفيزيقا عام 1979م عن نظريته تلك. والعالم المصرى أحمد زويل الذى نال جائزة نوبل عام 1999م بعد أن اكتشف وحدة قياس جديدة لقياس الزمن المتناهى فى الصغر. أ. د/على حلمى موسى

_ مراجع الاستزادة: 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية القاهرة. 2 - تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه د/عبدالحليم منتصر دار المعارف سنة 1980م. 3 - الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية محمد الحسينى عبدالعزيز وكالة المطبوعات بالكويت. 4 - تقدم العرب فى العلوم والصناعات وأستاذيتهم لأوربة عبدالله بن العباس الجرارى دار الفكر العربى القاهرة سنة 1961م. 5 - فلسفة العلوم الطبيعية "كارل همبل ترجمة د/جلال محمد موسى دار الكتاب المصرى

32 - علم الفلك

32 - علم الفلك لغة: المدار الذى يسبح فيه الجرم السماوى. واصطلاحا: يتناول دراسة المجرات البعيدة والمذنبات، والشهب والنيازك والنجوم والكواكب أو مجموعات النجوم ويبحث فيه الفلكيون عن جوهر الكون مستخدمين أعينهم أو المنظار الثنائى أو التلسكوب أو سفن الفضاء. ويتميز علم الفلك بأنه العلم الذى ليس له حد يفصل بين الهواة والمحترفين، بل إنه فى أحيان كثيرة تكون لمعلومات الهواة فائدة كبرى للفلكيين فى أبحاثهم. وبالنظر إلى مجموعات النجوم فى الفضاء، نجد أن كل مجموعة لها حدود ونجوم متألقة ونجوم أقل تألقا ونجم كبير. والآن يتعرف الفلكيون على 88 مجموعة فى السماء تقع 44 منها فى النصف الشمالى للسماء، و 44 فى النصف الجنوبى. وعلى مر العصور كان للثقافات المختلفة اهتمامات بمجموعات نجوم خاصة بها. وللتعرف على هذه المجموعات يجب النظر إلى السماء عندما يكون القمر محاقا، ومع استمرار التحديق فى أى مجموعة نلاحظ حركتها من الشرق إلى الغرب نتيجة لدوران الأرض حول محورها. وعندما ننظر إلى السماء تظهر لنا على هيئة نصف كرة ولكنها فى الحقيقة كرة كاملة، تسمى القبة السماوية وتحيط بالكرة الأرضية ويظهر لنا القمر والنجوم والكواكب والمجرات وكل ما هو موجود فى الكون كأنه متصل بهذه القبة السماوية. وكما يتم تحديد الأماكن على سطح الأرض بخطوط الطول والعرض يتم تحديد مواقع الأجسام السماوية بعنوان مشابه، وهما خط الطول وزاوية السمت. ونظرا للعدد الهائل للنجوم، فإنه من الصعب جدا إيجاد المسافات بينها، ولكن أقصى ما يمكن عمله هو إيجاد المسافات بين أنواع مميزة من النجوم، أو المسافات التى تفصل بين النجوم فى منطقة صغيرة، فإذا جمعنا هذه البيانات أمكن وضع تصور قريب من الواقع لأبعاد الكون. وقد بدأ اهتمام الإنسان بعلم الفلك منذ خلقه الله، وقد قام بملاحظة القمر منذ فجر التاريخ وأحيانا كان يقدسه وأحيانا يدرسه، ومنذ عام 1969 بدأ يمشى على سطحه كما قام بجمع عينات من حجارته. ولقد كان للعرب والمسلمين دور كبير فى تقدم علم الفلك، إذ كانت بعض مسائله مما يطالب المسلم بصرفتها كأوقات الصلاة التى تختلف بحسب الموقع، وتتغير من يوم إلى يوم، وفوق ذلك فاتجاه المسلمين إلى الكعبة فى صلواتهم يستلزم معرفتهم سمت اتجاه القبلة وكذلك هلال رمضان وأحكام الشريعة والصوم. وبدأ اهتمام العرب والمسلمين بترجمة كتب الفلك فى العصر الأموى بدءا بكتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم، ثم بعد ذلك كتاب السند هند الكبير الذى اختصره الخوارزمى (توفى عام 232هـ/846م) فيما بعد وكتاب الأربع مقالات فى صناعة أحكام النجوم لبطليموس الذى نقله أبو يحيى البطريق (توفى عام 200هـ/815م)، وكتاب المجسطى لبطليموس والذى شارك فى شرحه ونقله وإصلاح أغلاطه عدد من الفلكيين العرب مثل النيريزى (توفى عام 310هـ-922م) والبوزجانى (توفى عام 388هـ-998م) والبيرونى (توفى عام 440هـ-1048م) والطوسى (توفى عام 672هـ-1274م) والشيرازى (توفى عام 710هـ-1311م)، ثم بعد ذلك أسهم علماء الفلك العرب بمؤلفاتهم القيمة مثل: "ماشاء الله" الذى ألف فى الإسطرلاب ودوائره النحاسية و"يحيى بن ابى منصور" الذى وضع زيجا (جدولا) فلكيا مع "سند بن على". وفى عهد الخليفة المأمون ألف "موسى بن شاكر" و "أحمد بن عبدالله بن حبش" أزياجا (جداول) فى حركات الكواكب. وقد قام علماء الفلك فى عهد المأمون بتقدير محيط الأرض وتوصلوا لقيمة تقترب من القيمة الحقيقية، كما وضع البيرونى نظرية بسيطة لتقدير محيط الأرض، ودقق الفلكيون العرب فى حساب طول السنة الشمسية، وأخطأوا فى حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية ويعود سبب الخطا إلى اعتمادهم على أرصاد بطليموس. وقد توصل البتانى (توفى عام 317هـ/929م) إلى تقدير بعد الشمس عن الأرض بأنه يساوى 1070 مرة، مثل نصف قطر الأرض وهذه النتيجة قريبة من القيمة الحقيقية. وقد وضع الصوفى (توفى عام 376هـ/986م) جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت، وكان أول من أشار فى عام 964م إلى التجمع النجمى أندروميدا، ووصفه بأنه سحابة صغيرة، وظلت هذه الحقيقة قائمة حتى وضع عالم الفيزيقا المعاصر واينبرج أفكاره عن الثلاث دقائق الأولى فى عمر الكون عام 1977م. ويمكن تلخيص فضل العرب والمسلمين على علم الفلك، بأنهم نقلوا الكتب الفلكية عن اليونان والفرس والهنود والكلدان والسريان، وصححوا بعض أغلاطها وتوسعوا فيها، وهذا عمل جليل لا سيما إذا عرفنا أن أصول تلك الكتب قد ضاعت، ولم يبق منها غير ترجماتها العربية، وعن هذه الترجمات نقل الأوربيون أصول علم الفلك، كما هى وقد أضاف العرب اكتشافات قطع بها علم الفلك شوطا كبيرا، ويذكر أن نصف أسماء النجوم هى من وضع العرب ولاتزال مستعملة بلفظها العربى فى اللغات الأجنبية. كما يشهد للعرب أنهم جعلوا علم الفلك علما استقرائيا يعتمد على المشاهدات، كما أنهم قد طهروا علم الفلك من أدران التنجيم. وقد تطور علم الفلك فى عصر النهضة (لقرون 15 - 17) تطورا كبيرا. فقد كان العلماء فى التاريخ القديم (منذ بطليموس فى القرن الثانى الميلادى) يعتبرون أن الأرض مركز العالم، ويقول علماء الغرب أن هذا الاعتقاد ظل سائدا لمدة أربعة عشر قرنا حتى اقترح الفلكى البولندى "كورنيقوس" 1473 - 1543م) أن الأرض والكواكب تدور فى مسارات دائرية حول الشمس، ثم قام الفلكى الدانيمركى "تيكوبراها" (1546 - 1601م) بإجراء قياسات فلكية على مدار عشرين عاما كانت الأساس الذى بنى عليه نموذجا للمجموعة الشمسية. وبعد ذلك قام الفلكى الألمانى "تبلر" (1571 - 1630م) بوضع قوانينه الثلاثة لشرح الحركة الكوكبية، وفى عام 1929 توصل العالم الأمريكى هارلوشيبلى (1885 - 1972) إلى أن شكل المجرة مفلطح، وتشبه ساعة المعصم، وتحتوى على النجوم والسديم والسحب النجمية، وأن الشمس والكواكب لا تقع فى مركزها، وأن رحلة الضوء من مركز المجرة فى اتجاه حدودها حيث الشمس والنجوم المرئية تبلغ أكثر من خمسين ألف سنة. وفى عام 1977 نشر عالم الفيزيقا ستيفن واينبرج (1933) الحائز على جائزة نوبل فى الفيزيقا كتابا بعنوان الدقائق الثلاث الأولى يشرح فيه فكرة أصل الكون القائمة على أساس نموذج الانفجار العظيم، المبنى على عدد كبير من نتائج التجارب العملية الفيزيقية المختلفة، كما تعتمد الفكرة على أن الكون فى تمدد مستمر. وكان الفلكى توماس رايت، قد قال عام 1750م: "منذ أن كانت الخليقة فإن الخالق نفسه يتجلى فى كل ما حولنا فإننا نستطيع أن نقرر أن هناك 170 مليون عالم مسكون فى مجرتنا. فى هذا الخلق الكونى العظيم فإن كارثة عالم مثل عالمنا أو حتى الاختفاء التام لعدد من النظم الكونية قد يكون ممكنا لمؤلف الطبيعة العظيم تماما كإمكانية حدوث حادث لحياة أحدنا". وقد ذكر العالم الباكستانى محمد عبدالسلام أنه أنهى حديثه عند استلامه جائزة نوبل فى الفيزيقا بالآيتين التاليتين: قال تعالى: {الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك:3،4. أ. د/على حلمى موسى

_ مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ الفلك عند العرب د/إمام إبراهيم أححمد. 2 - الجغرافيا الفلكية شفيق عبدالرحمن على، دار الفكر العربى سنة 1397 هـ. 3 - الطبيعة الجوية د/محمد جمال الدين الفندى. الكويت سنة 1977م. 4 - تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك قدرى حافظ طوقان دار القلم سنة 1963 م القاهرة

33 - العلية

33 - العِلِّيَّة لغة: العرض الذى إذا حل فى معروضه يتغير به حاله أى حال معروضه وتطلق على المرض، وعلى السبب. واصطلاحا: عند الأصوليين عرفها الغزالى بقوله: هى ما أضاف الشارع الحكم إليه وناطه به، ونصبه علامة عليه فقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .. ) (المائدة 38) جعلت السرقة فيه مناطا لقطع اليد، وقوله (صلى الله عليه وسلم) " القاتل لا يرث " (أخرجه الترمذى) (1) جعل فيه قتل المورث مناطا للحكم وهو حرمان القاتل إرث المقتول. ومن شروطها عندهم: 1 - أن تكون العلة وصفاً ظاهرا، أى: واضحا يمكن إدراكه والتحقق من وجوده أو عدمه. 2 - أن تكون العلة وصفا منضبطا لا يختلف باختلاف موصوفه. 3 - أن يكون الوصف متعديا غير مقصور على الأصل، فإذا كان مقصورا على الأصل لم يصح القياس لانعدام العلة فى الفرع. 4 - ألا يكون من الأوصاف التى ألغى الشارع اعتبارها، كأن يضيف الشارع الحكم إلى وصف وينوطه ثم تقترن به أوصاف علم بعادة الشرع وموارده ومصادره فى أحكامه أنه لا مدخل لها فى التأثير ككون الذى أفطر فى رمضان بوقاع أهله وأوجب عليه الشارع العتق أعرابيا، فإنا نلحقه كل مكلف أفطر فى رمضان بجماع، وتحذف عن درجة الاعتبار وصف كونه أعرابيا واقع منكوحته فى رمضان معين وفى يوم منه لأنا نعلم من عادة الشارع وموارده ومصادره أن مناط الحكم وقاع مكلف فى رمضان وهو صائم. والعلل عند أصحاب أصول الفقه نوعان: طردية ومؤثرة، أما الطردية: فهى الوصف الذى اعتبر فيه دوران الحكم معه وجودا فقط عند البعض، ووجودا وعدما عند البعض، فى غير نظر إلى ثبوت أثره فى موضوع بنص أو إجماع. وعند النحاة هى: ما ينبغى أن يختار المتكلم عند حصوله أمرا يناسبه وذلك الأمر المناسب حكمه وأثره لا بمعنى الموجب فهى ليست عللا موجبة بل نكات يقصد بها نوع رجحان للمستعمل فى محاوراتهم. وعند الأطباء: العلة هى المرض؟ لأنه بحلوله يتغير به حال الشخص المريض من القوة إلى الضعف. وعند الحكماء: العلة هى ما يتوقف عليها وجود الشيء ويكون خارجا مؤثرا فيه، والعلة عندهم قسمان: 1 - علة الماهية، وهى ما تقوم بها الماهية من أجزائها وهى إما علة مادية: "ما يوجد الشيء بالقوة"أو علة صورية: "ما يوجد الشيء بالعقل ". 2 - علة الوجود؛ وهى ما يتوقف عليها أنصاف الماهية المتقومة بأجزائها بالوجود الخارجى؛ وهى علة فاعلية "ما يوجد الشىء بسبب " أو علة غائبة "ما يوجد الشيء لأجله ". والعلة إذا كان المعلول غير محتاج إلى سواها فهى علة تامة وإن لم يكن الأمر كذلك فهى علة ناقصة. وقد حاول ابن سينا وغيره من فلاسفة الإسلام أن يفسروا الوجود اعتمادا على العلية ويبرهنوا من خلال ذلك على وجود واجب الوجود، وهو الله سبحانه وتعالى، وذلك باعتبار "أن أول ما يتوجب علينا هو إثبات أن أقسام العلل متناهية وأن هناك مبدأ أولا لكل طبقة من تلك الأقسام، وأنها تنتهى كلها إلى مبدأ واحد مباين لكافة الموجودات، وهو الواجب الوجود الواحد ومنه مبدأ وجود لكل موجود،) والشىء الذى يتعلق بالغير بواسطة أحد أنحاء التعلق إنما نحو ممكن الوجود، وليس بواجب الوجود أما الشىء الذى يقع فى بداية السلسلة فيخلو من كافة أنحاء التعلقات ومنزه عن كل أنواع التبعية، وهو واجب الوجود. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - سنن الترمذى- طبع عيسى البابى الحلبى 4/ 425. مراجع الاستزادة: 1 - التعريفات للجرجانى- دار الكتب العلمية بيروت جـ 1 سنة 1403 هـ، 1983 م. 2 - الموسوعة الفقهية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية- الكويت. 3 المستصفى- المطبعة الأميرية ببولاق بمصر سنة 1324 هـ. 4 - الإشارات والتنبيهات لابن سيناء- طبع دار الكتب المصرية 5 - الشفاء لابن سينا (الإلهيات) - طبع دار الكتب المصرية.

34 - العمارة

34 - العمارة لغة: من الإعمار والتعمير، وهى كل ما يبنى على وجه الأرض من مبان (لسان العرب). واصطلاحا: كل ما يبنى على وجه الأرض بهدف التنمية العمرانية التى تسعى إلى خدمة الفرد والمجتمع، وتستجيب لكافة متطلباته، سكنية وإدارية وثقافية .. الخ. ولا تتعارض مع العقيدة الاسلامية. وعلى ذلك فليس منها ما يبنى لتخليد الإنسان، كما قال تعالى فى قوم عاد: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} الشعراء:128 - 129. والعمارة فى الإسلام تشمل كل ما يبنيه المجتمع من مبان على قدر حاجته فيها، وإلا فقد المبنى وضعه الإسلامى، فقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه الناس عند بناء الكوفة بالحجارة ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد. وتمتاز العمارة فى الإسلام بعدة أشياء، منها: 1 - لا تتقيد بشكل، فالشكل يتغير بتغير المكان والزمان حضاريا وبيئيا، أما العقيدة فثابتة ولا يحدها زمان أو مكان. 2 - توفر الخصوصية الشخصية أو الفردية فى الداخل، وتتوافق مع قيم الجماعة من الخارج. الأمر الذى يضعها فى نظرية عالمية كعالمية الإسلام. أما ما يطلق عليه جوازا العمارة الإسلامية، فهى تنحصر فيما بنى من تراث فى منطقة محددة من الأرض أطلق عليها العالم الإسلامى، وفى فترة من الزمن أطلق عليها العصر الإسلامى، كما تنحصر فيما يبنى من مبان تحمل بعض العناصر المعمارية المميزة مثل القبة والقبو والعقد مضافة إليها الزخارف الهندسية أو النباتية، وهذا ما يتعارض مع عالمية الإسلام وانتشاره فى بيئات وحضارات مختلفة شرقا وغربا، جنوبا أو شمالا لها خصائصها المعمارية. وعمارة المسجد لها أصولها الفقهية والإنشائية التى تحرص على توفير الصفاء النفسى خلال أداء الصلاة، كما تحرص على الإقلال من الأعمدة التى تقطع الصفوف باستعمال نظم البناء المتقدمة. وعمارة المسكن توفر الخصوصية للساكنين ولا تعلو إلى ما هو أكثر من أدوار قليلة تفاديا للخلل الاجتماعى والأمنى، وتبنى المساكن فى مجموعات للجوار يحددها الحديث النبوى الشريف (ألا إن أربعين دارا جار) (رواه الطبرانى) مما ينمى وحدة الجوار والتاخى والتراحم والتكافل بين السكان دون تمييز بين الطبقات، قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات:13. وللفقراء نصيب من ثمار العمارة فيما يسمى بعمارة الفقراء، والإنفاق على عمارة الفقراء يعتبر من مصارف الزكاة كما جاء فى فتوى د/محمد سيد طنطاوى للجمعية المركزية لإيواء المحتاجين. د. م/عبدالباقى إبراهيم

_ مراجع الاستزادة: 1 - أعلام المهندسين فى الإسلام أحمد تيمور مطابع دار الكتاب العربى سنة 1957م. 2 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون د/سعاد ماهرالمجلس الأعلى الإسلامية. 3 - العمارة الفاطمية أحمد فكرى دار المعارف. 4 - المدخل للعمارة الإسلامية أحمد فكرى دار المعارف

35 - عمارة الأرض

35 - عمارة الأرض لغة: عُمر المنزل بأهله كان مسكونا بهم، فهو عامر، وعمَّر الأرض: بنى عليها وأهلها، واستعمره جعله يعمره، والعمارة نقيض الخراب، كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: نسبة إلى التعمير والعمران، بمعنى استمرارية الوظيفة الإنسانية العامة للإنسان، الذى حمل الأمانة عندما استخلفه الله سبحانه وتعالى فى الأرض كى يعمرها ويستخرج ما فيها بجهده وعمله، لتنعم بخيراتها الأجيال اللاحقة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها يقول الله فى كتابه العزيز {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة} البقرة:30، ويقول سبحانه {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} هود:61، كما يقول {ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم} يونس:14. ويتضح من هذه الآيات الكريمة كما ذهب الإمام ابن حزم الأندلسى أن حكم الإنسان وخلافته هما حكم من الله -جلت قدرته- الذى حكم وقضى بإستخلاف الإنسان فى إقامة العمران، والنهوض بتكاليفه التى يعمر بها الكون؛ لتتحقق المصلحة الاجتماعية على الوجه المقرر شرعا {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} الشورى:13، وكان الدين بذلك سائدا للعمران، وبين الاثنين تقوم علاقة أشبه ما تكون بالعلاقة الجدلية فى إطار الدين ترقى بالإنسان وبوضعه. ويقدم الإسلام أروع صورة لعمارة الأرض فى ظل ثقافة التوحيد لله والاستخلاف للإنسان، فى داخل إطار المشروعية العليا الإسلامية، ألا وهى العدل المستمد من التوحيد فلقد شاءت إرادة الخالق عندما خلق الكون وسخره للإنسان {وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا} الجاثية:13، أن يحدد الطريق لإعمار الأرض ضمن إطار من الأحكام: فهناك الأحكام المتعلقة بالضرورات وهذه ثابتة لا تتغير، والأحكام المتعلقة بالحاجيات كرفع المشقة، وبالتحسينات الملائمة للذوق، وهذه شديدة المرونة على حسب الأحوال، وأرسى بذلك قواعد النظام الاجتماعى فى المجتمع المسلم، ليكون هديا لبنى الإنسان فى كل مكان وزمان. وليس من شك فى أن عبادة الله هى الأصل والأساس إذ يقول سبحانه وتعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات:56. ولكن العبادة المقصودة بحكم النص القرآنى أن الإنسان العابد لابد أن يكون عاملا منتجا، باعتبار أن العمل الجاد هو السبيل لإسعاد الفرد والجماعة، وفى هذا يقول سبحانه {الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} الحج:41. كما يقول {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين} القصص:77، ويقول {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الجمعة:10. وكما أن الدين دعوة للتراحم والمودة فإنه كذلك دين وسط يدعو للعمل والإنتاج، ليعمر الكون، ويعيش الإنسان فى خير وسعادة عندما يعمر نور الإيمان قلبه، ويحصن نفسه ويهذب أخلاقه، فيحيا فى عمله فالله سبحانه وتعالى يقول {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} التوبة:105 ويقول {ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} المائدة:87، وليس أبلغ من هذا موازنة بين المادة والروح وبين الدين والدنيا، فكما أن الالتزام العام بفروض الكفاية يؤدى إلى التضامن بين أبناء الأمة، كذلك فإن الإنسان بالعمل يكون قدوة للآخرين فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده) رواه البخارى. فليس فى الإسلام دعوة إلى الرهبنة أو نكران للمتع الحلال المباحة، وإنما هو دعوة صريحة للعمل الذى يتحقق به الإعمار الذى يعود بالخير على العالمين. أ. د/محمود أبوزيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، مادة (عمر) 2/ 650. 2 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى. مراجع الاستزادة: 1 - مقدمة ابن خلدون. 2 - حوار فى المعمار الكونى، دار الثقافة، الدوحة، 1407هـ/1987م

36 - العمرة

36 - العمرة لغة: الزيارة، وقد اعتمر إذا أدى العمرة، وأعمره أعانه على أدائها (1). واصطلاحا: الطواف بالبيت، والسعى بين الصفا والمروة بإحرام (2). حكمها: 1 - ذهب المالكية وأكثر الحنفية إلى أن العمرة سنة مؤكدة فى العمر مرة واحدة. وذهب بعض الحنفية إلى أنها واجبة فى العمر مرة واحدة بناء على اصطلاح الحنفية فى الواجب. والأظهر عند الشافعية، هو المذهب عند الحنابلة: أن العمرة فرض فى العمر مرة واحدة، ونص الإمام أحمد على أن العمرة لا تجب على المكى (2) لأن أركان العمرة معظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم. واستدل الحنفية والمالكية على سنة العمرة بأدلة منها: ما رواه جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العمرة أواجبة هى؟ قال: لا، وأن تعتمروا هو أفضل. (3) واستدل الشافعية والحنابلة على فرضية العمرة بقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) (البقرة 196) أى: افعلوهما تامين، فيكون النص أمرا بهما فيدل على فريضة الحج والعمرة. وقد وردت فى فضل العمرة أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (4). وتؤدى العمرة على ثلاثة أوجه: (أ) إفراد العمرة: وذلك بأن يحرم بالعمرة أى ينويها ويلبى دون أن يتبعها بحج فى أشهر الحج، أو يحج ثم يعتمر بعد الحج، أو يأتى بأعمال العمرة فى غير أشهر الحج فهذه كلها إفراد للعمرة. (ب) التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة فى أشهر الحج ويأتى بأعمالها ويتحلل ثم يحج فيكون متمتعا بأداء نسكين فى سفر واحد ويجب عليه هدى التمتع. (جـ) القِرَان: وهو أن يحرم بالعمرة والحج معا فى إحرام واحد، فيأتى بأفعالهما مجتمعين وتدخل أفعال العمرة فى الحج عند الجمهور، ويجزءه لهما طواف واحد وسعى واحد عندهم ويظل محرما حتى يتحلل بأعمال يوم النحر فى الحج. ومذهب الحنفية: أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، طواف وسعى لعمرته وطواف وسعى لحجه، ولا يتحلل بعد أفعال العمرة بل يظل محرما أيضا حتى يتحلل تحلل الحج، وكيفما أدى العمرة على وجه من هذه الوجوه تجزئ عنه (5). ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان العمرة ثلاثة هى: الإحرام والطواف والسعى، وهو مذهب المالكية والحنابلة (6). والشافعية زادوا ركنا رابعا هو الحلق (7). ومذهب الحنفية: أن الإحرام شرط للعمرة وركنهما واحد (8) وهو الطواف ويجب فى العمرة الإحرام من الميقات وتجنب محظورات الإحرام. أ. د./ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - لسان العرب 4/ 3102. 2 - الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 2/ 2. 3 - أخرجه الترمذى فى كتاب: الحَجَ باب "ما جاء فى العمرة أواجبة هى أم لا" سنن الترمذى 3/ 270. 4 - أخرجه البخارى فى كتاب: العمرة باب: "وجوب العمرة وفضلها" فتح البارى بشرح صحيح البخارى 3/ 698. 5 - المغنى لابن قدامة 5/ 13وما بعدها. 6 - الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 2/ 21. 7 - مغنى المحتاج 1/ 513. 8 - بدائع الصنائع، الكاسانى 2/ 227. مراجع الاستزادة. 1 - كشاف القناع. 2 - المجموع شرح المهذب. 3 - النهاية، لابن الأثير.

37 - عموم الرسالة

37 - عموم الرسالة لغة: الرسالة: ما يرسل، والرسالة: الخطاب، والرسالة: كتاب يشتمل على قليل من المسائل تكون فى موضوع واحد، ورسالة الرسول: ما أُمر بتبليغه عن الله، ودعوته للناس إلى ما أوحى إليه، ويقال: عمَّ الشىء عموما: شمل، والعام: الشامل. كما فى الوسيط (1). واصطُلاحا: يقصد بعموم الرسالة: رسالة الإسلام التى جاءت عامة لجميع البشر فى كل زمان ومكان، وتشريعه يتسم بالعموم والشمول. فهى الرسالة التى امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة. والعموم من الخصائص التى تميز بها الإسلام عن كل ما عرفه الناس فى الأديان والفلسفات والمذاهب بكل ما تتضمنه هذه الخاصية من معان وأبعاد. ومما يدل على عموم رسالة الإسلام: 1 - إنها رسالة الزمن كله فهى رسالة لكل الأزمنة والأجيال، ليست موقوتة بعصر معين أو زمن مخصوص، ينتهى أثرها بانتهائه، كما كان الشأن فى رسالة الأنبياء السابقين على محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد كان كل نبى يبعث لمرحلة زمنية محددة حتى إذا ما انقضت بعث الله نبيا آخر. أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو خاتم النبيين ورسالته هى رسالة الخلود التى قدر الله بقاءها إلى أن تقوم الساعة. قال تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (الأحزاب 40). كما أن رسالة الإسلام فى جوهرها رسالة كل نبى جاء من عند الله منذ عهد نوح إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) إنها رسالة الزمن كل الزمن قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (البقرة 285). 2 - رسالة العالم كله فهى غير محدودة بمكان ولا بأمة ولا بشعب ولا بطبقة، إنها الرسالة الشاملة التى تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات قال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء107). وقال {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سبأ 28). وقوله - صلى الله عليه وسلم - " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى ... وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" (رواه البخارى ومسلم). 3 - رسالة الإنسان، حيثُ إنها تخاطب عقله وروحه معا، فالإنسان كل متكامل وكيان واحد، لا تنفصل فيه روح عن مادة، إنه وحدة لا تتجزأ من الجسم والروح والعقل والضمير، فى كل مراحل حياته ووجوده، فهى تصاحب الإنسان طفلا ورجلا وشيخا فى دنياه وفى قبره، ففى الإسلام أحكام تتعلق بكل ذلك فلا توجد مرحلة فى حياته إلا والإسلام له فيها توجيه وتشريع .. 4 - مصادر الأحكام تجعل الشريعة الإسلامية فى غاية القدرة والاستعداد والأهلية للبقاء يحدث شيء جديد إلا وللشريعة حكم فيه، إما بالنص الصريح من الكتاب والسنة أو بالاجتهاد الصحيح والعموم، بحيث لا من القياس والإجماع والاستحسان والمصلحة المرسلة، وبالتالى الناس ومصالحهم. 5 - مكانة المصلحة فى الشريعة الإسلامية؛ فالواقع يدل على الشريعة الإسلامية ما أن شُرعت إلا لتحقيق مصالح العباد فى العاجل ولا تضيق الشريعة بالوقائع الجديدة وبالتالى لا تضيق بحاجاتالآجل، ودرء المفاسد والأضرار عنهم فى العاجل والآجل، ومما يبين مكانة المصلحة فى الشريعة الإسلامية قوله تعالى فى: (أ) تعليل رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء 107) فالرحمة تتضمن، قَطعا رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، ولا يمكن أن تكون رحمة إذا أُغفلت هذه المصالح. (ب) تعليل الأحكام فى الشريعة بجلب المصلحة ودرء المفسدة، لإعلام البشر بأن تحقيق المصالح هو مقصود الإسلام، وأن الأحكام ما شُرعت إلا لهذا الغرض. قال تعالى {ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب} (البقرة 179). فالقصاصُ شُرع لتحقيق هذه المصلحة، وهى الحياة للناس بزجر من تسول له نفسه الاعتداء على أرواح الناس. (ج) تشريع الرخص عند وجود المشقات فى تطبيق الأحكام، إذا كانت هذه المشقات فوق طاقة البشر المعتادة، من ذلك إباحة الفطر فى رمضان للمريض والمسافر. (د) أحكام الشريعة كلها تحقق وتحفظ مصالح الناس المتعلقة بالضروريات والحاجيات وا لتحسينات، فبالنسبة للضروريات شرعت العبادات لإقامة الدين وتحقيقه، وشرع الجهاد وعقوبة المرتد لحفظه، وشرع تحريم الخمر لحفظ العقل وبالنسبة للحاجيات شرعت لها الرخص عند المشقة. وفى التحسينات شرعت الطهارة للبدن والثوب. وعلى هذا فكل مصلحة مشروعة حقيقية تظهر، أو مفسدة تطرأ فإن الشريعة الإسلامية تبيح لإيجاد الحكم لتحقيق تلك المصلحة، ودرء هذه المفسدة فى ضوء قواعد الاجتهاد المقررة فى الفقه الإسلامى. 6 - وأحكام الشريعة بشقيها العامة والتفصيلية جاءت على نحو يوافق كل مكان وزمان ويتفق مع عموم رسالة الشريعة الإسلامية وبقائها: فأما القواعد والمبادئ العامة- فقد وردت فى الشريعة- تتضمن أحكاما عامة يمكن بسهولة ويسر تطبيقها فى كل مكان وزمان، وتتسع لتشمل كل مصلحة حقيقية جديدة للناس، ومن هذه القواعد والمبادئ العامة: (أ) مبدأ الشورى. قال تعالى {وأمرهم شورى بينهم} (الشورى 38). فهذا المبدأ أسمى وأعدل وأحكم قواعد الحكم الصالح بين البشر، فقد جاء بدرجة كافية من العموم والمرونة، بحيث يتسع لكل تنظيم صحيح يوضع لتطبيق هذا المبدأ. (ب) مبدأ المساواة، فهو من مبادئ الإسلام العظيمة، وله مظاهر كثيرة فى جوانب التشريع الإسلامى، من المساواة أمام القانون، وفى تطبيق الأحكام، ومساواة فى التكاليف. (ج) مبدأ العدالة فى الإسلام مبدأ بارز يظهر فى الأمر بها والحكم بين الناس بموجبها، وبالالتزام بمقتضاها قال تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء58). ولاشك أن هذا المبدأ يضمن مصالح الناس، ويتسع لكل تنظيم صحيح يحقق معنى العدالة والمقصود منها. (د) قاعدة لا ضرر ولا ضرار ومعناها أن الضرر مرفوع بحكم الشريعة؛ أى لا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره، كما أن مقابلة الضرر بالضرر لا تجوز؛ لأنه عبث وإفساد لا معنى له، فمن أحرق مال غيره فلا يجوز للغير إحراق مال المعتدى، وإنما له أن يطالبه بالتعويض. وأما الأحكام التفصيلية فهى كثيرة يطول شرحها وبيانها لإظهار مدى قابليتها للبقاء والاستمرار. فأحكام الشريعة إما أن تتعلق بأمور العقيدة أو بالأخلاق أو بالعبادات أو بالمعاملات، ولنأخذ مثالا على ذلك منها: فمن أحكام العبادات وجوب الصلاة والصيام ونحو ذلك، ومسائل العبادة من لوازم الإيمان بالله ومقتضاه؛ لأنها تنظيم لعلاقة الفرد بخالقه والوفاء بحق هذا الخالق العظيم. والإنسان لا ينفك عن صفة مخلوقيته لله فى أى دهر من الدهور وفى أى زمن من الأزمان؛ وبالتالى لا يستغنى عن تنظيم علاقته بربه، والعبادات بعد ذلك وسيلة لتزكية النفس وطهارتها وربطها بخالقها ودفعها إلى الخير، ومنعها من الشر. قال تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت 45). وفى ذلك تحقيق مصلحة الجماعة فى كل زمان ومكان، ومن ثمَّ فأحكام العبادات لابد منها فى أى مجتمع إنسانى وبالنسبة لكل فرد فى القرن الحادى والعشرين أو فى أى قرن بعده. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية 1/ 356 - دار المعارف ط 3.

_ المراجع 1 - أصول الدعوة د/ عبد الكريم زيدان. 2 - الخصائص العامة للإسلام د/ يوسف القرضاوى. 3 - دراسات فى الفكر الإسلامى- د/ عبد الحميد مدكور- مكتبة الزهراء1989 م.

38 - عموم اللفظ

38 - عموم اللفظ لغة: يقال: عمَّ الشىء عموما: شمل، عمَّ القوم بالعطية شملهم، عم الشىء جعله عاما، والعام: الشامل، وهو خلاف الخاص. ولَفَظَ بالكلام: نطق به، واللفظ: ما يلفظ به من الكلمات، والجمع ألفاظ. كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: العام هو اللفظ الدال على كثيرين، المستغرق فى دلالته لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد (2). ومعنى أنه بحسب وضع واحد: ليخرج المشترك، لأن اللفظ المشترك يدل على أكثر من معنى بطريق التبادل، مثل العين فإنها تدل على معان مختلفة ولكن بأوضاع مختلفة. والألفاظ الدالة على العموم كثيرة من أشهرها (3). 1 - لفظ "كل وجميع " وهما يفيدان العموم فيما يضافان إليه، كقوله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} (المدثر 38). 2 - المعرف بالإضافة أو بأل الجنسية فى الجموع، كقوله تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم.} (النساء23) وكقوله {إن المسلمين والمسلمات} (الأحزاب 35). 3 - أسماء الاستفهام مثل "من "كقوله تعالى (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا) (البقرة 245). 4 - أسماء الشرط، كقوله تعالى {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} (البقرة 272). 5 - الأسماء الموصولة، كقوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم} (النساء24). 6 - النكرة الواردة فى سياق النفى أو النهى أو الشرط كقوله (صلى الله عليه وسلم) " لا وصية لوارث ". وقد اختلف العلماء فيما وضعت له صيغ العموم فقيل:- (أ) إنها وضعت للاستغراق ما لم يدل دليل على التجوز عن وضعها. (ب) إنها موضوعة لأقل الجمع. (جـ) إنها مشترك بين الاستغراق وأقل الجمع وما بينهما، والأول رأى الجمهور. وهو الراجح (4). والعام ثلاثة أقسام هى: 1 - عام دلالته على العموم قطعية مثل قوله تعالى {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} (هود 6). 2 - عام يراد به الخصوص قطعا، لقيام الدليل على أن المراد بهذا العام بعض أفراده، كقوله تعالى {وأقيموا الصلاة} (البقرة 43) فضمير الجماعة فى "أقيموا " من ألفاظ العموم ولكن يراد به بعض المكلفين لا كلهم. 3 - عام مخصوص وهو العام المطلق الذى لم تصحبه قرينة تنفى احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفى دلالته على العموم، كقوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة 228) فهو قابل للتخصيص بوضع الحامل لحملها. وقد اختلف الفقهاء فى دلالة العام، أهى قطعية أم ظنية على قولين: ذهب بعضهم، ومنهم الحنفية إلى أن دلالته على أفراده قطعية ما لم يخصص، فإذا خصص صارت دلالته على ما بقى من أفراده ظنية. وقال الجمهور إن دلالة العام على شمول جميع أفراده ظنية لا قطعية مثل التخصيص وبعده (6). وشروط المخصص للعام أن يكون مستقلا، ومقاربا فى الزمان، وفى رتبة العام من حيث الظنية والقطعية (7). ومن أمثلة التخصيص للعام حديث: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" خصص العموم الوارد فى قوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} (النساء24). وقد اشتهر على ألسنة الأصوليين والفقهاء قولهم "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " ويريدون بهذه العبارة: أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة، فالعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام، وليست العبرة بالأساليب التى دعت إلى مجىء هذه النصوص، لأن مجىء النص بصيغة العموم يعنى أن الشارع أراد أن يكون حكمه عاما لا خاصا بسببه، ومن أمثلته: آية اللعان؛ وإن نزلت بسبب واقعة معينة، هى قذف هلال بن أمية زوجته، إلا أنها عامة فى جميع الأزواج إذا قذفوا زوجاتهم (8). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 2/ 652، 1/ 865 دار المعارف، ط 3، القاهرة. 2 - أصول الفقه، محمد أبو زهرة ص 145 دار الفكر العربى القاهرة. 3 - أصول التشريع الإسلامى، للأستاذ/ على حسب الله ص 271 وما بعدها دار المثقف العربى ط 6، 1982 م. 4 - أصول التشريع الإسلامى ص 273. 5 - الوجيز فى أصول الفقه عبد الكريم زيدان ص 321. 6 - السابق ص 317. 7 - أصول الفقه ص 151. 8 - الوجيز فى أصول الفقه عبد الكريم زيدان ص 324. مراجع الاستزادة: 1 - إعلام الموقعين لابن قِم الجوزية مطبعة السعادة، مصر. 2 - الموافقات فى أصول الشريعة، لأبى إسحاق الشاطبى مطبعة المكتبة التجارية.

39 - العناية

39 - العناية اصطلاحا: هى تأثير الله تعالى فى العالم وتوجيهه نحو غايات معينة بإرادته، وحفظه لنظامه، وإحاطة علمه بالوجود على نحو يكون به على أحسن نظام وأكمله. يقول ابن سينا: "العناية هى كون الأول عالما بما عليه الوجود من نظام الخير، وعلة لذاته للخير والكمال بحسب الإمكان، وراضيا به على النحو المذكور، فيعقل نظام الخير على الوجه الأبلغ فى الإمكان، فيفيض على أتم تأدية إلى النظام بحسب الإمكان " (1). وإحاطة علم الله بالكل، وإرادته لما يجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون كل شيء على أحسن نظام يحقق به غايته ويخضع لنظام ثابت له قوانينه التى أرادها الله لخيرية نتائجها، تسمى عناية عامة. وتوفيق الله للعبد فى أفعاله يسمى عناية خاصة. قال ابن سينا: "العناية هى إحاطة علم الأول بالكل، وبالواجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون أحسن نظام " (2). والعناية هى القضاء عند الحكماء (3) وهناك فرق بين العناية والقضاء والقدر، فقضاء الله تعالى عند متكلمى الأشاعرة مثلا هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هى عليه فيما لا يزال، وقدرة إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين معتبر فى ذواتها وأحوالها. والقضاء عند الفلاسفة عبارة عن علمه تعالى- بما ينبغى أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية الأزلية التى هى مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها، والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العينى بأسبابها، على الوجه الذى تقرر فى القضاء. وقيل: إن القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات فى العالم العقلى مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع، والقدر عبارة عن وجودها الخارجى فى الأعيان مفصلة واحدا بعد واحد. أما العناية فهى علم الله تعالى بالموجودات على أحسن النظام والترتيب، وعلى ما يجب أن يكون لكل موجود من الآلات بحيث تترتب عليها جميع الكمالات المطلوبة التى تخصه. وهذا يعنى أن فى مفهوم العناية تفصيلا، إذ العناية تعلق العلم بالوجه الأصلح والنظام الأكمل الأليق، بخلاف القضاء فإنه العلم بوجود الموجودات جملة (4). والعناية من أهم الأدلة على وجود الله تعالى وتفرده بالوحدانية، فوجود الكون والعالم الذى نعيش فيه على الوضع الذى هو فيه ملائم لوجود الإنسان والحيوان والنبات، مما يبرهن على أن عناية الله تحيط بمخلوقاته. فالنظر فى طبيعة الكون الذى نعيش فيه، وما يحتوى عليه من مظاهر وظواهر يرشدنا إلى أن وجود كثير من الكائنات والموجودات كأنما قصد به الإنسان، وذلك لأن هذه الكائنات والموجودات توافق حياته وطبيعته وتلائمها. وليس يمكن أن تكون هذه الملاءمة وليدة المصادفة. والحق أن العلم الحديث قد أثبت أن هذا الخلق المحكم الذى يحقق غايات محددة لا يمكن أن يصدر إلا عن علم وتدبير وحكمة، فإن وجود الليل والنهار والشمس والقمر والفصول الأربعة والحيوان والنبات والأمطار، كل أولئك يوافق حياة الإنسان، وكأنما خلق من أجله، كما يشهد بذلك الحس، ثم إن الحكمة والعناية تتجليان فى تركيب جسم الإنسان بل فى جسم الحيوان، كما يجزم كثير من العلماء فى العصر الحديث أن هناك عناية بما فى هذا العالم، وأن هذه العناية لا يمكن أن تنسب إلى الاتفاق والمصادفة، يقول ابن رشد: "الطريق التى نبه الكتاب العزيز عليها .. طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، ولنسمِّ هذا دليل العناية .. إن جميع الموجودات التى ههنا موافقة لوجود الإنسان من قِبَل فاعل قاصد لذلك مريد، إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق ... ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات " (5). وما يقرره العقل هنا هو نفس ما يقرره القرآن الكريم وتؤيده آياته من مثل قوله تعالى {ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا، وبنينا فوقكم سبعا شدادا، وجعلنا سراجا وهاجا، وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا، لنخرج به حبا ونباتا، وجنات ألفافا} (النبأ 16:6) ومثل قوله سبحانه {تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} (الفرقان 61). ومثل قوله جل شأنه {فلينظر الإنسان إلى طعام} (عبس 24)، وغير هذا كثير فى القرآن الكريم. أ. د./ محفوظ عزام

_ المراجع 1 - كتاب النجاة ابن سينا: نقحه وقدم له د. ماجد فخرى، دار الآفاق الحديثة، بيروت 1985 ص 230. 2 - كتاب الشفاء ابن سينا: دار الكاتب العربى، القاهرة. 3 - كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1084 التهانوى طبعة إستنبول. 4 - المصدر السابق 2/ 1234 - 1235. 5 - مناهج الأدلة فى عقائد الملة ابن رشد تقديم وتحقيق د. محمود قاسم، مكتبة الأنجلو، الطبعة الثانية ص 150، 151.

40 - العنصر

40 - العُنْصُر لغة: الأصل والجنس، ومن ذلك قولنا إن فلانا كريم العنصر. واصطلاحا: 1 - فى الكيمياء هو أية مادة تتكون من نفس النوع من الذرات، وتتكون المركبات من اتحاد العناصر، وهكذا فإن المواد الكيميائية إما عناصر وإما مركبات. وتعزف العناصر أيضا بأنها المواد التى لا يمكن تحليلها إلى مواد أبسط منها بالطرق الكيميائية. والبنية الذرية للعنصر تميزه عن غيره من حيث نقطة الغليان، ونقطة الانصهار، والرائحة، واللون، والصلاد ة، والثقل النوعى. ولكل عنصر رمزه، ورقمه الذرى، ووزنه الذرى. ويوجد فى الطبيعة (109) عناصر معروفة، منها (91) عنصرا توجد فى صورة طبيعية، أما العناصر الباقية فيجرى تخليقها فى المعامل الذرية بواسطة "معجلات الجسيمات " وهى عناصر غير مستقرة سرعان ما تفنى أو تتحول إلى عناصر أخرى، وقد أذيع مؤخرا الكشف عن ثلاثة عناصر جديدة، ولكل عنصر رمز كيميائى يتكون من حرف أو حرفين، ويتضمن عدد ذراته، فالأكسجين O2 ( أ2) والكربون C ( ك) والهيدروجين H ( يد) .. وهكذا. وتحتوى نواة ذرة كل عنصر على نفس عدد البروتونات، أما عدد النيوترونات فقد يختلف فى بعض أنوية ذرات نفس العنصر، وتسمى الصور المختلفة للعنصر فى هذه الحالة "نظائر" والنظائر تتفق مع بعضها فى عدد البروتونات ولكنها تختلف فيما بينها فى عدد النيوترونات. ومن أبرز الإبداعات التى توصل إليها العلم "الجدول الدورى" للعناصر، وقد تطور هذا الجدول الفذ عن الجدول الدورى الأول الذى وضعه العالم الروسى مندليف (1869 م)، وفيه نظمت العناصر حسب الترتيب التصاعدى لأوزانها الذرية، وتنتظم العناصر فى مجموعات، وتتشابه عناصر كل مجموعة فى تفاعلاتها الكيميائية، والهيدروجين هو أخف العناصر جميعا (رقمه الذرى 1) وأكثرها وفرة فى الكون، ويليه الهليوم (رقمه الذرى 2)، أما الليثيوم (رقمه الذرى 3) فمن العناصر النادرة. ويطلق لفظ عنصر نادر على أى عنصر ينتمى إلى مجموعة من العناصر المعدنية فضية اللون التى يتراوح عددها الذرى بين (58 و 71) وتوجد هذه العناصر فى حالة امتزاج إما مع بعضها البعض، أو مع عناصر أخرى لتكوين مركبات مثل الفوسفات والكربونات. وتستخدم العناصر النادرة فى صناعة الليزر والمغناطيس والفوسفور وشاشات تكبير الأشعة والزجاج والسيراميك، وتستعمل مركباتها الآن على نطاق واسع باعتبارها عوامل مساعدة فى صناعة المنتجات الكيماوية والنفطية، وتقسم العناصر إلى فلزية ولا فلزية. 2 - فى الفلسفة: ومعنى العنصر فى الفلسفة قريب من معناه فى الكيمياء، ولابن سينا مقولة مأثورة: "العنصر اسم للأصل الأول فى الموضوعات، فيقال عنصر للمحل الأول الذى باستحالته يقبل صورا تتنوع بها كائنات عنها .. إما مطلقا وهو الهيولى الأول، وإما بشرط الجسمية وهو المحل الأول من الأجسام التى تكون عنها سائر الأجسام الكائنة بقبول صورتها"وعند ابن سينا أن عنصرا الجسم هما الصورة والمادة. وللخوارزمى رؤية مماثلة، فهو يعرِّف العنصر بالشىء البسيط الذى منه يتركب المركب، كالحروف يتركب منها الكلام، والواحد يتركب منه العدد، والحجارة والجذوع والقراميد يتركب منها البيت. والعنصر فى المنطق أحد أفراد النوع أو الصنف، فعناصر الأشياء هى أجزاؤها البسيطة وعناصر اللغة ألفاظها، وعناصر المعرفة مبادئها، وعناصر المثلث خطوطه وزواياه، وعناصر المجتمع أفراده (5). وكانت العناصر (أو المواد) عند القدماء أربعة: النار والهواء والماء والتراب، وفى اللاتينية أطلق أرسطو مصطلح العنصر الخامس على مادة الأجرام السماوية .. وهو جسم ليس له ضد، فهو لذلك غير متغير، وطبيعته أنه لا يتحرك بغير الحركة المكانية الدائرية. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- بالقاهرة. 2 - الصيدلة فى الطب- للبيرونى. 3 - عمدة المحتاج فى علمى الأدوية والعلاج- للرشيدى- القاهرة سنة 282 1 هـ/ سنة 865 1م. 4 - المنطق الوضعى- د./ زكى نجيب محمود- الأنجلو المصرية- ط2 سنة 1965م

41 - العهد

41 - العهد لغة: الوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه، والعهد: الأمان والموثق والذمة، ومنه قيل للحربى يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد (1). واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك. والوفاء بالعهد واجب شرعا، والأدلة على ذلك كثيرة. فمن الكتاب، قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها} النحل:91، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} الإسراء:34، وقد وصف الله تعالى: الذين ينقضون العهد بالخسران، فقال تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه يقطعون ما أمرالله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون} البقرة:27، وأما السنة: فقد نفى النبى صلى الله عليه وسلم الدين عمن لا عهد له، فقال عليه السلام: (لا دين لمن لا عهد له) أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك (2) أضف إلى ذلك التزام الرسول صلى الله عليه وسلم بسائر عهوده وعدم مخالفتها، ومن ذلك وفاؤه بالوثيقة التى عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، والتزامه بما اتفق عليه مع المشركين فى صلح الحديبية. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقض العهد بالنفاق، ولا شك أن النفاق محرم، فيكون ما أدى إليه، وهو نقض العهد نفاقا محرما فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) (3) فمن الأدلة السابقة يتضح أنه يجب على المؤمن الوفاء بالعهد، سواء كان هذا العهد بين المسلمين أنفسهم، أو كان بين المسلمين وغيرهم ممن عقدوا لهم العهد والأمان. ويجب على المسلم إتمام مدة العهد إلى معاهده، فيمتنع بذلك عن ظلمه امتثالا لقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} التوبة:4، واتباعا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أوكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) (4). فإذا خالف المسلم ذلك فإنه يكون ناقضا للعهد، وهو من الغدر، وقد شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغادر، فيما رواه عنه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال عليه السلام: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به) 0 (5). ومع ذلك إذا غدر المعاهد ونقض عهده فللمسلم أن ينبذ العهد، أى ينقض العهد جهرا لا سرا، ويعلم المعاهد بنقض العهد، ثم بعد ذلك يجوز للمسلم أن يخالف العهد وأن يوقع بالمعاهد. والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} الأنفال:58. وما رواه عمر بن عبسة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضى أمده أو ينبذ إليهم على سواء) (6). ومن صور غدر المعاهدين ونقضهم للعهد: قتالهم للمسلمين، أو امتناعهم عن إعطاء الجزية، ومن إجراء حكم الإسلام عليهم، أو من دل أهل الحرب على عورة المسلمين -تجسس عليهم- أو فتن مسلما فى دينه (7). .... إلخ. وقد اتفق الفقهاء على أن الحلف بعهد الله يعتبر يمينا، يترتب على الحلف به الآثار التى تترتب على كل يمين من وجوب البر بها، أو الكفارة الواجبة عند الحنث إلا أن الشافعية اشترطوا لاعتبار هذه الصيغة يمينا أن ينوى الحالف بها اليمين، لاستحقاق الله للعهد الذى أخذه على بنى آدم (8). ويعتبر من صور الوفاء بالعهد، ما يعهد به الحاكم إلى من بعده، كما عهد أبو بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى رضى الله عنهم (9). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير والقاموس المحيط مادة (عهد). 2 - مسند الإمام أحمد، ط المطبعة الميمنية بمصر، 3/ 135. 3 - الحديث أخرجه البخارى صحيح البخارى مع شرحه فتح البارى، ط دار المعرفة بيروت، 1/ 89. 4 - الحديث أخرجه أبو داود. 5 - الحديث أخرجه البخارى ومسلم، فتح البارى 5/ 283، مسلم بشرح النووى 12/ 403 باب تحريم الغدر، ط دار السلام بالقاهرة. 6 - الحديث أخرجه أبو داود والترمذى وقال: حديت حسن صحيح، سنن أبى داود ط المكتبة التجارية بمصر 3/ 83، سنن الترمذى، ط مصطفى الحلبى، 3/ 143 زاد المعاد لابن القيم ط دار الريان للتراث، 3/ 327. 7 - شرح الجلال المحلى على المنهاج بهامش قليوبى وعميرة، ط دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبى، 4/ 236. 8 - حاشية ابن عابدين للمارودى، ط دار الكتب العربية مصطفى الحلبى 3/ 58، حاشية الدسوقى مع الشرح الكبير، ط عيسى الحلبى 2/ 127، نهاية المحتاج ط مصطفى الحلبى 8/ 176، مطالب أولى النهى، ط المكتب الإسلامى بيروت 6/ 374، المغنى لابن قدامه، ط النور الإسلامية، 8/ 424،425. 9 - الأحكام السلطانية للماوردى، ط مصطفى الحلبى ص10

42 - العواصم الإسلامية (الحواضر)

42 - العواصم الإسلامية (الحواضر) اصطلاحا: ظهر هذا المصطلح عندما بدأت حركة الفتوحات الإسلامية الأولى فى شمال جزيرة العرب وغربها، وأحس الفاتحون بحاجتهم إلى الاستقرار فى الأقاليم المفتوحة، فأسسَّوا مدنا جديدة أشبه بالمعسكرات الحربية، اتخذوها عواصم لهذه الأقاليم وأطلقوا عليها " الأمصار"، فكانت الكوفة والبصرة هما أول الأمصار الإسلامية. وأسست هذه الأمصار، بوجه عام، فى مواضع بعيدة عن عواصم الحكم القديم، فكانت البصرة والكوفة فى العراق بعيدة عن مدائن كسرى، والفسطاط والقيروان فى إفريقيا بعيدة عن الأسكندرية وقرطاجنة، كما أنها كانت قبل كل شىء ذات صفة حربية خالصة، قصد بها أن تكون معسكرات للجند الفاتحين ونقاط ارتكاز استراتيجية ومعقلا يتحصنون به إذا اضطروا للجوء إليها. وإذا كان الفاتحون قد اضطروا إلى إنشاء مدن جديدة (أمصار) فى جنوب العراق ومصر وإفريقية، فإنهم احتلوا المدن الرومانية التى خلاها البيزنطيون فى سوريا وفلسطين وطوروها وطوعوا منشآتها لتخدم وظائف الإسلام الرئيسية مثل مدينة دمشق عاصمة الأمويين. ولم يمض جِيلان حتى تحولّت هذه الأمصار إلى مراكز للنشاط الفكرى والحضرى، وأصبحت مراكز جذب للمسلمين الجدد بعد أن استقربها عدد من كبار الصحابة والتابعين. ومع قيام الخلافة العباسية فى أواسط القرن الثانى الهجرى والخلافة الفاطمية فى مطلع القرن الرابع الهجرى، استعيض عن المعسكرات الحربية بإنشاء مدن ملكية من نمط آخر، محاطة بالأسوار معنّى بمنشآتها يغلب عليها طابع الفخامة اتخذت مقرا للخلفاء، ومن ينوب عنهم (بغداد وسامرا والقاهرة). ولا تعيننا التواريخ العربية القديمة على رسم صورة صادقة لما كانت عليه المدن الإسلامية فى أول إنشائها ولكن من خلال ما وصل إلينا من معلومات فقد كانت المدينة الإسلامية تجمعات محلية لها كيانها وشخصيتها ومقوماتها المتميزة التى تعطيها وحدتها وتكاملها وطابعها الخاص، وتظهر هذه الشخصية فى كل المدن التى أسست فى ظل الإسلام وتكشف عن وجود روح عامة ثابتة ومستمرة خلال التاريخ الإسلامى كله لا يخطئها المرء فى تنقله من بغداد إلى حلب إلى دمشق وصنعاء والقاهرة وفاس. فالحياة الإجتماعية فى هذه المدن هى نتاج لتاريخ طويل تمتزج فيه عناصر الإسلام والعروبة بالعناصر المحلية القومية المتمثلة فى العادات والتقاليد المتوارثة، وتميزت المدن الإسلامية بمجموعة من الأبنية والمنشآت، ذات صبغة دينية واجتماعية، أضفت على المدينة شخصيتها بحيث توصف بأنها إسلامية هى: المسجد- دار الإمارة- الأسواق- الحمامات- المصَلّى- المقابر. فقد كان الجامع والسوق، وفى بعض الأحيان دار الإمارة، هى المركز الجاذب لكل المجموعة السكنية، وكانت دار الإمارة عادة تفتح على المسجد الجامع ليؤم الأمير أو الوالى جموع المصلين. وأحاطت الأسواق بالجامع وجعل لكل طائفة أو صنعة سوق خاص بها. وحول هذا المركز اختطت القبائل والجماعات خططها. ودائما ما كان خارج المدينة رحبة مكشوفة يجتمع فيها المسلمون للصلاة فى العراء يومى عيد الفطر وعيد الأضحى تعرف بـ "مصلى العيدين". أما "المقابر، فكانت تقام خارج أسوار المدينة، والأغلب أن تكون بجوار أحد أبوابها. هذا من الناحية التخطيطية، أما من الناحية التنظيمية والوظيفية فقد نشأت بظهور الإسلام مجموعات من الوظائف ميزت المدينة الإسلامية، حقيقة أن بعضها كان معروفا فى المدن الرومانية، إلا أن تعاليم الإسلام أضفت عليها ثوبا جديدا مثل وظائف الوالى والقاضى وصاحب السوق أو المحتسب وصاحب الشرطة وصاحب المعونة وصاحب العَسَس أو متولى الطوف ليلا. أما الصورة النموذجية للمدينة الإسلامية فى عصر ازدهارها فكانت تحتوى على: 1ـ حى ملكى أو مدينة ملكية كان يستعاض عنها أحيانا ببناء قلعة تقوم على موضع له طبيعة دفاعية. ويضم هذا الحى أو المدينة الملكية قصور الأفراد والإدارات الحكومية والدواوين وأماكن لسكنى الحرس. 2 - مركز للمدينة يضم المسجد الجامع والمساجد الكبرى والمد ارس الدينية والأسواق المركزية وكثيرا ما كان توزيع الأسواق يتحدد بالنسبة للجامع والمدارس حسب الدور الدينى للسلع التى كانت تباع فيها وموقف الشريعة من تلك السلع. 3 - وتأتى بعد ذلك منطقة الأحياء السكنية التى كانت تعكس الروابط الدينية والحرفية إلى جانب الاستقلال النسبى لكل حي من هذه الأحياء، حيث يميل أبناء الدين الواحد والحرفة الواحدة إلى التجمع معا. 4 - ثم تأتى الضواحى أو الأحياء الخارجية التى كان يقيم بها الوافدون الجدد، وحيث يصرح بممارسة بعض الأعمال والقيام ببعض الصناعات التى قد تلوث جو المدينة. 5 - وأخيرا تأتى أضرحة الأولياء والمدافن التى كانت تقام فى الأغلب وراء أسوار المدينة. وبعد القرن الخامس الهجرى أصبحت المدارس ودور الحديث ودور القرآن، ثم الأسبلة والكتاتيب إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية مثل الوكالات والفنادق والخانات، والمؤسسات ذات الصفة الاجتماعية مثل البيمارستانات وأمثالها هى أحد مميزات المدينة الإسلامية. أ. د/ أيمن فؤاد سيد

_ المراجع 1 - المدينة الإسلامية لمحمد عبد الستار عثمان-ص 5 4، 56 سلسلة عالم المعرفة 128 - الكويت 1988م. 2 - الموسوعة العربية الميسرة غربال- المجلد 2. 3 - "المدينة الإسلامية" عدد خاص من مجلة عالم الفكر، المجلد الحادى عشر- العدد الأول (إبريل- يونيه) 1980م 4 - " المدينة الإسلامية والدراسات الحديثة التى تناولتها " المجلة التاريخية المصرية- أيمن فؤاد سيد.

الغين

1 - الغائية اصطلاحا: دليل أساسى من أدلة إثبات الألوهية بوجه خاص، والدين بوجه عام، يسميه الفلاسفة الغربيون دليل العلة الغائية، والفلاسفة المسلمون يسمونه دليل الحكمة ودليل النظام. وللقرآن الكريم عناية خاصة بلفت أنظار العقول إليه، وبعضهم يسميه: "دليل القرآن "، إذ كثير من آياته الكريمات تدور حوله ويعنى الدليل الغائى أن النظر فى تركيب العالم يقتضى تحقيق حكمة أو غاية يعمل من أجلها الكون، كما يقتضى إثبات صانع حكيم مدبر لهذا النظام ويعد الفيلسوف الألمانى "كانت " أوضح الأدلة وأقواها فى البرهنة على وجود الله تعالى. والغائية واحدة من العلل الأربع المعروفة فى الفكر الفلسفى، والمأخوذة من النظر فى علاقة "الاحتياج " بين الشيء وغيره، وهى علاقة ضرورية لا تحتاج إلى استدلال: فالمحتاج إليه نسميه علة، والمحتاج يسمى: معلولا، والعلة قد تكون جزءا من المعلول كالخشب بالنسبة للكرسى لن- مثلا-، وتسمى: علة مادية؛ وكالصورة التى يأخذها شكل الكرسى، وتسمى: علة صورية؛ وقد تكون العلة أمرا خارجا عن ذات المعلول، فإن احتاج إليها المعلول فى وجوده سميت: علة فاعلة؛ كالنجار فى مثالنا هذا؛ وإن احتاج إليها كغاية صنع من أجلها سميت: علة غائية؛ وهى تسبق المعلول ذهنا، وتعقبه وجودا .. وقد عرف ابن سينا العلة الغائية بأنها: "التى لأجلها الشىء، أو الفعل، وهى علة بماهيتها لعلية العلة الفاعلية، ومعلولة لها فى الوجود" ومعنى التعريف باختصار: أن الغاية- مطلق غاية- علة باعثة للصانع على صنع الشىء، فهى علة لعلية الفاعل، وهى- فى الوقت نفسه- معلولة لعلية الفاعل باعتبار تشخصها فى غاية معينة كالجلوس، دون النوم، مثلا. ويمثل القول بالغائية المذهب العقلى الصحيح فى تاريخ الفلسفة والتفلسف؛ أولا: لأن التأمل فى ظواهر الكون المحسوسة كاشف عما وراءها من نظام وعناية بالغة، وقاصد بأن فاعلها قاصد- حتما- إلى غاية، وثانيا: لأنه لولا اعتبار الغاية فى الأفعال لاستوى الفعل وعدم الفعل ولما أمكن تصور لماذا يفعل ولماذا لا يفعل، ولأصبحت الأفعال محض صدف واتفاقات، وأصحاب هذا الاتجاه- منذ أرسطو وحتى العصر الحديث- لا يثبتون "الغايات " عللا فى الأفعال فقط بل كثيرا ما يرونها عللا- أحيانا- فى وجود أجزاء من الفاعل، مثل: "الطيران "، فهو وإن كان غاية لأجل وجود الجناحين فى الطائر، فهو- فى الوقت نفسه- علة فى وجود الجناحين؛ إذ لولا الطيران لما كانت حاجة إليهما. والشيء نفسه يقال بالنسبة للعين والرؤية، والأذن وا لسمع، وما إليهما .. والقائلون بالغائية ينفون نفيا قاطعا أى احتمال للصدفة أو العبث أو الاتفاق فى حوادث هذا الكون من الذرة إلى المجرة، ويفردون فى مطولاتهم الفلسفية مقالات بعينها يبطلون فيها القول بالاتفاق (1). ويقابل أصحاب الغاية القائلون بالآلية البحته فى نظام الكون، وهم الفلاسفة الحسيون بدءا من أنبادقليس وديمقريطس ووصولا إلى الفلسفات المادية والوضعية فى عصرنا هذا "والمحدثون منهم آخذون عن القدماء بدون تغيير، أعنى عن ديمقريطس إمام المذهب المادى، وتابعيه: أبيقور ولوكريس". ويدور فى تراث المتكلمين المسلمين خلاف بين المعتزلة والأشاعرة فى مسألة "الغاية" فى فعل الله تعالى، حيث يذهب المعتزلة إلى أن أفعاله تعالى معللة بالأغراض، ولها غايات، وإلا كانت خالية من الحكمة، وهو عبث مستحيل على الله العليم الحكيم، بينما يذهب الأشاعرة إلى استحالة أن يفعل الله لغرض، وإلا كان الغرض باعثا له على الفعل، فيكون الله محتاجا إليه فى فعله، وهو يستلزم نقص الفاعل واستكماله بغيره، وهذا المعنى يستحيل أن يتصف الله به- ومع أن الأشاعرة يحرصون على تنزيه الأفعال الإلهية من الأغراض، فإنهم فى الوقت نفسه يثبتون الحكمة فى كل فعل إلهى، لكنهم يرفضون تسمية الحكمة غرضا أو باعثا على الفعل، وعندهم أن تقييد الفعل الإلهى بالغرض الباعث نوع من الإيجاب أو الاضطرار، ينافى الإرادة والاختيار فى فعله تعالى. ولابن رشد وابن تيمية وابن القيم وصدر الدين الشيرازى اعتراضات على ما يقوله الأشاعرة فى نفى الغرض. وقد تعقبها شيخ الإسلام مصطفى صبرى، وفندها فى شىء غير قليل من الدقة والعمق. أ. د/ أحمد محمد الطيب

_ المراجع 1 - يجب التمييز بين الاتفاق بالمعنى الفلسفى، وهو: وجود فعل دون غاية أو غرض، وبين الاتفاق بالمعنى المنطقى، وهو: عدم اللزوم بين المقدم والتالى فى الشرطيات المتصلة. مراجع الاستزادة 1 - المعجم الفلسفى، مجمع اللغة العربية، القاهرة 1979م. 2 - التعريفات، للجرجانى ط. الحلبى. 1938م. 3 - إلهيات الشفاء، ابن سينا ط. طهران 1303 هـ. 4 - شرح المواقف، الشريف الجرجانى. الطبعة الأولى. 1325 - 7 0 9 1م. 5 - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، مصطفى صبرى، دار إحياء التراث العربى، بيروت، 1401 - 1981م. 6 - العقل والوجود، يوسف كرم الطبعة الثالثة، دار المعارف. 7 - الله، للعقاد الطبعة الثامنة، دار المعارف.

2 - غار حراء

2 - غار حراء لغة: بيت منحوت فى الجبل، فإذا اتسع كان كهفا كما فى اللسان (1). اصطلاحا: هو البيت الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يثحنث فيه الليالى ذوات العدد من رمضان فى الجبل، قبل هبوط الوحى عليه، والذى نزلت فيه الآيات الأولى من القرآن، وكان يسمى حراء فى الجاهلية، ثم سمى جبل النورفى الإسلام. والسبب فى تغير التسمية هو أن جبريل عليه السلام نزل فيه على محمد صلوات الله وسلامه عليه مخبرا إياه أن الله تعالى قد اختاره خاتما للمرسلين ونبيا للإنس والجن أجمعين، فانبثاق هذا النور منه هو السبب الذى من أجله عدل الناس عن إطلاق لفظة حراء إلى لفظة نور. يقول العلماء إن العرب فى الجاهلية كانوا يجلون رمضان، ويأوون فيه إلى الكهوف والغيران، لتقديس الله بعيدا عن الناس وما هم منغمسون فيه من شواغل النفس وهموم العيش، ومن أجل هذا كان محمد صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رمضان أعدت له زوجه خديجة رضى الله عنها الزاد والماء، وآوى إلى غار حراء، فأقام فيه ما شاء الله مفكرا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء، باحثا عن الطريق الذى إذا سلكه خلص الناس من الشرك وهداهم إلى الحق. وكانت إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الغار تزداد من سنة إلى سنة، حتى إذا لم يبق على اصطفائه سوى ستة أشهر، أخذت تظهر عليه علامات لم تكن تظهرعليه من قبل (2). منها: 1 - طول الإقامة فى الغار. 2 - لم يكن يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. 3 - لم يكن يمرعلى صخرة ولا شجرة إلا صلت عليه (3). حتى جاءه الروح الأمين وكان قد بلغ أشده، وبلغ الأربعين من عمره، وأنزل عليه الآيات الأولى من سورة العلق وهى قوله سبحانه: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} العلق:1 - 5. أ. د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (غور) ط دار المعارف. 2 - صحيح البخارى 1/ 5 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1414هـ-1994م. 3 - الأكتفاء فى مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 263 لأبى الربيع الكلاعى، تحقيق مصطفى عبد الواحد ط مكتبة الخانجى 1387هـ-1968م القاهرة

3 - الغرر

3 - الغرر لغة: الخطر، وهو تعريض المرء نفسه أو ماله للهلاك من غير أن يعرف (1) وقال الجرجانى: الغرر ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا (2). واصطلاحا: عرف الغرر بتعريفات متعددة وكلها متقاربة نسبيا منها: الغرر ما طوى عنك علمه (3). الغرر التردد بين أمرين: أحدهما على الغرض، والثانى على خلافه (4). الغرر ما تردد بين جوازين متضادين الأغلب منهما أخوفهما (5). الغرر ما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر، كالآبق متردد بين الحصول وعدمه (6). وقال ابن تيمية: الغرر ما لا يقدر على تسليمه سواء كان موجودا أو معدوما كبيع البعير الشارد، فإن موجب البيع تسليم المبيع والبائع عاجز عنه، والمشترى إنما يشتريه مخاطرة ومقامرة، فإن أمكنه أخذه كان المشترى قد قمر البائع، وإن لم يمكنه أخذه كان البائع قد قمر المشترى (7). والخلاصة: أن بيع الغرر هو البيع الذى يتضمن خطرا يلحق أحد المتعاقدين؛ فيؤدى إلى ضياع ماله. . حكم بيع الغرر: الغرر الذى يتضمن خديعة حرام ومنهى عنه؛ لما رواه أبو هريرة قال: "نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر" (8). قال النووى: النهى عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع يدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل، لأنه غرر من غير حاجه تدعو إليه (9). وقد اتفق العلّماء على أن الغرر ينقسم إلى مؤثر فى البيوع وغير مؤثر، ويشترط فى الغرر حتى يكون مؤثرا أن يكون كثيرا، أما إذا كان يسيرا أو تدعو إليه الضرورة فإنه لا تأثير له على العقد (10). وقد أجمع العلماء على جواز إجارة الدار وغيرها شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين، وعكس هذا أجمعوا على بطلان بيع الأجنة فى البطون والطير فى الهواء (11). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 445. 2 - التعريفات، للجرجانى ص 141ط الحلبى. القاهرة. 3 - فتح القدير على الهداية6/ 136. 4 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير3/ 55. 5 - الحاوى الكبير، للماوردى 5/ 325. 6 - المبدع فى شرح المقنع 4/ 23. 7 - مجموعة فتاوى لابن تيمية. 20/ 296 8 - أخرجه مسلم، فى كتاب: البيوع "باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذى فيه غرر، صحيح مسلم بشرح النووى 10/ 156 وما بعدها. 9 - شرح النووى على صحيح مسلم 10/ 156. 10 - بداية المجتهد 2/ 118. 11 - المجموع شرح المهذب 9/ 280 وما بعدها.

4 - الغرور

4 - الغرور لغة: كل ما غر الإنسان من مال، أو جاه أو شهوة أو إنسان أو شيطان. واصطلاحا: هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع (التعريفات للجرجانى) وتجىء مادة "الغرور" بصيغ مختلفة فى القرآن الكريم، لتدل على معان أهمها الانخداع والتعالى المؤدى إلى البطر، ونكران نعم الله على الإنسان، الأمر الذى يحاسب عليه بقوله: {ما غرك بربك الكريم} الانفطار:6، ولأن هذا الموقف مبنى على باطل، كان النهى عن كل أنواع الغرور والاغترار بالدنيا أو بالدين (1). أما فى السنة الشريفة فيتركز التنبيه على روافد الغرور، وهى الإعجاب بالنفس وهو ظن كاذب بالنفس فى استحقاق منزلة هى غيرمستحقة لها وكذلك الكبر الذى ينبنى على الإعجاب الخادع، ويؤدى إلى الغرور والتعالى وغمط الحق وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) (2) (لا يدخل الجنة من كان فى قلبة مثقال ذرة من كبر) (3). وما ذلك إلا لأن الكبر والعظمة صفة الرحمن وحده. وتبين السنة العلاج حين تدعو إلى التواضع، وإلى أن يعرف الإنسان أصل خلقته ومصيره الذى سيئول إليه. والربط بين مولدات الغرور وبينه، موضع اهتمام علماء المسلمين الذين كتبوا فى الأخلاق والتربية فمسكويه يقرر أن الغرور جهل من الإنسان بعيوبه وجهل بحقيقة هامة هى أن الفضل مقسوم بين البشرلا يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره (4). والماوردى يذكرأن الغرور المبنى على الكبروالإعجاب يضر بصاحبه قبل غيره لأن غروه يمنعه من أن يستفيد من علم غيره لغروره، ولا يألفه أحد لتكبره فهو معزول عن مجتمعه ممقوت فيه (5). أما الأصفهانى فيظهر نقص المغرور لأنه يغتر بما ليس يملك من علم أوعمل أومال ونحو ذلك لأن هذا عطية من الله، والعاقل يشكرولا يغتر، فكيف به إذا استطال أو صلف (اغتر) (6). أما ابن حزم فيدعو الإنسان المغرور المعجب بما عنده أن يفكر ملئا فى حاله كيف هو وفى النعم التى عنده، من أين أتت؟ وهل هى كاملة دائمة؟ إلى غير ذلك مما يعيد إليه توازنه، والا فمصيبته إلى الأبد (7). أما الحارث المحاسبى فقد فصل القول فى الكبروالإعجاب والغرور باعتبارها أمراضا نفسية لها خطرها على العقيدة والعبادة وممارسة الحياة، مبينا كيف يكون العلاج وسائله وضوابطه (8). أ. د/أبواليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم حرف الغين 496 طبعة دار الفكر المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة. 2 - رواه النسائى فى سننه وصححه السيوطى، وأخرجه البزار والطبرانى فى الصغير. 3 - صحيح مسلم حديث 91. 4 - مسكويه تهذيب الأخلاق 166 مكتبة الحياة بيروت. 5 - أدب الدنيا والدين 231. 6 - الذريعة إلى مكارم الشريعة 299 - 301 طبيعة دار الوفاء 1987م. 7 - الأخلاق والسير ومداواة النفوس 199 تحقيق د/الطاهر مكى دار المعارف 1981م. 8 - الحارث المحاسبى الرعاية لحقوق الله 335 - 473 تحقيق عبد القادر عطا دار الكتب العلمية 1405هـ-1985م

5 - غريب الحديث

5 - غريب الحديث لغة: غريب جمعه غرباء. من غَرُبَ عن وطنه غرابة وغُرْبةً: ابتعد عنه وغَرُبَ الكلام غرابةً: غمض وخفى (1). واصطلاحا: غريب الحديث هو ما يخفى معناه من المتون؛ لقلة استعماله ودورانه على الألسنه، بحيث يبعد فهمه ولا يظهر إلا بالتنقيب عنه فى كتب اللغة. ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أفصح العرب لسانا وأوضحهم بيانا، وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- يعرفون أكثر ما يقوله، ولكن نشأت أجيال لا تعرف من اللغة إلا ما تتخاطب به، وجهلت الكثير من الألفاظ ومعانيها فى الحديث وفى غيره ومن هنا كان الغريب فى الحديث. وقد أفرد له علماء الحديث علما خاصا لأهميته، إذ يتوقف على تفسيره التفسير الصحيح والتلفظ الصحيح للكلمة أو العبارة الغريبة، وأهم من ذلك يتوقف عليه فهم المعنى الصحيح وما يترتب عليه من استنباط للأحكام والاستفادة من الحديث، وتتأكد العناية به لمن يروى بالمعنى؛ لأنه لا يستطيع أن يختار من الألفاظ والعبارات ما يؤدى المعنى نفسه إلا إذا كان على فهم صحيح للفظ الأصل (2). يقول ابن الصلاح مبينا أهميته: هذا فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة، ثم بأهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحرى، جدير بالتوقى (3) وسئل الإمام أحمد عن حرف من غريب الحديث فقال: "سلوا أصحاب الغريب؛ فإنى أكره أن أتكلم فى قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالظن فأخطئ " (4). ومن أمثلة التوقى فى تفسير الغريب أنه سئل الأصمعى- وهو من هو فى اللغة- عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " والجار أولى بسقبه " (5)، فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله ولكن العرب تزعم أن السقب: الَّلزيق (6). ولم يهتم العلماء فى هذا الفن بتفسير الغريب فقط، ولكن تتبعوا التفسيرات التى فْسرت على نحو من الخطأ فبينوا أخطاءها (7). وإذا كان تفسير الغريب إنما هو بالرجوع إلى أهل اللغة واستعمالاتهم فإن العلماء نبهوا إلى أمر هام وهو أنه قد يريد الشارع من بعض الألفاظ غير ما يستعمله العرب، وهذا يدرك بالقرائن والسياقات. يقول السخاوى مبينا ذلك: ولا يجوز حمل الألفاظ الغريبة من الشارع على ما وجد فيه أصل كلام العرب (دائما) بل لابد من تتبع كلام الشارع والمعرفة بأنه ليس مراد الشارع من هذه الألفاظ إلا ما فى لغة العرب، وأما إذا وجد فى كلام العرب قرائن بأن مراده من هذه الألفاظ معان اخترعها هو فيحمل عليها ولا يحمل على الموضوعات اللغوية، كما هو فى أكثر الألفاظ الواردة فى كلام الشارع، وهذا هو المسمَّى عند الأصوليين بالحقيقة الشرعية" (8). وكما ذهب المفسرون للقرآن الكريم إلى تفسير القرآن بالقرآن، كذلك ذهب المحدثون إلى أن أفضل وسيلة لتفسير الغريب فى الحديث هو تفسيره بالقرآن والحديث. قال ابن الصلاح: "وأقوى ما يعتمد عليه فى تفسير الحديث أن يُظفر به مفسرا فى بعض روايات الحديث "، نحو ما روى فى حديث ابن صَيَّاد أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له " قد خبَّأْتُ خبيئا لك، فما هو؟ فقال: "الدُّخّ" .. " (9)، قال ابن الصلاح: "فهذا خفى وأعضل، وفسره قوم بما لا يصح "، وفى معرفة علوم الحديث للحاكم أن: "الدُّخُّ " بمعنى الزَّخ الذى هو الجماع وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن، وإنما معنى الحديث أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له: قد أضمرت لك ضميرا فما هو؟ قال: "الدُّخُّ "- بضم الدال - يعنى الدخان، والدُّخُّ هو الدخان فى لغة، إذ فى بعض روايات الحديث ما نصه: ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنى قد خبأت لك خبيئا- وخبأ له} يوم تأتى السماء بدخان مبين {(الدخان 10) فقال ابن صياد: الدُّخُّ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "اخسأ فلن تعدو قدرك " وهذا ثابت صحيح خرَّجه الترمذى وغيره (10). وقد قام علماء اللغة والحديث خير قيام فى التصنيف فى هذا العلم بما يشبه أن يكون إحصاء لما فى الحديث من الغريب وشرحه وتفسيره، وكمَّل بعضهم بعضا فى هذا المضمار. ونقتصر فى هذه العجالة بذكر المصنفات الكبرى فى هذا الفن، والتى هى متاحة للمتخصصين الآن حيث طُبعت، ومن الميسور الحصول عليها: 1 - غريب الحديث لأبى عبيد القاسم بن سلام (11) (ت 224 هـ) قال ابن الصلاح فى هذا الكتاب: جمع وأجاد واستقصى، فوقع من أهل العلم بموقع جليل (12). 2 - غريب الحديث لابن قتيبة (ت 276 هـ) وقد تتبع فيه ما فات أبا عبيد (13). 3 - غريب الحديث للخطابى أبى سليمان (ت 388 هـ) وقد تتبع ما فات الكتابين السابقين (14). قال ابن الصلاح: فهذه الكتب الثلاثة أمهات الكتب المؤلَّفة فى ذلك (15). 4 - الفائق فى غريب الحديث للزمخشرى (ت 583 هـ) (16). 5 - النهاية فى غريب الحديث لابن الأثير (544 - 606 هـ) (17)، وقد بلغ هذا الكتاب النهاية فى هذا الفن الشريف ولم تند عنه إلا أحاديث يسيرة ذكرها السيوطى فى "الدر النثير"، و " التذييل والتذنيب " (18). أ. د / رفعت فوزى عبد المطلب

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 672. 3 - النهاية فى غريب الحديث - المقدمة ص 4، ابن الأثير الجزرى- عيسى البابى الحلبى- مصر. 3 - فتح المغيث للسخاوى 4/ 22 مكتبة السنة- مصر- ط (1) 5 1 4 1 هـ/ 1995 م. 4 - مقدمة ابن الصلاح ص 458 طبعة دار المعارف- مصر ط 2. 5 - المصدر السابق ص 458. 6 - رواه البخارى 2/ 128 رقم (2258) 36 كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، والسقب: القرب والملاصقة صحيح البخارى- طبعة السلفية- مصر. 7 - مقدمة ابن الصلاح ص 458. 8 - سيأتى قريبا مثال على ذلك. 9 - فتح المغيث 4/ 31. 0 1 - هذا الحديث متفق عليه، رواه البخارى فى الجنائز: 1/ 415 - 16 4 رقم 1354 ومسلم فى الفتن 4/ 4 224 رقم 95/ 2930 صحيح مسلم - ترقيم محمد فؤاد عبد الباقى- عيسى البابى الحلبى- مصر. 11 - مقدمة ابن الصلاح ص460.، ورواية الترمذى عنده فى الفتن 4/ 1 0 1 رقم 2249 فقال: هذا حديث صحيح. تحقيق بشار عواد- دار الغرب الإسلامى- بيروت. 12 - طبع هذا الكتاب طبعات عدة، ومنها طبعة مجمع اللغة العربية تحقيق د./ حسين شرف. 13 - مقدمة ابن الصلاح ص 459. 4 1 - وقد طبع هذا الكتاب بالجمهورية العراقية فى ثلائة مجلدات عام 1397 هـ/1977 م. 5 1 - طبع هذا الكتاب بالمملكة العربية السعودية- جامعة أم القرى عام 2 0 4 1 هـ/ 1982 م. 16 - مقدمة ابن الصلاح ص 459. 17 - طبع هذا الكتاب بمصر- مكتبة عيسى البابى الحلبى. 18 - طبع بمصر- مكتبة عيسى البابى الحلبى.

6 - غريب القرآن

6 - غريب القرآن لغة: يقال غرب الكلام غرابة: غمض وخفى، فهو غريب والجمع غرباء، وهي غريبة، والجمع: غرائب، والغريب: غير المعروف والمألوف كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد منه من ألفاظ القرآن الكريم أو غيره. وليس المقصود هنا الغرابة بالمعنى الذى عده علماء البلاغة عيبا مخلا بفصاحة الكلمة ذاهبا بفصاحة وبلاغة ما يشتمل عليه من كلام، والذى عرفوه بكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، بحيث لا ينتقل ذهن العربى الخالص العروبة إلى معناها بسهولة، أو كونها غير مأنوسة الاستعمال فى المعنى المراد منها لدى خلص العرب، بحيث يحتاج تخريج الأمر فيها إلى وجه بعيد (2). لأن فصاحة الكلام فضلا عن بلاغته متوقفة لامحالة على فصاحة كل كلمة منه، والقرآن الكريم قد انتهى من البلاغة إلى حد الإعجاز. وفى ذلك يقول السعد التفتازانى -يرحمه الله-مدافعا عن اشتمال القرآن على كلمات غير فصيحة فيقول فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح، بل على كلمة غير فصيحة إنما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (3). وترتيبا على ما سبق لا يصح بحال ما رواء المتساهلون من الأخبار المؤذنة بجهالة الجماهير من الصحابة لمعانى بعض ألفاظ القرآن، لأنهم عرب خلص، وما كانت لتفوت الحمية العربية ولا سيما لدى أهلها أعداء الدين والقرآن فى عصره مطعنا يوجهونه إلى القرآن فى مقتل. نعم قد يجر العجل الذى خلق منه الإنسان إلى عدم تبصر فى سياق أو تدبر فى قرينة تستوجب الحمل على مجاز، فيقع خطأ الفهم من بعضهم حتى يستبين النبى صلى الله عليه وسلم فيبينه له، كقصة عدى بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود (4) وقصة عائشة في الحساب اليسير (5). وقد يتعنت من سفه نفسه من كفرة العرب تلقاء لفظ من ألفاظ القرآن المجيد فينكر ما فى حقيقته من البيان والهدى، فما يلبث القرآن أن يفضح أمره ببيانه الحاسم أن حقيقة أمر اللفظ معلومة للكافة كقصتهم مع لفظ الرحمن، (6) وقصتهم مع شجرة الزقوم (7). وقد بدأت أولى خطوات شرح الغريب والحديث عنه مبكرة في العهد المكى لنزول القرآن متمثلة فى بيان القرآن ذاته تارة، وبيان النبى صلى الله عليه وسلم بسنته تارة أخرى، ونتبين من ذلك أن الغريب هنا يراد منه ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد من ألفاظ القرآن الكريم أومن سنة النبى صلى الله عليه وسلم. ثم اتسعت خطوات الحديث عن الغريب وشرحه بعد عهد النبوة فى عصر الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم، فكلما طال بالناس زمان احتاجوا إلى المزيد من البيان، نظرا لكثرة الفتوحات ودخول الكثير من غير العرب فى الإسلام، واختلاط العرب بهم، حتى سرت اللكنة إلى اللسان العربى، وذهب من العرب الخلص، وجاء المولدون، بحيث احتاج أكثر ما كان بينا بنفسه إلى البيان، لحصول الجهل به، لا نقول للعامة فقط بل سرى الكثيرمن ذلك إلى بعض الخاصة أيضا. وهكذا دعت الضرورة إلى تصنيف كتب النحو والصرف والبلاغة ومعاجم اللغة الشارحة لمتنها، والمصنفات الشارحة لفقهها، وكان من بين ذلك بطبيعة الحال، ونظرا لفرط رعاية الأمة بقرآنها أن أفردته المصنفات العديدة فيما يختص بغريب القرآن. ويضاف إلى هذه الضرورة أن بيان اللفظ القرآنى قد لا يتوقف على معرفة حقيقة اللغة فحسب، بل قد يكون الحمل على الحقيقة اللغوية فيه من أفسد الفسادة أرايت لو حمل حامل لفظ مبصرة فى قوله تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} الإسراء:59، علي حقيقته ولم ينظر إلى السياق والقرآئن المضطرة اضطرارا للصرف إلى المجازى كم يقع فى الفساد والباطل. فمن ثم كانت الضرورة -من أكثر من وجه- إلى وضع المصنفات المفردة المختصة بهذا اللون من علوم القرآن، فأفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون كما قال السيوطى (8). وأمثل ما بأيدى الناس منها اليوم كتاب "المفردات فى غريب القرآن" للحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهانى المتوفى سنة (50هـ/1108م) على ما اختاره الزركلى فى الأعلام. يقول الراغب في مقدمته عن سبب تصنيفه لكتابه: "وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن: العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معانى ألفاظ القرآن في كونه أوائل لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن فى كونه أول فى بناء ما يريد أن يبنيه، ليس ذلك نافعا فى علم القرآن فقط بل هو نافع فى كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هى لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء فى أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء فى نظمهم ونثرهم، وماعداهما وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لباب الحنطة. ولمجمع اللغة العربية بمصرمصنف نفيس فى هذا الباب فى مجلدين تحت اسم "معجم ألفاظ القرآن الكريم" استرشد فى طريقة وضع الألفاظ فيه بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. هذا بالإضافة إلى جميع كتب التفسير، فما من كتاب فى التفسير إلا ويعنى صاحبه بشرح الغريب مبسوطا كان المصنف أو متوسطا أو موجزا. أ. د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دارالمعارف، ط3، 2/ 671. 2 - شرح مختصر السعد التفتازانى لتلخيص المفتاح للخطيب القزوينى وحاشية الدسوقى عليه بشرح التلخيص 1/ 83 - 84. 3 - المرجع السابق ص82. 4 - صحيح البخارى، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة. 5 - المصدر السابق، تفسير سورة الإنشقاق. 6 - تفسير ابن كثير طبعة عيسى الحلبى ص68، وتفسير روح المعانى للألوسى 15/ 191، 19/ 23. 7 - تفسير ابن كثير 4/ 10. 8 - الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم 2/ 3. 9 - مقدمة المفردات للراغب (ح، د، هـ). مراجع الاستزادة: 1 - البرهان فى علوم القرآن للزركشى. 2 - مباحث فى علوم القرآن، مناع القطان. 3 - علوم القرآن والتفسير د/عبد الله شحاته

7 - الغزنويون

7 - الغزنويون اصطلاحا: يقصد بهم جماعة من الأتراك الذين سكنوا الجزء الجنوبى الشرقى من التركستان وهضاب أفغانستان وجبالها، وهى الجهات التى سبق أن فتحها القائد الأموى قتيبة بن مسلم الباهلى سنة 90هـ/709م. أخذ نفوذ أولئك الأتراك يعلو فى الدولة الإسلامية منذ استخدمهم الخليفة العباسى المعتصم 218هـ/833م فى حرسه الخاص، حتى آل إليهم أخيرا حكم كثير من ولايات الخلافة العباسية. ونبغ من أولئك الأتراك زعيم يسمى "ألبتكين" أقامه السامانيون الذين أقاموا لهم دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية حاكما على خراسان، ثم اختلف معهم، فاتجه إلى غزنة فى أقصى بلاد الإسلام شرقا، وأنشأ لنفسه مع إخوانه الأتراك دولة هى المعروفة باسم الدولة الغزنوية وذلك فى سنة 351هـ/962م) وطال عمرها حتى سنة (582هـ/1186م) وامتد سلطانها حتى شمل كل أفغانستان وإقليم البنجابا، وهو حوض نهرالسند بالهند. وتعد هذه الدولة من دول الفتوح فى الإسلام فاشتهر من حكامها "سبكتكين" (366/ 387هـ) ثم ابنه "محمود" 388 - 421هـ الذى استطاع أن يضيف بجهاده إلى دار الإسلام قدر ما أضاف عمربن الخطاب فى المساحة تقريبا إذ أنه فتح شمال الهند كله بما فى ذلك نهر الكنج إلى مصبه، ووصل بالإسلام إلى سفوح الهملايا شمالا، وتسلق هضبة الدكن جنوبا. وفى هذه المساحة كلها زالت الوثنية وحلت محلها عبادة الله وقامت المساجد. وكان "محمود" وافيا لوحدة الإسلام، فاعترف بالتبعية للخليفة العباسى القادر بالله 381 - 422هـ وتلقى منه التفويض وخلع السلطنة، ولقبه الخليفة بلقب الأمير كما عرف "بالغازى" وهو أول من حمل هذه التسمية. وفى أيام الغازى محمود أصبحت غزنة من العواصم العظام فى دار الإسلام فازدانت بالمساجد السامقة والمبانى الدينية العظيمة. كما ظهر فى بلاطه العديد من علماء المسلمين مثل أبو الريحان البيرونى الذى صحب الغازى محمود فى حملاته إلى بلاد الهند، وظهر أيضا أبو القاسم الفردوسى وهو الشاعر الإيرانى الكبير مؤلف الشاهنامة. وقد تفككت هذه الدولة بسبب اتساعها الكبير وقامت فى لاهور شمال الهند دولة جديدة تعرف باسم "دولة الغوريين" وهم منسوبون إلى "الغور" من أقاليم جنوب أفغانستان، وتمكن الغوريون من إخضاع منافسيهم فى شمال شرقى الهند ثم وسعوا حدود بلادهم، وجعلوا عاصمتهم مدينة "دهلى" التى تسمى الآن "دلهى". وتابع الغوريون مطاردة آخر سلاطين الغزنويين بالهند وهما السلطان خسرو وابنه بهرام شاه الثانى حتى قتلوهما، وبذلك انتهت سيرة الدولة الغزنوية التى عمرت قرنين من الزمان. أ. د/إبراهيم أحمد العدوى

_ مراجع الاستزادة: 1 - الكامل فى التاريخ، إبن الأثير، القاهرة 1302هـ. 2 - تاريخ الحضارة الإسلامية، بارتولد ترجمة: حمزة طاهر القاهرة 1933م. 3 - الهند وجيرانها، وول ديورانت، ترجمة زكى نجيب محمود القاهرة 1950م. 4 - حضارة الهند، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر القاهرة 1948م

8 - الغسل

8 - الغسل لغة: الغسل بالضم: هو الماء الذى يتطهر به وهو لغة: تمام الطهارة، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمى ونحو ذلك (1). واصطلاحا: استعمال ماء طهور فى جميع البدن على وجه مخصوص بشروط وأركان (2). الغسل مشروع بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى} وإن كنتم جنبا فاطهروا {(المائدة 6) وقوله تعالى:} ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن {(البقرة 222) تطهرن: أى اغتسلن. وأما السنة: فما روته عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومسَّ الختان الختان فقد وجب الغسل (3) والغسل يكون واجبا كغسل الجنابة والحائض، وقد يكون سنة كغسل الجمعة والعيدين. أسباب وجوب الغسل: 1 - أبى سعيد الخدرى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنما الماء من الماء " (5) ومعناه: يجب الغسل بالماء من خروج المنى ولا فرق فى ذلك بين الرجل والمرأة فى النوم أو اليقظة (4). ودليله: حديث إنزال الماء الدافق وهو المنى. 2 - التقاء الختانين وإن لم ينزل لحديث عائشة المذكور. 3 - الحيض والنفاس، ودليل وجوبه قوله تعالى:} ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله {(البقرة 222) أى إذا اغتسلن، فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها، ودليل وجوبه فى النفاس الإجماع. 4 - الموت من موجبات الغسل عند الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة وذهب بعض المالكية إلى سنية غسل الميت (6). 5 - إسلام الكافر ذهب المالكية والحنابلة إلى أن إسلام الكافر موجب للغسل، لما روى أبو هريرة أن ثمامة بن أثال أسلم، فقال النبى (صلى الله عليه وسلم) " اذهبوا به إلى حائط بنى فلان فمروه أن يغتسل، (7). وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الغسل للكافر، لأنه أسلم خلق كثير ولم يأمرهم النبى (صلى الله عليه وسلم) بالغسل (8). فرائض الغسل: 1 - النية ويكفى رفع نية الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة. 2 - تعميم الشعر والبشرة بالماء. 3 - الموالاه اختلف الفقهاء فيها: هل هى من فرائض الغسل أو من سننه؟ 4 - الدلك. اختلف الفقهاء فيه هل هو سنة أو فرض. سنن الغسل: 1 - التسمية. 2 - غسل الكفين. 3 - إزالة الأذى 4 - الوضوء. 5 - البدء باليمنى 6 - البدء بأعلى البدن. 7 - تثليث الغسل. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 447. 2 - كشاف القناع 1/ 139. 3 - أخرجه مسلم فى كتاب الحيض "باب ما يوجب الغسل " صحيح مسلم بشرح النووى 4/ 41. وما بعدها. 4 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 136، كشاف القناع 1/ 139. 5 - أخرجه مسلم فى كتاب الحيض "باب بيان ان الغسل يجب بالجماع " صحيح مسلم شرح النووى 4/ 38. 6 - حاشية ابن عابدين1/ 112، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 407، كشاف القناع 1/ 145، مغنى المحتاج1/ 68. 7 - أخرجه أحمد فى المسند2/ 304 وصححه ابن خزيمة 1/ 125. 8 - حاشية ابن عابدين 1/ 113، المجموع شرح المهذب 2/ 152وما بعدها.

9 - الغصب

9 - الغصب لغة: هو أخذ الشىء قهرا وظلما، فهو غاصب والاغتصاب مثله (1). واصطلاحا: فقد عرفه أبو حنيفة وأبو يوسف بأنه: إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل فى المال (2). وعرفه المالكية بأنه: أخذ مال قهرا تعديا بلا حرابة (3). وعرفه الشافعية بأنه: الاستيلاء على حق الغير أى على وجه التعدى بغير حق (4). وعرفه الحنابلة بأنه: استيلاء على حق غيره من مال أو اختصاص قهرا بغير حق (5). والغصب حرام: إذا فعله الغاصب عن علّم، لأنه معصية، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم {(النساء: 29). وأما السنة فمنها: قوله (صلى الله عليه وسلم): "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا " (6). وقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه " (7). وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على تحريم الغصب، وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة. ويلزم الغاصب الإثم إذا علم أنه مال الغير، ورد العين المغصوبة ما دامت قائمة وضمانها إذا هلكت (8). يستحق الغاصب المؤاخذة فى الآخرة، إذا فعل الغصب عالما أن المغصوب مال الغير، لأن ذلك معصية، وارتكاب المعصية عمدا مُوجب للمؤاخذة، لقوله (صلى الله عليه وسلم): "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين " (9). للمالك المغصوب منه حقوق تقابل ما يلزم الغاصب من الأحكام المذكورة وهى: رد عين المغصوب، والثمار والغلة، والتضمين وحق المالك المغصوب منه فى الهدم والقلع لما أحدثه الغاصب فى ملكه، والجمع بين أخذ القيمة والغلة. وإذا تلف المغصوب فى يد الغاصب آو نقص أو أتلفه، أو حدث عيب مفسد فيه: وجب على الغاصب ضمانه بأن يدفع للمالك المغصوب منه مثله إن كان من ذوات المثليات، فإن لم يقدر الغاصب على المثل أو كان المال قيميا وجب عليه ضمان القيمة (10). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1ـ المصباح المنير 2/ 448، التعريفات، للجرجانى ص 141. 2 - بدائع الصنائع 7/ 143. 3 - الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى 2/ 442، 459. 4 - السراج الوهاج للغمراوى شرح المنهاج ص 226، مغنى المحتاج 2/ 275. 5 - كشاف القناع 4/ 76. 6 - أخرجه البخارى فى كتاب: العلم" باب: ليبلغ الشاهد الغائب " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 1/ 240. 7 - أخرجه الإمام أحمد فى المسند 5/ 72. 8 - مغنى المحتاج 2/ 277، بدائع الصنائع 7/ 48 1. 9 - أخرجه البخارى فى كتاب. المظالم والغصب "باب: إثم من ظلم شينا من الأرض " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 5/ 123. 10 - تبيين الحقائق 5/ 333، بداية المجتهد 2/ 238، مغنى المحتاج 2/ 281كشاف القناع 4/ 106 وما بعدها.

10 - الغضب

10 - الغضب لغة: غضب عليه غضبا سخط عليه وأراد الانتقام منه (1). واصطلاحا: تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفى للصدر (2). وتختلف دلالة لفظ الغضب وما تصرف منه فى القرآن الكريم حسب جهته ومصدره، فإذا كان من الله سبحانه كان بمعنى النقمة والعقاب، وإذا كان من البشر فهو هيجان النفس لأمر يتصل بالشخص ذاته، وهو ما يعالج بالعفو والحلم والمغفرة، ويمكن أن ينسى بمرور الوقت، وقد يكون الغضب من أجل حرمة لله تنتهك، فهو هيجان نفس لكنه محمود وينبغى أن يستمر. وفى السنة الشريفة بيان وتفصيل لأمور تتصل بالغضب الذى هو هيجان النفس. ففيها أن هذا الغضب نار فى القلب تفقد صاحبها أناته حين تشتعل، وينبغى أن يعالجه صاحبه فورا (ألا وإن الغضب جمرة فى قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمره عينيه، وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشىء من ذلك فليلصق بالأرض) (3). وفى السنة بيان أنه (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب) (4) وفى السنة ما يفيد خطرهذه الحالة النفسية حيث يوصى الرسول صلى الله عليه وسلم ويكرر على سائله الذى قال له: أوصنى، بقوله: لا تغضب وكلما ردد: أوصنى، قال النبى صلى الله عليه وسلم لا تغضب (5). وفى السنة كذلك أن العلاج هو الحلم والرفق وتذكر الندم الذى يعقب الغضب (6). وللغضب الذى هو انتصار للنفس، وهيجان من أجلها أسباب كثيرة منها: العجب والافتخار، والزهو، والمراء، والجدال، والاستهزاء بالآخرين، وفى جميعها تبدو شهوة الانتقام، ومن لواحقه الندامة وتوقع العقاب عاجلا أو آجلا، وربما كان سببا لأمراض صعبة، فضلا عن أنه يمنع من التفكير، أو المنطق الصائب (7). وعلاج الغضب باللجوء إلى تفكير فى الحلم، ومراجعة للنفس فيما أغضبها، وتذكر عفوالله عنا حين نخطىء قال سلطان لحكيم: كيف لى ألا أغضب؟ قال: بأن تكون فى كل وقت ذاكرا أنه يجب أن تطيع لا أن تطاع فقط، وأن تخدم لا أن تخدم فقط، وأن تحتمل لا أن تحتمل فقط، وأن تتحقق أن الله يراك دائما، فإذا فعلت ذلك لم تغضب وإن غضبت كان قليلا (8). أ. د/أبواليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة. 2 - التعريفات للجرجانى. 3 - رواه الترمذى. 4 - رواه البخارى كتاب الآداب 76. 5 - رواه البخارى. 6 - رياض الصالحين 291 - 297 طبعة البحوث والإفتاء بالرياض. 7 - تهذيب الأخلاق مسكويه 164، خلق المسلم محمد الغزالى 108 - 112. 8 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى 346 بتحقيقنا نشر دار الوفاء 1987م

11 - الغلو

11 - الغلو لغة: مجاوزة حدالاعتدال، وفى مقابل طرفه هذا طرف آخر هو التفريط أو التسيب، وكلا طرفى قصد الأمور ذميم. واصطلاحا: نجد النصوص الشرعية تقرن بين "الغلو" و "التشدد" و "التنطع" وكأنها جميعا مجاوزة حد الاعتدال المطلوب من المسلم أن يلتزم به. والغلو قديم قدم انحراف الفكر والسلوك حين يتجاوزان حد الاعتدال لسبب أو لآخر. وفى القرآن الكريم نهى لأهل الكتاب عن الغلو لأنه انحراف عن الحق فى الدين، وقد جاء هذا فى آيتين هما: {يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسله، ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا} النساء:171. {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غيرالحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل} المائدة:77. وتدل الآيتان على أن الغلو والانحراف كان فى باب العقيدة، فيما يخص الذات الإلهية وصفاتها، وفيما يخص اعتقاد النصارى فى المسيح بما يخرجه عن حقيقته غلوا وتجاوزا (1). لذا كانت الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام، وهى إحدى المعالم الأساسية التى ميز الله بها أمته صلى الله عليه وسلم عن غيرها {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة:143. فهى أمة العدل والاعتدال التى تشهد فى الدنيا والآخرة على كل انحراف يمينا أو شمالا عن خط الوسط المستقيم (2). وفى السنة تحذير واضح من الغلو والتنطع والتشدد لمخالفتها وسطية الإسلام واعتداله. وفى الوقت ذاته تحفل السنة القولية والعملية بالأمر بالتيسير والرفق والتسامح. وحسبنا أن نشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بين الغلو والهلاك وكذا التنطع والتشدد (إياكم والغلو فى الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلوفى الدين) (3) (هلك المتنطعون) (4) (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم فى الصوامع والديارات) (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) (5). أما التيسير والأمر به فأشهر من أن لا يعلم، فقد عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا حين شكا أحد الناس أن معاذا يطيل فى الصلاة فقال والمسلمين جميعا (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا). وقد وقعت فى تاريخ المسلمين مظاهر غلو بعث عليها فهم معين، أو مبالغة مرذولة، فكان موقف الأمة بيان خطأ أصحاب هذه المظاهر حتى ولو كانت اجتهادا بشكل أو بآخر. ففى باب العبادات لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم موقف النفر الذى قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلى ولا أنام، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء بل بين الرسول الكريم خطأهم وقال: (أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى) (7). وفى بابا الحكم على الآخرين حين كفر الخوارج مرتكب الكبيرة، ورتب بعضهم على هذا جواز قتله، واعتبر بعضهم ديار مخالفيه ديار كفر، وقفت الأمة منهم علماء وحكاما موقف المحاور لهم، ثم رفض هذه الآراء (8). وفى باب الغلو فى المعتقدات، حين ألهت السبئية عليا رضى الله عنه، وحين قالت بعض فرق الشيعة بتناسخ الأرواح، والرجعة ونحو هذا، عدهم مؤرخو الفرق من الغلاة الذين حادوا عن العقيدة الحقة (9) وكذلك حين غالى بعض الصوفية فى فهم التوحيد وقالوا بوحدة الوجود، أو الاتحاد، أو الحلول أو وحدة الأديان، هوجموا من الصوفية المعتدلين وقيل إنهم غلطوا فى كذا وكذا (10). وفى باب الممارسات الحياتية، حين انعزل بعض الزهاد عن الحياة، وسكنوا الكهوف ووقعوا فى رهبانية لا يقبلها الإسلام، نظر إليهم على أنهم سقام الفهم للزهد والتوكل مضطربو السلوك (11). وأما خطر الغلو فيكمن فى ضرره بالدعوة ووجه الإسلام. فهومن جهة ينفرعامة الناس حيث لا يطيقه الناس، فينصرفون عن الارتباط بالجماعة أو الاستمرار فى العبادة، وهو من جهة أخرى أصعب من أن يستمر صاحبه عليه، فيفتر فيفقد مصداقيته أمام من عرفوه. وهو من جهة ثالثة يضر بالتوازن المطلوب فى شخصية المسلم، أعنى أنه يضيع بعض الحقوق، ولعل هذا هو الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعبدالله بن عمرو حين بلغه صوم النهار وقيام الليل باستمرار: (لا تفعل، صم وأفطر وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا .... الحديث) (12). فإذا أضفنا إلى ما سبق تعصب صاحب الغلو لرأيه وجموده عليه، وعدم اعترافه بالرأى الآخر، والتسرع فى الحكم على الآخرين فى عقائدهم. أقول: إذا علمنا هذه المظاهر أدركنا خطر الغلو فى الدين بكل مناحيه ومجالاته، وهو خطر يكتوى به صاحبه قبل الآخرين. أما أسباب الغلو فكثيرة، وحسبنا أن نشير إلى أن هناك أسبابا تتصل بذات الشخص وأسبابا تتصل بالجو العام. وعلى رأس ما يتصل به قلة العلم، وما يتفرع عنه من جهل بأدب الحوار، وضوابط الاختلاف وعدم التمكن من روافد الفهم الصحيح للإسلام، وأخذ الإسلام من كتب معينة دون غيرها وتتصل به كذلك الظروف النفسية التى تكون عليها وتأثر بها جمودا، أو زعامة، أو حبا للشهرة ونحو هذا (13). وهذا ما نبه إليه الشاطبى حين ذكرأن أسباب الابتداع وأخطرها أن يعتقد إنسان فى نفسه أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد فى الدين، وهو لم يبلغ تلك الدرجة (14) أما ما يتصل بالجو العام، فانتشار الفساد، وغياب العدالة، والتضييق فى الحريات، وعدم الاهتمام بالتربية الحوارية، فكل هذا يحدث رد فعل يتسم بالغلو. ولاشك أن علاج هذه الظاهرة الخطرة لابد أن تقوم به كل أجهزة التربية والتثقيف من تعليم وإعلام وثقافة ومؤسسة دينية، وكلها على التوازى مع البيت والأسرة. أ. د/أبواليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - فى ظلال القرآن سيد قطب 5/ 815،937 ط دار الشروق. 2 - الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، د/يوسف القرضاوى، ص24 كتاب الأمة شوال 1402هـ. 3 - رواه أحمد والنسائى وابن ماجه وقال محقق المسند: إسناده صحيح. 4 - رواه مسلم فى صحيحه عن ابن مسعود. 5 - ذكره ابن كثير فى تفسير سورة الحديد. 6 - رواه البخارى. 7 - متفق عليه، وقد ذكرته بمعناه لا بلفظه. 8 - تيارات الفكر الإسلامى، د/محمد عمارة، ص25 ط دار الشروق 1411هـ-1991م. 9 - السابق 356 مكتبة الثقافة العربية 1995م. 10 - فى التصوف الإسلامى، د/أبواليزيد العجمى، د/حسن الشافعى ص115، مكتبة الثقافة العربية 1995م. 11 - الصحوة الإسلامية، د/يوسف القرضاوى، ص28. 12 - رواه البخارى. 13 - مشكلات فى طريق الحياة الإسلامية، محمد الغزالى ص114 كتاب الأمة جمادى الأخرة 1402هـ. 14 - الاعتصام الشاطبى 2/ 173

12 - الغناء

12 - الغناء اصطلاحا: هو فن من الفنون المتعلقة بالموسيقى. ويقوم الغناء على التحكم فى الصوت لإخراجه وفقا لنغمة معينة، وعلى إمكانية التحكم فى النفس، الأمر الذى يسمح بأداء جمل طويلة، والتحكم فى الطبقات الصوتية المختلفة والانتقال بينها دون أن يتم ملاحظة ذلك. كما يقوم فى آن واحد على التوافق بين النغم والإيقاع وتطويع الخطاب. إنه تعبير تلقائى منتشر بين البشر وأنواع كثيرة من الطيور، والدليل على تلقائيته وعالميته انتشاره بين الأطفال وبين مختلف الطبقات الاجتماعية سواء الأمية منها أو غيرها. والغناء على نغمات الموسيقى كان عادة مألوفة عند قدماء المصريين أثناء قيامهم بالعمل. وقد تغنى بعض الشعوب بلا آلات موسيقية، إلا أن التاريخ لم يعرف وجود شعب بلا غناء ... ولقد انتشر فن الغناء بين كل الشعوب التى على درجة ما من الحياة المنتظمة. لذلك نجد بعض السمات المشتركة فى موسيقى الشعوب والأمم. والموسيقى الشرقية قائمة على اللحن أساسا وليس على التوزيع الهارمونى، وعادة ما تكون حرة الإيقاع الذى يعتمد على آلة شديدة الوضوح. والسلم الموسيقى الشرقى قائم على الربع تون، وهو يتكون من 24 درجة بدلا من الاثنتى عشرة درجة التى تقوم عليها الموسيقى الغربية- مما يضاعف من ثرائه وإمكانيات تنوع عطائه الفنى. والزخارف النغمية من السمات الواضحة فيها، ويعد الارتجال التلقائى الإبداعى من أهم معالمها. والمعروف أن آلات النقر والعود والرباب والقيثارة والنقارة عربية الأصل ولها تأثير على أصل الموسيقى الغربية، إذ تأثرت الموسيقى الأسبانية بالموسيقيين العرب حتى أصبح لها مذاق خاص يصعب إغفاله. والثابت تاريخيا أن فن الغناء قد انبثق من فن الشعر وقوافيه. بل لقد نهض صرح الغناء العربى بكل عظمته فى مدة لا تزيد عن أربعين عاما فى القرن الهجرى الأول. وتعد هذه الوثبة سباقة فى تاريخ نشأة الفنون وتطورها. ثم عاش هذا الفن أكثر من ألف ومائتى عام فما يغنيه المطربون فى أيامنا من مقامات ومشتقاتها وإيقاعاتها هى نفس المقامات والأوزان التى ضبطها إسحاق الموصلى ضبطا دقيقا آنذاك، والذى كان المغنى والملحن الذى رسخت قواعد التلحين والغناء بعمله وعلمه. وترجع أولى خطوات تنظيم أو منهجه فن الغناء إلى زرياب الذى غادر بلاط هارون الرشيد فى مطلع القرن التاسع الميلادى ليقيم بقرطبة فى أسبانيا. وكان زرياب يقسم منهجه فى تعليم فن الغناء إلى ثلاثة أقسام: الإيقاع، واللحن، والحليات. وقد أنشأ ابن سريج صناعة الضرب بالعود وأدخل نغماتها إلى عروض الشعر العربى مما أدى إلى طفرة هائلة فى مقامات الغناء العربى الذى أصبحت له مدرستان فى آن واحد إحداهما فى مكة والأخرى فى المدينة. والثابت تاريخيا أن فن الغناء العربى المتقن قد بزغ كلمح البرق، وارتقى حتى أصبح يتميز على غناء الأمم والحضارات. بل لقد أصبح الغناء فن العرب الثانى بعد فن الشعر ... وبذلك كان الشعر والغناء معا يمثلان بهجة الحياة لديهم. وصار الغناء وازدهاره دليلا على ازدهار الدولة حتى قال ابن خلدون فى مقدمته: "أول ما ينقطع فى الدولة عند انقطاع العمران صناعة الغناء". وتعد الصحوة الثانية لفن الغناء العربى فى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر على يد الشيخ شهاب الدين، بينما يعد الانبعاث الثالث له أيام عبده الحمولى ومحمد عثمان إلى سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. ويشتمل تراث الغناء العربى القريب على أكثر من ألفى موشح ودور وقصيدة وطقطوقة غير الأغانى المسرحية والشعبية. والصعوبة الأساسية فى الغناء وأدائه لا تكمن فحسب فى ضرورة التمكن من مجالى الصوت والكلمات وإنما يتطلب الأمر الجمع بين جمال الصوت، وجمال النغم، وقوة وتنوع الإيقاع، ومعنى التعبير العاطفى، وقوة ومعنى وجمال وتنوع الأداء بين الآلات. ويعد أهم كتاب فى الغناء والموسيقى فى المائتى عام الماضية هو كتاب "سفينة الملك ونفيسة الفلك" المعروف باسم "سفينة شهاب" للشيخ شهاب الدين محمد بن إسماعيل (273 1 هـ- 856 1م) ويحتوى هذا الكتاب على مائة من الموشحات بكلماتها ومقاماتها وإيقاعاتها. أما أول كتاب عن الأصوات والغناء والموسيقى فهو "كتاب النغم " للملحن المغنى يونس الكاتب، الذى شهد أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وسبق الأصبهانى بأكثر من مائتى عام. وقد أثبت الكندى (874 م) أن الغناء فن قائم بذاته وليس فارسيا أو روميا كما قام الإمام أبو حامد الغزالى بتناول قضية تحريم أو إباحة الغناء فى كتاب "أداب السماع والوجد، وهو جزء من كتابه الكبير "إحياء علوم الدين" مستلهما نصوص الآيات والأحاديث، كما استند إلى القياس ليخرج بإباحة الصوت الجميل مدافعا عن حق الإنسان المتدين فى التعبير الفنى، على أن يكون لذلك الفن آدابه وأصوله. فقد أوقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) عائشة وراءه لرؤية رجال الحبشة يغنون ويلعبون، ويعد هذا نصا صريحا فى أن الغناء ليس بحرام، شريطة أن يكون فنا أصيلا وليس مبتذلا. فالغناء الأصيل فطرة وفن وأدب ... فطرة لا تصنع بالطبع والوجدان وإنما يدرك بهما، وفن لأن له نظما وقواعد وأصولا وأدبا، لأنه أبلغ الوسائل فى التعبير عن نجوى الضمير ... أ. د / زينب عبد العزيز

_ المراجع 1ـ إحياء علوم الدين أبو حامد الغزالى مكتبة مصطفى الحلبى 1354 هـ. 2 - تراث الغناء العربى، بين الموصلى وزرياب… وأم كلثوم وعبد الوهاب كمال النجمى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الأعمال الخاصة، 1968 م. 3 - الموسيقى الشرقية والغناء العربى- قسطندى رزق- مكتبة الدار العربية للكتاب، أوراق شرقية، جزءان (13 4 1 هـ 1993 م). 4 - الموسيقى والحضارة: هوجولا يختنتريت، ترجمة د. أحمد حمدى محمود. الهيئة المصرية العامة للكتاب، الألف كتاب الثانى، 1998 م. 5 - the oxford companion to musicly percy A. scholes. Oxford universty press, fndon, new york, toranto, 1938.

13 - الغنائم

13 - الغنائم لغة: جمع غنيمة، وهى من الغنم، وهو الفوز بالشىء كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: المأخوذة من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة والانتصار، بقتال وركوب خيل ونحوها (2). وقد شرعها الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، واختصها بها، قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} الأنفال:41، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى ...... وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى) رواه البخارى ومسلم (2). وقد ظهر من هذه الآية الكريمة، ومن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغنائم تقسم على خمسة أسهم: 1 - سهم منها يقسم على خمسة مصارف هى: (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ب) أقاربه صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم وبنى المطلب. (ج) اليتامى. (د) المساكين. (هـ) ابن السبيل. فلكل جهة من هؤلاء الخمسة خمس خمس الغنيمة. 2 - سهم للمشاة من المقاتلين يقسم بينهم. 3 - سهم للفرسان يقسم بينهم. 4، 5 - سهمان للخيول الصحيحة التى يقاتلون عليها. وقد يعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد المقاتلين شيئا من الغنيمة قبل التقسيم يسمى نفلا، لأنه زيادة على ما يستحقه من التقسيم، لتفوقه فى بعض الأعمال، وتسمى الغنيمة كلها نفلا وأنفالا، لأنها منحة من الله تعالى لهذه الأمة، قال تعالى {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ...... } الأنفال:1، وقد روى أنها فى أول الإسلام كانت للنبى صلى الله عليه وسلم وحده يصنع فيها ما يشاء، ثم نسخ ذلك بآية التقسيم على المقاتلين (3). وهناك أيضا الرضخ من الغنيمة، وهوعطاء يعطيه الإمام ونائبه لمن حضر القتال ولم يستوف الشروط التى يستحق بها المقاسمة فى الغنيمة كالنساء والصبيان ونحوهم. وهناك أيضا السلب، وهو ما يكون على العدو المقتول من ملابس وآلات حربا وما يركبه من فرس، فإن ذلك يكون لقاتله فوق نصيبه من الغنيمة، لحديث (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) رواه البخارى (4). ويدخل فى الغنيمة كل ما حصل عليه المسلمون من الكفار، نتيجة قهرهم والانتصار عليهم من أموال منقولة أو أسلحة أو أراض أو فداء للأسرى أو سابقة للمسلمين (5). والتقسيم على المقاتلين بالنسب السابقة فيكون للأموال المنقولة والأسلحة والفداء، أما ما استرده المسلمون من أموالهم، فترد إلى أصحابها، ولا تدخل فى التقسيم إذا عرفها أصحابها، فإن لم يعرفوها قسمت، وأما الأراضى ففيها خلاف فقيل: بالتقسيم، وقيل: بعدمه، وقيل: الإمام مخير فى الأراضى بين التقسيم، أو يتركها لأهلها بالخراج. ويجب على أمير الجيش حفظ الغنائم، وتكليف من يقوم بحفظها حتى يقسمها بين أصحابها، وجمهور الفقهاء على أن التقسيم يكون فى محل الغزوة بعد الانتصار وانتهاء الحرب، ليدخل السرور على المقاتلين، إلا إذا كان الموقع غير آمن، فينتقل بهم إلى موقع آخر يكون آمنا، ثم يقسمها عليهم (6)، وفى التعجيل بالتقسيم حكمة أخرى، وهى وقاية الغنيمة من السرقة والفلول. ويشترط فيمن يستحق الغنيمة شروط وهى: أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، ذكرا، حرا، صحيحا، وأن يشهد المعركة ولو لم يقاتل فإن اختل شرط أو أكثر من هذه الشروط بأن حضر المعركة صبى أو ذمى .. رضخ له الإمام أى أعطاه نصيبا من المال العام قبل التقسيم، ولا يبلغ هذا الرضخ قدر سهم من السهام الخمسة التى تقسم عليها الغنيمة. ويخرج من الغنائم قبل التقسيم: الأسلاب، وأموال المسلمين المعروفة التى استردوها والأراضى على خلاف، وأجرة حفظ الغنيمة، والأرضاخ والأنفال (7) ثم تقسم على مستحقيها كما سبق ويقسم خمس الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته على الأربعة الباقين، أو يعتبر فيئا يعطى منه الغنى والفقيرعلى خلاف بين الفقهاء (8). أ. د/محمد نبيل غنايم

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة 2/ 664. 2 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 5/ 213. 3 - فتح القدير، الكمال بن الهمام، دار الفكر، ط2، بيروت، ط1، 2/ 309. 4 - صحيح البخارى، 5/ 227. 5 - الأم، للشافعى، دار الفكر، بيروت، 1990 م،8/ 249. 6 - المصدر السابق 4/ 147، وقيل لا تقسم إلا فى دار المسلمين. 7 - وقيل من الأربعة أخماس المغنى، لابن قدامة، مكتبة القاهرة ط1،1969 م، القاهرة 9/ 231. 8 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، دار ابن حزم، 1995، بيروت، 2/ 754. مراجع الاستزادة: 1 - الموسوعة الفقهية، الكويت، مطبعة دار الصفوة، سنة 1974، القاهرة

14 - الغيب

14 - الغيب لغة: الغيب كل ما غاب عنك، والغيابة: الأجمة وهى جماع الشجر يغاب فيها، ويسمى المطمئن من الأرض: الغيب لأنه غاب عن البصر، والغيب: كل ما غاب عن العيون، وغاب على الأمر غيبا وغيابا: كما فى اللسان (1). واصطلاحا: الغيب كل ما أخبر به القرآن الكريم والرسول (صلى الله عليه وسلم) مما لا تهتدى به العقول من أشراط الساعة، وعذاب القبر، والحشر؛ والنشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، والملائكة، والجن والكتب السماوية، وقيل: القضاء والقدر. والغيب أمر خفى لا يدركه الحس، ولا تقتضيه بديهة العقل، وهو قسمان: 1 - قسم لا دليل عليه لا عقليا ولا سمعيا وهذا هو المعنى بقوله تعالى:} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو {(الأنعام 59). وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه: قال النبى: (صلى الله عليه وسلم) " فى خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى ثم تلا: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) (لقمان 34). وقوله عز وجل:} يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون { (الأعراف 187). 2 - وقسم نصب عليه دليل عقلى أو سمعى، كالصانع وصفاته، واليوم الآخر وأهواله، وهو المراد بالغيب فى قوله تعالى} الذين يؤمنون بالغيب {(البقرة 3). قال القرطبى: وهذا هو الإيمان الشرعى المشار إليه فى حديث جبريل - عليه السلام -، حين قال للنبى (صلى الله عليه وسلم): " فأخبرنى عن الإيمان: قال أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت " وقال عبد الله بن مسعود: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ} الذين يؤمنون بالغيب {. وفى التنزيل} وما كنا غائبين {(الأعراف 7). وقوله} الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون {(الأنبياء49). فهو سبحانه وتعالى غائب عن الأبصار، غير مرئى فى هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال، فهم يؤمنون بأن لهم ربا قادرا يجازى على الأعمال، فهم يخشونه فى سرائرهم وخلواتهم التى يغيبون فيها عن الناس، لعلمهم باطلاعه عليهم، وعلى هذا تتفق الآراء ولا تتعارض، والحمد لله، وقيل: بالغيب أى بضمائرهم وقلوبهم بخلاف المنافقين، وهذا قول حسن. قال الشاعر: وبالغيب آمنا، وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد. ومن الإيمان بالغيب الإيمان بالملائكة، الذين لا يعلم حقيقتهم إلا الله، فالملائكة ليسوا كالبشر، بل هم عالم آخر قائم بنفسه ومستقل بذاته، ولهم القدرة على أن يتمثلوا بصورة بشرية وغيرها. والإيمان بالملائكة من البر ومن دلائل الصدق والتقوى، وهذا العالم الغيبى لا يدرك بالحس ولا بالعقل، وسبيل معرفته هو الوحى؛ لأنه غيب من الغيوب. (2) والله سبحانه هو الذى يعلم الغيب وحده. قال تعالى:} فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين {(يونس 20). وفى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها " قالت: من زعم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم على الله الفرية " والله تعالى يقول} قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله {(النمل 65). وقال تعالى:} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين {(الأنعام 59). فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه، ولا يكون ذلك إلا من إفاضته على رسله بدليل قوله تعالى: } وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء {(آل عمران 179). وقوله تعالى:} عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا {(الجن 26، 27). ذكر القرطبى: أنه لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كما فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحى إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. فالله سبحانه وتعالى جعل حرسا حول هذا الرسول الذى أطلعه على بعض الغيب المتعلق برسالته، وهذا الحرس من الملائكة والشهب لحفظ هذا الغيب من تلاعب الشياطين. وفى قصة سليمان يبين القرآن أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما استمروا فى عملهم سخرة لسليمان: قال تعالى} فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين {(سبأ 14) (3). وقد نهى النبى (صلى الله عليه وسلم) عن إتيان العراف والكهان، فقال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما، (رواه مسلم). والعراف هو الحازر والمنجم الذى يدعى علم الغيب، وهى من العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذى يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعى معرفتها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن بالزجر والطرق والنجوم، وأسباب معتادة فى ذلك، وكلها يطلق عليها اسم الكهانة، والكهانة: ادعاء علم الغيب. قال أبو عمر بن عبد البر فى كتاب الكافى: من المكاسب المجمع على تحريمها: الربا ومهور البغايا، والسحت، والرشوة، وأخذ الأجرة على النياحة، والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء. وقد روى مسلم فى صحيحه عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أناس عن الكهان. فقال: "إنهم ليسوا بشيء" فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها فى أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. وروى البخارى عن عائشة أنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إن الملائكة تنزل فى العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم". وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر فى الكتب، ويزجر بالطير، ممن ارتضاه الله من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، وفيه استحلال دمه علىّ هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال: حكم المنجم أن طالع مولدى يقضى على بميتة الغرق قل للمنجم صبحة الطوفان هل ولد الجميع بكوكب الغرق (هيئة التحرير) 1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (غيب) 1/ 654دار صادر بيروت. 1955م، دائرة معارف القرن العشرين 7/ 100 محمد فريد وجدى. دار المعرفة بيروت. 2 - العقائد الإسلامية، للشيخ سيد سابق- ص 113 - دار الكتب الحديثة. 3 - السابق ص 121.

_ المراجع 1 - الجامع لأحكام القرآن. للقرطبى 1/ 163وما بعدها، 7/ 2 - 3 وما بعدها، 19/ 28 وما بعدها- مكتبة السلام العالمية، دار الثقافة- ط 1 سنة 1981م. 2 - تفسير البيضاوى- الآية 159 من سورة الأنعام.

15 - الغيبة

15 - الغيبة لغة: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره، ولا يبعد المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى لمفهوم الغيبة. وهذا ما وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله: (أتدرون ما الغيبة، قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) (1). ومن هنا قيل: واعلم أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، ويزيد عليه فى الأذى والمضرة، وهى: الغيبة، والنميمة والسعاية (2). وقد نهى القرآن عن الغيبة، مصورا ممارستها بما ينفر منها، ويظهر خطر الوقوع فيها فقال: {ولا يغتبا بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} الحجرات:12. يعنى إذ كنتم تعافون أكل لحم الميت طبعا، فعافوا الغيبة شرعا لأنها أشد وأخطر. وقد وضحت السنة القولية والعملية خطر الغيبة والنميمة فى سياق بيان خطر الكلمة التى يتفوه بها الإنسان لا يلقى لها بالا فتجره إلى قاع جهنم، وفى سياق أن ريح الغيبة حين يوجد فى الأمة كريح الجيفة النتنة. ومن أجل أن يتوقى الإنسان إثم هذه الرذيلة نهت السنة عن حضور مجالس يغتاب فيها المسلم (3)، بل لابد من رد غيبة المسلم وإلا فترك هذه المجالس هو اللائق بالمسلم، فهما لقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين} القصص:55. والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما فى الجرح والتعديل والنصيحة. كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) (4). فالغيبة رذيلة تخالف ما تقرر فى الإسلام من حرمة الإنسان الذى هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله، كما جاء فى خطبة الوداع وفى أحاديث كثيرة تبين حق المسلم على المسلم، وضرورة سلامته من لسانه ويده (5). ثم هى من جهة أخرى تظهر نقصا نفسيا عند مقترفها، فقد قيل: ما وجد عائب إلا كان معيبا، وهى تقطع العلاقات الطيبة، وتفتح باب التعقب والبحث عن العيوب فقد قيل: إن من اغتاب اغتيب ومن عاب عيب، فبحثه عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه (6) وقيل "لا تعن الناس على عيبك بسوء غيبك". وقيل "الغيبة رعى اللئام" فإذا وضح ما أشرنا إليه، كان على المسلم أن ينأى بنفسه من هذا الداء، وأن يتقى الله ويتوب إذا كان قد قارفه والله تواب رحيم. أ. د/أبواليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - مسلم حديث 2589. 2 - أدب الدنيا والدين الماوردى 257 تحقيق مصطفى السقا دار الكتب العلمية بيروت. 3 - رياض الصالحين 573 طبعة البحوث والإفتاء بالرياض، الغزالى خلق المسلم 77. 4 - تفسير سورة الحجرات ابن كثير. 5 - رياض الصالحين 575 - 579. 6 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى، تحقيق د/أبو اليزيد العجمى 282 طبعة دار الوفاء 1987م. 7 - أدب الدنيا والدين الماوردى

16 - الغيرة

16 - الغيرة لغة: الغيرة المصدر من قولك غار الرجل على أهله. قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأته، والمرأة على بعلها تغار غيرة وغيرا، وغارا وغيارا (1) بفصل ابن منظور القول فى الصيغ والاشتقاقات، ويحكى من النثر والشعر ما يؤدى المعنى يقول وهى الحمية والأنفة .... والعرب تقول: أغير من الحمى، أى أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها (2). واصطلاحا: الغيرة ثوران الغضب حمية على أكرم الحرم، وأكثر ما تراعى النساء. وفى أدبيات الفضائل العربية والإسلامية تذكر الغيرة على أنها خلق فطرى كثر فى العرب، وربط بينه وبين الجوار، واتسع نطاقه ليشمل كل حرمة يأنف المسلم أن تمس. وجعل الله سبحانه هذه القوة فى الإنسان سببا لصيانة الماء وحفظا للإنسان، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة فى رجالها وضعت العفة فى نسائها. وقد يستعمل ذلك فى صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته فى السياسات الثلاث التى هى سياسة الرجل نفسه، سياسة منزله وأهله، وسياسته مدينته وضيعته، ولذلك قيل: ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته ولكن ذبه عن كل مختص به ... فقد كثرت فى العرب خاصة إن من دخل دار أحدهم والتجأ إلى فنائه ولو كان عدوا فله حرمة وجوار وذمار (3). لم يرد فى القرآن لفظ الغيرة وإنما جاء فى القرآن لفظ "الحمية" وفى سياق يدل على أنه غيرة يبغضها الله سبحانه، لأنها غضب من أجل باطل، ونعرة كاذبة، لذا وصفت بأنها "حمية الجاهلية" {إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهليه} الفتح:26 (4). ذلك أن قريشا فى صلح الحديبية رفضت أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب محمد رسول الله قال النبى صلى الله عليه وسلم لعلى ابن أبى طالب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو: لا ندرى بسم الله الرحمن الرحيم اكتب: بسمك اللهم وحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلى اكتب: (محمد رسول الله، قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك وقال اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم اكتب: من محمد بن عبد الله) (5). أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها لفظ "الغيرة" بصيغ مختلفة، وفى سياقات متعددة، نشير إليها فيما يلى: 1 - غيرة فطرية: غيرة الرجال على النساء، إذ يقول سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتى لضربته بالسيف غير مصفح، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغيرمنه والله أغير منى) (6). ومثله الحديث عن على رضى الله عنه: (ألا تستحيون أو تغارون فإنه بلغنى أن نساءكم يخرجن فى الأسواق يزاحمن العلوج) (7). غيرة النساء على الرجال، وقد غارت عائشة رضى الله عنها على النبى صلى الله عليه وسلم حين سألها النبى: (أغرت يا عائشة؟ قالت: ومالى ألا يغارمثلى على مثلك؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم أفأخذك شيطانك؟) الحديث (8). غيرة المرأة على المرأة ضرتها، وقد غارت عائشة رضى الله عنها من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لخديجة بعد وفاتها (9). وهذه كلها غيرة فطرية ومحمودة شريطة ألا تخرج عن حد الاعتدال كى لا تكون عدوانا على حقوق الآخرين. 2 - غيرة دينية وأخلاقية تكتسب بالتربية وقد ربطت السنة بين غيرة المؤمن وغيرة الله تعالى (إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما حرم عليه) (10). والتربية تعنى بها أن المؤمن يغار إذا انتهكت حرمات الله، وهذا لا يكون إلا إذا ربى على هذا، وعلم مقاصد الشريعة (الحفاظ على العقل، النسل، المال، الدين، العرض) وقد ذكرت السنة أن جزاء غيرة المؤمن فى الآخرة عظيم حيث جاءت بأنه قصر فى الجنة (11). 3 - الغيرة منها ما يحمد ومنها ما يذم ولأن الغيرة حمية وغضب، فكان من اللائق بالمسلم أن يعلم الدوافع والغايات فإذا كانته الدوافع رعاية حق الله، والأهداف إزالة الريب، وتحقيق مقاصد الشرع كانت هى الغيرة التى يحبها الله، وإذا كانت غير ذلك كانت الغيرة التى يبغضها الله سبحانه "إن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغض الله ... فأما الغيرة التى يحب الله فالغيرة فى ريبة، وأما الغيرة التى يبغض الله فالغيرة فى غير ريبة" (12). بقى أن نشير إلى حقيقتين مهمتين: الأولى أن التاريخ يحفظ للعرب والمسلمين مواقف كانت الغيرة فيها دفاعا عن الحق، أو حرصا على الكرامة، فغيرة عمرو بن كلثوم حين صاحت أمه واعمراه كانت فى موضعها، وغيرة الصحابة الكرام من أجل دين الله غيرة المعتصم حين استنجدت به المرأة المسلمة قائلة: وا معتصماه، وغيرة صلاح الدين من أجل تحرير القدس، وغيرة جنودنا من أجل تحرير سيناء، هذه كلها نماذج لها ولنظائرها فى التاريخ موقع معلم. الثانية أن التربية على القيم الدينية والوطنية الحقة أساس صحيح لتكوين الغيرة المحمودة التى تصون المقدس من دين أو عرض أو مال أو وطن، والتى تقف عند حدود الشرع تضبط به البواعث وتحدد به الأهداف، وترشد السلوك كى لا تكون الغيرة نعرة أو حمية جاهلية. أ. د/أبواليزيد العجمى

_ الهامش: 1 - ابن منظور لسان العرب المجلد الخاص 41،42 طبعة دار صادر بيروت. 2 - الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى 347، تحقيق أبواليزيد العجمى الطبعة الثانية دار الوفاء مصر 1407هـ/1987م. 4 - أخرجه أحمد رواه مسلم فى صحيحه. 5 - البخارى كتاب النكاح باب الغيرة 107. 6 - مسندأحمد 1/ 133 المكتب الإسلامى. 7 - المسند 6/ 115. 8 - صحيح مسلم فضائل الصحابة 2425. 9 - صحيح مسلم 2761. 10 - مسلم 2395. 11 - مسند أحمد 5/ 445،446

الفاء

1 - الفاطميون هم أسرة حكمت فى شمال أفريقيا، وأقامت خلافة إسلامية معارضة بها الخلافة العباسية فى بغداد فى أوائل القرن العاشر الميلادى، وهم ينتسبون إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهم شيعة علويون فى نسبهم، إسماعيليون فى مذهبهم، كما يطلق عليهم العبيديون نسبة إلى مؤسس دولتهم عبيد الله المهدى (297 - 322 هـ/909 - 1134م) الذى ولد بالكوفة أو سلمية بسوريا. وقد تأسست الدولة الفاطمية أول الأمر فى تونس، واتخذت القيروان عاصمة لها، ثم أقام خليفتها الأول أبو محمد عبيد الله المهدى مدينة المهدية، التى تقع على بعد 107 كم جنوب القيروان عاصمة لخلافته (08 3 هـ/ 920 م) (1) وأخضع قبائل صنهاجة بالمغرب الأقصى، وقضى على نفوذ الأدارسة فى فاس، واستولى على الجزائر وتونس وطرابلس ثم برقة، ولكنه فشل فى هجومه على مصر عدة مرات؛ ثم توفى (2). وبذل الخليفة الثانى أبو القاسم محمد القائم بأمر الله (322ـ 334 هـ/934 - 945 م) غاية همته لتوسيع نطاق دولته، فأرسل أسطولا أغار على شواطئ إيطاليا وفرنسا والأندلس، كما أرسل جيشا إلى مصر هزمه الإخشيديون، ثم صرف بقية حياته فى حرب بعض الخوارج بقيادة أبى يزيد الخارجى الذى ثار عليه؛ بغية انتزاع الملك منه (3). وفى عهد الخليفه الثالث أبى طاهر إسماعيل المنصور بالله (334 - 1 34 هـ/945 - 952 م) ثم الاستيلاء على صقلية (335 هـ/946 م)، كما تم القضاء على ثورة أبى يزيد الخارجى، ثم أعقبه الخليفة الرابع أبو تميم معدّ المعز لدين الله (1 34 - 365 هـ/952 - 975 م) الذى ولد بالمهدية، واستطاع قائده جوهر الصقلى (ت 381هـ / 992م) أن يفتح فاس وسلجماسة، وانقادت له بلاد الشمال الأفريقى كلها حتى ساحل الأطلس، ماعدا سبتة التى بقيت لبنى أمية (أصحاب الأندلس) ونتيجة لاضطراب أحوال مصر عقب وفاة كافور الإخشيدى، فقد أشار المعز إلى قائده جوهر بالسير إلى مصر لأهميتها السياسية والحربية والاستراتيجية، حيث نجح فى فتحها سنة (358 هـ/969 م) واختط مدينة القاهرة وبها قصر الحاكم، والجامع الأزهر (نسبة إلى فاطمة الزهراء) بالإضافة إلى العديد من المنشآت الإدارية وسماها القاهرة المعزية (4) التى أصبحت عاصمة للخلافة الفاطمية بعد أن دخلها المعز لدين الله بأهله وبيت ماله ورجال دولته. بل وبرفات أجداده (1 36 هـ/1972 م)، حيث ظلت عاصمه للفاطميين إلى انتهاء دولتهم، وباتخاذ القاهرة عاصمة للّخلافة الفاطمية رجحت كفة الفاطميين على العباسيين فى بغداد، وارتفع شأنهم فامتد نطاق حكمهم من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسى ليشمل- فضلا عن الشمال الأفريقى- سوريا وفلسطين واليمن ومكة والنوبة، بل وصل إلى الموصل وكادوا يقتحمون بغداد على الخلافة العباسية، وكان الأسطول الفاطمى يفرض سلطانه على البحر المتوسط، بل ويهدد الشواطئ الجنوبية لأوروبا. (5) إن الاستقرار السياسى الذى شهدته الخلافة الفاطمية فى مصر فى عهد المعز لدين الله (1 34 - 365 هـ/952 - 975 م)، والعزيز بالله (365 - 386 هـ/ 975 - 996 م)، والحاكم بأمر الله (386 - 411 هـ/996 - 1020م) نتج عنه ازدهار اقتصادى، وعلمى وعمرانى، حيث عم الرخاء البلاد وانتشرت مظاهر التحضر والازدهار والرخاء المادى الذى بلغ حد الترف بصورة لم تعرفها مصر منذ زمن بعيد، كما ازدهرت الحياة العلمية برعاية خلّفاء الفاطميين ووزرائهم، حيث جلبت نوادر الكتب والمخطوطات فى كل علم وفن، حيث بلغت محتويات "خزانة الكتب " بالقصر مليونا وستمائة ألف كتاب، ونشطت الحركة العلمية لنشر العلم وتدعيم المذهب الشيعى فى الجامع الأزهر الذى عقدت له الزعامة الثقافية والعلمية والدينية، وفى دار العلم (دار الحكمة) التى أنشأها الحاكم بأمر الله (400 هـ/1009م) والتى زودها بمختلف أنواع الكتب لتنافس بيت الحكمة فى بغداد، وبالنساخ والقراء وجميع أدواتهم، وقصدها العلماء فى كافة العلوم، هذا فضلا عن مجالس المناظرة فى قصور الخلفاء، والتى كان يحضرها مشاهير علماء العصر. وفى العمران شيدت المنشآت الدينية فضلا عن الأزهر- كان جامع الحاكم بأمر الله (403 هـ/1012 م) والجيوشى (498 هـ/1007م) والأقمر (519 هـ/1125م) ومسجد الصالح طلائع (555 هـ/ 160 1م) وغيرها من العمائر والمنشآت المدنية التى تشهد على ما بلغته البلاد من الرقى الفنى. وقد انقسم المجتمع المصرى فى عهد الفاطميين إلى سنى وشيعى، فالسنيون هم المصريون والأتراك والسودانيون؛ أما الشيعة فهم المغاربة حضروا مع الفاطميين، وكانت الإدارة فيهم، وكان الخلفاء متسامحين، فلم يجبروا أحدا على اعتناق المذهب الشيعى الأمر الذى حفظ للمصريين مذهبهم السنى كما اهتم الفاطميون بالاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية بشكل منقطع النظير، وكثير من مظاهر الاحتفالات الدينية السائدة فى مصر الآن ترجع بجذورها إلى أيام الفاطميين فى مصر. وقد تضافرت عدة عوامل أدت إلى تدهور الفاطميين وضعفهم ثم زوال دولتهم، وذلك منذ عهد الظاهر (أبو الحسن على الظاهر لإعزاز دين الله (411 - 427 هـ/020 1 - 035 1م) ثم المستنصر بالله (أبو تميم) (427 - 487 هـ/ 1035 - 1094 م) منها: الإسراف فى استخدام جند من الأتراك والمغاربة والسودانيين، والتنازع بين طوائفهم، ثم توالى الخلفاء الضعاف الذين تولوا، وهم جميعا أطفال باستثناء الحافظ الذى تولاها وهو شيخ كبير، هذا فضلا عن انتشار المجاعات والأوبئة نتيجة نقص مياه النيل حينا واحتكار التجار أحيانا بالإضافة إلى التهديد الصليبى الذى كان يتطلع إلى السيطرة على مصر. إضافة إلى سيطرة قادة الجند والوزراء. فأصبح الصراع الحقيقى بين الوزراء أنفسهم كما حدث بين طلائع بن رزيك وشاور، وبين شاور وضرغام فاستنجد الأخير بعمورى ملك بيت المقدس، كما استنجد شاور بسلطان حلب نور الدين محمود الذى أرسل قائده أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين، حيث نجح شيركوه فى القضاء على ضرغام ثم شاور، وتولى الوزارة فى مصر لآخر خلفاء الفاطميين وهو الخليفة أبو محمد عبد الله العاضد لدين الله (555 - 567 هـ) (1160هـ /1171 م) وبعد وفاة شيركوه خلفه على الوزارة فى مصر صلاح الدين، ولما مات الخليفة العاضد (567 هـ/ 1171م) أزيل شعار الفاطميين وقامت الدولة الأيوبية فى مصر على يد صلاح الدين الذى أعادها إلى المذهب السنى والخلافة العباسية (6). ظلت الدولة الفاطمية منذ بدء إعلانها فى سنة (297 هـ/909 م) وحتى سنة (567 هـ/ 1171م) مائتين وسبعين عاما تولى الخلافة فيها أربع عشرة خليفة أولهم أبو محمد عبد الله المهدى غير أن الخلافة لم تأت إلى مصر إلا سنة (1 36 هـ/972 م) حين دخلها الخليفة الرابع المعز لدين الله، وبذلك يكون قد تواتر عليها أحد عشر خليفة أولهم المعز وآخرهم العاضد. أ. د/ السيد محمد الدقن

_ المراجع 1 - اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، ص 41، 5 4 المقريزى تحقيق د جمال الدين الشيال، دار الفكر القاهرة 1367 هـ، 1948 م. 2 - النجوم الزاهرة: ابن تغرى بردى 2/ 51 - 53 المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر. 3 - تاريخ مصر: ص 211 عمر الإسكندرى، وسفرج. 4 - الكامل فى التاريخ ابن الأثير، 8/ 98 دار صادر بيروت 1399 هـ/ 979 1 م 5 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 1/ 0 32، 324 دار صادر بيروت 6 - الأحداث السياسية فى مصر منذ الفتح العربى حتى سقوط الدولة الفاطمية ص 133 د. محمد أحمد حسب الله 0 2 - 567 هـ الطبعة الأولى، دار الفكر العربى، القاهرة، 1995 م.

2 - الفاعل

2 - الفاعل يقسم أرسطو "العلة" التى هى من لواحق الموجود- بما هو موجود- إلى علل أربع: علتين داخلتين فى قوام الشىء المعلول، وهما: المادة والصورة، وعلتين خارجتين عن المعلول هما: الفاعل والغاية التى تبعث على الفعل. ويعرف ابن سينا الفاعل بأنه "العلة التى تفيد وجوداً مباينا لذاتها"، أى تعطى شيئا ما وجودا يخالف وجودها، وهذا هو اصطلاح الفلاسفة الإلهيين فى الفاعل، أما الطبيعيون فالفاعل عندهم هو "مبدأ التحريك فقط "، أى هو الذى يفيد حركة ولا يفيد وجودا، وعليه فلا تسمى "الطبيعة" فاعلاً حقيقيا فى اصطلاح الفلاسفة الإلهيين؛ لأنها لا تفيد الوجود، إذ واهب الوجود ومفيده هو الله تعالى. وقد يطلق على "الفاعل " العلة المؤثرة. ويختلف المتكلمون والفلاسفة فى سبب احتياج المفعول للفاعل: هل هو وجوده باعتباره فى نفسه أمرا ممكنا، أو وجوده من جهة كونه بعد عدم؟ والاحتمال الأول يعنى أن الإمكان هو علة الحاجة كما يقول الفلاسفة، أما الثانى فيعنى أن الحدوث هو علة الاحتياج، وهو مذهب المتكلمين… وينبه الفلاسفة إلى خطأ المذهب القائل بأن تأثير الفاعل قاصر على حال حدوث الشىء أو وجوده فقط، وبحيث لو أوجده الفاعل فإنه يستغنى عنه فى بقائه واستمرار وجوده. ويضربون مثال لذلك وجود البناء قائماً بعد انتهاء أثر البَنَّاء. وخطأ هذا المذهب فيما يقول الفلاسفة الإلهيون- هو عدم الانتباه إلى أن تأثير الفاعل إنما هو فى الإيجاد وفى البقاء معا، إذ علة الحاجة- وهى الإمكان- ثابتة ومستمرة بعد الإيجاد، والبَنَّاء فى المثال ليس علة مؤثرة فى بقاء المبنى، بل حركته علة لحركة الأحجار ووضعها فى شكل معين، أما بقاء الشكل فهو معلول لأمر آخر .. ويقول الفلاسفة إن أكثر ما يظن فاعلاً كالأب والزارع والبنَّاء ليس فى الحقيقة عللاً فاعلة للوجود، بل هى معدات وأسباب، أما فاعل الوجود فهو الله تعالى. وربما أشار القرآن الكريم إلى ذلك فى قوله تعالى:} أفرأيتم ما تمنون. أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {(الواقعة 58 - 59)، ومثله فى نفس السورة أيضا:} أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {(الواقعة 63 - 64). ومما تجدر ملاحظته فى الموضوع أن الأشاعرة وإن قالوا بأن "الحدوث" هو علة الحاجة إلى الفاعل فإنهم لا يقولون باستغناء المفعول فى بقائه عن الفاعل، لأنهم يقولون بأن الأعراض لا تبقى زمانين، فهى فى حدوث مستمر، وخلق متجدد لا يتوقف، وهو ما يسمى بتعلّق القبضة" باصطلاح المتأخرين منهم. والفاعل بمعنى مفيد الوجود منحصر- عند الأشاعرة- فى فاعل واحد مؤثر، هو: الله تعالى. فلا فاعل إلا الله، وينكرون- من ثم- أن يفعل شىء فى شىء، حتى الأسباب، فإنها لا توجد مسبباتها ولا تفعل فيها. وللفاعل أقسام عديدة، تختلف باختلاف الفاعلية، وهى: الطبع أو المقر أو التسخير أو القصد أو الرضا أو العناية أو التجلى، والحقيق باسم الفاعل. فيما يقول صدر الدين الشيرازى- هو: "مَن يطرد العدم بالكلية عن الشىء، ويزيل الشر والنقص، وهو البارى جل ذكره ". وصانع العالم فاعل بالطبع فى مذهب الدهرية والطبيعيين، وبالإرادة والاختيار عند المتكلمين، وبالرضا عند الإشراقيين، وبالعناية عند المشائيين، وبالتجلى عند الصوفية. أ. د/ أحمد الطيب

_ المراجع 1 - إلهيات الشفاء ابن سينا1/ 518 - 524. ط. طهران 1303 هـ. 2 - تهافت الفلاسفة- الغزالى ص 239 تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، الطبعة الرابعة. 3 - شرح المواقف- الشريف الجرجانى 4: 112، الطبعة الأولى، 1325هـ- 1907م. 4 - رسالة فى الحدوث صدر الدين الشيرازى ص 35 - 36، تحقيق سيد حسين مرسويان، طهران 1378 هـ.

3 - فتح مكة

3 - فتح مكة جاء فتح مكة تحقيقا للبشارة التى جاءت فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وماتأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا} آية:1 - 3. ونزلت هذه السورة الكريمة وهو فى طريق عودته صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعد أن عقد مع قريش صلح الحديبية فى العام السادس من الهجرة فبراير 628م وتبعا لهذا الصلح التحقت خزاعة بالمسلمين، والتحق بنو بكر بقريش، وحدث صراع بين خزاعة وبنى بكر ساعدت قريش بنى بكر وطلبت خزاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم المساعدة بناء على ما جاء فى اتفاق الصلح. كان الحال فى مكة انذاك مختلفا عن ذى قبل فقد اتسع نفوذ المسلمين شمالا وجنوبا وأحاط بمكة مما هدد تجارة قريش، وأهل مكة أنفسهم أحسوا بالخجل لأن أكثر العرب دخلوا الإسلام ولكن أهله بمكة بقوا على الشرك، ونشأ جيل جديد فى مكة سمع بالإسلام منذ نعومة أظفاره فلم تتعمق عبادة الأصنام فى نفسه. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على دخول مكة دون قتال كما أن أهل المدينة معظمهم هاجروا إليها من مكة، لو حدث قتال سيكون فيه قطع لصلة الأرحام، ولذلك أعد الرسول صلى الله عليه وسلم عدته لفتح مكة دون قتال، فخرج من المدينة سرا بجيش كبير، ولم تحس قريش بهذه الحركة إلا بعد وصول المسلمين إلى مشارف مكة، وكان ذلك فى العاشر من رمضان سنة 8هـ. وحينئذ خرج أبو سفيان زعيم مكة ليحاول النجاة لأهله فالتقى بالمسلمين فى المكان الذى عسكروا فيه، ورفض الرسول صلى الله عليه وسلم مقابلته أول يوم ليفت فى عضده، وفى صباح اليوم التالى قابله، وفى هذا اللقاء آمن أبو سفيان بالله ورسوله وعاد إلى مكة، بعد أن شاهد عظمة قوات المسلمين، يحمل لأهلها اليأس من المقاومة والأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يطمئنهم على حياتهم وجاء تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبعد كل نزعة إلى الحرب، ويبعد كل متطرف ولو كان من المقربين، فلقد سمع سعد بن عبادة، حامل راية الأنصار يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا" ولما علم الرسول الكريم بهذا قال: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزالله قريشا). وجاء تعبير"يوم المرحمة" عن فتح مكة قمة آداب الجهاد فى الإسلام، وتطبيقا عمليا منه عليه السلام بأن الجهاد فى الإسلام يختلف عن كل صور القتال والحرب اختلافا ظاهرا جليا منذ البداية وحتى النهاية. ثم توج عليه أفضل الصلاة والسلام هذا بالعفو الشامل، الذى مازال التاريخ يردده، ليس فى العالم الإسلامى فحسب، بل وتردده كل الدنيا على مر العصور، حين قال: {يا معشر قريش ماترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال رسول الله: اذهبوا فأنتم الطلقاء}. أ. د/إبراهيم أحمد العدوى

_ مراجع الاستزادة: 1 - السيرة النبوية لابن هشام تحقيق مصطفى السقا إبراهيم الإبيارىعبد الحفيظ شلبى ج4. 2 - الواقدى، كتاب المغازى تحقيق مارسون جونس مطبعة أكسفورد ج2. 3 - الطبرى، تاريخ الرسل والملوك تحقيق أبو الفضل إبراهيم. 4 - تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى حسن إبراهيم حسن ط9/ 1979 النهضة العربى ج1. 5 - موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى، ج1

4 - الفتوة

4 - الفتوة يرجع تاريخ هذا المصطلح إلى العصر الجاهلى، حيث تغنى شعراؤه بالفتوة، مثل طرفة بن العبد وغيره، وكانوا يعنون بها طائفة من الأخلاق تجتمع فيمن يسمى بالفتى، مثل: الكرم والشجاعة والفروسية والنجدة، إضافة إلى أخلاق سلبية، مثل اللهو ومعاقرة الخمر وما إليها .. ويشتبه مصطلح "الفتوة" بمصطلح "المروءة" من حيث المعنى، وإن كانت الأولى تطلق على الشباب بينما تطلق الثانية على المكتملين من الرجال، وبعض الباحثين يرى أنَّ معنى الفتوة أعم من معنى المروءة، وبعضهم يقول: إنهما لفظان مترادفان. ولمِّا جاء الإسلام أقر كثيرا من أخلاق الفتوة الجاهلية، ولكن بعدما هذّبها وحوّلها من فضائل فردية أو قبلية إلى أخلاق دينية تطلب من أفراد المجتمع الجديد، ولغايات أسمى من غايات المجتمع الجاهلى. ولذلك أخذ معنى "الفتوة" فى صدر الإسلام منعطفا متميزا، وإن ظل شبيها فى بعض الوجوه بما كان عليه فى الجاهلية؛ فقد بقيت أخلاق الشهامة والكرم وحماية الضعيف كما هى، واندثرت الأخلاق التى تتنافى مع قيم الدين، مثل القبلية واللهو والخمر. وقد استعمل لفظ "الفتى" مفرداً أو مضافاً للمبالغة فى الوصف بالفتوة، فكان يقال: "فتى الفتيان " أو "فتى العرب" أو "شيخ الفتيان " أو "سيد الفتيان " .. ثم طرأت تغيرات جذرية- فى العصور المتأخرة- على مفهوم "الفتوة" نتيجة للتطور السياسى والاجتماعى للدولة الإسلامية، وعاد السلوك الجاهلى- من جديد- سمة بارزة فيمن يتصف بالفتوة، وأصبح اللهو والغناء والسكر والتشبيب بالنساء من أخلاق الفتيان وشمائلهم، كما أصبحت "العيارة" و، الشطارة" و" قطع الطريق " مرادفات للفتوة .. وفى تطور لاحق تحولت الفتوة- فى ظل الحكم التركى- إلى تنظيم حركى شَكَّل خطرا أمنيا وسياسيا ملحوظا، وأصبح للفتوة جمعيات لها لباس وطعام وطريقة حياة خاصة، كما كان لها من بينها "قضاة" يسمى الواحد منهم: "قاضى الفتيان ". ويقول المؤرخون: إنه رغم الانحراف الخلقى الذى ساد حركة الفتيان فى العصور المتأخرة، فإن أخلاق الرجولة مثل: النجدة والإيثار والموت من أجل الغير، وما إلى ذلك، ظلت الطابع العام لهذه الحركة. هذا والمعلومات التاريخية مضطربة اضطرابا شديدا فى وصف "الفتوة" فى عصورها المتأخرة، وبحيث يصعب على الباحث تحديد ملامح أو قسمات مشتركة لحركة الفتوة والفتيان. أمَّا مصطلح "الفتوة" بالمعنى الصوفى فإنه وإن كان يختلف عن المعنى التاريخى: الجاهلى والعربى، من حيث المنطلق والغاية إلا أنه مرتبط أشد الارتباط بالمعنى الخلقى المستمد من معنى الفتوة، وهو: المروءة. وقد حمل هذا التشابه كثيرا من الباحثين على التفتيش عن علاقة تأثير وتأثر بين الفتوة بالمعنى التاريخى، والفتوة بمعناها الصوفى، واكتشفوا أن الفتوة العربية اتصلت بالتصوف منذ مراحله الأولى، وأن العراق وفارس كانا المهد الأول لظهور مصطلح " الفتوة، بالمعنى الصوفى، وقد روى أن " الحسن البصرى" تسمى بهذا الاسم، وأطلق عليه لقب: " سيد الفتيان "، ورغم أن اسم "الفتوة لم يرد فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية ولا فى لسان السلف- فيما يقول ابن القيم (1) - فإننا نجد عند شيوخ التصوف ما يشبه اقتباس "منزلة الفتوة" من الآيات الكريمة التى ورد فيها اسم "فتى" و "فتية": فقد افتتح الإمام القشيرى كلامه فى باب "الفتوة" بذكر قوله تعالى:} إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى {(الكهف 13)، وكذلك فعل صاحب منازل السائرين .. ويعد إبراهيم- - عليه السلام - - هو الفتى، على الحقيقة، عند الصوفية، استنادا إلى قوله تعالى:} قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم {(الأنبياء 60)، وفتوته فى كسر الأصنام أنموذج لفتوة الصوفى فى كسر صنم النفس، لكن كمال الفتوة- عندهم- لا يتحقق إلا للنبى - - صلى الله عليه وسلم - - .. وبعض الصوفية- خاصة الشيعة- يقولون: إن آدم وإبراهيم ومحمدا- عليهم الصلاة والسلام- ثم من بعدهم: الإمام على وسلمان الفارسى هم الروّاد الأوائل، للفتوة، وبعضهم يضيف شخصيات تاريخية متأخرة، مثل: صلاح الدين الأيوبى. وللفتوة تعريفات وتحديدات كثيرة، تختلف باختلاف مشارب الصوفية وأذواقهم (2)، وكلها يهدف إلى الغاية نفسها التى يهدف إليها كل صوفى وهى: صفاء النفس، إلاّ أن أخلاق الفتوة تنهج نهجا أصعب، يتناسب ومشقة تطهير النفس تطهيرا كاملا. ومما قيل فى تعريف "الفتوة"ما جاء فى شرح المنازل من أنها "اسم لمقام القلب الصافى عن صفات النفس"، وأن نوع من زيادة الهدى بعد الإيمان، ويقول الصوفية: إن موسى - عليه السلام - لما سأل ربه عن الفتوة، قال: "أن ترد نفسك إلىّ طاهرة كما قبلتها منى طاهرة". وخلاصة معنى الفتوة فيما يقول الهروى الأنصارى: "ألا تشهد لك فضلاً ولا ترى لك حقا " وهى على درجات ثلاث: الدرجة الأولى: "ترك الخصومة، والتغافل عن الزلة، ونسيان الأذية" والثانية: "أن تُقرّب من يقصيك، وتُكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجنى عليك " والثالثة: التحرر فى السلوك من طلب دليل العقل "فمن طلب نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم يحل له دعوى الفتوة"، ويمكن القول بأن " الإيثار" أو "نكران الذات " هو المحور الذى تدور عليه بقية الفضائل الأخلاقية التى يشترطها الصوفية فيمن يمنح لقب "الفتى" .. والفتوة عند الصوفية- من باب الأخلاق، وليست من باب الأحوال ولا المقامات. أ. د/ أحمد الطيب 1 - مدارج السالكين2:341 - القاهرة 1375 هـ/1956م - ورغم إنكار ابن القيم أن تكون الفتوة مما تكلم فيه السلف، فإنه ينقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن الفتوة فقال: "ترك ما تهوى لما تخشى". 2 - انظر الرسالة القشيرية، للإمام للقشيرى ص 113 - 114 ط. الحلبى 1359 هـ/1940 م

_ المراجع 1 - الفتوة عند العرب أو أحاديث الفروسية والمتل العليا عمر الدسوقى القاهرة 1959م. 2 - أهل الفتوة والفتيان فى المجتمع الإسلامى / المستشرق ألكساندر خاتشا تريان، بيروت 1998م. 3 - الملامية والصوفية وأهل الفتوة أبو العلا عفيفى، ط. عيسى الحلبى، القاهرة 1364 هـ/1945 م. 4 - شرح منازل السائرين للقاشانى، ط قم- إيران 1413 هـ.

5 - الفتوى

5 - الفتوى لغة: الفتوى هى الجواب عما يُشكل من المساك الشرعية أو القانونية، والجمع: فتاوٍ وفتاوى ويقال أفتى فى المسألة: أبان الحكم فيها، فالإفتاء هو إبانة الأحكام فى المسائل الشرعية أو القانونية أو غيرها مما يتعلق بسؤال السائل، والمفتى: هو من يتصدر للإفتاء والفتوى بين الناس، وهو فقيه تعينه الدولة ليجيب عما يُشكل من المسائل الشرعية والجمع مفتون، ودار الفتوى: هى مكان المفتى، والفتيا هى الفتوى فى المسألة المشكلة (1). شرعا: لايختلف المعنى الشرعى للفتوى والإفتاء عن هذه المعانى اللغوية، فالفتوى: هى بيان الحكم الشرعى فى مسألة من المسائل مؤيدا بالدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الاجتهاد. وهى ضرورية للناس لأنهم لايمكن أن يكونوا جميعا علماء بالأحكام، ولو انقطعوا لتحصيل ذلك حتى يبلغوا مرتبة الاجتهاد، لتعطل العمل وتوقفت الحياة فكان من رحمة الله تعالى بالأمة أن جعل منها علماء ومقالدين وأوجب على العامة من المقلدين أن يستفتوا العلماء فيما يجهلونه فقال: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء:7. وأوجب على العلماء أن يفتوهم ويجيبوهم ويبينوا لهم الأحكام فقال صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (أخرجة أبو داود والترمذى وابن ماجه) (2). ويجب على العامى أن يتوجه بالسؤال إلى من يثق بعلمه وعدالته فإذا جهل حاله كفاه أن يراه مشهورا بين الناس بذلك، ومع هذا الا تبرأ ذمته بالعمل بفتواه إلا إذا أطمأن قلبه إليها، فإذا كان يعلم أن الأمر فى الواقع على خلاف الفتوى لم يبرأ من الإثم، وإن كان المفتى أعلم العلماء. وعن مكانة المفتى ومسئوليته يقول الشاطبى، رحمه الله (ت 790هـ): "المفتى قائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أمور: أحدها: النقل الشرعى فى الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولادرهما وإنما ورثوا العلم) (أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه) (3). الثانى: أنه نائب عنه فى تبليغ الأحكام، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب) (4) وقوله: (بلغوا عنى ولو آية) (5). الثالث: أن المفتى شارع من وجه، لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول من صاحبها وإما مستنبط من المنقول: فالأول: يكون فيه مبلغا، والثانى: يكون فيه قائما مقامه فى إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع. وعلى الجملة، فالمفتى مخبر عن الله كالنبى وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبى، ونافذ أمره فى الأمة بمنشور الخلافة كالنبى، ولذلك سموا أولى الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله فى قوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء:59، والأدلة على هذا المعنى كثيرة (6). وتحصل الفتوى من المفتى من جهة القول كأن يسأل فيجيب، ومن جهة الفعل كأن يفعل ويقتدى به، ومن جهة الإقرار كأن يرى عملا من شخص فيقره عليه، ولاتصح الفتيا إذا خالفت مقتضى العلم سواء كانت قولا أم فعلا أم تقريرا. والمفقى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال (7). صفات المفتى: ينبغى أن يتصف المفتى بخمس صفات نقلها ابن القيم عن الإمام أحمد فقال: "لا ينبغى للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ماهو فيه وعلى معرفته، الرابعة: الكفايه وإلا مضغه الناس، الخامسة: معرفة الناس" (8). فإن هذه الخمسة هى دعائم الفتوى وأى شىء انقضى منها ظهر الخلل فى المفتى بحسبه. واجبات المفتى: يجب على المفتى أمور منها ما أشار إليه ابن القيم فى كتابه "إعلام الموقعين" قال: "ليس للمفتى الفتوى فى حال غضب شديد، أو جوع مفرط، أو هم مقلق، أو خوف مزعج، أو نعاس غالب، أو شغل مسئول عليه، أو حال مدافعة الأخبثين، بل متى أحس من نفسه شيئا من ذلك يخرجه عن حال اعتداله، وكمال تثبته وتبينه أمسك عن الفتوى (9). ومنها أن يتحرى الحكم بما يرضى ربه، ويجعل نصب عينيه قوله سبحانه: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} المائدة:49. فلا يصح له أن يعتمد فى فتواه على مجرد وجود الحكم بين أقوال الفقهاء، بل يجب عليه أن يتحرى ماهو أرجح منها تبعا لقوة الدليل (10). ويجوز لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يفتى بما حفظه من مذاهب الفقهاء المعروفين إذا فهم أصولهم وأحسن التصرف فى تطبيقها، وتتفق الفتوى مع القضاء فى أنه لابد لكل من القاضى والمفتى من أمرين أولهما: فقه الحادثه التى يريد الإفتاء أوالقضاء بها. ثانيهما: فقه الحكم الشرعى لهذه الحادثة. ويفترقان فى أمور: 1 - أن الإفتاء أوسع مجالا من القضاء، فيصح الإفتاء من الحر والعبد والرجل والمرأة والبعيد والقريب والأجنبى والصديق، بخلاف القضاء ففيه خلاف فى: 2 - أن القضاء ملزم للخصوم، ونافذ فيهم بخلاف الإفتاء. 3 - أن القضاء بما يخالف فتوى المفتى نافذ ولا يعد نقضا لقضاء سابق بخلاف القضاء بما يخالف قضاء سابقا فلا ينفذ. 4 - المفتى لا يقضى إلا إذا ولى القضاء، ولكن القاضى يفتى بل ويجب عليه الإفتاء إذا تعين له. أ. د/محمد نبيل غنايم

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية (2/ 673). 2 - سنن أبى داود حديث 3658، سنن الترمذى حديث 3651، سنن ابن ماجه حديث 261. 3 - سنن الترمذى ح 2683، سنن ابى داود ح 3641، سنن ابن ماجه ح 223. 4 - جزء من خطبة الوداع، متفق عليه. 5 - رواه البخارى: 6/ 361. 6 - الموافقات للشاطبى 4/ 162 - 163. 7 - السابق 4/ 163 - 174. 8 - إعلام الموقعين لابن القيم 4/ 199. 9 - السابق 4/ 227. 10 - انظر أصول التشريع الإسلامى على حسب الله ص112

6 - الفداء

6 - الفداء لغة: فَدَيتهُ فدىّ وفداء وافتديته، وهذا يدل على البذل من النفس والمال لتخليص الآخرين، وقال الشاعر: فلو كان ميت يفتدى، لفديته * بمالم تكن عنه النفوس تطيب (1). وإنه لحسن الفدية. والمفاداة: أن يرد أسر اليد ويسترجع منهم من فى أيديهم، كأن يدفع رجلا ويأخذ رجلا. والفداء: أن يشتريه، يقال: فديته بمالى فداء، وفديته بنفسى. قال تعالى: {وإن يآتوكم أسارى تفادوهم} البقرة:85. وافتدى: قدم الفدية عن نفسه. يقول الله تعالى فى شأن الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وخصاله، وظلموا غيرهم بالعدوان عليهم: {ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه لا فتدوا به} الزمر:47، فما يرونه من أهوال القيامة يهون معه أن يقدموا مافى الأرض ومثله لوكانوا يملكونه ولكن يبقى هذا فى دائرة الأمانى ويقول الله تعالى: {يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه} المعارج:11، فإن الله لا يقبل منهم هذا يقول الله تعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} آل عمران:91. واصطلاحا: ما يقدم من مال ونحوه لتخليص المفدى. يقول الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} الصافات:107، أى جعلنا الذبح فداء له، وخلصناه من الذبح. والفداء والفدية: فيما يقى به الإنسان نفسه من مال يبذله فى عبادة. قصر فيها، ككفارة الصوم، والحلق ولبس المخيط فى الإحرام، فيقول الله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} البقرة:184، ويقول سبحانه: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة:196. وافتدت: اختلعت. يقول الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} البقرة:229. والخلع: طلاق يعوض بلفظ الخلع أو الطلاق أو مافى معناهما، ويجوز الخلع على كثير المال وقليلة (3). والفدائى: المجاهد فى سبيل الله، مضحيا بنفسه، والفدائية: عمل الفدائى. ويعد هذا المفهوم بهذه الدلالات ثمرة من ثمرات العقيدة الإسلامية والعبادات ومظهرا من مظاهر الأخلاق وحسن المعاملات فى الإسلام، حيث يطهر القلب من الأثرة وحب الذات فيفكر فى غيره من الناس، فإن وجد غيره مكبلا بقيود الرق بذل من ماله ليفك قيده وأسره وإن دعاه الواجب لرفع كلمة الله فى حياة الناس كان فدائيا فى بذل لنفسه وماله وإن اتجه بالتفكير فى نفسه فإنما ينظر إليها نظرة الناقد البصير ليفتديها من عذاب يوم القيامة حتى لاتهلك فيه. وإن لم تطب الحياة للزوجة مع زوجها كان هذا العطاء منها لزوجها، إنهاء لحياة زوجية غير صالحة. كما يدل مفهوم الفداء على سبيل المحبة وتقويتها بين الناس عندما يسمع بعضهم من بعض عبارة: (فداك نفسى) أو (فداك أبى وأمى) أو (بأبى أنت وأمى) وقد خوطب النبى صلى الله عليه وسلم بهذه المعانى من أصحابه رضوان الله عليهم. أ. د/محمد رأفت سعيد

_ الهامش: 1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (ف. د. ى) 15/ 149. 2 - موسوعة فقه عمر ص302. مراجع الاستزادة: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية الجزء الثانى ط المكتبة العلمية طهران. 2 - كتاب التعريفات للجرجانى ط مكتبة لبنان بيروت. 3 - المفردات فى غريب القرآن للراغب الأصفهانى ط دار المعرفة بيروت تحقيق محمد سيد كيلانى. 4 - موسوعة فقه عمربن الخطاب د/محمد رواس قلعجى ط1 مكتبة الفلاح. 5 - النهاية فى غريب الحديث والأثر، لابن الأثير ج3 ط دار إحياء الكتب العربية

7 - الفراسة

7 - الفِراسة لغة: التثبت والنظر. واصطلاحاً: عند الصوفية هى مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب. وكانت الفراسة من علوم العرب ومعارفهم فى الجاهلية، ويقال إن المصريين القدماء كانوا على شىء من علم الفراسة بدليل ما قرؤوه فى بعض أوراق البردى المكتوبة فى عصر العائلة الثانية عشرة (فى نحو القرن العشرين قبل الميلاد). على أن الفراسة لم تدون وتعتبر علما مستقلا قبل ما كتبه أرسطو الفيلسوف اليونانى فى القرن الرابع قبل الميلاد، وعرف العرب الفراسة فى الجاهلية. حيث كانوا يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة كالقيافة والعيافة. وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال البشر، ويسمونها قيافة البشر، لأن صاحبها ينظر ألوان الناس وجلودهم، والعيافة هى تتبع آثار الأقدام فى الطرق التى تتشكل بشكل القدم واستنتاج صورة أصحابها. وقد ترجم علماء العرب كتب الفراسة عن اليونان والرومان، ووضعوه ضمن علوم الطب، وألف فيه بعضهم كتبا مستقلة. وذكره آخرون فى جملة ما كتبوه فى علوم الطب، كالرازى، وابن سينا، وابن رشد، والشافعى، وابن العربى وغيرهم. ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب فى علم الفراسة كتاب "السياسة فى علم الفراسة " لأبى عبد الله شمس الدين محمد ابن أبى طالب الأنصارى، (737 هـ)، وفيه أحكام علم الفراسة منسوبة إلى أصحابها، وكتاب "فى علم الفراسة " لمحمد غرس الدين بن غرس الدين بن محمد بن خليل، خطيب الحرم النبوى، وكتاب "البهجة الأنسية فى علم الفراسة الإنسانية" للعارف بالله زين العابدين محمد العمرى المرصفى، وكتاب "مختصر فى علم الفراسة وغيرها". وانتشر علم الفراسة فى الأجيال المظلمة، ولم يكتف أصحابه بالاستدلال من الملامح على الأخلاق والقوى، ولكنهم صاروا يتنبأون بالغيب، وخلطوا بين الفراسة والسحر، فأصبحت الفراسة من العلوم الخرافية، ثم عادت فى العصر الحديث ولبست ثوبا جديدا على أثر ظهور العلم الحديث، فنظر فى علم الفراسة بعين العلم الطبيعى المبنى على المشاهدة والاختبار. والفراسة الحقة من مقامات الإيمان، وقد ذكر فى القرآن قوله تعالى:} إن فى ذلك لآيات للمتوسمين {(الحجر 75)، وقوله تعالى:} تعرفهم بسيماهم {(البقرة 273) وهذا من أثر الفراسة الحقة، قد ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله" (رواه البخارى). والفراسة نوعان: أولهما يومض فى الفكر بما يشبه الإلهام، وهى فطرية تصقلها التجربة، وهى ما تسمى بالفراسة الشرعية، وهى نور إيمانى ينبسط على القلب حتى يتميز فى نظر صاحبه حال المنظور فيه من غيره ولكل مؤمن منها نصيب، لكن لا يهتدى لحقيقتها إلا من صفا قلبه من الشواغل والشواغب، ومن هنا قيل عنها إنها ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها، ويدل على ذلك أن بعض الناس يمتاز فيها دون الآخرين، وقد تراها فى بعض الناس خلقية دون علم أو درس، لكن لو تعلموا هذا العلم لكانوا من النابغين فيه. والنوع الثانى من الفراسة: هى صناعة مكتسبة بالخبرة والتدريب، وتقوم على معرفة بواطن الأشخاص بظواهر الحواس، ومن فروعها فراسة الرأس، وفراسة الوجه، وفراسة الكف، وفراسة المشى، وفراسة الخط، وفراسة المقابلة، وهى الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات، كأن. يقال إن اتساع الصدر يشبه صدر الأسد دليل على الشجاعة وسمى هذا النوع بالفراسة الحكمية. والفراسة ليست من علم الغيب، فقد أصبح الآن من العلوم الطبيعية التى تدرس أشكال أعضاء الإنسان لتستدل منها على أمزجته، فوجد أن كل جنس من أجناس البشرية له شكل معين من الأعضاء وله مزاج مختلف. كما أن الفراسة من المعارف الإيمانية، فهى علم نورانى أودعه الله فى قلب عبده المؤمن القريب إليه، المشغول به، والفراسة غير الظن، لأن الظن يخطئ ويصيب حسب طهارة القلب وظلمته، وكثيرا ما يخطئ وقليلا ما يصيب، ولهذا أمرنا الله تعالى باجتناب كثير من الظن، وأخبر أن بعض الظن إثم. والمتفرس إذا جالس أحدا من الناس اطلع على سره، فهو جاسوس القلب، فالذى ينظر بنور الله ينفذ فى الأشياء، فيرى ما هو مقدر، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فى قمة الفراسة حيث استخلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كما كانت صاحبة موسى - عليه السلام - صاحبة فراسة حين قالت لأبيها} يا أبت استأجره. إن خير من استأجرت القوى الأمين {(القصص 26) ويرى أئمة الصوفية أن الفراسة موهبة دائمة فى جميع الأوقات يحظى بها الولى، لأنه ينظر بنور الله، ولأن قلبه قد تطهر من الهوى، فلم يعد ينظر ببصره وإنما ببصيرته. أ. د منى أبو زيد

_ المراجع 1 - قواعد التصوف أبو العباس "أحمد بن أحمد بن محمد زروق، تحقيق محمد زهرى النجار، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. 2 - التعريفات، الجرجانى تحقيق إبراهيم الإبيارى، دار الكتاب العربى بيروت ط 1 1405هـ / 1985م. 3 - معجم ألفاظ الصوفية د. حسن الشرقاوى مؤسسة مختار، القاهرة ط1 1987م. 4 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى، الدار الشرقية، القاهرة. ط 1410هـ / 1990م. 5 - معجم مصطلحات الصوفية د. عبد المنعم الحفنى: مكتبة مدبولى، القاهرة ط1 1400/ 1990م. 6 - اصطلاحات الصوفية الكاشانى تحقيق د. عبد العال شاهين، دار المنار، القاهرة 1413هـ /1992م. 7 - الموسوعة العربية الميسرة، إشراف محمد شفيق غربال، دار نهضة لبنان بيروت. 1980 م/هـ 1401 جـ 2مادة (فراسة). 8 - علم الفراسة الحديث، جرجى زيدان، ضمن الأعمال الكاملة، جـ 17، دار الجيل بيروت1402هـ / 1982م.

8 - الفرض

8 - الفرض لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط (1)، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان (2). واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط. وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب (3). وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه. وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى: 1 - فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج. أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} آل عمران:104، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية، لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة. 2 - فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته. أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين، وذلك إذا تعين، مثال ذلك: صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه (4). 3 - والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار. أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره (5). 4 - وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل، كمن صام نهار رمضان، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض. أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان، فله أن يقطعه، ولا يستمر فى أدائه، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره، ولا إثم عليه (6). 5 - نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته. 6 - ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل، كلما نال الأجر والثواب من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين، وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر. د/صبرى عبدالرؤوف محمد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط3، 1973م، القاهرة، 2/ 708. 2 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت، مادة (فرض). 3 - أصول الفقة، محمد بن أحمد بن أبى سهل السرخسى أبوبكر، 1/ 110. 4 - مختصر صفوة البيان، للبيضاوى، طبعة الكليات الأزهرية، القاهرة 1/ 23. 5 - المنثور على القواعد، للزركشى، ط1 القاهرة، 3/ 23. 6 - الفروق، للقرافى، طبعة الحلبى، القاهرة 1/ 116. 7 - حاشية العطار على جمع الجوامع، للعطار 1/ 237. مراجع الاستزادة: 1 - حاشية ابن عابدين

9 - الفرض (العقلى)

9 - الفرض (العقلى) اصطلاحاً: هو التجويز العقلى، أى الحكم بجواز الشىء. والفرض العقلى قد يكون مطابقا للواقع أو مخالفا له أو ظنيا. فهو إما انتزاعى، وهو إخراج ما هو موجود فى الشىء بالقوة إلى الفعل، فلا يكون الواقع مخالفا للمفروض. وإما اختراعى وهو اختراع ما ليس بموجود فى الشىء أصلا، فيكون الواقع مخالفا للمفروض. وإما تجريبى هو مجرد الظن بوقوع الشىء، فإذا أثبتت التجربة حدوثه ثبت الفرض وأصبح بمثابة حقيقة. وكل فرض ينطوى على تجويز، ولا يكون التجويز باطلاً إلا إذا كذبته التجربة أو أثبت العقل تناقضه. وليس معنى الفرض أنك فرضته بالفعل أو تفرضه فى المستقبل، بل إنه إذا صح فرضه صح ما يتلوه. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية. 2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا. 3 - المذاهب الفلسفية- سانتلانا- مجموعة محاضرات ألقاها بالجامعة المصرية مجلدان سنة 1910 م- 1911 م. 4 - المنطق وفلسفة العلوم- بول موى- ترجمة د/ فؤاد زكريا- القاهرة سنة 1961 م.

10 - الفرق

10 - الفِرَق لغة: الفرق: جمع فرقة، وهى الطائفة من الناس تجمعها آراء واحدة تتفق عليها وتعمل على نشرها وتأييدها والدفاع عنها. واصطلاحا: يقسم الباحثون الفرق الإسلامية إلى قسمين: 1 - فرق سياسية 2 - فرق اعتقادية. وليس معنى هذا أن الفرق السياسية لا تتناول مسائل اعتقادية- كالخوارج الذين بحثوا مسألة مرتكب الكبيرة وحكمه فى الدنيا والآخرة وعلاقة الإيمان بالعمل وغير ذلك من المسائل الاعتقادية البحته- كما أن الفرق الاعتقادية قد تتناول أموراً سياسية، إذ ليست هناك حدود فاصلّة بين العقيدة والسياسة فى الإسلام. ولكن وصف "الفرقة" بأنها "سياسية " أو " اعتقادية" يعود إلى الأساس الذى قامت عليه، والمنطلق الذى انبثقت منه- عند نشأتها الأولى- سياسيا كان أو اعتقادياً. وتروى عدة أحاديث نسبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن افتراق الأمة الإسلامية إلى عدة فرق؛ منها الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه- عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة"، وأخرج الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "إن بنى إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، فتهلك إحدى وسبعون فرقة، وتخلص فرقة. قيل: يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة. الجماعة" وفى راوية للحاكم. "وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملة، كلها فى النار إلا ملة واحدة، فقيل له: وما الواحدة قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابى". الأحاديث والروايات متعددة فى هذا الباب- مما يجعلها فى درجة التواتر المعنوى- وليس المراد بالعدد الحصر بل الكناية عن الكثرة. ومن أهم الفرق السياسية فى الإسلام " الخوارج " "والشيعه؛ وذلك لأن منطلق كلتيهما كان مسألة "الخلافة"، ومن هو أحق الناس بها- كما أن من أهم الفرق الاعتقادية: " المعتزلة " "والأشاعرة " "والماتريدية" والمرجئة" والقدرية" والجبرية" والمجسمة ". هذا بالإضافة إلى "السلف ". وكانت فرقة "الخوارج " أسبقها إلى الظهور؛ حيث ظهرت فى عهد على بن أبى طالب - رضي الله عنه - بعد قضية "التحكيم". أما فرقة "الشيعة" فمتأخرة عنها- نعم كان هناك أفراد يحبون "عليا" - رضي الله عنه - ويرون أنه كان أولى بالخلافة من "أبى بكر" وعمر" وعثمان، - رضي الله عنهم - ولكن هؤلاء الأفراد لم يأخذوا صورة فرقة ذات كيان متميز ونشاط واضح- إلا بعد ظهور الخوارج- رغم حرارة العاطفة التى كانوا يكنونها لعلى وآل البيت. أما "الثوار" الذين قتلوا الخليفة الثالث "عثمان " - رضي الله عنه - فلم يكونوا من "الشيعة"- حيث لم تكن هذه التسمية قد ظهرت بعد كمصطلح على فرقة تنحاز إلى علىّ ونسله، وترى أنهم أحق بالخلافة- من سائر المسلمين- حتى إنه فى عهد خلافة علىّ - رضي الله عنه - لم يكن مصطلح "الشيعة" خاصا بأنصار "علىّ" بل كان يقال "شيعة علىّ" "وشيعة معاوية" بمعنى أنصار علىّ وأنصار معاوية- ولم تتبلور فرقة "الشيعة " كجماعة لها كيانها المتميز وآراؤها الخاصة بها، ونظامها فى الدعوة إليها والدفاع عنها وتكثير أتباعها، والبحث عن أدلة من الكتاب والسنة تؤيد دعاويها إلا بعد استشهاد الحسين - رضي الله عنه - فى خلافة يزيد بن معاوية، فبرزت فرقة "الشيعة" تنادى بإقامة دولة يكون الحكم فيها مقصورا على نسل "علىّ" - رضي الله عنه -. أما الفرق الاعتقادية فلم يبدأ ظهورها إلا فى عصر"بنى أمية"- فقد كان المسلمون فى عصر النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى عصر الخلافة الراشدة يأخذون عقائدهم من الكتاب والسنة- مكتفين بظواهر هذه النصوص بدون تعمق ولا تأويل، ولم تكن لهم مناقشات فى مسائل العقيدة، بل التسليم المطلق لما يفهمونه من ظواهر النصوص بدون جدل حولها- وكانت سلائقهم العربية الخالصة، وصفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، وحرارة إيمانهم تقرُّ بصحة نصوص القرآن الكريم والسنة وأنها كلها من عند الله- تعينهم على اتخاذ هذا الموقف- كما كان استغراق أوقاتهم فى العبادة والجهاد - من أجل الدفاع عن الدين- أثره أيضا فى سلوك هذا المسلك، والنأى بأنفسهم عن الجدل وإثارة المشاكل الاعتقادية. ولما اتسعت الفتوحات الإسلامية، انضوى تحت لواء دولة الإسلام كثير من أتباع الديانات السابقة- سماوية أو غير سماوية، وعدد من أصحاب الفلسفات القديمة- وكانت لهؤلاء جميعا آراؤهم ومعتقداتهم التى لا تزال آثارها تعشش فى عقولهم وقلوبهم- حتى بعد اعتناق بعضهم للإسلام- نقلوا مشكلاتهم العقدية التى كانت لها فى ديانتهم السابقة ومذاهبهم الفلسفية إلى الساحة الإسلامية- فأخذوا يسألون المسلمين عن الحل الإسلامى لهذه المشكلات- بعضهم بنية حسنة، من أجل نفى شكوكهم وتثبيت يقينهم، والبعض الآخر بقصد خبيث من أجل تشكيك المسلمين فى عقيدتهم. إضافة إلى أن بعض الذين اعتنقوا الإسلام فى عصر الفتوحات لم يكونوا مخلصين فى اعتناقهم له؛ فالبعض اعتنق انبهارا بقوة الإسلام التى مكنت بدو الجزيرة العربية من سحق دولتى الفرس والروم فى سنوات معدودات؛ والبعض رعبا وخوفا من أن يناله سوء موهوم، والبعض تهربا من دفع "الجزية" والبعض طمعا فى الحصول على كسب مادى أو منصب دنيوى، أو ليكون وجيها فى قومه بتشبهه بالسادة الجدد- ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية- وأخطر هؤلاء جميعا أولئك الذين تظاهروا باعتناق الإسلام من أجل الكيد له وتفجيره من الداخل- وكان أكثر أفراد هذا الفريق الأخير من اليهود والفرس المجوس. أخذ هؤلاء جميعا يعملون على تشكيك المسلمين فى عقيدتهم، فيثيرون أسئلة حول القضاء والقدر، وهل الإنسان مسير أو مخير؟ - وعن صفات الله تعالى: هل هى عين الذات أو زائدة على الذات؟ والقرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ إلى غير ذلك من المسائل التى كانت أساسا لنشأة "علم الكلام " والفرق الاعتقادية: من معتزلة ومرجئة وقدرية وجهمية وأشاعرة وماتريدية وغيرها من الفرق- ولكل فرقة من هذه الفرق اهتماماتها الخاصة ومنهجها فى البحث. "فالمعتزلة" مثلا يعتمدون أساسا على حكم العقل وأدلته فإذا خالف نصا شرعيا فإنهم يؤولون النص حتى ينسجم مع حكم العقل. أما "الأشاعرة" فمنهجهم يقوم على الاعتماد على النصوص الشرعية من قرآن وسنة يأخذون منها عقائدهم، ثم يأتون بعد ذلك بالأدلة العقلية ليقوم العقل بتأييد ما ورد فى النص. فبينما يجعل "المعتزلة " من "العقل " حكما على "النص " يجعل الأشاعرة "العقل " فى خدمة النص " .. أما "الماتريدية" فهم يعتمدون على العقل كالمعتزلة، ولكن فى ضوء النصوص الشرعية- بمعنى أنه إذا خالف النص حكم العقل، فإنهم يقدمون "النص ". أما السلف " من الفقهاء والمحدثين فإنهم لا يثقون بالعقل فى باب" العقيدة" فهى أمور غيبية لا يستقل العقل بإدراكها، لأنها ليست مجال عمله- وهو المادى المحسوس وما يؤخذ منه- ويعجز العقل تماما عن البحث بمفرده فيما ليس بمادى محسوس- وهو مجال العقيدة- ولذلك يعتمد علماء "السلف " على النصوص الشرعية فقط فى هذا الباب وكان على رأسهم الإمام "أحمد بن حنبل" رحمه الله- ثم فى عصور تاليه الإمام "ابن تيمية" رحمه الله. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم. 2 - الملل والنحل، للشهرستانى. 3 - الفرق بين الفِرق، للبغدادى. 4 - تاريخ المذاهب الإسلامية، للإمام محمد أبى زهرة.

11 - الفساد

11 - الفَسَاد لغة: مأخوذ من الفعل يفسد إذا ذهب صلاح الشىء، ويستعمل مُضَعَّفا- بالتشديد- يقال: ما فسَّده وما أفسده بمعنى أى شيء ذهب بصلاحه، ولا يأتى منه الفعل المطاوع فلا يقال: انفسد الشىء، ويقال: أفسدتُه وأفسده، ويقال: قوم فُسْدَى، كما قالوا: ساقط وسُقْطِى. وأفسده، واستفسده، وتفاسد القوم بمعنى تدابروا وقطَّعوا الأرحام، واستفسد السلطان رعيته، واستفسد قائده إذا أساء إليه. والفساد نقيض الصلاح، ولا يقال ضده؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى الأمر الواحد ولا يرتفعان عنه، فكذلك الفساد والصلاح، فلا يكون الشىء فاسدا صالحا فى نفس الوقت، ولا يكون لا فاسدا ولا صالحا، وإنما يكون على أحد الحالين: إما فاسدا وإما صالحا بخلاف الضدين فلا يجتمعان فى الأمر الواحد، وقد يرتفعان عنه، وكذلك الاستفساد والاستصلاح نقيضان، ولا يقال عنهما ضدين. والفساد يطلق على الجدب والقحط كما فى قوله تعالى:} ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس {(الروم 41) أى أصابها الجدب والقحط، ويقال: فسدت الأرض وأفسدها إذا بارت بانقطاع زرعها، ويقال: إفساد الصبى؛ أن يطأ المرأة وهى مرضعة فيفسد لبنها وفى الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كره عشر خلال ذكر منها: إفساد الصبى، بأن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها، وكان من ذلك فساد الصبى، وتسمى الغيِلة. واصطلاحاً: الفساد يقابله الكون فيقال: الكون والفساد، كما يقال: الوجود والعدم، وهو عند الفلاسفة: زوال الصورة التى علّيها المادة بعد أن كانت حاصلة فيها، كزوال صورة الكرسى بأن تتفرق، أجزاؤه المكونة له، والفلاسفة انقسموا إلى فريقين فى تحديد معنى الفساد المقابل للكون. 1 - فريق يرى أن أصل الكون الوحدة، (مادة واحدة) وفسادها تغيير يطرأ على هيئتها وكيفيتها المكونة لها فتتحول صورتها وتتغير. 2 - وفريق يرى أن أصل الكون الكثرة، وفساده تفرق أجزائه المؤلِّفة لجرمه. وأرسطو يرى أن الهيولى المقابلة للصور المختلفة هى علة فساد الكون، ولذلك عرَّف الفساد بأنه تغير يطرأ على الجوهر الأعلى ليصير جوهرا أدنى. وعند المتكلمين أن الفساد خروج الشىء من حال الوجود إلى حال العدم دفعة واحدة، لا يسيرا يسيرا، ويقابله الصلاح، وهو خروج الشىء من حال العدم إلى حال الوجود دفعة واحدة. والفاسد من الأعمال: ما خالف أمر الشارع قاصداً المخالفة، والفاسد من الاعتقاد: ما خالف عقيدة التوحيد قاصداً المخالفة، والفاسد من الأقوال: ما خالف برهان العقل قاصدا المخالفة. وقد تكرر الفعل "فسد" ومشتقاته فى القرآن الكريم كثيراً، ويقصد به ما خالف أوامر الشرع فى الأعمال والأقوال والاعتقاد، ومنه قوله تعالى:} والله لا يحب المفسدين {(المائدة 64)} ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها {(الأعراف 56). أ. د/ محمد السيد الجليند

_ المراجع 1 - لسان العرب، لابن منظور: مادة (فسد). 2 - أساس البلاغة، للزمخشرى: مادة (فسد). 3 - التعريفات، للجرجانى: مادة (فسد). 4 - المعجم الفلسفى (مراد وهبة). 5 - المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدى (ت 631 هـ) مادة (فسد).

12 - الفسطاط

12 - الفُسْطاط أول عواصم مصر الإسلامية اختطها الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص سنة 20هـ-642م لتكون مقرا لولاة مصر المسلمين. تقع على الجانب الشرقى للنيل فى الفضاء المجاور لحصن بابليون، عند رأس الدلتا فى نقطة التقائها بجنوب الوادى. وقد ظلت العواصم المصرية تدورفى هذا الموقع وتنتقل فيه من موقع إلى آخر (ممفيس، بابليون، ثم العسكر، القطائع، القاهرة) ولكنها لم تخرج عنه إلا فى فترات عابرة فى التاريخ القومى (طيبة - الإسكندرية). وفى بداية عهدها ضمت الفسطاط مسجدا جامعا يعرف بالجامع العتيق وتاج الجوامع، وجامع عمرو هو أول جامع ينشأ فى إفريقيا، واختطت القبائل العربية التى تألف منها جيش القائد الفاتح حول الجامع ودار الإمارة، فاختير لكل جماعة "خطة" تنزل بها. وعندما بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132هـ/750م ثم أحمد بن طولون مدينة "القطائع" سنة 254هـ-868م إلى الشمال من "فسطاط عمرو" أصبح مجموع المدن الثلاث يمثل مدينة مصر، الفساط، وأصبح هذا التجمع العمرانى أكثر وضوحا بعد بناء مدينة "القاهرة" الفاطمية سنة 358هـ-969م. كانت الفسطاط تنقسم جغرافيا إلى قسمين: "عمل أسفل" و "عمل فوق"، وكان بكل منها مسجد جامع: جامع عمرو فى عمل أسفل وسمى لذلك بـ "الجامع السفلانى" وجامع ابن طولون فى عمل فوق وسمى لذلك بـ "الجامع الفوقانى". كان عمل أسفل يمثل المنطقة الجنوبية الغربية للفسطاط، ورغم كونه أكثر رطوبة، فإنه كان يحوى أغلب مبانى المدينة الهامة، ففيه كان المسجد الجامع ودار الضرب والأسواق والقياسر، وظل هذا الحى الغربى للمدينة شاهدا على الأحداث الأليمة التى عرفتها الفسطاط طوال تاريخها. أما الجزء الآخر للمدينة فكان يشمل مساحة كبيرة فى اتجاه الشرق ويمتد حتى المقابر القديمة فى سفح المقطم، وتمثل بركة الحبش الحد الطبيعى الجنوبى لهذا القسم من المدينة حيث توجد اليوم ضاحية القاهرة الجنوبية: البساتين، بينما لم يكن لهذا القسم حد معين؟ ففى ذروة ازدهار ونمو الفسطاط خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادى عشر للميلاد كان هذا القسم يمتد إلى ما يلى الخليج المصرى فى منطقة يصعب تحديدها تعادل ميدان السيدة زينب الحالى فيما وراء جبل يشكر، حيث يوجد منذ القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى جامع ابن طولون. كان هذا القسم فى الأساس حيا سكنيا رغم حرمانه من المراكز التجارية والحرفية التى كانت مركزة كلها فى القسم الآخر للمدينة القريب من مجرى النيل. ورغم أن القسم الغربى للمدينة أو عمل أسفل قد دمر أكثر من مرة، إلا أنه كان يعاد بناؤه دائما ولم يفقد أهميته الاقتصادية والتجارية، وظل حتى نهاية العصر المملوكى حيث كان يعتبر المدينة الثانية للإقليم بعد القاهرة بسبب قربه من النيل. أما القسم الشرقى للمدينة أو عمل فوق فقد دمر تماما منذ النصف الثانى للقرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى ولم يعاود سكنه بعد ذلك بسبب الأوبئة والمجاعات والاضطرابات التى اجتاحت مصر كلها فى هذه الفترة. وبسبب ذلك فقد تخرب القسم الشرقى كله فيما عدا منطقة المشاهد بين المشهد النفيسى وباب زويله التى تمثل الضاحية الجنوبية للقاهرة الفاطمية. وطوال العصر الفاطمى (358 - 567هـ/969 - 1171م) كانت الفسطاط تعد مدينة مصر الرئيسية ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمى، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيسى لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكون مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمى. وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى سنة 564هـ/1168م، بناء على أوامر الوزير شاور السعدى، استمر أكثر من أربعة وخمسين يوما وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو، وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحقروات، بينما كانت المناطق الشرقية قد تخربت كلية منذ أزمة منتصف القرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى. ولم يأت عام (572هـ/1176م) إلا وكانت هذه الأقسام قد أعيد بناؤها كما يذكر ابن جبير فى رحلته. ورغم أن القاهرة فقدت مكانتها كمركز للحكم فى العصرالأيوبى، بعد بناء قلعة الجبل، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها، فإن قوة جذب الفسطاط كمركز صناعى واقتصادى ظلت كما هى حتى نهاية القرن السابع الهجرى/الثالث عشر الميلادى، بسبب قربها من مجرى النيل حيث كانت تلتقى عندها طرو التجارة القادمة من الإسكندرية والبحر الأحمر وداخل إفريقيا. ولكن القاهرة بلغت أقصى ازدهارها كمركز تجارى وعلمى فى العصر المملوكى وخاصة فى زمن الناصر محمد بن قلاوون، وحلت تدريجيا محل الفسطاط التى لم يبق منها فى مطلع القرن التاسع الهجرى/الخامس مجر الميلادى إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلى جامع عمرو وما قرب منه، ودثرت أكثر خططها القديمة وتغيرت معالمها. ولم تجر أية محاولة للنهوض بالمدينة وإحياء دورها بسبب تحول طاقة التجارة المصرية ابتداء من عصر السلطان برسباى (825 - 742هـ/1421 - 1438م) واعتمادها على تجارة البحر المتوسط بعد أن كانت حتى هذا الوقت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدى (عيذاب - قوص - الفسطاط) وعلى الأخص بعد تخرب ميناء عيذاب نهائيا فى أواسط القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى. وقد أدى ذلك بالضرورة إلى فقدان الفسطاط لأهميتها الاقتصادية وهجر الناس لها وتخربها نهائيا فى نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالطبع لم يكن هذا ممكنا إلا بعد إنشاء ميناء آخر للعاصمة فى طرفها الشمالى الغربى هو ميناء (بولاق) الذى بدأ فى الظهور اعتبارا من سنة 713هـ-1313م ولكنه لم يلعب دورا فى الحياة الاقتصادية للمدينة إلا ابتداء من القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى. أ. د/أيمن فؤاد سيد

_ مراجع الاستزادة: 1 - المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى بولاق ق 1853. 2 - جامع عمرو بن العاص بالفسطاط من الناحيتين التاريخية والأثرية، محمود أحمد القاهرة 1938. 3 - حفريات الفسطاط، على بهجت ترجمة محمود عكوش، القاهرة 1928. 4 - منازل الفسطاط كما تكشف عنها حفائر الفسطاط "جمال محرز الندوة الدولية الألفية القاهرة، 323 - 351. 5 - Kubiak، W.، Al-Fustat its foundation and early urlan development، Cairo- AUC 1987. 6- التطور العمرانى لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن، أيمن فؤاد سيد القاهرة الدار المصرية اللبنانية 1997

13 - الفصاحة

13 - الفصاحة لغة: مصدر "فصُح " بضم الصاد، وهى تنبئ عن الظهور والبيان. يقال: فصُح الصبح، وأفصح إذا ظهر ضوؤه واستبان، وفصح الأعجمى فصاحة إذا جادت لغته، فلا يلحن ولا تشوب لسانه لكنة. وفى القرآن الكريم حكاية عن موسى - عليه السلام -} وأخى هارون هو أفصح منى لسانا {(القصص 34) أى أبين وأظهر منى قولا: واصطلاحا: مصطلح بلاغى ارتبط فى بداية البحث البلاغى بمصطلح "البلاغة" دون فرق واضح بينهما، حتى جاء "أبو هلال العسكرى" الحسن بن عبد الله بن سهل (ت395 هـ) فتحدث فى كتابه "الصناعتين" عن معناهما، وما بينهما من فروق. وبدأ بالحديث عن البلاغة فبيَّن أنها: إنهاء المعنى إلى قلب السامع فيفهمه، ثم ذكر اختلاف الناس فى الفصاحة على ثلاثة أقوال: 1 - قوم يطلقون الفصاحة على الإظهار والإبانة، وعلى هذا فالفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد لأن كلا منهما يعنى الإبانة عن المعنى والإظهار له. 2 - وقوم يرون أن الفصاحة تمام آلة البيان، وعلّى هذا فهى تختلف عن البلاغة، حيث تكون مقصورة على اللّفظ، دون الآلة تتعلق باللّفظ دون المعنى، والبلاغة هى إنهاء المعنى إلى القلّب فكأنها مقصورة على المعنى. 3 - وقوم يذهبون إلى أن الكلام لا يسمى فصيحا إلا إذا جمع نعوت الجودة من وضوح المعنى، وسهولة اللفظ، وجودة السبك، والبعد عن الاستكراه والتكلف، واتصف مع ذلك بالفخامة وشدة الجزالة، فإذا جمع نعوت الجودة ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سُمِّى بليغا، ولم يسم فصيحا. وجاء "الخفاجى" أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان (ت 466 هـ) فتوسع فى الحديث عن الفصاحة، وفرق بينها وبين البلاغة، فجعل الفصاحة مقصورة على الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعانى، فلا توصف الكلمة الواحدة بالبلاغة، وإنما توصف بالفصاحة، وكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا، وجعل للفصاحة شروطا منها ما يوجد فى اللفظة المفردة، ومنها ما يوجد فى الألفاظ المنظومة. فأما التى توجد فى اللفظة المفردة فثمانية شروط: 1 - أن يكون تأليف الكلمة من حروف متباعدة المخارج. 2 - أن يكون لتأليف اللفظة فى السمع حسن ومزية على غيرها. 3 - أن تكون الكلمة غير متوعرة ولا وحشية. 4 - أن تكون الكلمة غير ساقطة ولا عامية. 5 - أن تكون جارية على العرف العربى الصحيح غير شاذة. 6 - ألا تكون قد عبّر بها عن أمر آخر يكره ذكره. 7 - أن تكون معتدلة ليست كثيرة الحروف. 8 - ألا تكون مصغَّرة فى موضع التعظيم ونحوه. وأما التى توجد فى الألفاظ المؤلفة، فالستة الأولى من شروط الكلمة المفردة، لما لها من علاقة بالكلام المؤلف، وأضاف إليها من الشروط ما يختص بالكلام المنظوم كوضع الألفاظ موضعها، والإيجاز، والوضوح وغير ذلك. وسار "ابن الأثير" ضياء الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الكريم (ت 637 هـ) على نهج "الخفاجى، فتوسَّع فى دراسة الفصاحة وناقش بعض شروطه، وأتى بشروط لم يتحدث عنها، وعلى الجملة تعدُّ دراسته شرحا لما ذكره الخفاجى، وتعقيباً على بعض آرائه. وانتهى الأمر إلى "الخطيب القزوينى" جلال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن (ت 739 هـ) فضبط الحديث عن الفصاحة ونظمه بما لم يسبق إليه، وبيّن أن الفصاحة تقع وصفا للكلمة، وللكلام، وللمتكلم. ففصاحة الكلمة تكون بخلوصها من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفه القياس اللغوى. وفصاحة الكلام تكون بخلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد، مع فصاحة مفرداته. وفصاحة المتكلم هى ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح. ثم تحدث عن البلاغة، وبيّن أنها تقع وصفا للكلام وللمتكلم، ولا تقع وصفا للّكلمة، فبلاغة الكلام هى مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، وبلاغه المتكلم هى ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ. وعلى هذا فكل بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا. وقد شرح الخطيب هذه المقاييس شرحا ضافيا مستعينا بالأمثلة الموضحة لما يقول، فجاءت دراسته للفصاحة والبلاغة خير الدراسات، وملكت زمام الفكر البلاغى وسيطرت عليه. أ. د/ الشحات أبو ستيت

_ المراجع 1 - الصناعتين. أبو هلال العسكرى- تحقيق: على محمد البجاوى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم- المكتبة العصرية- بيروت- 6 0 4 1 هـ 1986 م 2 - سر الفصاحة: ابن سنان الخفاجى. شرح وتصحيح عبد المتعال الصعيدى. مكتبة محمد على صبيح 1389 هـ/1969 م 3 - المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر. ابن الأثير. تحقيق: د أحمد الحوفى ود/ بدوى طبانة. دار نهضة مصر. 4 - الإيضاح. الخطيب القزوينى. تحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجى- مكتبة الكليات الأزهرية ط 2. 5 - لسان العرب ابن منظور. ط دار المعارف. ط. الأولى. 6 - شروح التلخيص- للتفتازانى والسبكى والمغربى. بطبعة عيسى الحلبى. 7 - المصباح فى المعانى والبيان البديع. بدر الدين بن مالك. تحقيق د. حسنى عبد الجليل. مكتبة الآداب 1989 م. 8 - مقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة. د/ الشحات محمد أبو ستيت. مطبعة الأمانة 1411 هـ/1991 م

14 - الفصحى

14 - الفصحى لغة: وصف لمؤنث من " فَصُح " يدل على التفضيل، ومادة "فصح " تدور غالبا حول الخلوص والظهور والبيان، قال الراغب: الفَصْحُ خلوص الشىء مما يشوبه، وأصله فى اللبن. يقال: فَصُح اللبن، وأفصح، فهو مفصح وفصيح إذا تعرى من الرغوة. قال نضلة السلمى: فلم يخشوا فصاحته عليهم وتحت الرغوةِ اللبن الفصيح أى اللبن الخالص. ومنه استعير: فَصُح الرجل إذا جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية. وقال تعالى: } وأخى هارون هو أفصح منى لساناً {(القصص 34) أى أبين وأظهر. واصطلاحاً: اختلف العلماء فى المراد بالفصيح، فيرى كثيرون أنه ما كثر استعماله على ألسنة العرب الفصحاء. قال الجاربردى: فإن قلت ما يقصد بالفصيح؟ وبأى شىء يعلم أنه غير فصيح وغيره فصيح؟ قلت: أن يكون اللفظ على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم لها أكثر. وقال السيوطى: والمفهوم من كلام "ثعلب " أن مدار الفصاحة فى الكلمة على كثرة استعمال العرب لها. فإنه قال فى أول "فصيحه ": هذا كتاب اختيار الفصيح مما يجرى فى كلام الناس وكتبهم، فمنه ما فيه لغة واحدة والناس على خلافها، فأخبرنا بصواب ذلك، ومنه ما فيه لغتان وثلاث وأكثر من ذلك، فاخترنا أفصحهن، ومنه ما فيه لغتان كثرتا واستعملتا، فلم تكن إحداهما أكثر من الأخرى، فأخبرنا بهما. والمراد بالفصحاء الموثوق بعربيتهم هم الذين يستشهد بكلامهم من أهل الجاهلّية، والمخضرمين، ومتقدمى الإسلاميين حتى سنة 150 هـ تقريبا، ويختمون عند الأصمعى بإبراهيم بن هرمة فهو آخر من يحتج بشعره عنده. ويرى بعض اللغويين أن الفصيح لا يخضع لكثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله، وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ، فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر، أو لعلة غير ذلك. وقد جمع البلاغيون بين الرأيين، فذكروا أن فصاحة الكلمة تكون بخلوصها من عيوب ثلاثة: تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس، فإن كانت الكلمة متنافرة الحروف مثل: "الهعخع" اسم لنبت، أو غريبة مثل: "تكأكأتم " أى اجتمعتم، أو مخالفة للقياس مثل:"الأجلل " فى الأجلّ، فهى غير فصيحة. ثم قالوا: وعلامة كون الكلمة فصيحة: أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا، أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها. والفصيح ليس علّى درجة واحدة، فله رتب متفاوته، فمنه الفصيح والأفصح، ونظير ذلك فى علوم الحديث تفاوت رتب الصحيح، ففيها صحيح وأصح. وكلام اللغويين يشهد بذلك. ففى "ذيل الفصيح ": وتشديخ النخل- أى شق بسره- أفصح من التشقيح. ومجَّحَ العنبُ إذا بلغ- وطاب- أفصح من مَزَجَ- أى اصفر بعد الخضرة. وفى "الصحاح ": ضربة لازب أفصح من لازم، وبُهت- بضم الباء- أفصح من بَهُت- بفتح الباء وضم الهاء أو كسرها. " الصحاح: مادة: لزب، ومادة: بهت ". ونقل السيوطى عن الجمهرة: البُرُّ أفصح من قولهم: القمح والحنطه. ونقل عن ابن خالويه فى شرح الفصيح: قد أجمع الناس جميعا أن اللغة إذا وردت فى القرآن فهى أفصح مما فى غير القرآن لا خلاف فى ذلك. وخلاف الفصيح إما ضعيف أو منكر أو متروك. فالضعيف ما انحط عن درجة الفصيح، والمنكر أضعف منه وأقل استعمالا بحيث أنكره بعض أئمة اللغة ولم يعرفه، والمتروك ما كان قديما من اللغات ثم ترك واستعمل غيره. وقد ضرب السيوطى أمثلة لكل ذلك. وأجمع العلماء والرواة أن قريشاً أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وكانت مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروه إلى سلائقهم التى طبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب. وأفصح الخلق على الإطلاق سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى أصحاب الغريب عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "أنا أفصح العرب" ورووه أيضا بلفظ: " أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش" وروى البيهقى فى شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم التيمى أن رجلا قال: يا رسول الله، ما أفصحك! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍فما رأينا الذى هو أعربُ منك. قال: حق لى. فإنما أنزل القرآن على بلسان عربى مبين ". أ. د/ الشحات أبو ستيت

_ المراجع 1 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب. عبد القادر البغدادى تحقيق عبد السلام هارون. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1979م. 2 - الإيضاح فى علوم البلاغة. الخطيب القزوينى شرح د محمد خفاجى ط الكليات الأزهرية 2. 3 - ذيل الفصيح. موفق الدين عبد اللطيف البغدادى. شرح د محمد خفاجى ط مكتبة التوحيد 1368 هـ/1949 م. 4 - الصاحبى. أحمد بن فارس تحقيق السيد صقر- ط عيسى الحلبى- القاهرة. 5 - الصحاح. إسماعيل الجوهرى تحقيق أحمد عبد الغفور عطار 1402هـ /1982 م القاهرة. 6 - فصيح ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى. تحقيق د. محمد خفاجى- مكتبة التوحيد 1368هـ/1949م. 7 - المزهر فى علوم اللغة وأنواعها. جلال الدين السيوطى تحقيق محمد أحمد جاد المولى وأخرين دار التراث. 8 - مفتاح العلوم أبو يعقوب السكاكى. تحقيق نعيم زرزور. بيروت. 9 - المفردات فى غريب القرآن، الراغب الأصفهانى. دار المعرفة- بيروت. 10 - لسان العرب ابن منظور- دار المعارف ط 1 - القاهرة.

15 - الفضيلة

15 - الفضيلة لغة: الدرجة الرفيعة فى الفضل، والفضل ضد النقص، والفضيلة صفة يوصف بها السلوك الخيّر، وهى آتية بمعنى الزيادة فى الخير أو الإحسان، وكانت تعنى قديما أن فضيلة الشىء هى قوته التى يكون بها امتيازه أو كماله الخاص، كما يقال فضيلة السيف: إحكامه القطع. وهذا معنى قديم يربط بين فضيلة الشىء وخاصيته. واصطلاحاً: استعداد ثابت لممارسة الخير، أو أنها استعداد خاص للقيام بواجب معين أو عمل صالح معين. وتستخدم الفضيلة فى المجال الأخلاقى إذا قصد بها صفات الكمال، وتعنى عادة فعل الخير، وتدخل ضمن موضوعات علم الأخلاق، والفاضل من غلبت فضائله رذائله، والخلق ينقسم إلى فضيلة هى مبدأ لما هو كمال، ورذيلة هى مبدأ لما هو نقصان، وقد يطلق على الفضيلة اسم القيمة الإيجابية، وعلى الرذيلة اسم القيمة السلبية، والقيمة بوجه عام تتجه نحو تحقيقها حسب قواعد معينة دقيقة، ومن هنا قيل إن علم الأخلاق من العلوم المعيارية. وعلامة الفضيلة عند العرب، شأنها شأن كل فكر أخلاقى آخر، هى استحقاق المدح، مثلما نستدل على الرذيلة بما تثيره من لوم وذم. فالمدح فى الحقيقة هو وصف الموصوف بأخلاق يحمد صاحبها عليها، ويكون نعتا حميداً. وقد امتدح العرب فضائل الجود والسخاء والكرم والإيثار، وذمّوا الرذائل التى تقابلها. وقد ذكر العرب الفضائل فى الآداب والأمثال والحكم والخواطر والتاريخ الثقافى والاجتماعى على وجه العموم، وفى الفكر الفلسفى والدينى على وجه الخصوص، ومن أشهر المؤلفات التى وضعت لشرح الفضيلة كتاب "سلوك الملوك فى تدبير الممالك "لأحمد بن محمد بن الربيع، وضعه للخليفة المعتصم العباسى، تناول فيه فضائل الإنسان الرئيس الذى يشغل أكمل المراتب الإنسانية. وكتاب "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق " لمسكويه" أوضح فيه الحرص الطبيعى للإنسان على الخيرات طلبا للسعادة بمختلّف أنواعها، وكتاب "ميزان العمل" للغزالى، الذى يصف فيه الفضائل الأخلاقية، وكتاب "أدب الدنيا، والدين للماوردى" وغيرها. والتخلق والتشبه بالأفاضل ضربان: ضرب محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتدريب، يتحراه صاحبه سرا وجهرا على الوجه الذى ينبغى، وبالمقدار الذى ينبغى، وضرب مذموم، وهو ما يفعله على سبيل الرياء، لا يستهدف صاحبه من ورائه إلا التصنع والرياء فقط. وقد تتشابه الفضائل مع السجايا والشيم، إلا أن بعض علماء الطب زعموا أن السجايا تابعة لمزاج البدن، فزعموا أن الغضب يكثر بكثرة المرة الصفراء، ويضعف بقلَّتها، وتكثر الحرارة والشجاعة مع وفور الدم وتقل لقلته، وإذا اعتدل مزاج الإنسان اعتدلت أخلاقه، فكانت فضائل، إذا تجاوزت الاعتدال إلى زيادة أو نقصان خرجت عن الفضائل إلى الرذائل. والفضائل توسط محمود بين رذيلتين مذمومتين، من نقصان فيكون تقصيراً، أو زيادة تكون إسرافاً، فيكون فساد كل فضيلة من طرفيها، فالعقل واسطة بين الدهاء والغباء، والسخاء واسطة بين التقتير والتبذير، والشجاعة واسطة بين الجبن والتهور، والحياء واسطة بين الخلاعة والحصر، والسكينة واسطة بين السخط وضعف الغضب، والحلم واسطة بين إفراط الغضب ومهانة النفس، والعفة واسطة بين الشَّرَه وضعف الشهوة، والتواضع واسطة بين الكبر ودناءة النفس. ومن هنا ارتبطت الفضيلة بالعدل، لأن العدل نتيجة الفضائل، وهى مقدرة به، وفضيلة الشىء هو اعتداله، ومتى كانت النفس معتدلة كان شوقها نحو تحصيل الفضائل. وسعادة النفس فى كمالها، وتكميلها يكون باكتساب الفضائل كلها وهى وإن كانت كثيرة إلا أنها تجمعها فضائل أساسية. وهناك من رأى أن الفضائل نوعان: مكتسب وفطرى. الأول: يحتاج إلى زمان وتدرب، وممارسة ويتقوى فيه الإنسان درجة درجة، ويختلف البشر حسب قدرتهم على الأكتساب بحسب اختلاف الطبائع والذكاء والبلادة. والثانى: فطرى يحصل بفضل إلهى كأن يولد إنسان فيصير من غير تعليم البشر فاضلاً، مثل الأنبياء الذين حصلت لهم المعارف من غير ممارسة أو اكتساب. والفضيلة المكتسبة تأتى بالتدرب والتعود، أما من كان فاضلاً بالفطرة فهو كامل الفضيلة. والعلم ضرورى لاكتساب الفضائل حتى يعلم الإنسان حسنها ويفعلها، ويعلم قبح الرذائل ويجتنبها. وبعد معرفة أصول الفضائل وحقيقتها وجزاء العمل بها، لابد أن يتعّود الإنسان على فعلها، وتكرار الفعل، حتى تصير هذه الأفعال عادة تصدر عنه بلا روية وتفكير، أى تصير ملكة تصدر عن الإنسان دون تكلف. هنا يسمى المتمتع بها إنساناً فاضلاً لأنه فعل الفضيلة بما يقارب الفطرة. وهناك من رأى أن المقصود بالفضيلة هى الفضيلة الجسمية، وأن يكون المرء صحيح البدن، إلا أن البدن بمثابة الآلة للصانع، والسفينة للربَّان؛ لا تصلح بغير فضائل النفس. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - كتاب الأخلاق والسير لابن حزم تحقيق ندى توميس، اللجنة الدولية لترجمة الروائع، بيروت 1961 م. 2 - الذريعة إلى مكارم الشريعة- الراغب الأصفهانى، دار الكتب العلمية، بيروت 0 140 هـ/1980 م. 3 - التنبيه على سبيل السعادة- الفارابى، تحقيق د. جعفر آل ياسين، دار المناهل، بيروت 1401 هـ/1985 م. 4 - تسهيل النظر وتعجبل الظفر- الماوردى، تحقيق محمد هلال السرحان، دار النهضة العربية، بيروت 1401،1981م. 5 - تهذيب الأخلاق ابن مسكويه، تحقيق قسطنطين زريق، الجامعة الأمريكية بيروت 1996 م. 6 - الهوامل والشوامل ابن مسكويه مع أبى حيان التوحيدى، تحقيق احمد أمين، والسيد احمد صقر، لجنة التأليف والترجمه والنشر 1370هـ، 1951 م.

16 - الفطرة

16 - الفطرة اصطلاحاً: كلمة "الفطرة" تدل على معنيين رئيسيين هما: الجبلة التى ولد عليها الإنسان والصفة التى يتصف بها كل موجود فى أول زمان خلقته، والمعنى الثانى هو الدين (1). والمعنى الأول يدور حول عدة معان تتعلق بالخلق والابتداء والاختراع للموجودات التى أحدثها الله تعالى وجبلها على طبيعة أو طبائع خاصة، فقد فطر الله الإنسان على السلامة خلقة وطبعا وبنية، ليس معها كفر ولا إيمان ولا إنكار ولا معرفة (2)، أى أنها خلقة قابلة للإنكار والمعرفة، والكفر والإيمان، ومتهيئة للسعادة والشقاوة وغير ذلك. فهى مجرد جبلة أو استعداد فطرى لقبول الدين (3). ومن هنا كان لدى النفس الإنسانية استعداد لقبول الخير وقبول الشر، فليست النفس شريرة بطبيعتها، والذى يفلح هو الذى يتوجه بها إلى الخير، يقول سبحانه} ونفس وما سَوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها {(الشمس 7 - 10). أما المعنى الثانى للفطرة فإنه يدور حول معانٍ عدة تتعلق بالدين والتدين؛ فالفطرة هنا يقصد بها الإيمان بالله عز وجل، والإقرار بمعرفته وربوبيته، والإيمان بدينه وإسلامه؛ فكل إنسان مولود على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين، ولو ترك على هذه الطبيعة لاستمر عليها، ولزمها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنها من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد؛ وكل مولود يولد على معرفة الله تعالى والإقرار به، فلا نوجد أحدا فى هذه الدنيا إلا وهو يقرُّ بأن له صانعا، وإن سماه بغير اسمه، ولو عبد معه غيره (4). وفى هذا الصدد نجد القرآن الكريم يقول:} ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله {(الزمر38). فإلانسان يقر ويعترف بأن الله تعالى هو رب كل شىء وخالقه، وهذا هو ما يُسمَّى بتوحيد الريوبية، وهو نوع من التوحيد لا نزاع فيه. كما أن الإنسان مفطور على التدين، فالدين فطرته التى قال الله عز وجل عنها:} فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون {(الروم 30) وقد ذكر القرآن الكريم أن هناك عهدا وميثاقا أقر فيه الإنسان بمعرفة الله تعالى، وهو العهد الذى أخذه الله سبحانه على عباده وهم فى أصلاب آبائهم، حيث مسح ظهر آدم، فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعا ومدبرا حكيما؛ يقول تعالى:} وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا {(الأعراف 172 - 173). وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) (رواه مسلم) (5) ويقول النبى - صلى الله عليه وسلم - راويا عن ربه: (إنى خلقت عبادى حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما حللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا). (6) وقد قيل: إن الفطرة هى دين الإسلام، وهو المعروف عند عامة السلف وقد أجمع أهل التأويل فى تأويل قول الله عز وجل} فطرت الله التى فطر الناس عليها {على أن فطرة الله دين الله الإسلام (7). والمقصود به هنا دين التوحيد الذى نزل على كافة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- أو الاستعداد لقبول هذا الدين. وهكذا يتبيَّن من دلالة الكتاب والسنه والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذى هو معرفته به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها إن لم يحصل ما يعارضه ويقتضى حصول ضده، وأن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع؛ فإذا لم يوجد فهو لوجود منافيه لا لعدم مقتضيه؛ ولهذا لم يذكر النبى - صلى الله عليه وسلم - لوجود الفطرة شرطا بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال: (فأبواه يهودانه وينصرانه ويُمَجسِّانه) فحصول هذا التهويد والتنصير موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة، وحصول الحنيفية والإخلاص ومعرفة الرب والخضوع له لا يتوقف أصله على غير الفطرة وإن توقف كماله وتفصيله على غيرها. وتعد الفطرة من أهم الأدلة على وجود الله تعالى، فالكون بما فيه مفطور على الاعتراف بوجود الخالق إلا من غلبت عليه الشقاوة والغباوة، ووجود عبادات لبعض الموجودات التى خلقها الله سبحانه تؤكد على صحة القول بالفطرة الدينية. أ. د/ محفوظ عزام

_ المراجع 1 - الكليات لأبى البقاء، مادة (فطر)، مؤسسة الرسالة بيروت 9921 م، القاموس المحيط للفيروز أبادى، مادة (فطر) مكتبة التربية، بيروت. 2 - التعريفات للجرجانى ص 147 مطبعة الحلبى 1938 م. 3 - شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم ص 384 الطبعة الأولى، الرياض. 4 - لسان العرب لابن منظور مادة (فطر)، دار لسان العرب، بيروت 5 - صحيح مسلم بشرح النووى، كتاب القدر 4/ 267 المطبعة المصرية، القاهرة 6 - التاج الجامع لأحاديث الرسول للشيخ منصور على ناصف5/ 77، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1961م. 7 - شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ص 384.

17 - الفقه

17 - الفقه لغة: فهم غرض المتكلم من كلامه. وعند الإمام الغزالى والآمدى أنه يطلق على الفهم مطلقا سواء أكان المفهوم دقيقا أم غير ذلك وسواء أكان غرضا للمتكلم أم غير ذلك. وعند الشيرازى وآخرين أنه يطلق على الأشياء الدقيقة فقط. وعند الحسن البصرى هو فهم غرض المتكلم من كلامه فقط. ويقال فَقه بكسر القاف وفتحها أى صار فقيها أى عَالماً بالفقه (علم الدين) وتفقه أى صار عالماً (1). واصطلاحا: له عدة تعريفات أحدها: أنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية. والثانى: أنه معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد. والثالث: هو الظن فى الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد. ولأن الأحكام التى طريقها الاجتهاد غاية المجتهد فيها حصول ظن غالب له بما يعتقد منها فالواجب أن يقال الظن ولا يقال العلم ولا المعرفة. والرابع: هو معرفة جملة غالبة من الأحكام الشرعية، ومؤدى ذلك أن المقصود من الفقه العلم بجميع الأحكام على سبيل الملكة والتهيؤ لمعرفة أى حكم من الأحكام. وعلى هذا فإنه لا يشترط علم المجتهد بجميع الأحكام وإنما يشترط التهيؤ لمعرفة أى حكم من الأحكام. وقيل: هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفى الذى يتعلق به الحكم. وهو علم مستنبط بالرأى والاجتهاد ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل. ووردت تعريفات مادة فقه فى القرآن الكريم بالمعنيين اللغوى والاصطلاحى فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى على لسان موسى - عليه السلام -:} واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى {(طه 28). وقوله عز وجل:} فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا {(النساء78) وقوله جل وعلا:} وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {(التوبة 122) وغيرها من الآيات الكريمة. أ. د/ سعاد صالح 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 324 دار المعارف، ط3 لسان العرب، ابن منظور، مادة (فقه)، دار صادر بيروت.

_ المراجع (1) الفقه على المذاهب الأربعة الشيخ محمد أبو زهرة، المطابع الأزهرية. (2) موسوعة الفقه الإسلامى، دار الثقافة الكويت القاهرة. (3) فقه السنة / السيد سابق طبعة دار التراث العربى. القاهرة

18 - فقه اللغة

18 - فقه اللغة اصطلاحاً: أطلقت هذه التسمية فى مجال الدراسات العربية القديمة على كل ما يخصُّ الدرس اللغوى، ووضع لها الأوربيون مصطلحاً Philologie وأصل الكلمة مركب من Logost philos أى حب اللغة الذى يدفع إلى علمها أو فقهها. ويشيع فى مجال الدراسات اللغوية مصطلحان هما: علم اللغة، وفقه اللغة، وقد غلبت التسمية الأولى حديثا على فروع الدراسات اللغوية فى مقابل المصطلح الأجنبى: Linguistique الذى تنضوى تحته عدة مصطلحات دالة على المواد التى يدرسها المتخصصون فيها، كعلم الأصوات Phonetique وعلم الأصوات التشكيلى Phondogie، وعلم الدلالة sémantique الخ: ولا شك أن كلا المصطلحين: (علم اللغة وفقه اللغة) قديم الاستعمال فى الثقافة العربية، ولم يكن القدماء يفرقون بين مفهومى العبارتين، فقد ورد كلاهما فى عناوين المؤلفات اللغوية مثل: (الصاحبى فى فقه اللغة وسنن العرب فى كلامها) لأحمد بن فارس (ت 385 هـ)، ومثل: (فقه اللغة) لأبى منصور الثعالبى (ت 429 هـ) وهو معدود فى معاجم المعانى، وجاء كذلك كتاب (المزهر فى علوم اللغة وأنواعها)، وهو أحدث من سابقيه ظهورا، فقد ولد السيوطى (سنة 849هـ)، وتوفى سنة (911 هـ)، ويؤخذ من سلوك القدماء تجاه مصطلح فقه اللغة أنهم يقصدون به كل ما يتصل باللغة ماعدا الأصوات والصرف والنحو غالبا، ومن أبرز ما وصل إلينا معبرا عن هذا الاتجاه كتاب (الخصائص) لأبى الفتح عثمان بن جنى فأما المحدثون فقد ضيقوا مفهوم (فقه اللغة)، حيث تعاملوا من خلال المفهوم الغربى لمصطلح Philologie، وهى كلمة إغريقية تعنى على الترتيب: 1 - معرفة الأدب الجميل ودراسة نصوصه. 2 - دراسة لغة معينة بالتحليل النقدى لنصوصها، وكان الرومان والجرمان فى القرن التاسع عشر يحصلون على شهادات فى النمو والفيلولوجيا. 3 - الدراسة الشكلية للنصوص فى المخطوطات، وهو ما نطلق عليه (تحقيق النصوص). ولا مانع من أن يقصد مصطلح (فقه اللغة) هذه الأبواب من المعرفة اللغوية والأدبية، فهى داخلة فى مفهوم فقه العربية الشامل لغة ونصا وتحقيقا. ويعتبر أصحاب المعاجم كالخليل، والأزهرى، وابن دريد، وابن سيده، وابن منظور، والفيروز آبادى وغيرهم من أفقه العلماء باللغة، وكذلك علماء اللغة كسيبويه، والكسائى، والفراء، والأخفش، وابن جنى، وأبى على الفارسى، وغيرهم من أصحاب المصنفات اللغوية. وعلى نفس الدرب نجد جمهرة مفسرى القرآن، والحديث؛ لأن معالجة نصوصهما تحتاج إلى مستوى من المعرفة الشاملة، وهو ما تميز به علماء السلف الذين رفعوا لواء المعرفة الإسلامية فى كل العصور. أ. د/ عبد الصبور شاهين

_ المراجع 1 - الخصائص- ابن جنى، تحقيق محمد على النجار- بيروت عن طبعة دار الكتب المصرية ط 2 (د- ت). 2 - الصاحبى فى فقه اللغة: ابن فارس- تحقيق مصطفى الشويحى- ط بيروت سنة 963 ام. 3 - فصول فى فقه العربية- رمضان عبد التواب- ط 1 سنة 1973م. 4 - فى التطور اللغوى- عبد الصبور شاهين- مكتبة الشباب سنة 981ام 5 - علم اللغة العربية- محمود فهمى حجازى- وكالة المطبوعات- الكويت سنة 1973 م 6 - العربية- يوهان فك- ترجمة عبد الصبور شاهين- ط الكاثوليكية- بيروت سنة 1965 م

19 - الفن

19 - الفن تعنى كلمة (الفن) مجمل الوسائل، والمبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره، فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية. والتعبير الفنى قائم بالفطرة الإنسانية منذ بدء الخليقة، فأقدم نموذج عرفة التاريخ هو تمثال لامرأة عارية من الحجر الجيرى، عثر عليه فى النمسا، ويعرف باسم "فينوس ويللندوروف" ويرجع تاريخه إلى خمس وعشرين أو خمس وثلاثين ألف سنة، وهى الفترة التى يطلق عليها العصر الحجرى، أو ما قبل التاريخ، والتى تنتهى مع بدايات التقويم الحالى، فقد كان الفن هو اللغة السائدة بين البشر قبل أن يعرف الإنسان الكتابة ويستخدمها فى التعبير. والفن وثيق الارتباط بالتقدم الاجتماعى وبالعقل الإنسانى الذى كلما تقدم باتساع معرفته، تأثر نتاجه بنفس هذا التقدم والأتساع. ومن هنا كان الارتباط للفن بالحضارات إذ أنه يمثل مختلف قيمها ورقيها الفكرى والتعبيرى، وبالتالى أصبح لكل حضارة فنها الذى يحمل سماتها المميزة، لأنه يمثل الشكل الذى أضفاه الإنسان على تطلعاته ومشكلاته عبر مشواره الطويل فى البحث عن المعرفة والسيطرة والتعبير عن أحلامه ومخاوفه، لذلك نجد أن الفن يمثل فى كل مجتمع إنسانى عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للعقائد والطقوس، والأعراف الأخلاقيه والاجتماعية، فهو يقع فى مفترق الطرق بين الفكر العلمى والفكر الفطرى، بين عالم الشهادة وعالم الغيب، وبين الواقع والأمل، لذلك لايمكن فهم وإدراك الفن بعيدا عن إطاره الاجتماعى وبيئته الزمانية. وانطلاقا من ارتباط الفن بالحضارات يتم تقسيم تاريخ الفن وفقا لحقبات تطورها إجمالا، حيث إن التطورالإنسانى لا يخضع للتقويم الدقيق وإنما لمراحل إنجازاته وتآثيرها على المجتمع. وقد جرى العرف على تقسيم الحضارات بفنونها على النحو التالى: أوروبا الغربية من عصرما قبل التاريخ إلى الفن السلى. الشرق القديم، مصر القديمة، كريت، اليونان، الفن الفارسى (وقد ضمت هذه الحقبة عصر جوستينيان ومعركة الايقونات (تحريم التصوير) بين اليهودية والمسيحية) فن الاستب، الفن الأتروسكى، الفن الرومانى، الفن المسيحى القديم، الفن االبيزنطى، الفن الإسلامى، الفن الأوروبى القديم، الفن القوطى، الفن فيما بين القرن الثالث عشروحتى المدرسة التكلفية، الفن الباروكى والروكوكو، من الكلاسيكية الجديدة إلى أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمذاهب الانتكائية والرومانسية والواقعية والتأثيرية والرمزية والفن الجديد وما بعد التأثيرية والتعبيرية. أما الفن فى القرن العشرين فقد بدأ بأزمة انعكست على الفن بفصل الشكل عن المضمون، وعرف هذا الاتجاه بالفن الحديث أو الفن التجريدى، وتنعكس هذه الأزمة على مئات المذاهب الفنية والتيارات التى تشابكت وتكررت بأسماء مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوشية والدادية والتكعيبية والتأليفية والمستقبلية والسريالية واللافن واللاشكل. وفن الكولاج (اللصق) وفن القمامة وفن الخردة وما إلى ذلك. وينتهى هذا التقسيم الإجمالى للفن بالفنون الشعبية والفن الأفريقى والفن الهندى والفن فى جنوب شرق آسيا وفى الصين وفى كل من فيتنام وكوريا وفى اليابان والفنون فى أوتيانيا، لينتهى بالفن لدى هنود الأمريكتين. لقد قام الفن الكريتى واليونانى على أسس وانجازات الفن المصرى القديم وكامتداد له. كما يعتبرالفن الإسلامى وحضارته هو همزة الوصل نين العالم القديم والعالم الغرربى الحديث وتميز بتنوع شديد فى أساليبه وتفاصيله وتعرض لمختلف المجالات الفنية سواء أكانت من الفنون الأساسية أو من الفنون التطبيقية. ويتسم الفن الإسلامى إجمالا ناتجاهين أساسيين رغم تباعدهما شكلا، وهما الاتجاه القائم على الفنون لممارسة فى الأقطار والحضارات التى امتد إليها الإسلام حيث أثر الإسلام فى تلك الفنون دون إلغائها، والاتجاه القائم على الأشكال المجردة النباتية أو الهندسية، وهو خط جديد مرتبط بالرؤية الكلية للمسلمين للإنسان والكون والحياة، متأثرا بالفلسفة الإسلامية، وبأفكار المتصوفة المسلمين ويمكن تلخيصه بعبارة (المركز فى الإشعاع) إشارة إلى الخالق والمخلوق، وهو كلا يمثل فرقا جوهريا بين المدارس التجريدية فى الغرب التى تفرض العبث والضياع ولبين التجريد فى الفن الإسلامى القائم على الربط بين الإنسان وخالقه، لأن استبعاد المضمون عن الفن هو فى الواقع استبعاد للوجود الإنسانى برمته. وأهم ما يميز الفن الإسلامى فى الفنون الأساسية هو: العمارة الدينية المتمثلة فى المساجد والمدارس والأسبلة، وكل ما يتعلق بهذا الجانب، والعمارة المدنية من قصور ومنشأت عامة وأسواق وحمامات ومدافن، والعمارة العسكرية من قلاع وحصون وأسوار. ووصلت براعة الفنان فى النقوش والزخارف التى تكسوها إلى درجة مذهلة سواء فى دقة تناوله ومعالجته الفنية للمواد الصلبة كالرخام والحجز أو فى فن الفسيفساء ولوحاته الجدارية التى وصلت ألوان بعضها إلى تسعة وعشرين لونا مختلفا، وهو رقم غير مسبوق انذاك. ومن أهم إنجازاف الفن الإسلامى وإسهاماته فن الخط العربى بإمكانيات تشكيلاته اللانهائية، وفن المنمنمات، وفن الكتب والأغلفة، والمصاحف وزخارفها، ويمثل فن الخزف والأوانى ذات البريق المعدنى، وفن الزجاج ملمحا متميزا إلى جانب فن المعادن والعاج والحلى والأحجار الكريمة والنسجيات بمجالاتها المختلفة من سجاد وملبوسات. أ. د/زينب عبد العزيز

_ مراجع الاستزادة: 1 - Histoire Del`Art، Larouusse - 2Vol.، 1985. 2- L`Artde Tous Les Temps 2vol.، Sequsia، Bruxelle، 1965. 3- L`Art. An Terres D`islam، Marlbe B. Taylor، lelee De Brouwer 1988

20 - الفنون الأدبية الحديثة

20 - الفنون الأدبية الحديثة 1 - القصة: وتتنوع إلى قصة، وأقصوصة، ورواية، ومسرحية. القصة وتدور حول حادثة يمكن أن توضع لها حكاية، ولا بد فيها من البناء الفنى، الذى تطرد فيه المواقف مؤسسا بعضها على بعض، ومرتبطا بعضها ببعض، بحيث تنمو شيئا فشيئا حتى تصل إلى أزمة يصل عندها التعقيد إلى غايته، ثم يكون الحل. - ولابد فيها من وجود الشخصيات- التى يصورها كاتب القصة- أو يدعها تتحدث أحيانا، وذلك فى إطار حياة كل منها وتفكيره وشعوره أو يتصور كل شخصية وينطقها بما يلائمها من القول أو يسند إليها ما يلائمها من القول. القصة القصيرة: اصطلاحا: قصة تتخفف من الإطالة- حتى تظهر أحيانا فى صورة الأقصوصة- التى تميل إلى الإيجاز المسرف. وهى تمثل استجابة الفن القصصى لسرعة حركة الحياة الحديثة وتعقدها. الرواية: اصطلاحا: عمل فنى فيه تؤدة وأناة، تعرض قطاعات من الحياة والمجتمع الإنسانى. وهى بهذا تميل إلى الطول، وكثرة الأحداث والمواقف وتعقدها، وقد كتبت الرواية لتقرأ، وليقضى فيها الساعات الطوال ويستطيع الكاتب أن يستغل هذه الميزة فيها، فيكتب عن حياة عدد من الشخصيات. المسرحية: اصطلاحاً: هى نوع من أنواع الفن القصصى تتميز بأنها كتبت أصلاً للمسرح، أو كتبت وفى ذهن مؤلفها أنها تصلح لكى تمثل. وكاتب المسرح لا يطمع فى أكثر من فترة زمنية محدودة يقضيها المشاهد معه ولهذا كانت محدودة الزمن ومع ذلك يجد القارئ فيها متعة ويستمتع بها رواد المسرح إذ يمكن أن تعرض على خشبة المسرح. 2 - ترجمة الحياة: اصطلاحاً: هى الكتابة عن أحد الأشخاص البارزين لجلاء شخصيته، والكشف عن عناصر العظمة فيها، وبيان العوامل التى أثرت فى هذه الشخصية. وترجمة الحياة: عملية فنية، تجمع بين عمل المؤرخ من جهة ارتباطها لسيرة إنسان عاش بينها وبين إنسان عاش فى زمن بعينه، ولكن مثل هذه الكتابات لا تكون نهاية، ويمكن إعادة الكتابة فيها. فإذا كانت الشخصية قد سبق أن ترجم لها فى أزمان مختلفة، فهناك المبررات التى تجعل من حق الكاتب الترجمة لها من جديد. أما فى حالة الأشخاص الذين لم تسبق ترجمة حياتهم، فمبرر الترجمة لهم واضح، ما دامت الوثائق والشواهد المطلوبة فى متناول يد الكاتب. والعقاد أول كاتب يكتب لنا ترجمة فنية يتجلى فيها الذكاء والمهارة والخبرة مثل العبقريات. 3 - المقال: اصطلاحاً: هو فن أدبى ظهر حديثا فى أدبنا العريى مع ظهور الصحافة وهو قريب مما عرف فى الأدب العربى القديم بفن الرسالة. والمقال يتميز بالقصر، لأنه لا يحاول أن يشمل كل الحقائق والأفكار المتصلة بالموضوع، ولكنه يختار جانبا مهما من الحياة ليتحدث عنه. والمقال ليس حشوا للمعلومات وليس هدفه أن ينقل المعرفة، بل لابد أن يكون إلى جانب ذلك مشوقا. والمقال يتنوع إلى مقال أدبى، ومقال علمى، ومقال سياسى، ومقال اجتماعى، ومقال نقدى، إلى غير ذلك من الأنواع ومجاله الصحافة. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - أعلام الأدب العربى الحديث واتجاهاتهم الفنية، للدكتور محمد زكى العشماوى- الإسكندرية- ط1 1995م. 2 - المدخل إلى النقد الأدبى، للدكتور محمد غنيمى هلال- مكتبة الأنجلو- ط 3 - 1963م. 3 - الأدب وفنونه، للدكتور عز الدين إسماعيل- دار الفكر العربى- ط 8 - القاهرة- 1955م.

21 - الفؤاد

21 - الفُؤَاد لغة: القلب، أو: نياطه، أو: وسطه، أو: حبته وسويداؤه، أو: غشاؤه، وقيل: العقل. فهو إذن وثيق الصلة بالقلب، سواء بمعناه العضوى التركيبى أو بمعناه المعنوى الشامل. وفارغ الفؤاد: من لا هم عنده ولا حزن، قال تعالى:} وأصبح فؤاد أم موسى فارغا {(القصص 10)، أى فارغاً من الخوف والغم، لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدم من الوحى إليها. واصطلاحاً: هو القلب المعنوى للإنسان، أو بعبارة أكثر تجريدا: هو ذلك العضو الذى ترتبط به كل مشاعره وأحاسيسه وإدراكاته. ونحن نعرف أن القلب يستخدم فى القرآن الكريم للدلالة على ما نعرفه الآن فى فهمنا الطبى والنفسى والفلسفى على أنه العقل. وقد وردت كلمة فؤاد ست عشرة مرة فى القرآن الكريم، خمسا مفردة، وإحدى عشرة بالجمع "أفئدة"، وكانت فى سبع مرات معطوفة على السمع والبصر، وذكرت أبصار معطوفة على أفئدة مرة واحدة. وقد تكرر ورود السمع والبصر والفؤاد بهذا الترتيب فى القرآن، فهى وسائل الإنسان إلى المعرفة، وبها يهتدى الإنسان إلى الحق، ومن ثم فإن عليه أمانة ومسئولية} إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا {(الإسراء36). ومن الجدير بالذكر أن الإنسان يكتسب هذه الملكات تباعاً، فالسمع يعمل فى الجنين وهو فى رحم الأم، بينما البصر لا يبدأ إلا بعد الميلاد، أما إدراك القيم والنشاط الوجدانى فتالٍ لهما بطبيعة الحال، يقول تعالى:} وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {(النحل 78)، ويقول} وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون {(السجدة 9) وكذلك (الملك 23). ويتأكد معنى آخر للفؤاد من استعمال القرآن الكريم لفظ فيما نعبر عنه الآن بالوجدان والبصيرة، كما فى قوله تعالى:} وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك {(هود 120) أى قلبك، وهو هنا القلب المعنوى لا العضلى. وقوله تعالى:} وأفئدتهم هواء {(إبراهيم 43) أى خالية لا تفكر، ويمكن أيضا فهم هذا النص على أنها متأثرة بالأهواء المختلفة. وورد لفظ " قلب " مفردا، أو مثنى، أو جمعا فى القرآن الكريم (132) مرة. واستعمال "قلب " على المعنى المعنوى والقيمى أو المجازى شائع فى كل اللغات، وهو الجارى أيضا فى المصطلح القرآنى، وأساس ذلك الصلة الوثيقة بين القلب العضلى وبين المشاعر والعواطف والأحاسيس، فأثر الجهازين العصبيين السمبتاوى (الودى) وغير السمبتاوى (اللاودى) على وظيفة القلب معروف، وكذلك أثر الهرمونات والمواد الأخرى التى تبعثها الانفعالات والضغوط والكروب، مما يجعل القلب محلا لكل ذلك ومناطا له. وعلى هذا المجاز جعل القرآن الكريم قلب الإنسان موضعا للهدى، والتقوى، والطهارة والسكينة، والاطمئنان، والخشوع، والإخبات، واللين، والوجل، والرأفة، والرحمة، والألفة، ووصفه بالسلامة والإنابة، كما جعله موضعا للضلال، والإثم، واللهو، والزيغ، وحمية الجاهلية، والرعب، والريب، والقسوة، والغلظة، والغل، والغيظ، والحسرة، ووصف بالمرض والعمى والطبع والختم والإغفال، وبأن عليه أقفالا وأكنَّة. ومن المفسرين مَنْ لا يرى التفريق بين القلب العضوى والتركيبى وقلب مجازى معنوى، ويرون أن القلب العضوى العضلى هو ذاته موضع تلّك الأحاسيس والصفات التى ذكرت، وأن القلب دون المخ هو المنوط بتلك الوظائف، ويستشهد هؤلاء بقوله تعالى:} فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور {(الحج 46)، وهو رأى لا يؤيده الواقع الملموس فى العمليات الجراحية التى نزع فيها القلب العضوى تماما واستعيض عنه بمضخة آلية، عرفت باسم القلب الاصطناعى، تعمل بالطاقة، وعاش بها المرضى فترات دون أن يفقدوا تلك المشاعر والأحاسيس والمدارك. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - قاموس القرآن الكريم. معجم الطب مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، 1997 م. 2 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقى. 3 - معجم ألفاظ القرآن الكريم. مجمع اللغة العربية 4 - المعجم الوسيط.

22 - الفىء

22 - الفىء لغة: مصدر فاء يفىء بمعنى رجع، فالفىء هو الرجوع كما فى المعجم الوسيط (1). واصطلاحا: ما يرجع من أموال الكافرين إلى المسلمين بدون قتال ولا ركوب خيل، وقد ذكره الله فى كتابه: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير} الحشر:16، وذلك مثل الأموال المبعوثة مع رسول إلى إمام المسلمين، والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب (2) والفرقي بينه وبين الغنيمة من جهتين: 1 - أن الغنيمة تكون بالحرب وإيجاف الخيل، والفىء يكون بدون ذلك. 2 - أن تقسيم الغنيمة يختلف عن تقسيم الفىء، مع أن الجميع من أموال الكافرين. وقد شرعه الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} الحشر:7، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت للنبى خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح. وقد اختلف الفقهاء فى قسمة الفىء فقال قوم: أن الفىء لجميع المسلمين، الفقير والغنى، وإن الإمام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة، وينفق منه فى النوائب التى تنوب المسلمين، كبناء القناطر وإصلاح المساجد، وغيرذلك، ولا خمس فى شىء منه، وبه قال الجمهور-عدا الشافعى- وهو الثابت عن أبى بكر وعمر (4) وهذا هو المعنى العام للآية الكريمة، حيث بينت أنه لله وللرسول، فما لله فهو لمصالح المسلمين، وما للرسول فهو لنفقته صلى الله عليه وسلم فى حياته، ثم لمصالح المسلمين بعد مماته، وكذلك ذووا القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فلم يبق أحد من المسلمين إلا وله حق فى مال الفىء. أما الشافعى فيرى أن الفىء يخمس أى يقسم على خمسة أسهم: سهم منها يقسم على المذكورين فى آية الفىء وهم أنفسهم المذكورون فى آية الغنيمة، وأربعة أخماس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتهاد الإمام بعده، ينفق منه على نفسه وعلى عياله ومن يري. والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول الشافعى فى القديم: أن الفىء لا يخمس وإنما كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكروا معه فى قوله {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان .. } الحشر:10. فيكون عاما لجميع المسلمين بناء على اجتهاد الإمام، قال ابن المنذر: ولا نحفظ من أحد قبل الشافعى فى الفىء الخمس كخمس الغنيمة (5) وقد روى أن عمر لما قرأ آية الفىء قال: "استوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال حق" (6). وعلى قول الشافعى يقسم الفىء على خمسة أسهم: الأول: لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله وما فضله جعله فى سائر المصالح. الثانى: لذوى القربى (بنى هاشم وبنى المطلب). الثالث: لليتامى. الرابع: للمساكين. الخامس: لأبناء السبيل. والأخماس الأربعة الباقية بعد تقسيم الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته، ولمصالح المسلمين بعد مماته توضع فى بيت المال ويصرف فى مصالح العامة. (7). والخلاف بين الشافعى والجمهور بسيط لأن كليهما يعود إلى مصالح المسلمين فى حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم كما رأينا. وقد ذكر البهوتى من الحنابلة ما يؤكد ذلك فى بيانه لمعنى الفىء وموارده ومصارفه فى الفقرة التالية: وموارد الفىء عديدة منها: 1 - ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب كما سبق. 2 - الجزية. 3 - الخراج. 4 - زكاة نصارى تغلب. 5 - عشر مال تجارة الحربى. 6 - نصف العشر من تجارة الذمى. 7 - ما تركه الكافرون فزعا وهربا. 8 - خمس خمس الغنائم. 9 - مال من مات منهم ولا وارث له. 10 - مال المرتد إذا مات على ردته. ويصرف كل ذلك الفىء فى مصالح المسلمين للآيتين، ولهذا لما قرأ عمر الآيات (7 - 10) من سورة الحشرقال: "هذه استوعبت المسلمين"، وقال: أيضا "ما من أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال نصيب إلا العبيد". وذكر أحمد الفىء فقال: فيه حق لكل المسلمين، وهو بين الغنى والفقير، ولأن المصالح نفعها عام، والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها، ويبدأ بالأهم فالأهم من المصالح العامة (8). أ. د/محمد نبيل غنايم

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط2،1973م، القاهرة، 2/ 706. 2 - بداية المجتهد، ابن رشد، دار ابن حزم، ط1، بيروت 2/ 776. 3 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة، 5/ 217. 4 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، دار ابن حزم، 1995، بيروت، 2/ 706. 5 - الموسوعة الفقهية، دار الصفوة، ط1، 1995، القاهره 32/ 230. 6 - المصدر السابق 32/ 231. 7 - الأم، الشافعى، دار الفكر، بيروت 1990م، 4/ 146، 160،162. 8 - كشاف القناع البهوتى، دار الفكر، بيروت 1982، 3/ 100 بتصرف يسير. مراجع الاستزادة: 1 - فتح القدير، الكمال بن الهمام، دار الفكر، ط2، بيروت 1977 م. 2 - فتح القدير، الشوكانى، دار إحياء التراث العربى، بيروت

القاف

1 - القافية اصطلاحاً: هى الحروف التى تبدأ بمتحرك قبل أول ساكنين فى آخر البيت الشعرى وهى إما بعض كلمة أو كلمه، أو كلمة وبعض أخرى أو كلمتان. علم القافية: هو علم يعرف به أواخر الأبيات الشعرية من حيث ما يعرض لها من حركة وسكون، ولزوم وجواز، وفصيح وقبيح. فهذا العلم يبحث فى حروف القافية وحركاتها، وما يجب لها من لوازم، وما يعرض لها من عيوب. وقد يتبادر إلى الذهن أن الخليل بن أحمد هو واضع علم القافية كما يعتقد الكثيرون وصرح به بعضهم لكن الصحيح أن علم القافية معروف لدى العرب من قديم الزمان ومنذ العصر الجاهلى. ووضع العلم يكون باختراع مصطلحاته وأسمائها وطريقته كما فعل الخليل بفن العَروض. أما القافية فكانت جميع مصطلحاتها معروفة لدى العرب قبل الخليل بقرون. قد تكون القافية كلمة مثل قول الخنساء: يذكرنى طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس فكلمة "شمس" هى القافية أو جزء من كلمة مثل "وانى" من قول شوقى: دقات قلب المرء قائله له إن الحياة دقائق وثوانى فالقافية هى "وانى" وهى جزء من كلمة "ثوانى" وقد تجىء القافية كلمه وبعض أخرى مثل "ةَ الأمل " من قول الشاعر: الجَد فى الجِد والحرمان فى الكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل * وقد تكون كلمتين مثل قول الشاعر: أبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى فالقافية هى "قد مضى" وهى كلمتان. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - أهدى سبيل إلى علمى الخليل- الأستاذ محمود مصطفى- الطبعة الحادية عشرة 1972م المكتبة التجارية- مكة المكرمة. 2 - مجلة الحضارةـ بحث عن القافية للدكتور محمد عبد المنعم خفاجى- مجلة علمية ثقافية محكمة تصدر عن دار رابطة الأدب الحديث، فبراير- مارس 1997م- 1417هـ.

2 - القانون

2 - القانون اصطلاحاً: هو أحد ضوابط سلوك الإنسان فى حياته، وهو مع قواعد الدين والأخلاق يمثل منظومة لتحديد الحقوق وبيان الواجبات. لذا من المستقر عليه أن القانون يتكون من مجموعة من القواعد العامة المجردة التى تنظم العلاقات الاجتماعية، ولكنه يختلف عن القواعد الأخرى فى أنه ملزم أى يتعين على الأفراد أن ينفذوه، كذلك فإن الدولة تكفل هذا التنفيذ عن طريق جزاءات تفرضها على المخالف. من هنا نجد أن القانون يتمثل فى قواعد ومبادئ، ومن صفات القاعدة: العموم والتجريد، بمعنى أنها تطبق على كل أفراد الجماعة دون تمييز بين فرد وآخر، كما تطبق على كافه الحالات التى تستدعى لحكمها دون فارق بين حالة وحالة أخرى. والقانون يرتبط بالمجتمع، بل يرتبط بالسلوك الخارجى للفرد فى الجماعة، ولا يحاسب القانون على مشاعر كامنة فى النفس مهما كانت منحطة وإنما يحاسب على ما يخرج عن الإنسان من أعمال. لذا هو ينظم العلاقات الإجتماعية، ويضبط سلوك الإنسان فى علاقته بالآخرين حتى لا يعتدى أحد على أحد، ولا يظلم أحد أحداً. ومن الملاحظ هنا أن دائرة ما ينظمه القانون من علاقات تضيق وتتسع وفقا لظروف الزمان والمكان، مع تطور ما يقدم بين الناس من علاقات. لم تعد دائرة العلاقات الإجتماعية كما كانت من قبل تقتصر على عمليات بيع وشراء محدودة وإنما اتسعت الدائرة، وصار الإنسان يمارس تصرفات يوميه، مع وسائل للنقل، ومع مصانع ومتاجر ضخمة ومع أناس من أجناس وجنسيات مختلفة، والقانون يحيط بكل هذه التصرفات ولحكمها مُطوراً لأساليب وتنظيمات تتفق معها. ومن ثم فهناك قانون للعلاقات الخارجية للدول، هو القانون الدولى- كان ينظم سلوك الحكام والملوك أساسا بقواعد تراعى أهميتهم عندما يتعاملون مع غيرهم ولكنه اتسع الآن لينظم البحار والمحيطات والفضاء والأجرام السماوية، وينظم كذلك قواعد المسئولية التى تتحملها الدول من جراء أى أفعال أخرى تصيب بها الغير. كذلك وجدت أجهزة ومنظمات دوليه تختص بتطبيق هذا القانون كالأمم المتحدة وما بها من جهاز تتفيذى هو مجلس الأمن، وجهاز تشريعى هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجهاز قضائى هو محكمه العدل الدولية. أما ما يحكم العلاقات الداخلية للأفراد، فهو كمٌّ متنوع من القوانين يقف على رأسها القانون المدنى وهو الذى يحكم الفرد ويبين حقوقه وواجباته. نجد فى داخل هذا القانون تنظيماً للملكية، كيف تكتسب وما حقوق الفرد عليها، وكيفية التصرف فيها. ونجده يحكم مختلف العقود التى تتم بين الأشخاص كعقود العمل والإيجار والتأمين والبيع. وهناك القانون التجارى الذى يحكم علاقات التجار، وقواعد التجارة الداخلية والخارجية والأوراق التجارية والبنوك، إلى غير ذلك من أحكام. كما أن من فروع القانون كذلك ما يحكم علاقات الدولة كسلطة ذات سيادة بالأفراد، كالقانون الدستورى والقانون الإدارى والقانون الجنائى، والقانون المالى، وكل هذه الفروع يطلق عليها القانون العام، فى مقابل القانون الخاص والذى يدخل فى دائرته القانون المدنى والتجارى، والقوانين التى تنظم الأحوال الشخصية إلى غيرها. وأهم صفه تميز القانون عن قواعد السلوك الأخرى كالعادة والأخلاق هى صفة الإلزام المقررة للقواعد والتى تكفلها الدولة بتوقيع جزاء مادى على من يخالف القاعدة. وهذا الجزاء يختلف باختلاف القاعدة التى تخالَف وتتدرج من عقوبة الإعدام التى تفرض على من يقتل نفسا إلى عقوبات المخالفة والتى تفرض غرامة مالية على المخالف. كذلك توجد جزاءات على من يخالف قواعد القانون الإدارى كالفصل من خدمة الحكومة أو الخصم من المرتب. ويهمنا أن نشير هنا إلى أن الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامى قد تكفلا بالمهمة التى يقوم بها القانون فى النظم الحديثة. ويعالج الفقه الإسلامى كل أنواع البيوع التى عرفت بعد ذلك، كما يعالج العقود الأخرى بتفاصيل واسعة ولا يهمل الفقهاء التعرض لقواعد الملكية والعمل، وإنما يستعمل فقهاء الشريعة مصطلحات أخرى. فعلم السياسة الشرعية يتضمن كافة القواعد والنظم الخاصة بنظام الحكم- أى القواعد الدستورية والإدارية- كما أن الفقه يعالج القانون الجنائى فى فقه عميق يتصل بدراسة الحدود والتعازير. وهناك دراسات وافية عن مصادر إيرادات الدولة وقواعد إنفاقها أى القانون المالى، وهكذا نجد الإسلام عقيدة وشريعة. ويستخدم مصطلح "القانون الإسلامى" فى الوقت الحاضر ليشمل التنظيمات التى يضعها الإسلام والفقه على الخصوص للمعاملات خاصة فى الأكاديميات والكليات والأماكن التى تدرس الشريعة فى العديد من البلاد الغربية. أ. د/ جعفر عبد السلام

_ المراجع 1 - المد خل لدراسة القانون السعودى- جعفر عبد السلام وعبد الناصر العطار وعمر مدنى- دار السعادة القاهرة 1975م. 2 - المدخل لدارسة القانون- حشمت أبو ستيت: دار النهضة القاهرة 1948م. 3 - نظرية القانون- عبد الفتاح عبد الباقى- القاهرة 1960م. 4 - المد خل لدارسة الفقه الإسلامى، محمد سلام مدكور- القاهرة 1958م.

3 - القبض

3 - القبض اصطلاحاً: " القبض "- ويقابله " البسط " هما من مصطلحات الصوفية، وهما من " الأحوال " عندهم "والحال " هو معنى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ولا اكتساب- من طرب أو حزن أو بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج- فالأحوال "مواهب " فى حين أن "المقامات " مكاسب- أى تحصل بالاكتساب. والفرق بين الأحوال والمقامات أن الأحوال صغيرة غير ثابتة، أما المقامات فهى مستقرة.، والقبض " يكون بعد ترقى العبد عن حال الخوف ". كما أن "البسط " يكون بعد ترقى العبد عن حال "الرجاء". "والخوف " والرجاء" إنما يتعلقان بالمستقبل، كالخوف من فوت ما يحب أو وقوع ما يكره-وكالرجاء فى الحصول على ما يحب والنجاة مما يكره. أما " القبض والبسط " فيتعلقان بالوقت الحاضر؛ فصاحب القبض والبسط أسير لوقته الحاضر بوارد غلب عليه فى الحال. ويشبه "القبض " إلى حد ما، ما يعرف فى عصرنا هذا بـ "الاكتئاب"- إلا أنه قد يكون شاملاً لأن الوارد الذى نشأ عنه القبض قد استغرقه تماما؛ وقد يكون غير مستغرق له، فيعبر عنه بأنه "غير مستوف ". وكذلك البسط، فقد يكون "مبسوطا" منشرح الصدر بحيث لا يؤثر فيه شىء من الأشياء، وقد ينشرح صدره لبعض الأشياء دون بعض. وأحيانا لا يعرف سبب القبض؛ فيجد المرء فى قلبه قبضا لا يدرى ما هو سببه، وعليه حينئذ التسليم حتى يمضى ذلك الوقت؛ لأنه لو تكلف نفى هذا القبض بإرادته زاد فى قبضه، بل قد يعد ذلك منه سوء أدب، أما إذا استسلم لما حل به فعن قريب يزول القبض، فالله هو الذى "يقبض ويبسط". وقد استعاذ شيوخ الصوفية من القبض والبسط- يروى عن "الجنيد" أنه كان يقول: "الخوف من الله يقبضنى، والرجاء فيه يبسطنى، والحقيقة تجمعنى، والحق يفرقنى- إذا قبضنى بالخوف أفنانى عنى، وإذا بسطنى بالرجاء ردّنى علىّ، وإذا جمعنى بالحقيقة أحضرنى، وإذا فرقنى بالحق أشهدنى غيرى، فغطأنى عنه؛ فهو تعالى فى ذلك كله محركى غير ممسكى، وموحشى غير مؤنسى، فأنا بحضورى أذوق طعم وجودى؛ فليته أفنانى عنى فمتعنى، أو غيبنى عنى فروّحنى. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1 - الرسالة القشيرية. للإمام القشيرى. 2 - الفتوحات المكية، لمحيى الدين بن عربى. 3 - التعريفات، للجرجانى ط الحلبى

4 - القبة

4 - القبة لغة: مفرد قباب، وهى بناء مستدير، أو خيمة صغيرة أعلاها مستدير (كما في اللسان) (1). واصطلاحا: عنصر إنشائى كروى يغطى مساحة معينة من المبنى ليزيد من ارتفاع فراغها الداخلى. وقد ظهرت القبة فى المبانى قبلي ظهور الإسلام وبعده، كما ظهرت فى عمارة المسلمين وفى عمارة غير المسلمين، وهى ليست بالضرورة عنصرا مميزا فى العمارة الإسلامية على الرغم من انتشارها فى تراث هذه العمارة. وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام. وتبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية. وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصورمثل قصرالحمراء بغرناطة، وقد تختفى كما فى بعض مساجد القاهرة. وتتخذ القبة أشكالا مختلفة: منها ما هو تام التكور، ومنها ماهو مدبب، ومنها ما هو فى شكل بصلى كما فى العمارة الهندية، ومنها ما هو مخروطى الشكل. وتزين القباب من الداخل والخارج فى بناء المساجد، وعادة ماتعلو القبة بيت الصلاة فى المساجد أو تعلو قاعات الاحتفالات الكبرى، وأشهر القباب فى تاريخ العمارة الإسلامية: القبة الخضراء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبة الصخرة عند المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله. وبناء القباب على الأضرحة والقبور يتنافى مع العقيدة الإسلامية باستثناء قبة المسجد النبوى الشريف. د. م/عبدالباقى إبراهيم

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط3، مادة (قبب). مراجع الإستزادة: 1 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، د/سعاد ماهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 2 - تطور القبة فى العمارة الإسلامية، كمال الدين سامح مجلة كلية الأداب، مج 12

5 - القبلة

5 - القبلة لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك؟. واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى صلاتهم (1). وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:144. والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق. وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية: 1 - صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به". رواه البخارى ومسلم، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به، وفيه نزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة:115. 2 - صلاة المكره والمريض والخائف، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم" وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا} البقرة:239. قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها. (رواه البخارى). وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال، وعلى السمع والطاعة من النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس، فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله. وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء} البقرة:144. فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها} البقرة:142. فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} البقرة:142. أ. د/محمد رأفت سعيد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مادة (قبل) 2/ 719. مراجع الاستزادة: 1 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الكتب المجلد الأول. 2 - التفسير الكبير للرازى الجزء الرابع. 3 - المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. 4 - فقه السنةالسيد سابق المجلد الأول. 5 - حدائق الأنوار. للشيبانى، القسم الثانى. 6 - مواهب الجليل من أدلة خليل، الجرء الأول

6 - القدر

6 - القَدْر لغة: قَدْر الشىء مبلغه، وهو أن يكون مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان (1). واصطلاحاً: التساوى فى المعيار الشرعى الموجب للماثلة صورة وهو الكيل والوزن. قال الراغب: (2) القدر والتقدير تبين كمية الشىء، وقوله - صلى الله عليه وسلم - فى الهلال: (فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له) (رواه البخارى ومسلم) (3) أى قدروا عدد الشهر حتى تكملوا ثلاثين يوماً. أحكام القدر: 1 - القدر المعفوُّ عنه من النجاسة: رأى الحنفية أن قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة: كالدم والبول والخمر ونحوها معفو عنه، وجازت الصلاة معه. أما المالكية فيقولون: بالعفو عن قدر درهم من دم وقيح وصديد وسائر النجاسات، لأن الإنسان لا يخلو عنه. أما الشافعية فقالوا: بالعفو عن اليسير من الدم والقيح ونحوهما مما يعسر الاحتراز عنه. أما الحنابلة فيقولون: بأنه لا يعفى عن يسير النجاسة ولو لم يدركها الطرف، وإنما يعفى عن يسير الدم وما يتولد منه من القيح والصديد. 2 - قدر النصاب فى الزكاة وقدر الواجب فيها: واختلف فى قدر النصاب فى أنواع الأموال التى تجب فيها الزكاة كنصاب زكاة الأنعام، ففى الإبل إذا بلغت خمساً: شاة، وفى البقر إذا بلغت ثلاثين: تبيع أو تبيعة، وفى الغنم إذا بلغت أربعين: شاة. وفى زكاة الذهب إذا بلغ النصاب عشرين مثقالاً والفضة مائتى درهم فالمقدار الواجب فيهما ربع العشر، وعروض التجارة تقوم ثم تعامل معامله الذهب والفضة. وفى زكاة الزروع والثمار إذا بلغت خمسة أوسق فيها العشر إن سقيت بغير كلفة ونصف العشر إن سقيت بكلفة. 3 - القدر من العلل الربوية: اتفق الفقهاء على ثبوت الربا فى الأشياء الستة المنصوص عليها (4). فى حديث الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والبُر بالبُر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل (رواه مسلم). كما اتفق فقهاء الأمصار على أن حكم الربا غير مقصور على الأشياء الستة وأن فيها معنى ويتعدى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الأموال. واتفقوا على أن علة الذهب والفضة واحدة، وعله الأعيان الأربعة واحدة، ثم اختلفوا فى تلك العلة. فذهب الحنفية إلى أن العلة هى الجنسية والقدر، عرفت الجنسية بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (التمر بالتمر والحنطة بالحنطة) (رواه مسلم). وعرف القدر بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (مثلاً بمثل) ويعنى بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن، فقد بين أن العلة هى الكيل والوزن. وروى عن عبادة وأنس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النوعان فلا بأس به) ووجه التمسك به أنه عليه الصلاة والسلام رتب الحكم على الجنس والقدر، وهذا نص على أنهما علة الحكم، لما عرف أن ترتب الحكم على الاسم المشتق ينبئ عن علّيّه مأخذ الاشتقاق لذلك الحكم، فيكون تقديره: المكيل والموزون مثلاً بمثل بسبب الكيل أو الوزن مع الجنس، والذى يدل عليه حديث أبى سعيد وأبى هريرة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً على خيبر فجاءهم بتمر جنيب. فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: فلا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً وقال فى الميزان مثل ذلك) (رواه البخارى) (5) أى فى الموزون، إذ نفس الميزان ليس من أموال الربا، وهو أقوى حجة فى علّيّه القدر، وهو بعمومه يتناول الموزون كله الثمن والمطعوم وغيرهما (6). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - المصباح المنير مادة (قد ر)، المغرب للمطرزى ص 373. 2 - المفردات فى غريب القرآن، للراغب الأصفهانى. 3 - فتح البارى، لابن حجر 4/ 119 وصحيح مسلم 2/ 950. 4 - المغنى، لابن قدامة 4/ 4 دار هجر القاهرة. 5 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى، لابن حجر 13/ 317. 6 - تبيين الحقائق 4/ 86.

7 - القدرة

7 - القُدْرَة لغة: اسم من قَدَرت على الشىء أقدر- من باب ضرب- قويت عليه وتمكنت منه (1). والقدرة: صفة. واصطلاحاً: هى الصفة التى تمكن الحى من الفعل وتركه بالإرادة (2). وقال الراغب: القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فَعْلِ شىء ما، وإذا وصف الله تعالى بها ففى نفى العجز عنه، ومحال أن يوصف غير الله تعالى بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظاً (3). فالقدرة صفة لله تعالى، إلا أن المعتزلة حرَّفت المعنى المفهوم من قوله تعالى:} والله على كل شىء قدير {(البقرة 284) فقالوا: إنه قادر على كل ما هو مقدور له، وأما نفس أفعال العباد، فلا يقدر عليها. وتنازعوا: هل يقدر على مثلها أم لا؟! أما أهل السنة: فعندهم أن الله على كل شىء قدير، وكل ممكن فهو مندرج فى هذا، وأما المحال لذاته، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، وهذا الأصل هو الإيمان بربوبيته العامة التامة. فإنه لا يؤمن بأنه رب كل شىء إلا من آمن أنه قادر على تلك - الأشياء (4). القدرة شرط التكليف: يقول الأصوليون: جواز التكليف مبنى على القدرة التى يوجد بها الفعل المأمور به، وهذا شرط فى أداء كل أمر، والأصل فى ذلك قوله تعالى:} لا يكلف الله نفس إلا وسعها {(البقرة 286). أى: طاقتها وقدرتها على أداء الأفعال. وبهذا فقد أُسْقِطَ التكليف عمن لا يقدر على الفعل ولا يطيقه، لأن الوسع هو دون الطاقة فلا يلزم استنفاد الجهد فى آداء الفرض مثل الشيخ الكبير الذى يشق عليه الصوم، وقد يؤدى به إلى ضرر يلحقه فى جسمه وإن لم يخش الموت بفعله. وقد قسم الحنفية القدرة إلى قدرة ممكنة، وهى مفسرة بسلامة الآلات وصحة الأسباب، وإلى قدرة ميسرة، وهى التى يقدر بها الإنسان على الفعل مع يسر (5). ما تتحقق به القدرة: يختلف ما تتحقق به القدرة باختلاف التصرفات، سواء أكان ذلك فى العبادات أم فى المعاملات. فمقياس القدرة فى العبادات تقع فيما يلى: 1 - القدرة على الطهارة المائية: ذهب الفقهاء إلى أن الطهارة بالماء للوضوء أو الغسل تتحقق بما يأتى: (أ) وجود الماء الكافى للطهارة والفائض عن الحاجة الضرورية وذلك لقوله تعالى:} فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيِّباً {(النساء43). (ب) إمكان استعمال الماء بنفسه على وجه لا يضره أو استعماله بمساعد ولو بأجر كالعاجز إذا وجد من يوضئه بأجرة فيعتبر قادراً بقدرة الغير. ولذلك إذا لم يتحقق وجود الماء أو المستأجر فينتقل إلى التيمم (6). 2 - القدرة على أداء أركان الصلاة: ذهب الفقهاء إلى أنه تتحقق القدرة على أداء الصلاة بسلامة أعضاء البدن التى يتمكن بها المصلى من الإتيان بالأركان على الوجه الأكمل. وإلا فيعتبر قادراً بما يمكنه الإتيان به ولو بإيماءة برأسه، وذلك لأن الصلاة من العبادات التى لا تسقط عن المكلف إلا لمانع شرعى، كالحيض والجنون المطبق (7). 3 - القدرة على أداء الزكاة: وقد ذهب مالك والشافعى إلى أن القدرة على الأداء شرط لوجوب أداء الزكاة على الفور، وتتحقق هذه القدرة بحضور المال وحضور المستحقين. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القدرة على الأداء ليست شرطا لوجوبها، لأن الزكاة عبادة مالية فيثبت وجوبها فى الذمة مع عدم إمكان الأداء، كثبوت الدين فى ذمة المفلس. 4 - القدرة على أداء الحج: اتفق الفقهاء على أن من شروط وجوب الحج الاستطاعة لقوله تعالى:} لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا {(آل عمران 97). والاستطاعة: أى القدرة، وتتحقق بما يلى: (أ) وجود الزاد والراحلة وهذا يحصل بوجود المال. (ب) سلامة البدن من الأمراض والعاهات التى تعوق عن الحج، ويعتبر العاجز بنفسه قادراً بقدرة غيره. (جـ) أمن الطريق، وذلك بأن يكون الإنسان آمنا على نفسه وماله. (د) وجود محرم بالنسبة للمرأة أو رفقة مأمونة كما يقول بعض الفقهاء. أما القدرة فى المعاملات فتقع فيما يلى: 1 - القدرة على تسليم المبيع: فذهب الفقهاء إلى أن القدرة على تسليم المبيع شرط من شروط صحة البيع ويتحقق ذلك بأن يكون الإنسان مالكا له متمكناً من التصرف فيه قادراً على تسليمه للمشترى. 2 - القدرة على استيفاء المنفعة فى الإجارة: ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط فى المنفعة لصحة الإجارة القدرة على استيفائها حقيقة أو شرعاً. وذلك بالتمكن فلا تصح إجارة الدابة الفارَّة. 3 - القدرة على أداء الدين: ذهب الفقهاء إلى وجوب أداء الدين عند القدرة على الأداء لقوله تعالى: } فليؤد الذى أؤتمن أمانته وليتق الله ربه {(البقرة 283). فإذا كان الدين حالا فإنه يجب أداؤه على الفور عند طلبه، أما إذا كان دينا مؤجلاً، فلا يجب أداؤه قبل حلول الأجل. 4 - القدرة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: فالقدرة أصل تكون فى النفس، وتكون فى البدن، إن احتاج إلى النهى عن المنكر بيده. 5 - القدرة على المحارب: والمحاربون المفسدون فى الأرض جزاؤهم فى قوله تعالى:} إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض {(المائدة 33). وهذه العقوبة ينفذها الحاكم إذا قدر عليهم، وتمكن منهم قبل أن يتوبوا ويأتوا معلنين توبتهم. 6 - القدرة على دفع الضرر عن الغير: فإذا أمكن إنقاذ شخص من الهلاك من جوع ونحوه؛ فإذا امتنع الإنسان عن بذل الطعام الزائد عن حاجته، أو امتنع عن إنقاذ الغريق ونحوه، فإنه يكون آثماً، وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله " (8). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب، لابن منظور مادة (قدرة). 2 - التعريفات، للجرجانى، والكليات، للكفوى 4/ 13. 3 - المفردات فى غريب القرآن، للراغب الأصفهانى. 4 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى ص 117 5 - كشف الأسرار (1/ 192،193)، التلويح على التوضيح 1/ 198، ومسلم الثبوت 1/ 135،137. وأحكام القرآن للجصاص 1/ 537، 538. 6 - فتح القدير مع الكفاية والعناية 1/ 117 - 125، وحاشية ابن عابدين1/ 155 - 158،، وكشاف القناع 1/ 162 - 167. 7 - جواهر الإكليل 1/ 55، مغنى المحتاج 1/ 151 - 153. 8 - أورده الموصلى فى الاختيار 4/ 175 ولم يعزه إلى أى مصدر ولم نهتد إلى من أخرجه.

8 - القدم

8 - القِدَم لغة: قدم القوم يقدمهم قدما وقدوما: سبقهم، قدم الشىء قدما وقدامة: مضى على وجوده زمن طويل فهو قديم. والقدم: اسم من القديم، يقال وكان ذلك قدما "، والقدم من أسماء الزمان. ومن أسماء الله تعالى المقدم: ومعناه هو الذى يقدم الأشياء ويضعها فى مواضعها فمن استحق التقديم قدمه. والقديم على الإطلاق الله عز وجل، والقدم: نقيض الحدوث. القدم والقدمة: السابقة فى الأمر، ففى التنزيل:} وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم {(يونس 2). أى سابق خير وأثرا حسنا. والقديم: ما توالت على وجوده الأزمنة ومنه قوله:} حتى عاد كالعرجون القديم {(يس 39). واصطلاحاً: عند المتكلمين: يطلق على عدم أولية الوجود، والقديم: ما لا أول لوجوده أى أن وجوده أزلى لا بداية له، ولم يسبقه عدم، والقدم بهذا المعنى هو الثابت لله عز وجل. والقدم من الصفات السلبية التى تسلب أى تنفى أى نقص لا يليق بذاته المقدسة، وهذه الصفات هى: "الوحدانية- القدم- البقاء- المخالفة للحوادث- القيام بالنفس". والقدم يعنى أنه سبحانه وتعالى لا أول لوجوده، وأن وجوده سبحانه ليس مسبوقا بشىء، بل ليس مسبوقا بالعدم ذاته، لأنه لو كان مسبوقا بعدم لكانت هناك بداية زمانية لوجوده، لكنه سبحانه قبل الزمان وما الزمان إلا بعض فعله وخلقه. والقدم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (أ) قدم زمانى؛ وهو وجود الشيء فى الزمن الممتد فى الأزل اللانهائى، وعلى توالى أزمنة وجود الشىء، فالقديم هو ما توالت على وجوده الأزمنة، وكر عليه الليل والنهار، ومنه قوله:} كالعرجون القديم {(يس 39). وبهذا الاعتبار يقال أساس قديم وبناء قديم. وإطلاق القدم بهذا المعنى مستحيل فى حق الله تعالى لأن وجوده تعالى ليس زمانيا، ووجوده لم يتغير بالزمان كالحوادث. والزمان من صفات المحدث، فلو كان وجوده تعالى زمانيا لكان حادثا ضرورة. (ب) قدم إضافى. أى قدم الشىء بالنسبة إلى شىء حادث آخر كقدم الأب بالنسبة للابن. (جـ) قدم ذاتى، وهو عدم الاحتياج إلى الغير فى الوجود أو عدم افتتاح الوجود أو عدم الأولية للوجود وهو المراد هنا وهو الذى يصح وصف الله تعالى به، وبذلك يكون معنى القدم: عدم أولية الوجود، فوجوده سبحانه لا أول له أى لم يسبق وجوده بعدم، فالأول هو قبل كل شىء بلا بداية، والآخر هو بعد كل شىء بلا نهاية. وقد ثبت بالدليل أن العالم كله، أرضه وما عليها، وسماءه وما فيها حادث ومخلوق وأنه محتاج إلى مُحْدِث وخالق، وخالق هذا العالم ومحدثه هو الله عز وجل. وإذا كان ذلك كذلك فالله تعالى يجب أن يكون قديما، وقد ثبت ذلك بالعقل وبالنقل. فمن الأدلة النقلية: 1 - قوله تعالى:} هو الأول والآخر {(الحديد 3). فهو تعالى قبل- كل الأشياء بلا ابتداء، لأنه سبب كل شىء، وهو تعالى آخر كل شىء بلا انتهاء. 2 - وفى الحديث "كان الله ولا شىء معه " أى كان الله تعالى فى الأزل ولا شىء معه فى الأزل، إنه سبحانه وتعالى هو القديم ولا قديم غيره. 3 - روى البخارى فى صحيحه "كان الله ولم يكن شىء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض، وكتب فى الذكر كل شىء". 4 - وعن أبى هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهم رب السموات والأرض .. اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء". ومن الأدلة العقلية: 1 - ذلك أن الله تعالى لو لم يكن قديما بذاته لكان لوجوده بداية فيكون حادثا وموجودا من عدم، ولو كان حادثا لاحتاج إلى محدث موجد. هذا المحدث يحتاج هو الآخر إلى محدث. وهكذا حتى ينتهى العقل إلى وجود قديم أزلى هو الذى أحدث الكائنات وهو الله. 2 - أنه لو لم يكن قديما لكان حادثا، إذ لا واسطة بين القدم والحدوث فى حق كل موجود، لكن كونه تعالى حادثا محال. إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث، واحتياجه إلى محدث باطل، لأنه يؤدى إلى الدور والدور والتسلسل باطل. وإذن فهو تعالى لا يحتاج إلى محدث، وليس حادثا، وإنما هو قديم أزلى. والدور هو توقف الشىء على ما يتوقف عليه الشىء وهو باطل بالبداهة لأنه يستلزم تقدم الشىء على نفسه بالوجود وهو محال. 3 - والعلم بثبوت هذين الوصفين: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، مستقر فى الفطرة، فإن الموجودات لابد أن تنتهى إلى واجب الوجود لذاته، قطعا للتسلسل فإننا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت فعدمها ينفى وجودها، ووجودها ينفى امتناعها؛ وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه} أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون {(الطور 35) أى أحدثوا من غير محدث أم أحدثوا أنفسهم؟ ومعلوم أن الشىء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذى ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه، بل إن حصل ما يوجده، وإلا كان معدوما، وكل ما أمكن وجوده بدلا من عدمه، وعدمه بدلا من وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له. وقد أدخل المتكلمون فى أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم فى لغة العرب التى نزل بها القرآن هو المتقدم على غيره فيقال: هو قديم للعتيق، وهو حديث للجديد، ولا يقال للعرجون "القديم " القديم حتى يبقى إلى حين وجود العرجون الثانى، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم قال تعالى:} وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم {(الأحقاف11) أى متقدم فى الزمان. وأما إدخال القديم فى أسماء الله تعالى، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم. ولا ريب أنه كان مستعملا فى نفس التقدم فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره، ولكن أسماء الله تعالى هى الأسماء الحسنى التى تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم فى اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم. والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب- ابن منظور 12/ 465 وما بعدها، المعجم الوسيط 2/ 747. 2 - نظرات فى علم الكلام د/ أحمد عبد الخالق ص 52 4 دار الهدى 1982م. 3 - الاقتصاد فى الاعتقاد، للغزالى- تحقيق د/ عبد العزيز سيف النصر ص 102. 4 - المنهج الجديد فى شرح جوهرة عقيدة التوحيد- ص 172. 5 - المنهج الأسمى فى العقائد والأخلاق د/ عبد العزيز سيف النصر ص 61 - 62. 6 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى- تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركى، وشعيب الأرنؤوط 4 ص 75 - 78. 7 - دراسات فى العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ عبد المعطى بيومى وأخرون. 8 - فى العقيدة الإسلامية والأخلاق د/ محيى الدين أحمد الصافى وأخرون، ص 34. 9 - رسالة التوحيد للشيخ: محمد عبده ص27 مطبعة محمد على صبيح 1966م.

9 - القذف

9 - القذف لغة: الرمى مطلقا، فيقال: قذف بالحجارة قذفا من باب ضرب أى رمى بها، وقذف المحصنة قذفا: رماها بالفاحشة، والقذيفة: القبيحة وهى الشتم. (1). واصطلاحا: هو الرمى بزنا أو لواط أو شهادة بأحدهما عليه ولم تكمل البينة (2). واتفق الفقهاء (3) على أن قذف المحصن والمحصنة حرام شرعا، وأنه من الكبائر، والأصل فى تحريمه الكتاب والسنة. فأما الكتاب فآيات كثيرة منها قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} النور:4. وأما السنة فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قال يا رسول الله: وما هن؟ قال: ...... وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (4) فأمر الرسول باجتنابه واعتباره من الكبائر، وتشديد العقوبة عليه كما فى الآية المطهرة دليل تحريمه. والقذف على ثلاثة أضرب: صريح وكناية وتعريض، وذلك لأن اللفظ الذى يقع به القذف إما أن يدل بوضعه عليه دون احتمال لمعنى آخر غيره، فهذا هو الصريح، وإما أن يدل بوضعه على القذف مع احتمال لمعنى آخر غيره فهذا هو الكناية، وإما أن لا يدل بوضعه على القذف وإنما يفيد ذلك بقرائن الأحوال، فهذا هو التعريض. (5). واتفق الفقهاء على وجوب حد القذف بصريح الزنا. أما فى القذف بلفظ كنائى: كقوله يا فاجر أويا خبيثة فقد اختلف الفقهاء فى موجبه، فذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه لا يجب به الحد. وذهب المالكية والرواية الثانية عن أحمد، إلى أنه يجب الحد إذا فهم منه القذف، أو دلت القرائن على أن القاذف قصد منها القذف. وذهب الشافعى والخرقى من الحنابلة، وابن المنذر إلى أن القذف بالكناية يجب به الحد إن نوى القاذف بعبارته القذف. وأما التعريض بالقذف - كأن يقول شخص لآخر ما أنا بزان فالفقهاء فى موجبه على قولين: الأول: أن ذلك لا يعد قذفا ولا يجب به الحد، وبهذا قال الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد. الثانى: أن ذلك يعد قذفا يجب به الحد، وإليه ذهب الإمام مالك ورواية عن أحمد. (6). وإذا ثبت القذف فى حق شخص فإن القاذف يجب عليه حد القذف، وهو ثمانون جلدة إذا كان حرا. ولكن لا يطبق هذا الحد إلا إذا توافرت شروط وجوبه، وهى شروط فى القاذف، وشروط فى المقذوف. أما ما يشترط فى القاذف -فى الجملة- فهو البلوغ، والعقل، والاختيار. ويشترط فى المقذوف أن يكون محصنا، أى يشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام والحرية والعفة عن الزنا. (7). أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - المصباح المنير للفيومى، لسان العرب لابن منظور، القاموس المحيط للفيروزآبادى، مادة "قذف". 2 - كشاف القناع عن متن الإقناع، ط المطبعة العامرة الطبعة الأولى 1319هـ، 4/ 62. 3 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم، ط المطبعة العلمية الطبعة الأولى 1311هـ، 5/ 31. حاشية البنانى على شرح الزرقانى للشيخ محمد البنانى ط المطبعة البهية 1307هـ 8/ 58. المهذب للشيرازى ط مصطفى البابى الحلبى 1343هـ، 2/ 289، كشاف القناع 4/ 62. 4 - الحديث متفق عليه. نيل الأوطار للشوكانى، ط دار الحديث 7/ 252. 5 - مغنى المحتاج ط مصطفى الحلبى 1352هـ، 3/ 369. 6 - يراجع فى مواطن الاتفاق والاختلاف بدائع الصنائع للكاسانى، ط مطبعة الإمام، 7/ 42، 43. حاشية الدسوقى على الشرح الكبير، ط دار إحياء الكتب العربية، 4/ 330 مغنى المحتاج 3/ 368، كشاف القناع 4/ 66، 67، المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير ط مطبعة المنار بمصر ط1 1348هـ، 10/ 212 - 213. 7 - يراجع ذلك فى المراجع السابقة، ففيها تفصيل شاف لسائر أحكام القذف لمن أراد الاستزادة

10 - القراءات

10 - القراءات لغة: جمع قراءة، وهى مصدر سماعى لقرأ كما فى اللسان. (1) ويراد بها الفعل الذى يفعله القارئ (2) ويراد بها الأثر المترتبه على الفعل، وهو الحروف والكلمات بمعانيها، وهو المقروء، وهما متلازمان. والمقروء هو القرآن إذا كان القارئ ينطق بكلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فحينئذ تكون القراءة والمقروء والقرآن شيئا واحد (3). واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئاتها. (4). وتذكر القراءة والرواية والطريق والوجه، فيراد بالقراءة ما ينسب إلى إمام من السبعة أو العشرة أو الأربعة عشرة أو غيرهم كفتح سين {مرساها} هود:41، لعاصم، والرواية: ما ينسب إلى الراوى عند الإمام كإمالة {مجراها} هود:41، لحفص عن عاصم، والطريق ما ينسبه إلى من دون الراوى كإدغام {إركب معنا} هود:42، من طريق الشاطبية، أو للهاشمى عن حفص عن عاصم (5)، أما الوجه فلا ينسب إلى أحد، إذ هو مخير فيه عند الجميع، كالوقف على {نستعين} الفاتحة:5، بالسكون، أو الروم وهو الإتيان ببعض الحركة، أو الإشمام وهو هنا الإشارة إلى ضمة النون بضم الشفتين من غير صوت. (6). وإضافة القراءات إلى الشخص إضافة ملازمة واعتناء واختيار من بين القراءات الواردة، حسب ظروفه لا لأنه اخترعها. (7). وقولهم: قراءة النبى صلى الله عليه وسلم يعنون أن أهل الحديث نقلوها عنه ولم يدونها القراء من طرقهم، وهو اصطلاح للمفسرين ومن تبعهم، وإلا فجميع القراءات المعمول بها قراءة النبى صلى الله عليه وسلم. وقراءات القرآن: مركب إضافى، والغريب فيه أنه من إضافة الأجزاء المخصوصة إلى الكل. (8). وقد ظهرت القراءات بعد الهجرة بظهور الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها، إذ هى فروع من الأحرف. وزاد عدد الفروع عن الأحرف لأمرين. الأول: أن الأحرف كانت تتيح سبع ختمات، ثم تداخلت إذ جاز أن تقرأ سورة البقرة مثلا على حرف وبقية الختمة على غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) (9) فنتجت ختمة ثامنة بقراءة ليست على حرف واحد من السبعة ولا خارجة عنها إلى حرف ثامن، وعلى هذا النحو من التركيب الجائز واختلاف مواضعه فى القرآن تكثر القراءات. الأمر الثانى: أن الأحرف السبعة لغات سبع، واللغة الواحدة تسمح بنطقين أو أكثر فى اللفظ، فتكون القراءات أكثر عددا من اللغات، مثال ذلك لفظ (جبريل) قرئ فى العشر بكسر الجيم والراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم وكسر الراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة وياء مد، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة غير ممدودة. فالقراءتان الأوليان على لغة لا تهمز كأهل الحجاز، والأخريان على لغة تهمز كتميم. والقراءات توقيفية تلقينا أو إذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وهذا لسان عربى مبين} النحل:103. مع ما عرف من أن لسان العرب نهج منهج تعدد وجوه النطق، وهو مناهج البيان العربى، وبيان القرآن معجز، وقراءاته من محاسن وجوه إعجازه. ومنها: أن أسانيد القراء على اختلاف قراءاتهم متصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفصيلها فى الكتب المختصة. ومنها الأحاديثه المروية فى نحو كتاب المستدرك للحاكم المتضمنة لقراءاته صلى الله عليه وسلم {مالك} بالألف الفاتحة:4، و {ملك} بدونها (10) {وما كان لنبى أن يغل} آل عمران:161، بفتح الياء وضم الغين، وبضم الياء وفتح الغين {إنه عمل غير صالح} هود:46 (عمل) بفتح الميم والتنوين والرفع، (غير) بالرفع، و (عمل) بفتح اللام وكسر الميم فعلا ماضيا، و (غير) بالنصب (11) و {أيحسب} البلد:5،7 بفتح السين وكسرها، وتواتر فى الأحاديث قراءة البسملة فى الصلاة، وتواتر ترك قراءتها أيضا. ومنها إجماع أئمة الدين على أن الله تعالى أباح للصحابة رضى الله عنهم القراءة على لغتهم بشرط الأخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم ومنها العقل، فإن الضرورة قاضية بقراءة لتبليغ القرآن، ولو كانت واحدة وما عداها ليس من البلاغ النبوى لكانت ملتبسة علينا بغيرها، ومحال أن يلتبس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره والأمة أحرص ما تكون على متابعته حتى فى عادته التى لا يظهر لهم أن فيها تعبدا، مع خشيتهم الابتداع وائتمارهم بأن يقرءوا كما علموا، وتلاحيهم إذا سمعوا ما لم يسمعوه منه فالقراءات المعمول بها متساوية وتوقيفية. (12). وتنقسم القراءات -عموما- إلى متواترة، وشاذة. فالمتواترة هى القراءات المعمول بها من طرقها المعينة عن القراء العشرة، المعروفة فى الفن، والشاذة ما عداها فى الفن، والشاذة ما عداها. أ. د/عبد الغفور محمود مصطفى

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، ط3، بيروت، مادة (قرأ). 2 - الاقتصاد للغزالى، طبعة السعادة، ط2، 1327هـ، ص52. 3 - القرآن والقراءات والأحرف السبعة، للدكتور عبد الغفور محمود مصطفى، ط1 1997 م، صفحات متفرقة. 4 - مناهل العرفان للزرقانى، عيسى الحلبى، ط2، 1/ 405. 5 - راجع صريح النص للضباع. 6 - راجع نهاية القول المفيد فى علم التجويد، للشيخ محمد مكى نصر. 7 - القرآن والقراءات ص146. 8 - السابق 204. 9 - صحيح البخارى، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف. 10 - سنن الترمذى وعارضة الأحوذى. لابن العربى، 11/ 51 - 52، والمصاحف 92، 95. عن أنس وأم سلمة. 11 - تحفة الأحوذى. 12 - تنوير الأذهان. للشيخ محمد زكى الدين محمد سند، ط المحروسة سنة 1310هـ، ص24

11 - القرآن الكريم

11 - القرآن الكريم لغة: مصدر للفعل "قرأ" بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى. واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته. وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها: (أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا} الفرقان:1. (ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} الكهف:1. (ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} الزخرف:44. (د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء:192 - 195. هذه أشهر أسماء القرآن الكريم، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له. وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمقاصد سامية من أهمها: (أ) المقصد الأول، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم. وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها: تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها، وسلوكها، وآدابها، وأخلاقها، ومطالبها الروحية والمادية. وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان، لأن رسالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين. وتمتاز بوضوحها، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه. (ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} البقرة:23 - 24. وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن، لنشرها أعداء الإسلام، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء:82. (ج) المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن، ترفع درجات المسلم، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق. قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور} فاطر:29. وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى). وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن، هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى، وردت فى ذلك. وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون} البقرة:281. وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بتسع ليال، كما جاء فى بعض الروايات. أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3. فقد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى حجة الوداع، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام. ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع، كان قد ظهرتف شوكته، وعلت كلمته. والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى: فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة. والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة. والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة، وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة. والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق. أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها، وفى عباداتها، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم. ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم استغرق مدة تزيد على عشرين سنه، وقد ذكر العلماء حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها: 1 - تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين. 2 - التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا. 3 - الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها. 4 - لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى. 5 - تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم. وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها، ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم، أو حدثت بينهم وبين غيرهم، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة. والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية. ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات. وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه، ومنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ، وتفسير"الدر المنثور فى التفسير بالمأثور" للسيوطى المتوفى سنة 911هـ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره. أ. د/محمد سيد طنطاوى

_ مراجع الاستزادة: 1 - البرهان فى علوم القرآن للإمام الزركشى. 2 - الإتقان فى علوم القرآن للإمام السيوطى. 3 - علوم القرآن والتفسير، د/عبدالله شحاته

12 - القرامطة

12 - القَرامِطة القرامطة: فرقة من الشيعة الباطنية المتطرفة، كانوا يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، وصرح أبو الفرج ابن الجوزى بأنهم فرقة من الزنادقة الملاحدة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادِشت ومَزْدَك. ويقال لهم: الإسماعيلية، لانتسابهم- كذباً- إلى إسماعيل بن جعفر الصادق (ت 143هـ/ 760 م). أما تسميتهم بالقرامطة، فهى نسبة إلى حمدان قِرْمِط بن الأشعث البقار، وهو رجل نشيط من دعاة الباطنية- كان فى مشْيِه قرمطة، أى تقارب خُطًى- وكان يعمل فرِّانا فى سواد الكوفة، وكان يدعو إلى إمام من أهل البيت! (1). إن أول ظهور فعلى للقرامطة على مسرح الأحداث كان فى سنة 286 هـ/899 م، على يد أبى سعيد الحسن بن بهرام الجنابى (2). الذى خرج إلى البحرين، فأقام بها تاجرا يبيع الطعام، وانضم إلى دعاة الشيعة بالقطيف وظهر بينهم، حتى تغلب على أمرهم، فاستجابوا له، والتفوا عليه، فصار أميرهم، وانتشر ذكره فى البحرين، وكثر أتباعه، وقويت شوكته جدا، ومن ثم أخذ يعيث فى الأرض فساداً، فقاد أتباعه للإغارة على بلاد هَجر سنة 287 هـ/900 م، فتغلبوا عليها جميعا، وقتلوا مالا يحصى من أهلها، وسَبَوْا، وأفسدوا، فجهز الخليفة إليهم جيشا كثيفا، فتمكن القرامطة من أسرهم جميعا، ثم قتلهم أبو سعيد، وأبقى على حياة قائدهم- العباس ابن عمرو الغَنوى- ثم أطلقه، وقال له: ارجع إلى صاحبك (الخليفة العباسى) فأخبره بما رأيت!؟ (وكان لهذه الوقعة صدى خطير لدى جمهور الناس؛ فهمَّ أهل البصرة بالجلاء عنها هلعا وفزعا من خطر القرامطة القريبين منهم، فهدّأ والى البصرة من روعهم، وقام بتحصين سور المدينة، وتقويته، فعدل الجنابى عن مهاجمتها (3). استولى القرامطة على البحرين والأحساء، واتخذوا من هجر قاعدة لهجماتهم على بلاد الخلافة العباسية وقوافل الحجاج، وارتكبوا خلالها فظائع وشناعات روعت المسلمين ترويعا شديدا، ومنعت الكثيرين من أداء مناسك الحج فى بعض الأعوام خوفا من التعرض لهجمات القرامطة المفاجئة. وعلى الرغم من القوة البادية للقرامطة، التى مكنتهم من هزيمة قوات الخلافة فى كثير من المواجهات التى وقعت بين الطرفين، وأتاحت لهم الاستيلاء على بعض البلاد العراقية والحجازية والشامية والمصرية، على الرغم من ذلك فإنه لم يكن للقرامطة دولة بالمعنى الدقيق، إنما كانوا قوة عسكرية غاشمة، تعتمد فى استمرار وجودها على تلك الغارات المباغتة التى تشنها على البلاد المجاورة، أو مهاجمة القوافل- وبخاصة قوافل الحجاج- وتحصل من هذه وتلك على الغنائم والأسلاب، فترجع بها إلى قواعدها فى البحرين والأحساء ومن ثم تساعدها على البقاء إلى حين (4). وفى عامى 289، 290 هـ/902، 903م، ظهر القرامطة فى بلاد الشام تحت قيادة زكرَوَيه بن مِهْرَوَيْه واجتاحوا من تصدى لهم من قوات العباسيين والطولونيين، وعاثوا فيها فساداً، وقتلوا من أهلها مالا يُحصى كثرة، ونهبوا الأموال، وأحرقوا الديار والأثاث، ثم دارت الدائرة عليهم بعد ذلك حين انطلقت الجيوش العباسية من العراق لقتالهم بقيادة محمد بن سليمان الكاتب والحسين بن حمدان، فانهزم القرامطة، وقُتل منهم خلق كثير، وأُسِرَ عدد كبير، وفر هارباً من بقى منهم- وهم قليل- إلى قواعدهم فى شرق الجزيرة العربية. (5) ظل أبو سعيد الجنابى على رأس القرامطة نحو خمسة عشر عاماً، حتى قتله خادم له سنة 301 هـ/913 م، فتولى أمرهم ولده: أبو طاهر سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابى، وامتدت ولايته عليهم إلى سنة 332 هـ/944 م. ويُعد أبو طاهر أقوى رؤساء القرامطة، وأطولهم عهداً، وأشدهم خطرا على الخلافة العباسية، وعلى المسلمين فى المنطقة عامة، وحجاج بيت الله الحرام على وجه الخصوص. وحين آلت إليه قيادة القرامطة، كتب إليه الخليفة العباسى المقتدر رسالة رقيقة، ورغبه فى طاعته، وطلب منه إطلاق الأسرى الذين تحت يده، فأطلقهم، وأكرم رسل الخليفة (6). وفى عام 311 هـ/923 م انقض القرامطة على مدينة البصرة فنهبوها، وسبوا أهلها، وطلب أبو طاهر الجنابى من الخليفة ضمها إلى ولايته هى والأهواز، فرفض ذلك الطلب، فأغار القرامطة فى العام التالى على الكوفة، واستباحوها ستة أيام، وحملوا ما استطاعوا من أموالها ومتاعها، وعادوا إلى بلادهم، فضج الناس فزعاً منهم، فسير إليهم الخليفة المقتدر جيشا كبيراً، فهزمه أبو طاهر وأتباعه وشتتوه، واستولوا على الرحبة والرقة فى شمال الشام (7). وفى سنة 315 هـ/927 م، كانت جولة أخرى من القتال بين القرامطة وجيوش الخلافة العباسية انتصر فيها أبو طاهر ورجاله- وكانوا نحو ألفين وسبعمائة مقاتل- على القائد العباسى يوسف بن أبى الساج وعشرات الألوف من الجنود، فى معارك قرب الكوفة والأنبار، حتى اقتربوا من العاصمة بغداد، وقتل القرامطة يومئذ كثيرا من الجند وأسروا الألوف، حتى تعجب الخليفة المقتدر، حين بلغته أخبار هزيمة جيوشه فقال: لعن الله نيفاً وثمانين ألفا يعجزون عن ألفين وسبعمائة!! (8). أما الذى لا يمكن أن ينساه المسلمون من جرائم أبى طاهر والقرامطة، فهو عدوانهم على بيت الله الحرام وحجاجه فى عام 317 هـ/929 م، حيث اقتحم مكة المكرمة فى سبعمائة من أتباعه، وأعمل القتل فى أهلها وفى الحجيج المحتشدين يوم السابع من ذى الحجة استعدادا للوقوف بعرفات وأداء المناسك، فقتلوا يومئذ نحو ثلاثين ألفا منهم، واقتحم المسجد الحرام، واقتلع الحجر الأسود وباب الكعبة، وأستارها، وردم بئر زمزم بجثث القتلى الذين سفك دماءهم فى المسجد، ووقف على عتبة باب الكعبة، وصاح منتشياً: (أنا بالله، وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا) ولم يتمكن أحد من أداء المناسك فى ذلك العام (ثم عاد القرامطة بعد ارتكابهم تلك المجزرة البشعة إلى بلادهم، وظل الحجر الأسود فى حوزتهم، حتى ردوه إلى الكعبة فى عام 339 هـ/ 951 م، وقالوا فى ذلك؟ أخذناه بأمر وأعدناه بأمر!، وهو كلام لا معنى له فى الحقيقة. (9) ومنذ وفاة أبى طاهر فى عام 332 هـ/944 م، هدأ القرامطة، حتى تولى أمرهم الحسن بن أحمد بن بهرام المعروف بالحسن الأعصم فى سنة 350 هـ/961 م، حيث تجدد نشاطهم مرة أخرى، فاستولوا على بلاد الشام فى عام 357 هـ/968 م. وحتى ذلك التاريخ، كانت علاقات القرامطة بالفاطميين يسودها الود والصداقة فلما أصبح الفاطميون خلفاء مصر سنة 358 هـ/979 م، انقلب عليهم القرامطة، وبدأ صراع مسلح مرير بين الفريقين؛ فأرسل المعز لدين الله الفاطمى جيشا لإخراج القرامطة من الشام فى سنه 360 هـ/971 م بقيادة جعفر ابن فلاح، فهزمه القرامطة، وقُتل جعفر، وزحف الحسن الأعصم بقواته نحو مصر، وحاصر القاهرة عدة أشهر من عام 361 هـ/972 م، لكنه لم يستطع دخولها، فارتد عائداً إلى الشام، ومات بعدئذ فى مدينة الرملة سنة 366 هـ/976 م. (10) وبعد وفاة الحسن الأعصم صار أمر القرامطة إلى مجلس يضم ستة من شيوخهم يسمى (مجلس الستة) وحينئذ كانت أحوالهم تتجه نحو الضعف والانحلال، ولم يعد يخشى بأسهم أحد، غير أنهم ظلوا مسيطرين على ما تحت أيديهم من بلاد البحرين والأحساء، حتى تلاشى أمرهم، وزالت دولتهم فى نحو عام 375 هـ/985 م. (11) أ. د/ محمد جبر أبو سعدة

_ المراجع 1 - الفَرْق بين الفِرِق عبد القاهر البغدادى: ص 169 وما يليها، ابن كثير: البداية والنهاية 14/ 635 - 636. 2 - نسبة إلى جَنابة، وهى بلدة صغيرة على ساحل بحر فارس. معجم البلدان لياقوت الحموى 2/ 192. 3 - تاريخ الأمم والملوك الطبرى: 10/ 75،77 - 78، ابن الأثير: الكامل 7/ 498 - 500، ابن كثير: البداية 14/ 689. 4 - الكامل، ابن الأثير: 7/ 511 - 512،523 530،541، 546، 548، 8/ 143،147،155،160 ومواضع غيرها. 5 - الكامل، ابن الأثير: 8/ 511 وما يليها، ابن كثير: البداية والنهاية 14/ 697. 6 - الكامل، ابن الأثير: 8/ 83 - 84، صلاح الدين الصفدى: الوافى بالوفيات 15/ 363 - 364. 7 - الكامل، ابن الأثير. 8/ 143 - 144، ابن كثير: البداية والنهاية 5/ 15. 8 - الكامل، ابن الأثير: 8/ 170 - 174 ابن كثير: البداية والنهاية15/ 26 - 27. 9 - الكامل، ابن الأثير:8/ 207 - 208 - 486 الذهبى: سير أعلام النبلاء، 15/ 220 - 323. 10 - وفيات الأعيان ابن خلكان:1/ 361،2/ 149، الذهبى: سير أعلام النبلاء16/ 274 - 275. 11 - الكامل، ابن الأثير:9/ 42 - 43.

13 - القرب

13 - القُرْب لغة: قرّبه: أدناه،} واقترب الوعد {(الأنبياء97)، وتقارب. والقرابة: القرب فى الرحم، قرب الشىء قربا وقربانا: دنا فهو قريب. وتقرب إلى الله بشىء أى طلب به القربة عند الله تعالى. وقوله فى الحديث "سددوا وقاربوا ": أى اقتصدوا فى الأمور كلها، واتركوا الغلو فيها والتقصير، يقال قارب فلان فى أموره إذا اقتصد. واصطلاحاً: القرب خلاف البعد. والقربة: ما يتقرب به إلى الله تعالى من أعمال البر. وقد وردت مشتقات قرب فى القرآن بمعان متعددة منها: اقترب فى قوله تعالى:} كلا لا تطعه واسجد واقترب {(العلق 19) بمعنى تقرب إلى ربك. وقربات جمع قربة وهو ما يتقرب به إلى الله. وذلك فى قوله تعالى:} ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم {(التوبة 99). والله قريب أى عليم بأحوال عباده قال تعالى:} وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان {(البقرة 186). والمقربون ذوو القرب والمكانة من الله قال تعالى:} لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون {(النساء 172) وقوله:} والسابقون السابقون. أولئك المقربون {(الواقعة 10،11) وأول رتبة فى القرب القرب من طاعته، والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته. وفى الحديث القدسى الذى رواه البخارى "من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدى بشىء أحب إلىَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، ولئن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه ". فقرب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه، ثم قرب بإحسانه وتحقيقه. وقرب الحق سبحانه وتعالى، ما يخصه اليوم به من العرفان، وفى الآخرة ما يكرمه به من الشهود والعيان، وفيما بين ذلك من وجوه اللطف والامتنان، ولا يكون قرب العبد من الحق إلا ببعده عن الخلق، وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون. وقرب الحق سبحانه بالعلم والقدرة عام للكافة، وباللطف والنصرة خاص بالمؤمنين، ثم بخصائص الأنس بالله مختص بالأولياء. قال تعالى:} ونحن أقرب إليه من حبل الوريد {(ق 16) ومن تحقق بقرب الحق سبحانه وتعالى فأقله دوام مراقبته إياه؛ لأن عليه رقيب التقوى، ثم رقيب الحفظ والوفاء، ثم رقيب الحياء. ولقد قالوا: أوحشك الله من قربه آن من شهودك لقربه، فإن الاستئناس بقربه من سمات العزة،. فأما القرب بالذات فتعالى الله الملك الحق عنه. فإنه متقدس عن الحدود، مسبوق به، جلت صمديته عن قبول الوصل والفصل. فقرب هو فى ذاته محال، وهو تدانى الذوات. وقرب هو واجب فى نعته؛ وهو قرب بالعلم والرؤية. وقرب هو جائز فى صفته، يخص به من يشاء من عباده، وهو قرب الفضل باللطف. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب ابن منظور 1/ 622 - 668، دار صادر، بيروت. 2 - دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدى، 7/ 734 وما بعدها. 3 - الرسالة القشيرية، للإمام القشيرى، 1/ 236 - 239 تحقيق د/ عبد الحليم محمود. ومحمود بن شريف، دار الكتب الحديثة 4 - معجم ألفاظ القرآن الكريم مجمع اللغة العربية.

14 - القرض

14 - القرض لغة: ما تعطيه من المال لِتُقْضَاه، واستقرض منه طلب منه القرض فأقرضه واقترض منه القرض. (1) وهو مصدر: قرض الشىء يقرضه إذا قطعه، وكأنه شىء قد قطعته من مالك. واصطلاحا: دفع مال إرفاقا لمن ينتفع به ويرد بدله (2). ثبتت مشروعية القرض بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب: فبالآيات الكثيرة التى تحث على الإقراض، كقوله تعالى:} من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة {(البقرة 245). وأما السنة: فما رواه أبو رافع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضى الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء (3). - وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز القرض (4). وقد شرع القرض لمراعاة مصالح الناس والتيسير عليهم فى القيام بصنائع المعروف، ولذا يحرم القرض إن لم يكن القصد منه عمل المعروف كتحقيق منفعة للمقرض مثلا. ولا خلاف بين الفقهاء فى أن الأصل فى القرض فى حق المقرض أنه قربة من القرب لما فيه من إيصال النفع للمقترض، وقضاء حاجته وتفريج كربته وأن حكمه من حيث ذاته الندب، لكن قد يعرض له الوجوب أو الكراهة أو الحرمة أو الإباحة بحسب ما يلابسه أو يفضى إليه إذ للوسائل حكم المقاصد. وبناء على ذلك: فإن كان المقترض مضطرا، والمقرض مليئا كان إقراضه واجبا، وإن علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض يصرفه فى معصية أو مكروه كان حراما أو مكروها بحسب الحال لأنه إعانة على معصية ولو اقترض تاجر لا لحاجة، بل ليزيد فى تجارته طمعا فى الربح الحاصل منه كان إقراضه مباحا، حيث إنه لا يشتمل على تنفيس كربة، ليكون مطلوبا شرعا (5). آما فى حق المقترض فالأصل فيه الإباحة، وذلك لمن علم من نفسه الوفاء بأن كان له مال مرتجى، وعزم على الوفاء منه وإلا لم يجز ما لم يكن مضطرا، فإن كان كذلك وجب فى حقه لدفع الضّر عن نفسه. ولو كان المقرض عالما بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه فلا يحرم، لأن المنع كان لحقه وقد أسقط حقه بإعطائه مع علمه بحاله. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير2/ 498، مختار الصحاح ص 530 2 - حاشية ابن عابدين 4/ 171، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 3/ 222، تحفة المحتاج 5/ 36 كشاف القناع 3/ 298. 3 - أخرجه مسلم فى كتاب البيوع "باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيته خيرا مما عليه " صحيح مسلم بشرح النووى11/ 36. 4 - المغنى لابن قدامة 6/ 429. 5 - المبدع فى شرح المقنع 4/ 204، كشاف القناع 3/ 499، روضة الطالبين 4/ 32، مواهب الجليل 4/ 545

15 - قريش

15 - قريش لغة: قرش الشىء، يقْرِشُه أى قطعه وجَمَعَه من ههنا وههنا، وضم بعضَه إلى بعض. واصطلاحا: أشهر قبائل العرب العدنانية على الإطلاق وسميت هذه القبيلة العربية قريشاً لتجمعهم إلى الحرم المكى، وثمت روايات أخرى عن سبب هذه التسمية، وكلها تدور حول ذلك المعنى اللغوى. والنسبة إلى قريش: قريشى، وقرشى. ويعرِّف بهم ابن حزم بقوله (وَلَدُ فهربن مالك هم قريش، لا قريش غيرهم، ولا يكون قريشى إلا منهم، ولا من ولد فهر أحد إلا قريشى). وينتمى فهرُ بنُ مالك إلى جده الأعلى (عدنان) على هذا النسق: فِهْر ابن مالك بن النَّضْر بن كِنانَة بن خُرَيْمة بن مُدْرِكة ابن إلياس بن مُضر بن نزار بن مِعَدّ بن عَدْنان. ويرتبط ذكر قريش فى التاريخ، ومكانتهم بين العرب جميعا بمكة المكرمة، وبيت الله الحرام الذى يقدسه العرب، ويحجون إليه فى كل عام، غير أن هذا الذكر والمكانة إنما يرجعان إلى عهد قريب من ظهور الإسلام، أما قبل ذلك فلم يكن لقريش شأن يكاد يذكر. وفى هذا الصدد يذكر المؤرخون: أن قُصَىَّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَىّ بن غالب بن فهر ... بن عدنان، قصى هذا هو الذى يرجع إليه الفضل فى ظهور قبيلة قريش على مسرح الأحداث فى مكة، واتجاه أنظار العرب إليها، وذلك حين تمكن من جمع شمل أبناء قبيلته وتوحيد صفوفهم، ومن ثم استطاع التغلب على قبيلة خزاعة بعد قتال عنيف، كان النصر فيه لقصى وقريش، ثم عُقد صلح بين الفريقين على أن يتولى قصى أمور مكة والبيت الحرام، فأصبح أول رجل من قريش يدين له أهل مكة جميعا بالسمع والطاعة؛ فتولى حجابة البيت، وسقاية الحجاج ورفادتهم، ورئاسة الندوة واللواء والقيادة، وكان ذلك التطور الكبير فى تاريخ مكة وقريش فى النصف الأول من القرن الخامس الميلادى، أى قبل ظهور الدعوة الإسلامية بما يزيد قليلا عن قرن ونصف قرن من الزمان. لما استقر الأمر لقصى جمع قريشاً وأمرهم أن يبنوا دورهم داخل مكة إلى جوار الكعبة، بعد أن اتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى البيت العتيق. وفى هذه الدار كان كبار رجال قريش يتبادلون الرأى فى أمور السلم والحرب، وفيها تُبرم عقود الزواج، وتُنجز المعاملات، ويرتبط بذلك أنه لا يدخل دار الندوة إلا الرجال الذين بلغوا سِنّ الأربعين، وهم بهذه المثابة يمثلون حكومة مكة، ولذلك التزم الناس بأوامرهم، كما صارت أوامر قصى بن كلاب مطاعة فيما بينهم. وقبل وفاة زعيم مكة قام بتوزيع وظائف على أبنائه، فأعطى عبد الدار بن قصى حجابة البيت ودار الندوة واللواء، أما عبد مناف بن قصى فأعطاه السقاية والرفادة والقيادة، ونتيجة لذلك ظلت الأوضاع مستقرة بعد وفاة قصى، واستمرت قريش فى إدارة شئون مكة والبيت الحرام والقيام على خدمة الحجيج ورعايتهم. لقد برز من خلفاء قصى العديد من رجال قريش الذين قاموا بأعمال مهمة أدت إلى ازدهار مكة، ورفعة شأن قبيلتهم بين العرب، ومن أشهرهم: هاشم بن عبد مناف بن قصى، الذى نجح فى عقد الإيلاف لقريش، وتوسيع نطاق التجارة المكية حيث أخرجها من الحدود المحلية إلى دائرة المجال الدولى؛ فأخذ الحلف من قيصر الروم لتجار قريش على أن يدخلوا الشام بتجارتهم ويعودوا منها آمنين، كما أنه هو الذى سَنّ لقريش رحلتى الشتاء إلى اليمن والحبشة، والصيف إلى الشام وغزة وآسيا الصغرى. وتولى بعد أبيه سقاية الحجاج وإطعام فقرائهم، وحفر عدة آبار جديدة ليرتفق بها أهل مكة وحجاج البيت. لقد كان اسمه عمر، ولكن غلب عليه لقب (هاشم)، لأنه هشم الثريد لقومه بمكة فى إحدى المجاعات. ومع هذه الأعمال جميعا فقد توفى شاباً وهو فى رحلة تجارية إلى غزة فى سنة 524 ميلادية تقريبا. واشتهر أخوه المطلب بن عبد مناف بن قصى بالنسك والنهى عن الظلم والعدوان، والحث علّى مكارم الأخلاق. وكانت وفاته باليمن. أما عبد المطلب بن هاشم، فكان أحد وجهاء مكة، وأشهر زعماء قريش فى عصره، وهو الذى لم يرهب لقاء أبرهة الحبشى الذى زحف على رأس جيش قوى من اليمن إلى مكة ليهدم البيت الحرام، وقال له واثقا مطمئنا: إن للبيت ربّا يحميه!! وصدق عبد المطلب " فقد حمى الله بيته، ودمر جيش أبرهة، وسجل القرآن الكريم هذه الحادثة الخطيرة فى تاريخ مكة وقريش فى سورة الفيل، واشتهر عبد المطلب كذلك بالفياض لجوده وسخائه، وإكرامه حجاج بيت الله- على الرغم من أنه لم يكن أغنى رجال مكة، ولُقِّب شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له. وهو الذى حفر بئر زمزم التى استغنى بها أهل مكة عن الآبار الأخرى لغزارة مائها ولطف مذاقها. وقد توفى عبد المطلب قبل الهجرة بنحو خمسة وأربعين عاماً (579 م). ومن أبناء عبد المطلب المشهورين بين رجالات قريش: أبو طالب وشقيقه عبد الله (والد النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -)، والعباس جد الخلفاء العباسيين، وحمزة أسد الله، الذى استشهد فى غزوة أحد سنة ثلاث هجرية (625 م). أما أهم أسباب شهرة قبيلة قريش ومجدها المؤثل على مر التاريخ، فهو أن الله سبحانه قد شرفها ورفع ذكرها فى العالمين باختيار أحد أبنائها ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو: محمد - صلى الله عليه وسلم - بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى، الذى وُلد بمكة المكرمة فى عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وخمسين سنة (570 م)، وأوحى إليه وكلف بالرسالة حين بلغ الأربعين من عمره المبارك، ومن ثم أخذ يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ عبادة الأصنام السائدة بين قريش والعرب جميعا، فمنهم من آمن به وصدقه، ومنهم من كفر بدعوته وصد عنه. ولكن بعد جهاد عظيم وكفاح مرير، ومعاناة شديدة، وهجرة من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة) تكللت جهوده وجهاده بانتصار الحق الذى جاء به ودعا إليه وانتشار دعوته (دعوة الإسلام) فى مكة وسائر أنحاء شبه الجزيرة العربية. ولم تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها فى سنة إحدى عشرة للهجرة (632 م)، إلا بعد اكتمال الرسالة، وإتمام نعمة الإسلام عليه وعلّى أمته، فأصبح العرب جميعا يدينون بالإسلام، والحمد لله رب العالمين ... أ. د/ محمد جبر أبو سعدة

_ المراجع 1 - أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار- أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى (ت نحو 250 هـ/864 م) بتحقيق رشدى الصالح ملحس- مطابع دار الثقافة- مكة المكرمة 1385 هـ/1965 م. 2 - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام- جواد على- دار العلم للملايين. بيروت 1980 م. 3 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم بتحقيق عبد السلام محمد هارون. مطابع دار المعارف بمصر 1977 م 4 - الطبقات الكبرى، لابن سعد دار صادر بيروت 1388 هـ/1968 م. 5 - تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبرى بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- مطابع دار المعارف بمصر- 1396 هـ/1976م. 6 - القاموس المحيط، للفيروز آبادى مطابع مؤسسة الرسالة- بيروت 7 0 4 1 هـ/1987 م. 7 - السيرة النبوية، لابن هشام بتحقيق مصطفى السقا وآخرين. مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر 1375 هـ/1955 م. 8 - حياة محمد- محمد حسين هيكل مكتبة النهضة المصرية 1965 م.

16 - القصد

16 - القصد لغة: استقامة الطريق، ومنه قوله تعالى:} وعلى الله قصد السبيل {(النحل 9) أى على الله تبين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة، وسفر قاصد: سهل قريب. والقصد: العدل. والقصد إتيان الشىء، تقول: قصد له وقصد إليه توجه إليه عامداً، وقصد فى النفقة لم يسرف ولم يقتر، وقصد فى الأمر: توسط لم يُفرِط ولم يُفرِّط، وقصد فى مشيه: اعتدل فيه (1) واصطلاحاً: يطلق ويراد به أولا: توجه النفس إلى الشىء أو انبعاثها نحو ما تراه موافقا، وهو مرادف للنية (2). فالقصد مرادف للنية، فالقصد يميز العبادة عن العادة كالجلوس للاعتكاف تارة، وللاستراحة تارة أخرى، أو تمييز رتبتها كالصلاة تكون للفرض تارة أو للنفل تارة أخرى، وشرطها إسلام الناوى وتمييزه وعلمه بالمنوى به. والإمساك عن الأكل قد يكون لعدم القدرة على الأكل، وتارة تركا للشهوات لله عز وجل، فيحتاج فى الصيام إلى نية يقصد بها تميز ذلك عن ذلك. مما تدخل النية فيه والقصد مسائل الأيمان فلغو اليمين لا كفارة فيه، وهو ما يجرى على اللسان من غير قصد بالقلب البتة قال تعالى:} لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة {(المائدة 89) (3). وأكثر استعمال القصد فى التعبير عن التوجه الإرادى (العملى) والتوجه الذهنى. فأما القصد الدال على التوجه الإرادى: فهو إما مشروع وإما هدف، فإن كان مشروعاً دل على مجرد العزم على الفعل والانبعاث نحوه. وإن كان هدفا دلّ على الغاية التى من أجلها حصل التوجه. فالنجار مثلاً يقصد صنع خزانة جميلة، وهذا مشروع، أو يقصد مع ذلك أن يشتهر ويكتسب ثقة الناس؛ وهذا هدف (4). ويطلق اصطلاح اتجاه القصد على العمل الذى له جانبان أحدهما جميل، والآخر قبيح، والمسلم لا يرى أن المعاصى تؤثر فيها النية الحسنة فتنقلب طاعة، فالذى يغتاب شخصا لتطييب خاطر شخص آخر هو عاص لله تعالى آثم لا تنفعه نيته وقصده الحسن فى نظره، وكذلك الذى يبنى مسجدا بمال حرام لا يثاب عليه، بل يعاقب على هذا المال الحرام، فلا يكفى أن يكون القصد حسنآ، بل لابد آن يكون الفعل والعمل صالحا موافقا للشرع. (5) فلابد من تقدير قيمة الفعل والعمل مع ملاحظة ناحيتين: إحداهما المبدأ الذى يوجه النفس إلى الشىء، والأخرى: الشروط الواقعية المحيطة بتنفيذ العمل. وأما القصد الدال على التوجه الذهنى: فهو القصد الذى أشار إليه الفلاسفة المدرسيون فى القرون الوسطى، والفلاسفة الظواهريون والوجوديون فى العصور الحديثة. فالفلاسفة المدرسيون يطلقون لفظ القصد على اتجاه الذهن نحو موضوع معين، ويسمّون إدراكه المباشر لهذا الموضوع بالقصد الأول، وتفكيره فى هذا الإدراك بالقصد الثانى. والفلاسفة الظواهريون والوجوديون يطلقون لفظ القصد على تركيز الشعور فى بعض الظواهر النفسية، كالإدراك الحسى، والتخيل والذاكرة؛ لتفسيرها وتوضيح أسبابها فمعنى القصد عندهم قريب من معناه عند المدرسيين. والقصدى هو المنسوب إلى القصد، ومنه الأنواع القصدية، وهى الأنواع المدركة بالحس، وهذا الإدراك عند الظواهرية لا يتم بتأثير العقل وحده، بل يتم بتأثير العاطفة والوجدان. والانفعالية القصدية هى العواطف التى تتوجه إلى الشىء، وتعين على معرفته كالحب والبغضاء، فهما وسيلتان من وسائل المعرفة، كالإدراك والتذكر (6). ثانيا: القصد أخلاقيا: يطلق ويراد به التوسط والاعتدال فى الأمور كلها. فقد تضمن الإسلام طائفة من الإرشادات المتصلة بحياة المسلمين الخاصة، قصد بها إلى تنظيم شئونهم البدنية والنفسية، ووضعها على أساس كريم وهى آداب تتعلق بمطعم الإنسان وملبسه ومسكنه وسائر آماله التى يسعى إليها فى هذه الحياة، لا يجنح بها إلى الرهبانية المغرقة، ولا إلى المادية الجشعة، فهى تقوم على التوسط والاعتدال، ومن ثم فتنفيذها سهل قريب. إن الإسلام يقرن بين مطالب الجسم والنفس فى تعاليمه، ويكف طغيان أحدهما على الأخر، ويرى فى تنسيق حاجاتهما عونا للمرء على أداء رسالته فى هذه الحياة وما بعدها. فالإسلام يقسم آمال المؤمن ورغائبه على معاشه ومعاده، ويطلب الخير لنفسه فى يومه وغده. قال تعالى:} فمن الناس من يقول ربنا آتنا فى الدنيا وماله فى الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا {(البقرة 200 - 202). وقد جاء فى النصح لقارون ما يؤكد العمل للحياتين معاً، فإن الدنيا وسيلة للآخرة، وصحة الوسيلة ضمان لنجاح المقصد. قال تعالى} وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك .. ! {(القصص 77). إن التوسط لب الفضيلة، والتوسط والقصد أن تملك الحياة لتسخرها فى بلوغ المثل العليا، لا أن تملك الحياة فتسخرها لدنياها، ولا أن تحرم من الحياة أصلاً فتقعد ملوما محسوراً. وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " السمت الحسن والتؤدة- والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة" (رواه الترمذى). وقال تعالى:} واقصد فى مشيك {(لقمان 19) أى توسط واعتدل فى مشيك بين السرعة والبطء. (7) ولنأخذ مثالاً من الأمور التى طلب الإسلام فيها القصد، مثال المأكل والمشرب فإن حال الإنسان فى مأكله ومشربه مطلوب منه الاعتدال والقصد والتوسط فلا يُفرط فى تناول الطعام والشراب ولا يُفرِّط، فإن الداعى إلى الطعام والشراب شيئان: حاجة ماسة، وشهوة باعثة، فالحاجة تدعو إلى ما سدَّ الجوع وسكَّن الظمأ، وهذا مندوب إليه عقلاً وشرعاً لما فيه من حفظ النفس وحراسة الجسد، ولذلك ورد الشرع بالنهى عن الوصال بين صوم اليومين، لأنه يضعف الجسد، ويمقت النفس، ويعجز عن العبادة. وأما شهوة الزيادة على قدر الحاجة والإكثار على مقدار الكفاية فهو ممنوع منه، فى العقل والشرع؛ لأنه تناول ما زاد على الكفاية فهو شَرَهٌ مضرّ (8). وقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن، صلبه فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه " (رواه ابن ماجه). ولقد كان القصد فى الأمور والاعتدال فيها من صفة النبى - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبل النبى - صلى الله عليه وسلم - موقف النفر الذى قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلى ولا أنام، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء، فبين رسول الله لهم أن ذلك يرفضه الإسلام ويأمر بالاعتدال والقصد فى الأشياء. فقال - صلى الله عليه وسلم - " أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى ". (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب- ابن منظور 353 - 354، دار صادر بيروت، والمعجم الوسيط 2/ 776 - دار المعارف ط3 القاهرة. 2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا 2/ 193 الناشر الشركة العالمية للكتاب 1994 م 3 - جامع العلوم والحكم- لابن رجب 1/ 118 - 124 تحقيق د/ محمد الأحمدى أبو النور- طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 4 - المعجم الفلسفى 2/ 193. 5 - منهاج المسلم- أبو بكر جابر الجزائرى ص 84 - 86 - الناشر مكتبة الكليات الأزهرية ط3 القاهرة. 6 - المعجم الفلسفى 2/ 194. 7 - خلق المسلم- الشيخ محمد الغزالى ص 145 - 154 دار الدعوة ط 3. 1990 م. 8 - أدب الدنيا والدين للماوردى ص 337 مكتبة مصطفى البابى الحلبى ط 5 القاهرة 1986 م.

17 - القصر

17 - القصر لغة: يدور حول معنيين: الحبس، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته، كما فى اللسان، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين} الصافات:48. ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة. واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة. فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين، إثبات الحكم للمقصور عليه، ونفيه عن غيره، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد. وينقسم القصر إلى: أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا. فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو} البقرة:163. بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى. والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه. وينقسم الإضافى إلى قصر قلب، وإفراد وتعيين، حسب حال المخاطب واعتقاده. فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر} المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين} المؤمنون:83، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق. أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} الغاشية:21 - 22، والصفة المنفية الإكراه والإجبار. وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها. ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا. فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة:5. وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة. ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} يوسف:104. وهو قصر إضافى، أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات، إلا بضرب من المبالغة. كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى. والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} يونس:61. وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان. وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية، ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة:5. ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا} طه:14. وأشهر هذه الطرق أربعة: 1 - النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم} الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر. 2 - "إنما" -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون} الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر. 3 - تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6. وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير} الممتحنة:4. والمقصورعليه المقدم. 4 - العطف ب "بل" ولكن و "لا"،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون} البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} آل عمران:117، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب. لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة. أ. د/صبّاح عبيد دراز

_ مراجع الاستزادة: 1 - أساليب القصر فى القرآن الكريم. د/صباح دراز مطبعة الأمانة القاهرة ط1، 1406هـ-1986م. 2 - الإيضاح للخطيب القزوينى. دار الكتاب اللبنانى. ط5، 1403هـ 1986م. 3 - البحر المحيط لأبى حيان الأندلسى. دار الفكر. ط2، 1403هـ- 1983م. 4 - بغية الإيضاح، الشيخ عبد المتعال الصعيدى، المطبعة النموذجية. 5 - البلاغة تطور وتاريخ، د/شوقى ضيف. دار المعارف ط3 القاهرة .. 6 - دلائل الإعجاز. عبد القاهر الجرجانى. تحقيق محمود شاكر. مكتبة الخانجى. القاهرة. 7 - شروح التلخيص. ط عيسى الحلبى 1937م. 8 - من الإعجاز البلاغى للقرآن د/صباح دراز المكتبة التوفيقية ط1 القاهرة 1991 م. 9 - النبأ العظيم، أ. د/محمد عبدالله دراز، مطبعة السعادة ط1، 1960م

18 - القصيدة

18 - القصيدة لغة: من القصد .. وهو الاستقامة، والعمد، والتوسط، والاعتدال والإصابة، والتنقيح، والتجويد، والتهذيب. (1) واصطلاحا: مجموعة أبيات من بحر واحد، مستوية فى عدد الأجزاء وفى الأحكام اللازمة. (2) وبعبارة أخرى: القصيدة مجموعة من الأبيات الشعرية ترتبط بوزن واحد من الأوزان العربية، وتلتزم قافية واحدة. (3) وجمع القصيدة من الشعر القصيد، والقصائد .. قال ابن جنى: فإذا رأيت القصيدة الواحدة، قد وقع عليها القصيد بلا هاء .. فإنما ذلك لأنه وضع على الواحد اسم الجنس إتساعأ. (4) وقيل: القصيد من الشعر ما تمَّ شطر أبياته، وفى التهذيب شطر أبنيته .. سمى بذلك لكماله، وصحة وزنه، وقال ابن جنى: سمى قصيدا .. لأنه قصد واعتمد، وإن كان ما قصر منه واضطرب بناؤه نحو الرمل والرجز شعرا مرادا مقصودا .. وذلك أن ما تم من الشعر وتوفر آثر عندهم، وأشد تقدما فى أنفسهم مما قصر واختل، فسموا ما طال ووفر قصيدا .. أى مرادا مقصودا. (5) وقد اختلف فى عدد أبيات القصيدة .. فالأخنس أجاز تسمية ما كان على ثلاثة أبيات. أو خمسة أو عشرة قطعة .. فأما ما زاد على ذلك .. فإنما تسميه العرب قصيدة (6) .. وقيل: إذا بلغت الأبيات سبعة فهى قصيدة .. ولهذا كان الإيطاء بعد سبعة غير معيب عند أحد من الناس ... ومن الناس من لا يعد القصيدة إلا ما بلغ العشرة وجاوزها، ولو ببيت واحد .. ويستحسنون أن تكون القصيدة وترا .. وأن يتجاوز بها العقد، أو توقف دونه .. كل ذلك ليدلوا على قلة الكلفة، وإلقاء البال بالشعر. (7) والقصيدة على أنواع منها: 1 - القصيدة العمودية: وهى التى تعتمد على وحدة الوزن والروى، وقد جاء عليها معظم الشعر العربى .. وثمة خصائص أسلوبية متعددة تميز هذه القصيدة. (8) 2 - القصيدة المثناة: وهى التى يجتمع فيها أكثر من ضرب من ضروب القافية. (9) 3 - قصيدة النثر: هى الكتابة التى لا تتقيد بوزن أو قافية .. وإنما تعتمد الإيقاع الداخلى .. والكلمة الموحية .. والصورة الشعرية .. وغالبا ما تكون الجمل فيها قصيرة، محكمة البناء، مكثفة الخيال. وقد كانت بداية ظهور هذا النوع من القصائد فى الربع الأول من القرن العشرين .. عندما اعتمد جيران والريحانى فنَّا أدبيا يجعل النثر الفنى أسلوبا إلا أنه يتميز بعاطفة شعرية .. وخيال مجنح، وقد كانا متأثرين بقراءتهما عن الأدب الغربى .. وقد سمى هذا النوع من الأدب الشعر المنثور .. وسماه ميخائيل نعيمة "الشعر المنثور " .. ثم جاءت مجلة "شعر" اللبنانية .. وأخذت تروج هذا الشكل الأدبى، وتطوره .. ولعل أول من بدأ بكتابة "قصيدة النثر" بشكل واضح ومميز الشاعر "أنسى الحاج " .. ثم جاء "أدونيس " و"يوسف الخال" و"شوقى أبو شقرا " و"عصام محفوظ " ورسخوا هذا الشكل الأدبى .. وكان "أدونيس " أول من اصطلح على تسمية هذا الشكل "قصيدة النثر" ودافع عنه فى كتابه "الثابت والمتحول " وكثير من الأدباء والنقاد يعتبرون هذا الشكل نثرا أدبيا. (10) أ. د/ صفوت زيد

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مادة "قصد" مجمع اللغة العربية .. المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع إستانبول- تركيا بدون تاريخ .. وانظر أيضا: تاج العروس، مادة "قصد، للزبيدى تحقيق على شيرى- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت طبعة 1994م 2 - الوافى فى علمى العروض والقوافى د. إبراهيم جادو ص6 الطبعة الثانية 1992م 3 - معجم مصطلحات العروض والقوافى د. محمد على الشوابكة صـ207. نشر جامعة مؤتة بالأردن دار البشير بعمان 1991م. 4 - تاج العروس. مادة قصد. 5 - السابق نفسه. 6 - السابق نفسه. 7 - العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيروانى 1/ 188 - 189 تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد- دار الجيل بيروت ط 5/ 1981م" 8 - معجم مصطلحات العروض والقافية ص208 9 - الشافى فى العروض والقوافى د. هاشم صالح مناع 274 - 275 دار الفكر العربى- بيروت- الطبعة الثالثة 1995م 10 - معجم مصطلحات العروض والقافية 9 0 2 - 211 وانظر: قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة 213 - 237 دار العلم للملايين- بيروت الطبعة السابعة 1983 م.

19 - القضاء

19 - القضاء لغة: القطع والفصل، يقال: قضى يقضى قضاء، فهو قاض إذا حكم وفصل، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: إلزام من له إلزام بحكم الشرع (2). وقد ثبتت مشروعية القضاء بالكتاب والسنة والإجماع: 1 - قال تعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ص:26. 2 - وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم متوليا بنفسه أمر، القضاء بالوحى الإلهى، لأنه المبلغ عن الله عز وجل، فكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس للقضاء يتمثل العدل فى أسمى وأجمل المظاهر، وكان القضاء منحصرا فيه دون غيره، ولكن عندما انتشر الإسلام كان مضطرا لتعيين القضاة، وقد ثبت أنه بعث سيدنا عليا وسيدنا معاذا إلى اليمن قاضيين (رواه أبوداود والترمذى) (3). 3 - ولما تولى سيدنا أبوبكر الخلافة تولى بنفسه السلطة الدينية والسياسية، وكان يرجع فى كل أموره إلى كتاب الله أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان يأخذ بالقياس، وإذا تعذر عليه الفصل فى المنازعة التى عرضت عليه، يجع إلى الشورى، وأخذ بها بعد عرض الأمر على أهل العقد والحل، كذلك كان يفعل عمر، مع تعيين القضاة فى سائر الأمصار الإسلامية لاتساعها، وكان يختار القضاة من حفظة القرآن الكريم ومن المعروفين بالورع والتقوى، ممن ضربوا أروع الأمثله فى العدل (4). وقد شرع القضاء لأجل الفصل فى الخصومات، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل وإقامة العدل بين الناس، وهو ضرورة من الضروريات التى تحتاج الأمة إليها لعدم الاستغناء عنها، لأنه الوسيلة الوحيدة لرد النوائب، وقمع المظالم، ونصر المظلوم، وإنهاء الخصومات، ولذلك قال الفقهاء: يكره نحريما تقلد القضاء لمن يخاف الحيف فيه، بأن يظن أنه قد يجور فى الحكم، أو يرى فى نفسه العجز عن سماع دعاوى كل الخصوم، وهذا إذا لم يتعين عليه، فإن تعين عليه، أو من الخوف فلا يكره، وقالوا كذلك: يحرم على الشخص تولى القضاء إذا كان جاهلا ليس له أهلية القضاء أومن أهل العلم لكنه عاجز عن إقامة وظائفه، أو كان متلبسا بما يوجب فسقه، أو كان قصدء الانتقام من أعدائه، أو أخذ الرشوة أو نحو ذلك (5). والقضاء فى الإسلام له أهميته ومكانته، لأنه يقوم على تحقيق العدل بين الناس ورفع الظلم عن المظلومين، وعدم المحاباة أو المجاملة، وكل هذا نراه فى كتاب سيدنا عمر إلى أبى موسى الأشعرى الذى جاء فيه "إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة آس بين الناس فى مجلسك ووجهك وعدلك حتى لايطمع شريف فى حيفك ولايخاف ضعيف من جورك، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل، واجعل للمدعى حقا عائنا أوبينة فاضرب له أمدا ينتهى إليه، فإن أحضر بينته أخدت له بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك اتقى للشك، وأجلى للعمى ثم إياك والقلق والضجر والتأذى بالناس والتنكر بالخصوم فى مواطن الحق التى يوجب بها الأجر، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تعالى -ولو على نفسه- يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه، هتك الله ستره، وأبدى فعله، والسلام" (6). ولهذا رأينا الفقهاء يوجبون على القاضى: 1 - عدم الحكم لوالديه أو لأحد أولاده لأجل التهمة، ولكنه يجوز له أن يحكم على أحد أبويه، أو أحد أبنائه لانتفاء التهمة. 2 - عدم الحكم على عدوه، ويجوز له أن يحكم له. 3 - لا يجوز للقاضى أن يفاضل بين الخصوم فى المجلس، ولا أن يخلو بأحد الخصوم دون الآخر لما فى ترك العدل فى ذلك من كسر قلب الآخر ويؤدى إلى التهمة (7). 4 - وعلى القاضى أن ينظم وقته الذى يقضى فيه بين الناس، ليعطى لنفسه وقتا للراحة. 5 - يستحب له أن يتخذ كاتبا يكتب له، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فقد اتخذ زيد بن ثابت ليكتب له، لأن القاضى فى الغالب يكون مشغولا بسماع دعوى الخصوم ومتابعة أقوالهم، ولهذا فإنه يكون محتاجا لكاتب يكتب له الوقائع حتى لا يقع القاضى فى خطأ بسببه النسيان. 6 - ينبغى للقاضى أن يتخذ أعوانا يعاونونه فى إحضار الخصوم وتنفيذ أحكامه بشرط أن يكون هؤلاء الأعوان من المعروفين بالتقوى والصلاح والأمانة والبعد عن الطمع (8). 7 - ليجوز للقاضى تأخير الحكم فى الخصومة إلا فى ثلاث: الريبة، ولرجاء صلح الأقارب، وإذا طلب أحد الخصوم مهلة لتقديم ما يؤكد قوله أمام القاضى (9). 8 - على القاضى ألا يميز بين مسلم أو غير مسلم فى مجلس القضاء لأن الإسلام هو دين العدالة، والتى كانت سببا فى انتشار الإسلام شرقا وغربا، فهذا هو القاضى شريح الذى كان يقضى بالعدل، ولا يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولا بين حاكم أو محكوم حينما تخاصم إليه سيدنا على ويهودى فى رمح، وادعى سيدنا على أن الرمح رمحه، وادعى اليهودى أن الرمح رمحه، عند ذلك طلب القاضى من سيدنا على -وهو أمير المؤمنين- أن يحضر الشهود على أن الرمح رمحه، فأحضر ابنه الحسن، فلم يقبل القاضى شهادة الحسن لأبيه، وطلب من سيدنا على أن يحضر شاهدا آخر، ولم يجد شاهدا غيره، فحكم القاضى بأن الرمح لليهودى، فلما رأى اليهودى ذلك تعجبه مما رأى، وأعاد لسيدنا على رمحه، وأعلن إسلامه فى الحال، بسبب ما رآه من عدل القاضى، الذى لم يفرق بين مسلم وغير مسلم، ولو كانت الخصومة بين يهودى وبين أمير المؤمنين. أ. د/صبرى عبدالرؤوف محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت (قضى) 15/ 186 - 187. 2 - حاشية الجمل على شرح المنهح، طبعة عبدالرحمن محمد، 5/ 334. 3 - سنن أبى داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق، السجستانى، أبو داود، 4/ 11. 4 - أدب القاضى، للماوردى، طبعة الحلبى، القاهرة 1/ 137. 5 - حاشية ابن عابدين 5/ 367. 6 - حكمة التشريع وفلسفته، ليلى أحمد الجرجاوى، طبعة مؤسسة الحلبى، القاهرة 2/ 167. 7 - مغنى المحتاج، محمد بن أحمد الشربينى، مكتبة مصطفى الحلبى، القاهرة، 4/ 393. 8 - أدب القضاء، لابن أبى الحداد، بيروت، ص108. 9 - تبصرة الحكام، 1/ 77

20 - القضاء والقدر

20 - القضاء والقدر لغة: القضاء هو الحكم والفصل بين الناس - يقال قضى يقضى قضاء فهو قاض .. إذا حكم وفصل القاضى وإصطلاحا: هو ما قدره الله تعالى وقضاه علّى العالمين فى علمه الأزلى مما لا يملّكون صرفه عنهم- وهذه العقيدة جاءت بها جميع الرسالات الإلهية، وليست خاصة بالمسلّمين- يقول ابن حزم: " ذهب بعض الناس- لكثرة استعمال المسلّمين لهاتين اللّفظتين إلى أن ظنوا فيهما معنى الإكراه والإجبار- وليس كما ظنوا- وإنما معنى القضاء- فى لغة العرب التى بها خاطبنا الله ورسوله، وبها نتخاطب ونتفاهم- أنه هو "الحكم" فقط، ولذلك يقولون: "القاضى" بمعنى الحاكم، وقضى الله عز وجل بكذا" أى- حكم به؛ ويكون أيضا بمعنى "أمر"، قال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} (الإسراء23)، إنما معناه بلا خلاف أنه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلا إياه؛ ويكون أيضا بمعنى "أخبر"- قال تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} (الحجر 66) - بمعنى أخبرناه أن دابرهم مقطوع فى الصباح .. وقال: ويكون أيضا بمعنى "أراد"- وهو قريب من معنى "حكَم " {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} (آل عمران 47) وقضى ذلك: حكم بكَونه فكوَّنَه. . ومعنى "القدر"- فى اللّغة العربية- الترتيب والحد الذى ينتهى إليه الشيء- قال تعالى: {وقدر فيها أقواتها} (فصلت 10) بمعنى: رتب أقواتها وحددها؛ وقال: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر 49) أى: برتبة واحدة .. وعلى هذا- فمعنى: "قضى وقدر": "حكم ورتب "- ومعنى القضاء: حكم الله فى شيء بحمده أو ذمه وبكونه وترتيبه علّى صفة كذا وإلى وقت كذا فقط ". وقد ذهبت طائفة من الناس إلى أن الإنسان مجبر على أفعاله وأنه لا استطاعة له أصلا، وهو كالريشة، فى مهب الريح، وإنما تنسب الأفعال إليه مجازا، والفاعل فى الحقيقة- هو الله كما تقول: أمطرت السماء، وليست السماء هى الفاعل للّمطر وإنما الفاعل هو الله- وهذا قول "الجبرية"، وعلّى رأسهم "جهم بن صفوان" وطائفة من "الأزارقة"- وقد ذهب "المعتزلة" إلى نقيض ذلك، فالإنسان- عندهم- يملّك حرية الإرادة، وهو مختار فى أفعاله، وهو الخالق لها، ومن ثم كان التكلّيف والثواب والعقاب وإلا فكيف يكلّف الإنسان بفعل لا يفعلّه هو إنما يفعله غيره وكيف يثاب أو يعاقب علّى فعل لا يفعله هو وإنما يفعله غيره - وهو الله، أما " الأشاعرة " فيرون أن الإنسان لا يخلق أفعاله الاختيارية، وإنما الخالق لها هو الله لأنه {خالق كل شيء} (الأنعام 102) وليس للإنسان فى أفعاله الاختيارية سوى "الكسب" - وهو: "مقارنه قدرة العبد للفعل من غير تأثير لها فيه "- وهذا الكسب هو مناط التكليف والمسئولية والثواب والعقاب. وأما " الماتريدية" فهم كالأشاعرة- إلا أنهم يفسرون "الكسب " بأنه "العزم والتصميم على الفعل "- وهذا هو مناط التكليف والثواب والعقاب- وهو ما يدل عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه البخارى). والقرآن الكريم يوبخ الذين يتعللون بالقدر فى كفرهم وعصيانهم: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}، (الأنعام 148)، ] وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء [، (النحل 35) - ذلك لأن القدر من الأسرار التى استأثر الله تعالى بعلمها- وقد حاول أصحاب الديانات السابقة أن يجدوا حلا لهذه المعضلة- وهى التوفيق بين مسئولية الإنسان عن أفعاله والقول بإرادة الله المطلقة وقدرته الشاملة- وكانت نتيجة محاولاتهم الفشل الذريع، وثبت لهم أن هذا بحث لا يؤدى إلى نتيجة محققه يمكن الاتفاق عليها ولهذا أمرنا فى الإسلام أن لا نخوض فى مسألة القدر إذ إن الخوض فيها إضاعة للوقت سدى. والسبب فى عجز الإنسان عن حل هذه المعضلة- أننا لكى نصل إلى حكم صحيح على أصل الخير والشر والحسن والقبيح والعدل والظلم- يجب علينا أن نلم بحقيقة الخليقة، وحكمة الله فى الخلق وتدبير الأمور، وماهية الوجود، والأصول التى بنى عليها نظام هذا الكون، وغرض الخالق من ترتيب الأمور بعضها على بعض، ومعنى الثواب والعقاب، والعوامل المتضادة التى تتنازع الإنسان- إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يستقل العقل الإنسانى بإدراكه؛ ومن ثم فنحن نؤمن بأن لا قدرة لمخلوق مع قدرة الخالق، وأن لا عمل إلا بتوفيق الله ومشيئته، ونكل أمر هذه المشكلة. إلى الله- طالبين منه أن يؤتينا فيها علما يثلج صدورنا، ويطمئن نفوسنا .. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد. 2 - دانرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدى 3 - تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة 4 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم. 5 - شرح المقاصد، لسعد الدين التفتازانى. 6 - تاريخ المذاهب الإسلامية، للإمام محمد أبو زهرة.

21 - القضية الفلسطينية

21 - القضية الفلسطينية فلسطين التى تنسب لها هذه القضية، هى أرض باركها الله سبحانه، بأن جعل فيها المسجد الأقصى فى بيت المقدس، وأسرى بعبده محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين إليه من المسجد الحرام وعرج به منه إلى السماء ليرى من آيات ربه الكبرى، وبارك حوله، وهى الأرض التى بعت الله فيها عيسى ابن مريم وعددا من النبيين، وعاش فيها أبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. وفلسطين هذه تشكل الشطر الجنوبى الغربى من بلاد الشام وتجاورجزيرة العرب ومصر. والقضية الفلسطينية مصطلح برز قانونيا منذ عام 1336هـ، عام 1917 م، حين احتلت بريطانيا فلسطين ودخل الجنرال اللنبى مدينة القدس يوم 18/ 12 /1917 قال كلمته "الآن انتهت الحروب الصليبية". ويدل هذا المصطلح على جميع ما يتصل بفلسطين، شعبا وارضا، وحضارة وهى تواجه مع وطنها العربى ودائرة حضارتها الإسلامية تحالف قوى الهيمنة الغربية، القارونيين الجدد، مع الصهيونية العنصرية فى غروة لها بغية اغتصابها وجعلها "وطنا قوميا لليهود" على حد تعبير تصريح بلفور، وقاعدة استعمارية استيطانية عنصرية للتسلط على الوطن العربى بخاصة والعالم الإسلامى بعامة. كانت بريطانيا قد ركزت أطماعها على فلسطين والأقطار العربية فى الدولة العثمانية منذ أوائل القرن الثالث عشر الهجرى مطلع القرن التاسع عشر الميلادى، إثر انتصار بلاد الشام ومصر على الغزوة الفرنسية التى قادها نابليون بونابرت، وعمدت فى نهاية ذلك القرن إلى تشجيع إقامة الحركة الصهيونيهة عام 1897م ومساعدتها فى تهجير اليهود إلى فلسطين كما قامت عام 1916م/1335هـ، بإبرام اتفاق سايكس بيكو مع فرنسا لتجزئة بلاد الشام واستعمارها، متنكرة لوعودها للشريف حسين باستقلال بلاد العرب، ولم تلبث حكومة بريطانيا أن أصدرت يوم 2/ 11 /1917 تصريحا بالعمل على جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود. وقامت بريطانيا بعد انهيار الدوله العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى باستعمار فلسطين تحت اسم "الأنتداب" الذى قررته عصبة الأمم فى 24/ 7 /1922م وأقرت له "صكا" لتنفيذ التصريح، وباشرت بريطانيا استعمارا قمعيا ظالما وحشيا غير إنسانى استهدفت به شعب فلسطين العربى بغالبيتة المسلمة والمسيحية. القضية الفلسطينية إذا فى ضوء ماسبق هى قضية جهاد الشعب العربى الفلسطينى لتحرير وطنه المحتل، فلسطين الذى رسم "الانتداب" حدودا سياسية له تفصله عن بقية أقطار بلاد الشام ومصر، وتبلغ مساحته حوالى سبعة وعشرين ألف كيلو مترا مربعا، وقد برزت فيه عوامل دينية وحضارية وقومية واستراتيجية، وأبعاد محلية واقليمية ودولية. استمر هذا الجهاد طيلة مرحلة الاستعمار البريطانى الذى انتهى يوم 15/ 5 /1948م وواجه فيه الشعب العربى الفلسطينى العدو المزدوج بريطانيا والحركة الصهيونية، مدافعا عن بيت المقدس والوطن والعرض والمال وحضارته العربية الإسلامية والدين. واتبع فيه مختلف الوسائل القانونية والسياسية والانتفاضات والثورات التى منها ثورة البراق عام 1348هـ، عام 1929م وثوره القسام بعدها بأربع سنين والثورة العربية الكبرى بين عامى 1335،1337هـ/1936،1938م وقد حظى هذا الجهاد بمساندة أبناء الأمة العربية والعالم الإسلامى الذين أدركوا أن تحالف قوى الهيمنة الغربية والصهيونية لم يستهدفوا فلسطين لذاتها فحسب، وإنما للسيطرة على الوطن العربى وديار الإسلام بعامة. وتجلت هذه المساندة فى صور، كان منها إنعقاد المؤتمر الإسلامى فى بيت المقدس عام 1350هـ الموافق 1931م، وكان منها أيضا مشاركة مجاهديه فى الثورة العربية الكبرى. وكاد هذا الجهاد أن يحقق بعض أهدافه لولا نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م، وبروز قوى الهيمنة الأمريكية التى تبنت الحركة الصهيونية. وكان للولايات المتحدة دور خاص فى صدور قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين يوم 29/ 11 /1947م، ثم فى إقامة "إسرائيل" فى 15/ 5 /1948 م، خدمة للمصالح الأمريكية المتنامية فى الوطن العربى والعالم الإسلامى المتعطلة، للسيطرة على النفط بخاصة. مرت القضية الفلسطينية بمراحل بعد إقامة دولة إسرائيل، امتدت واحدة منها بين عامى 1948م و1967م، وشهدت تدعيم الكيان الصهيونى بالمهجرين اليهود وبالسلاح، وتوظيف قوى الهيمنة الغربية فى مقاومة ثورة التحرير فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وأحد تجليات ذلك العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م الذى دبرته بريطانيا وفرنسا وشاركت إسرائيل فى تنفيذه. كما شهدت هذه المرحلة استمرار جهاد شعب فلسطين العربى للتماسك بعد النكبة التى حلت به عام 1948 م من جهة ولإبراز كيانه من جهة أخرى. وقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية تجسيدا لهذا الكيان فى 28/ 5 /1964 م بدعم من الدول العربية. ومرحلة أخرى امتدت منذ نكسة حرب يونيو حزيران عام 1967م حتى زلزال الخليج عام 1991م وبرزت فى هذه المرحلة قضية الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل فى سيناء المصرية والجولان السورية إلى جانب القضية الفلسطينية التى دخل فيها احتلال إسرائيل لبقية فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة). وشهدت هذه المرحلة حرب رمضان لعام 1493هـ عام 1973م كما شهدت قيام "إسرائيل" باحتلال شريط فى جنوب لبنان عام 1978م وبغزو الجنوب اللبنانى عام 1982م وبرزت منذ ذلك الحين المقاومة اللبنانية المباركة واستمرت الثورة الفلسطينية فى هذه المرحلة، وحدثت الانتفاضة فى آخر عام 1978م وشهدت المرحلة إبرام اتفاق كامب دافيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عام 1978 م الذى أوصل إلى إبرام معاهده السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 م. المرحلة الراهنة فى القضية الفلسطينية بدأت بعد زلزال الخليج بانعقاد مؤتمر مدريد يوم 30/ 10 /1991م الذى باشر ما أسمته الولايات المتحدة الأمريكية "عملية سلام الشرق الأوسط" وشهدت هذه المرحلة اعتراف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية "بإسرائيل" فى 9/ 9 /1993 وإبرام اتفاقات أوسلو بإقامة "حكم ذاتى انتقالى فلسطينى محدود فى الضفة الغربية وقطاع غزة" وإبرام الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل فى 26/ 10 /1994م. وباتفاقات أوسلو انحصرت القضية الفلسطينية فى مسائل أربع تتعلق بما أسمته الولايات المتحدة الوضع النهائى، هى القدس والمستعمرات الاستيطانية الصهيونية فى الضفة والقطاع واللاجئون والحدود كما شهدت هذه المرحلة المحاولة الأمريكية لإقامة "نظام الشرق الأوسط" فى دائرة الحضارة الإسلامية بقيادة إسرائيل. دلائل كثيرة تشير إلى أن "عملية سلام الشرق الأوسط" حتى وإن وصلت إلى إبرام إتفاقات بشأن هذه المسائل الأربع، فإن القضية باقية وتدخل مرحلة جديدة يأخذ فيها الصراع العربى الصهيونى شكلا مختلفا عما كان عليه طوال القرن الأول وذلك لأن "الحل العنصرى" للقضية الذى صممته قوى الهيمنة الأمريكية مع الصهيونية لم يعالج جوانب القضية بل جعلها تتفاقم، وبخاصة فيما يتعلق ببيت المقدس الذى يستهدف هذا "الحل العنصرى" تهويدها وينذر بوقوع جريمة هدم المسجد الأقصى فيها واقامة هيكل فى موضعه. وهكذا فإن من المتوقع أن تستمر القضية الفلسطينية وتدخل مرحلة أخرى فى صراع النفس الطويل التى تخوضها الأمة العربية والشعوب الإسلامية ضد قوى الهيمنة الغربية والصهيونية العنصرية إلى أن يتم تحرير فلسطين والقدس وينبذ اليهود الصهيونية فيعيشوا مستأمنين فى ظل الحضاره العربية الإسلامية. أ. د/أحمد صدقى الدجانى

_ مراجع الاستزادة: 1 - دائرة المعارف الأمريكية Encyclop Edia Americana. ط1995م الجزء الثالث ص612. 2 - تاريخ العرب للدكتور فيليب حتى وآخرين ص8. 3 - تاريخ الأمة العربية محمد أسعد طلس عصر الانحدار ص9 - 13. 4 - بروتوكولات حكماء صهيون ترجمه عن الإنجليزية محمد خليفة التونسى، ط دار الكتاب العربى بيروت

22 - القطب

22 - القطب اصطلاحا: عند الصوفية " الإنسان الكامل " أو " الحقيقة المحمدية"- والإنسان الكامل هو "القطب الحسى" كما أن "الحقيقة المحمدية" هى "القطب المعنوى"، ويرى "محيى الدين بن عربى": أن "الحقيقة المحمدية"- أى روح محمد - صلى الله عليه وسلم - - هى التى تنقل العلم الإلهى لكل الأنبياء والأولياء- وهى تتجلى بأكمل صورة فى "القطب "- وهو معصوم، ولكل زمان قطب، وهو الخليفة الحقيقى لله- ويسمى "قطب الوقت " أو "صاحب الوقت " أو "صاحب الزمان" وهو "الغوث " الذى يوجد بفضل "قطب الأقطاب ". ويرى "الحكيم الترمذى" أن القطب هو شيخ جماعة من الأتقياء لهم نظام متدرج، وكل مرتبة من مراتب هذا النظام يرأسها قطب، والمريدون يتلقون العلم من هؤلاء الأقطاب الذين يتلقون علمهم من "القطب الأكبر"- وهذا المفهوم للقطب أصبح جزءا من التيار الرئيسى للفكر الصوفى. وللقطب مفهوم آخر نجده عند "عمر بن الفارض "؛ فهو "المبدأ الفعال لكل إلهام "- وهو يشبه ما تعتقده "الشيعة الإسماعيلية" من تجسيد العقل الأول فى "الناطق " (أى الإمام) - وهناك من يقارن بين ما يراه الشيعة فى "الإمام " بوصفه مظهرا للكلمة الإلهية، ومفهوم "القطب " عند الصوفية- كما أن هناك من يقارن بين التدرج الرئاسى للدعاة الإسماعيلية، والتدرج الرئاسى فى التصوف برئاسة القطب؛ حتى ذهب البعض إلى أن التدرج فى نظام القطب عند الصوفية مقتبس من الشيعة الإسماعيلية. ويصرح بعض علماء الشيعة بأن "القطب "والإمام "مصطلحان لهما نفس المعنى، بل ينطبقان على نفس الشخص. وقد ينسب إلى "القطب " ظهور كرامات على يديه تناسب المقام الذى بلغه وقد هاجم "ابن خلدون " هذا النظام كما هاجمه الذين يرون أن التصوف دخيل على الإسلام- ولا يزال هناك من يدعى أو يُدّعَى له أنه قطب من الأقطاب، ويطلق لقب " الأقطاب الأربعة" على: "عبد القادر الجيلانى" وأحمد البدوى" وأحمد الرفاعى" وإبراهيم الدسوقى". وقد يسمى القطب "غوثا" باعتبار التجاء الملهوف إليه، ويرى بعض الصوفية أنه "هو الواحد الذى هو موضع نظر الله فى كل زمان، أعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسرى فى الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح فى الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم، وبه يتبع علمه علم الحق، وعلم الحق يتبع الماهيات غير المجعولة؛ فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل- أما " اليقظة الكبرى" فهى مرتبة "قطب الأقطاب "، وهو باطن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون إلا لورثته؛ فلا يكون خاتم الولاية وقطب الأقطاب إلا على باطن "خاتم النبوة"- ويلاحظ الاتجاه الشيعى فىهذا المفهوم. أ. د/ صفوت حامد مبارك

_ المراجع 1 - التعريفات: للجرجانى ط الحلبى 2 - موجز دائرة المعارف الإسلامية 3 - الفتوحات: لابن عربى

23 - قطع الطريق (الحرابة)

23 - قطع الطريق (الحرابة) يستعمل أكثر الفقهاء مصطلح (قطع الطريق) تحت باب الحرابة. والحرابة لغة: من الحرب التى هى نقيض السلم، يقال: حاربه محاربة، وحرابا، أو من الحرَب بفتح الراء- وهو السلّب. يقال: حرب فلانا ماله أى: سلبه فهو محروب وحريب. (1) واصطلاحا: الحرابة: قطع الطريق وهو البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرعاب على سبيل المجاهرة مكابرة اعتمادا على القوة مع البعد عن الغوث (2). وزاد المالكية: محاولة الاعتداء على العرض مغالبة. وقيل من كابر رجلا على ماله بسلاح أو غيره فى زقاق أو دخل على حريمه فى المصر حكم عليه بحكم الحرابة. الحكم التكليفى لقطع الطريق (الحرابة): الحرابة كبيرة من الكبائر، وهى من الحدود باتفاق الفقهاء وسمى القرآن الكريم مرتكبيها محاربين لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أوينفوا من الارض} (المائدة 33). ونفى عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتسابهم للإسلام فقال: (من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا) (رواء البخارى ومسلم فى صحيحيهما). وقاطع الطريق (المحارب) عند الفقهاء هو كل ملتزم مكلف أخذ المال بقوة فى البعد عن الغوث. إذاً فلابد من توافر عدة شروط حتى يحدّ حد الحرابة على قاطع الطريق وهى: (أ) الالتزام: أن يكون قاطع الطريق (المحارب) ملتزما بأحكام الشريعة بأن يكون مسلما أو ذميا أو مرتدا، فلا يحد الحربى، ولا المعاهد ولا المستأمن (3). فالذمى التزم أحكام الشريعة فله مالنا وعلّيه ما علينا، أما المستأمن فقد وقع الخلاف. بين الفقهاء فى كونه محاربا أم لا. (ب) التكليف: يشترط البلوغ والعقل فى قاطع الطريق (المحارب) حتى يقام عليه الحد لأنهما شرطا التكليف الذى هو شرط إقامة الحد. (جـ) الذكورة: وهذا الشرط قاله الحنفية حيث لم يشترطه المالكية والشافعية والحنابلة فهم يرون أنه لو اجتمع نسوة لهن قوة ومنعة فهن قاطعات طريق، ولا تأثير للأنوثة على الحرابة فيجرى على المرأة ما يجرى على الرجل فى أحكام الحرابة (4). أما الأحناف فيرون أن الخروج على وجه المحاربة والمغالبة لا يتحقق فى النساء عادة لرقة قلوبهن وضعف بنيتهن فلا يكن من أهل الحرابة. (د) السلاح: اختلف الفقهاء فى اشتراط السلاح لقاطع الطريق (المحارب) فقال الحنفية والحنابلة: يشترط أن يكون مع قاطع الطريق سلاح ويعدون الحجارة والعصى سلاحا، فإن تعرض قاطع الطريق للناس بالعصى والحجارة فهو محارب، أما إذا لم يحمل شيئا مما ذكر فليس بمحارب (5).وْلا يشترط المالكية والشافعية حمل السلاح بل يكفى عندهم القهر والغلبة وأخذ المال ولو باللكز والضرب بجمع الكف. (6) (هـ) البعد عن العمران: ذهب المالكية والشافعية وأبو يوسف وكثير من الحنابلة إلى أنه لا يشترط البعد عن العمران فى حد الحرابة، بل يشترط فقد الغوث، ولفقد الغوث أسباب كثيرة، ولا ينحصر فى البعد عن العمران، فقد يكون للبعد عن العمران أوالسلطان أو لضعف أهل العمران أو لضعف السلطان. فلو دخل قوم بيتا وشهروا السلاح ومنعواأهل البيت من الاستغاثة فهم قطاع طرق فى حقهم (7) (و) المجاهرة: وهى أن يأخذ قطاع الطريق المال جهرا، فإن أخذوه مختفين فهم سرّاق، وإن اختطفوا وهربوا فهم منتهبون ولا قطع عليهم. عقوبة المحاربين: لا خلاف بين الفقهاء فى أن عقوبة المحارب حد من حدود الله لا يقبل الإسقاط ولا العفو ما لم يتوبوا قبل القدرة عليهم والأصل فى ذلك قوله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} (المائدة 33). واختلف الفقهاء فى هذه العقوبات الواردة فى الآية هل هى على التخيير أم على التنويع، فذهب الشافعية والحنابلة وبعض الأحناف إلى أن (أو) فى الآية على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها فى الجنايات، فمن قتل وأخذ المال، قتل وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفى من الأرض. (8) أما عن كيفية تنفيذ عقوبة الحرابة فقد اختلف الفقهاء فى كيفيتها وذلك ما نراه فى كتب الفقه التى أثرت عنهم. ما تثبت به الحرابة: لا خلاف بين الفقهاء فى أن جريمة الحرابة تثبت قضاء بالإقرار أو بشهادة عدلين، وتقبل شهادة الرفقة فى الحرابة. سقوط عقوبة الحرابة: يسقط حد الحرابة عن المحاربين بالتوبة قبل القدرة عليهم وذلك فى شأن ما وجب عليهم حقا لله، وهو تحتم القتل والصلب والقطع من خلاف والنفى وهذا محل اتفاق بين أصحاب المذاهب الأربعة (9). واستدلوا بقوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} (المائدة 34) فالله سبحانه وتعالى أوجب عليهم الحد ثم استثنى التائبين قبل القدرة عليهم. أما حقوق الآدميين فلا تسقط بالتوبة، فيغرمون ما أخذوه من المال عند الجمهور وعند الحنفية إن كان المال قائما ويقتص منهم إذا قتلوا على التفصيل السابق، ولا يسقط إلا بعفو مستحق الحق فى مال أو قصاص. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب مادة (حرب) دار صادر بيروت 2 - بدائع الضائع. للكاسانى 7/ 90 3 - كشاف القناع للبهوتى 6/ 146. 4 - بدائع الصنائع: (7/ 1) 5 - حاشية ابن عابدين (الدر المختار) 3/ 313. 6 - الموسوعة الفقهية ط الكويت 17/ 156 - 157. 7 - السابق: نفس الجزء والصفحة. 8 - المغنى 8/ 228، وروضة الطالبين 10/ 156 - 57. 9 - بدائع الصنائع 7/ 96 وروضة الطالبين 10/ 59 والمغنى 8/ 295، 1157

24 - القلب

24 - القلب لغة: قلب الشىء لبه وباطنه، وهو ضد ظاهره. واصطلاحًا: مضخة قادرة على مد الجسم- بما فيه القلب نفسه- بالدم وبكل ما يحمله الدم. وعند الفلاسفة فإن القلب مركز القوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة. ويطلق على الشعور بالعطف أو الحنان أو الرحمة أو المحبة وغيرها من الأحوال الوجدانية. وإذا أطلق القلب على مجموع الأحاسيس والعواطف دل علّى معنى مقابل لمعنى العقل. وللقلب عند الفلاسفة معان أخرى فهو يُطلق على النفس أو الروح أو تلك اللطيفة الربانية التى لها بالقلب الجسمانى تعلق، وهى حقيقة الإنسان التى يسميها الحكماء بالنفس الناطقة أو العقل. ومن ثم فإن وظيفة القلب عند الفلاسفة إدراك الحقائق العقلية بطريق الحدس والإلهام لا بطريق القياس والاستدلال، وربما كان الغزالى أبرز الذين قالوا بوظيفة القلب فى الإدراك والمعرفة. فقد سبق باسكال إلى القول بإدراك الحقيقة بالقلب لا بالاستدلال العقلى وحده. والقلب لا يقتصر على إدراك العواطف، بل يتسع لإدراك الحقائق. ومن الجدير بالذكر أننا على مستوى الحياة العامة نؤمن أن معرفتنا بكثير من مبادئ الحياة ترجع إلى الإدراك القلبى لا العقلى. أما القلب من حيث هو عضو فيتكون من عضلة واحدة، وهو مخروطى الشكل- يوصف أحيانا بأنه صنوبرى الشكل- ويرقد على جانبه بحيث تتجه قاعدته إلى ثلاث بوصات ونصف بوصة، ويبلغ طوله خمس بوصات من القاعدة إلى قمة المخروط، ويكون سمكه بوصتين ونصف بوصة. يوجد القلب داخل غلاف التامور ويُفصل من نهايته العليا بالشرايين الكبرى. ويبسط الأطباء وصف مكوناته بالقول بأنه يتكون من حجرتين للاستقبال وحجرتين للدفع، وينقبض البطينان معا. فالدم الذى يدخل من الأذينين إلى البطينين تمنعه الصمامات من العودة، ومن ثم تضطره انقباضات القلب إلى أن يدخل الأورطى وبالتالى إلى مجرى الدم إلى الجسم. ويدخل الدم من الأوردة الكبيرة إلى الأذينين فى أثناء فترة الانبساط حين تستريح العضلات من الانقباض، وعندئذ تنقبض عضلات الأذينين فتقفل الصمامات نتيجة ضغط الدم ويمر الدم من البطينين إلى الشريانين وبعدها يقفل الصمام الهلالى بين البطينين والشريانين ليمنع الدم من الرجوع إلى البطينين، وبعدئذ ترتخى العضلات البطينية إلى أن تنفتح مرة ثانية تحت تأثير ضغط الدم المندفع من الأذينين ليدخل الدم إلى البطينين. وتستغرق كل دورة أربعة أخماس الثانية. ويبلغ حجم قلب أى شخص حجم قبضة يده تقريبا، ويزيد قلب الوليد حوالى 20 جراما بينما يبلغ وزن قلّب البالغ ما بين 250 و 300 جرام. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية- القاهرة 2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا. 3 - الموجز فى الطب- لابن النفيس- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 4 - قاموس القرآن الكريم: معجم الطب، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى سنة 1997 م. 5 - الحاوى فى الطب، لأبى بكر الرازى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن بالهند، ط 1، سنة 1955م.

25 - القنوت

25 - القنوت لغة: هو مصدر من باب قعد، وهو العبادة أو الدعاء مطلقا، ويطلق على القيام فى الصلاة وأقنت: أى دعا على عدوه (1). وشرعا: هو ما اشتمل على دعاء وثناء ولو آية قصده بها (2). واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت فى أربع صلوات من غير سبب، وهى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا فى صلاة الصبح من المكتوبات وفى صلاة الوتر من غيرها (3). أما عن مشروعية القنوت فى الصبح، فقد ذهب المالكية والشافعية وابن أبى ليلى والحسن بن صالح والأوزاعى والخلفاء الأربعة ومعهم بعض الصحابة والتابعين، إلى أن القنوت مشروع فى الركعة الثانية من صلاة الصبح فى جميع الأزمان، سواء كانت هناك نوازل أم لم تكن، فهو سنة (4). بينما ذهب الحنفية والحنابلة والثورى وروى عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود إلى أن القنوت غير مشروع فى صلاة الصبح، إلا إذا أنزل بالمسلمين نازلة، فالإمام له أن يقنت فى صلاة الصبح (5). وأما القنوت فى الوتر، فقد ذهب الحنفية، وبعض الشافعية، والمنصوص عن أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى الركعة الواحدة فى جميع السنة. بينما ذهب الشافعية فى الراجح عندهم، ورواية عن الإمام أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى النصف الأخير من شهر رمضان فقط (6). وهل يقنت قبل الركوع أو بعده؟ بكلٍّ قيل. أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير للفيومى، ومختار القاموس مادة "قنت". 2 - حاشية قليوبى على شرح الجلال المحلى على المنهاج، 1/ 157، ط دار إحياء الكتب العربية لصاحبها عيسى الحلبى. 3 - نيل الأوطار للشوكانى 2/ 346، ط دار الحديث، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1/ 248، ط المطبعة الأزهرية بمصر 1345هـ، 1927م. 4 - نيل الأوطار 2/ 345، قليوبى وعميرة 1/ 157، الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 1/ 248، المغنى لابن قدامة 2/ 154 وما بعدها، ط علم الكتب بيروت. 5 - البناية على الهداية لأبى محمد محمود بن أحمد العينى 2/ 512، ط دار الفكر، المغنى لابن قدامة 2/ 154،155، نيل الأوطار 2/ 345. 6 - البناية على الهداية 2/ 504، قليوبى وعميرة 1/ 213، المغنى لابن قدامة 2/ 151

26 - قوة

26 - قوّة لغة: القوة الشدة، وهى نقيض الضعف، والجمع القُوَى. واصطلاحا: امتلاك الأسباب والكيفيات الكفيلة بتحقيق الغاية المشروعة .. يقول الله تعالى] وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم [، (الأنفال 60) وعند الحكماء: هى تمكين الحيوان من الأفعال الشاقة، وتنقسم القوى عندهم إلى: ا- قوى طبيعية، وهى قوى النفس النباتية. 2 - قوى نفسانية، وهى قوى النفس الحيوانية. 3 - قوى عقلية (حافظة) وهى قوى النفس الإنسانية، وتنقسم بدورها إلى (القوة النظرية) و (القوة العملية) وفى الفيزيقا: تعرّف بأنها الجهد اللازم لتغيير حالة من سكون أو حركة منتظمة مقدارا أو اتجاها، وتقاس بوحدات مختلفة منها (الرطل، الجرام، الكيلوجرام ... ) وتنشأ فى حالة التوازن لكل قوة قوة أخرى مساوية لها فى المقدار ومختلفة معها فى الاتجاه. والإسلام حث على طلب الغلبة والشوكة وكل أنواع القوى المتاحة امتثالاً لقوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعت من قوة} (الأنفال 60) الأمر الذى دعا الإمام محمد عبده إلى أن يقول: الناظر فى أصول هذه الديانة ومن يقرأ سورة من كتابها المنزل يحكم حكما لا ريب فيه بأن المعتقدين بها لابد أن يكونوا أول ملة حربية فى العالم وأن يسبقوا جميع الملل إلى اختراع الآلات وإتقان العلّوم العسكرية والتبحر فيما يلزمها من الفنون كالطبيعة والكيمياء وجر الأثقال والهندسة، إضافة إلى حب الغلبة وطلب كل وسيلة إلى ما يسهل له سبيلها، والسعى اليها بقدر الطاقة البشرية. ومن أولى دعامات القوة التى حث الإسلام على اكتسابها الإيمان بالله سبحانه وتعالى والالتزام بشريعته التى أنزلها على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - {إن تنصروا الله ينصركم} (محمد 7) حيث إن أى قوة يكتسبها العبد هى منحة وهبة من الله، لا يعطاها كنصر وفضل إلا من التزم بمنهج الله التزاما تاما، ثم تأتى بعد ذلك سائر أسباب القوة من علم وجد وسياسة ... الخ ووظيفة القوة فى الإسلام تتفق ورسالة الإنسان فى الحياة، وهى تمكينه من الاستخلاف فى الأرض وعمارتها ونشر الحق والعدل والخير فى ربوعها. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - مقدمة ابن خلدون- دار العلم للملايين بيروت. 2 - الإسلام بين العلم والمدينة. للإمام محمد عبده الهيئة المصرية العامة للكتاب. 3 - الطاغيه أ. د إمام عبد الفتاح إمام- عالم المعرفة- بيروت. 4 - الإسلام يتحدى- وحيد الدين خان- ترجمة ظفر الإسلام خان- مراجعة وتقديم د/ عبد الصبور شاهين- المختار الإسلامى ط هـ سنة 1974 م. 5 - التعريفات، للجرجانى تحقيق د/ عبد المنعم الحفنى- دار الرشاد- القاهرة سنة 1991 هـ 6 - دائرة معارف القرن العشرين- محمد فريد وجدى- دار المعرفة بيروت.

27 - القول بالموجب

27 - القول بالموجب لغة: الموجب مأخوذ من: أوجب يوجب، أى: أتى بموجبه من السيئات أو الحسنات، وأوجب الرجل: إذا عمل عملاً يوجب الجنة أو النار (1). واصطلاحا: تسليم ما جعلّه المستدل موجبا لعلته مع استبقاء الخلاف (2). ومعنى ذلك: أن يسلم الخصم الدليل الذى استدل به المستدل، إلا أنه يقول: هذا الدليل ليس فى محل النزاع إنما هو فى غيره، فيبقى الخلاف بينهما كقول الشافعى: المحرم إذا مات لم يُغسّل، ولم يُمَسَّ بطيب؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رجل مات وهو محرم: لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) (3). فيقول المالكى: سلمنا ذلك فى ذلك الرجل، وإنما النزاع فى غيره، لأن اللفظ لم يرد بصيغة العموم (4). والقول بالموجب من قوادح العلة، والموجب بفتح الجيم أى: القول بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه، أما الموجب بكسرها فهو: الدليل المقتضى للحكم، وهو غير مختص بالقياس، ومنه الآية الكريمة {لئن رَجَعْنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} (المنافقون 8) فقد ذكرها رأس النفاق ابن سلول وقت أن كان المسلمون فى غزوة بنى المصطلق، فقال: لئن رجعنا إلى المدينة من هذه الغزوة ليخرجن الأعز- يقصد نفسه- منها الأذل يعنى محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأجابه الله تبارك وتعالى بموجب قوله مع عدم تسليمه له فقال تعالى] ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [. (المنافقون 8) فإنه لما ذكر صفة، وهى العزة، وأثبت لها حكما، وهو الإخراج من المدينة، رد عليه رب العزة تبارك وتعالى بأن هذه الصفة ثابتة لكن لا لمن أراد ثبوتها له، فإنها ثابتة لغيره باقية علّى اقتضائها للّحكم وهو الإخراج، فالعزة موجودة لكن لا له بل لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين (5). وجمهور الأصوليين على أن القول بالموجب قادح فى العلة مُفْسد لها، ومن صرح بذلك إمام الحرمين، وابن السمعانى، والفخر الرازى، والآمدى، لأن المعترض إذا قال بموجب العلة أصبحت فى موضع- الإجماع، ولا تكون متناولة لوضع الخلاف، ولأنه إذا كان تسليم موجب ما ذكره من الدليل لا يرفع الخلاف، علم أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذى أراد إثباته. ونقل الزركشى عن ظاهر كلام الجدليين أنه ليس من قوادح العلة، لأن القول بموجب الدليل تسليم فكيف يكون مفسدا (6) أ. د/ على جمعة محمد 1 - لسان العرب، لابن منظور6/ 4766 - 4767 دار المعارف، المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية 2/ 1012،دار المعارف 1972 م. 2 - الإيضاح لقوانين الإصطلاح فى الجدل والمناظرة، الجوزى ص 335 - تحقيق محمود الدغيم- مدبولى 1995م 3 - هذا الحديث متفق عليه. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز رقم (265 1) و (366 1) و (267 1) و (268 1)، مسلم فى كتاب الحج رقم (6 0 2 1) من رواية ابن عباس. 4 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى- تحقيق محمد المختار الشنقيطى، ص 385 مكتبة ابن تيمية، ط 1/ 1414 هـ. 5 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع، للزركشى 4/ 361 ومابعدها، مؤسسة قرطبة طبعة 1،1998م- شرح المحلى على جمع الجوامع2/ 316 طبعة مصطفى الحلبى- غاية الوصول شرح لب الأصول، للشيخ زكريا الأنصارى ص 131 طبعة عيسى الحلبى وشركاه. 6 - البحر المحيط، للزركشى 5/ 297 وما بعدها- طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990م- تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزى- هامش ص 385، ص 386 - مكتبه ابن تيمية1414هـ

_ المراجع 1 - الفائق فى أصول الفقه، لصفى الدين الهندى- تحقيق د/ على العميرين4/ 249 وما بعدها طبعة السعودية. 2 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول- تحقيق د/ شعبان محمد إسماعيل 2/ 222 وما بعدها- دار الكتبى- طبعة 1، 1993م. 3 - الكافية فى الجدل، لأبى المعالى الجوينى- تحقيق د/ فوقية حسين محمود، ص 161 - عيسى البابى الحلبى وشركاه 1979م.

28 - قول الصحابى

28 - قول الصحابى لغة: جمعه صحب وأصحاب وصحابة، والأصل فى هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسه (لسان العرب) (1). واصطلاحا: عند جمهور الأصوليين (2): هو من لقى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ولازمه زمنا طويلا، ومات على إسلامه. وعند جمهور المحدثين: هو من لقى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على إسلامه، سواء طالت صحبته أولم تطل. وقول الصحابى اصطلاحا: هو مذهبه فى المسألة الفقهية الاجتهادية (2)، سواء أكان ما نقل عن الصحابى قولا أم فعلا. وأعلم أن الصحابه رضى الله عنهم كانوا مرجع الافتاء ومنبع الاجتهاد حينما طرأت حوادث جديدة، ووقعت وقائع لا عهد للمسلمين بها فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا فى الافتاء متفاوتين بتفاوت نضجهم الفقهى، فأثر عن جملة منهم كثير من الفتاوى بحيث يكون جزءا كبيرا منثورا فى بطون الكتب الفقهية. وقد اتفقت الأئمة من أصحاب المذاهب الفقهية على أنه لا خلاف فى الأخذ بقول الصحابى فيما لا مجال للرأى والاجتهاد فيه، لأنه من قبيل الخبر التوقيفى عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ولاخلاف أيضا فيما أجمع عليه الصحابة صراحة أو كان مما لايعرف له مخالف، كما فى توريث الجدات السدس. ولا خلاف أيضا فى أن قول الصحابى المقول باجتهاد ليس بحجة على صحابى آخر، لأن الصحابة اختلفوا فى كثير من المسائل، ولو كان قول أحدهما حجة على غيره لما وقع منهم هذا الخلاف. وإنما الخلاف فى فتوى الصحابى بالاجتهاد المحض بالنسبة إلى التابعى ومن بعده، هل يعتبرحجة شرعية أم لا؟ فذهب جمهور العلماء من الحنفيه والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة على أنه حجة شرعية مقدمة على القياس، والراجح من الشافعية على أنه ليس بحجة، وهناك أقوال أخري لكنها ترجع إلى هذين القولين. والراجح أن مذهب الصحابى ليس حجة، ولا يكون دليلا شرعيا مستقلا فيما يكون بالاجتهاد المحض، لان المجتهد يجوز عليه الخطأ، ولم يثبت أن الصحابة ألزموا غيرهم بأقوالهم، فمرتبة الصحبة وإن كانت شرفا عظيما لا تجعل صاحبها معصوما عن الخطأ (4). أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب مادة (صحب) ط دار المعارف، وكذا المصباح المنير للفيومى المطبعة الأميرية بالقاهرة، ط7، 1928م. 2 - فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2/ 20 مع المستصفى للغزالى دارالفكر، وشرح المحلى على جمع الجوامع مع حاشية اللبنانى 2/ 146، مصطفى الحلبى. 3 - مذهب الصحابى وأثره فى الفقة الإسلامى د/سعيد مصيلحى، ص26. 4 - أصول الفقة الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2/ 850 ومابعدها ط1، دار الفكر 1986 م، تيسير أصول الفقة، محمد أنور البدخشانى، 162، ومابعدها. ط كراتشى باكستان 1990م. مراجع الاستزادة: 1 - الاجتهاد فيما لا نص فيه، د/الطيب خضرى السيد 2/ 103 ومابعدها، ط1 مكتبة الحرمين 1983م. 2 - البحر المحيط للزركشى 6/ 53 وما بعدها ط1، وزارة الأوقاف بالكويت 1990م. 3 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى 4/ 441 وما بعدها مؤسسة قرطبة، ط1 1998م. 4 - الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموى تحقيق عبدالسلام أبو ناجى 2/ 1050 وما بعدها، ط1، جامعة قاريونس بنغازى 1994م

29 - القومية

29 - القومية لغة: صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك فى الوطن والجنس واللغة والمنافع وقد تنتهى بالتضامن والتعاون إلى الوحدة، كالقومية العربية (محدثة) (1) واصطلاحا: لا يختلف المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى، فقد قيل هى فكرة سياسية اجتماعية بالمعنى الواسع، ترمى بالدرجة الأولى إلى توحيد كل جماعة متجانسة من البشر، وخضوعها لنظام سياسى واحد. (2) والقومية شعور أفراد الشعب بانتمائهم لأمة واحدة، وهو شعور ينبع من الإحساس بالولاء، والاعتزاز بالثقافة والتاريخ القومى، ويمثل ذلك فى الحياة السياسية اقتناع الحكومات بأنها يجب أن تقام على أساس مجموعة من الأفراد يطلق عليهم الشعب، وينادى المؤمنون بالقوميات بأن يكون لكل قومية وطن مستقل بها، كما يكافح زعماء القوميات من أجل أن يكون لشعبهم الحق فى الاستقلال وتقرير المصير. وتقترن القومية فى أذهان كثير من الناس بالعنصرية، وذلك لأن بعض دعاة فكرة القومية- فى أوروبا خاصة- كانوا يقيمونها على أساس الانتساب إلى عنصر معين، وقامت بحوت ونظريات على أساس تقسيم العالم إلى أجناس وعناصر متباينة، وقد غالى بعضهم فزعم وجود شعوب نقية ذات دماء طاهرة، وشعوب أخرى مختلفة ذات دماء ملوثة، وأدى ذلك إلى الاستعلاء القومى والتعصب العنصرى، وقاد إلى كثير من الهراء الذى يناقض الحقائق العلمية الثابتة فى الاجتماع الإنسانى مما لا يمكن أن يقف أمام النقد العلمى الصحيح. القومية والقوم: ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة المزج بين لفظ قوم ومصطلح قومية، أو بعبارة أدق: إن التداعى الذهنى المتحصل من مصطلح قومية يريطه بلفظ قوم، والحقيقة أن لفظ القومية مصطلح حديث نشأ منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وذلك فى أوروبا، أما لفظ "قوم " فهو عريق جدا منذ عصر المصريين القدماء، والآشوريين، والفينيقيين، والإغريق، والرومان، وهؤلاء أقوام أقاموا دولا مختلفة على سطح المعمورة منذ آلاف السنين. القومية الوطنية: وهناك خلط آخر بين مصطلحى القومية والوطنية، حيث يلتبس الأمر بين المصطلحين، ويستعملان تجاوزا كمترادفين، رغم أن بينهما اختلافا، فالوطنية تعنى الانتساب إلى وطن معين، وهى قد تعنى الاهتمام بشئون ذلك الوطن والتعلق به بالعواطف والأحاسيس باعتباره أرض الأجداد. أما القومية فهى أوسع من الوطنية ففيها من الشمول والتجريد والعقائدية ما ليس فى الوطنية، ثم إنها قد تكون مجردة عن الوطن كما هو الحال بالنسبة للصهاينة قبل أن يقيموا وطنًا لهم فى إسرائيل، وقد تشمل أوطانا مختلفة. ولقد أذاب الإسلام القوميات، ولم يعد لنعرة القومية مكان فى ظل الانتساب إلى الإسلام، حتى إننا نرى شعوب العالم فتحت أحضانها لحملة التوحيد النقى والأخوة الجامعة تحت مبدأ: (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) ولم تفتح أحضانها لنعرة جنسية، أو عزوة أموية، أو عباسية، أو أعراف بدوية وأوهام صحراوية. فالإسلام لم يكن فورة جنسية أو نزعة استقلالية، إنه دين للإنسانية عامة يعلو على الأقوام والأوطان، يربط الناس بربهم ليشهدوا به وحده ويستلهموا منه وحده، وليكونوا فى قارات الدنيا كلّها سواسية فى الكرامة والولاء، فلا سجود إلا لله، ولا حكم إلا لله. وحسبنا قول سلمان الفارسى عندما وجد أناسا يفتخرون بنسبهم إلى قيس أو تميم قال لهم: أبى الإسلام لا أب لى سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط مادة (قو م) ط مجمع البحوث القاهرة 1985 2/ 789 2 - من وحى العروبة. عبد الرحمن البزاز ص70

_ المراجع 1 - الإسلام نظام إنسانى: د/ مصطفى الرفاعى- منشورات مكتبة الحياة- بيروت 1958 م. 2 - مع القومية العربية فى ربع قرن. عبد المنعم خلاف ط مكتبة الأنجلو المصرية 1958 م. 3 - من وحى العروبة: عبد الرحمن البزاز- دار القلم بالقاهرة 1960 م 4 - المجتمع العربى ومناهضة الشعوبية د/ إبراهيم العدوى ط نهضة مصر 1961 م. 5 - القومية الإفريقية: إندا سيتهول- ترجمة عبد الواحد إبراهيم الإمبابى ط جمعية الوعى القومى 1960 م. 6 - مائة سؤال عن الإسلام: محمد الغزالى ط دار ثابت- القاهرة 1996 م 7 - مفاهيم مبهمة فى الفكر العربى المعاصر د/ محمد عزيز الحبابى ط دار المعارف- القاهرة 1990 م

30 - القوى

30 - القوىّ لغة: هو خلاف الضعيف، وقد قَوِى الرجل، والضعيف يقوى قَوّة فهو: قوى، وقوَّيُته أنا تَقوِية وقاويته فقَوَيته أى: غلبته واصطلاحا: هو اسم من أسماء الله الحسنى، يثبت لله كمال القدرة على الشيء فلا يستولى عليه العجز فى حال من الأحوال، وهو إحدى صفات العظمة والكمال الدالة على القوة والجبروت. ولقد سمى الحق تبارك وتعالى نفسه القوى {وهو القوى العزيز} (الشورى 19) فإن حملنا القوة فى حق الله تعالى على كونه كامل التأثير فى الممكنات كان معنى القوة هو القدرة، وإن حملنا القوة فى حق الله تعالى على كونه غير قابل للأثر من غيره كان معنى قوته هو كونه واجب الوجود لذاته، وذلك لأنه كلما كان واجب الوجود لذاته كان واجب الوجود من جميع جهاته، وكل ما كان كذلك لم يقبل الأثر من غيره البته، لا بتحصيل شيء فيه كان معدوما، ولا بإعدام شيء كان موجودا، فكمال حال الشيء فى أن يؤثر يسمى قوة، وكمال حال الشيء أن لا يقبل الأثر من الغير يسمى أيضا قوة فهو اسم يوحى بالغلبة والمنعة والسلطان التام، ونفاذ الأمر فى جميع المخلوقات بلا رد، ولا معارضة، ولا تعقيب. وقد ورد اسم القوى فى القرآن الكريم مقترنا ومصاحبا لاسمه تعالى المتين .. يقول تعالى {ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات 56 - 58) وهذه المصاحبة تؤدى معنى ثبات هذه القوة ودوامها، فهو يؤثر ولا يتأثر، يغير ولا يتغير، مع الرفعة والتنزه. وقد ورد مصاحبا لاسمه تعالى العزيز فى عدة مواضع، يقول تعالى {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز} (الشورى 19) .. ويقول تعالى {ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز} (الحج 74) ويقول تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز} (المجادلة 21) 00 إلى غير ذلك من الآيات التى ورد فيها اسم القوى مصاحبا لاسم العزيز، وهى مصاحبة تدل على القوة القاهرة التى لا يعتريها وهن ولا يلحقها فتور، فهو قوى بنعمه، قوى بنصرته لجنده، قوى بعلمه، قوى بنفاذ إرادته .. إلخ ومن اسم الله القوى يعلم العباد ممن يستمدون قوتهم المادية والمعنوية، وممن يبتغون منه العزة {أن القوة لله جميعا} (البقرة 165). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - شرح أسماء الله الحسنى. للرازى- تحقيق طه عبد الرؤوف سعد- بيروت م1984 م. 2 - الأسماء والصفات، للبيهقى- دار الكتب العلمية- بيروت. 3 - تفسير أسماء الله الحسنى، للزجاج- تحقيق أحمد يوسف الدقاق- دار المأمون للتراث 1979 م. 4 - أسماء الله الحسنى دراسة فى البنية والدلالة .. د/ أحمد مختار عمر/ط عالم الكتب. 5 - فى ملكوت الله مع أسماء الله، للشيخ عبد المقصود محمد سالم، مطابع شركة- الشمرلى ط12 - 13 4 1 هـ/ 1990م 6 - من عقيدة، المسلمين فى صفات رب العالمين- على محمد المصراتى- دار البيارق ط ا- 18 4 1 هـ/1998 م. 7 - أسماء الله الحسنى- حسنين محمد مخلوف- دار المعارف سنة 1992م. 8 - النور الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى- سليمان محمود- دار الصابونى- القاهرة 990 ام.

31 - القياس

31 - القياس لغة: التقدير والمساواة، ولا يكون ذلك إلا بين شيئين كما فى اللسان (1) واصطلاحا: عرفه الأصوليون بأنه: (2) مساواة فرع لأصل فى علة حكمه، أو بأنه: حمل معلوم على معلوم فى إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة. وعرفه المناطقة بأنه (3) قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر. مثال القياس الشرعى: قياس النبيذ على الخمر فى الحرمة بجامع وجود الإسكار فى كل منهما. وهذا المثال يظهر منه أركان القياس الشرعى وهى: الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والعلة الجامعة بين الفرع والأصل. فالخمر أصل يقاس عليه ورد تحريمه بنص الكتاب الحكيم {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة 90)،والنبيذ فرع يقاس على الخمر، وحكم الأصل هو الحرمة الثابتة بالنص، والعلة الجامعة بينهما هى الإسكار الموجود فى الفرع كما هو موجود فى الأصل. مثال القياس المنطقى: العنب فاكهة، وكل فاكهة لذيذة الطعم، العنب لذيذ الطعم فهذا المثال يظهر القياس المنطقى وقد ألف من مقدمتين نتج عنهما نتيجة وللقياس الشرعى أقسام عدة من عدة اعتبارات، فمن حيث القوة ينقسم إلى: قياس جلى، وقياس خفى. والجلى كقياس الضرب على التأنيف بالنسبة للوالدين، والخفى كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد فى وجوب القصاص فى كل بجامع القتل العمد العدوان. وينقسم ثانيا بحسب اقتضاء العلة الجامعة للحكم إلى: قياس أولى، وقياس أدنى، وقياس مساو. فإن كان الفرع أولى بالحكم من الأصل فهو الأول كقياس الضرب على التأفيف فالعلة وهى الإيذاء فى الفرع وهو الضرب أقوى من الأصل وهو التأفيف، وإن كانت العله متساوية فيها فهو القياس المساوى كقياس إحراق مال اليتيم على أكله بجامع التلف فى كل منهما ليثبت التحريم فى الإحراق كما نبت فى الأكل، وان كانت العلة فى الفرع أقل منها فى الأصل فهو قياس الأدنى كقياس النبيذ على الخمر فى الحرمة بجامع الإسكار (4). وهناك تقسيمات أخرى للقياس الشرعى ذكرها الأصوليون فى كتبهم فليرجع إليها، واعلم أن القياس هو رابع الأدلة المتفق عليها بين الفقهاء، ولم ينكره إلا من لا يعتد به من أهل الأهواء والبدع، وهو مجال خصب كأحد أهم أصول التشريع الإسلامى، لأنه من المعلوم أن النصوص متناهية والوقائع غير متناهية فيضطر إلى قياس ما لا أصل له من كتاب أو سنة على ما له أصل إن وجد الجامع بينهما المستمد. أما القياس المنطقى فإنه ينقسم أولا الى قياس اقترانى، وقياس استثنائى (5). فالاستثنائى: ما ذكرت فيه النتيجة أو نقيضها بصورتها ومادتها، مثل: كلما كان هذا جسما كان متميزا، لكنه جسم ... هو متميز. فالنتيجة: هو متميز، مذكورة فى القياس بصورتها ومادتها، ولكنها خالية من الحكم، وسمى هذا استثنائيا، لذكر أداة الاستثناء فيه، وهى لكن. والإقترانى: هو الذى لم تذكر فيه النتيجة ولا نقيضها بالفعل، مثل: العدل فضيلة، وكل فضيلة يجب التحلى بها ... العدل يجب التحلى به. فهذه النتيجة: العدل يجب التحلى به، لم تذكر فى القياس بصورتها وهيئتها، وإنما ذكرت فقط بمادتها، وسمى هذا اقترانيا، لاقتران الحدود فيه، أو لذكر أداة الاقتران فيه وهى الوراء. وينقسم الاقترانى بدوره إلى حملى وشرطى، ولكل منها تقسيمات وتركيبات مبسوطة فى كتب المنطق. واعلم أن القياس المنطقى بقسميه الاقترانى والاستثنائى أحد أنواع الاستدلال عند الأصوليين المتفق عليها، ويعتبرونها من الأدوات المهمة التى تحكم ذهن الفقيه عند البحث فى الأصول الشرعية من نص أو كتاب أو قياس علة، بل إنها تعتبر مجموعة من الضوابط لطلب الدلالة من الدليل الشرعى على الحكم، وقد اعتبره أحد أنواع الاستدلال من الأصوليين الآمدى وابن الحاجب وابن السبكى وغيرهم كثير. أ. د/ على جمعة محمد 1 - لسان العرب لابن منظور 5/ 3793 دار المعارف المعجم الوسيط 2/ 770 دار المعارف 1972م 2 - مختصر المنتهى بشرح العضد 2/ 204 وما بعدها الأميرية الكبرى 1317هـ شرح المحلى على جمع الجوامع 2/ 173 دار الفكر 1995م- المستصفى للغزالى ومعه فواتح الرحموت 2/ 54 الأميرية الكبرى بمصر. 3 - المرشد السليم فى المنطق الحديث والقديم د. عوض الله حجارى ص 119 الطبعة الأولى دار الطباعة المحمدية. 4 - أصول الفقه الإسلامى د. وهبة الزحيلى 1/ 702 وما بعدها، دار الفكر، طبعة أولى 1986م. 5 - المرشد السليم فى المنطق الحديث والقديم مما 12 وما بعدها.

_ المراجع 1 - الفائق فى أصول الفقه، لصفى الدين الهندى تحقيق د/ على عبد العزيز العميرينى 4/ 5 وما بعدها، طبعة السعودية 1413 هـ. 2 - تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزىَ، تحقيق محمد المختار الشنقيطى ص343 مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414 هـ. 3 - الصالح فى مباحث القياس عند الأصوليَن د. السيد صالح عوض طبعة أولى 1988م مدار الشافعى للطباعة بالمنصورة. 4 - شرح السلم فى المنطق للاخضرى تأليف عبد الرحمن فرج الجندى ص58 وما بعدها، دار القومية العربية للطباعة

32 - القيوم

32 - القيوم لغة: قام قوما وقياما، وقومة: انتصب واقفا. وقام الأمر: اعتدل، وقام الحق ظهر واستقر. وقام على الأمر: دام وثبت، وقام على أهله: تولى أمرهم وقام بنفقاتهم. واستقام الشيء: اعتدل واستوى. والقوام: العدل، وفى التنزيل العزيز {وكان بين ذلك قوا ما} (الفرقان 67) والقوَّام: الحسن القيام بالأمور. والمتولى لها وفى التنزيل العزيز {الرجال قوامون على النساء} (النساء34) والقيوم: القائم الحافظ لكل شيء (1) وقد ورد الاسم فى آيات من القرآن هى: قوله تعالى {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} (البقرة 255)، وقوله تعالى {وعنت الوجوه للحى القيوم} (طه 111). واصطلاحا: القيوم: القائم بنفسه والمقيم لغيره فيه قامت السموات والأرض وهو من الأسماء المتعلقة بذاته. (2) وقيل: القائم وهو الدائم الذى لا يزول. وقيل: القيم بحفظ كل شيء ورزقه وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص (3) وقيل: هو القائم على كل شيء بالرعاية له ولمجال قمت بالشيء إذا وليته بالرعاية والمصلحة. وقيل: هو المدبر والمتولى بجميع ما يجرى فى العالم. وقيل الحى القيوم: كامل الحياة القائم بنفسه، القيوم لأهل السماوات والأرض، القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم، فالحى: الجامع لصفات الذات، والقيوم الجامع لصفات الأفعال. ومن آثار الإيمان بهذا الاسم: 1 - أن الله لا يحتاج فى قيامه ودوامه إلى أحد، يُطعم ولايُطْعم، وكيف يحتاج إلى غيره أو إلى أحد من خلقه وهم أنفسهم لا قيام لهم إلا بإقامة الحى القيوم لهم. 2 - وصفه تعالى أنه المدبر لأمر الخلائق فى السماء والأرض ولا شك أن من عرف هذه الصفة فى ربه توكل عليه وانقطع قلبه عن الخلق إليه وذلك أنهم محتاجون مفتقرون مثله إلى خالقهم فى قيامهم وقعودهم وحياتهم. وبعد مماتهم فى دينهم ودنياهم فكيف يرجوهم بعد ذلك؟ 3 - ومن كمال قيوميّته تعالى أنه لا ينام، إذ هو مختص بعدم السنة والنوم دون خلقه فإنهم ينامون. اقتران هذا الاسم بالحى يستلزم سائر صفات الكمال ويدل على بقائها ودوامها فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما يرجع معانيها وكان رسول الله هو مختص بعدم السنة والنوم دون خلقه فإنهم ينامون. اقتران هذا الاسم بالحى يستلزم سائر صفات الكمال ويدل على بقائها ودوامها فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما يرجع معانيهما وكان رسول الله يدعو "ياحى ياقيوم " (4). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت ذنوبه وإن كان فارا من الزحف " (5) (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، مادة "قصد" مجمع اللغة العربية .. 2/ 798 2 - العقائد الإسلامية للشيخ السيد سابق ص 37 دار الكتب الحديثه، ط3/، 1976 م 3 - مجاز القرآن، لأبى عبيدة 1/ 78 4 - سنن النسائى في عمل اليوم والليلة 612. 5 - أخرجه الحاكم 1/ 511.

_ المراجع 1 - النهج الأسمى فى شرح اسماء الله الحسنى، لمحمد بن حمد الحمود. 2 - المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى، لأبى حامد الغزالى. 3 - تفسير أسماء الله الحسنى، للزجاج.

الكاف

1 - الكِتَاب اصطلاحا: إذا أريد تعريف الكتاب تعريفا ماديا فهو مجموعة من الصفحات المكتوبة أو المطبوعة (على ورق أو على مادة أخرى مناسبة للكتابة أو الطباعة)، والمثبتة مع بعضها من أيّة ناحية أو أى طرف بحيث يمكن فتح الكتاب على أية صفحة من تلك الصفحات. ومع انتشار الطباعة وسيادتها أصبح المصطلح ينصرف تلقائيا إلى ما هو مطبوع، على حين يطلق على الكتاب المكتوب بخط اليد مصطلح "المخطوط الأصلى للكتاب "، ومعنى هذا الاقتصار فى استعمال الكتاب على ما طبع منه عدد من النسخ. ومع تقدم الوسائل الإلكترونية يطلق مصطلح " الكتاب الإلكترونى" أو "النسخة الإلكترونية" التى بدأ إنتاجها من كتب مطبوعة من قبل، ومن الجائز مستقبلا أن يقتصر نشر بعض الكتب على النشر الإلكترونى فلا تتاح فى غيره من وسائل الطباعة. بدأت الكتابة على ألواح من الطين أو الصلصال أو قطع من الخشب، وعرف السومريون والبابليون الكتاب الفخارى قبل أربعة آلاف سنة، وتوصل القدماء المصريون إلى الكتابة على أوراق مصنوعة من سيقان نبات البردى الذى ينمو فى وادى النيل، وهكذا كانت الكتب المصرية القديمة لفائف طويلة من صفحات البردى. وبدأت صفحات الرَّق تحل محل البردى حوالى 400 قبل الميلاد (وفى بعض الأقوال أن هذا لم يحدث إلا فى حدود عام 200 ق. م) وقد عثر العلماء فى أحد القبور المصرية على لفافة بلغ طولها 21 مترا وعرضها 38 سم تحتوى كتاب الموتى (ويعود تاريخ القبر الذى ضمها إلى 2400 قبل الميلاد) كما عثروا على لفافات أطول من ذلك. وقد صدرت مصر البردى إلى مختلف البلدان التى أقبلت عليه لخفة وزنه وصلاحيته للكتابة. وقد أخذ الإغريق نظام اللفافات من المصريين، وعنهم أخذه الرومان، ومن لفظة البردى papyrus اشتقت لفظة الورق paper. أما اسم الكتاب فى اللغة الإغريقية Biblion فقد اشتقه الإغريق من اسم مدينة "جُبَيل Byblos هى الميناء الفينيقى الذى أصبح فيما بعد مركزا لتصدير البردى. ومن هذه الكلمة نشأت Bible للدلالة على الكتاب المقدس. أما الرق فقد صنع من جلود بعض الحيوانات (الخراف والماعز) بعد معالجتها بطرق خاصة تجعلها صالحة للكتابة عليها. وإلى الرومان يرجع الفضل فى تقنين مقاسات مختلفة لصفحات الكتب وخياطة هذه الصفحات معا. وإلى الرهبان يرجع الفضل فى ابتكار طرق تزيين المخطوطات بالزخارف، ولما اخترع جوتنبرج الطباعة (1436) كان هذا إيذانا بنقطة تحول فى تاريخ الكتابة نقلته من طور المخطوطة إلى طور المطبوعة. قد كان الكتاب المقدس أول كتاب طبع فى أوروبا، وقد طبعه جوتنبرج نفسه ما بين 1452 و 1455. ومن ثم عُرف الكتاب على النحو الذى نعرفه الآن وأصبح بمثابة أبرز الوسائل المعرفية على الإطلاق وأكثرها تأثيرا ووجودا. 2 - ويطلق مصطلح الكتاب بصفة خاصة فى الأديان على النص الحاكم لشرائع وطبائع ومقومات الدين، والكتاب عند المسلمين هو القرآن الكريم، ويرد بهذا الاسم فى القرآن الكريم نفسه فى مواضع عديدة، كما يطلق أيضا على اللوح المحفوظ وهو المراد على سبيل المثال فى قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين} (الأنعام 59) والكتاب المقدس هو المصطلح الذى يطلق على العهد القديم عند اليهود، وعلى العهد القديم والعهد الجديد معا عند المسيحيين، إذ لا يعترف اليهود بالأناجيل على حين يعتبرها المسيحيون كلمة الله، ويشمل العهد القديم التوراة والأسفار الملحقة بها، وهى كل ما يؤمن به اليهود. وقد بدأ الكتاب المقدس كتراث شفهى بالعبرية، ثم ترجم إلى الآرامية واليونانية، ثم إلى السريانية واللاتينية فى القرن الثانى للميلاد، أما الترجمة الإنجليزية الكاملة فلم تظهر إلا فى نهاية القرن الرابع عشر. وتعدد وسائل ضم الكتب: الخياطة والتغرية، والأسلاك المعدنية، ويكون للكتاب غلاف: ورقى أو كرتونى أو قد يجلد بالقماش والجلد ونحوهما. فى القرن الثامن للميلاد بدأ العرب يستخدمون الورق بدلا من الرقوق، وعنهم أخذته البلدان الأوروبية فى القرن الثانى عشر. وقد أنشئ أول مصنع للورق فى بريطانيا فى القرن الخامس الميلادى. وبعد انتشار الطباعة نشأت دور النشر التى تتولى صناعة إصدار الكتاب وتوزيعه، وهى الآن عملية ذات مراحل متعددة تبدأ بإعداد المخطوطة للطبع. ضبط النص، والتصحيح اللغوى، ورسم ما تحتاجه من إيضاحات أو خرائط أو جداول أو صور، ووضع نموذج لطريقة إخراجها كى يسترشد به الطابع وينفذه، ثم الطبع. وقد يشترى الناشر المخطوطة لقاء مبلغ معين مقطوع أو مقابل نسبة مئوية من عائدات الكتاب تدفع إليه سنويا. وقد عرف القدماء النشر فى صوره البدائية: فكان هناك مَنْ امتهنوا نسخ المخطوطات وبيعها. ويشمل النشر اليوم عائلة الكتاب الكبيرة من الصحف، والمجلات، والاسطوانات، والأفلام الثقافية، والخرائط الجغرافية، ووسائل الإيضاح ثم الكتاب الصوتى والإلكترونى. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - World book Encyclopel 2- التعريفات للجرجاني 3 - الموسوعة العربية الميسرة

2 - الكتاب

2 - الكُتَّاب لغة: الكتاب بالضم والتشديد، والمكتب واحد والجمع: الكتاتيب والمكاتب (1) واصطلاحا: استخدمه المسلمون للدلالة على المكان الذى ينال فيه الأطفال المسلمون تعليمهم الأول سواء تم هذا التعليم داخل المسجد أم فى أماكن مستقلة أو ملحقة بالمسجد. وتؤكد الشواهد التاريخية أن المسلمين قد عرفوا الكُتَاب منذ عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يذكر ابن حزم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت إلا وقد انتشر الإسلام وظهر فى جميع جزيرة العرب، "كلهم قد أسلم وبنوا المساجد ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا وقد قرئ فيها القرآن فى الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء" (2) وإذا كان وجود الكتاب لتعليم القرآن قراءة وكتابة فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحتاج الى مزيد من الأدلة والتدعيم فإن الذى لا شك فيه أن المسلمين قد عرفوا الكتاب فى عهد عمر بن الخطاب يقول ابن حزم "ثم مات أبو بكر ووليه عمر ففتحت بلاد فارس طولاً وعرضا وفتحت الشام والجزيرة ومصر كلها ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان فى المكاتب شرقا وغربا" (3). ولما كان الإسلام يحث على طلب العلم ويجعله فريضة على كل مسلم، فقد اندفع المسلمون لطلب العلم كما أوجب الإسلام على الآباء أن يعلموا أولادهم إذا كانوا قادرين على ذلك (4) وفى حال عدم القدرة تحفل كتب التراجم بأسماء معلمين علموا الصبيان مجانا، وصبيان تعلموا من الأوقاف التى كان يحبسها المحسنون على طلاب العلم، بجوار ما كان يسود المجتمع الإسلامى من شعور بالتكافل الاجتماعى بين أفراده، مما أتاح لكثير من الصبيان أن يتعلموا على نفقة صديق أو قريب أو جار. كذلك وجدت مكاتب للأيتام والفقراء خاصة لرعاية شئونهم وتقديم "المعاليم" النقدية والعينية لهم ولمؤدبيهم، وأقبل الحكام وغيرهم على إنشاء تلك الكتاتيب للفقراء وغير القادرين (5). وطوال العصور الإسلامية وحيثما ذهب الإسلام انتشرت الكتاتيب لتعليم الصبيان أساسيات الإسلام من قرآن وسنة وسيرة وفقه ولغة وحساب، بحيث وحدت تلك الكتاتيب ثقافة الأمة، وحافظت على لغة القرآن، ويكفى أن ننقل هنا ما ذكره أحد الباحثين أنه حتى فى قمة عصور الضعف والركود الثقافى فى القرن الثامن عشر فإن بلدا إسلاميا كمصر لم توجد به قرية واحدة إلا وبها مؤسسة تعليمية على الأقل (كتاب) لتعليم الأطفال (6). هذا وما تزال بعض الكتاتيب قائمة حتى اليوم فى عالمنا الإسلامى وإن نافستها بشدة مدارس التعليم الابتدائى على النمط الأوروبى، ولو أحسنت دول العالم الإسلامى صنعا لحافظت على الكتاتيب مع تطويرها وتحديثها كمؤسسة للتعليم الابتدائى فى جميع أنحاء العالم الإسلامى. أ. د/ عبد الرحمن النقيب 1 - لسان العرب مادة (كتب). المعجم الوسيط والقاموس المحيط والصحاح، والمورد. 2 - الفصل فى الملل والنحل- ابن حزم 1/ 66. 3 - المرجع السابق 1/ 67 4 - التربية فى الإسلام- أحمد فؤاد الأهوانى ص 67 5 - بحوث فى التربية الإسلامية- عبد الرحمن النقيب 2/ 23،33 6 - المرجع السابق 2/ 81.

_ المراجع 1 - معاهد التربية الإسلامية- سعيد إسماعيل على: دار الفكر العربى. القاهرة 1986 ص125 - ص200 2 - التربية الإسلامية نظمها، فلسفتها، تاريخها، أحمد شلبى: مكتبة النهضة العربية القاهرة 1982 م. Tritton A.S: Materials muslim Education in the middle Ages, luzac & co. ltdv london, 1957

3 - الكتابة كصناعة

3 - الكتابة كصناعة لغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا وكتابة خطه، الكتابة: صناعة الكاتب، كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: الكتابة -كخط- يستخدم فى تسجيل المعلومات قديمة جدا وترجع إلى الألف السادسة قبل الميلاد، وقد بدأت الكتابة بتصويرالأفكار ثم بتصوير الكلمات ثم بترميز الأصوات بالشكل الأبجدى، وإن كانت هناك حتى اليوم كتابات تصويرية بالكلمات. والكتابة العربية -كخط- اشتقت من الكتابة النبطية فى نحو القرن الثالث الميلادى ودخلت إلى شمالى الجزيرة العربية فى نحو القرن الخامس الميلادى وأوائل السادس الميلادى. وقد استخدمت الأبجدية العربية كفن زخرفى مع مطلع القرن (الثانى الهجرى، الثامن الميلادى)، وتأنق الخطاطون المسلمون فى ذلك تأنقا شديدا. وتفرع عن الكتابة العربية عشرات من الخطوط والأقلام مع مرورالوقت. أما الكتابة كصناعة فقد عرفها العرب باسم صناعة الإنشاء. وقد برع العرب فى تأليف الكتب حول هذه الصناعة وذلك بعد أن انتشر تدوين الكتب فى نهاية القرن الثانى الهجرى. ومن بين الكتب الهامة فى هذا الصدد كتاب ابن جماعة "تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم" وكتاب القلقشندى "صبح الأعشى فى صناعة الإنشا". ولقد أجمع العلماء المسلمون على أن صنعة الكتابة فضيلة والاشتغال بها عمل محمود، والنصوص فى هذا الصدد كثيرة. وقد وضع العلماء المسلمون لصنعة الكتابة ظوابط وقواعد وآداب بعضها قواعد مادية، إبعضها قواعد معنوية. ومن أهم تلك القواعد: 1 - إذا كتب الكاتب شيئا من العلوم الشرعية، يجب أن يكون على طهارة مستقبلا القبلة، طاهر البدن والثياب والحبر والورق ويبتدىء كل كتاب بكتابة البسملة. وإذا فرغ من كتابة الكتاب أوالجزء فليختمه بالحمد له والصلاة على النبى، وكلما كتب اسم لله تعالى أتبعه بالتعظيم مثل: تعالى، سبحانه، ويتلفظ بذلك. وكلما كتب اسم النبى كتب بعده صلى الله عليه وسلم ولا يسأم من تكريرها ولايختصرها، ويجب أن يتلفظ بها وهو يكتبها، وإذا مر بذكر أحد من الصحابة كتب بعده رضى الله عنه أو رضوان الله عليه. أما إذا مر بذكرأحد من الأئمة كتب بعده رحمه الله أو رحمة الله عليه أو تغمده الله برحمته. 2 - لايهتم الكاتب بالمبالغة فى حسن الخط وإنما يهتم بصحته وتصحيحه ويتجنب التعليق وهو خلط الحروف التى ينبغى تفرقها والمشق وهو سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: شر الكتابة المشق وشر القراءة الهدرمة (التصفح السريع دون تدبر المعنى) وأجود الخط أبينه. 3 - يكره فى الكتابة فصل مضاف اسم الله تعالى منه: عبدالله، عبدالرحمن، رسول الله، فلا يكتب عبد أو رسول فى نهاية السطر والله أو الرحمن فى بداية السطر التالى لقبح صورة الكتابة. 4 - وإذا كان الكاتب ينسخ كتابا فعليه مقابلة النسخة على أصل موثوق صحيح فالمقابلة متعينة للكتاب الذى يرام به النفع. قال عروة بن الزبير لابنه هشام رضى الله عنهما: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ (أى على أصل صحيح) قال: لا، قال: لم تكتب. وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح أو على شيخ فينبغى أن يعجم المعجم، ويشكل المشكل، ويضبط الملتبس، ويتفقد مواضع التصحيف. 5 - على الكاتب أن يكتب على ماصححه وضبطه فى الكتاب (صح) صغيرة. ويكتب فوق ماوقع فى التصنيف وهو خطأ (كذا) صغيرة أى هكذا رأيته، ويكتب فى الحاشية (صوابه كذا) إن كان يتحققه أو (لعله كذا) إن غلب على ظنه، ويكتب على ما أشكل عليه ولم يتبين صحته (ضبة) وهى صورة رأس صاد مهملة مختصرة (ص). 6 - لايكتب الكاتب الكتابة الدقيقة لأنه ربما لم ينتفع بها وقت الحاجة من كبر وضعف بصر، ثم محله فيمن عجزعن ثمن ورق أو حمله فى سفر فيكون معه خفيف المحمل فلا كراهة فى ذلك ولا منع للعذر، والكتابة بالحبر أولى من المداد. 7 - ينبغى ألا يكون القلم صلبا جدا فيمنع سرعة الجرى، ولا رخوا فيسرع إليه الحض، وقال البعض إذا أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمتها، وحرف قطتك وأيمنها، ولتكن الساكين حادة جدا لبراية الأقلام وكشط الورق ولا تستعمل فى غير ذلك. وليكن مايسقط عليه القلم صلبا وهم يحمدون القصب الفارسى جدا والأبنوس الصلب الثقيل. 8 - ينصح الكاتب عادة بكتابة الأبواب بالحمرة فإنه أظهر فى البيان وفى فواصل الكلام، وكذلك لابأس به على أسماء أو مذهب أو أقوال أو طرف أو أنواع أو لغات أو أعداد أو نحو ذلك. ومن أدوات الكتابة عند المسلمين: القلم - المداد - الدواة - المدية - المقط - المفرشة - الممسحة - المقلمة. وقد تطورت مواد الكتابة عند المسلمين مع مرور الزمن: من مواد طبيعية مثل العسب والكرانيف، والعظام، واللخاف، وقطع الفخار، إلى مواد مصنعة كالمهارق، والبردى، والرق، ثم الورق. أ. د/شعبان عبدالعزيز خليفه

_ مراجع الإستزادة: 1 - صبح الأعشى للقلقشندى. 2 - تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة

4 - كتاب الوحى

4 - كُتَّاب الوحى كتاب: جمع كاتب والكاتب عند العرب العالم، ومنه قوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} الطور:41 (1). والوحى فى اللغة: إعلام الغير بشىء فى خفاء. واصطلاحا: إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه، وهو من خصائص الأنبياء والرسل، ويكون مباشرة كما فى تكليم الله موسى على الجبل، أو بواسطة الملائكة الذين يحملون التعاليم الإلهية إلى من اصطفاهم الله من خلقه وهم الرسل، وقد جاء ذكر الوحى فى الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، ويعتبر القرآن الكريم هو الوحى المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم باللفظ المنقول عنه بالتواتر حفظا وكتابة، ويعتبر إعجاز القرآن اثباتا لنبوته عليه السلام (2). وقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتابا للوحى، منهم من كان يكتب فى بعض الأحيان ومنهم من كان منقطعا للكتابة ومتخصصا لها، وكلما نزل شىء من القرآن الكريم أمرهم عليه السلام بكتابته مبالغة فى تسجيله وزيادة فى التوثيق والضبط والاحتياط لكتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ وكان هؤلاء الكتّاب من خيرة الصحابة. وكان عليه السلام يدلهم على موضع المكتوب من سورته فيكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب (جريد النخل) واللخاف (الحجارة الرقيقة) وقطع الأديم (الجلد) والرقاع (من الورق والكاغد) ثم يوضع المكتوب فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقض العهد النبوى إلا والقرآن مجموع على هذا النمط (3). وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من الكتّاب وصل بهم بعض المؤرخين إلى ستة وعشرون كاتبا، ووصل بهم البعض الآخر إلى اثنين وأربعين كاتبا منهم فى مكة: "على بن أبى طالب وعثمان بن غفان. وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وخالد بن سعيد بن العاص، وعامر بن فهيرة. والأرقم بن أبى الأرقم، وأبو سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومى، وجعفر بن أبى طالب. وحاطب بن عمرو، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبدالله بن أبى بكر". وأضيف إليهم فى المدينة: "أبو أيوب الأنصارى، وخالد بن زيد. وأُبىُّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، ومعاذ بن جبل، ومعيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعبدالله بن عبدالله بن أُبّى بن سلول، وعبدالله بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وبريدة بن الحصيب، وثابت بن قيس بن شماس، وحذيفة بن اليمان، وحنظلة بن الربيع، وعبدالله بن سعد بن أبى سرج". وزاد بعد الحديبية: "أبو سفيان صخر بن حرب، ويزيد بن أبى سفيان، ومعاوية بن أبى سفيان، وخالد بن الوليد، وجهم بن سعد وجهم بن الصلت بن مخرمة، والحصين بن النمير، وحويطب بن عبد العزى، وعبدالله بن الأرقم، والعباس بن عبدالمطلب، وأبان بن سعيد بن العاص، وسعيد بن سعيد بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، والعلاء الحضرمى". هذا وقد أضحى فى المدينة لكل كاتب اختصاص تقريبا، فكان يكتب الوحى على بن أبى طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبىّ بن كعب ويكتب للملوك والأمراء زيد بن ثابت ويكتب للمعاهدات على بن أبى طالب ويكتب لحوائج الناس المغيرة بن شعبة ويكتب المدانيات فى المجتمع عبدالله بن الأرقم ويكتب الغنائم معيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعندما كان يغيب أى كاتبا من هؤلاء، كان يكتب حنظلة بن الربيع، لذا عرف بالكاتب (4). أ. د/عبدالله جمال الدين

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز: مجمع اللغة العربية، ص526 ومختار الصحاح ص562. 2 - دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله، ص741. 3 - القرآن والتفسير، عبدالله شحاته، ص24،25. 4 - التاريخ الإسلامى، محمود شاكر، ص379،380

5 - الكثرة

5 - الكثرة لغة: هى ضد الوحدة. واصطلاحا: الشيء الذى يقبل الانقسام إلى وحدات مختلفة والكثرة والوحدة لفظان. متقابلان متضايفان، فلا نفهم أحدهما دون نسبته إلى الآخر، لأننا نعرف الواحد فنقول: إنه الشيء الذى لا ينقسم من الجهة التى قيل له إنه واحد. والواحد بالعدد، إما أن يكون فيه بوجه من الوجوه كثرة بالفعل، فيكون واحدا بالتركيب والاجتماع، وإما أن لا يكون ... والكثير يكون كثيرا على الإطلاق، وهو العدد المقابل للواحد ... وقد يكون الكثير كثيرا بالإضافة، وهو الذى يترتب بإزائه القليل والكثرة تتطرق إلى الذوات من خمسة أوجه: الاول: بقبول الانقسام فعلا أو وهما، فلذلك لم يكن الجسم الواحد واحدا مطلقا، فإنه واحد د بالاتصال القائم القابل للزوال فهو منقسم فى الوهم بالكمية. الثانى: أن ينقسم الشيء فى العقل إلى معنيين مختلفين لا بطريق الكمية، كانقسام الجسم إلى الهيولى والصورة. الثالث: الكثرة بالصفات، بتقدير العلم والقدرة والإرادة. الرابع: كثرة عقلية تحصل بتركيب الجنس والفصل: فالحيوانية غير الإنسانية فى العقل، إذ الحيوان جنس والناطق فصل. الخامس: كثرة تلزم من جهة تقدير ماهية، وتقدير وجود لتلك الماهية، ولذلك يجوز أن يدرك العاقل ماهية الإنسان وماهية المثلث وليس يدرى أن لهما وجودا فى الأعيان أم لا. فالكثرة صفة الشيء المركب من وحدات مختلفة، فإذا كانت هذه الوحدات قابلة للإحصاء كانت الكثرة متناهية، وإذا كانت غير قابلة للإحصاء كانت الكثرة غير متناهية. ومذهب الكثرة هو المذهب القائل إن موجودات العالم ليست مجرد أعراض أو ظواهر لحقيقة واحدة مطلقة، وإنما هى مجرد جواهر شخصية كثيرة مستقلة بعضها عن بعض، ولكل منها صفات تخصّه، بخلاف مذهب الواحدية الذى يقرر أن جميع أشياء هذا العالم ترجع إلى حقيقة واحدة، ولا يجوز التعدد. ومن المسائل الشائكة التى شغلت أذهان الفلاسفة مسألة صدور الكثرة عن الوحدة، فالقائلون بوحدة الوجود يقررون أن موجودات العالم ليست سوى أحوال أو أعراض لجوهر واحد عميق، والقائلون بإله واحد خلق العالم من لا شيء، يرجعون الكثرة التى فى الأشياء إلى فعل إرادة مطلقة تخلق الأشياء كما تريد، وفى الوقت الذى تريد، وهذه الإرادة هى إرادة الله تعالى. أ. د/ محفوظ عزام

_ المراجع 1 - كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوى طبعة استنبول. 2 - كتاب النجاة، ابن سينا- نقحه وقدم له د. ماجد فخرى، بيروت 1985. 3 - تهافت الفلاسفة، تحقيق د. سليمان دنيا، الطبعة الخامسة، دار المعارف، القاهرة .. 4 - المعجم الفلسفى، د- جميل صليبا الشركة العالمية للكتاب، بيروت، القاهرة.

6 - الكذب

6 - الكذب الكذب: نقيض الصدق، والصدق مطابقة الخبر للواقع ولو بحسب اعتقاد المتكلم فى لسان العرب: كذب يكذب كذبا، تقول: رجل كاذب، وكذاب، وفى قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة} الواقعة:2. وجاء فى لغة العرب تَكَذّبوا عليه: زعموا أنه كاذب وتُكذّب فلان: إذا تكلف الكذب، والكذابة: ثوب يصبغ بألوان ينقش كأنه موشى. والكذابان: مسيلمة الحنفى، والأسود العنسى (1). وللكذب دوافع منها: 1 - الاعتزاز بخداع النفس، ومحاولة اجتلاب النفع مع أن فيه الهلكة، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لأن يضعنى الصدق، وقلما يضع، أحب إلى من أن يرفعنى الكذب وقلما يفعل. 2 - أن يؤثر فيكون حديثه مستغربا وكلامه مستطرفا. 3 - أن يقصد بالكذب التشفى من عدوه، فيسمه بقبائح يخترعها عليه. 4 - أن يتعود الكذب، حتى يصير الكذب سجية له. ولقد حرم الإسلام الكذب لكن السنة المطهرة وردت بإرخاصه فى الحرب وإصلاح ذات البين على وجه التورية، والتأويل دون التصريح به، فإن السنة لم ترد بإباحة الكذب على وجه التصريح قط، كما أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، كالغيبة والنميمة. أما الآثار السلبية للكذب على الفرد وعلى الأمة: 1 - تضيع به الحقوق، فمنه شهادة الزور. 2 - تفقد به الثقة، فتفقد الطمأنينة إلى الكاذب فيحجم الناس عن التعامل معه. 3 - الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية وسبب هدم لأبنيتها الحضارية، وتقطيع لروابطها وصلاتها، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ. 4 - إن الكذب طريق إلى النار فيه يخسر الإنسان آخرته بعد خسارة دنياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجوز وإن الفجور يهدى إلى النار ومايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا". ولهذا استحالت صفة الكذب على الرسل، ووجبت لهم صفة الصدق، فلو جازت عليهم صفة الكذب، لما وثق الناس فى أخبارهم فتضيع الفائدة من الرسالة، فكان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره موصوفا بالصادق الأمين، بقدر ما أتخذ من الصدق صفة له دليلا لايقبل الجدل لإثبات كونه رسول الله تعالى. أ. د/عبدالسلام محمد عبده

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأخلاق فىالإسلام، د/عبداللطيف العبد. 2 - لسان العرب لابن منظور 5/ 3841،3842. 3 - تهذيب الأخلاق لمسكويه

7 - الكرامة

7 - الكرامة لغة: تعنى العزازة حيث تقول: فلان كريم على، بمعنى عزيز لدى والمكرمة: فعل الكرم، والمكرم: الرجل الكريم على كل أحد. واستكرم الشىء: أى طلبه كريما، وكريم: ورد فى التنزيل {إنى ألقى إلى كتاب كريم} النمل:29، أى حسن معناه، محمود ما فيه (1). واصطلاحا: فى منظور رجال التوحيد هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم بمتابعة نبى، كلف بشريعة، مصحوبا بصحيح الاعتقاد، والعمل الصالح عمل بها أم لم يعمل. والمكرمة سواء أعلم بها أم لم يعلم لايتحدى بها كالمعجزة. وفى مسألة وقوع الكرامة من ولى أو عدم ظهورها على يديه مذهبان: المذهب الأول وهو لأهل السنة: فهم يرون الكرامة جائزة عقلا، وواقعة فعلا فى الحياة، وبعد الممات، بل إن بعضهم يذهب إلى أن حدوثها بعد الموت أولى لصفاء النفس حينذاك من الأكدار، ويستندون فيما ذهبوا إليه من جواز وقوعها على أنه لا يلزم من فرض وقوعها محال، وكل ما كان كذلك يكون جائزا. ويستدلون على ذلك بما ورد فى القرآن الكريم من قصة مريم حيث أنبتها الله تعالى نباتا حسنا، وكان زكريا (عليه السلام) كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا كثيرا. وقصة أهل الكهف الذين لبثوا فى الغار ثلاثمائة سنين وإزدادوا تسعا دون طعام أو شراب فضرب الله على آذانهم لأن الأذن موطن الإيقاظ فى الإنسان، والشمس تطهر كهفهم من الأمراض فإذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين. كذلك ماذكره القرآن عن الذى عنده علم الكتاب الذى أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بلاد الشام فى طرفة عين وغير ذلك. أما المذهب الثانى للمعتزلة: وهم يرون عدم جواز الكرامة ولهم على مذهبهم أدلة لديهم فيها: 1 - لو ظهرت الكرامة على يد الولى لالتبس بالنبى ويرد هذا بمنع الالتباس ذلك لأن المعجزة مقرونة بدعوى النبوة بخلاف الكرامة. 2 - لو ظهرت الكرامة على يد الولى كثرت بكثرتهم فلا تكون خارقة ويرد من لدليل بأن الكثرة لاتؤدى إلى تحويل خارق العادة إلى معتاد، ويظل الخارق للعادة رغم كثرته خارقا للعادة. وبناء عليه فيسلم قول جواز وقوع الكرامة للولى تكريما على طاعة الله تعالى. أ. د/عبدالسلام محمد عبده

_ مراجع الاستزادة: 1 - الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء تقى الدين النجرانى تحقيق د/السيد الشاهد ط المجلي الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1999م. 2 - اللمع: للطوسى تحقيق د/عبدالحليم محمود وطه عبد الباقى سرور، ط المكتبة العلمية. 3 - كشف المحجوب للهجويرى ترجمه د/اسعاد قنديل. 4 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبدالجبار، تحقيق د/عبدالكريم عثمان

8 - الكراهية

8 - الكراهية الكراهية نقيض الحب فهى شعور الإنسان ببغضه للآخرين، وحبه لنفسه فقط، وهى داء وبيل ينجب الكثير من الأمراض الخلقية الخطيرة مثل: الحسد، والبغضاء، والشحناء، والغيبة، والنميمة، وقد لا يكبح جماحها فيكون الظلم والعدوان، وغيرها من الرذائل. وقد ذكر الله تعالى الكرة بالفتح والكرة بالضم فى غير موضع من كتابه العزيز {كتب عليكم القتال وهو كره لكم .. } البقرة:216. ويقول نافع: إن كره فى القرآن الكريم لم ترد مضمومة الكاف إلا فى هذه الآية. والكَره، والكُره لغتان، فبأى لغة وقع فهو جائز ومعناهما واحد، وهو إجبار النفس على ما لا تهوى، إلا الفراء: فإنه زعم أن الكره بالضم ما أكرهت نفسك عليه، والكره بالفتح ما أكرهك غيرك عليه. ويقول ابن سيده: الكرة بالفتح الإباء والمشقة تكلفها فتحتملها، والكرة بالضم المشقة تحتملها من غير أن تكلفها (1). ومن ثم كانت للكراهية هذه الآثار السلبية: 1 - أنها تشقى صاحبها قبل أن تنال من الآخرين. 2 - أنها تجلب القلق والاضطراب إلى قلب صاحبها فتورثه العديد من الأمراض النفسية والجسدية. 3 - أنها تبعد بصاحبها عن الإيمان الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية مايحب لنفسه). وقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم". 4 - الكراهية تهوى بصاحبها إلى أدنى درجات البشر فتثير كراهية الناس له والكراهية ليست من أخلاق المسلمين الذين يحبون الله وملائكته ثم يوضع لهم القبول فى الأرض، لكنها قد تكون مطلوبة أحيانا وذلك فيما يلى: (أ) كره أعداء الله تعالى وأعداء دينه، وعدم مودتهم. (ب) كره الشر والرذيلة والفساد والباطل. (ج) كره النفس الأمارة بالسوء الداعية إلى الفجور فكراهية القبائح والمعاصى والشرور، وأعداء الله تعالى كراهية حكيمة عاقلة. وأشد أنواع الكراهية جرما كره الله ورسوله ثم كره المسلمين. أ. د/عبدالسلام محمد عبده

_ مراجع الاستزادة: 1 - لسان العرب لابن منظور (5/ 3864،3866). 2 - تهذيب الأخلاق لمسكويه. 3 - الأخلاق فى الإسلام د/عبداللطيف العبد ط دار الثقافة العربية 1985م. 4 - الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الاصفهانى تحقيق د/أبواليزيد العجمى ط دار الوفاء

9 - الكرسي

9 - الكرسي إصطلاحا: العرش والكرسى لفظان مترادفان ويقصد بهما الجسم المحيط بجميع الأجسام سمى به لإرتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فى تمكنه عليه عند الحكم لنزول أحكام قضائه وقدوه منه ولا صورة ولا جسم ثمة (1). قال الحسن: إنه جسم عظيم يسع السموات والأرض وهو نفس العرش لأن السرير قد يوصف بأنه عرش وبأنه كرسى وكل واحد منهما يصح التمكن عليه. وقال بعض العلماء هذا هو الكرسى المذكور فى قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} (البقرة 255) وقد اشتهرت الآية بآية الكرسى. وقيل: كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره، وقيل: قدرة الله تعالى، وقيل: تدبيره، وقيل: مجاز سكن العلم من تسمية الشيء بمكانه لأن الكرسى مكان العلم الذى فيه العلم، فيكون مكانا للعلم بتبعيته لأن العرض يتبع المحل فى التحيز. وقيل: المراد من الكرسى أن يكون السلطان والقدرة والملك لله تعالى، لأن الألوهية لا تحصل إلا بهذه الصفات. والعرب تسمى أصل كل شيء الكرسى. أو لأنه تسمية للشيء باسم مكانه فإن الملك مكانه الكرسى. قال النيسابورى: المراد به العلم لأن العلم هو الأمر المعتمد عليه، ومنه يقال للعلماء كراسى الأرض، كما يقال: هم أوتاد الأرض وقيل: ففى الكلام استعارة تمثيلية وليس ثمة كرسى وهذا رأى معظم الخلف (2). وقيل إن المقصود من الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه، وتقدير ذلك أنه يخاطب الخلق فى تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوا من ملوكهم. وقد قالت المشّبهة لو كان الله على العرش، لم يكن لحمله فائدة، وأكدوا شبهتهم بقولهم: يومئذ تعرضون للمحاسبة والمساءلة فلو لم يكون إله حاضراً لم يكن للعرض معنى. وأجيب بأن الدليل على أن حمل الإله محال ثابت، فلا بد من التأويل، وهو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه، فخلق لنفسه بيتا تزورونه وليس ليسكن فيه، وجعل فى ذلك البيت حجزا لتقبلونه، إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم وجعل على العباد حفظه لا لأن النسيان يجوز عليه بل لأنه المتعارف، كذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله أن يجلس لهم على سرير ويقف الأعوان حواليه، صور الله تعالى تلك الصور المهيبه لا لأنه يقعد على السرير. ولهذا قال النيسابورى فى تفسير قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة 17): لا أدرى ثمانية أشخاص أو ثمانية آلاف أو ثمانية صفوف. وجملة ما اتفق عليه جمهور أهل السنة: أنه تعالى له ما أثبته سبحانه لنفسه أو، اثبته له رسوله وبلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، ومنه: إثبات استواء الله على عرشه كما يليق بجلاله (3). (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - التعريفات للجرجانى. طبعة الحلبى ص 130 2 - روح المعانى للألوسى طبعة دار إحياء التراث العربي القاهرة 10/ 3 - 4. 3 - دائرة المعارف الإسلامية، محمد فريد وجدى طبعة دار المعرفة بيروت6/ 331.

10 - الكرم

10 - الكرم لغة: وردت مادة (كرِم) فى لسان العرب بعدة معان: (ا) خوف التقدم- تقول كَرِمَ الرجل كرما فهو كريم إذا هاب التقدم. (ب) على الاكثار من الطعام حتى ما يشتهى أن يعاد إليه، تقول: أكرمت عن الطعام وأقهمت، وأزهمت إذا أكثرت منه حتى لا تشتهى أن تعود إليه. (ج) القصر فى الأطراف والأعضاء- كقصر فى الأنف قبيح، وقصر فى الأصابع شديد، والكرم فى الأذن والأنف والشفة واللحى واليد والفم والقدم: القصر والتقلص، والعرب تقول للرجل البخيل أكرم اليد. (د) السكوت عن الكلام تقول: كرم فلان إذ ضم فاه وسكت، فإذا ضم فاه عن الطعام تقول: أزم يأزم، فالكرم يطلق على السكوت عن الكلام خاصه إذا كان الكلام فى الخير (1) واصطلاحا: سخاء النفس وجودها، وهو كجميع الخلق الإسلامية- وسط بين رذيلتين: البخل والتبذير والكرم سجيه أصيلة عند العرب جاء الإسلام فنمَّاها وأصلها وزكاها وثّبتها فى نفوس أبناء أمته. والذى مكّن هذه السجية الشاهقة فى نفوس الجاهليين ما يلى: (أ) قسوة الطبيعة التى عاشها العربى وعايشها. (ب) عسر وسائل الاتصال بالجزيرة آنذاك (ب) آثار الحروب الدائرة الرحى بين قبائلها المتناثرة. (د) كرههم الشح، وذمهم البخلاء، يقول قائلهم: وكل كريم يتقى الذم بالقرى وللحق بين الصالحين طريق لعمرك ما ضاقت بلاد بأرضها ولكن أخلاق الرجال تضيق (هـ) تلذذهم بعمل الجود ذاته لا للثناء عليه، وذاك هو منطقهم: تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذى أنت سائله ويتجلى الكرم فى الإسلام فيما يلى: 1 - أن تجود النفس بالثمين المحبب إليها: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} (البقرة 267) ويقول تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.} (آل عمران 92) 2 - أن الكرم فى الإسلام ليس مقتصرا على حالة اليسر فقط، ولا على الأغنياء وحدهم بل هو سجية المسلمين جميعا، تتضح معالمه وتبدو قيمته فى حاله العسر، وحين تمتد يد الفقراء به قال تعالى {والذين تبوءُ وا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} (الحشر 9). ويقول قائلنا: ليس العطاء من الفضول سماحه حتى تجود وما لديك قليل 3 - ألا يمن الغنى على الفقير بما أعطاه فذكر العطاء أو المن به أو تفخمه مبطل له، قال تعالى] يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم والآخر. [.، (البقرة 264). 4 - عدم المباهاة بالعطاء، أو الافتخار به فللعطاء فى الإسلام ثلاث خصال: تعجيله وتيسيره وستره، وقد عدَّ رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من السبعة الذين سيكونون فى ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، قوله: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. 5 - ألا ينتظر الشكر عليه من المعطى له، فلا يكون الكريم كريما حتى تجود نفسه ابتغاء مرضاة الله وحده. 6 - أن تجود النفس بالعطاء عن رضا وعن حب فمن حبس عن الضيف عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. أ. د/ عبد السلام محمد عبده 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (كرم) 5/ 3869 - 3870

_ المراجع 1 - خلق المسلم محمد الغزالى 2 - أدب الدنيا والدين- الماوردى تحقيق مصطفى السقاط المطبعة العلمية ببيروت ط1. 3 - رياض الصالحين الإفتاء والبحوث الرياض. 4 - تهذيب الأخلاق. ابن مسكويه- مكتب الحياة بيروت-

11 - الكعبة

11 - الكعبة الكعبة بناء شبه مريع بنى قبل إبراهيم - عليه السلام - فيما رواه المؤرخون، ثم رفع قواعدها إبراهيم وابنه إسماعيل - عليه السلام -، ثم جُدّد بناؤها عبر التاريخ عدة مرات، على يد العمالقة ثم جرهم، ثم قصى بن كلاب (جد النبى - صلى الله عليه وسلم -) ثم قريش حيث اشترك معهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة ثم بناها عبد الله بن الزبير ثم الحجاج بن يوسف الثقفى فى جزء منها، وأخيرا بناها السلطان مراد الرابع العثمانى (1040هـ/1630م، وهى آخر بناء للكعبة، حج إليها العرب فى الجاهلية، وكانت معبد قريش الأكبر، ومقراً لأصنامهم، إلى أن طهرها النبى - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح وحطم الأصنام، ويحج إليها المسلمون من مختلف الأقطار، وتسمى البيت، والبيت العتيق، والبيت الحرام، وكانت فى البداية مكشوفة، ثم سقفت وكسيت بالديباج. ليس المقصود بالكسوة تاريخيا كسوة الكعبة فقط، بل تشمل أيضا، كسوة الحُجْرة النبوية، وكسوة حِجْر إسماعيل، ومقام إبراهيم، فضلا عن بعض الستائر لبعض الأضرحة. وهناك خلاف حول أول عن كسا الكعبة، هل هو إسماعيل جد النبى الأعلى. أم عدنان؟ أم تُبَّع أبو كرب أسعد عيلك حمير ويمكن التوفيق بين الآراء بأن إسماعيل أول من كسأها بعده، وأن عدنان أوله من كسأها بعده، وأن تبع أول من كساها كسوة كاملة كما نص على ذلك المؤرخون. وقد كسا العرب فى الجاهلية الكعبة بمختلف أنواع الأكسية (الوبر والشعر والجلود والديباج، والثياب اليمانية). وفى عصور الدولة الإسلامية (العصر النبوى والراشدى والأموى والعباسى، كسيت الكعبة كسوتين الديباج يوم التروية والقباطى المصرية يوم سبع وعشرين من رمضان، وأحيانا كانت تسمى ثلاث أو أربع مرات فى السنة، وأصبحت كسوة القباطى تصنع فى مصر بعد فتحها بصفة رسمية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت تخرج منها سنويا باستثناء بعض السنوات القليلة إبان ضعف العباسيين. وبعد زوال الدولة العباسية (656هـ/1258م)، استمرت الكسوة ترد إلى الكعبة مرة واحدة، من مصر أحيانا ومن اليمن أحيانا أخرى إلى عهد الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكى (743هـ/746هـ) 1342 - 1345 م) حيث اختصت مصر بإرسال كسوة الكعبة كل عام من الوقف الذى وقفه (وهو ثلاث قرى مصرية: بسوس وسندبيس وأبو الغيط) على صناعة الكسوة هـ وقد أشترى السلطان سليمان الأولى العثمانى 926 - 974 هـ/ 1520 - 1566م) م، سبع قرى عصرية أخرى وأضافها إلى الوقف السابق فصار عشر قرى سنه (947 هـ/1540 م) وذلك لصناعة الكسوة الخارجية فى كل عام، والداخلية والكساوى الأخرى كل خمسة عشر عاما مرة واحدة، وقد استمرت صناعة وإرسال الكسوة من مصرمن ريع هذه الأوقاف سنويا طوال العصر العثمانى والعصر الحديث باستثناء بعض السنوات لظروف خاصه حتى توقف إرسالها نهائيا من مصر سنة (1382هـ/ 1963م). أما عن أماكن تشغيل الكسوة بمصر عبر التاريخ فهى مدن: تنيس، وتونة، وشطا (بالقرب من دمياط) للشهرة الفائقة فى صناعة النسيج، ثم المشهد الحسينى، ثم القلعة، ثم استقرت صناعتها فى مطلع عشرينات القرن التاسع عشر حتى توقفت نهائيا سنه 1382هـ/1963م فى دار الكسوة بالخرنفشى بالقاهرة، حيث انتقلت صناعتها إلى مكة المكرمة إلى يومنا هذا. وتتألف كسوة الكعبة التى كانت ترسلها مصركل عام (فى العصر الحديث) من ثمانية ستائر (أحمال الكسوة) وثمانية أحزمة، وأربع كروشيات، وستارة باب الكعبة المعروفة بالبرقع، وكسوة مقام الخليل إبراهيم - عليه السلام -، وستارة باب مقدرة الخليل إبراهيم عام - عليه السلام -، وستار باب التوبة، وستار باب المنبر الملكى، وكيس مفتاح الكعبة، وكلها من الحرير الأسود والأحمر والأخضر والأصفر، ومطرزة بأسلاك الذهب والفضة الخالصة والفضة الملبسة بالذهب ومحلاة بالآيات، الكريمة، هذا بالإضافة إلى، لوازم تعليق الكسوة من حبال وغيرها. والمحمل كان يطلق على الجمل الذى يحمل الهدايا العينية والنقدية إلى الكعبة المشرفة وكان يغطى بقطعة من الجوخ والذى كان يصاحب قافلة الحج ككل عام، وقيل هو الهيكل الخشبى المخروط الشكل الذى يحلى بأجمل زينة، ومن الصعب تحديد بداية ظهور المحمل بصورته المبسطة التى تقتصر على إرسال جمل يحمل الهدايا إلى البيت العتيق، لاحتمال حدوثه قبل الإسلام لأن تقديس العرب للكعبة، وإرسال الهدايا إليها كان أمرا مألوفا لدى العرب منذ الجاهلية، وقد سير النبى - صلى الله عليه وسلم - محملا الى مكة بهدايا إلى البيت المعظم، كما تبارى ملوك المسلمين وأمراؤهم عبر التاريخ فى إرسال المحامل التى تحمل هداياهم إلى الحرمين الشريفين كل عام مثل المحمل العراقى والشامى واليمنى والمغربى والتكرورى والرومى (التركى) ومحمل النظام هلك حيدر آباد بالهند، ومحمل ابن الرشيد وابن سعود وابن دينار بالسودان، فضلا عن المحمل المصرى الذى كان يصاحب الكسوة كل عام، ولم تكن المحامل إلا جمالا تحمل هدايا إلى الحرمين الشريفين مغطاة بقطعة بسيطة من الجوخ، وكانت تعود تلك المحامل إلى ديارها بعد الحج والزيارة حتى بداية العصر الملوكى، أما خروج المحمل فى موكب رسمى تحيط به مظاهر الاحتفال والأبهة والزينة والحرس والجنود، فقد كان عند خروج شجرة الدرمن مصرفى هودجها للحج سنة (645 هـ/1247م) الأمر الذى جعل بعض المؤرخين يؤرخ بداية ظهور المحمل بتك السنة، وقد صار خروج المحمل على تلك الصورة عادة يقوم بها ملوك مصر كل سنة، ويبالغون فى الاحتفاء به- خاصة الظاهر بيبرس-ويزيدون فى زينته سنة بعد أخرى حتى بلغت زنة كسوة المحمل مع هيكله الخشبى أربعة عشر قنطارًا، بحيث صارت الهدايا تحمل فى صناديق تحملها جمال أخرى تسيرمع قافلة الحج. وقد وصفه أحد الرحالة فى القرن 12هـ/18م بقوله: يبدو عليه حسن الطلعة، وجمال الصنعة، بخرط متقن وشبابيك ملونه بأنواع الأصباغ، وعليها كسوة من الديباج المخوص (المزركش) بالذهب، ورأس الجمل ورقبته وسائر أعضائه محلاة بجواهر منظمه أبلغ نظم، وعليها رش محلى بمثل ذلك، والجمل نفسه خضب جلده بالحناء ويقوده سائسه ويتبعه جمل آخر على مثل هيئته، وثالث يحمل الكسوة المشرفة ملفوفة قطعا قطعا كل قطعة منها على أعواد تشبه السلالم. وكان للمحمل كسوتان: كسوته اليومية وهى من القماش الأخضر، وكسوته المزركشة وهذه لا يلبسها إلا فى المواكب الرسمية، وكان يحتفل بخروج المحمل والكسوة من مصر كل عام منذ العصر المملوكى وإبان العصرين العثمانى والحديث وحتى توقف سفر المحمل وألغى نهائيا عام (1372هـ/953 1 م)، واقتصر الاحتفال بالكسوة فى المسجد الحسينى حتى توقف إرسالها من مصر نهائيا سنة (1382هـ/1963م)، حيث كان يسير الموكب فى شوارع القاهرة، وفيه الجنود الراكبة والبيادة، وحرس المحمل وركبه وخدمته، وأمير الحاج الذى يعين سنويا، وهو من الباشوات العسكريين فى الغالب، كما كان يحضره حاكم مصر أو نائبه، ورجال حكومته من الوزراء والعلماء وكبار الشخصيات. كما كان يحتفل بوصول المحمل والكسوة فى مكة المكرمة إبان تلك العصور، واكتسب الاحتفال الطابح الرسمى منذ إعلان الدستور العثمانى سنة 1326هـ/1908م حيث كان يصل ركب المحمل والكسوة الى التكية المصرية فى مكة حيث يبقى المحمل ثم يخرج موكب الكسوة فى احتفال مهيب يحضره أمير الحاج المصرى، وأمين الصرة، وحرس المحمل، وبعض القوات العثمانية، والموسيقى العسكرية، حيث تحمل صناديق الكسوة، وتسلم فى نهاية الاحتفال إلى الشيخ الشيبى شيخ السدنة، وحامل مفتاح الكعبة المعظمة ليتم إلباسها للكعبة بعد إنزال الكسوة القديمة فى الموعد المحدد يوم النحر. وفى العصر السعودى توقفت كل تلك الاحتفالات كل توقف نزول المحمل إلى الأراضى المقدسة منذ سنة 1355هـ/1936م، ثم ألغى المحملى نهائيا، كما ألغيت كل تلك الاحتفالات فى شوارع القاهرة منذ عام (1372هـ/1953م)، ثم توقف إرسال الكسوة من مصر نهائيا سنة (1382هـ/1963م)، وقد بلغت تكاليف المحتمل وتسفيره فى العصر الفاطمى مائة وعشرين ألف دينار، زادت فى بعض السنوات إلى مائتى ألف دينار وفى العصر العثمانى سبعه أكياس مصرية، وقد يزيدها ناظر الكسوة- أحيانا- من أربعه إلى ستة أكياس مصرية، أما فى العصر الحديث (1382هـ/1963م) فقد وصلت تكاليف المحمل والصرة الى خمسين ألف جنيه مصرى. أما عن علاقة المحمل بالكسوة الشريفة، فقد كان المحمل يعتبر فى نظرمن اهتموا بخروجه رمزا لأمان الحجاج لما كان يرافقه مع الكسوة من الجند المسلحين لحراسة وتأمين قافلة الحج من أخطار الطريق المختلفة، أبرزها: قطاع الطرق، وهجوم العربان على قوافل الحج، وسلبها ونهبها، وأحيانا قتل الأبرياء، والحيلولة بينهم وبين تحقيق أمنيتهم فى أداء فريضة الحج، أما عن تكاليف صناعة الكسوة، فقد بلغت فى العصر العثمانى (61 2762) درهما فضة أى 32 ألف كيس، وفى العصر الحديث 43 1 4 جنيها مصريا سنة 1318هـ/1901م 550 جنيهاً مصرياً سنة 1318هـ/1910م، 0322 1جنيها مصريا سنة 1340هـ 1922م. أ. د/ السيد محمد الدقن

_ المراجع 1 - مرآة الحرمين، إبراهيم رفعت اللواء (1/ 274، 275) القاهرة. 2 - الكعبة والمسجد الحرام من عهد إبراهيم عليه السلام إلى الآن. فتحى فوزى عبد المعطى، مكتبة الرائد المنصورة (ص 171، 173) 18 4 1 هـ/1997 م. 3 3 - الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة، تحقيق لجنة من العلماء، ابن النجار مكتبة النهضة الحديثة (ص 393). 4 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى السمهودى: تحقيق محمد محيى الدين عبد الحبيب، (س581/ 2) دار الكتب العلمية، بيروت، 1955م. 5 - كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ السيد محمد الدقن (ص17 0 18) الطبعة الأولى، القاهرة 1406هـ، 1986 م. 6 - الرحلة: ابن جبير، من منشورات دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان 1981 م (ص140، 1 4)

12 - الكفارة

12 - الكَفْارة لغة: مأخؤذة من الكفر وهو الستر، وسميت الصغار بهذا الاسم لسعترها الذنب تخفيفا من الله تعالى (1). وفى التهذيب: سميت الكفارات كفارات: لأنها تكفر الذنوب أى تسترها، مثل كفارة الايمان وكفارة القتل، والخطأ. وقد بينها الله تعالى فى كتابه وأمربها عباده، فإطلاقها على غير ذلك مجاز أو حقيقة عرفية. والكفارة: كفر بها من صدقة أو صوم أو نحو ذلك من إطعام، وكفر عن يمينه إذا فعل الكَفَّارة. واصطلاحا فعل ما من شأنه أن يمحو الذنب من عتق وصدقة وصيام بشرائط مخصوصة (2). قال النووى: استعملت الكفارة فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهك لان لم يكن فيه إثم كالقتل خطأ وغيره (3). والكَفَّارات مشروعة باتفاق الفقهاء، وهى واجبة جبرا لبعض الذنوب والمخالفات الشرعية، ودليل ذلك: الكتاب والسنة والإجماع اما الكتاب، ففى مشروعية كفارة اليمين قال الله تعالى] لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين (المائد ة 89) وقال تعالى فى شأن الإحصار فى الحج {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى} (البقرة 196) وفى القتل الخطأ قال الله تعالى أومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة [(النساء92) وقال تعالى فى الظهار {واللذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} (المجادلة 3) أما السنة، ففى مشروعية كفارة اليمين ما ورد عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا حلفت محلى يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذى هو خيروكفرعنك يمينك (4). وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على مشروعية الكفارة فى اليمين بالله وغيرها (5). وقد اختلف فى بعض الكفارات، هل هى زواجر، لما فيها من مشاق تحت مل الأموال وغيرها، أو هى جوابر، لأنها عبادات لا تصح الا بالنيات. وليس التقرب إلى الله تعالى زجرا، بخلاف الحدود والتعزيزات فإنها ليست قربات، لأنها ليست فعلا للمزجورين، والظاهر أنها جوابر، لأنها عبادات وقريات لا تصح إلا بالنية (6).وهكذا نجد الكفارات فيها بعض التعويض عما فات، واحداث ترميم لما قد وقع من المفاسد والخطيئات، وفتح باب القرب إلى الله تعالى .. أ. د/ فرج السيد عنبر 1 - لسان العرب ابن منظره/3900، مختار الصحاح ص 574 2 - حاشية ابن عابدين 2/ 578، البحر الرائق 4/ 108 3 - المجموع خط المهذب 6/ 333 4 - أخرجه البخارى، كتاب كفارات الأيمان، باب "الكفارة قبل الحنث وبعده " فتح البارى بشرح صحيح البخارى 11/ 616 5 - فتح القدير على الهداية 4/ 18. 6 - حاشية تهذيب الفروق 1/ 211 وما بعدها.

_ المراجع 1 - المبسوط للسرخسى 2 - المغنى لابن قدامة.

13 - الكفالة

13 - الكفالة لغة: الكافل: العائل والكافل الصائم بأمر اليتيم المربى له، وهو من الكفيل الضمين والكافل والكفيل: الضامن، وجمع الكافل: كفل، وجمع الكفيل: كفلاء وكفل المال وبالمال: ضَمِنَه. (1) وشرعا: ضم الذمة إلى الذمة فى المطالبة. (2) والكفاله فى القانون المدنى: "عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفى بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه (3) مشروعيتها: الكفالة مشروعة بالكتاب والسنه والإجماع ففى الكتاب يقول الله تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتننى به إلا أن يخاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} (يوسف 66) وقوله تعالى: {أو لمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (يوسف 72) وفى السنة النبوية نجد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم) (رواه أبو داود والترمذى وقال: حديث حسن وابن ماجه فى كتاب الصدقات باب الكفالة) وحديث سلمة ابن الأكوع أن رسول الله كل: (أتى برجل ليصلى عليه. فقال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران قال: هل ترك لهما وفاء؟ قالوا: لا، فتأخر فقيل: لم لا تصلى عليه؟ قال: ما تنفعه صلاتى وذمته مرهونة؟ إلا إن قام أحدكم فضمنه، فقام أبو قتادة فقال: هما على يا رسول الله، فصلى عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - (رواه البخارى وأحمد والنسائى). أما الإجماع: فقد أجمع علماء الأمة على جوازها، ولا يزال المسلمون يكفل بعضهم بعضا من عصر النبوة إلى وقتنا هذا دون نكير من أحد من العلماء (4). أنواعها: قسم المالكية الكفالة إلى نوعين: الأول: كفاله الوجه أو كفالة البدن، وعزفوها بقولهم: بالتزام رشيد الإتيان بالغريم عند حلول الأجل" (هـ) ويكون فى الغرامات المالية. الثانى: كفالة الطلب، وعزفه المالكية بقولهم: "التزام طلب الغريم إحضار المكفول والتفتيش عليه إن تغيب، ثم يدل عليه رب الحق "وهذا النوع يكون فى غير الحقوق المالية أى الحقوق البدنية القصاص والتعازير والحدود بخلاف ضمان الوجه، الذى لا يكون إلا فى الحقوق المالية وعرّفه البهوتى من الحنابلة بأنه (التزام رشيد إحضار من عليه حق مالى لريه) 0 (6) أركان الكفالة: للكفالة أركان منها: 1 - الصيغة، يشترط أن تكون صيغه الكفالة بما يدل على الالتزام بأن يقول الكفيل: أنا كفيل، أو ضامن، أو زعيم، أو غريم، أو حميل، أو قبيل، واختلف الفقهاء فى تعليق الصيغة بوقت أو غيره. 2 - الكفيل: ويشترط فى الكفيل أهلية التبرع، لأن الكفالة تبرع محض لا مصلحة فيها للكفيل، حتى إذا كانت عقد معاوضة انتهاء، فهذا يعنى أنها تنتهى بقرض، والقرض عقد إرفاق لا مصلحه فيه للمقرض؟ لذلك لا تصح من الصبى والعبد المحجور علّيه، وكذا لا تصح كفالة المكاتب (7). 3 - المكفول له: وهو المستحق للدين واختلف الفقهاء فى رضا المكفول له إلا أنه بالرجوع إلى حديث سلمة بن الأكوع نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أقرّ كفالة أبى قتادة دون رضا المضمون له. هل تجوزالكفالة فى الحدود؟ فى ذلك ثلاثة أقوال: الأول: لا يجوز ذلك مطلقا قال به ابن قدامة وهو قول أكثر أهل العلم. الثانى: قول المالكية يجوز مطلقا ويسمونه كفالة المطالبة قال فى الشرح الصغير: "ولذا يصح ضمان الطلب فى غير المال من الحقوق البدنية كالقصاص والتعازير والحدود ولكنه إذا لم يحضره يعاقب فقط أو يقدم الديه " (8) الثالث: قول الشافعية ومحمد بن الحسن لا تصح فى الحدود لما فيه حق الله عزوجل، وتصح فى الحدود لحق الآدمى فالأول كحد الزنى، والسرقة، والثانى: كحد اللعان والقذف (9) ما يترتب على الكفالة: إذا تعذر على الكفيل: إحضار المكفول مع حياته، أو امتنع من إحضاره لزم ما عليه عند المالكية والحنابلة فى الدين؟ لأن الكفالة وثيقة بالحق. فإذا تعذر الحق من جهة مَنْ عليه الدين استوفى من الوثيقة، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الزعيم غارم). وقال الحنفية والشافعية لا يلزم لأنه تكفل ببدنه لا بدينه، فلم يلزمه ما عليه، وفارق الرهن؟ لأنه تعلق بالدين (10).ولعل الصواب الأول لما فيه من المحافظة على الحقوق، ولأنه إنما تكفل بإحضاره لتسديد ما عليه. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط ط مجمع اللغة العربية مادة (ك ف ل) (2/ 824) القاهرة 1985م 2 - البحر الرائق: 6/ 321. 3 - الوسيط شرح القانون المدنى: د/ عبد الرازق السنهورى (10/ 18 - 19) 4 - فقه السنة. السيد سابق (194) 5 - الشرح الصغير: لأحمد الدرد ير (1/ 163). 6 - الروض المريع شرح زاد المستقنع ابن قاسم النجدى (ص96). 7 - تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندى، تحقيق د/ محمد زكى عبد البرط جامعة دمشق سنة 1959 طبعة اولى (3/ 398 وما بعدها). 8 - الشرح الصغير: (1/ 164) 9 - المجموع شرح المهذب: النووى - دار الفكر بيروت (13/ 458). 10 - السابق (13/ 489).

_ المراجع 1 - المغنى لابن قدامة ط دار الكتاب العربى بيروت سنة 1972م 2 - بدائع الصانع فى ترتيب الشرائع: الكاسانى- دار الكتب بيروت سنة 1986.م 3 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: أبو العباس الرملى- البابى الحلبى القاهرة. 4 - بحوث فى المعاملات فى فقه الكتاب والسنة: د. أحمد يوسف ط دار الثقافة العربية القاهرة، سنة 1989م 5 - الضالة فى ضوء الشريعة الإسلامية د/ على السالوس- ط مكتبة الفلاح الكويت ط اولى سنة 1980.م

14 - الكلام

14 - الكلام اللفظ: هو الصوت الذى يدل على المعنى الذى وضع له فى أية لغة أو لهجه. والكلام اصطلاحا: هو مجموع الألفاظ التى تفيد فائدة يحسن السكوت عليها. وهناك فرق بين الكلام والكَلمْ يحدده "الجوهرى" (1) فيقول (الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمه.) وهناك فرق بين الكلام والقول يحدده "ابن سيده " (2) فيقول " الكلام: القول المعروف، وقيل الكلام ماكان مكتفيا بنفسه، وهو الجمة، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه، وهو الجزء من الجملة) والعرب تقول (تكلم الرجل تكَلُّما وتِكلاًمًا، وكلمه كِلاًمًا، جاعوا به على موازنة الأفعال وكالمه ناطقه، وكليمك الذى يكلمك، أو الذى تكلمه ويكلمك، يقال كلمته تكليما، وكلاما مثل كذبه تكذيبا وكذَّابا (2) والكلمة: هى اللفظة الواحدة، وفيها ثلاث لغات كَلِمة وكلِمه وكَلْمة، وهى تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظه مؤلفة من جماعة من حروف ذات معنى، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبه بأسرها ولكن على سبيل المجاز (3). وللكلمة فى القرآن موارد كثيرة يدل كل مورد منها على معنى خاص به فى مثل: قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال وهن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين} (البقرة 134) قال ثعلب: هى الخصال العشر التى فى البدن والرأس. (4) وفى قوله تعالى {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .. } (البقرة 37) قال "أبو اسحق " الكلمات- والله أعلم- اعتراف آدم وحواء بالذنب لأنهما قالا {ربنا ظلمنا أنفسنا} (الأعراف 23) وفى قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} (آل عمران 45)، فقد سمى الحق (تبارك وتعالى):ابتداء أمره كلمه، لأنه ألقى إليها الكلمة، ثم كون بالكلمة بشرا، ومعنى الكلمة معنى الولد والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح، هذا قول أبى منصور بتصرف، وقال الجوهرى- فيما نحن بصدده: وعيسى "عليه السلام " كلمة الله، لأنه لما انتفع به فى الدين كما انتفع بكلامه سمى به كما يقال: سيف الله وأسد الله (5). والقرآن الكريم كَلاًم الله تعالى وكَلِمُ الله تعالى وكلماته وكَلِمَتة وكلام الله تعالى لا يعد ولا يحد. قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبلى أن تنفد كلمات ربى ولو جئننا بمثله مددا} (الكهف 159) والكلام النفسى القديم صفة لله تعالى وهو من الصفات الثبوتية القائمه بذاته تعالى. وللفرق الإسلامية فى أن الكلام صفة دله تعالى مذاهب: فالمعتزلة ترى أن الكلام هو الصوت المسموع، والمكون من الحروف الأصوات، والمتكلم عندهم هو من فعل الكلام لا مَنْ قام به الكلام، وأنه- أى كلام الله تعالى- محدث لا قديم، وأنه قائم بمحل لا بالله تعالى لكن المتكلم هو الله تعالى لا المحل الذى قام به الكلام كالشجرة التى حل بها كلام الله تعالى وهو يحدث دائما وقت سماعه، وهو عندهم ما يسمع وليس نفسيا (6) ومن هنا فقد ذهبوا إلى أن القرآن الكريم كلام الله تعالى وهو يحدث دائما وقت سماعه وقد أحدث قبل إحداثه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير وأنه ليس آخر الكلام الإلهى، فهو سبحانه وتعالى تكلم حالا فحالا لكن يمكن عَدُّهُ آخر الكلام الإلهى من ناحية أنه آخر رسالة تنزل علّى بنى آدم، وأنه أيضا آخر شريعة مكتوبة. والأشاعرة تذهب إلى أن كلام الله تعالى نفسى قديم صفة وجودية أزليه قائمة بذاته تعالى ليست بحروف ولا أصوات منزهة عن الترتيب والتقديم والتأخير، تدل على جميع الواجبات والمستحيلات والجائزات منزهة عن السكوت، وعن الآفة الباطنية، وكلام الله تعالى بهذا المعنى يسمى كلاما نفسيا، ويدل عليه الكلام اللفظى دلالة التزامية عرفا، فإن من أضيف له كلام لفظا دل عرفا على أن له كلاما نفسيا، وقد أضيفا إلى الله تعالى كلام لفظى كالقرآن الكريم فيدل التزاما عرفا على كلام الله تعالى النفسى. ويعرفه الإمام الجوينى (7) وهو من مشاهير الأشاعرة فيقول (هو الفكر الذى يدور فى الخلد، وتدل عليه العبارات تارة، ومات يصطلح عليه من الإشارات ونحوها). والكلام نوعان: نفسى، ولفظى، وهما يفترقان فى النقاط التالية: أولا- الكلام اللفطى صوت وحرف وجملة وأمر ونهى، أما الكلام النفسى فليس كذلك. ثانيا- الكلام النفسى بالنسبه للإنسان محله القلب، والكلام اللفظى محله اللسان والشفتان. ثالثا- الكلام النفسى يكون صفة لله تعالى بقدر ما ينسب إلى الإنسان تقول: حدثتنى نفسى، والكلام اللفظى لا يكون صفة لله تعالى إلا عند وجود المخاطبين فى صورة الأوامر والنواهى، وكالقرآن الكريم، ويكون صفة للإنسان على الإطلاق. رابعا- الكلام النفسى بالنسبة لله تعالى قديم، وبالنسبة للإنسان أسبق من اللفظى، وإن كان حادثا مثله يقول الشاعر العربى: إن الكلام لفى الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ويقول آخر: صعدت إلى شفتى خواطر مهجتى ليبين عنها منطقى ولسانى وأخيرا: الكلام الإلهى لا يوجد بمحل، كما تقول المعتزلة، وإلا كان المحل هو الموصوف بالكلام. وإذا ذهبت المعتزلة إلى أن الكلام الإلهى حادث لحدوث متعلقاته، فإن الأشاعرة يذهبون إلى أن الكلام الأزلى لا يتصف بكونه أمرا أو نهيا، أو خبرا إلا عند وجود المخاطبين، واستجماعهم شرائط المأمورين المنهيين. أ. د/ عبد السلام محمد عبده

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 3932، 3923 مادة (كلام) 1 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 1922 2 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 1922 4 - لسان العرب لابن منظور جـ 5 ص 1922 5 - مجموع المحيط بالتكاليف للقاضى عبد الجبار بن احمد ص 316، 336 وما بعدها. 6 - الإرشاد للأمام الجوينى ص 105 7 - الإرشاد للإمام الجوينى ص 105، ص 119

15 - الكلمة

15 - الكلمة اصطلاحا: تطلق الكلمة، فى العربية على قليل الأصوات وكثيرها مما جاء مفردا من حروف الهجاء أو جاء مركبا فى شكل اسم أو فعل أو أداة. يقول ابن منظور نقلا عن الأزهرى: "الكلمة تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى" (1) وهو ما أشار إليه سيبوبه فى (باب أقل ما يكون عليه الكلم) فذكر حرف العطف وفاءه، ولام الابتداء، وهمزة الاستفهام، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة. ومعنى ذلك أن (الكلمة) تطلق أصلا على أى منطوق من الأصوات ذوات المعانى اللغوية، لأنها بلا معنى تصبح مجرد ضوضاء، مهما كان مصدرها. وقد يتوسع فى معنى (الكلمة) فيقصد بها جماعه الكلام، وجاء من ذلك قول الله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال. رب ارجعون. لعلى أعمل صالحا فيما تركت} ويعقب القرآن على هذا القول: {كلا إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون 99 - 100)، فقد أطلقت (الكلمة) على مجموعة من سبع كلمات هى مجموع القول. وقد تطلق (الكلمة) على المحاضرة أو الخطبة، وعلى القصيدة، فيقال: قال الشاعر فى كلمته، أى: قصيدته كما يقال: قال المحاضر فى كلمته: أى: فى محاضرته. وفى حديث النساء: {استحللتم فروجهن بكلمة الله}، قيل: هى قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (البقرة 229) كما فى لسان العرب (1) هذه هى الكلمة لدى العلماء العرب القد امى. والأمر لا يختلف عن ذلك لدى المؤلفين الأعاجم، فقد عرف معجم (لاروس) الكلمة: بأنها (صوت أو مجموعة أصوات تتضمن فكرة) أى: تكوين من مقاطع عديدة، وفكرة المقاطع هذه لا تبعد عن التعريف العربى، لأن القراءة تتمثل دائما فى مقاطع، وهى التكوينات التى تقترن فيها الصوامت بالحركات، فواو العطف وفاؤه مقطع مكون من (صامت+ حركة: فتحة)، وهو أصغر وحدة منطوقة تحمل معنى وظيفيا كالربط والتعقيب، ويتدرج حجم الكلمة ابتداء من مقطع واحد إلى عدة مقاطع، هى غالبا ثلاثة فى حالة الوقف. مع تضمنها د! عنى لغويا، مثل: ق- أمرا من وقى وهو مكون من مقطع واحد، واذهب أمرُ من مقطعين، وتقدم، أمر من ثلاثة مقاطع ... الخ ... وقد يفرق بين الكلمة الوظيفية والكلمة اللّغوية بما عرفه البحث اللغوى من أن الكلمة ذات المعنى الوظيفى لانبر لها فى الأصل، وأن ذات المعنى اللغوى لابد لها من النبر، وفى ذلك تفاصيل تتحدد بها ملامح الكلمة العربية. والنبرهو الضغط على أحد مقاطع الكلمة ذات المعنى اللغوى، لإبراز هذا المعنى، وله قواعد منضبطة يعرفها علماء الأصوات فى كل لغة بحسب نظامها النطقى. أ. د/ عبد الصبور شاهين 1 - لسان العرب مادة (كلم) ط دار المعارف.

_ المراجع 1 - دور الكلمة فى اللغة: ستيفن اولمان- ترجمة، كمال بشر- دار الشباب- القاهرة سنة 1975 م. 2 - من أسرار اللغة- د. إبراهيم انيس- ط الأنجلو المصرية- القاهرة سنة 1975 م. 3 - علم اللغة العربية. د. محمود فهمى حجازى- وكالة المطبوعات- الكويت سنة 1973 م. 4 - الكتاب- سيبويه- تحقيق عبد السلام هارون- مكتبة الخانجى (د- ت).

16 - الكهانة

16 - الكهانة لغة: كَهَنَ وكَهُنَ يَكهُنُ، يَكُهن كهانة، وتكهن تكهنا له: أى قضى له بالغيب وحدثه به. وكهن كهانة: صار كاهنا، أو صارت الكهانة له طبيعة وغريزة ورجل كاهن من قوم كهنة وكهان: من يدعى معرفة الأسرار أو أحوال الغيب، وعند اليهود وعبدة الأوثان: الذى يقدم الذبائح والقرابين، فقد ورد فى التوراة: " ... وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لى .... " (خروج 40:13). وعند النصارى: من ارتقى إلى درجة الكهنوت. ففى الإنجيل: " ... فنظر وقال لهم: أذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة .... " (لوقا 17:14) واللفظ إما من كهن بالعبرانية، أو من كهنا بالسريانية. والكهانة: حرفة الكاهن، وهو الذى يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل الزمان، ويدعى معرفة الأسرار. الكهنوت: طبقة الكاهن أو رتبته. وسر الكهنوت: هو أحد أسرار الكنيسة المقدسة السبع، يتولى به الكاهن أن يقدس جسد المسيح، ودمه فى تلاوة القداس، وأن يحل من الخطايا. كان فى العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب، يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأل، أو فعله، أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف. والكاهن فى كلام العرب: هو الذى يقوم بأمر الرجل ويسعى فى حاجته، والقيام بأسبابه وأمر حزتته. والكاهنان: حيان، يقال لقريظة والنضير -وهم أهل كتاب وفهم وعلم- وهما قبيلتان يهوديتان كانتا تسكنان بالمدينة. والعرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب كاهنا. ووردت كلمة: الكاهن فى القرآن الكريم مرتين، فى قوله تعالى: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون} الطور:29، أى لست بحمد الله بكاهن، كما تقول الجهلة من قريش. والكاهن الذى يأتيه الرئى من الجن بالكلمة يتلقاها من خبر السماء، كما يعتقد ذلك كثير من الناس. وفى قوله تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ما تذكرون} الحاقة:42. وكانت الكهانة فى العرب على ثلاثة أضرب: الأول: يكون للإنسان ولى من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حين بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم. الثانى: أن يخبره بما يطرأ، أو يكون فى أقطار الأرض، وما خفى عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده، ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما (أى جعلاهما مستحيلين). الثالث: المنجمون، وأغلبهم كاذب، ولذا شاع بين الناس هذا المثل: "كذب المنجمون حتى ولو صدقوا" وقد حرم الإسلام إتيان الكاهن لسؤاله عن الغيب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" (1). أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - الترمذى: الطهارة، وابن ماجه: كتاب الطهارة. مراجع الاستزادة: 1 - سنن الترمذى الترمذى. 2 - لسان العرب ابن منظور. 3 - سنن ابن ماجه، ابن ماجه. 4 - الكتاب المقدس: العهد القديم، والعهد الجديد. 5 - الكشاف الزمخشرى

17 - الكون

17 - الكون لغة: كَوّنه فتكوّن: أحدثه فحدث، والكون: الحدث، والكائنة: الحادثة، والله مكون الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود كما فى اللسان (1). واصطلاحا: هو اللفظ المستخدم للدلالة على كل ماحولنا، من النجوم التى نراها ليلا فى السماء، والتى تتجمع فى مجموعات تعرف بالمجرات، إلى الفضاء الواقع بين هذه المجرات، ومايوجد به من غازات وغبار كونى، بالإضافة إلى أى شىء يقدر له الوجود وراء حدود مانراه. ولم يشعر الإنسان شعورا حقيقيا بوجود الكون إلا فى نهاية القرن الثامن عشر، عندما اكتشف أنه يسكن على سطح كوكب صغير، فى مجموعة شمسية تمثل جزءا من مجرة تحتوى على ألوف الملايين من النجوم، وأن هناك مجرات مشابهة تقع فى الفضاء، الذى يمتد وراء هذه المجرة، والتى عرفت فى ذلك الحين باسم "الجزر الكونية". ويعرف علماء الفلك اليوم مايزيد على مائة ألف مليون مجرة، تفصل كل مجرة عن الأخرى مساحة هائلة، وأقرب المجرات إلينا مجرة "المرأة المسلسلة" أو "الأندروميدا" وتفصلنا عنها مسافة تقدر مليونى سنة ضوئية، بمعنى: أن الشعاع الصادر منها والمنطلق بسرعة 000، 300 كم فى الثانية لا يصل إلينا إلا بعد مليونى سنة، مما يدل على أننا لانعرف شيئا عن هذه المجرة حتى الآن، فنحن نراها كما كانت فى الماضى، وربما تكون قد انفجرت، أو اختفت فى الفضاء. وهذه الحقيقة محيرة إلى حد كبير، فنحن عندما ننظر إلى ماحولنا من نجوم أو مجرات، إنما نراها كما كانت فى الزمن الماضى، كذلك أقرب نجم إلى مجموعتنا الشمسية ويدعى "ألفاسنتورى" تفصلنا عنه نحو 3، 4 سنة ضوئية، أى تفصلنا عنه ملايين من الكيلومترات ويذكرنا ذلك بالآية الكريمة {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} الواقعة:75،76. وبتقدم العلم والمعرفة توصل الإنسان بفكره إلى نظرية خاصة بنشأة هذا الكون، وهى تنص على أن كل مايحتويه هذا الكون من مجرات وغازات وسحب الغبار الكونى كانت ملتحمة معا فى زمن مغرق فى القدم على هيئة كتلة مركزية شديدة التماسك والانضغاط، ثم انفجرت هذه الكتلة، وتناترت شظاياها فى جميع الاتجاهات، ثم تحولت بمرور الزمن إلى المجرات الحالية التى يتكون كل منها من ملايين النجوم، وتعرف هذه النظرية باسم "الانفجار العظيم" وهى تتمشى مع المعنى المفهوم من الآية الكريمة {أو لم ير الدين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون} الأنبياء:30. وتدل هذه النظرية على أن هذا الانفجار العظيم قد حدث منذ نحو 15.000ألف مليون سنه على وجه التقريب، وأن هذه المجرات مازالت تندفع فى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، مما يدل على أن الكون يتمدد ويتسع بمرور الزمن، وهذا المعنى نفسه الذى ورد فى الآية الكريمة {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} الذاريات:47، ولكن هل يمتد ويستمرهذا الاتساع الى الأبد، أم هل يتوقف هذا التمدد فى المستقبل عندما تبطىء سرعة المجرات وتبدأ عملية التجاذب بينها، فينكمش الكون مرة أخرى، ويوصف عندئذ بأنه كون مغلق. ويعتقد بعض العلماء أن الكون يحتوى على قدر كبيرمن المادة، سواء منها المادة المضيئة التى توجد على هيئة سحب من الغازات والغبار الكونى، وهو مايكفى لحدوث التجاذب بين مكوناته وانكماشه مرة أخرى، وسيستمر هذا الانكماش مدة طويلة، وتقترب المجرات بعضها من بعض لتندمج معا فى نهاية الأمر فى كتلة مركزية واحدة ثم تعود إلى الانفجار مرة أخرى لتكون كونا جديدا، ويذكرذلك بقوله تعالى: {يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} الأنبياء:104. وقد وضع عالمان هما: "إدوارد نايرون" و "ألكساندر فيلينكين" نظرية تفترض أن الكون عندما ينكمش سيصل إلى حجم متناه فى الصغر، لايزيد على حجم البرتون، ثم يختفى فجأة فى العدم، وطبقا لنظرية "ميكانيكا الكم" سيظهر الكون من العدم " Out of nothingness" مرة أخرى ليتمدد بشكل نهائى مدة من الزمن، ويصعب تصور هذه النظرية، ولكنها تتمشى مع قوله تعالى {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} البقرة:117. أ. د/أحمد مدحت إسلام

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، 13/ 363،364. مراجع الاستزادة: 1 - هل نحن وحدنا فى هذا الكون، د/أحمد مدحت إسلام، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1410هـ/1990م. 2 - Cosmos، Carl sagan؛ Macdonald Futura، publishers، paulton House، shepherdess Walk، London، NI 7LW(1981). 3- Beginnings: The story of origins of Mankind، publishing Graup، 200 Madison Arenue، New york، Ny 10019 (1987)

18 - الكونفوشيوسية

18 - الكونفوشيوسية لغة: نسبة إلى "كونفوشيوس"، وهذ الاسم يتألف من لفظين: كونج، اسم القبيلة التى ينتمى إليها، وفوتس، ومعناها: الرئيس، أو الفيلسوف. فاسم كونفوشيوس يعنى: زئيس كونج، أو فيلسوفها، أو حكيمها. واصطلاحا: تعاليم أخلاقية ودينية ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد على يد رجل يدعى كونفشيوس، صارت فيما بعد مذهبا دينيا، وقد التزمته الصين كدين رسمى للدولة حتى أوائل القرن العشرين. ولد "كونفوشيوس" فى المقاطعة الصينية التى تسمى اليوم "شانتونج" فى عام 551 ق. م. من أسرة عريقة، إذ كان أبوه ضابطا فى الجيش، إلا أنه كان فقيرا، ومات وابنه "كونفوشيوس" فى الثالثة من عمره، فاضطر الغلام إلى الاشتغال برعى الغنم عند أحد الأمراء. ولما رأى الأمير جدَّه واجتهاده أسند إليه أحدى الوظائف، فكان يقضى أوقات فراغه فى دراسة الآداب القديمة والفلسفة والموسيقى. وفى الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة ليتلقى فيها الشبان ذوو المواهب الخاصة أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وبجانب عمله هذا كان يقوم بوظيفة المستشار السياسى لبعض الأمراء والولاة الذين كانوا ينتفعون بآرانه فى حل ما يصادفهم من مشكلات. وفى سنة 496ق. م عين رئيسا للوزراء فى ولاية "لو" فأعدم المشاغبين من الوزراء ورجال السياسة، وأدب اللصوص وقطاع الطرق، كما وضع مراقبة صارمة على التجار ليمنع الغش والاحتكار، ولكن حساده دسوا بينه وبين أمير "لو" فاضطر "كونفوشيوس" إلى ترك هذه الولاية، وأخذ يتنقل من إقليم إلى إقليم يعلم الشبان وينصح الولاة. ولم يدع "كونفوشيوس"اأنه نبى يوحى اليه، فقد كان مصلحا أكثر منه رجل دين. احترم الآلهة، وحرص على إقامة الشعائر والطقوس، وكانت عنايته متجهة إلى إصلاح النفس الإنسانية، وتكوين مجتمع سليم، قوامه المحبة والإخاء والعدل. ويرتكز القانون الأخلاقى عنده على أربع فضائل رئيسية هى: 1 - وجوب طاعة الوالد والخضوع له. 2 - وجوب طاعة الحاكم والانقياد له. 3 - على الأخ الأصغر أن يطيع أخاه الأكبر. 4 - على الأصدقاء أن يخلصوا فى معاملة بعضهم بعضا. وهذه الفضائل فى نظر "الكونفوشيوسيين" خالدة، ويجب على كل فرد فى المجتمع أن يتحلى بها باستمرار لأن الأستمرار فى التحلى بالفضيلة هو نفسه جزء لا يتجزأ من الفضيلة. التعليم عند "الكونفوشيوسيين" من أهم العوامل التى تجعل الأفراد يفهمون القانون الأخلاقى: ويسيرون عليه. ولذلك يجبط أن يتعلم الأفراد آراء القدماء وحكمهم، وما ورد عنهم من قصص، وعليهم كذلك أن يطلعوا على مؤلفات الكونفوشيوسيين، حتى يلموا إلماما جيدا بآرائهم الفلسفية والدينية والسياسية. عاش "كونفوشيوس" حوالى ثمانين عاما (توفى 498 ق. م) قضاها فى نشر الفضائل، ومحاولة إصلاح المجتمع الصينى، ولم يكن له فى حياته تأثير كبير، إذ كان الناس يعتبرونه مصلحا اجتماعيا، لأنه كان ينادى بالتمسك بحكمة القدماء، ويدعو الى إحياء التراث القديم والسير على قواعده ومبادئه وكان يؤلف الكتب فى هذا المجال وينشر تعاليمه متنقلا من ولاية الى آخرى، حتى أطلق عليه معاصروه اسم: "معلم الجنس البشرى". وبعد قرون عدة من وفاته أعلنت الدولة -بناء على أسباب سياسية أن تعاليمه مقدسة يجب الالتزام بها، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى عبادته، فأعلنت الدولة أن "الكونفوشيوسية" هى الدين الرسمى للدولة، فانتشرت دور عبادته فى كل المدن والقرى والنجوع الصينية، وتقدم فيها القرابين له فى صورة أضحية (ثيران، وأغنام، وخنازير)، وفى بعض الأحيان يقدم القربان فى صورة أقمشة حريرية. لم ينفرد "كونفوشيوس" بالعبادة عند العامة، بل يعبدون معه آلهتهم القديمة، فيقدمون القرابين لها ولقديسيهم المنتشرين فى أنحاء الصين. وتنقسم مصادر "الكونفوشيوسية" إلى قسمين: القسم الأول: كتب صينية قديمة قام "كونفوشيوس" بنقلها، ومن أهمها: 1 - كتاب الأغانى: ويحتوى على مئات الأغانى والقصائد الدينية. 2 - التاريخ: ويشتمل على الوثائق التاريخية لتاريخ الصين القديم. 3 - كتاب التغيرات: وهو كتاب يعالج موضوع ظهورالأحداث الإنسانية. القسم الثانى: مؤلفات "كونفوشيوس"، ومن أهمها: 1 - الأخلاق السياسية: وهو يتضمن أقوالا مختلفة لـ "كونفوشيوس" وتلاميذه، مع شرح لهذه الأقوال. 2 - الانسجام المركزى: وهو مأثورات مشروحة. 3 - المنتخبات: ويطلق العلماء عليه اسم: "إنجيل كونفوشيوس"، لأنه يتضمن تلخيصا وافيا لأقوال "كونفوشيوس" فى مختلف المناسبات على نحو ما سجلها تلاميذه. وإن كان كثير من الحكم والأمثال التى تضمنها قد وضعت بغير ترتيب أو اقتطعت من المناسبة التى قيلت فيها. ورغم أن نفوذ "الكونفوشيوسية" خضعت للتغير حسب الظروف المختلفة، إلا أنها احتفضت بقيمتها دائما، ففى عصورها الأولى أنشئت المعابد باسم "كونفوشيوس" كما أنشئت كليات لتدريس مبادئه، تمنح الدرجات العلمية فيها، واعتبرالحصول على تلك الدرجات شرطا لتولى الوظائف العامة. وبدأ نجمها فى الأفول من الناحية السياسية والدينية فى أوائل القرن العشرين فألغيت دراستها، ولم تعد شرطا للوظائف -وإن بقيت أساسا للحياة الخلقية- ولاسيما بعد سقوط الإمبراطورية وقيام الجمهورية فى عام 1912م، ومنذ ذلك الحين فإن الشباب التقدمى فى الصين يرى فى ال "كونفوشيوسية" عقبة فى سبيل التقدم، لارتباطها بالملكية، وكذلك لما تدعو إليه من تقديس الآباء والمحافظة على التقاليد. هذا وقد اختفت ال "كونفوشيوسية" فى الصين باستيلاء الشيوعيين على الحكم فى عام 1949م، وإن كان بعض الباحثين يعتقدون أن روحها الأصيلة فى الشعب الصينى سوف تنجح فى تلوين شيوعية الصين بلونها الخاص، وتزحزحها عن بعض مبادئها، كما فعلت ذلك فى البوذية. أ. د/محمد شامة

_ الهامش: 1 - الأديان والمذاهب الشرقية، عثمان عليش، القاهرة 1966م. 2 - ذيل الملل والنحل للشهرستانى، محمد سيد كيلانى، القاهرة، 1961م. 3 - كونفوشيوس النبى الصينى، حسن شحاته سعفان، القاهرة، 1956م. 4 - أديان العالم الكبرى حبيب سعيد

19 - الكيمياء

19 - الكيمياء لغة: اسم صنعة، مثل السيمياء، قال الجوهرى، هوعربى، وقال ابن سيده: "أحسبها أعجمية"، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: علم يختص بدراسة خواص المواد وتفاعلاتها. ويتعذر علينا اليوم أن نسجل البداية الحقيقية لعلم الكيمياء، فقد كانت الكيمياء قديما صنعة يتداولها الناس، وتقوم أساسا على الخبرة والمران، ولم تكن علما قائما بذاته، وقد زاول بعض الناس هذه الصنعة فى بعض الحضارات القديمة مثل حضارة الصين والفرس ومصر القديمة. وكانت أغلب المحاولات التى قام بها أهل هذه البلاد تتصل بالبحث عما سمى "بحجرالفلاسفة" وكان من المعتقد أن هذا الحجر-إن وجد- له القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نبيلة، مثل الفضة والذهب، بالإضافة إلى قدرته على شفاء الأمراض والعلل، ولذلك كان يطلق عليه أحيانا اسم "الاكسير". ولقد أدت هذه المحاولات إلى اكتشاف بعض أسرار الكيمياء وأساليبها، خاصة فى مصر القديمة، فعرفت بعض طرق الدباغة، وصناعة الأصباغ ومواد التحنيط وغيرها. وقد كانت أفكار الإغريق فى هذا المجال أفكارا نظرية بحته، ولكنها اندمجت مع معارف المصريين القدماء فى مدينة الإسكندرية، وعندما فتحها العرب عام 642 ميلادية أطلق على هذه المعارف اسم "الخيميا" وهى اسم مشتق من "ال" العربية و"خيميا Khemia" هو الاسم الإغريقى لمصر. وقد ساهم علماء العرب والمسلمين مساهمة كبيرة فى علم الكيمياء، وبرز منهم كثيرون مثل: جابربن حيان، وأبى بكر الرازى وغيرهم، وترجمت أعمالهم إلى اللغات الأوروبية فى العصور الوسطى، وسمع منها الأوروبيون لأول مرة عن التجارب المقننة، وعن استخدام الميزان، وعن المنهج العلمى، وعن ابتكار الأنبيق المستخدم فى التقطير والتصعيد. كما وصف العلماء العرب فى كتبهم ورسائلهم أصنافا متعددة من الأدوات المعملية التى ابتكروها، كما وصفوا عشرات من العمليات الكيميائية مثل: التحليل والتركيب والتنقية والتقطير وقاموا بتحضير الأحماض المعدنية الثلاثة، وحمض الطرطير، وحمض الأترج، وغيرها. وقد تقدم علم الكيمياء بعد ذلك تقدما كبيرا، وأسهمت الكيمياء فى كثير من المجالات، فازدهرت صناعة الأدوية والأصباغ، وصناعة الحمضيات الزراعية، ومبيدات الحشرات، وابتكرت الألياف الصناعية، وغيرها من المركبات التى ساعدت البشرية، وأدت إلى الوصول إلى المستوى الحضارى الذى نعرفه اليوم. أ. د/أحمد مدحت إسلام

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت ج15/ 232. مراجع الاستزادة: 1 - تراث العرب العلمى، د/قدرى طوقان. 2 - دائرة المعارف الإسلامية. 3 - أساسيات العلوم المعاصرة، د/أحمد فؤاد باشا

20 - كيمياء السعادة

20 - كيمياء السعادة اصطلاحا: الكيمياء علم يختص ببحث خواص الأجسام، وتغيرات بناها الداخليه بتأثير العوامل الطبيعية. والكيميائى: هو المنسوب إلى الكيمياء. والكيمياء الفيزيائية: علم تطبق فيه قوانين الفيزياء على خواص الأجسام وتغيراتها. والنظرية الكيميائية الفيزيائية فى علم الحياة: هى القول بأن جميع ظواهر الحياة ترجع إلى ظواهر فيزيائية وكيميائية معقدة. وكيمياء العوام: هى استبدال المتاع الأخروى الباقى، بالحطام الدنيوى الفانى. وكيمياء الخواص: تخصيص القلب عن الكون باستئثار المكوّن (1). كيمياء السعادة: تهذيب النفس: باجتتاب الرذائل وتزكيتها عنها، واكتساب الفضائل وتحليتها بها (2). وسوف نتوسع قليلا فى كيمياء السعادة، من خلال ما كتبه الإمام الغزالى (المتوفى 505 هـ) فى رسالته الصغيرة "كيمياء السعادة " (3). يرى الإمام الغزالى أن الكيمياء الظاهرية لا تكون فى خزائن العوام، وإنما تكون فى خزائن الملوك. أما كيمياء السعادة فإنها لا تكون إلا فى خزائن الله سبحانه وتعالى: ففى السماء جواهر الملائكة، وفى الأرض قلوب الأولياء العارفين. فكل من طلب هذه الكيمياء من غير حضرة النبوة، فقد أخطأ الطريق، ويكون عمله شبيها بالدينار البهرج (المزيف)، فيظن فى نفسه أنه غنى وهو مفلس فى القيامة، كما قال الله عزوجل: {لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق 22). ومن رحمه الله تعالى بعباده، أنه أرسل إليهم آلاف الأنبياء والرسل؟ كى يعلموا الناس "نسخة الكيمياء" وكيف يجعلون القلب فى كور المجاهدة؟ ليطهر من الأخلاق المذمومة، ويتوجه إلى طرق الصفاء، كما قال المولى عز وجل: {هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلى لفى ضلال مبين} (الجمعة 2). أى يطهرهم من الأخلاقى المذمومة، ومن صفات البهائم، ويجعل صفات الملائكة لباسهم وحليتهم، وهذا هو مفهوم كيمياء السعادة. ومقصود هذه الكيمياء: هو أن كل ما كان من صفات النقص يتعرى العبد منه وكل ما يكون من صفات الكمال يلبسه. وسر هذه الكيمياء: أن يرجع العبد من الدنيا إلى الله تعالى، كما قال: {وتبتل إليه تبتيلا} (المزمل 8). ولا تتحقق هذه الكيمياء إلا بمعرفة الله عزوجل. ومفتاح هذه المعرفة هو معرفة الإنسان نفسه؟ لأن نفسه أقرب شيء إليه؟ فمن عرف نفسه فقد عرف ربه - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت 53). ومن قال: إنى أعرف نفسى، فإنما يعرف الجسم الظاهر، دون أن يعرف الباطن الذى يجمع صفات متعددة. منها صفات البهائم، وصفات السباع، وصفات الملائكة. فالروح حقيقة جوهر الإنسان، وغيرها غريب منه، وعارية عنده. ولكل واحد مما سبق سعادة خاصة: فسعادة البهائم فى الأكل والشرب والنوم والنكاح، وسعادة السباع فى الضرب والفتك، وسعادة الشياطين فى المكر والشر والحيل. فمن كان من هؤلاء فليشتغل بما اشتغلوا به. أما سعادة الملائكة فإنها فى مشاهدة جمال الحضرة الربوبية، وليس للغضب والشهوة إليهم طريق. فمن كان من جوهر الملائكة، فليجتهد فى معرفة أصله، حتى يعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية، ويبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال، ويخلص نفسه من قيد الشهوة والغضب. فمن لم يعرف هذه المعانى فنصيبه من القشور، لأن الحق عنه محجوب. ومما تجب معرفته، أن نفس الإنسان من شيئين: الأول القلب، والثانى النفس أو الروح. والنفس هو القلب الذى يعرفه الإنسان بعين الباطن، وهو حقيقة الإنسان وأصله. ولهذا غلط من ظن أن الروح قديم، أو أنه عرض أو جسم. وتمام السعادة مبنى على ثلاثة أشياء: قوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العلم. فيحتاج أن يكون أمرها متوسطا، لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الحمق فيهلّك. فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العدل ذل على طريق الهداية. وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل، وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية فى الدين والدنيا. وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذلك الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور، وإن نقصت كان العجز والفتور، وإذا توسطت كانت العفة والقناعة والرضا. أ. د عبد اللطيف محمد العبد

_ المراجع: 1 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا: 254:2، ط1،1973 م. دار الكتاب الحب اللبنانى- بيروت. 2 - التعريفات الجرجانى: ص 166، ط 1938 م- الحلبى بالقاهرة. 3 - كيمياء السعادة- الغزالى نشر من ص 71 - 95 ضمن مجموعة بعنوان: "المنقذ من الضلال ومعه كيمياء السعادة والقواعد العشرة والأدب فى الدين،. تعليق وتصحيح/ محمد محمد جابر، من علماء الأزهر الشريف- بدون تاريخ- نشر مكتبة الجندى بالقاهرة.

اللام

1 - اللاإدرية لغة: درى الشيء وبه أى علمه (كما فى اللسان) (1) واصطلاحا: مذهب فلسفى تقول به فرقة من الفرق السوفسطائية وقد ظهرت السوفسطائية فى الفكر اليونانى السابق على سقراط وبرع هؤلاء فى الجدل والمغالطة، وعارضوا المذاهب الفلسفية والمبادئ الخلقية، وضربوا بعضها ببعض، وجادلوا فى أن هناك حقا وباطلا، وخيرا وشرا، وصوابا وخطأ، وقالوا: إن الإنسان هو مقياس كل شئ، فهو مقياس النفع والضر، والخير والشر والعدل والظلم. وذهب بعضهم إلى أنه لا يوجد شيء، وأنه إذا وجد شيء فالإنسان قاصر عن إدراكه. وإذا افترضنا أن إنسانا أدركه فإنه لن يستطيع إبلاغه لغيره من الناس. وهكذا أثار السوفسطائيون الشكوك حول المعرفة وأسسها، وجعلوا الوصول إلى الحقائق واليقين أمرا عسيرا أو متعذرا. (أ) وقد شكك السوفسطائيون فى الحسيات، بسبب أخطاء الحواس فالأحول قد يرى الواحد اثنين، والعين ترى المتحرك- كالظل- ساكنا، وراكب السفينة يراها ساكنه، على حين يرى الشاطئ متحركا. والوجه يُرى فى المرآة طويلا وعريضا ومُعْوجّاً بحسب شكل المرآة. والنائم يرى فى نومه ما يجزم به، مثلما يجزم بما يراه فى يقظته، والمريض لايحس طعم الأشياء فى فمه على حقيقتها، وهكذا. (ب) ثم شككوا فى البديهيات، بسبب اختلاف الآراء، واعتراض العقلاء حولها. وكلهم يجزم بصواب رأيه، وبطلان أقوال مخالفيه فكيف تكون على يقين من صدق بعضها دون بعضها الآخر؟. (ج) وإذا وقع الشك فى الحسيات والبديهيات فإن ما يتركب منهما من المقدمات، وما ينبنى عليهما من الأدلة النظرية يتطرق إليه الشك وحينئذ "لا وثوق بالعيان، ولا رجحان للبيان، فوجب التوقف، (2). وهذا هو موقف اللاأدرية القائلين بالتوقف فى وجود كل شيء وعلمه، وهم- بموقفهم القائم على الشك- عاجزون عن التوصل إلى علم، أو إعطاء حكم، أو التوصل إلى يقين. وهو موقف هدام، يلغى المعرفة، ويبطل الحقائق، ويناقض الفطرة السليمة ويهدر قيمة العقل، ودوره فى الفهم والاستنباط والكشف عن المجهول، وتصحيح أخطاء الحواس، بل أخطاء العقل نفسه. وقد حاول المفكرون- قديما وحديثا- أن يظهروا خطأ هذا الموقف اللاأدرى، وأن يبطلوا أسسه، واجتهدوا فى أن يلزموا أصحابه بأن الإنسان لا يمكن أن يخلو- تماما- من التسليم بوجود بعض الحقائق، وقد قطعوا هم أنفسهم ببطلان البديهيات والحسيات، ولم يشكوا فى ذلك- وهم- بذاك- يناقضون أنفسهم- وكان مما قيل لإبطال رأيهم "قولكم: إنه لا حقيقة للأشياء: حَقُ هو أم باطل؟ فإن قالوا: هو حق أثبتوا حقيقة ما، وإن قالوا ليس هو حقا أقرُّوا ببطلان قولهم، وكفَوْا خصومهم أمرهم " (3). وقد خشى المفكرون الإسلاميون من تفشَّى هذا الموقف اللاأدرى الذى انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية. ضمن ما نقل فى حركة الترجمة من ثقافات الأمم الأخرى، ولاسيما الثقافة اليونانية، وقد وقفوا لهذا الاتجاه، وجادلوا أصحابه، بسبب ما يمكن أن يترتب علّيه من آثار ضارة بالعلم والمعرفة والعقيدة الإسلامية، لأن إنكار الحقائق جملة، والتوقف فى قبولها، سوف يكون سبيلا إلى إنكار حقائق الوحى التى جاء بها الأنبياء عليهم السلام. ولذلك جعلوا إثبات الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم من أول الأصول التى يجب الإيمان بها، على عكس ما يقول السوفسطائيون، وقد وصفهم عبد القاهر البغدادى بالكفر، بسبب موقفهم المعاند لموجبات وقد لاحظ (4).وقد لاحظ بعض المخالفين لهم أن رأيهما فيه مكابرة فيه للحس والعقل (5). ومن شأن ذلك أن يجعل الجدال معهم ليس مضمون النتائج، ومن ثم فلا جدوى من مناظرتهم. وفى ذلك يقول عضد الدين الإيجى "والمناظرة معهم قد منعها المحققون، لأنها لإفادة المجهول بالمعلوم ... والخصم لا يعترف بمعلوم حتى يثبت به مجهول، فالاشتغال به التزام لمذهبهم. بل الطريق معهم أن تُعَدَّ علّيهم أمور، لاُبدَّ لهم من الاعتراف بثبوتها، حتى يظهر عنادهم. مثل: أنَّك هل تميز بين الألم واللذة، أو بين دخول النار والماء، أو بين مذهبك وما ينقضك. فإن أبوا إلا الإصرار أوجِعُوا ضربا، وأُصْلوُ نارا، أو يعترفوا بالألم، وهو من الحسيات. وبالفرق بينه وبين اللّذة، وهو من البديهات " (6). أ. د/ عبد الحميد مدكور 1 - لسان العرب طبعة دار المعارف مادة (درى). 3 - كشاف اصطلاحات الفنون 3،173 0 173. 3 - الفصل لابن حزم 1/ 8. 4 - الفرق بين الفرق ص 323، 334،354. 5 - الفصل 1/ 8. 6 - المواقف للإيجى ص 21.

_ المراجع 1 - تاريخ الفلسفة اليونانية، للأستاذ يوسف كرم لجنة التأليف والترجمة والنشر ط 5/ 1966. 2 - الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر البغدادى، تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، طبعة صبيح، دون تاريخ. 3 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل لأبى محمد على بن أحمد بن حزم- (وبهامشه الملل والنحل للشهرستانى) المطبعة الادبية- مصر 1317 هـ - صلى الله عليه وسلم - الجزء الثالث 4 - كشاف اصطلاحات الفنون، لمحمد عسى الفاروقى التهانوى، تحقيق د/ لطفى عبد البديع الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء الثالث 1972م 5 - المواقف فى علم الكلام لعضد الدين عبد الرحمن الإيجى. تصوير عالم الكتب- بيروت.

2 - اللامتناهي

2 - اللامتناهي لغة: النهاية غاية كل شيء وآخره. حيث ينتهى إليه الشيء، وتناهى الشيء: بلغ نهايته، وفى الحديث "ذكر سدرة المنتهى": أى ينتهى ويبلغ بالوصول إليها، وأنهيت إليه الكتاب والرسالة: أوصلته إليه. (1) واصطلاحا: هو ما لا حد ولا نهاية له. والفرق بينه وبين اللامحدود، أن اللامحدود هو الذى لا يمكن أن يرسم له حدود بالفعل، وإن كانت له حدود ممكنة، على حين أن اللامتناهى هو الذى لا حدود له على الإطلاق. واللامتتاهى يكون بحسب الكم أو بحسب الكيف، فاللامتناهى كمَّا: هو ما يدل على عظم أكبرمن كل عظم ممكن، كالعدد اللامتناهى، أما المتناهى كيفًا فهو الذى يدل على الصفات التى يتصف الموجود الكامل بها، كالصفات الإلهية فهى لا متناهية. واللامتناهى إما موجود بالفعل وهو اللامتناهى المطلق أو "اللامتناهى الإيجابى" وهو مرادف للكامل، وإما موجود بالقوة وهو اللامتناهى النسبى أو "اللامتناهى السلبى" وهو مرادف اللامحدود. يقول ابن سينا: "ما لا نهاية له هو كمُّ: أى أجزائه أخذت، وجدت منه شيئا خارجًا عنه غير مكرر (2) ويقول: "إن العدد لا يتناهى، والحركات لا تتناهى، بل لها ضرب من الوجود، وهو الوجود بالقوة، بمعنى أن الأعداد تتأتى أى تتزايد، فلا تقف عند نهاية أخيرة ليس وراءها مزاد" (3) والموجود اللامتناهى هو الله، وهو عند "ديكارت" مرادف للموجود الكامل، وإذا كان الإنسان وهو الموجود الناقص لا يستطيع أن يخلق بنفسه فكرة الموجود الكامل، ولا أن يستمدها من العدم، كان لابد من أن يكون هناك موجود لا متناه كامل يطبع هذه الفكرة على نفس كل إنه ان، وهذا الموجود اللامتناهى "هو الله " واللامتناهى فى العظم ما هو أكبر من كل مقدار معلوم، ويستعمل فى المقادير المتغيرة أو فى الأعداد التى لا حد لها ولا نهاية لزيادتها. واللامتناهى فى الصغر ما هو أصغر من كل مقدار معلوم، ويطلق على كل مقدار متغير، حده ونهايته الصفر. وحساب اللامتناهيات الصغرى هو الحساب الذى اخترعه ليبنيزونيوتن، وهو الذى يتضمن جميع العمليات الرياضية المتعلّقة بإيجاد علاقات بين المقادير بوساطة كميات لا متناهيه فى الصغر، وينقسم إلى: (أ) حساب التفاضل. (ب) حساب التكامل. (4) (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت.15/ 243 - 345 وانظر ترتيب القاموس المحيط للطامر أحمد الزاوى 4/ 454 2 - رسالة الحدود لابن سينا 93. 3 - النجاة ص 203 - 204. 4 - المعجم الفلسفى. د/ جميل صليبا 2/ 271 - 273

3 - اللاهوت

3 - اللاهوت لغةً: ألة يأله- إلاهة، وألوهة، وألوهية-: عبد، ومنه قرأ ابن عباس رضى الله عنهما:، {ويذرك وءالهتك} (الأعراف 127). بكسر الهمزة، أى وعبادتك، ومنه قولنا: الله وأصله: إله، فهو فعال، بمعنى مفعول، لأنه مألوه، أى معبود، وكل ما اتخذ من دونه إله عند متخذه، والجمع: آلهه، والآلهه: الأصنام سموا بذلك لاعتقاد العابدين أن العبادة تحق لهم، وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم، لا ما عليه الشيء فى نفسه. واصطلا حا: الألوهية، والإلاهية، والإلهية والألوهية والإلهانية: كون، أو صفة الذات الإلهية، والإلهيات: علم يبحث عن الله وما يتعلق به تعالى، وهى ترجمه لكلمه Theologie، وهى مأخوذة من الكلمة اليونانية القديمة Theologie وهى مركبه من مقطعين Theo ومعناها: الله، logia ومعناها: علم، فكانت الكلمة بمقطعيها تطلق عند قدماء اليونانيين ويراد بها: علم الآلهة، وما يتعلق بالألوهية، وعندما انتقلت إلى اللغات الأوروبية أصبح معناها: تعاليم الله، أو علم العقائد الإلهية، ثم ترجمت إلى العربية بـ "اللاهوت " أو، الإلهيات " على غير قياس. وقد اهتم الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض بقضية الألوهية، إذ احتلت المركز الأول فى تفكيره على امتداد التاريخ الإنسانى، فكان الإله شاغله من زوايا متعددة، باعتبار ذاته، أو باعتبار علاقته بالمخلوقات كخالق، وكذا باعتبار علاقته بالإنسان، أو علاقة الإنسان به، فتصوره بصور شتى؟ لأنه لم يره بعينه، وإنما آمن بوجوده وتوجه إليه بالعبادة بأدله متنوعة: بباعث الخوف أو الرجاء، أو بالظواهر الكونية والإنسانية، وآمن بمعتقدات متعددة، وصلت إلى حد الاعتقاد بتعدد الآلهة، وأنهم يتوالدون، ويتناكحون، وأن أشكالهم وهيئاتهم تشبههم، وأنهم يرتدون ملابس مثلهم، ويتحدثون بلغتهم ومن هنا نشأ- فى مجال البحث الفلسفى فى الألوهية- ما أطلق عليه مشكلة تصور الإله فى الدين: غير أن الأديان السماوية- وعلى رأسها الإسلام، وضحت للإنسان مفهوم "الإله " بأنه: الأول، والأخر، والخالق .... وغير ذلك من الصفات التى تصور الله غنيا بنفسه، أبديا واسع القدرة والمعرفة محيطا بكل شيء، وأنه الحق وحده، وهو المحيى والمميت والمبدئ والمعيد .... إلى غير ذلك من النعوت التى تبين أنه الخالق المطلق، المدبر الحكيم، الملّك الذى لا قوة ولا سلطان غير سلطانه فى الوجود، ومع ذلك فهو الرحمن الرحيم، والغافر والغفور والرازق والمعطى ... وغير ذلك من الأوصاف التى تدل على أن صلة احتياج تربط العبد بريه ة فالعبد محتاج إلى عفوه وتدبيره، ولله هو الرقيب والحسيب عليه، المهيمن على عباده جميعًا، يعينهم ويهديهم، فهو مصدر الرزق بأوسع معانيه. فالله بأوصافه كلها، سواء كانت متعلقة بذاته، أو بصلته بمخلوقاته، أو كانت مبينه لعلاقته بالإنسان، وعلاقة الإنسان به- هو .. موضوع علم "الألوهية، أو علم " اللاهوت" كما جاء فى ترجمه الكلمة اليونانية الأصل Theologie ويطلق على هذا العلم فى مجال الدراسات الإسلامية: علم العقيدة أو الإلهيات، فى مقابل القسمين الآخرين: النبوات والسمعيات التى يتكون منها جميعها- الإلهيات والنبوات والسمعيات- علم التوحيد. أ. د/ محمد شامة

_ المراجع 1 - الجانب الإلهى من التفكير الإسلامى. محمد البهى. القاهرة ط 5 - 1973 م. 2 - رسالة فى اللاهوت والسياسة. سبينوزا. ترجمة حسن حنفى. القاهرة 1971 م 3 - بحوث فى علم الأديان المقارن. محمد شامة. القاهرة 1972 م 4 - لأن العرب. لابن منظور.

4 - اللغة

4 - اللغة لغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: اللغة مطلقا: نظام رمزى عرفى من الأصوات الصادرة عن جهاز النطق الطبيعى للإنسان، يعبر إراديا مع ما يصاحبه أو يلابسه عن غرض أو حال. تنسق هذه الأصوات فى سلاسل من المفردات والتراكيب والجمل التى ترتبط ارتباطا وثيقا بمدلولاتها من الأعيان والمعانى والأفكار المجردة والأحداث والأحوال، ويتم هذا وفق ضوابط خاصة تتفاوت من مجتمع لغوى لآخر. ويشمل الحد السابق للغة ما يسمى "لهجة" أيا كان التصنيف الذى ينظم اللهجات، لغويا أو اجتماعيا أو إقليميا، فهذه جميعا واحدة بالحقيقة متعددة بالاعتبار. ولقد استخدم الإنسان- ومازال- وسائل متنوعة للتعبير والتفاهم غير اللغة، وأصبح بعض هذه الوسائل عرفيا مصطلحا عليه كنظم: الإشارة للصم والبكم، والإشارات الصوتية، والضوئية، وإيقاع الطبول، والموسيقا، والصفير، والرقص، وإيقاد النيران والرسم، والرموز العلمية المحددة لعلم ما. وأدرك من قديم أن للكائنات الأخرى وسائلها فى الاتصال وإظهار الرغبات، وإطلاق "اللغة" على بعض هذه الوسائل ضرب من التوسع والمجاز، لا أنه لغة حقيقة. والثابت إلى الآن أن اللغة خاصة إنسانية، لا يشاركه فيها غيره من المخلوقات، والدراسات التى تمت على وسائل الاتصال لدى الحيوان والطير والحشرات، لاسيما الشمبانزى، والدلفين، والنحل، وموازنتها بلغة الطفل، وموازنة مستوى ذكائها بذكائه انتهت إلى النتيجة السابقة. أما لغة المخلوقات غير المنظورة من الملائكة والجن فلا نعلم شيئا عن حقيقتها، والظاهر من أخبار الكتب السماوية أنهم يخاطبون كلا من البشر بما يتكلم به عينه، وأن ذلك منهم يصدر عن قدرة خاصة زودهم بها سبحانه وتعالى. وقد شغلت اللغة وقضاياها الإنسان منذ أقدم العهد به إلى الآن، لاسيما أصلها ومصدرها. ويميل الجمهور من أتباع الديانات السماوية ومن يعولون على السماع إلى أن اللغة منحة من الله للإنسان، صاحبت خلقه الأول فى غير هذا الكوكب، واستمرت معه حين هبط إلى هذه الأرض، وأنها كانت واحدة فى الأصل ثم اختلفت وتنوعت كما اختلف بنو الإنسان وانقسموا فى كثير من أمورهم على نحو ما نشهده الآن. ويجنح كل فريق من هؤلاء إلى أن لغته كانت هى الأولى ذات الأصل الإلهى وأن لها من القداسة ما ليس لغيرها تبعا لذلك. ويميل العقليون إلى أن اللغة من صنع الإنسان وابتكاره، وأنها نشأت متأخرة عن وجوده الأول، وأن اللغات التى نعرفها الآن تطورات للغات سابقة تواضعت عليها الجماعات البشرية القديمة، ومن المحتمل أن تكون بدايتها محاكاة وتقليدا، أو مواضعة واصطلاحا، ثم تعددت بعد ذلك. أما الماديون الطبيعيون فقد فسروا نشأة اللغة وتنوعها بما فسروا به نشأة الإنسان وتنوعه، وحاولوا الرجوع باللغات المعروفة الآن إلى الصور الجرثومية الأولى التى ظهرت فيها، والكشف عن الحفريات اللغوية التى تصل مراحل تنوعها ورقيها، وذهبوا فى ذلك مذاهب شتى. ولم يمنع الإخفاق فى الوصول إلى نتيجة مقبولة فى هذه القضية، ولا إعلان كثير إخراجها من نطاق البحث العلمى من معاودة النظر فيها، ومازالت أحدث الاتجاهات والنظريات فى دراسة اللغة تحاول الكشف عن الملكة أو الغريزة التى زود بها الإنسان، وبها كانت اللغة خاصة إنسانية. وتحتفظ اللغة على تتابع العصور وتنوع الحضارات بقيمتها ومكانتها. فهى المظهر المادى للوجود الحقيقى للإنسان، فحين يفنى الأفراد وتتدثر الجماعات لا يبقى منها ذا قيمة إلا ما حفظته اللغة. وهى القوة الخفية التى تحرك الأفراد وتوجه المجتمعات، وتعى الحضارات، وبكلمة يسعد الإنسان أو يشقى، ويؤمن أو يكفر، ويلقى الثواب أو العقاب، وبالكلمات تقوم الأحكام، ويموج العالم أو يطمئن. وقد حظيت اللغة بعناية الأمم والجماعات قديما وحديثا، لاسيما أصحاب الديانات والحضارات. واكتشاف الكتابة لاسيما الصوتية من قبل الأمم القديمة فى مصر والصين والعراق وفينيقية دليل قاطع على إخضاعهم اللغة للدرس، وتمكنهم من تحليلها والوقوف على عناصرها، وإذا كانت معلوماتنا عن دراسات هؤلاء للغة غير كافية لمعرفة جوانبها وطبيعتها فإن ما وصلنا عن الهنود والإغريق والعرب وما أقاموه على اللغة من علوم يمثل أساسا ومعينا تبنى عليه الدراسات المعاصرة، ويتزود منه المحدثون، وثبات هذا الموروث مازال أرسخ من كثير من النظريات الحديثة التى تجاوزها البحث اللغوى سريعا على كثرة ما طرح من هذه النظريات. ومنذ أتيح للغربيين الاطلاع على لغات الأمم والشعوب الأخرى حية وبائدة ازدادت مناهج البحث عمقا وأصالة وتنوعا، وطمحت إلى أن تضع منهجا أو نظرية تحتوى اللغات جميعا لا تقتصر على شعبة أو لغة دون أخرى وتعاقبت تترى مقارنة تاريخية ووصفية وبنائية وتحويلية توليدية، وتعددت أسس هذه المناهج والنظريات ومنطلقاتها. ومنذ أوائل القرن العشرين قوى الاتجاه إلى أن تكون دراسة اللغة علمية بحتة كما هو الشأن فى العلوم المادية التجريبية، وأن يقوم عليها علم مختص بها، قابل للتفرع له ما لأى علم آخر من موضوع ومباحث وأهداف ومناهج. ويطبق ما تتبعه هذه العلوم من خطوات وأدوات: إحصاء وتصنيفا ووصفا وتحليلا وتجربة واستنتاجا واستقامة بما يمكن من الأجهزة والآلات، وتفردا فى المنهج الذى يستنبط من اللغة ذاتها. ويتمتع بالخصائص والسمات التى يتمتع بها أى منهج لعلم مادى تجريبى من موضوعية واقتصاد وشمول وترابط ووضوح إلى ضوابط وقوانين مستنبطة من موضوع الدراسة تلخص نتائجها وتفسر ظواهرها. وقد اتجهت جهود اللغويين حقبة إلى الكشف عن اللغة الإنسانية الأولى، وهدفت- ومازالت- إلى وضع علم عام يصلح لدراسة اللغة أى لغة كما هو الشأن فى علوم الطبيعة. وشغل بعض الفلاسفة وأنصار الأخوة الإنسانية بالدعوة إلى لغة عالمية يتفاهم بها البشر جميعا، تذيب ما بينهم من فوارق وخلافات تسببت فى شقائهم. واصطنعت بعض هذه اللغات. ويتوقع كثيرون أن تؤدى مظاهر التقارب وإلغاء الحواجز بين البشر التى تشهد كثيرا منها الآن إلى ظهور هذه اللغة العالمية يوما ما. وهكذا تبقى اللغة بداية ونهاية وما بينهما تتحدى الفكر الإنسانى، وأساسا راسخا فى شقاء الإنسان وسعادته. وشطرا من وجوده الحسى والمعنوى لا تستقيم دونه الحياة. أ. د/ محمد أحمد خاطر

_ المراجع 1 - مدخل إلى علم اللغة، د/ محمد فتيح، ط دار الثقافة العربية، 1986م. 2 - دراسات لغوية د/ عبد الصبور شاهين، ط- دار الشباب القاهرة- 1987م.

5 - لغة القرآن

5 - لغة القرآن 1 - البرهان الإيمانى على أن لغة القرآن الكريم هى مثل العربية الأعلى بل للغة العربية مطلقا حق صراح مقطوع به، بما أنه {لا ريب فيه من رب العالمين} (السجدة 2) وهذا من الوجهة الدينية مسلم ثابت لا لبس فيه ولا مراء. وتبقى حجة علماء العربية لإثبات ذلك من طرق علومهم التى أداروها على لغة القرآن الكريم صيانة لها وذبا عنها فى حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة، وإكمال ما مهد له الأوائل، حتى يصل الإقناع اللغوى إلى الاقتناع الدينى أو يقاربه. إن التحدى والإعجاز والعجز عن المعارضة حقائق ثابتة واضحة، وقد أدرك العرب الأقحاح من ذوى اللَّسَن والفصاحة إعجاز القرآن، ثم اختلف علماء العربية وغيرهم بعد فى وجه الإعجاز، وموطنه والمعجز منه، وقام علماء البلاغة فى ذلك بما قعد عنه غيرهم، غير أن جل كلامهم جاء مرسلا يفتقر إلى براهين قاطعة للجدل، كافية للإقناع. والمتفق عليه فى هذا إثبات الإعجاز بعجز الفصحاء عن المعارضة على طول التحدى مع توافر أسبابها، وقوة دواعيها، وماعداه غير متفق عليه ولا مسلم به ممن خاضوا فى قضية الإعجاز جميعا. وهذا يسمح بتقرير أن كل عنصر من عناصر لغة القرآن الكريم مازال فى حاجة إلى بحث علمى دؤوب، يكشف عن أسباب امتيازه، ومظاهر سموه على نظيره فى لغة البشر، وما تم فى هذه قديما وحديثا لا يفى بحق القرآن علينا. 2 - نص القرآن على أنه بلسان عربى (النحل/ 103، الشعراء/ 195، الدخان/ 58، الأحقاف/ 12) وأنه ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه (إبراهيم/ 4)، واختلاف الآراء فى اشتمال القرآن على بعض كلمات من غير لغة العرب مشهور متعارف، ولا مانع من ذلك بحال ما، ودعوى أن كل ما نسب إلى غير لغتهم مما فى القرآن أخذه غير العرب عنهم أو أنه من اتفاق اللغات تحتاج إلى إثبات لم يقم دليله. وفى حدود المعروف إلى الآن من أسس الدراسة اللغوية يتعين القول فى طائفة من الكلمات بأن أصولها غير عربية إلى أن يثبت غير ذلك، ولا يعارض هذا أنه بلسان عربى مبين. وقد ذهب بعض العلماء من التابعين ومن بعدهم إلى أن ما جاء فى القرآن من غير لغة العرب لا يخرج عن ألسنة الأقوام الذين أرسل إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا إعراض فى الدعوى يعارضه الواقع، وتفسير لا حاجة إليه، وتوسع لم تحسب نتائجه. على أنه لا يصلح التهافت فى عزو كلمة قرآنية إلى لغة سامية سريانية أو عبرانية أو آرامية أو حبشية أو غيرها لاسيما ما يتصل بالأمور الدينية إلا بعد علم يقطع العذر، وتثبت يبرئ الذمة، فالكلمات السامية تراث مشترك، والعربية أكثر أخواتها اتساعا ونموا واحتفاظا بالعناصر اللغوية القديمة، ولم تكن الرسالات السماوية مقطوعة عن العرب وبلادهم قبل موسى وعيسى عليهما السلام. 3 - وفى الصحيح المتواتر من السنة أن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف، والقائلون بأن المراد بهذه الأحرف لغات سبع اختلفوا فى تعيينها وفى خصوصية العدد، كما اختلف الذين حصروا ما وقع فى القرآن من غير لغة قريش أو الحجاز فى عدد هذه اللغات، وفى عزو بعض هذه الكلمات إلى لغة بعينها. ومن الحق أن يقال: أنزل القرآن فى جملته بلسان قريش ثم الحجاز، ثم شذرات متفرقة، وكلمات متناثرة مفردة من لغات العرب الأخرى، إلى نوادر استعملها العرب وأصلها غير عربى. ولقد ذهب جمهور المتقدمين إلى أن قريشا أفصح العرب لسانا، وأعلاهم بيانا، وأنهم الذين أنزل القرآن- أغلبه- بلغتهم، وقد كانوا فى هذا المذهب على إرث صحيح من العلم، وقرب عهد يسلم لهم صحة الحكم، وهذا ما يشهد له القياس، وتتظاهر على تأييده الأدلة من مختلف الجهات، ولا ينكر منها أنه أتيح للغتهم من أسباب العلو والسيادة والرقى ما لم يتح لغيرها من لغات العرب قبل نزول القرآن وبعده. وقد نازع بعض المحدثين فى أن لغة قريش أفصح لغات الغرب، وبنوا ذلك على فروض لا برهان عليها إلا الحدس والتخمين والظن الواهن، وليس الخبر كالعيان. فكيف بظن أو حدس أو تخمين!! كما نازع فريق من المستشرقين فى أصالة الإعراب فى العربية، وفتن بعض العرب بادعائهم، وهذا نزغ موجه إلى صميم لغة القرآن، ونزاعهم مدخول نقضه العدول من المستشرقين وغيرهم، وتدحض لغة القرآن الكريم وما قدر لها من حياطة وعناية وحفظ كل شبهة أو فرية فى هذا الباب. 4 - جمهور ما فى القرآن واضح محكم جلىّ، وفيه متشابه حار فيه العلماء، وفيه غريب ومشكل اجتهد العلماء فى الكشف عن المراد، وفيه عام وخاص، ومطلق ومقيد ومجمل ومبين وقد يدخل بعض هذه على بعض. وفيه أبنية وكلمات مفردة لم تتكرر وجمهرته على غير ذلك تتكرر الأبنية والكلمات فى سياقات متعددة مكونة صورة رائعة بديعة، ونسجا محكما قويا من البيان السامى والبلاغة الرفيعة التى لاتجارى. والظن أن ما فيه من غير الشائع بناء أو كلمة، غريبا أو مشكلا يشتمل على مادة لغوية ترجع إلى اللغة الأولى، ربما إلى ما قبل انشعاب الساميات، وربما إلى ما قبل انشعاب اللغات. وما تزال هذه الأمور فى حاجة إلى دراسة أصيلة تتجاوز حكاية الآراء، وتصل ما توقف من جهود السلف فى دراسة لغة القرآن من جوانبها جميعا. إن الاختلاف فى حد الكلمة يجعل من الصعب الإفادة الصحيحة بعدد كلمات القرآن الكريم، أو التعديل على إحصاء بعض المتقدمين على الثقة ببذلهم أقصى الوسع فى الدقة والتحرى، وخلاصة جهودهم فى هذه الناحية يلخصها السخاوى فى قوله: "ثم إنى رأيتهم قد اختلفوا فى عدد الكلمات والحروف، فلم يحصل من ذلك حقيقة يقطع بها" (1). وتبلغ هذه الكلمات حسب ما تضمنه معجمان حديثان (2) (137458) ثمانيا وخمسين وأربعمائة كلمة وسبعا وثلاثين ومائة ألف، تضمن معجم الألفاظ (52015) كلمة ومعجم الأدوات والضمائر (85443) كلمة وقد فات هذا المعجم مواضع. 5 - إن الشواهد على دهشة العرب عند سماعهم القرآن أجل من أن تدفع والتسليم بأن القرآن الكريم أضفى على العربية حياة جديدة حقيقة قائمة لكن لم تظاهره دراسات تتقصى مظاهر هذا البعث الجديد، وتوليها من البحث ما هى جديرة به، وما كتب فى ذلك قديما وحديثا خطرات تحتاج إلى تعميق وإكمال. وليست العربية بعد القرآن هى العربية قبله لفظا ولا معنى. والنظر العارض فيما اشتملت عليه مصادر اللغة- معجمات وغيرها- من كلمات هجرت وماتت ورصد لأوزانها ودلالاتها، وفى تسلسل الحروف والحركات فى الكلمات، وتتابع الكلمات فى الجمل، وترابط الجمل فى الخبر والقصة والحكم، والكشف عن تنسيق هذا كله ووقوعه فى مواقعه، وخصائصه فى السياق وأخذ بعضه بحجز بعض وعلاقة ذلك بالمعنى يظهر مدى السمو الذى ارتقت إليه العربية فى القرآن وبه عذوبة فى تآلف الأصوات، وسلاسة فى صياغة الكلمات، وإحكاما فى رصف الجمل وعناصرها واستجماع كل عنصر أبلغ أوضاعه وأنسبها للسياق والمقام. وفى المعنى ما شئت وضوحا وثراء وجمالا وكمالا وجلالا. ونفخ ذلك كله على العربية فى غير القرآن. وجمله الأغراض التى يسفر عنها تتبع العربية قبل القرآن فى المأثور من كلامهم شعرا ونثرا فى الخطب والوصايا والحكمة والوصف والحكاية وما إلى هذا لا تقاس بحال بما آل إليه أمرها فى القرآن الكريم وبه، وأين لغة قوامها ثقافة محدودة لقبائل بدوية متنافرة متناحرة، همها البحث عن الماء والمرعى وما يقيم الأود، وفخرها بالغارة والسلب والأسر، عقائدها وثنية، تئد البنات وتنتهك الحرمات من لغة هى قوام حضارة راقية خالدة لاتسامى، سعدت بها البشرية حقبة من الدهر، وهى مؤهلة للوفاء بحاجاتها وأسباب سعادتها إلى ما شاء الله. 6 - وبعد فلست واجدا من كلام البشر منظومه ومنثوره ما يسلسل فى طرق الأداء الممكنة تحقيقا وترتيلا وتدويرا وحدرا تؤدة إسراعا، على اختلاف المؤدين والسامعين، ثم تجد له من الخفة على اللسان والعذوبة فى الآذان، مؤانسة النفوس، وطمأنة القلوب، وراحة الأرواح ما أنت واجد للغة القرآن الكريم، فلله هو‍! ما أكرمه وأحكمه {تنزيل من حكيم حميد} (فصلت 42). أ. د/ محمد أحمد خاطر 1 - جمال القراء وكمال الإقراء- على بن محمد السخاوى (643هـ) تحقيق د/ على حسين البواب، ص 231 ط (1) المدنى- القاهرة 1408هـ/ 1987م- نشر: مكتبة التراث- مكة المكرمة. 2 - الإتقان فى علوم القرآن: 1/ 197/198 - للسيوطى عبد الرحمن بن الكمال (849 - 911هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ط (1) المشهد الحسينى 1387هـ/ 1967م، ومقدمة كتاب المبانى- لمجهول- فى: مقدمتان فى علوم القرآن ص: 231، 2246، 248، 250 - نشر: أرثر جفرى ط (2) دار الصاوى- القاهرة- مكتبة الخانجى.

_ المراجع 1 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم- محمد فؤاد عبد الباقى دار مطابع الشعب- القاهرة. 2 - معجم الأدوات والضمائر فى القرآن الكريم- تكملة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. د/ إسماعيل أحمد عمابرة، د/ عبد الحميد مصطفى السيد، ط (1) مؤسسة الرسالة- بيروت 1407هـ/ 1996م.

6 - اللقطة

6 - اللُّقَطة لغة: هى الشىء الذى تجده ملقى فتأخذه (1). وشرعا: أخذ مال محترم من مضيّعه؛‍‍‍ ليحفظه، أو ليتملكه بعد التعريف (2). حكمها: من ظفر بلقطة فى موات أو طريق، فله أخذها أو تركها، وأخذها أولى إذا كان على ثقة من القيام بها وإذا أخذها وجب عليه أن يعرف ستة أشياء: وعاءها، عفاصها، ووكاءها، وجنسها، وعددها ووزنها، ويحفظها فى حرز مثلها (3). وللقطة أربعة أضرب: الأول: ما يبقى على الدّوام كالذهب والفضة وحكمه اشتراط التعريف. الثانى: ما لا يبقى كالطعام والرطب، فهو مخير بين أكله وغرمه أو بيعه وحفظ ثمنه. الثالث: ما لا يبقى إلا بعلاج كالرطب، فيفعل ما فيه المصلحة من بيعه، وحفظ ثمنه أو تجفيفه وحفظه. الرابع: ما يحتاج إلى النفقة كالحيوان. وإذا أخذ الملتقط اللقطة فهلكت فى يده، فإن أشهد عليها بأن قال للناس إنى وجدت لقطة، فمن طلبها فدلوه علىّ؛ فإنه لا يضمن، ولو لم يُشهد فعند أبى حنيفة يُضمّن، ويجب عليه إذا أخذ اللقطة؛ ليردها إلى صاحبها وأشهد عليها رفع الأمر إلى القاضى. ومدة بقاء اللقطة فى يد الملتقط بعد التعريف لها إذا كانت من الشىء النفيس فله سنة، أما إذا كانت من الشىء الدنى الذى قيمته فى حدود عشرة دراهم، لا ينقص من شهر، ولو مضى وقت التعريف، ولم يظهر صاحب اللقطة وكان الملتقط موسرا لا يحل له أن ينفقها على نفسه، ولكن يتصدق بها على الفقراء، وإن كان معسرا له أن يتصدق على نفسه، وإن شاء يتصدق بها على الفقراء، فإن ظهر صاحب اللقطة، فإن شاء أمضى الصدقة، وله ثوابها وإن شاء أخذ من المتصدَّق عليه، وإن شاء ضمّن الملتقِط (4). وتدفع اللقطة إلى من يدعيها إذا أقام البينة، فإن ذكر علامات فيها فإن شاء الملتقط صدّقه، ودفعها إليه وإن شاء امتنع حتى يقيم البينة. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط، ط مجمع اللغة العربية، مادة (لقط)، 2/ 867، 1985م. 2 - كفاية الأخيار فى حل غاية الاختصار: تقى الدين الحصنى، 2/ 3 - ط الشئون الدينية، قطر د. ت. 3 - تحفة الفقهاء؛ علاء الدين السمرقندى 3/ 610، تحقيق: د/ محمد زكى عبد البر، ط جامعة دمشق، ط أولى- 1959م. 4 - السابق: 3/ 612.

_ المراجع 1 - بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع: للكاسانى، دار الكتب العلمية، بيروت 1986م. 2 - الفواكه الدوانى: أحمد النفراوى، ط البابى الحلبى، ط ثانية- 1955م. 3 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: شمس الدين الرملى ط البابى الحلبى، القاهرة.

7 - اللوح

7 - اللوح لغة: ما يكتب فيه، وهو كل صفحة من خشب أوعظم أو ورق أو نحو ذلك، وجمعه ألواح. شرعا: هو جسم مخلوق نورانى عظيم، فوق السماء السابعة، وقد كتب فيه القلم: ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة. وهو اللوح المحفوظ وقد سمى "لوح القدر". وقد وردت كلمة "لوح" فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله عز وجل: {بل هو قرآن مجيد. فى لوح محفوظ} البروج:21 - 22، ومعنى "قرآن مجيد" أى عظيم كريم، "فى لوح محفوظ": أى هو فى الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل. ولا يجوز شرعا أن يسمى اللوح المحفوظ "بالنفس الكلية" ولا "بالعقل الأول" وغير ذلك مما هو تابع لفلسفة الفيض، وهى غير إسلامية، هذا ويجب الإيمان باللوح (المحفوظ) دون الخوض فى تعيين حقيقته دون نص شرعى. كذلك لا يجوزالاعتقاد بأن اللوح خلق لضبط ما يخاف نسيانه فذلك أليق بالبشر وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أ. د/عبداللطيف محمد العبد

_ مراجع الاستزادة: 1 - المعجم الفلسفى. د/جميل صليبا، ط1 دار الكتاب اللبنانى بيروت 1973م،2/ 293. 2 - المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية مادة "لاح" ط وزارة التربية والتعليم مصر 1993م. 3 - تفسير ابن كثير دار الفكر بيروت 1986م 4/ 497 - 498. 4 - اصطلاحات الصوفية للقاشانى تحقيق د/محمد كمال جعفر، ط الهيئة العامة للكتاب ط1981م. 5 - التعريفات للجرجانى ط البابى الحلبى القاهرة سنة 1937م ص170

8 - اللؤلؤ (الجوهر)

8 - اللؤلؤ (الجوهر) قال تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} الحج:23. وقد ذكر، أن المراد ترصيع السوار باللولؤ، ولا يستبعد أن يكون فى الجنة سوار من لؤلؤ مصمت، وهو ظاهر القرآن بل نصه. ويطلق البعض على الجوهر اللؤلؤ، وقيل: إن الكبير من اللؤلؤ يسمى درا والصغير لؤلؤا. ويتكون اللؤلؤ داخل الأصداف. وتوجد مصائد اللؤلؤ بمحاذاة شواطى الهند وسيلان والخليج العربى والبحر الأحمر، واليابان واستراليا وأمريكا وبعض جزر المحيط الهادى وغيرها. ويختلف اللؤلؤمن حيث الشكل والتسمية فمنه المدحرج والمستدير والمستطيل والمخروط وغير ذلك. وأجود اللآلئ ذات شكل كروى براقة متلونة بألوان قوس قزح وخالية من العيوب وعلى شىء من الشفافية، وغالبا مايكون اللؤلؤ أبيض أو قليل الصفرة أو الزرقة، وقد يكون أصفر أو أحمر أو أخضر، وقد يكون نصف شفاف أو قاتما، ونظرا لنعومته قد يخدش، وتؤتر الأحماض والعرق على اللؤلؤ، وقد يتلف لطول الزمن. وقد مهر اليابانيون فى صناعة تزريع الؤلؤ فى برنس الصدفة، ويكثر التحلى باللؤلؤ المصطنع الذى يصنع من الزجاج. أ. د/حسن الباشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - تفسير القرطبى. 2 - الأحجار الكريمة فى الفن والتاريخ عبد الرحمن زكى. 3 - لسان العرب ابن منظور

الميم

1 - الماتريدية اصطلاحا: فرقة من فرق علم الكلام السنى، وتنسب لشيخها "أبى منصور الماتريدى محمد بن محمد بن محمود المولود بماتريد أو ماتريت "- قرية من قرى سمرقند فى بلاد ما وراء نهر جيحون- فى أرجح الأقوال سنة 238 هـ، والمتوفى سنة 333 هـ (1). تلقى شيخ الماتريدية العلم على أكابر علماء المذهب الحنفى منهم: "أبو نصر العياضى" ونصر بن يحيى البلخى، ومحمد بن مقاتل الرازى. وتتلمذ عليه الكثير من أعلام الفرقة منهم: الحكيم السمرقندى، وأبو الحسن الرستغفنى، وأبو محمد عبد الكريم البزدوى (2). ألَّف الماتريدى فى علم الكلام كتاب: التوحيد، ويشتمل على معظم الموضوعات الكلامية على مذهب الماتريدية، وكتاب المقالات، والرد على القرامطة، وبيان وَهْم المعتزلة ورد الأصول الخمسة للباهلى. وله فى التفسير: تأويلات أهل السنة، وفى أصول الفقه كتاب: الجدل، ورد مآخذ الشرائع. ومن أشهر أعلام الماتريدية: أبى المعين ميمون بن محمد النسفى المتوفى سنة 508 هـ صاحب "تبصرة الأدلة" وهو كتاب ضخم فى علم الكلام الماتريدى (جمع فيه ما جل من الدلائل فى المسائل الاعتقادية، وبين ماكان عليه مشايخ أهل السنة، وأبطل مذاهب خصومهم) (3). والماتريدية مثل الأشعرية من أنشط الشعب فى مدرسة أهل السنة والجماعة (ظهرت فى الوقت الذى ظهرت فيه الأشعرية أى بداية القرن الرابع الهجرى- وهما معا وليدتا ظروف اجتماعية وفكرية واحدة ... وقد فصل بينهما المكان فكانت الأشعرية فى العراق والشام، ثم امتدت إلى مصر. وكانت الماتريدية فى سمرقند وما وراء النهر (4). قامت الماتريدية بالرد على المخالفين والمغالين وبخاصة المعتزلة والروافض، والجهمية والمشبهة، وأصحاب الديانات الأخرى من سماوية أو وضعية، والتزمت فى ردها وعرضها للقضايا الكلامية بمنهج التوسط بين العقل والنقل. ومع اتفاق الماتريدية مع الأشعرية فى المنهج، اتفقتا أيضا فى أمهات المسائل الكلامية مثل: وجود الله، وصفاته تعالى، وجواز رؤيته فى الدنيا، وتحقق الرؤية للمؤمنين فى الآخرة ... إلخ. إلا أنهما فى نفس الوقت اختلفتا فى بعض المسائل: حيث ذهبت الماتريدية إلى أن صفات الأفعال كالتخليق، والترزيق، والإعطاء والمنع، صفات قديمة مثل صفات الذات، وأنها ترجع إلى صفة رئيسية قديمة، وهى صفة التكوين المأخوذة من قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (يس 82) يقول أبو المعين النسفى: " إن التكوين صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى، كصفة العلم والقدرة .. فكان التكوين أزليا والمكوَّن حادثا، كالقدرة .. كانت أزلية والمقدور حادثا" (5). بينما يقول الأشاعرة بحدوث صفات الأفعال، ومنها صفة التكوين، وترتب على القول بقدم صفة التكوين، القول بأن صفة القدرة ليست صفة تأثير، والتأثير الفعلى بمعنى الإيجاد والإعدام مرجعه لصفة التكوين. بينما يقول الأشاعرة إن التكوين حادث، وهو من متعلقات القدرة والتى هى أساس التأثير الفعلى. والإيمان بالله يوجبه العقل قبل ورود الشرع، وبالتالى من لم تبلغه رسالة الرسل لا يعذر، لأنه عطل عقله بينما هو معذور عند الأشاعرة، لأن العقل لا يوجب شيئا قبل ورود الشرع. يقول سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء 15). ويقولون إن وعد الله ووعيده لا يتخلف، بينما يقول الأشاعرة بتخلف الوعيد دون الوعد. وكل أفعاله سبحانه يترتب عليها الحكمة على سبيل اللزوم تفضلا لا وجوبا بينما يقول الأشاعرة إن ترتب الحكمة فى أفعاله يكون على سبيل الجواز. واختلفتا فى قضايا أخرى مثل: تحديد المراد بالقضاء والقدر، والتكليف بما لا يطاق، والحسن والقبح، وهل تستلزم الإرادة الإلهية الرضا والمحبة أم لا ... إلخ. أ. د/ محمد الأنور حامد عيسى 1 - الجواهر المضيئة لمحيى الدين القرشى 2/ 130 طبعة المعارف النظامية بالهند، والفوائد البهية لمحمد بن عبد الحى اللكنوى ص 195، الحسينية القاهرة 1324هـ. وتاج التراجم لزين الدين ابن قطلوبغا ص 173 المثنى ببغداد 1962 م. 2 - المصدرين السابقين. 3 - كشف الظنون 1/ 337، تبصرة الأدلة لأبى المعين النسفي تحقيق د/محمد الأنور. 4 - فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، د. إبراهيم مدكور. 5 - تبصرة الأدلة 1/ 339.

_ المراجع 1 - التوحيد، لأبى منصور الماتريدى. 2 - نظم الفرائد، لعبد الرحيم بن على الشهير بشيخ زادة. 3 - الروضة البهية، لأبى عذبة. 4 - تبصرة الأدلة، لأبى المعين النسفى.

2 - المادة

2 - المادة لغة: هى كل شىء يكون مددا لغيره، ومادة الشىء أصوله وعناصره التى يتركب منها، وكما تطلق الكلمة على ما هو حسى فإنها تطلق على المعنوى كما فى مادة البحث ومادة الكتاب، ومادة المعرفة هى المعطيات الحسية التى يتألف منها مضمون الفكر، ومادة الفن هى المعطيات التى يستمدها الفنان من تجربته. واصطلاحا: 1 - تطلق فى العلوم الطبيعية على كل ما تتكون منه الأجسام المادية، ويشغل حيزا من الفراغ، وهى تقابل الطاقة، وإن كانتا صورتين لشىء واحد، لكن الطاقة على خلاف المادة لا تتكون من أجسام مادية يمكن الإمساك بها أو تشغل حيزا من الفراغ، وتضيف تعريفات المادة الأكثر دقة أن يكون لها وزن، ومرونة وعزم، وقصور. وتتكون المادة من جسيمات صغيرة تسمى جزئيات تكون فى حركة داخل الجسم. والمادة فى الكيمياء إما عنصر وإما مركب، فالعنصر يتكون من نفس النوع من الذرات، وتتكون الذرات من جسيمات أصغر هى البروتونات الموجودة بالنواة، والنيوترونات الموجودة أيضا بالنواة، والإلكترونات التى تدور حول النواة. وتوجد المادة فى ثلاث حالات أساسية هى: الحالة الغازية، والحالة السائلة، والحالة الصلبة، ويكمن الفرق بين كل حالة وأخرى فى قوة التجاذب بين الجزيئات فالتجاذب أقوى فى الأجسام الصلبة منه فى السوائل، وفى هذه أقوى منه فى الغازات. وفى الحالات الثلاث لا يحدث تغير داخل جزيئات المادة، بل تتغير فى وضعها وفى سرعتها فقط بخلاف التغيرات الكيميائية. وقد كشف العلماء عن حالة رابعة للمادة تسمى البلازما تنشأ عند درجة حرارة مرتفعة للغاية (6 آلاف درجة مئوية) حيث تفقد النواة ترابطها مع الإلكترونات فتتحول الذرات إلى أيونات. وتتحول المادة إلى طاقة كما فى التفاعلات النووية، ويفترض أنه يمكن للطاقة أيضا أن تتحول مادة إذا وصلت إلى مستويات غاية فى الارتفاع كما فى الأجهزة المسماة بمعجلات الجسيمات فائقة القدرة. وتتغير المادة كيميائيا عند حدوث تغير فى مكونات الجزىء خلال عملية التفاعل الكيميائى. وفى الأزمنة السابقة كان يعتقد أن المادة تتكون من أربعة عناصر فقط هى: النار والماء والتراب والهواء. وتنقسم المواد أيضا إلى كائنات حية وجماد، ويختص علم الحيوان والنبات بدراسة الكائنات الحية كما يختص علم الفيزيقا بدراسة المواد عموما والقوى المؤثرة فيها، والطاقة المتولدة منها. 2 - ويطلق لفظ المادة فى المنطق على الحدود التى تتألف منها القضية، أو على القضايا التى يتألف منها القياس. مادة القضية فى المنطق هى الموضوع والمحمول اللذان تتألف منهما، أما صورتها فهى النسبة التى بين الموضوع والمحمول .. (ونتقسم بهذا الاعتبار إلى: كلية وجزئية، وموجبة وسالبة). ومادة القياس هى القضايا التى يتألف منها (الكبرى، والصغرى، والنتيجة)، أما صورته فهى شكله، وعلى سبيل المثال فإن قولنا: كل إنسان فان، وجبريل إنسان، فجبريل فان، قياس كاذب من حيث مادته، لأن صغراه (أى قضيته الصغرى) كاذبة، أما من حيث الصورة فهو قياس صحيح من الشكل الأول. كان المناطقة القدامى يطلقون مصطلح المادة على حالة للقضية فى ذاتها غير مصرح بها، وعندهم أن هذه الحالة منحصرة فى ثلاثة احتمالات: الوجوب والامتناع والإمكان. والفرق عندهم بين الجهة والمادة أن الجهة لفظ مصرح به يدل على الوجوب أو الامتناع أو الإمكان، على حين أن المادة حالة للقضية فى ذاتها غير مصرح بها، وربما تخالفها. 3 - وفى علم الأخلاق فإن المادة هى الفعل الذى يقوم به الفاعل بصرف النظر عن نيته وقصده، كالممرض الذى يعطى السم بدلا من العقار فهو لا يعد قاتلا إلا من حيث مادة الفعل، أما من حيث صورة الفعل فهو برىء من جريمة القتل. 4 - وفى الفلسفة الأرسطية هى المعنى المقابل للصورة، ولها بهذا الاعتبار وجهان: الأول دلالتها على العناصر غير المعينة التى يمكن أن يتألف منها الشىء .. وهى إمكان محض، أو قوة مطلقة لا تنتقل إلى الفعل إلا بقيام الصورة فيها .. أما الوجه الثانى فدلالتها على المعطيات الطبيعية والعقلية التى يعمل الفكر على إكمالها وإنضاجها فكل موضوع يقبل الكمال بانضمامه إلى غيره فهو مادة، وكل ما يتركب منه الشىء فهو مادة. والمادة عند ديكارت مقابلة للصورة من جهة، وللفكر أيضا من جهة أخرى، فأما التقابل بينها وبين الصورة فيرجع إلى أن الجسم مؤلف من شيئين: أحدهما شكله الهندسى وهو صورته، والآخر جوهره المشخص الفرد الموجود بالفعل وهو مادته. وأما التقابل بينها وبين الفكر فيرجع إلى أن المادة كتلة طبيعية ندركها بالحدس الحسى لوجودها خارج العقل، على حين أن الفكر شىء داخلى مجرد عن المادة وعن لواحقها ولذا قال ديكارت: إن المادة هى الامتداد. ومنذ "كانت" تطلق المادة على معطيات التجربة الحسية من جهة ما هى مستقلة عن قوالب العقل، فمادتها الظاهرة عنصرها الحسى. أما صورتها فهى العلاقات التى تضبطها وتنظم حدوثها. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- القاهرة. 2 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، 1982م. 3 - المنطق وفلسفة العلوم- بول موى- ترجمة د/فؤاد زكريا- القاهرة 1961 م. 4 - جابر بن حيان وأثره فى الكيمياء- لعبد الحميد سماحة- بحث فى المؤتمر العربى الأول لجامعة الدول العربية- طبعة الإسكندرية 1953م.

3 - الماسونية

3 - الماسونية تعددت الآراء حول معنى الماسونية، فبعضهم رأى أنها اصطلاح يعنى شعار الماسونية: (حرية- مساواة- إخاء- تعاون)، وبعضهم يرى أنها تعنى (القوة الخفية)، وآخرون يرون بهذا الاسم رمزا لأسماء مؤسسيها (1). ويكاد الباحثون يجمعون على أنها هى جمعية البنائين الأحرار، التى وجدت منذ أقدم العصور فى مصر واليونان وفلسطين (2)، وذلك لأن كلمة (ماسونية) من الكلمة الإنجليزية Mason التى تكتب فى العربية خطأ (ماسون) لكن الخطأ شاع، وتعنى"البنَّاء" ثم تضاف كلمة Free بمعنى حر، وتعنى: البناء الحر. وهناك بعض التفسيرات تذهب إلى أن كلمة (حر) تجىء لتمييز الـ "فرى ميسون" أى "البناء الماهر" فى مقابل "البناء غير المدرب" (3). واصطلاحا: تعرف الماسونية بأنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية والمنظمات الأخوية السرية التى تمارس هذه التعاليم، والتى تضم البنائين الأحرار والبنائين المقبولين أو المنتسبين، أى الأعضاء الذين لا يمارسون حرفة البناء. رموز الماسونية هى: (المثلث، والفرجار، والمسطرة، والمقص، والرافعة، والنجمة الخماسية، والأرقام 3، 5، 7) وهى رموز وطقوس تساعد على اكتشاف النور. والوحدة الأساسية فى التنظيمات الماسونية هى المحفل أو الورشة. ويحق لكل سبعة ماسونيين أن يشكلوا محفلا، والمحفل يمكن أن يضم خمسين عضوا. وتعقد المحافل اجتماعا دوريا كل خمسة عشر يوما، يحضره المتدربون والعرفاء والمعلمون. أما ذوو الرتب الأعلى فيجتمعون على حدة، فى ورشات التجويد. ويفترض فى المشاركين فى الاجتماع أن يقبلوا بلباس معين فهم يضعون فى أيديهم قفازات بيضاء، ويزينون صدورهم بشريط عريض، ويربطون على خصورهم مآزر صغيرة، وقد يرتدون ثوبا أسود طويلا، أو بزة قاتمة اللون، أو سموكينج بحسب تقاليد محافلهم، وهى تقاليد فى غاية التعقيد والتنوع. وتشكل المحافل اتحادات تدين بالولاء والطاعة لأحد المحافل الكبرى، ففى فرنسا، على سبيل المثال، خمسة محافل رئيسية كبرى، وهى: محفل الشرق الكبير، ومحفل فرنسا الكبير، والمحفل الوطنى الفرنسى الكبير، والاتحاد الفرنسى للحقوق الإنسانية، ومحفل فرنسا الكبير للنساء. قسم الجمعية: عندما يتقرر قبول طالب للعضوية، يتقدم ليقسم قسم الجمعية الذى يصبح بمقتضاه عضوا عاملا يؤدى واجبه ويتحمل مسئولياته. ونص القسم كالآتى: أقسم بمهندس الكون الأعظم أننى لا أفشى أسرار الماسونية ولا علاماتها وأقوالها، ولا تعاليمها وعاداتها وأن أصونها مكتومة فى صدرى إلى الأبد. أقسم بمهندس الكون العظيم ألا أخون عهد الجمعية وأسرارها لا بالإشارة ولا بالكلام ولا بالحروف، وألا أكتب شيئا منها ولا أنشره بالطبع أو بالحفر أو بالتصوير، وأرضى إن حنثت فى قسمى أن تحرق شفتاى بحديد ملتهب، وأن تقطع يداى ويُجزَّ عنقى، وتُعلق جثتى فى محفل ماسونى ليراها طالب آخر ليتعظ بها، ثم تحرق جثتى ويذر رمادها فى الهواء، لئلا يبقى أثر من جنايتى (4). فالماسونية جمعية سرية يهودية مرت بمراحل عديدة تهمنا منها مرحلة القرن الثامن عشر الذى شهد أول تأسيس منظم على يد اليهودى (أحيرام أبيود) وضمت إليها (هيردوس الثانى) عدو المسيحية فى ذلك الوقت، وعقدت أول اجتماع لها عام 1743م وحضر هذا الاجتماع الملك (هيردوس) ومستشاراه اليهوديان (أحيرام أبيود، وموآب لافى) ثم تلا هذا الاجتماع اجتماعات أخرى، وتعددت أوكار الماسونية فى كل مكان من أوروبا باسم (الماسونية الزرقاء). وفى عام 1770م اتصل عدد من اليهود المرابين (بآدم وايزهاوبت) وكلفوه بمراجعة بروتوكلات حكماء صهيون القديمة، وإعادة تنظيمها على أسس حديثة لتخدم عقيدة الإلحاد. ثم قام وايزهاوبت بدعم من حكماء صهيون بتنظيم المحفل المكلف بقيادتها الذى كانت الخطوة التالية له تأسيس المحفل الماسونى، والذى عرف باسم محفل الشرق الأكبر، وأصبح يستقطب كل الجمعيات الماسونية القديمة، فى العالم ويسيرها إلى وجهة جديدة تخدم اليهود وأغراضهم وأحلامهم بتحقيق وطن قومى لهم، ثم صيانة هذا الوطن. وفى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الذى حدث فيه تطور للنفوذ اليهودى وتغلغل لسلطان اليهود عن طريق الماسونية فى جميع الحكومات الأوروبية والأمريكية، فالماسونية تجد مكانا خصبا لدى الطائفة الإنجيلية، ويقول (ألفريد ليلينتال) فى كتابه (ثمن إسرائيل): لقد لعب العامل الدينى دورا هاما فى إقرار التقسيم وخاصة لدى الطائفة الإنجيلية المستمدة تعليمها عن التوراة، وكان هذا العامل من جملة العوامل التى حملت إيرل بلفور، والجنرال سمطس على تأييد إقامة وطن قومى يهودى فى الأراضى المقدسة (5). وفى سنة 1771م أعاد اليهود النظر فى تعاليم الماسونية ورموزها وغيروا فيها لتناسب الجو البروتستانتى فى بريطانيا والولايات المتحدة. وقد كشف المحفل الماسونى الأعظم فى بريطانيا عن بعض نواياه حين جعل من أهداف الماسونية: 1 - المحافظة على اليهودية. 2 - محاربة الأديان بصورة عامة والكثلكة بصورة خاصة. 3 - بث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب. ثم بدأت اليهودية العالمية بمد الجمعيات الماسونية برجال الفكر والدهاء والمكر، فيلبسون لكل عصر لبوسه الملائم. بل لهم طرق فى خداع الشعوب، إذا لمسوا فيهم الإحساس بخطر الماسونية، لأن غاية الماسونية تأسيس جمهوريات علمانية، تتخذ الوصولية والنفعية أساسا لاتحادها. كما جاء فى قرار المؤتمر الماسونى المنعقد فى باريس عام 1900م. وجاء فى قرار مؤتمر محافل الماسونية عام 1884م: (يجب على الماسونيين الذين بيدهم زمام الأمور أن يأتوا بالماسونيين إلى سدّة الحكم، وأن يقربوهم من كراسيه، وأن يكثروا من عددهم فيه، وفى وسع الماسونى أن يكون مواطنا أو نائبا أو رئيسا بشرط أن يكون ماسونيا، وعليه أن يستلهم الأفكار الماسونية، ومهما علت مكانته الاجتماعية، فإنه يستوحى مذهبه من المحفل الماسونى لا من مكانته. والماسونيون ليسوا كلهم على درجة واحدة ولكنهم على ثلاث درجات: الأولى: التلميذ أو الصبى (الملتحق أو المتدرب). الثانية: زميل المهنة أو الصنعة (الرفيق). الثالثة: البناء الأعظم أو الأستاذ (بمعنى أستاذ فى الصنعة). وأضيف إلى الدرجات الثلاث درجة أخرى أساسية هى "القوس المقدس الأعظم " وهناك فى بعض المحافل تصل إلى ثلاث وثلاثين درجة كما هو الحال فى الطقس الإسكتلندى القديم. وتصل أحيانا عدد الدرجات إلى بضعة آلاف (6). الماسونية النسائية: يقول الدكتور "جان مينو": وقد أنشئ للروتارى فرع نسائى عام 1928م يسمى الجمعية الدولية للمتفائلات، Soroptimiste، سوروبتمست. ولاشك أن هذا النادى هو فرع ماسونى ثانى للحركة النسائية الروتارية غير فرع سيدات الروتارى باسم Inner Wheel " إينرويل " لم تورد كل الوثائق التى لدىَّ شيئا عن تاريخه يمكن أن ننتفع به. وفى إنجلترا: تأسست أول مدرسة ماسونية للنساء، عرفت باسم "مدرسة بنات الإخوة الماسونيين" برعاية "راسبينى" ومساعدة العائلة الملوكية وخاصة "دوتش أوف كيرلند " الذى دعيت باسمهم المدرسة فيما بعد "مدرسة كيرلند الملوكية" ومازالت باقية تمارس نشاطها تحت رعاية ملكة إنجلترا، وقد عاد اسمها الأول "مدرسة البنات الماسونية" (7). وتعرف أندية الروتارى النسائية باسم "الإنرويل" وهى خاصة بالنساء فوق 28 سنة، أما اللاتى لم يبلغن هذا السن فيضمهن تنظيم مختلط يعرف باسم "الروترآكت " أما الشباب من الجنسين فى عمر المراهقة من 14 - 18 سنة فيضمهم تنظيم يسمى "الانترآكت"، وقد سمح مؤخرا بأن يضم هذا التنظيم كافة الطلائع الصغيرة التى تبدأ بعمر الحضانة أو المدرسة الابتدائية. وأهم النوادى الماسونية (الروتارى- والليونز- والكوائى- والإكستثتنج) وغيرها. (هيئة التحرير) 1 - اليهودية والماسونية، للشيخ/ عبد الرحمن الدوسرى، ط دار السنة للنشر والتوزيع، 1994م. 2 - مقارنة الأديان (اليهودية)، د. أحمد شلبى- طبعة مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 3، 1973م. 3 - الأيدى الخفية- عبد الوهاب المسيرى- طبعة الهيئة، مهرجان القراعة للجميع، سنة 2001 م. 4 - الماسونية منشأة ملك إسرائيل، محمد على الزغبى، مكتبة العرفان، بيروت، 1956م. 5 - الخطر الصهيونى، للأستاذ/ محمد خليفة التونى. 6 - الأيدى الخفية. 7 - شرخ فى جدار الروتارى- أبو إسلام أحمد- طبعة دار الاعتصام، القاهرة.

_ المراجع 1 - الصهيونية العالمية، للأستاذ/ عباس العقاد. 2 - خطر الصهيونية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل. 3 - إسرائيل والتلمود- للشيخ/ إبراهيم خليل أحمد- طبعة دار المنار، القاهرة.

4 - المانع

4 - المانع اصطلاحا: هو وصف ظاهر منضبط، يستلزم وجوده حكمة، تستلزم عدم الحكم، أو عدم السبب، كوجود الأبوة، فإنه يستلزم عدم ثبوت الاقتصاص للابن من الأب، لأن كون الأب سببا لوجود الابن، يقتضى أن لا يصير الابن سببا لعدمه. وفى هذا المثال الذى أطبق عليه جمهور أهل الأصول نظر لأن السبب المقتضى للقصاص هو فعله، لا وجود الابن ولا عدمه، ولا يصح أن يكون ذلك حكمة مانعة للقصاص ولكنه ورد الشرع بعدم ثبوت القصاص لفرع من أصل. والأولى أن يمثل لذلك بوجود النجاسة المجمع عليها فى بدن المصلى، أو ثوبه، فإنه سبب لعدم صحة الصلاة عند من يجعل الطهارة شرطا، فها هنا قد عدم شرط وهو الطهارة ووجد مانع وهو النجاسة لا عند من يجعلها واجبة فقط. وأما المانع الذى يقتضى وجوده حكمة تخل بحكمة السبب، فكالدين فى الزكاة، فإن حكمة السبب وهو الغنى مواساة الفقراء من فضل ماله، ولم يدع الدين فى المال فضلا يواسى به، هذا على قول من قال: إن الدين مانع. فإنه إذا كان المالك مدينا بدين يستغرق نصاب الزكاة أو ينقصه، فإن الزكاة لا تجب عليه (1). أ. د/ فرج السيد عنبر 1 - إرشاد الفحول للشوكانى 1/ 60 وما بعدها.

_ المراجع: 1 - المجموع شرح المهذب 5/ 346. 2 - الأموال لأبى عبيدص 437. 3 - فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوى 1/ 155 وما بعدها.

5 - المتشابه

5 - المتشابه لغة: أشبه الشىء الشىء: ماثله، وشابهه: أشبه، تشابه الشيئان: أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا، والمتشابه: النص القرآنى يحتمل عدة معانى كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: يطلق المتشابه، ويراد به عدة إطلاقات: أحدها: وهو ما لم يأت فى القرآن بلفظه البتة ما يقصده علماء القرآن من وقوع النظم الواحد على صور شتى، وتتشابه فى أمور، وتختلف فى أخرى، ومن ثم يطلقون عليه متشابه النظم، أو متشابه اللفظ، قال الزركشى: "ويكثر فى إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف فى الكلام، وإتيانه على ضروب، ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك مبتدأ به ومتكرر (3). ومن أمثلة ذلك قوله تعالى {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} البقرة:48، مع قوله {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} البقرة:123، وقد عنى بتوجيه هذا اللون من نظم القرآن قلة من المفسرين فى تفاسيرهم، ومنهم: شهاب الدين محمود الألوسى فى تفسيره المعروف بروح المعانى، وعلامة المغرب الطاهر بن عاشور فى تفسيره الموسوم بالتحرير والتنوير. كما أفرده بعض العلماء بالتصنيف، يقول السيوطى "رحمه الله" أفرده بالتصنيف، خلق: أولهم -فيما أحسب-: الكسائى، ونظمه على بن عبد الصمد السخاوى المتوفى سنة 643هـ فى كتابه "هداية المرتاب فى المتشابه من الكتاب": وهى منظومة تعرف "بالسخاوية"، وألف فى توجيهه الكرمانى فى كتابه "البرهان فى متشابه القرآن" وأحسن منه "درة التنزيل وغرة التأويل" لأبى عبد الله الرازى ... وفى كتاب أسرار التنزيل المسمى."قطف الأزهار فى كشف الأسرار" الجم الغفير (3). ثانيهما: أن يطلق المتشابه صفة مدح لجميع القرآن، ولفظ المتشابه بهذا المعنى هو الوارد فى قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} الزمر:23. أما تبيان كيف أن المتشابه بهذا الإطلاق نعت كمال لجميع القرآن، فإنه من الجلى أن صوغ مادة التشابه فى هذه الآية على صورة التفاعل يقضى بأن الكتاب الكريم ذو أجزاء كلها يشبه بعضه بعضا على ماهو الكثير الغالب فى صورة التفاعل. وقد بين المفسرون الكمالات التى تتشابه فيها أبعاض الكتاب العزيز، ومن خير وأسد ما فى المقام من عبارات عبارة الزمخشرى، فقد قال فى تفسيرالآية (ومتشابها) مطلق فى مشابهة بعضه بعضا، فكان متناولا لتشابه معانيه فى الصحة والإحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعته الخلق، وتناسب ألفاظه وتناسقهما فى التخير والإصابة، وتجاوب نظمه، وتأليفه فى الإعجازوالتبكيت (4). والتشابه بهذا المعنى الذى يعم جميع القرآن على نحو ما رأينا لا يتنافى بحال مع وصف الإحكام المذكور فى قوله تعالى {كتاب أحكمت آياته ... } هود:1، والذى يعم هو الآخر القرآن الكريم بأسره، بل يجب الأخد بكلا الوصفين جميعا فى كتاب الله عز وجل دون أن يأتى كلام الحق فى ذلك باطل من بين يديه أو من خلفه؟ ذلك بأن التناقض إنما يلزم إذا كان بين المادتين فى هاتين الآيتين تقابل التضاد، وكيف وكل منهم صفة مدح لا يمكن أن تدل على ما يضاد الأخرى، وإنما على ما يؤاتيهما ويشد من أزرهما وبانطوائهما معا فى صفته شاهد صدقه وآية تنزيل رب العالمين. وأما الإحكام فمعناه أن آى القرآن كلها قد نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى، ولا من جهة الهدف والغاية، أو أنها أحكمت بالحجج والدلائل، أو جعلت حكمة فنقول حكم إذا صار حكما، لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية (5) وإذن فالقرآن بهذا المعنى محكم فى تشابهه، متشابه فى إحكامه على نحو ما ألمحت إليه عبارة الزمخشرى السابقة. ثالثهما: أن يرد لفظ المتشابه فى القرآن مقولا على بعض منه مخصوص، مقابلا وقسيما للبعض الآخر الذى يقال عليه وصف المحكم، وبحيث لا يجتمع هذان الوصفان المتقابلان فى شىء واحد ألبتة، وذلك هو ما جاء فى قوله تعالى {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} آل عمران:7، وهذا المعنى هو الذى ينصرف إليه لفظ المتشابه عند الإطلاق والتجرد من القرينة. وإن الناظر فى هذين الوصفين المتقابلين واللذين لا يصدق واحد منهما على ما يصدق عليه الآخرمن الكتاب المجيد، ليرى اختلافا عظيما بين العلماء فى تبيان هذا المعنى. وأمثل ما اختاره المحققون فى شرح حقيقة القسمين الكريمين ما أفصحت عنه عبارة الفخر الرازى، إذ يقول: "اللفظ الذى جعل موضوعا لمعنى: إما أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى، وإما أن لا يكون. فإذا كان اللفظ موضوعا لمعنى ولا يكون محتملا لغيره فهذا هو النص. وأما إن كان محتملا لغيره فلا يخلو: إما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر، وإما أن لا يكون كذلك بل يكون احتماله لهما على السواء، فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على الآخر سمى ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجح ظاهرا، وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا، وأما إن كان احتماله لهما على السوية كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا، وبالنسبة لكل واحد منهما على التعيين مجملا. فقد خرج من التقسيم الذى ذكرناه أن اللفظ إما أن يكون نصا أو ظاهرا أو مؤولا أو مشتركا أو مجملا، أما النص والظاهر فيشتركان فى حصول الترجيح إلا أن النص راجح مانع من الغير، والظاهر راجح غير مانع من الغير، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمحكم. وأما المجمل والمؤول فهما مشتركان فى أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة، فالمجمل إن لم يكن راجحا لكنه غيرمرجوح، والمؤول مع أنه غير راجح فهو مرجوح لا بحسب الدليل المنفرد، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمتشابه؟ إما لأن الذى لا يعلم يكون النفى فيه مشابها للإثبات فى الذهن، وإما لأجل أن الذى يحصل فيه التشابه يصير غيرمعلوم، فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يعلم إطلاقا لاسم السبب على المسبب، فهذا هو الكلام المحصل فى المحكم والمتشابه" (6). وخلاصة هذا القول أن المحكم ما كان راجح الدلالة على معناه بنفسه (7)، احتمل مرجوحا كالظاهر أو لم يحتمل كالنص، المتشابه ما ليس كذلك -أى ما كان غير راجح الدلالة بنفسه مرجوحا كان كالمؤول، أو مستوى الدلالة كالمجمل- وهو كلام سديد، لأن مدار الإحكام على ما تفهمه الآية الكريمة نفسها (8). إنما هو على الوضوح والتعاصى على الزائغ، وكذلك شأن النص والظاهر اللذين جعل المحكم هو القدر المشترك بينهما، وأن مدار التشابه حسبما صرحته على عون الكلام خفيا ومتبعا للزائغ يبتغى به الفتنة، وإنما يظفر الزائغ بهذه الطلبة فى المجمل والمؤول اللذين جعل المتشابه هو القدر المشترك بينهما كذلك، ثم إن الناس اختلفت اختلافا عظيما كذلك فى قضية العلم بتأويل المتشابه بهذا الإطلاق هل مقصور على الله تعالى، أو هو بحيث يتأتى للراسخين فى العلم أيضا، والصواب الثانى ومن أبرز المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن ما يعرف لدى العلماء بآيات الصفات الخبرية، أو متشابه الصفات كالآيات التى جاء فيها ذكر الوجه واليد والجنب والروح والنفس والاستواء والفوقية والرضا والغضب وما إلى ذلك من كل ما فيه نسبة البعض أو العرض إليه تعالى جسمانيا كان ذلك أو نفسانيا. ومن حكمة ورود المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن والسنة ما ذكره صاحب الكشاف فقال: لو كان كله (يعنى القرآن) محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ولا عرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال. ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذى لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به، ولما فى المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والممتزلزل فيه، ولما فى تقادح العلماء، وإتعابهم القرائح فى استخراج معاينة، ورده إلى المحكم من الفوائد الجلية والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله. ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة فى كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض فى ظاهره وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمأنينة إلى معتقده وقوة فى إيقانه (8). أ. د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط3، 1/ 490. 2 - البرهان فى علوم القرآن، الزركشى، 1/ 112. 3 - الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، 3/ 390. 4 - الكشاف للزمخشرى 4/ 95. 5 - تفسير البيضاوى ص247. 6 - مفاتيح الغيب للفخر الرازى 7/ 168. 7 - هذا القيد لإخراج المؤول فإنه راجح الدلالة على معناه، ولكن ذلك ليس بنفسه، بل بسبب الموجب للحمل على المعنى المؤول إليه. 8 - الكشاف، 1/ 259. مراجع الاستزادة: 1 - رسالة للدكتوراه "المحكم والمتشابه فى القرآن" إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة. 2 - مباحث فى علوم القرآن، مناع القطان

6 - المتعة

6 - المتعة لغة: المتعة بضم وكسر الميم- اسم للتمتيع، كالمتاع، وأن تتزوج امرأة تتمتع بها أياما ثم تخلِّى سبيلها، وأن تضم عمرة إلى حجك وقد تمتعت واستمتعت، وما يتبلغ به من الزاد" (1). واصطلاحا: يختلف معنى لفظ المتعة باختلاف ما يضاف إليه: 1 - فمتعة العمرة: أن يحرم من الميقات بالعمرة فى أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم ينشئ حجا من مكة، أو من الميقات الذى أحرم منه بالعمرة، وسميت متعة لتمتع صاحبها بمحظورات الإحرام بين النسكين، أو لتمتعه بسقوط العودة إلى الميقات للحج. وأنه لا خلاف بين الفقهاء فى مشروعية التمتع بالعمرة إلى الحج لقول الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} (البقرة 196). 2 - وأما متعة النكاح: فهى أن يقول الرجل لامرأة خالية من الموانع: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال (2). ويطلق عليها الفقهاء نكاح المتعة، وقد ذهب إلى حرمة هذا النكاح جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (3). قال سبرة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها (رواه مسلم) (4). 3 - وأما متعة الطلاق: فهى كما عرفها الشربينى الخطيب: مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة فى الحياة بطلاق وما فى معناه بشروط (5). وقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن المتعة تجب لمطلقة قبل الدخول إن لم يجب لها شطر المهر بأن كانت مفوضة، ولم يفرض لها شىء لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} (البقرة 236). والأمر يقتضى الوجوب، ولا يعارضه قوله: {حقا على المحسنين} لأن أداء الواجب من الإحسان. ولأن المفوضة لم يحصل لها شىء من المهر فتجب لها متعة للإيحاش والابتذال. وقال الحنابلة: تستحب المتعة لكل مطلقة غير المفوضة التى لم يفرض لها، لقوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} (البقرة 241). وقال المالكية: تندب المتعة لكل مطلقة طلاقا بائنا فى نكاح لازم، إلا المختلعة، والمفروض لها صداق، وطلقت قبل البناء ومختارة لعيب الزوج ومخيرة ومملكة فى الطلاق وطلقت نفسها (6). لأن الله تعالى جعل المتعة حقا على المتقين والمحسنين لا على غيرهما (7). ولم يرد نص فى تحديد مقدار المتعة ولا نوعها، والوارد إنما هو اعتبار حال الزوج من الإعسار واليسار، والأخذ بالمعروف. وذهب الحنفية فى المفتى به عندهم والشافعية إلى أنه يعتبر فى تقدير القاضى للمتعة حال الزوجين كليهما. وقال الحنفية: المتعة درع وخمار وملحفة لا تزيد على نصف مهر المثل (8). وقال الشافعية: يستحب أن لا تنقص المتعة عن ثلاثين درهما، ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل، ومحل ذلك إذا فرض الحاكم المتعة، أما إذا اتفق عليها الزوجان فلا يشترط عدم مجاوزتها مهر المثل (9). وقال المالكية (10) والحنابلة (11): المتعة معتبرة بحال الزوج المطلق فى يساره وإعساره للآية، ونص الحنابلة: على أن أعلى المتعة خادم إذا كان الزوج موسرا، وأدناها إذا كان فقيرا كسوة تجزئها فى صلاتها وهى (درع وخمار) أو نحو ذلك لقول ابن عباس. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - ترتيب القاموس المحيط 4/ 2000. 2 - الهداية وشروحها 2/ 384. 3 - الهداية وشروحها 2/ 384، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 221، مغنى المحتاج 3/ 142، حاشية الروض المربع 6/ 324. 4 - أخرجه مسلم فى كتاب النكاح "باب ما جاء فى نكاح المتعة" صحيح مسلم بشرح النووى 9/ 187. 5 - مغنى المحتاج3/ 241، شرح المحلى على المنهاج 3/ 290. 6 - جواهر الإكليل 1/ 365. 7 - الجامع لأحكام القرآن، القرطبى 1/ 1112. 8 - حاشية ابن عابدين 2/ 336. 9 - نهاية المحتاج 6/ 359. 10 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 425، جواهر الإكليل 1/ 365. 11 - كشاف القناع 5/ 158، حاشية الروض المربع 6/ 394.

7 - المتن

7 - المتن لغة: متن كل شىء، غايته، وجلد له متن: صلابة وقوة، ومتنت الكبش: إذا شققت جلدة بيضته واستخرجتها، والمتن: ماصلب وارتفع عن الأرض (1). واصطلاحا: مرَّ بمرحلتين: 1 - الأولى فى بداية القرن الثانى الهجرى، ظهر مصطلح المتن كقسيم للسند فى الصناعة الحديثة، وذلك ضمن كلام لمحمد ابن سيرين المتوفى سنة (110هـ/728م) حين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظرإلى أهل البدع فلا يؤخد حديثهم (3) وكانوا أحيانا فى تلك الفترة يطلقون على المتن لفظ الخبز والمروى والمتن. 2 - وفى القرون المتأخرة فى القرن السابع الهجرى وما بعده، حاول العلماء أن يضعوا تعريفا محددا للمتن، ويربطوا بينه وبين المعنى اللغوى، فقال الطيبى المتوفى (743هـ/1343م): المتن: ألفاظ الحديث التى تقوم بها المعانى (3). وقال ابن جماعة المتوفى سنة (767هـ/1367م): ما ينتهى إليه غاية السند من الكلام (4). ووجه الترابط بين المعنى الاصطلاحى والمعنى اللغوى السابق، أنه إما مأخوذ من المماتنة أى المباعدة فى الغاية، لأنه غاية السند، أو من المتن وهو: ما صلب وارتفع من الأرض، لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله، أو من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضته واستخراجتها، فكأن المسند استخرج المتن بسنده. ولقد قسم العلماء المتن إلى ثلاثة أقسام: 1 - مرفوع: وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل .. مثل: (إنما الأعمال بالنيات) (5)، ويدخل فى المرفوع: المتصل والمنقطع، والمرسل والمعضل والمعلق. 2 - موقوف وهو ما يروى عن الصحابى من أقوال وأفعال وتقريرات، ونحو ذلك، فيوقف عليهم لا يتجاوز به إلى الرسول عليه السلام مثل قولى أبى بكر رضى الله عنه عنه (والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه) (6). 3 - مقطوع وهو ما جاء عن التابعين فمن دونهم، موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم مثل قول الحسن البصرى: (رحم الله رجلا لم يغره ما يرى من كثرة الناس، ابن آدم، إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك. 00) (7). والفرق بين المقطوع والمنقطع أن المقطوع من أقسام المتن، والمنقطع من أقسام السند. أ. د/مصطفى محمد أبو عمارة

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، طبعة دار المعارف، تحقيق الأستاذ/عبدالله على الكبير وآخرين، القاهرة، 5/ 4130. 2 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابورى، المطبعة المصرية، المقدمة 1/ 84. 3 - الخلاصة، للطيبى، مطبعة الإرشاد، 1391هـ، بغداد، ص34. 4 - المنهل الروى، لابن جماعة، تحقيق محيى الدين عبد الرحمن، دار الفكر، ط2 سنة 1406هـ، ص37. 5 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ط3. 6 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة عيسى الحلبى 13/ 311. 7 - الحلية لأبى نعيم، الطبعة الأولى 1409هـ/1988م دار الكتب العلمية، بيروت، 2/ 155. مراجع الاستزادة: 1 - مقدمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن موسى بن أبى نضر الكردى الشهرزورى. 2 - تدريب الراوى، السيوطى، ط3 مكتبة الكوثر الرياضى. 3 - فتح المغيث للسخاوى

8 - المتناهي

8 - المتناهي اصطلاحا: المتناهى مأخوذ من لفظ النهاية، وهو الحد أو الطرف الذى به يصير الشىء ذو الكمية، بحيث لا يكون وراءه مزاد شىء فيه. والنهاية عند الصوفية الرجوع إلى المبدأ الذى هو الله تعالى، أو إلى الصفاء الذى كان فى عالم الأرواح قبل التعلق بالجسد. والمتناهى ما له نهاية ويمكن قياسه، والمتناهى هو المحدود، والرياضيون يسمون النهايات حدودا وأطرافا، فنهاية الخط المتناهى نقطة، ونهاية السطح المتناهى خط، والآن للزمان، ويقابله اللامتناهى. ونشأ على التناهى مذهب يقرر أن العدد اللامتناهى ممتنع، وأن كل مجموع واقعى يجب أن يكون متناهيا، ويرفض نظريات الاتصال التى تضع بين الأشياء فوارق غير متناهية. وهناك مقابلة بين طرفين من المفاهيم النهاية واللانهاية، والصفة منهما على التوالى النهائى واللانهائى. ويدل على نفس المعنى المتناهى واللامتناهى، كما يستخدم أحيانا كثيرة فى نفس المعنى تعبيرات: المحدود واللامحدود، والتناهى يدل على حد الشىء، واللامتناهى على انعدام وجود الحد. والحد هو الطرف الأخير أو الغاية. ويستخدم المفهومان فى الرياضيات استخداما واسعا، أما فى الفلسفة فإن المتناهى واللامتناهى يستخدمان فى ميادين نظرية الوجود ونظرية المعرفة ونظرية الإنسان. فيستخدم المتناهى فى نظرية الوجود عندما نتحدث عن المكان أو الزمان أو الإله. وكانت الفلسفات الدينية تميل إلى نموذج الكون المقفل النهائى، لأن الكون عندهم ذو بداية وذو نهاية. كما إن الإله ذو طبيعة متعينة، منه يبدأ الوجود وإليه ينتهى {هو الأول والآخر} (الحديد 3). وقد تناول ابن سينا بحث فكرة المتناهى فى عدد من مؤلفاته مثل النجاة والشفاء ورسالة فى الحدود وغيرها. فرأى أن المتناهى هو المحدود، أما السطح فليس داخلا فى حد الجسم من حيث هو جسم بل من حيث هو متناه، وأضاف أن من قال إنه متناه: عنى أنه محدود فى نفسه. والميل إلى مفهوم التناهى أو نقيضه إنما هو تعبير عن مزاج ابتدائى، وليس اختيارا عقليا، أو نتيجة علمية، أو فلسفية، وهذا المزاج وذلك الميل يؤثران على مجمل اتجاهات الحضارة كما أنهما يظهران فى شتى جوانب الفكر الفلسفى. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين- الآمدى: تحقيق د. حسن الشافعى، ط وهبة، القاهرة، سنة 1983م. 2 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا، جـ 2، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، سنة 1982م. 3 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى- الدار الشرقية، القاهرة، سنة 1990م. 4 - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر معهد الإنماء العربى، إشراف د. معن زيادة، بيروت سنة 1986م، مادة (تناهى- لا تناهى) بقلم د. عزت قرنى. 5 - موسوعة لالاند الفلسفية، منشورات عويدات، بيروت، سنة 1996م.

9 - المجاز

9 - المجاز لغة: تدور معانيه حول إزالة الموانع، والعبور من مكان إلى مكان، يقولون: جاز الشىء يعنى مضى، وجزت المكان عبرته، ومن معانى المجاز: الطريق. كما فى لسان العرب (1). واصطلاحا: هو نقل المفرد اللغوى، أو التركيب من معناه الوضعى الذى أراده منه واضع اللغة، إلى معنى ثان (مجازى) بينه وبين المعنى الأول (الوضعى) مناسبة، بقصد المبالغة فى بيان المعنى الثانى أو توضيحه. وقيل: هو الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له، لعلاقة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى (2). فكلمة "بحر" وضعها واضع اللغة للدلالة على "مجتمع الماء" المعروف، وهذه الدلالة يشترك فى فهمها جميع الناس، وهذه الكلمة "بحر" صالحة للنقل من دلالتها الوضعية إلى دلالة أخرى خاصة (مجازية) كاستعمالات وصف الرجل الكريم فى قول الشاعر المتنبى يمدح سيف الدولة الحمدانى حين أبصره قادما فاستقبله بحفاوة وعانقه: ولم أر مثلى من مشى البحر نحوه ولا رجلا قامت تعانقه الأُسدُ فقد عنى الشاعر من كلمة "بحر" الرجل الكريم، وعنى من كلمة "الأسد" الرجل الشجاع بعد أن نقل الكلمتين من معنييهما اللغوى الوصفى العام، إلى معنى مجازى خاص. وهذا النقل هو المسمى "المجاز" عند علماء البيان، ولابد من وجود علاقة فيه بين معنى الكلمة المنقولة، والكلمة المنقول إليها، مع وجود أمارة (قرينة) تمنع من إرادة المعنى الوصفى. فالعلاقة بين البحر والكلام هى "السخاء" لأن الكريم لا يمنع سائلا، والبحر لا يمنع ماءه عن طالبيه. أما القرينة المانعة، فلأن البحر لا يمشى نحو أحد، والأُسد لا تعانق أحدا، بل تفترسه إذا ظفرت به. والمجاز عندهم قسمان: لغوى وعقلى: فاللغوى يكون التصرف فيه فى مفردات اللغة أو تراكيبها كما تصرف الشاعر فى كلمتى: بحر، وأسد. والمجاز اللغوى نوعان: مجاز استعارى (استعارات) إذا كانت علاقته "المشابهة" أى مشابهة المنقول إليه للمنقول منه، كما فى البيت السابق. ومجاز مرسل إذا كانت العلاقة غير المشابهة، مثل الجزئية فى قوله تعالى {فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء92) والمراد ذات العبد لا رقبته. والكلية مثل قوله تعالى {يجعلون أصابعهم فى آذانهم} (البقرة 19) المراد أطراف الأصابع. أما المجاز العقلى فهو إسناد الفعل أو ما فى معناه إلى غير فاعله الحقيقى، مثل قوله تعالى {وأخرجت الأرض أثقالها} (الزلزلة 2) لأن فاعل الإخراج هو الله، وقد أسند إلى مكانه وهو الأرض، لأن الأرض مكان الإخراج. والمجاز ليس كذبا كما ظن بعض الناس، لأن المتجوز يضع قرينه فى كلامه تمنع من إرادة المعنى الأصلى، أما الكاذب فهو دائما يحاول الخداع ليستمر كذبه. ومن ثمار المجاز التوسع فى طرق التعبير، وإيضاح المعنى المراد وتضخيمه مع الإيجاز والمبالغة (3). أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ المراجع 1 - لسان العرب- لابن منظور، والصحاح للجوهرى- مادة (جوز). 2 - مبحث الحقيقة والمجاز فى: الإيضاح للخطيب القزوينى، المطول لسعد الدين التفتازانى، شروح التلخيص جـ 3، 4. 3 - مبحث المجاز فى: الإيضاح، والمطول، وشروح التلخيص وهى مراجع سبق ذكرها.

10 - المجاهدة

10 - المجاهدة لغة: جَهَدَ: جَدَّ، وجَهَدَ فى الأمر أى طلبه حتى وصل إلى الغاية وبلغ المشقة، وجهد بفلان: أى امتحنه. وتجاهَدَ العَدوَّ مجاهدة وجهادا: أى قاتله (1). واصطلاحا: يقصد بها مجاهدة النفس، لأن المسلم يعلم أن أعدى أعدائه إليه هى النفس التى بين جنبيه، وأنها بطبيعتها ميالة إلى الشر، فرارة من الخير، أمارة بالسوء {وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء} (يوسف 53). والنفس بطبيعتها تحب الدعة، والخلود إلى الراحة، وترغب فى البطالة، وتنجرف مع الهوى، وتستهويها. الشهوات العاجلة، وإن كان فيها حتفها وشقاؤها (2). فإذا عرف المسلم هذا عبَّأ نفسه فأعلن عليها الحرب، وصمم على مكافحة رعوناتها، ومناجزة شهواتها، فإذا أحبت الراحة أتعبها، وإذا رغبت فى الشهوة حرمها، وإذا قصرت فى طاعة أو خير: عاقبها ولامها، ثم ألزمها بفعل ما قصرت فيه، وبقضاء ما فوتته أو تركته. يأخذها بهذا التأديب حتى تطمئن وتَطهر وتطيب، وتلك غاية المجاهدة للنفس قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} (العنكبوت 69). والمسلم إذ يجاهد نفسه فى ذات الله لتطيب وتطهر وتزكو وتطمئن، وتصبح أهلا لكرامة الله تعالى ورضاه يعلم أن هذا هو درب الصاحين وسبيل المؤمنين الصادقين فيسلكه مقتديا بهم، ويسير معه مقتفيا آثارهم. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الليل حتى تفطرت قدماه الشريفتان، وسئل عليه السلام فى ذلك فقال: "أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ "، وعن على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال: (والله لقد رأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أرى شيئا يشبههم كانوا يُصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا سجَّدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباهم، وكانوا إذا ذكر الله مادوا كما يميد الشجر فى يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم) (3). ونرى معاتبة النفس وتأنيبها فى موقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على تفويت صلاة عصر فى جماعة، فتصدق بأرض تقدر قيمتها بمائتى ألف درهم (4). كذلك عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، كان إذا فاتته صلاة فى جماعة أحيا تلك الليلة بأكملها"؛ وفى يوم أخَّر صلاة المغرب فأعتق رقبتين وكان على بن أبى طالب - رضي الله عنه - يقول: رحم الله أقواما يحسبهم الناس مرضى، وما هم بمرضى، وذلك من آثار مجاهدة النفس (هـ). والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خير الناس من طال عمره، وحسن عمله". (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (جَهَدَ)، والمعجم الوسيط 1/ 147. 2 - بُستان الواعظين ورياض السامعين، لابن الجوزى، تحقيق إبراهيم بن أحمد عبد الحميد، طبعة إحياء الكتب العربية القاهرة. 3 - طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم، طبعة مكتبة المتنبى- القاهرة. 4 - منهاج المسلم، لأبى بكر الجزائرى، طبعة المصطفى- القاهرة. 5 - نهج البلاغة، شرح الإمام محمد عبده، تحقيق محمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا- مطبعة دار الشعب القاهرة.

11 - المجوسية

11 - المجوسية لغة: تَمَجَّسَ الرجل، وتَمَجَّسُوا صاروا مَجُوسا، ومَجَّسُوا أولادهم صيروهم كذلك، ومجسه غيره (1). ومجوس كصبور: رجل صغير الأذنين كان فى سابق العصور أول من وضع دينا للمجوس ودعا إليه (2). والمَجُوسية بالفتح نحلة. وفى الحديث: (فأبواه يمجسانه) (3). ويقول الشهرستانى: (المَجُوسية يقال لها الدين الأكبر، والملة العظمى) (4). وأطلق العرب اسم المجوس على قرصان النورمان، والسكاندينافيين الذين حاولوا فى القرون الوسطى اقتحام السواحل أو الحدود فى بلاد الغرب الإسلامى (5). وقد عرفت المجوسية بأنها ديانة الفرس، لأن معظم الفرس كانوا يدينون بها منذ ظهرت فى بلادهم خصوصا (الزرادشتية). التى كانت الدين الرسمى (للدولة الساسانية) التى تأسست عام 226 ق. م وإن كانت بدايتها أسبق من نشأة هذه الدولة بكثير، فشأن المجوسية شأن غيرها من أديان قديمة جابت أرجاء المعمورة فى مصر واليونان والصين والهند والعراق وغيرها، لكنها لم تقتصر على بلاد الفرس وحدها، حيث أن بعض العرب دانوا بها فى هجر وحضرموت وعمان، وقيل: إن بعض العرب كان يدين (بالمزدكية) وممن تمجس من العرب (زرارة بن عدس) وابنه (حاجب) و (الأقرع بن حابس) وغيرهم (6). ولم يرد ذكر المجوس فى القرآن الكريم إلا فى قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد} (الحج 17). ويقرر ابن خلدون أنهم- أى المجوس- من أقدم الأمم، فيقول: (هذه الأمة- أى المجوس- من أقدم أمم العالم، وأشدهم قوة وآثارا فى الأرض، وكانت لهم دولتان عظيمتان طويلتان: الأولى- الكينوية، والثانية- الساسانية الكسروية. ثم يحدد ملكهم فيقول (إن مدة ملكهم من "كيومرث" أبيهم إلى الملك "يزدجرد" أيام عثمان - رضي الله عنه - أربعة آلاف سنة ومائتان وإحدى وثمانون سنة (7). ولقد مرت المجوسية بمراحل أربعه تمايزت كل منها عن سابقتها: الأولى- من نشأتها حتى ظهور "زرادشت ". الثانية- المجوسية فى عهد "زرادشت ". الثالثة- المجوسية بعد "زرادشت " وحتى ظهور الإسلام. الرابعة- المجوسية بعد ظهور الإسلام (8). وللمجوسية عقائدها الفاسدة: فهم يعتقدون أن للعالم إلهين اثنين، أو أصلين يقتسمان الخير والشر، ويسمون الأول "النور" والآخر "الظلمة"، وبالفارسية "يزدان" و "أهرمن". ويقول العقاد (9) عن عقيدة زرادشت" فى الألوهية: (وقد حرم "زرادشت" عبادة الأصنام، وقدس النار على أنها هى أصفى وأطهر العناصر المخلوقة لا على أنها هى الخلاق المعبود). والمجوس يؤمنون بوجود الملائكة، وترى "الكيومرثية" منهم أن الملائكة تقوم بدور الوساطة بين معسكرى النور والظلمة حين تقوم الحرب بينهما فتتم المصالحة. يقول الشهرستانى (10) حاكيا عن "الكيومرثية" قولها (إنه جرت محاربة بين معسكر النور ومعسكر الظلمة، ثم إن الملائكة توسطوا فصالحوا بينهما). أما زرادشت فيقول: (إن أول ما خُلِق من الملائكة "بهمن" وعلمَهُ الدين وخصه بموضع النور مكانا وأقنعه بذاته ذاتا ثم "أزديهشت" ثم "شهربور" ثم "أسفندارمز" .. وخلق بعضهم من بعض كما يؤخذ السراج من السراج من غير أن ينقص من الأول شىء، وقال لهم من ربكم وخالقكم؟ فقالوا: أنت ربنا وخالقنا). والمجوس يؤمنون ببعض الرسل وتختلف فرقهم فى التحديد: فالكيومرثية يعتقدون أن أول الرسل "كيومراث"، و"الزرادشتية" تعتقد أن زرادشت نبى مرسل ثم هم يؤمنون به وبكتابه الذى أنزل عليه (11). ويقول ابن حزم: (والمجوس لا يقرون بنبوة أحد من الأنبياء إلا زرادشت (12) ويقول السكسكى (13): فى معرض حديثه عن المجوس (إنهم ينكرون نبوة آدم ونوح عليهما السلام). وقالوا: لم يرسل الله عز وجل إلا رسولا واحدا لا ندرى من هو؟ وللمجوس كتاب مقدس يسمى "الأوفستا" أو "الأبستاق" يزعمون أنه نزل على نبيهم "زرادشت" من الإله وعمل "زرادشت" تفسيرا له سماه "زندا" (14) والمجوس تؤمن باليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار والصراط بيد أنه كان إيمانا شائها، وهم يرون أن البعث للأرواح دون الأجساد فهم يعتقدون أن الروح ألبست الجسد من أجل محاربة "أهرمن" وجنوده من الشياطين، فإذا قضى عليهم فإن الروح تخلص من الجسد فيكون البعث بها فقط، ولهم مرائى عجيبة فى مصير الروح بعد مفارقتها الجسد، وبعض فرق المجوس تعتقد فى التناسخ، شأنها فى ذلك شأن معظم الأديان الوضعية القديمة. ومن فرق المجوس فرقة تسمى التناسخية تقول: بتناسخ الأرواح فى الأجساد والانتقال من شخص إلى شخص آخر. والمجوسمية تؤمن بالمهدية فيذكر الشهرستانى عن "زرادشت " قوله فى كتابه "زند أوستا" سيظهر فى أخر الزمان رجل اسمه "أشيزريكا" ومعناه الرجل العالم يزين العالم بالدين والعدل، ثم يظهر فى زمانه (بتياره) فيوقع الآفة فى أمره، وملكه عشرين سنة، ثم يظهر بعد ذلك (أشيزريكا) على أهل العالم ويحيى العدل، ويميت الجور، ويرد السفن المغيرة إلى أوضاعها الأولى وتنقاد له الملوك، وتتيسر له الأمور، وينصر الدين والحق، ويحصل فى زمانه الأمن، وسكون الفتن، وزوال المحن (15). وللمجوسية شعائرها الضالة التى فيها: 1 - عبادة النار 2 - تعظيم الملوك ورفعهم إلى مرتبة الألوهية. 3 - الصلوات والزمزمة 4 - شرب الخمر 5 - الولع بالغناء والمعازف 6 - استحلال المحارم والمجوسية فرق يحددها الإمام الشهرستانى على النحو والترتيب التاليين: 1 - الكيومرثية 2 - الزروانية 3 - الزرادشتية ثم يفرق بينهم وبين الثنوية فيحصر فرق الثنوية فى: 1 - المانوية 2 - المزدكية 3 - الديصانية 4 - المرقيونية 5 - الكينوية 6 - والصيامية 7 - والتناسخية. أ. د. عبد السلام محمد عبده

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور مادة (مجس) 2 - تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضى الزييدى 4/ 246. 3 - مختار الصحاح لمحمد بن أبى بكر الرازى مادة (مجس) 4 - الملل والنحل للشهرستانى 1/ 23. 5 - الد ين والفلسفة والعلم أ/ محمود أبو الفيض ص 109. 6 - تاريخ العرب قبل الإسلام جواد على 6/ 234. 7 - تاريخ ابن خلدون 3/ 308. 8 - انظر المجوسية وأثرها فى العالم الإسلامى: رسالة ماجستير أعدها الباحث د/ عقل عبد الكريم العقل- كلية أصول الدين بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من ص 11 إلى 47. 9 - موسوعة العقاد الإسلامية 1/ 110 وما بعدها. 10 - الملل والنحل، للشهرستانى 1/ 233، 242. 11 - الملل والنحل، للشهرستانى 1/ 233. 12 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسى 1/ 34. 13 - البرهان فى عقائد أهل الأديان للسكسكى تحقيق د/ على بن ناصر عسيرى ص 510 14 - قصة الحضارة لوديورانت 2/ 426. 15 - الملل والنحل للشهرستانى 1/ 254، 256، 257.

12 - المحاسبة

12 - المحاسبة لغة: العد والتقدير، وحسن التدبير، ويعرف من يقوم بهذه الأعمال بالحسيب أو المحاسب (1) وفى القرآن الكريم {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء:14، أى محاسبا، {والله سريع الحساب} البقرة:202، أى لا يشغله حساب أحد عن محاسبة الآخر كما فى اللسان (2). واصطلاحا: وينصرف معنى المحاسبة فى الفكر الإسلامى إلى مفهومين: 1 - المحاسبة الذاتية المعنوية، وهى: أن يحاسب المرء نفسه، وهو ما أكد عليه عمر بن الخطاب بقوله (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا). 2 - المحاسبة المادية، وتعنى المحاسبة على العمليات ذات الصفة العينية والمالية، وتختص بكتابة وقياس الأشياء بغرض الاستفادة منها فى مجالات مختلفة من ضمنها حساب زكوات الأموال. وقد كانت للدولة الإسلامية فى عصورها الزاهرة نظم محاسبية تساعد المسئولين على إدارة حركة الأموال العامة النقدية والمالية، بحيث تحفظ الأموال وتضبط الغلال فتتحقق رقابة فعالة عليها، وتتم المحاسبة كتابة امتثالا لقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} البقرة:282. أما المحاسبة فى العصر الحديث فتختص بتحديد وقياس الأنشطة المختلفة وتوصيل معلومات عن نتائج تلك الأنشطة إلى من يهمه الأمر بهدف الاستفادة منها فى اتخاذ القرارات. وتتمثل إجراءات المحاسبة فى: 1 - حصر وتجميع البيانات عن الأنشطة المتعددة. 2 - تسجيل وتصنيف وتحليل تلك البيانات فى ضوء مفاهيم وأسس معينة، ووفقا للأهداف المرجوة. 3 - توصيل المعلومات الناتجة عن التسجيل والتصنيف والتحليل إلى من يريد معرفتها لاستخدامها فى اتخاذ القرارات (3). وعن أهمية المحاسبة يقول الحريرى "إن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق، وإن قلم المحاسب ضابط، وإن الحسبة هم حفظة الأموال، ولولا قلم الحاسب لاتصل التغابن إلى يوم القيامة، ولكان من نظام المعاملات محلولا، وجرح الظلامات مطلولا، وجيد التناصف مغلولا، وسيف التظالم مسلولا" (4). مما يعنى أنه لولا المحاسبة على حركة الأموال الواردة والمنصرفة وتسجيلها بواسطة المحاسبين، لما أمكن معرفة نتيجة النشاط من مكسب أو خسارة، ولما وجدنا نظاما سليما للمعاملات أو لإظهار الحقوق، أو لمنع الظلم. أ. د/حمدى عبدالعظيم

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، دار التحربر للطبع والنشر، 1980م، القاهرة، ص149. 2 - لسان العرب، ابن منظور، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1/ 864 - 865. 3 - محاسبة الزكاة مفهوما ونظاما وتطبيقا، د/حسن شحاته، الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية، القاهرة، ص83 - 85. 4 - نظام المحاسبة لضريبة الزكاة والدفاتر المستعملة فى بيت المال، شوقى شحاتة، رسالة ماجستير مقدمة لكلية التجارة، جامعة فؤاد الأول ص154 سنة 1950م. مراجع الاستزادة: 1 - موسوعة المصطلحات الاقتصادية، د. حسن عمر، دار الفكر العربى القاهرة 1996. 2 - المعجم الاقتصادى الإسلامى، أحمد الشرباصى، دار الجيل، القاهرة، 1981. 3 - قاموس المصطلحات الاقتصادية، د/راشد البراوى، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة

13 - المحدث

13 - المحدث لغة: اسم فاعل من التحديث مأخوذ من حدث يحدث فهو محدث، وهو وصف لمن يشتغل بالحديث ويقضى وقته فى دراسته (1). واصطلاحا: فقد مر هذا المصطلح بعدة مراحل: فكان فى بداية أمره، وصفا لمن تصدر لرواية الحديث مطلقا،. وفى القرن الثانى الهجرى، ظهر الكلام على رواة الحديث، وأصبح للحديث الواحد طرق متعددة، واختلفت ألفاظ الحديث الواحد، تبعا لاختلاف الطرق، وظهر بين العلماء من يجيد تمييزالطرق، ونسبة كل لفظ إلى طريقه، فأمثال هؤلاء جديرون بأن يطلق عليهم لقب "محدث" وقد نالوا احترام الناس الذين يشتغلون بالحديث .. قال الإمام البخارى: ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين (2). وكان بعضهم يطلق لقب "محدث" على الحافظ. ونسب إلى الزركشى القول بأن الفقهاء، كانوا يطلقون لقب "محدث" على من حفظ الحديث وعلم عدالة رجاله أو جرحهم، دون المقتصر على السماع (3). وفى القرن الثامن الهجرى، حاول العلماء أن يضعوا ضوابط للقب "محدث" فقد سئل الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس المتوفى سنة (734هـ/1334م) عن المحدث فقال: المحدث فى عصرنا: من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع بين رواته، واطلع على كثير من الرواة والروايات فى عصره، وتميز فى ذلك، عرف فيه حفظه، واشتهر فيه ضبطه (4). ووصفه بعض العلماء بقوله: إنه الذى قرأ، وكتب، وسمع، ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولا، وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التى تقرب من ألف تصنيف (5). ومن ذلك يتبين لنا أن لقب المحدث هو وصف لمن يشتغل بدراسة السنة دراسة علمية دقيقة، وهو ما يعرف اليوم بلغة العصر الحاضر: التخصص الدقيق. فكل من اهتم بدراسة الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال، والعالى والنازل من الأسانيد، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، مع العلم بما يجب كونه عليه من الضبط، أو التيقظ، والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه، والتحرز من أن يدخل عليه ما لم يسمعه، مثل هذا جدير بلقب "محدث" على أن هناك طائفة أخرى توصف بأنها "أهل الحديث" وهم الذين يهتمون بمعرفة دلالات الألفاظ، وكيفية الاستنباط من النصوص مع تقديمها على الرأى، وإن لم تكن لهم إحاطة بالطرق والرجال. أ. د/مصطفى محمد أبو عمارة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط3 القاهرة 1/ 166. 2 - صحيح مسلم، مسلم بن حجاج النيسابورى، طبعة كتاب التحرير ط1، 1383هـ، القاهرة، ط1. 3 - تدريب الراوى، السيوطى، مكتبة الكوثر بالرياض، 1417هـ، ط3، 9/ 58. 4 - المرجع السابق 1/ 31. 5 - مقدمة السيوطى لتدريب الراوى ص37،38. مراجع الاستزادة: 1 - فتح المغيث، للسخاوى. 2 - الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع، للخطيب البغدادى. 3 - نزهة النظر لابن حجر

14 - المحراب

14 - المحراب لغة: الغرفة، وصدر البيت أو المجلس وأكرم موضع فيه، والموضع الذى ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس. (لسان العرب). وجاءت اللفظة فى القرآن الكريم بصيغة المفرد فى قوله تعالى {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} آل عمران:37، وكذلك فى (آل عمران:39) (مريم:11) (ص:21) .. ومعنى المحراب هنا: الحجرة التى فى مقدمة المعبد. وجاءت اللفظة بصيغة الجمع (محاريب) فى قوله تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب} سبأ:13. وفسرت المحاريب فى هذه الآية بالقصور، والمساجد يتعبد فيها. واصطلاحا: علامة القبلة فى جدار المسجد، وجرت العادة أن تكون فى وسط جدار القبلة. وكانت القبلة عند بناء مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة أولا فى الجدار الشمالى نحو المسجد الأقصى، ثم أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة الثامنة من الهجرة أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام، ومن ثم نقلت القبلة من الجدار الشمالى إلى الجدار الجنوبى، وهكذا صارت قبلة جميع المساجد فى الجدار الموجه نحو المسجد الحرام فى مكة المكرمة، يقول الله تعالى {قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:144. ولم ليكن المحراب فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم مجوفا بل كان مسطحا تسطح الجدار نفسه، ولكنه كان محددا ومعلما، وظل فى مكانه بعد توسعة المسجد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة السابعة بعد الهجرة، وكان من جراء ذلك أن صار أقرب إلى الجدار الشرقى منه إلى الجدار الغربى، وذلك لأن توسعة المسجد نحو الغرب كانت أطول من توسعته نحو الشرق. وفى خلافة عمر بن الخطاب نقل جدار القبلة نحو الجنوب بمقدار خمسة أمتار تقريبا، ومن ثم نقل مكان المحراب إلى الجدار الجديد، ولكن على نفس المحور. وحدث الشىء نفسه فى خلافة عثمان بن عفان حين نقل جدار القبلة إلى الجنوب نحو خمسة أمتار أخرى، وبذلك صار فى موضعه الحالى. ومع ذلك فقد ظل مكان محراب النبى صلى الله عليه وسلم الأول موضع حفاوة المسلمين الذين يحرصون على الصلاة والدعاء أمامه، وقد أقيم فى المكان نفسه محراب بعيد عن الجدارالحالى على يد السلطان المملوكى قايتباى. وقد ظل المحراب مسطحا إلى أن أجرى الوليد بن عبدالملك عمارته فى مسجدالنبى صلى الله عليه وسلم سنة 88هـ، حين أمر بإعادة بنائه، وتجديده تجديدا شاملا، ففى هذه العمارة أدخلت فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وحدة معمارية جديدة هى المحراب المجوف، وكان ذلك إيذانا بانتشاره بعد ذلك فى المساجد. وقيل كثيرمن الآراء بشأن الحكمة من المحراب المجوف، منها: أنه يفيد فى تعيين اتجاه القبلة، وفي تحديد مكان الإمام عند الصلاة، وفى توسيع طاقة المسجد بما يقرب من صف من المصلين فى الصلاة الجامعة، ويساعد على تجميع صوت الإمام وتكبيره، وإيصاله للمصلين الذين يوليهم ظهره أثناء الصلاة، لا سيما قبل اختراع مكبرات الصوت. ونال المحراب عناية مؤسسى المساجد الجامعة من حيث العمارة والزخرفة، وإقامة المنبر إلى يمينه، وتزويده بمقصورة، والحفاوة بالبلاطة التى تليه، التى عرفت ببلاطة المحراب، وبالبلاطة المؤدية إليه من الصحن والتى أطلق عليها أحيانا المجاز القاطع. وكان المحراب فى بعض الأحيان يكتنفه عمودان من الرخام يحملان عقدا ويسقف أعلاه بنصف قبة تعرف بطاقية المحراب كانت تزين بالمقرنصات، وقد يكسى المحراب، بالجص المزخرف بالحفر البارز والغائر، أو بالرخام والمرمر، أو ببلاطات القاشانى، أو بالفسيفساء الرخامية أو الخزفية أو الزجاجية المشكلة بالحليات الهندسية والنباتية المحورة، وكان يكرم بالآيات القرآنية المناسبة لوظيفته. وتتعدد المحاريب فى بعض المساجد، ومن ذلك مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة، إذ يشمل على خمسة محاريب بالإضافة إلى المحراب الرئيسى فى منتصف جدار القبلة، ومن هذه المحاريب أربعة محاريب مسطحة من الجص على بعض دعائم المسجد فى رواق القبلة. هذا .. ولم تقتصر المحاريب على المساجد، بل وجدت أيضا فى الخانقاوات والمدارس والأضرحة وغيرها من الأماكن التى تقام بها الصلاة، أو يحتاج فيها إلى تعيين موضع القبلة. إضافة إلى ذلك عرفت محاريب غير ثابتة يمكن نقلها من مكان إلى آخر عند الضرورة، فمثلا فى فصل الصيف الحار كانت تنقل إلى صحن المسجد، وكانت هذه المحاريب تصنع من الخشب، وكان يعتنى بزخرفتها، ومن أمثلة هذه المحاريب محراب السيدة رقية بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة 533هـ. هذا واستخدم شكل المحراب عنصرا زخرفيا فى العمارة الإسلامية ولا سيما فى المقرنصات. وليس من شك فى أن المحاريب تعد من أقيم الآثار الإسلامية سواء من حيث القيمة الروحية، أو من حيث الأهمية المعمارية والزخرفية، ومن المحاريب التى تتمثل فيها أساليب العمارة والزخرفة الإسلامية: - محراب قبة المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة. - محراب الجامع الأزرق بشارع باب الوزير بالقاهرة. - محراب مسجد ابن طولون بالقاهرة. - محراب مدرسة قجماس الإسحاقى بشارع الدرب الأحمر بالقاهرة. - محراب جامع محمد على بقلعة صلاح الدين بالقاهرة. - محراب مسجد نابين بإيران (من القرن الرابع الهجرى). - محراب مسجد ميدان فى قاشان بإيران. - محراب ضريح بابا قاسم فى أصفهان بإيران. - محراب المسجد الجامع بصنعاء اليمن. - محراب جامع قرطبة من عهد الخليفة الحكم. أ. د/حسن الباشا

_ مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ المساجد الأثرية. حسن عبد الوهاب. 2 - موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية أ. د/حسن الباشا

15 - المحسنات البديعية

15 - المحسنات البديعية البديع لغة: الجديد والطريف، وقيل: هو الشىء الذى يكون أولا، كما فى لسان العرب (1). واصطلاحا: هو أحد علوم البلاغة الثلاثة: المعانى، البيان، البديع، ومنزلته عند البلاغيين والنقاد فى صناعة العبارة البليغة هى: الثالثة. علم البديع اصطلاحا: "هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال، ووضوح الدلالة". فرعاية تطبيق الكلام لمقتضى الحال وظيفة علم المعانى، ووضوح الدلالة وظيفة علم البيان، والمطابقة والوضوح عنصران أساسيان فى كل كلام بليغ. أما البديع- عندهم- فمقصور على تحسين الألفاظ (الصورة) والمعانى (المضمون) المقصودة من الكلام. وأول من قصر البديع على هذه الوظيفة هو أبو يعقوب السكاكى (2) ونهج نهجه البلاغيون من بعده (3) والبديع جنس ناعم تحته نوعان: (أ) البديع اللفظى، وهو ما كان الحسن فيه راجعا إلى اللفظ أصلا، وإلى المعنى تبعا. (ب) البديع المعنوى، وهو ما كان الحسن فيه راجعا إلى المعنى أصلا وإلى اللفظ تبعا. ولكل من هذين النوعين صور (جزئية) تندرج تحتهما، ومجموعهما هو المسمى: المحسنات البديعية، وهى أكثر من مائة وخمسين محسنا، وقد جمع بعضهم هذه المحسنات فى مؤلفات خاصة مع تفاوت الإحصاء بين القلة والكثرة (4) وقد ضُخِّم من كثرة صوره الجزئية الخلط بين صوره الخالصة وفنون البلاغة الأخرى، الراجعة إلى علمى المعانى والبيان. ومتأخرو البلاغيين، مثل الخطيب القزوينى، وشُرَّاح تلخيصه أكثر دقة من المتقدمين، كأسامة بن منقذ، الذى أوصل صور المحسنات البديعية إلى خمس وتسعين ومائتى صورة فى كتابه: "البديع فى نقد الشعر"، بينما نجده عند ابن أبى الإصبع فى كتابه "تحرير التجسيد فى صناعة الشعر والنثر" .. خمسا وعشرين ومائة صورة مع عصرى الرجلين (القرنان الخامس والسابع). ومن صور المحسنات البديعية اللفظية من "الجناس" وهو أكثر المحسنات اللفظية تصرفا وتشعبا. وله تعريف عام هو: "تشابه الطرفين فى اللفظ، واختلاف معانيهما" (5). ولهذا التشابه درجات، أعلاها أن يكون الطرفان لفظا واحدا مكررا. ومن أمثلته قوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} (الروم 55). فالجناس بين: ساعة الأولى وساعة الثانية ولا عبرة ب "الـ" فى ساعة الأولى. فاللفظ هنا له صورة خطية وصوتية واحدة فى كلا الطرفين والمعنى مختلف: لأن معنى الأولى هو "القيامة" من القبور، ومعنى الثانية هو اللحظة القصيرة المبهمة من الزمن. هذا، وقد اتحد الطرفان (ساعة- ساعة) فى عدد الحروف، وترتيبها، ونوعها، وهيئتها (حركات الحروف) وما كان كذلك سمى (جناسا تاما متماثلا). ومثاله من الشعر لك يا منازل فى القلوب منازل أقفرت أنت وهن منك أواهل منازل الأولى: ديار الأحبة بعد أن خلت منهم بموت أو هجرة. منازل الثانية المراد منها الذكريات الحاصلة فى القلوب هنا، وقد ذكر الخطيب القزوينى صورا أكثر من صور المحسنات البديعية اللفظية، ولكنه لم يستوفها كلها (6). ومنها: رد العجز عن الصدر، السجع، الموازنة، القلب. وضابط المحسنات اللفظية عندهم: أن يكون التحسين راجعا إلى اللفظ أولا بالذات، ثم إلى المعنى ثانيا بالعرض. (ب) أما المحسنات المعنوية، فمن أشهرها: الطباق، وهو: "الجمع بين المعنيين المتضادين (7)، أو المتقابلين سواء كان تقابل ضدين، أو نقيضين". ومثال تقابل الضدين قوله تعالى: {الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة 257) فالطباق بين الظلمات والنور، وهما: ضدان، ومثال التقابل بين النقيضين قوله تعالى: {يخرج الحى من الميت} (الأنعام 95) لأن الحياة والموت نقيضان لا يجتمعان فى محل واحد، ولا يرتفعان عنه معا فى وقت واحد. ومثاله من الشعر: إذا أيقظتك حروب العدا فنبه لها عُمَرا ثم نم والطباق بين: نبِّه- نَمْ وللطباق تقسيمات وتنويعات تراجع فى مكانها من كتب البلاغة، كالمفتاح لأبى يعقوب السكاكى، والإيضاح للخطيب القزوينى، والمطول لسعد الدين التفتازانى، والأطول للعصام، ثم شروح التلخيص. أما المحسنات البديعية عموما فممن استوعب جمعها ابن أبى الإصبع العدوانى المصرى فى كتابه "تحرير التحبير" ومن القدماء ابن حجة الحموى فى كتابه: "خزانة الأدب وغاية الأرب" وابن رشيق صاحب كتاب "العمدة فى محاسن الشعر". أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ المراجع 1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (بدع)، طبعة دار المعارف. 3 - مفتاح العلوم 181. 3 - الإيضاح للخطيب القزوينى 6/ 9 وشروح التلخيص (الجزء الرابع). 4 - مثل ابن منقذ (البديع فى نقد الشعر) وابن أبى الإصبع (تحرير التحبير). 5 - الإيضاح للخطيب 6/ 9. 6 - الجزء السادس من الإيضاح. ط: المكتبة الأزهرية القاهرة. 7 - الإيضاح 6/ 9.

16 - المحكمة

16 - المُحَكِّمَةُ يتفق الباحثون على أن بداية ظهور هذه الفرقة كان فى واقعة (صِفِّين) التى كانت بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان- رضى الله عنهما- وقد أجمع الباحثون على أن سبب تسميتهم بالمحكِّمة يرجع إلى شعارهم الذى رفعوه يومذاك: "لا حكم إلا لله". وهناك من يقصر هذه التسمية على أول فرقة من فرق الخوارج ويسمونها "المُحَكِّمة الأولى" (1). والسبب فى خروجهم- على الإمام على - رضي الله عنه - يرجع إلى رفضهم لما حدث، فعندما أحس معاوية بن أبى سفيان بقرب هزيمة جنده، طلب من جنده رفع المصاحف على أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله تعالى. واجتمع على بن أبى طالب مع أصحابه يشاورهم فى هذا التحكيم وبعد الشورى قبل التحكيم. واختار ممثله أبا موسى الأشعرى واختار معاويةُ عمروَ بن العاص. وفور قبول التحكيم تَمرَّد بعض من جنود على بن أبى طالب وكان أكثرهم من قبيلة تميم (2). ورفضوا التحكيم قائلين: لا ينبغى أن يحكم أحد فى كتاب الله، فالتحكيم خطأ. لأن حكم الله فى الأمر واضح وجلى، والتحكيم يتضمن شك كل فريق من المحاربين أيهما أحق، وليس يصح هذا الشك، وصاحوا "لا حكم إلا لله " وحينما سمع على بن أبى طالب ذلك قال قوله المشهور: "كلمة حق أريد بها باطل ". وتسميتهم بالمُحَكِّمة سبقت تسميات الخوارج الأخرى، حيث أن الشعار الذى أخذ منه كان الأسبق فى الظهور من الخروج على الإمام علىّ - رضي الله عنه -. وتطورت الأمور عند المُحَكِّمة بسرعة فطالبوا الإمام عليا - رضي الله عنه - بأن يحكم على نفسه بالخطأ، ثم تمادوا فى الأمر وطالبوه بأن يحكم على نفسه بالكفر، إن لم يرجع عن عهده مع معاوية رضى الله عنهما. وذكر أن أحدهم قابل الإمام عليا فقرأ قوله تعالى: {ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر 65). زعماء المُحَكِّمة: وحينما رجع على بن أبى طالب من صفين فدخل الكوفة، لم تدخل المُحَكِّمة معه فأتوا حروراء ونزلوا بها- وهذا سبب تسميتهم بالخوارج- واعتزلت المُحَكِّمة الإمام عليّا ودخلوا دارا وهم ستة آلاف وأجمعوا على أن لا يخرجوا إلا لقتال على بن أبى طالب - رضي الله عنه -. وكان على رأسهم عبد الله بن الكواء، وعَتَّاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبى، وعروة بن جرير، ويزيد بن أبى عاصم المحاربى، وحرقوص بن زهير البجلى المعروف بذى الثدية. مناظرة ابن عباس لهم: قال ابن عباس: أتيت عليا قبل صلاة الظهر فقلت أبرد بالصلاة لعلّى أدخل على هؤلاء القوم فأكلمهم فقال: إنى أخاف عليك. فقلت: كلا، وكنت رجلا حسن الخلق لا أوذى أحدا فأذن لى فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن وترجلت فدخلت عليهم نصف النهار فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا، جباههم قرحة من السجود وأياديهم كأنها ثفن الإبل (3). وعليهم قمص مرحضة مشمرين مسهمة وجوههم من السهر فسلمت عليهم فقالوا: مرحبا بابن عباس ما جاء بك. فقلت: أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ومن عند صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم، فقالت طائفة منهم: لا تخاصموا قريشا فإن الله عز وجل يقول: {بل هم قوم خصمون} (الزخرف 58) فقال اثنان أو ثلاثة: لنكلمنه، فقلت: هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين والأنصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد وهم أعلم بتأويله. قالوا: ثلاثا، قلت: هاتوا، قالوا: أما أحداهن فإنه حكم الرجال فى أمر الله. وقد قال الله عز وجل: {إن الحكم إلا لله} (يوسف 14) فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل. فقلت: هذه واحدة وماذا؟ قالوا: وأما الثانية فإنه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغنم فإن كانوا مؤمنين فلم حل لنا قتالهم ولم يحل لنا سبيهم، قلت: وما الثالثة؟ قالوا: فإنه محا عن نفسه أمير المؤمنين فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فإنه لأمير الكافرين. قلت: هل عندكم غير هذا. قالوا: كفانا هذا. قلت لهم: أما قولكم حكم الرجال فى أمر الله أنا أقرأ عليكم فى كتاب الله ما ينقض هذا. فإذا نقض قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم. قلت فإن الله قد صير من حكمه إلى الرجال فى ربع درهم ثمن أرنب وتلا هذه الآية {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (المائدة 95) إلى آخر الآية، وفى المرأة وزوجها {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} (النساء 35) إلى آخر الآية فنشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال فى إصلاح ذات بينهم وفى حقن دمائهم أفضل أم حكمهم فى أرنب وبُضع امرأة فأيهما ترون أفضل- قالوا: بل هذه. قلت: خرجت من هذه. قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم فتسبون أمكم عائشة- رضى الله تعالى عنها- فوالله لئن قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام ووالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام. فأنتم بين ضلالتين لأن الله عز وجل قال: {النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب 6) أخرجت من هذه. قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم محا عن نفسه أمير المؤمنين فأنا آتيكم بمن ترضون أن النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو. فقال لعلىّ - رضي الله عنه -: اكتب لهم كتابا فكتب لهم علىّ هذا ما اصطلح عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون: والله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: اللهم إنك تعلم أنى رسول الله امح يا على. اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، فوالله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من على وقد محا نفسه، قال فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فقتلوا. ألقاب المُحَكِّمة: عرفت المُحَكِّمة بألقاب عديدة قبل أن يعصف بها التفرق والتمزق إلى جماعات تناصب بعضها بعضا العداء والتكفير ولعل أشهر الألقاب التى عرفوا بها هو الخوارج لخروجهم على طاعة الإمام على بن أبى طالب - رضي الله عنه -، كما أن هناك ألقابا أخرى هى: 1 - الحرورية: ويعتبر هذا اللقب من أسبق الأسماء التى عرفت بها الخوارج حين أنكروا على علىّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - قبوله التحكيم فى صفين وانحازوا عنه إلى قرية تدعى حروراء فسموا الحرورية بذلك (4). 2 - المارقة: ويعتبر هذا اللقب من أشد الألقاب إيلاما للخوارج، وأبغضه إلى نفوسهم. 3 - الشراة: وعرفت الخوارج عبر تاريخهم الطويل باسم الشراة لأنهم جعلوا مفهوم الشراية فى سبيل الله غاية يسعى إليها كل فرد. 4 - الراسبية: وعوفوا بهذا اللقب نسبة إلى (ابن وهب الراسبى). (هيئة التحرير) 1 - الملل والنحل، للشهرستانى 51/ 115، وصبح الأعشى، للقلقشندى 3/ 224، والفرق بين الفرق، للبغدادى ص66. 2 - يكاد يتفق رواة الحديث والأخبار على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد تنبأ بظهور الخوارج حينما جاءه رجل من تميم، يقال له ذو الخويصرة واعترض على قسمته قائلا: لم أرك عدلت! فغضب النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: "ويحك! إذا لم يكن العدل عندى، فعند من يكون؟ " فهَّم أحد الصحابة بقتله فقال له - صلى الله عليه وسلم -: " دعه" فإنه سيكون له شيعة يتعمقون فى الدين يتبعون أقصاه، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية" انظر ابن هشام 2/ 496. 3 - الثفن: جمع ثفنة ركبة البعير وغيرها مما يحصل فيه غلظ من أثر البروك. 4 - الفرق بين الفرق، للبغدادى ص67، وتاريخ اليعقوبى 2/ 191.

_ المراجع 1 - الفصل فى الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة ود. محمد إبراهيم نصر، طبعة مكتبات عكاظ، الرياض 1982 م. 2 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، للرازى، مراجعة: على سامى النشار، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1938 م. 3 - الفتنة الكبرى، طه حسين، طبعة دار المعارف، مصر، 1968 م. 4 - الخوارج فى العصر الأموى، د. نايف معروف، طبعة دار الطليعة، بيروت، ط 3، 1986 م.

17 - المدائح النبوية

17 - المدائح النبوية اصطلاحا: من فنون الشعر التى أذاعها التصوف .. فهى لون من ألوان التعبير عن العواطف الدينية .. وباب من الأدب الرفيع .. لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص (1). وقد كان العرب متفرقين لا يجمعهم شمل .. ولا يخضعون لأمير واحد .. إلى أن جاء النبى - صلى الله عليه وسلم - بدعوته إلى الإسلام فى قريش .. ودعا إلى وحدة العرب واتحادهم واجتماعهم تحت دين واحد .. وراية واحدة .. لينقذهم مما هم فيه من فوضى التفرق .. ودمار الحروب .. فهزت دعوته - صلى الله عليه وسلم - قلوبهم .. وامتدت إلى الممالك المجاورة .. حتى إذا بلغها ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تعلق بالحق، والوفاء، والقناعة، وعلو المرتبة .. فى البلاغة، والفصاحة، والبيان، والسياسة، ومن مكانة فى الشجاعة، وقيادة الجيوش .. هالها أمره .. وأذهلها خطره .. فانصرف بعضهم إليه .. وبعضهم عنه .. ووقف شعراء يتصدون للهجوم عليه .. كما وقف شعراء آخرون فى الدفاع عنه وامتداحه (2). وأكثر المدائح قيل بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. إذ إن ما يقال فى حق الرسول بعد وفاته لا يسمى رثاء .. وإنما يسمى "مدحا" كأنهم لحظوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موصول الحياة .. وأنهم يخاطبونه .. كما يخاطبون الأحياء. وقد كان هذا المديح أول الأمر يقتصر على امتداح خصاله وشمائله - صلى الله عليه وسلم - ورسالته وهو حى .. فلما قضى انصرف الشعراء إلى الثناء عليه، وتعداد صفاته، والإشادة بالدين الإسلامى .. وهذا يعد من المدائح .. لأنه يتوجه به إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - كأنه موجود حى .. يناديه المادح ويناجيه .. فيسمعه ويلبيه .. ولأنه يحقق مبادئ هذا الفن من تمدح بشجاعته، واستحسان لأخلاقه ومزاياه، وإعجاب بصباحة وجهه .. فالقصائد التى قيلت بعد وفاته هى مديح .. وكان النابغة الجعدى من المادحين .. إذ مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى قصيدة طويلة فقال: أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى .. ويتلو كتابا كالمجرة نيرا كما مدحه الأعشى بداليته .. ولكن قريشا صرفته عن لقاء النبى - صلى الله عليه وسلم - فانصرف وبقيت قصيدته .. وجاء كعب بن زهير ومدح النبى - صلى الله عليه وسلم - فى قصيدته المشهورة فقال (3): أنبئت أن رسول الله أوعدنى .. والعفو عند رسول الله مأمول وكان حسان بن ثابت شاعر النبى - صلى الله عليه وسلم - حقا .. حيث امتدحه لصفاته النبيلة .. وفى ديوانه نماذج كثيرة للمدح النبوى (4). وسار كثير من الشعراء على نهج حسان مستمرين عليه حتى جاء القرن السابع الهجرى، فوضع محمد بن سعيد البوصيرى عددا من القصائد فى مدح النبى - صلى الله عليه وسلم - وأطال فيها .. وقصيدته "البردة" مشهورة فى جميع الأقطار الإسلامية .. رتلتها فى مناسباتها الدينية، وتولتها المطابع فى الشرق والغرب وشرحها الشارحون شروحا عدة (5). ولم يقف الأمر عند حد الشرح .. بل تعداه إلى أن شطروها، وخمسوها، وسبعوها، وعارضوها على مر العصور. وفى العصر الحديث كانت قصيدة البارودى "كشف الغمة فى مدح سيد الأمة" بداية لمرحلة جديدة فى فن المدائح .. إذ رسمت الطريق لعدد من الشعراء تابعوا المسيرة المدحية لخير البرية .. وكان أحمد شوقى من أبرزهم فى هذا المجال (6). وقد نظم الشاعر محمد عبد الغنى حسن ديوانا كاملا فى المديح النبوى سماه "من وحى النبوة" وكذلك فعل "مختار الوكيل" فى ديوانه "على باب طه ". ففن المدائح النبوية لون من الأدب العالى، لم ينقطع فى الشعر العربى منذ حسان بن ثابت ورفاقه- إلى الآن (7). أ. د/ صفوت زيد

_ المراجع 1 - المدائح النبوية فى الأدب العربى، د. زكى مبارك 17 - دار الكتاب العربى للطباعة والنشر- القاهرة- بدون تاريخ. 2 - المديح، د. سامى الدهان، 71 - 72 - دار المعارف، طبعة خامسة. 3 - السابق 73 - 74. 4 - انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت، ضبط وتصحيح: عبد الرحمن البرقوقى- دار الأندلس، بيروت، بدون تاريخ. 5 - انظر ديوان البوصيرى، تحقيق: محمد كيلانى، 49 - 77، مطبعة عيسى البابى الحلبى، ط ثانية، 1973 م، وشرح البردة، للشيخ/ إبراهيم الباجورى- تحقيق وضبط وتعليق: عبد الرحمن حسن محمود، مكتبة الآداب. 6 - الشوقيات 1/ 32 - 39 - 63 - 67 - 150 - 0 16، دار الكتب العلمية، بيروت- ط أولى، 1985 م. 7 - المديح 83.

18 - المدارس

18 - المدارس تعتبر المدارس فى الإسلام امتدادا للمساجد، فكان المسلمون فى عصورهم الأولى يتوسعون فى مهمة المسجد، فاتخذوه مكانا للعبادة ومعهدا للتعليم، ودارا للقضاء، وساحة تتجمع فيها الجيوش، ومنزلا لاستقبال السفراء. وقد ميز الجامع عن المسجد بأن الجامع هو الذى يجتمع فيه الناس لصلاة الجمعة أو الجماعة، أما المسجد فهو مكان الصلاة ولو كان حجرة خاصة بالمنزل. وقد اشتهر من بين الجوامع الإسلامية ثلاثة هى: 1 - جامع المنصور ببغداد، وقد كان هذا المسجد قبلة أنظار الأساتذة والطلاب، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الخطيب البغدادى والكسائى والفراء (1). 2 - جامع دمشق، وكان للمالكية به زاوية للتدريس فى الجانب الغربى، وللشافعية مدرسة على يمين الخارج من باب البريد، وهناك كذلك مقصورة برسم الحنفية يجتمعون فيها للتدريس وبها يصلون (2). 3 - جامع عمرو بن العاص: وقد بنى هذا الجامع سنة 21هـ فهو أقدم جامع فى قارة إفريقية، ومن العلماء الذين جلسوا. للتدريس به سليمان بن عتر التجيبى، وقد سجل المقريزى بعض تفاصيل عن أهم الزوايا العلمية بهذا المسجد، وهى زاوية الإمام الشافعى، والزاوية المجدية والزاوية الصاحبية، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الإمام محمد بن جرير الطبرى (3). أما العلوم التى كانت تدرس فى المسجد فكثيرة أهمها: العلوم الدينية، والعلوم اللغوية، والأدبية، ومبادئ علم الكلام، والعروض، وعلم الطب، والميقات (الفلك). وقد انتقل التعليم من المساجد إلى المدارس بسبب ما يحدثه التدريس من أصوات ومناقشات تحدت قليلا أو كثيرا من الضوضاء التى تؤثرعلى ما يلزم من وقار الصلاة وخشوعها، ثم إن العلوم تطورت بتطور الزمن فأصبح الجدل والمناظرة من العلوم المهمة مع ما يحدثه من أصوات تتناقض مع ما يحتاجه المسجد من هدوء وجلال. وهناك فروق واضحة بين المدرسة والمسجد هى: 1 - فى المدرسة يعين المدرس وذلك بخلاف معلمى المساجد. 2 - وجود الإيوان بالمدارس وهو الاسم الذى يرادف قاعة المحاضرات ولم يوجد فى المسجد باستثناء المساجد الكبرى التى تهتم بالتعليم. 3 - كان عدد التلاميذ محددا فى المدرسة بخلاف حلقة المسجد التى كانت مفتوحة لمن يجلس فيها (4). أما أقدم المدارس الإسلامية فهى مدارس الوزير العظيم نظام الملك الذى وزر لألب أرسلان وملكشاه، وسميت هذه المدارس النظامية نسبة لنظام الملك، وكانت هذه المدارس كثيرة لم تخل منها مدينة أو قرية. واقتفى نور الدين زنكى أثر نظام الملك فأنشأ المدارس فى الشام. وسار صلاح الدين الأيوبى وأفراد أسرته على هذا النهج فأنشأوا المدارس فى مصر. أ. د/أحمد شلبى

_ الهامش: 1 - تاريخ بغداد الخطيب البغدادى. 2 - معجم الأدباء ياقوت الحموى 1/ 255. 3 - الخطط والآثار المقريزى 2/ 246 وما بعدها. 4 - الروضتين فى ذكر أخبار الدولتين أبو شامة 1/ 189. مراجع الاستزادة: 1 - تاريخ التربية الإسلامية موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى، ج5

19 - المديح

19 - المديح لغة: مدحه أثنى عليه بما له من الصفات. والمديح: ما يمتدح به، وجمعها: المدائح كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: الثناء على ذى شأن بما يستحسن من الأخلاق النفيسة .. كرجاحة العقل، والعفة، والعدل، والشجاعة .. وأن هذه الصفات عريقة فيه وفى قومه (2). وهو من أغراض الشعر العربى منذ الجاهلية .. إلا أنه فى أواخر العصر الجاهلى إنحط إلى درك المسألة والتكسب على يد "الأعشى"، حيث مدح كل من أعطى، وشكر كل من أكرم .. فذكر فى مدحه الصفات المثلى التى يحبها العربى .. وقبل الأعشى نجد النابغة قد سن للناس سنن المديح الرسمى .. حين يتطلعون إلى الملوك .. وحسان بن ثابت .. حين مدح ملوك الغساسنة وأمراءهم .. ووصف نعيمهم وترفهم .. ورسم ما كانوا يلبسون ويرتدون، وذكر ديارهم العامرة (3). وفى عصر صدر الإسلام ترخص النبى - صلى الله عليه وسلم - فى استماع المديح .. والإجازة عليه تأييدا للدعوة الإسلامية .. إذ كان جُلّ ما يمدح به خاصا بعمل الرسالة .. ولكنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سماع المدح لمجرد الإطراء .. والتقريظ .. وفى غير تأييد حق .. وتورع الخلفاء الراشدون عن سماع المدح الباطل .. ففترت صناعة التكسب بالشعر فترة من الزمن (4). وفى عصر بنى أمية، ترخص معاوية فى سماع المديح تأييدا لدعوته .. ثم توسع فى ذلك بنو مروان .. فاستمعوا له فى حق .. وفى غير حق .. وأجازوا عليه الجوائز السنية .. وتبع الملوك فى ذلك الولاة .. ورؤساء الأحزاب فى زمانهم .. وتسابق الشعراء إلى اختراع المعانى التى تعجب أولياء الأمر .. فكالوا منها لكل ما لا يستحق .. مما كان قدوة لمن جاء بعدهم .. من غلاة المداحين (5). وفى العصر العباسى .. رأينا الشعراء يمتدحون، ويتكسبون بشعرهم .. يرجون النوال .. ولكنهم زادوا فى معانى هذا المديح وصوره ما يتلاءم مع الحضارة العباسية .. والحياة الاجتماعية الجديدة .. ومواسم الخلافة والملك .. وأعياد البلاط ومناسبات الحرب والسلام .. وأضفوا على المعانى القديمة صورا براقة .. تصف هؤلاء الخلفاء بما يتناسب وحاجة الملك الجديد. ونقلوا مديح الملوك من ميدان الكرم والشجاعة إلى ميادين جديدة فيها حب الرعية، والإخلاص للشعب، والخير للبلاد (6). وظل المديح المتكسب يتنقل بين العصور الإسلامية حتى فتر وضاقت معانيه وصوره .. إلى أن جاء "محمود سامى البارودى" فى العصر الحديث .. فأعاد للمديح أسلوبه المتين .. ولفظه القديم .. وأضاف إليه صورا استقاها من العصر .. وسار على خطته "حافظ إبراهيم" .. وحمل شوقى لواء المديح فارتفع به إلى مرتبة تجعله شبيها بأبى تمام فى العباسيين، والمتنبى فى الحمدانيين (7). أ. د/ صفوت زيد

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مادة (مدح) 2/ 892، دار المعارف/ ط3. 2 - جواهر الأدب فى أدبيات وإنشاء لغة العرب، السيد أحمد الهاشمى مؤسسة المعارف، بيروت- د. ت 6/ 26. 3 - المديح، سامى الدهان من دار المعارف- القاهرة- الطبعة الخامسة ص 14 - 19. جواهر الأدب 2/ 133 والمفصل فى تاريخ الأدب العربى- أحمد الإسكندرى وآخرون- لجنة التأليف والترجمة والنشر- 934 1 م وتاريخ آداب اللغة العربية جورجى زيدان دار الهلال 1/ 193 - 196. 5 - المديح 19 - 22، وانظر تفصيل ذلك فى تاريخ آداب اللغة العربية 1/ 229 - 311. 6 - المديح 22 - 30، وانظر أيضا: تاريخ آداب اللغة العربية 2/ 38 - 92. 7 - السابق، 44 - 68، والمفصل فى تاريخ الأدب العربى 2/ 334 - 387.

20 - المذاهب (الفقهية)

20 - المذاهب (الفقهية) لغة: ذهب مذهب فلان: قصد قصده وطريقته، وذهب فى الدين مذهبا: أى رأى فيه رأيا (1). واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك المعنى اللغوى. وحكم الاجتهاد فى الإسلام مشروع، فقد اجتهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما لم يجدوا فيه نصا، وكذلك اجتهد التابعون ومن بعدهم فى الحوادث التى عرضت لهم مما لم يجدوا فيه نصا من الكتاب أو السنة فنشأ عن هذا الاجتهاد اختلاف فى الرأى، ثم زاد هذا الاختلاف بعد الفتنة التى أدت إلى مقتل سيدنا عثمان ثم الإمام على رضى الله عنهما، فكان أن انقسم المسلمون إلى طوائف ثلاثة: شيعة، وخوارج وأهل السنة. وكان السبب الرئيسى لاختلافهم هو الخلافة والأحق بها، وما صاحبها من التحكيم فى النزاع بين الإمام على ومعاوية فكان لكل طائفة رأى يخالف رأى غيرها، وحاولت كل فرقة أن تعمل لنصرة مبادئها، فتولد عن ذلك اختلاف آخر فى بعض الأحكام العملية، مما أدى إلى وجود فقه للخوارج وآخر للشيعة، وثالث لأهل السنة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى وجود اختلاف بين كل طائفة، فتعددت المذاهب الفقهية. والمذاهب الفقهية كثيرة ومتعددة منها ما اشتهر وكتب له البقاء، ومنها ما لم تدون فيه مراجع خاصة به كمذهب الإمام الليث بن سعد، والإمام ابن جرير الطبرى، والإمام الأوزاعى وغيرهم، أما المذاهب المشهورة والتى لها ذيوع وانتشار فهى ثمانية مذاهب وهى: المذهب الإمامى والمذهب الزيدى وهما لطائفة الشيعة، والمذهب الإباضى وهو لطائفة الخوارج، والمذهب الظاهرى، ومذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهى لأهل السنة والجماعة. (3). والمذهب الشيعى الإمامى وهو لبعض الشيعة، وهم الذين يعتقدون أن الرسول أوصى بالخلافة لعلى بالذات ثم من بعده لولده، وأن الأئمة معصمون من الخطأ ... الخ، فهم يختلفون مع أهل السنة فى كثير من الفروع والأحكام، فضلا عن إنكارهم القياس وينتشر هذا المذهب فى إيران والعراق، والهند (4). والمذهب الشيعى الزيدى: فهو لطائفة ينتسبون إلى زيد بن على زين العابدين بن الحسين، ومن مبادئهم أن الإمامة لا تكون بالنص عليها -كما يقول الإمامية- وإنما تكون لكل فاطمى عالم زاهد شجاع فى الحق. والزيدية أعدل فرق الشيعة فى تعاليمها، ومع ذلك فقد خالفوا فقه أهل السنة فى كثيرمن الفروع والأحكام، ولهم كتب كثيرة منها المجموع المنسوب للإمام زيد، وشرحه الروض النضير، وأتباع هذا المذهب موجودون الآن فى بلاد اليمن، وقد تشعب هذا المذهب إلى شعب منها: القاسمية والناصرية والهادويه (5). والمذهب الإباضى: وهو مذهب طائفة معتدلة فى الخوارج وهو منسوب إلى عبد الله بن إباضى الذى توفى سنة 80هـ، وهم يرون أن الخلافة تكون بالاختيار الحر من المسلمين، وهذا المذهب يتفق فى كثيرمن الفروع مع أهل السنة، وإن خالفوهم فى بعض الأحكام، ومن أهم كتب هذا المذهب كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف بن أطفيش، وينتشرهذا المذهب فى بعض بلاد المغرب العربى، وكذلك سلطنة عمان (6). والمذهب الظاهرى: ومؤسسه أبو سليمان داود بن على الأصفهانى، وهذا المذهب يعتمد على ظواهر النصوص من القرآن والسنة، ويترك كل أنواع الرأى والقياس، ومن علماء هذا المذهب أبو على محمد بن حزم، والذى له كتاب "المحلى" فى الفقه، وكتاب "الإحكام فى أصول الأحكام" فى أصول الفقه. (7) المذهب الحنفى: هو من مذاهب أهل السنة أسسه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150هـ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع، وقول الصحابى فيما ليس للاجتهاد فيه مجال ثم القياس والاستحسان، وهذا المذهب له كتب كثيرة مشهورة ومعروفة، وينتشر هذا المذهب فى العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وتركيا ومصر (8). المذهب المالكى: ومؤسسه إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحى المتوفى سنة 179هـ، ويعتمد هذا المذهب أيضا على الكتاب والسنة والإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، والعمل بالمصالح المرسلة. وهذا المذهب أيضا له كتب كثيرة ومشهورة، وينتشر فى صعيد مصر والسودان والكويت وقطر والبحرين وبلاد المغرب العربى كلها (9). المذهب الشافعى: وهو من مذاهب أهل السنة أيضا، أسسه الإمام محمد بن إدريس الشافعى المتوفى سنة 204هـ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع، فقول الصحابى ثم القياس، وللإمام الشافعى كتاب فى الفقه وهو "الأم" وكتاب آخر فى الأصول وهو "الرسالة" ويعد به الشافعى أول من دون فى علم الأصول وكتب المذهب كثيرة، وينتشر بالوجه البحرى بمصر وفلسطين وحضرموت وأندونيسيا (10). المذهب الحنبلى: وهو من مذاهب أهل السنة، أسسه الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى المتوفى سنة 241هـ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة المتفق منها والمختلف، فالحديث المرسل، فالقياس، ولهذا المذهب كتب كثيرة مشهورة وينتشر هذا المذهب فى السعودية. أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المصباح المنير للفيومى مادة (ذهب). 2 - المدخل فى التعريف بالفقة الإسلامى أ. د/محمد مصطفى شلبى، ط1، مطبعة دار التأليف سنة 1962م ص121، تاريخ الفقه الإسلامى د/محمد أنيس عبادة، ط1 دار الطباعة المحمدية 2/ 4 ومابعدها. 3 - المدخل فى التعريف د/محمد مصطفى شلبى، من ص121 - 164. 4 - المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى ص402 ط1 دار الاتحاد العربى. 5 - السابق ص408 وما بعدها، تاريخ التشريع الإسلامى د/إبراهيم الدسوقى الشهاوى ط1 الطباعة الفنية المتحدة ص226 وما بعدها. 6 - المدخل فى التعريف د/محمد مصطفى شلبى، ص123 والسابق ص238 ومابعدها. 7 - المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى، ص399. 8 - الفكر السامى فى تاريخ الفقه الإسلامى لمحمد بن الحسن الحجوى الثعابى ط1 إدارة المعارف الرباط 2/ 119 ومابعدها. 9 - السابق: 2/ 155 ومابعدها. 10 - السابق 2/ 172 ومابعدها، تاريخ الفقه د/محمد أنيس عبادة ص26 ومابعدها. 11 - المدخل فى الفقه الإسلامى د/محمد مصطفى شلبى ص158، ص160، المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى ص393 ومابعدها

21 - المرابطون

21 - المرابِطُون المرابطون: عَلَم على أصحاب ومؤسسى الدولة الإسلامية التى قامت فى بلاد المغرب والأندلس فى القرنين الخامس والسادس للهجرة (القرنين 11، 12 للميلاد). وأصل هذه الكلمة هو الفعل (رابط) بمعنى لازم، ومنه مرابطة الجيش فى الثغور ومواضع المخافة أمام العدو. وفى القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} (آل عمران 200). لقد كانت بداية المرابطين فى أوائل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) إلى الجنوب من وادى درعة فى الصحراء الفاصلة بين المغرب الأقصى وحوض نهر السنغال. وأصل المرابطين يرجع إلى قبائل صَنهاجة البربرية المغربية الصحراوية، وكانت مضاربهم ممتدة أول الأمر إلى الشمال فى إقليم تافيللت، وقاعدته مدينة سِجِلماسة، فلما بسطت قبيلة زناتة سلطانها على بلاد المغرب الأوسط، طردوا الصنهاجيين نحو الجنوب، فأصبحوا يومئذ محصورين فى الصحراء الكبرى بين الزناتيين من جهة الشمال، وقبائل السود السنغاليين من الجنوب، وباتوا مهددين بالفناء من جراء ذلك الحصار. وفى ظل هذه الظروف الحرجة اتحدت القبائل الصنهاجية وهى: جُدالة، ولمتونة، ومَسُّوفَة، وتارجا وجَزُولة، وبنو وارث، وبدأوا العمل والتحرك للتخلص من الحصار الذى يهددهم، تحت زعامة جُدالة، وشيخها يحيى بن عمر بن إبراهيم بن ترغوت الجدالى. وفى عام 427 هـ/ 1036م خرج يحيى بن عمر على رأس جماعة من قومه للحج، وفى طريق عودتهم، توقفوا بمدينة القيروان- فى تونس- لأخذ العلم والرواية من علمائها، والتقوا بشيخ المالكية الفقيه أبى عمران بن عيسى الورفجومى الفاسى (ت 430هـ/1039م)، وطلبوا منه أن يرسل معهم أحد العلماء من تلاميذه، ليفقههم فى الدين، وليرجعوا إليه فى الأحكام، لأنهم منقطعون فى الصحراء، فانتدب لذلك عبد الله بن ياسين الجزولى، فكان معلمهم وفقيههم، غيرأنه كان يتمتع بذكاء وفطنة ونشاط ظاهر فى الدعوة إلى الله، وإلى وحدة الصنهاجيين وقوتهم سبيلا إلى الفكاك من استبداد الزناتيين بهم. ويبدو أن هذا الفقيه الجزولى كان يتسم بالصرامة والتشدد، فاعتزله كثير من الناس، فانحاز إلى جزيرة فى النهر، وأقام فيها مرابطا، والتف حوله جماعة انقادت له وأخلصت له، وفى طليعتهم الأمير يحيى بن عمر، وأخوه أبو بكر بن عمر الجداليان، وتكاثر مع مرور الوقت الراغبون فى هذا الرباط والمعجبون بالشيخ ابن ياسين، حتى بلغ عددهم نحو ألف رجل من فتيان صنهاجة الذين يتقدون حماسة ورغبة فى الجهاد فى سبيل الله، وحينئذ قال لهم شيخهم وإمامهم ابن ياسين: "إن ألفا لن يغلبوا من قلة، فاخرجوا بنا للجهاد والقيام بالحق والدعوة إليه". فخرجوا مجاهدين تحت إمرة يحيى بن عمر، وانتصروا على الزناتيين، فانكسر الحصار الذى ضُرب على صنهاجة فى الشمال، كما انتصروا على السود فى الجنوب، وانفتح بذلك السبيل أمام المرابطين للّتوسع شمالا. وفى عام 445 هـ/1053م أغاروا على أطراف درعة، وقتلوا مسعود بن وانودين وهزموا جيشه واستولوا على درعة وسجلماسة. ولما قُتل يحيى بن عمر اللمتونى فى عام 477 هـ/1055م، خلفه فى قيادة المرابطين أخوه: أبو بكر بن عمر، فمضى مع الشيخ ابن ياسين على المنهج ذاته، ويعينه مخلصا فى هذا الاتجاه ابن عمه يوسف بن تاشُفين اللمتونى. وفى حدود عام 461هـ/1068 - 1069م أتم المرابطون الاستيلاء على إقليم تافيللت، ثم استولوا على وادى نهر تانسيفت، ومن ثم شرعوا فى بناء قاعدة للدولة الجديدة، فشيدت مدينة (مَرَاكُش)، بين سنتى 461 - 465 هـ/1069 - 1074م. وفى هذه الأثناء وقع خلاف بين لمتونة وجدالة فى الصحراء واشتبك الفريقان فى قتال دُعِىَ أبو بكر بن عمر لحسمه، وفض الاشتباك بين الصنهاجيين، فمضى بعد أن أسند إدارة الدولة إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، فاضطلع هذا بقيادة المرابطين على أكمل وجه، وحظى بمكانة رفيعة بينهم، إلى جانب مهارته الحربية التى ظهرت فى ميادين القتال من قبل. فلما رجع أبو بكر من الصحراء، ورأى دولة المرابطين قوية مستقرة، وما يحظى به يوسف من مكانة، وما حازه من توفيق، تنازل- راضيا- عن رياسة الدولة ليوسف، وعاد أبو بكر إلى الصحراء ليواصل الجهاد فيها. حين كانت دولة المرابطين تتقدم بخطى واثقة نحو التوسع والسيطرة والقوة فى بلاد المغرب حتى شمل سلطانهم المغرب الأقصى ومناطق واسعة من المغرب الأوسط، كانت أوضاع بلاد الأندلس- تحت حكم ملوك الطوائف- تمضى من سيئ إلى أسوأ، وكان نصارى أسبانيا لا يكفون عن الإلحاح على استنزاف قواها والاستيلاء علّيها، حتى سقطت طلّيطلة فى أيديهم سنه 478 هـ/1085م، فاتجهت أنظار أهل الأندلس نحو إخوانهم المرابطين لإنقاذهم ونجدتهم، فلم يتردد يوسف بن تاشفين فى النهوض تلّبية لندائهم، وانتصارا للإسلام وأهله. وعبرت جيوش المرابطين المجاز بين المغرب والأندلس تحت قيادة ابن تاشفين، وكانت معركة الزلاقة الشهيرة فى شهر رجب 479 هـ/1086 م، حيث انتصر المسلمون (مرابطون وأندلسيون) واندحرت جموع النصارى بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة، ولُقِّب يوسف بن تاشفين عقب هذا الانتصار الباهر "أمير المسلمين"، ومن ثم عاد إلى المغرب بعد أن ترك فى الأندلس حامية من المرابطين. وفى عبورهم الثانى إلى الأندلس عام 481 هـ/1088م، لم يقع بينهم وبين النصارى قتال. ثم ساءت أحوال بلاد الأندلس، وتجددت الخلافات بين ملوك الطوائف هناك عودا على بدء، وخشى المسلمون عليها من النصارى، فوردت الكتب تترى إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ووصلت إليه الفتاوى من كبار المسلمين، يحثونه على إنقاذ الأندلس من ملوك الطوائف!! وإزاء هذا الوضع الخطير استجاب ابن تاشفين، وعبر إلى الأندلس للمرة الثالثة فى المحرم سنة 483 هـ/089 1 م، وقام بعزل ملوك الطوائف واحدا تلو الآخر، وبدأ عصر جديد فى الأندلس، صارت فيه تلك البلاد جزءا من دولة المرابطين، ويدين أهلها بالسمع والطاعة للأمير يوسف بن تاشفين اللمتونى. وفى عبوره الرابع من المغرب إلى الأندلس تمكن ابن تاشفين من هزيمة ألفونسو السادس ملك قشتالة وجيشه، وكبده خسائر جسيمة فى معركة قرب كنشرة سنة 491هـ/1087م. وقبل عودته إلى المغرب كون جيشا مرابطيا فى الأندلس، ووزع كتائبه على قواعدها المتعددة، ثم جاز إلى مراكش حيث وافاه أجله فى المحرم سنة 500هـ/1106م. وتولى بعده ابنه على بن يوسف بن تاشفين، ولم يكن أقل رغبة فى الجهاد من أبيه، حيث كانت له وقائع مشهودة فى الأندلس، تؤكد أنه سائر على نهج أبيه فى جهاد أعداء الإسلام، والحفاظ على ما بقى من الأندلس بأيديهم، ويذكر له وللمرابطين فى هذا الصدد، أنهم تمكنوا من استرداد الجزائر الشرقية فى البحر الأبيض المتوسط (ميورقة ومنورقة ويابسة) سنة 509 هـ/1116م، وكانت قوات مشتركة من بيزة وجنوة وبرشلونة قد استولت عليها من أيدى المسلمين .. ومما لا ريب فيه أن المرابطين وأمراءهم، قد أعادوا إلى الإسلام قوته وهيبته فى الأندلس، ويسترد مسلمو الأندلس عزتهم وكرامتهم وأمنهم فى ظل تلّك الدولة المجاهدة الباسلة، التى لم يتردد قادتها وجيوشهم فى تلبية نداء إخوانهم المسلمين، طوال عصرهم الذى امتد حتى سنة 541هـ/1147م. حيث انتهت دولتهم، لترثها وتحل محلها فى المغرب والأندلس معا دولة جديدة هى (دولة الموحدين) .. أ. د/ محمد جبر أبو سعدة

_ المراجع 1 - الكامل فى التاريخ، ابن الأثير على بن محمد بن محمد- دار صادر بيروت 1399هـ/1979م. 2 - الصلة- ابن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود، الدار المصرية للتأليف والترجمة. القاهرة 1966م. 3 - التاريخ الأندلسى- الحجى الدكتور عبد الرحمن على، دار الاعتصام. القاهرة 1403هـ/1983م. 4 - أعمال الأعلام (تاريخ المغرب العربى فى العصر الوسيط) ابن الخطيب: لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد بتحقيق أحمد مختار العبادى ومحمد إبراهيم الكتانى. الدار البيضاء- المغرب 964 1م. 5 - ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد: العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر. بيروت 1958 ـ 1959 م. 6 ـ وفيات الأعيان وأبناء الزمان- ابن خلكان: أحمد بن محمد بن أبى بكر، بتحقيق: إحسان عباس. دار صادر بيروت 1398هـ/1978م. 7 - تاريخ المغرب فى العصر الإسلامى- الدكتور السيد عبد العزيز- مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر- الإسكندرية- 8 - البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب- ابن عذارى: أبو عبد الله محمد المراكشى، جمع وتعليق: إحسان عباس- بيروت 1967م. 9 - عصر المرابطين والموحدين فى المغرب والأندلس- عنان محمد عبد الله: القاهرة 1383 - 384 1هـ/ 964 1 م. 10 - قيام دولة المرابطين- محمود الدكتور حسن أحمد- القاهرة 1957 م. 11 - المعجب فى تلخيص أخبار المغرب- المراكشى: عبد الواحد بن على- بتحقيق: محمد سعيد العريان- القاهرة 1383 هـ/1963م. 12 - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى- الناصر السلاوى أحمد بن خالد- بتحقيق ولدى المؤلف جعفر ومحمد- الدار البيضاء 1954م. 13 - معجم البلدان- أبو عبد الله ياقوت الرومى الحموى: بتحقيق فريد عبد العزيز الجندى- دار الكتب العلمية- بيروت 1410هـ/1990م.

22 - المرجئة

22 - المرجئة اصطلاحا: الإرجاء على معنيين: أحدهما بمعنى التأخير كما فى قوله تعالى: {قالوا أرجه وأخاه} (الأعراف 111) أى أمهله وأخره. ثانيهما: إعطاء الرجاء. أما إطلاق اسم المرجئة على الفرقة القائلة بالإرجاء بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن "النية" و "القصد". وأما بالمعنى الثانى فظاهر؛ لأنهم كانوا يقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقالوا بتأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما فى الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار. وينقسم المرجئة إلى: مرجئة الخوارج- مرجئة القدر- مرجئة الجبرية- المرجئة الخالصة. وذكر الإيجى فى المواقف أن المرجئة لقبوا بذلك لأنهم يرجئون العمل عن النية، أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية. وفرق المرجئة خمسة (كما ذكرها الشهرستانى والإيجى) هى: 1 - اليونسية: نسبة إلى يونس النميرى، وقالوا: الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة بالقلب، ولا يضر معها ترك الطاعات، وأن إبليس كان عارفا بالله، وإنما كفر باستكباره. 2 - العبيدية أصحاب عبيد الكذاب، زادوا أن علم الله لم يزل وأنه تعالى على صورة إنسان. 3 - الغسانية: أصحاب غسان الكوفى قالوا: الإيمان: المعرفة بالله ورسوله ? وبما جاء من عندهما إجمالا، وهو يزيد ولا ينقص، وذلك مثل أن يقول قد فرض الله الحج ولا أدرى أين الكعبة، ولعلها بغير مكة، وبعث محمدا ولا أدرى أهو الذى بالمدينة، أم غيره؟ وغسان كان يحكيه عن أبى حنيفة وهو افتراء. 4 - الثوبانية: أصحاب ثوبان المرجئ اتفقوا على أنه تعالى لو عفا عن عاص لعفا عن كل من هو مثله، وكذا لو أخرج واحدا من النار، ولم يجزموا بخروج المؤمنين من النار. 5 - التومنيَّة: أصحاب أبى معاذ التومنى، قالوا: الإيمان هو المعرفة والتصديق والمحبة والإخلاص والإقرار، وترك كله أو بعضه كفر ومن ترك الصلاة مستحلا: كفر، وبنية القضاء لم يكفر. وزاد الشهر ستانى على الإيجى فرقة سادسة وهى: 6 - الصالحية: أصحاب صالح بن عمر الصالحى، وذكر أنهم ينفردون عن المرجئة الخالصة بأشياء منها: أنه يصح فى العقل أن يؤمن بالله ولا يؤمن برسوله، غير أن الرسول ? قد قال من لا يؤمن بى فليس بمؤمن. وزعموا أن الصلاة ليست بعبادة لله تعالى، وأنه لا عبادة له إلا الإيمان به، وهو معرفته، وهو- أى الإيمان- خصلة واحدة، لا يزيد ولا ينقص، وكذلك الكفر خصلة واحدة، لا تزيد ولا تنقص. وقد تعرض ابن تيمية لمذهب المرجئة وأرجع أصول الخطأ عندهم إلى عاملين: الأول: ظنهم أن الإيمان فى مرتبة واحدة فقالوا: إيمان الملائكة والأنبياء وأفسق الناس سواء، بينما الإيمان الذى أوجبه الله يتباين تباينا عظيما، فيجب على الملائكة من الإيمان ما لا يجب على البشر، ويجب على الأنبياء ما لا يجب على غيرهم، وليس المراد هنا أنه يجب عليهم العمل فحسب، بل والتصديق والإقرار أيضا. الثانى: لم يفطن المرجئة إلى تفاصيل الناس فى الإتيان بالأعمال، فليس إيمان من أدى الواجبات كإيمان من أخل ببعضها، وليس إيمان السارق والزانى والشارب كإيمان غيرهم. وقد نسب إلى الإمام أبى حنيفة القول بالإرجاء ولكنه لم يقل بالإرجاء كما قال به المرجئة، وإنما كان يرجئ الحكم، بمعنى تفويض الأمر لله عز وجل. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - الملل والنحل، للشهرستانى، تحقيق: محمد بدران. 2 - المواقف فى علم الكلام، عضد الدين الإيجى، ط عالم الكتب بيروت- د. ت. 3 - الفرقان بين الحق والباطل، لابن تيمية، ص 29 وما بعدها. 4 - الفَرق بين الفِرق، للبغدادى. 5 - مقالات الإسلاميين، للأشعرى. 6 - المدخل إلى دراسة علم الكلام، د/ حسن الشافعى، ط وهبة 1991م 7 - مقدمة إلى علم الكلام، د/ محمد الأنور السنهوتى، ط دار الثقافة 1987م.

23 - المسانيد

23 - المسانيد لغة: جمع مُسْنَد بفتح النون. واصطلاحا: تطلق على معانٍ متعددة، منها: 1 - الحديث المسند: الذى رواه ناقله بإسناده كاملا، فيقال عنه إنه أسند الحديث، أى رواه بإسناده. 2 - المسنِد: بكسر النون اسم فاعل، ويطلق على الراوى الذى يروى الحديث بإسناده، فصار مسندا أى نقل الخبر بإسناده كاملا. 3 - المُسنَد: بفتح النون أيضا، وهو الكتاب الذى يهتم بجمع أحاديث كل صحابى، مجموعة فى مكان واحد، بصرف النظر عن موضوع الحديث، فالوحدة الموضوعية التى تربط بين تلك الأحاديث أنها من رواية ذلك الصحابى. ومن هنا تجد فى المسانيد حديثا فى الصلاة بجوار حديث فى الحج، وتجد حديثا فى الجهاد بجوار حديث فى الأدب مثلا، وهكذا. والرابط بينها أنها من رواية ذلك الصحابى، وهذا المعنى الثالث هو الذى استقر عليه اصطلاح المحدثين عند إطلاق كلمه المسند. وهذه المسانيد لها اعتبارات متعددة فى ترتيب أسماء الصحابة: فمنهم من يرتب ذكر الصحابة على حسب السبق فى الإسلام، فقدم العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر، ثم أهل الحديبية، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من أسلم يوم الفتح، ثم أصاغر الصحابة سنا، ثم النساء. كما فعل الإمام أحمد فى مسنده. ومنهم من رتَّبهم على حروف المعجم، كما فعل الطبرانى فى المعجم الكبير، وهذا الترتيب هو الأسهل عند إرادة البحث فى المسانيد. ومنهم من اقتصر على أحاديث بعض الصحابة، أو واحد منهم فقط، كمسند الأربعة، أو مسند المقلين، أو مسند أبى بكر، ونحو هذا. يقول صاحب الرسالة المستطرفة: "ومنها (أى من كتب السنة) كتب ليست على الأبواب، ولكنها على (المسانيد) جمع مسند، وهى الكتب التى موضعها جعل أحاديث كل صحابى على حدة صحيحا كان أو حسنا أو ضعيفا، مرتبين على حروف الهجاء فى أسماء الصحابة، كما فعله غير واحد، وهو أسهل تناولا، أو على القبائل، أو السابقة فى الإسلام، أو الشرافة النسبية، أو غير ذلك ". وكتب المسانيد لا تهتم عادة بتميز الحديث الصحيح من غيره، بل إن كل جهدها ينصب على جمع أحاديث كل صحابى، صحيحا كان حسنا أو ضعيفا، اعتمادا على أن مرحلة النقد والتمحيص وتمييز الصحيح من غيره تأتى بعد جمع الأحاديث، مخافة أن يتفلت شىء منها، ولا حرج على المسانيد فى ذلك، فهى تروى الأحاديث بإسنادها ومتنها، والباب مفتوح بعد ذلك لكل من يريد أن يقوم بالدراسة والتمحيص، وتمييز الصحيح من غيره. ومن هذه المسانيد مسند الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- والمتوفى سنه 241 هـ، وهو أعلى تلك المسانيد شأنا، وأرفعها قدرا، وهو المراد عند الإطلاق، فإذا قيل إن هذا الحديث فى المسند، فإنه ينصرف إلى مسند الإمام أحمد. وإذا أريد غيره، فلابد من التقييد بأن يقال مسند فلان. ومسند الإمام أحمد يعتبر من أعظم دواوين السنة، ففيه ما يزيد على ثلاثين ألف حديث يقينا؛ وقد يقترب من أربعين ألف حديث، والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة جدا، تزيد على الثمانين بالمائة، وقد طبع أول مرة فى مصر سنة 1313 هـ الموافق 1896 م، ثم طبع بعد ذلك عدة طبعات فى بيروت. وهناك دراسات كثيرة قامت حول هذا المسند العظيم، فمنهم من رتبه على الكتب والأبواب الفقهية، كما فعل الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا فى كتاب أسماه "الفتح الربانى ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى" وقد طبعته دار الشهاب بالقاهرة فى اثنين وعشرين مجلدا. ومنهم من اهتم بدراسة أحاديثه، وبيان درجتها، كما فعل العلامة الشيخ أحمد شاكر، ولكنه لم يتمه، وهناك مسانيد أخرى كثيرة منها: مسند أبى داود الطيالسى المتوفى سنه 204هـ وهو من أقدم المسانيد، ومسند أبى بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (البزار) المتوفى سنه 292هـ. وغير ذلك كثير، وقد أحصى صاحب الرسالة المستطرفة اثنين وثمانين مسندا. أ. د/ مروان محمد مصطفى

_ المراجع 1 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للإمام محمد بن جعفر الكتانى، ط مكتبة الكليات الأزهرية. 2 - أعلام المحدثين، للدكتور/ محمد محمد أبو زهرة، ط دار الكتاب العريى. 3 - الباعث الحثيث شرح علوم الحديث، للشيخ/ أحمد شاكر، ط دار التراث، الطبعة الثالثة 1399 هـ- 1979 م. 4 - تدريب الراوى، للسيوطى، تحقيق: د/عبد الوهاب عبد اللطيف، ط دار الكتب الحديثة، الطبعة الثانية 1385 هـ- 1966م

24 - المساواة

24 - المساواة لغة: أن يكون اللفظ المعبِّر عن المعنى المراد مساويا له لا ينقص ولا يزيد. ساواه: ماثله وعادله. و (ساوى) هذا بذاك: رفعه حتى بلغ قدره ومبلغه. و (ساوى) بينهما: جعلهما يتماثلان ويتعادلان. واصطلاحا: أن يتساوى الناس جميعا فى الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تمييز بسبب جنس أو طبقه أو مذهب أو عصبية أو حسب أو نسب أو مال ... إلخ. إن وجود مبدأ المساواة فى الأنظمة المعاصرة وإقراره كركيزة للمجتمع، هو تعبير عن تطور عميق فى بنية المجتمع الإنسانى، مرَّ فيه المبدأ بسلسلة من النضال عبر تاريخ طويل، حالت دون تحقيقه قوى فكرية، وأخرى سلطوية حماية لمصالح خاصة، وتكريسا للاستعباد والظلم. فالمتتبع لنشأة مبدأ المساواة خلال المراحل المتعاقبة التى مرت بها الإنسانية منذ بداياتها الأولى فى العصور السحيقة، وحتى عهد قريب، يجد أن الظلم والاستعباد والاستعلاء هو السمة السائدة فى مسيرة الجماعة الإنسانية، وما قصة المظالم والمآسى التى سجلها التاريخ الطويل إلا شاهد على هذه الحقيقة .. فصراع الإنسان الأول منذ هبوطه على الأرض. وإيقاعه الظلم بأخيه إلى حد قتله والفوز بمتعة الحياة. كما حدث من قتل قابيل لأخيه هابيل ابنى آدم- عليه السلام-. لقد كانت هذه الجريمة بمثابة انتهاك لقاعدة وضعت لتنظيم العلاقات الاجتماعية والأسرية وفق قاعدة مجردة تطبق على الجميع وتسوى فيما بين الأفراد. واستمرت شريعة الغاب على هذا النهج الذى يقوم على التغالب، وفرض إرادة القوى على الضعيف، واستعباد الحاكم للمحكوم، وتسخير الفقير للغنى. وكان من الطبيعى فى ظل هذا المناخ أن ينزوى مبدأ المساواة. ولقد كان لأرسطو مقولة تشير إلى أن تقسيم المجتمع إلى طبقة سادة وطبقة عبيد، هى قسمة أصلتها الطبيعة البشرية التي تجعل الناس غير متساوين. وأن مصلحة الجماعة تقتضى ذلك، ومن ثم فإن العبودية أمر حتمى لا فكاك منه ولا مهرب!. ولم يكن هذا رأى أرسطو وحده، بل شاركه فى ذلك مفكرون آخرون فى عصور متتابعة، مثل: منتسكيو ولونج الذى وصف الزنوج بقوله: " يمكننا التأكيد بأنهم غير خليقين أساسا بالحضارة، فهم أقل من جميع الأجناس البشرية المكتشفة حتى يومنا هذا قدرة على التفكير والتصرف! " إن هذا المنحى الفكرى لهذه النخبة من رواد الحضارة الحديثة، ينم عن اتجاه خطير لأنه يقوض مبدأ المساواة، ويهدر الكرامة الإنسانية. وفى عام 1789م قامت الثورة الفرنسية، وكانت نقطة تحول فى التاريخ الأوروبى، فقد أرست مبادئ الحرية والإخاء والمساواة. ففى الإسلام تعد المساواة إحدى قيم التشريع الرفيعة التى تنطلق من حقيقة هى أن جوهر مادة الخلق للبشر واحدة. ومن ثم فإن الأصل الإنسانى واحد، وهو الأصل الذى يجب كل خلاف ويضبط كل تنظيم للعلاقات بين طبقات المجتمع، وتعد بذلك قيمة دينية وحضارية حيث يجسد الإسلام الفطرة الإنسانية والكرامة البشرية. هذا التكامل بين الإسلام والإنسانية حول معنى المساواة يعبر عنه القرآن الكريم: فى قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} (الروم30) كما ضمن الإسلام للإنسان- باعتبار إنسانيته التى يتساوى بها مع غيره من سائر الخلق- حاجاته الأساسية بغض النظر عن الاختلافات والفروق التى توجد فى دنيا الناس، وذلك بقوله تعالى: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} (طه 118 - 119). وكان من الطبيعى فى ظل المساواة الإسلامية أن يكون الرباط الجامع بين أفراد المجتمع الإسلامى هو الأخوة الإنسانية وأنهم ينتمون إلى أب واحد وأم واحدة. يقول سبحانه وتعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب} إبراهيم 52) وها هو الرسول ? فى بيانه الأخير الذى ألقاه فى حجة الوداع " أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى، ولا أحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ". وتبلغ المساواة قمتها عندما نسمع قولا للرسول الكريم فى موقف يتعرض فيه لحد من حدود الله؛ بقول المصطفى ? عندما أتى أسامة بن زيد يشفع فى امرأة شريفة من قريش سرقت .. قال- عليه الصلاة والسلام- فى غضب: " أتشفع يا أسامة فى حد من حدود الله "؟ ثم خطب الناس، فقال " أيها الناس. إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها" وتظل النصوص الإسلامية تواصل خطابها إلى البشرية على أساس من هذه الأخوة الإنسانية التى تجمع ولا تفرق، تصلح ولا تفسد، تتعاون ولا تنعزل، وهو الخطاب الذى جاء به الرسول ? فى قوله: " اللهم أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، وأن العباد كلهم أخوة " (رواه أحمد فى سنده). إن من يتصفح الإسلام عقيدة وشريعة سيجد المصداقية التى تؤصل قناعته فى هذا الصدد: أصل العقيدة الإسلامية هو التوحيد، فوحدانية الله تعالى هى القطب الذى ينبنى عليه أصول الإيمان الأخرى، فهى جوهر الإيمان بالله وبالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وموقف المسلمين قاطع حوله. قال تعالى {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (آل عمران 18)، وهنا يتبين التلازم بين وحدانية الله تعالى التى شهد بها الحق ذاته، والملائكة والعلماء، والعدل الذى يحمل لواءه الله تعالى، فأحرى بخلقه أن يقروا له بالوحدانية، وأن يتناصفوا فيما بينهم، وركيزة التناصف المساواة. والعبادات بأنواعها، من صلاة وزكاة وحج، تعتمد على التسوية بين المكلفين بها، فالمصلون يمتثلون لنداء الله، ويصطفُّون جميعا فى صف واحد بين يدى الله تعالى، فتتوحد نفوسهم وتتحاذى مناكبهم، لا فرق بين غنى وفقير، وقوى وضعيف، وحاكم ومحكوم. وهى اجتماع يومى، يتوحد فيه الصف الإسلامى فى كل مسجد وزاوية أو أى أرض طهور أمام الخالق. وفى الزكاة تتضح الحكمة منها، فهى تزكية للمال، وإحساس بحرمان الفقير والمسكين، ووسيلة عملية لإذابة الفوارق بين الطبقات. وفى الحج، نجد الإحرام تجسيدا حيا لعبودية الخالق، والمساواة فيما بين الخلق، فإن كل إنسان يخلع لباسه الذى يميزه عن غيره، ففى ذلك توحيد للمظهر بين الجميع ... العالم والجاهل، والحاكم والسوقة، وصاروا يتزاحمون فيما بينهم بالمناكب. وقد رفض الرسول ?، أن يتبع عادة قريش فى أداء المناسك، حيث كانت تميز نفسها خاصة عن سائر العرب، وكان هذا الرفض امتثالا لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} (البقرة 199). فى الجانب الجنائى: والذى يتعلق بتحقيق المساواة فى الواقع، حيث أثمن ما يحرص عليه الشرع والناس، وهو حفظ الحياة. وقد ألزم الشارع القصاص على القاتل والجارح، حماية لحق الحياة، وردعا لمن تسول له نفسه ارتكاب الجريمة. كذلك، فالقصاص يتمثل فى أن النفس بالنفس والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن. والمساواة فى القصاص تجرى بين الشريف والوضيع والحاكم والرعية، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، والمسلم والذمى. والدليل عليه عموم نص القتل من غير تمييز بين شخص وآخر. وفيما يتعلق بالدية، فإن المبلغ أو المال الواجب فيها واحد، فدية الشريف كدية الوضيع ولا عبرة بمراكزهم الاجتماعية. كما أن المساواة تنسحب أيضا أمام القضاء، نذكر قوله سبحانه وتعالى فى كتابه {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (النساء 58)، فالعدل- إذن- هو شريعة الحكم بين الناس، وسيفه مسلط على رقاب المعتدين المغتصبين للحقوق. لا فرق فى ذلك بين أن يكون حق الله تعالى أو الفرد أو الجماعة فالكل مشمول بالحماية، واجب الأداء لمستحقه بدون مجاملة أو خوف. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - قصة الحضارة، ول ديورنت 3/ 112، 113. 2 - فى النظام السياسى للدولة الإسلامية، د. محمد سليم العوا، دار الشروق. 3 - الأحكام السلطانية، الماوردى، مكتبة الحلبى. 4 - قيم وتقاليد السلطة القضائية، د. أحمد رفعت خفاجى، ص 70، 71. 5 - من قيم التشريع الإسلامى د. محمد الشحات الجندى، 1416 هـ/ 1995 م. 6 - شرح صحيح مسلم، النووى جـ 11.

25 - المستأمن

25 - المستأمن لغة: الأمن ضد الخوف وهو: عدم توقع مكروه فى الزمان الآتى، ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللغوى (1). والأمان ضد الخوف، يقال آمنت الأسير: أعطيته الأمان فأمن، فهو كالآمن. وأما شرعا: فله معنى يختلف عن الأمن إذ هو عندهم: عقد يفيد ترك القتال مع الكفار فردا أو جماعة مؤقتا أو مؤبدا (2). الأمان قسمان، الأول: أمان يعقده الإمام أو نائبه، وهو نوعان: مؤقت، وهو ما يسمى بالهدنة وبالمعاهدة وبالموادعة، وهو عقد على ترك القتال مدة معلومة. والنوع الثانى: الأمان المؤبد، وهو ما يسمى عقد الذمة، وهو إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الإسلام والأصل فيه قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (التوبة 29). المراد بالمستأمن عند الفقهاء: من دخل دار الإسلام علّى أمان مؤقت من قبل الإمام أو أحد المسلمين، والفرق بين المستأمنين وبين أهل الذمة، أن الأمان لأهل الذمة مؤبد، وللمستأمنين مؤقت (3). والأصل أن غير المسلم الذى لم يحصل على الذمة لا يمكن من الإقامة الدائمة فى دار الإسلام، وإنما يمكن من الإقامة اليسيرة بالأمان المؤقت ويسمى صاحب الأمان (المستأمن). وجمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أن مدة الإقامة فى دار الإسلام للمستأمن لا تبلغ سنة، فإذا أقام فيها سنة كاملة أو أكثر تفرض عليه الجزية ويصير بعدها ذميا، فطول إقامة غير المسلمين قرينة على رضاهم بالإقامة الدائمة وقبولهم شروط أهل الذمة. وإذ لم يضرب له مدة قال أكثر الحنفية يصير ذميا بإقامته سنة فإن أقام المستأمن فأطال المقام أمر بالخروج فإن أقام بعد ذلك حولا وضعت عليه الجزية، واعتبار السنة من تاريخ إنذار الإمام له بالخروج فلو أقام سنين من غير أن يتقدم إليه الإمام بالخروج فله الرجوع إلى دار الحرب ولا يصير ذميا (4). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - لسان العرب 1/ 140، المصباح المنير 1/ 24، المجموع شرح المهذب 7/ 80، بدائع الصنائع 1/ 47. 2 - بدائع الصنائع 7/ 105، 107، 109، 111، منح الجليل 1/ 756، 765، 766، المهذب للشيرازى 2. 254، 260، 262، نهاية المحتاج 8/ 100، 102، المغنى لابن قدامة 13/ 79 وما بعدها. 3 - بدائع الصنائع 7/ 6 0 1، حاشية ابن عابدين3/ 48 2، الشرح الصغير2/ 283، حاشية القليوبى على شرح المحلى 4/ 225، المغنى لابن قدامة 13/ 79 وما بعدها. 4 - بدائع الصنائع 7/ 110، الأحكام السلطانية للماوردى 146، الأحكام السلطانية لأبى يعلى 5 4 1، فتح القدير على الهداية 5/ 272 الخراج لأبى يوسف ص 189.

26 - المستدركات

26 - المستدركات لغة: الاستدراك والإدراك: بمعنى اللحاق، واستدرك الشىء بالشىء أى حاول إدراكه به، بمعنى أن الذى يستدرك على ما سبق إنما يحاول أن يلحق عمله بالعمل السابق ليتمه، وليكمله. واصطلاحا: هو "جمع الأحاديث التى على شرط أحد المصنفين ولم يخرجها فى كتابه" (1). مما سبق يتضح أن صاحب المستدرك يعمد إلى كتاب من كتب الأحاديث التى جمعت الأحاديث على شروط معينة، فيلحق بالكتاب جملة من الأحاديث رأى أنها تتوافر فيها شروط صاحب الكتاب، لكنه لم يذكرها، فيلحقها المستدرك بالكتاب الأصلى. وذلك كما فعل أبو عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405 هـ فى كتابه "المستدرك على الصحيحين "حيث جمع فيه جملة من الأحاديث مما لم يذكرها صاحبا الصحيح، ورأى الحاكم أن هذه الأحاديث على شرطهما معا، أو على شرط أحدهما. ومن المعلوم أن ذلك خاضع لاجتهاد صاحب المستدرك فى مدى انطباق الشروط على الأحاديث التى يستدركها على كتاب معين، وقد يصيب فى اجتهاده هذا، وقد يخطئ، وفى النهاية فإنه جهد مشكور يحمد صاحبه عليه. وخير مثال للمستدركات مستدرك الحاكم الذى أشرنا إليه سابقا، وهو كتاب مشهور متداول، حيث يقول صاحبه فى مقدمته: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان- رضى الله عنهما- أو أحدهما " مقدمة المستدرك. واستدرك الحافظ الكبير أبو الحسن على بن عمر الدارقطنى المتوفى سنة 385 هـ على الصحيحين فى كتابه (الإلزامات) وقد جمع فيه أحاديث وجد أنها على شروطهما، وليست موجودة فى كتابيهما، وقد رتبه على المسانيد، وقد حقق وطبع فى رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهناك مستخرجات أخرى غير ما ذكرنا. ومما ينبغى التنبيه إليه أنه ليس شرطا أن يكون صاحب المستدرك مصيبا فى كل ما ذهب إليه من استدراكات على الكتاب الذى يستدرك عليه، وإنما هذا ما أدى إليه اجتهاده وكل مجتهد يخطئ ويصيب كما هو معلوم. هذا وللمستدركات فوائد كثيرة منها: الإشارة إلى أحاديث صحيحة قد لا تكون موجودة عند صاحبى الصحيتين، أو غيرهما ممن التزموا بالصحة فى إخراج أحاديثهم، غير أنهم لم يقصدوا جمع كل الأحاديث الصحيحة، فتأتى المستدركات لتذكر طائفة كثيرة من الأحاديث الصحيحة، وتلك فائدة عظيمة، لأن هذه الأحاديث تكون مشتملة على عقائد وأحكام شرعية، وأخلاقية وتشريعات، ونحو ذلك بما ينبغى علّى المسلمين العمل به. ومن هذه الفوائد الوقوف على جملة من الأسانيد النظيفة، التى يحتج بمثلها العلماء ويعملون بالأحاديث التى يروونها إذا سلمت مروياتهم مما قد ينقد على المتن. وقد حظيت كتب المستدركات باهتمام العلماء فعملوا على دراستها، وبيان درجة أحاديثها كما فعل الحافظ الذهبى المتوفى سنة 748 هـ فى كتابه " تلخيص المستدرك " حيث درس مستدرك الحاكم مبينا درجة أحاديثه، وهو مطبوع مع المستدرك فى طبعة واحدة. أ. د/ مروان محمد مصطفى 1 - الحديث والمحدثون، الشيخ محمد محمد أبو زهرة ص 407.

_ المراجع 1 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للإمام محمد بن جعفر الكتانى، ط مكتبة الكليات الأزهرية. 2 - الإلزامات والتتبع، للدارقطنى، تحقيق: مقبل بن هادى بن مقبل، ط السلفية. 3 - مستدرك الحاكم، ط دار الكتب العلمية. 4 - الحديث والمحدثون، للشيخ/ أبو زهرة، ط دار الكتاب العربى 1404 هـ- 1984 م 5 - تدريب الراوى، للسيوطى، تحقيق: د/ عبد الوهاب عبد اللطيف، ط دار الكتب الحديثة الطبعة الثانية 1285هـ- 1966م.

27 - المستعلية

27 - المستعليَّة هم فرقة من فرق الإسماعيلية أنصار المستعلى أبى القاسم أحمد (487هـ) الذى اغتصب الحكم من أخيه نزار بن الحاكم بأمر الله، وقد أكرهه على التخلى عن الإمامة ثم سجنه حتى مات، وقيل إنه قتل غيلة (أى نزار) مع أبيه فى السجن، بناء على أمر المستعلى نفسه. وبعد سقوط الدولة الفاطمية فى مصر على يد صلاح الدين عام 1171م انتقلت فرقة المستعلية إلى اليمن واستمرت طيلة خمسة قرون، ثم لاقت نجاحا فى الهند، فنقلت مركز الدعوة إلى (كوجارت) فى القرن التاسع الميلادى، ثم حصل انشقاق فى الطائفة المستعلية بعد وفاة الداعى السادس والعشرين "قطب شاه " (999هـ) فى مدينه أحمد آباد، فتبعت الأكثرية ابنه "داود بن قطب شاه" الذى اعتبر الداعى السابع والعشرين وسموا بالداودية، فى حين تبع الفرع اليمانى الداعى سليمان بن الحسن فعرفوا بالسليمانية، ويعتبر غلام حسن الداعى السادس والأربعين اليوم فى سلسلة السليمانية، فى حين يعتبر محمد طاهر بن محمد داعى الفرع الداودى اليوم، ويعيش فى بومباى بالهند وهو الداعى الحادى والخمسون (1). ومن أتباع المستعلية اليوم ما يسمون بالبهرة، وهم بهرة داودية بالهند، وسليمانية باليمن، ويسمون الطيبية نسبة إلى الطيب ابن الخليفة المستعلى. بعض معتقداتهم: 1 - يحترمون القرآن ظاهرا مع تأويله تأويلا باطنيا ليستخرجوا منه معانى ما أنزل الله بها من سلطان. 2 - لهم كتاب يقدسونه ويعتبرونه قرآنهم وهو كتاب "النصيحة" لمؤلفة الداعى الحادى والخمسين طاهر سيف الدولة، ويتوجهون فى قبلتهم للصلاة إلى قبره فى مدينة بومباى، ولا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة. 3 - تجب عليهم الصلاة فى العشرة أيام الأولى من شهر المحرم، وفى غيرها لا تجب عليهم الصلاة، ولا يصلون إلا فى أماكن خاصة بهم تسمى الجامع خانة، ويرون أن صلاتهم تلك للإمام الإسماعيلى المستور من نسل الطيب بن الآمر (2). وإذا لم يذهب الشخص منهم إلى الجامع خانة فى العشرة أيام الأول من المحرم يطرد من الطائفة، ويفرض عليه الحرمان. 4 ـ يذهبون إلى الحج بمكة كبقية المسلمين ظاهريا، ويقولون إن الكعبة هى رمز على الإمام (3). (هيئة التحرير) 1 ـ جذور الفكر الإسلامى فى الفرق الإسلامية بين التطرف والإرهاب ـ حسن صادق- الهيئة العامة للكتاب ص 80. 2 ـ مجلة المجتمع الكويتية، عدد 417 سنة 1398 هـ. 3 ـ إسلام بلا مذاهب، د / مصطفى الشكعة، ط الدار المصرية اللبنانية، سنة 1992م ص 239 وما بعدها.

_ المراجع 1 ـ أصول الإسماعيلية: برنارد لويس ـ ترجمة: حكت تحلوق ـ نشر دار الحداثة، بيروت ط أولى 1980 م. 2 ـ طائفة الإسماعيلية: تاريخها ـ نظمها ـ عقائدها دار النهضة المصرية ط أولى. 3 ـ الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد ـ خالد محمد على الحاج ـ ط قطر 1982 م. 4 ـ الحركات الباطنية فى العالم الإسلامى عقائدها وحكم الإسلام فيها، د/ محمد أحمد الخطيب ـ نشر مكتبة الأقصى ـ عمان- الأردن سنة 1984م.

28 - المسجد (الجامع)

28 - المسجد (الجامع) المسجد مبنى أسس خصيصا لتقام فيه الصلاة، وورد اللفظ بهذه الدلالة فى القرآن الكريم: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} التوبة:108، ويقال له أيضا الجامع، واختص الأزهر بذلك فقيل: الجامع الأزهر. وعمارة المسجد من أفضل القربات إلى الله، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة) (1). ولم تقتصر وظيفة المسجد فى أول الأمر على الصلاة بل كان المسجد أيضا مركز الحكم والإدارة والدعوة والتشاور، كما كان محل القضاء والإفتاء والعلم والإعلام، وغير ذلك من أمور الدين والدولة، ومن ثم علت منزلة المسجد عند المسلمين. وظهرت هذه المهام فى المسجد النبوى الشريف فى المدينة المنورة الذى خطط بحيث يناسب تصميمه إقامة شعائر الصلاة بصفة خاصة، ومن ثم صار تصميمه أساسا لتصميم المساجد الجامعة التى كانت تقام فيها صلاة الجمعة بالإضافة إلى الصلوات الخمس ولا سيما فى القرون الأربعة الأولى بعد الهجرة، كما صار أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد فى العصور والأقطار الإسلامية المختلفة. ويتألف هذا الطراز بصفة عامة من فناء أو صحن مكشوف ذى تخطيط مربع أو مستطيل تحيط به فى جوانبه الأربعة ظلات اصطلح على تسميتها أحيانا بالأروقة، وأكبرها رواق القبلة، وتقوم الأروقة على أعمدة أو دعائم قد تعلوها عقود، ومن أشهر المساجد التى بنيت حسب هذا الطراز: جامع القيروان، والمسجد الجامع بقرطبة، ومسجد القرويين بفاس والمسجد الجامع بسامراء، ومسجد ابن طولون بالقاهرة. ثم ظهر طراز ثان لبناء المساجد ربما تطور عن تصميم المدرسة، وهو يشتمل على صحن أوفناء مربع قد يكون مكشوفا أومسقوفا تحيط به أربعة إيوانات فى شكل متعامد أكبرها إيوان القبلة، وسقف الإيوان عادة على شكل قبوة ترتكز على جدران الإيوان. ونشأ هدا الطرازفى إيران، ومن المحتمل أنه تطور عن الطراز الأول الذى كانت المساجد المبكرة فى إيران تشيد على نمطه كما يتضح فى مسجد دمغان الذى يرجع إلى القرن الثانى بعد الهجرة (حوالى منتصف القرن الثامن الميلادى) وكذلك فى جامع نايين الذى شيد فى القرن الرابع الهجرى (10م) ثم تطور هذا الطراز فى إيران، وذلك بتزويد رواق القبلة بقبة، وظهر ذلك فى جامع أصفهان. ومن أمثلة المساجد ذات الإيوانات الأربعة فى مصر مسجد آل مالك الجوكندار بالقاهرة (719هـ/1319م)، ومسجد جانى بك الأشرفى بالمغربلين بالقاهرة (830هـ/1426م)، ومسجد القاضى يحيى زين العابدين بشارع الأزهر (848هـ/1444م)، ومسجد قجماس الإسحاقى بالدرب الأحمر بالقاهرة (885هـ/1480م). وفى العصر العثمانى ظهر طراز جديد لعمارة المساجد مشتق من تصميم أيا صوفيا باستانبول، ومتأثر فى الوقت نفسه بطراز المساجد السلجوقية فى آسيا الصغرى، وفى هذا الطراز كان المسجد يسقف بقبة كبيرة تحف بها قباب صغيرة أو أنصاف قباب، ويقام فى كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة ممشوقة عالية مسننة القمة، ويتقدمه صحن فسيح مستطيل ربما تحف به أروقة ذات بلاطة واحدة. وانتشر هذا الطراز فى مختلف أنحاء الدولة العثمانية، ومن نماذجه: جامع بايزيد، وجامع سليمان، والسلطان أحمد فى إستانبول، ومسجد الملكة صفية ومسجد أبى الذهب، ومسجد محمد على بالقاهرة. ويزود المسجد عادة بمئذنة أو أكثر، ومن أهم أثاثاته منبر على يمين المحراب الذى يعين اتجاه القبلة، ودكة المبلغ فى رواق القبلة، وميضأة فى وسط الصحن عادة، وقد يلحق بالمسجد ضريح أو منشآت أخرى، واشتملت بعض المساجد الجامعة التى كان يدرس بها على أروقة لإقامة الطلاب الغرباء مثل الجامع الأزهر. أ. د/حسن الباشا

_ الهامش: 1 - صحيح البخارى صلاة65. مراجع الاستزادة: 1 - مساجد القاهرة ومدارسها أحمد فكرى. 2 - العمارة العربيةفريد شافعى. 3 - فنون الترك وعمائرهم ترجمة أحمد عيسى. 4 - المساجد الأثرية حسن عبد الوهاب

29 - المسح على الخفين

29 - المسح على الخفين لغة: مصدر مسح، ومعناه: إمرار اليد على الشىء بسطا (1) واصطلاحا: إصابة البلة لخفٍّ مخصوص فى محل مخصوص وزمن مخصوص (2) ثبتت مشروعية المسح على الخفين بالسنة النبوية المطهرة ومنها: ما رواه علىّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - " لو كان الدين بالرأى لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله ? يمسح على ظاهر خفيه " (3). وقد روى مشروعية المسح على الخفين أكثر من ثمانين من الصحابة رضوان الله عليهم. والأصل فى المسح على الخفين الجواز والغسل أفضل عند جمهور الفقهاء وهو رخصة من الشارع، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب نواهيه، وعند الحنابلة الأفضل المسح على الخفين أخذا بالرخصة، ولأن كلا من الغسل والمسح أمر مشروع (4). والحكمة من المسح على الخفين التيسير والتخفيف عن المكلفين الذين يشق عليهم نزع الخف وغسل الرجلّين خاصة فى أوقات الشتاء والبرد الشديد وفى السفر وما يصاحبه من الاستعجال ومواصلة السفر. وقد اختلف الفقهاء فى توقيت مدة المسح على رأيين: الرأى الأول: يرى جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة توقيت مدة المسح على الخفين بيوم وليلة فى الحضر وثلاثة أيام ولياليها للمسافر واستدلوا بما رواه على بن أبى طالب - رضي الله عنه - قال: "جعل رسول الله ? ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم " (5) الرأى الثانى: وبه قال المالكية: أنه يجوز المسح على الخفين فى الحضر والسفر من غير توقيت بزمان فلا ينزعهما إلا لموجب الغسل، ويندب للمكلف نزعهما فى كل أسبوع مرة يوم الجمعة فإذا نزعهما لسبب أو لغيره وجب غسل الرجلين (6). واستدلوا بما رواه أبى بن عمارة قال: قلت يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قلت يوما. قال: يوما، قلت: يومين؟ قال يومين: قلت: وثلاثة؟ قال: وما شئت " قال أبو داود: وقد اختلف فى إسناده وليس هو بالقوى (7). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - القاموس المحيط 4/ 239، التعريفات، للجرجانى ص 188. 2 - حاشية ابن عابدين 1/ 174. 3 - أخرجه أبو داود فى كتاب الطهارة "باب كيفية المسح " سنن أبى داود 1/ 41. 4 - مغنى المحتاج 1/ 63، كشاف القناع 1/ 110، الفواكه الدوانى 1/ 187 وما بعدها، فتح القدير 1/ 126 وما بعدها. 5 - أخرجه مسلم فى كتاب الطهارة، باب "التوقيت فى المسح على الخفين"، صحيح مسلم بشرح النووى3/ 5 17. 6 - الشرح الصغير 1/ 152 وما بعدها. 7 - أخرجه أبو داود فى كتاب الطهارة، باب "التوقيت فى المسح"، سنن أبى داود 1/ 39 وما بعدها، وأخرجه الدارقطنى في سننه 1/ 98 وقال هذا إسناد لا يثبت، وضعفه ابن حجر فى التلخيص الحبير 1/ 162.

30 - المسلمات

30 - المسَلَّمات المسَلَّمات هى نقطة البداية فى البحث، أو فى البرهان، أو فى المناقشة، وهى قضية ليست بديهية بذاتها، ولا نستطيع البرهنة عليها وإنما تتطلب من الناس التسليم بها جدلا، أو علّى الأقل بقصد الاستمرار فى المناقشة، فالمسلمة تفترض كأساس لمناقشة معقولة، ولكنها لا تحتاج إلى برهان شكلى لأنها محتملة الحدوث. والمسلمة توهم فرضى أو فرض بدائى، وتستخدم المسلمة فى الأغراض العلمية كرأى يطرح مبدئيا لتوجيه التقصى فى ميدان معين. والمسلمات قضايا تسلم من الخصم ويبنى عليها لدفعه سواء كانت مسلمة بين الخصمين، أو بين أهل العلم .. كتسلّيم الفقهاء مسائل أصول الفقه. وقد تكون المسلمات عبارة عما أخذ من القضايا على أنه مبرهن فى نفسه، فإن كان ذلك مع طمأنينة النفس سميت أصولا موضوعة، وإلا فمصادرات. والمسلمات إما عامة؛ سواء كان التسليم بها من الجمهور عندما تكون من المشهورات، أو كان التسليم بها من طائفة خاصة كأهل دين أو ملة أو علم معين. وإما خاصة؛ إذا كان التسليم بها من شخص معين وهو طرفك الآخر فى مقام الجدل. ويقسم ابن سينا المسلمات إلى قسمين: معتقدات، ومأخوذات، وتشتمل المعتقدات على ثلاثة أصناف: الواجب قبولها، والمشهورات والوهميات. أما المأخوذات فهى صنفان: مقبولات وتقريرات. وعلى ذلك تكون المسلّمة جنسا لعدة أصناف من القضايا، وهى تشمل الافتراضات والأوليات والبديهيات والمصادرات وغيرها. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - التعريفات- الجرجانى: تحقيق إبراهيم الإبيارى، دار الكتاب العربى، بيروت، سنة 985 1م. 2 - المبين فى شرح معانى الفاظ الحكماء والمتكلمين- الآمدى، تحقيق د. حسن الشافعى القاهرة سنة 1403هـ /1983م. 3 - المعجم الفلسفى- جميل صليبا، دار الكتاب اللبنانى بيروت سنة 1982م. 4 - المعجم الفلسفى د. عبد المنعم الحفنى الدار الشرقية، القاهرة سنة 1990م. 5 - موسوعة لا لاند الفلسفية- منشورات عويدات بيروت سنة 1996 م. 6 - المعجم الفلسفى- د. مراد وهبة وآخرون، الدار الثقافية الجديدة القاهرة سنة 1971م.

31 - المشاءون

31 - المشاءون اتجاه فلسفى سار أصحابه على فلسفة أرسطو (348 ق. م- 322 ق. م)، وعرفوا باسم المشائيين، وكان له ملامح محددة أصبحت فيما بعد ركيزة عدة تطورات فلسفية. والمشاء، كثير المشى، والمشائى هو الأرسطى، سمى مشائيا لأن أرسطو كان يعلم تلاميذه ماشيا، والمشائى رمز إلى الممشى أو الرواق الذى كان يلقى أرسطو فيه محاضراته، أو رمز إلى طريقته فى التدريس، وهو يطوف فى الرواق وقد أحاط به تلاميذه. وأصبحت المشائية بعد ذلك اصطلاحا للفكر الأرسطى ومن شايعه فى التفلسف، سواء من تلقى علّيه علوم الفلّسفة بالمباشرة، أو من تتلمذ علّى كتبه إما بالدراسة فقط أو بالدراسة والشرح والتعليق. وللمشائية صور متعددة بقدر فهم الشعوب. وبقدر استيعاب الأفراد، فأرسطو عند الرومان غيره عند العرب. ففى الحضارة العربية نرى أرسطو بصورة تختلف عنها فى الحضارة الغربية. وقد انتقلت فلّسفة أرسطو عبر مدرسة الاسكندرية إلى مدارس إنطاكية والرَّها ونصيبين وحران، وسواها من مراكز التعليم التى شغلت بصورة خاصة بترجمة منطق أرسطو من اليونانية والتعليق عليها كجزء من الدراسات اللاهوتية. وقد سميت هذه المرحلة باسم المرحلة السريانية فى تطور المشائية وكانت تمهيدا للمرحلة العربية الإسلامية التى تجاوزت إطار الدراسات المنطقية الضيق لتناول فلّسفة أرسطو إلى الاهتمام ببقية فروعها الطبيعية والإلهية، والفلّكية، ومثل أرسطو عند العرب الاتجاه العقلى وظهر بدرجات متفاوتة عند فلاسفته. ولم يحصر فلاسفة العرب فكرهم داخل الإطار الأرسطى فقط، بل أضافوا إليه بعض العناصر من أفلاطون وأفلوطين، وقاموا بالتوفيق والمزج بين عدة آراء وإفرازها فى مركب واحد يحمل ملامح التفكير اليونانى والروح الإسلامية. وحاولت المشائية الإسلامية إيجاد صيغة مشتركة بين الدين والفلسفة وإن لم تتعادل فى النظر إلى الطرفين، بل كانت رؤيتها إلى الفلسفة أميل، ولجأت إلى التأويل لترسيخ ملامح التوفيق، وكان منطلقها فى ذلك أن النص الدينى يخاطب بظاهره جمهور الناس. أما الخاصة فينبغى أن يكون لهم تصوراتهم الخاصة مع الإيمان بأن فى النص ثنائية. وأول علم من أعلام المشائية العربية هو أبو إسحاق الكندى (ت 866 م) الذى جمع بين الدين والفلسفة وألف فى جميع أبواب الفلسفة والعلوم. جاء بعده الفارابى (ت 950 م) إمام مناطقة عصره، وأول شارح من شراح أرسطو الكبار فى العربية، أطلق عليه لقب المعلم الثانى خلفا لأرسطو المعلم الأول، وجاء بعده ابن سينا لتكتمل به سلسلة فلاسفة الإسلام فى المشرق المتابعين لأرسطو، ولكن ليس متابعة كاملة، فهم لا يمثلون المشائية الخالصة بل أضافوا إليها مؤثرات أخرى. وقد هاجم الغزالى هذه المشائية المشرقية فى كتابه (تهافت الفلاسفة) وحصر آراءهم فى عشرين مسألة، كفرهم فى ثلاث منها، وكان لهذا الكتاب أثره فى زعزعة الفلسفة فى المشرق. وانتقلت المشائية من المشرق إلى المغرب وأخذ بها ابن باجة (ت 1138م) وابن رشد (ت 1198م) الذى دافع عن الفلسفة ضد هجمة الغزالى فى كتابه (تهافت التهافت) إلا أنه لم ينجح بصورة عامة فى دفع التهمة عن المشائية وظلت الفلسفة بعد ذلك من العلوم المكروهة فى بلاد الأندلس. ويعد ابن رشد وحده الممثل الخالص للفكر المشائى، وأعظم شارحى أرسطو فى العصور الوسطى. إذ هاجم كل انحراف عن فلسفة أرسطو، وهاجم الفارابى وابن سينا فى عدد من الآراء التى نسبوها إلى أرسطو. ورفض كل خروج عن نص أرسطو ارتكبه الآخرون، إذ تمسك تمسكا شديدا بآراء أرسطو. ولابن رشد الفضل الأكبر فى إيضاح نص أرسطو المترجم إلى العربية ووضع تقسيمات وتمييزات بين مفاصل أقوال أرسطو، وهو أمر سيتأثر به فلاسفة العصور الوسطى فى أوروبا وعلى رأسهم ألبرت الكبير، وكانت شروح ابن رشد مصدرا أساسيا لفهم فلسفة أرسطو. وظل مناطقة عصر النهضة الأوروبية فى القرنين الخامس والسادس عشر حين أرادوا العودة إلى منطق أرسطو فى أصوله ينهلون من النص الأصلى أو الترجمة لكتب أرسطو فى المنطق مستعينين بشروح ابن رشد المختلفة واستمرت المشائية بعد ذلك فى إطار مسيحى لاتينى بلغ أوجه عند القديس توما الأكوينى وبعدها أخذت المشائية فى الانحسار. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - موقف المشائية الإسلامية من النص الدينى. إنشاد محمد على، القاهرة سنة 1991 م. 2 - المعجم الفلسفى جميل صليبا، جـ2 دار الكتاب اللبنانى بيروت سنة 1982 م. 3 - أرسطو عند العرب- عبد الرحمن بدوى، وكالة المطبوعات الكويت، ط 2، سنة 1968 م. 4 - المعجم الفلسفى د. مراد وهبة وآخرون، دار الثقافة الجديدة القاهرة، ط 2، سنة 1971 م. 5 - الموسوعة الفلسفية العربية، نشر دار الإنماه العربى بيروت، مج 2 القسم الثانى مادة (المشانية) بقلم د. ماجد فخرى- ط 1 سنة 1988م.

32 - المشرق العربي

32 - المشرق العربي اصطلاحا: هو مصطلح ربما أطلقه مسلمو شمال أفريقيا والأندلس على العرب إلى الشرق منهم، ابتداء من مصر وما وراءها شرقا حتى حدود بلاد فارس. ويشمل المشرق العربى الآن: مصر، السودان، فلسطين، الأردن، لبنان، سوريا، العراق، السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، عمان، اليمن. وتبلغ مساحة المشرق مجتمعة سبعة ملايين و 328 ألف كيلو متر مربع وتساوى نحو 55% من مساحة كل العالم العربى، وتساوى 5.6% من مساحة دول العالم. وتعد السودان أكبر دول المشرق مساحة (نحو 2.5 مليون كم) وأصغرها البحرين (690كم2). وتبلغ جملة أعداد السكان 174 مليون شخص، وهو ما يعادل 71% من مجموع سكان الدول العربية، وما يعادل 3% فقط من مجموع سكان العالم. وتعد مصر هى أكثر دول المشرق سكانا (66 مليونا) وأصغرها البحرين (577 ألف شخص) والقاهرة أكبر العواصم (نحو 16 مليونا) تليها بغداد (أربعة ملايين) ثم الرياض وبيروت (نحو مليونين لكل منهما)، وأصغرها القدس الشرقية والمنامة ومسقط (أقل من مائتى ألف لكل منها). والإسلام هو دين ما بين 90 إلى100% من العرب، والسنة هى المذهب السائد عدا أنواع من الشيعة فى جنوب العراق ولبنان وغرب سوريا وأجزاء من اليمن. والكنائس الشرقية والغربية فى لبنان وسوريا ومصر وجنوب السودان، السلالة السائدة هى " الشرقية" (فرع من سلالات البحر المتوسط) مع قليل من مؤثرات سلالة "الأرمن القدماء". و "العربية" هى اللغة السائدة، وهى أكبر فروع عائلة اللغات السامية، ثم مجموعة من اللغات "السودانية" فى جنوب السودان. من حيث موارد المياه ينقسم المشرق إلى نمطين: دول وفرة فى المياه الجارية أو الأمطار، وبالتالى تمتلك منذ بضعة آلاف من السنين مساحات زراعية وفيرة واقتصادية ذات ثبات، ومدن وممالك مغرقة فى القدم، ودول فقيرة فى المياه عمادها الاقتصادى كان الرعى والسكن الدائم فى الواحات. والنمط الأول تجرى فيه أنهار ذات تاريخ أهمها النيل فى مصر والسودان، والفرات ودجلة فى سوريا والعراق. وعلى صغر نهر الأردن إلا أنه يشغل حيزا هاما فى تاريخ الأديان، ويثير الآن مشكلات سياسية بين سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل وفلسطين. وتتميز بعض المناطق بوفرة الأمطار وخاصة جنوب السودان، وفى لبنان وغرب سوريا وشمال العراق وغرب اليمن. النمط الثانى يتمثل فى دول الجزيرة العربية وبادية الشام فى سوريا والأردن والعراق وفى الصحارى المصرية والسودانية. لكن ظهور البترول والغاز فى بلاد هذا النمط عوضها الفقر التقليدى وأسس أشكال حياة المدن الكبيرة مثل الرياض والكويت وجدة وانعكس ذلك على مقياس متوسط الدخل الفردى السنوى فأصبح أعلاها فى دول الخليج (أكثر من عشرة آلاف دولار سنويا) بينما ظلت دول النمط الأول علّى منوالها السابق مع تحسن نتيجة التنمية الاقتصادية، لكنها كلّها أقل من ثلاثة آلاف دولار. أعلى دخل فردى يظهر فى الإمارات والكويت نحو 17 ألف دولار سنويا) بينما تمثل اليمن والسودان دخلا فرديا متدنيا أقل من 600 دولار. وترجع أهمية المشرق العربى إلى أسباب عديدة وخاصة فى تاريخ الحضارات، وتاريخ الأديان، وعلاقات الموقع التجارية والسياسية. ففى المنطقة نشأت أقدم الحضارات العليا المعروفة والتى ترجع إلى أكثر من سبعة آلاف سنة فى مصر والعراق، ونحو أربعة آلاف سنة فى فلسطين ولبنان وسوريا واليمن. وفى المشرق ظهرت الديانات السماوية الثلاث: اليهودية فى مصر ثم فلسطين، المسيحية فى فلسطين وخاتمها الإسلام فى الحجاز، فالمشرق قبلة سكان العالم من أتباع هذه الديانات، وفيه أقدس الأماكن فى القدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة يحج إليها ملايين الناس سنويا. والعلاقات المكانية الجغرافية للمشرق جعلته ملتقى طرق التجارة العالمية منذ القدم من الصين والهند وأفريقيا وأوروبا عبر المحيط الهندى والبحرين المتوسط والأسود، وعبر الطرق البرية من وسط آسيا وأفريقيا المدارية. وتحتوى المنطقة على أكبر احتياطى عالمى للبترول. هذه العوامل مجتمعة جعلت المشرق منطقة تصادم القوى السياسية العالمية مع المصالح القومية العربية، وخاصة القضية الفلسطينية والأطماع الصهيونية. أ. د/ محمد رياض

_ المراجع 1 - الكامل فى التاريخ، لابن الأثير. 2 - الدرة الثمينة فى تاريخ المدينة (تحقيق لجنة من العلماء)، مكتبة النهضة الحديثة ص 390. 3 - كتاب دول الإسلام: الذهبى 2/ 70، 79.

33 - المصادرات

33 - المصادرات اصطلاحا: هى عبارة عن أقوال أو مبادئ أو قضايا يفترض الباحث صحتها فى أول بحثه، وهى " قضايا ليست يقينية بنفسها، كما لا يمكن أن يبرهن عليها، ولكن يصادر عليها، أى يطالب بالتسليم بها، لأن من الممكن أن نستنتج منها نتائج لا حصر لها، دون الوقوع فى إحالة. فصحتها إذن تتبين من نتائجها" (1). وللباحث الحرية فى وضع المصادرات "وهى حرية لا يحدها شيء، اللهم إلا أن تكون تلك المصادرات مثمرة لنتائج متضمنة فيها، وتستخرج منها استخراجا دقيقا" (2) ويشترط فى المصادرة: - ألا تكون مستنبطة من غيرها. - وألا تكون مناقضة لما يضعه الباحث من مصادرات أخرى. - وألا تكون متناقضة مع المقدمات الأخرى، الواردة فى البحث أو النسق، كالتعريفات والبدهيات (3). وقد تضمنت هندسة إقليدس عددا من المصادرات، ومن بينها أنه: - لا يمكن أن نرسم بين نقطتين أكثر من مستقيم واحد. - لا يمكن أن نمد من نقطة معلّومة أكثر من مستقيم واحد يوازى مستقيما آخر. وهناك مصادرات أخرى وضعها غيره مثل: 1 - الصفر عدد. 2 - كل عدد له عدد تال. 3 - لا عدد بين ذوى تال واحد. 4 - الصفر ليس تاليا لأى عدد. (4) وتتجلى المصادرات- فى أوضح صورها- فى العلوم الرياضية، كالهندسة والحساب ونحوها، ولكنها ليست محصورة فيها، بل توجد فى علوم أخرى كالمنطق والعلوم الطبيعية، بل إنها توجد فى العلوم الإنسانية أيضا؛ ففى الاقتصاد- مثلا- نرى المصادرة القائلة بأن الإنسان يفعل وفقا لما يرى فيه الأنفع. وفى الأخلاق نجد المصادرة القائلة بأن كل إنسان يطلب السعادة (5). أ. د/ عبد الحميد مدكور 1 - مناهج البحث العلمى د/ عبد الرحمن بدوى ص 91. 2 - المنطق لجون ديورى ص 68. 3 - مقدمة لفلسفة العلوم د/ عزمى إسلام ص 119. 4 - المنطق الصورى د/ على النشار ص 513، 514 5 - المرجع السابق، ص 91.

_ المراجع - مقدمة لفلسفة العلوم (الفيزيائية والرياضية). د/ عزمى إسلام، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ط 1/ 1977م. - مناهج البحث العلمى. د/ عبدالر حمن بدوى. وكالة المطبوعات الكويت 1977م. - المنطق: نظرية البحث، جون ديوى. ترجمة د/ زكى نجيب محمود، دار المعارف، مصر، ط 2، 1969م. - المنطق الصورى منذ أرسطو حتى عصوره الحاضرة. د/على سامى النشار (بمشاركة الأستاذ عبد الرازق المكى فى فصوله الأخيرة) ص 508 وما بعدها. دار المعارف، مصر، ط 1، 1965م.

34 - مصادرة الأحكام

34 - مصادرة الأحكام اصطلاحا: هى نقل ملّكية مال مملوك للمحكوم عليه بها إلى ملّكية الدولة وقهرا عن صاحبها وبدون مقابل إذا تعلق هذا المال بالحرية، ويصدر بها حكم من القضاء. والمصادرة عقوبة مالية عينية تكميلية، أما العقوبة فهى: عقوبة مالية نقدية أصلية. وقد تختلف المصادرة عن العقوبة فى أن الأولى قد تمثل عقوبة أحيانا، أما الثانية فهى عقوبة دائما. والمصادرة إما عامة: ويقصد بها تجريد المحكوم عليه من كل- أو معظم- أمواله، وقد نقضها الدستور المصرى لكونها عقوبة تمثل ردعا شديدا وتؤدى بالمحكوم عليه إلى حالة من الفقر، ومن ثم الحقد علّى الدولة. أو خاصة: أى التى تختص بمال معين لارتباطه بجريمة وقعت. والمصادرة باعتبارها عقوبة تكون إما عقوبة وجوبية أو جوازية. وللحكم بالمصادرة شروط أربعة هى: الأول: ضرورة ارتكاب جريمة. والثانى: أن تكون الجريمة جناية أو جنحة. والثالث: أن يكون الشيء المصادر مضبوطا من الجريمة. والرابع: أن يصدر حكم قضائى بالمصادرة. ولقد حدد النص القانونى الأشياء التى يتم مصادرتها بأنها: الأشياء المضبوطة التى تحصلت من الجريمة، وكذلك الأسلحة والآلات التى استعملت أو التى من شأنها أن تستعمل فيها. كذلك قيد الشارع الحكم بالمصادرة بقيد يجب توافره وهو ألا تمس حقوق الغير حسن النية. وكما هو واضح من النص هو كل شخص ليست له علاقة بالجريمة وحسن النية يأتى من انعدام صلّته بالجريمة سواء عن طريق القصد أو الخطأ. ويترتب على الحكم بالمصادرة نقل ملكية الشيء المصادر من ملّكية المحكوم عليه إلى ملكية الدولة. والحكم القضائى الذى يقرر المصادرة هو الذى يرتب نقل الملكية، وذلك دون أى إجراءات تنفيذية لاحقة. ويحق للدولة أن تتصرف فى الشيء المصادر على أى وجه تراه إلا إذا ألزمها المشرع بالتصرف به على وجه معين. والمصادرة قد تشكل نوعا من التدبير الاحترازى، فهى تنتزع مالا معينا بعد صنعه أو استعماله أو حيازته. وبيعه أو عرضه للبيع فى حد ذاته جريمة. ولتوقى خطر هذه الأشياء يجب مصادرتها حتى ولو كانت هذه الأشياء ليست مملوكة للمتهم، والهدف هنا هو سحب شيء خطر من التداول. ويشترط فى هذه المصادرة: 1 - أن يكون المصادر من الأشياء التى يمكن أن تستعمل فى ارتكاب جريمة، مثل الأسلحة والمتفجرات والنقود المزيفة. 2 - عدم مراعاة حقوق الغير حسن النية فى حالة المصادرة الوجوبية. أى المصادرة كتدبير احترازى وجوبى، فإنه لا يشترط فيها مراعاة حقوق الغير حسن النية. 3 - المصادرة كتعويض إذا نص القانون ومن أمثلة ذلك المادة 36 من القانون رقم 57 لعام 939 1م، حيث قررت: أنه يجوز للمحكمة فى أية دعوى مدنية أو تجارية أن تحكم بمصادرة الأشياء المحجوزة، أو التى تحجز فيما بعد للتصرف فيها بأى طريقة أخرى تراها مناسبة. أيضا قضت محكمة النقض بأن المصادرة قد تكون فى بعض القوانين بمثابة تعويض يؤول إلى المجنى عليه بتعويض عن الضرر الناشئ من الجريمة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - أحكام النقض س1، ص 409 رقم 100. د. سمير الجنزورى. 2 - الأسس العامة لقانون العقوبات مقارنا بأحكام الشريعة الإسلامية، جامعة الأزهر، 1977 م- الأستاذ خيري عبد الملك، الموسوعة الجنائية، جـ 5. 3 - مبادئ النظرية العامة للعقوبة، د. هدى حامد قشقوش، جـ 1، 992 1م.

35 - المصالح المرسلة

35 - المصالح المرسلة لغة: المصالح: جمع مصلحة، وهى المنفعة، والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، فالمراد بها لغة: جلب المنفعة، ودفع المضرة، والمرسلة: أى المطلقة (1). واصطلاحا: عبارة عن المصلحة التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها (2). فهذا التعريف صرح بأن المصلحة: هى جلب منفعة مقصودة للشارع الحكيم، وإن كان لم يصرح بأن دفع الضرر من المصلحة أيضا، إلا أن تعريفه ينوه به ويلزم منه (3). وقد عرفها الآمدى فقال: هى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء (4). ولذلك سميت مرسلة. وتنقسم المصالح من حيث مقصودالشارع إلى ثلاث (5): 1 - ضرورية: وهى التى ترجع إلى حفظ النفس، والعقل، والما ل، والدين، والعرض، والنسب، وإذا اختل منها أمر اختلت المعايش به، وعمت الفوضى. 2 - حاجية: وهى الأمور التى تقتضيها سهولة الحياة، أوما أدى إلى حرج كبيرمن غير خوف على فوات ما سبق من المصالح الستة. 3 - تحسينية: وهى الأمورالتى تجعل الحياة فى جمال، ومرجعها إلى تهذيب الأخلاق وتحسين الصورة والمعاملات. وتنقسم المصالح من حيت اعتبار الشارع لها أو عدمه - أيضا - إلى ثلاث: 1 - المصالح المعتبرة شرعا: كما سبق فى المصالح الست الكلية. 2 - المصالح الملغاة شرعا: كمصلحة آكل الربا فى زيادة ماله، ومصلحة المريض أو من ضاقت معيشته فى الانتحار ونحوها. 3 - المصالح المرسلة: وهى المقصودة فى هذا البحث، وهى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا بإلغاء. ومما ذكره الأصوليون كمثال للمصالح المرسلة: جمع القرآن فى مصحف واحد، والقول بقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع، وضمان الرهن، واتخاذ السجون، وغيرها من المسائل التى لا يوجد فيها نص ولا إجماع. وهى محلها لا تصلح مثالا للمصلحة المرسلة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يترك مصلحة إلا وقد نص عليها جنسا كالكليات الست، أو على أنواعها أيضا، ومصالح هذه المسائل المذكورة وغيرها مشروعة جنسا، وليس شىء منها مرسلا. فجمع القرآن فى مصحف واحد لمصلحة حفظ الدين وهى مشروعة، وقتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس وهى مشروعة، وتضمين الصناع لمصلحة حفظ الأموال وهى مشروعة، وكذا ضمان الرهن، والأمثلة الباقية كلها تندرج تحت المصالح المعتبرة شرعا ضرورة أو حاجة أو تحسينا كما سبق، ولايتصور خروج شىء منها أصلا (6). ولكن يمكن أن نمثل للمصلحة المرسلة، وهى التى لم يشهد الشرع لها بالاعتبار أو بالإلغاء بجواز الضرب فى التهمة، فقد جوز هذا جماعة من الفقهاء، وهى مصلحة مرسلة عن الدليل الجزئى من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكذا مرسلة عن الأصل الكلى، فنصوص الشريعة على إجمالها لا تجوز هتك حرمة المسلم، بأن تمتهن كرامته ويضرب لمجرد اتهامه فى حادث من الحوادث. فالمقصود بالمصالح المرسلة هى التى أرسلت عن الدليل الجزئى من الأصول الشرعية المتفق عليها، ومن الدليل الكلى الذى يؤول بدوره إلى مفهوم النص والإجماع، وعموما فقد اشترط الأصوليون شروطا للمصلحة حتى تقبل ويعمل بها، ومن هذه الشروط (7): 1 - أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافى أصلا من أصوله ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية. 2 - أن تكون معقولة، فى ذاتها، جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التى يتقبلها العاقل، بحيث يكون ترتب الحكم عليها مقطوعا لا مظنونا، ولا متوهما. 3 - أن تكون تلك المصلحة عامة للناس، وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية معينة، لأن أحكام الشريعة للتطبيق على الناس جميعا. ومن نافلة القول أن أذكر بأن هذه المسألة - المصالح المرسلة - من الأدلة الشرعية المختلف فيها، فقد قال بها جماعة من الأصوليين كالمالكية وغيرهم، ومنعها جماعة آخرون كالشافمية ومن لف لفهم. أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 1/ 520 لسان العرب لابن منظور 4/ 2479 دار المعارف. 2 - المحصول فى علم الأصول للفخر الرازى تحقيق د/طه جابر العلوانى (2/ 220) جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 3 - الاجتهاد فيما لا نص فيه د/الطيب خضرى السيد 2/ 53 مكتبة الحرمين بالرياض 1983م. 4 - الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 3/ 290 مؤسسة الحلبى 1967م. 5 - تيسير الأصول لحافظ ثناء الله الزهدى ص305 ومابعدها دار ابن حزم بيروت، تيسير أصول الفقة، لمحمد أنو البدخشانى، ص156 طبعة كراتشى بباكستان 1990. 6 - تيسير الأصول للزاهدى ص306، 307. 7 - تيسير الأصول للزاهدى ص307، 308، تيسير أصول الفقه للبدخشانى ض 156 - 157، الأصوليون والمصالح المرسلة، د/محمد إبراهيم الدهشورى، ص41 وما بعدهاسنة 1996م. مراجع الاستزادة: 1 - المصالح المرسلة د/محمد عبد الكريم حسن دار النهضة الإسلامية بيروت الطبعة الأولى 1995م. 2 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق فى علم الأصول للإمام الشوكانى تحقيق د/شعبان محمد إسماعيل 2/ 264 وما بعدها دار الكتب الطبعة الأولى 1993م. 3 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى تحقيق د/محمد المختار الشنقيطى ص405 وما بعدها مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414هـ

36 - المصحف

36 - المصحف لغة: أصحف الكتاب: جمعه صحفا (1). واصطلاحا: عنوان على الطراز المخصوص المتمحض للقرآن الجامع لجميع أطرافه بين دفتيه. وقد بدأت الكتابة للقرآن مبكرة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وبأمر منه فكان له كتاب معروفون، يأمرهم بكتابة كل ما ينزل عليه من القرآن فيكتبونه بين يديه، قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى: "وروى أحمد وأصحاب السن الثلاثة وصححه ابن حبان والحكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتى عليه الزمان ينزل من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشىء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول هذا فى السورة التى يذكر فيها كذا" (2). وكانوا يكتبون على ما اتفق لهم وما تيسر من الحجارة والعظم وجريد النخل وقطع الجلد وما إلى ذلك (3) وكذلك توفرت همم الصحابة رضى الله عنهم على كتابته لأنفسهم، ومما يجدر التنبيه إليه أن حديث عثمان السابق كما يفيد أنه كان له صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له ما يتنزل عليه من نجوم القرآن، فكذلك يفيد أنه كان يأمرهم - عند وقوفه على الترتيب أن يرتبوا النجوم فى مواضعها من السور "بل ذاك صريح الدلالة من منطوقه. وهذا هو عين المقصود أيضا من التأليف فى الرقاع فى قول زيد بن ثابت. قال الزركشى رحمه الله (أسند البيهقى فى كتاب "المدخل" و "الدلائل" عن زيد بن ثابت قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن، زاد فى "الدلائل" نؤلف القرآن فى الرقاع، قال: وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة فى سورها وجمعها، وفيها بإشارة النبى صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم فى المستدرك وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". (4). وبطبيعة الحال لم يكن ممكنا - مع هذا الترتيب للآيات - ترتيب ما كان يكتب فيه عن الأشياء المتنوعة المختلفة حجما وكيفا بحيث يمكن وضعها بين دفتين كأوراق الكتاب الواحد، بل بقيت تلك الأشياء بحكم طبيعتها مفرقة غير مرتبة. وإلى جانب هذه الضرورة التى حالت وقتئذ دون كتابة القرآن فى مصحف واحد جامع لجميع أطرافه، كانت ضرورة أخرى تمثلت فى أن القرآن قد استمر نزوله نجما فنجما منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قريب جدا من ؤفاته. فلم يكن يمكن - والحال هذه - قيام المصحف الجامع، وضرورة ثالثة تمثلت فيما سبق التنبيه إليه من كتابة نجوم القرآن مرة متفرقة حسب نزولها، ومرة مرتبة عند الوقوف على الترتيب، ورابعة تتمثل فى احتمال وقوع نسغ فيحتاج الأمر معه إلى محو المنسوغ، ثم إلى إثبات الناسخ إن كان النسخ إلى بدل. أما الباعث على كتابة القرآن وقتئذ مع كون النبى صلى الله عليه وسلم بين ظهرانى القوم يحفضه ويدارسه إياه جبريل، كما حفظه -ولو من حيث الجملة - العدد الكثير من أصحابه، فهو بذل أقصى العناية فى المحافظة عليه والتوثق لسلامة نصه جملة وتفصيلا من أى تحريف. لا ثم كان العهد البكرى ومافيه من حروب الردة فخشى عمر رضوان الله عليه أن تفنى تلك الحروب الكثير من قراء القرآن وحفاظه، فيضيع شىء منه، أو تذهب الثقة به بانخرام تواتره. ولاسيما مع عسر الرجوع فيه إلى ما كتب عليه من الأشتات المبعثرة التى لا يجمعها جامع فضلا على إمكان ضياع شىء منها، فجاء إلى الصديق وطلب إليه جمع القرآن مرة أخرى. لكن هذه المرة فى صحف من جنس واحد، متماثلة الحجم يمكن جمعها بسهولة برباط واحد، ولم يزل الصديق رضى الله عنه يستنكف مباشرة أمر فى ذلك لم يباشره رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر. فدعى زيد بن ثابت الشاب العاقل الثقة المتمرس بكتابة الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم فأمر بجمع القرآن على النحو الذى أشار به عمر. وبعد تردد شديد لعين السبب الذى تردد له الصديق شرح الله صدر زيد لما شرح له صدر الشيخين فنهض لهذه المهمة (5) يعاونه الشيخان والأكابر من الصحابة حتى قام بها على خير وجه. وهكذا تم الجمع البكرى لباعثه المذكور، ومن فوائده ما لخصه شيخنا غزلان فقال: 1 - البحث عن القطع المختلفة التى كتب فيها القرآن من قبل وجمعها قبل ضياع شىء منها أو تأكل حروفها. 2 - تجديد كتابتها فى صحف مجتمعة صالحة للاحتفاظ بها دائما. 3 - اتصال السند الكتابى بالأخذ عن الصحف التى كتبت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كاتصال السند المتواتر فى الرواية والتلقى عن الشيوخ، فتكون كتابة أبى بكر بمثابة الطبقة الثانية من الشيوخ، وكتابة عثمان بمثابة الطبقة الثالثة. وهكذا مرات الإنتاج من المصاحف العثمانية، ولا يخفى ما فى ذلك من الاهتمام بشأن القرآن والعناية به. (6) ولقد ظلت الصحف التى فيها جمع القرآن عند أبى بكرحتى مات، ثم عند عمر حتى مات، ثم انتقلت إلى حفصة إحدى أمهات المؤمنين. (7). ثم كان عهد عثمان وفيه من التساهل ما لم يكن فى عهد الشيخين من قبله، وكانت رقعة الإسلام قد اتسعت بكثرة الفتوح ودخول كثير من أهل الأمصار المفتوحة فى الإسلام، وتوزع تبعا لذلك الأصحاب على الأمصار ما بين مقيم وغاز، فكانوا يقرؤون القرآن ويقرؤونه للناس، كل على حسب الحرف الذى سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وربما تساهل البعض منهم فذكر أثناء قراءته تفسيرا لشىء مما يقرأ أو ذكر منسوخا أو دعاء لحصول الأمن من التباس غير القرآن بالقرآن، كما كان الأمر فى مصاحفهم الخاصة التى كتبوها لأنفسهم، والتى اشتملت فوق هذا على حذف بعض السور كالفاتحة والمعوذتين ثقة بكمال حفظها وأمنا من نسيانها كما قيل فى شأن مصحف ابن مسعود، أو إدماج سورة فى أخرى دون ذكر البسملة بينهما كسورتى الفيل وقريش حسبما قيل فى مصحف أُبَىٍّ على ما فى الإتقان وغيره. فكان أهل الأمصار إذا اجتمعوا فى مناسبة من غزو أو حج أو عمرة واختلفوا فى قراءة القرآن تبعا لاختلاف مصادرهم فى القراءة من الصحابة ففضل البعض قراءة نفسه على قراءة غيره، ويرى أن قراءته مصحوبة بشىء مما قلناه، خير من الخالية من ذلك، على حين يرى الآخر أن القراءة المتمحضة للقرآن المتجردة للمقروء منه عن كل ما سواه أفضل. وقد يصل هذا التفضيل إلى حد التضليل والتفسيق، بل ربما التكفير. فلما اشتد الخلاف، وخشيت الفتنة رأى عثمان رضى الله عنه أن يجمع الناس جميعا على قراءة واحدة هى ما تمحضت للقرآن وتجردت من غيره. حدث أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أميرالمؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها فى المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أومصحف أن يحرق (8). هكذا كان أول العهد بالمصحف الإمام الجامع الذى أجمع عليه الصحابة وصوبوا صنيع عثمان به غاية التصويب (9)، والذى كان الأصل لما نسخ منه من المصاحف إلى يومنا هذا، أما عدد المصاحف التى نسخها عثمان وأرسل بها إلى الأمصار فالمترجح فيه أنه كان بحيث يعم جميع الأقطار التى دخلها الإسلام، قال صاحب البيان عليه الرحمة بعد ما ذكر الأقوال المختلفة فى عدد المصاحف معزوة إلى مصادرها: فظهر من هذا أن الذين ذكروا هذه الأقوال لم يذكروا منها دليلا يؤيده، إلا أن العقل والنقل كليهما يؤيدان من يزيد فى عدد المصاحف لا من يقلل منها. أما العقل فهو أن الغرض من إرسال المصاحف إلى الأمصار هو القضاء على الفتنة التى كانت قائمة حينئذ بسبب اختلاف المسلمين فى القراءة، والمنع من حدوث هذه الفتنة مرة أخرى فى بلد ما من بلاد المسلمين، وهذا الغرض لا يتحقق بإرسال المصاحف إلى بعض الأمصار دون بعض. وأما النقل فهو قول أنس بن مالك فى الحديث السابق الذى رواه البخارى أنهم لما نسخوا الصحف فى المصاحف أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، فكلمة إلى كل أفق تدل بعمومها على أنه أرسل المصاحف إلى جميع الأمصار لا إلى بعضها دون بعض (10). أ. د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط 32، 1/ 527. 2 - فتح البارى شرح صحيح البخارى، ابن حجر العسقلانى، السلفية، ط 2،، 9/ 22. 3 - المصدر السابق 9/ 14. 4 - البرهان فى علوم القرآن 1/ 256. 5 - انظر تفصيل هذا كله فى حديث زيد بن ثابت من صحيح البخارى، باب سورة براءة من كتاب التفسير، وباب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن. 6 - البيان فى مباحث عن علوم القرآن، للدكتور عبد الوهاب عبد المجيد غزلان، ص185. 7 - انظر حديث زيد بن ثابت فى تفسير أخر براءة، وفى غير موضع من فضائل القرآن من صحيح البخارى، وانظر فضائل القرآن لابن كثير، ص30. 8 - البخارى، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وانظر ما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فى شرحه من الروايات الكثيرة المصورة لمدى فداحة الخطب. فقح البارى 9/ 18. 9 - فضائل القرآن لابن كثير، ص40. 10 - البيان فى مباحث من علوم القرآن، ص209

37 - المضاربة

37 - المضاربة لغة: ضاربه - ولفلان - فى ماله: اتجر له فيه، أو اتجر فيه على أن له حصة معينة فى ربحه، كما فى الوسيط (1). والمضاربة والقراض اسمان لمسمى واحد، فالقراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق. وشرعا: هى توكيل مالك يجعل ماله بيد آخر ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما (2). والمضاربة جائزة شرعا، والأصل فى مشروعيتها عموم قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} البقرة:198، وفى المضاربة ابتغاء لفضل الله. وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قسم ربح ابنيه فى المال الذى تسلفاه بالعراق فربحا فيه بالمدينة فجعله قراضا، عندما قال له رجل من أصحابه: لو جعلته قراضا ففعل (3). وقد قام الإجماع على جواز المضاربة، فيقول الشوكانى بعد نقله لآثار عن الصحابة التى تدل على تعاملهم بالمضاربة: "فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير، فكان ذلك إجماعا منهم على الجواز (4). وللمضاربة أركان تقوم عليها، وهى: 1 - الصيغة: فلابد من وجود إيجاب وقبول يفصح بهما الطرفان عن رغبتهما فى التعاقد، كأن يقول شخص لآخر ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك بألف جنيه على أن يكون الربح بيننا نصفين (5). 2 - العاقدان: فالمضاربة لا تتم إلا بتلاقى إرادتين على إنشائه، وهما المضارب ورب المال، ويشترط فيهما أن يكون كلا منهما أهلا للتعاقد، وهى أهلية التوكيل والوكالة (6). 3 - رأس المال: وهو ما يدفعه رب المال للمضارب ليتجر فيه، ويشترط فيه أن يكون معلوما، وأن يكون نقدا رائجا، وأن يكون عينا لا دينا، وأن يسلم إلى المضارب (7). 4 - العمل: وهو ما يقوم به المضارب من أعمال لتنمية رأس المال، ويشترط أن يختص المضارب بالعمل، فينفرد به دون صاحب رأس المال، فلا يجوز لرب المال أن يشترط عليه العمل معه، وتفسد المضاربة بهذا الشرط (8). ويرى الشافعية أن عمل المضارب مقيد بالأعمال التجارية فقط "أى البيع والشراء" فلا يجوزأن يشترط عليه العمل مع التجارة (9). بينما ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن عمل المضارب غير مقيد بالبيع والشراء، فيجوز له أن يستأجر ويغرس وغير ذلك (10). 5 - الربح: وهو ما زاد عن رأس مال المضاربة، نتيجة لعمل المضارب فى ذلك المال واستثماره، فهو ثمرة لالتقاء رأس المال بالعمل البشرى، لذا كان مشتركا بين العاقدين، رب المال مقابل ما قدمه من مال تحتاجه المضاربة والمضارب، لأنه قام بالعمل والاستثمار، والاشتراك فى الربح هو الهدف من المضاربة، لذا فقد اهتم الفقهاء ببيان شروطه، والتى نوجزها فيما يلى: يشترط فى الربح أن يكون مشتركا بين العاقدين، وأن يكون مختصا بها، أى قاصرا عليهما لا يعدو الشريكين، وأن يكون نصيب كل منهما معلوما عند التعاقد، وأن يكون نسبة شائعة من جملة الربح، كنصف الربح أو ثلثه، ولا يجوز أن يحدد بمبلغ معين كمائة جنيه مثلا (11). وللمضارب فى المضاربة خمسة أحوال: 1 - فهو أمين كالوديع عند قبضه لرأس المال وقبل التصرف فيه، لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة. 2 - وهو وكيل لرب المال بالتصرف فى مال المضاربة، لأنه يتصرف فى مال الغير بأمره. 3 - وهو شريك لرب المال فى الربح عند تحققه. 4 - وهو أجير لرب المال إن فسدت، المضاربة لأى سبب. 5 - وهو غاصب لمال المضاربة إن خالف شروط رب المال أوالعمل فى ما لا يملك فعله (12). وقد اتفق الفقهاءعلى أن المضارب أمين على ما بيده من مال المضاربة، فلا يضمن ما يصيبه من تلف أوخسارة إلابتعديه أو تفريطه، شأنه شأن الوكيل. فإذا حصل تلف أو خسارة فى رأس المال بسبب تعد أو تفريط من المضارب، فإنه يكون مسئولا عنه ضامنا له (13). وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز اشتراط الضمان على المضارب، وإذا اشترط فلا يصح. ويملك المضارب بمقتضى عقد المضاربة العديد من التصرفات التى تعتبر من ضرورات التجارة أو لواحقها مما جرت به عادة التجارة، كالبيع والشراء والمقايضة، والتعامل بمختلف العملات، والبيع نسيئة، والإحالة والحوالة، والرهن والارتهان والاستئجار ... إلخ (14). وتفسد المضاربة إذا فات ركن من أركانها، وتخلف شرط من شروط صحتها، كما أنها تفسد إذا دخلها شرط مفسد، والشروط الفاسدة هى التى تنافى مقتضى العقد، أو تلك التى تعود بجهالة توزيع الربح، أو أن يشترط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه (15). أ. د/على مرعى

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة، دار المعارف، ط3، مادة (ضرب) 1/ 557. 2 - حاشية البيجرمى على شرح الخطيب ط مصطفى الحلبى 3/ 159. 3 - تراجع القصة بكاملها فى الموطأ للإمام مالك ط الحلبى 2/ 687. 4 - نيل الأوطار للشوكانى 5/ 300، ط دار الحديت، مع الشرح الكبير. 5 - بدائع الصنائع 7/ 3446، ط مطبعة الإمام نشر زكريا على يوسف بالقاهرة. 6 - بدائع الصنائع 8/ 3563. 7 - حاشية ابن عابدين 8/ 281 ط مصطفى الحلبى ط2 سنة 1996م. 8 - تكملة حاشية ابن عابدين 8/ 283. 9 - أسنى المطالب 2/ 382. 10 - البدائع 8/ 3608. 11 - البدائع 8/ 3602، حاشية الدسوقى 3/ 523 وما بعدها. 12 - تكملة شرح فتح القدير لقاضى زاده 8/ 445، ط مصطفى الحلبى ط1 سنة 1970م. 13 - حاشية ابن عابدين 5/ 346. 14 - البدائع 8/ 3606 وما بعدها. 15 - المغنى والشرح الكبير 5/ 186، 187

38 - المطلق

38 - المطلق لغة: مأخوذ من الإطلاق، وهو الانفكاك من القيد، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه (2). أو هو: ما يتعرض للذات دون الصفات لا بالنفى ولا بالإثبات (3). كلفظ "رقبة" فى قوله تعالى {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} (المجادلة 13). وكقوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة 234)، فإن كلمة "رقبة" لم تقيد بشيء من الإيمان، أو بأحد الخصال الخلقية فى هذا النص، وإن وردت مقيدة فى كفارة القتل بقيد الإيمان، كما أن كلمة "أزواجا" لم يقم عليها- أيضا- دليل على تقييدها بالدخول لا فى هذا النص ولا فى غيره (4). ويلاحظ فى هذين اللفظين أن المقصود فيهما الماهية فقط، دون مراعاة العموم أو الاستغراق فيهما، لكن إن ورد دليل على تقييد المطلق قيد، كما فى قوله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين} (النساء 11 و12)، فإن الوصية وردت مقيدة فى هذه الآية لكن ورد دليل على تقييدها بالثلث، وهو قول رسول الله ? لسعد بن أبى وقاص (5) " الثلث والثلث كثير" (6). واعلم أنه إذا ورد الخطاب مطلقا لا مقيد له حمل علّى إطلاقه، وإن ورد مقيدا لا مطلق له حمل على تقييده، وان ورد مطلقا فى موضع مقيدا فى موضع آخر، فإن ذلك ينقسم إلى أربعة أقسام (7): الأول: أن يتفقا فى السبب والحكم، كتقييد الغنم بالسوم فى حديث (8)، وإطلاقها فى آخر (9)، فهذا يحمل فيه المطلق على المقيد. الثانى: أن يختلفا فى السبب والحكم، فلا يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق. الثالث: أن يختلفا فى السبب دون الحكم، كالرقبة المعتقة فى الكفارة، قيدت فى كفارة القتل بالإيمان (10)، وأطلقت فى كفارة الظهار (11)، وهذا مختلف فى حمل المطلق على المقيد فيه بين الفقهاء ما بين ذاهب إلى حمل المطلق على المقيد، وما بين مانع منه، وما بين مفصل. الرابع: أن يختلفا فى الحكم دون السبب، كتقييد الوضوء بالمرافق (12)، وإطلاق التيمم (13)، فالسبب فيهما واحد وهو الحدث، وهذا مختلف فيه أيضا. والمطلق إذا لم يرد مقيدا فى نص آخر، أو قام دليل على تقييده، يعمل به على إطلاقه كما ورد دون تغيير أو تبديل، لأنه لفظ خاص يدل على معناه قطعا. ولأن الأصل: إجراء المطلق على إطلاقه، والتقييد خلاف الأصل فلا يلتفت إليه إلا بدليل (14). أ. د/ على جمعة محمد 1 - انظر: لسان العرب، لابن منظور 4/ 2693 وما بعدها مادة (طلق) طبعة دار المعارف- المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 2/ 564 مادة (طلق) دار المعارف 1972 م. 2 - شرح الكوكب المنير، لابن النجار تحقيق د/نزيه حماد، ود/محمد الزحيلي،3/ 392، طبعة السعودية، نشر البنود على مراقى السعود للشنقيطى طبعة المملكة المغربية 1/ 264. 3 - كشف الأسرار، لعلاء الدين البخارى، 2/ 286، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر بالقاهرة الطبعة الثانية 1995 م. 4 - تيسير الأصول، لحافظ ثناء الله الزاهدى دار ابن حزم بيروت، الطبعة الثانية 1997 م ص 0 9، 91. 5 - متفق عليه بين البخارى ومسلم، البخارى فى الوصايا 4/ 3، وفى الجنائز 2/ 102 - ومسلم فى الوصية رقم (1628). 6 - تيسير أصول الفقه، لمحمد أنور البدخشانى، ص 29 طبعة كراتشى بباكستان 0 199 م. 7 - انظر: تقريب الوصول إلى علم الأصول، لابن جزى الغرناطى، تحقيق: محمد المختار الشنقيطى وما بعدها ص 158، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى 1414 هـ، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للشوكانى، تحقيق: د /شعبان محمد اسماعيل، 2/ 4، دار الكتبى الطبعة الأولى 1993 م. 8 ـ أى حديث (فى سائمة الغنم الزكاة) الحاكم فى المستدرك فى كتاب الزكاة 1/ 390. 9 - أى حديث (فى أربعين شاة شاة) أبو داود 3/ 139، والنسائى 5/ 29. 10 - أى فى قوله تعالى {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة} (النساء 92). 11 - أى قوله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} (المجادلة 3). 12 - أى فى قوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} (المائدة 6). 13 - أى قوله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} (المائدة 6). 4 1 - تيسير الأصول، للزاهدى ص 91، وابن حزم، 997 1 م.

_ المراجع 1 - أصول الفقه الإسلامى، للدكتور/ وهبة الزحيلى وما بعدها، دار الفكر 1986 م 1/ 208. 2 - البحر المحيط، للزركشى وما بعدها، وزارة الأوقاف بالكويت- الطبعة الأولى. 1990م 3/ 415. 3 - الوجيز أصول الفقه، للدكتور/ عبد الكريم زيدان، مؤسسة قرطبة، ط 6، سنة 1987 م.

39 - معاجم اللغة العربية

39 - معاجم اللغة العربية لم يسبق العرب فى صناعة المعاجم - من الناحية التاريخية - سوى عدد قليل من الشعوب القديمة ذات التراث الحضارى العريق كالهنود واليونانيين والصينيين والمصريين القدماء. وإذا كان المعجم العربى - كغيره من سائر فروع الدراسات اللغوية - لم ينشأ إلا بعد ظهور الإسلام، وباعتباره ثمرة من ثمار الدرس القرآنى، فقد استطاع - منذ ظهوره - أن يشق لنفسه طريقا مستقلا، وأن يحقق من التفوق والتميز ما جعله ينافس معاجم الشعوب الأخرى وقد كان هذا التفوق نتاج عوامل أربعة هى: 1 - التفكير المبكر فى عمل معجم حيث ظهر أول معجم كامل فى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) على يد العالم اللغوى الخليل بن أحمد الفراهيدى (100 - 175هـ). 2 - التفرد بهدف غاب فى معاجم الشعوب الأخرى، وهو تسجيل المادة اللغوية بصورة شاملة، وشرحها بطريقة منظمة، فى حين أن معاجم الشعوب الأخرى مجرد قوائم لشرح الكلمات النادرة أو الصعبة. 3 - كثرة ما ظهر من معاجم عربية على امتداد السنوات والقرون حتى إن عدها يكاد يندّ عن الحصر. 4 - تنويع أشكال المعاجم العربية بصورة كبيرة، وبشكل يستنفد كل الاحتمالات العقلية الممكنة للترتيب، كما يبدو من الجدول الآتى: نوع المعجم ونماذج لكل منهما: 1 - معاجم المعانى أو الموضوعات: أ - الغريب المصنف لأبى عبيد القاسم بن سلام (157 - 224هـ). ب - المخصص لابن سيدة (398 - 458هـ). 2 - معاجم الترتيب الصوتى: أ- العين للخليل بن أحمد (100 - 175هـ). ب- تهذيب اللغة للأزهرى (282 - 370هـ). 3 - معاجم الأبنية أو الأوزان: أ- ديوان الأدب للفارابى (000 - 350هـ). ب- شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميرى (467 - 538). 4 - معاجم الترتيب الألفبائى حسب أوائل الكلمات: أ- الجيم لأبى عمرو الشيبانى (94 - 206هـ). ب- أساس البلاغة للزمخشرى (467 - 538هـ). ج- المصباح المنير للفيومى (000 - 770هـ). 5 - معاجم الترتيب الألفبائى حسب أواخر الكلمات: أ- الصحاح للجوهرى (00 - 393هـ). ب- لسان العرب لابن منظور (630 - 711هـ). (أصدرت دار المعارف المصرية نسخة مرتبة ترتيب الألف باء حسب أوائل الكلمات). ج- القاموس المحيط للفيروزآبادى (729 - 817هـ). احتلت المعاجم العربية مكانا مرموقا بين المعاجم عبر عنه خبير المعاجم الأوروبى Haywood بقوله: "الحقيقة أن العرب فى مجال المعجم يحتلون مكان المركز سواء فى الزمان أو المكان بالنسبة للعالم القديم والحديث وبالنسبة للشرق والغرب". أ. د/أحمد مختار عمر

_ الهامش: 1 - البحث اللغوى عند العرب دكتور/أحمد مختار عمر عالم الكتب القاهرة ط6 سنة 1988م. 2 - صناعة المعجم الحديث دكتور/أحمد مختار عمر عالم الكتب القاهرة الطبعة الأولى 1998م. 3 - المعجم العربى دكتور حسين نصار مكتبة مصر بالفجالة الطبعة الثانية سنة 1968م. 4 - Arabicl exicogrphy، J.A، Haywood، Leiden 1960

40 - المعاصرة

40 - المعاصرة لغة: على وزن مفاعلة من العصر، وللعصر عدة معان أهمها وقت وجوب صلاة العصر وهو الوقت فى آخر النهار إلى احمرار الشمس. وعاصر فلانا لجأ إليه ولاذ به وعاش معه فى عصر واحد (كما فى المعجم الوسيط) (1). واصطلاحا: ورد لفظ العصر فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} العصر 1 - 3. يقول البيضاوى (2) فى تفسير الآية الأولى من هذه السورة: "أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة، أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب". والمعاصرة حسب هذا التعريف هى المعايشة بالوجدان والسلوك للحاضر والإفادة من كل منجزاته العلمية والفكرية وتسخيرها لخدمة الإنسان ورقيه. وتستخدم المعاصرة فى مقابل الأصالة، فيقال مثلا: "الإسلام بين الأصالة والمعاصرة" بمعنى كيفية تمكن الإسلام من مسايرة العصر والوفاء بمتطلباته والتعامل مع مقتضياته المتغيرة بثوابته الأصلية. والمعروف أن الإسلام يتضمن إلى جانب ثوابته الأصلية التى تتعلق بأصوله، مناهج تفتح كل الأبواب للتعامل مع كل المستجدات. فبجانب ثوابت العقيدة التى تصلح بطبيعتها لكل زمان ومكان لأنها متأسسة على الرسالة الخاتمة ومستمدة من فطرة الله التى فطر الناس عليها، هناك مناهج للتشريع تعتمد فى تطبيقاتها على الاجتهاد بإعمال العقل السليم فيما يجلب المصلحة العامة ويدرأ المفسدة ويسد الذرائع، فهى توجد، كما يقول الشاطبى (3) "حيث يكون العمل فى الأصل مشروعا لكن ينتهى عندما يؤول إليه من المفسدة" وقد عمل به الإمام مالك فى أكثر أبواب الفقه. ويعتبر الإمام محمد أبو زهرة ذلك توثيقا لمبدأ المصلحة التشريع الإسلامى. (4). وينبغى أن نفرق بين المعاصرة التى لا تتناقض من وجهة النظر الإسلامية مع الأصالة وبين العصرانية (العلمانية) التى تعتبر العصر وحده مصدرا للتشريع فى الحياة الاجتماعية العامة، وهذا الاتجاه الفكرى يحاول إبعاد الدين عن الحياة العامة واعتباره مجرد مسألة خاصة بكل إنسان، ويعتبره - فى أحسن الأحوال - مصدرا للمبادىء الخلقية والمعاملات الشخصية. أما السياسة وكل ما يتصل بالحياة العامة للإنسان لا للدين بها، أى علاقة وهذا مما يتناقض مع مبادىء التصور الإسلامى الصحيح (5). د/السيد محمد الشاهد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مادة (عصر) استانبول تركيا ط2 د. ت. 2 - تفسير البيضاوى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) 2/ 620 بيروت لبنان 1988م. 3 - الموافقات لأبى إسحاق الشاطبى تحقيق عبدالله دراز 4/ 100 دارالموتة بيروت د-ت. 4 - مناهج التشريع الإسلامى محمد البلتاجى جامعة الإمام محمد بن سعود 2/ 637 الرياض 1977م. 5 - رحلة الفكر الإسلامى من التأثر إلى التأزم السيد الشاهد دار المنتخب بيروت 1994م

41 - المعتزلة

41 - المعتزلة أصلها عزل واعتزل، وقد وردت هذه الكلمة عشر مرات فى القرآن الكريم كلها تعنى الإبتعاد عن شىء كما فى قوله تعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيل} النساء:90. والمعتزلة هم أول مذهب فى علم الكلام الإسلامى، بدأ فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى، واختلف المؤرخون لهذا المذهب الكلامى فى تحديد اسم مؤسسه، فذهب معظمهم إلى أنه واصل بن عطاء (ت131هـ/748م) الذى اعتزل مجلس، الحسن البصرى (110هـ/727م) عندما سئل الحسن البصرى عن مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر، وقبل أن يجيب الحسن البصرى على السؤال وقف واصل بن عطاء وقال: إنه فى منزلة بين المنزلتين أى بين الإيمان والكفر، بينما كانت الخوارج تذهب إلى تكفيره، وذهب أهل السنة إلى أنه مؤمن. وكان الحسن البصرى يذهب إلى أن مرتكب الكبيرة لامؤمن ولا كافر، وإنما يكون "منافقا" ووافقه بداية عمرو بن عبيد (145هـ /762م)، أما واصل بن عطاء فكان يرفض هذه الصفات الثلاث، فمرتكب الكبيرة عنده لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون "فاسقا" وقد أخذ واصل هذا المذهب عن أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية. وترجع تسمية واصل بن عطاء وأصحابه بالمعتزلة إلى قول الحسن البصرى بعد أن قام واصل من مجلسه وانتحى لنفسه مكانا آخر: "اعتزلنا واصل". أما القاضى عبد الجبار فيرجع أصل الاعتزال إلى عمرو بن عبيد، حيث يذكر أنه جرت بين واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مناظرة فى مسألة مرتكب الكبيرة، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهب واصل وترك مجلس الحسن البصرى، واعتزل جانبا فسموه معتزليا، وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة كما يقول القاضى عبد الجبار. ويذكر ابن المرتضى فى كتابه "المنية والأمل" أن المعتزلة كانوا يسمون أيضا "بالعدلية" لقولهم "بالعدل الإلهى"، و"الموحدة" لقولهم "لا قديم مع الله"، ويؤكد ذلك جعلهم العدل والتوحيد أول أصلين فى أصولهم الخمسة، حيث يأتى أصل "المنزلة بين المنزلتين" الذى كان سببا فى نشأتهم فى المركز الرابع بعد "الوعد والوعيد" أما الأصل الخامس والأخير فهو "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر". انقسم الاعتزال إلى مدرستين متوازيتين الأولى فى البصرة (البصريون) والثانية فى بغداد (البغداديون). وأهم رجالات مدرسة البصرة هم: واصل ابن عطاء، وعمرو بن عبيد وأبو الهزيل العلاف (227هـ/842م)، وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ/853م)، وعمرو بن بحر الجاحظ، وأبو على الجبائى (303هـ/924م).وابنه عبد السلام الجبائى (أبو هاشم 321هـ/941م) (أخذ عنهما أبو الحسن الأشعرى (324هـ/944م) الاعتزال فى أول الأمر قبل أن ينقلب على الاعتزال فيما بعد) ثم القاضى عبد الجبار الهمذانى (415هـ/1025م) صاحب موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل، والمحيط بالتكليف، وشرح الأصول الخمسة، وغيرها من المؤلفات الكبيرة فى شتى العلوم الشرعية. ومن تلامذة القاضى عبد الجبار: الحسن بن متويه، وأبو الحسين البصرى (436هـ/1045م) وأبو رشيد سعيد النيسابورى (460هـ/1067م) صاحب كتاب "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين"، ثم ركن الدين محمود ابن الملاحمى (536هـ) ومحمود ابن عمر الزمخشرى (538هـ) ثم تقى الدين النجرانى (656هـ) صاحب "الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء". أما أهم أعلام مدرسة بغداد فهم: بشر بن المعتمر (210هـ/825م) وأبو موسى المردار (226هـ/844م) وثمامة بن الأشرسر (213هـ/831م) وأبو الحسين الخياط (190هـ /818م) وأبو جعفر محمد الإسكافى (240هـ/858م) وأبو القاسم الكعبى (319هـ/938م) وأبو بكر الأخشيدى (326هـ/946م). وقد شهد تاريخ الاعتزال خلافات كثيرة بين مدرستى البصرة وبغداد لخصها أبو رشيد سعيد النيسابورى فى كتابه المعروف: "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين". إلا أن الاعتماد على العقل فى تفسيرالنصوص الشرعية كان قاسما مشتركا بين المدرستين. وكان تمادى المعتزلة فى الاعتماد على العقل والمبالغة في التعويل عليه فى تفسير بعض المسائل الحساسة مثل مسألة الصفات، مما أوقعهم فى مخالفات بل وعداوات مع متكلمى أهل السنة مثل الأشاعرة وغيرهم من السلفيين مثل ابن تيمية (728هـ/1328م)، وكان السبب فى هذا الخلاف حرص المعتزلة على إفراد الله عز وجل بصفة القدم حتى أنهم رفضوا كل ما من شأنه أن يؤدى إلى القول بقدم أى شىء سوى ذاته تعالى. وقد قسم المعتزلة الصفات إلى قسمين صفات ذات وهى التى لاتنفك عنها الذات مثل: الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة، ثم صفات أفعال التى ترتبط بالزمان من حيث الوجود والعدم، وقد ترتب على مذهبهم هذا القول بخلق القرآن، وأن كلام الله مخلوق، مما أثارعليهم غضب أهل السنة خاصة بعدما حدثت محنة الإمام أحمد بن حنبل فى عهد المعتصم. كما اشتهروا بقولهم: إن الإنسان خالق، لأفعاله على الحقيقة بقدرة خلقها الله فيه. وجعلوا ذلك أساسا للاستحقاق، والذى يعرف حاليا بمشكلة حرية الإرادة فإنسانية، كما عرف عنهم خلافهم مع أهل السنة فى تفسير رؤية البارى عز وجل فى الدار الآخرة وقد أفرد القاضى عبد الجبار مجلدا لهذه المسألة في موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل (المجلد الرابع). أ. د/السيد محمد الشاهد

_ مراجع الاستزادة: 1 - شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة سنة 1965. 2 - المحيط بالتكليف جمع الحسن بن متويه تحقيق عمر السيد عزمى د-ت. 3 - المغنى فى أبوإب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار تحقيق مجموعة من العلماء، القاهرة 1965. 4 - المنية والأمل لأحمد بن يحيى بن المرتضى تحقيق نوما أرنولد بيروت 1316هـ. 5 - الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء تحقيق د/السيد الشاهد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

42 - المعجزة

42 - المعجزة المعجزة: هى البرهان الذى يثبت صدق أى نبى أو رسول فى دعواه النبوة أو الرسالة، واشتقاق الكلمة من إعجاز الأمر الخارق الذى يقع على يد النبى أو الرسول للبشر أن يأتوا بمثله. وإنما كانت المعجزة دليلا على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه أنه مكلف من الله، ومختار منه بالنبوة والرسالة، لأن اجتماع المعارضين له على تكذيبه، وشحذ هممهم وتجميع كل قواهم، لإثبات بطلان دعواه، ثم يعجرون عن الإتيان بمثل الفعل الخارق الذى أتى به دليل على أن الفعل الذى جاء به، أو جرى على يديه خارج عن قدرة البشر فإن معنى ذلك أنه لم يأت بهذا الفعل الخارق من عند نفسه، لكنه مؤيد من الله، وأن المعجزة حينئذ تكون - كما قال علماء العقيدة: -بمثابة إعلان الله عز وجل تصديقه لنبيه، وقائمة مقام قوله "صدق عبدى فيما يبلغ عنى" لأن الذى يستطيع أن يخرق النظام الكونى، ويعطل قوانينه الثابتة المعتادة، إنما هو خالق النظام الكونى نفسه، وواضع قوانينه، لأنه وحده الذى يقدر على ذلك، ولذلك تعرف المعجزة بأنها: "أمرخارق للعادة يظهره الله على يد مدعى النبوة تصديقا له فى دعواه مقرونة بالتحدى مع عدم المعارضة". فلكى تعرف المعجزة وتتميز عن غيرها من الأمور- الخارقة، لابد أن تكون: خارقة للعادة أى خارقة للقوانين الكونية المعتادة، والنواميس الكونية الثابتة كعدم إحراق النار، وإحياء الموتى، وقلب العصا حية تسعى. - أن تقع على يد نبى أو رسول يعلن دعواه النبوة ة لكى تتميز عن كرامة الأولياء. - أن تجرى على وفق دعواه، فتكون تصدلقا له حتى لا تكون إهانة لا معجزة. - أن تقترن بالتحدى من قبل النبى لقومه ومن قبلهم له. - أن يعجزوا عن معارضته، فإذا أتوا بمثلها لا تكون معجزة، بل تكون حينئذ من قبيل الأمور التى يمكن تعلمها، والإتيان بمثلها كالسحر. والمعجزة فى حقيقة أمرها رسالة إلى العقل الإنسانى، لأنها عندما يقبلها العقل يقبل دلالتها على الفور على صدق الرسول، ومن ثم تثبت نبوة النبى أو رسالة الرسول بعد قبول العقل لها، واقتناعه بها. وإذا كانت تثبت بالتواتر بعد ذلك حين تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل بواسطة عدد من الناس يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب وقد قال العلماء فإن العلم بالتواتر هو أحد أقسام الضروريات. ولما كانت المعجزة تستمد قوتها فى الدلالة على صدق الرسالة من أنها خرق للنظام المعتاد، فإن خرقها لما اعتاده الناس إنما يأتى من تصديق الأئمة الذين بلغوا غاية العلم فيما اعتاده الناس، لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل المعجزة. ولذلك جاءت كل معجزة مما برع فيه الناس، وبلغوا غاية العلم به فى عصره، فإذا أذعن هؤلاء عرف أن ما أتى به الرسول ليس ومن قبيل ما علموه غاية العلم، وإنما هو من باب آخر غير ما يعلمونه. ومن ثم جاءت معجزة موسى عليه السلام أشبه بالسحر لكنها ليست منه، لأن القوم كان قد برعوا فى السحر، فلما انقلبت العصا حية على يد موسى أمام السحرة الذين بلغوا منتهى العلم بالسحرة عرفوا أن ما أتى به موسى ليس سحرا {وألقى السحرة ساجدين} الأعراف:120. وكذلك جاءت معجزة عيسى عليه السلام أشبه بالطب، لكنها كانت غيره، لأن القوم كانوا قد برعوا فى الطب، فلما أحيا عيسى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص أمام الذين بلغوا غاية ومنتهى العلم فى الطب، عرفوا أن ما أتى به عيسى ليس من قبيل الطب، وإنما هو أمر خارق للنظام العام. وبالنسبة لمعجزة القرآن فقد جاءت متجاوزة حدود البشرية فى أمرين: اللغة والتشريع. أما اللغة فقد كان نزول القرآن فى وقت بلغت فيه اللغة العربية منتهى إمكان البشر فى التطور اللغوى فى الفكرة والأساليب، فلما جاء القرآن الكريم جاء متجاوزا حدود الإمكانات البشرية، وأدرك ذلك أئمة اللغة، وفحول الخطباء والشعراء الذين عجروا عن الإتيان بمثل القرآن ونظمه البلاغى. وأما فى التشريع، فقد أثبتت مقارنته بغيره من النظم التشريعية البشرية عبر العصور تفوق التشريع القرآنى بتوازنه العادل فوق كل الأنظمة التى أنتجتها حكمة البشر وقدرتهم التشريعية. ذلك مما أعطى القرآن صفة المعجزة الدائمة، وهى سمة تتسم بها معجزة القرآن عما سبقها من معجزات الرسل السابقين. وهناك سمة أخرى تتميز بها المعجزة القرآنية، وهى أن المعجزات السابقة كانت - كما قال ابن رشد - من غير طبيعة الرسالة، لأن الرسول إنما يأتى ليضع النظام الذى يكفل لمن أرسل إليهم خطة الحياة الفاضلة، ولكن معجزة موسى وعيسى عليهما السلام لم تكن من هذا الباب، وإنما كانت الأولى مما أشبه بالسحر وكانت الثانية مما أشبه الطب. أما معجزة القرآن فقد جاءت من قبيل تشريع من نفس فعل الرسالة وطبيعتها. مما أعلطاها من القيمة البرهانية على الرسالة أكثر مما أعطت المعجزات السابقة من البرهنة على رسالاتها إلى درجة جعلت إماما كابن رشد يقلل من القيمة البرهانية للمعجزات السابقة إلى درجة لا نوافق عليها. فالقرآن الكريم نفسه يقول عن معجزة اليد والعصا: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه} القصص:32. على أن القرآن الكريم أعطى للمعجزات السابقة مصداقية حين صدق بها وبدلالاتها، ولولا روايته لها وتصديقه لدلالاتها، لربما انقطع تواترها، ولكنه بإيرادها حملها إلى الأجيال بنفس ما هو عليه من درجة الوثوق والمصداقية. ثم إن هناك وجوها أخرى لإعجاز القرآن أسهبت فى بيانها كتب العقائد والتاريخ والسنن قديما، وكتب العلوم حديثا. فالقرآن أخبر بوقائع سبقته لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم علم بها وأخبر بوقائع لحقته، لم يكن له صلى الله عليه وسلم المقدرة على التكهن بها واستنتاجها، كما أخبر بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين، مع أن وقائع الأحداث لم تكن تبشر بأدنى شىء من هذا التوقع، مما جعل المؤرخ الإنجليزى (جيسن) يحدث بأن القرآن لو لم يكن فيه دليل على مصدريته من الله إلا هذا الخبر لكفى. وكتب العلوم ونظرياتها لم تثبت أى تعارض لمصادر القرآن الكريم، مما يجعل الثقة قائمة فى أن مصدر القرآن، ومصدر الحقيقة العلمية عندما تثبت واحد وهو الله، فخالق الكون، وواضع سننه وقوانينه هو منزل القرآن. أما الماديون الذين ينكرون المعجزات فحججهم واهية، لأنها تقوم على إنكار الوقوع لا على إنكار الإمكان، لأن إمكانها ضرورى فالذى خلق السموات والأرض وأبدع نظام الكون، وأقامه على قوانين وسنن قادر على أن يخرق هذه القوانين والسنن، ويبدلها فى حالة خاصة بقانون خاص. أما إنكار الوقوع، وأن المعجزات لم تحدث، فيقوم عندهم على الطعن فى التواتر أو الطعن فى إفادة التواتر لليقين، فهى عندهم لا تثبت فى حق الغائبين الذين لم يروها، ويمكن الرد على هؤلاء بأن معجزة القرآن مازالت باقية بين أظهرنا الآن والتحدى بها قائم والعجز عن معارضته مازال مستمرا، وبالتالى تثبته وقوع المعجزات الأخرى، لأنه أثبتها. ومن ناحية أخرى فإن الطعن فى التواتر أو فى إفادة التواتر لليقين طعن فى قانون أساس من قوانين الفكر، فالمتواترات - كما قيل - أحد أقسام الضروريات ولو طعن فى التواتر، وإفادته اليقين لما بقى خير يفيد اليقين إطلاقا، ولم يقل بذلك أحد. وبذلك لا يبقى للماديين مستند معقول لإنكار المعجزات. أ. د/عبد المعطى محمد بيومى

_ مراجع الاستزادة: 1 - مقاصد الطالبين فى علم أصول الدين لسعد الدين التفتازانى ج2 طبع المطبعة العاصر، استانبول 1277هـ. 2 - تهافت التهافت ابن رشد دار المعارف بمصر سنة 1971م ط2. 3 - مناهج الأدلة فى عقائد الملة (لابن رشد) مع مقدمة فى نقد مدارس علم الكلام تقديم وتحقيق د/محمود قاسم مكتبة الأنجلو المصرية سنة 1964م. 4 - دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى ج6 ط3 دار المعرفة بيروت لبنان سنة 1971م. 5 - الوحى المحمدى السيد محمد رشيد رضا مطبعة المنار بمصر سنة 1935م

43 - المعصية

43 - المعصية لغة: الخروج عن الطاعة ومخالفة الأمر (1). واصطلاحا: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله، ويرادفها: المحظور والحرام. والذنب (2)، وإذا كانت المعصية عبارة عن مخالفة أمر الله وطاعته مما يوجب سخط الله تعالى ويتوجب العقاب فاعلم أنها تنتج عن مجموعة صفات فى الإنسان كل منها يتعلق به أنواع من المعاصى تختلف عن الأنواع الأخرى وهذه الصفات هى (3): 1 - صفات ربوبية: ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء، والعز، وطلب الإستعلاء، ونحو ذلك، وهذه ذنوب مهلكات، وبعض الناس يغفل عنها فلا يعدها ذنوبا. 2 - صفات شيطانية: ومنها يتشعب الحسد، والبغى، والحيل، والخداع، والمكر والغش، والنفاق، والأمر بالفساد، ونحو ذلك. 3 - صفات بهيمية: ومنها يتشعب الشر، والحرص على قضاء شهوتى البطن والفرج، فيتشعب من ذلك الزنا، واللواط، والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات. 4 - صفات سبعية: ومنها يتشعب الغضب، والحقد، والتهجم على الناس بالقتل والضرب، وأخذ الأموال، وهذه الصفات لها تدرج فى الفطرة. فالصفة البهيمية هى التى تغلب أولا، ثم تتلوها الصفة السبعية ثانيا، فإذا اجتمعت هاتان استعملت العقل فى الصفات الشيطانية من المكر والخداع، ثم تغلب الصفات الربوبية، فهذه أمهات المعاصى ومنابعها، ثم تنفجر المعاصى من هذه المنابع إلى الجوارح، فبعضها فى القلب كالكفر، والبدعة والنفاق وإضمار السوء، وبعضها فى العين، وبعضها فى السمع، وبعضها فى اللسان، وبعضها فى البطن والفرج، وبعضها فى اليدين والرجلين، وبعضها فى جميع البدن، وهذا كله واضح لا يحتاج إلى تفصيل. وقد اختلف الفقهاء فى تصنيف الذنوب والمعاصى على ثلاثة أوجه: الأول: أنها تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهو المشهور بين الفقهاء، ويساعدهم إطلاقات الكتاب والسنة، لقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} الحجرات: 7، فجعل الفسوق وهو الكبائر تلى رتبة الكفر، وجعل الصغائر تلى رتبة الكبائر وقد خصص النبى صلى الله عليه وسلم بعض الذنوب باسم الكبائر. الثانى: أن الذنوب كلها قسم واحد وهو الكبائر، وهو طريقة جمع عند الأصوليين منهم الأستاذ أبو إسحاق، ونفى الصغائر، وجرى عليه إمام الحرمين فى الإرشاد، وابن فورك فى كتابه "مشكل القرآن" فقال: المعاصى عندنا كبائر، وإنما يقال لبعضها: صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا، وكلها كبائر. الثالث: أن المعاصى تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - كبيرة: كقتل النفس بغير حق. 2 - فاحشة: قتل ذا رحم. 3 - صغيرة: سائر الذنوب كالخدشة والضرب مرة أو مرتين. ويظهر من هذه الأقوال أن الخلاف لفظى، فإن رتبة الكبائر تتفاوت قطعا واختلف العلماء فى تعريف الكبيرة اختلافا كبيرا، كذلك اختلفوا فى حصرها وعدد أنواعها. لكن الصحيح كما قال الواحدى فى البسيط: إنه ليس للكبائر حد يعرفه العباد، وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد ليجتهد كل واحد فى اجتناب ما نهى عنه، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى فى الصلوات، وليلة القدر فى رمضان. هل الإصرار على الصغائر يجعلها فى منزلة الكبائر أم لا؟ نجد عند الأصوليين أن الإصرار له معنيان: أحدهما: العزم على فعل المعصية بعد الفراغ منها. والثانى: المداومة على فعل الصغائر. وحكم الإصرار بالمعنى الأول حكم من كررها فعلا فيتحمل بذلك إثما، وحكم الإصرار بالمعنى الثانى أنه إن كان على نوع واحد من الصغائر غفرت بكثرة الطاعات، وإن كان الإصرار على أنواع متعددة لا تغفر بكثرة الطاعات بل لابد من التوبة عنها حتى تغفر. أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور (4/ 2981)، دار المعارف. 2 - المعجم الوسيط 2/ 606 دار المعارف 1972م. 3 - الحدور الأنيقة والتعريفات الدقيقة، للشيخ زكريا الأنصارى، تحقيق د/مازن المبارك ص76 دار الفكر المعاصر بيروت 1991م. 4 - مختصر منهاج القاصدين لأبى العباس المقدسى الحنبلى ص257، 258، طبعة ابن زيدون بدمشق 1347هـ. 5 - البحر المحيط للزركشى 4/ 275 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت الأول 1990م. مراجع الاستزادة: 1 - ابن حجر الهيتمى 1/ 5 الزواجر عن اقتراف الكبائر. مطبعة الحلبى وأولاده بمصر الطبعة الثانية 1390هـ. 2 - من وصايا الرسول شرح وتعليق طه عبد الله العفيفى (6/ 10) دار الاعتصام الطبعة الثالثة 1397هـ

44 - المعلقات

44 - المعلقات لغة: جمع مُعَلَّقة، يقال علّق الشىء تعليقا: جعله معلقّا (1) وعُلّقَها وعُلِّقَ بها تعلّيقا: أحبها وهو معلّق القلب بها (2) والعِلْقُ (بالكسر) النفيسُ من كل شىء (3). واصطلاحا: هى السبع أو العشر الطوال من أشهر القصائد لفحول الشعر العربى فى العصر الجاهلى. وقد ذكر المؤرخون للأدب العربى أنه قد بلغ من حب العرب للشعر وتفضيلهم إياه أن عمدت إلى سبع قصائد- على الأشهر- تخيرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب، وعلقتها فى أستار الكعبة، فمنه يقال: مذهّبه أمرىء القيس، ومذهبة زهير .. والمذهّبات السبع، وقد يقال: لها المعلقات (4). وقد نقل البغدادى) ما يشبه هذا الكلام، ثم قال (ذكر ذلك غير واحد من العلماء، وقيل: كان الملك إذا استجاد قصيدة يقول: علقوا لنا هذه لتكون فى خزانته) (5). وقد تعرض مصطلح المذهّبات) و (المعلقات) لشىء من النقد والاعتراض من بعض القدماء والمحدثين من مؤرخى الأدب، وقد اعتمد هذا الاعتراض على أساسين: الأول أن العرب لم يكونوا فى العصر الجاهلى أمة كاتبة حتى تسجل شعرها وتكتبه ثم تعلقه. والثانى: أن الكعبة لها من القداسة والاحترام ما لا يبيح لأحد أن يعلق فيها شيئا من الأشعار أو غيرها. وواضح أن هذا الاعتراض بشقيه مردود عليه .. فشبهة أن العرب كانوا أمة لا تعرف الكتابة، أمر غير صحيح، ويكفى أن نشير إلى موقف مشركى مكة فى بداية الدعوة الإسلامية، وقد اتفقوا على مقاطعة النبى ? ومقاطعة أقربائه الذين يحمونه من أذى قريش، وبخاصة أهله من بنى هاشم وبنى عبد المطلب، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها فى جوف الكعبة، ولما لم تجدهم نفعا تلك المقاطعة، وأحسوا بفشل هذه المحاولة، ذهبوا إلى الكعبة لنقض الصحيفة، فوجدوها قد تآكلت ولم يبق من المكتوب فيها إلا اسم الله عز وجل (6). وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن فى العرب قبل الإسلام من كان يعرف الكتابة. أما شبهة أن الكعبة لقداستها لم يكن يباح لأحد أن يعلق فيها شيئا فقد ثبت أنهم كانوا لا يعلّقون فى الكعبة إلا كل أمر ذى شأن له خطورته وأهميته فى نظرهم .. ومعروف أن الشعر أيضا كان ديوان العرب، وهو سجل حياتهم ومعقد شرفهم وافتخارهم .. ومن ثم كان اعتدادهم بهذه القصائد التى كانت جديرة فى تقديرهم بأن تعلّق فى الكعبة، شأنها فى ذلك شأن كل شىء له مكانته وأهميته عندهم، ومن هنا كان إطلاق (المعلقات) على هذه القصائد التى اختاروها من عيون شعرهم لأبرز شعرائهم .. ومن المعلوم أن هذه القصائد (المعلقات) تعد أول ما دون من مصادر الشعر الجاهلى. أما الشعراء أصحاب هذه المعلقات السبع (على المشهور) فهم امرؤ القيس، وعدد أبيات معلقته اثنان وثمانون، وأولها: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل وطرفة بن العبد وعدد أبيات معلقته مائة بيت واثنان وأولها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلّوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد وزهير بن أبى سلّمى، وأبيات معلّقته تسعة وخمسون، وأولها: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم وعنترة بن شداد العبسى، وأبيات معلّقته تسعة وسبعون، وأولها: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم وعمرو بن كلثوم، وأبيات معلقته أربعة وتسعون، وأولها: ألا هبى بصحنك فاصبحينا ولا تبقى خمور الأندرينا ولبيد بن ربيعة، وأبيات معلقته ثمانية وثمانون، وأولها: عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها والحارث بن حلّزة، وأبيات معلقته أربعة وثمانون وأولها: آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء وتعذ هذه المعلقات من أجود الشعر العربى من حيث دقة المعنى، وسعة الخيال، وبراعة الأسلوب، وصدق التصوير والتعبير عن الحياة التى عاشها العرب فى عصرهم الجاهلى. وقد بلغت من الشهرة والذيوع ما جعل الشرَّاح يتناولونها بالعديد من شروحهم وتحليلاتهم، ومنها: شروح: أبى بكر البطليوسى المتوفى سنة 194 هـ، وأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ، وأبى علّى الثعالبى المتوفى سنة 356 هـ، وأبى زكريا بن الخطيب التبريزى المتوفى سنة 502 هـ، ومن شراح المعلقات أيضا:/ الدميرى صاحب كتاب حياة الحيوان،، والزوزنى، وأبو زيد القرشى صاحب (جمهرة أشعار العرب) (7). أ. د. صلاح الدين محمد عبد التواب

_ المراجع 1 - القاموس المحيط للفيروز آبادى 3 - 268 دار الفكر- بيروت. 2 - لسان العرب لابن منظور 3/ 3073 الطبعة الخامسة- دار المعارف بمصر. 3 - الصحاح للجوهرى 4/ 1530 الطبعة الأولى تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. 4 - العقد الفريد لابن عبد ربه 2/ 112 الطبعة الثانية- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، محمد رشاد عبد المطلب- لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1373 هـ 1953 م. 5 - خزانة الأدب، للبغدادى 1/ 123 - 124 المطبعة السلفية 1347 هـ بولاق، وانظر مصادر الشعر الجاهلى وقيمتها التاريخية- د. ناصر الدين الأسد ص 169 - 172 دار المعارف بمصر 1956م. 6 - السيرة النبوية، لابن هشام 2 17 - 21 تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف سعد- مكتبة ومطبعة عبد السلام بن محمد بن شقرون القاهرة 1974م. 7 - الحياة الأدبية فى عصرى الجاهلية وصدر الإسلام- د. محمد عبد المنعم خفاجى، د. صلاح الدين محمد عبد التواب- 1/ 6 0 2 - 223، الطبعة الأولى دار الزهراء للطباعة والنشر القاهرة 1392 هـ 1972 م.

45 - المغرب العربي

45 - المغرب العربي اصطلاحا: يشتمل المغرب العربى على خمس دول هى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ودوله متنازع عليها هى الصحراء الغربية، وذلك على عكس دول المشرق العربى العديدة. وتبلغ المساحة الإجمالية للمغرب العربى نحو ستة ملايين كيلو متر مربع، أو 45% من مساحة العالم العربى و 4.6% من مساحة دول العالم. أكبرها الجزائر (2.38 مليون كم 2) وأصغرها تونس (163 ألف كم2). وإجمالى سكان المغرب العربى نحو 72 مليون شخص (30% من سكان العالم العربى و 2، ا% من سكان العالم). وأكثر الدول سكانا الجزائر (27 مليونا) والمغرب (26,5 مليونا) وأصغرها ليبيا (5.4 مليون). وأكبر العواصم هى مدينة الجزائر (نحو 3.7 مليون شخص) وأصغرها نواكشوط (480 ألفا). نسبة الإسلام السنى تكاد تصل إلى 100% من السكان الذين يعودون إلى السلالة البربرية Berberide التى هى فرع من سلالة البحر المتوسط، وتكون أساس سكان كل شمال أفريقيا بما فيها مصر التى تأثرت فيما بعد بالسلالة "الشرقية" Onentalide. والبربر هم بقايا السلالة الذين احتفظوا بميزاتهم ولغاتهم عكس بقيه السكان الذين انتقلوا إلى اللّغة العربية منذ قرون. أكثر البربر هم فى دولة المغرب والجزائر وآخرهم شرقا سكان واحة سيوة فى مصر. وتتمتع دولة المغرب وشمال الجزائر وشمال ووسط تونس بقدر وفير من الأمطار الشتوية وجريان نهرى كثير إلا أن معظمها أنهار قصار عدد ما جردا فى تونس ومجموعة أنهار المغرب المتجهة إلى المحيط الأطلنطى. وفى أقصى جنوب موريتانيا قدر من المطر الصيفى والجانب الأيمن من مسار نهر السنغال. وهذه هى مناطق التكاثف السكانى التقلّيدية فى المغرب العربى. أما بقية الأراضى فهى جزء من الصحراء الكبرى الأفريقية التى تمتد فى معظم ليبيا وجنوب تونس ومعظم الجزائر وجنوب المغرب وكل الصحراء الغربية وغالب أرض موريتانيا، وتمتلئ بمجموعات من الواحات الغنية كانت محطات مهمة لدروب التجارة التاريخية بين شمال أفريقيا وإقليم الساحل فى غرب أفريقيا حيث المنتجات المدارية. وتتميز منطقة الشمال الأفريقى بسلاسل الأطلس الجبلية العالية التى كانت موطنا اعتزلت فيه الجماعات البربرية، وفى قلب الصحراء ترتفع هضاب وجبال عالية أشهرها جبال تبستى فى جنوب ليبيا وهضبة الحجار فى جنوب الجزائر. والأخيرة هى الموطن الأساسى لقبائل وعشائر الطوارق رعاة الإبل الذين يتلثم فيهم الرجال دون النساء، وأشار إليهم ابن بطوطة فى رحلاته فى القرن 3 1م. الزراعة والرعى هما العماد الاقتصادى لدول المغرب وأضيفت إليهما الثروة البترولية والغاز الطبيعى التى تتركز فى شرق ليبيا ووسط صحراء الجزائر. ونظرا لقلة عدد سكان ليبيا فإن متوسط الدخل الفردى السنوى فيها هو أعلاه فى دول المغرب (نحو 9400 دولار) مقابل ما بين ألف وألفى دولار فى بقيه الدول عدا موريتانيا حيث يصل الدخل إلى أقل من 500 دولار. والأهمية الاستراتيجية للمغرب العربى أنه جغرافيا أقرب مناطق العرب إلى أوروبا الجنوبية ويشترك فى السيطرة على وسط وغرب البحر المتوسط، وبذلك فهو شديد الأهمية فى استراتيجية الأمن الأوروبية وحلف الأطلنطى. هذا فضلا عن أنه أقرب مصادر البترول لأوروبا ويرتبط معها بشبكة أنابيب للغاز تحت البحر إلى أسبانيا وإيطاليا. ولكن ارتباطاته خلال القرنين الماضيين بأوروبا وخاصة فرنسا جعلت له إشكاليات عديدة تنحو به إلى مسار مختلف عن المشرق العربى. لكنه فى صراعه من أجل الجذور الحضارية والقوة السياسية يلتفت بقوة إلى المشرق لتأصيل عروبته وديانته الإسلامية. وتبقى إشكاليه محليه فى إقليم المغرب هى إيجاد حل للدعوة التى ينادى بها بعض جماعات البربر بضرورة ترك هامش لتأصيل اللغة البربرية، وجعلها لغة رسمية فى مناطق البربر جنبا إلى جنب مع اللغة العربية. ويشكل البربر نحو 40% من السكان فى المملكة المغربية ونحو 30% فى الجزائر. والملاحظ أن هناك تسيسا خارجيا فى هذه الدعوة جنبا إلى كونه نابعا من داخل جسم المجموعة البربرية. وفضلا عن ذلك فإن البربر لا يتكلمون لغة واحدة بل لغات ولهجات متعددة فأيها هى التى يقع عليه الاختيار لغة قومية للبربر؟. أ. د/ محمد رياض أحمد رياض

_ المراجع 1 - نفح الطيب: المقرى 1/ 114. 3 - مروج الذهب: المسعودى 2/ 102

46 - المفقود

46 - المفقود لغة: الضائع والمعدوم، يقال فقد الشىء يفقده فقدا وفقدانا وفقودا: ضله وضاع منه، وفقد المال ونحوه: خسره وعدمه (1). واصطلاحا: غائب لم يدر موضعه وحياته وموته، وأهله فى طلبه يجدون، وقد انقطع خبره وخفى عليهم أثره (2). ويتعلق بالمفقود أحكام متعددة منها: (أ) زوجة المفقود، تبقى زوجة المفقود على نكاحه وتستحق النفقة فى قول الفقهاء جميعا، ويقع عليها طلاقه وترثه ويرثها ما لم ينته الفقدان، ولكن إلى متى تبقى كذلك؟ وقد جاء فى السنة حديث واحد وهو قوله ?: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر) (3). وهذا النص المجمل جاء بيانه فى قول على - رضي الله عنه -: بأن امرأة المفقود تبقى على عصمته إلى أن يموت أو يأتى منه طلاقها (4). وذهب الحنفية (5) والشافعى فى الجديد (6)، وعمر رضى الله عنه إلى أن امرأة المفقود تتربص أربع سنين، ثم تعتد للّوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا انقضت حلت للأزواج (7). وتبدأ مدة التربص من حين رفع الأمر إلى القاضى، وهو قول عمر - رضي الله عنه -، وهو المذهب عند المالكية (8) وقيل تبدأ المدة من حين الغيبة، وهو قول للشافعى، والرواية الأصح عند الحنابلة. ويعتبر المفقود حيا بالنسبة لأمواله، فلا يرث منه أحد، ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقة أو يحكم باعتباره ميتا، ولا يرث المفقود من أحد وإنما يتعين وقف نصيبه من إرث مورثه، ويبقى كذلك إلى أن يتبين أمره، ويكون ميراثه كميراث الحمل، فإن ظهر أنه حى استحق نصيبه، وإن ثبت أنه مات بعد موت مورثه استحق نصيبه من الإرث كذلك، وإن ثبت أنه مات قبل موت مورثه، أو مضت المدة ولم يعلم خبره، فإن ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة المورث. وإن كان المفقود ممن يحجب الحاضرين، لم يصرف إليهم شيء، بل يوقف المال كله، وإن كان لايحجبهم، يعطى كل واحد الأقل من نصيبه الإرثى على تقدير حياة المفقود، وعلى تقدير موته (9). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - ترتيب القاموس المحيط 3/ 509، المصباح المنير 2/ 478. 2 - المبسوط للسرخسى 11/ 34، 38، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/ 479، مغنى المحتاج3/ 398. 3 - أخرجه الدارقطنى عن المغيرة بن شعبة، وضعفه الزيلعى فى نصب الراية، سنن الدارقطنى3/ 312، نصب الراية3/ 473. 4 - أخرجه عبد الرزاق فى المصنف 7/ 0 9. 5 - المبسوط للسرخسى 11/ 35، بدائع الصنائع 6/ 196. 6 - مغنى المحتاج 3/ 397. 7 - مصنف ابن أبى شيبة 4/ 237. 8 - التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4/ 156. 9 - حاشية الطحطاوى على الدر المختار 2/ 509' التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4/ 161 وما بعدها، الفروع لابن مفلح 5/ 35 وما بعدها.

47 - المقامة وكتابها

47 - المقامة وكُّتابها لغة: المقامة فى الأصل المقام أى موضع القيام. ثم توسعوا فيها فاستعملوها استعمال المجلس والمكان، ثم كثرت حتى سموا الجالسين فى المقام مقامة، كما سموهم مجلسا، إلى أن قيل لما يقام فيها من خطبة أو عظة أو ما أشبهها مقامة أو مجلّس، فيقال: مقامات الخطباء، ومقامات القصاص، ومقامات الزهاد. واصطلاحا: حكاية قصيرة أنيقة الأسلوب، تشتمل على عظة أو ملحة. وقد نشأ هذا النوع من القصص فى أواسط الدولة العباسية وهو عهد الترف الأدبى والإنشاء الصناعى الأنيق، وقد أجاده بديع الزمان إجادة أحلته منه محل الزعيم. وتدور المقامة على حادث عادى يسند إلى شخص معين، هو ما يسمى فى اصطلاح الفن القصصى بالبطل، كأبى زيد السروجى فى مقامات الحريرى، وأبى الفتح الإسكندرى فى مقامات البديع، وبين هذا البطل وبين رجل آخر صلة وثيقة ومعرفة قديمة، فهو يراه فى كل حادثة، ويسمعه فى كل مجلس، ويفاجأ به فى كل سر، ثم يروى للناس ما علّيه من خير أو شر. ذلك هو الراوى، كعيسى بن هشام فى مقامات البديع، والحارث بن همام فى مقامات الحريرى. وليس الغرض من المقامة جمال القصص ولا حسن الوعظ ولا إفادة العلم وإنما هى قطعه أدبيه فنية يقصد بها جمع شوارد اللغة ونوادر التركيب فى أسلوب مسجوع، أنيق الوشى، يعجب أكثر مما يؤثر، ويلذ أكثر مما يفيد. ولم تراع قواعد الفن القصصى فيما كتب من هذا النوع، فلم يعن كاتبو المقامات بتصوير الحكايات وتحليل الأشخاص، وإنما صرفوا همهم إلى تحسين اللفظ وتزيينه. أما كتابها فقد علم أن ابن دريد اخترع أربعين حديثا عرضها عرضا تصويريا دقيقا كانت بداية التطور لنشأة المقامة. ثم جاء بديع الزمان الهمذانى المتوفى سنه 398 هـ فأملى أربعمائة مقامة فى الكدية وغيرها، نحلها أبا الفتح الإسكندرى على لسان عيسى بن هشام، ولم يعثروا منها إلا على ثلاث وخمسين مقامة. ثم جاء بعده الحريرى المتوفى سنة 516 هـ فكتب خمسين مقامة نسبها إلى أبى زيد السروجى على لسان الحارث بن همام، ونسجها على منوال البديع. ثم عالج المقامات بعد هذين النابغين طائفة من الكتاب لم يدركوا شأوهما، كالمقامات السرقسطيه لابن الأشتركونى المتوفى سنة 538 هـ، وهى خمسون مقامة أنشأها بقرطبة عند وقوفه على ما أنشأ الحريرى بالبصرة، وقد أتعب فيها خاطره وأسهر ناظره، ولزم فى نثرها لزوم مالا يلزم. حدث فيها المنذر بن حمام عن السائب بن تمام. ومقامات الزمخشرى المتوفى سنه 538 هـ وهى مشهورة، والمقامات المسيحية لأبى العباس يحيى بن سعيد بن مارى النصرانى البصرى الطبيب المتوفى سنه 586 هـ نسجها على منوال الحريرى. ثم مقامات أحمد بن الأعظم الرازى وهى اثنتا عشرة مقامة كتبها سنة 630 هـ وجعل الرازى فيها القعقاع بن زنباع، وغيره. والمقامات الزينية لزين الدين بن صيقل الجزرى المتوفى سنه 701 هـ وهى خمسون مقامة عارض بها المقامات الحريرية، نسبها إلى أبى نصر المصرى، وعزا روايتها إلى القاسم بن جريان الدمشقى. ثم مقامات السيوطى وهى بالرسائل أشبه منها للمقامات. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - تاريخ الأدب العربى للزيات- الطبعة الرابعة والعشرون- مطبعة الرسالة- عابدين- القاهرة- بدون تاريخ. 2 - المدخل فى النقد الأدبى- دكتور/ محمد غنيمى هلال- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة- ط 2 سنة 1962 م.

48 - المقاييس

48 - المقاييس لغة: جمع مقياس وهوالمقدار كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: عبارة عن الوحداته التى تقاس بها الأشياء. وهى المبادئ الثابتة التى تقاس بها التصرفات الشرعية والمبادئ الأخلاقية. والمقصود هنا المعنى الأول وهى الواحدات التى تقاس بها الأشياء. وهده المقاييس تشتمل على نوعين: 1 - مقاييس الطول، وتشمل: الشعيرة، والأصبع، والقبضة، والقدم، والذراع، والباع، والغلوة، والميل، والفرسخ، والبريد. 2 - مقاييس المساحة وتشمل: الذراع، والقصبة، والأشل، والقفيز، والجريب. أما مقاييس الحجم فهى المكاييل. انظرالمكاييل. وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالمقاييس متعلقة أساسا بالأطوال أكثر من تعلقها بالمساحات، وذلك كمسافة القصر فى الصلاة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية الأخرى، أما المساحات فلا يتعلق بها سوى أحكام الخراج، وليس فى تقويمها بالمقاييس المعاصرة الآن ما يفيدة نظرا لقيام قانون الضرائب مقامها فى هذا العصر. وقد وردت بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مشتملة على ذكر بعض المقاييس، قال تعالى: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} الزمر:67، وقال على لسان السامرى: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها} طه:96. بغض النظرعن تفسير القبضة فى كلام البارى وكلام السامرى وموقف العلماء منها. وقال تعالى: {ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} الحاقة:32. والذراع من المقاييس الطولية، وغيرها من الآيات كثير. ومن الأحاديث النبوية ما رواه أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) فقد ورد فى الحديث ذكر الميل والفرسخ، وهما من المقاييس التى تهتم بالأطوال وهناك حاديث أخرى عديدة ورد فيها ذكر مجموعة من المقاييس كتقديرات المسافات معينة تخبر وتنبئ عن حقيقة حكم شرعى أو هيئة متعلقة بالنبى صلى الله عليه وسلم. والمقاييس الشرعية طولية كانت أو مساحية يناط بها كثيرمن الأحكام الفقهية المتعلقة بفعل العبد، وعلاقته بربه، وقد أفاض الفقهاء رضوان الله عليهم فى هذه المقاييس كمقادير شرعية مهمة تتعلق بتوفرها صحة كثير من العبادات والتكاليف الشرعية. ومن المسائل الفقهية المهمة التى للمقاييس دور مهم فى صحتها: - القصر ومسافته فى الصلاة، ومعلوم أنه يتعلق بمقياسين مهمين وهما: الفرسخ والميل. - ومسافة طلب الماء لأجل التيمم. - المسافة بين الإمام والمأمومين خلفه، والتى تتعلق بها صحة المتابعة من عدمها. - تغريب الزانى، والميقات المكانى وغيرها كثير من الأحكام الشرعية. وقد حدد الفقهاء وعلماء اللغة بدقة متناهية المقاييس السابقة وأحكامها الفقهية. أ. د/على جمعه محمد

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، مادة (قيس)، 2/ 800. مراجع الاستزادة: 1 - الأحكام الفقهية المتعلقة بها. كيل - وزن - مقياس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتقويمها بالمعاصر، محمد نجم الدين الكردى، مطبعة السعادة 1984. 2 - معجم لغة الفقهاء. محمد رواس قلعجى، وحامد صادق قيبنى، دار النفائس، ط1، سنة 1985م

49 - المقدمات

49 - المقدمات المقدمات: مبادئ الاستدلال. وتطلق على ما يتوقف عليه البحث أو على ما يجعل جزءا قياسيا من القضايا، أو على ما تتوقف عليه صحة الدليل. ويتكون الاستدلال من مقدمة أو مقدمات تلزم عنها نتيجة، لذا عادة ما يعرف الاستدلال بأنه حركة فكرية ننتقل فيه من مقدمة أو مقدمات إلى ما يلزم عنها أو ما يترتب عنها من نتائج. إلا أن ترتيب النتيجة على المقدمات أو اشتقاقها منها، أو الاستدلال عليها لا يتم عادة بطريقة جزافية أو عشوائية، وإنما يتم وفقا لعدة مبادئ أو قواعد. والمقدمات فى الاستدلال بمثابة الدليل. ولذا يقول ابن تيمية قد يكون الدليل مقدمة واحدة متى علمت المطلوب. وقد يحتاج المستدل إلى مقدمتين، وقد يحتاج إلى ثلاث مقدمات أو أكثر. ليس لذلك حد ومقدار، يتساوى فيه جميع الناس. والمقدمات ضرورة للاستدلال. والقضية الجديدة المستخرجة من هذه المقدمات تسمى النتيجة. ومن هنا كان لابد فى كل استدلال من وجود عناصر ثلاثة: أولا: مقدمة أو مقدمات يستدل بها. ثانيا نتيجة لازمة من هذه المقدمات. ثالثا: علاقة منطقية بين المقدمات والنتيجة، وإذا لم يوجد ارتباط منطقى بين المقدمات والنتائج لم يكن استدلالا، لعدم وجود علاقة منطقية. والمقدمة قول يوجب شيئا لشيء، أو سالب شيئا عن شيء. والمقدمة لها عدة تقسيمات. لها انقسام من جهة الكيف وانقسام من جهة الكمية. أما من جهة الكمية فمنها كلية ومنها جزئية، ومنها مهملة. وأما من جهة الكيفية فمن قبل أن كل واحدة من هذه إما موجبة وإما سالبة. فالكلية الموجبة هى ما أوجب المحمول لكل الموضوع، مثل قولنا: كل إنسان حيوان. والسالبة الكلية هى ما سلب فيها المحمول عن كل الموضوع، مثل قولنا: ولا إنسان واحدا حجر. والجزئية الموجبة هى ما أوجب فيها المحمول لبعض الموضوع، مثل قولنا بعض الحيوان إنسان، والجزئية السالبة هى إما سلب المحمول عن بعض الموضوع، مثل قولنا: بعض الإنسان ليس بإنسان، وإما سلب الكلية عن الموضوع، مثل قولنا: ليس كل حيوان إنسانا .. والمهملة هى التى لا يكون بها سور لا كلى ولا جزئى، مثل قولنا: العلّم بالأضداد واحد، واللذة ليست بخير. فهذه هى أقسام المقدمة من جهة الصورة، وهناك أقسام للمقدمة من جهة المادة. فمنها برهانية، ومنها جدلية إلى غير ذلك من الأقسام التى تلحقها من جهة المواد المستعجلة فى المنطق. والمقدمة البرهانية هى التى تكون من المعلّومات الأولى بالطبع، وأما الجدلية فهى من المشهورات أو المسلمات المشهورة. كما توجب المقدمات السوفسطائية والخطبية والشعرية. كما قد تقسم المقدمات إلى قسمين قطعية تستعمل فى الأدلة القطعية، وظنيه تستعمل فى الأمارة. والمقدمات القطعية سبع هى: الأوليات، والفطريات، والمشاهدات، والمجريات، والمتواترات، والحدسيات، والوهميات، فى المحسوسات. والظنية أربع هى: المسلمات، والمشهورات، والمقبولات، والمقرونة بالقرائن، مثل نزول المطر بوجود السحاب الرطب. وهناك فرق بين المقدمة والمبدأ، إن المقدمة أعم من المبدأ لأن المبدأ ما تتوقف عليه المسائل بلا واسطة. والمقدمة ما تتوقف عليه المسائل بواسطة أو بلا واسطة. أ. د/ منى أبو زيد

_ المراجع 1 - تلخيص القياس لأرسطو- ابن رشد- تحقيق د. عبد الرحمن بدوى، الكويت سنة 1988م. 2 - التعريفات، الجرجانى- تحقيق إبراهيم الإبيارى. دار الكتاب العربى بيروت سنة 1985م. 3 - الجمل- أفضل الدين الجونجى- تحقيق سعد غراب، الجامعة التونسية سنة 1976م. 4 - دراسات فى المنطق عزمى إسلام- مطبوعات جامعة الكويت سنة 1988م. 5 - المنطق التوجيهى د. أبو العلا عفيفى- القاهرة سنة 1938م. 6 - المعجم الفلسفى- د. عبد المنعم الحفنى- الدار الشرقية- القاهرة سنة 1990 م- 1440 هـ.

50 - المقولات العشر

50 - المقولات العشر إن كلمة "مقولة" Category ، اشتقت من مصدر "القول" وهي ترجمة للكلمة اليونانية "كاتيجوريا" Catigorie، ومعناها "العلاقة"، ويقرب من هذا أيضا لفظ "كلى". وقد دخلت هذه الكلمة بلفظها تقريبا، فى جميع اللغات، حتى لدى مفكرى الإسلام التى جاءت عندهم بلفظ "قاطيغورياس"، غير أن هؤلاء أيضا سموها "مقولة". وكان أرسطو (384 - 322 ق. م) هو الذى درس أهم مظاهر المعرفة فى عصره، فوجدها تقوم على عشرة أسس، ينبنى عليها الفكر المستقيم في اتجاهه نحوالتعميم. وقد جمعها أرسطو وشرحها وسماها "المقولات". وقد تناولها المفكرون من بعده بالعرض والشرح دون أن يملوا منها. كما جعلها مفكروالإسلام أصلا هاما من أصول المنطق الصورى، ولاسيما ما تعلق منها بالجوهر والعرض، لصلتهما الوثيقة بمباحث التوحيد (2). واصطلاحا المقولة: هى معنى كلى، يمكن أن تكون محمولا فى قضية ما. وعليه فالمقولات محمولات، كما حددها أرسطو من قبل، وهى عشر، جمعها بعضهم فى بيت واحد هو: قمر غزير الحسن ألطف مصره * لو قام يكشف غمتى لما انثنى (3). 1 - القمر: للجوهر. 2 - الغزير: للكم. 3 - الحسن: للكيف. 4 - ألطف: للإضافة. 5 - مصره: للأين. 6 - قام: للوضع. 7 - يكشف: للفعل. 8 - غمتى: للملك. 9 - لما: للمتى. 10 - انثنى: للانفعال. وهذه المحمولات موجودة فى الكون (4). ويلاحظ أن المقولات هى أنواع الصفات أو المحمولات التى نستطيع أن نصف بها فردا معينا كائنا ما كان. فإذا سألت عن أى شىء: ما هو؟ كان حتما أن يقع الجواب تحت واحد منها (5). ومنها أربع مقولات تقع فيها الحركات وهى: الكم مثل النمو، والكيف مثل السرعة، والوضع مثل حركة الفلك علي نفسه دون انتقال، والأين مثل النقلة (6) وإليك التعريف بكل منها باختصار: أولا: الجوهر: Substance. هو كل ما له صفة الاستقلال بذاته مثل العناصر (7) كالماء والهواء والنار. وهذا الجوهر هو الأصل، وما عداه من المقولات التسع أعراض له (8) يقول ابن سينا: وكل نعت فهو إما جوهر * قوامه بنفسه مقرر (9). والجوهر أيضا موجود لا فى موضوع، يقابله العرض: accident بمعنى الموجود فى موضوع، أى فى محل مقوم لما حل فيه (10). والجوهر لدى المتكلمين: هو الجوهر الفرد المتميز الذى لا ينقسم، أما المنقسم فيسمونه جسما لا جوهرا. ولهذا السبب يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على المبدأ الأول (11). ومن أهم أحكام الجوهر: 1 - أنه قابل للعرض. 2 - أنه متحيز، أى تأخذ ذاته قدرا من الفراغ. 3 - أنه قابل للبقاء زمانين. 4 - أن الجواهر لا تتداخل، أى لا يدخل جسم فى آخر. 5 - أن الجواهر تحدث بجملتها عن عدم سابق. 6 - أنها تنعدم كذلك، خلافا للطبائعيين، كما يصح انعدام بعضها، خلافا لبعض المعتزلة فى أن الجوهر لا ينعدم إلا جملة. 7 - وأنها لا تثبت فى العدم، لأن المعدوم ليس شيئا، خلافا لبعض المعتزلة (12). ثانيا: الكم: Quantity. هو العرض الذى يقبل لذاته: المساواة والتفاوت والتجزؤ (13) ويخرج بذلك: النقطة، والواحدة، أى الشىء الواحد الذى لا تعدد فيه. فهذه المقولة تخضع للقسمه، وللقياس فيما له حجم ومقدار كقولنا: هذه خمسة كتب. وينقسم الكم إلى: 1 - متصل: وهو الذى يكون بين أجزائه حد مشترك، كالحال في الزمن بين الماضى والمستقبل. 2 - منفصل: وهوالذى لايكون بين أجزائه حد مشترك كالعدد، مثل الأربعة إذا قسمت بين اثنين واثنين (14). وهناك مايسمى"كمية القضية": والمقصود بها استغراق الموضوع فى المحمول، وينتج عن ذلك: (أ) القضية الكلية: وهى التى يقع الحكم فيها على جميع أفراد الموضوع، مثل: كل إنسان فان. (ب) القضية الجزئية: وهى التى يقع الحكم فيها على بعض أفراد الموضوع مثل: بعض الإنسان كريم. (ج) القضية المخصوصة: وهى التى يكون الموضوع فيها واحدا بالعدد، مثل: عمر عادل (15). ثالثا. الكيف: Quality. هو هيئة قارة فى الشىء (16) وهو أيضا عرض لا يتوقف تعقله على تعقل الغير (17) ولا يقتضى القسمة في محله اقتضاء أوليا (18). وللكيف أنواع: 1 - كيف الكم: كالزوجية والفردية، والاستقامة والانحناء، والطول والعرض. 2 - كيف المحسوس: (أ) إما راسخ كحلاوة العسل وحرارة النار (ب) أو غير راسخ: - سريع الزوال، يسمى انفعاليا كحمرة الخجل، وصفرة الوجل. - بطء الزوال، كملوحة بعض الماء. 3 - كيف الملكة: وهو نوعان الأول ما يوجب الكمال وهو الناتج عن الاقتدار بلا كلفة، مثل ملكة العلم والكتابة. والآخر ما لا يوجب الكمال: كاللين المعد أو الموجب للانقسام بسهولة (19). رابعا: الإضافة: Relation لغة: نسبة الشىء إلى الشىء مطلقا. اصطلاحا: هى حال تعرض للجوهر، بسبب كون غيره فى مقابلته (20)، ولا يعقل وجودها إلا بالقياس إلى ذلك الغير، كالأبوة بين الأب وابنه (21) وتسمى مقولة الإضافة "بالنسبة المتكررة"، أى النسبة التى حصل بها التكرر، ولا تعقل إلا بالقياس إليها. وقد تكون الإضافة بين: 1 - متفقين: كالأخوة، وهى لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى الأخوة. 2 - أو بين مختلفين: كالأبوة، وهى لا تعقل إلا بأخرى وهى البنوة. وكالعمومة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى ولدية الأخ. وكالزيادة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى النقص فكل إضافة نسبة، ولا عكس. ويلاحظ أن النسبة مطلقا: أمر اعتبارى، ليس عرضا موجودا. كذلك فإن الكليات هى من مقولة الإضافة فالجيش مثلا، كالحيوان، نسبة لا تعقل إلا بأخرى، وهو النوع كالإنسان. وقد تعرض الإضافة للمقولات كلها: كالأبوة والبنوة، للجوهر. وكالصغر والكبر للكم. وكالعلو والسفل للأين. والأقدمية والأحدثية، للمتى. وكالأسدية: انحناء وانتصابا، للوضع - أسد الشىء: أغلق خلله. وكالأكسوية والأعروية، للملك. وكالأقطعية، للفعل (أى تأثير الشىء فى غيره). وكالأشدية تقطعا، للانفعال (أى كون الشىء متأثرا عن غيره مادام متأثرا) (22). خامسا: الأين: Place هو هيئة تعرض للجسم بسبب نسبته إلى المكان وكونه فيه (23) وهو سؤال عن مكان (24). ويسمى "أينا" لوقوعه جوابا لأين؟ كما يسمى "الكون" أيضا (25). والأين نوعان: 1 - أين أول: مثل كون الماء فى الكوب وهو حقيقى. 2 - أين ثان: مثل كون محمد فى البيت وهو غير حقيقى. سادسا: المتى: Time هو نسبة الشىء إلى الزمان المحدد: الماضى والحاضر والمستقبل، مثل: أمس الآن وغدا (27). وسمى بذلك، لوقوعه جوابا ل "متى"؟. ولفظة "متى" تصلح لمطلق الزمان، بخلاف "أيان" فإنها خاصة بالاستقبال. وينقسم إلى: 1 - متى حقيقى: وهوكون الشىء في زمان يطابقه، ولا يزيد عليه، كالخسوف فى ساعة كذا. 2 - متى مجازى: كالخسوف يوم كذا. وهما فى الأين أيضا (28). سابعا: الوضع: Position هو هيئة تعرض للجسم، بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض، مثل: القيام، والقعود، وغير ذلك (29) مثل وصف شخص ما بأنه جالس أو قائم. ويلاحظ هنا حدوث نسبتين: الأولى: نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض، والأخرى: نسبة أجزاء الجسم إلى أمر خارجى عنها. فالقيام هيئة اعتبر فيها نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض بالطبع. كما اعتبر منها نسبة مجموع تلك الأجزاء إلى أمور خارجية عنها. ككون رأس الإنسان من فوق ورجليه من أسفل (30). ثامنا: الملك: Habitus وهو هيئة حاصلة للشىء بالنسبة لما يحيط به، وينتقل بانتقاله. وذلك كالتعمم والتقمص والتختم والتسلح. والمراد لبس العمامة والقميص والخاتم والسلاح (31). والملك يقابله الحرمان (32). ولمقولة الملك شرطان: الأول: الإحاطة، إما بالطبع، كجلد الإنسان وإما بغيره: إما بكل شىء، كحال الهرة عند إرهابها، وهو ذاتى. أو ببعض الشىء كحال الإنسان عند تختمه، وحال الفرس عند إلجامها وإسراجها، وهو عرضى. والثانى: أن ينتقل بانتقاله، كالأمثلة السابقة. أما إن وجد أحدهما دون الآخر، فلا يكون ملكا، فوضع القميص على رأسه، وإن كان ينتقل، لا يكون ملكا: لعدم الإحاطة. والحلول فى الخيمة، وإن كان مشتملا على الإحاطة، لا يكون كذلك، لعدم الانتقال (33). تاسعا: الفعل: Activity هو كون الشىء بحيث يؤثر فى غيره تأثيرا غير قار الذات، مثل التسخين والقطع (34). فالتسخين فعل، لكونه تأثيرا من المسخن، مادام مؤثرا (35). عاشرا: الانفعال: Passivity هو قبول أثر المؤثر مادام مؤثرا، مثل التسخين والانقطاع (36). فتأثر الشمع ولينه، انفعال، مادام هو يتأثر للطابع ويلين (37). وهناك ما يسمى سلسلة المحمولات وهى تابعة للمقولات العشر، وهى الكليات الخمس، التى رتبها المناطقة كما يلى: 1 - الجنس: Genus وهو ما صدق على كثيرين مختلفين بالحقائق، فى جواب: ما هو؟ مثل الحيوان فى: الإنسان حيوان (38). 2 - النوع: Species وهو ما صدق على كثيرين متفقين بالحقائق. كلفظ إنسان فى: محمد إنسان (39). وكل واحد من الجنس والنوع إنما يكون مفهوما بالقياس إلى صاحبه (40) 3 - الفصل: Difference هو جزء الماهية، الصادق عليها مثل: الناطق، باعتبار ماهية الإنسان (41). 4 - الخاصة: Property هى الكلى المقول على أفراد حقيقة واحدة، مثل: الضاحك للإنسان (42). 5 - العرض العام: Accident هو الكلى الخارج عن الماهية، الصادق عليها وعلى غيرها، مثل المتحرك للإنسان (43). هذا، ومن الجدير بالذكر، أن المقولات العشر وما يتبعها من الكليات الخمس، قد أدت خدمات كبيرة جدا فى تطوير الفكر، خلال عشرين قرنا على الأقل. ومازالت أهميتها ماثلة فى المنطق الصورى وفى البحث العلمى، من ناحية التجريد أو التعميم العلمى (44). ومع هذ الا يجب النظر إلى مقولات أرسطو على أنها شىء مثالى، مثل كل منطقه الصورى (45) بل لابد من عمل حساب طبيعتها الأدائية عبر العصور (46) كما يجب النظر فيها بالإضافة والحذف والتطوير، حتى لا تكون عائقا أمام التقدم والرقى. أ. د/عبد اللطيف محمد العبد

_ الهامش: 1 - المقولات العشرمحمد الحسنى البليدى من مقدمة د/ممدوح حقى صححه وقدم له د/ممدوح حقى ط1974 دار النجاح بيروت ص12. 2 - المقولات ص9، 10. 3 - التعريفات للجرجانى على بن محمد ص202 ط1357هـ-1938م البابى الحلبى بالقاهرة. 4 - المقولات ص23. انظر د/محمد عزيز نظمى سالم، المنطق الحديث 1983م وفلسفة العلوم والمناهج ص99 - 100 مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية. 5 - د/زكى نجيب محمودالمنطق الوضعى ص125 ط5، 1973م مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة. 6 - التعريفات ص201 - 202. 7 - التعريفات ص71. 8 - د/عبداللطيف محمد العبدالتفكير المنطقى ص43، ط3، 1417هـ-1997م دار الثقافة العربية بالقاهرة. 9 - ابن سينا القصيدة المزدوجة في المنطق ص6 (ضمن منطق المشرقيين) ط1328هـ/1910م المكتبة السلفية بالقاهرة. 10 - د/جميل صليبا المعجم الفلسفى 424 - 1، ط1، 1917م دار الكتاب اللبنانى بيروت. 11 - المعجم الفلسفى 1 - 427. 12 - المقولاتص25 - 26. 13 - التفكير المنطقى ص43. 14 - التعريفات ص164. 15 - المعجم الفلسفى 2 - 241 ط1، 1973م. 16 - التعريفات ص166. 17 - المقولات ص41. 18 - المعجم الفلسفى 2 - 251. 19 - المقولات ص42 - 43. 20 - التعريفات ص23. 21 - التفكير المنطقي ص43. 22 - المقولات ص44 - 45. 23 - التعريفات ص35. 24 - المعجم الفلسفى 1 - 187. 25 - المقولات ص46. 26 - التفكير المنطقى ص43. 27 - التعريفات ص175. 28 - المقولات ص47. 29 - التعريفات ص22. 30 - المقولات ص48. 31 - التعريفات ص204. 32 - المعجم الفلسفى 2 - 419. 33 - المقولات ص50. 34 - التفكير المنطقى ص44. 35 - المقولات ص51. 36 - التفكير المنطقى ص44. 37 - المقولات ص52. 38 - التعريفات ص69. 39 - التعريفات ص221. 40 - ابن سينا منطق المشرقيين ص17 ط1328هـ، 1910م المكتبة السلفية بالقاهرة. 41 - التعريفات ص146. 42 - التعريفات ص84. 43 - التعريفات ص129 وانظر التفكير المنطقى ص46. 44 - المقولات-مقدمة د/حقى ص11 - 12. 45 - د/محمود قاسمالمنطق الحديث ومناهج البحث ص27 ط6، 1970م دار المعارف بمصر. 46 - جون ديوى المنطق نظرية البحث ص442، ت

51 - المكاييل

51 - المكاييل لغة: جمع مكيال، وهوما يكال به، حديدا كان أو خشبا، كما فى اللسان (1). واصطلاحا: جاءت من الفعل كال الذى مصدره "كيلا"، والكيل: تقدير الأشياء بحجومها، كما فى معجم لغة الفقهاء (2). ويكون الكيل للحجم، أما الوزن فللثقل (انظر الموازين). وقد عرف العرب قبل الإسلام المكاييل لتنظيم المعاملات التجارية فى شبه الجزيرة العربية وخارجها، وقد أشار القرآن الكريم فى كثير من آياته إلى أنواع كثيرة من هذه المكاييل فى سورة يوسف حيث وردت الإشارة إلى كيل البعير فى قوله تعالى: {ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير} يوسف:65، وإلى السقاية فى قوله: {جعل السقاية فى رحل أخيه .. } يوسف:70، وإلى الصاع أى الصواع (3) فى قوله: {قالوا نفقد صواع الملك} يوسف:72. وقد جاء الحث بضبط المكيال عند البيع والشراء، حفاظا على حقوق الأفراد من الضياع من جراء التطفيف والغش فى آيات قرآنية عديدة منها قوله: {أوفوا الكيل إذا كلتم ... ) الإسراء:35. وقد حافظت التشريعات الإسلامية على الأنواع المتعددة من المكاييل التى كانت قائمة فى الجزيرة العربية، والتى أوردها لنا أبو عبيد القاسم بن سلام فى كتابه "الأموال" حصرا لها فى ثمانية أصناف هى: الصاع، والمد، والفرق، والقسنط، والمدى، والمختوم، والقفيز، والمكوك، وترتبط تقديرات هذه المكاييل المذكورة بالمد والصاع بوجه خاص، وهما وحدتا الاكيل الرئيسة التى أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة، واتخذها معيارا لتقييم العبادات والكفارات (4). ومهما تعددت أنواع المكاييل التى أشارت إليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما تعارفت عليه الجماعات والأقطار المختلفة، فإنه يمكن لنا أن نحدد أن المكاييل منها مكاييل شرعية أشار إليها القاسم بن سلام فى "الأموال"، ومنها مكاييل عرفية إقليمية تعارف عليها أهل الأقاليم المختلفة. ويمكن الإشارة إلى أشهر المكاييل المتعارف عليها بأنها الأردب، والويبة، والكيلة، والربع، والقدح: وله أجزاء وهى: نصف القدح، الربعة، الثمنة، الخروبة، القيراط، الملوة، النصاب، البطة، المكتل، الرطل، الكيلجة، العو، الجريب، الوسق، الكسر، وذلك بجانب المكاييل الثمانية التى أشار إليها القاسم بن سلام. وكل هذه مكاييل تستخدمها الجماعات فى تقدير الأشياء، وتتعلق بها كثير من المباحث الفقهية المختلفة، مثل زكاة الزروع والثمار، وصدقة الفطر، وكفارة الجماع فى نهار رمضان وغيرها كثير (5). أ. د/على جمعة محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف5/ 3968. 2 - معجم لغة الفقهاء، محمد روس قلعة جى، وحامد صادق قينبى، دار النفائس ط1 1985م ص386. 3 - المكاييل فى صدر الإسلام، د/سامح عبد الرحمن فهمى، الفيصلية بمكة المكرمة 1981م ص23. 4 - الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق د/محمد عمارة، دار الشروق ط1، 1989م ص615. 5 - المكاييل فى صدر الإسلام، د/سامح فهمى ص25. مراجع الاستزادة: 1 - الأحكام الفقهية المتعلقة بها كيل - وزن - مقياس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتقويمها بالمعاصر، محمد بجم الدين الكردى، مطبعة السعادة 1984م ص161 ومابعدها. 2 - المكاييل والأوزان الإسلامية، فالترهنتس، ترجمة عن الألمانية د/كامل العسيلى، منشورات الجامعة الأردنية 1970م. 3 - النقود والموازين، محمد عبد الرءوف المناوى، تحقيق د/رجاء محمود السامرانى، منشورات وزارة الثقافة بالجمهورية العراقية 1981م

52 - المكتبات

52 - المكتبات لغة: جمع مكتبة، وهى مكان بيع الكتب والأدوات الكتابية، ومكان جمعها وحفظها كما فى الوسيط (1). واصطلاحا: هى تلك المؤسسات الفكرية التى تتجمع فيها الكتب أيا كان نوعها وتنظم وتحفظ وتحلل محتوياتها وتيسر الإفادة منها للمستفيدين. وهى قديمة قدم الفكر الإنسانى نفسه وقد عرفت فى مصر القديمة والعراق القديم وبرجاموم ولدى الصينيين القدماء واليونان والرومان. ولما كان الإسلام يقدر العلم والعلماء فقد حث على تحصيل العلم وتدوينه، ورفع شأن المؤلفين، وعمل على تشجيعهم. وكان من الطبيعى أن يقوم المسلمون بالتأليف والتدوين فى جميع جوانب العلم الدينية والعلمية على السواء. وكانت هناك منذ نهاية القرن الثانى الهجرى حركة تأليف وترجمة ونشر قوية للغاية، وتبع هذه الحركة بالضرورة إنشاء المكتبات التى تسعى إلى جمع وحفظ وتنظيم وتيسير الإفادة من الكتب. وقد عرفت تلك المكتبات عند المسلمين بتسميات شتى من بينها بيت الحكمة، دار العلم، خزانة الكتب، دار الكتب. والدارس لتاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين يعلم أن الأرض الإسلامية قد زرعت مكتبات، حيث وصفت "زيجريد هونكه" المسلمين بأنهم "شعب يذهب إلى المدرسة" وقد تنوعت المكتبات عند المسلمين تنوعا شديدا، لدرجة أنه كانت عندهم أنواع منها انقرضت ولا نعرفها الآن فى أى مكان فى العالم مثل مكتبات المقابر ومكتبات التكايا ومكتبات الربط ومكتبات الخانقاوات. ويمكننا أن نعدد أنواع المكتبات عند المسلمين على الوجوه الآتية: 1 - المكتبات الخاصة الشخصية. 2 - مكتبات الدولة. 3 - المكتبات العامة. 4 - مكتبات المدارس. 5 - مكتبات البلاطات. 6 - مكتبات المساجد والجوامع. 7 - مكتبات دور الحديث ودور القراءة. 8 - مكتبات المستشفيات. 9 - مكتبات التربة والمقابر. 10 - مكتبات الرباطات. 11 - مكتبات الخانقاوات. 12 - مكتبات التكايا. ومن أشهر المكتبات الخاصة مكتبة الصاحب بن عباد الذى كان تلميذا ومصاحبا لابن العميد وكان وزيرا، وأول من لقب بالصاحب من الوزراء، ويقال: إن مكتبته بلغت حمل أربعمائة جمل أو يزيد. وكان فهرست المكتبة وحده يقع فى عشرة مجلدات. ويقول ول ديورانت عن هذه المكتبة فى قصة الحضارة، وكان عند بعض الأمراء كالصاحب ابن عباد من الكتب بقدر ما فى دورالاكتب الأوريية مجتمعة". ومن أشهر مكتبات الدولة الإسلامية: 1 - مكتبة بيت الحكمة فى بغداد التى بلغت قمة ازدهارها أيام الرشيد وابنه المأمون، وكان بها عدة أقسام: - قسم الكتب. - قسم الترجمة. - قسم البحث والتأليف. - قسم المرصد الفلكى. - قسم النسخ والتجليد. وكان من بين مديريها سهل بن هارون، سعيد بن هارون، سلم الحرانى، أحمد بن محمد، الحسن بن مراد الضبى. ويقال: إن مجموعاتها قد بلغت أكثر من مليونى مجلد. 2 - مكتبة دار العلم بالقاهرة وقد خطط لها الحاكم بأمرالله وافتتحت سنة (395هـ/1005م) وقد قال عنها بابا روما سلفستر الثانى عبارته الشهيرة: "إنه لمن المعلوم تماما أنه لا يوجد أحد فى روما له من العلم ما يؤهله لأن يعمل بوابا لتلك المكتبة، وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن فى حاجة لمن يعلمنا، إن فاقد الشىء لايعطيه". وقد بلغت مجلداتها هى الأخرى نحو مليونى مجلد. 3 - مكتبة سابور بن أردشير فى بغداد التى أسسها وأوقفها على الناس سنة 382هـ فى الكرخ فى بغداد وكان أبوالعلاء المعرى من بين المنتفعين بها وبما فيها من ذخائر. 4 - مكتبة المدرسة النظامية فى بغداد التى يقال: إن الوزير السلجوقى نظام الملك أسسها فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى. وهو الوزيرالذى خطط لإنشاء المدارس الرسمية فى الدولة الإسلامية. وقد ضمت هذه المكتبة أكثرمن عشرة آلاف مجلد. 5 - مكتبة المدرسة الفاضلية التى أسسها القاضى الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبى والتى يقال: إن مجموعاتها بلغت مائة ألف مجلدة تقف شامخة بين المكتبات المدرسية بالقاهرة حيث لم تبلغ مكتبة مدرسية أخرى مكانتها. 6 - ومن بين مكتبات البلاطات كانت مكتبات القصورالفاطمية التى وصفت فى المصادر بأنها من عجائب الدنيا وليس فى بلاد الإسلام جميعها دار كتب أعظم منها. وقد بلغت خزائن الكتب فيها أربعين خزانة. ومن أسف أن مصائر المكتبات الإسلامية كانت مفزعة حيث كانت النهاية الحرق والتخريب والإغراق والسلب والتهريب للخارج، ولم يصلنا من مقتنياتها أكثر من 5%. أ. د/شعبان عبد العزيز خليفة

_ الهامش: 1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ودار المعارف، ط3، مادة (كتب) 2/ 806. مراجع الاستزادة: 1 - فضل الحضارة الإسلامية والعربية على العالم، زكريا هاشم زكريا، دار نهضة مصر. 2 - الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية، محمد الحسينى عبد العزيز، وكالة المطبوعات الكويت. 3 - موسوعة الحضارة الإسلامية د/أحمد شلبى. 4 - لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات، د/عبد الستار الحلوجى

53 - الملاحة (المعارف الملاحية)

53 - الملاحة (المعارف الملاحيَّة) تستخدم الملاحة فى معرفة موقع المركبة واتجاه حركتها، وتستخدم بصورة رئيسية فى توجيه مسار الطائرات والسفن والمركبات الفضائية. تشمل أدوات الملاحة البسيطة: البوصلة، والخريطة- حيث تبين الخريطة تضاريس المنطقة مثل ارتفاع جبالها، كما تستخدم فى تعيين مسار المركبة وموقعها. للملاحة خمسة مناهج .. أولها: تقدير الموضع الذى يرصد موقع المركبة عن طريق الاستعانة بالنظر فى تحديد المسافة التى قطعتها واتجاه سيرها. والثانى: هو الاسترشاد؛ إذ يقوم الملاح بتحديد موقع المركبة عن طريق رصد موضعها بالنسبة لعلامة أو علامات معروفة. والثالث: هو الملاحة الفلكية؛ إذ يستعين الملاح هنا فى تحديد موقع المركبة بمراقبة الشمس والقمر، والنجوم، والكواكب. أما منهج الملاحة الإلكترونية فهو الاستعانة بأجهزة إلكترونية التى يستخدم معظمها إشارات لاسلكية. وآخر المناهج هو منهج التوجيه بالقصور الذاتى بالحاسب الآلى الذى يقوم بتزويد الحاسب بالمعلومات الخاصة بتغير حركة المركبة. ¨ أنواع الملاحة: ملاحة جوية. الملاحة الجوية مصطلح، يشمل كافة الأنشطة المتعلقة ببناء وطيران المركبات الهوائية، بما فيها الطائرات والمناطيد والبالونات وطائرات الهليكوبتر والطائرات الشراعية. وللملاحة الجوية أثر كبير على الناس فى كل مكان، فالطائرات العملاقة تحمل المسافرين والبضائع ما بين مدن العالم الرئيسية فى غضون ساعات قليلة، كما غيرت الملاحة الجوية من أساليب الحرب بين الأمم، وهناك آلاف الطائرات المستخدمة فى العالم حاليا، وهى تتراوح ما بين الطائرات الصغيرة إلى النفاثات الهائلة والطائرات الحربية فائقة السرعة، وإنتاج وتشغيل كل هذه الطائرات يتطلب مهارات كثيرة من العمال، ما بين المهندسين الذين يصممونها والميكانيكيين والطيارين ممن يقومون بأعمال الخدمة والقيادة. بدأت الملاحة الجوية مع أول بالون نجح فى الإقلاع عن سطح الأرض. كان هو بالون الأخوين "مونتجولفييه " الفرنسيين فى عام 1783م. أما صناعة الملاحة الجوية فقد ولدت فى السابع عشر من أغسطس من عام 1903م، وكان ذلك بالقرب من بلدة كيتى هوك بولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة. فى ذلك اليوم قام الأخوان "أورفيل " وويلبورايت " بأول طيران ناجح لطائرة فى العالم. وقد بدأت أول خدمة لنقل الركاب فى عام 1914م فى الولايات المتحدة أيضا، لكنها لم تستمر أكثر من بضعة شهور. منذ الثلاثينات راحت الطائرات تحل محل المناطيد السابقة عليها فى مهمة النقل لمسافات طويلة عبر العالم. وقد أسفرت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م) عن جهود جبارة لتصميم وبناء طائرات أحدث من ذى قبل. وشهد عام 1939م طيران أول طائرة نفاثة. وبحلول عام 1970م كان الطيران النفاث يحل محل الطائرات ذات مراوح الدفع فى أغلب شركات الطيران الكبرى. وفى عام 1976م دخلت أول طائرة نقل مدنية فائقة للصوت- الكونكورد- الخدمة، وذلك على الخطوط البريطانية والفرنسية. ملاحة شراعيَّة رياضة مائية مثيرة تجتذب الناس إلى شواطئ البحار والبحيرات والأنهار فى جميع أنحاء العالم. ويمارس الهواة هذه الرياضة فى قوارب تتراوح فى حجمها بين زوارق التجديف الصغيرة واليخوت، ويستمتع الكثيرون بالإثارة الناتجة عن التسابق بين زوارقهم والمراكب الأخرى، فى حين يعتبر آخرون الملاحة الشراعية وسيلة ممتعة لقضاء ساعات الفراغ على سطح الماء. ولا تزال المراكب الشراعية تعمل فى بعض أنحاء العالم، ولقد ظلت أساطيل العالم لمئات من السنين تتكون من مراكب شراعية" فكانت السفن ذات الصوارى العالية والأشرعة الضخمة المصنوعة من قماش القنَّب تمخر عباب الماء إلى جميع أنحاء العالم، كما كان هناك الكثير من المراكب الشراعية الأصغر التى تبحر فى الممرات المائية داخل اليابسة وفى الأنهار. فى أوائل القرن العشرين، كانت السفن التجارية قد حلت تقريباً محل السفن الشراعية فى الأغراض الحربية والتجارية. ومع تراجع أهمية السفن الشراعية فى التجارة بدأ ظهور الملاحة الشراعية كرياضة. وتصنع شركات تصنيع القوارب زوارق شراعية تثير البهجة إلى درجة كبيرة، ويستخدمون فى ذلك الخشب أو المواد التقليدية الأخرى، مثل استخدام مواد جديدة- حالياً- كالصلب والألياف الزجاجية والألومنيوم، ويشترى بعض الهواة زوارقهم مفككه ويقومون بتجميعها بأنفسهم. ملاحة الجليد: وتسمى الملاحة فوق الجليد أو رياضة اليخوت على الجليد، وهى رياضة شعبية فى المناطق الشمالية من أوروبا والولايات المتحدة. وقارب الجليد صغير وسريع ويشبه القوارب العادية، ويحتاج إلى رياح قوية ومنتظمة ومساحة كبيرة ناعمة من الجليد كى يؤدى وظيفته بكفاءة. ويستطيع الإبحار بسرعة تزيد عن 160 كيلومترا / ساعة. ولأغلب الأنواع إطار خشبى مصنوع من خشب الصنوبر، أو أى نوع آخر من الأخشاب الخفيفة، ويغطى الإطار رقائق من الخشب المثبتة بالغراء، وتصنع بعض القوارب من الألومنيوم أو الألياف الزجاجية (الفيبرجلاس)، ويتراوح طول القارب ما بين 5 - 7 أمتار. وتوجد تحت جسم القارب زلاجات تستخدم إحداها لتوجيه القارب. ويصنع الشراع من قماش صناعى ثقيل. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - دائرة المعارف العالمية World Book Encyclopedia 2- الفن البحرى العام- هيئة الكتاب الدولى. 3 - دائرة المعارف للبستانى

54 - الملاحظة

54 - الملاحظة لغة: لاحظه ملاحظة ولحاظا: راعاه (1). وراقبه. ولاحظ عليه كذا: أخذه عليه والملاحظة: النظر بشق العين الذى يلى الصدغ. وتعنى كذلك ما يؤخذ على الرأى أو الكتاب من هنات. كما أنها تعنى فى مناهج البحث العلمى: مشاهدة يقظة للظواهر كما هى، دون تغيير أو تبديل. والملحوظة: كلمة توضع على هامش الكتاب أو غيره عنوانا إلى ما ينبه عليه من خطأ أوسهو أو نقص (2). هذا ولم ترد كلمة "ملاحظة" ولا مادتها فى القرآن الكريم. واصطلاحا: هى أن يوجه الباحث عقله وحواسه، إلى طائفة خاصة من الظواهر، لا لمجرد مشاهدتها بل معرفة صفاتها وخواصها، سواء أكانت شديدة الظهور أو الخفاء (3). ويفهم من ذلك أن الملاحظة هى المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، مع الاستعانة بأساليب البحث التى تتلاءم مع تلك الظاهرة. والملاحظة تطلق أيضا على الحقائق المشاهدة التى يقررها الباحث فى فرع خاص من فروع المعرفة، كأن يقال: ملاحظات طبية، لكن يمكن أن يقال "طب إكلينيكى" وهو الذى يقوم على مجرد الملاحظة، فى مقابل "طب تجريبى" الذى يقوم على التجريب. والملاحظة هى إحدى صور المعرفة التجريبية، التى تستلزم اليقظة والانتباه. وهى ليست مجرد عملية حسية فى التفكير بل هى تتضمن تدخلا إيجابيا من جانب العقل، الذى يقوم بنصيب كبير فى إدراك الصلات الدقيقة بين الظواهر، أو ما يسمى "الحدس بالقانون" ولابد فى كل ملاحظة من التفريق بين الذات المدركة والشىء المدرك. فلولا ذلك لما أمكن الانتقال من الذاتى إلى الموضوعى (4) والملاحظة نوعان: أ- ملاحظة فجّة: وهى كل ملاحظة سريعة يقوم بها الإنسان فى ظروف الحياة العادية، مثل ملاحظة الرجل العامى لأطوار القمر هلالا ثم بدرا وغير ذلك. لكن ملاحظته هذه لا تعين له السبب فى اختلاف أوجه القمر، وهى لا تهدف إلى تحقيق غاية نظرية أو الكشف عن حقيقة علمية، لكن بعض الملاحظات السريعة قد تكون سببا فى الكشف عن بعض القوانين الطبيعية الكبرى، مثل كشف نيوتن عن قانون الجاذبية، بعد أن شاهد تفاحة تسقط من شجرتها. ب - ملاحظة علمية: وهى كل ملاحظة منهجية يقوم بها الباحث فى صبر وأناة، للكشف عن تفاصيل الظواهر وعن العلاقات الخفية التى توجد بين عناصرها، أو بينها وبين ظواهر أخرى. وهنا يمكن التفريق بين نوعين من الملاحظة العلمية: 1 - ملاحظة الكيف: وتستخدم فى العلوم التى تعمل على تصنيف الأشياء إلى أجناس أو أنواع، كعلوم الحيوان والنبات، بواسطة تحديد الصفات النوعية. 2 - ملاحظة الكم: وهى معرفة العلاقات بين العناصر التى تتألف منها ظاهرة معينة، ومنها الملاحظات الفلكية والكيميائية والفيزيائية. وهى ترمى إلى التعبيرعن العلاقات التى تكشف عنها بنسب عددية، محاولة الوصول إلى مرحلة الدقة التى وصلت إليها العلوم الرياضية (5) والملاحظة فى مقابل التجريب EXPERI-MENTATION الذى هو منهج علمى يقوم على الملاحظة والتصنيف ووضع الفروض والتحقق من صحتها (6). لكن الملاحظة والتجربة تعبران عن مرحلتين متداخلتين من الناحية العلمية (7). وكثيرا ما تكون التجربة مجرد ملاحظة لتوليد فكرة جديدة فى ذهن العالم، لا لاختبار فكرة سابقة موجودة لديه (8). ويمكن الجمع بين الملاحظة والتجربة بشرطين: 1 - الموضوعية: بمعنى الدقة التامة مع التجرد من العاطفة. 2 - تحقيق بعض الصفات العقلية: كأن يتسم الباحث ملاحظا أم مجربا بروع النقد والتمحيص والفطنة والحذر وعدم التسرع فى التفسير والتأويل (9). ولا ينبغى أن يغيب عن الباحث ملاحظا أو مجربا أن البحث عن السبب شىء هام جدا، مع التأكيد على أن المسبب هو الثمرة المنشودة، فتسخين الحديد مثلا سبب، لكن تشكيله هو المسبب وهو الغاية (10). وهناك ما يسمى "الملاحظة المنجدة" وهي التى يستعين بها العالم على اختبار فكرته، مثلما يستعين بالتجربة تماما. وأشيرا فإن هناك "الملاحظة فى علم الأخلاق" ويقصد بها المراقبة لسلوك ما، لمعرفة مدى مطابقته للقواعد المرسومة (11). أ. د/عبد اللطيف محمد العبد

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح، الرازى (محمد بن أبى بكر ت 616هـ) مادة "لحظ"، استانبول تركيا سنة 1408هـ سنة 1987م. 2 - المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية مادة "لحظ" طبعة وزارة التربية والتعليم بمصر ط سنة 1414هـ سنة 1993م. 3 - المنطق الحديث ومناهج البحث د/محمود قاسم دار المعارف بمصر ط6 سنة 1970م ص110. 4 - المعجم الفلسفى د/جميل صليبا مادة "ملاحظة" دار الكتاب اللبنانى ط1 سنة 1973م 2/ 416. 5 - المنطق الحديث ص112 - 118. 6 - المعجم الفلسفى د/مراد وهبه. مادة "ملاحظة" دار الثقافة الجديدة بالقاهرة ط3 سنة 1979م ص423. 7 - المنطق الحديث وفلسفة العلوم والمناهج د/محمد عزيز سالم ط1983م مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية ص166. 8 - المعجم الفلسفى 2/ 416. 9 - التفكير المنطقى د/عبد اللطيف العبد دار الثقافة العربية بالقاهرة ط3 سنة 1417هـ سنة 1997م ص156. 10 - المنطق نظرية البحث جون ديوى ترجمة د/زكى نجيب محمود، ط1969م دار المعارف بمصر ص705. 11 - المعجم الفلسفى 2/ 416

55 - الملائكة

55 - الملائكة لغة: الملك والملاك: جنس نورانى لطيف من خلق الله تعالى (1) وجمعها: ملائكة وملائك (2)، كما أن لفظ ملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله (3) {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} الأنبياء:27. والملائكة حقيقة مؤكدة من حقائق هذا الكون وقد ورد ذكرهم فى القرآن الكريم ثمانيا وثمانين مرة، لما لهم من دور عظيم فى هذا الكون (4)، حسب المشيئة الإلهية. والملائكة عالم لطيف غيبى غير محسوس، خلقهم الله تعالى من نور، فهم من أشرف خلق الله تعالى، وهم عباد مكرمون، مبرءون من الميول النفسية والأهواء الشخصية، ومطهرون من الشهوات، ومنزهون عن الخطايا والآثام. وليسوا كالبشر يأكلون ويشربون وينامون، وهم أيضا لا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة، ولا بأى حالة مادية مما يتصف به البشر. وللملائكة قدرة على التمثل بصورة بشرية أو غيرها مما يأذن به الله عز وجل. لقد جاء جبريل إلى مريم متمثلا فى صورة بشرية: {واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} مريم:16 - 17. وحكم الإيمان بالملائكة: أنه واجب، لأنه يمثل الركن الثانى بعد الإيمان بالله، كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} البقرة:285. فجعل الله سبحانه وتعالى، الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة: "مؤمنين". كما جعل الكفر بهذه الجملة، فقال عز وجل من قائل: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} النساء:136. وفى حديث جبريل المتفق على صحته، حيث سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فأجاب بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم (5). وقد أوجب الله تعالى، الإيمان بالملائكة هكذا، لما لهم من شأن كبيرفى عالم الروح، ودور إيجابى فى الكون ومخلوقاته ومنها الإنسان. وإن الإيمان بهم يدفع إلى محاولة المعرفة بأوصافهم والتخلق بشمائلهم، وفى ذلك تطهير للقلب وتصفية للنفس (6)، وهو من علامات البر، ومن دلائل الصدق والتقوى والتعاون على الخير: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} البقرة:177. وكما خلق الله الجان من نار، وآدم من طين، خلق الملائكة من نور فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)، أى من طين (رواه مسلم عن عائشة) (7). وخلق الملائكة متقدم على خلق الإنسان، بدليل أن الله تعالى قد أخبرهم سلفا بأنه سيخلق الإنسان، ويجعله خليفته فى الأرض: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون} البقرة:30. ومسكن الملائكة عليهم السلام السماء، وينزلون منها حسب التوجيه الإلهى. فقد أخرج أحمد والبخارى من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: (ما يمنعك أن تزونا أكثر مما تزونا؟) قال: فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا} مريم:64. ويرى بعض العلماء أن البشر عموما أفضل من الملائكة بحسب الظاهر. وحجة هؤلاء أن الملائكة عجروا عن الإجابة على الأسماء التى عرضت عليهم، بينما أجاب عليها آدم، فشرف بالعلم الذى خصه الله به. وكدلك فى أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ما يفيد تفضيله عليهم (انظرسورة البقرة من الآية 31 إلى 34)، وأيضا فإن طاعة الملائكة جبلية، وتركهم للمعصية لا يحتاج لأدنى مجاهدة، فهم لا شهوة لهم، بينما الإنسان يحتاج إلى مجاهدة لمصارعة هواه، وترقية روحه (8). وينسب إلى أهل السنة تفضيل الأنبياء وصالحى البشر فقط على الملائكة. كما ينسب إلى المعتزلة تفضيل الملائكة على البشر. وكذلك ينسب إلى الشيعة تفضيل أئمتهم على جميع الملائكة. والواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، ولسنا مكلفين بأن نعتقد أى الفريقين أفضل، وإلا لبينه الكتاب والسنة، مثلما جاء تفضيل بعض الأنبياء والرسل على بعض (9) فى {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء:55 {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} البقرة:253. أما تفاوت الملائكة فيما بينهم فهو حاصل، سواء في الخلق أم فى الأقدار، فالتفاوت فى الخلق مثل: {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شىء قدير} فاطر:1، أى أن الله خلق الملائكة وجعل لهم أجنحة: فمنهم من له جناحان، أو ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر، فعن ابن مسعود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح) (رواه مسلم عن ابن مسعود) وإن كثرة الأجنحة دليل على شدة السرعة فى تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالته: {وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون} الصافات:164 - 166. فما من ملك إلا له موضع مخصوص فى السموات، ومقام فى العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه. كما أنهم يصطفون فيسبحون الرب ويقدسونه وينزهونه، فهم عبيد له، فقراء إليه، خاضعون له. وفى الملائكة ثلاثة رؤساء مقربين أكثر من سواهم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} البقرة:98. وفى الحديث: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون: اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم) (رواه مسلم). وهؤلاء موكلون بالحياة: فميكائيل موكل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ فى الصور الذى به حياة الخلق بعد مماته، أما جبريل عليه السلام فهو موكل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح: {نزل به الروح الأمين} الشعراء:193. وسمى جبريل روحا، لأنه حامل الوحى الذى به حياة القلوب، إلى الرسل من البشر (11) وهو كذلك أمين حق أمين. وجاء فى وصفه أيضا: {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين} التكوير:19 - 21. وقد دل القرآن والسنة، على أصناف الملائكة، وأنهم موكلون بالسموات والأرض: من جبال وسحاب ومطر: {فالمدبرات أمرا} النازعات:5، وقد ظن الكفار أن النجوم هى التى تقوم بهذا التدبير. والملائكة أعظم جنود الله تعالى، وفيهم طوائف وفرق مثل: المرسلات والعاصفات والناشرت والفارقات والملقيات ذكرا (انظر سورة المرسلات 1 - 4) والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والصافات والزاجرات والتاليت ذكرا (انظر سورة الصافات 1 - 3). وكل من هؤلاء له مقام معلوم لايتخطاه، وعمل قد أمربه، لا يقصر عنه ولا يتعداه، وهم رسل الله فى خلقه وأمره، وسفراء بينه وبين عباده، وهم لكثرتهم يدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه. والله عز وجل يكرمهم، ويقرن اسمه باسمهم، وصلاته بصلاتهم، ويضيفهم إليه فى مواضع التشريف، ويصفهم بالطهارة والإخلاص: {هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} الأحزاب:43. والملائكة موكلون بكتابة أعمال العباد وأقوالهم، بل نياتهم، لأنها فعل القلوب فدخلت فى عموم {يعلمون ما تفعلون} الانفطار:12، ومما يشهد لذلك حديث الشيخين وأحمد والترمذى: (إذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة. وإذا هم عبدى بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرة). ولا يمر سلوك للإنسان دون أن يسجله الملاثكة عليهم السلام: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ق:18. وهم يسجلون ذلك فى سجل لكل فرد، ثم تعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء:13 - 14. بل إن الملائكة يشهدون على الإنسان يوم العرض بما شاهدوه منه من خيرأو شر: {ونفخ فى الصورذلك يوم الوعيد. وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} ق:20 - 22. وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون فى صلاة الصبح وصلاة العصر. فيصعد الذين كانوا فيكم فيسألهم - والله أعلم بهم - كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وفارقناهم وهم يصلون). والمرء بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلا: حافظان: واحد من أمامه، والآخر من ورائه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وكاتبان: صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات (12). ومما يقوم به الملائكة الكرام التسبيح والخضوع التام لله تعالى (الأعراف 206، الزمر75)، وحمل العرش (غافر 7)، والتسليم على أهل الجنة (الرعد 23 - 24)، وتعذيب أهل النار (المدثر 27 - 31)، وحفظ الإنسان من بعض الحوادث ومن أذى الجن والشياطين، وطلب المغفرة للتائبين (غافر 7 - 9) وتأمينهم مع المصلين: (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله ما تقدم من ذنبه) (رواه أحمد وأبو داود والنسائى). ويحضرون صلاة العصر والفجر {إن قرآن الفجر كان مشهود} الإسراء:78، أى صلاة الفجر. وينزلون عند قراءة القرآن ويستمعون إليه، كما حدث مع أسيد بن حضير، حين كان يقرأ بالليل فرأى مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت فى الجو، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (تلك الملائكة كانت تسمع لك) رواه الشيخان، واللفظ لمسلم. كما أنهم يحضرون مجالس الذكر، كما فى الحديث: (إن لله ملائكة يطوفون فى الطريق يلتمسون أهل الذكر) (رواه البخارى بهذا اللفظ ورواه مسلم بلفظ آخر). وهم أيضا يصلون على المؤمنين، ولاسيما أهل العلم منهم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير) (رواه الترمذى، وقال حديث حسن). وفى حديث آخر: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع). أبو داود والترمذى. وقد تحمل الملائكة بشرى إلى شخص صاحب موقف طيب. فقد روى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (زار رجل أخا له فى قرية أخرى، قال: أريد أخا لى فى هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها -أى تصلحها - قال: لا، غير أنى أحببته فى الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك، كما أحببته فيه). ومن تكريم الله عز وجل لملائكته أن يعلمهم بمن يحبه وبمن يبغضه، كما فى الحديث: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إنى أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى فى السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. وإذا أبغض عبدا ... ). رواه مسلم ومما يقوم به الملائكة من وظائف سامية، أنهم يثبتون المؤمنين بما يلقونه فى قلوبهم من التأييد أثناء الجهاد: {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا} الأنفال:12. والملائكة أيضا موكلون بقبض الأرواح بقضاء الله وقدره، فيتولى ملك الموت قبضها واستخراجها، ثم يتولاها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، وهم أعوانه: {قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} السجدة:11. وتقوم الملائكة بتحية الطيبين عند قبض أرواحهم، ويبشرونهم بالجنة: {الذين تتوفاهم الملائكة

56 - الملحمة

56 - الملحمة لغةً: الواقعة العظيمة، والحرب ذات القتل الشديد، وموضع القتال والجمع ملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، وقيل هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى (1). ويقال: لاحمتُ الشىء بالشىء: إذا ألصقته به (2) وقد اجتمعت هذه المعانى اللغوية كلها فيما عرفه العرب منذ القديم عن مفهوم الملحمة، حيث يلتحم المقاتلون فى مواضع القتال وتختلط لحوم قتلاهم وكان العرب يعدون أنفسهم فى (الملحمة) بمجرد تجمعهم للحرب، ويشير إلى هذا ما ذكرهُ البخارى فى حديث طويل يوم فتح مكة (3) عندما قال أحد الصحابة من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان يحمل راية الجيش: اليوم يوم الملحمة، ففزع لذلك أبو سفيان وقال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: أمرْتَ بقتل قومك؟ قال: لا، فذكر له ما قاله الأنصارى ثم ناشده الله والرحم فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشاً، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس، وقد ظل مفهوم الملحمة فى العربية مرتبطا بمعارك القتال، وكان ذكر الملاحم يعنى الحروب الطاحنة التى تختلط بين رحاها أجساد المقاتلين. واصطلاحاً: الملحمة بمفهومها الحربى أحد الأجناس الأدبية التى عنى بها الباحثون فى الدراسات الأدبية فى العصر الحديث وبخاصة (الأدب المقارن). ولعل هذا هو الذى عناه صاحب كتاب (المنجد) وهو يتحدث عن السبب فى تسمية الموقعة القتالية بالملحمة فيقول: وذلك مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، ثم يربط هذه التسمية بتصوير هذه الوقائع الحربية والتعبير عنها فى أعمال أدبيه فيقول: كناية عن عمل شعرى طويل يتألف من أناشيد عديدة نظمت فى وصف حرب من الحروب، ووصف جيوشها وأبطالها والأمكنة التى دارت فيها، وتشترك الآلهة فى وقائعها وتقوم على الأساطير والخرافات كإلياذة هوميروس وماشاكلها (4). أما الدكتور محمد غنيمى هلال، وهو أحد المعنيين بالدراسات الأدبية المقارنة فى العصر الحديث، فيذكر فى معرض حديثه عن الأجناس الأدبية، حيث يُعدّ الملحمة أولى هذه الأجناس فيقول: الملحمة من حيث هى جنس أدبى: هى قصة بطولة تحكى شعرا، وتحتوى على أفعال عجيبة، أى على حوادث خارقة للعادة، وفيها يتجاور الوصف مع الحوار وصور الشخصيات والخطب، وإن كانت الحكاية هى العنصر الذى يسيطر على باقى العناصر الأخرى. وللملحمة فى أبطالها وحوادثها أصول تاريخية، ولكنها تختلط بالأساطير والخرافات فى تلك العهود التى لم تقم فيها حدود فاصلة بين الحقائق والخيالات (5). ثم يشير د. غنيمى هلال إلى أهم الملاحم فى الأدب اليونانى القديم وهى (إلياذة هوميروس)، حيث تدور وقائعها وأحداثها حول حصار طروادة، أما أبطالها فهم خليط بين البشر والآلهة (6) كذلك يذكر من الملاحم الرومانية (الإنيادة) لشاعر اللاتين: (فرجيل) وهى ملحمة وطنية غايتها الإشادة بأصل الإمبراطورية الرومانية (7). ومن الواضح أن الأدب العربى لا توجد فيه (الملاحم) بهذا المفهوم الفنى لذلك الجنس الأدبى، وإن كان فى (الأدب الشعبى) ما يمكن أن يطلق عليه (الملحمة الشعبية) من أمثال ملاحم أبى زيد الهلالى والزير سالم، والظاهر بيبرس، وغيرها (8). أ. د / صلاح الدين محمد عبد التواب

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور 5/ 4011 12/ 4 مادة (لحم) ط 5 دار المعارف بمصر، بتحقيق عبد الله على الكبير، محمد أحمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلى. 2 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) لإسماعيل بن حماد الجوهرى 5/ 2027 ط 1 تحقيق أحمد عبد الغفور عطار 1376هـ- 1956 م تقديم عباس محمود العقاد. 3 - فتح البارى شرح صحيح البخارى للعسقلانى 5/ 13 المجلد الثامن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع (رتبه وبوبه محمد فؤاد عبد الباقى وصححه محب الدين الخطيب وأشرف على مقابلة نسخه المطبوعة والمخطوطة عبد العزيز بن باز 1379 هـ طبعة دار المعرفة بيروت 1379 هـ. 4 - المنجد فى اللغة والأدب والعلوم ص 716: لويس معلوف اليسوعى - ط 17، 1960م- المطبعة الكاثوليكية- بيروت. 5 - الأدب المقارن د. محمد غنيمى هلال ص 143، 144 ط3 - مكتبة الأنجلو المصرية 1962م. 6 - السابق ص 146 - 147. 7 - السابق ص 148 - 149. 8 - السابق ص 159.

57 - الملكية

57 - المِلكيَّة لغة: مصدر صناعى من المُلك والمِلك والمَلك، وهو احتواء الشىء والقدرة على التصرف فيه بانفراد، فهو مع القدرة على التصرف (كما فى اللسان) والملك والمالك الحقيقى هو الله تعالى فهو مالك يوم الدين. واصطلاحا: عند الفقهاء: الاختصاص، والعلاقة الشرعية بين الإنسان والشىء، التى ترتب له حق التصرف فيه، وتحجز الغير عن هذا التصرف، وهو قدرة يثبتها الشرع ابتداء على التصرف إلا لمانع. وقيل: حكم شرعى يقدر فى عين أو منفعة يقتضى تمكن من ينسب إليه من انتفاعه به، والعوض عنه من حيث هو كذلك. - وعند الحكماء: هو هيئة تفرد للشىء بسبب ما يحيط به وينتقل بانتقاله، ويطلق أيضا على الجدة وعلى القنية. ويستعمل الملك أيضا فى ملك الرقبة أى ملك الذات، وملك المنفعة أى الوظيفة، وملك اليمين يغلب استعماله فى الرقيق. والملك باعتبار صاحبه ثلاثة أنواع: - ملكية الدولة أو ملكية بيته المال: وتضم كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه، كبيت مال الزكاة بأنواعها، وبيت مال المصالح ويضم: الخراج والفىء وخمس الغنائم والجزية والعشور والركاز، وبيت مال الضوائع. ويضم: وارث من لا وارث له، واللقطة، وديات القتلى الذين لا أولياء لهم، ويتصرف فيه ناظر بيت المال تصرف الملاك الخاصين فى أملاكهم بما يحقق مصلحة الجماعة المسلمة. - الملكية العامة أو الجماعية: وهى ملكية مشتركة بين مجموع أفراد الأمة دون أن يختص بها أحد منهم، إما لتجاوز المنفعة من هذه الأشياء على ما يبذل فى سبيلها من جهد ونفقة، وإما لكون نفعها ضروريا لمجموع الأمة ولا غنى لأفرادها عنها. وتشمل الملكية المشتركة المرافق العامة من أنهار وشوارع وطرقات ومراعى وغابات وغيرها. فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء فى ثلاث: فى الماء والكلأ والنار" رواه أحمد. الحمى: وهى أرض لا يملكها أحد وتخصص لمصلحة عامة، كأن تكون مرعى لإبل الصدقة وخيل الجهاد. والأراضى الموقوفة لمصلحة المسلمين: كالأراضى التى فتحت عنوة ولم توزع على الغانمين. والمعادن المستقرة فى الأراضى بخلق الله ظاهرة وباطنة، كالذهب والفضة والنحاس والحديد والبترول. - الملكية الخاصة: ويكون مستحقها وصاحبها فردا أو جماعة على سبيل الاشتراك، وتشمل كل الأموال الحلال، من نقود وعروض قنية وعروض تجارة وأصول ثابتة ووسائل الإنتاج، والتى لا تقع ضمن الملكية العامة المشتركة للمسلمين أو ملكية بيته مال المسلمين. والملكية فى الإسلام ذاته سمة فريدة فهى لجميع أنواعها ملكية استخلاف، حيث إن الملك والملكية لله تعالى، فهو وحده سبحانه: {مالك يوم الدين} الفاتحة:4، وهو جل جلاله {مالك الملك} آل عمران:26. وهو سبحانه: {بيده ملكوت كل شىء} المؤمنون:88،يس:83، وهو المالك الأوحد {ولم يكن له شريك فى الملك} الفرقان:2، كما ذكرت آيات القرآن الكريم فى ثمانية عشر موضعا أنه سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض، والبشر مستخلفون - فرادى وجماعات - فى الأرض {ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} النور:55. وقد قسم العلماء طرق وأسباب اكتساب الملكية إلى أربعة أقسام: - باعتبار وجود الإرادة وعدمها: إلى أسباب اختيارية كالاستيلاء على المباح بما فى ذلك إحياء الأراضى الموات وسائر- العقود، وأسباب جبرية كما فى الميراث. - باعتبار الصفة الأصلية إلى أسباب منشئه كالإحياء والصيد، وأسباب ناقلة كما فى العقود والميراث. - باعتبارالصيغة إلى أسباب فعلية كالاستيلاء على المباح، وأسباب قولية كما فى العقود، وأسباب اعتبارية كما فى الميراث. - باعتبار الشخص الذى تؤول إليه الملكية: إلى ما كان بعمل شرعى من أنواع السعى كالتجارة والصناعة والزراعة والصيد، وما كان بحكم شرعى كالزكاة والنفقات والإرث والكفارات، أو ما كان بإرادة الغير كالهبة والصدقة والوقف والإقطاع. وقد حفظت الشريعة الإسلامية حق الملكية الخاصة والمشتركة وملكية الدولة بتحريم التملك عن طريق وسائل الغش والخداع كالتلاعب بالأسعار والغرر، وعن طريق الظلم والاستغلال كالغصب والسرقة والاختلاس والرشوة والربا والاحتكار، وعن طريق تحديد المصالح التى تبيح تدخل الحاكم لتقييد الملكية الخاصة أو مصادرتها. كما حفظت الشريعة دور الملكية فى المجتمع عن طريق تحريم التملك لكل ما فيه ضرر عائد على الأفراد أو الجماعات فى أعراضهم وأموالهم وعقولهم، كالإتجار بالأعراض والخمر والميسر وكافة المحرمات. كذلك حفظت الشريعة السمحاء التوازن الدقيق بين مصلحة الفرد وحق الجماعة بما حددته من مبادىء تحفظ حق كل من الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة، وكيفية استعمال كل منها، وانتقال الملكية الخاصة من شخص لآخر فى حياته وبعد موته. أ. د/نعمت عبد اللطيف مشهور

_ مراجع الاستزادة: 1 - شرح الوقاية فى مسائل الهداية لعبيد الله بن مسعود ط. الهند 1326هـ. 2 - تاج العروس لمحمد مرتضى الزبيدى، ط بنغازى ليبيا د. ت. 3 - الملكية الخاصة فى الشريعة الإسلامية ومقارنتها بالاتجاهات المعاصرة، الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية، ط القاهرة 1982م. 4 - الفروق لشهاب الدين أبو العباس المشهور بالقرافى، ط. عيسى الحلبى 1346هـ. 5 - معجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء، نزيه حماد، ط. المعهد العالمى للفكر الإسلامى، الولايات المتحدة الأمريكية 1414هـ/1993م. 6 - قاموس المصطلحات الاقتصادية فى الحضارة الإسلامية د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1413هـ/1993م

58 - المماليك

58 - المماليك لغة: جمع مملوك وهو العبد (1). واصطلاحاً: المملوك هو الذى اشتُرى بالمال، وأصبح ملكا للمشترى (2). ويعد الخليفة المعتصم هو أول من بدأ بجلب المماليك الأتراك، ليقوى بهم فى الحروب التى واجهته، وليكونوا موضع ثقته بعد أن خاف أن يكون هوى الجند العرب مع منافسيه العلويين. وقد كانت تربية المماليك، وتدريبهم تمر بمراحل متعددة، فإن تجار الرقيق يجلبون أعدادا منهم، ويعرضونهم على السلاطين، وكان السلاطين يختارون منهم أحسنهم قامة وصحة، ومن يبدو عليه الذكاء والنجابة، فإذا تمت عملية الشراء، وضعهم السلاطين فى أبراج خاصة بهم، ورتبوا لهم من الفقهاء والعلماء من يلقنونهم الدين والعلوم، ويأخذونهم بملازمة الفرائض، فإذا تم ذلك وتقدمت بالمماليك السن تجاه الشباب، وكِّلوا إلى مدربين عسكريين لتلقينهم النظم العسكرية، وفنون الحرب، فإذا تمّ للمملوك ذلك انتقل لخدمة سيده، ليلحق بحرسه الخاص أو بديوانه أو بجيشه وسواء عمل هنا أو هناك، فإن مواهبه قد تدفعه إلى الصدارة (3). وقد كان من عجيب أمر المماليك أنهم كانوا يعتزون بهذه التسمية ولا يرضون عنها بديلا، ويرون فيها مجدهم حتى أنهم كانوا قد أسندوا السلطة لأمير منهم عُرف بالشجاعة والإقدام، وهو المؤيد شيخ، ثم تبين لهم أنه لم ينشأ تنشئة المماليك الحقة، لأن بيعه تم بعد أن بلغ الثانية والعشرين من عمره، فقد كان ذلك سببا فى قيام بعض الثورات ضده. وقد كانت الفوضى وعدم الولاء طابع المماليك، فالعزل والتولية يخضعان للقوة، والمؤامرات تحاك من الخصوم والأعوان على السواء والغدر يقع بالقائد المظفر المبرّز بعد أن يحقق انتصارا ضخما فى معارك فاصله، فبدلاً من الفخر به وبانتصاره يكون مصيره القتل مثلما حدث مع القائد قطز الذى قتل عقب انتصاره على التتار، فى معركة عين جالوت. أما من حيث طوائف المماليك فإن المؤرخين اتفقوا على أن المماليك قسمان: القسم الأول: ويعرف بالمماليك البحرية، وهؤلاء جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب، واختار منهم الصالح فرقة للأسطول سميت الفرقة البحرية، ولذلك سمى هؤلاء المماليك بالمماليك البحرية أو المماليك الأتراك، وحكم هؤلاء مصر والشام من سنه 1250 م- 1382م. والقسم الثانى: يعرف بالمماليك البرجية وهم من الشراكسة اشتراهم السلطان قلاوون وسموا بذلك لأن السلطان الأشرف خليل بن قلاوون عندما قسم المماليك السلطانية إلى طوائف أسكين طائفة الشركس فى أبراج القلعة، وكان عددهم آنذاك 2700 مملوك. وقد كان من أشهر سلاطين المماليك: السلطان قطز والسلطان بيبرس والسلطان قلاوون والسلطان محمد بن قلاوون. وقد حاول المماليك البحرية أن يقلدوا سادتهم الأيوبيين فى نظام الوراثة، وقد بدأ الظاهر بيبرس بخلق نظام ولاية العهد فجعلها لأولاده من بعده، وإذا كان الظاهر لم ينجح فى تثبيت ولاية العهد فى أسرته، فإن السلطان قلاوون نجح فى ذلك، فبقى الملك فى بيته حوالى مائة عام حتى سقوط المماليك. وفى عصر حكم المماليك لمصر والشام نشطت بعض الحرف والصناعات كصناعة الزجاج والأوانى المعدنية والجلود وصناعة الأسلحة والسفن، وبعض الصناعات الدقيقة كالزخرفة والأدوات النحاسية ونهض فن العمارة فى عهدهم نهضة واسعة، وآية ذلك تلك المساجد والمدارس والمستشفيات التى خلّفوها. وكان النظام الطبقى فى المجتمع المملوكى قائما على اعتبار الفلاح فى القاع ثم التجار والصناع فى منزلة أعلى منه، ثم أمراء المماليك، وكانوا فى قمة هذا المجتمع، حيث عاشوا منعزلين منفصلين عن السكان لا يختلطون بهم ولا يتزوجون منهم إلا فى النادر القليل. (هيئة التحرير) 1 - المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية مادة (ملِك) 2/ 922. 2 - السلوك فى معرفة دول الملوك. المقريزى ط دار الكتب القاهرة 1/ 370. 3 - موسوعة التاريخ الإسلامى د/ أحمد شلبى دار النهضة المصرية- القاهرة سنة 1979 م ط رابعة 5/ 198.

_ المراجع 1 - مصر فى العصور الوسطى من الفتح العربى إلى الفتح العثمانى د/ على إبراهيم حسن ص 203 وما بعدها، ط النهضة المصرية القاهرة ط خامسة 964 ام. 3 - المختصر فى تاريخ البشر، عماد الدين أبو الفداء ط المتنبى القاهرة د. ت 3 - العصر المماليكى فى مصر والشام د/ سعيد عاشور ط النهضة المصرية 4 - المماليك والفرنج فى القرن التاسع الهجرى د/ أحمد دراج ص 93 وما بعدها، ط دار الفكر العربى القاهرة سنة 1960م. 5 - مصر فى عهد دولة المماليك الشراكسة د/ إبراهيم طرخان ص 31 - ط النهضة المصرية- القاهرة د. ت.

59 - المناسك

59 - المناسك لغة: جمع مَنْسَك، ومَنْسِك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد ويقع على المصدر والزمان والمكان ثم سميت أمور الحج كلها مناسك، والنُّسْك، والنُّسُك: العبادة والطاعة وكل ما يتقرب به إلى الله تعالى، وفى التنزيل} وأرنا مناسكنا {(البقرة 128). أى متعبداتنا والنسيكة وهى: الذبيحة، ومناسك الحج عباداته، وقيل مواضع العبادات، ومن فعل كذا فعليه نُسُك أى دم يريقه، ونَسَك تزهد وتعبد فهو ناسك، والجمع نساك (1). قال القرطبى (2): يقال: إن أصل النسك فى اللغة الغسل، يقال منه: نسك ثوبه إذا غسله. شرعا: اسم للعبادة، يقال رجل ناسك إذا كان عابدا. واختلف العلماء فى المراد بالمناسك هنا، فقيل: مناسك الحج ومعالمه قاله قتادة والسدى. وقال مجاهد وعطاء وابن جريج: المناسك المذابح أى مواضع الذبح. وقيل: جميع المتعبدات. وكل ما يتعبد به إلى الله تعالى يقال له مَنْسَك، ومَنْسِك. والناسك العابد. وقال محمد بن إسحاق: لما فرغ إبراهيم - عليه السلام - من بناء البيت الحرام، جاءه جبريل - عليه السلام - فقال له: طف به سبعا، فطاف به سبعا هو وإسماعيل عليهما السلام يستلمان الأركان كلها فى كل طواف، فلما أكملا سبعا صليا خلف المقام ركعتين. وقال: فقام جبريل فأراه المناسك كلها: الصفا والمروة ومنى والمزدلفة (3). أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - لسان العرب6/ 4412، المصباح المنير 2/ 603 وما بعدها. 2 - تفسير القرطبى 1/ 620 وما بعدها، تفسير ابن كثير1/ 183 وما بعدها. 3 - تفسير القرطبى 1/ 62.

60 - المنهج

60 - المنهج لغةً: الطريق الواضح. واستخدم هذا اللفظ فى تسمية كثير من الكتب العربية فى علوم مختلفة وذلك للدلالة على ثقة مؤلفيها بأنها تمثل الطريق الواضح البين. واصطلاحاً: يستعمل لفظ المنهج Curriculum فى علوم التربية للدلالة على المنهج الدراسى الذى هو مجموعة من المواد الدراسية والخبرات العملية الموضوعة لتحقيق أهداف التربية وهو يشتمل على مجموعتين: المعلومات المستمدة من التراث الثقافى من حيث هى ذات قيمة موضوعية ثم مجموعة الخبرات التى يمارسها الدارس بنفسه. والمعيار الأمثل لتقنين إحدى المواد فى المنهج الدراسى أن تكون للمادة قيمة ثقافية وأن تكون نافعة فى الحياة وملائمة لحاجات الدارس ونموه وميوله وقدراته. ولابد عند وضع المنهج من تحديد الأهداف المراد بلوغها، ومن دراسة الأسس العلمية والطرق العملية المؤدية إلى تحقيق هذه الأهداف. ولابد من التواؤم مع الظروف الطبيعية والبيولوجية وحاجات المتعلم وثقافة المجتمع وأن تربط موضوعاته بشئون الحياة الحاضرة وأن تكون مواده وخبراته وطرقه ووسائله متماسكة. والمنهجيون Methodists هم أتباع الحركة الدينية الإصلاحية التى قادها فى أوكسفورد عام 1729 م جون ويزلى وأخوه تشارلز، مؤكدين على الأخلاقية الفردية والاجتماعية، وعلى المسئولية الشخصية أيضا، وقد انفصلوا عن كنيسة إنجلترا (1795م). ا. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - معجم المصطلحات العلمية والفنية- مجمع اللغة العربية- القاهرة. 3 - منهج البحث العلمى عند العرب- لجلال محمد عبد الحميد موسى- دار الكتاب اللبنانى- بيروت ط 1 سنة 1972م. 3 - المنطق الحديث ومناهج البحث- د/ محمود قاسم- الأنجلو المصرية ط 4 سنة 1966 م

61 - المهر

61 - المَهْر لغة: هو ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم زواجه بها. كما فى المعجم الوجيز (1). واصطلاحا: اسم للمال الذى يجب فى عقد النكاح على الزوج فى مقابل البضع، إما بالتسمية أو بالعقد (2). وقد أوجبه الشارع الحكيم للزوجة، كحق مقرر لها بعقد النكاح لقول الله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} النساء:4، وما رواه سهل الساعدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمريد الزواج من امرأة: (التمس ولو خاتما من حديد) متفق عليه (3). والمهر المسمى هو الذى يتفق المتعاقدان على مقداره، ويذكر أنه عند التعاقد أو بعده، وهو يجب للمرأة إذا صح عقد نكاحها، وكان المسمى مالا متقوما معلوما. ومهر المثل: هو الذى يفرض بحسب العادة فى مثل المرأة التى يراد تزوجها إذا حدث أن فسد تسمية المهر، أو لا يسمى للمرأة مهر، أو يتفق المتعاقدان على نفى المهر، أو يحدث الدخول بالمرأة فى نكاح فاسد، أو الاشتباه فى حل المدخول بها، فيجب للمرأة فى هذه الحالات مهر مثلها من النساء. وإيجاب الصداق للمرأة على من يريد الزواج بها فيه إعزاز لها، ورفعة لشأنها عنده، حيث يبذل لها ما يجهد المرء نفسه فى سبيل اكتسابه وما تضن به النفس عادة، وهذا أدعى إلى دوام العشرة بين الزوجين. وقد تميز التشريع الإسلامى بذلك عن كثير من الشرائع والأعراف التى لا توجب للمرأة هذا الحق على زوجها، بل قد تفرض عليها بذل المال لمن يتزوجها فى مقابل زواجه بها. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، طبعة 1411هـ1990م. 2 - رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين (ابن عابدين)، ط2، 1383هـ/1963م المطبعة الأميرية، القاهرة 2/ 337. 3 - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، ط2 1413هـ/1992م نشر دار الصفوة بالغردقة، 2/ 330. مراجع الاستزادة: 1 - الشرح الصغير، أحمد الدردير، ط2، 1383هـ/1963م، مطبعة المدنى. القاهرة. 2 - المغنى، عبد الله أحمد بن قدامة، ط1، 1348هـ/1931م، مطبعة المنار. القاهرة

62 - المؤاخاة

62 - المؤاخاة لغة: أخا فلانا - أخوة، وإخاوة: اتخذه أخا (آخى فلانا مؤخاة وإخاء: اتخذه أخا) المعجم الوسيط مادة (أخو) (1). واصطلاحا: الأخوة فى الدين الإسلامى أعلى رباط اجتماعى، ذلك أن الأخوة فى الدين ناتجة عن الإيمان العميق به، بحيث يخضع لأوامر ربه دون سواه، ومن ثم تكون هناك عاطفة قوية موحدة تجمع المسلمين جميعا. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} الحجرات:10، كما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (المسلم أخو المسلم) وقوله: (وكونوا عباد الله إخوانا) بمعنى كونوا حريصين على أخوة الدين التى تجمع بينكم. والحب الذى يجمع بين الأخوة فى الدين ليس حبا ينصب على الذات، وإنما هو منصب على الإيمان الذى يربط بين المؤمنين، بحيث يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، فالإيمان هو الرباط الدائم بين إخوة الدين، وهو الذى يضبط سلوك المؤمنين وعاداتهم. إذ يقول الله تعالى: {لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} المجادلة:22. كذلك يوضح الله نعمته إذ جعل المؤمنين إخوانا يجمعهم الإيمان، وعظم فضل الأخوة التى ارتبطت بفضل الإيمان ارتباطا وثيقا، إذ يقول تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} آل عمران:103. هكذا حرص الإسلام على المؤاخاة بين المسلمين، حتى فى أكثر الأمور خصوصية مثل الميراث، إذ كان الميراث فى بداية الإسلام بالأخوة فى الدين لا فى النسب، ولم يكن المسلمون الأوائل يبخلون بمالهم على إخوانهم المسلمين الفقراء الذين عانوا وطأة الاضطهاد بسبب دينهم. ولذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم حين رأى مجتمع المدينة ممزقا حينما هاجر إليه بسبب الخلافات بين الأوس والخررج من ناحية، وبسبب فقر معظم المهاجرين وعوزهم من ناحية أخرى، طبق مبدأ أخوة الإسلام بحيث يشعر كل مسلم أنه مكفول كفالة تامة فى المجتمع الإسلامى. ويقوم مبدأ المؤاخاة الذى طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس أن المسلمين جميعا أخوة، يعطى الغنى منهم فقيرهم بالمعروف ويعين القادر منهم غير القادر، إذ أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتأخوا فى الله اثنين اثنين، أو أخوين أخوين، فقد أخذ بيد على بن أبى طالب وقال: هذا أخى، وكان حمزة بن عبدالمطلب أسد الله، وزيد بن حارثة مولى النبى أخوين، وأبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجى أخوين. وهكذا تآخى كل واحد من المهاجرين مع رجل من الأنصار. كانت المؤاخاة بهذا المفهوم الاقتصادى الاجتماعى درسا فى التنظيم الاجتماعى ولم يكن معناها أبدا أن يركن المهاجرون إلى الدعة، ويتوقفوا عن السعى وراء الرزق بل كان الهدف ترسيخ قيمة التكافل الاجتماعى بين من يشتركون فى أخوة الدين الإسلامى، بحيث يعين المسلم أخاه المسلم في وقت الحاجة الملحة دون تواكل على الغير بدون لببه أو ضرورة، ولذلك اشتغل بعض المهاجرين بالتجارة، على حين عمل البعض الآخر، فى حقول الأنصار ومزارعهم. ونخلص من هذا كله بأن الأخوة فى الإسلام منَّ بها الله على المؤمنين، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - طبقها عمليا فى المؤاخاة التى قام بها بين المهاجرين والأنصار تثبيتا لدعائم المجتمع المسلم، وترسيخا للأسس التى قامت عليها أمة المسلمين. أ. د/قاسم عبده قاسم

_ مراجع الاستزادة: 1 - الأخوة فى الإسلام د/عبد الله ناصح علوان. 2 - الأخلاق فى الإسلام د/عبد اللطيف العبد ط دار الثقافة العربية. 3 - تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه

63 - الموازين

63 - الموازين لغة: جمع ميزان، وهو الآلة التى توزن بها الأشياء كما فى اللسان (1)، كما تطلق على المقادير القياسية التى توزن تبعا لها الأشياء. وقد تعامل العرب فى الإسلام وما قبله بالأوزان، وكانت هذه الأوزان كثيرة، لكن الأساس منها يتمثل فى الدرهم والدينار. وقد تنوعت الأوزان واختلفت مقاديرها، ويلاحظ فيها أن الأوزان الصغيرة تستعمل للأشياء الثمينة، والمتوسطة لمتوسطة القيمة، والكبيرة لدنيئة القيمة. واصطلاحا: الوزن أصل الكيل، نلاحظ ذلك فى كلام الفقهاء، فإذا عرف الوزن عرف الكيل. ولذا فإنهم يقدرونه بالمد والصاع - وهما من الكيل - بالرطل والدرهم - وهما من الوزن - وقد خلط الفقهاء بين الكيل والوزن، فجعلوا - مثلا - الرطل والدرهم وهما من الوزن من أجزاء المد والصاع وهما من الأكيال، فيجب معرفة الدرهم والرطل أولا حتى يسهل معرفة المد والصاع. وهناك فرق بين الكيل والوزن، فالكيل للحجم والوزن للثقل، قال تعالى: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وزنوا بالقسطاس المستقيم} الشعراء:181 - 182. ويظهر من الآية أنهما متغايران، إذالعطف يقتضى المغايرة. وقد ورد فى القرآن الكريم والسنة الغراء كثير من الأوزان مثل: المثقال، القسطاس المستقيم، والذرة، وحبة الخردل، والقنطار، والنقير، والأوقية، والدرهم، وغيرها. وهناك أوزان أخرى عرفت فى صدر الإسلام مثل: الطسوج، والقيراط، والدانق، والدرهم، وهو أنواع مختلفة منها: الدراهم الطبرية، والدرهم البغلى، والدرهم الحوراقى، والدرهم الجواز، والدينار وله أنواع عدة منها: الدينار الحرقلى الرومى، والدينار الكروى، دينار عبد الملك بن مروان، وغيرها، والنواة، والنش، والرطل، والمن. والأوزان لها مكانة عليا فى معاملات الناس، إذ تعتبر مقياسا مهما لها، وتتعلق بها بعض الأحكام الفقهية التى تسير بها الحياة، ومن المسائل الفقهية المهمة التى يلاحظ أن الموازين لها دخل وحظ عظيم فيها: زكاة النقدين، ومقدار نصاب السرقة، وأقل المهر فى النكاح، وكفارة الجماع فى الحيض، ودية القتل العمد والقتل الخطأ وغيرها كثير (2). أ. د/على جمعه محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، مادة (وزن) 6/ 4828. 2 - المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها، محمد نجم الدين الكردى، مطبعة السعادة 1984م، ص25 وما بعدها. مراجع الاستزادة: 1 - المكاييل والأوزان الإسلامية، فالتر هنتس، ترجمه عن الألمانية، د/كامل العسيلى، منشورات الجامعة الإردنية 1970م. 2 - الأوزان والمقادير، الشيخ إبراهيم سليمان العاملى، ط1 - 1962م، مطبعة صور الحديثة بلبنان. 3 - الميزان فى الأقيسة والأوزان، على باشا مبارك، المطبعة الأميرية الكبرى 1892م

64 - المواقيت

64 - المواقيت لغة: جمع ميقات، وهو الحد، تقول: وقت الشىء يوقته، ووقته يقته إذا بين حده، ثم اتسع فيه، فأطلق على المكان فقيل للموضع: ميقات، والميقات بصدد الوقت كما فى اللسان (1). واصطلاحا: يطلق على الوقت المضروب للشىء، كما يقال للمكان الذى يجعل منه وقت الشىء كميقات الحج (2). والمواقيت كما يظهر من التعريف زمانية ومكانية، وهى تعتبر حدودا لأداء العبادات سواء كان ذلك فى بدايتها أونهايتها. والميقات الزمانى له علم خاص به يسمى "بعلم الميقات" (3) وهو علم يعرف به أزمنة الأيام والليالى وأحوالها، وفائدته تتلخص فى معرفة أوقات العبادات. ويهتم علم الميقات الزمانى بتحديد أوائل الشهور القمرية ونهايتها حتى تقام العبادات بناء على ذلك، كما يهتم بالنظر فى الكواكب والبروج من حيث سيرها، وهوعلم له خطر عظيم، إذ هو وسيلة إلى المقاصد المطلوبة شرعا لمصالح الدين والدنيا، فالجهل بالأوقات سبب للجهل بأمر الصلاة والزكاة .. فقد يضعها الإنسان فى غير محلها، فيصلى فى غيرالوقت ويصوم وقت الإفطار ويفطر وقت الصوم .. وهكذا مما لا يخفى. وبدرجة أهمية المواقيت الزمانية تكون درجة المواقيت المكانية وأهميتها، إذ إن الاهتمام بزمن العبادة يتبعه بالتالى الاهتمام بمكانها. وتظهر الأهمية بالنسبة للمواقيت المكانية مثلا فى الحج، فالمسلمون يقصدون الأراضى المقدسة لتأدية فريضة الحج من كل فج عميق، فوقت لهم الشارع الحكيم مواقيت مكانية لا يتعدونها، وهناك مواقيت خمسة للحاج أن يراعيها: - ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة. - الجُحفة: وهو ميقاف أهل الشام، ومصر، والمغرب. - يلملم: وهو ميقات أهل اليمن. - قرن: وهو ميقات أهل نجد. - ذات عرق: وهو ميقات أهل العراق، وخراسان، والمشرق. وهى مواقيت لأهلها، ولمن مر بها من غير أهلها، فمن مر عليها يريد النسك لزمه أن لا يجاوزها حتى يحرم، فإذا جاوز الميقات يريد النسك ثم أحرم دونه فعليه دم سواء عاد إلى الميقات أو لم يعد (4). أ. د/على جمعه محمد

_ الهامش: 1 - لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف 6/ 4887. 2 - التوقيف على مهام التعاريف، محمد عبد الرءوف المناوى، تحقيق محمد رضوان، دار الفكر المعاصر، ط1 بيروت 1990م ص731. 3 - شرح النابلسى المسمى فتح المنان على المنظومة المسماه تحفة الإخوان، للشيخ أحمد القاسم فى علم الميقات المطبعة الخيرية بجمالية مصر المحمدية، ط1، 1308هـ، ص5. 4 - مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن، أبو الفرابن الجوزى، تحقيق د/مصطفى محمد حسنين الذهبى، دار الحديث ط1، 1995 القاهرة، ص146. مراجع الاستزادة: 1 - علم الميقات، الشيخ أحمد موسى الزرقاوى الفلكى، مطبعة الهلال، الفجالة، مصر 1912م. 2 - معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعه جى، وحامد قنيبى، دار النفائس، بيروت 1985م. 3 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، القاهرة

65 - الموال

65 - الموَّال اصطلاحاً: مأخوذ أو منحوت على غير قياس فى العصور المتأخرة مما عرفه تاريخ الأدب العربى منذ القرن الثانى الهجرى- الثامن الميلادى- باسم (المواليا) وهو فن جديد من الفنون الشعرية المستحدثة التى ظهرت بين الطبقات الشعبية فى بلاد المشرق الإسلامى فى العصور العباسية المتتابعة فى إطار محاولات الخروج على نظام القصيدة العربية الموروثة من حيث وحدة قافيتها، طلبا للسهولة والسيرورة بين عامة الناس تأليفاً وغناءً وسماعاً. وكان (المواليا) فى بداية أمره معربا فصيحا يتألف من بيتين فقط من بحر البسيط القابل للغناء والترنيم، وفى نهاية كل شطر من البيتين قافية على روىٍّ واحد، وبعبارة أكثر وضوحا: هو فى أصله مقطوعة معرَّبة من بيتين من بحر البسيط ذات قواف أربع موحدة الروىّ، يبدعها الشعراء ويلحنها المغنون البسطاء فى أعمالهم الحياتية، وفى مناسباتهم الاجتماعية المختلفة وفى تجاربهم الذاتية الحزينة أو السعيدة، وكانوا يطلقون على كل مقطوعة منه "صوتا". ويذكر مؤرخو الأدب ونقاده فى نشأة هذا الفن وموطنه وأغراضه وسبب تسميته بهذا الاسم: إنَّ أول من نطق به (أهل واسط) فى القرن الثانى الهجرى، وذكر صفى الدين الحلى أنه سُمى بهذا الاسم لأن الواسطيين لما اخترعوه، وكان سهل التناول لقصره، وتعلَّمه عبيدُهم المتسلِّمُون عمارة بساتينهم، والفُعول، والمغامرة، والأبَّارون فكانوا يُغنُّون به فى رؤوس النخيل، وعلى سقى المياه، ويقولون فى آخر كلِّ صوت مع الترنيم: (يا مواليا) إشارة إلى ساداتهم فغلب عليه هذا الاسم. وصاروا ينظمونه فى الغزل والمديح وسائر الأغراض على قاعدة القريض. ثم انتقل هذا الفن إلى (بغداد) فاستعمله عامتهم فلطَّفوه ونقحوه، ورققوه، وحذفوا منه الإعراب وحوّلوا لغته إلى عامِّية ملحونة، واعتمدوا على سهولة اللفظ ورشاقة المعنى، ونظموا فيه الجِدَّ والهزل، والرقيق والجزل، واشتهروا فى ذلك حتى كاد المؤرخون ينسبونه إليهم ويتناسون أهل واسط. وجاءت حادثة البرامكة فساعدت على سرعة انتشاره بين الناس بعد أنْ تخلّى عن إعرابه وفصاحته، إذ ذكروا أن جارية لجعفر البرمكى رثته بهذا الفن الجديد، وكانت تنشده وتقول بعد كل مقطوعة منه: (وامواليا) أو (يا مواليا) كما كان يقول أهل واسط، ولَّما حُملت الجارية إلى الرشيد- وكان قد منع من يرثيهم بشعر- قالت: ليس هذا شعرا لأنه عامِّىٌّ ملحون. ومن بغداد انتقل هذا الفن وشاع واشتهر فى سائر الأمصار، فعرفته مصر والشام وغيرهما من البلاد العربية، وذاع بين الفئات الشعبية فى سائر الأغراض الشعرية من غزل ورثاء وهجاء ومديح وزهد، بعد أنْ حُلَّتْ قيود إعرابه وفصاحته، وبعد أن أفتى الإمام السيوطى رحمه الله بوجوب اللحن فيه، وجواز استخدام الألفاظ الجارية فى خطاب العوام من الناس فى تأليفه. ويمكن تعريفه أخيرا بعد هذه المراحل التى قطعها فى مسيرته التاريخية التى أطاحت أخيرا بتاج فصاحته وإعرابه بأنه: "بيتان ملْحونان من بحر البسيط تُقفَّى شطورهما الأربعة بقافيه واحدة" ومن نماذجه الغزلية قول الحكيم بن السويدى الشامى. البدر والسّعد: ذا شبهك وذا نجمك .. والقدّ والحُسْن: ذا رُمْحَك وذا سهمك .. والبغض والحب: ذا قسمى وذا قسمكْ .. والمسك والحُسن: ذا خالك وذا عمَّك. هذا وقد تطوّر اسم (المواليا) فيما بعد إلى (الموّال) مما يدل على أن الأخير مأخوذ من الأول ومنحوت منه، وإن كان على غير قياس كما ذكرنا سلفا، وذهب أستاذنا المرحوم الدكتور (عبد الحميد يونس) إلى أنَّ الموَّال مأخوذ من (الولَولَة) دون أن يوضح كيفية هذا الأخذ وإلى الآن لا أعرف تخريجا لهذا الاشتقاق. أ. د/ جلال صابر حجازى

_ المراجع 1 - الرجوى فى كتابه (بلوغ الأمل ... ) ورقة 2 (مخطوطة بدار الكتب المصرية رقم 1182) 2 - النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى الطبعة الأولى دار الكتب المصرية القاهرة 1349 هـ. 3 - العاطل الحالى لصفى الدين الحلى ط ألمانيا سنه 1955 م. 4 - خزانة الأدب لابن حجة الحموى المطبعة الخيرية بالقاهرة 1304 هـ. 5 - الأدب فى بلاد الشام د. عمر موسى باشا ط دار الفكر بدمشق الطبعة الأولى 1409 هـ/1989 م. 6 - فصول فى الشعر ونقده د. شوقى ضيف ط دار المعارف بمصر 1971 م 7 - بلاغة العرب فى الأندلس د. احمد ضيف مطبعة مصر الطبعة الأولى 1342 هـ/1924 م، 8 - الشعر العباسى: التيار الشعبى د. سعد إسماعيل شلبى مكتبة غريب- القاهرة الفجالة د. ت.

66 - الموحدون

66 - الموحِّدُون الموحدون: هم أصحاب ومؤسسو الدولة الإسلامية التى قامت فى المغرب والأندلس فى القرنين السادس والسابع الهجريين (القرنين 12، 13 للميلاد). وينتمى الموحدون إلى قبائل مصمودة البربرية، ومن أبرزهم هنتانة (إينتى)، وهيلانة (إيت إيلان)، وهسكورة وهزرجة وهرغة، وكانت مواطنهم فى المغرب الأقصى من ساحل البحر عند أسفى، وتمتد شرقا مسافات بعيدة فى بلاد المغرب الأوسط. وترجع نشأة الموحدين- الذين قاموا يدعون إلى تنقية العقيدة الإسلامية مما أصابها من تحريف- إلى رجل من قبيلة هرغة، واسمه محمد بن توُمَرْت، ويعرف بالمهدى بن تومرت، وفى نسبه أقوال مختلفة وبعضها ينسبه إلى الحسن بن على بن أبى طالب. وكان مولده عام 485 هـ/1092م، أو قبل ذلك على الأرجح، وفى مطلع المائة السادسة الهجرية شد رحله إلى المشرق لطلب العلم، فسمع من أبى حامد الغزالى وغيره من أعلام ذلك العصر، ثم عاد إلى المغرب، وأخذ يدعو الناس إلى العقيدة الصحيحة، ونبذ كل ما يخالف تعاليم الإسلام، وتجرد للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مما كان سببا فى كراهية الحكام له، وطرده من بلاد المغرب التى مر بها، ومن بينها تلمسان التى التقى فيها بتلميذه الشهير: عبد المؤمن بن على الكومى سنة 510 هـ/1116م، لكنه حاز إعجاب كثير من العامة، وأصبح له مريدون يسيرون معه حيث سار، وفى طليعتهم عبد المؤمن الذى خصه ابن تومرت بمزيد اهتمام وعناية. أخذ ابن تومرت يجوب بلاد المغرب الأقصى، يحيط به أتباعه، وهو لا يكف عن الدعوة إلى التمسك بتعاليم الإسلام الصحيحة، وينحى باللائمة على المرابطين، الذين كان يرى منهم تراخيا فى هذه الصدد، على الرغم مما عرف عن علىِّ بن يوسف بن تشفين- أمير المرابطين يومئذ- من الصلاح والتقوى والتمسك بعرى الإسلام. ويرى بعض المؤرخين أن مهاجمة ابن تومرت للمرابطين، ودعوته إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إنما تخفى وراءها أهدافا سياسية، وسعيا حثيثا إلى إقامة دولة مصمودية على أنقاض دولة المرابطين الصنهاجية. ولذلك اتخذ من قرية (تينملل) - وهى فى منازل قبيلة هرغة فى أغمات (إيجيليز) عند منابع وادى نفيس المنحدر من جبال السوس- مركزاً لإقامته ودعوته، حيث تسارعت إليه جموع المصامدة، فأخذ فى إعدادهم عسكريا وفكريا، ورتبهم طبقات، فأولهم: أهل الدار- وهم أهل بيته- ثم إيت عشرة (أهل عشيرة) ثم ايت خمسين. وهكذا صارت تينملل معقلا لدعوة المهدى بن تومرت وأتباعه من قبائل مصمودة. ولما اطمأن إلى إخلاصهم له وقدراتهم العسكرية، بدأ الاصطدام بالمرابطين- الذين كانوا قد دخلوا مرحلة الضعف والتفكك فى الأندلس. وحقق الموحدون عدة انتصارات عليهم. غير أن على بن يوسف أمير المرابطين، حشد لهم جيشا ضخما تمكن به من هزيمة الموحدين، الذين استحر فيهم القتل، وأُسِر منهم عدد ضخم، وعقب ذلك مات ابن تومرت زعيم الموحدين فى عام 524 هـ/ 1130م. بايع الموحدون عبد المؤمن بن على بناء على وصية ابن تومرت إليه من بعده، وكان اختياره لقيادتهم موفقا لما يتصف به عبد المؤمن من النجابة والعقل ومؤهلات القيادة الأخرى، فتصدى للمرابطين، وبدأ يغزو بلادهم ويضمها إليه، فأخذ وهران ثم تلمسان ثم فاس ثم سلا، وسبتة. وفرض الحصار بعد ذلك على مراكش عاصمة المرابطين، وألح على فتحها أحد عشر شهرا حتى سقطت سنة 542 هـ/1147 م، ومن ثم دانت لهم بقية بلاد المغرب جميعا من ساحل المحيط إلى شرق طرابلس. وبذلك يكون الموحدون أول من جمع بلاد المغرب تحت لواء واحد، كما طردوا النورمان من سواحل المغرب الأدنى. بعدئذ بدأ الموحدون جهادهم فى الأندلس، وسجلوا صفحات ناصعة فى ميدان الدفاع عن الإسلام وأهله ضد نصارى أسبانيا والبرتغال، الذين انتهزوا فرصة ضعف المرابطين، فأخذوا يغيرون على المدن والقرى الإسلامية، ويضمون إلى أملاكهم ما استطاعوا منها. فلم يجد مسلمو الأندلس ملاذاً يلجأون إليه إلا الموحدين، فبدأت وفودهم تقبل على عبد المؤمن بن على، تستصرخه لإنقاذ بلاد الإسلام من خطر النصارى، ونجدة إخوانه فى الدين من عدوانهم، فاستجاب لهم قائد الموحدين ووعدهم النصرة والمعونة العاجلة. كان أول عبور للموحدين إلى الأندلس فى سنة 546 هـ/1151م، وذلك رداً على استيلاء ألفونسو السابع ملك قشتالة وليون على المرية، فاستردتها جيوش عبد المؤمن، وفرض الموحدون سيادتهم على ما بقى بأيدى المسلمين فى الأندلس، وهو القسم الجنوبى منها، الذى يحده شمالا مجرى الوادى آنه ثم مجرى نهر بلنسية. رجع قائد الموحدين إلى المغرب، وشُغل بالقضاء على المناوئين لدولته فى بعض أقاليم المغرب، لكنه لم يغفل عن متابعة أحوال الأندلس، حتى ألمَّ به المرض الذى توفى فيه سنة 558 هـ/1163 م، بعد حكم امتد ثلاثة وثلاثين عاماً، حيث بويع لابنه أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بن على. فى عام 560 هـ/1165م جرد الموحدون حملة عسكرية إلى الأندلس، لتعزيز الدفاعات الإسلامية فى مواجهة العدوان الأسبانى. كذلك اصطدم جيش الموحدين بقوات محمد بن سعد بن مردنيس المتعاون مع الأسبان، حيث بلغ عدد النصارى المرتزقة فى جيشه الذى قاتل الموحدين- فى موقعة فحص الجلاب قرب مرسية- ثلاثة عشر ألف محارب! لكن النصر الكبير كان حليف الموحدين فيها، حيث توفى ابن مردنيس فيما بعد. لم يتوقف جهاد الموحدين فى الأندلس، ففى سنة 566 هـ/1171م، عبر الخليفة يوسف بن عبد المؤمن بقوات كبيرة من المغرب، وانضم إليهم جيش الأندلس للقيام بأعمال الجهاد فى عدة مناطق، وامتدت هذه الحملة خمسة أعوام، عاد بعدها الخليفة إلى مراكش. لكنه فى الجولة الأخيرة له ضد ملك البرتغال: ألفونسو هنريكى- الذى يسميه مؤرخو المسلمين: ابن الريق- فى موقعة استرداد مدينة شنترين سنة 580 هـ/1184م، أصيب يوسف بن عبد المؤمن إصابة خطيرة توفى على إثرها، حيث بويع بالخلافة بعده أكبر أبنائه يعقوب، الذى تلقب بالمنصور. وبعد أحداث وقعت فى الشمال الإفريقى، اتجه الموحدون نحو الأندلس، لاستئناف الجهاد ضد النصارى سنة 586 هـ/1190م، حيث عقدت هدنة بين الطرفين. بعد إنتهاء مدتها عاد الصدام بينهما فى موقعة الأَرَك الطاحنة، التى انتصر فيها الموحدون بقيادة الخليفة المنصور على ألفونسو الثامن وجيوشه عام 591 هـ/1195م، حيث هدأ الضغط النصرانى على الجزء الإسلامى من الأندلس إلى حين. بعد بضع سنوات توفى يعقوب المنصور ثالث الموحدين عام 595 هـ/1199م، حيث خلفه ولده محمد الناصر لدين الله، الذى وجه همَّه نحو إفريقيا والمغرب، فأنزل الموحدون ضرباتهم القاسية بالثائرين عليهم والخارجين عن طاعتهم من بنى غانية المسُّوفيين- وهم بقايا المرابطين- وعرب الهلالية، فعادت إفريقيا والمغرب الأوسط وجزائر البليار إلى طاعة الموحدين سنة 602هـ، 1205م. عاد ألفونسو الثامن إلى عدوانه على المسلمين، فعبر الناصر بقواته إلى الأندلس، حيث التقى الفريقان فى معركة قاسية تسمى (حصن العقاب) سنه 609 هـ/1213م، وكان الضغط فيها شديدا على المسلمين، فانتهى اللقاء بهزيمة الموحدين وتشتت قواتهم، ومن ثم عاد الناصر إلى مراكش حزينا كسيرا، وما لبث أن توفى فى العام التالى- حسرة وألما على ما أصاب المسلمين وأصابه فى موقعة حصن العقاب التى كانت نذيرا بزوال دولة الموحدين، وانقسامها إلى ثلاث دول، هى: دولة بنى مرين، ودوله بنى حفص، ودولة بنى عبد الواد. أ. د. محمد جبر أبو سعدة

_ المراجع 1 - الكامل فى التاريخ، ابن الأثير، على بن محمد بن محمد- دار صادر بيروت 1399 هـ/979 1 م. 2 - التاريخ الأندلسى- الدكتور عبد الرحمن على الحجى دار الاعتصام. القاهرة 1403 هـ/1983م. 3 - أعمال الأعلام (تاريخ المغرب العربى فى العصر الوسيط) ابن الخطيب: لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد بتحقيق أحمد مختار العبادى ومحمد إبراهيم الكتانى. الدار البيضاء- المغرب 1964 م. 4 - ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد: العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر. بيروت 1958 - 1959م. 5 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- ابن خلكان أحمد بن محمد بن أبى بكر بتحقيق إحسان عباس. دار صادر بيروت 1398 هـ/1978 م 6 - تاريخ المغرب فى العصر الإسلامى- الدكتور السيد عبد العزيز- مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر- الإسكندرية. 7 - البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب- ابن عذارى أبو عبد الله محمد المراكشى، جمع وتعليق إحسان عباس- بيروت 1967 م. 8 - عصر المرابطين والموحدين فى المغرب والأندلس- عنان محمد عبد الله: القاهرة 1383 - 1384 هـ/ 1964 م 9 - قيام دولة المرابطين- الدكتور حسن أحمد محمود- القاهرة 1957 م. 0 1 - المعجب فى تلخيص أخبار المغرب- عبد الواحد بن على المراكشى- بتحقيق محمد سعيد العريان- القاهرة 1383 هـ/1963م. 11 - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى- الناصر السلاوى أحمد بن خالد- بتحقيق ولَدَىْ المؤلف جعفر ومحمد- الدار البيضاء1954 م. 12 - معجم البلدان- أبو عبد الله ياقوت الرومى الحموى، بتحقيق فريد عبد العزيز الجندى- دار الكتب العلمية- بيروت 1410 هـ/1990م.

67 - الموشحات

67 - الموشحات لغةً: الموشحات جمع موشحة أو موشح مأخوذ من الوشاح، يقال "توشَّحت المرأة واتَّشحتْ " أى لبستْ (وشَاحها) وهو "أديم عريض من الجلد يرصَّع بالجوهر فتشده المرأة بين عاتقها وكشحها" لإتمام زينتها وإبراز جمالها كما فى لسان العرب. واصطلاحاً: فنٌّ مستحدث من فنون النظم الشعرى يربطه بأصله اللغوى طلب الزينة والزخرف الجمالى والتأثير الشعورى كالوشاح ومن هنا ذكر المحبىِّ: "أن الموشح سُمِّى بذلك لأن خرجاته وأغصانه كالوشاح. نشأ هذا الفن فى الأندلس الإسلامية فى أواخر القرن الثالث الهجرى- التاسع الميلادى - استجابة وتفاعلا مع مجموعة من الأسباب والبواعث الفنية واللغوية والاجتماعية والمحلية، بعد أن ملَّ بعض الشعراء الأندلسيين النظم على وتيرة واحدة، وتاقوا إلى التنويع والتجديد فاخترعوه، ولست مع بعض الدارسين المعاصرين الذين يُطلقون على الموشحة أنها (ثورة) على القصيدة العربية، لأنَّ ذلك يوُهم أنها نجحت فى هدم النظام الإيقاعى للقصيدة من جذوره والانفصام المطلق عنه، وهذا لم يقع! وإنما هى فيما أرى مجرد حركة تجديدية لا تتجاوز محاولة التنويع فى دائرة الوزن والقافية فى حدود نظام مُعَّين ومصطلحات جديدة حاول أصحابها الالتزام بها دون أن يتجاوزوا هذه الدائرة الإيقاعية إلى المضمون والمحتوى الفكرى من جهة، ودون أن يستطيعوا الانفلات المطلق من معطيات التقفية والإيقاع الموسيقى فى الشعر العربى من جهة أخرى كما سنرى، وظل هذا الفن يتطور على أيديهم حتى بلغ غاية نضجه وازدهاره عندهم، ثم انتقل إلى بلاد المشرق الإسلامى فعرفه شعراء مصر والشام، وشاركوا فى ممارسة إبداعه منذ القرن السادس الهجرى- الثانى عشر الميلادى- وإن غلب على المتأخرين منهم التكلف فى أدائه. ونتيجة لقبوله للغناء واتصاله الوثيق به تمثَّلتْ أبرز خصائصه الفنية فيما يأتى: 1 - يختلف عن فنون النظم الأخرى بالتزامه نظاما خاصا فى التقفية، وبخروجه على وحدة الوزن الموروثة فى القصيدة العربية. 2 - وبخروجه على بحور الخليل أحيانا. 3 - وبخلوه من الوزن تماما فى بعض الأحيان اكتفاءً بالتلحين الموسيقى الذى قد يقوم عندهم مقام الوزن الشعرى. 4 - كما يختلف عن غيره باستعماله اللغة الدارجة أو الأعجمية فى بعض أجزائه. 5 - وبتقسيمه إلى أجزاء اصطلاحية لا توجد فى غيره، وهى التى تشكل بناءه الموسيقى الجديد بعد أن تمَّ نضجه واكتمل استواؤه كما سيأتى. ولم يتضح معالم هذا البناء الموسيقى إلاّ بعد أن تجاوز هذا الفن الجديد مرحلتى نشأته وتطوره فى العهدين: المروانى ثم الطائفى. ودخوله عصره الذهبى فى العهدين: المرابطىِّ ثم الموحدىِّ حين انصرفت إلى نظمه جهود مجموعة من أعلام الشعراء فى القرنين السادس والسابع الهجريين- الثانى عشر والثالث عشر الميلادى- فى الأندلس من أمثال الأعمى التطيلى المتوفَّى سنة 520 هـ/1126م، وابن بقىّ المتوفَّى سنة 540 هـ/1145م، وابن باجة المتوفى سنة 533 هـ/1138م، وأبى بكر محمد ابن عبد الملك بن زهر الحفيد المتوفى سنة 595 هـ/1198م والشيخ محيى الدين بن عربى المتوفى سنه 638 هـ/ 1240م وأبى إسحاق إبراهيم بن سهل المتوفى سنه 649 هـ/1251م ثم جاء ابن سناء الملك الشاعر والوشَّاح والناقد المصرى المتوفى سنة 608 هـ/1211م فرصد لأول مرة معالم هذا البناء فى كتابه (دار الطراز فى عمل الموشحات) بصورته المكتملة الناضجة بالشكل الآتى: 1 - المطلع: وهو الجزء الأول من الموشحة ويُقابل مطلع القصيدة، ووجوده ليس شرطا لازما، بل يُذكر المطلع فى الموشحة وتسمَّى حينئذ (بالموشحة التامَّة) وقد يحذف فيسمى الموشح حينئذ (الموشح الأقرع) وأقل أشطار أى أجزاء المطلع اثنان، ويمكن أن تصل إلى ثمانية أشطار تُكتبُ أفقية أو عمودية. 2 - الغصن: وهو الجزء الذى يعقب المطلع فى الموشح التام، ويبدأ به الموشح الأقرع، ويتكون من أشطر ثلاثة فأكثر موحدة القافية فى الغصن الواحد، ويتكرر الغصن خمس مرات فى غالب الأمر (وتتنوع قافيته كلما تكرر) (ويلتزم وزنا واحدا فى الموشحة كلها). 3 - القفل: وهو الجزء الذى يتكرر فى الموشحة كلها متفقا مع المطلع (وزنا وقافية) وعدد أجزاء ويتكرر ست مرات فى (الموشح التام) وخمس مرّات فى (الموشح الأقرع) والمطلع فى كل موشح هو (القفل الأول) و (القفل الثانى) ما يلى (الغصن الأول) وهكذا تجد عقب كل غصن قفلا، ويلاحظ ضرورة الالتزام (بوحدة الوزن والقافية معا) فى جميع الأقفال. 4 - الدُّور أو البيت: وهو فى أرجح الآراء مجموع كل غصن مع القفل الذى يليه وقيل غير ذلك، وواضح الفرق بين (البيت) فى الموشحة بالمعنى المذكور والبيت فى القصيدة الذى يتكون من شطرين هما الصدر والعجز تتكرر صورته من أول القصيدة إلى آخرها كما هو بدهىّ وتتوالى أبيات الموشحة لتصل إلى خمسة أبيات غالبا بينما لاحدّ لأكثر الأبيات فى القصيدة. 5 - السِّمط: هو كل جزء أو شطر من أشطار الغصن، ولا يقل عددها فى كل غصن عن ثلاثة، وقد تزيد حسب رغبة الوشَّاح، وعددها فى الغصن الأول من الموشحة هو الذى يحدد عددها فى الأغصان الباقية، واشترطوا أن تكون أسماط كل غصن (موحدة القافية) فيما بينها، أما أسماط الأغصان الأخرى فلا يشترط فيها وحدة القافية مع سابقتها أو لاحقتها، هذا وقد يكون السمط مفردا أى من فقرة واحدة أو شطر واحد، وقد يكون مركبا من فقرتين أو أكثر، وعدد فقرات السمط الأول هو الذى يحدد فقرات بقية الأسماط كما أن قافية فقرات السمط الأول (يشترط توحيدها وتماثلها فى الأجزاء الداخلية فى كل سمط على حدة وإلاّ عِيب الموشح وسقطت فنيّته)، وكما يطلق السمط على أجزاء الغصن يطلق كذلك على أجزاء القفل وأشطاره. 6 - الخرجة: وهى القفل الأخير من الموشح وهى ركن أساسى فى بناء الموشحة ولا يمكن الاستغناء عنها بينما يمكن الاستغناء عن القفل الأول، وهو المطلع فى (الموشح الأقرع) والأفضل فى الخرجة أن تخالف لغتها لغة بقية الموشحة لتتسع دائرة المتلقين لها من الطبقات الشعبية المختلفة، وذلك بأن تأتى عامية، أو أعجمية، أو فصيحة غير معربة، كما يقدم لها بما يمهد لورودها مثل: قالت وقلْتُ، وغنّى وغنَّيتُ وأنشد وأنشدت وتأتى على ألسنة صبيان أو نسوة، إلى آخر ما ذكره ابن سناء الملك فى كتابه (دار الطراز فى عمل الموشحات) (3). وبالتتبع الموضوعى المنصف لمعالم التجديد فى البناء الموسيقى السابق يمكننا أن نلاحظ أمورا ثلاثة لابد من لفت الأنظار إليها، لصلتها الوثقى بمسيرة الشعر العربى فى ماضيه وحاضره ومستقبله جميعا: أولها: أنَّ اختراع الموشحات لم يكن- كما يتوهم بعض الحداثيين المعاصرين الذين انسلخوا عن تراث الأمة وماضيها العريق وثوابتها الباقية- لم يكن هدما للإيقاع الموسيقى فى الشعر العربى، ولا انفلاتا مطلقا من ضوابطه وقواعده، لأنَّ بناء الموشحة وإن اشتمل على حرية التغيير والتنويع فى الوزن والقافية من جانب إلاَّ أنَّ فيه- فى الوقت نفسه- تقيدا والتزاما بالتوحّد والتماثل من جانب آخر، سواء أكان ذلك فى الوزن أم فى القافية أيضا: (أ) أما على مستوى القافية: فتتمثل الحرية والتنويع فى الأغصان، حيث تغاير قافية كل غصن قافية بقية الأغصان. كما يتمثل الالتزام بالتوحُّدِ والتماثل فى الأقفال، حيث اشترطوا ضرورة أن تتحد قوافيها فى الموشحة كلها. (ب) وأما على مستوى الوزن: فتتمثل الحرية والتنويع فى جواز استخدام البحر الذى تصاغ على وزنه الموشحة فى عدة حالات من حالاته أى من حيث التمام والجزء والشطر، وبعبارة أكثر وضوحاً: يجوز فى الموشحة أن يكون بعض أشطارها من بحر على تفاعيله التامة، وأن تكون بعض الأشطار الأخرى من البحر نفسه، ولكن على تفاعيله المشطورة أو المجزوءة: فتأتى بعض الأشطار طويلة عديدة التفاعيل، وتأتى أخرى فى الموشحة نفسها قصيرة قليلة التفاعيل، وقد تأتى بعض الأشطار من بحر والبعض الآخر من بحر آخر. كما يتمثل الالتزام بالتوحد والتماثل فى وجوب أن يأتى كل جزء من الأجزاء المتماثلة فى الموشحة على وزن موحد، والأجزاء المتماثلة هى: الأغصان مع الأغصان، والأقفال مع الأقفال، فإذا جاء الغصن فى الفقرة الأولى على وزن معين يجب أن تأتى كل الأغصان على الوزن نفسه، وإذا جاء القفل الأول على طريقة خاصة من حيث طول الأشطار، وقصرها من بحر ما فيجب أن تأتى كلُّ الأقفال على الطريقة نفسها، وقد عرفنا سلفاً أن تلك الأقفال يجب أن توافق المطلع فى الوزن والقافية معا. ثانيها: أن الموشحات على الرغم ممَّا استحدثه من وفرة النغم وعذوبته ورشاقة الحركة الموسيقية وحيويتها وتنوع أجوائها الجديدة إلاّ أنَّ إيقاع القصيدة الموروث- المجسّم فى وحدة الوزن والقافية- ظلّ نظامه باقيا وله السلطان الأعلى فى عالم الشعر عند الأصلاء من المبدعين الموهوبين فى أمه العرب والإسلام إلى يوم الناس هذا، وذلك لارتباطه الوثيق بالذوق العربى الأصيل، وبطبائع الأمة وأعرافها وقيمها الصوتية والجمالية المتوارثة منذ أن ضبط الخليل بن أحمد أوتار هذه القيثارة لفن العربية الأول (الشعر). ثالثها: من أهم نتائج الوقوف على عنصرى هذا التجديد الذى يجمع فى وقت واحد بين الحرية والالتزام فى بناء الموشحة أنه يُسقط دعاوى الحداثيين المتشاعرين الذين ظنوُّ ظنَّ السَّوْءِ بالموشحة الأندلسية، وفهموا خطا أنها هِدْم للإيقاع الموروث، وانفلات "مطلق" من قواعده وضوابطه، واتخذوا من ذلك ذريعة إلى، فرض عجزهم على حركة الشعر العربى، الحديث حين تصوروا القاعدة قيدا. والضابط عائقا يحول بينهم وبين التحليق فى سماء الإبداع الشعرى، فتنادَوْا بالانفلات التام من وحدة الوزن والقافية ليحققوا التجديد الحر المنشود والتحليق المزعوم، ولكنهم سقطوا سقوطا فاضحا، وأخفقوا، إخفاقاً ذريعاً. والحقيقة التى لا محيد عن الاعتراف بها لدى كل منصف أن عجز هؤلاء الحداثيين الجدد، وضعف أجنحتهم عن التحليق فى سماء القصيدة العربية، هو المسئول عن سقوطهم، واكتفائهم بما يسمونه (بشعر التفعيلة) تارة و (بقصيدة النثر) تارة أخرى مما ترفضه بل تلفظه- عاجلا وآجلا- حركة التاريخ الأدبى لهذه الأمة. أ. د/ جلال حجازى

_ المراجع 1 - خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر- للمحبى- 1/ 108. 2 - تاريخ الأدب الأندلسى عصر الطوائف والمرابطين- د/ حسان عباس القاهرة سنة 1973 م. 3 - دراسات ونصوص أندلسية- جلال حجارى القاهرة سنة 1419 هـ/1998 م. 4 - المغرب فى حلى المغرب- ابن سعيد المغربى- ط 3 دار المعارف بمصر. 5 - الأدب الأندلسى من الفتح إلى سقوط الخلافة- أحمد هيكل- ط 10 دار المعارف بمصر 1986 م.

68 - المولد

68 - المُوَلَّد لغة: اسم مفعول من التوليد، بمعنى إخراج شىء من شىء آخر أصلى، يقال: تولّد الشىء من الشىء أى خرج منه، وقيل: هو المحدث من كل شىء. واصطلاحاً: هو من كان عربيا غير محض، والموَلّد من العبيد والجوارى هو من ولد بين العرب ونشأ مع أولادهم، يغذونه غذاء الولد، ويعلمونه من الأدب مثل ما يعلمون أولادهم. وقيل: المولدون هم جماعة من العجم ولدوا ونشأوا ونموا فى بلاد العرب أو العكس. والمولد من الكلام: هو اللفظ العربى أصلاً أو تعريبا، والذى يستعمله الناس بعد عصر الرواية إلى ما قبل العصر الحديث. وبذلك تستغرق فترة المولد من الألفاظ حوالى تسعة قرون، ثم تبدأ بعدها فترة الألفاظ المحدثة عند بداية عصر محمد على باشا فى مصر سنة 1805 م حيث انفتحت اللغة على علوم العصر فى أوروبا. وقد ظهر هذا المصطلح مع الخلافة العباسية، إذ لم يكن انتقال الخلافة إلى العباسيين مجرد تغيير سياسى فقط، بل كان ثورة اجتماعية غيرت من صورة المجتمع العربى التى كان عليها أيام الأمويين إلى مجتمع إسلامى جديد تعيش فيه أمة إسلامية تضم عناصر بشرية جديدة ليست بعربية محضة، وقد استطاعت هذه العناصر أن تفرض نفوذها مما حدا بالجاحظ أن يصف الدولة الأموية بأنها عربية أعرابية، ويصف الدولة العباسية بأنها فارسية أعجمية. فقد شاع الإقبال المتزايد على الزواج من الأعجميات، ولما كان الإسلام لا يسمح بالزواج من أكثر من أربع فقد انطلق المجتمع فى التسرّى وامتلأت القصور بالإماء والمولدين من أبنائهن، وقد صاحب ذلك الكثير من الظواهر الاجتماعية التى لم تكن مألوفة بين العرب، وانعكس كل ذلك فى الأدب كمرآة لتلك المرحلة، ونتاج لها. كما شهدت الدولة العباسية أكبر نهضة ثقافية شهدتها الحضارة الإسلامية، وقد كانت الثقافة الفارسية من أهم الروافد التى غذت تلك النهضة، وكان من مظاهر التأثير الفارسى فى الثقافة الإسلامية تلك الألفاظ الفارسية التى استعارها العرب، وفى ازدهار حركة الترجمة، إضافة إلى هؤلاء الفرس الذين تعربوا، وهؤلاء العرب الذين أخذوا بحظ من الثقافة الفارسية، وقد ملأوا الدنيا علما وحكمة وشعرا ونثرا. وقد رسم العلماء حدودا مكانية وزمانية للعرب الأصليين الذين عنهم تنقل اللغة، وقد توسعوا فى الحدود المكانية، كما توسعوا فى الحدود الزمانية حيث بدأوا بالأخذ فى حدود المائة الأولى، ثم ما لبثوا أن أخذوا عن مصادر المائة الثانية، ثم امتدت حدود الزمان إلى آخر المائة الثالثة، باعتبار أن كل ما جرت به ألسنة العرب فى هذه القرون الثلاثة هو ما يصح أن يعتبر عربية أصيلة، وكل ما جاء بعد ذلك اعتبر من لغة المولدين، سواء ما أبدعته قرائح الشعر أو ما أسفرت عنه محاولات المترجمين، فيعد إذا ما خالف نهج الفصحى مولّدا غير أصيل. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور- طبعة دار المعارف. 2 - العربية لغة العلوم والتقنية- د/ عبد الصبور شاهين- دار الاعتصام ط 3 سنة 1409 هـ سنة 1989 م 3 - المزهر فى علوم اللغة وأنواعها للسيوطى. شرح وتعليق محمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلى محمد البجاوى- المكتبة العصرية بيروت سنة 1412 هـ سنة 1992 م. 4 - تاريخ الشعر فى العصر العباسى د/ يوسف خليف- دار الثقافة القاهرة سنة 1981 م. 5 - العقد الفريد لابن عبد ربه- لجنة التأليف والترجمة سنة 1965 م. 6 - ضحى الإسلام- أحمد أمين- مكتبة النهضة المصرية القاهرة سنة 1977 م 7 - تاريخ بغداد- للخطيب البغدادى- مطبعة السعادة القاهرة سنة 1931 م. 8 - تاريخ الأدب العربى فى العصر العباسى الأول- الأستاذ السباعى بيومى- مطبعة العلوم- القاهرة سنة 1931 م. 9 - المسلمون فى الأندلس (المسيحيون والمولدون) تأليف رينهرت دوزى- ترجمة وتعليق حسن حبشى- الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1998 م. 10 - حركة التجديد فى الشعر العباسى- د/محمد عبد العزيز موافى- مطبعة التقدم سنة 1983 م.

69 - الميراث

69 - الميراث لغة: انتقال الشىء من شخص إلى آخر بعد الوفاة، سواء كان الانتقال إلى وارث موجود، أو فى حكم الموجود كالجنين، كما فى القاموس (1). واصطلاحا: استحقاق نصيب فى تركة المتوفى، بسبب قرابة أو زوجية أو ولاء (2). وأسباب الميراث المتفق عليها هى: القرابة والزوجية، ومن أدلة مشروعية الاستحقاق بسببهما: قول الله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} النساء:7، وقوله سبحانه: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد .. } النساء:12، وما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) متفق عليه (3). ونظام الميراث فى الإسلام نظام إلهى، لا دخل للبشر فى ترتيبه الحقوق فيه، فهى مترتبة من قبل الشارع لكل من قام به سبب الإرث عند وفاة المورث، حيثه يعطى كل وارث نصيبه المقدر له إن كان من أصحاب الفروض، أو يأخذ الباقى من أصحاب الفروض إن كان يرث بالتعصيب. ولا يحرم من الميراث أحد ممن قام به سبب الإرث، إلا أن يكون قاتلا لمورثه أو مختلفا معه فى الدين. ولم يمنع الإسلام المرأة من الإرث كما هو الحال فى الشريعة اليونانية أو اليهودية أو الأعراف القبلية القديمة، ولم يمنع الإسلام الطفل أو حتى الجنين فى الرحم من الإرث، كما هو الحال فى الأعراف القبلية القديمة، حيث كان لا يعطى من التركة إلا الرجال الأقوياء، ولم يميز الإسلام عند توزيع الأنصبة فى الإرث بين الكبير والصغير، كما فى شريعة اليهود، حيث يعطى فيها الابن الأكبر للمتوفى ضعف ما يعطى الأصغر. ومن خصائص نظام الميراث الإسلامى: 1 - أنه نظام إجبارى فى حق المورث والوارث، فليس للمورث حرمان أحد من الميراث، وليس للوارث رد إرثه من قريبه، خلافا لبعض النظم التى تجعل حق الإرث اختياريا لكليهما. 2 - حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ حق الورثة فى مال قريبهم قبل موته، إذا مرض مرضا يسلمه إلى الموت، حيث منعته من التصرف فى ماله بما يضر بورثته أو يضيع حقوقهم فى ماله، بعد أن تركت له الحرية المطلقة فى التصرف فى ثلث هذا المال. 3 - وقد جعلت الشريعة الإسلامية تركة الميت لأحب الناس إليه، وأكثرهم صلة به، وتعاونا معه فى حال حياته. 4 - وجعلت التوارث داخل نطاق الأسرة الواحدة، بما يحقق الترابط بين أفرادها. 5 - وجعلت أساس تقديم بعض الورثة على بعض: قوة القرابة، وشدة الصلة بالميت، واتصال المنافع بين الوارث والمورث. 6 - اعتبرت الشرعية الإسلامية الحاجة هى أساس التفاضل فى الميراث عند الاتفاق فى سبب الاستحقاق، ولهذا جعلت نصيب البنت نصف نصيب أخيها الذكر، لأن حاجته إلى المال أشد من حاجتها إليه، ومطالب الحياه وتبعتها بالنسبة له أكثرمنها. 7 - ونظام الميراث فى الإسلام يحول درن جميع الثروة فى يد واحدة على حساب الآخرين، ويؤدى إلى تفتيت الثروة على أكبر عدد من المستحقين للتركة، فيستفيد من خيرها طائفة كبيرة من أقارب الميت. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيررز آبادى، ط2، 1371هـ/1952م، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1/ 167. 2 - النبراس، لعبد الفتاح محمود إدريس، ط1، 1416هـ-1995م، مطبعة الأخوة الأشقاء القاهرة ص184. 3 - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ط2، 1413هـ-1992م، نشر دار الصفوة، الغردقة 2/ 395. مراجع الاستزادة: 1 - الميراث والوصية فى الإسلام، لمحمد زكريا البرديسى، طبعة 1383هـ-1964م، الدار القومية القاهرة. 2 - أحكام التركات والمواريث، للهادى السيد عرفة، طبعة 1417هـ-1996م، مكتبة الجلاء الجديدة المنصورة

70 - الميزان

70 - الميزان لغة: الآلة التى توزن بها الأشياء. والسنجة من الحجارة والحديد ونحوها. والمقدار. ويقال: اعرف لكل امرئ ميزانه. والعدل (1). واصطلاحاً: جاءت مادة الميزان فى القرآن الكريم فى خمسة عشر موضعا نذكر منها: {والسماء رفعها ووضع الميزان} (الرحمن 7) أى بالعدل. {فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} (الكهف 60) أى قدرا، {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} (2) (الأعراف 8) وموازينه أى مقادير عمله الصالح. والميزان عند الفلاسفة ( CRITARION) ما تقدر به الأشياء، أو تقوم به الأعمال فهو شارة أو علامة ظاهرة، تسمح بمعرفة الأشياء والأفكار والحكم عليها وقد تكون هذه الشارة باطنة يكشف عنها بالملاحظة والتجربة أو بالنظر والتأمل. وهناك أيضا علم الموازين Criteriology وهو قسم من المنطق يبحث فى موازين الأحكام ويسمى الغزالى المنطق كله "علم الميزان " (3) وقالوا: (الميزان) علامة ظاهرة أو باطنة بها تبين الأشياء والمعانى (4) وكلمة الميزان يوظفها الغزالى فى كتابه الموسوم "ميزان العمل " ليوضح أن السعادة عند المحققين من الصوفية بالعلم والعمل معاً (5). ا. د جمال رجب سيدبى

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية دار المعارف 2/ 1072. 2 - معجم الفاظ القران الكريم مجمع اللغة العربية 2/ 1177. 3 - المعجم الفلسفى، مجمع اللغة العربية ص 198. 4 - المعجم الفلسفى د/مراد وهبة ص 325. 5 - ميزان العمل للغزالى، الناشر مكتبة الجندى/ القاهرة (1) معجم اصطلاحات الصوفية، للكاشانى- تحقيق د. عبد العال شاهين. مادة (ميزان)

النون

1 - النَّار لغة: عنصر طبيعى فعَّال، يمثله النور والحرارة المحرقة، وتطلق على اللهب الذى يبدو للحاسَّه، كما تطلق على الحرارة المحرقة. ويقال استضاء بناره: استشاره وأخذ برأيه. وأوقد نار الحرب: أثارها وهيَّجَها. (1) واصطلاحا: مما لا ريب فيه أن الجنة والنار مخلوقتان، موجودتان الآن، وأن الله خلقهما قبل خلق أهليهما، وأنهما لا تفنيان ولا تبيدان أبدا. (2) قال الله تعالى عن الجنة {أعدت للمتقين} (آل عمران 133)، وقال {أعدت للذين آمنوا بالله ورُسله} (الحديد 21). وقال عن النار {أعدت للكافرين} (آل عمران 131)، وقال {إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا} (النبأ 21، 22). ولقد عرض القرآن الكريم لموضوع النار، فى آيات كثيرة ومتنوعة (3)، والحديث عن النار يدخل فى باب السمعيات بلغة علم الكلام، وهى وسيلة من وسائل الترهيب للتذكير بعذاب الآخرة، علّى طريقة القرآن فى عرض حقائق الغيب والآخرة، كمشاهد حية شاخصة تؤثر فى نفسية المسلم (4). وأحيانا يعرض السياق القرآنى للنار فى مقابل الجنة فى الآية الواحدة، حتى يحدث التوازن النفسى بين الترهيب والترغيب لمتلقّى القرآن {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير} (البروج 10،11). وجاءت السنة الصحيحة، لتذكِّر بالترهيب من النار يوم القيامة فى أحاديث عديدة، نذكر منها: عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق أقتابه (يعنى أمعاء بطنه) فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: "كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه " قال: وإنى سمعته يعنى النبى - صلى الله عليه وسلم -: يقول " مررت ليلة أسرى بى بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء خطباء أمتك يقولون مالا يفعلون " (رواه البخارى ومسلم). وقالت الماتريدية فى الجنة والنار بما دلت عليه النصوص من وجودهما وبقائهما، وكما ذهب الإمام البزدوى (من الماتريدية)، إلى أن الجنة والنار أعدتا، والإعداد هو الادخار، وهو تهيئة الشيء لأمر، .. قال عامة أهل القبلة: إن الجنه والنار لاتبيدان، فأهل الجنة يتنعمون أبدا وأهل النار يعاقبون أبداً (5) وذهبت فرقة الكينوية، إلى أن الأصول ثلاثة: النار، والأرض، والماء، وإنما حدثت الموجودات من هذه الأصول دون الأصلين اللذين أثبتهما الثنوية. وقالوا: النار طبعها خيرة، نورانية. والماء ضدها فى الطبع، فما كان من خير فى هذا العالم فمن النار، وما كان من شر فمن الماء، والأرض متوسطة. وهم يتعصبون للنار تعصبا شديدًا من حيث إنها علوية، نورانية، لطيفة، لا وجود إلا بها، ولا بقاء إلا بإمدادها، والماء يخالفها فى الطبع فيخالفها فى الفعل، والأرض متوسط بينهما. فتركيب العالم من هذه الأصول. (6) ولقد شغلت " النار" فلاسفة الإغريق وبشكل خاص عند هيراقليطس، لقد كانت النار أساس تفسيره واستنتاجاته لقضية الوجود، فنظر إلى التغير والتحول السارى فى أرجاء الكون، ولم يجد أمامه سوى عنصر النار لتفسير هذا التحول والتغير. فكل شيء فى الوجود- من وجهة نظره- فى تحول وسيلان كالحلم واليقظة، الحياة والموت، الحار والبارد، الرطب واليابس، والليل والنهار، الصيف والشتاء، فالنار أصل كل شيء، وإليها يرد كل شيء، وهى مبدأ طبيعى وميتافيزيقى عند هيراقليطس. (7) وعرّف فلاسفة الإغريق العناصر الأربعة الماء، الهواء، النار، التراب حتى جاء العلم الحديث واكتشف خطأ هذا الآراء. أ. د/ جمال رجب سيدبى 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية2/ 100 2 - الماتريدية دراسة وتقويما، د/ أحمد بن عوض الحربى ص 421: دار الصميعى 3 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقى من753 - 725. 4 - مشاهد القيامة فى القرآن سيد قطب: دار المعارف 5 - أصول الدين للبزدوى ص 165، 166 نقلا عن د. أحمد بن عوض الحربى، السابق ص 422. 6 - الملل والنحل الشهرستانى 2/ 58 7 - انظر هيرا قليطس وأثره فى الفكر الفلسفى. د .. على سامى النشار: الناشر دار المعارف بمصر.

_ المراجع 1 - حول النار، صفاتها، أصحابها، اسماؤها، انظر: قرآن كريم: تفسير وبيان إعداد د. محمد حسن الحمص، الناشر دار الرشيد دمشق- بيروت 2 - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الحديث القاهرة ط2 1990م 3 - التذكرة فى أحوال الموتى والآخرة للقرطبى. 4 - كشاف اصطلاحات الفنون. التهانوى 5 - موجبات الجنة والنار، الشيخ فضل عبد الرازق محمود- الناشر دار المنار ..

2 - النبوة

2 - النبوة لغة: النبوة والنباوة الارتفاع، أو المكان المرتفع من الأرض. و"النبى": العلم من أعلام الأرض التى يهتدى بها، ومنه اشتقاق "النبى" لأنه أرفع خلق الله، وذلك لأنه يهتدى به. النبأ: الخبر، يقال: نَبِأ، ونَبأ وأنباء: أخبر، ومنه: النبى، لأنه أنبأ عن الله. "النبوءة" و"النبوة": الإخبار عن الغيب، أو المستقبل بالإلهام، أو الوحى. واصطلاحا: عرف الإنسان منذ القدم كلمة: "النبوة"، فقد وجدت فى جميع اللغات واللهجات، غير أن استعمالاتها تعددت وتنوعت، ففى اليونانية القديمة كانت تطلق على المتكلم بصوت جهورى، أوعلى من يتحدث في الأمور الشرعية، وعند الفراعنة كانت تطلق علي كهنة آمون، كما أطلقت على "إيزيس" في مصر القديمة، وعلى زرابيس فى روما، وكلاهما لايخرج عن هذا المعنى. لم يقتصر الأمر على إطلاقها على من يعمل فى الحقل الدينى، بل أطلقت أيضا على السحرة والمنجمين، وكذلك على من اختل عقلهم، وضعف تفكيرهم، فأتوا من الأعمال ما لايفهمه العقلاء، وقد ذكر علماء مقارنة الأديان عدة أنواع من النبوات، منها: نبوة السحر، ونبوة الرؤيا والأحلام، ونبوة الكهانة، ونبوة الجذب، أوالجنون المقدس، ونبوة التنجيم. وكانت كلمة النبوة عند بنى إسرائيل تفيد معنى الإخبار عن الله، ولذا كانت تطلق على من يتخرجون من المدارس الدينية، حيث كانوا يتعلمون فيها تفسيرشريعتهم، كما كانوا يدرسون أيضا الموسيقى والشعر، لذا كان منهم شعراء ومغنون وعازفون على آلات الطرب، وبارعون في كل مايؤثر فى النفس ويحرك الشعور والوجدان، ويثير رواكد الخيال. ومن المسلم به أن خريجى هذه المدارس لم يكونوا على درجة واحدة من الصفاء الذهنى، والإدراك العقلى، كما لم يكونوا كلهم على درجة واحدة من التقوى والصلاح، ولذا لم تفرق الكتب المقدسة قبل الإسلام فى حديثها عن الأنبياء بين من يتلقون الوحى من الله، وبين من يدرسون شريعة الله ويشرحونها للناس، فجاء حديثها - أحيانا - عن أنبياء كذبة، إذ نجد فى سفر أشعياء حديثا عن النبى الكذاب، حيث يقول: "الشيخ المعتبر هو الرأس والنبى الذى يعلم بالكذب هو الذنب (9 - 15)، ويقول متى: "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرين" (24 - 11)، ويقول لوقا: "لأنه هكذا كان يفعل آباؤهم بالأنبياء الكذبة" (6 - 26)، ويصف يوحنا فى رؤيته خروج الأرواح النجسة من فم النبى الكذاب. وحين نزل القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم حدد معنى كلمة "النبوة"، فوضح أن النبى هو مانزل عليه وحى الله وأمر بتبليغه للناس، فهو ليس ساحرا، لأن الفلاح لايكون حليفه، يقول تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} طه:69، كما أن مايبلغه عن ربه ليس شعرا، يقول تعالى: {وما هو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون} الحاقة:41، فلا ينبغى أن يقرن النبى بالشاعر، أو بمن يلقى الكلام بصوت جهورى، كما كان ذلك معروفا عند اليونان، كما أنه ليس كاهنا كما كان معروفا عند قدماء المصريين، إذ نص القرآن الكريم عنه هذه الصفة، فقال تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون} الحاقة:42. فإذا بين القرآن الكريم أن النبى ليس شاعرا ولاكاهنا، فالأولى أن ينفى عنه وصفا كان يطلقه بعض الناس على المشعوذين باسم الدين، وهو الجنون المقدس، فقال تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} القلم:2، أى ما أنت بهذا الذى نزل عليك من الله بواحد من هؤلاء الذين كانوا يعرفون بين الناس بأنهم "مجاذيب"، أو لديهم "جنون مقدس". وأخيرا لست ممن يتخذون العرافة والتنبؤ بالغيب حرفة لهم، فلا يلتبس ما تبلغه عن الله بكلام من يدعون أنهم يعرفون الغيب، يقول تعالى: {فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين} يونس:20، ويقول: {وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلاهو} الأنعام:59، ويقول: {قل لا أقول لكم عندى خزائن الله، ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك، إن أتبع إلاما يوحى إلى، قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون} الأنعام:50. وبهذا فرق الإسلام بين النبوة الإلهية، وبين ملابساتها من الكهانة، والعرافة، والقيافة، والفراسهة، كما أنه حدد استعمالات الكلمة، فلا تطلق إلا على من نزل عليه الوحى من الله، فلم يعد من المستساغ عقلا، ولا من الجائز شرعا أن تطلق على الكهنة، أو على من يدرسون الشريعة ويعلمونها للناس، بالتالى لا تطلق على السحرة والمنجمين، ولاعلى المجانين والمشعوذين فى طريق الدين، فلم يبق من الاستعمالات القديمة لكلمة "النبوة" إلا إطلاقها على أصحاب الرؤيا الصالحة، التى تكون مقدمة وإرهاصا لنزول الوحى على من اختصه الله بهذه الرؤيا، كما حدث ليوسف عليه السلام، يقول الله تعالى: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين} يوسف:4. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - النبوات ابن تيمية، مكتبة الرياض الحديثة، بدون تاريخ. 2 - لسان العرب ابن منظور. 3 - فى رحاب القرآن محمد شامة، القاهرة 1988م. 4 - Noell، Wilfried. Woerterbuch Der Religionen، Muenchen، Wilhelm Goldmann Verlag 1960. 5- رسالة فى اللاهوت والسياسة سبينوزا ترجمة حسن حنفى القاهرة 1971م

3 - النثر

3 - النثر لغة: يقال: نثر الكلام: أكثره (1) وَتْثرُكَ الشيء بيدك تَرمى به متفرقا، ورَجُل نَثِر: بيّن النثر كثير الكلام (2) والنّثُرة: المرة من نَثَر: القطعة من النثر، خلاف النظم من الكلام (3) واصطلاحا: هو ذلك النوع من الكلام الخارج عن إطار الشعر المنظوم فى قوالب فنية مع مراعاة أوزانه وقوافيه، فكأن الشعر المقيد بهذه الأوزان والقوافى يكون أقل كلاما، وفى إطار يجعله منظوما كالعقد تنتظم حباته .. أما الكلام المنثور، فلعدم تقيده بهذا النظام، فإنه يمكن الإكثار منه من ناحية، كما يمكن أن تتناثر ألفاظه وتتفرق بطريقة يختلف بها عن طريقة الشعر المنظوم. وهذا لا يعنى ابتعاد الكلام المنثور عن فنّية التعبير، حيث يمكن أن تصاغ الكلمات والأساليب بطريقة فنية بارعة، لا تقل براعة عن الشعر المنظوم. وقد حفل الأدب العربى منذ القدم بروائع من الكلام المنثور، تتمثل فى الخطب، والوصايا والحكم، والأمثال، وكذلك الرسائل (الديوا نية والإخوانية)، والقصص والمقامات .. ومن أمثلة النثر الجاهلى ما قاله عامربن الطرب العدوانى حين سئل: (من أجدر الناس بالصنيعة؟ قال: من إذا أعطى شكر، وإذا مُنع عذر، وإذا مُطل صبر، وإذا قدم العهود ذكر، فقيل له: من أكرم الناس عشرة؟ قال: من إن قرُب مَنَح، وإن بعد مَرَح، وإن ظلِم صفح، وإن ضويق سمح، قيل له: فمن أحكم الناس؟ قال: من صمت فاذّكر، ونظر فاعتبر، ووُعظ فازدجر) 00 (4) ومع تنوع الفنون النثرية فى الأدب العربى منذ القديم، فإن النثر فى الأدب العربى الحديث قد تفتحت أمامه آفاق أخرى جديدة فتتمثل فى فن المسرحية وفن المقال بأنواعه السياسية، والاجتماعية، والأدبية. أ. د/ صلاح الدين محمد عبد التواب

_ المراجع 1 - القاموس المحيط للفيروز آبادى2/ 138 دار الفكر بيروت. 2 - لسان العرب لابن منظور6/ 4339 الطبعة الخامسة دار المعارف بمصر. 3 - المنجد فى اللغة والأدب والعلوم ص 789 لويس معلوف اليسوعى- المطبعة الكاثوليكية بيروت 1960م ط17. 4 - الحياة الأدبية فى عصر الجاهلية وصدر الإسلام ص 51 د. محمد عبد المنعم خفاجى، د. صلاح الدين محمد عبد التواب. الناشر مكتبة الأزهر، مطبعة عيسى البابى الحلبى- القاهرة 1974 م

4 - النذر

4 - النَّذْر لغة: ما أوجبه الإنسان على نفسه، كما في القاموس (1). واصطلاحا: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير لازم عليه بأصل الشرع (2). فالشىء المنذور لم يوجبه الشارع على المكلف ابتداء إلا أن المكلف ألزم نفسه به فصارلازما عليه، ووجب عليه الوفاء به شرعا، إن كان يمكنه الوفاء به، كالصيام والصدقة والعمرة والاعتكاف. وأكثر الفقهاء على أن الالتزام بالنذر مشروع، ولكن على خلاف بينهم فى صفة مشروعيته فى عدم استحبابه لحديث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم (إنه لا يأتى بخير؟ إنما يستخرج به من البخل) (رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر) (3). ومن الأدلة على مشروعيته قول الله تعالى: {وليوفوا نذورهم} الحج:29، وقوله تعالى سبحانه فى وصف الأبرار {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} الإنسان:7، وما روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) رواه البخارى عن عائشة (4). وللنذر أنواع سبعة: 1 - نذر اللجاج: وهو الذى يمنع الناذر فيه نفسه من فعل شىء، أويحملها على فعله بالتزام قربة، كقوله: إن كلمت فلانا فعلى صوم. 2 - نذر الطاعة وهو الذى يلتزم فيه الناذر بطاعة الله سبحانه، سواء كانت عبادة كالصدقة، أو قربة غير مقصودة كعيادة المرضى. 3 - نذر المعصية وهو الذى يلتزم فيه الناذر معصية الله تعالى، كنذر شرب الخمر. 4 - نذر المباح وهو التزام الناذر بما لم يرغب فيه الشارع كنذر النوم. 5 - نذر الواجب وهو التزام المكلف بأداء ما أوجبه الشارع عليه عينا كصوم رمضان، أو أداء ما أوجبه عليه على الكفاية، كتعلم الطب. 6 - نذر المستحيل وهو التزام ما يحيل الشرع أو العقل تحققه، كنذر صيام الليل وهو ما يحيل الشرع، أو يحيل العقل تحققه كنذر صيام أمس. 7 - النذر المبهم وهو الذى لم يسم مخرجه العمل الذى يلتزم به بالنذر كقوله: لله على نذر. وليس كل نذر ألزم الإنسان نفسه به يجب عليه الوفاء به، فإن النذر إن كان فى طاعة الله تعالى وأمكنه الوفاء به لزمه ذلك، وأما إن كان فى معصية فلا يجب الوفاء به، لأنه لايصح، لحديث عائشة السابق، وكذلك إن عجز الناذر عن الوفاء بالنذر لم يلزمه الوفاء به، بل يكفر عنه ككفارة اليمين، لما روى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر نذرا لم يطقه، فكفارته كفارة يمين) رواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادى، ط2 1371هـ/1952م، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة مادة (نذر) 3/ 145. 2 - كشاف القناع لمنصور بن يونس البهوتى مكتبة النصر الحديثة الرياض. 3 - صحيح البخارى محمد بن إسماعيل البخارى، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة باب الوفاء بالنذر وصحيح مسلم، مسلم بن حجاج النيسابورى مطبعة عيسى الحلبى القاهرة. 4 - صحيح البخارى، لمحمد بن إسماعيل البخارى مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 4/ 159. 5 - سنن أبى داود لسليمان بن إلأشعت السجستانى. المكتبة العصرية بيروت 3/ 241. 6 - سنن ابن ماجه لمحمد بن يزيد القزوينى. دار الفكر العربى بيروت 1/ 687. مراجع الاستزادة: 1 - المغنى لعبد الله بن أحمد بن قدامة. عالم الكتب بيروت. 2 - نيل الأوطار لمحمد بن على الشوكانى. دار الجيل بيروت. 3 - أحكام النذور فى الفقه الإسلامى لعبد الله محمود إدريس. دار الطباعة المحمدية ط1 القاهرة 1415هـ/1994م

5 - النسب

5 - النسب لغة: القرابة، ويختص بالقرابة من جهة الآباء كما فى مقاييس اللغة (1) واصطلاحا: اتصال شخص بغيره، لانتهاء أحدهما فى الولادة إلى الآخر، أو لانتهائهما إلى ثالث على الوجه الشرعى (2). ولقد حرص الإسلام على حفظ الأنساب عن الاختلاط، وجعله من مقاصد الشارع الضرورية ولهذا حرم الزنا، لما يترتب عليه من اختلاط، فقال تعالى: {ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل} الإسلراء:32، كما حرم انتساب المرء إلى غير أبيه سواء كان بالادعاء أو التبنى أو غيرهما، فقال سبحانه {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم} الأحزاب:4، وقال تعالى {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم} الأحزاب:5. وروى عن سعد بن أبي وقاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) (رواه البخارى ومسلم عن سعد بن أبى وقاص) (3) ورورى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله فى شىء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجبا الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) (رواه ابن حبان عن أبى هريرة) 0 (4). ونظرا لاهتمام الإسلام بانتساب كل إنسان إلى من كان سببا فى وجوده، توسع فقهاء الإسلام فى أسباب ثبوت النسب، فذكروا أنه يثبت: 1 - بولادة الطفل على فراش الزوجية الصحيحة. 2 - الإقرار بالبنوة. 3 - الشهادة على ذلك. 4 - نكول المدعى عليه عن اليمين. 5 - اليمين المردودة على المدَّعِى عند نكول المدعى عليه. 6 - القيافة، وذ لك بتتبع العلامات الموجودة فى شخصين للوصول إلى إثبات القرابة بينهما. 7 - القرعة بين المتنازعين على نسبة مولود لهما عند تساوى بيناتهما بنسبته. 8 - يثبت بحكم القاضى إذا ثبت عند نسبة الولد إلى رجل بعينه. 9 - التحكيم عند اختلاف المدعين فى هذه النسبة. وقد جعل الشارع الإنسان إلى من كان سببا فى ولادته من العدل، لذا يقول الحق سبحانه {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} وهو يدل على أن انتساب الإنسان إلى غير أبيه من الجور. ولقد كان قدماء الرومان يجيزون للرجل الاعتراف بمن يشاء من أولاده، وإنكار من يشاء حسب رغبته، وكانوا هم والبيزنطيون والأقباط والروس ينكرون الولد وينفونه، إذا لم يعجبهم أو لا يشبه أفراد العائلة. وكان قدماء الرومان واليونان يهدرون نسب المرآة بعد زواجها حيث تلحق بنسب عائلة زوجها، ومازال هذا معمولا به فى كثير من دول الغرب حتى الآن. وقد ساد فى الجاهلية انتساب الإنسان إلى غير أبائه، وذلك بالتبنى أو الاستحاق أو الموالاة، فأبطل الإسلام ذلك كله وحرمه. وحفظ النسب الذى رسمه الإسلام، يحقق الانتماء إلى الأسرة، والترابط بين أفرادها. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 5/ 423. 2 - مفتاح الكرامة، محمد الجواد بن محمد العاطى، المطبعة الرضوية طبعة 1323هـ/1982م القاهرة 6/ 8. 3 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 4/ 170 وصحيح مسلم، لمسلم بن حجاج النيسابورى، مطبعة عيسى الحلبى، القاهرة، 1/ 79. 4 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، علاء الدين بن بلبان، دار الكتب العلمية، بيروت ج6/ 163. 5 - حقوق الإنسان ص283، 287، 297. مراجع الاستزادة: 1 - النسب وآثاره، محمد يوسف مرسى، دار المعرفة، ط2 القاهرة. 2 - موضوع النسب فى الشريعة والقانون، أحمد حمد أحمد، دار القلم، ط1، الكويت. 3 - أحكام النسب، على يوسف المحمدى، مكتبة الشريعة طبعة 1406هـ/1986القاهرة

6 - النسبي

6 - النسبي لغة: النسبة الصلة أو القرابة. والنسبة (فى الرياضة) نتيجة مقارنة إحدى كميتين من نوع واحد بالأخرى. والنسبة: المقدار المنسوب. ويقال: يضاف هذا إلى هذا بنسبة كذا: بمقدار كذا. ويقال بالنسبة إلى كذا: بالإضافة إليه. والنسبة المئوية: مقدار الشىء منسوبًا إلى مائة. (1) واصطلاحا: يرتبط مصطلح النسبى بالعديد من المصطلحات الأخرى، مثل المطلق فى مجال الميتافيزيقا، والنسبى يرتبط بأحد المذاهب الفلسفية، أى أن كل معرفة إنسانية فهى نسبية، سواء من ناحية الأخلاق أو المعرفة فى حد ذاتها، كما أن المصطلح يقيم علاقة بين نسبة الألفاظ إلى المعانى، كالألفاظ المشتركة، كما أن المصطلح ارتبط (بمعنى ما) بالعلم الحديث بظهور نظرية النسبية، وتغير مفاهيم الزمان والمكان، وسنشير إلى تحليلنا لهذا المصطلح من هذه الزوايا. فالنسبى ( Relative) مقابل المطلق: 1 - فإذا دلّ المطلق على الموجود فى ذاته وبذاته، دل النسبى على ما يتوقف وجوده على غيره (2) 2 - النسبية الأخلاقية: ( Relativism Moral) مذهب من يقرر أن فكرة الخير والشر تتغير بتغير الزمان والمكان، من غير أن يكون هذا التغير مصحوبًا بتقدم معين. 3 - نسبية المعرفة: المقصود بنسبية المعرفة أن المعرفة الإنسانية نسبة بين الذات العارفة والموضوع المعروف، وأن العقل الإنسانى لا يحيط بكل شيء، وإذا أحاط ببعض جوانب الأشياء صبَّها فى قوالبه الخاصة. (3) 4 - ويرتبط النسبى من جانب آخر بالمطلق، فالمطلق، ( Absoluta) لغة: ما كان بلا قيد ولا وثاق. واصطلاحا: (أ) فى المنطق: ما لا يتوقف إدراكه على غيره ويقابل المضاف. (ب) فى الأخلاق والسياسة: ما لا يحده حد ولا يقيده قيد، ومنه الخير المطلق والسلطة المطلقة. (جـ) فى الميتافيزيقا: لا يفتقر فى تصوره ولا فى وجوده إلى شيء آخر، ومنه الوجود المطلق. (4) 5 - يرتبط النسبى بنسبة الألفاظ إلى المعانى- كما أوضح الإمام الغزالى .. اعلم أن الألفاظ إلى المعانى على أربعة منازل: المشتركة والمتواطئة والمترادفة والمتزايلة. أما المشتركة: فهى اللفظ الواحد الذى يطلق على موجودات مختلفة بالحد والحقيقة،. إطلاقًا متساويا. كالعين تطلق على (العين الباصرة) و (ينبوع الماء) و (قرص الشمس).- وأما المتواطئة: فهى التى تدل على أعيان متعددة، بمعنى واحد مشترك بينها، كدلالة اسم (الإنسان) على (زيد) و (عمرو) ودلالة اسم (الحيوان) على (الإنسان) و (الفرس) و (الطير)، لأنها متشاركة فى معنى الحيوانية. - وأما المترادفة: فهى الأسماء المختلفة الدالة على معنى يندرج تحت حد واحد كالخمر والرّاح والعقار، فإن المسمى بهذه يجمعه حد واحد. وهو (المائع المسكر المعتصر من العنب) والأسماء مترادفة. - وأما المتزايلة: فهى الأسماء المتباينة التى ليس بينها شيء من هذه النسب، (الفرس) و (الذهب) و (الثياب) فإن ألفاظها مختلفة، تدل على معان مختلفة بالحد والحقيقة. (5) 6 - كما انتهى أينشتاين فى نظريته النسبية إلى نسبية المكان والزمان والحركة ولاشيء منها مطلق (6). 7 - ومصطلّح إضافة ( Relation) إحدى مقولات أرسطو وهى النسبة العارضة لشيء بالقياس إلى شيء آخر كالأبوة بالنبوة،. وهى أيضا إحدى المقولات الأساسية عند كانطا (7).فمصطلح النسبى (الإضافى) - كما قلنا- له مدلوله فى الفلسفة واللغة والعلم. أ. د / جمال رجب سيدبى

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 953. 2 - المعجم الفلسفى د. جميل صليبا 2/ 456: دار الكتاب اللبنانى، 3 - نفس المرجع ص466. 4 - المعجم الفلسفى، مجمع اللغة العربية ص 186. 5 - معيار العلم- الغزالى: تحقيق د. سليمان د نيا، ص 81 دار المعارف 6 - من نظريات العلم المعاصر الى المواقف الفلسفية، د. محمود فهمى زيدان: دار النهضة العربية 1982 م ص17 وما بعدها.، أيضا القاموس الفلسفى: مجمع اللغة العربية ص 204. 7 - القاموس الفلسفى، مجمع اللغة العربية ص15.

7 - النسخ

7 - النسخ لغة: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، أى أزالته (لسان العرب) (1). واصطلاحا: عرف النسخ فى اصطلاح الأصوليين بتعريفات كثيرة، فعرفه البيضاوى بأنه: بيان انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى متراخ عنه (2). وعرفه ابن الحاجب بأنه: رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر (3). ومعنى تعريف البيضاوى: (4) أن الحكم الشرعى مُغيا عندالله تعالى بغاية، أو محدد بوقت معين، فإذا جاءت هذه الغاية أو حل الوقت المعين انتهى الحكم لذاته. ومعنى تعريف ابن الحاجب: (5) رفع تعلق الحكم الشرعى بأفعال المكلفين لارفعه هو، فإنه أمر واقع، والواقع لايرتفع. وللنسخ فى الشريعة الإسلامية حكمة عظيمة: ففيه حفظ لمصالح العباد فى وقت الرسالة، لانتقال المسلمين من فوضى الجاهلية إلى نظام الإسلام، فاقتضت حكمة الشارع ألا ينقلهم دفعة واحدة إلى ما يستقر عليه التشريع آخر الأمر، لأنهم لايطيقون ذلك، بل سلك بهم طريق تشريع الحكم الملائم لحالهم أول الأمر، فإذا أذاقوا بشاشته وألفوا الخروج على ما تعودوه بترويض أنفسهم لذلك جاء حكم آخر. لذا نجد النسخ قد يكون من الأخف إلى الأشد، وقد يكون من الأشد إلى الأخف، وهذا تمشيا مع المصلحة، فإذا كانت المصلحة فى تبديل حكم بحكم، وشريعة بشريعة كان التبديل لمراعاة هذه المصلحة، وعموما ففى النسخ رحمة الله لخلقه بالتخفيف عنهم والتوسعة عليهم (6). وأركان النسخ أربعة: (7). 1 - النسخ: وهى الرواية والمعنى الحاصل بالمصدر "الارتفاع" أى ارتفاع الحكم. 2 - الناسخ: وهو الله سبحانه حقيقة، وتسمية الدليل ناسخا مجاز. 3 - المنسوخ: وهو الحكم الذى انقطع تعلقه بأفعال المكلفين فيما يستقبل من الزمن. 4 - المنسوخ عنه: وهو المكلف الذى رفع عنه التكليف بالحكم المنسوخ، ووقع عليه بالحكم الناسخ. وأكثر أهل الفقه والأصول على جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا، إلا ما نقل عن أبى مسلم الأصفهانى فقد منع وقوعه وإن قال بجوازه عقلا. وذهب كثير من المحدثين إلى عدم وقوعه فى القرآن الكريم وإن وقع فى السنة المشرفة (8). أمر الله تعالى المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولا وذلك فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} البقرة:240. ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر كما فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة:234، قد نسخت هذه الآية الآية المتقدمة. وللنسخ شروط منها ما هومتفق عليه، ومنها ما هومختلف فيه (9). أما الشروط المتفق عليها بين العلماء فهى: 1 - أن يكون المنسوخ حكما شرعيا، لأن الأمورالعقلية التى مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات. 2 - أن يكون النسخ بخطاب شرعى لا بموت المكلف، لأن إرتفاع الحكم بالموت سقوط تكليف لانسخ. 3 - أن يكون الحكم السابق مقيدا بوقت معين. 4 - أن يكون الناسخ متراخيا عن المنسوخ، فإن المقترن بالشرط والصفة والاستثناء لا يسمى نسخا بل تخصيصا. وأما الشروط المختلف فيها فكثيرة منها: 1 - أن لا ينسخ القرآن إلا بقرآن، ولا سنة إلا بالسنة. 2 - أن يكون الناسخ مثل المنسوخ فى القوة، أو أقوى منه لا دونه، فلا ينسخ القرآن بالآحاد، لأن الأقوى لا يفسخه ضعيف. 3 - أن يكون الفعل المراد نسخه قد دخل وقته وتمكن المكلفون من امتثاله، فلا يجوز نسخ العقل قبل التمكن من الامتثال. 4 - أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ، مقابلة الأمر للنهى، والمضيق للموسع. 5 - أن يكون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين. 6 - أن يكون النسخ ببدل مساو، أو بما هو أخف منه. 7 - أن يكون الخطاب المنسوخ حكمه مما لايدخله الاستثناء والتخصيص. والراجح أنه لا اعتبار لهذه الشروط، وإن كان قال بكل واحد منها فريق، فهناك فريق آخر قال بضده، ولايحتج بقول على قول، تعقيب: على أن مسألة النسخ كانت مثار خلاف شديد بين من يثبتونه على ما ورد بصدد هذه الدراسة. لكن من ينكرونه يستندون إلى ملاحظات جديرة بالاعتبار منها: 1 - أن من بعض أوصاف القرآن فى القرآن - آية {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} هود:1. والإحكام ينافى النسخ. 2 - أن تفسير"النسخ" قد يوهم ما لا يتفق وإحكام الحق تبارك وتعالى لكتابه، كما ينافى مما قد يقع فى الوهم منافيا لجلال الله من تردد أو ارتياب فيما يحكم به، فيكون نسخه وتعديله. 3 - بعض العلماء ومنهم الاستاذ الدكتور محمد البهى رحمه الله على ما حدثنى الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف من أن الدكتور البهى تتبع لفظ الآية فى القرآن، فوجد أن كل ما ورد عن الآية فى القرآن جاء بلفظ الجمع (آيات) إلا آية النسخ هذه، ومن ثم يرجح أن تكون بمعنى العلامة أو لآية كونية (9). والله أعلم أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (نسخ) 6/ 4407 المعجم الوسيط دار المعارف 1972م. 2 - منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ص64 مطبعة السعادة، ط1 1951م. 3 - مختصر المنتهى لابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 185 الأميرية الكبرى مصر 1317هـ. 4 - النسخ بين الإثبات والنفى د/محمد محمود فرغلى دار الكتاب الجامعى القاهرة ص35. 5 - المرجع السابق ص30 ومابعدها. 6 - النسخ حقيقته وأحكامه للدكتور/جلال الدين عبدالرحمن جلال ص18 - 19 ط1 1990م مطبعة الجبلاوى. 7 - تيسير الأصول للحافظ ثناء الله الزاهدى، ص210 دار ابن حزم بيروت والنسخ حقيقة وأحكامه للدكتور جلال عبد الرحمن، ص20 - 21. 8 - النسخ، د/على جمعة، دار النشار، أحكام النسخ فى الشريعة الإسلامية، د/محمد وفا ص41 - 42. دار الطباعة المحمدية 1984م. 9 - لا نسخ فى القرآن، للأستاذ عبد المتعال الجبرى. مراجع الاستزادة: 1 - النسخ فى الشريعة الإسلامية للشيخ محمد سعاد جلال مطبعة الأزهر 1961م. 2 - البحر المحيط للزركشى طبعة الكويت 1990م 4/ 63. 3 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن حزي الغرناطى، تحقيق محمد المختار الشنقيطى، ص310 وما بعدها مكتبة ابن تيمية، ط1 1414هـ. 4 - أصول الفقه الإسلامى، وهبة الزحيلى، ط1، 2/ 292، دار الفكر 1986م. 5 - تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى، ص172 وما بعدها، طبع كراتش، بباكستان 1990

8 - النسيب

8 - النَّسِيب لغة: يقال: نَسَبَ بالنساء: شَبّبَ بهن فى الشعر وتغزل، ويقال: هذا الشعر أنسب من هذا، أى أرق نسيبا، وقيل: النسيب: رقيق الشعر فى النساء، كما فى اللسان (1). والحديث عن المرأة، والتعريض بهواها وحبها فى الأدب العربى لا يخلو منه شعر فى القديم أو فى الحديث، كما اشتهر كثير من الشعراء، ووضعت لهم دراسات أدبية خاصة بشعر وشعراء الغزل والنسيب (2) تُبْرز مدى ما فى هذا النوع من الشعر من خصائص فنية، أبدع فيها الشعراء على مر العصور. ومن أمثلة النسيب فى شعر الجاهليين: حديث عنترة بن شداد العبْسى عن ابنة عمه عبلة، فى قوله (3) إذا رشَقَتْ قلبى سهامُ من الصَّدّ وبدَّل قُربى حادثُ الدَّهر بالبُعْد لبستُ لها درْعًا من الدّهر مانعاً ولاقَيْتُ جيْشَ السوْق منفردا وحدى وَبِتُّ بطيف منك يا عَبْلُ قانِعا ً ولو بات يسْرى فى الظلام على خدّى فبالله ياريح الحجاز تنفسِى على كبد حَرَّى تذوب من الوَجْد ويَعُدّ الكثير من النقاد نسيب الشاعر الأموى (جرير) من أرق ما قيل فى هذا الباب، ومنه قوله: إن العيون التى فى طرفها حَوَر قَتَلْنَنَا ثم لم يُحْيين قَتْلانا يَصْرَعْنَ ذا اللُّبَّ حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا وفى رواية العقد الفريد: إن العيون التى فى طرفها مَرَضُ قَتَلْنَنَا ثم لم يٌحْيينَ قَتْلانا يصرَعْن ذا الحْلِم حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا (4) أ. د/ صلاح الدين محمد عبد التواب

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور 6/ 4339. دار المعارف بمصر 2 - الغزل فى العصر الجاهلى د أحمد محمد الحوفى، دار نهضة مصر للطبع والنشر 1973م. 3 - السابق ص 191. 4 - العقد الفريد لابن عبد ربه 6/ 454 - . مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1368هـ / 1949م انظر الهامش.

9 - نشأة الرسول

9 - نشأة الرسول الحديث عن نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم يشمل المدة من مطلع حياته حتى زواجه من السيدة خديجة رضى الله عنها وعمره خمس وعشرون سنة، وهى مدة تمتد بالتاريخ والميلادى من سنة 571م إلى 595م، وفى هذا النطاق نسجل الأحداث التالية التى تصور بإيجاز هذه النشأة: ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل من أبوين كريمين هما عبدالله بن عبدالمطلب، والسيدة آمنة بنت وهب، وقد توفى والده ومحمد صلى الله عليه وسلم لايزال جنينا فى بطن أمه. ولما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبدالمطلب أن ولد لك غلام (حفيد) فأسرع إلى البيت، وأخذه ودخل به الكعبة وأخلت يدعو الله، ويشكرله ما أعطاه، ومما روى فى ذلك أن عبدالمطلب أنشد أرجوزة مطلعها: الحمد لله الذى أعطانى هذا الغلام الطيب الأردان وأرضعته امرأة من بنى سعد بن بكر يقال لها حليمة ابنة ذؤيب، وقد امتلأ ثدياها، باللبن بعد أخذه، ونالها خير كثير، وانتقلت حياتها من العسر إلى اليسرويذكرابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لايقبل إلا على ثدى واحد، وكأنه فطر على أن يدع الثدى الثانى لأخته من الرضاعة. لما تمت رضاعته عادت به حليمة إلى أمه، بعد سنتين، وبينما كانت تحرص على أن تعود به لمنازل بنى سعد، لمارأت فى وجوده عندها بى من الخير وتقول حليمة: كلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابنى عندى حتى يغلظ، فإنى أخشى عليه واء مكة .. ولم تزل بها حتى ردته معها، حدثت أحداث عند حليمة تتصل بمحمد صلى الله عليه وسلم خافت حليمة عليه وأعادته، وقد رعى محمد صلى الله عليه وسلم الغنم فى صحبة إخوته من الرضاعة. توفيت أمه السيدة آمنة وهو فى السادسة من العمر، وكانت وفاتها بالأبواء بين مكة والمدينة، فقد كانت قدمت به على أخوال أبيه من بنى النجار، فماتت وهى راجعة إلى مكة، فتولى جده عبدالمطلب الإشراف عليه ورعايته. يقول ابن إسحاق: إنه كان لعبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم فراش يوضع له فى ظل الكعبة وكان أبناء عبدالمطلب يتلسون حول هذا الفراش، ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم جلس على وهذا الفراش وهو دون الثامنة، فأراد أعمامه أن يؤخروه، فقال لهم عبدالمطلب: دعوا ابنى إن له شأنا وأجلسه معه على الفراش. توفى عبدالمطلب ومحمد صلى الله عليه وسلم فى الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو طالب الذى كان الشقيق الوحيد لعبدالله والد الرسول، ومع أبي طالب واصل محمد صلى الله عليه وسلم الرعى لغنم عمه، ولما اشتد عوده عمل فى تجارة عمه. وكان محمد صلى الله عليه وسلم وهو يرعى الغنم يعنى بأغنامه عناية كبيرة فى مرعاها وسقيها، وإذا ولدت شاة أو مرضت اهتم بها كل الاهتمام، فكثرت بذلك أغنامه، حتى كان بعض الناس يطلبون من أبى طالب أن يضموا أغنامهم لأغنامه لتنال عناية محمد صلى الله عليه وسلم ولتنمو وتكثرة ولذلك سمى "الأمين". وحفظه الله من أى انحراف، وروى عنه أنه قال: (لقد رأيتنى فى غلمان قريش ننقل الحجارة لبعض مايلعب به الغلمان، وكلنا قد تعرى وأخذ إزاره، فجعله على كتفه ورقبته يحمل عليه الحجارة، فإنى لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمنى لاكم - ما أراه لكمة موجعة، وقال: شد عليك إزارك، قال فأخذته ولبسته. فكنت كذلك بين أصحابى، وحملت الحجازة على كتفى بدون إزار). رلما اشتغل بتجارة عمه، كان صادقا فى عرض السلع وقانعا بربح مناسب ولذلك سمى "الصادق" وأصبح معروفا فى قومه بالصادق الأمين. ووقعت حرب الفجار وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة، وكانت بين قريش ومعها كنانة. وبين قيس عيلان، وسميت الفجار لحدوثها فى الشهر الحرام مما يعد فجورا، ويذكر ابن هشام أن حرب الفجار امتدت حتى أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم فى العشرين من عمرة\هـ وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أيامها ويروى عنه قوله (كنت أنبل على أعمامى فى الفجار). ووصل محمد صلى الله عليه وسلم إلى عهد الشباب، وكان واضحا أنه لم يعبد صنما قط، وبغضت له الأوثان، ودين قومه، وتنزه عن مذمومات الجاهلية التى كان يغرق فيها شباب العرب فى ذلك العهد. طلبت السيدة خديجة محمدا صلى الله عليه وسلم ليتاجر فى مالها، فقبل وقبل عمه أبو طالب، وتهيأ للسيدة خديجة بذلك أن تتعرف إخلاصه وأمانته، فخطبته لنفسها، وتم زواجه بها، وكان عمره آنذاك خمسا وعشرين سنة، وكانت هى أكبر منه، وكانت السيدة خديجة تسمى الطاهرة فى الجاهلية والإسلام، وأنجب منها الرسول صلى الله عليه وسلم كل أولاده الذكور والإناث إلا إبراهيم، فقد كان ابنه من مارية المصرية. ولما بلغ صلى الله عليه وسلم مبلغ الرجال كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأبرهم جوارا، وأعظم حلما، وأصدقهم حديثا، وأكثرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش وعن الأخلاق التى تدنس الرجال. ومعرفتنا الدقيقة بمراحل نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم تشبه معرفتنا الدقيقة بجميع مراحل حياته، وهذا الوضوح هو الذى جعل جوستاف ليبون يقول: إذا استثنينا محمدا لانجدنا مطلعين على حياة مؤسس ديانة اطلاعا صحيحا. أ. د/أحمد شلبى

_ مراجع الاستزادة: 1 - سيرة ابن هشام تحقيق طه عبد الرؤوف ج1 مطبعة الفجالة 1987م. 2 - حضارة العرب جوستاف ليبون القدس 1387هـ. 3 - سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد، للإمام محمد الصالحى طبع المجلس الأعلى للشئون الاسلامية

10 - النصرانية

10 - النصرانية هى الديانة التى تنسب إلى أمة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام -، والنصارى هم أمة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - وقد تعددت الآراء حول السبب الذى من أجلّه أطلق على أتباعه أنهم نصارى، من ذلك: 1 - سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح - عليه السلام - فى دعوته. 2 - لتناصرهم فيما بينهم. 3 - أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة وهى قرية المسيح من أرض الخليل بفلسطين. وكلمة النصارى: تطلق على أتباع المسيح - عليه السلام - الذين اتبعوه فى دعوته وصدقوا بها ونصروه وأخذوها كما جاءت من الله تعالى {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران 52) وكذلك أطلقت على أتباعه الذين بدلوا وغيروا وأضافوا العقائد الباطلة إلى العقيدة الصحيحة الحقة {وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} (التوبة 30). أما كلمة النصرانية فإنها أول الأمر كانت تعنى الدعوة الإيمانية ثم صارت تدل عند نصارى اليوم تلك الدعوة التى اشتملت عليها الأناجيل الأربعة (متى- مرقس- لوقا- يوحنا) وكتاب أعمال الرسل، والرسائل التبشيرية التى كتبها بولس وبطرس ويوحنا وغيرهم. وقد ولد المسيح عيسى - عليه السلام - فى بيت لحم أيام الملّك هيرودوس ثم رحلت أمه إلى فلسطين واستقر بها المقام مع ولدها فى قرية الناصرة بالخليل ذلك فى أيام أوغسطين قيصر أول إمبراطورية للدولة الرومانية القديمة والذى تولاها عام 17 ق م. وفى هذه الأثناء كان اليهود مشردين فى الأرض ومضطهدين تحت الحكم الرومانى فتولدت فى نفوسهم فكرة الخلاص من الاضطهاد فلما ظهر عيسى - عليه السلام - آمن به بعض اليهود على أنه المخلص الذى سيعيد لهم الملك والملكوت. وقد جاء عيسى - عليه السلام - لكى يصحح مفاهيم العقيدة فى الإله والتى انحرفت عند اليهود من التوحيد إلى الشرك والتجسيد. فرسالته رسالة توحيد وتنزيه وهى فى حقيقة أمرها عقيدة لا شريعة وكانت رسالة خاصه باليهود فحينما دعا الحواريين الاثنى عشر إلى التبشير بالنصرانية قصر مهمتهم على بنى إسرائيل. {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم} (الصف 6) ومصادر الديانة النصرانية: 1 - التوراة 2 - الكتاب المقدس ويشتمل على العهدين القديم والجديد، وقد تفرق أتباع عيسى - عليه السلام - إلى فرق متعددة من خلال عصرين: 1 - عصر التوحيد وهو الذى نادى بعبودية عيسى لله وقد امتد هذا العصر إلى ما بعد مجمع نيقية بقليل أى ما بعد عام 325 م ومن فرق التوحيد الأريوسيون. 2 - عصر التثليث ومن فرقه مقدونيوس، النسطوريون اليعقوبيون والمارونية. ومن الطوائف المسيحية 1 - الكاثوليك وهو مذهب اعتنقته كنيسة روما ويرى أصحابه بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين. 3 - الأرثوذكس وهو مذهب الكنائس الشرقية ومذهبه يقضى بأن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة. 4 - والبروتستانت وتسمى كنيستهم الكنيسة الإنجيليّة لأن أتباعها يتبعون الإنجيل دون غيره. 5 - النساطرة وهو مذهب فيه محاولة إلى العودة إلى التوحيد أو أقرب منه. وأركان النصرانية خمسة: 1 - التعميد 2 - التثليث 3 - أن الابن أقنوم التحم بمريم 4 - القربان المقدس 5 - الاعتراف بالقس. وعندما ظهر الإسلام فى القرن السابع الميلادى انطلقت المبادرة إلى الحوار الدينى أساسا من القرآن الكريم {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} (آل عمران 64) فقد اتفقت الرسالات فى الأصول العامة ولم تختلف {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} (الشورى 12) وقد ورد فى المسيحية ما يفيد الإشارة بنبوة سيدنا محمد? - صلى الله عليه وسلم - {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد} (الصف 6). وهكذا فالأديان السماوية حلقات متكاملة ختمت بالدين الإسلامى مصححا للعقائد التى انحرفت ومهيمنا على الكتب السماوية السابقة. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - العقائد النصرانية فى ضوء الوحى الإلهى والتأثيرات الوثنية د/ عبد العزيز سيف النصر412 1هـ/1991 م. 2 - القضايا المسيحية الكبرى إلياس حنا مقار- القاهرة. 3 - الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية للشيخ محمد عبده مطبعة نهضة مصر 1375 هـ. 4 - الإصغاء إلى كلام الله فى المسيحية والإسلام اندرواس بشتر، عادل ثيود رورخورى المكتبة البولسية 1997 م. 5 - الإسلام والمسيحية فى العالم- ومونتجمرى وات الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م 6 - أضواء على النصرانية تاريخها وعقيدتها. د/ أحمد طلعت الغنام مطبعة الفجر الجديد. 7 - مشكلات العقيدة النصرانية د/ سعد الدين السيد صالح -ط1 03 4 1هـ، 1983 م.

11 - النصيرية

11 - النصيرية تنتمى هذه الفرقة إلى الشيعة الغلاة، وصاحبها محمد بن نصير النميرى (ت260 هـ 873 م) (1) وكما ذهب النوبختى- وهو من مؤرخى الشيعة- فى كتابه (فرق الشيعة): وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة على بن محمد فى حياته، فقالت بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير النميرى، وكان يدعى أنه نبى بعثه أبو الحسن العسكرى، وكان يقول بالتناسخ والغلو فى أبى الحسن، ويقول فيه بالربوبية، ويقول فيه بالإباحة للمحارم، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضا فى أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل، وأنه أحد الشهوات والطيبات، وأن الله عز وجل لم يحرم شيئا من ذلك (2). والواقع أن أفكار هذه الفرقة تدور حول "ظهور الروحانى بالجسمانى" كما لاحظنا فى كلام الشهرستانى. لقد ظهر الله بصورة الأشخاص، وهم الخمسة المشهورون، محمد، وعلى، وفاطمة، والحسن، والحسين "هم خير البرية ظهر الحق بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم " هذا هو معنى التأليه عند المجسمة نوع من التأييد الربانى، لا اعتبارهم آلهة خالقين وقادرين. وأما السبب فى اختصاص علىّ بإطلاق اسم الإلهية عليه، أنه كان مخصوصاً بتأييد من الله مما يتعلق بباطن الأسرار، وينشأ عن هذا فكرة "المخصص " عند الإسماعيلية والدروز، أى أنه المعلل، أى صاحب العلل. محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب الظواهر، وعلى صاحب السرائر "أنا أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر وقتال المشركين كان إلى النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقتال المنافقين كان إلى عِلىّ. واستندوا فى صفة علّى الباطنية إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا فى عيسى بن مريم، وإلا لقلت فيك مقالاً". وأخيرا إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صاحب التنزيل، وعلياً صاحب التأويل، واستندوا فى هذا إلى الحديث " فيكم من يقاتل على تأويله، كما قاتلت على تنزيله، ألا وهو خاصف النعل (3) فكل هذه العلوم، علّوم التأويل وغيرها من علوم، وقتال المنافقين، والخوارق من مكالمة الجن، وقلّع باب خيبر، وعلمه بما سيكون، كل هذا لا، "بقوة جَسدية" دليل على أن فيه جزءًا إلهيا وقوة ربانية، أو يكون هو الذى ظهر الإله بصورته وخلق بيده، وأمره بلسانه (4) وتقدم النصيرية تفسيرات لثالوثهم المقدس شبيه إلى حد كبير بتلّك التى يقدمها مصادفة، ويشير إلى أخذ النصيرية عن المسيحية (5) ونظرالأفكارهم المتطرفة دفع الإمام ابن تيمية إلى وضع فتواه ضدهم، فحرم فيها الزواج من النصيرية، وأحل فيها دماءهم، وممتلكاتهم ودعا فيها إلى الجهاد ضدهم، واتخاذ التدابير القاسية التى من شأنها القضاء عليهم (6). أما عن مؤلفاتهم: فهى كتاب "المجموع " الذى يمثل أعظم مصدر للراغبين فى الوقوف على النصيرية، وهناك كتاب آخر وهو "القداس " الذى يشمل على قداس الطيب، وقداس البخور، وقداس الآذان، وقداس التمام، واسمه الإشارة وجميعها تستخدم فى الأعياد. وكذا كتاب "الباكورة السليمانية فى كشف أسرارالديانة النصيرية" وهو من تأليف سليمان أفندى، ويعد هذا الكتاب من أوثق المصادر فى العصر الحديث عن هذه الفرقة (7) ونود أن نشير إلى أن هذه الفرقة انتشرت قديما فى الشام، ومازالت تعيش حتى الآن فى سوريا وبعض أجزاء من شمال فلسطين (8) لقد خلع أولئك الغلاة ربقة الإسلام، وطرحوا معانيه، ولم يبق لأنفسهم منه إلا الاسم (9)، ويذكر التاريخ لأولئك الغلاة أنهم اتخذوا لهم مقرا فى الشام، وهو جبل السمان الذى يسمى الآن (جبل النصيرية)، وكان بعض كبرائهم يستميلون مريديهم بالحشيش، ولذلك سموا فى التاريخ بالحشَّاشين أ. د/ جمال رجب سيدبى 1 - تاريخ الإسلام د/ حسن إبراهيم حسن: 4/ 253 2 - فرق الشيعة- النوبختى: ص 78 نقلاً عن الملل والنحل للشهرستانى ص188. 3 - جاء فى (مجمع الزوائد) 6/ 244 طبعة دار الريان للتراث (عن أبى سعيد الخدرى قال. كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله).، أيضأ مسند أحمد 3/ 31 الطبعة الميمانية، حديث رقم 11276 قلت وله طريق أطول من هذه فى مناقب على وكذلك فيمن قاتلهم "رواه أحمد وإسناده حسن. 4 - نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام د/ على سامى النشار: 2/ 253، الملل والنحل للشهرستانى ص 189. 5 - دراسة فلسفية لبعض الفرق الشيعية د. زينب محمود الخضيرى ص 84: دار الثقافة للطباعة والنشر 6 - نفس المرجع ص79 7 - نفس المرجع ص88 8 - تاريخ المذاهب الإسلامية، الشيخ أبو زهرة ص54: دار الفكر العربى. 9 - الشيخ أبو زهرة: المرحع السابق نفس الصفحة

_ المراجع 1 - الموسوعة العربية الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (المجلد الأول) الناشر: دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع بالسعودية.2 2 - إسلام بلا مذاهب، د: مصطفى الشكعة: الدار المصرية اللبنانية. 3 - دائرة المعارف الإسلامية: مادة، "نصيرى"

12 - نظرية الشعر

12 - نظرية الشعر اصطلاحًا: هى الأسس التى يقوم عليها النقد التطبيقى للشعر من الناحية الفعلية وقد كتب جرونيبام/ سنة 1941 م بحثه الرائد عن النقد الأدبى العربى فى القرن الرابع الهجرى، وطالب فيه "بإيضاح المعايير التى يقوم عليها النقد التطبيقى من الناحية الفعلية، أو بمعنى آخر الأسس التى توجه الذوق العربى فى النقد العربى"، وقد نظر فى هذه القضايا نظرة أخرى فى بحث له بعد ذلك عن الأساس الجمالى فى الأدب العربى. إن الموضوعات التى طرحها جرونيبام قد بحثت من جديد، وكان مفهوم النقد هو أكثر المفاهيم شيوعا فى هذه الدراسات، حتى ظهر سنة 1969م ذلك العرض الممتاز الذى ألفه هاينرشس عن الشعر العربى وفن الشعر عند اليونان، وبذلك أخذ مفهوم نظرية الأدب مكانه، وتحدد محتواه بدقة، إن مفهوم نظرية الأدب يشمل عند هاينرشس جانبين على الأقل، فى الشعر والبلاغة. أما التعبير عن نظرية الأدب فى التراث العربى على أنها لا تتجاوز فنى الشعر والبلاغة: فهو تبسيط للحقائق وتمزيق لها، وأكد هاينرشس فى هذا حقيقة أن المؤلفات التى تتناول هذه الموضوعات ألفت فى مجالات مختلفة، وأن الأمر يتجاوز كتبًا مثل قواعد الشعر ونقد الشعر. وعن طريق بحث عميق آخر للموضوع أعده هاينرشس، فى ضوء مواد جديدة، وأفكار جديدة، أصبحت معلوماتتا عن نظرية الأدب العربى أكثر ثراء .. ولا نستطيع هنا أن نبحث المفاهيم المختلّفة وقضاياها بحثا مفصلأ، وهى المفاهيم التى بحثت فى الدراسات التى تمت فى نظرية الأدب. إن مصادرنا العربية فى هذا الموضوع هى مؤلفات اللّغويين والأدباء وقد كانت الدراسات التى أعدت حتى اليوم تعتمد- فى المقام الأول على المؤلفات الأساسية، وكانت تترك الكتب التى سبقتها، والتى تمثل المرحلة السابقة فى التطور، وتهملها إهمالاً شبه كامل. بيد أن المقارنة بين كتابين وصلا إلينا من نصف القرن الثانى الهجرى- التاسع الميلادى وهما كتاب "قواعد الشعر" لثعلب "كتاب البديع "- ولابن المعتز، يعطينا انطباعا أنهما فى مستويين مختلفين من النقد. ويقول نقاد العرب إن الشعر هو الكلام الموزون المقفى. ولكن المازنى يعترض على هذا التعريف، ويرفض كذلك تعريف الشعر بأنه مجرد تصوير، معترضا فى ذلك على قول الجاحظ. فقد ذكر الجاحظ "أن الشعر صياغة ودرب من التصوير" ولكن الشعر يقوم على الخيال والتصوير، وهو يخاطب الوجدان، ولابد أن يكون الشعر مطبوعا، ليس فيه أثر من آثار الصنعة والتكلف، وأن يستلهم الخيال الواسع، ويعمد إلى الابتكار والتجديد، وأن يعبر تعبيرا صادقا عن نفس صاحبه، مصورًا لآمال النفس البشرية وآلامها، ومعبرًا خير تعبير عن معانى الطبيعة والعقل، التى ترتبط ارتباطا وثيقا بالحياة وبالنفس، فيكون بحق وحى الطبيعة ورسالة النفس. والشعر عند المازنى ذاتى شخصى، ويرى العقاد أن الشعر خاطر لا يزال يجيش بالصدر حتى يجد مخرجاً ويصيب مُتنفَّسا، وهو غنائى خالص، ليست له وظيفة سوى التنفيس الشخصى عن قائله. ويرى المازنى أن الشعر ابن الخيال، فإذا لم يكن فيه مجال للخيال فهوغث لا خير فيه، ويستشهد برأى "سانت بيف " الذى يقول: ليس الأصل فى الشعر الاستقصاء فى الشرح والإحاطة فى التبيين، ولكن الأصل فيه أن يترك كل شيء للخيال. ويقول العرب إن الشعر لغة العواطف، لا العقل، وإن كان لا يستغنى عن العقل، وليس بشعرما لم يعبر عن عاطفة أو يثيرها، والعاطفة تحتاج إلى لغة حارة. ويدافع النقاد دفاعا قويا عن ضرورة الوزن فى الشعر، فكما أنه لا تصوير بغير ألوان كذلك لا شعر بدون وزن وقافية. وقد حاول بعض الشعراء التخلص من القافية ويسمى هذا بالشعر المرسل. ولابد أن تكون القصيدة عملاً فنيا تاما قائما على فكرة معينه. ويرى النقاد أن الشطط فى الخيال، ومخالفته للواقع ليس دليلاً على النبوغ والبراعة. ولكن آية النبوغ والبراعة فى الصدق، وعدم تجافى الحقائق. ويرى الرافعى أن الشعر القديم غيرمترابط فلا نجد فى القصيدة وحدة مترابطة، حتى الطبيعة تظهر فى الشعركأنها قطع مبتورة، ويرى أن العلم والتجربة وكثرة الأسفار ضرورية للشاعر تغذى فكره وخياله وعقله، وتلّهمه الصور، وتساعده على الإبداع. أ. د/ محمد سلام

_ المراجع 1 - تاريخ التراث العربى- فؤاد سزكين- المجلد الثانى- نقله الى العربية دكتور/ محمود فهمى حجازى- ط جامعة الإمام 3 0 4 1 هـ-1983م 2 - المدخل إلى النقد الأدبى: دكتور/ محمد غنيمى هلال- مكتبة الأنجلو- القاهرة- ط2 - القاهرة 1962 م. 1 - الأدب الحديث- عمر الدسوقى- جـ2 - دار الفكر للطباعة والنشر- ط6 - القاهرة، 1950 م. 4 - الأدب وفنونه- عز الدين إسماعيل- دار الفكر العربى- القاهرة- 1955 م- ط 8.

13 - نظرية النظم

13 - نظرية النَّظْم لغة: يدور حول الضم والتأليف، النظم: التأليف، نظمه ينظمه نظما .. ونظمت اللؤلؤ، أى جمعته فى السلك. كما فى لسان العرب (1) ونظرية النظم مركب إضافى، المراد منه نوع مخصوص من العمل أو الفنون القولية، لأنه لولا هذا التركيب الإضافى لشمل النظم كل الفنون الأدبية، والقولية بوجه خاص، فكان يشمل الشعر= (النظم- المنظوم). ولكن بإضافة (نظرية) إلى (النظم) تحدد المعنى المراد بكل دقة، ودخل فيه الشعر، لا باعتبار تمييزه عن (النثر) بجميع أجناسه من قصة وأقصوصة وخاطرة، ولكن باعتبار خاص يشمل جميع الفنون القولية، إذا توفرت فيه شرائط النظم المضاف إليه كلمة (نظرية). واصطلاحًا: إحكام التأليف وجماله، لا مطلق ضم لفظ إلى آخر، أو إتباع جملة جملة أخرى، أو كلام يتلو كلاما، ما لم يكن وراء هذا الضم نظر فاحص، وفكر عميق، وتدبر دقيق. وقد نشأ مصطلح (النظم) أول ما نشأ فى حقل الدراسات القرآنية المتصلة بالكشف عن وجوه الإعجاز فى القرآن الكريم، وكان أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ هو أول من أشار إلى هذا المصطلح، قال "وفى كتابنا الُمنَزَّل ما يدلنا على أنه صدْقُ، نظمه البديع الذى لا يَقُدر على مثله الَعباد، مع ماسوى ذلك من الدلائل التى جاء بها" (2) وقد نصن كثير من أهل العلم أن لأبى عثمان الجاحظ كتابا فى إعجاز القرآن، دعاه، (نظم القرآن) لكنه فُقِد (3)، ولم يعثر عليه أحد حتى الآن. وللجاحظ تحليلات فى بعض كتبه، مثل (البيان والتبيين) تدل عن منهجه الذى سلكه فى كتابه المفقود (نظم القرآن). وبعد الجاحظ أوجز الخطابى (4) فكرة النظم فى أسلوب القرآن، فذكر أن النظم البديع بعامة يبدأ من اللفظ المفرد، ويتدرج حتى يشمل مقدارًا صالحا من الكلام. وفى اللفظ المفرد قال "لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم، هذا هو جمال الألفاظ مفردة". أما جمال النظم فى أسلوب القرآن، الذى أرجع إليه الخطابى وجه الإعجاز فقد صاغه فى العبارة الآتية: "اعلم أن القرآن إنما صار مُعْجِزًا لأنه جاء بأفصح الألفاظ، فى أحسن نظوم التأليف، مُضَمَّنا أصح المعانى (5) ويقاربه الرُّمَّانى، فالنظم عنده هو (التلاؤم) وهو غير مقصور على القرآن بل المقصور على القرآن من التلاؤم هو ما كان فى درجاته، قال: " التلاؤم نقيض التنافر، والتلاؤم: تعديل الحروف فى التأليف، والتأليف على ثلاثة أوجه: متنافر، ومتلائم فى الطبقة الوسطى، ومتلائم فى الطبقة العليا .. والمتلائم فى الطبقة العليا هو القرآن كله" (6) وهذا ماقدَّره، القاضى أبو بكر الباقلانى، وهو من أبرز الأقدمين فى دراسة الإعجاز، ومن أقواله فى النظم: "فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله- يعنى فى غير القرآن- اتفاقًا) (7) ويطلق القاضى عبد الجبار، أحد أئمة المعتزلة، على النظم مصطلح (الضم) ويرجع الفصاحة والبلاغة إلى حسن ضم الكلّمات، ولابد مع هذا الضم من معنى مخصوص) (8) ثم جاء الإمام عبد القاهر الجرجانى خلال القرن الخامس الهجرى، وقد تجمعت لديه أقوال من سبقه فى فكرة النظم، فوسَّع مجال البحث فيها، وأبدأ وأعاد، ووقف كتابه "دلائل الإعجاز" كله على تأصيل ما سمى بعد "نظرية النظم " وكان طويل الباع فى هذا المجال، وساق مئات الأمثلة والشواهد، على أن إعجاز القرآن ليس فى اللفظ المفرد، ولا في المعنى المدلول عليه بذلك اللفظ، بل إعجازه يرجع إلى نظمه البديع، ولا يخرج عن النظم عنده- ترتيب المعانى فى النفس، ثم الإفصاح عنها فى كلام يراعى التآخى بين معانى النحو فى الكلم، على حسب الأغراض، التى تقصد (9)، ولكثرة حديثه عن النظم، وتأصيله إياه، كادت هذه النظرية أن ترتبط باسمه، وكأنه أبو عذرتها. والأسس التى أقام عليها الإمام عبد القاهر فكرة النظم تبدأ- كما تقدم- من اللفظ المفرد، بسلامته من الخلل والعيوب القادحة فى فصاحته، كالوحشية، والغرابة، والثقل على اللسان، ثم اختيار اللفظ فى نفسه، وباعتبار معناه، وموضعه فى الجملة، ومناسبته لما تقدم عليه أو تأخر، عنه، والأحوال التى تتوارد عليه، من تقديم وتأخير وذكر وحذف، وإظهار وإضمار، وموصولية وإشارة، وتعريف وتنكير، وقصر واطلاق، وفصل ووصل، ووضوح وغموض .. إلخ. وبعد أن درس الإمام عبد القاهر هذه الخصائص البيانيه الدقيقة، وبين ما يعترى الكلام بسببها من مزايا أو عيوب، جاء علماء المعانى من بعده وجعلوها أساسا لما اصطلحوا على تسميته بعلم المعانى" بمباحثة الثمانية المعروفة (10) وكان ما تقدم لعلماء العربية من نظرات وأبحاث حول (النظم) ممهدا لفن عظيم من فنون "النقد " العالمى الحديث، وهو: دراسة العلاقات الجمالية بين الألفاظ والتركيب فى العمل الأدبى بكل أجناسه وفنونه. (11) أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى

_ المراجع 1 - لسان العرب ابن منظور (مادة. نظم) 2 - الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون 4/ 190 ط3 - ثالثة دار إحياء التراث العربى- بيروت- لبنان- 3 - معجم المصطلحات البلاغية د/ أحمد مطلوب - صلى الله عليه وسلم - 3/ 331 ط المجمع العلمى العراقى 7 0 4 1 هـ- 1987م 4 - هو أبو سليمان الخطابى، أديب- لغوى محدث القرن الرابع الهجرى. 5 - بيان المجاز القرآنى. للخطابى تحقيق د/ محمد خلف احمد ود/ محمد زغلول سلام. 6 - النكت فى إعجاز القرآن صمن ثلاث رسائل. 7 - المجاز القرآنى للقاضى أبى بكر الباقلانى ص169 تحقيق/ السيد أحمد صقر، طبع دار المعارف- القاهرة. 8 - المغنى للقاضى عبد الجبار ط 61/ 199 الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة. 9 - دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجانى- تحقيق رشيد رضا 64 ومواضع أخرى الخانجى- القاهرة. 10 - الإيضاح (مباحث علم المعانى) للخطيب القزوينى، شرح د/ محمد عبد المنعم خفاجى. ط: مكتبة الجامع الأزهرية. 11 - النقد الأدبى الحديث د/ محمد غنيمى هلال دار النهضة 296. الطبعة الثالثة 1964 م

14 - نعيم القبر

14 - نعيم القبر لغة: النعيم هو ما استمتع به، والنعيم نضارة العيش وحُسن الحال. (1) والقبر: المكان يدفن فيه الميت. (2) واصطلاحا: نعيم القبر وعذابه من المباحث السمعية التى شغلت علماء الكلام. فقد آمن الأشاعرة بعذاب القبر ونعيمه، وأنكره بعض المعتزلة (3). يشير الإمام الرازى الى أدلة المثبتين السمعية {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر 46). وقوله تعالى {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً} (نوح 25) يذكر الرازى أن الفاء للتعقيب، وقوله تعالى {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا} (غافر11) فذكر الحياة مرتين، وهما لا يتحققان إلا بالحياة فى القبر (4) ويطرح ابن القيم هذه المسألة بقوله: هل عذاب القبر على النفس والبدن؟ أو على النفس دون البدن؟ أو على البدن دون النفس؟ وهل يشارك البدنُ النفسَ فى النعيم والعذاب أم لا؟ ويجيب ابن القيم بأن الإمام ابن تيمية قد سئل وأجاب: بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة (5). والرأى الراجح أن سلف الأمة يرون أن الميت إذا مات يكون فى نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين. (6) وهم يعتمدون على الأحاديث النبوية كما فى الصحيحين، عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين، فقال "إنهما ليعذ بان وما يعذبان فى كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة، ثم دعا بجريدة رطبة شقها نصفين فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبس (7) أ. د/ جمال رجب سيدبى 1المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2/ 973 2 - السابق2/ 737 3 - فى علم الكلام (الأشاعرة) د/ أحمد محمود صبحى ص.26. 4 - السابق نفس الصفحة. 5 - الروح لابن القيم صـ72. 6 - السابق: ص 74. 7 - السابق: نفس الصفحة.

_ المراجع 1 - التذكرة فى أحوال الموتى والآخرة للقرطبى 2 - الموسوعة الفقهية بالكويت الجزء (32) مادة قبر، الناشر وزارة الأوقاف بالكويت. 3 - تبصرة الأدلة للنسفى تحقيق/ كلود سلامة- الجزء الثانى، المعهد العلمى الفرنسى للدراسات العربية- دمشق.

15 - النفس

15 - النَّفْس لغة: النَّفْس هى الذات والحقيقة، وهى عين الشيء أيضا. واصطلاحا: لها عدة معان، فقد تطلق على الروح فيقال: خرجت نفسه، أى: روحه، كما تطلق على"العند"، ومنه قوله تعالى {تعلم ما فى نفَسى ولا أعلم ما فى نفسك} (المائد ة 116)، ومعناه: تعلم ماعندى ولا أعلم ما عندك، كما تقال على العظمة وعلى الغيب أيضا، وقد يُمثل له بقوله تعالى {ويحذركم الله نفسه} (آل عمران 28)، وبعضهم يجوز إطلاقها- بمعنى الذات والحقيقة على الله تعالى، مستشهدا على هذا الإطلاق بالآية الكريمة السابقة .. وقد شاع استعمال النفس فى الإنسان خاصة، حيث تطلق ويراد منها: هذا المركب، أو الجملة المشتملة على الجسم والروح، والفقهاء قد يستعملونها في معنى "الدم "، وهو المقصود من قولهم "ماله نفْس سائلة"، أى: دم سائل-وقد وردت كلمة "النفس " فى القرآن الكريم 72 مرة، مفردة ومضافة ومعرفة ومنكرة، إضافة إلى مواضع ثلاثة وردت فيها النفس موصوفة بأوصاف معينة، يفهم منها مراتب أو درجات للنفس، هى النفس الأمّارة بالسوء، والنفس اللوّامة، والنفس المطمئنة. ولأن النفس من عجائب صنع الله تعالى: أقسم بها فقال: {ونفس وما سواها} (الشمس 7). وتخصص موسوعات الفلسفة الإسلامية- كالشفاء لابن سينا وغيره- مقالات مطولة لدراسة " النفس " دراسة مفصلة، من حيث تعريفها وتقسيمها إلى نفس: نباتية وحيوانية وناطقة، ومن حيث قواها الظاهرة والباطنة، ووحدتها وكثرتها وقدمها وحدوثها إلى آخر هذه الأبحاث التى تأثروا فيها بفلسفة أرسطو أو أفلاطون تأثرا واضحا. وربما انفرد الفلاسفة المسلمون باستعمال خاص فى قولهم بوجود "نفس " للنبات، فلم يعهد فى الاستعمال العربى إطلاق "النفس "، بمعنى القوى المحركة على النبات أو الجماد. وقد ذهب هؤلاء- ومعهم الإمام: الغزالى وبعض الأشاعرة- إلى أن النفس ليست جسما ولا عرضا حالا فى جسم، وإنما هى جوهر مجرد قائم بذاته غير متحيز، وتعلقه بالبدن تعلق تحريك وتدبير فقط. وكذلك أفرد المتكلمون فى مطوّلاتهم- كالمواقف وشرحه- مراصد ومقاصد لموضع النفس، وتميزت أبحاثهم فيها بنظرة نقدية لمذاهب الفلاسفة المسلمين، فأنكروا دعواهم فى إثبات نفوس للأفلاك تؤثر فى عالمنا هذا كونا وفسادا وسعودا ونحوسا، كما أنكروا مذهبهم فى القول بتجرد النفوس من الجسم والجسمانية، وقد ذهب بعض من المتكلمين إلى أن النفس "جسم لطيف " يسرى فى البدن سريان الماء فى العود الأخضر، ويرى الإمام النووى أن هذا المذهب هو الأصح عند علماء الحديث. وذهب البعض الآخر إلى أن النفس تحل فى البدن كما يحل العرض فى الجوهر. ويذهب أبو البقاء فى كلياته (ص 898)، إلى أن القول بتجرد النفوس لا يتنافى مع شيء من قواعد الإسلام. ويرى ابن القيم (فى كتابه: الروح: 266) أن المذهب الصحيح هو أن النفس جسم علوى نورانى، مخالف بالذات للأجسام المحسوسة، ينفذ فى الأعضاء ويسرى فيها سريان الماء فى الورد، وقد استشهد على صحة هذا المذهب بآيات وأحاديث كثيرة. وعنده أن النفس تطلق فى القرآن على جملة الذات، وتسمى روحا أيضا، والفرق بينهما فرق بالصفات لا بالذات. وبعض العلماء يثبت للحيوانات نفسا مدركة، مستدلين بما جاء فى القرآن عن الطير والهدهد والنمل، والمتأخر ون من النّظّار يفسرون ذلك بنوع من الإدراك مناسب لهذه الحيوانات، وينكرون تفسيره بالنفس أو العلم. وللنفس عند الصوفية إطلاق خاص بهم، فهى تقال على "ما كان معلولا من أوصاف العبد ومذموما من أفعاله وأخلاقه "، ويعدونها مبدأ الصفات الرديئة والأحوال السيئة فى الإنسان، فهى عدوه الأول، بل أعدى أعدائه، ومن ثم كان جهادها هو "الجهاد الأكبر" ويُقسّم الصوفية أوصاف النفس المذمومة إلى قسمين: قسم كسبى، يمثلون له بالمعاصى والمخالفات، وعلاج هذا النوع بالالتزام الدقيق بأحكام الشرع أمرا ونهيًا، وقسم طبيعى جِبِلى يتمثل فى أمراض القلوب وعللها، وعلاج هذا النوع بالمجاهدات والرياضات، فالكبر يجاهد بالتواضع، والحرص بالقناعة، والحسد بالرحمة والشفقة، والشهوة بالعفة والجوع، والغضب بالحلم، والبخل بالسخاء .. الخ وينبه شيوخ التربية الصوفية إلى أن أشد أمراض النفس استعصاء على المجاهدة: رؤية النفس والإعجاب بها، ويعدون هذا النوع شركا خفيا، ولذلك يقدمون مجاهدته على المجاهدات الأخرى، ومن ثم كان كسر النفس عندهم أتم وأنفع من مكابدة الجوع والعطش والسهر. ويتردد كثيرا فى أدبيات التصوف التقسيم القرآنى للنفس إلى: نفس أمَّارة ولوامة ومطمئنة فالأمّارة هى التى، تأمر بفعل السيئات، واللوامة تلوم نفسها كلما اقترفت ذنبا أو اكتسبت خطيئة، ولومها راجع إلى أنها تعرف الصواب، وتعلم أن ما فعلته لم يكن صوابا، بخلاف الأمارة فإنها ترى أن الصواب فيما تفعله لا فيما تتركه. أما النفس المطمئنة فهى التى اطمأنت بالتزام الطاعات والمثابرة عليها "بحيث لا تجد ميلا إلى تركها ولا طلبا لشىء من المعاصى"وبعضهم يضيف مرتبة مستقلة قبل النفس المطمئنة، يسمونها: النفس الملهمة، وهى مرتبة "خواص الأولياء" ويجعلون النفس المطمئنة مرتبة رابعة"لأخص "الاولياء والأنبياء". والنفس روح للبدن، والقلب روح للنفس تحيا به، وروح الإنسان روح للقلب يحيا بها. وهل الأمّارة واللوامة والمطمئنة نفوس ثلاثة، أو نفس واحدة فى درجات ثلاث؟ والتحقيق فيما يقول ابن القيم- إنها نفس واحدة وأن هذه الأسماء اعتبارات وتحققات تحصل للنفس بالمجاهدة. هذا وقد درس شيوخ التصوف فى تراثهم موضوع النفس دراسة معمقة، وبأنظار تحليلية بالغة الدقة: واستطاعوا أن يغوصوا فى أعمق أعماق البحوث النفسية بكل أبعادها: السيكولوجية، والحسية، والميتافيزيقية، والعرفانية، واستخرجوا فروقا - لا توجد عند غيرهم- بين النفس وبين قوى باطنية أخرى، مثل: الصدر والقلب والفؤاد واللُّب والعقل. ورصدوا خفايا غريبة عن آفات النفس وحظوظها ورعوناتها، ورياضاتها، وحبسها وتزكيتها وصفائها وفنائها، إلى أبحاث أخرى عديدة لازالت مطمورة فى خبايا هذا التراث. أ. د/ أحمد الطيب

_ المراجع 1 - الرسالة القشيرية ط. مصطفى الحلبى، القاهرة 1359 هـ- 1940 م. 2 - بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب للحكيم الترمذى- تحقيق نقولا هر، ط. عيسى الحلبى، القاهرة 1958 م. 3 - منازل السائرين (شرح القاشانى) لعبد الله الأنصارى الهروى ومواضع أخرى عديدة، (راجع فهرس المصطلحات بذيل الكتاب) تحقيق محسن بيدار فر. ط. قم 1413 هـ. 4 - كتاب الروح لابن القيم. ط. صبيح، القاهرة 1369 هـ- 0 5 19 م. 5 - النجاة لابن سينا (الطبيعيات، المقالة السادسة) ط. طهران 1364 هـ. 6 - المواقف فى علم الكلام للإيجى (بشرح السيد الجرجانى) مطبعة السعادة، مصر 1325 هـ- 07 19 م.

16 - النفقة

16 - النفقة لغة: هي ما ينفقه الإنسان من الأموال كما فى القاموس (1). واصطلاحا: كفاية من يمونه خبزا وأداما وكسوة ومكسنا وتوابعها (2). وأسباب النفقة هى: 1 - العلاقة الزوجية، فقد أوجب الشارع على الزوج فى جميع الأحوال الإنفاق على زوجته، غنيا كان أو فقيرا، ولم يوجب الإسلام على الزوجة أن تنفق على نفسها وإن كانت موسرة، أو أن تنفق على زوجها بالأولى من هذا المال وإن كان معسرا، ولم يوجب عليها أن تتكسب هذه النفقة بالعمل أو نحوه، فالنفقة حق لها على زوجها بمقتضى عقد النكاح. ومن أدلة وجوبها قول الله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} البقرة:233، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: (اتقوا الله فى النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله .. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (رواه مسلم) (3). ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسكنى، ووسائل النظافة، وتشمل أجر الخادم إن كانت الزوجة ممن تخدم فى بيت أهلها، وكان الزوج موسرا، فيجب لها النفقة فى الوجوه السابقة مقدار كفايتها بالمعروف، وهذا الحق الذى قرره الإسلام لها، يتحقق به صيانتها وحمايتها من التبذل والامتهان. بسبب اكتساب أسباب الحياة، حيث كفل الإسلام لها هذه الأسباب فى منزل الزوجية بدون تدخل منها، لتتفرغ لأداء رسالتها المنوط بها فى الحياة. 2 - علاقة القرابة، فقد أوجب الشارع بها على المرء الإنفاف على والديه، كما أوجب بها على الوالدين الإنفاق على أولادهما ذكورا أو إناثا، إذا كان للمنفق مال يمكنه الإنفاق منه، فاضلا عن نفقته، ولم يكن للمنفق عليه مال ولاكسب يكتفى به عن نفقة قريبه عليه. ومن الأدلة علي وجوب نفقة الأصول على فروعهم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) (رواه الترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح). ومن الأدلة على وجوب نفقة الفروع على أصولهم حديث هند زوج أبى سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين اشتكت إليه بخل أبى سفيان: (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك) متفق عليه (5). كما أوجب الشارع بمقتضى القرابة نفقة القريب - غير الأصل والفرع - على قريبه بالشروط السابقة فى نفقة الأصول والفروع، حيث يرى الحنفية وجوب النفقة لكل ذى رحم محرم للمنفق، ويرى الحنابلة وجوبها لقريبه إن كان يجرى التوارث بينهما، أو كان من ذوى رحمه، ومن الأدلة على ذلك ماروى عن طارق المحاربى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك، وأخاك، ثم أدناك أدنك) رواه ابن حبان فى صحيحه (6) حيث بين فى الحديث أن من المعالين الأخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم على أقاربهم المأكل والمشرب والملبس والساكنى ونحوها، بقدر الكفاية، مراعاة فى ذلك العرف وحال المنفق والمنفق عليه، وظروف الزمان والمكان. وإيجاب نفقة الأقارب الذين لامال لهم إذا عجزوا عن الكسب - على قريبهم الموسر، يحقق صلة الرحم، ويقيم العلائق بين أفراد الأسرة على أساس من الترابط والتكافل، فينصلح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسره. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - القاموس المحيط، لمحمد بن يعتوب الفيروزآبادى، الطبعة الثانية 1371هـ1952م، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 3/ 296. 2 - كشاف القناع، منصور بن يونس البهوتى، مكتبة النصر الحديثة الرياض. 3 - صحيح مسلم، مسلم بن حجاج النيسابورى، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1/ 512. 4 - سنن الترمذى، محمد بن عيسى بن سورة (الترمذى)، مطايع الفجر الحديثة حمص، 3/ 30. 5 - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، محمد فؤاد عبدالباقى، الطبعة الثانية 1413هـ 1992م دار الصفوة بالغردقة، 20/ 426. 6 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، علاء الدين بن بلبان، دار الكتب العلمية، بيروت 6/ 95. مراجع الاستزادة: 1 - المغنى، عبدالله بن أحمد بن قدامة، عالم الكتب، بيروت. 2 - قضايا طيبة، عبدالفتاح محمود إدريس، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م. 3 - الفواكه الدوانى، أحمد النفراوى، الطبعة الثانية 1374هـ/1955م مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة

17 - نقل الأعضاء

17 - نقل الأعضاء لغة: جزء من مجموع الجسد. كاليد والعين والمعدة كما فى المعجم الوجيز (1) واصطلاحا: اقتطاع جزء من بدن آدمى حى أوميت، لغرسه فى بدن آدمى حى مريض يحتاج إليه (2). وهذه الأعضاء المنقولة عن موضعها من بدن الآدمى تسمى بالطعوم، والطعم جزء من نسيج أو عضو يستعمل كبديل لجزء مماثل، والنسيج أو العنصرالأصلى إما أن يكون مريضا أومشوها، أوغير قادرعلى أداء وظيفته الطبيعية فى بدن صاحبه، وأكثر الأنسجة استعمالا لهذا الغرض هى الجلد والعظام والغضاريف والأوردة والشرايين والقرنية. والطعوم الآدمية نوعان: 1 - الطعوم الذاتية: هى ما أخذت من الإنسان لمداواة جزء آخر من بدنه، ومن أمثلتها أخذ جزء من جلده فى موضع مستتر كالفخذة لترقيع جزء آخر فى موضع ظاهر من بدنه كالوجه، أوأخذ العظام أو الغضاريف منه، وغرسها فى موضع آخر. 2 - الطعوم الجنسية: وهى ما أخذت من جنس المريض، أى من آدمى آخر حى أو ميت، وذلك كنقل الكلى من آدمى أو ميت لغرسها فى بدن آدمى حى آخر، تلفت كليته أو لم تعد صالحة للقيام بوظيفتها، ونقل القرنية أو القلب من بدن آدمى ميت وغرسها فى بدن آدمى مريض مفتقر إليها. ونقل الأعضاء على هذا النحو لا تمنع منه الشريعة الإسلامية، لأنه من قبيل التداوى الذى حض عليه الشارع، وهذا النقل وإن كان من مستجدات العصر، إلا أن الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان لا تمنعه، مما يدل على اتساعها لكل قضايا الناس فى دنياهم إلى أن تقوم الساعة. وقد وضعت الشريعة الإسلامية الضوابط لهذا النقل، قصد بها مراعاة مصلحة المنقول إليه العضو، وعدم الإضرار بالمنقول منه أو تعريضه للهلاك إذا كان آدميا حيا، وعدم التمثيل بجثته إن كان ميتا ولمجمع البحوث الإسلامية فى هذا الموضوع بيان شاف حدد - بالتفصيل ضوابط هذا النقل وشروطه بحيث المصلحة للمنقول إليه والمنقول منه عن طريق التبرع الذى تختض معه التجارة انتفاء تاما فليرجع إليه. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، طبعة 1411هـ-1990م، القاهرة مادة (عضو) ص423. 2 - حكم التداوى بالمحرمات، عبدالفتاح محمود إدريرس، الطبعة الأولى 1414هـ 1993م مطبعة النشر الذهبى القاهرة ص291. مراجع الاستزادة: 1 - حكم نقل الأعضاء عقيل بن أحمد العقيلى طبعة 1412هـ-1992م مكتبة الصحابة جدة. 2 - حكم التبرع بالأعضاء د/محمد نعيم ياسين مجلة الحقوق كلية الحقوق بالكويت السنة الثانية عشرة، العدد الثالث 1401هـ 1988م

18 - النقود

18 - النقود لغة: النَّقْدُ والتَّنْقادُ: تمييز الدراهم وإخراج الزَّيْفِ منها فأنشد سيبويه: تَئْفى يداها الحَصَى، فى كلِّ هاجرةٍ نَفىَ الدَّنانير َتنْقَادُ الصَّياريف وقد نَقَدَها يَنْقُدُها نَقْداً وانتقدها وتَنَقَّدَها، ونَقْده إياهَا نَقْداً: أعطاها، فانتقدها أى قبضها. ونقدتُ له الدراهم أى أعطيته. واصطلاحاً: عُرِفَ استعمال المقطعات المعدنية كوسيلة من وسائل التبادل منذ أمد بعيد، إلى جانب وسيلة المقايضة. والنقد من حيث اشتماله على وزن معين وقيمة معروفة للتبادل فقد تأخر إلى القرن السابع قبل الميلاد، وأول إشارة إلى أمة عرفت النقد الأمة اللوذية (1) فى الأناضول حوالى سنة 640 ق. م صنعوه من سبيكة طبيعية، وجد فيها كمٌّ من الذهب مخلوط بكم من الفضة. ومن اللوذيين تعلمت أمم كثيرة فى الشرق والغرب النظام النقدى وضرب النقود، فضرب الأثينيون نقوداً من معادن مختلفة من الفضة وسموها (دارخمة) (2) وضرب الفرس (الدارك). أما عن النظام النقدى قبل الإسلام: فهناك إشارات فى القرآن الكريم عن ذلك فيقول تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} (يوسف 20) {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما} (آل عمران 75) فالدراهم هى العملة المتداولة قبل الإسلام وهى فارسية وذلك لأن قاعدتها الفضة، فى حين أن النقد البيزنطى قاعدته الذهب. والدراهم الفارسية التى عرفتها المنطقة تتمثل فى: 1 - نوع أطلق عليه الدراهم البغلية، وكان وزنه عندهم عشرين قيراطاً. 2 - درهم ثان كان وزنه أقل، حيث لم يتعد اثنى عشر قيراطاً. 3 - درهم ثالث كان وزنه عشرة قراريط فقط (وهو الطبرى) - وقد أشار مؤرخو العرب المتعرضون لقضية النقد إلى هذه الدراهم، فيقول المقريزى: عن الدرهم البغلى إنه كان يقال له الوافى ووزنه وزن الدينار (3) وقد انفرد ابن خلدون بالإشارة إلى نوعين آخرين من الدراهم عرفهما العرب هما الدرهم المغربى والدرهم اليمنى. أما النظام المالى فى صدر الإسلام: فقد أقرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النظام المالى الذى كان يتبعه العرب قبل الإسلام، وسار أبو بكر الصديق على نفس السُّنَّة وحتى فترة من خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ولكن عندما اصطدمت الخلافة الإسلامية بأنظمة نقدية ثابتة فى كل من فارس والشام ومصر، مما استتبع ضرورة التعامل مع هذه الأنظمة النقدية بنظام نقدى، فأظهرت الحاجة ضرورة وجود عملات تضربها الدولة الإسلامية، فظهرت عملات عمر بن الخطاب. - رضي الله عنه - وقد انقسم نقد الخلفاء الراشدين قسمين: الأول: قسم ذو نمط أجنبى خالص فى الشكل والنقش واللغة. والثانى: قسم عليه نقوش عربية بالإضافة إلى النقوش الكسروية بإضافة (لا إله إلا الله) وعلى آخر (رسول الله) وعلى آخر (عمر) أما عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقد اكتفى بنقش (الله أكبر) (4). أما النظام النقدى زمن الدولة الأموية: فيمتاز فى عهد معاوية ومن بعده بسمة خاصة، هو اتخاذه نقشًا جديدا على الوجه لشخص واقف يمسك سيفاً، ويرتدى رداء طويلاً، وغطاء رأس يدوى يغطى الكتفين. أما معدن النقد الذى ضربه معاوية، فإنه النحاس والفضة والذهب، أما المعدنان الأولان فهما امتداد لما ضرب فى عهد الراشدين قبله. ويعتبر عبد الله بن الزبير أول من دور الدرهم أى: ضربها بصورة مدورة جيدة. أما النقد زمن عبد الملك بن مروان فقد جرى بعدة مراحل: 1 - نقد بدون اسم، وبدون لقب الخلافة. 2 - نقد يحوى لقب الخلافة فقط. 3 - نقد يحوى اسم الخليفة ولقبه الخلافى. 4 - نقد مؤرخ. ثم فى سنة 73 هـ بدأت الجهود المركزة لإنشاء عملة إسلامية بحتة، تغطى احتياجات المتداولين. وفى العصر العباسى أذن الخلفاء لعمالهم، فى وضع أسمائهم مع أسمائهم على النقود (5). وهكذا ضربت النقود الإسلامية فى كل عواصم الإسلام، وفى أشهر مدنها فى العراق والشام والأندلس وخراسان وصقلية والهند وغيرها، وهى تختلّف رسماً وسعة باختلاف الدول الإسلامية، وكانت الكتابة على النقود تنقش بالحرف الكوفى، ثم تحولت الى الحرف النسخى الاعتيادي سنة 621هـ فى أيام: العزيز محمد بن صلاح الدين الأيوبى بمصر. ويظهر من العملات التي عثروا عليها أنهم لم يكونوا يذكرون اسم البلد الذى ضربت النقود فيه إلى أوائل القرن الثانى الهجرة. وكانوا إذا ذكروا تاريخ الضرب سبقوه بلفظ "السنة" ثم أبدلوها بلفظ"عام" فكانوا يقولون شهور سنة كذا أو فى أيام دولة فلان وكان يكتب التاريخ أولاً بالحروف، ثم كتب بالأرقام. أما مقدار ما كان يضرب من النقود فيتعذَّر تقديره إلا أن المقرىّ ذكر أن دار السكة فى الأندلس بلغ دخلها من ضرب الدراهم والدنانير على عهد بنى أمية فى القرن الرابع للهجرة 00و200 دينار فى السنة وصرف الدينار17 درهمًا. فإذا اعتبرنا هذا الدخل باعتبار واحد فى المائة عن المال المضروب، بلغ مقدار ما كان يضرب فى الأندلس وحدها من ممالك الإسلام 000، 000، 20 دينار أو نحو عشرة ملايين جنيه. (هيئة التحرير) 1 - عرف البابليون التعامل بالمعادن النفيسة وزناً، ومثالهم الأيونيون لكن نظام اللوذيين المشار إليه شبه كامل اعتمد على ضرب عملاث بأعيانها. انظر النقود الإسلامية الأولى 1/ 13 د. طاهر راغب حسين- مطبعة المدينة، القاهرة بدون تاريخ. 2 - معنى كلمة دراخمة قبضة وذلك لأنها كانت تساوى قبضة من النقود النحاسية او الحديدية التى كانت شائعة الاستعمال بين عامة الشعب. 1 - إغاثة الأمة للمقريزى ص50. 4 - تاريخ التمدن الإسلامى 1/ 142 طبعة دار الهلال القاهرة. 5 - النقود العربية والإسلامية وعلم النميات، أنستاس الكرملى ص 137 ط. مكتبة الثقافية الدينية القاهرة- الطبعة الثانية 1987 م.

_ المراجع: 1 - - صبح الأعشى للقلقشندى- طبعة دار الكتب المصرية 1913 - 1919 م 2 - كشف الأسرار العلمية بدار الضرب المصرية للكاملى- تحقيق د. عبد الرحمن فهمى- طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1966 م 3 - تعريب النقود والدواوين فى العصر الأموى حسان على حلاق، القاهرة، ط1 - 1978 م.4 - تطور النقود العربية الإسلامية- محمد باقر الحسينى- بغداد 1966 م

19 - النهى

19 - النهى لغة: المنع كما فى لسان العرب. واصطلاحا: هو طلب ترك الفعل قولا. وبعبارة أخرى: هو ما دل على طلب الكف عن الفعل، فخرج به الأمر لأنه طلب فعل غير كف، وخرج الالتماس والدعاء، لأنه لا استعلاء فيهما. وأساليب النهى مختلفة: فمنها: صيغة النهى المعتادة مثل: قوله تعالى: {ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن} الإسراء:34، وقوله: {ولاتقربوا الزنى} الإسراء:32، وقوله: {ولاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق} الأنعام:151. ومنها: صيغة التحريم، مثل قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} النساء:23. وقوله: {حرمت عليكم الميتة} المائدة:3. ومنها: صيغة النفى، مثل قوله تعالى: {لايحل لكم أن ترثوا النساء كرها} النساء:19. ومنها: صيغة الأمر الدال على الترك، مثل: قوله تعالى: {وذروا ظاهرالإثم وباطنه} الانعام:120،، وقوله تعالى {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} الحج:30. والنهى عند الجمهور للتحريم، ولزوم الانتهاء عن مباشرة المنهى عنه، كما أن موجب الأمر هو الوجوب، فكون النهى للكراهة، أو الدعاء، أو الإرشاد، أو التحقير، أوغيرها، إنما يعرف بالقرائن الدالة على تلك المعانى، مثل قوله تعالى: {ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} آل عمران:8. وقوله تعالى: {لاتعتذروا اليوم إنما تجزون ماكنتم تعملون} التحريم:7. فإن الأول للدعاء والثانى لليأس. والدليل على كون النهى المطلق للتحريم قوله تعالى: {ومانهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7، أمر الله بالانتهاء عن المنهى عنه، فيكون الانتهاء واجبا، وترك الواجب حراما. وعند الحنفية: النهى إذا كان قطعى الثبوت وقطعى الدلالة فيكون للتحريم، وإذا لم يكن كذلك فللكراهة التحريمية، لأن الأمثلة التى تدل على أن النهى للتحريم كلها قطعى الثبوت وقطعى الدلالة من غيرقرينة صارفة عن التحريم إلى غيره من المعانى. والصحيح الراجح مذهب الجمهورة لأن النهى فى اللغة موضوع للدلالة على طلب الترك على وجه الحتم والإلزام، فلا يدل عند إطلاقه إلا على التحريم، ولا يدل على غيره إلا بقرينة، وهذا ما يفهمه العقل من الصيغة المجردة عن القرينة، وهو دليل الحقيقة، وهى أن النهى حقيقة فى التحريم. أ. د/على جمعة محمد

_ مراجع الاستزادة: 1 - البحر المحيط للزركشى 2/ 426 ومابعدها، طبعة وزارة الأوقاف بالكويت الأولى 1990م. 2 - تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى، ص187 ومابعدها، مكتبة ابن تيمية 1414هـ. 3 - تيسير الأصول لحافظ ثناء الله الزاهدى، ص84 ومابعدها، دار ابن حزم بيروت الطبعة الثانية 1997م

20 - النية

20 - النية لغة: قصد النفس إلى العمل كما فى المعجم الوجيز (1). واصطلاحا: اعتقاد القلب فعل الشىء وعزمه عليه من غير تردد (2). ومحل النية القلب، والتلفظ بها مباح، وزمنها أول العبادات، والمقصود بها تمييز العبادات عن بعضها، وتمييز العبادة عن العادة، كالجلوس فى المسجد الذى يكون اعتكافا تارة، وللاستراحة تارة أخرى. ومن أدلة اشتراط النيه لصحة العبادات، ما رواه عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخارى (3). وكيفية النية فى العبادات تختلف بحسب كل عبادة، فالنيه في الطهارة مثلا يقصد بها رفع الحدث، أو استباحة ما يفتقر إلى طهر كالصلاة والطواف ونحوهما، أو الاغتسال أو التيمم، فيقول المتطهر: نويت رفع الحدث، أواستباحة الصلاة ... ، ونية الصلاة: يبين فيها الفعل والصلاة التى تؤدى، ونية الزكاة: يظهر فيها المزكى اعتقاده أن ما يخرجه هو زكاة ماله، أوبدنه، أو زكاة من يخرج عنه. واشتراط النية فى العبادات يقتضى استحضار الذهن عند العزم على العبادة، والتجرد من شواغل الدنيا والإخلاص لله تعالى فيها. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - المعجم الوجيز، طبعة 1411هـ/1990م، نشر مجمع اللغة العربية القاهرة مادة (نوى) ص641. 2 - المغنى، عبدالله بن أحمد بن قدامة، نشر عالم الكتب، بيروت 2/ 94. 3 - صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، مطبعة عيسى الحلبى بالقاهرة 1/ 6. مراجع الاستزادة: 1 - المحلى، على بن أحمد بن حزم، ط1388هـ/1968م مكتبة الجمهورية العربية القاهرة. 2 - النفيس فى فقه العبادات، عبدالفتاح محمود إدريس، ط1417هـ/1996، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية. القاهرة

الهاء

1 - الهبة لغة: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، وهى التبرع (1) والهبة تشمل الهدية والصدقة، لأن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة، فإن قصد منها طلب التقرب إلى الله تعالى بإعطاء محتاج فهى صدقة وإن حملت إلى مكان المهدى إليه إعظاما له وتوددا فهى هدية، وإلا فهى هبة، والعطية: الهبة فى مرض الموت. واصطلاحا: عقد يفيد التمليك بلا عوض حال الحياة تطوعا (2). والهبة مشروعة مندوب إليها لقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} (النساء4) وقوله سبحانه وتعالى {وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} (البقرة 177) ولقوله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" (3) وقد أجمع فقهاء المسلمين فى جميع العصور على استحباب الهبة بكل أنواعها لأنها من باب التعاون، وهى للأقارب أشد استحبابا وأكثر ندبا وأفضل ثوابا وأجرا، لما يكون فيها إلى جانب البر والتعاون من صله الرحم الذى أمر الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويستحب لمن وهب له شيء أن يكافئ الواهب على هبته إن تيسر له ذلك، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان رسول الله سر يقبل الهدية ويثيب عليها (4) ويهدف الإسلام إلى إقامة المجتمع المثالى المتكامل الذى يقوم على أساس من المحبة والود والصلة والقرب، والهبة من الوسائل الناجحة التى تحقق هذا المعنى، لما فيها من تعبير عن الإكرام والود والاحترام، والإنسان مفطور على حب من أكرمه وأحسن إليه وأظهر له وده واحترامه بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر) (5) أى غله والحقد الذى قد يكون فيه وينبغى على من وهب له شيء أن يقبله ولا يرده لما فى الرد على الواهب من إيذاء له إذ قد يشعر باستصغاره وعدم الاكتراث به. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - لسان العرب6/ 14929. التعريفات للجرجانى ص 228 2 - مغنى المحتاج 2/ 396، المغنى لابن قدامة 8/ 239، حاشية ابن عابدين 4/ 530، كشاف القناع 4/ 298 من الآية رقم 4 من سورة النساء. 3 - أخرجه مالك مرسلا فى كتاب حسن الخلق "باب ما جاء فى المهاجرة" الموطأ ص790. 4 - أخرجه البخارى فى كتاب الهبة "باب المكافأة فى الهبة" فتح البارى بشرح صحيح البخارى 5/ 249 5 - أخرجه الترمذى فى كتاب الولاء والهبة باب ما جاء فى حث النبى - صلى الله عليه وسلم - على التهادى، سنن الترمذى 4/ 383 وما بعدها.

2 - الهجاء

2 - الهجاء لغة: يقال: هجاه يهجوه هجوا وهجاءً وتَهْجاءً: شتمه بالشعر والهجاء بهذا المعنى خلاف المدح (1) والهجاء أيضا: تقطيع اللفظة بحروفها، ومنه: هجّيتُ الحروف وتهجّيْتُها (2) ومنه قول أحدهم عندما سئل: أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: والله ما أهجو منه حرفا، أى ما أقرأ منه حرفا (3). واصطلاحا: وهو غرض من أغراض الشعر العربى منذ العصر الجاهلى حتى العصر الحديث. وقد أطلق علّى بعض الشعراء فى العصور المتوالية اصطلاح (الشعراء الهجائين) لكثرة ما تناولوه من شعرالهجاء لظروف خاصة أحاطت بهم فى مجتمعاتهم دعتهم إلى هذا اللون من التعبيرعما فى نفوسهم وقد يلجأ الشاعر (الهجّاء) إلى سلب المهجو ما يعتز به من الفضائل، أو رميه بما ينفر من الرذائل كقول (الحطيئة) فى عصره الجاهلى يهجو (الزبرقان بن بدر): دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى وكقول (الأعشى) يهجو (علقمة بن علاثة): تبيتون فى المشتى ملاًء بطونكم وجاراتكم غَرَثَى يبتُن خصائص (3) وأحيانا يكون الهجاء سياسيا بغرض سلب الحاكم أو الأمير هيبته كهجاء (المتنبى) لحاكم مصر وقتها (كافور الأخشيدى) الذى لم يحقق للّشاعر مبتغاه فهجاه بقوله: أكلما اغتال عبد السوء سيده أو خانه فله فى مصر تمهيد صار الخصى إمام الآبقين بها فالحر مستعبد والعبد معبود من علم الأسود المخصى مكرمة أقوامه البيض أم أباؤء الصيد؟ أم أذنه فى يد النخّاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود؟ أ. د/ صلاح الدين عبد التواب

_ المراجع 1 - لسان العرب لابن منظور 6/ 4627 الطبعة الخامسة دار المعارف بمصر 2 - القاموس المحيط الفيررز آبادى ج 4/ 402 دار الفكر بيروت 3 - الحياة الأدبية فى عصرى الجاهلية وصدر الإسلام ص130 - 131 د. محمد عبد المنعم خفاجى، د. صلاح الدين محمد عبد التواب. مكتبة الأزهر- مطبعة عيسى البابى الحلبى- القاهرة 1974م 4 - لسان العرب لابن منظور6/ 4627 (مادة هجو).

3 - الهجرة

3 - الهجرة يقصد بها: الخروج من أرض إلى أرض، وانتقال الأفراد من مكان إلى آخر سعيا لتحقيق أغراض للمهاجر. ولما كان الانتقال جهدا لأصحابه نفسيا ومادياة حيث يترك أرضه الأولى وماله فيها من ذكريات ومنافع، إلى أرض أخرى جديدة لا يدري ماذا يحدث له فيها: كان التوجيه القرآنى والترغيب النبوى مصاحبا للمهاجرين الذين اضطهدوا فى أرضهم لإيمانهم بربهم وما اقتضاه إيمانهم من إنتقالهم إلى العبادة الصحيحة والمعاملة الحسنة ومكارم الأخلاق، فأخرج المؤمنون من ديارهم، وأوذوا فى سبيل الله، فكان التوجيه النبوى أن تكون الهجرة لله وحده "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"، يؤجرعليها بما جاء من الوعد الصادق، "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، من أغراض محدودة. قال تعالى فى بيان مكانة المهاجربن فى سبيله: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} البقرة:218. وقال سبحانه: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} آل عمران:195. وكما أثنى الله على المهاجرين أثنى على من أحسنوا استقبالهم ونصرتهم قال جل شأنه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصاروالذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} التوبة:100، وقال سبحانه: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجرإليهم، ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} الحشر:6. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" (1). وقد هاجر المؤمنون عندما اشتد بهم تعذيب المشركين بمكة المكرمة إلى الحبشة مرتين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمعذبين: "إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه". تقول السيدة أم سلمة رضى الله عنها: "فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نحس منه ظلما) (3). ثم بلغ المهاجرين إلى الحبشة أن أهل مكة أسلموا فرجع بعضهم فلم يجدواالخبر الصحيح فرجعوا إلى الحبشة، وهاجر معهم فى الهجرة الثانية جماعة آخرون. وكان المهاجرون يعبرون عن دينهم وما دعاهم إليه خير تعبير مما يدعو الآخرين إلى احترامهم وتقديرهم إذ أحسنوا فى عرض عقيدتهم وأخلاقهم، دون تضليل أو كذب ولو كان فيما يقولون بعض المخالفة لما كان عليه أهل الحبشة من تحريف فى المعتقدات. وكانت الهجرة الكبرى والتى أذن الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم بتحقيقها وأراه موضعها - إلى المدينة المنورة، فاتخد الرسول صلى الله عليه وسلم لها أسبابها، واختار فيها الرفيق، والدليل الخبير، وأمن مصدر الزاد، والأخبار والمتابعة، ورد الأمانات إلى أصحابها، وواجه طغيان المشركين بتدبير محكم، ومضى فى طريق هجرته ومعه الصديق أبو بكر، وفشلت محاولات المشركين فى تتبعه وإعادته وتجلت عناية الله فى الطريق وشهدت بذلك "أم معبد" كما شهد سراقة حتى وصل إلى المدينة المنورة فاستقبل بفرح المؤمنين، وأقام مسجدا وحمل فيه الحجارة مع أصحابه، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع ميثاقا عظيما لتنظيم العلاقة بين المقيمين من المهاجرين والأنصار واليهود فى المدينة المنورة وظهرت آثار الهجرة فى مغالات التأسيس للدولة والأمة، وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما فى صحيح البخارى، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التى بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبى صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ودخول الناس فى دين الله أفواجأ: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا" (متفق عليه) وبقى معنى الهجرة فى هجر مانهى الله عنه، وبقت تاريخا للأمة. أ. د/محمد رفعت سعيد

_ الهامش: 1 - صحيح البخارى 4/ 222 ط إستانبول. 2 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى 7/ 189. مراجع الاستزادة: 1 - السيرة النبوية الصحيحة د/أكرم ضياء العمرى. 2 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية. 3 - سيرة ابن هشام ط دار الكتب العلمية

4 - الهندسة الوراثية

4 - الهندسة الوراثية يطلق هذا المصطلح على استخدام أساليب علمية تمكن من تغيير الجينات (المورثات) أو توليفات منها، ومع أن المصطلح والعلم جديدان إلا أن تجارب الإنسانية فى هذا المحيط تعود إلى زمن بعيد، فعلى مدى آلاف السنين استخدم مستولدو النباتات والحيوانات طرائق متعددة لتوليد أفضل أنواع النباتات والحيوانات على نحو ما نعرف من سلالات الأبقار وسلالات الحبوب التى تم تهجينها. وفى ربع القرن الأخيرتمكن العلماء من تطوير وسائل معقدة لعزل بعض الجينات وإدخالها مرة أخرى فى خلايا ونباتات أو حيوانات كائنات أخرى، وتؤدى هذه الأساليب إلى تغيير خصائص الخلايا والكائنات الوراثية. وقد مضت اتجاهات الهندسة الوراثية بخطوات حثيثة خاصة مع تسارع التقدم العلمى فى جميع المجالات، ومع الحاجة الملحة إلى زيادة الإنتاج الرأسى من المحصولات الزراعية، أو من الإنتاج الحيوانى كاللحوم والألبان، وفضلا عن هذا فإن الهندسة الوراثية مكنت من تخليق عدد لا يستهان به من العقاقير الطبية الفعالة، والمواد اللازمة لإجراء البحوث المتقدمة. وتوجد الجينات فى داخل الخلية على خيوط رفيعة تسمى "الكروموزومات "،ويحتوى كل كروموزوم على جزيء واحد طويل من مادة كيميائية تسمى " الدنا "، واختصاره دنا ( DNA)، ويحتوى الجزيء الواحد على آلاف الجينات، ويتضمن فى تركيبته الكيميائية المعلومات التى فى حجم الجين من كائن معين، ثم يتم وصلها بجزئ من حمض مأخوذ من كائن آخر أو من نفس الكائن، ويسمى الجزىء المهجن حمض "دنا" المؤلف. وقد أثارت الهندسة الوراثية، بالرغم من مزاياها الكثيرة، مخاوف الكثيرين، إذ يخشى عدد لا يستهان به من الناس أن تلحق الضرر بالبيئة، كما يتساءل آخرون على المبرر الخلقى الذى يبيح للعلماء التلاعب بمادة الكائنات الحية الوراثية. أ. د/ محمد الجوادى

_ المراجع 1 - الهندسة الوراثية والأخلاق د. ناهد حسن البقصمى، ط سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب. الكويت سنة 1993 م 2 - التنبؤ العلمى ومستقبل الإنسان د/ عبدالمحسن صالح سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب. الكويت سنة 1981 م 3 - البيولوجيا ومصير الإنسان د. سعيد محمد الحفار، سلسلة عالم المعرفة المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب- الكويت سنة 1984 م 4 - الهندسة الوراثية ويليام بيتر ط. الهيئة العامة سلسلة الألف كتاب.

5 - الهندوسية

5 - الهندوسية "الهندوسية" أو "الهندوكية": دين يعتنقه معظم سكان الهند، وقد أطلق عليها ابتداء من القرن الثامن ق. م. اسم: "البرهمية" نسبة إلى "براهما" وهو القوة العظيمة السحرية الكامنة التى تطلب كثيرا من العبادات، كقراءة الأدعية والأناشيد وتقديم القرابين، و"البرهميون" أو"البراهمة": هم أصحاب الطبقة الأولى من عبدة "براهما"الذين ولدوا منه، أو ممن انبثق عنه: "برهمان". قامت "الهندوسية" على أنقاض "الويدية"، وتشربت أفكارها، وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة، والأساطير الروحانية المختلفة التى نمت فى الهند قبل دخول الآريين، ومن أجل هذا عدها الباحثون امتدادا لـ "الويدية" وتطورا لها. ليس لـ"الهندوسية" مؤسس يمكن الرجوع إليه كمصدر لتعاليمها وأحكامها، فهى مجموعة من التقاليد والأوضاع تولدت من تنظيم الآريين لحياتهم جيلا بعد جيل بعد ما وردوا على الهند، وتغلبوا على سكانها. ويعتقد الهنود أنها دين أزلى لا بداية له وملهم به قديم قدم الملهم، ويرى الباحثون الغربيون والمحققون من الهندوس أنه قد نشأ فى قرون عديدة متوالية لا تقل عن عشرين قرنا بدأت قبل الميلاد بزمن طويل وقد أنشأه أجيال من الشعراء، والزعماء الدينيين والحكماء الصوفيين عقبا بعد عقب، وفق تطورات الظروف، وتقلبات الشئون، ف" الهندوسية" أسلوب فى الحياة أكثر مما هى مجموعة من العقائد والمعتقدات، وتاريخها يوضح استيعابها لشتى المعتقدات والسنن، وليست لها صيغ محددة المعالم، ولذا تشمل من العقائد ما يهبط بها إلى عبادة الأحجار والأشجار والحيوان، وما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة. "الفيدا " هو كتاب "الهندوسية" المقدس، ويقال: إنه أقدم من التوراة بآلاف السنين، وإنه دون فى زمن موغل فى القدم، ربما يرجع إلى ثلاثين ألف سنة مضت، وتعكس نصوصه حياة الآريين فى الهند فى عهدهم القديم ومقرهم الجديد، ففيه حلهم وترحالهم، دينهم وسياستهم، حضارتهم وثقافتهم، معيشتهم ومعاشرتهم، مساكنهم وملابسهم، مطاعمهم ومشاربهم. وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدوى إلى شعور فلسفى، فتوجد فيه أدعية بدائية، مثل: "أيتها البقرة المقدسة، لك التمجيد والدعاء، فى كل مظهر تظهرين به .. "ونصوص ترتقى إلى وحدة الوجود، مثل": إنى أنا الله، نور الشمس، وضوء القمر وبريق اللهب، ووميض البرق، وصوت الرياح، وأنا الرائحة الطيبة التى تنبعث فى أنحاء الكون، والأصل الأزلى لجميع الكائنات، وأنا حياة كل موجود، وصلاح الصالح لأنى الأول والآخر والحياة والموت لكل كائن". بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغا كبيرا؛ إذ يوجد لكل ظاهرة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه، يستنصرون به فى الشدائد، غير أنهم جمعوا الآلهة فى إله واحد، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء: فهو "براهما" من حيث هو موجد، وهو "فيشنو" من حيث هو حافظ، وهو "سيفا" من حيث هو مهلك. و"براهما"، هذا عند فلاسفتهم ليس خالقا، فهو فكرة ذهنية أكثر منه إرادة عاملة، فالعالم -حسب تصورهم- خلق على النحو التالى: أخذ "براهما" يتأمل ويفكر، وعن تفكيره هذا نشأت بذرة مخصبة، تطورت إلى بيضة ذهبية، ومن تلك البيضة نشأ العقل الخالق، يطلقون عليه أيضا "براهما". من المعتقدات الهندوسية: 1 - التناسخ؛ إذ يعتقد الهنود أن الأرواح جائلة متنقلة فى أطوار شتى من الوجود، تنتقل من جسد إلى آخر، سواء أكان فى الإنسان، أو فى الحيوان، حتى تصل إلى هدفها الأخير، وهو استجلاء طلعة "براهما" التى لا تكتسب إلا بالاندماج فيه كما تندمج قطرة الماء فى المحيط. 2 - "كارما" وهى متممة لفكرة تجوال الأرواح. وتقوم نظريتها على أساس أن كل عمل يأتيه الانسان له ثمرته حتما، وأن كل شىء يكتسبه الإنسان فى كل طور من أطوار الوجود المتكرر، تحدده الأعمال التى يقوم بها فى الوجود السابق؛ فأعماله الصالحة ترفع درجته فى الأطوار اللاحقة، حتى إلى النهاية، وهو الاتحاد مع "براهما". والأعمال الشريرة تهبط بدرجته إلى أسفل، فيظل دائرا فى أطوار الوجود المؤلمة لا يتخلص منها أبدا بل تزداد انحدارا به إلى أسفل طبقات الوجود. 3 - نظام الطبقات: يعتبر "البراهمة" رجال الدين أنفسهم من عنصر إلهى، فهم كهنة الأمة التى لا تجوز الذبائح إلا فى حضرتهم وتحت أيديهم، لذلك قسموا المجتمع إلى ثلاث طبقات: (أ) طبقة الكهنة. (ب) طبقة المحاربين والتجار. (ج) طبقة الخدم، فلا يجوز لفرد أن يأكل مع آخر من طبقة أخرى، أو يزاوجه، أو يختلط به. ولم يظهر هذا النظام إلا فى قوانين "مينو" حوالى القرن السادس قبل الميلاد وهناك طبقة رابعة لم تدخل التقسيم وهى طبقة المنبوذين؛ إذ هم سكان الهند الأصليون الذين لا يجرى فى عروقهم الدم التوارنى. أو الدم الآرى، ويسمون: "زنوج الهنود"، وقد سلبهم المجتمع الهندوسى حقوقهم الإنسانية، فنزل بهم إلى مستوى أقل -أحيانا- من مستوى الحيوان، فيعتقد الهندوسى فى أحيان كثيرة أن الدنس والرجس يلحقه، إذا مر به المنبوذ على بعد بضعة أمتار. ولم ترجع الفلسفة الهندية نشأة نظام الطبقات إلى نزعة الجنس والعنصر، بل ربطته بنص مقدس، يقول "مينو": " ... ثم خلق البرهمى من فمه، و"الكشتريا" وهم المحاربون التجار من ذراعه، و"الويشا" وهم الخدم من فخذه، و"السودرا"، وهم المنبوذون من رجله، فكان لكل من هذه الطبقات منزلة على هذا النحو". ومن ثم اتجه المنبوذون فى تدينهم إلى الأمور البدائية، فأصبح دينهم أشبه بعبادة الأزوات التى اعتصمت بها الأقوام الفطرية الساذجة، فأعظم الآلهة عندهم يظهر فى شكل كومة من الآجر، أو فى هيئة أخرى ساذجة. وهذا الإله هو الذى يمنح الخصب للعواقر، ويحمى المحصول من الآفات، ويرعاهم برعايته وعنايته، ولكل مدينة إلهها. أ. د/محمد شامة

_ مراجع الاستزادة: 1 - أديان الهند الكبرى، أحمد شلبى، القاهرة 1966م. 2 - ذيل الملل والنحل، للشهر ستانى، تحقيق محمد سيد كيلانى القاهرة 1961م. 3 - الأديان والمذاهب الشرقية عثمان عيش، القاهرة 1966م. 4 - الديانات القديمة، محمد أبو زهرة، القاهرة 1965م. 5 - أديان العالم الكبرى، حبيب سعيد

6 - الهيمنة

6 - الهيمنة لغة: القيام على الشيء، وقيل الرقابة على الشىء، يقال هيمن يهيمن هيمنة إذا كان رقيبا على الشيء. واصطلاحا: القدرة المطلقة على الشىء من كافة جوانبه، وبشتى الوسائل، بما يكفل تحقيق الغاية المشروعة. وقد ورد فى القرآن الكريم لفظ (مهيمن) مرتين، الأولى كاسم الله سبحانه وتعالى وصفة من صفاته، يقول تعالى {الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن} (الحشر23)، والثانية كصفة للقرآن الكريم معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول تعالى] وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه [المائدة 48). وبذلك يقرر الإسلام تفرد الحق تبارك وتعالى بالهيمنة المطلقة، وأنه سبحانه وتعالى اصطفى نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - فجعله خاتم الأنبياء والمرسلين وأنزل عليه القرآن الكريم مصدقاً ومهيمناً، مما يجعل الهيمنة حقا لمن اتبع الإسلام والتزم بهديه، أما من فرط فيذيقه الله وبال هيمنة زائفة للمشركين. فالإسلام بطبيعته دين للحياة بجميع أبعاده وفى مختلف ظروفها وأحوالها، وهو دين ينطبق على كل قابلية واستعداد، ويلائم كل عاطفة وإحساس وهو دين متفتح لا يرفض ثقافة معينة لمجرد كونها أجنبية وإنما ينظرفيها ويفحصها بعناية ويأخذ ما يفيد فى مسيرته الحضارية، مما يجعله حقيقاً بالهيمنة، وحقيقاً بأن يهيمن من اتبعه والتزم به على العالم بأسره. فالإسلام كدين ليس تيارا فكريَّا أو ظاهرة وقتية حتى يخشى عليه من تيارات فكرية أخرى إنما هو دين له جذور وأصول راسخة، وقد ختم الله به الرسالات السماوية، وطالب المسلمين بعمارة الأرض والاستخلاف فيها، ونشر القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، والحفاظ على الكرامة الإنسانية لكل البشر وتأكيد حق كل إنسان فى الحرية والمساواة وحماية الأنفس والمعتقدات والعقول والأموال والأعراض، وإقامة موازين العدل بين الناس، وصيانة مؤسسة الأسرة، واحترام المرأة، ومنع الظلم والاستغلال فى كل أشكاله وصوره، وهى مهمة لا يقوم بها ويحمل تبعتها إلا من امتلك الهيمنة، وهى حظ كل مسلم التزم واتبع ولم يغير ويبدل. وإن ظهر فى العصر الحديث ما يسمى بالعولمة التى هى فى جوهرها وإحدى صورها نوع من الهيمنة، فإنه يمكننا القول بأن الإسلام يعد دين العولمة الحقيقية متضمنا الأهداف السابقة. ولعل مواجهة العولمة القادمة بما تحمله من شرور يثير مخاوف كثير من الغيورين على مبادئ دينهم، إلا أن مواجهة ذلك تكون بالعلم والعمل، ويكون موقفنا من الجديد الغريب القادم كموقف ابن رشد من كتب القدماء حين قال: ننظر فى الذى قالوه من ذلك وما أثبتوه فى كتبهم فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - الإسلام فى عصر العولمة د/ محمود حمدى زقزوق- مكتبة الشروق- القاهرة كوالالمبور ط1 - سنة 1421 هـ.2001 م. 2 - الإسلام دعوة عالمية. عباس محمود العقاد- نهضة مصر سنة 1999 م. 3 - الإسلام يتحدى. وحيد الدين خان- ترجمة ظفر الإسلام خان- مراجعة وتقديم د/ عبد الصبور شاهين، المختار الإسلامى ط5 - سنة 1974 م. 4 - المدنية الإسلامية وأثرها فى الحضارة الأوروبية د/ سعيد عبد الفتاح عاشور- دار النهضة العربية سنة 1967 م. 5 - الأديان والإنسان- خليل طاهر- مراجعة الشيخ عبد الحليم محمود- دار الفكر والفن سنة 1967 م. 6 - الإسلام فى عصر العلم- تاليف محمد فريد وجدى ودار الكتاب العربى- بيروت.

الواو

1 - واجب الوجود مصطلح واجب الوجود يشير إلى وجودين: وجود أصلى ثابت لا يتغير، سبب لكل موجود سواه. واجب الوجود بذاته، الموجود الذى وجوب وجوده من ذاته ولذاته- أى لم يكتسبه من أى شىء آخر وهو الضرورى الوجود، الذى يترتب على عدم وجوده استحالة وجود أى شيء، هو الأزلى الأبدى. يقول ابن سينا: "أما الذى هو واجب الوجود بذاته فهو الذى لذاته لا لشىء آخر أى شيء كان، ويلزم محال من فرض عدمه"ووجود فرعى مسبب عن السبب الأول، وهو واجب الوجود بغيره، وقد اعتمد فى وجوده على علة أوجبت وجوده حينما تعلقت به إيجادًا حيث رجحت وجوده على عدمه، ولولا علة الترجيح لبقى فى دائرة الإمكان. هو الذى "إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده .. وإذا وجب صار واجب الوجود بغيره، فيلزم من هذا أنه كان فيما لم يزل ممكن الوجود بذاته، واجب الوجود بغيره". هو الذى لا يلزم من وجوده أو عدمه أى محال، ويوضحه ابن سينا بالمثال " إن الأربعة واجبة الوجود لا بذاتها، ولكن عند فرض اثنين واثنين"،وواجب الوجود بذاته عند "الفارابى" "وابن سينا" وغيرهما، هو الله سبحانه مبدئ جميع الموجودات بأعيانها وأنواعها وصفاتها. ومع أن وجود واجب الوجود بذاته الله سبحانه وتعالى، واضح لكل ذى لب يقول سبحانه {أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون. أم خلقوا السموات والارض بل لا يوقنون} (الطور35 - 36). ويقول سبحانه: {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} (فصلت 53). ومع هذا الموضوع فقد أقام المتكلمون والفلاسفة الكثير من الأدلة. منها: دليل الحدوث: وملخصه، العالم حادث، وكل حادث لابد له من محدث، والمحدث هو الله سبحانه. دليل العناية: وملخصه، أن كل ما فى العالم موافق لوجود الإنسان، وهذه الموافقة ضرورية من قبل فاعل قاصد مريد هو الله سبحانه. ودليل الاختراع: وملخصه أن كل الموجودات مخترعة اختراعا حقيقيا، وكل مخترع فله مخترع، والمخترع هو الله سبحانه. وقد استدل "الفارابى، و"ابن سينا، على وجود واجب الوجود بذاته، لا من خلال الحدوث أو العناية أو الاختراع وإنما "من نفس الوجود، أى من حيث هو، بغض النظر عن المشاهد الواقع، ويدعى كل منهما أن تصور الذهن للوجود وحده يؤدى به حتما إلى الاعتراف بواجب الوجود بذاته)، ونذكر على سبيل الإيجاز دليلى "الفارابى" وابن سينا". يقول الفارابى: "لك أن تلحظ عالم الخلق، فترى فية أمارات الصنعة. ولك أن تعرض عنه، وتلحظ عالم الوجود المحض، وتعلم أنه لابد من موجود بذاته ... فإن اعتبرت عالم الخلق فأنت صاعد، وإن اعتبرت عالم الوجود فأنت نازل، تعرف بالنزول أن ليس هذا ذاك" ويقول "ابن سينا": "لا شك أن هنا وجودا، وكل وجود فإما واجب وإما ممكن. فإن كان واجبا فقد صح وجود الواجب وهو المطلوب. وإن كان ممكنا فإنا نوضح أن الممكن ينتهى وجوده إلى واجب الوجود" لم يشك "ابن سينا" فى وجود موجود، هذا الوجود إذا نظرنا إليه فى العقل، بصرف النظر عن تحققه فى الخارج، أو فى أفراد معينة. إن كان وجوده عين ذاته، أى غير مستند إلى علة سابقة فهو واجب الوجود بذاته. وإن كان وجوده من غير ذاته، كان ممكن الوجود، وسبب وجوده علة سابقة، لأنه بدون العلة لا يخرج للوجود. وهذه العلة إن كانت واجبة الوجود، ثبت المطلوب وإلا نقلنا الأمر إلى علة أخرى وهكذا ... ولابد أن ينتهى الأمر إلى واجب الوجود بذاته، لأن عدم الانتهاء يؤدى إلى محالين وهما: الدور والتسلسل. "وابن سينا" إذ يثبت استحالة الدور والتسلسل، فإنه يؤكد ضرورة الانتهاء إلى واجب الوجود بذاته وهو الله سبحانه وتعالى. وواجب الوجود بذاته برئ من كل نقص، وجوده أفضل وأقدم وأكمل الوجود، خير محض، وكمال محض، وحق محض، لا مثل ولا ند ولا ضد له، لا ينقسم لا بالكم ولا بالكيف، مرتبته فى الوجود لذاته، هى مرتبة لا يشاركه فيها غيره أ. د / محمد الأنور حامد عيسى

_ المراجع 1 - آراء أهل المدينة الفاضلة- الفارابى- محمد على صبيح، القاهرة 2 - الجانب الإلهى- د. محمد البهى- دار الكتب العربية بالقاهرة 1967م 3 - مناهج الأدلة- ابن رشد- الأنجلو المصرية- 1964م 4 - المواقف- الإيجى- عالم الكتب بيروت. 5 - النجاة- ابن سينا- دار الآفاق بيروت ط 1985.م 6 - المعجم الفلسفى د/ جميل صليبا

2 - الوتر

2 - الوتر لغة: الفرد أو ما لم يتشفع من العدد، كما فى القاموس (1). واصطلاحا: عبادة زائدة شرعت لنا لا علينا (2). والوتر صلاة مسنونة، لا أذان لها ولا إقامة، ولا جماعة فيها، ويجوزأن تؤدى على الراحلة، ووقتها بين العشاء وطلوع الفجر، يدل على مشروعيتها ماروى عن خارجة بن حذافة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أمدكم الله بصلاة هى خير لكم من حصر النعم وهى الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء والآخر إلى طلوع الفجر) (رواه الحاكم وصححه عن حذاقة) (3) ووأقل الوتر ركعة، لما روى عن ابن عمرأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الوترركعة من آخر الليل) (رواه مسلم عن أبن عمر) (4) إلا أنه يجوز الزيادة عليها: فتصلى ثلاث ركعات بتسليمه وأحدة، لحديثه عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لايسلم إلا فى آخرهن) (رواه الحاكم وصححه عن عائشة) (5). وأجاز بعض الفقهاء أن يصلى ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، أو تسع ركعات، أو سبعا، أو خمسا، ويسلم فيها بعد كل ركعتين، ويوتر بواحدة أو ثلاث أو خمس من الثلاث عشرة أو الإحدج عشرة، وله أن يوتر بثلاث من التسع والسبع، فإن أوتر بخمس لم يجلس إلا فى آخرهن، وقد ثبت ذلك بنصوص صحيحة عن عائشة، منها قولها (كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة، يوترمنها واحدة) وقولها: (كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك خمس لا يجلس إلا فى آخرها)، وحديثها (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثا) (رواه مسلم عن عائشة). وروى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة) متفق عليه (7). أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادى، مكتبة مصطفى الحلبى ط2 1371هـ/1952م القاهرة ص157. 2 - رد المحتار، لمحمد أمين (ابن عابدين)، دار الكتب العلمية بيروت 10/ 445. 3 - رواه الحاكم وصححه. 4 - صحيح مسلم لمسلم بن حجاج النيسابورى مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1/ 302. 5 - المستدرك، للحاكم. 6 - صحيح مسلم 1/ 296 - 297. 7 - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان دار الصفوة، الغردقة الطبعة الثانية 1413هـ/1992م 1/ 144. مراجع الاستزادة: 1 - المغنى، لعبد الله بن احمد بن قدامة، عالم الكتب بيروت. 2 - نيل الأوطار، لمحمد بن على الشوكانى، المكتبة التوفيقية القاهرة

3 - الوجد

3 - الوجد لغة: الوَجْد- بمعنى انفعال القلب- مصدر: وَجَدَ بالشيء وجدا، وهو بخلاف "الوجود" فإنه مصدر وَجَدَ الشيء وجوداً ووجداناً. واصطلاحاً: يختلف الصوفية فى بيان معنى "الوجد" وحقيقته، فمنهم من يراه مستعصيا على التعريف لأن العبارة لا تقع عليه، وكأنه من باب الوجدانيات القلبية التى يصعب تصورها وتصويرها، ومنهم من عرّفه بعبارات تباينت ألفاظها ومعانيها، مثل تعريفه بأنه" ما صادف القلب من فزع أو غم أو رؤية معنى من أحوال الآخرة "، أو هو: لهب يتأجج من شهود عارض القلق "، أو: كما يصادف القلب ويرد عليه، بلا تكلف وتصنع .. إلخ. والوجد محله القلب، مثل سائر الوجدانيات كالفرح والحزن والألم وغيرها .. وهم يستخرجون معنى "الوجد، من قوله تعالى] فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور [، (الحج 46)، فقد استخلصوا من الآية الكريمة أن القلوب نوعان: قلوب عمياء لا ترى، وقلوب مبصرة ناظرة، أو: قلوب تجد، وقلوب لا تجد، وما يسمعه القلب ويبصره هو المعبر عنه بوجد القلوب. وللوجد مراتب ثلاث: أولها: التواجد، وهو استدعاء الوجد بالذكر أو الفكر، وهو أضعف المراتب، لأنه مكتسب، وهو للمبتدئين فى السلوك، ويختلف الشيوخ فى أمر هذه المرتبة، فمنهم من يمنعها لما فيها من التصنع وعدم الصدق، ومنهم من يجيزها لما فيهما من التعرض للأحوال الشريفة، والمختار عندهم: صحة التواجد مطلقاً، استناداً، للحديث الشريف: "ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" (أخرجه ابن ماجه فى الزهد) .. والمرتبة الثانيه: مرتبة "الوجد"، وهو حصول الشعور الذى استدعاه السالك بتواجده، فإذا راوحه هذا الشعور، أو غلب عليه سمّى "وجدا" فإذا استمر وتوالى على القلب فهو"الوجود،، وهو: المرتبه العليا والأخيرة، وهو ذروة مقام الإحسان. والوجد ثمرة للواردات الإلهية، التى هى بدورها ثمرة الأوراد والأذكار، ولذا كانت الأوراد شرطا فى حصول الوجد، ومن أقوالهم المأثورة: "من لا ورد له بظاهره لا وجد له فى باطنه ". ولأن الوجد قد يلتبس برعونات النفس، قيده الصوفية بضابط الكتاب والسنة،: وقالوا:"كل وَجْدلا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل "، ولأهل الوجد تغيرات تظهر عليهم فى وجدهم مثل: قشعريرة البدن، والصعق، والزفير، والشهيق، والبكاء- والغشية، والأنين، والصراخ. وهذا للمبتدئين الذين يستخفهم الوجد ويؤثر عليهم لضعف قلوبهم عن تحمل ما يرد عليها من الإشراقات، بخلاف الكاملين من أهل السلوك، فإنهم كالجبال، لا تنزعج قلوبهم ولا تضطرب ظواهرهم. أ. د/ أحمد الطيب

_ المراجع 1 - اللمع، السراج الطوسى، 18 4 دار الكتب الحديثة- القاهرة 1380 هـ- 1960 م 2 - الإملاء عن إشكالات الإحياء، بهامش: إحياء علوم الدين، الإمام الغزالى 78:1، ط الحلبى، القاهرة 1957 م. 3 - التعريفات. الجرجا نى. جـ1 الحلبى 4 - الرسالة، القشرية للقشيرى: ط. مصطفى الحلبى- القاهرة 1359 هـ- 1940م. ص 34 5 - لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام القاشانى: 2/ 31. ط. دار الكتب المصرية 1996 م. 6 - مدارج السالكين، ابن القيم: مطبعة 30: 70 السنة المحمدية- مصر 1375 هـ- 1956 م

4 - وحدة الوجود

4 - وحدة الوجود لغة: الوحدة مصدر الفعل "وحد" أى بنفسه. فهى ضد الكثرة (1). ويقال: كل شىء انفرد على حدة: أى متميز عن غيره (2). والخلاصة أن مادة "وحد" تشير إلى الانفراد والتميز، كما أنها تدل على التقدم فى علم أو بأس (3). واصطلاحا: تعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته، ليمنحه الوجود، ويفيض عليه بالخير والابداع. وذلك الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه، لأنه موجود أولا بنفسه، ودون حاجة إلى أى موجد آخر؛ كيلا تمتد السلسلة إلى ما لانهاية. وأن الكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته، ومنه تستمد الحياة والوجود؛ ولهذا كان وجودها عرضا وبالتبع. وبناء على هذا، فليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله، ولا تسمى الكائنات الأخرى موجودات، إلا بضربا من التوسع والمجاز (4) هذه هى النظرية التى تدعى "وحدة الوجود". وقد اعتنقها جماعة من الصوفية بعد أن أخذت الدراسات الفلسفية فى الإسلام تضمحل وتتوارى. وقد تكونته هذه الفكرة فى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى. وشاع أمرها فى بلاد الأندلس والمشرق، بعد ان اختلط فيها وجود التصوف بالفلسفة اختلاطا كبيرا. وكان من أكبر أنصارها: ابن عربى (ت 638) وجلال الدين الرومى. وربما دل ظاهر هذا الاتجاه، على أن مشايعيه قد يلتمسون عذرا للكفار من أمثال فرعون وقوم نوح وغيرهم من المشركين الذين عبدوا الأصنام، واليهود الذين عبدوا العجل. ويدعى أنصارمذهب وحدة الوجود، أن هؤلاء الكفار ما عبدوا غيرالله، وأن خطأهم يكمن فى أنهم خصصوا شيئا دون شىء بالعبادة، وكان الأصل أن يعبدوا كل شىء. لأنه لا شىء موجود على الحقيقة إلا الله. وحين آمن فلاسفة المتصوفة بوحدة الوجود؛ فإنهم فى نفس الوقت آمنوا بفكرة أخرى هى ما أسموه "وحدة الأديان". فلذلك يقرون بأن المشركين والوثنيين جميعا على حق، بحجة أن الله هو كل شىء. فمن عبد صنما أو حجرا أو شجرا أو إنسان أو كوكبا، فقد عبد الله. لكن يجب أن نفو فى هذا المجال بين وحدة الوجود، وبين وحدة الشهود. فوحدة الوجود نظرية باطلة تنافى التوحيد الصحيح. أما وحدة الشهود فهى حق. مثال هذا: لو قال شخص إنه يرى الله في كل شىء، فإن كان يعنى أنه يرى آثارة وشواهده، فتعبيره صحيح. وإن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق، فالتعبير باطل واعتقاده كفرة لأنه تسليم بوحدة الوجود (5). ولم تكن فكرة وحدة الوجود من ابتكار غلاة فلاسفة الصوفية كابن عربى والحلاج والرومى، بل كان لها جذورها لدى فلاسفة اليونان القدماء، من أمثال طاليس وهيراقليطس والرواقيين، ثم أصحاب مذهب الفيض فى الأفلاطونية المحدثة (6). ولقد سرت عدوى وحدة الوجود، إلى بعض فلاسفة الغرب، مثل بعض الفلاسفة الفرنسيين الماديين ومنهم "ديدرو" (1713م-1784م) وإلى الفيلسوف الهولندى "سبينوزا" فى القرن الثامن عشر. كما تأثر بها بعض أدباء أوروبا الغربية، ولاسيما أصحاب النزعة الرومانتيكية، الذين اتخذوا الطبيعة موضوعا للتأمل فى أدبهم (7). والخلاصة أن وحدة الوجود فكرة خاطئة، لا يقرها عقل سليم ولا دين منزل. وأخطر ما فيها: أنها تنافى التوحيد الصحيح، وتؤدى إلى القول بوحدة الأديان، واسقاط التكاليف، وإلغاء المسئولية والالتزام الأخلاقى، انطلاقا من فكرة الجبر كما أنها تنبثق منها اعتقادات غير صحيحة مثل "النور المحمدى"، و"الحقيقة المحمدية".و"الإنسان الكامل". وكل ذلك ينكره الإسلام. أ. د/عبداللطيف محمد العبد

_ الهامش: 1 - المنجد فى الغة مادة "وَحَدَ". 2 - المصباح المنير"وَحَدَ". 3 - القاموس المحيط "وَحَدَ". 4 - فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه د/إبراهيم مدكور دار المعارف بمصر ط2/ 1968م - 1/ 56 - 57. 5 - شبهات التصوف د/عمر عبد العزيز قريش ط1214هـ-1992م ص37، 40، 58، 64. 7 - الموسوعة الميسرة بإشراف د/مانع بن حماد الجهنى، إصدار دار الندوة العربية بالرياض ط3، 1418هـ، 2/ 1178 - 1179. 7 - معجم المصطلحات العربية فى اللغة والأدب مجدى وهبة، وكامل المهندس مكتبة لبنان ط2، 1948م، ص432

5 - الوحى

5 - الوَحْى لغة: الكتاب. وجمعه وُحيٌّ، مثل: حلى وهو أيضا: الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفى، وكل ما ألقيته إلى غيرك (1). ويقال: أوحى إليه وله: كلمه بكلام يخفى على غيره. ويعلم من هذا، أن كلمة "الوحى" فى اللغة تعنى السرعة والخفاء، أى الإعلام السريع الخفى. شرعا: هو إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه، بواسطة أو غير واسطة (3). فالوحى إذن: نقل مافى عالم الربوبية إلى نبى أو رسول عن طريق الملائكة، ليبلغه إلى الناس، مع ملاحظة أن علم الله ثابت فى اللوح المحفوظ، وينزل الوحى طبقا لما هو مدون فيه (4). والوحى أمرهام وجوهرى فى النبوات والأديان، فهو مثل المعجزة قطب الرحى، وبدونهما لاتكون نبوة أو رسالة. ولهذا جاءت مادة "و. ح. ى" في القرآن الكريم وحده ثمانيا وسبعين مرة (5) وفيه دلالة على أن للوحى حقيقة، وأنه أمر ضرورى للديانات السماوية. والإيمان بالوحى حق وواجب على كل مسلم ومسلمة، لارتباط ذلك الإيمان بجميع ما أنزل الله من كتاب، وما آتى بعض رسله من صحف. وكل ذلك وحى من الله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء:192 - 194. وإن نزول الوحى على هيئة كتب وصحف سماوية، لهو شىء ضرورى لحياة البشر، كى تبقى للأنبياء والرسل آثارهم، ولاسيما ذلك الأثر الباقى إلى يوم القيامة، والذى كان من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، (6) ألاوهو القرآن الكريم. {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا} النساء:163. وملل الوحى هو جبريل عليه الصلاة والسلام. وقد جاء أسمه نصا فى قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه} البقرة:97. ويفهم من الآية الكريمة وجوب محبة جبريل عليه السلام وتعظيم دوره على البشرية إلى يوم القيامه. كما سماه القرآن "الروح الأمين" فى قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين} الشعراء:192 - 193. كما سماه "روح القدس" فى قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} النحل:102. ويسمى"الناموس" كما جاء على لسان ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى أول عهده بالوحى: لقد جاءك الناموس الذى نزل الله على موسى (7). وفى آية واحدة أشار القرآن الكريم إلى ثلاثة مقامات للوحى، (8) فى قوله عز وجل: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه مايشاء، إنه على حكيم} الشورى:51. الأول: "وحيا" أى إلقاء المعنى في القلب. ومعناه أن الله تبارك وتعالى يقذف فى روع النبى صلى الله وسلم شيئا لايمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء فى صحيح ابن حبان عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن روح القدس نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله واجملوا فى الطلب". الثانى: "من وراء حجاب، أى بالتكليم، كما كلم الله موسى عليه الصلاة والسلام فلما سأل الرؤية بعد التكليم حجب عنها، لكنه سمع النداء من وراء الشجرة: {نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إنى أنا الله رب العالمين} القصص:130. الثالث: نزول أمين الوحى جبريل على نبينا وعلى الأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فقد روى البخارى، عن عائشة رضى الله عنها، أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله: كيف يأتيك الوحى؟ فقال: "أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس، وهو أشده على، فيفصم عنى -أى يقلع - وقد وعيت عنه ماقال - أى حفظت. وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى مايقول". قالت عائشة رضى الله عنها: "ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا". وإنما كانت حالة الصلصلة أشد؛ لأنها انسلاخ من البشرية واتصال بالروحانية. وكانت الثانية أخف؛ لأنها انتقال ملك الوحى من الروحانية إلى البشرية بسهولة ويسر، بإذن من الله تعالى. وقد نزل القرآن الكريم بأكمل صورة للوحى، بواسطة إلقاء جبريل عليه السلام. وروى الشيخان عن أبى هريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبى إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". وما نطق به صريح الكتاب والسنة، من إثبات حقيقة الوحى ومقاماته، يبطل رأى كل مبطل مرتاب، يدعى أن الوحى نوع من الصرع؛ نتيجة مس الشيطان أو مرض فى المخ، أو تخيل إله، أو توهم جنة ونار (9). أو كما زعم البراهمة من أن العقل يغنى عن الوحى، أو كما يدعى بعض غلاة الصوفية من أن الوحى نوع من الكشف أو الفيض (10). ولو رجعنا إلى تعاليم الإسلام، لوجدنا فكرة الوحى أسهل من كل هذا الهراء، وأضبط من جميع ألوان الافتراء على الله وعلى رسله. ومن هنا يجب الحذرمن الفكر الدخيل، (11) ومن كل غلو فى دين الله. أ. د/عبد اللطيف محمد العبد

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح "وحى". 2 - المعجم الوجيز لمجمع اللغة العربية "وحى". 3 - النبوة بين الفلسفة والتصوف، د/عبدالفتاح أحمد الفاوى مكتبة الزهراء القاهرة ط1 1416هـ/1996م ص113. 4 - الفارابى الموفق والشارح، د/محمد البهى مكقبة وهبة بالقاهرة ط1 1401هـ/1981م ص24. 5 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبدالباقى "وحى"، جاءت المادة بلفظ المصدر:6 مرات وبلفظ الماضى:44 مرة، وبلفظ المضارع:28 مرة. 6 - منهاج المسلم، أبو بكر الجزائرى دار الشروق جدة ط7 1407هـ-1987م ص38. 7 - العقائد الإسلامية، السيد سابق دار الكتاب العربى ببيروت 1406هـ 1985م ص118. 8 - تفسير ابن كثير تفسير الآية51 من سورة الشورى. 9 - شرح العقيدة الطحاوية ابن أبى العز تحقيق: شعيب الأرنؤوط دار البيان دمشق ط1 1401هـ-1981م ص530. 10 - الموسوعة الميسرةإشراف د/مانع بن حماد الجهنى نشر دار الندوة العالمية بالرياض ط3، 1418هـ-2/ 1180. 11 - فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق د/إبراهيم مدكور دار المعارف بمصر ط2 1968م 1/ 77 - 78

6 - الوديعة

6 - الوديعة لغة: هى ما يتركه الانسان عند غيره، يقال: أودعه مالا إذا دفعه إليه؛ ليكون عنده وديعة، أو قبله منه وديعة، كما فى المختار (1). واصطلاحا: توكيل فى حفظ مال مملوك (2). والوديعة قد تكون نقدا أوعينا لها قيمة مالية، يبيح الشارع حيازتها، وهى لاتتصور إلا فيما ينقل ويحول عن موضعه إلى موضع آخر. وترك المالك ماله عند غيره ليحفظه له أمرمشروع، وقبول الغيرحفظ هذه الوديعة مستحب، إذا كان قادرا على الحفظ ورد الوديعة إلى صاحبها عند طلبها. ومن الأدلة على مشروعية الايداع، وقبول الودائع قول الله تعالى: {إن الله يأمركم اًن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء:58، وما روى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) (رواه أبو داود والترمذى والحاكم والدار قطنى والطبرانى وصححه السيوطى) (3). وترغيب الشارع فى حفظ مال الغير بالإيداع، يحقق مصلحة ضرورية، قصد إليها من تشريع الأحكام، وهى حفظ المال، فإن صاحب المال قد يعجزعن حفظه أو يعنُّ له ما لايتمكن معه من حفظه بنفسه كسفر أوتعرض للمخاطر، فلو لم يشرع إيداعه لدى الغير لضاع على مالكه. أ. د/عبد الفتاح محمود إدريس

_ الهامش: 1 - مختار الصحاح، محمد بن أبى بكر الرازى، ط عيسى الحلبى القاهرة مادة (ودع). 2 - مغنى المحتاج، محمد بن أحمد الشربينى، ط1377هـ/1958م، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 3/ 79. 3 - الجامع الصغير، جلال الدين عبدالرحمن بن أبى بكر السيوطى، ط الخامسة مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1/ 14. مراجع الاستزادة: 1 - المغنى، عبدالله أحمد بن قدامة، عالم الكتب، بيروت. 2 - المعاملات فى الفقه الإسلامى، عبدالحكيم المغربى، ط الثانية 1402هـ/1982م

7 - الوراقة

7 - الِورَّاقة لغةً: الوَرَقُ: ورق الشجرة والشوك. والورقُ من أوراق الشجر والكتاب، والواحدة وَرَقةُ (1). والوَارقةُ: كثير الأوراق والشجر يرق ورقا: ظهر ورقه ومثله (ورَّق وأورق) (2). واصطلاحا: ظهرت صناعة الوراقة مع ازدهار حركة التأليف والترجمة، وبعد وجود الورق وانتشار صناعته فى بغداد فى الربع الأخير من القرن الثانى للهجرة ة فلفظ "الوراقة، مشتق من الورق وأطلقت كتب الأدب العربى على الطائفة التى توَلَّت أمر هذه الصناعة اسم "الوَرَّاقين (3). وعَرَّف ابن خلدون فى مقدمته الوراقة بأنها: معاناة "الانتساخ والتصحيح والتجليد وسائر الأمور الكتبية والدواوين، واختصت بالأمصار العظيمة العمران" (4). وقد مارس مهنة الوراقة إلى جانب الوراقين المحترفين عدد كبير من العلماء والأدباء والمحدثين والمفسرين وعلماء اللغة. وقد قال السمعانى: الوَرّاق: بفتح الواو وتشديد الراء وفى آخرها القاف، هذا اسم لمن يكتب المصاحف وكتب الحديث وغيرها. وقد يقال لمن يبيع الورق- الكاغد- ببغداد: الوراق أيضاً (5). وقد ورد ذكر من تكسب من الوراقة حتى أن القاضى أبا عبيد على بن الحسين بن حرب البغدادى نَدم على ترك الوراقة بعد تكليفه بالقضاء فكان قول: لامالى وللقضاء، لو اقتصرت على الوراقة ما كان حظى بالرديء (6). وهناك من اشتكى من الوراقة لكساد سوقها وخلو ّطريقها، حتى أن أبا حيّان التوحيدى قال عنها: "حرفة الشُّؤم " رغم اعترافه بأن سوق الوراقة لم تكن ببغداد كاسدة. ولذلك نلاحظ أن الوراقة كحرفة لم تكن تُغْرى كثيرا من الناس، فلم يكن يُقْبل عليها إلا المشتغلون بالعلم أساتذة وطلابًا، لذلك اعتمد كثير من الفقهاء والُمحَدَِّثين على الوراقة فى كَسب عيشهم (7). وهناك من النساخ من زهد فى الوراقة فكان إذا حصل على قوته لا يتجاوزه. كشيخ الإسكندرية تاج الدين على بن أحمد الغراف. وهناك من كان يقول: "كتبت من كتب المتكلمين مالا يُحْصى ولعهدى بنفسى، وأنا أكتب فى اليوم والليلة مائة ورقة" (8). وهناك من اتخذ من مهنته وسيله لتفضيل شاعر على آخر كما فعل الموصلى الشاعر الذى قال عنه ياقوت: اشتغل بالوراقة فكان ينسخ ديوان شعر كِشَاجم وكان مغرى به، وكان يَدُسُّ فيما يكتبه منه أحسن شعر الخالدين ليزيد فى حجم ما ينسخه وينفُق سوقه ويُشَنَّع بذلك على الخالديين لعداوة كانت بينه وبينهم (9). وكان لكبار المؤلفين فى القرون الأولى للإسلام وَرَّاقون يتولَّون نسخ مؤلَّفاتهم وتوزيعها وهو ما يعادل مهمة الناشرين فى العصر الحديث. ويتولّون كذلك تحصيل مايريدونه من كتب وأجزاء وتجليدها. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - لسان العرب، لابن منظورمادة (ورق) 10/ 374طبعة دار صادر بيروت. 2 - دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى 10/ 773 طبعة المكتبة العلمية الجديدة بيروت. 3 - الكتاب العربى المخطوط وعلم المخطوطات، د. أيمن فؤاد سيد 1/ 147 الدار المصرية- اللبنانية. 4 - المقدمة لابن خلدون ص 974. 5 - الأنساب للسمعانى، تقديم وتعليق عبد الله البارودى. 5/ 584 طبعة مؤسسة الكتب الثقافية. 6 - الولاة والقضاة للكندى. 7 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 10/ 113 - 156 طبعة دار الكتب العلمية بيروت. 8 - الفهرست لابن النديم "ص 322". 9 - معجم البلدان ياقوت الحموى 11/ 184. طبعة دار صادر بيروت.

8 - الوصية

8 - الوَصيَّة لغة: تطلق بمعنى العهد إلى الغير فى القيام بفعل أمر، حال حياته أو بعد وفاته، يقال أوصيت له أو إليه: جعلته وصيا يقوم على أولاده من بعده، وهذا المعنى اشتهر فيه لفظ الوصاية. وتطلق أيضا على جعل المال للغير، يقال: وصيت بكذا أو أوصيت، أى جعلته له، والوصايا جمع وصية تعم الوصية بالمال والإيصاء أو الوصاية (1) واصطلاحا: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، وقد عرفها بعض الفقهاء بما هو أعم من ذلك فقال: هى الأمر بالتصرف بعد الموت، وبالتبرع بمال بعد الموت، فشمل الوصية لإنسان بتزويج بناته أو غسله، أو الصلاة عليه إماما (2) أما أدلة المشروعية: فهى الكتاب والسنة والإجماع والمعقول: أما الكتاب فقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} (البقرة 180). وأما السنة: فما روى ابن عمر أن رسول الله ? قال: "ماحق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " (3). وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء فى جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية. وأما المعقول: فهو حاجه الناس إلى الوصية زيادة فى القربات والحسنات وتداركا لما فرط به الإنسان فى حياته من أعمال الخير، وسبب المشروعية أو حكمتها: هو سبب كل التبرعات، وهو تحصيل ذكرى الخير فى الدنيا، ونوال الثواب فى الآخرة، وصلة للرحم والأقارب غير الوارثين، وسد خلة المحتاجين، وتخفيف الكرب عن الضعفاء والبؤساء والمساكين، وذلك بشرط التزام المعروف أو العدل، وتجنب الإضرار فى الوصية لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أودين غير مضار} (النساء 12) والعدل المطلوب: قصرها على مقدار ثلث التركة المحدد شرعا، أما عدم نفاذ الوصية لوارث إلا بإجازة الورثة الآخرين، فهو لمنع التباغض والتحاسد وقطيعة الرحم. والوصية أربعة أنواع بحسب صفة حكمها الشرعى: 1 - واجبة: كالوصية برد الودائع والديون المجهولة التى لا مستند لها. 2 - مستحبة: كالوصية للأقارب غير الوارثين ولجهات البر والخير والمحتاجين، ويسن لمن ترك مالا كثيرا بأن يجعل خمسه لفقير قريب. 3 - مباحة: كالوصية للأغنياء من الأجانب والأقارب، فهذه الوصية جائزة (4) 4 - وقد تكون حراما غير صحيحة اتفاقا، كالوصية بمعصية كبناء كنيسة أو ترميمها. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط 2/ 1038، المصباح المنير 2/ 662 2 - حاشية ابن عابدين 5/ 4 1 4 وما بعدها، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 4/ 422 مغنى المحتاج 3/ 38 وما بعدها، كشاف القناع 4/ 371 ومابعدها، المغنى لابن قدامة 8/ 389 وما بعدها. 3 ـ أخرجه البخارى فى كتاب الوصايا " باب الوصايا وقول النبى - صلى الله عليه وسلم - وصية الرجل مكتوبة عنده، فتح البارى بشرح صحيح البخارى 5/ 419 4 ـ حاشية ابن عابدين 5/ 415

9 - الوضوء

9 - الوضوء لغة: بضم الواو: هو اسم للفعل أى استعمال الماء فى أعضاء مخصوصة، مأخوذ من الوضاءة والحسن والنظافة. يقال: وضؤ الرجل أى صار وضيئا، وأما بفتح الواو فيطلق على الماء الذى يتوضأ به (1) وشرعا: نظافة مخصوصة (2) أو هو أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية (3) وهو غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس. وأوضح تعريف له هو: أنه استعمال ماء طهور فى الأعضاء الأربعة "السابقة" على صفة مخصوصة فى الشرع (4) وحكمه الأصلى للصلاة: هو الفرضية، لأنه شرط لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (المائدة 6) وبقوله ?: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) (5) وبإجماع الأمة على وجوبه. وفرض الوضوء بالمدينة، والحكمة من غسل هذه الأعضاء هو كثرة تعرضها للأقذار والغبار. والوضوء خمسه أنواع عند الحنفية (6) الأول: فرض: (أ) على المحدث إذا أراد القيام للصلاة فرضا كانت أو نفلا، كاملة، أو غير كاملة كصلاة الجنازة وسجدة التلاوة، للآية السابقة والحديث. (ب) ولأجل مس القرآن لقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} (الواقعة 79) الثانى: واجب للطواف حول الكعبة، وقال الجمهور غير الحنفية: إنه فرض لقوله ?: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله قد أحل فيه النطق فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير" (7). قال الحنفية: ولما لم يكن الطواف صلاة حقيقة لم تتوقف صحته على الطهارة فيجب بتركه دم فى الواجب، وبدنة فى الفرض للجنابة، وصدقة فى النفل بترك الوضوء. الثالث: مندوب فى أحوال كثيرة منها ما يأتى (8): (أ) التوضؤ لكل صلاة (ب) مس الكتب الشرعية من تفسير وحديث وفقه. (ج) للنوم على طهارة وعقب الاستيقاظ من النوم (د) قبل غسل الجنابة، وللجنب عند الأكل والشرب والنوم ومعاودة الوطء. (هـ) بعد ثورة الغضب. (و) لقراءة القرآن. (ز) للأذان والإقامة (ح) بعد ارتكاب خطيئة من غيبة وكذب ونميمة 0 (ط) بعد قهقهة خارج الصلاة. (ى بعد غسل ميت وحمله. (ك) إذا لمس امرأة للخروج من خلاف العلماء. الرابع مكروه: كإعادة الوضوء قبل أداء صلاة بالوضوء الأول. الخامس: حرام كالوضوء بماء مغصوب أو بماء يتيم. أ. د/ فرج السيد عنبر

_ المراجع 1 - المصباح المنير 2/ 663، مختار الصحاح ص 726، التعريفات للجرجانى ص 226 2 - مراقى الفلاح شرح نور الإيضاح ص 9 3 - مغنى المحتاج 1/ 47 4 - كشاف القناع 1/ 82 5 - أخرجه البخارى فى كتاب الوضوء "باب لا تقبل صلاة بغير طهور، فتح البارى بشرح صحيح البخارى 1/ 282 وما بعدها. 6 - مراقى الفلاح شرح نور الإيضاح ص 13 وما بعدها. 7 - أخرجه الترمذى فى كتاب الحج "باب ما جاء فى الكلام فى الطواف " سنن الترمذى3/ 293. 8 - مغنى المحتاج 1/ 63.

10 - وفاة الرسول

10 - وفاة الرسول الوفاة: الموت، فإذا أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قد جرى على النبى صلى الله عليه وسلم مايجرى على الناس فى قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر:30، وماذكر به أبو بكر رضى الله عنه المؤمنين الذين اشتد بهم الحزن بموت الرسول صلى الله عليه وسلم: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا فإن محمد قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حى لايموت. قال الله تعالى {ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن ماتا أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا وسيجزى الله الشاكرين} آل عمران:144، ومع هذه الحقيقة فإن الحزن الشديد قد أخذ بالناس كل مأخذ لحبهم الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى عبر فيه آنس رضى الله عنه بقوله: "لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء فيها كل شئ، ولما مات أظلم منها كل شىء" ولذلك وجدنا عمر رضى الله عنه مع قوته وشدته يكلم الناس قبل أبى بكر رضى الله عنه منكرا موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أن سمع تذكير أبى بكر بالقرآن جلس على الأرض لاتحمله قدماه، وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة (1). والسيدة فاطمة رضى الله عنها قالت وهو فى مرض الوفاة: واكرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كربا بعد اليوم (2) فقالت بعد الوفاة: يا ابتاه. أجابا ربا دعاه، يا أبتاه فى جنة الفردوس ماواه، ياأبتاه إلى جبريل ننعاه (3). وسبق موت النبى صلى الله عليه وسلم الاطمئنان على أمته بعد أن أكمل الله الدين، وأتم النعمة حيث كشف فى صلاة الفجر يوم وفاته ستر حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها ونظر إلى المسلمين وهم فى صفوف الصلاة ثم تبسم وضحك وكأنه يودعهم، وهم المسلمون أن يعبروا عن فرحتهم بخروجه، وتأخر أبو بكر رضى الله عنه حيث ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الخروج للصلاة فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر. وكان عندما حضره الموت مستندا إلى صدر أم المؤمنين عائشة، وكان يدخل يده فى إناء الماء كى يمسح وجهه ويقول: لآ إله إلا الله، إن للموت سكرات، وأخذته بحة وهو يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم} ويقول: "اللهم فى الرفيق الأعلى" فعرفت السيدة عائشة أنه يخير، وأنه يختار الرفيق الأعلى (4). ولحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وترك للناس ما إن تمسكوا به لن يضلوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه. أ. د/محمد رأفت سعيد

_ الهامش: 1 - فتح البارى 8/ 145. 2 - فتح البارى 8/ 149. 3 - المرجع السابق. 4 - سيرة ابن هشام 4/ 329، وفتح البارى 8/ 136. مراجع الاستزادة: 1 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر. 2 - السيرة النبوية الصحيحة د/أكرم ضياء العمرى. 3 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية

11 - الوفيات

11 - الوفيات اصطلاحا: يقصد بالوفيات الكتب التى أرّخت لوفيات العلماء والمشاهير والملوك وغيرهم فى كل عصر من العصور، مع ترجمة يسيرة أو طويلة، حسب الشخصية المترجم لها. وقد ذخر تراثنا الإسلامى بمؤلفات تحمل هذا الاسم، منها: 1 - كتاب "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" ومؤلفه هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان قاضى القضاة شمس الدين أبو العباس البرمكى الإربلى الشافعى، وقد ولد بإربل سنة 608 هـ وسمع بها صحيح البخارى، وروى عنه المزى والبرزالى والطبقة، وكان فاضلا بارعا متقنا عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، قدم الشام فى شبيبته، وقد تفقه بالموصل، ودخل مصر وسكنها مدة، وناب بها فى القضاء عن القاضى بدر الدين السنجارى، ثم قدم الشام على القضاء منفردا بالأمر. ويبين ابن خلكان سبب تأليفه للكتاب فيقول: هذا مختصر فى التاريخ، دعانى إلى جمعه أنى كنت مولعا بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولى النباغة، وتواريخ وفياتهم ومواليدهم، ومن جمع منهم كل عصر فوقع لى منهم شىء؛ حملنى على الاستزادة، وكثرة التتبع، فعمدت إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، وأخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده فى كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندى منه مسودات كثيرة فى سنين عديدة. أما عن منهجه فى الكتاب: (1) فقد رتبه على حروف المعجم بعد أن كان قد جمع على ترتيب السنين، والتزم فيه تقديم من كان أول اسمه همزة ثم من كان ثانى اسمه الهمزة، أو ما هو أقرب إليها على غيره، وذلك ليكون أسهل للتناول، وإن كان هذا يفضى إلى تأخير المتقدم، وتقديم المتأخر فى العصر، وإدخال ما ليس من الجنس بين المتجانسين. (ب) لم يذكر ابن خلكان أحدا من الصحابة أو التابعين رضى الله عنهم أو الخلّفاء، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم. (ج) ترجم لكل من له شهرة بين الناس، ويقع السؤال عنه، ولم يقتصر على طائفة مخصوصة، مثل العلماء، أو الملوك، أو الوزراء، أو الشعراء. (د) اعتمد فى ترجمته على الإيجاز وإثبات الوفاة والمولد قدر الإمكان، مع رفع نسبه، وذكر من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة. وقد انتهى ابن خلكان من ترتيبه سنه 645 هـ بالقاهرة. 2 - كتاب " فوات الوفيات والذيل عليها " ومؤلفه محمد بن شاكر الكتبى، وقد صدر الكتبى كتابه بمقدمة قصيرة بين فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب، فقال إنه قام بجمعه وترتيبه بعد أن اطلع على وفيات الأعيان لابن خلكان، فوجد أنه لم يذكر أحدا من الخلفاء، وأنه أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه وجماعة ممن تقدم على أوانه، فأحب أن يستدرك عليه ما فاته ويذيل على كتابه. وقد انتهى الكتبى من تأليفه لهذا الكتاب سنة 753هـ. وفى ذكر الكتبى هذه الغاية من تأليفه على هذا النحو شىء من المغالطة؛ لأن ابن خلكان قد صرح فى مقدمته أنه لا ينوى أن يترجم للخلفاء إلا من عرف سنة وفاته، ولم يكن إغفاله الكثيرين لذهوله عنهم، أو لأنه لم تقع له ترجمة لأحد منهم كما يقول الكتبى وإنما جرى ذلك خضوعا لمنهج محدد. 3 - كتاب "المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى، ومؤلفه أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى، وقد جمع فيه نحوا من ثلاثة آلاف ترجمة لمشاهير العلماء والأمراء والسلاطين الذين عاشوا فى مصر والشام فى عصر دولتى سلاطين المماليك الأولى والثانية، بالإضافة إلى من عاصرهم من مشاهير المشرق والمغرب من المسلمين وغيرهم. وقد استهل ترجمته بذكر سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك، مع ترجمة له ثم انتقل إلى ترتيب المعجم فبدأ بحرف الهمزة، وترجمته للذين ماتوا بين منتصف القرن السابع ومنتصف القرن التاسع تقريبا. وهو تكملة لكتاب "الوافى بالوفيات " لخليل بن أيبك الصفدى. ومثل هذه الكتب تفيد فى معرفة تواريخ الوفاة لكل من العلماء والمشاهير وغيرهم، فضلا عن الترجمة لهم؛ مما يتيح للباحثين مادة خصبة يمكنهم الرجوع إليها عند تناول شخصية من الشخصيات بالبحث والدرس. (هيئة التحرير)

_ المراجع 1 - وفيات الأعيان لابن خلكان. تحقيق د/ إحسان عباس- دار صادر بيروت.1/ 5 - 21 2 - فوات الوفيات للكتبى دار صادر- بيروت. 1/ 4 - 10 3 - المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى "لابن تغرى بردى" تحقيق د/ محمد محمد أمين.1/ 8 وما بعدما 4 - الوافى بالوفيات "لخليل بن أيبك الصفدى".

12 - الوقت عند الصوفية

12 - الوقت عند الصوفية لغة: وقت العمل جعل له وقتا يؤدى فيه. والوقت: مقدار من الزمان قدر لأمر ما، وجمعه أوقات (1). وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} النساء:103،أى مفروضات فى الأوقات (2). والله عز وجل هو الذى يخلق الوقت أو الزمان ويحدده. وكثيرا ما يتحدد بالليلة لارتباطه بالهلال أول الشهر. والوقت يحكم الإنسان، ولايحكم الله عز وجل (3). واصطلاحا: الوقت عند الصوفية عبارة عن العبد (4) فى زمان الحال (5) أى عندما يتصل وارد من الحق بقلبه، ويجعل سره مجتمعا فيه، بحيث لايذكر في كشفه الماضى ولا المستقبل (6) ويشير القاشانى (ت 735هـ) إلى أن ما حضر العبد في الحال: إن كان من تصريف الحق، فعلى العبد الرضا والاستسلام. وإن كان مما يتعلق بكسبه، فليلزم ما أهمه فيه بعيدا عن الماضى والمستقبل، فإن تدارك الماضى تضييع للوقت الحاضر. كذلك الفكر فيما يستقبل، فعساه ألا يبلغه، وقد فاته الوقت، ولهذا قال أهل التحقيق: "الصوفى ابن الوقت" أى إنه مشتغل بما هو أولى به في الحال. ويشير أبو على الدقاق إلى أن الوقت عند الصوفية ماكان هو الغالب: إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور، وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن. وقد يريدون بالوقت: ما يصادف الصوفى من تصريف الحق له دون ما يختاره لنفسه ويقولون: "فلان بحكم الوقت" أى إنه مستسلم لما يبدو له من الغيب، من غير اختيار له. وهذا فيما ليس لله تعالى عليه فيه أمر أو اقتضاء بحق الشرع؛ لأن التضييع لما أمربه، وإحالة الأمر فيه على التقدير، وترك المبالاة بما يحصل منه من التقصير: خروج عن روح الدين. ويشير الصوفية كذلك إلى أن "الوقت سيف" أى كما أن السيف قاطع، فالوقت غالب بما يمضيه الحق. وقيل: "السيف ليّن مسّه، قاطع حدّه" فمن لاينه سلم، ومن خاشنه اصطلم. كذلك الوقت بمفهوم الصوفية: من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه انتكس وتردّى، وأنشدوا: وكالسيف إن لاينته لان مسه * وحدّاه إن خاشنته خشنان فالصحبة مع السيف خطر: "إما ملك وإما هلك"، ولو حمله صاحبه ألف سنة فلن يفرق فى حال القطع بين رقبة صاحبه ورقبة غيره، لأن صفته القهر. وقيل أيضا: من ساعده الوقت فالوقت له وقت، ومن ناكده الوقت فعليه مقت. وسمع القشيرى أبا على الدقاق يقول: "الوقت مبرد يسحقك ولايمحقك": أى يأخذ من العبد، دون أن يمحوه بالكلية. وكان الدقاق ينشد: كل يوم يمر يأخذ بعضى * يورث القلب حسرة ثم يمضى وأنشد أيضا: كأهل النار إن نضجت جلود * أعيدت للشقاء لهم جلود وهو فى معنى: ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء ويرى القشيرى أن الكيس هو: من كان بحكم وقته: (أ) إن كان وقته الصحو، فقيامه بالشريعة. (ب) وإن كان وقته المحو، فالغالب عليه أحكام الحقيقة (8). ويرى علماء الصوفية، أن الخلق تتفاوت قدراتهم وأحوالهم فى مسألة "الوقت"، لكن الصوفية يصرحون بأنهم يعيشون فى الوقت سرورا مع الحق، فإذا انشغل الواحد منهم بالغد، أوقلب التفكير فى الأمس، حجب عن الوقت، والحجاب تشتت. ويقول أبو سعيد الخراز "لاتشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء، وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل. ولهم فى ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرض عليه فى ليلة المعراج زينة ملك الأرض والسماء، فلم ينظر إلى أى شىء؛ لقوله تعالى: {ما زاغ البصروماطغى} النجم:17، لأنه كان عزيزا، ولايشغل العزيز إلا بالعزيز، ولم يتجاوز ما أمر به. ويشير الهجويرى (ت 465هـ) إلى أن أوقاف الموحد وقتان: أحدهما فى حال الفقد، والثانى في حال الوجد، وفى كلا الوقتين يكون الموحد مقهورا؛ لأنه فى حال الوصل يكون وصله بالحق، وفى الفصل يكون فصله بالحق. ويحكى الجنيد أنه رأى درويشا فى البادية يجلس تحت شجرة ذات شوك، وظل هكذا منذ اثنتى عشرة سنة، لأنه كان يتوجع على وقت ضاع له فى ذلك المكان. فمضى الجنيد إلى الحج ودعا له فاستجيبت دعوته، ومع هذا أصر الدرويش على البقاء في نفس المكان الصعب حتى يموت ويخلط ترابه بتراب ذلك الموضع، ويرفع رأسه يوم القيامة من هذا التراب الذى صار محل أنسه وسروره (9). وقد اهتم الصوفية بالتفريق بين الوقت والحال: فالحال هو الذى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب، ومن شرطه أن يزول ويعقبه المثل؛ (10) فالحال وارد على الوقت، يزينه مثل الروح والجسد والوقت لامحالة يحتاج إلى الحال؛ لأن صفاء الوقت يكون بالحال، كذلك فإن الغفلة تجوزعلى صاحب الوقت، ولاتجوزعلى صاحب الحال (11). وأخيرا فإن الصوفية لديهم مايسمى الوقت الدائم" أو "الآن الدائم"، (12) وهم بهذا يشيرون إلى حقيقة الزمن بالنسبة لله عز وجل، حيث لاينقسم الزمن هناك، ولايتميز إلى ماض وحاضر ومستقبل. أ. د/عبداللطيف محمد العبد

_ الهامش: 1 - مجمع اللغة العربية المعجم الوجيز مادة "وقت" طبع وزارة التربية والتعليم بمصر. 2 - محمد بن أبى بكر الرازى مختار الصحاح 666هـ مادة (و-ق-ت) ط استانبول تركيا 1408هـ/1987م. 3 - الفتاوى الكبرى الشيخ محمد متولى الشعراوى حوار لأحمد زين، مكتبة التراث الإسلامى بالقاهرة 1407هـ/1987م ص80، 261، 601. 4 - التعريفات الجرجانى البابى الحلبى بالقاهرة 1357هـ/1938م ص227. 5 - رسالة فى اصطلاحات الصوفية (ضمن التعريفات للجرجانى) ابن عربى، ط البابى الحلبى بالقاهرة 1357هـ/1938م ص234. 6 - كشف المحجوب، الهجويرى دراسة وترجمة وتعليق دكتورة/إسعاد عبدالهادى قنديل المجلي الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة. 1395هـ/1975م. 7 - اصطلاحات الصوفية، القاشانى تحقيق وتعليق د/محمد كمال جعفرالهيئة المصرية العامة للكتاب بمصر 1981م ص53. 8 - الرسالة القشيرية القشيرى مكتبة صبيح بالقاهرة 1386هـ/1966م ص53. 9 - كشف المحجوب، الهجويرى 2 - 614. 10 - رسالة فى اصطلاحات الصوفية، ابن عربى ص234. 11 - كشف المحجوب 2 - 615. 12 - اصطلاحات الصوفية، القاشانى ص54 من تعليق د/كمال جعفر

13 - الوقف

13 - الوقف لغة: هو الحبس والمنع والجمع أوقاف والموقوف يسمى حبسا. قال الأزهرى (1): يقال حبست الأرض ووقفتها، وحبست أكثر استعمالا، قال أهل اللغة: يقال وقفت الأرض وغيرها أقفها وقفا. قال الجوهرى، وغيره (2): ويقال أوقفتها فى لغة ردية قال وليس فى الكلام (أوقفتها) إلا حرفا واحدا: أوقفت عن الأمر الذى كنت عليه. قال أبو عمرو: وكل شيء أمسكت عنه تقول فيه: أوقفت. قال الكسائى: يقال: ما أوقفك هنا؟ أى ما صيرك إلى الوقف؟. قال الشافعى رحمه الله: لم يحتبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا وإنما حبس أهل الإسلام، قال أصحابنا: (الوقف: تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره فى رقبته، يصرف فى جهة خير تقربا إلى الله تعالى). واصطلاحا: يقصد بالوقف (تحبيس الأصل وتسييل المنفعة) (3) وقد ذهب الفقهاء فى حكم العين الموقوفة ثلاثة مذاهب وعرف كل فريق منهم الوقف بناء على مذهبه وبيان ذلك أن الشافعية والصاحبين من الحنفية ذهبوا إلى أن العين الموقوفة تنتقل إلى ملك الله تعالى. بينما ذهب أبو حنيفة والمالكية إلى أن العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف. وذهب الحنابلة إلى أن العين الموصوفة تنتقل إلى ملك الموقوف عليه. ويقسم الفقهاء (4) الوقف إلى نوعين: وقف خيرى، ووقف ذرى أو أهلى ويقصد بالوقف الخيرى الوقف على جهة بر معروفة كالمساجد والمدارس والملاجئ والمستشفيات والمكتبات والحصون أو الفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك وإنما سمى ذلك النوع من الأوقاف خيريا لاقتصار نفعه على المجالات والأهداف الخيرية العامة. أما الوقف الذرى أو الأهلى فهو الذى يحدد استحقاق الريع للذرية أو النسل أو الأقارب أو الأولاد أو بعضهم. وينقسم الوقف باعتبار محله إلى وقف عقار أو منقول. وقد اختلف الفقهاء حول الأموال التى يجوز وقفها فذهب البعض منهم إلى صحته فى العقار والمنقول لقول الرسول ? "وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، فإنه احتبس درعه واعتده فى سبيل الله " (5) ويقول ابن قدامة " الذى يجوز وقفه: ما جاز الانتفاع به مع بقاء عينه، وكان أصلا يبقى بقاء متصلا كالعقار والسلاح والأثاث وأشباه ذلك " (6). ولا يجوز عند الفقهاء إخراج العين الموقوفة على جهة وقفها ببيعها إلا فى حالة خرابها ونضوب ريعها وأن يكون الثمن عدلا لا غبن فيه وأن يتم الاستبدال على يد من يوثق فيه وأن يكون المشترى عدلا ذا دين والمهم أن يستبدل بعين مثله لا نقودا، لكى لا يأكلها النظار. (7) وقد اعتبر الفقهاء الشرط المعقول للواقف كنص الشارع (8) حديث التبرع بالوقف متجدد مع الأجيال ويحقق أمنية وقربى من أشخاص. وبذلك فإن التحول من الوقف الفردى إلى الوقف المؤسسى يتطلب نموذجا جديدا لا يؤدى إلى عزل الإنفاق عن رغبات الواقفين حتى لا يضعف حافز التبرع للوقف نتيجة فقدان الرابطة بين غرض الوقف والواقف. (9) ويقترح بعض المحدثين تحويل العقارات إلى استثمارات فى شراء أسهم لشركات تزاول أنشطة حلالا وتخصيص دخل هذه الأسهم للمستفيدين من الوقف. ولا تحبس الأسهم إلا لشراء أسهم أخرى من نوع آخر وبذلك تكون إدارة الوقف مثل إدارة صندوق الاستثمار التبادلى (10). وقد اعترض البعض على هذا الاقتراح على أساس أنه يؤدى إلى تصفية الوقف بسد منافذ رغبات الواقفين ومصادرة أغراض الوقف المتنوعة. وحذر المجتهدون من تسييل رؤوس أموال المؤسسات الاجتماعية فى شكل نقدى أو أشباه النقود من أدوات كالدين وكالسندات نظرا لتعرضها لمخاطر الخسارة فى البورصات أو فى الاختلاسات وباعتبار أن أهداف الوقف اجتماعية وليست استثمارية. وللوقف آثار اقتصادية هامة تتمثل فى المساهمة فى محاربة الاكتناز وتوفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية وحماية رؤوس أموال المجتمع الإسلامى حيث يتميز الوقف الإسلامى بوجوب البقاء والاستثمار ودوام النفع للجيل الحالى وللأجيال القادمة معا. ويسهم الوقف فى توفير حد الكفاية لأكبر عدد ممكن من المواطنين من الفقراء والمساكين والمحتاجين مما يؤدى إلى تحقيق التكافل الاجتماعى وحماية المجتمع من الاضطرابات الاجتماعية وثيقة الصلة بانتشار الفقر وتدنى مستوى المعيشة. ويقدم الوقف دعما تكافليا للفئات التى قد تصيبها بعض النكبات أو الكوارث أو المهددة بعدم توفير كفايتها من الضروريات فيسهم فى تقديم الإعانات اللازمة لاستكمال حاجاتهم من السلع والخدمات وزيادة قدراتهم الإنتاجية فى نفس الوقت. ولا يخفى أن الوقف يسهم فى حماية المجتمع الإسلامى من التقلبات الاقتصادية عن طريق زيادة كفاءة رأس المال فى ظل انتظام حصول المنتفعين بالأوقاف والعاملين بها على دخولهم ومن ثم انتظام الطلب الاستهلاكى والاستثمارى على السواء واكتمال دورة النقود فى الاقتصاد القومى على نحو يمنع حدوث مخاطر الركود الاقتصادى وضمان حدوث الرواج مع التوازن. أ. د/ حمدى عبد العظيم

_ المراجع (1) تهذيب اللغة (4/ 342). (2) تحرير التنبيه- النووى. (3) معجم المصطلحات- نزيه حماد- المعهد العالمى للفكر الإسلامى/ القاهرة 1966 م. (4) الملكية العامة فى صدر الإسلام- الروبى- 57/ 58. (5) رواه البخارى ومسلم- الحلبى. (6) المغنى- ابن قدامة. (7) رد المحتار/ ابن عابدين. (8) رد المحتار/ ابن عابدين. (9) الوسائل الحديثة للتمويل والاستثمار- أنس الزرقا- البنك الإسلامى للتنمية معهد التدريب- ص 201. (10) المرجع السابق- ص 187. مراجع الاستزادة: (1) روضة الطالبين 5/ 342. (2) نهاية المحتاج 5/ 358. (3) كشاف القناع 4/ 203. (4) مصطلحات الفقه المالى- يوسف كمال طبعة المعهد العالى للفكر الإسلامى، القاهرة 1997 م. (5) أنيس الفقهاء للقونوى. (6) معجم لغة الفقهاء للقلعجى. (7) حلية الفقهاء لابن فارس. (8) مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد. (9) شرح حدود ابن عرفة- ص 411.

14 - الولاية

14 - الولاية لغة: بكسر الواو هى المحبة والنصرة كما فى قوله تعالى {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة 56) وتأتى بمعنى الخطة والإمارة والسلطان أو البلاد التى يتسلط عليها الوالى. وتطلق أيضا على القرابة فيقال " على ولاية واحدة " أى يد واحدة، أى مجتمعون على النصرة أو فى الخير والشر. وكان بين المهاجرين والأنصار فى مبدأ الهجرة إلى المدينة مؤاخاة وولاية وكانت هذه الولاية توجب التوارث فصارت الولاية فى معنى التوارث فى ذلك الحين وقد نسخ هذا. والولاية مصدر من ولى الشيء أو ولِّى عليه. وقيل بالفتح- أى فتح الواو- النصرة وبالكسرة أى تولى أمره. والولى- بسكون اللام- القرب والدنو. يقال: تباعد بعد ولي. والولِىّ: قيل بمعنى فاعل من وليه أى قام به ومنه قوله عز وجل {وكفى بالله وليا} (النساء 45). واصطلاحا: القدرة على مباشرة التصرف من غير توقف على إجازة أحد. وقيل إنها تنفيذ القول على الغير سواء شاء أم أبى. وهذا المعنى الاصطلاحى أقرب أن يكون مأخوذا من الولاية فى اللغة بمعنى الإمارة لأن الأمير يتصرف فى أحوال من تحت يده وينفذ أحكامه عليهم. والولاية: سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها. وسلطة الولاية لها قيود شرعية روعيت فيها صلاحية الولى ومصلحة المولى عليه فى نفسه وماله. وقد قسم فقهاء الحنفية الولاية ثلاثة أقسام: ولاية على النفس وولاية على المال وولاية على النفس والمال معا. والولاية على النفس هى: الإشراف على شئون القاصر الشخصية كالتزويج والتعليم والتطبيب والتشغيل وهى تثبت للأب والجد وسائر الأولياء. والولاية على المال هى: تدبير شئون القاصر المالية من استثمار وتصرف وحفظ وإنفاق وتثبت للأب والجد ووصيهما. ووصى القاضى. والولاية على النفس تنقسم إلى: ولاية إجبار، وولاية اختيار، وولاية حتم وإيجاب، وولاية ندب واستحباب. وأسباب الولاية ستة هى: الأبوة- الإيصاء - العصوبة- الملك- الكفالة- السلطنة. وتثبت الولاية للأقارب العصبات الأقرب فالأقرب لقول على - رضي الله عنه - (النكاح إلى العصبات) فتكون الولاية على الترتيب الآتى: البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة ثم المعتق ثم الإمام والحاكم، أى: الابن وابنه وإن نزل. الأب والجد العصبى الصحيح وإن علا. الأخ الشقيق والأخ لأب وأبناؤهما وإن نزلوا. . العم الشقيق والعم لأب وأبناؤهما وإن نزلوا. . ثم يأتى بعد هؤلاء المعتق ثم العصبة النَّسبية ثم السلطان ونائبه وهو القاضى. ويشترط فى الولى شروط، وهى: . كمال الأهلية: بالبلوغ والعقل والحرية فلا ولاية للصبى والمجنون والمعتوه (ضعيف العقل) والسكران، وكذا مختل النظر بهرم أو خبل (وهو فساد فى العقل) والرقيق لأنه لا ولاية لأحد من هؤلاء على نفسه لقصور إدراكه وعجزه فى غير الرقيق. . اتفاق دين الولى والمولى عليه: فلا ولاية لغير المسلم على المسلم ولا للمسلم على غير المسلم. . الذكورة: وهى شرط عند الجمهور غير الحنفية. . العدالة: وهى استقامة الدين بأداء الواجبات الدينية، والامتناع عن الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر. . الرشد: وهو عند الحنابلة معرفة الكفء ومصالح النكاح وليس حفظ المال، لأن الرشد فى كل مقام بحسبه. وعند الشافعية عدم التبذير فى المال. وتكون الولاية على الصغير والصغيرة، والمجنون الكبير والمجنونة الكبيرة، سواء أكانت الصغيرة بكرا أم ثيبا. فلا تثبت هذه الولاية على البالغ العاقل، ولا على العاقلة البالغة؛ لأن علة ولاية الإجبار عندهم هى الصغر وما فى معناه وهذه العلة متحققة فى الصغار والمجانين دون غيرهم. وترتفع الولاية بزوال أسبابها. يقول المولى عز وجل: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا) (النساء6) فبينت الآية الكريمة قواعد التصرف فى أموال المولى عليهم ووقت وشروط كيفية دفع أموالهم إليهم. أ. د/ سعاد صالح

_ المراجع 1 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية مادة أولى، دار المعارف، ط،3 القاهرة. 2 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (أولى) دار صادر بيروت. 3 - فقه السنة، السيد سابق. الفتح للإعلام العربى، ط3 القاهرة 1412 هـ 4 - الفقه على المذاهب الأربعة. 5 - كشاف القناع، للبهوتى

15 - ولي الأمر

15 - ولي الأمر لغة: الولى القريب والنصير والصاحب وهو خلاف العدو. يقول المولى عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} (الممتحنة 1) وقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} (الممتحنة 13). وقال تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة 71). عرفا: الولى: العارف بالله تعالى. قال سبحانه {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (يونس 62). الولى شرعا: فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به. ومن ذلك قوله تعالى {وكفى بالله وليا} (النساء 45). وولى المرء من يلى أمره ويقوم مقامه كولى الصبى والمجنون وكالوكيل. وولى المرء أيضا من يقوم بأمره بعد وفاته من ذوى قرابته، وهذه الولاية من أسباب التوارث. الولاية اصطلاحا: سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها. ولى الأمر اصطلاحا: الحاكم. قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء 59) وسلطة الولاية لها قيود شرعية، روعيت فيها صلاحية الولى للولاية، ومصلحة المولى عليه فى نفسه وماله. وقد أوجب الله سبحانه وتعالى طاعة ولى الأمر بشروطها فى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول ... } (النساء59) فأمر عز وجل بطاعته وطاعة رسوله ?، وأعاد الأمر إعلاما بأن طاعة الرسول ? تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به فى الكتاب أو لم يكن فيه؛ لأن النبى? أوتى الكتاب ومثله معه. ولم يأمر عز وجل بطاعة أولى الأمر استقلالا، بل جعل طاعتهم ضمن طاعة الرسول? إعلانا بأنهم يطاعون تبعا لطاعة الرسول ?، فمن أمر بخلاف ما جاء به الرسول ? فلا سمع له ولا طاعة، لما صح عن النبى ? من قوله "لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، رواه الترمذى وأبو داود. وقوله ?: "إنما الطاعة فى المعروف، رواه البخارى وقوله ? فى ولاة الأمور: " من أمركم منهم بمعصية فلا سمع له ولا طاعة،. رواه ابن ماجه. وقد اتفق على ذلك إجماع المسلمين بعد وفاة النبى? حيث خطب الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في المسلمين بعد مبايعته، وقال: " أطيعونى ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم،. وعن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت فيها القلوب وذرفت منها العيون فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه وأحمد والدارمى. وبناء على القاعدة الأصلية التى وضعها القرآن الكريم لطاعة أولى الأمر، وفصلها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فى سنته الشريفة، وعمل بها الخلفاء الراشدون المهديون يتوجه على ولى الأمر أن يقوم بكل ما فيه صلاح الأمة، ويتعين عليه أن يولى على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل، وقد حذر النبى? من مخالفة ذلك فى قوله: "من ولى من أمر المسلمين شيئا، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله " رواه الحاكم. وقد اتفق علماء المسلمين على أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور أو منازعتهم إلا أن يظهر منهم كفر بواح فيه من الله برهان. وذلك لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادا كبيرا وشرا عظيما. فيختل الأمن وتضيع الحقوق وتضطرب معايش الناس. وفى حالة ظهور الكفر البواح يجيز العلماء الخروج على الحاكم لإزالته، ووضع حاكم عادل رشيد يعمل بشرع الله إذا توافرت القدرة على ذلك. أما فى حالة عدم القدرة أو فى حالة خشية وقوع ضرر أكبر فلا يجوز الخروج على الحاكم بأى حال. ويجب السمع والطاعة فى المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعاء لهم بالخير، والاجتهاد فى تخفيف الشر وتكثير الخير وحفظ مصالح الأمة. والنبى ? يقول- كما روى ابن عباس رضى الله عنهما-: " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " رواه البخارى ومسلم وصدق رسول الله ?. أ. د/ سعاد صالح

_ المراجع 1 - أصول الدعوة عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، سنة 1987 م 2 - فقه السنة السيد سابق مكتبة دار التراث- القاهرة 3 - كتاب المجموع شرح المهذب للنووى، تحقيق محمد نجيب المطيعى. مكتبة المطيعى. 4 - صحيح البخارى لمحمد بن إسماعيل البخارى طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

16 - الوهابية

16 - الوهابية تنسب الوهابية إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على الذى ولد فى العيينة بمنطقة نجد بالجزيرة العربية (1115 هـ/703 1م). والمقصود بالوهابية مجموعة المبادئ التى جهر بها الشيخ، وتتلخص فى: 1 - التوحيد، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيحة. 2 - الجهاد فى سبيل ذلك، وجواز قتال مانعى الزكاة وتاركى الصلاة. 3 - ترك زيارة القبور؛ لأن الميت بعد الدفن أحوج إلى الدعاء، لا أن يدعى به. ويضاف إلى هذا منع اتخاذ التمائم، والتبرك بالشجر وا لحجر، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والاستعاذة بغير الله، والعبادة عند القبور. وهى أمور موافقة لمبادئ الإسلام، مؤكدة له، وغير جديدة. أما تجديد الدعوة آنذاك إلى التمسك بها فيعنى أن المجتمع الذى نشأ فيه الشيخ كان قد خرج عليها، أو أنه لم يعد متمسكا بها. وفى هذا يقول معاصروه الذين ترجموا له إن "دعوته " جاءت بعد أن قرأ العلم ورأى " كثرة جهل الناس بدين نبيهم ? "، وأنه رأى الناس فى العراق " مفتونين فى حب الدنيا، ورآهم فى العيينة مفتونين فى عبادة الأوثان. وعندما وصلت أنباء دعوته إلى المدينة المنورة قال أستاذه الشيخ محمد بن سليمان الكردى " إنه شاذ عن السواد الأعظم ". وكان أسلوبه في الدعوة يقوم على أخذ العهود والمواثيق على الناس لإقامة الدين. ويذهب بعض الدارسين إلى القول بأن الوهابية، تتشابه مع ما سبق أن نادى به ابن تيمية فى بلاد الشام قبل ذلك بأربعة قرون (الشيخ تقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرانى 1 66 - 728 هـ/ 263 1 - 328 1 م الذى قال: إن الشهادتين وحدهما لا تكفيان ما لم يلتزم قائلهما بالشرائع والواجبات، واعترض على المقامات والأنصاب، وعلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين. وقد أثارت آراء ابن تيمية قلقا فى نفوس العلماء والحكام فى مصر والشام والعراق تحت حكم المماليك وانتهى أمره بالسجن حتى وفاته. أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فلم يواجه حكومة مركزية شأن ابن تيمية، فالجزيرة العربية آنذاك كانت مجموعة من الإمارات المتناثرة ولا تخضع لسلطه مركزية. وكانت الإحساء والمناطق الشرقية من الجزيرة ميدانا مثاليا لنشر أفكاره، فأهل السنة فيها يشكلون أقلية، ويشكل الشيعة والخوارح أغلبية، فضلا عن الإباضية في عمان، والنجديون حنابلة، وبالتالى كان أولئك جميعا أقرب من غيرهم إلى آراء الشيخ. وأما أهل الحجاز فهم من الشوافع الذين يرون فى أنفسهم أكثر تفهما للدين وأقدر على تفسير أحكامه. ولقد واجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب مصاعب فى نشر أفكاره فى حريملاء التى كان بها عند وفاة والده، وفى العيينة التى اضطر أميرها عثمان بن معمر إلى إخراجه منها امتثالا لأمير الإحساء (سليمان بن محمد) الذى هدده بقطع الخراج عنه. وذهب لاجئا إلى الدرعية فى ضيافة الأمير محمد بن سعود، وسرعان ما تفاهما، إذ قال الأمير للشيخ " أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة ". وقال الشيخ للأمير "وأنا أبشرك بالعزة والتمكين ". وأصبحت الدرعية دار هجرة لأتباع الشيخ الذين هاجروا إليها. وقبل الشيخ بسلطة الأمير، واحتفظ لنفسه بمقام دينى، وأعطاه حق تقديم نصائح ملزمة للأمير الحاكم، حتى بدا أن سلطة الشيخ تعلو سلطة الأمير. وهكذا نشأ الإطار السياسى للوهابية. وقد أوفى آل سعود بالعهد لآل الشيخ ولم يتغير تقديرهم لهم على مر السنين إذ احتل آل الشيخ المراكز الرئيسية فى الإفتاء والتعليم فضلا عن رابطة النسب فيما بينهم. وقد كان الأمير عبد العزيز بن محمد آل سعود- الحاكم الثانى للدولة السعودية الأولى 1158 - 233 1 هـ- 745 1 - 8 81 1م، أقرب آل سعود إلى قلب الشيخ، وأكثرهم تمسكا بمبادئه وتقيدا بنصائحه، وهو الذى جعل للشيخ المقام الأول فى الدولة. وعلى هذا نشأ تلازم بين "الوهابية، و" السعودية"، وأصبح المصطلحان وجهين لعملة واحدة، فبفضل الوهابية أقام آل سعود دولتهم الأولى التى شملت جبال شمر (1790 م)، والإحساء (1791 م)، وساحل عمان وقطر والبحرين (799 1م)، والحجاز وعسير (802 1م)، وهددت المناطق الجنوبية فى بلاد الشام حتى حوران، والمناطق الجنوبية الشرقية من العراق. ومن هنا بدأ العالم خارج الجزيرة العربية يسمع عن "الوهابية"، وصار التدخل العثمانى أمرا محتوما فكان ما كان من حملة محمد على باشا والى مصر العثمانى التى حطمت الدرعية وأخرجت آل سعود من أغلب الحجاز (1811 - 1818م). ثم أعيدت دولة آل سعود مرة ثانية ثم مرة ثالثة على يد الملك عبد العزيز فى ثلاثينات القرن العشرين. ولما كانت "الوهابية " تمثل مرجعية لشرعية وجود آل سعود فى الحكم، فقد حافظوا عليها، واندفعوا بها، وحددوا علاقاتهم بالآخرين على أساسها حتى ولو اضطروا لاستخدام العنف فى سبيل إقرارها. وهو أمر صدم ضمير عامة المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم "حسنى الإسلام "، إذ حمل الوهابيون أكثر الأمور الدينية على ظاهرها، فبدا المذهب وكأنه حركة للاحتجاج والإثارة لا للهداية والتقويم. أ. د/ عاصم أحمد الدسوقى

_ المراجع 1 - ابن بشر (عثمان)، عنوان المجد فى تاريخ نجد، ط 1، القاهرة 1373 هـ. 2 - تاريخ بعض الحوادث الواقعة فى نجد لابن عيسى، إبراهيم بن صالح، 0 70 - 1300هـ - 1340 هـ/ 1918 م (والمنشور خاص بالقرن التاسع عشر). 3 - روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذ وى الإسلام، ابن غنام (حسين)، جزءان، القاهرة 1949 م. 4 ـ كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، مؤلف مجهول، حقق المخطوط ونشره د. عبد الله صالح العثيمين، دار الملك عبد العزيز، الرياض. 5 - لمع الشهاب فى سيرة محمد بن عبد الوهاب، مؤلف مجهول، نشره د. أحمد أبو حاكمة. بيروت 1967 م 6 - الدولة السعودية الأولى، عبد الرحيم عبد الرحمن، 5 174 - 1818 م، القاهرة 1969 م. 7 - عبد الله على القصيمي، الثورة الوهابية، القاهرة 936 1م. 8 - أثار الدعوة الوهابية فى الإصلاح الدينى والعمرانى فى جزيرة العرب، محمد حامد الفقى، القاهرة 1354 هـ. 9 - الوهابيون والحجاز، محمد رشيد رضا، القاهرة 1925 م.

الياء

1 - اليزيدية ذكر البغدادى أن اليزيدية هم أتباع يزيد ابن أبى أنيسة الخارجى (1)، وكان من البصرة ثم انتقل إلى جور من أرض فارس، وكان على رأس الإباضية من الخوارج، ثم إنه خرج عن قول جميع الأمة. (2) واختلف المؤرخون والباحثون حول نسبة هذه الفرقة إلى الإباضية، فمنهم من يرى صحة نسبها إليها (3). وأنه تفرَّق عن الإباضية أربع فرق: الحفصية، واليزيدية، والحارثية والعبادية (4) ويجدر بنا أن نشير إلى أن الإباضية من الخوارج لنتبين موقف الاتفاق أو الاختلاف مع آراء اليزيدية. فالإباضية: هم أتباع عبد الله بن إباض وهم أكثر الخوارج اعتدالا، وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيرا، فهم أبعدهم عن الشطط والغلو، ولذلك يقولون: لهم فقه جيد وفيهم علماء ممتازون. (5) وجملة آراء الإباضية تدور حول: 1 - أن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ولا مؤمنين ويسمونهم كفارا، ويقولون عنهم كفار نعمة، لا كفارا فى الاعتقاد، وذلك لأنهم لم يكفروا بالله، ولكنهم قصروا فى جنب الله. 2 - دماء مخالفيهم حرام، ودارهم دار توحيد وإسلام إلا معسكر السلطان، ولكنهم لا يعلنون ذلك، فهم يسرون فى أنفسهم أن دار مخالفيهم ودماءهم حرام. 3 - لا يحل من غنائم المسلمين الذين يحاربون إلا الخيل والسلاح، وكل ما فيه من قوة من الحروب ويردون الذهب والفضة. 4 - تجوز شهادة المخالفين ومناكحتهم والتوارث بينهم وبين الخوارج ثابت، ومن هذا كله يتبين اعتدالهم وإنصافهم لمخالفيهم. (6) أما اليزيدية فقد كانوا مغالين فى آرائهم إلى حد الشطط، والخروج عن صحيح الدين، ولم يلزموا أنفسهم بعقل أو نقل، فهم يزعمون أن الله عز وجل يبعث رسولا من العجم، وينزل عليه كتابا من السماء، وينسخ بشرعه شريعة محمد ?، وزعموا أن أتباع ذلك النبى المنتظر هم الصابئون فى القرآن. فأما المسمون بالصابئة من أهل واسط وحران فما هم الصابئون المذكورون فى القرآن. وكانوا مع هذه الضلالة يقولون بإسلام من شهد لمحمد ? بالنبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخل فى دينه وسماهم بذلك مؤمنين، وعلى هذا القول يجب أن يكون العيسوية والموشكانية من اليهود مؤمنين لأنهم أقروا بنبوة محمد ?، ولم يدخلوا فى دينه، وليس بجائز أن يعد فى فرق الإسلام من يعد اليهود من المسلمين، وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلام. (7) وبذلك نجد أن هذه الفرقة، قد فارقت ما نص عليه الدين، وأجمعت عليه الأمة من أن النبى محمدا? هو خاتم الأنبياء {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء 107)، ولم يكن ذلك هو التجاوز الوحيد بل تجاوزوا أيضا عندما قالوا بنسخ شريعة محمد ? {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة 3). بل اشتدوا فى الغلو والشطط عندما قالوا من شهد لمحمد ? بالنبوة من أهل الكتاب، وإن لم يدخلوا فى دينه ولم يعملوا بشريعته، وزعموا أنهم مع ذلك مؤمنون. والواقع أن آراء هذه الفرقة، لا تتصل بنسب سواء من قريب أو بعيد إلى فرقة الإباضية المعتدلة- إلى حد كبير- فى آرائها. (8) من أجل تلك التجاوزات والخروج عن صريح الدين تبرأ منهم الإباضية (9). ويبدو أن يزيد بن أبى أنيسة قد تأثر ببيئة فارس وتراثها، وهو بعد انتقاله من البصرة عاش فى جوار بمنطقة فارس فخرج عن قبول الأمة (10) وجاء بأفكار وشعوبية بغيضة يرفضها الإسلام مثل قولهم إن الله يبعث رسولا من العجم وغيره من الآراء التى أشرنا إليها آنفا، ولعل هذا ما دفع البغدادى صاحب الفَرْق بين الفِرَق إلى القول (وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلام؟). أ. د/ جمال رجب سيدبى

_ المراجع: (1) من رءوس الخوارج وقد يختلط بالمحدث الشهير زيد بن أبى أنيسة. وهو غيره (انظر البغدادى: الفرق بين الفرق) (2) الفَرق بين الفِرق البغدادى: ص 167. (3) كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوى: 1/ 113 (4) المرجع نفسه: نفس الصفحة (5) تاريخ المذاهب الإسلامية أبو زهرة. ص74. (6) السابق. (7) البغدادى الفرق بين الفرق: ص 168 (8) انظر: د. عامر النجار: فى مذاهب الإسلإميين دار المعارف ص104. (9) الأشعرى: مقالات الإسلاميين جزء أول ص184 (10) د. على الشابى: مباحث فى الكلام والفلسفة طبعة ثانية دار سلامة للطباعة والنشر والتوزيع ص 159.

2 - اليهودية

2 - اليهودية ينسب اليهود إلى يهوذا، أحد أولاد يعقوب الاثنى عشر (الأسباط فى القرآن الكريم) ويعقوب هو إسرائيل. ثم أصبحت كلمة يهودى تطلق على كل من يدين باليهودية. وكان يعقوب (إسرائيل) قد هاجر هو وعشيرته من أرض كنعان (فلسطين وما إليها) إلى مصر حوألى القرن 17 ق. م، وكان عددهم سبعين نفسا، تحت ضغط المجاعة والجفاف (سفر التكوين، إصحاح 46 فقرة 27) واستقبلهم يوسف أحد أبنائه وكان "وزيرا" لدى فرعون مصر، فأكرم وفادتهم، وأقاموا فى ناحية جاسان (وادى الطميلات بالشرقية) (التكوين، إصحاح 47 فقرة 11). وخلال ما يقرب من أربعة قرون من إقامتهم فى مصر انقسم بنو إسرائيل (يعقوب) إلى اثنتى عشرة قبيلة كل منها نسبة إلى واحد من الأسباط الاثنا عشر. وعندما بعث موسى برسالة التوحيد إلى بنى إسرائيل وفرعون مصر وقومه ق 14 - 13 قبل الميلاد تقريبا، آمن بها إسرائيل إلا قليلا منهم. وهنا نشأت الديانة اليهودية. وكان لابد من الصدام مع فرعون وقومه، فخرج بنو إسرائيل من مصر (البقرة 49،50)، (طه 77 - 88) (إصحاح 13 - 14 من سفرالخروج) حوالي 1280 ق. م فى عهد فرعون مصر رمسيس الثانى على ما يرجح. وبعد خروج اليهود من مصر الفرعونية إلى الصحراء (سيناء)، أغاروا بقيادة يوشع (خليفة موسى) على أرض كنعان، واستقروا بها. وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكة داود (أسسها عام 990 ق. م) إلى مملكتين: إسرائيل فى الشمال، ومملكة يهودا فى الجنوب (922 ق. م)، ونشبت بينهما حروب طويلة إلى أن دهمهم بختنصر ملك بابل حين أغار على فلسطين مرتين فى 596، 587 ق. م، وأخذ عددا كبيرا منهم إلي بابل، وظلوا هناك حوالى خمسين عاما تعرف فى تاريخ اليهود بالأسر البابلى. فلما تغلب كورش ملك الفرس على البابليين (538ق. م)، أطلق سراح الأسرى الذين عادوا إلى فلسطين ولكن دون دولة، إذ خضعوا للفرس، ومن بعدهم لخلفاء الإسكندر المقدونى (انطيوخوس)، ثم إلي الرومان. وفى تلك الأثناء ترك عدد منهم فلسطين إلى جهات مختلفة فى آسيا وأوربا. وفى عام 135م أخمد الرومان فى عهد الإمبراطور هدريان ثورة قام بها اليهود فى فلسطين هدم على أثرها هيكل سليمان، وأخرج اليهود من فلسطين وكان عددهم حوالى خمسين ألفا، وبدأت رحلة الشتات الكبير Diaspora. وقبل الشتات الكبير كان اليهود الذين غادروا فلسطين إلى أوروبا استوطنوا حوض نهر الراين الشمالى والأوسط، واجتهدوا فى نشر اليهودية بين الوثنيين هناك بين الجرمان والسلاف. وبعد الشتات انتشروا فى افاق كثيرة بين أجناس مختلفة فى فارس وتركستان والهند والصين عن طريق القوقاز، وفى العراق ومصر وبرقة وشمال إفريقية، وشبه جزيرة إيبريا (اسبانيا والبرتغال) والجزيرة العربية حتى اليمن، والحبشة، وفيما بعد فى أجزاء من إفريقيا السوداء. وقد أدى هذا إلى اعتناق عناصر وسلالات بشرية كثيرة لليهودية. وهذا التعدد العنصرى فى حد ذاته ينفى مقولة: إن اليهودية قومية، كما ينفى أيضا مقولة "معاداة السامية" التى يشهرها اليهود كلما وقعوا فى كارثة، لأن انتشار اليهودية على ذلك النحو أوجد أجيالا تدين باليهودية ولكن ليسوا من الساميين أصلا. وفى المجتمعات التى عاش فيها اليهود قبل الشتات الكبير وبعده، كانوا على هامش المجتمع بسبب اختلاف عقيدتهم عن الآخرين، ومن هنا كانوا دوما أقلية منعزلة ذاتيا تعيش فى مكان خاص (حارة-جيتو)، ولم يتبوأوا مراكز الحكم، فانصرفوا إلى النشاط الاقتصادى وسيطروا على أسواق المال والتجارة. ولما بدأ عصر الدولة القومية فى القرن التاسع عشر، بدأ يهود القارة الأوروبية التفكير فى وطن خاص يجمعهم وينقلهم من هامش المجتمعات التى يعيشون فيها ليصبحوا قوة مركزية، وهو الأمرالذى تم فى عام 1948 بعد تكوين المنظمة الصهيونية العالمية بمقتضى مؤتمر بازل فى 1897. ولليهود تسع وثلاثون سفرا من أسفارهم معتمدة يطلق عليه "العهد القديم" وهى أربعة أقسام: (1) التكوين ويختص بتاريخ العالم، (2) والخروج ويختص ببنى إسرائيل فى مصروخروجهم منها، (3) والتثنية ويختص بأحكام الشريعة اليهودية، وسفر اللاويين ويختص بشؤون العبادات، (4) وسفر العدد ويختص بإحصاء اليهود لقبائلهم وجيوشهم وأموالهم. أما القسم الثانى من العهد القديم فيتكون من اثنى عشر سفرا خاصة بتاريخ بنى إسرائيل بعد استيلائهم على أرض كنعان، والقسم الثالث من خمسة أسفار تختص بالأناشيد والعظات، والرابع من سبعة عشرسفرا كل منها يختص بتاريخ نبى من أنبيائهم بعد موسى. أما التلمود فهو مجموعة شروح للشرائع المنقولة شفاهة عن موسى وتلمودان: واحد تم تدوينه فى فلسطين، والثانى كتب فى بابل. وأنقسم اليهود إلى أكثرمن فرقة اختلفت فيما بينها حول الأخذ بأسفار العهد القديم والأحاديث الشفوية لموسى أوإنكار بعضها. وأهم هذه الفرق خمس فرق: الفريسيون (الربانيون)، الصدوقيون، والسامريون، والحسديون (المشفقون)، والقراءون (الكتابيون المتمسكون بالأسفار ويعرفون أيضا بالعنانيين نسبة إلى مؤسسها عنان بن داود). ولم يبق من هذه الفرق إلا الربانيون والقراءون وبينهما اختلافات شديدة حول الطقوس والشرائع والمعاملات. أما اليهود المعاصرون فينقسمون بين سفارديم وهم اليهود الشرقيون بما فيهم ذوى الأصول العربية والأسبان والبلقان، وأشكنازيم وهم اليهود الغربيون. أ. د/عاصم أحمد الدسوقى

_ مراجع الاستزادة: 1 - مقارنة الأديان (اليهودية) أحمد شلبى، القاهرة 1982م. 2 - اليهود انثروبولوجيا د/جمال حمدان، القاهرة 1967م. 3 - الفكر الدينى الإسرائيلى. حسن ظاظا، القاهرة 1971م. 4 - اليهودية واليهود، على عبد الواحد وافى، القاهرة 1981م. 5 - الاستعمار والمذاهب الاستعمارية محمد عوض محمد ط4 القاهرة 1957م

§1/1