موسوعة القواعد الفقهية

محمد صدقي آل بورنو

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البورنو أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستَاذ المشارك بجامِعَة الإمَام محَمّد بن سُعود الإسلامِيّة القِسْمُ الأوّل حَرف الهَمزة المجَلّد الأول

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإهداء

الإهداء إلى من أراد الله عز وجل بهم الخير ففقههم في دينه وجعلهم أمناء شرعه وحملة شريعته وورثة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. من علماء هذه الأمة الأخيار وفقهائها الأبرار الذين قعدوا قواعد الفقه وأرسوا أركانه وضبطوا حدود الشرع وأعلوا بنيانه فكانوا العلماء حقاً الفقهاء صدقاً. إليهم أهدي دعوة صادقة من قلب مخلص أن يغفر الله عز وجل لهم أخطاءَهم ويعفو عن زلاتهم وأن يورثهم بإخلاصهم لدينه وذبِّهم عن شرعه وعن سنة رسول - صلى الله عليه وسلم - أن يورثهم الفردوس الأعلى في جنات النعيم مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يلحقنا بهم غير ضالين ولا مضلين ولا فاتنين ولا مفتونين برحمته فهو سبحانه خير الراحمين وخير الغافرين.

التمهيد

التمهيد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله بشيراً ونذيراً وسراجاً منبراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله. من يطع الله ورسوله فقد فاز ورشد، ومن يعص الله ورسوله فقد خاب وخسر، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (¬1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (¬2). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬3) ¬

_ (¬1) الآية 1 من سورة النساء. (¬2) الآية 102 من سورة آل عمران. (¬3) الآيتان 70 - 71 من سورة الأحزاب.

أما بعد .. فإن علم القواعد الفقهية من أعظم علوم الشريعة وأهمها للفقيه والمفتي والقاضي والحاكم، إذ به تتدرب النفوس في مآخذ الظنون ومدارك الأحكام. فمن استوعب القواعد وأحاط بها فقد استوعب وأحاط بالفقه كله، وبالتالي فقد حصل على الخير كلِّه، و"من يُرد الله به خيراً يُفقهه في الدين (¬1) ". ومن جمع القواعد الفقهية فقد سلك لأحكام المسائل الفقهية - مهما اختلفت موضوعاتها وتباعدت مخارجها - أيسر سبيل وأقوم طريق. فهو علم عظيم النفع جليل الفائدة إذ هو علم الحلال والحرام. وقد اعتنى به العلماء قديماً وحديثاً، فلتعدد مذاهب الفقهاء، واختلاف طرقهم في الاستنباط، ولكثرة المسائل الفقهية وتنوعها وتشعبها فقد رأى العلماء المجتهدون والفقهاء المتمرسون أن الحاجة ماسّة لوضع قواعد كلية وأصول عامة تجمع تلك الفروع والمسائل الكثيرة المتفرقة حتى لا يتوه طالب الحكم بين أشتات الجزئيات وأحكام المسائل المختلفات، فقام عدد من أكابر فقهاء المذاهب الذين أحاطوا علماً بمناهج كبار الأئمة السابقين وأصولهم فتعرفوا علل الأحكام التي يستنبطها أولئك، واستقصوا أنواع الأحكام المتشابهة التي تجمع بين المسائل المختلفة، فجمعوا الشبيه إلى شبيهه وضموا النظير إلى نظيره، وضبطوا ما تشابه وتماثل برباط وضابط واحد هو القاعدة فتكونت بذلك القواعد الفقهية التي تجمع كل واحدة منها المسائل ¬

_ (¬1) إشارة للحديث الذي رواه أحمد في المسند جـ 3 صـ 94.

المتحدة في حكمها وتنظمها بسلك واحد. فكان هذا العمل الجليل العظيم أساساً سليماً وقياساً صحيحاً مستقيماً لاستنباط واستخراج علل الأحكام الفقهية. ولا أجد ما يمثل أهمية ومكانة القواعد الفقهية خير تمثيل، ويدل على عظمها وجلالة قدرها خير دلالة أفضل وأجزل من قول القرافي (¬1) رحمه الله تعالى، في مقدمة كتابه الفروق حيث قال: مبيناً مكانة القواعد الفقهية وأثرها في الفقه والفقهاء -: أما بعد .. فإن فروع الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفاً وعُلوّاً اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدها: المسمى بـ "أصول الفقه" وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين. والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمِه. لكل قاعدة من الفروع في ¬

_ (¬1) القرافي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي، من علماء المالكية، مصري المولد والنشأة والوفاة، له مصنفات عظيمة في الفقه والأصول، منها الفروق والأحكام والذخيرة، وشرح تنقيح الفصول، وغيرها كثير. مات سنة 684 هـ. الأعلام مختصراً وله ترجمة في الديباج المذهب صـ 62 - 67 وغيره.

[مكانة هذه القواعد]

الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل. [مكانة هذه القواعد] وهذه القواعد مهمة في الفقه، عطيمة النفع، بقدر الإحاطة بها يعظم قدرُ الفقيه ويَشْرُف، ويظهر رونق الفقه ويُعْرَف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرَّز القارح على الجذع (¬1)، وحاز قصب السبق مَن فيها برع. ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نَفْسُه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها. ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان. فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد (¬2). ¬

_ (¬1) القارح من الإبل ما أكمل خمس سنين والجذع ما قبل الثني ومن الإبل ما لم يكملها والمعنى غلب القوي الضعيف. (¬2) الفروق جـ 1 صـ 1 - 2.

صلتي بعلم القواعد الفقهية ودواعي تأليف هذة الموسوعة

صلتي بعلم القواعد الفقهية ودواعي تأليف هذة الموسوعة: تعود صلتي بهذا العلم الجليل إلى قريب من خمس عشرة سنة - أي سنة أربعمئة بعد الألف لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم - إذ اقترح قسم أصول الفقه في كلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تدريس هذ العلم لطلاب الكلية وأُسند إليَّ وضع منهج هذا العلم وتدريسه، وبهذا كانت كلية الشريعة هذه أسبق الكليات الشرعية لتقرير هذا العلم باعتباره مقرراً دراسيا لطلابها إذ أن ما سبقها من كليات الشريعة في العالم الإسلامي ما اعتنوا بهذا العلم ولم يقرروه على الطلاب إلا في بعض أقسام الدراسات العليا، مع أن إحدى مدارس مكة المكرمة وهي المدرسة الصولتية كان يدرس لطلابها القواعد التي صدَّر بها الإمام السيوطي كتابه الأشباه والنظائر ولكن ما عدا ذلك - بحسب علمي - كان هذا العلم مجهولاً عند كثير من طلاب العلم الشرعي لعدة قرون. ولكن حين أسند إليَّ وضع منهج لهذا العلم وتدريسه أخذت أبحث وأنقب عن المؤلفات في هذا العلم فلم أجد من كتبه مطبوعاً غير بضعة مؤلفات لأئمة من الفقهاء المتأخرين وكان أهم ما عثرت عليه كتاب تأسيس النظر للإمام الدبوسي مع أصول الإمام الكرخي، وكتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد للحافظ أبي الفرج ابن رجب الحنبلي المعروف باسم "قواعد الفقه الإسلامي" ثم كتاب الأشباه والنظائر للإمام السيوطي الشافعي، وكتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي،

وكتاب إيضاح المسالك للونشريسي المالكي - مطبوعاً على الآلة - وكتاب الفروق للقرافي، وعثرت أيضاً على شرح علي حيدر لمجلة الأحكام العدلية حيث صدِّرت المجلة بتسع وتسعين قاعدة فقهية، وما كتبه شيخي وأستاذي الجليل مصطفى بن أحمد الزرقا الحلبي في كتابه العظيم المدخل الفقهي العام في الباب الثالث منه حيث تحدث فيه عن القواعد الفقهية ونشأتها وتدوينها وذكر بعض ما أُلِّف فيها وذكر قواعد المجلة مع شرح موجز لها وأضاف إليها إحدى وثلاثين قاعدة أُخرى من قواعد المذهب الحنفي. وعثرت أيضاً على كتاب أبي سعيد الخادمي مجامع الحقائق وشرحه منافع الدقائق حيث ختمه بثلاثين ومائة قاعدة مرتبة ترتيباً أبجدياً. وكتاب الفرائد البهية للمفتي محمود حمزة، وكتاب غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر لأحمد بن محمد الحنفي الحموي، وشرح الخاتمة - أي خاتمة مجامع الحقائق، لسليمان القرق أغاجي، ومن المخطوطات: الأشباه والنظائر لابن السبكي، وتوفيق الإله حاشية على فن من الأشباه لسنبلي زاده، ومن خلال البحث المستمر والتنقيب الجاد في أمهات مصادر المؤلفين والمؤلفات اطلعت على أسماء أعداد كبيرة من الكتب التي اعتنت بهذا العلم تدويناً وشرحاً وتمثيلاً وتعليلاً وتأصيلاً، عدا ما انتثر من القواعد في ثنايا أبواب الفقه ومسائله. ولكن ما لفت نظري وشد انتباهي أن كل مَن ألف في القواعد الفقهية جمعاً لها أو شرحاً وتمثيلاً إنما اعتنى بها وألف فيها في نطاق مذهبه، فكان عمله منحصراً في قواعد المذهب وقلما يشار إلى قاعدة

أو حكم مسألة في مذهب أخر، ولم أجد كتاباً في القواعد مقارناً بين المذاهب مثل كتب الفقه المقارن غير كتاب تأسيس النظر للإمام الدبوسي، وقد استفدت من هذا الكتاب فائدة عظيمة جداً في شحذ همتى لإخراج موسوعة القواعد الفقهية الشاملة لكل القواعد في كل المذاهب ما اتفق منها وما اختلف. فأخذت على نفسي أن أسلك طريقاً غير ما سلكه أولئك المؤلفون وانهج نهجاً مغايراً لما نهجوه، فقمت أولاً بتأليف كتاب الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية،، ليكون بأيدي الطلاب الذين يدرسون هذا العلم في مختلف الكليات الشرعية في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها حيث أن كثيراً من كليات الشريعة في العالم العربي سارت على نهج كلية الشريعة في جامعة الإمام في تقرير هذا العلم وتدريسه لطلابها، واشتمل كتاب الوجيز على ثمانين ومائة قاعدة تقريباً كلية وفرعية وفي مقدمتها القواعد الست الكبرى وما تفرع عليها من قواعد مستخلصة من مختلف كتب القواعد من مختلف المذاهب وقمت بشرح هذه القواعد والاستدلال لكثير منها، وكان تمثيلي لفروعها غير منحصر في مذهب معين بل حاولت أن يكون الكتاب شاملاً لمسائل من مختلف المذاهب مع المقارنة بينها وبيان أوجه الخلاف في كثير من المسائل، وقد لاقى هذا الكتاب بحمد الله وتوفيقه إقبالاً ونهمة شديدين من المشتغلين بالفقه وطلاب العلم الشرعي وغيرهم وقد طبع ثلاث طبعات والرابعة في الطريق بإذن الله.

وكنت قدَّرت أن يكون هذا الكتاب بداية ومقدمة لتأليف حديث في القواعد الفقهية تتلوه كتب أخرى أشمل وأوسع، وبخاصة وفي خلال عقد واحد من الزمن حقق ونشر عدد كبير من أمهات كتب القواعد والأشباه والنظائر ومن أهمها: الأشباه والنظائر لابن الوكيل، والأشباه والنظائر لابن السبكي، وقواعد الحصني - مختصر قواعد العلائي. وقواعد ابن خطيب الدهشة - مختصر قواعد العلائي والأسنوي - وقواعد المقري، والإعتناء للبكري وغيرها كثير، كما ألف في القواعد الكلية الكبرى مؤلفات نال بها مؤلفوها درجات علمية كالماجستير والدكتوراه. ولكن مع هذا كله لم أجد كتاباً واحداً شاملاً لكل القواعد في كل المذاهب يلم شتاتها ويبرزها بصورة جلية واضحة، وحتى الكتب الخاصة بالقواعد أو بالأشباه والنظائر - كما أطلق على كثير منها، أو كتب الفروق - لم أجد كتاباً خالصاً للقواعد الفقهية بل إن المؤلفين لتلك الكتب - سواء من تقدم منهم ومن تأخر - مع ذكرهم واعتنائهم بكثير من قواعد الفقه - خلطوا مع القواعد الفقهية أحكاماً فقهية مختلفة بعناوين مختلفة، أو خلطوها بقواعد أصولية أو لغوية أو كلامية، من ذلك على سبيل المثال: المجموع المذهب للإمام العلائي، والأشباه والنظائر لابن الوكيل، ولابن السبكي وللسيوطي، ولابن نجيم وغيرهم. ولذلك عزمت مستعيناً بالله سبحانه وتعالى متوكلاً عليه واثقاً به أن أقوم بجمع شتات القواعد الفقهية من مختلف كتب القواعد وكتب

عملي في هذه الموسوعة والنهج الذي سرت عليه في إنجاز ما تم منها

الفقه العام وحيثما وجدت في مختلف المذاهب لأخرج منها موسوعة شاملة لكل القواعد الفقهية التي يمكنني العثور عليها، لتكون معلمة فقهية عظيمة النفع جليلة الفوائد وتسد في صرح الفقه الإسلامي ثلمة أرجو أن يكون قد آن لها أن تنسد، وتضع هذا العلم الجليل في الطريق الصحيح النافع المفيد، وليلمس طلاب العلم الشرعي وغيرهم ما في صرح الفقه الإسلامي من كنوز مخبوءة قد آن لها بإذن الله أن تظهر وتكشف ليعم النفع بها. عملي في هذه الموسوعة والنهج الذي سرت عليه في إنجاز ما تم منها: تأليف الموسوعات عمل شاق مجهد يعلم صعوبته ومشقته كل مَنْ عانى أو شارك في تأليف شيء منها. فالعمل الموسوعي يحتاج إلى جهود متضافرة، وعقول متعاونة، وهمم عالية، وأوقات متوافرة، وأزمان متطاولة، وعلماء شباباً منحوا القوة والجلد والصبر على البحث والتنقيب، وإمكانيات عظيمة، وأما أن يقوم بهذا العمل الضخم فرد واحد - مهما بلغ هذا الفرد من العلم والمعرفة والقوة والجلد والصبر والهمة العالية ومهما منح من سعة الوقت وفضل المُنُّة والصحة فهو عمل متعذر أو كالمتعذّر، فكيف إذا كان هذا الفرد طويلب علم، قصير الباع، ضيق العطن ضعيف المُنَّة، مشغول الأوقات، وفوق ذلك قد نيَّف على الستين! ولكني لما رأيت الهمم متقاصرة عن إنجاز مثل هذا العمل وخشيت إن طال انتظاري أن يضيع العمر ولم تقض نفسي من هذا

الشأن مناها، استعنت الله سبحانه وتعالى وتوكلت عليه وابتهلت إليه أن يمنحني القوة والعزم لأقوم - لا أقول بكل هذا العمل - ولكن لأقوم بالبدء فيه وفتح الطريق أمام العلماء والفقهاء وطلاب العلم ليكون لهم حافزاً وداعياً ليسيروا معي في طريق أقوم بتمهيده وتعبيده ليسلكوه معي ومِن بعدي على هدي منائر نصبتها، وصُوى أشعلتها، ومعالم حددتها، إن ساروا على هداها أرجو أن يتم العمل ويعلو البناء وتظهر الموسوعة كاملة يستفيد منها العلماء والفقهاء وطلاب العلم على مدى الأجيال القادمة، وإن أراد غيري أن ينصب لنفسه منائر أخرى ويشعل لسبيله صوى ومصابيح بديلة، ويحدد معالم جديدة، فليس لي أن أحَجِّر واسعاً، أو أضيق رحباً، ولكلّ وجهة، ولكن المهم أن يتم العمل وتنمو الشجرة وتنضج الثمرة لتكون قريبة المتناول دانية القطاف وأن يكون العمل مقصوداً به وجه الله سبحانه والدار الآخرة. أقول حينما عزمت على البدء في هذه الموسوعة وذلك منذ عشر سنوات تقريباً أخذت أستعرض كتب القواعد الفقهية، والأشباه والنظائر والفروق واستخرج ما فيها من قواعد أو ضوابط وأسجلها في سجل خاص ثم أخذت أستعرض بعض كتب الفقه العام وأستخرج منها كذلك ما أعثر عليه من قواعد وضوابط ترد في مقام تعليل الأحكام، ثم ميزت بين القواعد والصوابط حيث أردت أن تكون الموسوعة للقواعد الفقهية دون غيرها، ولا أقول إنني استعرضت كل كتاب في القواعد ولا كل كتاب في الفقه وإنما الذي استعرضته كان قُلاَّ من كثر وغيضاً من فيض ولكنه جهد المقل.

وقد وضعت نصب عيني مناهج عدة لأتخير المنهج الذي أعتقد أنه أنسب من غيره وأكثر جدوى وأعم فائدة، فنظرت في طرق التأليف في الموسوعات المختلفة وكيف سار فيها مؤلفوها، فرأيت منهم المقصر والمطول والمتوسط، منهم من يذكر المصطلح ثم يشرحه ويورد كل ما يتعلق به كما فعل مؤلفو موسوعة الفقه الإسلامي الصادر بعض أجزائها عن جمعية الدراسات الإسلامية القاهرة. ومنهم من يذكر المسألة أو المصطلح ويبين المعنى اللغوي والإصطلاحي ويذكر بعض الأحكام، كما فعل مؤلفو موسوعة الفقه الإسلامي - الكويت - مع عدم الإلتزام في كل الموسوعة بذلك، ومنهم من يكتفي بذكر المسألة ويشير إلى مراجعها ومصادرها فقط كما فعل سعدي أبو جيب في موسوعة الإجماع. ولكني رأيت أن أنهج نهجاً وسطاً لا هو بالقصير المخل ولا بالطويل الممل فسرت على الخطوات التالية. أولاً: رتبت القواعد ترتيباً أبجدياً بحسب الحرف الأول الذي تبدأ به القاعدة ثم ما بعده، وهي طريقة سار عليها بعض من ألف في القواعد وجمعها، وهي في نظري أسد طريقة في جمع القواعد وترتيبها، ورأيت أن أبدأ أولاً بتلك القواعد التي تبدأ بحرف الهمزة - فإذا أنهيتها تماماً أخذت فيما بعدها، وقد بلغت قواعد حرف الهمزة قريباً من سبعمئة قاعدة من مختلف المذاهب، ورأيت أن أخرجها أولاً حاملة اسم "القسم الأول" وأعطيت كل قاعدة منها رقماً مميزاً.

ثانياً: رأيت أن أُصدِّر الموسوعة بمقدمات توضح مبادئ علم القواعد ولتكون مدخلاً لهذا العلم ولهذه الموسوعة. ثالثاً: نظرت فرأيت أنني إن اكتفيت بسرد القواعد وذكرها مرتبة بإيراد نصوصها فقط تكون الفائدة منها قليلة جداً, لأن أكثر القواعد صيغت بأسلوب موجز - حيث يعتبر أكثرها من جوامع الكلم - ومع وجازة الأسلوب قد لا يفهم مضمون القاعدة إلا من تمرس بدراسة الفقه وعرف مصطلحات أهله، وقد يختلف المصطلح بين مذهب ومذهب، ولم تؤلف هذه الموسوعة للعلماء المتخصصين فقط، وإن كانت ألزم لهم من غيرهم. وقد سرت في بيان كل قاعدة تبعاً للخطوات التالية: أولاً: وضعت رقم كل قاعدة في أعلى الصفحة بخط كوفي معدل واضح. ثانياً: أذكر على يسار رقم كل قاعدة بخط أدق المصطلح الفقهي الذي تشير إليه القاعدة أو موضوع القاعدة. ثالثاً: أذكر لفظ أو ألفاظ ورود القاعدة، إن وردت القاعدة بصيغة واحدة أعطيها رقماً واحداً، وكذلك إذا تعددت صيغها دون اختلاف جوهري، وأما إن تعددت ألفاظ القاعدة وصيغها وكان بينها خلاف جوهري أو زيادة فائدة - إن كانت القاعدة مبتدأة بحرف الألف - الهمزة - أعطي كلاً منها رقماً خاصاً، وأما إن كانت إحداها مبتدأة بغير حرف الألف أشير إلى أنها ستردُ في حرفها ولا أعطيها رقماً.

رابعاً: أذكر معنى القاعدة ومدلولها. حيث أشرح كل قاعدة شرحاً موجزاً أبين فيه المعنى اللغوي لبعض ألفاظها ومضمون القاعدة وموضوعها والمعنى الاصطلاحي لما يرد فيها من مصطلحات فقهية. ولا أطيل في الشرح إلا إذا كان في القاعدة خلاف إلا قاعدة النية فقد أطلت الشرح لها مقصوداً. خامساً: أمثل لكل قاعدة بمثال أو أكثر يوضح مضمونها ويظهر الحكم الذي أشارت إليه القاعدة، وإذا وجد خلاف في حكم مسألة أذكر الخلاف باختصار. سادساً: رأيت خلال استخراج هذه القواعد ودراستها أن بعض المؤلفين في قواعد مذهب ما يشير إلى خلاف في القاعدة أو في بعض مسائلها عند مذهب آخر أو عند إمام من الأئمة فأخذت على عاتقي أن أتحقق من ذلك الخلاف ومدى صدق القول في ذلك وواقعيته من كتب صاحب المذهب المشار إلى خلافه، وقد رأيت أن كثيراً من مسائل الخلاف المنسوبة للمذاهب الأخرى غير صحيحة وينقصها دقة النظر أو صحة النقل لأن في المذهب المنسوبة إليه خلافها. فأشير إلى ذلك وأذكر الصواب من كتب المذهب ذاته. سابعاً: أذكر في الهوامش مظان وأماكن وجود كل قاعدة حيث أذكر اسم الكتاب والجزء والصفحة، ورقم القاعدة إن كان لها في مصدرها رقم خاص أو فقرة خاصة. ثامناً: قمت بترقيم الآيات الواردة في الموسوعة وعزوتها إلى سورها.

تاسعاً: قمت بتخريج كل حديث ورد في الموسوعة، سواء كان الحديث هو نص القاعدة أو ذكر ضمن شرح وبيان معنى القاعدة أو خلال التمثيل لها. عاشراً: ترجمت للأعلام الذين وردت أسمائهم بترجمات موجزة مشيراً إلى موضع الترجمة من كتب التراجم. حادي عشر: كتبت نص القاعدة بالخط النسخي الواضح، وما يشير إلى رقم القاعدة، وألفاظ ورودها، وبيان معناها، والتمثيل لها، بخط كوفي معدل واضح، وما عدا ذلك بخط النسخ العادي. ثاني عشر: قمت بعمل فهارس علمية شاملة: 1 - فهرس الآيات الكريمة حسب ورودها. 2 - فهرس الأحاديث الشريفة كذلك. 3 - فهرس القواعد بحسب ترتيبها في الكتاب. 4 - فهرس المصطلحات الفقهية مرتبة ترتيباً أبجدياً. 5 - فهرس الأعلام مرتبة أيضاً ترتيباً أبجدياً. 6 - فهرس المصادر والمراجع مرتبة أبجدياً مع ذكر المطبعة وسنة الطبع ورقم الطبعة عند الوجود. هذا جهدي فما كان فيه من حق وصواب فمن الله سبحانه وتعالى وبهدايته ودلالته، وما كان من خطأ فمنِّي ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه. المؤلف القصيم - بريدة فاتح المحرم من عام 1416

المقدمة الأولى: معنى القواعد الفقهية والتعريف بها

المقدمة الأولى: معنى القواعد الفقهية والتعريف بها 1 - المعنى اللغوي للقواعد: القواعد جمع قاعدة، ومعنى القاعدة: أصل الأُسّ، وأساس البناء والقواعد الإساس، وقواعد البيت إسَاسُه، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} (¬1) ومنه قوله تعالى: {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} (¬2). قال الزجّاج (¬3): القواعد أساطين البناء التي تعمده، وقواعد الهودج خشبات أربع معترضة في أسفله تُرّكّبُ عيدان الهودج فيها. قال أبو عُبيد (¬4): قواعد السحاب أصولها المعترضة في آفاق السماء، شُبهت بقواعد البناء (¬5). قال ابن الأثير (¬6): أراد بالقواعد ما اعترض منها وسفل تشبيهاً بقواعد البناء (¬7). قال ذلك في بيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل ¬

_ (¬1) الآية 127 من سورة البقرة. (¬2) الآية 26 من سورة النحل. (¬3) الزجاج إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج. نحوي ولد ببغداد سنة 241 وتوفي بها سنة 311. وفيات الأعيان جـ 1 صـ 49. مختصراً. (¬4) أبو عبيد القاسم بن سلّام البغدادي اللغوي الفقيه المحدِّث صاحب كتاب الأموال توفي سنة 224 هـ. تذكرة الحفاظ جـ2 صـ 417. مختصراً. (¬5) غريب الحديث جـ3 صـ 104، والمعجم الوسيط جـ 2 صـ 755. (¬6) ابن الأثير مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري. المحدث الأصولي من كتبه النهاية في غريب الحديث. توفي في إحدى قرى الموصل سنة 606 هـ الأعلام جـ 5 صـ 272. (¬7) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري جـ 4 صـ 87.

2 - المعنى الاصطلاحي للقاعدة

عن سحابة مرَّت فقال: كيف ترون قواعدها وبواسقها (¬1). وقالوا في المرأة التي قعدت عن الحيض والأزواج قاعد والجمع قواعد، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} (¬2). ومن معاني القاعدة في اللغة: الضابط وهو: الأمر الكلي ينطبق على جزئيات,, مثل قولهم: كل أذون ولود وكل صموخ بيوض,, (¬3) 2 - المعنى الاصطلاحي للقاعدة وأما معنى القاعدة في الاصطلاح الفقهي فقد اختلف الفقهاء في تعريفها بناء على اختلافهم في مفهومها هل هي قضية كلية أو قضية أغلبية؟. فمن نظر إلى أن القاعدة هي قضية كلية عرَّفها بما يدل على ذلك حيث قالوا في تعريفها: القاعدة هي: 1 - قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها (¬4). 2 - قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئياتها (¬5). 3 - حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته ليتعرف أحكامها منه (¬6). ¬

_ (¬1) الحديث ذكره في كنز العمال رقم 15247 جـ 6 صـ 147. (¬2) الآية 60 من سورة النور. (¬3) المعجم الوسيط جـ 2 صـ 555، ومعنى هذا الضابط: إن ما كان له أذن خارجية فهو يتكاثر عن طريق الولادة، وما كان له صماخ - أذن وسطى فقط - فهو يتكاثر عن طريق البيض كالطيور والسمك. (¬4) تعريفات الجرجاني علي بن محمَّد الشريف الجرجاني صـ 177. (¬5) المحلِّى على جمع الجوامع جـ 1 صـ 21 - 22. (¬6) التلويح على التوضيح للتفتازاني جـ 1 صـ 37 ط مكتب صنايع 1310 هـ

4 - حكم كلي ينطبق على جميع حزئياته ليتعرف به أحكام الجزئيات والتي تندرج تحتها من الحكم الكلي (¬1). 5 - الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه (¬2). 6 - أمر كلي منطبق على جزئيات موضوعه (¬3). 7 - عبارة عن صور كلية تنطبق كل واحدة منها على جزئياتها التي تحتها (¬4). 8 - هي القضايا الكلية التي تعرف بالنظر فيها قضايا جزئية (¬5). 9 - قضية كلية يتعرف منها أحكام الجزئيات المندرجة تحت موضوعها (¬6). 10 - أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها (¬7). 11 - أصول ومبادئ كلية تصاغ في نصوص موجزة تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها (¬8). ¬

_ (¬1) منافع الدقائق شرح مجامع الحقائق للخادمي أبي سعيد صـ 305. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 16. (¬3) كشاف القناع للبهوتي جـ 1 صـ 16 (¬4) شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي جـ 1 صـ 44. (¬5) شرح مختصر الروضة للطوفي سليمان بن عبد القوي الحنبلي جـ 1 صـ 120. (¬6) تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور محمد أنيس عبادة جـ 1 صـ 107. (¬7) المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى أحمد الزرقا فقرة 556. (¬8) المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي للأستاذ محمد مصطفى شلبي صـ 324.

وهذه التعريفات كلها متقاربة تؤدي معنى متحداً وإن اختلفت عباراتها حيث تفيد حميعها أن القاعدة هي حكم أو أمر كلي أو قضية كلية تفهم منها أحكام الجزئيات التي تندرج تحت موضوعها وتنطبق عليها. ومن نظر إلى أن القاعدة الفقهية قضية أغلبية نظراً لما يستثنى منها عرَّفها بأنها "حكم أكثري لا كلِّي - ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه (¬1) ". وقال في تهذيب الفروق: ومن المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية (¬2). والقول إن أكثر قواعد الفقه أغلبية مبني على وجود مسائل مستثناة من تلك القواعد تخالف أحكامها حكم القاعدة، ولذلك قيل: حينما ارجع المحققون المسائل الفقهية عن طريق الاستقراء إلى قواعد كلية كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة، واتخذوها أدلة لإثبات أحكام تلك المسائل رأوا أن بعض فروع تلك القواعد يعارضه أثر أو ضرورة أو قيد أو علة مؤثرة تخرجها عن الاطراد فتكون مستثناة من تلك القاعدة ومعدولاً بها عن سنن القياس فحكموا عليها بالأغلبية لا بالاطراد. فمثال الاستثناء بالأثر جواز السلم والإجارة في بيع المعدوم الذي الأصل فيه عدم جوازه، ومثال الاستثناء بالإجماع عقد الاستصناع. ومثال الاستثناء بالضرورة طهارة الحياض والآبار في الفلوات مع ما تلقيه الريح فيها من البعر والروث وغيره (¬3). ولكن العلماء مع ذلك قالوا: إن هذا - أي الاستثناء وعدم الاطراد - ¬

_ (¬1) غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر للحموي ص 22، ج 1 ص 51 ط جديدة. (¬2) تهذيب الفروق جـ 1 صـ 36 حاشية الفروق. (¬3) مجلة الأحكام العدلية شرح الأتاسي جـ 1 صـ 11 - 12 بتصرف وتوضيح.

لا ينقض كلية تلك القواعد ولا يقدح في عمومها للأسباب الآتية: أولاً: لما كان مقصد الشارع ضبط الخلق إلى القواعد العامة - وكانت القواعد التي قد جرت بها سنة الله أكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع - كان من الأمر الملتفت إليه إجراء القواعد على العموم العادي لا على العموم الكلي العام الذي لا يتخلف عنه جزئي ما. ويقول الشاطبي (¬1): في موافقاته تأييداً لهذا: إن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كلياً، وأيضاً فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي. ثانياً: إن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت، وهذا شأن الكليات الاستقرائية - وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحاً في الكليات العقلية. فالكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات (¬2). كما يقال كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ. وهذه قاعدة كلية استقرائية خرج عنها: التمساح. حيث يقال: إنه يحرك فكه الأعلى حين المضغ فخروج االتمساح عن القاعدة لا يخرجها عن كونها كلية. فكأنه قيل: كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ إلا التمساح. فالعموم العادي المبني على الاستقراء لا يوجب عدم التخلف بل ¬

_ (¬1) الشاطبي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفي سنة 790 هـ الأعلام جـ 1 صـ 75 مختصراً. (¬2) الموافقات للشاطبي جـ 2 صـ 52 - 53 بتصرف.

الذي يوجب عدم التخلف إنما هو العموم العقلي لأن العقليات طريقها البحث والنظر، وأما الشرعيات فطريقها الاستقراء ولا ينقضه تخلف بعض الجزئيات. ثالثاً: ومن ناحية أخرى فإن تخلف مسألة ما عن حكم قاعدة ما يلزم منه اندراج هذه المسأله تحت حكم قاعدة أخرى، فالمسألة المُخرَّجة تندرج ظاهراً تحت حكم قاعدة، ولكنها في الحقيقة مندرجة تحت حكم قاعدة أخرى وهذا من باب تنازع المسألة بين قاعدتين. فليس إذاً استثناء جزئية من قاعدة ما بقادح في كلية هذه القاعدة ولا بمخرج لتلك الجزئية عن الاندراج تحت قاعدة أخرى.

المقدمة الثانية: الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية

المقدمة الثانية: الفروق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية علم الفقه وعلم أصول الفقه علمان مرتبطان بارتباط وثيق بحيث يكاد في المرء يجزم بالوحدة بينهما، وكيف لا يكون ذلك وأحدهما أصل والآخر فرع لذلك الأصل، كأصل الشجرة وفرعها، فالأصولي ينبغي أن يكون فقيهاً، والفقيه ينبغي أن يكون أصولياً وإلا كيف يمكنه استنباط الحكم من الدليل؟ وكيف يكون مجتهداً من لم يتبحر في علم الأصول؟. ومع ذلك يمكن أن يقال: إنهما علمان متمايزان فأحدهما مستقل عن الآخر من حيث موضوعه واستمداده وثمرته والغاية من دراسته. وبالتالي فإن قواعد كل علم منهما تتميز عن قواعد الآخر تبعاً لتمايز موضوعي العلمين: فموضوع علم أصول الفقه هو أدلة الفقه الإجمالية والأحكام وما يعرض لكل منها، وأما موضوع علم الفقه فهو أفعال المكلفين وما يستحقه كل فعل من حكم شرعي عملي. وبالتالي فإن قواعد علم أصول الفقه تفترق وتتميز عن قواعد علم الفقه. وإن من أول من فرَّق بين قواعد هذين العلمين وميَّز بينهما الإمام شهاب الدين القرافي (¬1) في مقدمة كتابه - الفروق - حيث قال: أما بعد فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله منارها شرفاً وعلواً اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض ¬

_ (¬1) الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي الشهير بالقرافي من علماء المالكية. ولد ونشأ وتوفي بالقاهرة كان بارعاً في كثير من العلوم والفنون، له كتاب الفروق والإحكام والذخيرة وغيرها توفي سنة 684 هـ. الأعلام جـ 1 صـ 94 - 95 مختصراً.

لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو: الأمر للوحوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين. والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمِه، لكل قاعدة عن الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل، وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع - .. إلخ ما قال (¬1). وقال في موضع آخر: إن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جداً عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلاً (¬2). وإذا دققنا النظر في قواعد الأصول وقواعد الفقه لرأينا أن فروقاً عدة تميز بينهما منها: 1 - أن قواعد الأصول إنما تتعلق بالألفاظ ودلالاتها على الأحكام في غالب أحوالها، وأما قواعد الفقه فتتعلق بالأحكام ذاتها. 2 - أن قواعد الأصول إنما وضعت لتضبط للمجتهد طرق الاستنباط واستدلاله وترسم للفقيه مناهج البحث والنظر في استخراج الأحكام الكلية من الأدلة الإجمالية، وأما قواعد الفقه فإنما تراد لتربط المسائل المختلفة الأبواب برباط متحد وحكم واحد هو الحكم الذي سيقت القاعدة لأجله. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 صـ 2 - 3. (¬2) نفس المرجع جـ 2 صـ 110 وتهذيب الفروق جـ 2 ص 124.

3 - إن قواعد الأصول إنما تبنى عليها الأحكام الإجمالية وعن طريقها يستنبط الفقيه أحكام المسائل الجزئية من الأدلة التفصيلية. وأما قواعد الفقه فإنما تعلل بها أحكام الحوادث المتشابهة وقد تكون أصلاً لها. 4 - إن قواعد الأصول محصورة في أبواب الأصول ومواضعه ومسائله، وأما قواعد الفقه فهي ليست محصورة أو محدودة العدد بل هي كثيرة جداً منثورة في كتب الفقه العام والفتوى عند جميع المذاهب ولم تجمع للآن في إطار واحد، وكان هذا هو الدافع لتأليف هذه الموسوعة التي أرجو الله سبحانه أن يعينني على إتمامها بمنَّه وكرمه. 5 - إن قواعد الأصول إذا اتفق على مضمونها لا يستثني منها شيء فهي قواعد كلية مطردة - كقواعد العربية - بلا خلاف. وأما قواعد الفقه فهي مع الاتفاق على مضمون كثير منها يستثنى من كل منها مسائل تخالف حكم القاعدة بسبب من الأسباب كالاستثناء بالنص أو الإجماع أو الضرورة أو غير ذلك من أسباب الاستثناء ولذلك يطلق عليها كثيرون بأنها قواعد أغلبية أكثرية لا كليَّة مطردة. ومع وضوح الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية فقد نجد قواعد مشتركة بين العلمين ولكن تختلف فيهما زاوية النظر، حيث إن القاعدة الأصولية ينظر إليها من حيث كونها دليلاً إجمالياً يستنبط منه حُكم كلي، والقاعدة الفقهية ينظر إليها من حيث كونها حكماً جزئياً لفعل من أفعال المكلفين.

فمثلا قاعدة: "الاجتهاد لا ينقض بمثله أو بالاجتهاد". ينظر إليها الأصولي من حيث كونها دليلاً يعتمد عليه في بيان عدم جواز نقض أحكام القضاة وفتاوى المفتين إذا تعلقت بها الأحكام على سبيل العموم والإجمال. وينظر إليها الفقيه من حيث تعليل فعل من أفعال المكلفين فيبين حكمه من خلالها، فإذا حكم حاكم أو قاض بنقض حكم في مسألة مجتهد فيها كالخلع هل هو فسخ للعقد أو طلاق، وقد كان حكم حاكم في مسألة بعينها بأن الخلع طلاق فيقال له: لا يجوز ذلك لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله،. ولكن لك في مسألة أخرى مشابهة أن تحكم فيها باجتهادك لا أن تنقض حكمك أو حكم غيرك في مسألة اجتهادية لا نصِّية.

المقدمة الثالثة: ميزة القواعد الفقهية ومكانتها في الشريعة وفوائد دراستها

المقدمة الثالثة: ميزة القواعد الفقهية ومكانتها في الشريعة وفوائد دراستها قال القرافي: إن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جداً عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلاً (¬1). هذه المقولة الصادقة من عالم مدقق فاحص تعطينا ميزات عظيمة من ميزات القواعد الفقهية وهي كونها قواعد كثيرة جداً غير محصورة بعدد، وهي منثورة في كتب الفقه العام والفتاوى والأحكام، وهو رحمه الله قد أراد من تأليف كتابة الفروق سمع هذه القواعد في كتاب واحد يجمع شتاتها ويكشف أسرارها وحكمها، ولكنه - رحمه الله - ما استوعب ولا قارب. والميزة الثانية من ميزات القواعد أنها تمتاز بإيجاز عبارتها مع عموم معناها وسعة استيعابها للمسائل الجزئية إذ تصاغ القاعدة في جملة مفيدة مكونة من كلمتين أو بضع كلمات من ألفاظ العموم، مثل قاعدة "العادة محكمة" وقاعدة: "الأعمال بالنيات" أو "الأمور بمقاصدها" وقاعدة: "المشقة تجلب التيسير" فكلٌّ من هذه القواعد تعتبر من جوامع الكلم إذ يندرج تحت كل منها ما لا يحصى من المسائل الفقهية المختلفة. والميزة الثالثة من ميزات القواعد أنها تمتاز بأن كلاًّ منها ضابط يضبط فروع الأحكام العملية ويربط بينها برابطة تجمعها وإن اختلفت ¬

_ (¬1) الفروق للقرافي ج 2 صـ 115 وتهذيب الفروق ج 2 صـ 124 على هامش الفروق.

موضوعاتها وأبوابها، قال الأستاذ مصطفى الزرقا مد الله في عمره في الخير: لولا هذه القواعد لبقيت الأحكام الفقهية فروعاً مشتتة قد تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بها وتبرز من خلالها العلل الجامعة (¬1). وأما فوائد القواعد الفقهية فهي كثيرة جداً نكتفي بذكر بعضٍ منها: أولاً: ذكرنا أن من ميزات القواعد الفقهية أنها تضبط الفروع الفقهية وتجمع شتاتها تحت ضابط واحد مهما اختلفت موضوعاتها إذا اتحد حكمها. فهي بذلك تيسر على الفقهاء والمفتين ضبط الفقه بأحكامه فهو كما قال القرافي: "من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات". لأن حفظ جزئيات الفقه وفروعه يستحيل أن يقدر عليه إنسان، لكن حفظ القواعد مهما كثرت يدخل تحت الإمكان. ثانياً: إن دراسة القواعد الفقهية تكوِّن عند الباحث ملكة فقهية قوية تُنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسعة والمتعددة ومعرفة الأحكام الشرعية واستنباط الحلول للوقائع المتجددة والمسائل المتكررة. ثالثاً: إن دراسة هذه القواعد الفقهية والالمام بها واستيعابها يعين القضاة والمفتين والحكام عند البحث عن حلول للمسائل المعروضة والنوازل الطارئة بأيسر سبيل وأقرب طريق. ولذلك قال بعضهم: إن حكم دراسة القواعد الفقهية والإلمام بها على القضاة والمفتين فرض عين وعلى غيرهم فرض كفاية. ¬

_ (¬1) المدخل الفقهي العام للأستاذ الزرقا فقرة 559 بتصرف.

رابعاً: لما كانت القواعد الفقهية في أكثرها موضع اتفاق بين الأئمة المجتهدين ومواضع الخلاف فيها قليلة فإن دراسة القواعد والإلمام بها تربي عند الباحث ملكة المقارنة بين المذاهب المختلفة وتوضح له وجهاً من وجوه الاختلاف وأسبابه بين المذاهب. خامساً: إن دراسة القواعد الفقهية وإبرازها تظهر مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام، ومراعاته للحقوق والواجبات، وتسهل على غير المختصين بالفقه الاطلاع على محاسن هذا الدين، وتبطل دعوى من ينتقصون الفقه الإسلامي ويتهمونه بأنه إنما يشتمل على حلول جزئية وليس قواعد كلية.

المقدمة الرابعة: أنواع القواعد الفقهية ومراتبها

المقدمة الرابعة: أنواع القواعد الفقهية ومراتبها القواعد الفقهية ليست نوعاً واحداً ولا كلها في مرتبة واحدة، وإنما هي أنواع ومراتب، ويرجع هذا التنوع إلى سببين رئيسيين: الأول: من حيث شمول القاعدة وسعة استيعابها للفروع والمسائل الفقهية، الثاني: من حيث الاتفاق على مضمون القاعدة أو الاختلاف فيه. فمن حيث الشمول والسعة تنقسم القواعد الفقهية إلى ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: القواعد الكلية الكبرى ذوات الشمول العام والسعة العظيمة للفروع والمسائل حيث يندرج تحت كلِّ منها جُلُّ أبواب الفقه ومسائله وأفعال المكلفين إن لم يكن كلها. وهذه القواعد ست هي: 1 - قاعدة "إنما الأعمال بالنيات" أو "الأمور بمقاصدها". 2 - قاعدة "اليقين لا يزول - أو لا يرتفع - بالشك". 3 - قاعدة: "المشقة تجلب التيسير". 4 - قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار" أو "الضرر يزال". 5 - قاعدة: "العادة محكَّمة". 6 - قاعدة: "إعمال الكلام أولى من إهماله". المرتبة الثانية: قواعد أضيق مجالاً من سابقاتها - وإن كانت ذوات شمول وسعة - حيث يندرج تحت كل منها أعداد لا تحصى من مسائل الفقه في الأبواب

المختلفة، وهي قسمان: أ- قسم يندرج تحت القواعد الكبرى ويتفرع عليها، وب- قسم آخر لا يندرج تحت أي منها. فمثال القسم الأول: "قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات" هي تتفرع على قاعدة "المشقة تجلب التيسير". وقاعدة "لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الأزمان". وهي مندرجة تحت قاعدة "العادة محكَّمة". ومثال القسم الثاني: قاعدة: "الاجتهاد لا ينقض بالإجتهاد - أو بمثله". وقاعدة: "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة". المرتبة الثالثة: القواعد ذوات المجال الضيق التي لا عموم فيها حيث تختص بباب أو جزء باب. وهذه التي تسمي بالضوابط جمع ضابط أو ضابطة. وفي هذا يقول الإمام عبد الوهاب ابن السبكي رحمه الله فالقاعدة: "الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها". ومنها ما لا يختص بباب كقولنا: "اليقين لا يرفع الشك" ومنها ما يختص كقولنا: "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور". والغالب فيما قصد بباب وقُصد به نظم صور متشابهة أن يسمى "ضابطاً (¬1) ". وأما من حيث الاتفاق على مضمون القاعدة والاختلاف فيها فهي تنقسم إلى مرتبتين: المرتبة الأولى: القواعد المتفق على مضمونها عند جميع الفقهاء ومختلف المذاهب. فمن قواعد هذه المرتبة: كل القواعد ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 11.

مسألة

الكلية الكبرى وأكثر القواعد الأخرى. المرتبة الثانية: القواعد المذهبية التي تختص بمذهب دون مذهب أو يعمل بمضمونها بعض الفقهاء دون الآخرين مع شمولها وسعة استيعابها لكثير من مسائل الفقه من أبواب مختلفة. وهذه تعتبر من أسباب اختلاف الفقهاء في إصدار الأحكام تبعاً لاختلاف النظرة في مجال تعليل الأحكام. ومن أمثلة هذه المرتبة: قاعدة: "لا حجة مع الاحتمال الناشيء عن دليل". وأساسها قولهم "إن التهمة إذا تطرقت إلى فعل الفاعل حكم بفساد فعله". وهذه القاعدة يعمل بها الحنفية والحنابلة دون الشافعية. وقد يعمل بها المالكية ضمن قيود. ومنها عند الحنفية: "الأصل أن جواز البيع يتبع الضمان" وأما عند الشافعي: "فإن جواز البيع يتبع الطهارة". ويأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله. مسألة: رأينا أن القواعد ذوات المجال الضيق - أي التي تختص بباب أو جزء باب - هي ضوابط، إذ مجالها التطبيقي بعض الفروع الفقهية من باب واحد من أبواب الفقه، أو هي تختص بنوع من الأحكام الفرعية لا يعمم في غير مجاله. ومثال الضابط: "إن المحرم إذا أخر النسك عن الوقت الموقت له أو قدَّمه لزمه دم". وهذا الضابط عند أبي حنيفة رحمه الله. وخالفه في ذلك الفقهاء الآخرون ومنهم تلميذاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن. فما الفروق بين القاعدة والضابط؟

مع أن الفقهاء كثيراً ما يستعملون لفظ "القاعدة" ويعنون بها الضابط، ويستعملون لفظ "الضابط" ويعنون به القاعدة فالملاحظ أن بين والضابط فرقين رئيسيين هما: الفرق الأول: أن القاعدة - كما سبق تجمع فروعاً من أبواب شتى ويندرج تحتها من مسائل الفقه ما لا يحصى. واما الضابط فإنه مختص بباب واحد من أبواب الفقه تعلل به مسائله، أو يختص بفرع واحد فقط. الفرق الثاني: أن القاعدة في الأعم الأغلب متفق على مضمونها بين المذاهب أو أكثرها. وأما الضابط فهو يختص بمذهب معين - إلا ما ندر عمومه - بل منه ما يكون وجهة نظر فقيه واحد في مذهب معين قد يخالفه فيه فقهاء آخرون من نفس المذهب. كما سبق في الضابط المتقدم.

[المقدمة الخامسة:] مصادر القواعد الفقهية

مصادر القواعد الفقهية أعني بمصادر القواعد الفقهية منشأ كل قاعدة منها وأساس ورودها. تنقسم مصادر القواعد الفقهية إلى أقسام ثلاثة رئيسية: القسم الأول: قواعد فقهية مصدرها النصوص الشرعية من كتاب وسنة. فما كان مصدره نصاً من الكتاب الكريم هو أعلى أنواع القواعد وأولاها بالاعتبار حيث إن الكتاب الكريم هو أصل الشريعة وكليتها وكل ما عداه من الأدلة راجع إليه. فمن آيات الكتاب التي حرف مجرى القواعد: 1 - قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) فقد جمعت هذه الآية على وجازة لفظها أنواع البيوع ما أحل منها وما حرَّم عدا ما استثنى. 2 - ومنها: قوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬2) فهذه قاعدة شاملة لتحريم كل تعامل وتصرف يؤدي إلى أكل أموال الناس وإتلافها بالباطل من غير وجه مشروع يحله الله ورسوله، كالسرقة والغصب، والزنا، والجهالة، والضرر، والغرر، فكل عقد باطل يعتبر نوعاً من أكل أموال الناس بالباطل. 3 - ومنها قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬3) فكما قال القرطبي (¬4) وغيره: هذه الآية من ثلاث كلمات - أي جُمل - ¬

_ (¬1) الآية 275 من سورة البقرة. (¬2) الآية 188 من سورة البقرة. (¬3) الآية 199 من سورة الأعراف. (¬4) القرطبي هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي أبو =

تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات. فقوله سبحانه: {خُذِ الْعَفْو} دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} صلة الأرحام وتقوى الله في الحلال والحرام وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار. وفي قوله {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة. وهذه الآية هي الجامعة لمكارم الأخلاق. قال جعفر الصادق (¬1): أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية (¬2). 4 - ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬3) ¬

_ = عبد الله، من كبار المفسرين من أهل قرطبة رحل إلى الشرق واستقر بمصر وتوفي بها سنة 671 هـ من كتبه "الجامع في أحكام القرآن" الأعلام جـ 5 صـ 322 مختصراً. (¬1) جعفر الصادق هو: جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي الهاشمي القرشي، أبو عبد الله كان من أجلاء التابعين. أخذ عنه العلم أبو حنيفة ومالك، مولده ووفاته بالمدينة توفي سنة 148 هـ. الأعلام جـ 2 صـ 126 مختصراً. (¬2) الجامع لأحكام القرآن جـ 7 صـ 344 - 347، نظم الدرر جـ 9 صـ 203، الدر المنثور جـ 3 صـ 280. (¬3) الآية 1 من سورة المائدة.

فالأمر يقتضي الوفاء بكل عقد مشروع، واحترام كل ما يلتزم به الإنسان مع الناس. 5 - قوله تعالى في الآية الجامعة الفاذة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (¬1). وغير ذلك في كتاب الله كثير. ومن الأحاديث الشريفة الجامعة التي جرت مجرى القواعد إلى جانب مهمتها التشريعية فإن الرسول صلى الله عليه أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً. 1 - قوله عليه الصلاة والسلام - وقد سئل عن حكم أنواع من الأشربة فقال عليه الصلاة والسلام: "كل مسكر حرام (¬2) ". فدل هذا الحديث على وجازة لفظه على تحريم كل مسكر من عنب أو غيره مائع أو جامد، نباتي أو حيواني أو مصنوع. 2 - ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار (¬3) ". القاعدة الكلية الكبرى، فهذا الحديث نص في تحريم الضرر بأنواعه؛ لأن لا النافية تفيد استغراق الجنس فالحديث وإن كان خبراً لكنه في معنى النهي، فيصير المعنى "اتركوا كل ضرر وكل ضرار". 3 - ومنها قوله عليه الصلاة والسلام "المسلمون عند شروطهم (¬4) " فظاهر المعنى وجوب احترام كل ما رضيه المتعاقدان من ¬

_ (¬1) الآيتان 7، 8 من سورة الزلزلة. (¬2) الحديث يأتي تخريجه. (¬3) الحديث يأتي تخريجه. (¬4) الحديث رواه أبو داود، والحاكم في المستدرك وأحمد في البيع. وقد حسنه الترمذي وضعفه النسائي.

الشروط، إلا الشروط التي تحل الحرام أو تحرم الحلال، كما ورد في رواية. القسم الثاني: ما كان من غير النصوص: وهو أنواع: النوع الأول: قواعد فقهية مصدرها الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة، فمن أمثلة قواعد هذا المصدر: 1 - قولهم: "لا اجتهاد مع النص" فهذه القاعدة تفيد تحريم اجتهاد في حكم مسألة ورد فيها نص من الكتاب أو السنة أو الإجماع؛ لأنه إنما يحتاج للاجتهاد عند عدم وجود النص، أما عند وجوده فلا اجتهاد إلا في فهم النص ودلالته. 2 - قولهم "الاجتهاد لا ينقض بمثله" أو بالاجتهاد" وهذا أمر مجمع عليه والمراد أن الأحكام الاجتهادية إذا فصلت بها الدعوى على الوجه الشرعي ونفذت أنه لا يجوز نقضها بمثلها لأن الاجتهاد الثاني ليس أولى من الاجتهاد الأول، ولأنه إذا نقض الأول جاز أيضاً نقض الثاني بثالث والثالث بغيره فلا يمكن أن تستقر الأحكام. ولكن إذا تبين مخالفة الإجتهاد للنص الشرعي أو لمخالفته طريق الاجتهاد الصحيح، أو وقوع خطأ فاحش، فينقض حينئذٍ. النوع الثاني: وهو قسمان: الأول: قواعد فقهية أوردها الفقهاء والمجتهدون مستنبطين لها من أحكام الشرع العامة ومستدلين لها بنصوص تشملها من الكتاب والسنة والإجماع ومعقول النصوص مثل: 1 - قاعدة "الأمور بمقاصدها" مستدلين لها بقوله عليه الصلاة

والسلام: "إنما الأعمال بالنيات .. " وقد جعلنا هذا الحديث رأس القاعدة وعنواناً دالاً عليها لا دليلاً لها، وصُدَّرت به هذه الموسوعة تيمناً واقتداءً. ومثل قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" المستَدَلّ لها بأحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل قوله عليه الصلاة والسلام "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ... الحديث (¬1) " ومثل قاعدة: "المشقة تجلب التيسير" وهي قاعدة رفع الحرج وقاعدة الرخص الشرعية. وأدلتها كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. ومثل قاعدة: "العادة محكَّمة" وهي قاعدة اعتبار العرف وتحكيمه فيما لا نص فيه وأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع كثيرة منها قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (¬2) وقوله سبحانه {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬3) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لهند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف (¬4) ". ومنها قاعدة: "إعمال الكلام أولى من إهماله" ومن أدلتها قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} (¬5) وقوله ¬

_ (¬1) رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬2) الآية 199 من سورة الأعراف. (¬3) الآية 19 من سورة النساء. (¬4) الحديث رواه البخاري في البيوع والنفقات والأقضية وهو عند مسلم وغيره أيضاً. (¬5) الآية 18 من سورة ق.

عليه الصلاة والسلام: "إن الله تعالى عند كل لسان قائل فليتق الله عبد ولينظر ما يقول (¬1) ". إحدى روايات الحديث. الثاني: قواعد فقهية أوردها الفقهاء المجتهدون في مقام الاستدلال القياسي الفقهي حيث تعتبر تعليلات الأحكام الفقهية الاجتهادية ومسالك الاستدلال القياسي عليها، أعظم مصدر لتقعيد هذه القواعد وإحكام صيغها بعد استقرار المذاهب الفقهية الكبرى وانصراف أتباعها إلى تحريرها وترتيب أصولها وأدلتها. كما قال أستاذنا الزرقا. وهذه القواعد التي استنبطها الفقهاء المتأخرون من خلال أحكام المسائل التي أوردها أئمة المذاهب في كتبهم أو نقلت عنهم لا تخرج عن نطاق أدلة الأحكام الشرعية الأصلية أو التبعية الفرعية، فالناظر لهذه القواعد والباحث عن أدلة ثبوتها وأساس التعليل بها يراها تندرج كل منها تحت دليل شرعي إما من الأدلة المتفق عليها كالكتاب والسنة والإجماع، وإما من الأدلة الأخرى كالقياس والاستصحاب والمصلحة - أو الاستصلاح - والعرف، والاستقراء، وغير ذلك مما يستدل به على الأحكام؟ لأنه لا يعقل ويستبعد جداً أن يبني فقيه مجتهد حكماً لمسألة فقهية، أو يعلل لمسائل فقهية معتمداً على مجرد الرأي غير المدعوم بأدلة الشرع أو معتمداً على الهوى والتشهي، فهم رحمة الله عليهم كانوا أجلّ وأورع وأتقى وأخشى لله من أن يفتي أحدهم أو يحكم في مسألة أو يقضي بحكم غير مستند إلى دليل شرعي مقرر، وسواء اتفق عليه أم اختلف الفقهاء في اعتباره فمن استند إلى القياس لا يقال: إنه حكم بغير ما أنزل الله: لأن هناك من يُنكر القياس ولا يعمل به. ¬

_ (¬1) إتحاف السادة المتقين للزبيدي جـ 5 صـ 454، والحلية جـ 8 صـ 160، 352.

وكذلك من استند في حكمه إلى المصلحة الغالبة أو مصلحة غلب على ظنه وجودها لا يقال: إن حكمه مخالف للشرع لأن غيره من الفقهاء قد لا يعمل بالمصلحة ولا يستدل بها، أو لا يرى في هذه المسألة مصلحة. وكذلك بالنسبة للعرف أو قول الصحابي، أو شرع من قبلنا، أو سد الذرائع أو الاستقراء أو غير ذلك من الأدلة أو مواطن الاستدلال التي ما عمل بها من عمل إلا مستدلاً لها بأدلة من الكتاب أو السنة أو المعقول المبني على قواعد الشرع وحِكمه. من أمثلة هذه القواعد المستنبطة والمعلل بها قولهم: 1 - "إنما يثبت الحكم بثبوت السبب" هذه قاعدة أصولية فقهية استنبطها الفقهاء المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص، فمثلاً: يثبت وجوب صلاة الظهر وتعلقها في ذمة المكلف بزوال الشمس، فزوال الشمس سبب لثبوت الوجوب للصلاة، فلو لم يثبت الزوال لم يثبت الوجوب، وقد يستدل لها بقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} (¬1) ومنها قولهم: "الأيمان في جميع الخصومات موضوعة في جانب المدعى عليه إلا في القسامة". وهذه القاعدة مستنبطة من الحديث: "البينة على المدعي واليمين على المدَّعى عليه (¬2) ". ومنها قولهم: "إذا اجتمعت الإشارة ¬

_ (¬1) الآية 78 من سورة الإسراء. (¬2) الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

والعبارة واختلف موجبهما غُلِّبت الإشارة (¬1) ". هذه القاعدة مستنبطة من المعقول والعرف. ومنها قولهم: "إذا وجبت مخالفة أصل أو قاعدة وجب تقليل المخالفة ما أمكن (¬2) ". فهذه القاعدة مستنبطة من معقول النصوص الرافعة للحرج والمشقة مثل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬3). ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم (¬4) ". ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي صـ 314، الفرائد البهية صـ 22، المنثور للزركشي جـ 1 صـ 167 وأشباه ابن الوكيل ق 1 صـ 315. (¬2) قواعد المقري القاعدة الثانية والستون بعد المئتين. (¬3) الآية 286 من سورة البقرة. (¬4) الحديث أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه. المقدمة الحديث الثاني جـ 1 صـ 3.

المقدمة السادسة: حكم الاستدلال بالقواعد الفقهية على الأحكام

المقدمة السادسة: حكم الاستدلال بالقواعد الفقهية على الأحكام هذه المسألة على جانب كبير من الأهمية حيث تتعلق بأمر عظيم وهو مصادر الأحكام وأدلتها، وهل تعتبر القواعد الفقهية أحد أدلة الأحكام فيستند إليها عند عدم وجوه نص أو إجماع أو قياس في المسألة؟. وبعبارة أخرى: هل يجوز أن تجعل القاعدة الفقهية دليلاً شرعياً يستنبط منه حكم شرعي؟ وفي التقرير الذي صدِّرت به مجلة الأحكام العدلية قالوا: "فحكام الشرع ما لم يقفوا على نقل صريح لا يحكمون بمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد. إلا أن لها فائدة كلية في ضبط المسائل، فمن اطلع عليها من المطالعين يضبط المسائل بأدلتها، وسائر المأمورين يرجعون إليها في كل خصوص. وبهذه القواعد يمكن للإنسان تطبيق معاملاته على الشرع الشريف أو في الأقل التقريب (¬1). وقالوا: أيضاً في المقالة الأولى من المقدمة وهي المادة الأولى من مواد المجلة: إن المحققين من الفقهاء قد أرجعوا المسائل الفقهية إلى قواعد كلية، كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة، وتلك القواعد مُسَلَّمة معتبرة في الكتب الفقهية تتخذ أدلة لإثبات المسائل وتفهمها في باديء الأمر، فذكرها يوجب الاستئناس بالمسائل ويكون وسيلة لتقررها في الأذهان (¬2). ¬

_ (¬1) مجلة الأحكام العدلية صـ 10 مع شرح على حيدر المسمى "درر الحكام شرح مجلة الأحكام". (¬2) المرجع السابق صـ 15.

وقال ابن نجيم في الفوائد الزينية - كما نقله عنه الحموي في غمز عيون البصائر: لا يجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط لأنها ليست كلية بل أغلبية، خصوصاً وهي لم تثبت عن الإمام بل استخرجها المشايخ من كلامه (¬1). وقال أستاذنا الجليل الشيخ مصطفى الزرقا: ولذلك كانت تلك القواعد الفقهية قلما تخلو إحداها من مستثنيات في فروع الأحكام التطبيقية خارجة عنها، إذ يرى الفقهاء أن تلك الفروع المستثناة من القاعدة هى أليق بالتخريج على قاعدة أخرى، أو أنها تستدعي أحكاماً استحسانية خاصة، ومن ثمَّ لم تسوِّغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم على الاستناد إلى شيء من هذه القواعد الكلية فقط دون نص آخر خاص أو عام يشمل بعمومه الحادثة المقضي فيها، لأن تلك القواعد الكلية على ما لها من قيمة واعتبار هي كثيرة المستثنيات، فهي دساتير للتفقيه لا نصوص للقضاء (¬2). فهذه النقول وأمثالها تفيد أنه لا يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلة شرعية لاستنباط الأحكام لسببين: الأول: أن هذه القواعد ثمرة للفروع المختلفة وجامع ورابط لها، وليس من المعقول أن يجعل ما هو ثمرة وجامع دليلاً لاستنباط أحكام الفروع. الثاني: أن معظم هذه القواعد لا تخلو عن المستثنيات، فقد تكون المسألة المبحوث عن حكمها من المسائل والفروع المستثناة. ¬

_ (¬1) غمز عيون البصائر جـ 1 صـ 37. (¬2) المدخل الفقهي جـ 2 صـ 934 - 935.

ولذلك لا يجوز بناء الحكم على أساس هذه القواعد، ولا يسوغ تخريج أحكام الفروع عليها، ولكنها تعتبر شواهد مصاحبة للأدلة يستأنس بها في تخريج الأحكام للوقائع الجديدة قياساً على المسائل الفقهية المدوَّنة. هكذا قالوا: وأقول: هذا الذي قالوه لا يؤخذ على إطلاقه حيث إن القواعد الفقهية تختلف من حيث أصولها ومصادرها أولاً، ثم من حيث وجود الدليل على حكم المسألة المبحوث عنها ثانياً. فمن حيث أصول القواعد ومصادرها فقد عرفنا في المقدمة السابقة أن من القواعد الفقهية ما كان أصله ومصدره من كتاب الله سبحانه وتعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أو يكون مبنياً على أدلة واضحة من الكتاب والسنة المطهرة، أو مبنياً على دليل شرعي من الأدلة المعتبرة عند العلماء، أو تكون القاعدة مبنية على الاستدلال القياسي وتعليل الأحكام. فإذا كانت القاعدة نصاً قرآنياً كريماً فهي قبل أن تكون قاعدة أو تجري مجرى القواعد فهي دليل شرعي بالاتفاق فهل إذا جرى النص القرآني مجرى القاعدة خرج عن كونه دليلاً شرعياً معمولاً به، ولا يجوز تقديم غيره عليه؟. من أمثلة ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) فهذا النص الكريم دليل شرعي يفيد حل البيع وحرمة الربا، وهو في نفس الوقت ¬

_ (¬1) الآية 275 من سورة البقرة.

يصلح قاعدة فقهية تشمل أنواع البيوع المختلفة ومسائل الربا المتعددة، كما يستثني منها بعض أنواع البيوع المحرمة، وبعض مسائل الربا إما بالنص وإما بالتخريج. ومن السنة حديث "لا ضرر ولا ضرار" وحديث "الخراج بالضمان (¬1) ". وحديث: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (¬2) ". وغيرها كثير. فهذه أدلة شرعية وقواعد فقهية يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى والزام القضاء بها. ولعل هذا لم يفت الفقهاء الذين وضعوا المجلة حيث قالوا: "فحكام الشرع ما لم يقفوا على نقل صريح" فلعلهم أشاروا بذلك إلى تلك القواعد التي هي في الأصل نصوص تشريعية، وكذلك ما أشار إليه الأستاذ الزرقا مد الله في عمره في الخير حين قال: ومن ثم لم تسوِّغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم على الاستناد إلى شيء من هذه القواعد الكلية فقط دون نص آخر خاص أو عام". ولكن الإجمال هنا موهم والتفصيل مطلوب. وأما ما ذكر في المقالة الأولى من المقدمة وما نقله الحموي عن ابن نجيم في الفوائد الزينية فهو عام في عدم جواز الفتوى بما تقتضيه هذه القواعد. ومما ينبني على أدلة واضحة من الكتاب والسنة والإجماع: قاعدة: اليقين لا يزول بالشك. ¬

_ (¬1) الأحاديث سيأتي تخريجها. (¬2) الحديث سبق تخريجه.

وقاعدة: الضرر يزال. وقاعدة: الأمور بمقاصدها. وقاعدة: المشقة تجلب التيسير. وأمثال هذه القواعد فهي تشبه الأدلة وقوتها بقوة الأدلة المعتمدة عليها، فلا يمنع من الاحتكام إليها. وأما إذا كانت القاعدة مبنية على دليل شرعي من الأدلة التي اختلف في اعتبارها فيجب الرجوع أولاً إلى الأدلة المتفق عليها فإذا وجد الحكم بأحدها يستأنس بالقاعدة ولا يحكم بها، وإلا نظر إلى الدليل الذي بنيت عليه القاعدة فإن أمكن إعطاء المسألة حكماً بموجبه - عند من يعتبرونه دليلاً - كان بها واعتبرت القاعدة دليلاً تابعاً يستأنس به. وأما من حيث عدم وجود دليل شرعي لمسألة بعينها أو نص فقهي، أو دليل أصولي، ووجدت القاعدة الفقهية التي تشملها، فحينئذٍ هل تعتبر القاعدة الفقهية الاجتهادية دليلاً شرعياً يمكن استناد الفتوى والقضاء إليه؟. قلت سابقاً: إن القواعد الاجتهادية استنبطها العلماء المجتهدون من معقول النصوص والقواعد العامة للشريعة، أو بناء على مصلحة رأوها أو عرف اعتبروه، أو استقراء استقرأوه فعلى من تعَرَّض لمثل هذه المسائل أن يكون على جانب كبير من الوعي والإدراك والإحاطة بالقواعد الفقهية وما بنيت عليه كل قاعدة أو استنبطت منه، وما يمكن أن يستثنى من كل قاعدة حتى لا يدرج تحت القاعدة مسألة يقطع أو يظن خروجها عنها. وأما اعتلالهم بأن القواعد الفقهية ثمرة للأحكام الفرعية المختلفة وجامع لها ولذلك لا يصح أن تجعل دليلاً لاستنباط أحكام هذه الفروع، أقول: إن كل قواعد العلوم إنما بنيت على فروع هذه العلوم وكانت ثمرة

لها، وأقرب مثال لذلك قواعد الأصول وخاصة عند الحنفية حيث استنبطت من خلال أحكام المسائل الفرعية المنقولة عن الأئمة الأقدمين، ولم يقل أحد إنه لا يجوز لنا أن نستند إلى تلك القواعد لتقرير الأحكام واستنباطها. وكذلك قواعد اللغة العربية التي استنبطها علماء اللغة من خلال ما نطق به العرب الفصحاء قبل أن تشوب ألسنتهم المعجمة واللحن، وهي القواعد التي يستند إليها في استنباط أحكام اللغة والبناء عليها. ولم يقل أحد إن هذه القواعد لا تصلح لاستنباط أحكام العربية لأنها ثمرة للفروع الجزئية. وأما احتجاجهم بأن القواعد الفقهية كثيرة المستثنيات فيمكن أن يستنبط حكم المسألة من قاعدة وتكون هذه المسألة خارجة ومستثناة عن تلك القاعدة فهذا قد أجبنا عنه فيما سبق. وقد قال القرافي رحمه الله في حديثه عن أدلة مشروعية الأحكام - قال:- الاستدلال: هو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد لا من جهة الأدلة المنصوبة وفيه قاعدتان: قال: القاعدة الثانية: "إن الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع" بأدلة السمع لا بأدلة العقل - خلافاً للمعتزلة - وقد تعظم المنفعة فيصحبها الندب أو الوجوب مع الإذن، وقد تعظم المضرة فيصحبها التحريم على قدر رتبتها. فيستدل على الأحكام بهذه القاعدة إلى أن قال: يعلم ما يصحبه الوجوب أو الندب أو التحريم أو الكراهة من الشريعة وما عهدناه في تلك المادة (¬1) والله أعلم ¬

_ (¬1) شرح تنقيح الفصول 450 - 451 بتصرف، وينظر المحصول للرازي ق 3 جـ 2 صـ 131 فما بعدها.

المقدمة السابعة: نشأة القواعد الفقهية وتدوينها وتطورها

المقدمة السابعة: نشأة القواعد الفقهية وتدوينها وتطورها عند الحديث عن مصادر القواعد الفقهية تبين أن من القواعد الفقهية ما أصله من نصوص الكتاب العزيز، أو من نصوص السنة النبوية المطهرة حيث جرى كثير منها مجرى القواعد كما جرى كثير منها مجرى الأمثال. وإلى جانب ذلك أثر عن فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم وكثير من أئمة التابعين ومن جاء بعدهم من كبار أتباعهم عبارات وردت إما عند تأصيل مبدأ، وإما عند تعليل أحكام، وهذه العبارات كانت أساساً لما سمي فيما بعد بالقواعد الفقهية. ولما كان ما عدا ذلك ناتجاً عن اجتهادات للفقهاء في تعليل الأحكام وتأصيلها فإنه لا يعرف لكل قاعدة فقيه معروف وقائل لها؛ لأن هذه القواعد لم توضع كلها جملة واحدة على يد هيئة واحدة أو لجنة واحدة كما توضع النصوص القانونية في وقت معين على أيدي أناس معلومين. ولكن هذه القواعد تكونت مفاهيمها وصيغت نصوصها بالتدريج في عصر أزدهار الفقه ونهضته على أيدي كبار فقهاء المذاهب من أهل التخريج والترجيح استنباطاً من دلالات النصوص الشرعية العامة والأدلة الشرعية، وعلل الأحكام وأسرار التشريع والمقررات العقلية. والمعاني الفقهية لهذه القواعد كانت مقررة في أذهان الأئمة المجتهدين يعللون بها ويقيسون عليها، وقد كانت تسمى عندهم أصولاً. ولعل أقدم مصدر فقهي يسترعي انتباه الباحث في هذا المجال هو "كتاب الخراج" الذي ألَّفه الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم

الأنصاري (¬1) أكبر تلاميذ الإمام أبي حنيفة وحامل لواء المذهب بعده ورئيس قضاة الدولة الإسلامية في عهد الخليفة هارون الرشيد، وقد ألف أبو يوسف كتابه هذا للخليفة هارون الرشيد ليجعل نظاماً وقانوناً تسير عليه الدولة في تنظيم الخراج ومعاملة أهل الذمة، وقد اشتمل هذا الكتاب على عدد من العبارات التي جرت مجرى القواعد بل كانت أساساً بني عليه من جاء بعده. ولما كان المقصود من تأليف هذه الموسوعة تيسير علم القواعد على العلماء والفقهاء وطلاب العلم، ولما كان وضع هذه المقدمات لتعطي الدارس صورة واضحة عن هذا العلم ومبادئه، ولما كان المقصد وجه الله سبحانه وابتغاء مرضاته رأيت أن أوفى بحث في هذا الجانب وهذه المقدمة هو ما كتبه الأخ الفاضل الدكتور علي بن أحمد الندوي في كتابه القواعد الفقهية: نشأتها، تطورها، دراسة مؤلفاتها، وهو الكتاب الذي قدمه لجامعة أم القرى للحصول على درجة الماجستير، وليس وراء هذا البحث زيادة لمستزيد رأيت أن أعتمد عليه في بيان هذه المقدمة لما اشتمل عليه من أبحاث جليلة مفيدة نافعة والحكمة ضالة المؤمن، قال حفظه الله: ولما توغلت في بحوث الكتاب - يعني كتاب الخراج - وقفت على عبارات رشيقة تتَّسم بسمات وشارات تتَّسق بموضوع القواعد من حيث شمول معانيها وفيما يلي أورد طرفاً منها: ¬

_ (¬1) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي صاحب أبي حنيفة وأكبر تلاميذه وأول من نشره مذهبه كان فقيهاً علامة من حفاظ الحديث ولي القضاة ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد، ومات في خلافة الرشيد وهو =

1 - "التعزير إلى الإمام على قدر عِظَم الجرم وصِغَرهِ" يقول عند تعرّضه لمسائل تتعلق بالتعزير: "وقد اختلف أصحابنا في التعزير قال بعضهم: لا يبلغ به أدنى الحدود أربعين سوطاً، وقال بعضهم: أبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطاً، أنقص من حدّ الحُرِّ وقال بعضهم: أبلغ به أكثر. وكان أحسن ما رأينا في ذلك والله أعلم: أن التعزير إلي الإمام على قدر عِظَم الجرم وصِغَره ....... " (¬1). فهنا بعد أن سجَّل الخلاف القائم بين فقهاء ذلك العصر في موضوع التعزير نحا الإمام أبو يوسف منحى جديداً، وهو أن وضع أصلاً في هذا الباب بتفويض الأمر إلى الحاكم، بحيث سوَّغ له أن يُقَدِّر التعزير في ضوء الملابسات المحيطة بالجرم وصاحبه. 2 - "كل من مات من المسلمين لا وارث له، فماله لبيت المال" (¬2): لا شك أن هذه العبارة كسابقتها تقرر قاعدة قضائية مهمَّة. وهي بمثابة شاهد على وجود قواعد جرت على أقلام الأقدمين مصوغةً بصياغات مُحْكَمة. 3 - "ليس للإمام أن يُخْرج شيئاً من يد أحدٍ إلا بحق ثابت معروف" (¬3): هذه العبارة نظيرة للقاعدة المشهورة المتداولة "القديم يُترك على ¬

_ = أول من دعي فاضى القضاة من كتبه الخراج ومسند أبي حنيفة والآثار وغيرها توفي سنة 182 هـ. سير أعلام النبلاء جـ 8 صـ 535 فما بعدها بتصرف واختصار. (¬1) كتاب الخراج، (ط. القاهرة الرابعة، المطبعة السلفية، 1392 هـ) صـ 180. (¬2) المصدر نفسه، صـ 201. (¬3) المصدر نفسه، صـ 71.

قِدَمِه" (م/ 6). ويمكن أن تكتسب العبارة سِمة القاعدة بعد تعديل طفيف فيها على النحو التالي: "لا يُنْزَعُ شيءٌ من يد أحد إلاَّ بحقٍ ثابتٍ معروف" (¬1). 4 - "ليس لأحد أن يُحدِث مرْجاً في ملك غيره، ولا يتخذ فيه نهراً ولا بئراً ولا مزْرَعةً، إلا بإذن صاحبه، ولصاحبه أن يُحدث ذلك كله" (¬2). إذا نظرت في هذه العبارة ثم سرَّحْتَ طرفك في القواعد المتداولة في الحِقبة الأخيرة، لمحت فيها شبيهاً للكلام المذكور. وذلك الشبيه ما جاء في قواعد مجلة الأحكام العدلية أنه: "لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير أو حقه (¬3) بلا إذنه" (م / 96). وبجانب آخر يظهر عند الموازنة بين النَّصين ان عبارة كتاب الخراج تفيد الحظر على التصرف الفعلي في ملك الغير في حين أن قاعدة المجلة يتسع نطاقها إلى منع التصرّف القولي مع التصرف الفعلي. وكل ذلك يساعد على فهم التطور المُثمِر المتواصل في مجال هذا العلم. 5 - "لا ينبغي لأحد أن يُحْدِث شيئاً في طريق المسلمين مما يضرّهم. ¬

_ (¬1) هكذا صاغها الأستاذ الجليل مصطفى الزرقا في: المدخل الفقهي العام 2/ 982، لفقرة: 596. (¬2) كتاب الخراج، صـ 111. (¬3) هذه الزيادة من شرح القرق أغاجي صـ 73

ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئاً مما فيه الضرر عليهم ولا يسعه ذلك (¬1) ". هذه العبارة يتحقق فيها معنى القاعدة باعتبار أن الشطر الأول منها يتعلق بقواعد رفع الضرر، والشطر الثاني يتمثَّل فيه مفهوم القاعدة الشهيرة: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة" (م / 58). 6 - "وإن أقرَّ بحقّ من حقوق الناس من قذف، أو قصاص في نفس، أو دونها أو مال، ثم رجع عن ذلك نُفِّذ عليه الحكم فيما كان أَقرَّ به، ولم يبطل شيء من ذلك برجوعه" (¬2). هذه العبارة كسابقتها وردت في صيغة مطوّلة، لكنها تُصَوِّر في معنى الكلمة مدلول القاعدة المتداولة: "المرء مؤاخذ بإقراره" (م/79). 7 - "كل ما فيه مصلحة لأهل الخراج في أراضيهم وأنهارهم، وطلبوا صلاح ذلك لهم، أجيبوا إليه، إذا لم يكن فيه ضرر على غيرهم" (¬3). وبعد التأمل في تلك العبارات وأشباهها يمكن القول بأن فكرة التأصيل كانت مركوزةً في أذهان المتقدِّمين، وإن لم تظهر في سورة جليّة لعدم الحاجة إليها كثيراً. وكذلك من أقدم ما وصل إلينا من تلك المصادر بعض كتب الإمام محمد بن الحسن الشّيْباني (¬4) (189 هـ). ¬

_ (¬1) كتاب الخراج صـ 101. (¬2) المصدر نفسه، صـ 183. (¬3) كتاب الخراج صـ 183. (¬4) محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد الله الشيباني الكوفي صاحب أبي حنيفة العلّامة فقيه العراق، ولد بواسط ونشأ في الكوفة وأخذ عن أبي حنيفة بعض الفقه وتمم الفقه على القاضي أبي يوسف، وروى عن أبي حنيفة والأوزاعي ومالك بن أنس =

فإذا أنعمنا النظر في كتاب الأصل ألْفَيْناه يعلل المسائل وهذا التعليل كثيراً ما يقوم مقام التَّقعيد. وإليك مقتبسات من الكتاب المذكور، حتى يتبين كيف يُؤَصِّل الأحكام، ويقرنها بقواعدها. ويقول في مبحث "الاستحسان": ولو أن رجلاً كان متوضئاً، فوقع في قلبه أنه أحدث وكان ذلك أكبر رأيه، فأفضل ذلك أن يعيد الوضوء، وإن لم يفعل وصلى على وضوئه الأول، كان عندنا في سعة، لأنه عندنا على وضوء حتى يستيقن بالحدث". "وإن أخبره أحد مسلم ثقة، أو امرأة ثقة، مسلمة حرة أو مملوكة: أنك أحدثت، أو نمت مضطجعاً، أو رعفت، لم ينبغ له أن يصلي هذا. ولا يشبه هذا ما وصفت لك قبله من الحقوق، لأن هذا أمر الدين، فالواحد فيه حجة إذا كان عدلاً، والحقوق لا يجوز فيها إلا ما يجوز في الحكم" (¬1). فإذا تأملنا في هذا النص وجدناه يعلل الحكم "بأكبر الرأي" وهو الظن الغالب وبناء عليه يفضل إعادة الوضوء في الصورة المذكورة، ثم يفتي بجواز الصلاة إن لم يعد الوضوء بناء على القاعدة المقررة "اليقين لا يزول بالشك". ¬

_ = وغيرهم، وأخذ عنه الشافعي فأكثر جداً وهو ناشر مذهب أبي حنيفة ولد سنة 132، وتوفي سنة 189 بالري. سير أعلام النبلاء جـ 9 صـ 134. (¬1) كتاب الأصل، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني؛ (ط. الهند الأولى، مطبعة دائرة المعارف العثمانية) 3/ 162.

هذا في الفقرة الأولى، أما الفقرة الثانية فهو ينص فيها على أصلين: أولاً: كون خبر الواحد حجة في أمر الدين إذا كان عدلاً، ولقد ذكر هذه القاعدة في موضع أخر فقال: "ما كان من أمر الدين، الواحد فيه حجة. (إذا كان عدلاً) (¬1). ثانياً: الحقوق لا يجوز فيها إلا ما يجوز في الحكم، أي لا يكفي فيها قول واحد ولو كان عدلاً، كما في أمر الدين، بل لا بد من شاهدين كما في الحكم. والله أعلم. ولا شك أن مثل هذا المنهج في التعليل أقرب ما يكون إلى منهج التقعيد الذي وجد في القرون المتأخرة. وأحياناً نجده يسلك طريق البدء بالقاعدة ويفرَّع بعض المسائل عليها كما يتمثل ذلك في النص التالي. 3 - و .... كل أمر لا يحل إلا بملك أو نكاح فإنه لا يحرم بشيء، حتى ينتقض النكاح والملك، ولا يكون الرجل الواحد المسلم ولا المرأة في ذلك حجة، إنه إنما حل من وجه الحكم ولا يحرم إلا من الوجه الذي حل به منه. ألا ترى أن عقدة النكاح وعقدة الملك لا ينقضهما في الحكم إلا رجلان أو رجل وامرأتان، فإن كان الذي يحل بذلك لا يحل إلا به لم يحرم حتى ينتقض الذي به حل. كل أمر يحل بغير نكاح ولا ملك إنما يحل بالإذن فيه، فأخبر رجل مسلم ثقة أنه حرام فهو عندنا حجة في ذلك، ¬

_ (¬1) كتاب الأصل (3/ 116).

ولا ينبغي أن يؤكل ولا يشرب ولا يتوضأ منه" (¬1). وقد وحدت هناك قواعد جامعة أخرى جرت على لسانه عند التعليل والتوجيه لبعض الأحكام، وإليك نماذج منها. 4 - "كل من له حق فهو له على حاله حتى يأتيه اليقين على خلاف ذلك" واليقين أن يعلم أو يشهد عنده الشهود العدول (¬2). 5 - "التحري يجوز في كل ما جازت فيه الضرورة" (¬3). وبناء على ذلك إذا اشتبه عليه الطاهر بالنجس لم يجب عليه أن يتحرى في أحدهما للوضوء وينتقل إلى البدل وهو التيمم بخلاف الشرب. 6 - "لا يجتمع الأجر والضمان" (¬4) فانظر إلى هذه القواعد كيف أُحْكم نسجها وصقلت صياغتها وإن منها ما يماثل تم الأسلوب الذي راج وشاع في كتب المتأخرين عند التقعيد على سبيل المثال قوله "لا يجتمع الأجر والضمان" فقد عبرت عنه "المجلة": بالصيغة نفسها تقريباً وهي: "الأجر والضمان لا يجتمعان" (¬5). ¬

_ (¬1) كتاب الأصل (3/ 113). (¬2) المصدر نفسه (3/ 166). (¬3) المصدر نفسه (3/ 34). (¬4) كتاب الأصل (3/ 45)، ولقد وردت هذد القاعدة في كتاب التحري كما في النص الآتي: ولو آجر العبد نفسه - وهو محجور عليه - رجلاً سنة بمائة درهم ليخدمه، فخدمه ستة أشهر، ثم أعتق العبد فالقياس في هذا: أنه لا أجر للعبد فيما مضى لأن المستأجر كان ضامناً له، ولا يجتمع الأجر والضمان، ولكنا نستحسن إذا سلم العبد أن يجعل له الأجر فيما مضى، فيأخذه العبد فيدفعه إلى مولاه، فيكون ذلك لمولاه دونه". (¬5) مجلة الأحكام (م /86).

وعلى ذلك المنوال جرى الإمام المذكور في مواضع من كتابه "الحجة" أيضاً، فعلى سبيل المثال نجده في كتاب البيوع من الكتاب المذكور يتطرق إلى مسائل كثيرة ثم في الختام يضع قاعدة مهمة فيقول: 7 - "كل شيء كره أكله والانتفاع به على وجه من الوجوه فشراؤه وبيعه مكروه، وكل شيء لا بأس بالانتفاع به فلا بأس ببيعه" (¬1). وعلى غرار ما سبق لما قلبنا النظر في كتاب "الأم" الذي أملاه الإمام الشافعي - رحمه الله - (204 هـ) على بعض أصحابه وجدناه أحياناً يقرن الفروع بأصولها. وتلك الأصول في الغالب لا تعدو أن تكون ضوابط فقهية ومن الخليق بأن نسميّها "كُلّيات" باعتبار بدايتها بـ "كلّ". وبجانب ذلك هناك قواعد فقهية يمكن إجراؤها وتطبيق الفروع عليها في كثير من الأبواب. وهي آية بيّنة على رواسب هذا العلم في أقدم المصادر الفقهية، ورسوخ فكرة التعليل والتأصيل للأحكام عند الأئمة الأولين. وإليك نماذج متنوعة من الكتاب المذكور: 1 - "الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه": هذه القاعدة جرت على لسان الإمام الشافعي عند تعليل بعض الأحكام المتعلقة بالإكراه كما جاء في الكتاب المذكور تحت عنوان: "الاكراه وما في معناه": قال الشافعي - رحمه الله -: قال الله ¬

_ (¬1) كتاب الحجة على المدينة، ترتيب وتصحيح وتعليق: السيد مهدي حسن الكيلاني. (ط الهند: حيدر أباد، 1983 هـ / 1968 م، تصوير بيروت، عالم الكتب) (2/ 771 - 772).

عز وجل {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} (¬1) ثم أضاف إلى ذلك قائلاً: "وللكفر أحكام كفراق الزوجة وأن يقتل الكافر ويغنم ماله، فلما وضع الله عنه، سقطت عنه أحكام الإكراه على القول كله لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وما يكون حكمه بثبوته عليه" (¬2). 2 - "الرخص لا يُتَعَدَّى بها مواضعها": نص على هذه القاعدة عند بيان مسائل تتصل بصلاة العذر، إذ يقول معلّلاً لبعض الأحكام: " .... إن الفرض استقبال القبلة والصلاة قائماً، فلا يجوز غير هذا إلا في المواضع التي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم - عليها، ولا يكون شيء قياساً عليه، وتكون الأشياء كلها مردودة إلى أصولها. والرخص لا يتعدى بها مواضعها" (¬3). ونجده يوحي إلى معنى هذه القاعدة في موضع آخر مع ضرب المثال لها فيقول: " ... ولم نُعَدِّ بالرخصة موضعه كما مر نُعَدِّ بالرخصة المسح على الخفين، ولم نجعل عمامة ولا قفازين قياساً على الخفين" (¬4). ويبدو عند التأمل أن هذه القاعدة قريبة مما تقرره القاعدة المشهورة: "ما ثبت على خلاف القياس ففيره لا يقاس عليه" (¬5). 3 - "ولا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل إنما ينسب إلى ¬

_ (¬1) سورة النحل: الآية 106. (¬2) الأم (تصوير بيروت: دار المعرفة) 3/ 236 (¬3) المصدر نفسه (1/ 80، باب صلاة العذر). (¬4) المصدر نفسه (2/ 167) باب فوت الحج بلا حصر عدوّ ولا مرض ولا غلبته على العقل. (¬5) انظر في الرسالة، صـ 420.

كلّ قوله وعمله" (¬1). هذه القاعدة أفصح عنها عند نقاش موضوع الاجتماع على مسائل فقهية. ثم تداولها الفقهاء وطبقوها في كثير من الأحكام. ولا شك أن القاعدة في موضعها جرت حسب مقتضى الموضوع، وربما لم تكن هناك حاجة إلي مزيد من الكلام لكن الفقهاء لم يقفوا عندها بل أتبعوها باستثناء يُكمل الموضوع فأضافوا إليها: "ولكن السكوت في موضع الحاجة بيان" وهذا المثال خير شاهد على التطور المستمر المتواصل في صيغ القواعد على امتداد الزمان. 4 - (أ) "يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها" (¬2). (ب) "قد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات (¬3). (ج) "كل ما أحل من مُحرَّم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة، فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم، مثلاً: المَيْتَة المُحرَّمة في الأصل المُحَلَّةُ للمضطر، فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم" (¬4). فهذه القواعد الثلاث - التي تباينت صيغها ومظاهرها - نجدها متحدةً في مغزاها، فإنها تُفْضى إلى مفهوم واحد وهو بيان حكم الضرورة. ¬

_ (¬1) الأم، باب الخلاف في هذا الباب (أي باب الساعات التي تكره فيها الصلاة) (1/ 152). (¬2) المصدر نفسه (4/ 168 باب تفريع فرض الجهاد. (¬3) المصدر نفسه (4/ 142)، تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب. (¬4) المصدر نفسه (4/ 362)، الحجة في الأكل والشرب في دار الحرب.

ثم القاعدة الأخيرة بجانب بيان الحكم تضيف قيداً إلى القاعدة، وهو: فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم. ومما لا غبار عليه ان هذه القواعد جرت على نسق قويم ورصين. ثم هى وأشباهها ربما ساعدت الفقهاء على سبْك القاعدة وصهرها في قالب أضبط وأركز، فقد شاهدنا هذا التطور، ووجدنا الفقهاء يعبرون عما سبق بقولهم: الضرورات تبيح المحظورات، وكذا: الضرورة تُقدر بقدرها. 5 - "الحاجة لا تُحق لأحد أن يأخد مال غيره" (¬1). هذه القاعدة يتبين فيها مدى احترام حقوق العباد في أحوالهم والحفاظ عليها، إذ الحاجة لا تبرّر أخذ مال الغير، فلو أخذه أحد لكان آثماً وضامناً، بخلاف الضرورة التي تُسْقط الإثم وتفرض الضمان إذ الاضطرار لا يُبطلُ حقّ الغير. وقد أشار الإمام الشافعي أيضاً إلي ذلك الفرق بين الضرورة والحاجة في القاعدة التالية: 6 - " ... وليس بالحاجة محرَّم إلاَّ في الضرورات" (¬2). وما سوى تلك القواعد هناك عبارات مذهبية تحمل سمة القواعد كما ورد في النص التالي: "والرخصة عندنا لا تكون إلاَّ لمطيع، فأما العاصي فلا" (¬3). فهذه العبارة وأمثالها لما تكررت على ألسنة الفقهاء اكتسبت ¬

_ (¬1) المصدر نفسه (2/ 77). (¬2) الأم (3/ 28)، باب ما يكون رطباً أبداً. (¬3) المصدر نفسه (1/ 226) في أي خوف تجوز فيه صلاة الخوف وصـ 200 ط الشعب.

صيغة مركزة، فقد عبر عنها الفقهاء المتأخرون في المذهب بقولهم: "الرُّخص لا تناط بالمعاصي". أما "الكليات" التي أشرت إلى وجودها في مستهل الكلام هنا فهي كثيرة، وبعضها قريب من مفهوم القواعد، ومعظمها ضوابط فقهية. وفيما يلي تقدم نماذج منها ونختم بها موضوع القواعد عند الإمام الشافعي. 1 - "كل ما له مثل يردُّ مثله، فإن فات يردّ قيمته (¬1) " 2 - "كل من جُعل له شيء فهو إليه إن شاء أخذه وإن شاء تركه" (¬2). 3 - "كل حق وجب عليه فلا يبرئه منه إلا أداؤه" (¬3). وفيما يبدو أن هذه الأمثلة يتحقق فيها مفهوم القاعدة وتصلح أن تدرج في سلكها من حيث المظهر والمعنى. أما الكليات التي ينطبق عليها مفهوم الضابط فهي مثل قوله: "كل ثوب جهل من ينسجه، أنسجه مسلم، أو مشرك، أو وثني، أو مجوسي، أو كتابي، أو لبسه واحد من هؤلاء أو صبي، فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة" (¬4). وكذلك قوله: "كُلُ حالٍ قدر المصلي فيها على تأدية فرض الصلاة كما ¬

_ (¬1) المصدر نفسه (3/ 241)، الإقرار بغصب شيء بعده وغير عدد. (¬2) المصدر نفسه (3/ 199) , التفليس. (¬3) المصدر نفسه (2/ 68 - 69)، باب صيغة زكاة الفطر قبل قسمها. (¬4) المصدر نفسه (1/ 55) باب طهارة الثياب.

فرض الله تعالى عليه صلاها، وصلى ما لا يقدر عليه كما يطيق" (¬1). فإن هذين المثالين لا يسري عليهما حكم القاعدة، فإنهما من الضوابط، ولكن يمكن أن نعدّ كلا المثالين ضابطاً في ميدان القواعد، من حيث إن المثال الأول يتضمن فروعاً تتعلق بالقاعدة الأساسية الشهيرة "اليقين لا يزول الشك". والمثال الثاني بمثابة فرع لما تُقَرِّره القاعدة المتداولة بين الفقهاء: "الميسور لا يسقط بالمعسور". ومن القواعد المنسوبة إلي الإمام الشافعي - رحمه الله - القاعدة المشهورة: "إذا ضاق الأمر اتسع" فقد ذكر العلامة الزركشي نقلاً عن أئمة الشافعية أن هذه القاعدة من عبارات الشافعي الرشيقة. وقد أجاب بها في عدة مواضع منها: ما إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلاً يجوز. قيل له: كيف هذا؟ فقال: إذا ضاق الأمر اتسع" (¬2). هناك عبارات مروية عن الإمام أحمد (¬3) - رحمه الله - (241 هـ). أوردها الإمام أبو داود (¬4) في كتاب "المسائل" تتسم بطابع القواعد. ¬

_ (¬1) المصدر نفسه (1/ 81) باب صلاة المريض. (¬2) انظر: الزركشي: المنثور في القواعد، تحقيق الدكتور: تيسير فائق أحمد محمود (ط. الكويت) ج 1/ 120 - 121. (¬3) الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المروزي أحد الأئمة الأعلام، ولد سنة 164، وتوفي سنة 241، وهو أشهر من أن يُترجم له، وقد أطال الذهبي الحديث عنه في كتابه سير أعلام النبلاء جـ 11 من صـ 177 - 358، وما أوفاه حقه. (¬4) أبو داود الإمام سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني شيخ =

وهي قواعد مفيدة في أبوابها. منها: ما جاء في باب الهبة عنه قال: "سمعت أحمد يقول: "كل ما جاز في البيع تجوز فيه الهبة والصدقة والرهن" (¬1). وفي باب بيع الطعام بكيله ورد عن طريقه قول أحمد أنه قال: "كل شيء يشتريه الرجل مما يكال أو بوزن فلا يبعه حتى يقبضه، وأما غير ذلك فرخص فيه" (¬2). ومن هذا الباب ما روى عن القاضي سَوَّار (¬3) بن عبد الله (245 هـ) قوله: "كل أمر خالف أمر العامة فهو عيب يرد به" (¬4). من خلال هذا العرض الوجيز لبعض ما وصل إلينا من الأحاديث والآثار والأقوال في معنى القواعد يمكن أن نخلص إلى الأمور التالية: 1 - وجدت القواعد الفقهية ورسخت فكرتها عند الأقدمين في غضون هذه المراحل كلها، قبل أن تعرف تلك العبارات باعتبارها قواعد ¬

_ = السنة، محدِّث البصرة، أحد حفاظ الإسلام، صاحب السنن، ولد سنة 202 هـ ورحل وجمع وصنف مات في شوال سنة 275. أهـ مختصراً. سير أعلام النبلاء جـ 13 صـ 203 فما بعدها. (¬1) أبو داود السجستاني: كتاب مسائل الإمام أحمد، تقديم: السيّد رشيد رضا، ط. بيروت الثانية). صـ 203. (¬2) المصدر نفسه، صـ 202. (¬3) هو سوَّار بن عبد الله القاضي العنبري، أبو عبد الله البصري، نزل بغداد، وولي بها قضاء الرَّصافة، وكان فقيهاً، فصيحاً، أديباً، شاعراً، سئل الإمام أحمد عن سوار فقال: "ما بلغني عنه إلا خير، توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. أنظر. الخطيب/ تاريخ بغداد (ط. بيروت) ج 9/ 211 - 212. (¬4) وكيع: أخبار القضاة (2/ 55).

وتصطبغ بصبغة "العلم". 2 - إذا أردنا أن نرسم صورة واضحة لتطور حركة التأليف في مجال القواعد، فإن علينا أولاً أن نعتمد على مثل تلك النصوص المبعثرة هنا وهناك فهي مصدر الانطلاق لنا في هذا الباب. 3 - لقد جرت على ألسنة المتقدمين من القواعد ما تضارع القواعد المتداولة في القرون المتأخرة ولا سيما بعض ما ذكرناه عن الإمام محمد والإمام الشافعي - رحمهما الله - فهي تقريباً نفس القواعد المعهودة لدينا في أساليبها وصيغها. 4 - فيما يظهر أن تلك الآثار والأقوال كانت حافزاً للمتأخرين على استنباط القواعد وجمعها وتدوينها، والتقدم نحو هذا الاتجاه. وعلى أقل التقدير يمكن القول بناء على هذه النماذج المأثورة أنه قامت اللبنة الأولى للقواعد في غضون القرون الثلاثة الأولى، بحيث شاع فيها استعمال تلك القواعد وتبلورت فكرتها في أذهانهم، وإن لم يتسع نطاقها، لعدم الحاجة إليها كثيراً في تلك العصور. وهو الطور الأول الذي أسميناه طور "النشوء والتكوين" للقواعد الفقهية.

الطور الثاني: طور النمو والتدوين

الطور الثاني: طور النمو والتدوين وأما بداية القواعد الفقهية باعتبارها فناً مستقلاً، فقد تأخرت عن العصور المبكرة إلى عصر الفقهاء في إبان القرن الرابع الهجري، وما بعده من القرون. وتفصيلاً لهذا القول يمكن أن نقول إنه لما برزت ظاهرة التقليد في القرن الرابع الهجري، واضمحل الاجتهاد (¬1) وتقاصرت الهمم في ذلك العصر مع وجود الثروة الفقهية العظيمة الوافية التي نشأت من تدوين الفقه مع ذكر أدلته وخلاف المذاهب وترجيح الراجح منها - وهو الذي عرف أخيراً بالموازنة أو المقارنة بين المذاهب - وبما خلفه الفقهاء من أحكام اجتهادية معَلَّلة، لم يبق للذين أَتوا بعدهم إلاَّ أن يخرجوا من فقه المذاهب أحكاماً للأحداث الجديدة كما أشار إلى ذلك العلامة ابن خلدون (¬2) بقوله: ¬

_ (¬1) وهذا كله باعتبار الغالب، وإلا فقد كان يوجد في ذلك العصر أيضاً من يجتهد كأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)، والطحاوي (321 هـ)، وغيرهما من الأئمة. وإلى هذا أومأ الشاه ولي الله الدهلوي - رحمه الله - في قوله: "إن أهل المائة الرابعة لم يكونوا مجتمعين على التقليد الخالص على مذهب واحد، والتفقه له، والحكاية لقوله كما يظهر من التتبع" حجة الله البالغة (ط. القاهرة: دار الجيل للطباعة) (1/ 152). (¬2) ابن خلدون أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي، الأشبيلي، العالم الإجتماعي المؤرخ أصله من أشبيلية ومولده ومنشأه بتونس ولد سنة 732 هـ له رحلات وهو صاحب المقدمة والتاريخ المسمى بالعبر مات بمصر سنة 808 هـ - الأعلام جـ 3 صـ 330 مختصراً

"ولما صار مذهب كل إمام علماً مخصوصاً عند أهل مذهبه، ولم يكن لهم سبيل إلي الاجتهاد والقياس، فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذاهب إمامهم" (¬1). وعن طريق هذا التخريج للمسائل على أصول المجتهدين نما للفقه واتسع نطاقه، وتمت مسائله، وبدأ الفقهاء يضعون أساليب جديدة للفقه، فهذه الأساليب يذكرونها مرة بعنوان القواعد والضوابط، وتارة بعنوان الفروق، وتارة أخرى بعنوان الألغاز (¬2)، والمطارحات (¬3)، ¬

_ (¬1) مقدمة ابن خلدون، (ط. بيروت الرابعة: دار إحياء التراث العربي)، صـ 449. (¬2) الألغاز: جمع لغز بالضم والضمتين وبالتحريك، معناه: كلام عمي مراده، والمراد: المسائل التي قصد إخفاء وجه الحكم فيها لأجل الامتحان. (أنظر الحموي: غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر (1/ 17 - 18)، وقد اعتنى بالتصنيف في الألغاز على الاستقلال جماعة من العلماء. شهم العلامة علي بن محمد المعروف بابن العز الحنفي صنف الألغاز في كتابه "التهذيب لذهن اللبيب" وصنف العلامة ابن عبد البر الشهير بابن الشحنة كتابه "الذخائر الأشرفية في ألغاز السادة الحنفية" (مطبوع على حاشية شرح يونس الطائي على الكنز) وغيرهما من العلماء. أنظر: النابلسي: "كشف الخطاير شرح الأشباه والنظائر" مخطوط. و: 12، وللأسنوي كتاب في هذا الموضوع بعنوان "طراز المحافل في ألغاز المسائل" ولابن فرحون المالكي (799 هـ) كذلك كتاب بعنوان "درة الغواص في محاضرة الخواص" (ألغاز فقهية)، مطبوع بتحقيق: محمد أبو الأجفان وعثمان بطيخ القاهرة، مطبعة التقدم). (¬3) المطارحات: هي مسائل عويصة، يقصدون منها تنقيح الأذهان. مقدمة "قواعد الزركشي": مخطوط و: 2 وذكر الإسنوى في مقدمة كتابه "مطالع الدقائق في الجوامع والفوارق" تأليفاً في هذا الفن لأبي عبد الله القطان بعنوان: كتاب المطارحات.

ومعرفة الأفراد (¬1)، والحيل (¬2) وغيرها من الفنون الأخرى في الفقه، وتوسّعوا في بيان بعضها، منها الفروق والقواعد والضوابط. وأما الفروق فقد وجدوا أن من المسائل الفقهية ما تشابه في الظاهر مما قد يظن أن له حكماً واحداً، ولكنه في الحقيقة مختلف، وبين المسألة والأخرى المشابهة لها فرقاً يجعل لكل مسألة حكماً خاصاً بها، فألفوا "الفروق" كما سلفت الإشارة إلى ذلك في الفصل الأول. وأما القواعد والضوابط فحينما كثرت الفروع والفتاوى بكثرة الوقائع والنوازل توسعوا في وضعها على هَديٍ من سَلفهم تدور في أبواب مختلفة من الفقه تضبط كثرة الفروع، وتجمعها في قالب متّسق، لصيانتها من الضياع والتشتت كما فعل العلامتان أبو الحسن الكرخي في رسالته، وأبو زيد االدّبوسي في تأسيس النظر تحت عنوان الأصول، غير أنها إذا كانت في موضوعات مختلفة سميناها قواعد؛ وإذا كانت في موضوع واحد سميناها ضوابط، حسب ما استقر عليه الاصطلاح في القرون التالية. ومما يشهد له التاريخ ويظهر ذلك بالتتبع والنظر، أن فقهاء المذهب الحنفي كانوا أسبق من غيرهم في هذا المضمار، ولعل ذلك للتوسع عندهم في الفروع، وأخذ بعض الأصول عن فروع أئمة مذهبهم، ومن ثم ترى ¬

_ (¬1) معرفة الأفراد: هو معرفة ما لكل من الأصحاب في المذاهب من الأوجه الغريبة. أنظر: الزركشي: "القواعد" مخطوط،: 2. (¬2) الحِيل: جمع حيلة وهي الحذق وجودة النظر، والمراد بها هنا: ما يكون مخلصاً شرعياً لمن ابتلي بحادثة دينية، ولكون المخلص من ذلك لا يدرك إلا بالحذق وجودة النظر، أطلق عليه لفظ الحيلة، هذا ما قاله الحموي في شرح الأشباه (1/ 18)، وقال النسفي في طلبة الطَّلبة: "الحيلة هو ما يتلطف بها لدفع المكروه أو لجلب المحبوب" صـ 171.

الإمام محمد - رحمه الله - في كتاب الأصل يذكر مسألة فيفرّع عليها فروعاً قد يعجز الإنسان عن وعيها والإحاطة بها. وكل ذلك جعل الطبقات العليا من فقهاء المذهب يصوغون القواعد والضوابط التي تسيطر على الفروع الكثيرة المتناثرة وتحكمها. ولعل أقدم خبر يروي في جمع القواعد الفقهية في الفقه الحنفي مصوغة بصيغها الفقهية المأثورة، ما رواه (¬1) الإمام العلائي الشافعي (761 هـ) والعلامتان السيوطي (911 هـ) وابن نجيم (970 هـ) في كتبهم في القواعد: أن الإمام أبا طاهر الدبَّاس (¬2) من فقهاء القرن الرابع الهجري قد جمع أهم قواعد مذهب الإمام أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة كلية، وكان أبو طاهر - رحمه الله - ضريراً يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد انصراف الناس. وذكروا أن أبا سعد الهروي (¬3) الشافعي قد رحل إلى أبي ¬

_ (¬1) انظر العلائي: المجموع المُذهب في قواعد المذهب.، بغداد مكتبة مديرية الأوقاف العامة، أصول الفقه "4268" شريط مصور منه بمركز البحث العلمي، وأصول الفقه، برقم 259، و: 11 الوجه الثاني. السيوطي: الأشباه والنظائر صـ 7 ابن نجيم: الأشباه والنظائر صـ 10 - 11. (¬2) هو محمد بن محمد بن سفيان، كان من أقران أبي الحسن الكرخي، وكان يوصف بالحفظ ومعرفة الروايات، ولد ببغداد، وولي القضاء بالشام، توفي بمكة المكرمة. انظر: اللكنوي: الفوائد البهية، صـ 178. (¬3) الظاهر أنه محمد بن أحمد بن أبي يوسف المكنى بأبي سعد وقيل أبي سعيد (488 هـ) فقيه شافعي، من أهل هرات؛ له "الإشراف في شرح أدب القضاء" انظر: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: الطناحي وعبد الفتاح الحلو، رقم 563، (ط. القاهرة الأولى: عيسى البابي الحلبي)، 5/ 365 والزركلي: الأعلام (ط. بيروت الخامسة، دار العلم للملايين) 5/ 316.

طاهر (¬1)، ونقل عنه بعض هذه القواعد. ومن جملتها القواعد الأساسية المشهورة وهي: 1 - الأمور بمقاصدها. 2 - اليقين لا يزول بالشك. 3 - المشقة تجلب التيسير. 4 - الضرر يزال. 5 - العادة محكَّمة (¬2). وإنه ليس من الميسور تحديد القواعد التي جمعها الإمام أبو طاهر، أو الوقوف عليها ما عدا هذه القواعد المشهورة الأساسية، إلا أنه يمكن أن الإمام الكرخي (340 هـ) الذي هو من أقران الإمام الدَّبَّاس اقتبس منه بعض تلك القواعد، وضمَّها إلى رسالته المشهورة التي تحتوي على تسع وثلاثين قاعدة. ولعلها أول نواة للتأليف في هذا الفن. وممن أضاف إلى ثروة هذه المجموعة المتناقلة عن الإمام الكرخي هو الإمام أبو زيد الدَّبوسي (430 هـ) في القرن الخامس الهجري. إذا يمكن أن يقال إن القرن الرابع الهجري هو المرحلة الثانية في نشأة القواعد الفقهية ¬

_ (¬1) والأصح أن الذي رحل إلى أبي طاهر هو أحد أئمة الحنفية المعاصرين له، وليس أبو سعد الهروي لأن التاريخ مكذب لهذا لأن أبا سعد تُوفي سنة 488 هـ فبينه وبين وفاة الدباس المتوفي أوائل القرن الرابع قرن ونصف تقريباً، وأيضاً إن الدباس ليس من علماء ما وراء النهر: بورنو (¬2) وقد نظم بعض الشافعية هذه القواعد الخمس الأساسية في بعض الأبيات: خمس مقررة قواعد مذهب ... للشافعي فكن بهن خبيراً. ضرر يزال وعادة قد حكمت ... وكذا المشقة تجلب التيسيراً. والشك لا ترفع به متيقناً ... والقصد أخلص إن أردت أجوراً.

وتدوينها، حيث وجد أول كتاب في هذا الفن وهو يمثل بداية هذا العلم من ناحية التدوين. أما بعد كتاب "تأسيس النظر" للدَّبُّوسي فلم أعثر على أي كتاب في هذا العصر؛ وكذلك في القرن السادس الهجري، اللهم إلا كتاب الإمام علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي (540 هـ) بعنوان "إيضاح القواعد" الذي ذكره صاحب هديّة العارفين (¬1) فإنه من المحتمل أن يكون ذلك الكتاب من قبيل هذا الموضوع. ولا شك أن عدم العثور على المؤلفات لا يدل على انقطاع الجهود في هذه الحقبة المديدة، بل ينبغي أن يقال إنها طويت في لجة التاريخ أو ضاعت كما هو الشأن في كثير من الموضوعات. أمَّا في القرن السابع الهجري فقد برز فيه هذا العلم إلى حد كبير، وإن لم يبلغ مرحلة النضوج. وعلى رأس المؤلفين في ذلك العصر: العلامة محمد بن إبراهيم الجاجرمي السّهلكي (613 هـ) (¬2)، فألف كتاباً بعنوان: "القواعد في فروع الشافعية" (¬3) ثم الإمام عزَّ الدين بن عبد السلام ¬

_ (¬1) هدية العارفين (6/ 90). (¬2) هو معين الدين، أبو محمد بن إبراهيم، الفقيه الشافعي، كان إماماً مُبَرِّزاً، سكن نَيْسابور ودرس بها، وصنَّف في الفقه كتاب "الكفاية" وله كتاب "إيضاح الوجيز" أحسن فيه، ... انتفع به الناس وبكتبه خصوصاً: "القواعد" فإن الناس أكبّوا على الإشتغال بها، والجاجرمي - بفتح الجيمين وسكون الراء - نسبة إلى جاجرم، بلدة بين نيسابور وجُرجان، انظر: العماد الحنبلي: شذرات الذهب (5/ 56). (¬3) انظر: ابن قاضي شُهبة: طبقات الشافعية (2/ 56).

(660 هـ) ألف كتابه "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" الذي طبَّق صِيْتُه الآفاق. ومن فقهاء المالكية ألف العلامة محمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصيُّ (685 هـ) كتاباً بعنوان: "المُذهب في ضبط قواعد المَذهب" (¬1). فهذه المؤلفات تعطينا فكرة عامة عن القواعد الفقهية في القرن السابع الهجري، وأنها بدأت تختمر وتتبلور يوماً فيوماً. أما القرن الثامن الهجري فهو يعتبر العصر الذهبي لتدوين القواعد الفقهية ونمو التأليف فيها، تفوقت فيه عناية الشافعية لإبراز هذا الفن. ثم تتابعت هذه السلسلة في المذاهب الفقهية المشهورة. ومن أهم وأشهر ما ألف في ذلك العصر الكتب التالية: 1 - الأشباه والنظائر: لابن الوكيل الشافعي (716 هـ). 2 - كتاب القواعد: للمَقرَّي المالكي (758 هـ). 3 - المجموع المُذهب في ضبط قواعد المذهب: للعلائي الشافعي (761 هـ). 4 - الأشباه والنظائر: لتاج الدين السبكي (771 هـ). ¬

_ (¬1) انظر: ابن فرحون: الديباج المذهب، (2/ 328 - 329) وقال فيه تنويهاً بشأن الكتاب "جمع فيه جمعاً حسناً". والمؤلف هو محمد بن عبد الله بن راشد البكري، أبو عبد الله، فقيه أديب، ومشارك في كثير من العلوم، ولد بقفصة، وتعلم بها، توفي بتونس. من آثاره العلمية: "الشهاب الثاقب في شرح مختصر ابن الحاجب الفقهي" و "النظم البديع في اختصار التفريع" وقيل: إن وفاته كانت سنة 736 هـ. انظر: ابن فرحون، المصدر نفسه، (2/ 228 - 229)، والزركلي: الأعلام (7/ 111 - 112).

5 - الأشباه والنظائر: لجمال الدين الإسنوي (¬1) (772 هـ). 6 - المنثور في القواعد: لبدر الدين الزركشي (794 هـ). 8 - القواعد في الفقه: لابن رجب الحنبلي (795 هـ). 9 - القواعد في الفروع لعلي بن عثمان الغَزّي (¬2) (799 هـ). ومعظم هذه المؤلفات - على اختلاف مناهجها ومناحيها - حملت ثروة كبيرة من القواعد والضوابط، والأحكام الأساسية الأخرى، وفيها إرهاص على نضوج هذا الفن إلى حد كبير ذلك العصر. وفي القرن التاسع الهجري أيضاً جدّت أخرى على المنهاج السابق. فتجد في مطلع هذا القرن العلامة ابن الملقَّن (804 هـ) صنّف كتاباً في القواعد اعتماداً على كتاب الإمام السبكي، وما سواه من الكتب التي نسجلها كما يلي: 1 - أسنى المقاصد في تحرير القواعد: لمحمد بن محمد الزبيري (¬3) (808 هـ). ¬

_ (¬1) طبقات ابن قاضي شُهبْة (2/ 135)، وكشف الظنون (2/ 1950). (¬2) هو علي بن عثمان الغزّي، الدمشقي، الحنفي، الملقب بشرف الدين، من فقهاء الحنفية الكبار في عصره؛ من تصانيفه: الجواهر والدرر في الفقه، والقواعد في فروع الفقه. انظر: إسماعيل باشا: هدية العارفين (1/ 726)، ابن قاضي شُهبْة/ طبقات الشافعية (3/ 217). (¬3) انظر: السخاوى: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (ط. القاهرة مكتبة القدسي سنة 1354 هـ) (9/ 218)، والرقم: 537. والمؤلف يعرف بالعيزري، فقيه شارك في علوم عديدة، له نُكت على المنهاج أسماه "الارتجاج على المنهاج" انظر: ابن العماد: شذرات الذهب (7/ 97).

2 - القواعد لمنظومة: لابن الهائم المقدسي (¬1) (815 هـ)، وأيضاً قام بتحرير "المجموع المُذهب في قواعد المذهب" للعلائي، وأسماه "تحرير القواعد العلائية وتمهيد المسالك الفقهية" (¬2). 3 - كتاب القواعد: لتقي الدين الحصني (829 هـ). 4 - نظم الذخائر في الأشباه والنظائر: لعبد الرحمن بن علي المقدسي المعروف بشُقير (¬3) (876 هـ). 5 - الكليات الفقهية والقواعد: لابن غازي المالكي (¬4) (901 هـ). ¬

_ (¬1) هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد المصري، ثم المقدسي، الشافعي، الفرضي، الشهير: بـ "ابن الهائم" وُلد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، حصل طرفاً صالحاً من الفقه، وعنى بالفرائض حتى فاق الأقران، ورحل إليه الناس من الأفاق، وله تصانيف نافعة، سمع منه ابن حجر العسقلاني. توفي ببيت المقدس سنة خمس عشرة وثمانمائة. انظر ابن العابد: شذرات الذهب (7/ 109). (¬2) هدية العارفين (5/ 120). (¬3) هو شرف الدين عبد الرحمن بن علي بن إسحاق الخليلي، مفسر، محدث، أديب، شاعر، ولد ببلدة الخليل، وتوفي بها، من آثاره: الذخائر في الأشباه والنظائر، ونظم أسباب النزول للجعبري، انظر السخاوي: الضوء اللامع (4/ 95) الرقم 279، هدية العارفين (1/ 533). (¬4) قواعد ابن غازي كتاب قيم في هذا الباب عند المالكية، عُني بتحقيقه وتخريجه الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان، أستاذ في كلية الشريعة في الجامعة الزيتونية بتونس خريج الكلية نفسها في قسمي الماجستير والدكتوراة، فقد قام بتحقيقها خير قيام حيث بذل جهداً سنوات عديدة في أطروحته للدكتوراة". أما مؤلف الكتاب فهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن غازي العثماني المكناسي، أحد عُلماء المغرب، وأساتذتهم الذين عظم بهم الإنتفاع، وملأ صِيتهم البقاع، فلم يقتصر الأخذ عنه على أهل المغرب خاصة، بل قصده الناس من كافة أنحاء أفريقيا الشمالية؛ وكتابه: الكليات الفقهية هو من مبتكراته =

6 - القواعد والضوابط لابن عبد الهادي (909 هـ) يوسف بن حسن. ونستطيع أن نقول من خلال النظر في بعض تلك المؤلفات التي عثرنا عليها: إن الجهود في هذا الفن تتالت على مرور الأيام، وإن ظل بعضها مقصوراً وعالة على ما سبقها من الجهود في القرن الثامن الهجري، خاصة عند الشافعية. وإنما قام العلماء في هذا العصر بتكميل أو تنسيق لما جمعه الأوائل، كما تجد هذه الظاهرة واضحة في كتابي ابن الملقن وتقي الدين الحصني. ويبدوا أنه رقى النشاط التدويني لهذا العلم في القرن العاشر الهجري حيث جاء العلامة السيوطي (910 هـ)، وقام باستخلاص أهم القواعد الفقهية المتناثرة المبُدَّدة عند العلائي والسبكي والزركشي، وجمعهما في كتابه "الأشباه والنظائر" في حين أن تلك الكتب تناولت بعض القواعد الأصولية مع الفقهية ما عدا كتاب الزركشي كما سيأتي بيان ذلك بشيء من التفصيل. وفي هذا العصر قام العلامة أبو الحسن الزقاق التجيبي المالكي (912 هـ) بنظم القواعد الفقهية بعد استخلاصها وإقرارها من كتب السابقين مثل الفروق للقرافي وكتاب القواعد للمقَرَّى. واحتل الكتاب مكاناً رفيعاً عند فقهاء المالكية كما يظهر ذلك من الأعمال التي تتابعت على المنظومة. ¬

_ = وكان تأليفه له في أوائل عام 893، وانظر: عبد الله كنون، ابن غازي، ذكريات مشاهير رجال المغرب (ط. بيروت) صـ 22 - 23).

وكذلك العلامة ابن نجيم الحنفي (970 هـ) ألف على طراز ابن السبكي والسيوطي كتابه "الأشباه والنظائر" وهو يعتبر خطوة متقدمة، لأنه بعد انقطاع مديد ظهر مثل هذا الكتاب في الفقه الحنفي. وتهافت عليه علماء الحنفية تدريساً وشرحاً. وهكذا أخذ هذا العلم في الاتساع مع تعاقب الزمان دون انقطاع في القرن الحادي عشر وما بعده من قرون، ومن هنا يمكن القول بأن الطور الثاني وهو طور النمو والتدوين "للقواعد الفقهية" الذي بدأ على أيدي الإمامين الكرخي والدَّبوسي، أوشك أن يتم ويَتَنسَّق بتلك المحاولات المتتالية الرائعة على امتداد القرون. بعد هذا الاستعراض الوجيز لما تم ونضج في المرحلة الثانية لا بد من الوقوف وقفة إزاء تلك الجهود العلمية البناءة. فيا تُرى هل جرى وضع القواعد الموجودة في المؤلفات المستقلة على أيدي مصنفيها، أو إنما هي مرحلة تدوينية فحسب استتبعت جهوداً سابقة في هذا المجال؟ فالذي يتبادر إلي الذهن وما يشهد له الواقع أن المدونين للقواعد اقتبسوها بصفة عامة من المصادر الفقهية الرئيسية الأصلية، كُلٌّ من كتب مذهبه، كما نتلمح ذلك عند تقليب النظر في مصادر الفقه القديمة، حيث وردت القواعد فيها بصورة متناثرة في أماكن مختلفة. لا يتنافى ذلك مع كون بعض المؤلفين الذين كانوا يتمتعون بملكة ورسوخ في الفقه مثل ابن الوكيل وابن السبكي والعلائي ربما تمكنوا من وضع بعض القواعد التي لم ترد في كتب السابقين كما تبدو هذه الظاهرة من خلال المدونات الموجودة بين أيدينا وأحياناً صاغوا بعض عبارات الأقدمين التي حملت سمة القواعد صياغة متقنة جديدة.

ولاستجلاء تلك الحقيقة لمّا دققنا النظر في بعض المصادر الفقهية من المذاهب المختلفة، وجدنا أن الفقهاء يتعرضون للقواعد عند تعليل الأحكام وترجيح الأقوال، مثل الكاساني وقاضيخان وجمال الدين الحصيري من الحنفية، والقرافي من المالكية والجويني والنووي من الشافعية، وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة. فتراهم يذكرون القواعد الفقهية ويقرنون بها الفروع والأحكام. وهذا أمر مهم وذو شأن في إطار هذا المبحث. ونقدم هنا تفصيل ذلك بذكر بعض الأمثلة والنماذج للقواعد من المصادر الفقهية مع اختيار الترتيب الزمني دون المذهبي. ففي القرن الخامس الهجري وجدنا إمام الحرمين الجُويني (478 هـ) - رحمه الله - شأمة بين فقهاء المذهب الشافعي في هذا الباب حيث قام بتأصيل هذه القواعد في آخر كتابه "الغياثي" فعقد فيه فصلاً مستقلاً مُحْكَمَاً يتعلق بموضوعنا في أسلوبه الحواري الخاص. يقول في المرتبة الثالثة من هذا الكتاب: "إن المقصود الكُلِّي في هذه المرتبة أن نذكر في كل أصل من أصول الشريعة قاعدة منزلة القُطب من الرحا والأسِّ من المبنى، ونوضح أنها ... منشأ التفاريع وإليها انصراف الجميع" (¬1). وبدأ هذا الفصل بكتاب الطهارة 1 - ومن ضمن القواعد التي بحث مسائل الطهارة على أساسها: "قاعدة استصحاب الحكم بيقين طهارة الأشياء إلى أن يطرأ عليها يقين النجاسة" (¬2). ¬

_ (¬1) الغياثي تحقيق: د. عبد العظيم ديب (طبعة قطر) صـ 434 - 435. (¬2) المصدر نفسه صـ 439.

وجاء في فصل الأواني: "إن كل ما يشك في نجاسته فحكم الأصل الأخذ بالطهارة" (¬1). 2 - ذكر في مطلع كتاب الصلاة قاعدة مهمة بعنوان: "إن المقدور عليه لا يسقط بسقوط المعجوز عنه" (¬2). 3 - وفي الفصل نفسه عقد باباً بعنوان: "باب في الأمور الكلية والقضايا التكليفية" ورمز فيه إلى قاعدة "الضرورة" مع بيان بعض تفاصيلها وذكر فروعها. يقول وفق طريقته الافتراضية الحوارية: "إن الحرام إذا طبَّق الزمان وأهله، ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلاً، فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر" وضبط ذلك بقوله: فالمرعي إذاً رفع الضرار واستمرار الناس على ما يقيم قواهم" (¬3). 4 - وفي معرض هذا المبحث أورد القاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" بصيغة: "ما لا يعلم فيه تحريم يجري عليه حكم الحل" (¬4) وساق الأدلة في إثباتها وترجيحها. ثم فصّلها بقواعد فرعية أخرى مثلاً يقول: "فأما القول في المعاملات ¬

_ (¬1) المصدر نفسه صـ 449. (¬2) المصدر نفسه صـ 469. (¬3) الغياثي تحقيق: د. عبد العظيم ديب (طبعة قطر) صـ 478 - 480. (¬4) المصدر نفسه صـ 490.

فالأصل المقطوع به فيها اتباع تراضي المُلّاك ... والقاعدة المعتبرة: أن المُلّاك يختصون بأملاكهم، لا يزاحم أحد مالكاً في ملكه من غير حق مستحق (¬1). 5 - ذكر في نفس الفصل مسائل قاعدتي الإباحة وبراءة الذمة، ثم ختمها بقاعدة مشهورة: إن التحريم مُغَلّبٌ في الأبضاع (¬2). 6 - وتعرض لقاعدة البراءة الأصلية بعنوان: "كل ما أشكل وجوبه فالأصل براءة الذمة فيه" (¬3). 7 - وركز على القاعدة العامة المتعلقة برفع الحرج في عديد من المواضيع، مثلاً يقول في نهاية هذا الفصل إنه: "من الأصول التي آل إليها مجامع الكلام أنه إذا لم يُستيقن حجر أو حظر من الشارع في شيء فلا يثبت فيه تحريم" (¬4) .... , وأورد في موضع آخر ما يشبه ذلك تماماً: "إن التحريم إذا لم يقدم عليه دليل فالأمر يجري على رفع الحرج (¬5). فالناظر في هذه الأمثلة المذكورة يقف على بعض القواعد المهمة الجديدة في صياغتها، ما عدا بعض القواعد المشهورة، على سبيل المثال تأمل قاعدتين وهما: 1 - "إن المقدور لا يسقط بالمعجوز عنه". 2 - "الحاجة في حق آحاد الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في ¬

_ (¬1) المصدر نفسه صـ 494. (¬2) المصدر نفسه صـ 501. (¬3) المصدر نفسه 504. (¬4) المصدر نفسه صـ 509. (¬5) المصدر نفسه صـ 516.

حق الواحد المضطر". فلعل الجويني - رحمه الله - أول قائل لهما بهذه الصيغة، ثم عم ذكرهما عند المتأخرين من الشافعية وغيرهم لا سيما عند المدونين للقواعد. وفي القرن السادس الهجري لما شُرح بعض المصادر الفقهية الأصلية، أخذت القواعد في الاتساع، ونالت اهتمام الشارحين. ومنهم الإمام الكاساني (587 هـ) في "بدائع الصنائع" فقد سار في هذا الشرح على نهج قويم في ربط الفروع بأصولها وظهرت براعته في إبراز القواعد في مواطن كثيرة من الكتاب، ونجتزيء هنا ببعض الأمثلة فيما يلي: 1 - "النادر مُلحق بالعدم" (¬1). 2 - "الإشارة تقوم مقام العبارة" (¬2). 3 - "ذكر البعض فيما لا يتبعَّض ذِكرٌ لكله" (¬3). 4 - "العجز حُكماً كالعجز حقيقة" (¬4). 5 - "إن البقاء أسهل" (¬5). 6 - "الأمين يُصَدَّق ما أمكن" (¬6). 7 - "إن كل ما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحري" (¬7). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع (ط. القاهرة، مطبعة العاصمة) 4/ 1704. (¬2) المصدر نفسه: (4/ 1792). (¬3) المصدر نفسه (4/ 1918). (¬4) بدائع الصنائع (ط. القاهرة، مطبعة العاصمة) 4/ 1958. (¬5) المصدر نفسه (4/ 1962). (¬6) المصدر نفسه (4/ 2014). (¬7) المصدر نفسه (4/ 2080).

8 - "التعليق بشرطِ كائنِ تنجيز" (¬1). فانظر إلى هذه القواعد كيف تنسقت صياغتها عند الكاساني، وليس ببعيد ولا غريب أن يكون بعضها عريقة في صياغتها عند السابقين مثل الإمام محمد وغيره كما سلفت الإشارة إلى بعض الأمثلة من هذا القبيل في بداية هذا الفصل. وكل ذلك يدل على مدى تطور مستمر في صياغة القواعد وعناية الفقهاء بها عند تعليل الأحكام، وترجيح رأي من الأراء، وتوجيه أفكار أئمة المذاهب بتلك القواعد. وفي نفس الفترة من الزمن تقريباً نلاحظ أن الإمام فخر الدين الفرغاني الشهير بقاضي خان (¬2) (592 هـ) أولى القواعد عناية كبيرة. وهو يكاد ينفرد بين الفقهاء في هذا المجال، حيث في شرحه "الزيادات" و"الجامع الكبير" للإمام محمد، افتتح معظم الأبواب والفصول بذكر القواعد والضوابط، وافتنَّ في عرضها وقام بجهد جبار في ربط الفروع بأصولها. ثم تابعه في ذلك تلميذه العلاّمة جمال الدين الحصيري (¬3) (636 هـ) حيث صَدَّر كل باب في "التحرير شرح الجامع الكبير" بالقواعد ¬

_ (¬1) المصدر نفسه (4/ 1842). (¬2) قاضيخان: هو الإمام فخر الدين، الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي، الإمام الكبير، بقية السلف، ويُعدْ من طبقة المجتهدين في المسائل المشهورة "بالفتاوى الخانية" و"شرح الجامع الكبير" و"شرح الزيادات" للإمام محمد. انظر: قاسم بن قطلوبغا: تاج التراجم في طبقات الحنفية، صـ 22 رقم 56، والفوائد البهية، صـ 64 - 65. (¬3) الحصيري: هو العلاّمة أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيِّد البخاري، صنف الكتب الحسان منها: "شرح الجامع الكبير" وكان من العلماء العاملين. إليه انتهت رياسة أصحاب أبي حنيفة. توفي بدمشق سنة ست وثلاثين وستمائة =

والضوابط، وبطبيعة الحال بعضها أساسية مهمة ومعظمها فرعية ومذهبية، ولكنها لا تخلو عن الطرافة وجودة الصياغة في كثير من المواضع. وتوثيقاً للكلام تقدم هنا بعض النماذج من شرح الزيادات لقاضي خان وشرح الجامع الكبير للحصيري. وهي كما يلي: 1 - "الجمع بين البدل والمبدل محال": قال قاضيخان في الفصل الثالث من كتاب الطهارة: "إنه ينبني على أصل واحد: وهو أن الجمع بين الغسل والمسح على الخف لا يجوز لأن المسح بدل الغسل، والجمع بين البدل والمبدل محال. فإذا غسل إحدى الرِّجلين أو غسل بعض الرِّجل لا يمسح على الأخرى، كيلا يؤدي إلى الجمع بين البدل والمبدل" (¬1). 2 - "إن المبتلى من أمرين يختار أهونهما": قال في "باب الصلاة التي يكون فيها العذران": "بنى الباب: على أن المبتلى من أمرين يختار أهونهما لأن مباشرة الحرام لا تُباح إلا لضرورة، ولا ضرورة في الزيادة" (¬2). ثم فرع المسائل بناء على هذه القاعدة. ¬

_ = انظر: قاسم بن قطلوبغا: المصدر نفسه: صـ 69، رقم: 208، والفوائد البهية صـ 205. (¬1) شرح الزيادات "مخطوط" المكتبة الأزهرية، برقم (2920/ 44265)، شريط مصور منه في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، فقه حنفي، رقمه 168، 1/ و: 3، والوجه الأول. (¬2) شرح الزيادات "مخطوط" المكتبة الأزهرية، برقم (2920/ 44265)، شريط مصور منه في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، فقه حنفي، رقمه 168، 1/ 20، والوجه الثاني.

3 - قال في باب الإقرار بالرق ... بنى الباب على أصلين: أحدهما: "إن إقرار الإنسان يقتصر عليه، ولا يتعدى إلى غيره، إلاَّ ما كان من ضرورات المُقِرّ به، لقيام ولايته على نفسه، وعدم ولايته على غيره". والثاني: "إن الثابت بحكم الظاهر يجوز إبطاله بدليل أقوى منه" (¬1). 4 - قال في "باب ما يصدق الرجل إذا أقرَّ أنه استهلك من مال العبد والحربي وما لا يصدق": "بنى الباب على: إن كل من أنكر حقاً على نفسه، كان القول قوله، لأنه متمسكٌ بالأصل وهو فراغ الذمة. ومن أقر بسبب الضمان وادَّعى ما يسقطه لا يُصَدَّق إلاَّ بحجة، لأن صاحبه متمسك بالأصل في إبقاء ما كان" (¬2). ومن القواعد التي قد تكرر استعمالها في مواضع من الشرح كما يلي: 5 - "الظاهر يصلح حجة للدفع دون الاستحقاق" (¬3). 6 - "الحادث يحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات" (¬4). ¬

_ = مثال ذلك: "لو صلى قائماً سَلِس بوله، أو سال جُرحه، أولا يقدر على القراءة، ولو صلى قاعداً لم يصبه شيء من ذلك؛ فإنه يصلي قاعداً يركع ويسجد لأنه ابتلي بين ترك القيام وبين الصلاة مع الحدث، أو بدون القراءة، وترك القيام أهون، وإنه يجوز حال الاختيار وهو التطوع؛ وترك القراءة لا يجوز إلا لعذر وكذا الصلاة مع الحدث". المصدر نفسه، (2 /و: 418 الوجه الأول). (¬1) المصدر نفسه: (2/و: 418 الوجه الأول). (¬2) المصدر نفسه: (2/ز: 44 الوجه الأول). (¬3) المصدر نفسه: (1 /و: 41 الوجه الثاني). (¬4) المصدر نفسه: (1/و: 242).

7 - "إن البينة حجة يجب العمل بها ما أمكن" (¬1). والملحوظ هنا أنه عبر عن القاعدة بكلمة الأصل باعتبار ما يتفرع عليه من فروع وجزئيات. ومن نماذج تلك الأصول والقواعد عند الحصيري في "التحرير شرح الجامع الكبير" ما يلي: 1 - "باب من الطهر في الوضوء والثوب وغير ذلك" بدأه بقوله: "أصل الباب أن ترك القياس في موضع الحرج والضرورة جائز، لأن الحرج منفي ومواضع الضرورات مستثناة من قضيات الأصول" (¬2). 2 - .. باب صلاة العيدين" استهل الكلام فيه بقوله: "أصل الباب أن رأي المجتهد حجة من حجج الشرع، وتبدل رأي المجتهد بمنزلة انتساخ البعض يعمل به في المستقبل، لا فيما مضى" (¬3). 3 - "جاء في صدر "باب الصيام والاعتكاف": "أصل الباب أن موجب اللفظ يثبت باللفظ ولا يفتقر إلى النية، ومحتمل اللفظ لا يثبت إلا بالنية، وما لا يحتمله لفظه لا يثبت وإن نوى" (¬4). ¬

_ (¬1) المصدر نفسه: (1/و: 24، الوجه الأول). (¬2) التحرير في شرح الجامع الكبير "مخطوط" برقم: (4802/ 44147)، المكتبة الأزهرية شريط مصور منه في المركز، فقه حنفي، الرقم: 52، ج 1/ صفحة: 24. (¬3) المصدر نفسه (1/ 40). (¬4) التحرير في شرح الجامع الكبير "مخطوط" برقم: (4802/ 44147) المكتبة الأزهرية شريط مصور منه في المركز، فقه حنفي، الرقم: 52، (1/ 58).

4 - "جاء في مستهل "باب المرأتين في العقد الذي يكون أوله جائزاً ثم يفسد": "أصل الباب: أن الإجازة إذا لحقت العقد الموقوف كان لحالة الإجازة حكم الإنشاء، لأن العقد لم يتم قبل الإجازة، وإنما تم ونفذ بالإجازة، فكان لها حكم الإنشاء فيكون الطاريء على العقد الموقوف يُجعل كالمقارن للعقد. لأنه سبق النفاذ الذي هو المقصود بالعقد، فيجعل في التقدير سابقاً على ما هو وسيلة لاستتباع المقاصد" (¬1). 5 - قال في فاتحة "باب الإقرار في البيع في فساد وغير فساد": "أصل الباب أن القاضي مأمور بالنظر والاحتياط لأنه نصب لدفع الظلم وإيصال الحقوق إلى أربابها، فيحتاط لإيفائها ويتحرز عن تعطيلها والموهوم لا يعارض المتحقق، فلا يؤخر الحق الثابت بيقين لحق عسى يكون وعسى لا يكون لأن التأخير إبطال من وجه فلا يجوز لحق موهوم" (¬2). فهذه الأمثلة وما شابهها جرت وشاعت عند المتأخرين مع حسن الصياغة ووجازة التعبير. وفي غضون تلك المراحل التي بدأ فيها تدوين القواعد ينشط نجد من الشافعية الإمام النووي (676 هـ) كثير الاعتداد بهذه القواعد. وقد أومأ إلى ذلك في مقدمة "المجموع شرح المهذب" عند بيان المنهج الذي سلكه في الشرح. يقول: "وأما الأحكام فمقصود الكتاب، فأبلغ في إيضاحها بأسهل ¬

_ (¬1) المصدر نفسه (2/ 360). (¬2) المصدر نفسه (2/ 835).

العبارات، وأضمّ إلى ما في الأصل من الفروع والتتمات، .... والقواعد المحررات، والضوابط الممهدات" (¬1). وحقاً إن القواعد نجدها متناثرة ومبدّدة في الشرح المذكور بحيث نيطت بها الفروع وعللت على أساسها الأحكام. 1 - ففي مواضع متعددة من الشرح أَصَّل الفروع الكثيرة بناء على القاعدة المشهورة: "اليقين لا يزول بالشك" (¬2). 2 - ومن القواعد الشهيرة أيضاً "الأصل في الأبضاع التحريم" فقد كثر فروعها في الكتاب في مواضع كثيرة مثلاً يقول: "إذا اختلطت زوجته بنساء واشتبهت لم يجز له وطء واحدة منهن بالاجتهاد بلا خلاف، سواء كن محصورات أو غير محصورات، لأن الأصل التحريم والأبضاع يحتاط لها، والاجتهاد خلاف الاحتياط" (¬3). وأشار إلى نفس القاعدة، وقاعدة أخرى وهي ترجيح المحرم على المبيح عند اجتماعهما في قوله: "إن الأصول مقرَّرة على أن كثرة الحرام واستواء الحلال والحرام يوجب تغليب حكمه في المنع كأخت أو زوجة اختلطت بأجنبية" (¬4). 3 - ومن أمثلة القواعد: ما ذكر نقلاً عن الإمام أبي محمد الجويني: ¬

_ (¬1) المجموع: 1/ 8. (¬2) انظر على سبيل المثال: (1/ 246، 252، 253، 217، 222 و2/ 132، 153, 156). (¬3) المصدر نفسه: (1/ 260). (¬4) المصدر نفسه: (1/ 237).

"أنه إذا سقط الأصل مع إمكانه فالتابع أولى" كما جاء في النص التالي: "من فاته صلوات في زمن الجنون والحيض، فإنه لا يقضي النوافل الراتبة التابعة للفرائض كما لا يقضي الفرائض .... لأن سقوط القضاء عن المجنون رخصة مع إمكانه، فإذا سقط الأصل مع إمكانه فالتابع أولى ........ " (¬1). 4 - وكذلك القاعدة "الاستدامة أقوى من الابتداء" تناولها النووي في بعض المواضع من الشرح المذكور (¬2). ومن فقهاء المالكية الإمام القرافي (684 هـ) رحمه الله فإنه كان ذا براعة فائقة وطراز في ربط الفروع بأصولها. ومن المعلوم لدى الباحثين في الفقه الإسلامي أنه ألف الذخيرة في الفقه ثم استتبعه تأليف "الفروق" ولعل الثاني كان نتيجة للكتاب الأول حيث استصفى القواعد والضوابط والفروق التي عللت بها الفروع واستعملت كحجج فقهية في كثير من المواطن من "الذخيرة" مع التنقيح والزيادة وجمعت باسم الفروق بين القواعد (¬3). فإن فكرة النزوع إلى التأليف على هذا الطراز استقرت عند القرافي بعد وضع الكتاب في فروع الفقه، وهذا مما يساند القول بأن المصادر الأولية الأصيلة للقواعد هي كتب الفقه ثم جرى الجمع والتدوين في ¬

_ (¬1) المجموع (1/ 433 - 434). (¬2) انظر: النووي المصدر نفسه (1/ 574). (¬3) انظر: القواعد الفقهية صـ 156 - 157

مدونات مستقلة. واستكمالاً لمسيرة الموضوع نسجل فيما يلي بعض النماذج من كتابه "الذخيرة": جاء في بعض المواضع من كتاب الطهارة: 1 - ق: "الأصل ألا تبنى الأحكام إلا على العلم ... لكن دعت الضرورة للعمل بالظن لتعذر العلم في أكثر الصور، فثبتت عليه الأحكام لندرة خطئه وغلبة إصابته، والغالب لا يترك للنادر وبقي الشك غير معتبر إجماعاً" (¬1). من الملاحظ في هذه القاعدة انها تثبت العلم بغلبة الظن، وعدم الاعتبار بالشك مطلقاً، وأن النادر يُعدُّ مغموراً لا عبرة به في جنب الغالب. 2 - ق: "إن كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر له، وكل منهي شق عليهم اجتنابه سقط النهى عنه" (¬2). 3 - ق: "إذا تعارض المُحرَّم وغيره من الأحكام الأربعة قُدِّم المُحرَّم لوجهين: أحدهما: أن المحرم لا يكون إلا لمفسدة وعناية الشرع والعقلاء بدرء المفاسد أشد من عنايتهم بتحصيل المصالح ... " (¬3). 4 - ق: "الوسائل أبداً أخفض من المقاصد إجماعاً، فمهما تعارضتا تعين تقديم المقاصد على الوسائل، ولذلك قدمنا الصلاة على ¬

_ (¬1) الذخيرة،، للقرافي (ط. الجامع الأزهر الأولى، مطبعة كلية الشريعة 1381 هـ - 1961م)، (1/ 168 و1/ 212 - 213). (¬2) المصدر نفسه: (1/ 189). (¬3) المصدر نفسه (1/ 385).

التوجه إلى الكعبة لكونه شرطاً ووسيلة، والصلاة مقصد" (¬1). وفي مطالع القرن الثامن الهجري برز على الساحة العلمية الإمامان ابن تيمية (728 هـ) وابن القيم (751 هـ)، فظهر هذا اللون في كتبهما، ولا سيما ابن القيم فإنه كان يتمتع بعقلية تأتلف مع تقعيد القواعد كما يتبين ذلك في كل ما ألفه، وقد خلفت تلك الكتابات ثروة ثمينة في باب القواعد والظاهر أن من أتى بعدهما في هذا المذهب ودوَّن القواعد استقاها من كتبهما أو على أقل تقدير استفاد منها، وفيما يلي أقدم بعض النماذج التي ظفرت بها في كتب الإمامين. أما الإمام ابن تيمية فالمصدر الأصيل من كتبه "مجموعة الفتاوي" التي تتضمن في طيَّاتها القواعد في موضوعات فقهية مختلفة. منها ما يلي: 1 - "الاستدامة أقوى من الابتداء" (¬2). 2 - "الإذن العرفي بطريق الوكالة كالإذن اللفظي" (¬3). 3 - "الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها" (¬4). 4 - "الحكم المقرر بالضرورة يقدر بقدرها" (¬5). 5 - "العلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضى" (¬6). ¬

_ (¬1) المصدر نفسه: (1/ 483). (¬2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (21/ 312 - 313). (¬3) المصدر نفسه: (29/ 20). (¬4) المصدر نفسه (21/ 503، 21/ 475). (¬5) المصدر نفسه 21/ 435. (¬6) المصدر نفسه 21/ 527.

7 - "المجهول في الشريعة كالمعدوم، والمعجوز عنه" (¬1). وقد قام بتتبع كثير من أمثال هذه القواعد عند ابن تيمية الشيخُ عبد الرحمن ابن سعدي (¬2) رحمه الله - في كتابيه - "القواعد والأصول الجامعة، وطريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والأصول" انتقاها من المواضع المختلفة من عدة كتب، ولا يسعنا ذكرها في هذه العجالة القصيرة. أما ابن القيم فمصدر القواعد عنده: "إعلام الموقعين" وبعض الكتب الأخرى: "كبدائع الفوائد" وبوجه عام ساقها في معرض الرد على المخالفين للقياس كما يظهر ذلك لمن مارس قراءة مباحث القياس في إعلام الموقعين، وفيما يلي نذكر بعض النماذج منها: 1 - "إذا زال الموجب زال المُوجَب" ذكرها في فصل عنوانه: "طهارة الخمر بالاستحالة توافق القياس" قال: "وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس فإنها نجس لوصف الخبث، فإذا زال المُوجب زال المُوَجَب وهذا أصل الشريعة ¬

_ (¬1) مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 29/ 20. (¬2) هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله ال سعدي، ولد في بلدة "عُنيزة" عام 1307 هـ. تمتاز كتاباته بالدقة والاتزان، عدد مؤلفاته يربو على ثلاثين كتاباً في مختلف العلوم من التفسير والحديث والفقه والأصول، توفي عام 1376 هـ. انظر عبد الله البسام، علماء نجد خلال ستة قرون، (ط. مكة المكرمة الأولى، مطبعة النهضة الحديثة، 1398). ج 2 صـ 422 - 431.

في مصادرها ومواردها، بل وأصل الثواب، والعقاب" (¬1). 2 - "لا واجب مع عجزٍ ولا حرام مع ضرورةٍ" قال: "إن الرجل إذا لم يجد خلف الصف من يقوم معه وتعذر عليه الدخول في الصف ووقف معه فذّاً، صحّت صلاته للحاجة. وهذا هو القياس المحض، فإن واجبات الصلاة تسقط بالعجز عنها ... وبالجملة ليست المصافّة أوجب من غيرها، فإذا سقط ما هو أوجب منها للعذر، فهي أولى بالسقوط. ومن غيرها، فإذا سقط ما هو أوجب منها للعذر، فهي أول بالسقوط. ومن قواعد الشرع الكلية: أنه لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة" (¬2). 3 - "إن الأعيان التي تحدث شيئاً فشيئاً مع بقاء أصلها، حكمها حكم المنافع، كالثمر في الشجر واللبن في الحيوان والماء في البئر". قد ذكرها تحت "فصل" عنوانه: "إجارة الظئر توافق القياس" (¬3). 4 - "المستثنى بالشرط أقوى من المستثنى بالعرف". بناء على ذلك اتفقوا على جواز تأخير التسليم إذا كان العرف يقتضيه، كما إذا باع مخزناً له فيه متاع لا يُنْقَلُ في يوم ولا أيام، فلا يجب عليه جمع دواب البلد، ونقله في ساعة واحدة (¬4). ¬

_ (¬1) إعلام الموقعين 2/ 14. (¬2) المصدر نفسه: 2/ 48. (¬3) المصدر نفسه 2/ 34. (¬4) المصدر نفسه: 2/ 30.

5 - "إن الفروع والأبدال لا يصار إليها إلاَّ عند تعذر الأصول". وذلك كالتراب في الطهارة والصوم في كفارة اليمين، وشاهد الفرع مع شاهد الأصل، وقد اطرد هذا في ولاية النكاح واستحقاق الميراث ..... (¬1). 6 - "ما حُرم سداً للذريعة أُبيح للمصلحة الرَّاجحة" كما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المُحَرَّم (¬2). 7 - "إتلاف المتسبب كإتلاف المباشر في أصل الضمان" (¬3). 8 - "ما تبيحه الضرورة يجوز التحري فيه حالة الاشتباه، وما لا تبيحه الضرورة فلا" (¬4). وعلى هذا المنوال ظل استعمال القواعد شائعاً ومُتّبعاً في كثير من المصادر الفقهية الأصلية. وإلى هنا ينتهي الشوط الذي بدأناه بإمام الحرمين الجويني. وفي نهاية المطاف يمكن أن نتوصل إلى النتائج التالية من خلال ما أسلفنا: 1 - إن القواعد الفقهية ثمرة اختمار الفقه ومسائلة في الأذهان، فلا يخلو فقيه إلاَّ ويتعرض للقواعد ويستأنس بها. 2 - قد بدت كلمات جامعة في كلام الأئمة الأقدمين، لها سمة القواعد في شمولها لأحكام فرعية عديدة. وهي تصلح أن تجري ¬

_ (¬1) المصدر نفسه: 3/ 399. (¬2) إعلام الموقعين 2/ 161 (¬3) المصدر نفسه 2/ 65. (¬4) ابن القيم: بدائع الفوائد: 4/ 28.

مجرى القواعد أو الضوابط بعد شيء من التعديل والتصقيل في الصياغة. 3 - تناثرت القواعد في المصادر الأوليّة من الحديث والفقه ثم تكثفت في الشروح أكثر من المتون لما فيها من كثرة الفروع. 4 - إن الكتب الفقهية هي المراجع الأولية التي استخلص منها المدونون تلك القواعد وجمعوها في كتب مستقلة. وذلك مما يدل أيضاً على رسوخهم في الفقه واطلاع واسع على مصادره (¬1). وإذا نظرنا إلى صيغ تلك القواعد وتتبعنا شيئاً عن تطورها التاريخي لرأينا أن عبارة القواعد الفقهية وصيغها في كتب المتقدمين تختلف عنها في كتب المتأخرين. وذلك دليل واضح على تطور صيغ القواعد الفقهية وأساليبها والعبارات التي وردت بها، ودليل على أن كثيراً من الصقل والتحوير طرأ على صيغ تلك القواعد. وإضافة إلى ما سبق نقول: أولاً: إن القواعد كانت تسمى عند المتقدمين أصولاً وأوضح مثال على ذلك ما أورده أبو الحسن الكرخي في رسالته المسماة بأصول الإمام الكرخي، حيث صدَّر كل قاعدة منها بلفظ: (الأصل). فمثلاً قال: الأصل أن من التزم شيئاً وله شرط لنفوذه فإن الذي هو شرط لنفوذ الآخر يكون في الحكم سابقاً، والثاني لاحقاً، والسابق يلزم للصحة والجواز (¬2). ¬

_ (¬1) القواعد الفقهية لعلي بن أحمد الندوي من صـ 84 - 120 بنوع تصرف. (¬2)) أصول الإمام الكرخي صـ 112 طبعة زكريا علي يوسف.

وكذلك ما أورده أبو زيد الدبوسي في كتابه تأسيس النظر حيث يصدر كل قاعدة بكلمة (الأصل) فمثلاً يقول: الأصل عند علمائنا الثلاثة أن الخبر المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الآحاد مقدم على القياس الصحيح، وعند مالك رضي الله عنه القياس الصحيح مقدم على خبر الآحاد (¬1) (¬2). ثانياً: إن صيغ القواعد عند المتقدمين: في عبارتها طول وزيادة بيان بخلافها عند المتأخرين حيث امتازت بإيجاز عبارتها وقلة كلماتها مع استيعابها لمسائلها فهي من جوامع الكلم، ومن الأمثلة الدالة على ما دخل صيغ القواعد من تطور وصقل وتحوير - عدا ما هو من كتاب الله العزيز أو من سنة الرسول الكريم أو قول لصحابي أو تابعي أو أحد الأئمة مما جرى مجرى الأمثال - أقول من الأمثلة على ذلك ذلك: قول الإمام الكرخي: الأصل أن المرء يعامل في حق نفسه كما أقر به ولا يصدق على إبطال حق الغير أو إلزام الغير حقاً (¬3). حيث عبَّر عنها المتأخرون بهذه العبارة الموجزة الجامعة وهي قولهم "الإقرار حجة قاصرة (¬4)، وكذلك ما أورده أيضاً الإِمام الكرخي في تعبيره ¬

_ (¬1) ما نسبه لمالك رضي الله عنه من أن القياس الصحيح مقدم على خبر الآحاد عنده، قول غير صحيح وتوضيحه عند الحديث عن هذا الأصل في القاعدة السادسة والعشرين بعد الثلاثمئة من هذه الموسوعة. (¬2) تأسيس النظر صـ 65. (¬3) أصول الإمام الكرخي صـ 112 مع تأسيس النظر. (¬4) أشباه ابن نجيم صـ 255، وأشباه السيوطي بمعناها صـ 464.

* تنبيه

عن كون العادة أو العرف حجة قال: الأصل أن جواب السؤال يمضي على ما تعارف كل قوم في مكانهم، والأصل أن السؤال والخطاب يمضي على ما عمَّ وغلب لا على ما شذ وندر. حيث جُمع كل ذلك في عبارة في غاية الإيجاز وهي قولهم "العادة محكمة". ومثل هذا قوله أيضاً الأصل أنه إذا مضى بالاجتهاد لا يفسخ باجتهاد مثله ويفسخ بالنص (¬1). وعند المتأخرين قالوا "الاجتهاد لا ينقض بمثله" (¬2). * تنبيه أريد أن أنبه هنا أنني في جمع هذه الموسوعة وترتيبها إنما اعتمدت في إيراد القواعد في الغالب وبقدر الوسع على صيغ المتأخرين التي أوردوها في كتب القواعد المتخصصة في القواعد وإيرادها في صيغها المتأخرة الموجزة التي تعتبر في غالب الأمر الصيغ المعبرة عن مضمون القواعد ومدلولها بعد الصقل والتحوير بحيث تدل بأقصر لفظ وأوجزه على أشمل معنى في موضوعها وأوسعه، عدا عما أورده الإِمام الكرخي في رسالته والدبوسي في تأسيسه باعتبارها ركيزتين أساسيتين في علم القواعد الفقهية وأقدم ما وصل إلينا في هذا العلم خارج علم الفقه العام. ¬

_ (¬1) أصول الإِمام الكرخي مع تأسيس النظر صـ 118. (¬2) ابن نجيم صـ 105، والسيوطي 101.

المقدمة الثامنة: وتحتها مسألتان

المقدمة الثامنة: وتحتها مسألتان المسألة الأولى: يلاحظ الدارس للقواعد الفقهية أنها من حيث الأسلوب الذي صيغت به تلك القواعد ووردت به أنه إما أن يكون أسلوباً خبرياً (¬1). وإما أن يكون أسلوباً إنشائياً (¬2). وقد تجد قاعدة واحدة صاغها فقهاء مذهب ما بالأسلوب الخبري، وصاغها فقهاء مذهب آخر بأسلوب إنشائي، فعلام يدل ذلك الاختلاف في صيغ هذه القواعد؟. من خلال الدراسة لعدد من هذه القواعد تبين أن القاعدة الفقهية إذا وردت بصيغة الأسلوب الخبري فيكون ذلك إشارة إلى ان هذه القاعدة متفق على مضمونها بين العلماء، فمثلاً قاعدة: "الأمور بمقاصدها" وقاعدة: "اليقين لا يزول بالشك". وأمثالها متفق على مضمونها بين علماء مختلف المذاهب. وقد يكون الاتفاق على مضمون القاعدة بين علماء مذهب معين، فمثلاً قاعدة: "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني" وردت عند الحنفية بهذا الأسلوب الخبري، فدل ذلك على أن مضمونها متفق عليه بينهم، وقد أوردها الشافعية بهذا النص "هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها؟ " (¬3). كما أوردها الحنابلة بهذه الصيغة "إذا ¬

_ (¬1) الخبر - ما يصح السكوت عليه، وهو الكلام المحتمل للصدق والكذب لذاته" التعريفات صـ 101. (¬2) الإنشاء هو الكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه أولاً تطابقه. التعريفات صـ 40 والمراد به هنا ما كان مصدراً بأداة استفهام أو دل على استفهام. (¬3) المنثور في القواعد جـ 2 صـ 371، أشباه السيوطي صـ 166.

المسألة الثانية

وصِل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها فهل يفسد العقد بذلك أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟ فيه خلاف يلتفت إلى أن المغلب هل هو اللفظ أو المعنى؟ " (¬1). ثم من خلال المسائل التي أوردوها تمثيلاً رأينا أن مضمون هذه القاعدة ليس متفقاً عليه بينهم. بخلاف الحنفية والمالكية. ولهذا نقول: إن القاعدة إذا وردت بالأسلوب الخبري فيكون ذلك دليلاً على أن مضمون هذه القاعدة ومدلولها متفق عليه بين العلماء سواء أكانوا علماء مذهب واحد أم أكثر. وأن القاعد إذا وردت بالأسلوب الإنشائي فيكون ذلك دليلاً على أن مضمون القاعدة ليس متفقاً عليه بين العلماء سواء أكانوا علماء مذهب واحد أم أكثر. وهذه المسألة كما ترد في القواعد ترد في الضوابط الفقهية، فمنها ما هو متفق على مدلوله فورد بالأسلوب الخبري، ومنه ما هو مختلف فيه فورد بالأسلوب الإنشائي. المسألة الثانية من المؤلفين المُحْدثين من يطلق لفظ (نظرية) إما على القاعدة الفقهية ذاتها كما قرر ذلك الأستاذ أبو زهرة رحمه الله في كتابه "أصول الفقه" حيث قال: "وإنه يجب التفرقة بين علم أصول الفقه وبين القواعد الجامعة للأحكام الجزئية، وهي التي في مضمونها يصح أن يطلق عليها: النظريات العامة للفقه الإسلامي" (¬2). وقال الشيخ أحمد أبو طاهر الخطابي في مقدمة تحقيقه لقواعد ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والثلاثون. (¬2) أصول الفقه صـ 8.

الونشريسي متابعاً له في هذا: أ - النوع العام وهي تلك القواعد الجامعة لأحكام عدة من أبواب مختلفة - غالباً - يصح في مضمونها أن يطلق عليها بُلغة العصر - النظريات العامة للفقه الإِسلامي لاستيعابها أحكاماً لا تحصى في أقصر عبارة وأوسع دلالة (¬1). ومنهم من يعتبر النظريات غير القواعد فهي - أي النظريات - أشمل موضوعاً وأوسع دلالة، ويدرج القواعد ضمن تلك النظريات. قال أستاذنا الجليل الشيخ مصطفى بن أحمد الزرقا - مد الله في عمره في الخير ونفع به وبعلمه - قال في كتابه القيِّم - المدخل الفقهي العام -: نريد من النظريات الفقهية "تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى التي يؤلف كل منها على حده نظاماً حقوقياً موضوعياً، وذلك كفكرة الملكية وأسبابها، وفكرة العقد ونتائجه. إلى أن يقول: إلى غير ذلك من النظريات الكبرى التي يقوم على أساسها صرح الفقه بكامله. ثم يقول: وهذه النظريات هى غير القواعد الكلية التي صُدَّرت مجلة الأحكام العدلية الشرعية بتسع وتسعين قاعدة، فإن تلك القواعد إنما هى ضوابط وأصول فقهية تراعى في تخريج الحوادث ضمن حدود تلك النظريات الكبرى, فقاعدة (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني) مثلا ليست سوى ضابط في ناحية مخصوصة من ميدان أصل نظرية العقد (¬2). ومتابعة في ذلك الدكتور محمد وهبة الزحيلى الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة دمشق حيث ألف كتاباً تحت عنوان النظريات الفقهية ضمنه الحديث عن نظرية المؤيدات التأديبية ونظرية المؤيدات المدنية، ونظرية ¬

_ (¬1) مقدمة إيضاح المسالك تحقيق الشيخ أحمد أبو طاهر الخطابي صـ 111. (¬2) المدخل الفقهي العام الفقرة 99

الأهلية والولاية، ونظرية العرف، وختم بالقواعد الفقهية التي اعتبرها مرحلة ممهدة لجمع القواعد المتشابهة والمبادىء العامة لإقامة نظرية عامة في جانب من الجوانب الأساسية في الفقه (¬1). ما يراد بيانه هو ما هو موقع (نظرية) بالنسبة للفقه الإسلامي وقواعده وما صلتها به؟ وهل هي صادقة الدلالة على المراد منها بالنسبة للقواعد الفقهية والأحكام والأدلة الشرعية العامة؟ وهل يصح التعبير بها عما يراد لها أن تدل عليه من مفاهيم أو مدلولات فقهية؟. إن كلمة (نظرية) بالمعنى المراد لها عند من يطلقونها هى كلمة مستحدثة منقولة عن مصطلحات القانونيين الوضعيين الغربيين، ولم تطلق عند العلماء المسلمين على هذا المعنى الحادث، قال القاضي الباقلاني: النظر هو الفكر الذي يطلب به علم أو غلبة ظن. والمراد بالفكر انتقال النفس في المعاني انتقالاً بالقصد. وقال في القاموس الوسيط: النظرية: قضية ثبتت ببرهان (¬2) وقالوا: نظرية المعرفة: البحث في المشكلات القائمة على العلاقة بين الشخص والموضوع أو بين العارف والمعروف، وفي وسائل المعرفة فطرية أو مكتسبة، نظريات. وقالوا في اللغة أيضاً: الأمر النظري: هو ما كان وسائل بحثه الفكر والتخيل. ¬

_ (¬1) النظريات الفقهية صـ 201، وينظر أيضاً كتاب القواعد الفقهية للفقه الإسلامي للدكتور أحمد محمد الحصري صـ 21 - 22. (¬2) القاموس الوسيط مادة نظر.

وعلوم نظرية: قل أن تعتمد على التجارب العملية ووسائلها (¬1). والنظري عند العلماء المسلمين هو ما يحتاج إلى بحث ونظر وفكر، ويقابله الضرورى وهو ما لا يحتاج إلى ذلك سواء التصور أم التصديق. وقالوا عن معنى كلمة (نظرية) في علم الهندسة: هى مطلوب يبرهن على صحته. (proposition) أو هي القواعد الرياضية التي تنبنى عليها دراسة الموضوع (Theory) وعند الفلاسفة: النظرية هى جملة تصورات مؤلفة تأليفاً عقلياً تهدف إلى ربط النتائج بالمقدمات. وقالوا أيضاً: هى فرض علمي يميل الحالة الراهنة للعلم ويشير إلى النتيجة التي تنتهى عندها جهود العلماء أجمعين في حقبة معينة. وقالوا أيضاً: النظرية طائفة من الآراء تفسر بها بعض الوقائع العلمية أو الفنية (¬2). فهل كلمة نظرية بهذه المعاني أو ببعضها تؤدي المعنى الذي تؤديه كلمة: القاعدة أو الأصل؟ وهل لنا أن نطلق على ما ثبت بطريق الشرع وبالأدلة الشرعية كلمة (نظرية) التي وضعها من وضعها للدلالة على ما توصلت إليه عقولهم وأفكارهم من مبادئ وقواعد؟. إن علماءَنا السابقين رحمهم الله تعالى عندما قعدوا هذه القواعد وأصلوا هذه الأصول أرادوا بها أن تكون أسساً وأصولاً وقواعد تبنى عليها أحكام ثابتة لمسائل واضحة، ولذلك أعطوها اسماً هو الأصول وآخر هو القواعد دلالة على رسوخها في معانيها ودلالتها كرسوخ أسس البناء وثباتها واعتماد ما يبنى عليها. ¬

_ (¬1) كشاف اصطلاحات الفنون مادة "نظر" جـ 2 ص 1386 (¬2) المصطلحات العلمية والفنية صـ 675 - 676 مادة نظر.

وأما النظرية - فكما عرفنا - هي مشتقة من النظر الذي يراد به هنا البحث العقلي ويعبر عنه بالنظري، وهو ما يتوقف حصوله على نظر واكتساب كتصور النفس والعقل، وقد يكون ما يتوصل إليه عن طريقه حقاً وصدقاً وقد يكون باطلاً وكذباً وخطأً. أقول: على سبيل التمثيل: نحن - معشر المسلمين - ما عرفنا الملكية عن طريق النظر والبحث العقليين، إنما عرفناها عن طريق الشرع الذي علمنا به أن الله سبحانه قد منح عباده حق الملكية والتملك، وأنزل أسس ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أقرب الأدلة على قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} (¬1) فالملكية حق لبني آدم منحة من عند الله سبحانه وتعالى وأدلة ثبوت ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جداً. وكذلك ما يطلق عليه (نظرية العرف)، أليس العرف دليلاً شرعياً تبعياً عند أكثر الأصوليين والفقهاء وثبت اعتباره حجة في كثير من الأحكام بأدلة شرعية كثيرة من الكتاب والسنة؟ فلم لا يقال (دليل العرف) ولم يقال نظرية العرف؟ والعُرف لم يعرف اعتباره حجة إلا عن طريق الشرع. وكذلك حق العقد والتعاقد لا نظرية العقد. ومثل ذلك "واجب الإلتزام" لا نظرية الالتزام. لا يفهم من ذلك أن النزاع في ذات المصطلح لأن لكل أحد أن يضع مصطلحاً خاصاً به للدلالة على أمر مخصوص عنده، ولكن النزاع في أمرين: ¬

_ (¬1) الآية 29 من سورة البقرة.

الأول منهما: أن هذه المصطلحات - وإن أُريد منها أن تدل على ما أرادوه - هي مصطلحات مستوردة ليست نابعة من صلب فقهنا وشرعنا الذي يجب - كما أعتقد - أن يكون خالصاً من كل شائبة تقليد لغيرنا. والأمر الثاني: هو دلالة هذه المصطلحات على موضوعاتها، فهل تدل كلمة نظرية على حقيقة المصطلح الفقهي التي وضعت عنواناً له، عدا عن أن تكون أدل على المقصد الفقهي من الكلمة النابعة من صلب الفقه الإسلامي وأصوله؟ والله أعلم

المقدمة التاسعة: أشهر المؤلفات في القواعد الفقهية عبر القرون

المقدمة التاسعة: أشهر المؤلفات في القواعد الفقهية عبر القرون إن عملية حصر وتعداد المؤلفات في القواعد الفقهية متعذرة أو شبه متعذرة. أولاً: لكثرتها وتنوعها. وثانياً: لكثرة ما ضاع منها بعوامل الزمن والكوارث والنكبات،. وثالثاً: لأن أكثر ما هو موجود ونجا من التلف والضياع ما زال مخطوطاً مبعثراً في مكتبات العالم. ولما كان الاهتمام بهذا العلم قبل هذا القرن ضعيفاً جداً فلم يعتن أحد قبل ذلك بحصر هذه المؤلفات، بل إن من كتب موسوعات المؤلّفات والمؤلفين لم يفردوا علم القواعد ببحث مستقل وإنما ذكروا بعض ما ألف في علم القواعد الفقهية ضمن حديثهم عن الفقه والفقهاء والمؤلفات الفقهية باعتبار أن علم القواعد الفقهية أو علم الأشباه والنظائر يعتبر ضمن علم الفقه فليس علماً منفصلاً قائماً بذاته، ولذلك تواجه الباحث عن المؤلفات في هذا العلم عقبات ومصاعب جمة. ومع ذلك فقد أمكن الحصول على عدد كبير لا يستهان به من أسماء المؤلفات في هذا العلم وأسماء أصحابها. وسأسير في ترتيب هذه المؤلفات ترتيباً زمنياً لا مذهبياً، لأنه لما كان القصد من هذه الموسوعة جمع القواعد من كل المذاهب على اختلافها كان الترتيب الزمني أجدى للمطالع من الترتيب المذهبي، وإن كان كل مؤلّف يُذكر يشار إلى مذهب مؤلفه فيفهم منه المذهب الذي ألفت قواعد الكتاب له.

1 - أول كتاب عُلم في القواعد الفقهية والأصول المذهبية هو رسالة "الإمام أبي الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي" - من كرخ جدان - من كبار فقهاء الحنفية توفي سنة 340 هـ. 2 - كتاب تأسيس النظر للإمام أبي زيد عبد الله بن عمر الدبوسي نسبة إلى قرية دبوسية بين بخارى وسمرقند. وهو من أجل فقهاء الحنفية في بلاد ما وراء النهر توفي سنة 430 هـ. وكتاب تأسيس النظر مطبوع ومعه رسالة أبي الحسن الكرخي التي أوضحها بالأمثلة الإمام نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي المتوفى سنة 537 هـ صاحب التفسير. وكتاب الدبوسي تأسيس النظر يعتبر أول كتاب في علم الخلاف - الفقه المقارن - ولم يقل الدبوسي: إنه قد جمع قواعد، وإنما أطلق لفظ الأصل على ما اعتقد أنه جامع لمسائل شتى. وطريقته أن يذكر الأصل وصاحبه ثم يتلوه بذكر مسائل مختلفة ويذكر بعدها رأي المخالف، ولم يصل إلى علمي مؤلف للحنفية أو غيرهم في القواعد بعد الدبوسي خلال القرنين الخامس والسادس غير ما شرحه النسفي لقواعد الكرخي، ولا يعني ذلك خلو هذين القرنين من المؤلفات في هذا الفن، ولكن يغلب على الظن أن ما ألف فيهما قد ضاع كما ضاع غيره. وأما في القرن السابع وما بعده فقد ظهرت مؤلفات في القواعد إما تحمل اسم القواعد وإما اسم الأشباه والنظائر. ويظهر أن علماء الشافعية قد نهضوا بهذا العلم في هذا القرن وما بعده فمن المؤلفات التي عُرفت وعرف مؤلفوها:

3 - كتاب القواعد في فروع الشافعية لمعين الدين محمد بن إبراهيم الجاجرمي الشافعي المتوفى سنة 613 هـ، والكتاب غير موجود، ولكن ذكر في الكتب الكشافات. ويؤخذ من عنوان الكتاب أنه مؤلف في القواعد المذهبية. وهذا شأن كل المؤلَّفات في القواعد الفقهية على مدى القرون. 4 - كتاب تخريج الفروع على الأصول للإمام أبي المناقب شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني الشافعي المتوفى سنة 656 هـ، (وهو في كتابه هذا يرسم علاقة الفروع والجزئيات من مسائل الفقه بأصولها وضوابطها من القواعد ضمن إطار لتقييد الاختلاف بين المذهبين الحنفي والشافعي. وهو مطبوع بتحقيق الدكتور/ محمد أديب الصالح. 5 - كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام السلمي الشافعي المتوفي 660 هـ وهو المسمى بالقواعد الكبرى، حيث له كتاب آخر يسمى بالقواعد الصغرى. وهو قد بنى كتابه هذا على قاعدة "جلب المصالح ودرء المفاسد" وكلا كتابيه مطبوع. 6 - قواعد الشرع وضوابط الأصل والفرع للخلاطي أبي الفضل محمد ابن علي بن الحسين الشافعي. المتوفى سنة 675 هـ، وهو على الوجيز (¬1). ولعله وجيز الغزالي، وإن لم يذكر الخلاطي فيمن علق عليه أو اعتنى به. 7 - كتاب "أنوار البروق في أنواء الفروق" المعروف بكتاب ¬

_ (¬1) كشف الظنون جـ 2 صـ 135.

الفروق للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي المتوفى سنة 684 هـ وهو مطبوع في أربع مجلدات. وهو من أوائل كتب القواعد التي اعتنى بها وطبعت، وقد علق على هذا الكتاب مصححاً ومستدركاً سراج الدين قاسم بن عبد الله الأنصاري المالكي المعروف بابن الشاط المتوفى سنة 723 هـ، حيث تعقب القرافي في كثير من مواضع كتابه السابق وسمى كتابه: 7 - كتاب إدرار الشروق على أنوار الفروق. وهو مطبوع على حاشية الفروق كما أن الشيخ محمد علي حسين المالكي المتوفي سنة 1337 هـ كتاب آخر على كتاب الفروق سماه: 8 - تهذيب الفروق والقواعد السنية سار فيه على نسق القرافي شارحاً وموضحاً. وهو مطبوع أيضاً على حاشية الفروق. كما اختصر هذا الكتاب أيضاً أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري المالكي المتوفى سنة 707 هـ في كتاب سماه: 9 - مختصر قواعد القرافي. ومنه نسخة مخطوطة في خزانة القرويين بفاس وأخرى بدار الكتب الوطنية بتونس. وللقرافي كتاب آخر يمكن أن يدرج ضمن القواعد وهو كتاب: الأمنية في إدراك النية. وهو مطبوع كذلك. 10 - كتاب المُذْهَب في ضبط قواعد المذهب لمحمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصي المالكي المتوفى سنة 685 هـ، وله ترجمة في الديباج المذهب جـ 2 صـ 328 - 329. 11 - كتاب القواعد الكبرى في فروع الحنابلة للإمام نجم الدين سليمان

ابن عبد القوي الطوفي الحنبلي المتوفى سنة 710 هـ. 12 - كتاب الأشباه والنظائر للإمام صدر الدين محمد بن عمر الشافعي الشهير بابن الوكيل وابن المرَحِّل المتوفى سنة 716 هـ. وهو أول كتاب سمي بالأشباه والنظائر، وهذا الكتاب غير خالص للقواعد الفقهية بل يشمل إلى جانبها كثيراً من القواعد الأصولية، وقد حقق هذا الكتاب في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الدكتوران: أحمد بن محمد العنقري، وعادل بن عبد الله الشويِّخ رحمه الله. وقد طبع أخيراً. 13 - كتب القواعد النورانية الفقهية لابن تيمية الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحرَّاني. شيخ الإسلام المتوفى سنة 728 هـ. وهو كتاب فقهي ذكر فيه كثيراً من القواعد والضوابط. 14 - كتاب المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات لابن الحاج أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري المالكي الفاسي المتوفى سنة 737 هـ. 15 - كتاب "القواعد" لأبي عبد الله محمد بن أحمد المَقَّري المالكي المتوفى سنة 758 هـ. وهذا الكتاب جمع فيه مؤلفه مائتين وألف قاعدة، - وهي ليس كلها قواعد بالمعنى الاصطلاحي للقاعدة، بل أكثره ضوابط، وقد حقق قسماً منه الدكتور: أحمد بن عبد الله بن حميد للحصول على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وقد طبع القسم المحقق منه. 16، 17 - كتاب المجموع المذهب في قواعد المذهب، وكتاب

الأشباه والنظائر في فروع الفقه الشافعي، كلاهما للإمام صلاح الدين خليل بن كيكليدي الشافعي الشهير بالعلائي والمتوفى سنة 761 هـ، وكلاهما غير مطبوع وإن حقق أولهما. 18 - كتاب الأشباه والنظائر للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي المعروف بابن السبكي الشافعي المتوفى 771 هـ، وقد سلك في كتابه طريقة ابن الوكيل ولكنه فاقه في استيفائه وتنسيقه ولغته، وهو يعتبر بحق معلمة فقهية، وهو محقق ومطبوع في مجلدين. 19 - كتاب الأشباه والنظائر لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعي المتوفى سنة 772 هـ، وما زال مخطوطاً. 20 - كتاب الاستغناء في الفروق والاستثناء لبدر الدين محمد بن أبي بكر بن سليمان البكري الشافعي. لم يذكر أحد تاريخ وفاته غير أنه في معجم المؤلفين قال إنه توفي سنة 1062 نقلاً عن البغدادي في هدية العارفين وإيضاح المكنون، وهذا غير صحيح قطعاً، لأن المذكور من تلاميذ الإمام الأسنوي السابق المتوفى سنة 772 ومن تلاميذه التقي بن فهد وغيره ممن أخذ عنه السخاوي صاحب الضوء اللامع المتوفى سنة 902 هـ انظر جـ 4 صـ 169. وكتاب الاستغناء وقد يقال الاعتناء وهو محقق ومطبوع تحت العنوانين لمحققين مختلفين. 21 - كتاب "المسند المذهب في ضبط قواعد المذهب" للشيخ محمد بن أحمد أبي عبد الله الشهير بعظوم المالكي المتوفى سنة 782 هـ ولا زال مخطوطاً ومنه نسخة في المكتبة الوطنية بتونس.

22 - كتاب مختصر قواعد العلائي والإسنوي تأليف محمد بن سليمان الصرخدي الشافعي المتوفي سنة 792 هـ. 23 - كتاب "المنثور في القواعد الفقهية" للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي المتوفى سنة794 هـ. وقد طبع هذا الكتاب في ثلاثة أحزاء ونشر بعناية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت ضمن أعمال موسوعة الفقه الإسلامي سنة 1402 هـ. 24 - كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد" للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ. وهذا الكتاب مطبوع تحت عنوان "القواعد في الفقه الإسلامي" بتحقيق الشيخ حامد الفقي، والكتاب مشهور عند طلاب العلم باسم قواعد ابن رجب. 25 - كتاب "القواعد في الفروع" لعلي بن عثمان الغزي الدمشقي الحنفي شرف الدين المتوفى سنة 799 هـ. ذكره البغدادي في هدية العارفين جـ 1 صـ 726. 26 - كتاب الأشباه والنظائر لابن الملقن عمر بن علي الأنصاري الشافعي المتوفى سنة 804 هـ 27 - كتاب "أسنى المقاصد في تحرير القواعد" لمحمد بن الزبيري الغيزري الشافعي المتوفى سنة 808 هـ. 28 - كتاب القواعد المنظومة لابن الهائم شهاب الدين أحمد بن محمد ابن عماد الشافعي المتوفى سنة 815 هـ.

وقد شرح هذا الكتاب القباقبي إبراهيم بن محمد المتوفى سنة 901 هـ. 29 - كتاب "القواعد" لتقي الدين أبي بكر بن محمد الحصني البكري الشافعي المتوفى سنة 829 هـ. وهو كتاب مختصر لكتاب العلائي السابق الذكر (المجموع المذهب). وقد حقق هذا الكتاب في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للحصول على درجة الماجستير في الشريعة على يد الدكتورين الفاضلين: عبد الرحمن بن عبد الله الشعلان، وجبريل بن محمد حسن بصيلي. 30 - كتاب مختصر قواعد العلائي والإسنوي لابن خطيب الدهشة أبي الثناء محمود بن أحمد الهمذاني الحموي الشافعي المتوفى سنة 834 هـ وهو مطبوع بتحقيق الشيخ الدكتور مصطفى بن محمود البنجويني العراقي. 31 - كتاب "نظم الذخائر في الأشباه والنظائر" لعبد الرحمن بن علي المقدسي الشافعي المعروف بشقير. والمتوفى سنة 876 هـ 32 - كتاب "الكليات الفقهية والقواعد" لابن غازي أبي عبد الله محمد بن أحمد المكناسي المالكي المتوفي سنة 901 هـ، وقد عنى بتحقيق هذا الكتاب وإخراجه الدكتور محمد أبو الأجفان أستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الزيتونية بتونس. 33 - كتاب "القواعد والضوابط" لابن عبد الهادي جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد الشهير بابن المبْرَد الصالحي الحنبلي

المتوفي سنة 909 هـ. ولعله خاتمة كتاب مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام وهو كتاب في الفقه الحنبلي مطبوع. 34 - كتاب "الأشباه والنظائر" للإمام العلامة عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى سنة 911 هـ، وهذا الكتاب يعتبر من أهم كتب القواعد عند الشافعية. ومن أوائل ما طبع من كتب قواعد مذهب الإمام الشافعي وهو مطبوع متداول في أكثر من طبعة. وقد نظم قواعده أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل المتوفي سنة 1053 هـ باسم الفرائد البهية. وشرح هذه المنظومة الشيخ عبد الله بن سليمان الجرهزي اليمني المتوفى سنة 1201 تحت عنوان "المواهب السنية على الفرائد البهية" وقد وضع على هذا الشرح الشيخ محمد ياسين بن عيسى الفاداني المكي المتوفي سنة 1376 حاشية جليلة نافعة تحت عنوان "الفوائد الجنية حاشية على المواهب السنية" مطبوعة. 35 - كتاب المنتخب على قواعد المذهب. منظومة في قواعد مذهب مالك لأبي الحسن علي بن قاسم الزقَّاق الفاسي التجيبي المتوفى سنة 912 هـ. ولهذه المنظومة شروح عدة من أهمها شرح العلامة أحمد بن علي الفاسي أبي العباس الشهير بالمنجور والمتوفى سنة 992 هـ وقد اختصر هذا الشرح الشيخ أبو القاسم ابن محمد بن التوائي. 36 - كتاب إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي أحمد ابن يحيى بن محمد التلمساني المتوفى سنة 914 هـ، وهو

اختصار لقواعد المقَّري، وقد حققه الدكتور أحمد بو طاهر الخطابي المغربي، وهو مطبوع متداول. 37 - كتاب شرح قواعد الزركشي" لسراج الدين عمر بن عبد الله العبادي الشافعي المتوفى سنة 941 هـ أو سنة 947. 38 - كتاب الأشباه والنظائر" لابن نجيم زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن بكر الحنفي المتوفى سنة 970 هـ، وهذا الكتاب مع كتاب السيوطي السابق من أشهر كتب القواعد الفقهية في نهاية القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر حيث إنهما أهم كتابين أعتنى بهما في المذهبين الحنفي والشافعي، وقد لاقى كتاب ابن نجيم من العناية وحسن الإقبال عليه ما لم يلاقه كتاب آخر في بابه، فقد اعتنى به علماء الحنفية منذ ظهر للوجود في نهاية القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر عناية فاقت الحد حيث بلغ عدد الكتب من حواش وشروح وتعليقات ومختصرات وتهذيبات عشرات الكتب والرسائل وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون منها ثلاثة عشر شرحاً وتعليقة جـ 1 صـ 98 وما لم يذكره أكثر مما ذكره، ومن أشهر هذه الشروح وأهمها: 39 - كتاب غمز عيون البصائر للسيد أحمد بن محمد الحنفي الحموي المتوفى سنة 1098 هـ وهو مطبوع في أربع مجلدات (¬1). ¬

_ (¬1) يوجد ضمن مخطوطات المكتبة السليمانبة باستنبول عشرات من شروح وحواشي الأشباه والنظائر لابن نجيم ذكر كثيراً منها الأخ الدكتور محمد مطيع الحافظ في مقدمة الطبعة الجديدة للأشباه والنظائر، والأخ الدكتور أحمد بن محمد العنقري في تقديمه لكتاب الأشباه والنظائر لابن الوكيل من صـ 26 - 30 من القسم الأول.

40 - كتاب التحقيق الباهر على الأشباه والنظائر لمحمد هبة الله بن محمد بن يحيى التاجي الحنفي المتوفى سنة 1224، وتوجد نسخة خطية كاملة ضمن مخطوطات مكتبة جامعة الإمام الإسلامية بالرياض تقع في ستة أجزاء. 41 - كتاب "عقد الجواهر في نظم النظائر لأبي الحسن علي بن عبد الواحد بن محمد الأنصاري السجلماسي الجزائري المالكي المتوفى سنة 1057 هـ، وله كتاب آخر اسمه "اليواقيت الثمينة في نظائر عالم المدينة" وهو نظم لقواعد الإمام مالك أو لعله هو هو. ذيل كشف الظنون جـ 4 صـ 106. 42 - الباهر في اختصار الأشباه والنظائر لأبي زيد بن عبد القادر بن علي ابن أبي المحاسن يوسف الفاسي المغربي المالكي المتوفى سنة 1096 هـ. هدية العارفين جـ 5 صـ 550. 43 - كتاب مجامع الحقائق وشرحه منافع الدقائق لأبي سعيد محمد بن مصطفى بن عثمان الحسيني الخادمي الحنفي المتوفى سنة 1176 هـ، وهذا كتاب في الأصول ولكن في خاتمته جمع مؤلفه أربعاً وخمسين ومائة قاعدة رتبها على حروف المعجم، وقد شرح هذا الكتاب مع القواعد مطفى بن محمد الكوزل حصاري البولداني سنة 1246 هـ وكذلك شرح الخاتمة سليمان القرق أغاجي وطبع هذا الشرح سنة 1299 هـ. 44 - مجلة الأحكام العدلية العثمانية الصادرة سنة 1286 إذ صُدِّرت بتسع وتسعين قاعدة فقهية مختارة من أهم ما جمع ابن نجيم والخادمي بإضافة بعض القواعد الأخرى، من المادة 2 إلى المادة

100 ولهذه المجلة شروح من أهمها: 1 - درر الحكام لعلي حيدر مطبوع في أربع مجلدات. 2 - شرح المجلة لمفتي حمص الشيخ محمد خالد الأتاسي، وأكمله ابنه الشيخ طاهر الأتاسي وهو مطبوع في ست مجلدات طبع سنة 1930 - 1931 م. وهنالك شروح أخرى منها المطبوع ومنها المخطوط. وممن شرح قواعد المجلة الشيخ أحمد الزرقا الحنفي الحلبي رحمه الله المتوفى سنة 1357، وقد طبع حديثاً بدار الغرب الإسلامي سنة 1403 هـ بعناية ولده أستاذنا الجليل الشيخ مصطفى بن أحمد الزرقا. 45 - كتاب "الفوائد البهية في القواعد الفقهية" للشيخ محمود بن محمد بن نسيب المعروف بابن حمزة الحسيني الدمشقي الحنفي مفتي دمشق المتوفى سنة 1305 هـ، وهو من أوسع ما جمع باسم القواعد الفقهية وهو يعتبر أول من أفرد القواعد الفقهية والضوابط وجردها في كتاب مستقل مقدمة لإفراد القواعد بكتاب مستقل، وإن كان ما في الكتاب من الضوابط والفوائد الفقهية أكثر بكثير مما فيه من القواعد الكلية، وقد أخرجت ما فيه من القواعد فكانت ثلاثاً وأربعين ومائتي قاعدة فقهية. 46 - كتاب قواعد الفقه للشيخ المفتي السيد محمد عميم الإحسان المجددي البركتي البنجلاديشي الحنفي المتوفى سنة وهو كتاب يحتوي على خمس رسائل: الرسالة الأولى ذكر فيها أصول الإمام الكرخي، والرسالة الثانية ذكر فيها أصول الإمام الدبوسي.

والرسالة الثالثة: ذكر فيها ستاً وعشرين وأربعمائة قاعدة من قواعد المذهب الحنفي، وقد طبع الكتاب في باكستان سنة 1407 هـ. 47 - ومما كتب حديثاً في القواعد ما كتبه شيخنا الجليل الأستاذ مصطفى بن أحمد الزرقا الحلبي في كتابه العظيم "المدخل الفقهي العام" إذ أفرد القواعد الكلية بقسم خاص في نهاية الجزء الثاني منه، تكلم فيه عن القواعد الفقهية في الفقه الإسلامي ونشأتها وتطورها وتدوينها وأشهر ما ألف فيها كما شرح قواعد المجلة شرحاً موجزاً وأردفها بذكر إحدى وثلاثين قاعدة أخرى مرتبة على حروف المعجم فكان مجموع ما ذكره ثلاثين ومائة قاعدة. 48 - ومن كتب القواعد رسالة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي الحنبلي المتوفى سنة 1376 هـ وهي عبارة عن شرح لنظم في القواعد الفقهية، وكلاهما للمؤلف نفسه والكتاب يشتمل على ستين قاعدة فقهية وأصولية. 49 - ومن الكتب المؤلفة حديثاً كتاب "إيضاح القواعد الفقهية للشيخ عبد الله بن سعيد محمد عبّادي اللَّحجي الحضرمي، وقد ألفه لطلاب المدرسة الصولتية بمكة المكرمة - التي ربما تكون هي المدرسة الوحيدة التي كانت تدرس القواعد الفقهية كعلم مستقل - وهذا الكتاب شرح فيه مؤلفه قواعد الإمام السيوطي التي نظمها أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل وشرحها الشيخ عبد الله بن سليمان الجرهزي. وهو شرح لطيف لخمسين قاعدة فقهية، وهو مطبوع سنة 1388 هـ.

50 - كتاب مقاصد المكلفين للدكتور عمر بن سليمان الأشقر الذي نال به درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة الأزهر طبع سنة 1401 هـ. 51 - ومنها كتاب الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية للعبد الفقير محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو الغزي أبو الحارث، وهو كتاب جمع فيه مؤلفه ثمانين ومائة قاعدة فقهية منها القواعد الست الكبرى وما تفرع عليها من قواعد، وقد شرحت كل قاعدة منها شرحاً مختصراً يتضمن معنى القاعدة من حيث اللغة والاصطلاح الفقهي، ودليل القاعدة إن وجد لها دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو المعقول، ثم التمثيل للقاعدة وبيان الخلاف بين المذاهب في بعض المسائل الخلافية، وكان هذا الكتاب مقدمة لجمع القواعد جمعاً شاملاً غير مذهبي، حيث يذكر القاعدة بألفاظ ورودها حيثما وردت. وكان هذا الكتاب مقدمة لظهور هذه الموسوعة، وقد طبع الكتاب أول مرة سنة 1404 هـ والطبعة الثالثة ظهرت سنة 1415 هـ وقد تلقاه طلاب العلم بالقبول والحمد لله. 52 - كتاب القواعد الفقهية نشأتها، وتطورها، دراسة مؤلفاتها، للدكتور الشيخ علي بن أحمد الندوي الهندي الذي أعده وقدمه لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وطبع في دمشق بدار القلم سنة 1406 هـ وهو يعتبر بحق من أفضل وأوفى الكتب في موضوعه، وقد سد من المكتبة الفقهية جانباً عظيماً لما اشتمل عليه من مباحث جليلة، فجزى الله مؤلفه خيراً

ونفع به وبعلمه. 53 - كتاب القواعد الفقهية وتاريخها وأثرها في الفقه - تأليف الدكتور محمد حمود الوائلي وهو كتاب صغير جعله مؤلفه في بابين وعشرة فصول تحدث في الباب الأول عن تعريف القواعد الفقهية والفرق بينها وبين قواعد الأصول والنظريات ونشأة القواعد ووضعها وأهميتها وأثرها، وجعل الباب الثاني في المؤلفات الفقهية في المذاهب الأربعة حيث ذكر بعض ما أُلف في كل مذهب ومثل لكل كتاب منها. وقد طبع سنة 1407 هـ. 54 - كتاب النظريات الفقهية للدكتور محمد بن وهبة الزحيلي أستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق. وهذا الكتاب مشتمل على أربعة أبواب، الأبواب الثلاثة الأولى في بيان وشرح ثلاث نظريات - هي: نظرية المؤيدات الشرعية - الزواجر - والمدنية، ونظرية الأهلية والولاية، ونظرية العرف، والباب الرابع في القواعد الكلية في الفقه الإسلامي. وقد طبع سنة 1414 هـ. 55 - كتاب قاعدة "إعمال الكلام أولى من إهماله" للشيخ محمود بن مصطفى عبود اللبناني حيث قدمه للحصول على درجة الماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهو بحث عظيم كشف عن عظمة هذه القاعدة واستيعابها وشمولها وقد نال به صاحبه درجة الماجستير بامتياز سنة 1404 هـ. 56 - كتاب بعنوان "قاعدة المشقة تجلب التيسير". للدكتور الشيخ صالح بن سليمان بن محمد اليوسف الحنبلي حيث نال به درجة

الماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وطبع الكتاب سنة 1408 هـ. 57 - كتاب القواعد الفقهية للفقه الإسلامي. تأليف أحمد محمد الحصري المصري وهو مطبوع سنة 1413 بالقاهرة بمكتبة الكليات الأزهرية وقد أدرج فيه المؤلف رسالة الإمام الكرخي، وأصول الإمام الدبوسي - تأسيس النظر، وقواعد ابن نجيم، وبعض القواعد من المذاهب الأخرى. مع ترجمة لبعض من كتبوا في القواعد. وختم الكتاب بشرح للقواعد الكلية الكبرى وبعض ما تفرع عنها. هذا ما تيسر جمعهُ من المؤلفات في القواعد الفقهية وقد تركت ذكر ما يطلق عليه كتب الفروق، عدا كتاب القرافي لأنها ليست كتباً خاصة بالقواعد وإنما يأتي ذكر بعض القواعد عرضاً، كما تركت ذكر بعض المؤلفات التي يُشك فيها من حيث كونها كتباً في قواعد الفقه كما لم أذكر عدداً من الكتب أو التعليقات أو المختصرات أو المنظومات لبعض كتب القواعد اكتفاء بالأصل والأهم. وإلا فكتب القواعد والأشباه والنظائر يتعذر حصرها وذكرها جميعاً، وقد اعتمدت فيما ذكرته من كتب القواعد على ما اطلعت عليه أو عثرت عليه وحصلته وعلى ما ذكره الأخوة الذين كتبوا في القواعد أو حققوا شيئاً منها وقدموا لما حققوه، وأخص منهم الأخ الشيخ الدكتور علي بن أحمد الندوي ولما ذكره في كتابه القيم سالف الذكر، والأخ الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله

الشعلان، والأخ الشيخ الدكتور أحمد بن محمد العنقري، وما ذكراه في مقدمة تحقيقهما لكتابي ابن الوكيل والحصني، نفع الله بهم وبعلومهم وبارك فيهم، والحمد لله رب العالمين.

حرف الهمزة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ربِّ يَسِّر وأعن القاعدة الأولى: أولا: لفظ ورود القاعدة: " إنما الأعمال بالنيَّات (¬1) " أو "الأمور بمقاصدها (¬2) " ثانيا: معنى القاعدة ومدلولها [النيَّة - القصد] أ - معنى قاعدة [الأمور بمقاصدها] في اللغة: هذه القاعدة جملة اسمية مكونة من كلمتين هما: الأمور، ومقاصدها. فالأمور: جمع أمر، ومعناه الحادثة أو الشَّأن، والحال، لا يكسّر على غير ذلك (¬3) - ومنه قوله تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} (¬4)، ويقال أمر فلان مستقيم، وأموره مستقيمة (¬5). قال الراغب (¬6): - الأمر: الشأن، وجمعه أمور - وهو لفظ عام ¬

_ (¬1) الأعمال بالنيات: المبسوط للسرخسي (ج 6 صـ 59، وج 19 صـ 139. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 54، 94، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 8، والأشباه النظائر لابن نجيم صـ 27 وقواعد الخادمي صـ 4، وقواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 168، المغني لابن قدامة ج 1، القواعد الفقهية في بابي العبادات والمعاملات لعبد الله العيسى ج 1 صـ 158، فما بعدها. (¬3) أي لا يجمع جمع تكسير على غير وزن: فعول. (¬4) الآية 53 من سورة الشورى. (¬5) لسان العرب ج 1 صـ 96 مادة أمر. (¬6) الراغب الأصفهاني الحسين بن محمد بن المفضَّل، أبو القاسم صاحب "مفردات القرآن" وغيره ت 502 هـ البلغة صـ 91، وبغية الوعاة ج 2 صـ 297.

وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} (¬1)، وقوله: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ} (¬2) , وقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (¬3) أي أقواله وأفعاله كلها (¬4)، ويأتي الأمر بمعنى طلب الفعل - وهو فعل الأمر وجمعه أوامر. وهو ليس مقصوداً هنا بل المقصود هنا هو عمل الجوارح، ومنها اللسان وفعله القول، ومنها القلب وفعله الاعتقاد. والمقاصد: جمِع مقصد، مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق، ومنه قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} (¬5) أي على الله يتبين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة. والقصد: بمعنى الوسط بين الطرفين، وفي الحديث: [القصدَ القصدَ تبلغوا] (¬6) أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل. والقصد: الاعتماد والأَمّ والتوجّه. يقال: قَصَدَه يَقصِده قصداً. قال ابن جني (¬7): أصل (ق ص د) ومواقعها في كلام العرب: الاعتزام والتوجّه والأمَّ ¬

_ (¬1) الآية 123 من سورة هود. (¬2) آية 154 من سورة آل عمران. (¬3) الآية 97 من سورة هود. (¬4) مفردات الراغب صـ 24، 25. (¬5) الآية 9 من سورة النحل. (¬6) الحديث أخرجه البخاريُّ في كتاب الرقاق باب 18، وأحمد في المسند جـ 2 صـ 537. (¬7) ابن جني: عثمان بن جني أبو الفتح من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، من مصنفاته: الخصائص في النحو وسرّ الصناعة وغيرهما ت 392 هـ بغية الوعاة ج 2 صـ 132 باختصار

والنهود، والنهوض نحو الشيء (¬1). قال ابن فارس (¬2): القاف والصاد والدال أصول ثلاثة يدل أحدها على إتيان شيء وأمِّه، فالأصل: قصدته قصداً ومَقْصَداً. ومن الباب أقصَدَهُ السهم، أصابه فقتل مكانه، وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحِد عنه. قال الأعشى (¬3): فأقصَدها سهمي وقد كان قبلها لأمثالها من نسوة الحي قانصاً (¬4) (¬5) قال الفيروزأبادي (¬6): القصد: استقامة الطريق. والاعتماد والأَمّ، قصده وله وإليه يقصده (¬7). وقال ابن سيده (¬8): القصد إستقامة الطريق. وقوله ¬

_ (¬1) لسان العرب مادة (ق ص د) (¬2) ابن فارس: أحمد بن زكريا أبو الحسين اللغويّ القزويني، صنف المجمل في اللغة، ومعجم المقاييس وغيرهما. ت 395 هـ - بغية الوعاة ج 1 صـ 352، البلغة صـ 61. (¬3) الأعشى: ميمون بن قيس بن جندل، ويكنى أبا بصير. شاعر من فحول شعراء الجاهلية أدرك الإسلام ولم يسلم. (¬4) ديوان الأعشى صـ 189 ورواية الديوان "قارصاً" (¬5) معجم مقاييس اللغة ج 5 صـ 95. (¬6) الفيروزأبادي: محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزأبادي صاحب القاموس مجد الدين أبو طاهر ت 816 هـ بغية الوعاة ج 1 صـ 273. (¬7) القاموس المحيط ج 1 صـ 327 مادة قصد. (¬8) ابن سيده: علي بن أحمد بن سيده اللغوي النحوي الأندلسي، أبو الحسن الضرير لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب، =

تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} (¬1) أي على الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحجج والبراهين .. إلى أن قال: القصد الاعتماد والأَمّ قصده يقصده قصداً، وقصد له، وأقصدني إليه الأمر (¬2). والقصد يأتي بمعنى النيّة - كما أنَّ النية معناها القصد - وهو المعنى المراد هنا. فما معنى "النيَّة" وما حقيقتها؟. قال في معجم مقاييس اللغة: نوى، النون والواو والحرف المعتل أصل صحيح يدل على معنيين: أحدهما مقصِدٌ لشيء، والآخر عَجم شيء. فالأوّل: النوى، قال أهل اللغة: النوى التحول من دار إلى دار .. هذا هو الأصل ثم حمل عليه الباب كله، فقالوا نوى الأمر ينويه إذا قصد له، ومما يصحح هذه التآويل قولهم: نواه الله كأنه قصده بالحفظ والحياطة. قال: يا عمرو أحسن نواك الله بالرَّشَد: واقرأ سلاماً على الذلفاء بالثَمَد (¬3) أي قصدك بالرشد. والنيَّة الوجه الذي تنويه (¬4). وقال في اللسان (¬5): نوى الشيء نيَّةً ونِيَة، بالتخفيف وهو نادر، وانتواه قصده واعتقده، والنيَّة: الوجه الذي يذهب فيه. ¬

_ = صاحب المخصص، والمحكم والمحيط الأعظم، وغيرهما ت: 458 هـ بغية الوعاة ج 2 صـ 143 مختصراً. (¬1) الآية 9 من سورة النحل. (¬2) المحكم لابن سيده ج 6 صـ 115. (¬3) البيت ذكره في اللسان، وفي الصحاح مادة نوى، في معجم البلدان "ثمد الروم" مع اختلاف في الرواية. (¬4) معجم مقاييس اللغة ج 5 صـ 366. (¬5) اللسان المحيط مادة نوى ج 3 صـ 751 بتصرف، والقاموس ج 4 صـ 397.

وعن الجوهريّ (¬1): والنيَّة والنوى، الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، وقال: نويتُ نِيّةً، ونواة، أي عزمت، وانتويت مثله (¬2). وأصل الفعل: نوى ينوي، كضرب يضرب. وأصل كلمة "نِيَّة نِوْيَة على وزن فِعْلة؛ اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً وأُدغمت في الياء. ومعناها: العزم على الشيء والقصد له والتوجه إليه. وعلى هذا يكون معنى القاعدة في اللغة: "إن أحكام الأفعال والأقوال كلها تتبع المراد منها". ب - معنى قاعدة [الأمور بمقاصدها] في الاصطلاح الفقهي: أن معنى القاعدة اللغوي أساس لمعناها الاصطلاحي، وعلى ذلك نقول: (إن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى المقصود من ذلك الأمر (¬3)) ومعنى هذا: "إن أعمال المكلف وتصرفاته من قولية أو فعلية تترتب عليها نتائجها وأحكامها الشرعية تبعاً لمقصود الشخص وغايته وهدفه من وراء تلك الأعمال والتصرفات". ¬

_ (¬1) الجوهريّ صاحب صحاح اللغة، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهريّ الفارابي أخذ عن أبي علي الفارسي، وأبي سعيد السيرافي وغيرهما. إمام في اللغة والنحو والصرف ت 398 هـ. البلغة صـ 66، 68 مختصراً. (¬2) صحاح العربية مادة "نوى" واللسان مادة "نوى". (¬3) شرح المجلة للشيخ خالد الأتاسي ج 1 صـ 13

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فالحكم على تصرف الإنسان بكونه واجباً أو حراماً أو مندوباً أو مكروهاً أو مباحاً، أو بكونه مثاباً عليه أو معاقباً. كل ذلك إنما يكون تابعاً لقصد المكلف وهدفه من وراء ذلك التصرف. ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - طلب العلم تختلف نتائجه باختلاف مقصد الشخص ونيَّته من ورائه، فمن كان قصده ونيته بطلبه العلم الشرعي، الدنيا ومتاعها كان طلبه العلم حراماً، وعوقب على ذلك بألا يرح رائحة الجنَّة (¬1). ومن كان قصده من طلبه العلم ابتغاء وجه الله تعالى وامتثال أمره ونشر شريعته والتفقه في الدين والعمل به أثيب على طلبه ذلك أعظم الثواب. 2 - والممسك عن الطعام إن كان إمساكه حِمية أو استجابة لأمر طبيب، أو لعدم حاجته للطعام فهو أمر مباح ولا ثواب، ولا عقاب، وأما إن كان إمساكه عن الطعام بقصد الموت جوعاً فهذا حرام وهو آثم. وأما إن كان إمساكه عن الطعام بنية الصوم الشرعي لله عزَّ وجلَّ فهو طاعة يثاب عليها. 3 - ومن أهدى إلى آخر هدية؛ فإن كان كان الباعث له على تلك الهدية المحبة والمودَّة في الله عزَّ وجلَّ كان مثاباً على قصده، وأما إن كان قصده من وراء هديته إبطال حق أو إحقاق باطل فهذا رشوة، وهي حرام يعاقب عليها. 4 - ومن رأيناه أعطى إنساناً مالاً فلا يجوز الحكم على ذلك الإعطاء ¬

_ (¬1) الحديث في مجمع الزوائد ج 1 صـ 439، حديث رقم 866 عن معاذ رضي الله عنه وإتحاف السادة المتقين ج 1 صـ 350 وقال في رواه عن معاذ شهر بن حوشب.

رابعا: من مسائل القاعدة

قبل معرفة القصد من ورائه، فقد يكون هذا المال قرضاً، وقد يكون زكاة واجبة وقد يكون صدقة، وقد يكون وديعة أو ثمن سلعة أو غير ذلك، وكل واحد من هذه له حكم شرعي يخصه ويترتب عليه أحكام مختلفة تبعاً للقصد منه ونوع التصرف المقصود. فالعبرة في كل ذلك وأشباهه بباعث الفاعل القلبي ونيته، وقصده من تصرفه ذلك. ومن هنا تظهر أهمية هذه القاعدة ومكانتها. رابعا: من مسائل القاعدة: المسألة الأولى: أصل هذه القاعدة وأدلتها: أصل هذه القاعدة ومعتمدها قوله عليه الصلاة والسلام: [إنما الأعمال بالنيَّات] (¬1). وأما أدلة هذه القاعدة فهي كثيرة من الكتاب والسنة. أولاً: الأدلة من الكتاب العزيز: لم يرد لفظ النيَّة في القرآن الكريم، وإنما ورد فيه ألفاظ أخرى بمعنى النيَّة تؤيّد أصل هذه القاعدة وتكون دليلاً عليها. من ذلك: 1 - قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} (¬2). 2 - قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (¬3). ¬

_ (¬1) سيأتي تخريج هذا الحديث. (¬2) الآية 100 من سورة النساء. (¬3) سورة النساء الآية 134.

3 - قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} (¬1). أي من نوى وقصد بعمله الآخرة. 4 - قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} (¬2). 5 - قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} (¬3). 6 - قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)} (¬4) 7 - وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬5) ففي كل هذه الآيات ورد فعل مشتق من الإرادة: يريد، أراد، يرد، ومعناها في كلها القصد والنيَّة وتوجه القلب والعزم على الشيء. ومثل ذلك لفظ "ابتغاء" ومن ذلك: 1 - قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ ¬

_ (¬1) سورة الإسراء الآية 19. (¬2) سورة الروم الآية 39. (¬3) سورة آل عمران الآية 145. (¬4) سورة الشورى الآية 20. (¬5) سورة هود الآية 15.

اللَّهِ} (¬1). 2 - قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (¬2). 3 - وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} (¬3). 4 - وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (¬4). 5 - وقوله تعالى {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)} (¬5). قال الراغب (¬6): في معنى الابتغاء: وأما الابتغاء فقد خُصَّ بالاجتهاد في الطلب فمتى كان الطلب لشيء محمود فالابتغاء فيه محمود (¬7). وقال ابن فارس (¬8): بغي: الباء والغين والياء أصلان: أحدهما ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية 207. (¬2) سورة البقرة الآية 265. (¬3) سورة النساء الآية 114. (¬4) سورة الرعد الآية 22. (¬5) سورة الإسراء الآية 28. (¬6) سبقت ترجمته. (¬7) مفردات الراغب صـ 56. (¬8) سبقت ترجمته.

ثانيا: الأدلة من السنة

طلب الشيء، والثاني جنس من الفساد، فمن الأوَّل: بغيت الشيء أبغيه: إذا طلبته. ويقال: بغيتك الشيء إذا طلبته لك، وأبغيتك الشيء إذا أعنتك على طلبه (¬1). فالابتغاء هنا معناه الطلب، وهو طلب باجتهاد كما قال الراغب وفيه معنى العزم وتوجة القلب. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في كتاب الله، وهي وإن كانت في مجملها تركز على الجانب الأخروي ثواباً وعقاباً لكنها بمضمونها ودلالتها تؤكد أهمية القصود والنيات، وأن صلاح الأعمال وفسادها مرتبط ومترتب على المقاصد والنيات، إذ العبرة بها لا بالأفعال والكلمات. 6 - وقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} (¬2)، قال البخاري (¬3) رحمه الله تعالى: "على نيته". قال ابن حجر (¬4) رحمه الله تعالى: قوله "على نيته": تفسير منه لقوله {عَلَى شَاكِلَتِهِ} بحذف أداة التفسير (¬5). ثانيا: الأدلة من السنَّة: ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة ج 1 صـ 271. (¬2) سورة الإسراء الآية 84. (¬3) البخاري شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن خردازبه البخاري الجعفي صاحب الصحيح ولد سنة 194 وتوفيَّ سنة 256، تذكرة الحفاظ ج 1 صـ 555. (¬4) ابن حجر أحمد بن علي بن محمد بن محمد العسقلاني خاتمة الحفاظ صاحب فتح الباري شرح البخاري ولد سنة 773، وتوفي سنة 852 والضوء اللامع ج 1 صـ 36 (¬5) فتح الباري ج 1 صـ 135، كتاب الإيمان باب 41.

1 - سيد الأدلة، وهو أصل القاعدة، الحديث الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (¬1) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه (¬2) ". ¬

_ (¬1) هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي أمير المؤمنين، وثاني الراشدين، والفاروق العظيم، كان إسلامه فتحاً وهو أعرف من أن يُعرَّف. (¬2) هذا الحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذيّ والنسائي وابن ماجه، إذ أخرجه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه: في كتاب بدء الوحي، وفي كتاب الإيمان، وفي كتاب النكاح، وفي كتاب الهجرة، وفي كتاب ترك الحيل، وفي كتاب العتق، وفي النذور، كما رواه مسلم في كتاب الجهاد، ورواه أبو داود في كتاب الطلاق، الترمذي في الجهاد، والنسائي في الإيمان، وابن ماجة في كتاب الزهد، كما أخرجه من غيرهم ابن خزيمة في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، والحميدي في مسنده والدارقطني في سننه، والطيالسي في مسنده والخطيب في تاريخه، وأبو نُعيم في الحلية وغيرهم. وهذا الحديث من أفراد الصحيح، والمراد بالفرد ما رواه واحد عن واحد، فهذا الحديث لم يصح النبي صلى الله عليه وسلم إلا من طريق عمر، ولا عن عمر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي ولا عن طريق إبراهيم إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم رواه عن يحيى خلق كثير. قال أبو بكر البزار في مسنده: لا نعلم يروى هذا الكلام إلا عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد، وكذلك قال الخطابي والترمذي، وحمزة بن محمد الكتاني، ومحمد بن عتاب، وقيل أنه روى من =

مكانة هذا الحديث

مكانة هذا الحديث: هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام، اتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول، وبه صدّر البخاري كتابه الصحيح، وأقامه مقام الخطبة له إشارة منه إلى إن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة. وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الدين، وقد روي عن الإمامين الجليلين الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) رضي الله عنهما أنه ثلث العلم وثلث الإسلام. لأن كسب العبد بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد الأقسام، وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها، ولذلك كانت "نية المؤمن خير من عمله". وقال أبو عبد الله البخاري: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع ولا أَغنى ولا أكثر فائدة منه. قال عبد الرحمن بن مهدي (¬3): ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب (¬4). ¬

_ = طرق كثيرة، لكن لا يصح من ذلك شيء عند الحفاظ، وتفصيل الأقوال في طرح التثريب ج 2 صـ 4. (¬1) الشافعي الإماء أبو عبد الله محمد بن إدريس بن شافع صاحب المذهب المعروف، وهو أشهر من أن يعرف، ولد بغزة من أرض فلسطين 150 هـ وتوفي بمصر سنة 204 هـ. (¬2) أحمد بن حنبل الشباني أبو عبد الله، الإمام المشهور. (¬3) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثبت، حافظ عارف بالرجال والحديث، من التاسعة مات سنة 198 هـ. تهذيب التهذيب ج 1 صـ 499. (¬4) جامع العلوم والحكم لابن رجب صـ 5.

معنى هذا الحديث

معنى هذا الحديث: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فقوله [إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريءٍ ما نوى] جملتان مصدرتان بإنما وهي أداء تفيد الحصر والقصر مثل "ما وإلا" ومعنى الحصر: "ثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه" ففي الجملة الأولى قصر المسند إليه وهو الأعمال على المسند وهو النيات. والجملة الثانية قصر المسند فيها على المسند إليه فكل منوي مجازىً به". ولفظ الأعمال جمع محلي بالألف واللام مفيد للاستغراق، وكذلك لفظ "النيات" ومعناه كل عمل بنية، فلا عمل إلا بنية، والحديث متروك الظاهر، لأن ذوات الأعمال غير منتفية، فليس المراد نفي ذات العمل، لأنه قد يوجد بغير نية، فلا بد من تقدير محذوف. وقد اختلف في تقدير هذا المحذوف على أقوال عدة: هل هو المضاف أو هو متعلق الجار والمجرور؟ وإذا كان المحذوف المضاف فهل هو نفي الحكم كالصحة، والكمال أو نفي الثواب، وهل يكون المحذوف خاصاً أو عاماً؟ قال ابن حجر (¬1) قال شيخنا شيخ الإسلام (¬2): الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية، وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقاً من اسم فاعل أو فعل، فيكون التقدير، إنما الأعمال حاصلة أو تحصل بالنية (¬3). ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) سراج الدين البلقيني عمر بن رسلان بن نصير العسقلاني، الأصل، المصري الشافعي، أبو حفص، مجتهد حافظ للحديث، من العلماء. توفيَّ سنة 805 بالقاهرة. الأعلام ج 5 صـ 46 مختصراً. (¬3) يراجع في شرح هذا الحديث: عمدة القاري ج 1 صـ 17 وما بعدها، فتح الباري =

ولكني أرى أن يكون التقدير: إنما جزاء الأعمال مترتب على نيات فاعليها وقصودهم من وراء فعلها. والجزاء لفظ عام يشمل الثواب والعقاب والصحة والفساد والبطلان، وبدليل التفصيل بعد الإجمال في آخر الحديث، حيث بين عليه الصلاة والسلام أثر النية في عمل العبد وهو الهجرة، وما ترتب عليها من ثواب، أو ضياع تبْعاً لنيَّة المهاجر. والمراد بالأعمال: أعمال الجوارح كلها، ومنها القلب واللسان، ففعل القلب الاعتقاد، وفعل اللسان القول، وإن كان هناك من لم يعتبر عمل اللسان وعمل القلب، ولكن الصحيح اعتبارهما. واستثنوا من الأعمال ما كان من قبيل الترك كترك الزنا والنظر المحرم وعموم المنهيات، وإزالة النجاسة، ورد الغُصوب والعواري وإيصال الهدية وغير ذلك، قالوا: لأنه لا تتوقف صحتها على النية المصححة ولكن يتوقف الثواب فيها على نية التقرب (¬1). وقوله عليه الصلاة والسلام [وإنما لكل امريءٍ ما نوى]، أي أن من نوى شيئاً لم يحصل له غيره، وفيه دليل على أن الله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه، بدليل الحديث الذي رواه النسائي (¬2) عن أبي أُمامة (¬3) حيث قال: [جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه ¬

_ = ج 1 صـ 9 وما بعدها، فيض الباري صـ 4 وما بعدها، جامع العلوم والحكم صـ 5 وما بعدها، وشرح الأربعين للنووي صـ 6 وما بعدها. (¬1) شرح الأربعين للنووي صـ 10 بتصرف. (¬2) النسائي الإمام صاحب السنن: أحمد بن شعيب بن علي، أبو عبد الرحمن الحافظ مات سنة 303 هـ تقريب التهذيب ج 1 صـ 16. (¬3) أبو أمامة الصحابي الجليل صدي بن عجلان الباهلي، سكن الشام ومات بها سنة 86 هـ تقريب التهذيب صـ 366.

وسلم فقال: رأيت رجلاً يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له (¬1) "]. وهذه الجملة فيها فوائد كثيرة، منها: تحقيق اشتراط النية والإخلاص في الأعمال. ومنها: اشتراط تعيين المنوي. ومنها: أن فيها دلالة على أن الأعمال الخارجة عن العبادة - المباحات - قد تفيد الثواب إذا نوى بها فاعلها القربة كالأكل والشرب إذا نوى بهما القوة على الطاعة، والنوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة، والوطء إذا أراد به التعفف عن الفاحشة. ومنها أن الأفعال التي ظاهرها القربة - وإن كان موضوع فعلها للعبادة - إذا فعلها المكلف عادة لم يترتب الثواب على مجرد الفعل - وإن كان الفعل صحيحاً - حتى يقصد به العبادة (¬2). 2 - حديث عائشة بنت الصديق (¬3) رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلتُ: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم]. قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في سننه كتاب الجهاد ج 1 صـ 25. (¬2) طرح التثريب ج 1 صـ 9، 10 بتصرف. (¬3) عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها. (¬4) فتح الباري ج 4 صـ 338 فما بعدها، النووي على مسلم ج 1 صـ 2208 - 2210.

وقال النووي (¬1): أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم، ويصدرون يوم القيامة مصادر شتى، أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها (¬2) ". 3 - حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية، وإذا استنفرتم فانفروا] (¬3). وفيه أن نية الجهاد - عند عدم القدرة عليه - تقوم مقامه. 4 - حديث معن بن يزيد بن الأخنس (¬4) رضي الله عنهم، قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئتُ فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [لك ما نويت يا يزيد ولك ما أحذت يا معن] (¬5). قال ابن حجر رحمه الله: وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أم لا (¬6). ¬

_ (¬1) النووي: محي الدين يحيى بن شرف ابن حزام النووي، محرر مدهب الشافعية، صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة 631 هـ وتوفي سنة 676 هـ وكان على حانب كبير من العمل والعبادة والزهد والعلم. طبقات الشافعية لابن السبكي ج 5 صـ 165 فما بعدها. مختصراً. (¬2) النووي على مسلم ج 18 صـ 7. (¬3) الحديث في فتح الباري ج 6 صـ 3 صحيح مسلم بشرح النووي ج 3 هـ 1488. (¬4) معن بن يزيد بن الأخنس هو وأبوه وجده صحابيون شهدوا بدراً حميعاً، ولا يعلم أحد شهد بدراً هو وأبوه وجده إلا معن هذا. الإصابة ج 1 صـ 25. (¬5) فتح الباري ج 3 صـ 291. (¬6) فتح الباري ج 3 صـ 292.

5 - حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (¬1). وفيه قوله صلى الله عليه وسلم [وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيْ امرأتك] (¬2). قال ابن حجر: "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت بها" مقيدة بإبتغاء وجه الله، وعلق حصول الأجر بذلك، وهو المعتبر، ويستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنية، لأن الإنفاق على الزوجة واجب وفي فعله الأجر، فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك" وقال: "ولأن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة، وقد نبه على ذلك بأقل الحظوظ الدنيوية العادية وهو وضع اللقمة في فم الزوجة، إذ لا يكون ذلك غالباً إلا عند الملاعبة والممازحة، ومع ذلك فيؤجر فاعله إذا قصد به قصداً صحيحاً، فكيف بما هو فوق ذلك؟! (¬3). وقال ابن دقيق العيد (¬4): "وفيه دليل على أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية في ابتغاء وجه الله (¬5). ¬

_ (¬1) سعد مالك بن وهيب صحابي جليل من بني زهرة أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أخباره كثيرة ومشهورة. الإصابة ج 2 صـ 33. (¬2) فتح الباري ج 3 صـ 164.، صحيح مسلم بشرح النووي ج 3 صـ 1250. (¬3) فتح الباري ج 5 صـ 367 - 368. (¬4) ابن دقيق العيد هو الشيخ الإمام تقي الدين محمد بن علي بن وهب القشيري ولد سنة 625 هـ من محققي الشافعية، وفقهائهم، أشهر علماء زمانه، ألف كتباً كثيرة في الفقه والحديث، توفي سنة 702. طبقات الأسنوي ج 2 صـ 227، طبقات الشافعية ج 6 صـ 2. (¬5) إحكام الأحكام ج 4 صـ 10

6 - حديث أبي هريرة (¬1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم] (¬2). قال النووي رحمه الله "ومقصود الحديث أن الاعتبار في هذا كله بالقلب" (¬3). 7 - حديث أبي بكرة (¬4) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال: [إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار]، قلتُ: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: [إنه كان حريصاً على قتل صاحبه (¬5)]. قال النووي: فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه الجمهور أن من نوى المعصية وأصر على النية يكون آثماً وإن لم يفعلها ولا تكلم بها (¬6). ¬

_ (¬1) عبد الرحمن بن صخر الدوسي أكثر الصحابة حملاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواية عنه، إذ روى 5374 حديثاً توفي سنة 57 في خلافة معاوية رضي الله عنه. الإصابة ج 4 صـ 202. (¬2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 4 صـ 1987. (¬3) المرجع السابق ج 16 صـ 202. (¬4) أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة صحابي جليل تدلى على بكرة أثناء حصار الطائف، ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الإصابة ج 3 صـ 391، وج 4 صـ 23. (¬5) فتح الباري ج 1 صـ 84 - 85، صحيح مسلم ج 4 صـ 2213 - 2214. (¬6) شرح مسلم للنووي ج 18 صـ 12.

8 - حديث ابن مسعود (¬1) رضي الله عنه قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء فقال: [إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته (¬2)]. والمراد بأصحاب الفرش الذين حبسهم العذر عن الجهاد وهم ينوونه. 9 - حديث جابر (¬3) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يحشر الناس على نياتهم]. ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يبعث الناس على نياتهم (¬4)]. 10 - حديث أبي الدرداء (¬5) رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عزَّ وجلَّ (¬6)]. ¬

_ (¬1) عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة، أسلم قديماً وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد كلها، لازم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة ومات سنة 32 أو 33 للهجرة. الإصابة ج 2 صـ 368. (¬2) الفتح الرباني ج 14 صـ 33. (¬3) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أحد الصحابة المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة 87 هـ. الإصابة ج 1 ص 213. (¬4) سنن ابن ماجة ج 2 صـ 1414. (¬5) عويمر بن عامر الخزرجي كان آخر أهل داره إسلاماً، شهد ما بعد أحد، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: [عويمر حكيم أمتي] توفي سنة 32 هـ الاستيعاب 4 ص 59. (¬6) سنن النسائي ج 3 صـ 258.

قال السيوطي (¬1): قال القرطبي (¬2): هذا الفضل من الله تعالى وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه القيام مع أن نيته القيام وظاهره أن له أجراً مكملاً مضاعفاً وذلك لحسن نيته وصدق تلهفه وتأسفه، وهو قول بعض شيوخنا، وقال بعضهم ويحتمل أن يكون غير مضاعف إذ التي يصليها أكمل وأفضل، والظاهر الأول (¬3). قال السندي (¬4): قلتُ بل هو المتعين وإلا فأصل الأجر يكتب بالنية والله أعلم (¬5). فكل هذه الأحاديث وغيرها كثير تدل دلالة واضحة بينة على أن المعتبر في جزاء الأعمال إنما هو النيات والمقاصد، فهي الأساس الذي يدور عليه الثواب والعقاب والصحة واالفساد. ¬

_ (¬1) السيوطي الإمام عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمَّد الخضيرى ولد سنة 849 هـ وتوفي سنة 911 هـ هو من أشهر العلماء الجامعين للعلوم المكثرين من التأليف يقال أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف، ترجم لنفسه في كتابه حسن المحاضرة ج 1 صـ 142 - 144 مختصراً. (¬2) القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر صاحب التفسير المشهور، إمام متقن متبحر في العلم له تصانيف مشهورة تدل على إمامته وكثرة إطلاعه ووفور فضله توفيَّ سنة 670 هـ. طبقات المفسرين ج 2 صـ 69. (¬3) شرح السيوطي لسنن النسائي ج 3 صـ 260. (¬4) السندي الإمام الشيخ أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي السندي الأصل والمولد نزيل المدينة، وكان شيخاً جليلاً محققاً ماهراً في الحديث والتفسير والفقه والأصول، وغيرها. توفي بالمدينة المنورة 1138 هـ. الأعلام ج 6 صـ 253. (¬5) حاشية السندي على سنن النسائي ج 3 صـ 260.

المسألة الثانية: "مكانة هذه القاعدة". وما تدخله من أبواب الفقه.

المسألة الثانية: "مكانة هذه القاعدة". وما تدخله من أبواب الفقه. إذا كانت هذه القاعدة بنيت على حديث [إنما الأعمال بالنيات ..] فمكانتها بمكانة ما بنيت عليه وشرفها بشرفه وأهميتها بأهميته، وقد رأينا فيما سبق مكانة هذا الحديث وأهميته في الإسلام. ولقد قال السيوطي (¬1): إعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية. وقد مر معنا قول البخاري (¬2): ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه. واتفق الأئمة الشافعيّ (¬3)، وأحمد (¬4)، وابن مهدي (¬5)، وابن المديني (¬6) وأبو داود (¬7)، والدارقطنيّ (¬8) وغيرهم على أنه ثلث العلم، وعند أحمد: إنه أحد القواعد ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) سبقت ترجمته. (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) سبقت ترجمته. (¬6) ابن المديني علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم أبو الحسن البصري أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام، روى عنه أحمد بن حنبل والبخاري وأبو داود وطبقتهم، ت 234 هـ. طبقات الحفاظ صـ 187 مختصر بتصرف. (¬7) أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد الأزدي السجستاني الإمام العلم صاحب كتاب السنن وغيره ولد سنة 202 هـ روى عن الكثيرين توفى وروى عنه كثيرون، وكان الإمام المقدم في زمانه، مات سنة 275 هـ. طبقات الحفاظ صـ 265 بتصرف مختصراً. (¬8) الدارقطني الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي، صاحب السنن وغيرها، سمع الكثيرين وحدث عه الكثيرون سنة 385 هـ. طبقات الحفاظ صـ 393. بتصرف مختصراً.

الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده. ومنهم من قال: أنه ربع العلم. وحديث هذه مكانته يدخل في كل عمل للعبد دنيوى وأخروي، وبالتالي فالقاعدة المعتمدة عليه تدخل في كل عمل للعبد كذلك. مجمل الأبواب التي تدخلها القاعدة كما ذكرها السيوطي من ذلك: ربع العبادات بكماله، كالوضوء والغسل فرضاً ونفلاً، ومسح الخف، ومسألة الجرموق إذا مسح الْأعلى فينزل البلل إلى الأسفل والتيمم، وإزالة النجاسة على رأى، وغسل الميت على رأى. والأواني في مسألة الضبة بقصد الزينة وغيرها. والصلاة بأنواعها فرض عين وكفاية وراتبة وسنة ونفل مطلق، والقصر والجمع والإمامة والاقتداء، وسجود التلاوة والشكر وخطبة الجمعة على أحد الوجهين، والأَذان على رأي. وأداء الزكاة، واستعمال الحلي أو كنزه والتجارة والقنية. والخلطة على رأي وبيع المال الزكوي، وصدقة التطوع، والصوم فرضاً ونفلاً والاعتكاف، والحج والعمرة كذلك، والطواف فرضاً واجباً وسنة، والتحلل للمحصَر والتمتع على رأي - ومجاوزة الميقات، والسعي والوقوف - على رأي - والفداء والهدايا والضحايا، فرضاً ونفلاً. والنذور والكفارات، والجهاد، والعتق، والتدبير، والكتابة، والوصية والنكاح والوقف، وسائر القرب - بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى الله تعالى. وكذلك نشر العلم تعليماً وإفتاءً وتصنيفاً. والحكم بين الناس، وإقامة الحدود، وكل ما يتعاطاه الحكام والولاة. وتحمُّل الشهادات وأداؤها.

بل يسري ذلك إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوى على العبادة أو التوصل إليها كالأكل والنوم واكتساب المال وغير ذلك. وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة أو الاعفاف أو تحصيل الولد الصالح وتكثير الأمة، ويندرج في ذلك ما لا يحصى من المسائل. ومما تدخل فيه العقود ونحوها: كنايات البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة والوكالة وتفويض القضاء، والإقرار والإجارة والوصية والعتق والتدبير والكتابة والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء والظهار والأيمان والقذف والأمان. ويدخل فيها أيضاً في غير الكنايات مسائل شتى: كقصد لفظ الصريح لمعناه، ونية المعقود عليه في المبيع والثمن، وعوض الخلع والمنكوحة، ويدخل في بيع المال الربوي ونحوه، وفي النكاح إذا نوى ما لو صرح به لبطل. وفي القصاص في مسائل كثيرة منها: تميّز العمد وشبهه من الخطأ، ومنها قتل الوكيل في القصاص - إن قصد قتله عن الموكل -، - أو قتله بشهوة نفسه -. وفي الردة وفي السرقة فيما إذا أخذَ آلات الملاهي بقصد كسرها وإشهارها أو بقصد سرقتها. وفيما إذا أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء أو السرقة، فلا يقطع في الأول ويقطع في الثاني. وفي أداء الدين: فلو كان عليه دينان لرجل، بأحدهما رهن، فأدى أحدهما ونوى به دين الرهن انصرف إليه، والقول قوله في نيته. وفي اللقطة بقصد الحفظ أو التملك. وفيما لو أسلم على أكثر من أربع -

نسوة - فقال: فسخت نكاح هذه - فإن نوى به الطلاق كان تعييناً لاختيار النكاح، وإن نوى الفراق أو أطلق حمل على اختياره الفراق. وفيما لو وطيء أمة بشبهة وهو يظنها زوجته الحرة فإن الولد ينعقد حراً. وفيما لو تعاطى فعل شيء مباح له وهو يعتقد عدم حله، كمن وطيء أمرأة يعتقد أنها أجنبية وأنه زان بها فإذا هي حليلته، أو قتل من يعتقده معصوماً فبان أنه يستحق دمه، أو أتلف مالاً لغيره فبان ملكه. قال الشيح عز الدين (¬1) يجري عليه حكم الفاسق لجرأته على الله لأن العدالة إنما شُرطت لتحصل الثقة بصدقه وأداء الأمانة، وقد انخرمت الثقة بذلك لجرأته بارتكاب ما يعتقده كبيرة. قال: وأما مفاسد الآخرة فلا يعذب تعذيب زانٍ ولا قاتل، ولا آكلٍ مالاً حراماً، لأن عذاب الآخرة مرتب على ترتب المفاسد في الغالب، كما أن ثوابها مرتب على ترتب المصالح في الغالب. قال: والظاهر أنه لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة لأجل جرأته، وانتهاك الحرمة، بل عذاباً وسطاً بين الصغيرة والكبيرة (¬2). وعكس هذا من وطيء أجنبية وهو يظنها حليلته، لا يترتب عليه شيء من العقوبات والمؤاخذات المترتبة على الزاني، اعتباراً بنيته ومقصده. ¬

_ (¬1) الإمام المحدث الفقيه سلطان العلماء عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي، عز الدين أبو محمد بلغ رتبة الإجتهاد. ولد بدمشق سنة 577. وتوفي بالقاهرة سنة 660 هـ له كتب التفسير الكبير، والإلمام في أدلة الأحكام، والقواعد الكبرى والصغرى إلى غير ذلك من الكتب المهمة. الأعلام باختصار. وله ترجمة في فوات الوفيات وطبقات السبكي وغيرهما. (¬2) قواعد الأحكام صـ 22 بتصرف في العبارة.

وتدخل النية أيضاً في: عصير العنب بقصد الخليّة والخمرية، وفي الهجر فوق ثلاثة أيام، فإنه حرام إن قصد الهجر وإلا فلا. ونظيره أيضاً ترك الطيب والزينة فوق ثلاثة أيام لموت غير الزوج، فإنه إن كان بقصد الإحداد حرم، وإلا فلا، وتدخل النية أيضاً في: قطع السفر، وقطع القراءة في الصلاة، وقراءة القرآن جنباً بقصده أو بقصد الذِّكر. وفي الصلاة بقصد الإفهام، وفي غير ذلك. وفي الجعالة إذا التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل: إن قصد إعانته فله كل الجعل، وإن قصد العمل للمالك فله قسطه، ولا شيء للمشارك وفي الذبائح. قال السيوطي: فهذه سبعون باباً أو أكثر دخلت فيها النية (¬1). بل نقول: أن النية تدخل كل عمل يقوم به المكلف ويقصد من ورائه ترتب حكم عليه سواء كان هذا العمل دينياً أم كان عملاً دنيوياً، عدا ما يكون لفظاً صريحاً ورتب الشرع الحكم على نفس اللفظ ولم يلتفت للنية، وذلك كصريح الطلاق والعتق والبيع، وغير ذلك من الأمور الدنيوية. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر للسيوطي من صـ 9: 11، ومن أراد تفصيل النية بمسائل هذه الأبواب فعليه بكتب الفقه العام والكتب المصنفة في بيان النية وأثرها في الأحكام مثل: المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات لابن الحاج أبي عبد الله محمد ابن محمد بن محمد العبدري المالكي، والأمنية في إدراك النية للقرافي أحمد بن إدريس المالكي. ومقاصد المكلفين للدكتور عمر سليمان الأشقر. وكتاب النية وأثرها في الأحكام للدكتور الشيخ صالح السدلان. ومقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور. وموضوع مقاصد الشريعة للإمام الشاطبي في كتابه الموافقات ج 2.

بل إننا نقول حتى ما كان من هذا النوع فلا يخلو من توجه القلب نحو المراد من الطلاق والعتق والبيع، فمن طلق زوجته واعياً مدركاً لما يفعله كان قاصداً إيقاع مدلول لفظ الطلاق - وكذلك المعتق والبائع - وهذه هي النية، وإنما يتصور خلو هذه الألفاظ عن القصد في حالة: الخطأ أو النسيان، أو سبق اللسان وما أشبه ذلك وهي مسألة خلافية في وقوع الطلاق أو العتق، أو البيع في هذه الحالة.

المسألة الثالثة: "حقيقة النية".

المسألة الثالثة: "حقيقة النية". مر معنا في المسألة الأولى معنى النية في اللغة، وقيل في حقيقتها - إلى جانب ما سبق -: هي الطلب، قيل: الجد في الطلب، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه "من ينوي الدنيا تعجزه" أي من يجد في طلبها. وقيل القصد للشيء بالقلب وقيل: عزيمة القلب، وقيل: هي من النوى بمعنى البعد، فكأن الناوي للشيء يطلب بقصده وعزمه ما لم يصل إليه بجوارحه وحركاته الظاهرة لبعده عنه، فجُعلت النيَّة وسيلة إلى بلوغه (¬1). قال الزركشي (¬2): حقيقة النية ربط القصد بمقصود معين. والمشهور أنها مطلق القصد إلى الفعل. وقال الماوردي (¬3): هي قصد الشيء مقترناً بفعله، فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم. وقال الغزالي في فتاويه: حقيقة النية القصد إلى الفعل وذلك مما يصير به الفعل اختيارياً كالهوي إلى السجود، فإنه يكون تارة ¬

_ (¬1) طرح التثريب ج 2 صـ 7، عمدة القاري ج 1 صـ 23، فتح الباري ج 1 صـ 13. (¬2) الزركشي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر الزركشي الشافعيّ المحدث الأصولي اللغوي الأديب ولد سنة 745 بالقاهرة وتوفي سنة 794. وله مؤلفات عديدة منها البحر المحيط في أصول الفقه، والمنثور في القواعد الفقهية. شذرات الذهب لابن العماد ج 6 صـ 335 مختصراً. (¬3) الماوردي: علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن أقضى فقهاء عصره من أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة ولد بالبصرة سنة 364 ثم انتقل إلى بغداد وولي القضاء توفي سنة 450، وله من المؤلفات - الأحكام السلطانية وأدب الدنيا والدين، الحاوي في فقه الشافعية. الأعلام ج 4 هـ 327 - طبقات السبكي صـ 303

بقصده وتارة يكون بسقوط الإنسان على وجهه بصدمة، فهذا القصد يضاده الاضطرار. والقصد الثاني كالعلة لهذا القصد وهو الانبعاث لإجابة الداعي لغرض ما، والنية إذا أُطلقت في الغالب أُريد بها انبعاث القصد موجها للغرض، فالغرض علة، وقصد الفعل لا ينفك عن الخطر، إذ اللسان لا يجري عليه كلام منظوم اضطراراً، والفكر قد ينفك عن النية، فهذا يفيدك أن النية عبارة عن: إجابة الباعث المتحرك. والقصد نوعان: فالقصد الأوّل: يستدعي علماً، فإن من لا يعلم القيام ولا التكبير لا يقصده. والقصد الثاني: أيضاً يستدعي العلم بأن الغرض إنما يكون باعثاً في حق من علم الغرض فيرجع إلى الثاني وهو النية (¬1). وعلى ذلك فقد ذكر الفقهاء للنية معنيين اصطلاحيين: معنىً عاماً، ومعنىً خاصاً. فالمعنى العام للنية كما ذكره البيضاوي (¬2): هو: "انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مالاً". ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 3 صـ 284 بتصرف. (¬2) الإمام البيضاوي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، أبو سعيد البيضاوي قاضٍ مفسر علامة أصولي، ولد في مدينة البيضاء بفارس، وله تآليف جيدة، من أشهرها تفسيره أنوار التنزيل، ومنهاج الوصول إلى علم الأصول وغيرها، توفي سنة 685. الأعلام جـ 4 صـ 110.

وهذا النوع من النية يراد به التمييز في المحتمل كتمييز التصرفات وكتمييز العبادات عن المباحات، وكتمييز العبادات بعضها عن بعض، وهذا هو الإطلاق الأكثر للنية. وأما المعنى الخاص للنية: فهو "قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى بإيجاد الفعل (¬1)، أو الإمتناع عنه". أو هو: "توجه الإرادة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وإمتثال حكمه (¬2) ". فمن أمثلة ذلك: - أداء الديون إذا أعطى المدين الدائن من جنس حقه فإنه يحتمل التمليك هبة وقرضاً ووديعة وإباحة وأداء للدين، فلا بد من نية تمييز إقباض الدين عن سائر أنواع الإقباض، ولا يشترط نية التقرب. فمن لم يقصد أداء الدين لا يقع عن الدين. - ومن جاز له الشراء لنفسه ولغيره كالوكيل والوصي فإنه يملك التصرف لنفسه ولموكله ويتيمه فإذا أُطلق الشراء ينصرف لنفسه ولا ينصرف إلي غيره إلا بالنية المميزة. - والإمساك عن الطعام قد يكون حمية وتداوياً، وقد يكون استجابة لأمر الله، فيكون عبادة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 29 وابن نجيم هو: العلامة زين الدين إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم من مشاهير علماء الحنفية. ولد بالقاهرة سنة 926 هـ وأخذ عن علمائها له مؤلفات في الفقه والأصول والقواعد وغيرها توفي سنة 970 هـ. عن مقدمة كتابه الأشباه والفوائد البهية صـ 134 التعليقات السنية. (¬2) فتح الباري ج 1 صـ 13.

- وإعطاء المال قد يكون زكاة واجبة وقد يكون صدقة وقد يكون كفارة وغير ذلك، فلا تمييز بين غرض وغرض إلا بالنية. هذا وقد اختلفت عبارات الفقهاء في معنى النية - كما رأينا -، لكن حين النظر إلى تلك التعريفات نرى أن أكثر الفقهاء قد عبروا عنها بالقصد كما مرّ معنا آنفا، ومن هؤلاء: الزركشي تبعا للماوردي والغزالي في قول عنده، وكما قال النووي: النية هي قصد الشيء مقترناً بفعله (¬1)، وكما قال ابن قدامة: "ومعنى النية القصد (¬2) ". ومرّ معنا قول ابن نجيم حينما عرف النية بأنها: "قصد الطاعة والتقرب إلى الله بإيجاد الفعل (¬3) ". ومنهم من عرف النية بأنها العزم، فالغزالي يقول في قول آخر له: النية العزم (¬4). وقال النووي في قول آخر: "النية القصد وهي عزيمة القلب (¬5) ". وبذلك قال برهان الدين بن مفلح حيث عرَّف النية بأنها: "العزم على فعل الشيء تقربا إلى الله تعالى (¬6) ". ¬

_ (¬1) شرح النووي على الأربعين صـ 8 (¬2) المغني ج 1 صـ 298. (¬3) الأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 29. (¬4) إحياء علوم الدين ج 1 صـ 298. (¬5) فتح البارى ج 1 صـ 13، وعمدة القاري ج 1 صـ 23. (¬6) المبدع ج 1 صـ 414، وابن مفلح هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح الراميني الحنبلي صاحب الفروع، ولد سنة 712 هـ على قول وتوفي سنة 763 هـ.

وابن لبّ (¬1) من المالكية يقول: النية عزمة القلب خاصة (¬2). ومنهم من عرّف النية بأنها الباعث والانبعاث، فالغزالي يقول: فالنية عبارة عن الميل الجازم الباعث للقدرة، ثم يقول: والنية عبارة عن نفس ميل القلب إلى الخير. والبيضاوي يقول: النية هي انبعاث القلب نحو ما يراه .. الخ. وفي قول آخر للغزالي: حقيقة النية هي الإرادة الباعثة للقدرة المنبعثة عن المعرفة، ويضرب لذلك مثلاً: "فالذي يغزو قد يكون الباعث له ميلاً إلى المال فذلك نيته، وقد يكون الباعث ميلاً إلى ثواب الآخرة فذلك نيته، فالنية عبارة عن الإرادة الباعثة (¬3). والنية بمعنى الإرادة قالها الكاساني (¬4) أيضاً حيث يقول: "النيَّة هي الإرادة، فنية الصلاة هي إرادة الصلاة لله تعالى على الخلوص، والإرادة عمل القلب (¬5) ". وقال ابن رجب (¬6): "واعلم أن النية في اللغة نوع من القصد ¬

_ (¬1) ابن لب هو أبو سعيد فرج بن قاسم الغرناطي المالكي أورد له الونشريسي فتاوى أحوبة كثيرة وهو نحوي من الفقهاء العلماء، انتهت إليه رئاسة الفتوى في الأندلس، وتوفي سنة 783 هـ. بغية الوعاة ج 2 صـ 234، والإعلام ج 5 صـ 40. (¬2) عن المعيار المغرب ج 1 صـ 146. (¬3) الأربعين في أصول الدين صـ 171 - 172. (¬4) الكاساني أو الكاشاني: أبو بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين صاحب كتاب بدائع الصنائع، مات بحلب سنة 578 هـ. طبقات الفقهاء لطاش كبرى زادة صـ 102 اختصار. (¬5) بدائع الصنائع ج 1 صـ 127. (¬6) ابن رجب هو الإمام الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي =

والإرادة (¬1) ". فإذاً قد ورد تعريف النية وبيان حقيقتها عند الفقهاء بمعانٍ عدة، هي: القصد والعزم والباعث والإنبعاث والإرادة الباعثة والإرادة؛ فهل هنالك فرق حقيقي بين معاني هذه الألفاظ؟. يقول البدر العيني (¬2) في عمدة القاري: "إن الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي (¬3) قد جعل في أربعينه: النية والإرادة والقصد والعزم بمعنى، ثم قال: وكذا أزمعت على الشيء وعمدتُ إليه" (¬4)، والعزم هو إرادة الفعل والقطع عليه. ويقول ابن رجب: والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين (¬5): أحدهما تمييز العبادات بعضها عن بعض كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر، أو تمييز العبادات بعضها عن بعض كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد ¬

_ = ثم الدمشقي صاحب كتاب طبقات الحنابلة، والقواعد، توفي سنة 795 هـ. (¬1) جامع العلوم والحكم صـ 7. (¬2) والبدر العيني هو: محمد بن أحمد بن موسى أبو محمد بدر الدين العيني الحنفي: مؤرخ علَّامة من كبار المحدثين أصله من حلب من قرية عينتاب - وإليها نسب صاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري وغيره توفي سنة 855 بالقاهرة الأعلام ج 7 صـ 163 مختصراً. (¬3) هو أبو الحسن علي بن الفضل شرف الدين اللخمي أصله من بيت المقدس ومولده وسكنه الأسكندرية، له تصانيف منها كتاب الأربعين. توفي سنة 611 بالقاهرة الأعلام ج 5 صـ 23 مختصراً. (¬4) عمدة القاري ج 1 صـ 23. (¬5) وهذان المعنيان فى الحقيقة يرجعان إلى المقصود من شرع النية وليس إلى حقيقة النية.

والتنظيف ونحو ذلك. وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء. والمعنى الثاني بمعنى تمييز المقصود بالعمل وهل هو لله وحده لا شريك له أو لله وغيره. وهذه هي النية التي يتكلم بها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف، وهي النية التي يتكرر ذكرها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم تارة بلفظ النية، وتارة بلفظ الإرادة، وتارة بلفظ مقارب لذلك. وقد جاء ذكرها كثيراً في كلام الله عز وجل بغير لفظ النية أيضاً من الألفاظ المقاربة لها، وإنما فرَّق مَنْ فَرَّقَ بين النية وبين الإرادة والقصد ونحوهما لظنهم اختصاص النية بالمعنى الأول الذي يذكره الفقهاء فمنهم من قال: النية تختص بفعل الناوي، والإرادة لا تختص بذلك؛ كما يريد الإنسان من الله أن يغفر له ولا ينوي ذلك. والنية في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة إنما يراد بها المعنى الثاني غالباً، فهي حينئذٍ بمعنى الإرادة، ولذلك يعبر عنها بلفظ الإرادة في القرآن كثيراً، كما قد يعبر عنها بلفظ الابتغاء (¬1). ومن هنا نستطيع القول إن النية والإرادة والقصد والعزم والابتغاء والانبعاث ألفاظ تؤدي معنى متقارباً، إذ تدل جميعها على توجه القلب نحو المقصود المراد، والله أعلم، وتطلق الإرادة على الله تعالى ولا يطلق عليه غيرها. ¬

_ (¬1) جامع العلوم والحكم صـ 7، 8.

تعريف النية في الإصطلاح

تعريف النية في الإصطلاح: 1 - ذهب بعض أهل العلم إلى تعريف النية بالقصد، ومن هؤلاء الإمام النووي حيث قال: "النية قصد الشيء مقترناً بفعله". النووي على الأربعين صـ 11. والفتوحات الربانية (¬1) ج 1 صـ 53، وابن قدامة (¬2): النية القصد. المغني ج 1 صـ 464. وابن نجيم (¬3): قصد الطاعة. الأشباه صـ 29. 2 - وذهب بعض أهل العلم إلى تعريف النية بالإرادة، ومن هؤلاء الغزالي حيث قال في تعريفها: "النية هي الإرادة الباعثة للقدرة المنبعثة عن المعرفة". الأربعين في أصول الدين صـ 171. والكاساني حيث قال: "فالنية هي الإرادة". بدائع الصنائع ج 1 صـ 127. 3 - ومن العلماء من عرف النية بالعزم، ومنهم برهان الدين بن مفلح حيث قال: النية هي العزم على فعل الشيء تقرباً إلى الله تعالى". المبدع ج 1 صـ 414. ومنهم ابن لب المالكي حيث نقل عنه الونشريسي قوله: "عزمة القلب خاصة" المعيار ج 1 صـ 146. ¬

_ (¬1) على الآذكار النووية للشيخ محمد بن علي بن محمد بن علان المكي الشافعي المتوفى سنة 1050. كشف الظنون 1 صـ 689 (¬2) ابن قدامة أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي الفقيه الأصولي صاحب المغني والروضة. توفي سنة 620 هـ. الأعلام 4 صـ 67. (¬3) ابن نجيم زين الدين بن إبراهيم فقيه حنفي له تصانيف كثيرة في الفقه توفي 970 هـ. قد سبقت له ترجمة

4 - ومن العلماء من يجمع في تعريفه للنية بين القصد والعزيمة، كما ذهب إلى ذلك أبو الحسين الرازي (¬1) من الشافعية حيث قال في حلية الفقهاء: وأما النية: "فهي القصد والعزيمة". حلية الفقهاء صـ 4. ومع أن علماء اللغة قد أظهروا فروقاً بين معاني هذه الألفاظ إلا أنَّ وجوه الشبه والقرب بينها قوية. فيقول ابن تيمية: "والنية يعبر بها عن نوع من الإرادة" (¬2). ويقول القرافي: "اعلم أن جنس النية هو الإرادة" (¬3). ولا يضر استعمال بعض هذه الألفاظ في غير معناها توسعاً في الاستعمال. ويقول القرافي هنا: ولا يضر كون الاستعمال قد يتوسع فيه، فيستعمل أراد ومراده نوى، أو أراد ومراده عزم، أو قصد أو عنى، فإنها متقاربة المعاني حتى نكاد نجزم بينها بالترادف، غير أن ابن معط (¬4) من المغاربة، والقاضي شمس الدين الحوفي (¬5) وجماعة من علماء العراق تعرضوا للفرق، وهو أولى من الترادف تكثيراً لفوائد اللغة، وعلى هذا يظهر معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "الأعمال بالنيات ... " ولم يقل بالإرادات الخاصة المحيلة ¬

_ (¬1) هو ابن فارس صاحب معجم مقاييس اللغة والمجمل وقد سبقت ترجمته. (¬2) الفتاوى ج 18 صـ 251 وابن تيمية الإمام المشهور أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحنبلي أبو القاسم تقي الدين توفي 728 الإعلام ج 1 صـ 144. (¬3) الأمنية صـ 7 وقد سبق ترجمة القرافي. (¬4) ابن معط: وفي الأمنية ط دار الكتب العلمية زين الدين بن مصطفى: ويقول محققه وفي نسخة أخرى يزيد بن معطي من المغاربة ولم نجد له ترجمة على كلا التسميتين. صـ 12. وأما ابن معطٍ صاحب الألفية فهو ليس مغربياً. (¬5) الحوفي أبو القاسم أحمد بن محمد بن خلف كان من بيت علم وعدالة فقيهاً حافظاً فرضياً ماهراً تولى القضاء بأشبيلية مرتين، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. توفي في شعبان سنة 588 هـ. الديباج المذهب ج 1 صـ 221 مختصراً.

للفعل إلى جهة الأحكام الشرعية (¬1). وقد عرفها القرافي قبلًا فقال: "وأما النية فهي إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله لا بنفس الفعل من حيث هو فعل، ففرق بين قصدنا لفعل الصلاة، وبين قصدنا لكون ذلك الفعل قربة، أو فرضاً أو نفلا أو أداءً أو قضاء. إلى غير ذلك مما هو جائز على الفعل، بالإرادة المتعلقة بأصل الكسب والايجاد وهى المسماة بالإرادة، من جهة أن هذه الإرادة مميلة للفعل إلى بعض الجهات الجائزة عليه تسمى من هذا الوجه نية. ¬

_ (¬1) الأمنية صـ 12 مرجع سابق بتصرف يسير.

المسألة الرابعة: محل النية.

المسألة الرابعة: محل النية. ذهب عامة أهل العلم إلى أن محل النية القلب، وقال بعضهم إن محلها الدماغ أو اللسان، وهو قول شاذ، بل حكى إجماع العلماء والعقلاء على أن محل النية القلب. وحجة من قال إن محلها الدماغ أنه إذا أصاب الدماغ آفة فسد العقل وبطلت العلوم والأنظار والفكر وأحوال النفس، فدل ذلك على أن محل النية وغيرها من أنواع الإرادات الدماغ لا القلب، لأنه لو كان محلها القلب لما تأثرت بما يعرض للدماغ من آفات. وردّ القرافي هذا بقوله: "أن استقامة الدماغ لعلها شرط، والشيء قد يفسد لفساد محله، وقد يفسد لفساد شرطه، ومع الاحتمال فلا جزم" (¬1) ويؤيد رأي عامة أهل العلم بأن محل النية القلب نصوص كثيرة من الكتاب والسنة .. أولاً: من القرآن الكريم:- 1 - {قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} البقرة 260. 2 - {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق 37. 3 - {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} الشعر اء 193 - 194 4 - {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} النحل 106 5 - {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} الأعراف 179 6 - {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} الحج 46. ¬

_ (¬1) الأمنية صـ 17

ثانيا من السنة:-

7 - {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} البقرة 225. 8 - {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} الحج 46. ولم يذكر الدماغ قط في هذه المواضع فدل على أن محل العقل القلب لا الدماغ، وجعل الله تعالى في مجاري عادته - استقامة الدماغ شرطاً في حصول أحوال العقل والقلب على وجه الاستقامة. ثانياً من السنة:- 1 - " ألا إن في الجسد مضغة ... الحديث". متفقٌ عليه البخاري ج 1 صـ 126، ومسلم ج 12 صـ 27. 2 - "التقوى ها هنا .. الحديث". مسلم ج 16 صـ 120. 3 - "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم .. " مسلم في كتاب البر والصلة ومجمع الزوائد ج 10 صـ 231. وختاماً هذا شرح مختصر جداً لهذه القاعدة العظيمة، إنما أردته نموذجاً لما يمكن أن يسار عليه في شرح هذه القواعد وبيانها، ومن أراد الاستزادة فعليه بتلك المصادر والمراجع المطولة لبيان حقيقة النية وأثرها في أفعال المكلفين عموماً.

القاعدة الثانية: [النية]

القاعدة الثانية: [النية] أولاً: لفظ ورود القاعدة " الأصل أن النية إذا تجردت عن العمل لا تكون مؤثرة، - في الأمور الدنيوية" (¬1). تحت قاعدة "الأعمال بالنيات". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن انفراد النية عن الفعل لا أثر له في الأحكام الدنيوية؛ لأن النية عمل قلبي - والأحكام الشرعية مبناها على الأعمال الظاهرة، لكن في الأمور الأخروية للنية أثرها في الثواب والعقاب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها من طلق زوجته في قلبه أو باع أو أعتق فلا أثر لهذه النية القلبية ما لم يتكلم بلسانه. ولكن من نوى الإقامة في موضع الإقامة صار مقيماً لأنه صاحب النية عمل هو الإقامة في موضع يصلح للإقامة. ومن أمثلة أثر النية في الأمور الأخروية: من تزوج امرأة على مهر معلوم ونوى أنه لا يعطيها منها شيئاً يموت يوم يموت وهو زان كما ورد في الخبر (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 1 صـ 239 باب المسافر. (¬2) الخبر أخرجه الطبراني في الأوسط وهو من رواية صهيب رضي الله عنه، وقد روى الخبر بألفاظ مختلفة، كما أخرجه عدد كبير من المحدثين فقد أخرجه البيهقي ج 1 صـ 241، والترغيب ج 2 صـ 602، 599، وإتحاف السادة المتقين ج 10 صـ 10، 11، 15 وكنز العمال حديث 44625، 44726 وغيرهما وتذكرة الموضوعات لابن القيسراني 779، والعلل المتناهية ج 2 صـ 134 - 135، ومجمع الزوائد ج 4 صـ 282، 131، والمغني للعراقي ج 4 صـ 353، والمصنف لعبد الرزاق حديث 10445، وينظر في تخريج الخبر ومصادره موسوعة أطراف الأحاديث ج 4 صـ 163 وج 8 صـ 190

القاعدة الثالثة [الكلام]

القاعدة الثالثة [الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " آخر الكلام مبني على أوَّله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن كلام المتكلم في الموضوع الواحد مترابط فآخره مبني ومعتمد في الدلالة على أوَّله دفعاً للتناقض وحملاً لكلام العاقل على الصحة ما أمكن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: ما لفلان علي شيء، فلا تخبره أن له عليَّ ألف درهم. قالوا: لم يكن هذا إقراراً بألف درهم، حيث إن أول الكلام نفي وآخر الكلام مبني على أوله. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 18 صـ 21.

القواعد من الرابعة إلى العاشرة [الإبراء]

القواعد من الرابعة إلى العاشرة [الإبراء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك" (¬1). "الإبراء عن الاعيان ليس بجائز" (¬2). "الإبراء يرتد بالرد" (¬3). "الإبراء لا يتوقف على القبول" (3). "الإبراء العام يمنع الدعوى بحق قضاء لا ديانة" (¬4) "أو لا تسمح الدعوى بعد الإبراء العام" (4). "الإبراء عن الثمن لا يحتمل التعليق" (¬5). وفي لفظ: "الإبراء لا يحتمل التعليق بالشرط كالعقد" (¬6). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تبين أحكام الإبراء وشروطه، فما معنى الإبراء، وما أحكامه، وما شروطه؟ الإبراء: معناه السلامة والبراءَة مما كان عليه - أي أفرغ ذمته ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 صـ 367، وأشباه ابن الوكيل ق 2 صـ 335، وأشباه السيوطي صـ 171. (¬2) قواعد الخادمي صـ 8, 9، 30، 31 من الخاتمة. (¬3) أشباه ابن نجيم صـ 263. (¬4) أشباه ابن نجيم صـ 265، 223. (¬5) قواعد الفقه عن السير صـ 52. (¬6) شرح السير الكبير صـ 1073.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وأخلاها مما كان شغلها به - فإذا ابرأه فمعناه سلَّمه مما كان يطالبه به، والبريء هو السليم. والإبراء إما عن حقوق وإما عن أعيان. والإبراء عن الحقوق اختلف في حكمه: هل هو إسقاط للحق عمن هو عليه، أو هو تمليك له، ولكن الصحيح أنه يكون إسقاطاً في بعض الحقوق وتمليكاً في بعضها الآخر. وقد تختلف أنظار المجتهدين في بعضها فيراه إسقاطاً ويراه آخرون تمليكاً. ومن أحكام الإبراء أنه يرتد بالرد، إلا في مسائل اختلفوا في بعضها تبعاً لاختلافهم هل هي تمليك أو إسقاط. ومن أحكامه أيضاً. أن الإبراء عن الأعيان لا يجوز. وإنما يجوز الإبراء عن الحقوق التي في الذمة لا الأعيان. وإن كان الإبراء عن الأعيان يسقط المطالبة بها ويسقط بالضمان الواجب. على اعتبار أن الإبراء إسقاط. وأما إذا قلنا: إنه تمليك فيصح. وإذا أبرأه عاماً - أي إبراءً شاملا لما له من حقوق - أسقط هذا الإبراء الدعوى قضاء فليس له المطالبة بعد ذلك بشيء، ولكن لو ظفر بحقه بعد ذلك وأخذه فله الحق. وهل الإبراء يحتمل التعليق بالشرط؟ قالوا: لا يحتمل - أي لا يصح على أنه تمليك. ويصح على أنه إسقاط (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ¬

_ (¬1) ينظر أشباه ابن نجيم صـ 274.

إذا تفرق الزوجان وأبرأ كل واحد منهما الآخر عن جميع الدعاوى وقد كان الزوج بذر في أرض زوجته وأعيان ذلك قائمة فلا يدخل الحصاد ولا الأعيان القائمة في ذلك الإبراء فيكرن الكل للزوج. ومنها: إذا قال ملكتك ما في ذمتك صح من غير نيَّة ولا قرينة - على أنه إسقاط - وإذا قال للعبد: ملكتك رقبتك. لا يصح بغير نيَّة. وعلى هذا يصح الإبراء عن الأعيان بالنيَّة إذا اعتبر الإبراء تمليكاً.

القاعدة الحادية عشرة [الأمر والنهي]

القاعدة الحادية عشرة [الأمر والنهي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أبلغ الأمر والنهي ما يكون بصيغة الخبر" (¬1). فقهية أصولية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأبلغية في قوله "أبلغ" أي أقوى وآكد وأشد تقريراً. الأمر: طلب الفعل على سبيل الجزم، ومقتضاه الوجوب. النهي: طلب الترك على سبيل الجزم، ومقتضاه التحريم. والخبر: قولٌ يحتمل الصدق والكذب لذاته وهو خلاف الإنشاء، والمراد به الأخبار بما هو كائن. فتدل هذه القاعدة على أن ما ورد بصيغة الخبر دالاً على أمر أو نهي فهو أقوى وآكد في دلالته على الإيجاب والتحريم من صيغة الأمر والنهي ذاتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬2) فهذا أمر بالتربص ورد بصيغة الخبر. ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يستامُ الرجل على سوم أخيه (¬3) " فهذا نهى في صيغة الخبر عَلى أن الميم مضمومة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي صـ 75 بنوع تصرف في العبارة. (¬2) الآية 228 من سورة البقرة. (¬3) أخرجه أحمد ج 5 صـ 457 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وفي نصب الراية ج 4 صـ 21 وقال: وقد أخرجاه أي البخاري ومسلم رحمهما الله بألفاظ أخرى.

القاعدة: الثانية عشرة [الإبهام]

القاعدة: الثانية عشرة [الإبهام] أولاً: لفط ورود القاعدة: " الإبهام لا يبقى بعد الشروع في الأداء بل يبقى ما هو المتيقن. وهو العمرة" (¬1). [ضابط] ثانياً: معنى هذا الضابط ومثاله: يشير هذا الضابط إلى حكم من أحرم إحراماً مبهماً - أي لم يعين عند إحرامه نوع النسك الذي يريده. وهذا إحرام صحيح. فهذا الإبهام لا يبقى بعد الشروع في أداء النسك الذي يريده، لأن المحرم يجب عليه أن يعين ويحدد النسك الذي يريده عند بدء العمل، وهو الطواف فيعين نوع طوافه إن كان للعمرة أو للحج، وإن لم ينو شيئاً وبدأ الطواف بدون تحديد. فيرى السرخسي أنه للعمرة لأنه المتيقن. وكذلك في كل عبادة بعد الشروع فيها لا يبقى فيها مجال للإبهام لأنه يجب تعيين النية عند ابتدائها والشروع فيها. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 4 صـ 184.

القاعدة الثالثة عشرة [النجاسات]

القاعدة الثالثة عشرة [النجاسات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأبوال والدماء كلها نجسة ليس بمعفو عنها" (¬1). [ويستثنى مسائل] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلوها: تدل هذه القاعدة بعمومها على أن الأبوال والدماء نجسة كلها سواء كانت أبوال مأكول اللحم، أو غير مأكول اللحم، وهذا عند الشافعية. وقد استثنوا من ذلك مسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصاب ثوب الإنسان أو بدنه بول أو دم وجب غسله، ولا تجوز الصلاة فيه. ومن المستثنيات بول رسول الله صلى الله عليه وسلم ودمه فهما طاهران (¬2). ¬

_ (¬1) الاعتناء للبكري ويسمى أيضاً الاستغناء ج 1 صـ 105. (¬2) يراجع تلخيص الحبير ج 1 صـ 41، 43.

القاعدتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة [الأتباع]

القاعدتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة [الأتباع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأتباع هل يعطي لها حكم متبوعاتها أو حكم أنفسها؟ " (¬1). ويتصل بها قاعدة أخرى وهي: الأتباع هل لها قسط من الثمن أم لا (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأشياء لها حالان: إما أن تكون قائمة بذاتها لا تبع لها، فلها حكم نفسها أخذاً وإعطاءً وأحكاماً، وإما أن تكون تبعاً لغيرها، ويكون للمتبوع لو انفرد غير حكم التابع كما يكون للتابع لو انفرد عن متبوعه غير حكم متبوعه. فإذا وُجد شيئان أحدهما تابع للآخر وهما مختلفان فهل يتبع أحدهما الآخر في حكمه أو ينفصل عنه؟ وهل للأتباع قسط من ثمن متبوعاتها أو لا قسط لها؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان عنده سيف محلّى بحلية من الذهب أو مصحف كذلك، فهل يجوز بيع أحدهما نسيئة - أي بالدين؟ المشهور عند المالكية المنع. واشترطوا النقد (2). ومن أمثلة الثانية: إذا باع سيفاً محلى بذهب أو فضة بدنانير أو دراهم فهل يعتبر لما حلَّي به السيف جزء من الثمن فيكون صرفاً؟ يشترط فيه تماثله أوْ لا يعتبر؟ ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي - القاعدة الثانية والخمسون. (¬2) قواعد الونشريسي إيضاح المسالك القاعدة الثالثة والخمسون.

القاعدة السادسة عشرة [الإتلاف والضمان].

القاعدة السادسة عشرة [الإتلاف والضمان]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإتلاف بعوض لا يوجب الضمان على المتعدي" (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومسائلها هذه القاعدة قريبة المعنى من قاعدة تأتي قريباً وهي التي تنفي اجتماع الأجر والضمان حيث إن هذه القاعدة تنفي أيضاً اجتماع شيئين هما: الإتلاف بعوض والضمان. حيث تفيد أنه ليس على المتعدي إذا أتلف شيئاً بعوض ضمانه وغرمه أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب القطع على سارق فأخرج يده اليسرى بدل اليمنى فقطعت يترتب على ذلك أمران: الأمر الأول: أنه لا تقطع يده اليمنى بعد ذلك في هذه السرقة. الأمر الثاني: أنه لا ضمان على قاطع اليد إن كان مخطئاً لأن إتلاف هذه اليد قابله عوض هو سلامة يده اليمنى، وهي أكثر نفعاً للمقطوع من اليسرى، وهو مذهب مالك أيضاً (¬2). وهذا عند الحنفية من باب الاستحسان، وإلا فالقياس أن يضمن القاطع - كما هو مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه (¬3) - لأنه أتلف شيئاً ¬

_ (¬1) المبسوط ج 9 صـ 176. (¬2) الكافي ج 2 صـ 186. (¬3) المقنع ج 3 صـ 500.

محترماً متقوماً، وكذلك عند الشافعية (¬1). ولكن الحنفية والمالكية استحسنوا عدم الضمان لأن فعل القاطع حصل في موضع الاجتهاد (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر روضة الطالبين ج 7 صـ 361. (¬2) المبسوط ج 9 صـ 175 - 176.

القاعدة السابعة عشرة [الإتلاف والضمان]

القاعدة السابعة عشرة [الإتلاف والضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإتلاف الحكمي بمنزلة الإتلاف الحقيقي في إيجاب الضمان" (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإتلاف نوعان: - إتلاف حقيقي كذبح الحيوان، أو حرق المتاع، أو أكل الطعام. - وإتلاف حكمي كحبس الحيوان وعدم إطعامه، أو ترك المتاع في مجرى السيل، أو تحت المطر، أو ترك الطعام حتى يفسد. وتدل هذه القاعدة على أن نوعي الإتلاف هذين بمنزلة واحدة في إيجاب الضمان على المتلف وذلك لأن في كليهما إتلاف مال مقوم على صاحبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اصطاد محرم صيداً فحبسه عنده حتى مات فعلمه جزاؤه، وإن لم يقتله لأنه متلف معنى الصيدية فيه حكماً بإثبات يده عليه وحبسه ومنعه عن الإنطلاق. وكذلك لو أخرجه من الحرم إلى الحل فتلف في الحل فعلى المحرم جزاؤه. ومنها: من حبس عنده طعام آخر مما يسرع تلفه، فتلف عنده فعليه ضمانه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 4 صـ 95.

القاعدة الثامنة عشرة [الضمان]

القاعدة الثامنة عشرة [الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة " إثبات السبب الحادث للضمان يرجح إحدى البينتين على الأُخرى" (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنه إذا تعارضت بينتان وإحداهما تثبت سبباً حادثاً للضمان فهي مرجحة على البينة الأخرى الخالية عن ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب رجل دابة آخر فأقام المالك البينة أنها ماتت عند الغاصب، وأقام الغاصب البينة أنه قد ردها وماتت عند صاحبها، قالوا: ترجح بينة صاحبها لأنها أثبتت سبباً حادثاً للضمان، فيجعل كأنه ردها ثم أخذها وأتلفها. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 140 ط جديدة عن الخانية ما يضمن بالنار، والفرائد البهية لمفتي دمشق أيام السلطان عبد الحميد، العلامة الفقيه الشيخ محمود بن محمد نسيب بن حمزة الحسيني. ولد بدمشق سنة 1236، وتوفي سنة 1305، له مولفات عدة في التفسير واللغة والفتوى، عن ترجمته في مقدمة كتاب الفرائد الطبعة الأخيرة صـ 7، 9 مختصراً.

القاعدة التاسعة عشرة [الإثبات]

القاعدة التاسعة عشرة [الإثبات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إثبات الشيء ابتداءً يستدعي دليلاً مُثبتًا" (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أن إثبات أمر ما ابتداءً لا بد أن يعتمد على دليل مثبت، وإلا لم يقبل لأنه يكون إثبات شرع مبتدأ بالتشهي والهوى، وذلك لا يجوز. فما لم يقم دليل شرعي لا يجوز إثبات حكم مبتدأ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم حربي في دار الحرب وله أولاد صغار كانوا مسلمين، فإذا خرج وخلَّفهم في دار الحرب فهم مسلمون على حالهم، حتى إذا خرجوا أو أُسروا فهم تبع لأبيهم. وكذلك لو لم يسلم ولكن بعث الجزية إلى الإمام على أنه ذمة لنا فهو وأولاده الصغار ذميون، فإذا خرج الأب إلينا وخلَّفهم، ثم أخذوا أو أسروا فهم تبع لأبيهم لقيام ولايته عليهم، لأن بقاء الشيء لا يستدعي دليلاً مبقياً (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي ج 5 صـ 1877. (¬2) نفس المصدر السابق.

القاعدة العشرون [الإثبات والنفي]

القاعدة العشرون [الإثبات والنفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة. " الإثبات مقدم على النفي إن كان النفي بالأصل (¬1) ". [أُصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تعارض خبران أحدهما مثبت والآخر نافٍ يرجح المثبت على النافي، إن كان النفي إثباتاً للأصل، فالنفي حينئذٍ من غير دليل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تقديم الجرح على التعديل، لأن الجارح عنده زيادة علم، والمعدل متمسك بالأضل وهو العدالة أو السلامة. فيكون نفي الجرح من غير دليل. ومنه: القول بحرية مغيث زوج بريرة رضي الله عنهما حيث رجح الحنفية القول بحريته خلافاً لمن قال: إنه عبد، لأن الأصل عبوديته، والحرية طارئة. فالقائل بعبوديته متمسك بالأصل لعدم العلم بالحرية الطارئة (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه صـ 35، عن مسلم الثبوت. (¬2) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ج 2 صـ 200.

القاعدة الحادية والعشرون [الأثر]

القاعدة الحادية والعشرون [الأثر] " أثر الشيء لا يربو على أثر أصله في المنع" (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأثر الشيء: بعض أحكامه التي تترتب عليه كالعدة من آثار النكاح. يربو: يزيد تدل هذه القاعدة على أن أثر الشيء المترتب عليه لا يزيد حكمه في المنع على أصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل أمّ ولد قالوا: يجوز أن يتزوج أختها وأربعاً سواها؛ لأن فراش أم الولد ضعيف، غير أنه لا ينبغي له أن يطأ التي تزوج حتى يُمَلِّك فرج الأمة غيره، لأنه لو وطئها صار جامعاً ماءهُ في رحم أختين، والجمع بين الأختين في الاستفراش الحقيقي حرام ولكن إذا أعتق أُمَّ ولده فعليها العدة. ففي هذه الحالة، هل يجوز للولي أن يتزوج أُختها قبل انتهاء عدة أم الولد المعتقة؟ خلاف بين الأئمة، وجاز على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، لأنه إذا جاز أن يتزوج أختها وهي في ملكه فأولى أن يجوز وهي في العدة لأن العدة من آثار الملك والدخول، وأثر الشيء لا يربو على أصله في المنع. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 5 صـ 174 - 175

القاعدة الثانية والعشرون [الإجارة]

القاعدة الثانية والعشرون [الإجارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإجارة تنقض بالأعذار" (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن عقدالاجارة سواء أكان على عقار أم حيوان أم عبد أنه ينقض إذا طرأ عذر على المؤجَّر أو المستأجر أو المؤجر. على أن يكون العذر مانعاً من الانتفاع بالمستأجَر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أستأجر داراً أو عقاراً أو حيواناً فظهر مستحقاً انتقضت الإجارة لأنه ظهر فساد العقد. ومنها: لو وقع فرس في سهم رجل - وكان هذا الفرس ملكاً لرجل آخر - فآجر من وقع الفرس في سهمه هذا الفرس مدة معلومة، ثم جاء مالكه الأول فله أن ينقض الإجارة ويأخذه بالقيمة (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي ج 5 صـ 1961. (¬2) نفس المصدر بتصرف.

القواعد الثالثة والعشرون إلى الخامسة والعشرين [الإجتهاد]

القواعد الثالثة والعشرون إلى الخامسة والعشرين [الإجتهاد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: "الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد (¬1) أو بمثله". أو "الأصل أنه إذا مضى بالاجتهاد لا يفسخ باجتهاد مثله ويفسخ بالنص (¬2) ". وبلفظ: "الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله (2) ". هذه القاعدة فقهيَّة أُصوليَّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاجتهاد افتعال من الجهد، والجَهد المشقة والكلفة، فالاجتهاد: "بذل الوسع في تحصيل أمر فيه كلفة ومشقة". وعند الفقهاء: "هو بذل الفقيه وسعه في تحصيل ظن بحكم شرعي". فإذا اجتهد مجتهد في مسألة ما من المسائل الشرعية الإجتهادية، وعمل باجتهاده ثم بدا له رأي آخر فعدل عن الأول في حادثة أخرى فلا ¬

_ (¬1) الجمع والفرق لأبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفي سنة 438 هـ صـ 5 من القسم الثاني، الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 401 - 416 فيما ينقض فيه قضاء القاضي وما لا ينقض، المنثور للزركشي ج 1 صـ 93، قواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 469، أشباه السيوطي صـ 101، أشباه ابن نجيم صـ 105، المجلة مادة 16، المدخل الفقهي فقرة 624، قواعد الخادمي صـ 5، الفرائد البهية صـ 6، الوجيز مع الإستدلال والبيان صـ 332 ط ثانية. (¬2) أصول الإمام الكرخي، الأصل الحادي والثلاثون.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ينقض اجتهاده الثاني حكمه الناشيء عن اجتهاده الأول (¬1). والعلة في عدم نقض الاجتهاد: أن الاجتهاد الثاني ليس بأقوى من الأول، وإنه يؤدي إلى أن لا يستقر حكم لأنه لو نقض الأوَّل بالثاني لنقض الثاني بغيره - لأنه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير ويتسلسل - فيؤدي الأمر إلى أن لا تستقر الأحكام (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اجتهد مجتهد في أن الخلع فسخ في حادثة وحكم به، ثم تغير اجتهاده ورجح أن الخلع طلاق. فإن اجتهاده الثاني لا ينقض اجتهاده الأول. ¬

_ (¬1) درر الحكام شرح المجلة لعلي حيدر ج 1 صـ 30. (¬2) المنثور ج 1 صـ 93، وشرح الأتاسي للمجلة ج 1 صـ 45، أشباه السيوطي صـ 101 بتصرف.

القاعدة السادسة والعشرون [الأجر والضمان]

القاعدة السادسة والعشرون [الأجر والضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأجر والضمان لا يجتمعان (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأجر والأجرة: مال مقدر استحقَّ لقاء عمل معلوم، والأصل فيه الثواب والكراء. والضمان: معناه الكفالة والغرامة، والثاني هو المراد هنا. فتفيد هذه القاعدة أن الكراء والغرامة لا يجتمعان في محل واحد لتنافيهما فالأجر والكراء مستحقان للأجير والمكاري والضمان غرم عليهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أجر العبد المحجور عليه نفسه من رجل سنة بمئة درهم للخدمة، فخدمه ستة أشهر ثم اعتق العبد، فالقياس أن لا يجب الأجر، لأن المستأجر كان ضامناً له حين استعمله بغير إذن مولاه - كالغاصب - والأجر والضمان لا يجتمعان. ولكن استحسن - إذا سلم العبد - أن يجعل له الأجر فيما مضى لأن في ذلك محض منفعة لا يشوبه ضرر. أما إذا هلك العبد في خلال هذه المدة فإن الضمان يتقرر على المستأجر من حين استعمل بإذن سيده فكأنه استعمل عبد نفسه، فلا يجب الأجر. ومنها: إذا غصب دابة وآجرها فالأجر للغاصب - عند الحنفية - وليس للمالك، لأن الدابة دخلت في ضمان الغاصب بالغصب فكأنه أجر دابة نفسه. ولأن الأجر والضمان لا يجتمعان. وكذلك عند المالكية (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط ج 10 صـ 207 وج 11 صـ 27، والخاتمة صـ 310. (¬2) الكافي ج 3 صـ 845 فما بعدها.

وأما عند الشافعي رضي الله عنه فالأجرة للمالك لا للغاصب لأن الغاصب لا يملك المغصوب عنده إلا برضاء من المغصوب منه (¬1)، وإنما وجب عليه الضمان لأنه فوَّت يد المالك. وأما عند أحمد رضي الله عنه فالراجح وعليه جماهير أصحابه وجوب الأجرة للمالك (¬2). ¬

_ (¬1) الأم ج 3 صـ 219. (¬2) المقنع ج 2 صـ 250.

القاعدة السابعة والعشرون [الموقوف - الإجازة]

القاعدة السابعة والعشرون [الموقوف - الإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة. " الإجازة إنما تلحق الموقوف لا الباطل (¬1) ". وفي لفظ: "الباطل لا تلحقه الإجازة (¬2) ". وتأتي في حرف الباء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجازة: هي تسويغ الفعل والرضا به. والعقد الموقوف: هو العقد الذي عقده فضولي وتوقف تنفيذه على إجازة صاحب الشأن. والباطل من العقود: هو العقد الذي لا يثمر المقصود منه لفقده ركناً من أركانه أو شرطاً من شروط صحته. فتدل هذه القاعدة أن الإجازة إنما تعمل في العقد الموقوف على إجازة صاحب الشأن وقد استوفى العقد شروط صحته، ولا تعمل في العقد الباطل لأنه غير موجود حكماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: فضولي باع حيواناً لغيره وقد استوفى العقد شروط صحته غير أن المالك للحيوان لم يكن موجوداً حين العقد، فإذا علم المالك بالبيع وأجازه تم البيع ونفذ، وإذا لم يجوزه بطل العقد. وأما إذا باع حملاً في بطن دابة ملك غيره فهذا عقد باطل فلو أجازه المالك لا يجوز لعدم جواز بيع الأجنة في بطون أمهاتها. ¬

_ (¬1) و (¬2) السير الكبير شرح السرخسي صـ 2048، 2055 ج 5.

القاعدة الثامنة والعشرون [الإجازة]

القاعدة الثامنة والعشرون [الإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إجازة العقد تتضمن إجازة ما ينبني عليه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أجاز من له الحق عقداً وقبله فإجازته للعقد تستوجب ضمناً الإجازة والموافقة على ما ينبني على العقد من واجبات ونتائج. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من عقد على امرأة عقد نكاح صحيحاً تضمن قبوله للعقد قبول ما يترتب على هذا العقد من لزوم تسليم المهر المعجل قبل الدخول واستحقاق الزوجة النفقة بعد تسليم نفسها، واستلحاق أولاده منها، إلى آخر ما هنالك من واجبات على الزوجين. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 5 صـ 126.

القاعدة التاسعة والعشرون [الإجازة]

القاعدة التاسعة والعشرون [الإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة. " الإجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الإبتداء (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالإجازة: الرضا بما حصل والموافقة على الفعل الواقع. وتدل هذه القاعدة على أن إجازة من له الحق لتصرف غيره في ملكه أو حقه بعد تمام ذلك التصرف تعتبر كأنها إذن في ذلك التصرف ابتداءً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل وهب لرجل ثوباً لغيره وسلَّمه إليه فأجاز رب الثوب هذه الهبة حازت وصحت. كذلك من باع شيئاً فضولاً ثم علم به صاحبه وأجازه صح العقد. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي صـ 1316، المبسوط للسرخسي ج 12 صـ 8، ج 5 صـ 15 وغيرها.

القاعدة الثلاثون [الإجازة]

القاعدة الثلاثون [الإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإجازة لا تلحق الإتلاف (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجازة: تسويغ الفعل والموافقة عليه. الإتلاف: الإهلاك. الإجازة تلحق العقود الموقوفة: وهي تلك العقود التي عقدها فضولي بغير إذن صاحب الشأن، ولما علم صاحب الشأن بالعقد سوغه ووافقه فهي الإجازة ويعتبر العقد الموقوف صحيحاً عندها لأن الإجازة في الإنتهاء كالإذن في الابتداء، خلافاً للشافعي رحمه الله. وتدل هذه القاعدة أنه إذا أتلف إنسان لآخر شيئاً متقوماً بدون إذن صاحبه فهذا عليه ضمان ما أتلف، فإذا أجاز صاحب الشأن فعل المتلف فهل يسقط الضمان؟ مدلول هذه القاعدة أنه لا يسقط الضمان عن التلف لأن الإجازة لا تلحق الإتلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ركب إنسان دابة لآخر أو سيارة بغير إذن ثم تلفت أو هلكت فيجب على المتلف ضمان ما أتلف، فإذا أجاز صاحب الدابة أو السيارة فعل المتلف قالوا: لا يسقط الضمان عن المتلف لأن الإجازة لا تلحق الإتلاف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 283.

القاعدة الحادية والثلاثون [الإجازة]

القاعدة الحادية والثلاثون [الإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إجازة الورثة هل هي تقرير - أي تنفيذ - أو إنشاء عطية (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على الخلاف في إجازة الورثة لما زاد عن الثلث هل يعتبر تنفيذاً وتقريراً للوصية فتأخذ حكمها وقت صدوره من الموصي أو هو إنشاء وابتداء عطية من الورثة فيكون حكمها مستنداً إلى حين الإجازة؟ خلاف. فإذا قيل: تنفيذ. لا يحتاج إلى قبض، وإذا قيل إنشاء عطية يحتاج إلى القبض حتى تتم الهبة. وهذه القاعدة هي قاعدة المترقبات إذا وقعت هل يقدر وقوعها يوم الأسباب التي اقتضت أحكامها - وإن تأخرت الأحكام عنها - أم لا (¬2)؟. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: منها: بيع الخيار إذا أمضى ونفذ فهل يعتبر الإمضاء والتنفيذ من حين العقد أو من حين إسقاط الخيار؟ قولان. ومنها: إجازة الورثة الوصية. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي القاعدة الحادية والثمانون. (¬2) نفس المرجع القاعدة الثانية والثلاثون.

القاعدة الثانية والثلاثون [العوض والمعوض]

القاعدة الثانية والثلاثون [العوض والمعوض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أجزاء العوض تنقسم على أجزاء المعوَّض (¬1) ". عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن العوض لما كان مقارناً للمعوض بحيث لا يعتبر بينهما تقدم وتأخر كان ثبوته معه من باب المقابلة فيثبت كل جزء من المعوض في مقابلة جزء من العوض، ويمتنع تقدم أحدهما على الآخر. هذا عند أبي يوسف ومحمد خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قالت المرأة لزوجها: طلقني ثلاثاً على ألف. فطلقها واحدة. يجب ثلث الألف عندهما، ويكون الطلاق بائناً - لأنه خُلع -. وعند أبي حنيفة رحمه الله لا شيء عليها ويكون الطلاق رجعياً، وسبب الاختلاف: أن كلمة - على - عند أبي حنيفة تدل على الشرط. وهو لم يف بالشرط. وأما عندهما فعلى بمعنى باء المقابلة كأنها قالت: طلقني ثلاثاً مقابل ألف. والطلاق على المال معاوضة من جانب المرأة. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة لسليمان القرق أغاجي صـ 8.

القاعدتان الثالثة والثلاثون والرابعة والثلاثون [الأجل]

القاعدتان الثالثة والثلاثون والرابعة والثلاثون [الأجل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأجل لا يلحق ولا يسقط (¬1) ". أو "الحالُّ لا يتأجل، والمؤجَّل لا يحل" وتأتي في حرف الحاء إن شاء الله. أو "الأجل لا يحل قبل وقته (¬2) أو بغير وقته (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إذا استدان شخص من آخر مالاً على أن يوفيه بعد عام مثلاً، فلا يجوز للدائن أن يسقط الأجل ويطالب المدين بالدين قبل حلول وقته لأن الأجل لا يحلّ قبل وقته. والسبب في ذلك .. والله أعلم أن الأجل شرط في الوفاء؛ والمؤمنون عند شروطهم، والشرط أملك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان له حق حلَّ أجله فقال: إن شفى الله مريضي فله عليّ أن لا أُطالبه شهراً. فالإمهال هنا واجب لأنه نذر طاعة يجب الوفاء به، وليس من باب تأجيل الحالّ، بل من باب تأخير الطلب مع الحلول. ومن أسقط الأجل لا يسقط، ولو أدى الدين المؤجل حالاً لأنه متبرع بتقديم الوفاء، ولا يلزمه. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 267، المنثور في القواعد ج 2 صـ 26، الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 329 - 330، والأشباه والنظائر لابن نُجيم صـ 356 - 357. (¬2) قواعد الفقه صـ 54 عن الأشباه، وأشباه السيوطي 329. (¬3) المنثور للزركشي ج 1 صـ 92.

* من مستثنياتها

* من مستثنياتها: 1 - حلول الدين المؤجل بالموت لخراب الذمة - أي موت المديون لا الدائن. 2 - الجنون يحل به الديون المؤجلة في المشهور في أصل الروضة - شافعية (¬1). وبعضهم قال: لا يوجب الجنون حلول الدين لإمكان التحصيل بوليه (¬2). ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 92. (¬2) الأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 357.

القاعدة الخامسة والثلاثون [إجمال الشاهد]

القاعدة الخامسة والثلاثون [إجمال الشاهد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إجمال الشاهد مع العجز أو التهمة لا يقبل إتفاقاً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجمال: الإبهام يقابله البيان والتفصيل، قال في المصباح المنير: أجملت الشيء إجمالاً: جمعته من غير تفصيل (¬2). وفي اصطلاح الأصوليين: اللفظ أو الفعل الذي تردد بين محتملين فأكثر على السواء (¬3). تدل هذه القاعدة على أن الشاهد إذا أَبهم شهادة وجمعها دون تفصيل وكان ذلك عن عجز أو عن تهمة أن شهادته غير مقبولة اتفاقاً. ويفهم أن الإجمال إذا كان عن غير عجز أو تهمة أنه يقبل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى رجل على آخر مالاً فأنكر المدعى عليه وأحضر المدعي شاهدين شهد أحدهما طبق دعوى المدعي، وقال الثاني: أشهد كما شهد هذا الشاهد الأول لا تقبل شهادته اتفاقاً. كذلك إذا قال الشاهد: أشهد كما أدعى هذا المدعي لا تقبل كذلك. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 95 ط قديمة وصـ 72 ط جديدة. (¬2) المصباح المنبر مادة جمل. (¬3) شرح الكوكب المنير ج 3 صـ 414.

القاعدتان السادسة والثلاثون والسابعة والثلاثون [الاحتياط]

القاعدتان السادسة والثلاثون والسابعة والثلاثون [الاحتياط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: [التقديرات الشرعية] " الاحتياط أن يجعل المعدوم كالموجود، والموهوم كالمتحقق وما يُرى على بعض الوجوه لا يُرى إلا على كلها (¬1) ". وفي لفظ: "إعطاء الموجود حكم المعدوم (¬2). والمعدوم حكم الموجود (¬3) ". وفي لفظ: "المعدوم ينزل منزلة الموجود في صور (¬4) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تعرف بقواعد التقديرات الشرعية. وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم حكم الموجود، وهي يحتاج إليها إذا دل دليل على ثبوت حكم مع عدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه، وإذا لم تدع الضرورة إليها لا يجوز التقدير حينئذ لأنه خلاف الأصل (¬5). فهذه القواعد لها ثلاثة جوانب: الجانب الأول: جعل المعدوم كالموجود في الأحكام وإعطائه حكمه. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 110. (¬2) قواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 160 - 161. (¬3) إيضاح المسالك القاعدة الحادية والخمسون صـ 246. (¬4) المنثور للزركشي ج 1 صـ 400 وج 3 صـ 182. (¬5) الفروق للقرافي ج 2 صـ 202 وج 3 صـ 189، وج 1 صـ 161 ومن مصادر القاعدة شرح الكوكب المنير ج 4 صـ 454

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وجعل الموجود كالمعدوم في أحكامه، وذلك لإمكان تصحيح العقود والتصرفات. الجانب الثاني: جعل الموهوم أي الأمر المتوهم وجوده كالمتحقق في الوجود، وبناء الأحكام على ذلك. الجانب الثالث: إعطاء ما يُرى على بعض الوجوه حكم ما يُرى على كلها احتياطاً للعادة وتيقناً من أداء المفروض وبراءة الذمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أ - جعل المعدوم كالموجود. المنافع المعقود عليها في الإجادة فإنها تجعل كالموجودة ويورد عليها العقد. ومنها تقدير ملك المقتول الدية قبل زهوق الروح حتى تورث عنه حيث يقدر الشرع ملكه لها قبل موته بالزمن الفرد ليصح التوريث فيتعين التقدير (¬1). ب - إعطاء الموجود حكم المعدوم كالغرر والجهالة في العقود إذا قلَّ أو تعذر الاحتراز منها، وكل ما يعفى عنه من النجاسات والأحداث وغيرها. ومنها منفوذ المقاتل فإنه لا يرث من مات بعده بل هو للموروث. جـ - إعطاء الموهوم حكم المتحقق كثير من أحكام الخنثى المشكل. د - جعل ما يرى على بعض الوجوه لا يرى إلا على كلها: تارك الصلاة من الخمس نسي عينها فالواجب الاتيان بالخمس صلوات للتيقن من براءة الذمة (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 جـ 1 صـ 160 - 161، والمجموع المذهب اللوحة 140 أوإيضاح المسالك مرجع سابق. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 11 مرجع سابق.

القاعدة الثامنة والثلاثون [الاحتياط]

القاعدة الثامنة والثلاثون [الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاحتياط: في أن يؤخذ باليقين (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها": الاحتياط: معناه الحفظ، وفي الاصطلاح هو حفظ النفس من الوقوع في المأثم. والاحتياط في العبادة الأخذ بالعزائم التي يتيقن بها براءَة الذمة. فتدل هذه القاعدة أن على المكلف في الأمور المشتبهة أن يأخذ بالأحوط لدينه حتى يتيقن أنه قد أبرأ ذمته. ثالثاً: أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أتى المرأة خبر وفاة زوجها وشكت في وقت وفاته فعليها أن تعتد من الوقت الذي تستيقن فيه بموته؛ لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط، ومن الاحتياط هنا أن تعتد من الوقت الأقرب لتيقن الوفاة فيه والأبعد مشكوك فيه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 6 صـ 39

القاعدة التاسعة والثلاثون [الإحرام]

القاعدة التاسعة والثلاثون [الإحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإحرام عقد لازم لا خروج منه إلا بأداء الأفعال (¬1) " ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإحرام نية الدخول في النسك (¬2) ويقال: أحرم الرجل دخل في الشهر الحرام. وأحرم بالحج والعمرة لأنه يَحْرُم عليه ما كان حلالاً من قبل (¬3)؛ عقد لازم: أي ثابت لا يفسخ إلا بأَداء الأفعال. فتدل هذه القاعدة على أن المكلف إذا دخل في النسك وأحرم بحج أو عمرة فقد لزمه ما أحرم به فليس له إبطاله أو الخروج منه إلا بأداء أعمال الحج أو العمرة وتمامها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أحرم إنسان بالحج أو العمرة فيجب عليه الإتيان بأعمال النسك الذي نواه، ولا يجوز له أن يتحلل من نسكه قبل تمامه بحال، حتى لو أفسد حجه أو عمرته بالجماع فيجب عليه إتمام نسكه - ولا يجوز أن يخرج منه - ثم عليه الكفارة والقضاء؛ لأَن صفة الفساد لا تمنع بقاء الأصل، وإن حاضت المرأة أو نفست ولم تكن طافت بالبيت طواف الإفاضة أو طواف العمرة فيجب عليها الإنتظار حتى تطهر ثم تطوف، ولا يجوز لها التحلل قبل طواف الإفاضة ولا إتمام أفعال العمرة قبل الطواف، على القول ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 3 صـ 83 (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه صـ 139 (¬3) مختار الصحاح مادة حرم.

أن الطهارة للطواف شرط، وأما على القول بأن الطهارة واجبة فيجوز لها أن تطوف وعليها الجزاء لإخلالها بواجب.

القاعدة الأربعون [الإحرام]

القاعدة الأربعون [الإحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإحرام الواجب لا يتسع للقضاء والأداء (¬1) " ضابط ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن من أحرم بحج أو عمرة فإن إحرامه هذا لا يتأدى به إلا نسك واحد من حيث الأداء أو القضاء، ولا يمكن أن يتسع في وقت واحد، لأداء وقضاء معاً، فهو يشبه الواجب المضيق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أفسد عمرته أو حجته بجماع وجب عليه إتمام أفعال العمرة أو الحج ثم القضاء والكفارة، ولا يجوز له أن يُجدد إحراماً قبل تمام أفعال النسك الذي أفسده بنية قضاء النسك الفاسد، لأنه مع فساد نسكه ما زال محرماً ولا يتسع الإحرام الواحد للأداء والقضاء معاً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 121.

القاعدة الحادية والأربعون. [الإحصان]

القاعدة الحادية والأربعون. [الإحصان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإحصان عبارة عن كمال الحال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإحصان: إفعال من أُحصِن يُحْصَن، إذا تزوج فهو مُحْصَنٌ. والإحصان الذي يعتبر في إقامة حد الرجم على الزاني المتصف به يجب أن يكون كاملاً من جميع النواحي بمعنى أن الرجل أو المرأة لا يُعتبران محصنين إلا بشروط وهي: أن الرجل والمرأة يجب أن يكونا مستويين في أحوالهما، فالرجل المسلم الحر لا يحصنه إلا المرأة الحرة المسلمة البالغة العاقلة إذا دخل بها، وكذلك المرأة الحرة المسلمة لا يحصنها إلا رجل حر مسلم ودخل بها. فإذاً بناءً على هذا: فلا يحصن الرجل المسلم الحر إمرأة كتابية أو أمة لحديث: "لا يحصن المسلمَ اليهوديةُ ولا النصرانيةُ ولا الحرَّ الأمةُ، ولا الحرةَ العبدُ (¬2) ". كما لا يُحْصِّن الرجلَ أو المرأةَ، الصغيرهُ والصغيرُ. ولا المجنونةُ والمجنونُ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج رجلٌ مسلمٌ حرٌ أَمَةً فلا تحصنه. لأنه لا مساواة بين الأمة والحر، ولا بين المسلم والكتابية. خلافاً لأبي يوسف حيث يرى أن الزواج بالكتابية يحصن المسلم وهو رواية عن أحمد رحمه الله (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 1 صـ 147 والمقنع مع الحاشية ج 3 صـ 453 فما بعدها. (¬2) الحديث في نصب الراية جـ 3 صـ 327 وقال عنه الزيلعي غريب. (¬3) المقنع مع حاشيته جـ 3 صـ 453 فما بعدها.

القاعدة الثانية والأربعون [أحكام أهل البغي]

القاعدة الثانية والأربعون [أحكام أهل البغي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أحكام أهل البغي كأهل العدل في قبول شهاداتهم وعدم نقض أحكامهم (¬1) ". إلا في مسائل ثانياً: معنى هذه القاعدة ومسائلها: أهل البغي أو البغاة جمع باغ: وهم المخالفون للإمام الخارجون عن طاعته بامتناعهم من أداء ما وجب عليهم (¬2)، والمقصود بالقاعدة من استوفى شروطًا ثلاثة: 1 - أن يكون لهم قوة ومنعة. 2 - أن يكون لهم في خروجهم تأويل محتمل. 3 - أن ينصبوا إماماً بينهم. فهؤلاء إذا استولوا على بلد فأخذوا صدقات أهلها، لا شيء عليهم، وينفذ قضاء قضاتهم ويقبل شهادة عدولهم. وأما إذا فقدوا شرطاً من الشروط السابقة فحكمهم حكام قطاع الطريق في المؤاخذة بضمان ما أتلفوا ورد قضائهم وجرح شاهدهم (¬3). ¬

_ (¬1) الاعتناء ج 2 صـ 984 وفي الأصل "أهل البغاة". (¬2) روضة الطالبين ج 7 صـ 270 فما بعدها. (¬3) شرح السنة ج 10 صـ 235 - 237 بتصرف.

القاعدة الثالثة والأربعون [الأحكام، العادة]

القاعدة الثالثة والأربعون [الأحكام، العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأحكام تنبني على العادة الظاهرة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الأحكام الشرعية إنما تُبنى على الظاهر، وليس للقاضي أو الحاكم أن يبني حكماً على أمر خفي أو متوهم كما أن الأحكام إنما تُبنى أيضاً على العادة الغالبة لا على الحالات النادرة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد عند القاضي شاهدان - وقد زكيا - فيجب على القاضي أن يحكم بشهادتهما، ولا يجوز له أن يؤخر الحكم لاحتمال كذب الشاهدين. كذلك يجب أن يحكم بإقرار المقر على نفسه، ولا يجوز أن يرفض إقراره لاحتمال أنه كذب على نفسه، لندور أن يقر إنسان على نفسه كاذباً. ومنها: يجب أن يحكم القاضي أو الحاكم بنسب الطفل المولود على فراش الزوجية ما لم يلاعن الزوج إذا ولدته الزوجة لستة أشهر فصاعداً من وقت النكاح. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 6 صـ 45، والقواعد والضوابط المستخلصة صـ 479.

القاعدة الرابعة والأربعون [الأحكام]

القاعدة الرابعة والأربعون [الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأحكام لا تبنى على ما لا طريق لنا إلى معرفته (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الأحكام المترتبة على أفعال المكلفين إنما تنبني على ما يمكن معرفته أي على ظواهر الأمور التي يمكن معرفتها للبشر، أو تقع تحت قدرتهم، ولا يجوز بناؤها على ما لا يمكن معرفته أو العلم به، أو الاطلاع عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قيل: الفضة أو الذهب مثل بمثل عند الله سبحانه وتعالى، فهذا ليس بمراد بل المراد مثلاً بمثل عند المتعاقدين؛ لأن ما عند الله لا نعلمه. ومنها: إذا حلف يميناً وقال إن شاء الله، أو عقد عقداً وعلقه على مشيئة الله سبحانه وتعالى، فلا ينعقد اليمين ولا يتم العقد؛ لأنه علقه على مشيئة لا يعلمها؛ والأحكام إنما تُبنى على ما يمكن معرفته. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 14 صـ 12 كتاب الصرف.

القاعدة الخامسة والأربعون [أحكام المعتوه]

القاعدة الخامسة والأربعون [أحكام المعتوه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أحكام المعتوه كأحكام الصبي العاقل". وفي لفظ: "المعتوه كالصبي العاقل في أحكامه (¬1) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعتوه: الناقص العقل، وقيل المدهوش من غير جنون. ومادته: عُتِه عَتَهاً وعتاهاً، وعتاهية (¬2). والصبي عند الفقهاء من لم يبلغ، وهو لا يلحق بالبالغ في التكاليف الشرعية من الواجبات والمحرمات والحدود والتصرفات من العقود والفسوخ والولايات وتحمل العقل (¬3). فتدل القاعدة على أن المعتوه حكمه كحكم الصبي العاقل، وقيل المجنون، وقيل كالبالغ العاقل، والأول الصحيح؛ لنقصان عقله. ولم يبلغ درجة الجنون. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنى المعتوه لا يقام عليه حد الزنا، ولا تجب عليه الصلاة ولا الصيام ولا الحج، ولكن إذا فعلها تصح منه (3). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نُجيم صـ 321، وأشباه السيوطي صـ 219. (¬2) المُغَرَّب في المُعَرَّب للمطرزي صـ 302 - 303 فصل العين مع الباء. (¬3) أشباه السيوطي صـ 219.

القاعدة السادسة والأربعون [أحكام العبيد]

القاعدة السادسة والأربعون [أحكام العبيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأحكام الموجبة على الحر مثلها على العبد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبد شخص مكلف فهو فيما يجب على الحر من الأحكام مثله، فهو في جانب الأحكام آدمي مكلف باتفاق وإن اختلف في قيمته أو ديته إذا قتل، وإن خالف الحر في مسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العبد المسلم مكلف بالصلاة والصوم، ويؤمر بهما، ويعاقب على تركهما. وهو في المنهيات كالحر فلا يجوز أن يزني أو يسرق أو يكذب، وإن فعل شيئاً مما يوجب الحد فهو يحد، وإن كان حد الزنا على النصف من حد الحر البكر. ومما استثني فخالف العبد فيه الحر: أن الحر لا يقتل به وهو يقتل بالحر. ومنها: أنه لا جمعة ولا حج ولا زكاة عليه. ¬

_ (¬1) الاعتناء جـ 2 صـ 96.

القاعدة السابعة والأربعون [البيع والربا]

القاعدة السابعة والأربعون [البيع والربا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة آية من كتاب الله عز وجل تدل على أن الله سبحانه وتعالى قد أحل البيع وأباحه. - والبيع هو مبادلة مال بمال - وتدل على أن الله سبحانه قد حرَّم الربا ومنعه. - والربا الزيادة وهو الفضل الخالي عن العوض (¬2). فتفيد الآية بمنطوقها على حِلِّ كل أنواع البيوع وعلى تحريم كل أنواع الربا. ولكن حاءت السنة المطهرة وبينت أن هناك بيوعاً غيرُ جائزة، وأن هناك أنواعاً من الربا جائزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أحل الله سبحانه وتعالى البيع وهو تبادل المال بمال بشروط ذكرتها السنة وبينها الفقهاء في العاقدين والمعقود عليهما. فإذا اختل شرط منها بطل البيع أو فسد كبيع المضامين والملاقيح، وبيع المحرمات والأنجاس وغير ذلك وحرم الله سبحانه وتعالى الربا وهو نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة .. وجاءت السنة وبينت أحكام ذلك. وأباحت العرايا، وهي مبادلة مال ربوي بمثله متفاضلاً. ¬

_ (¬1) الآية 275 من سورة البقرة. (¬2) المبسوط للسرخسي ج 12 صـ 109.

القاعدة الثامنة والأربعون [الاحتياط. الربا]

القاعدة الثامنة والأربعون [الاحتياط. الربا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأخذ بالاحتياط في الربا واجب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أن باب الربا مبني على الاحتياط للدين فحيثما وجدت الشبهة في التفاضل بطل العقد. احتياطاً للدين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز بيع مال ربوي - كذهب وفضه أو تمر أو بر أو غير ذلك - بجنسه مجازفة. ولو غلب على الظن التساوي, لأن اشتراط التماثل في الربويات شرط محقق فلا بد من تحققه وتيقنه بإجراء الكيل فيما يكال، أو الوزن فيما يُوزن. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 14 صـ 45 باب الصرف في المعادن.

القاعدة التاسعة والأربعون [السبب]

القاعدة التاسعة والأربعون [السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اختصاص السبب بمحل لا يكون إلا لاختصاصه بحكم يختص بذلك المحل (¬1) " [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالسبب هنا السبب الاصطلاحي عند الفقهاء والأصوليين وهو المرادف للعلة. فإذا وجد سبب مختص بمحل وقاصر عليه فلا يكون ذلك الوجود والاختصاص إلا لحكم يختص بذلك المحل الذي وجد فيه السبب، لأن الحكم يوجد بوجود سببه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيع الموجب لتبادل الأملاك مختص بمحل هو مال متقوم فيثبت الملك به أي بالبيع. فالمال المتقوم يختص بصحة التمليك فيه، بخلاف المال غير المتقوم كالحر والخمر. فغصب الحر والخمر من المسلم لا يتحقق موجباً للضمان؛ لأن كليهما ليس مالاً متقوماً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 11 صـ 68.

القاعدة الخمسون [اختلاف الدين]

القاعدة الخمسون [اختلاف الدين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اختلاف الدين يقطع التوارث. ويقطع كذلك ولاية التزويج (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا ضابط متفق عليه: لأن مبناه على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (¬2) ". ويعتبر لذلك اختلاف الدين من موانع الإرث. وجاء السرخسي رحمه الله تعالى بهذا الضابط ليدلل على أن الأب الكافر أو المملوك لا يكون ولياً على الصغير أو الصغيرة إذا كانا حرّين مسلمين؛ لأن اختلاف الدين كما يقطع التوارث يقطع ولاية التزويج. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما ذكر في الشرح: إذا كان الأب كافراً أو مملوكاً فلا يجوز ولايته على زواج ابنه الصغير أو ابنته الصغيرة إذا كانا مسلمين حرّين, لأنه لا ولاية لكافر على مسلم كما لا ولاية لمملوك على حر. ومنها لا يجوز للكافر أن يملك العبد المسلم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 223. (¬2) الحديث رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي، ينظر منتقى الأخبار حديث رقم 3345

القاعدة الحادية والخمسون [اختلاف الأسباب]

القاعدة الحادية والخمسون [اختلاف الأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اختلاف أسباب الملك ينزل منزلة اختلاف الأعيان (¬1) " وفي لفظ: "تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات (¬2) ". وستأتي إن شاء الله في باب التاء ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى أمر مهم وهو: أن تبدل واختلاف أسباب الملكية في شيء ما أو عين أو سلعة فيؤدي ذلك إلى اعتبار أن هذا الشيء متبدل حكماً فكأنه غيره وإن لم يتبدل هو حقيقة. والمراد باختلاف أسباب الملك من بيع وهبة أو صدقة أو إرث. وقد يراد به تبدل صفة العين كخمر تخلل أو خل تخمر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الفقير إذا أخذ زكاة أو صدقة ثم أهداها لغني أو وهبها لهاشمي أَو باعها من أحدهما حل ذلك المال لهما لتبدل العين بتبدل الملك. ومنها إذا تصدق رجل على قريبه أو أعطاه زكاة ماله ثم مات المتصدق عليه وعادت الصدقة أو الزكاة للمعطي بالإرث، ملكها وما ضاع ثوابه. وفي بعض مسائل هذه القاعدة خلاف عند الحنابلة. ينظر قواعد ابن رجب القاعدة الأربعون. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 8 صـ 155، وجـ 9 صـ 166، وجـ 12 صـ 107 والخاتمة صـ 310، وقواعد ابن رجب القاعدة الأربعون، والمجلة المادة 98، والمدخل الفقهي 644، والوجيز مع الاستدلال والشرح صـ 290 (¬2) شرح الخاتمة صـ 27، والمجلة المادة 98.

القاعدة الثانية والخمسون [ما لا يتجزأ]

القاعدة الثانية والخمسون [ما لا يتجزأ] تحت قاعدة أعمال الكلام أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اختيار بعض ما لا يتجزأ اختيار لكلِّه (¬1) ". وقد يُقال: الحكم على بعض ما لا يتجزأ بنفي أو إثبات حكم على كله (1). وتأتي في حرف الحاء إن شاء الله. وفي لفظ: "الأصل أن ما لا يتجزأ فوجود بعضه كوجود كله (¬2) ". وقد ورد في قواعد الأصل. وفي لفظ: "ما لا يقبل التبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كله، وإسقاط بعضه كإسقاط كله (¬3) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "ذكر بعض ما لا يتجزأ كَذِكرِ كلّه (¬4) " وتأتي في حرف الذال إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان إعمال اللفظ أولى من إهماله فكل ما لا يقبل التجزئة أو التبعيض فذكر بعضه في الحكم كذكر كله، ووجود بعضه أو اختياره ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 109. (¬2) تأسيس النظر صـ 60. (¬3) المنثور جـ 3 صـ 153. (¬4) المنثور جـ 1 صـ 153، أشباه السيوطي صـ160.، أشباه ابن نجيم صـ 162، قواعد الخادمي صـ 320 والمجلة المادة 63 وشروحها - المدخل الفقهي الفقرة 619. والوجيز مع الشرح والبيان صـ 267.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

كوجود كله أو اختياره إذ لا يخلو إما أن يجعل ذكر البعض واختياره كذكر الكل واختياره فيعمل الكلام، وإما لا فيهمل لكن الأعمال أولى من الإهمال. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا طلق رجل نصف امرأته أو ربعها تطلق كلها، أو طلقها نصف تطليقة فتعتبر تطليقة كاملة عند الجميع. وعدم التجزؤ يكون في نحو: الطلاق، والقصاص، والكفالة بالنفس، والشفعة أو حق الغير.

القاعدة الثالثة والخمسون [الاختيار والاضطرار]

القاعدة الثالثة والخمسون [الاختيار والاضطرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاختيار لا يتحقق في موضع الاضطرار (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاختيار معناه حرية التصرف والموازنة بين الأشياء لتفضيل بعضها على بعض. والاضطرار معناه: الإكراه والإجبار والإلجاء لما لا بد منه. فتدل هذه القاعدة على أن حرية التصرف لا تتحقق ولا توجد في موضع يُجبر فيه الإنسان ويلجأ إلى فعل ما لا بد منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أُضطر في مسغبة إلى أكل الميتة فهذا لا خيار له لأنه مضطر إلى ذلك دفعاً للهلاك عن نفسه؛ ولأن الاختيار إنما يتصور إذا كان بين أمرين أحدهما أفضل من الآخر وهما في الحكم سواء ويستطيع المتخير أو المخير إلى تناول ما شاء منهما دون إلزام. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة صـ 479.

القاعدة الرابعة والخمسون [النيابة - الأداء]

القاعدة الرابعة والخمسون [النيابة - الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأداء بصفة الفساد لا ينوب عما لزمه بصفة الصحة (¬1) " ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا فسد النسك دخله خلل كبير ولذلك وجب عليه قضاء ما أفسده؛ لأنه حينما أحرم بعمرته أو حجته لزمته عمرة أو حجة صحيحة خالية عن الخلل والفساد، فاستمراره على عمرته أو حجته لا يعفيه من القضاء لأن ما وجب صحيحاً يجب أداؤه صحيحاً، والفاسد لا ينوب عن الصحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحرم بالعمرة أو الحج إذا جامع النساء ورفض إحرامه وأقام حلالاً يصنع ما يصنع الحلال فعليه أن يعود حراماً كما كان لأن بإفساد الإحرام لم يصر خارجاً منه قبل أداء الأعمال فلو نوى الرفض وارتكب المحظورات فهو محرم على حاله وعليه دم لتعجيل الاحلال وعليه إتمام عمرته أو حجته ثم عليه عمرة أو حجة مكان عمرته أو حجته لأنها لزمته بالشروع صحيحة، والفاسد لا ينوب عن الصحيح. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 4 صـ 122

القاعدة الخامسة والخمسون [البدل]

القاعدة الخامسة والخمسون [البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أداء البدل مع القدرة على الأصل لا يجزيء (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل هو الأمر المطلوب ابتداءً وهو العزيمة. والبدل هو الأمر المطلوب عَند تعذر وجود الأصل، وهو الرخصة. فتدل هذه القاعدة على أنه لا يجوز الانتقال إلى البدل وأدائه عن المطلوب مع القدرة على الأصل وإمكان تحصيله وأدائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حلف يميناً وحنث فيها، فلا يجوز له ان يكفر بالصوم وهو قادر على العتق أو الإطعام أو الكسوة. أراد أداء الصلاة فلا يجوز له أن يتيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 32.

القاعدة السادسة والخمسون والقاعدة السابعة والخمسون [الأداء]

القاعدة السادسة والخمسون والقاعدة السابعة والخمسون [الأداء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأداء بعد تقرر سبب الوجوب جائز" (¬1) وفي لفظ: "أداء العبادة البدنية بعد وجود سبب وجوبها جائز (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كل عبادة من العبادات التي فرضها الله عَزَّ وَجَلَّ على عباده لها سبب وجوب، فإذا وجد سبب وجوبها شغلت الذمة بها فلا تبرأ إلا بأدائها. فالصلاة مثلاً سبب وجوبها الوقت، والصيام سبب وجوبه الشهر وهكذا. فتدل هذه القاعدة أن العبادة إنما يجوز أداؤها بعد وجوبها لا قبله، ولو قيل بالوجوب لما جاز التأخير في الوقت الموسع. اللفظ الثاني للقاعدة خص ذلك بالعادة البدنية والأول أعم حيث يشمل البدنية والمالية كالزكاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المال سبب وجوب الزكاة فيجوز أداؤها بعد وجوده. الرجل إذا صلى في أول الوقت جاز لوجود سبب الوجوب وهو دخول الوقت "المراد بالجواز هنا أداء العبادة أول وقتها الموسع" وإلا فأداء الصلاة واجب وليس جائزاً. ومنها: المسافر إذا صام في رمضان. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 177 (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 181

القاعدة الثامنة والخمسون [أدنى الجمع]

القاعدة الثامنة والخمسون [أدنى الجمع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أدنى الجمع المتفق عليه يساوي أكثر الجمع في الحكم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة واختلفوا في الاثنين هل يطلق عليهما إنهما جمع حقيقة أو مجازاً. ينظر في ذلك كتب الأصول. وتفيد القاعدة أن أدنى الجمع وأكثره متساويان في الحكم فإذا خوطب بلفظ الجمع الثلاثة أو ما لا يعد فالحكم فيهما واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: جاء الرجال أو انتصر الجيش، فيصدق الحكم على مَن جاء من الرجال يستوي في ذلك إن كانوا ثلاثة أو ألفاً. وكذلك إذا قلنا إن لفظ الجيش عام في ما زاد على أربعة آلاف، فقول، الرسول صلى الله عليه وسلم: "ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة إذا كانت كلمتهم واحدة (¬2) " فالاثنا عشر ألفاً ثلاثة جيوش، فلا يحل لهم أن ينهزموا وإن أكثر العدد إذا بلغوا هذا المبلغ. وأدنى الجمع يساوي أكثر الجمع في الحكم (1). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي ج 1 صـ 68. (¬2) الحديث عند أبي داود رقم 2611، وأحمد ج 1 صـ 294، 299، الدارمي ج 2 صـ 215، وإتحاف السادة المتقين ج 6 صـ 399، وسنن سعيد بن منصور رقم 2387، والترغيب ج 4 صـ 71، ومجمع الزوائد ج 5 صـ 327 وغيرها، موسوعة أطراف الحديث ج 4 صـ 645.

القاعدة التاسعة والخمسون [الأيلولة]

القاعدة التاسعة والخمسون [الأيلولة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا آل الفعل إلى غير القصد، ففي المعتبر منهما قولان للمالكية (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد يتصرف الإنسان تصرفاً مأذوناً به فينتج عن تصرفه هذا أمر آخر غير مقصود له وغير مأذون به فهل يتحمل تبعة ما حصل بفعله غير المقصود؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أصدق زوجته مَن يعتق عليها, ولم تعلم، فهل ترجع عليه بالمهر أو لا؟ وهل ترجع بنصف قيمته وهو المشهور أولاً؟ ومنها: مَن ضرب خيمته فتعلق بها صيد فمات هل عليه الجزاء؟ الكلام في المحرم، وفي صيد الحرم. ومنها: نصب شركاً لأسد، أو أرسل عليه جارحاً فأصاب صيداً من الحرم أو وهو محرم، فهل عليه جزاء (¬2)؟. قولان في كل هذه المسائل. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 2 صـ 602 القاعدتان 388 - 389. (¬2) ينظر الكافي جـ 1 صـ 391.

القاعدة الستون [الزيادة على الواجب]

القاعدة الستون [الزيادة على الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أتى بالواجب وزاد عليه هل يقع الكل واجباً أو لا (¬1)؟ ". لفظ آخر: "الواجب المقدر إذا أتي به وزيد عليه هل يتصف الكل بالوجوب؟ أو المقدر الواجب والزائد سنة؟ وجهان (¬2) تأتي في حرف الواو إن شاء الله. أصولية تذكر ملحقة في فصل مقدمة الواجب أو ما لا يتم الواجب إلا به (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجبات المقدرة شرعاً أو التي لا حدَّ محدود لها في الصلاة أو الزكاة، أو غيرها كالحدّ الأدنى من القيام والركوع والسجود والتسبيح، ومقادير زكوات الأموال؛ فالواجب المطلوب فيها له حد أدنى فما زاد هل يقع واجباً مع ما سبقه أو يكون الزائد ندباً؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قرأ القرآن كله في الصلاة هل يقع الكلّ فرضاً؟، إذا أطال الركوع والسجود في الصلاة هل يقع الكل فرضاً؟ خلاف في المسألة. مثاله: إذا أخرج بعيراً زكاة عن خَمس من الإبل، هل يقع كله واجباً أو خُمُسُه؟. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 378. (¬2) المنثور للزركشي صـ 320. (¬3) روضة الناظر مثلاً ج 1 صـ 111

القاعدة الحادية والستون [الحكم]

القاعدة الحادية والستون [الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أثبت الشرع حكماً منوطاً بقاعدة فقد نيط بما يقرب منها، وإن لم يكن عينها (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أثبت الشرع أن الإِسلام مقابل للكفر، وهذا حكم منوط بقاعدة " الإيمان موجب للأمان" و"الكفر موجب للقتل". فما قرب من الإيمان أخذ حكمه وإن لم يكن عينه، فالصلاة في غاية القرب من الإِسلام والإيمان فتأخذ حكمهما من حيث إن فعلها موجب للأمان، وتركها في غاية القرب من الكفر الموجب للقتل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بناء على هذه القاعدة قال مالك والشافعي (¬2) رحمهما الله تعالى، الصلاة في غاية القرب من الإِسلام، وتركها في غاية القرب من الكفر الموجب للقتل. قال ابن حبيب (¬3) رحمه الله: وأخواتها مثلها - أي الزكاة والصوم فحكم أخواتها حكمها. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 2 صـ 383. القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائة. (¬2) ينظر رأي الشافعي في الأم ج 1 صـ 59. (¬3) ابن حبيب هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان الألبيري القرطبي، أبو مروان عالم الأندلس وفقيهها أصله من طليطلة من بني سليم، زار مصر وعاد إلى الأندلس كان رأساً في فقه المالكية له تصانيف كثيرة. قيل تزيد على الألف تُوفي سنة 238 هـ بقرطبة - عن الأعلام ج 5 صـ 157، له ترجمات في عدد كبير من كتب التراجم.

وخالفه المقري حيث قال: إن أخواتها أقرب العبادات إليها لا إلى الإِسلام وأن القريب إلى الأصل لا يعتبر أصلاً فيلحق به ما قرُبَ منه وإلاَّ أدى إلى الحاق سائر العبادات.

القواعد من الثانية والستين إلى الرابعة والستين [الإشارة والعبارة]

القواعد من الثانية والستين إلى الرابعة والستين [الإشارة والعبارة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما غلّبت الإشارة (¬1) ". أو "الإشارة مغلَّبة على العبارة (¬2) ". ومن ألفاظها: "الإشارة مع التسمية إذا اجتمعا فالعبرة للإشارة (¬3) ". وفي لفظ: "إذا كان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق الحكم بالمشار إليه (¬4) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إنه عند اجتماع لفظ مع إشارة إلى المراد فإذا خالفت الإشارة العبارة فالمغلَّب في الاعتبار هو الإشارة لأنها غير محتملة بخلاف اللفظ أو العبارة. وأما إذا اتفقت العبارة والإشارة فالحكم والاعتبار لكليهما. وهذا كله إذا كان المسمى من جنس المشار إليه، فالمشار إليه ذات والوصف باللفظ ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي صـ 314، الفرائد صـ 22. المنثور للزركشي ج 1 صـ 167، الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 315، الأشباه والنظائر لابن نجيم صـ344. (¬2) الجمع الفرق للجويني صـ 1508. (¬3) المبسوط جـ 5 صـ 30. (¬4) المبسوط جـ 5 صـ 83، 90.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

تابع، وإن كان المسمى من خلاف جنس المشار إليه فلا يتم العقد كما إذا سمِّى ياقوتاً وأشار إلى زجاج. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال أُصلِّي خلف هذا زيد فكان عمراً، أو على هذا زيدٍ وكان عمراً -، صَحَّ في الأصح تغليباً للإشارة. وإذا قال زوَّجتك هذه فلانة وأشار إلى ابنته وسماها بغير اسمها، فحُكي عن الشافعية الصحة تعويلاً على الإشارة.

القاعدة الخامسة والستون [التداخل]

القاعدة الخامسة والستون [التداخل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى اجتماع أمور من جنس واحد مع اتحاد المقصود من كل منها، فهل يأخذ كل أمر منها حكماً مستقلاً أو يكون الحكم واحداً لمجموعهما كأنه ما فُعل إلا أمر واحد؟ خلاف. والراجح في المسألة دخول أحدهما في الآخر، فتأخذ كلها حكماً واحداً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تعدد السهو في الصلاة لم يتعدد السجود، بل يكفي سجود واحد، وإذا زنى بكر أو شرب خمراً أو سرق مراراً ولم يعاقب بعد كل فعل كفى في كل منها حد واحد. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 95، المنثور ج 1 صـ 137 فما بعدها، أشباه السيوطي صـ 126، ابن نجيم صـ 132، والفرائد صـ 7 عن الأشباه.

القاعدة السادسة والستون [اجتماع الحقوق]

القاعدة السادسة والستون [اجتماع الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اجتمع الحقان - حق الله وحق العبد - قدم حق العبد (¬1) ". وعُلِّل ذلك: لأن العبد محتاج والله سبحانه الغني وقد أذن بإسقاط حقه (¬2). واستثني من ذلك إذا أحرم وفي ملكه صيد وجب إرساله حقاً لله تعالى. أصل مذهب مالك أن المطالبة بحق العبد تقدم على المطالبة بحق الله عَزَّ وَجَلَّ. والتعليل: لافتقار العبد إلى حقه واستغناء الحق على كل شيء، والدين حق للعبد خاصة والزكاة حق الله عَزَّ وَجَلَّ فيها أظهر (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن لله عز وجل حقوقاً على العباد لا يشاركه فيها أحد، كما أن للعباد حقوقاً على بعضهم، وإن هناك حقوقاً مشتركة بين الله سبحانه وبين عباده، فإذا اجتمع على العبد حقان حق خالص لله سبحانه وحق خالص للعبد ولم يمكن الجمع بينهما؛ قُدَّم في الاستيفاء حق العبد على حق الله سبحانه. والعلة في ذلك كما سبق أن الله سبحانه وتعالى لا يلحقه ضرر في ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 392، قواعد الفقة للبنجلاديشي صـ 55، المنثور ج 2 صـ 65. (¬2) المنثور ج 2 صـ 59، وأشباه السيوطي صـ 334 فما بعدها. (¬3) قواعد المقري ج 2 صـ 513.

شيء وهو سبحانه الغني عن عباده، وحقوقه سبحانه مبنية على المسامحة، فمن أقر بالزنا على نفسه قُبل رجوعه عن إقراره ويسقط الحدُّ عنه. وأما الآدميون فهم يتضررون ومحتاجون إلى حقوقهم، ولذلك فحقوق العباد مبنية على المشاحة. وخرج عن ذلك مسائل ينظر في تفصيل ذلك المنثور للزركشي ج 2 صـ 54 فما بعدها.

القاعدة السابعة والستون [اجتماع سببين - الضمان]

القاعدة السابعة والستون [اجتماع سببين - الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اجتمع سببان حالٌ قيدٍ وفاتحٌ بابٍ فالضمان على فاتح الباب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بقاعدة اجتماع السبب والمباشرة، أو المباشرة والغرور، ولكنها أخص منها حيث تبين حكم اجتماع سببين لكل منهما أثر في الفعل الذي باشره من لا يكلف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلَّ قيد فرس ومن فتح له الباب فخرج، فالضمان على فاتح الباب. وهكذا في سائر الحيوانات سوى الآدمي العاقل فإنه لا ضمان على أحد، ولأن الآدمي له عزم بخلاف الحيوان. وقيد الآدمي بالعاقل لأن المجنون حكمه حكم الحيوان، فيضمن فاتح الباب إذا حلَّ رجلٌ قيد عبد مجنون وآخر فتح الباب فذهب العبد أو أتلف نفسه. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 193 عن غصب الخانية وصـ 137 ط جديدة.

القاعدة الثامنة والستون [تعارض الموجب والمسقط]

القاعدة الثامنة والستون [تعارض الموجب والمسقط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اجتمع سببان موجب ومسقط ففي المقدم منهما خلاف بين المالكية (¬1) ". ؛ لأن الأصل البراءة وتأثير الموجب (1). ومن ألفاظها: تعارض الموجب والمسقط يغلَّب المسقط (¬2)، وتأتي في حرف التاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يجب فعله على المكلف مبني على أصل يوجب أو سبب ينبنى عليه المسبب، وكذلك ما يسقط التبعة عن المكلف مبني على أصل أو سبب مسقط مبريء لذمة المكلف، فإذا تعارض أمران: أحدهما يوجب الفعل وتشغل به الذمة، والآخر يسقط الفعل وتبرأ به الذمة، فما المقدم المعتبر والمغلَّب منهما، خلاف بين الفقهاء بناءً على ترجيح الراجح منهما بحسب المسائل المطروحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان عَرَضاً - كأرض أو فرسٍ أو ثياب - ونوى بما اشتراه الانتفاع به بالبناء في الأرض أو ركوب الفرس أو لُبس الثياب، ونوى مع ذلك إذا وجد ربحاً باعه، فقد وجد سبب يوجب الزكاة وهو قصد الربح، وسبب ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 4 صـ 405 القاعدة 265. (¬2) المنثور للزركشي ج 1 صـ 350.

يسقطها وهو الانتفاع المباح، فهل تجب الزكاة بناءً على قصد الربح أو لا تجب بناءً على قصد الانتفاع؟. خلاف في المغلب منهما, ولكن الراجح والله أعلم أنه لا زكاة فيها, لأن الزكاة لا تجب إلا في عُروض خالص للتجارة، وحال عليه الحول، وهنا تردد في نية التجارة فألغاها (¬1). ومنها: إذا جرح رجل آخر جرحين عمداً وخطأ ثم مات المجروح فلا قصاص (¬2) على الجارح تغليباً لجانب الخطأ فأورث في الحد شبهة منعت من استيفائه. ¬

_ (¬1) وهذا عند الجميع. (¬2) المنثور للزركشي ج 1 صـ 350

القواعد التاسعة والستون والسبعون والحادية والسبعون [اجتماع المباشر - والمتسبب]

القواعد التاسعة والستون والسبعون والحادية والسبعون [اجتماع المباشر - والمتسبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا اجتمع السبب أو الغرور والمباشرة قدمت المباشرة (¬1) ". وفي لفظ آخر: "إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر، أو قَدّم السفر في الضمان (¬2) ". لفظ ابن رجب: إذا استند إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى مباشرة وسبب، تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب، إلا إذا كانت المباشرة مبنية على السبب وناشئة عنه سواء كانت ملجئة - أم لا - ثم إن كنت المباشرة هذه لا عدوان فيها بالكلية استقل السبب وحده بالضمان وإن كان فيها عدوان شاركت السبب في الضمان. فالأقسام ثلاثة:- - من مسائل القسم الأوّل: إذا حفر بئراً فردّاه فيها آخر فالقصاص على المردِّي لأنه مباشر، وإذا أمسكه فقتله آخر فالقصاص على القاتل، وكذلك لو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقدَّهُ بالسيف فالقصاص على المتلقي القادّ فقط. - ومن صور القسم الثاني: إذا قَدَّم إليه طعاماً مسموماً عالماً به ¬

_ (¬1) المنثور في القواعد ج صـ 133، وقواعد ابن رجب القاعدة السابعة والعشرون بعد المائة. الأشباه للسيوطي صـ 162 (¬2) قواعد الخادمي صـ 6، مجلة الأحكام المادة 90، الفرائد البهية صـ 184 عن الخانية فصل الأنهار، أشباه ابن نجيم صـ 163

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

فأكله وهو لا يعلم بالحال فالقاتل هو المقَدّم وعليه القصاص أو الدية. - ومن صور القسم الثالث: المكره على القتل، فالمذهب اشتراك المكرَه والمكرِه في القود والضمان، والممسك مع القاتل (¬1). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: السبب في اللغة: اسم لما يتوصل به إلى المقصود (¬2) كالطريق والحبل، والمراد به هنا ما توقف عليه وجود المسبَّب. والمباشر: هو فاعل الفعل بدون واسطة والغرور هو الخداع. فإذا اجتمع في حادثة مباشر ومتسبب كان الضمان على المباشر لأنه الفاعل الحقيقي، وإذا اجتمع مباشر وغرور كذلك يكون الضمان على المباشر لا الغارّ إلا في مسائل مذكورة. والقاعدة التي أوردها ابن رجب تعتبر أوضح صيغة لدلالة هذه القاعدة وبيان أحكامها. وقد سبق ذكر أمثلتها. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 127 (¬2) التعريفات صـ 121 بتصرف وزيادة.

القاعدة الثانية والسبعون [اجتماع الحضر والسفر]

القاعدة الثانية والسبعون [اجتماع الحضر والسفر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر والسفر غلبنا جانب الحضر لأنه الأصل (¬1) ". خلافًا للحنفية (¬2) - ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من العبادات ما يختلف بين الحضر والسفر كالصلاة مثلًا تقصر سفرًا وتؤدى تامة حضرًا، فإذا اجتمع في العبادة جانبا الحضر والسفر فعند الشافعية يغلب جانب الحضر لأنه الأصل، وعند الحنفية خلافه في بعض المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو مسح حضرًا ثم سافر أو عكس أتم مسح مقيم. خلافًا للحنفية. إذا بلغت سفينته دار إقامته وهو في الصلاة وحب الإتمام. وهو كذلك عند الحنفية. وإذا أصبح صائمًا مقيمًا ثم سافر لم يجز له الفطر ذلك اليوم وهو كذلك عند الحنفية. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 123. (¬2) الأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 72 إشارة للحكم وصـ 117.

القاعدة الثالثة والسبعون والقاعدة الرابعة والسبعون [التداخل]

القاعدة الثالثة والسبعون والقاعدة الرابعة والسبعون [التداخل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما واكتفي فيهما بفعل واحد". وهو على ضربين: أحدهما: أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان بشرط أن ينويهما معاً على المشهور. والضرب الثاني: أن يحصل له إحدى العبادتين بنيتها وتسقط عنه الأخرى (¬1). وفي لفظ: "إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة عشرة، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 137 .. والأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 95، أشباه السيوطي صـ 126، أشباه بن نجيم صـ 132، والفرائد عن الأشباه والنظائر صـ 7 (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 132.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

تشير هاتان القاعدتان وما اشبههما إلى حكم اجتماع أمرين أو عبادتين من جنس واحد في وقت واحد، ولم يختلف مقصودهما - أي أن القصد منهما متحد - فهل يأخذ كل أمر منهما حكماً مستقلاً أو يكون الحكم واحداً لمجموعهما كأنه ما فعل إلا أمراً واحداً، ولكن له ثواب الفعلين بنيتهما، أو يحصل له ثواب إحدى العبادتين وتسقط الأخرى؟ خلاف في هذه المسائل، ولكن الراجح دخول إحدى العبادتين في الأخرى ودخول أحد الأمرين في الآخر فتأخذ كلها حكماً واحداً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تعدد السهو في الصلاة لم يتعدد السجود بل يكفي سجود واحد، وإذا زنى بكرٌ أو شرب خمراً أو سرق مراراً ولم يقم عليه الحد بعد كل فعل كفى حد واحد في كل منها. ومنها: من عليه حدثان أصغر وأكبر فعند الحنابلة أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين بها. وفي رواية عن أحمد: لا يجزئه عن الأصغر حتى يأتي بالوضوء. ومنها: القارن إذا نوى الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد على المذهب الصحيح، وعن أحمد: لا بد من طوافين وسعيين كالمفرد بهما. ومن الضرب الثاني: إذا دخل المسجد وأقيمت الصلاة فصلى معهم سقطت التحية عنه.

القواعد الخامسة والسبعون إلى الحادية والثمانين [اختيار أهون الضررين]

القواعد الخامسة والسبعون إلى الحادية والثمانين [اختيار أهون الضررين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تحت قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار". أو قاعدة: "الضرر يزال" "إذا اجتمع للمضطَّر مُحرَّمَان كل منهما لا يُباح بدون الضرورة، وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضرراً؛ لأن الزيادة لا ضرورة إليها فلا تباح (¬1) ". وفي لفظ: "الأصل أن من ابتلي ببليتين - وهما متساويتان - يأخذ بأيتهما شاء، وإذا اختلفتا يختار أهونهما لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا لضرورة ولا ضرورة في حق الزيادة (¬2) ". وفي لفظ: "إذا تعارض مفسدتان رُوعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما (¬3) وفي لفظ: "إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 112. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 89. (¬3) أشباه السيوطي صـ 87، وأشباه ابن نجيم صـ 89، وشرح الخاتمة صـ 12، والمجلة المادة 28.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما (¬1). وفي لفظ: "احتمال أخف المفسدتين لأجل أعظمهما هو المعتبر في قياس الشرع (¬2) ". وفي لفظ: "إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر للأكبر (¬3) ". وفي لفظ: "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف (¬4) ". وتأتي في حرف الضاد إن شاء الله. وفي لفظ: "يختار أهون الشرين أو أخف الضررين (¬5) ". وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد مهما اختلفت ألفاظها وصيغها فهي متحدة المعنى، ومتفق على مضمونها بين الفقهاء. وذلك دليل على عظم مكانتها وأهميتها، وأثرها، وهي مندرجة تحت قاعدة - لا ضرر ولا ضرار - أو الضرر يزال. وتدل على أنه إذا ابتلي إنسان ببليتين ولا بد من ارتكاب إحداهما فللضرورة جاز ذلك، فإذا ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي إيضاح المسالك القاعدة الثانية والأربعون عن قواعد المقري القاعدة 212. (¬2) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ج 2 صـ 160، قواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 312، أشباه ابن السبكي ج 1 صـ 41. (¬3) الونشريسي إيضاح المسالك القاعدة الواحدة بعد المائة. (¬4) أشباه ابن نجيم صـ 88، المجلة المادة 27. (¬5) المجلة المادة 29 وينظر الوجيز صـ 203.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد: ومسائلها

كانت البليتان أو الضرران أو المحرَّمان متساويين فهو بالخيار في ارتكاب أيهما شاء. وأما إن كانا مختلفين وأحدهما أخف مفسدة أو أقل ضرراً أو أهون شراً من الآخر فيرتكب الأخف ويدفع الأعظم والأشد, لأن ارتكاب المحرم والإقدام على المفاسد لا يجوز إلا لضرورة شديدة، وإذا أمكن دفع الضرورة بالأخف فلا يجوز الإقدام على الأشد, لأنه لا ضرورة في حق الزيادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد: ومسائلها: إذا صلى قائماً ينكشف من عورته ما يمنع صحة صلاته، وإذا صلى قاعداً لا ينكشف منه شيء، فإنه يصلي قاعداً, لأن ترك القيام أهون وأخف. ومنها: إذا كان برجل جرح لو سجد سال دمه، يوميء ويصلي قاعداً، لأن ترك السجود أهون من الصلاة على النجاسة، ولأن ترك السجود - والحالة هذه - يدفع عن الجريح ضرر نزف الدم وزيادة ضرره أو تأخر برئه. ومنها: إذا خشي من في السفينة غرقها فإنه يرمي منها ما ثقل من المتاع، ويغرم أهل السفينة ما رموا به على قيمة ما معهم من المتاع. ومما تساوى فيه البليتان: مَن كان في سفينة في البحر فاشتعلت فيها النار فهو بالخيار بين أن يلقي بنفسه في الماء - وإن كان لا يحسن السباحة ويخشى الغرق - أو يبقى في السفينة فيحترق. وفي المسألة خلاف.

القاعدتان الثانية والثمانون والثالثة والثمانون [تعارض الأصلين]

القاعدتان الثانية والثمانون والثالثة والثمانون [تعارض الأصلين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختص الفرع بأصل أُجري عليه اجماعاً، فإن دار بين أصلين فأكثر حُمِلَ على الأولى منهما. وقد يختلف فيه (¬1) ". وفي لفظ الفروق وهو أصلها: متى كان الفرع مختصاً بأصل واحد أُجري على ذلك الأصل من غير خلاف، ومتى دار بين أصلين أو أصول يقع الخلاف فيه (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. [أصولية] ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تشير هذه القاعدة الأصولية إلى بعض مسائل القياس، فإذا أشبه الفرع أصلاً واحداً كقياس النبيذ على الخمر مثلاً في التحريم أجري عليه وأُلحق به بدون خلاف. ولكن إذا تردد الفرع بين أصلين أو أكثر لوجود شبه له بكل منها وقع فيه الخلاف تبعاً للوصف أو الأوصاف المُغلّبة عند المجتهدين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ¬

_ (¬1) قواعد المقري صـ 497 القاعدة: السابعة والخمسون بعد المئتين. (¬2) الفروق للقرافي ج 2 صـ 196 - 197.

العبد إذا قُتل هل يعامل معاملة الحر فتجب فيه الدية باعتباره إنساناً مكلفاً عاقلاً .. إلخ. أو يعامل معاملة البهيمة فتجب قيمته مهما بلغت باعتباره يباع ويشترى ويوهب .. إلخ. خلاف بين العلماء في هذه المسألة. وهذا ما يسمى قياس الشبه عند الأصوليين.

القاعدة الرابعة والثمانون [تعارض الصحة والفساد]

القاعدة الرابعة والثمانون [تعارض الصحة والفساد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلفا في الصحة والفساد فالقول قول مدعي الصحة بيمينه في الأظهر عملاً بالظاهر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود بين صحيح وفاسد أو باطل - على القول بتساويهما - فإذا اختلف شخصان في حقيقة عقد، هل تم في حال الصحة أو في حال الفساد فالقول لمدعي الصحة مع يمينه؛ لأنه متمسك بالأصل لأن الأصل في العقود الصحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى أحدهما أن العبد المبيع حرّ أو أنها أم ولد أو أنها ملك الغير. القول قول مدعي الصحة قطعاً وعلى الآخر البينة. وكذلك إذا زوج ابنته ثم قال: كنت محجوراً أو مجنوناً يوم زوجتها. وأنكر الزوج. فالقول قول الزوج مع يمينه لأن الغالب في العقود أنها على الصحة. وفي بعض مسائلها خلاف. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 153.

القاعدة الخامسة والثمانون [اختلاف اللغويين - الاحتياط]

القاعدة الخامسة والثمانون [اختلاف اللغويين - الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف أهل اللغة في مسمى بلفظ ولا رادّ ولا مرجح تعين الاحتياط، ولا يكون كتعارض الخبرين لامتناع النسخ والتخصيص (¬1). فيجب الأقصى لتحصل البراءة. "أصولية" هذه القاعدة تتعلق بمسميات بعض ألفاظ اللغة التي تحتمل معنيين ولا مرجح لأحدهما، وفي أحدهما أخذ بالأحوط، فيجب الاحتياط لتحصل البراءة بالأداء الكامل. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اختلف المالكية في حدَّ الوجه هل هو ما بين الأذنين - وهو المشهور في مذهب مالك والمذاهب الأخرى - أو هل هو ما بين العذارين؟. فالأحوط الغسل لما بين الأذنين وذلك بغسل العذارين وما وراءهما. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 1 صـ 305 القاعدة الحادية والثمانون.

القاعدة السادسة والثمانون [الجناية والسراية]

القاعدة السادسة والثمانون [الجناية والسراية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف حال المضمون في حالي الجناية والسراية فهل المعتبر حال الجناية أو حال السراية؟ روايتان (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة وأمثلتها: المضمونات نوعان: نوع مضمون بالجناية كمن قطع يد إنسان خطأ أو عمداً فيجب الضمان أرشاً أو قصاصاً، ونوع مضمون بالسراية كمن قطع يد إنسان فنزف فمات، فهو مضمون بنتيجة القطع، وهو الموت لا بالقطع وهو الجناية. وتحت هذه القاعدة أربعة أقسام: القسم الأول: أن يكون المجني عليه مضموناً في الحالين لكن يتفاوت قدر الضمان فيهما. من أمثلته: لو جرح ذمياً فأسلم ثم مات. فلا قود. ولكن هل يجب فيه دية ذمي اعتباراً بحال الجناية؟ أو دية مسلم اعتباراً بحال السراية؟ وجهان. القسم الثاني: أن يكون الضمان مهدراً في الحالين فلا ضمان. من أمثلته: إذا جرح عبداً حربياً ثم عُتق ثم مات، أو جرح عبداً مرتداً ثم مات فلا ضمان, لأن الحربي والمرتد لا يضمن حراً كان أم عبداً. القسم الثالث: أن تكون الجناية مهدرة والسراية في حال الضمان ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائة، والروايتان عن أحمد بن حنبل رحمه الله.

فتهدر تبعاً للجناية باتفاق. من أمثلته: لو جرح حربياً ثم أسلم ثم مات فلا ضمان، ولو جرح صيداً في الحل ثم دخل الصيد الحرم فمات فيه فلا ضمان ويحل أكله. القسم الرابع: أن تكون الجناية في حال الضمان والسراية في حال الإهدار فهل يسقط الضمان أولا؟. من أمثلته: لو جرح مسلماً أو قطع يده عمداً فارتد ثم مات، فهل يجب القود في طرفه أولا؟ على وجهين: المرجح عدمه. ومنها: لو جرح صيداً في الحرم فخرج إلى الحل فمات لزمه كمال ضمانه، ويتوجه أن يضمن أرش جرحه خاصة.

القاعدة السابعة والثمانون [اختلاف الفعل والمحل]

القاعدة السابعة والثمانون [اختلاف الفعل والمحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف الحكم بالنظر إلى الفعل أو المحل فأيُّهما يُقدم؟ (¬1) " خلاف، فمالك يقدم الفعل، والشافعي المحل. والمثال: مسح الرأس. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى اختلاف مأخذ الأئمة في بعض المسائل، ففي بعض المسائل حكم يتعلق بالنظر إلى الفعل ذاته إن كان غُسلاً أو مسحاً أو غير ذلك، وفي بعضها حكم يتعلق بالنظر إلى محل الفعل إن كان أصلاً أو فرعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما ذكر من مسح الرأس: فمن نظر إليه من حيث كونه فعلاً وهو المسح رأى أنه لا يجب تكرار مسحه؛ لأنه إذا تكرر المسح صار غسلاً، والرأس ممسوح لا مغسول، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة (¬2) وأحمد (¬3) رضي الله عنهم. ولكن الشافعي رحمه الله خالفهم في ذلك حيث نظر إلى المحل وهو الرأس - من حيث كونه محلاً لفرض في الوضوء فاعتبره بأعضاء الوضوء الأخرى التي يُسن فيها التكرار فاستحب تكرار المسح (¬4). ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 1 صـ 309 القاعدة 83. (¬2) مجمع الأنهر ج 1 صـ 11. (¬3) المقنع ج 1 صـ 42. (¬4) الأم ج 1 صـ 27، وروضة الطالبين ج 1 صـ 170.

القاعدتان الثامنة والثمانون والتاسعة والثمانون [الحال والمآل]

القاعدتان الثامنة والثمانون والتاسعة والثمانون [الحال والمآل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا اختلف حكم الشيء بالنظر إلى حاله ومآله فما المعتبر منهما (¬1). ومثلها: هل العبرة بالحال أو بالمآل" (¬2). وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. وفي لفظ: "إذا كان للشيء مآلان مختلفا الحكم فهل يعتبر بأولهما أو بآخرهما (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: قد يختلف حكم الشيء بين الحال التي هو عليها وبين ما يؤول إليه مستقبلاً، وقد يختلف أيضاً إذا كان للشيء مآلان مختلفا الحكم. فهل ينظر في الحكم للحال الحاضر أو لمآله الآخر؟ خلاف. والأرجح النظر إلى الحال لا المآل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا كسر بيض حمام أو نعام في الحرم فما جزاؤه؟ هل ينظر إلى كونه ما زال بيضاً فيجزيه على هذه الحال، أو يعتبر بأنه لو لم يكسر لأصبح فرخاً فيجزيه باعتبار ما يؤول إليه؟ ¬

_ (¬1) قواعد المقري جـ 1 صـ 606 القاعدتان 394، 395، وعند ابن رجب بمعناها القاعدتان 128 - 129. (¬2) أشباه السيوطي صـ 178.

قالوا: فيه حكومة، وقيل: عشر الجزاء، وقيل فيه ما في الفرخ. ملحوظة: لهذه القواعد تعلق بالقاعدة رقم 320 صـ 549 عند المقري التي تقول: قاعدة: المآل إذا خالف حكمه حكم الحال: قال مالك: يعتبر الحال. وقال الشافعي: يعتبر كل بحكمه. فيما يختص برؤية هلال رمضان بخبر الواحد. وتأتي في حرف الميم إن شاء الله.

القاعدة التسعون [اختلاف المنبت والمحاذاة]

القاعدة التسعون [اختلاف المنبت والمحاذاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف الحكم بالمنبت والمحاذاة فقد اختلف المالكية بماذا يعتبر (¬1) ". ويمكن أن تدخل تحت قاعدة اجتماع الحلال والحرام في بعض أمثلتها - وردت هذه القاعدة عند القرافي بلفظ: "ويجب غسل ما طال من اللحية، وقيل لا يجب، ومنشأ الخلاف هل ينظر إلى مباديها فيجب أو محاذيها فلا يجب (¬2) ". وقال الونشريسي: الشيء إذا اتصل بغيره هل يعطي له حكم مباديه أو حكم محاذيه (¬3)، وتأتي في حرف الشين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لمبدأ الشيء حكم قد يختلف عمَّا يحاذي نهايته، فعند الاختلاف بالمنبت والمحاذاة فهل يعطي الحكم للمنبت أو للمحاذاة؟ خلاف في هذه القاعدة عند المالكية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 1 صـ 304، القاعدة 80. (¬2) الذخيرة للقرافي ج 1 صـ 249 - 250. (¬3) إيضاح المسالك صـ 185 القاعدة الثامنة عشرة.

غسل ما طال من شعر اللحية (¬1)، ومسح ما طال من شعر الرأس (¬2)، وشجرة في الحرم أصلها، وفرعها خارج الحرم هل يصاد ما على غصنها الذي في الحل؟. أما على العكس فبالإتفاق لا يحل؛ كفرع شجرة في الحرم لا يجوز صيد ما عليه، ونجاسة أعلى القرن وناب الفيل. ¬

_ (¬1) في مذهب مالك خلاف في ذلك قيل يجب، وقيل لا يجب. (¬2) كذلك والمشهور من مذهب مالك وجوب مسح ما طال واسترخى من شعر الرأس للرجل والمرأة، وقيل لا يجب.

القاعدة الحادية والتسعون [اختلاف القابض والدافع]

القاعدة الحادية والتسعون [اختلاف القابض والدافع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف القابض والدافع في الجهة، فالقول قول الدافع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تدخل ضمن قاعدة: "الأصل براءة الذمة" حيث إن الاختلاف بين القابض والدافع يؤول - عند عدم البينة - إلى يمين المنكر، ومَن عليه اليمين هو المدعى عليه وهو المتمسك بالأصل، والظاهر، والمدعي متمسك بخلاف الأصل والظاهر فعليه البينة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان عليه دَينان بأحدهما رهن ثم دفع إلى الدائن دراهم ثم قال: أقبضتها عن الدين الذي به الرهن، وأنكره القابض، فالقول قول الدافع مع يمينه. وكذلك إذا دفع إلى زوجته مالاً وقال: دفعته عن الصداق. وقالت هي: بل هي هدية. فالقول قول الدافع مع يمينه. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 145.

القاعدة الثانية والتسعون [اختلاف الغارم والمغروم له]

القاعدة الثانية والتسعون [اختلاف الغارم والمغروم له] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف الغارم والمغروم له في القيمة فالقول قول الغارم (¬1) ". لأن الأصل براءة ذمته من الزيادة ما لم يعارضه دليل آخر. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة كسابقتها تحت قاعدة: "الأصل براءة الذمة". والتعليل لها كالتعليل لما سبقها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف الغاصب والمالك في قيمة المغصوب بعد تلفه صدق الغاصب بيمينه. إذا اختلف المتبايعان وانفسخ البيع والمبيع تالف واختلفا في قيمته فالقول قول المشتري جزماً. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 150.

القاعدة الثالثة والتسعون [تعارض الخيار والبتات]

القاعدة الثالثة والتسعون [تعارض الخيار والبتات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اختلف المتبايعان في الخيار والبتات فالقول لمن يدعي البتات والبينة بينة مدعي الخيار (¬1) ". - في ظاهر الرواية - وكان ذلك كذلك لأن الأصل في البيع البتات، فالمتمسك بالأصل عليه اليمين والقول قوله، والمتمسك بخلاف الأصل عليه البينة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالبتات: القطع، أي خلو العقد عن الخيار لأحد المتبايعين. فتدل القاعدة على أنه إذا اختلف البائع والمشتري فادعى أحدهما خياراً وأنكر الآخر، ولا بينة لأحدهما على دعواه، فالقول لمن يدعي البتات مع يمينه، والبينة بينة مدعي الخيار. وعلة ذلك - مع أن كلاً منهما مدعٍ ومدعىً عليه أن الأصل في البيع البتات والخيار خلاف الأصل، والقول قول المتمسك بالأصل مع يمينه، وعلى المتمسك بخلاف الأصل البينة. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 47، أحكام البيع الفاسد من الخانية ج 2 صـ 171.

القاعدة الرابعة والتسعون [ارتفاع العقد]

القاعدة الرابعة والتسعون [ارتفاع العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا ارتفع العقد قد يرتفع من أصله وقد يرتفع من حينه (¬1) ". وفي لفظ: "الفسخ بالعيب ونحوه هل يرفع العقد من أصله أو من حينه؟ (¬2) خلاف. وتأتي إن شاء الله في حرف الفاء. وفي لفظ: "هل يرفع العقد من أصله أو من حينه؟ (¬3) وتأتي إن شاء الله في حرف الهاء. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بارتفاع العقد بطلانه وانفساخه. فإذا ظهر سبب موجب لبطلان العقد وانفساخه، فهل يعتبر هذا البطلان والانفساخ من أصل العقد أي من وقت انعقاده - أو من حين ظهور بطلانه؟ خلاف يترتب عليه ثمرة فقهية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى عبداً وفَسخ البيع قبل القبض. فهل كسب العبد الذي كسبه ما بين انعقاد العقد وفسخه للبائع أو للمشتري؟ إن قلنا إن العقد ارتفع من أصله ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 359. (¬2) المنثور للزركشي ج 3 صـ 49. (¬3) الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 292.

فالكسب للبائع، وإن قلنا إن العقد ارتفع من حين ظهور سبب الفساد فالكسب للمشتري. ومن ناحية ثانية يمكن أن يقال: إذا كان ضمان البيع في هذه المدة على البائع فالكسب له لأن الخراج بالضمان. وإن كان العبد ملكاً للمشتري بالعقد لكنه قبل التسليم لا زال في ضمان البائع.

القاعدة الخامسة والتسعون [الاستصحاب]

القاعدة الخامسة والتسعون [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا استصحبنا أصلاً وأعملنا ظاهراً في طهارة شيء أو حله أو حرمته وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله. لم يلتفت إلى ذلك اللازم على الصحيح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل معناه: القاعدة المستمرة أو المستصحب كاستصحاب الطهارة. والظاهر: معناه ما يترجح وقوعه. فتفيد القاعدة بيان أنه إذا استصحبنا قاعدة مقررة وعملنا بما يترجح لدينا من طهارة أو نجاسة أو حل أو حرمة بناء على ذلك الظاهر، ولكن يلزم على ذلك وينتج عنه تغير أصل آخر أو ترك العمل بظاهر آخر، فهل يترك العمل بناءً على ذلك اللازم أو لا يلتفت إلى النتائج! خلاف وقد صحح ابن رجب رحمه الله عدم الالتفات إلى ذلك اللازم وتلك النتائج. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استيقظ من نومه فوجد في ثوبه بللاً، فإذا قلنا لا يلزمه الغسل بناءً على ما إذا تقدم منه سبب المذي, فلا يلزمه أيضاً غسل ثوبه, لأن الأصل طهارة ثوبه فلا ينجس بالشك، والأصل طهارة بدنه فلا يلزمه الغسل بالشك. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الخامسة عشرة، المنثور للزركشي ج 2 صـ 255 فما بعدها.

والوجه الآخر يجب عليه الغسل وغسل ثوبه فلا تجوز له الصلاة قبل ذلك لأنا نتيقن وجود المفسد للصلاة لا محالة. ومنها: إذا رمي حيواناً مأكولاً بسهم ولم يمته ثم وقع الحيوان في ماء يسير (¬1) فوجده ميتاً، فإن الحيوان لا يباح خشية أن يكون الماء أعان على قتله، والأصل تحريمه حتى يتيقن وجود السبب المبيح له، ولا يلزم من ذلك نجاسة الماء بل يستصحب في الماء أصل الطهارة، فلا ينجس بالشك. ¬

_ (¬1) وأما في الماء الكثير فلا خلاف في عدم الحل.

القواعد: السادسة والتسعون إلى الثامنة والتسعين [العقود]

القواعد: السادسة والتسعون إلى الثامنة والتسعين [العقود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا استعمل لفظ موضوع لعقد في عقد آخر هل العبرة باللفظ أم بالمعنى (¬1) ". وفي لفظ: "إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها، فهل يفسد العقد بذلك أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟ فيه خلاف يلتفت إلى أن المغلب هل هو اللفظ أو المعنى؟ (¬2) وفي لفظ: "العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني (¬3) تأتي في حرف العين إن شاء الله. وفي لفظ: "الاعتبار في العقود بظواهرها أم بمعانيها (¬4) ". وفي لفظ: "كل لفظة كانت خالصة لعقد حمل إطلاقها عليه, فإن ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 369. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والثلاثون. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 207، مجلة الأحكام المادة 3، والوجيز مع الشرح أو البيان صـ 84. (¬4) قواعد الحصني ق 1 جـ 1 صـ 387.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها

وصل بها ما ينافي مقتضاهُ بطل (¬1) ". يأتي في حرف الكاف إن شاء الله. وفي لفظ: "هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها (¬2). وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القواعد مع اختلاف ألفاظها على معنى متحد وهو أن الشرع وضع لكل عقد لفظاً يدل على موضوعه وأحكامه، فهل يمكن استعمال لفظ عقد في عقد آخر؟ وإذا استعمل فهل يعتد باللفظ المنطوق أو بالمعنى المقصود؟. فعند الحنفية والمالكية الاعتداد بالمعنى المقصود قولاً واحداً، وأما عند الشافعية والحنابلة فخلاف في المعتبر والمغلب هل هو اللفظ أو المعنى؟. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذا الكتاب بعشرين ديناراً. فهل يعتبر هبة نظراً إلى اللفظ أو بيعاً نظراً إلى المعنى والقصد الذي دل عليه قوله: بعشرين ديناراً؟. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 347. (¬2) المنثور للزركشي ج 2 صـ 371، أشباه السيوطي صـ 166.

القاعدة التاسعة والتسعون [الاستنباط] والقاعدة المائة [تكذيب الأصل للفرع]

القاعدة التاسعة والتسعون [الاستنباط] والقاعدة المائة [تكذيب الأصل للفرع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا استنبط معنى من أصل فأبطله فهو باطل (¬1) ". وأصله تكذيب الأصل للفرع وقال الغزالي: "الاستنباط من النص بما ينعكس عليه بالتغيير مردود (1). وعند الحنفية: الشيء يعتبر ما لم يعد على موضوعه بالإبطال والنقض (¬2). وتأتي في حرف الشين إن شاء الله. [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستقرة أن الفرع لا يخالف أصله ولا يعود عليه بالابطال، أما إذا استنبط معنى من أصل فأدَّى ذلك الإستنباط إلى إبطال الأصل فالاستنباط باطل والفرع باطل, لأن الأصل يكذبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: تعليل ترك الصلاة على الشهيد: أنه خرج مختاراً من بيته لإعلاء كلمة ربه، فينتج بقياس العكس وجوب الصلاة على من غزاهم المشركون فقتلوا في الدفاع؛ لأنهم لم يخرجوا من بيوتهم لإعلاء كلمة الله، وهذا يبطل معنى الصلاة ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 2 صـ 485 القاعدة 242. (¬2) قواعد الفقه صـ 87 عن أصول الكرخي صـ 115.

على قتلى أحد الذين شرع الحكم فيهم، غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ عليهم.

القاعدة الواحدة بعد المائة [الإشكال - الاشتباه]

القاعدة الواحدة بعد المائة [الإشكال - الاشتباه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أُشكل جهة الاستحلال لم تحل الإصابة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن الأبضاع مبناها على التحريم ولذلك لا تحل إلا بسبب صحيح خال من الفساد أو الشبهة، وتدل هذه القاعدة على هذا حيث تشير إلى أن وجود شبهة في حل الزوجة أو الأمة يمنع وطؤها، وهو المراد بالإصابة هنا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الملك القاصر من ابتدائه لا يستباح فيه الوطء, لأنه إنما يباح الوطء في الملك التام دون المزلزل، كما لو اتفق الغاصب والمغصوب فيه على أن المالك يأخذ قيمة المغصوب جارية وعوضها له الغاصب، فهل يحل للمالك وطء الجارية؟. إذا قلنا: لا يملك القيمة لم يجز (¬2) وإلا فيه تردد. ومنها: الجارية المشتركة لا يحل وطؤها لأي من الشريكين لعدم كمال الملك. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني صـ 1122. (¬2) المنثور للزركشي ج 3 صـ 336 فما بعدها.

القاعدة الثانية بعد المائة [الذرائع]

القاعدة الثانية بعد المائة [الذرائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اعتبرت الذرائع فالأصح وجوب صونها عن الاضطراب بالضبط والتعميم كسائر العلل الشرعية (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذرائع: جمع ذريعة والذريعة الوسيلة إلى الشيء. وسِرُّها حَسْمُ مادة وسائل الفساد دفعاً له. فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إليها منع مالك رحمه الله من ذلك الفعل في كثير من الصور حسماً لها (¬2). والمراد بوجوب صونها عن الاضطراب تعميمها في كل المسائل لا تخصيصها بنيَّة الفاعل. كمنع زراعة العنب لمن يظن أنه يزرعها للخمر. فهذا لم يقل به أحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حفر بئراً في طريق المسلمين ليوقعهم فيه، ومن يضع السم في مائهم ليقتلهم به فهذا كله ممنوع، ومنها لا يجوز عند المالكية إقامة الصلاة مرة أخرى بإذن الإِمام الأول طرداً للحكم. ومنع بيع الآجال (¬3) للعموم دون تخصيص ذلك بمن يتهم بأنه يتوصل به إلى الربا. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 2 صـ 472 القاعدة 230.، وأشباه ابن السبكي ج 1 صـ 119. (¬2) قواعد المقري ج 2 صـ 471 القاعدة 228 والفروق للقرافي ج 2 صـ 32 الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل. (¬3) المراد ببيع الآجال بيع العينة.

القاعدة الثالثة بعد المائة [كل]

القاعدة الثالثة بعد المائة [كلّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أضاف كلمة "كلّ" إلى ما يعلم جملته بالإشارة فالعقد يتناول الكل (¬1) عند أبي يوسف ومحمد خلافاً لأبي حنيفة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى كلمة كل: هي "لفظ عام تقتضي عموم الأسماء وهي الإحاطة على سبيل الانفراد، وقالوا أيضاً: الكل اسم مجموع المعنى ولفظه واحد (¬2). وقال صاحب المغني في النحو: "كل" اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر والمعرف المجموع وأجزاء المفرد المعرف (¬3). فمعنى القاعدة بناء على ذلك: أنه إذا أُضيفت كلمة "كل" إلى مجموع تعلم جملته بالإشارة - دون تفاصيله - فالعقد يتناول كل المشار إليه. كما في المثال التالي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعثك هذه الصبرة من الطعام كل قفيز بدرهم جاز في الكل. عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وأما عند أبي حنيفة جاز في قفيز واحد فقط ولم يجز في الباقي للجهالة. وفي هذا المثال أُضيفت كل إلى المفرد المنكر. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 13 صـ 5. (¬2) التعريفات للجرجاني صـ 195. (¬3) المغني لابن هشام ج 1 صـ 281.

القاعدة الرابعة بعد المائة [الإسلام]

القاعدة الرابعة بعد المائة [الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اعترض الإِسلام قبل تمام المقصود يجعل كالمقترن بحالة العقد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومثالها: إن من التصرفات ما لا يجوز بين المسلمين، ومنها ما يجوز بين المسلمين وأهل الحرب ولا يجوز بين المسلمين. فمما يجوز بين المسلمين وأهل الحرب، ولا يجوز بين المسلمين بعضهم وبعضاً تعجيل أداء الدين المؤجل وطرح جزء من الدين مقابل ذلك. فعند الحنفية هذا جائز في دار الحرب أو دار الموادعين، وهو غير جائز بين المسلمين لما فيه من معنى الربا, ولأنه لا يحل الأجل قبل وقته، لكن إذا اصطلح مسلم مع حربيين باعهم متاعاً في دار الحرب أو دار الموادعين من الكفار إلى أجل معلوم فصالحهم على التعجيل والوضيعة، ثم لم يقبض منهم ما عجلوا له حتى أسلم الذي عليه الدَّين أو أسلم أهل الدار، فقد بطل هذا التصرف، وكان المال كلّه عليه إلى أجله (1). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير صـ 1495 ج 4.

القاعدة الخامسة بعد المائة [المانع]

القاعدة الخامسة بعد المائة [المانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اعترض بعد العقد قبل حصول المقصود ما لو اقترن بالعقد كان مانعاً من العقد فكذلك إذا اعترض يكون مبطلاً (¬1) ". وفي لفظ: كل عقد تقاعد عنه مقصوده بطل من أصله (¬2). تأتي في باب الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود لصحتها شروط إذا فقد شرط منها لم يصح العقد، وهناك موانع تمنع صحة العقد وتمامه، فتفيد هذه القاعدة أنه إذا وجد المانع قبل العقد منع من صحته كأن يكون أحد العاقدين محجوراً عليه، أو كأن يكون المبيع ميتة أو محرماً كالخمر. فإذا تم العقد مستوفياً للشروط خالياً من الموانع ولكن قبل حصول المقصود من العقد طرأ مانع أو فقد شرط بطل العقد كما لو اقترن المبطل بانشائه كما يتضح من الأمثلة التالية: ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد اثنان شركة بينهما ولكن بعد تمام العقد وقبل التصرف هلك أحد المالين، فقد بطلت الشركة، ومنها: إذا اشترى عصيراً فتخمر - أي أصبح خمراً - قبل قبضه فقد بطل العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 11 صـ 163 (¬2) أشباه ابن السبكي ج 1 صـ 259

القاعدة السادسة بعد المائة [المانع]

القاعدة السادسة بعد المائة [المانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اعترض مانع بعد القضاء وقبل الاستيفاء في الحد فهو كالمقترن بأصل السبب (¬1) ". "أي يسقط الحد" [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن المانع وهو (الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه،) الأصل فيه أنه إذا وجد مقترناً بأصل السبب منع الحكم كالصغر والجنون، يمنعان القصاص من الصغير والمجنون إذا قتلا عمداً في حال الصغر والجنون. وكذلك إذا وجد المانع بعد الحكم بالحد ولكن قبل تنفيذ الحد واستيفائه فإنه يمنع من التنفيذ والاستيفاء أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم على السارق بالقطع، أو الزاني بالحد، أو القاتل بالقصاص، ثم قال المسروق منه، هذا متاعه، أو قال: لم يسرقه مني، أو كنت أودعته، أو قال: شهد شهود بزور أو قال: أقر هو بالباطل: بطل القطع عنه لانقطاع الخصومة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 9 صـ 186, 187، 190، 194.

وكذا لو قالت المزني بها: هو زوجي وقد شهد عليه بالزور أو أقر هو بالباطل درىء عنه الحد، وكذلك لو عفا أحد أولياء القتيل سقط القصاص. وكذلك لو جن السارق أو الزاني أو القاتل درىء الحد.

القاعدة السابعة بعد المائة [الإعلام بالصدقة ضابط عند مالك وأهل المدينة]

القاعدة السابعة بعد المائة [الإعلام بالصدقة ضابط عند مالك وأهل المدينة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أعلمت الصدقة جازت (¬1) " أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بإعلام الصدقة إخبار الفقير بها فعند مالك رضي الله عنه وأهل المدينة تجوز الصدقة بمجرد الإعلام بها ولو لم تقبض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أعلم المتصدق الفقير بالصدقة جازت وعليه تسليمها له، إذ تصبح ديناً في ذمة المتصدق. كالعتق يزيل المعتق عن ملكه بمجرد العتق وكذلك الصدقة. قال في الكافي: من تصدق بصدقة أو وهب هبة ثم باعها قبل أن يقبضها المتصدَّق عليه - فإن كان - أي المتصدق عليه - قد علم ببيعها فالبيع ماض والثمن للموهوب له، وإن كان غائباً ولم يعلم بالبيع فالبيع مردود - والدار للمتصدق عليه - إن كان البائع المتصدق حياً (¬3). ¬

_ (¬1) الأثر ذكر في المصنف عن إبراهيم النخعي أنه قال: (إذا أعلمت الصدقة فهي جائزة وأن لم تقبض). الأثر رقم 16596 الجزء التاسع. وقد ذكر قبله عن القاسم ابن عبد الرحمن أن علياً وابن مسعود - رضي الله عنهما - كانا يجيزان الصدقة وإن لم تقبض. أثر رقم 16595. (¬2) المبسوط للسرخسي ج 12 صـ 35. (¬3) الكافي لابن عبد البر 1010 بتصرف.

القاعدة الثامنة بعد المائة [الانكار بعد الاقرار]

القاعدة الثامنة بعد المائة [الانكار بعد الاقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أقر بالشيء صريحا ثم أنكره لم يقبل، وإن أقام عليه بينه - وإن أقرّ به مطلقًا ثم ادعى قيدًا يُبطل الإطلاق لم يقبل إلا ببينة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تتعلق هذه القاعدة بالرجوع عما أقر به، ولكنها تفيد حكمين: الأوّل إذا كان الإقرار بالشيء صريحا لا يقبل إنكاره ولا رجوعه فيه حتى وإن أقام عليه بينة، أما إذا كان الإقرار مطلقًا عن القيود أو غير صريح ثم يدعي المقرُ قيداً يبطل الإقرار فلا يقبل تقييده إلا ببينة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أحال بدين ثم قال: لم تصح الحوالة لأنها كانت عن بيع فاسد؛ لم يقبل منه، ولو أقام بينة بذلك قبلت وبطلت الحوالة, لأنه لم يعترف أولاً بصحة البيع بل أثبت فساد الحوالة فلم يكذب اعترافه ببينته؛ فالبينة في الحوالة إنما كانت في اختلاف الصفات لا في نفي الأصل. أما لو اعترف بصحة الحوالة ثم ادعى فسَادها لا يقبل وإن أقام بينة. ومنها: قال: لا حق لي على فلان ثم أقام بينة بحق ففي قبولها وجهان. * ملحوظة: ينظر صلة هذه القاعدة بقواعد: [من ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 338.

سعى في نقض ما تمّ من جهته فسعيه مردود عليه (¬1)]. في الجمع والفرق: [من أقر أنه باشر عقداً ثم كذب نفسه كان قوله الأوّل مقبولاً وقوله الثاني مردوداً (¬2)] [كل من أقرّ بشيء ثم رجع لم يقبل إلا في حدود الله تعالى (¬3)]. وستأتي هذه القواعد في حروفها إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 230، المجلة مادة 100. (¬2) الجمع والفرق للجويني صـ 537. (¬3) الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 465 نقلا عن المنثور للزركشي ج 1 صـ 187 بلفظه.

القاعدة التاسعة بعد المائة [تعارض الأصلين]

القاعدة التاسعة بعد المائة [تعارض الأصلين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أمكن مراعاة الحقين لا يشتغل بالترجيح, لأنه إنما يشتغل بالترجيح حال تعذر العمل بهما أما عند إمكان العمل بهما فلا (¬1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصولية ضمن مسائل التعارض بين الأدلة. فتفيد أنه إذا تعارض دليلان يعمل المجتهد أولاً على الجمع والتوفيق بينهما فيعمل بكل واحد منهما في مجاله لأن العمل بالدليلين ولو من وجه أولى من إهمال أحدهما واسقاطه، فإذا كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً أو أحدهما مطلقاً والآخر مقيداً أعمل العام في مجاله والخاص في مجاله، والمطلق في مجاله والمقيد في مجاله إذا لم يمكن تخصيص العام أو حمل المطلق على المقيد، ولا يلجأ إلى الترجيح إلا عند تعذر التوفيق بين الدليلين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حديث: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (¬2) ". ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير صـ 479 (¬2) حديث عبد الله بن عكيم: رواه الخمسة، وقال الترمذي: حديث حسن. المنتقى ج 1 حديث رقم 92.

مع حديث "أيما إهاب دبغ فقد طهر (¬1) ". حيث أمكن الجمع بين الدليلين يحمل النهي عن الانتفاع به على ما كان قبل الدباغ عملاً بالحديث الأول وأما بعد الدباغ فيجوز الانتفاع به عملاً بالحديث الآخر. ¬

_ (¬1) حديث ابن عباس رضي الله عنهما: رواه أحمد ومسلم وابن ماجة والترمذي ورواه الشافعي ورواه ابن حبان. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. المنتقى حديث رقم 86، 90 مثله.

القاعدة العاشرة بعد المائة [الإنفاق]

القاعدة العاشرة بعد المائة [الإنفاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا أنفق على غيره بغير إذنه هل يرجع؟ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بمن يؤدي عن غيره مالاً وجب عليه بغير إذنه، فهل يرجع الدافع على من أدى عنه أو يعتبر متبرعاً بما أدى فلا حق له في الرجوع؟ تحت هذه القاعدة مسائل تختلف فيها الأحكام، ولكن على ما يظهر أن الإنفاق عن غيره إن كان في أمور دنيوية لا تدخلها العبادة ولا يحتاج إلى البينة وأنفق فيها بغير إذن من هي عليه فعلاً فيعتبر عمله تبرعاً ولا يرجع وتبرأ ذمة المدفوع عنه، بخلاف ما كان عبادة تدخلها النية فلا تبرأ ذمة المدفوع عنه. ومن دفع أو أنفق فله استرداد ما دفع لأنه لم يقع موقعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أدى دين غيره بلا إذن بريء المدين ولا رجوع للدافع لأنه متبرع، هذا في ديون الآدميين. (1). ومنها لو أنفق على الآبق في حال رده فإنه متبرع أما لو أدي عن غيره زكاة فلا تقع عنه بغير إذنه لأنها تحتاج للنية وكذلك الكفارة (1) ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 157.

القاعدتان الحادية عشرة بعد المائة والثانية عشرة بعد المائة [البدل]

القاعدتان الحادية عشرة بعد المائة والثانية عشرة بعد المائة [البدل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا بطل الأصل يُصار إلى البدل (¬1) ". أو "إذا تعذر الأصل يُصار إلى البدل". وفي لفظ: "لا يقوم البدل حتى يتعذر المبدل منه (¬2) ". وتأتي في حرف "لا" إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الأصل: هو ما يجب أولاً كالماء للطهارة. البدل: ما يقوم مقام الأصل عند عدمه كالتيمم بالتراب، فتدل هذه القواعد على أن البدل لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذكاة الاضطرار يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار. المتمتع إذا عجز عن الهدي ينتقل إلى الصوم. نكاح الأمة جائز عند عدم استطاعة طَول الحرة. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي ج 1 صـ 219، قواعد ابن رجب القاعدة 16، قواعد الخادمي صـ 310، وشرحها للقرق أغاجي صـ 11، مجلة الأحكام المادة 53، المدخل الفقهي الفقرة 641، الوجيز مع الشرح والبيان صـ 187. (¬2) قواعد المقري ج 2 صـ 469.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة [الخصوص والعموم]

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة [الخصوص والعموم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم؟ (¬1) ". أو: "إذا بطل الخصوص هل يبطل العموم؟ (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العام أو العموم: معناه في اللغة: الشامل لمتعدد، وفي اصطلاح الشرعيين: هو اللفظ المستغرق لما يصلح له - بحسب - الوضع دفعة من غير حصر، كلفظ الطاعة يشمل كل أنواع الطاعات. الخاص والخصوص: في اللغة. تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة، وهو خلاف العموم وفي الاصطلاح: "قصر العام على بعض أفراده". فإذا وجد ما أبطل خاصا فهل يبطل العموم أيضاً؟ أو يبقى فلا يبطل؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اعتق عبداً معيباً عن كفارته بطل كونه عن كفارته ويعتق عليه (¬3)، فهنا بقي العموم قطعاً. إذا فسدت الوكالة لكونها معلقة على شرط، فتصرف الوكيل عند وجود الشرط فالأصح الصحة تمسكاً بمطلق الإذن (¬4). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 96، المنثور للزركشي ج 1 صـ 111 - 119، أشباه السيوطي صـ 182. (¬2) القواعد والفوائد الأصولية صـ 272 ق 63، وأمثلتها كثيرة. (¬3) المنثور صـ 112 ج 1. (¬4) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 96.

القاعدتان الرابعة عشرة بعد المائة والخامسة عشرة بعد المائة [التابع]

القاعدتان الرابعة عشرة بعد المائة والخامسة عشرة بعد المائة [التابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: "إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه (¬1) ". أو "إذا بطل الشيء المتضَّمِّن بطل ما في ضمنه (1) ". أو "إذا بطل المتضَّمِّن بطل المتضَّمن (1) ". أو "إذا لم يثبت ما هو الأصل لم يثبت ما في ضمنه (¬2) ". ومثلها "المبني على فاسد فاسد (¬3) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: أن الشيء الذي ثبت ضمن شيء آخر حقيقة، أو كان مرتباً على المتضمن ترتيب المسبب على السبب، إذا بطل متضمِّنه لا يبقى له حكم، بل يبطل كما بطل أصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 391، قواعد الخادمي صـ 312، مجلة الأحكام المادة 52، الفرائد البهية صـ 30، المدخل الفقهي الفقرة 64، الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية صـ 287 مع البيان والشرح. (¬2) عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير صـ 479، نقلاً عن التحرير للحصري ج 2 صـ 422، وعن المبسوط ج 17 صـ 37 كتاب الدعاوي. (¬3) أشباه ابن نجيم صـ 392

إذا قال: بعتك دمي بألف فقتله وجب القصاص، فالبيع باطل وما في ضمنه من الإذن بطل ببطلانه. إذا صالح عن شفعته بمال بطلت شفعته وسقط المال، فلا يجوز له أخذه. إذا اشترى يمينه بمال لم يجز، وكان له أن يستحلفه. في هذا المثال سقط المتضمِّن دون المتضَّمن.

القاعدتان السادسة عشرة بعد المائة والسابعة عشرة بعد المائة [التابع]

القاعدتان السادسة عشرة بعد المائة والسابعة عشرة بعد المائة [التابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا سقط الأصل سقط الفرع (¬1) ". أو "الفرع يسقط إذا سقط الأصل (¬2) ". وتأتى في حرف الفاء إن شاء الله. أو "لا يثبت الفرع والأصل باطل (¬3). ولا يحصل المسبَّب والسبب غير حاصل". وتأتي في حرف لا إن شاء الله. أو "التابع يسقط بسقوط المتبوع (¬4) ". وتأتي في حرف التاء إن شاء الله. أو "إذا فات المتبوع فات التابع (¬5) ". هذه القواعد تندرج تحت قاعدة التابع تابع الآتية في حرف التاء وتتفرع عليها. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) مجلة الأحكام المادة 50. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 121، وأشباه السيوطي صـ 119، الوجيز صـ 281 مع الشرح والبيان. (¬3) إيضاح المسالك للونشريسي صـ 266 القاعدة الثامنة والخمسون. (¬4) المنثور للزركشي ج 1 صـ 235 (¬5) الجمع والفرق للجويني صـ 205

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

إن كل ما له أصل وسقط أصله سقط هو تبعاً, لأن التابع لا يستقل بالحكم كالشجرة إذا قطعت ذوت وذوت أغصانها. وكالصلاة إذا لم تجب على الحائض لم تأت بسننها. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا بريء الأصيل بريء الضامن والكفيل لأنهما فرعه. من فاته الحج وتحلل بأفعال العمرة لا يأتي بالرمي، ولا بالمبيت لأنهما تابعان للوقوف بعرفة وقد سقط.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائة [البطلان]

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائة [البطلان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا بطل العقد في البعض بطل في الكل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تبين هذه القاعدة أن المبيع إذا كان أشياء مجموعة وليس شيئاً مفرداً وكان العقد تم على جميعها صفقة واحدة، فإذا بطل العقد في بعضها بطل في كلها, لئلا تتفرق الصفقة على بائعها، وربما لجهالة ما يستحقه الجزء الذي بطل العقد فيه وما بقي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تعاقدا على أن يبيع أحدهما للآخر قطيعاً من الغنم عدته خمسون رأساً بمبلغ من المال محدد ثم أراد المشتري إبطال العقد في عشر منها. فيبطل العقد في جميعها لأنها كلها صفقة واحدة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 14 صـ 89.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة [الوسيلة]

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة [الوسيلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تبين عدم إفضاء الوسيلة إلى المقصود بطل اعتبارها (¬1) ". "وردت هذه القاعدة عند غير المقّري بألفاظ أدل على المقصود منها مثل قولهم: "لا عبرة بالظن البيّن خطؤه" كما سيأتي في حرف اللام. وقاعدة المقرّي بحسب ظاهرها أخص موضوعاً لأنها تتعلق بالخطأ في الوسيلة فقط. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أجتهد في طهارة ماءٍ فتوضأ منه وصلى ثم تبين نجاسته فإنه يعيد وضوءَه وصلاته. ¬

_ (¬1) قواعد المقري أبي عبد الله محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن أحمد ت سنة 758 هـ تحقيق أحمد بن عبد الله بن حميد ج 1 صـ 242 القاعدة 18 والمنثور للزركشي ج 2 صـ 122.

القاعدة العشرون بعد المائة [تردد السبب]

القاعدة العشرون بعد المائة [تردد السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تردد السبب المعلق عليه بين وجه استحالة ووجه إمكان فعلى أيهما يحمل (¬1)؟ ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى التعليق ربط أمر بأمر كالشرط والجزاء. فإذا علَّق أمرٌ على سبب وكان هذا السبب متردداً بين حالين: حال استحالة. وحال إمكان وجواز، فعلى أي الحالين يحمل الأمر؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجتيه: "إذا حضتما حيضة فأنتما طالقان. فقد علَّق الطلاق بالحيضة الواحدة، والحيضة الواحدة مستحيلة أن تكون بين اثنتين فيجب حمله على الوجه الممكن وهو أن تحيض كل منهما حيضة. فإذا اعتبرنا الوجه الأول كان الكلام لغواً غير مفيد ولا تطلقان. وإذا اعتبرنا الثاني طلقتا إذا حاضت كل منهما حيضة. وفي وجه إذا ابتدأ الحيض منهما تطلقان. ومثله: إذا قال أحد الشريكين في عبدين مناصفة بينه وبين شريكه: بعتك ربع هذين العبدين. فهل يكون المبيع الربع من كل واحد منهما أو ربع نصيبه؟ وجهان. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 ج 2 صـ 593، قواعد العلائي ورقة 105 أ، والأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 351.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة [التضمن]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة [التضمن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تضمن الشيء الخروج من أمر فلا يتضمن الدخول في مثله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الشيء الواحد لا يتضمن الفسخ والعقد جميعاً، ولا يتضمن قطع الشيء ووصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كبر للإحرام للصلاة ثم كبر ثانية أو أكثر قاصداً بكل واحدة من تكبيراته تكبيرة الإحرام فإن صلاته تنعقد بالأوتار وتبطل بالأشفاع؛ لأن التكبيرة الواحدة لا تصلح لقطع الصلاة ووصلها. فتبطل صلاته بالتكبيرة الثانية فإذا كبَّر الثالثة انعقدت. كذلك اليمين الواحدة لا تصلح لإثبات ما يدعيه ونفي ما يدَّعى عليه. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 159 فما بعدها.

القاعدتان الثانية والعشرون بعد المائة والثالثة والعشرون بعد المائة [تعارض الأصل والغالب]

القاعدتان الثانية والعشرون بعد المائة والثالثة والعشرون بعد المائة [تعارض الأصل والغالب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا تعارض الأصل والغالب هل يؤخذ بالأصل أو الغالب (¬1) ". فيه عند المالكية قولان وفي لفظ: "إذا تعارض أصل وظاهر فللمالكية في المقدم منهما قولان (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: معنى الأصل: القاعدة المستمرة وهو المعنى المستصحب. معنى الغالب: أي ما يكثر حدوثه ووقوعه أو يترجح ولم يكن أصلاً، وقد يسمى الظاهر. ويضاف إلى ذلك معنى النادر: وهو ما قلَّ حدوثه وخالف الأصل. فالقاعدة تفيد أحكام تعارض الأصل والظاهر في أفعال العباد فهل يقدم الأصل ويعمل به ويهمل الغالب، أو العكس؟. تختلف الأنظار باختلاف المسائل لأنه يجب النظر في الترجيح، فما رجح دليله عمل به. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي صـ 178 بتصرف. (¬2) قواعد المقري ج 1 صـ 264، قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة والخمسون بعد المائة صـ 367، الفروق للقرافي ج 4 صـ 104، والمنثور للزركشي ج 1 صـ 311، والأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 14 فما بعدها، أشباه السيوطي صـ 64.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ادعى المشتري الجهل بالعيب - إذا لم يكن في موضع ظاهر لا يخفى غالباً - عند مالك قُبل دعوى المشتري بيمينه. ومنها: إذا ادعى دَيْناً على شخص فالقول قول المدعى عليه مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة [تعارض الأصل والظاهر والأصلين]

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة [تعارض الأصل والظاهر والأصلين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارض الأصل والظاهر أو الأصلان (¬1) " بم يحكم؟ وجب الترجيح ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل: هو القاعدة المستقرة، والظاهر: ما يغلب على الظن وقوعه. فمدلول هذه القاعدة أنه إذا تعارض أمام المجتهد قاعدة مستقرة مع قاعدة أخرى مثلهما أو مع ما يغلب على ظنه وقوعه، فبم يَحكم؟. هل يُحكم بالأصل أو بالظاهر؟. وأما إذا كان التعارض بين الأصلين فيجب الترجيح بينهما بإحدى طرق الترجيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تزوج وأحرم، ولم يدر أحرم قبل تزوجه أو بعده. قال الشافعي رحمه الله تعالى: يصح تزوجه, لأن الأصل عدم الإحرام. ومنها: إذا قال: هذا ولدي من جاريتي هذه - لحقه عند الإمكان - ولكن هل يثبت كون الجارية أم ولدٌ له، بحسب الظاهر نعم، ولكن لاحتمال أن يكون استولدها بالزوجية لا يثبت. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق1 صـ 278، أشباه ابن السبكي ج 1 صـ 14 - 32، المنثور الزركشي ج 1 صـ 313، قواعد ابن رجب القاعدتان 158، 159، وإيضاح المسالك للونشريسي القاعدة 16 صـ 178.

ومثال تعارض الأصلين: إذا أصدقها تعليم بعض القرآن فوجدناها تحسنه فقال: أنا عَلَّمتها. وأنكرت هي، فهل يقبل قوله أو قولها؟ لأن الأصل الأول بقاء الصداق في ذمته، والأصل الثاني: براءَة ذمته. وأقول: إن القول قولها مع يمينها: لأنه ثبت يقيناً اشتغال ذمته بصداقها، وما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين مثله.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائة [تعارض الاعطاء والحرمان]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائة [تعارض الاعطاء والحرمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارض الإعطاء والحرمان قدِّم الإعطاء (¬1) إذا كان التعارض لا ترجيح فيه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تعارض لفظان أحدهما يقتضي الإعطاء والآخر يقتضي الحرمان قُدَّم ما يقتضي الإعطاء, لأنه عند تعارض المثبت والنافي يقدم المثبت على النافي عندهم، فالإعطاء إثبات، والحرمان نفي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد لفظان من الواقف أو المتبرع أحدهما يقتضي الإعطاء لصنف من الموقوف عليهم أو المتبرَّع لهم، والآخر يقتضي المنع، واللفظان في صك واحد قدَّم الإعطاء على الحرمان. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 223 عن التنقيح ص 156 ط. جديدة، والأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 140، وأشباه السيوطي صـ 132 نقلا عن السبكي في فتاويه.

القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة [تعارض البينتين]

القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة [تعارض البينتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارضت البينتان تساقطتا (¬1) ". [إلا في مسائل فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالبينة: الحجة والبرهان والشهود. وهذه القاعدة تدخل ضمن قاعدة: تعارض الأدلة وتفيد أنه إذا وجد بينتان أو دليلان متساويان من كل وجه وهما مختلفان في دلالتهما أو في الحكم ولا مرجح لأحدهما فهما متعارضان ولا يجوز العمل بأي منهما؛ لأنه يكون ترجيحاً دون مرجح وهذا لا يجوز ولذا وجب تساقطهما والبحث عن أدلة أخرى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المستثناة إذا مات إنسان عن أبوين كافرين وابنين مسلمين، فقال المسلمان: مات مسلماً. وقال الكافران: مات كافراً، فهل يحكم بكفره أو إسلامه؟ قولان. ورجح النووي الوقف. ¬

_ (¬1) الاعتناء في الفرق والاستثناء ج 2 صـ 1076.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المائة [تعارض القصد واللفظ تحت قاعدة النية]

القاعدة السابعة والعشرون بعد المائة [تعارض القصد واللفظ تحت قاعدة النيَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارض القصد واللفظ أيُّهما يُقدَّم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقصد هنا النيّة، واللفظ: الكلام الذي يعبر به الإنسان عما في نفسه، فتدل هذه القاعدة: أن المتكلم قد يتكلم بلفظ فيتعارض لفظه هذا مع قصده فعند التعارض هل يقدم اللفظ فيعمل بموجبه أو يرجح القصد فيعمل به؟. خلاف ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نذر أن يصوم يوم يقدم فلان من سفره، فقدم المسافر نهاراً، فهل يصوم يوماً آخر قضاء ليوم قدومه؛ لأن المقصود صيام يوم شكراً، أو لا يصوم لأنه ما عاد اليوم محلا للصوم؟ ومنها: إذا ظاهر من امرأته قاصداً الطلاق، فهل يلزمه الظهار نظراً إلى اللفظ أو الطلاق نظراً إلى القصد؟ قولان. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك صـ 241 القاعدة السابعة والأربعون.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائة [تعارض الأصلين]

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائة [تعارض الأصلين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارض معنا أصلان عمل بالأرجح منهما لاعتضاده بما يرجحه، فإن تساويا خرج في المسألة وجهان غالباً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأصل هنا القاعدة المستمرة أو المستصحب. فتفيد هذه القاعدة حكم تعارض الأصلين فإذا تعارض لدينا أصلان فعلى المجتهد أن يجتهد في ترجيح أحدهما بوجه من وجوه الترجيح، فإذا رجح أحدهما وجب العمل بالراجح وترك المرجوح، وأما إذا لم يمكن ترجيح أحدهما وتساويا في النظر فيخرج في المسألة وجهان، وقال بعضهم يؤخذ بالأحوط منهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع في الماء نجاسة وشك في بلوغه القلتين، فهل يحكم بنجاسته أو طهارته؟. على وجهين: الوجه الأول: يحكم بنجاسته لأن الأصل عدم بلوغه القلتين. وهذا ترجيح صاحبي المغني والمحرر (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والخمسون بعد المائة، والأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 278 المنثور للزركشي ج 1 صـ 330، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 68. (¬2) صاحب المغني هو أبو محمَّد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، وصاحب المحرر هو أبو البركات مجد الدين عبد السلام ابن تيمية الحراني.

والوجه الثاني: هو طاهر لأن الأصل في الماء الطهارة. قال ابن رجب: وهذا أظهر. ومنها: إذا أدرك الإمام في الركرع فكبر وركع وشك هل رفع إمامه قبل ركوعه أو بعده؟ فالراجح أنه لا يعتد له بتلك الركعة لأن الأصل عدم الإدراك. ويحتمل أن يعتد له بها لأن الأصل بقاء الإمام في الركوع.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائة [تعارض الشرطين]

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائة [تعارض الشرطين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارض شرطان يؤخذ بالمتأخر منهما (¬1) ". [أصولية فقهية] هذه قاعدة أصولية ذكرها صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود في شرحه المسمى التوضيح على التنقيح ج 2 صـ 124. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومسائلها: إذا علق الطلاق بشرطين فأولهما وجوداً شرطٌ اسماً لا حكماً، حتى إذا وجد الأول في الملك لا الثاني لا تطلق، وبالعكس تطلق خلافاً لزُفر رحمه الله. وصورته: أن يقول لامرأته: إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق، فأبانها، فدخلت إحداهما ثم تزوجها فدخلت الأخرى يقع الطلاق عندنا لأن الملك شرط عند وجود الشرط لصحة الجزاء لا لصحة الشرط فيشترط عند الثاني لا الأول. إذا دخلت الدارين وهي في نكاحه طلقت اتفاقاً، وإن أبانها فدخلت الدارين ثم تزوجها لم تطلق اتفاقاً، قاله في التلويح (¬2). ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 223 عن الخصاف صـ 156 ط جديدة. (¬2) جـ 2 صـ 699 طبع مكتبة صنايع سنة 1310 هـ.

القاعدة الثلاثون بعد المائة [تعارض الموجب والمسقط]

القاعدة الثلاثون بعد المائة [تعارض الموجب والمسقط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعارض هتك الحرمة وبراءة الذمة فما المعتبر منهما. قولان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بقاعدة تعارض الموجب والمسقط، فالأصل المتيقن عند الجميع هو براءة الذمة من التكاليف والغرامات وغيرها، فإذا تعارض إشغال الذمة مع براءتها، فالأصل البراءة إلا إذا قام الدليل على الإشغال. فعند الشك في شغل الذمة فعند جمهور الفقهاء يترجح جانب البراءة؛ لأنه الأصل المتيقن، وأما شغلها فهو مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شك في قتل صيد الحرم، فهل عليه الجزاء؟ قولان عند المالكية. ومنها: إذا طولب بدين فأنكره ولا بيَّنة للمدعي فعلى المدعى عليه اليمين لأن الأصل براءة الذمة. ¬

_ (¬1) قواعد المقري جـ 2 صـ 603 القاعدة الحادية والتسعون بعد الثلاثمائة.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائة [اليمين - البر - الحنث]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائة [اليمين - البر - الحنث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعذر البر في اليمين فلا حنث (¬1) ". خلافاً لأبي يوسف, لأن عنده اليمين على أمر في المستقبل ممكن أو غير ممكن. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البر في اليمين معناه فعل مقتضى اليمين، فإذا تعذر فعل مقتضى اليمين واستحال فعند الجمهور لا يحنث الحالف؛ لأن عندهم اليمين على أمر مستقبل ممكن الوقوع والبرَّ. فإذا لم يمكن البر لا تنعقد اليمين. وأما عند أبي يوسف فاليمين على أمر في المستقبل ممكن أو غير ممكن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذه الكأس. فإذا لا ماء فيها وهو لا يعلم. لم يحنث عند الجمهور، ويحنث عند أبي يوسف (¬2). ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 22 تعليق الخانية. (¬2) الوجيز صـ 154 عن شرح مجلة الأحكام للأتاسي ج 1 صـ 89 - 90 باختصار.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائة [التعذر - الاهمال]

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائة [التعذر - الاهمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعذر إعمال الكلام يهمل (¬1) ". - أي استحالة حمله على حقيقته أو مجازه - هذه القاعدة مندرجة تحت قاعدة: "إعمال الكلام أولى من إهماله". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن الكلام يعمل بموجبه حملاً لكلام العاقل على السداد، ولكن قد يتعذر حمل الكلام على حقيقته فيحمل على مجازه، وإذا لم يمكن حمل الكلام على حقيقته أو مجازه فإنه يهمل ولا يعمل بموجبه؛ لاستحالة حمله على أحد معنييه، ولا ثالث لهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته الأكبر منه سناً المعروفة النسب من غيره: هذه بنتي، لا يكون ذلك كناية عن طلاقها. وإذا قال: لإحدى زوجتيه أنت طالق أربعاً فقالت: الثلاث تكفيني فقال: أوقعت الزيادة على فلانة زوجته الأخرى لا يقع على الأخرى شيء لأنها لما لم تصح الرابعة على الأولى أصبحت لغواً فلم تقع على الأخرى, لأن الشرع لم يوقع الطلاق بأكثر من الثلاث (¬2). ¬

_ (¬1) مجلة الأحكام وشروحها المادة 62، الوجيز صـ 265 مع الشرح والبيان. (¬2) عن أشباه ابن نجيم صـ 135.

إذا كذبه الظاهر كمن ادعى على إنسان أنه قطع يده فإذا هي غير مقطوعة أو أنه قتل شخصاً فإذا هو حي.

القواعد الثالثة والثلاثون بعد المائة والرابعة والثلاثون بعد المائة والخامسة والثلاثون بعد المائة [التعذر - المجاز]

القواعد الثالثة والثلاثون بعد المائة والرابعة والثلاثون بعد المائة والخامسة والثلاثون بعد المائة [التعذر - المجاز] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز (¬1) ". وفي لفظ: "إذا تعذر الصرف إلى الحقيقة فيُصرف إلى المجاز تصحيحاً للكلام (¬2) ". وفي لفظ: "الأصل أنه متى تعذر العمل بحقيقة الكلمة فتحمل على المجاز المتعارف لتصحيح الكلام (¬3) ". وفي لفظ: "قد يُصرف اللفظ عن حقيقته إلى المجاز لقرينة (¬4) ". وتأتي في باب القاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد كلها تعبر عن معنى واحد ومدلول واحد وإن اختلفت ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 274، أشباه ابن نجيم صـ 135، المجلة المادة 61، المدخل الفقهي الفقرة 677، الوجيز مع الشرح والبيان صـ 263. (¬2) عن القواعد المستخلصة من التحرير صـ 479. (¬3) شرح السير الكبير للسرخسي ج 1 صـ 427. (¬4) قواعد الحصني ق 1 ج 1 صـ 413، أشباه ابن الوكيل ق 1 ج 1 صـ 195، المجموع المذهب ورقة 69 ب.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

صيغها. وهي تعتبر فرعاً من فروع القاعدة الكبرى: إعمال الكلام أولى من إهماله، الآتية: الأصل في الألفاظ أن تحمل على حقائقها اللغوية الموضوعة لها في أصل الوضع، ولكن قد يتعذر الحمل على الحقائق لسبب من الأسباب فدفعاً لإهمال اللفظ يجب حمله على المجاز المشهور المتعارف تصحيحاً لكلام المتكلم وحماية له عن الإهمال والإلغاء. والمراد بالمجاز: "استعمال الألفاظ في غير المعاني الموضوعة لها لعلاقة مع قرينة صارفة". ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من وقف على ولده، وليس له إلا ولد ولد فالوقف لولد ولده. وهو المجاز. ومنها: لو حلَف ليأكلنَّ من هذه القدر فيَبَرَّ بأكل ما يطبخ فيها لا بأكل عينها؛ لأنه متعذر. ومن حلف لا يأكل من هذه النخلة: يحنث بأكل بسرها أو رطبها أو ثمرها أو جمّارها ولا يحنث بأكل سعفها أو خشبها لأنه غير متعارف ومتعذر.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائة [حق الشرع الحسبة]

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائة [حق الشرع الحسبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تعلق بالأمر حق الشرع قُبلت الشهادة عليه حسبة من غير دعوى (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الشهادات أنها لا تقام إلا بدعوى لأنها تطلب لإثبات أمر مدَّعى، وهذا في حقوق العباد، ولكن إذا كان الأمر متعلقاً بحق من حقوق الله سبحانه وتعالى فتقبل الشهادة عليه حسبة وتطوعاً وتقرباً إلى الله تعالى من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من غير دعوى من أحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تصادق زوجان على ان النكاح قد تم بينهما منذ شهر وبينهما ولد صغير صُدِّقا ولم يثبت نسب الصغير من الزواج لأن الصغير لا قول له في نفسه فبقي الحق لهما، وما تصادقا عليه يجعل كالمعاين في حقهما. وأما إذا شهد شاهدان على أن الزوج تم منذ ستة أشهر فما فوق ثبت نسب الصغير من الزوج لقيام الحجة عليه، وتقبل البينة هنا وإن لم يوجد من يدعيها لأن هذا حق الشرع وهو ثبوت النكاح بينهما والحكم بصحته حتى لا تتزوج غيره فيكون الصغير ابنه، ولا ينسب الولد لغير أبيه فإن ذلك حرام لحق الشرع. ومنها: إذا أعتق أمة ثم أنكر عتقها وقامت البينة على عتقها، قبلت البينة لحق الشرع لأنه يحرم أن يعيش المولى مع أمته بعد عتقها لأنها أصبحت أجنبية عنه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 17 صـ 150.

القاعدتان: السابعة والثلاثون بعد المائة والثامنة والثلاثون بعد المائة [التعلق - الضمان - الإتلاف]

القاعدتان: السابعة والثلاثون بعد المائة والثامنة والثلاثون بعد المائة [التعلق - الضمان - الإتلاف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا تعلق بعين حق تعلقاً لازماً فأتلفها من يلزمه الضمان فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير عقد آخر؟ (¬1) ". فيه خلاف .. وفي لفظ: إذا تعلق الحقّ بعين فأُتلفت فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير تجديد عقد (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الحق قد يتعلق بالذمة، وقد يتعلق بين مخصوصة، فما تعلق بالذمة فلا يسقط إلا بخرابها بالموت أو الجنون أو الإفلاس أو الإبراء أو الأداء. وما يتعلق بعين مخصوصة فلا يسقط إلا بالاستيفاء من العين إذا تعلق الحق بها تعلقا لازماً، فإذا تعلق حق بعين مخصوصة ثم هذه العين أتلفها متلف وجب عليه ضمانها، فهل الحق الذي كان متعلقا بالأصل يصير إلى البدل فيتعلق به بدون تجديد عقد أو لا بد من عقد جديد ومعاملة جديدة لإقامة البدل المأخوذ مقام أصله المتلف؟ خلاف في مضمون هذه القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أتلف الرهن متلف وأخذت قيمته فهل تكون رهناً مكانه بمجرد ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الحادية والأربعون. (¬2) المنثور للزركشي ج 1 صـ 120

الأخذ، أو لا يصير رهناً إلا بجعل الراهن؟ خلاف، رجح الشافعية الأول وعند الحنابلة خلاف ومنها: الوقف إذا أتلف وأخذت قيمته فاشترى بها بدله ففي صيرورته وقفاً بدون إنشاء وجهان: أصحهما لا بد من الإنشاء. ومنها: الأضحية المعينة إذا أتلفت يشتري الناذر بقيمتها مثلها وتصير أضحية بنفس الشراء.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المائة [التقابل]

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المائة [التقابل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تقابل حكم المادة والصورة المباحة كالحلي، فمالك والشافعي رحمهما الله تعالى يقدمان الصورة فيجعلانه كالعَرَض والنعمان (¬1) المادة فيجعله كالتبر (¬2). فعلى قولهما (¬3): تخرج زكاته من قيمته مهما بلغت، وعند أبي حنيفة تخرج زكاته من وزنه؛ لأنه لا قيمة عنده للصنعة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمادة أصل الشيء ومعدنه كتِبْرِ الذهب، وتراب الفضة قبل الصنعة. والمراد بالصورة ظاهر ما صنع لأجله، فالحلي من الذهب والفضة هل ينظر - عند إرادة تزكيتها - إلى مادتها وكونها ذهباً أو فضة فيجب فيها الزكاة بناءً على وزنها؟ هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأنه لا قيمته للصنعة ¬

_ (¬1) المراد بالنعمان أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه. (¬2) المقري ج 2 صـ 504 القاعدة 264. (¬3) الأظهر عند الشافعية عدم زكاة الحلي المباح لأنه كالعوامل من الإبل والبقر. روضة الطالبين ج 2 صـ 21، وأما على القول الآخر فيجب زكاته ابناءً على قيمتها لا وزنها عند جمهور الشافعية. وكذلك عند مالك وأحمد رضي الله عنهما الأظهر عدم وجوب زكاة في الحلي إن اتخذ للباس من يجوز له لبسه فذلك يلحقه بعرَض القنية الذي لا زكاة فيه. الدر الثمين ج 2 صـ 85، والكافي ج 1 صـ 286، والمقنع لابن قدامة ج 1 صـ 331.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عنده، أو ينظر إلى الغرض من استعمالها فلا تجب فيها الزكاة كملابس الإنسان ومراكبه وأثاثه؟ هذا إذا كانت الحلي لاستعمال مباح كالزينة. أو تجب فيها الزكاة بناءً على وزن المعدن زائداً قيمة الصنعة؟ بهذا قال مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم. والخلاف في وجوب الزكاة في الحلي خلاف مشهور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان عند امرأة حلي من الذهب أو الفضة فإذا بلغ وزنه عشرين مثقالاً من الذهب أو مائتي درهم من الفضة -، فإذا قلنا بوجوب الزكاة فيه فعند الأئمة الثلاثة - يجب الزكاة في وزنه زائداً قيمة الصنعة، فإذا كان وزنه عشرين مثقالاً وقيمته ثلاثون يجب إخراج ربع عشر الثلاثين، وأما عند أبي حنيفة فلا يجب إلا ربع عشر العشرين وزن الذهب، والصنعة مهدرة.

القاعدتان الأربعون والحادية والأربعون بعد المائة [تقابل المبدأ والمنتهى].

القاعدتان الأربعون والحادية والأربعون بعد المائة [تقابل المبدأ والمنتهى]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا تقابل المبدأ والمنتهى فما المقدم منهما؟ خلاف (¬1). وفي لفظ: "إذا تغير حال المرمي أو الرامي بين الرمي وبين الإصابة فهل الاعتبار بحال الإصابة أو بحال الرمي. خلاف (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تشير هاتان القاعدتان إلى معنى متحد وهو أنه إذا تغير الوضع بين مبدأ الفعل وغايته أو نهايته أو عاقبته فما الذي يقدم وما الحكم الذي يعتبر، هل يعتبر حكم البدء أو يعتبر حكم النهاية؟ فمن فعل فعلاً مباحاً فتسبب عنه محرم فهل ينظر إلى مبدأ الفعل أو منتهاه؟ ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا رمى أو أرسل من الحرم فأصاب في الحل ما لم يتعد، خلاف في الجزاء عند المالكية. ومنها: إذا رمى مسلم ذمياً أو حر عبداً فلم يقع السهم بهما حتى أسلم الذمي وعتق العبد ثم ماتا. فهل يجب القود أو لا؟ على وجهين. ومنها: لو رمى إلى مرتد أو حربي فأسلما ثم وصل إليها السهم فقتلهما، فلا قود بغير خلاف, لأن دمهما حال الرمي كان مهدراً، ولكن هل يجب الضمان؟ ثلاثة أوجه. ¬

_ (¬1) قواعد المقري صـ 603 القاعدة التسعون بعد الثلاثمائة. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائة.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المائة [تقابل الكثرة والفضل]

القاعدة الثانية والأربعون بعد المائة [تقابل الكثرة والفضل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تقابل عملان أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد، والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة، فأيهما أرجح". ظاهر كلام أحمد ترجيح الكثرة (¬1). وفي لفظ عند الشافعية: "ما كان أكثر فعلاً كان أكثر فضلاً" (¬2) وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعملين هنا العملان العباديان من جنس واحد كالصلاة والأضحية والهدي، وقراءة القرآن، وما أشبه ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تعارض صلاة ركعتين طويلتين، وصلاة أربع ركعات في زمن واحد، فالمشهور عند الحنابلة أن الكثرة أفضل، وحكى عن أحمد رضي الله عَنه رواية أخرى بالعكس، وثالثة بالتسوية. ومنها: إهداء بدنة سمينة بعشرة، وبدنتين بعشرة أو أقل. قال أحمد رحمه الله ثنتان أعجب إليَّ. ورجح الشيخ تقي الدين البدنة السمينة. وفي سنن أبي داود حديث (¬3) يدل ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة السابعة عشرة، والمنثور للزركشي ج 2 صـ 413 فما بعدها. (¬2) أشباه السيوطي صـ 143. (¬3) الحديث لعله الحديث رقم 1756 عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: أهدى عمر بن الخطاب نجيباً أعطى بها ثلاثمائة دينار فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا =

عليه (¬1). ومنها: رجل قرأ بتدبر وتفكر سورة، وآخر قرأ في تلك المدة سوراً عديدة سرداً. ومنها: رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام، ورجل أقل الأكل فقلَّت نوافله وكان أكثر فكرةً، أيهما أفضل؟ وقد ورد في الحديث "تفكر ساعة خير من قيام ليلة" (1). وهذا يدل على تفضيل قراءة التفكر على السرعة. وهو اختيار الشيخ تقي الدين، وهو المنصوص صريحاً عن الصحابة والتابعين (¬2) ¬

_ = رسول الله إني أهديت نجيباً فأعطيت بها ثلثمائة ديناراً أفأبيعها وأشتري بثمنها بُدْنَاً؟ قال لا انحرها إياها". (¬1) الحديث في إتحاف السادة المتقين للزبيدي ج 10 صـ 163، كنز العمال رقم 5711 عن أنس مرفوعاً. (¬2) قواعد ابن رجب مرجع سابق.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة [تقارن الحكم والمنع]

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة [تقارن الحكم والمنع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه فهل يثبت الحكم أوْلا؟ (¬1) خلاف ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المانع هو (وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده انتفاء الحكم وعدمه،) فالقاعدة تشير إلى حالة مقارنة الحكم للمانع في بعض الصور فهل يصح الحكم ويثبت ويعتبر المانع ملغي. فيكون ذلك استثناء في بعض الحالات من عمل المانع أو يظهر أثر المانع فلا يثبت الحكم؟. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الزوج لامرأته الحامل: أنت طالق مع انقضاء عدتك، أو قال: كلما ولدت ولداً فأنت طالق، فولدت ولدين متعاقبين. فما الحكم؟ هل يقع الطلاق أو لا يقع؟. مشهور المذهب الحنبلي: أنها تطلق بالأول وتنقضي عدتها بالثاني، ولا تطلق به كما لا تطلق في قوله مع انقضاء عدتك. وخالف فيه ابن حامد (¬2) وحده. ومنها: إذا قال: أنت طالق بعد موتي لم تطلق بغير خلاف، ولو ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة السابعة والخمسون. (¬2) ابن حامد هو الحسن بن حامد بن علي البغدادي، أبو عبد الله إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم، له الجامع في الفقه وشرح أصول الدين وتهذيب الأجوبة. تُوفي سنة 403 راجعاً من الحج له ترجمة في طبقات الحنابلة ج 2 صـ 171 فما بعدها والمنتظم ج 7 صـ 263 وغيرها.

قال: مع موتي أو موتك لم تطلق في رواية مهنا (¬1). لأن الموت سبب البينونة فلا يجامعها الطلاق. ومنها: إذا قال زوج الأمة لها: إن ملكتك فأنت طالق، ثم ملكها، لم تطلق؛ لاقترانه بالانفساخ. ومنها: إذا مات الذمي وله أطفال صغار حكم بإسلام الولد وورث منه. نص عليه ولم يثبت عن أحمد رضي الله عنه خلافه. ويلزم من توريثه أثبات الحكم المقترن بمانعه (¬2). أي أن توريث الأولاد المحكوم بإسلامهم مع وجود مانع الإرث وهو اختلاف الدين. ¬

_ (¬1) مهنا بن يحيى الشامي السلمي أبو عبد الله من كبار أصحاب الإمام أحمد روى عنه من المسائل الكثير من رجال القرن الثالث. له ترجمة في طبقات الحنابلة ج 1 صـ 345 - 381 (¬2) قواعد ابن رجب مرجع سابق.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائة [التابع]

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائة [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تقرر السبب الموجب في حق الأصل فيجب على التبع بوجوبه على الأصل (¬1) ". وبلفظ: "التابع تابع (¬2) ". وتأتي في حرف التاء إن شاء الله. وبلفظ "التابع لا يفرد (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه إذا وجد سبب موجب لحكم في حق الأصل - وكان للأصل هذا تبع فإن الحكم يجب في حق التبع كوجوبه في حق الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع بقرة حاملاً دخل جنينها في البيع تبعاً. ومنها: إذا سها الإمام وجب على المأموم السجود تبعاً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 1 صـ 222 باب سجود السهو. (¬2) الأشباه والنظائر للسيوطي 117، والأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 120، المجلة المادة 27، إيضاح المسالك القاعدة الثانية والخمسون - المدخل الفقهي فقرة 634 الوجيز مع الشرح والبيان صـ 275. (¬3) المنثور للزركشي ج 1 صـ 234.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائة [الضمان]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائة [الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا تولد الشيء بين مضمون وغير مضمون فهل يعطي جميعه حكم الضمان؟ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى سراية الفعل المشروع إذا ترتب على تلك السراية ضرر أو أدى إلى موت أو ضرر أكبر من المقصود، فهل يكون الضمان على الجميع أو على ما زاد فقط؟ إلا إذا كان المأذون فيه مشروطاً بسلامة العاقبة، كضرب المعلم الصبي والزوج زوجته (¬2)، فيجب الضمان إذا تعدى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب الضمان بالختان عند هلاك المختون بسبب من شدة حرّ أو برد، فهل الواجب جميع الضمان للتعدي أو نصفه؟ لأن أصل الختان واجب، والهلاك حصل من مستحق وغير مستحق. ولو اشترك محرم وحلال في قتل صيد لزم المحرم نصف الجزاء ولا شيء على الحلال (¬3). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 148، المنثور للزركشي ج 3 صـ 164 (¬2) الأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 289، 290. (¬3) المنثور ج 3 صـ 164.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المائة [الأهلية - الولاية - الشهادة]

القاعدة السادسة والأربعون بعد المائة [الأهلية - الولاية - الشهادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا ثبتت الأهلية للولاية ثبتت الأهلية للشهادة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأهلية: قدرة الشخص على تحمل مسؤلية ما يجري بينه وبين غيره من تصرفات. فإذا ثبتت قدرة إنسان ما على تحمل مسؤولية الولاية على غيره كالأب على ابنته ثبتت مسؤوليته على شهادته على غيره. وقال الجرجاني: الأهلية عبارة عن صلاحيّة لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الكافر أهل للولاية على نكاح ابنته الكافرة، فثبتت أهليته للشهادة على أهل ملته. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 16 صـ 135 باب من لا تجوز شهادته. (¬2) تعريفات الجرجاني صـ 41.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المائة [الواجب]

القاعدة السابعة والأربعون بعد المائة [الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا ثبت بقاء الواجب صح إسقاطه بأدائه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب هو ما طلب الشارع فعله من المكلف طلباً جازماً، وحكمه ترتب الثواب على فعله والإشعار بالعقاب على تركه. وتفيد هذه القاعدة أن الواجب إذا ثبت في ذمة المكلف فلا يسقط ولا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه بعينه أو بدله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بانت من المظاهر امرأته ثم كفر عنها وهي تحت زوج غيره أو مرتدة لاحقة بدار الحرب جازت الكفارة عنه. لأن الحرمة الثابتة بالظهار باقية بعد البينونة والكفارة واجبة (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 7 صـ 13. (¬2) وينظر أيضاً المقنع وحاشية ج 3 صـ 243.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائة [الحكم]

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائة [الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا ثبت حكم عند ظهور (¬1) عدم سببه أو شرطه فإن أمكن تقديرهما تعيَّن وإلا عُد مستثنى (¬2). لهذه القاعدة صلة بقاعدة التقديرات الشرعية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكل حكم سبب أو شرط ينبني عليه وجوده، فإذا ثبت حكم ما ولم يظهر له سبب أو شرط، فلا بد من تقدير سبب له يكون الحكم مسبباً عنه، أو شرط يكون وجود الحكم تالياً له. وإن لم يمكن التقدير اعتبر ذلك الحكم مستثنى من القواعد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ميراث الدية يقدر له ملك الميت للدية قبل الوفاة بالزمن الفرد. ومنها: ثبوت الولاء للمعتق عنه يوجب تقدير ملكه للعبد قبل العتق - عند مالك رحمه الله. ومنها: تقدير دوران الحول على السخال والربح. ولابن الشاط خلاف في هذه المسائل (¬3). ¬

_ (¬1) هكذا, ولعل الصواب "عند عدم ظهور سببه"؛ لأنه إذا ظهر عدم السبب أو الشرط فلا يمكن تقديرهما. (¬2) قواعد المقري ج 2 صـ 499 القاعدة 258، الفروق للقرافي ج 1 صـ 161، ج 2 صـ 26, 202. (¬3) ينظر حاشية الفروق ج 2 صـ 200.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائة [التلف من مأذون وغير مأذون]

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائة [التلف من مأذون وغير مأذون] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا حصل التلف من فعلين أحدهما مأذون فيه، والآخر غير مأذون فيه، وجب الضمان كاملاً على الصحيح. وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان بينهما نصفان، حتى ولو كان أحدهما من فعل من لا يجب عليه الضمان لم يجب على الآخر أكثر من النصف (¬1). وفي لفظ: "إذا تولد الشيء بين مضمون وغير مضمون فهل يعطى جميعه حكم الضمان؟ (¬2) وقد سبقت. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هاتان القاعدتان تشيران إلى حكم سراية الفعل المشروع أو المأذون فيه إذا ترتب على تلك السراية ضرر أدى إلى موت، أو ضرر أكبر من المقصود، فهل يكون الضمان على الجميع أو على ما زاد فقط، خلاف. إلا إذا كان ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والعشرون. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 148، والمنثور للزركشي ج 3 صـ 164

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

المأذون فيه مشروطاً بسلامة العاقبة كضرب المعلم الصبي والزوج زوجته فيجب الضمان كاملاً إذا تعدى. وهذه القاعدة بمعنى القاعدة السابقة الخامسة والأربعون بعد المائة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زاد الإمام سوطاً في الحد فمات المحدود فحكى فيها قولان: أحدهما: يجب كمال الدية. والثاني: يجب نصفها، والأول هو المشهور لأن المأذون فيه لا أثر له في الضمان وإنما الجناية ما زاد عليه فأسند الضمان إلى الزيادة. ومنها: لو اقتص من الجاني ثم جرحه هو أو غيره عدواناً، وجب كمال الدية. وفيه وجه آخر: أنه يجب نصفها. ومنها: لو استأجر دابة لمسافة معلومة فزاد عليها أو لحمل مقدار معلوم فزاد عليه، فتلفت الدابة فإنه يضمنها بكمال القيمة (¬1). ومنها: إذا وجب الضمان بالختان عند هلاك المختون بسبب من شدة حر أو برد فهل الواجب جميع الضمان للتعدي أو نصفه؛ لأن أصل الختان واجب، والهلاك حصل من مستحق وغير مستحق فيه وجهان (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب مرجع سابق. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي مرجع سابق.

القاعدة الخمسون بعد المائة [طرو المانع]

القاعدة الخمسون بعد المائة [طروُّ المانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا خرج عن ملكه مال على وجه العبادة ثم طرأ ما يمنع إجزاءَه والوجوب، فهل يعود إلى ملكه أم لا؟. (¬1)، خلاف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى أن المكلف إذا أخرج عن ملكه مالاً على وجه العبادة كزكاة معجلة دفعها إلى فقير قبل حولان الحول، أو اشترى أضحيته أو هدياً ثم هلك المال المزكى عنه قبل الحول وقبل وجوب الزكاة عليه، أو تعيبت الأضحية أو الهدي قبل الذبح بحيث لا تجزيء بعد ذلك، فهل يعود المال الذي أخرجه زكاة إلى ملكه ويطالب به الفقير, لأنه تبين في المال أنه لا زكاة عليه، وكذلك هل تعود الأضحية أو الهدي إلى ملكه فيجوز له بيعه أو ذبحه لأكله أو ضيفه، أو لا يعود، خلاف بين الفقهاء في هذه المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوجب هدياً أو أضحية عن واجب في ذمته ثم تعيبت لا تجزيه، ولكن هل يعود المعيب إلى ملكه؟ على روايتين ومنها: إذا عجل الزكاة فدفعها الي فقير ثم هلك المال فهل يرجع بها أو لا؟ على وجهين. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثلاثون، وبمعناها عند ابن السبكي ج 1 صـ 103، وأشباه السيوطي صـ 185، وتأتي إن شاء الله في حرف العين والميم.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة [التأسيس والتأكيد]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة [التأسيس والتأكيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا دار الأمر بين التأسيس والتأكيد تعين الحمل على التأسيس (¬1) ". ووردت بلفظ: "التأسيس أولى من التأكيد" (¬2). وتأتي في حرف التاء إن شاء الله. - وهذه من القواعد المندرجة تحت قاعدة: "إعمال الكلام أولى من إهماله". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التأسيس: معناه إرادة معنى جديد باللفظ. والتأكيد: معناه تكرار اللفظ تقويةً للمعنى المراد. ولما كان إعمال الكلام أولى من إهماله كان حمل الألفاظ المكررة على التأسيس أولى من حملها على التوكيد, لأن في حملها على التأسيس فائدة جديدة، وإعمال للألفاظ وحملها على التأكيد إهمال للفظ من وجه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق طالق طالق طلقت ثلاثاً، فإن قال: - أردت به التأكيد، صُدِّقَ ديانةً لا قضاء لأن القاضي مأمور باتباع الظاهر. وهذا عند أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله: ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 14. (¬2) أشباه السيوطي صـ 135، وأشباه بن نجيم صـ 149، والوجيز صـ 274.

لا يلزمه إلا واحدة (¬1)، مع ان السيوطي يقول: إذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد تعين حمله على التأسيس. فإذا قال: أنت طالق، أنت طالق فالأصح الحمل على الإستئناف (¬2). ¬

_ (¬1) الإفصاح لابن هبيرة ج 2 صـ 155 (¬2) أشباه السيوطي مرجع سابق.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المائة [تعارض الحقيقة والمجاز]

القاعدة الثانية والخمسون بعد المائة [تعارض الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح (¬1) ". فبم يحكم؟. أو التعارض بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح (¬2). من مسائل قاعدة: إعمال الكلام أولى من إهماله" ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أن اللفظ إذا احتمل ان يدل على حقيقة مرجوحة أو على مجاز راجح بالاستعمال، فالخلاف قائم فيما يقدم ويرجح منهما. وهذا من باب التعارض بينهما. وأصل هذه المسألة عند الحنفية حيث أعمل أبو حنيفة الحقيقة المرجوحة لأصالتها، وأعمل أبو يوسف المجاز الراجح لقوته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لأشربنَّ من هذا النهر. فإن حقيقة الشرب من نفس النهر بالكرع بفمه، وهذه حقيقة قليل جداً استعمالها، والغالب الشرب باليد أو من إناء أخذ منه وهو مجاز، فيحصل الوفاء باليمين بفعل أحدهما لتعادلهما (2). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 386. (¬2) قواعد الحصني ق 1 صـ 413.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائة [التداخل]

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائة [التداخل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا دخل أمر في أمر من نوعه قدَّر الداخل عدماً، إما إذا لم يكن من نوعه فلا (¬1) ". وفي لفظ عند الشافعية: "ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه، لا يوجب أهونهما بعمومه (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هاتان القاعدتان أحكام تداخل الأحكام بعضها مع بعض، إذ قد يدخل الأصغر في الأكبر. وإذا اجتمع أمران أحدهما أعظم من الآخر فالاعتبار لأعظم الأمرين بخصوصه فيجب فعله وأما أهون الأمرين فلا يجب فعله، هذا إذا كان الأمران من نوع واحد. وأما إذا لم يكونا من نوع واحد فلا يدخل أحدهما في الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اجتمع حد القتل مع حد الزنا، أو حد السرقة، أو حد الشرب، أقيم على الجاني حد القتل فقط. ومنها: يدخل الأصغر في الأكبر كالوضوء في الغسل، وقد تدخل السنة في الفرض كتحية المسجد مع الفريضة. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 2 صـ 612 القاعدة 403، المنثور للزركشي ج 1 صـ 269 فما بعدها. (¬2) المنثور للزركشي ج 3 صـ 131.

وقد يدخل أحد الفرضين أو الواجبين مع الآخر كمن أجنبت ثم حاضت فيكفيها غسل واحد. وأما إذا اجتمع حد القتل مع حد القذف: قالوا: يقام عليه حد القذف أولاً ثم يقتل؛ وذلك للحوق المعرة بالمقذوف فيما لو أهمل حد القذف، حيث أن المغلب في القذف حق العبد.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المائة [زوال المانع]

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المائة [زوال المانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا زال المانع عاد الممنوع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المانع: عند الأصوليين وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده العدم - أي عدم الحكم - ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته. والمراد به هنا الأمر الطاريء الذي يمنع نفوذ الحكم. فالمانع يقف حاجزاً للحكم عن النفاذ، فإذا زال وارتفع عاد الأمر إلى ما كان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طهرت الحائض وجب عليها الصلاة والصوم وجاز جماعها وطوافها. والمرض مانع من استعمال الماء إذا خيف زيادة المرض أو تأخر البرء، فإذا زال المرض وجب استعمال الماء للطهارة دون التيمم. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة صـ 12، مجلة الأحكام المادة 24.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائة [سقوط المقصود]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائة [سقوط المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا سقط المقصود سقطت الوسيلة (¬1) ". وفي لفظ المقّري: "سقوط اعتبار المقصود يوجب سقوط اعتبار الوسيلة (¬2). وتأتي في حرف السين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقصود: المراد به الغاية من العمل. الوسيلة: هي الطريق المؤدية والموصلة للمقصود. فإذا سقط المقصود وعدم أو لم يمكن الوصول إليه سقطت وسيلته وزالت لأنها ليست مطلوبة لذاتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا لم يجد من الماء ما يكفي للطهارة يتيمم عند أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما لأن الماء وسيلة للطهارة فما لم يكف يسقط استعماله وينتقل إلى البدل وهو التيمم وعند الشافعي رضي الله عنه يستعمل الماء فإذا لم يكف يتيمم للباقي في أصح القولين. ¬

_ (¬1) من القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير ص 149 نسبها لفتاوى قاضي خان ج 1 صـ 171. (¬2) قواعد المقري 1 صـ 329 القاعدة والفروق للقرافي ج 2 صـ 33، شرح تنقيح الفصول صـ 449.

ومنها: من لا شعر على رأسه سقط عنه الحلق، وإن ندب إمرار الموسى على رأسه. ومنها: القيام وسيلة للسجود فإذا قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود يصلي قاعداً بإيماء (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية ج 1 صـ 171 على هامش الفتاوى الهندية.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المائة [التعليق]

القاعدة السادسة والخمسون بعد المائة [التعليق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا صح التعليق فالمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى التعليق ربط أمر بأمر كربط الجواب بالشرط، والمراد بالشرط: اللغوي فإذا صح تعليق شيء بشرط وربطه به فعند وجود الشرط ووقوعه وتحققه فما تعلق به يكون كالمنجز عنده، فيأخذ حكمه كما لو كان ناجزاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: فمن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق. فدخلت. يقع الطلاق بمجرد دخولها، كأنه أوقع الطلاق حين الدخول. ومنها: إذا كفل بنفس إنسان أنه يوافي به يوم كذا في محل كذا ثم جاء به في الموعد المحدد إلى المكان المعين - ولم يكن الطالب موجوداً - فقد بريء الكفيل من الكفالة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 19 صـ 186، المنثور للزركشي جـ 1 صـ 370.

القاعدة السابعة والخمسون بعد المائة [التابع]

القاعدة السابعة والخمسون بعد المائة [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا صح ما هو الأصل صح ما جعل بناء عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أنه إذا صح وثبت أصل شيء ومتبوعه صح ما بني عليه وما تفرع عليه. وذلك لأن الفرع يتبع أصله، وما كان وجوده تابعاً لوجود غيره أخذ حكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حضر الجمعة من لا تنعقد به كالعبد والمرأة والمسافر فلا يصح إحرامهم بها إلا بعد إحرام أربعين من أهل الكمال لأنهم تبع لهم (¬2). ومنها: لو قال الكفيل بالنفس: وجهي كفيل لك بفلان وإن لم آت به غداً ذلك الألف درهم. صحت الكفالة؛ لأن إضافة الكفالة إلى الوجه تصح؛ لأنه الأصل، بخلاف ما لو قال: يدي أو رجلي فلا تصح الكفالة (1). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 19 صـ 179. (¬2) المنثور للزركشي ج 1 صـ 238.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المائة [المشقة]

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المائة [المشقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا ضاق الأمر اتسع (¬1)، وإذا اتسع ضاق". من عبارات الإِمام الشافعي رضي الله عنه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعتبر فرعاً لقاعدة "المشقة تجلب التيسير ومعناها إذا ظهرت مشقة في أمر فيرخص فيه ويوسع، فإذا زالت المشقة عاد الأمر إلى ما كان. وهذا في الحقيقة شأن الرخص كلها إذا اضطر الإنسان ترخص، وإذا زالت الأسباب الموجبة للترخص عاد الأمر إلى العزيمة التي كان عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلاً يجوز. لو عمَّ ثوبه دم البراغيث عفى عنه عَند الأكثرين. وطين الشارع المتيقن نجاسته يعفي عما يتعذر الإحتراز منه غالباً. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 48، صـ 49، المنثور للزركشي ج 1 صـ 120 - 123، الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 83، وابن نجيم صـ 84.، مجلة الأحكام العدلية مادة 18، القاعدة الأولى فقط. المدخل الفقهي العام للزرقا فقرة 599، والوجيز صـ 171 - 174.

القاعدتان التاسعة والخمسون بعد المائة والستون بعد المائة [التعليق بمتعدد]

القاعدتان التاسعة والخمسون بعد المائة والستون بعد المائة [التعليق بمتعدد] أولاً: ألفاظ ورود القواعد: " إذا علق الحكم بعدد أو ترتب على متعدد فهل يتعلق بالجميع أو بالآخر (¬1) ". أو: "إذا تعقب شيء جملة مركبة من أجزاء فهل المؤثر الجزء الأخير منها أو المجموع (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تشير هاتان القاعدتان إلى نوع من التداخل بين أجزاء الشيء المركب، لأن بعض الأحكام لا يظهر أثرها بعد الفعل مرة واحدة بل لا بد من تعدد الفعل مرة بعد مرة حتى يظهر تأثيره، فهل ينسب التأثير للجزء الأخير منها أو لمجموع الأجزاء؟ خلاف، والأرجح المجموع. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: مثلاً: إذا لم يسكر إلا القدح العاشر فهل يجب عليه الحد بالسكر بالقدح العاشر وإذا لم يسكر قبله لا يجب عليه الحد؟ بهذا قال أبو حنيفة (¬3) رحمه الله، وعند تلاميذه والشافعي وغيرهم، وهو الراجح إن شاء الله أن ¬

_ (¬1) المنثور ج 1 صـ 137. (¬2) المنثور جـ 1 صـ 138، الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 140. (¬3) أبو حنيفة الإمام النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة ولد سنة 80 هـ وتوفي سنة 150 هـ وهو أشهر من أن يعرف رضي الله عنه السير جـ 6 صـ 390 فما بعدها

السكر لا يحصل بالقدح الأخير وحده بل به وبما قبله، فمن ثم يكون حكم ما قبله في التحريم وإيجاب الحَدّ حكمه. * ومن أمثلة هذه القاعدة: من فقأ عين الأعور فهل يجب عليه دية كاملة. أو نصف دية؟ لأن العمى إنما حصل بفقء العين وما قبله؟ (¬1). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 140

القاعدة الحادية والستون بعد المائة [الذمة]

القاعدة الحادية والستون بعد المائة [الذمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا عمِّرت الذمة لم تبرأ إلا بالإتيان بما عمِّرت به أو ما يقوم مقامه أو يشتمل عليه (¬1). فهل يجزئ الظن أو يبنى على اليقين؟ قولان (1) وفي لفظ: الذمة إذا عمِّرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين (¬2) وتأتي في حرف الذال إن شاء الله. تحت قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: أن ذمة المكلف إذا ثبت شغلها بيقين فيجب أن تبرأ بيقين مثله، ولكن هل تبرأ بالإتيان بما شغلت به فقط، أو يجوز أن تبرأ بأداء ما يقوم مقامه أو يشتمل عليه، تقول القاعدة الأولى: إنه يجوز أن تبرأ بالإتيان بما يقوم مقام المطلوب أو ما يشتمل على المطلوب. فإذا أتى الإنسان بما شغلت به ذمته برئ يقيناً، ولكن إن أتى بما يقوم مقامه أو يشتمل عليه لا يكون متيقنا من البراءة، بل هو ظان للبراءة، فهل يكفي الظن للبراءة أو لا بد من اليقين؟ القاعدة الثانية تفيد أنه لا بد من اليقين، وأما القاعدة الأولى فتفيد أن في هذه المسألة قولين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: نسي ما أحرم به هل يكون قارناً، أو يأتي بحجة وعمرة احتياطاً؟ خلاف. ومنها: من نسي صلاة من الخمس فعليه أن يصلي خمس صلوات لتبرأ ذمته بيقين. ¬

_ (¬1) قواعد المقّري صـ 607 القاعدة 396. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة السادسة والعشرون صـ 119، الوجيز صـ 119 مع الشرح والبيان.

القاعدة الثانية والستون بعد المائة [خطأ الظن]

القاعدة الثانية والستون بعد المائة [خطأ الظن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها واجبة عليه، ثم تبين بأخرة أن الواجب كان غيرها، فإنه يُجزئه، وأما إذا خفي الاطلاع على خلل الشرط ثم تبين فإنه يُغتفر في الأصح (¬1) " لها صلة بقاعدة "لا عبرة بالظن البين خطؤه" تأتي في حرف اللام إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن المكلف إذا فعل عبادة على ظن أن أداءَها كان صحيحاً، وسواء كان ظن الصحة في وقتها أم في بعض شروطها أم في المستحق لها، ثم تبين له خلاف ما ظن، أو زال مانع، فهل يُجزئه ما فعل وتبرأ ذمته أو لا يجزئه. خلاف في أكثر مسائلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أَحجَّ المعضوب - أي غير القادر على الحج لكبرٍ أو مرض - عن نفسه، ثم بريء - أي زال المانع من أدائه الحج بنفسه - فإنه يُجزئه حج الغير عنه عند الحنابلة في المشهور عندهم ولا يُجزئه عند الحنفية والشافعية وابن المنذر بل عليه أن يحج بنفسه (¬2). وعند مالك رضي الله عنه لا يحج حي عن حي, لأنه إذا لم يستمسك على الراحلة سقط عنه الحج، ولا يجيز الحج إلا عن الميت إذا أوصى (¬3). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة السادسة. (¬2) المقنع جـ 1 صـ 391 مع الحاشية. (¬3) الكافي جـ 1 صـ 356.

ومنها: وإذا كفَّر العاجز عن الصيام للإياس من البرء ثم عُوفي فإنه لا يلزمه قضاء الصوم. ومن أمثلة الشطر الثاني: إذا أدَّى الزكاة إلى من يظنه فقيراً ثم بان أنه غني فإنها تسقط على أصح الروايتين (¬1). وإذا صلى المسافر بالاجتهاد إلى ما يغلب على ظنه أنه القبلة ثم تبين الخطأ فإنه لا يُجزئه على الصحيح عند الشافعية (1). ولا إعادة عليه عند الثلاثة (¬2). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 157، والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 122 وجـ 3 صـ 353. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 1 صـ 133.

القاعدة الثالثة والستون بعد المائة [خطأ الظن]

القاعدة الثالثة والستون بعد المائة [خطأ الظن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا فعل فعلاً بناءً على أنه صحيح أو فاسد فبان في نفس الأمر بخلاف ما اعتقده، فهل ينظر إلى اعتقاده أو إلى ما في نفس الأمر (¬1)؟ ". وفي لفظ: "النظر إلى الظاهر أو إلى ما في نفس الأمر (¬2) ". وتأتي في حرف النون إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: "لا عبرة بالظن البين خطؤه (¬3) ". وتأتي في حرف اللام إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تشير إلى خطأ الظن، فهل يُعتد بالفعل الظاهر إذا ظهر خطؤه، أو لا يُعتد إلا بما في نفس الأمر والواقع؟. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا باع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هو ميت ففي صحة البيع خلاف، والأظهر الصحة. ومنها: دفع المالك الزكاة لمن ظنه فقيراً فبان غنياً، الأصح الإجزاء. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 265، قواعد ابن رجب القواعد 65, 66, 95 (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 162. (¬3) المنثور للزركشي جـ 2 صـ 353، الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 157، والأشباه والنظائر لابن نُجيم صـ 161، وقواعد الخادمي صـ 328، والمجلة المادة 72، الوجيز مع الشرح والبيان ص 148.

القاعدة الرابعة والستون [الاقتران]

القاعدة الرابعة والستون [الاقتران] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا قُرنت عبادة مقصودة بعبادة مقصودة أو وسيلة لغيرها فالأصل استقلال كل واحدة منهما، لا اشتراط إحداهما في الأخرى إلا بدليل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن العبادات المختلفة تؤدى كل عبادة منها مستقلة عن الأخرى المغايرة لها، فالصلاة غير الصوم، والصوم غير الاعتكاف. فإذا قُرنت عبادتان مختلفتان - في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم - أو كانت إحداهما وسيلة للأخرى، فالقاعدة المستمرة والأصل المستصحب أنه لا يشترط إحداهما للأخرى إلا بدليل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاعتكاف والصوم عبادتان مختلفتان، وقد اختلف الفقهاء في اشتراط الصوم للاعتكاف حيث أوجبه الحنفية واعتبروا الصوم شرطاً في صحة الإعَتكاف، وكذلك أوجبه مالك (¬2)، والثوري والليث ورواية عن أحمد (¬3) رضي الله عن الجميع. إستناداً إلى حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا إعتكاف إلا بصوم" (¬4) ¬

_ (¬1) قواعد المقري جـ 2 صـ 580 القاعدة 360 (¬2) الكافي جـ صـ 352. (¬3) المقنع جـ 1 صـ 379 (¬4) الحديث أخرجه البيهقي في باب الاعتكاف جـ 2 صـ 200 وقال: تفرد به سويد عن سفيان، وكذلك أخرجه الحاكم في المستدرك جـ 1 صـ 440 وقال: لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين وعبد الله بن يزيد، وكذلك أخرجه غيرهما.

والقول المشهور عند الشافعية أنه يصح الاعتكاف بغير صوم (¬1) وهو رواية عن أحمد (¬2) رحمه الله. ومنها: ما كان وسيلة لغيرها كالوضوء مع الصلاة. ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 2 صـ 260 (¬2) المقنع جـ 1 صـ 379

القاعدة الخامسة والستون بعد المائة [الإجماع]

القاعدة الخامسة والستون بعد المائة [الإجماع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا قضى بشيء مخالف للإجماع لا ينفذ (¬1) ". هذه القاعدة أصولية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجماع دليل شرعي اتفق علماء الأمة المجتهدون على حجيته واعتباره، وهو ثالث الأدلة بعد الكتاب والسنة، والدليل الأول عند ترتيب الأدلة للنظر في أحكام المسائل. ولذلك قالوا في حكم الحاكم أو قضاء القاضي إذا حكم أو قضى بشيء مخالف للإجماع الصحيح فهو لا ينفذ ولا يعمل بموجبه إذ يعتبر حكماً وقضاءً باطلاً. هذا إذا كان الإجماع قطعي الثبوت مبنياً على الدليل السمعي من الكتاب والسنة، لكن إذا كان الإجماع ظني الثبوت أو كان مستنده المصلحة أو العرف ففي حكم الحاكم أو قضاء القاضي بخلافه نظر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم حاكم بحرمان الجد مع الإخوة من الميراث وأَعطى الميراث كله للإخوة لا ينفذ هذا الحكم لأنه مخالف للإجماع لأن الإجماع قضى أن للجد مع الإخوة السدس أو غيره، ولكن لم يقل أحد بحرمان الجد فلذلك كان هذا الحكم مخالفاً للإجماع باستحقاق الجد وإن اختلف في مقدار استحقاقه. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه صـ 57 عن الأشباه صـ 108.

القاعدة السادسة والستون بعد المائة [المقابلة وهي أصل مستنبط]

القاعدة السادسة والستون بعد المائة [المقابلة وهي أصل مستنبط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا قوبل مجموع الأمرين فصاعداً بشيء عُلم من خارج مقابلة أحد ذينك الأمرين ببعض ذلك الشيء فهل يلزم أن يكون الزائد في مقابلة الشىء الآخر؟ أو يجوز أن يكون في مقابلته وأن يكون المجموع في مقابلة المجموع؟ أو يجوز أن يكون المجموع عند حصول الزائد في مقابلة الثاني وحده؟ خلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". فيُحتمل أن يكون من صلى الصبح في جماعة كان كأنما قام الليل وإن لم يصل العشاء في جماعة، فحينئذ من صلى الصبح في جماعة والعشاء في جماعة كمن قام ليلة ونصف ليلة. ويحتمل أنه إنما يكون كمن قام كل الليل إذا كان قد صلى العشاء في جماعة. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 136.

القاعدة السابعة والستون بعد المائة [العادة]

القاعدة السابعة والستون بعد المائة [العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا كانت العادة مشتركة يجب العمل بها لعموم اللفظ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعادة العرف، والمراد باشتراكها وجود من يعمل بها ومن لا يعمل بها، فهي ليست عرفاً عاماً، وعند الجمهور ان العرف المشترك لا يصلح مستنداً ودليلاً، ولا يُعتبر في معاملات الناس, لأن من شروط وجوب العمل بالعرف كونه مطرداً شائعاً غالباً. والعادة المشتركة ليست كذلك. ولكن الحصيري خالف الجمهور في إيجاب العمل بالعرف المشترك بدعوى عموم لفظ العرف واستناداً لقاعدة "العادة محكمة". وستأتي في حرف العين إن شاء الله. ثالثاً: من أمثلة لهذه القاعدة ومسائلها: إذا جرت عادة بعض الناس في بعض البلدان بتقسيم المهر إلى معجل ومؤجل، وجرت عادة آخرين في نفس البلد بعدم تقسيم المهر، فهنا عند الجمهور لا يجوز تحكيم العادة لاختلالها حيث يعمل بها قوم ولا يعمل بها آخرون، فلا يتم العمل بالعرف لأن العمل بالعرف إنما هو عن طريق الدلالة لا التصريح، والدلالة هنا متناقضة. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير صـ 229

القاعدة الثامنة والستون بعد المائة [الاستحقاق]

القاعدة الثامنة والستون بعد المائة [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا كان سبب الاستحقاق معلوماً يجب اعتباره في الحكم ما لم يعلم اعتراض ما يُبطله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الاستحقاق: وجود الحق وطلبه. فإذا استحق إنسان على آخر شيئاً وعلم سبب ذلك الاستحقاق وموجبه فيجب اعتبار ذلك السبب في الحكم، إلا إذا علم وجود مانع يمنع ويبطل ذلك الاستحقاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اغتصب مالاً وجب عليه رده أو ضمانه، فالمغصوب منه مستحق لرد المغصوب إن كان موجوداً أو ضمانه إن كان هالكاً. لكن إذا علم إبراء المغصوب منه للغاصب سقط الرد والضمان. ومنها: إذا علم استحقاق وارث من مورثه بنسب أو زواج أو ولاء فهو مستحق لنصيبه من الميراث بذلك السبب، لكنه إذا قام دليل على مانع من موانع الإرث كاختلاف الدين أو القتل أو الرق، بطل الاستحقاق. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي صـ 723

القاعدة التاسعة والستون بعد المائة [العذر]

القاعدة التاسعة والستون بعد المائة [العذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا كان العذر ممن له الحق منع الفساد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأعذار في الشرع منها ما يفسد العمل ويبطله ومنها ما لا يفسد ولا يبطل. فالأول: عُذرٌ مِمَّن لا حَقَّ له كالجهل والإكراه في بعض صورهما. الثاني: عذرٌ ممن له الحق كالنسيان والمرض والإغماء فهذه وأمثالها أعذار من عند الله سبحانه وتعالى يبتلي بها عباده ولا صنع للعباد فيها، فهذه أعذار تمنع الفساد أو الإثم إذا طرأت. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح, لأن النسيان من عند الله لا صنع للعباد فيه، ولا إثم فيما فُعل. ومنها: من أصابه مرض منعه من الصلاة قائماً فصلى قاعداً أو على جنب فصلاته صحيحة ولا إثم عليه لأن المرض من عند الله سبحانه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 98، والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 375 وجـ 3 صـ 272.

القاعدة السبعون بعد المائة [اللفظ الصريح]

القاعدة السبعون بعد المائة [اللفظ الصريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا كان اللفظ صريحاً في بابه، ووجد نفاذاً في موضوعه لم يكن كناية عن غيره، وما كان صريحاً في بابه ولم يجد نفاذاً في موضوعه كان كنايةً عن غيره (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اللفظ الصريح ما ليس فيه احتمال معنى غير المعنى الموضوع له لغة أو شرعاً. وهو ما لا يحتاج إلى نيَّة, لأن لفظه دال على معناه. وأما الكناية فهو لفظ استعمل في غير موضوعه الأصلي ولا يعمل إلا بالنيَّة. فتدل هذه القاعدة أن اللفظ إذا كان صريحاً وعمل في موضوعه الذي دل عليه لا يكون كناية عن غيره، وأما إذا كان اللفظ صريحاً لكنه لم يمكن عمله في موضوعه الذي دل عليه فيكون كناية عن غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلق بقوله: أنت طالق. هذا صريح في الطلاق فيقع، ولا يكون ظهاراً ولا فسخاً ولو نواه, لأنه صريح في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه حيث عمل في الزوجة وثبت حكمه فيها، فلا يكون كناية عن غيره. وأما إذا قال لأمته: أنت طالق - ونوى العتق - عُتقت, لأن الأمة لا يعمل فيها الطلاق. ومنها: إذا قال لزوجته: بعتك نفسك بكذا وقالت: اشتريت يكون خلعاً كناية. ¬

_ (¬1) قواعد الحصيني ق 1 جـ 1 صـ 366، المجموع المذهب ورقة 62 / أ، والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 311، والأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 249، وأشباه السيوطي صـ 295.

القاعدة الحادية والسبعون بعد المائة [البدل]

القاعدة الحادية والسبعون بعد المائة [البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا كان للواجب بدل فتعذر الوصول إلى الأصل حالة الوجوب فهل يتعلق الوجوب بالبدل تعلقاً مسقراً بحيث لا يعود إلى الأصل عند وجوده؟ (¬1) [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجبات نوعان: واجبٌ لا بدل له فيجب أداؤه بنفسه، وواجب له بدل ينتقل إليه عند تعذره. فإذا وجب على إنسان واجب ولم يجده عند إرادة أدائه فأنتقل إلى بدله ولكنه قبل فعل البدل وجد الأصل، فهل يعود الوجوب إلى الأصل وقد قدر عليه، أو يتعلق الوجوب بالبدل تعلقاً مستقراً؟. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: هدي المتعة إذا عدمه ووجب الصيام عليه، ثم وجد الهدي قبل الشروع فيه فهل يجب عليه الانتقال أو لا؟ وكذلك كفارة اليمين والظهار ونحوهما. ومنها: إذا أتلف شيئاً له مثل وتعذر وجود المثل وحكم الحاكم بأداء القيمة ثم وجد المثل قبل الأداء، وجب أداء المثل لأنه قدر على الأصل قبل أداء البدل فلزمه. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة السادسة عشرة، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 219 فما بعدها. وينظر تأسيس النظر صـ 73 وصـ 111 ط جديدة،، والأم جـ 1 صـ 41، والكافي جـ 1 صـ 184.

القاعدة الثانية والسبعون بعد المائة [الشفعة]

القاعدة الثانية والسبعون بعد المائة [الشفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا لم تجب الشفعة باعتبار الأصل لا تجب باعتار التبع (¬1) ". [ضابط] ثانياً: معنى هذا الضابط: هذا ضابط عند أبي حنيفة رضي الله عنه يندرج تحت قاعدة: "إذا بطل الأصل بطل الفرع وقد تقدت صـ 271 وحكمه حكمها, ويفيد أنه إذا لم تجب الشفعة باعتبار الأصل وهو المتبوع لا تجب باعتبار التبع بطريق الأولى. ثالثاً: من أمثلة هذا الأصل: إذا تزوج رجل امرأة وجعل مهرها داراً على أن ترد عليه المرأة ألف درهم. قال أبو حنيفة: لم يجب للشفيع الشفعة في شيء من الدار, لأن البيع - وهو هنا اشتراطه أن ترد عليه المرأة ألف درهم - هنا تبع للنكاح لأن البيع غير مقصود بل المقصود هو النكاح والبيع تبع، والشفعة لا تجب في الدار التي تكون مهراً. وأما عند صاحبيه رحمهما الله تعالى للشفيع الشفعة وتقسم الدار على الألف وعلى مهر مثلها فما يخص الألف تجب فيه الشفعة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 79.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المائة [تعارض الأسباب]

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المائة [تعارض الأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا لم يقع التساوي بين السببين من حيث الثبوت لم يطلب الترجح من وجه آخر لعدم التعارض (¬1) ". [أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعبر عن شرط جواز الترجيح بين الدليلين المتعارضين، وذلك أنه إنما يحتاج للترجيح بين سببين أو دليلين إذا تساويا في الثبوت والقوة والمحل والوقت والجهة واختلفا في الحكم فأما مع عدم التساوي فلا مجال للترجيح؛ لأن الأقوى ثبوتاً يقدم على الأضعف فآيات الكتاب الكريم والأحاديث المتواترة لا يعارضها خبر الآحاد فلا ترجيح بينهما. بل تقدم آيات الكتاب والأحاديث المتواترة لأنها ثابتة عن طريق القطع بخلاف أخبار الآحاد. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 479.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة [نية إبطال العبادة]

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة [نية إبطال العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: إذا نوى إبطال العبادة أو الخروج منها بطلت، إلا الحج والعمرة قطعاً وكذلك الصوم على قول، وفي الصلاة وجهان (¬1) تدخل هذه القاعدة تحت قاعدة النية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفعل لا يكون عبادة إلا بالنية المقارنة لبدئه، فإذا دخل المكلف في عبادة ما بنيَّتها ثم أثناءها نوى إبطال هذه العبادة، أو نوى أن يخرج منها - ولم يصاحب هذه النية فعلٌ فهل هذه النيَّة تبطل العبادة؟ الفقهاء متفقون على أن نيَّة قطع الحج والعمرة أو إبطالهما لا أثر لها لأنهما لا تبطلان بالإفساد، فمن تلبس بحج أو عمرة فيجب عليه إتمامهما، إلا إذا أُحصر أو اشترط. وأما ما عداهما من العبادات العملية فاختلفوا في إبطالها بمجرد نية الإبطال، ولكن تفيد هذه القاعدة أن عند الشافعية أن نية إبطال العبادة أو الخروج منها تبطلها - عدا ما استُثنى - ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من كان في صلاة فنوى الخروج منها أو قطعها وإبطالها بطلت في الصحيح عند الشافعية لشبهها بالإيمان, وعند الحنفية لا تبطل إلا بفعل منافٍ. ومنها: من كان صائماً ونوى قطع الصوم أو نوى الأكل أو الشرب ولم يفعل ففي قول يبطل صومه، والقول الآخر لا يبطل إلا بالفعل وهو كذلك عند الحنفية. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 177، والمنثور للزركشي جـ 3 صـ 298، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 38، المجموع المذهب ورقة 23 أ، ب.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المائة [الاستيفاء]

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المائة [الاستيفاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا وجب حقان بسببين فاستيفاء أحدهما لا يسقط الآخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وجب حقان على إنسان بسببين مختلفين ثم استوفي أحد الحقين، فالثاني لا يسقط ولا تبرأ ذمة من وجب عليه إلا من أحدهما، لأن استيفاء أحدهما مسقط للمستوفي فقط وأما الثاني: فلا يسقط إلا بالوفاء أو الإبراء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل إنساناً ومزق ثيابه أو قتل دابته فاستيفاء القصاص للقتل لا يسقط ضمان الثياب ولا الدابة. بخلاف ما إذا قتل وسرق، فإذا اقتص منه سقط عنه القطع، لكن لا يسقط ضمان المسروق. لأن القطع من حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق الله سبحانه وتعالى يدخل الأصغر في الأكبر منها. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 9 صـ 156

القاعدة السادسة والسبعون بعد المائة [المخالفة]

القاعدة السادسة والسبعون بعد المائة [المخالفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا وجب مخالفة أصل أو قاعدة وجب تقليل المخالفة ما أمكن (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل والقاعدة المستمرة أن الأحكام إنما تبنى على أصول وقواعد ثابتة مقررة، ولكن في بعض الأحيان يجب مخالفة أصل أو قاعدة في مسألة ما، فعند ذلك يجب تقليل المخالفة ما أمكن, لأنه لا يجوز مخالفة الأصول والقواعد إلا لضرورة ولا ضرورة في حق الزيادة، ولأن الضرورة تقدر بقدرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إجبار الجار على إرسال فضل مائة على جاره الذي انهدمت بئره وله زرع يخاف عليه، فهل ذلك بالثمن أو بدونه (¬2)؟ قالوا: يجبر الجار على إرسال فضل مائة ليسقي زرع غيره إذا خشي عليه التلف - والأصل عدم الإجبار بل لا بد من التراضي والاختيار، لكن لما وقع الاجبار لصالح الجار وجب تقليل مخالفة الأصل فيكون فضل إرسال الماء بالثمن لأنه أقرب إلى الأصل، وقيل لا يلزمه. ¬

_ (¬1) قواعد المقري جـ 2 صـ 502 القاعدة الثانية والستون بعد المائتين. (¬2) عند المالكية خلاف في هذه المسألة. ينظر المدونة جـ 6 صـ 190 - 191.

القاعدة السابعة والسبعون بعد المائة [الجهالة]

القاعدة السابعة والسبعون بعد المائة [الجهالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا وُجد سبب إيجاب أو تحريم من أحد رجلين لا يُعلم عينه منهما، فهل يلحق الحكم بكل منهما، أو لا يلحق بواحد منهما؟ خلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا صدر فعل أو قول من أحد رجلين - أو أكثر - ولم يعلم الفاعل منهما، أو منهم إذا أنكر كل واحد أنه صدر عنه هذا الفعل أو هذا القول فهل يلزم الحكم المترتب على ذلك الفعل - من إيجاب أو تحريم - كل واحد منهما أو منهم أو لا يلزم أَيَّاً منهم. خلاف بين الفقهاء في المسألة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد اثنان منيَّاً في ثوب ينامان فيه أو سمعا صوتاً خارجاً ولم يعلم من أيهما هو. ففي المسألة روايتان: إحداهما: لا يلزم واحداً منهما غُسلٌ ولا وضوء، نظراً إلى أن كل واحد منهما متيقن للطهارة شاك في الحدث. والثانية: يلزمهما الغسل والوضوء, لأن الأصل زال يقيناً في أحدهما فتعذر البقاء عليه وتعين الاحتياط، ولم يلتفت إلى النظر في كل واحد بمفرده. ومنها: إذا قال أحد الرجلين إن كان هذا الطائر غراباً فامرأته طالق أو أمته حرة، وقال الآخر: إن لم يكن غراباً فامرأته طالق أو أمته حرَّة، وغاب الطائر ولم يعلم ما هو. ففي هاتين الصورتين وجهان: ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الرابعة عشرة

أحدهما: قول القاضي أبي يعلى (¬1) وأبي الخطاب (¬2) وغيرهما يبقى كل واحد منهما على يقين نكاحه ووطء أمته. والثاني: وهو اختيار الشيرازي (¬3) وابن عقيل (¬4): إنه تخرج المطلقة بالقرعة وذكر وجه ثالث، وهو احتمال وقوع الطلاق منهما حكماً كما تجب الطهارة عليهما في المسألة الأولى. ¬

_ (¬1) أبو يعلى: القاضي محمَّد بن الحسين الفراء الحنبلي كان عالم زمانه وفريد عصره إماماً في الأصول والفروع عارفاً بالقرآن والحديث كان زاهداً ورعاً توفي 458 له ترجمة في طبقات الحنابلة جـ 3 صـ 193 - 230. (¬2) أبو الخطاب: محفوظ بن أحمد الكلوذاني البيضاوي الحنبلي أحد أئمة المذهب وأعيانه كان فقيهاً أصولياً فرضياً صنف كتباً حساناً في الفقه والأصول توفي سنة 510 له ترجمة في ذيل طبقات الحنابلة جـ 1 صـ 116. (¬3) الشيرازي: لعله إبراهيم بن يوسف أبو إسحق الفيروز أبادي الشافعي الإمام المحقق المتفن المدقق صاحب المهذب والتنبيه توفي سنة 476، طبقات الشافعية جـ 4/ 215 وغيرها أو لعله أبو الفرج عبد الواحد بن محمَّد بن علي الشيرازي المقدسي الدمشقي الحنبلي الفقيه الزاهد كان إماماً عالماً باللغة والأصول توفي سنة 486 طبقات الحنابلة جـ 2 صـ 248 وغيرها. (¬4) ابن عقيل: علي بن عقيل بن محمَّد البغدادي الحنبلي أبو الوفاء، المقري الفقيه الأصولي أحد الأئمة الأعلام، كان بارعاً في الفقه وأصوله له مؤلفات قيمة أكبرها كتابه الفنون توفي سنة 513 هـ له ترجمة في ذيل طبقات الحنابلة جـ 1 صـ 142 - 166.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المائة [الإحالة]

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المائة [الإحالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا وجدنا أثراً معلولاً لِعِلَّةٍ، ووجدنا في محله علة صالحة له، ويمكن أن يكون الأثر معلولاً لغيرها, لكن لا يتحقق وجود غيرها، فهل يحال ذلك الأثر على تلك العلة المعلولة أو لا. في المسألة خلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النتائج تبنى على مقدمات، والآثار تنبني على أسبابها وعللها، فإذا وجدنا نتيجة أو أثراً ما فلا بد لهذه النتيجة من مقدمة ولا بد لهذا الأثر من علة أو سبب، فإذا وجدنا في محل الأثر علة أو سبباً صالحاً لذلك الأثر فهل نحيله على تلك العلة أو ذلك السبب مع احتمال أن يكون ثمة علة أخرى أو سبب آخر نتج عنه ذلك الأثر، وهذا في الحقيقة يدخل تحت اليقين والشك أو غلبة الظن والشك أو الظاهر مع غيره، ففي مسائل هذه القاعدة خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع في الماء نجاسة ثم غاب عنه ثم وجده متغيراً فإنه يحكم بنجاسته عند الحنابلة والشافعية إحالة للتغيير على تلك النجاسة المعلوم وقوعها فيه، والأصل عدم وجود مغير سواها. ومنها: إذا جرح صيداً جرحاً غير قاتل ثم غاب عنه ثم وجده ميتاً، ولا أثر فيه غير سهمه فهل ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثالثة عشرة، وأشباه السيوطي صـ 64 فما بعدها، وأشباه ابن نجيم صـ 72، والمنثور للزركشي صـ 289.

يحل أكله؟ على روايتين. ومنهما: إذا جرح المحرم جرحاً غير موحَّ ثم غاب عنه ثم وجده ميتاً، فهل يضمنه كله أو أرش الجرح؟ على روايتين.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المائة [التوزيع]

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المائة [التوزيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا وجدنا جملة ذات أعداد موزعة على جملة أخرى، فهل يتوزع أفراد الجملة الموزعة على أفراد الأخرى، أو كل فرد منها على مجموع الجملة الأخرى (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة إجمالاً: الألفاظ قد تستعمل مفردة مقابل مفردة مثلها، وقد تستعمل جملة متعددة مقابل جملة متعددة أو مفردة. وموضوع القاعدة، الجملة ذات الأعداد بمقابل حملة ذات أعداد كذلك. فعند تقابل الجملة ذات الأعداد بالجملة الأخرى ذات الأعداد فهل توزع أفراد الجملة الأولى على أفراد الجملة الثانية؟ مثل أن يُقال: أعط عشرة فقراء عشرة دراهم، فيعطى كل واحد منهم درهماً. أو يوزع كل فرد من مجموع الجملة الأولى على مجموع أفراد الجملة الثانية؟ كمن باع عبدين له من رجلين بثمن واحد مشاعاً فلكل واحد منهما نصف كل عبد منهما.، وفي المثال الأسبق يستحق كل واحد من العشرة عشر كل درهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تحت هذه القاعدة قسمان: القسم الأول: أن توجد قرينة تدل على تعيين أحد الأمرين فلا خلاف في ذلك إذ يقابل كل فرد كامل بفرد يقابله بدلالة العرف أو الشرع ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة.

من أمثلة هذا القسم ومسائله

أو لاستحالة ما سواه. من أمثلة هذا القسم ومسائله: إذا قال لزوجتيه: إن أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقتان. فإذا أكلت كل واحدة رغيفاً طلقت، لاستحالة أكل كل واحدة للرغيفين. إذا قال لعبديه: إن ركبتما دابتيكما أو لبستما ثوبيكما، أو تقلدتما سيفيكما أو دخلتما بزوجتيكما فأنتما حران. فمتى وجد من كل واحد ركوب دابته أو لبس ثوبه .. إلخ ترتب عليهما العتق, لأن الإنفراد بهذا عرفي وفي بعضه شرعي فيتعين صرفه إلى توزيع الجملة على الجملة. القسم الثاني: أن لا يدل دليل على إرادة أحد التوزيعين، فهل يحمل التوزيع عند هذا الإطلاق على الأول أو على الثاني؟ خلاف. والأشهر أنه يوزع كل من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى إذا أمكن. من أمثلة هذا القسم ومسائله: قوله صلى الله عليه وسلم - في تعليل مسح الخفين: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان (¬1) ". فهل المراد أنه أدخل كل واحدة من قدميه الخفين وكل واحدة منهما طاهرة أو المراد أنه أدخل كل القدمين الخفين وكل قدم في حال إدخالها طاهرة؟. ومنها: مسألة "مد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهمين" فهل يبطل العقد أو يقابل كل شيء بخلاف جنسه؟ روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله، والأصح بطلان العقد لأنه وسيلة إلى الربا (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث عن أبي هريرة رواه الإمام أحمد، المنتقى جـ 1 حديث رقم 304 صـ 111. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة.

القاعدتان الثمانون بعد المائة والحادية والثمانون بعد المائة [تعارض العموم والخصوص]

القاعدتان الثمانون بعد المائة والحادية والثمانون بعد المائة [تعارض العموم والخصوص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إذا وجدنا لفظاً عاماً قد خُصَّ بعض أفراده بحكم موافق للأول أو مخالف له، فهل يُقضى بخروج الخاص من العام وانفراده بحكمه المختص به، أو يقضى بدخوله فيه فيتعارضان مع اختلاف الحكم ويتعدد سبب الاستحقاق مع إبقائه؟. وفي لفظ: "إذا تعارض دلالة العام ودلالة الخاص في شيء واحد فهل ترجح دلالة الخاص أو يتساويان؟ اختلاف (¬1) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: معنى العام في اللغة: الشامل لمتعدد، وفي اصطلاح الفقهاء: هو اللفظ المستغرق لما يصلح له بحسب الوضع - دَفعة من غير حصر" والخاص: في اللغة تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة. والخاص في الاصطلاح "هو إخراج بعض ما كان داخلاً تحت العموم على تقدير عدم المخصص". فقاعدتانا هاتان تُشيران إلى أنه إذا تعارض دلالة لفظ عام مع دلالة لفظ خاص فهل ترجح دلالة اللفظ العام فيعمل به على عمومه، أو ينفرد المخصوص بحكمه؟. تحت هاتين القاعدتين قسمان: ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين من القسم الأول فقط

القسم الأول: أن يكون العام والخاص في كلام واحد متصل فالمذهب - الحنبلي - أنه يفرد الخاص بحكمه ولا يقضي بدخوله في العام، وسواء أكان ذلك الحكم مما يمكن الرجوع عنه كالوصايا أو لا يمكن كالإقرار. القسم الثاني: أن يكون الخاص والعام في كلامين منفردين، وهنا حالتان: الأولى: أن يكون المتكلم بها لا يمكن الرجوع عن كلامه ولا يقبل منه كالأقارير والشهادات، والعقود، فيقع التعارض في الشهادات ولا يكون الإقرار الثاني رجوعاً عن الأول. والحالة الثانية: أن يكون الرجوع ممكناً كالوصية وعزل من يمكن عزله وولايته فهذا يشبه تعارض العام والخاص في كلام الشارع، وفي المسألة ثلاث روايات. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين من القسم الأول فقط: إذا قال هذه الدار لزيد ولي منها هذا البيت. قبل قوله ولم يدخل البيت في الإقرار. ومنها: لو وصى لزيد بخاتم وبفصه لآخر. خلاف (¬1) ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة.

القاعدة الثانية والثمانون بعد المائة [تعارض الاستحقاق وتعدد الجهات]

القاعدة الثانية والثمانون بعد المائة [تعارض الاستحقاق وتعدد الجهات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هذه القاعدة والتي تليها لها صلة بالقاعدة السابقة "إذا اجتمع في شخص استحقاق بجهة خاصة كوصية معينة وميراث واستحقاق بجهة عامة كالفقر والمسكنة، فإنه لا يأخذ إلا بالجهة الخاصة. نص عليه أحمد رحمه الله (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد يجتمع في شخص واحد جهتا استحقاق إحداهما خاصة والأخرى عامة، فلا يأخذ إلا بالجهة الخاصة، وإلا تعدد سبب الاستحقاق ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وصى لزيد بشيء ولجيرانه بشيء، وهو - أي زيد - من الجيران، فإنه لا يعطى من نصيب الجيران. ومنها: إذا وصى لأقاربه بشيء ووصى أن يكفر عنه بأيمان. فلا يعطى من الكفارة من أخذ من الوصية من الأقارب (1) ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 119.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المائة [تعدد الاستحقاق - تعدد الصفات]

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المائة [تعدد الاستحقاق - تعدد الصفات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا اجتمعت صفات في عين فهل يتعدد الاستحقاق بها كالأعيان المتعددة؟ المشهور في المذهب الحنبلي - أنها كالأعيان في تعدد الاستحقاق (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هل يعتبر تعدد الصفات في شخص واحد كتعدد الأعيان في تعدد الاستحقاق؟ إذا وجد شخص يستحق زكاة أو إرثاً أو وصية بجهات متعددة فهل يأخذ من جميع هذه الجهات كأنه أشخاص متعددون أو لا يعطى إلا من جهة واحدة؟ عند الحنابلة الصحيح التعدد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأخذ من الزكاة بسبب الفقر، وبسبب الغرم، وبسبب الغزو ونحوها الأخذ من الصدقات المنذورة والفيء والوقوف. المواريث بأسباب متعددة كالزوج وهو ابن العم فإنه يرث بالجميع على الصحيح (1). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد المائة [التابع] تحت "قاعدة التابع تابع".

القاعدة الرابعة والثمانون بعد المائة [التابع] تحت "قاعدة التابع تابع". أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإذن بالمتبوع إذن بالتبع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة فرع على قاعدة "التابع تابع" وتدل على أن الإذن في الأصل يكون إذناً في فرعه أيضاً, لأن حكم التابع حكم متبوعه. فإذا صح الإذن في المتبوع صح في تابعه، وإذا لم يصح في المتبوع لم يصح في التابع. والمراد بالتبع هنا ما يكون غير منفصل عن متبوعه، وهو من ضروراته ولوازمه وإلا فلا يكون الاذن في المتبوع إذناً في التبع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أذن للمستعير بسكنى الدار كان إذناً باستعمال مرافقها. ومنها: إذا أذن لضيفه بالدخول في بيته كان إذناً بالجلوس على ما فيه من فراش إلا أن يمنعه صراحةً. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 479.

القاعدة الخامسة والثمانون بعد المائة والسادسة والثمانون بعد المائة [الدلالة]

القاعدة الخامسة والثمانون بعد المائة والسادسة والثمانون بعد المائة [الدلالة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحاً (¬1) ". وفي لفظ: "الأمر الثابت دلالة كالأمر الثابت إفصاحاً (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالدلالة: غيرُ النطق من إشارة أو حال أو عرف. والإفصاح: النطق بالإذن والتلفظ به. فتدل هاتان القاعدتان على أن الإذن بفعل شيء أو تناوله كما يكون بالنطق واللفظ يكون أيضاً بدلالة الحال والعرف وغير ذلك من أنواع الدلالات غير اللفظية، فالإذن والأمر الثابت بالدلالة بمنزلة ومكانة الإذن والأمر الثابت بالنطق واللفظ. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر يشاهده من قول أو فعل يعتبر إقراراً به ورضاً, لأنه عليه الصلاة والسلام في مقام التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما يكون له عليه الصلاة والسلام أن يسكت عن منكر يراه, لأن سكوته كنطقه تشريع فيدل على جواز وإباحة ما يفعل أمامه وسكت عليه. ومنها: سكوت البكر عند إعلامها بإرادة تزويجها دليل على رضاها. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 145، 152، 160. (¬2) نفس المرجع جـ 11 صـ 19.

ومنها: من وكل إنساناً في شراء دابة فاشترى له بقرة، لا يلزمه لأن العرف خص اسم الدابة بما يركب من الخيل والبغال والحمر دون غيرها.

القاعدة السابعة والثمانون بعد المائة [الإذن]

القاعدة السابعة والثمانون بعد المائة [الإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإذن في الشيء إذن فيما يقتضي ذلك الشيء إيجابه (¬1) ". وفي اقتضاء استحقاقه خلاف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن من أذن لغيره في عمل شيء ما فإن هذا الإذن يكون إذناً أيضاً فيما يجب لذلك الشيء ويستلزمه، وهل يكون إذناً في الاستحقاق خلاف في المسألة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أذن لعبد في النكاح كان إذناً في إيجاب المهر أيضاً. لكن هل يكون السيد ضامناً للمهر والنفقة؟ في القول الجديد للشافعي رحمه الله لا يكون بل هما في كسب العبد. ومنها: ما لو وكَّل، كان التوكيل إذناً للوكيل في التصرف فيما وُكَّل فيه. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 108.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المائة [الإذن]

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المائة [الإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذن المرء غير معتبر في قتله في حكم الإباحة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أذن إنسان لآخر في قتله فلا يعتبر إذنه هذا مبيحاً لقتله, لأن الإنسان لا يملك نفسه ولا جسمه ولا روحه فهي ملك لله تعالى. ولذلك لا يجوز أن يقتل نفسه ولا أن يأذن لغيره في قتله ولا في قطع عضو منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل دمه لآخر بألف (¬2) فلا يجوز أن يقتله لأن هذا بيع مُحرَّم باطل والإذن الذي تضمنه باطل كذلك فلا يسقط القصاص إذا قتله. ومنها: إذا أخذ المسلمون رهناً من المشركين وأخذ المشركون رهناً من المسلمين بسبب عقد موادعة، ثم أسلم رهن المشركين وقالوا بعد ما أسلموا ادفعونا إلى المشركين وخذوا رهنكم، فإن كان أكبر الرأي من الإمام أنهم يقتلونهم لم يجز أن يدفعهم إليهم, لأن إذن المرء غير معتبر في قتله في حكم الإباحة فكذلك في تعرضه للقتل. وإن كان أكبر الرأي أنهم لا يقتلونهم فلا بأس بدفعهم إليهم (1). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 1754 (¬2) المراد ببيع دمه قتله.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المائة [الإذن]

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المائة [الإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإذن المطلق يلزم به الرجوع على الأصح (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالإذن المطلق الإذن غير المقيد وغير المشروط بشرط. فتدل هذه القاعدة على أن من أذن لغيره في فعل شيء أو أداء حق عنه إذناً مُطلقاً فللمأذون له الرجوع على الآذن في اقتضاء ما أداه بإذنه أو أجرة ما فعله بإذنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أذن لغيره في توفية دينه فأداه فللمؤدَّي مطالبة الآذن بما أداه عنه. ومنها: لو أذن له في هدم حائطه فله الرجوع عليه بالأجرة. ¬

_ (¬1) الاعتناء للبكري جـ 1 صـ 571.

القاعدة التسعون بعد المائة [إراقة الدم]

القاعدة التسعون بعد المائة [إراقة الدم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إراقة الدم في كونه قُربة لا يتجزأ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بإراقة الدم: الذبح وذلك يشمل الأضحية والهدي ودم التمتع والقران. وتدل هذه القاعدة أن الذبح إذا كان قُربةً لا يتجزأ بمعنى أن لا يكون بعضه قُربةً وبعضه غير قربة، وهذا عند الحنفية خلافاً للحنابلة والشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البدنة تُجزيء عن سبعة والبقرة تُجزيء عن سبعة كذلك، فإذا اشترك سبعة في بدنة أو بقرة فيشترط الحنفية أن يكونوا جميعاً يريدون القربة وإن اختلفت جهاتها، كأن يريد أحدهم اُضحية وبعضهم دم تمتع أو قران، وأما إن كان بعضهم يريد لحماً أو كان ذمياً فلا تُجزيء البدنة أو البقرة عن جميعهم لأن القُربة لا تتجزأ وعند الشافعي وأحمد رحمهما الله يجوز إذا كان بعضهم يريد لحماً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 132، 144.

القاعدة الحادية والتسعون بعد المائة [الحرام]

القاعدة الحادية والتسعون بعد المائة [الحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " ارتكاب الحرام لا يُطرِق إلى ارتكاب حرام شرعاً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على: أولاً: إن ارتكاب الحرام لا يجوز. ثانياً: إذا اضطر إنسان أن يرتكب حراماً فلا يجوز أن يكون هذا الحرام طريقاً إلى ارتكاب محرم آخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المرتد يستحق القتل إن لم يتب ويعاود الإِسلام، فإذا ارتد جماعة أو واحد ولحقوا بدار الحرب وكانوا قد ارتكبوا جرائم قبل الردة من قتل أو قذف أو زنا، ثم طلب أولئك من المسلمين أن يؤمنوهم حتى يكونوا ذمة يؤدون الخراج أو على أن يصالحوا المسلمين على أن يؤمنوهم ويسقطوا عنهم الحدود الواجبة، فلا يجوز للإمام أن يصالحهم على ذلك، ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يؤمنهم على ذلك، فإن شرط لهم الإِمام ذلك فلا يجوز أن يفي لهم بهذه الشروط, لأن الإِمام لا يملك إسقاط هذه الحقوق. وهذا المرتد مستحق للقتل, لأن اشتراط ذلك حرام فلا يكون طريقاً إلى ارتكاب حرام آخر. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 2016.

القواعد الثانية والتسعون بعد المائة والثالثة والتسعون بعد المائة والرابعة والتسعون بعد المائة [الأسباب الشرعية]

القواعد الثانية والتسعون بعد المائة والثالثة والتسعون بعد المائة والرابعة والتسعون بعد المائة [الأسباب الشرعية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأسباب الشرعية إنما تعتبر لأحكامها (¬1) ". وفي لفظ: "الأسباب مطلوبة لأحكامها لا لأعيانها (¬2) ". وفي لفظ: "الأسباب تُراد لأحكامها لا لأعيانها (¬3) ". وفي لفظ: "الأسباب غير مطلوبة لأعيانها بل لمقاصدها (¬4) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الأسباب جمع سبب. والسبب في اللغة ما يوصل إلى غيره من طريق أو حبل أو سلم. وأما في الاصطلاح فالسبب هو ما يوجد الحكم بوجوده وينعدم بانعدامه. فهو إذا وجد وجد الحكم وإذا عدم عدم الحكم. فتدل هذه القواعد على أن الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسباباً لمسببات إنما يكون اعتبارها للأحكام المترتبة عليها, ولا تكون معتبرة لذواتها واعيانها. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 158 (¬2) المبسوط للسرخسي ج 18 صـ 3، 23، وشرح السير الكبير صـ 562، وقواعد الخادمي صـ 311 (¬3) شرح السير الكبير صـ 1728، والمبسوط جـ 13 صـ 24. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 6 صـ 65.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: طلوع الفجر سبب لوجوب صلاة الفجر وإنشغال الذمة بهذا الوجوب. ومنها: إذا قال رجل: أقرضني فلان ألف درهم - فهذا إقرار منه بانشغال ذمته بألف درهم للمُقَرِّ له، فإذا قال المُقَرُّ لهُ لا بل غصبني. فالمُقِرُّ ضامن للألف درهم, لأنهما تصادقا على كون المال مضموناً عليه للمُقَرَّ له، وإن اختلف في سببه, لأن الأسباب مطلوبة لأحكامها، والحكم هو انشغال ذمة المقر بألف درهم لصاحبه وضامن لها، وإن اختلفا في سبب الضمان.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المائة [الأسباب]

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المائة [الأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأسباب الشرعية لا تنعقد خالية عن الحكم، وإن تأخر الحكم (¬1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى أمر مؤكد محقق حيث إن الله سبحانه وتعالى حينما شرع شرعه وبلَّغه رسولهُ صلى الله عليه وسلم جعل هناك أسباباً تترتب على وجودها مسببات وأحكام. وهذه الأسباب الشرعية ما جعلت عبثَاً بل إن كل سبب منها إنما يثبت به حكم مشروع قد يثبت معه، وقد يتأخر وجود الحكم عن سببه، لكن لا يكون سبب شرعي بدون حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيع ارتباط الإيجاب بالقبول فهو سبب شرعي لانعقاد حكم البيع وهو حل الانتفاع بالبدلين. وقد يتأخر الحكم عن السبب ويتراخى عنه كالعقد الموقوف على إجازة المالك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 صـ 63

القاعدة السادسة والتسعون بعد المائة [أسباب الملك]

القاعدة السادسة والتسعون بعد المائة [أسباب الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أسباب ملك الأعيان لا تحتمل التعليق بالخطر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أسباب ملك الأعيان: كالبيع، والهبة، والرهن وأشباه ذلك تعليقها بالخطر، أي ربط حصولها بأمر محتمل الوقوع وعدمه. والخطر: السَبَق الذي يتراهن عليه (¬2). فتدل القاعدة على أن ربط حصول سبب الملك بما يكون أوْلا يكون باطل لأنه يشبه القمار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذه الدابة إذا حضر فلان من سفره، فالعقد باطل. ومنها: إذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بمالك إلى وقت كذا وإلا فالرهن لك بمالك، قالوا: هذا شرط باطل قد ثبت بطلانه بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يغلق الرهن (¬3) " حيثُ فُسَّر بهذا. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 1779. (¬2) مختار الصحاح مادة خطر. (¬3) الحديث أخرجه ابن عبد البر في التمهيد جـ 6 صـ 425 فما بعدها، وغيره. وينظر في تخريجه موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 7 صـ 430 - 432 بطرقه.

القاعدة السابعة والتسعون بعد المائة [الاستئجار على المعاصي]

القاعدة السابعة والتسعون بعد المائة [الاستئجار على المعاصي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستئجار على المعاصي باطل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في حل الاستئجار هو طلب ما فيه منفعة للمستأجر ولا تكون المنفعة إلا فيما يحل شرعاً، وأما ما فيه مفسدة فلا يحل لأن درء المفاسد مطلوب جزماً. فعلى ذلك لا يجوز الاستئجار على ما فيه معصية لأنه نشر للمفسدة وإشاعة لها وتشجيع لأهل الباطل. ولذلك كان الاستئجار على المعاصي باطل وفاعله آثم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من استأجر مغنياً أو نواحة أو استأجر مزماراً أو طبلاً أو آلة من آلات اللهو فكل ذلك باطل, لأن هذه معاص لا يجوز ارتكابها فالأجير آثم والمستأجر آثم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 38 باب الإجارة الفاسدة.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المائة [الاستثناء]

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المائة [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء إذا تعقب جُملاً يرجع إلى جميعها (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة من القواعد الأصولية الفقهية المختلف فيها بين الحنفية وغيرهم، ويفيد نص هذه القاعدة أن الاستثناء إذا تلا وتعقب جملاً متعددة ولا يوجد دليل يدل على ما يعود عليه الاستثناء - أنه هل يرجع إلى جميعها أو إلى الجملة الأخيرة منها. الأول: مذهب الأئمة الثلاثة وأكثر أصحابهم وهو مدلول نص القاعدة. والثاني: مذهب أبي حنيفة وأصحابه والرازي من الشافعية والمجد ابن تيمية (¬2). ولكن إذا وُجد دليل فيعود الاستثناء إلى ما دل عليه الدليل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬3). فعند غير الحنفية ومن ذُكر معهم أن جملة الاستثناء تعود على كل الجمل السابقة، فمن قذف وحُدَّ ثم تاب قُبلت شهادته ونفي عنه اسم الفسق، وأما عند الحنفية ومن معهم فيعود إلى الجملة الأخيرة فقط فينتفي عن القاذف التائب اسم الفسق فقط ولكن لا تُقبل شهادته. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 صـ 214، وشرح الكوكب جـ 2 صـ 312، وشرح مختصر الروضة جـ 2 صـ 612. (¬2) شرح الكوكب جـ 2 صـ 313. (¬3) الآيتان 4، 5 من سورة النور.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المائة [الاستثناء]

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المائة [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء جائز في الإقرار والطلاق وغيرهما (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل على القاعدة على أن الاستثناء - وهو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها من أدوات الاستثناء - جائز في كل تصرف لكن بشرط عدم استثناء الكل، وهذا أمر متفق عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: لفلان عليَّ مئة إلا عشرة فيلزمه تسعون. ومنها: لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة طُلقت اثنتين. أما لو قال: ثلاثاً إلا ثلاثاً فلا يصح الاستثناء وتُطلق ثلاثاً. ¬

_ (¬1) الاعتناء للبكري جـ 2 صـ 608.

القاعدة المئتان [الاستثناء]

القاعدة المئتان [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء صحيح إذا كان يبقى وراء المستثنى شيء قلَّ أو كثُر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أن معنى الاستثناء الإخراج فإذا أقر إنسان بمال ثم استثنى منه وبقى بعد الاستثناء شيء فالاستثناء صحيح ولا يطالب المقر إلا بما بقي بعد الاستثناء لكن بشرط ألاَّ يستثنى الكل لأنه يكون رجوعاً عن الإقرار فلا يقبل ويلزم بكل المال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لفلان عليَّ ألف درهم إلا مائة، طولب بتسعمائة. وإذا قال: لفلان ألف درهم إلا تسع مائة طولب بمائة. ولكن إذا قال: لفلان عليَّ ألف درهم إلا ألف درهم لم يصح استثناؤه ويطالب بألف درهم, لأن استثناء الكل غير صحيح. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 18 صـ 87 باب الاستثناء.

القاعدتان الواحدة بعد المائتين والثانية بعد المائتين [الاستثناء]

القاعدتان الواحدة بعد المائتين والثانية بعد المائتين [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء بالشرط (¬1) ". وفي لفظ: "الاستثناء الحكمي هل هو كالاستثناء اللفظي (¬2)؟ أم تغتفر فيه الجهالة بخلاف اللفظي (¬3)؟. [أصوليتان فقهيتان] ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الاستثناء إستفعال من الثني، والثني معناه العطف. والاستثناء في اللغة هو: الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها لما كان داخلاً أو كالداخل. والاستثناء قد يكون ملفوظاً وقد يكون ملحوظاً أي بدلالة الحال فيكون استثناء حكمياً. وتشير هاتان القاعدتان إلى أن الاستثناء الحكمي أو الملحوظ بدلالة الحال حكمه حكم الاستثناء الملفوظ والمشروط عند الحنفية قولاً واحداً وهذا مدلول القاعدة الأولى. وأما الثانية فمدلولها وجود خلاف عند الحنابلة والشافعية في حكم الاستثناء الحكمي هل هو كاللفظي في عدم اغتفار الجهالة فيه أو لا؟. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 209. (¬2) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 162. (¬3) قواعد ابن رجب القاعدة الثالثة والثلاثون.

إن شريكي المفاوضة (¬1) لكل واحد منهما أن يشتري كسوته وكسوة عياله وقوتهم من الطعام والإدام، ويكون ما اشتراه لنفسه خاصة دون شريكه، وهذا يعتبر مستثنى من قضية المفاوضة بدلالة الحال, لأن كل واحد منهما حين شارك صاحبه كان عالماً بحاجته إلى ذلك في مدة المفاوضة، ومعلوم أن كل واحدة منهما لم يقصد بالمفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه، وقد كان يعلم أنه لا يتمكن من تحصيل ذلك إلا بالشراء، فصار كل واحد منهما مستثنياً هذا المقدار من تصرفه دلالةً. ومنها: إذا اشترى أمةً مزوجة صح العقد سواء علم بذلك أم لم يعلم، وتقع منافع البضع مستثناة في هذا العقد حكماً (¬2). ¬

_ (¬1) هي شركة قائمة على المساواة بين الشريكين في كل شيء. (¬2) قواعد ابن رجب صـ 42، والمنثور جـ 1 صـ 162.

القاعدة الثالثة بعد المائتين [الاستثناء]

القاعدة الثالثة بعد المائتين [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء من التحريم إباحة (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستثناء: استفعال من الثني، والثني في اللغة العطف والرد، فالاستثناء صرف العامل عن تنازل المستثنى (¬2) أو هو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها لما كان داخلاً أو كالداخل. يُراد بالداخل الاستثناء المتصل، ويراد بالثاني الاستثناء المنفصل أو هو الإخراج بإلا أو ما يقوم مقامها (¬3). فتدل القاعدة على أنه إذا جاء نهي عن شيء أو تحريم شيء ثم استثني من المنهي عنه أو المحرم بعضاً أو حالة دلنا ذلك الاستثناء على أن هذا المستثنى مباح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه الكريم في أكثر من موضع (¬4) ما حَرَّمَ علينا من المآكل ثم قال جلَّ شأنه: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬5) أو {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (¬6) فدلنا هذا على إباحة تناول ما حَرَّم في حالة الاضطرار. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير جـ 4 صـ 1427. (¬2) المصباح المنير مادة "ثنى". (¬3) شرح مختصر الروضة جـ 2 صـ 580 وغيره من كتب الأصول. (¬4) الآيات 3 من سورة المائدة 115 من سورة النحل، 173 من سورة البقرة. وغيرها. (¬5) الآية 119 من سورة الأنعام. (¬6) الآية 173 من سورة البقرة.

القاعدة الرابعة بعد المائتين [الاستثناء]

القاعدة الرابعة بعد المائتين [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء متى يعقب كلمات منسوقة بعضها على البعض ينصرف إلى جميع ما تقدم إلا ما قام الدليل عليه (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: والاستثناء كما تقدم - الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها" فإذا تعقب الاستثناء جُملاً معطوفاً بعضها على بعض بالواو أو الفاء أو ثم فإن هذا الاستثناء يرجع إلى جميع الجمل السابقة عند الأئمة الثلاثة رحمهم الله وأكثر أصحابهم، أو إلا ما قام الدليل عليه. خلافاً للحنفية وللرازي والمجد ابن تيمية حيث يرجع عندهم إلى الجملة الأخيرة (¬2). كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية لا تجوز شهادته المحدود في القذف وإن تاب إنما توبته فيما بينه وبين الله تعالى في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية (¬3) حيث أرجع الحنفية ومن تابعهم الاستثناء للجملة الأخيرة فقط وهي - وأولئك هم الفاسقون، فبالتوبة يرتفع عنه اسم الفسق فقط، ولا تقبل شهادته (2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 135. (¬2) شرح الكوكب المنير جـ 3 صـ 313 فما بعدها بتصرف. (¬3) الآيتان 4، 5 من سورة النور.

القاعدة الخامسة بعد المائتين [الاستثناء]

القاعدة الخامسة بعد المائتين [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء من النفي إثبات ومن التحريم إباحة (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان الاستثناء وأنه الإخراج بإلا أو ما يقوم مقامها. فتدل هذه القاعدة على أن الاستثناء إذا كان المستثنى منه منفياً فيكون المستثنى مثبتاً، وإذا كان المستثنى منه محرماً كان المستثنى مباحاً, لأن حكم المستثنى يخالف حكم المستثنى منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشافعي رضي الله عنه: "لا يرجع - وفي رواية - لا يحل - الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده" (¬2) فقد نفى الرجرع أو حرَّمَه ثم استثنى ما يهبه لولده، فأفاد الاستثناء جواز الرجوع في الهبة للولد وإباحتها خلافاً للحنفية الذين لا يرون رجوع الوالد في هبته لولده، لما في ذلك من قطيعة الرحم، كما يقولون، واتباع الخبر أولى. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 55. (¬2) الحديث رواه الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس مرسلاً وقال: "لو اتصل لقلت به - أ - وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن طاوس عن ابن عباس ورواية أخرى عند أبي داود حيث ذكر الحديث بتمامه. تلخيص الحبير جـ 3 حديث 1325، 1326، صـ 72 - أ - أي في أن لا أرد واهباً غيره لمن يستثيب من مثله أو لا يستثيب. مختصر المزني على هامش الأم جـ 4 صـ 123.

القاعدة السادسة بعد المائتين [الاستثناء]

القاعدة السادسة بعد المائتين [الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستثناء هل هو رفع للكفارة أو حَلٌّ لليمين من أصله؟ (¬1). [خلاف يترتب عليه ثمرة] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنَّ من حلف يميناً ثم استثنى حيث عقب الحلف بقوله: "إن شاء الله" فهل يعتبر الاستثناء بالمشيئة هنا رفعاً للكفارة فقط، أو يعتبر حلاً لليمين ونقضاً وإسقاطاً لها. خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن حلف لا وطيء أمرأته واستثنى. فهل هو مولٍ - من الإيلاء - وله أن يطأ زوجته ولا كفارة عليه. أو هو ليس بمولٍ؟ ويظهر أثر الخلاف فيما إذا حلف واستثنى، ثم حلف أنه ما حلف. فعلى أن الاستثناء رفع للكفارة يكون حانثاً في حلفه الثاني وعليه الكفارة، وعلى القول بأن الاستثناء حل لليمين فلا يكون حانثاً ولا كفارة عليه. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي إيضاح المسالك القاعدة الثامنة والثلاثون.

القاعدة السابعة بعد المائتين [استجماع الشرائط، البناء]

القاعدة السابعة بعد المائتين [استجماع الشرائط، البناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استجماع الشرائط غير معتبر في البناء (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشرائط: جمع شريطة وهي بمعنى الشرط. غير معتبر: غير معتد به. البناء: الإتمام على فعل ابتدأه هو أو غيره. فتدل هذه القاعدة أن إتمام فعل سبق ابتداؤه لا يشترط فيه الشرائط المعتبرة في ابتداء الفعل وإنشائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قدم الإمام لصلاة الجمعة رجلاً لم يشهد الخطبة ليصلي بالناس - وذلك قبل أن يدخل الإمام في الصلاة لم يجز لهذا الشخص أن يصلي بهم الجمعة لأنه غير مستجمع لشرائطها, لأن من شرائطها حضور وشهود الخطبة. ولكن إذا دخل الإمام في الصلاة ثم سبقه الحدث فقدم رجلاً لم يشهد الخطبة جاز ذلك, لأن خليفته يبني على صلاته، واستجماع الشرائط غير معتبر في البناء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 صـ 122 - 123.

القاعدة الثامنة بعد المائتين [الاستحقاق]

القاعدة الثامنة بعد المائتين [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استحقاق الأجر بالعمل لا بمجرد الكلام (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الأجير أو العامل لا يستحق الأجر بمجرد عقد العمل أو الإجارة بل لا بد من العمل وبعد إتمامه يستحق الأجر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر الإمام مَن يدله على موضع ما فدلَّه بخبر ولم يذهب معه فلا أجر له. لأن استحقاق الأجر بالعمل لا بمجرد الكلام وهو لم يعمل. وإذا ذهب معه استحق الأجر المسمى. ¬

_ (¬1) شرح السير للسرخسي جـ 3 صـ 997.

القاعدتان التاسعة بعد المائتين والعاشرة بعد المائتين [الاستحقاق]

القاعدتان التاسعة بعد المائتين والعاشرة بعد المائتين [الاستحقاق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " استحقاق الأصل بالبينة يوجب استحقاق الزوائد المنفصلة (¬1) ". وفي لفظ: "استحقاق الأصل سبب لاستحقاق المتولد منه (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تدل هاتان القاعدتان على أن من استحق الأصل بأي معنى أو سبب كان فهو أيضاً مستحق للزوائد المنفصلة أو المتولدة من ذلك الأصل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اشترى بقرة ثم حملت وولدت وثبت أنها مستحقة فلمستحقها البقرة وولدها لأنها زوائد ملكه، ويعود المشتري على البائع بالثمن. ومنها: إذا تزوج جارية على أنها حرة فولدت فهي وابنها للمولى. ثم على الأب قيمة الولد للمولى إذا أقام البينة أنه تزوجها على أنها حرة (2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 110. (¬2) نفس المرجع صـ 177.

القاعدة الحادية عشرة بعد المائتين [الاستحقاق، النففة]

القاعدة الحادية عشرة بعد المائتين [الاستحقاق، النففة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استحقاق الصلة باعتبار الوِلاد دون القرابة (¬1) ". عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن عند الشافعي رحمه الله إن استحقاق النفقة إنما يكون للوالدين والأولاد فقط دون ذوي الأرحام ودون الإخوة والأخوات، وعند الحنفية تكون النفقة لكل ذي رحم محرم منه الصغار والنساء وأهل الزمانة من الرجال إذا كانوا ذوي حاجة. وعند ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى تجب النفقة على كل وارث محرماً كان أو غير محرم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنْ كَبُر الولد زَمِناً لا يُغني نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه الوالد وكذلك ولد الولد ويؤخذ بذلك الأجداد لأنهم آباء، وكذلك نفقة الوالد على الولد إذا صار الوالد في الحال التي لا يقدر أن يغني فيها نفسه أوجب؛ لأن الولد من الوالد وحق الوالد على الولد أعظم. وكذلك الجد وأبو الجد وآباؤه فوقه, لأنهم آباء (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 صـ 213، والأم للشافعي جـ 5 صـ 89 - 90. (¬2) الأم مرجع سابق نفس الجزء والصفحة.

القاعدة الثانية عشرة بعد المائتين [الاستحقاق]

القاعدة الثانية عشرة بعد المائتين [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستحقاق كالإرث لا يسقط بالإسقاط (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستحقاق ما كان لمستحقه من وقف أو وصية أو إرث. فتدل هذه القاعدة أن ما يستحقه الإنسان بإحدى طُرق الاستحقاق لا يسقط بإسقاط المستحق والأصل في ذلك الإرث فهو لا يسقط بإسقاط الوارث بقوله: أسقطت حقي في الميراث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال مستحق الوقف أسقطت حقي في الوقف أو أقر أنه لا حق له في الوقف لا يسقط بإسقاطه وله المطالبة به. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 159.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائتين [الاستحقاق]

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائتين [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستحقاق لا يثبت بالاحتمال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يقال استحق فلان الأمر: استوجبه وثبت له الحق فيه (¬2). الاحتمال عند الفقهاء والمتكلمين: بمعنى الوهم والجواز (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يستحق الوارث الميراث إلا بعد التيقن من موت المورث في حياة الوارث. كذلك لا يستحق المشتري المبيع إلا إذا تم البيع صحيحاً بشروطه. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي صـ 970 - 971. (¬2) المصباح المنير مادة "حق". (¬3) المصباح المنير مادة "حمل".

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائتين [الاستحقاق]

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائتين [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستحقاق يثبت بالظاهر عند عدم المنازع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن ثبوت الحق في الأشياء إنما يثبت بالظاهر وهو غلبة الظن إذا لم يوجد المنازع والمخاصم، أما إذا وجد المنازع فلا يثبت الاستحقاق إلا بالبينة العادلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من التقط لقطة فعرَّفها ثم جاء صاحبها فذكر علاماتها فهل يجبر الملتقط على دفعها إليه بمجرد ذلك أو لا بد من إقامة البينة؟ عند مالك وأحمد رضي الله عنهما - يجبر الملتقط على دفعها إلى صاحبها بدون البينة (¬2). وأما عند الحنفية والشافعية فيجوز أن يدفعها ويجوز أن يمتنع عن دفعها إليه حتى يقيم البينة عليها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 صـ 8. (¬2) ينظر الكافي جـ صـ 836 والمقنع جـ 2 صـ 298 - 299.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المائتين [الاستحلاف]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المائتين [الاستحلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستحلاف مشروع في دعوى المال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستحلاف: طلب الحلف والحلف اليمين، فتدل هذه القاعدة على أن الاستحلاف مشروع ومطلوب في دعوى المال من المدعى عليه عَند عدم وجود بينة المدعي. وتشير هذه القاعدة في أن الاستحلاف غير مشروع في دعوى غير المال كالنكاح، حيث إن عند أبي حنيفة رحمه الله أن لا استحلاف في النكاح, لأنه لو استحلف فنكل يقضى عليه بالنكول (¬2). والنكول عند أبي حنيفة بذل (¬3)، والنكاح لا بذل فيه، ويرى أبو حنيفة عدم جواز الاستحلاف في سبعة أشياء: هي النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والنسب والرق والولاء والاستيلاد. وعندهم لا استحلاف في الحدود الخالصة لله سبحانه وتعالى واللعان, لأنه جار مجرى الحد (¬4). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن ادعت امرأة على أحد رجلين أنه تزوجها - وهو ينكر - ولا بينة لها، فعند أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يمين عليه، أما إذا ادعت أنه طلقها قبل الدخول وأن لها عليه نصف المهر استحلفته على نصف المهر, لأن دعواها الآن دعوى المال، والاستحلاف مشروع في دعوى المال. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 154. (¬2) النكول: الامتناع عن اليمين. (¬3) البذل هو الإعطاء والجود. (¬4) بدائع الصنائع جـ 6 صـ 226 - 227.

القاعدتان السادسة عشرة بعد المائتين والسابعة عشرة بعد المائتين [استدامة الفعل]

القاعدتان السادسة عشرة بعد المائتين والسابعة عشرة بعد المائتين [استدامة الفعل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الاستدامة فيما يستدام كالإنشاء (¬1) ". وفي لفظ: "استدامة الفعل كالانشاء (¬2) ". ومثله: "استدامة اليد كإنشائها (¬3) ". وقريب منها: "استدامة الشيء معتبر بأصله (¬4) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: القواعد الثلاث الأوليات ذات معنى متحد وكلها تدل على أن الدوام على ما يحتمل الدوام حكمه حكم إنشائه وابتدائه. والقاعدة الرابعة: تفيد أن استدامة الشيء والبقاء عليه حكمه حكم أصله إن كان أصله مباحاً فهو مباح وإن كان أصله حراماً فهو حرام أو مندوباً فهو مندوب أو واجباً فهو واجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من أمثلة القواعد الثلاث الأوليات: إذا وهب الوديعة للمودَع - الأمين - جاز ولا تحتاج إلى قبض جديد لأنها في قبضة المودَع واليد مستدامة بعد قبول الهبة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 صـ 188. (¬2) المبسوط جـ 3 صـ 66، جـ 4 صـ 89، وشرح السير الكبير جـ 4 صـ 1510. (¬3) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 58. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 82، والخادمي مع شرح القرق أغاجي صـ 13، المنثور للزركشي جـ 1 صـ 160.

ومنها: إذا مات الموهوب يزيد الموهوب له بعد قضاء القاضي بالرجوع، فليس للواهب تضمين الموهوب له, لأن أصل قبضه لم يكن موجباً للضمان فكذلك استدامة القبض. ومنها: إذا حلف ليخرجن من هذا البيت ثم مكث فيه مدة بغير عذر فقد حنث لأن استدامة بقائه كإنشاء دخوله. ومن أمثلة القاعدة الرابعة: إذا تطيب قبل احرامه ثم استدامه لا فدية عليه. إذا أفطر في أول النهار بسفر ثم قدم جاز له الأكل لأن ابتداء الأكل كان مباحاً (¬1). ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي صـ 160.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائتين [استدامة الملك]

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائتين [استدامة الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استدامة الملك لا تحتمل التعليق بالشرط (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: استدامة الملك: طلب دوامه وبقائه. التعليق: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، بأداة من أدوات الشرط كإنْ أو إحدى أخواتها، وتدل هذه القاعدة على أن تعليق التملكيات بالشرط باطل, لأن التمليك لا يحتمل التعليق بالشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أبيعك هذا الشيء إذا جاء زيد أو إن مات عمرو. فالبيع باطل. ومنها: إذا قال للرجعية (¬2). راجعتك غداً أو إذا جاء غد. فهو باطل. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 6 صـ 22. (¬2) فما لا يقبل التعليق بالشرط التمليكات والتقييدات كالبيع والشراء والإجارة والهبة والصدقة والنكاح والرجعة والإقرار والإبراء، أشباه ابن نجيم صـ 367.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائتين [العرف]

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائتين [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستعمال بمنزلة الحقيقة في جواز تصحيح الكلام باعتباره (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالاستعمال: العرف القولي الذي يستعمله الناس عادةً وإن كان مخالفاً للحقيقة اللغوية، فتدل هذه القاعدة على أن استعمال الناس المعروف بينهم لبعض الألفاظ في غير معانيها الحقيقية ينزل منزلة الحقيقة من حيث تصحيح كلام الواقف والمتكلم باعتبار هذا الاستعمال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوقف وقفاً وذكر مصرفاً كاليتامى مثلاً. فإن كان اليتامى يحصون لقلة عددهم فيكون الوقف للأغنياء والفقراء (¬2) منهم، - وأما إن كانوا عدداً كثيراً لا يحصون فيصرف الوقف لليتامى الفقراء خاصة، حيث إن استعمال الناس في الوقف على اليتامى يراد به الفقراء منهم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 34 كتاب الوقف. (¬2) نظراً لاطلاق لفظ اليتامى دون قيد.

القاعدة العشرون بعد المائتين [القرعة]

القاعدة العشرون بعد المائتين [القرعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استعمال القرعة لتعيين المستحق أصل في الشرع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: نسب السرخسي رحمه الله هذه القاعدة إلى الشافعي رضي الله عنه في قول له. القرعة: عند الاختلاف أن يُعَلَّم أحد شيئين ويوضعان في وعاء ويمد أحدهم يده فيه فيخرج أحد الشيئين فما خرج في يده كان هو الذي أصابته القرعة، وهي معروفة. فتدل هذه القاعدة على أن استعمال القرعة عند الاختلاف في المستحق وعند إرادة تعيينه عمل مشروع. وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فمن خرجت قرعتها سافرت معه عليه الصلاة والسلام. وعند الحنفية إن القرعة لإظهار المستحِق أو المُستَحَق غير مشروعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان له ثلاثة أعبد وأوصى بإعتاق أحدهم ولم يعينه ثم مات فالورثة يخرجون أحد الثلاثة بالقرعة إذا كان يخرج من ثلث المال فيُعتق. ومنها: إذا قسم المال المشترك واختلفا في نصيب كل واحد منهما فيُقرع بينهما. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 41 باب الدعوى في الميراث، قواعد ابن رجب القاعدة الستون بعد المائة والمنثور للزركشي جـ 3 صـ 620 فما بعدها.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائتين [الماء المستعمل]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائتين [الماء المستعمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استعمال الماء في محل طاهر لا يُغير صفته (¬1) ". ضابط عند مالك رحمه الله ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا الضابط قال به مالك رحمه الله حيث إنه يرى أن الماء إذا استعمل في محل طاهر من إزالة جنابة أو غسل من حيض أو نفاس أو وضوء فهو طاهر مطهر لأن اسم الماء المطلق بتناوله، فلم يخرجه استعماله عن صفة الإطلاق، وقد خالف مالك رحمه الله في هذا جمهور الفقهاء حيث اعتبروا إن الماء المستعمل في محل طاهر يكون طاهراً غير طهور فلا يجوز التوضؤ به ولا الاغتسال. - وفي رواية عند أحمد كقول مالك (¬2). والأخرى كالجمهور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن الماء الذي توضأ به مرة إذا جمعه يجوز أن يتوضأ به مرة أخرى لأنه طاهر مطهر. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 46، جواهر الإكليل جـ 1 صـ 6. (¬2) المقنع جـ 1 صـ حاشيته.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المائتين [العرف]

القاعدة الثانية والعشرون بعد المائتين [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " استعمال الناس حجة يجب العمل بها (¬1) ". تحت قاعدة "العادة محكَّمة" وبمعناها. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن عادة الناس - إذا لم تكن مخالفة للشرع - حجة ودليل يجب العمل بموجبها, لأن العادة محكمة". ولأن التعامل العام كالإجماع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اتفق إنسان مع مقاول أو متعهد على بناء بيت طبقاً لمخطط مرسوم ومواصفات خاصة بثمن مبين وشروط واضحة انعقد الاستصناع وجازت المعاملة، لتعامل الناس بذلك. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدتان 121، 122، قواعد الخادمي صـ 308، وشرح الخاتمة صـ 6 مجلة الأحكام المادة 37، والمدخل الفقرة 605، والوجيز مع الشرح والبيان صـ 235.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائتين [الاستهلاك]

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائتين [الاستهلاك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستهلاك موجب للضمان بعد القبض (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستهلاك: هو الاتلاف فمن أتلف شيئاً فقد استهلكه. فتدل هذه القاعدة أن من أتلف شيئاً له قيمة كان قد قبضه فعليه ضمانه سواء كان بإذن المالك كالمقبوض على سوم الشراء أو بغير إذنه كالمغصوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اشترى شيئاً من آخر بما لا يصلح ثمناً كالخمر أو الميتة فقبضه ثم استهلكه فهو ضامن لقيمته يوم قبضه (¬2). ومنها: ما لو غصب حيواناً فذبحه فعليه ضمان قيمته يوم غصبه. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير جـ 4 صـ 1375. (¬2) نفس المصدر صـ 1374 بتصرف.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائتين [الاستيفاء]

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائتين [الاستيفاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستيفاء يبنى على طلب ملزم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن مَنْ يَطلب استيفاء حق ما يجب أن يكون طلبه هذا مبنياً على الإلزام وإلا لا يستحق الاستيفاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصغير لا يطالب بالشفعة حتى يدرك, لأن طلب الصغير غير ملزم قبل الإدراك فليس له حق طلب الاستيفاء. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 14 صـ 99 كتاب الشفعة.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائتين [الاستيفاء]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائتين [الاستيفاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاستيفاء يبني على تمام العقد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإستيفاء: أخذ الحق وافياً. والعقد: ارتباط الإيجاب بالقبول. فتدل هذه القاعدة على أن أخذ كل من المتبايعين حقه وافياً ينبني ويعتمد على تمام العقد وكماله بشروطه، فما لم يتم العقد لا يحصل الاستيفاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوجت المرأة غير كفء ثم جاء الولي وقبض مهرها وجهزها فهذا فيه رضا بالنكاح لأن قبض المهر تقرير لحكم العقد واستيفاء المهر دليل على تمام العقد. وكذلك إذا تزوجت غير كفء وخاصم أبوها زوجها في نفقتها أو في بقية مهرها عليه بوكالة منها لأنه إنما خاصم في المهر والنفقة ليستوفي والاستيفاء ينبني على تمام العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 28.

القواعد: السادسة والعشرون بعد المائتين والسابعة والعشرون بعد المائتين والثامنة والعشرون بعد المائتين [الإسقاط]

القواعد: السادسة والعشرون بعد المائتين والسابعة والعشرون بعد المائتين والثامنة والعشرون بعد المائتين [الإسقاط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الإسقاط قبل سبب الوجود يكون لغواً (¬1) ". وفي لفظ: "إسقاط ما ليس بواجب لا يتحقق (¬2) ". وفي لفظ: "والإسقاط قبل وجوب سبب الوجوب باطل (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الإسقاط: معناه الإبراء عن المستحق والعفو عنه وعدم المطالبة به. فتدل هذه القواعد على أن الإبراء عن المستحق لا يتم ولا يتحقق قبل وجود سبب هذا الاستحقاق ووجوبه. وإلا كان هذا الإبراء باطلاً غير متحقق, لأن إسقاط ما ليس بموجود مستحيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أبرأه عن ثمن البيع قبل البيع لا يصح. ومنها: إذا أسقط شفعته قبل الشراء وقبل تحقق بيع المشفوع لا يصح الإسقاط وله المطالبة بعد البيع والشراء. ومنها: إذا أسقطت المهر قبل عقد النكاح (1)، لا يسقط. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 14 صـ 105. (¬2) نفس المرجع جـ 15 صـ 112. (¬3) نفس المرجع جـ 20 صـ 132.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائتين [الاسقاط]

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائتين [الاسقاط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإسقاط أصل في الإبراء، ومعنى التمليك فيه تبع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإسقاط: معناه الوضع على الأرض لغةً والمراد هنا عدم المطالبة بالحق. والإبراء: إسقاط الحق وإخلاء ذمة المدين. فتدل هذه القاعدة على أن من أبرأ غيره عن حقه كان إسقاطاً لهذا الحق في الإبتداء ثم يكون تمليكاً للحق لمن عليه الحق إنتهاءً. حيث إن من أُبْرِأَت ذمته فقد ملك الحق المطالب به حيث لا يمكن مطالبته بعد ذلك كما لا يطالب الإنسان بما يملكه، وقيل: في الإبراء عن الدين معنى التمليك ومعنى الإسقاط (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل على آخر دين فأبرأه عنه كان هذا الإبراء إسقاطاً لحق المطالب ابتداءً، فلا يمكنه من العود للمطالبة ثانياً, لأن الساقط لا يعود، ثم يكون تمليكاً للدين لمن كان عليه الدين. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 479. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 264.

القاعدة الثلاثون بعد المائتين [الإسقاط]

القاعدة الثلاثون بعد المائتين [الإسقاط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإسقاط لا يبطل بالشرط الفاسد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإسقاط: من أسقط يُسقط وأصله الوقوع إلى الأرض من سقط بمعنى وقع، والمراد به هنا الإبطال، والترك يقال: أسقط حقه إذا أبطله وتركه ولم يطالب به. فتدل القاعدة على أن من ترك حقاً أو أبطله بشرط فاسد فإن هذا الترك لا يَبْطلُ, لأن ما أسقط لا يعود، وكما قالوا: الساقط لا يعود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشفعة حق للشفيع خلافاً للقياس في البيع - حيث يجبر البائع على تسليم المشفوع إلى الشفيع بدون تراضٍ، فإذا صالح الشفيع عن شفعته بمال - أي ترك المطالبة بالمشفوع على مال يأخذه - سقطت شفعته ولا يستحق المال، مع أن الصلح على ترك الشفعة بمال شرط فاسد، ولكنه يدل على الإعراض فتسقط الشفعة به. ومنها: إذا صالح على كفالة النفس بمال لا يصح - لأن المقصود إحضار المكفول نفسه وقت طلبه - فلا يستحق المال وبطلت الكفالة في قول (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 20 صـ 5 باب الكفالة بالنفس. (¬2) نفس المرجع بتصرف وتوضيح.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائتين [الإسقاط]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائتين [الإسقاط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إسقاط ما هو حق الشرع باطل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن ما كان حقاً لله سبحانه وتعالى لا يجوز إسقاطه ولا العفو عنه من العباد, لأن العباد لا يملكون حق إسقاط ما هو حق لله سبحانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حد الزنا والسرقة والشرب حق خالص لله تعالى، وكذلك الردة، فإذا زنا رجل بامرأة فلا يجوز لولي المرأة أن يسقط حد الزنا عن الزاني بعفوه عنه لأن هذا الحد حق لله تعالى لا يجوز إسقاطه لا من ولي المرأة ولا من القاضي ولا من الإمام. وكذلك حد السرقة والشرب والردة، وأشباه ذلك من الحقوق الخالصة لله تعالى، بخلاف الحقوق المتعلقة بالعباد فللعباد إسقاطها كمن يعفو عن قاتل فيسقط القصاص. ومنها: السكنى للمطلقة والمخالعة حق للشرع فلا يجوز للزوج إسقاطه باشتراطه على المخالعة أو المطلقة عدم السكنى. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 203.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائتين [الإسلام]

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائتين [الإِسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإِسلام سبب لتأكد الحق لا لإبطاله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الدخول في الإِسلام يكون سبباً لتأكد الحق الذي ثبت قبل الإِسلام، ولا يجوز أن يكون الإِسلام سبباً لإبطال ذلك الحق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجبت الشفعة لذمَّي فأسلم، لا تسقط شفعته بإسلامه بل تتأكد وتقوى, لأن الإِسلام سبب لتأكد الحق لا لإبطاله. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 14 صـ 168.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائتين [الإسلام]

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائتين [الإِسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإِسلام يعلو ولا يُعلى عليه (¬1) (¬2) ". حديث ثانياً: معنى هذا الحديث: يدل هذا الحديث على فضل الإِسلام وتقدمه على سائر الأديان وعلوه عليها، كما يدل أيضاً على أن المسلم مقدم تبعاً لذلك على غير المسلم في الذكر والمكانة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصبي بين أبوين أحدهما مسلم والآخر كافر فهو يُضَم إلى المسلم أماً كانت أو أباً. ومنها: إذا ورد ذكر رجلين أحدهما مسلم والآخر كافر فيقدم ذكر المسلم على الكافر كما ورد في حديث أخرجه الدارقطني والروياني محمَّد ابن هارون في "مسنده" عن عائذ بن عمرو. كذلك إذا أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها يُفرق بينهما - الإِسلام يعلو ولا يعلى. كما رواه ابن حزم في المحلى عن ابن عباس رضي الله عنهما (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 40، 45، وشرح السير الكبير صـ 129. (¬2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز تعليقاً الباب 79 مع فتح الباري جـ 3 صـ 218، والباب 80 متن البخاري ط استانبول. من حديث ابن عباس. كما قال صاحب الفتح. (¬3) المحلى جـ 7 صـ 314 المسألة 939.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائتين [الإشارة]

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائتين [الإشارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإشارة أبلغ أسباب التعريف (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الإشارة للشيء المباع أو المؤجر أو المعقود عليه على وجه العموم تعتبر أقوى أسباب التعريف والبيان, لأن الوصف قد يختلف وقد يحتمل، وأما الإشارة فلا اختلاف فيها ولا احتمال ولذلك قالوا: الوصف في الحاضر لغو, لأن حضوره والإشارة إليه تغني عن كل وصف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال بعتك هذا الثور وأشار إلى بقرة فالعقد صحيح. وكذلك إذا قال: زوجتك بنتي هنداً هذه وأشار إلى دعد صح عقد النكاح على المشار إليها. ومنها: أن المتلاعنين يشير كل منهما إلى الآخر حين اللعان ولو كان لفظ اللعان بضمير الغيبة، مثل أن يقول: يشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 7 صـ 43.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائتين [إشارة الأخرس]

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائتين [إشارة الأخرس] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إشارة الأخرس المفهمة كالنطق (¬1) ". وفي لفظ: "الإشارة المعهودة من الأخرس كالبيان باللسان (¬2) ". وفي لفظ: "الإشارة من الأخرس معتبرة وقائمة مقام عبارة الناطق (¬3) ". وفي لفظ: "إشارة الأخرس كعبارة الناطق (¬4) ". وفي لفظ: "إشارة الأخرس أُقيمت مقام العبارة (¬5) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأخرس مَن حُرم نعمة النطق والكلام لاعتقال لسانه خِلقةً أو عاهةً، فمثل هذا تقبل إشارته المفهمة المعهودة منه، وتعتبر كبيان الناطق في بناء الأحكام عليها في كل تصرفاته ومعاملاته إلا ما استثني, لأن الأخرس لو لم تعتبر إشارته لما صحت معاملته لأحد من الناس ولكان ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 1 صـ 285 عن المجموع للعلائي ورقة 217 / ب. (¬2) الفرائد صـ 343، ومجلة الأحكام المادة 70، والوجيز مع الشرح والبيان صـ 242. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 284، وأشباه السيوطي صـ 312، أشباه ابن نجيم صـ 343. (¬4) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 134. (¬5) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 418.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عرضة للموت جوعاً وعرياً إن لم يجد أحداً يقضي له مصالحه نيابة عنه، ووجود النائب في كل حال متعذر، وكيف تقبل نيابته إذا لم تعتبر إشارته؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يصح بيع الأخرس وشراؤه ونكاحه وطلاقه وجميع تصرفاته كما تصح عبادته من صلاة وصيام وحج وغير ذلك، واختلف في قبول شهادته ولعانه وانعقاد يمينه ولا تقبل إشارته في الحدود إلا حد القذف.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائتين [اجتماع الإشارة والعبارة]

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائتين [اجتماع الإشارة والعبارة] أولا: لفظ ورود القاعدة: " الإشارة في التعيين أقوى من الإضافة (¬1) ". وفي لفظ: "إذا اجتمعت الإشارة والعبارة أو الإشارة والتسمية واختلف موجبهما غُلَّبت الإشارة (¬2) ". وفي لفظ: "الإشارة تسقط اعتبار الصفة والتسمية (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الإشارة إلى الشيء أقوى في تعيينه من العبارة والتسمية، والمراد بالإضافة هنا ذكر الشيء مضافاً إلى حكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: زوجتك بنتي فاطمة وأشار إلى ابنته عائشة وقال هذه، جاز نكاح المشار إليها دون ما نطق باسمها , لأن الإشارة أقوى (3). ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 479 (¬2) أشباه السيوطي ص 314، أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 315، المنثور للزركشي جـ 1 صـ 167. (¬3) ينظر أشباه ابن نجيم صـ 344، الفرائد البهية ص 22 ط جديدة.

القواعد: السابعة والثلاثون بعد المئتين والثامنة والثلاثون بعد المئتين والتاسعة والثلاثون بعد المائتين والأربعون بعد المائتين [إجتماع الإشارة والعبارة]

القواعد: السابعة والثلاثون بعد المئتين والثامنة والثلاثون بعد المئتين والتاسعة والثلاثون بعد المائتين والأربعون بعد المائتين [إجتماع الإشارة والعبارة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إشارة الناطق كعبارته (¬1) ". وفي لفظ: "إجتماع الإشارة والعبارة (¬2) ". وفي لفظ: "إشارة الناطق وفيم تعتبر (¬3) ". وفي لفظ: "الإشارة من المقتدر على النطق لا تعتبر عندنا إلا في مسائل (¬4) ". وفي لفظ: "الإشارة تسقط اعتبار الصفة والتسمية (¬5) ". وفي لفظ: "إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما غُلِّبت الإشارة (¬6) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ185، قواعد الحصني ق 2 صـ 288 عن المجموع للعلائي ورقة 218. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 344. (¬3) قواعد الحصني ق 2 صـ 285. (¬4) الفرائد صـ 31. (¬5) الفرائد صـ 22 عن طلاق الخانية. (¬6) أشباه السيوطي صـ 314.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

المراد بالإشارة هنا: غير النطق من حركة يد - غالباً - أو رأس أو عين أو رجل أو غير ذلك. والعبارة: هي الألفاظ التي يعبر بها الإنسان عما في نفسه. فإذا كانت الإشارة المفهمة من الأخرس مقبولة فهل إشارة الناطق القادر على الكلام مقبولة معتبرة؟. تفيد هذه القواعد أن إشارة الناطق مقبولة كعبارته إلا في مسائل استثنيت تنظر في مصادر القاعدة. وإذا اختلفت عبارة الناطق عن إشارته فالمغلب الإشارة إذا كان المسمى الملفوظ به من جنس المشار إليه لأنها أقوى، وأما إذا كان المشار إليه من غير جنس المسمى فالاعتبار بالتسمية - أي بالمنطوق والعبارة؛ لأنها أقوى - لأنها الأصل، ولاختلاف الجنس. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أمَّن مسلم كافراً بالإشارة انعقد أمانة تغليباً لحقن الدم. ومنها: إذا قال بعتك هذه السيارة الحمراء وأشار إليها وهي سوداء، انعقد البيع لأن الإشارة أقوى ويسقط اعتبار الصفة. ومنها: إذا سلم عليه وهو يصلي يرد بالإشارة ولا تبطل صلاته، وأما إذا قال: بعتك هذه البقرة وأشار إلى ناقة فلا يعتبر ولا ينعقد البيع لاختلاف والجنس. ومنها والمغلب الإشارة: إذا قال: بعتك هذا الثور وأشار إلى بقرة صح البيع في البقرة المشار إليها.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المائتين [الضمان]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المائتين [الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اشتراط الضمان على الأمين وقبل تأكد الحق بالإحراز باطل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضمان الغُرم، الإحراز: جعل المتاع في حرز أي في حفظ فالأمين غير ضامن إذا لم يتعد أو يقصر. فمن أشترط تضمين الأمين كان شرطه باطلاً, لأن الأمين غير ضامن؟ لأن الأصل براءَة الذمة. وتفيد القاعدة أيضاً: أن حق الغانمين لا يتأكد في الغنيمة إلا بعد الإحراز في دار الإِسلام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أودع رجل آخر وديعة واشترط عليه ضمانها إن تلفت فالشرط باطل والأمين غير ضامن ما لم يتعد أو يقصر في الحفظ. ومنها: إذا أودع أمير السرية رجلاً شيئاً من الغنائم في دار الحرب واشترط عليه ضمانه إن استهلكه، كان هذا الشرط باطلاً, لأنه مخالف لحكم الشرع من حيث اشتراط الضمان على الأمين، وأيضاً هو باطل لأنه اشترط الضمان قبل تأكد الحق في الغنيمة بالإحراز في دار الإِسلام كما هو عند الحنفية (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 4 صـ 1202. (¬2) شرح السير صـ 1202 بتصرف.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المائتين [الشرط]

القاعدة الثانية والأربعون بعد المائتين [الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اشتراط ما لا يفيد هل يجب الوفاء به أم لا؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الشروط أن تعود بالفائدة على مشترطيها سواء كانوا الباعة أم المشترين، الموجبين أم القابلين، ولكن تدل هذه القاعدة أنه إذا اشترط أحد المتعاقدين شرطاً غير مفيد له فهل يجب الوفاء بذلك الشرط أو لا يجب؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّل وكيلاً بأن يبيع له سلعة نسيئة فباعها نقداً فهل للموكل الرد أو لا؟ خلاف. ومنها: إذا اشترط على المشتري دفع دنانير أو دراهم بعينها - مع تساويها مع غيرها - فهل يلزمه ذلك، وهل تتعين النقود بالتعيين؟ خلاف. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي القاعدة السادسة والسبعون.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائتين [الشرط الباطل]

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائتين [الشرط الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اشتراط ما يناقض موضوع العقد لا يصح به العقد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن وجود شرط في العقد ينافي ويناقض موضوعه يجعل العقد باطلاً غير صحيح, لأن العقود إنما شرعت لاستيفاء موضوعاتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج امرأة واشترط عليه عدم الوطء، فلا يصح العقد, لأن اشتراط عدم الوطء يناقض موضوع عقد النكاح فالوطء موضوع أصلي لعقد النكاح. ومنها: إذا اشترط في عقد البيع عدم التصرف في البيع فكذلك يبطل العقد بهذا الشرط لأنه يناقض موضوعه وهو ملك التصرف. وعند الحنفية أن اشتراط التأجيل في القرض يبطله؟ لأن القرض عندهم عقد تبرع، واشتراط الأجل يجعل التبرع ملزماً المتبرع شيئاً وهو الكف عن المطالبة إلى مضي الأجل (1). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 14 صـ 23 باب الخيار في الصرف.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائتين [الشرط]

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائتين [الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اشتراط ما يوجب الحكم خلافه مما لا يقتضي فساداً هل يعتبر أم لا؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن اشتراط ما يوجب الشرع خلافه - وكان مما لا يقتضي فساد المعاملة، فهل يعتبر ذلك الاشتراط أو لا يعتبر ويكون الحكم بما أوجبه الشرع؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأصل في الخلع بينونة المرأة لأنها ما دفعت المال إلا للخلاص من الزوج ولتملك نفسها، فإذا اشترط الزوج في الخلع الرجعة - أي أن يكون له حق إرجاعها - وهذا شأن الطلاق الرجعي - فهل يعتبر هذا الشرط؟ أو لا يعتبر ويكون الطلاق بائناً؟ لأنه طلاق بعوض؟ خلاف. ومنها: ما لو نص على ضمان الوديعة فهذا شرط ساقط والعمل بما دل عليه الشرع من عدم الضمان. إلا إذا تطوع الأمين بالضمان ولم ينص في العقد (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي القاعدة الخامسة والسبعون. (¬2) نفس المرجع صـ 299 - 300.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائتين [الاشتغال والإعراض]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائتين [الاشتغال والإعراض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مقصود الشخص هو هدفه وغايته من كلامه الذي ينطق به أو نواه، فإذا تكلم شخص بكلام يفهم منه قصد له ثم اشغل بغيره فيفهم منه إعراضه عن مقصوده والتفاته إلى ذلك الغير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو حلف لا يسكن هذه الدار ولا يقيم فيها - وهو فيها - فتردد فيها ساعة من غير غلط حنث. وإن اشتغل بجمع متاعه وتهيأ للنقلة لم يحنث. ومنها: لو كتب: أنت طالق ثم استمر فكتب: إذا جاءَكِ كتابي .. فإن لم يحتج إلى الاستمرار طلقت، وإلا فلا، إذ لا إعراض. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 151، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 158.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المائتين [الإشهاد]

القاعدة السادسة والأربعون بعد المائتين [الإشهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإشهاد من حق الشرع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإشهاد: هو الإخبار بلفظ أشهد، والشهادة خبر قاطع. تدل هذه القاعدة أن الإشهاد في الدعوى من حق الشرع ولا يجوز للحاكم أو القاضي إسقاطه وطلب اليمين من المدعى عليه , بل لا يجوز طلب اليمين والاستحلاف إلا عند عدم البينة, لأن البينة من حق الشرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج ذميان بغير شهود وذلك جائز في دينهم وترافعا للقاضي حيث تطلب الزوجة النفقة فالقاضي يقضي لها بالنفقة ولا يفرق بينهما، لأن النكاح بغير شهود صحيح فيما بينهم، والإشهاد من حق الشرع وهم لا يخاطبون بذلك حيث إنهم يقرون عليه بعد الإِسلام. بخلاف ما لو تزوج الذمي ذات محرم منه وكان ذلك صحيحاً في دينهم فإذا ترافعا إلينا أو أسلما فُرِّق بينهما. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 200.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المائتين [الخاص والعام]

القاعدة السابعة والأربعون بعد المائتين [الخاص والعام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاصطلاح الخاص هل يرفع الاصطلاح العام؟ (¬1). [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنه هل يجوز تغيير المدلول اللغوي بالاصطلاح - والمراد بالاصطلاح هنا الاتفاق على مدلول معين للَّفظ اتفقا عليه - فهل يجوز للمصطلحين نقل اللفظ عن معناه في اللغة كليّاً؟ أو يشترط بقاء أصل المعنى ولا يتصرف فيه بأكثر من تخصيصه؟ قولان للأصوليين وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اتفق الزوجان على ألف مهراً، واصطلحوا على أن يعبروا عن الألف بألفين في العلانية، فهل يجب الألف أو الألفان؟ خلاف. ومنها: إذا كان له أمة فقال: أريد أن ألقَّبها بالحرة، وأجعل ذلك اسمها ثم قال: يا حرَّة. فهل تعتق؟ الظاهر أنها لا تُعتق إذا قصد النداء. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 180 - 181 بتصرف يسير.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائتين [تداخل الأسباب]

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائتين [تداخل الأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصغر هل يندرج في الأكبر أم لا (¬1)؟ ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنه إذا اجتمع سببان أحدهما أكبر من الآخر والثاني أصغر منه فهل يدخل الأصغر ضمن الأكبر ويندرج فيه؟ أو لا بد من الإتيان بكل واحد منهما لعدم التداخل؟ خلاف. والأرجح التداخل رفقاً بالعباد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غسل رأسه في الوضوء فهل يجزئه عن مسحه! وهل يجزيء الغسل عن الوضوء؟ لهاذا أخرج بعيراً عن خمسة أبعرة بدلاً من الشاة فهل يُجزئه أو لا بد من الشاة أو أن البعير أفضل لأنه الواجب وزيادة؟ خلاف والأرجح الإجزاء في الكل. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي إيضاح المسالك القاعدة الثالثة عشرة وأصلها عند القرافي جـ 2 صـ 29 تحت قاعدة "تداخل الأسباب وتساقطها، الفرق السابع والخمسون. والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 269.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائتين [التابع]

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائتين [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل اتباع ما لا يستقل بنفسه لما يستقل بنفسه (¬1) ". [تحت "التابع تابع"] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأشياء تنقسم إلى نوعين: نوع يستقل في الوجود فله حكم نفسه، ونوع لا يستقل في الوجود بنفسه وإنما وجوده يكون تبعاً لوجود غيره فحكمه تابع لحكم متبوعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بيعت دابة في بطنها حمل يدخل الحمل في البيع تبعاً لأمه، ولا يجوز إفراده بالبيع، وعلى هذا كل ما جرى في العرف على أنه من مشتملات البيع يدخل في البيع تبعاً من غير ذكر، وكذلك كل ما كان في حكم الجزء من المبيع مما لا يقبل الانفكاك عن المبيع نظراً لغرض المشتري يدخل كذلك في البيع دُون ذكر. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 هـ 140، وقواعد الونشريسي القاعدة 52، قواعد ابن رجب القاعدة 84، أشباه السيوطي صـ 117، وأشباه ابن نجيم صـ 120، والمجلة المادة 47، المدخل الفقهي الفقرة 634، الوجيز مع الشرح والبيان صـ 275.

القاعدة الخمسون بعد المائتين [الإجازة]

القاعدة الخمسون بعد المائتين [الإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الإجازة إنما تعمل في المتوقف لا في الجائز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بالعقد الموقوف، وتبين حكماً مرتبطاً به وهو مجال سريان الإجازة ومجال عملها، إذ أن الإجازة لا تعمل إلا في عقد ثبت توقفه بسبب من أسباب توقف العقود، كعقد الفضولي، أو عقد بشرط الخيار، لا في عقد جائز نافذ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل إنسان آخر بشراء سلعة بعينها بمبلغ حدده، فإذا اشترى الوكيل هذه السلعة بثمن أكثر فلا يكون مشترياً لموكله لمخالفته الأمر بل يكون مشترياً لنفسه، فإذا أخبر موكله أنه أشتراه بأكثر مما حدد له فأجازه لم يصر للآمر الموكَّل بهذه الإجازة لأن الشراء ثبت للمشتري حين وقع فلا تعمل الإجازة ولا يصير له إلا بعقد جديد بينهما. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي صـ 114.

القاعدتان الحادية والخمسون بعد المائتين والثانية والخمسون بعد المائتين [الإجازة]

القاعدتان الحادية والخمسون بعد المائتين والثانية والخمسون بعد المائتين [الإجازة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل إن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة (¬1) ". وفي لفظ: "الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة (¬2) ". وفي لفظ: "الإجازة في الإنتهاء بمنزلة الإذن في الإبتداء (¬3) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: قد يتصرف الإنسان فيما يملكه غيره ببيع أو هبة أو إعارة أو إجارة أو غيرة ذلك من التصرفات القولية - ولما كان لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره أو حقه بغير إذن - كان هذا التصرف عند الحنفية موقوفاً على إذن صاحب الحق، فإذا أذن به يعتبر التصرف صحيحاً منذ وقوعه وكأن صاحب الملك أو الحق وكَّل المتصرف الفضولي في التصرف فيما يملك. وهذه التصرفات قبل الإذن تصرفات موقوفة - أي لا يجوز تنفيذها - ما لم يأذن صاحب الحق وإلا اعتبر المتصرف غاصباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من عقد على مال غيره ببيع أو إجارة بغير أمره، أو زوج امرأة بغير إذنها ثم بلغهم خبر ذلك التصرف فأجازوه نفذ، وصار العاقد كأنه وكَّل بذلك العقد. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 114. (¬2) مجلة الأحكام المادة 1453 وقواعد الفقه صـ 53. (¬3) شرح السير الكبير جـ 4 هـ 1316، والمبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 15، 19 وغيرها وجـ 6 صـ 180 وغيرها في غير موضع.

وهذا خلاف لما عند الشافعي رحمه الله لأنه لا يقول بتوقف العقود في الجديد، وفي المذهب خلاف (¬1). وعند أحمد رحمه الله في صحه بيع الفضولي روايتان (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي صـ 285. (¬2) المقنع جـ 2 صـ 7 - 8.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائتين [الإجازة - العقد الموقوف]

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائتين [الإجازة - العقد الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الإجازة تصح ثم تستند إلى وقت العقد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبين حكم ما يترتب على الإجازة اللاحقة وتفيد أن الإجازة في العقد الموقوف صحيحة وتستند إلى وقت العقد - كما سبق - ويترتب أن على ذلك أن زوائد المبيع قبل الإجازة تكون من حق المشتري، ولولا أنَّ الإجازة تستند إلى وقت العقد لما استحق المشتري زوائد المبيع. ويترتب على ذلك: أن يكون محل العقد قابلاً للعقد في الحال حتى يثبت فيه حكم العقد حالة الإجازة, لأن المبيع لو كان هالكاً أو مما لا يجوز العقد عليه لا ينفد العقد فيه بالإجازة، وكذلك لو هلك المبيع قبل الإجازة ثم أُجيز العقد لم ينفذ وهلك من حساب البائع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي ميتة ثم حصلت الإجازة لا ينفذ البيع لأن أصل العقد باطل، وكذا لو باع سيارة ثم هلكت قبل الإجازة لا ينفذ كذلك. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 115، وقواعد الفقه صـ 53.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المائتين [العقد الموقوف]

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المائتين [العقد الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل عقد له مجيز حال وقوعه توقف للإجازة وإلا فلا (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مرتبطة أيضاً بالقواعد السابقة ولكنها تقيد إطلاقها حيث إنه ليس كل عقد تجوز فيه الإجازة وإنما تجوز الإجازة إذا كان للعقد الموقوف مجيز كامل التصرف حال وقوع العقد، وإلا اعتبر العقد باطلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل مال صبي أو مجنون بثمن مثله توقف على إجازة الولي, لأن له ولاية البيع. وأما إذا طلق الفضولي امرأة الصبي أو أعتق عبده أو تصدق بماله فلا يتوقف العقد ولا تجوز فيه إجازة الولي لأنه لا يملك ذلك. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 115.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائتين [الإحتياط في حقوق الله]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائتين [الإحتياط في حقوق الله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الاحتياط في حقوق الله تعالى جائز، وفي حقوق العباد لا يجوز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالاحتياط هنا الأخذ بالأشق الذي تبرأ به الذمة، ففي حقوق الله سبحانه وتعالى الأخذ بالاحتياط جائز بل هو الأولى عند الشك في براءة الذمة، وأما بالنسبة لحقوق العباد فالاحتياط لا يجوز لأن حقوق العباد لا تبنى على الشك بل على اليقين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دارت الصلاة بين الجواز والفساد فالاحتياط أن يعيد الأداء ليتيقن من براءة ذمته, لأن الذمة إذا أُعمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله. وكذلك لو شكَّت امرأة فيما عليها من صيام فالاحتياط أن تصوم الأكثر لأنه الذي تبرأ به الذمة. وأما بالنسبة لحقوق العباد فإذا دار الضمان بين الجواز وعدمه فلا يجب الاحتياط لأنه لا يضمن بالشك, لأن الأصل براءة الذمة من حقوق العباد. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 113، وقواعد الفقه عنه صـ 54، والمنثور للزركشي قريب منه جـ 2 صـ 275 فما بعدها.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المائتين [الاحتياط]

القاعدة السادسة والخمسون بعد المائتين [الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل الاحتياط في العبادات (¬1) ". وفي لفظ: "الاحتياط في العبادة ليؤديها بكمالها واجب (¬2) ". وفي لفظ: "الاحتياط في باب العبادات واجب (¬3) ". وفي لفظ: "الأخذ بالاحتياط في قضاء العبادات واجب (¬4) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الإحتياط معناه الأخذ بالثقة. فالقاعدة المستقرة المستمرة في العبادات أداؤها بكمالها ولذلك يجب على المكلف الأخذ والعمل بما هو أوثق وأحوط للمرء في دينه وبراءة ذمته، حيث إن ذمة المكلف أو يغلب بالعبادة المطلوبة يقيناً فيجب أن تؤدي العبادة على وجه يتيقن المكلف أو يغلب على ظنه به أنه قد برئت ذمته, لأن الذمة إذا إذا اُشغلت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله. ولذلك كان الاحتياط في باب العبادات واجباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من تذكر فائتة لا يدري أيما هي من صلات اليوم والليلة فعليه صلاة يوم وليلة أحتياطاً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 246. (¬2) نفس المرجع جـ 1 صـ 219. (¬3) نفس المرجع جـ 3 صـ 154، 194، وجـ 4 صـ 67. (¬4) المبسوط جـ 3 صـ 112.

أي يصلي خمس صلوات حتي يتيقن من براءة ذمته ومنها: إخراج صاع الحنطة في زكاة الفطر أخذاً بالاحتياط للاختلاف في الآثار الواردة في مقدار المخرج هل هو صاع أو نصف صاع.

القواعد: السابعة والخمسون بعد المائتين والثامنة والخمسون بعد المائتين والتاسعة والخمسون بعد المائتين والستون بعد المائتين [اجتماع الحلال والحرام]

القواعد: السابعة والخمسون بعد المائتين والثامنة والخمسون بعد المائتين والتاسعة والخمسون بعد المائتين والستون بعد المائتين [اجتماع الحلال والحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه إذا تعارض الدليلان أحدهما يوجب الحظر والآخر يوجب الإباحة يُغَلَّبُ الموجب للحظر (¬1) ". وفي لفظ: "إذا تعارض المقتضى والمانع يُقدم المانع إلا إذا كان المقتضى أعظم (¬2) ". وفي لفظ: "إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّبَ جانب الحرام (¬3) ". وفي لفظ: "إذا اجتمع المبيح والمُحَرَم غُلَّبَ جانب المُحرِّم (¬4) ". وفي لفظ: "إذا اجتمع حظر وإباحة غُلِّب جانب الحظر (¬5) ". ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 231، أشباه ابن الويل ق 1 صـ 305. (¬2) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 348، المجلة المادة 46، المدخل الفقهي الفقرة 595. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 117، 380، وأشباه السيوطي صـ 105 وأشباه ابن نجيم صـ 109، قواعد الخادمي صـ 309، الفرائد صـ 6. (¬4) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 125، وشرح الخاتمة صـ 5. (¬5) مختصر قواعد العلائي جـ 2 صـ 577، الاعتناء جـ 2 صـ 103، وشرح السير صـ 1800.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: "إذا استوى الحلال والحرام يَغْلِبُ الحرامُ الحلال (¬1) ". وفي لفظ: "إذا اجتمع المعنى الموجب للحظر والموجب للإباحة في شيء واحد يُغَلَّبُ الموجب للحظر (¬2) ". وفي لفظ: "إذا امتزج التحريم والتحليل غَلَّبنا التحريم على التحليل (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد كلها تدل على معنى متحد وهو أنه إذا اجتمع في شيء واحد دليلان أحدهما يُحلل هذا الشيء والآخر يحرمه وجب تغليب جانب التحريم، والعلة في ذلك أن في تغليب جانب الحرام درء مفسدة، وتغليب الحلال جلب مصلحة ودرء المفسدة يغلب دائماً على جانب المصلحة، ولأن اعتناء الشارع باجتناب المنهيات أشد وأعظم من عنايته بفعل المأمورات. ولكنه إذا كان جانب المصلحة أعظم كما لو تعارض واجب وحرام فتقدم مصلحة الواجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشتبه محرَّم بأجنبيات محصورات لم يحل الزواج بإحداهن. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 157. (¬2) المرجع السابق جـ 4 صـ 99، 103. (¬3) الجمع والفرق للجويني أبي محمَّد عبد الله بن يوسف صـ 143، وينظر الوجيز في إيضاح القواعد الكلية صـ 208 فما بعدها.

ومنها: إذا أرسل طلبه المعلم مشاركة كلب غير معلم في الصيد حرم أكل الصيد بهما. ومنها: في التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وخنزير وآلات لهو، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع اقتصادية. ومن أمثلة اجتماع الواجب والمحرم: إذا تراعى مصلحة الواجب. إذا اختلط موتى المسلمين بالكفار ولم يمكن التمييز بينهم غُسِّل الجميع وصُلي عليهم ويكون التمييز بالنية.

القاعدة الحادية والستون بعد المائتين [التسمية - المنطوق]

القاعدة الحادية والستون بعد المائتين [التسمية - المنطوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أنَّه إذا صحت التسمية لا يعتبر مقتضاها وإذا لم تصح يعتبر المقتضى (¬1) ". وهي كذلك عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتسمية الكلام المنطوق واللفظ المعبر. والمراد بالمقتضى: المعنى الذي دل عليه اللفظ أي المفهوم. تعتبر هذه القاعدة أنه إذا وقع عقد على شيء ما بلفظ وكان المقصود باللفظ معلوماً فالكلام صحيح والعقد صحيح وإن تبين فيه بعد ذلك جهالة غير مقصودة أو مخالفة غير متعمدة. وأما إذا كان المقصود باللفظ مجهولاً فلا يصح العقد لعدم صحة الكلام لجهالة مقتضاه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل قطيعاً من الغنم - غير معلوم العدد - كل شاة منها بعشرة فإن العقد لا يصح عند أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما, لأن التسمية لم تصح حيث إن المتعاقد عليه مجهول العدد. أما إذا قال: اشتريت منك هذه الأغنام وهي مئة شاة - كل شاة بعشرة وجملة الثمن ألف درهم، ثم تبين أنها تسعون شاة فالبيع جائز لأن التسمية صحيحة فلم يعتبر المقتضى ولم يحكم بفساد العقد وإن كان فيه جهالة. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 26، وصـ 42 ط جديدة.

القاعدة الثانية والستون بعد المائتين [التساوي حمل المجهول على المعلوم]

القاعدة الثانية والستون بعد المائتين [التساوي حمل المجهول على المعلوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية: أنه إذا علم التساوي في الأصل ابتداءً بين شيئين ثم ورد البيان في أحدهما كان ذلك البيان وارداً في الآخر قولاً بمساوقة النتيجة المقدمتين ومعرفة المجهول بالمعلوم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة عند الحنفية أنه إذا عُلم تساوي شيئين في أصل الأحكام ثم ورد بيان في أحدهما فيعتبر هذا البيان وارداً في الآخر أيضاً من باب أنه إذا وجدت مقدمتان مسلَّمتان وجدت النتيجة المسلمة حتماً. كأن يُقال: هذان الشيئان متساويان، وكل متساويين متحدان في البيان فتكون النتيجة بعد حذف المكرر في المقدمتين: هذان الشيئان متحدان في البيان أو من باب معرفة المجهول بالمعلوم المساوي له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الله سبحانه وتعالى حرَّم الجماع والأكل والشرب في الصوم حرمة على السواء بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬2) وأباحها إباحة واحدة على السواء في قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (2) وقوله تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} (2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 88 صـ 132 ط جديدة. (¬2) الآية 187 من سورة البقرة.

ثم ورد البيان في إيجاب الكفارة على المجامع العامد، فكان ذلك وارداً أيضاً في الأكل والشرب عمداً قولاً بنتيجة المقدمتين. ومالك كالحنفية في ذلك. (¬1). وعند الشافعي وأحمد رضي الله عنهما لا كفارة على الإفطار بالأكل والشرب للصائم عمدا (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر الكافي جـ 1 صـ 341. (¬2) بنظر المقنع مع حاشية جـ 1 صـ 364.

القواعد: الثالثة والستون بعد المائتين والرابعة والستون بعد المائتين والخامسة والستون بعد المائتين [التابع]

القواعد: الثالثة والستون بعد المائتين والرابعة والستون بعد المائتين والخامسة والستون بعد المائتين [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: [من توابع قاعدة "التابع تابع"]. " الأصل عند أبي يوسف رحمه الله: أنه إذا لم يصح الشيء ما في صحته (¬1) وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز أن يثبت ما في ضمنه وإن لم يصح (¬2)، ومحمد مع أبي حنيفة في كثير من مسائل هذه القاعدة (1). وفي لفظ: "إذا بطل المتضمَّن بطل المتضمَّن (¬3) ". وفي لفظ: "المبني على الفاسد فاسد". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه". وفي لفظ: "الفرع يسقط إذا سقط الأصل (¬4) ". وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) ينظر التأسيس صـ 4، وص 63 ط جديدة. (¬2) وعلى ذلك قاعدة قد يثبت الفرع مع سقوط الأصل، وأشباه ابن نجيم صـ 121، وأشباه السيوطي صـ 119 والمجلة المادة 81، والمدخل الفقهي القرة 639، والوجيز صـ 283. (¬3) ينظر أشباه السيوطي صـ 119، وأشباه ابن نجيم صـ 391، 121، وقواعد الخادمي صـ 312، والمجلة المادة 52، والمدخل الفقرة 639، 640، والوجيز مع شرح البيان صـ 283، 287. (¬4) أشباه ابن نجيم صـ 121 والوجيز صـ 281.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الشيء قد يتضمن ويشتمل على شيء آخر حقيقة أو حكماً، فالقاعدة تفيد أن الشيء إذا صح ما ضمنه، وإذا فسد فسد ما في ضمنه لأن المتضمَّن تابع للمتضمَّن، فالتابع يأخذ حكم متبوعه وجوداً وعدماً صحةً وفساداً هذا هو الأصل الذي رجحه أبو يوسف رحمه الله وعليه بنيت هذه القواعد، ولكن قد يخرج عن هذا الأصل بعض مسائل يخالف فيها التابع متبوعه، ويكون ذلك استثناءً من القاعدة ويعبر عن هذل بقاعدة تقول: " قد يثبت الفرع مع سقوط الأصل، وسيأتي مزيد بحث عن هذه القاعدة في حرف القاف". إن شاء الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أودع رجل صبياً محجوراً عليه مالاً فاستهلكه الصبي فعند أبي حنيفة ومحمد أنه لا ضمان على الصبي لأنه قد صح تسليطه على إتلاف هذا المال، وإن لم يصح عقد الوديعة. وعند أبي يوسف يضمن لأن التسليط لو صح فإنما يصح ضمن عقد الوديعة وعقد الوديعة لم يصح فلا يصح ما في ضمنه.

القاعدة السادسة والستون بعد المائتين [المنافاة]

القاعدة السادسة والستون بعد المائتين [المنافاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه إذا كان منافاة بين العقدين المتساويين أن لا يثبت أحدهما (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد هو ارتباط الإيجاب بالقبول. فإذا وقع عقدان فإما أن يكون متساويين أو متنافيين أو غير متنافيين، فإن كانا متساويين غير متنافيين ثبت كلاهما. وإن كانا مختلفين غير متنافيين ثبت كلاهما كذلك، وأما إن كانا مختلفين متنافيين أو متساويين متنافيين فيثبت أحدهما فقط وبيطل الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - مثال العقدين المتساويين غير المتنافيين، اشترى بقرتين في عقدين فيثبت كلاهما. 2 - مثال العقدين المختلفين غير المتنافيين: اشترى سيارة وأرضاً بعقدين. منفصلين. ثبت كلاهما أيضاً. 3 - مثال العقدين المتساويين المتنافيين نكاح الأختين معاً فلا يثبت نكاح إحداهما ويثبت نكاح الأخرى، وهذا المثال مقصود القاعدة. 4 - ومثال العقدين المختلفين المتنافيين: من عقد عقدين على امرأتين إحداهما رابعة والأخرى خامسة فيبطل العقد في الخامسة ويصح في الرابعة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 صـ 61.

القواعد: السابعة والستون بعد المائتين والثامنة والستون بعد المائتين. والتاسعة والستون بعد المائتين [الاجتهاد]

القواعد: السابعة والستون بعد المائتين والثامنة والستون بعد المائتين. والتاسعة والستون بعد المائتين [الاجتهاد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أنه إذا مضى بالاجتهاد لا يفسخ باجتهادٍ مثله ويفسخ بالنص (¬1) ". وفي لفظ: "الاجتهاد لا ينقض بمثله ولا يعارض النص (¬2) ". وفي لفظ: "الاجتهاد لا يعارض النص (¬3) ". وفي لفظ: "الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله، ولكنه فيما يستقبل يقضي بما أدى إليه اجتهاده (¬4) ". وفي لفظ: "الاجتهاد لا ينقض بمثله (¬5) " أو "بالاجتهاد". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: أن أحكام القضاة وفتاوى المفتين ومسائل التحري المبنية على الاجتهاد إذا نفذت ثم تبين خلافها أنها لا تنقض ولا تفسخ إذا كان ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي صـ 118 مع تأسيس النظر. (¬2) قواعد الفقه صـ 54، عن الأشباه والسير. (¬3) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 1 صـ 166. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 84 كتاب أدب القاضي. (¬5) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 93، والأشباه لابن السبكي جـ 1 صـ 403 فما بعدها بالمعنى. أشباه السيوطي صـ 93، وأشباه ابن نجيم صـ 105، والمجلة المادة 16، والمدخل الفقهي فقرة 624، والوجيز صـ 332، المستصفى جـ 2 صـ 300.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

خلافها عن طريق الاجتهاد أيضاً (¬1)، وأما إذا تبين مخالفتها للنصوص الثابتة نقضها وفسخها لأن الاجتهاد لا يعارض النص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الحاكم إذا حكم في مسألة ما يحكم باجتهاده ونفذ هذا الحكم، في مسألة أخرى مشابهة حكم بحكم مخالف فإن حكمه المتأخر لا ينقض حكمه المتقدم، ولكن إذا تبين أن حكمه السابق مخالق لنص من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو تبين خطأ فاحش فيجب انتقض. ¬

_ (¬1) ولكن يحكم بخلاف الاجتهاد السابق في مسائل جديدة إذا تغير الاجتهاد.

القاعدة السبعون بعد المائتين [الاذن - العرف]

القاعدة السبعون بعد المائتين [الاذن - العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه أن الإذن المطلق إذا تعرَّى عن التهمة والخيانة لا يختص بالعرف وعندهما يختص (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تُشير هذه القاعدة إلى بعض أثر العرف في الأحكام المطلقة، فعند أبي حنيفة رحمه الله إذا أذن إنسان لآخر إذناً مطلقاً في عمل ما ولم يقيد هذا الإذن المطلق بالتنصيص على أي قيد، فإن هذا الإذن يبقي على إطلاقه إذا خلا عن التهمة والخيانة، ولو كان في العرف ما يخصص إطلاقه، خلافاً لأبي يوسف ومحمد حيث يخصصان الإذن المطلق ويقيدانه بالعرف الشائع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل إنسان آخر في بيع سلعة ما فلهذا الوكيل أن يبيع بأي ثمن وبما قلَّ أو كَثُر عند أبي حنيفة رحمه الله, لأن الإذن مطلق والتهمة منتفية فلا يقيده العرف - الذي يفيد أن الوكيل إنما يتقيد بما لا يتغابن فيه الناس. وأما عند الصاحبين وعند الشافعيّ حمهم الله تعالى فيقيد الإذن العام بالعرف فلا يجوز للوكيل أن يبيع بأقل مما يتغابن فيه الناس. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 21، وصـ 35 ط جديدة.

القواعد الحادية والسبعون بعد المائتين والثانية والسبعون بعد المائتين [استصحاب النية]

القواعد الحادية والسبعون بعد المائتين والثانية والسبعون بعد المائتين [استصحاب النية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل استصحاب ذكر النِّيَّة لأنها عرض متجدد (¬1) ". وقد اختلفوا في التقدم اليسير في غير الصوم اختياراً. وفي لفظ: "إذا وقعت النية في محلها وجب استصحاب حكمها لا ذكرها - لعسره - إلى تمام متعلقها (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستمرة أن يستصحب المكلف ذكر النية في العبادة التي يؤديها, لأن النيَّة عرض متجدد، فكأن الأصل أن يستحضر المصلي - مثلاً - النية عند تكبيرة الإحرام وعند القراءة وعند الركوع والسجود وهكذا، ولكن لما كان في ذلك مشقة كبيرة وعظيمة - وكانت الشريعة مبناها على اليسر ودفع الحرج والعسر وُضِع ذلك عن الناس واكتفى بالنية المقارنة لأول الفعل ثم استصحاب حكم النية لإتمام العبادة كما ذكر في القاعدة الأخرى: إذا وقعت النية في محلها وجب استصحاب حكمها لا ذكرها لعسره إلى تمام متعلقها (2) ". ومعنى استصحاب حكم النية عدم الإتيان بنية مفادة في أثناء العبادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نوى الصلاة عند تكبيرة الإحرام ثم عزبت عنه بعد ذلك فصلاته صحيحة ما لم يأت بنية مضادة أو فعل مفسد. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة السادسة عشرة بعد الثلاثمائة جـ 5 صـ 547. (¬2) قواعد المقري القاعدة الثانية والستون جـ 1 صـ 285.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المائتين [تعارض لوازم الأصلين]

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المائتين [تعارض لوازم الأصلين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصلان إذا تعارضا في لوازمهما فقد يعطي كل أصل حكمه وإن تناقضا (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى ما ظاهره التعارض من الأصول فيعمد الناظر إما إلى التوفيق بين المتعارضين، وإما إلى الترجيح بينهما، فيقدم ويرجح الأقوى منهما بوجه من وجوه الترجيح. ولكن قاعدتنا هذه تشير إلى إمكانية التوفيق عند التعارض بإعطاء محل أصل حكمه وإن تناقضا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد الإمام أن من سبقه من الأئمة يأخذ الخراج من بلد وأهله يتبايعون أملاكه - فمقتضى أخذ الخراج أن تكون الأرض وقفاً لا يصح بيعه - وهذا أصل، ومقتضى بيعه أن لا يؤخذ منه خراج - وهذا أصل. وقد نص الشافعي رحمه الله أن الإمام يأخذ الخراج ويمكنهم من بيعهم إعطاء لكل يد حقها. وكالعبد المنقطع خبره تجب فطرته على سيده، مع أنه لو أعتقه عن كفارة لم يجزئه, لأن الأصل شغل الذمة تبرأ إلا بيقين. والأصل بقاء الحياة فتجب فطرته (¬2). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 266، المنثور للزركشي جـ 1 صـ 33 فما بعدها. (¬2) المنثور للزركشي جـ صـ 332.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة [أصل الفرض]

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة [أصل الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل الفرض في حق أحد ما يتمكن من أدائه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المتبعة أن أصل الفرض - وهو ما وجب على الإنسان فعله بدليل مقطوع به، أو هو ما ثبت طلبه بدليل قطعي - وما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب على تركه، أصله في حق كل مكلف ما يتمكن من فعله وأدائه بنفسه، لا بغيره. لأن العبادات المطلوبة المقصود بها إظهار الخضوع والاستسلام لله سبحانه وتعالى ولا يظهر ذلك إلا في أداء العقل من المكلف به لا من غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كالعبادات التي كلف بها المسلم من صلاة وصوم وحج وزكاة وغيرها فالمطلب بها من يجب عليه فعلها، عدا فروض الكفايات. وحتى فروض الكفايات إذا تعين لها إنسان وجب عليه أداؤها بنفسه. فأصل الفرض في يوم الجمعة هو الظهر كما في سائر الأيام، ولكن المكلف مأمور بإسقاط هذا الفرض بصلاة الجمعة إذا استجمع شرائطها. وإنما قالوا: إن أصل الفرض الظهر لأنه يتمكن من أداء الظهر بنفسه، وأما أداء الجمعة فلا يتمكن من أدائها بنفسه لأن لها شرائط منها العدد، وهو ليس مأموراً باستيفاء العدد وليس مكلفاً باحضار من تصح منهم الجمعة لكي تجب عليه، ولكن إذا وجد العدد واستوفيت الشروط وجب عليه الجمعة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 22.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المائتين [العقود]

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المائتين [العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في العقود الصحة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الأصل: القاعدة المستمرة والمستصحب. والعقود: جمع عقد وهو ارتباط الإيجاب بالقبول. والصورة: معناها السلامة من المرض أو العيب أو الفساد. فتدل هذه القاعدة على أن العقود التي يعقدها المكلفون أصلها ومبناها على الصحة والكمال، لا على الفساد والنقص. لأن المقصود من العقود تبادل الأملاك والمنافع ولا يحل منها شيء إلا بعقد صحيح. فإذا وجد عقدين متعاقدين فإن المقصود الأهم هو غاية العقد وحكمه المترتب عليه من حل العوضين أو البدلين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تعاقد شخصان عقد بيع، وقع العقد صحيحاً باستيفاء شروطه وزوال موانعه وحل لكل منهما الانتفاع بالبدل، البائع بالثمن والمشتري بالمبيع. وكذلك لو عقد رجل وامرأة عقد نكاح بشروطه وقع صحيحاً وحل للرجل الاستمتاع بالمرأة ووجب عليه نفقتها وأحكام العقد. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 253.

القاعدة السادسة والسبعون بعد المائتين [المقادير]

القاعدة السادسة والسبعون بعد المائتين [المقادير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في المقادير التي لا يسوغ الاجتهاد في إثبات أصلها أن الدلالة متى اتفقت في الأقل واضطربت في الزيادة فإنه يؤخذ بالأقل فيما وقع الشك في إثباته، وبالأكثر فيما وقع الشك والاشتباه في إسقاطه (¬1) ". [أصولية: الأخذ بأقل ما قبل]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمقادير التي لا يسوغ الاجتهاد في إثبات أصلها: هي تلك التقديرات الشرعية التي قدرها وحدد مقاديرها الله عَزَّ وَجَلَّ أو رسوله صلى الله عليه وسلم كالتكبيرات والكفارات والحدود والأنصبة وأشباه ذلك. فالقاعدة المستقرة في إثبات هذه التقديرات البناء على المتيقن المتفق عليه، وما وقع الشك فيه زيادة أو نقصاناً فلا يعتد به. فإذا اختلف في مقدار شيء منها بالزيادة أو النقصان فالقاعدة المستمرة البناء والاعتماد على ما وقع عليه الاتفاق سواء كان بالزيادة أم بالنقصان ويطرح ويسقط ما وقع الشك في إثباته زيادة أو نقصاناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن حريم بئر الناضح (¬2) أربعون ذراعاً عند أبي حنيفة رضي الله عنه, لأن الأخبار قد اتفقت على الأربعين واضطربت في الزيادة، فأخذ ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 102 وصـ 151 ط جديدة. (¬2) المراد ببئر الناضح أي البئر التي يستقي منها بواسطة الإبل التي تجر حبل الدلو.

بالأقل من المقادير لأن الاشتباه وقع في إثبات الزيادة. وأما عند أبي يوسف ومحمد فإن حريم بئر الناضح ستون ذراعاً. ومنها: إن التكبيرات في أيام التشريق عند أبي حنيفة ابتداؤها من صلاة الفجر يوم عرفة وانتهاؤها في صلاة العصر من أول أيام النحر. وعند صاحبي أبي حنيفة والشافعي وأحمد رضي الله عنهم تختم في صلاة العصر آخر أيام التشريق. وعند الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق.

القاعدة: السابعة والسبعون بعد المائتين والثامنة والسبعون بعد المائتين [الاقرار اليقين]

القاعدة: السابعة والسبعون بعد المائتين والثامنة والسبعون بعد المائتين [الاقرار اليقين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "أصل ما أُبني عليه الإقرار أني أستعمل اليقين وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة (¬1) ". وفي لفظ: "أصل الأقارير أنا نعتبر اليقين ولا نستعمل الظن (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يقول الشافعي محمَّد بن إدريس رضي الله عنه في كتابه "الأم" ولا يجوز عندي أن أُلزم أحداً إقراراً إلا بيَّن المعنى، فإذا احتمل ما أَقرَّ به معنيين الزمته الأقل، وجعلت القول قوله ولا ألزمه إلا ظاهر ما أقرَّ به بيّناً وإن سبق إلى القلب غير ظاهر ما قال، ولا ألتفت إلى سبب ما أقر به إذا كان لكلامه ظاهر يحتمل خلاف السبب (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرَّ إنسان أنه وهبه وملكه لم يكن فقرأ بالقبض, لأنه ربما اعتقد أن الهبة لا تتوقف على القبض (¬4). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 234، وقواعد الحصني ق 2 جـ صـ 820 عن المجموع المذهب العلائي ورقة 340/ ب (¬2) الجمع والفرق الجويني صـ 666، وكذلك عند العلائي مرجع سابق. (¬3) الأم جـ 3 صـ 210. (¬4) قواعد الحصني ق 2 جـ 2 صـ 820.

ومنها: إذا أقرَّ رجل بأنه باع داره من رجل بألف، فحمده المقر له بالبيع لم يعطه الدار وإن كان بائعها قد أقر بأنها صارت ملكاً له، وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكاً له إلا وهو مملوك عليه بها شيء - المراد به عنا الثمن - فلما سقط أن تكون مملوكة له سقط الإقرار له (¬1). ¬

_ (¬1) الأم جـ 3 صـ 210.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المائتين [الاعتبار]

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المائتين [الاعتبار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل اعتبار الجزء بالكل (¬1) ". [عند محمد بن الحسن]. ومثلها: "الأصل اعتبار البعض بالكل (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وجد من مكلف فعل يوجب جزاءً كاملاً، فما حكم مَن وُجد منه بعض ذلك الفعل الموجب للجزاء الكامل؟ هل ينتقل إلى حكم آخر جديد؟ أو يُعتبر بالجزاء الكامل فيوجب بعضه؟. هذه القاعدة تقيد أن الفعل الكامل الموجب للجزاء الكامل يقاس به بعض ذلك الفعل فيوجب بعض ذلك الجزاء، ولا ينتقل إلى حكم آخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحرم ممنوع من استعمال الدهن والطيب حاله إحرامه، فإذا استعمل المحرم الطيب في عضو من أعضائه كيده أو وجهه أو ساقه، فيجب عليه في هذه الحالة جزاء كامل وهو إراقة الدم - أي شاة - إما إذا طيب أو دهن بعض عضو فماذا يجب عليه؟ عند الحنفية غير محمَّد بن الحسن يجب عليه الصدقة بدون تفسير قيمة ما يتصدق به. وأما عند محمَّد بن الحسن رحمه الله تعالى فعليه حصته من الدم بناءً على هذه القاعدة عنده اعتباراً للجزاء بالكل. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 122 باب الدهن والطيب. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 100 وجـ 2 صـ 54.

القاعدتان: الثمانون بعد المائتين والحادية والثمانون بعد المائتين [اتحاد الموجب والقابل]

القاعدتان: الثمانون بعد المائتين والحادية والثمانون بعد المائتين [اتحاد الموجب والقابل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل مالك اعتبار جهتي الواحد فيقدر اثنين (¬1) ". وأصل الشافعي خلاف أصل مالك في ذلك (1). وفي لفظ: "اتحاد الموجب والقابل ممنوع إلا في صور (¬2) ". وفي لفظ: "الفعل الواقع غالباً من شخصين واحد في صور (¬3) ". وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. وفي لفظ: "هل يكتفى بالإيجاب والقبول من واحد فيما لا يقع غالباً إلا من شخصين؟ (¬4) ". وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: عند مالك رضي الله عنه أنه يعتبر في الواحد إذا تولى طرفي العقد جهتين فيقدره اثنين. وأما الشافعية ففي كل هذه المسائل خلاف معروف، حيث إنها تعتبر استثناء من القواعد العامة في العقود. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة السادسة بعد الثلاثمئة صـ 538، المنثور للزركشي جـ 3 صـ 359. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 260 فما بعدها، قواعد الحصني ق 2 صـ 610، المنثور جـ 1 صـ 58، أشباه السيوطي صـ 280. (¬3) الأشباه والنظائر لابن السبكي ق 1 صـ 424، المجموع المذهب للعلائي (ورقة 109/ أ، 111/ أ). (¬4) قواعد الحصني ق 1 صـ 610.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الوالد يتولى طرفي القبض في البيع وفي النكاح إذا أصدق في ذمته أو في مال ولد ولده لبنت ابنه (¬1). كما يرث الأب مع البنت بالفرض والتعصب فيما لو مات ابن وترك أباً وبنتاً فللبنت النصف فرضاً وللأب السدس فرضاً، والباقي تعصيباً (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي صـ 281. (¬2) قواعد المقري القاعدة السادسة بعد الثلاثمئة صـ 538، المنثور للزركشي جـ 3 صـ 359.

القاعدة الثانية والثمانون بعد المائتين [إقامة السبب]

القاعدة الثانية والثمانون بعد المائتين [إقامة السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في الشرع إقامة السبب الظاهر مقام المعنى الخفي عند تعذر الوقوف عليه (¬1) ". وفي لفظ: "إقامة السبب الطاهر مقام المعنى الخفي - عند تعذر الوقوف عليه أصل الشرع (1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى أصل مهم من أصل الشرع وهو يتعلق بالأسباب أو العلل التي تنبني عليها الأحكام، فإذا كان السبب ظاهراً بني عليه الحكم عند تعذر الوقوف على المعنى الخفي أو غير المنضبط, لأن الشرع علق الأحكام وربطها بالأسباب الظاهرة لا بالمعاني الخفية التي يتعذر الوقوف عليها تيسيراً على العباد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لما كانت المشقة أمراً خفياً يختلف باختلاف الأشخاص والظروف والأحوال أُقيم السفر مقامها لظهوره وانضباطه وبني عليه الأحكام من جواز الفطر والقصر، وكذلك العقل الذي تنبني عليه الأحكام والتكاليف لما كان أمراً خفياً يتعذر الوقوف عليه أقيمت علامات البلوغ مقامه من الإنزال والحيض والأثبات. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 66، 93.

القاعدة: الثالثة والثمانون بعد المئتين [الشرط والسبب]

القاعدة: الثالثة والثمانون بعد المئتين [الشرط والسبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل إقامة الشرط مقام السبب عند تعذر تعليق الحكم بالسبب (¬1) ". [أصولية فقهية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يتضح معنى القاعدة ببيان معنى السبب والشرط أولاً: أما السبب فهو في اللغة اسم يتوصل به إلى المقصود - كالحبل والطريق والسلم - وأما في الشريعة فهو عبارة عما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه (¬2). وأما الشرط فهو في اللغة العلامة واصطلاحاً: تعليق شيء بشيء بحيث إذا وُجد الأول وُجد الثاني. وهذا الشرط اللغوي، وقيل: هو ما يتوقف ثبوت الحكم عليه (¬3) ". وهذا المعنى هو المقصود. فتفيد هذه القاعدة أنه إذا امتنع تعليق الحكم بالسبب لوجود مانع أو تعرض شرط فيقام الشرط مقام السبب في الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حفر بئراً في طريق ووضع عليه حاجزاً، ثم جاء من أزال الحاجز ورفعه فتردى في البئر إنسان أو حيوان فالضامن هو رافع ومزيل الحاجز لا الحافر، مع أن الحافر سبب ورافع الحاجز شرط. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 75. (¬2) التعريفات صـ 121. (¬3) التعريفات صـ 131.

القواعد: الرابعة والثمانون بعد المائتين والخامسة والثمانون بعد المائتين والسادسة والثمانون بعد المائتين [الإكراه]

القواعد: الرابعة والثمانون بعد المائتين والخامسة والثمانون بعد المائتين والسادسة والثمانون بعد المائتين [الإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الإكراه يخرج المكره أن يكون مؤاخذاً بحكم الفعل (¬1) ". وفي لفظ: "الإكراه بسقط أثر التصرف رخصة من الله تعالى (¬2). فعلاً كان أو قولاً (¬3) " وفي لفظ: "الأصل أن الإكراه متى أباح الإقدام أعلم أصل الفعل من المكره في الأحكام (¬4) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالإكراه هنا: الإلزام والإجبار على ما يكره الإنسان طبعاً أو شرعاً فيقدم مع عدم الرضا ليدفع ما هو أضر (¬5). فالمكره الذي يفعل الفعل الذي أكره على فعله بالتهديد بالقتل أو القطع أو أو الإيذاء الشديد في النفس أو العرض لا يكون مؤاخذاً بحكم الفعل ويسقط أثر تصرفه رخصته من الله تعالى. وفي أنواع الإكراه تصرفات المكره وما تستحقه من أحكام تفصيل ليس هذا محله. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 73. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 150. (¬3) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 188 فما بعدها. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 121. (¬5) التعريفات للجرجاني صـ 34.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من أكره على شرب الخمر فشربها لا إثم عليه ولا حد، ومن قذف إنساناً مكرهاً لا إثم عليه ولا يُحدَّ.

القاعدة السابعة والثمانون بعد المائتين [المسلمون]

القاعدة السابعة والثمانون بعد المائتين [المسلمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن أمور المسلمين محمولة على السداد والصلاح حتى يظهر غيره (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن تصرفات المسلمين من عقود وبيوع ومعاملات يجب أن تحمل على محمل حسن صحيح , لأن المسلم بأصل إيمانه وإسلامه ومراقبته لله عزَّ وجلَّ لا يتصرف إلا تصرفاً شرعياً سليماً سديداً صالحاً، ولا نحمل أي تصرف صدر عن مسلم على غير ذلك إلا إذا ظهر دليله وقامت حجته, لأنا أمرنا بإحسان الظن بأهل القبلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية من باع درهماً وديناراً بدرهمين ودينارين جاز البيع وصرف الجنس إلى خلاف جنسه تحرياً للجواز وحملاً لحال المسلم على الصلاح. ولكن لو نص على أن الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين فسد البيع, لأنه قد غير هذا الظاهر صريحاً. ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي صـ 111 مع تأسيس النظر.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المئتين [أم الولد]

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المئتين [أم الولد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة أن أم الولد ليست بمال ولا قيمة لها". خلافاً لهما وللشافعي (¬1) [ضابط] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأم الولد: الأمة الرقيقة التي استولدها سيدها. وحكمها: الحرية بعد موت السيد. وبيع أمهات الأولاد مسألة اختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن كان رأي الأكثرين عدم جواز بيعها لاستحقاقها الحرية بعد وفاة السيد. وبالتالي فهي لا قيمة لها, لأن الحر لا قيمة له، معنى أنه لا يدخل تحت تقديم المقومين وليس المراد بعدم القيمة هوانه أو تفاهة ثمنه. وما دامت أم الولد لا قيمة لها فهي ليست بمال، وهذا عند أبي حنيفة، خلافاً للصاحبين وللشافعي. ثالثاً: من أمثلة هذه الضابط ومسائله: إذا غصب أم الولد غاصب فهلكت في يده لا يضمن قيمتها, لأنه لا قيمة لها وهي ليست بمال. ولا ينفي ذلك أن يضمن ديتها إذا قتلت خطأ. وأما عند أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد بن حنبل ومالك رضي الله عنهم جميعاً تضمن قيمتها, لأنها ما زالت رقيقة وعتقها موقوف على موت السيد ولأنها هلكت يوم هلكت وهي رقيقة. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 32، وصـ 51 ط جديدة، والمقنع لابن قدامة جـ 2 صـ 516، والكافي لابن عبد البر جـ 2 صـ 578.

ومنها: أن أحد الموليين لو أعتقها لا يضمن لشريكه, لأن نصيب شريكه لم يكن مالاً يضمنه بالإتلاف. عند أبي حنيفة، وعند الآخرين يضمن لشريكه نصف قيمتها.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المئتين [الملك]

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المئتين [الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة أن الإنسان يجوز أن لا يملك الشيء بنفسه قصداً ويملك تفويضه إلى غيره، ويجوز أن لا يملك الشيء قصداً ويملكه جكماً. خلافاً لهما (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن الإنسان يملك تفويض الشيء لغيره إذا ملكه بنفسه، لأنه حر التصرف فيما يملك، ولكن قاعدتنا هذه تفيد أنه يجوز أيضاً أن لا يملك الإنسان الشيء بنفسه ولكنه مع ذلك يملك تفويضه إلى غيره، كما أنه يجوز أن لا يملك الإنسان الشيء قصداً وعمداً ولكنه يملكه حكماً. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وأما عند صاحبيه رحمهما الله تعالى فلا يجوز ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل مسلم ذمياً بشراء خمر له، جاز عند أبي حنيفة، مع أن المسلم لا يملك الخمر لأنها ليست عندنا مالاً. وعندهما لا يجوز توكيله. ويكون شراء الذمي لنفسه, لأن هذا شراء فاسد. وهو كذلك عند الشافعي رحمه الله (¬2) , لأن من لا يملك التصرف لا يملك الإذن فيه (¬3). ومنها: إذا وكل المحرم حلالاً أن يشتري له صيداً جاز توكيله عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يجوز، ويكون شراء الحلال لنفسه, لأن ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 35، وصـ 55 ط جديدة. (¬2) روضة الطالبين جـ 3 صـ 553. (¬3) المنثور للزركشي جـ 3 صـ 211.

هذا شراء فاسد. ومثال الثاني: إذا غصب ذمي خمراً ثم أسلم الغاصب فهو يبرأ من الضمان عند أبي حنيفة وأبي يوسف حكماً، وإن كان لا يملك إبراء نفسه قصداً، وعند محمد وزفر (¬1) رحمهما الله لا يبرأ. ¬

_ (¬1) زفر هو الإمام زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري. صاحب أبي حنيفة إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم ثقة مأمون، توفى سنة 158 هـ طبقات الفقهاء 18

القاعدة التسعون بعد المئتين [الوقف - زوال الملك]

القاعدة التسعون بعد المئتين [الوقف - زوال الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي يوسف رحمه الله: أن إيجاب الحق لله تعالى في الغير يزيل ملك المالك. وعند محمد لا يزيله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن من جعل لله شيئاً أو أوجب لله شيئاً فإن هذا الشيء يخرج عن ملك مالكه, لأنه يصبع ملكاً لله تعالى. وعند محمد لا يزول ملكه بمجرد القول بل لا بد من التسليم لمتولٍ أو قيِّم يقوم عليه، لأن تمليكه لله قصداً غير متحقق فإنما يثبت في ضمن التسليم إلى العبد (¬2). أي لا يتم الوقف إلا بالقول والفعل الدال عليه وهو قول عند أحمد أيضاً (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان داراً فجعلها مسجداً ثم استحقت الدار بالشفعة، فعند محمد للشفيع أن ينقض المسجد بالشفعة, لأن المشتري لم يملك الدار ملكاً مستقراً. وأما عند أبي يوسف في إحدى الروايتين عنه إنه لما اتخذها مسجداً فقد زال ملكه عنها وصارت ملكاً لله تعالى. فلا ينقض المسجد بالشفعة، وهذا قول الحسن بن زياد اللؤلؤي أيضاً. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 51 وصـ 78 ط جديدة. (¬2) مجمع الأنهر جـ 1 صـ 733، والفرائد البهية صـ 150، 152. (¬3) المقنع جـ 2 صـ 307.

ولعل أبا حنيفة مع محمد في هذه المسألة بدليل أنه إذا قال الرجل لعبده: أنت لله تعالى. عتق عند أبي يوسف، وأما عند أبي حنيفة ومحمد لا يعتق.

القاعدة الحادية والتسعون بعد المائتين [البدل]

القاعدة الحادية والتسعون بعد المائتين [البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن بدل ملك الإنسان يكون له (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى ملك الإنسان: أي ما يقدر على التصرف فيه. فإذا ملك الإنسان شيئاً فهو حر التصرف فيه بيعاً وهبة وإجارة وغير ذلك من أنواع التصرفات. فإذا كان ما يملكه الإنسان له أن يتصرف فيه كما يشاء في حدود الشرع فإن بدل ملكه هذا يأخذ حكمه فهو له يتصرف فيه كما يشاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من ملك داراً أو عقاراً أو ثياباً أو متاعاً ثم أراد استبداله بدار أخرى أو عقار آخر أو باعه فبدله وثمنه يكون ملكاً له مكان مبدله فيتصرف فيه كتصرفه في أصله. وإذا كانت دار بين اثنين لا تقبل القسمة أو تقبلها وأراد أحدهما تملكها كلها فهو يعطي شريكه ثمن حصته منها فيكون الثمن بدلاً من نصيبه منها فهو يملكه كما كان يملك نصيبه قبل الصلح عنه. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 99 عن الخانية فصل الخصومة بين الزوجين جـ 2 صـ 416.

القاعدتان: الثانية والتسعون بعد المائتين والثالثة والتسعون بعد المائتين [الاستدامة، الدوام, الابتداء]

القاعدتان: الثانية والتسعون بعد المائتين والثالثة والتسعون بعد المائتين [الاستدامة، الدوام, الابتداء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل عند محمد أن البقاء على الشيء يجوز أن يعطي له حكم الابتداء (¬1) " وخالفه أبو يوسف في بعض المواضع. وفي لفظ عند المالكية: الدوام على الشيء هل هو كابتدائه؟ (¬2) ". وتأتي في حرف الدال إن شاء الله. وفي لفظ عند الشافعية: "استدامة الفعل (¬3) ". وفي لفظ: "يحتمل في الدوام ما لا يحتمل في الإبتداء وقد يحتمل في الابتداء ما لا يحتمل في الدوام (¬4) ". وسيأتي بيان هذه القاعدة في فصل الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تفيد هذه القواعد أن البقاء والاستمرار على الشيء يمكن أن يعطى له حكم الابتداء وهذا متفقٌ عليه عند الجميع وإن وقع الخلاف بينهم في بعض المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 49، صـ 76 ط جديدة. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة الثانية عشرة. (¬3) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 160. (¬4) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 406.

الرجل إذا تطيب قبل الإحرام بطيب وبقيت رائحته بعد الإحرام، كُره ذلك عند محمد وجُعل البقاء عليه كابتدائه وعند أبي يوسف لا يكره. والمسألة مختلف فيها بين الفقهاء. ومنها: إذا قال الرجل لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق. فجامعها. قال أبو يوسف: إذا أولج وقع الطلاق. فإن أخرج ثم أولج صار مراجعاً - إذا كانت الطلقة رجعية. وقال محمد: إذا أولج ومكث هنيهة على ذلك صار مراجعاً. فجعل البقاء عليه كابتدائه.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المائتين [المبدل]

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المائتين [المبدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أن بالقدرة على الأصل أي المبدل قبل استيفاء المقصود بالبدل ينتقل الحكم إلى المبدل. - أي الأصل. وعند أبي عبد الله الشافعي لا ينتقل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأشياء لها أصول يجب أداؤها بوجودها وإذا لم يوجد الأصل ينتقل الطلب إلى بدله إذا كان له بدل. كالماء أصل في الطهارة فإذا عُدِم الماء أو لم يقدر على استعماله ينتقل إلى بدله وهو التيمم. فتفيد هذه القاعدة أن المكلف إذا لم يجد الأصل - أي المبدل منه - وكان قادراً على البدل، ولكن قبل تمام العمل بالبدل عملاً تاماً كاملاً قدر على الأصل فهل يعود الحكم إلى الأصل - ولنُسَمِّه العزيمة - أو يبقى على البدل - ولنُسمِّه الرخصة؟. فعند الحنفية يعود الأمر إلى أصله - ويبطل ما عمل بالبدل. وقالوا: إن عند الشافعي يبقى الحكم للبدل ولا يرجع إلى الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المتيمم إذا وجد الماء خلال صلاته وقبل تمامها فعند الحنفية، والحنابلة (¬2) تفسد صلاته وعليه الوضوء واستئناف الصلاة، وأما عند الشافعي رضي الله عنه فلا تبطل ولا ينتقل إلى الأصل (¬3). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 73 وصـ 111 ط جديدة. (¬2) ينظر منار السبيل جـ 1 صـ 48. (¬3) ينظر الأم جـ 1 صـ 41.

وعند المالكية قولان: الأول قول مالك وهو عدم البطلان، والثاني: قيل يبطل وعليه الوضوء واستئناف الصلاة وإليه مال سحنون (¬1). ومنها إن المكفِّر عن يمينه إذا كفَّر بالصوم فوجد في اليوم الثاني أو في اليوم الثالث ما يكفر به من إطعام أو كسوة أو عتق. بطل حكم الصوم عند الحنفية. ولم يبطل عند الشافعي رحمه الله (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر الكافي جـ 1 صـ 184. (¬2) ينظر روضة الطالبين جـ 6 صـ 274 حيث ذكر أن في المسألة وجهين.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المائتين [البناء]

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المائتين [البناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن البناء لبانيه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه عند الاختلاف في بناء بين صاحب أرض وباني بناء فيها أن يكون البناء للباني لا لصاحب الأرض. إذا كان صاحب الأرض قد أذن للباني في البناء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل تناول ارضاً بني فيها ثم إنه آجرها بعد ذلك، ثم اختلف مع رب الأرض، فقال رب الأرض أمرتك أن تبني فيها ثم تؤجرها. وقال الآخر أي الباني: غصبتها منك وبنيت وأجرت. فالقول للباني - مع يمينه - إذا لم تكن هناك بينة لرب الأرض - وتقسم الأجرة بين الأرض والبناء فما أصاب الأرض بلا بناء فهو لصاحب الأرض، وما أصاب البناء فهو لبانيه، والعلة في استحقاق الأجرة للباني أن بناءَه كان بإذن صاحب الأرض. أما لو كان البناء بغير إذن صاحب الأرض فالبناء تبع للأرض وهي القاعدة التالية. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 99، صـ 75 ط جديدة، عن الخانية فصل الخصومة بين الزوجين جـ 2 صـ 416.

القاعدة السادسة والتسعون بعد المائتين [البناء]

القاعدة السادسة والتسعون بعد المائتين [البناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن البناء تابع للأرض (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة في الظاهر تخالف سابقتها, لأن الباني في الأرض هنا بنى بغير إذن صاحبها، فالباني غاصب للأرض بانٍ بغير إذن فالبناء هنا تابع للأرض وصاحب الأرض هنا يدعي الأرض والبناء، وقد ثبت استحقاقه في الأرض فيستحق البناء تبعاً، بخلاف السابقة لأنه وإن ثبت استحقاق الأرض لصاحبها فلم يثبت له استحقاق البناء لأن الباني إنما بنى بإذن صاحب الأرض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل في يده أرض استحقها آخر فقال الذي في يده الأرض: البناء لي لأني غصبتها منك وبنيتها، وقال رب الأرض: غصبتها مني مبنية، كان القول قول رب الأرض مع يمينه - عند عدم بينة من الغاصب على البناء - ويكون البناء لصاحب الأرض, لأن البناء تابع للأرض. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 75 عن الخانية جـ 2 صـ 416 فصل الخصومة بين الزوجين في الغزل.

القاعدة السابعة والتسعون بعد المائتين [الكتاب - البيان - الخطاب]

القاعدة السابعة والتسعون بعد المائتين [الكتاب - البيان - الخطاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان (¬1) ". وفي لفظ: "الكتاب كالخطاب (1) ". تحت قاعدة "العادة مُحكّمة" هنا وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن العبارات الكتابية كالمخاطبات الشفهية في ترتب الأحكام عليها، فما يترتب على المكالمات الشفوية يترتب على المكالمة الكتابية. وكما قيل "القلم أحد اللسانين، والكتابة ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان رجل في مكة وكتب إلى آخر في دمشق: بعتك داري الكائنة في دمشق أو في غيرها - وذكر أوصافها وموقعها وحدودها والمبلغ الذي سيبيعها به فيكتب إليه الآخر بعد وصول الكتاب اشتريت منك الدار المذكورة فينعقد البيع بينهما كالمشافهة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 6 صـ 143، أشباه السيوطي صـ 308، وأشباه ابن نجيم صـ 339، ومجلة الأحكام المادة 69 مع الشرح للأناسي جـ 1 صـ 190، والمدخل الفقهي الفقرة 609، والوجيز ص 244 مع الشرح والبيان.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المائتين [البيان - الاقرار]

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المائتين [البيان - الاقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن البيان يعتبر بالابتداء إن صح الابتداء وإلا فلا (¬1) ". وفي لفظ: "من أخبر عن أمر يملك إنشاءه في الحال يصدق فيه ومَن لا فلا (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ورد قول مبهم يحتاج إلى البيان - وكان ذلك القول وارداً في وقت لا يظهر فيه معناه فإنما يُحمل على أنه ابتداء قول، فإذا صح الابتداء بذلك القول أَو إنشاؤه في الحال صح بيانه وصدق فيه قائله وإلا لم يصح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لامرأَتيه - وقد دخل بهما - أنتما طالقتان. ثم قال لهما - وهما في العدة - إحداكما طالق ثلاثاً، فعلى الرجل بيان المطلقة منهما ما دامتا في العدة، كما لو قال لهما هذا القول ابتداءً, لأنه الآن يملك إنشاء الطلاق الثلاث. فإذا بيَّن المطلقة منهما صح ووقع عليها الطلاق البائن. أما لو انقضت عدتهما ثم بيَّن المطلقة ثلاثاً فلا يصح طلاقه, لأنه لا يصح منه الآن بعد انقضاء العدة. وأما إذا انقضت عدة إحداهما أولاً وبقيت الآخرى للثلاث فتقع عليها. ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي صـ 120 مع تأسيس النظر. (¬2) بدائع الصنائع جـ 3 صـ 185.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المائتين [تخصيص الصفة - مفهوم المخالفة]

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المائتين [تخصيص الصفة - مفهوم المخالفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن تخصيص الشيء بالذكر والصفة لا ينفي حكم ما عداه وعند الإمام الشافعي ينفي حكم ما عداه (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصولية تختص ببيان حكم ما يسميه الحنفية تخصيص الشيء بالذكر والصفة، وما يسميه غيرهم "مفهوم المخالفة". فالقاعدة عند الحنفية أن تخصيص الشيء بالذكر والصفة لا ينفي حكم غيره مما لم يذكر أو يوصف بنفس الصفة. وإن ما ذكر أو خصص بصفة فله حكمه المذكور وما عداه فهو مسكوت عنه ولا يحكم عليه بحكم مخالف للمذكور أو موافق له. وأما عند الإمام الشافعي وغيره من الأئمة رضوان الله عليهم فما خص بذكر أو صفة فما عداه فحكمه بخلافه. ولزيادة التفصيل في هذه المسألة يرجع إلي كتب أصول الفقه عند الحنفية وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن نكاح الأمة الكتابية جائز عند الحنفية, لأنها مسكوت عنها. وعندهم غيرهم لا يجوز لقوله تعالى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (¬2) حيث خص المؤمنات بالذكر فكان من عداهن حكمه خلاف حكمهن. ومنها: أن المبتوتة لها النفقة والسكنى حاملاً كانت أو غير ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 87، وصـ 131 ط ط جديدة. (¬2) الآية 25 من سورة النساء.

حامل لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1) وهذا مذهب الحنفية (¬2). وعند الشافعي رضي الله عنه، لا نفقة لها إذا كانت غير حامل لأن الله تعالى قد خص الحامل (¬3)، وهذا وصف لها فانتفى الحكم عن غيرها ولكن لها السكنى فقط، وهو مذهب مالك رحمه الله. وعند أحمد رحمه الله ثلاث روايات أشهرها أنها لا نفقة لها ولا سكنى (¬4). ¬

_ (¬1) الآية 6 من سورة الطلاق. (¬2) ينظر مجمع الأنهر جـ 1 صـ 495 وغيره من كتب الحنفية. (¬3) الأم جـ 5 صـ 97. (¬4) المقنع جـ 3 صـ 308 - 309 مع حاشيته.

القاعدة الثلاثمائة [الترجيح]

القاعدة الثلاثمائة [الترجيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل الترجيح بقوة السبب (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تعارض أمران ومع أحدهما سبب أقوى من الآخر فإنه يرجح بالسبب الأقوى. وبأخذ الفعل حكمه بناء على ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اجتمع في مال ميت وصية وعتق بديء بالعتق، كما لو كان لإنسان مال أوصى ببعضه وعتق عبده، وكان عبده المعتق ثلث ماله - فيعتق العبد ويقدَّم على الوصية, لأن العتق لا يحتمل الفسخ. والرق بعد سقوطه لا يحتمل العود. ولذلك كان العتق أقوى سبباً من الوصية, لأنه يلزم بنفسه على وجه لا يحتمل الرد والرجوع عنه. بخلاف الوصية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 صـ 77 باب وجوه من العتق.

القاعدة الواحدة بعد الثلاثمئة [تعليق الأملاك]

القاعدة الواحدة بعد الثلاثمئة [تعليق الأملاك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن تعليق الأملاك بالأخطار باطل وتعليق زوالها بالأخطار جائز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعليق: هو ربط أو اشتراط حصول شيء بحصول شيء آخر. ومعنى الأخطار الأمور التي يمكن أن تقع وأن لا تقع. فتفيد هذه القاعدة أن ربط حصول الأملاك بما يمكن أن يقع وألا يقع يمنع حصولها ويبطل عقودها (¬2). وأما زوال الأملاك فربطها وتعليقها بما يمكن أن يقع وألاَّ يقع فهو جائز وتترتب الأحكام تبعاً لحصول الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لآخر إذا دخلت هذه الدار فقد بعتك هذه السيارة بمبلغ كذا، فقال: قبلت. أو قال ذلك في الإجارة أو الهبة أو غيرها لم يصح العقد ولم يقع الملك عند حصول الشرط ووجوده. ولكن إذا قال لامرأته: إذا دخلت الدار فأنت طالق، فعند وجود الشرط يقع الطلاق ويزول ملك النكاح. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 115. (¬2) المقنع لابن قدامة جـ 2 صـ 31.

القاعدة الثانية بعد الثلاثمئة [المراعاة]

القاعدة الثانية بعد الثلاثمئة [المراعاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل مالك رضي الله عنه تقديم مراعاة ما لا بد منه على ما منه بد وإن كان دونه في الطلب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمور من حيث أهميتها مراتب فمنها الأهم ومنها المهم، ومنها ما دون ذلك، ومنها ما لا بد للإنسان منه، أو ما لا بد للعبادة من وجوده أو انتفائه، ومنها ما يمكن للإنسان أن يستغني عنه أو تصح العبادة بدونه، فعند التعارض يقدم الأهم على ما دونه، ويقدم ويراعى ما لا تتم العبادة على وجهها الصحيح إلا به يقدم على ما يمكن أن تتم بدونه أو أن وجوده يفسدها. ولو كان ما يقدم ويراعى دون غيره في الحاجة إليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من مشى بخفه على ما لا يجزيء فيه الدلك من النجاسة - كالنجاسة السائلة - ولا يوجد ماء لكي يغسله أو يغسل قدميه يجب عليه خلع خفه ثم ينتقل إلى التيمم ولا يصلي على حاله. فهنا قدم صحة الصلاة بالتيمم - وهو الأمر الذي لا بد منه - على خلع الخف النجس - وإن كان لابسه متوضئاً. ومنها: من رعف ورجا أن يتقطع الرعاف قبل خروج الوقت جاز له تأخير الصلاة إلي آخر الوقت الضروري، وقيل الاختياري - فهنا أيضاً قدم وروعي صحة الصلاة بطهارة تامة مع تأخيرها، على أدائها في أول وقتها مع النجاسة، وهي دم الرعاف السائل. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الثالثة والخمسون جـ 1 صـ 274.

القاعدة الثالثة بعد الثلاثمئة [تعارض الأدلة]

القاعدة الثالثة بعد الثلاثمئة [تعارض الأدلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن التوفيقين إذا تلاقيا وتعارضا وفي أحدهما ترك اللفظين على الحقيقة فهو أولى (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى تعارض الدليلين وتبين إحدى طرق الجمع بين المتعارضين. فإذا وجد تعارض بين دليلين وكان في دلالة أحدهما ترك اللفظين في الحقيقة وفي الآخر عمل بأحدهما وإهمال الآخر كان الأول أولى. لأن إعمال اللفظين بجمل أحدهما على الآخر أولى من ترك وإهمال أحدهما. ويكون هذا من باب التوفيق بين الأدلة وهو أولى من ترجيح أحدهما وإهمال الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال صلى الله عليه وسلم "المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة (¬2) " مع قوله عليه الصلاة والسلام "المستحاضة تتوضأ لكل صلاة (¬3) " ففي الحديث الأول ذكر الوقت فيفيد أن الوضوء موقت بالصلاة. والثاني: ليس فيه ذكر الوقت فيفيد أن المستحاضة تتوضأ لكل فريضة لا لوقت الصلاة. ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي صـ 119 مع تأسيس النظر. (¬2) نيل الأوطار جـ 1 صـ 412 وضعفه وأنكر ذكر الوقت في الحديث. (¬3) سنن أبي داود جـ 1 صـ 71، وابن ماجة، والترمذي، وورد في نيل الأوطار جـ 1 صـ 411 بلفظ: "عند كل صلاة" والحديث فيه اختلاف كثير فالأكثرون على تضعيفه. والظاهر أن النسفي حينما مثل بالحديثين ساقهما بالمعنى لا باللفظ لأنه لم يرد أي من الحديثين باللفظ الذي ساقه.

فعمل الحنفية بالأول فأباحوا للمستحاضة إذا دخل الوقت وتوضأت أن طهارتها ممتدة فتصلي بوضوئها ما شاءت من الصلوات حتى يخرج وقت تلك الصلاة التي توضأت لها. وعمل الشافعية بالثاني فأهملوا الوقت وأوجبوا على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة ولم يحدد الطهارة بالوقت، وفي هذا إهمال للتوقيت، ومالك يستحب للمستحاضة الوضوء لكل صلاة ولا يوجبه (¬1). وعند أحمد تتوضأ لكل صلاة وتصلي ما شاءت من الصلوات (¬2) وأما عند الشافعي فيوجب عليها الوضوء لكل فريضة (¬3). ¬

_ (¬1) الكافي جـ 1 صـ 189. (¬2) المقنع جـ 1 صـ 96 مع الحاشية (¬3) روضة الطالبين جـ 1 صـ 251.

القاعدة الرابعة بعد الثلاثمئة [التيمم]

القاعدة الرابعة بعد الثلاثمئة [التيمم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في باب التيمم أن يكون حكمه مأخوذاً من المسح على الخفين (¬1) ". خلافاً للشافعي في بعض المسائل المبنية على هذا الأصل. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى حكم نوعين من أنواع الطهارة بالمسح في أيهما أصل. فعند الحنفية: أن المسح على الخفين أصل في المسح ويحمل عليه في الأحكام التيمم, لأنه مسح، وإن كان المسح على الخفين بالماء ومسح التيمم بالتراب. وقد خالف الشافعي رضي الله عنه في بعض المسائل المبنية على هذا الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية يجوز التيمم قبل وقت الصلاة, لأنه مسح أقيم مقام الغسل فأشبه المسح على الخفين، والمسح على الخفين يجوز قبل دخول وقت الصلاة. وأما عند الشافعي (¬2) رضي الله عنه وعند مالك (¬3) رضي الله عنه ورواية عن أحمد (¬4) رضي الله عنه، فإنه لا يجوز التيمم قبل دخول الوقت. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 99 وصـ 146 ط جديدة. (¬2) الأم جـ 1 صـ 39. (¬3) الكافي جـ 1 صـ 183. (¬4) المقنع جـ 1 صـ 66 - 67 مع الحاشية.

ومنها أن المتيمم إذا فرغ من الصلاة ثم وجد الماء قبل خروج الوقت لا تلزمه الإعادة عند الحنفية ولا عند الشافعي وأحمد رضي الله عنهما، وأما عند الإمام مالك بن أنس فيلزمه الإعادة استحباباً (¬1) ¬

_ (¬1) الكافي جـ 1 صـ 180.

القاعدة الخامسة بعد الثلاثمئة [الجمع]

القاعدة الخامسة بعد الثلاثمئة [الجمع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الجماعة شرط في الجمع بين الصلاتين في عرفات (¬1) ". [ضابط] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السنة الجمع بين صلاتي الظهر والعصر في وقت الظهر في عرفات، جمع تقديم - يوم عرفه - ولكن هل يسن الجمع للمنفرد كما هو للجماعة؟ عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن من شروط جواز الجمع بين الصلاتين في عرفات وجود الجماعة، فمن صلى منفرداً فلا يجمع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جمع بالناس، وهو بمنزله الجمعة. وهناك رواية أخرى عن الإمام لا يشترط لها الجماعة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 53.

القاعدة السادسة بعد الثلاثمئة [الجهالة]

القاعدة السادسة بعد الثلاثمئة [الجهالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند ابن أبي ليلى (¬1) أن الجهالة إذا قلَّت لا تؤثر في فساد العقد، وإن كثرت توجب فساده. وعند علماء الحنفية إن ما لا تقع المنازعة فيه إلى القاضي فلا أثر لعلة الجهالة وكثرتها في فساده (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة بيان أثر الجهالة في أحد العوضين: فعند ابن أبي ليلى إن المؤثر في فساد العقد هي كثرة الجهالة، فإذا قلَّت الجهالة لم يفسد العقد، وإن كثرت فسد العقد، ولا حد لقلة الجهالة وكثرتها إلا العرف. وأما عند الحنفية فإن الذي يؤثر في فساده العقد، إنما هو وقوع المنازعة عند القضاء فما تقع فيه االمنازعة التي توجب الرفع إلى القاضي فهذا الذي يوجب فساد العقد. وما لا فلا, ولا أثر لقلة الجهالة وكثرتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الرجل: كل امرأة أتزوجها فهي طالق. فتزوج يقع الطلاق على المنكوحة عم أو خص. عند الحنفية. ¬

_ (¬1) ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن يسار بن بلال الأنصاري الكوفي قاض، فقيه من أصحاب الرأي معاصر لأبي حنيفة، ولي القضاء والحكم بالكوفة مدة 33 سنة تُوفي بالكوفة سنة 148 هـ. الأعلام جـ 6 صـ 189، وله ترجمة في كثير من كتب التراجم. (¬2) تأسيس النظر صـ 69 وصـ 105 طـ جديدة.

وقال ابن ليلى: إذا عمَّ لم يصح التعليق، وإن خص فالتعليق يصح., لأنه إذا عمَّ كثرت الجهالة وإذا خصَّ قلت الجهالة. ففي هذا المثال يتضح أن المقصود بالعقد ليس - عقد البيع فقط، بل كل تصرف يمكن أن يتصرف به الإنسان أو كل عبادة يتلفظ بها الإنسان ليبني عليها حكماً شرعياً. ومنها: إذا قال الرجل: كل عبد اشتريه فهو حر. ثم اشترى عبداً صح تعليقه ووقع العتق عمَّ أو خصّ عند الحنفية. وأما عند ابن أبي ليلى: إذا عمَّ لا يقع كما لو قال: كل عبد اشتريه فهو حر. ثم اشترى عبداً فلا يقع العتق. وأما إذا قال: كل عبد رومي مثلاً، أو من بلدة كذا فهو حر. ثم اشترى عبداً بالصفة التي ذكرها وقع العتق, لأنه خصَّ.

القاعدة السابعة بعد الثلاثمئة [العرف والعادة]

القاعدة السابعة بعد الثلاثمئة [العرف والعادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن جواب السؤال يجري على حسب ما تعارف كل قوم في مكانهم (¬1) ". تحت قاعدة "العادة محكَّمة". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى تاليتها ولكنها أصرح منها من حيث أنها أشارت إلى العرف، وأن تصرفات المكلفين القولية والفعلية إنما تحمل على ما تعارفوه بينهم ما لم تكن هناك نيَّة بخلافه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان من عادة قوم أن لا يأكلوا إلا خبز الأرز فحلف بعضهم أن لا يأكل خبزاً فلا يحنث إلا بأكل خبز الأرز. ولا يحنث إذا أكل خبز الشعير أو القمح, لأنه غير متعارف بينهم، وهذا عند الأكثرين، وإن قال آخرون إنه يحنث بأكل أي خبز كان حملاً على المعنى اللغوي. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 112 والوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية صـ 213.

القاعدة الثامنة بعد الثلاثمئة [العرف والعادة]

القاعدة الثامنة بعد الثلاثمئة [العرف والعادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن السؤال والجواب يمضي على ما عم وغلب لا على ما شذ وندر (¬1) ". تحت قاعدة "العادة محكَّمة". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بأثر العرف في تصرفات المكلفين من أقوال وأفعال، وتفيد أن عبارات المكلفين إنما تحمل على الغالب المتعارف بين الناس والمشهور بينهم ما لم يصرحوا بخلافه، ولا تحمل على الشاذ أو النادر من المحامل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف لا يأكل بيضاً، فهو على البيض المتعارف أكله بين الناس - وهو بيض الدجاج فلا يحنث إذا أكل بيض الحوت ما لم يكن له نيَّة. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 112 مع تأسيس النظر، وينظر المنثور للزركشي جـ 2 من صـ 377 فما بعدها.

القاعدتان التاسعة بعد الثلاثمئة والعاشرة بعد الثلاثمئة [جواز البيع]

القاعدتان التاسعة بعد الثلاثمئة والعاشرة بعد الثلاثمئة [جواز البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أن جواز البيع يتبع الضمان. فكل ما كان مضموناً بالإتلاف جاز بيعه، وما لا يضمن بالإتلاف لا يجوز بيعه". وعند الإمام الشافعي رحمه الله: جواز البيع يتبع الطهارة فما كان طاهراً جاز بيعه وما لم يكن طاهراً لم يجز بيعه (¬1) ". وتأتي في حرف الجيم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة بيان ما يجوز بيعه وما لا يجوز. فالقاعدة المستمرة عند الحنفية أن جواز البيع يتبع الضمان فما كان مضموناً بالإتلاف جاز بيعه، وما لم يكن مضموناً لم يجز بيعه، فعند الحنفية إن الأشياء كلها مضمونة على متلفها ومقومة إلا ما حرم الشرع بيعه كالميتة والدم والخمر والخنزير بين المسلمين وأشباه ذلك. وقاعدة جواز البيع عند الإمام الشافعي رضي الله عنه مبني على طهارة المبيع فما كان طاهراً جاز بيعه - أي ما حكم الشرع بطهارته فهو جائز البيع، وما لم يكن طاهراً فلا يجوز بيعه. هذا ما تفيده هذه القاعدة عن مذهب الإمام الشافعي في هذا الموضوع. أقول: ولكن الذي ذكره الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم: ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 90 وصـ 135 ط جديدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أن ما لا يجوز بيعه هو كل ما ثبتت حرمته عن الله عز وجل أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم قال: استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسانه، فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحنا بما وصفنا من إباحة البيع بكتاب الله تعالى (¬1). وقد قال في موضع آخر: ولا يجوز لأحد أن يبيع ما لا يضمن (¬2). وعند مالك رضي الله عنه: كل ما لا يحل أكله ولا شربه من الميتات والدماء والنجاسات فلا يحل بيعه (¬3). وعند أحمد رضي الله عنه ذكر من شروط صحة البيع أن يكون البيع مالاً - وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة (¬4) ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جواز بيع السرقين النجس عند الحنفية، وأما عند مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم فلا يجوز لأنه نجس. ومنها: بيع الدهن الذي وقعت فيه فأرة وماتت جائز عند الحنفية، لأنه مضمون بالإتلاف فجاز أن يكون مضموناً بالعقد. وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه غير مضمون لأنه نجس. ¬

_ (¬1) ينظر الأم جـ 3 صـ 2 فما بعدها. (¬2) الأم جـ 3 صـ 31. (¬3) الكافي جـ 2 صـ 675. (¬4) ينظر المقنع جـ 2 صـ 5 ح 14

ومنها بيع كلب الصيد جائز عند الحنفية ومالك لأنه مضمون بالإتلاف فجاز أن يكون مضموناً بالعقد. وأما عند الإمام الشافعي رضي الله عنه فلا يجوز بيعه لأنه غير مضمون ولأنه نجس. هكذا قال النسفي (¬1). أقول: والذي عند الإمام الشافعي رضي الله عنه إن عدم جواز بيع الكلب مستند إلى ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (¬2). والأحاديث التي تنهى عن اقتناء الكلاب، والأحاديث التي تأمر بقتلها (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) ينظر تأسيس النظر صـ 90 وصـ 135 ط جديدة. (¬2) الحديث رواه الجماعة وينظر المنتقى جـ 2 صـ 316 والأحاديث (2779 - 2782). (¬3) ينظر الأحاديث في ذلك في المنتقى جـ 2 صـ 869 فما بعدها. (¬4) الأم جـ 3 صـ 9 فما بعدها.

القاعدة الحادية عشرة بعد الثلاثمئة [تعارض الأصلين - قياس الشبه]

القاعدة الحادية عشرة بعد الثلاثمئة [تعارض الأصلين - قياس الشبه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الحادثة مهما أخذت شبهاً من الأصلين وهي منقسمة على وجهين فإنها ترد إلى كل واحدٍ من القسمين توفيراً على الشبهين حظهما, ولا يرد القسمان جميعاً إلى أصل واحد, لأن في ذلك اعتبار أحد الأصلين وترك الآخر. واعتبار الأصلين أولى". وهذا بخلاف الحادثة إذا كانت ذات وجهة واحدة ويتجاذبها أصلان ردت الحادثة إلى أحدهما, لأن ردها إلى الأصلين ممتنع يؤدي إلى التنازع. فإذا كانت الحادثة منقسمة إلى القسمين فردُّ كل واحد من القسمين إلى الأصل لم يوجب التناقض (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحادثة هنا: العقد أو التصرف. وتفيد هذه القاعدة أن العقد أو التصرف إذا أخذ شبهاً من أصلين وكان منقسماً على وجهين فيرد هذا العقد أو التصرف إلى القسمين أو الوجهين أو الأصلين ليوفر على الشبهين من الأصلين حظهما, ولا يجوز رد القسمين جميعاً إلى أصل واحد؛ لأن في ذلك اعتبار أحد الأصلين. وترك الآخر واعتبار الأصلين أولى. وهذا بخلاف ما إذا كانت الحادثة ذات وجهة واحدة وقد تجاذبها أصلان فهنا يجب رد هذه الحادثة ذات الوجهة ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 104 وصـ 153 ط جديدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الواحدة إلى أصل واحد ولا يجوز ردها إلى الأصلين لأن ذلك ممتنع ويؤدي إلى التنازع بخلاف ما إذا كانت الحادثة منقسمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الهبة بشرط العوض أخذت شبهاً من الهبات وشبهاً من البياعات، فهي ترد إلي الشبهين من وجهين: فحكمها في الابتداء حكم الهبات فلا تصح من غير قبض ولا يجبر على التسليم، والشيوع يبطلها، وهذه من أحكام الهبة، وحكمها في الانتهاء حكم البيع حتى إنها تجب فيها الشفعة وترد بالعيب .. إلخ. أحكام البيع. وعند زُفر رحمه الله حكمها حكم البيع من الابتداء.

القاعدتان: الثانية عشرة بعد الثلاثمئة والثالثة عشرة بعد الثلاثمئة [الحلف]

القاعدتان: الثانية عشرة بعد الثلاثمئة والثالثة عشرة بعد الثلاثمئة [الحلف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن الحالف على فعل غيره يحلف على البت إن كان إثباتاً، وعلى نفي العلم إن كان نفياً (¬1) ". وفي لفظ: "مَنْ حلف على فعل نفسه حلف على البت، وإن حلف على فعل غيره فإن كان على إثبات فكذلك، وإن كان على نفي حلف على نفي العلم (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "اليمين على البت إلا أن يحلف على نفي فعل غيره (¬3) ". وفي لفظ: "إن الحالف على فعل نفسه يحلف على البت وعلى فعل غيره على نفي العلم (¬4) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالبت القطع والجزم، فتفيد هذه القواعد أن الحالف إما أن يحلف على فعل نفسه إما مثبتاً وإما نافياً، وأما أن يحلف على فعل غيره إما ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 6 صـ 443 - 444. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 438، والمنثور جـ 2 صـ 76، أشباه السيوطي صـ 505، وقواعد الحصني ق 2 جـ 2 صـ 393، والمجموع المذهب للعلائي (ورقة 377/ أ). (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 438. (¬4) الأشباه والنظائر لابن الركيل ق 1 صـ 334.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

مثبتا أيضاً وإما نافياً، فمن حلف على فعل نفسه نفياً أو إثباتاً كان حلفه على البت والقطع والجزم بالفعل أو النفي، وأما من حلف على فعل غيره فإن كان على الإثبات كان على البت أيضاً، وأما إن كان الحلف على فعل غيره على النفي كان حلفه على نفي العلم لا على البت. فمن أراد إثبات أمر بيمينه فهو يحلف على اليقين والقطع بصدور ذلك الفعل من فاعله، وأما إن كان يريد الحلف على عدم الفعل من غيره وأنه لم يحصل كان حلفه على عدم العلم بالحصول أو الوقوع، ولا يكون حلف على العلم بعدم الوقوع. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: منكر الرضاع يحلف على نفي العلم إذا كان ينكر رضع غيره، وأما المرأة إذا كانت تنكر الإرضاع فإنها تحلف على البت، ومن ادعى الرضاع يحلف على البت. يستوي في ذلك الرجل والمرأة (¬1). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 6 صـ 443 - 444.

القواعد: الرابعة عشرة بعد الثلاثمئة والخامسة عشرة بعد الثلاثمئة والسادسة عشرة بعد الثلاثمئة [دلالة الحال]

القواعد: الرابعة عشرة بعد الثلاثمئة والخامسة عشرة بعد الثلاثمئة والسادسة عشرة بعد الثلاثمئة [دلالة الحال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن الحالة من الدلالة كما للمقالة (¬1) ". ومثله: "الإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحاً (¬2) ". وقريب منه: "السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالحال أو الحالة غير اللفظ من عُرف أو إشارة أو علامة موضوعة بوضع خاص أو حال في الساكت تجعل سكوته بمنزلة نطقه. والمراد بالدلالة: الإفادة والإذن. والمراد بالمقالة: اللفظ الصريح. فمعنى القاعدة أن لغير اللفظ من عرف أو إشارة أو علامة أو حال إفادة كما للفظ الصريح عند عدم وجوده. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من أودع رجلاً مالاً فدفعه إلى من هو في عياله فهلك عنده لم يضمن، وإن لم يصرح له المودع بالإذن بالدفع إلى غيره: لأنه لما أودعه مع علمه بأنه لا يمكنه أن يحفظه بيده آناء الليل والنهار كان ذلك إذناً منه ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 111 مع تأسيس. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 145، 152، 160. (¬3) المجلة المادة 67.

دلالة أن يحفظه له كما يحفظ مال نفسه، وهو يحفظ مال نفسه تارة بيده وتارة بيد من عياله، وكان ذلك كالإذن به صريحاً. ومنها: لو حلق الحلال رأس محرم وهو ساكت فلم يمنعه مع القدر على المنع فتلزمه الفدية كما لو حلق بأمره (¬1) في الأصح. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 2 صـ 207.

القاعدة السابعة بعد الثلاثمئة [الخصومة والحق المشترك]

القاعدة السابعة بعد الثلاثمئة [الخصومة والحق المشترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن حق الحاضر إذا كان متصلاً بحق الغائب فإن الحاضر ينتصب خصماً عن الغائب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستقرة أنه إذا كان الحق مشتركاً بين حاضر وغائب فإن الحاضر ينتصب ويقف خصماً مطالباً بالحق عن نفسه وعن الغائب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاء شاهدان قالا كنا عبدين فأُعتقنا وأقاما البينة على ذلك قبل القاضي شهادتهما وحكم بعتقهما. وإذا جاء مولاهما وأنكر العتق لم يقبل قوله لأن المشهود عليه هو خصم لهما - ويعتبر كوكيل المولى فيلزم بشهادتهما حين إقامة البينة على عتقهما, لأن المشهود عليه بسكوته على شهادتهما اعتراف منه بحريتهما فيعتبر في هذه الحال كوكيل عن المولى فيُلزم بشهادتهما عليه. كما أن أحد الورثة يقوم خصماً عن الميت وعن الورثة فيما يدعى على الميت كدعوى الدين. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 158.

القاعدة الثامنة عشرة بعد الثلاثمئة [الغنيمة]

القاعدة الثامنة عشرة بعد الثلاثمئة [الغنيمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن الحق في الغنيمة يتعلق بالأخذ ويستقر بالإحراز في الدار ويقع الملك بنفس القسمة". وعند الإِمام أبي عبد الله الشافعي يقع الملك بنفس الأخد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بحكم الغنائم ومتى يحكم بملكيتها للغانمين. فمعنى الغنيمة: هي الأموال التي اغتنمتها المسلمون واكتسبوها من الكفار بالحرب. وحكمها أنها تقسم خمسة أقسام: أربعة منها للغانمين لها والخمس الباقي للإمام يفعل به ما أمره الله بفعله. فعند الحنفية أن الغنيمة لها ثلاثة أحوال: أولاً: أخذها من العدو. ففي هذه الحالة الأولى يتعلق بها الحق. ثانياً: استقرار الأخذ بالإحراز في دار الإِسلام فهنا استقر الحق فيها. وثالثها: إذا قسمت بين الغانمين وقع الملك فيها لهم. وقبل ذلك لا ملك لهم فيها (¬2). ولا يجوز عند الحنفية قسمتها قبل الإحراز في دار الإِسلام وعند الإِمام الشافعي رضي الله عنه: يملك الغانمون الغنيمة بمجرد الإستيلاء عليها، فعلى ذلك يجوز قسمتها في دار الحرب قبل ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 78، وصـ 118 ط جديدة. (¬2) ينظر مجمع الأنهر جـ 1 صـ 641 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الإحراز في دار الإِسلام (¬1) وهو كذلك عند الإِمام مالك بن أنس (¬2). وعند الإِمام أحمد بن حنبل (¬3) رضي الله عنهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا فتح الإِمام بلدة عنوة - أي بقوة السلاح - جاز له أن يَمُنَّ على أهلها ولا يسترقهم لأن الغانمين لا يملكون الغنيمة بنفس الأخذ فلم يكن في المنَّ - أي العفو - إبطال حقهم. وعند الآخرين لا يجوز أن يمن الإِمام عليهم لأنهم أصبحوا ملكاً للغانمين بنفس الأخذ وليس للإمام أن يبطل ملكهم إلا إذا رضوا هم بذلك. ¬

_ (¬1) ينظر رأي الإِمام الشافعي في الأم جـ 4 صـ 65، صـ 103. (¬2) ينظر الكافي لابن عبد البر جـ 1 صـ 476. (¬3) ينظر المقنع لابن قدامة جـ 1 صـ 501.

القاعدة التاسعة عشرة بعد الثلاثمئة [الحق]

القاعدة التاسعة عشرة بعد الثلاثمئة [الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند ابن أبي ليلى: أن الحق الواحد لا يجوز أن يثبت في محلين مختلفين, لأنه متى ثبت في محل خلا عنه المحل الأول (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحق الواحد قد يكون عيناً وقد يكون في الذمة، فما كان عيناً فلا يجوز عقلاً أن يوجد في محلين مختلفين في وقت واحد. وأما ما كان ديناً أو في الذمة فيحتمل التعدد في المحال، ولكن ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى: يرى أن الحق الواحد سواءً كان عيناً أم ديناً في الذمة، لا يتعدد ولا يثبت في محلين مختلفين في وقت واحد, لأنه متى ثبت ووجد في محل خلا عنه المحل الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى: أن الكفالة تبريء ذمة المكفول عنه فهي عنده كالحوالة, لأن الحق واحد وهو هنا انشغال الذمة - فلا يجوز أن يكون في محلين مختلفين كالعين الواحدة. وعند الجمهور من الفقهاء الحنفية وغيرهم أن الكفالة لا تبريء ذمة الأصيل لأن معنى الكفالة: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل، بخلاف الحوالة التي معناها نقل ذمة إلى ذمة أخرى. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 70 وصـ 19 ط جديدة.

القاعدة العشرون بعد الثلاثمئة [استيفاء الحقوق]

القاعدة العشرون بعد الثلاثمئة [استيفاء الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة أن الحقوق إذا تعلقت بالذمة وجب استيفاؤها من العين، فإذا ازدحمت في العين وضاقت عن إيفائها قسمت العين على طريق العول، وكذلك كل عين إذا ازدحمت فيها حقوق لا في العين تقسم أيضاً على طريق العول، وإذا كنت الحقوق متعلقة بعينها قسمت بينهم على طريق المنازعة". وعندهما - أي أبي يوسف ومحمد: - كل عين تضايقت عن الحقوق نظر فيها: فما كان منها لو انفرد صاحبه لا يستحق العين كلها فإن تقسم على طريق المنازعة، وما كان منها لو انفرد صاحبه استحق الكل وإنما ينقصه انضمام غيره إليه فإنه يقسم على طريق العول (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالذمة: أهلية المكلف إلى تحمل الحقوق، أو تحمل عهدة ما يجري بينه وبين غيره من العقود الشرعية أو التصرفات. والذمة أمر معنوي يعتبر وعاءً لتحمل الحقوق. والمراد بالعين: نفس الشيء (1) كالدار والأرض والمتاع. ¬

_ (¬1) مختار الصحاح مادة "ع ي ن".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والمراد بالعول: زيادة السهام على أصل المسألة وارتفاعها (¬1) من عال يعول إذا زاد، والمراد بالمنازعة: المقاسمة والمخاصمة. فتفيد هذه القاعدة أن الحقوق إما أن تكون متعلقة بالذمة واستيفاؤها من عين، وإما أن تكون متعلقة بالعين نفسها. فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا تعلقت الحقوق بالذمة، كالديون - وكانت هناك عين - من أرض أو عقاراً أو متاع أو حيوان - فإن هذه الحقوق تستوفى من العين -, لأن الذمة خربت بالموت أو الإفلاس - فإذا كانت الحقوق أكثر من ثمن العين وضاقت العين عن الوفاء بها فتقسم العين - أو قيمتها على الدائنين على طريق العول، بمعنى أن يقاسم الغرماء بالحصص. وكذلك كل عين ازدحمت عليها الحقوق لا في العين نفسها فتقسم على طريق العول. وإما إذا كانت الحقوق متعلقة بالعين نفسها فتقسم بين الغرماء عن طريق المقاسمة. وأما عند الصاحبين: فإن كل عين تضايقت عن الوفاء بالحقوق، ففي المسألة تفصيل: إذا كان الحق لو انفرد صاحبه لا يستحق العين كلها فإن العين تقسم على طريق المنازعة. وأما إذا كان الحق لو انفرد به صاحبه استحق الكل وإنما ينقصه انضمام غيره إليه فإنه يقسم على طريق العول. فلا فرق عندهما بين تعلق الحقوق بالذمة أو بالعين ما دام في العين وفاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه صـ 247.

إذا كانت دار في يد رجل فادعى رجل آخر نصفها وادعى رجل ثالث كلها وأقاما حميعاً البينة على ما يدعيانه، فعند أبي حنيفة رحمه الله أنها تقسم بينهما على طريق المنازعة, لأن الحقوق هنا تعلقت بنفس العين - فلمدعي النصف ربعها ولمدعي الكل ثلاثة أرباعها., لأن المنازعة عند أبي حنيفة رحمه الله في النصف خاصة (¬1) فيقسم بينهما. فنصف النصف الربع. وأما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فتقسم بينهما على طريق العول فلمدعي النصف الثلث والثلثان لمدعي الكل, لأن المسألة فيها نصف وكل، فتعول من اثنين إلى ثلاثة. ¬

_ (¬1) حيث أن مدعي النصف لا ينازع مدعي الكل في النصف الثاني فسلم لصاحب الكل النصف واستوت منازعتها في النصف الآخر فيقسم بينهما نصفين. مجمع الأنهر جـ 2 صـ 280.

القاعدة الحادية والعشرون بعد الثلاثمئة [الحقوق]

القاعدة الحادية والعشرون بعد الثلاثمئة [الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: أن حقوق الأشياء معتبرة بأصولها، وقد اعتبرها أبو حنيفة رحمه الله ملحقة كذلك في كثير من المواضع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تفيد أن الأشياء لها أصول تنبني عليها أحكامها, ولها حقوق مترتبة على هذه الأصول وناتجة عنها. فهل تعتبر الحقوق بأصولها وتقاس عليها أو لا تعتبر بها؟. عند أبي يوسف ومحمد يعتبر على الإطلاق فكل حق معتبر بأصله فما يجب أو يجوز في الأصل يجب أو يجوز في الحق التابع له وما يمتنع يمتنع. وعند أبي حنفية أنه يمنع إلحاق بعض الحقوق بأصولها في بعض المواضع، وفي بعض آخر يلحق الحق بأصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من دبَّر نصف عبده فعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز ذلك لأن التدبير حق من حقوق العتق ولما كان العتق لا يتجزأ عندهما لم يتجزأ الذي هو حق من حقوقه وهو التدبير. وأما عند أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما فإن التدبير يتجزأ لأن العتق عندهما يتجزأ. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 31 وصـ 49 ط جديدة.

ومنها: إذا حجر المولى على عبده وفي يد العبد كسب ثم أقر هذا العبد بدين فلا يجوز إقرار العبد عندهما, لأنه لما أذن له في التجارة جاز إقراره في رقبته وفي كسبه فلما حجر عليه لم يجز إقراره في رقبته وفي كسبه لأن الكسب من توابع الرقبة. وعند أبي حنيفة: لا يجوز إقرار العبد بعد الحجر في رقبته، ولكن يجوز إقراره في كسبه, لأن الإذن في التجارة، والتجارة باقية - أي أثر التجارة لا عينها - بدليل أنه يقضى ديونه التي للناس عليه بعد الحجر. ففي المثال الثاني خالف الفرع أصله عند أبي حنيفة.

القاعدة الثانية والعشرون بعد الثلاثمئة [دوران الحكم]

القاعدة الثانية والعشرون بعد الثلاثمئة [دوران الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رضي الله عنه: أن حكم الشيء قد يدور مع خصائصه، فإذا ثبتت خصائصه ثبت حكمه، ومتى لم تثبت خصائصه لم يثبت حكمه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكل شيء من تصرف أو عقد أو فعل خصائص وصفات تميزه عن غيره من التصرفات أو العقود أو الأفعال. فعند أبي حنيفة رضي الله عنه في الراجح عنده أن حكم كل شيء دائر مع خصائص هذا الشيء التي تميزه عما سواه فإذا ثبت لشيء ما خصائص فإن حكم هذا الشيء يثبت تبعاً لذلك، وإذا لم تثبت هذه الخصائص لا يثبت حكمه. والخلاف في مسائل هذه القاعدة يدور على وجود هذه الخصائص في الشيء المراد إثبات حكمه أو عدم وجودها. فإذا غلب على ظن مجتهد وجود هذه الخصائص أعطى هذا الشيء حكمه المناسب له، وإذا غلب على ظن مجتهد آخر عدم وجود هذه الخصائص لم يعطه حكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الرجل لإحدى أمتيه: أحداكما حرة. ثم وطيء إحداهما لم يكن وطؤه بياناً للمعتقة عند أبي حنيفة رحمه الله, لأن الواطيء لم يتصرف فيما هو من خصائص ملك اليمين, لأن الوطء مباح بنوعي الملك يعني ملك النكاح، وملك اليمين. فليس هو من خصائص ملك اليمين، التي لا ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 93 وصـ 139 ط جديدة.

يشاركه فيها غيره بخلاف ما لو باع إحداهما إذ يكون بيعه بياناً للمعتقة وهي غير المبيعة لأن البيع من خصائص ملك اليمين خلافاً للوطء. أما إذا قال لزوجتيه: إحداكما طالق. ثم وطيء إحداهما فيكون ذلك بياناً للمطلقة منهما وهي غير الموطوءة, لأن وطء الحرة من خصائص ملك النكاح، فقد تصرف فيما هو من خصائص ملك النكاح فثبت حكم البيان. وأما عند أبي يوسف ومحمد فيعتبر بياناً فيهما. ومنها: أن المصلي إذا قرأ من المصحف لا تجوز صلاته عند أبي حنيفة رضي الله عنه, لأن كراهية النظر في المصحف من خصائص هذه العبادة فلما أتى بما هو من محظورات هذه العبادة فسدت صلاته. وعند أبي يوسف ومحمد لا تفسد صلاته.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد الثلاثمئة [سبب الحكم]

القاعدة الثالثة والعشرون بعد الثلاثمئة [سبب الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الحكم متى ظهر عقيب سبب يحال على ذلك السبب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السبب في اللغة: الحبل وما يتوصل به إلى غيره (¬2) كالطريق والسلَّم. وفي العرف العام: هو كل شيء يتوسل به إلى مطلوب (¬3). وعند الأصوليين: هو ما يكون طريقاً إلى الحكم من غير تأثير ولا توقف للحكم عليه (3). والمراد بالسبب في القاعدة هو السبب بمعنى العلة لظهور الحكم عقيب وجوده والحكم يدور مع علته يوجد بوجودها وينعدم بانعدامها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كما ذكره السرخسي عند تعليله بهذه القاعدة وسوقه لها حيث قال: إن وجد في المعركة شخص ميت ليس به أثر - أي من جراحة - غسِّل، لأن المقتول يفارق الميت بالأثر، فإن لم يكن به أثر فالظاهر أنه لم يكن بانزهاق روحه بقتل مضاف إلى العدو. إلى أن قال: وإن كان به أثر لم يُغسَّل لأن الظاهر أن موته كان بذلك الجرح وأنه كان من العدو، فاجتماع الصفين كان لها - أي للمعركة، والأصل أن الحكم متى ظهر .. إلخ القاعدة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 20 صـ 51 باب الشهيد. (¬2) القاموس مادة سبب. (¬3) كشاف اصطلاحات الفنون باب السين فصل الباء جـ 4 صـ 127، 129.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمئة [حكاية الحليم عن غيره - التقرير]

القاعدة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمئة [حكاية الحليم عن غيره - التقرير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم ولم يعقبه بالنكير فذلك دليل على أنه صواب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى أحكام ما يرد في القرآن الكريم أو السنة المطهرة من حكاية ما ورد عن بعض الماضيين من ألفاظ أو تصرفات أو أحكام ولم يرد في القرآن الكريم أو السنة المطهرة تعقيب عليها الإنكار أو التأييد بل سكت عنها، فيدل ذلك على صوابها ويكون السكوت عنها إقراراً لها؛ لأنه لو كان خطأ لما جاز السكوت عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل "إذا تلا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول يا ويله - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار (¬2) " حيث استدل الحنفية على وجوب السجود عند تلاوة آيات السجدة في القرآن الكريم؛ بناء على أن الحديث ورد فيه لفظ الأمر والأمر للوجوب وفي سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إيراد الخبر دليل على إقراره أن السجدة مأمور بها. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 4. (¬2) الحديث عند مسلم كتاب الإيمان رقم 133 باختلاف لفظ، وعند أحمد والبيهقي وابن خزيمة وغيرهم ينظر موسوعة أطراف الحديث جـ 1 صـ 368.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمئة [خبر الآحاد]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمئة [خبر الآحاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أصحابنا أن خبر الآحاد متى ورد مخالفاً لنفس الأصول لم يقبل أصحابنا هذا الخبر, لأنه ورد مخالفاً للأصول (¬1) ". [أصولية فقهية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بخبر الآحاد الحديث الذي لم يصل إلى درجة التواتر ولا الشهرة، وإن كان صحيحاً. المراد بالأصول: القواعد الشرعية العامة كتحريم الربا ومنع بيع المعدوم: وبموجب هذه القاعدة رد الحنفية كثيراً من الأخبار والسنة الصحيحة بدعوى مخالفة الأصول أو القياس. فبدلاً من أن يعتذروا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه لعدم أخذه ببعض الآثار إما لعدم وصولها إليه - حيث لم تكن السنة قد دونت في عصره ولم تظهر المسانيد ولا الصحاح ولا السنن والمصنفات والجوامع إلا في أواخر القرن الثاني الهجري وخلال القرن الثالث وما بعد ذلك. وإما لعدم صحتها عنده لورودها عن طريق غير موثوق لديه - حيث لم تكن قواعد التحديث وعلل الرجال مقررة مدونة، وكان لكل إمام ميزانه الخاص في قبول الأخبار وردها. أقول: إن الحنفية لم يعتذروا لإمامهم بمثل ذلك ولم يأخذوا بتلك الأخبار وقد ثبتت صحتها، وإنما أخذوا يتلمسون العلل والمعاذير لرد الأحاديث التي ثبتت صحتها بمثل هذه العلة - وهي مخالفة الخبر للأصول - ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 106 وصـ 156 ط جديدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أي القواعد العامة أو غير ذلك من التعليلات. واعتقد جازماً أن لو كان أبو حنيفة رحمه الله حياً وصحت عنده هذه الأحاديث التي ردها مقلدوه بهذه العلل لضرب بقوله عرض الحائط وعمل بتلك الأحاديث, لأنه وغيره من الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم يعتقدون يقيناً أنه لا يجوز لهم مخالفة حديث صحيح ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة مخالفة الأصول, لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره تشريع واجب الأتباع وهو أصل بذاته (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه أوجب الوضوء من مس الذكر (¬2) " فهذا الخبر لم يقبله الحنفية لأنه ورد مخالفاً للأصول في نظرهم، لأنه ليس في الأصول انتقاض الطهارة بمس بعض أعضائه، أما لو رُدَّ الخبر ¬

_ (¬1) ينظر رأي الحنفية في هذه المسألة في كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري شرح أصول البزدوي جـ 2 صـ 697 فما بعدها. (¬2) أحاديث الوضوء من مس الذكر كثيرة منها: حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ". رواه الخمسة وصححه الترمذي, وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب. وفي رواية لأحمد والنسائي عن بسرة "ويتوضأ من مسّ الذكر". 2 - وعن أم حبيبة رضي الله عنها: "من مس فرجه فليتوضأ" رواه ابن ماجة والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة. وفي الباب عن أبي هريرة رواه أحمد والشافعي، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواه أحمد. والله أعلم. منتقى الأخبار جـ 1 صـ 120 - 122، والأحاديث من 327 - 332.

بورود الخبر بورود أخبار معارضة لكان لذلك وجه من باب تعارض الأخبار فيحتاج إلى الترجيح. ولكن يؤخذ على الحنفية هنا أنهم أوجبوا نقض الطهارة بالقهقهة في الصلاة مع أنه ليس في الأصول انتقاض الطهارة بمثل ذلك خارج الصلاة.

القاعدة السادسة والعشرون بعد الثلاثمئة [خبر الآحاد مقدم على القياس]

القاعدة السادسة والعشرون بعد الثلاثمئة [خبر الآحاد مقدم على القياس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند علماء الحنفية: أن الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الآحاد مقدم على القياس الصحيح". وعند مالك رضي الله عنه: القياس الصحيح مقدم على خبر الآحاد (¬1) [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصولية تتعلق بترتيب الأدلة عند البحث عن أحكام المسائل وعند تعارض الأدلة والترجيح بينها. فتفيد أن القاعدة الأصولية المعتبرة عند الحنفية أن الخبر المروي - أي الحديث المنقول آحاداً - أي غير المتواتر والمشهور مقدم عند النظر - أي البحث عن أحكام المسائل - على القياس الصحيح، وتشير هذه القاعدة أن عند مالك بن أنس رضي الله عنه أن القياس الصحيح مقدم على خبر الآحاد، ونسبة هذا القول لمالك رضي الله عنه محل نظر - بل هو قول مكذوب - وإن ذكر هذا أكثر من كتاب من كتب الأصول بل ذكره بعض الأصوليين من المالكية كالقرافي حيث قال في تنقيح الفصول ما نصه: "إن القياس مقدم على خبر الواحد عند مالك رحمه الله. قال: لأن الخبر إنما ورد لتحصيل الحكم والقياس متضمن للحكمة فيُقدم على الخبر (¬2). ومع ذلك أقول أن نسبة هذا الخبر إلى مالك غير صحيحة، فمالك المعروف بحرصه على العمل بالسنة ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 65، وصـ 99 ط جديدة. (¬2) تنقيح الفصول صـ 378. الإحكام جـ 7 صـ 54.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الصحيحة واعتبار عمل أهل المدينة حجة يقدم على خبر الآحاد الذي يخالفه، والمعروف عن مالك رضي الله عنه أنه يعمل بالمرسل والمنقطع عدا عن المتصل والمرفوع فكيف يعقل أن يقدم القياس على الآحاد الصحيح (¬1) والعمل بالمرسل أصل من أصول المالكية (¬2). فلا يصح عن مالك رضي الله عنه ولا عن غيره من الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم ذلك فهم أتقى وأورع أن يقدموا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح قياساً أو رأياً اجتهادياً مهما كان صحيحاً في النظر. ولكن ذكر ابن حزم: أن أبا الفرج القاضي (¬3) وأبا بكر الأبهري (¬4) المالكيين يقولان: القياس أولى من خبر الواحد المسند والمرسل. وهذه نسبة أيضاً تحتاج إلى نظر وبحث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية أن المني نجس يطهر بالفرك عن الثوب إذا كان يابساً ¬

_ (¬1) التمهيد جـ 1 صـ 1 - 3. (¬2) المنهاج صـ 80 وإحكام الفصول صـ 349. (¬3) أبو الفرج عمرو بن محمَّد الليثي البغدادى المالكي القاضى عنه أخذ أبو بكر الأبهري ألَّف كتاب الحاوي في مذهب مالك واللمع في أصول الفقه، أصله من البصرة ونشأ ببغداد ولي قضاء عدة أماكن. مات عطشاً في البرية راجعاً من بغداد إلى الثغور سنة 330 شجرة النور الزكية صـ 79، 136، والديباج جـ 2 صـ 127. (¬4) أبو بكر الأبهري محمَّد بن عبد الله، فقيه مقرئ قيِّم برأي مالك. انتهت إليه رئاسة المالكية ببغداد من تلاميذ أبي الفرج ومن تلاميذه القاضي الباقلاني والقاضي عبد الوهاب له كتاب الأصول وكتاب إجماع أهل المدينة. ولد قبل 290 هـ وتُوفي سنة 375 تقريباً. عن شجرة النور الزكية صـ 91، 204.

وأَخذوا في ذلك بالخبر (¬1) وعند الإمام مالك رضي الله عنه: لا يطهر إلا بالغسل بالماء كالبول ولو كان جافاً. قاله في المدونة: وقال مالك في المني يصيب الثوب فيجف فيحته، قال: لا يجزيه ذلك حتى يغسله (¬2). وليس هذا الرأي عند مالك من باب القياس على البول بل ذكر سحنون (¬3) في المدونة آثاراً عن الصحابة رواها مالك رحمه الله (2). ¬

_ (¬1) الخبر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله علبه رسلم ثم يذهب فيصلي فيه" رواه الجماعة إلا البخاري. ينظر نيل الأوطار جـ 1 صـ 89. (¬2) المدونة جـ 1 صـ 23، وصـ 24، 25. (¬3) هو سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي واسمه عبد السلام. أصله شامي من حمص وفد أبوه في جند حمص إلى افريقية، سمع من علي بن زياد والعباس بن أشرس وغيرهما رحل إلى المشرق سنة 188 هـ فسمع من ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيرهم كثير ثم قدم القيروان سنة 191 وأظهر علم المدينة في المغرب وكان أول من أظهره، وكان من أفقه المالكية مع الورع والصرامة في الحق والزهد في الدنيا والتخشن في المطعم والملبس ولا يقبل من أحد شيئاً ولا يهاب الملوك قيل ولد سنة 160 وتوفي سنة 240 هـ في القيروان بتونس. مقدمات المدونة عن كتاب معالم الإيمان في تاريخ القيروان صـ 62.

القاعدة السابعة والعشرون بعد الثلاثمئة [الخلاف في الصفة]

القاعدة السابعة والعشرون بعد الثلاثمئة [الخلاف في الصفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند علماء الحنفية الثلاثة: أن الخلاف في الصفة غير معتبر، وعند زفر معتبر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالصفة هنا: مطلق القيد لا الصفة النحوية. فعند الأئمة الثلاثة الحنفية رحمهم الله تعالى أنه إذا وقع التصرف بخلاف قيده أن القيد يلغي ويعتبر التصرف صحيحاً. وأما عند زفر فيعتبر التصرف بخلاف الصفة مبطلاً لذلك التصرف ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لغيره طلق امرأتي تطليقة رجعية فطلقها تطليقة بائنة أنه يقع عند الثلاثة تطليقة رجعية, لأنه خالف في الصفة فلم يعتبر خلافه إنما اعتبر أصل التوكيل. وعند زفر لا يقع شيء لأنه خالف ما أمر به فصار كأنه طلقهما بغير أمره. ومنها: إذا شهد أحد الشاهدين أنه طلق امرأته تطليقة رجعية، وشهد الآخر أنه طلقها تطليقة بائنة، فإنه شهادتهما على تطليقة رجعية عندهم. وقال زفر: لا تقبل شهادتهما. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 62، وصـ 95 ط جديدة.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد الثلاثمئة [دار الإسلام]

القاعدة الثامنة والعشرون بعد الثلاثمئة [دار الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أن الدنيا كلها داران: دار الإسلام ودار الحرب. وعند الإمام الشافعي الدنيا كلها دار واحدة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستقرة عند الحنفية أن الدنيا تقسم إلى قسمين متميزين أو إلى دارين مختلفتين: الدار الأولى: الدار التي يسود فيها شرع الله عز وجل ويحكم فيها الإسلام، ويعيش فيها المسلمون آمنين بإسلامهم وإيمانهم، ويعيش فيها الذميون آمنين بعهدهم وأمانهم وهذه يطلق عليها دار الإسلام. والدار الثانية: تلك الدار التي لا يسود فيها شرع الله ويحكمها الكفر ولا يأمن فيها المسلم ولا الذمي. وهذه يطلق عليها دار الحرب (¬2). أو دار الشرك. وهو كذلك عند مالك وأحمد رضي الله عنهما. وأما عند الإمام الشافعي فالدار واحدة على قول الدبوسي. ولكني لم أجد هذا عند الشافعي رضي الله عنه بل هو يذكر دار أهل الحرب ودار الإسلام (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 79، صـ 119 ط جديدة. (¬2) ينظر مجمع الأنهر جـ 1 صـ 634. (¬3) ينظر في ذلك الأم جـ 4 صـ 65 فما بعدها وص 185 - 186. وروضة الطالبين جـ 7 صـ 440 فما بعدها.

إذا خرج أحد الزوجين إلى دار الإسلام مسلماً مهاجراً أو ذمياً وتخلف الآخر في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما عند الحنفية. أما عند الإمام الشافعي رضي الله عنه فلا تقع الفرقة بنفس الخروج بل حتى تنقضي عدتها قبل إسلام الآخر. ولم يستند الشافعي رضي الله عنه في ذلك إلى عدم تعدد الدار بل هو قائل بتعدد الدار ولكنه بنى رأيه على الآثار التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وهكذا كل المسائل التي ذكر النسفي الخلاف فيها.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الثلاثمئة [الزيادة]

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الثلاثمئة [الزيادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الزيادة إذا حدثت في محل النقصان كانت جابرة للنقصان وينعدم بها النقصان معنى (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا حدث نقصان قبل تمام الحول في نصاب المال الذي يراد تزكيته إذا حال عليه الحول، وهذا النقصان يؤثر في مقدار المال الذي يجب إخراجه أو أن النقصان أنقص النصاب ولكن قبل تمام الحول حدثت زيادة في المال تمَّ بها النصاب فتعتبر هذه الزيادة جابرة لذلك النقصان ومزيلة له فكأن النقصان لم يوجد. فتجب في المال الزكاة كما لو بقي المال كما هو ولم يطرأ عليه النقصان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل يملك ألف دينار وقبل تمام الحول - بأربعة أشهر مثلاً - فقد منها مائتا دينار فلو حال عليه الحول في هذه الحالة لوجب عليه زكاة ثمانمائة دينار، ولكنه إذا ربح قبل تمام الحول مائتي دينار فتعتبر هذه الزيادة جابرة للنقصان الحاصل بفقد المائتين فتضم إلى الثمانمائة، فإذا تم الحول وجب عليه زكاة ألف دينار. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 25 وينظر الكافي جـ 1 صـ 300.

القاعدة الثلاثون بعد الثلاثمائة [زيادة اللفظ]

القاعدة الثلاثون بعد الثلاثمائة [زيادة اللفظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن زيادة اللفظ لزيادة المعنى (¬1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه إذا روى أثر أو خبر بروايتين مختلفتين وفي إحدى الروايتين زيادة لفظ. فعند التعارض ترجح الرواية التي بها الزيادة على الرواية الأخرى, لأن زيادة اللفظ تفيد زيادة المعنى. وهذا كله إذا كانت الروايتان متساويتين متعادلتين وإلا ترجحت الرواية الأقوى ولو كانت بدون زيادة إذا كان الرواية بالزيادة ضعيفة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ورد في التسميع قوله: "ولك الحمد" (¬2) وقوله "لك الحمد" (¬3) بدون واو فترجح رواية "ولك الحمد" لزيادة المعنى على كذلك ترجح رواية "وعليكم السلام" بالواو على رواية "عليكم السلام" بدون واو، مع جواز الروايتين. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الثانية والعشرون بعد المائتين جـ 2 صـ 465. (¬2) رواه الدارقطني، والحديث بروايتيه في أكثر كتب الحديث. (¬3) الحديث بطوله متفق عليه.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد الثلاثمئة [سبب الإتلاف - الضمان]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد الثلاثمئة [سبب الإتلاف - الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: أن سبب الإتلاف متى سبق ملك المالك فإنه لا يوجب الضمان على المتلف لمن حدث الملك له (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن تبدل الملك ينفي الضمان ويسقطه عن المتلف إذا كان الملك حادثاً بعد الإتلاف, لأن تبدل الملك قائم مقام تبدل الذات، وتشير هذه القاعدة إلى عدم جواز الحكم بأثر رجعي بناء على تعد سابق على ملك حادث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع إنسان يد عبد في ملك إنسان ثم إن المالك باع العبد المقطوع لآخر فسرى أثر القطع إلى نفس العبد فمات في يد المشتري، فلا ضمان على الجاني لا للبائع ولا للمشتري، فلا ضمان للبائع لأن العبد مات وهو لا يملكه، ولا ضمان للمشتري لأن الإتلاف سابق على ملكه العبد. منها: إذا اشترى رجلان ابن أحدهما فإن هذا الابن يعتق على الأب، ولا يضمن الأب لشريكه شيئاً لأن سبب الاتلاف سابق على ملك المشتري فيه وهو القرابة. وعند الصاحبين والشافعي رحمهم الله يعتق الابن ويضمن الأب إن كان موسراً. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 21 وصـ 33 - 34 ط جديدة.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد الثلاثمئة [أدب السؤال والجواب]

القاعدة الثانية والثلاثون بعد الثلاثمئة [أدب السؤال والجواب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن السائل إذا سأل سؤالاً ينبغي للمسؤول أن لا يجيب على الإطلاق والإرسال، لكن بنظر فيه ويتفكر أنه ينقسم إلى قسم واحد أو إلى قسمين أو أقسام، ثم يقابل في كل قسم حرفا فحرفاً ثم يعدل جوابه على ما يخرج إليه السؤال، وهذا الأصل تكثر منفعته , لأنه إذا أطلق الكلام كان سريع الانتقاض لأن اللفظ قلما يجري على عمومه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة توجيهية للمفتين والحكام أن لا يتسرعوا في الحكم على الأشياء بمجرد سماع لفظ السائل، بل لا بد من الإستفسار وطلب التفصيل ليكون الحكم مبنياً على أمر واضح لا لبس فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قيل: قتل رجل رجلاً ماذا عليه؟ فيجب على المسؤول أن يستفصل من السائل أعمداً كان القتل أم خطأ، أو شبه عمد، وبأي آلة، وإذا كان عمداً فهل قتله بحق أو بغير حق، ثم بعد ذلك يصدر حكمه ليطابق المسألة. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي صـ 118.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد الثلاثمئة [الاستثناء والشرط]

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد الثلاثمئة [الاستثناء والشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الشرط والاستثناء إذا تعقب كلمات منسوقة بعضها على بعض ينصرف إلى جميع ما سبق ذكره (¬1) ". وهذا عند بشر المريسي (¬2) وابن شجاع (¬3) وأحد قولي الشافعي (¬4). [فقهية أصولية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشرط سبق بيان معناه، والاستثناء: هو الإخراج بإلا أو أحدى أخواتها لما هو داخل أو كالداخل" أو هو "إخراج الشيء من الشيء لولا الإخراج لوجب دخوله فيه (¬5) والمراد بالنسق العطف بالواو أو غيرها من أدوات العطف فمعنى القاعدة أنه إذا وجدت كلمات أو جمل معطوف بعضها على بعض وجاء بعدها شرط أو استثناء فيكون الشرط شرطاً في ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 199 كتاب النكاح. (¬2) هو بشر بن غياث ابن أبي كريمة المريسي العدوي، أبو عبد الرحمن فقيه معتزلي وهو رأس الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء وإليه نسبتها. رمي بالزندقة مات سنة 228 وقيل 218. الأعلام جـ 2 صـ 55، الفوائد البهية ص 54. (¬3) هو محمَّد بن شجاع الثلجي أبو عبد الله. تفقه على الحسن بن أبي مالك والحسن بن زياد وبرع في العلم وكان فقيه العراق في وقته والمقدم في الفقه والحديث مع ورع وعبادة مات فجأة سنة 267 هـ ساجداً في صلاة العصر. الفوائد البهية صـ 171. (¬4) ينظر أحكام القرآن للشافعي جـ 2 صـ 135، والأم جـ 7 صـ 81. (¬5) التعريفات صـ 23.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

جميع ما سبق ذكره، ويكون الاستثناء استثناء من جميع ما سبق ذكره. وقد سبق مثل هذه القاعدة في الاستثناء فقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قال لزوجته: "إن أكلت وشربت وخرجت فأنت طالق" فهي لا تطلق حتى تأكل وتشرب، وتخرج، ولا تطلق إذا فعلت واحداً أو أثنين مما هو مشروط. ومثال الاستثناء: قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} بعد قوله سبحانه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1) فبناء على هذه القاعدة يعود الاستثناء لي كل ما سبق، فالقاذف التائب يسقط عنه حد القذف وتقبل شهادته ويمحى عنه اسم الفسق إذا تاب قبل الحد - وإن تاب بعد الحد قبلت شهادته ومحي عنه اسم الفسق. وهذا خلاف رأي جمهور الحنفية. ¬

_ (¬1) الآيتان 4، 5 من سورة النور.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة [الشرط بعد العقد]

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة [الشرط بعد العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي يوسف: أن الشروط المتعلقة بالعقد بعد العقد كالموجود لدى العقد وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجعل كالموجود (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد وهو ارتباط الإيجاب بالقبول قد يشترط فيه العاقدان شروطاً، فما كان من الشروط لدى انعقاد العقد فهذه يجب مراعاتها والعمل بها إذا لم يكن في أحدها مخالفة لكتاب الله سبحانه وتعالى. ولكن إذا تم العقد وأراد أحد المتعاقدين إضافة شروط جديدة، فهل تلحق هذه بالعقد وتعتبر كالموجود حين التعاقد؟ بهذا قال أبو يوسف رحمه الله. وأما عند أبي حنيفة، محمَّد بن الحسن وأحمد بن حنبل (¬2) رحمهم الله جميعاً فلا تلحق هذه الشروط بالعقد ولا تلزم ولا تجعل كالموجود وقت التعاقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج رجل امرأة ولم يفرض لها مهراً ثم بعد تمام العقد فرض لها مهراً، ثم طلقها قبل الدخول بها. فعند أبي يوسف لها نصف المفروض بعد العقد، وعند أبي حنيفة ومن معه لها المتعة لأن فرض المهر كان بعد تمام العقد. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 43 وصـ 67 ط جديدة. (¬2) المقنع مع الحاشية صـ 44 جـ 3.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمئة [النيابة]

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمئة [النيابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أئمة الحنفية، أن الشيء إذا أُقيم مقام غيره في حكم فإنه لا يقوم مقامه في جميع الأحكام. وعند زُفر يقوم مقامه في جميع الأحكام (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه إذا أقيم شيء مقام غيره في حكم من الأحكام فأنه يقتصر مقامه عنه في ذلك الحكم، دون غيره من الأحكام وهذا عند أئمة الحنفية الثلاثة. ولكن زفر بن الهذيل رحمه الله يرى أن الشيء الذي يقوم مقام غيره في حكم يقوم مقامه وينوب عنه في جميع الأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الرجل إذا كان قادراً على الركوع والسجود لا يجوز له أن يقتدي بالموميء برأسه عندهم, لأن الإيماء له حكم القيام فقط في حق جواز صلاة الموميء. فلا يقوم مقامه في جميع الأحكام. وأما عند زفر فإنه لما أقيم الإيماء مقام القيام في جواز صلاته أقيم أيضا مقام القيام في جواز صلاة غيره. ومنها: أن إمامه المستحاضة بالطاهرات لا تجوز عندهم وعنده تجوز, لأن طهارتها قامت مقام طهارة الطاهرات في حق جواز صلاتها فقامت مقام طهارة الطاهرات في حق جواز الإمامة. وعند الأئمة الثلاثة - أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - إن طهارة المستحاضة إنما قامت مقام طهارة الطاهرات في حق جواز صلاتها فقط. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 52 وصـ 79 ط جديدة.

القواعد: السادسة والثلاثون بعد الثلاثمئة والسابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة والثامنة والثلاثون بعد الثلاثمائة [المقدرات الشرعية]

القواعد: السادسة والثلاثون بعد الثلاثمئة والسابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة والثامنة والثلاثون بعد الثلاثمائة [المقدرات الشرعية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل عند محمَّد بن الحسن رحمه الله تعالى أن الشيء إذا ثبت مقدراً في الشرع فإنه لا يجوز تغييره إلى تقدير آخر (¬1) ". وعند أبي يوسف يجوز. وفي لفظ: "الأصل أن ما عُرِف كونه مكيلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكيل أبداً، وإن اعتاد الناس بيعه وزناً، وما عُرف كونه موزوناً في ذلك الوقت فهو موزون أبداً، وما لم يعلم كيف كان يعتبر فيه عرف الناس في كل موضع (¬2) ". وفي لفظ: "إن الاعتبار في التقدير المقدر في باب الربا بعصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان يكال فيتعين كيله، وما كان يوزن فيتعين وزنه، وما جهل أمره فالاعتبار فيه بالعرف (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 16 وصـ 257 ط جديدة. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 142. (¬3) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 جـ 1 صـ 178 - 179.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

هذه القواعد وإن اختلفت ألفاظها فالمراد منها متحد حيث تتعلق هذه القواعد بتلك التقديرات الشرعية التي جرى عليها عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضى الله عنهم من بعده، والنظر فيها من حيث إن هذه التقديرات هل هي ثابتة في كل حال ولا تقبل التغيير مهما تغيرت الأحوال، أو هل هي تقديرات قدرها من قدرها تبعاً لظرف موجود أو عرف سائد؟. ولو كان الظرف غير الظرف أو العرف غير العرف لقدر غيرها فيجوز لمن يأتي بعدهم أن يغيرها تبعاً لتغير الظروف والأحوال واختلاف الأعراف؟. بالأول أخذ محمَّد بن الحسن وجمهور الفقهاء رحمهم الله تعالى، وبالثاني أخذ أبو يوسف رحمه الله تعالى، ولكل من الرأيين مؤيدون من المجتهدين والعلماء. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الأموال الربوية التي لا يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً وهي الأصناف الستة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقاس عليها، فما كان منها مكيلاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز بيعه إلا مكيلاً ولو تغير تعامل الناس به فأصبح موزوناً فلا يجوز بيع صنف منها بجنسه إلا مكيلاً وكذلك ما كان موزوناً. وخالف في ذلك أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة وصاحب رحمة الله عليهما وتبعه في ذلك ابن تيمية رحمة الله عليه (¬1) فأجازا بيع ما كان مكيلاً وتغير عرف الناس في التعامل به فصار أن يباع بالوزن، وما كان موزوناً وتغير عرف الناس في التعامل فصار معدوداً - مثلاً - أن يباع معدوداً ويجري فيه الربا كما كان ¬

_ (¬1) ينظر المقنع لابن قدامة مع حاشية جـ 2 صـ 66، والفروع جـ 4 صـ 157.

يجري فيما كان مكيلاً أو موزوناً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعاً للحرج عن الناس وعملاً بالعرف السائد. وأما ما لم ينص عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهل أمره هل هو مكيل أو موزون، فيعتبر فيه العرف السائد بين الناس في كل موضع بحسبه. ومنها: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصارى ويهود اليمن على كل حالم ديناراً (¬1) وفرض عمر رضي الله عنه الخراج على أرض العراق والشام ومصر، فهل لمن جاء بعد ذلك ووجد أن الحال قد تغير إلى أحسن أو إلى أسوأ فهل له أن يزيد على الخراج المفروض سابقاً أو ينقص منه أو يجب عليه أن يبقيه على ما كان؟ خلاف في المسألة (¬2). ¬

_ (¬1) الخبر ذكره الشافعي في الأم بالمعنى جـ 4 صـ 191، والخراج لأبي يوسف صـ 24، والخراج ليحيى بن آدم صـ 23، 68. (¬2) ينظر كتاب الأموال لأبي عبيد صـ 57 - 58.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمئة [الغلبة]

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمئة [الغلبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة أن الشيء إذا غلب عليه وجوده يجعل كالموجود حقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن مظنة الشيء تقوم مقامه، فإذا غلب على ظن إنسان أن شيئاً موجوداً ولم يستيقن وجوده فهو يجعل كالموجود حقيقة ويقيناً فإن غلبة الظن كاليقين في الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النوم ناقض للوضوء لأنه مظنة الحدث، فيجعل النائم كأنه أحدث حقيقة وإن لم يحدث. ومنها: أن الغلام إذا بلغ خمساً وعشرين سنة ولم يؤنس منه الرشد فإنه يدفع إليه ماله حتى يتصرف فيه كأنه راشد حقيقة، عند أبي حنيفة. وعند صاحبيه لا يدفع إليه حتى يتحقق رشده. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 8، صـ 15 ط جديدة

القاعدة الأربعون بعد الثلاثمئة [التابع]

القاعدة الأربعون بعد الثلاثمئة [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي يوسف أن الشيء يجوز أن يصير تابعاً لغيره وإن كان له حكم نفسه بانفراده. وعند محمَّد إذا كان له حكم نفسه لا يصير تابعاً لغيره. وأبو حنيفة مع أبي يوسف في أكثر هذه المسائل (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن الشيء يكون له حكم نفسه - أي مستقلاً بالحكم - بانفراده، ولكن مع ذلك يجوز أن يصير تابعاً لغيره. وهذا عند أبي يوسف وشاركه أبو حنيفة في كثير من مسائل هذه القاعدة، وأما عند محمَّد بن الحسن فما كان له حكم نفسه لا يصير تابعاً لغيره بل يبقى مستقلاً بحكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ذبح إنسان شاة وقطع بعض العروق التي يجب أن تقطع لتحل الذبيحة وترك بعضاً منها - وهذه العروق هي الحلقوم (¬2) والمريء (¬3)، والودجان (¬4). فعند محمَّد بن الحسن لا تحل الذبيحة ما لم يقطع أكثر كل عرق منها - فكل عرق له حكم نفسه استقلالاً. وعند أبي يوسف إذا قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين حلت ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 45، صـ 68 ط جديدة. (¬2) الحلقوم مجرى النفس. (¬3) المريء مجرى الطعام والشراب. (¬4) عرقان على جانبي العنق.

الذبيحة، إذ جعل أحد الودجين تابعاً في حكمه للأخر. وعند أبي حنيفة تحل الذبيحة إذا قطع الثلاثة أي ثلاثة كانت، فقد جعل بعضها تابعاً لبعض وجعل للأكثر منها حكم الكل. وعند الشافعي يجب قطع الحلقوم والمريء، ويستحب قطع الودجين (¬1) فلو تركا أو أحدهما جازت الدبيحة. وعند مالك يجب قطع الحلقوم والودجين (¬2) وجعل المريء تابعاً للحلقوم. وعند أحمد كالشافعي في رواية وفي أخرى يجب قطع الودجين (¬3) أيضاً. ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 3 صـ 202. (¬2) الكافي جـ 1 صـ 427. (¬3) المقنع جـ 3 صـ 527.

القاعدة: الحادية والأربعون بعد الثلاثمئة [النقض والإبطال]

القاعدة: الحادية والأربعون بعد الثلاثمئة [النقض والإبطال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الشيء يعتبر ما لم يعد على موضوعه بالنقض والإبطال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن تصرفات المكلفين وأحكامهم تترتب عليها نتائجها تبعاً لنوعية هذه التصرفات والأحكام، ولكن إذا ترتب على اعتبار تصرف ما ضرر أو أبطل حقاً فإن هذا التصرف أو الحكم لا يعتد به دفعاً للضرر وإبطال الحق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحجور عليه لا يجوز له التصرف فيما حجر عنه، ولكنه إذا تصرف وتم تصرفه ترتبت عليه نتائجه كما لو لم يكن محجوراً, دفعاً للضرر الواقع فيما لو أخذ بأحكام الحجر أو المنع. فلو أن عبداً محجوراً أجر نفسه مدة معلومة للعمل، لم تصح الإجارة دفعاً للضرر عن المولى، ولكن لو قضينا بفساد الإجارة بعد مضي المدة وتمام العمل كان إضراراً بالمولى لتعطل منافع عبده بغير بدل. فكان دفع الضرر هنا في تصحيح هذه الإجارة واستحقاق الأجرة دفعاً للضرر عن المولى. ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي صـ 115.

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الثلاثمئة [الطلاق]

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الثلاثمئة [الطلاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية: أن الطلاق الصريح يتعلق الحكم بلفظه لا بمعناه، وغير الصريح يتعلق الحكم بمعناه لا بلفظه". "وعند الإمام الشافعي الكنايات كلها رواجع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بألفاظ الطلاق وتفيد فرقاً واضحاً بين الحنفية ومن وافقهم وبين الشافعي ومن وافقه. من حيث إن الحنفية ومن معهم يفرقون بين صريح الطلاق وكنايته في الحكم، فالصريح يتعلق الحكم بلفظه - أي لا ينظر إلى نية المطلق - فيمكن أن يقع واحدة رجعية إذا دل اللفظ عليها ويمكن أن يقع ثنتين أو ثلاثاً إذا تلفظ بالعدد، ولا اعتداد بالنية فيه عند الأكثرين. وأما المالكية فيقع بها طلاق بائن إذا نواه. وأما الطلاق بالألفاظ الكنائية - وهي الألفاظ التي لم توضع في الأصل للدلالة على الطلاق. فعند الشافعي رحمه الله إنها طلاق رجعي إذا لم ينو شيئاً وإلا وقع ما نواه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 86 وصـ 129 ط جديدة.

القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الثلاثمئة [تعارض ظاهرين]

القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الثلاثمئة [تعارض ظاهرين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الظاهرين إذا كان أحدهما أظهر من الآخر فالأظهر أولى لفضل ظهوره (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقصود بالظاهر هنا الأصل أو المستصحب. فهذه القاعدة تشير إلى سبب من أسباب الترجيح عند التعارض، فإذا تعارض أصلان وأحدهما أظهر من الآخر فالعمل بالأظهر متعين، وهو أولى مما هو أقل ظهوراً، وهذا مجال اختلاف بين الأئمة في أيهما أظهر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر بدين لجنين، اختُلِف في صحة إقراره، من حيث إن المرء مؤاخذ باقراره وهذا أصل، ثم من حيث إن العقد مع الجنين لا يصح, وهذا أصل. فمحمد بن الحسن رجح الأول فصحع إقراره، وأبو يوسف رجح الثاني فلم يصحح هذا الإقرار. ومنها: إذا شك وهو في الجمعة هل خرج الوقت أو لم يخرج. أتم الجمعة على الصحيح, لأن الأصل بقاء الوقت، والأصل الآخر وجوب الظهر وهو بعيد (¬2). ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي ص 111 وأشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 32، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 330 فما بعدها. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ صـ 33.

القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة [العارض]

القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة [العارض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن العارض إذا ارتفع مع بقاء حكم الأصل جُعل كأن لم يكن (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعارض: الأمر الطاريء يعرض ثم يزول. تشير هذه القاعدة إلى أنه إذا ثبت حكم لأمر ما ثم وجد عارض يمنع الحكم ولكنه لم يستمر إذ ارتفع قبل ارتفاع الحكم اعتبر هذه العارض كأنه لم يوجد وأخذ الحكم طريقه للتنفيذ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بلغ مال الزكاة نصاباً في أول الحول أو وسطه، ثم نقص هذا النصاب في وسط الحول أو قبيل آخره. ثم كمل قبل نهاية الحول فحال عليه الحول وهو نصاب كامل، فهذا المال تجب فيه الزكاة عند الحنفية ولا اعتداد بالنقصان الحاصل خلال الحول. وأما عند غير الحنفية فإن النقصان العارض أثناء الحول يمنع وجوب الزكاة ولو كمل النصاب قبل حولان الحول، بل يستأنف حولاً جديداً بعد زوال النقصان (¬2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 101 وصـ 150 ط جديدة. (¬2) ينظر الأم جـ 2 صـ 10 فما بعدها، والكافي جـ 1 صـ 291، والمقنع جـ 1 صـ 294.

القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الثلاثمئة [عارض العقد الموقوف]

القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الثلاثمئة [عارض العقد الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة ومحمد أن العارض في العقد الموقوف قبل تمامه كالموجود لدى العقد" خلافاً لأبي يوسف (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد الموقوف: هو العقد الذي تولاه غير صاحب العلاقة فيتوقف نفوذه ولزومه على موافقة ورضا صاحب العلاقة، فإذا وجد عقد موقوف ثم اعترض عارض قبل نفاذه ولزومه فيعتبر هذا العارض أو الطاريء كالموجود حين انعقاد العقد فيبطله. ويمنع نفاذه ولزومه. وعند أبي يوسف لا يمنع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من تزوج امرأة بغير إذنها فاعترضها عدة (¬2) قبل أن تجيز العقد بطل العقد فلا تعمل إجازتها بعد ذلك في تصحيحه. ومنها: إذا باع مال ولده الصغير على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأدرك الابن - أي بلغ - قبل الثلاثة الأيام فالإجازة للابن الذي بلغ - عند محمَّد - ويجعل العارض كالموجود لدى العقد فصار كأنه باع ملك ولد بالغ فيتوقف على إجازته وكذلك هذه. وعند أبي يوسف يسقط خيار الأب ويتم البيع لأنه سقطت ولايته فأشبه موت الأب. والعقد الموقوف عند الشافعي رحمه الله في الجديد أنه عقد باطل. وفي القديم ينعقد موقوفاً على إجازة المالك فإن أجاز نفذ وإلا لغا (¬3). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 48، وصـ 74 ط جديدة. (¬2) بأن تكون المرأة قد وطئت بشبهة قبل الإجازة. (¬3) روضة الطالبين جـ 3 صـ 353.

القاعدة: السادسة والأربعون بعد الثلاثمئة [تعلق الحكم]

القاعدة: السادسة والأربعون بعد الثلاثمئة [تعلق الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله أن العبرة بما يتعلق به الحكم لا بما يظهر به الحكم. وعند زُفر: الذي يتعلق به الحكم كالذي يظهر به الحكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: في نسبة هذه القاعدة ارتباك حيث إن الموجود في الطبعتين: محمَّد بن الحسن والحسن بن زياد وزُفر. والمخالف زُفر. فكيف يكون الموافق زُفر والمخالف زُفر؟ وفي كلا الطبعتين لم يلاحظ المحقق ولا الناشر هذا الخلط. ولكن لعل الصواب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف. لأن قولهم هو المعمول به في هذه المسائل (¬2). وتفيد هذه القاعدة أن المعتد به في الأحكام هو الشرط الذي يتعلق به الحكم ويبنى عليه ولا اعتداد بما يظهر به الحكم. وأما عند زُفر فهما سواء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهدان أنه قال لعبده: إن دخلت هذه الدار فأنت حر. فهذان شاهدا يمين، وقد شهدا بما يتعلق به الحكم وهو الشرط. وشهد آخران أنه قد دخل الدار - وهذان شاهدان بما يظهر الحكم - فحكم ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 64 وصـ 98 ط جديدة. (¬2) ينظر مجمع الأنهر جـ 2 صـ 220.

الحاكم بعتق العبد. ثم رجع الشهود جميعاً عن شهادتهم، فضمان قيمة العبد على شهود اليمين أو الشرط؛ لأنهم أثبتوا العلة - وهو قوله: أنت حر. ولا يضمن شهود تحقق الشرط لأن الشرط كان مانعاً، وهم أثبتوا زوال المانع (¬1). وعند زُفر يضمن الفريقان لأن وجوب العتق ظهر بشهادتهم. ومنها: إذا رجع شهود شهدوا بإحصان زان فرجم. لا يضمنون عند الأئمة الثلاثة قالوا: لأن الإحصان شرط محض والشهود شهود الشرط والشرط لا يضاف إليه الحكم. وعند زُفر يضمنون, لأن وجوب الرجم ظهر بشهادتهم. ¬

_ (¬1) ينظر مجمع الأنهر جـ 2 صـ 220.

القاعدة: السابعة والأربعون بعدالثلاثمئة [ثبوت النسب]

القاعدة: السابعة والأربعون بعدالثلاثمئة [ثبوت النسب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أن العبرة في ثبوت النسب بصحة الفراش وكون الزوج من أهله لا بالتمكن من الوطء. وعند أبي عبد الله الشافعي رضي الله عنه: العبرة في النسب للتمكن من الوطء حقيقة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعبر عن مسألة من مسائل الخلاف بين الحنفية وغيرهم الشافعي وغيره. فعند الحنفية: أن الاعتداد بثبوت النسب بشرطين: الأول: صحة الفراش بنكاح صحيح أو ملك يمين. والثاني: أن يكون الزوج من أهل النكاح، سواء تمكن الزوج من الوطء أم لم يتمكن, لأن التمكن من الوطء لا يعتد به في ثبوت النسب عندهم. وأما عند الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعند غيره من الأئمة (¬2) فالعبرة والاعتداد في ثبوت النسب بالتمكن من الوطء حقيقة لا بمجرد صحة الفراش، وهو المعقول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من تزوج امرأة زواجاً صحيحاً وغاب سنين ثم جاءت بولد ثبت النسب منه - إلا أن ينفيه - لأن الفراش له وهو من أهل ثبوت النسب. وأما غير الحنفية فلا يثبت النسب منه، إذ لا يتمكن من حقيقة الوطء. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 81، وصـ 122 ط جديدة. (¬2) ينظر المقنع لابن قدامة صـ 264 - 265.

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الثلاثمائة [الجزاء]

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الثلاثمائة [الجزاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الشافعي أن العبرة في وجوب الجزاء للمحل دون الفعل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يشير هذا الأصل عند الشافعي رحمه الله تعالى أن المعتد به في وجوب جزاء الصيد من الحرم أو حالة الإحرام هو محل الجزاء لا الفعل الموجب للجزاء وهو قتل الصيد في الحرم أو حالة الإحرام، والمراد بمحل الجزاء هو الصيد المقتول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: محرم أراد رفض إحرامه - وظن أن فعل المحظور يبطل إحرامه - فقتل صيداً كثيراً فعند الشافعي رحمه الله تعالى عليه جزاءٌ لكل صيد صاده، ولا عبرة بنيته, لأنه - أي الجزاء - بدل متلفٍ فتكرر بتكرر الإتلاف. وعند الحنفية عليه جزاء واحد فقط اعتداداً بنيته، وإن كان لا يبطل إحرامه عند الجميع لأن الإحرام لازم لا يخرج منه إلا بأداء الأعمال. وعند أحمد رحمه الله يتعدد الجزاء في الراجح (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 102، وينظر المجموع شرح المهذب جـ 7 صـ 365, 376. (¬2) المقنع جـ 1 صـ 427.

القاعدتان: التاسعة والأربعون بعد الثلاثمئة والخمسون بعد الثلاثمئة [الأعمال - الإلغاء]

القاعدتان: التاسعة والأربعون بعد الثلاثمئة والخمسون بعد الثلاثمئة [الأعمال - الإلغاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل - عند الشافعي رحمه الله - عَدْمُ العمل إلا ما قام الدليل على إعماله. وأصلها قوله رحمه الله: الظن ملغى إلا ما قام الدليل على إعماله (¬1) ". وأما عند مالك رحمه الله: الأصل العمل إلا ما قام الدليل على إلغائه. وأصلها قوله رحمه الله: الظن معمول به إلا ما قام الدليل على إلغائه (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذان الأصلان أو القاعدتان متقابلتان تفيد إحداهما خلاف ما تفيده الأخرى والحكم المترتب على إحداهما ضد الحكم المترتب على الأخرى. فقد اختلف هذان الإمامان الجليلان والحبران العظيمان رحمهما الله تعالى ورضي عنهما في موجب العمل، فعند مالك الأصل والقاعدة المستمرة وجوب العمل بما يغلب على ظن المكلف ولا يترك العمل إلا إذا قام ووجد دليل على عدم جواز العمل. وأما عند الشافعي فالأصل والقاعدة المستمرة والراجح عدم جواز العمل بالظن ما لم يقم الدليل على ذلك. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 167. (¬2) الكافي لابن عبد البر جـ 1 صـ 158.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلها: إذا اشتبهت على مريد الطهارة أوانٍ طاهرة بنجسة فإذا ظن طهارة إناء منها فهل يكفي ذلك في جواز التطهر بهذا الماء أو لا بد من التيقن من الطهارة؟. عند الشافعي رضي الله عنه لا يجوز إذ لا يكفي الظن بل لا بد من اجتهاد وظهور علامة، إذ مجرد الظن إن لم يعضد بشاهد شرعي لا يعتبر. وأما عند مالك رضي الله عنه فإذا كان مع مريد الطهارة إناءان أحدهما نجس ولا يعرفه بعينه فإن توضأ بالواحد وصلى ثم غسل أعضاءه من الثاني وتوضأ به وصلى فقد قبل ذلك. وقيل إنه يهرق الإناء الواحد ثم يحصل الثاني ماءً مشكوكاً فيه فلا يؤثر فيه الشك لأنه على طهارته فيتوضأ به ولا شيء عليه، إذا كان الماء لا أثر فيه للنجاسة (¬1). بهذا تم المجلد الأول: ويليه المجلد الثاني وأوله: القاعدة الحادية والخمسون بعد الثلاثمئة والحمد لله ¬

_ (¬1) الكافي لابن عبد البر جـ 1 صـ 158.

اعتذار واستدراك

اعتذار واستدراك قلت في المقدمة إن العمل الموسوعي يحتاج إلى تضافر جهود وتعاون عدة أفراد، ويعسر أن يقوم به فرد واحد، ومهما يكن فكل عمل بشري يدخله النقص والتقصير مهما حاول صاحبه الوصول به إلى درجة الكمال إذ يأبى الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكون الكمال إلا لكتابه - {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (¬1). وقديماً قال العماد الأصبهاني محمَّد بن محمَّد البيساني المتوفي سنة 597 هـ، أو القاضي الفاضل: عبد الرحيم بن علي المتوفى سنة 596 هـ: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدَّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". وخلال مراجعاتي لتصحيح هذا القسم من الموسوعة وتبييضي له اتضح لي أن هناك أخطاء وقعت ذهولاً وسهواً في بعض المواطن خلافاً لما اشترطته على نفسي في المقدمة في أن لا أُرَقِّم إلا قاعدة مبدوءَة بالهمزة وما عدا ذلك يرقم كل في موضعه، فقد رقمت قاعدتان لم تُبدءا بالهمزة، ورقمت بضع قواعد اختلفت ألفاظها ولم يختلف مدلولها. كما لم ترقم بضع قواعد أخرى وإن اختلف مدلولها بعض اختلاف، ولما كان هذا والحمد لله قليلاً جداً لم أغيره لتعسر التغيير بعد الطبع، وأرجو أن لا يخل ذلك بالجهد المبذول في هذه الموسوعة ورحم الله امرءاً غفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه والحمد لله رب العالمين. ¬

_ (¬1) الآية 82 من سورة النساء.

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلَامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستَاذ المشارك بجامِعَة الإمَام محَمّد بن سُعود الإسلامِيّة القِسْمُ الأوّل حَرْفْ الهَمْزة المجَلّدْ الثاني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

القاعدة الحادية والخمسون بعد الثلاثمئة [الاستصحاب]

القاعدة الحادية والخمسون بعد الثلاثمئة [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عدم المسقط والأصل بقاء ما وجب (¬1) ". [تحت الاستصحاب] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن ما وجب على إنسان فعله أن الأصل بقاؤه لأنه ثابت بيقين، وأن ما ثبت يقيناً يستصحب حكمه حتى يقوم الدليل على خلافه. فالقاعدة المستمرة استصحاب المتيقن حتى يقوم الدليل على المزيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف الزوجان في التمكين فقالت الزوجة اسلمت نفسي إليك من وقت كذا. وأنكر الزوج، فإن قلنا: إن النفقة تجب بالتمكين فالقول قوله مع اليمين, لأن الأصل براءَة ذمته من النفقة. وعليها البيِّنة، وإن قلنا: إن النفقة تجب بالعقد فالقول قولها مع اليمين وعليه البيِّنة لأن الأصل بقاء ما وجب والأصل عدم المسقط. ¬

_ (¬1) قواعد الحصنى ق 1 صـ 235 عن المجموع المذهب ورقة 28 - 29

القاعدة الثانية والخمسون بعد الثلاثمئة [العزم والنية]

القاعدة الثانية والخمسون بعد الثلاثمئة [العزم والنية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الأصل عند الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: أن العزم على الشيء بمنزلة المباشرة لذلك الشيء. وليس العزم على الشيء بمنزلة المباشرة لذلك الشيء عند غير مالك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العزم هو العقد المؤكد والنيِّة الجازمة على فعل الشيء. المباشرة: إخراج الشيء من حيز القوة إلى الفعل، وعند المعتزلة المباشرة هي الفعل الصادر بلا وسط (¬2). فتفيد هذه القاعدة أن الراجح عند مالك رضي الله عنه أن قصد فعل الشيء قصداً مؤكداً حكمه حكم الفعل المباشر قولاً أو فعلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الرجل إذا عزم أن يطلق امرأته - ولم يتلفظ بلسانه - لا يقع عليها شيء ما لم يوقع الطلاق لفظاً، وأما عند الإمام مالك رضي الله عنه يقع الطلاق بنفس العزم. بناءً على هذه القاعدة، ولكن الرجوع إلى ما في كتب المالكية يخالف هذا نوع مخالفة. قال في أسهل المدارك نقلاً عن الباجي: لو عقد الطلاق بقلبه جازماً من غير تردد ففي وقوع الطلاق عليه بمجرد ذلك روايتان (¬3). وقال في جواهر الإكليل: من أركان الطلاق: ولفظ دال على ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 67، صـ 102 ط جديدة. (¬2) كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1 صـ 171. (¬3) جـ 2 صـ 146.

حل العصمة وضعاً أو عرفاً - إلى أن قال: ولا يقع بمجرد نية وكلام نفسي على أحد القولين (¬1). ومنها: إذا حلف إنسان ليفعلن كذا في المستقبل لم يحنث ما دام يرجى منه ذلك الفعل. وعند الإمام مالك رضي الله عنه: إذا عزم بقلبه أن لا يفعل ذلك الفعل أو على أن يفعل ذلك الفعل يحنث في يمينه (¬2). وقال سعيد بن المسيِّب: إذا مضى شهر ولم يفعل حنث في يمينه. ¬

_ (¬1) جـ 1 صـ 335. (¬2) ورأى مالك كما ذكر سحنون في المدونة جـ 2 صـ 36 - 37 قال: وأصل هذا كله في قول مالك: أن من حلف على شيء ليفعله فهو على حنث حتى يفعله. لأنا لا ندري أيفعله أم لا. ومن حلف على شيء أن لا يفعله فهو على بر حتى يفعله. فما نقله الحنفية - أو صاحب تأسيس النظر - عن مالك في هذه القاعدة ليس على إطلاقه. الباجي هو سليمان بن خلف أبو الوليد المالكي ولد سنة 403 هـ بقرطبة وتوفى سنة 494 هـ بالمرية بالأندلس. الديباج صـ 120 فما بعدها

القاعدة الثالثة والخمسون بعد الثلاثمائة [الفساد]

القاعدة الثالثة والخمسون بعد الثلاثمائة [الفساد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمة الله تعالى: أن العقد إذا دخله فساد قوي مُجمَعٌ عليه أوجب فساده شاع في الكل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد المشتمل على أشياء إذا دخله فساد في أحد أجزائه فإنه يوجب فساد العقد كله بشرط أن يكون الفساد مجمعاً عليه، وأما إذا كان الفساد مختلفاً فيه فلا يفسد الكل إنما يفسد ما دخله الفساد فقط، وهذا عند أبي حنيفة، وأما عند صاحبيه فلا يفسد إلا الجزء الذي دخله الفساد ولا يشيع الفساد في كل العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل من آخر سيارتين أو دابتين ثم ظهر أن إحدى السيارتين أو الدابتين مسروقة أو مستحقة فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يظهر الفساد في الكل فيبطل العقد في الجميع وعند الصاحبين يبطل العقد فيما دخله الفساد فقط فيبطل بحصته من الثمن. ومما خرج عنها: إذا باع عبدين صفقة واحدة فإذا أحدهما مدبر أو أم ولد جاز البيع في العبد وفسد في المدبر أو أم الولد خاصة - إذا سمّي لكل واحد منهما ثمناً أو لم يسم, لأن بيع المدبر وأم الولد ليس مجمعاً على منعه، فلم يقارن العقد فساد قوي مجمع عليه لأنه مختلف فيه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 15.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمئة [الفسخ]

القاعدة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمئة [الفسخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند ابن أبي ليلى في باب المعاملات: أن العقد إذا ورد الفسخ على بعضه انفسخ كله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن عند ابن أبي ليلى لا يجوز تفريق الصفقة فمن اشترى شيئاً ثم استحق الفسخ بعض المبيع لظهور استحقاقه أو وجود عيب فيه فإن العقد ينفسخ كله ولا يصح في الباقي. وعند الآخرين في المسألة خلاف وقد سبق بعضه في القاعدة السابقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند ابن أبي ليلى قال: إن المُسْلِم إذا ترك بعض رأس المال وأخذ بعض السلم لم يجز، ويفسخ ذلك السلم, لأنه انفسخ فيما أخذه فينفسخ فيما بقي، وعند الحنفية لا ينفسخ فيما بقي. ومنها: إذا اشترى بقرتين صفقة واحدة ثم ظهر في إحداهما عيبٌ يوجب الفسخ فيها فهل ينفسخ العقد في الثانية أيضاً؟ عند ابن أبي ليلى نعم، وعند الحنفية غير أبي حنيفة لا، وعند الشافعية قولان (¬2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 68، وصـ 104 ط جديدة. (¬2) المنثور جـ 3 صـ 46 فما بعدها.

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الثلاثمئة [اجتماع الحقوق]

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الثلاثمئة [اجتماع الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه عند اجتماع الحقوق يبدأ بالأهم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه عندما تجتمع حقوق متعددة في مال واحد أو على شخص واحد فيبدأ بأداء الأهم منها ثم الأقل أهمية وهكذا، وهذه القاعدة متفق على مضمونها ولكن قد يقع الخلاف فيما هو الأهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استدان إنسان مالاً وأراد أن يخرج لسفر التجارة والحج أو أراد أن يغزو مع بقاء الدين عليه، فإن لم يكن عنده وفاء بالدين فالأولى له أن يقيم ويسعى لقضاء دينه, لأن قضاء الدين مستحق عليه بعينه، والغزو - إن لم يكن النفير عاماً - غير مستحق عليه بعينه, لأن عند اجتماع الحقوق يبدأ بالأهم، وقضاء الدين أهم من الغزو, لأن حقوق العباد مقدمة، وكذلك من خرج للحج وترك عياله ليس لديهم ما يكفيهم فإن ذلك مكروه له، وقد يكون حراماً لأن في تركهم وليس لديهم ما يكفيهم ضياعهم. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير جـ 4 صـ 1449، وينظر المنثور للزركشي جـ 2 صـ 60 فما بعدها وجـ 1 صـ 339 فما بعدها.

القاعدة: السادسة والخمسون بعد الثلاثمئة [تعليل الأحكام]

القاعدة: السادسة والخمسون بعد الثلاثمئة [تعليل الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في الأحكام المعقولية لا التعبد, لأنه أقرب إلى القبول وأبعد عن الحرج (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام الشرعية هل مبناها على التعبد أي أن المراد بها إظهار الخضوع والطاعة لله سبحانه وتعالى بفعل ما أمرنا بفعله دون نظر إلى علة أو سبب أو حكمة لذلك الحكم؟ بهذا يقول الظاهرية، أو أن الأحكام الشرعية مبناها على المعقولية أي على التعليل بالعلل والأسباب والحكم التي يدركها العقل، فتفيد هذه القاعدة أن الراجح عند المالكية أن الأحكام الشرعية مبناها على المعقولية بمعنى أن كل حكم شرعي يمكن أن تعرف علة مشروعيته والحكمة والمصلحة من وراء الأمر به, لأن القول بالمعقولية يجعل الأحكام أقرب إلى القبول من المكلفين وأبعد عن الحرج. والله أعلم. وأقول: ولكن إن صح ذلك في بعض الأحكام فلا يصح في كلها، لأن هناك أموراً متفق على أنها تعبدية كأعداد الصلوات وهيئاتها وتحديد صوم رمضان دون غيره وتحديد الزكاة بربع العشر إلخ ما هنالك من أحكام لا تدرك عللها, فالتعميم على الرأيين غير سديد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل اليدين قبل إدخالها الإناء ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الثالثة والسبعون صـ 296.

لمن استيقظ من نومه (¬1). فهل يعتبر هذا الحكم تعبدياً، بمعنى أننا لا ندرك علته ولكن يجب علينا فعله ولو تيقنا بطهارة اليدين ونظافتهما, ولو كان النائم حريصاً على نظافة يديه وطهارتهما أثناء نومه؟ أو أن هذا الحكم معقول المعنى يمكن أن يعلل بأن الغسل مقصود به النظافة لأنه لا تخلو اليد عن الثلوث غالباً، ثم طلب عند أمن ذلك طرداً للباب؟ كما شرع الرَّمل في الثلاثة الأشواط الأولى (¬2) من الطواف بالبيت لنكاية العدو ثم ثبت عند عدمها طرداً للباب؟. ¬

_ (¬1) الحديث رواه أحمد والنسائي عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه بغير هذا اللفظ، والحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة. (¬2) الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى سنة لا خلاف فيها، والحديث متفق عليه.

القاعدتان: السابعة والخمسون بعد الثلاثمئة والثامنة والخمسون بعد الثلاثمئة [أسباب الأحكام]

القاعدتان: السابعة والخمسون بعد الثلاثمئة والثامنة والخمسون بعد الثلاثمئة [أسباب الأحكام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل في أسباب الأحكام أن تتقدم على الأحكام (¬1) ". وفي لفظ: "الأسباب المطلقة أحكامها تتعقبها, ولا تسقط بالإسقاط (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تقدم معنى السبب في اللغة وفي الاصطلاح الشرعي، والمراد بالأسباب هنا ما كان وجوده سبباً وعلة لوجود غيره، وإذا كانت الأسباب عبارة عن الطرق التي توصل إلى الأحكام والعلل هي ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجاً مؤثراً فيه (¬3) فلا بد من سبق الأسباب والعلل في الوجود وتقدمها على مسبباتها ومعلولاتها. فأسباب الأحكام تتقدم على الأحكام لأن الأحكام ناتجة عن الأسباب، وإذا تعقب حكم سبباً مطلقاً فهذا الحكم لا يسقط إذا أراد المكلف إسقاطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سبب حل المرأة عقد النكاح، فلا بد من تقدم عقد النكاح الصحيح ليحكم بحل المرأة لزوجها. كذلك حل البيع للمشتري والثمن للبائع مسبب عن عقد البيع فلا يحل المبيع للمشتري ولا الثمن للبائع إلا بعد تمام عقد البيع الصحيح. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 177. (¬2) المنثور جـ 1 صـ 159. (¬3) التعريفات للجرجاني صـ 140.

القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الثلاثمئة [الرخصة والعزيمة والقصر]

القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الثلاثمئة [الرخصة والعزيمة والقصر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في التخفيف في العبادة إذا علِّق بالمشقة أن يكون رخصة بخلاف الجمعة. وقال مالك والشافعي رحمهم الله تعالى: القصر رخصة. وهو كذلك عند أحمد". وقال أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى: إنه عزيمة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات بحسب كيفية أدائها تنقسم إلى قسمين: عزيمة ورخصة. فالعزيمة: ما شرع أولاً بدون دليل معارض، وعُرِّفت في الاصطلاح الفقهي بأنها: اسم لما هو أصل المشروعات غير متعلق بالعوارض (¬2). والرخصة هي: ما شرع بناءً على الأعذار، أو ما استبيح بعذر مع قيام الدليل المحرم (¬3). فتفيد القاعدة أن تخفيف العبادة إذا كان بسبب المشقة ودفع الحرج عن المكلف فهو الرخصة، وأما إذا كان التخفيف لغير ذلك فلا يكون رخصة كصلاة الجمعة. وهذا مذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة السادسة عشرة بعد المئتين صـ 460. (¬2) التعريفات صـ 155. (¬3) التعريفات صـ 115.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله في قصر الصلاة في السفر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الفطر في السفر أو المرض رخصة لأنه شرع تخفيفاً عن المسافر والمريض. وقصر الصلاة في السفر رخصة عند الأئمة الثلاثة, لأنه شرع تخفيفاً، وأما عند أبي حنيفة فقصر الصلاة في السفر عزيمة, لأنه الأصل كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه.

القواعد: الستون بعد الثلاثمئة والحادية والستون بعد الثلاثمئة والثانية والستون بعد الثلاثمئة [الحيوانات]

القواعد: الستون بعد الثلاثمئة والحادية والستون بعد الثلاثمئة والثانية والستون بعد الثلاثمئة [الحيوانات] أولاً: ألفاظ ورود القواعد: 1 - " الأصل في الحيوانات الطهارة إلا الكلب والخنزير وفروعهما وفروع أحدهما (¬1) "أي في حال الحياة (¬2) ". 2 - "الأصل في الحيوانات التحريم (¬3) ". "أي ذبحها" 3 - "الأصل في الصيد التحريم (¬4) " إلا بشروطه. 4 - وأورد الحصني "الأصل في الحيوان الإباحة (¬5) ". بناء على أن الأصل في المنافع الإباحة ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد الأربع تختص بأحكام الحيوانات من حيث الطهارة والنجاسة ومن حيث الحل والحرمة، فتفيد القاعدة الأولى أن الأصل في الحيوانات كلها الطهارة في حال الحياة عدا الكلب والخنزير وما تفرع منهما. وتفيد القاعدة الثانية والثالثة أن الأصل في الذبائح والصيد. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 218، والأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 353، والمجموع المذهب للعلائي (ورقة 313/ أ)، والمنثور في القواعد للزركشي جـ 2 صـ 112، وقواعد الحصني ق 1 صـ 705. (¬2) المنثور جـ 2 صـ 112، والاعتناء جـ 1 صـ 102. (¬3) الجمع والفرق للجويني صـ 1435. (¬4) نفس المرجع صـ 1436. (¬5) قواعد الحصني ق 1 صـ 452.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

التحريم، ولذلك لا تجوز الذبيحة ولا الصيد - أي الحيوان الوحشي - ولا يحل واحد منهما إلا بشروط في الذبيحة والصيد والذابح والصائد وآلة الذبح والصيد، وكيفية كل منهما، أو يقال إلى أن يستباح بطريق الاستباحة، ولكن خالف الحصني في رابعة هذه القواعد نقلاً عن المجموع للعلائي لوحة 76/ ب. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: جلد كل حيوان عدا الكلب والخنزير يطهر بالدباغ - ولو كان جلد ميتة على الراجح - لطهارة أصله. ومنها حل ذبيحة المسلم والكتابي بشروطها، وحرمة ذبيحة الوثني وغير الكتابي. ومنها: حل صيد أرسل عليه كلب مُعلم أو سهم بشروطه.

القاعدة: الثالثة والستون بعد الثلاثمئة [الصدقات]

القاعدة: الثالثة والستون بعد الثلاثمئة [الصدقات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن في الصدقات يعتبر عين المنصوص عليه (¬1) عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الشافعي رحمه الله تعالى أن ما ورد النص به في الصدقات والزكاة الواجبة وزكاة الفطر وأشباه ذلك فهو المعتبر وإذا تبدل أو تغير إلى اسم آخر أو صفة أخرى لا يجوز أن يقع عن الصدقة أو زكاة الفطر. وبناءً على هذا الأصل لم يُجز الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى وفي رواية عن أحمد إخراج القيمة في شيء من الزكوات (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب على إنسان زكاة الفطر فيجب إخراجها مما ورد به النص من البر أي الحنطة أو الشعير أو التمر وأشباه ذلك مما يقتات كالأرز والذرة، ولا يجوز من الدقيق سواء أكان دقيق حنطة أم دقيق شعير, ولا يجوز إخراج قيمتها بطريق الأولى. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 113 باب صدقة الفطر. وينظر الكافي في جـ 1 صـ 323 رأي مالك رحمه الله. (¬2) ينظر المقنع مع حاشيته جـ 1 صـ 306.

القاعدة الرابعة والستون بعد الثلاثمئة [تحمل العبادات]

ي القاعدة الرابعة والستون بعد الثلاثمئة [تحمل العبادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في العبادات ألاَّ تُتَحمَّل (¬1). أي لا يتحملها غير المطالب بها. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستمرة أن العبادات إنما يقوم بها ويؤديها المطالب بها دون غيره, لأن كل إنسان مكلف بفعل نفسه وخلاصها وبراءة ذمته من المطالبة، ولا يقوم غيره مقامه في ذلك, لأن المقصود من العبادة تعظيم الرب جل جلاله بإظهار الطاعة والخضوع وهذا لا يظهر إلا في فعل العبد نفسه. إلا ما استثني. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولا يزكي أحد عن أحد ولا يحج أحد عن أحد إلا ما ورد النص فيه. وذكر بعضهم أن فطرة الزوجة عليها لا على الزوج, لأنه إنما يجب صدقة الفطر بالولاية ولا ولاية للزوج على مال زوجته. والحديث بخلاف ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون (¬2) ". ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الحادية عشرة بعد الثلاثمئة جـ 1 صـ 543. (¬2) الحديث رواه البيهقي في السنن جـ 4 صـ 161، كما أخرجه الدارقطني مرفوعاً عن ابن عمر. وقال: الصواب وقفه جـ صـ 141، وقال الألباني في إرواء الغليل: جـ 3 صـ 319 - 321 الحديث بطرقه يرتقي إلى مرتبة الحسن.

القاعدة: الخامسة والستون بعد الثلاثمئة [الأداء]

القاعدة: الخامسة والستون بعد الثلاثمئة [الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في العبادات التي تشتمل على أركان ينفصل بعضها عن بعض أن الأداء لا يتصل بالشروع فيها كما في الحج. وفيما يكون متصل الأركان يتصل الأداء بالشروع كالصلاة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأداء: هو دفع الحق وتأديته (¬2). وأداء الصلاة: الإتيان بها في وقتها المحدد لها شرعاً. والعبادات نوعان: نوع يشتمل على أركان ينفصل بعضها عن بعض كالحج، ونوع يشتمل على أركان لا ينفصل بعضها عن بعض كالصلاة. فالعبادة ذات الأركان المنفصل بعضها عن بعض لا يتصل أداؤها بالشروع والبدء فيها. والعبادة ذات الأركان المتصلة يتصل أداؤها ببدئها والشروع فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة ذات أركان متصلة فيتصل أداؤها بالشروع فيها، والعدة بالأشهر متصلة الأركان فيتصل الأداء بالشروع فيها. والحج عبادة ذات أركان منفصلة فلا يتصل الأداء بالشروع فيها، وكذلك العدة بالأقراء - بمعنى الحيضات - عبادة ذات أركان منفصلة فلا يتصل الأداء بالشروع فيها لأنه يطلقها وهي طاهرة فتبدأ عدتها من أول حيضة بعد الطهر الذي طلقها فيه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 صـ 15 كتاب الطلاق. (¬2) مفردات الراغب صـ 14.

القاعدتان: السادسة والستون بعد الثلاثمئة والسابعة والستون بعد الثلاثمئة [التعليل والتعبد]

القاعدتان: السادسة والستون بعد الثلاثمئة والسابعة والستون بعد الثلاثمئة [التعليل والتعبد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في العبادات ملازمة أعيانها وترك التعليل (¬1) عند الشافعي رحمه الله. وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: "الأصل التعليل حتى يتعذر (1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الراجح عند الشافعي رحمه الله تعالى في العبادات التعبد وعدم التعليل وفعل العبادة كما أمر الله سبحانه وتعالى وكما أمر أو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يترك التماس العلل لها، لأن ذلك. يؤدي إلى الإخلال بها. وأما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فالراجح عنده في العبادات التعليل إلا إذا تعذَّر التعليل فتجب الملازمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الترتيب بين أعضاء الوضوء فرض عند الشافعي رحمه الله لا يصح وضوء المتوضيء إذا أخل به (¬2) اتباعاً لقوله سبحانه {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (¬3). خلافاً لأبي حنيفة الذي لا يرى فرضية الترتيب فيجيز تقديم بعض أعضاء الوضوء على بعض. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الرابعة والسبعون صـ 297. (¬2) ينظر رأي الشافعي في الأم جـ 1 صـ 25. (¬3) الآية 6 من سورة المائدة.

القاعدة: الثامنة والستون بعد الثلاثمئة [بناء العقود]

القاعدة: الثامنة والستون بعد الثلاثمئة [بناء العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في العقود بناؤها على قول أربابها (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد هو ارتباط الإيجاب بالقبول، والقاعدة المستمرة في بناء العقود وإتمامها إنما هو بناؤها على قول أصحابها من العاقدين حتى لا ينسد باب المعاش على الناس لو طلب من كل بائع أو عاقد بينة على ملك ما يريد بيعه أو بينة على الشراء ممن يدعَي أنه كان له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أحضر إنسان ثماراً أو متاعاً ليبيعه، وقال اشتريته من فلان، فإنه يجوز الشراء منه مع أنه أقر بالملك لغيره وأدعى حصوله له. وكذلك لو قال إنسان: أنا وكيل في بيع أو نكاح فصدقه من يعامله صح العقد. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 305، وق 2/ 571، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 169.

القواعد: التاسعة والستون بعد الثلاثمئة والسبعون بعد الثلاثمئة والحادية والسبعون بعد الثلاثمئة [الحقيقة]

القواعد: التاسعة والستون بعد الثلاثمئة والسبعون بعد الثلاثمئة والحادية والسبعون بعد الثلاثمئة [الحقيقة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل في الكلام الحقيقة (¬1) ". وفي لفظ: "الأصل في الألفاظ الحقيقة عند الإطلاق (¬2) - فلا يحمل على المجاز إلا بدليل (¬3). وفي لفظ: "الأصل في الإطلاق الحقيقة، وقد يصرف إلى المجاز بالنيَّة (¬4). [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: معنى الأصل هنا: الراجح عند السامع. الألفاظ التي يستعملها الناس لها حالان: الحال الأولى: أن تكون الكلمة مستعملة في معناها الذي وضعت له في أصل الوضع اللغوي، وهذا يسمى حقيقة، ولذلك عرَّفوا الحقيقة بأنها اسم أُريد به ما وضع له، أو هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح التخاطب (¬5) كلفظ الأسد في الحيوان المفترس. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 صـ 361، عن المجموع للعلائي (ورقة 61/ ب)، أشباه السيوطي صـ 62، وأشباه ابن نجيم صـ 99، المجلة المادة 12، المدخل الفقهي الفقرة 616، والوجيز صـ 260. (¬2) قواعد الحصني ق 1 صـ 361. (¬3) الزيادة من المجموع للعلائي (ورقة 61/ ب). (¬4) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق1 جـ صـ 194، وقواعد التحرير رقم 5 عن القواعد المستخلصة من التحرير صـ 479. (¬5) التعريفات صـ 94

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والحال الثانية: أن تستعمل الكلمة في غير المعنى الأصلي الذي وضعت له فهذه تسمى مجازاً، فهي نقلت عن معناها الأصلي إلى معنى أخر له علاقة بالأول. فتفيد هذه القاعدة أننا إذا سمعنا إنساناً يتكلم مخاطباً لنا فإننا نحمل كلامه على معناه الحقيقي - لأنه المتبادر إلى الأذهان - حتى يقوم الدليل على إرادة ما سواه. فمعنى القاعدة: أن الراجح عند السامع حمل كلام المتكلم على حقيقته لا على مجازه، إلا إذا قام دليل على إرادة المجاز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سمعنا إنساناً يقول لآخر وهبتك السيارة. فيترجح لدينا أنه أراد بها التبرع المجاني - أي بدون مقابل - وهذه هي دلالة لفظ الهبة الحقيقي. ولكنا إذا سمعناه يقول: وهبتك هذه السيارة بعشرة آلاف ريال - مثلاً - فنعلم أنه ما أراد حقيقة الهبة وإنما أراد البيع واستعمل لفظ الهبة في غير معناه الحقيقي، بدليل قوله: بعشرة آلاف. فذكر العوض قرينة على إرادة المجاز.

القاعدة الثانية والسبعون بعد الثلاثمئة [الارتباط بالغير]

القاعدة الثانية والسبعون بعد الثلاثمئة [الارتباط بالغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في المحبوس لغيره الكفُّ أو القول المناسب للمحل، فمن ادعى غير ذلك فعليه الدليل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمحبوس لغيره: من يقوم بالعمل أو العبادة مرتبطاً بآخرين، فهذا الأصل فيه الامتناع عن الزيادة أو المخالفة، وعليه الالتزام بالقول المناسب لمحل الحبس، ومَن يدعي غير ذلك أي من ادعى أن هذا القائم بالعمل المرتبط بغيره له الإطالة أو المخالفة فعليه الدليل وإلا كان عمله باطلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإمام في الصلاة محبوس ومرتبط بالمصلين فليس له أن يطيل بهم الصلاة بحيث يشق عليهم، ولا أن يطيل الركوع انتظاراً للداخل ليدرك الركعة. وقد أجاز ذلك بعض المالكية وهو الإمام سحنون (¬2). كما في مواهب الجليل جـ 2 صـ 88. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الثالثة عشرة بعد المائتين صـ 458. (¬2) الإمام سحنون هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي قاض فقيه انتهت إليه رياسة العلم في المغرب كان زاهداً لا يخاف سلطاناً في حق يقوله توفي سنة 240 هـ الأعلام جـ صـ 5 وقد تقدمت له ترجمة.

القاعدة: الثالثة والسبعون بعد الثلاثمئة [المنافع والمضار]

القاعدة: الثالثة والسبعون بعد الثلاثمئة [المنافع والمضار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في المنافع الإباحة وفي المضار التحريم (¬1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة أصل عظيم في بيان ما اُحِل وما حُرِّم، فالله سبحانه وتعالى برحمته بعباده أباح لهم أشياء وحَرَّم عليهم أشياء، فما أباحه سبحانه فإنما أباحه لمصلحة عباده ومنفعتهم، وما حرَّمه فإنما حرمه لدرء مفسدة عن عباده ودفع المضار عنهم. فما أحله الله فهو الحلال وما حرَّمه فهو الحرام، وهناك أشياء سكت سبحانه وتعالى عنها فما حكمها؟ فبناء على هذه القاعدة ما ثبت نفعه منها فهو المباح، وما ثبت ضرره منها فهو الحرام. فكل منفعة الأصل فيها الإباحة وكل مضرة أو مفسدة الأصل فيها التحريم والمنع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما لم يذكر حكمه من الحيوانات والمأكولات والمشروبات والمشمومات والآلات والتصرفات إذا ثبتت منفعته كان حلالاً، وإذا ثبت ضرره كان حراماً. فمثلاً: عصائر الفواكه غير المسكرة، قد ثبت نفعها فهي مباحة وحلال، والدخان وقد ثبت ضرره فهو حرام وإن لم يرد دليل يحرمه بخصوصه. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 جـ 1 صـ 451 عن المجموع المذهب للعلائي (ورقة 76/ ب)، والمحصول للرازي جـ 2 ق 3 صـ 131. وشرح تنقيح الفصول صـ 450

القاعدة: الرابعة والسبعون بعد الثلاثمئة [شعار الإسلام]

القاعدة: الرابعة والسبعون بعد الثلاثمئة [شعار الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل فيما شرع لإظهار شعار الإِسلام وإقامة اُبَّهتهِ أن يجب على الكفاية (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن الأحكام الشرعية التي شرعت لإظهار وإعلان شعار الإِسلام وإظهار عظمته وسلطانه أن الراجح فيها أنها فروض كفاية إذا قام بها بعض المكلفين سقطت المطالبة بها عن بقية الجماعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من هذه الأحكام الأذان وصلاة الجماعة وصلاة العيد على القول بأنها من فروض الكفاية، وإلا فهناك قول بأنها سنن مؤكدة بخلاف صلاة الجمعة فهي واجبة على الأعيان عند الجميع بشروطها، وفي حكم الأذان وصلاة الجماعة وصلاة العيد خلاف في المذاهب وتفصيل ليس هذا محله. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الرابعة والثمانون بعد المائة جـ 2 صـ 429.

القاعدة: الخامسة والسبعون بعد الثلاثمئة [التعبد]

القاعدة: الخامسة والسبعون بعد الثلاثمئة [التعبد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن فيما لا يعقل المعنى فيه إنما يحصل الامتثال بعين المنصوص (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى الأحكام التعبدية التي لا يعقل فيها المعنى ولا تدرك الحكمة ولا العلة لفرضيتها فهذه لا يحصل الامتثال ولا تبرأ الذمة إلا بأدائها بعينها كما وجبت. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلوات تؤدى كما وجبت في أوقاتها المحددة وهيئاتها المسنونة وشروطها المعتبرة ولا يجوز الإخلال بشيء من ذلك، وكذلك الصوم فلا يعتبر ممتثلاً من لم يصم رمضان بغير عذر - ولو صام السنة كلها غيره، كما لا يعتبر ممتثلاً من وقف على كل جبال الدنيا ولم يقف على عرفات، فلا حج له. وعند الشافعي رحمه الله لو رمى الجمرات بطين يابس لم يصح لأن عنده لا يجوز إلا بالحجر اتباعاً لما ورد به الأثر وهو كذلك عند أحمد رحمه الله (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 66. (¬2) المقنع جـ 1 صـ 455 مع الشرح.

القاعدة: السادسة والسبعون بعد الثلاثمئة [النسك]

القاعدة: السادسة والسبعون بعد الثلاثمئة [النسك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن فيما هو نسك تكره الضِنَّة فيه بالمال والنفس (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النسك العبادة والضِّنَّة: البخل. تفيد هذه القاعدة الحث على عدم البخل فيما هو نسك لله سبحانه وتعالى، فالنسك المطلوب شرعاً يكره أن يبخل فيه بالمال أو النفس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أراد أن يضحي فالأفضل له أن يتخير أضحيته ولكن بدون مغالاة في ثمنها، وكذلك من أراد التحلل فليتحلل بالحلق فهو أفضل من التقصير. والحلق نسك. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 70 باب الحلق.

القاعدة: السابعة والسبعون بعد الثلاثمئة [تعلق الصلاة]

القاعدة: السابعة والسبعون بعد الثلاثمئة [تعلق الصلاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية: أن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإِمام، ومعنى تعلقها: أنها أي صلاة المقتدي - تفسد بفساد صلاة إمامة وتجوز بجوازها. ويدل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإِمام ضامن والمؤذن مؤتمن (¬1) ". والأصل عند الإمام القرشي أبي عبد الله الشافعي رحمه الله: إن صلاة المقتدي غير متعلقة بصلاة الإِمام (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تبين هذه القاعدة أصلاً مهماً من الأصول التي اختلفت فيها الحنفية عن الشافعية، وغيرهم: فعند الحنفية: أن صلاة المقتدي - أي المأموم - متعلقة ومرتبطة بصلاة إمامة صحة وفساداً، فإذا صحت صلاة الإمام صحت صلاة المقتدي وإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المقتدي مستندين في ذلك إلي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن". وأما عند جمهور الفقهاء غير الحنفية فإن صلاة المقتدي غير متعلقة ¬

_ (¬1) حديث صحيح. روي من طرق متعددة ينظر في تخريجه إرواء الغليل جـ 1 صـ 231 فما بعدها، وتلخيص الحبير جـ 1 صـ 206. (¬2) تأسيس النظر صـ 70 - 71، وينظر قواعد المقري القاعدة الثانية بعد المئتين صـ 446، وكذلك ينظر مواهب الجليل جـ 2 صـ 96، وتخريج الفروع على الأصول صـ 36.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

بصلاة إمامه، فتصح صلاة المقتدي مع فساد صلاة إمامه. وأساس الخلاف في هذه المسألة - إلى جانب الأخبار في تحمل الإمام - قراءةُ الفاتحة خلف الإمام حيث منعها الحنفية واعتبروا أن قراءة الإمام قراءة للمؤتم. وأوجبها الشافعي رحمه الله حيث أبطل صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب من إمام ومأموم ومنفرد، وأجازها أحمد رحمه الله للمأموم في رواية (¬1) ومنع مالك المأموم من القراءة في الجهرية، ورجح قراءتها في السرية (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اقتدى مؤتم طاهر بإمام محدث أو جنب وهو لا يشعر - أي لم يعلم يحدث إمامه - فإن صلاة المأموم باطلة عند الحنفية، صحيحة عند الآخرين (¬3). ومنها: إذا خرج المؤتم من صلاة إمامه ونوى الانفراد بنفسه فيما بقي من صلاته فإن صلاته تفسد عند الحنفية، ولا تفسد عند غيرهم. ¬

_ (¬1) المقنع جـ 1 صـ 197. (¬2) الكافي جـ 1 صـ 201. (¬3) ينظر: الكافي جـ 1 صـ 212، والمقنع جـ 1 صـ 207.

القاعدة: الثامنة والسبعون بعد الثلاثمئة [الإباحة]

القاعدة: الثامنة والسبعون بعد الثلاثمئة [الإباحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن صورة المبيح إذا وجدت منعت وجود ما يندريء بالشبهات وإن لم يبح (¬1). ثانياً: معني هذه القاعدة ومدلولها: المبيح للمحرمات قد يكون حقيقة وقد يكون صورة لا حقيقة وراءها. والمراد بما يندريء بالشبهات: الحدود الواجبة بناءً على ارتكاب محرمات. فتفيد هذه القاعدة أن صورة المبيح إذا وجدت في مسألة منعت وجود الحد الذي يندريء ويندفع بالشبهة وإن لم يبح في واقع الأمر، لأن وجود الصورة شبهة دارئة للحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أبصر إنسان هلال رمضان وحده، ثم شهد عند القاضي بذلك، فرد القاضي شهادته، فهذا هل يجب عليه الصوم ويلزمه، لأنه مكلف برؤية نفسه؟. فإذا أفطر هذا عامداً فهل عليه كفارة؟ فعند الحنفية - الذين يوجبون الكفارة بالأكل والشرب عامداً - أنه لا كفارة عليه حتى ولو جامع، لأن صورة المبيح - وهي هنا عدم قبول شهادته عند القاضي، وعدم صيام الناس لأنهم لم يروا الهلال - قد وجدت هنا، وإن لم يبح الفطر لهذا الشخص، لأنه مكلف برؤية نفسه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 100 وصـ 148 ط جديدة.

وأما عند غير الحنفية فيلزمه صومه وعليه الكفارة إذا جامع (¬1) وكذلك عليه القضاء والكفارة بالأكل والشرب المتعمد عند مالك رضي الله عنه (¬2). ¬

_ (¬1) الأم جـ 2 صـ 81، والمقنع جـ 1 صـ 359. (¬2) الكافي جـ 1 صـ 335.

القاعدة: التاسعة والسبعون بعد الثلاثمئة [النقود]

القاعدة: التاسعة والسبعون بعد الثلاثمئة [النقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل ضم النقود بعضها إلى بعض في تكميل النصاب باعتبار معنى المالية (¬1) ". [ضابط] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النقود وإن اختلفت أنواعها - من ذهب - أو فضة - باعتبار ماليتها يضم بعضها إلي بعض عند إرادة تكميل النصاب لأنها ثمن الأشياء وقيمها (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل عشرة مثاقيل من الذهب ومئة درهم من الفضة فيضم أحد المالين إلى الآخر ليكمل النصاب فتجب فيه الزكاة؟ ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 20. (¬2) هذا رأي الحنفية وهو قول الحسن وقتادة ومالك والثوري والأوزاعي وعن أحمد روايتان والرواية المرجحة الضم، والثانية لا يضم وهو قول ابن أبي ليلى والحسن ابن صالح وشريك والشافعي ينظر المقنع مع حاشيته جـ 1 صـ 329، والاعتناء جـ 1 صـ 306، والكافي جـ 1 صـ 287 - 288.

القاعدة: الثمانون بعد الثلاثمئة [وجوب الضمانات]

القاعدة: الثمانون بعد الثلاثمئة [وجوب الضمانات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الضمانات في الذمة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما بأخذ وإما بشرط، فإذا عُدِما لم تجب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بموجبات الضمان وتعلقه بذمة المكلف الضامن، فتفيد أن ما يثبت في الذمة من ضمان الأموال لا يثبت إلا بإحدى طريقين: الطريق الأولى طريق الأخذ الفعلي للمضمون سواء كان بحق أم بغير حق، فالأخذ بحق كقبض الرهن فهو مضمون على المرتهن بالأقل من قيمته أو من الدين. والأخذ بغير حق كالغصب، فالمغصوب مضمون على الغاصب مِثلاً أو قيمة. الطريقة الثانية: طريق الأخذ عن طريق الشرط وذلك في بعض العقود. وعند الشافعية أسباب الضمان أربعة: عقد ويد وإتلاف وحيلولة (¬2). وعند الحنابلة: أسباب الضمان ثلاثة: عقد ويد وإتلاف (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من غصب شيئاً أو التقطه بغير أن يشهد أنه التقطه ليعرِّفه فهو ضامن لما اغتصب أو التقط، وكذلك إذا اشترى سلعة وتسلمها ولم يدفع ثمنها - لانه مؤجل - فالثمن في ذمته وهو ضامن له. وكذلك لو استأجر بيتاً أو ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 113، والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 322 فما بعدها أشباه السيوطي صـ 361 فما بعدها. (¬2) المنثور للزركشي جـ 2 صـ 322 فما بعدها. (¬3) قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة والثمانون وما بعدها.

محلاً فالإجارة مضمونه عليه في الذمة حتى يؤديها وكذلك لو كفل بمال على رجل آخر. ومنها: إذا أتلف مالاً لآخر كمن أوقد ناراً في أرضه في يوم عاصف فانتقلت النار إلى جاره فأحرقت زرعه أو بدنه فهو ضامن.

القاعدة: الحادية والثمانون بعد الثلاثمئة [الصلاة - انتقاض الطهارة]

القاعدة: الحادية والثمانون بعد الثلاثمئة [الصلاة - انتقاض الطهارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن طهارة المصلي متى انتقضت في خلال الصلاة بسبب سابق على الشروع في الصلاة يلزمه استقبال الصلاة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن إنتقاض طهارة المصلي إما أن تكون بسبب تالٍ على الشروع في الصلاة كسبق الحدث أو الرعاف، وإما أن تكون بسبب سابق على المشروع فيها كالمستحاضة التي تتوضأ لوقت كل صلاة فيدل هذا الضابط على أن طهارة المصلي إذا انتقضت خلال صلاته بأحد الأسباب السابقة على الصلاة أنه يجب عليه استقبال الصلاة أي استئنافها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المستحاضة التى توضأت ولبست الخفين في وقت العصر فلما صلت ركعة من العصر غربت الشمس، فبناء على هذه القاعدة تنتقض طهارة هذه المرأة وعليها تجديد الطهارة مع غسل قدميها واستقبال الصلاة، حيث إنه مع انتقاض طهارتها بغروب الشمس بطلت صلاتها كالمتيمم إذا أبصر الماء وهو في الصلاة، وفي هذه المسألة وجهان آخران عند الحنفية. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 134 باب المسح على الخفين.

القاعدة: الثانية والثمانون بعد الثلاثمئة [العارض]

القاعدة: الثانية والثمانون بعد الثلاثمئة [العارض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل عند علماء الحنفية الثلاثة رحمهم الله تعالى: أن العارض في الأحكام انتهاءً له حكم يخالف الموجود ابتداءً. وعند زُفر حكمه حكم الموجود ابتداءً (¬1). وفي لفظ عند الشافعية: "كل ما لو قارن لمنع فإذا طرأ فعلى قولين (¬2). وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القاعدة قريبة المعنى من سابقتها فتفيد أنه إذا وقع حكم من الأحكام أو تم عقد من العقود ثم حدث عليه بعد التمام طاريء أو عرض عارض لو وجد قبل تمام الحكم أو العقد لأبطله، فهل يبطل العقد بوجود هذا العارض؟. عند الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة وصاحبيه - إن هذا الطاريء لا يمنع نفاذ العقد، لأن الحكم في الانتهاء يخالف الحكم في الابتداء. وأما عند زُفر بن الهذيل رحمه الله فحكم الطاريء الموجود انتهاء كحكم الطاريء الموجود ابتداءً. وعند الشافعية في هذه المسألة قولان. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا باع الرجل عبداً فأبق العبد - أي هرب - بعد تمام العقد وقبل القبض فعند الأئمة الثلاثة لا يبطل البيع، وهو كذلك عند الشافعية حيث قالوا: لم ينفسخ البيع لبقاء المالية ورجاء العود (¬3). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 59، وصـ 91 ط جديدة. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 312. (¬3) روضة الطالبين جـ 3 صـ 503

وأما عند زفر فيبطل البيع ويجعل العارض الموجود في الانتهاء - وهو الإباق - كالموجود لدى العقد ابتداء. ومنها: إذا انقطع المُسلَمُ فيه بعد انقضاء أجل السلم لا ينقض عقد السلم عند الأئمة الثلاثة، وعند زفر ينقض ويجعل الانقطاع العارض في الانتهاء كالموجود لدى العقد في الابتداء. وأما عند الشافعية ففي هذه المسائل قولان.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمئة [أصل الفرض]

القاعدة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمئة [أصل الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل الفرض في كل أحد ما يتمكن من أدائه (¬1) - بنفسه". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومثالها: هذه القاعدة أوردها السرخسي في باب صلاة الجمعة للاستدلال على أن الأصل في صلاة الجمعة هو صلاة الظهر، فالجمعة خلف عن الظهر في ذلك اليوم والظهر أصل لها، لأنه يتمكن من أدائه بنفسه، أما الجمعة فلا يتمكن من أدائها بنفسه لأن إقامتها تحتاج إلى شرائط منها ما لا يختص بالمصلي نفسه بل بغيره كالمصر والعدد والذكورية والحرية ... إلخ وينظر القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة جـ 1 صـ 339. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 صـ 22 باب صلاة الجمعة.

القاعدة: الرابعة والثمانون بعد الثلاثمئة [الفساد]

القاعدة: الرابعة والثمانون بعد الثلاثمئة [الفساد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى: أن فساد أفعال الصلاة لا يوجب فساد حرمة الصلاة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بفساد أفعال الصلاة فساد بعض الأركان أو الواجبات، بمعنى عدم إجزائها والمراد بفساد حرمة الصلاة بطلانها. فتفيد هذه القاعدة أنه عند الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه إذا فسدت بعض أفعال الصلاة فلا يوجب ذلك فسادها كلها بل ينحصر الفساد فيما أفسده فقط، ويجوز للمصلي البناء على ما لم يفسد من أفعالها. خلافاً لمحمد بن الحسن رحمه الله حيث إن فساد الأفعال عنده يوجب فساد حُرمة الصلاة، فتبطل وعليه استئناف الصلاة، وكذلك عند زُفر بن الحارث رحمه الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ترك مُصَلٍ القراءة في الأوليين من الرباعية وقرأ في الأُخريين فعند أبي حنيفة وأبي يوسف تفسد الركعتان الأوليان وتصح الركعتان الأُخريان فيبني عليهما ركعتين فتتم صلاته. وأما عند محمَّد وزُفر فالركعتان الأُخريان غير جائزتين لفساد الأوليين، ولأن المبني على الفاسد فاسد، وعليه استئناف الصلاة. وهذا هو الأحوط لسلامة العبادة والتيقن من براءة الذمة. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 38، صـ 59 ط جديدة.

القاعدتان: الخامسة والثمانون بعد الثلاثمئة والسادسة والثمانون بعد الثلاثمئة [التابع]

القاعدتان: الخامسة والثمانون بعد الثلاثمئة والسادسة والثمانون بعد الثلاثمئة [التابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعاً وحكماً وإن كان يبطل قصداً (¬1) ". وفي لفظ: "قد يثبت تبعاً ما لا يثبت مقصوداً (¬2) وتأتي في حرف القاف إن شاء الله. وفي لفظ: "يُغتفر في الشيء ضمناً ما لا يُغتفر فيه مقصوداً (¬3) " وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. وفي لفظ: "أوائل العقود تؤكد بما لا يُؤَكد به أواخرها (3). وفي لفظ: "يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل (3). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. وفي لفظ: "يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها (¬4). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله تحت قاعدة التابع تابع. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) أصول الإِمام الكرخي صـ 114، وجامع الفصولين الفصل التاسع والثلاثون. (¬2) شرح السير الكبير جـ 2 صـ 631. (¬3) أشباه السيوطي صـ 120، وأشباه ابن نجيم صـ 121. (¬4) أشباه ابن نجيم صـ 121. والمجلة المادة 54، والمدخل الفقهي الفقرة 637 والوجيز مع الشرح صـ 285.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الشرائط الشرعية يجب توافرها جميعاً في المحل الأصلي ولكن التوابع قد يتساهل في استيفائها بعض هذه الشروط، لأنه قد يكون للشيء قصداً شروط مانعة. وأما إذا ثبت تبعاً أو ضمناً لشيء آخر فيكون ثبوته ضرورة ثبوت متبوعه. أو ما هو في ضمنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجنين في بطن الذبيحة إذا كان تام الخلق وخرج ميتاً بعد ذبح أمه جاز أكله عند الأئمة الأربعة وغيرهم رضي الله عنهم لتبعيته لأمه في الذبح، لأن ذكاة أمه ذكاة له. مع أنه لا يجوز أكله بدون ذبح لو ولدته حياً أو أُخرج من بطنها بعد ذبحها وهو حي.

القاعدة السابعة والثمانون بعد الثلاثمئة [الاتلاف والضمان]

القاعدة السابعة والثمانون بعد الثلاثمئة [الاتلاف والضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه إذا قل المتلَف قل الضمان، وإذا كثر المتلَف كثر الضمان (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المعنى معقولة الفحوى حيث إن من أتلف شيئاً فعليه ضمانه، قل ثمن المتلف أو كثر. ولكن إذا قل المتلف قل الضمان وإذا كثر المتلف كثر الضمان، لأن كل شيء بحسبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أتلف إنسان لآخره شجرة أو بقرة أو كتاباً فعليه ضمان ما أتلفه بأن يأتي بالمثل لما له المثيل، وبالقيمة لما لا مثيل له، ويقوِّم ذلك أهل الخبرة، وأما إذا أتلف بستاناً بكامله، أو أهلك قطيع بقر أو عدد من الكتب فإن ضمانها بحسبها لأنه لا يعقل أن يكون ضمان شجرة واحدة كضمان بستان كامل، ولا ضمان بستان كامل كضمان شجرة واحدة من نفس النوع. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 13 صـ 40.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد الثلاثمئة [المعفو عنه]

القاعدة الثامنة والثمانون بعد الثلاثمئة [المعفو عنه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أئمة الحنفية الثلاثة: أن القليل من الأشياء معفو عنه". وعند زُفر لا يكون معفواً عنه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة دفع الحرج وقطع الوسواس، حيث ترجح لدى الأئمة الثلاثة أن القليل من الأشياء كالدم والقيح والخارج من غير السبيلين معفو عنه وتصح به الصلاة وكذلك الفعل اليسير في الصلاة لا يبطلها. خلافاً لزُفر رحمه الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جرح إنسان ولكن لم يسل الدم عن رأس الجرح لا يوجب ذلك نقض الطهارة، وعند زُفر يوجب نقض الطهارة ولا يعفى عنه وإن كان يسيراً. ومنها: إذا سجد في صلاة سجدة واحدة على موضع نجس ثم أعاد تلك السجدة على موضع طاهر فعند أبي يوسف رحمه الله تصح صلاته وتجزيه سجدته. وأما عند زُفر فلا تجزيه السجدة وفسدت صلاته، لأن السجدة التي كانت على موضع نجس أفسدت الصلاة. وعند غير زُفر لا تفسد ولا يُعتد بها لأنه عمل يسير. ومنها: من أعتق عن كفارة يمينه رقبة عوراء تجزيه عند جمهور الحنفية، لأن العور عيب قليل يعفى عنه، وعند زُفر لا تجزيه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 62 وصـ 95 ط جديدة.

القاعدة: التاسعة والثمانون بعد الثلاثمئة [قول الصحابي]

القاعدة: التاسعة والثمانون بعد الثلاثمئة [قول الصحابي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن قول الصحابي مقدم على القياس إذا لم يخالفه أحد من نظرائه لأنه لا يقال: إنه قاله من طريق القياس، لأن القياس يخالفه، ولا يجوز أن يقال: إنه قال جزافاً. فالظاهر أنه قاله سماعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند الإِمام القرشي أبي عبد الله الشافعي رحمه الله: القياس مقدم، لأنه لا يرى تقليد الصحابي ولا الأخذ برأيه (¬1) ". [أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بقول الصحابي هنا: أن يُعرف عن أحد الصحابة رضوان الله عليهم قول لم ينتشر، ولم يعرف عن غيره قول يعارضه أو يخالفه. والمراد بالقياس هنا: القاعدة الكلية، وليس القياس الأصولي. وتفيد هذه القاعدة أن عند الحنفية قول الصحابي حجة ويقدم على القواعد العامة بشروط: أن لا يعرف عن غيره من الصحابة مخالفة له، وأن لا ينتشر بين الصحابة؟ لأنه إذا انتشر بينهم وسكتوا عنه ولم يعرف عنهم أو عن أحد منهم رضا ولا إنكار فهذا هو الإجماع السكوتي. ومنها: أن لا يوافق هذا القول القياس - أي القاعدة الكلية - عند الأكثرين. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 75، وصـ 113 ط جديدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وحجة الحنفية في تقديم قول الصحابي: أن الصحابي لا يمكن أن يقول هذا القول بناء على قاعدة كلية لأنه يخالفها والقاعدة تخالفه، كما أنه لا يمكن للصحابي أن يقوله من عند نفسه لأن الصحابة رضوان الله عليهم أجل وأتقى من أن يقولوا في الدين قولاً من عند أنفسهم يخالف القواعد العامة. فإذاً يغلب على الظن - لأن إحسان الظن بالصحابة رضوان الله عليهم واجب - فيغلب على الظن أنه إنما قاله سماعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول الصحابي بهذه الشروط وهذا الفهم حجة عند الجميع أو أكثرهم وهو قول الشافعي في القديم، وظاهر قول الشافعي في الرسالة (¬1): أن قول الصحابي حجة إذا انضم إليه القياس فيقدم حينئذٍ على قياس ليس معه قول صحابي. بل الظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يأخذ بقول الصحابي مطلقاً إذا لم يجد دليلاً غيره ولا يتركه ليقدم القياس عليه (¬2). فقول الدبوسي هنا إن القياس عند الشافعي مقدم على قول الصحابي غير دقيق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وجوب الأجرة في الآبق إذا رده من مسيرة ثلاثة أيام: أخذ الحنفية فيه بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (¬3) وتركوا القياس وألزموه بالجعل، وهي أجرة على مجهول. ¬

_ (¬1) ينظر الرسالة صـ 65، والأم جـ 3 صـ 334. (¬2) ينظر الكوكب المنير شرح مختصر التحرير جـ 4 صـ 422، وإرشاد الفحول جـ 2 صـ 268 (¬3) خبر عبد الله بن مسعود ينظر تخريجه في نصب الراية جـ 3 صـ 470، عن عبد =

وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه لا تجب الأجرة، ولكن قال في الأم: ولا جُعل لأحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جُعل (¬1). ومنها: وجوب الدية على من حلق لحية رجل ولم تنبت. أخذ علماء الحنفية في ذلك بقول علي رضي الله عنه (¬2) وتركوا القياس. وعند الإِمام الشافعي رضي الله عنه: لا يجب فيها دية بل يجب فيها حكومة عدل وهو القياس وبه أخذ (¬3). ¬

_ = الرزاق في مصنفه، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه مثله، وفي الباب آثار أخرى تُنظر هناك. (¬1) ينظر رأي الشافعي في الأم جـ 3 صـ 291 - 294. (¬2) الأثر ذكره في بدائع الصنائع جـ 7 صـ 312 وفي المصنف لابن أبي شيبة جـ 5 صـ 467 عن الشعبي مثله. (¬3) ينظر رأي الشافعي في الأم جـ 6 صـ 109.

القاعدة التسعون بعد الثلاثمئة [قول الأمين]

القاعدة التسعون بعد الثلاثمئة [قول الأمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن القول قول الأمين مع اليمين من غير بينة (¬1) ". تحت قاعدة "الأصل براءة الذمة". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومثالها: الأمين لا يضمن بغير تعد أو تقصير فإذا اختلف مودع - أي صاحب وديعة - وهو المؤتَمِن - مع مودَعه - أي الأمين - على رد الوديعة أو تلفها، حيث يدعي الأمين أنه رد الوديعة إلى صاحبها أو أنها تلفت عنده بغيره تعد أو تقصير منه في حفظها، وأنكر المودع ذلك ولا بينة له على عدم الرد أو على الإتلاف بالتقصير في الحفظ، فالقول قول الأمين مع يمينه بما ادعى، لأنه يريد أن ينفي عن نفسه الضمان وهو متمسك بالأصل الظاهر وهو براءة ذمته من الضمان، وكذلك حكم المستعير والمضارب والوكيل وأشباههم. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 112 مع تأسيس النظر.

القاعدة: الحادية والتسعون بعد الثلاثمئة [قول القابض]

القاعدة: الحادية والتسعون بعد الثلاثمئة [قول القابض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن القول قول القابض في المقبوض (¬1) ". "مع يمينه". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقابض هنا المشتري والمستأجر والمستعير .. إلخ. والمراد المقبوضة المبيع والعين المؤجرة، والمعارة .. إلخ. فعند الاختلاف في السلعة المقبوضة فالقول قول القابض مع يمينه وعلى المقبض البينة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن كان في البيع خيار للبائع أو للمشتري فجاء المشتري بالمبيع ليرده على البائع، فقال البائع ليس هذا هو الذي بعتك. فالقول قول المشتري فيه لأنه ينفرد بالفسخ بخياره - إن كان الخيار له - فيبقى ملك البائع بيده والقول في تعينه قوله أميناً كان أم ضميناً. كذلك إذا كان المبيع غير مقبوض وأراد البائع أن يلزمه به، فقال المشتري: ليس هذا الذي بعتني. فالقول قول المشتري مع يمينه، ولا يلزمه البيع إلا أن تقوم عليه بيِّنة أنه هو المبيع فيلزمه إن لم يكن له خيار. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 13 صـ 48.

القاعدة: الثانية والتسعون بعد الثلاثمئة [الخصومات]

القاعدة: الثانية والتسعون بعد الثلاثمئة [الخصومات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في باب الخصومات أن القول قول من يشهد له الظاهر (¬1) ". وفي لفظ: "الأصل عند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الدعاوى والقاعدة المستقرة أن البينة على المدعي، وعند عدم بينة المدعي توجَّه اليمين على المدعى عليه - بناء على الحديث، "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (¬3) " وهو الأصل في هذا الباب. فإذا لم تكن بينة والتبس الأمر بين المدعي والمدعى عليه حيث يكون كل منهما مدعياً من وجه ومدعىً عليه من وجه آخر، فهنا يكون القول قول من يشهد له الظاهر مع يمينه. والمراد بالظاهر هنا المستصحب والقاعدة المستمرة مثل "براءة الذمة" أو التمسك بالأصل أو الصفة الأصلية، أو التمسك بالوقت الأقرب وأشباه ذلك من الأصول المعمول بها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 15 صـ 16، 88، 94. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 15 صـ 88، وجـ 16 صـ 19. (¬3) الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.

إذا ادعى الأمين رد الوديعة على مودعها أو أنها تلفت عنده بغير تعد أو تقصير منه. وأنكر المودع الرد أو التلف، ولا بينة للمودع ولا الأمين فالقول هنا للأمين مع يمينه لأنه متمسك بأصل ظاهر وهو براءة ذمته من الضمان والمودع يدعي شغل ذمته، فالظاهر شاهد للأمين فيكون القول قوله. وإن كان المتبادر أن الأمين مدع لأنه يدعي الرد أو التلف، والمودع منكر لذلك، ولكن هذا المتبادر عارضه أصل وظاهر أقوى وهو "براءة الذمة" فلذلك كان القول قول الأمين مع يمينه.

القاعدة: الثالثة والتسعون بعد الثلاثمئة [كراهية النذر]

القاعدة: الثالثة والتسعون بعد الثلاثمئة [كراهية النذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل مالك كراهة الدخول اختياراً في عهدة يضعف الوفاء بها إيثاراً لتحقق السلامة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مبنى الشريعة على اليسر والسماحة لا العسر والمشقة وقد فرض الله سبحانه وتعالى علينا فرائض لا يجوز لنا الإخلال بها ورغب سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في فعل الطاعات والإكثار من النوافل والعبادات غير المفروضات، ولكن بحسب وسع الإنسان وطاقته بحيث لا يشق على نفسه ويتعب جسمه ولذلك كره - مثلاً - صوم الدهر لما فيه من تعذيب النفس والمشقة التي قد تؤدي إلى ضعف الجسم والإخلال ببعض المفروضات، وبناءً على ذلك كره مالك رضي الله عنه الدخول الإختياري في عبادة قد يضعف المكلف عن الوفاء بها كنذر الطاعة من صوم أو صلاة وكذلك كره نذر الإعتكاف على ظاهر الرواية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كره نذر الطاعة كمن نذر أن يصوم شهراً، أو يعتكف شهراً أو يحج ماشياً أو يصلي ألف ركعة. لما يترتب على ذلك من عدم الوفاء بالنذر إذا ضعف الناذر عن الوفاء بما نذره، ولما يترتب على عدم الوفاء بالمنذور من المعصية. فإيثار للسلامة كره مالك أن يدخل الإنسان في عبادة نافلة يمكن أن يضعف عن أدائها أو إتمامها. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمئة جـ 2 صـ 575.

القاعدة: الرابعة والتسعون بعد الثلاثمئة [تفسير الكلام]

القاعدة: الرابعة والتسعون بعد الثلاثمئة [تفسير الكلام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن الكلام إذا تعقبه تفسير كانت العبرة للتفسير ويسقط اعتبار المفسَّر (¬1) ". وفي لفظ: "الكلام المبهم إذا اقترن به أو تعقبه تفسير كان الحكم لذلك التفسير (¬2) ". وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: ما ينطق به المتكلم إما أن يكون صريحاً في بابه ولا يحتمل إلا معنىً واحداً، فهذا يحمل على معناه الواضح الصريح. وإما أن يكون الكلام مبهماً غير متضح المعنى ثم اقترن به أو تعقبه تفسير من المتكلم وبيان، فالعبرة والاعتداد بذلك التفسير والحكم يكون بناءً عليه ولا اعتداد ولا اعتبار لمعنى آخر يحتمله اللفظ. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال: داري لك سكنى. تكون عاريَّة (2)، لأنه لو قال: داري لك. وسكت احتمل أنه أراد تمليكه إياها واحتمل أنه أراد سكناها فقط فحينما صرح بالسكنى كان ذلك تفسيراً لما أَبهم حينما قال: داري لك. فزال احتمال الملكية. وكذلك إذا استأجر أجيراً ثلاثة أشهر: شهرين بدرهم وشهر بخمسة، فالشهران الأولان بدرهم والثالث بخمسة دراهم. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير صـ 480، والتحرير جـ 4 صـ 1246. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 32، 89، 96، جـ 16 صـ 54.

القاعدة: الخامسة والتسعون بعد الثلاثمئة [العمل]

القاعدة: الخامسة والتسعون بعد الثلاثمئة [العمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل أحد يعمل لنفسه، إلا أن يقترن بعمله دليل يدل على أنه يعمل لغيره (¬1) ". عند محمَّد بن الحسن رحمه الله ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الراجح من أمر الناس أن الإنسان حينما يقوم بعمل ما فهو يعمل لنفسه لا لغيره، لأن حاجة الإنسان مقدمة على حاجة غيره، لكن إن اقترن - بعمله دليل يدل على أنه إنما يعمل لغيره اعتبر ذلك وبني الحكم عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجدنا إنساناً يحرث أرضاً أو يخيط ثوباً فإنما نحمل عمله هذا على أنه يحرث أرض نفسه ويخيط ثوباً لنفسه لكن إن قام الدليل على أن هذه الأرض لغيره من الناس وعرف هذا الشخص أنه يحرث بالأجر بنينا الحكم على ذلك لقيام الدليل. وكذلك لو قام الدليل على أن من يخيط ثوباً مهنته الخياطة بالأجر فنعلم أنه إنما يخيط الثوب الذي يخيطه لغيره لقيام الدليل على ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 212.

القاعدة: السادسة والتسعون بعد الثلاثمئة [العدالة والعدد]

القاعدة: السادسة والتسعون بعد الثلاثمئة [العدالة والعدد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى: أن كل إخبار لا يَلزَم القاضيَ القضاءُ بغير مخبره، ولا يتوصل إلى القضاء إلا به فالعدالة من شرطه، وليس العدد من شرطه. كأخبار الآحاد في الأحكام، فإن القاضي إذا قضى بها على رجل بعينه في حادثة بعينها، كان قضاؤه عليه ببينة أو إقرار أو بنكول ولم يكن قضاؤه عليه بذلك الخبر. وإن كان لا يتوصل إلى القضاء بتلك الحجة إلا بهذا الخبر. خلافاً لمحمد وللشافعي إذ يشترطان العدد ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأخبار الآحاد هنا تلك الأخبار التي لا ينقلها إلا واحد. فخبر الواحد هذا إذا كان القاضي لا يتوصل إلى القضاء إلا به ويلزم القاضي بخبره فشرطه العدالة أي عدالة المخبر - فقط. ولا يلزم تعدد المخبرين وتعليل ذلك، أن القاضي إذا قضى على شخص بعينه في حادثة بعينها إنما يكون قضاؤه بالبينة - أي الشهود أو بالإقرار أو بالنكول - وهو امتناع المدعى عليه عن اليمين - وليس قضاؤه بذلك الخبر، وإن كان القاضي لا يتوصل إلى القضاء بتلك الحجة، من بينة أو إقرار أو نكول - إلا بهذا الخبر. وأما عند الشافعي ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى فالعدالة والعدد شرطان.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زكى عدل واحد شاهداً فتزكيته مقبولة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن القاضي لا يقضي بالتزكية وإنما يقضي بقول الشهود، وإن كانت شهادة الشهود ليست مقبولة إلا بعد تزكيتهم، وعند محمَّد والشافعي لا بد من أن يزكي الشاهد اثنان. ومنها: أن ترجمة العدل الواحد مقبولة، لأن القاضي لا يقضي بترجمته إنما يقضي بقول الشهود وعند محمَّد لا بد أن يكونا اثنين. ومنها أن شهادة القابلة على الولادة وحدها جائزة إذا كانت عدلاً، لأنه يحكم بثبوت النسب بالفراش لا بشهادتها. والفراش ثابت قبل شهادتها، ولكن من حيث أنا نعلم الولادة بقولها جعلنا العدالة من صفتها، ومن حيث إنه لا يتعلق الحكم بشهادتها لم يشترط العدد، وقد تابع محمَّد بن الحسن في هذه المسألة أبا حنيفة، وأبا يوسف، ولكن الشافعي اعتبر العدد شرطاً في هذه المسألة وكذلك مالك (¬1) رحمهما الله. وعند أحمد رحمه الله كأبي حنيفة تقبل في الولادة شهادة امرأة عدل (¬2) ¬

_ (¬1) الكافي جـ 2 صـ 907. (¬2) المغني جـ 14 صـ 134.

القاعدة: السابعة والتسعون بعد الثلاثمئة [جهل التاريخ]

القاعدة: السابعة والتسعون بعد الثلاثمئة [جهل التاريخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل أمرين ظهراً ولا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما وقعاً معاً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات أثر كبير في تقرير الأحكام الشرعية وما يترتب عليها من نتائج، فإذا حدث أمران مشتركان بين اثنين أو أكثر ولا يعلم السابق منهما فالحكم الشرعي فيهما، أن يجعلا كأنهما وقعا معاً وفي وقت واحد، ولم يتقدم أحدهما على الآخر أو يتأخر عنه وتكون النتائج تبعاً لذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأب والابن إذا غرقا جميعاً في سفينة أو وقع عليهما بيت ولا يعلم أيهما مات أولاً لم يرث واحد منهما صاحبه جعلا كأنهما ماتا معاً ومنها إذا كانت عائلة في سيارة وقُدِّر عليها حادث فمات جميع أفراد العائلة الزوج والزوجة والأب والأم والأولاد فهنا يحكم بأن الجمع ماتوا في لحظة واحدة فلا يرث واحد منهم الآخر وميراث كل منهم لورثته الأحياء، لأن من شروط استحقاق الميراث التحقق من حياة الوارث عند موت المورث وهذا ليس متحققاً هنا. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 156 باب الشهادة في النسب وغيره.

القاعدة: الثامنة والتسعون بعد الثلاثمئة [الإقرار - الإنشاء]

القاعدة: الثامنة والتسعون بعد الثلاثمئة [الإقرار - الإنشاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل تصرف يتمكن المرء من تحصيل المقصود به إنشاءً ولا تتمكن التهمة في إقراره يكون صحيحاً، ومتى لم يقدر على تحصيل مقصوده بطريق الإنشاء كان متهماً في الإقرار به فلا يصح إقراره في حق الغير، (¬1) ". وفي لفظ: "من أقر بما يملك إنشاءه يكون مقبول الإقرار في حق الغير لانتفاء التهمة (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من ملك الإنشاء ملك الإقرار ومن لا فلا. (¬3). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من قدر على الإنشاء قدر على الإقرار (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الإنشاء هو ابتداء الفعل والقدرة على إيقاعه وتنفيذه. والإقرار: هو الإعتراف من الإنسان بما لغيره من حق عنده. فتفيد هذه القواعد أن الإنسان إذا أقر واعترف لآخر بشيء ما وكان في حالة يقدر بها على إنشاء هذا الفعل أو تنفيذه في الحال فيكون إقراره ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 25، وقواعد التحرير صـ 480، رقم 17 عن القواعد والضوابط المستخلصة. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 19 صـ 50 باب ما يكون الإقرار. (¬3) الأشباه والنظائر لابن السبكى جـ 1 صـ 347 والإعتناء جـ 2 ص 616. (¬4) قواعد الحصني ق 2 صـ 818، ومختصر قواعد العلائي جـ 1 صـ 332، وأشباه السيوطي صـ 464، عن المجموع المذهب (ورقة 340/ أ - ب).

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

صحيحاً لعدم التهمة، وأما إذا كان في حالة الإقرار لا يمكنه إنشاء مثل هذا الفعل فلا يكون إقراره صحيحاً، لأنه تتطرق إليه التهمه فيبطل إقراره. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر المريض في مرض الموت بحق لوارث لا يصح إقراره - عند الحنفية والحنابلة -، لأنه لا يملك في هذه الحال إنشاء مثل هذا التصرف أو تنفيذه لأنه يتهم بمحاولة تفضيل بعض الورثة على بعض، وأما إذا أقر لأجنبي فيقبل إقراره لأنه يستطيع أن ينشيء هذا الإقرار في هذه الحالة ويكون من جميع ماله لا من الثلث لأنه ليس وصية، وعند الشافعي رحمه الله يقبل إقراره لأنه يمكنه إنشاؤه حالاً.

القاعدة: التاسعة والتسعون بعد الثلاثمئة [السريان]

القاعدة: التاسعة والتسعون بعد الثلاثمئة [السريان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن كل حق ثبت في الرقبة فإنه يسري إلى الحادث فيها. كالتدبير والاستيلاد - ومعنى يثبت في الرقبة: أن من ثبت عليه الحق لا يقدر على إسقاطه عن رقبته إلا برضى من له الحق في الرقبة، وكل حق يثبت في غير الرقبة لا يسري إلى الحادث فيها (¬1) ". خلافاً للشافعي في بعض المسائل. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالرقبة هنا: الرقيق المملوك. ذكراً كان أم أنثى، أو هي كل حيوان تعلق برقبته حق، والمراد بثبوت الحق لزومه. حيث لا يقدر من عليه الحق على إسقاطه إلا إذا رضي صاحب الحق. فتفيد هذه القاعدة: أن الرقيق المملوك إذا ثبت فيه حق ثم حدث في هذه الرقبة حادث أو نتج عنها نتاج فإن الحق الثابت في الرقبة يسري ويمتد أثره إلى الحادث فيها فيكون الحق شاملاً للأصل والفرع. وأما الحقوق التي تثبت في غير الرقبة فلا تسري إلى الحادث فيها ولا يمتد أثرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية إذا رهن جارية فولدت أو بقرة فأنتجت فإن ولد الرهن رهن مع الأصل. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 90، صـ 134 ط جديدة.

وعند الشافعي رضي الله عنه: لا يكون الناتج رهناً مع الأصل، بل إن كانت جارية فولدت فالولد خارج الرهن، لأن ابن الجارية إن كان من السيد الراهن فهو حر وهي أم ولد له، وإن كان من غيره فلم يقع عليه عقد الرهن (¬1) وكذلك كل زيادة منفصلة في المرهون. وعند مالك رضي الله عنه: "نسل الحيوان كله رهن مع أمهاته إذا جاء بعد عقد الرهن حتى فراخ النخل (¬2). وكذلك عند أحمد رضي الله عنه (¬3). إلا إذا كانت جارية فوطئها الراهن فأولدها خرجت من الرهن وأُخذت منه قيمتها فجعلت رهناً (¬4). ¬

_ (¬1) ينظر الأم جـ 3 صـ 144. (¬2) ينظر الكافي جـ 2 صـ 815. (¬3) المحرر جـ 1 صـ 336. (¬4) المقنع جـ 2 صـ 105.

القاعدة: الأربعمئة [الزينة - الاستعمال]

القاعدة: الأربعمئة [الزينة - الاستعمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل شيء كان مستعملاً في عين آخر لا للزينة بل لينتفع به باسم غير الاسم الذي أوجب به النفل لم يتناوله الاسم، وإن كان مستعملاً للزينة يتناوله الاسم، لأن الزينة صفة زائدة على ما هو المطلوب من الانتفاع بالعين (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة الأصل فيها أن تتناول ما ينفله القائد أو الإمام لبعض جنوده، فتفيد هذه القاعدة أحكام ذلك، فإذا نَفَل قائد جندياً أو جماعة من جنوده شيئاً ما - والنفل زيادة عن نصيب الجندي من الغنيمة - فإذا كان هذا الشيء المسمى مستعملاً ضمن شيء آخر للإنتفاع به ضمن ذلك الشىء الآخر لا لكي يزين به الشيء الآخر بحيث لا يطلق عليه اسم ما نفله، فلا يتناوله اسم النفل وأما إن كان ما نُفَّله مستعملاً في شيء آخر للزينة فيتناوله اسم النفل ويستحقه من نُفَّله.، لأن الزينة صفة زائدة على ما هو المطلوب من الانتفاع بالعين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الإمام أو القائد: من أصاب - أي غنم - فضة أو ذهباً فهي له. فأصاب الجنود أبواباً فيها مسامير فضة أو ذهب - إن نزعت تفككت الأبواب لم يكن للغانم من ذلك شيء، لأن الغالب غير الفضة والذهب، ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 صـ 732.

وهذه تُسمى أبواباً، والمسامير إنما وضعت للإنتفاع وتثبيت الأبواب فلم يتناولها اسم النفل - وهو الفضة والذهب. بخلاف ما لو أصاب سيفاً محلَّى بفضة أو ذهب فله الحلية دون السيف، وكذلك لو أصاب حلي فضة أو ذهب مرصعاً بفصوص لؤلؤ أو حجارة كريمة أخرى فله الحلي دون الفصوص لأن اسم الذهب والفضة لا يتناولها حقيقة (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المرجع جـ 2 صـ 729 فما بعدها.

القاعدة: الواحدة بعد الأربعمئة [الآصع - الصدقة]

القاعدة: الواحدة بعد الأربعمئة [الآصع - الصدقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن كل صدقة قدرتها الشريعة بالآصع فهو من الحنطة نصف صاع. خلافاً للشافعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة بيان مذهب الحنفية في التقديرات الشرعية في الصدقات والفدى والأجزية التي فرضتها الشريعة على أربابها. فمذهب الحنفية أن مقدار كل صدقة قدرتها الشريعة بالآصع - أو الصيعان - جمع صاع - من الحنطة - أي القمح - هو نصف صاع، والصاع أربعة أمداد (¬2) والمد (¬3) حفنة بكفي الرجل المُعتدل، أو ما يُعادل رطلاً وثلثاً عند أهل الحجاز ورطلين عند أهل العراق والصاع بالميزان الحالي يساوي 2751 غراماً قمحاً (¬4). وعند مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم صاع من بر. وكلّ استند إلى دليل من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صدقة الفطر عند الحنفية يجزيء فيها نصف صاع من البر وهو مذهب ابن الزبير ومعاوية رضي الله عنهما، وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وأبي سلمة وسعيد ابن جبير رحمهم الله، وهو اختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 84، 128 ط جديدة. (¬2) مختار الصحاح مادة "صوع". (¬3) مختار الصحاح مادة "مد". (¬4) الخراج والنظم المالية د/ محمَّد ضياء الدين الريس صـ 31.

وأما عند مالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم، فلا يجزيء إلا صاع من البر كالشعير والتمر والزبيب والأقط. ومنها: أن الشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصوم يفطر ويفدي عن نفسه كل يوم نصف صاع من بر عند الحنفية، وأما عند غيرهم فلا يجزيء إلا صاع من بر.

القاعدة: الثانية بعد الأربعمئة [بناء الصلاة]

القاعدة: الثانية بعد الأربعمئة [بناء الصلاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل صلاتين لا يجوز بناء إحداهما على الأخرى في حق المنفرد لا يجوز بناء إحداهما على الأخرى في حق إمامه. وكل صلاتين يجوز بناء إحداهما على الأخرى في حق المنفرد يجوز بناء إحداهما على الآخرى في حق الإمامة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بناء صلاة على الأخرى، أن يدخل صلاة بنيَّة ثم في أثناء الصلاة يقلب النيَّة لصلاة أخرى غير الأولى، فتفيد هذه القاعدة: أن ما جاز في حق المنفرد من بناء صلاة على أخرى جائز في حق الإِمام وما لم يجز في حق المنفرد لا يجوز في حق الإمام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل إنسان في صلاة الظهر يوم الجمعة منفرداً ثم دخل المسجد جماعة تصح بهم الجمعة وصلوا خلف هذا المنفرد فلا يجوز في هذه الحال أن يقلب هذا المصلي نيَّته ليجعل صلاته للجمعة بدل الظهر. وكذلك هو في حق الإمام فلو صلى إمام بجماعة لا تصح بهم الجمعة صلاة الظهر يوم الجمعة ثم دخل المسجد جماعة تصح بهم الجمعة فلا يجوز للإمام أن يقلب نيَّته ليجعل صلاته للجمعة بدل الظهر. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 97، وصـ 144 ط جديدة.

وأما إذا كانت الصلاتان يجوز بناء إحداهما على الأخرى في حق المنفرد فيجوز كذلك في حق الإمام مثل صلاة الحضر مع صلاة السفر، فإذا دخل إنسان مسافر صلاة بنية القصر فله أثناء الصلاة قلب هذه النية وإتمام صلاته كصلاة الحاضر منفرداً كان أم إماماً. وهذه القاعدة لا خلاف فيها فيما رأيت: ومنها: أن اقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز عند الحنفية، لأن بناء الفرض على تحريمه النفل لم يجز في حالة الانفراد فكذلك لا يجوز بناء الفرض على تحريمه النفل في حالة الاقتداء. وعند الشافعي رضي الله عنه يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، وعند أحمد رضي الله عنه روايتان (¬1). وكذلك اقتداء من ينوي فريضة بمن نوى فريضة غيرها. ¬

_ (¬1) المقنع جـ 1 صـ 209 - 210.

القاعدة: الثالثة بعد الأربعمئة [الطواف]

القاعدة: الثالثة بعد الأربعمئة [الطواف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل طواف مستحق عليه في وقت بجهة فأداؤه يقع عن تلك الجهة وإن نوى جهة أخرى (¬1) ". [ضابط] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا الضابط يفيد أنه إذا استحق على محرم طواف في وقت معين لجهة معيَّنة ولكنه عند الأداء نوى جهة أخرى فإن طوافه هذا يقع عن تلك الجهة المعينة أولاً ولا يقع عن الجهة الأخرى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أحرم بعمرة وحين قدم مكة طاف وسعى لحجته، ثم وقف بعرفة فلم يُجعل طوافه وسعيه رفضاً لعمرته بل إن طوافه وسعيه يكون للعمرة دون الحج لأنها المستحقة عليه فلا يعتبر تغيير نيته فسخاً لعمرته، ثم عليه طواف يوم النحر أي طواف الزيارة ويسعى بين الصفا والمروة، ويصير قارناً (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 37. (¬2) ينظر المقنع جـ 1 صـ 398 - 399 مع الحاشية.

القاعدة: الرابعة بعد الأربعمئة [النفل - والفرض]

القاعدة: الرابعة بعد الأربعمئة [النفل - والفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أن كل عبادة جاز نفلها على صفة في عموم الأحوال جاز فرضها على تلك الصفة بحال من الأحوال. كالصلاة قاعداً جاز نفلها في عموم الأحوال فجاز فرضها بحال وهو أن يكون مريضاً لا يستطيع القيام (¬1). خلافاً للشافعي. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى النفل: الزيادة، والمراد هنا: العبادات الزائدة على الفرائض من صلاة أو صيام أو حج أو صدقة. والمراد بعموم الأحوال: أي في كل الأحوال والظروف. فتفيد القاعدة: أن العبادة التي يجوز في نافلتها أداؤها على صفة خاصة سواء كان ذلك لضرورة أم غير ضرورة، أن هذه العبادة يجوز أداء فرضها على هذه الصفة للضرورة ودفع الحرج. وهذا عند الحنفية، وقالت الحنفية: إن الشافعي لا يجيز ذلك. والذي عند الشافعية وغيرهم أن هذا معتبر أيضاً. ويتضح ذلك من الأمثلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان مريضاً لا يستطيع القيام صلى قاعداً أو مضطجعاً وهذا عند الجميع. بناءً على أنه يجوز له أن يصلي النافلة قاعداً بغير عذر. ومنها: لو تحرى ونوى إلى جهة القبلة التي غلب على ظنه أنها ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 72، وصـ 109 ط جديدة.

جهتها - وصلى ثم ظهر أنه استدبر القبلة أن صلاته جائزة عند الحنفية، لأنه جاز نفله على هذه الحالة بالاختيار فجاز الفرض بحال وهو حالة الاضطرار. وعند أبي عبد الله الشافعي: لا تجوز صلاته (¬1). والحنابلة مع الحنفية في هذه المسألة (¬2). وعند مالك إذا تبين الخطأ في الوقت يستحب له الإعادة وليس واجباً (¬3). ومنها: إذا حُجَّ عن الزَّمِن الذي ليس بقادر فالحج جائز عنه، لأنه يجوز له أن يحج عنه غيره حجة النفل في جميع الأحوال فجاز فرضه في هذه الصفة بحال. وعند أبي عبد الله الشافعي لا يجوز. تعليق: لكن في هذه المسألة أجاز الشافعي حج الفرض عمَّن به زمانه - أي مرض مستديم لا يرجى بُرْؤه منه (¬4)، والأصل في ذلك في الأم جـ 2 صـ 104. ولكن الشافعي رضي الله عنه لا يرى أن يتطوع أحد عن أحد في حج أو عمرة وقصر جواز الاستنابة بشروطها لحج الفريضة فقط مستنداً إلى حديث الخثعمية. فقول الحنفية إن الشافعي لا يجيز ذلك قول غير صحيح وغير دقيق، حيث إنه لا يجيز الاستنابة في النافلة والتطوع بعذر أو بغير عذر بخلاف الاستنابة في الفريضة بعذر. ¬

_ (¬1) عند الشافعية في هذه المسألة تفصيل ينظر في روضة الطالبين جـ 1 صـ 328. (¬2) منار السبيل جـ صـ 78. (¬3) ينظر رأي مالك في الكافي لابن عبد البر جـ 1 صـ 198 - 199. (¬4) ينظر روضة الطالبين جـ 2 صـ 227 - 288.

القاعدة: الخامسة بعد الأربعمئة [العصبة - الولاية]

القاعدة: الخامسة بعد الأربعمئة [العصبة - الولاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند علماء الحنفية: أن كل عصبة لامرأة يلي أمر نفسه بنفسه فهو ولي لها، جاز له تزويجها إن كانت صغيرة، وإن كانت كبيرة فبرضاها كالأب والجد. وخالف الشافعي في بعض المسائل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العصبة: عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه، سُمُّوا بذلك لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به. الأب طرف والإبن طرف، والعم جانب، والأخ جانب (¬2). فعصبة المرأة هم أولياؤها في زواجها إن كانت صغيرة فبغير رضاها، وإن كانت كبيرة فهم أولياء زواجها برضاها مثل الأب والجد. وهذا مذهب الجميع غير أن الشافعي رضي الله عنه خالف في بعض المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية يجوز للأخ والعم أن يزوج أحدهما صغيراً أو صغيرة. ولم يجز الشافعي رضي الله عنه ذلك إلا للأب والجد (¬3). وعند مالك وأحمد رضي الله عنهما لا يجوز ذلك إلا للأب (¬4). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 82، وصـ 124 ط جديدة. (¬2) مختار الصحاح مادة ع ص ب. (¬3) ينظر الأم جـ 5 صـ 11 - 12. (¬4) ينظر المقنع جـ 3 صـ 14 - 15.

ومنها: أن عند الحنفية للأب أن يزوج ابنته الصغيرة الثيب بغير رضاها لصغرها، وعند الإمام الشافعي لا يجوز إلا برضاها لثيوبتها، وعند أحمد على وجهين (¬1). وعند مالك رضي الله عنه للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بكراً كانت أم ثيباً بغير رضاها ما لم تبلغ المحيض، وله أن يزوج البكر البالغة بغير إذنها لكن يستحب له أن يستأمرها (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر المقنع جـ 3 صـ 14 - 15. (¬2) ينظر الكافي جـ 2 صـ 522 - 523.

القاعدة: السادسة بعد الأربعمئة [العصير - المسكر]

القاعدة: السادسة بعد الأربعمئة [العصير - المسكر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في الأخير: إن كل عصير استخرج بالماء فطبخ أدنى طبخة، فالقليل منة غير المسكر حلال كالدبس والربّ. خلافاً لمحمد والشافعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدبس: ما يسيل من الرطب (¬2)، ومنه من العنب وقصب السكر. الرب: الطلاء الخاثر (¬3) ذو القوام الثقيل، من عصير الرمان أو غيره. تفيد هذه القاعدة أن العصير المستخرج بالماء إذا طبخ أدنى طبخة إذا كان القليل منه لا يسكر فهو حلال شربه كالدبس والرب، وعند محمَّد ابن الحسن والشافعي لا يحل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نقيع الزبيب ونقيع التمر إذا طبخ أدنى طبخ جاز شربهما للتداوي واستمراء الطعام وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمَّد والشافعي لا يحل شربه إذا اشتد لا للتداوي ولا لاستمراء الطعام. ومنها: أن عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه أو ذهب ثلثه ثم صُبَّ عليه الماء ثم أُغلي بالنار أو لم ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 40، وصـ 62 ط جديدة. (¬2) المُغَّرب والمصباح مادة دبس. (¬3) أو دبس الرطب - المصباح مادة رب - كشاف اصطلاحات الفنون مادة رب.

يغل واكتفى بالنار الأولى ثم اشتد جاز شربه للتداوي واستمراء الطعام، لأن الباقي الذي صب عليه الماء حتى رق صار في حكم الزبيب والتمر. وعند مالك ومحمد والشافعي رضي الله عنه لا يحل شربه. والفتوى على قولهم لفساد الزمان.

القاعدة: السابعة بعد الأربعمئة [الإقالة والتحالف - العقد - الفسخ]

القاعدة: السابعة بعد الأربعمئة [الإقالة والتحالف - العقد - الفسخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: أن كل عقد امتنع عن الفسخ بالإقالة فلا تحالف فيه ولا ترادّ إلا إذا اختلفا في البدن كالعتق (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بامتناع العقد عن الفسخ، أما لهلاك المبيع وأما لزيادته. فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، أن العقد الذي يمتنع عن الفسخ بالإقالة أنه لا تحالف فيه بين المتبايعين ولا تراد - أي لا يرد المشتري المبيع ولا البائع الثمن - إلا إذا كان الاختلاف في البدن - أي الجسم. وخالفهما في ذلك محمَّد بن الحسن رحمه الله فقال: يتحالفان ويترادَّان القيمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تبايعا حيواناً أو سلعة ثم أراد المشتري الإقالة - أي إبطال البيع وفسخه - فهلك المبيع، فهنا يمتنع فسخ العقد لهلاك المعقود عليه - فعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يتحالفان ولا يترادَّان. وأما عند محمَّد بن الحسن فيتحالفان ويترادَّان القيمة. ومنها: إذا اشترى جارية فازدادت قيمتها عند المشتري أو ولدت ثم اختلفا في الثمن فهنا أيضاً لا يتحالفان ولا يترادَّان عند أبي حنيفة وأبي ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 37، وصـ 60 من ط الجديدة.

يوسف. وأما عند محمَّد فيترادَّان. ومنها: إذا اشترى عبدين أو حيوانين فهلك أحدهما في يد المشتري ثم اختلفا في الثمن أنهما لا يتحالفان فيهما إلا أن يرضي البائع أن يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئاً، لأن هلاك بعض المبيع يمنع الإقالة فيه، وعند أبي يوسف يتحالفان في حصة الحي، وعند محمَّد يتحالفان فيهما ويرد الحي وقيمة الهالك إذا تحالفا.

القاعدة: الثامنة بعد الأربعمئة [الفرقة]

القاعدة: الثامنة بعد الأربعمئة [الفرقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن كل فُرقة جاءت من قبل الزوج ولم تتأبد ولم تتضمن فسخ النكاح من الأصل فهي تطليقة بائنة (¬1) خلافاً للشافعي وأبي يوسف في بعضها. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق ببعض أحكام فُرَق النكاح. فعند الحنفية: إن كل فُرقة جاءت من قبل الزوج - ولم تكن فُرقة مؤبدة، ولم تتضمن حكماً بفسخ النكاح من أصله فتعتبر هذه الفرقة تطليقة بائنة - أي أن الزوج لا يمكنه مراجعة زوجته في عدتها ولكنه يمكنه أن يعقد عليها عقداً جديداً بعد انتهاء عدتها منه أو في أثنائها. وفي بعض صور هذه القاعدة خالف الشافعي وأبو يوسف رحمهما الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطلاق غير الصريح - أي الكنائي - كقوله أَبَنْتُك أو فارقتك - يعتبر عند الحنفية طلاقاً بائناً إذا نوى الطلاق، وفي المسألة خلاف بين الأئمة. ومنها: فرقة اللعان عند الحنفية تعتبر طلاقاً بائناً، وعند غيرهم تعتبر فسخاً للنكاح وتحرم المرأة على الرجل حرمة مؤبدة. ومنها الخلع: فهو عند الحنفية ومالك وأحمد طلاق بائن وعند الإمام الشافعي هو فسخ، هكذا قال النسفي في تمثيله على قواعد تأسيس النظر، ولكن بالرجوع إلى كتاب الأم قال الشافعي رحمه الله: - ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 85، صـ 128 ط جديدة.

الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق (¬1). وقال في روضة الطالبين: أن لم يجز إلا لفظ الخلع فقولان: الجديد إنه طلاق ينقص به العدد، وإذا خالعها ثلاث مرات لم ينكحها إلا بمحلل. والقديم: إنه فسخ لا ينقص به العْدد ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر (¬2). فإذاً قوله في تأسيس النظر: وعند الإمام الشافعي هو فسخ، بناء منه على القول القديم للشافعي. ¬

_ (¬1) الأم جـ 5 صـ 180. (¬2) روضة الطالبين جـ 5 صـ 682.

القاعدة: التاسعة بعد الأربعمئة [الاستحقاق]

القاعدة: التاسعة بعد الأربعمئة [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أن كل فعل استحق فعله على جهة بعينها فعلى أي وجه حصل كان من الوجوه المستحقة عليه. كرد الوديعة والغصب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى أن أداء ما وجب على الإنسان فعله بصفة مخصوصة وجهة معينة واستحق عليه ففعله، فعلى أي وجه فعله فقد أدى ما عليه وخرج من التبعة واعتبر الفعل المستحق عليه حاصلاً وقد برئت منه الذمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية أن من صام رمضان بنية النفل أو بنية مطلقة اعتبر صائماً عن الفرض ومؤدياً للواجب، لأن صيام رمضان عند الحنفية من الواجب المضيق الذي لا يتسع وقته لغيره من جنسه واعتبروا وقته معيناً، والتعيين في المتعين لغو. وخالف في ذلك الشافعي وغيره فلم يجيزوا صوم رمضان إلا بنية معينة (¬2). وعند أحمد في هذه المسألة قولان (¬3) ومنها: إن من غصب طعاماً ثم أطعمه المغصوب منه - ولو بغير علمه - بريء من الضمان عند الحنفية، وعند الإمام الشافعي لا يبرأ. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 84، وصـ 126 ط جديدة. (¬2) ينظر الأم جـ 2 صـ 83. (¬3) ينظر المقنع جـ 1 صـ 363.

القاعدتان: العاشرة بعد الأربعمئة والحادية عشرة بعد الأربعمئة [الصداق]

القاعدتان: العاشرة بعد الأربعمئة والحادية عشرة بعد الأربعمئة [الصداق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل ما لا يصح مسمىً عوضاً في البيع لا يستحق في النكاح (¬1) ". وفي لفظ: "الأصل أن كل ما يصح ثمناً في البيع يصلح صداقاً في النكاح (¬2) ". [عند الشافعي]. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان المتقابلتان تؤديان معنى واحداً وتفيدان أن ما يجوز أن يكون عوضاً وثمناً في البيع يجوز ويصح أن يكون مهراً وصداقاً في النكاح وما لا فلا، وحجته أي الشافعي أن النكاح عقد معاوضة فيكون قياس البيع. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تزوج امرأة على عبد مطلق أو أمة - أي جعل مهرها عبداً غير معين ولا موصوف أو أمة غير معينة ولا موصوفة، فعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح هذا المسمى مهراً للجهالة لأن العبد المطلق أو الأمة، لا يستحق بعقد البيع عوضاً فكذلك النكاح، لأن ذكر الجنس وهو هنا العبد أو الأمة بدون الوصف لا تصير المالية معلومة، فلا يصح التزامه بعقد المعاوضة للجهالة والغرر ولها مهر مثلها. وعند الحنفية يجوز لأن عقد النكاح عندهم ليس عقد معاوضة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 68، وينظر الأم جـ 5 صـ 61. (¬2) المبسوط جـ 5 صـ 50.

القاعدة: الثانية عشرة بعد الأربعمئة [التيمم مع وجود الماء]

القاعدة: الثانية عشرة بعد الأربعمئة [التيمم مع وجود الماء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل ما يفوت لا إلى بدل يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن العبادة التي إذا فاتت أنه لا بدل لها يجوز أداؤها بالتيمم مع وجود الماء إذا خاف فوتها إذا اشتغل بتحصيل الماء أو استعماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من خاف إذا ذهب ليتوضأ فاتته صلاة الجنازة فله التيمم، وكذلك من خاف فوت صلاة العيد أو الاستسقاء إذا اشتغل بالوضوء، وعند الحنابلة في الجنازة: وجهان، ولم يجيزوا التيمم لغيرها مع وجود الماء ولو خشي فوتها (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 119. (¬2) المقنع جـ 1 صـ 78.

القاعدة: الثالثة عشرة بعد الأربعمئة [غلة المملوك]

القاعدة: الثالثة عشرة بعد الأربعمئة [غلة المملوك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى: أن كل مملوك أغل غلة أو وُهب له هبة فالغلَّة والهبة للمولى تم الملك أو انتقض، سواء كان في ضمان المالك أم في غير ضمانه لأن الغلة مملوكة، ومالك الأصل هو مالكها على كل حال. وعند الصاحبين إن العبد إذا كان في ضمان المالك فالغلة له تم الملك أو انتقض، وإن كان في ضمان غير المالك فملك الغلة موقوف حتى يظهر هل يتم له الملك أولاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمملوك العبد الرقيق الذي يعمل لمولاه، فما حصل له من أجر مقابل عمله أو ربح مقابل بيعه وشرائه أو وهب له هبة أو صدقة أو هدية، فالغلة - أي المال الناتج عن العمل - والهبة وغيرها للمولى، لأن العبد وما ملكت يداه لمولاه - فإذا باع السيد عبده بشرط الخيار للبائع أو للمشتري وحصل العبد في هذه المدة مالاً - غلة أو هبة - فهل هذا المال للسيد أو للمشتري؟ عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى المال للبائع أي للمولى وليس للمشتري - إلا أن يشترط - سواء تم البيع أم لم يتم، وسواء أكان ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 33، وصـ 52 ط جديدة، والمقنع لابن قدامة جـ 2 صـ 85.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

العبد في ضمان المالك أم في غير ضمانه، لأن الغلة مملوكة وهي فرع، ومالك الأصل هو مالك الفرع على كل حال. وأما عند أبي يوسف ومحمد فقد فرَّقا بين أن يكون العبد في ضمان المالك فالغلَّة له، وبين أن يكون في ضمان غير المالك كالمشتري مثلاً فهنا يوقف المال حق يظهر هل يتم البيع أو لا يتم، فإن تم البيع فالغلة للمشتري لا للمالك، لأن الغُرم بالغنم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال أبو حنيفة في رجل يبيع العبد على أن البائع بالخيار، فقبض المشتري العبد فأغل في يده غلة فسواء تم البيع أو انتقض فالبائع أحق بالغلة، لأن العبد لم يخرج عن تملكه قبل إسقاط الخيار. وعندهما: الغلة موقوفة حتى ينظر هل يتم البيع أو ينتقض. ومنها: أن المشتري إذا اشترى جارية أو بقرة والخيار له وقبض الجارية أو البقرة فأغلت غلة بيده - كأن اشتغلت الجارية أو ولدت البقرة أو حلبت - فملك الغلة موقوف عنده.، لأن الأصل عنده أنه قد خرج عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري، وعندهما وعند الشافعي الملك قد تم للمشتري فإذا غلَّ في ملكه أو في ضمانه كانت الغلة له. والفرق بين هذه المسألة وسابقتها، أن الأولى كان فيها الخيار للبائع فلذلك كانت الغلة له، وفي المسألة الثانية كان الخيار للمشتري وقد دخلت الجارية أو البقرة في ضمانه، فإن تم البيع فهو أحق بالغلة، لأنه المالك من تاريخ العقد، وإن لم يتم البيع فالغلة للبائع لأنه المالك وإن كانت الجارية أو البقرة في ضمان المشتري بعد التسليم.

القاعدة: الرابعة عشرة بعد الأربعمئة [التعدي - القطع - الضمان]

القاعدة: الرابعة عشرة بعد الأربعمئة [التعدي - القطع - الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن كل مَنْ تعدى على غيره بأخذ مال إذا هلك في يده يضمن فليس عليه القطع الذي هو حق السرقة كالغصب (¬1). خلافاً للشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى مذهب الحنفية في عدم اجتماع القطع والضمان: حيث إن الأموال تنقسم إلى ما يضمن بالتعدي وإلى ما لا يضمن، فعند الحنفية أن المال المضمون بالتعدي لا يجتمع عليه قطع وضمان. وما لا يقطع بالتعدي هو ما يتسارع إليه الفساد كاللحم والطعام والفاكهة وكل ما كان أصله مباحاً فهو مضمون. وأما عند غير الحنفية فيقطع السارق في كل مال محترم بلغ نصاباً (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سرق طائراً أو ثماراً أو مما يتسارع إليه الفساد فلا يقطع عند الحنفية ولو بلغت قيمته نصاباً لكن يضمنه، وأما عند غيرهم فيقطع السارق إذا بلغ ما سرقه نصاباً من كل مال محترم ويضمن قيمته. ومنها: إذا سرق من ذي رحم محرم منه فعند الحنفية يجب عليه الضمان ولا يجب عليه القطع. وعند غير الحنفية يقطع. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 85، وصـ 127 فما بعدها. (¬2) ينظر المقنع مع حاشيته جـ 3 صـ 483، والكافي جـ 2 صـ 1079 فما بعدها، والاعتناء جـ 2 صـ 1008 فما بعدها.

القاعدة: الخامسة عشرة بعد الأربعمئة [العجز - القدرة بغيره]

القاعدة: الخامسة عشرة بعد الأربعمئة [العجز - القدرة بغيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: أن كل من لا يقدر بنفسه فَوُسْعُ غيره لا يكون وسعاً له. خلافاً لهما (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالوسع: الطاقة والقدرة على الفعل. فتفيد هذه القاعدة أن من لا يقدر على فعل مطلوبه بنفسه وفعله غيره، فلا يكون فعل غيره فعلاً له، لأن قدرة غيره ليست قدرة له، وهما بخلاف ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان مريضاً لا يقدر أن يحوّل وجههُ عند إرادة الصلاة إلى القبلة بنفسه. ولكن يجد من يحول وجهه إلى القبلة، فصلى ولم يحول وجهه إلى القبلة فصلاته عند أبي حنيفة رحمه الله صلاة صحيحة وجائزة لهذا المعنى، وعندهما لا تصح ولا يجوز لأن وسع غيره يكون وسعاً له. ومنها: الأعمى الذي لا يقدر على السعي بنفسه إلى الجمعة لا تجب عليه، ولو كان هناك من يقوده، وعندهما الجمعة فرض عليه إذا كان يجد من يقوده لأن وسع غيره يكون وسعاً له. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 37، صـ 58 ط جديدة.

القاعدة: السادسة عشرة بعد الأربعمئة [الخصومة - اليمين]

القاعدة: السادسة عشرة بعد الأربعمئة [الخصومة - اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن كل يمين لو امتنع منها يستحق القضاء بها عليه، فإذا حلف تنقطع الخصومة بها. وفي كل يمين لو امتنع منها لا يصير القضاء مستحقاً عليه فالخصومة لا تنقطع بتلك اليمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين في اللغة القوة، وفي الشرع تقوية أحد طرفي الخبر بذكر الله تعالى (¬2). وهو القسم. واليمين في الدعاوى والخصومات مقابل للبينة، فالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه المنكر عند عدم البينة. واليمين نوعان: يمين تنقطع بها الخصومة سواء حلف أم امتنع عنها، لأنه عند الامتناع يعتبر ناكلاً فيحكم عليه بالنكول سواء قلنا: إن النكول بذل أم إقرار. وهي تلك اليمين التي يحلف بها على البتات أو على نفي العلم. وهذه اليمين التي يستحق بها القضاء عليه وتنقطع بها الخصومة. والنوع الثاني: يمين لا يستحق بها القضاء عليه ولا تنقطع بها الخصومة وهي اليمين التي تكون شرطاً لإثبات حق أو نفيه، وكانت كذلك لأن الإقرار المبني عليها معلق على شرط فيه خطر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مثال النوع الأول: إذا ادعى إنسان على آخر ديناً ولا بينة له فيطلب ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 173. (¬2) التعريفات صـ 280، ومختار الصحاح مادة يمن.

يمين خصمه على أنه لا دين عليه البتة لهذا الشخص، فإن حلف المدعى عليه برئت ذمته وسقطت المطالبة، وإن نكل عن اليمين حكم عليه بالمال المدعى، وعند الشافعي رحمه الله ترد اليمين على المدعي. ومثال النوع الثاني: إذا قال: لفلان علي ألف درهم إن حلف أو قال الطالب: إن حلفت عليها فأنت بريء. فهذه اليمين لا تكون سبباً لوجوب المال ولا للبراءة لأنه علق الإقرار بشرط فيه خطر.

القاعدة: السابعة عشرة بعد الأربعمئة [الضرورة]

القاعدة: السابعة عشرة بعد الأربعمئة [الضرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن لا تكون الإباحة في ثابت المنع عند الحاجة إليه إلا على قدر المبيح إلا بدليل (¬1). عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستمرة عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى أن الممنوع إذا أُبيح للحاجة إليه أو للضرورة أن تكون الإباحة مقيدة بدفع الحاجة أو الضرورة دون زيادة إلا بدليل يدل على الزيادة. وهذا معنى قولهم: "الضرورة تقدر بقدرها" كما تأتي في حرف الضاد إن شاء الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله مبيح عند مالك والشافعي رحمة الله عليهما، وطهارة ضرورة عند أحمد في إحدى الروايتين (¬2)، ولذلك فلا يجوز التيمم قبل دخول وقت الصلاة، كما لا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد عندهم، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله تعالى حيث يجيز التيمم قبل دخول الوقت ويصلي بالتيمم ما شاء من الفرائض والنوافل، لأن التيمم عنده أحد نوعي الطهارة ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الثامنة بعد المائة جـ 1 صـ 331. (¬2) ينظر المقنع لابن قدامة مع الحاشية جـ 1 صـ 67.

وليس طهارة ضرورة ولا خَلَفاً عن الماء، وعند محمَّد بن الحسن رحمه الله هو خلف عن الماء وبدل (¬1). ومنها: أكل الميتة للمضطر فهل يأكل بمقدار ما يسد الرمق أو ما وراء ذلك إلى الشبع؟ خلاف. ¬

_ (¬1) ينظر مجمع الأنهر جـ 1 صـ 38 فما بعدها.

القاعدتان: الثامنة عشرة بعد الأربعمئة والتاسعة عشرة بعد الأربعمائة [إجتماع العوضين - اتحاد القابض والمقبض]

القاعدتان: الثامنة عشرة بعد الأربعمئة والتاسعة عشرة بعد الأربعمائة [إجتماع العوضين - اتحاد القابض والمقبض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل ألا يجتمع العوضان لشخص واحد (¬1) وفي لفظ: "لا يتحد القابض والمقبض (¬2) ". وتأتي في حرف لا إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القاعدة متفق على مضمونها عند الجميع حيث إنه لا يجيز أحدهم اجتماع عوضين لشخص واحد لأن الأصل في العقود - الإيجاب والقبول، ولا يتحد الموجب والقابل، ولذلك لا يعقل اجتماع عوضين لشخص واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الثمن والسلعة لا يجوز أن يكونا للبائع وحده ولا للمشتري وحده، بل يجب أن يكون الثمن للبائع والسلعة للمشتري، وكذلك لا يجوز أن تكون الأجرة والمنفعة للمؤجر وحده ولا للمستأجر وحده، بل الأجرة للمؤجر والمنفعة للمستأجر. واستثنى القرافي (¬3) من ذلك مسائل ظاهرها اجتماع العوضين لشخص واحد منها: أجرة الإمامة في الصلاة، حيث إن الإمام يأخذ أجراً ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الحادية والعشرون بعد المائتين، والفروق للقرافي صـ 2. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 259، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 88 فما بعدها. (¬3) الفروق للقرافي جـ 3 صـ 2 - 3 والقرافي هو أحمد بن إدريس أبو العباس الصنهاجي من علماء المالكية، صاحب كتاب الفروق - وغيره من الكتب المفيدة توفي في مصر سنة 684 صـ الأعلام جـ 1 صـ 94.

على إمامته وتعود منفعة الصلاة إليه، ولكن في الحقيقة إن الأجر الذي يأخذه الإمام وما يشبهه إنما هو معونة على القيام بتلك الأمور فللقائم بها ثوابه ولمن تولى المعونة ثوابه، فلم يجتمع العوضان لشخص واحد بوجه. كما قال ابن الشاط (¬1). ¬

_ (¬1) وابن الشاط هو القاسم بن عبد الله بن محمَّد الأنصاري الأشبيلي فقيه فرضي من آثاره - أنوار البروق - تعقب فيه فروق القرافي توفي سنة 723 هـ معجم المؤلفين جـ 8 صـ 105.

القاعدة: العشرون بعد الأربعمئة [المنافي]

القاعدة: العشرون بعد الأربعمئة [المنافي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن لا يدخل في الشيء ما ينافيه إلا ما لا يمكن الانفكاك عنه غالباً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة: أن الأصل أن الشيء لا يدخل فيه ما يضاده أو يخالفه، لأن دخول المنافي والمخالف يبطل العمل ويفسده. واستثنى من ذلك ما لا بد منه ولا يمكن الانفكاك عنه في الغالب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المعتكف في المسجد لا يجوز له الخروج من المسجد ما دام معتكفاً فيه، لأن الاعتكاف معناه اللبث، والخروج ينافيه. ولكن جُوِّز له الخروج للحاجة كقضاء الحاجة أو الطهارة أو غير ذلك من الأمور الضرورية التي لا يمكن فعلها في المسجد. ومنها إذا رعف الإنسان في صلاته فينصرف ويتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم. ومنها: الكلام لإصلاح الصلاة، أي إذا سلم الإِمام في الرباعية على رأس ركعتين أو بعد الثالثة وتكلم معه المصلون بعد سلامه أو تكلم معهم للتأكد من سهوه فتصح صلاته وصلاتهم، لأن هذا الكلام لإصلاح الصلاة. ¬

_ (¬1) قواعد المقريء القاعدة الخامسة والخمسون بعد الثلاثمئة جـ 2 صـ 577.

القاعدة: الحادية والعشرون بعد الأربعمئة [النسيان]

القاعدة: الحادية والعشرون بعد الأربعمئة [النسيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل ألاَّ يسقط الوجوب بالنسيان إلا إذا ضعف مدرك الوجوب فيسقط بالنسيان (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستمرة أن ما أوجبه الله عز وجل علينا لا يسقط بالنسيان بل يجب علينا فعله إذا ذكرناه. إلا إذا كان دليل الوجوب ضعيفاً أو مختلفاً فيه فيسقط الواجب بالنسيان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة واجبة، فمن نسي صلاة فلا تسقط عنه بل يجب عليه أداؤها حين يذكرها. وكذلك من نسي واجباً من واجبات الصلاة فيجب عليه فعله أو إعادة الصلاة عند تذكر ما نسيه. ولكن إذا كان دليل الواجب ضعيفاً وقد اختلف العلماء في وجوبه فيسقط مع النسيان كالموالاة في غسل أعضاء الوضوء حيث كان دليلها ضعيفاً، فإذا نسي إنسان أن يوالي بين أعضاء الوضوء فقد صح وضوءه، لأن عند مالك لا تجب الموالاة إلا مع التذكر، وكذلك نسيان التسمية عند الذبح يجيز أكل الذبيحة دون الترك عمداً. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة السادسة والثمانون جـ 1 صـ 311.

القاعدة: الثانية والعشرون بعد الأربعمئة [الالتزام]

القاعدة: الثانية والعشرون بعد الأربعمئة [الالتزام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل المستقر أن لا يعتد لأحد إلا بما عمله أو تسبب إليه باستنابة ونحوه، ولا يطالب عن الغير إلا بما التزم به، وقد يحتمل عن غيره ما لم يلتزم به ولم يأذن له فيه (¬1). وفي لفظ: "الأصل المستقر أن لا يعتد لأحد إلا بما عمله". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستقرة أن الإنسان لا يطالب ولا يحاسب إلا بما عمله بنفسه أو تسبب إليه باستنابة، أو توكيل أو أمر لمن يطيع أمره. وإن الإنسان لا يطالب عن غيره إلا بما التزم به عن ذلك الغير. واستثناء قد يحتمل الإنسان عن غيره ما لم يلتزم به ولم يأذن له ذلك فيه ويعتبر هذا خروجاً عن القاعدة. ومن أدلة هذه القاعدة قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) .......} (¬2) وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ........} (¬3) ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المصلي يناله ثواب صلاته ولا يُسأَل عن صلاة غيره، وكذلك جميع العبادات، وأن القصاص ممن أوقع القتل أو القطع ولا يطالب به غيره. ولكن إذا التزم إنسان بالدفع عن غيره لزمه، أو كفله أو ضمن عنه. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 جـ 2 صـ 614. (¬2) الآية 39 من سورة النجم. (¬3) الآية 286 من سورة البقرة.

ومما استثني أن الإمام يتحمل سهو المأموم، والعاقلة تتحمل دية القتل الخطأ.

القاعدتان: الثالثة والعشرون بعد الأربعمئة والرابعة والعشرون بعد الأربعمئة [إكمال الأصل بالبدل]

القاعدتان: الثالثة والعشرون بعد الأربعمئة والرابعة والعشرون بعد الأربعمئة [إكمال الأصل بالبدل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل لا يوَّفى بالأبدال. (¬1) أو لا يُرْفى". وفي لفظ: "إكمال الأصل بالبدل غير ممكن (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تفيد هاتان القاعدتان أن الأصل يجب الإتيان به كاملاً عند حصوله، وأما إذا وُجد بعض الأصل فلا يوَّفى أو يكمل أو يرفأ بالبدل، لأنه يكون جمعاً بين الأصل وبدله، وذلك لا يجوز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أعتق عن ظهاره نصف رقبة وصام شهراً أو أطعم ثلاثين مسكيناً لم يجزئه عن كفارته، لأن الصيام والإطعام بدل عن نصف الرقبة وهو أصل فلا يجوز. ومنها: من وجد ماءً لا يكفي إلا بعض أعضاء الوضوء فلا يجوز له أن يغسل بعض أعضائه ويتيمم للباقي عند الحنفية، ويجوز عند الحنابلة إن كان جنباً وعنده ماءٌ يكفي بعض بدنه، وأما عند الحدث فخلاف (¬3)،. وعند الشافعية يجوز الجمع بين استعمال الماء في بعض أعضائه ويتيمم للباقي سواء كان محدثاً أم جُنباً (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 114، صـ 122. (¬2) المبسوط جـ 7 صـ 10. (¬3) المقنع جـ 1 صـ 70. (¬4) روضة الطالبين جـ 1 صـ 210.

القاعدة: الخامسة والعشرون بعد الأربعمائة [المعنى]

القاعدة: الخامسة والعشرون بعد الأربعمائة [المعنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن اللفظ إذا تعدى معنيين أحدهما أجلى من الآخر والآخر أخفى، فإنَّ الأجلى أملك من الأخفى (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلي نوع من تعارض المعاني، فإذا جاء لفظ عن الشارع أو العاقد أو غيرهما يحتمل معنيين وأحد المعنيين أوضح من الآخر، وكان الآخر أخفى منه، فإن المعنى الأجلى الأوضح أولى بالاعتبار وحمل مقصود المتكلم عليه من المعنى الأخفى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ...} الآية (¬2). حمل الحنفية لفظ العقد على المعنى المستقبلي وهو الجلي فلم يوجبوا الكفارة في اليمين الغموس التي هي على أمر ماض. وحمله الشافعي رحمه الله على العقد الذي هو عزم القلب، وذلك يقع على الماضي أيضاً فأوجب الكفارة في اليمين الغموس لذلك (¬3). والأول أجلى فكان أولى. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 119. (¬2) الآية 89 من سورة المائدة. (¬3) روضة الطالبين جـ 8 صـ 3.

القاعدة: السادسة والعشرون بعد الأربعمائة [تعيين النية - الواجب المضيق والموسع]

القاعدة: السادسة والعشرون بعد الأربعمائة [تعيين النية - الواجب المضيق والموسع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما أوجبه الله بعينه في وقت بعينه يتأَدى بمطلق النيَّة وبنية النفل، وما أوجبه الله تعالى في وقت بغيرعينه لا يتأدى إلا بتعيين النيَّة (¬1) ". [فقهية أصولية "تحت قاعدة النية"] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا الأصل يدخل تحت قاعدة النيَّة وهي مسألة: الواجب المعين وقته وهو ما لا يتسع وقته لغيره من جنسه، ويسمى وقته معياراً كصوم رمضان، والواجب غير المعين وقته وهو ما يتسع وقته لأدائه وأداءِ غيره من جنسه كالصلاة ويسمى وقته ظرفاً. فعند الحنفية أن الواجب المعين وقته يصح أداؤه بنية مطلقة، وبنية النفل وبنية واجب آخر لأن التعيين في المتعين لغو. وأما الواجب غير المعين وقته فلا يصح إلا بنية معينة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صوم رمضان لما كان وقته معيناً ومحدوداً بشهر معلوم ووقت معلوم - من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، - فجاز عند الحنفية صيامه بنية صوم مطلق أي أن ينوي المكلف صوماً لله. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 صـ 135

فيصح ولو لم يعين أنه صوم واجب عن رمضان. ولو نواه نفلاً يقع عن رمضان قولاً واحداً عند الحنفية. وأما الصلاة لما كان وقت أدائها غير معين بل إن وقتها يتسع لأدائها وأداء غيرها من جنسها لم تصح إلا بنية معيَّنة كصلاة فرض أو نفل ظهر أو عصر أو غير ذلك ولا تصح بنية مطلقة، وهذا عند الجميع.

القاعدة: السابعة والعشرون بعد الأربعمئة [الشرط]

القاعدة: السابعة والعشرون بعد الأربعمئة [الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما ثبت بالشرط نصاً لا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: فتفيد هذه القاعدة أن ما ثبت منصوصاً عليه بالشرط يبقى مخصوصاً به ومقصوراً عليه ولا يجوز أن يلحق به إلا ما كان في معناه من كل وجه فأما ما لم يكن في معناه من كل وجه فلا يلحق به ولا يقاس عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صالح المسلمون أهل دار حرب على شرط أن لا يحرقوا زروعهم ولا كلأَهم فيجوز للمسلمين أن يأكلوا من زرعهم ويعلفوا دوابهم منه، لأن الوفاء إنما يلزم بقدر الشرط والأكل والعلف ليس من الإحراق في شيء، لأن الإحراق فيه إفساد والأكل والعلف ليس من الإفساد. وكذلك لو شرطوا علينا ألاَّ نخرب قراهم ورضينا بذلك فلا بأس بأخذ متاعهم أو علف أو طعام أو غيره، لأنه ليس بتخريب لأن التخريب إنما يكون في الأبنية. وأما أخذ الأمتعة فليس من التخريب. وإن شرطوا ألاَّ نحرق زروعهم فليس لنا أن نغرقها بالماء، لأن هذا في معنى المنصوص من كل وجه. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي صـ 301 باب الأمان.

القاعدة: الثامنة والعشرون بعد الأربعمئة [اليقين والشك]

القاعدة: الثامنة والعشرون بعد الأربعمئة [اليقين والشك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما ثبت بيقين لا يزول بالشك (¬1) ". الأصل عند أبي حنيفة أنه متى عُرف ثبوت الشيء من طريق الإحاطة والتيقن لأي معنى كان فهو على ذلك ما لم يُتَيَقَّن بخلافه (¬2). وفي لفظ "اليقين لا يزال الشك" (¬3) أو "لا يزول" (¬4) أو "لا يرفع" (¬5). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. وفي لفظ "الشك لا يعارض اليقين" (5). وتأتي في حرف الشين إن شاء الله وفي لفظ "أن اليقين لا يُزال بالشك. (¬6) ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 13. (¬2) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 110 مع تأسيس النظر. (¬3) المبسوط للسرخسي جـ 1 ص 50, 59, 86، وقواعد الحصني ق 1 صـ 230 أشباه السيوطي صـ 50، أشباه ابن نجيم صـ 55. والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 255 فما بعدها. (¬4) نفس المصدر جـ 1 صـ 121, 143. (¬5) نفس المصدر المبسوط جـ 1 صـ 48، 86، إيضاح المسالك القاعدة 26، مختصر قواعد العلائي جـ 1 صـ 176، مجلة الأحكام المادة الرابعة، المدخل الفقهي فقرة 574، والوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية مع الشرح والبيان والفروع صـ 102 فما بعدها. (¬6) المجموع المذهب للعلائي ورقة 27/ ب

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى كلمة "أصل" حيثما وردت في القواعد الفقهية فالمراد بها غالباً: القاعدة المستقرة أو المستصحب. وأما إذا وردت في أصول الفقه فالمراد غالباً، الدليل. ومعنى اليقين: الإدراك الجازم المستند إلى الدليل القطعي. ومعنى الشك عند الفقهاء واللغويين، مطلق التردد بين الأمرين سواءً كانا متساويين أم كان أحدهما أرجح من الآخر. وأما عند الأصوليين فالشك معناه التردد بين الأمرين المتساويين دون مرجح لأحدهما، فإن رجح أحدهما كان ظناً والمرجوح وهماً. فتفيد هذه القاعدة: أن الأمر الثابت بالدليل القطعي لا يرتفع ولا يزول بمجرد الشك في وجود ما يزيله، سواء كان ذلك الأمر نفياً أم إثباتاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: مَن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث. ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر لأن اليقين لا يزول بالشك.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الأربعمئة [اليقين]

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الأربعمئة [اليقين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أنه متى عُرف ثبوت الشيء من طريق الإحاطة والتيقن لأي معنى كان فهو على ذلك ما لم يُتَيَقن بخلافه (¬1). وقد سبق ذكرها قريباً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة من القواعد الست الكبرى وهي قاعدة - اليقين لا يزول بالشك. وهي متفقٌ عليها بين الجميع، وتفيد أن ما ثبت يقيناً فيستصحب حكمه حتى يتبين خلافه يقيناً كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر. ومنها: أن خروج وقت الظهر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يحكم به وبدخول وقت العصر ما لم يَصرِ ظل كل شيء مثليه، لأنَّا قد عرفنا كون الوقت مستحقاً للظهر وشككنا في خروجه ودخول وقت العصر، فلا يحكم بخروج وقت الظهر إلا بيقين دخول وقت العصر، ولا يقين إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه. خلافاً لصاحبيه ولغيرهما من الأئمة الذين يرون أن وقت الظهر يخرج بصيرورة ظل كل شيء مثله. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 10، وصـ 17 ط جديدة.

القواعد: الثلاثون بعد الأربعمئة والحادية والثلاثون بعد الأربعمئة والثانية والثلاثون بعد الأربعمئة والثالثة والثلاثون بعد الأربعمئة. [الاستصحاب]

القواعد: الثلاثون بعد الأربعمئة والحادية والثلاثون بعد الأربعمئة والثانية والثلاثون بعد الأربعمئة والثالثة والثلاثون بعد الأربعمئة. [الاستصحاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل البناء على الظاهر واستصحاب الحال ما لم يعلم خلافه (¬1) " وفي لفظ: "الأصل إبقاء ما كان على ما كان (¬2) ". أو "بقاء". وفي لفظ: "الأصل أن الظاهر يدفع الاستحقاق ولا يوجبه (¬3) ". وفي لفظ: "استصحاب الحال معتبر في إبقاء ما كان على ما كان، وهو غير معتبر في إثبات ما لم يكن (¬4) ". وفي لفظ: "الظاهر حجة في دفع الاستحقاق (¬5). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 16، 53. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 13، قواعد الحصني ق 1 جـ 1 صـ 230، والمجموع المذهب للعلائي ورقة 27/ ب، وقواعد الونشريسي القاعدة 108، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 51، والأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 257، مجلة الأحكام المادة 5، 10، والمدخل الفقهي الفقرة 575 - 576، وقواعد ابن رجب القاعدة 159 بالمعنى، الوجيز مع الشرح والبيان صـ 108. (¬3) أصول الإمام الكرخي صـ 110 مع تأسيس النظر. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 24، 46. (¬5) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 1 صـ 321

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وتأتي في حرف الظاء إن شاء الله. وفي لفظ: "بالظاهر يدفع الاستحقاق ولا يثبت الاستحقاق (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد دليل الاستصحاب، ومعنى الاستصحاب في اللغة: استفعال من الصحبة. قال ابن فارس (¬2): الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته، وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه (¬3) فيكون معنى الاستصحاب في اللغة الملازمة وعدم المفارقة. وأما عند الفقهاء فهو: "لزوم حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه" (¬4). أو هو الحكم الذي يثبت في الزمان الثاني بناء على الزمان الأول (¬5) والظاهر معناه: ما يترجح وقوعه، فالمراد به غلبة الظن. والمراد بالاستحقاق: إثبات ما لم يكن ثابتاً. فمعنى هذه القواعد: أن الاستصحاب يصلح حجة لإبقاء الحكم الثابت في الزمن ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 1 صـ 968. (¬2) ابن فارس هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين من أئمة اللغة والأدب، قرأ عليه البديع الهمذاني، والصاحب بن عباد، وغيرهما، وأصله من قزوين وأقام مدة بهمذان ثم انتقل إلى الري فتوفى بها / وإليها نسبته. من تصانيفه، معجم مقاييس اللغة، والمجمل، والصاحبي في علم العربية وغيرها، توفي سنة 395 هـ (¬3) معجم مقاييس اللغة مادة "صحب". (¬4) شرح الأناسي للمجلة جـ 1 صـ 20. (¬5) التعريفات للجرجاني صـ 22.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الماضي حتى يقوم دليل التغيير. ولكن هل يصلح حجة في إثبات ما لم يكن ثابتاً؟ عند الحنفية لا يصلح حجة للإستحقاق بل هو حجة للدفع فقط، وعند غيرهم يصلح حجة للدفع وللاستحقاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: عند الحنفية أن المفقود لا يرث ولا يورث، حيث إن الظاهر حياته فلذلك لا يورث ولا تبين منه امرأته ولا تؤخذ وديعته. لأن حياته السابقة حجة تستصحب في دفع يد الغير عن حقوقه. وهذا عند الجميع. ولكن إذا مات من يرثه المفقود في حال فقدانه فهل تستصحب حياته السابقة ويعتبر وارثاً؟ عند الحنفية لا، وعند غيرهم - نعم، حيث يعتبر الاستصحاب حجة في الدفع والاستحقاق. وبناءً على ذلك قال الحنفية: إذا كانت دار بيد إنسان وبيعت دار بجوارها وادعى من بيده الدار شفعتها - عند من يجيزون الشفعة بالجوار - أنه لا يقبل مطالبته بالشفعة بمجرد وضع يده على الدار المشفوع بها، بل لا بد من إقامته البينة على أنه يملك ما يشفع به (¬1) لأن الظاهر يدفع الاستحقاق ولا يوجبه. وعند غير الحنفية خلاف ذلك. ¬

_ (¬1) شرح المجلة للأناسي جـ 1 صـ 21 بتصرف.

القاعدة: الرابعة والثلاثون بعد الأربعمئة [الاستصحاب]

القاعدة: الرابعة والثلاثون بعد الأربعمئة [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن مَن ساعده الظاهر فالقول قوله، والبينة على من يدعي خلاف الظاهر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالظاهر هنا: الأصل المستصحب كبراءَة الذمة، وهذا الأصل معتمد تلك القاعدة، والمتمسك بالوصف الأصلي أو الوقت الأقرب متمسك بالظاهر. فتفيد القاعدة: أن المتمسك بالأصل متمسك بالظاهر فيكون القول قوله مع اليمين عند عدم البينة لأنه مدّعى عليه. وأما من يتمسك بخلاف الأصل. فهو متمسك بخلاف الظاهر وعليه البينة لأنه مدَّعٍ. وهذه القاعدة فرع قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" وهي أصل قاعدة "الأصل براءة الذمة". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى إنسان على آخر ديناً فهو مدّع ومتمسك بخلاف الظاهر فعليه البيِّنة لإثبات مدَّعاه، والآخر مدعى عليه ومتمسك بالظاهر وهو براءة ذمته من الدين، لأن الأصل عدم اشتغال الذمة بشيء، فيكون القول قوله في نفي الدين المدَّعى مع يمينه عند عدم البيِّنة. ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي صـ 11، والأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 15 فما بعدها. وأشباه السيوطي صـ 53، وأشباه ابن نجيم صـ 59، وينظر الوجيز صـ 116.

القاعدة: الخامسة والثلاثون بعد الأربعمئة [الاستصحاب]

القاعدة: الخامسة والثلاثون بعد الأربعمئة [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل بقاء العدة (¬1) " [ضابط] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة أو الضابط يندرج تحت القاعدة السابقة. والمراد بالعدة: هي المدة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تتربص بها المرأة عند زوال النكاح المتأكد أو شبهته لاستبراء رحمها من الحمل أو لوضع الحمل أو للتعبد، كعدة المتوفي عنها زوجها وهي حائل غير حامل. فالقاعدة المستمرة: أن عدة المرأة تبقى حتى يثبت انقضاؤها بالحيض أو المدة أو وضع الحمل، والمرأة أمينة على ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلق الرجل امرأته واختلفا في انقضاء عدتها فيكون القول قول المرأة التي تدعي عدم انقضاء عدتها لان الأصل بقاء العدة. لأن العدة ثابتة بيقين فلا يحكم بانقضائها إلا بيقين. وهذا عند الجميع. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 205، وأشباه السيوطي صـ 51 - 52، وأشباه ابن نجيم صـ 57 - 58.

القاعدة: السادسة والثلاثون بعد الأربعمئة [براءة الذمة]

القاعدة: السادسة والثلاثون بعد الأربعمئة [براءة الذمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل براءة الذمة (¬1) ". - والمقصود ذمة المدعى عليه - ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل معناه القاعدة المستمرة، والذمَّة عند الفقهاء: بمعنى النفس أو الذات التي لها عهد، والمراد بها هنا / أهلية الإنسان لتحمل عهدة ما يجري بينه وبين غيره من العقود الشرعية أو التصرفات. فمعنى القاعدة عند الفقهاء: القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل. دليل هذه القاعدة: قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدَّعي واليمين على المدَّعى عليه (¬2) " ولمَّا كانت براءة ذمة الإنسان أصلاً، فالمتمسك بالبراءة متمسك بالأصل، وهو الظاهر، وهو المدَّعى عليه، والمتمسك بخلاف الأصل هو المدعي، ولذلك لا يقبل في دعوى شغل الذمة إلا شاهدان، ولذلك كان القول للمدعى عليه مع يمينه - عند عدم البينة - لأنه متمسك بالأصل. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 218، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 53 والأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 59، وقواعد الخادمي صـ 16، والمبسوط للسرخسي ج 17 صـ 29 كتاب الدعوى. والجمع والفرق للجويني صـ 49، 110، والوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية للمؤلف صـ 116. (¬2) الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى شخص على آخر ديناً في الذمة، فلا يقبل قوله إلا بالبينة، لانه متمسكٌ بخلاف الأصل، وعند عدم البينة يكتفى بيمين المدعى عليه لدفع الدعوى وإثبات براءة ذمته، لأنه متمسك بالأصل. - إذا اختلفا في قيمة المتلف، حيث تجب قيمته على مُتْلِفِه - كالمستعير والمستام والغاصب والمودَع المتعدي - فالقول قول الغارم مع يمينه في القيمة لأن الأصل براءة ذمته مما زاد.

القاعدة: السابعة والثلاثون بعد الأربعمئة [العدم]

القاعدة: السابعة والثلاثون بعد الأربعمئة [العدم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل العدم (¬1) ". "الأصل في الصفات أو الأمور العارضة العدم (¬2) ". [تحت قاعدة "اليقين لا يزول بالشك"]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: صفات الأشياء نوعان: نوعٌ أصلي يكون وجوده مصاحباً لوجود الموصوف فهذا يسمى صفات أصلية، الأصل فيها وجودها، كسلامة المبيع من العيوب وسلامة رأس مال المضاربة من الربح والخسارة. ونوع عارض يطرأ على الشيء بعد وجوده، فهذا الأصل فيه عدم الوجود فإذا حصل نزاع في صفة ولا دليل ولا حجة مع مدعيها، فيكون القول قول من يتمسك بالصفة الأصلية مع يمينه لأنه متمسك بأصل ظاهر فتكون البينة على مَن يتمسك بالصفة العارضة لأنه متمسك بخلاف الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اطلع المشتري على عيب في السلعة المشتراة وادعى وجود هذا العيب عند البائع وأنكر البائع، فالقول قول البائع لأنه متمسك بالصفة الأصلية وهي سلامة المبيع من العيوب، وعلى مدعى العيب البينة، لأن المتمسك بالصفة الأصلية متمسك بأصل مستيقن، والمتمسك بالصفة العارضة متمسك بأمر مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي صـ 57، وأشباه ابن نجيم صـ 62، وأشباه السبكي جـ 1 صـ 32 فما بعدها بالأمثلة والمعنى. (¬2) قواعد الخادمي صـ 312، ومجلة الأحكام مادة 9، المدخل الفقهي فقرة 577، والوجيز مع الشرح والبيان صـ 122.

القاعدة: الثامنة والثلاثون بعد الأربعمئة [اليقين]

القاعدة: الثامنة والثلاثون بعد الأربعمئة [اليقين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا ثبت أصل بدليل قطعي في الحل أو الحرمة أو الطهارة أو النجاسة فلا يُزال إلا باليقين (¬1). ومثلها: ما ثبت بيقين فلا يزول إلا بيقين مثله (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة .. اليقين لا يزول بالشك" وتأتي إن شاء الله تعالى في حرف الياء. وتدل على أن الشيء إذا ثبت بدليل قطعي يقيني فيما يفيد حكماً شرعياً فلا يُزال هذا اليقين إلا بيقين مثله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر. ومنها: الماء أصله الطهارة يقيناً فنحن نستصحب هذا الوصف فنستعمل الماء لإزالة الأحداث والنجاسات حيث يثبت تنجس هذا الماء يقيناً بأن رأيناه وقد وقعت فيه نجاسة غيَّرت أوصافه أو بعضها. ¬

_ (¬1) الخاتمة صـ 314، وشرح الخاتمة صـ 22. (¬2) المنثور للزركشي جـ 3 صـ 135، وأشباه السيوطي صـ 55، وأشباه ابن نجيم صـ 59.

القاعدة: التاسعة والثلاثون بعد الأربعمئة [الإضافة للزمن الأقرب]

القاعدة: التاسعة والثلاثون بعد الأربعمئة [الإضافة للزمن الأقرب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته (¬1) ". "تحت قاعدة اليقين لا يزول بالشك". وفي لفظ: "الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن (¬2) ". وفي لفظ: "إنما يحال بالحادث على أقرب الأوقات (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر ما ولا بيَّنة لأحدهما، يُنسب هذا الأمر ويحال إلى أقرب الأوقات إلى الحال، ما لم يثبت نسبته إلي زمن أبعد، وتعليل ذلك أن أحكام الحوادث ونتائجها وما يترتب عليها كثيراً ما تختلف باختلاف تاريخ حدوثها وحصولها، وكانت الإحالة إلي الزمن الأقرب لأنه المتفق على وجود الواقعة فيه، وأما الزمن الأبعد فهو مشكوك فيه، لأنه انفرد أحدهما بدعوى الوجود فيه والآخر ينكر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تبين في المبيع عيب بعد قبض المشتري وادعى البائع حدوثه عند المشتري وادعى المشتري حدوثه عند البائع - ولا ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي صـ 357، 967، وأشباه ابن نجيم صـ 64، حاشية سنبلي زاده صـ 85، درر الحكام جـ 1 صـ 25، المجلة بشرح الأتاسي جـ 1 صـ 32، والوجيز مع الشرح صـ 125. (¬2) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 174، أشباه السيوطي صـ 59 نقلاً عنه. (¬3) المبسوط للسرخسي جـ 14 صـ 178، 179 باب الشفعة في الصلح. وجـ 2 صـ 96.

بيِّنة لواحد منهما - فالقول لمدعي الوقوع في الزمن الأقرب - وهو البائع هنا - مع يمينه. ويعتبر العيب حادثاً عند المشتري إلا أن يكون العيب خِلقياً لا يحدث مثله (¬1) ¬

_ (¬1) المدخل الفقهي الفقرة 579.

القاعدة: الأربعون بعد الأربعمائة [الشك - الاحتياط]

القاعدة: الأربعون بعد الأربعمائة [الشك - الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إذا استند الشك إلى أصل أمر بالاحتياط (¬1) ". هذه القاعدة فرع على قاعدة: "اليقين لا يزول بالشك". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الشك في اللغة: مطلق التردد بين أمرين. وفي اصطلاح الأصوليين التردد بين أمرين بدون ترجيح لأحدهما. وفي اصطلاح الفقهاء: مطلق التردد، فهو كالمعنى اللغوي. فتفيد القاعدة أن الشك إذا قوي واستند إلى أصل فالواجب العمل بموجب الشك أخذاً بالأحوط وخاصة في العبادات وما يتعلق بها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحدث إذا شك هل توضأ أم لا فتوضأ احتياطاً ثم بان حدثه فإنه يصح وضوئه قطعاً لأن الأصل بقاء الحدث. كذلك إذا نسي صلاة من الخمس ولم يعرف عينها فإنه يصلي الخمس ويبرأ مما عليه مع الشك في كل صلاة، لأنه أتى بها على وجه الاحتياط (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد المقري جـ 1 صـ 294 القاعدة 69، والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 255 فما بعدها. (¬2) المنثور للزركشي جـ 2 صـ 271، صـ 272.

القاعدة: الحادية والأربعون بعد الأربعمئة [الإباحة]

القاعدة: الحادية والأربعون بعد الأربعمئة [الإباحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في الأشياء الإباحة أو التحريم أو الوقف (¬1) وفي لفظ: "الأصل في الأشياء الإباحة (¬2) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الله سبحانه وتعالى قد أحل حلالاً وحرَّم حراماً وحدَّ حدوداً وفرض فرائض وسن سنناً في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وسكت سبحانه عن أشياء كثيرة - عن غير نسيان منه - فما حكم هذه الأشياء المسكوت عنها؟ هل الأصل فيها التحريم فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا إذا قام الدليل على حلِّه؟ أو هل الأصل فيها الإباحة فلا يمتنع الإقدام على شيء منها إلا إذا قام الدليل على تحريمه؟. بذلك قال قوم وبهذا قال آخرون ولكل أدلته. وقال قوم هي على الوقف فلا يجوز الإقدام علي شيء منها أو الامتناع إلا إذا قام الدليل على الحل أو الحرمة. وأدلة كل قول مذكورة في غير هذا المكان. والراجح عند الجمهور أنها على الإباحة. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 176، جـ 2 صـ 70، قواعد الحصنى ق 1 ج 1 صـ 451، مختصر قواعد العلائي جـ 2 صـ 589. (¬2) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 176، الفرائد البهية صـ 284 عن حظر الخانية، والوجيز مع الشرح صـ 129، وأشباه السيوطي صـ 60، وأشباه ابن نجيم صـ 66، ومختصر قواعد العلائي جـ 2 صـ 589.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في المأكولات والمشروبات والملبوسات والتصرفات مما لم يرد فيه دليل يحل أو دليل يحرم، فمن قال الأصل الإباحة اكتفى فأحل، ومن قال الأصل التحريم اكتفى فحرَّم. كالفيل والزرافة حيث لم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم حكم نصِّي فيهما. فما حكم أكلهما؟.

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الأربعمئة [الأبضاع]

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الأربعمئة [الأبضاع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل تحريم الأبضاع (¬1) ". وفي لفظ: "الأصل في الأبضاع التحريم (¬2) ". مستثناة من قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأبضاع: الفروج جمع بضع وهو الفرج، كناية عن النساء، والنكاح. أي أن الأصل في النكاح الحرمة والحظر وأُبيح لضرورة حفظ النسل ولذلك لم يبيحه الله تعالى إلا بإحدى طريقين: العقد، وملك اليمين، وما عداهما فهو محظور. وإنما عبر بالجزء عن الكل لأن المقصود الأعظم من النساء هو الجماع ابتغاء النسل. فالقاعدة المستمرة أن علاقة الرجال بالنساء مبناها على التحريم والحظر لما في ذلك من كشف العورات وهتك الأستار واختلاط الأنساب. فلا يحل منهنَّ إلا ما أحله الشرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني صـ 994، 1436، الوجيز صـ 129. (¬2) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 77، وأشباه السيوطي صـ 60، وأشباه ابن نجيم صـ 67، ومختصر قواعد العلائي جـ 2 صـ 589.

إذا تقابل في المرأة حل وحرمة غُلِّبت الحرمة، فإذا طلق رجل إحدى نسائه بعينها طلاقاً بائناً ثم نسيها فلم يدر أيتهنَّ طلق فلا يجوز له أن يتحرى أو يجتهد في الوطء إذ يحرم عليه أن يطأ واحدة منهنَّ حتى يتبين المطلقة من غيرها، كما لا يسع الحاكم أن يخلي بينهنَّ وبينه حتى يتبين، وهذا عند الجميع غير أن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في رواية يرى أنه يُعين المطلقة بالقرعة ويحل له البواقي (¬1). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الستون بعد المائة صـ 384 - 385.

القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الأربعمئة [الحيوانات - الأطعمة والذبائح]

القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الأربعمئة [الحيوانات - الأطعمة والذبائح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: 1 - " الأصل في الحيوان التحريم (¬1) ". وقد سبقت 2 - "الأصل في الأطعمة الإباحة ما لم يرد التحريم (¬2) ". 3 - "الأصل في الذبائح التحريم (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تدل هذه القواعد - مع ما سبق - على اختلاف النظرة في حكم الحيوانات من حيث الأصل فيها: هل هو التحريم بحيث لا يحل حيوان منها إلا ما قام الدليل على حلِّه؟. بهذا قال بعض الشافعية بناءً على الأصل الأول مع أن الأصل عند الشافعي رحمه الله: حل الأشياء إلا ما قام الدليل على تحريمه (¬4). أو أن الأصل في الحيوانات الإباحة فيحل كل حيوان إلا ما قام الدليل على حرمته؟ بهذا قال بعض آخر من الشافعية والحنابلة بناءً على الأصل الثاني عندهم. ولكن لعل القاعدة الثالثة تبين المقصود من القاعدة الأولى إذ تفيد أن أصل الذبائح على التحريم لأنه - كما سبق بيانه - يشترط في حل الذبيحة ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني صـ 1435 والمجموع للنووي جـ 9 صـ 20. (¬2) المقنع مع حاشيته جـ 3 صـ 525، 528. (¬3) الجمع والفرق صـ 1436. (¬4) الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 60

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

شروط في الحيوان المذبوح وفي الذابح وفي آلة الذبح وكيفيته، وما لا يحل إلا بشروط كان أصله التحريم كالأبضاع، حتى قالوا: أن الأصل في الأبضاع والذبائح التحريم (¬1)، فجمعوا بينهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بناء على هذه القواعد إذا امتزج التحليل بالتحريم غُلِّب جانب التحريم على التحليل فإذا اشترك بغل في المعركة لا يسهم له تغليباً لجانب التحريم، وكذلك المتولد بين مأكول وغير مأكول لا يحل كالسمع (¬2) - أي ولد الذئب من الضبع على القول بحل أكل الضبع. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني صـ 1436. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 صـ 307.

القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الأربعمئة [اللهو واللعب]

القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الأربعمئة [اللهو واللعب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن اللهو واللعب أصلهما عل الإباحة (¬1) " عند الشافعي - خلافاً لمالك. إلا ما قام الدليل على حرمته. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد باللهو: هو الشيء التي يتلذذ به الإنسان فيلهيه ثم ينقضي (¬2). والمراد باللعب: هو فعل الصبيان يعقب التعب من غير فائدة (¬3). فعند الشافعية إن هذا اللهو واللعب الأصل فيهما، والقاعدة المستمرة أنهما مباحان. فلا يمنع الإنسان من لهو ولعب إلا إذا قام الدليل على تحريمه ومنعه. وعند مالك رحمه الله بخلاف ذلك إذ يري أن الأصل فيهما التحريم لا الإباحة وهو الموافق للخبر: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنَّهُنَّ من الحق (¬4) ". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أنواع الألعاب التي يلعبها الإنسان فرداً أو جماعة، كالقفز والجري والمسابقات البدنية والعقلية يرى الشافعي أن أصلها على الإباحة، ومالك يرى أن أصلها على التحريم ولا يباح من الألعاب والملاهي إلا ما أباحه الشرع كما ورد في الحديث السابق. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 355، والأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 430. (¬2) التعريفات للجرجاني صـ 204. (¬3) التعريفات صـ 202. (¬4) الحديث في سنن الترمذيُّ في فضائل الجهاد، وسنن الدارمي جـ 2 صـ 205 باب فضل الرمي والأمر به، وفي الباب أحاديث عند أحمد وابن ماجة وغيرهما.

القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الأربعمئة [طهارة الماء]

القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الأربعمئة [طهارة الماء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في الماء الطهارة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا أصل متفقٌ عليه أن الماء الأصل فيه الطهارة والنجاسة طارئة عليه، قال الله سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} (¬2) ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الماء الذي بقي على أصل خلقته كماء البحر والمطر والأنهر والآبار والعيون هو ماء طهور تصح به الطهارة من اغتسال ووضوء وإزالة نجاسة وشرب وغير ذلك من استعمالاته، ولا يخرجه عن طهوريته إلا ما غير لونه أو ريحه أو طعمه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ ص 78. (¬2) الآية 48 من سورة الفرقان.

القاعدة: السادسة والأربعون بعد الأربعمئة [طهارة الثوب]

القاعدة: السادسة والأربعون بعد الأربعمئة [طهارة الثوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في الثوب الطهارة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما أن الأصل في الماء الطهارة فالثياب كذلك الأصل فيها الطهارة، فالثياب الجديدة غير المستعملة طاهرة وتجوز فيها الصلاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الثياب التي ينسجها الكفار طاهرة وتجوز فيها الصلاة ما لم يُعلم أن فيها قذراً لأن خبث الكافر في اعتقاده لا يتعدى إلى ثيابه. إلا ثياب الكفار المستعملة فإنه يكره الصلاة فيها قبل الغسل لاحتمال النجاسة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 97.

القاعدة: السابعة والأربعون بعد الأربعمئة [إذن الشرع]

القاعدة: السابعة والأربعون بعد الأربعمئة [إذن الشرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " من أصول أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى: الأصل أن ما حصل مفعولاً بإذن الشرع كان كأنه حصل مفعولاً بإذن من له الولاية من بني آدم، وقيده أبو حنيفة "بشرط السلامة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن من فعل فعلاً مأذوناً به شرعاً فكأنه فعل بإذن صاحب الحق فيه من بني آدم فلا ضمان على فاعله، لأن الإذن الشرعي ينافي الضمان. وهذا عند الصاحبين والشافعي دون قيد، ولكن أبا حنيفة اشترط أن يعقب الفعل المأذون به شرعاً السلامة، أما إذا ترتب على الفعل المشروع ضرر ففاعله عليه ضمان ما تسبب عن فعله من ضرر أو إتلاف ومفسدة. ثالثاً: مع أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أذن الشرع في رمي الصيد، فإذا رمي صيداً فأصاب إنساناً أو حيواناً محترماً فعليه الضمان لأنه مأذون له شرعاً في رمي الصيد ولكن بشرط السلامة، وهذا عند الجميع. ولكن إذا كسر إنسان معازف وملاهي آخر لا يضمن عندهما لأنه حصل مفعولاً بإذن الشرع فصار كأنه حصل مفعولاً بإذن صاحبها، وعند ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 40 - 41 ط جديدة.

أبي حنيفة أن الشرع أذن له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط السلامة من غير أن يتلف مالاً. ومنها: إذا قعد رجل في المسجد فعثر به إنسان فتلف لم يضمن عندهما وعند الشافعي، لأن الشرع أذن له بالدخول في المسجد. وعند أبي حنيفة يضمن لأن السلامة شرط فيه.

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الأربعمئة [تغير الفرض]

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الأربعمئة [تغير الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " من أصول أبي حنيفة رحمه الله: الأصل أن ما غيَّر الفرض في أوله غيَّره في آخره (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن ما يؤثر في الفرض اعتباراً أو إبطالاً إذا وُجد في ابتداء الفرض فهو يؤثر في آخره كما أثر في أوله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نوى المسافر الصلاة قصراً وقبل سلامه منها نوى الإقامة - في مكان يصلح للإقامة - فيجب عليه إتمام صلاته كما لو نوى الإقامة في أول فرضه. ومنها: إذا وجد المتيمم الماء بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم فإنه تفسد صلاته، كما لو وجد الماء قبل دخوله في صلاته. ومنها: أن المرأة إذا قامت بجنب الرجل في آخر الصلاة بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم فسدت صلاته عند أبي حنيفة، وعند تلميذيه لا تفسد (¬2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 6 وصـ 11 ط جديدة. (¬2) تأسيس النظر صـ 12 ط حديثة.

القاعدة: التاسعة والأربعون بعد الأربعمئة [ما لا يتجزأ]

القاعدة: التاسعة والأربعون بعد الأربعمئة [ما لا يتجزأ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أئمة الحنفية أن ما لا يتجزأ فوجود بعضه كوجود كله. وعند زُفر: لا يكون وجود بعضه كوجود كله (¬1) ". وفي لفظ: "ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله (¬2) ". وتأتي في حرف الذال إن شاء الله. وفي لفظ: "ما لا يقبل التبعيض يكون اختيار بعضه كاختيار كله واسقاط بعضه كاسقاط كله (¬3) ". وستأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن الشيء إذا كان لا يقبل التجزئة فيعتبر كلاً واحداً، فإذا وجد بعضه فيأخذ هذا البعض حكم الكل فكأنه وجد كله، وهذا شبه متفق عليه عند جمهور الفقهاء الحنفية وغيرهم. وخالف في ذلك زفر بن الهذيل من الحنفية حيث لم يعتبر وجود بعض الشيء كوجود كله، وقد سبق مثلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أذن لعبده في نوع من التجارة صار مأذوناً في جميعها، لأن ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 60 وصـ 93 ط جديدة. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 162. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 105، والمنثور للزركشي جـ 3 صـ 153، وأشباه السيوطي صـ 160.

الإذن لا يتجزأ، وعند زُفر لا يكون مأذوناً في غير ذلك النوع الذي أذن له فيه مالكه، لأن أنواع التجارات متعددة، فالنظرة في الحقيقة مختلفة. ومنها: إذا طهرت المرأة من حيضتها في آخر الوقت وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكنها من الإغتسال فيه والتحريمة للصلاة - لزمها صلاة ذلك الوقت عند الجميع - عدا زفر حيث قال: لا يلزمها شيء. وحجة القائلين باللزوم أن الواجب لا يتبعض فإذا لزمها التحريمة لإدراك وقت الصلاة فقد لزمها ما بعد التحريمة. ومنها: إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه سقط كله (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي صـ 105.

القاعدة: الخمسون بعد الأربعمئة [من لا يملك لا يملك]

القاعدة: الخمسون بعد الأربعمئة [من لا يملك لا يُملَّك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الشافعي أن ما لا يملك أن يشتري بنفسه لا يملك أن يأمر غيره به (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن أمر الإنسان غيره بشراء شيء ما أو بيعه تابع لقدرة الآمر وملكه أن يشتري أو يبيع بنفسه، فما لم يملك أن يشتريه لنفسه أو يبيع منها لا يملك أن يأمر غيره به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن الصبي أو المحجور لما كان لا يملك أن يشتري أو يبيع بنفسه للقصور في الأول والحجر في الثاني فلا يملك أحدهما أن يأمر غيره ببيع شيء أو شرائه له، بل الذي يتولى ذلك هو الوصي. والأعمى عند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز بيعه ولا شراؤه أصلاً (¬2) لنفسه لعدم قدرته على رؤية المبيع، فالشافعي رحمه الله تعالى لا يجيز للأعمى توكيل غيره عنه بناء على هذا الأصل وفي هذا ضياعه، ولم أجده عند الشافعي في الأم لا صريحاً ولا تلويحاً، ولكن ذكر في روضة الطالبين أن في بيع الأعمى وشرائه وجهان أصحهما عدم الجواز ولكن أجازوا له التوكيل للضرورة (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 صـ 17. (¬2) ينظر أحكام الأعمى في الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 237، وأشباه السيوطي صـ 25. (¬3) روضة الطالبين جـ 3 صـ 31 - 32.

القاعدة: الحادية والخمسون بعد الأربعمئة [العقوبات]

القاعدة: الحادية والخمسون بعد الأربعمئة [العقوبات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما لا ينافي الكفرَ وجوبهُ ابتداءً لا ينافي بقاءه بطريق الأولى. وما ينافي الكفرَ وجوبُهُ ابتداءً من العقوبات ينافي بقاءه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تُعنى بالعقوبات التي يمكن أن تدرأ بالشبهات، فالعقوبات التي يمكن أن توقع مع كفر مرتكبها تبقى إذا ارتكبها إنسان ثم ارتد ثم عاد إلى الإِسلام فيعاقب بها بعد عودته إلى الإِسلام، أما العقوبات التي لا تجب مع الكفر ابتداءً فإذا ارتكب مسلم موجب عقوبة منها ثم ارتد ثم عاد للإسلام فتسقط عنه عقوبتها للمنافي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصاب المسلم مالاً أو شيئاً يجب به القصاص أو حداً أقرَّ به ثم ارتد، والعياذ بالله تعالى. أو أصابه وهو مرتد في دار الإِسلام ثم لحق بدار الحرب وحارب المسلمين زماناً ثم جاء تائباً فهو مأخوذ بذلك كله. لأن كونه محارباً للمسلمين لا ينافي وجوب هذه الحقوق باكتساب أسبابها في دار الإِسلام. ولو أصاب ذلك بعد ما لحق بدار الحرب مرتداً، أو أصاب وهو مسلم حداً من حدود الله كالزنا أو السرقة أو قطع الطريق ثم ارتد أو أصابه بعد الردة، ثم لحق بدار الحرب ثم جاء تائباً فذلك كله موضوع عنه، لأن ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير صـ 2012 - 2014 بتصرف جـ 5.

كونه حربياً يمنع وجوب الحدود التي هي لله تعالى بإرتكاب سببها في دار الإِسلام كما في حق المستأمن فيمنع البقاء - إذا اعترض أيضاً - إلا أنه يضمن المال في السرقة أو أصاب دماً في قطع الطريق فعليه القصاص، لأن ما كان فيه حق العباد فهو مأخوذ به.

القاعدة: الثانية والخمسون بعد الأربعمئة [الصحيح]

القاعدة: الثانية والخمسون بعد الأربعمئة [الصحيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما مبناه على كلام صحيح يكون صحيحاً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن المتكلم إنما يريد بكلامه غرضاً صحيحاً وإلا كان عبثاً والعاقل لا يعبث، فالصحة مقصود كل متكلم. فمهما أمكن حمل كلام المتكلم على وجه صحيح يجب حمله عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص لآخر: لك عليَّ ألف درهم، حُمل كلامه على الإقرار فيصح ولا يحمل على الالتزام ابتداءً، لأنه إذا حمل عليه لم يصح، لأن الالتزام لا بد له من سبب يعلق به عند التكلم. ومنها: إذا كفل رجل رجلاً وقال للمكفول له: إن لم أُوافك به غداً فعليَّ ألف درهم، ولم يقل التي لك. فإذا مضى الغد ولم يواف به - وفلان ينكر أن يكون عليه شيء، والطالب يدعي عليه ألف درهم، والكفيل ينكر أن يكون له عليه شيء. فالمال لازم على الكفيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، حملاً لكلامه على الصحة فكأنه قال: إن لم أُوافِ به فعليَّ مالك عليه وهو ألف درهم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي ج 19 صـ 178.

القاعدة: الثالثة والخمسون بعد الأربعمئة [العموم والخصوص]

القاعدة: الثالثة والخمسون بعد الأربعمئة [العموم والخصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: أن ما يتناوله اللفظ من طريق العموم ليس كما يتناوله اللفظ من طريق النص والخصوص (¬1) ". خلافاً لهما [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الألفاظ إما أن ترد على طريق العموم والشمول بأحد ألفاظ العموم، وإما أن ترد على طريق التنصيص والتخصيص، فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن تناول اللفظ لما يتناوله عن طريق العموم ليس كالذي يتناوله ويدل عليه عن طريق الخصوص، فلاختلاف الأسلوب تختلف الأحكام. وأما عند صاحبيه فإن ما يتناوله اللفظ ويدل عليه عن طريق العموم فهو كما يتناوله ويدل عليه من طريق النص والخصوص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لإنسان ثلاثة من العبيد فقال: أنتم أحرار إلا سالماً، فإنه يصح الاستثناء فيعتقون غير سالم فلا يعتق. وأما إذا قال: سالم حر، بزيع حر ومبارك حر إلا سالماً فإنه لا يصح إخراجه، لأنه نص على حريته. ومنها: أن الرجل إذا أوجب على نفسه المشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام، فعند أبي حنيفة لا يلزمه شيء، لأن ما يتناوله العموم لا يجعل كالمخصَّص، فبيت الله تعالى يدخل في الحرم عموماً فليس كما يتناوله نصاً، وعندهما يلزمه إما عمرة وإما حجة ويجعل كالمخصص به، لأن البيت يدخل في الحرم ذكراً عاماً فصار كذكره إلى بيت الله تعالى نصاً وخصوصاً. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 13.

القاعدة: الرابعة والخمسون بعد الأربعمئة [التعليق بالشرط]

القاعدة: الرابعة والخمسون بعد الأربعمئة [التعليق بالشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق والظهار يجوز إضافته إلى الملك عم أو خصَّ (¬1) " [عند الحنفية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعليق بالشرط معناه: ربط وقوع أمر بوقوع أمر آخر بصيغة الشرط المصدرة بإنْ أو إحدى أخواتها. وليست كل الأفعال تحتمل التعليق بالشرط ولكن مما يحتمل التعليق بالشرط الطلاق والعتاق والظهار. فما كان يحتمل التعليق بالشرط يجوز إضافته إلى الملك على سبيل العموم أو الخصوص وهذا عند الحنفية خلافاً للشافعي رحمه الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً فهو كما قال: يقع عليها ثلاث تطليقات كلما تزوج بها، لأن كلمة - كلما - تقتضي نزول الجزاء بتكرار الشرط. هذا عند الحنفية، وأما عند الشافعي رحمه الله تعالى فلا يصح ذلك ولا تطلق إذا تزوجها لأن الله سبحانه شرع الطلاق بعد النكاح فلا طلاق قبله (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 6 صـ 96 باب الطلاق. (¬2) ينظر الأم للإمام الشافعي جـ 5 صـ 232 فما بعدها.

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الأربعمئة [الاستدامة، الدوام]

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الأربعمئة [الاستدامة، الدوام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن ما يستدام فإنه يعطى لاستدامته حكم إنشائه (¬1) ". وفي لفظ: "الاستدامة فيما يستدام له حكم الإنشاء (¬2). عند الشافعي رحمه الله. وفي لفظ: "الاستدامة فيما يستدام كالإنشاء (¬3) ". وفي لفظ: "استدامة اليد كإنشائها (¬4) ". وفي لفظ: "الدوام على الشيء هل هو كابتدائه أم لا؟ (¬5). وتأتي في حرف الدال إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: "دوام المحلوف عليه والمعلق به قد ينزل منزلة ابتدائه (¬6) ". وتأتي في حرف الدال إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد باختلاف ألفاظها تفيد معنى متحداً وهو أن الاستمرار والبقاء على الأمر الذي يستمر ويدوم يعتبر كالابتداء به وإنشائه فيأخذ بالدوام عليه حكم ابتدائه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 56. (¬2) نفس المصدر صـ 116. (¬3) السير الكبير جـ 1 صـ 129. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 58. (¬5) قواعد الونشريسي - إيضاح المسالك - القاعدة الثانية عشرة. (¬6) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 421.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف ليخرجن من هذه الدار ثم مكث فيها مدة كان بإمكانه الخروج منها فيها، يحنث في يمينه، لأن دوامه في الدار وعدم خروجه كأنه إنشاء للبقاء فيها. ومنها: إذا غصب إنسان مالاً لآخر وزاد في يده زيادة متصلة فالغاصب ضامن للمغصوب وزيادته إذا هلك المغصوب في يده، لأن سبب الضمان إثبات اليد العادية، واليد مستدام فكأنه أنشأ الغصب بعد وجود الزيادة. ومنها: من استعمل الوديعة ثم ردها - كما هي - فهو غير ضامن لبقاء عقد الوديعة - وإن كان آثماً باستعمالها - لكن في زمن استعمال الوديعة هو ضامن لها لو تلفت.

القاعدة: السادسة والخمسون بعد الأربعمئة [أهل الذمة]

القاعدة: السادسة والخمسون بعد الأربعمئة [أهل الذمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن ما يعتقده أهل الذمة ويدَّيَّنَونه يتركون عليه، وعندهما لا يتركون (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أهل الذمة: هم أهل العهد من اليهود والنصارى وأشباههم الذين رضوا أن يخضعوا لحكم الإِسلام ويدفعوا الجزية، ورضي المسلمون إبقاءَهم على أديانهم. فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن هؤلاء يتركون على ما يعتقدونه ويدَّيَّنون به. ولو كان مخالفاً لما عليه أهل الإِسلام، لأنا أُمرنا بتركهم وما يدينون ما دام قد رضوا أن يخضعوا لحكم الإِسلام ويدفعوا الجزية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الذمي إذا تزوج امرأة ذمية في عهدة زوج ذمي يتركان عند أبي حنيفة - إن كان ذلك جائزاً في دينهم - وعند صاحبيه يُفرق بينهما. ومنها: إذا تزوج الذمي ذات رحم محرم منه، لا يفرق بينهما ما لم يترافعا إلى حاكم المسلمين عنده. وعندهما إذا رفع أحدهما يفرق بينهما. ومنها: إذا تزوج ذمية على أن لا مهر لها، جاز العقد عنده ولا مهر لها وإن أسلما. وعندهما يجب لها مهر مثلها إذا أسلما. وإن طلقها قبل الدخول وجب لها المتعة. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 19، ط جديدة صـ 31 - 32.

القاعدة: السابعة والخمسون بعد الأربعمئة [كل]

القاعدة: السابعة والخمسون بعد الأربعمئة [كل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة أنه متى أضاف كلمة "كلَّ" إلى ما لا يعلم منتهاه فإنما يتناول أدناه وهو الواحد. والأصل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا أضاف كلمة "كل" إلى ما يعلم جملته بالإشارة فالعقد يتناول الكل (¬1) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: معنى لفظ "كل" في اللغة: اسم مجموع المعنى ولفظه واحد. وفي الاصطلاح: ما يتركب من أجزاء، وقيل: الكل اسم لجملة مركبة من أجزاء محصورة، وكلمة كل عام تقتضي عموم الأسماء وهي الإحاطة على سبيل الانفراد (¬2)، فيقال: كل حضر، وكلٌ حضروا (¬3). ولفظ كل ملازم للإضافة فلا تدخله أل في الصحيح. فمعنى القاعدة أنه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن كلمة كل إذا أُضيفت إلى ما لا يعلم منتهاه ولا غايته ولا عدده أنه يجوز البيع في الواحد منه فقط ولا يصح فيما سواه للجهالة. وعند صاحبيه إذا أشار البائع إلى ما يعلم جملته بالإشارة إليه فالعقد يتناول الكل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 13 صـ 5 (¬2) التعريفات للجرجاني صـ 195. (¬3) مختار الصحاح مادة كلل.

إذا قال: بعتك كل صاع من هذه الصبرة أو هذا الطعام أو كل شاة من هذا القطيع بدينار - مثلاً - فعند أبي حنيفة لا يصح البيع إلا في صاع واحد وشاة واحدة، وأما عند صاحبيه فالعقد يتناول الجميع وهو الراجح إن شاء الله تعالى.

القاعدة: الثامنة والخمسون بعد الأربعمئة [تعلق الحكمين]

القاعدة: الثامنة والخمسون بعد الأربعمئة [تعلق الحكمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية أنه متى تعلق بالأصل حكمان متفق عليهما ثم عُدِم أحدها لا يعدم الآخر في نوع من فروعه، وجاز أن يتعلق به أحد الحكمين مع عدم صاحبه. وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجوز أن يتعلق به الحكم الآخر مع عدم أحدهما، فيُجعل أحد الحكمين كالشاهد للآخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تعني هذه القاعدة أن الأمر المستقر عليه عند الحنفية، أن الشيء إذا تعلق بوجوده حكمان وهذان الحكمان متفق عليهما، ثم عُدِمَ أحد الحكمين في نوع منه متفرع عليه أن الحكم الآخر لا يعدم ويجوز أن يتعلق بهذا الفرع أحد الحكمين مع انتفاء وعدم الحكم الآخر. فكأن الحكمين مستقل أحدهما عن الآخر فلا يعدم أحدهما إذا عدم الآخر. وخالف الشافعي رضي الله عنه في ذلك فلم يجز أن يتعلق بهذا الفرع أحد الحُكمين مع الآخر، إذا أنه رضي الله عنه جعل أحد الحكمين كالشاهد للآخر لعدم استقلالية أحد الحكمين عن الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الوطء في النكاح - وهذا أصل - يوجب حكمين بحرمة المصاهرة هما: الحرمة المؤقتة كحرمة زواج أخت الزوجة أو عمتها أو ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 91 وصـ 136 ط جديدة.

خالتها عليها. ويوجب أيضاً حرمة مؤبدة كحرمة أم منكوحته وابنتها. فإذا وطيء زنا: فعند الحنفية يوجب هذا الوطء كذلك حرمة المصاهرة وإن عدمت فيه الحرمة المؤقتة إذ يحرم على الزاني أم المزني بها وابنتها. وأما عند الشافعي رحمه الله فالزنا لا يوجب الحرمة المؤبدة لأنه لا يوجب الحرمة المؤقتة، فلما انعدمت إحدى الحرمتين انعدمت الثانية عنده فلذلك فهو يجيز للرجل نكاح ابنة امرأة زنا بها ونكاح أمها (¬1). ومنها: أن الحنفية يجيزون ولاية الأخ والعم على الصغير والصغيرة في النكاح عند عدم الأب - مع أنهما لا ولاية لهما على المال - بخلاف الأب الذي له ولاية على المال والنفس - فأبقى لهما الحنفية الولاية على النفس مع انعدام ولايتهما على المال. وأما عند الشافعي رضي الله عنه فلما عدمت الولاية على المال عدمت الولاية في النفس (¬2). فلا يجيز ولاية الأخ والعم على الصغير والصغيرة في النكاح على الرغم من انعدام الأب. ¬

_ (¬1) ينظر الأم جـ 5 صـ 136 فما بعدها. (¬2) ينظر الأم جـ 5 صـ 151 فما بعدها.

القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الأربعمئة [الوضوء - الموالاة]

القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الأربعمئة [الوضوء - الموالاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية: أنه متى حصل غسل الأركان المنصوص عليها في القرآن بماء طاهر من غير حدث يتخلل بينها أجزأه، وإن جف العضو الذي غسله أولاً. وعند مالك لا يجوز. ومن توضأ ولم ينو بوضوئه الصلاة أو قربة أو عبادة أجزأته الصلاة به، وعند الإِمام أبي عبد الله لا تجزيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ينبني عليها حكمان شرعيان يتعلقان بالوضوء وقد اختلف فيهما. الأول: هل الموالاة واجبة في الوضوء؟ والمراد بالموالاة تتابع غسل أعضاء الوضوء إلى نهايته دون فاصل أو توقف أو انتظار بين غسل عضو وعضو. الثاني: نيَّة الوضوء للقربة أو إزالة الحدث هل هي شرط لصحة الصلاة به؟. عند الحنفية إن الموالاة ليست واجبة في الوضوء فمتى حصل غسل الأركان المنصوص عليها في كتاب الله بماء طاهر من غير مناف للطهارة جاز الوضوء وصح به كل ما يحتاج للوضوء وإن جف عضو قبل غسل ما بعده. والآية التي استدل بها الحنفية هي قوله تعالى: ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 89 وصـ 133 ط جديدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (¬1). وعندهم أيضاً أن نية الوضوء والغسل ليست بشرط في صحتهما فمن توضأ أو اغتسل بماء طاهر ولم ينو بوضوئه أو غسله إزالة الحدث أو القربة أو العبادة أجزأه ذلك وجاز أن يصلي بوضوئه هذا. وأما عند غير الحنفية فلا يجزيه وضوء ولا غسل بغير نية القربة أو رفع الحدث (¬2). وأما الموالاة: فعند مالك رضي الله عنه تجب الموالاة إلا من عذر (¬3). وعند الشافعي رضي الله عنه تستحب الموالاة إلا من عذر، وقال: وإن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفاً أنه قد أخذ في عملٍ غيره فأَحب إليَّ أن يسأنف، فإن أتم ما بقي أجزأه (¬4). وأما عند أحمد رضي الله عنه فالموالاة فرض من فروض الوضوء على أحدى الروايتين والثانية أنها لا تجب (¬5). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخف ثم غسل رجله الثانية وأدخلها الخف جاز له المسح على الخفين إذا أحدث بعد ذلك، لأن هذه الأعضاء المأمور بغسلها قد غُسلت فحصلت لها صفة الطهارة. هذا عند ¬

_ (¬1) الآية 6 من سورة المائدة. (¬2) ينظر الكافي جـ 1 صـ 164، والأم جـ 1 صـ 25، والمقنع جـ 1 صـ 37 - 38. (¬3) ينظر الكافي جـ 1 صـ 164. (¬4) الأم جـ 1 صـ 27. (¬5) المقنع جـ صـ 37 - 38.

الحنفية وخلاف المشهور من مذهب مالك رضي الله عنه (¬1). وأما عند الشافعي رضي الله عنه فلا يحل للمتوضيء المسح على الخفين إلا بعد إدخال القدمين في الخفين على طهارة كاملة تحل بها الصلاة. فمن غسل أحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الثانية وأدخلها الخف فلا يجوز له المسح على الخف إذا أحدث بعد ذلك، لأنه لم يدخل رجليه الخفين بعد طهارة كاملة (¬2). وعند أحمد رضي الله عنه روايتان والمشهورة أنه لا يجوز له المسح على الخفين إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة (¬3). ¬

_ (¬1) الكافي جـ 1 صـ 176. (¬2) الأم جـ 1 صـ 28. (¬3) المحرر جـ 1 صـ 12.

القاعدة: الستون بعد الأربعمئة [صحة العقد وفساده]

القاعدة: الستون بعد الأربعمئة [صحة العقد وفساده] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الأصل أن المتعاقدين إذا صرحا بجهة الصحة صح العقد، وإذا صرحا بجهة الفساد فسد، وإذا أبهما صرف إلى الصحة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تصرفات المسلمين محمولة على الصحة والسداد ما أمكن - كما سبق بيانه - والعقود التي يعقدها المكلفون الأصل فيها الصحة، ولذلك إذا تعاقد رجلان عقداً فإذا صرحا بجهة يصح بها العقد كان العقد صحيحاً، وإن صرحا بجهة يفسد بها العقد كان العقد فاسداً. وإن أبهما ولم يصرحا بشيء فينصرف العقد إلى جهة الصحة ما أمكن لأنها الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من باع قلب فضة أو ذهب وزنها عشرة وثوباً قيمته عشرة بعشرين درهماً أو ديناراً على أن عشرة منها مؤجلة إلى شهر أو إلى سنة، فإن صرحا بأن العشرة المؤجلة هي ثمن الثوب والعشرة المنقودة هي ثمن القلب صح العقد، لأن عقد الصرف تم صحيحاً لوجود التقابض في المجلس، وأما إن صرحا بأن العشرة المؤجلة ثمن القلب فسد العقد لفساد المصارفة؛ لأن الشرط في صحة عقد الصرف تسليم البدلين في الحال يداً بيد. وإن أبهما ولم يصرحا بشيء فتجعل العشرة المنقودة ثمن القلب والعشرة المؤجلة ثمن الثوب حملاً على الصحة لأنها الأصل. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 113 مع تأسيس النظر.

القاعدة: الحادية والستون بعد الأربعمئة [النسك].

القاعدة: الحادية والستون بعد الأربعمئة [النسك]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن المحرم إذا أخَّر النُّسك عن الوقت الموقت له أو قدمه لزمه دم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يجب ترتيب الأنساك في الحج فلا يجوز أن يُقدِّم نُسُكاً على نُسُك أو يُؤخره عنه، فالوقوف ثم المبيت بمزدلفة ثم رمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق أو التقصير. فمن قدَّم شيئاً من هذه الأنساك أو أخره يلزمه الفداء، لأنه اعتبر التقديم والتأخير محظوراً. وهذا بخلاف صاحبيه وباقي الأئمة حيث لا يوجبون بالتقديم أو التأخير دماً لورود الأخبار بجواز ذلك (¬2). إلا أنه عند مالك رحمه الله إذا حلق قبل الرمي فعليه الفدية (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن من أخر طواف الإفاضة حتى مضت أيام النحر لزمه دم عند أبي حنيفة لأنه أخر النسك عن الوقت الموقت له، وكذلك إذا أخر المحرم الحلق عن أيام النحر، وعندهما لا شيء عليه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 8. (¬2) الأخبار عن عبد الله بن عمرو، وعن علي، وعن ابن عباس رضي الله عنهم عند البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة. ينظر منتقى الأخبار جـ 2 صـ 279 الأحاديث من 2623 - 2630. (¬3) الكافي لابن عبد البر جـ 1 صـ 374.

القاعدة: الثانية والستون بعد الأربعمئة [المضمونات]

القاعدة: الثانية والستون بعد الأربعمئة [المضمونات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الحنفية: أن المضمونات تملك بالضمان السابق ويستند الملك فيها إلى وقت وجوب الضمان إذا كان المملوك مما يجب تملكه بالتراضي. وعند الإِمام القرشي أبي عبد الله الشافعي رضي الله عنه: المضمونات لا تملك بالضمان (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة أن الأصل المستقر عند الحنفية أن من ضمن شيئاً بسبب الغصب أو الإتلاف فإنه يملكه ويستند ملكه لهذا الشيء إلى وقت وجوب الضمان عليه إذا كان ما ضمنه مما لا يجوز أن يملكه إلا بالتراضي. فهذا وجد التراضي بعد وجوب الضمان فقد ملك الغاصب أو المتلِف المضمون من وقت الغصب أو وقت الإتلاف لأنه وقت وجوب الضمان عليه. عند الإمام الشافعي رضي الله عنه فإن المضمونات لا تملك بالضمان بل لا يجوز تملكها إلا بالتراضي في عقد مشروع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب إنسان شيئاً فهو ضامن لما غصب من يوم غصبه، فإذا ضمن الغاصب قيمة المغصوب للمغصوب منه وأدَّى له قيمته وكان قد ادعى استهلاك المغصوب أو هلاكه ثم ظهر المغصوب فعند الحنفية يعتبر ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 76، صـ 115 ط جديدة.

الغاصب مالكاً لما غصبه من يوم غصبه ولا حق للمغصوب منه في رد ما أخذ والمطالبة برد المغصوب. وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه لا يكون للغاصب ملك المغصوب ولو ضمنه وأدى قيمته وللمغصوب منه رد القيمة وأخذ المغصوب من الغاصب لأن الغاصب لا يملك المغصوب (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر رأي الشافعي رضي الله عنه في الأم جـ 3 صـ 218 فما بعدها.

القاعدة: الثالثة والستون بعد الأربعمئة [المطالبة بالحق]

القاعدة: الثالثة والستون بعد الأربعمئة [المطالبة بالحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل مذهب مالك أن المطالبة بحق العبد تقدم على المطالبة بحق الله عَزَّ وَجَلَّ لافتقار العبد إلى حقه واستغناء الحق عن كل شيء (¬1). وهو كذلك عند الحنفية (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه إذا تعارض حقان حق العبد وحق الله تعالى فتقدم المطالبة بحق العبد على المطالبة بحق الله تعالى، لأن العبد فقير إلى حقه، والله سبحانه وتعالى غني عن كل شيء ولأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اجتمع في تركة دين لإنسان وزكاة - والتركة لا تسعهما - قدِّم دين الإنسان، لأنه حق للعبد خاصة، والزكاة حق الله عَزَّ وَجَلَّ فيها أظهر. وكذلك اجتماع الكفارة ودين الأدمي. ففي مثل هذه المسائل مما هو شبيه بها أقوال ثلاثة عند الشافعية (¬3). ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة السادسة والسبعون بعد المئتين جـ 2 صـ 513. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 392. (¬3) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 492، والمنثور للزركشي جـ 2 صـ 54 - 67. وأشباه السيوطي صـ 335.

القاعدة: الرابعة والستون بعد الأربعمئة [الاستعجال]

القاعدة: الرابعة والستون بعد الأربعمئة [الاستعجال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل المعاملة بنقيض المقصود الفاسد (¬1) ". وفي لفظ: "من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من استعجل الشيء قبل أوانه يعاقب بحرمانه (¬3) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "المعارضة بنقيض المقصود (¬4) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه (¬5) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من أتى بسبب يفيد الملك أو الحل أو يسقط الواجبات على وجه محرم - وكان مما تدعو النفوس إليه - ألغى ذلك السبب وصار وجوده كالعدم ولم يترتب عليه ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 صـ 416، قواعد الونشريسي القاعدة الثانية والثمانون صـ 315. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 159، ومجلة الأحكام المادة 99. (¬3) إيضاح المسالك صـ 320 تابع القاعدة الثانية والثمانين. (¬4) المنثور للزركشي جـ 3 صـ 183. (¬5) أشباه السيوطي صـ 152.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

أحكامه (¬1) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من تعجل حقه أو ما أُبيح له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه (¬2) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده (¬3) ". وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد مهما اختلفت ألفاظها فهي تفيدنا معنىً متحداً - دليلاً على الاتفاق عليها بين الجميع - فإن مَن يتوسل بالوسائل غير المشروعة تعجلاً منه للحصول على مقصوده المستحق له فإن الشرع عامله بضد مقصوده فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله. وهذه القواعد تمثل جانباً من جوانب السياسة في القمع وسد الذرائع (3). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من قتل مورثه حُرِم الميراث. وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً - بغير رضاها - في مرض موته قاصداً حرمانها من الميراث ومات وهي في العدة ترثه. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثانية بعد المائة. (¬2) درر الحكام جـ 1 صـ 87 عن الكفاية. والوجيز مع الشرح والبيان صـ 95. (¬3) المدخل الفقهي فقرة 630

القاعدة: الخامسة والستون بعد الأربعمئة [حكم الدار]

القاعدة: الخامسة والستون بعد الأربعمئة [حكم الدار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن المعتبر في حكم الدار هو السلطان في ظهور الحكم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدار داران: دار إسلام وإيمان، ودار حرب وشرك، والذي يفرق بين دار الإِسلام ودار الحرب هو السلطان الذي يظهر حكم الله في الأرض، فدار الإِسلام هي الدار التي يظهر فيها حكم الإسلام ويقام فيها شرع الله. ودار الحرب بخلاف ذلك أي هي التي لا يظهر حكم الله فيها ولا يقام فيها شرعه ولو كان سكانها مسلمين. ودار الموادعة هي دار حرب، وادع المسلمون أهلها لضعف في المسلمين فإذا قووا نبذوا إليهم عهدهم لأنه لا تجوز الموادعة وبالمسلمين قوة على حرب أهل الشرك. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير جـ 5 صـ 1703.

القاعدة: السادسة والستون بعد الأربعمئة [التعليق بالشرط]

القاعدة: السادسة والستون بعد الأربعمئة [التعليق بالشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن المعلق بالشرط عند وجوده كالمنجز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالشرط هنا الشرط اللغوي المصدر بإنْ أو أحدى أخواتها. فمتى علِّق أمر بشرط ثم وجد الشرط فالمعلق بالشرط ينفذ ويأخذ حكمه كما لو كان منجزاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال إنسان لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق. فإن دخلت الدار وقع عليها الطلاق بمجرد دخولها، فكأنه أوقع عليها الطلاق، عند دخول الدار. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 97.

القاعدة: السابعة والستون بعد الأربعمئة [مقارنة النية]

القاعدة: السابعة والستون بعد الأربعمئة [مقارنة النية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل مقارنة النية للفعل إلاَّ أن يتعذر أو يتعسر فتتقدم ولا تتأخر (¬1) ". [تحت قاعدة النية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى وقت النية فتفيد أن النيَّة إنما تجب عند بدء الفعل فهي مقارنة للشروع فيه ولكن إذا تعذر ذلك أو تعسر وشُق على المكلف، فيجوز أن تتقدم النيَّة عن الشروع في الفعل بالزمن اليسير، ولا يجوز تأخر النيَّة عن الشروع في الفعل ويمتنع ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة تجب فيها النيَّة مقارنة لتكبيرة الإحرام، ولا يجوز تأخرها عنها عند الجميع. وأجاز بعضهم تقدمها بزمن يسير. ولكن بالنسبة للصوم وتعذر أو تعسُّر معرفة أول وقته وهو طلوع الفجر جاز أن تتقدم نيته على الشروع فيه بل أوجب الأكثرون تبييت النية في الصوم الواجب. وكذلك يجوز تقديم نيَّة الأضحية على الذبح، والزكاة على التسليم للمستحقين، والحج والعمرة قبل البدء بالطواف، عند الإحرام. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الخامسة عشرة بعد الثلاثمئة جـ 2 صـ 546. والأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 58، وأشباه السيوطي صـ 24، وأشباه ابن نجيم صـ 42، والمنثور للزركشي جـ 3 صـ 293.

القاعدة: الثامنة والستون بعد الأربعمئة [ملك المرتد]

القاعدة: الثامنة والستون بعد الأربعمئة [ملك المرتد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: أن ملك المرتد يزول بنفس الردة زوالاً موقوفاً، وعند الصاحبين والشافعي رحمهم الله تعالى. ما لم يقض القاضي بلحوقة بدار الحرب لا يزول (¬1). ومالك كأبي حنيفة (¬2)، وعند أحمد روايتان في زواله وفي وقت زواله (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرتد: هو من كفر بعد إيمانه والعياذ بالله تعالى. فإذا ارتد إنسان وله مال فهو لا يرث ولا يورث في أصح الأقوال. وللعلماء في ماله أقوال: فعند أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما إن ماله موقوف - حيث إن ملكية ماله تزول زوالاً موقوفاً - فإن أسلم دفع إليه وإن مات صار ماله فيئاً لبيت المال. وعند أبي يوسف ومحمد بن الحسن ومحمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنهم لا يزول ملك المرتد عن ماله إلا إذا قضى القاضي بلحوقه بدار الحرب. وأما عند أحمد بن حنبل رحمه الله ففي زوال ملك المرتد عن ماله روايتان، كما أن وقت زوال ملكه مختلف فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 30 وصـ 48 ط جديدة. (¬2) الكافي جـ 2 ص 1089 فما بعدها. (¬3) قواعد ابن رجب المسألة السادسة عشرة صـ 442، والمغني جـ 9 صـ 162.

إذا قتل المرتد إنساناً خطأ وله مال اكتسبه في حال إسلامه ومال اكتسبه في حال ردته، فعلى قول أبي حنيفة بناءً على هذه القاعدة تجب الدية في المال الذي اكتسبه في حال ردته، لأن المال الذي اكتسبه في حال إسلامه زال ملكه عنه بردته إلى ورثته. وعندهما والشافعي يجب في المالين جميعاً. وعند أحمد رحمه الله تجب في ماله (¬1) بناءً على الرواية الأولى بعدم زوال ملكه بردته. ¬

_ (¬1) المغني جـ 12 صـ 284.

القاعدة: التاسعة والستون بعد الأربعمئة [البيان والتثبت والإخبار]

القاعدة: التاسعة والستون بعد الأربعمئة [البيان والتثبت والإخبار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه: أن مَنْ أخبر بخبر ولصدق خبره علامة، لا يقبل قوله إلاَّ ببيان تلك العلامة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة وجوب التثبت عند سماع الأخبار التي تحتمل الصدق إذا كان للصدق علامة يعرف بها، فلا يقبل قول المخبر إلا ببيان العلامة التي تدل على صدقه وإلا لم يقبل قوله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من ادَّعى على آخر شجة فإنه يؤمر بإظهار تلك الشجة لأن لها علامة بيِّنة. ومنها: أن ولي الصغير أو الصغيرة إذا أخبر بنكاح سابق لا يقبل قوله عند أبي حنيفة رضي الله عنه إلاَّ بالبيِّنة، لأن لصدق خبره علامة وهي البيِّنة، ولا يقبل قوله ما لم تثبت تلك العلامة. وعند صاحبيه والشافعي رضي الله عنهم يقبل قوله من غير بيِّنة، وقول أبي حنيفة أحوط. ومنها: إذا شهد شاهدان على رجل بشرب الخمر لا تقبل شهادتهما - عنده - ما لم يوجد منه رائحة الخمر، لأن لصدق خبرهما علامة، وعند محمَّد والشافعي رحمهما الله يقبل قولهما ويحد الشارب. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 20.

القاعدة: السبعون بعد الأربعمئة [الإهلال بالحج]

القاعدة: السبعون بعد الأربعمئة [الإهلال بالحج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن مَن أَهلَّ بحج في غير أشهره - وهو من أهل الإهلال - لزمه ما أهل به، ولم يلزمه غير ما أهل به، كما لو أهلَّ به في أشهر الحج. وعند الإِمام الشافعي ينقلب عمرة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الإهلال: رفع الصوت بالتلبية عند الإحرام بحج أو عمرة. وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. فمن أحرم بالحج في غير أشهره في رمضان مثلاً - عند الحنفية ومالك (¬2) وأحمد (¬3) رضي الله عنهم يلزمه ما أهل به ويبقى على إحرامه حتى يتم حجه ولا يلزمه غير ذلك. وأما الإمام الشافعي رضي الله عنه فإن إحرامه بالحج في غير أشهره لا يلزمه بل ينقلب إحراماً وإهلالاً بعمرة يؤديها ويتحلل (¬4) لأن عنده لا يجوز الإحرام بالحج في غير أشهره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قُدّم إحرام الحج على أشهر الحج لزمه الحج الذي أهل به ولا ينقلب عمرة عند الجميع عدا الإمام الشافعي حسب ينقلب إحرامه للعمرة ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 80 وصـ 121 ط جديدة. (¬2) ينظر الكافي جـ 1 صـ 357. (¬3) ينظر المقنع جـ 1 صـ 396. (¬4) ينظر الأم جـ 2 صـ 132.

فيؤديها ويتحلل. ومنها: إذا أهل بحجتين معاً لزمتاه جميعاً عند أبي حنيفة، وعند الإمام الشافعي لا تلزمه إلا واحدة (¬1) ¬

_ (¬1) ينظر الأم جـ 2 صـ 116.

القاعدة: الحادية والسبعون بعد الأربعمئة [الكفارة]

القاعدة: الحادية والسبعون بعد الأربعمئة [الكفارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية: أن من حرر رقبة - ولم يكن فيها شعبة من الحرية - ولم يفت منها منفعة كاملة على غير عوض - عن كفارة يمينه أو ظهاره - ولم يكن أدَّى شيئاً - أجزأه. وعند أبي عبد الله الشافعي لا يجزئه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الراجح عند الحنفية أنه يجوز في كفارة اليمين أو الظهار تحرير رقبة وإعتاقها إذا خلت من أشياء: الأول: أن لا يكون فيها شعبة من الحرية، فلا يجوز التكفير بالمبعض. الثاني: أن لا يفوت من الرقبة منفعة كاملة على غير عوض. والثالث: أن لا يكون المكفّر أدَّى شيئاً من غير العتق كالإطعام أو الكسوة أو الصيام. وعند غير الحنفية اتفاق على عدم جواز عتق الرقبة الكافرة في القتل وغيره إلا في رواية عن أحمد في غير القتل وفي باقي الشروط اتفاق واختلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن وجب عليه كفارة يمين أو ظهار فعند الحنفية يجوز إعتاق رقبة كافرة بشروطها. وأما عند غيرهم فلا يجوز في كفارة القتل وغيره إلا رقبة مؤمنة بشروطها كذلك. وإلا رواية عن أحمد رحمه الله في غير كفارة القتل كالحنفية (¬2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 87، وصـ 130 ط جديدة. (¬2) ينظر المقنع مع حاشيته جـ 3 صـ 247 فما بعدها.

القاعدة: الثانية والسبعون بعد الأربعمئة [المنافع]

القاعدة: الثانية والسبعون بعد الأربعمئة [المنافع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند الإِمام القرشي أبي عبد الله محمَّد بن إدريس الشافعي قدس الله روحه ونور ضريحه: أن المنافع بمنزلة الأعيان القائمة. وعند الحنفية بمنزلة الأعيان في حق جواز العقد عليها لا غير (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أحكام المنافع عند الشافعي رضي الله عنه وعند الحنفية والخلاف فيها، فالقاعدة المستقرة عند الشافعي أن المنافع بمنزلة ومرتبة الأعيان القائمة ولها أحكامها فهي صنف من البيوع (¬2)، وأما عند الحنفية فالمنافع عندهم ليس بمنزلة الأعيان في كل الأحكام وإنما في حق جواز العقد عليها فقط وهو رأي مالك (¬3) وأحمد (¬4) رضي الله عنهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن من غصب داراً فسكنها سنين أنه لا أجرة عليه، وعند الإمام الشافعي يجب عليه قيمة المنافع، وهي الأجرة كما لو غصب عيناً من الأعيان فاستهلكها ضمن قيمتها. ومنها: أن عند الشافعي رحمه الله يجوز إجارة المشاع، لأن المنافع بمنزلة الأعيان أي فكما يجوز بيع جزء المشاع يجوز إجارته، وعند الحنفية لا يجوز إجارة المشاع من الأجنبي. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 85 - 86 وصـ 128 ط جديدة. (¬2) الأم جـ 3 صـ 250 فما بعدها. (¬3) الكافي جـ 2 صـ 744. (¬4) المقنع جـ 2 صـ 195.

القاعدة: الثالثة والسبعون بعد الأربعمئة [تعلق الحكم]

القاعدة: الثالثة والسبعون بعد الأربعمئة [تعلق الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: أن مَن جَمع في كلامه بين ما يتعلق به الحكم وما لا يتعلق به الحكم، فلا عبرة لما لا يتعلق به الحكم، والعبرة لما يتعلق به الحكم والحكم يتعلق به (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن المتكلم إنما يحمل كلامه على ما يتضمن فائدة، فإذا جمع متكلم في كلامه بين شيئين: أحدهما يتعلق به الحكم الذي تضمنته عبارته ودلت عليه، والثاني: لا يتعلق به الحكم، فإنما يحمل الكلام ويعتبر معتداً به في حق ما يتعلق به الحكم صوناً لكلام العاقل عن الإلغاء، ويعتبر كأنه ما تكلم إلا بشيء واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لعبد وبهيمة أحدهما حر، أو قال: هذا العبد أو هذه الدابة حر، عتق العبد عنده نوى أو لم ينو. وعند صاحبيه لا يعتق ما لم ينو. ومنها: ما لو أوصى بثلث ماله لحي وميت فالثلث كله للحي عنده وعند الشافعي ومحمد بن الحسن رحمهم الله جميعاً سواء علم بموته أم لم يعلم. وقال أبو يوسف رحمه الله: إن علم بموته فكذلك وإن لم يعلم فللحي النصف. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 18.

القاعدة: الرابعة والسبعون بعد الأربعمئة [للأكثر حكم الكل الطواف]

القاعدة: الرابعة والسبعون بعد الأربعمئة [للأكثر حكم الكل الطواف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن من طاف من طواف الزيارة أكثر الطواف في وقت الطواف أجزأه عند الحنفية. وعند الإِمام الشافعي لا يجزئه (¬1) ". [مسألة] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه المسألة مبنية على قاعدة تقول: "إن للأكثر حكم الكل" وستأتي إن شاء الله، وبناء على ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: إن من طاف طواف الإفاضة أو طواف الزيارة - وهو طواف الركن في الحج - أكثر أشواط الطواف بأن طاف خمسة أشواط أو ستة، ولم يتمكن من الإتمام فقد تم حجه وأجزأه طوافه. ولكن عليه دم. وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره من الأئمة لا يجزئه إلاَّ تمام الطواف سبعة أشواط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من طاف للزيارة جنباً أو محدثاً حل به عند الحنفية سواء كان بعذر أم بغير عذر ولكن عليه بدنة إلا أن يعيده. وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه لا يجزيه. ومنها: إذا طاف للزيارة منكوساً - أي جعل البيت عن يمينه أجزأه عند الحنفية وعليه دم إن لم يُعِد. وأما عند الشافعي وغيره من الفقهاء فلا يجزيه (¬2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 82 وصـ 123 ط جديدة. (¬2) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 1 صـ 445.

القاعدة: الخامسة والسبعون بعد الأربعمئة [الالتزام]

القاعدة: الخامسة والسبعون بعد الأربعمئة [الالتزام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن من التزم شيئاً وله شرط لنفوذه فإن الذي هو شرط لنفوذ الآخر يكون في الحكم سابقاً، والثاني لاحقاً. والسابق يلزم للصحة والجواز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصولية فقهية حيث إنها تشير إلى مقدمة الواجب المعروفة عند الأصوليين بقولهم: "ما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب". فمن التزم شيئاً وتعهد بعمل شيء وهذا العمل يترتب على شرط لكي يصح وينفذ فما يكون شرطاً يجب تحققه قبل مشروطه، لأن الشرط لازم لصحة العمل المشروط ونفوذه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من التزم أن يصلي أو يعتمر أو يحج كان ذلك التزاماً منه بالطهارة للصلاة وبالإحرام للعمرة أو الحج، كمن التزم أن يصعد سطحاً فهو التزام منه بوضع السلم للصعود. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 112 على تأسيس النظر.

القاعدة: السادسة والسبعون بعد الأربعمئة [الملك - التفويض]

القاعدة: السادسة والسبعون بعد الأربعمئة [الملك - التفويض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند ابن أبي ليلى (¬1): أن مَنْ ملك شيئاً نفسه ملك تفويضه إلى غيره. وعند الحنفية يجوز أن يملك في بعض المواضع ولا يملك في بعضها (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة متفقٌ على مضمونها عند الجميع وهي معقولة المعنى من حيث، إن الذي يملك شيئاً بنفسه ويقدر على التصرف فيه بقوة الملك فهو قادر أيضاً على تفويضه لغيره وتوكيله به. ولكن الحنفية يرون أن من ملك شيئاً بنفسه لا يملك دائماً تفويضه إلي غيره، بل قد يملك ذلك في بعض المواضع ولا يملك ذلك في مواضع أخرى. ولكن عند النظر في الأمثلة التي ذكرها الحنفية استدلالاً لرأيهم نرى أن الموضع الذي لا يملك الإنسان منه تفويض ما يملكه إلى غيره إنما كان ذلك كذلك لأن الملك ليس خالصاً له في ذلك الموضع حيث تعلق به حق غيره، ولهذا التعلق قد لا يملك تفويضه إلى غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) ابن أبي ليلى هو محمَّد بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن الأنصاري الكوفي العلامة الإمام مفتي الكوفة وقاضيها، ولد سنة نيف وسبعين، أخذ عن الشعبي ونافع وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وكان نظيراً للإمام أبي حنيفة في الفقه وكان معاصراً له توفي سنة 148 هـ، سير أعلام النبلاء جـ 6 صـ 301 فما بعدها مختصراً. (¬2) تأسيس النظر صـ 68، وصـ 103 ط جديدة.

عند الحنفية أن المودع - أي الأمين - لا يملك الإيداع إلى غيره، لأن المالك رضي بحفظه هو ولم يرض بحفظ غيره، والناس متفاوتون في الحفظ. وعند ابن أبي ليلى يجوز له أن يودع إلى غيره، لأنه ملك الحفظ فيملك تفويضه إلى غيره. ومنها: مَن وكل وكيلاً بشراء شيء ليس له أن يوكل غيره إلا أن يقول له الموكل ما صنعت من شيء فهو جائز. وعند ابن أبي ليلى يجوز أن يوكل غيره. ففي هذين المثالين مصداق ما قلنا: بأن بعض المواضع التي لا يجيز فيها الحنفية تفويض ما يملكه إلي غيره إنما كان ذلك لعدم خلوص التصرف له ولتعلق حق غيره به.

القاعدة: السابعة والسبعون بعد الأربعمائة [المواعدة]

القاعدة: السابعة والسبعون بعد الأربعمائة [المواعدة] أولا: لفظ ورود القاعدة: " الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى المواعدة: مفاعلة من الوعد، ولا تكون إلا بين اثنين وهو أن يعد كل واحد منهما صاحبه. وتفيد القاعدة تحريم المواعدة بما لا يمكن وقوعه حالاً حماية للأحكام الشرعية من الانتهاك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا واعد رجل امرأة معتدة على الزواج منها صريحاً حُرِّم ذلك، أو خطبها في العدة، لأنه لا يجوز نكاح المعتدة أو خطبتها في الحال فحرُم مواعدتها على الزواج بعد انقضاء العدة، وإن جاز التعريض مثل أن يقول: إني فيك لراغب. وكذلك حُرِّم الوعد في التقابض في الصرف في وقت لا يجوز إلى وقت يجوز فيه التقابض، وكذلك المواعدة على بيع الطعام قبل قبضه (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي - إيضاح المسالك: القاعدة الخامسة والستون صـ 278. (¬2) ينظر حاشية إيضاح المسالك صـ 278 نقلاً عن شرحي الموَّاق والحطاب على متن خليل.

القاعدة: الثامنة والسبعون بعد الأربعمئة [الصدقة]

القاعدة: الثامنة والسبعون بعد الأربعمئة [الصدقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية أن من وجبت عليه الصدقة إذا تصدق على وجه يستوفي به مراد النص منه أجزأه عما وجب عليه، وعند الشافعي رحمه الله لا يجزيه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه المسألة تشير إلى مسألة من مسائل الخلاف المشهورة بين الحنفية وغيرهم وهي مسألة: هل تجزيء القيمة فيما فرضه الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم نصاً؟ وهل النظر إلى مراد النص وعلته، أو لفظه ونصه، فعند الحنفية يجوز الأمران، الأخذ بظاهر النص أو الأخذ بمراد النص وعلته؟. أما عند الشافعي رضي الله عنه فالنظر إلى النص وظاهره لا إلى علته ومراده. وهو كذلك عند الإمام أحمد بن حنبل (¬2) ومشهور مذهب مالك ابن أنس رضي الله عنهما (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجبت الزكاة في الدراهم - الذهب أو الفضة - فأدَّى بدلها حنطة أو غيرها جاز عند الحنفية, لأن مراد النص سد خلة الفقير ودفع حاجته وقد حصل، وكذلك في صدقة الفطر وكفارة اليمين وكل صدقة ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 74، وص 112 ط جديدة. (¬2) منار السبيل جـ 1 ص 203. (¬3) الكافي لابن عبد البر جـ 1 صـ 320, 331.

وجبت بإيجاب الله تعالى أو وجبت بإيجاب العبد على نفسه، فإنه يجزيه أن يعطي القيمة عند الحنفية. وأما عند الشافعي وأحمد رضي الله عنهما فلا يجوز ذلك قولاً واحداً.

القاعدة: التاسعة والسبعون بعد الأربعمئة [قضاء الصوم]

القاعدة: التاسعة والسبعون بعد الأربعمئة [قضاء الصوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند جمهور الحنفية: أن من وصل الغذاء إلى جوفه في حال لا يوصف بالنسيان لصومه كان عليه القضاء. خلافاً للشافعي (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية كما تشير هذه القاعدة - أن من وصل الغذاء - من طعام أو شراب إلى جوفه - من غير نسيان لصومه - بل عن طريق الخطأ أو الجهل أو الإكراه عليه القضاء خلافاً للشافعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تسحر الإنسان على ظن أن الفجر لم يطلع فإذا هو طالع. قالوا: إن عليه القضاء لوصول المفطر إلى جوفه في وقت الإمساك. ولكن هذا معارض بقاعدة معمول بها عند الحنفية وغيرهم ذكرها ابن نجيم وغيره وهي قاعدة - "الأصل بقاء ما كان على ما كان" ومثلوا لها بقولهم: أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه, لأن الأصل بقاء الليل. وحمل وجوب القضاء على ما إذا غلب على ظنه طلوع الفجر فأكل ثم ظهر إنه أكل بعده قضى (¬2). ومنها: النائم إذا صب الماء في حلقه كان عليه القضاء عند الحنفية غير زفر. وعند الشافعي لا قضاء عليه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر هـ 83، وصـ 125 ط جديدة. (¬2) الأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 58 وأشباه السيوطي صـ 52.

القاعدة: الثمانون بعد الأربعمئة [العقد الموقوف]

القاعدة: الثمانون بعد الأربعمئة [العقد الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن الموجود في حالة التوقف كالموجود في أصله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق ببعض أحكام العقد الموقوف وتفيد أن الموجود في حال توقف العقد أو حصول أمر في حالة التوقف، فعند إلاجازة يعتبر كأنه موجود في أصل العقد؛ لأن صحة العقد الموقوف لا تعتبر من تاريخ الإجازة وإنما يعتبر العقد صحيحاً من وقت عقد الفضولي. وهذا معنى قولهم: كالوكالة السابقة، أي في التصرف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي سلعة كبقرة ثم ولدت قبل إجازة المالك ثم أجاز المالك البيع فإن زوائد البيع تكون من حق المشتري كما لو جرى العقد والإذن عليها ابتداءً. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 114.

القاعدة: الحادية والثمانون بعد الأربعمئة [ميراث ذوي الأرحام]

القاعدة: الحادية والثمانون بعد الأربعمئة [ميراث ذوي الأرحام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي يوسف رحمه الله أن ميراث ذوي الأرحام مأخوذ من حكم العصبة في جميع الأحكام. وعند محمَّد رحمه الله يعتبر بالعصبة في بعض الأحكام، ويعتبر في بعضها بالعمة والخالة. وعند أهل التنزيل ميراث ذوي الأرحام مأخوذ من ميراث العمة والخالة في جميع الأحكام (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بميراث ذوي الأرحام، وحكم توريثهم وبم يلحقون! فهل حكمهم في التوريث حكم العصبة في جميع الأحكام، أو في بعضها، أو حكمهم حكم العمة والخالة؟ خلاف بين أصحاب أبي حنيفة. فمن هم ذوو الأرحام؟ هم القرابة غير العصبة، والعصبة هم قرابة الرجل لأبيه - وعصبة الرجل هو الذكر الذي يدلي إلى الميت - أي يتوصل به عن طريق الذكور (¬2). وأهل التنزيل: هم الفرضيون الذين ينزلون ذوي الأرحام منازل أصولهم التي بها يتصلون بالميت. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 104 - 105، وصـ 153 ط جديدة. (¬2) طلبة الطلبة لنجم الدين النسفي صـ 344، وقال في المقنع: ذوو الأرحام هم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفاً. وهم وارثون حيث لم يكن عصبة ولا ذو فرض من أهل الرد جـ 2 صـ 433.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فعند أبي يوسف وهو مذهب أبي حنيفة يرثون على ترتيب العصبات، وعند محمَّد اعتبرهم بالعصبة في بعض الأحكام وفي بعضها بالعمة والخالة. وعند أهل التنزيل ينزلون كل فريق منهم منزلة الوارث الذي يدلي به. وهو مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ترك بنت بنت وبنت أخ فبنت البنت أولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله، لأن اعتبارها بالعصبة، والإرث بالعصوبة إذا علق بجهة فتعتبر تلك الجهة ولا تسقط، فبنت البنت مثل ابن الابن فهو أولى من ابن الأخ وكذلك بنت البنت أولى من بنت الأخ. وعند أهل التنزيل بنت الأخ أولى لأن عندهم ميراث ذوي الأرحام معتبر بالعمة والخالة ثم بعدُ ذلك في أحدهما ينقل الميراث إلى الأقرب منهما، ومساواتهما في الدرجة توجب الشركة في الميراث. فمثلاً لو ترك بنت بنت عم وبنت خال. فبنت الخال أولى بالاتفاق ويُسْقِط بعدُ الدرجة ميراثَ بنت بنت العم، وينتقل الميراث إلى بنت الخال، وكذلك في ولد الولد مع ولد الأخ.

القاعدة: الثانية والثمانون بعد الأربعمئة [النسبة]

القاعدة: الثانية والثمانون بعد الأربعمئة [النسبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في النسبة ما يتناوله الاسم وحده دون ما لا يتناوله الاسم وحده (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن الاعتداد في النسبة - وهي القرابة والمشاكلة - إلى ما يقع عليه ويتناوله الاسم المنسوب إليه وحده. أما لا يتناوله الاسم وحده فلا يعتد بالنسبة إليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الإمام أو القائد: من أصاب خزاً أو قطناً فهو له. فأصاب جندي جلود خز أو خزاً قد حلق من الجلود فله الخز في الوجهين جميعاً، لأن اسم الخز يتناولهما حقيقة، وكذلك إذا أصاب قطناً في جوزه أو محلوجاً فله القطن في الوجهين لذلك. ولو أصاب ثوب خز أو ثوب قطن فهو له, لأن الثوب منسوب إلى الخز أو إلى القطن مطلقاً، وكذلك لو أصاب خزاً مغزولاً أو قطناً مغزولاً. بخلاف ما لو قال: من أصاب شعراً فهو له. فأصاب جلود معز عليها الشعر أو أنماط شعر أو ستور شعر لم يكن له ذلك, لأن الاسم وهو الشعر هنا لا يتناول هذه الأشياء وحده، وإنما يقال: جلد شعر، أو أنماط شعر أو ستور شعر، بخلاف الأول (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 صـ 738. (¬2) نفس المصدر جـ 2 صـ 736 فما بعدها بتصرف وزيادة.

أقول ولعل سبب الاختلاف مبني على اختلاف الأعراف فيمكن أن يقال: ما عُرف أنه يتناوله الاسم وحده تصح النسبة إليه وما لا فلا، والله أعلم.

القواعد: الثالثة والثمانون بعد الأربعمئة والرابعة والثمانون بعد الأربعمئة [حكم النص]

القواعد: الثالثة والثمانون بعد الأربعمئة والرابعة والثمانون بعد الأربعمئة [حكم النص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " الأصل أن النص يحتاج إلى التعليل بحكم نفسه لا بحكم غيره (¬1) ". وفي لفظ: "ابتداء الحكم لا يجوز إثباته بالتعليل لأن ابتداء الحكم بالنص (¬2) " ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: النصوص الشرعية - من كتاب أو سنة - لا ينظر المجتهد عند البحث فيها وتنفيذ أحكامها في عللها, لأن كونها نصوصاً يكفي في إثبات أحكامها، وأما عند إرادة قياس غيرها عليها فينظر في العلل للإلحاق. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاضل في الأشياء الستة: الذهب، والفضة، والحنطة والتمر والشعير والملح، ثابت بعين النص لا بالقياس فلا يحتاج إلى التعليل بحكم غيره. وأما غيرها من المكيلات والموزونات فإنما تثبت حرمة التفاضل فيها بالمعنى، أي بالقياس عليها. ولما كان ابتداء الحكم بالنص فلا يجوز إثباته بالتعليل, لأن التعليل لتعدية حكم النص لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 118، وفي العبارة خطأ في الأصل في كلا الطبعتين لتأسيس النظر حيث وردت العبارة: الأصل أن النص يحتاج إلى التعليل بحكم غيره لا بحكم نفسه" وهذا خلاف المقصود من هذه القاعدة. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 206.

القاعدة: الخامسة والثمانون بعد الأربعمئة [التحديد والتقدير]

القاعدة: الخامسة والثمانون بعد الأربعمئة [التحديد والتقدير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أصل مالك نفي التحديد إلا بدليل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن تحديد وتقدير عدد في الشرع لا يصح عند مالك إلاَّ بدليل ثابت كعدد الغسلات في الوضوء، حيث لم يحدد مرة أو اثنتين أو ثلاثاً إذ لم يكره ما دون الثلاث ولا ما فوقها (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لم يقدر مالك قدر ما يُتَوضأ به إن كان مُدَّاً أو صاعاً، ولا قدر النفقة الواجبة، ولا عدد الرضعات المحرمة، ولا التعزير بما دون الحد. وإن كان ورد عن مالك: أنه لا يجب الوضوء مرة مرة إلا لعالم. وورد أنه لا يحبها من العالم لئلا يقتدي به العامي وهو لا يحسن الإسباغ. ولعله لا تعارض بين القاعدتين لأن المراد بكراهة المرة من العالم من باب الاحتياط حتى لا يقتدي به من لا يحسن الإسباغ ولا كراهة في غير ذلك، وإن استحب التقليل من الماء بقدر الإمكان. وكذلك لم يحدد عدد الرضعات المحرمات (¬3) خلافاً للشافعي وأحمد ولا حد التعزير ولو جاوز الحد (¬4). ¬

_ (¬1) قواعد المقري ج 1 صـ 307، القاعدة الثانية والثمانون نفس المرجع السابق ص 302 (¬2) وكذلك ورد عن الشافعي عدم كراهة ما زاد على الثلاث: الأم ج 1 صـ 27، ولكن قال في الروضة: وتُكره الزيادة على ثلاث ج 1 صـ 170. (¬3) الكافي جـ 2 صـ 539. (¬4) المرجع السابق صـ 1087.

القاعدة: السادسة والثمانون بعد الأربعمئة [النفي]

القاعدة: السادسة والثمانون بعد الأربعمئة [النفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة: أن نفي موجب العقد لا يجوز، ونفي موجب الشرط يجوز، وعندهما نفي موجب العقد جائز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى موجب العقد: أي ما يوجبه العقد للبائع والمشتري، أو الزوج والزوجة، بمعنى الأحكام التي تترتب على تمام العقد من ملك البدلين وإباحة الانتفاع بهما وهما صلب العقد ومقصوده. وأما موجب الشرط فهو ما يجب على أحد المتعاقدين بسبب شرط اشترطه الآخر عليه. فتفيد القاعدة أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز نفي ما يجب بالعقد, لأنه شرط باطل، وعند صاحبيه هو شرط جائز، وأما نفي ما يوجبه الشرط فيجوز عند الجميع لأنه من متممات العقد لا من صلبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لخياط: إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم، وإن خطته غداً فلك نصف درهم، فالشرط الأول جائز عند أبي حنيفة والثاني باطل, لأن الشرط الثاني، نفى موجب العقد - وهو استحقاق الأجر كاملاً - ولا يجز نفيه فبطل الشرط الثاني. فإذا خاطه في الغد يجب أجر المثل. وعندهما الشرطان جائزان. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 36 وصـ 57 ط جديدة.

ومنها: إذا ترك إعلام مكان الإيفاء عند حلول السلم (¬1) جاز عند أبي حنيفة رحمه الله لأن التسليم في موضع العقد ليس بموجب العقد عنده؛ لأنه لو شرط الإيفاء في موضع آخر لم يبطل السلَم ولو كان من موجب العقد لما جاز نفيه - وعندهما من موجب العقد ومع ذلك جاز نفيه. ¬

_ (¬1) في الطبعتين من تأسيس النظر "لم يجز نفيه" وهو غير الصواب بدليل التعليل بعده.

القاعدة: السابعة والثمانون بعد الأربعمئة [النقود]

القاعدة: السابعة والثمانون بعد الأربعمئة [النقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن النقود لا تتعين في العقود والفسوخ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النقود من الذهب والفضة والنقود الورقية لا تتعين في العقود أو الفسوخ لأن المقصود قيمتها لا عينها. وعند الحنابلة في القاعدة خلاف (¬2) ". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان من آخر سلعة بألف دينار- مثلاً - وأشار إليها ثم أعطى البائع ألفاً غيرها لزم البائع قبولها, لأن النقود لا تتعين بالتعيين، وكذلك إذا فسخ العقد بسبب من الأسباب فلا يلزم البائع رد عين النقود التي أخذها من المشتري وله أن يعطيه غيرها ما داما سواءً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 27. (¬2) قواعد ابن رجب المسألة السادسة صـ 414.

القاعدة: الثامنة والثمانون بعد الأربعمئة [نية التمييز]

القاعدة: الثامنة والثمانون بعد الأربعمئة [نية التمييز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أئمة الحنفية الثلاثة: أن نية التمييز في الجنس الواحد لا تعمل، وعند زُفر تعمل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن الجنس الواحد يكفي فيه نية واحدة شاملة ولا يحتاج إلى تمييز كل فرد من أفراد هذا الجنس الواحد بنية منفصلة، وهذا عند الأئمة الثلاثة. وعند زُفر لا بد من نيَّة التمييز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ظاهر من أربع نسوة له ثم أعتق بعددهن رقاباً ولم ينو عن كلَّ - كفارة بعينها أجزأه, لأن الجنس واحد فاستغنى عن نية التمييز، ولذلك قالوا: لا يُشترط في الكفارات التعيين. وعند زُفر لا يجزيه لأن نية التمييز في الجنس شرط عنده. ومنها: إذا قال الرجل لامرأته: أنت عليَّ حرام. ونوى اثنتين لا يقع إلا واحدة ولا تعمل تلك النية, لأن حرمة الواحد جنس واحد فلم تعمل النية الواحدة في جنسين. وعند زُفر تقع اثنتان وأَعمل النية فيهما. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 64 وصـ 99 ط جديدة.

القاعدة: التاسعة والثمانون بعد الأربعمئة [الخراج]

القاعدة: التاسعة والثمانون بعد الأربعمئة [الخراج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع (¬1) ". تحت الخراج بالضمان، والغُرم بالغنم ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالخراج هو الغلة سواء كانت غلة أرض أو مصنع أو عبد أو غير ذلك أو هو بالمعنى الأضيق "الوظيفة المعينة التي توضع على الأرض" (¬2). ووجوب الخراج على مَنْ يجب عليه إنما يستحق بعد أن يتمكن من الانتفاع بالأرض أو بعد ملكه للعبد أو دخوله في ضمانه، أو بعد تسلمه المصنع وتمكنه من الانتفاع به, لأن الخراج بالضمان والغُرم بالغنم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اشترى أرضاً خراجية فعليه خراجها إذا تمكن من زراعتها قبل مضي السنة وإلا كان خراجها على البائع. وكذلك لا يجب العشر على الخارج من الأرض العشرية إلا بعد تمام نضج الزرع والثمار وسلامتها من الآفات. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 48، 345، وينظر المقنع جـ 1 صـ 513. (¬2) التعريفات للجرجاني صـ 102.

القاعدة: التسعون بعد الأربعمئة [الصفة]

القاعدة: التسعون بعد الأربعمئة [الصفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل في وضع الصفة أن تجيء للتخصيص أو التوضيح؟ (¬1) ". وفي لفظ: "ما يتردد المذهب في أنه للتعريف أو للشرط (¬2) ". وستأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تدل هاتان القاعدتان على معنى متحد وهو أنه هل الأصل والقاعدة في وضع الصفة أنها لتوضيح الموصوف وتعريفه؟ أو أنها إنما تجيء لتخصيص الموصوف وتكون شرطاً فيه؟. ولكن المشهور أن الصفة في المعرَّف لتوضيح العرف وتسمى الصفة الفارقة، وفي النكرة إنما تكون للتخصيص وهو المعبر عنه بالشرط. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قلنا "زيد العالم" كانت تلك الصفة للتوضيح، وأما إذا قلنا -: مررت برجل فاضل. فتكون للتخصيص والشرط, لأن تخصيص الموصوف بتلك الصفة بمنزلة اشتراطها فيه، وفي الفارقة خلاف. ومن مسائل هذه القاعدة: قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} (¬3) فإن جملة "لا يقدر على شيء" صفة ثانية لعبد، فإن حُملت على التوضيح كان فيه متمسك للشافعي رحمه الله في ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي صـ 313، والمجموع المذهب - قواعد العلائي - ورقة 72/ ب (¬2) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 435. (¬3) الآية 75 من سورة النحل.

مذهبه الجديد أن العبد لا يملك شيئاً، وإن ملَّكه السيد أو غيره. أي هذا شأن العبد. وإن جعلت للتخصيص كان فيه متمسك لمذهب مالك والقديم من قول الشافعي أنه يملك, لأن سياق الآية يقتضي تخصيص هذا العبد بهذه الصفة فيبقى مفهومها أنه يملك شيئاً (¬1). ¬

_ (¬1) قواعد العلائي مرجع سابق نفسه الورقة

القاعدة: الحادية والتسعون بعد الأربعمئة [الفعل والقول]

القاعدة: الحادية والتسعون بعد الأربعمئة [الفعل والقول] أولا: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يثبت من جهة الفعل ما لا يثبت من جهة القول (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تصرف الإنسان في معاملاته بفعله يثبت من النتائج ما لا يثبت بالقول وحده, لأن الفعل أوضح وأقوى من القول في الدلالة على أحكام التصرفات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوكيل بعقد أو بغيره لا ينعزل عن الوكالة يقول الموكل: عزلت فلاناً عما وكلته به. ما لم يعلم الوكيل بالعزل. فتصرف الوكيل الغائب نافذ فيما وُكلَّ فيه ما لم يعلم بالعزل. ولكن إذا وكل إنسانٌ آخر في عقد ثم تصرف الموكل في ذلك العقد فعقده بنفسه أو فسخه بنفسه عُزِل الوكيل علم أو لم يعلم. فإذا وكل إنساناً في طلاق امرأته ثم طلقها الموكل بنفسه عُزِل الوكيل عن الطلاق، فليس له أن يطلق بعد ذلك طلقة أخرى. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي صـ 111.

القاعدة: الثانية والتسعون بعد الأربعمئة [الطاريء]

القاعدة: الثانية والتسعون بعد الأربعمئة [الطاريء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أئمة الحنفية الثلاثة أنه يجوز أن يتوقف الحكم في العقود وغيرها لمعنى يطرأ عليها ويحدث فيها. وأما عند زُفر فمتى وقع الشيء جائزاً أو فاسداً فلا ينقلب عن حاله لمعنى يطرأ عليه ويحدث فيه إلا بالتجديد والاستئناف (¬1) ". وفي لفظ عند الشافعية: "كل ما لو قارن لمنع فإذا طرأ فعلى قولين (¬2) ". وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن العقد أو التصرف إذا تم بشروطه ثم طرأ عليه أمر أو حدث فيه عارض. أن هذا الطاريء أو الحادث يجيز التوقف في نفاذ العقد أو التصرف ولزوم أحكامه، وإن كان الأصل لزومه خلافاً لِزُفَر الذي يرى أن العقد متى وقع جائزاً أو فاسداً لا يتغير حكمه بل يبقي على ما كان عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع عبداً بشرط الخيار فمر يوم الفطر فتتوقف صدقة الفطر حتى يتبين من يؤول إليه ملك العبد عند الأئمة الثلاثة. وأما عند زُفر فلا يتوقف الحكم بل تجب صدقة الفطر عن العبد ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 55، وصـ 84 ط جديدة. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 312.

على من له الخيار، لأن الملك عنده لمن له الخيار، فالصدقة تجب عليه. ومنها: أن المكره على البيع إذا باع مكرهاً فحكم بيعه أنه موقوف على رضاه بعد زوال الإكراه، فإن رضي جاز وإن لم يرض لم يجز. وعند زفر البيع فاسد وإن رضي المكره بعد ذلك لأنه وقع فاسداً فلا يعود إلى الجواز إلا بالتجديد والاستئناف. ومنها: إذا أبق العبد بعد تمام العقد وقبل القبض. فهل يفسخ العقد كما لو أبق العبد قبل العقد؟ أو لا يفسخ (¬1) على قولين. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 312.

القاعدة: الثالثة والتسعون بعد الأربعمئة [العموم والخصوص]

القاعدة: الثالثة والتسعون بعد الأربعمئة [العموم والخصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يجوز أن يكون أول الآية على العموم وآخرها على الخصوص، ويجوز أيضاً أن يكون أول الآية على الخصوص وآخرها على العموم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة فقهية أصولية وتفيد أن بعض الآيات قد يكون أولها يفيد - حكماً عاماً وآخرها يفيد حكماً خاصاً، والعكس أي أن أولها يفيد حكماً خاصاً وآخرها يفيد حكماً عاماً. والمقصود أن المفسر والمفتي والحاكم يجب عليه أن لا يكتفي بالنظر في أول الآية فيصدر حكماً بموجبه دون النظر إلى آخرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - مثال الآية أولها على العموم وآخرها على الخصوص: قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه} (¬2) فهذا على العموم في كل قتل خطأ التحرير والدية ثم قال سبحانه في الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (2) ولم يقل: "ودية مسلمة إلى أهله" فهذا على الخصوص. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 119. (¬2) الآية 92 من سورة النساء.

2 - ومثال الآية أولها على الخصوص وآخرها على العموم قوله تعالى: {فلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} (¬1) هذا في حق الأزواج، وقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (1) أعم حيث يشمل الصلح بين الأزواج وغيرهم. ¬

_ (¬1) الآية 128 من سورة النساء.

القاعدة: الرابعة والتسعون بعد الأربعمئة [التهمة]

القاعدة: الرابعة والتسعون بعد الأربعمئة [التهمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أنه يعتبر التهمة في الأحكام فكل من فعل فعلاً وتمكنت التهمة في فعله حكم بفساد فعله (¬1) خلافاً للصاحبين والشافعي رحمهم الله. وفي لفظ: "لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل (¬2) ". وتأتي في حرف اللام إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بتمكن التهمة: أن لها مؤيداً من ظاهر الحال. فتفيد هذه القاعدة أن من تصرف تصرفاً ما ووجد احتمال قوي أنه إنما قصد من وراء تصرفه هذا تحايلاً على الشرع أو إضراراً بمن تعلق به تصرفه فإنه يحكم بفساد هذا الفعل، ويُرَدُّ على الفاعل فعله ولا يعتبر تصرفه صحيحاً. لكن بشرط أن يكون احتمال التهمة قوياً مبنياً على دليل لا مجرد احتمال موهوم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مريض في مرض الموت إذا أقر لبعض ورثته بدين، فلا يعتبر إقراره ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 27، وينظر الإفصاح لابن هبيرة جـ 2 صـ 18، وتخريج الفروع للزنجاني صـ 212، والوجيز صـ 155 مع الشرح. (¬2) قواعد الخادمي صـ 329، ومجلة الأحكام المادة 73، المدخل الفقهي الفقرة 583، شرح المجلة للأناسي جـ 1 صـ 204 - 209، وشرحها لعلي حيدر جـ 1 صـ 65.

لاحتمال إرادة تفضيل بعض الورثة - إلا إذا صدقة باقي الورثة. وكذلك من طلق زوجته بغير رضاها بائناً في فرض موته فراراً من الميراث يُرَد عليه قصده وترث منه لأن احتمال إرادة الفرار من الميراث احتمال قوي بدليل مرض الموت.

القاعدة: الخامسة والتسعون بعد الأربعمئة [حقوق الله]

القاعدة: الخامسة والتسعون بعد الأربعمئة [حقوق الله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند ابن أبي ليلى: أنه يعتبر حقوق الله تعالى بحقوق العباد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بحقوق الله تعالى تلك الحقوق التي لا يملك أحد من العباد التنازل أو التعويض عنها، كالزنا أو السرقة، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، والقذف عند بعضهم. والردة. وأشباه ذلك. وحقوق العباد ما يجوز للعباد العفو عنها والمسامحة فيها كالقصاص والديون وأروش الجنايات وأشباه ذلك. فإبن أبي ليلى يقيس حقوق الله سبحانه وتعالى على حقوق العباد في بعض ما يتناولها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التوكيل في استيفاء حقوق العباد جائز عند الجميع كالتوكيل في استيفاء الديون. وأما التوكيل في استيفاء الحدود الخالصة لله سبحانه وتعالى، كمن وكَّل غيره في استيفاء قود في النفس أو الطرف أو القذف، فهل يجوز؟ فعند الحنفية لا يجوز إلا بحضور الموكِّل (¬2). وعند ابن أبي ليلى يصح ذلك ولو بغير حضور الموكِّل. ومنها: إن التقادم لا يسقط الحدود قياساً على حقوق العباد، وعند الحنفية التقادم يسقط الحدود. إلا حد القذف، والمراد بالتقادم هنا تقادم الشهادة بأن يشهد الشهود على الزنا مثلاً بعد مضي زمن طويل على وقوعه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 69، وصـ 105 ط جديدة. (¬2) مجمع الأنهر جـ 2 صـ 223.

القاعدة: السادسة والتسعون بعد الأربعمئة [العلة والحكمة]

القاعدة: السادسة والتسعون بعد الأربعمئة [العلة والحكمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يُفرق بين علة الحكم وحكمته، فإن علته موجبة وحكمته غير موجبة (¬1) ". [فقهية أصولية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العلة عند الأصوليين في باب القياس: هى الوصف الظاهر المنضبط الذي يكون مظنة وجود الحكمة". وأما الحكمة فهي علة العلة وهي الأمر الخفي الذي شرع الحكم لأجله. فتفيد القاعدة التفريق بين علة الحكم وحكمته، من حيث أن العلة إذا وجدت وجد معها الحكم لا محالة, لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. فهي موجبه لحكمها بإيجاب الله سبحانه وتعالى لا بنفسها كما يقول المعتزلة. وأما الحكمة فهي غير موجبة للحكم لخفائها وعدم انضباطها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السفر علة للقصر وجواز الفطر، وشرب الخمر علة لوجوب الحد على شاربه. والمشقة هي حكمة التخفيف في السفر، وهي علة العلة، والسكر علة العلة في وجوب إقامة الحد على شارب الخمر، وحفظ العقل هو الحكمة من وراء التحريم ولكن لما كانت المشقة غير منضبطة، والسكر كذلك يختلف باختلاف الأشخاص ونوع الخمر. أقيمت العلة في كل منهما الحكمة في ترتب الحكم ووجوبه. ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 118.

القاعدة: السابعة والتسعون بعد الأربعمئة [العلم الظاهر واليقيني]

القاعدة: السابعة والتسعون بعد الأربعمئة [العلم الظاهر واليقيني] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يُفرق بين العلم إذا ثبت ظاهراً وبينه إذا ثبت يقيناً (¬1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالظاهر هنا ما ثبت عن طريق ظني غير قطعي - أي بأخبار الآحاد أو عن طريق الاجتهاد والتحري - والمراد باليقين ما ثبت بدليل قطعي. وتفيد القاعدة: التفريق في الأحكام بين ما ثبت عن طريق الظن أو غلبة الظن أي بدليل ظني فيه شبهة، فهو يفيد الظن الغالب ويجب العمل به ولكن لا يوجب - عند الحنفية - الاعتقاد - أي العلم القطعي، وبين ما ثبت يقيناً بدليل قطعي الثبوت والدلالة فهو يوجب العمل والاعتقاد معاً. وبهذا الأصل فرق الحنفية بين الفرض والواجب من ناحية طلب الفعل وبين الحرام والمكروه تحريماً من ناحية طلب الترك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلوات الخمس ثابتة يقيناً بأدلة مقطوع بها فيجب العمل بها واعتقاد فرضيتها ووجوبها، بخلاف الوتر وقد ثبت بخبر الآحاد التي توجب العمل لا العلم القطعي وكذلك كون الحطيم - أي حِجر إسماعيل - من البيت علم ظاهراً فلم يجز التوجه إليه في الصلاة مع استدبار البيت أو الانحراف عنه. وقد ثبتت فرضية التوجه إلى البيت يقيناً (¬2). ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 114. (¬2) المرجع السابق أمثلة وشواهد الإمام النسفي بتصرف وتوضيح.

القاعدة: الثامنة والتسعون بعد الأربعمئة [فساد العقد]

القاعدة: الثامنة والتسعون بعد الأربعمئة [فساد العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يُفَرَّق بين الفساد إذا دخل في أصل العقد وبينه إذا دخل في علقة من علائقه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن فساد العقد أو بطلانه يختلف بين أن يدخل سبب الفساد أو البطلان في أصل العقد فيفسد العقد ويبطل، فإذا أزيل المفسد لم يصح العقد ويجب استئنافه، وبين أن يدخل المفسد أو المبطل في وصف من الأوصاف أو فيما يتعلق بالعقد في شرط من شروط نفوذه، فيفسد العقد ولا يبطل - لأن الحنفية يفرقون بين الفاسد والباطل، فالباطل عندهم ما لم يشرع بأصله ولا وصفه، والفاسد ما شرع بأصله دون وصفه، فإذا أزيل المفسد صح العقد ولا يحتاج إلى استئنافه وتجديده. وعند غير الحنفية الباطل والفاسد مترادفان. إلا في بعض الصور فيتغايران (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع عبداً بألف في درهم وخنزير فسد البيع - أي بطل, لأن الثمن ركن من أركان العقد - والخنزير لا يصلح ثمناً, لأنه لا قيمته له ولا يجوز بيعه ولا شراؤه لخبثه. ولو أخرجا الخنزير من الثمن لم يعد الجواز لأن الفساد في أصل العقد - أي البطلان (¬3) - وأما إذا باع سيارة بعشرة آلاف ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 113. (¬2) المنثور للزركشي جـ 3 صـ 7 فما بعدها. (¬3) والحنفية مع أنهم يفرقون بين الفساد والبطلان ولكنهم مع ذلك قد يعبرون عن الباطل بالفاسد.

مؤجلة إلى الحصاد - أي وقت غير محدد تماماً - فسد البيع لجهالة الأجل - والفساد هنا ينافي البطلان - فلو أبطل المتعاقدان بعد ذلك الشرط ودفع المشتري الثمن قبل مجيء وقت الحصاد عاد العقد إلى الجواز وصح البيع، ولم يحتج إلى استئناف وتجديد, لأن الفساد كان قد دخل في علقة من علائق العقد ولم يدخل في أصله (¬1). ¬

_ (¬1) أصول الكرخي بتصرف وزيادة توضيح.

القاعدة: التاسعة والتسعون بعد الأربعمئة [الإخبار]

القاعدة: التاسعة والتسعون بعد الأربعمئة [الإخبار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يفرق في الإخبار بين الأصل والفرع (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن الإخبار عن أمر ما يفرق بين ما إذا كان الإخبار عن أصل ثابت فلا يزيل الحكم الذي دل الإخبار على إمكان زواله، وبين أن يكون إخباراً عن فرع غير ثابت فيزيل الحكم الذي دل الإخبار على زواله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبرت امرأة بالرضاع بين الزوجين لم يفرق بينهما (¬2) , لأنه إخبار يترتب عليه إزالة أصل ثابت وهو النكاح - وإن كان الأولى والورع التفرق. وأما إذا كان الإخبار بطلاق أو خلع ثبت الطلاق أو الخلع لأنه إخبار عن فرع للنكاح وهو الطلاق أو الخلع وهذا عند الجميع. ومسألة التفريق بين الزوجين بقول امرأة واحدة في الرضاع مسألة خلافية. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي صـ 113، بدائع الصنائع جـ 4 صـ 14 - 15. (¬2) بدائع الصنائع جـ 4 صـ 14 - 15، روضة الطالبين جـ 6 صـ 446، والمغني جـ 11 صـ 34.

القاعدة: الخمسمئة [الخصومات والمقاصد]

القاعدة: الخمسمئة [الخصومات والمقاصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أنه يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظاهر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الاعتداد في الدعاوى بما يقصده الخصمان ويهدفان إليه دون ما يتلفظان به من ألفاظ، فالألفاظ ليست مقصودة لذواتها في الدعاوى وإنما هي وسيلة إلى المقصود عند المنازعة والمخاصمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أودع شخص عند آخر وديعة ثم طالبه بردها فقال الأمين: رددتها عليك. وقال المودع لم تردها. فليس المقصود إثبات الرد أو نفيه وإنما المقصود من المودِع إثبات الضمان على المودَع، ومقصود المودع من قوله: رددتها. نفي الضمان. فيكون القول قوله مع يمينه أنه ردها. مع أن الظاهر أن القول لمنكر الرد - وكان ذلك كذلك لأن الأمين الأصل فيه براءة ذمته من الضمان فهو متمسك بأصل قوي، ولذلك كان القول قوله مع اليمين (¬2). ¬

_ (¬1) أصول أبي الحسن الكرخي صـ 110 مع تأسيس النظر. (¬2) المرجع السابق ونفس الصفحة بتصرف.

القاعدة: الحادية بعد الخمسمئة [اليمين]

القاعدة: الحادية بعد الخمسمئة [اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل أن اليمين إذا عقدت على صفة كانت صحتها لصفة محلها، وكانت صفة المحل مشروطة عن طريق الدلالة، ثم يعطى لها حكم المشروط عن طريق الإفصاح (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المستمرة في اليمين والأمر الراجح فيها أنها إذا عقدت على صفة مخصوصة، فإن صحة اليمين تلزم إذا صحت صفة محل اليمين - فتكون الصفة مشروطة لصحة اليمين دلالة، ويكون لهذه الصفة حكم المشروط عن طريق التصريح والإفصاح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لأمته: إذا ولدت ولداً فهو حر. فولدت ولداً ميتاً. ثم ولدت ولداً آخر حياً. فعند أبي حنيفة رضي الله عنه يقع العتق على المولود الثاني لا الأول, لأن المولود الذي يوصف بالحرية إنما هو الحي لا الميت -، ولذلك كانت صفة الحرية محلها الحياة، فصارت الحياة مشروطة في يمينه - أو في شرطه -, لأن ما ذكر ليس يميناً - من طريق الدلالة - لأنه لم يشترط ولادة الولد حياً تصريحاً - فأعطى لهذه الدلالة حكم المشروط تصريحاً فكأنه قال: إذا ولدت ولداً حياً فهو حر. وخالف أبو يوسف رحمه الله في ذلك فقال: لا يعتق الثاني. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 100 - 101 وصـ 149 ط جديدة.

ومنها: إذا قال رجل: إن لم أقتل فلاناً فعبدي حر. وفلان المحلوف عليه ميت - وهو لا يعلم موته - فلا يعتق العبد ولا حنث ولا كفارة عليه عند الجميع لأن القتل من صفات الأحياء فصارت الحياة مشروطة في يمينه من طريق الدلالة، وقتل الميت مستحيل. وخالف في ذلك أبو يوسف فعنده يحنث بمجرد يمينه وعليه الكفارة لأن اليمين عنده على أمر مستقبل قابل للتحقيق أو مستحيل، كما سيأتي في قاعدة تالية.

القاعدة: الثانية بعد الخمسمئة [الحقيقة والمجاز]

القاعدة: الثانية بعد الخمسمئة [الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رضي الله عنه: أن اليمين إذا كانت لها حقيقة مستعملة ومجاز متعارف فالعبرة للحقيقة المستعملة دون المجاز المتعارف, لأن الحقيقة مرجحة على المجاز من جهتين: 1 - كونها حقيقة 2 - كونها مستعملة. وعند أبي يوسف ومحمد يعتبران المجاز المتعارف كما يعتبران الحقيقة المستعملة (¬1) ". تحت قاعدة: "إعمال الكلام". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقيقة: هي الكلمة المستعملة في المعنى الذي وضعت له وضعاً أولاً - أي في أصل اللغة. والمجاز: هو الكلمة المستعملة في غير المعنى الذي وضعت له وضعاً أولاً، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي. والحقيقة هي الأصل في الاستعمال والمجاز فرع عن الحقيقة. فعند أبي حنيفة رضي الله عنه العمل بالحقيقة المستعملة أولى من العمل بالمجاز المتعارف المعمول به تبعاً للأصل؛ حيث إن الأصل في الكلام الحقيقة. وأما عند صاحبيه فإذا كانت الحقيقة مستعملة والمجاز معروفاً مستعملاً فالعمل بالحقيقة والمجاز لا بالحقيقة وحدها. فهما لا ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 103 وصـ 152 ط جديدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يهملان المجاز المستعمل المعروف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف الرجل لا يأكل من هذه الحنطة فأكل من خبزها لا يحنث عند أبي حنيفة, لأن ليمينه حقيقة مستعملة ومجازاً متعارفاً: أما فالحنطة قد تؤكل قضماً وهذه حقيقة، وقد تؤكل مشوية رهذه حقيقة. وأما عند صاحبيه فيحنث لو أكل من خبزها لأنه مجاز متعارف حيث إن أصل الخبز الحنطة.

القاعدة: الثالثة بعد الخمسمئة [اليمين المنعقدة]

القاعدة: الثالثة بعد الخمسمئة [اليمين المنعقدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: أن اليمين لا تنعقد إلا على معقود عليه، فإذا لم تنعقد فلا كفارة. وعند أبي يوسف تنعقد اليمين وإن كان المعقود عليه فائتاً "أو مستحيلاً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة في انعقاد اليمين أن تكون على معقود عليه يمكن به البر في اليمين أو الحنث فيها مستقبلاً، فأما إذا لم تنعقد اليمين - أي استحال وقوع المحلوف عليه لفواته - فلا تنعقد اليمين عند جمهور الفقهاء ومنهم أبو حنيفة، وبالتالي فلا حنث ولا بر فيها، لعدم انعقادها. والعلة في أن اليمين لا تنعقد إلا على معقود عليه, لأن العقد صفة ولا بد للصفة من الموصوف. وأما عند أبي يوسف رحمه الله فإن اليمين المكفِّرة إنما تكون على أمر مستقبل سواء أمكن البر أم لم يمكن. ولذلك فإذا حلف الإنسان على أمر فائت أو مستحيل حنث بمجرد الحلف عنده وعليه الكفارة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف ليشربن الماء الذي هذه الكأس فإذا هي لا ماء فيها - وهو لا يعلم - فإنه لا حنث ولا كفارة عند أبي حنيفة وجمهور الفقهاء (¬2) ¬

_ (¬1) تأسيس النظر صـ 42، وصـ 66 ط جديدة. (¬2) المقنع جـ 3 صـ 565 مع الشرح.

وعند أبي يوسف يحنث وعليه الكفارة. ومنها: من حلف ليقتلن فلاناً فإذا هو ميت - والحالف لا يعلم موته - فلا حنث ولا كفارة عند أبي حنيفة والجمهور، وعند أبي يوسف يحنث وعليه الكفارة.

القاعدة: الرابعة بعد الخمسمئة [السبب]

القاعدة: الرابعة بعد الخمسمئة [السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إضافة السبب إلى ما لا يفيد حكمه لا يجوز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أن بناء الأسباب على ما لا يفيد أحكامها لا يجوز ولا يصح, لأن الأحكام إنما تبنى على الأسباب الصحيحة لكي تكون صحيحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع ما لم يكن موجوداً في ملكه لا يمكن إثبات حكم البيع فيه، لأن حكم البيع إنما يثبت في مبيع موجود مقدور التسليم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 14 صـ 14 كتاب الصرف.

القاعدة: الخامسة بعد الخمسمئة [الحقيقة والمجاز المباشر والمتسبب]

القاعدة: الخامسة بعد الخمسمئة [الحقيقة والمجاز المباشر والمتسبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإضافة إلى المباشر حقيقة وإلى المسبَّب مجاز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المباشر هو: من وقع منه الفعل دون واسطة والمسبَّت أو المُتسبِب: هو من كان سبباً في وقوع الفعل لكن بواسطة. وتدل هذه القاعدة على أن إسناد الفعل يكون إما إلى المباشر فيكون الإسناد إليه حقيقة, لأنه فاعل الفعل بدون واسطة، وإما أن يكون إلى المتسبب فيكون إسناد الفعل إليه مجازاً لأنه غير الفاعل في الحقيقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حفر إنسان بئراً ثم جاء آخر وردَّى فيها شخصاً - أي قذفه فيها - فإن فعل القتل إنما يسند إلى المردَّي أي القاذف فعليه الضمان، ولا يسند إلى الحافر لأنه غير مباشر. ولكن إذا قذف إنسان آخر في البحر فالتقمه الحوت فالضمان على المتسبب القاذف وإن كان فاعل القتل المباشر هو الحوت، فيكون إسناد الفعل في هذه الصورة إلى المتسبب مجازاً لأنه ليس القاتل في الحقيقة. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481.

القاعدة: السادسة بعد الخمسمئة [الإضافة في العقود]

القاعدة: السادسة بعد الخمسمئة [الإضافة في العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإضافة في عقود التمليكات تمنع اللزوم في الحال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإضافة: المراد بها هنا إسناد تمام العقد إلى وقت مستقبل أو شرط أو خيار. فتدل هذه القاعدة على أن الإضافة في عقود التمليكات كالبيع والإجارة والوصية والتدبير تمنع لزوم العقد حالاً وتؤخر لزومه إلى مجيء الوقت أو وجود الشرط أو إسقاط الخيار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوصية عقد مضاف إلى ما بعد الموت فلا يلزم إلا بعد وفاة الموصي. والتدبير عتق مضاف إلى ما بعد الموت فلا يتم إلا بعد موت السيد المعتِق. والبيع بشرط الخيار للبائع أو المشتري يمنع لزوم عقد البيع إلا بعد إسقاط الخيار. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 2.

القاعدة: السابعة بعد الخمسمئة [الاضطرار]

القاعدة: السابعة بعد الخمسمئة [الاضطرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاضطرار لا يبطل حق غيره (¬1) ". تحت قاعدة: المشقة تجلب التيسير ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعتبر قيداً لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات". تدل هذه القاعدة على أن الاضطرار إذا كان في بعض المواضع يقتضي تغيير الحكم من الحرمة إلى الإباحة كأكل الميتة، وفي بعضها يقتضي الترخيص في فعله مع بقاء حرمته كالنطق بكلمة الكفر. إلا أنه على كل حال لا يبطل حق الآخرين وإلا كان من قبيل إزالة الضرر بالضرر وهذا غير جائز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أضطر لأكل طعام غيره، فبعد زوال الاضطرار عليه قيمة ما أكل إن كان قيمياً، ومثله إن كان مثلياً. ومنها: إذا صال عليه حيوان محترم كجمل أو ثور فقتله دفاعاً عن نفسه فعند الحنفية يضمن قيمته لصاحبه, لأن الاضرار لا يبطل حق الغير. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة صـ 16، والخادمي 331، والمجلة المادة 33 قواعد ابن رجب بالمعنى القاعدة 26، والمدخل الفقهي فقرة 602، والوجيز صـ 185.

القاعدة: الثامنة بعد الخمسمئة [الإطلاق والتقييد]

القاعدة: الثامنة بعد الخمسمئة [الإطلاق والتقييد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإطلاق يحتمل التقييد بالشرط (¬1) ". [فقهية أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإطلاق والتقييد من صفات الألفاظ يقال: لفظ مطلق أي مجرد عن القيود التي توجب فيه تحديداً، وعند الأصوليين: هو اللفظ الشائع في جنسه بلا شمول ولا تعيين" واللفظ المقيد: هو اللفظ الذي يكون محدداً بشيء من القيود. وتدل هذه القاعدة أن اللفظ المطلق يحتمل أن يقيد بالشرط فيخرج عن الإطلاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كفل بنفس رجل إلى شهر - حيث قال: أنا كفيل بالإتيان به إلى مدة شهر، فهل إذا مضى الشهر ولم يأت به يبرأ من الكفالة؟ قالوا: لا يبرأ ما لم يسلم نفس المكفول به إلى المكفول له، لكن إذا قال: على أني بريء من الكفالة بعد شهر. كان على ما قال. أي يبرأ بمضي الشهر، لأنه قيد اللفظ المطلق بالشرط. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 1 صـ 527 - 528.

القاعدة: التاسعة بعد الخمسمئة [الإطلاق والتقييد]

القاعدة: التاسعة بعد الخمسمئة [الإطلاق والتقييد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإطلاق يحتمل التقييد بالشرط والتقييد لا يحتمل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإطلاق: رفع القيد وإزالة له حسياً كان القيد أم معنوياً. والتقييد: بخلافه أي وضع للقيد وإيجاد له. فتدل هذه القاعدة على أن الإطلاقات هي التي تحتمل التعليق بالشرط، وأما التقييدات فلا تحتمل التعليق بالشرط. ومن الإطلاقات الطلاق والعتاق والحوالة والكفالة، ومن التقييدات عزل الوكيل وحجر المأذون والتحكيم (¬2). ثالثاً: مع أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قال: أوكلك في هذا الأمر غداً أو إذا جاء آخر الشهر صح ذلك لأن التوكيل إطلاق فيقبل التعليق، بخلاف ما لو قال: أعزلك عن الوكالة غداً أو إن جاء الغد عزلتك، لا يصح لأنه تقييد (1). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 6 صـ 22، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 370 بالمعنى. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 367 - 368.

القاعدة: العاشرة بعد الخمسمئة [الإعانة على المعصية]

القاعدة: العاشرة بعد الخمسمئة [الإعانة على المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإعانة على المعصية معصية (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن على العاصي جزاء معصيته مهما كانت في حقوق الله سبحانه أو في حقوف العباد، فتدل هذه القاعدة أن العاصي ليس هو فقط مرتكب المعصية بل العاصي من فعل المعصية ومن أعان عليها، فالمعين للعاصي عاص، والإعانة على المعصية معصية, لأنها تشجع العصاة على ارتكاب المعاصي، فالعاصي إذا لم يجد من يعينه على معصيته فقد لا يعصي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من دل إنساناً على آخر ليقتله ظلماً كان معيناً له على جريمته فكان عاصياً. ومن دل سارقاً على مال ليسرقه أو راقب له الطريق أو فتح له الباب أو أعانه بسلم ليرتقي السطع ليسرق أو يرتكب جريمة وهو يعلم فهو عاص وفعله معصية. ومنها: إذا أعان حلال مُحرماً على قتل صيد فهو شريك. وصيد المحرم معصية فالمعين عليها عاص وإعانته معصية. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي صـ 96.

القاعدة الحادية عشرة بعد الخمسمئة [التعليق - الصفة]

القاعدة الحادية عشرة بعد الخمسمئة [التعليق - الصفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاعتبار بحال التعليق أو بحال الصفة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتعليق "ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى (¬2) ". ويكون ذلك بأداة من أدوات الشرط، فتدل القاعدة على وجود اختلاف في المعتبر من حال التعليق ووقته أو من حال وزمن وجود الصفة التي علَّق عليها الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى له بثلث ماله، فهل يعتبر ثلث المال حين الوصية أو ثلث المال حالة الموت؟ قولان عند الشافعية. ومنها: إذا قال العبد لزوجته: إذا دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً. ثم عُتِق ثم دخلت الدار، فهل تقع طلقتان؟ لأنه حينما علَّق الطلاق بالدخول كان عبداً، والعبد لا يملك إلا طلقتين. أو تقع الثلاث اعتباراً بحال وجود الصفة حيث إنه أصبح حراً وقد وقع الدخول بعد حريته؟ وجهان عند الشافعية. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 2 صـ 400. (¬2) الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 367.

القاعدة: الثانية عشرة بعد الخمسمئة [الدلالة - الصريح]

القاعدة: الثانية عشرة بعد الخمسمئة [الدلالة - الصريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اعتبار الصريح أولى من اعتبار الدلالة (¬1) - "أي عند تعارضهما". وفي لفظ: "لا عبرة للدلالة في مقابلة الصريح - أو التصريح (¬2). وتأتي في حرف اللام إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالصريح: اللفظ الواضح البيَّن - أي النطق. والمراد بالدلالة: غير النطق من إشارة أو دلالة حال. وتدل هذه القاعدة على أنه إذا اجتمع التصريح مع الدلالة، فإنه الإعتبار إنما هو للنطق ولا اعتبار للدلالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل الضيف البيت المأذون له في الدخول فيه أو إلى طعام فإن بدلالة الحال له أن يجلس على ما يجده من فراش أو مقاعد، وله أن يتناول الطعام الموضوع أمامه دلالة. ولكن إذا نهاه صاحب البيت عن الجلوس فوق هذا الفراش أو نهاه عن تناول الطعام، فلا اعتبار للدلالة في هذه الحال لأن التصريح أولى بالاعتبار. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481، وشرح السير الكبير للسرخسي صـ 173 و1947 - 2125، 2184. (¬2) شرح الخاتمة للقرق أغاجي صـ 64، ومجلة الأحكام المادة 13 عن جامع الفصولين الفصل الرابع والثلاثون، والمدخل الفقهي الفقرة 58، والوجيز صـ 139 ط ثانية.

القاعدة: الثالثة عشرة بعد الخمسمئة [الأداء - الوجوب]

القاعدة: الثالثة عشرة بعد الخمسمئة [الأداء - الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاعتبار في الطهارات وأفعال الصلاة بحالة الأداء لا بحالة الوجوب (¬1) " .. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات لها حالتان: حالة وجوب وهي وقت تعلق الوجوب في الذمة بوجود سببه، فبالزوال يتعلق وجوب صلاة الظهر بذمة المكلف. والحالة الثانية حالة الأداء، وهي الوقت الذي يؤدي فيه المكلف ما وجب عليه. فتدل هذه القاعدة على أن المعتبر في صحة الطهارة وصحة أفعال الصلاة حالة أداء المكلف للعبادة لا حالة وجوبها وتعلقها بذمته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن من كان عبداً ودخل عليه وقت صلاة الظهر يوم الجمعة فلم يصلها حتى عتق، وجب عليه الجمعة، ومنها: أن من أحدث ولم يجد ماءً، ودخل عليه وقت صلاة فتيمم ثم لم يصل بتيممه حتى وجد الماء، وجب عليه الوضوء ولا يصلي بتيممه. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني مع حاشيته صـ 1500.

القاعدة: الرابعة عشرة بعد الخمسمئة [العادة]

القاعدة: الرابعة عشرة بعد الخمسمئة [العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اعتبار العادة عند عدم النص (¬1) ". "العادة محكَّمة". وستأتي إن شاء الله في حرف العين. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن العادة والعرف يعتبران حجة عند عدم النص على خلافهما، والمراد بالنص إما نص الشارع أو نص العاقد المتكلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل إنسان آخر في شراء لحم أو ثوب له ولم ينص على نوعه، فإن الوكيل يجب عليه شراء ما هو عادة في الأكل أو اللبس، وإلا لا يلزم الموكل، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 13 صـ 81 باب المرابحة.

القاعدة: الخامسة عشرة بعد الخمسمئة [المنصوص]

القاعدة: الخامسة عشرة بعد الخمسمئة [المنصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " اعتبار المعنى في غير المنصوص عليه، فأما في المنصوص فالمعتبر اللفظ (¬1) ". [أصولية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنصوص: هو لفظ الشارع ونص عبارته فالمعتبر فيه اللفظ. وغير المنصوص: يجوز فيه اعتبار المعنى الدال على المقصود ولا يجب الاقتصار على اللفظ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جواز عقد النكاح بلفظ الهبة والتمليك، عند الحنفية كملك اليمين. فإذا قال رجل لآخر وهبتك ابنتي بصداق أو مهر قدره كذا أو ملكّتكها بصداق قدره كذا. وقبل الآخر. تم العقد وجاز، خلافاً لمن يقصرون عقد النكاح على لفظ التزويج والنكاح وهم الشافعية وقول عند الحنابلة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 60.

القاعدة: السادسة عشرة بعد الخمسمئة [الاعتياض]

القاعدة: السادسة عشرة بعد الخمسمئة [الاعتياض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الاعتياض عن مجرد حق لا يحتمل التقوم باطل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاعتياض: أخذ العوض. التقوم: أي أن يكون للشيء قيمة مالية. وتدل هذه القاعدة على أن الحقوق قسمان: حق يحتمل التقوُّم المالي فهذا يجوز الاعتياض عنه وإسقاطه بالصلح أو غيره، وحق لا يحتمل التقوُّم أي ليس هو مال بل حق شرع لدفع ضرر متوقع أو غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صالح عن شفعته بمال فهذا صلح باطل وسقطت شفعته حيث إن الشفعة حق غير متقوم فلا يجوز الاعتياض عنه. - أي أخذ العوض المالي. ومنها: المخيَّرة: إذا صالحت عن خيارها بمال سقط خيارها ولا حقَّ لها في المال؛ لأن خيارها إنما شرع لدفع ضرر عنها، وهو حق ليس بمتقوم فلا يجوز الاعتياض عنه. والمخيَّرة: هي امرأة زُوَّجت بغير رضاها بسبب صغر أو رِق وعبودية، ثم بلغت أو أعتقت فلها حينئذٍ الخيار في طلب فسخ النكاح أو إبقائه. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481.

القاعدة: السابعة عشرة بعد الخمسمئة [الأعمى]

القاعدة: السابعة عشرة بعد الخمسمئة [الأعمى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأعمى كالبصير (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأعمى: مَنْ فقد نعمة البصر سواء ولد أكمه أو أصابه العمى بعاهة. وتدل هذه القاعدة على أن الأعمى في جميع أحكامه وتصرفاته كالبصير حيث إنه مكلف فيجب عليه ما يجب على البصير وله من الحقوق ما للبصير، ولكن استثني مسائل لم يكن فيها كالبصير لاعتمادها على الرؤية أو جل اعتمادها على الرؤية، كالجهاد، والشهادة، والإمامة العظمى، ولا يصح عتقه عن كفارة، وهناك مسائل اختلف فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من المسائل التي خالف فيها الأعمى البصير أن بيعه وشراءَه غير جائزين عند الشافعية لعدم الرؤية، ولكن جاز توكيله في ذلك ضرورة، وقد سبق ذكر ذلك. ومن أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن الأعمى كالبصير في إقامة الحدود عليه وله فإذا قتل يُقْتَل أو سرق يقطع أو زنى يرجم إذا كان محصناً ويجلد إذا كان بكراً، وإذا قذف يقام عليه الحد. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 314، وأشباه السيوطي صـ 250.

القاعدة: الثامنة عشرة بعد الخمسمئة [إعمال الكلام]

القاعدة: الثامنة عشرة بعد الخمسمئة [إعمال الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إعمال الكلام أولى من إهماله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إعمال الكلام: إعطاؤه حكماً مفيداً حسب مقتضاه اللغوي. وإهمال الكلام: عدم ترتب ثمرة عملية عليه بإلغاء مقتضاه ومضمونه. فالعاقل يصان كلامه عن الإلغاء والإهمال ما أمكن بأن يُنظر إلى الوجه المقتضي لتصحيح كلامه فيرجح، سواء كان بالحمل على الحقيقة أم بالحمل على المجاز عند تعذر الحقيقة. إلا عند عدم الإمكان فيلغى، فإن اللفظ المصادر في مقام التشريع أو التصرف إذا كان حمله على أحد المعاني الممكنة يترتب عليه حكم، أو ثمرة، وحمله على معنى آخر يقتضيه لا يترتب عليه حكم أو ثمرة، فالواجب حمله على المعنى المفيد للحكم، لأن خلافه إهمال وإلغاء. ثالثاً: مكانة هذه القاعدة وأهميتها: هذه القاعدة ذات مكانة عظيمة حيث ذكرها كل من كتب في القواعد الفقهية أو صنف فيها، وتتبين أهمية هذه القاعدة عندما نعلم أنها محل اتفاق عند جميع العلماء كما يظهر من تفريعاتهم عليها وتعليلاتهم بها. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 171، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 183 فما بعدها، الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 128، والأشباه والنظائر لابن نجيم صـ 135، وشرح الخاتمة صـ 17، ومجلة الأحكام المادة 60، والمدخل الفقهي الفقرة 615، والوجيز مع الشرح صـ 57.

رابعا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كما تزداد أهميتها عندما نعلم أنها تتعلق بالدرجة الأولى بخطابات الشرع الحكيم كما تتعلق بالكلام الصادر عن المكلف وتصحيحه وصونه عن الإهمال والإلغاء, لأن تصحيح الكلام مبدأ أخذ به الجميع دون استثناء. ومن هنا كان لهذه القاعدة أثرها الكبير في الأبحاث التشريعية التي تتعلق بكلام الله سبحانه وتعالى وبكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. ولاشتمال هذه القاعدة على قواعد متعددة متفرعة عليها ولعموم أثرها تستحق أن تكون سادسة القواعد الكلية الكبرى المتفق على اعتبارها والعمل بها. رابعاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وقفت على أولادي لم يدخل فيه ولد الولد في الأصح حملاً على الحقيقة، وإذا لم يكن له إلا أولاد أولاد حمل عليهم صوناً للكلام عن الإهمال والإلغاء. ومنها: من أوصى بطبل، وله طبل حرب وطبل لهو. يحمل الكلام على طبل الحرب لتصح الوصية (¬1) لأن الوصية بالمحرم - وهو طبل اللهو وأمثاله - لا تصح. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي مرجع سابق صـ 171.

القاعدة: التاسعة عشرة بعد الخمسمئة. [الأعيان المالية]

القاعدة: التاسعة عشرة بعد الخمسمئة. [الأعيان المالية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأعيان باعتبار المالية جنس واحد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأعيان ما كان مقابلاً للأثمان في البيع والسلم وغيرهما، وأيضاً من كان مطالباً بالأثمان من أصيل أو كفيل أو حويل. فتدل هذه القاعدة على أن هذه الأعيان من حيث اعتبارها بالأموال فهي جنس واحد، فمن استوفى حقه من أحدها يعتبر مستوفياً عين حقه لا بدله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رهن عبداً بدين فمات العبد فيُعتبر المرتهن مستوفياً وقابضاً عين حقه لا بَدَله، وكفن العبد على الراهن. ومنها: كفَّل كفيلاً أو أحال بدين فأستوفى الدائن دينه من الكفيل أو الحويل فهو مستوف عين حقه لا بَدَلَه, لأن اعتبار الأعيان باعتبار المالية جنس واحد. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 152.

القاعدة: العشرون بعد الخمسمئة [الأعيان]

القاعدة: العشرون بعد الخمسمئة [الأعيان] أولا: لفظ ورود القاعدة: " الأعيان لا تقبل الآجال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأعيان غير الديون والأثمان من الأمتعة والعقارات والبضائع وغير ذلك مما يكون بدلاً في البيع مقابلاً الثمن. فتدل القاعدة على أن الأعيان لا تقبل التأجيل, لأنها لا تتعلق بالذمة وإنما يقبل التأجيل الأثمان, لأنها تتعلق بالذمة، ولا تكون الأعيان مؤجلة إلا في عقد السلم تبعاً لطبيعة ذلك العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مات رجل وعليه دين إلى أجل بطل الأجل وحل الدين - على الصحيح, لأن ذمة الميت خربت بالموت - ولأن حق الغريم صار كالعين في التركة فيقدم على الوارثين. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 18 صـ 187.

القاعدة: الحادية والعشرون بعد الخمسمئة [الأفعال المباحة]

القاعدة: الحادية والعشرون بعد الخمسمئة [الأفعال المباحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأفعال المباحة إنما تجوز بشرط عدم إيذاء أحد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأفعال المباحة التي لا إثم على فاعلها ولا تاركها ولا أجر لفاعلها إلا بالنية. فتدل القاعدة على أن كل فعل مباح يجوز الإقدام عليه بشرط أن لا يترتب على فعله إيذاء أحد فضلاً عن مسلم، وإلا فيحرم ويأثم لعدم التحرز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نائم انقلب على طفل نائم بجواره فقتله، فهو غير آثم إثم قَاتل لكن عليه الدية. ويأثم لعدم التحرز. ومنها: أطلق رصاصة ليقتل كافراً فأصاب مسلماً، فعليه الدية. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة صـ 20، والخادمي 312.

القاعدة: الثانية والعشرون بعد الخمسمئة [الكمال]

القاعدة: الثانية والعشرون بعد الخمسمئة [الكمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأفعال والنكرات تنصرف إلى الكمال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن من تكفل بفعل شيء أو حلف على فعل شيء أو عدم فعله أنه يعتبر الفعل الكامل المستوفي للشروط، وكذلك بالنسبة لمن ذكر شيئاً أو حلف على فعل شيء منكراً أنه ينصرف إلى الكامل منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حلف أن لا يتزوج. فإذا تزوج بعقد فاسد لا يحنث, لأنه ذكر الفعل وهو التزوج فلا ينصرف إلا إلى الكمال الذي هو النكاح أو التزوج الصحيح دون الباطل أو الفاسد. ومنها: إذا قال لعبده: إن صليت ركعة فأنت حر. فإن صلى ركعة واحدة وسلم منها لا يعتق، لأنه لم يصل ركعة صحيحة, لأن الركعة الكاملة الصحيحة لا تكون إلا في صلاة صحيحة وأقلها ركعتان. إلا إذا كانت هذه الركعة الوتر عند غير الحنفية. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 38 عن الخانية جـ 2 صـ 34 - 35.

القاعدة: الثالثة والعشرون بعد الخمسمئة [المتقوم]

القاعدة: الثالثة والعشرون بعد الخمسمئة [المتقوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إقامة المتقوِّم مقام ما ليس بمتقوم لا تجوز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمتقوَّم: الشيء الذي له قيمة - أو ثمن - ويدخل تحت تقويم المقوِّمين كالحيوانات والعُروض، والدور، والملابس وأشباه ذلك، والعبيد. وغير المتقوَّم ما لا يدخل تحت تقويم المقوَّمين كالحُرَّ حيث إنه لا قيمة له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز بيع الحر لأنه لا قيمة له, لأنه لا يقع تحت اليد. ومنها: لا يجوز التصدق بقيمة الأضحية في أيام النحر خاصة - إذا أوجبها على نفسه - لأنه لا قيمة لإراقة الدم، كما أن الهدي لا يجوز التصدق بقيمته كذلك. كذلك ما حرم تناوله واستعماله كالخنزير والخمر للمسلم لا قيمة له، والميتة وأشباه ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 13.

القاعدة: الرابعة والعشرون بعد الخمسمئة

قواعد الإقرار أولاً: قواعد أثر الإقرار ألفاظ ورودها: القاعدة: الرابعة والعشرون بعد الخمسمئة: الأصل: أن المرء يعامل في حق نفسه كما أقر به، ولا يصدق على إبطال حق الغير ولا بإلزام الغير حقاً (¬1). القاعدة: الخامسة والعشرون بعد الخمسمئة: إقرار الإنسان على نفسه مقبول، وعلى غيره غير مقبول (¬2) أو مردود (¬3). القاعدة: السادسة والعشرون بعد الخمسمئة. الإقرار حجة في حق المقر كقضاء القاضي (¬4). القاعدة: السابعة والعشرون بعد الخمسمئة. الإقرار حجة قاصرة - أي على المُقر - والبينة حجة متعدية (¬5). القاعدة: الثامنة والعشرون بعد الخمسمئة. الإقرار لازم في حق المقر (¬6). القاعدة: التاسعة والعشرون بعد الخمسمئة. الإقرار في حق المقر ملزم كقضاء القاضي (¬7). ¬

_ (¬1) أصول الإمام أبي الحسن الكرخي صـ 112. (¬2) أشباه السيوطي 464، والمنثور جـ 1 صـ 187. (¬3) أشباه ابن نجيم صـ 255. (¬4) قواعد الفقه صـ 61 عن السير الكبير. (¬5) شرح الخاتمة صـ 22، المجلة المادة 77، المدخل الفقهي الفقرة 667، الوجيز صـ 301. (¬6) السير الكبير شرح السرخسي صـ 1923. (¬7) السير الكبير صـ 1736.

القاعدة: الثلاثون بعد الخمسمئة.

القاعدة: الثلاثون بعد الخمسمئة. الإقرار حجة في حق المقر (¬1). القاعدة: الحادية والثلاثون بعد الخمسمئة. الإقرار حجة على المقر فيما لا تهمة فيه (¬2). القاعدة: الثانية والثلاثون بعد الخمسمئة. الإقرار لا يكون حجة إلا في حق المقر (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: معنى الإقرار: أقر بالحق اعترف به (¬4). فالإقرار في اللغة هو الاعتراف من الإنسان على نفسه بحق غيره أو بفعل نفسه. ويقابل الإقرار الإنكار ومعنى الإقرار في الاصطلاح الفقهي هو معناه في اللغة. ويعتبر الإقرار أقوى حجج وبراهين الإثبات - إذا كان الإقرار اختياراً دون إكراه. وتدل هذه القواعد التسع وغيرها مما يلي على أن الإقرار في حق المقر حجة ملزمة وبرهان قاطع ودليل ناصع, لأن الإنسان العاقل المختار لا يعترف ولا يقر على نفسه بحق لغيره أو بفعل لنفسه - يستحق عليه العقوبة - كاذباً. فيتعين هنا جانب الصدق، إلا إذا تبين أن المُقَرَّ به مستحيل الوقوع أو مكذب حساً أو شرعاً كما سيأتي. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 8 , جـ 18 صـ 106. (¬2) شرح السير الكبير صـ 343. (¬3) شرح السير الكبير صـ 1310. (¬4) المصباح مادة "قر" - تحرير ألفاظ التنبيه ص 342، التعريفات ص 33.

وتدل هذه القواعد أيضاً بمفهومها على أن الإقرار لا يتعدى حكمه المقر إلى غيره وهو بهذا يخالف البينة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من أقر بدين مشترك عليه وعلى غيره فإن إقراره هذا ينفذ في حق نفسه فقط فيؤخذ به في ماله ولا يتعداه إلى شريكه ما لم يصدقه أو تقم بينة. ومنها: إذا أقر إنسان على نفسه بالزنا وسمَّى من زنا بها، فيقام عليه حد الزنا بإقراره، ولا يقام الحد على من سمَّاها إلا إذا اعترفت بذلك أو قامت بينة على زناها، وإذا أنكرت فيقام عليه حدان حد الزنا بإقراره وحد القذف باتهامها بالزنا بدون بينة ولا اعتراف منها. ومنها: إذا أقر مريض في مرض موته بأن لأحد ورثته دين عليه، فهذا الإقرار غير صحيح - إلا إذا صدقه باقي الورثة - لاحتمال أنَّه أراد بإقراره هذا تفضيل بعض ورثته على الآخرين. ودليل هذا الاحتمال مرض موته. بخلاف ما لو أقر بدين لأجنبي فإنه يصدق في ذلك (¬1) ¬

_ (¬1) ينظر الوجيز صـ 155. وينظر شرح المجلة للأتاسي جـ 1 صـ 204 - 209، وشرحها لعلي حيدر جـ 1 صـ 65.

القاعدة: الثالثة والثلاثون بعد الخمسمئة

ثانياً: دلالة الإقرار ومن يقبل إقراره أولاً: ألفاظ ورود القواعد: القاعدة: الثالثة والثلاثون بعد الخمسمئة الإقرار خبر متردد بين الصدق والكذب، فماذا كان المُقِرُّ يملك مباشرة ما أقر به في الحال قُبل إقراره وانتفت تهمة الكذب عن خبره، وأما إذا كان لا يملك مباشرته تتمكن تهمة الكذب في خبره، فلا يقبل إقراره (¬1). القاعدة: الرابعة والثلاثون بعد الخمسمئة. الإقرار لا يقوم مقام الإنشاء, لأنه خبر محض يدخله الصدق والكذب (¬2). القاعدة: الخامسة والثلاثون بعد الخمسمئة. أصل ما أبني عليه الإقرار أني لا أُلزم إلا اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة (¬3). من قول الشافعي رحمه الله. وفي لفظ: من قدر على الإنشاء قدر على الإقرار ومن لا فلا (¬4). وفي لفظ: من ملك الإنشاء ملك الإقرار ومن لا فلا (¬5). وتأتي كلاهما في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تدل هذه القواعد على أن الإقرار إنما هو إخبار عن أمر سابق على ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 6 صـ 22. (¬2) أشباه السيوطي صـ 465، وأشباه ابن نجيم صـ 273. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 330، وأشباه السيوطي صـ 53. (¬4) الاعتناء جـ 2 صـ 616. (¬5) أشباه ابن السبكي جـ صـ 347.

النطق به، ولذلك فهو قول يحتمل الصدق من المقر كما يحتمل أن يكون المقر كاذباً فيما أقر به. والمراد بالإنشاء هنا القدرة على إبتداء وعمل الفعل المُقرَّ به. فمن قدر على إنشاء الفعل حالاً يعتبر إقراره صادقاً فيؤخذ به ومن لا يقدر أن ينشيء الفعل المُقَرَّ به حالاً فلا يعتبر إقراره ولا يقبل. ويكون ذلك غالباً في الإقرار بحق لغيره على نفسه، أو بإقرار بفعل لنفسه يستحق عليه العقوبة. فالمراد بالإنشاء أيضاً تأكيد الإقرار وإعادته مرة أخرى. وكذلك لا يقبل الإقرار إلا إذا كان صريحاً دالاً يقيناً على مقصود المقر. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من أكره على الإقرار بفعل أو بحق من حقوق الله سبحانه وتعالى أو من حقوق العباد فلا يعتبر هذا الإقرار صحيحاً إلا إذا أعاد إقراره باختياره ورضاه بعد زوال حالة الإكراه. ومنها: من أقر بدين عليه لغيره مختاراً قُبِل إقراره, لأنه قادر على الاعتراف به الآن منها: إذا أقر الزوج بالرجعة في زمن العدة - وأنكرت الزوجة - لم يقبل منه إقراره - إذا كانت العدة منتهية - لأنه غير قادر - الآن - على إنشاء ذلك بعد إنتهاء العدة. وأما إذا لم تنته العدة فيقبل منه لأنه قادر على رجعتها الآن.

القاعدة: السادسة والثلاثون بعد الخمسمئة.

ثالثاً: قواعد أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القواعد: 1 - القاعدة: السادسة والثلاثون بعد الخمسمئة. إقرار الإنسان على نفسه صحيح مطلقاً (¬1). 2 - القاعدة: السابعة والثلاثون بعد الخمسمئة. الإقرار على الغير لا يكون حجة (¬2). 3 - القاعدة: الثامنة والثلاثون بعد الخمسمئة إقرار المرء لا يكون حجة على غيره (¬3). 4 - القاعدة: التاسعة والثلاثون بعد الخمسمئة الإقرار على الغير ليس بجائز (¬4). 5 - القاعدة: الأربعون بعد الخمسمئة الإقرار موجب للحق بنفسه، والبينة لا توجب إلا بالقضاء (¬5). 6 - القاعدة: الحادية والأربعون بعد الخمسمئة. إقرار المقر إنما يثبت في حقه خاصة (¬6). وفي لفظ: 7 - حجة الإقرار لا تعدو المقر (¬7). وتأتي في حرف الحاء إن شاء الله. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 226. (¬2) نفس المصدر جـ 4 صـ 225. (¬3) شرح السير الكبير صـ 1654 (¬4) شرح الخاتمة صـ 21. (¬5) المبسوط للسرخسي جـ 9 صـ 100 وجـ 17 صـ 37. (¬6) قواعد الفقه صـ 61 عن السير جـ 4 صـ 1731 باختلاف لفظ. (¬7) السير الكبير صـ 1731.

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الخمسمئة.

8 - القاعدة: الثانية والأربعون بعد الخمسمئة. الإقرار في حق المقر خبر ملزم غير محتمل للفسخ، لتعيين جهة الصدق فيه (¬1). القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الخمسمئة 9 - الإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعدى إلى غيره (¬2). القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الخمسمئة. 10 - إقرار المقر محمول على الصدق في حقه حتى يكون حجة عليه (¬3). 11 - وفي لفظ: المقر يعامل في حق نفسه كأنَّ ما أقر به حق (¬4). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الخمسمئة. 12 - الإقرار حجة. ما أمكن إعماله لا يجوز أبطاله (¬5). القاعدة: السادسة والأربعون بعد الخمسمئة 13 - الإقرار من المقر تصرف في ذمته من حيث الالتزام (¬6). القاعدة: السابعة والأربعون بعد الخمسمئة 14 - الإقرار ملزم بنفسه ما لم يكذَّب المُقَرُّ له (¬7). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها وما تفيده: ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 18 صـ 57. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 255، وشرح الخاتمة صـ 21، القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481. (¬3) المبسوط للسرخسي جـ 18 صـ 27. (¬4) نفس المصدر جـ 17 صـ 114. (¬5) نفس المصدر جـ 17 صـ 197. (¬6) نفس المصدر جـ 6 صـ 146. (¬7) نفس المصدر جـ 18 صـ 108.

هذه القواعد تمثل بعض أحكام الإقرار بجوانبها المختلفة فمن الأحكام التي تدل عليها هذه القواعد الأربع عشرة ما يلي: 1 - أن إقرار الإنسان على نفسه صحيح وملزم وهو حجة في حقه. 2 - أن الإقرار الإنسان لا يكون حجة على غيره، ولا يلزم غيره بإقراره شيئاً. 3 - أن الإقرار ملزم بنفسه حيث أنه في حق المقر أقوى من البينة وآكد. 4 - أن الإقرار باعتباره خبراً ملزماً لا يقبل الفسخ ولا يحتمله، لتعين صدق المقر، وعدم احتمال الكذب في خبره. 5 - أن الإقرار باعتباره حجة يجب إعماله ما أمكن ولا يجوز إبطاله. 6 - أن الإقرار هو تصرف في ذمة المقر، فالمقر ملتزم فيما أقر به في ذمته. 7 - أن الإقرار باعتباره ملزماً بنفسه فلا يحتاج إلى بينة ولا إلى برهان آخر وهو ملزم للمقر بما أقر به ما لَم يكذَّبه المُقَرُّ له، أو الشرع، أو الحس والواقع، أو يكون المقر به مستحيلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر بأنه قتل فلاناً وشاركه آخر في القتل - وذكره - فإن إقراره صحيح في حق نفسه وملزم له ويؤاخذ به - إذا كان القتيل معلوماً - ولكن - لا يكون إقراره صحيحاً في حق من ادعى مشاركته له في القتل، إلا إذا أقر الآخر أو قامت عليه بينة. ولا يجوز إبطال هذا الإقرار, لأن الإنسان لا يقر على نفسه كذباً وهو يعلم عاقبة إقراره في مثل هذه الحال. أما لو قامت البينة على أنه قتله بمعاونة الآخر فيؤخذ الاثنان معاً، ولا يقبل الإنكار منهما أو من أحدهما بعد ذلك.

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الخمسمئة.

تابع لقواعد أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الخمسمئة. إقرار الإنسان في ملك نفسه ملزم (¬1). القاعدة: التاسعة والأربعون بعد الخمسمئة. إقرار المقر في ملك نفسه بمنزلة البينة في حقه أو أقوى (¬2). القاعدة: الخمسون بعد الخمسمئة. إقرار الإنسان فيما في يده معتبر (¬3). القاعدة: الحادية والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار بما في يده من كثير أو قليل جائز (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تدل على أن الإنسان إذا أقر على شيء في ملك نفسه أو في يده فإن إقراره هذا ملزم له، ويعتبر هذا الإقرار بمنزلة الحجة والشهادة عليه بل إن إقراره هذا أقوى وآكد من البينة, لأن البينة فيها احتمال الكذب أو الخطأ، وأما الإقرار فلا احتمال فيه للكذب, لأن المقر لا يكذب على نفسه ليسبب لها الضرر. وكذلك يعتبر إقرار الإنسان بما في يده أنه ملكه سواء كان ذلك قليلاً أم كثيراً عظيماً أم حقيراً ولا يحتاج إلى إقامة البينة على ما في يده أنه ملكه لما في ذلك من التضييق والإحراج لو أن كل إنسان أراد أن يبيع شيئاً ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 145. (¬2) شرح السير الكبير صـ 321. (¬3) المبسوط للسرخسي ج 11 صـ 41، 45، 46. (¬4) الفرائد صـ 111 عن دعوى الخانية.

فطولب بالبينة على أنه يملكه، أو لتصديق قوله وإثبات ملكيته فيما يدعيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر بأن الدار التي يسكنها لفلان، فإقراره ملزم له. ومنها: إذا أقر على أن ما تحت يده من دار أو عقار أو دابة هو ملك فلان وأنه اغتصبه منه أو احتال عليه. يصدق على نفسه ويؤخذ منه ويرد على صاحبه، كما لو شهدت البينة بذلك. بل إن اعترافه بذلك أقوى من البينة. ومنها: إذا أقر ورثة إنسان أنه قد مات وعليه ديون. فإنه يؤخذ بقولهم فيقسم الميراث بينهم - إذا كان في أيديهم - وتقضي منه ديون الميت. وكذلك إذا كان المال في يد غيرهم فصدقهم بذلك (¬1). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 41.

القاعدة: الثانية والخمسون بعد الخمسمئة.

تابع لقواعد: أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القواعد: القاعدة: الثانية والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار متى حصل بما لا يحتمل النقض لا يبطل بتكذيب المُقرِّ له (¬1). القاعدة: الثالثة والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار بما لا يحتمل الإبطال يبقى موقوفاً على ظهور حكمه بملك المحل، وعند ذلك يصير كالمجدد للإقرار فيثبت حكمه في حقه (¬2). القاعدة: الرابعة والخمسون بعد الخمسمئة. إذا أقر بالشيء صريحاً ثم أنكره لم يقبل وإن أقام عليه البينة، وأما إن أقر به مطلقاً ثم ادعى قيداً يبطل الإطلاق لم يقبل إلا ببينة (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تدل هذه القواعد على أن المُقَرَّ به عموماً نوعان: أ - إقرار يحتمل الإبطال إذا كذبه المُقَرُّ له أو الواقع. ب - إقرار لا يحتمل الإبطال كالحرية والرق والنسب والطلاق والعتق والوقف. فتفيد القاعدة الأولى: أنه إذا أنكر المُقَرُّ له ما أقر به المُقِرُّ أو كذبه بما يحتمل الإبطال بطل الإقرار, لأن المُقَرَّ له لا يُلْزَم بإقرار المقِر في هذه ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 480. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 120. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 338.

الحال. فله حق رد الإقرار فيبطل. والقاعدة الثانية: تفيد أنه إذا أقر بما لا يحتمل الإبطال وهو لا يملكه فإن إقراره هذا يبقى موقوفاً على ظهور حكمه إذا ملك المحل فيعتبر عند ملكه كأنه جدد إقراره فيلزمه ويثبت حكمه في حقه. والقاعدة الثالثة: تشير إلى أن الإقرار إذا كان صريحاً لا لبس فيه ثم أنكر المقر إقراره فإن إنكاره لا يقبل وإن أقام عليه البينة، ولكنه إن أقر إقراراً مطلقاً عن القيد ثم ادعى قيداً فإن إدعاءَه هذا يبطل الإطلاق إذا أقام البينة على قيده المدَّعي، ولا يبطل أصل الإقرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر بطلاق زوجته وكذبته الزوجة فلا عبرة بتكذيبها. والطلاق واقع؛ لأن الإقرار بالطلاق لا يحتمل النقض. ومنها: إذا ادعى عبدٌ وَلَدَ امرأة حرة بنكاح فاسد أو جائز فيثبت النسب من العبد، إذا ملكه يوماً بعد عتقه فيعتق عليه ويثبت نسبه منه. ومنها: إذا أحال بدين واعترف بصحة الحوالة ثم ادعى فسادها لا تقبل دعواه وإن أقام البينة على ذلك؛ لأنه تكذيب لإقراره فلا يقبل، ولكنه إذا قال: لم تصح الحوالة لأنها كانت عن بيع فاسد، فإذا أقام بينة على فساد البيع قُبلت بَيِّنتَهُ وبطلت الحوالة. ومنها: إذا طلق امرأته ثلاثاً، ثم قال: لم يقع الطلاق لأن العقد كان فاسداً وأقام بينة بالمفسد - كعدم الولي - فتسمع بينته, لأنه لم يقر بصحة النكاح قبل الطلاق، وأما إن كان أقر بصحة النكاح قبل الطلاق فلا تسمع بينته ولا دعواه. ويقع طلاقه.

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الخمسمئة.

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القواعد: القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الخمسمئة. الاستثناء جائز في الإقرار كما في غيره إذا كان متصلاً غير مستغرق (¬1). القاعدة: السادسة والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار بشيء محال باطل (¬2). القاعدة: السابعة والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار الباطل لا يجب فيه البيان (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تدل القاعدة الأولى من هذه المجموعة على أن الاستثناء جائز في إلاقرار كجوازه في غيره كالطلاق واليمين لكن يشترط لاعتبار الاستثناء صحيحاً شرطان: الشرط الأول: إن يكون الاستثناء متصلاً بالإقرار في نفس المجلس وبدون فاصل زمني. والشرط الثاني: أن يكون الاستثناء غير مستغرق لكل ما أقر به. وإذا فقد شرط من هذين بطل الاستثناء وصح الإقرار دونه. والقاعدة الثانية: تدل على أن الإقرار إذا كان بشيء مستحيل فهو باطل غير صحيح، وينبني على ذلك القاعدة الثالثة وهي أن الإقرار إذا ثبت بطلانه فلا يجب فيه البيان والاستفهام لعدم الجدوى من ذلك. ¬

_ (¬1) الاعتناء جـ صـ 608. (¬2) أشباه ابن نجيم صـ 255. (¬3) الفرائد صـ 32 عن الخانية العتق المبهم.

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر بأن لفلان عنده ألف دينار إلا مائة لزمه تسع مائة دينار. ومنها إذا أقر بأنه قتل فلاناً وهو ميت منذ زمن فلا يصدق في إقراره لأن قتل الميت مستحيل، ولا يحتاج إلى الاستفهام عن ذلك متى قتله وكيف قتله.

القاعدة: الثامنة والخمسون بعد الخمسمئة.

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القواعد: القاعدة: الثامنة والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار لا يرتد بالرد (¬1). القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الخمسمئة. الإقرار يرتد بردَّ المُقَرَّ له (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تدلان على حكمين من أحكام الإقرار: أ - الحكم الأول: ينبني على ما ثبت من أن الإقرار حكمه الإلزام وأنه لا يرتد برد المُقِر. فإذا أقر ثم أنكر إقراره فلا يقبل منه هذا الإنكار لأنه يعتبر تكذيباً لإقراره، ولكن هذا في حقوق العباد حيث إن من أُقِرَّ له يطالب المقر بالحق الذي أقرَّ به، وأما في حقوق الله سبحانه وتعالى فيجوز رجوع المُقر عن إقراره. ب - الحكم الثاني الذي تفيده القاعدة الثانية أنه إذا كان الإقرار لا يرتد برد المُقِرّ لكنه يرتد برد المُقَّرَّ له, لأنه صاحب الحق، ويكون إما تكذيباً للمقر أو إسقاطاً للحق. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أقر أنه سرق من آخر مالاً أو غصبه ثم أراد الرجوع عن إقراره ورد الإقرار فإنه لا يقبل منه، وللآخر مطالبته بما أقر به. ومنها: إذا أقر بأن لفلان عنده مقداراً من المال. فأنكر المُقَرُّ له ذلك بطل الإقرار ولا حق للمُقَرَّ له بعد ذلك في مطالبة المُقِر، إلا بسبب جديد. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة صـ 21، قواعد الخادمي صـ 313. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 189.

القاعدة: الستون بعد الخمسمئة.

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القواعد: القاعدة: الستون بعد الخمسمئة. الإقرار بعد الإنكار صحيح (¬1). القاعدة: الحادية والستون بعد الخمسمئة. إقرار المكره باطل (¬2). القاعدة: الثانية والستون بعد الخمسمئة. إقرار السكران جائز كإقرار الصاحي (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تدل القاعدة الأولى على أن حكم الإقرار إذا وقع بعد الإنكار فهو صحيح ولا يضر في صحته ولزومه وجود الإنكار قبله، فالإنكار قبل الإقرار جائز وبعده لا يجوز. وتدل الثانية على حكم إقرار المكره وهو المجبر بالتهديد بالقتل أو القطع أو الإيذاء على الاعتراف فتفيد أن الإقرار في هذه الحالة باطل لا يترتب عليه أثر ولا يُلزم المقر شيئاً. والقاعدة الثالثة تدل على أن السكران بمحرم عالم به غير مكره ولا مضطر أن إقراره صحيح وملزم له كإقرار الصاحي إلا في بعض المسائل المستثناة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ادعى عليه آخر بمبلغ من المال فأنكر ثم أقر به فيعتبر إقراره ¬

_ (¬1) السير الكبير صـ 1736. (¬2) الاعتناء جـ 2 صـ 615.، وشرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 ص 2043. (¬3) المبسوط للسرخسي جـ 18 صـ 172، وأشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 33.

ويلزم به. ومنها: إذا أكره على الإقرار بحق لغيره عليه أو بطلاق زوجته أو عتق عبده فإقراره باطل غير ملزم. ومنها: إذا أقر السكران حال سكره بالزنا أو السرقة اعتبر إقراره وأخذ وعوقب بعد صحوه.

القاعدة: الثالثة والستون بعد الخمسمئة.

تابع قواعد أحكام الإقرار القاعدة: الثالثة والستون بعد الخمسمئة. أولاً: لفظ ورود القاعدة: الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار كما سبق هو الإعتراف بحق سابق. والتعليق بالشرط ينافيه فإذا علق إقراره بشرط صح إقراره وبطل شرطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل أقر لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالإقرار جائز والخيار باطل. وجواز الإقرار لوجود الصيغة الملزمة، وأما الخيار فباطل, لأنه إن اختار فالإقرار باطل، وبطلان الإقرار لا يصح. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 198، وجـ 18 صـ 79.

القاعدة: الرابعة والستون بعد الخمسمئة

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: لفظ ورود القاعدة: القاعدة: الرابعة والستون بعد الخمسمئة الإقرار متى قُرن بالعوض يجعل ابتداءً تمليك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على حكم من أحكام الإقرار وهو أنه إذا قرن الإقرار بشيء بالعوض في مقابلة ذلك فيجعل ذلك عقداً يملك بموجبه الدافع ما أقَرَّ به القابل للعوض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى على امرأة أنها زوجته فجحدت وأنكرت. فصالحها على مبلغ من المال على أن تقر بذلك فأقرت. صح إقرارها ولزمه المال، ويعتبر ذلك ابتداءً عقد نكاح بينهما والمال مهر لها. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 145 عن الخانية فصل الإبراء جـ 3 صـ 92.

القاعدة: الخامسة والستون بعد الخمسمئة

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: لفظ ورود القاعدة: القاعدة: الخامسة والستون بعد الخمسمئة الإقرار عند الحنفية يحمل على العرف لا على دقائق العربية (¬1). وعند الشافعي رحمه الله قال: أصل ما ابني عليه الإقرار أني لا أُلزم إلا اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة (¬2). وقد سبقت. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تدل هاتان القاعدتان على سبيل تنفيذ الأقارير وبيان ما يحمل عليه كلام المُقر، فعند الحنفية أنه يحمل الإقرار على العرف, لأنه هو المتبادر عند الإطلاق ولا يحمل كلام المقر على دقائق العربية, لأنه ليس كل أحد يعرف مقاصد الألفاظ اللغوية ودلالاتها عند علماء اللغة، وقد يكون في عرفه استعمالها في أمر آخر أو أخص من الإستعمال اللغوي. وعند الشافعي رحمه الله يبنى الإقرار على اليقين لا على الشك ولا يستعمل الغلبة - أي الظن - فما دل عليه لفظ المقر يقيناً حمله عليه، ولا أرى بين القاعدتين تعارضاً فإن البناء على اليقين مطلوب الجميع، والحنفية حينما بنوا الإقرار على العرف بناءً على أنه المتيقن عند الإقرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: ليس لي عليك ألف؟ فقال بلى. فهو إقرار له بها، وإن قال: نعم. لا. أي لا يكون إقراراً. وهذا في الحقيقة بناء على المفهوم اللغوي لا العرفي لكلمتي بلى ونعم بعد النفي. لكن هكذا ذكر في الفرائد. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 113 عن إقرار الدر المختار. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 صـ 330، وأشباه السيوطي صـ 53

والأصح: إذا قال غصبت من فلان دابة ولم يبين نوعها. فيطالب بحصان أو بغل أو حمار, لأنه هو المتعارف عند الناس، ولا يطالب بجمل ولا بقرة ولا عبد بناء على أنه دابة في اللغة.

القاعدة السادسة والستون بعد الخمسمئة

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القاعدة السادسة والستون بعد الخمسمئة الإقرار بأصل العقد إقرار بشرطه (¬1). القاعدة السابعة والستون بعد الخمسمئة الإقرار بالعقد إقرار به وبما هو من شرائطه (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تدل هاتان القاعدتان على حكم مهم من أحكام الإقرار يتعلق بالعقود فمن أقر أو اعترف بعقد فيكون اعترافه ليس مقصوراً على أصل العقد بل يكون إقراراً عاماً يتناول العقد وكل ما يتصل بالعقد من شروط ولوازم وتبعات ينبنى عليها صحة العقد، ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا زوج الوكيل الرجل بامرأة ثم اختلفا فقال الوكيل: أشهدتُ في العقد على النكاح. وقال الزوج: لم تشهد فيه. فإنه يفرق بين الرجل والمرأة, لأن الزوج ينكر صحة العقد فلا تحل له المرأة بإنكاره. ولكن عليه نصف الصداق, لأن إقراره بأصل العقد الذي عقده الوكيل إقرار بشرط صحته. وهذا إذا لم يكن قد دخل بالمرأة، وإلا عليه المهر كاملاً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 37. (¬2) نفس المصدر جـ 13 صـ 35.

القاعدة الثامنة والستون بعد الخمسمئة

تابع قواعد أحكام الإقرار أولاً: لفظ ورود القاعدة: القاعدة الثامنة والستون بعد الخمسمئة " إذا أضاف المُقِرُّ الُمقَرَّ به إلى نفسه كان هبة فيشترط له ما يشترط في الهبة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن إقرار المقر بأن ما يملكه هو لغيره - وسماه - يعتبر في هذه الحالة هبة مبتدأَة من المُقِرَّ إلى المُقَرِّ له، فيشترط لهذا الإقرار ما يشترط في الهبة من القبول والقبض، بخلاف ما إذا قال: جميع ما يعرف لي فهو لفلان. فهو إقرار بملكية كل ذلك للمُقَرِّ له، وليس هبة مبتدأة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال هذه الدار التي أسكنها لفلان، فهذا كناية عن الهبة وليس إقراراً بحق سابق، فيشترط لتمامها قبول الموهوب له، وقبض الموهوب من الواهب. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 113 عن إقرار الخانية.

القواعد: التاسعة والستون بعد الخمسمئة

من مسائل الإقرار [إقرار الوقف] القواعد: التاسعة والستون بعد الخمسمئة أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إقرار الناظر ونكوله على الوقف لا يصح (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الناظر: هو المشرف على الوقف والقائم بشؤونه. والوقف: هو الحبس. والمراد به العين المحبسة لله سبحانه وتعالى. فتدل هذه القاعدة على أن إقرار القائم بشؤون الوقف على الوقف بشيء لا يصح, لأنه إقرار بما لا يملكه، والإقرار الملزم على مَن يقر على ما يملك، ولأن القائم بشؤون الوقف يجب عليه المحافظة على الوقف والعمل بما فيه مصلحته وفائدته، فالإقرار عليه فيه ضرر على الوقف وعلى مصلحة الموقوف عليهم. وكذلك نكوله عن اليمين فيما يتعلق بدعوى على الوقف لا يصح منه, لأن النكول إما إقرار وإما بذل - عند غير الشافعية - وكلاهما لا يصح من الناظر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر الناظر بدين على الوقف لا يقبل إقراره، لكن إذا قامت البينة من المدعي فهي مقبولة. ومنها: إذا وجهت اليمين على ناظر للوقف أنكر أن على الوقف ديناً للمدعي، فليس للناظر النكول عن اليمين بل عليه أن يحلف إن كان يعلم أن المدعي ليس محقاً. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 160 عن البزازية.

القاعدة: السبعون بعد الخمسمئة [الإقرار بالنسب]

القاعدة: السبعون بعد الخمسمئة [الإقرار بالنسب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإقرار بالنسب وإن لم يعمل في إثبات النسب لمانع كان عاملاً في الحرية (¬1) ". من مسائل الإقرار ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار بالنسب هو اعتراف ببنوة من يدعيه. فإذا كان المدّعي معروف النسب من غير المدَّعي فلا يثبت النسب لذلك، ولكن إذا كان المدعي عبداً فإنه يعتق على المدعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لعبده - وهو معروف النسب من غيره - ولو كان يولد مثله لمثله - هو ابني. فيعتق عليه، ويكون قوله: هو ابني - كناية عن عتقه وتحريره، ولم يثبت نسبه منه. ¬

_ (¬1) المبسوط للرخسي جـ 17 صـ 106 باب إدعاء الولد

القاعدة: الحادية والسبعون بعد الخمسمئة [إقرار الزوج]

القاعدة: الحادية والسبعون بعد الخمسمئة [إقرار الزوج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إقرار الزوج بما ينافي النكاح يبطله (¬1) ". من مسائل الإقرار ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أقر الزوج بأمر منافٍ للنكاح فإن النكاح المدّعى يبطل. والمراد بالأمر المنافي في النكاح هو الأمر الذي إذا وجد منع صحة عقد النكاح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زعم رجل أن زوجته قد ارتدت. وأنكرت هي بطل النكاح. ومنها: إذا ادعى رجل على امرأة أنه قهرها وأخرجها من دار الحرب قهراً، وقالت هي: بل خرجت معه على أني زوجته ولم يقهرني. فالقول لمن يدل عليه الظاهر، فإن جاء بها مربوطة. فالظاهر شاهد للزوج فيكون القول قوله وهي أمة له، وإن جاءت معه غير مربوطة. فالظاهر يشهد لها فتكون حرة ذمية، إلا أنه لا نكاح بينها وبينه لإقراره بما يبطل النكاح، وهو الملك بطريق القهر، فهو مناف للنكاح. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 صـ 546 - 547.

القاعدة: الثانية والسبعون بعد الخمسمئة والثالثة والسبعون بعد الخمسمئة والرابعة والسبعون بعد الخمسمئة [أكبر الرأي - غلبة الظن]

القاعدة: الثانية والسبعون بعد الخمسمئة والثالثة والسبعون بعد الخمسمئة والرابعة والسبعون بعد الخمسمئة [أكبر الرأي - غلبة الظن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " أكبر الرأي فيما لا تعلم حقيقته كاليقين (¬1) ". وفي لفظ: "أكبر الرأي بمنزلة اليقين فيما يبنى أمره على الاحتياط (¬2) ". وفي لفظ: "أكبر الرأي فيما لا يمكن الوقوف عليه بمنزلة الحقيقة (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: أكبر الرأي: المراد به غلبة الظن وهو الإدراك للجانب الراجح. واليقين: هو الإدراك الجازم المستند إلى الدليل القطعي. وتدل هذه القواعد على أن الأمور التي لا تعلم حقيقتها أو لا يمكن الوقوف عليها بدليل قطعي - وقد غلب على ظن المجتهد فيها حكم مبني على الاحتياط - فيجب عليه أن يعمل بموجب هذا الظن والرأي الغالب، لأن الوقوف على اليقين والحقائق في أكثر الأحكام متعذر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من كان أكبر رأيه أنه تسحر والفجر طالع فالمستحب له أن يقضي ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 85. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 78. (¬3) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 4 صـ 1489.

احتياطاً للعبادة. ومنها: من سال عليه من موضع شيء لا يدري ما هو فإن كان في أكبر رأيه أنه نجس غسله احتياطاً للعبادة.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد الخمسمئة والسادسة والسبعون بعد الخمسمئة والسابعة والسبعون بعد الخمسمئة والثامنة والسبعون بعد الخمسمئة [الأكثر - الأقل]

القاعدة الخامسة والسبعون بعد الخمسمئة والسادسة والسبعون بعد الخمسمئة والسابعة والسبعون بعد الخمسمئة والثامنة والسبعون بعد الخمسمئة [الأكثر - الأقل] أولاً: ألفاظ ورود القواعد: " الأكثر يقوم مقام الكل (¬1) ". وفي لفظ: "الأكثر ينزل منزلة الكمال (¬2) ". وفي لفظ: "للأكثر حكم الكمال أو حكم الكل (¬3) ". وفي لفظ: "الأقل يتبع الأكثر (¬4) ". المشهور من مذهب مالك رحمه الله. وفي لفظ: "إقامة الأكثر مقام الكل أصل في الشرع (¬5) ". وفي لفظ: "الأقل تبع للأكثر وللأكثر حكم الكل (¬6) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد وكثير غيرها بمعناها تؤدي معنىً متحداً وهو أن الحكم إذا تعلق بمتعدد ووجد أكثر هذا المتعدد فإن الحكم ينطبق على الكل، ولا يضر ثبوت الحكم تخلفُ الأقل أو عدمُ وجوده، وهذه في ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 64، وجـ 4 صـ 65، 77. (¬2) المبسوط جـ 4 صـ 126. (¬3) المبسوط جـ 1 صـ 105، 175، وجـ 2 صـ 115، وجـ 3 صـ 39. (¬4) قواعد المقَّري جـ صـ 510 القاعدة الثانية والسبعون بعد المئتين. (¬5) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 100. (¬6) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 39.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الحقيقة قاعدة أغلبية لا كلية لأن من الأمور ما لا يجوز اعتباره إلا كاملاً ولو وجد أكثره لا يكون صحيحاً كالصلاة والطهارة، وقراءة الفاتحة في الصلاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: المطلوب في حل الذبيحة الاختيارية قطع الحلقوم والمريء والودجين، ولكن أجازوا قطع أكثرها أو أكثر كل واحد منها فتحل. ومنها: إذا باعوا أرضاً وذكروا لها ثلاثة حدود جاز البيع ولو لم يذكر الحد الرابع. ومنها: عند الحنفية إذا طاف خمسة أشواط أو ستة أجزأته لأن للأكثر حكم الكل.

القاعدة: التاسعة والسبعون بعد الخمسمئة [الإكراه]

القاعدة: التاسعة والسبعون بعد الخمسمئة [الإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإكراه بوعيد الحبس والقيد يظهر في الأقوال لا في الأفعال، أما الإكراه بوعيد القتل أو إتلاف عضو فإنّه يظهر في الأقوال والأفعال جميعاً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإكراه: معناه الإجبار وحمل الإنسان على شيء يكرهه. والإكراه إما إكراه تام وإما إكراه غير تام. فالتام ما كان بتهديد بالقتل أو قطع عضو من قادر على الفعل. فهذا الإكراه يعدم الرضا ويرخص في فعل ما أكره عليه غير القتل للنفس المعصومة والزنا. والنوع الثاني: تهديد بحبس أو قيد أو ضرب فهذا وإن كان يضعف الرضا لكن لا يعدمه ولا يعدم الاختيار وتدل هذه القاعدة على أن النوع الأول: الإكراه التام أو الملجيء - يظهر أثر رخصته في الأقوال والأفعال جميعاً عداً ما استثنى. وأما النوع الثاني: فيظهر أثره في الأقوال فقط، فيجيز للمكره بيع ما أكره على بيعه أو إجارته أو الإقرار ونحو ذلك، ولا يبيح له النطق بكلمة الكفر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أكره على النكاح فتزوج صح نكاحه عند الحنفية. وكذلك لو أكره على الطلاق أو العتاق فطلق أو أعتق يقع عتقه وطلاقة (¬2) عندهم. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 219 عن إكراه الخانية. (¬2) إكراه الفتاوى الخانية على حاشية الفتاوى الهندية جـ 3 صـ 483.

القاعدة: الثمانون بعد الخمسمئة [الإكراه]

القاعدة: الثمانون بعد الخمسمئة [الإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإكراه يسقط أثر التصرف فعلاً كان أم قولاً (¬1) ". عند غير الحنفية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإكراه: هو الإلزام والإجبار على ما يكره الإنسان طبعاً أو شرعاً، فيقدم على عدم الرضا ليدفع ما هو أضرّ (¬2). إسقاط أثر التصرف, عدم تحمل المُكره تبعة ما أُكرِه عليه, لأن الإكراه يعدم الرضا، وهذا في الإكراه الملجيء بالتهديد بالقتل أو قطع عضو أو ضرب شديد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع مكرهاً لا يصح البيع. إذا شرب الخمر مكرهاً لا يحد، [لا يعامل معاملة الصاحي]. إذا نطق بكلمة الكفر مكرهاً لا يعتبر كافراً. وخرج عن ذلك مسائل، منها: - الإكراه على القتل - إذا كان المراد قتلُه معصوم الدم -، أو الزنا للرجل، لا يبيحه، الإكراه على الإرضاع يثبت التحريم، إكراه الحربي والمرتد على الإسلام يصح. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 150، والأشباه والنظائر للسيوطي صـ 203 المنثور في القواعد للزركشي ج 1 صـ 188، قواعد الحصني القسم الأول صـ 759 (¬2) التعريفات للجرجاني صـ 34.

القاعدة: الحادية والثمانون بعد الخمسمئة [الإكراه]

القاعدة: الحادية والثمانون بعد الخمسمئة [الإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإكراه هل يكون إذناً مؤكداً أو لا؟ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإكراه معناه الإجبار، وتدل هذه القاعدة على أن الإكراه هل يعتبر إذناً من المكرِه بفعل ما أُكْرِه عليه؟ وهذا فيما يخص فعلهُ المكرِه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أكره رجلٌ آخرَ على طلاق زوجته - أي زوجة المكرِه - فَطَلَّق قالوا: يقع الطلاق في الأصح لأنه إذن وزيادة. ومنها: إذا قال لزوجته: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق. ثم أخرجها هو بغير اختيارها، فهل يكون إذناً؟ خلاف والأصح أنه لا يقع لأنها لم تخرج وإنما أخرجت. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 200

القاعدة: الثانية والثمانون بعد الخمسمئة [الأصل والبدل]

القاعدة: الثانية والثمانون بعد الخمسمئة [الأصل والبدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إكمال الأصل بالبدل غير ممكن (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه لا يمكن إذا نقص الأصل عن الوفاء بالمطلوب أن يكمل بالبدل، بل ينتقل الحكم إلى البدل, حتى لا يجتمع البدل والمبدل منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كفارة الظهار وكفارة القتل الخطأ، عتق رقبة فمن ملك نصف رقبة وأعتقها عن ظهاره أو عن القتل الخطأ ثم صام شهراً أو أطعم ثلاثين مسكيناً، فهل يجزئه هذا؟ بناءً على هذه القاعدة لا يجزئه هذا لا عن ظهاره، ولا عن القتل الخطأ، ولا عن يمينه, لأن الصيام والإطعام بدل عن نصف الرقبة. وعتق الرقبة أصل. ومنها: إذا وجد ماءً يكفي بعض أعضاء الوضوء أو بعض بدنه في الغسل فهل يجب استعماله؟ خلاف عند الحنابلة (¬2). وعند المالكية (¬3) من لم يكفه الماء لم يلزمه أن يجمع بين التيمم والوضوء. والحنفية بناءً على هذه القاعدة لا يجيزون الجمع بين الماء والتيمم لا وضوءاً ولا غسلاً. وأما عند الشافعي فيجب على مَنْ لا يستطيع أن يعم جسده بالماء للغسل أو أعضاء الوضوء أن يغسل ما يقدر عليه منها ويتيمم للباقي (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 7 صـ 10. (¬2) المقنع جـ 1 صـ 69 - 70. (¬3) الكافي جـ 1 صـ 181. (¬4) الأم جـ 1 صـ 37.

القاعدة: الثالثة والثمانون بعد الخمسمئة [الالتزام]

القاعدة: الثالثة والثمانون بعد الخمسمئة [الالتزام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " التزام تسليم ما لا يقدر عليه بعقد المعاوضة لا يجوز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من التزم وتعهد بتسليم ما لا يقدر عليه ولا يستطيعه لكونه لا يقع تحت قدرته، فالتزامه باطل غير جائز، والعقد غير صحيح، وإن من شروط صحة عقد المعاوضة القدرة على تسليم البدل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سلم ولده لمعلم وشرط عليه أن يجعله حاذقاً ماهراً. فالإجازة فاسدة، وإن الحذق والمهارة ليست لمجرد التعليم بل لا بد من الإستعداد لها عند الصبي المتلقي. ومنها: مَنْ باع طيراً في الهواء لا يقدر على صيده فالبيع باطل. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 41 باب الإجارة الفاسدة.

القاعدة: الرابعة والثمانون بعد الخمسمئة [الالتزام]

القاعدة: الرابعة والثمانون بعد الخمسمئة [الالتزام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " التزام ما هو لازم لا يتحقق (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الالتزام: الإيجاب. يقال: التزم الشيء: أوجبه على نفسه، وأصل الالتزام الاعتناق والمصاحبة وعدم المفارقة. لازم: أي واجب. وتدل هذه القاعدة على أن إلزام الإنسان نفسه شيئاً هو لازم له شرعاً لا يتحقق؛ لأن إيجاب الشرع مقدم على إيجابه على نفسه فيكون إيجاب ما أوجبه الشرع تحصيل حاصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نذر أن يصلي الفريضة لا يتحقق نذره لأن أداء الفريضة لازم قبل إلزامه نفسه. وكذلك من نذر أن يحج فرضه. لا يتحقق نذره كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 15.

القاعدة: الخامسة والثمانون بعد الخمسمئة [الألفاظ]

القاعدة: الخامسة والثمانون بعد الخمسمئة [الألفاظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الألفاظ قوالب المعاني، فلا يجوز إلغاء اللفظ وإن وجب اعتبار المعنى، إلا إذا تعذر الجمع للمنافاة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط وثيق بقاعدة العقود عند الحنفية وهي قولهم: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني - الأتية إن شاء الله في حرف العين - فتدل قاعدتنا على أن الأصل اعتبار اللفظ، لأنه إنما وضع اللفظ ليدل على معناه المطابق له، وهذا معنى قولهم. الألفاظ قوالب المعاني - حيث إن القالب يشتمل على ما أُدرج فيه تماماً. فإذا وجب معنى عقد وتعذر الجمع بين اللفظ والمعنى للمنافاة اعتبر المعنى وعند تعذره يعتبر اللفظ قطعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذا الفرس بمائة دينار، فهذا عند الحنفية والمالكية بيع قولاً واحداً، لكن اختلف الحنفية: هل مثل هذا العقد بيع ابتداء وانتهاء أو هو هبة ابتداء بيع انتهاء. عند زفر بن الهذيل رحمه الله هو بيع ابتداءً وانتهاء حيث أهمل اللفظ ونظر إلى المعنى المقصود من العقد، وعند غيره من أئمة الحنفية هو هبة ابتداءً لورود لفظ الهبة في العقد، وهو بيع انتهاءً لاشتراط العوض. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 صـ 79، جـ 20 صـ 46، 116، والقواعد والضوابط المستخلصة صـ 481.

القاعدة: السادسة والثماثون بعد الخمسمئة [العرف]

القاعدة: السادسة والثماثون بعد الخمسمئة [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوقف: لغة الحبس وهو اصطلاحاً: حبس العين على حكم ملك الله سبحانه وتعالى (¬2). فتدل هذه القاعدة على أن ألفاظ الواقفين المدونة في حجج وقوفهم إنما تبنى على عرفهم وعاداتهم التي عرفوها واعتادوها ولا تبنى في الغالب على دقائق العربية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رتب الواقف من يستحق المنفعة من الوقف بثم ثلاثة بطون يكون مرتباً فيما بعدها من البطون كقوله على ولدي ثم على ولده ثم على ولد ولده، أو يقول بطناً بعد بطن، والمراد من البطن الرتبة في القرابة. فالأولاد الصلبيون بطن ثم أولادهم بطن وهكذا. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 225، عن الأشباه لابن نجيم - قاعدة العادة محكمة صـ 94، عن وقف فتح القدير. (¬2) أنيس الفقهاء صـ 197، وتحرير ألفاظ التنبيه صـ 237.

القاعدة: السابعة والثمانون بعد الخمسمئة [الهوام]

القاعدة: السابعة والثمانون بعد الخمسمئة [الهوام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إلقاء الهوام يوجب الضمان (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالهوام ما يؤذي من الحشرات والدواب كالحية والعقرب والزنبور، فإذا ألقى إنسان أفعى على آخر فقتلته فالملقي ضامن وإن لم يكن مباشراً، لأنه متسبب. والمباشرة هنا مبنية على السبب. ولهذه القاعدة تعلق بقاعدة اجتماع السبب والمباشرة، وهذه أخص منها موضوعاً. ولو ألقى أفعى في طريق المسلمين فتلف بها إنسان قبل أن تتحول عن مكانها فإنه ضامن، أما إذا تحولت فمشت ثم أتلفت بعد ذلك فلا ضمان. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 194، وصـ 138 ط جديدة عن الخانية فصل ما لا يضمن بإرسال الدابة ج 3 صـ 248 - حاشية الفتاوى الهندية.

القاعدة: الثامنة والثمانون بعد الخمسمئة [الأمانات]

القاعدة: الثامنة والثمانون بعد الخمسمئة [الأمانات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمانات لا كفالة فيها (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن ما كان عقد أمانة غير مضمون على الأمين، وما دام لا ضمان على الأمين فلا تصح الكفالة فيها، أي لا يشترط في عقد الأمانة وجود كفيل ضامن؛ لأن عقد الأمانة عقد غير لازم غالباً بل هو عقد تبرع، كالوديعة تبرع بالحفظ من المودَع، والعارية تبرع بالإعارة من المعير. ولأنه إنما يلتزم الكفيل بالمطالبة بما هو مضمون الايفاء على الأصيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أودع عند إنسان وديعة فلا يلزم الأمين إحضار كفيل بردها أو ضمانها إذا تلفت بغير تعد أو تقصير. لأنها عقد تبرع. وكذلك لو ضارب شخص آخر فلا يشترط في المضاربة إحضار كفيل لأن مال المضاربة غير مضمون. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 20 صـ 102 - 103 بتصرف.

القاعدة: التاسعة والثمانون بعد الخمسمئة [الأمانات]

القاعدة: التاسعة والثمانون بعد الخمسمئة [الأمانات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمانات تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمانات: كالودائع والعواري ومال المضاربة، وأشباه ذلك مما لا يضمن إلا بالإتلاف أو التقصير في الحفظ، ومعنى موته مجهلاً ألاَّ يبين حال الأمانة وكان يعلم أن وارثه لا يعلمها. هذه الأصل فيها أنها إذا تلفت بغير تعدَّ أنها غير مضمونة. وتدل هذه القاعدة على أن هذه الأمانات تصبح مضمونة وتعتبر ديناً في مال الأمين إذا مات وقد تلفت الوديعة وجهل سبب التلف، ولم يعلم الوارث بذلك، فتعتبر هذه الأمانة حينئذٍ مضمونة في مال المورث، أو لم تتلف ولكن كان الأمين يعلم أن وارثه لا يعلمها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أودع رجل آخر وديعة ثم مات ولم يعلم الوارث بها، فتعتبر ديناً مضموناً في مال المورث قبل قسمه التركة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 273.

القاعدة: التسعون بعد الخمسمئة [الأمر]

القاعدة: التسعون بعد الخمسمئة [الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الآمر لا يضمن بالأمر (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أن من أَمر غيره بفعل شيء وإتلافه فإن ضمان المتلَف على المأمور لا على الآمر، إلا إذا كان الآمر سلطاناً، أو مولى أو كان المأمور عبد الغير أو كان صبياً، أو كان الآمر أباً. والعلة في عدم تضمين الآمر أن الآمر مجرد طالب للفعل وليس مُكرِهاً المأمور على الفعل فيكون المأمور فاعلاً مختاراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أمر غيره بحفر باب في حائط الغير فحفر فالضمان على الحافر ثم يرجع على الآمر. إلا إذا قال الآمر: احفر باباً في حائطي هذا. فالضمان على الآمر. ففي كل موضع لا يصح فيه الأمر فالضمان على المأمور لا الآمر. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم صـ 283، الخاتمة شرح القرق أغاجي صـ 7، الفرائد صـ 197 عن جامع الفصولين، الخاتمة صـ 309، الوجيز مع الشرح والبيان صـ 325.

القاعدة الحادية والتسعون بعد الخمسمئة [الاجتهاد]

القاعدة الحادية والتسعون بعد الخمسمئة [الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أمر الأمير متى صادف فصلاً أو محلاً مجتهداً فيه نفذ أمره (¬1) ". ثانياً: معنى القاعدة ومدلولها: الأمور والأحكام نوعان: أحكام نصَّية لا تجوز مخالفتها كما لا يجوز تعطيلها. وأحكام اجتهادية لا نص فيها أو أن المكلف مخير فيها بين أمور. فتدل هذه القاعدة أن الأحكام الاجتهادية إذا حكم بها حاكم وجب تنفيذ أمره فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان جيش للمسلمين فأخرج قائده سرية وأمَّر عليها رجلاً ثم أمره أن يبيع ما غنمت السرية ويقسمه بين أفراد السرية خاصة، ففعل ذلك جاز، ولم يكن لباقي الجيش فيه نصيب، وهذا فصل مجتهد فيه بناءً على قول عمر رضي الله عنه "الغنيمة لمن شهد الوقعة" (¬2) حيث يفيد بظاهره أن ما غنموه للسرية خاصة حيث إن باقي الجيش لم يشهد الوقعة (¬3). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 2189. (¬2) ذكره في نصب الراية جـ 3 صـ 408، وذكر طرفه وقال: الأصح وقفه على عمر رضي الله عنه وذكره مرفوعاً غريب. كما ذكره القرطبي جـ 8 صـ 16. (¬3) شرح السير مرجع سابق نفس الصفحة بتصرف.

القاعدة: الثانية والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر]

القاعدة: الثانية والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملك ما يملكه الإنسان سواء أكان أعياناً أم منافع، وقد أثبت الشرع لصاحبه فقط القدرة على التصرف فيه، ومنع غير المالك من التصرف بغير إذن منه، فإذا كان التصرف في ملك الغير لا يجوز بغير إذنه فكذلك الأمر بالتصرف فيه باطل، لأن ما حرم فعله حرم طلبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أمر أحد رجلاً أن يأخذ مال آخر ويلقيه في البحر أو يهدم بيته أو يمزق ثوبه ففعل فالضمان على الفاعل، لأن الأمر المصادر إليه باطل إلا إذا كان الفاعل مُكرَهاً، وما لم يكن الآمر وصياً أو أباً أو سيداً فالضمان على الآمر. ¬

_ (¬1) قواعد الخادمي صـ 312، وشرح الخاتمة صـ 22، والمجلة المادة 95، والمدخل الفقرة 654 والوجيز صـ 327.

القاعدة: الثالثة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر]

القاعدة: الثالثة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمر بالشيء لا يتضمن ضده (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنه إذا أمر أحد غيره بفعل شيء ما فإن هذا الأمر من الطالب لا يتضمن ما هو ضد الأمر وإلا يكون جمعاً بين الضدين وذلك لا يجوز. وهذه القاعدة بخلاف القاعدة الأصولية القائلة: هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل رجل آخر في الخصومة فليس للوكيل أن يصالح ولا أن يهب, لأن هذه التصرفات ضد الخصومة وقاطعة لها، والأمر بالشيء لا يتضمن ضدهُ. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 19 صـ 12 كتاب الوكالة.

القاعدة: الرابعة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر بالمعروف]

القاعدة: الرابعة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر بالمعروف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمر بالمعروف واجب إذا عُلم الامتثال (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعروف: ما عُرف بالعقل أو الشرع حسنه، وهو الإحسان أيضاً، فالأمر بما حسنه الشرع أو بالواجبات، والنهي عما قبَّحه أو عن المحرمات، واجب على الكفاية (¬2)، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة مشهورة. والأمر بالمعروف إنما يدخل في باب الوجوب إذا علم أو غلب على الظن أن المأمور يمتثل ويطيع، وإلا فيندب إبراءً للذمة أو يمتنع إذا علم أو غلب على الظن أنه سيترتب على الأمر بالمعروف مكروه أشد أو ضرر يعود على الآمر في نفسه أو أهله أو ماله. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 296 عن الخانية فصل التسبيح ج 3 صـ 429 هامش الفتاوى الهندية. (¬2) المنثور ج 3 صـ 36.

القاعدة: الخامسة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر - التهمة]

القاعدة: الخامسة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر - التهمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمر المطلق تخصصه التهمة (¬1) ". وفي لفظ: "لا حجة مع الاحتمال الناشئ دليل (¬2) ". وتأتي في حرف اللام إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المطلق: ما لم يقيد ويدل على شيء عام عموماً بدلياً كلفظ "فرس". والمقيد: بخلافه، ومعنى تخصيص المطلق تقييده بقيد يخرجه عن عمومه وإطلاقه، فتدل هذه القاعدة أنه إذا صدر أمر مطلق ثم تطرقت التهمة إليه فيعتبر تطرق التهمة قيداً لهذا الأمر المطلق فلا يجري على إطلاقه. وهذا معنى قولهم: "إن التهمة إذا تطرقت إلى فعل الفاعل حكم بفساد فعله (¬3) ". والمراد بالأمر هنا أعم من فعل الأمر حيث يشمل كل التصرفات القولية والفعلية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَنْ طلَّق امرأته في مرض موته - طلاقاً بائناً - فراراً من ميراثها، حُكم بفساد فعله وعومل بنقيض قصده فترث منه إذا مات وهي في العدة ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481. (¬2) قواعد الخادمي صـ 329 وشرح الخاتمة 110 والمجلة المادة 73. (¬3) تأسيس النظر صـ 27.

عند الجميع، وعند بعضهم ترث ولو مات وقد انتهت عدتها. ومنها: لو أقر لأحد ورثته بدين - وهو في مرض موته - فلا يعتبر إقراره صحيحاً للتهمة بتفضيل بعض الورثة وهذا عند الحنفية والحنابلة.

القاعدة: السادسة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر]

القاعدة: السادسة والتسعون بعد الخمسمئة [الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الأمر هل يُخرج ما في الذمة إلى الأمانة فيرتفع الضمان أم لا؟ (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنه إذا كان لرجل على آخر دين في ذمته ثم أراد الدائن أن يحول الدين من ذمة المدين إلى أمر آخر غير مضمون أصلاً فهل يصح ذلك ويرتفع الضمان أو لا يصح؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل دين على آخر في ذمَّته ثم أمر الدائن المدين أن يحول ما عليه من دين إلى قراض - مضاربة - ويعمل فيه - وهذا عند المالكية وعند الأكثرين لا يصح. لأنه يشترط في رأس المال أن يكون مقبوضاً - فإن فعل المدين ذلك ثم ضاع المال فهل يضمن بناء على أنه دين في الذمة، أو لا يضمن بناءً على أن مال المضاربة أمانةٌ؟ خلاف. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي القاعدة الرابعة والستون

القاعدة: السابعة والتسعون بعد الخمسمئة والثامنة والتسعون بعد الخمسمئة [إمكان الأداء]

القاعدة: السابعة والتسعون بعد الخمسمئة والثامنة والتسعون بعد الخمسمئة [إمكان الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إمكان الأداء شرط في استقرار الواجبات في الذمة، فلا يحكم بالوجوب قبله (¬1) ". وفي لفظ: "إمكان الأداء هل هو شرط في الأداء أو في الوجوب؟ (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تدل القاعدة الأولى: خلى أن ما يجب على المكلف من صلاة أو صيام أو حج أو غيرها أنه لا تستقر هذه الواجبات في ذمته ولا يطالب بفعلها إلا إذا كان قادراً متمكناً من أدائها. وما لم يتمكن من أدائها فلا تكون واجبة عليه، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق عند الشافعي. والقاعدة الثانية تشير إلى وجود تردد في القدرة على الأداء هل هي - أي القدرة - شرط في الأداء أو شرط في الوجوب وإشغال الذمة. عند المالكية؟. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا طرأ الحيض بعد الزوال وقيل التمكن من الفعل لم تثبت صلاة الظهر في ذمة الحائض عند المالكية ولا يجب عليها قضاؤها. ومنها: إذا بلغ الصبي مفطراً في أثناء يوم من رمضان أو أسلم فيه كافرٌ أو طهرت فيه حائض لا يلزمهم القضاء على الأصح عند الشافعية. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 202. (¬2) قواعد الونشريسي القاعدة الأربعون.

ومنها: إذا وجب الزكاة فتلفت بعد الحول وقبل الإمكان فهل تتعلَّق بالذمة أو لا تتعلق؟ (¬1) أقوال عند المالكية (¬2). ومعنى تعلقها بالذمة فلأنها أصبحت ديناً على المزكي فعليه إخراجها ولو تلفت، وأما عدم تعلقها فلأنها ليست ديناً ولا يجب أداؤها لأن أداءها غير ممكن بتلفها. ¬

_ (¬1) قواعد الونشريسي مرجع سابق. (¬2) قواعد الونشريسي مرجع سابق.

القاعدة: التاسعة والتسعون بعد الخمسمئة [إمكان الأداء]

القاعدة: التاسعة والتسعون بعد الخمسمئة [إمكان الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن القدرة على فعل الواجبات ليست شرطاً يجب اعتباره في استقرار الواجبات الشرعية في ذمة المكلف وإشغال الذمة - بها على ظاهر المذهب الحنبلي، بل إن الواجبات تستقر في الذمة وتشغل بها عند وجود أسبابها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل وقت الصلاة وطرأ على المكلف ما يسقط تكليفه كالحيض والجنون بعد الوقت وقبل التمكن من الفعل فعليه القضاء في المشهور عند الحنابلة. ومنها: إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء فعليه أداء زكاته على المشهور. لأن الزكاة بعد استقرارها في الذمة تصبح ديناً في ذمة المكلف. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة التاسعة عشرة.

القاعدة: الستمئة [التوفيق]

القاعدة: الستمئة [التوفيق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إمكان التوفيق الظاهر كاف في - دفع - التناقض (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التوفيق: معناه الملائمة والجمع بين القولين. التناقض: التخالف في الأقوال أو الأفعال. تدل هذه القاعدة على أنه إذا ورد من شخص قولان متناقضان فإذا أمكن التوفيق بينهما كان ذلك دفعاً للتناقض بشرط أن يكون التوفيق ظاهراً واضحاً وليس خفياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى رجل على آخر ألف درهم فقال خصمه: اديت المبلغ في سوق مكة مثلاً. ولما سئل البينة عجز عنها، ثم قال: أديته في المدينة. وبرهن على ذلك يقبل منه ولا يعتبر متناقضاً. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 89 ط قديمة و69 - 70 ط جديدة.

القاعدة: الواحدة بعد الستمئة [الأموال]

القاعدة: الواحدة بعد الستمئة [الأموال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأموال باقية على ملك أربابها (¬1) ". في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أرباب الأموال هم أصحابها الذين ملكوها بطريق شرعي. تفيد هذه القاعدة أن مال الإنسان لا ينتقل عن ملكه إلا برضاً منه وبطريق شرعي صحيح، فإذا لم يوجد الرضا أو لم يكن الطريق لانتقال الأموال طريقاً شرعياً صحيحاً، فإن المال لا ينتقل عن ملك صاحبه، بل يبقى ملكاً له، ويجب الضمان على من فوت على المالك اليد والقدرة على التصرف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الغاصب إذا غصب شيئاً فهو ضامن لما غصبه ولزوائده التي فوت يد المالك عنها, لأن بالغصب لم يوجد ناقل شرعي ينفل المال عن ملك صاحبه إلى ملك الغاصب، والغصب لا يعطي الغاصب حقاً في المغصوب أو في زوائده. ومنها: ملك رقبة الموقوف، - عند الشافعي رحمه الله - ينتقل إلى الله تعالى، ثم تنتقل المنافع إلى الموقوف عليه ملكاً تاماً حتى يملك الإجارة والإعارة والثمرة، إذا كان الموقوف عليه معيناً. وأما إذا لم يكن الموقوف عليه معيناً فلا يملك المستحق إلا أن ينتفع بنفسه فقط. ومنها الضيف يملك أن يأكل على العادة، ولا يملك التصرف في الطعام المقدم إليه تصرف الملاك. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 صـ 598، عن قواعد العلائي لوحة 125.

القاعدة: الثانية بعد الستمئة [الأموال]

القاعدة: الثانية بعد الستمئة [الأموال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحت قاعدة - الأصل في الأشياء الإباحة. "الأموال خلقت على أصل الإباحة بالنص (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن ما خلق الله سبحانه وتعالى من الأموال - أي كل ما يتمول - إنما خلقها على أصل الإباحة للعباد بالنص على ذلك بالدليل الشرعي وهو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬2) وغيرها من الآيات والأحاديث التي استدل بها على أن الأصل في الأشياء الإباحة (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما سكت عنه الشرع ولم يرد فيه دليل وجوب أو دليل تحريم أو دليل حل وإباحة، فهو مباح بناء على هذا الأصل. كالزرافة من الحيوانات والأرز والتفاح وغيرها من المطعومات. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481. (¬2) الآية 29 من سورة البقرة. (¬3) ينظر في ذلك الوجيز صـ 129 ط جديدة.

القاعدة: الثالثة بعد الستمئة [الأموال الضائعة]

القاعدة: الثالثة بعد الستمئة [الأموال الضائعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأموال الضائعة يقبضها القاضي حفظاً لها على أربابها (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأموال التي تضيع على أصحابها - وهي من ذوات القيم وغير محتقرة - والمراد بالمحتقر من الأموال ما يغلب على الظن إعراض صاحبه عنه - هذه الأموال للقاضي والحاكم أن يتسلمها، فإما أن يبقيها - إذا لم تكن تتلف - وإما أن يبيعها ويحفظ ثمنها لأصحابها إذا جاءوا وطلبوها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دفع الملتقط اللقطة للقاضي فيجب عليه قبولها وتعريفها وحفظها حتى يظهر صاحبها أو يضمُّها إلى بيت المال بعد التعريف، فإذا ظهر صاحبها بعد ذلك غرم له القاضي ثمنها من بيت المال. ¬

_ (¬1) الجمع الفرق للجويني صـ 850، والأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 صـ 420 فما بعدها.

القاعدة: الرابعة بعد الستمئة [العواقب]

القاعدة: الرابعة بعد الستمئة [العواقب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمور بعواقبها (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن أحكام تصرفات المكلفين إنما تترتب على النتائج التي تنتج عن هذه التصرفات، ولا يجب الحكم بناءً على الفعل قبل معرفة نتائجه وعواقبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى الابن أباه الرقيق ليس إذلالاً له, لأنه يعتق عليه فهو في العاقبة إكرام له لا إذلال. ومنها: الفصد وإجراء العمليات الجراحية فيه إيلام وضرر، ولكن باعتبار العاقبة جاز لأن عاقبته منفعة. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 13 صـ 131.

القاعدة: الخامسة بعد الستمئة والسادسة بعد الستمئة [الأمين]

القاعدة: الخامسة بعد الستمئة والسادسة بعد الستمئة [الأمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمين فيما يرجع إلى الحفظ لا يكون ضامناً (¬1) ". وقاعدة: "الأمين مصدَّق في نفي الضمان عن نفسه غير مصدَّق في إيجاب الضمان على غيره (1) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تدل هاتان القاعدتان على بعض أحكام الأمين: كالمودَع والمعار له والمضارب وغيرهم، حيث إن الأمين مكلف بحفظ الأمائة وهو غير ضامن لها إذا تلفت بغير تقصير منه في الحفظ، وللأمين أن ينفي ضمان الأمانة أو الوديعة عن نفسه؛ لأنه متمسك بالأصل وهو براءة ذمته من الضمان ويكتفى في ذلك بيمينه، إلا إذا أتى المودِع ببينة أن الأمين تعدى في الأمانة أو قصر في حفظها، وإذا كان الأمين مصدقاً في نفي الضمان عن نفسه لتمسكه بأصل براءة الذمة لكنه غير مصدق في إيجاب الضمان على غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى المضارب أن رأس المال لم يربح وادعى صاحب رأس المال الربح، فعند عدم بينة صاحب رأس المال يصدق المضارب بيمينه أنه ما ربح. ومنها: إذا ادعى الأمين أن الوديعة قد سرقت بدون تفريط منه فهو يصدق مع يمينه، لكنه إذا ادعى أن فلاناً سرقها أو أتلفها فدعواه هذه غير مقبولة إلا إذا أتى بالبينة على صدق دعواه، لأنه غير مصدق في إيجاب الضمان على غيره. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 481.

القاعدة: السابعة بعد الستمئة [إن الشرطية - تكرار الفعل]

القاعدة: السابعة بعد الستمئة [إن الشرطية - تكرار الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنْ الشرطية لا توجب تكرار الفعل (¬1) ". [أصولية فقهية] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: " إنْ" الشرطية عملها الجزم حيث تجزم فعلين هما فعل الشرط وجوابه، ومعناها أنها تربط بين مدلول الشرط والجزاء بجعل وجود أحدهما مترتباً على وجود الآخر، وهي لمجرد الربط بين الشرط والجزاء ولا تفيد تكرار الشرط ولا توجبه, لأن للدلالة على تكرار فعل الشرط أداة مخصوصة هي "كلما". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: "إنْ جئتني أكرمتك" تدل على أن المجيء شرط للإكرام، والإكرام مترتب على المجيء، ويصدق ذلك بمرة واحدة ولا يقتضي تكرار الإكرام كلما تكرر المجيء، بخلاف كلما التي تقتضي ذلك. ومنها: رجل قال لأبويه: إن تزوجت امرأة ما دمتما حيين فهي طالق، فتزوج امرأة في حياتهما طلقت، فإن تزوج امرأة أخرى بعدها في حياتهما أيضاً لا تطلق, لأن إن الشرطية لا توجب تكرار الفعل. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 36.

القاعدة: الثامنة بعد الستمئة [الانتهاء]

القاعدة: الثامنة بعد الستمئة [الانتهاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الانتهاء عما ليس بمشروع لا يتحقق (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذكرها السرخسي تعليلاً لجواز نذر صوم يوم النحر وأيام التشريق حيث قال: إن الصوم مشروع في هذه الأيام وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم هذه الأيام (¬2) وموجب النهي الانتهاء. والانتهاء عما ليس بمشروع لا يتحقق، ولأن موجب النهي الانتهاء على وجه يكون للعبد فيه اختيار بين أن ينتهي فيثاب عليه وبين أن يقدم على الارتكاب فيعاقب عليه. وذلك لا يتحقق إذا لم يبق الصوم مشروعاً فيه .. إلخ ما قاله، وقد ذكر ذلك رداً على من قال: إن نذر يوم النحر وأيام التشريق لا يصح لأنه نذر صوم معصية. وهو قول الشافعي ورواية عن أبي حنيفة رواها عبد الله بن المبارك (¬3) والحسن بن زياد اللؤلؤي (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 96. (¬2) الحديث في النهي عن صوم يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق عن أنس رضي الله عنه. رواه الدارقطني حديث رقم 34 جـ 2 صـ 212 باب طلوع الشمس بعد الإفطار. (¬3) عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن المروزي الحنظلي ولاءً، الإمام العالم المجاهد جمع العلم والأدب والورع والزهد والشجاعة. ولد سنة 118 هـ وتوفي في رمضان سنة 181 منصرفاً من الغزو بمدينة هيت على الفرات. الفوائد البهية. صـ 103 - 104 مختصراً. (¬4) الحسن بن زياد اللؤلؤي صاحب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى كان يقظاً فطناً فقيهاً نبيهاً ولي القضاء بالكوفة وكان محباً للسنة تُوفي سنة 204 تُكُلِّم فيه من قبل المحدثين. الفوائد البهية صـ 60 مختصراً.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والقاعدة المذكورة غير مسلمة لأن كل المعاصي التي نهى عنها الشارع ليست مشروعة، وموجب النهي فيها الانتهاء على وجه يكون للعبد فيه اختيار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نذر صيام يوم النحر أو صيام غدٍ وكان يوم النحر، فنذره صحيح في الوجهين ويؤمر بأن يصوم يوماً آخر، فإن صام في ذلك اليوم خرج من موجب نذره مع الإثم وهذا عند الحنفية.

القاعدة: التاسعة بعد الستمئة [الإندراج]

القاعدة: التاسعة بعد الستمئة [الإندراج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إندراج الأصغر في الأكبر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أنه إذا اجتمع أمران أحدهما أصغر من الآخر - ولكل منهما حكم - فإن الأصغر منهما يندرج بحكمه في حكم الأكبر منهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على بعض بدنه نجاسة حكمية فغسله مرة بنية رفع الحدث إما الأصغر إن كان في أعضاء الوضوء، وإما الأكبر إن كان في غيرها، أو نوى بذلك رفع الحدث والنجس معاً، طهر عن النجاسة بلا خلاف، واختلفوا في طهارته من الحدث على وجهين عند النووي أنه يطهر ويندرج أحد الغسلين في الآخر تبعاً. ومنها: مَنْ وجب عليه حدَّان أحدهما القتل، والثاني الجلد كمن قتل وشرب خمراً اندرج الأصغر في الأكبر وقتل ولم يجلد. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 صـ 272 جـ 1.

القاعدة: العاشرة بعد الستمئة [الإبراء عن العين]

القاعدة: العاشرة بعد الستمئة [الإبراء عن العين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنشاء الإبراء عن العين أو عن دعواها أو عن الخصومة فيها باطل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإبراء: من أبرأه يبرئه بمعنى سلَّمة، وهو إسقاط المطالبة بالعين أو بالحق أو الدين، وتدل هذه القاعدة على أن الإبراء عن العين باطل غير صحيح ولا نافذ، لأن الأعيان لا تقبل الإسقاط، وإنما يقبل لإسقاط الحقوق التي للعباد. وأما حقوق الله سبحانه وتعالى فلا تقبل الإسقاط ولا الإبراء. وكذلك لا تقبل الأعيان الإبراء عن دعواها أو عن الخصومة فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال أسقطت حقي في هذه التركة أو هذا الميراث وهو وارث لم يبطل حقه.، إذ الملك لا يبطل بالترك. ومنها: إذا خاصم رجل رجلاً في دار ثم قال للمدعى عليه أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي في هذه الدار أو عن دعواي في هذه الدار فجميع ذلك باطل، وله أن يخاصم فيقيم البينة ويأخذ الدار. بخلاف ما لو قال: برئت من هذه الدار أو قال: برئت من دعواي في هذه الدار صح ذلك ولا حق له فيها بعد ذلك. ¬

_ (¬1) الفرائد صـ 141 عن الخانية في براءة الغاصب والمديون، والمنثور للزركشي جـ 1 صـ 183.

القاعدة: الحادية عشرة بعد الستمئة [الإكراه]

القاعدة: الحادية عشرة بعد الستمئة [الإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنعدام الرضا بسبب الإكراه لا يمنع صحة النكاح ولزومه (¬1) ". خلافاً للشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإكراه معناه الإجبار فتدل هذه القاعدة: أن الإجبار على النكاح مع أنه يعدم الرضا لكنه لا يمنع صحة النكاح ولزومه، فعقد النكاح مع الإكراه عقد صحيح لازم، وهذا عند الحنفية، وعند الشافعية والحنابلة لا ينعقد النكاح إلا بالرضا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أكره رجلاً على الزواج بامرأة أو امرأة على الزواج برجل فالعقد عند الحنفية صحيح ولازم يترتب عليه ما يترتب على العقد المعقود بالرضا والاختيار, لأن الإكراه عند الحنفية وإن كان يُعْدِمُ الرضا لكنه لا يعدم الاختيار. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 94.

القاعدة: الثانية عشرة بعد الستمئة [شرط الأداء]

القاعدة: الثانية عشرة بعد الستمئة [شرط الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " انعدام شرط الأداء لا يمنع تقرر سبب الوجوب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الأداء: هو فعل المطلوب بوجود الشروط وانتفاء الموانع. والوجوب: هو تعلق الواجب بالذمة بحيث لا تبرأ ذمة المكلف بغير أدائه. وأسباب الوجوب تختلف باختلاف أنواع العبادات المطلوبة، فسبب وجوب الصلاة - مثلاً الوقت - وسبب وجوب الزكاة: ملك النصاب الزائد عن الحاجة. وسبب الصيام شهود الشهر وهكذا. وأما شروط الأداء فتختلف أيضاً باختلاف أنواع العبادات المؤداة، فمثلاً شرط أداء الصلاة القدرة الممكنة على الفعل ووجود الشروط وانتفاء الموانع، وتفيد هذه القاعدة أن شرط الأداء قد ينعدم في حق المكلف لكن ذلك لا يمنع تقرر وثبوت سبب الوجوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحائض يجب عليها صوم رمضان بشهودها الشهر، ولكن لوجود المانع وهو الحيض امتنع الأداء، لأن من شروط أداء الصوم خلو المرأة من الحيض والنفاس. والنائم والناسي يجب عليهما الصلاة بدخول وقتها، ولكن امتنع الأداء بسبب النوم أو النسيان. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 173.

القاعدة: الثالثة عشرة بعد الستمئة [انعدام الشرط]

القاعدة: الثالثة عشرة بعد الستمئة [انعدام الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " انعدام الشرط قبل القضاء يمنع القاضي من القضاء (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للقضاء بالأحكام شروط لا بد من توافرها قبل قضاء القاضي سواء أكانت شروطاً في الدعوى أم شروطاً في المدعي أم شروطاً في المدعى عليه. حيث تفيد هذه القاعدة أنه إذا عُدِم شرط يترتب على وجوده الحكم، وكان انعدامه قبل قضاء القاضي بالحكم فإن فقدان هذا الشرط يمنع القاضي من القضاء؛ لأن الدعوى لا تكون مستوفية أركانها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سرق سارق متاع شخص أو ماله ثم رده إلى صاحبه قبل أن يرفع أمره للقضاء سقط الحد ولم يقطع إذا رفع له بعد ذلك، لأن توبته تحققت برد المال أو وصول المال إلى صاحبه قبل الرفع للقضاء قياساً على الحرابة حيث يسقط الحد بالتوبة قبل القدرة عليهم. ومنها: إذا قتل ثم جُنَّ، أو زنا ثم جُنَّ أو سرق ثم جُنَّ قبل قضاء القاضي عليه فكل ذلك يمنع القاضي من القضاء. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 9 صـ 176.

القاعدة: الرابعة عشرة بعد الستمئة [العصمة]

القاعدة: الرابعة عشرة بعد الستمئة [العصمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن عصمة مال المسلم تمنع من إبطال ملكه وحقه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى العصمة: الحفظ والوقاية والامتناع (¬2). يقال عصمه الله: حفظه ووقاه ومنعه. فتدل هذه القاعدة على أن مال المسلم محفوظ له وعليه وممنوع عن غيره إلا برضاه، فبسبب هذه العصمة يمتنع إبطال ملكه وحقه إلا بسبب مشروع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت ملك إنسان لشيء ما أرض أو عقاراً أو متاع أو مال أو ثبت له حق مما أباحه له الشرع أو أوجبه، فلا يجوز إبطال هذا الملك أو هذا الحق بعد ثبوته إلا بسبب مشروع, لأن مال المسلم وحقه معصوم. وإذا ثبتت الشفعة لإنسان فلا يجوز منعه من المطالبة بها واستحقاقها. كما إذا ثبت ملكه في داره أو أرضه فلا يجوز إبطال هذا الملك لأنه معصوم. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482. (¬2) المصباح المنير مادة "عصمة".

القاعدة: الخامسة عشرة بعد الستمئة [الاحتمال]

القاعدة: الخامسة عشرة بعد الستمئة [الاحتمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن غير الثابت لا يثبت بالاحتمال، والثابت لا يزول بالاحتمال (¬1) ". بمعنى اليقين لا يزول بالشك ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن إثبات شيء أو زواله لا يتم إلا بدليل وحجة واضحة ولا يجوز إثبات شيء غير ثابت بمجرد الاحتمال والشبهة، كما أنه لا يجوز إزالة ثابت يقيناً باحتمال ضعيف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت ملك عقار أو أرض لشخص بعينه فلا يجوز نزع هذا العقار أو هذا الأرض من يده بمجرد احتمال أن لا يكون ملكه. وكذلك إذا لم يثبت ملك لشخص بعينه في شيء ما فلا يجوز إثبات ملكيته لهذا الشيء لمجرد احتمال أنه ربما يكون ملكه, لأن ما كان ثابتاً بيقين لا يزول إلا بيقين مثله ولا يزول بالشك الطاريء عليه. ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482.

القاعدة: السادسة عشرة بعد الستمئة [الأعيان]

القاعدة: السادسة عشرة بعد الستمئة [الأعيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن ما لا يمكن الانتفاع به من الأعيان إلا بعد استهلاكه قامت العين مقام المنفعة حكماً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأعيان: الأشياء التي يتعلق الحق بها ولا تدخل في ذمة المكلف، وعين الشيء نفسه. فتدل هذه القاعدة على أن الانتفاع بالأعيان نوعان: نوع ينتفع به دون استهلاكه كسكنى دار أو قراءة كتاب أو انتفاع بإناء، ونوع لا ينتفع به إلا باستهلاكه كالأطعمة والمشروبات وأشباهها. فإذا كانت الأعيان مما لا ينتفع بها إلا باستهلاكها فتقوم العين مقام المنفعة حكماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اقترض إنسان من آخر طعاماً كخبز أو لحم أو حب ونحوه فإن عليه أن يأتيه ببدله, لأن هذه الأشياء لا ينتفع بها إلا باستهلاكها فلذلك تقام العين البديلة المماثلة مقام الانتفاع بالعين المستهلكة. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482.

القاعدة: السابعة عشرة بعد الستمئة [المتنافيان]

القاعدة: السابعة عشرة بعد الستمئة [المتنافيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن المتنافيين لا يجتمعان في الإثبات للإستحالة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمتنافيين: الأمران المتناقضان من حيث إن أحدهما مثبت والآخر نافٍ،. فتدل القاعدة على أن الأمرين المتنافيين أو البينتين المتضادتين لا يمكن أن يجتمعا في إثبات أمر لاستحالة الجمع بين النفي والإثبات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهدت بينة على أن لفلان على غيره دين، وشهدت بينة أخرى على عدمه، فلا يمكن أن تدل البينتان معاً على إثبات الدين في ذمة المدعى عليه. ومنها: دابة في يد رجل فأقام آخر البينة أنها له منذ عشر سنين، فنظر القاضي في سن الدابة فإذا هي ابنة ثلاث سنين، فالبينة باطلة - لأنهم شهدوا بالملك له فيها في وقت يتيقن أنها لم تكن موجودة فيه، والملك لا يسبق الوجود، والقاضي في هذه الحالة لا يمكنه القضاء بالملك في الحال لأنه خلاف الشهادة ولا في الوقت المضاف إليه لأنه محال (¬2). ¬

_ (¬1) عن الضوابط والقواعد المستخلصة صـ 482. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 17 صـ 54.

القاعدة: الثامنة عشرة بعد الستمئة [مطلق العقود]

القاعدة: الثامنة عشرة بعد الستمئة [مطلق العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن مطلق العقود الشرعية محمول على الصحة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أن العقود الشرعية التي يعقدها المسلمون إنما تحمل عند إطلاقها على الصحيح من العقود لا على الباطل أو الفاسد منها. وهذا من باب حسن الظن بالمسلمين، حيث إن المسلم يحرص على المعاملة الصحيحة التي ينبني عليها الحل باستيفاء شروط الصحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قيل إن فلاناً قد عقد عقد نكاح على فلانة. فيفهم من ذلك أن هذا العقد صحيح يترتب عليه حل الاستمتاع وثبوت النسب ووجوب النفقة، وغير ذلك من حقوق العقد وتوابعه. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482.

القاعدة: التاسعة عشرة بعد الستمئة [الأمان]

القاعدة: التاسعة عشرة بعد الستمئة [الأمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأمان شرط يثبت بوجود القبول، ولا يتأخر إلى أداء المقبول (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأداء المقبول: ما كان شرطاً في قبول الأمان أو الرضا به. وتدل هذه القاعدة على أن الأمان يثبت في حق المستَأْمَن والمستأمِن بوجود القبول من كليهما، فإذا وجد القبول فقد وقع الأمان وثبت ولا يجوز نقضه. ولو كان قبوله مشروطاً بشيء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل مشرك من محصورين في حصن آمنوني حتى أنزل إليكم على أن أدلكم على مئة رأس من السبي أو مخبأ المال أو سلاح أو حيوانات، فآمنوه على ذلك، فلما نزل وأتى بهم إلى الموضع الذي ذكره فإذا ليس فيه أحد أو لم يجدوا شيئاً مما قاله لهم. فينبغي أن يرد هذا الرجل إلى مأمنه إن لم يفتحوا الحصن أو افتتحوه، ولا يعتبر عدم الوفاء بما وعد نقضاً لأمانه، إلا إذا قال: فإن لم أدلكم فلا أمان بيني وبينكم. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 صـ 526 - 527.

القاعدة: العشرون بعد الستمئة [الأمان]

القاعدة: العشرون بعد الستمئة [الأمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أمر الأمان مبني على التوسع (¬1) ". وفي لفظ: "الأمان مبني على التوسع ويثبت في موضع الشبهة (¬2) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمان: معناه الأمن وهو عدم توقع مكروه في الزمان الآتي (¬3). والمراد به السلامة. والإطمئنان: وهو إعطاء عهد للكافر بسلامته وعدم إيذائه إن جاء مسالماً. وتفيد القاعدة أن أمر الأمان مبناه على التوسع ودفع الحرج ويثبت الأمان مع الشبهة ويصح أمان الرجل والمرأة والعبد الصبي من المسلمين، على الراجح في العبد والصبي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو أن مسلماً أشار إلى مشرك في حصن ممتنع به أن تعالَ: أو أشار إلى أهل الحصن أن افتحوا الباب، أو أشار إلى السماء، فظن المشركون أن ذلك أمان، ففعلوا ما أشار به إليهم، فهو أمان جائزٌ بمنزلة قوله قد أمنتكم، لأن الأمان مبناه على التوسع. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 1 صـ 289. (¬2) نفس المصدر صـ 430، 475. (¬3) أنيس الفقهاء صـ 189.

القاعدة: الحادية والعشرون بعد الستمئة [التعليق والإنشاء]

القاعدة: الحادية والعشرون بعد الستمئة [التعليق والإنشاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنشاء التعليق جائز وتعليق الإنشاء لا يجوز (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنشاء التعليق: ابتداؤه، والتعليق ربط حصول مضمونه جملة بحصول مضمون جملة أخرى. وتعليق الإنشاء: ربط فعل ماض بأمر مستقبل. وتدل هذه القاعدة على أن تعليق حصول أمر بحصول أمر آخر جائز وهو ما فيه شرط يترتب وقوعه عليه. وأما ربط فعل ماض بأمر مستقبل فلا يجوز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أ - من أمثلة إنشاء التعليق: إذا قال: بعتك هذا الشيء إن شئت صح البيع. وكذا إن قال: أنت طالق إن دخلت الدار. ب - من أمثلة تعليق الإنشاء: إذا قال: له عليَّ درهم إن شاء فلان. قالوا: لا يكون إقراراً. شاء فلان أم لا؟ لأن مشيئة فلان لا توجب شيئاً عليه. ومثلها: لو قال: لله على أن أصوم يوم كذا إن شاء فلان. فشاء فلان. قالوا: لا يلزمه شيءْ.، لأن النذر التزام في الذمة فلم يصح معلقاً بمشيئة غيره (¬2). ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 206 - 207. (¬2) نفس المرجع صـ 206 - 207 بتصرف.

القاعدة: الثانية والعشرون بعد الستمئة [الإنفاق]

القاعدة: الثانية والعشرون بعد الستمئة [الإنفاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإنفاق لا يحتمل التأخير (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإنفاق أو النفقة ما يعطي للمحتاج لسد حاجته من الطعام والشراب واللباس والمسكن. وما يحتاجه الإنسان لضروراته لا يحتمل التأخير. ولذلك وجب على المنفق إعطاء النفقة عليه أولاً بأول وفي وقت محدد, لأنَّ الإنفاق لا يحتمل التأخير؛ لتجدد الحاجات من طعام وشراب ولباس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: للزوجة والأولاد الصغار والمحتاجين نفقتهم فيجب على الزوج والأب والمنفق أن يعطيهم نفقتهم في موعد محدد وبمقدار يفي بالغرض ويسد الحاجة، إما بقضاء القاضي أو بحسب العرف والظرف بحيث تكون النفقة مناسبة وملائمة لمطالبهم الشرعية المعقولة. ولا يجوز له أن يؤخر تلك النفقة لأنها لا تحتمل التأخير لتجدد الحاجات. ومنها: إذا كان الأب معسراً وله أولاد صغار فعلى العم الموسر النفقة وتكون ديناً على الأب لحين يساره. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 صـ 223.

القاعدة: الثالثة والعشرون بعد الستمئة والرابعة والعشرون بعد الستمئة [انقلاب الأعيان]

القاعدة: الثالثة والعشرون بعد الستمئة والرابعة والعشرون بعد الستمئة [انقلاب الأعيان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " انقلاب الأعيان هل له تأثير في الأحكام أم لا؟ (¬1) ". وفي لفظ: "استحالة الفاسد إلى فساد لا تنقل حكمه، وإلى صلاح تنقل، بخلاف يقوى ويضعف بحسب كثرة الاستحالة وقلتها (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تشيران إلى مسألة بحثها الفقهاء تتعلق بتحول الشيء عن حقيقته إلى حقيقة أخرى، وهو ما يطلقون عليه انقلاب الأعيان فالمراد بانقلاب الأعيان تغير حقيقة الأشياء. فإذا تغيَّرت حقيقة شيء إلى شيء آخر فهل يؤثر هذا التغير في الحكم فيتغير تبعاً لتغير الحقائق أو لا يتغير؟. فالقاعدة الثانية تفيد أن الفاسد إذا استحال إلى فساد لا ينقل حكمه ولا يتغير وهذا عند الجميع، ولكن إذا تغير الفاسد إلى صلاح، والنجس تغيرت حقيقته فهل يطهر؟ خلاف في هذه المسائل في المذاهب. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تخلل الخمر أو تحجر فهو طاهر عند الجميع، والخلاف فيما ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك - قواعد الونشريسي - قاعدة رقم 4 صـ 142. (¬2) قواعد المقري القاعدة التاسعة والثلاثون صـ 271 جـ 1

عداه (¬1). ومنها: إذا أحرقت الميتة فهل رمادها طاهر؟ خلاف عند المالكية والمشهور أنه نجس (¬2). والحنفية يعتبرون انقلاب الأعيان من أسباب الطهارة وإزالة النجاسة (¬3) ¬

_ (¬1) ينظر المنثور للزركشي جـ 3 صـ 268، والمقنع جـ 1 صـ 81، والراجح عند الحنابلة عدم الطهارة بالاستحالة. (¬2) إيضاح المسالك - قواعد الونشريسي - قاعدة رقم 4 صـ 142. (¬3) مجمع الأنهر جـ 1 صـ 61.

القاعدة: الخامسة والعشرون بعد الستمئة [سبب الوجوب]

القاعدة: الخامسة والعشرون بعد الستمئة [سبب الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنكار سبب الوجوب لا يكون إسقاطاً له (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة أن من أنكر سبب وجوب حق عليه لا يكون إنكاره هذا إسقاطاً للحق الواجب، لاحتمال أن يكون هذا الواجب ثابتاً بسبب آخر غير السبب الذي أنكره, لأن الحق قد تتعدد أسبابه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قذف إنسان أُمَّ جماعة وصدقه أحدهم. كان للباقين المطالبة بالحد -، أي أن الحد لا يسقط بتصديق أحدهم -، لأن حد القذف لا يحتمل السقوط، غير أن المصدق ينكر سبب وجوب الحد، وهو إحصان المقذوف، والآخرون يدعونه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 27.

القاعدة: السادسة والعشرون بعد الستمئة [الانكشاف]

القاعدة: السادسة والعشرون بعد الستمئة [الانكشاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الانكشاف الكثير في المدة اليسيرة بمنزلة الانكشاف اليسير في المدة الكثيرة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تدل على أمرين متقابلين حكمهما واحد، لأنهما بمرتبة ومنزلة واحدة، الأمر الأول فعل أو انكشاف كثير في مدة يسيرة. والأمر الثاني فعل أو انكشاف يسير في مدة كثيرة. فهُما سواء وحكمهما واحد. فإن حكمنا بالقلة فالكلّ قليل. وإن حكمنا بالكثرة فالكل كثير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سقط عن مصلٍ ثوبه فقام عرياناً وهو لا يعلم ثم أحس من ساعته فتناول ثوبه وستر نفسه، قالوا يمضي في صلاته ولا تبطل، لأن الإنكشاف الكثير في المدة اليسيرة كالانكشاف اليسير في المدة الكثيرة وذلك لا يمنع جواز الصلاة فهذا مثله، لكنه إن أدى ركناً أو مكث عرياناً بمقدار ما يؤدي ركناً فقد بطلت صلاته وعليه أن يستأنف. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 196.

القاعدة السابعة والعشرون بعد الستمئة [المجتهدات]

القاعدة السابعة والعشرون بعد الستمئة [المجتهدات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن الحاكم إذا قضى في المجتهد فيه بشيء فليس لمن بعده من الحكام أن يبطل ذلك (¬1) ". وفي لفظ: "الحكم في المجتهدات نافذ بالإجماع (¬2). وتأتي في حرف الحاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان بمعنى القاعدة المشهورة. الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد (¬3). وتدلان على أن الأمور الاجتهادية إذا صاحبها الحكم فلا يجوز نقضها باجتهاد آخر من نفس الحاكم أو من حاكم آخر، مراعاة لاستقرار الأحكام، ولأنه ليس اجتهاد أولى من اجتهاد، وأيضاً لو فتح باب النقض لجاز نقض النقض فلا يمكن أن تستقر الأحكام. أما إذا لم يصاحب المسألة حكم أو تنفيذ فيجوز للمجتهد والمفتي أن ينقض اجتهاده السابق إذا تغير اجتهاده. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قضى حاكم بأن الخلع فسخ وكان رجل قد خالع امرأته بعد طلقتين، ثم تزوجها بعد الخلع على اعتبار أنه فسخ، فليس لحاكم آخر يرى أن الخلع طلاق أن يأمره بفراقها باعتبار أنه تزوجها قبل أن تتزوج زوجاً آخر. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير جـ 3 صـ 893. (¬2) نفس المصدر جـ 3 صـ 897، 1003. (¬3) ينظر الوجيز صـ 332 مع الشرح والبيان.

القاعدة: الثامنة والعشرون بعد الستمئة [الحظر - الصنعة - الابتذال]

القاعدة: الثامنة والعشرون بعد الستمئة [الحظر - الصنعة - الابتذال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن الحظر شرعاً يسقط اعتبار الصنعة والابتذال حكماً (¬1) ". عند الشافعي رحمه الله في حلي الرجال. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للشافعي رحمه الله في زكاة حلي النساء قولان: قول بوجوب الزكاة، وقول بعدم الوجوب، وذلك لتقابل الأدلة، وأما بالنسبة لحلي الرجال ففيها الزكاة قولاً واحداً. وعنده رحمه الله أن الزكاة إنما تجب في الذهب والفضة وحلي الرجال بوزنها لا بقيمها، فلا قيمة للصنعة عنده، ولما كانت الحلي من الذهب للرجال محرمة فإن تحريم الشارع لبسها للرجال أسقط اعتبار الصنعة واعتبار الابتذال - أي الانتفاع كلباس البذلة - حكماً فوجب فيها الزكاة بوزنها لا قيمها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت عند رجل أو امرأة آنية من ذهب أو فضة وزنها ألف درهم وقيمتها ألفان تخرج زكاتها من وزنها ألف درهم، ولا قيمة للصنعة (¬2) أو كان ذلك الذهب حلياً للرجال. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 2 صـ 192. (¬2) الأم للشافعي جـ 2 صـ 35.

القاعدة: التاسعة والعشرون بعد الستمئة [السؤال والجواب]

القاعدة: التاسعة والعشرون بعد الستمئة [السؤال والجواب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن السؤال والإيجاب هل هو كالمعاد في الجواب والقبول (¬1) ". وفي لفظ: السؤال معاد أو كالمعاد في الجواب (¬2). وتأتي في حرف السين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ورد جواب باحدى أدواته "نعم أو بلى أو أجل" بعد سؤال مفصل فيعتبر الجواب مشتملاً على مضمون السؤال؟ لأن مدلولات هذه الألفاظ تعتمد على ما قبلها من تفصيل، ولأن الجواب غير مستقل بنفسه في الإفادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من سئل: هل أخذت من فلان مالاً؟ فأجاب: بنعم. كان جوابه متضمناً إقراراً بالأخذ كأنه قال: نعم أخذت من فلان مالاً. ومنها: مَنْ سئل: ألَم تقتل فلاناً؟ فأجاب بـ بَلَى. كان مقراً بالقتل. وهكذا. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 جـ 1 صـ 177. (¬2) أشباه السيوطي صـ 141 عن المنثور للزركشي جـ 2 صـ 214، أشباه ابن نجيم صـ 153، المجلة المادة 66 وشروحها، المدخل الفقهي الفقرة 621، والوجيز صـ 273.

القاعدة: الثلاثون بعد الستمئة [التقدير الحكمي]

القاعدة: الثلاثون بعد الستمئة [التقدير الحكمي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن الشيء إنما يقدَّر حكماً إذا كان يتصور حقيقة (¬1) " ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن الشيء لا يجوز تقديره إذا كان لا تتصور حقيقته. لأن الأمر الحكمي فرع عن التصور الحقيقي، كالمجاز فرع عن الحقيقة، فلا يتصور وجود مجاز لا حقيقة له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النجاسة نوعان: حقيقية حسية كنجاسة الغائط والبول والخنزير وأشباه ذلك، ونجاسة حكمية كالجنابة والحيض. والاستثناء حقيقي وهو ما كان مذكوراً بأداة من أدواته، واستثناء حكمي هو ما كان ملحوظاً غير ملفوظ، كمن اشترى ثمر نخلة أو شجرة أو خضروات لم يتم نضجها بعد فإبقاء الثمرة حتى يحين قطافها مستثنى حكماً ولو استثناه لفظاً فسد العقد (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 صـ 112 قواعد الفقه صـ 63. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة الثالثة والثلاثون صـ 42.

القاعدة: الحادية والثلاثون بعد الستمئة [العقد الفاسد - الضمان]

القاعدة: الحادية والثلاثون بعد الستمئة [العقد الفاسد - الضمان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إن فاسد كل عقد كصحيحة في الضمان وعدمه (¬1) ". وفي لفظ: "فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه (¬2) ". وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. وفي لفظ: "كل عقد اقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده ومالا فكذلك (¬3) ". وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: "الفاسد من البيع معتبر بالجائز في الأحكام (¬4) ". وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: العقد الصحيح هو العقد الذي استوفى أركانه وشروطه، والعقد الفاسد هو العقد الذي فقد أحد شروطه، فإذا كان العقد الصحيح مضموناً بالثمن فالعقد الفاسد مضمون مثله بل أولى، وإذا كان الصحيح غير مضمون فالفاسد مثله كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا باع بيعاً صحيحاً ثم تبين استحقاق المبيع فهو مضمون بالثمن على البائع حيث يسترد المشتري الثمن من البائع. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل القسم الأول جـ 1 صـ 140. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 صـ 307. (¬3) الأشباه والنظائر للسيوطي صـ 283. (¬4) المبسوط للسرخسي جـ 11 صـ 184

وأما في البيع الفاسد فهو مضمون بالقيمة، ومنها: إذا قال الراهن للمرتهن إن جئتك بحقك في محله وإلاَّ فالرهن لك. وقبل المرتهن ذلك، فهو أمانة عنده إلى ذلك الوقت ثم يصير مضموناً بالأقل من قيمته أو من الدين لأن قبضه صار بعقد فاسد (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية جـ 2 صـ 31 بتصرف.

القاعدة: الثانية والثلاثون بعد الستمئة [المعاريض]

القاعدة: الثانية والثلاثون بعد الستمئة [المعاريض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن في المعاريض مندوحة عن الكذب (¬1) ". حديث ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عنون البخاري رحمه الله في كتاب الأدب الباب السادس عشر بعد المائة بـ "المعاريض مندوحة عن الكذب (¬2) " والمراد بالمعاريض أي التورية وخلاف التصريح. مندوحة: فسحة ومتسع والمعنى إن في المعاريض من الإتساع ما يغني (¬3) عن الكذب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حديث رسول الله صلى الله عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فحدا الحادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أرفق يا أنجشة - ويحك بالقوارير" أي النساء لضعفهن (¬4). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 2015. (¬2) هذه القاعدة والترجمة التي ذكرها البخاري رحمه الله لفظ حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين رضي الله عنه وله طُرق أخرى ذكرها الحافظ في الفتح جـ 10 صـ 594، والأدب المفرد صـ 258. (¬3) فتح الباري جـ 10 صـ 594. (¬4) فتح الباري جـ 10 صـ 594، الأدب المفرد صـ 258.

القاعدة: الثالثة والثلاثون بعد الستمئة [العرف]

القاعدة: الثالثة والثلاثون بعد الستمئة [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب، فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن مبنى الأيمان في دلالة ألفاظها على العرف بشرط أن يكون هذا العرف معمولاً به باستمرار في أكثر الحوادث وعند أكثر الناس، أما إذا اضطرب العرف بمعنى أن تعامل الناس به ليس غالباً ولا شائعاً فتارة يعمل به وتارة لا يعمل به فيكون في هذه الحالة الرجوع إلى المعاني اللغوية لألفاظ اليمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا ينام على فراش ثم نام على الأرض لا يحنث لأن الأرض لا تسمى فراشاً في العرف، وأما إذا حلف لا ينام في بيت، ونام في خيمة. ففي هذه المسألة خلاف حيث إن بعضهم قال: إنه يحنث وإن كان حضرياً, لأن الخيمة تسمى في اللغة بيتاً. وبعضهم قال: إذا كان حضرياً لا يحنث لأن الخيمة لا تسمى في عرفهم بيتاً، وأما إذا كان بدوياً فيحنث. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن الوكيل ق 1 جـ 1 صـ 172.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الستمئة [الولاية]

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الستمئة [الولاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن ما يتعدّى إلى الغير عند وجود شرط التعدِّي ما كان للمرء من الولاية على نفسه (¬1) ". أو أن يقال: "إنه لا ولاية لأحد على غيره إلا في حدود ولايته على نفسه". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أنه لا يجوز أن يتجاوز الإنسان مرتبته فيما يمكن التجاوز فيه إلى غيره، حيث إن المرء لا ولاية له على غيره إلا في حدود ولايته على نفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا تجوز وصاية الذمي على المسلمين، ولا وصاية عبد غيره على أولاد المسلمين., لأن الوصاية نوع من الولاية ولا ولاية لذمي على مسلم كما لا ولاية لعبد لأنه ليس أهلاً للولاية على نفسه. ومنها: لا تجوز قسمة الكافر والمملوك على الولد الحر الصغير المسلم, لأنه لا ولاية لهما عليه. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 15 صـ 70.

القاعدة: الخامسة والثلاثون بعد الستمئة [العرف]

القاعدة: الخامسة والثلاثون بعد الستمئة [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن المعتبر في جميع الأشياء العرف (¬1) ". عند أبي يوسف رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العرف: ما عرف في الشرع والعقل حسنه، والعرف هو العادة المعروفة بين الناس. وتدل هذه القاعدة عند أبي يوسف رحمه الله أن العرف هو المعتبر والمحكَّم في جميع الأشياء، المراد بجميع الأشياء ما يتعلق بالبيع والمعاملات عموماً واليمين وأشباهه، وذلك إذا لم يكن ثمة نص مخالف للعرف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند أبي يوسف أن ما كان مكيلاً أو موزوناً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكيل أو موزون باعتبار العرف في ذلك الوقت لا بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك جاز عند أبي يوسف رحمه الله بيع المكيل موزوناً والموزون معدوداً أو مكيلاً ويجري فيه الربا لتغير العرف ولدفع الحرج والمشقة عن الناس. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 12 صـ 142.

القاعدة: السادسة والثلاثون بعد الستمئة [الكلام]

القاعدة: السادسة والثلاثون بعد الستمئة [الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إن الله تعالى وراء لسان كل متكلم فلينظر امرؤ ما يقول (¬1) ". وفي لفظ: "إن الله تعالى عند كل لسان قائل فليتق الله عبد ولينظر ما يقول (¬2) ". وفي رواية بدون "فليتق الله". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نص حديث نبوي كريم ذكره أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر (¬3) رضي الله عنهما في ترجمة وهيب بن الورد المكي وقال: غريب. لم نكتبه متصلاً مرفوعاً إلا من حديث وهيب. كما ذكره (¬4) في ترجمة بشر بن الحارث عن عمر بن ذر عن أبيه. كما أخرجه السيوطي في جمع الجوامع تحت رقم 4876، 4877، وذكره في الدر المنثور جـ 6 صـ 105. وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد جـ 9 صـ 329 عن عمرو بن ذر - عن أبيه بروايتين متصلاً ومرسلاً. وأخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد رقم 125. ويدل الحديث على أن المتكلم عليه أن يتقي الله ويراقبه عند كل كلمة يتكلمها, وليحرص أن يكون نطقه ذكراً، وأن يحرص كذلك أن لا ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 30.، واتحاف السادة المتقين للزبيدي جـ 7 صـ 454. (¬2) تاريخ بغداد جـ 9 صـ 330. (¬3) الحلية جـ 8 صـ 160 (¬4) الحلية جـ 8 صـ 352.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يتكلم إلا بنية ترضي الله عَزَّ وَجَلَّ. وهذا الحديث بمعنى الآية وهي قوله تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سلم الإنسان من صلاته فينوي بسلامه الحفظة ومن بجانبه من الرجال من عن يمينه وشماله, لأنه يستقبلهم بوجهه ويخاطبهم بلسانه فينويهم بقلبه، فإن الكلام إنما يصير عزيمة بالنية. ¬

_ (¬1) الآية 18 من سورة ق.

القاعدة: السابعة والثلاثون بعد الستمئة [البلوى]

القاعدة: السابعة والثلاثون بعد الستمئة [البلوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنما تعتبر البلوى فيما ليس فيه نص بخلافه، فأما مع وجود النص فلا معتبر به (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البلوى: المصيبة والبلاء. وقد يعبر عن هذا بعموم البلوى: أي شمولها وعسر التحرز عنها، وحكم عموم البلوى: الترخص وعدم التشدد وجواز العبادة. والاعتداد بالبلوى واعتبارها إنما هو في موضع لا نص فيه بخلافه، لكن إذا وجد نص بخلاف حكم عموم البلوى فلا اعتبار بالبلوى في هذه الحال ولا اعتداد بها إنما الاعتداد بالنص والاعتبار به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة: "لا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها (¬2) ". فما حكم رعي دواب الحجاج والمعتمرين والاحتشاش لها؟ هناك من رأى أنه لا بأس بالرعي والاحتشاش لأجل البلوى والضرورة فيه لأنه يشق على الحجاج والمعتمرين حمل علف الدواب من خارج الحرم، وهذا رأي أبي يوسف وابن أبي ليلى، وفي الرعي عند أحمد روايتان. وهناك من رأى أنه لا يجوز الاحتشاش ولا الرعي لورود النص ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 صـ 105. (¬2) الحديث متفقٌ عليه عن ابن عباس ولكن روايته: إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه ولا يختلي خلاه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا لِمُعرَّف. الحديث. منتقى الأخبار - حديث رقم 2491.

المذكور المانع من ذلك، ولا اعتداد بالبلوى مع النص، والقاعدة تمثل رأي هؤلاء. ومنها: البول لا يعفي من يسيره وإن عمت به البلوى للنص.

القاعدة: الثامنة والثلاثون بعد الستمئة [دلالة الحال]

القاعدة: الثامنة والثلاثون بعد الستمئة [دلالة الحال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنما تعتبر دلالة الحال إذا لم يوجد التنصيص بخلافها (¬1) ". وفي لفظ "إنما تعتبر الدلالة إذا لم يوجد التصريح بخلافها" (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعتبر قيداً لقاعدة تقول: "الكلام يتقيد بدلالة الحال" وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. والمراد بدلالة الحال: دلالة غير اللفظ من عرف أو غيره. فتدل هذه القاعدة على أن اعتبار دلالة الحال إذا لم يوجد نص بخلافها فإذا وجد نص بخلافها فلا اعتبار لدلالة الحال؛ لأنها دلالة ضعيفة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال القائد: مَن قتل قتيلاً فله دابته، فاسم الدابة يتناول الخيل والبغال والحمير - عرفاً ولغة. أما إذا قال: مَنْ قتل فارساً. فله دابته. فقتل رجلاً على حمار أو بغل لم يكن له شيء؛ لأن الفارس ما كان راكباً فرساً أو برذوناً. ومنها: من دخل بيت مضيفه فله تناول الطعام الذي وضع أمامه دلالة، ولكن إذا قال المضيف: لا تأكل منه. فليس له أن يأكل لأن النص جاء بخلاف الدلالة. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 ص 762، 780، 806. (¬2) شرح السير الكبير جـ 5 صـ 1947.

القاعدة: التاسعة والثلاثون بعد الستمئة [الطلب]

القاعدة: التاسعة والثلاثون بعد الستمئة [الطلب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنما يؤمَرُ بالطلب إذا كان على طمع الوجود (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يتعلق هذا الضابط بحكم طلب الماء والبحث عنه لفاقده متى يجب عليه، فيفيد هذا الضابط أن فاقد الماء إنما يجب عليه طلب الماء والبحث عنه إذا كان يطمع في وجوده ويرجو أن يجده قبل خروج الوقت (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذا الضابط: إذا كان مسافراً وفقد الماء فعليه أن يطلب الماء ويسعى ليجده إذا كان في مكان قريب من الماء ويرجو أن يحصل عليه قبل خروج وقت الصلاة كأن يكون قريباً من آبار مياه أو من مصر أو قرية أو نهر أو بحر، أو رأى قافلة ولو بعيدة ولكنه يمكنه إدراكها قبل خروج الوقت فعليه طلب الماء وتحصيله قبل أن يجوز له التيمم. وكذلك لو كان مريضاً وطمع في البرء من مرضه المانع له من استعمال الماء قبل خروج الوقت أو طمع في وجود من يوضؤه إذا لم يستطع الوضوء بنفسه فلا يجوز له التيمم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 108. (¬2) مجمع الأنهر جـ 1 صـ 43 بتصرف.

القاعدة: الأربعون بعد الستمئة [الانتظار]

القاعدة: الأربعون بعد الستمئة [الانتظار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنما يؤمر بالانتظار إذا كان مفيداً (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن المكلف إذا فقد شيئاً أو غاب عنه شيء فإذا كان هذا الشيء يمكن أن يوجد بعد فقده أو يعود بعد غيبته فيؤمر المكلف بالانتظار على طمع في وجوده، وأما إذا كان لا يطمع في الوجود ولا في الحضور فلا فائدة من الانتظار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنسان فقد الماء وحان وقت الصلاة فإذا كان يطمع ويرجو وجود الماء قبل خروج الوقت فعليه أن ينتظر ولا ينتقل إلى التيمم؛ لأنه لا يجوز الانتقال من الأصل إلى البدل إلا عند تعذر حصول الأصل. ولكن إن كان لا يطمع في وجود الماء بأن كان في مفازة بعيداً عن الناس والقرى فلا ينتظر ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود، لأن الانتظار إنما يؤمر به إذا كان مفيداً. ومنها: من وجب عليه دم تمتع أو قران فلا ينتقل إلى الصوم إلا إذا قطع أمله ورجاءَه في وجود ثمن الشاة. وأما إذا كان يطمع في أيجاد الثمن قبل خروج أيام الحج الثلاثة فلا ينتقل إلى الصوم. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 1 صـ 106.

القاعدة: الحادية والأربعون بعد الستمئة [القصد]

القاعدة: الحادية والأربعون بعد الستمئة [القصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: إنما يبتنى الحكم على المقصود لا على ظاهر اللفظ (¬1) ". تابع لقاعدة النية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة: "العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني". التي ستأتي إن شاء الله في حرف العين. وكلاهما تحت قاعدة: "إنما الأعمال بالنيّات". وتدل هذه القاعدة على أن الأحكام الشرعية تبنى أحكامها على مقصود المتكلم ونيته لا على ظاهر لفظه الذي يتكلم به، إلا إذا تعذر معرفة القصد فلا يهمل اللفظ .. وعند الحنفية أن الأَيمان مبناها على الألفاظ لا على المقاصد. فلا تعتبر قاعدتنا هذه عامة في كل الأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذه السيارة بألف دينار مثلاً: كان هذا بيعاً لا هبة لذكر العرض وهو - الألف دينار - حيث إن الهبة لا عوض لها لأنها عقد تبرع. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 1722.

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الستمئة [الحكم - السبب]

القاعدة: الثانية والأربعون بعد الستمئة [الحكم - السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنما يثبت الحكم بثبوت السبب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أن الأسباب الشرعية لا تنعقد خالية عن أحكامها. وهنا تفيد هذه القاعدة أن الأحكام متابعة للأسباب وجوداً وعدماً فإذا ثبت السبب ثبت الحكم، وإذا لم يثبت السبب لم يثبت الحكم. وهذا معنى قولهم: الحكم يدور مع علته - أو سببه - وجوداً وعدماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القصاص حكم لا يثبت إلا بثبوت سببه وهو القتل العمد العدوان بدون مانع. وكذلك القطع حكم لا يثبت إلا بسرقة استوفت شروطها. وكذلك الرجم حكم لا يثبت إلا بزنا محصن بشروطه وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 صـ 196.

القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الستمئة [الحكم، السبب]

القاعدة: الثالثة والأربعون بعد الستمئة [الحكم، السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: إنما يحال بالحكم على أصل السبب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن حكم القاضي أو الحاكم إنما يسنَد ويبنى على ما كان سبباً أصلياً في صدوره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم القاضي بشهادة شاهدين، فهذه الشهادة هي أصل سبب حكمه، وبناء على ذلك يضمَّن الشاهدان ما تلف بشهادتهما إذا رجعا عن الشهادة. لأن السبب إذا كان تعدياً بمنزلة المباشرة في إيجاب ضمان المال. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 16 صـ 179.

القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الستمئة [العرف]

القاعدة: الرابعة والأربعون بعد الستمئة [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: إنما يعتبر العرف إذا لم يوجد التصريح بخلافه (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تبين هذه القاعدة شرطاً مهماً من شروط اعتبار العرف وهو: إن العرف إنما يعتبر حجة وَحكماً يلزم العمل به إذا لم يوجد تصريح من الشرع أو المتكلم بخلافه، فإذا وجد التصريح بخلاف العرف فالمعتبر التصريح ولا اعتبار بالعرف المخالف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال إنسان لآخر اشتر لي لحماً: فهو على ما يتعارفه أهل بلده من لحم الإبل أو البقر أو الغنم فقط. فإذا اشترى له أي نوع منها لزمه. وأما إذا قال اشتر لي لحم جزور، فاشترى له لحم بقر فلا يلزمه، وإن كان العرف الشائع عندهم أكل لحم البقر، لوجود التصريح بخلافه. ومنها: إذا تعاقد رجلان عقد بيع ولم يعيَّنا النقود التي يتعاملان بها فينصرف إلى النقود المعمول بها في البلد. ولكن إذا عيّنا نوعاً خاصاً من النقود فلا اعتبار للعرف هنا إنما الاعتبار لما عيّناه واتفقا عليه وصرحا به. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 صـ 152، القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482.

القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الستمئة [المعارض]

القاعدة: الخامسة والأربعون بعد الستمئة [المعارض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنما يعمل المعارض حسب الدليل (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمعارض هنا زيادة لفظ يعارض المعنى المفهوم مما قبله. فتدل القاعدة على أنه إذا ورد لفظ معارض لمفهوم كلام قبله أنه يعمل بالمعارض بحسب دلالته على مقصود المتكلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل في حصن يحاصره المسلمون أمنوني على أن أدلكم على عدد من السبي أو الغنائم ذكره فإن لم أدلكم كنت لكم فيئاً أو رقيقاً. ثم لم يف بالشرط فهو فيء للمسلمين وليس للإمام أن يقتله؛ لأنه لو لم يقل: إن لم أدلكم كنت لكم رقيقاً أو فيئاً. لكان يجب على المسلمين أن يردوه إلى مأمَنِه، فذكره هذه الزيادة دليل معارض لأول الكلام في رفع حكمه, لأن شرط إزالة ذلك الأمان في حكم الاسترقاق خاصة دون القتل. هذه الزيادة في حكم الاسترقاق خاصة دون القتل (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 2 صـ 529 وقواعد الفقه للبنجلاديشي صـ 64 عنه. (¬2) شرح السير الكبير جـ 2 صـ 528 بتصرف.

القاعدة: السادسة والأربعون بعد الستمئة والسابعة والأربعون بعد الستمئة [النذر]

القاعدة: السادسة والأربعون بعد الستمئة والسابعة والأربعون بعد الستمئة [النذر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إنما يُلتزم بالنذر ما يتنفل به أو ما يكون قربة في نفسه (¬1) ". وفي لفظ: "الالتزام بالنذر إنما يصح فيما يكون من جنسه واجب شرعاً (¬2) ". ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: النذر: قال الجرجاني: النذر إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيماً لله تعالى (¬3). تدل هاتان القاعدتان على أن النذر الذي يتقرب به إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ويلزم به المكلف هو النذر الذي يكون قربة في نفسه أو الذي يكون من جنسه واجب شرعاً فما ليس من جنسه واجب شرعاً لا يكون نذر قربة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: فالصلاة واجبة ونافلة فمن نذر صلاة لزمته. والصوم منه واجب وتطوع فمن نذر صوماً لزمه. والحج منه واجب وتطوع فمن نذر حجاً لزمه. وكذلك الزكاة وقراءة القرآن وجميع أنواع العبادات. والمشي ليس في أصله عبادة والسير في الشمس ليس من العبادة في شيء، فمن نذر المشي وعدم الاستظلال لا يلزمه لأنه ليس مما يتقرب به. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 4 ص 49. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 4 ص 130. (¬3) التعريفات للجرجاني صـ 310.

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الستمئة [الاستعانة بالمشركين]

القاعدة: الثامنة والأربعون بعد الستمئة [الاستعانة بالمشركين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنا لا نستعين في أمر ديننا بمن ليس على ديننا (¬1) (¬2) ". حديث ثانياً: معنى هذا الخبر: يفيد هذا الخبر أنه لا يجوز الاستعانة بالمشركين في الحرب والجهاد؛ لأن القصد من القتال في الإسلام إنما هو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ونشر الإسلام في الأرض. والمشركون والكفار بعضهم أولياء بعض، فهم لا يقاتلون إلا للمغنم، وقد يكون وجودهم سبباً في الهزيمة إذا أضمروا الغدر أو الفرار عند احتدام المعركة. ولكن بعض الفقهاء رأى أنه يجوز أن يستعان بالكفار إذا كانوا قلة ولا شوكة لهم. فيقاتلون تحت راية المسلمين، ويذكرون آثاراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حيث إنه عليه السلام استعان ببعض اليهود في بعض غزواته ورضخ لهم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 صـ 146. (¬2) الخبر لم أجده بهذا اللفظ، ولكن روى أحمد في المسند جـ 3 صـ 454 "لا نستعين بالمشركين على المشركين" من حديث جد خبيب. والمصنف لابن أبي شيبة حديث رقم 33159. وفي رواية عن سعيد بن المنذر قال: "فإنا لا نستعين بالكفار على المشركين". حديث رقم 33160، وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنا لا نستعين بمشرك" حديث رقم 33162.

القاعدة: التاسعة والأربعون بعد الستمئة [الإنهاء]

القاعدة: التاسعة والأربعون بعد الستمئة [الإنهاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " إنهاء الشيء يقرره (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنهاء الشيء إتمامه وبلوغه غايته وتمامه. يقرره: يثبته ويؤكده. تدل هذه القاعدة على أن إتمام الأمر وبلوغه غايته يدل على ثبوته وتقرره لأنه لو لم يكن ثابتاً لما تم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى عبداً بشرط العتق على أن له الخيار فأعتقه، فكان إعتاقه منهياً ملكه عليه ومقرراً ومثبتاً لجواز العقد وإسقاط الخيار. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 3 صـ 6 باب البيوع إذا كان فيها شرط.

القاعدة: الخمسون بعد الستمئة [ألفاظ اليمين]

القاعدة: الخمسون بعد الستمئة [ألفاظ اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند مالك رضي الله عنه: ألفاظ اليمين محمولة على ألفاظ القرآن (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند مالك رضي الله عنه أن ألفاط اليمين محمولة على ألفاظ القرآن - يعني بذلك أن النظر فيها إلى معنى اللغوي الذي دل عليه القرآن لا إلى المعنى العرفي. وهذا إذا لم يكن للحالف نيّة. قالوا: الأَيمان مبنية على النيّة أولا فإن لم تكن نية فعلى الباعث، - أو ما يسمونه البساط - والمراد به ملابسات اليمين التي دعت إليه. فإن لم يكن باعث فعلى العرف، وإلا فعلى الوضع اللغوي (¬2). ولكن قالوا في موضع آخر: الأيمان مبنية على الاستعمال القرآني (¬3) إن لم يكن نية. فعلى هذا ففي اعتبار العرف خلاف عندهم وقاعدتنا نص على عدم اعتباره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف أن لا يدخل بيتاً، فدخل بيت شعر حنث إن لم يكن له نية سواء كان بدوياً أم قروياً. ومنها: إذا حلف لا يأكل بيضاً لم يحنث بأكل بيض الحيتان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 صـ 163. (¬2) أسهل المدارك جـ 2 صـ 23. والكافي جـ 1 صـ 452. (¬3) المدونة الكبرى جـ 2 صـ 52.

وفي هذا المثال أعمل المالكية العرف. لأن العرف لا يسمى بيض الحيتان بيضاً. والمراد بالحيتان السمك. وقد قيل إنه يحنث. فيكون العرف غير معتبر.

القاعدة: الحادية والخمسون بعد الستمئة [أهل المسجد والمقبرة]

القاعدة: الحادية والخمسون بعد الستمئة [أهل المسجد والمقبرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: أهل المسجد أو المقبرة ينتصب خصماً عن الباقين (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أهل المسجد هم جيرانه الذين يصلون فيه. وأهل المقبرة هم جيرانها الذين يدفنون موتاهم فيها. فتدل هذه القاعدة على أنه إذا ادَّعى شخص حقاً في مقبرة أو مسجد وأقام البينة على ذلك مخاصماً لبعض جماعة المسجد أو المقبرة ثم حكم الحاكم أو قضى القاضى له ببينة، فيكون القضاء قضاء على الجماعة كلها، ويترتب على ذلك أن لا يدعي أحد منهم بعد ذلك ما ينقض هذه الدعوى لأنه لا يقبل منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان مسجد جماعة أو مقبرة أو سوق أو مدرسة أو مستشفى ثم قام شخص وأدعى حقاً له في إحدى هذه المرافق وأقام البينة على ذلك مخاصماً بها من ينتفعون بهذه المرافق ثم حكم القاضي بالبينة فينتج عن ذلك أمران: الأمر الأول إبطال وقف هذا المرفق ونقضه لثبوت حق فيه لغير الواقف. والأمر الثاني: أنه لا يقبل دعوى من بعض المنتفعين بهذا المرفق بعد ذلك؛ لأن الدعوى إذا تمت بالوجه الشرعي لا تقبل النقض. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية صـ 161 ط جديدة، عن الخانية باب الرجل يجعل داره مسجداً أو مقبرة.

القاعدة: الثانية والخمسون بعد الستمئة [العقود]

القاعدة: الثانية والخمسون بعد الستمئة [العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أوائل العقود تؤكد بما لا يؤكد به أواخرها (¬1) ". وبمعناها قواعد أخرى تأتي في حروفها. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن العقود لا تقع صحيحة إلا إذا استوفت شروط صحتها. فإن فقد شرط منها لم يصح العقد ولم تترتب عليه أحكامه. وكذلك تؤكد العقود في أولها بعد استيفاء شروطها وأركانها بما يمنع بطلانها بعد تحققها، بخلاف أواخر العقود حيث يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيع الضمني يغتفر فيه ترك الإيجاب والقبول، ولا يغتفر ذلك في البيع المستقل. ومنها: لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع، فإن باعه مع الأرض جاز تبعاً. ومنها: لا يصح ملك الكافر المسلمَ ابتداءً واستقلالاً، وإن كان يصح تبعاً، كمن باع عبداً كافراً لمسلم ثم أسلم العبد ثم اطلع المشتري على عيب في العبد فرده على بائعه الكافر (¬2). ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 207، والأشباه للسيوطي صـ 120. (¬2) أشباه السيوطي صـ 450 حيث ذكر الصور التي يدخل فيها العبد المسلم في ملك الكافر.

القاعدة: الثالثة والخمسون بعد الستمئة [الأوصاف]

القاعدة: الثالثة والخمسون بعد الستمئة [الأوصاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأوصاف لا يقابلها الثمن إلا إذا صارت مقصودة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة أنه عند الحنفية أن أوصاف المبيع لا يقابلها شيء من الثمن، ولكن إذا صارت هذه الأوصاف هي المقصودة بالعقد فيقابلها الثمن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى عبداً على أنه خباز أو كاتب ثم ظهر خلاف ذلك فلا يعتبر خلاف الصفة عيباً في العبد يستحق به المشتري رد جزء من الثمن، فهو إما أنه يأخذ العبد بكل الثمن أو يفسخ البيع حيث له الخيار. وأما عند غير الحنفية فإن الأوصاف يقابلها جزء من الثمن ويسمى هذا - أي الخلاف في الصفة - عيب الصفة. ولكن إذا كانت الأوصاف مقصودة فيقابلها الثمن كمن اشترى بقرة واشترط أن تكون ذات دَرّ - أي حليب - ثم ظهرت أنها غير ذات دَرّ، فله حق فسخ العقد أو استرداد ما يقابل الحلب في البقرة. وكذلك لو اشترى شخصاً على أنه جارية فإذا هو غلام فسد البيع لأن الصفة هنا مقصودة - أي صفة الأنوثة (¬2). ¬

_ (¬1) عن القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482. (¬2) المبسوط للسرخسي جـ 13 صـ 12 بتصرف.

القاعدة: الرابعة والخمسون بعد الستمئة [الكلام]

القاعدة: الرابعة والخمسون بعد الستمئة [الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير موجب أوَّله (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن كلام المتكلم يتوقف فهم المقصود منه على تمامه. فلا يحمل كلام المتكلم على أوله ويترك آخره وبخاصة إذا كان في آخره ما يغير ما يجب بأوله كالاستثناء والشرط وغير ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر وقال: لفلان عليَّ ألف درهم إلى سنة. فلا يجوز أن يفهم أن الدين حالّ. ومنها: أن يقول: اشتريت منك هذه السلعة بكذا على أن تحملها إلى مكان سماه. فلا يتم البيع بدون استيفاء الشرط. ومنها: لو قال: له عليَّ ألف درهم إلا خمسمائة، فلا يطالب بالألف بل يطالب بخمس مئة فقط. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة صـ 482.

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الستمئة [الإيثار]

القاعدة: الخامسة والخمسون بعد الستمئة [الإيثار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الإيثار في القُرَب مكروه، وفي غيرها محبوب (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإيثار: معناه تفضيل الغير على نفسه وتقديمه عليه، ويقابل الإيثار الأثرة ومعناها الاستئثار بالشيء ومنعه من الغير. والإيثار نوعان: أ - إيثار الغير على النفس في الحظوظ الدنيوية وهو محبوب مطلوب. والنوع الثاني: إيثار في الحظوظ الأخروية، وهذا النوع هو موضوع هذه القاعدة. والقُرَب جمع قُربة وهو ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى من العبادات والطاعات. تدل هذه القاعدة - وأصلها عند الشافعية - أن الإيثار في القرب مكروه وقد يكون حراماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من آثر غيره بماء الطهارة - حيث لا ماء غيره - فهذا إيثار محرم. ومنها: أن يقوم رجل من مجلسه في الصف لغيره - فهذا مكروه. ومنها: تعريض المجاهد نفسه للقتل دفاعاً عن دينه وأمته. هذا أعلى درجات الإيثار وهو محبوب مطلوب. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 صـ 212 - 216، وأشباه السيوطي صـ 116، وأشباه ابن نجيم صـ 119، والوجيز صـ 98 مع الشرح والبيان.

القاعدة: السادسة والخمسون بعد الستمئة [الإيجاب]

القاعدة: السادسة والخمسون بعد الستمئة [الإيجاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن ما يوجبه العبد على نفسه إنما يعتبر بما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليه - فلا يجوز أن يوجب إنسان على نفسه عبادة من غير جنس ما أوجبه الله عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز أن يوجب الإنسان على نفسه صلاةً أو صياماً أو حجاً أو صدقةً أو جهاداً بالنذر. ولكن لا يجوز له أن يوجب على نفسه فعلاً لا مثيل له في العبادات كالمشي والجري والطيران أو الامتناع عن الطعام والشراب أياماً بلياليها لأن هذا منهيٌ عنه. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة صـ 428.

القاعدة: السابعة والخمسون بعد الستمئة والثامنة والخمسون بعد الستمئة [الشك في الشرط]

القاعدة: السابعة والخمسون بعد الستمئة والثامنة والخمسون بعد الستمئة [الشك في الشرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: " إيقاع العبادات أو العقود أو غيرها مع الشك في شرط صحتها هل يجعلها كالمعلقة على تحقيق ذلك الشرط أم لا؟ (¬1) ". وفي لفظ: "إن الحكم المعلق على شرط - أو المشروط بشرط - إذا وقع الشك في وجود شرطه لا يثبت (¬2) ". وفي لفظ: "الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط (¬3) ". وتأتي في حرف الشين إن شاء الله. وفي لفظ: "الشك في الشرط يوجب الشك بالمشروط (¬4) ". وتأتي في حرف الشين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تدل هذه القواعد على أن ما كان من العبادات أو العقود أو غيرها له شرط لصحة وجوده وتحققه ثم وقع الشك في وجود هذا الشرط أن المشروط لا يثبت. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والستون. (¬2) شرح مجلة الأحكام للأتاسي جـ 1 صـ 18. (¬3) قواعد الونشريسي إيضاح المسالك: القاعدة العشرون. الفروق للقرافي جـ 1 صـ 111. (¬4) قواعد المقري القاعدة الثامنة والستون. الجزء الأول صـ 293.

عند مالك أن من تطهر ثم شك في الحدث أنه يجب عليه الطهارة - إذا كان خارج الصلاة - لأن الطهارة شرطٌ في صحة الصلاة وقد وقع الشك فيها. ومنها: عدم جواز بيع الأموال الربوية مجازفة؛ لأن المماثلة في بيعها شرط محقق والمماثلة مع المجازفة مشكوك فيها، فلا يصح البيع.

القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الستمئة [الميراث]

القاعدة: التاسعة والخمسون بعد الستمئة [الميراث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أيُّما ميراث اقتسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية، وما أدرك الإسلام فهو على قسمة الإسلام (¬1) (¬2) ". معنى هذا الحديث ومدلوله [حديث شريف]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يدل هذا الحديث عَلى أن المواريث التي اقتسمت في الجاهلية قبل الإسلام فهي على ما قسمت لا تغير ولا تعاد قسمتها بعد الإسلام، وما أدرك الإسلام قبل القسمة فهو على ما شرعه الله عز وجل في كتابه في أحكام الفرائض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مات رجل مشرك من أهل دار الحرب فقسم ميراثه بين ورثته قبل أن يسلموا، ثم أسلموا بعد تمام القسمة فالقسمة ماضية لا تنتقض، وإن كانت مخالفة لقسمة الفرائض في الإسلام. وأما إذا أسلموا قبل القسمة فيقسم الميراث بينهم على حكم الإسلام (¬3). هذا إذا مات المورث وهم على دينه، وأما إذا مات المورث الكافر وكان أحد ورثته عبداً مسلماً فأعتق قبل القسمة ففي توريثه خلاف (¬4). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 1899. (¬2) الحديث أخرجه في التمهيد جـ 2 صـ 48، 49/ 51، 55 عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬3) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 5 صـ 1799 بتصرف في العبارة. (¬4) ينظر التمهيد جـ 2 صـ 55 فما بعدها.

القاعدة: الستون بعد الستمئة [الأيمان]

القاعدة: الستون بعد الستمئة [الأيمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأَيمان تبنى على العرف (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن مبنى الأيمان عند الحنفية عَلى العرف لا على المعاني اللغوية أو دقائق العربية كما سبق، ولا يعمل الحنفية النيَّة في الأيمان - إلا عند الجصاص - حيث إنهم يقولون: لا حنث بغير لفظ". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن حلف لا يسكن بيتاً - وهو من أهل المدن - لا يحنث إذا سكن خيمة لأنها لا تسمى عندهم بيتاً. ومثله: إذا حلف لا يأكل لحماً لم يحنث بأكل السمك أو الدجاج لأنه لا يسمى في العرف لحماً. ¬

_ (¬1) المبسوط للسرخسي جـ 5 صـ 127، والقواعد والضوابط المستخلصة صـ 482.

القاعدة: الحادية والستون بعد الستمئة [الأيمان، القسامة]

القاعدة: الحادية والستون بعد الستمئة [الأيمان، القسامة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الأيمان في جميع الخصومات موضوعة في جانب المدعى عليه إلا في القسامة (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن اليمين في جميع الخصومات موجهة على المدعى عليه؛ لأن على المدعي البينة بناء على الحديث الشريف. البينة على المدعي واليمين عَلى المدعى عليه (¬2). لأن المدعي متمسك بخلاف الظاهر والمدعى عليه متمسك بالأصل. وخرج عن ذلك القسامة وهي اسم للأَيمان التي يحلفها أولياء القتيل ليستحقوا دم قتيلهم (¬3). ولذلك فهي موضوعة في جانب المدعين في هذه الحالة وقد توجه وتوضع في جانب المدعى عليهم. فهي مشتركة بينهم، إذا نكل عنها المدعون وجهت على المدعى عليهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى رجل على آخر مالاً أو حقاً فعلى المدعي البينة فإن لم توجد فتوجه اليمين على المدعى عليه. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني صـ 1337. (¬2) الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة. (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه صـ 339.

القاعدة: الثانية والستون بعد الستمئة [الأيمان]

القاعدة: الثانية والستون بعد الستمئة [الأيمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الأيمان مبنية على الألفاظ الجارية لا على الأغراض (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأغراض: المقاصد والنيَّات. والألفاظ الجارية: أي المتعارفة. وتدل القاعدة على أن عند الحنفية أن مبنى الأيمان ودلالتها إنما المعتبر فيها ألفاظ اليمين لا مقاصد الحالف كما يعتبر فيها دلالة الألفاظ العرفية لا اللغوية قضاء لا ديانة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اغتاظ من إنسان فحلف أن لا يشتري له شيئاً بفَلْس أو ريال أو قرش ثم اشترى له بمائة درهم، قالوا: لا يحنث، لأنه غرضه وإن كان عدم شراء شيء له أصلاً إلا أنه يصدق عليه أنه لم يشتر بفلس ولا بريال ولا بقرش، وكما قالوا: لا حنث بغير لفظ. ¬

_ (¬1) قواعد الخادمي مع شرح القرق أغاجي صـ 19، الوجيز صـ 92

القاعدة: الثالثة والستون بعد الستمئة والرابعة والستون بعد الستمئة والخامسة والستون بعد الستمئة [الأيمان]

القاعدة: الثالثة والستون بعد الستمئة والرابعة والستون بعد الستمئة والخامسة والستون بعد الستمئة [الأيمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " الأيمان مبنية على الألفاظ أو على الأغراض (¬1) ". وفي لفظ: "الأيمان مبنية على النيّات (¬2) ". وفي لفظ: "الأيمان تنبنى على العرف في كل موضع (¬3) ". ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: اختلاف ألفاظ هذه القواعد مع اتحاد موضوعها دليل على اختلاف المذاهب في النظرة إلى موضوعها وهو الأيمان. فهل الأيمان مبناها على الألفاظ ولا ينظر إلى النيات؟. بهذا قال الحنفية والشافعية حيث يقولون: لا حنث بغير لفظ كما سبق قريباً. أو أن مبنى الأيمان على النيات؛ ولا ينظر إلى الألفاظ إلا عند عدم النيّة؟ بهذا قال المالكية (¬4) والحنابلة. أو أن الأيمان مبناها على العرف في كل موضع لا نيَّة للحالف فيه؟ هذا مذهب الحنفية. ولا تعارض بين القاعدتين الأوليين والقاعدة الثالثة، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 صـ 168 - 169، وأشباه ابن نجيم صـ 53 وصـ 186، والخاتمة صـ 33، والوجيز صـ 92. (¬2) المغني لابن قدامة جـ 8 صـ 763. (¬3) المبسوط جـ 8 صـ 186. (¬4) أسهل المدارك جـ 2 صـ 23.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

لأن مقصود القاعدتين الأوليين تحكيم القصد أو النية من حيث التعميم والتخصيص، ومقصود القاعدة الثالثة من حيث المعنى العرفي أو اللغوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حلف إنسان أن لا يشتري شيئاً بدينار - وغرضه عدم الشراء بما زاد أو قل - ثم اشترى شيئاً بمئة دينار. فعند الحنفية والشافعية لا يحنث لأن مبنى الأيمان عندهم على الألفاظ لا على النيات. ولأنه لا حنث بغير لفظ عندهم. وأما عند المالكية والحنابلة فيحنث لأن الأيمان مبناها على النيات قولاً واحداً (¬1). وأما إذا حلف لا يأكل اللحم فلا يحنث بأكل السمك لأنه لا يسمى في العرف لحماً - إلا إذا نواه، وهذا عند الحنفية قولاً واحداً، وعند غيرهم خلاف. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 121 ومنار السبيل جـ 2 صـ 442.

القاعدة: السادسة والستون بعد الستمئة [أي]

القاعدة: السادسة والستون بعد الستمئة [أي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " أيُّ كلمة جمع يتناول كل واحد من المخاطبين على الانفراد (¬1) ". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدل هذه القاعدة على أن معنى "أيّ (¬2) " إذا أُضيفت فهي تدل عَلى جمع، فتتناول كل واحد من المخاطبين على سبيل الانفراد، بمنزلة كلمة "مَنْ"، وهي للعاقل وغيره. وهي تفيد هنا الشرط وهو أحد معانيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقف المسلمون على باب حصن فقال الأمير أو القائد لجنده: أيكم دخل أولاً فله كذا. والثاني له كذا، والثالث له كذا فهذا تنفيل صحيح. فإذا دخل الثلاثة تباعاً فلكل واحد منهم ما سمَّى (¬3). ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير للسرخسي جـ 3 صـ 847، قواعد الفقه صـ 64. (¬2) ينظر معنى أي وعملها: من كتب النحو، مغني اللبيب جـ 1 صـ 111 ومن كتب الأصول، شرح الكوكب المنير جـ 1 صـ 122، والمعتمد جـ 2 صـ 206، وشرح تنقيح الفصول صـ 179، والتلويح على التوضيح جـ 1 صـ 257، والعدة جـ 2 صـ 485، وغيرها من كتب الاصول. (¬3) شرح السير الكبير جـ 3 صـ 847 بتصرف. مرجع سابق.

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وشكراً لله وحده شكراً وحمداً يليق بجلاله سبحانه على ما أعان ويسر من إتمام تصحيح هذه الموسوعة صبيحة السبت الرابع والعشرين من شهر صفر الخير من العام السادس عشر بعد الأربعمئة والألف من هجرة سيد البشر، وأكرم الخلق سيدنا ومولانا محمَّد بن عبد الله نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين. أما بعد .. فهذا جهدي أقدمه وهو جهد بشري قاصر إذ يأبى الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكون الكمال إلا لكتابه، ومن صنف فقد استهدف، فرحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي ونقصي وتقصيري في هذا المؤلف، وأحرج على كل من قرأه واطلع فيه عَلى نقص أو تقصير أو عَيب إلا اتصل بي ونبهني إليه حتى أتلافاه فيما بقي من قواعد هذه الموسوعَة، وأصححه في طبعة أخرى بهذا القسم إذا قدر الله له إعادة طبع أو قدر لي طول بقاء. والحمد لله أولاً وأخيراً. المؤلف محمَّد صدقي بن أحمد البورنو الغزي فرع جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإسلامية - القصيم - بريدة. كلية الشريعة وأصول الدين ص. ب: 1166 - ت 3815491/ 06

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع

حرف الهمزة

الترتيب ألفبائي يشتمل على: اسم الكتاب كاملاً. اسم المؤلف وكنيته ولقبه وشهرته وتاريخ وفاته إذا وجدت اسم المحقق إذا كان الكتاب محققاً. المطبعة أو دار النشر وبلد الطبع والطبعة وسنة الطبع إذا توفرت كلها وإلا بحسب الموجود منها حرف الهمزة - كتاب إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين. الزبيدي: أبو الفضل السيد محمَّد بن محمَّد الحسيني الشهير بمرتضى المتوفى سنة 1205 هـ. دار الفكر - بيروت تصوير عَن طبعة المطبعة الميمنية بالقاهرة 1311 هـ. - كتاب إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام. ابن دقيق العيد أبو الفتح تقي الدين محمَّد بن علي بن وهب القشيري المتوفى سنة 702 هـ. إدارة الطباعة المنيرية القاهرة 1340 تصوير دار الكتب العلمية بيروت.

- كتاب الإحكام في أصول الأحكام.

- كتاب الإحكام في أصول الأحكام. ابن حزم أبو محمَّد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي الظاهري المتوفى سنة 456 هـ منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت - الطبعة الأولى 1400. - كتاب أحكام القرآن - الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. ينظر في حرف الجيم. - كتاب إحياء علوم الدين. الغزالي: أبو حامد محمَّد بن محمَّد الطوسي حجة الإسلام المتوفى سنة 505 هـ. طبعة كتاب الشعب القاهرة دون تاريخ. - كتاب الأدب المفرد. البخاري: أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أمير المؤمنين في الحديث - المتوفى سنة 256. طبع ونشر مكتبة الآداب القاهرة 1400 هـ - الأربعين في أصول الدين. الغزالي: أبو حامد محمَّد بن محمَّد بن محمَّد الطوسي المتوفى سنة 505 هـ. منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الثالثة 1400.

- كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول.

- كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. الشوكاني: محمَّد بن علي اليمني المتوفى سنة 1250 هـ. دار الفكر بيروت. تصوير، عن الطبعة الأولى دون تاريخ. طبعة أخرى. تحقيق الدكتور شعبان محمَّد إسماعيل. مطبعة المدني - القاهرة - الطبعة الأولى 1413 هـ - كتاب إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. الألباني: الشيخ محمَّد ناصر الدين. ما زال حياً. طبع المكتب الإِسلامي - دمشق - الطبعة الأولى 1399 هـ. - كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب. حاشية الإصابة. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمَّد النمري القرطبي المتوفى سنة 463 هـ. تحقيق الدكتور طه محمَّد الزيني. نشر مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة الطبعة الأولى سنة 1397 هـ.

- كتاب أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك.

- كتاب أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك. أبو بكر بن حسن الكشناوي المالكي المكي. كان حياً سنة 1383 عند نهاية تبييضه لكتابه. طبع عيسى البابي الحلبي القاهرة. الطبعة الأولى دون تاريخ. - كتاب الأشباه والنظائر. ابن السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن عبد الكافي الشافعي المتوفى سنة 771. تحقيق الشيخين: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمَّد عوض. طبع دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولى 1411 هـ. - كتاب الأشباه والنظ ائر. السيوطي أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي المتوفى سنة 911 هـ. دار الكتب العلمية بيروت. الطبعة الأولى 1399 هـ تصوير. - كتاب الأشباه والنظائر. ابن نجيم زين الدين بن إبراهيم بن محمَّد بن بكر الحنفي المتوفى سنة 970 هـ. دار الكتب العلمية بيروت 1400 تصوير.

- كتاب الأشباه والنظائر.

- كتاب الأشباه والنظائر. ابن الوكيل صدر الدين محمَّد بن عمر بن مكي الشافعي المتوفى سنة 716 هـ. تحقيق الدكتورين: أحمد بن محمَّد العنقري الحنبلي النجدي، عادل بن عبد الله الشويخ العراقي. رسالة ماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإِسلامية بالرياض سنة 1404، سنة 1405 هـ. - كتاب الإصابة في تمييز الصحابة. ابن حجر أبو الفضل شهاب الدين شيخ الإسلام أحمد بن علي العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ. تحقيق الدكتور طه محمَّد الزيني. نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة. الطبعة الأولى سنة 139 هـ. - كتاب الأصل - "المبسوط". الشيباني أبو عبد الله محمَّد بن الحسن بن فرقد المتوفى سنة 189 هـ. تحقيق وتعليق أبو الوفاء الأفغاني. منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية - كراتشي باكستان 1385 - 1393 هـ. - كتاب أصول الإمام الكرخي.

- كتاب أصول الفقه.

الكرخي: أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم المتوفى سنة 340 هـ. ضمن كتاب تأسيس النظر. - كتاب أصول الفقه. أبو زهرة الشيخ محمَّد بن أحمد أبو زهرة، المصري المتوفى سنة 1394 هـ. دار الفكر العربي - القاهرة - دون تاريخ. - كتاب الاعتناء في الفرق والاستثناء - ويقال: الاستغناء. البكري بدر الدين محمَّد بن أبي بكر بن سليمان الشافعي المتوفى سنة 871 هـ. تحقيق الشيخين: عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ على محمَّد عوض. دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ. وتحت العنوان الثاني حقق جزءاً منه الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي المكي للحصول على شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة بجامعة أم القرى سنة 1408 هـ. - الأعلام. قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين. خير الدين الزركلي أبو الغيث خير الدين بن محمَّد بن علي ابن فارس الشامي المتوفى سنة 1396 هـ.

- كتاب الأم.

دار القلم للملايين - بيروت لبنان. الطبعة السادسة 1404 هـ. - كتاب الأم. الإمام الشافعي أبو عبد محمَّد بن إدريس بن شافع القرشي الهاشمي المتوفى سنة 204 هـ رضي الله عنه. طبعة كتاب الشعب - القاهرة 1388 هـ. علي بن عمر بن أحمد البغدادي أبو الحسن الدارقطني 140. - كتاب الأمنية في إدراك النية. القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المالكي المتوفى سنة 684 هـ. دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولى سنة 1404 هـ. - كتاب الأموال. أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي الأزدي البغدادي المتوفى سنة 224. تحقيق وتعليق الشيخ خليل محمَّد هراس. مكتبة الكليات الأزهرية. القاهرة. الطبعة الأولى 1389. - كتب أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء. الشيخ قاسم بن عبد الله بن خير الدين أمير على القونوي الرومي الحنفي المتوفى سنة 978 هـ. تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي.

- كتاب إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك "قواعد الونشريسي".

نشر دار الوفاء للنشر والتوزيع - جدة - سنة 1406 هـ. - كتاب إيضاح المسالك إلى قواعد الإِمام مالك "قواعد الونشريسي". الونشريسي: أبو العباس أحمد بن يحيى بن عبد الواحد بن علي التلمساني المتوفى سنة 914 هـ. تحقيق أحمد بو طاهر الخطابي المغربي المالكي. طبع اللجنة المشتركة بين دولتي المغرب والإمارات - الرباط 1400 هـ. حرف الباء - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. الكاساني علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد ملك العلماء الحنفي المتوفى سنة 587 هـ. مطبعة شركة المطبوعات العلمية - بمصر الطبعة الأولى سنة 1327 هـ - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى سنة 911 هـ. تحقيق محمَّد أبو الفضل إبراهيم نشر دار الفكر ببيروت. الطبعة الثانية 1399 هـ تصوير.

- كتاب البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة.

- كتاب البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة. الفيروزأبادي مجد الدين محمَّد بن يعقوب المتوفى سنة 817 هـ. تحقيق محمَّد المصري. منشورات مركز المخطوطات التراث - جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت. الطبعة الأرلى 1407 هـ. حرف التاء - تأسيس النظر. الدبوسي أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى القاضي الحنفي المتوفى سنة 430 هـ مطبعة الإِمام القاهرة. نشر زكريا علي يوسف. الطبعة الأولى دون تاريخ. نسخة أخرى طبع دار ابن زيدون بيروت، ومكتبة الكليات الزهرية بالقاهرة. تحقيق مصطفى بن محمَّد القباني الدمشقي - دون تاريخ. - كتاب تاريخ بغداد. الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المتوفى سنة 463 هـ دار الكتب العلمية بيروت تصوير. دون تاريخ. - كتاب تاريخ الفقه الإِسلامي. دكتور/ محمَّد أنيس عبادة. المصري.

- كتاب تحرير ألفاظ التنبيه - لغة الفقهاء.

دار الطباعة المحمدية - القاهرة. البعثة الثانية 1389 هـ. - كتاب تحرير ألفاظ التنبيه - لغة الفقهاء. النووي محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن حسن الحزامي الشافعي. المتوفى سنة 677 هـ تحقيق عبد الغني الدقر الشامي. طبع دار القلم دمشق - الطبعة الأولى 1408 هـ. - كتاب تخريج الفروع على الأصول. الزنجانب: أبو المناقب شهاب الدين محمود بن أحمد المتوفى سنة 656 هـ. تحقيق الدكتور محمَّد أديب الصالح. طبع مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثالثة 1399 هـ. - كتاب تذكرة الحفاظ. الذهبي أبو عبد الله شمس الدين محمَّد بن أحمد بن عثمان المتوفى سنة 748 هـ. مطبعة دائرة المعارف العثمانية - الهند سنة 1388. نسخة أخرى طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت تصوير عن طبعة دار المعارف العثمانية 1956 م. - كتاب التعريفات. الشريف الجرجاني علي بن محمَّد بن علي المتوفى سنة 816 هـ

- كتاب تقريب التهذيب.

- مكتبة لبنان - بيروت 1978 م. - كتاب تقريب التهذيب. الإِمام الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمَّد بن حجر الكناني العسقلاني المصري الشافعي المتوفى سنة 852 هـ. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. مطابع دار الكتاب العربي/ القاهرة الطبعة الأولى 1380 هـ. - كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد "قواعد الفقه الإِسلامي". ابن رجب أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب ابن النقيب السلامي البغدادي المتوفى سنة 795. تعليق طه عبد الرؤف سعد. مكتبة الكليات الأزهرية. الطبعة الأولى 1392 هـ. نسخة أخرى طبع دار المعرفة بيروت لبنان دون تاريخ. - كتاب تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. ابن حجر شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد. عناية السيد عبد الله هاشم اليماني المدني - المدينة المنورة 1384 هـ. نشر دار المعرفة - بيروت تصوير. - كتاب التلويح في كشف حقائق التنقيح. شرح تنقيح الأصول لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود بن محمود المحبوبي المتوفى ستة 747 هـ.

- كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.

التفتازاني سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله المتوفى سنة 791 أو سنة 792 هـ. طبع مكتب صنايع أستانبول طبعة سنة 1310 هـ. - كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري الأندلسي المالكي المتوفى سنة 463 هـ. تحقيق الأستاذين مصطفى أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري. مكتبة ابن تيمية - القاهرة - الطبعة 1387 الرباط - المغرب. - كتاب تهذيب التهذيب. ابن حجر أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد المتوفى سنة 852 هـ. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - الهند - عن الطبعة الأولى 1325. تصوير دار صادر بيروت. - كتاب تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية - حاشية الفروق. الشيخ محمد علي بن حسين المالكي. دائرة المعارف بيروت - تصوير دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة 1347 هـ.

- كتاب توفيق الإله لشرح فن من الأشباه.

- كتاب توفيق الإله لشرح فنّ من الأشباه. سنبل زادة/ محمد المرعشي. مصورة عن مخطوطة السليمانية باستانبول رقم 232 - 1 كتبها محمد بن الحاج رمضان التياه المرعشي للقاضي محمد البوري سنة 1144. - كتاب الجامع الصحيح. الإِمام البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي المتوفى سنة 256 هـ. المكتب الإِسلامي استانبول - تركيا دون تاريخ عناية محمد أوزدمير. - كتاب جامع الفصوليين. ابن قاضي سماونة: بدر الدين محمود بن إسرائيل بن عبد العزيز الحنفي المتوفى سنة 823 هـ. الطبعة الأولى - المطبعة الأميرية الكبرى بالقاهرة سنة 1300 هـ. - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم. ابن رجب زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي المتوفى سنة 795. مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر. الطبعة الثانية 1369. - كتاب الجامع لأحكام القرآن.

- كتاب الجمع والفرق.

القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي المتوفى سنة 671. دار الكاتب العربي - بيروت - الطبعة الثالثة - تصوير عن طبعة دار الكتب المصرية 1387. - كتاب الجمع والفرق. الجويني أبو محمد عبد الله بن يوسف المتوفى سنة 438. تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن سلامة المزيني الحنبلي. رسالة دكتوراة 1413 هـ. - جواهر الإكليل شرح مختصر الشيخ خليل في مذهب الإِمام مالك إمام دار التنزيل. الشيخ صالح بن عبد السميع الأبي الأزهري المالكي. نشر دار المعرفة - بيروت - تصوير دون تاريخ. حرف الحاء - كتاب حاشية السندي على سنن النسائي. الشيخ أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي التتوي السندي الحنفي المتوفى سنة 1138 هـ. دار إحياء التراث العربي بيروت تصوير عن الطبعة 1348. - كتاب الحجة على أهل المدينة.

- كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.

أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة 189 هـ. عالم الكتب - بيروت - تصوير عن طبعة مطبعة المعارف الشرقية حيدر أباد الهند. - كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. أبو نعيم الحافظ: أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ. دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة الثالثة 1400 تصوير عن طبعة الخانجي - القاهرة. حرف الخاء - كتاب الخراج. القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي المتوفى سنة 182 هـ. المطبعة السلفية - القاهرة. الطبعة الثالثة 1382 هـ. - كتاب الخراج والنظم المالية للدولة الإِسلامية. الدكتور محمد ضياء الدين الريس. دار الأنصار- القاهرة - الطبعة الرابعة 1977 م / 1397 هـ. حرف الدال

- كتاب الدر الثمين والمورد المعين في شرح منظومة المرشد المعين.

- كتاب الدر الثمين والمورد المعين في شرح منظومة المرشد المعين. ميارة: أبو عبد الله محمد ان أحمد بن محمد الفاسي المالكي المتوفى سنة 1072 هـ. طبع مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة. الطبعة الأخيرة 1373. - كتاب درر الحكام شرح مجلة الأحكام. علي حيدر تعريب المحامي فهمي الحسيني. منشورات مكتبة النهضة - بيروت وبغداد - توزيع دار العلم للملايين - بيروت. - كتاب الدر المنثور في التفسَير المأثور. السيوطي: أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى سنة 911 هـ. دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولى. 1411 هـ - كتاب الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب. ابن فرحون: برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري المدني المالكي المتوفى سنة 799 هـ. دار الكتب العلمية بيروت - تصوير. - كتاب ديوان الأعشى مع الشرح. الأعشى: ميمون بن قيس بن جندل. دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الأولى 1412.

حرف الذال

حرف الذال - كتاب الذخيرة. القرافي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المالكي المتوفى سنة 684 هـ. طبع وزارة والشؤون الإِسلامية الكويت الطبعة الثانية 1402. - تصوير عن الطبعة الأولى 1381 - طبعة كلية الشريعة بالأزهر. حرف الراء - كتاب الرسالة في أصول الفقه. الإِمام الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن شافع المطلبي رضي الله عنه المتوفى سنة 204 هـ. تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر دار التراث القاهرة. الطبعة الثانية 1399. - روضة الطالبين. النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف محي الدين الحزامي الشافعي المتوفى سنة 677 هـ. تحقيق الشيخين / عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض. دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى 1412 هـ. - كتاب روضة الناظر وجُنَّة المناظر.

حرف السين

ابن قدامة أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي الدمشقي المتوفى سنة 620 هـ. تعليق الشيخ عبد القادر بن أحمد ابن بدران الدومي الدمشقي. مكتبة المعارف الرياض - الطبعة الثانية 1404 هـ. حرف السين - كتاب سنن أبي داود. الحافظ الإِمام سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني المتوفى سنة 275 هـ تعليق الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد. دار إحياء السنة النبوية - القاهرة. دون تاريخ. - كتاب سنن البيهقي. الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الشافعي المتوفى سنة 458 هـ. الطبعة الأولى - الهند -1354 هـ. - كتاب سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي. لابن العربي المالكي الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الشافعي المتوفى سنة 279 هـ. دار الكتب العلمية - بيروت - دون تاريخ.

- كتاب سنن الدارمي.

- كتاب سنن الدارقطني. مع التعليق المغني لأبي الطيب شمس الحق العظيم أبادي. الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي المتوفى سنة 385 هـ. مكتبة المتنبي - القاهرة، عالم الكتب بيروت - دون تاريخ. - كتاب سنن الدارمي. الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي المتوفى سنة 255. دار الكتب العلمية - بيروت تصوير عن طبعة دار إحياء السنة النبوية - كتاب سنن ابن ماجة الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي القزويني المتوفى سنة 273. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي - القاهرة تصوير 1395 هـ - كتاب سير أعلام النبلاء. الذهبي أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق شعيب الأرناءوط، وحسين الأسد وغيرهما. طبع مؤسسة الرسالة - بيروت الطبعة الثانية 1402 هـ. حرف الشين

- كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب.

- كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب. ابن العماد الحنبلي أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري المتوفى سنة 1089 هـ. طبع ونشر دار الفكر - بيروت 1409 تصوير. - كتاب شرح الأتاسي لمجلة الأحكام العدلية. للشيخين محمد خالد وابنه محمد طاهر الأتاسي الحمصي طبع مطبعة حمص - سوريا. الطبعة الأولى 1349 هـ. - كتاب شرح متن الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية. النووي: محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف ابن مري الحزامي الشافعي المتوفى سنة 677 هـ. نشر وتوزيع مكتبة دار الفتح بدمشق - الطبعة الثانية 1386 هـ. - كتاب شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول من الأصول. القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي المتوفى سنة 684 هـ. تحقيق طه عبد الرؤف سعد. منشورات مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر للطباعة والنشر - القاهرة - الطبعة الأولى 1393 هـ. - كتاب شرح الخاتمة - خاتمة مجامع الحقائق.

- كتاب شرح السنة.

الحاج سليمان القرق أغاجي طبع مطبعة الحاج محرم أفندي البوسنوي 1299 هـ. - كتاب شرح السنة. البغوي شيخ الإِسلام أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء محيي السنة المتوفى سنة 510 هـ. تحقيق شعيب الأرناءوط، ومحمد زهير الشاويش. طبع المكتب الإِسلامي دمشق، بيروت - الطبعة الثانية 1403 هـ. - شرح السير الكبير - السير الكبير لمحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني. السرخسي: أبو بكر شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل المتوفى سنة 490 هـ تقريباً. تحقيق الدكتور/ صلاح الدين المنجد، وعبد العزيز أحمد. طبع سنة 1971 هـ دون ذكر المطبعة ولا الناشر. - كتاب شرح السيوطي لسنن النسائي. السيوطي جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر المتوفى سنة 911 هـ. دار إحياء التراث العربي - بيروت تصوير عن الطبعة الأولى سنة 1348 هـ.

- كتاب شرح القواعد الفقهية.

- كتاب شرح القواعد الفقهية. الشيخ أحمد بن محمد بن عثمان الزرقا الحلبي الحنفي المتوفى سنة 1357 هـ. مراجعة وتصحيح الدكتور عبد الستار أبو غدة. طبع دار الغرب الإِسلامي - بيروت الطبعة الأولى 1403 هـ. - كتاب شرح الكوكب المنير على مختصر التحرير. ابن النجار أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي المتوفى سنة 972 هـ. تحقيق الدكتورين/ محمد الزحيلي، نزيه حماد. كلية الشريعة والدراسات الإِسلامية بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1400 هـ. - كتاب شرح مختصر الروضة. الطوفي نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الصرصري المتوفى سنة 716 هـ. تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي. مطبوعات مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1410 هـ. - شرح النووي لصحيح مسلم بن الحجاج.

حرف الصاد

النووي أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف ابن مري الحزامي الشافعي المتوفى سنة 677 هـ المطبعة المصرية بالأزهر - القاهرة. الطبعة الأولى 1347 هـ. حرف الصاد - كتاب صحيح ابن خزيمة. إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري ابن خزيمة المتوفى سنة 311 هـ. تحقيق وتعليق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي. طبع المكتب الإِسلامي - دمشق 1400 هـ - كتاب صحيح البخاري - الجامع الصحيح. الإِمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي المتوفى سنة 256. المكتب الإِسلامي - استانبول تركيا عناية محمد أوزدمير. دون تاريخ. - كتاب صحيح مسلم. الإِمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم النيسابوري المتوفى سنة 261 هـ. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

حرف الضاد

نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية طبعة سنة 1400 هـ. حرف الضاد - كتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع. السخاوي: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد القاهري الشافعي المتوفى سنة 902 هـ. منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت - تصوير دون تاريخ. حرف الطاء - كتاب طبقات الشافعية. الإسنوي: جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي المتوفى سنة 772 هـ. تحقيق عبد الله الجبوري. طبع دار العلوم للطباعة والنشر الرياض. 1401 هـ. - كتاب طبقات الشافعية الكبرى. ابن السبكي: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي المتوفى سنة 771 هـ. دار المعرفة بيروت الطبعة الثانية تصوير. دون تاريخ. - كتاب طبقات الفقهاء.

- كتاب طبقات المفسرين.

طاش كبرى زادة عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصلح الدين مصطفى بن خليل المتوفى سنة 968 هـ. نشر وتعليق الحاج أحمد نيلة - الطبعة الثانية دون مطبعة وتاريخ. - كتاب طبقات المفسرين. الداودي: شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي الشافعي المتوفى سنة 945 هـ. تحقيق علي محمد عمر. الناشر مكتبة وهبة - القاهرة - الطبعة الأولى 1392 هـ. - كتاب طرح التثريب شرح تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد. التقريب للإمام زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806 هـ. والشرح له ولولده الحافظ ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم أبو زرعة المتوفى سنة 826 هـ. طبع جمعية النشر والتأليف الأزهرية. الطبعة الأولى 1353 هـ - كتاب طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية. النسفي نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد. مفتي الثقلين الحنفي المتوفى سنة 537. تحقيق الشيخ خليل الميس. دار القلم - بيروت - البيان - الطبعة الأولى 1406 هـ.

حرف العين

حرف العين - كتاب العدة في أصول الفقه. القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 458 هـ. تحقيق وتعليق الدكتور أحمد بن علي سير مباركي طبع مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى 1400 هـ. - كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي البغدادي المتوفي سنة 597 هـ. تحقيق الأستاذ إرشاد الحق الأثري. دون تاريخ. المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة - نشر إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان. - كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري. العيني شيخ الإِسلام بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى العينتابي الحنفي المتوفى سنة 855 هـ. إدارة الطباعة المنيرية - القاهرة. الطبعة الأولى 1348 هـ. حرف الغين - كتاب غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر.

حرف الفاء

الحموي أحمد بن محمد مكي أبو العباس شهاب الدين الحسيني الحموي المتوفى سنة 1098 هـ. طبع دار الطباعة العامرة استانبول 1290 هـ. نسخة أخرى: دار الكتب العلمية بيروت. الطبعة الأولى 1405 هـ. حرف الفاء - كتاب فتاوى ابن تيمية. شيخ إلاسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 728 هـ. جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي وابنه محمد. تصوير الطبعة الأولى 1398 هـ. - الفتاوى الخانية - فتاوى قاضيخان. الإِمام فخر الدين أبو المحاسن حسن بن منصور بن محمود الأوزجندي الفرغاني الحنفي المتوفى سنة 592 هـ دار إحياء التراث العربي - بيروت - تصوير - الطبعة الثالثة 1400 هـ حاشية الفتاوى الهندية. - كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري.

- كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني.

الإِمام ابن حجر شيخ الإِسلام أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري الشافعي المتوفى سنة 852 هـ. المطبعة السلفية - محب الدين الخطيب - القاهرة - دون تاريخ. نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء - السعودية. - كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإِمام أحمد بن حنبل الشيباني. البنا الساعاتي: أحمد عبد الرحمن البنا المصري المتوفى سنة 1378 هـ. الناشر دار الحديث - القاهرة. تصوير دار إحياء التراث العربي ببيروت دون تاريخ. - كتاب الفرائد البهية في القواعد والفوائد الفقهية. الشيخ محمود بن محمد بن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي المتوفي سنة 1305 هـ. مطبعة الشام 1298 هـ نسخة أخرى مطبعة دار الفكر بدمشق الطبعة الأولى 1406 هـ. - كتاب الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق. القرافي: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي المالكي المتوفى سنة 648 هـ. دار المعرفة - بيروت تصوير عن طبعة دار إحياء الكتب العربية طبعة 1347 هـ.

- كتاب الفوائد البهية في تراجم الحنفية.

- كتاب الفوائد البهية في تراجم الحنفية. أبو الحسنات محمد بن عبد الحي بن محمد عبد الحليم الأنصاري اللكنوي الهندي المتوفى سنة 1304 هـ. دار المعرفة بيروت تصوير عن الطبعة الأولى. 1324 هـ. - كتاب الفوائد الجنية. حاشية على المواهب السنية شرح الفرائد البهية. الفاداني: علم الدين أبو الفيض محمد ياسين بن عيسى المكي الأندونيسي المتوفى سنة 1410 هـ. طبع دار البشائر الإِسلامية بيروت عناية رمزي سعد الدين دمشقية - الطبعة الأولى 1411 هـ. - كتاب فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت. مسلم الثبوت لمحب الله بن عبد الشكور البهاري الهندي المتوفى سنة 1119 هـ. والشرح لعبد العلي محمد بن نظام الدين محمد اللكنوي الأنصاري أبو العباس بحر العلوم الحنفي المتوفى سنة 1180 هـ. ضمن كتاب المستصفى للإمام الغزالي. مكتبة المثنى بيروت، ودار إحياء التراث العربي - بيروت تصوير عن الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق - القاهرة سنة 1324 هـ.

- كتاب فيض الباري على صحيح البخاري.

- كتاب فيض الباري على صحيح البخاري. إملاء الشيخ محمد أنور الكشميري الديوبندي، تأليف محمد بدر عالم الميرتهي. طبع إدارة جمعية علماء الترانسفال جوهانسبرج - إشراف المجلس العلمي دابهيل - الهند - مطبعة حجازي - بالقاهرة الطبعة الأولى سنة 1357 هـ. حرف القاف - كتاب قاعدة "إعمال الكلام أولى من إهماله" دراسة نظرية وتطبيقية. الشيخ محمود بن مصطفى عبود اللبناني. رسالة ماجستير - كلية الشريعة - جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية الرياض 1404 هـ. - كتاب قاعدة "المشقة تجلب التيسير". دراسة نظرية تطبيقية. الشيخ صالح بن سليمان بن محمد اليوسف القصيمي الحنبلي. رسالة ماجستير من كلية الشريعة - الرياض 1404 - المطابع الأهلية بالرياض الطبعة الأولى 1408 هـ. - كتاب القاموس المحيط. الفيروزأبادي مجد الدين محمد بن يعقوب المتوفى سنة 717 هـ مؤسسة الحلبي وشركاه - القاهرة. تصوير. دون تاريخ.

- كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام.

- كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام. العز بن عبد السلام: أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الشافعي المتوفى سنة 660 هـ. دار الكتب العلمية - بيروت. تصوير. دون تاريخ. - كتاب قواعد الحصني. مختصر قواعد العلائي. أبو بكر محمد بن عبد المؤمن تقي الدين الحصني المتوفى سنة 829 هـ. تحقيق الدكتورين/ عبد الرحمن بن عبد الله الشعلان، وجبريل بن محمد بن حسن بصيلي. رسالة ماجستير من كلية الشريعة بالرياض 1405 هـ. - كتاب قواعد ابن خطيب الدهشة. مختصر من قواعد العلائي والإسنوي، أبو الثناء نور الدين محمود بن أحمد الحموي الشافعي المتوفى سنة 834 هـ. تحقيق الدكتور الشيخ مصطفى بن محمود البنجويني العراقي. رسالة دكتوراة. طبع مطبعة الجمهور- الموصل - العراق 1404 هـ. - كتاب قواعد الفقه. البنجلاديشي المفتي السيد محمد عميم الإحسان المجددي البركتي. مطبوعات لجنة الثقافة والنشر والتأليف باكستان. الطبعة الأولى 1407 هـ.

- كتاب القواعد الفقهية تاريخها وأثرها في الفقه.

- كتاب القواعد الفقهية تاريخها وأثرها في الفقه. الوائلي محمد بن حمود. الدكتور. مطابع الرحاب المدينة المنورة. الطبعة الأولى 1407 هـ. - كتاب القواعد الفقهية. في بابي العبادات والمعاملات من كتاب المغني لابن قدامة. د/ عبد الله بن عيسى بن إبراهيم العيسى - رسالة دكتوراة - كلية الشريعة بالرياض سنة 1409 هـ. - كتاب القواعد الفقهية للفقه الإِسلامي. د/ أحمد بن محمد الحصري المصري. مكتبة الكليات الزهرية - القاهرة - الطبعة الأولى 1413 هـ. - كتاب القواعد الفقهية نشأتها وتطورها. الندوي علي بن أحمد الهندي. الدكتور. رسالة ماجستير- طبع دار القلم دمشق. الطبعة الأولى 1406 هـ. - كتاب القواعد والضوابط المستخلصة من شرح الجامع الكبير للحصيري المتوفى سنة 636 هـ. جمع وتحقيق د/ علي بن أحمد الندوي الهندي. مطبعة المدني القاهرة - الطبعة الأولى 1411 هـ. - كتاب القواعد والفوائد الأصولية.

- كتاب قواعد المقري.

ابن اللحام: أبو الحسن علاء الدين علي بن عباس البعلي الحنبلي المتوفى سنة 803 هـ. تحقيق محمد حامد الفقي. دار الكتب العلمية - بيروت. تصوير الطبعة الأولى سنة 1403 عن الطبعة الأولى 1375 هـ. - كتاب قواعد المَقَّري. المَقَّري أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر القرشي التلمساني المتوفى سنة 758 هـ. تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الله بن حميد. جزء منه رسالة دكتوراة. طبع مركز إحياء التراث الإِسلامي جامعة أم القرى مكة المكرمة - دون تاريخ. حرف الكاف - كتاب الكافي في فقه المالكية ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري القرطبي المتوفى سنة 463 هـ. تحقيق الدكتور محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني. نشر مكتبة الرياض الحديث - الرياض - الطبعة الأولى 1398 هـ. - كتاب كشاف اصطلاحات الفنون.

- كتاب كشاف القناع.

التهانوي: محمد أعلى بن شيخ علي بن قاضي محمد حامد الفاروقي السنّي الحنفي المتوفى سنة 1191 هـ تقريباً. نسخة أخرى تحقيق الدكتور لطفي عبد البديع. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر - والهيئة المصرية العامة للكتاب الأجزاء 1 - 2 - 3 - 4 من 1963 - 1977م - كتاب كشاف القناع. البهوتي منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي الحنبلي المتوفى سنة 1051 هـ. مراجعة وتعليق هلال مصيلحي مصطفى هلال. نشر مكتبة النضر الحديثة الرياض. دون تاريخ. - كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. حاجي خليفة مصطفى بن عبد الله كاتب شلبي المتوفى سنة 1067 هـ، ومعه ذيله، وهدية العارفين أسماء المؤلفات وأثار المصنفين. إسماعيل باشا بن محمد أمين البغدادي المتوفى سنة 1339 هـ. طبع دار العلوم الحديث - بيروت. تصوير عن طبعة استانبول 1951 - 1955 م. - كتاب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال.

حرف اللام

علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري المتوفى سنة 975 هـ. تحقيق الشيخ بكري حياتي. طبع مؤسسة الرسالة - بيروت طبعة 1399 هـ. حرف اللام - كتاب لسان العرب أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري المتوفى سنة 711 هـ. دار صادر، دار بيروت. بيروت الطبعة الثانية 1374 هـ. - كتاب لسان العرب المحيط. ابن منظور تقديم الشيخ عبد الله العلايلي. إعداد وتصنيف يوسف خياط. دار لسان العرب. بيروت. الطبعة الأولى. دون تاريخ. حرف الميم كتاب المبسوط. للسرخسي: شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل الحنفي المتوفى سنة 490 هـ عناية الشيخ خليل الميس دار المعرفة بيروت 1406 هـ كتاب مجلة الأحكام العدلية عثماني / عربي. لجنة من فقهاء الدولة العثمانية.

- كتاب مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر فقه حنفي.

مطبعة عثمانية. الطبعة 1303 هـ الناشر د رسعادت استانبول. - كتاب مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر فقه حنفي. داماد أفندي عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان شيخي زادة الحنفي المتوفى سنة 1078 هـ. طبع دار الطباعة العامرة استانبول 1319 هـ. - كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد مع بغية الرائد الهيثمي: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان المصري القاهري المتوفى سنة 807 هـ. تحقيق عبد الله بن محمد الدرويش. طبع دار الفكر بيروت. طبعة 1412 هـ - كتاب المجموع شرح مهذب الشيرازي. النووي: أبو زكريا محي الدين بن شرف ابن مري الشفعي المتوفى سنة 676 هـ تحقيق وإكمال محمد نجيب المطيعي. توزيع المكتبة العالمية بالفجالة بمصر. - كتاب المجموع المذهب في قواعد المذهب. العلائي: صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله الشافعي المتوفى سنة 761 هـ.

- كتاب المحرر في الفقه الحنبلي.

مصورة عن مخطوطة كتبها ابن خطيب الدهشة سنة 814 من مقتنيات مكتبة جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية. - كتاب المحرر في الفقه الحنبلي. ابن تيمية: الإِمام مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني المتوفى سنة 652 هـ مكتبة المعارف الرياض - الطبعة الثانية. - كتاب المحصول في علم الأصول. الرازي: فخر الدين محمد بن الحسين المتوفى سنة 606 هـ تحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني العراقي. من مطبوعات جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية - الرياض. الطبعة الأولى 1399 هـ. - كتاب المحكم والمحيط الأعظم في اللغة. ابن سيده: أبو الحسن علي بن إسماعيل المتوفى سنة 458 هـ. تحقيق مصطفى السقا، دكتور حسين نصار. شركة مكتبة ومطبعة البابي الحلبي القاهرة. الطبعة الأولى 1377 هـ. - كتاب المُحَلَّى. ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الظاهري المتوفى سنة 456 هـ.

- كتاب المحلي على جمع الجوامع. مع حاشية البناني.

تحقيق لجنة إحياء التراث العربي - دار الآفاق الجديدة - بيروت. دون تاريخ. - كتاب المَحَلِّي على جمع الجوامع. مع حاشية البناني. جمع الجوامع لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي. والشرح للجلال شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى الشافعي المتوفى سنة 864 هـ. دار الفكر - بيروت - تصوير. دون تاريخ. - كتاب مختار الصحاح. الرازي: زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي المتوفى سنة 666 هـ. تحقيق حمزة فتح الله. دار البصائر - مؤسسة الرسالة - بيروت - تصوير. دون تاريخ. - كتاب المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية. الشيخ مصطفى بن أحمد الزرقاء الحلبي. مطبعة الجامعة السورية - الطبعة الخامسة - دمشق - 1377 هـ. - كتاب المدخل في التعريف بالفقه الإِسلامي وقواعد الملكية والعقود وفيه. محمد مصطفى شلبي. دار النهضة العربية للطباعة والنشر. بيروت 1401 هـ

- كتاب المدونة الكبرى.

- كتاب المدونة الكبرى. للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه رواية سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن قاسم. دار الفكر بيروت. تصوير 1398 هـ. - كتاب مسند الإِمام أحمد بن حنبل. الإِمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه المتوفى سنة 241 هـ دار الكتب العلمية - بيروت - تصوير. دون تاريخ. - كتاب مسند البزار المعنون "البحر الزخار" أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي المتوفى سنة 292 هـ. تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله. مؤسسة علوم القرآن - دمشق وبيروت - مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة. الطبعة الأولى سنة 1409 هـ. - كتاب مسند الحميدي. أبو بكر عبد الله بن الزبير الأسدي المتوفى سنة 219 هـ. تحقيق/ حبيب الرحمن الأعظمي. عالم الكتب - بيروت - مكتبة المثنى - القاهرة، تصوير عن الطبعة الهندية سنة 1383 هـ. - كتاب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير.

- كتاب المصنف.

الفيومي أحمد بن محمد بن علي المقري المتوفى سنة 770 هـ. المكتبة العلمية - بيروت - تصوير. دون تاريخ. - كتاب المصنف. أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة 211 هـ. تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. من منشورات المجلس العلمي بالهند. تصوير عن طبعة 1390 هـ. - كتاب المصنف. ابن أبي شيبة أبو بكر عبد الله بن محمد الكوفي العبسي المتوفى سنة 235 هـ. تقديم وضبط كمال يوسف الحوت. طبع مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، دار التاج بيروت - الطبعة الأولى سنة 1409 هـ. - كتاب المعتمد في أصول الفقه. أبو الحسين البصري محمد بن علي بن الطيب المعتزلي. المتوفى سنة 436 هـ. تحقيق محمد حميد الله مع محمد بكر وحسين حنفي. طبع المعهد العلمي الفرنسي - دمشق - الطبعة الأولى سنة 1384 هـ. - معجم المؤلفين.

- كتاب معجم المصطلحات العلمية والفنية.

عمر رضا كحالة الدمشقي المولود سنة 1905 م وكان لا زال حياً سنة 1383 هـ دار إحياء التراث العربي بيروت. دون تاريخ. - كتاب معجم المصطلحات العلمية والفنية. إعداد وتصنيف يوسف خياط. طبع دار لسان العرب - بيروت - دون تاريخ. - كتاب معجم مقاييس اللغة. ابن فارس أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي المتوفى سنة 395 هـ. تحقيق عبد السلام محمد هارون. دار إحياء الكتب العربية - القاهرة. الطبعة الأولى 1371 هـ. - كتاب المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربي، القاهرة. إشراف عبد السلام محمد هارون. دار إحياء التراث العربي - بيروت. دون تاريخ. - كتاب المُعرَّب في ترتيب المعرب. المطرزي أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي الحنفي الخوارزمي المتوفى سنة 616 هـ. دار الكتاب العربي - بيروت. تصوير عن الطبعة الهندية. دون تاريخ.

- كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار.

- كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار. العراقي: زين الدين عبد الرحيم بن الحسين المتوفى سنة 806 هـ. هامش إحياء علوم الدين للغزالي. طبعة الشعب - القاهرة. دون تاريخ. - كتاب المغني في الفقه. ابن قدامة: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد الجماعيلي المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 620 هـ. تحقيق الدكتورين عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح بن محمد الحلو. طبع - هجر - للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة. الطبعة الأولى 1406 هـ. - كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. مع حاشية الشيخ محمد عرفة الدسوقي، ابن هشام جمال الدين أبو محمد عبد الله ابن يوسف بن أحمد المتوفى سنة 761 هـ. المطبعة المصرية بالقاهرة. طبعة سنة 1286 هـ. - كتاب المفردات في غريب القرآن. الراغب الأصبهاني أبو القاسم الحسين بن محمد المتوفى سنة 503 هـ. تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني.

- كتاب مقاصد المكلفين.

دار المعرفة - لبنان - تصوير. دون تاريخ. - كتاب مقاصد المكلفين. رسالة دكتوراة فى الفقه المقارن. د/ عمر سليمان الأشقر. مكتبة الفلاح - الكويت - الطبعة 1401 هـ - كتاب المقنع في فقه إمام السنة مع الحاشية. ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفى سنة 620 هـ. مكتبة الرياض الحديثة - الرياض طبعة 1400 هـ. - كتاب منار السبيل في شرح الدليل. الشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان الحنبلي النجدي المتوفى سنة 1353 هـ طبع المكتب الاسلامي - ببيروت - الطبعة الرابعة سنة 1399 هـ - كتاب منافع الدقائق شرح مجامع الحقائق. الخادمي أبو سعيد محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان الحنفي المتوفى سنة 1168 هـ. دار الطباعة العامرة استانبول 1308 هـ نشر شركة صحافية عثمانية. - كتاب المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم.

- كتاب المنثور في القواعد.

ابن تيمية مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني الحنبلي المتوفى سنة 652 هـ. دار الفكر - بيروت الطبعة الثانية 1393 هـ تصوير. - كتاب المنثور في القواعد. الزركشي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر الشافعي المتوفى سنة 794 هـ. تحقيق الدكتور تيسير فائق أحمد محمود. نشر وزارة الأوقاف والشئون الإِسلامية - الكويت الطبعة الأولى سنة 1404 هـ - كتاب الموافقات في أصول الشريعة. الشاطبي أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى سنة 790 هـ. تحقيق الشيخ عبد الله دراز. دار المعرفة - بيرت - الطبعة الثانية - تصوير - عن طبعة المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة. - كتاب مواهب الجليل في شرح مختصر خليل. أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب المكي المتوفى سنة 954 هـ. مطابع دار الكتاب اللبناني - بيروت تصوير. دون تاريخ. - كتاب موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف.

حرف النون

زغلول أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول المصري. عالم التراث - بيروت - الطبعة الأولى سنة 1410 هـ حرف النون - كتاب نصب الراية لأحاديث الهداية. الزيعلي جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الحنفي المتوفي سنة 762 هـ. عناية المجلس العلمي - سورات الهند. مطبعة دار المأمون - القاهرة. الطبعة الأولى. سنة 1357 هـ - كتاب النظريات الفقهية د/ محمد بن وهبة الزحيلي. دار القلم - دمشق والدار الشامية - بيروت الطبعة الأولى سنة 1414 هـ. - كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. البقاعي برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر المتوفى سنة 885 هـ. مكتبة ابن تيمية - القاهرة. تصوير عن الطبعة الهندية الأولى سنة 1389 هـ. - كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر. ابن الأثير مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المتوفى سنة 606 هـ.

حرف الواو

تحقيق طاهر أحمد الزواوي، محمود محمد الطناحي. المكتبة الإِسلامية - القاهرة - 1383 هـ. حرف الواو - كتاب الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية. البورنو الدكتور محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو الغَزِّي أبو الحارث. الطبعة الثانية 1410 هـ نشر مكتبة التوبة الرياض. الطبعة الثالثة 1415 هـ نشر مكتبة التوبة الرياض. - كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. ابن خلكان أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر المتوفى سنة 681 هـ. تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار صادر بيروت. دون تاريخ.

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلَامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستاذ المشارك في كليّة الشريعَة وأصُول الِدّين بالقصيم - بريدَة القِسمُ الثاني حُروف الباء والتاء والثاء المجلّد الأوّل مكتبة التَّوبَة

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1418 هـ/ 1997 م مكتبة التوبة الرياض - المملكة العربية السعودية - شارع جرير هاتف 4763421 فاكس 4774862 ص. ب 18290 الرمز 11415

موسوعة القواعد الفقهية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعطيته رقماً، وما كان من حرف آخر أحيله إلى حرفه، ثم أذكر معنى القاعدة أو القواعد ومدلولها في اللغة وفي الاصطلاح الفقهي، وأذكر بجوار لفظ ورود القاعدة من يسار الصفحة موضوع القاعدة والمصطلح الفقهي لها، ثم أذكر أمثلة للقاعدة ومسائل توضح مدلولها ومضمونها. وإذا وجد في مسألة خلاف بين الأئمة أذكر الخلاف وقد أرجح، وأحيل كل قول إلى مصدره ومرجعه. وأخيراً أضفت لهذا القسم - في كثير من القواعد - قسماً رابعاً خاصًّا بما يستثنى من القاعدة من بعض المسائل. هذا وقد أرجعت كل قاعدة إلى مصدرها المأخوذة منه أو إلى مصادرها إذا تعددت سواء كان ذلك بالنص أو المعنى. وإذا تعددت القواعد ذوات المضمون الواحد فإنني أعطيها كلها رقماً واحداً إذا كان الاختلاف بينها يسيراً، إلا إذا كان هناك خلاف واضح في مفهومي القاعدتين فإني أُعطي كل قاعدة رقماً خاصًّا بها. وعلى غرار ما سبق أرجعت كل قول إلى مصدره بالجزء والصفحة بعد اسم الكتاب، ورقمت الآيات الواردة ونسبتها إلى سورها، وخرَّجت الأحاديث الواردة ونسبتها إلى مخرجيها باختصار بقدر الوقت والجهد والطاقة، وترجمت للأعلام - الواردة والتي لم تترجم سابقاً - ترجمة مختصرة مقتصرة على اسم المترجَم له ونسبه وكنيته والعلم أو العلوم التي شهر بها وبعض مؤلفاته وسنة وفاته، ولم أذكر من مصادر الترجمة غالباً إلا مصدراً واحداً أو مصدرين، وذلك حتى لا أثقل الحواشي بذكر الكتب المتعددة التي ذكرت العَلَم المترجَم له. وبخاصة والكتاب ليس كتاباً في الرجال والأعلام. وقد ذيلت لهذا القسم بالفهارس العلمية الشاملة.

هذا جهدي أقدمه ليُستفاد منه فإن أصبت فيه فلله الحمد والمنة والفضل والثناء الجميل فهو بتوفيقه وتأييده وتسديده، وإن كانت الأخرى فلا أعتذر عن ذلك فهو جهد بشري قاصر لا يخلو عن خطأ أو زلل، فمن وجد صواباً فليحمد الله وليدعو لمؤلفه بالمغفرة والرحمة في الدنيا والآخرة، ومن وجد خطأ فليصوبه وليعذر، وليغفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، فكلنا خطَّاؤون، وأعوذ بالله أن أصرَّ على خطأ تبيَّن صوابه أو أصوِّب خطأ تحقق وجوده. وأحرج على كل مَن قرأ كتاباً من كتبي - هذا أو غيره - فوجد خطأ إلا نبهني إليه وإلى صوابه وله مني جزيل الشكر وعظيم الامتنان ويكون متفضلاً بذكر ذلك. وأقول كما قال الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي. والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً. المؤلف الفقير إلى ربه الغني محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو أبو الحارث الغزي

حرف الباء

القاعدة الأولى [خيار المجلس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله. عن ابن عمر متفق عليه بغير هذا اللفظ (¬1). وفي رواية: حتى يتفرقا عن مكانهما. وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى مقاربة. تخريج الحديث: حديث القاعدة من رواية عمرو بن شعيب (¬2) عن أبيه عن جده رضي الله عنهم. أخرجه أحمد رحمه الله في المسند جـ 2 ص 183. واللفظ له. كما رواه الخمسة (¬3) إلا ابن ماجه (¬4)، ورواه الدارقطني (¬5)، وابن خزيمة (¬6)، وابن الجارود (¬7). ¬

_ (¬1) ينظر المنتقى جـ 2 ص 335 فما بعدها الأحاديث من رقم 2880 - 2889. (¬2) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. صدوق من الخامسة مات سنة 118 هـ، تقريب التهذيب جـ 2 ص 72. (¬3) المراد بالخمسة: البخاري، ومسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي. (¬4) ابن ماجه هو محمد بن يزيد بن ماجه القزويني المتوفى سنة 275 هـ، سير الإعلام جـ 13 ص 277. (¬5) الدارقطني: هو علي بن عمر الدارقطني، المتوفى سنة 385 هـ، سير الأعلام جـ 16 ص 449. (¬6) ابن خزيمة: إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، المتوفى سنة 311 هـ، سير الإعلام مختصراً جـ 14/ 265. (¬7) ابن الجارود: عبد الحميد بن المنذر بن الجارود العبدي البصري، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال النسائي: ثقة وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه. تهذيب =

ثانيا: معنى حديث القاعدة ومدلوله

ثانياً: معنى حديث القاعدة ومدلوله: المراد بالخيار في الحديث: خيار المجلس. الخيار: مصدر من اختار يختار اختياراً، طلب خير الأمرين: إمضاء البيع أو الفسخ. والمجلس: موضع الجلوس، أي مكان التبايع. المطلع على أبواب المقنع ص 234. ويفيد الحديث أن البائع والمشتري لكل منهما خيار المجلس، بأنه يجوز لكل واحد منهما - بعد تمام البيع - أن يفسخ العقد ما دام في المجلس - ولو بغير رضا صاحبه - وليس للآخر منعه من ذلك. فأما إذا تفرَّقا فقد تم العقد ولا يجوز لأي منهما فسخه إلا برضا صاحبه. وهي الإقالة. وقد اختلف الفقهاء في المراد بالمفارقة هل هي المفارقة بالأبدان أو المفارقة بالأقوال، والأرجح عند العلماء المفارقة بالأبدان خاصة إذا ثبت الزيادة بلفظ "عن مكانهما" فلا يبقى للتأويل مجالس. كما قال ابن عبد البر (¬1) (¬2). ¬

_ = الكمال مختصراً جـ 16 ص 460 الترجمة رقم 3729. (¬1) ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النَمري القرطبي حافظ المغرب صاحب التمهيد وغيره، توفي بشاطبة من أعمال الأندلس سنة 460 هـ، تذكرة الحفاظ جـ 3 ص 1128، الترجمة رقم 1013، وله ترجمة في وفيات الأعيان جـ 6 ص 64، وجذوة المقتبس للحميدي ص 367، وغيرها كثير. (¬2) يراجع سبل السلام جـ 3 ص 5 فما بعدها، والمنتقى جـ 3 ص 335 فما بعدها وشرحه نيل الأوطار جـ 6 ص 336.

القاعدة الثانية [الربا]

القاعدة الثانية [الربا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: باب الربا مبني على الاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الربا في اللغة: الفضل والزيادة. وأما معناه في الشرع: فهو فضل أحد المتجانسين على الآخر من مال بلا عِوَض (¬2). والربا نوعان: 1 - ربا الفضل وهو زيادة على رأس المال من جنسه بدون مقابل. 2 - ربا النسيئة: وهو زيادة على الدين من جنسه مقابل تأخير الوفاء. والاحتياط: هو الأخذ بالثقة، وهو: افتعال من حاطه يحوطه حوطاً، إذا كلأه ورعاه (¬3). فمفاد القاعدة: أن باب الربا - والمراد به التعامل بالأموال الربوية - مبناه على الأخذ بالأوثق والأقوى في النفس في البعد عن المحرم، والبناء على الأمر المتيقن، والأمر المتيقن في التعامل بالأموال الربوية هو تحقق المماثلة، فما لم تتحقق المماثلة يقيناً لا يجوز التعامل؛ لأن شرط صحة التعامل بالأموال الربوية هو تحقق المماثلة، والقاعدة: (إن الشك في الشرط مانع من تحقق المشروط) (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 88، جـ 13 ص 123. (¬2) أنيس الفقهاء ص 210. (¬3) المطلع ص 400. (¬4) قواعد الونشريسي - إيضاح المسالك القاعدة العشرون.

ثالثا: من أمثلة هذة القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذة القاعدة ومسائلها: بيع الأموال الربوية مجازفة - دون كيل أو وزن - لا يجوز؛ لعدم تحقق المماثلة والشك في حصولها؛ لأن الشك في التماثل يبطل المعاملة؛ ولأن مبنى المعاملات الربوية على الاحتياط. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: العرايا: جمع عريَّة وهي مبادلة التمر بالرطب على رؤوس النخل مجازفة للحاجة، وقد ثبت إباحتها بالنص (¬1). ¬

_ (¬1) وهو ما رواه زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص في بيع العرايا. متفق عليه. ينظر معرفة السنن والآثار جـ 8 ص 98 فما بعدها.

القاعدة الثالثة [العقد الباطل]

القاعدة الثالثة [العقد الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الباطل لا تلحقه الإجازة (¬1). وفي لفظ: لا يقبل الإجازة (¬2). ثانياً: معنى هذة القاعدة ومدلولها: الباطل: صفة لموصوف محذوف هو لفظ - العقد -. والإجازة: معناها الإمضاء. فيقال: أجاز له البيع: أمضاه وأنفذه وسوَّغه (¬3). فمفاد القاعدة: أن العقد الباطل - الذي لم يستوف شروط صحته - لا تعمل فيه الإجازة؛ لأنه معدوم، وإنما تعمل الإجازة في العقد المنعقد الموقوف إتمامه على رضا صاحب الحق فيه. ثالثاً: من أمثلة هذة القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي جنيناً في بطن بقرة - والبقرة ملك غيره - فالعقد باطل؛ لأن بيع ما في بطون الإناث (¬4) لا يجوز، حتى لو أجاز العقد ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير ص 2055. (¬2) المدخل الفقهي العام في 539، 694. (¬3) القاموس المحيط مادة "جوز". (¬4) بيع ما في بطون الأمهات من الأجنَّة نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع. الحديث. أخرجه ابن ماجه والبزار والدارقطني بإسناد ضعيف، سبل السلام جـ 2 ص 508 الحديث رقم 40، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المضامين =

صاحب البقرة بعد علمه بالبيع. ¬

_ = والملاقيح. وقالوا: إن المضامين: المراد بها ما في بطون الإبل، والملاقيح: ما في ظهور أو أصلاب الجمال، وقيل العكس. والحديث أخرجه البزار وغيره. سبل السلام جـ 2 ص 510 حديث 43. وهذا البيع مجمع على تحريمه.

القاعدة الرابعة [الأنثى البالغة]

القاعدة الرابعة [الأنثى البالغة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البالغة مقبولة القول فيما يضرها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البالغة: المراد بها الأنثى التي بلغت مبلغ النساء، فهي صفة لموصوف محذوف. فالأنثى البالغة يقبل قولها فيما فيه ضرر عليها، ومفهوم القاعدة: أنه لا يقبل قولها فيما هو منفعة لها، وأيضاً تفيد القاعدة: أن الأنثى غير البالغة لا يقبل قولها فيما يضرها، وهل يقبل فيما ينفعها؟ وهذا الحكم في الصغار عموماً ذكوراً وإناثاً. وإنما يختلف الحكم إذا بلغوا؛ لأن الذكر إذا بلغ فهو رجل مسؤول عن نفسه وعمَّن تحت يده ويكون محارباً. وأما الأنثى فهي غير محاربة - أصلاً - وتكون عادة متابعة للزوج أو الأب أو الأخ أو غيرهم من الرجال الذين يرعونهن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا خرج رجل من دار الحرب بنساء قد بلغن، فقال: هؤلاء بناتي أو زوجاتي أو أخواتي وصدَّقنه، فهنَّ آمنات بأمانه استحساناً؛ لأنهن في عياله ونفقته. وأما إذا كذَّبنه وقلن: إنهنَّ لسن بناته أو لسن أخواته فهنَّ فيء؛ لأن البالغة مقبولة القول فيما يضرها. وهنا تكذيبهن لادعاء الرجل أنهن من عياله فيه ضرر عليهن؛ لأن كونهن فيئاً فيه استرقاقهن واستعبادهن. ¬

_ (¬1) شرح السير جـ 1 ص 349.

القاعدة الخامسة [جزء العلة]

القاعدة الخامسة [جزء العلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ببعض أركان العلة لا يثبت شيء من الحكم (¬1). [أصولية فقهية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العلة في اللغة لها معان ثلاثة: الأول: يفيد التكرر ومنه العَلَل وهو الشربة الثانية، يقال: عَلَل بعد نَهَل. والثاني: العائق يعوق. قال الخليل: العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه. والثالث: العلة: المرض. وصاحبها معتل (¬2). والعلة عند الأصوليين: الوصف الظاهر المنضبط الذي يكون مظنة وجود الحكمة. أو هي الوصف الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم. وهي بمعنى السبب. وعندهم هي مأخوذة إما من الأول؛ لأن المجتهد يكرر النظر في استخراجها واستنباطها. وإما من الثالث؛ لأنها تشبه علة المريض التي تغير حاله من صحة إلى سقم، والعلة الأصولية كذلك؛ لأنها تغير الحكم بوجودها. والعلة قد تكون مفردَة كالسكر والزنا الموجبان للحد، وقد تكون مركبة من أجزاء كالقتل العمد العدوان من غير والد. فتفيد القاعدة: أن العلة المركبة إذا وجد بعض أجزائها أو أركانها في محل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 95، جـ 22 ص 126. (¬2) معجم مقاييس اللغة مادة "عل".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الحكم فلا يترتب عليها حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل والد ولده لا يقتص منه؛ لأن العلة هنا مركبة من أجزاء وقد انتفى أحدها وهو كون القاتل غير والد. وكذلك إذا كان القتل عمداً غير عدوان كقتل مَن يجب عليه القتل لقصاص أو ردَّة، فلا يوجب القصاص أيضاً. ومنها: الجارية المشتركة بين اثنين فلا يحل لواحد منهما أن يطأها؛ لأن حل الوطء ينبني على ملك المتعة، وإنما يستفاد ذلك بكمال ملك الرقبة، وكلٌّ من المالكين هنا لا يملك الرقبة كلها.

القاعدة السادسة [ألبتة]

القاعدة السادسة [ألبتة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ألبتة هل تتبعض أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البت: معناه القطع، يقال: بتَّه بتًّا: إذا قطعه. وبتَّ الرجل طلاق امرأته فهي مبتوتة، أي مبتوت طلاقها. وطلقها بتَّة: إذا قطعها عن الرجعة (¬2). فمفاد القاعدة: بيان الاختلاف في الطلاق الباب أو الأمر الباب هل يجوز أن يقع فيه استثناء أو تبعيض أو لا يجوز؟ قولان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلق رجل امرأته ثلاثاً إلا واحدة فهل يصح الاستثناء أو لا؟ ومنها: إذا اختلف حكمان في التفريق بين زوجين فقضى أحدهما بواحدة، والآخر بالبتة - أي الثلاث - فهل تلزمه واحدة أو ثلاث؟ ومنها: إذا شهد واحد بواحدة وآخر بالبتة هل تلزمه واحدة ويحلف على البتات؟ أو يحلف على تكذيب كل واحد منهما ولا يلزمه شيء؟ قولان. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 77، ص 306. (¬2) المصباح المنير مادة "بت".

القاعدة السابعة [تباين الدار]

القاعدة السابعة [تباين الدار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بتباين الدار تنقطع العصمة وينقطع التوارث (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بتباين الدار اختلافها، والمراد بالدار: دار الكفر ودار الإِسلام. والعصمة هنا: حقن الدم، وعقد النكاح. وانقطاع التوارث: أي لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. فمفاد القاعدة: إن اختلاف الدار وتباينها - أي انتقال الشخص أو وجوده في إحدى الدارين - يكون سبباً في قطع العصمة؛ ولأن اختلاف الدارين ينتج عنه اختلاف المنعة والملك، فتنقطع به عصمة النكاح حقيقة وحكماً. وأما بين المسلمين فإن اختلاف المنعة والملك لا يكون سبباً في اختلاف الدار وتباينها؛ لأن حكم الإِسلام يجمعهم، فدار الإِسلام دار أحكام، ودار الحرب ليس دار أحكام. ثالثاً: من أمثله هذه القاعدة: إذا دخل الحربي دار الإِسلام بغير أمان فهو فيء للمسلمين يجوز لهم قتله أو استرقاقه. وإذا دخلت امرأة كافرة دار الإِسلام بأمان انقطع النكاح بينها وبين زوجها ما لم يدخل معها. وإذا مات مسلم في دار الإِسلام ووريثه كافر لا يرث منه، وكذلك لو مات كافر ووريثه مسلم لا يرث منه؛ لاختلاف الدين. ومنها: إذا مات مستأمن في دار الإِسلام أو كافر في دار الكفر ووريثه ذمي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 33.

- أو العكس - فلا يرث أحدهما من الآخر لاختلاف الدار وتباينها حقيقة أو حكماً. أما لو كان وارث المستأمن في دار الحرب فميراثه لأقاربه من أهل دار الحرب فيوقف مال المستأمن حتى يأتي وارثه دار الإِسلام فيأخذه؛ لأنَّا أعطيناه الأمان في ماله ونفسه، فبعد موته يبقى الأمان في ماله لحقه لا لحق ورثته.

القاعدة الثامنة [تقرر الأجر]

القاعدة الثامنة [تقرر الأجر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالتمكن من الانتفاع يتقرر الأجر على المستأجر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن من استأجر شيئاً - عقاراً أو غيره - فلا يجب عليه الأجر إلا بعد أن يتسلم الشيء المستأجر ويتمكن من الانتفاع به بحسب غرضه وغايته من استئجاره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة مسائلها: من استأجر أرضاً لزراعتها فلا يستوجب أجرة الأرض إلا بعد أن يتمكن من الانتفاع بها وصلاحيتها للزراعة، فأما إذا أغرق الماء هذه الأرض - وإن تسلمها المستأجر - فلا يجب عليه دفع الأجرة؛ لأنه لا يتمكن من الانتفاع بالأرض مع إغراقها بالماء. ومنها: من استأجر بيتاً للسكن - ولم تدخله الكهرباء ولا الماء - فلا يتقرر عليه الأجر إلا بعد إدخال الكهرباء والماء إليه؛ لأنه في وقتنا هذا لا ينتفع بالبيت بدون إيصال الماء والكهرباء إليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 50.

القاعدة التاسعة [تباين الدار]

القاعدة التاسعة [تباين الدار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: باختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار بين المسلمين؛ لأن حكم الإِسلام يجمعهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها ومثالها: ومفاد هذه القاعدة أن دور المسلمين - أي بلادهم - لا تباين بينها - وإن اختلفت المنعة والملك - كما هو حاصل الآن - فكل دولة مسلمة لها منعتها وسلطانها, لكن ذلك لا يجعلهم دوراً متباينة من حيث الحكم الشرعي؛ لأن حكم الإِسلام يجمعهم. هذا إذا كانوا جميعاً يحكمون بشرع الله دون غيره، ولكن إذا كان بعضهم يحكم بشرع الله وبعض آخر يحكم بغير شرع الله، فمن كان يحكم بشرع الله فداره دار إسلام. ومن لم يحكم بشرع الله فليست داره دار إسلام؛ لأن الفرق بين دار الحرب - أي دار الكفر - ودار الإِسلام هو سلطان الإِسلام وشرع الله، فمن حكم بغير شرع الله فداره دار حرب وإن كان سكان تلك الدار مسلمين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 33.

القاعدة العاشرة [الدعوى - التناقض]

القاعدة العاشرة [الدعوى - التناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالدعوى مع التناقض لا تُستَحق اليمين على الخصم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدعوى: قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره (¬2). وقيل: الدعوى: هي طلب الشيء زاعماً ملكه (¬3). فالمدَّعي - اسم فاعل - هو الطالب. والمدَّعى عليه - اسم مفعول - هو المطلوب منه، والمدَّعى به: هو المطلوب. والمصدر: الادِّعاء. والاسم: الدعوى. وجمعها: دعاوى. التناقض: من النقض وهو الهدم والنكث. فالتناقض: تفاعل من النقض، والمراد به: اختلاف المدَّعي في دعواه. فمفاد القاعدة: أنه إذا تبين اختلاف المدَّعي في دعواه وطلب يمين خصمه المدَّعى عليه فإن القاضي لا يجيبه إلى ذلك ولا يطلب من خصمه اليمين للتناقض؛ لأنه لا تجب اليمين إلا مع صحة الدعوى. والتناقض يبطلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اقتسم شخصان مائة شاة بينهما فأصاب واحداً منهما ستون شاة، وأصاب الآخر أربعون، وأشهد أحدهما على الآخر بالوفاء، ثم جاء مَن أصابه الأربعون فقال: أصابني خمسون فدفعت إليَّ أربعين وبقي في ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 68 بتصرف. (¬2) أنيس الفقهاء ص 241 بتصرف. (¬3) المطلع على أبواب المقنع ص 403.

يديك عشرة لم تدفعها إلي. كان القول قول من في يده ستون لإقرار صاحبه باستيفاء كمال حقه، ولا يمين عليه؛ لأن صاحبه مناقض في الدعوى بعد ذلك الإقرار.

القاعدة الحادية عشرة [البدل]

القاعدة الحادية عشرة [البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل إنما يظهر حكمه عند فوات الأصل لا مع القدرة على الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: بدل الشيء: ما يقوم مقامه ويسد مسدّه عند فقده أو عدم القدرة عليه، كالتراب بدل عن الماء عند فقده أو عدم القدرة على استعماله. فمفاد القاعدة: أن الأبدال إنما يظهر حكمها وجواز استعمالها عند عدم وجود الأصل بفقدانه أو عدم القدرة عليه، ولا يجوز استعمال البدل أو الانتقال إليه مع وجود الأصل والقدرة على استعماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز التيمم بالتراب للتطهير عند وجود الماء والقدرة على استعماله، وإنما ينتقل للتيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله. ومنها: لا يجوز الصيام مع القدرة على الهدي في وقته - أي دم التمتع والقِران. ومنها: لا يجوز الانتقال إلى الصوم مع وجود الرقبة والقدرة على شرائها في كفارة القتل الخطأ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 27.

القاعدة الثانية عشرة [النقصان]

القاعدة الثانية عشرة [النقصان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بدل الجزء لا يجب بدون بقاء النقصان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الشيء إذا دخله النقصان بفعل فاعل فيجب على فاعل النقصان بدلُه، بشرط بقاء النقصان، ولكن إذا زال النقصان فلا يجب البدل، لزوال موجبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة: إذا كسر سنَّ آخر فيجب في هذه الحالة أرش السن - أي التعويض المالي عنها - ولكن إذا نبت مكانها سنٌّ آخر ففي هذه الحالة لا يجب البدل - وهو الأرش - لزوال النقصان؛ لأن البدل إنما يجب عند بقاء النقصان لا عند زواله. ومنها: إذا اشترى سلعة ثم ظهر فيها عيب ورضي البائع إعطاءه بدل نقصان العيب - أي رد للمشتري شيئاً من ثمن السلعة مقابل العيب - وهو المسمى بأرش النقصان - أي نقصان قيمة السلعة بسبب العيب - ثم زال العيب فيجب على المشتري رد ما أخذه من البائع لزوال النقصان وهو سبب وجوب الأرش. كمن اشترى بقرة على أنها حلوب، ثم تبين أن لا حليب فيها، فصالحه البائع بأن رد عليه جزءاً من الثمن، ثم عاد الحليب، فيجب على المشتري رد ما أخذه للبائع؛ لأنه تبين أن الصلح غير صحيح، فيبطل ما ترتب عليه؛ لأنه إذا بطل المتضمَّن بطل المتضمَّن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 88.

القاعدة الثالثة عشرة [بدل الحر]

القاعدة الثالثة عشرة [بدل الحر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بدل الحر لا يملك بالعقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحر غير العبد الرقيق - وهو الشخص الباقي على حكمه الأصلي - حيث إن الحرية أصل والرق طارئ. فإذا كان العبد الرقيق يباع ويُشترى ويملك بدله بالعقد؛ لقابليته للتملك فإن الحر لا يُملك ولا يدخل تحت اليد بملك ولا غيره، فبدله أيضاً لا يملك بالعقد؛ لأن العقد على الحر باطل وما بُني على باطل فهو باطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شخص لآخر رجلاً أو غلاماً أو امرأة على أنه عبد - وهو في الحقيقة حر - فإن العقد باطل، فلا يحل للبائع الثمن الذي أخذه بدلاً فيجب عليه رده على المشتري. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 36.

القاعدة الرابعة عشرة [حكم البدل]

القاعدة الرابعة عشرة [حكم البدل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البدل عند العجز عن الأصل حكمه حكم الأصل (¬1). وفي لفظ: البدل معتبر بأصله (¬2). وفي لفظ: البدل يجب بالسبب الذي وجب به الأصل (¬3). وفي لفظ: بدل الشيء قائم مقام أصله فكان حكمه حكم المبدل تحقيقاً لقيامه مقامه (¬4). وفي لفظ: البدل يقوم مقام الأصل وحكمه حكم الأصل (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتضمن أحكام البدل: أولاً: إن البدل إنما ينتقل إليه عند العجز عن الأصل. ثانياً: إنما يجب البدل بالسبب الذي وجب به الأصل، وإلا كيف يكون بدلاً عنه! ثالثاً: إن البدل يقوم مقام أصله في الوفاء بالمطلوب ولذلك كان حكمه حكم أصله؛ لابتنائه على سبب أصله، فإذا كان حكم الأصل الوجوب كان البدل واجباً، وإن كان حكم الأصل الندب كان البدل مندوباً، وإن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 111. (¬2) المبسوط جـ 2 ص 191. (¬3) المبسوط جـ 20 ص 96. (¬4) القواعد والضوابط ص 212. (¬5) المبسوط جـ 21 ص 93.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

كان حكم الأصل التحريم كان البدل محرماً؛ لأن البدل معتبر بأصله في السبب والحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: التيمم بدل عن الماء عند عدم القدرة عليه، فسبب الحاجة إلى الماء التطهر للعبادة وهو نفس سبب التيمم، وحكم استعمال الماء الوجوب لذلك السبب، فحكم التيمم كذلك عند عدم القدرة على الماء. وجواز العبادة أو وجوبها مترتب على التطهير بالماء فهو كذلك مترتب على التطهير بالتراب؛ لأنه قائم مقام أصله. ومنها: الصيام عند عدم القدرة على الأصل في كفارة اليمين مثلاً - العتق أو الإطعام أو الكسوة - فهو - أي الصيام - مسبب عن وجوب الكفارة لليمين عند الحنث، فهو واجب كوجوب أصله وقائم مقام أصله في الوفاء.

القاعدة الخامسة عشرة [تقرر البدل]

القاعدة الخامسة عشرة [تقرر البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل في عقود المعاوضات يتقرر بتسليم من له البدل لا باستيفاء من عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عقود المعاوضات: كالبيع والنكاح والإجارة. مفاد هذه القاعدة أن البدل إنما يتقرر ويتأكد ويثبت في الذمة ويجب الوفاء به إذا سلم من له البدل مبدله - أي ما يقابل البدل - لا باستيفاء - أي أخذ البدل ممن عليه مبدله ومقابله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان سلعة من آخر وخلَّى البائع بين المشتري والسلعة، فيجب على المشتري دفع الثمن، وإن لم يأخذ المشتري السلعة بسبب منه لا من البائع؛ لأن التخلية تسليم، كما سيأتي. ومنها: إذا تزوج رجل امرأة ولم يستطع الوصول إليها - للعنَّة مثلاً - فيجب المهر كاملاً؛ لأنها سلمت نفسها له فتقرر المهر عليه وإن لم يصل إليها لعيب فيه لا فيها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 149.

القاعدة السادسة عشرة [البدل - إسقاط الضمان]

القاعدة السادسة عشرة [البدل - إسقاط الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل الذي هو سعته عامل في إسقاط الضمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السعة: معناها الوسع والطاقة: أي ما يستطيعه الإنسان ويقع تحت قدرته دون تقصير. وقد تطلق (السعة) ويراد بها اليسار والغنى (¬2)، وهو ليس مقصوداً هنا. والضمان: المراد به التعويض المالي عن إتلاف شيء لغيره، والضمان في الأصل الكفالة. فمفاد القاعدة: أن وجود البدل الذي هو مستطاع الفاعل مسقط للتبعة المالية عنه، فلا يطالب بعد ذلك بتعويض مالي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أكره على قطع يد غيره بالقتل، فقال المراد قطع يده: قد أذنت لك بالقطع، فقطعها. فلا شيء على القاطع للإكراه والإذن. ومنها: لو قال لآخر: احرق ثوبي أو اهدم بيتي هذا، فلا يباح له أن يفعل. لكن إن فعل فلا ضمان عليه؛ لأن الإذن في الابتداء كالعفو في الانتهاء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 9. (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه ص 311.

القاعدة السابعة عشرة [البدل في الحدود]

القاعدة السابعة عشرة [البدل في الحدود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل لا يعمل في الحدود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحدود: جمع حد وهو في اللغة: المنع والفصل. وسميت الحدود حدوداً لأنها تمنع من الإقدام على الجريمة؛ ولأن الشارع قدرها وحددها. فالحدود المقدرة شرعاً كالرجم للزاني المحصن، والقتل للقاتل عمداً عدواناً، والجلد للزاني البكر وشارب الخمر والقاذف لا أبدال لها مع وجوبها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من وجب عليه الرجم لا يسقط بغيره. ومن وجب عليه الجلد لا يسقط بدفع مال، ومن وجب عليه حدٌّ لا ينتقل إلى غيره. كما أنه لا يجوز أن يرجم غير الزاني بدلاً عنه، ولا أن يقتل غير القاتل أو يجلد غير الزاني أو القاذف أو شارب الخمر ولو رضوا بذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 105.

القاعدة الثامنة عشرة [البدل والمبدل]

القاعدة الثامنة عشرة [البدل والمبدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل والمبدل لا يجتمعان في ملك رجل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البدل والمبدل - كالثمن والسلعة - لا يجتمعان في ملك رجل واحد في عقد معاوضة، ولا في حكم شرعي؛ لأنه لا وجود للبدل مع وجود الأصل. كما أنه لا ينتقل إلى الرخصة مع القدرة على العزيمة. وإن كانت هذه القاعدة خاصة بعقود المعاوضات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص من آخر سلعة دخلت السلعة في ملك المشتري ودخل الثمن في ملك البائع. ومنها: إذا استأجر شخص آخر لعمل ما دخلت الأجرة في ملك الأجير وحق للمستأجر استيفاء المنفعة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 97.

القاعدة التاسعة عشرة [البدل المفيد]

القاعدة التاسعة عشرة [البدل المفيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل المفيد عامل في الإباحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن الإذن في عمل ما يعتبر بدلاً مفيداً، فلا يترتب على ذلك العمل ضمان، بل يعتبر دليلاً على إباحة ذلك الفعل. ولهذه القاعدة صلة بالقاعدة السابقة ذات الرقم 14. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال له: احرق ثوبي هذا فحرقه. فلا شيء عليه. وإذا وقع في يد إنسان أكلة فأمر إنساناً أن يقطع يده، فقطعها فلا شيء على القاطع للإذن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 91.

القاعدة العشرون [بدل المنفعة]

القاعدة العشرون [بدل المنفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بدل المنفعة يعتبر ببدل العين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن البدل المأخوذ عن المنفعة يعتبر ويقاس على بدل العين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل بغل ولآخر بعير وأجَّراهما معاً بأجر معلوم في عمل معلوم، قُسِم الأجر بينهما على مثل أجر البغل وأجر البعير؛ لأن الأجر بدل المنفعة للدابتين، وأجر المثل في المنفعة كالقيمة في العين، فكما لو باعا الدابتين بثمن واحد قسم الثمن بينهما على قيمة كل واحد منهما فكذلك إذا أجَّراهما. ومنها: إذا كان لرجل شاحنة كبيرة ولآخر شاحنة صغيرة وأجَّراهما معاً بأجر معلوم في عمل معلوم قُسم الأجر بينهما على مثل أجر الشاحنة الكبيرة وأجر الشاحنة الصغيرة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 218.

القاعدة الحادية والعشرون [قيمة البدل]

القاعدة الحادية والعشرون [قيمة البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل يقسم على قيمة المبدل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن البدل في المعاوضات يقسم على قيمة مبدله عند التعويض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لأحد رجلين على رجل آخر حمل حنطة، وللآخر عليه حمل شعير قرض فصالحاه على مائة درهم وقضاها قبل أن يتفرقوا، جازت المعاملة وتقسم المائة بينهما على قيمة الحنطة والشعير؛ لأنهما كالبائعين منه الحنطة والشعير بمائة درهم. أما لو صالحاه على حمل حنطة فقط فهو باطل؛ لأنه لم يكن بدٌّ من قسمة المقبوض على قيمة الحنطة وقيمة الشعير بينهما وقبضت الحنطة دون كيلها وذلك رباً لا يجوز؛ لأن صاحب الحنطة يكون نصيبه أقل من حقه الذي يستحقه وهو حمل حنطة كامل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 42.

القاعدة الثانية والعشرون [ملك البدل]

القاعدة الثانية والعشرون [ملك البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البدل يملك بملك الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل يملك بإحدى وسائل التمليك المشروعة، كالعقد والإرث والهبة والهدية، وأشباه ذلك. فهل بدل الأصل عند فقدان الأصل يملك بنفس السبب الذي مُلك به الأصل أو بسبب جديد؟ مفاد هذه القاعدة: أن البدل يملك بالسبب الذي مُلِك به الأصل لا بسبب جديد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أجَّر عبده مدة ثم أعتقه في نصفها - فإن رضي العبد بعد عتقه بإبقاء الإجارة - فأجر ما بقي من المدة للعبد؛ لأن الأجر بدل عن منافعه وهي مملوكة له وتحدث على ملكه وليس للمولى شيء. إلا إذا كان المستأجر عجَّل الأجرة كلها للمولى ورضي العبد بإبقاء الإجارة. ومنها: إذا احتطب اثنان فلكل واحد ما احتطب وثمنه إذا باعه، فالثمن بدل الحطب والحطب ملكه فيكون الثمن ملكه، وليس لأحدهما من ثمن ما احتطب الآخر شيء. حتى لو قال أحدهما للآخر: احتطب لي ولك أجر؛ لأن الاحتطاب مباح ولا توكيل في تحصيل المباح (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 206، 207، جـ 11ص 216، جـ 18 ص 37. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 216.

القاعدة الثالثة والعشرون [سبب الوجوب]

القاعدة الثالثة والعشرون [سبب الوجوب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: بدون تقرر السبب لا يثبت الوجوب (¬1). وفي لفظ: بدون السبب لا يثبت الحكم (¬2). وفي لفظ: بدون تقرر السبب لا تجب العقوبة (¬3). وفي لفظ: بدون السبب لا يجب المال (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد أصولية فقهية هذه القواعد بمعنى متحد. السبب لغة: ما يتوصل به إلى غيره كالجبل والطريق والسلَّم. أو ما يتوصل به إلى المقصود. وفي الشرع: عبارة عما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه (¬5). وعند الأصوليين: هو الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم. وقد يطلق السبب ويراد به العلة، والأحكام والنتائج مرتبة على الأسباب فإذا وجد السبب وتأكد وجد الحكم. وإذا لم يتقرر السبب ويتأكد لم يثبت الواجب ولا العقوبة ولا المال، ولا يطالب بها المكلف. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 105. (¬2) المبسوط جـ 13 ص 86. (¬3) المبسوط جـ 30 ص 153. (¬4) المبسوط جـ 21 ص 125. (¬5) التعريفات ص 121 بتصرف وزيادة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: غروب الشمس سبب وعلة لوجوب صلاة المغرب وتعلقها بذمة المكلف، فإذا لم يثبت الغروب لم يثبت الوجوب. ومنها: البلوغ سبب لوجوب الأحكام وتعلقها بذمة المكلف، فإذا لم يثبت البلوغ لم يثبت وجوب الأحكام. ومنها: الإحصان سبب لرجم الزاني، فإذا لم يثبت الإحصان لم يثبت الرجم، وإذا لم يثبت الزنا لم يجب الحد. ومنها: إذا لم يتم البيع وينعقد لا يجب على المشتري أداء الثمن. وإذا لم يثبت الإتلاف لا يجب الضمان.

القاعدة الرابعة والعشرون [صلاحية العلة]

القاعدة الرابعة والعشرون [صلاحية العلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بدون الصلاحية لا تعمل العلة (¬1). الصلاحية: من الصلاح وهو ضد الفساد، والعلة هي السبب بالمعنى المتقدم في القواعد السابقة، فمفاد القاعدة أن العلة لا تعمل عملها ولا يترتب عليها حكم إلا إذا كانت صالحة لذلك بدون قادح فيها. ثانياً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصغير إذا زوِّج وظهر على امرأته حَبَل، أو جاءت بولد فلا ينسب إليه؛ لأن الصغير لا يتصور منه الإنزال ولا يصلح أن يكون والداً، وبدون الصلاحية لا تعمل العلة. ومنها: قالوا: لا يكون طلاق الصبي طلاقاً حتى يبلغ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 53.

القاعدة الخامسة والعشرون [البراءة]

القاعدة الخامسة والعشرون [البراءة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: براءة الأصيل بالإبراء أوالإيفاء توجب براءة الكفيل (¬1). وفي لفظ: براءة الأصيل بأي سبب كان توجب براءة الكفيل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومثالها: المراد بالأصيل هنا - المدين أو مَن عليه الدين والمطالب به أصلاً. والكفيل: من الكفالة وهي الضمان فالكفيل الضامن للمدين الأصيل، فإذا كان على إنسان دين وكفل به كفيلاً ثم إن المدين سدد دينه أو أبرأه الدائن، فلا يجوز للدائن بعد ذلك مطالبة الكفيل بالدين، فمهما برئ الأصيل برئ الضامن والكفيل لا العكس، ولأن مطالبة الكفيل إنما تجوز إذا عجز الأصيل عن الدفع، أو أنكر الدين وأقر به الكفيل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 125. (¬2) المبسوط جـ 25 ص 149.

القاعدة السادسة والعشرون [الحلف - البر]

القاعدة السادسة والعشرون [الحلف - البر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البر مقصود الحالف ولا تصور للبر إذا حمل على العموم (¬1). وفي لفظ: الصور التي لا تقصد من العموم عادة إما لندورها أو لاختصاصها بمانع لكن يشملها اللفظ مع اعتراف المتكلم بأنه لم يرد إدخالها فيه، هل يحكم بدخولها أم لا؟ في المسألة خلاف (¬2). وتأتي في حرف الصاد إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البر: الاتساع في الإحسان والزيادة منه (¬3). والبر في اليمين: الصدق فيها (¬4). فمفاد القاعدة أن الصدق في اليمين وإرادة إنفاذها هو المقصود منها, ولا يمكن تصور صدق اليمين إذا حمل على المعنى العام للفظ المحلوف به وعليه للاستحالة. أي استحالة البر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص: كل حلٍّ عليَّ حرام. يسأل عن نيَّته، فإذا نوى يميناً فهو يمين ولا تدخل امرأته فيه إلا أن ينويها، فإذا لم يكن له نيَّة حمل على الطعام والشراب خاصة - خلافاً لزفر بن الهذيل رحمه الله - حيث حمله على العموم واعتبره حانثاً بمجرد فراغه من يمينه؛ لأن فتح العينين ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 71. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة. (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه ص 143. (¬4) المصباح المنير مادة "بر".

والقعود والقيام حلٌّ داخل في هذا التحريم فكان شرط الحنث عقيب التحريم موجوداً. ولكن جمهور الحنفية وآخرين من غيرهم بخلاف ذلك بناء على هذه القاعدة؛ لأنه إذا لم يمكن اعتبار معنى العموم فيه حمل على المتعارف وهو الطعام والشراب الذي به قوام النفس ولا تدخل المرأة فيه إلا أن ينويها. وعند الحنابلة خلاف في العمل على العموم أو الخصوص (¬1). وقال ابن رجب (¬2) فيمن قال: ما أحلَّ الله عليَّ حرام - وله زوجة ومال - وقال: لم أُرِد زوجتي: فهو مظاهر عليه كفارة الظهار؛ لأن الزوجة أشهر أفراد الحلال الذي يقصد تحريمه فلا يصح إخراجه من العموم. وقال ابن عقيل (¬3): يجب مع كفارة الظهار كفارة يمين لدخول المال في العموم (¬4). ¬

_ (¬1) المغني جـ 10 ص 481 - 482. (¬2) ابن رجب زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السَّلامي البغدادي، الدمشقي حافظ للحديث من علماء الحنابلة وفقهائهم صاحب القواعد وجامع العلوم والحكم، توفي سنة 795 هـ، الأعلام جـ 3 ص 295. (¬3) ابن عقيل أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد البغدادي الظفري عالم العراق وشيخ الحنابلة في وقته، كان قوي الحجة، له تصانيف أعظمها كتاب الفنون والواضح في الأصول، توفي سنة 513 هـ، الأعلام جـ 2 ص 313. (¬4) قواعد ابن رجب القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة.

القاعدة السابعة والعشرون [اعتبار الأحوال]

القاعدة السابعة والعشرون [اعتبار الأحوال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بعد التيقن بالسبب يصار فيه إلى اعتبار الأحوال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لهذه القاعدة ارتباط بقاعدة مقابلة تقول: (بدون التيقن بالسبب لا تعتبر الأحوال). والمقصود باعتبار الأحوال اعتمادها والاعتداد بها وبناء الحكم عليها، فما لم يتيقن سبب الحكم لا يعتد بالأحوال، وإنما الاعتداد بالأحوال واعتبارها بعد التيقن من سبب الحكم. والمراد بالأحوال هنا الأوضاع التي عليها الإنسان عند إرادة بناء حكم من الأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مات إنسان وترك ابنة وولداً مشكلاً - أي خنثى مشكل - وعصبة. فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: إن هذا المشكل إن كان ذكراً - بأن بال من ذكره - فله الثلثان. وإن كان أنثى فله الثلث. وعند الاشتباه يجعل أنثى فله الثلث؛ لأن سبب استحقاق الميراث الفرضية والعصوبة ولا يتيقن بواحد من السببين بهذا المشكل فيعطى القدر المتيقن أنه مستحق له وهو نصيب أنثى. فكأن الميت ترك ابنتين والباقي لعصبته. وأما عند أبي يوسف رحمه الله في قوله له: له نصف في كل حالة: إذ له نصف الثلثين ونصف الثلث. فيكون له في الحال نصف المال وللإبنة الثلث والباقي هو السدس للعصبة. قال: لأن حاله متردد بين الذكر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 93.

والأنثى - والأصل في المسائل اعتبار الأحوال عند التردد (¬1). والراجح عند الحنابلة وغيرهم إعطاء الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى. كقول أبي يوسف في هذه المسألة (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 92 - 93 كتاب فرائض الخنثى. (¬2) المغني جـ 9 ص 109 - 110، المقنع مع حاشيته جـ 2 ص 445.

القاعدة الثامنة والعشرون [العلة - العارض المسقط]

القاعدة الثامنة والعشرون [العلة - العارض المسقط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بعد وجود العلة لا تقبل دعوى العارض المسقط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعلة هنا السبب - وقد سبق معناهما - فمفاد القاعدة: أنه إذا وجدت علة أو سبب لأمر ما أو تصرف وجب الحكم المترتب عليهما؛ لأن الحكم يتبع العلة أو السبب وجوداً وعدماً، فلا يقبل بعد ثبوت وجود العلة أو السبب دعوى وجود مسقط للحكم ومبطل له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وضع إنسان في طريق عام سيفاً مغروساً، أو لغماً متفجراً، أو أخرج من بيته حديداً معترضاً الطريق فأصاب إنساناً فقتله، ففي مسألة السيف المغروس والحديد المعترض على عاقلة الذي وضع السيف أو الحديد الدية؛ لأن الواضع متعد في تسببه متى شغل طريق المسلمين بما وضعه فيه، بخلاف اللغم المتفجر فإن على واضعه القصاص؛ لأنه متعمد للقتل ومريد له، واللغم غير ظاهر بخلاف السيف والحديد. ثم لا يقبل دعوى الواضع أن المجروح مات بسبب آخر؛ لأن الجرح من السيف أو الحديد أو غيره علة موجبة للضمان، وبعد وجود العلة لا تقبل دعوى العارض المسقط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 51.

القاعدة التاسعة والعشرون [الخطأ، الضمان]

القاعدة التاسعة والعشرون [الخطأ، الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بعذر الخطأ لا يسقط ضمان المحل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخطأ لا يعتبر عذراً في إسقاط ضمان المتلَف؛ لأن الخطأ وإن كان عذراً في رفع الإثم لكنه ليس عذراً في إسقاط الضمان والتعويض؛ لأن التأثيم سقط عن المخطئ بعفو الله سبحانه وتعالى لرفع الحرج عن الناس وهو من حقوق الله تعالى، وأما الضمان فهو من حقوق العباد، وحقوق العباد لا تسقط إلا بالإبراء أوالاستيفاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قُتل إنسان خطأ فعلى عاقلة القاتل الدية، ولا يعتبر الخطأ عذراً في إسقاطها. ومنها: إذا أتلف شخص لآخر متاعاً خطأ فعلى المُتلِف ضمان ما أتلف وتعويض صاحب المتاع ثمن متاعه، ولا يسقط التعويض والضمان بحجة أن الإتلاف غير متعمد. إلا إذا أبرأه صاحب المتاع عن ضمانه فيسقط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 11.

القاعدة الثلاثون [الجزء، البعض، الكل]

القاعدة الثلاثون [الجزء، البعض، الكل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البعض معتبر بالكل (¬1). وفي لفظ: اعتبار البعض بالكل (¬2). وفي لفظ: إتلاف الجزء معتبر بإتلاف الكل (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاعتبار: معناه الاعتداد بالشيء في ترتيب الحكم (¬4). فمفاد القاعدة: أن حكم جزء الشيء - إذا أتلف - مترتب على حكم كله، فالحكم الذي يصدق على الكل يصدق على الجزء والبعض بحسبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مرض إنسان أو سافر فلم يصم من رمضان شيئاً بسبب المرض أو السفر ثم صح بعد رمضان أو أقام عشرة أيام ثم مات، فيجب عليه قضاء العشرة فقط؛ لأنها التي أدركها صحيحاً أو مقيماً ولا يجب عليه قضاء الباقي؛ لأنه مات قبل أن يتمكن من القضاء، فإذا لم يصم هذه العشرة قبل موته فيطعم عنه وليُّه عشرة مساكين - عند الحنفية - أو يصوم عنه عشرة أيام - عند الشافعية - لأنه لو أدرك شهراً كاملاً قبل موته وهو صحيح أو مقيم لوجب عليه قضاء الشهر كله، والبعض معتبر بالكل. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير ص 2205. المبسوط جـ 3 ص 90، جـ 14 ص 105، جـ 22 ص 40 - 43، جـ 27 ص 66. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 137، جـ 16 ص 190 جـ 20 ص 59، جـ 27 ص 132. (¬3) المبسوط جـ 24 ص 109. (¬4) المصباح المنير مادة (عبر).

القاعدة الحادية والثلاثون [البعض الممكن]

القاعدة الحادية والثلاثون [البعض الممكن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البعض المقدور عليه هل يجب (¬1)؟ وفي لفظ: الميسور لا يسقط بالمعسور. وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها وبعض أمثلتها: قد يجب على المكلف حكم من الأحكام ولكنه لا يقدر على أدائه كاملاً وإن كان يقدر على بعضه، فإذا كان قادراً على أداء هذا الجزء فهل يجب عليه أداؤه أو ينتقل للبدل؟ تحت هذه القاعدة أربعة أقسام كما ذكرها الزركشي: الأول: ما يجب فيه أداء المقدور عليه قطعاً، ومن أمثلة هذا القسم: القادر على بعض الفاتحة يجب عليه قراءة ما قدر عليه منها، وكذلك واجد بعض ما يستر به العورة يلزمه قطعاً. الثاني: ما في وجوبه خلاف والأصح وجوبه: من أمثلته: إذا وجد بعض الصاع في زكاة الفطر يجب إخراجه على الأصح. ومنها: ما لو ملك مائة نقداً، ومائة ديناً مؤجلة على مليء - أي غني - فإذا قلنا: لا يجب إخراج الجميع في الحال فالأصح أنه يلزم إخراج حصة النقد؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور. الثالث: لا يجب قطعاً. من أمثلته: إذا وجد في الكفارة المرتبة بعض الرقبة، فلا يجب إخراجه وينتقل للبدل. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 ص 227 فما بعدها.

ومنها: الشفيع إذا وجد بعض ثمن الشقص المباع لا يأخذ قسطه من الثمن. الرابع: ما لا يجب على الأصح. من أمثلته: إذا كان الواجب في السجود التنكيس - أي خفض الرأس - فإذا تعذر ذلك لمرض أو غيره فهل يجب عليه وضع وسادة ليضع الجبهة على شيء منها؟ وجهان: أصحهما لا يجب؛ لأن هيئة السجود فاتت.

القاعدة الثانية والثلاثون [البعضية الحكمية]

القاعدة الثانية والثلاثون [البعضية الحكمية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البعضية الحكمية عملها كعمل حقيقة البعضية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذكرها الحنفية في معرض مناقشتهم للإمام الشافعي رضي الله عنه في حكم تحريم ابنة المزني بها على الزاني، حيث إن الشافعي رحمه الله أجاز أن يتزوج الزاني ابنة من زنا بها، قال؛ لأن الحرام لا يحرم الحلال. وأما الحنفية فمنعوا ذلك وأوجبوا حرمة الزواج من ابنة المزني بها. وعللوا هذه الحرمة بشبهة البعضية من حث إن حقيقة البعضية توجب الحرمة في غير موضع الضرورة؛ لأن ثبوت الحرمة بسبب الوطء في الملك ليس لعين الملك بل لمعنى البعضية؛ لأن الولد الذي يتخلق من الماء يكون بعضاً لكل واحد منهما فتتعدى شبهة البعضية إلى أمهاتها وبناتها - أي الموطوءة - وإلى آبائه وأبنائه - أي الواطئ - والشبهة تعمل عمل الحقيقة في إيجاب الحرمة. وهذا المعنى لا يختلف بالملك وعدمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المرأة التي زنا بها رجل يحرم عليه بناتها وأمهاتها، كما يحرم عليها آباؤه وأبناؤه. عند الحنفية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 205.

القاعدة الثالثة والثلاثون [بقاء الأثر]

القاعدة الثالثة والثلاثون [بقاء الأثر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بقاء الأثر بعد زوال العين لا يضر (¬1). ثانياً: أصل هذه القاعدة ودليلها: أصل هذه القاعدة ودليلها قوله - صلى الله عليه وسلم - لخولة بنت يسار (¬2) رضي الله عنها حينما قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، فقال عليه السلام: "فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه" قالت: يا رسول الله، إن لم يخرج أثره؟ قال: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" (¬3). ثالثاً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القاعدة حكم بقاء أثر النجاسة بعد زوال عينها بالغسل، وأن بقاء الأثر - أي اللون - لا يضر. بمعنى أن المحل قد طهَّره الماء بزوال عين النجاسة، وبقاء الأثر ليس دليلاً على بقاء النجاسة. رابعاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصاب ثوب المرأة دم الحيض فحتته وغسلته بالماء ولكن بقي أثر الدم في الثوب فإن الثوب يعتبر طاهراً ويجوز لها أن تصلي فيه، وكذلك حكم كل نجاسة لها جرم أو لون، ولكن بشرط عدم بقاء الرائحة أو الطعم مع الأثر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 93، روضة الطالبين جـ 1 ص 138. (¬2) خولة بنت يسار لها ذكر في حديث أبي هريرة، ذكره ابن منده ووصله أبو نعيم، الإصابة جـ 12 ص 238. (¬3) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه أحمد وأبو داود. المنتقى جـ 1 ص 20 الحديث رقم 36.

القاعدة الرابعة والثلاثون [بقاء أثر الشيء]

القاعدة الرابعة والثلاثون [بقاء أثر الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بقاء أثر الشيء كبقاء أصله فيما يرجع إلى دفع الضرر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن للتصرفات المالية وغيرها آثاراً تعمل عمل تلك التصرفات وتبنى عليها الأحكام عند زوال تلك التصرفات، وذلك في كل محل يلزم منه الضرر لو لم نجعل بقاء أثر الشيء كبقاء أصله في الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العبد المأذون له بالتجارة بعد زوال الإذن وإعادة الحجر عليه يصح إقراره بالديون التي عليه إذا كان المال باقياً في يده؛ لأن الإقرار بالدين أثر من آثار الإذن، فلو لم يُقبل إقراره بالديون التي عليه بسبب الإذن لتضرر الغرماء، فإن بقاء يده على المال أثر ذلك الإذن. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله. ومنها: بقاء العدة يجعل كبقاء أصل النكاح في المنع من زواج المطلقة أو المتوفى عنها زوجها لدفع الضرر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 85.

القاعدة الخامسة والثلاثون [الابتداء - البقاء]

القاعدة الخامسة والثلاثون [الابتداء - البقاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البقاء أسهل - أو أيسر من الابتداء (¬1). وفي لفظ: بقاء الشيء أهون من ابتدائه (¬2). وفي لفظ: حالة البقاء أسهل من حالة الابتداء (¬3). وتأتي في حرف الحاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: مفاد هذه القواعد أن الشروط التي يجب توافرها في ابتداء التصرف وترتب الحكم عليها يمكن أن يتجاوز عن بعضها في حال البقاء والاستمرار، ففي العقود مثلاً يمكن أن يغتفر اختلال بعض الشروط في حال استمرارها بعد وجودها وإن كان ذلك لا يغتفر في حال انعقادها وابتدائها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وهب شخص لآخر أرضاً أو داراً ثم رجع في نصف ما وهب على الشيوع جازت الهبة في الباقي وإن كان النصف الباقي مشاعاً؛ لأن الشيوع الطارئ لا يمنع بقاء الهبة. وأما في حال الابتداء فلا تصح هبة المشاع، ولكن جازت هنا هبة المشاع بقاء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 118، جـ 4 ص 116، القواعد والضوابط ص 483، أشباه ابن نجيم 226، شرح الخاتمة ص 23، المجلة المادة 56، المدخل الفقهي الفقرة 632. (¬2) المبسوط جـ 30 ص 197. (¬3) شرح السير ص 943، 956.

رابعا: مما يستثنى من هذه القاعدة فيكون الابتداء أسهل من البقاء

ومنها: إذا خرج إنسان لسفر مباح، ثم نوى أثناء سفره العصيان فله الرخصة في الصلاة والصوم؛ لأن الشروط يكفي وجودها في الابتداء ولا يشترط بقاءها. رابعاً: مما يستثنى من هذه القاعدة فيكون الابتداء أسهل من البقاء: إذا فسق القاضي فإنه ينعزل، ولكن إذا ولِّي فاسقاً فإنه يصح عند بعضهم.

القاعدة السادسة والثلاثون [بقاء الحكم]

القاعدة السادسة والثلاثون [بقاء الحكم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: بقاء الحكم يستغني عن بقاء السبب (¬1). وفي لفظ: بقاء الحكم مستغنْ عن بقاء علته (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تعبران بحسب لفظهما عن أمر فيه مخالفة لقواعد الأصول حيث إن من قواعد الأصول: إن الحكم يدور مع علته وسببه وجوداً وعدماً؛ لأن من شروط العلة أن تكون مطردة منعكسة أي إذا وجدت وجد الحكم وإذا انتفت انتفى الحكم. ولكن على ما يظهر أن المقصود من لفظ العلة والسبب في هاتين القاعدتين هو الشرط لا العلة ولا السبب الحقيقيان، فإن الحكم يوجد باستيفاء شروط وجوده ثم بعد وجوده إذا زال أحد شروط وجوده بقي الحكم؛ لأنه ليس من شرط الشرط وجود الحكم بوجوده وانتفاؤه بعد وجوده بانتفائه. بل إن المشروط بشرط لا يوجد دون وجود الشرط ولكنه بعد وجوده لا ينتفي إذا انتفى شرطه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: شهود النكاح إذا ماتوا يبقى النكاح. ومنها: الكافر الحربي يُسترقّ وإذا أسلم بعد ذلك بقي رقه، فلا يزول الرق ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 23. (¬2) نفس المصدر ص 38.

بالإِسلام وإنما يزول بالعتق. ولو قلنا في هذا المثال إن العلة قد انتفت - وليس شرطاً - وقد بقي الحكم، فيقال: إن هذا الحكم وإن زالت علته الأولى لكنه باق لوجود علة أخرى وهي تعلق حق الغير - أي السيد - به.

القاعدة السابعة والثلاثون [بقاء الحكم]

القاعدة السابعة والثلاثون [بقاء الحكم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: بقاء الحكم ببقاء سببه (¬1). وفي لفظ: الحكم يدوم ما دامت علته وينتهي بانتهاء علته (¬2). فقهيتان أصوليتان. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تعبران عن مضمون القاعدة الأصولية القائلة: إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. فإذا كانت العلة والسبب هما ما بني الحكم عليهما وعرف بهما فنتيجة ذلك أن يوجد الحكم بوجودهما وينتفي وينتهي بانتفائهما وانتهائهما. وهاتان القاعدتان تعارضان القاعدتين السابقتين ظاهراً، وأما إن اعتبرنا أن المراد بالسبب والعلة في القاعدتين السابقتين هو الشرط انتفى التعارض الظاهري. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الزكاة إنما تجب إذا وجد اليسر والغنى ويزول الوجوب بزوالهما إذ لا تتصور الزكاة بدونهما. رابعاً: من الأمثلة المستثناة من هاتين القاعدتين: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرع الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى لإظهار الجَلَد والقوة أمام المشركين، وقد زالت العلة وبقي الحكم، وذلك لعلة أخرى وهي تذكر نعمة الأمن بعد الخوف للشكر عليها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 96. (¬2) شرح الخاتمة ص 37.

القاعدة الثامنة والثلاثون [بقاء الشيء - الاستصحاب]

القاعدة الثامنة والثلاثون [بقاء الشيء - الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بقاء الشيء لا يستدعي دليلاً مبقياً (¬1). وفي لفظ: البقاء لا يستدعي سبباً مبتدأً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن الشيء إذا ثبت وجوده مستوفياً لشروطه فلا يحتاج لاستمراره لدليل جديد يدل على بقائه. وهذا معنى الاستصحاب أي أن (ما كان ثابتاً في الزمن الماضي يبقى على ما كان عليه حتى يقوم الدليل على تغييره). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الميراث يملكه الوارث بمجرد موت المورِّث، وللوارث رده بالعيب إن وُجد به - كأن اشترى المورِّث شيئاً ثم مات وبعد موته اكتشف الوارث عيبه - لأن ملك الوارث للموروث كان ثابتاً للمورِّث فبقي بعده للوارث. ومنها: إذا أسلم الحربي في دار الحرب وله أولاد صغار كانوا مسلمين بإسلامه، فإذا جاء هو دار الإِسلام وخلَّفهم في دار الحرب كانوا مسلمين على حالتهم؛ لأن ما ثبت يكون باقياً ما لم يوجد الدليل المزيل، وهنا ثبت إسلامهم بإسلام أبيهم ولم يوجد المزيل - حتى لو افتتح المسلمون هذه الدار وسبوا أهلها كان أولئك الصغار أحراراً لإسلام أبيهم. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1878. (¬2) المبسوط جـ 28 ص 47.

القاعدة التاسعة والثلاثون [بقاء العبادة]

القاعدة التاسعة والثلاثون [بقاء العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بقاء العبادة ببقاء ركنها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وإن كانت نصًّا في بقاء العبادة ببقاء ركنها لكنها تعم كل عمل سواء كان عبادة أم معاملة مبنية على أركان، فإن بقاءها ببقاء أركانها وزوالها بزوال أركانها. والركن وإن كان لفظه في القاعدة مفرداً لكن يُراد به الجنس. والركن في اللغة: الجانب. وأركان الشيء أجزاء ماهيته (¬2) - أي حقيقته - وركن الشيء جانبه الأقوى، وفي الحج والصلاة ما يبطل العبادة عمده وسهوه (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ركن الحج: الوقوف بعرفة. وركن العمرة: الطواف والسعي. وهما ركنا الحج أيضاً. ومن أركان الصلاة: القراءة والقيام للقادر والركوع وغيرها فإن ترك منها واحداً بدون عذر بطلت. وركن البيع أو العقد: العاقدان والمعقود عليه والثمن فإذا فُقِد أحدها بطل العقد. وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 57. (¬2) المصباح المنير مادة "ركن". (¬3) المطلع ص 88.

القاعدة الأربعون [البقاء على الشيء]

القاعدة الأربعون [البقاء على الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البقاء على الشيء يجوز أن يعطى حكم الابتداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة سبق لها أمثال حرف الهمزة تحت الأرقام 216، 217، 292، 293، وفي هذه القاعدة خلاف بين محمَّد بن الحسن وأئمة الحنفية الآخرين رحمهم الله. ومفاد هذه القاعدة: أن من فعل فعلاً أو تصرف تصرفاً يحتمل الدوام فإن الاستمرار عليه يأخذ حكم ابتدائه وإنشائه، أو يعتبر بأصله كما في قاعدة سابقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تطيب الرجل قبل الإحرام وبقيت رائحته بعد الإحرام فهذا مكروه وعليه فدية. عند محمَّد بن الحسن حيث جعل البقاء عليه كابتدائه، وعند غيره ليس مكروهاً؛ لأنه معتبر بأصله وأصله مباح. ومنها: إذا حلف لا يجلس في هذا البيت وهو جالس فيه، ولم يقم فهو حانث؛ لأن البقاء على الشيء كابتدائه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 49.

القاعدة الحادية والأربعون [الاستصحاب]

القاعدة الحادية والأربعون [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بقاء ما عُرِف ثبوته لعدم الدليل المزيل لا لوجود الدليل المُبَقّي (¬1). [أصولية فقهية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعبر على أصل الاستصحاب عند الحنفية: وهو أن الشيء يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل يغيره، وبقاؤه ليس لأن دليل ثبوته يدل على بقائه واستمراره؛ بل يحكم ببقائه لعدم وجود الدليل المزيل (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المفقود الذي انقطع خبره ولم يعلم موته ولا حياته فهو يحكم بحياته - فيما له - لأنه حين تغيبه كانت حياته محققه، فما لم يقم دليل على موته حقيقة فهو حي حكماً، ولذلك ليس لورثته اقتسام تركته، ولا تؤخذ وديعته من مودَعه، ولا تَبين منه امرأته. وهذا عند الجميع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 114. (¬2) كشف الأسرار شرح أصول البرذوي جـ 3 ص 66 فما بعدها.

القاعدة الثانية والأربعون [البلوى]

القاعدة الثانية والأربعون [البلوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البلوى لا تعتبر في موضع النص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البلوى: اسم للابتلاء وهو الاختبار. ويراد به عند الفقهاء: الأمر العام الذي يعسر الاحتراز منه ويعم المصاب به. والنص معناه في اللغة: الارتفاع والظهور. ومنه منصة العروس لارتفاعها وظهورها. والمراد به هنا عبارة الشارع من كتاب أو سنة. ومفاد القاعدة: أن الأمر العام الذي يعسر الاحتراز منه يسَّره الشارع وخففه على المكلف بحيث يمكنه فعل العبادة بحسب قدرته دون مشقة أو إحراج لكن بشرط أن لا يكون هناك نص مانع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة مع النجاسة المعفو عنها، ونجاسة المعذور التي تصيب ثيابه، وطين السوق، ومس المصحف للصبيان للتعلم. ومما لا يعفى عنه بول الآدمي قليله وكثيره - لغير المعذور - لورود النص، وحرمة رعي حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 61.

القاعدة الثالثة والأربعون [فسخ العقد]

القاعدة الثالثة والأربعون [فسخ العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالاحتمال لا ينفسخ العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الاحتمال: مصدر احتمل الشيء بمعنى حمله، وهو افتعال من الحمل. ومعناه: إن هذا الحكم المذكور قابل ومتهيء لأن يقال فيه بخلافه (¬2). فمفاد القاعدة أن العقد إذا احتمل الصحة والفساد أنه لا ينفسخ إلا إذا ترجح جانب الفساد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اتفق رب أرض مع مزارع على أن يبذر ويسقي ويتعهد، فبذر رب الأرض ولم يسق البذر ولم ينبت حتى سقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما على ما اشترطا. ولا يعتبر إلقاء رب الأرض البذر في الأرض فسخاً للمزارعة؛ لأن إلقاء البذر وحده لم يكن سبباً في الخارج، وإنما حصل الخارج - أي الناتج - بالسقي والعمل والتعهد من المزارع؛ وهذا لأن فعل رب الأرض - وهو البذر - محتمل يجوز أن يكون على طريق الفسخ منه لعقد المزارعة، ويجوز أن يكون على وجه النظر لنفسه وللعامل كيلا يفوت الوقت لاشتغال المزارع بعمل آخر، أو لمرض حل به، وبالاحتمال لا ينفسخ العقد ولهذا كان الخارج بينهما على الشرط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 148. (¬2) المطلع على أبواب المقنع ص 461.

ومنها: إذا استأجر أجيراً لعمل ما فلا يجوز له فسخ العقد لاحتمال أن هذا الأجير قد يكون غير صالح لعمل ما استؤجر عليه. ولكن بعد الاختبار إذا تبين أنه غير صالح لعمل ما استؤجر له فله فسخ العقد. ومنها: لو أن صاحب متجر استأجر عاملاً ليبيع في متجره، فجاء صاحب المتجر يوماً وباع بنفسه، فهل يعتبر عمله هذا فسخاً للعقد مع العامل؟ احتمال أن يكون فسخاً واحتمال أن يكون إعانة للعامل ونظراً لنفسه حتى لا يتعطل متجره. وبالاحتمال لا ينفسخ العقد.

القاعدة الرابعة والأربعون [الاحتمال/ الاستحقاق]

القاعدة الرابعة والأربعون [الاحتمال/ الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالاحتمال لا يثبت الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستحقاق: استفعال من الحق، والمراد به هنا ثبوت الحق لمستحقه. فمفاد القاعدة أنه إذا احتمل ثبوت الحق وعدمه أنه لا يثبت الاستحقاق. فالحق لا يثبت إلا بالجزم والقطع واليقين لا بالاحتمال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى الغازي أنه دخل إلى أرض المعركة بفرس فنفق أو قتل، وقال صاحب المقاسم أو القائد: لا ندري أدخلت بفرس أم لا. فهو راجل وله سهم راجل حتى يقيم البينة أنه دخل بفرس؛ لأن بالاحتمال لا يثبت له استحقاق سهم فارس. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 970 - 971.

القاعدة الخامسة والأربعون [الإحراز]

القاعدة الخامسة والأربعون [الإحراز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: باليد لا يتم القهر قبل الإحراز بالدار (¬1). وفي لفظ: الملك بطريق القهر لا يثبت ما لم يتم القهر، وتمامه بالإحراز بدار تخالف دار صاحب المال (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية أن الغنيمة لا تعتبر ملكاً للغانمين ولا تقسم بينهم إلا إذا دخلوا بها دار الإِسلام، فليس بمجرد الاغتنام تعتبر ملكاً للغانمين وهذا الذي عُبَّر عنه في القاعدة (باليد). فتمام القهر والغلبة هو إحرازها بدار الإِسلام، أو دار الحرب إذا كان الغانمون كفاراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو أن أهل الحرب دخلوا دار الإِسلام للإغارة فأخذوا أموالاً وسبايا، ثم أسلموا قبل أن يدخلوا بذلك دارهم فالإمام يأخذ منهم جميع ما أخذوا فرده على أهله؛ لأنهم لم يملكوا ما أخذوا حين لم يحرزوه بدارهم، فإن الملك يستدعي تمام القهر وذلك لا يتم إلا بالإحراز بالدار. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1249. (¬2) المبسوط جـ 30 ص 142.

القاعدة السادسة والأربعون [التبرع، التوكيل]

القاعدة السادسة والأربعون [التبرع، التوكيل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بمطلق التوكيل لا يملك الوكيل التبرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التوكيل: الوكالة. ومعناهما: التفويض. يقال: وَكَّله: أي فوَّض إليه (¬2). والتوكيل: تفويض التصرف إلى الغير (¬3). ومن معاني الوكالة: الحفظ. فمن وكَّل غيره وفوض إليه أمره مطلقاً عن القيد والتخصيص فهذه الوكالة لا تمنح الوكيل حق التبرع بمال الموكِّل؛ لأن التبرع ينافي الحفظ الذي هو معنى الوكالة والتوكل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من وكَّل شخصاً بماله يتصرف فيه بيعاً وشراء وإجارة لم يملك التبرع بشيء منه لمنافاته للحفظ (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 191. (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه ص 206. (¬3) أنيس الفقهاء ص 238. (¬4) ينظر رسائل ابن نجيم ص 37.

القاعدة السابعة والأربعون [مطلق اللفظ]

القاعدة السابعة والأربعون [مطلق اللفظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بمطلق اللفظ لا يثبت إلا المتيقن (¬1). وفي لفظ: بمطلق اللفظ لا يثبت إلا ما هو كامل في نفسه (1). ثانياً: معنى هذه القاعدتين ومدلولهما: مطلق اللفظ: هو اللفظ الذي لم يتقيد بقيد يخصصه، سواء كان القيد لفظاً أو حالاً أو عرفاً. فإذا أطلق لفظ احتمل أن يبقى على إطلاقه واحتمل أن يقيد، لكن لما لم يكن القيد ثابتاً، ولم يقم دليل التخصيص فلا يثبت بمطلق، اللفظ إلا المعنى المتيقن وهو الكامل في نفسه؛ لأن الإطلاق يقتضي الكمال. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أوصى بالحج عنه - وله أوطان مختلفة - فمات وهو مسافر - فإنه يحج عنه من أقرب الأوطان إلى مكة لأنه هو المتيقن به. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 173.

القاعدة الثامنة والأربعون [مطلق العقد]

القاعدة الثامنة والأربعون [مطلق العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بمطلق العقد يستحق المعقود عليه بصفة السلامة، ولا يستحق صفة الجودة إلا بالشرط (¬1). وفي لفظ: بمطلق العقد يستحق صفة السلامة لا صفة الجودة أو لا نهاية الجودة (¬2). وفي لفظ: صفة الجودة تستحق بالشرط (¬3) وتأتي في حرف الصاد إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: العقد المطلق: هو العقد الخالي عن الشروط. والسلامة: معناها البراءة من العيوب. مفاد القواعد: أن العقد إذا خلا عن الشروط لأحد المتعاقدين فإن المعقود عليه - سواء الثمن أو المبيع - يستحق أن يكون سليماً خالياً عن العيوب، ولكن لا يستحق الجودة إلا بالشرط؛ لأن الجودة صفة زائدة على صفة السلامة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا دفع رجل أرضه مزارعة بالنصف، فإن كانت تزرع بغير حرث وتحصل الثمرة سليمة على الوجه المعتاد فالعامل مخير بين الحرث وعدمه، وأما إذا ما حرثت يكون الخارج أجود فليس على العامل الحرث إلا بالشرط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 38. (¬2) نفس المصدر ص 151 - 152. (¬3) نفس المصدر ص 152.

القاعدة التاسعة والأربعون [الاحتمال]

القاعدة التاسعة والأربعون [الاحتمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالمحتمل لا يزول الملك (¬1). وفي لفظ: المحتمل لا يكون حجة (1). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ثبوت الملك وزواله لا يتمان إلا باللفظ أو الفعل المتيقن، وأما إذا كان اللفظ أو الفعل محتملاً للأمرين الزوال أو الثبوت وعدمه، فلا يثبت أي واحد منها، والقاعدة تشير إلى زوال الملك فقط وأنه لا يتم بالاحتمال بل لا بد من اليقين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل فضولي متاعاً لرجل آخر وهو حاضر ساكت لم يجز ذلك عليه؛ لأنه لا ينسب إلى ساكت قول؛ فسكوته محتمل لرضاه بالبيع ومحتمل أن يكون تهاوناً وقلة التفات إلى تصرف الفضولي، وقد يكون بطريق التعجب. والمحتمل لا يكون حجة. وعند ابن أبي ليلى (¬2) يعتبر سكوته إقراراً بالبيع؛ لأن السكوت في معرض الحاجة بيان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 141. (¬2) ابن أبي ليلى سبقت ترجمته.

القاعدة الخمسون [المشترك]

القاعدة الخمسون [المشترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالمشترك لا يبطل حكم الإطلاق (¬1). ثانياً: معنى هذة القاعدة ومدلولها: المشترك: ما وضع لمعنى كثير، لاشتراكه بين المعاني، ومعنى الكثرة هنا: ما يقابل الوحدة فيدخل فيه المشترك بين المعنيين وغيره (¬2). فمفاد القاعدة: أن اللفظ إذا كان مشتركاً يدل على معنيين أو صفتين فأكثر وأطلق فإن اشتراكه لا يبطل حكم إطلاقه؛ بل يبقى على إطلاقه ويجوز استعماله في كل ما يدل عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لفظ البيع يحتمل البيع بالربح وبالغبن اليسير وبالغبن الفاحش، وبدون ربح، فمن وكَّل آخر في البيع مطلقاً جاز بيعه على كل وجه إلا ما خص بالنص أو العرف أو الحال. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 214. (¬2) التعريفات ص 229 بتصرف.

القاعدة الحادية والخمسون [العقد الباطل]

القاعدة الحادية والخمسون [العقد الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بالعقد الباطل لا تجب الشفعة (¬1). ضابط. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد الباطل: هو العقد الذي لا يثمر المقصود منه، ولا تترتب عليه آثاره. ويشير هذا الضابط إلى أثر واحد من آثار العقد الباطل وهو أنه لا تجب الشفعة به. إذ الشفعة لا تجب ولا يستحق الشفيع المطالبة بها إلا بالعقد الصحيح النافذ لا العقد الباطل. وإلا فالعقد الباطل لا يحل لأحد المتعاقدين الانتفاع بالمعقود عليه ولا الثمن ولا يترتب عليه أثر من آثار العقد الصحيح، إلا إذا كان العقد عقد زواج فإنه شبهة يدرأ بها الحد ويجب بالدخول مهر المثل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 168.

القاعدة الثانية والخمسون [بناء الأحكام]

القاعدة الثانية والخمسون [بناء الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بناء الأحكام على عُرف الشريعة دون عادة الظلمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل القاعدة قوله تعالى: {إنِ الحُكمُ إِلَّا لِلَّهِ} (¬2). هذه القاعدة كبيرة الأهمية عظيمة المغزى؛ إذ ترسم للقضاة والمفتين الطريق الصحيح لبناء الأحكام، وهو أن الأحكام كلها إنما تبنى على ما عُرِف في الشرع وثبت بالدليل الشرعي، وليس على ما اعتاده ظلمة الحكام وجبابرتهم من عادات وأعراف باطلة وقوانين جائرة تعارض وتناقض شرع الله الذي شرعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى مصرف ضد مقترض منه مبلغاً من المال فوائد قروض وترافعا إلى القاضي فلا يجوز للقاضي أن يحكم باستحقاق المصرف هذه الفوائد؛ لأنها ربا، وإن كان عرف الظلمة يجيزها. بل على القاضي أن يحكم بشرع الله الذي يحرم الربا ولا يقضي للمصرف إلا برأس ماله الذي اقترضه المدعى عليه. ومنها: إذا ادعى رجل على آخر أنه زنا بامرأته وأنه يطالب بالتعويض عن ذلك أو أنه صالح الزاني وتنازل عن دعواه هذه، فلا يجوز للقاضي أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 136. (¬2) الآية 57 من سورة الأنعام، والآية 40، 67 من سورة يوسف.

الحاكم المسلم أن يحكم بينهما بقانون وضعي يجعل الحق للزوج، بل يجب عليه أن يحكم بشرع الله الذي يوجب إقامة الحد على الزوجة وعلى الزاني إذا ثبت الزنا بالشهود أو الإقرار.

القاعدة الثالثة والخمسون [بناء الأيمان - العرف]

القاعدة الثالثة والخمسون [بناء الأيمان - العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بناء الأيمان على العرف إذا لم يضطرب (¬1). وقد سبق مثلها في حرف الهمزة تحت رقم 633. وفي لفظ: هل الأيمان مبنية على العرف (¬2)؟ وستأتي في حرف الهاء إن شاء الله. وفي لفظ: إن الأيمان مبنية على عرف الحالف إن لم يمكن الحمل على المعنى الشرعي. وفي لفظ: الأيمان تبنى على العرف. وقد سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 660. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأيمان جمع يمين وهو القسم، وهو لغة: القوة، وشرعاً: تقوية أحد طرفي الخبر بذكر اسم الله تعالى (¬3). وقيل: اليمين توكيد الحكم بذكر معظَّم على وجه مخصوص (¬4). والعرف: ما عرف في الشرع والعقل حسنه وهو ما تعارفه الناس واعتادوه في دلالة ألفاظهم ومعاملاتهم. فالأيمان إنما تبنى على عرف الناس إن كان شائعاً مطرداً غالباً بينهم، وأما ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 67 أ. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة 21، ومنار السبيل جـ 2 ص 442. (¬3) أنيس الفقهاء ص 171. (¬4) المطلع ص 387.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

إذا اضطرب واختلف فلا، وإنما يبنى اليمين حينئذ على دلالة اللفظ اللغوية لا العرفية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل اللحم - وليس له نيَّة - لا يحنث بأكل السمك أو الدجاج؛ لأن العرف مستقر ومستمر على أن المراد باللحم عند الإطلاق هو لحم الإبل أو البقر أو الغنم فقط.

القاعدة الرابعة والخمسون [بناء الحكم، العادة]

القاعدة الرابعة والخمسون [بناء الحكم، العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بناء الحكم على العادة الظاهرة دون النادر (¬1). وفي لفظ: بناء الأحكام الشرعية على الظاهر دون النادر (¬2). وفي لفظ: البناء على العادة الظاهرة واجب (¬3). وينظر القواعد في حرف الهمزة رقم 43، 167، 307، 308. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا لم يكن هناك نص شرعي أو نص لأحد المتعاقدين فإن أحكام التصرفات تبنى على عادة الناس الظاهرة - أي المعروفة الشائعة بينهم - وبناء الأحكام على العوائد عند عدم النصوص واجب، إلا إذا كان للمكلف نيَّة فيحمل تصرفه على نيته - عند كثير من العلماء - إن قام الدليل عليها. وإلا فعلى العادة، وأما إذا كانت العادة أو العرف قليل الاستعمال فلا يبنى عليه حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تعاقد شخص مع آخر على شراء جديد أو حجارة أو أي شيء ثقيل فعلى البائع أن يحمل المتعاقد عليه إلى محل المشتري ولو لم ينص في العقد على ذلك للعادة الجارية بين الناس إن حمولة الأشياء الثقيلة وإيصالها على البائع إلا إذا وجد نص بخلاف ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 228. (¬2) نفس المصدر جـ 11 ص 25. (¬3) نفس المصدر جـ 18ص 30.

القاعدة الخامسة والخمسون [بناء العقود]

القاعدة الخامسة والخمسون [بناء العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بناء العقود على قول أربابها (¬1). سبقت هذه القاعدة بشرحها وأمثلتها في حرف الهمزة بلفظ (الأصل في العقود بناؤها على قول أربابها) حـ 2 تحت القاعدة رقم 368. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 جـ 2 ص 305.

القاعدة السادسة والخمسون [البناء على الظاهر]

القاعدة السادسة والخمسون [البناء على الظاهر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقته جائز (¬1). وفي لفظ: البناء على الظاهر واجب ما لم يتبين خلافه (¬2). وفي لفظ: الحكم يبنى على الظاهر (¬3). وفي لفظ: البناء على الظاهر واجب فيما لا تعلم حقيقته (¬4). وفي لفظ: يجب البناء على الظاهر ما لم يتبين خلافه (¬5). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالظاهر هنا: من الظهور وهو العلن، واصطلاحاً عند الأصوليين: هو اللفظ المتردد بين احتمالين فأكثر هو في أحدهما أرجح فيسمى ظاهراً لذلك المعنى (¬6). وقد يراد بالظاهر القرائن الواضحة. مفاد القاعدة: إن بناء الأحكام على الراجح من المعاني، أو الأمور الظاهرة واجب لا يجوز العدول عنه والبناء على خلافه إلا إذا رجح جانب آخر بقرينة أو بيِّنة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 292، جـ 10 ص 214، 215، شرح السير ص 1939، 1943، 1946. (¬2) المبسوط جـ 1 ص 86، جـ 23، ص 172. (¬3) شرح السير ص 203، 300، 1542، 1755، 1811، 1939، المبسوط جـ 7 ص 152، جـ 10 ص 92، وجـ 11 ص 25، وقواعد الفقه ص 65. (¬4) شرح السير ص 342. (¬5) المبسوط جـ 23 ص 199. (¬6) تنقيح الفصول ص 37.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز حمل على الحقيقة؛ لأن الظاهر والراجح من استعمال الألفاظ استعمالها في حقائقها، إلا إذا قامت قرينة على إرادة المجاز. ومنها: إذا ارتد شخص واستتيب فتاب ثم ارتد وتكرر منه ذلك فمن العلماء من يرى أنه يقتل؛ لأن الظاهر أنه مستهزئ، وبناء الحكم على الظاهر جائز فيما لا يوقف على حقيقته. ومنها: إذا وجدنا قتيلاً في محله وبجواره رجل بيده سكين أو سيف ملوث بالدم، فبحسب الظاهر أنه هو القاتل فيؤخذ حتى تقوم بينة على خلاف ذلك. ومنها: إذا وجد كافر في دار الإِسلام وزعم أنه من أهل الذمة فيكون القول قوله ولا يتعرض له، فيكون آمناً باعتبار الظاهر، إلا إذا قامت قرائن على خلاف ذلك.

القاعدة السابعة والخمسون [البناء على فعل الغير]

القاعدة السابعة والخمسون [البناء على فعل الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البناء على فعل الغير في العبادات والعقود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في العبادات أن من شرع فيها عليه أن يتمَّها لكن إن حدث طارئ لمن شرع في عبادة من العبادات فهل لغيره أن يتم ما بدأه؟ تحت هذه القاعدة صور تختلف فيها الأنظار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع في الأذان ثم طرأ طارئ منع من الإتمام فهل يتمه غيره أو يستأنف؟ قولان عند الشافعية، والأصح المنع لبطلان الأذان للفصل الذي تخلل العبادة. ومنها: خطبة الجمعة، فهل يبني الثاني على خطبة الأول، أو يستأنف خطبة جديدة؟ قولان كذلك، والأصح في هذه المسألة جواز البناء، وعند المالكية البناء (¬2). ومنها: الاستخلاف في الصلاة، والأصح الجواز. ومنها: البناء في الحج، والصحيح الجديد عند الشافعية المنع. وأما في العقود: فالصحيح أنه إذا أوجب البائع ثم مات، لم يصح قبول المشتري بعده، ولو مات المشتري قبل القبول لم يقم وارثه مقامه فيه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 151 والمجموع المذهب لوحة 292 أ. (¬2) الكافي جـ 1 ص 222.

وفي وجه شاذ أن وارثه يصح منه القبول على ذلك الإيجاب الأول كما في الخيار - حيث إن الخيار يورث - وهذا الوجه ضعيف جدًّا.

القاعدة الثامنة والخمسون [البناء على المنقطع]

القاعدة الثامنة والخمسون [البناء على المنقطع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البناء على المنقطع غير ممكن (¬1). ثانياً: معنى هذة القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى سابقتها ولكن تلك عند الشافعية وهذه عند الحنفية. البناء: معناه إتمام ما بدأه غيره دون استئنافه. المنقطع: المراد بالمنقطع هنا ما لا يمكن وصله. فمفاد القاعدة: أن إتمام ما بدأه غيره وانقطع عنه فهو غير جائز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصيب الإِمام بالإغماء فلا يجوز لغيره أن يبني على صلاته بل يستقبل القوم الصلاة بإمام آخر. وكذلك إذا مات الإِمام أثناء الصلاة؛ لأن الإغماء والموت يقطع العمل، بخلاف سبق الحدث فإن البناء على الصلاة عنده مستحسن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 89، 139.

القاعدة التاسعة والخمسون [البناء على المتكرر]

القاعدة التاسعة والخمسون [البناء على المتكرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البناء في زمن الاستمرار على ما تأكد بالتكرار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن ما تأكد بتكرره مرتين أو ثلاثاً يبنى الحكم عليه لا على ما حصل مرة واحدة؛ لأنه لم يتأكد بالتكرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن من حاضت ستة أيام ثم حاضت سبعة أيام ثم حاضت ستة أيام إن أيام حيضها ستة؛ لأن ذلك تأكد بتكرارها بخلاف السبعة حيث لم تتكرر. ومنها: إذا اشتُبِه بشخصين أن أحدهما سارق، فإذا حدث أنه كلما وُجِد أحدهما بعينه في المحلة وقعت فيها سرقة، وإذا وجد الثاني لم تقع سرقة، وتكرر ذلك أمكننا أن نحكم على الأول بأنه السارق دون الثاني، وذلك لتكرر وجود السرقة كما تكرر وجود الأول. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 18.

القاعدة الستون [بناء القوي على الضعيف]

القاعدة الستون [بناء القوي على الضعيف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بناء القوي على الضعيف فاسد (¬1). وفي لفظ: لا يجوز. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من العبادات ما هو قوي كالفرض والواجب، ومنها ما هو ضعيف كالنفل والتطوع. فما كان ضعيفاً يبنى على القوي، ولكن ما كان قويًّا فلا ينبني على الضعيف. وهذه المسألة من مسائل الخلاف بين الحنفية وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نذر أن يصلي لله ركعتين فاقتدى فيهما بمتطوع لم يجزه عن ركعتي النذر؛ لأن المنذور واجب والتطوع ليس بواجب وصلاة المقتدي بناء على صلاة إمامه وبناء القوي على الضعيف لا يجوز. ومنها: إذا قدم الإِمام المُحْدِث صبيًّا ليؤم الناس فسدت صلاته وصلاتهم؛ لأن صلاة الصبي نفل فلا يصلح خليفة للإمام في الفرض. كما لا يصلح للإمامة في هذه الصلاة أصلاً بنفسه. وعند الشافعي رحمه الله كل ذلك جائز: اقتداء المفترض بالمتنفل، والكبير بالصغير المميز في الفرض والنفل (¬2). وعند أحمد رضي الله عنه لا تصح إمامة الصبي لبالغ في الفرض وفي المتنفل روايتان (¬3)، ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 180، 182، جـ 2 ص 99، 124، وشرح الخاتمة ص 24. (¬2) روضة الطالبين جـ 1 ص 458. (¬3) المقنع جـ 1 ص 206 - 207. (¬4) نفس المصدر جـ 1 ص 209.

القاعدة الحادية والستون [البيان بالكتاب]

القاعدة الحادية والستون [البيان بالكتاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيان بالكتاب كالبيان باللسان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكتاب أحد اللسانين والكتاب ممَّن نأى كالخطاب ممن دنا. فعبارة الكتاب في بناء الأحكام عليها كعبارة الناطق بلسانه، ولكن يشترط في الكتابة أن تكون مستبينة واضحة مكتوبة على الوجه المتعارف بين الناس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كتب إنسان لآخر: بعتك داري أو سيارتي، وحد حدود الدار وذكر أوصاف السيارة وذكر الثمن الذي يريد أن يبيعها به، وعند وصول الكتاب للمشتري كتب بقبوله، تمَّ البيع بينهما كما لو كانا حاضرين. وكذلك في النكاح لكنه يشترط عند القبول وجود الشاهدين ليشهدا على قبول النكاح عند ذكر اسمها وكنيتها في الكتاب (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 18، أشباه السيوطي ص 308، أشباه ابن نجيم 339، المجلة المادة 40، شرح المجلة للأتاسي جـ 1 ص 34، 93، المدخل الفقهي الفقرة 608. (¬2) ينظر في بيان هذه القاعدة الوجيز ص 299 ط 4.

القاعدة الثانية والستون [البيان في حق المحل]

القاعدة الثانية والستون [البيان في حق المحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيان في حق المحل كالإيجاب ابتداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيان: الفصاحة واللسن، والوضوح. يقال: بأن الشيء يبين بياناً: اتضح (¬2). الإيجاب: الإلزام. مفاد القاعدة: أن بيان حكم الشيء وإيضاحه كما يكون بالنطق يكون بما يدل عليه من فعل وتصرف. فعند التصرف بما يناسب حكم المحل يكون ذلك كإيجاب الحكم ابتداء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومدلولها: من طلق إحدى امرأتيه منكَّرة ثم وطئ إحداهما فيكون ذلك دليلاً وبياناً على طلاق الأخرى. وكذلك من أعتق إحدى أمتيه منكَّرة كان الوطء دليلاً على أن الأخرى - غير الموطوءة - هي المعتقة. وهذا من باب حسن الظن بالمسلمين لأن المسلم يتورع أن يطأ امرأة طلقها أو أعتقها وهو يعلم أنه لا يحل له وطؤها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 88. (¬2) مختار الصحاح مادة (ب ي ن).

القاعدة الثالثة والستون [البيان بالدلالة]

القاعدة الثالثة والستون [البيان بالدلالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيان كما يكون بالصريح يكون بالدلالة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى سابقتها وإن كانت أوضح منها بياناً. فالصريح: ما كان منطوقاً به، وهو اللفظ الموضوع لمعناه لا يفهم منه غيره عند الإطلاق. كلفظ الطلاق والعتق والبيع في معناه. فمفاد القاعدة: أن بيان وتوضيح المقصود كما يكون بالعبارة الدالة عليه يكون أيضاً بغيرها كالإشارة والعرف والفعل وغير ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اشترى سيارة على أن له الخيار، ثم باعها من غيره، فيكون ذلك دلالة على إسقاط خياره وتقرر البيع. ومنها: من طلق إحدى زوجتيه منكَّرة ثم وطئ إحداهما فيكون ذلك دلالة على طلاق غير الموطوءة. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط عن التحرير ص 483.

القاعدة الرابعة والستون [البيان المغير]

القاعدة الرابعة والستون [البيان المغيِّر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البيان المغير للفظ صحيح، موصولاً بكلامه لا مفصولاً (¬1). وفي لفظ: البيان بمنزلة الاستثناء لا يصح مفصولاً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد بمعنى واحد وهو: إن التفسير المغير لدلالة اللفظ يعتبر صحيحاً لكن بشرط أن يكون موصولاً بالكلام لا مفصولاً عنه فهو كالاستثناء الذي يصح إذا كان متصلاً ويبطل إذا جاء منفصلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذه السيارة، ثم قال بعد ذلك بزمن: أردت بيعها. فلا يقبل منه هذا التفسير والبيان؛ لأنه لم يذكره موصولاً بكلامه، بخلاف ما لو قال: وهبتك هذه السيارة بعشرة آلاف، فيكون ذلك بيعاً؛ لأنه بيان موصول غيَّر دلالة لفظ الهبة التي هي عقد تبرع مجاني. فذكر العوض - وهو العشرة الآلاف - دليل على مراده من لفظه وهو البيع لا الهبة، فيأخذ العقد أحكام البيع. ومنها: إذا قال: اشتريت منك هذه الخراف كلها بمائة ألف غير السود منها. فيصح العقد على غير السود لذكره إياها موصولاً بلفظه، أما لو قال: اشتريت منك هذه الخراف كلها، وسكت وبعد القبول قال: إلا السود أو غير السود فلا يقبل منه؛ لأنه ذكره مفصولاً حيث يلزمه كلها بيضها وسودها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 164. (¬2) نفس المصدر جـ 28 ص 40.

القاعدة الخامسة والستون [البيان المقرر]

القاعدة الخامسة والستون [البيان المقرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيان المقرر لأول الكلام مقبول من المبيَّن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقرر: المؤكد. إذا بين المتكلم بعبارته أو دلالته ما يؤكد ويقرر ما تكلم به أولاً كان بيانه هذا مقبولاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل على آخر ألف درهم، فقال الدائن: دفعت إليَّ منها مائة بيدك، لا بل أرسلت بها مع غلامك، فهي مائة واحدة. وإذا أقر الدائن أنه قبض منه مائة درهم فقال المطلوب: وعشرة دراهم أرسلت بها إليك مع فلان، وثوب بعتكه بعشرة، فقال الطالب: قد صدقت. فقد دخل هذا في هذه المائة؛ لأن بيانه هذا تقرير لما أقر به أولاً؛ لأن قوله: قبض منه فهو قابض ما أوصله إليه رسوله وقابض بشراء الثوب أيضاً. هكذا قال السرخسي رحمه الله. ولكني أرى أن العشرة وثمن الثوب غير داخلين في المائة؛ لأن العطف بالواو يقتضي التغاير بين المائة المقبوضة أولاً، وبين العشرة المرسلة وثمن الثوب، فيكون المقبوض مائة وعشرين درهماً. ويدل على ذلك قول السرخسي بعد ذلك: وفي بعض الروايات فقال المطلوب: عشرة دراهم أرسلت بها إليك - بغير واو - وهذا أوضح لأنه في معنى التفسير للجهة فيما أقر أنه قبضه؟ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 105.

القاعدة السادسة والستون [البيان بالابتداء]

القاعدة السادسة والستون [البيان بالابتداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيان يعتبر بالابتداء إن صح الابتداء وإلا فلا (¬1). سبقت هذه القاعدة وبيانها في قواعد حرف الهمزة تحت كلمة أصل قاعدة رقم 298، الجزء الأول. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي مع تأسيس النظر ص 120.

القاعدة السابعة والستون [بيت المال]

القاعدة السابعة والستون [بيت المال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيت المال هل هو وارث أو مردٌّ للأموال الضائعة (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اختلف في حكم استحقاق بيت المال المال الذي لا مالك له كإرث مَن لم يخلف وارثاً. فهل استحقاق بيت المال لهذا المال من جهة الوراثة؟ وهل هو وارث لهذا المال حقيقة؟ أو أنه مرجع تردُّ إليه الأموال الضائعة التي لا يعرف لها مالك؟ خلاف بين الأئمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى بجميع ماله - ولا وارث له - فهل تنفذ الوصية بجميع المال للموصى له؟ إن قلنا: إن بيت المال وارث يجب رد ما زاد على الثلث، وإن قلنا: إنه مرجع ومرد للأموال الضائعة فلا. ومنها: إذا أقر بوارث - وليس له وارث معروف - فهل لبيت المال أن يخاصم؟ إن قلنا: إنه وارث خاصم، وإلا فلا. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 59.

القاعدة الثامنة والستون [بيع الأعمى]

القاعدة الثامنة والستون [بيع الأعمى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع الأعمى وشراؤه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأعمى: هو فاقد البصر خلقة أو عاهة طارئة، وحيث إن المشتري يستحق رؤية المبيع والأعمى غير قادر على ذلك فقد اختلف الشافعية في جواز بيعه وشرائه. قالوا: الأعمى لا يصح منه البيع والشراء ونحوهما ولكن له التوكيل في ذلك للضرورة. وقد سبق ذكر بعض أحكام الأعمى في حرف الهمزة تحت القاعدة رقم 517. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 182، المجموع المذهب لوحة 338 ب، أشباه ابن نجيم ص 314.

القاعدة التاسعة والستون [البيع بغير اختيار]

القاعدة التاسعة والستون [البيع بغير اختيار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع بغير اختيار من له العقد باطل (¬1). ثانياً: معنى هذة القاعدة ومدلولها: من شروط صحة عقد البيع ولزومه التراضي من المتعاقدين، فلا يصح عقد مكرهٍ بغير حق، فإذا وقع الرضا من أحدهما ولم يثبت رضا الآخر فلا يصح العقد، ولو رضي بالعقد غير من له العقد من فضولي وغيره؛ لأن في القول بصحة العقد في هذه الحال إلزام أحد المتعاقدين ما لم يلتزمه، وسواء في ذلك إذا كان البيع له أو منه، فالعقد بغير اختيار من له العقد باطل، إلا في مسائل ذكروها. ثالثاً: من أمثلة هذة القاعدة ومسائلها: إذا باع شخص من آخر داره بمبلغ سماه فلا يلزم العقد المشتري إلا إذا رضي وقبل، وإلا إذا فقد الرضا فليس للبائع إجبار المشتري على القبول، والعقد باطل. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: مَن كان عليه دين واحتيج إلى بيع ماله وامتنع المالك المدين أكرهه الحاكم على بيعه لحق الغرماء؛ لأن هذا إكراه بحق. ومنها: بيع الكافر عبده المسلم إذا امتنع عن بيعه أجبر عليه. ¬

_ (¬1) الاعناء جـ 1 ص 425.

القاعدة السبعون [الشرط في البيع]

القاعدة السبعون [الشرط في البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع بشرط باطل (¬1). وفي لفظ: الشروط الفاسدة تبطل العقود (¬2). وتأتي في حرف الشين إن شاء الله. دليل هذه القاعدة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع وشرط" (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشرط في اللغة: العلامة، واصطلاحاً: "ما يتوقف عليه الشيء وليس منه" (¬4). وهو عند الأصوليين: "ما يلزم من عدمه العلم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته" كالطهارة للصلاة. وليس كل شرط يفسد البيع ويبطله، والبيع بشرط مسألة خلافية بين الأئمة. ولعل مقصود القاعدة هو الشرط الفاسد لا كل شرط كما هو نص القاعدة الثانية، وينظر في تفصيل حكم الشروط في البيع وأنواعها: أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 270 - 273. المقنع لابن قدامة باب الشروط في البيع جـ 2 ص 26 فما بعدها. أشباه السيوطي ص 453 باب بيع وشرط. ¬

_ (¬1) الاعتناء جـ 1 ص 445. (¬2) أشباه السيوطي ص 388. (¬3) الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط كما عزاه الزيلعي في نصب الراية جـ 4 ص 17. (¬4) أنيس الفقهاء ص 84.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أشباه ابن نجيم ص 210 حيث عدد المواضع التي لا يبطل فيها البيع بالشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع بشرط قرض أو بيع آخر، فالبيع باطل بناء على هذه القاعدة.

القاعدة الحادية والسبعون [البيع الحلال]

القاعدة الحادية والسبعون [البيع الحلال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع الحلال مقابلة مال متقوم بمال متقوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المال المتقوم: هو المال الذي له قيمة، حيث أباح الشارع الانتفاع به، فالبيع يكون حلالاً وجائزاً والعقد به صحيح إذا كان مبادلة مال متقوم منتفع به بمال متقوم منتفع به كذلك. أما إذا كان المال غير متقوم - سواء في ذلك المبيع أو الثمن - فيعتبر العقد باطلاً ولا يحل لأي من المتعاقدين الانتفاع بأحد البدلين. كبيع الميتة، أو الخنزير أو الخمر بين المسلمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع سيارة بثمن معلوم مع استيفاء شروط صحة البيع فالبيع صحيح ويحل لكل واحد من المتعاقدين الانتفاع بالبدل، المشتري بالسيارة والبائع بالثمن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 109.

القاعدة الثانية والسبعون [بيع الخيار]

القاعدة الثانية والسبعون [بيع الخيار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع الخيار هل هو منحلٌّ أو منبرم (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخيار: اسم من الاختيار، وبيع الخيار: أن يقول البائع أو المشتري: على أني بالخيار ثلاثة أيام فما دونها. وهو المسمى خيار الشرط. فهل البيع المستحل على هذا الخيار يعتبر منحلاًّ فلا ينبرم - أي يتم - إلا بانتهاء المهلة أو بإسقاط الخيار، أو يكون منبرماً فينحل بالخيار؟ خلاف عند المالكية، وعند الحنابلة روايتان وأظهرهما أنه منبرم بمجرد عقد (¬2). وينبني على الخلاف مسائل لها ثمرات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع المسلم عبده الكافر من كافر على أن الخيار للبائع، ثم أسلم العبد في مدة الخيار، فهل يجوز للمسلم إمضاء البيع أو لا يجوز؟ قولان عند المالكية، إذا قلنا: إنه منبرم فيجوز إمضاؤه ويجبر الكافر على بيعه، وإذا قلنا: إنه منحل لا يجوز إمضاؤه لأنه كابتداء بيع. ومنها: إذا اشترى من يعتق عليه أو اشترى زوجته فعند الحنابلة في أظهر الروايتين أنه يعتق عليه وينفسخ نكاح زوجته؛ لأن العقد قد تم. وعلى الرواية الأخرى لا يثبت ذلك. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 79. (¬2) المقنع لابن قدامة جـ 2 ص 37 مع الحاشية.

من أحكام القاعدة عند المالكية: أنهم اتفقوا على أن ما حدث في أيام الخيار من غلة كلبن وبيض وثمرة ونحو ذلك فللبائع، كما اتفقوا على أن الضمان منه، والنفقة وصدقة الفطر عليه؛ لأن الخراج بالضمان، كما اتفقوا على أنه لا شفعة في زمن الخيار إلا بعد الإمضاء، وهذا يرجح أن العقد منحل عندهم غير منبرم. خلافاً للحنابلة.

القاعدة الثالثة والسبعون [بيع الدين بالدين]

القاعدة الثالثة والسبعون [بيع الدين بالدين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع الدين بالدين باطل (¬1). وفي لفظ: لا يصح بيع الدين بالدين قطعاً (¬2). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. ودليل هذه القاعدة "نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الكالئ بالكالئ" (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكالئ: معناه النسيئة - أي البيع لأجل، ويقابله البيع الحالُّ. والدَّين لغة: القرض (¬4)، وهو في الاصطلاح: مال في الذمة، أو هو عبارة عن مال حُكمي يحدث في الذمَّة ببيع أو استهلاك (¬5). فمفاد القاعدة عدم جواز بيع مال في الذمة بمال في الذمة دون تقابض في المجلس - إلا لمن عليه الدين - لأن الدين ليس مالا حالاًّ وإنما يصير مالاً بعد القبض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل على آخر دنانير وللآخر عليه دراهم فاشترى كل واحد ما ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 25، الاعتناء جـ 1 ص 468، أشباه ابن نجيم ص 358. (¬2) أشباه السيوطي ص 330. (¬3) الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أخرجه الدارقطني في السنن جـ 3 ص 71 - 72 في كتاب البيوع تحت الرقم 269، 270، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب البيوع جـ 2 ص 57. وقال صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي، والبيهقي في السنن جـ 5 ص 290. (¬4) المصباح المنير مادة "دان". (¬5) أشباه ابن نجيم ص 354.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

على صاحبه بما عليه جاز وتم البيع لوجود قبضهما حكماً. أما إذا كان لرجل على آخر دنانير فاشتراها من عليه بعشرة دراهم - وصار صرفاً - وتفرقا قبل قبض العشرة كان باطلاً؛ لأن شرط الصرف التقابض في المجلس قبل التفرق. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الحوالة مع أنها تمليك الدين لغير من هو عليه فهي صحيحة. ومما استثني أيضاً: قضى دين غيره ليكون له ما على المطلوب فرضي جاز؛ لأنها نوع من الحوالة.

القاعدة الرابعة والسبعون [البيع الفاسد]

القاعدة الرابعة والسبعون [البيع الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع الفاسد له حكم الصحيح في الضمان (¬1). وفي لفظ: فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه (¬2). وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. وفي لفظ: كل عقد اقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده، وما لا يقتضي صحيحه الضمان فكذلك فاسده (¬3). وتأتي في حرف الكاف إنا شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: البيع الفاسد - أي الباطل عند غير الحنفية - هو ما لم يثمر المقصود منه بفقده شرطاً من شروط صحته. فالبيع موجب للضمان، فالمشتري ضامن ثمن السلعة بالمسمى إذا كان البيع صحيحاً، وأما إذا كان البيع فاسداً فهو ضامن للسلعة بالقيمة أو بالمثل لا بالمسمى. فالصحيح والفاسد مستويان في أصل الضمان لا في المقدار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر أرضاً شهرين لزراعة الحنطة فإن شرطا القطع بعد مضي المدة جاز العقد - وكأنه كان لا يريد إلا القصيل - وإن شرطا الإبقاء فسد العقد للتناقض ولجهالة غاية الإدراك، ثم إذا فسد العقد فللمالك منعه من ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 140، المجموع المذهب لوحة 90 ب، مختصر قواعد العلائي جـ 1 ص 315. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 307، مختصر قواعد العلائي ص 315. (¬3) أشباه السيوطي ص 283.

الزراعة لكن إذا زرع لم يقلع زرعه مجاناً للإذن بل يؤخذ منه أجرة المثل لجميع المدة (¬1). ومنها: الشركة إذا فسدت كان ما عمل كل واحد من الشريكين مضموناً بأجرة المثل في مال صاحبه. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة90 أ.

القاعدة الخامسة والسبعون [بيع المجهول]

القاعدة الخامسة والسبعون [بيع المجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع في المجهول لا يصح أبداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة متفق عليها بين جميع المذاهب؛ لأن من شروط صحة العقد ولزومه - عند الجميع - معرفة المبيع والعلم به قدراً وصفة أو رؤية؛ لأنه إذا لم يجز بيع الغائب مع القدرة على وصفه وتسليمه فبطلان بيع المجهول أولى؛ لأن الجهالة مفضية للنزاع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من باع حيواناً بدون تحديد نوعه وصفته أو رؤيته كان البيع باطلاً للجهالة. ومنها: إذا قال لشخصين: بعت لأحدكما هذه السيارة، فالبيع باطل لجهالة المشتري منهما. ومنها: بيع حبل الحبلة، وهو نتاج النتاج وهذا بيع معدوم. وبيع الملاقيح وهي ما في بطون الأمهات، وبيع المضامين وهو ما في أصلاب الفحول. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 57.

القاعدة السادسة والسبعون [البيع]

القاعدة السادسة والسبعون [البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع عقد تمليك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن البيع هو عقد تمليك حيث إن كلاًّ من المتعاقدين يملِّك الآخر ما عنده، فالبائع يملِّك المشتري السلعة، والمشتري يملِّك البائع الثمن. والأصل في البيع وحله قوله سبحانه وتعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬2). وعرَّفوا البيع في اللغة: بأنه مطلق المبادلة وكذلك الشراء. وفي الشرع: هو مبادلة المال المتقوم تمليكاً وتملكاً (¬3). والبيع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تبايعا سلعة وتقابضا حلّ لكل واحد منهما ما أخذه وله حق الانتفاع بما ملك، فالبائع يملك الثمن وله حق التصرف فيه، والمشتري يملك السلعة وله حق التصرف فيها بكل وجوه التصرف المباحة. ويستثنى من ذلك إذا ظهر بطلان العقد أو فساده. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 110. (¬2) الآية من سورة البقرة رقم 275. (¬3) أنيس الفقهاء ص 200 - 201.

القاعدة السابعة والسبعون [البيع - التعليق بالشرط]

القاعدة السابعة والسبعون [البيع - التعليق بالشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع لا يحتمل التعليق بالشرط (¬1). وفي لفظ: تعليق التمليكات والتقييدات بالشرط باطل (¬2). وتأتي في حرف التاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعليق: معناه ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى (¬3). فمفاد القاعدتين أن البيع إذا علق بشرط معدوم على خطر الوجود أن هذا البيع باطل. والقاعدة الثانية أعم حيث عممت بطلان التعليق على التمليكات وهي أعم من البيع، والتقييدات أيضاً. وسيأتي بيان ذلك عند ذكر الثانية إن شاء الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذا الشيء إذا رهنتني دابتك، أو إن جاء فلان من سفره، فهذا العقد لا يتم وهو باطل. ومنها: إذا اشترى الرجل من الرجل ألف درهم بمائة دينار واشترط الخيار فيه يوماً، فإن بطل الخيار قبل أن يتفرقا جاز البيع - الصرف - وإن تفرقا قبل إبطال الخيار - وقد تقابضا - فالبيع فاسد؛ لأنهما تفرقا قبل تمام ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 23، جـ 21 ص 121. (¬2) الاعتناء جـ 1 ص 468، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 272 - 273، أشباه ابن نجيم ص 367. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 367.

رابعا: من مستثنيات هذه القاعدة

العقد؛ لأن الخيار يدخل على حكم العقد فيجعله متعلقاً بالشرط، والحكم المتعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط. رابعاً: من مستثنيات هذه القاعدة: إذا قال: بعتك هذا الشيء إذا رضي أبي فالبيع صحيح موقوف على رضا الأب.

القاعدة الثامنة والسبعون [بيع ما لا يرى]

القاعدة الثامنة والسبعون [بيع ما لا يُرى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع ما لا يراه المتعاقدان باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في لزوم البيع رؤية المبيع والعلم بالثمن، فإذا كان المبيع غائباً لا يراه المتعاقدان فالبيع باطل - بناء على هذه القاعدة - وبناء عليها أيضاً منع الشافعية بيع الأعمى وشراءه. ولكن - عند غير الشافعية - إذا وُصِف المبيع الغائب جاز البيع بالصفة وللمشتري حق فسخ العقد إذا ظهر المبيع مخالفاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع سيارة غير حاضرة ولم يذكر من أوصافها ما يُعَرِّفها فالبيع باطل. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: بيع النحل في الخلية. ومنها: جواز عقد السلم بذكر أوصاف المُسْلَم فيه. ¬

_ (¬1) الاعتناء جـ 1 ص 440، المقنع جـ 2 ص 11.

القاعدة التاسعة والسبعون [بيع ما ليس عند الإنسان]

القاعدة التاسعة والسبعون [بيع ما ليس عند الإنسان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع ما ليس عند الإنسان لا يجوز (¬1). دليل هذه القاعدة حديث حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي، أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق؟ فقال: "لا تبع ما ليس عندك" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للإنسان أن يبيع ما يملكه وما هو عنده مما يملكه، وأما أن يبيع ما لا يملكه وما ليس عنده فإنه بيع باطل لا يصح، إلا ما استثني. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زكى مال مورثه على ظن موته وأنه ملك له، فظهر موته، لم يحسب ذلك؛ لأن الأصل عدم الإرث، ولعل السبب في عدم الصحة أن إخراج الزكاة يشترط فيها تحقق الملك، والملك هنا غير متحقق وغير متيقن، بخلاف مسألة البيع على الأظهر. ومنها: بطلان بيع الفضولي على الجديد عند الشافعي رضي الله عنه؛ لأن الفضولي باع مال غيره. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: بيع السلم للنص عليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 20 ص 164، جـ 21 ص 12، 94، الاعتناء جـ 1 ص 415، المقنع جـ 2 ص 7. (¬2) الحديث رواه الخمسة وأخرجه ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حسن صحيح. منتقى الأخبار حديث 2808.

القاعدة الثمانون [بيع سبب المعصية]

القاعدة الثمانون [بيع سبب المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع ما يحتمل أن يكون سبباً للمعصية وغيرها ممن يتخذه سبباً لها يجوز (¬1). عند أبي حنيفة رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أنه إذا صدر العقد من مالك ومشتر جائزي التصرف صح العقد وثبت للعاقدين الخيار، وأنه لا يأثم البائع بسبب العقد وإن كان يحتمل أن يكون المبيع سبباً للمعصية ممن يتخذه سبباً لها. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لصاحبيه وللمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). وحجة أبي حنيفة في ذلك: أنه لما كان المبيع محتملاً للطاعة والمعصية أو الإباحة فتخصيص المعصية ترجيح بلا مرجح سوى سوء الظن وسوء الظن لا يصلح معيِّناً، ونحن أمرنا بحسن الظن بأهل القبلة. ولكن التنزه عن ذلك أولى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع العنب لمن يحتمل أن يتخذه خمراً جائز عند أبي حنيفة باطل عند غيره. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 132. (¬2) الكافي جـ 2 ص 677. (¬3) الاعتناء جـ 1 ص 461. (¬4) المقنع جـ 2 ص 20.

وعند الشافعية هو مكروه مع التوهم، وأما عند التحقق فوجهان أصحهما التحريم. ومنها: بيع السلاح لمن يتحقق إثمه به كقاطع طريق وقاتل نفس، فحرام ومع التوهم مكروه (¬1). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 3 ص 80.

القاعدة الحادية والثمانون [بيع الحقوق]

القاعدة الحادية والثمانون [بيع الحقوق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: بيع مجرد الحق باطل (¬1). وفي لفظ: بيع الحقوق لا يجوز بالانفراد (¬2). وفي لفظ: الحقوق المجردة لا يجوز الاعتياض عنها (¬3). وتأتي في حرف الحاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحق: غير العين، وفي اللغة: هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، من حق الشيء إذا ثبت. فالعين أصل في البيع والحقوق تابعة للأعيان، فبيع الحقوق وحدها دون أصولها لا يجوز وهو بيع باطل. والمراد هنا أن الحقوق المجردة عن الأعيان التي لا يجوز الاعتياض عنها: أي لا تقابل بمال بدلاً منها وعوضاً عنها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حق الشرب - أي النصيب من الماء - بدون الأرض، وحق الطريق - أي المرور فيها - وحق التعلِّي - أي البناء الأعلى - وحق المسيل للماء، كل ذلك لا يجوز بيعه منفرداً؛ لأنها توابع، ولكون بعضها ليس بمال أصلاً وبعضها مجهول. أما إذا بيع حق الشرب وحق الطريق والمسيل تبعاً للأرض فيجوز. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 180. (¬2) شرح الخاتمة ص 25. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 212.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: حق الشفعة - فلو صالح عنه بمال - بطلت شفعته (¬1) ورجع بالمال أي رده على صاحبه لعدم حِلِّه له. ومنها: لو صالح المخيَّرة بمال لتختاره بطل الصلح وبطل خيارها ولا شيء لها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا تزوج رجل امرأة على شِرب بغير أرض فالنكاح جائز، وليس لها من الشرب شيء؛ لأن الشرب بدون الأرض لا يحتمل التمليك بعقد المعاوضة؛ ولأنه ليس بمال متقوم، ثم هو مجهول جهالة فاحشة فلا يصح تسميته. ولكن بطلان التسمية لا يمنع جواز النكاح فيكون لها مهر مثلها إن دخل بها، والمتعة إن طلقها قبل الدخول كأنه لم يسم لها مهراً (¬2). ومما استثني وجاز الاعتياض عنه: حق القصاص حيث يعتاض عنه بالدية. وحق الرق حيث يعتاض عنه ببدل الكتابة. وملك النكاح بالمهر. ¬

_ (¬1) ينظر الكافي لابن عبد البر جـ 2 ص 853. (¬2) المبسوط جـ 23 ص 184.

القاعدة الثانية والثمانون [البيع المجمع على فساده]

القاعدة الثانية والثمانون [البيع المجمع على فساده] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع المجمع على فساده هل ينقل شبهة الملك لقصد المتبايعين أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالبيع الفاسد هنا عين الباطل، والبيع الباطل لا يثبت ملكاً للعاقدين في البدلين ولا يحل لأحدهما الانتفاع؛ لأن البيع الفاسد لا ينقل الملك، وما دام لا ينقل الملك فكل تصرف بناء عليه يعتبر باطلاً، ولكن إن قبض المشتري المبيع وتغير بيده أو فات بهلاك أو عتق فعليه ضمانه بالقيمة لا بالثمن المتفق عليه أو بالمثل إن كان مثليًّا، ففي هذه الحال ينتقل الملك للمشتري بالقبض والتغيير أو الفوات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع داره بيعاً فاسداً ثم وهبها لغير المشتري قبل التغير فإن الهبة صحيحة؛ لأن البيع الفاسد لا ينقل الملك، وهو مفسوخ بين المتعاقدين قبل الفوات، فإن فات المبيع بأن استهلكه المشتري أو أتلفه أو باعه أو أعتقه - إن كان عبداً - فهو مضمون بالقيمة يوم القبض. قال في الكافي (¬2): والحكم في البيوع الفاسدة أن يفسخ ما لم يفت عند المشتري، وتُردّ السلعة إلى ربها والثمن إلى المشتري. فإن فاتت عند ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 94. (¬2) الكافي جـ 2 ص 724.

المشتري بعد قبضه لها رد قيمة ذلك الشيء بالغاً ما بلغ كان أكثر من الثمن أو أقل، إلا إذا كان البيع مكيلاً أو موزوناً غير مأكول ولا مشروب رد مكيلته أو وزنه في صفته وحالته.

القاعدة الثالثة والثمانون [بيع المرابحة]

القاعدة الثالثة والثمانون [بيع المرابحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع المرابحة مبني على الاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: بيع المرابحة: هو البيع بما اشترى وبزيادة ربح معلوم عليه (¬2). أو هو: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح (¬3). أو هو: عقد يبنى الثمن فيه على ثمن المبيع الأول مع زيادة (¬4). ولما كان بيع المرابحة مبنيًّا على الأمانة فالاحتياط فيه واجب وعلى البائع الصدق في الإخبار عما اشترى به وعما قام عليه إن باع بلفظ القيام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى رجل على آخر ألف درهم فأنكرها المدعى عليه ثم صالحه على أن باعه بها سيارة، فهو جائز، ويجوز أن يبيع المدعي السيارة مرابحة؛ لأن هذا إقرار من المدعى عليه بالدين. أما إذا قال: صالحتك من دينك على أن لك هذا العبد وقبضه المدعي لم يكن له أن يبيعه مرابحة على الدين؛ لأن مبنى الصلح على الإغماض والتجوز بدون الحق فيتمكن فيه شبهة الحط. والشبهة فيما هو مبني على الاحتياط تعمل عمل الحقيقة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 37، روضة الطالبين جـ 3 ص 194. (¬2) طلبة الطلبة ص 231. (¬3) أنيس الفقهاء ص 211. (¬4) روضة الطالبين جـ 3 ص 185 - 186.

القاعدة الرابعة والثمانون [بيع المعدوم]

القاعدة الرابعة والثمانون [بيع المعدوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بيع المعدوم باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمعدوم هنا: الهالك أو المستهلك وهو غير الموجود. فبيع الهالك وغير الموجود حقيقة بيع باطل، لا يترتب عليه شيء؛ لأن الشرط في المبيع إمكان تسليمه وقبضه، والمعدوم لا يمكن فيه ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع ما ستحمله هذه الفرس في المستقبل، فالبيع باطل؛ لأن المعقود عليه معدوم حين العقد. ومنها: بيع الثمرة والزرع قبل ظهوره؛ لأنه معدوم. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: ما يستجره الإنسان من البقال إذا حاسب على أثمانها بعد استهلاكها، فإنها جائزة استحساناً لتعامل الناس بها للضرورة والحاجة، وعدم التنازع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 129، بدائع الصنائع جـ 4 ص 138، المقنع جـ 2 ص 10، الاعتناء جـ 1 ص 425، روضة الطالبين جـ 3 ص 19.

القاعدة الخامسة والثمانون [البيع الموقوف]

القاعدة الخامسة والثمانون [البيع الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع الموقوف إذا تمَّ أوجب الملك للمشتري من وقت العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيع الموقوف - عند الحنفية - بيع يفيد الملك على سبيل التوقف ولا يفيد تمامه لتعلق حق الغير به. وهو عقد الفضولي، وحكمه الجواز عند الحنفية والمالكية، ورواية عند أحمد، والقول القديم للشافعي، والجديد هو باطل. فإذا باع فضولي مال آخر ثم أجازه المالك فإن العقد يوجب الملك للمشتري من وقت العقد لا وقت الإجازة، ويترتب على ذلك أن زوائد المبيع في المدة بين العقد والإجازة تكون للمشتري؛ لأنها زوائد ملكه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد فضولي عقد امرأة على رجل غائب فلما علم الرجل أجاز العقد، فالعقد صحيح عند الحنفية والمالكية خلافاً للشافعي والراجح عند أحمد (¬2). ومنها: باع شخص ملك غير بغير إذنه فلما علم أجازه صح البيع ولزم المشتري (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 65. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 23. (¬3) جواهر الإكليل جـ 2 ص 5.

القاعدة السادسة والثمانون [البيع الموقوف]

القاعدة السادسة والثمانون [البيع الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع الموقوف لا يوجب الملك ولا تنفذ تصرفات المشتري فيه قبل إجازة المالك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لما كان عقد الفضولي موقوفاً على إجازة المالك فهو لا يوجب الملك للمشتري ولا تنفذ تصرفاته في المبيع قبل إجازة المالك؛ لأن إيجاب الملك ونفاذ التصرفات مبني على رضا المالك بالعقد، ولا يظهر ذلك إلا بالإجازة والموافقة على العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي سيارة شخص لآخر فلا يجوز للمشتري أن يستعمل السيارة ولا ينقلها من مكانها إلا بعد إجازة المالك، وإلا كان غاصباً، وإذا سلمها له الفضولي كان ذلك التصرف غصباً ويأخذ أحكام الغصب لا أحكام البيع الموقوف؛ لأن العقد الموقوف تصرف قولي فقط، فإذا صاحب ذلك تصرف فعلي خرج عن حيز العقد الموقوف إلى حيز الغصب فتلزمه أحكامه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1367.

القاعدة السابعة والثمانون [البيع]

القاعدة السابعة والثمانون [البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع هل هو العقد فقط أم العقد والتقابض عن تعاوض (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد هو ارتباط الإيجاب بالقبول فهل يكفي ذلك في إتمام عقد البيع؟ أو لا بد من التقابض أيضاً؟ أي أن يقبض كل من البائع والمشتري البدل فيقبض البائع الثمن والمشتري المبيع؟ أو لعل المقصود هو قبض المبيع لأن الثمن يجوز تأجيله بخلاف العين فلا تقبل التأجيل. هل يترتب على هذا الخلاف ثمرة؟ عند المالكية نعم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع الإيجاب والقبول وهلك المبيع، فإذا قلنا: إن البيع التعاقد فالمبيع يهلك من ضمان المشتري، وإن قلنا: العقد مع التقابض مع تعاوض فيهلك من ضمان البائع. وأما عند غير المالكية فإن المبيع قبل قبضه من ضمان البائع سواء كان مكيلاً أم غير مكيل إلا إذا طلب البائع من المشتري أن يتسلمه فأبى استلامه فهلك فهو من ضمان المشتري (¬2)، وكذلك إذا أتلفه المشتري قبل تسلمه؛ لأن ذلك كالقبض. ويمكن أن تقوم التخلية مع التمييز مقام القبض فتعتبر تسليماً (¬3). ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك ق 87. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 2 ص 60 - 63. (¬3) روضة الطالبين جـ 3 ص 175 فما بعدها.

القاعدة الثامنة والثمانون [البيع المشروط]

القاعدة الثامنة والثمانون [البيع المشروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البيع يوجب الاستحقاق فيما شرط في البيع لا فيما لم يشرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يستحقه المتبايعان بعقد البيع هو ما اشترطاه في العقد دون ما لم يشترطاه؛ لأن الشرط أملك عليك أم لك. ولأن المطالبة باستحقاق غير المشروط زيادة لم يلتزمها من لم يشترطها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى بقرة ثم أراد إرجاعها وردها وفسخ العقد لكونها غير حلوب. فلا يقبل منه ذلك؛ لأنه لم يشترط الحلب على البائع عند شراء البقرة فلا يستحقه. ومنها: اشترى سيارة ثم أراد إرجاعها للبائع لأنها حمراء وهو يريدها بيضاء فهذا أيضاً لا حق له في طلب الفسخ؛ لأن هذه الشرط غير مشترط في عقد البيع. ومنها: اشترى بضاعة ثم طلب من البائع إيصالها إلى منزله فللبائع الرفض؛ لأن المشتري لم يشترط عليه إيصالها إلا إذا كان العرف يقتضي ذلك فهو كالمشروط. كالأشياء الثقيلة فإن العرف جرى بأن على البائع إيصالها وحمولتها لمحل المشتري. مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: فيما إذا وجد شرط مما يقتضيه العقد وتفوت المنفعة بفوته، كما إذا ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط المستخلصة ص 383.

اشترى أرضاً ليبني عليها بيتاً ولم يشترط في العقد حقوقها ومرافقها، فالحقوق والمرافق داخلة ومستحقة وإن لم يشترطها؛ لأنه لا ينتفع بالأرض إلا بها.

القاعدة التاسعة والثمانون [البينات المتعارضة]

القاعدة التاسعة والثمانون [البينات المتعارضة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البينتان إذا تعارضتا وإحداهما تبطل الأخرى قدمت التي تبطل على الأخرى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البينة المراد بها هنا شهود الدعوى. فإذا تعارضت شهادتان وإحدى هاتين الشهادتين تبطل الأخرى لأنها أقوى منها، فيجب تقديم المبطلة على الأخرى؛ لأن الضعيف يسقط بالقوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهد شاهدان أن عقد البيع الذي عقده البائعان عقد صحيح، وشهد آخران بأنه عقد فاسد، فتقدم الشهادة بالصحة على الشهادة بالبطلان؛ لأن الأصل في العقود الصحة لا البطلان. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 91.

القاعدة التسعون [البينات]

القاعدة التسعون [البينات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البينتان حجج فعند إمكان العمل يجب العمل بهما وإلا يرجح (¬1). وفي لفظ: البينات حجج مهما أمكن العمل بها لا يجوز ابطال شيء منها (¬2). وفي لفظ: البينات حجج فيجب العمل بها بحسب الإمكان (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: البينات: جمع بينة. وهي أدلة وبراهين على صدق المدعي في دعواه فيجب العمل بها ما أمكن ذلك ولا يجوز إبطال شيء منها - وإن كان ظاهره التعارض أو التناقض؛ لأنه إذا لم يعمل بالبينات خالفنا شرع الله وضاعت الحقوق؛ (لأنه لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءَهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (¬4). ولكن إذا لم يمكن إجراء البينة ولا الترجيح بين المتعارض منها فتبطل حينئذ. وهذا مذهب الحنفية تمثله هذه القواعد في هذه المسألة. ولكن عند مالك رحمه الله: إذا تعارضت البينتان يقضى بأعدلهما، وعند الأوزاعي: يقضى لأكثرهما عدداً، وعند الشافعي في أحد قوليه تتهاتر البينتان وتبطلان، وفي قول أحمد يقرع بينهما (¬5). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 66. (¬2) المبسوط جـ 12 ص 155. (¬3) المبسوط جـ 17 ص 42 وجـ 18 ص 159. (¬4) الحديث: البيهقي جـ 10 ص 427 رقم 21201 عن ابن عباس، وروي الحديث بألفاظ أخرى. (¬5) المبسوط جـ 17 ص 41.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تنازع شخصان عيناً أو حقًّا كأرض أو شرب أو مسيل ماء أو ممر وغير ذلك وأقام كل منهما البينة على مدَّعاه، قضي بينهما بالحق أو العين مناصفة؛ لإمكان الاشتراك في العين أو الحق. ومنها: إذا ادعى كل واحد منهما الوصية بالثلث وأقام البينة على دعواه ولم يمكن الترجيح بينهما فهما يقتسمان الثلث بينهما نصفين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا ادعى كل واحد من شخصين نكاح امرأة معينة وأقام بينة على دعواه ولم يمكن الترجيح قضي ببطلان البينتين؛ لأن ملك النكاح لا يحتمل الاشتراك.

القاعدة الحادية والتسعون [البينة - استصحاب الحال]

القاعدة الحادية والتسعون [البينة - استصحاب الحال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البينة أقوى من استصحاب الحال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق ذكر معنى البينة، وأما استصحاب الحال، فهو إبقاء ما كان على ما كان عليه لانعدام المغير. أو هو الحكم الذي يثبت في الزمان الثاني بناء على الزمان الأول. فالاستصحاب بناء حكم على ما كان سابقاً لعدم وجود الدليل المزيل، فإذا شهدت البينة بخلافه كان ذلك دليلاً على التغيير؛ لأن البينة صريح والاستصحاب دلالة، والصريح أقوى من الدلالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأصل براءة الذمة من حقوق الآخرين، فإذا شهدت البينة على أن هذا الشخص يطالب هذا الرجل بدين في ذمته فذلك دليل على انشغال ذمة المطالب بالدين، ولا يقبل قول المدعى عليه بأنه بريء الذمة وقد قامت البينة على شغلها. ومنها: إذا قامت البينة على أن هذا الشخص قد طلق زوجته أو خالعها لا يقبل قوله إنه زوجها بمجرد إبرازه وثيقة الزواج التي تثبت ذلك، إذا كان تاريخ الوثيقة متقدماً على دعوى الطلاق أو الخلع. إلا إذا ثبت أنه راجعها إذا كان الطلاق رجعيًّا، أو جدد العقد عليها إذا كان بائناً أو خلعاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 146.

القاعدة الثانية والتسعون [البينة]

القاعدة الثانية والتسعون [البينة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البينة حجة في حق الكل (¬1). وفي لفظ: البينة حجة متعدية إلى الناس كافة (¬2). وفي لفظ: في حق الناس كافة (¬3) وفي لفظ: البينة حجة شرعية (¬4). وفي لفظ: البينة أقوى من الإقرار؛ لأنها حجة في حق الكل والإقرار ليس بحجة في حق الغير (¬5). وفي لفظ: البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة (¬6). ثانياً: معنى هذه القواعد مدلولها: المراد بتعدية البينة: أنها تعدي الحكم إلى غير المقضي عليه ممن له علاقة بالقضية وتجمعهم وحدة السبب الموجب. والمراد بقصور الإقرار: أنه لا يلزم إلا المقر خاصة - كما سبق بيانه في قواعد الإقرار في حرف الهمزة - لأن المقر لا ولاية له إلا على نفسه. فمدلول هذه القواعد أن البينة باعتبارها حجة شرعية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. وأنها أقوى من الإقرار فإن حكمها يشمل كل من له علاقة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 83. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 8. (¬3) القواعد والضوابط ص 483. (¬4) المصدر السابق ونفس الصفحة. (¬5) المبسوط جـ 11 ص 17. (¬6) المبسوط جـ 11 ص 54، المجلة المادة 78، المدخل الفقهي الفقرة 684.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

بالقضية ولا يقتصر حكمها على المقضي عليه بخلاف الإقرار فإن حكمه لا يتعدى المقر إلا استثناءً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر إنسان بدين لآخر عليه وعلى رجل آخر فإن إقراره على نفسه مقبول بالدين كله ولا يلزم الآخر بشيء إلا إذا أقر أو قامت بينة، ولكن إذا شهدت البينة أن فلاناً قد أقرض فلاناً وفلاناً مالاً فيُلزم الإثنان بأداء الدين. ومنها: إذا أقر أنه اشترك مع آخرين في قتل شخص أو سرقة مال فإنه يؤخذ بإقراره ولا يلزم الإقرار الآخرين إلا إذا أقروا أو قامت بينة على مشاركتهم. ومنها: إذا أقر أنه زنا بفلانة، فيؤخذ بإقراره ويقام عليه الحد، ولا يقام الحد على من ادعى الزنا بها إلا إذا أقرت أو قامت بينة، أما إذا قالا البينة على زنا الاثنين فيقام عليهما الحد معاً، وإذا لم تعترف المرأة المتهمة بالزنا فلها الحق في دعوى القذف على المقر. فيقام عليه حدان حد الزنا بإقراره وحد القذف بدعواها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: إذا أقرت امرأة بدين وأبت السداد والوفاء تحبس، وإن أصاب الضرر زوجها وبيتها. وهنا تعدى أثر الإقرار المقر ضرورة.

القاعدة الثالثة والتسعون [بينة ذي اليد]

القاعدة الثالثة والتسعون [بينة ذي اليد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بينة ذي اليد في الملك المطلق لا تعارض بينة الخارج (¬1). وفي لفظ: البينة لا يعارضها اليد ولا قول ذي اليد (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ذو اليد: هو الشخص الذي يكون الشيء المتنازع عليه تحت يده وتصرفه، وذو اليد هو صاحب اليد المتصرف فيما تحت يده وإن كان غير مالك له. والخارج: هو الشخص الذي لا يكون الشيء المتنازع عليه تحت يده وتصرفه. فإذا أقام اثنان بينتين أحدهما ذو يد والآخر خارج فإن بينة ذي اليد لا تعارض بينة الخارج في الملك المطلق؛ لأن بينة الخارج أقوى فهي المقدمة والمقبولة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخذ رجل جملاً نادًّا - أي شارداً - فادعاه رجل شهد شاهدان عنده بملكيته له فدفعه إليه بغير حكم. ثم أقام آخر البينة عند القاضي أن الجمل له، فإن القاضي يقضي بالجمل لهذا الأخير؛ لأن البينة الأولى أقامها صاحبها في غير مجلس الحكم فلا تعارض البينة التي قامت في مجلس الحكم؛ لأن وجوب الحكم يختص ببينة تقوم في مجلس القضاء، ثم لو أعاد الأول بينته لم تقبل لأن اليد في الجمل له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 27. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 80.

وعلى ذلك إذا أقام الاثنان بينتين في مجلس الحكم فإن القاضي يقضي لأقوى البينتين أو يحكم بمشاركتهما في الشيء المتنازع عليه كما سبق في قاعدة سابقة.

القاعدة الرابعة والتسعون [البينة]

القاعدة الرابعة والتسعون [البينة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البينة العادلة أحق بالعمل بها من اليمين الفاجرة (¬1). وأصل هذه القاعدة قول عمر رضي الله عنه: اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البينة العادلة: هي البينة الصادقة المشهود لها بالعدالة والصدق والورع والتقوى. فهي أولى وأحق بالعمل من اليمين الفاجرة الكاذبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص حصاناً أو عبداً مأسوراً من العدو وأخرجه إلى دار الإِسلام، ثم حضر صاحب الحصان أو مولى العبد وأراد أخذ الحصان أو العبد فلا يأخذه إلا بالثمن الذي دفعه المشتري مثليًّا كان أو قيميًّا، فإذا اختلفا في المدفوع فالقول قول الذي جاء به من العدو بيمينه؛ لأنه أعرف بقيمته وبما دفع، وعلى المولى البينة، فإذا أقام المولى البينة بشاهدين مسلمين أو ذميين - إذا كان المشتري ذميًّا - فتقبل بينة الولي؛ لأنه أثبت دعواه بما هو حجة على خصمه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1317. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 84.

القاعدة الخامسة والتسعون [اليمين - البينة]

القاعدة الخامسة والتسعون [اليمين - البينة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (¬1). وفي لفظ: واليمين على من أنكر (¬2). ثانياً: تخريج الحديث وبيان معناه: هذا الحديث جزء من حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه مسلم والبخاري رحمهما الله تعالى، ولفظ الحديث عند مسلم في كتاب القضاء باب اليمين على المدعى عليه، (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه). وعند البخاري في كتاب تفسير القرآن، كما أخرج الجزء الأخير وهو (اليمين على المدعى عليه) البخاري في كتاب الرهن من صحيحه, وكذلك مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه في سننه. ومعنى الحديث: إنه لما كان جانب المنكر أقوى لتمسكه بالظاهر وهو النفي والأصل براءة الذمة وفراغها عما ادعي به عليه جعل اليمين بجانبه؛ لأن إقامة البينة على النفي مستحيلة، ولما كان المدعي متمسكاً بخلاف الأصل وخلاف الظاهر ويريد إثبات غير الثابت جعلت البينة في جانبه لأنها حجة قوية، ولأن الشاهد العدل لا يجلب لنفسه بهذه الشهادة خيراً ولا يدفع عنها ضرًّا ولكن ليعتضد جانب المدعي بهذه الحجة القوية. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 912، المبسوط جـ 17 ص 28، أشباه السيوطي ص 509، المجلة المادة 76. (¬2) المبسوط جـ 30 ص 132.

القاعدة السادسة والتسعون [البينة على المقر]

القاعدة السادسة والتسعون [البينة على المقر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البينة على المقر باطلة؛ لأن الإقرار هو الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يثبت به الحق درجات أعلاها: الإقرار. وهو الأصل في الإثبات، ثم البينة عند الإنكار، ثم النكول عن اليمين. وأما اليمين فهي للنفي لا للإثبات. فإذا أقر إنسان بحق أو تصرف وأقام خصمه البينة عليه بذلك فإن هذه البينة باطلة وغير معتبرة ولا يجوز للقاضي أو الحاكم قبولها؛ لأن الحق ثبت بإقرار المدعى عليه الذي هو أعلى من البينة؛ لأن البينة مع قوتها تحتمل أن تكون كاذبة، وأما الإقرار فاحتمال الكذب فيه معدوم؛ لأن الإنسان لا يقر على نفسه كاذباً فيما فيه ضرر عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى شخص ديناً على تركة ميت فأقر بذلك أحد الورثة، فإن الدين يؤخذ من نصيب المُقرّ، حتى لو أقام المدعي البينة على دعواه فيكون ما يأخذه من نصيب المقر بالإقرار لا بالبينة، وإنما يؤخذ بالبينة من نصيب غير المقر. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 483.

القاعدة السابعة والتسعون [البينة لإبطال القضاء]

القاعدة السابعة والتسعون [البينة لإبطال القضاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البينة لإبطال القضاء لا تقبل (¬1). وفي لفظ: بينة المقضي عليه على إبطال القضاء لا تكون مقبولة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: البينة لإثبات ما لم يكن ثابتاً، فإذا قضى القاضي بالبينة وحكم بها فالقضاء لازم، وما ثبت بالبينة المقضي بها يكون برهاناً صريحاً على عدم صحة ما يتمسك به المدعى عليه، فإذا أقام المدعى عليه وهو المقضي عليه بينة لإبطال ما قضي به عليه فإن هذه البينة غير مقبولة ولا يلتفت إليها؛ لأن القضية إذا حكم بها على الوجه الشرعي لا تنقض إلا بسبب جديد، وكذلك لو أقام غير المقضي عليه بينة أخرى لإبطال الحكم السابق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قضى القاضي بالبينة باستحقاق المدعي ما ادعاه فلا تقبل دعوى خصمه بخلاف ذلك، كما إذا شهدت البينة أن فلاناً باع داره من فلان يوم كذا، أو أعتق عبده سالماً وحكم القاضي بجواز البيع وصحته وعتق العبد، ثم شهد آخران أنه باعها من شخص آخر يوم كذا - لتاريخ آخر - أو أعتق عبده سليماً - لا سالماً - فإن البينة الثانية لا تقبل؛ لأن البينة الأولى ترجح صدقها بالقضاء فتعين معنى الكذب في الثانية؛ ولأنه إذا قبلت البينة الثانية وأبطل القضاء بالبينة الأولى لا يمكن أن تستقر الأحكام أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 102. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 185.

يطمئن الناس للقضاء؛ لأن النقض بالثانية لا يمنع النقض بأخرى فيتسلسل الأمر. ومنها: إذا شهدوا أن ما في يد ذي اليد هو مال بينهما أو من شركتهما وحكم الحاكم بهذه البينة، ثم ادعى ذو اليد أن بعض ما في يده ميراث، وأقام البينة على ذلك، فإن هذه البينة لا تقبل لتضمنها إبطال حكم الحاكم.

القاعدة الثامنة والتسعون [البينة]

القاعدة الثامنة والتسعون [البينة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: البينة لا تكون حجة إلا على خصم جاحد (¬1). وفي لفظ: البينة في حقوق العباد إنما تسمع عند الدعوى والإنكار من الخصم (¬2). وفي لفظ: البينة لا تصير حجة إلا بالقضاء (2). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: مفاد هذه القواعد أن البينة إنما تعتبر وتلزم وتسمع وتكون حجة وبرهاناً بأمرين: الأول عند القضاة والحكام أي في مجلس القضاء عند الدعوة. الأمر الثاني: أنها لا تسمع إلا إذا جحد المدَّعى عليه وأنكر ما يدَّعي به عليه. وبدون توفر هذين الشرطين لا تقبل البينة وذلك في حقوق العباد. وأما في حقوق الله تعالى فتقبل الدعوى والبينة حسبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادَّعى شخص على آخر مالاً وأقام بينة على ذلك خارج مجلس القضاء فهذه البينة غير مقبولة ولا ملزمة. ومنها: إذا ادّعى إنسان على مفقود صكًّا من دين أو وديعة أو شركة أو غير ذلك لم يلتفت إلى دعواه ولم تقبل منه البينة، ولم يكن وكيل المفقود أو أحد ورثته خصماً له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 43. (¬2) القواعد والضوابط ص 483.

ومنها: إذا ادعى شخص على غائب مالاً وأقام البينة فلا تقبل دعواه ولا بينته لعدم وجود الخصم الجاحد. وكذلك إذا كان المدعى عليه حاضراً وأقر بالمدعى فلا تقبل بينة المدعي؛ لأنه أمام خصم مقر لا جاحد.

القاعدة التاسعة والتسعون [البينة واليمين]

القاعدة التاسعة والتسعون [البينة واليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: البينة لمن يثبت الزيادة (¬1) "واليمين على من ينفيها". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن البينات للإثبات - كما سيأتي في قاعدة لاحقة - لا للنفي فكل مَن أراد أن يثبت ما يدعيه على خصمه قبلت بينته، وكذلك من أراد أن يثبت زيادة على ما يدعيه خصمه قبلت بينته، ويكون القول قول من ينكر الزيادة أو يريد نفي الدعوى مع يمينه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف المؤجر والمستأجر في اشتراط نوع العمل في العين المؤجرة - كما لو اشترط المستأجر أن يعمل فيها حداداً أو طحاناً - وأنكر المؤجر الشرط فإن البينة هنا بينة المستأجر لأنها تثبت الزيادة. والقول مع اليمين للمؤجر لأنه ينفي الاشتراط، إذا لم يأت المستأجر ببينة (¬2). ¬

_ (¬1) رد المحتار على الدر المختار جـ 5 ص 18. (¬2) نفس المصدر والجزء والصفحة بتصرف.

القاعدة تمام المائة [بينة المناقض]

القاعدة تمام المائة [بينة المناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: بينة المناقض في الدعوى لا تكون مقبولة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المناقض: الهادم لما سبق، من النقض وهو الهدم والنكث والتغيير والحل. فمفاد القاعدة: أن المغير لأول كلامه لا تكون بينته مقبولة وإن أقامها لتكذيب نفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: هذه السيارة هي لك. فقال: ليست هي لي. ثم قال: بلى هي لي. لم تكن له؛ لأن الإقرار قد بطل بالتكذيب ولم يوجد إقرار آخر، فكذلك لو أقام البينة عليه لم تقبل بينته؛ لأن شرط قبول البينة دعوى صحيحة، ولكنه بعد ما قال: هي ليست لي، لا تصح دعواه أنها له، لكونه مناقضاً فلا تقبل بينته عليها. إلا إذا صدقه المقر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 123.

القاعدة الواحدة بعد المائة [بينة النفي]

القاعدة الواحدة بعد المائة [بينة النفي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: بينة النفي غير مقبولة (¬1). وفي لفظ: البينات للإثبات دون النفي (¬2). وفي لفظ: البينات تترجح بالإثبات (¬3) أو بزيادة الإثبات (¬4). وفي لفظ: الشهادة على النفي لا تكون مقبولة (¬5). وتأتي في حرف الشين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق في قواعد متقدمة أن البينات إنما تكون لإثبات ما لم يكن ثابتاً، ولذلك فهي إلى جانب المدعي لضعف موقفه، وإن اليمين إنما تكون للنفي فهي إلى جانب المدعى عليه لقوة موقفه، وقد سبق بيان ذلك والحديث السابق دليل على ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تعارضت بينة رب الدابة وبينة الغاصب في نفوق الدابة - أي هلاكها - فالبينة بينة رب الدابة لأنها لإثبات الضمان على الغاصب، وأما الغاصب فعليه اليمين - إذا لم تكن بينة لرب الدابة - لأنه ينفي عن نفسه سبب ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 222. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 81، 146، جـ 13 ص 36، جـ 21 ص 133، جـ 16 ص 56، جـ 30 ص 152. (¬3) المبسوط جـ 12 ص 171. (¬4) المبسوط جـ 17 ص 69، القواعد والضوابط ص 483. (¬5) المبسوط جـ 11 ص 82.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد إذ ترجحت بينة النفي

وجوب الضمان. ومنها: إذا أسلم عشرة دراهم في كر حنطة فأقام رب السلم البينة أنهما تفرقا قبل قبض المسلم إليه رأس المال، وأقام المسلم إليه البينة أنه قبض رأس المال قبل أن يتفرقا، فالسلم جائز ويؤخذ ببينة المسلم إليه لأنها تثبت القبض في المجلس، وبينة رب السلم تنفي ذلك، والبينات تترجح بالإثبات. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد إذ ترجحت بينة النفي: إذا علَّق طلاقها على عدم شيء فشهدت البينة بالعلم. قبلت شهادتهما. مع أن العلم نفي. ومنها: إذا شهدا أنه قال: المسيح ابن الله ولم يقل: قول النصارى. ومنها: إذا شهدا بخلع أو طلاق ولم يستثن، فهي شهادة على نفي الاستثناء. ومنها: إذا شهدا في الإرث أنه لا وارث له غير هذا. فهي شهادة على نفي غير الوارث (¬1). وأقول: لعل قبول البينة في هذه المسائل وأشباهها - مع أن ظاهرها أنها شهادة على النفي - أنها أقيمت لإثبات الضد، ففي المسألة الأولى ترتب على البينة إثبات وقوع الطلاق. وفي المسألة الثانية: إثبات كفره حيث لم يقل إن هذا قول النصارى. وفي المسألة الثالثة: إثبات الخلع أو الطلاق بنفي الاستثناء. وفي المسألة الرابعة: إثبات الإرث للمشهود له وحده بنفي من عداه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 222.

حرف التاء

قواعد حرف التاء

القاعدة الأولى [الأجل]

القاعدة الأولى [الأجل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تأثير الأجل في المنع من المطالبة لا في نفير أصل الوجوب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن الأجل في الدين إنما يظهر أثره ليس في نفي أصل وجوب الدين وإنما في منع الدائن من المطالبة بوفاء الدين وأدائه قبل حلول أجله؛ لأن المؤجل لا يحل قبل وقته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع سلعة بثمن مؤجل إلى شهر - مثلاً - فليس له مطالبة المشتري بالثمن قبل مضي الشهر وحلول الأجل. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا مات المدين فقد خربت ذمته وحل الدين فللدائن مطالبة الورثة بالأداء (¬2). ومنها: إذا قتل الدائن مدينه حل الأجل في الأصح (¬3). وكذا لو قتل الموصى له الموصي (3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 143. (¬2) أشباه السيوطي ص 329 وأشباه ابن نجيم ص 257. (¬3) أشباه السيوطي ص 153، وأشباه ابن نجيم ص 159.

القاعدة الثانية [اقتران الحكم بالسبب]

القاعدة الثانية [اقتران الحكم بالسبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تأثير الشيء في الحكم مقترناً بالسبب أقوى من تأثيره طارئاً على السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالسبب في القاعدة: ما كان موجباً للحكم كالقتل العمد العدوان الموجب للقصاص ممن كان أهلاً له. فمفاد القاعدة أن تأثير ما يؤثر في الحكم إذا كان مقترناً وموجوداً مع وجود السبب يكون تأثيره أقوى مما لو طرأ على السبب بعد وجوده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل إنسان آخر عمداً عدواناً وكان القاتل مجنوناً أو أباً فإن الجنون والأبوة المقترنان بالسبب مانعان من وجوب القصاص من المجنون والأب. ولكن إذا قتل عاقلاً ثم جن فإن تأثير الجنون الطارئ على الحكم ليس كتأثير الجنون المقارن، حيث في الجنون الطارئ ينتظر إفاقته وبرؤه ليقتص منه إذا عقل ولكن الجنون المقارن لا ينتظر به ذلك لأن القاتل المجنون عمده خطأ. ومنها: لو قتل إنسان آخر عمداً عدواناً ووجب عليه القصاص ثم تبين أن المقتول ابن للقاتل فليس تأثير الأبوة الطارئة على الحكم كتأثير الأبوة الأصلية المقترنة بالفعل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 96.

القاعدة الثالثة [التأجيل]

القاعدة الثالثة [التأجيل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التأجيل بمنزلة الإسقاط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن تأجيل المطالبة بالدين المؤجل إلى حلول أجله بمنزلة ومرتبة إسقاط الدين ذاته، ولكن المقصود هنا إسقاط المطالبة مدة التأجيل لا إسقاط الدين بالكلية. فإذا أسقط الدائن دينه - أي أبرأ مدينه براءة إسقاط - فلا حق له في المطالبة بالدين بعد ذلك. وكذلك إذا أجله لمدة محدودة فلا حق له في المطالبة بالأداء ما لم يحل الأجل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أجلت امرأة استيفاء مهرها من زوجها خمس سنوات، فلا حق لها في المطالبة بالأداء قبل مضي الخمس السنوات، إلا إذا أسقط المدين - وهو الزوج - الأجل. ومنها: إذا باع المريض - مرض الموت - ماله محاباة بنصف الثمن إلى سنة بأن كان يساوي ألفين فباعه منه بألف، فيقال للمشتري: عجل ثلثي الثمن، والثلث إلى سنة، فهو بمنزلة الوصية له، والتأجيل في حق الورثة كالإسقاط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 153.

القاعدة الرابعة [تأخير البيان]

القاعدة الرابعة [تأخير البيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (¬1). وفي لفظ: السكوت عن البيان بعد تحقق الحاجة إليه لا يجوز (¬2). وتأتي في حرف السين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن المقصود من تشريع الأحكام تطبيقها عند الحاجة إليها بوجود أسبابها واستيفاء شروطها, ولا يمكن تطبيق الأحكام دون معرفة حقائقها وبيان كيفية أدائها , ولذلك لا يجوز أن يؤخر بيان المجمل عن وقت الحاجة إليه وإلا كان تكليفاً بالمستحيل وذلك لا يجوز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا فرض الله عَزَّ وَجَلَّ علينا الصلاة وحدد لنا أوقاتها فإذا حان وقت الأداء ولم يبين لنا كيفية أدائها فيكون ذلك تكليفاً لنا بالمستحيل من الأحكام؛ لأنه لا ندري كيف نصلي. ويترتب على ذلك: إما ترك الأمر وإما الاختلاف في تطبيقه وكلاهما لا يجوز، ولكن من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ بنا أنه سبحانه ما ترك بيان ما افترض علينا ولا أخر بيانه عن وقت الحاجة إليه بل بُيِّن كل حكم مجمل على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن أمثلتها - ما عند الأوزاعي (¬3) رحمه الله - أن المفطر بالجماع في نهار ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1208، المبسوط جـ 3 ص 71، 80، قواعد الفقه ص 67. (¬2) شرح السير ص 107. (¬3) الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، من قبيلة الأوزاع، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، ولد في بعلبك ونشأ في البقاع وسكن بيروت، وتوفي بها سنة 157 هـ. =

رمضان ليس عليه القضاء مع الكفارة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّن له حكم الكفارة ولم يبين حكم القضاء. ومنها: أن عمير بن مالك (¬1) رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إني لقيت أبي في العدو فسمعت منه مقالة لك سيئة فقتلته، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي لم ينكر عليه ما فعله من قتل أبيه، ولو كان ما فعله منكراً لأنكر عليه؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (¬2). ¬

_ = الأعلام جـ 3 ص 320 مختصراً. (¬1) عمير بن مالك قيل: الصحيح في اسمه مالك بن عمير صحابي قليل الحديث. (¬2) شرح السير ص 107.

القاعدة الخامسة [تأخير العبادة]

القاعدة الخامسة [تأخير العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها يكون تفويتاً لأدائها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من العبادات ما هو مؤقت بوقت يفوت الأداء بفواته، ومنها ما ليس مؤقتاً بوقت. فالنوع الأول: منه ما وقته موسع بمعنى أن وقته يسعه ويسع غيره من جنسه معه - أي أن الوقت أوسع من العبادة - كالصلاة. ومنها ما وقته مضيق أي أنه لا يسع غيره من جنسه معه، أي أن الوقت بقدر العبادة لا يفضل عنها ولا تفضل عنه كصوم رمضان، ففي كلا النوعين إذا أخر المكلف الصلاة عن وقتها الموقت لها أو الصوم عن وقته الموقت له - سواء كان ذلك التأخير بعذر أم بغير عذر - فيعتبر ذلك تفويتاً للأداء وما يؤدى خارج الوقت فهو القضاء لا الأداء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أخر صلاة عن وقتها بنوم أو نسيان فهو مفوت لأدائها، ثم صلاها بعد خروج وقتها فيكون فعله لها خارج الوقت قضاء لتلك الصلاة لا أداءً. لأن الأداء هو فعل العبادة في الوقت المقدر لها شرعاً ولم تسبق بأداء مختل أو ناقص. ومنها: عدم صوم رمضان لسفر أو مرض أو حيض أو نفاس ففعله بعد خروج رمضان يعتبر قضاء لا أداءً، وعدم الصوم في رمضان يعتبر تفويتاً للأداء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 88.

القاعدة السادسة [التأسيس - التوكيد]

القاعدة السادسة [التأسيس - التوكيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التأسيس أولى من التأكيد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التأسيس: هو عبارة عن إفادة معنى آخر لم يكن حاصلاً قبلاً. التأكيد: هو عبارة عن إعادة المعنى الحاصل قبله (¬2). فمفاد القاعدة: أنه لما كان إعمال الكلام أولى وأفضل من إهماله كان حمل اللفظ - ولو مكرراً - على معنى جديد أولى من حمله على تأكيد وتكرار المعنى السابق؛ لأن حمله على التكرار فيه إهمال الكلام من وجه، وحمله على الإفادة لمعنى جديد خير من حمله على الإعادة، أو أن الكلام إذا دار بين أن يفيد معنى جديداً وبين أن يؤكد معنى سابقاً كان حمله على إفادة المعنى الجديد خير وأولى من حمله على التكرار والتأكيد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق طالق طالق طلقت ثلاثاً، فإن قال أردت به التوكيد صدِّق ديانة لا قضاء؛ لأن القاضي مأمور باتباع الظاهر - وهذا عند أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما، وأما عند الشافعي وأحمد رضي الله عنهما لا يلزمه إلا واحدة (¬3). ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 44، قواعد ابن رجب القاعدة 159، أشباه السيوطي ص 135، أشباه ابن نجيم ص 149، توفيق الإله لوحة 212، الوجيز ص 329 ط 4. (¬2) تعريفات الجرجاني ص 51. (¬3) الإفصاح لابن هبيرة جـ 2 ص 155.

ومنها: إذا قال: أنت طالق أنت طالق، فهل يحمل على التأسيس فيقع طلقتان أو على التأكيد فتكون واحدة، خلاف، وصحح السيوطي حمله على الاستئناف (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 135.

القاعدة السابعة [التأقيت]

القاعدة السابعة [التأقيت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التأقيت إلى مدة لا يعيشها الإنسان غالباً تأبيد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التأقيت: تفعيل من الوقت، وأصله التوقيت، أي ذكر الوقت - أي الزمن - الذي يمكن بقاء الشيء فيه، فإذا حددت مدة لعمل ما أو عقد ما وكانت هذه المدة - لطولها - لا يعيشها الإنسان غالباً كمائتي سنة، فيعتبر ذلك تأبيداً للعقد أو العمل، أي يكون العقد مؤبداً كأنه أطلق المدة ولم يحددها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع أرضاً لمدة مائتي عام فيكون هذا العقد تمليكاً مؤبداً؛ لأن الإنسان لا يعيش مائتي عام غالباً. رابعاً: ما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا أقت النكاح مائة عام فسد العقد؛ لأن النكاح لا يجوز فيه التوقيت. ومنها: إذا أجره مائة سنة فتكون إجارة فاسدة؛ لأنه لو اعتبرناه تأبيداً لكان تمليكاً لا إجارة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 184، قواعد الفقه ص 68 عنه.

القاعدة الثامنة [التأويل الباطل]

القاعدة الثامنة [التأويل الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التأويل الباطل ملحق بالتأويل الصحيح في الحكم وإن كان مخالفاً له في الإثم (¬1). بشرط المنعة. وفي لفظ: التأويل الباطل من الكفار أو من أهل الحرب معتبر بالتأويل الصحيح في الحكم أو في الأحكام (¬2). دليل هذه القاعدة: حديث الزهري (¬3). قال: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا متوافرين فاتفقوا على أنه لا قود في دم استحل بتأويل القرآن، ولا حد في فرج استحل بتأويل القرآن، ولا ضمان في مال استحل بتأويل القرآن، إلا أن يوجد الشيء بعينه فيرد على أهله (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التأويل صرف النص عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله (¬5). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1910. (¬2) نفس المصدر ص 1841، 1847، 2013. (¬3) الزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله ابن شهاب أبو بكر القرشي الزهري المدني نزيل الشام، تابعي، روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله. ولد سنة 50 أو سنة 51. كما روى عن سهل بن سعد وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وحدث عنه كثيرون منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله، كان بحراً في العلم من أعلم أهل زمانه، توفي سنة 124 هـ، سير الأعلام جـ 5 ص 326 فما بعدها بإيجاز. (¬4) السير الكبير مع الشرح ص 1849، الأثر/ عند عبد الرزاق في المصنف رقم 18584 جـ 10 ص 120 - 121، ونصب الراية عنه جـ 3 ص 464، وفيها سبب ورود الأثر. (¬5) التعريفات ص 52.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وهو تفسير ما يئول إليه الشيء: أي يرجع. من آل بمعنى رجع. فمفاد القاعدة: أنه إذا صدر من كفار أو من أهل الحرب أو من المحاربين الخارجين من أهل المنعة والقوة تأويل بفهم لآية أو حديث. وإن كان هذا التأويل مخالفاً لما عليه الجمهور - فإن تأويلهم هذا - وإن كان خطأ - معتبر قياساً على التأويل الصحيح في الحكم وإن كان مخالفاً للتأويل الصحيح في الإثم، وشرط اعتبار هذا التأويل المنعة والقوة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سبى أهل الحرب امرأة مسلمة حرة أو مملوكة، أو ذمية حرة أو مملوكة فاشتراها من السابي رجل منهم فاستولدها ثم أسلم أهل الدار أو صاروا ذمة فإن كانت مسلمة أو ذمية حرة في الأصل فهي حرة على حالها؛ لأن الحرية المتأكدة في دار الإِسلام لا ناقض لها، وأولادها أحرار بطريق التبعية لأمهم. والنسب ثابت من المشتري؛ لأنه وطئها على وجه الملك بشبهة. فتأويلهم الباطل - أي أنهم يملكون ما يسبونه منا - بمنزلة التأويل الصحيح في الحكم. وكذلك الحكم في أهل البغي إذا كانوا سبوا من أهل العدل. ومنها: إذا ارتد مسلم ولحق بدار الحرب مرتدًّا فأصاب شيئاً يجب به القصاص أو الحد كالزنا والقذف، ثم أسلم بعد ذلك، فكل ذلك موضوع عنه؛ لأنه أصابه وهو حربي في دار الحرب. والحربي إذا أسلم لا يؤاخذ بما كان أصابه حال كونه محارباً للمسلمين (¬1). ¬

_ (¬1) السير مع شرحه ص 2012 - 2013.

القاعدة التاسعة [التأويل]

القاعدة التاسعة [التأويل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التأويل إذا تجرد عن المنعة لا يكون معتبراً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بالقاعدة السابقة حيث تثبت شرطاً لاعتبارها، وهو أن التأويل الباطل إنما يكون له حكم التأويل الصحيح بشرط المنعة والقوة، أما إذا تجرد عن المنعة فلا يكون معتبراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصاب المسلم مالاً أو شيئاً يجب به القصاص أو حدًّا أقر به ثم ارتد، أو أصابه وهو مرتد في دار الإِسلام ثم لحق بدار الحرب وحارب المسلمين زماناً ثم جاء تائباً فهو مأخوذ بذلك كله؛ لأنه اكتسب أسباب هذه الأشياء وهو في دار الإِسلام حيث لا منعة للمرتد في دار الإِسلام. ومنها: المستأمن إذا أصاب شيئاً من ذلك في دار الإِسلام كان مستوجباً هذه الحقوق لما فيها من حقوق العباد (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 134. (¬2) السير الكبير جـ 5 ص 2012.

القاعدة العاشرة [التأويل]

القاعدة العاشرة [التأويل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التأويل لا يعارض حقيقة الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن التأويل إذا اجتمع مع ملك حقيقي فلا معارضة بينهما؛ لأن الملك الحقيقي مقدم على التأويل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أمة بين رجل وامرأة صغيرة أو كبيرة، فولدت الأمة فادعى الولد الرجل وأب المرأة، فإن النسب يثبت من صاحب الرقبة وهو الرجل؛ لأنه يملك نصفها حقيقة، وأب المرأة ليس له فيها حقيقة ملك ولا حق ملك. وإنما له مجرد التأويل، وهو تأويل الحديث "أنت ومالك لأبيك" (¬2). والتأويل لا يعارض حقيقة ذلك، ودعوة الشريك دعوة صحيحة من غير شرط تقديم الملك فكان هو أولى (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 127. (¬2) الحديث عن عمرو بن شعيب عن جده عن البيهقي في سننه رقم 15749، وعند أبي داود تحت رقم 3530، وابن ماجه في سننه عن هشام بن عمار رقم 2291، 2292 وغيرهما كثير، موسوعة أطراف الحديث جـ 2 ص 546. (¬3) المبسوط جـ 17 ص 127 بتصرف.

القاعدة الحادية عشرة [التابع]

القاعدة الحادية عشرة [التابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التابع تابع (¬1). وفي لفظ: التابع يثبت له حكم أصله (¬2). وفي لفظ: ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل (¬3) وتأتي في حرف الثاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: التابع: هو ما لا يوجد مستقلاًّ بنفسه، بل وجوده تابع لوجود غيره. التبع: هو التابع. مفاد هذه القواعد: إن ما كان تابعاً لغيره في الوجود - سواء كان جزءاً من متبوعه أو ضمن متبوعه أو من ضرورات متبوعه ولوازمه، أو فرعاً له أنه لا حكم له منفرداً بل إن الحكم الذي يثبت لأصله يثبت له. فإذا ثبت لأصله حكم بالإيجاب أو التحريم أو الندب أو الكراهة أو الإباحة، فإن هذا الحكم يثبت له أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بيعت دابة في بطنها حمل يدخل الحمل في البيع تبعاً لأمه، ولا يجوز إفراده بالبيع. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 544 بالمعنى، قواعد الونشريسي - إيضاح المسالك ص 52، قواعد ابن رجب ق 84، أشباه السيوطي ص 177، أشباه ابن نجيم ص 120، المجلة المادة 47، المدخل الفقهي الفقرة 634، الوجيز مع الشرح والبيان ص 331 ط 4. (¬2) قواعد المغني ص 639 عن المغني جـ 4 ص 430، الموافقات جـ 3 ص 108. (¬3) المبسوط جـ 26 ص 136.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القواعد

ومنها: القفل يدخل في البيع مفتاحه، وكذلك توابع المبيع المتصلة به اتصال قرار كالأبواب والنوافذ والأحواض في بيع الدور، والأشجار في بيع الحدائق والبساتين. فكل ذلك يدخل في البيع دون ذكر. وكذلك بالنسبة للعقود فكل ما كان من توابع العقد التي لا ذكر لها فيه تحمل على عادة كل بلد وعرفها. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القواعد: يصح إعتاق حمل الجارية دون إعتاق أمه بشرط أن تلده لأقل من ستة أشهر من تاريخ العتق ويجوز إفراده بالوصية كذلك. ومنها: إذا ادعى الزوج الخلع على مال، وأنكرت المرأة المال، بانت منه ولم يثبت المال الذي هو الأصل في الخلع، وثبتت البينونة التي هي فرع عن المال.

القاعدة الثانية عشرة [التابع]

القاعدة الثانية عشرة [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التابع قد يكون غير مستقل بنفسه حقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة متابعة ومندرجة تحت سابقتها - التابع تابع - ولكنها تشير إلى أن التوابع تنقسم إلى قسمين: قسم يكون تابعاً من جانب وهو مستقل بنفسه حقيقة من جانب آخر. وقسم يكون تابعاً من كل وجه، ولا يكون له استقلال بنفسه حقيقة من أي وجه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أ - من أمثلة القسم الأول: الجنين في بطن أمه هو تابع لها ومتصل بها فلا يجوز بيعها دونه ولا بيعه دونها. ولكن هذا الجنين من جانب آخر له استقلال بنفسه من حيث أنه يجوز عتقه دونها، وتجوز الوصية له، كما يرث من مورثه دون أمه، ويجوز له الهبة دونها، إذا ما ولدته لأقل من ستة أشهر من تاريخ التصرف. ومنها: أن الكفيل بالدين يبرأ إذا أبرأ الدائن مدينه المكفول. ومنها: الصبي إذا أسر معه أحد أبويه فإنه يتبعه وإن كان منفصلاً عنهما، وكذلك ولد الذمي يتبعه إذا لم يكن بالغاً (¬2). ب - من أمثلة القسم الثاني في الذي لا استقلال له من كل وجه: إذا باع شخص حجراً من الماس بعينه على أن وزنه خمسة قراريط بثمن محدد، ¬

_ (¬1) ضاع عني مصدرها. (¬2) المنثور جـ 1 ص 237.

فظهر أثناء التسليم أن وزنه خمسة قراريط ونصف فيصبح ذلك الحجر للمشتري بنفس الثمن الذي صار الاتفاق عليه؛ لأن نصف القيراط تابع للكل فلا يفرد بالحكم.

القاعدة الثالثة عشرة [التابع]

القاعدة الثالثة عشرة [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التابع لا يتقدم على المتبوع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لما كان التابع تالياً لمتبوعه ومتأخراً عنه في الوجود، فلا يجوز أن يتقدم عليه في الفعل والعمل؛ لأنه إذا تقدم عليه في الفعل تقدم في الحكم، وهذا تناقض؛ لأنه تابع لمتبوعه في أحكامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يصح تقدم المأموم على إمامه في الموقف، ولا في تكبيرة الإحرام والسلام، ولا في سائر الأفعال. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 253، قواعد المغني ص 641، المنثور جـ 1 ص 236، أشباه السيوطي ص 119، أشباه ابن نجيم ص 121، شرح الخاتمة ص 27، الوجيز مع الشرح والبيان ص 339 ط 4.

القاعدة الرابعة عشرة [التابع]

القاعدة الرابعة عشرة [التابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التابع لا يستتبع غيره فيما كان تبعاً (¬1). وفي لفظ: التابع هل يكون له تابع (¬2)؟ وفي لفظ: لا تبع للتبع (¬3). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: وردت هذه القواعد بأسلوبين: الأول: الأسلوب الخبري - وهو عند الحنفية - حيث رأوا أن التابع لا يستتبع غيره - أي أن التابع لا يصير أصلاً لتابع آخر. والثاني: الأسلوب الإنشائي - وهو عند الشافعية - حيث أوردوا القاعدة بصيغة الاستفهام دليلاً على وجود خلاف بينهم في مضمونها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع أصابع اليد وحدها وجبت فيها الدية، فأما إذا قطع اليد من الكوع فلا يلزمه غير دية اليد، ويجعل الكف تبعاً للأصابع، وإن قطع زيادة على ذلك لم يجعل تبعاً، بل يلزمه للزيادة حكومة على قدرها؛ لأن التابع لا يكون له تابع (2). ومنها: هل يسن تكبير العيد خلف النوافل فيه خلاف، والأصح عند الشافعية لا يسن؛ لأن النفل تابع للفرائض. والتابع لا يكون له تابع. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 483 عن التحرير. (¬2) المنثور جـ 1 ص 237. (¬3) المبسوط جـ 26 ص 82.

القاعدة الخامسة عشرة [التابع]

القاعدة الخامسة عشرة [التابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التابع لا يفرد بالحكم (¬1). ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان التابع يلحق متبوعه في حكمه فينبني على ذلك أنه لا يفرد بحكم دون متبوعه؛ لأن ما لا يوجد مستقلاًّ بنفسه بل وجوده تبع لوجود غيره فهو ينزل منزلة المعدوم من حيث تعلق الأحكام، فلا يجوز إفراده بالحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجنين في بطن أمه لا يباع دونها ولا يوهب. والصفة القائمة بالموصوف لا تباع دونه. وحق الشرب والمرور تبع للأرض لا يباعان دونها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الجنين في بطن الأمة يجوز عتقه دونها ويجوز الهبة والوصية له دونها كما سبق. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 234، أشباه السيوطي ص 117، أشباه ابن نجيم ص 120، شرح الخاتمة ص 26، الوجيز مع البيان ص 332 ط 4.

القاعدة السادسة عشرة [التابع]

القاعدة السادسة عشرة [التابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التابع يسقط بسقوط المتبوع (¬1). وفي لفظ: الفرع يسقط إذا سقط الأصل (¬2). وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة شبه مطردة في المحسوسات والمعقولات، فالشيء الذي يكون وجوده أصلاً لوجود شيء آخر يتبعه في الوجود يكون ذلك فرعاً مبتناً عليه، كالإيمان بالله تعالى أصل وجميع الأعمال فروعه، فإذا زال الإيمان - والعياذ بالله تعالى - حبطت الأعمال؛ لأن اعتبارها مبني عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا برئ الأصيل برئ الضامن والكفيل؛ لأنهما فرعه، فلو أبرأ ذمة مدينه تبرأ ذمة كفيله تبعاً، فلا حق له في مطالبة الكفيل. أما لو أبرأ الكفيل فلا يبرأ الأصيل. ومنها: من فاتتها صلوات في أيام الحيض أو النفاس لا تقضي سننها الرواتب؛ لأن الأصل - وهو الفرائض - قد سقط فتسقط النوافل تبعاً. ومنها: من فاته الحج بحيث لم يقف بعرفة يومها تحلل بأفعال العمرة ولا يأتي بالرمي ولا بالمبيت؛ لأنهما تابعان للوقوف بعرفة وقد سقط. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 235، أشباه السيوطي ص 118، أشباه ابن نجيم ص 121، شرح الخاتمة ص 27. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 121، المجلة المادة 50، المدخل فقرة 638، الوجيز ص 336 ط 4.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا مات المغازي المجاهد والعالم من له حق منهم في ديوان الخراج يفرض لأولادهم تبعاً ولا يسقط بموت الأصل ترغيباً في الجهاد وفي طلب العلم. ومنها: المحرم الذي لا شعر على رأسه يندب إمرار الموسي عليه أو يجب. مع أن الأصل وهو الشعر قد سقط. ومنها: إذا بطل أمان رجال لم يبطل أمان نسائهم وصبيانهم في الأصح. وهذه المستثنيات تحت قاعدة تقول: قد يثبت الفرع مع سقوط الأصل (¬1)، وتأتي في حرف القاف إن شاء الله. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 119، أشباه ابن نجيم ص 121، المجلة المادة 81، المدخل الفقرة 639

القاعدة السابعة عشرة [التاريخ]

القاعدة السابعة عشرة [التاريخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التاريخ المنصوص عليه يترجح على التاريخ المدلول عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التاريخ: معناه تعريف الوقت وتحديده (¬2)، وهو بيان انتهاء وقته، وذكر البينة - أي الشهود - تاريخ وقوع حادثة ما إما أن يكون نصًّا - أي توقيفاً وتعييناً - وإما أن يكون دلالة دون تعيين، كوضع اليد مثلاً. فمفاد هذه القاعدة: أن تاريخ البينة المعيَّن تحديداً مقدم على تاريخ بينة أخرى دلالة دون تعيين، عند التعارض. وهذا تحت قاعدة عامة تقول: (لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح) (¬3). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف اثنان في استحقاق رهن عين - وكانت هذا العين المرهونة في يد أحدهما - فإذا صرح شهود الخارج بسبق تاريخ عقده وبما يوجب استحقاق اليد له على ذي اليد فهو أولى من ذي اليد ومقدم عليه؛ للنص على تقدم تاريخ استحقاقه لقبض المرهون، ولأن بينته نصت على تاريخ متقدم. واليد دلالة والنص مقدم على الدلالة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 127. (¬2) مختار الصحاح مادة (أرخ). (¬3) جامع الفصولين الفصل الرابع والثلاثون، شرح الخاتمة ص 64، المجلة المادة 13، المدخل الفقهي الفقرة 58.

القاعدة الثامنة عشرة [تباين الدارين]

القاعدة الثامنة عشرة [تباين الدارين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تباين الدارين قاطع للعصمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تباين الدارين: اختلافهما وتباعدهما. والمراد بالدارين دار الإسلام، ودار الكفر. فمفاد هذه القاعدة: أن اختلاف الدارين مزيل لعصمة الملك وعصمة النكاح وعصمة الدم. إلا بسبب جديد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ارتدت امرأة ولحقت بدار الحرب انقطعت العصمة بينها وبين زوجها حتى إذا جاءت مسلمة أو تائبة أو سبيت فأعتقت أو لم تعتق فلا نفقة لها؛ لأن استحقاق النفقة باعتبار بقاء العصمة، وتباين الدارين قاطع لها. ومنها: إذا خرجت امرأة حربي من دار الحرب ودخلت دار الإسلام بغير أمان - مسلمة أو غير مسلمة - فقد زال النكاح بينها وبين زوجها بتباين الدار. ومنها: دخول حربي دار الإسلام بغير أمان فهذا الدخول يزيل عصمة دمه، ومن قتله من المسلمين فلا شيء عليه، وإن عُثر عليه فللإمام أن يقتله أو يأسره أو يفديه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 205.

القاعدة التاسعة عشرة [تبدل الاجتهاد]

القاعدة التاسعة عشرة [تبدل الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبدل رأي المجتهد بمنزلة انتساخ النص، يعمل به في المستقبل لا فيما مضى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الأزمان). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله، ولا تعارض هذه القاعدة قاعدة: "لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد ولكن ينقض بالنص" لاختلاف الموضعين. ومفاد قاعدتنا: أن تغير رأي المجتهد في حكم مسألة من المسائل الاجتهادية يلغي العمل بالحكم السابق على تغير الرأي ويعتبر مبطلاً له بمنزلة نسخ النصوص الشرعية برفعها وإبطال العمل بها، ولكن الاجتهاد الجديد لا يعود على الحكم السابق تنفيذه بالإبطال والنقض. كما أن النسخ لا يرجع على الأحكام السابق العمل بها بالإبطال، ولكن يعمل بالرأي الجديد في المسائل الحادثة مستقبلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأى مجتهد أن الخلع فسخ فأفتى أو حكم في مسألة بهذا الحكم المجتهد فيه وكان المحكوم عليه بهذا قد خالع زوجته ثلاث مرات، أو سبق له تطليقها مرتين وكان الحكم بأن الخلع فسخ بعدهما، فإن المجتهد إذا تغير رأيه بعد ذلك ورأى أن الخلع طلاق، فلا يجوز له أن يأمر من أفتى ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 208.

له سابقاً أو حكم له - إذا كان حاكماً - أن يفارق زوجته. ولكن إذا وقعت حادثة أخرى فيحكم فيها بأن الخلع طلاق ويبني عليه ما يبنى على الطلاق. ولكن إذا كان المجتهد قد رأى لنفسه أولاً أن الخلع فسخ وراجع زوجته التي خالعها بعد ثلاث ثم تغير رأيه ورأى أن الخلع طلاق فعليه في هذه الحالة أن يفارقها إلا إذا حكم بالحكم السابق حاكم فليس له أن يفارقها؛ لأن القول بأن الخلع فسخ قد تأيد بالحكم. ومنها: إذا رأى المجتهد أن بيع العينة جائز وأفتى به ثم تغير رأيه ورأى أنه حرام، فليس له أن ينقض فتاواه وأحكامه السابقة؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ولكنه فيما يستقبل يبني الأحكام على الرأي الجديد. وهكذا في كل مسألة اجتهادية لا تقع تحت نص بعينه. وأساس هذه القاعدة ودليلها فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسألة المشركة (¬1) وقوله: "ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي" (¬2). ¬

_ (¬1) المشترِّكة: هي مسألة فرضية فيها: زوج وأم وإخوة وأخوات لأب وأم وإخوة لأم. وسميت مشركة لأن عمر رضي الله عنه أشرك بين الإخوة لأم والإخوة والأخوات لأب وأم في الثلث، كما شرك بينهم عثمان وزيد وابن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم. (¬2) المصنف لابن أبي شيبة جـ 6 ص 247، الأثر رقم 31097.

القاعدة العشرون [تبدل الملك]

القاعدة العشرون [تبدل الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات (¬1). وفي لفظ: تبدل الملك كتبدل العين (¬2). وفي لفظ: اختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان. وقد سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 51 جـ 1 ص 202. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة: أنه إذا تبدل سبب تملك شيء ما يُعَدُّ هذا الشيء متبدلاً حكماً، وإن لم يتبدل هو حقيقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تصدق رجل على قريبه أو أعطاه زكاة ماله ثم مات المتصدَّق عليه - وكان المتصدِّق وارثه - عادت الصدقة والزكاة للمعطي بالوراثة، فقد ملكها وما ضاع ثوابه إن شاء الله. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1937، ابن رجب ق 40، شرح الخاتمة ص 27، المجلة المادة 98، المدخل الفقرة 644، الوجيز مع الشرح والبيان ص 345 ط 4. (¬2) المبسوط جـ 12 ص 56.

القاعدة الحادية والعشرون [تبدل محل النجاسة]

القاعدة الحادية والعشرون [تبدل محل النجاسة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبدل محل النجاسة إلى الطهارة باستعمال الماء شرعي أو حسي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى مسألة من مسائل الخلاف بين الأئمة وهي: إذا طَهُرَ محل النجاسة الحسية بالماء فهل تعتبر تلك الطهارة حسية أو هي شرعية؟ عند الأئمة مالك ومحمد الشافعي وأحمد رحمهم الله هي شرعية، وعند أبي حنيفة وبعض المالكية هي حسية. النجس: في اللغة هو القذر وغير النظافة. وفي الشرع: قذر مخصوص وهو ما يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم (¬2). والطهارة: في اللغة النقاء من الدنس والنجس (¬3)، وشرعاً: نظافة مخصوصة. والطهر نقيض النجاسة (¬4). ما يترتب على هذا الخلاف: إن من قال: إن التبدل حسي يرى أنه يجوز التطهر بكل مائع طاهر قالع، يقلع النجاسة ويذهب عينها، وهذا في النجاسة الحسية العينية، ولكن لا يصح الوضوء به كالخل وماء الورد، وهذا مذهب أبي حنيفة (¬5). ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة الأولى. (¬2) المصباح مادة "نجس". (¬3) المصباح مادة "طهر". (¬4) القاموس مادة "طهر". (¬5) ينظر: بدائع الصنائع جـ 1 ص 83، فتح القدير جـ 1 ص 133 وغيرهما من كتب الحنفية.

وأما من قال: إن التبدل شرعي، يرى أنه لا يجزئ في إزالة النجاسة إلا الماء المطلق الذي يصح الوضوء به (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء جـ 1 ص 60، نهاية المحتاج للرملي جـ 1 ص 52، مواهب الجليل جـ 1 ص 42، الكافي جـ 1 ص 155، المقنع لابن قدامة جـ 1 ص 16.

القاعدة الثانية والعشرون [تبدل النية]

القاعدة الثانية والعشرون [تبدل النية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبدل النية مع بقاء اليد على حالها هل يتبدل الحكم بتبدلها (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تدخل هذه القاعدة تحت قاعدة - الأعمال بالنيات - وتدل على الاختلاف في حكم تبدل النية وتغيرها مع بقاء اليد على حالها - أي بدون تصرف عملي - فهل يتغير الحكم تبعاً لتغير النية، أو لا بد من تصرف عملي فعلي غير تبدل النية ليتغير الحكم؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند إنسان وديعة لآخر فنوى أن يتسلفها أو يتصرف فيها تصرفاً ما - بغير إذن صاحبها - ولم يحركها عن موضعها، فهل تعتبر نيته هذه ناقضة لعقد الوديعة فيعتبر خائناً فيضمنها لو تلفت في هذه الحالة؟ أو لا يعتبر ناقضاً أو خائناً وبالتالي لا يضمنها إذا تلفت؟ خلاف عند المالكية في هذه المسألة. وينبني على هذه القاعدة آثار فقهية: منها: إذا أراد المؤتَمن صرف الوديعة ونوى ذلك فإذا قيل بالتبدل جاز صرفه؛ لأنه قبض الآن لنفسه، وإذا قيل بنفي التبدل بالنية امتنع الصرف للتأخير في التقابض - حتى يقبض لنفسه - أي يحرك الوديعة من مكانها بعد نية التسلف ثم يصارف بها. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك ق 62.

القاعدة الثالثة والعشرون [تبدل وصف العين]

القاعدة الثالثة والعشرون [تبدل وصف العين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبدل وصف العين لا يوجب تبدل العين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية إن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن؛ لأنها توابع، (والتابع لا ينفرد بالحكم). فبناء على ذلك إذا تبدل وصف العين الذي ذكره البائع فإن ذلك التبدل لا يكون موجباً لتبدل العين ولا يكون سبباً في التعويض للمشتري وإنما له أن يأخذ السلعة بكل الثمن أو يترك وهو كذلك عند الشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سيارة حمراء - ولم يكن رآها - ثم تبين أنها بيضاء فلا يكون تبدل الوصف وهو اللون دليلاً على تبدل العين بل العين بحالها فالمشتري إما أن يقبل السيارة بالثمن المتفق عليه أو يترك؛ لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن. وعند الحنابلة أن من اشترى شيئاً بصفة مخصوصة ثم تبين خلافها أن له الفسخ أو أرش فقد الصفة (¬2). ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 483. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 2 ص 26 - 27.

القاعدة الرابعة والعشرون [التبرع بالضمان]

القاعدة الرابعة والعشرون [التبرع بالضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبرع بالضمان كالتبرع بالأداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التبرع في اللغة: التطوع (¬2)، وتبرع بالأمر: فعله غير طالب عوضاً، وأصل البرع: التفوق في العلم أو الشجاعة أو غير ذلك (¬3). فكأن المتبرع متفوق على غيره في فعله أمراً بدون عوض أو مقابل دنيوي أو مادي. والتبرع في الاصطلاح الفقهي: التطوع بالشيء (¬4)، فهو متفق مع المعنى اللغوي. الضمان: مصدر ضمنته أضمنه: إذا كفلته (¬5). فالضمان: الكفالة. والأداء في اللغة: الإيصال. يقال: أدى الأمانة إلى أهلها: أوصلها. والمراد هنا: دفع الدين عن المدين للدائن. ومفاد هذه القاعدة: أن من تطوع بالكفالة فحكمه حكم من تطوع بأداء الدين في الالتزام والوجوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل الرجلُ الرجلَ أن يزوجه امرأة، فزوجها إياه وضمن لها عنه المهر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 21. (¬2) مختار الصحاح مادة "برع". (¬3) المصباح مادة "برع". (¬4) أنيس الفقهاء ص 256. (¬5) تحرير ألفاظ التنبيه ص 203.

جاز. ولم يرجع الوكيل على الزوج بالمهر؛ لأنه ضمن عنه بغير أمره؛ لأن أمره إياه بالنكاح لا يكون أمراً بالتزام الصداق؛ لأن الوكيل بالنكاح سفير ومعبر لا ملتزم. ومنها: من ضمن عن غيره دينه بغير أمره لم يرجع به عليه لأنه متبرع. أما إذا كان الزوج أمره بضمان المهر فهو يرجع عليه كما لو أمره بالأداء.

القاعدة الخامسة والعشرون [التبرع في المرض]

القاعدة الخامسة والعشرون [التبرع في المرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبرع في المرض وصية (¬1). والوصية تعتبر من الثلث (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تبرع إنسان في مرض موته بشيء من المال لشخص أو جهة من الجهات فإن هذا التبرع يأخذ حكم الوصية، ولا ينفذ إلا بعد موت المريض بشرط أن يخرج من ثلث المال، فإذا زاد على الثلث فلا ينفذ إلا برضا الورثة. ومنها: إذا باع ماله محاباة وهو في مرض الموت: يلزم المشتري أن يدفع ثلثي المبلغ حالاً، ويكون الثلث الباقي وصية إلى ما بعد الوفاة. ومعنى المحاباة: البيع بدون ثمن المثل (¬3). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 68 عن السير. (¬2) شرح السير ص 2084. (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه ص 241.

القاعدة السادسة والعشرون [تمام التبرع]

القاعدة السادسة والعشرون [تمام التبرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبرع لا يتم إلا بقبض (¬1). وفي لفظ: الصدقة لا تتم إلا بالقبض (¬2). وتأتي في حرف الصاد إن شاء الله. دليل هاتين القاعدتين قول خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر الصديق رضي الله عنه للسيدة عائشة رضي الله عنها وكان رضي الله عنه قد نحلها - أي وهبها - جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية، فلما مرض قال: يا بنية كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً ولو كنت حزتيه أو قبضتيه كان لك، فإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله (¬3). وفيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثله (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تبين هذه القاعدة ركناً (¬5) من أركان الهبة والهدية والصدقة وكل ما كان متبرَّعاً به وهو أنه لا يتم ملك الشيء الموهوب أو المهدي أو الصدقة من الموهوب له أو المهدي إليه أو المتبرَّع به إليه إلا بقبض الشيء المتبرع به، وإذا لم يقبضه فلا يتم الملك فيه وهو مازال على ملك الواهب أو المهدي أو المتبرع. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 28، المجلة المادة 27، وينظر المقنع جـ 2 ص 332، روضة الطالبين جـ 4 ص 426 فما بعدها، الاعتناء جـ 2 ص 726. (¬2) المبسوط جـ 12 ص 35. (¬3) الأثر أخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب بلفظ فيه اختلاف ص 643. (¬4) الموطأ ص 644. (¬5) قال هذا في الاعتناء ولكن في الروضة جعله شرط لزوم جـ 4 ص 347.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والتبرع - كما قال الشافعي رحمه الله - ثلاثة أصناف: قال في الروضة: قسم الشافعي رضي الله عنه العطايا فقال: تبرع الإنسان بماله على غيره ينقسم إلى معلَّق بالموت وهو الوصية وإلى منجز في الحياة وهو ضربان: أحدهما: تمليك محض كالهبات والصدقات. والثاني: الوقف. والتمليك المحض ثلاثة أنواع: الهبة وهي تمليك لا بعوض، فإن انضم إليه حمل الموهوب من مكان الواهب إلى مكان الموهوب له إعظاماً أو إكراماً فهو هدية، وإن انضم إليه كون التمليك للمحتاج تقرباً إلى الله تعالى وطلباً لثواب الآخرة فهو صدقة (¬1). وقد روي عن مالك رضي الله عنه: أن الواهب إذا أشهد على نفسه بالهبة ومات، حُكِم للموهوب له بها، كما أنه لو مات الموهوب له بعد أن أشهد الواهب على نفسه حُكم لورثة الموهوب له بها إذا طلبوها. ولكن المعمول به عند جمهور المالكيين أنه لا يتم التبرع إلا بالقبض (¬2) كالجمهور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بعث هدية إلى آخر فمات المهدي له قبل وصول الهدية إليه كانت على ملك المُهدي، وله حق الرجوع فيها، ولو مات المهدي لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه. ومنها: المسافر إذا اشترى هدايا لأصدقائه فمات قبل وصولها إليهم فهي له تركة (¬3). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 4 ص 426. (¬2) الكافي جـ 2 ص 1000. (¬3) روضة الطالبين جـ 4 ص 438.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا غرس أشجاراً وقال: جعلته لابني - وهو صغير - صار للابن؛ لأن هبته له لا تقتضي قبولاً أو قبضاً، بخلاف ما لو جعله لبالغ.

القاعدة السابعة والعشرون [التبرع]

القاعدة السابعة والعشرون [التبرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبرع لا يصلح سبباً للاستحقاق على المتبرع في غير ما تبرع به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن مَن تبرع لآخر بشيء معين لا يكون تبرعه هذا سبباً للاستحقاق عليه ومطالبته بشيء آخر غير ما تبرع به. وموضع هذه القاعدة الصدقة الموقوفة، وهل تلزم بمجرد الإعلام بها وإن لم يخرجها من يده؟ أو لا يتم ذلك إلا بإخراجها من يده والتسليم إلى المتولي أو الناظر عليها؟ الأول قول أبي يوسف، والثاني قول محمد بن الحسن وابن أبي ليلى حيث قالا: إنه إزالة ملك بطريق التبرع فلا يتم إلا بالتسليم كما في الصدقة المنفذة؛ ولأنه لو لزمه - أي إزالة الملك قبل التسليم - لصارت يده مستحقة عليه، والتبرع لا يصلح سبباً للاستحقاق على المتبرع في غير ما تبرع به. فينبغي أن يكون متبرعاً في إزالة يده كما في إزالة ملكه. وعند أبي يوسف ومن معه ممن يقولون بجواز الصدقة الموقوفة بمجرد الإعلام - ولو لم يتم القبض والتسليم - يقولون: هذه إزالة ملك لا تتضمن التمليك - لأن الوقف عنده يخرج عن يد الواقف إلى غير مالك - فتتم بدون القبض كالعتق، بخلاف الصدقة المنفذة فإنها تتضمن التمليك. وقول أبي يوسف هو قول عامة العلماء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوقف خاناً للمسافرين أو رباطاً للمحتاجين فيتم الوقف بمجرد التخلية ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 35 فما بعدها.

بينه وبين الناس وإن لم ينزل فيه أحد. وهذا عند أبي يوسف وعامة العلماء. وأما عند محمد بن الحسن وابن أبي ليلى: لا يتم إلا بالتسليم إلى المتولي أو بنزول الناس فيه، وكذلك المقبرة والسقاية، وكذا المسجد لا يتم وقفه عن محمد إلا إذا صلى فيه الناس بالجماعة.

القاعدة الثامنة والعشرون [التبع]

القاعدة الثامنة والعشرون [التبع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التبع يقوم بالأصل (¬1). وفي لفظ: التبع لا يظهر مع ظهور الأصل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التبع: المراد به هنا ما يكون تابعاً لغيره في وجوده ولا يكون قائماً بنفسه. والأصل: ما يكون قائماً بنفسه ولا يكون وجوده تبعاً لوجود غيره أو ضمن غيره. فبناء على ذلك فإن التبع أو التابع لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بأصله وبالتالي لا يظهر مع ظهور أصله، ولا يأخذ حكماً غير حكم أصله. ولذلك قالوا: ما كان تابعاً لغيره في الوجود فإنه لا ينفرد بالحكم وإنما يكون حكمه تبعاً لحكم أصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشتمل المال الزكوي على النصاب والوقص (¬3) فهلك منهما شيء يجعل الهالك من الوقص خاصة - عند أبي حنيفة وأبي يوسف - كما لو كان له فوق النصاب ثمانون من الغنم فحال عليها الحول ثم هلك أربعون فعليه في الباقي شاة؛ لأن الوقص تبع للنصاب باسمه وحكمه؛ فإنه لا يتحقق الوقص إلا بعد النصاب وهذا هو علامة التبع مع الأصل، فإن التبع يقوم بالأصل، فالأصل يستغني عن التبع؛ لأنه لو لم يوجد إلا أربعون شاة ففيها شاة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 22. (¬2) القواعد والضوابط ص 484 عن التحري، المبسوط جـ 22 ص 147. (¬3) الوقص: ما زاد على النصاب.

ومنها: إذا اشترى المضارب ببعض المال داراً في قيمتها فضل على رأس المال فباع رجل إلى جنبها داراً وفي يد المضارب من مال المضاربة مثل ثمن الدار التي بيعت إلى جنب دار المضاربة - فأراد المضارب أن يأخذ الدار بالشفعة لنفسه - لم يكن له ذلك وإنما يأخذها على المضاربة أو يدع؛ لأن حق رب المال أصل وحق المضارب تبع؛ لأن حق المضارب في الربح فقط، وهو تبع لرأس المال، وهو متمكن من أخذها بما هو الأصل، (والتبع لا يظهر مع ظهور الأصل) (¬1). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 147.

القاعدة التاسعة والعشرون [التبع]

القاعدة التاسعة والعشرون [التبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبع لا يقوم مقام الأصل في إثبات الحكم به ابتداءً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان التبع لا ينفرد عن متبوعه في الأحكام فهو إذاً لا يقوم مقام أصله في إثبات الحكم به ابتداءً بطريق الأولى؛ لأن في إثبات الحكم في التبع ابتداءً قلباً للحقائق حيث يصبح التبع أصلاً والأصل تبعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب جارية أو بقرة فحملت وعند الولادة ماتت الأم وبقي الولد وفيه وفاء بقيمتها، فإذا رد الغاصب ولد المغصوبة الميتة فهل تبرأ ذمته؟ في ظاهر الرواية عند الحنفية أن على الغاصب قيمة الأم يوم الغصب كاملة؛ لأن الولد تبع والتبع لا يقوم مقام الأصل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 153، جـ 11 ص 61.

القاعدة الثلاثون [التبع]

القاعدة الثلاثون [التبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبع يتبع الأصل ولا يسبقه (¬1). وفي لفظ: ما ثبت ضمناً لشيء لا يثبت قبله (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان معقولتا المعنى حيث إن الأصل هو الأساس والتبع تالٍ له، فلا يعقل أن يسبق التبع أصله، أو يوجد قبل وجوده. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أذن أب لابنه المحجور عليه في البيع والتصرف وأعلم الأب قوماً مخصوصين بهذا الإذن وأمرهم بمبايعة ابنه، فإن لم يبايعه أولئك وبايعه غيرهم وهم لا يعلمون بإذن الأب، والابن لا يعلم بالإذن أيضاً، كانت مبايعة هؤلاء باطلة، والابن محجور عليه على حاله؛ لأن الابن لا يعتبر مأذوناً قبل أن يعلم بالإذن، وإنما ثبت الإذن في حق الذين أمرهم بمبايعته للحاجة إلى دفع الضرر والغرر عنهم. وأما ثبوت الإذن في حق سائر الناس كان لضرورة الحكم بنفوذ تصرفه مع الذين أمرهم الأب بمبايعته فلا يثبت الإذن مع غيرهم قبل تصرفه معهم. فإن بايع الابن الذين أمرهم الأب بمبايعته ثم بايع الابن بعدهم قوماً غيرهم جازت مبايعته مع الجميع إلا المبايعة التي كانت قبل ذلك؛ لأن الإذن في ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 31. (¬2) المبسوط جـ 25 ص 30.

حق الذين أمرهم ثبت حكمه مقصوداً وفي حق غيرهم تبع، والتبع يتبع الأصل ولا يسبقه. ومنها: يجوز شراء بقرة في بطنها حمل، ولكن لا يجوز شراء حمل في بطن بقرة ثم شراء البقرة بعد ذلك؛ لأن البقرة أصل والحمل تبع والتبع يتبع الأصل ولا يسبقه.

القاعدة الحادية والثلاثون [التبع]

القاعدة الحادية والثلاثون [التبع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التبع يصير مذكوراً بذكر الأصل (¬1). وفي لفظ: التبع يملك بملك الأصل (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان بمعنى ما سبق من قواعد تتعلق بالتابع وأحكامه، فالتابع يذكر بذكر أصله ويملك بملك أصله؛ لأنه سبق وأن ذكرنا أن التابع حكمه حكم أصله وأنه لا يفرد بحكم. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من اشترى أرضاً أو داراً لها طريق بحيث لا يوصل إليها إلا بها فإن الطريق يدخل في البيع تبعاً ويصير مذكوراً بذكر الأرض أو الدار ولا يفرد بالحكم، كما أنه يملك بملك الأرض أو الدار وليس للبائع بعد ذلك ادعاء أن الممر أو الطريق لم يذكر في العقد؛ (لأن التبع يملك بملك الأصل ويصير مذكوراً بذكر الأصل). رابعاً: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين: من اشترى نخلاً مثمرة فإن ثمرتها - وإن كانت تبعاً - لا تدخل في البيع إلا بالنص عليها؛ لأن الحديث صريح في أن الثمرة ملك للمؤبر ولا تدخل في البيع إلا بالشرط. والحديث هو: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 158. (¬2) المبسوط جـ 23 ص 195.

ابتاع نخلاً بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع" (¬1). الحديث. ومثله عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) الحديث رواه الجماعة، وحديث عبادة رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه، ينظر: المنتقى جـ 2 ص 330 الحديثين رقم 2849، 2850.

القاعدة الثانية والثلاثون [التبع]

القاعدة الثانية والثلاثون [التبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبع يلحق الأصل في حكمه وإن لم يشاركه في علته (¬1). وفي لفظ: الفرع يلتحق بالأصل في حكمه وإن لم توجد فيه علته (¬2). وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تفيدان معنى متحداً وهو أن التبع يلحق الأصل في حكمه - كما سبق في القواعد السالفة - كما أنه لا ينفرد عن متبوعه بحكم خاص، وسواء في ذلك كانت العلة والسبب في الحكم متحداً بين الفرع والأصل أم غير متحدة بينهما. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ذبح صبي أو نصراني صيداً في الحرم لم يؤكل؛ لأن الصبي والنصراني في حكم الذكاة تبع المسلم البالغ، فإذا لم يكن هذا الفعل من المسلم البالغ موجباً للحل فكذلك من الصبي والنصراني؛ لأنهما تبع للمسلم البالغ وإن لم يشاركاه في علته. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 23. (¬2) المبسوط جـ 26 ص 55.

القاعدة الثالثة والثلاثون [تبعية المالك]

القاعدة الثالثة والثلاثون [تبعية المالك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبعية المالك بمنزلة تبعية الأبوين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق ببعض مسائل الرقيق وتفيد أن مالك الصغير ينزل منزلة الأبوين في تبعية الصغير له، وحيث إن الابن يتبع خير الأبوين ديناً، فكذلك بالنسبة للمالك حيث إن الصغير يتبعه في دينه؛ لأن الصغير لا يعبر عن نفسه بخلاف الكبير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع صبي في سهم مسلم أو اشتراه فهو مسلم تبعاً للمالك؛ لأن تأثير التبعية للمالك فوق تأثير التبعية للدار؛ لأن الصغير إذا دخل دار الإسلام وليس معه أحد من أبويه فهو يعتبر مسلماً تبعاً للدار فأولى أن يكون مسلماً إذا ملكه مسلم. ومنها: إذا دخل ذمي دار الحرب بأمان واشترى صغيراً من ممالكيهم وأخرجه إلى دار الإسلام لم يكن مسلماً بل هو تابع للذمي. وحتى لو كان هذا الصبي من المجوس أو عبدة الأوثان فهو يعتبر بمنزلة أهل الكتاب تؤكل ذبيحته، ويحل وطؤها إن كانت جارية بمنزلة ما لو كان أحد أبويه كتابيًّا والآخر مجوسيًّا؛ لأن تبعية المالك بمنزلة تبعية الأبوين. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا كان الصغير في الأصل كتابيًّا والذي أخرجه مجوسي فيعتبر الصغير ¬

_ (¬1) شرح السير 2271.

كتابيًّا باعتبار الأصل فلا يتحول عن ذلك باعتبار تبعية المالك. وكذلك - بل أولى - إذا كان الصغير مسلماً مملوكاً فاشتراه المجوسي فهو يكون مسلماً ويجبر المجوسي على بيعه. ويتصور كون الصغير مسلماً مملوكاً إذا وقع هذا الصغير في يد الأعداء أسيراً وكان أبواه مسلمين أصلاً ثم اشتراه المجوسي من أهل الحرب.

القاعدة الرابعة والثلاثون [تبعية الميت]

القاعدة الرابعة والثلاثون [تبعية الميت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تبعية الميت لا تعتبر في ابتداء الإسلام وإن كان معتبراً في البقاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومثالها: الصغير تابع لأبيه في دينه: إن كان الأب مسلماً فهو مسلم أو كافراً فهو كافر، واختلاف الدارين قاطع للتبعية، كما هو قاطع للتوريث، فإذا كان الأب كافراً ثم دخل دار الإسلام وأسلم وله أولاد صغار في دار الحرب فهم كفار غير تابعين لأبيهم لاختلاف الدار، لكنهم إن دخلوا دار الإسلام بسبي أو غيره وأبوهم مازال حيًّا صاروا تبعاً لأبيهم فهم مسلمون بإسلامه، وأما إن مات الأب مسلماً في دار الإسلام ثم أسر الصبي فإنه لا يكون مسلماً ما دام في دار الحرب حتى يقسم أو يباع أو يخرج إلى دار الإسلام فإذا أخرج إلى دار الإسلام حكم بإسلامه تبعاً لأبيه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2274 .......

القاعدة الخامسة والثلاثون [التبعيض]

القاعدة الخامسة والثلاثون [التبعيض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التبعيض في الأعضاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التبعيض معناه: التجزئة وجعل الشيء أبعاضاً أي أجزاء (¬2). هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله وإسقاط بعضه كإسقاط كله) (¬3). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: (ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله) (3). وتأتي في حرف الذال إن شاء الله. ومفادها: أن الشيء الذي لا يقبل التبعيض ولا التجزئة - أي يكون الحكم فيه كليًّا - فذكر بعض أجزائه بالحكم يكون حكماً لكله، وكذلك الحكم بإسقاط بعض أجزائه يكون حكماً بإسقاط كله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: يدك طالق. طلقت كلها؛ لأن الطلاق لا يتجزأ. ومنها: إذا أعتق بعض عبده، عتق كله؛ لأن العتق لا يتجزأ. ومنها: عفو بعض الأولياء عن الدم إسقاط للقصاص؛ لأن القصاص لا ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 126. (¬2) المصباح ومختار الصحاح مادة "بعض" بتصرف. (¬3) تأسيس النظر ص 60، المنثور جـ 3 ص 153، جـ 1 ص 193، أشباه السيوطي ص 160، أشباه ابن نجيم ص 162، شرح الخاتمة ص 45، المجلة المادة 63، المدخل الفقهي الفقرة 619، الوجيز مع الشرح ص 223.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يتجزأ. أو عفا مستحق القصاص عن بعضه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال في الرجعة: راجعت يدك لم تصح الرجعة. ومنها: إذا قال: نصفي كفيل بدَينك. لم تصح الكفالة بخلاف ما لو قال: أنا كفيل بنصف دينك؛ لأن الدَّين يقبل التبعيض. وقد سبق ذكر هذه القاعدة في حرف الهمزة تحت كلمة أصل برقم 441.

القاعدة السادسة والثلاثون [التبعيض]

القاعدة السادسة والثلاثون [التبعيض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التبعيض في الأملاك المجتمعة عيب (¬1). أو الملك (¬2). وفي لفظ: التبعيض في الأعيان المجتمعة عيب (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد تتعلق بتفريق الصفقة المجتمعة والتي لا تقبل التبعيض ولا التجزئة لما يسببه ذلك من ضرر على بعض ذوي العلاقة بالصفقة. ولما كان الضرر مدفوعاً ويجب إزالته ورفعه إذا وقع منع الفقهاء تفريق الصفقة وتبعيض الملك المجتمع دفعاً للضرر عن الغير. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا بيعت دار ولها شفعاء فقال أحد الشفعاء: سلمت شفعتي في نصف الدار. يكون ذلك تسليماً للشفعة كلها وذلك لسببين: الأول: أن الشفعة كلٌّ لا يتجزأ (فذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله) - كما سبق - فكأنه سلم الشفعة كلها. والسبب الثاني: إن في ذلك ضرراً على المشتري والبائع؛ لأن في ذلك تفريقاً للصفقة المجتمعة (والتبعيض في الملك المجتمع عيب)، والمشتري مصلحته في جميع الدار لا نصفها. ومنها: إذا اشترى داراً أو أرضاً أو سلعة فاستُحق جزء منها كالثلث أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5/ 86، جـ 14 ص 160. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 1، جـ 30 ص 188. (¬3) القواعد والضوابط ص 468.

الربع، فللمشتري أن يرد كل الدار أو الأرض أو السلعة ويسترد الثمن من البائع؛ لأن التبعيض في الأملاك المجتمعة عيب، ولكن إذا رضي المشتري بالجزء الباقي بجزء من الثمن فله ذلك؛ لأنه أدرى بمصلحته.

القاعدة السابعة والثلاثون [التجاذب]

القاعدة السابعة والثلاثون [التجاذب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تجاذب الفرع أصلان متعارضان (¬1). [فقهية أصولية]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل: ما بني وتفرع عليه غيره، والفرع: ما بني على غيره. كالشجرة أصل والأغصان والثمار فروع. ففي المحسوسات لا يقبل الفرع إلا أصل واحد. ولا يعقل أن يتنازع أو يتجاذب أصلان فرعاً واحداً. ولكن في الأمور المعنوية كالقياس والأحكام قد يتعارض لدى المجتهد أصلان يتجاذبان الفرع المقيس أو الحكم المراد، ففي هذه الحال لا يكون أمام المجتهد - إن لم يمكنه التوفيق - سوى الترجيح بين هذين الأصلين وإلحاق الفرع المتنازع بينهما لأكثرهما به شبهاً، أو أكثر صفات، أو يعمل بالأصلين معاً على سبيل التوفيق. قال في المنثور (¬2): قال صاحب الذخائر (¬3) في باب زكاة الفطر: وعلى المجتهد ترجيح أحدهما بوجه من وجوه النظر. فلا يظن أن تقابل الأصلين يمنع المجتهد من إخراج الحكم، إذ لو كان كذلك لخلت الواقعة عن حكم الله تعالى، وهو لا يجوز. ¬

_ (¬1) قواعد الحصيني ق 2 ص 451. (¬2) جـ 1 ص 330. (¬3) صاحب الذخائر هو القاضي بهاء الدين أبو المعالي المجلي بن جميع بن نجا المخزومي الأسيوطي الشافعي، توفي سنة 550 هـ، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 206، والذخائر كتاب في فروع الشافعية.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شك وهو في الجمعة هل خرج الوقت أم لا؟ أتم الجمعة على الصحيح؛ لأن الأصل بقاء الوقت. ومنها: إذا أدرك المسبوق الإمام وهو راكع وشك في إدراك حد الإجزاء، فهل يدرك الركعة؛ لأن الأصل بقاء الركوع أو لا؛ لأن الأصل عدم الإدراك وجهان، والأخذ بالاحتياط هنا أولى وهو الثاني. ومنها عند الأصوليين في قياس الشبه: العبد إذا قُتل فهل يجب على قاتله ديته قياساً على الحر؛ لأنه مكلف ومخاطب. أو تجب قيمته بالغة ما بلغت قياساً على الدابة؛ لأنه يباع ويوهب؛ خلاف بين الأصوليين. ومنها: إذا وقع في الماء نجاسة وشك في بلوغه قلتين، فهل يحكم بنجاسته؛ لأن الأصل عدم بلوغه قلتين؟ أو بطهارته؛ لأن الأصل في الماء الطهارة؟ وجهان.

القاعدة الثامنة والثلاثون [مخالفة أهل البدع]

القاعدة الثامنة والثلاثون [مخالفة أهل البدع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تجب مخالفة أهل البدع فيما عرف كونه من شعارهم الذي انفردوا به عن جمهور أهل السنة، وإن صح مستندهم فيه خبراً (¬1) أو نظراً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البدع: جمع بدعة، والبدعة في اللغة: من الابتداع وهو الإنشاء والابتداء والإحداث. ومنه قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} (¬2). أي ما كنت أول من أرسل، قد أرسل قبلي رسل كثير (¬3). أو ما أنا أول من جاء بالوحي من عند الله وتشريع الشرائع بل أرسل الله تعالى الرسل قبلي مبشرين ومنذرين فأنا على هداهم (¬4). وأما في الشرع: فالبدعة هي الفعلة المخالفة للسنة (¬5). أو هي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي، وهي مقابل للسنة. ولذلك يجب مخالفة أهل البدع فيما اشتهروا به من بدعهم التي انفردوا بها عن جمهور أهل السنة - حتى وإن صح لهم دليل على بدعتهم - كان الدليل خبراً أو استدلالاً واجتهاداً. هكذا قال المقري (¬6). ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 319. (¬2) الآية 9 من سورة الأحقاف. (¬3) لسان العرب مادة "بدع". (¬4) المصباح مادة "بدع". (¬5) التعريفات ص 45. (¬6) سبقت ترجمته.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ضرب المقري مثال البدعة التي يجب مخالفتها: بخمس تكبيرات في صلاة الجنازة وصيام يوم الشك وعلل لقوله: إن مستند البدعيين وإن كان صحيحاً في الخبر أو النظر فإن مستند جماعة أهل السنة ودليلهم مثله على الأقل أو أصح منه. ثم قال: ثم فيه مع صيانة العرض القيام مع أهل الحق والردع لأهل الباطل. وبنى المالكية على ذلك قاعدة قالوا فيها: (ينبغي لأهل الفضل اجتناب الصلاة على المجاهرين). قال: وهي قاعدة شرعية معلومة. وأقول وبالله التوفيق: إنه إذا صح الخبر ولم يعرف هذا الخبر بنسخ أو نهي عن الفعل الذي دل عليه واستند إليه مستند وإن خالف الجماعة، فهل يكون تمسك المتمسك به وعمل عليه بدعة؟ وكذلك إذا اجتهد مجتهد في صيام يوم الشك فهل يعتبر اجتهاده وصومه بدعة؟ فمثلاً التكبير على الجنازة خمس تكبيرات قد ثبت عند مسلم من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه (أنه كبر على جنازة خمساً) وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبرها. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما نحوه، رواه أحمد، والتكبير على الجنازة خمساً رواية عن أحمد رحمه الله. فهل يكون ذلك بدعة؟ وإن كان عمل الجماعة على التكبير أربعاً. ولِمَ لا يحمل ذلك على جواز الأمرين؟ بل عند أحمد رحمه الله: إن المأموم يتابع الإمام إلى سبع تكبيرات (¬1). وأما صيام يوم الشك وهو إذا حال دون منظر القمر غير أو قتر ليلة الثلاثين ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 282.

فقد أوجبه جماعة كبيرة - وإن كان العمل عند الأئمة بخلافه - (¬1). فكيف يقال: إن صيامه بدعة. والبدعة كما عرفناها مما لم يكن اقتضاه الدليل الشرعي؟ ومن الأمثلة الصحيحة لهذه القاعدة: إذا عرف عن جماعة اجتماعهم في وقت مخصوص لذكر مخصوص - لم يرد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله أصحابه رضوان الله عليهم - كما يفعل الصوفية. فهذه بدعة محدثة في الدين، فيجب مخالفتهم فيها. ومنها: من يبيحون للمرأة المسلمة السفور والتكشف وتقصير الثياب والاختلاط مع الرجال ومجالستهم مع التكشف، فهذه بدعة وأولئك مبتدعون لا يصلى عليهم. ومنها: من يبيحون الربا ويسمونه بغير اسمه. فهؤلاء وأمثالهم هم المبتدعون الذين لا يصلى عليهم، لا من يكبر على الجنازة خمساً أو من يرى صوم يوم الشك بدليل أو اجتهاد صحيح. ¬

_ (¬1) نفس المصدر جـ 1 ص 356.

القاعدة التاسعة والثلاثون [اليمين]

القاعدة التاسعة والثلاثون [اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تجب اليمين في كل حق لابن آدم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين في اللغة يطلق على معان عدة: القوة والشدة، واليمين: البركة، واليمين: الجهة، واليد اليمنى، واليمين: الحَلِف. وهو مقصود القاعدة. وسمي الحلف يميناً لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه (¬2). واليمين في الاصطلاح: توكيد الحكم بذكر معظَّم على وجه مخصوص (¬3). أو هي: تقوية أحد طرفي الخبر بذكر الله تعالى (¬4). أو هي: تأكيد الأمر وتحقيقه بذكر اسم الله أو بصفة من صفاته عز وجل (¬5). فمفاد القاعدة: أن مَن قُبل قوله في شيء أو حق كان عليه اليمين إذا طلبت منه؛ لأن إثبات الحق إذا لم تقم عليه البينة أو الإقرار وجبت اليمين للنفي. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 441. (¬2) المصباح مادة "يمين" المطلع ص 387. (¬3) المطلع ص 387. (¬4) التعريفات ص 380. (¬5) أنيس الفقهاء ص 172.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى شخص على آخر دعوى مال أو دم ولا بينة ولا إقرار فيوجه اليمين وجوباً على المدعى عليه لنفي الدعوى. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: القاضي إذا ادعي عليه - بعد العزل - الحكم بباطل وادعي عليه بقيمة المتلَف فأنكر. فلا يمين عليه. قاله الشافعي رضي الله عنه. ومنها: إذا ادعى رجلان زوجية امرأة فأقرَّت لأحدهما لم تُحلَّف للآخر (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 441.

القاعدة الأربعون [تجدد السبب]

القاعدة الأربعون [تجدد السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تجدد السبب بعد انقضاء تعلقه كابتدائه (¬1). وأما قبله: فإن كان معقولاً تداخلت كالحدود والأحداث، وإلا فقولان كالولوغ. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالسبب هنا: العلة. وهو ما ينبني عليه الحكم ويوجد بوجوده وينتفي بانتفائه. والمراد بهذه القاعدة: أن السبب الموجب للحكم إذا وجد مرة أخرى بعد استيفاء تعلقه السابق يجعل كابتداء سبب فيأخذ حكماً جديداً. وأما إذا تجدد السبب وتكرر قبل استيفاء تعلقه السابق فإن الأحكام تتداخل ويثبت لكل الأفعال حكم واحد هذا إذا كان تعلق الحكم بالسبب معقولاً أي معللاً، وأما إذا كان تعلق الحكم بالسبب تعبديًّا غير معقول المعنى فالخلاف فيه بين التداخل والتعدد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أ - مثال تجدد السبب بعد انقضاء تعلقه إذا زنا وأقيم عليه الحد، ثم إذا زنا مرة ثانية يقام عله حدٌّ آخر، كذلك إذا سرق فقطعت يده ثم سرق أخرى فتقطع رجله أو يده اليسرى. وكذلك إذا أحدث فتوضأ ثم أحدث مرة أخرى فعليه وضوء آخر. ب - مثال لتجدد السبب قبل انقضاء تعلقه وهو معقول المعنى: إذا زنا ولم ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 185.

يقم عليه الحد ثم زنا أخرى. فإنما يقام عليه حد واحد، وكذلك لو زنا مراراً دون إقامة حد فيحد حدًّا واحداً، وكذلك إذا قذف مراراً شخصاً واحداً، وأما إذا تعدد المقذوفون فيجب لكل مقذوف حدٌّ. ومنها إذا بال ثم لمس بشهوة وجب عليه طهارة واحدة. ج - مثال غير معقول المعنى: إذا ولغ الكلب في الإناء ولم يغسل ثم ولغ فيه نفس الكلب مرة أخرى. أو ولغت فيه كلاب أخرى، فهل يكفي فيه غسلة واحدة - أي غسلة ولوغ سبع مرات إحداهن بالتراب - أو يتعدد الغسل بتعدد الولوغ؟ الأول المشهور (¬1). ¬

_ (¬1) مواهب الجليل جـ 1 ص 179.

القاعدة الحادية والأربعون [التدقيق في التحقيق]

القاعدة الحادية والأربعون [التدقيق في التحقيق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التدقيق في تحقيق حِكَم المشروعية من مُلَح المعلم لا من متنه عند المحققين بخلاف استنباط علل الأحكام وضبط أماراتها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التدقيق: المبالغة في التفحص. من دق الأمر إذا لطف إدراكه، ويقال: دَقَّ الأمر دِقة: إذا غمض وخفي معناه فلا يكاد يفهمه إلا الأذكياء (¬2). والتحقيق: تفعيل من حقَّ الأمر إذا جعله ثابتاً لازماً ببلوغ منتهاه من التحقيق والتثبت (¬3). والحكم: جمع حكمة. والمراد بحكم المشروعية علل تشريع الأحكام الإلهية بغير ما ورد به الشرع، أو باستنباط عقلي لا يقوم على دليل صحيح. والمُلَح: جمع مُلْحة وهي الأمور التي تستحسنها العقول وتستملحها النفوس. والمراد بالمُلَح هنا ما ليس قطعيًّا ولا مبنيًّا على قطعي غالباً ولا هي مطردة عامة. ومفاد القاعدة أنه لا ينبغي لطالب العلم المبالغة في التنقير عن الحِكم لا سيما ما ظاهره البعد إذ لا يؤمن فيه من ارتكاب الحظر والوقوع في ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 159. (¬2) المصباح مادة "دققت". (¬3) المصباح مادة "حق" بتصرف.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الخطل، وحسب الفقيه من ذلك ما كان منصوصاً أو ظاهراً أو قريباً من الظهور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يقال: الزوال وقت الانقلاب إلى العادة فطُلب منه البداية بالعبادة. فقولهم: وقت الانقلاب إلى العادة محاولة لمعرفة الحكمة من فرض صلاة الظهر عند الزوال، وهذا التعليل غير صحيح؛ لأن أوقات العبادات لا تقبل التعليل. وكذلك قولهم. وقت العصر وقت الانتشار في طلب المعاش فقيل لهم: تزودوا قبل ذلك للمعاد (¬1). ¬

_ (¬1) قواعد المقري جـ 2 ص 407 بتصرف. وينظر الموافقات للشاطبي جـ 1 ص 77 فما بعدها.

القاعدة الثانية والأربعون [أحكام الذمي]

القاعدة الثانية والأربعون [أحكام الذمي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تجري على الذمي أحكام المسلمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذمي: هو الذي أعطي عهداً أن يكون في ذمة المسلمين ورضي بدفع الجزية والبقاء على دينه تحت حكم الإسلام. ويشمل ذلك: الكتابي: اليهودي والنصراني، وغير الكتابي كالمجوسي والوثني. فهؤلاء يجري عليهم من الأحكام ما يجري على المسلمين إلا ما استثني بسبب اختلاف الدين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل الذمي ذميًّا عمداً قتل به قصاصاً، وإذا زنا أقيم عليه الحد، ولكنه لا يرجم لأنه غير محصن عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أحمد رحمه الله يرجم؛ لأن الذميين يثبت لهما الإحصان عنده ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهوديين اللذين زنيا (¬2). وكذلك عند الشافعي ومالك (¬3) رحمهما الله تعالى. وإذا قذف يقام عليه حد القذف. وإذا سرق تقطع يده. وإذا ترافعوا إلى قاض مسلم في المواريث يحكم بينهم ويقسم مواريثهم ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 254، أشباه ابن نجيم ص 325. (¬2) الحديث أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الحدود، والبخاري في كتاب الحدود، باب أحكام أهل الذمة، ومسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود. ينظر المقنع جـ 3 ص 454. (¬3) الاعتناء جـ 2 ص 1000، الكافي جـ 2 ص 1068.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

كما يقسمها بين المسلمين. وإن كان في شرعهم ما يخالفه. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: لا يقام على الذمي حد الخمر لأنه مباح عندهم. ولا يمنع من اقتناء الخنزير. والخمر والخنزير في حقهم مال مقوم، فلو أتلف ذمي أو مسلم على ذمي خمره أو قتل خنزيره وجب عليه الضمان. بخلاف ما لو كان الخمر أو الخنزير لمسلم فلا ضمان في إتلافهما لأنهما ليسا بمال في حق المسلم. كما لا يمنع الذمي من لبس الحرير والذهب. ولا يؤمر بالعبادات ولا تصح منه لو فعلها. ولو تناكح أهل الذمة نكاحاً فاسداً أو تبايعوا فاسداً لم يتعرض لهم.

القاعدة الثالثة والأربعون [التجهيل]

القاعدة الثالثة والأربعون [التجهيل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التجهيل موجب للضمان (¬1). وفي لفظ: الأمانات تقلب مضمونة بالموت عن تجهيل. وقد سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 581. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التجهيل: تفعيل من الجهل. يقال: جهَّل يجهِّل تجهيلاً. ككرَّم يكرِّم تكريماً. والجهل: ضد العلم. والتجهيل: فعل الجهل. والمراد به هنا: إغفال أمر الوديعة والسكوت عليها حتى الموت - مع عدم علم الوارث بها - فإن ذلك موجب لضمانها وإخراج قيمتها من التركة قبل القسمة. وإن كان الأصل في الأمانة والوديعة أنها غير مضمونة إلا بالتعدي أو التفريط، ويعتبر تجهيل الوديعة بعدم ذكرها لورثته وإعلامهم بها - وكانوا هم لا يعلمونها - يعتبر ذلك تفريطاً من الأمين، ولذلك وجب ضمانها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أودع رجل عند آخر مالاً، أو جوهراً أو ثياباً أو غيرها، ثم مات الأمين ولم يعلم ورثته بتلك الوديعة، فإن هذه الوديعة تنقلب مضمونة في مال الميت ويجب إما العثور عليها وتسليمها لصاحبها بعد إقامة البينة عليها، وهو أحق بها من باقي الغرماء، أو ضمان قيمتها في التركة قبل القسمة وتعتبر ديناً على الميت. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 131.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

فإن كان للميت غرماء آخرون بسبب ديون أو مضاربة أو بضاعة فإن عرِّفت الودائع بأعيانها كان أربابها أحق بها من الغرماء، وإن لم تعرف بأعيانها قسم المال بينهم بالحصص، وأصحاب الوديعة والمضاربة والبضاعة بمنزلة الغرماء عند الحنفية، وخالف في ذلك ابن أبي ليلى رحمه الله حيث قال: الغرماء أحق بجميع التركة ولا يصبح الأمين إذا مات مجهِّلاً للأمانة ضامناً. وحجة الحنفية: أن الأمين بالتجهيل يصير مسلطاً غرماء الميت وورثته على أخذ الوديعة. والمودَع بمثل هذا التسليط يكون ضامناً كما لو دل سارقاً على سرقتها، ولأنه التزم أداء الأمانة، ومن أداء الأمانة بيانها عند موته وردها على المالك إذا طلب، فكما يضمن بترك الرد بعد الطلب يضمن أيضاً بترك البيان عند الموت. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: الناظر إذا مات مجهلاً غلات الوقت فلا يضمن. والقاضي إذا مات مجهلاً أموال اليتامى عند مَن أودعها. والسلطان إذا أودع بعض الغنيمة عند الغازي ثم مات ولم يبين عند مَن أودعها (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 273.

القاعدة الرابعة والأربعون [تحديد ما يتعذر إحضاره]

القاعدة الرابعة والأربعون [تحديد ما يتعذر إحضاره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التحديد فيما يتعذر إحضاره بمنزلة الإشارة إلى العين فيما يتيسر إحضاره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التحديد: أي ذكر الحدود. فمفاد القاعدة: أن ما لا يمكن إحضاره في مجلس العقد يعتبر تحديده بذكر حدوده أو أوصافه المميزة له بمنزلة الإشارة إلى ما يسهل إحضاره وإيجاده في مجلس العقد كالدابة والأداة والسلعة؛ لأن الوصف في الغائب كالإشارة للحاضر في إزالة الجهالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص من آخر أرضاً وذكر حدودها ومساحتها وموقعها فهذا يكفي في تعريفها ويتم العقد عليها بناء على ذلك. فإذا وجد المشتري بعد ذلك الأرض مستوفية للحدود المبينة في العقد لزمه العقد ولا يجوز له الفسخ، وأما إذا وجد اختلافاً فهو بالخيار بين إمضاء العقد أو فسخه (¬2). ومنها: إذا اشترى إنسان من آخر سيارة ولم يمكن إحضارها في مجلس العقد، كأن تكون في بلد آخر أو غائبة وذكرت له أوصافها المميزة من النوع وسنة الصنع واللون وكل ما يمكن أن تميز به السيارة، ثم حين ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 139. (¬2) ينظر أيضاً المقنع جـ 2 ص 12.

إحضارها وجدت حسب الصفات المذكورة لزمت المشتري ولا حق له في الفسخ، وأما إن وجدت مخالفة لبعض الأوصاف فهو بالخيار بين إمضاء العقد أو فسخه.

القاعدة الخامسة والأربعون [البدعة]

القاعدة الخامسة والأربعون [البدعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التحرز عن البدعة واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التحرز من الحرز، والحرز المكان الذي يحفظ فيه ويتحصن به، فالتحرز هو التحفظ. فمفاد القاعدة: أنه عند وجود البدعة أو ظن وقوعها فعلى المسلم أن يتحرز ويتحفظ منها، وعليه البعد عنها. وما تردد بين المباح والبدعة فلا يؤتى به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امرأة ضلت عن أيام حيضها بسبب استمرار الدم معها ولا تدري متى بدء حيضتها أو انتهائها، فهذه تغتسل لكل صلاة، ولا تصلي بغسلها إلا المكتوبات والسنن المشهورة. ولا تصلي شيئاً من التطوعات سوى هذا؛ لأن أداء التطوع في حالة الطهر مباح وفي حالة الحيض حرام، وما تردد بين المباح والسنة والبدعة لا يؤتى به؛ لأنها في كل وقت على احتمال أنها حائض. وقيل هذه تمتنع عن الصلاة والصيام عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل إضلال حيضتها إما من أول الشهر أو آخره بحسب آخر عادة لها. والله أعلم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 195.

القاعدة السادسة والأربعون [التحرز عن الغدر]

القاعدة السادسة والأربعون [التحرز عن الغدر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التحرز عن الغدر واجب (¬1). وفي لفظ: التحرز عن صورة العذر واجب (¬2). من أدلة هذه القاعدة قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الغدر: نقض العهد. فلا يجوز نقض العهد ولذلك كان التحفظ والامتناع من نقضه واجباً، بل الامتناع عن حدوثه واجباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نادى المسلمون الكفار بالأمان بلسان - أي بلغة - لا يعرفه أهل الحرب وذلك معروف للمسلمين، فهم آمنون بإسماعهم كلمة الأمان وإن كانوا لم يفهموها. ولعل فيهم ترجمان يعرف معنى نداء المسلمين، ولذلك لا يجوز إخلاف ذلك؛ لأن التحرز عن صورة الغدر واجب. ومنها: لو جاء رجل مستأمناً وأراد الإسلام بشرط أن يرتكب شيئاً من الفواحش أو أراد أن يكون ذمة ولكن بشرط لا يوافق حكم الإسلام فإنه يبلَّغ مأمنه كغيره من المستأمنين، ولا يجوز قتله أو استرقاقه؛ لأنه غدر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 85. (¬2) شرح السير ص 284، 480. (¬3) الآية 58 من سورة الأنفال.

والتحرز عن الغدر واجب. ومنها: إذا وادع أو عاهد الإمام قوماً لمدة معلومة ثم نظر فرأى أن موادعتهم شرٌّ للمسلمين فلا يجوز له أن يقاتلهم بدون أن ينبذ إليهم عهدهم ويعلمهم بنبذ المعاهدة وإنهائها ثم يقاتلهم إن أراد.

القاعدة السابعة والأربعون [التحري]

القاعدة السابعة والأربعون [التحري] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التحري يقوم مقام الدليل الشرعي عند انعدام الأدلة (¬1). وفي لفظ: التحري يجوز في كل ما جازت فيه الضرورة (¬2). وفي لفظ: التحري إنما يجوز فيما يحل تناوله بالضرورة (¬3). وفي لفظ: التحري في باب الفروج لا يصح (¬4). وفي لفظ: التحري في الفروج لا يجوز بحال (¬5). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التحري لغة: القصد. يقال: تحريت الشيء قصدته، وتحريت في الأمر طلبت أحرى الأمرين وهو أولاهما (¬6). وقال في المختار: التحري في الأشياء طلب ما هو أحرى في الاستعمال في غالب الظن أي أجدر وأخلق. وفلان يتحرى كذا أي يتوخاه ويقصده (¬7). وقال الراغب: حرى الشيء يحرى: أي قصد حراه أي جانبه، وتحرّاه كذلك (¬8). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع جـ 1 ص 372. (¬2) الأصل لمحمد بن الحسن جـ 3 ص 34. (¬3) المبسوط جـ 6 ص 123. (¬4) المبسوط جـ 3 ص 195. (¬5) المبسوط جـ 10 ص 202، 204. (¬6) المصباح مادة "تحريت". (¬7) مختار الصحاح مادة "حرى". (¬8) المفردات في غريب القرآن مادة "حرى".

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وأما في الاصطلاح فالتحري: هو طلب الأحرى وهو الصواب. فالتحري والاجتهاد والتأخي بمعنى (¬1). وقالوا: التحري هو التثبت في الاجتهاد لطلب الحق والرشاد عند تعذر الوصول إلى حقيقة المطلوب والمراد (¬2). فمفاد القواعد: أن التحري هو الاجتهاد في الوصول إلى الأولى من الأمرين إذا التبس الأمر واشتبه ولم يمكن الوصول إلى حقيقة المطلوب والمراد لانعدام الأدلة. وهذا يستلزم التثبت والتمكث والتأني فما غلب على ظن المجتهد أنه الحق أو أقرب إلى الحق اتبعه وحكم به، فالتحري في هذه الحال يقوم مقام الدليل الشرعي عند انعدام الدليل الواضح على المسألة المطلوب بيان حكمها. ولكن ليس كل ما اشتبه يجوز التحري فيه إذ يشترط فيما يجوز فيه التحري أن يكون من الأمور التي تحلها وتبيحها الضرورة، فما لا تحله الضرورة لا يجوز فيه التحري والاجتهاد، وخاصة ما يتعلق بالفروج والنساء حيث لا يحل فيه التحري؛ لأنه لا يحل ولا يباح في الضرورة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من اشتبهت عليه جهة القبلة فيجب عليه التحري والاجتهاد، فما غلب على ظنه أنه جهة القبلة توجه إليها وصلى. وصلاته صحيحة حتى ولو تبين خطؤه بعد ذلك. ومنها: إذا اختلطت ثياب طاهرة بنجسة وليس معه ثياب غيرها ولا ما ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه ص 33. (¬2) أنيس الفقهاء ص 85.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد ولا يجوز فيه التحري

يغسلها به ولا يعرف الطاهر من النجس فإنه يتحرى ويصلي فيما يقع تحريه أنه طاهر. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد ولا يجوز فيه التحري: إذا اشتبهت محرمة برضاع أو نسب بأجنبيات يريد الزواج من إحداهن، أو زوجة بمحرمات، فلا يجوز التحري؛ (لأن الأصل في الأبضاع التحريم). ومنها: إذا اشتبهت شاة مذكاة بميتة وكلاهما مسلوخة، فلا يجوز التحري؛ (لأن الأصل في الذبائح التحريم)، إلا في حال الضرورة فيجوز أن يأكل من أيها شاء. أما في غير حال الضرورة فلا يجوز التحري.

القاعدة الثامنة والأربعون [إعواز المثل]

القاعدة الثامنة والأربعون [إعواز المثل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحرير إعواز المثل، ومقدار ما يجب عنده من القيمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التحرير في اللغة: الأصل فيه جعل الإنسان حرًّا أي خالصاً من شوب الرق. فالتحرير معناه التخليص من الشوائب (¬2). وفي الاصطلاح لمعنى إعواز المثل: تحديد مقدار القيمة الواجبة عند انعدام المثل في المثليات؛ لأن معنى إعواز المثل: انعدامه وعدم وجوده. والأصل في معنى الإعواز الفقر، فكأن الذي لا يجد المثل عند قتل صيد الحرم أو اغتصاب مثلي عز مثله فقير إليه. فمفاد القاعدة: أنه إذا انعدم المثل عند الحاجة إليه وجب إخراج قيمته لتقوم مقامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اغتصب شيئاً أو أتلفه فإن كان هذا الشيء مثليًّا وجب رد مثله كمن اغتصب حنطة أو تمراً؛ لأن الواجب أصلاً رد العين إذا كانت موجودة، فإذا تعذر ردها وكانت مثلية وجب المثل، فأما إذا تعذر وجود المثل وجبت القيمة؛ لأنها مثل العين فكانت بدلاً عن العين لا عن المثل، ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 465، المجموع المذهب لوحة 288 ب. (¬2) مفردات الراغب ص 111، المطلع ص 116.

وقيل: هي - أي القيمة - بدل عن المثل. واختلفوا في المعتبر من القيمة هل هي يوم التلف أو يوم الغصب أو يوم الإعواز؟ عدها ابن الوكيل أحد عشر وجهاً (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 466.

القاعدة التاسعة والأربعون [تحريم الحلال والحرام يمين]

القاعدة التاسعة والأربعون [تحريم الحلال والحرام يمين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تحريم الحلال اليمين (¬1). وفي لفظ: تحريم الحلال يكون يميناً إذا صادف محله، فأما إذا لم يصادف محله كان لغواً (¬2). ومثله: تحريم الحرام يمين. ودليل هذه القواعد وأصلها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تحريم الحلال: جعل ما هو حلال شرعاً محرماً بيمينه، لكن بشرط أن يصادف محلاًّ صالحاً للإيقاع، وكذلك تحريم الحرام شرعاً يمين إذا نواه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حلفت امرأة أن لا تمكن زوجها من نفسها ثم مكنته فعليها كفارة يمين. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام كأمي. ولم تكن له نية ظهار أو طلاق، فهو ظهار؛ لأن الحرمة بالظهار هنا دون الحرمة بالطلاق؛ لأن الحرمة بالظهار لا تزيل الملك، والحرمة بالطلاق تزيله (¬4). ومنها: إذا قال: هذا الخمر علي حرام، ونوى به اليمين كان يميناً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 227، الفتاوى الخانية جـ 1 ص 519. (¬2) المبسوط جـ 30 ص 236. (¬3) الآية 1 من سورة التحريم. (¬4) المبسوط جـ 6 ص 229.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة ولم يكن يمينا

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة ولم يكن يميناً: إذا قال لرجل: إن أكلت عندك طعاماً أبداً فهو كله حرام - ينوي بذلك اليمين - فأكله عنده لم يحنث؛ لأنه يجعل الحرام ما أكله وبعدما أكله لا يتصور أن يجعله حراماً. فإذن هذا لا يكون يميناً وإن نواه؛ لأنه لم يصادف محله.

القاعدة الخمسون [الحال والمآل]

القاعدة الخمسون [الحال والمآل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التحريم المتوقع لا يؤثر في الحال عدم الحل، كما أن الحلَّ المتوقع لا يؤثر في منع الحل في الحال (¬1). وفي لفظ: هل الاعتبار بالحال أو بالمآل (¬2)؟ أو العبرة. وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. وفي لفظ: المتوقع هل جعل كالواقع (¬3)؟ وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: ما قارب الشيء هل يعطى حكمه (3)؟ وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل (3)؟ وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ عند المالكية: الحكم هل يتناول الظاهر والباطن أم لا يتناول إلا الظاهر فقط. وهو الصحيح (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد وإن اختلفت عباراتها فمعناها متحد ويتعلق موضوعها بالمآل والعاقبة المغيبة التي لا يدركها المكلف، وإنما تبنى الأحكام على الظواهر لا العواقب المستورة، فما كان ظاهره الحل فهو حلال، وإن كان ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 1 ص 248. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 103، وأشباه السيوطي ص 178. (¬3) أشباه السيوطي ص 178. (¬4) إيضاح المسالك ق 116.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

قد يحرم في العاقبة، وكذلك ما كان ظاهره التحريم فهو حرام وإن كان يحل في العاقبة والمآل. وقديماً قال الزركشي (¬1): إن الضابط لهذه الأمور: أن ما بني على أمر ظاهر مأذون فيه فلا توقف في جواز التصرف، وكذلك ما بني على أمر ظاهر غير مأذون فيه فلا توقف أيضاً على عدم جواز التصرف (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من أعتق في مرضه أمةً، جاز لوليها القريب أن يزوجها، وكذلك يجوز للمعتق أن يتزوجها؛ لأن العتق قد وقع ممن هو أهله. والتحريم المتوقع هو احتمال أن لا تخرج من ثلث مال المريض عند الوفاة فيكون بعضها مازال رقيقاً. أو أن يوجد على الميت دين مستعرق فتباع في دينه فتكون كلها رقيقاً؛ لأن العتق في مرض الموت وصية. ومنها: جواز عقد النكاح بشهادة شاهدين مستورين ويتسلط الزوج على الاستمتاع في الحال، مع أنه لو ظهر عند العقد أن الشاهدين فاسقان لبطل النكاح. ومنها: أن للزوجة التصرف في جميع الصداق بمجرد العقد وإن كان لا يستقر ملكها عليه إلا بالدخول. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الزوجة إذا ارتدت بعد الدخول فإنه يحرم على زوجها نكاح أختها وأربع ¬

_ (¬1) الزركشي بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله أبو عبد الله الشافعي، من الأعلام ولد سنة 745 هـ بالقاهرة ونشأ بها وتثقف، وله عديد من المؤلفات فوق الثلاثين مؤلفاً في الأصول والتفسير والحديث والفقه والقواعد، توفي سنة 794 هـ. (¬2) المنثور جـ 1 ص 248 فما بعدها.

سواها قبل انقضاء عدتها. ووجه الاستثناء أن الردة تقطع الزوجية لكن لما كان النكاح ثابتاً قبل الردة فلهذا منعوا أن يتزوج أختها أو أربعاً سواها إلا بعد انقضاء عدتها منه حتى لا يكون جامعاً أختين معاً.

القاعدة الحادية والخمسون [تحصيل المقصود]

القاعدة الحادية والخمسون [تحصيل المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحصيل مقصود العاقدين بقدر الإمكان واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها تعلق بقاعدة: العبرة في العقود بالمقاصد لا بالألفاظ. فإن تحصيل وتحقق ما يريده المتعاقدان من عقدها يجب حصوله بقدر الإمكان ولو خالف اللفظ المنطوق به إذا قامت قرينة على المراد وإذا لم تقم قرينة فلا يهمل اللفظ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذا الكتاب بدينارين. فقال: قبلت. كان العقد عقد بيع لا عقد هبة لذكر العوض في العقد. ومنها: إذا استصنع عند حائك - أي خياط - ثوباً موصوف الطول والعرض والرفعة والجنس ينسجه من غزل الحائك، أو من قماش الخياط، وضرب لتسليم هذا الثوب أجلاً وتعجل الثمن كان جائزاً وكان عقد سلم لا خيار له فيه، وليس عقد استصناع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 178، جـ 12 ص 121، وجـ 15 ص 86.

القاعدة الثانية والخمسون [دليل الحياة]

القاعدة الثانية والخمسون [دليل الحياة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التحقيق أن دليل الحياة هو الحس (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تبين هذه القاعدة الدليل على قيام الحياة ووجودها في الإنسان أو الحيوان - بالنسبة لأعضاء كل منهما وعظمه وشعره - عند الاشتباه. فاعتبر الفقهاء أن الحس أو الإحساس هو دليل الحياة، فإذا وجد الإحساس وجدت الحياة، وإذا عدم الإحساس عدمت الحياة. وهذه قاعدة مهمة للتفريق بين الطاهر والنجس في أعضاء الحيوان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عظم الحيوان الميت هل هو طاهر أو نجس؟ من قال: إنه لا إحساس فيه حكم بطهارته. ومن قال: إنه تحله الحياة حكم بنجاسته كظاهر مذهب الشافعي رحمه الله. وكذلك بالنسبة للشعر حيث أتبعه الشافعية المنبت فاعتبروه نجساً بالموت (¬2). كالمالكية في قول لهم. والحنفية عندهم أن شعر الميتة وعظمها وحافرها وعصبها طاهر (¬3). ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 29. (¬2) روضة الطالبين جـ 1 ص 43. (¬3) اللباب في شرح الكتاب جـ 1 ص 24.

ولأحمد بن حنبل رخمه الله في عظم الميتة وظفرها روايتان. أما الصوف والشعر والريش فطاهر (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 26.

القاعدة الثالثة والخمسون [تحكيم الحال]

القاعدة الثالثة والخمسون [تحكيم الحال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحكيم الحال واجب في كل أمر أشكل في الماضي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحال: أي الزمن الحاضر. لهذه القاعدة صلة بقاعدة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان)، وتتعلق بأحد نوعي الاستصحاب عند الحنفية والشافعية وهو ما يسمى بالاستصحاب المقلوب أو المعكوس، ومحله في كل أمر اشتبه وأشكل في الماضي - حيث لا بينة ولا دليل - على الدعوى فتحكم الحال الحاضرة ويكون القول قول من يتمسك بها مع يمينه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاختلاف في جريان ماء الطاحون إذا اختلف المؤجر والمستأجر في جريان ماء النهر الذي يدير الطاحون، فيقول المستأجر: إن الماء انقطع منذ ثلاثة أشهر مثلاً، وقال المؤجر: بل هو جار لم ينقطع. ولا بينة ولا دليل لأحدهما على قوله. فينظر إلى الحال الحاضرة حين الخصومة، فإن كان الماء منقطعاً كان القول قول المستأجر مع يمينه، وإذا كان جارياً كان القول قول المؤجر مع يمينه ويسمى هذه استصحاب الحال للماضي. ومنها: مسألة زوجة الذمي التي ادعت أنها أسلمت بعد وفاة زوجها، وتطالب بميراثها منه. وقال ورثة الميت: إنها أسلمت قبل وفاته فلا تستحق من الميراث لاختلاف الدين - ولا بينة ولا دليل لأحد منهم على ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484.

قوله - فعند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف محمد رحمهم الله تعالى: القول قول الورثة مع يمينهم تحكيماً للحال حيث إنها الآن مسلمة فينسحب إسلامها إلى ما قبل الوفاة. وعند الإمام زفر بن الهذيل: إن القول قول المرأة بناء على الأصل الآخر وهو (إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته) وأقرب أوقات إسلامها بعد الوفاة هو الوقت المتفق على وجود إسلامها فيه. والوقت الأبعد، وهو ما قبل الوفاة مشكوك فيه، فيكون القول قول من يتمسك بالزمن الأقرب؛ لأنه المتيقن. ويكون القول قول المرأة أنها أسلمت بعد الوفاة مع يمينها فترث. وبناء على قول زفر تكون هذه المسألة مستثناة من القاعدة.

القاعدة الرابعة والخمسون [تحكيم السيماء]

القاعدة الرابعة والخمسون [تحكيم السيماء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تحكيم السيماء فيما يحكم فيه بالعلامة أصل (¬1). وفي لفظ: تحكيم السيماء أصل فيما لا يوقف على حقيقته (¬2). وفي لفظ: تحكيم السيماء أصل في باب الإسلام (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: السيماء في اللغة: العلامة، والسُّومة أيضاً. وتأتي مقصورة: السيمى والسيما والسيمياء (¬4). قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (¬5). وقال سبحانه: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (¬6). وأصل المادة: ما دل على طلب شيء يقال: سمت الشيء أسومه سوماً. واعتبر ابن فارس: السُّومة وهي العلامة تجعل في شيء، مما شذ عن الباب (¬7). ومعناها في الاصطلاح هو معناها في اللغة. فمفاد القاعدة: أن ما لا يوقف على حقيقته وما يجهل - وكان لا بد من إعطائه حكماً شرعيًّا - أنه ينظر إلى العلامات المميزة وبناءً عليها يكون ¬

_ (¬1) شرح السير ص 710، 1789، 1943. (¬2) نفس المصدر 1444. (¬3) شرح السير ص 1942. (¬4) مختار الصحاح مادة "سوم". (¬5) الآية 29 من سورة الفتح. (¬6) الآية 273 من سورة البقرة. (¬7) معجم مقاييس اللغة مادة "سوم".

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الحكم وهذا أصل شرعي عظيم. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا اختلط موتى مسلمين بموتى كفار، فإنه يفرق بينهم بالعلامة التي يتميز المسلم عن الكافر. حيث يجب تغسيل المسلم والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، ولا يجوز الصلاة على الكافر ولا دفنه في مقابر المسلمين، ومن علامات المسلم الختان، وصبغ الشعر واللباس المميز إن وجد وآثار السجود. ومنها: إذا دخل المسلمون مدينة من مدائن المشركين عنوة فلا بأس أن يقتلوا من لقوا من رجالهم إلا أن يروا رجلاً عليه سيماء المسلمين فيجب أن لا يقتلوه ويجب عليهم التثبت في أمره حتى يتبين لهم حاله؛ لأنه متى وقع الغلط في القتل لا يمكن تداركه، وليس في تأخيره إلى أن يتبين الأمر تفويت شيء على المسلمين.

القاعدة الخامسة والخمسون [تحكيم العادة]

القاعدة الخامسة والخمسون [تحكيم العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحكيم العادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة العرف وأثره في الأحكام الشرعية والمعنونة بقاعدة "العادة محكمة" وستأتي في حرف العين إن شاء الله تعالى بأدلتها وبعض تفصيلاتها ومسائلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن الله سبحانه وتعالى أمر بالاستئذان في الأوقات الثلاثة التي جرت العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب، فانبنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه في حياتهم اليومية، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} (¬2) الآية. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 ص 166، 324، اشباه ابن السبكي جـ 1 ص 50، المجموع المذهب لوحة 16 أ، مختصر قواعد العلائي ص 252، 371، 600. (¬2) الآية 58 من سورة النور.

القاعدة السادسة والخمسون [تحكيم المكان]

القاعدة السادسة والخمسون [تحكيم المكان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحكيم المكان أصل في الشرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بتحكيم المكان بناء الحكم الشرعي على مكان وقوع الحادثة، حيث إن بعض الحوادث والوقائع تختلف أحكامها الشرعية تبعاً لاختلاف الأمكنة التي وقع فيها الحادث أو حدثت فيها الواقعة، فدار الإِسلام غير دار الحرب وأرض المعركة غيرهما. وأرض الحرم خلاف أرض الحل. وأحكام المساجد غير أحكام البيوت أو الشوارع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من رأى شخصاً في دار الحرب وهو لا يعلم حاله يباح له الرمي إليه ما لم يعلم أنه مسلم أو ذمي. وأما لو رآه في دار الإسلام فلا يحل له ذلك ما لم يعلم أنه حربي. ومنها: إذا دخل قوم من أهل الذمة بعض حصون أهل الحرب، ثم ظهر المسلمون على أهل الحصين فكل مَن في الحصين فيء - أي غنيمة - إلا من عُرف بالذمة بعينه؛ لأنهم وجدوا في موضع النهبة والإباحة فكانوا فيئاً، ما لم يظهر المانع في بعضهم، كأن يكون ذميًّا أو مسلماً. وتحكيم المكان في مثل هذا أصل في الشرع. ومنها: قضاء القاضي في غير مكان ولايته - قالوا - لا يصح؛ لأن القضاء ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 68 عن شرح السير ص 253، 413.

يتخصص بالزمان والمكان (¬1). فلا يقضي القاضي في غير بناء المحكمة ولا في غير زمن القضاء عند الحنفية. ومنها: قتل صيد الحرم يوجب الجزاء بخلاف صيد خارجه ولو كان مجاوراً له. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 235، 237.

القاعدة السابعة والخمسون [التحليف]

القاعدة السابعة والخمسون [التحليف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التحليف يتوقف على صحة الدعوى (¬1). وفي لفظ: لا يحلف القاضي على حق مجهول (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان أصل عظيم من أصول وقواعد الدعوى؛ لأن البت في الدعوى يتوقف على بينة المدعي أو يمين المدعى عليه عند عدم البينة، ولكن ليس كل من ادعى دعوى ولم يأت ببينة وطلب يمين خصمه تقبل دعواه ويجاب إلى طلبه بتوجيه اليمين على المدعى عليه؛ بل على القاضي: أولاً: أن يتحقق من صحة دعوى المدعي. فما لم يتبين صحة الدعوى فلا يجوز تحليف المدعى عليه، والدعوى الباطلة: إما أن لا تكون ملزمة شيئاً على الخصم، أو يكون المدعى به مجهولاً في نفسه (¬3). ثانياً: أن يطلب من المدعي بينته أولاً، فإن عجز وقد ثبت صحة الدعوى وجه اليمين على المدعى عليه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ادعى معروف الفقر والمسكنة على رجل من كبار القوم وأغنيائهم أنه اقترض منه مبلغاً عظيماً من المال - ولم يعرف هذا الفقير بامتلاك عشر ¬

_ (¬1) الفرائد ص 19 عن حاشية أبي السعود على أشباه ابن نجيم باب القضاء. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 218. (¬3) معين الحكام للطرابلسي ص 54، وينظر المقنع جـ 3 ص 621 مع الحاشية.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

معشاره - وطلب تحليف خصمه، فإنه لا تقبل هذه الدعوى ولا توجه اليمين على المدعى عليه. ومنها: إذا باع أرضاً ثم ادعى أنها وقف وطلب يمين المشتري المدعى عليه قالوا: ليس له ذلك عند الكل؛ لأن التحليف يعتمد صحة الدعوى، ودعواه لم تصح للتناقض؛ حيث إنه باع الأرض ثم ادعى أنها وقف، والوقف لا يباع. ومنها: إذا ادعى على شريكه خيانة مبهمة وطلب يمينه لا يحلف (¬1). رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: وقد وجبت اليمين مع أن المحلوف عليه مجهول: دعوى المجهول في الوصية، فإن ادعى حقًّا من وصية أو إقرار فإنهما يصحان بالمجهول. وتصح دعوى الإبراء من المجهول بلا خلاف (¬2). ومنها: إذا اتهم القاضي وصي اليتيم أو متولي الوقف بخيانة مبهمة فإنه يحلفهما نظراً لليتيم والوقف. ومنها: إذا ادعى المودِع على المودَع خيانة مطلقة فإنه يُحلَّف (1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 218. (¬2) معين الحكام ص 54.

القاعدة الثامنة والخمسون [تحمل الضرر]

القاعدة الثامنة والخمسون [تحمل الضرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحمل الضرر القليل لا يدل على تحمل الضرر الكثير (¬1). [والعكس صحيح]. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى؛ لأن من تحمل ضرراً قليلاً عند حاجته فلا يدل ذلك على أنه قادر على تحمل ضرر أكثر أو أكبر، ولكن العكس صحيح وهو أن مَن تحمل الضرر الكثير قادر على تحمل الضرر القليل بطريق الأولى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العبد لا تجب عليه الجمعة لحق المولى، ولكن يجب عليه صلاة الظهر وغيرها من الصلوات وإن كان يتضرر المولى. ولكن ذلك القدر مستثنى لحق الله تعالى. وأما الجمعة فإن الشرع أسقطها عنه لدفع الضرر عن المولى بترك خدمته؛ حيث إن شهود الجمعة وانتظار الإمام وسماع الخطبة يأخذ منه وقتاً كبيراً قد يتضرر بسببه المولى بخلاف صلاة الظهر حيث إنه يتمكن من أدائها بنفسه حيث هو، فلا ينقطع عن خدمة المولى. ومنها: من قدر على العمل تحت الشمس ساعة وتحمل حرها لا يدل ذلك على أنه يقدر على العمل وتحمل الحر ساعتين أو يوماً كاملاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 22.

القاعدة التاسعة والخمسون [تحملات الغير]

القاعدة التاسعة والخمسون [تحملات الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تحملات الغير عن الغير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من رحمة الله سبحانه ورأفته بعباده أجاز أن يتحمل بعض الناس عن غيرهم بعض شؤونهم؛ ولأنه لو وجب على كل إنسان أن يتصرف فيما يخصه بنفسه ومنع من الاستعانة بغيره لكان في ذلك من الحرج العظيم ما لا يخفى، والأصل أن الإنسان يتحمل مسؤولية تصرفاته وأفعاله، فمن زنا عوقب بالجلد أو الرجم، ولا يجوز إقامة الحد على غيره، ومن شرب الخمر أقيم عليه حده، ولا يجوز أن يتبرع غيره عنه فيقام عليه الحد بدلاً عنه، ولكن الشرع أوجب في بعض الحالات أن يتحمل بعض الناس أخطاء غيرهم وعواقب تصرفاتهم وأجاز التحمل في حالات أخرى استثناءً. لأن الأصل المستقر في الشريعة أنه (لا يعتد لأحد إلا بما عمله أو تسبب إليه باستنابة ونحو ذلك ولا يطالب عن الغير إلا بما التزم به عنه من ضمان وغيره). ولكن قد يتحمل الإنسان عن غيره ما لم يلزم به ولم يأذن له ذاك فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإمام يتحمل عن المأمومين سهوهم إذا وقع السهو من المأموم في حال اقتدائه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 559، المجموع المذهب للعلائي لوحة 292 ب، والمنثور للزركشي جـ 1 ص 245، أشباه السيوطي ص 405. والموافقات للشاطبي جـ 2 ص 227 فما بعدها بتفصيل واف.

ومنها: تحمل الغارم الذي غرم لإصلاح ذات البين. ومنها: تحمل العاقلة دية الخطأ عن القاتل خطأ. ومنها: تحمل الزوج عن الزوجة صدقة الفطر.

القاعدة الستون [اختلاف المشاق]

القاعدة الستون [اختلاف المشاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تختلف المشاق باختلاف العبادات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات البدنية مختلفة فمنها: الصلاة، والصوم، والحج، والمشقات الحاصلة من هذه العبادات ليس متساوية، فمشقة الصلاة تختلف عن مشقة الصيام عن مشقة الحج. بل إن مشقة الصلاة تختلف باختلاف الأوقات والأحوال، فالصلاة في شدة البرد مع الضعف والكبر أشق وأشد من الصلاة مع اعتدال الوقت والصحة والشباب. وكذلك الصيام في شدة الحر أشق منه في اعتدال الوقت أو برده، والحج كذلك. ولاختلاف المشاق باختلاف العبادات وأحوالها تختلف الأجور أيضاً حيث إنه كلما ازدادت المشقة زاد الأجر والمثوبة، ولما قال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: "أجرك على قدر نصبك" (¬2). وعلى قدر المشقة يكون تخفيف الشرع، فما كان في الشرع أهم اشتُرط في إسقاطه الأشق الأعم، وما لم تعظم مرتبته فإنه تؤثر فيه المشاق الخفيفة، وبالطرفين يعتبر الوسط. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 103، الفروق جـ 1 ص 119، الذخيرة جـ 1 ص 340، القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام جـ 2 ص 17 فما بعدها. (¬2) الحديث متفق عليه، تلخيص الحبير جـ 4 ص 177.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من كان في رأسه قمل وآذاه وهو محرم أبيح له حلق شعره للأذى وعليه الفدية. ومنها: السفر مبيح للفطر وجواز القصر. ومنها: التيمم عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله.

القاعدة الحادية والستون [تخصيص الشيء بالذكر، مفهوم المخالفة]

القاعدة الحادية والستون [تخصيص الشيء بالذكر، مفهوم المخالفة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه في متفاهم الناس وعرفهم، لا في خطابات الشارع (¬1). وفي لفظ: لا يجوز الاحتجاج بالمفهوم في كلام الناس في ظاهر المذهب كالأدلة (¬2). وفي لفظ: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه (¬3). وفي لفظ: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه (¬4). قواعد أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلق بمسألة من المسائل الأصولية الخلافية بين الحنفية وجمهور الأصوليين من غيرهم. حيث إن غير الحنفية يرون الاحتجاج بمفهوم المخالفة، وهو ما يسميه الحنفية: تخصيص الشيء بالذكر، ويستدل غير الحنفية بهذا المفهوم في كثير من المواضع - مذكورة في مظانها من كتب أصول الفقه - ولكن الحنفية يخالفونهم في ذلك ويقولون: إن ما عدا المخصوص مسكوت عنه فيبقى حكمه على ما دل ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 68 - 69. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 222. (¬3) القواعد والضوابط ص 483. (¬4) المبسوط جـ 26 ص 85، 134.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

عليه الدليل العام. ولكن الحنفية من جهة أخرى يُعمل جمهورهم مفهوم المخالفة في كلام الناس، وأعرافهم وإن كان ابن نجيم - كما هو مذكور أعلاه - يخالف في ذلك ويرى أن ظاهر المذهب على عدم العمل بالمفهوم مطلقاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الاختلاف في مفهوم قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (¬1). فعند غير الحنفية لا يجوز أن يتزوج غير الأمة المؤمنة، وأما عند الحنفية فيرون جواز ذلك؛ لأن غير المؤمنة مسكوت عنها، والحق في هذه المسائل مع غير الحنفية. وأما في كلام الناس فالحنفية يعملون بالمفهوم، فمثلاً إذا قال: مالك علي أكثر من مائة درهم، كان إقراراً بالمائة. ومنها عند الحنفية: إن دية الذمي مثل دية المسلم، وعند غيرهم على النصف من دية المسلم، وقالوا في احتجاج غيرهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" (¬2). إن هذا لا يدل على أن دماء غيرهم لا تكافئهم؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه (¬3). وأدلة غير الحنفية أقوى وأوثق في هذه المسألة للأحاديث الواردة في دية غير المسلم (¬4). ¬

_ (¬1) الآية 25 من سورة النساء. (¬2) الحديث عند أحمد جـ 2 ص 192، وأبي داود رقم 2751، والبيهقي 2908، وابن ماجه 1683 وغيرها. (¬3) المبسوط جـ 26 ص 134. (¬4) ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 695 الأحاديث من 3982 - 3984.

القاعدة الثانية والستون [تخصيص العام، تعميم الخاص، تقييد المطلق]

القاعدة الثانية والستون [تخصيص العام، تعميم الخاص، تقييد المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تخصيص العام بالنية وتعميم الخاص وتقييد المطلق (¬1). وفي لفظ: النية تعمم الخاص وتخصص العام بغير خلاف فيها. وهل تقيد المطلق أو تكون استثناء من النص (¬2)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التخصيص والتخصص والخاص: هو تفرد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة. وهو خلاف العموم. أو هو إخراج بعض ما كان داخلاً تحت العموم على تقدير عدم المخصص (¬3). أو هو قصر العام على بعض أفراده أو مسمياته (¬4). وأما العام: فهو في اللغة: الشامل لمتعدد سواء كان لفظاً أم غير لفظ، ومنه عمهم المطر إذا شملهم. والعام في الاصطلاح: "هو اللفظ المستغرق لما يصلح له - بحسب الوضع - دفعة من غير حصر" أو هو "اللفظ الموضوع بالوضع الواحد لكنه غير محصور مستغرق لجميع ما يصلح له" (¬5). ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 137، 219، 245، مختصر قواعد العلائي ص 596. أشباه ابن نجيم ص 52. (¬2) قواعد ابن رجب ق 125. (¬3) كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1 ص 430. (¬4) نفس المصدر جـ 1 ص 429. (¬5) نفس المصدر جـ 2 ص 168.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وأما الإطلاق فهو الإرسال لغة، وأما في الاصطلاح: فهو اللفظ الذي يدل على واحد غير معين (¬1). والمقيد: ما وجد فيه قيد يزيل إطلاقه (¬2). وهذه القاعدة مجال اختلاف بين الفقهاء، حيث إن المالكية (¬3) والحنابلة يعممون الخاص ويخصصون العام بالنية، بغير خلاف عندهم، وأما الحنفية والشافعية فهم لا يعممون الخاص بالنية، وإن كان الشافعية يخصصون العام بالنية كالمالكية والحنابلة، والحنفية مختلفون في هذا وإن كان السرخسي يرى جواز تخصيص العام بالنية. وأما تقييد المطلق بالنية فهو مختلف فيه عند الحنابلة ويعمل به الشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف لا يكلم أحداً، ثم قال: نويت زيداً فقط، فعند المالكية والشافعية والحنابلة والخصاف أحمد بن عمر بن مهير الحنفي إنه لا يحنث لو كلم غير زيد. ومنها: في تعميم الخاص: لو حلف لا يشرب من فلان ماء من عطش. ونوى أن لا ينتفع بشيء منه، فعند الحنابلة والمالكية يحنث بتناول أي شيء يملكه المحلوف عليه. وأما عند الحنفية والشافعية فلا يحنث إلا بالماء خاصة. ¬

_ (¬1) التعريفات ص 233. (¬2) والمطلق عند الأصوليين: هو اللفظ المتعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالاثبات. والمقيد: اللفظ الدال على مدلول المطلق بصفة زائدة. كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1 ص 922. (¬3) قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص 182 - 183.

ومنها: في تقييد المطلق: إذا قال لزوجته: إن لبست ثوباً فأنت طالق، وقال: نويت ثوباً أحمر. فهل يحنث إذا لبست ثوباً أخضر. خلاف عند الحنابلة (¬1). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 125، وينظر في تفصيلات هذه القاعدة الوجيز ص 152 ط 4.

القاعدة الثالثة والستون [التخصيص بالعرف الشرعي]

القاعدة الثالثة والستون [التخصيص بالعرف الشرعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التخصيص بالعرف الشرعي (¬1). فقهية أصولية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أن التخصيص: هو إخراج بعض ما تناوله اللفظ العام. ومفاد القاعدة: أن العرف الشرعي مخصص لألفاظ الشارع. والعرف غير الشرعي مخصص لألفاظ الناس عند الجمهور. وأما تخصيصه لألفاظ الشارع فمحل خلاف (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يصلي. لا يحنث إلا بالصلاة الشرعية، ولا يحنث بالصلاة اللغوية وهي الدعاء، وعند الحنفية: لا يحنث إلا بصلاة ذات ركوع وسجود، فلا يحنث بصلاة الجنازة، كما لا يحنث بالصلاة الفاسدة؛ لأنها ليست صلاة شرعية. ومنها: لو حلف لا يصوم، فلا يحنث إلا بإمساك تصاحبه النيَّة لا بمجرد الإمساك. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 189. (¬2) ينظر: البرهان في أصول الفقة لإمام الحرمين جـ 1 ص 445، والمستصفى للغزالي جـ 1 ص 350، والمحصول للرازي جـ 1 ق 3 ص 198، وغيرها من كتب الأصول.

القاعدة الرابعة والستون [تخصيص العموم]

القاعدة الرابعة والستون [تخصيص العموم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تخصيص العموم: بالعرف، والعادة، والشرع، والسبب الخاص (¬1). أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها تعلق بسابقتها إذ أنها في موضوع تخصيص العموم، فاللفظ الدال على العموم قابل للتخصيص والمخصصات متنوعة: منها: العرف والعادة وقد سبق أن العرف والعادة يخصصان العموم في ألفاظ الناس عند جمهور الفقهاء والأصوليين، ومنها: تخصيص الشرع وهو موضوع القاعدة السابقة، ومنها: التخصيص بالسبب الخاص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - التخصيص بالعرف والعادة: إذا حلف لا يأكل شواءً، لا يحنث إلا بشواء اللحم؛ لأنه المعروف بين الناس، ولا يحنث بالبيض المشوي، إلا إذا نوى التعميم. ومنها: إذا حلف لا يأكل بيضاً، لا يحنث إلا بأكل بيض الدجاج دون بيض السمك؛ لأنه المعروف أكله بين الناس. 2 - التخصيص بالشرع: إذا نذر صوم الدهر، لم يدخل في ذلك ما يحرم صومه من أيام السنة كيوم الفطر والأضحى، أو ما يجب صومه شرعاً كرمضان. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 189، 296، 300، قواعد ابن رجب القواعد 121، 122، 123، 124.

ومنها: إذا أوصى لأقاربه، لا يدخل الورثة لتخصيص الشرع حيث (لا وصية لوارث) (¬1). 3 - التخصص بالسبب الخاص: إذا حلف لا يكلم هذا الصبي فصار شيخاً، فيه وجهان عند الحنابلة: الوجه الأول: إنه يحنث بتكليمه تغليباً للتعيين على الوصف، الوجه الثاني: لا يحنث (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث رواه الخمسة والدارقطني والبيهقي: عن عمرو بن خارجة وأبي أمامة وعمرو بن شعيب، المنتقى جـ 2 ص 446 - 447، الأحاديث 3281 - 3284. (¬2) قواعد ابن رجب من ق 121 - 125.

القاعدة الخامسة والستون [التخصيص بالنية]

القاعدة الخامسة والستون [التخصيص بالنية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تخصيص اللفظ العام بالنية جائز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشير إلى موضع خلاف عند الحنفية في تخصيص العموم بالنية، فقد رأينا في قاعدة سابقة تحت الرقم 62 أن الجمهور من الفقهاء يخصصون العام بالنية، وخالف في ذلك جمهور الحنفية فمنعوا. ولكن السرخسي في هذه القاعدة يرى جواز تخصيص العام بالنية ديانة وقضاء كالخصاف منهم، فهو في هذا مع جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف إنسان على زوجته أن لا تخرج من المنزل إلا في كذا - أي سبب مخصوص - كزيارة أب أو أم مثلاً فخرجت لذلك مرة، ثم خرجت في غيره حنث لوجود الخروج لا على الوجه المستثنى. أما إذا كان عنى لا تخرج هذه المرة إلا في كذا، فخرجت فيه ثم خرجت في غيره لم يحنث؛ لأنه خص اللفظ العام بنيته. ومنها: إذا حلف لا يأكل طعاماً ينوي طعاماً بعينه. أو حلف لا يأكل لحماً ينوي لحماً بعينه فأكل غير ذلك لم يحنث. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 ص 174.

القاعدة السادسة والستون [التخصيص في المصيب والتعميم فيه]

القاعدة السادسة والستون [التخصيص في المصيب والتعميم فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التخصيص في المصيب يدل على التخصيص في المصاب لكونه مبنيًّا عليه (¬1). ومقابلها: تعميم الخطاب في المصيبين يثبت حكم العموم في المصاب (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المصيب: اسم فاعل من أصاب يصيب فهو مُصيب. والمصاب: اسم مفعول من أُصيب يصاب فهو مصاب. والمراد بالمصيب في القاعدة المجاهد الآسر لعدوه، والمراد بالمصاب: العدو المأسور. فمفاد القاعدة الأولى: أن تخصيص الآسر المصيب يكون دليلاً على التخصيص في المأسور المصاب؛ لأن المصاب مبني على المصيب. والقاعدة الثانية المقابلة: إن تعميم الآسرين المصيبين يكون دليلاً على التعميم في المأسورين المصابين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال القائد لعشرة من جنوده: إن أصبتم - أي أسرتم - عشرة أرؤس من الأعداء فلكم منها رأس. فإن أصابوا عشرة، فلهم جميعاً رأس واحدة؛ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 694. (¬2) نفس المصدر ص 695.

لأنه لما جمع بينهم في ذكر الإصابة فقد خصَّهم، والتخصيص في المصيب يدل على التخصيص في المصاب. ومثله: إذا قال لعدد من الطلاب: إذا نجحتم في الامتحان، أو فزتم في المسابقة فلكم الجائزة، فإذا نجحوا أو فازوا فلهم جميعاً جائزة واحدة. ولكن إذا قال لعشرة: إن أصاب كل رجل منكم عشرة أو أصاب رجل منكم عشرة أرؤس فله منها واحد. فأصاب كل واحد عشرة أو أصاب عشرين فلمن أصاب العشرة رأس منها، ولمن أصاب العشرين رأسان من أوساطهم؛ لأن القائل هنا أفرد كل واحد بالإصابة وجعل خطابه عامًّا فيهم، فتعميم الخطاب في المصيبين يثبت حكم العموم في المصاب، كما لو خاطب جميع العسكر، أو الطلاب.

القاعدة السابعة والستون [التخفيفات الشرعية]

القاعدة السابعة والستون [التخفيفات الشرعية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التخفيفات الشرعية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط وثيق بقاعدة "المشقة تجلب التيسير" الآتية إن شاء الله. إذ تبين الرخص الشرعية التي خفف بها الشارع الحكيم تلك المشاق التي يمكن أن تؤدي إلى ضرر المكلف أو تقاعسه عن العبادة إذا وجب عليه العمل مع وجود تلك المشقة. والتخفيفات الشرعية تشمل كل ما يطلب من المكلف فعله ويشق عليه أو يتعسر، فمنها ما يتعلق بالعبادات، ومنها ما يتعلق بالمعاملات، ومنها ما يتعلق بالمناكحات، ومنها ما يتعلق بالطهارة والأيمان، ومنها ما يتعلق بالدماء والأموال، ومنها ما يتعلق بالمجتهدين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أمثلة التخفيفات المتعلقة بالعبادات: التيمم عند عدم الماء، ورخص السفر من جواز الفطر في رمضان والجمع والقصر، ومدة المسح على الخفين، وترك الجمعة، ومنها رخص المرض: من جواز التيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء، والقعود في الصلاة أو الإيماء، والفطر في رمضان، وترك الجمعة والجماعات. ومنها: رخص الإكراه: كجواز التلفظ بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 37 ب، قواعد الحصيني ق 1 ص 282 - 292.

بالإيمان. وغير ذلك من الرخص الكثيرة. وقد قسم الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام (¬1) رحمه الله التخفيفات الشرعية إلى ستة أقسام: 1 - تخفيف الإسقاط: كإسقاط الجمعة والحج والعمرة بالأعذار والصلاة عن الحائض والنفساء. 2 - تخفيف التنقيص: كقصر الصلاة. 3 - تخفيف الإبدال: كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، والقيام بالقعود والإيماء للعذر. 4 - تخفيف التقديم: كالجمع بين الصلاتين في وقت الأولى. 5 - تخفيف التأخير: كالجمع بين الصلاتين في وقت الثانية، وصيام رمضان إلى ما بعده في حق المريض والمسافر والحائض والنفساء والمرضع. 6 - تخفيف الترخيص أو الاضطرار - وهو أعمها: كصلاة المتيمم مع الحدث، وكأكل النجاسات للتداوي - عند من يرى جواز ذلك - وإساغة اللقمة بجرعة خمر، وأكل الميتة (¬2). 7 - وهناك قسم سابع هو تخفيف التغيير: كتغيير نظام الصلاة في الخوف (¬3). ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) قواعد الأحكام جـ 2 ص 6 - 7، أشباه السيوطي ص 82، أشباه ابن نجيم ص 83، المنثور جـ 1 ص 253. (¬3) المجموع المذهب لوحة 37 ب.

القاعدة الثامنة والستون [التخللات]

القاعدة الثامنة والستون [التخللات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التخللات بين ما يشترط فيه الموالاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتخللات في القاعدة ما يطرأ من عمل مخالف بين أبعاض ما يشترط فيه الموالاة، أي التتابع في العمل، سواء كان ذلك في العقود أم العبادات، وكيف يعرف إن كان هذا التخلل مضرًّا وقاطعاً للموالاة أو غير مضر. قالوا: إنما يعرف ذلك بالعرف. ولذلك قالوا: إن الاتصال المعتبر في الاستثناء أبلغ منه بين الإيجاب والقبول لصدورهما من شخصين وصدور الاستثناء من شخص واحد، وقد يحتمل من شخصين ما لا يحتمل من شخص واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاستثناء لا يضر فيه سكتة النفس والعي - أي حبسة اللسان - ومثلهُ الجملة المعترضة كما إذا قال: عليَّ ألف - أستغفر الله - إلا مائة. صح ولم يضر الفصل اليسير، وأما الفصل الطويل فيضر كأن يقول: له عليَّ ألف. ثم يسكت وفي آخر المجلس يقول: إلا مائة. فهذا استثناء غير مقبول. ومنها: موالاة غسل أعضاء الوضوء شرط على قديم مذهب الشافعي. ومنها: الموالاة بين صلاتي الجمع وأشواط الطواف، والسعي، إلا الفصل لإقامة الصلاة فلا يضر. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 239، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 124، أشباه السيوطي ص 408.

القاعدة التاسعة والستون [تخلل المانع]

القاعدة التاسعة والستون [تخلل المانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تخلل المانع بين الطرفين، هل له أثر (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالطرفين بداية العقد أو الفعل أو التصرف وانتهائه وعاقبته. التخلل: دخول ووجود المانع. فمفاد القاعدة: أنه إذا بدئ بعقد أو تصرف ما ثم قبل إتمامه أو عاقبته وانتهائه لنتيجته المترتبة عليه وجد مانع، ثم زال فهل يكون مبطلاً للعقد والتصرف؟ أو هل لوجود هذا المانع أثر في العقد أو التصرف؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تخلل بين الرهن والإقباض جنون، فهل يكون مبطلاً للعقد؟ وجهان عند الشافعية. ومنها: إذا عجل الزكاة إلى فقير ثم استغنى هذا الفقير ثم افتقر آخر الحول، فهل يجزئ المزكي عن الفرض؟ في الأصح نعم. ومنها: إذا جرح ذمي ذميًّا ثم أسلم الجارح ثم مات المجروح بالجراحة، فهل يجب القود - وهو القصاص -؟ عند الشافعية الأصح يجب. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 266.

القاعدة السبعون [التخلية]

القاعدة السبعون [التخلية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التخلية تسليم (¬1). وفي لفظ: التخلية بين المشتري والمبيع قبض (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التخلية: الإطلاق أو إزالة المانع عن قبض المبيع. فمفاد القاعدة: أن البائع إذا أفرغ السلعة عن الموانع ورفع يده عنها أمام المشتري فيعتبر ذلك تسليماً من البائع وقبضاً من المشتري لها، ويكون دليلاً على لزوم العقد وتمامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تفاوض اثنان بيع سيارة أحدهما للآخر واتفقا على الثمن، ثم إن المشتري وضع الثمن المتفق عليه أمام البائع ووضع البائع مفتاح السيارة وأوراقها أمام المشتري فيعتبر ذلك تسليماً من كليهما لما عنده وقبضاً من الآخر لما لهُ. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: قبض المشتري المبيع قبل نقد الثمن بلا إذن البائع ثم خلَّى بينه وبين البائع، قالوا: لا يكون ردًّا. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 210، قواعد الفقه ص 69 عنه. حاشية الحموي على الأشباه جـ 2 ص 278. (¬2) القواعد النورانية ص 133.

القاعدة الحادية والسبعون [التخيير]

القاعدة الحادية والسبعون [التخيير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التخيير في الجملة هل يقتضي التخيير في الأبعاض (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التخيير: معناه التسوية بين الفعل والترك. أي أن تكون الخيرة للمكلف حيث يختار من الأفعال المخير بينها ما يناسبه لاستوائها في براءة الذمة من المطلوب. والمراد بالتخيير في الجملة: التخيير العام، وفي الأبعاض: جمع بعض، والمراد به أحد أفراد العموم. فهل إذا ثبت الخيار في الكل يثبت في البعض أم لا؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من المخير فيه في كفارة الحنث في اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإذا أطعم خمسة وكسا خمسة فهل تصح عن الكفارة وتبرأ الذمة؟ المشهور عند المالكية عدم الجواز. ومنها: إذا افتتح صلاة النفل قائماً ثم أراد الجلوس خلالها - من غير عذر - خلاف عند المالكية ومذهب ابن القاسم الجواز. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك ق 28.

القاعدة الثانية والسبعون [التداخل]

القاعدة الثانية والسبعون [التداخل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التداخل (¬1). وقد سبق بمعناها في حرف الهمزة تحت رقم 73 - 74. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التداخل: تفاعل من الدخول. وتدل الصيغة على تشارك عملين في صفة أو حكم، فإذا ثبت تشاركهما فهل يكفي لهما حكم واحد أو لا بد من إفراد كل واحد منهما بحكم؟ ويكون ذلك في العبادات واجبها ومسنونها، وفي العقوبات والاتلافات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أولاً: في العبادات: (أ) في الواجبات: إذا كان كل واجب مقصوداً في نفسه، والمقصود مختلف فلا تداخل. كطواف الوداع وطواف الإفاضة لا بد أن يطوف لكل واحد منهما إذا أراد السفر بعد الطواف عند الشافعية وعند الحنابلة روايتان، والأرجح جواز التداخل إن نوى بطوافه الإفاضة أجزأه عن طواف الوداع. وأما إذا لم يختلف المقصود فتتداخلان: كغسل الحيض مع الجنابة يكفي غسل واحد. (ب) في المسنونات: تدخل تحية المسجد في صلاة الفرض. ومنها: طاف القادم مكة عن فرض أو نذر دخل فيه طواف القدوم. ثانياً: في العقوبات: ما كان لله وتكرر قبل العقوبة يلزمه عقوبة واحدة، كمن زنا أو سرق مراراً يحد مرة واحدة. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 269.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا زنا وهو بكر ثم زنى وهو ثيب دخل حد البكر في حد الثيب في الأصح ويرجم. ومنها: إذا جامع في نهار رمضان لم تلزمه إلا كفارة واحدة. ثالثاً: الإتلافات: إذا قتل المحرم صيداً في الحرم لزمه جزاء واحد وتداخلت الحرمتان. وفي حقوق الآدميين: منها: جناية الوطء تتكرر فيجب على الواطئ سواء في نكاح فاسد أو غصب وإكراه على الزنا يجب عليه بكل وطء مهر. وإذا كانت بكراً فأزال بكارتها فيجب المهر وأرش البكارة. وفي الجناية على النفس والأطراف تتداخل في صور: منها: دخول دية الأطراف في دية النفس إذا سرت الجراحة فتجب دية واحدة. ومنها: تدخل حكومة الأظفار في دية الأصابع إذا قلع أظفاره ثم قطع أصابعه. ومنها: تدخل حكومة الكفين في أصابع اليدين. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا استأصل أذنه وأوضح مع ذلك العظم فإنه لا يدخل أرش الموضحة في دية الأذنين؛ لأن مقدار الأذن مقدر ومقدار الموضحة مقدر، فلا يتبع مقدر مقدراً. ومنها: لا يدخل أرش الأسنان في دية اللحيين في الأصح.

القاعدة الثالثة والسبعون [التدليس]

القاعدة الثالثة والسبعون [التدليس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التدليس حرام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التدليس: من دلَّس يدلِّس ومعناه: كتمان العيب والخديعة فيه (¬2). ولما كان الغش حراماً والتدليس نوع من الغش كان التدليس حراماً. هذا معنى التدليس عند الفقهاء. وأما عند المحدثين فالتدليس قسمان: أحدهما: تدليس الإسناد: وهو أن يروي عمن لقيه ولم يسمع منه موهماً أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهماً أنه لقيه أو سمعه منه. والآخر: تدليس الشيوخ: وهو أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه فيُسمِّيه أو يكنيه ويصفه بما لم يعرف به كيلا يعرف (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النجش (¬4) والتصرية (¬5) يحرمان لأنهما نوع من التدليس والغش. ومنها: أن يبيع عيناً يعرف بها عيباً ولا يبينه. ومنها: أن تتزوج وبها عيب يثبت الخيار ولا تبينه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 267. (¬2) المصباح مادة "دلس" بتصرف. (¬3) التعريفات ص 57. (¬4) النجش: أن يستام السلعة بأكثر من ثمنها وهو لا يريد شراءها ليراه الآخر فيقع فيه، أنيس الفقهاء ص 362، بتصرف، والمغرب ص 443. (¬5) التصدية: أن يشد خرقة على أطباء الناقة أو أخلاف البقرة أو العنز أو الشاة ليجتمع اللبن في الضرع فيراه المشتري فيظنها ذات در كثير فيشتريها، وهذا منهي عنه وللمشتري خيار الفسخ وأن يرد معها صاعاً من تمر.

القاعدة الرابعة والسبعون [الترتيب]

القاعدة الرابعة والسبعون [الترتيب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الترتيب (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقصود بالترتيب الإتيان بالأفعال على الوجه المطلوب شرعاً بتقديم ما يستحق التقديم وتأخير ما يلزم تأخيره، وذلك في أفعال العبادات: كرمي الجمار الثلاث، وأركان الصلاة والحج وغسل الأعضاء في الوضوء عند من يرى وجوب الترتيب. قالوا: إنما يظهر الترتيب مع اختلاف المحل وتعدده كأعضاء الوضوء، ومنه ترتيب ذهني في بعض المعاملات حتى يترتب عليه صحة المعاملة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجب الترتيب في رمي الجمار الثلاث حيث يبدأ من التي تلي مسجد الخيف وينتهي بالعقبة. ولو خالف لم يجزئه. ومنها: ترتيب أشواط الطواف والسعي حيث يبدأ في الطواف من الحجر الأسود جاعلاً له على يساره. ويبدأ في السعي من الصفا وينتهي بالمروة، ولو خالف لم يحسب هذا الشوط. ومن أمثلة الترتيب الذهني: قوله: أعتق عبدك عني بألف. فأعتقه، صح العتق، ويلزم أن يدخل في ملك السائل أولاً حتى يقع العتق، كأنه قال: بعني عبدك بألف ثم أعتقه عني. ومنها: قوله لزوجته غير المدخول بها: إذا طلقتك فأنت طالق، فطلقها ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 277.

قبل الدخول طلقة. وقعت المنجزة، ولم تقع المعلقة؛ لأنها بانت بالأولى فلا تلحقها المعلقة (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر جـ 1 ص 281.

القاعدة الخامسة والسبعون [ترجح أهون الضررين]

القاعدة الخامسة والسبعون [ترجح أهون الضررين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ترجح أهون الضررين على أعظمهما (¬1) وردت هذه القاعدة بألفاظ كثيرة، وقد سبقت في حرف الهمزة من رقم 75 - 81. وفي لفظ: إذا اجتمع ضرران أُسقط الأصغر للأكبر (¬2). وفي لفظ: إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما (¬3) وفي لفظ: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف (¬4). وتأتي في حرف الضاد إن شاء الله. وفي لفظ: يختار أهون الشرين أو أخف الضررين (¬5). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إذا اجتمع ضرران - وكان لا بد من ارتكاب أحدهما - فعلى المكلف أن يختار الضرر الأخف فيرتكبه، ولا يجوز أن يرتكب الأشد؛ لأن في ارتكاب الضرر مباشرة الحرام، ومباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ولا ¬

_ (¬1) شرح السير ص 516. (¬2) إيضاح المسالك ق 101، وقد سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 80. (¬3) أشباه السيوطي ص 87، قواعد ابن رجب ق 112، أشباه ابن نجيم ص 89، المجلة المادة 28، وقد سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 77. (¬4) أشباه ابن نجيم ص 88 المجلة المادة 27. (¬5) المجلة المادة 29.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ضرورة في حق الزيادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا كان برجل جرح لو سجد سال دمه، يومئ ويصلي قاعداً؛ لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث - عند من يوجبون انتقاض الطهارة عند سيلان الدم؛ ولأن ترك السجود أهون من الصلاة مع النجاسة؛ لأن الدم نجس وملوث، كما أن ترك السجود في هذه الحالة يدفع عن الجريح ضرر خروج الدم ونزفه مما يترتب عليه زيادة ضرره أو تأخر برئه (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر في الشرح والبيان الوجيز ص 260 ط 4.

القاعدة السادسة والسبعون [الترجمة]

القاعدة السادسة والسبعون [الترجمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترجمة ما كان المقصود منه لفظه ومعناه لا يصح قطعاً إن كان للإعجاز. وإن كان لغيره امتنع للقادر كالأذكار. وما كان المقصود معناه دون لفظه فجائز (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تتعلق هذه القاعدة بالترجمة وهي: نقل المعاني من لغة إلى لغة أخرى. والمقصود هنا: النقل من اللغة العربية إلى غيرها لمن لا يحسن العربية. وتبين هذه القاعدة أن ما يطلب ويراد ترجمته أحد مواضع ثلاثة ولكل حكم: الأول: ما كان المقصود منه اللفظ والمعنى، وهو مرتبتان: الأولى: أن يقصد بلفظه ومعناه الإعجاز - وهو القرآن الكريم - فهذا لا يجوز ترجمته مطلقاً للاستحالة. والمرتبة الثانية: ما يقصد لفظه ومعناه ولكن لا يقصد منه الإعجاز فهذا دون المرتبة الأولى حيث يجوز في حالة دون أخرى، حيث يجوز مع العجز عن النطق بالعربية ويمتنع مع القدرة على ذلك. والموضع الثالث: أن يكون المقصود المعنى دون اللفظ. فهذا جائز ترجمته بشروطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أ - القرآن الكريم يمتنع ترجمته إلى لغة أخرى؛ لأن المقصود منه الإعجاز ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 283.

باللفظ والمعنى، ولا يتم ذلك إلا بالعربية، ولذلك لا يجوز قراءة القرآن في الصلاة للعاجز عن العربية بلغة أخرى، وما ينسب لأبي حنيفة رحمه الله من جواز قراءة الفاتحة بالفارسية للعاجز عن العربية صح رجوعه عنه. ب - ما يجوز قطعاً للقادر والعاجز كالبيع والخلع والطلاق وغيرها من المعاملات، فيجوز بالعربية وغيرها. جـ - ما يمتنع في الأصح للقادر دون العاجز كالأذان وتكبيرة الإحرام والتشهد إذ يجوز لمن لم يحسن العربية، ويمتنع للقادر عليها؛ لما فيه من معنى التعبد، وكذلك السلام وخطبة الجمعة - إلا إذا كان يخطب لقوم لا يحسنون العربية. د - ما يجوز على الأصح للقادر والعاجز كالنكاح والرجعة واللعان والإِسلام.

القاعدة السابعة والسبعون [ترجيح البينات]

القاعدة السابعة والسبعون [ترجيح البينات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترجيح البينات بالإثبات أصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البينات جمع بينة وهي الحجة، ووزنها فيعلة مأخوذة من البين وهو الانقطاع، أو من البيان (¬2)، وهي صحيحة على كلا الوجهين لأنها تبين الحق وتقطع الخصومة. والمراد بالبينة هنا: الإشهاد. والبينات إنما جعلت للإثبات لا للنفي؛ لأن النفي لا تقام عليه البينة، ولذلك كانت البينة على المدعي؛ لأنه المثبت، واليمين على المدعى عليه لأنه نافٍ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف الراهن والمرتهن، فقال المرتهن: قبضت منك المال وأعطيتك الثوب. وأقام البينة. وقال الراهن: بل أقبضتك المال وهلك الثوب عندك، وأقام البينة، فهنا بينتان متعارضتان. قال السرخسي: البينة المقبولة هي بينة الراهن، والعلة في ذلك أنه ثبت ببينة الراهن إيفاء الدين بمالية الرهن، والمرتهن ينفي ذلك بقوله أعطيتك الثوب. وترجيح البينات بالإثبات أصل. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وقبلت فيها الشهادة على النفي: الشهادة على أن هذا المدين لا مال له. وهي في الحقيقة شهادة على الإعسار. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 160. (¬2) أنيس الفقهاء ص 237.

ومنها: الشهادة على أن هذا الميت لا وارث له غيره. ومنها: أن يضيف المدعي الفعل إلى وقت مخصوص - كأن يدعي عليه بقتل أو إتلاف أو طلاق في وقت كذا، فيشهد له بأنه ما فعل ذلك في هذا الوقت (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 492، أشباه ابن نجيم ص 222.

القاعدة الثامنة والسبعون [الترجيح بالقوة لا بالكثرة]

القاعدة الثامنة والسبعون [الترجيح بالقوة لا بالكثرة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الترجيح لا يكون بكثرة العدد (¬1) وفي لفظ: الترجيح لا يقع بكثرة الأدلة والعلل (¬2). وفي لفظ: الترجيح عند التعارض يكون بقوة العلة لا بكثرة العلة (¬3). وفي لفظ: الترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوة فيها (¬4). وفي لفظ: الترجيح بقوة العلة لا بكثرة العلة (¬5). أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تبين أحد المواضع التي اختلف فيها الحنفية عن باقي جمهور الأصوليين والفقهاء، وهي ما إذا تعارض خبران ومع أحدهما زيادة في عدد الرواة بأن ورد من طرق متعددة، والآخر ورد بطريق واحد، فجمهور الأصوليين والفقهاء يرجحون بكثرة العدد فما ورد بطرق متعددة فهو راجح على ما ورد بطريق واحد أو طرق أقل، أما عند الحنفية فليس تعدد الطرق وكثرة العدد موجباً للترجيح، بل الترجيح عندهم بقوة العلة أي بزيادة الضبط والتقوى والعدالة أو العلم أو غير ذلك من المرجحات، وقاسوا ذلك على الشهادة (¬6). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 153، وعنه قواعد الفقه ص 69. (¬2) شرح الخاتمة ص 29. (¬3) المبسوط جـ 20 ص 138. (¬4) فتح القدير شرح الهداية جـ 8 ص 275. (¬5) القواعد والضوابط ص 484. (¬6) ينظر على سبيل المثال العدة في أصول الفقه لأبي يعلى جـ 3 ص 1069 فما بعدها وغيره من كتب أصول غير الحنفية.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: أحاديث رفع اليدين في الركوع والرفع منه، فقد تمسك الحنفية بحديث إبراهيم (¬1) عن علقمة (¬2) عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ثم لا يعود). وأما غير الحنفية فقد تمسكوا بأحاديث الرفع الكثيرة وقالوا: قد روى الرفع ثلاثة وأربعون صحابيًّا، وكثير منها في الصحيحين. ومنها: حديث عبادة بن الصامت (¬3) رضي الله عنه في الربا أي في النسيئة والفضل أولى وأرجح من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما في "إنما الربا في النسيئة"؛ لأن حديث عبادة رواه معه عمر وعثمان وأبو سعيد وأبو هريرة، ورواية خمسة أولى من رواية واحد (¬4). ¬

_ (¬1) إبراهيم: الإِمام الحافظ فقيه العراق أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أحد الأعلام كان بصيراً بعلم ابن مسعود واسع الرواية كبير الشأن، مات سنة 96 هـ رضي الله عنه، سير الأعلام جـ 4 ص 520 فما بعدها مختصراً. (¬2) علقمة بن قيس النخعي فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها الإِمام الحافظ المجود المجتهد أبو شبل، ولد أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من المخضرمين وهاجر في طلب العلم والجهاد ونزل الكوفة، ولازم ابن مسعود رضي الله عنه حتى صار رأساً في العلم والعمل، حدث عن كثير من الصحابة وتفقه به أئمة كثيرون، وكان أشبه الناس بعبد الله بن مسعود سمتاً وهدياً، ومات في عشر الستين على اختلاف فيها وقد عاش تسعين سنة رحمه الله، سير الأعلام مختصراً جـ 4 ص 53 فما بعدها. (¬3) عبادة بن الصامت بن أصرم الخزرجي الصحابي الجليل الإِمام القدوة أبو الوليد الأنصاري أحد النقباء ليلة العقبة ومن أعيان البدريين، سكن بيت المقدس وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات بالرملة من فلسطين سنة 34 هـ وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وقيل مات سنة 45 في خلافة معاوية رضي الله عنه. (¬4) البحر المحيط للزركشي جـ 6 ص 150.

القاعدة التاسعة والسبعون [الترجيح بالسبق أو بزيادة القوة]

القاعدة التاسعة والسبعون [الترجيح بالسبق أو بزيادة القوة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الترجيح يقع بالسبق (¬1). وفي لفظ: الترجيح بالسبق عند المعارضة أو بزيادة القوة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: إذا تعارض أمران وتساويا من كل وجه فإنه يرجح بينهما بأحد أمرين: إما السبق وإما القوة، فما كان أسبق كان أرجح، وما كان أقوى كان أرجح في الاستحقاق. فإذا تعارض دين ووصية يقدم الدين لأنه سابق وأقوى. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أقام رجل البينة على نكاح امرأة وقضي له بها، ثم أقام آخر البينة فلا يلتفت للبينة الثانية. ومثله: لو ادعى نسب مولود وأقام البينة وقضي له بها ثم ادعاه آخر فأقام البينة، لا يلتفت للبينة الثانية؛ لأن الأولى رجحت بالسبق؛ (ولأن الدعوى إذا فصِّلت على الوجه الشرعي وحكم فيها لا تعاد). ومنها: الخنثى المشكل إن كان يبول من المبالين - مبال النساء ومبال الرجال - فالحكم لأسبقهما خروجاً للبول منه، وأما إذا كان البول يخرج منهما جميعاً فعند أبي يوسف ومحمد يعتبر بأكثرها بولاً؛ لأن الترجيح عند المعارضة بزيادة القوة، وذلك يكون بالكثرة، وخالفهما أبو حنيفة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 7. (¬2) المبسوط جـ 30 ص 104.

فقال: لا علم لي بذلك، إذ توقف في هذه المسألة (¬1). ومنها: إذا قال: عبدي هذا حر بعد موتي، وله وصية أخرى، فعتق العبد يبدأ به قبل الوصية - إذا كانا جميعاً لا يخرجان من الثلث - وذلك لأمرين منقول ومعقول: فالمنقول ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي رحمه الله قالا: إذا كان وصية وعتق فإنه يبدأ بالعتق. والمعقول: إن العتق الذي يقع بنفس الموت سببه يلزم في حالة الحياة على وجه لا يحتمل الرجوع عنه بخلاف الوصية بالعتق فإنه يحتمل الرجوع عنه. والعتق المنفذ بعد الموت مستحق استحقاق الديون، فإن صاحب الحق ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بجنس حقه وههنا يصير مستوفياً حقه بنفس الموت. والدين مقدم على الوصية، والعتق الذي هو في معنى الدين مقدم أيضاً. ¬

_ (¬1) نفس المصدر السابق.

القاعدة الثمانون [التردد]

القاعدة الثمانون [التردد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التردد (¬1). وفي لفظ: ما يتردد فيه هل هو من تقابل الضدين أو العدم والملكة؟ أو الواسطة (¬2)؟ ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالضدين هنا: ما لا يجتمعان ويمكن أن يرتفعا؛ لاختلاف الحقيقة كالسواد والبياض. وقيل هما صفتان وجوديتان يتعاقبان في موضع واحد يستحيل اجتماعهما (¬3). والمراد بالملكة هنا: الصفة الراسخة في النفس، أو الأمر الوجودي، كالبصر. والعدم بخلافه: كالعمى. والعدم والملكة: هما النقيضان وهما ما لا يرتفعان ولا يجتمعان. ومفاد القاعدة: بيان أحكام بعض الأمور التي تحمل صفتين متضادتين لأمر واحد. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الخنثى المشكل هل هو عين الرجال والنساء أو هو من أحدهم؟ فيه وجهان عند الشافعية، مبنيان على أن المشكل هل هو في نفس الأمر عند الله تعالى فهو يعلمه مشكلاً كما نعلمه نحن، أو هو في نفس الأمر ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 137 - 143. (¬2) أشباه السيوطي ص 535. (¬3) التعريفات ص 142.

مبين العين ولكنه مشكل في نظرنا نحن؟ والمشكل هو الذي لم يتبين بعلامة تميزه إن كان ذكراً أو أنثى، بل له ما للرجال وما للنساء ولم يمكن التمييز. ولكن في عصرنا الحاضر لم يعد المشكل مشكلاً؛ لأنه بوجود المكتشفات الحديثة والأجهزة المتطورة وإمكان إجراء العمليات الجراحية التي تحدد النوع لم يعد الأمر مشكلاً. ومنها: هل من الطلاق ما ليس بسني ولا بدعي حتى نبني عليه طلاق غير المدخول بها والحامل والصغيرة والآيسة، فإن قلنا: إن السني هو الطلاق الجائز وليس بمحرم والبدعي هو الطلاق المحرم، كان هذا من الطلاق السني، وأما إذا قلنا: إن الطلاق السني هو طلاق المدخول بها التي ليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة، والبدعي طلاق المدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه، فيكون طلاق غير المدخول بها ومن معها نوعاً ثالثاً. والأصح الأول (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل من ص 137 فما بعدها، وأشباه السيوطي ص 535.

القاعدة الحادية والثمانون [ترك الإحسان]

القاعدة الحادية والثمانون [ترك الإحسان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترك الإحسان لا يكون إساءة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإحسان: ضد الإساءة، وهو في اللغة: فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير. وفي الشريعة: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (¬2). والإساءة: فعل ما يسيء أي يضر. ومفاد القاعدة: أن من ترك ما ينبغي أن يُفعل من الخير والمعروف لغيره هل يعتبر مسيئاً لذلك الغير؟ القاعدة تنفي الإساءة وتقول: إنه لا يكون مسيئاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن مرَّ بامرأة أو صبي في مفازة وهو يقدر على نقلهما إلى العمران فلم يفعل لم يكن ضامناً شيئاً من بدله؛ لأنه لا يكون بتركه لهما متلفاً إياهما ولكنه ممتنع من الإحسان, هكذا قال السرخسي: ولكني أقول وبالله التوفيق: إنه وإن قلنا: لا يضمن في حكم الشرع لكنه آثم عند الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ترك الإحسان إليهما، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. وترك المرأة المسلمة والصبي المسلم في المفازة إسلام لهما إلى الهلاك. وقد ذكر السرخسي هذه القاعدة تعليلاً لترك النساء والصبيان المغنومين ¬

_ (¬1) شرح السير ص 275، 1046. (¬2) متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه.

في مفازة إذا لم يقدر المسلمون على حملهم معهم. وأين هذا من وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإحسان في كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذكيتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" (¬1). فإذا كان الإحسان مطلوباً في كل شيء فكيف يكون تركه ليس إساءة، وإذا لم يحسن الذابح إلى ذبيحته بأن ذبحها بشفرة كالَّة ألا يكون مسيئاً لها؟ وكذلك ترك النساء والصبيان - وإن كانوا كفاراً - وهم أصبحوا ملكاً للمسلين كيف يكون تركهم في المفازة بدون طعام أو شراب - وفي ذلك هلاكهم - كيف يكون تركهم هذا ليس إساءة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها, ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" (¬2). وأيضاً الحديث الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "في كل كبد رطبة أجر" (¬3). وهذا ورد في الحيوانات النجسة ورحمتها فكيف بالإنسان الضعيف كالمرأة والصبي يترك في مفازة يغلب على مَن فيها الهلاك؟ ¬

_ (¬1) الحديث رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه، المنتقى جـ 2 ص 876 حديث 4644. (¬2) الحديث عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم. (¬3) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديثان متفق عليهما، المنتقى جـ 2 ص 674.

القاعدة الثانية والثمانون [ترك الاستفصال]

القاعدة الثانية والثمانون [ترك الاستفصال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال - الحال - مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عبارة هذه القاعدة مشهورة عن الإِمام الشافعي رضي الله عنه، والمراد بترك الاستفصال: ترك السؤال التفصيلي عن المسألة المعروضة مع وجود الاحتمالات فيها فيكون ذلك دليلاً على أن الحكم يكون عامًّا في كل الأحوال المحتملة للمسألة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قصة غيلان الثقفي لما أسلم على عشر نسوة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن" (¬2) ولم يسأله عن كيفية وقوع العقد عليهن معاً أو مرتباً، فكان إطلاق الجواب دليلاً على أنه لا فرق بين أن تترتب العقود أو تقع معاً. ومنها: إطلاقه - صلى الله عليه وسلم - الإذن لثابت بن قيس بن شماس (¬3) رضي الله عنه في الخلع من غير استفصال عن حالة الزوجة هل هي حائض أو طاهر طهراً ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 218، أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 137، المسائل الماردينية ص 3، المجموع المذهب لوحة 182 ب، الفروق للقرافي جـ 2 ص 87. (¬2) حديث غيلان رواه الترمذي في النكاح رقم 1128، وابن ماجه في النكاح رقم 1953، والشافعي في المسند، والحاكم في المستدرك جـ 2 ص 192 - 193، والبيهقي جـ 7 ص 181. (¬3) وحديث ثابت رواه البخاري جـ 9 ص 395 في كتاب الطلاق باب الخلع حديث 5273.

جامعها فيه أو لم يجامعها - مع أن الحيض ليس بنادر في النساء ولا في الطهر الذي جامعها فيه - ومن ثم استدل الشافعية على جواز خلع الحائض والطاهر طهراً جامعها فيه، مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يستفصل في كثير من المسائل كخبر ماعز رضي الله عنه الذي أخرج في الصحيحين (¬1). ¬

_ (¬1) خبر ماعز البخاري جـ 12 ص 136، كتاب الحدود باب سؤال الإِمام المقر حديث 2825، ومسلم جـ 3 ص 1318 في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا.

القاعدة الثالثة والثمانون [الترك الراتب]

القاعدة الثالثة والثمانون [الترك الراتب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الترك الراتب سنة كما أن الفعل الراتب سنة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلاً من الأفعال العبادية دائماً، وهذا الفعل المتروك له مثيل فيما هو سنة، يعتبر هذا الترك سنة أيضاً كما أن الفعل يعتبر سنة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عدم الصلاة بعد السعي بين الصفا والمروة يعتبر سنة، كما أن فعل الصلاة بعد الطواف بالبيت يعتبر سنة، فكما داوم - صلى الله عليه وسلم - على صلاة ركعتين بعد الطواف بالبيت داوم أيضاً على ترك الصلاة بعد السعي بين الصفا والمروة، فدل ذلك على أن هذا الترك سنة. ومنها: ترك الإقامة لصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة الخسوف والكسوف يعتبر أيضاً سنة. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 102.

القاعدة الرابعة والثمانون [الترك]

القاعدة الرابعة والثمانون [الترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الترك فعل إذا قُصِد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الترك عدم الفعل، ولكن هل يعتبر الترك بذاته فعلاً تترتب عليه الأحكام؟ مفاد هذه القاعدة: أن الترك إذا كان مقصوداً كان فعلاً يترتب عليه الثواب والعقاب. ومفهومها: أن الترك إذا لم يقصد ولم يكن للتارك نية في الترك لم يكن فعلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من ترك الزنا أو شرب الخمر أو غيرهما من الفواحش لأنه لم يمل قلبه إليها أو لم تشتهيها نفسه أو لعدم وجودها، فهو يعتبر في حكم الشرع منتهياً ولا يعاقب لأنه لم يفعل، لكن هل يثاب على الترك؟ بناء على هذه القاعدة وقاعدة (الأعمال بالنيات) نقول: إنه لا يثاب؛ لأنه لم يفعل ما يثاب عليه، ولكنه ترك ما كان يمكن أن يعاقب عليه لو فعل. ولكن إذا حدثته نفسه بالزنا أو شرب الخمر أو فعل فاحشة ما، وكان قادراً على الفعل ولكنه منع نفسه من ذلك ابتغاء لما عند الله سبحانه ورجاء في ثواب الله وطاعة لأمر الله فإنه في هذه الحالة يثاب؛ لأنه حصل منه فعل وهو كف النفس عن معصية الله خوفاً من الله ورجاء لما عنده. ومنها: إذا ترك الولي علف دابة الصبي حتى تلفت فهو ضامن لها. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 284.

ومنها: إذا تعمد العامل في المزارعة ترك سقي الزرع حتى فسد ضمن في الأصح؛ لأنه في يده وعليه حفظه (¬1). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 4 ص 331.

القاعدة الخامسة والثمانون [ترك الفعل]

القاعدة الخامسة والثمانون [ترك الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترك الفعل هل هو تمليك أو إعراض (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التمليك: تفعيل من الملك أي جعل الشيء ملكاً لغيره. والإعراض: إهمال للشيء وتركه والصد عنه. فإذا ترك شخص شيئاً كان له لشخص آخر - دون ثمن - فهل يعتبر هذا الترك تمليكاً للشيء المتروك للمتروك له، أو يعتبر إعراضاً عن الشيء المتروك وإهمالاً له؟ قولان عند الشافعية، وما يترتب على اعتبار أي منهما مخالف لما يترتب على اعتبار الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى داراً أو أرضاً فيها حجارة مدفونة غير خِلقية ولم يعلم بها المشتري إلا بعد تمام العقد - وهو يتضرر بقلعها دون إبقائها - فله الرد. لكن إذا قال البائع: أنا أتركها. سقط خيار المشتري. لكن هل يكون ترك البائع لها تمليكاً للمشتري أو إعراضاً؟ وجهان: إذ يكون التمليك حصل ضمناً في الترك. ومنها: إذا اطلع المشتري على عيب في الدابة بعد أن أنعلها - أي جعل لها نعلاً - وذلك في ذوات الحافر كالفرس والحمار والبغل وأراد الرد بالعيب - وكان نزع النعل يعيبها - وقال - أي المشتري - أنا أترك النعل. لزم البائع القبول، ولم يكن للمشتري طلب قيمة النعل. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 266.

القاعدة السادسة والثمانون [ترك القياس]

القاعدة السادسة والثمانون [ترك القياس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترك القياس في موضع الحرج والضرورة جائز؛ لأن الحرج منفي، ومواضع الضرورات مستثناة عن قضيات الأصول (¬1). فقهية أصولية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقياس هنا: القاعدة العامة لا القياس الأصولي. والمراد بالحرج: الضيق والعسر. فمفاد القاعدة: أن ترك القواعد العامة عند المشقة والضرورة جائز؛ لأن الحَرجَ منفي في الشريعة والضرورات تبيح المحظورات، وتشير هذه القاعدة أيضاً إلى استحسان الضرورة عند الحنفية، ولهذه القاعدة أدلة كثيرة ترد إن شاء الله عند إيراد قاعدة المشقة تجلب التيسير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إشارة الأخرس المعهودة مقبولة في عباداته ومعاملاته إلا ما استثني للحاجة والضرورة حتى لا يضيع ولا يهلك إذا لم تقبل إشارته. ومنها: إذا غسل الثوب في ثلاثة أوانٍ وعصره في كل مرة يطهر، والقياس أن لا يطهر أبداً؛ لأن الماء الأول تنجس بأول الملاقاة، وتنجس الوعاء وكذا الثاني والثالث، فلا يطهر إلا بصب الماء عليه أو بالغسل في الماء الجاري. ووجه الاستحسان أن للناس في ذلك ضرورة وبلوى لأن الثياب تغسلها عادة النساء والخدم، وقد يكون المراد غسله ثقيلاً لا تقدر المرأة على حمله لتصب الماء، عليه والماء الجاري لا يوجد في كل مكان، فلو ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 205.

لم يطهر لأدى إلى الحرج - هذا إذا كانت النجاسة غير مرئية - وأما إن كانت النجاسة مرئية فطهارتها بزوال عينها, ولا يضر بقاء أثرها. ومنها: ما يغسل الآن في الغسالات الحديثة حيث توضع الثياب داخل الغسالة ثم يصب عليها الماء وتتحرك الغسالة وتدور ثم تريق الماء ثم يجري على الثياب ماء آخر مرتين أو ثلاثاً فتعتبر الثياب طاهرة. مع أن القياس أن لا تطهر؛ لأن بطن الغسالة قد تنجست بأول غسلة وسيلان الماء مرة ثانية يكون قد لاقى نجاسة فتنجس, ولكن دفعاً للحرج والمشقة تعتبر الثياب طاهرة. والله أعلم.

القاعدة السابعة والثمانون [ترك الفرض]

القاعدة السابعة والثمانون [ترك الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترك ما هو الفرض من غير عذر لا يجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالفرض في هذه القاعدة: ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً بدليل قطعي، عند الحنفية، أو هو ما في فعله الثواب وما في تركه العقاب، وهذا شامل للفرض والواجب عند غير الحنفية. وهو كذلك مقصود هذه القاعدة عند الحنفية حيث إن ما طلبه الشارع طلباً جازماً بدليل قطعي وما طلبه الشارع طلباً جازماً بدليل ظني كليهما لا يجوز ترك أحدهما من غير عذر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ترك صوم رمضان من عذر السفر أو المرض أو الكبر أو الحمل والإرضاع لا يجوز وفاعله آثم. ومنها: ترك قراءة الفاتحة في صلاة الإِمام والمنفرد لا تجوز بغير عذر عند الجميع وإن اختلفوا في النتائج: حيث إن غير الحنفية يبطلون صلاة من لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب من إمام ومنفرد ومؤتم عند الشافعية، والحنفية يؤثمون من لم يقرأها ويوجبون عليه إعادة الصلاة مادام في الوقت، وإن خرج الوقت فلا إعادة عليه ولكنه آثم لتركه واجباً. ومنها: عدم جواز موادعة المشركين إن لم يكن في الموادعة خير للمسلمين بأن كان المسلمون لهم شوكة وقوة، ولأن قتال المشركين فرض، وترك ما هو الفرض من غير عذر لا يجوز. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 86.

القاعدة الثامنة والثمانون [ترك الواجب]

القاعدة الثامنة والثمانون [ترك الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ترك الواجب يوجب الكراهة والنقصان ولا يفسد الصلاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب - كما سبق قريباً - ويبنون على ذلك أحكاماً مختلفة، فالفرض عندهم (ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه) كفرضية الصلاة مثلاً. والواجب (ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة) كخصوص قراءة الفاتحة في الصلاة. فبناء على هذا التفريق عندهم فقد سبق أن ترك الفرض من غير عذر لا يجوز حيث يبطل العمل كترك القراءة مطلقاً للقادر عليها حيث تبطل الصلاة، ولكن ترك واجب في الصلاة لا يبطلها ولكن يوجب الكراهة والنقصان فيها. والمقصود بالكراهة هنا الكراهة التحريمية لا التنزيهية. حيث إن الكراهة عند الحنفية نوعان: كراهة تحريم وهي إلى الحرام أقرب وكراهة تنزيه وهي إلى الإباحة أقرب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ترك قراءة الفاتحة بخصوصها لا يبطل الصلاة - للإمام والمنفرد - بل ينقصها ويكون هذا الترك مكروهاً ويوجبون الإعادة في الوقت وإن خرج الوقت فلا إعادة مع الإثم. كما مر قريباً. ومنها: طواف المحدث جائز عند الحنفية مع وجوب الدم - أن لم يعد الطواف - لأنه ترك واجباً؛ لأن الطهارة في الطواف واجبة لا شرط صحة عند الحنفية، ورواية عن أحمد خلافاً للشافعية ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 223.

ومالك (¬1)، والرواية الأخرى عند أحمد حيث يعتبرون الطهارة شرط صحة بدونها لا يصح الطواف ولا السعي بعده. فترك الطهارة في الطواف عند الحنفية أوجب نقصاناً في العبادة فيجبر هذا النقصان بالدم إن لم يعده قبل السعي، وأما إن سعى بعده فقد صح سعيه وتمت عمرته وعليه دم جزاء نقصان واجب. ¬

_ (¬1) الكافي جـ 1 ص 367.

القاعدة التاسعة والثمانون [تزاحم الحقوق]

القاعدة التاسعة والثمانون [تزاحم الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تزاحم الحقوق لا يقدم فيها أحد على أحد إلا بمرجح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بتزاحم الحقوق: تضايقها؛ لأن أصل المزاحمة المضايقة؛ لأن كل صاحب حق يضايق صاحب الحق الآخر، وأصله من المدافعة ولا تكون المدافعة إلا عند الضيق (¬2). فمفاد القاعدة: أنه إذا تزاحمت الحقوق وكثر أصحابها فلا يقدم فيها أحد على أحد إلا بمرجح يوجب التقديم، وأسباب التقديم متعددة: منها السبق والقوة - كما سبق ذكره - والقرعة أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ازدحم الخصوم في الدعوى، أو في سكنى الأحياء، أو في ماء غسل أو وضوء لا يكفي إلا واحداً قدم الأسبق منهم. ومنها: إذا مات إثنان أحدهما بعد الآخر والماء الموجود عند موته لا يكفي إلا غسل أحدهما فالأول أولى به. ومنها: إذا أقر الوارث بدين لإنسان ثم بدين آخر لغيره والتركة لا تقي بهما فالدين الأول أولى على المشهور. ومنها: لو قتل شخص جماعة مرتباً قتل بالأول منهم، وحكم للباقين بالديات. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 294، أشباه ابن نجيم ص 362. (¬2) المطلع ص 294.

ومنها: إذا تساووا في الحقوق فيقرع بينهم كاجتماع أولياء متساوين في النكاح، أو اجتماع ورثة متساوين في استيفاء القصاص. ومنها: إذا أقر الوارث بدين وأقام آخر بينة على دين، والتركة لا تقي بهما فالبينة أولى؛ لأنها أقوى من الإقرار.

القاعدة التسعون [التساوي في السبب]

القاعدة التسعون [التساوي في السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستحقاق: استفعال من الحق، وهو ما ثبت للإنسان عن طريق مشروع سواء أكان الحق ماديًّا أو حكميًّا معنويًّا. فالتساوي في سبب ثبوت الحق يوجب التساوي في نفس الحق الثابت؛ لأن المساواة تمنع التفاضل والزيادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاستحقاق بالإرث سبب لحصول الموروث، ودرجة القرب من المورث توجب المساواة في المُسْتَحَق. فإذا مات إنسان عن ابنين استحق كل واحد منهما نصف التركة، ولا يجوز تفضيل أحدهما على الآخر بأي سبب آخر كان يكون أحدهما أكبر من الآخر أو أكثر برًّا للمورث منه. ومنها: الأولياء المتساوون في الولاية متساوون في استحقاقها، وعند التشاح يقرع بينهم. ¬

_ (¬1) فتح القدير جـ 10 ص 464.

القاعدة الحادية والتسعون [التسبب]

القاعدة الحادية والتسعون [التسبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التسبب إذا كان تعدياً يكون موجباً للضمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التسبب: تفعل من السبب، والسبب اسم لما يتوصل به إلى المقصود كالجبل والطريق. وفي الاصطلاح: عبارة عما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه (¬2). والسبب هنا هو المقابل للمباشرة، فإذا كان السبب في وقوع الحادثة تعدياً فهو موجب للضمان، وإن كان الأصل أن الضمان على المباشر دون المتسبب، ولكن قاعدتنا هذه كأنها استثناء منها حيث إنها أوجبت الضمان على المتسبب إذا كان متعدياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من دل سارقاً على مال فسرقه فالضمان والقطع على السارق لا على الدال؛ لأن الدال غير مباشر. ولكن إذا حفر بئراً في طريق المسلمين فسقط فيها إنسان أو دابة فهو ضامن؛ لأنه متعد، حيث إنه لا يجوز له أن يحفر في طريق المسلمين، ولكن إن حفر في ملكه فسقط فيها إنسان فلا يضمن؛ لأنه غير متعد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 88. (¬2) كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1 ص 626.

القاعدة الثانية والتسعون [تسكين الفتنة]

القاعدة الثانية والتسعون [تسكين الفتنة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تسكين الفتنة لازم شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفتنة: الاختبار والامتحان والإحراق (¬2). وقال في المصباح: فُتِن عن دينه وافتتن: مال عنه. والفتنة: المحنة (¬3) والابتلاء. وينظر أيضاً معجم مقاييس اللغة مادة "فتن". وقال في أساس البلاغة: وبينهم فتنة: أي حرب (¬4). وقال في القاموس: والفتنة: الخبرة، وإعجابك بالشيء، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، وإذابة الذهب والفضة، والإضلال والجنون والمحنة، والمال والأولاد واختلاف الناس في الآراء (¬5). والمقصود بالقاعدة: الحرب واختلاف الناس في الآراء الذي يورث المنازعة ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، فالواجب الشرعي في هذه الحالة - على ذوي الحل والعقد - العمل على تسكين هذه الفتنة وإزالتها وإصلاح ذات البين وتسكين الفتنة: تهدئتها وإزالتها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 180. (¬2) مختار الصحاح مادة "فتن". (¬3) المصباح مادة "فتن". (¬4) أساس البلاغة للزمخشري مادة "فتن". (¬5) القاموس المحيط مادة "فتن".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان نهر يجري بين قوم وخافوا أن ينبثق - أي تنفجر حافتاه فيغرق ما حوله - وأرادوا أن يحصنوه فامتنع بعضهم من الدخول معهم - أي في تكلفة تحصينه - فإن كان في تركه ضرر عام أجبروا جميعاً على تحصينه بالحصص؛ لأن في ترك الإجبار هنا تهييج الفتنة، وتسكين الفتنة لازم شرعاً. فلأجل التسكين يجبرهم الإِمام على تحصينه بالحصص. أما إن لم يكن فيه ضرر عام لم يجبرهم عليه وأمر كل إنسان أن يحصن نصيب نفسه.

القاعدة الثالثة والتسعون [تسليم المعقود عليه]

القاعدة الثالثة والتسعون [تسليم المعقود عليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تسليم المعقود عليه مقرر للبدل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا سلم البائع المبيع المعقود عليه إلى المشتري، سواء أكان التسليم فعليًّا أم كان على سبيل التخلية وإزالة المانع عن الاستلام تقرر البدل وهو الثمن على المشتري. ووجب عليه أداءه إلى البائع. إلا إذا كان الثمن مؤجلاً فحين حلول الأجل. وتسليم كل شيء بحسبه، فتسليم سيارة ليس كتسليم دار أو أرض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امرأة سلَّمت نفسها لزوجها فدخل بها وجب لها المهر كاملاً؛ لأنها سلمت المعقود عليه فتقرر البدل وهو المهر. ولا تستحق النفقة حتى يبوئها منزلاً. ومنها: إذا اشترى إنسان سلعة من آخر فسلم البائع السلعة للمشتري بعد تمام العقد فوجب الثمن في ذمة المشتري فعليه أداؤه إن كان حالاًّ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 199.

القاعدة الرابعة والتسعون [تسمية الشيء]

القاعدة الرابعة والتسعون [تسمية الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تسمية الشيء باسم غيره شرعاً أيقتضي اعتبار شروطه فيه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مثار اختلاف بين أبي حنيفة والحنفية وبين مالك والشافعي رضي الله عنهم جميعاً. فعند مالك والشافعي أن الشيء من العبادات إذا سمي باسم غيره - أي أطلق عليه اسم غيره من المشروعات - فيجب فيه اعتبار شروط المسمى به. وعند أبي حنيفة لا يشترط ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطواف بالبيت ورد فيه حديث "الطواف بالبيت صلاة فأقلُّوا الكلام" (¬2). وفي لفظ: "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه" (¬3). ولذلك اشترط المالكية والشافعية الطهارة لصحة الطواف، وهو قول لأحمد بن حنبل رحمه الله، وأما عند الحنفية فلم يشترطوا الطهارة للطواف وإنما اعتبروها واجبة تجبر بدم، وهو القول الآخر لأحمد. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 234. (¬2) رواه النسائي عن طاوس عن رجل أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) رواه الترمذي مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال النسائي: وقد روي وقفه، كما رواه النسائي أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً، ورواه الحاكم في مستدركه مرفوعاً عن ابن عباس، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ينظر سنن الترمذي مع عارضة الأحوذي جـ 4 ص 182، المستدرك جـ 1 ص 459، جامع الأصول جـ 3 ص 190، نصب الراية جـ 3 ص 57 - 58.

القاعدة الخامسة والتسعون [التسمية والإشارة]

القاعدة الخامسة والتسعون [التسمية والإشارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التسمية والإشارة إذا اجتمعتا في الجنسين كانت العبرة للتسمية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتسمية هنا: وصف المبيع حاضراً أو غائباً، وأما الإشارة إليه فتعتبر إذا كان حاضراً. ومفاد هذه القاعدة: أنه إذا اجتمعت التسمية - أي وصف البيع مع الإشارة إليه - وكان المبيع أحد جنسين والمسمى من غير جنس المشار إليه كان الاعتداد بالتسمية لا بالإشارة بخلاف ما إذا كان المبيع جنساً واحداً حاضراً فالعبرة بالإشارة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أبيعك هذا الفص من الماس وأشار إلى فص من زجاج، فإن العبرة هنا بالتسمية لا بالإشارة؛ لاختلاف الجنس، فيكون البيع باطلاً. ومنها: إذا قال: أبيعك هذا الفرس، وأشار إلى بغل، فالعقد باطل لاختلاف الجنس أيضاً. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484 عن التحرير.

القاعدة السادسة والتسعون [التشهير]

القاعدة السادسة والتسعون [التشهير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التشهير فيما هو نسك لا فيما هو جبر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التشهير: المراد به هنا الإعلان والإظهار. النسك: الشعيرة من شعائر العبادة وبخاصة في الحج. ومفاد القاعدة: أن المسنون إظهار النسك والعبادة وإعلانهما، وأما إذا كان الفعل جبراً لإخلال في أداء أحد الأنساك فلا يسن فيه الإعلان ولا الإظهار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يسن تقليد الهدي سواء كان هدي متعة أم قِران أم تطوع من الإبل والبقر دون الغنم (¬2) - عند الحنفية -. والتقليد أن يجعل على عنق البدنة أو البقرة نعلاً أو قطعة أدم - أي جلد - أو عروة مزادة، والمعنى فيه إعلام الناس أن هذا أعد للتطوع بإراقة دمه، وهو المقصود بالتشهير، ويسن الإشعار أيضاً (¬3). وأما إن أفسد حجه بجماع وأراد أن يكفر ببدنة فلا يسن تقليدها؛ لأن هذه البدنة كفارة جزاء فلا يسن فيها التشهير. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 137. (¬2) وعند مالك يجوز تقليد الغنم أيضاً. (¬3) وهو أن يشق جلد أحد جانبي سنام البدنة حتى يخرج منه الدم ثم يلطخ بذلك الدم سنامها.

القاعدة السابعة والتسعون [تصحيح الصلح]

القاعدة السابعة والتسعون [تصحيح الصلح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصحيح الصلح بطريق الإسقاط إنما يكون في المستهلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصلح جائز بين المسلمين، وإذا صالح إنسان آخر وأخذ بعض ماله وترك الباقي، فإن كان الباقي غير مستهلك فيكون تمليكاً لمن هو بيده. وأما إن كان الباقي بعد الصلح مستهلكاً فيكون ما صولح عليه إسقاطاً للحق؛ لأن المستهلك لا يتصور فيه الملك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن كان لإنسان على آخر دين فصالحه على وضع جزء منه على أن يعطيه الباقي فهذا صلح جائز، ويكون ما تركه للمدين إسقاطاً لحقه في الباقي، فلا يطالبه به بعد ذلك. ومنها: إذا غصب رجل كرَّ حنطة والغاصب منكر للغصب فصالحه صاحبه منه على نصف كر حنطة، جاز الصلح؛ لأن الغاصب بإنكاره الغصب يزعم أن العين ملكه والشرع جعل القول قوله - مع اليمين - إن لم يكن هنا بينة للمدعي. فيتعذر على المغصوب منه أخذ عين المغصوب في الحكم؛ حيث لا بينة له فيكون بمنزلة المستهلك، ويمكن تصحيح الصلح بينهما بطريق الإسقاط، والمنكر آثم في الإنكار والغصب، حتى إذا وجد المغصوب منه بينة على بقية ماله الذي في يده قضى له به الحاكم؛ لأنه لما وجد البينة فقد تمكن من استرداد العين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 59.

القاعدة الثامنة والتسعون [تصحيح العقود]

القاعدة الثامنة والتسعون [تصحيح العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصحيح العقود التي قامت عليها الحجة أولى من تصحيح يد لم تقم على دوامها حجة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود: جمع عقد وهو ارتباط الإيجاب بالقبول. والحجة: البرهان. والقاعدة تنص على أنه إذا قامت الحجة والبينة والبرهان على العقد فإنه يجب تصحيحه وبناء الحكم عليه. ويكون تصحيح هذا العقد وبناء الحكم عليه أولى من تصحيح يد لم تقم على دوامها واستمراها حجة؛ لأن وضع اليد قد يكون عن طريق باطل غير صحيح، والعقد إذا قامت عليه الحجة يكون صحيحاً قطعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى إنسان أنه اشترى هذه الدار من مالكها وأقام البينة على الشراء، وكانت الدار في يد رجل يدعيها ولم يقم بينة على صحة وضع يده، فإن الحاكم يحكم بالدار لمن أقام البينة على الشراء. وحتى لو أقام واضع اليد بينة الشراء فإن بينة الخارج أقوى ومقدمة على بينة ذي اليد إلا إذا كانت بينة ذي اليد تفيد تاريخاً للشراء سابقاً على تاريخ شراء الخارج. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484 عن التحرير.

القاعدة التاسعة والتسعون [تصحيح العقود]

القاعدة التاسعة والتسعون [تصحيح العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصحيح العقود واجب ما أمكن؛ لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح دون الفساد، إلا إذا تعذر حملها على الصلاح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في العقود بين المسلمين بناؤها على الصحة دون الفساد من باب حسن الظن بالمسلمين، فإذا تعارض عقد بين الصحة والفساد فإنه يحمل على الصحة، كذلك إذا ادعى أحد العاقدين فساد العقد وادعى الآخر صحته فإن القول قول مدعي الصحة مع يمينه، والبينة على مدعي الفساد؛ لأن مدعي الصحة يتمسك بالأصل وينفي المفسد، ومدعي الفساد متمسك بخلاف الأصل ويدعي المفسد فعليه البينة؛ لأنه يريد الإثبات. ولكن إذا لم يمكن حمل العقد على الصحة لوضوح فساده فلا يمكن تصحيحه إلا بإزالة المفسد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج امرأة بحضور شاهدين، ثم ادعي عليه أن الشاهدين كانا عبدين عند الشهادة فالنكاح فاسد؛ لأنه لا يجوز شهادة عبدين على نكاح بين مسلمين. فالأصل صحة العقد وحرية الشاهدين إلا إذا قامت البينة على عبودية الشاهدين فلا يمكن تصحيح العقد. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 425.

القاعدة تمام المائة [تصحيح الكلام]

القاعدة تمام المائة [تصحيح الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصحيح كلام العاقل واجب ما أمكن فيعمل بمجازه عند تعذر العمل بحقيقته (¬1). وفي لفظ: كلام العاقل مهما أمكن تصحيحه لا يجوز إلغاؤه (¬2). وفي لفظ: كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد بمعنى قاعدة: إعمال الكلام أولى من إهماله وقد سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 518. فالعاقل يصان كلامه عن الإلغاء والإهمال ما أمكن بأن ينظر إلى الوجه المقتضي لتصحيح كلامه فيرجح، فإذا تعذر حمل كلامه على الحقيقة يحمل على المجاز؛ لأن اللفظ الصادر في مقام التشريع أو التصرف إذا كان حمله على أحد المعاني الممكنة يترتب عليه حكم أو ثمرة وحمله على معنى آخر يقتضيه لا يترتب عليه حكم أو ثمرة فالواجب حمله على المعنى المفيد للحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: وقفت على أولادي لم يدخل فيه ولد الولد في الأصح حملاً على الحقيقة، وإذا لم يكن له إلا أولاد أولاد حمل عليهم على سبيل المجاز صوناً للكلام عن الإهمال والإلغاء. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 284 عن التحرير. (¬2) المبسوط جـ 9 ص 26 - 27. (¬3) المبسوط جـ 7 ص 62.

القاعدة الحادية بعد المائة [تصرف الإمام]

القاعدة الحادية بعد المائة [تصرف الإِمام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصرف الإِمام على الرعية منوط بالمصلحة (¬1). أصل هذه القاعدة: من قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت (¬2). وقال رضي الله عنه مخاطباً عماراً وابن مسعود وعثمان بن حنيف رضي الله عنهم لما ولاهم العراق: إني أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة والي اليتيم، فإن الله تبارك وتعالى قال: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (¬3)} (¬4). واصل ذلك ودليله قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه إلا لم يدخل معهم الجنة" (¬5). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالرعية هنا: عموم الناس الذين تحت ولاية الوالي أو الإِمام. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 309، أشباه السيوطي ص 121، أشباه ابن نجيم ص 124، شرح الخاتمة ص 30 المجلة المادة 58، الوجيز مع الشرح والبيان ص 347 ط 4. المدخل الفقهي الفقرة 662. (¬2) أخرجه سعيد بن منصور في سننه، جـ 4 ص 1538، الحديث رقم 788. (¬3) الآية 6 من سورة النساء. (¬4) الخراج لأبي يوسف ص 36 مختصراً. (¬5) الحديث رواه مسلم والطبراني.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

منوط: اسم مفعول من الفعل نيط به مبنيًّا للمفعول. ومعنى نيط به: أي عُلِّق ورُبط. فمفاد القاعدة: أن تصرف الإِمام وكل مَن ولي شيئاً من أمور المسلمين يجب أن يكون مقصوداً به المصلحة العامة، أي بما فيه نفع لعموم من تحت أيديهم، وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحاً ولا نافذاً شرعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قسم الإِمام المال على المستحقين يحرم عليه التفضيل بينهم مع تساوي الحاجات؛ لأن عليه التعميم والتسوية بخلاف المالك. ومنها: لا يجوز للوالي أو القاضي أو الناظر أو الوصي أن يهب أموال الوقف أو أموال الصغير؛ لأن تصرفه فيها يجب أن يكون مقيداً بالمصلحة. ومنها: لا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماماً للصلوات فاسقاً - وإن صحح بعضهم الصلاة خلفه - لأن الصلاة خلف الفاسق مكروهة وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة، ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه.

القاعدة الثانية بعد المائة [تصرف المالك]

القاعدة الثانية بعد المائة [تصرف المالك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تصرف الإنسان في خالص حقه إنما يصح إذا لم يتضرر به سواه (¬1). وفي لفظ: تصرف المالك في ملكه لا يتقيد بشرط السلامة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متقابلتان: فأولاهما تصحح تصرف الإنسان المالك في ملكه وخالص حقه لكن بقيد وشرط وهو أن لا يتضرر بهذا التصرف غيره. وثانيتهما تصحح تصرفه مطلقاً سواء تضرر به غيره أم لا ما دام يتصرف في ملكه وخالص حقه. فالأولى: أصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. والثانية: أصل عند صاحبيه رحمهما الله تعالى. وقيل: إن الثانية هي قول المتقدمين وهو القياس، والمتأخرون على استثناء ما إذا كان الضرر بيِّناً (1) وهذا الذي عليه العمل إن شاء الله. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا راجع المطلِّق امرأته ولم يعلمها بالرجعة صحت؛ لأن الرجعة استدامة النكاح القائم وليس بإنشاء، فكان الزوج بالرجعة متصرفاً في خالص حقه. ومنها: يصح التوكيل في الخصومة في كل حق بشرط رضا الخصم للزومها. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الموكل لم يتصرف في ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 30 - 31. (¬2) المبسوط جـ 23 ص 188.

خالص حقه حيث إن الجواب مستحق على الخصم ولذلك يستحضره في مجلس الحكم والمستحق للغير لا يكون خالصاً له. وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يشترط رضا الخصم؛ لأن التوكيل تصرف في خالص حقه؛ لأنه وكله بالجواب والخصومة لدفع الخصم عن نفسه وذلك حقه، والتصرف في خالص حقه لا يتوقف على رضا الغير كما في التوكيل في استيفاء الدين. وهذا الراجح. ومنها: إذا كان عبد مشترك بين اثنين وكاتبه أحدهما فإن هذه الكتابة تتوقف على رضا الشريك الآخر، وإن كان تصرف الشريك الأول في خالص حقه، وإنما قلنا: تتوقف صحة الكتابة على الشريك الآخر لتضرره بالكتابة حيث يفسد عليه عبده وإن كان مشتركاً.

القاعدة الثالثة بعد المائة [التصرف]

القاعدة الثالثة بعد المائة [التصرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصرف إنما يكون بعد تأكد الحق بتمام السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى؛ لأن القدرة على الانتفاع بالشيء والتصرف فيه تصرفاً مشروعاً إنما يحصل ويتحقق بعد أن يتيقن ويتأكد من حق المتصرف بذلك الشيء وذلك إنما يكون بعد تمام سبب الحق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تصرف المشتري بالسلعة لا يجوز إلا بعد دخولها في ملكه وتأكد حقه فيها بتمام العقد الصحيح وانتقالها إليه. ومنها: الغنيمة لا يحل للغانم التصرف فيها إلا بعد تأكد حقه فيها بدخولها دار الإِسلام وقسمتها؛ لأن عند الحنفية لا ينبغي للإمام أو القائد أن يقسم الغنائم ولا يبيعها إلا إذا أخرجها إلى دار الإِسلام, لأنه لا يتأكد حق الغانمين فيها بالإحراز وحده، ولا يجوز عندهم قسمتها في دار الحرب حتى لا يتفرقوا ويشتغل كل واحد منهم يحمل نصيبه فيكر عليهم العدو وتكون الدبرة عليهم. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1010.

القاعدة الرابعة بعد المائة [تصرف العاقل]

القاعدة الرابعة بعد المائة [تصرف العاقل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تصرف العاقل يتحرى تصحيحه ما أمكن (¬1). وفي لفظ: تصرف العاقل محمول على الصحة ما أمكن (¬2). وفي لفظ: فعل المسلم محمول على الحِلِّ ما أمكن (¬3). وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد ذات معنى متحد ومدلول واحد وكلها تفيد أن المسلم والعاقل إنما تحمل تصرفاته على الصحة والحل ما أمكن ذلك؛ وذلك لأن المسلم والعاقل عموماً لا يتصرف تصرفاً فاسداً لأن عقله يمنعه من التصرف الفاسد، والمسلم خصوصاً يمنعه دينه وعقله من الحرام. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال لعبديه: أحدكما حر. عتق أحدهما لا بعينه. فإن مات أحدهما تعيَّن العتق في الآخر؛ لأن الميت ليس بمحل للعتق فيتعين في القائم ضرورة، ومثله لو باع أحدهما أو وهبه أو دبَّره، أو كان أمة فوطئها فحملت منه، تعين العتق في الآخر ضرورة؛ لأنه لما تصرف في أحدهما تصرف الملاَّك تعين العتق في الآخر لعدم قبوله شيئاً من تلك التصرفات. ومنها: إذا قال لامرأتين له: إحداكما طالق ثلاثاً، ثم وطئ إحداهما تعين ¬

_ (¬1) فتح القدير جـ 8 ص 421. (¬2) المبسوط جـ 7 ص 86. (¬3) المبسوط جـ 7 ص 62.

الطلاق في الأخرى؛ لأن فعل المسلم محمول على الحل ما أمكن؛ لأن عقله ودينه يمنعانه من الحرام، ووطؤهما جميعاً لا يحل له، فكان من ضرورة حل الوطء في إحداهما انتفاؤه في الأخرى.

القاعدة الخامسة بعد المائة [تصرف الفضولي]

القاعدة الخامسة بعد المائة [تصرف الفضولي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصرف الفضولي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفضولي: هو من لم يكن وليًّا ولا أصيلاً ولا وكيلاً في العقد (¬2). فإذا تصرف فضولي في بيع شيء أو شرائه، أو نكاح فما حكم عقده هذا؟ عند الحنفية: إن عقد الفضولي عقد موقوف على إجازة من عقد العقد له فإن إجازه نفذ وإلا بطل. وعند الشافعي في الجديد إنَّ عقد الفضولي باطل، وإن كان الشافعية مختلفين في بطلانه وجوازه. وعند المالكية: إنَّ عقد الفضولي عقد موقوف على إجازة المالك أو الولي، قالوا: وأما بيع الفضولي فيتوقف على إجازة المالك (¬3). فهم كالحنفية في هذا. وعند الحنابلة تفصيل ذكره ابن رجب في المسألة العشرين وفيها: جواز العقد الموقوف إن دعت الحاجة إلى التصرف. وقد سبق بحث تصرف الفضولي في حرف الهمزة في القاعدة رقم 27، 28، 29. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع سيارة ملك غيره، وأبلغ مالكها بالعقد، فإن أجاز المالك العقد تم البيع واستحق المالك الثمن، وإن لم يجز بطل البيع. هذا إذا كان تصرف الفضولي قوليًّا. وأما إذا كان تصرفه فعليًّا بأن حرك السيارة من مكانها ¬

_ (¬1) ابن رجب المسألة العشرون، المنثور جـ 1 ص 238، أشباه السيوطي ص 285. (¬2) التعريفات ص 174. (¬3) أسهل المدارك جـ 2 ص 273.

وأخذها وسلمها للمشتري قبل إذن المالك فهو غاصب، لا فضولي. ومنها: عقد نكاح امرأة على رجل بمهر مقدر فلما بلغ الرجل العقد فإن أجازه تم العقد ووجب عليه المهر وكل ما يترتب على العقد التام الصحيح. وإن رده بطل.

القاعدة السادسة بعد المائة [التصرف قبل القبض]

القاعدة السادسة بعد المائة [التصرف قبل القبض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصرف في المملوكات قبل قبضها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المملوكات قبل القبض منها عقود ومنها غير عقود. والعقود إما عقود معاوضات تنقسم إلى بيع وإلى غير بيع وهو نوعان: 1 - ما يخشى انفساخ العقد بتلفه وهلاكه كالأجرة المعينة، والعوض في الصلح، فهذه بمعنى البيع فما يجوز التصرف فيه قبل قبضه من المبيع أو الثمن يجوز فيها. 2 - ما لا يخشى انفساخ العقد بتلفه وهلاكه قبل قبضه كالصداق وعوض الخلع والمصالح به عن دم العمد ونحوه. ففي جواز التصرف بها قبل القبض وجهان عند الحنابلة. وأما غير العقود كالميراث والاستحقاق من أموال الوقف أو الفيء فإذا ثبت الملك للمستحقين جاز التصرف فيه قبل قبضه، وما لم يثبت الملك لا يجوز التصرف فيه بغير إشكال (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى صبرة طعام جزافاً - أي دون كيل - قالوا: لا يجوز للمشتري التصرف فيها بالبيع أو الهبة على إحدى الروايتين قبل قبضها. ومنها: إذا استأجر عيناً فإن قبضها جاز له التصرف فيها بإجارة أو إعارة. وأما قبل القبض فليس للمستأجر التصرف في العين المؤجرة إلا للمؤجر. ¬

_ (¬1) ابن رجب القاعدة 58. (¬2) التفصيل عند ابن رجب في القاعدة المذكورة.

ومنها: صحة هبة المرأة صداقها قبل قبضه، نص عليه أحمد رحمه الله؛ لأن تلف المهر لا يتسبب عنه انفساخ العقد فلا ضرر في التصرف فيه بخلاف البيع والإجارة.

القاعدة السابعة بعد المائة [تصرف المريض والتصرف بعد الموت]

القاعدة السابعة بعد المائة [تصرف المريض والتصرف بعد الموت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصرف المضاف إلى ما بعد الموت يكون وصية (¬1). ويتصل بها قاعدة تقول: تصرف المريض مرض الموت في الحكم كالمضاف إلى ما بعد الموت (¬2). فيكون وصية أيضاً بناء على القاعدة الأولى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتصرف المضاف إلى ما بعد الموت: أي يجب تنفيذه بعد الوفاة لا في الحياة. والمراد بمرض الموت: هو المرض الذي استمر واتصلت به الوفاة. ويترتب على اعتبار التصرف المضاف إلى ما بعد الموت وتصرف المريض مرض الموت وصية أن هذا التصرف لا ينفذ إلا من ثلث التركة، ويأخذ أحكام الوصية بحيث أنها لا تنفذ إلا إذا بقي من المال ما يسعها بعد أداء الحقوق التي على التركة كالديون. فإن أحكام المريض مرض الموت لا تشبه أحكام الأصحاء أو المرضى الذي لم يتصل مرضهم بموتهم. فلا تنفذ تصرفات هذا إلا من ثلثه، وما زاد عن الثلث فلا بد فيه من إجازة الورثة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 97. (¬2) المبسوط جـ 12 ص 27.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لعبد عنده: أنت حر بعد موتي. فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق كله. وأما إذا كان لا يخرج من الثلث عتق بمقدار الثلث وسعى في الباقي للورثة. ومنها: إذا قال المريض مرض الموت: سدس أو ثلث داري هذه بعد موتي هبة أو صدقة. جاز ذلك؛ لأنه لما قال: بعد موتي فقد صرح بالوصية، فإنه أضاف التصرف إلى ما بعد الموت، فيجب تنفيذها من الثلث. ومنها: إذا وهب المريض مرض الموت شيئاً لشخص ما، فإن كان الموهوب يخرج من الثلث صحت الهبة وصية إلى ما بعد الموت، وإن لم يخرج من الثلث بطلت الهبة.

القاعدة الثامنة بعد المائة [تصرف المريض]

القاعدة الثامنة بعد المائة [تصرف المريض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصرف المريض فيما يحتمل النقض بعد نفوذه يكون محكوماً بصحته ثم ينقض بعد موته ما يتعذر تنفيذه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أخرى تتعلق بتصرفات المريض مرض الموت، ومفادها: أن تصرف هذا المريض - فيما يمكن أن ينقض بعد نفوذه - يكون تصرفاً صحيحاً؛ لأن الذي يمكن نقضه هو ما ثبتت صحته، وأما التصرف الباطل فلا يلحقه النقض لأنه منقوض أصلاً، وهذا التصرف الذي ثبتت صحته إذا تعذر تنفيذه بعد موته ينقض. لا لعدم صحته بل لاستحالة تنفيذه كأن لا يخرج من الثلث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر رجل مريض في مرضه رجلاً ليخدمه سنته بجارية له بعينها لا مال له غيرها فدفعها إليه، وخدمه الرجل السنة كلها وولدت الجارية وزادت في بدنها ثم صارت تساوي أكثر من أجر مثل الرجل ثم مات المريض، فإن كانت قيمة الجارية يوم وقعت الإجارة وقبضها الأجير مثل أجر مثله أو أقل كانت له بزيادتها, لأنه لا محاباة فيها ولا وصية، وزيادتها تكون زيادة ملكه. وأما إن كانت قيمتها يومئذ أكثر من أجر مثله فإن الأجير يحسب له من ثمن الجارية مقدار أجر مثله وثلث ما ترك الميت بعد ذلك من الجارية وولدها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 130.

وصية له. ويرد قيمة البقية على الورثة؛ لأنه يمكن فيها معنى الوصية بطريق المحاباة فلا تكون سالمة للأجير وتبقى موقوفة على حق المريض، فيثبت حقه في الزيادة متصلة أو منفصلة فلا يسلم للأجير منها إلا مقدار أجر مثله وثلث التركة بعد ذلك منها ومن ولدها بطريق الوصية، وفيما زاد على ذلك يلزمه رده، إلا أنه تعذر الرد لمكان الزيادة الحاصلة في يده بعد تملكها فرد قيمة الزيادة، وقيمة الزيادة هي التي حصل فيها النقض بعد تعذر التنفيذ.

القاعدة التاسعة بعد المائة [تصرف المريض]

القاعدة التاسعة بعد المائة [تصرف المريض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تصرف المريض فيما يكون فيه إيصال النفع إلى وارثه باطل (¬1). وفي لفظ: تبرع الوالد على ولده في مرضه باطل (¬2). وفي لفظ: لا حجة مع الاحتمال الناشيء عن دليل (¬3). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله تعالى. أصل هذه القواعد عند أبي حنيفة رحمه الله: (إن التهمة إذا تمكنت من فعل الفاعل حكم بفساد فعله) (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد يقول بها الحنفية والحنابلة (¬5) دون الشافعية. ومفادها: أن المريض مرض الموت إذا تبرع أو أهدى أو أوصى لأحد ورثته بشيء، أو أقر بدين عليه له كان هذا المريض متهماً بإرادة تفضيل بعض ورثته على بعض، ولذلك يبطل تصرفه هذا ولا يعتد به. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقر المريض في مرض موته بدين لأحد ورثته فإن إقراره هذا باطل لوجود تهمة تفضيل بعض ورثته على بعض. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 227. (¬2) نفس المصدر جـ 4 ص 228. (¬3) قواعد الخادمي ص 329، المجلة المادة 73، المدخل الفقهي الفقرة 583، الوجيز ص 216 ط 4. (¬4) تأسيس النظر ص 27. (¬5) الإفصاح جـ 2 ص 18، وتخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 212.

ومنها: إذا تبرع هذا المريض أو أوصى لبعض ورثته بشيء فلا يعتد بتبرعه ولا يكون وصية لأنه "لا وصية لوارث" (¬1) وقد سبقت القاعدة القائلة: (إن تصرف المريض في الحكم مضاف إلى ما بعد الموت). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه.

القاعدة العاشرة بعد المائة [التصرف]

القاعدة العاشرة بعد المائة [التصرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصرف يدل على اليد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تصرف الإنسان بالشيء بيعاً أو إجارة أو هبة أو تبرعاً يدل على ملكية ذلك الشيء لذلك الإنسان. أو يدل على وضع يده عليه بطريق مشروع من باب حسن الظن بالمسلمين. وقد سبقت القاعدة القائلة: (الأموال على ملك أربابها) (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أوكل رجل آخر في بيع بقرة سلمها له، فالتوكيل والتسليم دليل على ملكية البقرة للموكل. ومنها: أجر رجل آخر داراً، فذلك دليل على يده عليها. ¬

_ (¬1) ضاع عني مصدرها. (¬2) القاعدة 601 من قواعد حرف الهمزة.

القاعدة الحادية عشرة بعد المائة [تصرفات السكران]

القاعدة الحادية عشرة بعد المائة [تصرفات السكران] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصرفات السكران كلها جائزة، إلا في ثلاث أو سبع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السكران: فَعْلان من السكر، ومؤنثه: سَكرى، والسكر: هو التحير، كما قال ابن فارس (¬2). والسكران: مَن تناول مسكراً من شراب أو غيره فغطَّى على عقله فلا يعقل ما يفعل. والمقصود بالقاعدة: السكران من محرم عالماً به مختاراً غير جاهل ولا مكره أو مضطر. فتصرفاته كلها جائزة؛ لأن الأصل عند الفقهاء أن السكران يعامل معاملة الصاحي في كل تصرفاته إلا في ثلاث وقيل سبع. فهو عند الفقهاء مكلف (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قذف وهو سكران أقيم عليه حد القذف بعد صحوه. ومنها: إذا زنا وهو سكران أقيم عليه حد الزنا بعد صحوه كذلك. ومنها: إذا قتل معصوم الدم حال سكره قُتل به. رابعاً: المسائل المستثناة من القاعدة: إذا ارتد حال سكره لا يحكم بردته. وإذا أقر بحد حال سكره لا يقام عليه، والمقصود حد خالص لله كالزنا. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 29 عن خلع الخانية، أشباه ابن نجيم ص 179. (¬2) معجم مقاييس اللغة مادة (سكر). (¬3) أشباه ابن نجيم ص 310.

وإذا أشهد على شهادته لا يقبل إشهاده. وإذا زوج الصغير أو الصغيرة بأكثر من مهر المثل أو أقل لا يقبل. وإذا وُكّل بالطلاق صاحياً فطلق وهو سكران لا يقع تطليقه. وإذا وُكل بالبيع وهو صاحٍ فباع وهو سكران لا يصح بيعه. وإذا غصب من صاح ورده عليه وهو سكران (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 310.

القاعدة: الثانية عشرة بعد المائة [تصرفات السكران]

القاعدة: الثانية عشرة بعد المائة [تصرفات السكران] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تصرفات السكران من البَنج لا تنفذ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البنج: نبت له حب يخلط بالعقل ويورث الخبال وربما أسكر إذا شربه الإنسان بعد ذوبه. ويقال: إنه يورث السبات - أي النوم (¬2). وقال في معجم المصطلحات العلمية والفنية نقلاً عن معجم المصطلحات الزراعية للأمير مصطفى الشهابي (¬3): البنج من الهندية جنس نباتات طبية مخدرة من الفصيلة الباذنجانية (¬4). ومفاد القاعدة: أن متناول هذه النبتة لا يعامل معاملة السكران من محرم، ولذلك لا تنفذ تصرفاته. ولكن في رواية عن أبي حنيفة رحمه الله: من زال عقله بالبنج إن علم حين أكله أنه بنج يقع طلاقه وعتاقه. وإن لم يعلم لا يقع. وهذا في الحقيقة الرأي والقول الصواب؛ لأن مَن تعمد أكله أو شربه فهو قاصد السكر، والسكر محرم من كل شيء فيكون معاقباً وتنفذ تصرفاته كالسكران بمحرم. ولكن إن أكله أو شربه دون أن يعلم فهذا لا تنفذ تصرفاته كمن شرب خمراً وهو جاهل بأنها خمر. ولكن المشهور ¬

_ (¬1) الفرائد ص 322 عن فصل تعزير الخانية. (¬2) المصابح مادة "بنج". (¬3) الأمير مصطفى الشهابي بن محمَّد سعيد أديب، لغوي عالم بالمصطلحات الزراعية، ترأس المجمع العلمي العربي بدمشق، صاحب معجم الألفاظ الزراعية، توفي سنة 1388 هـ - 1968 م، الأعلام جـ 7 ص 245 مختصراً. (¬4) معجم المصطلحات العلمية والفنية ص 78.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عند الحنفية أن السكران من البنج لا تنفذ تصرفاته على كل حال كما هو نص القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تناول البنج وهو لا يعلم فسكر فطلق لا يقع طلاقه باتفاق، وكذلك إذا أعتق لا يصح عتقه، أو قذف لا يحد، أو سرق لا يقام عليه الحد.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة [التصرفات الشرعية]

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة [التصرفات الشرعية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتصرفات الشرعية هي تلك الأفعال والأقوال التي يستطيع المكلف بها أن ينشئ أمراً أو يترتب عليها أمر. كألفاظ البيع والإجارة والنكاح والإقرار والحدود، والجنايات. فالمقصود منها ما يترتب عليها من أحكام شرعية كحل البدلين في البيع وحلّ الاستمتاع في النكاح وغير ذلك من الأحكام الشرعية المترتبة على تلك التصرفات، فليس المقصود من البيع عينه ولا من الإقرار لفظه، وهكذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أقر بأنه سرق أو غصب مالاً وجب عليه رد المسروق والمغصوب والتوبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وليس المقصود مجرد الإقرار. ومنها: إذا جرى عقد بيع بين شخصين بشروطه وجب على البائع تسليم المبيع، ووجب على المشتري تسليم الثمن، وتنفيذ ما يترتب على هذا العقد من أحكام، كالرد بالعيب، ورد الثمن عند استحقاق المبيع، وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 3.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائة [التصريح]

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائة [التصريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصريح ببعض ما يقتضيه الإطلاق هل يكون مفسداً (¬1)؟. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتصريح: التعبير باللفظ الدال على المقصود، وغير الدلالة بغير اللفظ. ومفاد القاعدة: أنه إذا تم عقد بصفة مطلقة ثم صرح أحد العاقدين ببعض مقتضى الإطلاق فهل يدل ذلك على تقييد العقد؟ وهل يفسد العقد بذلك أو لا؟ خلاف عند الشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع سيارة بعشرين ألفاً مطلقة، ثم شرط أن يدفع عشرة آلاف حالَّة. فهل يقتضي ذلك أن تكون العشرة الأخرى مؤجلة؟ فيبطل البيع لجهالة الأجل في الباقي، كما قال الروياني (¬2). أو يصح العقد ويكون الكل حالاًّ وإن نص على حلول العشرة فقط؟ وهذا ما رجحه صاحب المنثور. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 310. (¬2) الروياني لعل المراد به قاضي القضاة عبد الواحد بن إسماعيل أبو المحاسن فخر الإِسلام، من كبار فقهاء الشافعية في زمنه، ولد في بلدة رويان سنة 415 هـ، من كتبه بحر المذهب وحلية المؤمن وغيرهما، قتله الملاحدة الباطنية بجامع أمل سنة 502 هـ رحمه الله. طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 190 مختصراً.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المائة [التصريح بالموجب]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المائة [التصريح بالموجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التصريح بموجب العقد كالتصريح بلفظ العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بموجب العقد: دلالته وما يترتب عليه من أحكام، فإذا صرح أحد المتعاقدين بموجب العقد ونتيجته كان ذلك كالتصريح بلفظ العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص لآخر: خذ هذا المبلغ على أن تسكنني دارك هذه. كان هذا عقد إجارة كأنه قال: أجِّرني دارك هذه بهذا المبلغ. ومنها: إذا حاصر المسلمون حصناً فقال أهل الحصن: نعطيكم كذا على أن لا تقاتلونا حتى تنصرفوا عنا (¬2)، ورضي المسلمون بذلك، كان هذا عقد مصالحة؛ لأن المقاتلة تكون من الجانبين، ففي هذا اللفظ اشتراط ترك القتال من الجانبين وذلك يوجب الموادعة. (والتصريح بموجب العقد كالتصريح بلفظ العقد). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 70 عن شرح السير ص 1713. (¬2) أي لا تقاتلونا ولا نقاتلكم، وهذا معنى الموادعة والمصالحة.

القاعدة السادسة عشرة بعد المائة [مخالفة الأعاجم]

القاعدة السادسة عشرة بعد المائة [مخالفة الأعاجم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تطلُّب مخالفة الأعاجم وتحريم موافقتهم أو كراهتها على حسب المفسدة الناشئة عنها (¬1). وقد يُختلف في ذلك وقد تباح للضرورة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مخالفة الأعاجم: الكفار واليهود والنصارى مطلوبة شرعاً؛ وذلك حتى يتميز المسلمون عنهم في كل شيء من أفعالهم وأقوالهم وعاداتهم وأخلاقهم؛ ولأن التشبه يقتضي من المشبِّه حب المشبَّه به واستحسان ما يفعله ويعتقده، والمسلم مطلوب منه بغض الكفر وأهله، وهذا يستلزم بغض كل ما يمت للكفر والكافرين بصلة. ولكن هذه القاعدة تبين أن مخالفة الأعاجم والتشبه بهم ليس على درجة واحدة، بل يختلف الحكم باختلاف المفسدة الناشئة عن الموافقة، فهناك موافقة لهم تقتضي التحريم ولا تجوز بحال، وهناك موافقة أخف من ذلك يمكن أن تقتضي كراهة التحريم ومنها ما تقتضي كراهة التنزيه، ومنها ما قد يباح للضرورة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كره مالك رحمه الله الصلاة في السراويل مفردة دون الإزار قال: لأنه لباس الأعاجم. وقال المقري: بل تكره الصلاة في السراويل مفردة لأنه يصف. والشرط في اللباس أن لا يصف ولا يشف. وبناء على هذا تكره الصلاة في البناطيل جمع بنطال أو بنطلون لسببين: أولاً: لأن لبسه موافقة ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 191.

للأعاجم. وثانياً: لأنه يصف، وخاصة إذا كان ضيقاً من عند مقعدته كما هو معروف ومشاهد. والذي في المدونة أنه قال (¬1): قلت: فما قول مالك فيمن صلى متزراً أو بسراويل وهو يقدر على الثياب؟ قال: لا أحفظ عن مالك فيه شيئاً، ولا أرى أن يعيد لا في الوقت ولا في غيره. وعلى ذلك فما قاله المقري منسوباً إلى مالك عن كراهته للصلاة في السراويل ونسبه المحقق إلى المدونة غير صحيح. ¬

_ (¬1) المدونة جـ 1 ص 95، والسائل هو الإِمام سحنون بن سعيد التنوخي والمسؤول هو الإِمام عبد الرحمن بن القاسم تلميذ الإِمام مالك.

القاعدة السابعة عشرة بعد المائة [تعارض الأصلين]

القاعدة السابعة عشرة بعد المائة [تعارض الأصلين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تعارض الأصلين (¬1). وفي لفظ: ما تردد بين أصلين (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: السبيل فيما تردد بين أصلين أن يوفر عليه حظهما (¬3). وتأتي في حرف السين إن شاء الله. وفي لفظ: قد يتردد الشيء بين أصلين فيختلف الحكم فيه بحسب ذينك الأصلين (¬4). وتأتي في حرف القاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تعارض الأصلين: معناه تقابل القاعدتين على سبيل الممانعة - كتقابل الدليلين - وليس معناه تقابلهما على وزن واحد في الترجيح فإن هذا كلام متناقض، بل المراد تعارضهما في نظر المجتهد بحيث يتخيل في ابتداء نظره تساويهما فإذا حقق فكره رجَّح. وقد يختلف الترجيح باختلاف دقة النظر وعمق الاجتهاد. قال الزركشي (¬5): يخرج في تعارض الأصلين قولان في كل صورة بحسب وجهة نظر المجتهد ودليل ترجيح أحدهما. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 266، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 32، المنثور جـ 1 ص 330، قواعد ابن رجب ق 158، قواعد الحصني ق 1 ص 238، أشباه السيوطي ص 68. (¬2) المبسوط جـ 27 ص 98. (¬3) نفس المصدر جـ 27 ص 89. (¬4) المجموع المذهب لوحة 239 ب، المختصر جـ 1 ص 90. (¬5) محمد بن بهادر سبقت ترجمته.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

قال صاحب الذخائر (¬1) في باب زكاة الفطر: وعلى المجتهد ترجيح أحدهما بوجه من وجوه النظر، فلا يُظن أن تقابل الأصلين يمنع المجتهد من إخراج الحكم؛ إذ لو كان كذلك لخلت الواقعة عن حكم الله تعالى. وهو لا يجوز. وقال الماوردي (¬2): إذا تعارضا أخذنا بالأحوط. وقد تقدم مثل هذه القاعدة في حرف الهمزة تحت رقم 124. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا شك وهو في الجمعة هل خرج الوقت أم لا. أتمَّ الجمعة على الصحيح، فإن الأصل بقاء الوقت. وأما إذا شك قبل الشروع فيها في بقاء الوقت لم يُجمع؛ لأن الأصل وجوب الظهر، وقيل: يجوز أن يجمع لأن الأصل بقاء الوقت. ومنها: إذا أدرك المسبوق الإِمام وهو راكع وشك في إدراك حد الإجزاء، فهل يدرك الركعة لأن الأصل بقاء الركوع، أو لا؛ لأن الأصل عدم الإدراك؟ وجهان: أصحهما الثاني. ومنها: إذا أصدقها تعليم بعض القرآن ووجدناها تحسنه. فقال: أنا علمتها، وأنكرت. فقولان؛ لأن الأصل بقاء الصداق، والأصل الثاني براءة ذمته. ¬

_ (¬1) صاحب الذخائر القاضي أبو المعالي مجلي بن جميع المخزومي الشافعي المتوفى سنة 550 هـ، والكتاب من الكتب المعتبرة في المذهب الشافعي، كشف الظنون جـ 2 ص 822. (¬2) قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمَّد بن حبيب الماوردي البصري، من أكابر فقهاء الشافعية، له مصنفات كثيرة في أنواع العلوم ومن أهمها الحاوي في الفقه، توفي ببغداد سنة 450 هـ، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 151 - 152 مختصراً.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد ووجب العمل بكل من الأصلين

ومنها: إذا وجد الإِمام مَن قد سبقه من الأئمة يأخذ الخراج من بلد وأهله يتبايعون أملاكه، فبمقتضى أخذ الخراج أن يكون وقفاً - فلا يباع وهذا أصل - وبمقتضى بيعه أن لا يؤخذ منه خراج - وهذا أصل آخر - وقد نص الشافعي رحمه الله على أن الإِمام يأخذ الخراج ويمكنهم من بيعهم إعطاء لكل يد حقها. ففي هذا المثال أعمل الأصلين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد ووجب العمل بكل من الأصلين: إذا تعارض أصلان ولم يتقدم أحدهما على الآخر يعمل بكل واحد منهما. مثاله: العبد المنقطع الخبر تجب فطرته على سيده. ولكنه لو أعتقه عن الكفارة لم يجزئه؛ لأن الأصل شغل الذمة فلا تبرأ إلا بيقين والعبد الغائب لم تتيقن حياته لكي يجزئه عن كفارة يشترط فيها يقين الحياة. والأصل الثاني بقاء الحياة استصحاباً فتجب فطرته، ولو مع الشك في حياته ويمكن أن يدخل في المستثنى المثال السابق لهذا النوع أيضاً.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائة [تعارض الأصل والظاهر]

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائة [تعارض الأصل والظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الأصل والظاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أن معنى الأصل: القاعدة المستمرة. والظاهر والغالب: عبارة عما يترجح وقوعه ويغلب على نقيضه. فإذا تعارض أصل وظاهر أو غالب فما المرجح منهما؟ المسألة فيها تفصيل: قال الزركشي: فيه قولان. وقال النووي: وقول الأصحاب - أي الشافعية - مَن قال: إن كل مسألة تعارض فيها أصلان أو أصل وظاهر ففيها قولان، ليس على ظاهره ولم يريدوا حقيقة الإطلاق، فإن لنا مسائل يعمل فيها بالظاهر بالإجماع ولا ينظر فيها إلى أصل براءة الذمة فقط، كمسألة بول الحيوان (¬2). ومسائل يعمل فيها بالأصل قطعاً كمن ظن أنه أحدث أو طلق أو أعتق أو صلى ثلاثاً ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 271، قواعد ابن رجب ق 159، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 14، المنثور جـ 1 ص 311، أشباه السيوطي ص 64، المجموع المذهب لوحة 31 ب فما بعدها. (¬2) وهي مسألة ذكرها الشافعي رضي الله عنه وهي: إذا رأى ظبية أو حيواناً آخر بال في ماء راكد، ثم بعد مدة جاءه فوجده متغيراً، فهل يحمل التغير على طول المكث فيكون الماء طاهراً لأن الأصل فيه الطهارة، أو يحمل على بول الحيوان المشاهد، وهو الظاهر؟ فالشافعي أعمل الظاهر وهو بول الحيوان لا الأصل وهو طهارة الماء، المجموع المذهب لوحة 32 أ.

أو أربعاً، فإنه يعمل فيها كلها بالأصل وهو البناء على الطهارة وعدم الطلاق والعتق والركعة الرابعة. فالصواب في الضابط - أي القاعدة - ما قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح (¬1): إنه عند تعارضهما يجب النظر في الترجيح كما في تعارض الدليلين، فإن تردد في الراجح فهي مسائل القولين، وإن ترجح دليل الظاهر عمل به، وإن ترجح دليل الأصل عمل به. وقال ابن الرفعة (¬2): محل الخلاف في تقابل الأصلين أو الأصل والظاهر ما إذا لم يكن مع أحدهما ما يعتضد به، فإن كان فالعمل بالراجح متعين. وقال الزركشي: إذا اجتمع في جانب أصلان أو أصل وظاهر وفي جانب آخر أصل أو ظاهر فقط فلا تعارض؛ لأن شرط التعارض التساوي ولا تساوي. ولكن يعمل بالراجح إذ العمل به متيقن شرعاً وعقلاً. ضابط إزالة التعارض بين الأصل والظاهر: قال الزركشي: إن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعاً كالشهادة والرواية والإخبار فهو مقدم على الأصل قطعاً، وإن لم يكن كذلك بل كان سنده العرف أو القرائن أو غلبة الظن فهذه يتفاوت أمرها فتارة يعمل بالأصل وتارة يعمل بالظاهر وتارة يخرج خلاف. ¬

_ (¬1) أبو عمرو بن الصلاح الشيخ تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري، ولد قرب شهرزور من أعمال إيران وانتقل منها إلى الموصل، ثم إلى خراسان ثم إلى بيت المقدس حيث ولي التدريس في المدرسة الصلاحية، ثم انتقل إلى دمشق وتوفي فيها، كان من فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم، له تصانيف عدة، توفي سنة 643 هـ. طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 220 - 221 مختصراً. (¬2) ابن الرفعة أبو يحيى نجم الدين أحمد بن محمَّد بن علي الأنصاري من كبار فقهاء الشافعية في عصره، ولد بمصر سنة 645 هـ ولي حسبة مصر وناب في الحكم وندب لمناظرة ابن تيمية، له تصانيف، مات سنة 735 هـ. طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 229 - 230 مختصراً.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - ما قطعوا فيه بالظاهر: البينة - أي الشهادة - فإن الأصل براءة الذمة للمشهود عليه ومع ذلك يلزمه المدعى المشهودَ به قطعاً. ومنها: اليد في الدعوى فإن الأصل عدم الملك والظاهر من اليد الملك وهو ثابت بالإجماع. ومنها: إخبار الثقة بنجاسة الماء إذا كان فقيهاً موافقاً، يقدم على أصل طهارة الماء قطعاً، وكذا إن لم يكن فقيهاً موافقاً ولكن عيَّن تلك النجاسة. 2 - ما فيه خلاف والأصل تقديم الظاهر: إذا شك بعد الصلاة في ترك فرض منها لم يؤثر على المشهور؛ لأن الظاهر جريانها على الصحة. ومنها: اختلاف المتعاقدين في الصحة والفساد، القول قول مدعي الصحة على الأظهر؛ لأن الظاهر في العقود الجارية بين المسلمين الصحة، وإن كان الأصل عدمها. ومنها: النوم غير ممكن مقعدته ناقض للوضوء؛ لأنه مظنة خروج الحدث، وإن كان الأصل عدم خروجه وبقاء الطهارة. ومنها: إذا غلب على ظنه دخول وقت الصلاة - أو طلوع الفجر - صحت صلاته، ووجب عليه الإمساك، ولا يشترط تيقن دخول الوقت ولا الصبر إلى أن يتيقن دخوله على الأصح. 3 - ما قطعوا فيه بالأصل وإلغاء القرائن الظاهرة: إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو ظنَّه، فإنه يبني على يقين الطهارة عملاً بالأصل. ومنها: إذا شك في طلوع الفجر في رمضان فإنه يباح له الأكل حتى يتيقن

طلوعه؛ لأن الأصل بقاء الليل. 4 - ما فيه خلاف والأصح تقديم الأصل: إذا أدخل الكلب رأسه في الإناء وشك هل ولغ فيه أو لا، وأخرجه وفمه رطب فإنه لا يحكم بتنجيس الإناء في الأصح - في الروضة - لأن الأصل عدم الولوغ. ومنها: إذا شك المصلي في عدد الركعات فإنه يبني على الأقل وهو المتيقن؛ لأن الأصل عدم الزيادة المشكوك فيها, ولا يجوز العمل فيه بقول غيره إلا إذا كثر عددهم فيرجع إلى قولهم عملاً بالظاهر. وهو قوي (¬1). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 312 فما بعدها.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة [تعارض الإشارة والعبارة]

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة [تعارض الإشارة والعبارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الإشارة والعبارة (¬1). قد سبق مثل هذه القاعدة في حرف الهمزة تحت الأرقام 62 - 64، 236. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إضافة إلى ما تقدم: إذا قال: زوجتك هذه العربية. فإذا هي أعجمية أو هذه البيضاء فإذا هي سوداء أو هذه الشابة فإذا هي عجوز ونحو ذلك. ففي صحة النكاح قولان - عند الشافعية - أصحهما الصحة، وله الخيار. ومنها: إذا قال بعتك هذه الفرس فإذا هو حمار، ففيه عند الشافعية وجهان. وعند الحنفية لا يصح العقد قولاً واحداً لاختلاف الجنس. ومنها: إذا اشترى فصًّا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس، أما لو اشتراه على أنه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر إنعقد العقد لاتحاد الجنس، ولكن له الخيار لاختلاف الصفة. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 288، أشباه السيوطي ص 167، أشباه ابن نجيم ص 344.

القاعدة العشرون بعد المائة [تعارض المفسدتين]

القاعدة العشرون بعد المائة [تعارض المفسدتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض المفسدتين (¬1). قد سبق ذكر مثل هذه القاعدة مع البيان والتمثيل في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام من 75 - 81 بعبارات مختلفة فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 321.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة [تعارض الموجب والمسقط]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة [تعارض الموجب والمسقط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الموجب والمسقط (¬1). سبق ذكر هذه القاعدة مع البيان والتمثيل في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 68 فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 350.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المائة [تعارض النقيصة مع الفضيلة]

القاعدة الثانية والعشرون بعد المائة [تعارض النقيصة مع الفضيلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض النقيصة مع الفضيلة والكمال (¬1). وفي لفظ: اجتماع الفضيلة والنقيصة (¬2). وفي لفظ: تعارض فضيلتين: يقدم أفضلهما (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تعارض أمران كل منهما فاضل في نفسه فأيهما يقدم؟ خلاف في الأكمل منهما وتقديمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في الإمامة في الصلاة إذا تعارض الأفقه والأقرأ. فالصحيح أن الأفقه أولى. وقيل: يستويان ولا ترجيح بينهما لتعادل الفضيلتين. ومنها: إذا تعارض الصلاة في أول الوقت منفرداً أو بالتيمم مع الصلاة جماعة أو بالماء في آخره. وقد اختلف فقهاء الشافعية في المختار منهما. وعند الحنفية الأفضل التأخير. ومنها: إذا تعارض البكور إلى الجمعة بلا غسل وتأخيره مع الغسل. فالظاهر أن تحصيل الغسل أولى، للخلاف في وجوبه. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 70 أ, أشباه ابن نجيم ص 361. (¬2) أشباه السيوطي ص 338. (¬3) المنثور جـ 1 ص 345.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: العبد المسلم مع الحر الكافر في القصاص ليسا كفؤين فيه حتى لا يقاد من العبد المسلم للحر الكافر جزماً.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائة [التعارض بين البينتين]

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائة [التعارض بين البينتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعارض إذا وقع بين البينتين وأمكن العمل بهما وجب العمل بهما بحسب الإمكان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالبينتين: الحجتين والبرهانين، والبينة ما ثبت بها الحقوق كالشهادة. فإذا وقع تعارض بين بينتين، فما الذي يجب على القاضي أو الحاكم أن يفعله؟ الخطوة الأولى: محاولة التوفيق بينهما بأن يعمل بهما معاً ولو من وجه إن أمكنه ذلك - كتعارض الدليلين -. الخطوة الثانية: إن لم يمكنه العمل بهما معاً نظر في الترجيح بينهما بأحد وجوه الترجيح فإن أمكنه ذلك عمل بالراجحة وأهمل المرجوحة. الخطوة الثالثة: إن لم يمكن الترجيح بينهما طلب غيرهما وأسقطهما، مثل عمل المجتهد في تعارض الدليلين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى العين الواحدة رجلان كل واحد منهما يقول: رهنتني إياها بألف لي عليك. وأقام كل واحد منهما بينة ثابتة، فإن أقام أحدهما البينة أنه الأول، فالعين رهن لأولهما وقتاً؛ لأنه أثبت حقه بعقد تام لا ينازعه فيه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 127.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

صاحبه، وبثبوت حقه في ذلك الوقت يمنع ثبوت حق صاحبه بعده ما لم يسقط حق الأول بالفكاك. وإن كان الرهن في يد أحدهما فهو أولى به لأن تمكنه من القبض دليل سبق عقده. أما إن كانت يدهما جميعاً على المرهون ولم يُعلم الأول منهما فلكل واحد منهما نصفه رهناً بنصف حقه، بمنزلة رهن العين من رجلين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أقام اثنان بينتين في دعوى النكاح على امرأة واحدة لا يقضى بها لأحدهما؛ لأن العمل بالبينتين هنا غير ممكن بخلاف مسألة الرهن السابقة؛ لأن النكاح لا يحتمل التجزي.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة [التعارض بين الحقيقة والمجاز]

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة [التعارض بين الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعارض بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح (¬1). فقهية أصولية وقد تقدم مثلها تحت رقم 152 حرف الهمزة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الكلام الحقيقة - كما سبق بيانه - وبناء على ذلك إذا تعارض حقيقة ومجاز فالأصل والقاعدة المستمرة العمل بالحقيقة لا المجاز؛ لأن الحقيقة أصل والمجاز فرع لها, ولا يجوز العمل بالفرع مع وجود الأصل. ولكن قد يطرأ على الحقيقة ما يضعفها بإهمالها أو بندور العمل بها وهجرها، ويكون المجاز مشهوراً معمولاً به، فما الحكم إذا تعارضت مثل هذه الحقيقة مع مثل هذا المجاز؟ قالوا: إذا كان المجاز هو الغالب والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات ففي هذه الحالة يكون العمل بالحقيقة والمجاز معاً؛ لأن كلاًّ منهما قوي من جانب. وأما إذا كانت الحقيقة مهجورة لا يعمل بها ولا تتبادر إلى الأذهان فإنه يتعين العمل على المجاز، وقد يقع الخلاف في كون الحقيقة مهجورة أو لا. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 1 ص 413، المجموع المذهب لوحة 66 ب، المحصول للرازي جـ 1 ق 1 ص 476.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليشربن من هذا النهر، فإن حقيقة الشرب من نفس النهر بالكرع بالفم، لكنه قليل جدًّا والغالب الشرب منه باليد أو من إناء أخذ منه، وهو مجاز، فعند الأكثرين يحنث بالشرب من أي منها؛ لشهرة المجاز وأصل الحقيقة وإن كان يعمل بها نادراً. ومنها: إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة فإن الفهم يتبادر إلى ثمرتها وما يخرج منها دون ورقها وخشبها وجريدها وليفها - وإن كان هو الحقيقة - فلا يحنث بشيء من ذلك إلا بما يؤكل منها عادة كالبسر والتمر والدبس والرطب والجمّار. ومثلها: لو حلف لا يأكل من هذا القدر فإنما يحنث بأكل ما يطبخ فيها عادة لا بأكل عينها؛ لأن الحقيقة مهجورة وغير مقدور عليها (¬1). ¬

_ (¬1) المصادر السابقة، المنثور جـ 1 ص 183، أشباه السيوطي ص 63، وأشباه ابن نجيم ص 135، والوجيز مع الشرح والبيان ص 314 فما بعدها ط 4.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائة [تعارض الحرامين]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائة [تعارض الحرامين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الحرامين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحرام: ما نهى عنه الشارع نهياً جازماً. وحكمه: إن في تركه الثواب وفاعله مستحق للعقاب. ومفاد القاعدة: أنه إذا تعارض أمام المكلف حرامان - ولا بد من فعل أحدهما وترك الآخر فما العمل؟ ويتعارض الحرامان إذا توقف على كلٍّ منهما فعل واجب. وهذه في الحقيقة تدخل تحت قاعدة تعارض الواجب والحرام أو المانع والمقتضي الآتية، ولم يفردها بهذا العنوان سوى الزركشي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إحرام المرأة في الحج أو العمرة يوجب عليها كشف وجهها, ولا يتم كشف الوجه إلا بكشف بعض الرأس، ويجب عليها في نفس الوقت ستر رأسها، وإذا أرادت الصلاة فلا يتم ستر الرأس إلا بستر بعض الوجه. قالوا: الواجب في الصورتين مراعاة الرأس؛ لأن الستر أصل وكشف الوجه عارض. وقالوا أيضاً: يجب على المحرمة كشف وجهها إلا القدر الذي لا يمكنها تغطيه الرأس إلا بستر بعض الوجه، ولأن الستر للمرأة آكد فغلِّب حكمه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 338، أشباه السيوطي ص 115.

القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة [تعارض الحظر والإباحة]

القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة [تعارض الحظر والإباحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الحظر والإباحة (¬1). سبق ذكر مثل هذه القاعدة تحت عنوان: إذا اجتمع الحلال والحرام غلَّب جانب الحرام. في قواعد حرف الهمزة القاعدة رقم 258، 251، 260. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 337.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المائة [تعارض الخصال]

القاعدة السابعة والعشرون بعد المائة [تعارض الخصال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الخصال (¬1). تدخل تحت قاعدة: تعارض النقيصة والفضيلة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخصال: جمع خصلة وهي الخلَّة، واحدة الخلال، والصفة. والمقصود بتعارض الخصال: وجود ذوات تحمل خصالاً مختلفة. وليس المقصود تعارض الخصال في الشخص الواحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اجتمع في الصلاة - للإمامة - حر غير فقيه وعبد فقيه. عند الشافعية: الأصح تقديم الحر. وقيل: الرقيق، ومال بعضهم إلى التسوية؛ لأن كل صفة يقابلها صفة. وقالوا: خصال الكفاءة: إن النقيصة لا تجبرها الفضيلة ولا يقابل بعضها بعض. فلا تزوج سليمة من العيوب دَيِّنة بمعيب نسيب. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 352، أشباه السيوطي ص 339.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائة [تعارض الخلقة والحكم]

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائة [تعارض الخلقة والحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الخلقة والحكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بمسألة اختلف فيها الأئمة وهي: حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل. وهل المضمضة والاستنشاق واجبان نظراً إلى الحكم، أو ليسا واجبين نظراً إلى أصل الخلقة وأنهما من الباطن؟ وهل يختلف حكمهما بين الوضوء والغسل؟ عند مالك والشافعي رضي الله عنهما: إن داخل الفم والأنف من الباطن وليسا من الوجه، ولذلك لم يوجبا المضمضة والاستنشاق بل هما عندهما سنة. وذهب جماعة من الفقهاء إلى وجوبهما في الوضوء والغسل كابن المبارك (¬2) وابن أبي ليلى (¬3) وإسحاق (¬4) وهو مشهور مذهب ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 176. (¬2) ابن المبارك عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي المروزي أبو عبد الرحمن الإِمام الحافظ المجاهد صاحب التصانيف والرحلات، أفنى عمره في الأسفار حاجًّا ومجاهداً وتاجراً، جمع الحديث والفقه والعربية والشجاعة والسخاء، مات بهيت على الفرات سنة 181 هـ، الأعلام جـ 4 ص 115. (¬3) ابن أبي ليلى محمَّد بن أبي ليلى الإِمام، سبقت ترجمته. (¬4) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي أبو يعقوب ابن راهويه. عالم خراسان في عصره، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع، أخذ عنه كبار =

الحنابلة (¬1). إذ اعتبروهما من الظاهر بدليل منع الفطر بوصول المفطِّر إليهما. ووجوب غسل النجاسة من الفم ومنع الجنب قراءة القرآن. وذهب الحنفية وهو رواية عن أحمد إلى أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل دون الوضوء، وهما في الوضوء سنة. وقيل: يجب الاستنشاق دون المضمضة فيها. وهو رواية أخرى عن أحمد. ¬

_ = المحدثين، توفي بنيسابور سنة 238 هـ، الأعلام جـ 1 ص 292 مختصراً. (¬1) المغني جـ 1 ص 102، الإنصاف جـ 1 ص 152.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائة [تعارض الظاهرين]

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائة [تعارض الظاهرين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الظاهرين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى الظاهر أو الغالب. فما الحكم إذا تعارض ظاهران؟ يرجح أحدهما إذا اقترن بمرجح وإلا فالقولان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أقرَّت امرأة بالنكاح وصدَّقها المقرُّ له بالزوجية - ولم يأتيا ببينة - فالجديد عند الشافعي رحمه الله قبول الإقرار؛ لأن الظاهر صدقهما فيما تصادقا عليه، لا فرق بين العربيين والبلديين. المراد بالعربيين: البدويين. والبلديين: الحضريين. والقديم: إن كانا بلديين طولبا بالبينة لمعارضة هذا الظاهر - وهو صدقهما - بظاهر آخر هو أن البلديين يُعرف حالهما غالباً ويسهل عليهما إقامة البينة. وعندي في هذا العصر لا بد من إقامة البينة أو الإثبات بعقد النكاح المصدق لفساد الزمان. ومنها: أتت بولد يمكن كونه منه، وادَّعت أنه أصابها. وأنكر - بعد الاتفاق على الخلوة - فأظهر القولين تصديقه. والثاني: إنها المصدَّقة (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 20، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 38، أشباه السيوطي ص 72. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 38 - 39.

ومنها: إذا سقط رجل في بئر في الطريق فقال الحافر: القى نفسه فيها عمداً. وقال الورثة: كذب. فقد تقابل هنا ظاهران: الأول قول الورثة؛ لأن الظاهر يشهد له؛ حيث إن الإنسان لا يلقي نفسه في البئر عمداً في العادة. والثاني: الظاهر أن البصير يرى البئر أمامه في ممشاه. فتقابل الظاهران هنا ويبقى الاحتمال في سبب وجوب الضمان والضمان لا يجب بالشك. ولذلك فالورثة هنا يحتاجون لإقامة البينة على أنه وقع فيها بغير عمد؛ لأنه وإن كان معهم ظاهر فالظاهر إنما يكون حجة في دفع الاستحقاق لا في إثباته، والورثة هنا يحتاجون إلى إثبات استحقاق الدية على عاقلة الحافر، فلا يكفيهم الظاهر لذلك، بل لا بد من إقامة البينة على مدَّعاهم (¬1). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 20 بتصرف.

القاعدة الثلاثون بعد المائة [تعارض السنتين]

القاعدة الثلاثون بعد المائة [تعارض السُّنَّتَين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض السنتين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تعارض السنتين إما أن يكون في نفس العبادة فليس لإحداهما مزية على الأخرى، فهو هنا يتخير إحداهما إن لم يمكن الجمع بينهما. وإما أن تكون إحداهما في نفس العبادة والأخرى في محلها، فتقدم السنة المتعلقة بنفس العبادة على الأخرى التي في محلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أ - من أمثلة الشق الأول: ترك الرَمَل في الأشواط الثلاثة الأولى، فهل له أن يأتي به في الأربعة الأخيرة؟ قالوا: لا يستحب له؛ لأن المشي في الأربعة الأخيرة سنة ولو رمَل فيها يؤدي ذلك إلى تركها, ولا يشرع ترك سنة في عبادة لأجل الإتيان بمثلها؛ لأن السنتين هنا في نفس العبادة فلم يكن لإحداهما مزية على الأخرى. ب - من أمثلة الشق الثاني: صلاة الجماعة في البيت أو الانفراد في المسجد أيهما أفضل؟ الصلاة في الجماعة في البيت أفضل من الانفراد في المسجد؛ لأن فضيلة الجماعة في نفس الصلاة. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا كان بحيث لو قصد الصف الأول فاتته الركعة فهل يدخل في الصلاة ضمن الصف غير الأول، أو يحصل الصف الأول ولو فاتته الركعة؟ ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 344.

قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: الذي أراه تحصيل الصف الأول إلا في الركعة الأخيرة. ووجه الاستثناء أن النووي رحمه الله رجح السنة التي تتعلق بمحل العبادة على السنة التي تتعلق بنفس العبادة (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر السابق.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائة [تعارض المقتضي والمانع]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائة [تعارض المقتضي والمانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض المقتضي والمانع (¬1). وفي لفظ: تعارض المانع والمقتضي (¬2). تحت قاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" الآتية، وقد سبق مثل هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 258. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمانع: المفسدة. والمراد بالمقتضي: الأمر الطالب للفعل لتضمنه المصلحة، فوجود المانع يمنع من الفعل إلا إذا كانت المصلحة أعظم كتعارض الواجب والمحرم حيث تقدم مصلحة الواجب. وفي تقديم المانع تغليب جانب الحرمة درءاً للمفسدة؛ ولأن اعتناء الشارع بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات، ومن ثمَّ إذا تعارض دليل يقتضي التحريم وآخر يقتضي الإباحة أو الندب قدِّم دليل التحريم في الأصح تغليباً للتحريم ودرءاً للمفسدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب على امرأة الغسل ولم تجد سترة من الرجال، تؤخر الغسل وتتيمم للصلاة؛ لأن كشف المرأة على الرجال مفسدة وأي مفسدة. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 461. (¬2) المنثور جـ 1 ص 348.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وغلبت الإباحة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وغلبت الإباحة: إذا رمى سهماً على طائر فأصابه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل أكله وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض والارتطام بها؛ لأن ذلك لا بد منه فعفى عنه بخلاف ما لو وقع في الماء فلا يحل. ومنها: إذا اختلطت محرَّمة برضاع أو نسب بنسوة غير محصورات فله النكاح منهن حتى لا ينسد عليه باب النكاح، والأمر إذا ضاق اتسع.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائة [تعارض مصلحتين]

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائة [تعارض مصلحتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض مصلحتين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمصلحة هنا: المنفعة خلاف المفسدة وهي المضرة. فإذا تعارض مصلحتان حُصِّلت العليا منهما بتفويت الدنيا. بخلاف تعارض المفسدتين حيث ترتكب الدنيا دون العليا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد مضطر ميتة وطعام غائب، قالوا: الأصح يأكل الميتة ويدع الطعام؛ لأن إباحة الميتة بالنصِّ وطعام الغير بالاجتهاد. ومنها: إذا اضطر المحرم ولم يجد إلا صيداً وميتة، قالوا: الأصح يأكل الميتة؛ لأنه في الصيد يرتكب محظورين وهما: القتل والأكل. ويمكن أن تدرج هذه المسائل تحت قاعدة اختيار أهون الضررين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الأمة أجمعت على أن العدو لو نزل على بلد وخاف أهله من استئصالهم وسألهم أن يعطوه مال فلان أو امرأته أن ذلك حرام عليهم مع أن مفسدة الواحد أخف من مفسدة الجميع. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 349.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائة [تعارض الواجبين]

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائة [تعارض الواجبين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الواجبين (¬1). يقدم آكدهما. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب في اللغة: من وجب يجب وجوباً: إذا لزم وثبت. والواجب في الشرع: ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً. وهو الفرض عند غير الحنفية، والواجب ما في فعله الثواب وفي تركه العقاب. فإذا تعارض واجبان يقدم آكدهما وأقواهما. والفرض والواجب نوعان: فرض عين: وهو ما يجب على كل مكلف بعينه بحيث لا تبرأ ذمته منه بفعل غيره له. وفرض كفاية: وهو ما طلبه الشارع من مجموع المكلفين بحيث أنه إذا فعله بعضهم سقط طلبه عن الآخرين، وإن لم يفعله أحد أثموا جميعاً لعدم فعله. ففرض العين منظور به ومقصود عين المكلف. وفرض الكفاية مقصود به الفعل ذاته دون نظر إلى الفاعل. وفرض العين عند الأكثرين يقدم على فرض الكفاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان في طواف مفروض - لعمرة أو حجة - وجاءت جنازة، فهل يقطع الطواف لصلاة الجنازة؟ قالوا: لا يقطع الطواف إذ لا يحسن ترك فرض العين - وهو الطواف - لفرض الكفاية - وهي صلاة الجنازة. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 339.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا اجتمع جمعة وجنازة وضاق الوقت قدمت الجمعة على المشهور من مذهب الشافعي. ومنها: للوالدين منع ابنهما عن الجهاد، فلا يجوز إلا برضاهما؛ لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، وفرض العين مقدم، وأما إذا صار الجهاد فرض عين فليس لهما منعه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: وقدم فرض عين على فرض العين: ليس للوالدين منع الولد من حجة الإِسلام على الصحيح؛ لأن بر الوالدين فرض عين وحجة الإِسلام فرض عين، إلا إذا كان الوالدان أو أحدهما في حاجة ماسة لإبقاء ابنهما بجوارهما ولو تركهما ضاعا وليس عندهما أحد غيره، ففي هذه الحال يقدم المنع من الحج ويترجح جانب البر عليه.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائة [تعارض الواجب والمحظور]

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائة [تعارض الواجب والمحظور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الواجب والمحظور (¬1). يقدم الواجب. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحظور: الحرام. فإذا تعارض واجب مع حرام وجب تقديم الواجب، ولعل العلة في تقديم الواجب أن المصلحة المترتبة على فعله أعظم وأكبر من المفسدة المترتبة على تركه. وتعتبر هذه القاعدة استثناء من قاعدة تعارض المانع والمقتضي السابقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلط موتى مسلمين بموتى كفار - ولم يمكن التفريق بينهم - غسل الجميع وصلّي عليهم، وينوي بصلاته المسلمين، فحيث لم يمكن التفريق بينهم حسًّا يفرق بينهم بالنية. ومنها: إذا أسلمت امرأة في بلاد الكفار وخشيت على نفسها الفتنة وجب عليها الهجرة إلى دار الإِسلام - ولو سافرت وحدها - وإن كان سفرها وحدها حراماً (¬2). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 132 - 133، أشباه السيوطي ص 115، وأشباه ابن نجيم ص 117 - 118. (¬2) نفس المصدر السابق.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائة [تعارض الواجب والمسنون]

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائة [تعارض الواجب والمسنون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعارض الواجب والمسنون (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المسنون: ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة وهو خبر الآحاد. وهو ما يسمى بالسنة أو المندوب، أو المستحب. فإذا تعارض واجب ومسنون فتقدم مصلحة الواجب؛ لأنه آكد وأقوى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ضاق الوقت عن المسنون يترك تقديماً لمصلحة الواجب. ومنها: إذا كان ما معه من الماء يكفي لوضوئه وهو عطشان، فإن أكمل الوضوء واجبات وسنناً لم يفضل للعطش شيء، وإذا اقتصر على الواجب بقي للعطش شيء، فالأولى الاقتصار على الواجب. ومنها: إذا ضاق الوقت عن الإتيان بسنن الصلاة وواجباتها بحيث لو أتى بهما جميعاً لأدرك ركعة فقط، ولو اقتصر على الواجب لأوقع الجميع فى الوقت، فالأولى الاقتصار على الواجب. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 346.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائة [العقود الفاسدة]

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائة [العقود الفاسدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعاطي العقود الفاسدة حرام (¬1). وفي لفظ: الإقدام على العقد الفاسد حرام (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في العقود التي تجري بين المسلمين الصحة؛ لأن العقد إذا لم يكن صحيحاً لم يكن نافذاً شرعاً ولا يحل للمتبايعين أو المتعاقدين الانتفاع بالبدلين. ومعنى صحة العقد: أنه يثمر المقصود منه. والفاسد أو الباطل بخلافه. ولما كان شأن المسلم أن يمنعه دينه وورعه عن الحرام كان لا بد من مراعاة صحة العقد عموماً باستيفاء العقد شروط صحته. ولذلك فلا يجوز ولا يحل التعامل بالعقود الفاسدة سواء أقلنا: إن الفاسد بمعنى الباطل كما هو رأي الجمهور، أم قلنا: إن الفاسد قسيم الباطل كما هو رأي الحنفية، فكلا النوعين يحرم التعامل به مع العلم بالفساد أو البطلان؛ لأن المقصود بالعقد الفاسد تحقيق حكم به غير مشروع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التعامل بالعقود الربوية بين المسلمين حرام ولا يحل شرعاً؛ لأن العقد المتضمن رباً فاسد فهو حرام. ومنها: بيع ما نهي عن بيعه كالأجنة في بطون أمهاتها والميتة والخنزير ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 352، أشباه السيوطي ص 287. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 245.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

والخمر، فكل هذه العقود لا يحل التعامل بها لبطلانها. ومنها: عقد المرأة زواجها بنفسها من غير ولي - عند غير الحنفية - فهو باطل لا يحل الاستمتاع بالزوجة، وكذلك عقد النكاح بغير شهود. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: المضطر إذا لم يجد الطعام إلا بزيادة على ثمن المثل فقد قال الشافعية: ينبغي أن يحتال فى أخذ الطعام من صاحبه ببيع فاسد ليكون الواجب عليه القيمة.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المائة [التعاقل]

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المائة [التعاقل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعاقل باعتبار التناصر، والمرتد لا ينصره أحد من المسلمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعاقل: يقال: عقل القتيل فهو عاقل إذا غرِم ديته. والجماعة: عاقلة. وسميت بذلك لأن الإبل كانت تجمع فتعقل بفناء أولياء المقتول (¬2). ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية إبلاً كانت أو نقداً (¬3). والتعاقل: تفاعل من العقل مثل التشارك؛ لأن بعضهم يعقل عن بعض - أي يغرم بعضهم لبعض دية القتل الخطأ دون العمد. فالقبيلة تعقل بعضها بعضاً باعتبار التناصر - أي أن كل فرد منها ينصر الآخر، والتعاقل من باب التعاون على الخير. والعاقلة هي عشيرة الرجل أو أهل ديوانه، أو أهل بلده. وأما المرتد فلا ينصره أحد من المسلمين؛ لأنه خرج منهم ويستحق القتل، فلذلك لا ينصره أحد ولا يعقل عنه أحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصاب رجل من القتل خطأ ففيه الدية على عاقلته، وإن ارتد وأصابه بعد الردة في قطع الطريق قبل التحاقه بدار الحرب فهو في ماله لأن المرتد لا ينصره أحد من المسلمين. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2013. (¬2) المطلع ص 368. (¬3) المصباح مادة "عقل".

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المائة [التعامل]

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المائة [التعامل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعامل بخلاف النص لا يعتبر (¬1). هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: لا اجتهاد مع النص. الآتية في حرف - لا - إن شاء الله ولكنها أعم منها موضوعاً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النص المراد به هنا: لفظ الشارع من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف. والنص في اللغة: الرفع. يقال: نصصت الحديث نصًّا: أي رفعته إلى من أحدثه. ونص النساء العروس نصًّا: رفعنها على المنصة: وهي الكرسي الذي تقف عليه في جلائها. ونصصت الدابة استحثثتها واستخرجت ما عندها من السير (¬2). فمفاد القاعدة: أن أي تعامل مخالف لنص الكتاب أو السنة فهو غير معتبر وليس بحجة وهو باطل قطعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته، أو ما دون سرته حتى يجاوز ركبته، فقالت الحنفية: إن السرة ليست من العورة وذكروا على ذلك أدلة: من ذلك: ما روي عن ابن عمر رضى الله عنهما: أنه كان إذا اتزر أبدى عن سرَّته (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 146. (¬2) المصباح مادة "نص"، والمعرب مادة "نص". (¬3) خبر ابن عمر هذا لم أجده ولكن هناك أحاديث تقويه وتدل على أن السرة ليست بعورة، =

وقال أبو هريرة رضى الله عنه للحسن رضى الله عنه: أرني الموضع الذي كان يقبله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك. فأبدى سرته فقبلها أبو هريرة رضى الله عنه (¬1). ولو كانت من العورة لما جاز للحسن أن يكشفها ولما جاز لأبي هريرة أن يقبلها. وقال أبو بكر محمَّد بن الفضل (¬2) رحمه الله: إن السرة إلى موضع نبات الشعر ليس من العورة لتعامل العمال فى الإبداء عن ذلك الموضع عند الاتزار، وفي النزع عن العادة الظاهرة نوع حرج. قال السرخسي تعقيباً على هذا القول: وهذا بعيد؛ لأنه مخالف للنص، (والتعامل بخلاف النص لا يعتبر). ومنها: تعامل كثير من الناس بالربا وأخذ فوائد البنوك وهي ربا، فليس تعامل الناس وسكوت الحكام والعلماء عن ذلك يعتبر محللاً للربا؛ لأن (التعامل بخلاف النص لا يعتبر). ومنها: اختلاط الرجال بالنساء السافرات شبه العاريات في كثير من بلاد المسلمين حتى أصبح نزع الناس عن تلك العوائد من الصعوبة بمكان، ومع ذلك فإن هذا التعامل والاختلاط والسفور لا يعتبر ولا يجوز السكوت عليه؛ لأنه مخالف للنصوص الشرعية. ¬

_ = ينظر المغني جـ 2 ص 285 فما بعدها وفيه خبر أبي هريرة. (¬1) ذكره في المغني ولم يخرجه محققه. (¬2) أبو الفضل الكماري البخاري الحنفي كان إماماً كبيراً وشيخاً جليلاً معتمداً في الرواية مقلداً في الدراية، رحل إليه أئمة البلاد، ومشاهير كتب الفتوى مشحونة بفتاواه ورواياته، مات سنة 381 هـ، الفوائد البهية ص 184.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المائة [تعامل الناس]

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المائة [تعامل الناس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعامل الناس من غير نكير مُنْكرِ أصل من الأصول كبير (¬1). هذه من قواعد العادة والعرف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن تعامل الناس في بيعهم وشرائهم وتصرفاتهم من غير إنكار أو اعتراض على ذلك التعامل من أهل العلم والحكم دليل على أن هذا التعامل مشروع ولا يعارض نصوص الشرع ولا مقاصد التشريع، إذ لو كان هذا التعامل مخالفاً لوُجد من ينكر على الناس تعاملهم به؛ لأن الله سبحانه أخذ الميثاق على العلماء أن لا يكتموا الحق ولا يسكتوا على باطل يرونه أو يعلمون به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وهب رجل هبة لصغير يتيم عاقل يحسن القبض فقبضها الصغير، جاز عند الحنفية قبضه منه خلافاً للشافعي رحمه الله، قال الحنفية: إن فيما يتمحض منفعة للصغير يعتبر عقله فيه وللعادة الظاهرة بين الناس بالتصدق على الصبيان من غير نكير منكر وإن كان للصغير ولي كأب أو أخ أو ابن أخ أو عم. ومنها: تعامل الناس الشائع في هذا الزمن من البيع والشراء دون لفظ إيجاب أو قبول سواء كان المبيع ثميناً أم حقيراً، بأن يرى المشتري السلعة ويعلم ثمنها المكتوب عليها ثم يأتي للعامل - وهو غير المالك - بل هو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 63.

موظف عند المالك ويعتبر وكيلاً عنه بالقبض فيدفع له الثمن المكتوب ويأخذ السلعة وينصرف بها. وهو بيع التعاطي المعروف عند الفقهاء، وإن أنكره الشافعي رحمه الله إلا في المحقرات، ولكن الذي رجحه النووي رحمه الله قول مالك رضى الله عنه: إن البيع ينعقد بكل ما يعده الناس بيعاً. والحجة: أنه لم يصح في الشرع اشتراط لفظ، فوجب الرجوع إلى العرف كغيره من الألفاظ (¬1). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 3 ص 157.

القاعدة الأربعون بعد المائة [نية الإقامة]

القاعدة الأربعون بعد المائة [نية الإقامة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعتبر نية الإقامة أو السفر ممن هو أصل دون التبع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النية: معناها القصد المؤكد. فمن نوى الإقامة - في مكان يصلح للإقامة - وجب عليه ما يجب على المقيم: من إتمام الصلاة، ووجوب الصوم - إن لم يكن مريضاً أو معذوراً - ومدة مسح الخف، وغير ذلك من أحكام الإقامة. ومن نوى السفر وبدأه جاز له ما يجوز للمسافر من قصر الصلاة، ومدة المسح، وجواز الفطر، والجمع بين الصلاتين - عند من يرى ذلك - هذا إذا كان الناوي هو نفس المقيم أو المسافر، ولكن هذه القاعدة تتعلق بحكم أتباع من نوى الإقامة أو السفر كالزوجة والخادم والجندي الذي يتبع قائده، فإن هؤلاء وأمثالهم المعتبر فيهم نيَّة الأصل، فنية الزوج تنسحب على الزوجة، ونية السيد تنسحب على العبد والخادم، ونية القائد في الإقامة والسفر تنسحب على الجندي وهكذا. ثالثاً: من امثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل نوى السفر وتحركت به دابته أو سيارته ومعه زوجه وخادمه وأولاده فنية السفر هذه تنسحب عليهم جميعاً، فكما أن الزوج يجوز له القصر والفطر فكذلك الزوجة والخادم والأولاد وإن لم ينووا هم لأنهم أتباع، والتابع يأخذ حكم الأصل، فنية الزوج السفر أو الإقامة تكفي عنهم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 106 بتصرف، وينظر رأي الشافعية في روضة الطالبين جـ 1 ص 487.

جميعاً؛ لأن ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل. حتى لو نوى الزوج الإقامة فعلى الزوجة أن تتم الصلاة، وإن لم تنو الإقامة، حتى لو نوت الزوجة الإقامة دون الزوج فلا اعتبار لهذه النية فعليها القصر؛ لأنها متابعة للزوج.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المائة [تعجيل الحق]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المائة [تعجيل الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعجيل الحق قبل وجود سبب وجوبة لا يجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام لها أسباب يترتب وجودها عليها، فإذا وُجد السبب وجد الحكم. كالصلاة إذا وجد سببها وهو الوقت وجبت مع خلو المانع. فغروب الشمس سبب لتعلق وجوب صلاة المغرب بذمة المكلف، وملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، ولذلك وبناء على هذه القاعدة لا يجوز تعجيل حق قبل وجود سبب وجوبه وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده. ثالثاً: من أمثلة القاعدة ومسائلها: لا يجوز للمرأة أن تهب صداقها قبل عقد زواجها؛ لأن عقد الزواج سبب لوجوب المهر فما لم يوجد العقد لا يجب المهر، ولا تجوز هبته بناء على عدم وجود سببه. ويتصور هذا بأن يخطب رجل امرأة وقبل عقد النكاح يسلمها مهرها معجلاً له، فهذه لا يجوز لها أن تهب هذا المهر لأحد؛ لأن حق الزوج مازال متعلقاً به فقد لا يتم الأمر ولا يعقد العقد ويطالب الخاطب باسترداد ما دفع فلا تجده المرأة فيكون ذلك سبباً للنزاع والتخاصم. ومنها: تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب؛ لأنه ربما لا يوجد النصاب مستقبلاً، بخلاف ما لو كان النصاب موجوداً وعجل زكاة عام أو عامين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 11، 32.

ومنها: لا يجوز إخراج عشر الثمرة أو الحب قبل خروج الثمرة أو وجود الحب في سنبله. ومنها: إنسان له مائتي درهم فتصدق بها بنية الزكاة عما يفيده مستقبلاً ثم استفاد عشرة آلاف درهم من عامه ذلك، فإنه يستقبل بها حولاً جديداً ولا يجزيه المعجل عما يلزمه من زكاتها؛ لأنه لما تصدق بجميعها انقطع حكم الحول إذ لم يبق في ملكه شيء مما انعقد عليه الحول السابق، فإذا انقطع حكم الحول كان المؤدى تطوعاً. أما لو بقي شيء من المال بعد التصدق ثم اكتسب مالاً جديداً ومضى الحول فإن المعجل يجزيه عن الزكاة كما لو تصدق بعشرة دراهم عن زكاة حولين من المائتي درهم ثم اكتسب بعد ذلك عشرة دراهم فيتم حوله ويجزيه ما أخرجه (¬1). ¬

_ (¬1) المصدر السابق جـ 3 ص 32 بتصرف.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المائة [تعدي محل الحق]

القاعدة الثانية والأربعون بعد المائة [تعدي محل الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعدي محل الحق إلى غيره هل يبطل به المستحق أو يبقى وإنما يبطل الزائد خاصة (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة: أن الإنسان إذا كان له حق فاستوفاه وزاد عليه غيره، فهل يبطل ما يستحقه، أو يبقى المستحق ويبطل الزائد فقط؟ وجهان عند الشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زُفَّت ثيب إلى زوجها وأرادت أن يقيم عندها سبع ليال ثم يقضي لبقية ضرائرها، فهل يقضي لهن السبع أو الزائد على الثلاث التي هي حق الثيب؟ لأنه لو اقتصر على الثلاث لم يقض لضرائرها شيئاً؛ لأن هذه حق شرعي لها. عند الشافعية في هذه المسألة وجهان: قال الزركشي: الأصح الأول، والعلة أنها لما تعدَّت محل حقها - وهو الثلاث - سقط أصل حقها، للخبر. قال الإِمام النووي: ومسألة الزفاف شاذة عن القياس والمعول فيها على ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 355.

الخبر (¬1) فلا ينبغي أن يستشهد بها (¬2). ومنها: إذا كسر عضداً قطعه من المرفق وأخذ حكومة العضد؛ لأن كسر العظام لا قصاص فيه - فإذا أراد القطع من الكف - فهل له طلب أرش الساعد؟ وجهان حكاهما القفال مشبهاً لهما بالصورة السابقة - وقد سبق إنها شاذة عن القياس - وأما إذا لم نجوز له القطع من الكوع فقد قال الأصحاب: - أي الشافعية - إنه إذا قطع منه فليس له حكومة الساعد تغليظاً عليه إذ فعل ما ليس له أن يفعله. ومنها: الظافر بماله إذا لم يمكنه أخذ حقه إلا بزيادة؟ تزيد على حقه، قالوا: لا يضمن الزائد في الأصح، كما لا يضمن كسر الباب وثقب الجدار إذا لم يصل إلا بهما. ¬

_ (¬1) الخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج أم سلمة رضى الله عنها وأصبحت عنده فقال لها: "ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبَّعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت". فقالت: ثلِّث. أي بت عندي ثلاث ليال. الحديث أخرجه الشافعي من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، كما رواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن يحيى عن مالك حديث رقم 14529، معرفة السنن والآثار كما أن هذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ وأخرجه الشافعي في الأم جـ 10 ص 283، ومسلم في كتاب النكاح الأحاديث 3557 - 3561. (¬2) ينظر روضة الطالبين جـ 5 ص 666.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة [التعريف بالاسم]

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة [التعريف بالاسم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعريف بالاسم والنسب كالتعريف بالإشارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة: أن تعريف الشخص باسمه واسم أبيه ولقبه عند غيابه يكون في قوة تعريفه بالإشارة إليه إذا كان حاضراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال زعيم حصن حاصره المسلمون - أو أي رجل محارب يريد أن يستأمن - أمنوني مع فلان بن فلان ابن أخي أو ابن عمي أو عدد أشخاصاً ذكرهم بأسمائهم وأنسابهم فهو وهم آمنون حتى لو التبس اسما اثنين يحملان نفس الاسم والنسب فهما آمنان كذلك، كأنه قال: آمنوني وهذين. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 433.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائة [التعريف بالإشارة]

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائة [التعريف بالإشارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعريف بالإشارة أبلغ من التعريف بالاسم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق ذكر قواعد عدة تشير إلى معنى هذه القاعدة وهو أن التعريف بالإشارة للحاضر أقوى وآكد من التعريف بالاسم؛ لأن الإشارة لا تحتمل والاسم يحتمل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أزوجك ابنتي هذه - هند - وأشار إليها فكانت المشار إليها دعد، وقبل الزوج صح العقد على المشار إليها دون المنطوق باسمها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 121.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائة [التعزية]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائة [التعزية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعزية سنة لأهل الميت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعزية: من عزَّى يعزِّي. ومعناها: التأسية لمن يصاب بمن يعزُّ عليه. وهو أن يقال له: تعزَّ بعزاء الله، وعزاء الله سبحانه قوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} (¬2). وأصل العزاء: الصبر أي تصبَّر بالتعزية (¬3). وتعزية أهل الميت سنة من سنن الإِسلام حث عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "من عزَّى مصاباً كان له مثل أجره" (¬4). وقال النووي: التعزية هي التصبر وذكر ما يسلي صاحب الميت ويخفف حزنه ويهون مصيبته، وهي مستحبة فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي داخلة في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬5). ¬

_ (¬1) الاعتناء جـ 1 ص 289. (¬2) الآية 156 من سورة البقرة. (¬3) المطلع ص 120 عن الأزهري بتصرف. (¬4) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز حديث رقم 1073، وابن ماجه في كتاب الجنائز حديث رقم 1602، وهو حديث ضعيف كما قال فى إرواء الغليل جـ 3 ص 217 - 218. (¬5) الآية رقم 2 من سورة المائدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وأخلفه عليك. أو ألهمك الصبر وغفر لميتك. ويقول في تعزية الكافر بالمسلم: غفر الله لميتك وأحسن عزاك. كما يجوز للمسلم أن يعزي الذمي بقريبه الذمي فيقول: أخلف الله عليك ولا نقص عددك (¬1). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 1 ص 663 - 664 بتصرف.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المائة [تعليق أسباب التحريم]

القاعدة السادسة والأربعون بعد المائة [تعليق أسباب التحريم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق أسباب التحريم بالشرط صحيح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أسباب التحريم: هي كل ما يؤدي إلى تحريم الحلال كالطلاق والعتاق، وحقن دماء الكفار، وهذه الأسباب يجوز أن تعلق بالشرط، ويكون تعليقها بالشرط صحيحاً بحيث أنه إذا وجد الشرط وقع الطلاق أو العتق المحرِّم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أمَّن المسلمون رجلاً على أن يدلهم على شيء ولا يخونهم فإن خانهم فهم في حل من قتله. فخرج عليهم من مدينته أو حصنه على ذلك حتى صار في أيديهم ثم خانهم أو لم يدلهم فاستبانت خيانته فقد برئت منه الذمة وصار الرأي فيه إلى الإمام إن شاء قتله وإن شاء جعله فيئاً؛ لأن الشرط هكذا جرى بينهم، وكما قال عليه الصلاة والسلام: "المسلمون عند شروطهم" (¬2). فان انعدم الشرط بقي حل دمه على ما كان. ومنها: إذا قال لزوجته: إن كلمت فلاناً فأنت طالق. فكلَّمته وقع الطلاق وحرمت على الزوج. أما إذا لم تكلمه فيبقى حل النكاح على ما كان. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 278. (¬2) الحديث رواه أبو داود والحاكم في المستدرك وأحمد في البيع وقد حسنه الترمذي وضعفه النسائي

ومنها: إذا قال لأمته: إن جاء ابني من المعركة سالماً فأنت حرة، فإذا جاء الابن سالماً تحررت وعتقت ولا يد للسيد عليها. وإن لم يرجع الابن من المعركة حيث قتل فلا تعتق.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المائة [تعلق التزام المال]

القاعدة السابعة والأربعون بعد المائة [تعلق التزام المال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعلق التزام المال بالخطر باطل (¬1) عند ابن أبي ليلى رحمه الله. وفي لفظ: تعليق التزام المال بالخطر لا يجوز (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: التزام المال: الوعد بأدائه إذ أوجبه على نفسه، فالالتزام معناه: الإثبات والإيجاب. والتعلق: يقال: تعلقت بالغريم: لزمته (¬3). الخَطَر: السبق الذي يتراهن عليه، والمراد بالخطَر هنا: احتمال الوقوع وعدمه. فمفاد القاعدة: إن تعلق لزوم المال واشتراطه بأمر يمكن أن يحصل أو أن لا يحصل لا يجوز، وهو التزام باطل، يبطل العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: إذا حضر فلان الليلة فسأدفع لك دَينه، فلا يصح هذا الوعد ولا يكون ملتزماً بدفع المال حتى لو حضر فلان الغائب؛ لأن أصل هذا الالتزام باطل لا يجوز، والحكم لا يبنى على باطل، وهذا عند الإمام ابن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 176. (¬2) نفس المصدر جـ 30 ص 222. (¬3) المصباح مواد "لزم"، "علق"، "خطر" بتصرف.

أبي ليلى (¬1) وهو القياس. ولكن الحنفية أجازوا ذلك استحساناً، فأوجبوا إذا حضر فلان أن يدفع الكفيل الدين. ومنها: إذا كان لرجل على رجل مال فكفل رجل بنفس المطلوب، فإن لم يواف به إلى وقت كذا فعليه مالَه عليه، وهو كذا من المال. فمضى الأجل قبل أن يوافي به، فالمال لازم عند الحنفية استحساناً خلافاً لابن أبي ليلى. وقد علل الحنفية الاستحسان في هذه المسألة بوجهين: أحدهما: أنه يحمل على التقديم والتأخير فيجعل كأنه كفل بالمال فى الحال ثم علَّق البراءة على الكفالة بالموافاة بنفسه، والموافاة تصلح سبباً للبراءة عما التزمه بالكفالة. والتقديم والتأخير في الكلام صحيح، فإذا أمكن تصحيح كلامه على هذا الوجه حمل عليه. والوجه الثاني: أن هذا متعارف فيما بين الناس، فإن رغبة الناس في الكفالة بالنفس أكثر منه بالكفالة بالمال، فللطالب أن يرضى بأن يكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به يكون كفيلاً بالمال حينئذ، وفيه يحصل مقصوده، فإنه يجدُّ في طلبه ليسلمه إلى خصمه فيتمكن من استيفاء الحق منه، وإن لم يفعل يصير كفيلاً بالمال (¬2). ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) المبسوط جـ 19 ص 177.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائة [تعلق الحكم]

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائة [تعلق الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعلق الحكم بالمحسوس على ظاهر الحس لا على باطن الحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الأحكام الشرعية بناؤها على الظاهر المحسوس لا على الباطن الخفي؛ لأن الباطن لا يعلم حقيقته إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يكلفنا الله سبحانه ما ليس في وسعنا، وإنما كلفنا فيما يقع تحت الوسع وهو ظواهر الأمور دون بواطنها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عدم اعتبار دخول الشهر بالحساب، ولا يُلتفت إلى حساب المنجمين - أو الفلكيين - اتفاقاً بل لا يعتبر إلا الرؤية (¬2)، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا، ويشير بيديه" يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين (¬3). ومنها: عدم اعتبار الفجر المعلوم بالعلامات بل الظاهر للعيان. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 143. (¬2) ومع الأسف وُجد في هذا العصر من المسلمين والدول الإِسلامية من يعتمد على حساب الفلكيين فقط ولا يعتد بالرؤية الحقيقية ولا يعتمد عليها في إثبات الإهلة. (¬3) رواه البخاري.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائة [تعلق الوجوب]

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائة [تعلق الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعلق الوجوب لا يستلزم استرسال تعلقه على الأصح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة مهمة مفادها: أن الوجوب إذا تعلق بذمة المكلف، فإن هذا الوجوب لا يستمر تعلقه إذا طرأ على ذمة المكلف ما يمنعه من أداء ما وجب عليه. بمعنى أنه أصيب بعارض من عوارض الأهلية كالجنون مثلاً، أو الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، أو الإغماء المستمر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المجنون إذا أفاق هل يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات والصيام أثناء جنونه، أو لا يجب عليه القضاء؟ عند الشافعي رحمه الله أن ذمة المجنون غير صالحة لإلزامه بالعبادات البدنية، فإذا أفاق في بعض الشهر - أي رمضان - فلا يلزمه قضاء ما مضى (¬2). وهذا فيه رفع حرج كبير عن المجنون أو المغمى عليه لمدة طويلة. وعند أبي حنيفة (¬3) ومالك (¬4) رحمهما الله تعالى: إن ذمة المجنون صالحة لإلزامه بالعبادات البدنية عند وجود أسبابها، ثم إن خطاب القضاء يسقط فيما يلحقه الحرج فيه ويبقى فيما لا يلحقه فيه حرج. فهما رحمهما الله ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 346، الكافي جـ 1 ص 237. (¬2) روضة الطالبين جـ 1 ص 301. (¬3) فتح القدير جـ 2 ص 90. (¬4) المغني جـ 2 ص 50.

اعتبرا أن ذمة المجنون صالحة لتحمل الواجبات ولكنه يقضي ما ليس فيه حرج وضيق عليه. ثم اختلفا في الحرج: فقال أبو حنيفة: الشهر كله. أي أنه إذا جن أو أغمي عليه شهراً كاملاً فلا يقضي صلواته ولا صيامه. وأما إذا أفاق في بعض الشهر فعليه قضاء صلاته وصيامه. وأما عند المالكية: إن مَن بلغ عاقلاً ثم جُنَّ جنوناً مطبقاً فاختلفوا فيه: فقيل: عليه القضاء مطلقاً، وقيل لا يقضي مطلقاً، وقيل: إن كانت السنين الواجبة عليه كثيرة لا يقضي وإن كانت قليلة فيجب عليه قضاؤها، ومثلوا للسنين الكثيرة بعشر سنوات والقليلة بخمس (¬1). وعند الحنابلة كالشافعية لا يجب عليه قضاء ما فاته قبل الإفاقة. ¬

_ (¬1) أسهل المدارك جـ 1 ص 258.

القاعدة الخمسون بعد المائة [تعليق الإقرار]

القاعدة الخمسون بعد المائة [تعليق الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق الإقرار بشرط واقع ألبتة صحيح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق في قواعد الإقرار في حرف الهمزة أن معنى الإقرار: إثبات الشيء. ومقابله الإنكار، يقال: أقر بالحق: اعترف به وأثبته على نفسه (¬2). فمفاد القاعدة: أن المُقرَّ إذا علق إقراره على شرط واقع يقيناً فيكون الإقرار صحيحاً. وأما إذا علق الإقرار على شرط مع خَطَر فلا يعتبر هذا الإقرار صحيحاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل: إن أنا مت فلفلان عليَّ ألف درهم. كان عليه الألف مات أو عاش، وكذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر أو إذا أفطر الناس فله علي ألف درهم. صح الإقرار وبطل الأجل إلا أن يقر المقرُّ له بالأجل أو يثبت الأجل بالبيِّنة. وأما إذا قال: لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان وقال فلان: شئتُ، أو إن هبت الريح أو إن أصبت مالاً. فالإقرار باطل؛ لأن كل إقرار عُلِّق بشرط مع خطر يكون باطلاً؛ لأنه ينافي الإثبات. ¬

_ (¬1) الفرائد عن إقرار الخانية، كتاب الإقرار جـ 3 ص 125 على هامش الفتاوى الهندية. (¬2) مفردات القرآن للراغب مادة (قرّ) بتصرف.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة [تعليق الإطلاق]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة [تعليق الإطلاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق الإطلاق بالشرط صحيح (¬1). وفي لفظ: الإطلاق يحتمل التعليق بالشرط (¬2). سبقت في حرف الهمزة تحت رقم 508. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالإطلاق: حل العقد أو إرسال المقيد، كالطلاق مثلاً. فحلُّ عقدة النكاح بالطلاق يصح تعليقه بالشرط بخلاف الأملاك فلا يجوز تعليقها بالشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال القائد للسرية: أميركم فلان فإن قتل ففلان فإن قتل ففلان. فذلك جائز، والأصل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتة: "إن قتل زيد فجعفر أميركم، وإن قتل جعفر فابن رواحة أميركم" (¬3). ومنها: إذا قال مستأمن: أمنوني على أن أدلكم على مخبأ جند أو على مال على أني إن لم أدلكم فلا أمان بيني وبينكم. فإن لم يدلهم فلا أمان له وهو للإمام إن شاء قتله وإن شاء جعله فيئاً. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 71 عن شرح السير ص 62. (¬2) شرح السير ص 527. (¬3) الحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة مؤتة باب 44 حديث رقم 4261 بدون قوله: أميركم. وأخرجه غيره أيضاً بلفظه، ينظر موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 2 ص 466 - 467.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المائة [التعليق والصفة]

القاعدة الثانية والخمسون بعد المائة [التعليق والصفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعليق إذا وُجد في حالة والصفة في غيرها فالاعتبار لوقت الصفة أو بوقت التعليق (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعليق: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، وهو الشرط اللغوي المصدر بأداة شرط وفعل وجزاء صالح (¬2). وقد اختلف الشافعية في المعتبر عند تعليق أمر بوجود أمر آخر هل المعتبر وقت التعليق، أو وقت وقوع الشرط؟ فإذا علِّق حكم على سبب سيقع وكان السبب يختلف بسبب وقت التعليق ووقت وقوعه، فأيهما المعتبر؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى بثلث ماله هل المعتبر حال الوصية، أو حالة الموت؟ وجهان أصحهما عند الشافعية حالة الموت؛ إذ يحصل الملك به. ومنها: إذا قال: أنت طالق إن شاء زيد، وكان زيد ناطقاً فخرس. فهل تكتفي إشارته وتقوم مقام النطق؟ وجهان أصحهما نعم. اعتباراً بحال وجود الصفة؛ لأن إشارته تقوم مقام نطقه والحالة هذه. ومنها: إذا علَّق طلاقها بصفة كأن يقول: إن خرجت من الدار فأنت ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 400، المجموع المذهب لوحة104 أ، قواعد الحصني ق 1 ص 588. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 367.

طالق. ثم وجدت الصفة - وهي حائض - حيث خرجت حالة الحيض -. قالوا: يقع الطلاق بدعيًّا، ولكن لا إثم فيه بل تستحب فيه الرجعة. ولا خلاف في هذه المسألة.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائة [تعليق الأملاك]

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائة [تعليق الأملاك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق الأملاك بالأخطار باطل، وتعليق زوالها بالأخطار جائز (¬1). وفي لفظ: تعليق التمليك بالخطر باطل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأملاك والتمليكات عند الحنفية لا تقبل التعليق بالمحتملات، وأما تعليق زوالها بالمحتملات فهو جائز. والمراد بالتمليكات تلك العقود والتصرفات التي تؤدي إلى ملكية المعقود عليه، ومثلها التقييدات. ومنها: عقود البيع والشراء والإجارة والاستيجار والهبة والصدقة والنكاح والإقرار والإبراء وعزل الوكيل وحجر المأذون والرجعة والتحكيم والكتابة والكفالة بغير الملائم إلخ (¬3). وأما ما يراد به إزالة ملك فكالطلاق والعتاق والحوالة والكفالة والخلع والرهن والقرض. والمراد بالتعليق هنا - كما سبق - هو التقييد بالشرط، والشروط التي يصح بها تقييد عقد البيع ولا تبطله أنواع: 1 - شرط اقتضاه العقد بأن وجب العقد بلا شرط كشرط تسليم البدلين. 2 - أو شرط لم يقتضه العقد لكنه يلائمه - أي يؤكد موجبه كشرط الكفالة أو الرهن بالثمن. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 115، وينظر الموسوعة في قواعد حرف الهمزة رقم 301. (¬2) القواعد والضوابط ص 484. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 367.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

3 - أو شرط لا يلائم العقد ولكن ورد به الشرع كخيار الشرط ثلاثاً، أو النقد أو التأجيل. 4 - أو شرط لم يرد به الشرع ولكنه متعارف كشرط حذاء النعل أو تشريكه بالشراك فلا يفسد العقد بذلك (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لآخر: إذا جاء غد بعت منك هذا بكذا. لم يجز، وأما إن قال: بعته بكذا إن رضي فلان. جاز البيع والشرط جميعاً. ويعتبر هذا المثال استثناء منها. ومنها: إذا قال: إذا جاء غد فقد حجرت عليك فلا يصح الحجر. ولكنه إذا قال: إذا جاء غد فقد أذنت لك في التجارة، صح الإذن. والفرق أن الأولى تقييد، والثانية إطلاق (¬2). ¬

_ (¬1) الفتاوى البزازية جـ 4 ص 423. (¬2) جامع الفصولين جـ 2 ص 2، الفصل السادس والعشرون بتصرف.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المائة [التعليق]

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المائة [التعليق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التعليق بشرط كائن تنجيز (¬1). وفي لفظ: التعليق بالموجود تنجيز (¬2). وفي لفظ: تعليق العتق بشرط موجود تنجيز (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الشرط الكائن: هو الشرط المتحقق الوجود. التنجيز: نجز الشيء ينجز: أي تم وتحقق وتعجَّل. والناجز: الحاضر (¬4). فالعقد المتعلق بشرط متحقق يكون معجلاً حاضراً، سواء في ذلك عقد العتق أو غيره، فإن شرط التعليق الصحيح أن يكون المعلَّق عليه معدوماً على خطر الوجود، أي معدوماً حين العقد ممكن الوجود بعد ذلك. وأما إذا كان الشرط معدوماً مستحيل الوجود فالعقد باطل. ثالثاً: من امثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: إذا كنت حيًّا فقد بعتك هذا الشيء أو أعتقتك. فهذا عقد ناجز؛ لأن القائل حي فعلاً. ومنها: إذا قال رجل: إن كانت هذه الدار في ملكي فهي صدقة موقوفة. فإنه ينظر: إن كانت في ملكه وقت التكلم صح الوقف وإلا فلا. (لآن التعليق بشرط كائن تنجيز). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 1 ص 328، الفرائد عنه ص 238، المدخل الفقهي الفقرة 695. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 216. (¬3) نفس المصدر جـ 17 ص 13. (¬4) مختار الصحاح، والمصباح مادة "نجز".

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائة والسادسة والخمسون بعد المائة [التعليق بالشرط]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائة والسادسة والخمسون بعد المائة [التعليق بالشرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التعليق بالشرط يقتضي وجود الحكم عند وجود الشرط، ولكن لا يوجب انعدام الحكم عند انعدام الشرط (¬1). عند الحنفية. وعند الشافعي رحمه الله: تعليق الحكم بالشرط كما يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط يدل على نفيه عند عدم الشرط (¬2). وفي لفظ: تعلق الحكم بالشرط لا يدل على عدم الحكم عند عدم الشرط (¬3) وفي لفظ: التعليق بالشرط يقتضي نفي الحكم عند عدمه في عين ما تعلق بالشرط. عند الشافعي (¬4). وفي لفظ: التعليق بالشرط لا يقتضي - لا يوجب - نفي الحكم عند عدم الشرط (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المتفق عليه بين كل الفقهاء: أن الحكم المعلق بالشرط يجب ثبوته عند وجود الشرط. فالتعليق بالشرط إذن يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط وتحققه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 5 ص 110. (¬2) نفس المصدر جـ 5 ص 202. (¬3) نفس المصدر ص 202. (¬4) نفس المصدر جـ 7 ص 3. (¬5) نفس المصدر جـ 7 ص 144، جـ 29 ص 140.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ولكن اختلفوا في نفي الحكم عند عدم الشرط هل تدل عليه صيغة التعليق؟ وهل يقتضي عدم تحقق الشرط نفي الحكم؟ عند الحنفية: إن تعلق الحكم بالشرط لا يقتضي ولا يوجب انعدامه عند عدم الشرط. وأما عند الشافعي رحمه الله فإن عدم الشرط يقتضي نفي الحكم في عين ما تعلق بالشرط. فإذن تعليق الحكم بالشرط يدل عند الشافعي رحمه الله على أمرين الأول: ثبوت الحكم عند وجود الشرط. والثاني: نفي الحكم عند عدم الشرط. وأما عند الحنفية فلا يدل إلا على أمر واحد هو تحقق الحكم وثبوته عند وجود الشرط وتحققه، ولا يدل على النفي؛ لاحتمال أن يتحقق الحكم بسبب آخر أو أن يثبت الحكم بدليل آخر. وعند التحقيق لا نرى خلافاً في المسألة؛ لأن الحنفية لا يثبتون الحكم مطلقاً عند عدم تحقق الشرط، بل هو منفي عندهم في عين ما تعلق بالشرط، ولكن قد يثبت بدليل أو سبب آخر. وهذا ما لا ينفيه الشافعي رحمه الله بل هو ما نص عليه في اللفظ الآخر للقاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال لعبده: أنت حر إذا جاء فلان حيًّا سالماً من سفره هذا. فإذا تحقق الشرط وجاء فلان حيًّا سالماً فقد عتق العبد، ولكن إذا لم يجيء فلان حيًّا سالماً فهل يقتضي ذلك عدم عتق العبد مطلقاً؟ عند الحنفية: لا يقتضيه لاحتمال أن يعتق بسبب آخر. وعند الشافعي بحسب ظاهر اللفظ يقتضي عدم العتق. ومنها: إذا قال لزوجته: إن كلمت فلاناً فأنت طالق. فإن كلمت وقع

الطلاق عند الجميع، ولكن إن لم تكلم هذا الشخص هل يكون ذلك دليلاً على عدم وقوع الطلاق؟ عند الشافعي رحمه الله نعم. ولكنه رحمه الله لا ينفي أن يقع الطلاق بسبب آخر. وعند الحنفية: لا. أي لا يكون دليلاً على عدم وقوع الطلاق، لاحتمال أن يقع بسبب آخر. ولذلك أرى أن الخلاف في هذه المسألة لفظي.

القاعدة السابعة والخمسون بعد المائة [التعليق]

القاعدة السابعة والخمسون بعد المائة [التعليق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعليق بشرط واقع غير ممتد يصرف إلى المستقبل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد القاعدة: أنه إذا عُلِّق حكم بشرط واقع ومتحقق ولكنه غير ممتد أو غير مستمر ولا أجزاء له فإن الحكم يعلق بتحقق الشرط المماثل في المستقبل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق - وهي حائض - فلا تطلق إلا إذا حاضت حيضة أخرى. فالحيضة وإن كانت ممتدة هنا - لأنها تستمر أياماً - ولكن لا اعتبار لها في هذه المسائل؛ لأن الحيض والمرض علّق الشارع بجملتهما أحكاماً فقد جعل الكل شيئاً واحداً (¬2). ومنها: إذا قال لامرأته: إن دخلت دار عمرو فأنت طالق. وكان الكلام حال وجودهما وكونهما في دار عمرو مثلاً. فإنه يكون على دخول مستقبل غير هذا؛ لأن الشرط الدخول لا الوجود. ومنها: إذا قال لامرأته الصحيحة: إذا صححت فأنت طالق، يقع الطلاق حالاً؛ لأن الصحة أمر ممتد وفي مثله للدوام حكم الابتداء (¬3). ¬

_ (¬1) الفرائد ص 22 عن تعليق الخانية جـ 1 ص 472 على هامش الفتاوى الهندية. (¬2) تعليق الخانية جـ 1 ص 497 على هامش الفتاوى الهندية. (¬3) نفس المصدر السابق.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المائة [التعليق بالشرط]

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المائة [التعليق بالشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعليق بالشرط يمنع الوصول إلى المحل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا علِّق أمر بشرط فإن هذا التعليق يمنع الوصول إلى المحل المقصود قبل تحقق الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع إحدى الأمتَين وسمى لكل واحدة منهما ثمناً، وشرط الخيار لنفسه، ثم وطئ إحداهما فليس له أن يعين البيع فيها بعد ذلك؛ لأنه علَّق بيع إحداهما بخياره، وقبل اختياره لا يلزم البيع لتنكير المبيعة منهما. ولكنه حينما وطئ إحداهما تعيَّن بوطئه المبيعة وهي الأخرى، فلا يحل له وطؤها لخروجها عن ملكه عند وطء الثانية. وهذا عند جمهور الحنفية، وعند أبي حنيفة يجوز له وطء الاثنتين؛ لأن كل واحدة مملوكة له عيناً فبقي وطء كل واحدة منهما مملوكاً له عيناً، والفتوى على الأول. ومنها: إذا باعه إحدى هاتين السيارتين - ولم يعين - وشرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام. ثم وهب إحداهما أو أجرها أو باعها، تعين البيع في الأخرى؛ لأنه لما تصرف في إحداهما دل ذلك على أن الأخرى هي المبيعة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 87.

القاعدة التاسعة والخمسون بعد المائة [تعليق الطلاق]

القاعدة التاسعة والخمسون بعد المائة [تعليق الطلاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق الطلاق بالصفة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطلاق إذا عُلِّق بصفة وقع عند وجودها، كتعلقه بالشرط يقع عند وجود الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لامرأة: إذا جاء فلان فقد تزوجتك. فلا يتم الزواج ولا ينعقد. لكن إذا قال: إذا جاء فلان فأنت طالق، وجاء فلان فقد وقع الطلاق؛ لأن الطلاق يقبل التعليق بالشرط والصفة، والزواج لا يقبله - كما سبق في قاعدة التمليكات والتقييدات قريباً -. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا قال لحامل أو صغيرة أو آيسة: أنت طالق للسنة أو للبدعة. فيلزمه الطلاق من ساعته؛ لأن هؤلاء لا سنة لهن ولا بدعة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 379.

القاعدة الستون بعد المائة [تعليق العقد]

القاعدة الستون بعد المائة [تعليق العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق العقد بالشرط يمنع كونه سبباً قبل وجود الشرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد سبب لترتب أحكامه عليه إذا تم صحيحاً نافذاً، وأما إذا عُلَّق العقد بشرط فإن هذا التعليق يمنع سببية العقد، حيث لا يترتب على العقد أي من أحكامه ما لم يوجد الشرط. أي أن الشرط قبل تحققه يوقف عمل العقد ويمنع نفاذه وترتب أي حكم من أحكامه عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى شيئاً على أنه بالخيار ثلاثة أيام. فلا يترتب على هذا العقد أي من أحكامه ما لم تمض مدة الخيار أو يسقط من له الخيار خياره. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 64.

القاعدة الحادية والستون بعد المائة [تعليق فسخ العقد]

القاعدة الحادية والستون بعد المائة [تعليق فسخ العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعليق فسخ العقد وإبطاله لوجوده، إن كان فيه مقصود معتبر شرعاً صح وإلا لم يصح، إذ لو صح لصار العقد غير مقصود في نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما أن العقد المعلق على شرط لا يصح ولا ينعقد سبباً لأحكامه قبل وجود الشرط فكذلك فسخ العقد إذا علق بشرط، لكن يشترط في تعليق فسخ العقد أن يكون في هذا الشرط مقصود شرعي. وأما إذا خلا من مقصود شرعي فلا يصح الفسخ؛ لأنه لو صح الفسخ في هذه الحالة لصار العقد غير مقصود في نفسه، (والأصل أن العقود مقصودة لأحكامها). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا علق الطلاق بالنكاح مثل أن يقول: إن نكحتك فأنت طالق. المنصوص عن أحمد رحمه الله: أنه لا يصح؛ لأن النكاح لا يقصد للطلاق عقيب العقد. ومنها: إذا علق فسخ البيع بالإقالة على وجود البيع، كأن يقول: إن بعتني هذا البستان فأنا أُقيلك البيع. ومنها: إذا فسخ النكاح بالعيب على وجود العيب، وقد صرح مشائخ الحنابلة ببطلان ذلك كله. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 118.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها، وعلَّق طلاق من يتزوجها عليها بنكاحها. فإن كانت تلك في نكاحه وعلَّق طلاقها على نكاح آخر سيوجد فنص أحمد رحمه الله على أنه يصح هذا التعليق.

القاعدة الثانية والستون بعد المائة [التعليق]

القاعدة الثانية والستون بعد المائة [التعليق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعليق لا يثبت إلا بلفظ موضوع للتعليق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قيد للتعليقات حيث تفيد أن التعليق لا يكون تعليقاً إلا إذا وجد بلفظ موضوع للتعليق. والمقصود بألفاظ التعليق أدوات الشرط كإن وغيرها من الألفاظ الموضوعة للشرط والتعليق مع وجود الشرط والجزاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لامرأته: إن دخلت الدار أنت طالق. طلقت حالاً؛ لأن قوله: أنت طالق كلام تام بنفسه فلا يتعلق بغيره إلا بأمارة، ولا يصح هنا أن يكون جواباً للشرط؛ لأن جواب الشرط إذا كان اسماً وجب اقترانه بالفاء ولم توجد. وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه يصدَّق على إرادة الجزاء وتضمر الفاء صيانة للشرط عن الإلغاء؛ لأنه إذا نوى ما دل عليه ظاهر كلامه صدِّق مطلقاً. وهذا القول وجيه مقبول حيث إن معرفة شروط جملة الجواب والجزاء وما تصح به وما لا تصح لا يعلمه كل الناس، وإنما يختص بعلمه علماء اللغة ومَن هم على صلة بالنحو وقواعده، وأكثر الناس عوام لا يعرفون شيئاً من ذلك، فيجب أن يحمل كلام العامي على ما نواه إن احتمله لفظ. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 285.

القاعدة الثالثة والستون بعد المائة [التعليل]

القاعدة الثالثة والستون بعد المائة [التعليل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعليل لتعدية حكم النص لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص (¬1). فقهية أصولية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصولية فقهية يوردها الأصوليون من الحنفية لبيان أن الحكم الثابت بالنص لا يحتاج إلى تعليل. وإنما يحتاج للتعليل لتعدية حكم النص إلى غير المنصوص - وهو القياس الأصولي -. وقولهم: بأن حكم النص لا يحتاج إلى تعليل؛ لأن ثابت بنفسه، هذا ردّ لمن يرون أن حكم النص المعلل يدل على أن حكم ما عداه مما لا توجد فيه العلة حكمه بخلاف حكم المنصوص المعلل. وهو مفهوم المخالفة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنا رجل بامرأة فهل يحرم عليه ما يحرم لو كان نكحها بعقد صحيح؟ عند الشافعي رحمه الله لا يحرم عليه مستدلاًّ بأدلة من السنة. وعند الحنفية خلاف. إذ قال بعضهم: إن حرمة المصاهرة بمحارم المزني بها تثبت هنا بطريق العقوبة كما تثبت حرمة الميراث في حق القاتل مورثه عقوبة. ولذلك يقول هؤلاء: إن المحرمية لا تثبت حتى لا تباح الخلوة والمسافرة بها، وجمهور الحنفية على ثبوت المحرمية كالنكاح الصحيح وهو الذي نصره السرخسي. وقد رد السرخسي على تعليلهم هذا بهذه القاعدة حيث قال: المنصوص ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 204 فما بعدها.

حرمة تامة بطريق الكرامة للمنكوحة نكاحاً صحيحاً. ويجوز التعليل بها لتعدية تلك الحرمة إلى الفروع لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص. وعلل السرخسي حرمة المصاهرة من محارم المزني بها بقوله: الفعل زنا موجب للحد، ولكنه مع ذلك حرث للولد ويصلح أن يكون سبباً لثبوت الحرمة والكرامة باعتبار أنه حرث للولد؛ ولأن الولد يتخلق من الماءين فيكون بعضاً لكل منهما، فتتعدى شبهة البعضية إلى أمهاتها وبناتها وإلى آبائه وأبنائه، (والشبهة تعمل عمل الحقيقة في إيجاب الحرمة)، وهذا المعنى لا يختلف بالملك وعدم الملك.

القاعدة الرابعة والستون بعد المائة [تعميم الخاص وتخصيص العام]

القاعدة الرابعة والستون بعد المائة [تعميم الخاص وتخصيص العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعميم الخاص بالنيَّة جائز (¬1). وكذلك تخصيص العام. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخاص من الألفاظ: هو قصر العام على بعض أفراده. أو هو إخراج ما كان داخلاً تحت العموم على تقدير عدم المخصص. والمعروف عند جمهور الحنفية أنهم لا يعممون الخاص بالنية، ولكن السرخسي في هذه القاعدة يشير إلى أن تعميم الخاص بالنية جائز ولم يذكر خلافاً فيه. والمقصود بتعميم الخاص بالنية أن يذكر الإنسان لفظاً خاصًّا ويريد به أمراً عامًّا وبخاصة في باب الأيمان. وهذا أجازه السرخسي كما أجازه الخصاف قبله خلافاً لجمهور الحنفية والشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يشرب من فلان ماء من عطش - ونوى أن لا ينتفع منه بشيء - ثم أكل من طعامه أو لبس من ثيابه فهل يحنث في يمينه؟ عند المالكية (¬2) والحنابلة (¬3) يحنث؛ لأنهم يعممون الخاص ويخصصون العام بالنية، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 ص 175، جـ 9 ص 4 - 5، وأشباه ابن نجيم ص 52 - 53. (¬2) قوانين الأحكام الشرعية ص 182 - 183. (¬3) قواعد ابن رجب ق 125.

وأما عند الشافعية وجمهور الحنفية فلا يحنث إلا بالماء خاصة؛ (لأنه لا حنث بدون لفظ) وقد حلف على الماء فلا يحنث إلا بتناوله. وأما عند السرخسي فبناء على هذه القاعدة فإنه يحنث بأي شيء يتناوله عنده؛ لأنه نوى عدم الانتفاع منه بشيء وعبَّر عن ذلك بالماء؛ لأنه إذا انتفى الأدنى انتفى الأعلى بطريق الأولى، فإذا تناول عنده الماء أو غيره فإنه يحنث؛ لأن تعميم الخاص بالنية جائز عنده. ومنها: إذا حلف لا يذوق شيئاً، وعنى بالذوق الأكل في المأكول والشرب في المشروب، لا يحنث ما لم يدخله حلقه، فهنا عمم المخصوص وهو الذوق بالنية حيث شمل ما يؤكل وما يشرب. ومن تخصيص العام بالنية عند السرخسي: إذا حلف لا يأكل طعاماً ينوي طعاماً بعينه، أو حلف لا يأكل لحماً ينوى لحماً بعينه. فأكل غير ذلك لم يحنث. إلا إذا كانت يمينه بالطلاق فإنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء؛ لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام، أي أن القضاء يحكم عليه بظاهر لفظه (¬1). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 ص 177 بتصرف.

القاعدة الخامسة والستون والسادسة والستون بعد المائة [تعيب الأمانة]

القاعدة الخامسة والستون والسادسة والستون بعد المائة [تعيب الأمانة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تعيب الأمانة لا يوجب الضمان (¬1). وفي لفظ: صفة السلامة عن العيب إنما تصير مستحقًّا في المعاوضة دون التبرع (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الأمانة أو الوديعة غير مضمونة على المودعَ الأمين؛ لأنه متبرع بالحفظ. ولا يضمن إلا إذا تعدَّى أو قصر في الحفظ، فإذا تعيبت الأمانة عنده بغير فعله ولا تقصير منه فهو غير ضامن، بخلاف ما لو تعيبت بفعله أو تقصيره، وذلك؛ لأن صفة السلامة عن العيوب إنما تضمن وتستحق المعاوضة عليها في عقود المعاوضة دون عقد التبرع. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أودع شخص عند آخر مالاً أو متاعاً لحفظه، فوضعه الأمين مع متاعه وماله، فأصاب المطر أو الحريق هذه الوديعة فعيبها أو أتلف بعضاً منها فالمؤتمن غير ضامن لما تلف أو تعيب لعدم تقصيره في الحفظ ولأنه متبرع في الحفظ. ومنها: إذا أودع شخص آخر غلاماً أو دابة فعطبت بغير فعل أحد أو مرضت فالمؤتمن غير ضامن لما نقصها المرض أو العطب؛ إلا إذا ثبت أنه كان بفعله أو بتقصير منه. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 109.

القاعدة السابعة والستون بعد المائة [التعيب]

القاعدة السابعة والستون بعد المائة [التعيب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعيب في ضمان المشتري مسقط لخياره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تعيبت السلعة وهي في ضمان المشتري المشترط الخيار لنفسه، فإن هذا التعيب مسقط لخيار المشتري وملزم للعقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان من آخر سيارة وهو بالخيار ثلاثة أيام وقبضها فتعيبت في يده بحادث أو غيره سقط خياره ولزمه العقد. ومنها: إذا اشترى بئراً وهو بالخيار ثلاثة أيام وقبضها فانخسفت أو انهدمت أو ذهب ماؤها أو وقع فيها ما ينجس ماءها من عذرة أو شاة أو عصفور أو فأرة فماتت، فذلك يلزمه البيع سواء وجب نزح جميع الماء أو بعضه؛ لأن النجاسة في الماء عيب في العرف فلا يمكنه رد البئر كما أخذها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 197.

القاعدة الثامنة والستون بعد المائة [تعين النية]

القاعدة الثامنة والستون بعد المائة [تعين النية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعيُّن النية كأصلها شرط افتتاح الصلاة لا شرط البقاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: شرط افتتاح الصلاة بل وكل عبادة النيَّة، وتعيُّنها أي تحديد نوع العبادة التي يؤديها المكلف - فرضاً أو نفلاً أو نذراً أداء أو قضاء -. ولكن هل يشترط مع ذلك بقاء النية وتعينها - بمعنى ملاحظتها في كل أجزاء العبادة؟ عند الجميع أن ذلك ليس شرطاً لصحة العبادة لتعذره، بل يكفي وجود النية وتعينها في أول العبادة وانسحاب حكمها حتى نهايتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا افتتح صلاته وعين نيتها - ظهراً أو عصراً - فرضاً أو نفلاً، وبعد ذلك عَزَبَ عنه ذكر النية في قراءته أو ركوعه أو سجوده أو قيامه فصلاته صحيحة؛ لأنه لا يشترط بقاء ذكر النية عند كل فعل من أفعال الصلاة. ومنها: إذا نوى صوم واجب قبل الفجر وعزبت عنه نية الصوم أثناء النهار أو ظن أن صومه نفل فصومه صحيح، ما لم يأت بنية مناقضة - عند بعضهم - أو عمل مناف للصوم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 233، المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 135.

القاعدة التاسعة والستون بعد المائة [تعين الوقت]

القاعدة التاسعة والستون بعد المائة [تعين الوقت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعيُّن الوقت لا يغني عن وصف النية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بما يسمى عند الأصوليين بالواجب المضيق، وهو الواجب الذي يضيق وقته عن غيره من جنسه، وحكم تعيُّن النية فيه وهو المراد هنا بوصف النية، والمراد به صوم رمضان فهل يكفي فيه نية الصوم المطلق؛ لأن الوقت متعين لصوم رمضان فلا يحتمل صوماً غيره؟ بهذا يقول الحنفية (¬2). ويقولون: إن الوقت متعين لصوم الفرض (والتعيين في المتعين لغو). ولكن المالكية والشافعية وقول عند الحنابلة: أنه لا بد من تعين نية صوم رمضان ولا يجوز صوم رمضان بغير نية معينة. فلو صامه بنية مطلقة أو بنية النفل أو بنية واجب آخر لم يقع عن رمضان عند جماهير غير الحنفية. وإن قال بعضهم: إنه لا يقع إلا عن رمضان. ثالثاً: من أمثلة القاعدة ومسائلها: إذا صام رمضان بنية صوم مطلقة أو بنية واجب آخر كنذر أو قضاء أو نية صوم تطوع: لم يقع صومه إلا عن رمضان عند الحنفية، وعند أحمد في قول؛ لأن الوقت مضيق ومتعين لصومه. وأما عند غير الحنفية فلا يقع عن رمضان. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 317. (¬2) وهو قول لأحمد رحمه الله، ينظر المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 363.

القاعدة السبعون بعد المائة [التعيين]

القاعدة السبعون بعد المائة [التعيين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعيين في الانتهاء بمنزلة التعيين في الابتداء (¬1). وفي لفظ: التعيين في الانتهاء بالتراضي كالتعيين في الابتداء (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تتعلق هاتان القاعدتان بمن يترك تعيين نوع العبادة أو التصرف في أول الأمر ثم يعينه بعد ذلك، فإن هذا يجوز في بعض العبادات كالإحرام بالحج أو العمرة أو الحج عن الغير في بعض الصور. وكذلك في تعيين المقصود بالعقد في الانتهاء إذا حصل التراضي بين العاقدين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أحرم مطلقاً ولم يعين إن كان إحرامه للحج أو للعمرة فله تعيين النسك الذي يريد أداءه عند بدء الفعل - أي عند الطواف - فيكون التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء. وليس المراد بالانتهاء هنا الانتهاء من العبادة؛ لأنه لازال لم يتلبس بالنسك، ولكن المقصود هنا الانتهاء من الوقت الذي يسمح له فيه بتعيين النسك قبل التلبس به، وهو من حين بدء الإحرام إلى حين بدء النسك. ومنها: إذا نوى الحج عن أبويه تطوعاً وتبرعاً فله أن يعيِّن أحدهما للحج عنه عند بدء أعمال الحج؛ لأنه لا يجوز له أن يحج عن الاثنين في سفرة واحدة أو موسم حج واحد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 116، 157، 159. (¬2) نفس المصدر جـ 23 ص 88.

ومنها: إذا استأجر مالك أرض عاملاً على أن يعمل في أرضه عشر سنين، قالوا: هذه معاملة فاسدة لجهالة العمل المعقود عليه هل هو غراس أو زرع، لكن إن أعطى رب الأرض للعامل بذراً ليزرعه أو غرساً ليغرسه جازت المعاملة بتراضيهما، كأنه استأجره للزراعة أو للغرس والعناية به. (والتعيين في الانتهاء بتراضيهما كالتعيين في الابتداء).

القاعدة الحادية والسبعون بعد المائة [التعيين بالعرف]

القاعدة الحادية والسبعون بعد المائة [التعيين بالعرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعيين بالعرف كالتعيين بالنص (¬1). وفي لفظ: المشروط عرفاً كالمشروط شرعاً (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مما يندرج تحت القاعدة الكلية الكبرى - العادة محكَّمة - ومفادها أن تعيين المعقود والمعقود عليه بالعرف والعادة الجارية المعهودة بين الناس ينزل منزلة التعيين بالنص والشرط في بناء الأحكام عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تعاقد مع عامل على أن يعمل عنده أو له عملاً ما، وقيدا هذا العقد بما جرى عليه العرف وعمل الناس فإنه يكون بمنزلة التقييد بالنص. ومنها: إذا حمل شخص بضاعة له على سيارة أجرة مستأجرة واشترطا أن تكون الأجرة بما تعارف عليه الناس تبعاً لوزن الحمولة والمسافة، فيعتبر ذلك كتعيين الأجرة بالنص. ومنها: إذا استأجر إنسان شقة مفروشة - فيها أثاث وأمتعة وأوانٍ - وأذن المؤجر للمستأجر استعمالها، فتلف بعض ذلك، فقد جرى العرف بأن ما يتلف فضمانه على المستأجر فكأنه مشروط في العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 152، جـ 12 ص 2160 جـ 14 ص 18، والقواعد والضوابط ص 484، ومجلة الأحكام المادة 45، المدخل الفقهي الفقرة 612، وقواعد الفقه ص 71 عن المجلة، والوجيز مع الشرح والبيان ص 306 ط الرابعة. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 99.

القاعدة الثانية والسبعون بعد المائة [التعيين]

القاعدة الثانية والسبعون بعد المائة [التعيين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التعيين متى كان مفيداً يجب اعتباره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعيين في المعاملات وتحديد المطلوب قد يكون مفيداً لأحد العاقدين أو كليهما، وقد يكون غير مفيد، فإن كان التعيين والاشتراط غير مفيد فلا يلزم اعتباره، وأما إن كان مفيداً فيجب اعتباره لما فيه من المصلحة والمنفعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اتفق جماعة مع صاحب سيارة أو حافلة أن يحملهم إلى بلدة عينوها له وشرطوا عليه الطريق التي يسير فيها، وشرطوا له أجرة معينة إن سار بهم على الطريق التي عينوها له، فإن سار بهم على ما عينوا استحق الأجرة التي اشترطوها له كاملة. وأما إذا سار بهم في طريق غيرها ولا فائدة فيها لهم فلا يستحق الأجرة التي اتفقوا عليها؛ لأنهم ما عينوا تلك الطريق إلا لفائدة. والتعيين إذا كان مفيداً يجب اعتباره. ومنها ما ذكره في السير الكبير وشرحه: إن المسلمين إذا قالوا لأسير لديهم: إذا دللتنا على طريق حصن كذا أو بلدة كذا فأنت حر. فإذا دلهم على طريق الحصن الذي عينوا والطريق التي وصفوا فهو حر. وأما إذا خالف وسار بهم على طريق حصن آخر أو طريق آخر - وإن كان يوصلهم إلى الحصن الذي أرادوا فهو على حاله؛ لأنه خالف - إلا إذا كان الطريق ¬

_ (¬1) شرح السير ص 786، 788، وعنه قواعد الفقه ص 71.

الآخر أقصر أو أكثر أمناً أو أعظم فائدة مما أرادوا فهو حر استحساناً؛ لأنه أتى بمقصودهم وزيادة، وإن كان القياس أنه يبقى فيئاً لأنه خالف، ولكن سقط اعتبار التعيين لأنه غير مفيد، وقد سار بهم بما هو أكثر فائدة لهم. ويدخل تحت هذه القاعدة كل ما يتعلق بالاستصناع والمعاملات الجارية بين الناس فالشرط المفيد لأحد المتعاقدين يجب اعتباره.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المائة [تعيين المستحق]

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المائة [تعيين المستحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعيين المستحق بمنزلة ابتداء الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المستحق: هو صاحب الحق. فمفاد القاعدة: أن مَن عيَّن مستحقًّا لأمر ما كالهبة والوصية والهدية مثلاً فكأنما ابتدأ استحقاقه الآن حين التعيين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى بشيء من تركته لرجل أو جهة ولم يعين، فهي وصية لمجهول - والأصل بطلانها - لكنه قبل الوفاة عين الموصى له، فيكون ذلك بمنزلة ابتداء وصية. فكأنها وصية أخرى غير الأولى. ومنها: إذا كان له ستة أعبد فأعتق اثنين منهم - ثم مات - ولم يعينهما، فإنه على رأي الشافعي رحمه الله يقسمون أثلاثاً ثم يقرع بينهم فمن خرجت قرعتهما أعتقا، وردَّ الأربعة الباقين إلى الرق على الورثة. وإن كان الحنفية ينكرون القرعة ويعتبرونها قماراً. ولكن الآثار ضدهم، والقرعة ثابتة بفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليست من القمار في شيء. ويرى الحنفية في هذه المسألة: أنه يعتق من كل عبد ثلثه ويسعى في قيمة ثلثيه، وإذا صح الحديث معتمد الشافعي رحمه الله وهو مرسل عن الحسن البصري رحمه الله (¬2)، فهو الغاية ولا نقاش ولا كلام بعد فعل الرسول ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 76. (¬2) كما ذكر السرخسي: ولكن ورد الخبر من عدة طرق: منها عن أبي زيد الأنصاري رواه أحمد وأبو داود بمعناه، وفيه عن عمران بن حصين رواه الجماعة إلا البخاري. وكذلك =

- صلى الله عليه وسلم -، بل صحت في ذلك أحاديث. ¬

_ = رواه أحمد رحمه الله بلفظ آخر كما جاء في المنتقى جـ 2 ص 447 - 448 الأحاديث من 3285 - 3288. وقال النووي: في هذا دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وابن جرير في إثبات القرعة في العتق ونحوه، وخلاف أبي حنيفة رحمه الله في إنكار القرعة مردود بهذه الأحاديث وغيرها.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة [التغير]

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المائة [التغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التغير ينافي الإطلاق مطلقاً عند مالك رحمه الله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بهذه القاعدة (الماء المطلق) إذا تغير أحد أوصافه كطعمه أو لونه أو ريحه، بطاهر أو نجس. فذلك يسلب منه سمة الطهورية عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى. فإن اختلط بطاهر على الصفة السابقة أصبح طاهراً لا طهوراً، وإن اختلط بنجس صار نجساً، إلا بدليل كأن يكون التغير بالقرار - أي الاستقرار في الحوض أو الغدير وعدم التحرك - وطول المكث، أو بما يتولد في الماء، أو يجاوره كطين ونحوه فلا يسلبه ذلك سمة الطهورية. وأما عند أبي حنيفة رحمه الله: فلا يزول عن الماء اسم الإطلاق إلا إذا زالت رقة الماء ولطافته وإلا إذا حمل اسماً آخر كماء الزهر وماء الورد وأشباه ذلك. وعند أحمد رحمه الله: إن ما خالط الماء من طاهر فغير اسمه أو غلب على أجزائه أو طبخ فيه فغيره، فإن غيَّر أحد أوصافه أو استعمل في رفع حدث أو طهارة مشروعة فهو طاهر غير طهور (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 4. (¬2) المقنع مع الحاشية ص 16 جـ 1.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المائة [التفاسخ]

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المائة [التفاسخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضرراً على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممَّن له تعلق بالعقد لم يجز (¬1). ولم ينفذ إلا أن يمكن استدراك الضرر بضمان أو نحوه فيجوز. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التفاسخ في العقود: تفاعل من الفسخ وهو إبطال العقود ورفعها ونقضها. فمفاد القاعدة: أن التفاسخ في العقود الجائزة جائز لكن بشرط أن لا يتضمن هذا الفسخ ضرراً على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد واتصال به، فإن تضمن مثل هذا الضرر لم يجز الفسخ وبقي العقد لازماً إلا إذا أمكن إزالة الضرر بتعويض مَن يلحقه الضرر من الفسخ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زارع رجلاً على أرضه ثم فسخ المزارعة قبل ظهور الزرع أو قبل البذر وبعد الحرث فإن الزارع يستحق أجرة مثله عما عمل في الأرض. ومنها: إذا فسخ صاحب رأس المال عقد المضاربة، فإذا كان المال عَرَضاً - أي بضاعة - فللمضارب بيعه بعد الفسخ؛ لتعلق حقه بربحه، وقيل: لا ينعزل مادام المال عرضاً بل يملك التصرف حتى يبيع البضاعة وليس للمالك عزله. والراجح أنه ينعزل عن الشراء لا عن البيع حتى يكون المال دراهم أو دنانير. ولكن هل يملك المضارب الفسخ؟ قال ابن ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 60.

عقيل (¬1): ليس له ذلك حتى ينض رأس المال - أي يصبح نقداً - مراعاة لحق مالكه. ¬

_ (¬1) ابن عقيل أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمَّد بن عقيل البغدادي الحنبلي الظفري نسبة إلى محلة الظفرية ببغداد، ولد سنة 431 وتوفي سنة 413 هـ، وهو صاحب كتاب الفنون وكتاب الجدل، ومن المتفننين في العلوم وخاصة الجدل وأصول الفقه، وله ترجمة في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، الأعلام جـ 4 ص 312 مختصراً.

القاعدة السادسة والسبعون بعد المائة [التفاوت]

القاعدة السادسة والسبعون بعد المائة [التفاوت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التفاوت في البدل دليل ظاهر على انعدام المساواة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفاوت بدل الأشياء وقيمها دليل واضح على عدم المساواة بينها؛ لأن البدل بمقابلة المبدل وهو قيمته، فالتفاوت فيه دليل على التفاوت في المبدل. وقد ساق السرخسي هذه القاعدة للتدليل بها على أن أطراف المرأة لا تقابلها أطراف الرجل، حيث إن طرف المرأة في الدية على النصف من دية الرجل، فمن قطع يد امرأة فلا تقطع يده؛ للتفاوت بين البدلين، وهو دليل على عدم المساواة بينهما. وقد خالف الحنفية في هذا ابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم حيث يجرون القصاص في الأطراف بين الرجال والنساء اعتباراً بالنفوس؛ لأن الأطراف تابعة للنفس، (وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل)، فكما يجري القصاص بين الرجال والنساء في النفوس فكذلك في الأطراف، والقاعدة عندهم: (كل من أقيد بغيره في النفس أقيد فيما دونها وما لا فلا) (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع إنسان يداً شلاء لآخر فلا تقطع يده السليمة بها، ولكن في الشلاء ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 136. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 365.

حكومة عدل؛ لأن بدل الشلاء غير بدل السليمة. ومنها: لا يقتل الحر بالعبد للتفاوت في البدل بينهما - عند غير الحنفية - وهذه القاعدة التي أوردوها حجة عليهم. ومنها: لو قطع مسلم يد كافر لا يقطع بها؛ لأن المسلم لا يقاد بالكافر.

القاعدة السابعة والسبعون بعد المائة [التفاوت في المنفعة]

القاعدة السابعة والسبعون بعد المائة [التفاوت في المنفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التفاوت في المنفعة دليل اختلاف الجنس (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنفعة تتفاوت وتختلف بين شخص وشخص وعضو وعضو، فمفاد القاعدة: أن هذا التفاوت في المنفعة والمصلحة في العضو أو الشخص دليل على اختلاف الجنس، ويترتب على ذلك تفاوت في الضمان والتعويض الناتج عن فقدان هذا العضو أو هذا الشخص، والمراد بالتعويض هنا: بدل العضو أو الشخص من دية أو أرش أو حكومة عدل أو ضمان أو غير ذلك من أنواع الأبدال. وهذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يقطع اليمين باليسار؛ ولا اليد بالرجل، ولا الإبهام بغيرها من الأصابع، ولا أصبع من يد بأصبع من رجل؛ لانعدام المساواة بين هذه الأعضاء؛ لأن منفعة البطش ببعض هذه الأعضاء تتفاوت. ومنها: - ما سبق - لا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء، ولا تفقأ العين الصحيحة بالعوراء القائمة؛ لتفاوت المنفعة بينهما. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 135، والمقنع مع الحاشية جـ 3 ص 367 فما بعدها.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المائة [تفرق التسمية]

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المائة [تفرق التسمية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تفرق التسمية في حق البائعين كتفرق الصفقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتسمية هنا: تحديد الثمن لكل جزء مما هو مشترك بين اثنين فأكثر، فيقوم ذلك مقام اختلاف أجناس المبيع، ويكون كتفرق الصفقة في حق المشتري. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترك اثنان في سيارة لكل واحد منهما نصفها، وباع أحدهما نصيبه منها بخمسة آلاف، ثم باع الآخر نصيبه منها لنفس المشتري بخمسة آلاف أخرى، وكتبا على المشتري صكًّا واحداً بالعشرة الآلاف، ثم قبض أحدهما من المشتري شيئاً، لم يكن للآخر أن يشاركه فيما قبضه؛ لأن نصيب كل واحد منهما وجب على المطلوب بسبب آخر، فلا تثبت الشركة بينهما في المقبوض بحجة اتحاد الصك. ومنها: إذا أقرض شخص آخر خمسمائة، ثم أقرضه آخر خمسمائة أخرى، وكتبا بالألف صكًّا واحداً، ثم قبض أحدهما من المقترض مائتين، فليس للآخر أن يشاركه فيما قبض بحجة اتحاد الصك؛ لأن تفرق التسمية في حق البائعين كتفرق الصفقة. أما لو باعا السيارة صفقة واحدة بثمن واحد أو أقرضا الشخص قرضاً ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 41.

واحداً، فأيهما قبض من ذلك شيئاً شركه الآخر فيه؛ لأنه دين وجب لهما بسبب واحد بدلاً عما هو مشترك بينهما، فلا يقبض أحدهما شيئاً إلا شركه الآخر فيه.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المائة [تفويت الحاصل]

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المائة [تفويت الحاصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تفويت الحاصل ممنوع بخلاف تحصيل ما ليس بحاصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتفويت: إزالة اليد المالكة عما تملك، أو إضاعة الموجود وإتلافه إذا كان ملكه. والحاصل: الموجود المحقق. فمفاد القاعدة: أن إزالة يد المالك عما هو موجود تحت يده بغير حق لا يجوز، ومثله إضاعة وإتلاف الموجود تحت اليد - عند الحاجة إليه - لا يجوز. ولكن تحصيل ما ليس بحاصل غير واجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أراق ماء وضوئه - سفهاً وفي وقت الحاجة إليه - ليتيمم فهو آثم، لكن هل يجب عليه إعادة ما صلى بالتيمم؟ وجهان عند الشافعية. وأما من اجتاز بماء في الوقت ولم يتوضأ، فلما بعد عنه صلى بالتيمم فإنه لا يأثم ولا إعادة عليه قطعاً؛ لأنه لم يفوت حاصلاً، ولم يطلب منه تحصيل ما ليس بحاصل، وإن كان حينما اجتاز بالماء توضأ لكان أفضل. ومنها: مَن دخل عليه وقت صلاة وهو لابس خفًّا بشرائطه ومعه ماء يكفيه لو مسح ولا يكفيه لو غسل رجليه، في هذه الحالة يجب عليه المسح ويحرم نزع الخف؛ لأنه في نزع الخف تفويت حاصل. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 536 - 537 بتصرف.

ومنها: مَن كان غير لابس خفًّا ومعه خف وقد أرهقه الحدث - وهو متطهر - ومعه ماء لا يكفيه لو غسل ويكفيه لو مسح. قالوا: لا يجب عليه لبس الخف ليمسح عليه؛ لأن تحصيل ما ليس بحاصل لا يجب، لكن لو لبس خفه ومسح عليه جاز.

القاعدة الثمانون بعد المائة [التفويض]

القاعدة الثمانون بعد المائة [التفويض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التفويض يقتصر على المجلس بخلاف الوكالة فإنها لا تقتصر عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التفويض في اللغة: من فوَّض إليه الأمر رده إليه وسلَّمه إليه (¬2). والتفويض: التسليم وترك المنازعة (¬3). وعند الفقهاء: التفويض: التزويج بغير تسمية المهر، ومنه المفوَّضة (¬4). والوكالة: اسم للتوكيل: وهو تفويض التصرف إلى الغير أو هي إظهار العجز والاعتماد على الغير. ومفاد القاعدة: أن من فوض أمراً لآخر وسلمه إليه فإن هذا التفويض يقتصر على المجلس ولا يتعداه إلى غيره. وأن من وكل آخر في أمره أو أموره فإن الوكالة لا تقتصر على المجلس بل هي أعم من ذلك زماناً ومكاناً ونوع تصرف (¬5). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لامرأته: أنت وكيلي في طلاق نفسك، فقامت عن المجلس ولم تطلَّق، ثم طلَّقت نفسها بعد ذلك، لا يقع الطلاق؛ لأن توكيل الزوج ¬

_ (¬1) الفرائد ص 29 عن الفتاوى الخانية. (¬2) مختار الصحاح والمصباح مادة "فوَّض". (¬3) أنيس الفقهاء ص 158. (¬4) تحرير ألفاظ التنبيه ص 257، أنيس الفقهاء ص 158، المطلع ص 327. (¬5) أنيس الفقهاء ص 238، المطلع ص 258.

إياها تفويض وهو يقتصر على المجلس. أما لو وكَّل رجلاً في طلاق زوجته فله أن يطلقها في المجلس وغيره إلا إذا حدد له مدة فيقتصر عليها. كما لو قال لغيره: أمرُ امرأتي بيدك إلى سنة. كان الأمر بيده إلى سنة ولا يبقى بعد مضي السنة (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 1 ص 521 فصل في الطلاق الذي يكون من الوكيل أو من المرأة.

القاعدة الحادية والثمانون بعد المائة [تقادم العهد]

القاعدة الحادية والثمانون بعد المائة [تقادم العهد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقادم العهد يمنع إقامة الحدود التي هي لله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تقادم العهد: معناه مضي الزمن حتى بَعُد عن وقت وقوع الحادثة. فمفاد القاعدة: أنه إذا مضى على الحادثة الموجبة حدًّا لله تعالى - كالزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو اللواط - زمن طويل ثم تقدم الشهود للإدلاء بشهادتهم بعد مضي هذا الزمن، لا تقبل هذه الشهادة ولا يقام الحد على المشهود عليه؛ لأن سكوت الشهود طيلة هذه المدة ثم المتقدم بشهادتهم بعدها دليل على أنهم أتوا بشهادتهم لأمر في نفوسهم وضغن على المشهود عليه، وليس أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر. والأصل في هذه القاعدة قول عمر رضى الله عنه: (أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن (¬2)). ولكن هل للتقادم حد معروف؟ لم يرد ذكر لمدة ولكن الظاهر أن مضي مدة كافية للوصول للقضاء والإدلاء بالشهادة ثم لم يتقدم الشهود لأداء شهادتهم ثم شهدوا بعد ذلك أنه لا تقبل هذه الشهادة، إلا إذا أبدوا عذراً مانعاً من الأداء كالسفر والبعد أو السجن أو غير ذلك من الأعذار. قال في الخانية: ولا تقبل الشهادة على الزنا بعد تقادم العهد، وأبو حنيفة رحمه الله فوض ذلك إلى رأي القاضي ولم يقدر شيئاً، وصاحباه رحمهما الله تعالى قدَّرا في الزنا بشهر، فما دون الشهر لا يكون متقادماً، والشهر ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2019. (¬2) الأثر ذكره أيضاً ابن قدامة وقال: رواه الحسن مرسلاً، المغني جـ 12 ص 373.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وما فوقه متقادم مانع من قبول الشهادة وعليه الاعتماد، ثم قال: وإن كان المشهود عليه في موضع لم يكن هناك قاض فحُمل إلى بلد فيه القاضي جازت الشهادة وإن تقادمت، وكذا لو جاء الشهود من مصر آخر فهو عذر تجوز شهادتهم به (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاء أربعة شهود وشهدوا أن فلاناً زنا بفلانة، وذكروا وقتاً لوقوع الزنا أكثر من شهر، ولم يذكروا عذراً مانعاً لهم من أداء الشهادة في وقتها، فلا تقبل شهادتهم ولا يحد المشهود عليه، ولكن هل يقام عليهم حد القذف؟ خلاف في المسألة: والراجح عند أحمد وهو قول مالك والأوزاعي والثوري (¬2) وإسحاق (¬3) وأبي ثور (¬4): أنهم إن شهدوا بزنى قديم أو أقر به وجب الحد. وقال ابن حامد (¬5) وذكر ابن أبي موسى (¬6) أنه مذهب لأحمد مثل قول أبي ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 474 على هامش الفتاوى الهندية. (¬2) الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله أمير المؤمنين في الحديث، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، خرج مستخفياً من الكوفة سنة 144 هـ، سكن مكة والمدينة ومات مستخفياً من المهدي في البصرة حتى لا يلي القضاء سنة 161 هـ، الإعلام جـ 3 ص 104 مختصراً. (¬3) إسحاق هو ابن راهويه. سبقت ترجمته. (¬4) أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي، من أكابر الفقهاء ومن أصحاب الإِمام الشافعي، وقال عنه أحمد بن حنبل رحمه الله: هو عندي كسفيان الثوري. مات في صفر سنة 240 هـ، طبقات الشافعية لابن هداية الله مختصراً ص 22. (¬5) الحسن بن حامد علي البغدادي أبو عبد الله إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم، عاش طويلاً، توفي راجعاً من الحج سنة 403 هـ، له مصنفات في الفقه وغيره، الأعلام جـ 2 ص 187 مختصراً. (¬6) عمر بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي، قاض من علماء الحنابلة من أهل بغداد، كان له =

حنيفة (¬1). ¬

_ = حلقة في جامع المنصور، وصنف كتباً منها: الإرشاد وشرح كتاب الخرقي. توفي سنة 428 هـ، له ترجمة في طبقات الحنابلة جـ 2 ص 182 - 186 وغيره، الأعلام جـ 5 ص 314 مختصراً. (¬1) المغني لابن قدامة جـ 12 ص 373.

القاعدة الثانية والثمانون بعد المائة [المصلحة الغالبة]

القاعدة الثانية والثمانون بعد المائة [المصلحة الغالبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة ولا تترك لها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بقاعدة: إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع إلا إذا كان المقتضي أعظم (¬2). المتقدمة. ورأينا أن المراد بالمانع: المفسدة، وبالمقتضي: الأمر الطالب للفعل لتضمنه المصلحة، فإذا كانت المصلحة أغلب والمفسدة مغلوبة وجب تقديم المصلحة على المفسدة، ولا تترك المصلحة بحجة وجود المفسدة، ويكون ذلك استثناء من القاعدة القائلة: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح). الآتية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلطت محرمة برضاع أو نسب بنسوة غير محصورات جاز النكاح منهن مراعاة لمصلحة النكاح ولندرة المفسدة حيث إن من المستبعد أن يتزوج من تحرم عليه لكثرة النساء، ولئلا ينسد عليه باب النكاح. ومنها: الكذب مفسدة محرمة لكن متى تضمن ذلك جلب مصلحة تربو عليه جاز كالكذب في الاصلاح بين الناس، وفي الحرب لخداع العدو، وعلى الزوجة لإصلاحها. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 71، الذخيرة جـ 1 ص 212. (¬2) المنثور للزركشي جـ 1 ص 348، المجلة المادة 46، المدخل الفقهي الفقرة 595.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المائة [تقدير خوارق العادات]

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المائة [تقدير خوارق العادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقدير خوارق العادات ليس من دأب الفقهاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة توجيهية لعموم الفقهاء ولا تعلق لها بأحكام الفقه. والمقصود بخوارق العادات: الأمور التي تخرق بظهورها العادة (¬2)، أي أن تكون فوق عادة البشر وقدرتهم. فمسائل خوارق العادة وتقديرها وإعطاء حكم لها ليس من عادة الفقهاء العلماء ودأبهم؛ لأن الخارق إذا حصل يبحث عن حكمه حين حصوله، ولا يقدر له حكم قبل وجوده؛ لأن في ذلك ضياع للوقت والجهد بما لا يؤدي إلى منفعة أو مصلحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ومع ذلك ورد عن كثير من متأخري المتفقهة افتراض كثير من المسائل وإيجاد أحكام وحلول لها لو وجدت، وكثير منها لا يتصور وقوعه ولا يمكن حدوثه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: السؤال عن المحقق وقوعه وإن كان خارقاً للعادة، مثاله: سؤال الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اليوم الذي كَسَنَةٍ - وهو يوم من أيام ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 223. (¬2) كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1 ص 445، باب الخاء فصل القاف.

الدجال نعوذ بالله من فتنته - أتجزئ فيه صلاة يوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لا. اقدروا له قدره" (¬1). ¬

_ (¬1) حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه في صفة الدجال: رواه مسلم جـ 4 حديث 2252، والترمذي مع عارضة الأحوذي جـ 9 ص 92، جامع الأصول جـ 10 ص 341.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد المائة [التقدير]

القاعدة الرابعة والثمانون بعد المائة [التقدير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التقدير على خلاف التحقيق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من المسائل ما لا بد فيه من تقدير أمر سابق على الحدث لكي يمكن بناء الحكم عليه، ويسمى ذلك تقديراً على خلاف التحقيق؛ لأن التحقيق لو اعتمد ينافي ذلك التقدير. ومن ذلك: (إعطاء المعدوم حكم الموجود والموجود حكم المعدوم) في القاعدة الآتية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دية الخطأ تورث عن القتيل، ولا تستحق إلا بعد موته، وبعد موته لا يصلح لدخول شيء في ملكه، وإذا لم يدخل في ملكه لا ينتقل لورثته. لكن لما ثبت بالسنة أنها تورث عنه قُدِّر انتقالها إلى ملكه قبل موته ليصح توريثها لورثته. ومنها: إذا تلف المبيع قبل القبض، فإن البيع ينفسخ بالتلف وينقلب الملك في العوضين إلى باذليهما، ولا يتصور انقلاب الملك بعد تلف المبيع؛ لأنه خرج عن أن يكون مملوكاً. فيقدر انقلابه إلى ملك البائع قبل تلفه. ويجب مؤونة تجهيزه ودفنه عليه إذا كان عبداً. ومنها: إذا قال لغيره: أعتق عبدك عني بألف. فأعتقه. فإن المشتري ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 95 فما بعدها، قواعد المقري ق 258، المجموع المذهب لوحة 129 ب، قواعد الحصني ق 1 ص 694، أشباه ابن نجيم ص 348.

يملكه ملكاً تقديريًّا قبيل عتقه ثم يعتق بعد ذلك. وصور هذه المسألة كثيرة (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المجموع المذهب 129 ب فما بعدها.

القاعدة الخامسة والثمانون بعد المائة [التقدير بالتحكم]

القاعدة الخامسة والثمانون بعد المائة [التقدير بالتحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التقديرات بابها التوقف (¬1). وفي لفظ: التقدير بالتحكم من غير دليل لا يسوغ (1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بأمور وأحكام تبطل العبادة وتفسدها، أو تسقط الفريضة أو تجوزها، ولكن هذه الأمور والأحكام لم يرد فيها حد منصوص عليه، فبعض الأئمة قدر فيها تقديرات اجتهادية أو اعتماداً على آثار لم تصح عند غيره، ومنهم مَن جعل العرف مرجعاً لهذه الأمور وحكماً فيها. ولأنه لم يرد عن الشارع فيها تقدير محدود رفض تلك التحديدات التي حددها الآخرون واعتبر أن التقدير مرده إلى الشارع الحكيم ولا يجوز بالاجتهاد، وما لم يرد فيه من الشارع تقدير فمرجعه إلى العرف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا انكشفت عورته في الصلاة (¬2)، فما المقدار الذي تبطل به الصلاة؟ عند أبي حنيفة رحمه الله قدَّره بأقل من ربع العضو إذا كان من العورة غير المغلظة وبمقدار الدرهم في العورة المغلظة، وإن كان أكثر من ذلك بطلت صلاته. ولكن الحنابلة خالفوا في ذلك، قال فى المغني: إن حد الكثير ما فَحُش ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 580، جـ 2 ص 4، جـ 3 ص 500، قواعد المغني ص 651. (¬2) بسبب فتق في الثوب أو قصر أو سقوط.

في النظر، واليسير ما لم يفحش ولا فرق بين العورة المغلظة وغيرها. وما لم يرد الشرع بتقديره فمرجعه إلى العرف كالكثير من العمل في الصلاة، والتفرق عن مجلس العقد، والأحراز، (والتقدير بالتحكم من غير دليل لا يسوغ).

القاعدة السادسة والثمانون بعد المائة [تقدير الموجود معدوما والعكس]

القاعدة السادسة والثمانون بعد المائة [تقدير الموجود معدوماً والعكس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقدير الموجود في حكم المعدوم وتقدير المعدوم في حكم الموجود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعدوم: ما ليس موجوداً تحقيقاً، ولكن لصحة بعض الأحكام الشرعية يجب تقدير ما ليس بموجود في حكم الموجود تحقيقاً ليصح بناء الحكم عليه، وكذلك تقدير الموجود في حكم المعدوم تحقيقاً ليصبح بناء الحكم عليه كذلك. وهذه القاعدة وثيقة الصلة بقاعدة سبقت قريباً. ثالثاً: أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد المسافر الماء - وهو محتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو حيوان محترم، أو وجد ثمنه وهو محتاج إليه لنفقته ذهاباً وإياباً، أو لقضاء دَيْنه، أو كان ثمن الماء زائداً على ثمن مثله، فإن الماء في كل هذه الحالات وأشباهها يقدر كالمعدوم فيتيمم. ومنها: وجود المكفَّر الرقبة وهو محتاج إليها أو إلى ثمنها، فيقدرها معدومة وينتقل إلى البدل. هذان مثالا تقدير الموجود معدوماً. ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 98 - 99، قواعد الحصني ق 1 ص 694. وقواعد المقري ق 259 بلفظ التقديرات الشرعية. والفروق للقرافي جـ 1 ص 161 الفرق السادس والعشرون، جـ 2 ص 27، 202، الفرقان 55، 108.

وأما تقدير المعدوم موجوداً فمن أمثلته: الديون فإنها تقدر موجودة في الذمم بلا تحقق لها ولا لمحلها، ويدل على تقديرها وجوب الزكاة فيها، فلو لم نقدر وجودها لما وجبت الزكاة في معدوم. ومنها: المنافع في الإجارة معدومة فإن قوبلت بمنفعة مثلها كانت مقابلة معدوم بمثله، ولكنها - أي المنافع - تقدر موجودة لتستحق الأجرة. ومنها: إيمان أطفال المسلمين يقدر موجوداً حتى لا يحل استرقاقهم، بخلاف أطفال الكفار الذين يتقدر كفرهم فيجوز استرقاقهم.

القاعدة السابعة والثمانون بعد المائة [تقديم الحكم]

القاعدة السابعة والثمانون بعد المائة [تقديم الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقديم الحكم على شرطه هل يجزئ ويلزم أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحكم في اللغة: المنع والقضاء. وفي الاصطلاح: هو خطاب الله المفيد فائدة شرعية (¬2). والشرط في اللغة: العلامة. وفي الاصطلاح: الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه لذاته. كالطهارة للصلاة. وقيل: ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده (¬3). وهو شرط الصحة، لا شرط وجوب الأداء. الأصل: تقدم الشروط على مشروطاتها كالطهارة مقدمة على الصلاة فلا يجوز بحال تقدم الصلاة على الطهارة، ولكن ما تعنيه القاعدة يتعلق ببعض الأحكام التي يمكن أن تتقدم على شرطها، والمقصود به شرط وجوب الأداء لا شرط الصحة (¬4). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرط وجوب إخراج الزكاة وأدائها تمام الحول، فإذا أخرج الزكاة قبل ¬

_ (¬1) الفروق للقرافي جـ 1 ص 196 فما بعدها الفرق، إيضاح المسالك ق 36. (¬2) المطلع ص 317. (¬3) نفس المصدر ص 54. (¬4) مع الاتفاق على أنه لا يجوز تقدم الحكم على سببه كالصلاة قبل دخول الوقت والزكاة قبل ملك النصاب، وإقامة الحد قبل وجود سببه.

تمام الحول مع وجود النصاب فهل تجزئه: قولان عند المالكية. ومنها: الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث، فيها اختلاف بين الأئمة. ومنها: إسقاط الشفعة قبل البيع. ومنها: إيقاع القصاص قبل موت المقتول.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المائة [تقرر البدل]

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المائة [تقرر البدل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تقرر البدل بتسليم ما باعتباره يجوز العقد (¬1). وفي لفظ: البدل في عقود المعاوضات يتقرر بتسليم من له البدل لا باستيفاء مَن عليه. هذه القاعدة سبقت في قواعد حرف الباء تحت رقم 15. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 149.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المائة [تقرر الوجوب]

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المائة [تقرر الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقرر الوجوب باعتبار آخر الوقت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى تقرر الوجوب ثبوته وتيقنه، من قَرَّ الماء في الحوض إذا ثبت وسكن واستقر. فعند الحنفية إن ثبوت الواجب الموسع وتقرره في الذمة إنما يتقرر ويثبت باعتبار آخر الوقت، فالصلاة يتقرر وجوبها في آخر وقتها - أي إذا لم يبق من وقتها إلا ما يسعها ولا يسع غيرها من جنسها - وهو المسمى بوقت الضرورة أو الوقت المضيق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سافر إنسان قبل مضي وقت الظهر - ولم يصل وهو مقيم - صلى ركعتين. وأما إذا كان مسافراً ثم أقام قبل مضي الوقت وانقضائه صلى أربعاً. وهذا عند الجميع. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 72 عن السير ولم أجدها في شرح السير الكبير.

القاعدة التسعون بعد المائة [التقرير على الظلم]

القاعدة التسعون بعد المائة [التقرير على الظلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التقرير على الظلم مع إمكان المنع منه حرام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الظلم ظلمات يوم القيامة. والظلم بأنواعه حرام. والرضا بالظلم وإقراره والسكوت عليه مع إمكان المنع منه ورده وإزالته حرام أيضاً؛ لأن الساكت عن الظلم مع القدرة على منع الظالم من ظلمه أو القدرة على إزالته هو شريك للظالم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صالح الإمام حاكم أرض أو بلد على أن يكون ذمة للمسلمين على أن يُترك يحكم في أهل بلده بما شاء من قتل أو صلب أو استرقاق أو يبيح الزنا واللواط والفواحش أو غير ذلك مما لا يصلح في دار الإِسلام، لم يُجَب إلى ذلك؛ لأن هذا من الظلم؛ ولأن التقرير على الظلم مع إمكان المنع منه حرام؛ ولأن الذمي من يلتزم أحكام الإِسلام فيما يرجع إلى المعاملات والأخلاق والمنهيات، فشرطه بخلاف موجب العقد باطل كما لو أسلم بشرط أن يرتكب بعض الفواحش كان الشرط باطلاً. ومنها: إذا عُلم أن موظفاً في بعض مصالح المسلمين يرتشي أو يغش أو يعطل مصالح الناس وأُخبر المسؤول عن ذلك فلم يردعه - وهو قادر على منعه - كان ذلك إعانة له على الظلم، وأكل أموال الناس بالباطل وكان تقريراً على ظلم يقدرعلى منعه فلم يمنعه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 85.

القاعدة الحادية والتسعون بعد المائة [التقرير على المعصية]

القاعدة الحادية والتسعون بعد المائة [التقرير على المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التقرير على المعصية معصية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى سابقتها فإن الرضا بالمعصية والسكوت عليها مع إمكان إزالتها يعتبر معصية أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما ذكرناه سابقاً إذا كان موظف يرتشي ولا ينجز معاملات الناس إلا لمن يدفعون له، ورضي بذلك المسؤولون عنه القادرون على منعه فهم عصاة مثله، فإن الرشوة معصية كبيرة من الكبائر. ومنها: إذا عُلم أن رجلاً يدخل على امرأة ليست ذات زوج وهو ليس محرماً من محارمها وعلم منه ارتكاب الفاحشة، وسكت عليه القادر على منعه فهم عصاة ومشتركون معه في جريمته. ومنها: إذا اشترى عقاراً شراءً فاسداً فلا شفعة فيه؛ لأن وجوب الشفعة يعتمد انقطاع حق البائع، والبيع الفاسد لم يقطع حق البائع من المبيع؛ ولأن في إثبات حق الأخذ للشفيع تقرير للبيع الفاسد وهو معصية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 115.

القاعدة الثانية والتسعون بعد المائة [التقييد بالعرف]

القاعدة الثانية والتسعون بعد المائة [التقييد بالعرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التقييد الثابت بالعرف - في الوكالة وغيرها - كالثابت بالنص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة العادة محكمة - وقد سبق لها مثيل - وهي وإن كانت واردة في الوكالة بخصوصها لكن معناها عام في كل معاملة قيِّدت بالعرف. فإن التقييد بالعرف كالتقييد بالنص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّل وكيلاً بشراء أضحية فإنه يتقيد بأيام الأضحية من السنة الأولى. ومنها: إذا وكل رب الأرض وكيلاً وأمره أن يدفع الأرض مزارعة - ولم يسمِّ سنة ولا غيرها - جاز للوكيل أن يدفعها مزارعة سنته الأولى، فإن دفعها أكثر من ذلك أو بعد هذه السنة - ولم يدفع هذه السنة - يجوز في القياس؛ لأن التوكيل مطلق عن الوقت، ففي أي سنة دفعها وفي أي مدة لم يكن فعله مخالفاً لما أمره الموكِّل به فجاز كالوكيل بإجارة الدور والرقيق، ولكنهم قالوا: لا يجوز استحساناً؛ لأن دفع الأرض مزارعة يكون في وقت مخصوص من السنة عادة وعرفاً، (والتقييد الثابت بالعرف في الوكالة كالتقييد بالنص). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 137 بدون قوله (وغيرها).

القاعدة الثالثة والتسعون بعد المائة [التقييد المفيد]

القاعدة الثالثة والتسعون بعد المائة [التقييد المفيد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التقييد الذي ليس بمفيد لا يكون معتبراً (¬1). وفي لفظ: التقييد متى كان مفيداً فهو معتبر (¬2). وفي لفظ: التقييد إذا كان فيه غرض صحيح يجب اعتباره (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه ثلاث قواعد اثنتان منهما متفقتان والثالثة مقابلة لهما، فالأولى هنا هي المقابلة للاثنتين الأخريين، ومفادها أن التقييد بالشرط إذا كان هذا الشرط أو القيد ليس مفيداً لأحد العاقدين فهو قيد باطل غير معتبر. ومفاد الأُخرَيين: أن التقييد إذا تضمن فائدة أو كان فيه غرض صحيح لأحد العاقدين أو كليهما فيجب اعتباره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استعار أحد دابة آخر ليحمل عليها متاعاً أو طعاماً خاصًّا إلى مكان معلوم، فحمل عليها شريك له أو وكيل نفس العمل فلا ضمان عليه لو عطبت الدابة؛ لأن الضرر على الدابة لا يختلف يحمل المثل أو اختلاف الشخص؛ لأن فعل كل واحد منهما كصاحبه، فلا فائدة في التقييد بأن الحمل لفلان دون فلان. ومن أمثلة القاعدتين الأخريين: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 193. (¬2) نفس المصدر جـ 16 ص 26. (¬3) نفس المصدر جـ 30 ص 236.

إذا استأجر شخص بيتاً من آخر واشترط عليه صاحب البيت أن لا يوقد فيه ناراً أو لا يزعج بدقه جاراً، فهذا شرط صحيح، وليس للمستأجر أن يوقد فيه أو يفعل فعلاً يزعج جيرانه؛ لأن هذا استثناه صاحبه بالشرط، (والتقييد المفيد معتبر). ومنها: إذا حلف أن لا يعطيه ماله عليه درهماً أو ريالاً أو ديناراً فما فوقه، ثم أعطاه حقه كله دنانير وهو إنما حلف على الريالات خاصة - مثلاً - لم يحنث لأنه صرح في يمينه بالدراهم ولا بد من اعتبار ما صرح به خصوصاً إذا تأيد ذلك بنيته، ولأن الإنسان قد يمتنع من إعطاء الدراهم أو الريالات ولا يمتنع عن إعطاء الدنانير أو الجنيهات لما له من المقصود، والتقييد إذا كان فيه غرض صحيح يجب اعتباره. ومنها: إذا باع سيارة أو أرضاً واشترط الثمن نقداً بعينه أو أن يدفع له المشتري الثمن في بلد بعينه، يجب على المشتري الوفاء بهذا الشرط والقيد؛ لأن للبائع فيه غرض صحيح وهو تقييد مفيد له فيجب اعتباره.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المائة [تقييد المطلق]

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المائة [تقييد المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تقييد المطلق لا يجوز إلا بدليل (¬1). أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الإطلاق والتقييد، فالإطلاق ينافي التقييد، فإذا ادعى أحد أن لفظاً مطلقاً قُيِّد بقيد ما، فعليه الدليل لإثبات دعواه، وإلا لا يجوز ادعاء تقييد الإطلاق بغير دليل؛ لأن حكم المطلق غير حكم المقيد فكأن مدعي القيد يريد حكماً آخر غير حكم المطلق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكل شخص آخر في شراء غنم له، فاشترى له ماعزاً، فقال: إنما أردت الضأن. فلا يقبل قوله؛ لأنه أطلق في وكالته لفظ الغنم، والغنم يشمل الضأن والماعز، ولا يقبل ادعاؤه التقييد إلا بدليل، كأن يعرف عنه أنه لا يشتري من الغنم إلا الضأن، ولم يسبق له أن اشترى ماعزاً والوكيل يعلم بذلك. ومنها: إذا صالح المسلمون أعداءهم على مائة رأس ولم يسموا ذكوراً ولا إناثاً وجب القبول منهم بما جاءوا به ذكور أو إناث أو مختلطين لإطلاق التسمية عند الإيجاب. ومنه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬2). مطلقة عن قيد الذكورية أو الأنوثية، فإن التكفير يحصل بتحرير أي رقبة ذكراً كانت أو أنثى لهذا المعنى. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1731، قواعد الفقه ص 72 عنه. (¬2) الآية 92 من سورة النساء.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المائة [تكثير الفائدة]

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المائة [تكثير الفائدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تكثير الفائدة مما يرجح المصير إليه (¬1). فقهية أصولية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تعارض أمران أحدهما أكثر فائدة من الآخر ترجح الأمر الأكثر فائدة ووجب المصير إليه واعتباره دون الأقل فائدة منه، وهذا من أدلة الشافعية على أن التخصيص بالصفة ينفي الحكم عما لم توجد فيه تلك الصفة، وهذا خلاف رأي الحنفية القائلين بان تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفيه عما عداه. والتخصيص بالصفة عند الحنفية هو مفهوم المخالفة عند غيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يستدل على دلالة تخصيص الشيء بالصفة على نفي الحكم عما لا يوجد فيه ذلك الوصف بأن الحمل على إثبات المذكور ونفي غيره أكثر فائدة من إثبات المذكور وحده، (وتكثير الفائدة مما يرجح المصير إليه) لكونه ملائماً لغرض العقلاء. فمثلاً في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (¬2) بناء على القول بتخصيص الصفة ومفهوم المخالفة تفيد فائدتين: الأولى جواز نكاح الأمة المؤمنة لمن لا يستطيع نكاح حرة، والفائدة الثانية: عدم جواز ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 32 عن التلويح جـ 1 ص 271 فما بعدها. (¬2) الآية 25 من سورة النساء.

نكاح الأمة غير المؤمنة، وإذا كان نكاح الأمة يعتبر ضرورة عند خشية الوقوع في الزنا وعدم القدرة على زواج الحرة، فإن (الضرورة تقدر بقدرها)، فالضرورة تندفع بزواج الأمة المسلمة. فنكاح الأمة غير المسلمة يكون زيادة على حد الضرورة. وهذا على مذهب غير الحنفية، وأما عند الحنفية فيجيزون نكاح الأمة غير المؤمنة؛ لأن التخصيص بالصفة لا ينفي الحكم عما عداه، والأول أولى لأن فيه تكثير الفائدة.

القاعدة السادسة والتسعون بعد المائة [تكذيب المقر له]

القاعدة السادسة والتسعون بعد المائة [تكذيب المُقَرِّ له] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تكذيب المُقَرِّ له المقِرَّ في بعض مما أقر لا يمنع صحة الإقرار فيما بقي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن المُقِرَّ يعامل ويؤخذ بما أقرَّ به، وقد سبق ذلك في قواعد الإقرار في القسم الأول من هذه الموسوعة، ولكن إذا كذَّب المُقَرُّ له المُقِرَّ في بعض ما أقرَّ به هل يعتبر ذلك تكذيباً للمُقِرِّ في كل ما أقرَّ به؟ أو يكون الإقرار صحيحاً فيما بقي؟ تفيد هذه القاعدة أن هذا الإقرار الذي كذَّب المُقرُّ له المُقِرَّ في بعضه يكون صحيحاً في الباقي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر إنسان لآخر بألف دينار، فقال الآخر: بل هي خمسمائة. فإن الإقرار صحيح بالخمسمائة فقط لا بالألف. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 336.

القاعدة السابعة والتسعون بعد المائة [التكليف]

القاعدة السابعة والتسعون بعد المائة [التكليف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التكليف بحسب الوسع (¬1). وفي لفظ: التكليف ثابت بقدر الوسع (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التكليف لغة: من الفعل كلَّف يكلِّف وهو الأمر بما يشق، وتكلف الشيء تجشمه وتحمله بمشقة، والتكليف: تحمل المشاق. ومنه قول الخنساء تماضر بنت الشريك السلمية رضى الله عنها ترثي أخاها صخراً: يكلِّفه القوم ما نابهم ... وإن كان أصغرهم مولدا والتكليف في الشرع: الخطاب بأمر أو نهي، أو إلزام مقتضى خطاب الشرع (¬3). والمعلوم من الشرع أن التكليف بحسب الوسع أي طاقة الإنسان وقدرته فالله عَزَّ وَجَلَّ لم يكلفنا بما يشق علينا ويعسر علينا فعله، قال سبحانه وتعالى {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬4). والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التكاليف الشرعية كلها من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد وغيرها إنما ¬

_ (¬1) شرح السير ص 189، 242، المبسوط جـ 2 ص 181، جـ 3 ص 13، جـ 4 ص 70، جـ 11 ص 221، جـ 16 ص 112. (¬2) المبسوط جـ 25 ص 27. (¬3) ينظر روضة الناظر مع تعليق ابن بدران جـ 1 ص 136 فما بعدها. (¬4) الآية 286 من سورة البقرة.

يكون فعلها والأمر بها بالقدرة الميسرة للعبد، وإذا شق أمر على المكلف ولم يمكنه فعله بسبب مرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار انتقل الأمر إلى القدرة الممكنة والرخصة. فمن لم يجد الماء أو لم يستطع استعماله لبرد أو مرض تيمم. ومن لم يستطع أن يصلي قائماً فليصل قاعداً أو مضطجعاً أو على جنب أو يومئ إيماءً وهكذا، (والدين يسر وما شاد الدين أحد إلا غلبه).

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المائة [التمادى على ترك سنة]

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المائة [التمادى على ترك سنة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمادي على ترك سنة قطعية من غير عذر يوجب الأدب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التمادي: معناه الاستمرار. والسنة: ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله وحث على فعله من غير الفرائض كالسنن الرواتب والوتر. وفعل السنن والمندوبات مطلوب قطعاً لعدة أسباب: منها تكثير الثواب. فالمسلم حريص دائماً على الإكثار من الحسنات. ومنها: طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعه فيما كان يحرص عليه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (¬2). ومنها: أن الحرص على فعل السنن والمندوبات دليل على أن المسلم أشد حرصاً على فعل المفروضات والواجبات. ومنها: إن ترك السنن القطعية قد يكون مقدمة لترك الواجبات والفرائض. ومنها: أن ترك السنن القطعية من غير عذر قد يكون دليلاً على عدم حب التارك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويكون دليلاً على الاستهتار والإهمال لما كان يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويحرص عليه، ولذلك كان التارك لها مستحقًّا للتعزير ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 193. (¬2) الآية 21 من سورة الأحزاب.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والأدب، وإن فُهِم من التارك الاستخفاف بحق هذه السنن من غير رد لها حبس لفعلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوتر: قيل بوجوبه، وقيل: إنه سنة مؤكدة. فتاركه يؤدب ويُجرَّح ولا تقبل شهادته وإذا تمالأ جمع على تركه يقاتلون عليه.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المائة [تمام الإحراز]

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المائة [تمام الإحراز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تمام الإحراز يكون بما يظهر حسًّا في حق مَن يعتقد وفي حق مَن لا يعتقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإحراز: التحصين من أحرز يحرز والمادة حرز وهو الموضع الحصين. فمفاد القاعدة: أن الإحراز الكامل لما يملك الإنسان إنما يكون بما يظهر ويتضح حسًّا سواء في ذلك من يعتقد ومن لا يعتقد. فوجوب ضمان ما استهلك إنما يعتمد على الإحراز والتملك والتقوم وذلك يكون بالدار لا بالدين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مسلمان في دار الحرب إما أسلما في دار الحرب وإما دخلاها مستأمنين، فأما إذا كانا أسلما في دار الحرب - فمالهما غير محرز - فإن استهلك أحدهما مال صاحبه فلا ضمان على المستهلك؛ لأنه لم يخضع لحكم الإِسلام في دار الإِسلام، ولكنه آثم. والمال المستهلك غير مضمون لأنه غير محرز ولا متقوم لوجوده في دار الحرب. وأما إذا كانا مسلمين ودخلا دار الحرب مستأمنين وأحدهما استهلك مال صاحبه فهو ضامن بالاتفاق؛ لأن المسلم ملتزم بحكم الإِسلام حيثما يكون، ومال كل واحد منهما مال معصوم متقوم في حق صاحبه؛ لبقاء ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1885 بتصرف.

الإحراز فيه حكماً, ولهذا كان حالهما في دار الحرب كحالهما في دار الإِسلام. وكذلك لو كانا ذميين ودخلا دار الحرب مستأمنين واستهلك أحدهما مال صاحبه فالحكم فيهما كذلك؛ لأن الإحراز والتقوم إنما يكون بالدار لا بالدين.

القاعدة تمام المئتين [الاستصحاب]

القاعدة تمام المئتين [الاستصحاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التمسك بالاستصحاب يصلح للدفع لا للإثبات (¬1). وفي لفظ: التمسك بالأصل يصلح حجة لإبقاء ما كان على ما كان (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الاستصحاب في اللغة: من الصحبة ومعناها: الملازمة والمواءمة. قال ابن فارس: الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته وكل شيء لاءم شيئاً فقد استصحبه (¬3). وقال في القاموس: استصحبه: دعاه إلى الصحبة ولازمه (¬4). وأما في اصطلاح الفقهاء: فإن الاستصحاب هو: لزوم حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه، كالملك عند جريان العقد المملك وكشغل ذمة المتلف عند وقوع الإتلاف (¬5). والدفع: المراد به هنا: إبقاء ما كان على ما كان وعدم تغييره. والإثبات: استحقاق ما لم يكن ثابتاً قبل. فالاستصحاب عند الحنفية وآخرين إنما هو حجة لإبقاء ما كان على ما كان وليس حجة لإثبات وتحصيل ما لم يكن حاصلاً. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484، الوجيز مع الشرح والبيان ص 172 ط 4. (¬2) شرح السير ص 1810. (¬3) معجم مقاييس اللغة مادة "صحب". (¬4) القاموس مادة "صحب". (¬5) شرح الأتاسي لمجلة الأحكام جـ 1 ص 20.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المفقود عند الحنفية لا يرث ولا يورث. فاستصحاب حياته يمنع ميراثه أن يقسم بين ورثته، ويمنع زوجته أن تبين منه، ويمنع أخذ وديعته من مودعه استصحاباً لحياته التي كانت متحققه حين فقده، فما لم يقم دليل على موته حقيقة أو يحكم بموته فهو حي حكماً. ولكن لو مات من يرثه المفقود لا يرث منه؛ لأن حياته حين موت مورثه غير متيقنه، وشرط التوريث التيقن من حياة الوارث حين موت المورث. ولكن عند غير الحنفية كالمالكية والشافعية الاستصحاب حجة للدفع وللاستحقاق، فالمفقود عندهم يرث ولا يورث. والحنابلة يوقفون نصيب المفقود لحين التيقن من حياته أو موته، فإذا لم نتيقن من حياته حين موت المورث يرد هذه النصيب إلى ورثة المورث الآخرين.

القاعدة الواحدة بعد المئتين بعد المائة [التمسك بالأصل]

القاعدة الواحدة بعد المئتين بعد المائة [التمسك بالأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمسك بالأصل المعلوم واجب حتى يعلم غيره (¬1). وفي لفظ: التمسك بما هو معلوم واجب حتى يتبين خلافه (¬2). تحت قاعدة اليقين لا يزول بالشك. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى من حيث إن ما كان ثابتاً ومعلوماً يجب التمسك به وبناء الأحكام عليه حش يعلم خلافه، وإذا لم يعلم خلافه لا يجوز العدول عنه. وهذه القاعدة لها صلة وثيقة بسابقتها؛ لأن التمسك بالأصل المعلوم هو الاستصحاب وإبقاء ما كان على ما كان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في المضاربة إذا أذن رب المال للمضارب بالشراء فقط فهو لا يملك البيع - فتكون المضاربة فاسدة - وإجارة فاسدة، ولكنها وكالة بالشراء، فيكون المشتري لرب المال وللمضارب أجر مثله، فإذا باع المضارب ما اشترى وأجاز رب المال البيع فإن كان المبيع قائماً نفذ بيعه؛ (لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء). وإن كان لا يدرى أن المبيع قائم أو هالك فالبيع نافذ أيضاً؛ (لأن التمسك بالأصل المعلوم) - وهو هنا بقاء المبيع سالماً غير هالك - (واجب حتى يعلم غيره). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 26. (¬2) نفس المصدر.

وأما إن كان المبيع هالكاً عند الإجازة فالإجازة باطلة وكان المضارب ضامناً للقيمة يوم باعه والثمن له يتصدق بالفضل إذا كان فيه؛ لأنه ملكه بملك خبيث كالمودعَ يتصرف بالوديعة فيربح فيها. ومنها: إذا تطهر وشك في الحدث فهو متطهر. ومنها: إذا مات الأمين وعند وديعة لم يبينها - أي مجهلاً لها - فالأمانة تصير ديناً في تركته عند الحنفية وصاحب الوديعة أسوة الغرماء في تركته؛ لأن الأمين بالتجهيل يصير مسلطاً غرماءه وورثته على أخذها، والأمين بمثل هذا التسليط يكون ضامناً، ويقدر قيام الوديعة وبقاؤها عند الموت؛ لأن الأصل المعلوم بقاؤها. والتمسك بما هو أصل معلوم واجب ما لم يتبين خلافه. ومنها: إذا ثبت عقد نكاح صحيح بين رجل وامرأة فنحن نتمسك بهذا العقد الذي يفيد حل الاستمتاع بين الزوجين، ونسب الأولاد للزوج، والواجبات على الزوجين من نفقة وحضانة وغيرها، ولا يجوز لنا أن نحكم بالفرقة بينهما إلا بدليل واضح على الفرقة من طلاق أو خلع أو لعان أو غير ذلك من أنواع فرق النكاح؛ (لأن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين مثله).

القاعدة الثانية بعد المئتين [التمسك بالحقيقة]

القاعدة الثانية بعد المئتين [التمسك بالحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز (¬1). تحت قاعدة إعمال الكلام. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقيقة: أي الكلمة الحقيقة وهي اللفظ المستعمل في المعنى الذي وضع له في أصل اللغة، كلفظ الأسد للحيوان المفترس الزائر. والمجاز: "هو اللفظ المستعمل في غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي". كاستعمال لفظ النور للإسلام أو للعلم. فالمجاز فرع الحقيقة والحقيقة أصل المجاز، فالواجب على السامع أن يتمسك بالمعنى الأصلي للفظ المستعمل حتى تقوم قرينة ودليل على أن المتكلم إنما أراد بلفظه المجاز لا الحقيقة. وقد سبقت قاعدة: (الأصل في الكلام الحقيقة) في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 361. ثالثاً: من أمثلة القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص لآخر: وهبتك هذه السيارة، فأخذها الموهوب له، ثم ادعى القائل أنه أراد بلفظ الهبة البيع مجازاً وطلب ثمناً. فلا يقبل قوله؛ (لأن التمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز)، ولا دليل هنا. بخلاف ما لو قال: وهبتك هذه السيارة بعشرة آلاف، فإن ذكر العشرة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 84 وجـ 6 ص 174، 180، والقواعد والضوابط ص 484.

الآلاف على سبيل العوضية دليل المجاز وأنه أراد بالهبة البيع فيحمل عليه. ومنها: الحروف لها معان حقيقية ولا تحمل على المجاز إلا بقرينة، مثل: حرف أو وحرف على، فحرف أو من معانيه الحقيقية الدلالة على التخيير بين المتعاطفين بها، ومن ذلك قوله تعالى في كفارة قتل صيد الحرم {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا} (¬1). فأو هنا للتخيير بين هذه الأشياء حقيقة. فعلى قاتل الصيد فعل أي ذلك شاء، خلافاً لمن قال: هي على التريتب وهو زفر من الحنفية. والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز (¬2). وكذلك حرف "على" يفيد الشرطية حقيقة؛ لأنه حرف التزام، فإذا صالح الإِمام أهل حصن على أن يؤمنهم ثلاث سنين على ثلاثة آلاف دينار، ثم بدا له بعد مضي السنة أن ينبذ إليهم يلزمه رد جميع المال. ولو كان الصلح بحرف الباء يلزمه رد ثلثي المال؛ لأن إعطاء الأمان ليس بعقد معاوضة. وحرف على للشرط وجعله بمنزلة الباء مجاز، ولا يصار للمجاز إذا أمكن العمل بالحقيقة؛ لأنها هي الأصل (¬3). ¬

_ (¬1) الآية 95 من سورة المائدة. (¬2) المبسوط جـ 4 ص 84 بتصرف. (¬3) المبسوط جـ 6 ص 174، وشرح السير جـ 5 ص 1709 بتصرف.

القاعدة الثالثة بعد المائتين [التمسك بالعزيمة]

القاعدة الثالثة بعد المائتين [التمسك بالعزيمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمسك بالعزيمة أولى من الترخص بالرخصة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعده ومدلولها: العزيمة لغة: من العزم وهو إرادة الفعل والقطع عليه، وقوله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} (¬2) أي صريمة أمر (¬3). والرخصة: من رخص إذا سهل ولان. يقال: رخص السعر، ويد رخصة، والرخصة السهولة (¬4). والعزيمة في اصطلاح الأصوليين والفقهاء: "اسم لما هو أصل من الأحكام غير متعلق بالعوارض" (¬5) أو هي: "ما لزم العباد بإيجاب الله تعالى". والرخصة في اصطلاح الفقهاء "هي الأحكام التي ثبتت مشروعيتها بناء على الأعذار مع قيام الدليل المحرم توسعاً في الضيق" (¬6) أو هي "ما وسع المكلف فعله بعذر مع قيام المحرم". أو هي: "استباحة المحظور مع قيام الحاظر" (¬7) عند الأصوليين. وعلى ذلك فإذا كانت العزيمة هي أصل الأحكام والرخصة استثناء منها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 92. (¬2) الآية 115 من سورة طه. (¬3) مختار الصحاح مادة "عزم". (¬4) معجم مقاييس اللغة والمصباح المنير مادة "رخص" بتصرف. (¬5) التلويح جـ 2 ص 658. (¬6) شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر جـ 1 ص 31. (¬7) روضة الناظر لابن قدامة جـ 1 ص 172.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

بسبب قيام عذر مانع منها، فإن التمسك بالعزيمة عند القدرة عليها ولو مع مشقة يسيرة أولى من الإتيان بالرخصة ولو وجد عذرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صيام المسافر الذي لا يشق عليه الصيام أولى من فطره - عند الحنفية - بخلاف الشافعي الذي يرى أن الفطر أفضل، ومن حجج الحنفية الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المسافر يترخص بالفطر: "وإن صام فهو أفضل له" (¬1). ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا اللفظ.

القاعدة الرابعة بعد المائتين [التمكن من الأداء]

القاعدة الرابعة بعد المائتين [التمكن من الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمكن من الأداء معتبر لتقرر الوجوب (¬1). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الشافعي رحمه الله تعالى: إن قدرة المكلف وتمكنه من أداء ما كلِّف به في وقته المحدد له هو المعتبر لتقرر وثبوت الوجوب في حقه، ولا ينظر إن وجد مانع بعد ذلك بل عليه قضاء ما وجب في ذمته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حاضت امرأة بعد دخول الوقت - وقد مضى من الوقت مقدار ما يمكنها أن تصلي فيه - أو أدركت جزءاً من الوقت قبل الحيض كان يمكنها أداء الفرض فيه فعليها القضاء؛ لأن (التمكن من الأداء معتبر لتقرر الوجوب)، فإذا وجد فقد تقرر وجوب الصلاة عليها وثبت في ذمتها فلا تسقط الصلاة بعد ذلك بالحيض بل يجب عليها القضاء. والمسألة خلافية بين الفقهاء، والأرجح وجوب القضاء عليها في هذه المسألة (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 14. (¬2) ينظر روضة الطالبين جـ 1 ص 300، وأشباه السيوطي ص 404.

القاعدة الخامسة بعد المائتين [التمكن من الانتفاع]

القاعدة الخامسة بعد المائتين [التمكن من الانتفاع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمكن من الانتفاع شرط لوجوب الأجر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: وجوب الأجرة على المستأجر إنما يثبت إذا تمكن المستأجر من الانتفاع بالشيء المستأجَر، وأما قبل تمكنه من الانتفاع فلا يجب عليه الأجر، فالتمكن من الانتفاع بالمستأجر والقدرة عليه شرط لوجوب الأجر على المستأجر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استأجر بيتاً للسكنى أو محلاًّ للعمل فيه، ولم يسلم المؤجر البيت للمستأجر أو المحل له، أو كان فيهما أمتعة للمؤجر، فليس للمؤجر طلب الأجرة قبل تسليم البيت أو المحل خالياً. إلا إذا وجد شرط بوجوب تسليم قسط من الأجرة عند العقد ليستحق المستأجر تخلية البيت أو المحل وتسليمه له. ومنها: إذا استأجر بيتاً فمنعه غاصب من السكنى فيه، أو استأجر أرضاً فغرقها الماء فلا يجب عليه الأجر لعدم تمكنه من الانتفاع بالمستأجر. ومنها: استأجر سيارة لتنقُّله، فإذا هي معطلة فلا يستحق صاحبها الأجرة حتى يصلحها ويتمكن المستأجر من الانتفاع بها. ومنها: إذا استأجر داراً فسلمها المؤجر للمستأجر إلا بيتاً مشغولاً بمتاع المؤجر فيرفع من الأجر بحساب ذلك؛ لأن الأجر إنما يجب باستيفاء ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 136.

المنفعة، فإنما يُلزم المستأجر بقدر ما استوفى (¬1)، إلا إذا كانت الإجارة مشروطة بإبقاء ذلك المتاع بذلك البيت. ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 136 - 137 بتصرف.

القاعدة السادسة بعد المائتين [التملك]

القاعدة السادسة بعد المائتين [التملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التملك المستند إلى سبب مستقر لا يمكن إبطاله وتأخر حصول الملك عنه، فهل تنعطف أحكام هذا التملك إلى أول وقت انعقاد السبب وتثبت حينئذ، أم لا تثبت إلا من حين ثبوت الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة مدلولها: التملك: "هو القدرة على التصرف في المملوك، وهو قدرة يثبتها الشارع ابتداء على التصرف". وكل تملك لا بد أن يكون مستنداً إلى سبب مشروع، فإذا كان التملك مستنداً إلى سبب لا يمكن إبطاله كالعقد والشفعة والوصية والإرث، ثم تأخر حصول الملك عن سببه، وترتب على ذلك الملك أحكام. فهل هذه الأحكام تثبت من وقت انعقاد السبب أو لا تثبت إلا من حين ثبوت الملك؟ وجهان عند الحنابلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخذ الشفيع العقار المبدع بالشفعة وفيه نخل مؤبَّر - أي ملقَّح - ولم يكن وقت البيع مؤبراً فهل الطلع يملكه الشفيع، أو هو ملك لمن أبَّره؟ وجهان عند الحنابلة. ومنها: ملك الموصى له إذا قَبِل بعد الموت فهل يثبت له الملك من حين الموت أم لا (¬2)؟ ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 116. (¬2) نفس المصدر ق 83 وق 116.

خلاف. ومنها: إذا انعقد سبب الملك أو الضمان في الحياة وتحقق بعد الموت، كمن نصب شبكة ثم مات فوقع فيها صيد بعد موته، أو عشر بها إنسان فمات بعد موت صاحب الشبكة، فَلِمن الصيد، وعلى من الضمان؟ خلاف كذلك. ومنها: إذا كاتب عبداً - ومات السيد - ولم يؤد إليه شيئاً، فأدى إلى ورثته وعتق، فهل الولاء للسيد الذي كاتب لانعقاد سببه في ملكه، أو للورثة المؤدى إليهم لتحقق السبب في ملكهم؟ روايتين، والمذهب أن الولاء للسيد الأول.

القاعدة السابعة بعد المائتين [التمليك]

القاعدة السابعة بعد المائتين [التمليك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمليك تسليط على التصرف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبين حكم التمليك - والمراد به هنا نقل ملكية الشيء إلى غيره - وهو أنه تسليط أي إعطاء السلطة والقدرة على التصرف في الشيء المملَّك إلى من ملَّكه إياه. وأسباب التمليك كثيرة منها: المعاوضات المالية والأمهار - جمع مهر وهو صداق المرأة - ومال الخلع، والميراث والهبات والصدقات والوصايا والوقف والغنيمة، والاستيلاء على المباح والإحياء، وتملك اللقطة بشرطه، ودية القتيل يملكها أولاً ثم تنتقل إلى الورثة، ومنها الغرة - يقدر تمليكها للجنين فتورث عنه، والغاصب إذا فعل فعلاً في المغصوب أزال به اسمه وعظم منافعه ملكه، وإذا خلط المثلي بمثلي بحيث لا يتميز ملكه كخلط قمح بقمح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة مسائلها: إذا اشترى شيئاً بعقد صحيح وقبضه ملَكَه، وحلَّ له الانتفاع به والتصرف فيه، وكذلك البائع بالثمن. ومنها: إذا قبضت مهرها ملكته وأصبحت حرة التصرف فيه بكل وجوه التصرف المباحة. ومنها: إذا اشترى جارية شراء فاسداً وقبضها ثم أعتقها أو باعها أو وهبها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 25.

وسلمها للموهوب له، أو دبرها أو كاتبها أو استولدها جاز جميع ذلك؛ لأنه تصرف في ملكه، ولكن لما كان العقد فاسداً فلا يحل له وطؤها؛ لأن الوطء لا يباح بصريح التسليط فكذلك لا يستباح به دلالة. وإذا تعذر رد عينها بعد اكتشاف فساد العقد فيلزم المشتري رد قيمتها لا الثمن الذي اشتراها به؛ لأن الفاسد من العقود يلزم فيه القيمة مهما بلغت. وهذا بناء على قاعدة عند الحنفية وهي: (إن البيع الفاسد ينعقد موجباً للملك إذا اتصل به القبض) (¬1). وقد خالف الشافعي رحمه الله في هذه المسألة إذ يرى: أن العقد الفاسد لا ينعقد موجباً للملك، ويرى في هذه المسألة أن تصرفات المشتري شراءً فاسداً كلها باطلة وعليه فيبطل جميع تصرفه في الجارية وعليه ردها إلى البائع مع ضمان نقصانها إن نقصت، وإن استولدها فالولد حر للشبهة. واختلفوا في وجوب الحد على المشتري إذا وطئ الجارية في شراء فاسد (¬2). تعليق: سبب الخلاف أن الحنفية يفرقون بين الفساد والبطلان فالعقد الفاسد عندهم ما فقد شرطاً من شروط صحته وليس ركناً من أركانه، والباطل ما اختل فيه ركن من أركان البيع كبيع الميتة والخنزير والمجهول. وأما عند الشافعية فالباطل والفاسد مترادفان ومعناهما واحد وهو العقد الذي لا يثمر المقصود منه سواء فقد شرطاً من شروط صحته أو ركناً من أركانه. ¬

_ (¬1) نفس المصدر جـ 13 ص 22 فما بعدها. (¬2) روضة الطالبين جـ 3 ص 72 - 73.

القاعدة الثامنة بعد المائتين [تمليك الدين]

القاعدة الثامنة بعد المائتين [تمليك الدين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: تمليك الدين من غير مَن عليه الدين لا يجوز (¬1). وفي لفظ: تمليك الدين من غير مَن عليه الدين بعوض لا يجوز (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدَّين: مال في الذمة، أو هو: عبارة عن مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما (¬3). وهو لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. ومفاد القاعدة: أن صاحب الدين إذا ملَّك دينه الثابت في ذمة المديون لغير مَن عليه الدين أنه لا يجوز سواء كان بعوض أم بغير عوض. والعلة في ذلك: عدم القدرة على التسليم؛ لأن شرط تمام عقد البيع أو التمليك التسليم من البائع والقبض من المشتري أو وكيلهما، وهذا غير ممكن هنا. أما تمليك الدين ممن عليه الدين فجائز؛ لأنه إبراء في الحقيقة وإسقاط. أما إذا سلط الدائن شخصاً على قبض دينه فيكون وكيلاً قابضاً للموكل ثم لنفسه، ومقتضاه صحة عزله عن التسليط قبل القبض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع دينه من المديون بأن قال: بعتك الألف التي عليك بخمسمائة جاز ويكون صلحاً، إذا أعطاه الخمسمائة في المجلس. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 32، أشباه ابن نجيم ص 357، أشباه السيوطي 330 - 331. (¬2) المبسوط جـ 15 ص 64، 69. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 354.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا تصدق بالدين الذي على بكر على زيد بنية الزكاة وأمره بقبضه جاز وأجزأه ذلك، فكأنه وكَّله عن نفسه بقبضه ثم يقبض لنفسه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الحوالة وهي صحيحة، مع أنها تمليك الدين لغير من عليه الدين. ومنها: الوصية بالدَّين لغير من هو عليه، فإنها جائزة (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 358، أشباه السيوطي 331.

القاعدة التاسعة بعد المائتين [تمليك المجهول]

القاعدة التاسعة بعد المائتين [تمليك المجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمليك من المجهول لا يصح - باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة مدلولها: سبق معنى التمليك وأنه تسليط على التصرف، ولكن للتمليك شروط منها: أن يكون الشيء المُمَلَّك معلوماً؛ لأنه يترتب على التمليك أحكام بأسبابه، والمملَّك له معلوماً كذلك؛ لأنه إذا كان المملَّك له مجهولاً فعلى مَن تترتب هذه الأحكام، ولهذا فالتمليك للمجهول من المجهول غير المعلوم باطل لا يصح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نُثِر في العرس جوز أو لوز أو دنانير أو دراهم، فعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز للناس الالتقاط وأخذ ذلك إذا أذن أهله فيه. ولكن عند ابن أبي ليلى لا يجوز، وكان يكره نثر ذلك وأن يؤخذ منه شيء. قال: هذا تمليك من مجهول، (والتمليك من المجهول باطل)؛ وإذا بطل التمليك كان النثر تضييعاً للمال. ومنها: إذا باع لغير معيَّن كما لو قال: بعت هذه السيارة لأحدكم. فلا يصح لجهالة المشتري. ومنها: ورود عقد النكاح على اسم لا يتميز مسماه، لا يصح. كما لو قال: زوجتك بنتي وله بنات. ومنها: مال من لا يعلم له وارث فإنه يوضع في بيت المال كالضائع، مع ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 20، جـ 30 ص 167، قواعد ابن رجب ق 106.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

أنه لا يخلو إنسان من بني عم أعلى، فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبة، ولكنه مجهول، فلم يثبت له حكم وجاز صرف ماله في المصالح (¬1). رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: الهبة للجنين مع أنه مجهول، لكن جازت الهبة والوصية له، كما جاز توريثه. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 106.

القاعدة العاشرة بعد المائتين [تمليك المعدوم]

القاعدة العاشرة بعد المائتين [تمليك المعدوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تمليك المعدوم والإباحة له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة مدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها، فكلاهما موضوعها تمليكٌ لما لا يعلم، سواء أكان مجهولاً أم معدوماً، وإذا كان تمليك المجهول لا يصح مع إمكان معرفته فالمعدوم أولى بعدم الصحة مع استحالة معرفته؛ لأن المجهول موجود ولكن جهلت عينه، والمعدوم غير موجود أصلاً. والمعدوم نوعان: أحدهما يكون بطريق الأصاله، فالمشهور عند الحنابلة أنه لا يصح تمليكه ولا الإباحة له، والثاني: يكون بطريق التبعية فيصح في الو قف والإجازة وهذا إذا صرح بدخول المعدوم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أوقف على مَن سيولد له. قالوا: لا يصح؛ لأنه وقف على مَن لا يملك في الحال، كما لو وقف على عبد. وهذا لم يصح لأنه معدوم أصالة. ومنها: بعت هذه الدار لولد ولد هذا. فلا يصح كذلك لأنه معدوم ولا يملك في الحال. ومن صور الثانية: إذا أوقف على ولده وولد ولده أبداً أو ولده ومن سيولد له. صح بغير إشكال؛ لأن المعدوم هنا جاء بطريق التبعية لا الأصالة. ومنها: أجاز الشيخ لفلان ولمن يولد له. فإنها تصح. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 107.

القاعدة الحادية عشرة بعد المائتين [التمليك]

القاعدة الحادية عشرة بعد المائتين [التمليك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التمليك يقتضي اختصاصاً بالمحل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تمليك الشيء من غيره يستلزم أن يكون محل التمليك والشيء المراد تمليكه خاصًّا بالمملَّك وملكاً خالصاً له؛ لأنه لو لم يكن خاصًّا بالمملِّك لا يجوز له تمليك غيره، وبالتالي يكون العقد باطلاً. وقد عرَّف بعضهم الملك بأنه: "الاختصاص الحاجز وأنه حكم الاستيلاء" (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجلان يمتلكان أرضاً أو سيارة، فإذا باع أحدهما الأرض أو السيارة دون علم شريكه لا يتم البيع ويكون العقد باطلاً؛ لأن البائع لا يختص بمحل البيع حيث إن له فيه شريكاً ولم يأمره بالبيع؛ ولأن شرط انعقاد البيع أن يكون المبيع مملوكاً للبائع عند البيع (¬3)، على وجه الكمال أو يكون وكيلاً عن المالك. ومنها: باع رجل سيارته أو أرضه أو متاعه الذي لا يشاركه فيه غيره من آخر بثمن معلوم جاز البيع وصح؛ لاختصاص البائع بملك المحل. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484 عن التحرير. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 343. (¬3) بدائع الصنائع جـ 4 ص 146 - 147.

القاعدة الثانية عشرة بعد المائتين [التناقض المتحقق]

القاعدة الثانية عشرة بعد المائتين [التناقض المتحقق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التناقض يتحقق إذا تعذر على المتكلم الجمع بين الكلامين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعده ومدلولها: التناقض لغة: تفاعل من النقض وهو النكث والهدم والإبطال والحل. وتناقض الكلامان: تدافعا كأن كل واحد منهما نقض الآخر - أي هدمه وأبطله. وفي كلامه تناقض: إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض. فالتناقض إذن يتحقق إذا استحال على المتكلم أن يجمع ويوفق بين كلاميه، بأن كان كل كلام منها يؤدي إلى معنى يضاد الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهد بأن هذا الرجل هو الذي قتل، ثم شهد بأنه ليس هو القاتل، فهذا كلام ينقض بعضه بعضاً ولا يمكن الجمع بين كون هذا قاتلاً لهذا الشخص وغير قاتل له. فلا بد أن يكون أحد الكلامين كذباً. ومنها: إذا ادعى أن له على فلان مائة، ثم أنكر أن له عليه مائة. إلا إذا أمكن التوفيق والجمع كأن يبين أن له عليه مائة قرضاً وليس له عليه مائة غصباً. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484 عن التحرير.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائتين [التناقض المقبول]

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائتين [التناقض المقبول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التناقض غير مقبول إلا إذا كان في محل الخفاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التناقض في الدعوى وفي الشهادة وفي الكلام عموماً غير مقبول؛ لأنه لا ينبني عليه حكم. لكن إذا كان التناقض في محل فيه خفاء كتناقض الوصي والناظر والوارث والمقر بالرضاع فإنه يقبل قولهم مع التناقض، إلا إذا أشهدوا على قولهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل باع أرضاً ثم ادعى أنه كان وقفها قبل البيع، فإذا أراد تحليف المدعى عليه، ليس له ذلك عند الكل؛ لأن التحليف إنما يكون بعد صحة الدعوى ودعواه لم تصح لمكان التناقض (¬2). ومنها: ادعى عليه بدين فأقر به، ثم ادعى إيفاءه، لم يقبل للتناقض، إلا إذا ادعى إيفاءه بعد الإقرار به والتفرق عن المجلس. ومما تسمع فيه الدعوى مع التناقض: مات عن ورثة فاقتسموا التركة بينهم وأبرأ كل واحد منهم صاحبه من جميع الدعاوى، ثم إن أحد الورثة ادعى ديناً على الميت وعلى تركة الميت، قالوا: تسمع الدعوى. ومنها: إذا أبرأ خصمه عن الدعاوى، ثم ادعى عليه بوكالة أو وصاية صحت الدعوى. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 72 عن أشباه ابن نجيم ص 222. (¬2) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 339 على هامش الفتاوى الهندية.

ومنها: إذا أبرأ الوارث الوصي إبراءً عامًّا بأن أقر أنه قبض تركة والده فلم يبق له حق منها إلا استوفاه، ثم ادعى في يد الوصي شيئاً من تركة أبيه وبرهن. يقبل قوله لمكان الخفاء.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائتين [التناقض في الدعوى]

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائتين [التناقض في الدعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التناقض في الدعوى لا يمنع قبول البينة (¬1). وفي لفظ: التناقض لا يمنع قبول البينة على الحرية (¬2). وبمقابلهما: التناقض في الدعوى يمنع قبول الشهادة؛ لأنه يمنع صحة الدعوى (¬3). وفي لفظ: التناقض يمنع صحة الشهادة كما يمنع صحة الدعوى (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: بين القاعدتين الأوليين والأخريين نوع تقابل وتضاد، حيث إن الأولى والثانية تفيدان بأن التناقض في الدعوى لا يمنع قبول البينة - الأولى على الإطلاق، والثانية على الحرية خاصة. وأما الأخريان فيفيدان عكسهما ونقيضهما وهو أن التناقض في الدعوى يمنع قبول الشهادة مطلقاً؛ لأنه يمنع صحة الدعوى. فهل يمكن الجمع بين مدلول هذه القواعد؟ في الحقيقة أنه لا تناقض بين هذه القواعد ومدلولاتها؛ لأن مدلول الأوليين أن التناقض لا يمنع قبول البينة إما في حالة الخفاء كما في القاعدة السابقة وإما على دعوى الحرية كما هو نص الثانية. أو إذا أمكن التوفيق بين الكلامين بوجه من الوجوه، ففي كل ذلك تقبل الدعوى وبالتالي تقبل ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 72 عن شرح السير ص 565. (¬2) شرح السير ص 565. (¬3) القواعد والضوابط ص 427. (¬4) الفرائد ص 93 عن الشهادة الباطلة من الخانية جـ 2 ص 475.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

البينة، وأما الأخريان فتحملان على أنه لا تقبل الدعوى ولا البينة عليها إذا لم يمكن التوفيق بين الكلامين، وهذا ما صرح به الحصيري كما نقله عنه الندوي، وعلى ذلك يمكن الجمع بين هذه القواعد وإزالة التناقض الظاهري بينها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا خرج إلى دارنا رجل وامرأة من أهل الحرب فشهد مسلمان أنهما خرجا بأمان بعض المسلمين وهما - أي الرجل والمرأة - كذباهما، ثم ادعيا الأمان بعد التكذيب وشهد المسلمان به قبلت شهادتهما؛ والعلة في ذلك أن التناقض لا يمنع قبول البينة على الحرية بخلاف ما لو شهد لهما ذميان أو مستأمنان بذلك فلا تقبل الشهادة؛ لأنها تقوم على المسلمين. ومنها: إذا مات الرجل فادعى وارثه داراً - في يد رجل - أنها داره اشتراها من أبيه الميت في حياته وصحته وأقام على ذلك بينة فلم تُزَكَّ - أو لم تكن بينة - والذي في يده يزعم أنها داره، فاستحلف المدَّعي عليه فحلف، وتركت الدار في يده، ثم أقام المدعي البينة أنها دار أبيه مات وتركها ميراثاً له، أو أن أباه مات وهي في يده ولا يعلمون له وارثاً غيره، تقبل هذه البينة ويقضى له بالدار ميراثاً، ولا تجعل دعواه الشراء من أبيه إكذاباً لشهوده في الميراث؛ لأنه ليس بين دعوى الميراث وبين الشراء في حياته تناقض، حيث أمكن الجمع؛ لأنه حين ادعى الشراء أول مرة فقد أقر أن الدار كانت ملك أبيه، ثم لما ادعى الميراث فهو يدعي أن الدار على ملك أبيه، وما كان ملك أبيه وقت موته فهو ميراث له، ولذلك لم يتحقق التناقض بين الدعويين. ومما لا تقبل فيه الدعوى ولا البينة لمكان التناقض:

امرأة وكلت رجلاً بقبض مهرها من زوجها، فادعى الزوج أنها اختلعت منه على مبلغ مقداره كذا قبل ذلك، فشهد الوكيل مع آخر على الخلع على كذا. قالوا: لا تقبل شهادة الوكيل لمكان التناقض؛ لأن طلبه المهر من الزوج دل على قيام النكاح، والشهادة بالخلع تناقض وكالته بالطلب، فردَّت هذه الشهادة لأنه لا يمكن التوفيق بين الكلامين. وأقول إنه يمكن التوفيق إذا أثبت الشاهد بشهادته على الخلع تاريخاً متقدماً على طلب المهر، إذ يكون الزوج قد خالع زوجته، وشهد الوكيل هذا الخلع ثم تزوجها بعقد جديد ووكلته المرأة في قبض مهرها من الزوج. ومنها: إذا شهد رجلان لرجل على رجل بعبد في يده، فأقام المشهود عليه البينة أن الشاهد ادعاه قبل ذلك، فبطلت شهادة الشاهد لمقام ومكان التناقض حيث إن أحد الشاهدين ادعى العبد لنفسه أولاً ثم شهد به لرجل آخر ثانياً (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 475.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المائتين [التناقض]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المائتين [التناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التناقض يبطل بتصديق الخصم (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وجد تناقض في دعوى المدعي ثم صدقه المدعى عليه في بعض ما يدعيه كان تصديق الخصم إبطالاً للتناقض في كلام المدعي وسبباً في قبول الدعوى وسماعها من المدعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل ادعى داراً في يد آخر، فقال المدعى عليه في دفعه: إنك أقررت قبل دعواك هذه أنه لا حق لك في هذه الدار، وأقام البينة على ذلك. ثم دفع المدعي هذا القول بأنك قبل إقامة الدعوى والبينة قد استمت مني هذه الدار، وصدقه المدعى عليه، فإن بينة المدعي هنا تقبل ويسمع منه هذا الدفع وإن كان مناقضاً، لتصديق خصمه بالاستيام؛ لأن كونه استام منه هذه الدار دليلاً على أنه مالكها؛ لأن الاستيام إقرار بالملك للبائع. أو إقرار من المستام أنه لا ملك له فيما يساوم فيه (¬2). ¬

_ (¬1) الفرائد ص 94 عن الخانية دعوى الاراضي والدور جـ 2 ص 396. (¬2) عن الخانية فصل العقار جـ 2 ص 396 بتصرف.

القاعدة السادسة عشرة بعد المائتين [التناقض]

القاعدة السادسة عشرة بعد المائتين [التناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التناقض يمنع دعوى الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما أن التناقض يمنع قبول البينة - في بعض صوره كما سبق - فهو يمنع كذلك دعوى الملك للاتهام؛ لأن التناقض دليل على عدم صحة الدعوى، وذلك بخلاف مواضع قبول الدعوى مع التناقض، كما في القواعد السابقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل ادعى داراً في يد غيره أنها لفلان وقفها عليه، ثم ادعى أنها له، قالوا: لا تسمع دعواه للتناقض، كما لو ادعى لغيره أولاً ثم ادعى لنفسه. ومنها: رجل أقر عند القاضي أن هذه الدار لفلان، غير ذي اليد، ثم أقام البينة أنها له اشتراها من الذي في يده قبل إقراره. لا تقبل بينته للتناقض (¬2). رابعاً: من المسائل المستثناه من هذه القاعدة: إذا رجع الشهود عن شهادتهم وكتموا في مجلس الحكم بعد الحكم بشهادتهم يعتبر رجوعهم، ويحكم عليهم بضمان ما أتلفوا بشهادتهم؛ لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان وهو الشهادة الباطلة. والتناقض لا ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 33. (¬2) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 392 - 393.

يمنع حكم إقراره على نفسه. وإنما لم يفسخ الحاكم بعد الرجوع لترجح أول كلامهم باتصال الحكم به (¬1). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 33 بتصرف واختصار.

القاعدة السابعة عشرة بعد المائتين [التنزه]

القاعدة السابعة عشرة بعد المائتين [التنزه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التنزه عن مواضع الريبة أولى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التنزه في اللغة: هو البعد والتطهر والتصون عن الأقذار والريب. وفي الاصطلاح: التباعد عن الأقذار والريب. والريب: جمع ريبة وهي الظن والشك (¬2). فمفاد القاعدة: أن التنزه عن مواطن ومواضع وأماكن الريب والتهم والشكوك أولى وأجدر بالمرء المسلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى طعاماً أو جارية أو ملك ذلك بهبة أو ميراث أو صدقة أو وصية فجاء مسلم ثقة فشهد أن هذا الشيء لفلان الفلاني غصبه منه البائع أو الواهب أو الميت، فأحب أن يتنزه عن أكله وشربه ووطء الجارية - لأن خبر الواحد يمكن ريبة في قلبه - والتنزه عن مواضع الريبة أولى. وإن لم يتنزه كان في سعة من ذلك؛ لأن المخبر هنا لم يخبر بحرمة العين، وإنما أخبر أن من تملك من جهته لم يكن مالكاً. وهو خبر يمكن أن يكون مكذباً شرعاً؛ لأن الشرع جعل صاحب اليد مالكاً باعتبار يده. والأموال على ملك أربابها كما سبق. بخلاف ما لو أذن شخص لآخر في تناول طعامه، فأخبره ثقة مسلم أنه محرم العين - كأن يكون لحم خنزير أو ميتة - لم يحل له تناوله. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 صـ 171. (¬2) المصباح مادة "نزه"، "ريب".

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائتين [الأكساب]

القاعدة الثامنة عشرة بعد المائتين [الأكساب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تنزيل الأكساب بمنزلة المال العتيد - أو الاكتساب (¬1). وفي لفظ: تنزيل الأكساب منزلة المال الحاضر (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة مدلولها: الأكساب: جمع كسب وهو المال الذي رزقه الله إياه بعمله وجهده من بيع أو شراء أو هبة أو غير ذلك. والمال العتيد: الحاضر المهيأ (¬3). والاكتساب: القدرة على الكسب وهو طلب الرزق. فمفاد القاعدة: أن المال الذي يمكن أن يكتسبه الإنسان بجهده وعمله وقوته ينزل - في الغنى ودفع الحاجة - منزلة المال الحاضر الموجود والذي يعتبر صاحبه غنيًّا به فلا تحل له الزكاة ولا الصدقة، فالاكتساب ينزل منزلة المال الحاضر في كثير من المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في الزكاة: يضم ما يكسبه الإنسان خلال العام إلى ماله الذي بلغ نصاباً أو زاد عليه فيزكيه جميعه إذا حال عليه الحول، وقد تكون تلك الزيادة دون الحول. ومنها: الفقير والمسكين إذا كانا قادرين على الكسب فهما كواجد المال قطعاً فلا يجوز أن يعطيا من مال الزكاة للحديث: "لا تحل الصدقة لغني ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 409، قواعد الحصني ق 2 ص 116، ق 1 ص 719. (¬2) المجموع المذهب لوحة 187 أ، أشباه السيوطي ص 180. (¬3) مختار الصحاح مادة "عتد".

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ولا لذي مرة سوي" (¬1) أو قوي. ومما اختلف فيه: المكاتب إذا كان كسوباً هل يعطى من الزكاة؟ وجهان: الأصح: نعم. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الغارم: الأصح أنه يعطى من مال الزكاة وإن كان قادراً على الكسب؛ لأن الغارم محتاج إلى وفاء دينه الآن والكسب متوقع في المستقبل بخلاف الفقير والمسكين؛ لأن حاجتهما تتجدد كل وقت، والكسب يتجدد كذلك. ¬

_ (¬1) الحديث رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي، المنتقى جـ 2 ص 144 حديث رقم 204 من حديث عبد الله بن عمرو، ولهما من حديث أبي هريرة ولأحمد الحديثان.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائتين [تنزيل الألفاظ]

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائتين [تنزيل الألفاظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تنزيل الألفاظ على المعنى الشرعي أو العرفي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الألفاظ التي يتكلم بها المكلف - وبخاصة في باب الأيمان - هل تحمل على المعنى الشرعي أو تحمل على المعنى العرفي؟ خلاف بين المذاهب في ذلك. فالحنفية يحملونها على المعنى العرفي قولاً واحداً - إذا لم يكن هناك نية للحالف أو المتكلم (¬2). وأما عند المالكية: فتحمل الألفاظ على النية أولاً، فإن لم تكن نية فعلى الباعث - أو ما يسمونه البساط - فإن لم يكن فتارة يحملونها على العرف، وتارة على المعنى القرآني أو اللغوي (¬3). وأما عند الشافعية والحنابلة فبينهم في المعتبر خلاف (¬4)، ويظهر ذلك في كثير من المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يبيع الخمر، فإن أراد أن لا يتلفظ بلفظ البيع مضافاً إلى الخمر فإذا باعه حنث، وإن أطلق - ولم تكن له نية - لم يحنث؛ لأن البيع الشرعي لا يتصور في الخمر؛ لأنها ليست بمال عند المسلم. وفي وجه ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 165 وينظر الوجيز ص 157. (¬2) مجمع الأنهر جـ 1 ص 548. (¬3) أسهل المدارك جـ 2 ص 23، المدونة الكبرى جـ 2 ص 52. (¬4) الإفصاح جـ 2 ص 327.

عند الشافعية أنه يحنث على كل حال (¬1). ومنها: لو حلف لا يركب دابة العبد - وكانت له دابة باسمه - فعند الشافعية: لا يحنث الحالف بركوبها؛ لأن العبد - وإن كانت له دابة باسمه - لكنه لا يملكها بل هي في الحقيقة ملك السيد، فالحالف إنما ركب دابة السيد لا دابة العبد (¬2). وعند الحنفية وأحمد يحنث؛ للإضافة العرفية (¬3). ومنها: لو حلف لا يبيع. فباع بيعاً فاسداً. قال الشافعية: لا يحنث؛ لأن الفاسد ليس بعقد (¬4)، وبمثله قال أحمد بن حنبل رحمه الله (¬5). وخالف في ذلك أبو حنيفة (¬6) ومالك (¬7) رحمهما الله تعالى وحكما بالحنث؛ لأن البيع الفاسد يسمى في العرف بيعاً. والذي رجحه ابن الوكيل في هذه وأمثالها الحنث حملاً على الحقيقة العرفية (¬8). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 8 ص 44. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 165. (¬3) المغني جـ 13 ص 555 - 556. (¬4) روضة الطالبين جـ 8 ص 44. (¬5) المغني لابن قدامة جـ 13 ص 490. (¬6) بدائع الصنائع للكاساني جـ 3 ص 83. (¬7) الكافي في فقه أهل المدينة جـ 1 ص 449. (¬8) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 169.

القاعدة العشرون بعد المائتين [النذر]

القاعدة العشرون بعد المائتين [النذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تنزيل النذر على واجب الشرع أو على جائزه مع وجوب أصله (¬1). وفي لفظ: النذر هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز (¬2)؟ قولان والترجيح مختلف في الفروع. وتأتي في حرف النون إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النذر: الأصل فيه معنى الإبلاغ، ولا يستعمل إلا في التخويف، ومنه قوله سبحانه وتعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)} (¬3). وقال الراغب: الإنذار إخبار فيه تخويف (¬4). وفي الاصطلاح: "النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر". يقال: نذر لله أمراً. قال تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} (¬5). وقالوا في تعريف النذر: "إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيماً لله تعالى" (¬6). والقاعدة تشير إلى خلاف عند الشافعية في تنزيل النذر هل ينزل على ما كان واجباً في الشرع بحيث أن الناذر يتقيد في نذره بأقل الواجب من جنسه ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 537، المجموع المذهب لوحة 249 أ. (¬2) المنثور جـ 3 ص 270، أشباه السيوطي ص 164. (¬3) الآية 16، 18، 21، 30 من سورة القمر. (¬4) مفردات الراغب مادة "نذر" ص 487. (¬5) الآية 26 من سورة مريم. (¬6) أنيس الفقهاء ص 301.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كالواجب ابتداء من جهة الشرع، أو ينزل على أقل ما يصح من جنسه، أي بأقل جائز في الشرع؛ لأن لفظ الناذر لا يقتضي زيادة عليه، خلاف. ولا خلاف بينهم في أن النذر يجب الوفاء به، وإنما الخلاف في أن حكمه كالجائز في القربات أو كالواجب في أصله؟ والأرجح عندهم حمله على الواجب (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نذر صلاة فيلزمه ركعتان؛ لأنه أقل الواجب، ولا يجوز القعود فيهما مع القدرة، ولا فعلهما على الراحلة، ولا يجمع بينهما وبين فرض أو نذر آخر بتيمم واحد. ومنها: من نذر صوماً، فيجب عليه صوم يوم كامل، ويجب تبييت النية فيه ولا يجزئ إمساك بعض يوم، ولا ينعقد نذر صوم بعض يوم كما لا ينعقد نذر بعض ركعة أو سجدة. ففي كل هذه ينزل النذر منزلة الواجب. ومما ينزل منزلة الجائز: منها: نذر القربات التي لم توضع لتكون عبادة وإنما هي أعمال وأخلاق مستحسنة رغَّب فيها الشرع لعموم فائدتها: كعيادة المريض، وإفشاء السلام، وتشميت العاطس، فهذه الأصح فيها تنزيلها منزلة الجائز فتلزم بالنذر. وقيل: لا تلزم؛ لأن هذه الأمور لا يجب جنسها بالشرع. ومنها: لو نذر صوم يوم معين. يلزم. ولكن لا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه ووجوب الامساك لو أفطر فيه، وعدم قبول صوم آخر من قضاء أو كفارة بل لو صامه عن قضاء أو كفارة صح. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 270، المجموع المذهب لوحة 249 أ.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

ومنها: لو نذر الطواف لم يجزه إلا سبعة أشواط فلا يكفي طوفة واحدة (¬1). رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: لو نذر عتق رقبة لم تشترط فيها السلامة من عيوب الكفارة في الأصح. أي يجزئه إعتاق أي رقبة بأي وصف. ومنها: لو نذر صلاة ركعتين فصلى أربعاً بتسليمة واحدة بتشهد أو تشهدين جاز في الأصح؛ لأنه جاء بالنذر وزيادة. ومنها: من نذر التصدق كفاه أقل ما ينطلق عليه الاسم (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 164 - 165. (¬2) المنثور جـ 3 ص 371.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائتين [التنصيص على الموجب]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائتين [التنصيص على الموجَب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التنصيص على الموجَب عند حصول الموجب ليس بشرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التنصيص: من نصَّ الحديث أو السير إذا رفعه، والمراد به هنا تعيين الموجَب بذكره. الموجَب: بفتح الجيم اسم مفعول من أوجب فهو موجَب. والموجِب: بكسر الجيم اسم فاعل من أوجب فهو موجِب. وهو الأمر المقتضي لأحكامه. فمفاد القاعدة: أنه لا يشترط في العقود والمعاملات - التي توجب أحكاماً - النصُّ على مقتضيات العقد ونتائجه عند التعاقد؛ لأن شأن وقوع العقد صحيحاً أن تنبني عليه أحكامه وتترتب عليه ثمراته ونتائجه؛ ولأن الصحيح من المعاملات ما أثمر المقصود منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع عقد النكاح صحيحاً فلا يشترط فيه التنصيص على حل استمتاع الزوج بزوجته، ووجوب النفقة عليه إلخ ما هنالك من ثمرات تترتب على العقد، بل بمجرد إتمام العقد وأداء المهر فللزوج الاستمتاع بزوجته وحلها له ووجوب النفقة عليه، إلا إذا وجد مانع من الاستمتاع كأن تكون الزوجة حبلى من الزنا - فهو وإن صح العقد عليها عند أبي حنيفة ومحمد ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 34.

رحمهما الله تعالى لكن لا توطأ حتى تضع حملها؛ حتى لا يسقي ماؤه زرع غيره. ومنها: إذا سلَّم الكفيل بالنفس المكفول عنه حيث يمكن مخاصمته يبرأ الكفيل، وإن لم يقل: إذا دفعته إليك فأنا بريء؛ لأن معنى الكفالة بالنفس موجبها البراءة عند التسليم.

القاعدة الثانية والعشرون والثالثة والعشرون بعد المائتين [التنصيص]

القاعدة الثانية والعشرون والثالثة والعشرون بعد المائتين [التنصيص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: 1 - التنصيص لا يدل على التخصيص (¬1). وبمقابلها: التنصيص يوجب التخصيص (¬2). أصوليتين فقهيتين. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متقابلتان؛ لأنهما يمثلان مذهبين أصوليين مختلفين، أو إن كل واحدة منهما تعمل في مجال مخصوص. وعلى وجه العموم: فالحنفية ينكرون العمل بمفهوم المخالفة مطلقاً، وغير الحنفية يعملون به. فالقاعدة الأولى تمثل رأي الحنفية والثانية تمثل رأي غيرهم. ولكن كلتا القاعدتين أوردهما الحنفية فيستدل بإيرادهم لها أن الحنفية يعملون بموجبهما، الأولى: مطلقة، والثانية كالاستثناء منها حيث يعملون بموجبها في نوع من مفهوم المخالفة وهو مفهوم العدد، فمفهوم العدد عند الحنفية - كما هو عند كثير غيرهم - يوجب التخصيص. فإذا ذكر حكم بناء على عدد فيدل ذلك على نفي الحكم عما سواه، إذا لم يقصد بذكر العدد المبالغة أو التعريض. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 72 عن منار الأصول، ينظر كشف الأسرار شرح المنار جـ 1 صـ 406 فما بعدها. (¬2) شرح الخاتمة ص 34.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (¬1). فمفهوم هذه الآية أنه لا يحل الزواج من الأمة غير المؤمنة. ولكن الحنفية لم يعملوا بمفهوم هذه الآية حيث أباحوا الزواج من الأمة غير المؤمنة عملاً بالإطلاق في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (¬2). وقالوا: إن مَن عدا المؤمنات مسكوت عنه. وفي رأي الحنفية هذا تعطيل لكثير من النصوص. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق واحدة، لا يصح نية الثلاث؛ لأن النص على الواحدة ينافي نية الثلاث. ومنها: التنصيص على العدد في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (¬3) يمنع الزيادة على الأربع للتنصيص عليه. ¬

_ (¬1) الآية 25 من سورة النساء. (¬2) الآية 24 من سورة النساء. (¬3) الآية 3 من سورة النساء.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائتين [التهمة]

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائتين [التهمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: التهمة تخصص الأمر المطلق (¬1). وفي لفظ: التهمة دليل تقييد المطلق (¬2). وفي لفظ: التخصيص بالتهمة (¬3). وفي لفظ: لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل (¬4). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تؤدي معنى واحداً. التهمة: أي ظن غير المراد، يقال: اتهمه بكذا (¬5). ويقال: اتهمته في قوله: شككت في صدقه. والاسم التهمة (¬6). وأصل هذه القواعد - كما سبق - (أن التهمة إذا تمكنت من فعل الفاعل حكم بفساد فعله). ومفاد القاعدة: أن التهمة إذا وجدت خصصت الأمر المطلق وقيدته، وأبطلت أيضاً قول القائل أو فعل الفاعل، لكن بشرط أن يقوم دليل على هذه التهمة وأن يكون لها مؤيد من ظاهر الحال، وليس مجرد توهم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 218. (¬2) نفس المصدر جـ 19 ص 118. (¬3) نفس المصدر جـ 19 ص 33. (¬4) شرح الخاتمة ص 70، والوجيز ص 216 ط 4، الإفصاح جـ 2 ص 18. (¬5) مختار الصحاح مادة "وهرم". (¬6) المصباحُ مادة "وهـ م".

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وهذا عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا وكَّله أن يزوجه امرأة - ولم يسمها - فزوجه ابنته، لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يرضى الزوج (¬1) , لأن عند أبي حنيفة رحمه الله أن الوكيل لا يملك التصرف مع ولده للتهمة، فإنها دليل التقييد عنده. ومنها: إذا أقر في مرض موته بدين لأحد ورثته، لا يجوز إقراره عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى؛ للتهمة بتفضيل بعض الورثة على بعض، والدليل مرضه، أما لو أقر في حال صحته فإقراره صحيح، وكذلك لو أقر لأجنبي في مرض موته؛ لأنه يريد تخليص رقبته من حقوق العباد، ولا تهمة مع الأجنبي. وأما عند مالك رحمه الله، فإن كان الأب لا يتهم بالتفضيل فيجوز إقراره وإلا لا. وعند الشافعي رحمه الله يجوز إقراره (¬2). ¬

_ (¬1) وعند أبي يوسف ومحمد يجوز إذا كانت كبيرة ورضيت بذلك. (¬2) الإفصاح لابن هبيرة جـ 2 ص 18، وتخريج الفروع للزنجاني ص 212.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائتين [التوابع]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائتين [التوابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوابع لا تقصد بالعقود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التوابع: جمع تابع وهو ما لا ينفرد بنفسه، بل يكون وجوده تابعاً لوجود غيره. ولذلك فهو لا ينفرد بالحكم، ولا يقصد بالعقد؛ لأنه إنما يقصد بالعقد الأصل المتبوع، ويدخل التابع في حكم الأصل ضمناً، وكل ما جرى في العرف على أنه من مشتملات المبيع وتوابعه، أو ما كان في حكم جزء من أجزائه مما لا يقبل الانفكاك نظراً لغرض المشتري فهو يدخل في البيع من غير ذكر. وقد سبق مثل هذه القاعدة ينظر القاعدة رقم 11 من هذا القسم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحمل يدخل في بيع الدابة تبعاً ولا يجوز إفراده بالحكم. ومنها: القفل يدخل في بيعه مفتاحه تبعاً. ومنها: المزرعة يدخل ما فيها من أشجار تبعاً لبيع الأرض ولا تقصد بالعقد أصلاً. ولكن في هذا الزمن أصبحت الأشجار الضخمة كالنخيل تقصد بالعقد وتباع ولو كانت قديمة في الأرض. ومنها: الشرب وحق المرور يدخلان في بيع الأرض تبعاً ولا يفردان بالحكم. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484 عن التحرير.

ومنها: إذا أحيا شيئاً له حريم ملك الحريم في الأصح تبعاً، فلو باع الحريم دون الملك لم يصح (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 117.

القاعدة السادسة والعشرون بعد المائتين [التوابع]

القاعدة السادسة والعشرون بعد المائتين [التوابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوابع لا قسط لها من الثمن والضمان إلا عند صيرورتها مقصوداً بالاستيفاء حقيقة أو حكماً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها؛ لأنه إذا كانت التوابع لا تقصد بالعقود فبناء على ذلك ليس لها قسط من الثمن والضمان؛ لأنها متابعة، ولا يكون لها قسط أو جزء من الثمن والضمان إلا إذا صارت مقصودة بالاستيفاء الحقيقي أو الحكمي؛ لأنها إذا صارت مقصودة خرجت عن كونها توابع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى بقرة حاملاً فلما ولدت مات العمل ثم ظهرت البقرة مستحقة أو وجد فيها عيب يوجب الرد، فللمشتري الثمن الذي دفعه كاملاً، وليس للبائع أن يأخذ منه شيئاً مقابل الحمل الميت، بحجة نقصان البقرة. ولكن إذا رهن بدينه بقرة حاملاً فولدت عند المرتهن، فهي وابنها رهن بالدين، ولو مات ابنها فهي رهن بالدين كله. ولكن إذا اتفق الراهن والمرتهن على قسمة الدين على البقرة وابنها، ثم ماتت البقرة أو مات ابنها فيسقط من الدين الأقل من قيمة كل منهما ومن قسطه من الدين؛ لأن كل واحد منهما أصبح مقصوداً بالفكاك. فكان المرتهن قد استوفى جزءاً من دينه حكماً بموت أحدهما عنده أو بفعله. ومنها: إذا اشترى الرجل جارية بألف درهم، وقيمتها ألف درهم. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 484 عن التحرير.

فولدت عند البائع بنتاً تساوي ألف درهم، ونقصت الولادة الأم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الجميع بجميع الثمن وإن شاء تركهما. ومنها: إذا اشترى شاة فولدت قبل القبض، ثم قبضهما المشتري بجميع الثمن، ولكن بعد ما قبضهما وجد في الولد عيباً أو قتله البائع فإن للمشتري رده واسترداد حصته من الثمن؛ لأن الولد بالقبض صار مقصوداً فصار له حصة من الثمن والمشتري يستحق الولد بصفة السلامة، فلما وُجد العيب بعد القبض كان له الرد واسترداد حصته من الثمن. وكذلك إذا قتله البائع بعد ما قبضه المشتري، فقد صار الولد مقصوداً بإتلاف البائع إياه وصار له حصة من الثمن، فيقسم الثمن على قيمة الأم وقت البيع وقيمة الولد يوم ظهر به العيب أو قتله البائع، فما أصاب الولد بطل عن المشتري وأخذ الأم بما بقي (¬1). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 187 - 188 بتصرف.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المائتين [توارد العقود]

القاعدة السابعة والعشرون بعد المائتين [توارد العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: توارد العقود المختلفة بعضها على بعض وتداخل أحكامها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: توارد العقود: أو ورود عقد على عقد سابق بفعل من المكلف، فإذا ورد عقد جديد بسبب على عقد سابق بسبب آخر فهل وجود العقد الجديد يبطل العقد القديم السابق؟ ثالثاً: من من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رهنه شيئاً ثم أذن له في الانتفاع به. فالرهن هو العقد الأول المورود عليه وإذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بالمرهون يغير صفة العقد حيث إن المرتهن لا يجوز له الانتفاع بالمرهون، أما إذا أذن له الراهن فهل ينتقل العقد إلى نوع آخر من العقود - كالعاريَّة مثلاً -؟ قالوا: إن الرهن بعد الإذن بالانتفاع هل يصير عقد عاريَّة حالة الانتفاع أم لا؟ عند كثير من الحنابلة - بل الشافعية أيضاً - يصبح عقد عارية مضموناً على المرتهن، لكن هل يصير مضموناً بالانتفاع بالمرهون فعلاً أو بمجرد القبض؟ خلاف. وقيل: إن شرط منفعة الرهن باطل وهو رهن بحاله. ومنها: إذا أودعه شيئاً ثم أذن له في الانتفاع به. قالوا: يصير مضموناً ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 37 بتصرف في الأمثلة.

حالة الانتفاع لمصيره عارية حينئذ. ومنها: لو أعاره شيئاً ثم رهنه عنده. قياس مذهب الحنابلة صحة المعاملة ويسقط ضمان العاريَّة؛ لأنها ليست لازمة، وعقد الرهن لازم.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائتين [التوبة - التعزير]

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائتين [التوبة - التعزير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوبة لا تسقط الحد (¬1) وللمالكية في التعزير قولان. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التوبة من الذنوب: هي الندم على فعلها والإقلاع والرجوع عنها. وأصل التوبة الرجوع عن الذنب (¬2). فإذا ارتكب المكلف ذنباً يوجب حدًّا وتاب وأعلن توبته فهل وجود هذه التوبة وتحققها يسقط الحد الواجب؟ مفاد هذه القاعدة: أن الحد لا يسقط، وهذا ظاهر فيمن ثبت ارتكابه لما يوجب الحد بالبينة ورفع أمره إلى الحاكم. وأما إذا كان الحد خالصاً لله تعالى وثبت بإقرار المذنب ثم رجع عن إقراره فإن رجوعه عن إقراره يسقط الحد عنه، كالإقرار بالزنا وشرب الخمر والسرقة، ولكن في السرقة عليه أن يرد المسروق على صاحبه أو أن يطلب المسامحة منه. وأما التعزير وهو: كل عقوبة لذنب ليس فيه حد محدود، فاختلفوا في إسقاطه بالتوبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شُهد عليه بالسرقة وسيق إلى الحاكم، وعند الحاكم أظهر توبته وندمه ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 322. (¬2) مختار الصحاح مادة (ت. و. ب).

وإقلاعه عن السرقة فلا تسقط هذه التوبة الحد عنه، لكن لو عفا المسروق منه قبل رفعه إلى الحاكم يسقط عنه الحد. وكذلك لو تاب قبل الرفع مع عفو المسروق منه. ومنها: الزاني المعترف بالزنا عند الحاكم وطلب إقامة الحد عليه يقيم الحاكم عليه الحد، ولكنه إن رجع عن إقراره حتى بعد أن حد بعض الحد ترك، كما في قصة ماعز رضي الله عنه، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "هلا تركتموه" حينما فر أثناء إقامة الحد عليه (¬1). ولكن إن كانت العقوبة تعزيراً كمن أفطر في رمضان وجاء مستفتياً عن حكم إفطاره إما للجهل بالحكم وإما لغلبة الشهوة، فالأصح أنه لا يعزر. والشاهد قصة المجامع أهله في رمضان (¬2). أما من ظُهر عليه أو جاهر بفطره فهذا يعزر بخلاف المستفتي، إلا إذا اعتذر بالجهل فهذا في تعزيره قولان عند المالكية. ولكن الجهل في دار الإسلام - في مثل هذه الأحوال - لا يعتبر عذراً؛ لأن كل مسلم يعلم أن صوم رمضان واجب عليه، وأن إفطاره بغير عذر لا يجوز، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام. ¬

_ (¬1) تنظر قصة ماعز عند أحمد والترمذي وابن ماجه وأبو داود. وينظر منتقى الأخبار الحديثان 4035، 4036. (¬2) ينظر الحديث رقم 2154 في منتقى الأخبار عن أبي هريرة، رواه الجماعة.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائتين [توريث الحقوق]

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائتين [توريث الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: تورث الحقوق اللازمة كما تورث الأملاك (¬1). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأملاك والأعيان تورث عند الجميع، ولكن الحقوق اللازمة كحق الشرب وحق الشفعة والخيار هل تورث كالأملاك؟ عند الشافعي رحمه الله: نعم، كما تورث الأملاك تورث الحقوق اللازمة، ما يعتاض عنها بالمال وما لا يعتاض في ذلك سواء؛ بطريق أن الوارث يقوم مقام المورث، وإن حاجة الوارث كحاجة المورث. وعند الحنفية بخلافه، حيث إن الحقوق عندهم لا تورث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مات الشفيع قبل طلب الشفعة أو قبل الأخذ بها فعند الشافعي رحمه الله لوارثه حق الشفعة كما كانت للمورث لأنه خليفته. ومنها: إذا مات أحد العاقدين في المجلس فلوارثه الخيار على الصحيح سواء كان ذلك خيار المجلس أم خيار الشرط والعيب (¬2). وعند الحنفية والحنابلة سقط الخيار ولا يورث. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 116. (¬2) روضة الطالبين جـ 3 ص 101.

القاعدة الثلاثون بعد المائتين [التوريث]

القاعدة الثلاثون بعد المائتين [التوريث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوريث في موضع الشك لا يجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن التوريث إنما يتم بشروط إذا فقد شرط منها لا يصح. منها: التحقق من موت المورث حقيقة أو حكماً - كمفقود - أو تقديراً - كجنين فيه غرة. ومنها: التيقن من حياة الوارث عند موت المورث. حقيقة أو تقديراً كالحمل. ومنها: العلم بجهة الإرث لما يورثه (¬2). ومفاد القاعدة: أن الشك في أي من هذه الثلاثة يمنع الميراث كالشك في موت المورث أو حياة الوارث أو جهة التوريث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المفقود لا يورث ولا يرث عند الحنفية وآخرين. لا يورث للشك في موته حيث إنه خرج حيًّا، ولا يرث لأنه مشكوك في حياته عند موت مورثه. ومنها: الغرقى والهدمى ومن يموتون جميعاً في حادث، فلا يرث بعضهم من بعض؛ للشك في سبق الموت وتأخر الحياة بينهم. ولذلك كان (التوريث في موضع شك فلا يجوز). وهذه المسألة متفق عليها بين الأئمة، ولكن مسألة المفقود فيها خلاف حيث إن غير الحنفية - الشافعية - يورثونه من مورثه استصحاباً لحياته حين فقد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 52. (¬2) مجمع الأنهر جـ 4 ص 745.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائتين [التوفيقان]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائتين [التوفيقان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوفيقان إذا تلاقيا وتعارضا وفي أحدهما ترك اللفظين على الحقيقة فهو أولى (¬1). سبق ذكر هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت الرقم 303 فتنظر هناك. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 73 عن أصول الكرخي.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائتين [التوقيت في النفل]

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائتين [التوقيت في النفل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوقيت في النفل لا يكون عزيمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التوقيت: هو تحديد وقت معين للفعل. النفل: الزيادة، والمراد به هنا التطوع زيادة على الواجب. العزيمة: المراد بها هنا الوجوب. ومفاد القاعدة: أن ما أقته الشرع وأجاز تركه فهو يشبه النوافل كالرمي في اليوم الرابع؛ لأن الحاج مخير فيه بين المبيت والرمي وعدمهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رمي الجمرات في اليوم الرابع يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله قبل الزوال كرمي جمرة العقبة؛ ولأن الرمي في ذلك اليوم يشبه النافلة من حيث جواز الفعل والترك مع المبيت. ومنها: السنن الرواتب قد أقتها الشرع قبل الفريضة وبعدها ولكن لما أجاز الشرع تركها لم تكن واجبة. ومنها: صوم يوم عاشوراء وصوم يوم عرفة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 69.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائتين [التوقيت]

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائتين [التوقيت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوقيت نصًّا يمنع أن يكون لما بعد مضي المدة حكم ما قبله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا نص الشرع أو العاقدين على توقيت عبادة أو فعل وتحديد زمانه فإنه بعد مضي المدة المحددة يختلف حكم ما بعدها عما قبلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة - مثلاً - حدد الشرع لكل فريضة منها وقتاً لأدائها، فإذا خرج وقت كل منها قبل الأداء كان فعلها بعد خروج وقتها قضاءً لا أداء، وكان المؤخر لغير عذر آثماً في تأخيره. ومنها: الإجارة المحددة بزمن فإذا انتهت المدة فللمؤجر والمستأجر الحق في تحديد أجر آخر أو مدة أخرى بأجر مختلف. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه 73 عن شرح السير ولم أجدها.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائتين [التوكيل]

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائتين [التوكيل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: التوكيل إنما يعتبر فيما لا يملك الوكيل مباشرته قبل التوكيل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التوكيل: إقامة الغير مقام نفسه في التصرف ممن يملكه. وإنما يعتبر التوكيل صحيحاً إذا كان الوكيل لا يملك مباشرة ما وُكَّل به قبل التوكيل والإذن بالتصرف فيه؛ لأن الوكيل إذا كان يملك مباشرة ما وُكِّل به قبل التوكيل فهو إذن يكون عاملاً لنفسه لا لمن وكَّله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أجِّر دابتك هذه على أن يكون نصف الأجر أو كلُّه لي. لا يجوز. وهو توكيل باطل. كما لو قال: بع دابتك هذه على أن يكون نصف الثمن لي؛ لأن للمالك أن يبيع دابته ويؤاجرها قبل التوكيل. ومنها: إذا وكل شخصاً في تحصيل مباح كصيد أو احتشاش أو احتطاب، فما يحصل عليه الوكيل فهو له، والتوكيل هذا باطل؛ لأن الوكيل يقدر على تحصيل ما وُكِّل به قبل الوكالة؛ لأن كل أحد يملك المباح قبل التوكيل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 218.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائتين [توهم الفضل]

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائتين [توهم الفضل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: توهم الفضل - أي الزيادة - كتحققه فيما ينبني أمره على الاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفضل: معناه الزيادة، والمعاملات الربوية مبني أمرها على الاحتياط، ولذلك فالشك في زيادة أحد العوضين يجعل العقد باطلاً، وكذلك مجرد توهم الزيادة، والوهم أدنى درجة من الشك، ومع ذلك تبطل المعاملة عند توهم زيادة أحد البدلين الربويين؛ لأن باب الربا مبناه على الاحتياط للدين - كما سبق بيانه في قواعد حرف الباء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع الأموال الربوية مجازفة لا يجوز؛ لاحتمال زيادة أحد البدلين، والمراد بالمجازفة أي بيع دون كيل أو وزن - كبيع صبرة - كومة - طعام أو تمر بصبرة مثلها. أو بيع قطعة ذهب أو فضة بمثلها دون وزن، فكل ذلك لا يجوز لاحتمال عدم التساوي؛ ولأن شرط التعامل في الأموال الربوية تحقق المماثلة، ومع الوهم أو الشك لا تتحقق المماثلة ولذلك تبطل المعاملة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 38.

حرف الثاء

قواعد حرف الثاء

القاعدة الأولى [البرهان - الشهادة - البينة]

القاعدة الأولى [البرهان - الشهادة - البينة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان (¬1). وفي لفظ: الثابت بشهادة العدالة كالثابت بإقرار الخصم أو أقوى منه (¬2). وفي لفظ: الثابت بالبينة كالثابت عياناً (¬3). وفي لفظ: الثابت بالبينة بمنزلة المعلوم عند القاضي (¬4). وفي لفظ: الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصم (¬5) أو الخصمين (¬6). وفي لفظ: الثابت بالبينة كالثابت بالإقرار (¬7) أو أقوى من الثابت بالإقرار (¬8). وفي لفظ: الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة (¬9). وفي لفظ: الثابت بالبينة كالثابت بمعاينة سببه أو تصادقهم عليه (¬10). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 34، المجلة المادة 75. (¬2) البسوط جـ 19 ص 168، جـ 11 ص 84. (¬3) الفتاوى الخانية جـ 1 صـ 493، 548، 549، القواعد والضوابط ص 452. (¬4) المبسوط جـ 16 ص 29. (¬5) شرح السير ص 147، قواعد الفقه ص 73. (¬6) المبسوط جـ 15 ص 65, 87، 93، 129. (¬7) المبسوط جـ 6 ص 144، جـ 7 ص 54، 57، جـ 9 ص 94، جـ 14 ص 174، 178. (¬8) نفس المصدر جـ 9 ص 904. (¬9) نفس المصدر جـ 5 ص 36، جـ 6 ص 23، جـ 11 ص 22، جـ 30 ص 120، السير ص 219، 220، 330، 468، القواعد والضوابط ص 452. (¬10) نفس المصدر جـ 25 ص 51.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: البرهان: المراد به الحجة الي يثبت بها المدعى، وهي البينة: والمراد بها الشهود العدول. العيان، المعاينة: المشاهدة والرؤية بالعين. فكل هذه القواعد تفيد أن المدعى به إذا ثبت بشهادة الشهود العدول فيثبت به الحق ويكون في قوة المثبت بالمشاهدة والمعاينة في إلزام الخصم، وكأن القاضي حينما يثبت الحق بالشهادة أثبته بعلمه القاطع بالواقعة أو بإقرار الخصم المدعى عليه بل هو في ثبوته أقوى من الثابت بالإقرار؛ لأن الثابت بالإقرار إنما يلزم المقر فقط ولا يتعداه إلى غيره؛ لأن الإقرار حجة قاصرة وأما الثابت بالبينة فهو يتعدى إلى كل من له علاقة بالدعوى سواء المشهود عليه أو غيره إذا اتحد السبب. ومع أن الشهود قد يكونون كاذبين - مع عدالتهم الظاهرة, وقد يكونون مخطئين في شهادتهم، ولكن الشرع الحكيم أوجب قبول الشهادة إذا استوفت شروطها، وأوجب إثبات الأحكام بها - إذا لم يكن إقرار عن المدعى عليه، وذلك ثابت بقوله سبحانه وتعالى: {وَاسْتشْهِدُواْ} (¬1)، {وَأَشْهِدَواْ} (¬2) والأمر للوجوب. ومع أن الشهادة إنما تفيد غلبة الظن بصدق الشهود ولا تفيد العلماء القطعي، ولكنا متعبدون بغلبة الظن وبناء الأحكام عليها, لأن الله سبحانه وتعالى: لا يكلف نفساً إلا وسعها، والحكم بالقطع في أغلب الأحيان عسير. وقد ثبت اعتبار البينة والحكم بها بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله: "البينة على المدعي واليمين على المدعى ¬

_ (¬1) الآية 282 من سورة البقرة. (¬2) الآية 282 من سورة البقرة، الآية 2 من سورة الطلاق.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عليه" (¬1). ولمكانة البيَّنة في الشرع أبيح بها الدماء والفروج والأموال وحرَّمت بها كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى شخص على آخر بقتل وليه أو اغتصاب ماله أو قذفه وجاء بشهود عدول يشهدون له على مدعاه ولم يكن هناك مكذب شرعي أو واقعي فإن القاضي يحكم وجوباً بالقصاص من القاتل ورد المال المغصوب وإقامة الحد على القاذف. ¬

_ (¬1) الحديث سبق تخريجه.

القاعدة الثانية [التصادق]

القاعدة الثانية [التصادق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت بالتصادق كالثابت بالمعاينة (¬1). وفي لفظ: الثابت باتفاقهما كالثابت بالبينة أو أقوى منه (¬2). وفي لفظ: الثابت بتصادق الورثة في حقهم كالثابت بالبينة (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: التصادق: تفاعل من الصدق، وهو يدل على المشاركة في الصدق، بمعنى أن بعضهم يصدق بعضاً فيما يدعيه، سواء أكان المتصادقون ورثة أم مدعين. فإن هذا التصادق يكون في حقهم جميعاً في قوة الأمر الثابت بالمشاهدة والمعاينة أو البينة والبرهان والحجة، بل هو أقوى من ذلك؛ لأن البينة يحتمل أن تكون كاذبة، ولكن التصادق لا يحتمل؛ لأن كل واحد منهم مضر لخصمه بحقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ترك ابنين وابنتين، فأقر أحد الابنين وإحدى البنتين بأخ لهما فإنهما يقاسمانه جميعاً ما في أيديهما على خمسة للأخ المقر سهمان وللأخت المقرة سهم وللأخ المقر به سهمان. وهذا من نصيبهما من التركة دون نصيب الأخ والأخت اللذين لم يُقرَّا بالأخ الثالث. فتصادق الأخ والأخت على الأخ الثالث يثبت حقه في نصيبهما كما لو قالت البينة على أخوة هذا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 27، جـ 18 ص 114، 140. (¬2) نفس المصدر جـ 30 ص 71. (¬3) نفس المصدر جـ 28 ص 175.

الأخ لهما. فيقاسمهما نصيبهما من تركة الأب دون مَن لم يُقرا. ومنها: إذا قالت الرجعية بعد مضي شهرين قد انقضت عدتي. وقال الزوج: قد أخبرتني أمس أنها لم تحض شيئاً. فإن صدَّقته المرأة في ذلك فله أن يراجعها؛ لأن الحق لا يعدوهما وقد تصادقا على قيام الزوجية بينهما، بخلاف ما لو كذَّبته فالقول لها مع يمينها. ومنها: إذا قال شخص لرجل: فلان شريكي مفاوضة، فصدقه فلان. وقال: نعم أو أجل. أو قال: صدق، أو قال: هو كما قال، أو قال: هو صادق. فهذا كله سواء، وهما شريكان في كل مال عين أو دين أو رقيق أو عقار أو غير ذلك مما هو في يد كل واحد منهما؛ لأن ما أتى من الجواب غير مستقل بنفسه، فيصير ما تقدم فيه الخطاب معاداً فيه حتى يثبت به تصادقهما على شركة المفاوضة. (والثابت باتفاقهما كالثابت معاينة) (¬1). ومنها: إذا قال الرجل في مرضه لجارية لا مال له غيرها: هذه أم ولدي. فإن صدَّقه الورثة فهي حرة لا سبيل عليها وولدها وارث مع الورثة، ولا سعاية عليها؛ (لأن الثابت بتصادق الورثة في حقهم كالثابت بالبينة) (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 114 بتصرف. (¬2) المبسوط جـ 28 ص 175 بتصرف.

القاعدة الثالثة [الحاجة]

القاعدة الثالثة [الحاجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثابت بالحاجة لا يعدو موضع الحاجة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن مراتب ما يحرص الشرع على توفيره للإنسان ثلاثة أشياء: الضرورة، والحاجة، والكمال. 1 - فالضرورة مأخوذة من الاضطرار وهو الحاجة الشديدة، والضروري هنا ما لا يحصل وجود الشيء إلا به كالغذاء الضروري بالنسبة للإنسان. ومرتبة الضرورة هذه تبيح للإنسان تناول الحرام إبقاء على حياته. 2 - والحاجة - أدنى مرتبة من الضرورة - وهي بلوغ الإنسان حدًّا لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة، فهذا يسوغ الخروج على بعض القواعد العامة ويبيح الفطر في رمضان. وقال بعضهم: الحاجة ما يفتقر الإنسان إليه مع أنه يبقى بدونه، والضرورة ما لا بد له منه في بقائه. 3 - الكمالي أو التحسيني، وهو ما يقصد من فعله نوع من الترفه، وزيادة في لين العيش دون الخروج عن الحد المشروع. وما عدا ذلك فهو زينة وفضول. وقاعدتنا هذه تتعلق بالمرتبة الوسطى ومفادها أن الإقدام وفعل ما توجبه الحاجة مما لا يباح بدونها أن لا يتعدى موضع الحاجة؛ لأن الحاجة تقدر بقدرها؛ ولأن الإقدام على غير المباح أو الخروج على القواعد العامة إنما ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 227.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

شرع رخصة عند وجود المشقة والحرج فمهما زالت المشقة وارتفع الحرج عاد الأمر إلى ما كان عليه من لزوم العزيمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المتيمم لفقد الماء أو عدم القدرة على استعماله يبطل تيممه إذا وجد الماء أو قدر على استعماله. ومنها: مَن لبس الحرير بسبب جرب أو حكة يجب عليه خلعه إذا برئ وزالت الحكة أو الجرب. ومنها: القاعد في الصلاة إذا قدر على القيام لزمه. ومنها: المعتدة عن وفاة زوجها يجب عليها المكث في بيتها المعتدة فيه إلى تمام عدتها. لكن إذا لم تجد نفقة واضطرت للخروج لكسب عيشها، فمتى حصل لها مال واستغنت عن الخروج أو وجد من ينفق عليها فقد زال عذرها فليس لها الخروج بعد ذلك إلى انتهاء عدتها. ومنها: عند الحنفية: إذا حلف لا يأكل ولا يشرب ونوى طعاماً بعينه أو شراباً بعينه لم تعتبر نيته؛ لأن المنصوص فعل الأكل والشرب، فأما المأكول والمشروب فهو ثابت بمقتضى كلامه، وثبوت المقتضي للحاجة إلى تصحيح الكلام، ولهذا لا يثبت في موضع يصح الكلام بدونه - والمقتضي لا عموم له عندهم - (والثابت بالحاجة لا يعدو موضع الحاجة) ولا حاجة إلى إثبات العموم للمقتضي ولا إلى جعله كالمنصوص عليه فيما وراء المحتاج إليه. وهذا لأن الراجح عند الحنفية عدم تخصيص اللفظ العام بالنية. وقد ذكر السرخسي هذا المثال والحكم ردًّا على الخصاف القائل: بأن المقتضي له عموم، وذكر أن من مذهبه أن نية التخصيص فيما ثبت

بمقتضى كلامه صحيحة كما تصح في الملفوظ. ملحوظة: ما أورده السرخسي في هذه القاعدة مخالف لما ذكره في قاعدة سابقة من جواز تخصيص العام بالنية، ينظر القاعدة رقم 63 من قواعد حرف التاء.

القاعدة الرابعة [خلاف القياس]

القاعدة الرابعة [خلاف القياس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثابت بخلاف القياس ثابت ضرورة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقياس في هذه القاعدة: القاعدة العامة، كعدم جواز بيع ما ليس عند الإنسان، وحرمة التفاضل في الأموال الربوية. ومفاد القاعدة: أن الأمر أو الحكم أو المعاملة الثابتة بخلاف القواعد العامة إنما ثبتت لضرورة أو حاجة، أي إنما أباحها الشرع لضرورة أو لحاجة الناس إليها، وما كان ثابتاً على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه عند الكثيرين. ثالثاً: من أمثلة القاعدة ومسائلها: التفاضل في الأموال الربوية حرام ولا يجوز، وشرط جواز التعاقد عليها تحقق المساواة بين البدلين، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أباح العرايا: جمع عريَّة، وهي مبادلة تمر برطب على رؤوس النخل مجازفة، والتمر والرطب ربويان حيث إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - منع مبادلة صاع من تمر بصاع من رطب لعدم التساوي بعد يبس الرطب (¬2). ولكنه عليه الصلاة والسلام أباح العرايا لحاجة الناس (¬3). ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 485. (¬2) حديث النهي عن بيع الرطب بالتمر عن ابن عمر رضي الله عنهما، متفق عليه وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رواه الخمسة وصححه الترمذي. ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 341 - 342 الحديثان 2907، 2909. (¬3) أحاديث إباحة العرايا في منتقى الأخبار عن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة، وجابر =

ومنها: عقد الاستصناع والإجارة والسلم، وهي عقود أبيحت وأجيزت للضرورة ولحاجة الناس إليها مع أنها بيع معدوم، وبيع المعدوم باطل بالنص. ¬

_ = وزيد بن ثابت رضي الله عنهم جـ 2 ص 342 - 343، الأحاديث من 2910 - 2918.

القاعدة الخامسة [الثابت بدلالة العرف والعادة]

القاعدة الخامسة [الثابت بدلالة العرف والعادة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت بدلالة العرف كالثابت بدلالة النص (¬1). وفي لفظ: الثابت بالعرف كالثابت بالنص (¬2) , أو بالشرط (¬3). وفي لفظ: الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي (¬4). وفي لفظ: الثابت بالعادة كالثابت بالنص (¬5). وفي لفظ: الثابت عادة كالمتيقن به (¬6). وفي لفظ: الثابت عرفاً كالثابت نصًّا، أو نطقاً أو ذكراً (¬7). وفي لفظ: الثابت عرفاً كالثابت شرطاً (¬8). وفي لفظ: التعيين بالعرف كالتعيين بالنص (3)، وقد سبقت في قواعد حرف التاء تحت رقم. وفي لفظ: المعلوم بالعادة كالمشروط بالنص (¬9). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 227. (¬2) نفس المصدر جـ 9 ص 4، جـ 11 ص 51، جـ 30 ص 199. (¬3) نفس المصدر جـ 14 ص 18. (¬4) نفس المصدر جـ 12 ص 11، القواعد والضوابط ص 485 عن التحرير للحصيري. (¬5) المبسوط جـ 19 ص 99. (¬6) نفس المصدر جـ 1 ص 78. (¬7) شرح السير ص 170، 290، القواعد والضوابط ص 283، 485. (¬8) الفتاوى الخانية جـ 1 ص 385. (¬9) المبسوط جـ 23 ص 209، وينظر أيضاً: أشباه السيوطي ص 92، وأشباه ابن نجيم ص 99، وشرح الخاتمة ص 54، والمجلة م 43، 45، والمدخل الفقهي الفقرة 611، 612، والوجيز ص 306 ط 4.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إن الأمر المعهود والمعروف العمل به بين الناس فهو معتبر عند الحكم كالأمر المتيقن به المنصوص عليه والمشروط؛ لأن ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم وما جرت به عادتهم - وإن لم يذكر صريحاً - فهو كالمصرح به المنصوص عليه والمشروط في مقام الالتزام والتقييد ما لم يقم هناك نص بخلافه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إن توابع العقود التي لا ذكر لها صريحاً في العقود تحمل على عادة كل بلد، فمن اشترى سيارة دخل فيها عدَّتها ومفاتيحها وعجلها الاحتياطي بدون ذكر في العقد للعرف المتداول والعادة الجارية. إلا إذا نص على خلافه. ومنها: ما جرت به العادة من أن حمولة الأشياء الثقيلة - كالحديد - والأسمنت والحجارة والرمل - على البائع، إلا إذا نص على خلافه.

القاعدة السادسة [دلالة النص، مقتضى النص، ضرورة النص]

القاعدة السادسة [دلالة النص، مقتضى النص، ضرورة النص] أولاً ألفاظ ورود القاعدة: الثابت بدلالة النص كالمنصوص عليه (¬1)، أو كالثابت بالنص (¬2)، أو كالثابت بنص الكلام (¬3). وفي لفظ: الثابت بالدلالة كالثابت بالإفصاح (¬4). وفي لفظ: الثابت بدلالة النص إنما يعتبر إذا لم يوجد التصريح بخلافه (¬5). وفي لفظ: الثابت بدلالة الكلام كالثابت بنص الكلام (¬6). وفي لفظ: الثابت بضرورة النص كالمنصوص أو كالثابت بالنص (¬7). وفي لفظ: الثابت بمقتضى الكلام - أو بمقتضى النص - كالثابت بالنص (¬8). وفي لفظ: الثابت بمقتضى الكلام فيما يرجع إلى تصحيح الكلام كالمصرح به (¬9). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 66. (¬2) القواعد والضوابط ص 485. (¬3) نفس المصدر ص 177، 403. (¬4) شرح السير ص 245، قواعد الفقه ص 73، المبسوط جـ 11 صـ 84، 114. (¬5) شرح الخاتمة ص 34. (¬6) القواعد والضوابط ص 177، 403. (¬7) المبسوط جـ 3 ص 84، جـ 27 ص 163. (¬8) نفس المصدر جـ 7 ص 100. (¬9) المبسوط جـ 17 ص 45، والقواعد والضوابط ص 485.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: الثابت بمقتضى اللفظ كالملفوظ (¬1). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد على اختلاف ألفاظها تؤدي معنى متحداً (وهو أن المعنى المفهوم من عبارة النص وألفاظه يكون حكمه حكم النص الملفوظ به إذا لم يوجد تصريح بخلاف ذلك المفهوم). معنى دلالة النص وضرورته: هو فهم غير المنطوق من المنطوق بسياق الكلام ومقصوده بالمعنى اللغوي، وتسمى عند الأصوليين فحوى الخطاب كما يسميها بعضهم: مفهوم الموافقة. ويثبت الحكم بالدلالة إذا عرف المعنى المقصود من الحكم المنصوص. وهذه الدلالة نوعان: 1 - إن كان المعنى المفهوم ثابتاً بطريق الأولوية ومعلوماً قطعاً كانت الدلالة قطعية، كما في تحريم التأفيف في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (¬2) فدلالته على تحريم الضرب وغيره من أنواع الأذى أولى من التأفيف. 2 - وأما إن احتمل أن يكون غيره هو المقصود فهي ظنية كما في إيجاب الكفارة على المفطر بالأكل والشرب عمداً في رمضان (¬3). وأما المقتضي: فهو ما أضمر في الكلام إما لكونه شرطاً لصحة حكم شرعي، وهو عبارة عن زيادة على المنصوص ثبتت شرطاً لصحة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 ص 177. (¬2) الآية 23 من سورة الإسراء. (¬3) كشف الأسرار للبخاري جـ 1 ص 73 بتصرف.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

المنصوص عليه، أو أضمر ضرورة صدق المتكلم. وقيل: هو الذي لا يدل عليه اللفظ ولا يكون منطوقاً، لكن يكون من ضرورة اللفظ، وهو أعم من أن يكون شرعيًّا أو عقليًّا (¬1). ومن أمثلته قوله تعالي: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬2). فمفاد هذه القواعد - كما ذكرنا - أن الثابت بدلالة النص أو ضرورته أو اقتضائه حكمه في الثبوت كحكم النص المنطوق والملفوظ به لكن بشرط أن لا يوجد تصريح بخلافه (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أذن الواهب للموهوب له بقبض الموهوب صريحاً قبضه في المجلس وبعده. وأما إذا نهاه لم يصح قبضه؛ لأن الصريح أقوى من الدلالة. ولو سكت فلم يأذن ولم ينه صح قبضه في المجلس لا بعده دلالة. ومنها: إذا قيل له: قد بعت. فقال: لم أبع ولم أوص. كان جحوداً ونفياً للبيع والوصية في الماضي، ومن ضرورته نفي العقد والوصية في الحال، وهو يملك نفي العقد في الحال، (والثابت بضرورة النص كالثابت بالنص). ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" (¬4). أي لا صلاة تامة. وليس المراد نفي الصلاة بالكلية لأنها موجودة فعلاً. ¬

_ (¬1) التعريفات الفقهية للبنجلاديشي ص 501 بتصرف. (¬2) الآية 82 من سورة يوسف. (¬3) كشف الأسرار للبخاري جـ 2 ص 237، أصول السرخسي جـ 1 ص 248، والإحكام للآمدي جـ 2 ص 249 بتصرف، الغنية في الأصول ص 83 - 84. (¬4) الحديث أخرجه البيهقي من حديث علي وأبي هريرة رضي الله عنهما جـ 3 ص 81، الحديثان رقم 4943، 4945.

ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا عمل لمن لا نية له" (¬1) أي لا ثواب ولا جزاء لمن يعمل بدون نية. وليس المراد نفي العمل لأنه واقع فعلاً. ومنها: إذا أقر لشخص بكرم في أرض، كان له الكرم بأرضه كلها؛ لأن اسم الكرم يجمع الشجر والأرض عامة. ومطلق اللفظ في الإقرار ينصرف إلى المعتاد (¬2). وما ثبت بدلالة النص عادة فهو كالمنصوص عليه. ومنها: إن أقر بحائط لرجل وقال: عنيت البناء دون الأرض لم يصدق ويقضى عليه بالحائط بأرضه؛ لأن اسم الحائط للمبني ولا يتصور ذلك إلا بالأرض، وأما غير المبني فيكون آجراً وخشباً ولَبِناً ولا يكون حائطاً (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البيهقي من حديث أنس رضي الله عنه، لعله في السنن الصغرى، اتحاف جـ 10 ص 5. (¬2) المبسوط جـ 18 ص 67. (¬3) نفس المصدر جـ 18 ص 65.

القاعدة السابعة [الثابت بالضرورة]

القاعدة السابعة [الثابت بالضرورة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة (¬1) أو مواضعها (¬2). وفي لفظ: الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها (¬3). وفي لفظ: الثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة (¬4). وفي لفظ: ما ثبت لعذر يزول بزواله (¬5). أو ما جاز لعذر بطل بزواله. وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق معنى الضرورة قريباً. فمفاد هذه القاعدة: أنه إذا كانت الحاجة - وهي أدنى من الضرورة - تقدر بقدرها وتزول بزوالها فبطريق أولوي أن الثابت بالضرورة يقدر بقدرها ويزول بزوالها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن المضطر يأكل من الميتة بقدر سد رمقه أي بمقدار ما يدفع عن نفسه خطر الهلاك جوعاً. ومنها: أن الطبيب ينظر من العورة بقدر الحاجة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 179، جـ 5 ص 1. (¬2) جـ 25 ص 43. (¬3) نفس المصدر جـ 3 ص 117. (¬4) نفس المصدر جـ 24 ص 29، شرح الخاتمة ص 45، القواعد والضوابط ص 485. (¬5) شرح السير ص 794، القواعد والضوابط ص 485، أشباه السيوطي ص 85، وأشباه ابن نجيم ص 86 والمجلة المادة 23.

ومنها: اليمين الكاذبة لا تباح للضرورة، وإنما يباح التعريض لاندفاع الضرورة به. ومنها: الجبيرة يجب أن لا تستر من العضو الصحيح - في مواضع الغسل - إلا بقدر ما لا بد منه في استمساك الجبيرة. ومنها: من جاز له تناول الميتة للمسغبة، يحرم عليه تناولها بمجرد وجوده الطعام الطيب الحلال؛ (لأن ما ثبت لعذر يزوال بزواله).

القاعدة الثامنة [ظاهر الحال]

القاعدة الثامنة [ظاهر الحال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثابت بظاهر الحال كالثابت بالبينة حال عدم البينة (¬1). وفي لفظ: ظهور أمارات الشيء هل تنزل منزلة تحققه (¬2)؟ وتأتي في حرف الظاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ظاهر الحال: الأمارات والعلامات التي تدل على أمر وراءَها. فعند الحنفية إن ظهور أمارات وعلامات تدلنا على أمر مقصود أو مظنون تقوم مقام البينة - عند عدم وجود البينة - في بناء الأحكام عليها. وعند الشافعية خلاف في العمل بظاهر الحال. ثالثاً: من أمثلة القاعدة ومسائلها: إذا ظهرت أمارات الإفلاس على شخص هل يحجر عليه أو لا؟ عند الحنفية نعم. وعند الشافعية خلاف. ومنها: إذا ظهر على السفيه أمارات التبذير، حجر عليه بلا خلاف. ومنها: إذا بدت تباشير الهداية على الكافر فابتدر واغتسل ثم أقبل وأسلم في الحال هل يصح غسله في حال كفره؟ قالوا: صح هنا على أحد الاحتمالين (¬3). رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا ظهرت أمارات نشوز المرأة لم يترتب عليها حكم حتى يتحقق النشوز. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 485. (¬2) المنثور جـ 2 ص 352. (¬3) المصدر السابق بتصرف.

القاعدة التاسعة [الثابت بالمعاينة]

القاعدة التاسعة [الثابت بالمعاينة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثابت بالمعاينة فوق الثابت بالبينة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاينة: هي المشاهدة والرؤية بالعين. والبينة: هي الحجة والبرهان والشهود. فمفاد هذه القاعدة: أن الأمر أو الحدث الذي ثبت وجوده ووقوعه بالمشاهدة والرؤية الواضحة أقوى وأثبت في النفس من الأمر الثابت عن طريق البينة؛ لأن البينة طريقها السماع من الغير، وقد يكون الخبر كاذباً أو أخطأ فيه ناقله، بخلاف المشاهدة فاحتمال الخطأ فيها نادر ولذلك كان ثبوت المشاهد قطعيًّا وثبوت المسموع ظنيًّا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأى رجل آخر يفعل فعلاً كقتل أو سرقة أو ارتكاب معصية، فهو يشهد بما رآه بعيني رأسه وله أن يحلف على هذا الفعل بناء على هذه الرؤية. ولكن إذا أخبر بأن فلاناً قتل فلاناً، فلا يمكنه أن يحلف على ذلك - أي على القتل - لأن الإخبار قد يكون كاذباً، بخلاف ما لو رأى بعينه فله أن يحلف على ذلك. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 485.

القاعدة العاشرة [الثابت باليقين]

القاعدة العاشرة [الثابت باليقين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت باليقين لا ينتقض إلا بيقين مثله (¬1). وفي لفظ: ما عرف ثبوتة بيقين لا يُزال إلا بيقين مثله (¬2). وفي لفظ: ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين (¬3). وتأتي في حرف الذال إن شاء الله. وفي لفظ: الذمة إذا أعمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين (¬4). وتأتي في حرف الذال إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد بيان للقاعدة الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك)، وذلك لأن اليقين إذا لم يُزل ويرتفع بالشك فهو يزول ويرتفع بيقين مثله. ورابعة هذه القواعد تمثل جانباً مهمًّا من جوانب القاعدة الكبرى وهو ما يتعلق بإبراء ذمة المكلف سواء أكان إشغالها بحقوق الله سبحانه وتعالى أم بحقوق العباد، ومفادها أن ذمة المكلف - وهي أهليته لتحمل التبعات - إذا أشغلت بحق فهي لا تبرأ من ذلك الحق إلا بيقين كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا دخل وقت صلاة على المكلف شغلت ذمته بوجوب هذه الصلاة عليه يقيناً، فلا تبرأ ذمته من ذلك الوجوب إلا بأداء هذه الصلاة حقيقة بتمامها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 58. (¬2) نفس المصدر جـ 24 ص 13. (¬3) أشباه السيوطي ص 55، أشباه ابن نجيم ص 59، 199. (¬4) إيضاح المسالك القاعدة السادسة والعشرون، وينظر الوجيز ص 482 ط 4.

ومنها: إذا شغلت ذمة إنسان بدين فلا تبرأ إلا بأداء هذا الدين أو إبراء الدائن للمدين. ومنها: سها وشك هل سجد للسهو؟ يجب عليه السجود؛ لأن الذمة أعمرت بوجوب السجود يقيناً، والسجود مشكوك فيه، فعليه باليقين وهو السجود فعلاً. ومنها: إذا شك فيما عليه من صيام، يجب عليه صيام الأكثر أخذاً بالأحوط؛ لأن الذمة لا تبرأ يقيناً إلا بأداء الأكثر.

القاعدة الحادية عشرة [الثابت حكما]

القاعدة الحادية عشرة [الثابت حكماً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثابت حكماً كالثابت حسًّا أو أقوى منه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الثابت حكماً: هو الحق الذي ثبت بتصرف مشروع أثبت حكماً شرعيًّا. والثابت حسًّا: هو ما ثبت وجوده بإحدى الحواس الخمس. فمفاد القاعدة: أن الحق الثابت بالحكم الشرعي أقوى من الحق الثابت حسًّا كوضع اليد، وأشباه ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع البائع المبيع ورضي المشتري، فإن البائع يستحق الثمن ويحكم له به، ولو لم يتسلمه حالاً، لكونه مؤجلاً مثلاً. ومنها: إذا ادعى إنسان داراً في يد رجل وأقام على ذلك البينة، فإنه يحكم له بها، وإن كانت في يد غيره. فثبوت ملكية الدار للمدعي بالحكم أقوى من ثبوت اليد لمن لا يملك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 59.

القاعدتان الثانية عشرة والثالثة عشرة [الثابت بالإقرار]

القاعدتان الثانية عشرة والثالثة عشرة [الثابت بالإقرار] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت بالإقرار في حق المقر كالثابت بالمعاينة (¬1) , أو بالبينة (¬2). وفي لفظ: الثابت من الإذن بالإقرار كالثابت بالبينة (¬3). وفي لفظ: الثابت من الإقرار بالبينة كالثابت بالمعاينة (¬4). أو كالمسموع من المقر في مجلس الحكم (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلق ببعض أدلة الإثبات وهي الإقرار، البينة، المعاينة، فالإقرار - وقد سبقت قواعده وأحكامه في قواعد حرف الهمزة - هو اعتراف من المقر بحق لغيره عليه أو بفعل قد فعله يترتب عليه حكم. أو هو إخبار عن ثبوت حق لغيره على نفسه (¬6). والبينة: الحجة والبرهان، وأصله صفة لموصوف محذوف وهو الدلالة البينة - أي الواضحة والموضَّحة. أي العلامة الواضحة على صدق المدعي وهما الشاهدان أو الثلاثة أو الأربعة ونحوها من البينات (¬7). والمعاينة: المشاهدة بالعين، والمسموع بالأذن. وهذه القواعد ذات شقين: الأول ما يتعلق بما يثبته الإقرار في حق المقر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 98، جـ 30 ص 151، وشرح السير ص 320، 1953. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 44، القواعد والضوابط ص 485. (¬3) المبسوط جـ 27 ص 22. (¬4) المبسوط جـ 11 ص 66. (¬5) نفس المصدر جـ 12 ص 90، جـ 16 ص 160. (¬6) أنيس الفقهاء ص 243. (¬7) المطلع ص 403 بتصرف.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وقد سبق بيان هذا في قواعد الإقرار وأن الإقرار حجة قاصرة على المقر وهو مقبول في حق المقر وفي قوة البينة والمعاينة وقد يكون أقوى؛ لأن المقر لا يتصور منه الكذب على نفسه ليضرها، والبينة محتملة. والشق الثاني يتعلق بإثبات الإقرار - إذا كان في غير مجلس الحكم - فإذا ثبت الإذن بالإقرار أو قامت البينة على إقرار المقر فيكون ثبوت ذلك كالثابت بالمشاهدة، أو بالإقرار المسموع أمام الحاكم في مجلس الحكم فينبني عليه الحكم الملزم؛ لأن قوة الثابت بالبينة كقوة الثابت بالمشاهدة في ترتب حكمه عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: أقر أمام شاهدين أن لفلان عليه ألف دينار - خارج مجلس الحكم - ثم شهد عليه الشاهدان بذلك الإقرار في مجلس الحكم، فشهادتهما مقبولة كإقراره أمام الحاكم. ومنها: إذا أقر بحق عليه فإقراره ملزم كما لو قامت عليه البينة أو شوهد بأخذ ذلك الحق. ولا فرق في حقوق العباد بين الإقرار والبينة - من حيث الإلزام - فكلاهما ملزم للمقر وللمشهود عليه، ولا يجوز للمقر أن يتراجع عن إقراره، كما لا يمكن رد شهادة الشهود إلا إذا طُعن في عدالتهم. ويفترق الإقرار عن الشهادة بأن الإقرار حجة قاصرة على المقر ولا تتعداه إلى غيره، وأما البينة فهي حجة متعدية إذ تتعدى المشهود عليه إلى غيره عند اتحاد السبب. وأما من حيث حقوق الله تعالى فيختلف الإقرار عن البينة من حيث إن المقر بحق لله تعالى كالزنا وشرب الخمر يمكنه الرجوع عن إقراره وإكذابه نفسه فلا يقام عليه الحد، ولكن الحق الثابت بالبينة لا يمكن للمشهود عليه الرجوع عنه ولا رده ولا إنكاره بعد الإشهاد عليه.

القاعدة الرابعة عشرة [الثابت من وجه]

القاعدة الرابعة عشرة [الثابت من وجه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الثابت من وجه دون وجه لا يكون ثابتاً مطلقاً، وبدون الإطلاق لا يثبت الكمال (¬1). وفي لفظ مقابل: الثابت من وجه يلحق بالثابت من كل وجه فيما يدرأ بالشبهات (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متقابلتان ظاهراً ولكنهما في الحقيقة ليستا كذلك بل إحداهما وهي الأولى أصل، والثانية تعتبر استثناء منها. فمفاد الأولى: أن الأمر الثابت من وجه دون وجه - أي أن ثبوته ليس كاملاً - لا يكون ثابتاً مطلقاً - حتى يأخذ حكم الثابت من كل وجه؛ لأن كمال الثبوت لا يكون إلا بإطلاق الثبوت من كل وجه. ومفاد الثانية: أن بعض الثابت من وجه دون وجه يأخذ حكم الثابت من كل وجه ويلحق به في الأحكام وذلك فيما يدرأ بالشبهات خاصة وهي الحدود. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الأمة المشتركة بين اثنين لا يجوز لأحد منهما وطؤها؛ لأن كل واحد منهما لا يملكها على سبيل الكمال، والوطء لا يجوز ولا يباح إلا بتمام الملك وكماله. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 65. (¬2) القواعد والضوابط ص 486.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة وهو من أمثلة القاعدة الثانية

ومنها: هبة المشاع عند الحنفية لا تجوز؛ لأن الهبة يشترط فيها القبض والمشاع لا يمكن قبضه، فمن وهب ثلث كذا أو ربعه أو نصيبه من أرض كذا أو عقار كذا لا يجوز؛ لأن شرط القبض منصوص عليه في الهبة فيراعى وجوده على أكمل الجهات التي تُمكن، كشرط استقبال القبلة في الصلاة لما كان منصوصاً عليه يشترط ذلك فيه. حتى لو استقبل الحطيم - حجر إسماعيل عليه السلام - لا تجوز صلاته، والحطيم من البيت من وجه دون وجه، ثم القبض مع الشيوع ثابت من وجه دون وجه، ولذلك لا تتم الهبة مع الشيوع ولا تجوز حتى تقع القسمة (¬1) لعدم التمكن من القبض. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة وهو من أمثلة القاعدة الثانية: الأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين يدرأ عنه الحد وعليه تمام قيمتها لشريكه؛ لأن الثابت من وجه يلحق بالثابت من كل وجه فيما يدرأ بالشبهات (¬2). ومنها: الوطء في نكاح مختلف فيه يوجب مهر المثل ويدرأ الحد لشبهة العقد. ومنها: إذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر فلا قطع عليه إذا كان المال ليس محرزاً، وهذا باتفاق. وإن سرق من حرز ففيه خلاف (¬3). ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 486. (¬2) المغني لابن قدامة جـ 12 ص 344. (¬3) نفس المصدر جـ 12 ص 461.

القاعدة الخامسة عشرة [الثبوت ابتداء]

القاعدة الخامسة عشرة [الثبوت ابتداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثبوت ابتداء يستدعي قيام الملك مطلقاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة: أن ثبوت الأحكام ابتداء كالنفقة للزوجة مثلاً يستدعي قيام الزوجية وتبوئه الزوجة منزلاً للزوج تقيم فيه وتقوم على زوجها وتتفرغ لمصالحه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزوجة إذا كانت ناشزاً وليس في بيت الزوج، وطلقها الزوج، فلا نفقة لها في العدة ما دامت خارج بيت الزوجية، فإذا عادت إلى بيت الزوج في العدة فلها النفقة ما دامت في العدة؛ لأن العدة حق من حقوق النكاح، فكما يبقى باعتبار هذا الحق ما كان لها من استحقاق السكنى فكذلك النفقة، وباستحقاق السكنى تبين بقاء ملك اليد للزوج عليها ما دامت في العدة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 203.

القاعدة السادسة عشرة [ثبوت الأجل]

القاعدة السادسة عشرة [ثبوت الأجل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ثبوت الأجل يبنى على وجوب المال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأجل: هو المدة المضروبة لسداد الدين. فمفاد القاعدة: أن المدة المضروبة لسداد الدين مبناها على وجوب المال أولاً فما لم يجب المال لا تثبت المدة؛ لأن وجوب المال أصل والأجل فرع مبني عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تزوجها على أن يعطيها مهرها بعد ستة أشهر مثلاً، جاز ذلك إذا تم عقد النكاح وسلمت نفسها له ولا حق لها في المطالبة إلا عند حلول الأجل. وأما إذا تراوضا على النكاح على أن يكون المهر بعد ستة أشهر فلا تبدأ المدة قبل تمام العقد؛ لأن بتمام العقد يجب المال. ومنها: إذا اشترى سلعة بثمن مؤجل فلا يثبت الأجل ما لم يستلم السلعة لأنه بدون استلام السلعة لا يثبت المال ولا يجب على المشتري. ومنها: إذا قتل رجل خطأ فلم يرفع إلى القاضي إلا بعد عدة سنين فإن القاضي يقضي بالدية على عاقلة القاتل في ثلاث سنين من يوم القضاء؛ لأن المال إنما يجب بقضاء القاضي فأما قبل القضاء فالمال ليس بواجب (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 128، جـ 28 ص 34. (¬2) نفس المصدر بتصرف.

القاعدة السابعة عشرة [ثبوت التبع]

القاعدة السابعة عشرة [ثبوت التبع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ثبوت التبع بثبوت المتبوع (¬1)، أو الأصل (¬2). وفي لفظ: ثبوت الحكم في التبع كثبوته - أو بثبوته - في الأصل (¬3) أو المتبوع (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد سبق ذكر قريب من معناها في قواعد حرف التاء تحت الأرقام 10 - 15. ومفادها: أن التابع إنما يثبت ويوجد بثبوت أصله ووجوده، وأن ثبوت حكمه إنما يكون أيضاً بثبوته في أصله ومتبوعه؛ لأن التابع لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم بل يكون تابعاً لأصله في حكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الحمل لا يثبت بدون أمه فوجوده بوجودها. فمن باع حاملاً دخل حملها في البيع تبعاً وأخذ حكمها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 18. (¬2) نفس المصدر جـ 11 ص 188، جـ 24 ص 124. (¬3) نفس المصدر جـ 21 ص 118. (¬4) نفس المصدر جـ 2 ص 93، 106، جـ 7 ص 104، جـ 11 ص 67، جـ 12 ص 83، جـ 13 ص 187، جـ 26 ص 136، وشرح السير ص 1043، وينظر الوجيز ص 331 فما بعدها. وينظر أيضاً: إيضاح المسالك ق 52، أشباه السيوطي ص 117، أشباه ابن نجيم ص 120، المجلة م 47 وشروحها.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

ومنها: الرهن تابع للدين فلا يوجد رهن بدون دين فثبوت الرهن بثبوت الدين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: يصح إعتاق الجنين دون أمه, كما يصح الهبة له ويقبض عنه وليه وهو يرث دون أمه. كما يصح الوصية له.

القاعدة الثامنة عشرة [ثبوت الحكم]

القاعدة الثامنة عشرة [ثبوت الحكم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ثبوت الحكم بحسب الحاجة (¬1). وفي لفظ: ثبوت الحكم بحسب السبب (¬2) وفي لفظ: ثبوت الحكم باعتبار السبب (¬3) أو على وفق السبب (¬4). وفي لفظ: ثبوت الحكم بثبوت سببه (¬5) أو بتقرر بسببه (¬6). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: مفاد هذه القواعد أن ثبوت الحكم تابع لثبوت سببه، فإذا ثبت السبب أو العلة وتقرر فيثبت الحكم المبني عليه، ويكون الحكم الناتج عن السبب في قوة سببه، إن كان السبب قطعيًّا كان الحكم مقطوعاً به تبعاً له، وإن كان السبب ظنيًّا فكذلك يكون الحكم المبني عليه، حيث إن الحكم يتبع سببه قوة وضعفاً، وحتى إذا كان السبب موهوماً كان الحكم موهوماً كذلك، أي لا يعتد به لعدم الاعتداد بسببه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: اللقيط المحكوم بحريته إذا ارتكب سبباً موجباً للحد كالزنا فعليه الحد الكامل إذا تأكدت حريته بقضاء القاضي عليه، فإذا أقر بعد ذلك أنه رقيق ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 221. (¬2) نفس المصدر جـ 6 ص 55. (¬3) نفس المصدر جـ 12 ص 203. (¬4) نفس المصدر جـ 30 ص 45. (¬5) نفس المصدر جـ 14 ص 99، جـ 26 ص 94. (¬6) نفس المصدر جـ 30 ص 295.

لا يُقبل إقراره؛ لأن في قبول إقراره إبطال حكم الحاكم. ومنها: إذا ثبت رق اللقيط بإقراره بعد ما أدرك - ولم يحكم القاضي بحريته - فهو عبد وأحكامه بعد ذلك في الجنايات والحدود أحكام العبيد؛ لأنه صار محكوماً عليه بالرق. ومنها: في ولاء الموالاة إذا اتفقا على توريث كل واحد منهما من صاحبه يثبت الحكم من الجانبين، حيث إن سبب التوريث العقد والشرط فعلى الوجه الذي وجد به الشرط يثبت الحكم. ومنها: أن ولاء العتق بعد ثبوته لا يحتمل النقض والفسخ؛ لأن الإعتاق لا يحتمل النقض بعد ثبوته، وثبوت الحكم على وفق السبب (¬1). ومنها: لو أن امرأة طلقها زوجها أو مات عنها فأرضعت صبيًّا بعد انقضاء عدتها، فإنها تثبت حرمة الرضاع بين هذا الصبي وبين زوجها - المطلق أو الميت - بمنزلة ما لو كان الإرضاع في حال قيام النكاح بينهما؛ لأن سبب نزول اللبن لها كان وطء ذلك الزوج فما بقي ذلك اللبن يكون مضافاً إلى ذلك السبب (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 45 بتصرف. (¬2) نفس المصدر جـ 30 ص 295.

القاعدة التاسعة عشرة [ثبوت الحكم]

القاعدة التاسعة عشرة [ثبوت الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ثبوت الحكم باعتبار كمال العلة (¬1). أي العلة ذات الأوصاف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام لها علل وأسباب تعلل بها وتضاف إليها، والعلة قد تكون ذات وصف واحد به كمالها فيثبت الحكم بوجودها، كالقذف علة لإقامة الحد على القاذف، وقد تكون العلة ذات أوصاف متعددة فلا يثبت الحكم بها إلا إذا وجدت كل أوصافها، فلو تخلف منها وصف لم يثبت الحكم، ويكون تخلفه لعدم كمال العلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القتل العمد العدوان من غير والد ولا مجنون ولا صغير يوجب القصاص، فأما إذا كان قتلاً غير عمد فلا يوجب القصاص لتخلف وصف من أوصاف العلة، وكذلك إذا كان عمداً ولكنه بحق فكذلك لا يوجب القصاص، وهكذا لا بد لوجوب القصاص من وجود أوصاف العلة كلها. ومنها: إذا ادعى رجل أنه ابن رجل - والأب يجحد - فأقام المدعي البينة أنه ابنه ولد على فراشه وأنه وارثه، فقضي بذلك، ثم رجع الشهود عن شهادتهم فلا ضمان عليهم؛ لأنهم لم يشهدوا عليه بمال إنما ألزموه النسب بشهادتهم والنسب ليس بمال، ولو مات فورثه ثم رجعوا عن شهادتهم لم يضمنوا شيئاً كذلك؛ لأنهم ألزموه النسب بشهادتهم في حال الحياة ولا يكون ذلك شهادة بالميراث، وهذا لأن استحقاق الميراث ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 16.

بالنسب والموت جميعاً فكان حكماً متعلقاً بوصفين، فإنما يحال به على آخر الوصفين وجوداً - وهو الموت - لأن العلة تتم به وثبوت الحكم باعتبار كمال العلة.

القاعدة العشرون [ثبوت حكم الطهارة]

القاعدة العشرون [ثبوت حكم الطهارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ثبوت حكم الطهارة في الأصل يوجب ثبوته في التبع (¬1). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد القاعدة: أن الأصل إذا كان طاهراً فيلزم من طهارته طهارة فرعه وتابعه؛ لأن التبع يأخذ حكم أصله، فما كان أصله طاهراً كان هو طاهراً كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الشافعي رحمه الله أن المستحاضة تتوضأ لكل فريضة مكتوبة تُريد صلاتها، وتصلي بوضوئها هذا ما شاءت بعد ذلك من النوافل؛ لأن النوافل تبع للفرائض، فإذا ثبت طهارة المستحاضة في الفريضة ثبت طهارتها أيضاً في نوافلها؛ لأن ثبوت حكم الطهارة في الأصل يوجب ثبوته في التبع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 84، وينظر روضة الطالبين جـ 1 ص 251.

القاعدة الحادية والعشرون [ثبوت الحكم عند ثبوت شرطه]

القاعدة الحادية والعشرون [ثبوت الحكم عند ثبوت شرطه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ثبوت الحكم عند وجود شرطه نظير ثبوت الحكم بالعلة (¬1). وفي لفظ: ثبوت الحكم عند وجود الشرط يكون محالاً به على السبب (¬2). وفي لفظ: الوجوب إذا ثبت عند وجود شرطه فإنما يحال به على سببه (¬3). وتأتي في حرف الواو إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق معنى الشرط والعلة والسبب، فمفاد هذه القواعد أن الحكم إذا ثبت عند وجود شرط وجوبه فهو شبيه بثبوت الحكم بالعلة، ومن ناحية ثانية إن ثبوت هذا الحكم عند وجود شرطه لا يحال على الشرط؛ لأن الشرط عند الأصوليين (ما ينتفي الحكم عند انتفائه، ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه) بل إنما يحال به على سببه وعلته, لأن السبب هو الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ويلزم من انتفائه انتفاء الحكم. فإذا ثبت الحكم دل ذلك على وجود سببه وعدم انتفاء شرطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا وجبت الزكاة عند حولان الحول - وهو شرطها - فكأنها وجبت لثبوت ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 206. (¬2) نفس المصدر جـ 25 ص 143، 146. (¬3) المبسوط جـ 25 ص 143.

سبب وجوبها وهو النصاب، بل إن ثبوت وجوبها إنما يحال به على سببها وهو النصاب، وكان وجود الشرط موجباً إخراجها لمستحقيها. فالسبب موجب، والشرط موجب، ولكن جهة الإيجاب مختلفة، فالسبب هو بلوغ المال النصاب موجب للزكاة في المال، وحولان الحول وهو شرطها موجب لإخراجها لمستحقيها وتعلق وجوب ذلك بذمة المكلف. ومنها: وجوب الصلاة وتعلقها في ذمة المكلف المتطهر بعد دخول وقتها شبيه بثبوت وجوبها بسببها وهو الوقت، وإنما يحال وجوب الأداء على السبب لا على الشرط. ومنها: لا يعتق المكاتب إلا بأداء جميع المال؛ لأن الشرط يقابل المشروط جملة.

القاعدة الثانية والعشرون [ثبوت الصفة]

القاعدة الثانية والعشرون [ثبوت الصفة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ثبوت الصفة بثبوت الأصل (¬1) وفي لفظ: الصفة تتبع الأصل فتبنى عليه (¬2). وتأتي في حرف الصاد إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الأوصاف تبع موصوفاتها؛ لأن الصفة لا تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل تقوم به، والأصول بالنسبة للصفات ذوات والصفات أعراض، والعرض لا يقوم بنفسه، ولذلك كان ثبوت الصفة بثبوت الأصل وانتفاؤها بانتفائه أو بحلول صفة أخرى محلها. وحكم الصفة حكم أصلها إذ تبنى عليه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا وكل رجل شخصاً في طلاق امرأته طلقة رجعية، فطلقها طلقة بائنة وقعت رجعية، حيث إن الموكل إنما وكله بطلقة رجعية فقوله: بائنة يعتبر ملغى؛ لأن ذلك غير مفوض إليه فيبقى قوله: طلقتك. فتقع على الوجه الذي فوض إليه (لأن ثبوت الصفة بثبوت الأصل). ومنها: إذا لحق بعض أهل الذمة بجيش المسلمين - أو كانوا من تجار أهل الحرب - فقاتلوا مع المسلمين، ثم أسلموا قبل إصابة الغنائم أو بعدها، ¬

_ (¬1) مبسوط جـ 19 ص 125. (¬2) شرح السير ص 905 بتصرف.

فمن كان منهم راجلاً فله سهم راجل ومن كان منهم فارساً استحق سهم الفرسان؛ لأن إسلامهم قبل تمام الاستحقاق بإحراز الغنائم بدار الإسلام يجعل بمنزلة ما لو كانوا مسلمين عند ابتداء السبب في صفة استحقاق الغنيمة؛ لأن الصفة تتبع الموصوف فتبنى عليه.

القاعدة الثالثة والعشرون [ثبوت المتضمن]

القاعدة الثالثة والعشرون [ثبوت المتضمِّن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ثبوت المتضمَّن إنما يكون بعد صحة المتضمِّن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتضمَّن: اسم مفعول، والمتضمِّن اسم فاعل. فالمتضمَّن فرع والمتضمِّن أصل، وإنما يثبت الفرع بثبوت أصله، ويصح الفرع بعد صحة أصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة متضمنة لأجزاء فروض وواجبات وسنن وآداب، فلا تصح هذه الأجزاء أو بعضها إلا إذا صحت الصلاة جملة. ومنها: ثبوت المهر إنما يكون بعد صحة عقد النكاح. ومنها: ثبوت الثمن في ذمة المشتري إنما يثبت بعد صحة عقد البيع. ومنها: اليمين لا توجه على المدعى عليه إلا بعد صحة الدعوى. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 385.

القاعدة الرابعة والعشرون [ثبوت الملك]

القاعدة الرابعة والعشرون [ثبوت الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ثبوت الملك باعتبار حال المالك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة: أن المالكين يختلفون في ثبوت ما يمكن أن يملكوه باختلاف أحوالهم، إما الاختلاف بالحرية والرق فالحر يملك ما لا يملكه الرقيق، وإما الاختلاف بحال الذكورية والأنوثية فالرجل يملك ما لا تملكه المرأة، وإما بحال العقل وعدمه، والبلوغ والصغر، ولكل في إثبات الملك أحكام، وسواء في ذلك ما يتعلق بالعقود أم ما يتعلق بالإطلاقات كالطلاق والإذن والعتق وغير ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحر يملك المال، والعبد لا يملك المال؛ لأن العبد وما ملكت يداه لمولاه. ومنها: الحر يملك أن يتزوج أربعاً، والعبد على النصف من ذلك له أن يتزوج اثنتين. ومنها: الحر يملك أن يطلق ثلاث تطليقات، والعبد لا يملك سوى تطليقتين. ومنها: الحرة عدتها ثلاث حيض، والأمة عدتها حيضتان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 39.

ومنها: الرجل يملك أن يطلق، والمرأة لا تملك ذلك. ومنها: الحر البالغ يملك التصرف فيما يملك والصغير والمجنون لا يملكان ذلك.

القاعدة الخامسة والعشرون [الثمن]

القاعدة الخامسة والعشرون [الثمن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الثمن إذا كان عيناً لا يقبل الأجل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن الثمن إذا لم يكن مالاً - دنانير أو دراهم - وكان عيناً - أي غير الدراهم والدنانير - من المتاع والحيوان وغيره، وهذا المعنى هو المراد هنا، فلا يقبل التأجيل بل يجب أداؤه حالاً؛ لأنه لا يتعلق بالذمة كالدراهم والدنانير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع داراً بعبد، وجب أداء العبد حالاً ولا يقبل التأجيل بأن يقول المشتري أُسلِّم لك العبد بعد سنة مثلاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 140.

القاعدة السادسة والعشرون والقاعدة السابعة والعشرون [الثمن]

القاعدة السادسة والعشرون والقاعدة السابعة والعشرون [الثمن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: 1 - الثمن يملك بملك الأصل (¬1). 2 - الثمن ما يثبت ديناً في الذمة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاعدة الأولى مفادها: أن ملك الثمن تابع لملك أصله وهو المبيع، فمن ملك المبيع ملك ثمنه. والقاعدة الثانية تفيد أن ما يكون ثمناً هو ما يمكن أن يثبت ديناً في الذمة، كالدراهم والدنانير ومفهومها: أن ما لا يثبت ديناً في الذمة لا يكون ثمناً. كالعروض، ولكن ثبت في القاعدة السابقة أن الثمن قد يكون عيناً والعين لا تثبت في الذمة. ولعله يعتبر استثناءً من القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا باع الوكيل ما وُكِل به وجب عليه رد الثمن إلى الموكل، فهو المالك له لأنه يملك أصله وهو المبيع، ولا يكون الثمن ملكاً للوكيل لأنه باع. ومنها: إذا كان جمل في يد رجل وقال: هذا مضاربة لفلان معي بالنصف ثم باعه بألفين. وقال: كان رأس المال ألف درهم. وقال رب المال دفعت الجمل إليك بعينه للمضاربة، فالقول قول رب المال؛ لأنه أقر بملك الجمل له حين قال أي المضارب: بأنه مضاربة لفلان معي، فإن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 120 بتصرف. (¬2) نفس المصدر جـ 14 ص 2 بتصرف.

من أمثلة القاعدة الثانية

اللام للتمليك فيثبت الملك في الجمل لرب المال في إقراره، والثمن يملك بملك الأصل فيكون الثمن لرب المال وعليه للمضارب أجر مثله؛ لأن رب المال أقر له بذلك على نفسه، وكان للمضارب أجر مثله لا نصف الربح؛ لأن المضاربة بالعروض فاسدة، وإذا فسدت المضاربة كان للمضارب أجر مثله. من أمثلة القاعدة الثانية: باع جملاً بمائة دينار وأخذ بدلها ألف درهم جاز؛ لأن النقود لا تتعين بالتعيين، ولذلك لا تستحق بالعقد إلا ديناً في الذمة، ولو كانت تتعين بالتعيين لم تكن ديناً في الذمة ولكانت عروضاً لا أثماناً. وبهذا انتهت قواعد حرف الثاء بحسب الإمكان

الخاتمة

الخاتمة بهذا تمت قواعد القسم الثاني من موسوعة القواعد الفقهية ويتلوه قريباً إن شاء الله تعالى القسم الثالث ويشمل قواعد حروف "الجيم، الحاء، الخاء، والدال، والذال، والراء، والزاي".

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع زيادة عما هو في فهارس القسم الأول 1 - كتاب أساس البلاغة، تحقيق عبد الرحيم محمود، للزمخشري جار الله محمود بن عمر أبي القاسم المتوفى سنة 538 هـ، طبع دار المعرفة بيروت 1402 هـ. 2 - كتاب البرهان في أصول الفقه، تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني المتوفى سنة 478 هـ، الطبعة الأولى 1399 هـ قطر. مطابع الدوحة الحديثة. 3 - كتاب التعريفات الفقهية، ضمن كتاب قواعد الفقه، للبنجلاديشي السيد عميم الإحسان المجددي البركتي، طبع ونشر الصَّدف ببلشرز كراتشي باكستان 1407 هـ. 4 - كتاب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، للمزي يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف الكلبي القضاعي أبي الحجاج المتوفى سنة 742 هـ، طبع مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الخامسة 1413 هـ. 5 - كتاب جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، لابن الأثير أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري مجد الدين المتوفى سنة 606 هـ، مطبعة الملاح، بيروت 1390 هـ. 6 - كتاب جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس للحميدي أبي عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأزدي المتوفى سنة 488 هـ، طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م. 7 - كتاب حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، تحقيق الدكتور ياسين درادكه، للقفال الشاشي أبي بكر محمد بن أبي أحمد سيف الدين القفال، مكتبة الرسالة الحديثة، عمَّان، الطبعة الأولى 1988 م. 8 - كتاب الذخيرة، تحقيق محمد حجي للقرافي أحمد بن إدريس الصنهاجي شهاب الدين المتوفى سنة 684 هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1994 م. 9 - كتاب رد المحتار، حاشية ابن عابدين، ابن عابدين محمد أمين بن عمر الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 1252 هـ، طبع دار الطباعة المصرية سنة 1272 هـ. 10 - كتاب رسائل ابن نجيم، تحقيق الشيخ خليل الميس، ابن نجيم زين الدين بن إبراهيم الحنفي المتوفى سنة 970 هـ، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ.

11 - كتاب سبل السلام شرح بلوغ المرام تصحيح وتعليق محمد محرز حسن سلامة، للصنعاني محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني المتوفى سنة 1182 هـ، مطابع الرياض 1397 هـ. 12 - كتاب السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، للبيهقي أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي المتوفى سنة 458 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ. 13 - كتاب طبقات الشافعية، تحقيق عادل نويهض، لابن هداية الله أبو بكر بن هداية الله المريواني الكوراني الكردي المتوفى سنة 1014 هـ، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية 1979 م. 14 - كتاب القواعد النورانية الفقهية، تحقيق محمد حامد الفقي، لابن تيمية أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام تقي الدين الحراني المتوفى سنة 728 هـ، دار المعرفة، بيروت 1399 هـ. 15 - كتاب قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية، لابن جزي محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي أبي القاسم، دار العلم للملايين، بيروت 1974 م. 16 - كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي تعليق محمد المعتصم بالله البغدادي، للبخاري عبد العزيز بن أحمد علاء الدين المتوفى سنة 730 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ. 17 - كتاب كشف الأسرار شرح المنار، للنسفي أبي البركات عبد الله بن أحمد حافظ الدين المتوفى سنة 710 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ. 18 - كتاب اللباب في شرح الكتاب، تحقق محمد محي الدين عبد الحميد، للميداني الشيخ عبد الغني الدمشقي الحنفي، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت 1412 هـ. 19 - كتاب المسائل الماردينية لابن تيمية، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم أبي العباس تقي الدين. تحقيق زهير الشاويش - المكتب الإسلامي - بيروت. ط الثالثة. 20 - كتاب المستدرك على الصحيحين، للحاكم الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ، دار الكتاب العربي، بيروت. 21 - كتاب معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، للطرابلسي علي بن خليل أبو الحسن علاء الدين الحنفي، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الثانية 1393 هـ.

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستاذ المشارك في كليّة الشريعَة وأصُول الِدّين بالقصيم - بريدَة القِسمُان الثالث والرابع حُروف الجيم والحاء والخاء, والدال والذال والراء والزاي مكتبة التَّوبَة دار ابن حزم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف الطبعَة الأولى 1421 هـ - 2000 م ح مكتبة التوبة للنشر والتوزيع , 1420 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر الغزي, محمد صدقي أحمد البورنو موسوعة القواعد الفقهية - الرياض. ... ص , .. سم ردمك: × - 36 - 704 - 9960 (مجموعة) 8 - 40 - 9960 (ج 5) 1 - القواعد الفقهية - موسوعات أ - العنوان ديوي 603, 251 - 1712/ 20 رقم الإيداع: 1712/ 20 ردمك: × - 36 - 704 - 9960 (مجموعة) 8 - 40 - 9960 (ج 5) مكتبة التوبة الرياض - المملكة العربية السعودية - شارع جرير هاتف 4763421 فاكس 4774862 ص. ب 18290 الرمز 11415 دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان - ص ب: 6366/ 14 - تلفون: 701974

تقديم هذان القسمان: الثالث والرابع من موسوعة القواعد الفقهية. القسم الثالث ويشمل: 1 - حرف الجيم: وعدد قواعده 36 ست وثلاثون قاعدة. 2 - حرف الحاء: وعدد قواعده 124 أربع وعشرون ومائة قاعدة. 3 - حرف الخاء: وعدد قواعده 31 احدى وثلاثون قاعدة. ومجموع قواعد هذا القسم إحدى وتسعون ومائة قاعدة. القسم الرابع: ويشمل قواعد الحروف التالية: 1 - حرف الدال: وعدد قواعده 40 أربعون قاعدة. 2 - حرف الذال: وعدد قواعده 7 سبع قواعد. 3 - حرف الراء: وعدد قواعده 28 ثمان وعشرون قاعدة. 4 - حرف الزاي: وعدد قواعده 8 ثماني قواعد. ومجموع قواعد هذا القسم ثلاث وثمانون قاعدة. وقد سرت في هذين القسمين على نفس الطريقة التي سرت عليها في القسمين السابقين: أذكر القسم والحرف أولا ثم رقم القاعدة التسلسلي ثم لفظ ورود القاعدة أو ألفاظ ورودها إن وردت بصيغ مختلفة مع نسبة كل صيغة لمصدرها، وأذكر على يسار القاعدة أسفل منها المصطلح الفقهي الذي يعبر عن مضمون وموضوع القاعدة، ثم أذكر معنى القاعدة ومدلولها: وما يستفاد منها، ثم بعض أمثلتها ومسائلها:، ثم أذكر بعض ما يستثنى من بعض القواعد لا كلها.

وقد وشحت كل قاعدة بالهوامش والحواشي اللازمة من ذكر مصدر القاعدة جزءاً وصفحة ومصادر النقول، وترقيم الايات، وتخريج الاحاديث، وترجمة الاعلام الذين لم يترجم لهم سابقا - ومن ترجم له سابقا تركته -. وأختم هذين القسمين بالفهارس العلمية الاتية: 1 - فهرس الآيات الكريمة منسوبة إلى سورها بحسب ورودها في الموسوعة. 2 - فهرس الأَحاديث الشريفة بحسب ورودها في الموسوعة كذلك. 3 - فهرس القواعد بحسب ترتيب ورودها. 4 - فهرس المصطلحات الفقهية مرتبة على حروف المعجم. 5 - فهرس الأَعلام المترجم لهم فقط. 6 - فهرس المصادر والمراجع الزائدة على القسمين السابقين فقط. وأرجو الله سبحانه أن ينفع بهذين القسمين كما نفع بسابقيهما، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. والحمد لله رب العالمين. المؤلف د/ محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو أبو الحارث الغزي القصيم - بريدة 3818209/ 06 10/ 11/ 1419

حرف: الجيم

القسم الثالث قواعد حرف الجيم والحاء والخاء أولاً: قواعد حرف: الجيم

القاعدة الأولى: [الجباية والحماية]

القاعدة الأولى: [الجباية والحماية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجباية تكون بسبب الحماية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجباية في اللغة: من جبى يجبي، وجبا يجبو جباوة: أي جَمَعَ. يقال: جبى المال والخراج: جمعه (¬2). والمراد بها هنا: جمع الخراج والجزية. الحماية في اللغة: من حمى يحمي. يقال: حميت المكان من الناس حِمْياً وحمية: منعته عنهم. والحماية اسم مصدر. ويقال: حميت القوم: نصرتهم (¬3). والمراد بالحماية هنا: المنع والنصرة. فمفاد القاعدة: أَنَّ أَخذ الخراج والجزية ممن يجبان عليه إنما كان بسبب منع أهلهما من أَعدائهم ونصرتهم على من يرومهم. وكذلك بالنسبه لأَخذ الزكاة من المسلمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ظهر الخوارج على بلد من بلدان أهل العدل فأَخذوا من سكانها صدقة أَموالهم ثم ظهر عليهم الامام لم يأخذ منهم ثانياً؛ لأَنه عجز عن حمايتهم. وكذلك لو كان أهل هذه البلدة ذمة للمسلمين وظهر عليهم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 180. (¬2) المصباح المنير مادة (جبيت) ومختار الصحاح مادة (جبا). (¬3) المصباح مادة (حميت).

رابعا: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة

الخوارج فأخذوا منهم الجزية والخراج ثم ظهر عليهم الامام لم يأخذ منهم ثانيا، لأَنه عجز عن حمايتهم. (والجباية تكون بسبب الحماية). رابعاً: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة: التاجر إذا مر على عاشر - أي جابي وجامع المال - أهل البغي فعشَّره - أي أخذ عشر ما مر عليه من تجارته - ثم مر على عاشر أهل العدل يعشره ثانياً، لأَن صاحب المال هو الذي عرَّض ماله حين مر به عليه فلم يعذر. بخلاف الصدقة أو الجزية أو الخراج، لأَن صاحب المال المأخوذ صدقته لم يصنع شيئا ولكن الإمام عجز عن حمايته، فلهذا لا يأخذ ثانية. ولكن التاجر المسلم الذي عشَّره أهل البغي يفتى فيما بينه وبين الله تعالى بالاداء، لأنهم أَي أهل البغي لا يأخذون أموالنا على طريق الصدقة بل على طريق الاستحلال، ولا يصرفونها إلى مصارف الصدقة، فينبغي لصاحب المال أن يؤدي ما وجب عليه لله تعالى، فإنما أخذوا منه شيئا ظلماً. ومثل هذا في عصرنا المال الذي تأخذه كثير من الدول باسم ضريبة الدخل. لا يغني عن إخراج زكاة المال لأَن تلك الضريبة المأخوذة لا تصرف في مصارف الزكاة الشرعية. وكذلك إذا أخذ أهل البغي من أهل الذمة في ذلك البلد خراج رؤوسهم أو أَرضهم، لم يأخذهم الإمام بما مضى لعجزه عن حمايتهم.

القاعدة الثانية [اعتبار الجزء]

القاعدة الثانية [اعتبار الجزء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجزء معتبر بالكل (¬1). وفي لفظ: اعتبار الجزء بالكل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ان الحكم الذي يبنى على فعل الجزء يكون معتبرا ومقيساً على فعل الكمال، لأَن الجزاء إِنما يجب بحسب الجناية. كما سيلي: ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قبضت المرأة نصف صداقها ووهبت لزوجها النصف الآخر ثم طلّقها - قبل الدخول - يرجع عليها بنصف المقبوض - عند أبي يوسف ومحمد -، لأَن الزوجة حينما وهبت له نصف الصداق فكأنها حطت منه نصفه، فيبقى المهر هو نصف المعقود عليه، فحين طلقها قبل الدخول يعود عليها بنصف ما قبضت، لأنه هو المهر كله بعد الحط. ومنها: إذا استعار دابة أو سيارة ليركبها فركبها وآخر معه فهلكت، ضمن نصف قيمتها - إذا كانت تطيق حمل رجلين - وعلى الآخر النصف الآخر. أَمَّا إذا كانت الدابة لا تطيق حمل رجلين فعليه قيمتها كاملة، لأنه متعد. ومنها: إذا أَجره دارا ثم انتزع منها بيتا، سقط من الأُجرة بحسابه كما لو انتزع منه الكل سقط كل الأُجرة (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 65، جـ 11 ص 58، 127، جـ 21 ص 159. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 168. (¬3) المبسوط ج 15 ص 137.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة في قول عند محمد بن الحسن: إن المحرم إذا استعمل الطيب في ربع رأسه فعليه دم كامل؛ إذ جعل الربع بمنزلة الكمال - على قياس الحلق - وإن كان المشهور عنده اعتبار الجزء بالكل.

القاعدة الثالثة [الجزاء - الجناية]

القاعدة الثالثة [الجزاء - الجناية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجزاء إِنما يجب بحسب الجناية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الجزاء في اللغة: القضاء. يقال: جزى الأمر يجزي جزاء، مثل قضى يقضي قضاءً. وزناً ومعنى. ويكون بمعنى الإثابة (¬2). وقال في أنيس الفقهاء: الجزاء العوض والمستحق، والثواب والعقاب (¬3). وهذا هو المعنى الفقهي الاصطلاحي للجزاء. والجناية في اللغة: من جنى يجني جناية: أي أَذنب ذنباً يؤاخذ به (¬4). وقال في التعريفات: الجناية: كل فعل محظور يتضمن ضرراً على النفس أو غيرها (¬5). وقال في أنيس الفقهاء: الجناية ما يجتنيه من شر - أي يحدثه - تسمية - بالمصدر - من جنى عليه شراً. وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل. فمفاد القاعدة: أَن العقوبة إِنما تكون بمقدار الفعل المحرم (¬6). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 122. (¬2) المصباح مادة (جزى) ومختار الصحاح (جزى). (¬3) ص 102 (¬4) المصباح مادة (جنيت) ومختار الصحاح مادة (جنى). (¬5) ص 83. (¬6) ص 143.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استعمل المحرم الطيب في عضو كامل - كالرأس - فيلزمه الدم. وأَما إن استعمله في أقل من عضو فعليه الصدقة أو حصته من الدم (¬1). ومنها: إذا زنا فعليه الحد كاملاً. واما إذا كان دون الزنا كالمفاخذة - والمباشرة - فعليه التعزير عقوبة. ولكن لا يحد، لأَن الجناية ليست كاملة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 122.

القاعدة الرابعة [جحود العقد]

القاعدة الرابعة [جحود العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جحود أحد المتعاقدين العقد وعزم الآخر على عدم الخصومة فسخٌ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجحد والجحود في اللغة: الإِنكار. يقال: جحده حقه وبحقه جحداً وجحوداً أنكره. ولا يكون إلا على علم من الجاحد به (¬2). فمفاد القاعدة: إِنَّ أَحد المتعاقدين إذا أَنكر وقوع العقد ولم يُرِد الآخر الخصومة فيه فإن ذلك يدل على إرادة فسخ العقد من كليهما. فيعتبر العقد مفسوخاً كأن لم يكن ولا يترتب عليه حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل باع أمة فأنكر المشتري الشراء، فإن عزم البائع على ترك الخصومة جاز له أَن يطأ الجارية؛ لأَن جحود المشتري فسخ في حقه (¬3)، لأنه لو لم يكن فسخاً في حق البائع لا جاز له أن يطأ الجارية، لأَن حقه فيها غير كامل لاحتمال أَنه لو خاصم وأَثبت الشراء للزم المشتري أَخذها ودفع ثمنها للبائع. ولكن ترك الخصومة من قبل البائع دليل على رضاه فسخ العقد بينه وبين المشتري الجاحد فلذلك جاز له وطؤها. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 68 عن إقالة الخانية جـ 2 ص 270 على هامش الفتاوى الهندية. (¬2) المصباح المنير مادة (جحده). (¬3) الخانية جـ 2 ص 270.

القاعدة الخامسة [الجحود - الإسقاط]

القاعدة الخامسة [الجحود - الإِسقاط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جحود الخصم لا يمنع صحه الإِسقاط من المسقط بعوض أو بغير عوض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن إنكار الخصم ما يدعيه عليه خصمه يجيز ولا يمنع صحة إسقاط المدعي ما يدعيه على خصمه، وإِبراء خصمه منه بعوض أو بغير عوض، لأنه - أى الإِسقاط أو الإِبراء - استعمال لخالص حقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أنكر المدين الدين وجحده فأبرأه الدائن منه، كان الإِبراء صحيحاً. ومنها إذا أنكرت المرأة النكاح، فهذا لا يمنع صحة طلاق الزوج لها بعوض أو بغير عوض. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 153.

القاعدة السادسة [الجد]

القاعدة السادسة [الجد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجد الصحيح كالأَب. إلا في مسائل (¬1) الجد يسقط بالأَب (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجدُّ: هو أبُ الأَبِ وإن علا، وأبو الأُم جدٌّ أيضاً. والجد جدّان: جد صحيح، وجد فاسد. والجد الصحيح: هو من لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى - أم أو جدة - ولا يكون إلا واحداً وهو أبو الأَب. والجد الفاسد: هو الذكر بن أُنثيين: أو هو ما دخلت في نسبته إلى الميت أم، لأن تخلل الأُم في النسبة يقطع النسب إذ النسب إلى الآباء (¬3). فمفاد القاعدة: أن حكم الجد الصحيح في الميراث كحكم الأَب عند فقده، فله السدس عند عدم الأب مع وجود الولد أو ولد الابن. وهو عصبة يرث جميع المال عند عدم الأَب والولد. وله ما بقي بعد فرض الأُم الثلث، أو ثلث ما بقي على الخلاف - عند عدم الأَب. وإذا وجد الأَب سقط الجد في جميع ذلك، حيث لا ميراث لجد مع وجود أب؛ لأَن الأَب أصل في القرابة للميت. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 244. (¬2) المرجع السابق ص 245. (¬3) مجمع الأنهر مع شرحه ملتقى الأبحر جـ 2 ص 751.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المسائل التي خالف فيها الجد الأب. الأولى: أَن أُم الأَب لا ترث معه. الثانية: أَن الميت إذا ترك أَبوين مع أحد الزوجين فللأم ثلث ما بقي بعد نصيب أحد الزوجين. وأَما إذا ترك جداً فالأَصح أَن لها الثلث كاملا - أي ثلث جميع المال والباقي للجد إلا عند أبي يوسف وأبي ثور. الثالثة: أَن بني الأَعيان - أي الإِخوة لأم وأَب - والعلات - الإِخوة لأب - يسقطون مع الأَب ولا يسقطون مع الجد إلا عند أبي حنيفة رحمه الله. الرابعة: أن أبا المعِتق مع ابنه يأخذ سدس الولاء وليس للجد ذلك (¬1). الخامسة: ان الإِخوة لغير أم وبنوهم يحجبون الجد في باب الولاء عند المالكية والشافعية، بخلاف الأَب فإنه يحجبهم بالإِجماع (¬2). ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 244 - 245. (¬2) العذب الفائض شرح عمدة الفارض جـ 1 ص 107.

القاعدة السابعة: [الجمادات]

القاعدة السابعة: [الجمادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجمادات طاهرة. إلا المستحيل إلى نتن أو إسكار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالجمادات: ما ليس تحله الحياة كالحجارة، والأخشاب والنباتات والثياب. فمفاد القاعدة: ان ما كان جماداً لا تحله الحياة فهو طاهر - إذ الأَصل فيه الطهارة - أما إذا تحول الجماد فأصبح منتنا أو مسكرا فيحكم بنجاسته لنتنه أو إِسكاره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحجارة والتراب والجبس والنورة وكل ما كان من جنس الأرض فهو طاهر. ومنها: المعادن كالذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها فهي طاهرة. ومنها: الأخشاب والنباتات والثياب كلها طاهرة إلا ما ثبت إسكاره من النباتات كالحشيش والأَفيون وغيرهما فهو نجس لإسكاره. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 218.

القاعدة الثامنة [الخلف - الأصل].

القاعدة الثامنة [الخَلَف - الأصل]. أولاً: لفظ ورود القاعدة. الجمع بين الخَلَف والأصل لا يكون (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالخَلَف والأَصل: البدل والمبدل. كالماء والتراب. فمفاد القاعدة: أنه لا يجوز الجمع بين الأَصل وبدله، إذ أَن البدل لا يجوز استعماله إلا عند تعذر الأَصل فمع وجوده لا يجوز استعماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز التيمم بالتراب مع وجود الماء والقدرة على استعماله. ومنها: إذا قدر المتمتع على ثمن نصف شاة فلا يجوز أن يهديه مع صيام خمسة أيام. بل يجب عليه صيام عشرة أيام لأنه غير قادر على الهدي كاملا. ومنها: من كان عنده ماء يكفي غسل بعض جسمه، أو بعض أعضاء الوضوء فهل يجوز له أن يغسل ما أمكنه ويتيمم للباقي؟ خلاف. عند الحنفيه وبناء على هذه القاعدة - لا يجوز، بل عليه أن يتيمم، وهو قول مالك أيضا، واختيار المزني (¬2) من الشافعية، وعن أحمد روايتان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 100. (¬2) المزني هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني صاحب الإمام الشافعي من أهل مصر كان زاهدا عالما جدلا حسن الكلام في النظر ثقه في الحديث صنف في مذهب الشافعي كتبا كثيرة. ثم تفرد بالمذهب ولد سنه 175 هـ وتوفي سنه 264 هـ بمصر. طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 20 - 21. مختصرا.

وأما عند جمهور الشافعية فيلزمه استعمال الماء في أصح القولين عندهم. ويتيمم بعد استعماله لما بقي (¬1). فيكون قد جمع بين الخَلَف والأَصل. ¬

_ (¬1) حلية العلماء للقفال جـ 1 ص 254 فما بعدها، والمغني لابن قدامة جـ 1 ص 314 - 315.

القاعدة التاسعة: [الجمع]

القاعدة التاسعة: [الجمع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجميع أو الجمع المضاف إلى الجماعة يتناول كل واحد منهم على انفراد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا جيء بلفظ يدل على الجمع وأضيف إلى جماعة - أي أسند إلى ما يدل على الجمع كواو الجماعة، ونا ضمير جماعة المتكلمين، فإن هذه الصيغة تدل على تناول كل واحد من الجماعة على الانفراد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} (¬2)، أي أن كل واحد منهم جعل أصابعه في أذنيه واستغشى ثيابه. ومنها: إذا قال أهل حصن حاصره المسلمون: أمنونا حتى يفتح لكم الحصن فتدخلون فتعرضوا علينا الإسلام فنسلم. واشترط المسلمون أنّكم إن أبيتم الإسلام فلا أمان بيننا وبينكم. فرضوا بذلك، ففتحوا الحصن، فأسلم بعضهم وأبى آخرون. كان من أسلم منهم حراً لا سبيل عليه، ومن أبى الإسلام فهو فيء، اعتباراً للبعض بالكل. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير ص 530. (¬2) سورة نوح الآية 7.

القاعدة العاشرة [جناية العجماء]

القاعدة العاشرة [جناية العجماء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جناية العجماء جُبَار (¬1). حديث ثانياً: معنى هذا الحديث ومدلوله: تخريج الحديث: لم أجده بهذا اللفظ بل المشهور والمعروف: (العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس). (¬2) ولفظ: (العجماء جرحها جبار) (¬3). العجماء: المراد بها البهيمة: كالحمار والجمل والثور وأشباه ذلك، وسميت عجماء لأنها لا تفصح (¬4). وجبار: معناها: هَدَر. فمفاد الحديث: أن البهيمة العجماء تنفلت فتتلف شيئاً أو تصيب في انفلاتها إنساناً أو شيئاً فجرحها هدْرَ (¬5) أي غير مضمون. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا انفلتت دابة من أهلها وأفسدت زرع آخرين، فإن كان ذلك نهاراً فلا يغرم صاحبها شيئاً، وإن كان ليلاً فعلى صاحبها الغُرم. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 35، المجلة المادة 94. (¬2) وهو عند أحمد والطبراني وابن خزيمة والتمهيد والكنز والقرطبي والترمذي والنسائي وابن عدي والدر المنثور. (¬3) وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والمنتقى وأحمد والبيهقي والدارمي وغيرهم. (¬4) المصباح مادة (العجمة). (¬5) المصباح (جبرت، تهذيب اللغة جـ 1 ص 61 مادة (جبر).

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة

وأصل ذلك قضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وإن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها" (¬1) وكأَنَّ الحديث مخصوص بالنهار. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة: حديث النعمان بن بشير (¬2) رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فأوطأَت بِيَدٍ أو رجلِ فهو ضامن". الحديث أخرجه الدارقطني (¬3). والعلة في ضمان صاحبها أنه أوقفها في طريق المسلمين أو في سوقهم، فهو متسبب لما أتلفت. ¬

_ (¬1) الحديث عن حرام بن محيصة أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه. (¬2) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة - أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي الأمير العالم صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه، ولد سنة اثنتين للهجرة وسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعُدَ من الصحابة الصبيان باتفاق، قتل في قرية بيرين من قرى حمص آخر سنة 64 للهجرة، رضي الله عنه، سير الأعلام جـ 3 ص 411، له ترجمة في جل كتب التراجم إن لم يكن كلها. (¬3) ينظر، المنتقى جـ 2 ص 432.

القاعدة الحادية عشرة: [الجناية على النفس].

القاعدة الحادية عشرة: [الجناية على النفس]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: جناية المرء على نفسه لا تعتبر بحال. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا جنى إنسان على نفسه جناية بجرح أو قطع يد أو رجل أو فَقِ عين فلا تعتبر هذه الجناية، لأنه سبب الضرر لنفسه فلا يتحملها غيره. هذا ما يتعلق بالأرش أو الدية، وأَما ما يتعلق بالإِثم وحق الله تعالى فالفاعل آثم حينما جر الضرر على نفسه إذا كان متعمداً وبغير ضرورة شرعية؛ لأن الله عز وجل نهى عن إلقاء النفس في التهلكة وعن قتل النفس، ولذلك كان قاتل نفسه في النار، وما كان دون النفس فبحسبه، لأن البعض معتبر بالكل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قطع يد نفسه أو رجل نفسه أو فقأ عين نفسه فلا يتحمل دية اليد أو الرجل أو العين أحد غيره، فإن كان مخطئاً فلا إثم عليه، وإن كان متعمداً فهو آثم، وأما في الدنيا فلا عقوبة عليه ولا تعويض له. ومنها: من شرب الخمر أو تحسى السم أو شرب الدخان وهو يعلم أن ما فعله فيه ضرر على نفسه أو عقله فمات أو جن فدمه هدر ولا يتحمل جنايته على نفسه أحد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 187.

القاعدة الثانية عشرة: [جناية المملوك]

القاعدة الثانية عشرة: [جناية المملوك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جناية المملوك على المالك فيما يوجب المال هَدْر. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمملوك: العبد الرقيق أو الجارية الرقيقة. فمفاد القاعدة: أنه إذا جنى الرقيق جناية على مالكه وهذه الجناية تتعلق بالمال فإنه لا ضمان على العبد فيما جنى وأتلف، لأن العبد مال وهو بعض مال السيد فإذا جنى بعض المال على بعضه فهو هدر، أي باطل أي لا تعويض فيه، لأن المال - وأن كان عبداً فهو مملوك لا مالك كدابتين تناطحتا فقتلت إحداهما الاخرى. وإما إذا كانت الجناية على غير المال فالعبد مسؤول ويتحمل تبعة جنايته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل عبد مملوك دابة لسيده أو أحرق له متاعاً أو زرعاً فالعبد غير ضامن، لأن العبد ملك لسيده وهو لا يملك شيئاً فإذا ضمَّناه كان ذلك تضميناً للسيد بعض ماله ببعض ماله، وذلك عبث. ولكن إذا قتل العبد إنساناً حراً أو عبداً مثله أقيد به. وإن زنى بجارية لسيده أو لغيره أو بِحُرَّة فعليه الحد خمسون جلدة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 90.

القاعدة الثالثة عشرة: [الجنايات - العقوبات]

القاعدة الثالثة عشرة: [الجنايات - العقوبات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجنايات سبب لإيجاب العقوبات (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجنايات التي يرتكبها أصحابها عمداً هي سبب لوجوب العقوبات عليهم؛ لأن العقوبات إنما شرعت زواجر عن ارتكاب الجنايات والجرائم، ولكن يجب أن تكون العقوبة بحسب الجناية أو الجريمة التي يرتكبها الشخص أو يقع فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من زنى عوقب بالحد - الجلد أو الرجم، لأن الزنا حَرَّمَه الله سبحانه وتعالى في كل ملة، فمن زنا ارتكب جريمة توجب العقوبة. ومنها: من سرق مالا، عوقب بقطع يده، لأن السرقة جناية على المال. وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 74.

القاعدة الرابعة عشرة: [الجنون].

القاعدة الرابعة عشرة: [الجنون]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجنون إذا وجد مرة فهو لازم أبداً (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجنون: هو اختلاط العقل بحيث يمنع جريان الأَفعال والأَقوال على نهج العقل إلا نادراً. (¬2) أو هو زوال العقل أو فساده (¬3). فمفاد القاعدة: أن الإنسان إذا وجد منه الجنون مرة - فإِنه لا ينفك عنه أي أن الجنون يعتبر مرضاً مزمناً لا يقبل البرء إذا وجد. والمقصود بالقاعدة: 1 - الجنون غير المطبق - أي من يجن تارة ويفيق أخرى. 2 - والجنون المُسَبَّب عن فساد في المخ لا يمكن علاجه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو أن رجلاً يعرف أنه جن مرة فقالت امرأته: إنه طلقني ثلاثاً البارحة. ¬

_ (¬1) شرح السير جـ 5 ص 2026 وقواعد الفقه ص 74 عنه. (¬2) التعريفات الفقهية ص 254 عن التعريفات للجرجاني ص 82. (¬3) المعرَّب ص 94.

فقال الرجل: عاودني الجنون البارحة فقلت كذا وأنا مجنون. فالقول قوله مع يمينه، لأن الجنون إذا وجد مرة فهو لازم أبداً، ولهذا كان عيباً لازماً إذا وجد في حالة الصغر أو الكبر ولذلك لا يقع طلاقه في هذه الحال. وأقول: لكن لا بد من إثبات بتقرير طبيب أو شهود أنه قد جن قبل ذلك، لأن هذا أمر لا يخفى. ومنها: إذا قيل أن فلاناً ارتد البارحة، فقال الرجل: عاودني جنون - وهو معروف بذلك - فالقول قوله مع يمينه، وإن لم يعرف بالجنون لا يقبل قوله.

القاعدة الخامسة عشرة [الجهاد]

القاعدة الخامسة عشرة [الجهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهاد واجب على المسلمين. (¬1) عن أبي حنيفة - رضي الله عنه -. واجب أي فرض ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجهاد في اللغة: فِعال من الجَهد وهو الشقة والتعب وبلوغ النهاية والغاية في الطلب (¬2). وبالضم والفتح الطاقة والوسع. والجهاد من هذا الباب وهو بذل الوسع والطاقة في حرب الأعداء وقتالهم. وهو مصدر جاهدت العدو إذا قابلته في تَحَمُّل الجهد، أو بذل كل منكما جُهده - أي طاقته - في دفع صاحبه. ثم غلب في الإسلام على قتال الكفار. (¬3) فمفاد القاعدة: أن محاربة الكفار وقتالهم في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ونشر دين الله في الأرض، والدفاع عن الإسلام فرض على المسلمين لا يجوز لهم أن يتركوه أو يهملوه، لأن الواجب والفرض ما طلبه الشارع طلباً جازماً ويثاب المسلم على فعله ويأثم ويعاقب على تركه كالصلاة. والجهاد قد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية بحسب الظروف والأحوال وهو في عصرنا الحالي فرض عين بجميع أنواعه وعلى كل مسلم ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير جـ 1 ص 187. (¬2) المصباح المنير مادة (جهد). (¬3) المعرب جـ 1 ص 171، أنيس الفقهاء ص 181.

بحسب جهده وطاقته وموقعه؛ لأن الكفار رمونا عن قوس واحدة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً وأخلاقياً وثقافياً.

القاعدة السادسة عشرة [جهالة المستثنى]

القاعدة السادسة عشرة [جهالة المستثنى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: جهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه. (¬1) وفي لفظ: إذا كان المستثنى مجهولاً فالمستثنى منه يصير مجهولاً أيضاً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الاستثناء وهو إستفعال من ثنيت الشيء أثنيه ثنياً إذا عطفته ورددته. فالاستثناء اصطلاحاً: صرف العامل عن تناول المستثنى (¬2). والاستثناء أداته "إلا" وينوب عنها غير وسوى. فمفاد القاعدة: أن المستثنى إذا كان مجهولاً فإن جهالته توجب جهالة المستثنى منه، فينتج بطلان المعاملة المبنية على ذلك؛ لأن جهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد. ثالثاً: من أمثلة القاعدة ومسائلها: إذا اشترى قطيعاً بألف درهم إلا ديناراً - أي كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه - لاختلاف المقومين للمستثنى. فالمعاملة باطلة. أو اشتراه بألف درهم إلا قفيز حنطة، أو إلا شاة. فالبيع فاسد؛ لأن المستثنى إذا كان من غير جنس المستثنى منه فإنما يستثنى من المستثنى منه بالقيمة، وطريق معرفة القيمة الحزر والظن، فلا يتيقن به فيكون المستثنى ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 7، 19، وينظر المقنع مع الحاشية جـ 2 ص 17 - 18. (¬2) المصباح مادة "الثنية".

مجهولاً؛ لأن الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء الاستثناء، وما وراء الاستثناء من الأَلف مجهول، والبيع بالثمن المجهول فاسد. ومنها: إذا باع شيئاً من الحيوان واستثنى ما في بطنه، فالبيع فاسد؛ لأن ما في البطن لا يجوز إيجاب البيع فيه مقصوداً، فلا يجوز استثناؤه مقصوداً؛ لأن الجنين في البطن مجهول.

القاعدة السابعة عشرة [جهالة المعقود عليه]

القاعدة السابعة عشرة [جهالة المعقود عليه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: جهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد (¬1). وفي لفظ: المجهول لا يجوز تمليكه بشيء من العقود قصداً (¬2) وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: جهالة المعقود عليه تفسد العقد. (¬3) وفي لفظ: جهالة المبيع وما يتفاوت يمنع صحة العقد. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: من أركان العقد معرفة المعقود عليه - مبيعاً أو ثمناً - فإذا كان أحدهما مجهولاً فسد العقد وبطل، لأنه يفتح باب التنازع. فمفاد هذه القواعد: أن المبيع أو الثمن - وهو المعقود عليه - إذا كان مجهولاً فإن جهالته تفسد العقد وتبطله، وكذلك لو كان المجهول شرطاً لا سبيل إلى معرفته. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا وهب نصيبه من دار أو عقار أو سيارة مجهولة لم تجز الهبة لجهالة الموهوب، ولأنه يشترط في الهبة القبض وقبض المجهول مستحيل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 19 (¬2) نفس المصدر جـ 12 ص 74 (¬3) قواعد الفقه ص 57 عن شرح السير الكبير ص 883 - 884

ومنها: إذا اشترى ثوبين أو ثلاثة كل منها بعشرة دراهم على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيها شاء ويرد الآخر لم يجز عند زُفَر رحمه الله. ومنها: إذا اشترى سمسماً أو زيتوناً على أن فيهما من الدهن كذا، فهذا شرط باطل لا طريق للبائع إلى معرفته. ويكون سبباً في جهالة المعقود عليه، فيكون مفسداً للعقد.

القاعدة الثامنة عشرة [جهالة المقر والمقر له]

القاعدة الثامنة عشرة [جهالة المُقِرَ والمُقِرَ له] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: جهالة المُقِرَ تمنع صحة الإقرار. (¬1) ومقابلها: جهالة المُقِرَ له تمنع صحة الإقرار. (¬2) وفي لفظ: الإِقرار للمجهول باطل. (¬3) ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولاتها: هذه من قواعد الإِقرار السابقة في القسم الأَول - قواعد حرف الهمزة. ومفادها: أن المُقِرَّ أو المُقَرِّ له إذا كانا مجهولين فإن الإِقرار لا يكون صحيحاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: لك على أحدنا ألف ريال. لم يصح الإقرار لأن الُمقِرَّ مجهول. ومنها: أقر فقال: لفلان علينا ألف درهم، ولم يُسمّ أحداً. فهو باطل. ومنها: إذا أقر أنه غصب هذه الدار أو هذه السلعة من هذا أو هذا - كل واحد منهما يدعيه. فإن اصطلحا على أخذه أخذاه - وإن لم ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 259. (¬2) المبسوط جـ 17 ص 188. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 253، وينظر غمز عيون البصائر جـ 3 ص 39 - 40.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

يصطلحا استحلف كل واحد منهما. وإن نكلا عن اليمين لم يصح الإِقرار، لأن الحق لا يثبت للمجهول. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: إذا قال: لك على أحدنا ألف درهم - وجمع بين نفسه وعبده - أو بين نفسه وشريكه في شركة المفاوضة - صح الإِقرار؛ لأن المال يطالب به السيد؛ حيث إن العبد لا يملك فلا يصح أن يكون مديوناً - إلا إذا كان مأذوناً له في التجارة فاستدان ثم أبطل سيده الإِذن، فالسيد يتحمل مديونية العبد. وفي شركة المفاوضة كل واحد من الشريكين وكيل عن الآخر فجاز أخذ المال من أي منهما، ولذلك صح الإِقرار. ومنها: إذا رد الشتري المبيع بعيب فبرهن البائع على إقراره أنه باعه من رجل - ولم يُعينه - قُبل وسقط حق الرد؛ لأن بيع المشتري البيع دليل على رضاه بالعيب المانع من الرد.

القاعدة التاسعة عشرة [الجهالة وتأثيرها]

القاعدة التاسعة عشرة [الجهالة وتأثيرها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهالة إنما تؤثر في العقود اللازمة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود التي يتعامل بها الناس قسمان: عقود لازمة من الطرفين، كعقد البيع، والنكاح، والإجارة، وأمثالها. وعقود غير لازمة كعقد الإِعارة والهبة، والهدية وأشباه ذلك. فمفاد القاعدة: أن الجهالة تضر بالعقد وتؤثر فيه بالإِبطال إذا كان عقداً لازماً، وأما إذا كان العقد غير لازم فلا تؤثر فيه الجهالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باعه شاةً من شياه غير معينة بطل العقد للجهالة. وأما إذا أعاره أرضاً مطلقة - أي غير محدد وجه الانتفاع بها - جاز ذلك، وللمستعير أن يزرع ويغرس ويبني ويفعل فيها كل ما هي معدة له من الانتفاع؛ لأن الإِذن مطلق. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 225.

القاعدة العشرون [الجهالة وسقوطها]

القاعدة العشرون [الجهالة وسقوطها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهالة تسقط فيما كان تبعاً. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجهالة مضرة بالعقد اللازم كما سبق. ومفاد هذه القاعدة: أن الجهالة إنما تضر وتفسد العقد إذا كانت في صلب العقد متعلقة بأصول التبادل، ولكن إذا كانت الجهالة متعلقة بالفرع التابع فإن هذه الجهالة لا تضر ولا تفسد العقد لأنها ليست في صلب العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شاةً واشترط أن تكون لبوناً - أي ذات در ولبن - صح العقد عند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، مع أن اللبن في الضرع مجهول - ولكن لما كان تبعاً وليس أصلاً في العقد جاز - خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله الذي لا يجيز بيع اللبن في الضرع. ومنها: لو شرطها حاملاً. صح ذلك عند أبن قدامة؛ لأنه صفة مقصودة يمكن الوفاء بها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا اشترط في الشاة أو البقرة أنها تحلب قدراً معيناً من اللبن لم يصح العقد؛ لتعذر الوفاء به. ومنها: إذا اشترى جارية وشرط أنها مغنية. لم يصح العقد؛ لأن الغناء مذموم في الشرع فلم يصح اشتراطه كالزنا. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 172 - 173.

القاعدة الحادية والعشرون: [الجهالة]

القاعدة الحادية والعشرون: [الجهالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهالة في ابتداء المعاملة مفسدة المعاملة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمعاملة هنا: هي العمل على العناية بالأشجار كالنخيل وأشجار الفواكه وغيرها بالسقي والحفظ والتشذيب وغير ذلك مما يحتاجه الشجر. فمفاد القاعدة: أنه إذا وجدت الجهالة في ابتداء مدة المعاملة بحيث لم يحدد بدء المدة يعتبر ذلك مفسداً للمعاملة ومبطلاً لها. ويجوز أن تَعُم هذه القاعدة كل معاملة بين طرفين فيها جهالة كالاجارة وغيرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دفع صاحب النخل نخله للعامل غير ملقح وأشترط التلقيح على رب النخل، قال: فإن ذلك لا يجوز؛ لأن التخلية تنعدم عقيب العقد، لأن العقد قد انعقد بينهما في الحال، فالشرط - وهو أن يكون التلقيح على رب النخيل - مُفَوِّت موجب العقد وهو التخلية بين النخل والعامل، وقبل التلقيح لم يُخَلِّ بينه وبين النخل، لأن النخل ما يزال في يد صاحبه حتى يلقحه، بخلاف إذا ما كان رب النخل قد لقحه قبل المعاملة. وبخلاف ما إذا أشترط أن يلقحه في هذا الشهر على أن يحفظه العامل ويسقيه من غرة الشهر القادم فيجوز، لأن ابتداء المعاملة هنا من غرة الشهر الداخل وهو معلوم، والمعاملة عقد إجارة فيجوز إضافتها إلى وقتٍ في المستقبل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 151.

القاعدة الثانية والعشرون: [الجهالة والمنازعة]

القاعدة الثانية والعشرون: [الجهالة والمنازعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة العقد. (¬1) وفي لفظ: الجهالة في المعقود عليه إذا كانت تفضي إلى المنازعة تمنع صحة العقد. (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متقابلتان لفظاً ولكنهما متحدتان معنى ومفهوماً ونتيجة. فالمقصود من العقود انتفاع كل من المتعاقدين أو المتعاملين عموماً بما تعاقدا عليه، ويحرص الشارع دائماً على حسن المعاملة والتراضي والتحاب بين المتعاملين. ولذلك كان كل ما يسبب الخصومة والمنازعة بينهما مفسداً للعقد والمعاملة؛ درءاً لفساد العلاقة بين المسلمين وجلباً للمحبة والتعاون على الخير والبر بينهم، ولذلك فَكُلُّ جهالة في العقد سواء في المبيع أو الثمن أو ما يتعلق بأحدهما - وهذه الجهالة تفضي إلى المنازعة والخصومة - فإن هذه الجهالة تمنع صحة العقد وتوجب بطلانه وفساده، بخلاف ما إذا كانت الجهالة قليلة لا تفضي إلى المنازعة فلا تمنع صحة العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 55. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 183.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: اشترى ثوباً من عشرة أثواب غير متفاوتة القيمة ولا الجودة والنوعية صح العقد لعدم التفاوت بينها - وإن كان الثوب الذي سيختاره المشتري مجهولاً - ولعدم إفضاء هذه الجهالة للمنازعة. ومنها: باع شاة من قطيع أو حصة من دار غير معلومة فسد البيع، لأن هذه جهالة تفضي إلى المنازعة لتفاوت الشياه، وجوانب الدار.

القاعدة الثالثة والعشرون: [الجهالة]

القاعدة الثالثة والعشرون: [الجهالة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الجهالة كما تمنع الدعوى والبينة تمنع اليمين أيضاً. (¬1) وفي لفظ الخانية: الجهالة كما تمنع قبول البينة تمنع الاستحلاف أيضاً. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للجهالة أحكام مترتبة عليها، وقد سبق ذكر بعضها فيما سبق من قواعد، وهذه القاعدة تفيدنا حكماً أخر من أحكامها وهي أن الجهالة في المعقود عليه، أو المقِرّ أو المُقَرَّ له أو المُقَرِّ به، أو غير ذلك من أنواعها، تمنع الدعوى وتمنع البينة - أي الإِشهاد - وهي كذلك تمنع توجيه اليمين على المدعى عليه. والأَصل أن قبول البينة أو الاستحلاف لا بد أن ينبني على دعوى صحيحة، وإذا كانت الجهالة تمنع صحة الدعوى فتمنع أيضاً كل ما يترتب على صحة الدعوى كاليمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال المدين: قضيت بعض ديني ولا أدري كم قضيت، أو قال: نسيت قدره، وأراد أن يحلف الطالب لا يلتفت إليه؛ لأَن المدعي وهو المدين لا يمكنه إقامة البينة على دعواه بقضاء بعض الدين للجهالة، ولذلك فلا توجه اليمين على المدعى عليه - وهو الدائن. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 77 عن اليمين من دعوى الخانية. (¬2) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 421 على هامش من الفتاوى الهندية.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا ادعى رجل على آخر استهلاك مال، أو خيانة في ربح أو وصية - ولم يحدد المقدار - وطلب من القاضي تحليف خصمه بعد قوله: لم أعلم مقداره أو نسيت، لا يلتفت القاضي إلى قوله، لأن اليمين يترتب على صحة الدعوى، والدعوى هنا لم تصح. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا ادعي على قيم الوقف أو الوصي الخيانة المطلقة، جاز تحليفهما وإن كان المدَّعى به مجهولاً - لمصلحة الوقف واليتيم - ولعسر تحديد مقدار خيانة القيم أو الوصي.

القاعدة الرابعة والعشرون: [الجهالة المستدركة]

القاعدة الرابعة والعشرون: [الجهالة المستدركة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهالة المستدركة في التزام المال ابتداء لا تمنع صحته. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كانت الجهالة في التزام المال مستدركة قبل تمام العقد - ومعنى استدراكها إزالتها ومعرفة مقدار المال الملتزم به - فهذه الجهالة الابتدائية لا لا تمنع صحة العقد عند تمامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج امرأة على عبد مطلق عن الوصف، أو على أمة، أو على بيت أو على مقدار من المال لم يُبَيِّنهُ، فالعقد صحيح ولها عبد وسط أو أمة وسط أو بيت وسط، ومهر المثل وتجبر على القبول، وكذلك لو أتاها بقيمة عبد وسط أو قيمة أمة وسط أو قيمة بيت وسط، أجبرت على القبول. هذا عند الحنفية، وخالف الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك حيث قال: لا تصح التسمية؛ لأن النكاح عقد معاوضة فيكون قياس البيع، والعبد المطلق لا يستحق بعقد البيع عوضاً فكذلك في النكاح. بناء على أصله وهو (أن كل ما لا يصح مُسمّى في البيع لا يستحق في النكاح)؛ لأن المقصود بالمسمى مهراً هو المالية وبمجرد ذكر الجنس دون بيان الوصف لا تصير المالية معلومة، فلا يصح التزامه بعقد المعاوضة لبقاء الجهالة والغرر فيه (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 68. (¬2) الأم جـ 10 ص 196.

وليس معنى ذلك أن الشافعي رحمه الله يفسد العقد بجهالة المهر، بل هو يجيز العقد ولو لم يسَمَّ للزوجة مهراً، ولكن يرى أنه يلزم مهر المثل عند فساد المهر المسمى. فمن قوله رحمه الله: والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم، والنكاح ينعقد بغير مهر (¬1). ومن قوله رحمه الله (وإنما جعلت لها مهر مثلها لأن النكاح لا يرد كما ترد البيوع الفائتة) - أي المستهلكة. ¬

_ (¬1) الأم جـ 10 ص 200، 224، 233.

القاعدة الخامسة والعشرون: [جهة الشيء]

القاعدة الخامسة والعشرون: [جهة الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جهة الشيء بمنزلة حقيقته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بجهة الشيء هنا: صفته التي يعرف بها، أو الجهة التي يوجد بها. فمفاد القاعدة: أَن صفة الشيء التي يعرف بها ويميز عن غيره لها في الاعتبار حكم حقيقة ذلك الشيء، والمراد أن صفة العقد تقوم مقام حقيقة العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل: من جاءَني بمتاعي من مكان كذا فله أجر مقداره كذا درهماً أو ديناراً أو ريالا. فذهب رجل فجاء بالمتاع، فعند الحنفية له أجر مثله لا يجاوز المسمى. وحجتهم في ذلك أن هذا استئجار المجهول، واستئجار المجهول باطل، إلا أنه إذا حمله إنسان بعد ما سمع كلامه فإنما جاء به على جهة تلك الإِجارة، وقد رضي القائل بذلك فيستوجب أجر المثل باعتبار أن جهة الشيء بمنزلة حقيقته، بخلاف ما إذا خاطب إنساناً بعينه، فله الأَجر إذا ذهب سواء وجد المتاع أم لم يجده. وأما عند الشافعي رحمه الله: فله المسمى واعتبر ذلك إجارة صحيحة مستنداً إلى قوله تعالى حكاية عن إخوان يوسف عليه السلام {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [الآية 72 من سورة يوسف]. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 30 ص 203.

القاعدة السادسة والعشرون [الجهل بالأحكام]

القاعدة السادسة والعشرون [الجهل بالأَحكام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الجهل بالأَحكام الشرعية إنما يكون عذراً إذا لم يقع حاجة إليها. (¬1) وفي لفظ: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس له يقبل، إلا إذا كان مما يخفى. (¬2) وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأَصل أن الجهل بالأَحكام الشرعية في دار الإسلام لا يكون عذراً - كما سيأتي في قاعدة لاحقة -؛ لأن دار الإسلام دار العلم وشيوع الأَحكام. ومفاد هذه القاعدة استثناءً من القاعدة التالية: وهي أن الجهل بالأَحكام الشرعية في دار الإسلام يكون عذراً إذا كانت هذه الأَحكام غير محتاج إليها. وهي الأَحكام التي فيها خفاء وهو ليس في حاجة للعمل بها، كجهل الفقير أحكام الزكاة والحج. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزوجة المعتقة التي تجهل أن لها الخيار بعد العتق تعذر بالجهل بهذا الحكم فيبقى لها خيارها حتى تعلم؛ لأن هذا من الأَحكام التي لم تقع الحاجة إليها بالنسبة لها. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 37، وينظر أشباه السيوطي ص 191، 200. (¬2) أشباه السيوطي ص 200 - 201.

القاعدة السابعة والعشرون: [الجهل بالأحكام]

القاعدة السابعة والعشرون: [الجهل بالأَحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهل بالأَحكام في دار الإسلام ليس بعذر (¬1)، أو لا يكون عذراً. (¬2) وفي لفظ: الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم لا يسقط أحكامها (¬3). وفي لفظ: الجهل الذي يعذر به صاحبه، أولا يكونه عذراً (¬4). وفي لفظ: الجهل هل ينتهض عذراً (¬5)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دار الإسلام دار العلم وشيوع الأَحكام، فلا يعذر أحد بترك العلم بأحكام دينه، بخلاف الجهل بها في دار الحرب، فيعتبر عذراً، لأن دار الحرب دار جهل، فيكون الجاهل عاجزاً عن الائتمار بالشرائع قبل العلم بوجوبها. وبخلاف من يعذر بالجهل كلما في القاعدة السابقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أسلم كافر في دار الإسلام ولم يعلم بالشرائع فيجب عليه التعلم، ولا يعذر في ترك العلم بها، لأنه قادر على العلم وإزالة الجهل. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 36. (¬2) أشباه السيوطي ص 200، الفرائد ص 322 عن المحاضر والسجلات الهندية جـ 6 ص 239. (¬3) المغني ج 1 ص 613. (¬4) إعداد المهج ص 78. (¬5) إيضاح المسالك ق 35

فلو لم يُصَلِّ مدة بدعوى الجهل بوجوب الصلاة فيجب عليه قضاء ما تركه منذ أسلم؛ لأنه قصر في طلب العلم. ولكنه إذا أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب الصلاة ولا تحريم المحرمات، ومكث زماناً ثم علم، فلا يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات، ولا يقام عليه حد ارتكاب المحرمات قبل العلم بالأَحكام. بخلاف ما لو أرتكب محرماً في دار الإسلام بعد إسلامه فإنه يعاقب ولا يعذر بعدم العلم بالتحريم.

القاعدة الثامنة والعشرون [الجهل بالشرط]

القاعدة الثامنة والعشرون [الجهل بالشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهل بالشرط مبطل وإن صادفه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة: العلم شرط في صحة العمل، فمن جهل ولم يعلم ما يفعل كان عمله باطلاً وإن صادف الحق، والمراد بالشرط هنا الشرط الشرعي وليس مطلق شرط. فمفاد القاعدة: أن الجهل بحقيقة العمل يبطل العمل، وإن وقع على وجهه المشروع مصادفة واتفاقا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من صلى جاهلاً بكيفية الصلاة لا تصح صلاته، وإن صلاها صحيحة. ومنها: من فسر كتاب الله تعالى بغير علم أثم وإن أصاب. ومنها: القاضي إذا حكم وهو جاهل بحكم الله تعالى يدخل النار وإن أصاب في حكمه. ومنها: من تطبب ولم يعلم منه طب يضمن وإن أصاب، لما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " (من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن." (¬2)) ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 17. (¬2) المستدرك جـ 4 ص 212 وقال فيه حديث صحيح ولم يخرجاه، وأيده الذهبي في تعليقه وأخرجه الدارقطني في سننه جـ 3 ص 195 - 196 - وذكر في التعليق المغنى علله، كما أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب الطب حديث رقم 3466.

القاعدة التاسعة والعشرون [الجهل بالمماثلة]

القاعدة التاسعة والعشرون [الجهل بالمماثلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة. (¬1) وفي لفظ: المماثلة المجهولة كالمفاضلة المعلومة. (¬2) وتأتي حرف الميم إن شاء الله وفي لفظ: الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل فيما يشترط التماثل فيه. (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختص بالمسائل الربوية، فالشرط في حل تبادل الأَموال الربوية تحقق المماثلة بينها، وعند الشك في تحقق المماثلة أو الجهل بها تفسد المعاملة وتبطل لاحتمال الربا. وباب الربا مبني على الاحتياط كما سبق بيانه. وهذا أمر متفق عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع كومة - أو صبرة - من طعام - تمر أو حنطة أو زبيب أو غيرها - بكومة مثلها دون كيل أو وزن لا يجوز؛ لاحتمال المفاضلة والشك في المماثلة. فتكون هذه المعاملة باطلة؛ لأن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، والمفاضلة في الأَموال الربوية تبطل المعاملة بها. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني ق 2 ص 757، وأشباه ابن السبكي جـ 2 ص 301. (¬2) الجمع والفرق للجويني ص 372, 387. (¬3) المغني ج 4 ص 41 - 65.

القاعدة: الثلاثون [الجهل والنسيان]

القاعدة: الثلاثون [الجهل والنسيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجهل والنسيان يعذر بهما في حق الله تعالى المنهيات دون المأمورات. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل القاعدة: حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه لما تكلم في الصلاة، ولم يؤمر بالاعادة لجهله بالنهي عن الكلام في الصلاة. (¬2) وحديث يعلى بن أمية حيث أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بنزع الجبة عن المحرم ولم يأمره بالفدية لجهله. (¬3) فمفاد القاعدة: أن من فعل منهياً عنه جاهلاً بالنهي فهو معذور ويسقط عنه الإثم والعقوبة. وأما من ترك مأموراً نسياناً أو جهلاً فهو غير معذور - إذا كان في دار الإسلام -. والفرق بينهما: أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصل إلا بفعلها. والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها امتحاناً للمكلف بالانكفاف عنها، وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها. ومع النسيان والجهالة لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي عنه، فعذر بالجهل أو النسيان. ¬

_ (¬1) المنثور المزركشي جـ 2 ص 19. (¬2) الحديث أخرجه مسلم جـ 5 ص 20 - 21، وأبو داود جـ 6 ص 28 - 29 وص 34 - 35, والنسائي جـ 3 ص 14 - 18. (¬3) الحديث في فتح الباري جـ 3 ص 307 - 308، وجـ 4 ص 451، والترمذي جـ 4 ص 58 - 59.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

هذا في حقوق الله تعالى، وأما في حقوق العباد فلا يعذر بالجهل والنسيان ولكنه قد يرفع عنه الإثم. ولكن الجهل بالمحرمات المشتهرة في دار الإسلام لا يعتبر عذراً؛ لأنها لا تخفى حرمتها ولا أحكامها كالزنا وشرب الخمر واللواط وغيرها من المحرمات المشتهر تحريمها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من وطئ زوجته في حال إحرامه ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه عند الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا يفسد حجه على الأَظهر. (¬1) ومنها: إذا تطيب ناسياً فلا فدية عليه، بخلاف ما لو جاوز الميقات المكاني بدون إحرام ناسياً لزمه الدم، والفرق إن الإِحرام من الميقات مأمور به والطيب منهي عنه. ومنها: من لبس ما ليس له لبسه قبل الإِحرام جاهلاً بما عليه في لبسه، أو ناسياً لإحرامه ثم يثبت عليه أي مدة بعد ما ثبت عليه بعد الإحرام، أو ابتدأ لبسه بعد الإحرام جاهلاً بما عليه في لبسه أو ناسياً لحرمه أو مخطئاً به، وذلك أن يريد غيره فيلبسه، نزع الجبة والقميص نزعاً ولم يشقه، ولا فدية عليه في لبسه (¬2). هذه المسائل مما يتعلق بحقوق الله تعالى. وما يتعلق بحقوق العباد: لو ضرب مريضاً جاهلاً مرضه ضرباً يقتل المريض ولا يقتل الصحيح. فمات المريض. قالوا: يجب القصاص في الأصح. ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 2 ص 417. (¬2) الأم جـ 5 ص 76، وسنن البيهقي جـ 5 ص 89.

أما لو حبس من به جوع وعطش ولم يعلم بحاله مدة لا يموت فيها الشبعان عند الحبس فمات. قالوا: لا قصاص. والفرق أن أَمارات المرض لا تخفى بخلاف الجوع. وإذا سقط القصاص فيجب الدية والتعزير إذا كان الحبس بغير حق. ومنها: إذا شهد رجلان بقتل ثم رجعا وقالا: تعمدنا، ولكن ما عرفنا أنه يقتل بشهادتنا. قالوا: فلا يجب القصاص في الأَصح؛ إذ لم يظهر تعمدهم للقتل.

القاعدة الحادية والثلاثون [جواب الأمر]

القاعدة الحادية والثلاثون [جواب الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جواب الأمر بحرف الواو كجواب الشرط بحرف الفاء. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا صدر قول من إنسان بلفظ الأمر وعطف عليه جواباً بالواو فمفاد هذه القاعدة: أن حكم عطف الجواب بالواو كحكم عطف جواب الأمر بحرف الفاء. أي في ترتب الحكم عليه كترتبه على وقوعه بالفاء التي تفيد الترتيب والتعقيب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: ادخلي الدار وأنتِ طالق، فدخلت طلقت. ومنها: إذا قال لعبده: أدخل الدار وأنت حر. فدخل عتق. ومنها: قال: أَدِّ إلي ألفاً وأنت حر، كان تعليقاً بأداء الألف. كل هذه الأمثلة تفيد حكمها كما لو كان تعليقاً للحكم بالشرط المقترن بالفاء، فكأنه قال في الأولى: ادخلي الدار فإن دخلت فأنت طالق. وفي الثانية كأنه قال: إذا أديت إلي ألفاً فأنت حر. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 20 عن تعليق الخانية جـ 1 ص 473.

القاعدة الثانية والثلاثون: [جواب السؤال]

القاعدة الثانية والثلاثون: [جواب السؤال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: جواب السؤال - يجري على حسب ما تعارف كل قوم في مكانهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت قواعد - الأَصل - رقم 307 وهي تدخل تحت قاعدة - العادة محكمة. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي ص 164.

القاعدة الثالثة والثلاثون: [الجوابر والزواجر]

القاعدة الثالثة والثلاثون: [الجوابر والزواجر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الجوابر والزواجر والفرق بينهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجوابر: جمع جابرة، من جبر يجبر: إذا أصلح. والزواجر: جمع زاجرة، من زجر يزجر: إذا منع. فالزواجر مشروعة لطلب المصالح، والزواجر شرعت لدرء المفاسد. فالجوابر شرعت لجبر ما فات من مصالح حقوق الله تعالى وحقوق عباده، ولا يشترط في ذلك أن يكون من وجبت عليه آثماً، ولذلك شرعت مع الجهل والخطأ والنسيان، وعلى المجانين، كما في حق الذاكر والعامد والعاقلين. وأما الزواجر فهي بخلافها تختص بالصنف الثاني، أي الذاكر والعامد والعاقلين، ومعظمها لا يجب إلا على عامد زجراً له عن العود إليها، ولغيره عن مواقعة مثل ذلك، وقد تكون الزواجر لدفع المفاسد وإن لم يكن إثم ولا عدوان، كما في حد الحنفي إذا شرب النبيذ، وتأديب الصبيان إصلاحاً لهم. واختلفوا في الكفارات، والجمهور على أنها جوابر، بدليل أنها تجب على النائم والناسي والمخطئ وغيرهم، ولأنها عبادات وقربات لا تصح إلا بالنية؛ والتقرب إلى الله تعالى لا يصلح زاجراً بخلاف الحدود والتعزيرات. ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 1 ص 150، الفروق للقرافي جـ 1 ص 213 فما بعدها، المجموع المذهب لوحة 282 ب فما بعدها. قواعد الحصني ق 2 ص 580.

ووقع الاختلاف في بعض الكفارات هل هي جوابر أو زواجر ككفارة الظهار وكفارة الفطر التعمد في رمضان، وكفارة إفساد الحج.

القاعدة الرابعة والثلاثون [الجواز الشرعي]

القاعدة الرابعة والثلاثون [الجواز الشرعي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: جواز الشرع ينافي الضمان وفي لفظ: الجواز الشرعي ينافي الضمان. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالجواز الشرعي: إباحة الشرع وإذنه بالفعل. فمفاد القاعدة: أن إباحة الشرع للفعل أو إذنه من له الحق فيه تنفي وتسقط عن الفاعل الضمان والمؤاخذة؛ لأن المرء لا يؤاخذ بفعل ما يملك أن يفعله شرعاً، أو بفعل ما أذن له فيه صاحب الحق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز لولي القتيل أمر غيره بقصاص قاتله نيابة عنه، فلا ضمان على ذلك الغير إذا اقتص بحضور ولي القتيل. ومنها: من كسر لمسلم طبلاً أو مزماراً أو قتل له خنزيراً أو أراق له خمراً لا يضمن على الأَصح لأنه فعل بإذن الشرع، إلا أن يترتب على فعله ضرر أشد، أو يكون هناك حاكم مسلم يقيم شرع الله فلا يجوز الافتيات عليه، بل يرفع الأمر له لإزالة هذا المنكر. ومنها: إذا أقام القاضي حداً أو تعزيراً فمات المضروب، فلا ضمان على القاضي. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 35 - المجلة المادة 91.

ثالثا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ثالثاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: جاز أكل مال الغير إذا اضطر إليه في مخمصة - ولم يكن صاحبه في حاجة إليه - أو بالإِكراه الملجئ فيجوز الأكل ولكن على الآكل ضمان ما أكل. لأن الجواز الشرعي في رفع الإثم فقط. ومنها: إذا تصدق الملتقط باللقطة ثم جاء صاحبها بعد ذلك فله تضمين الملتقط أو المتصدق عليه، ويعتبر هذا استثناء من القاعدة؛ لأن المشرع أذن له في التقاطها والتصرف فيها بعد تعريفها ومضى عام عليها. ولكن لما كان تصرفه بغير إذن صاحبها جاز لصاحبها تضمين الملتقط أو الفقير.

القاعدة الخامسة والثلاثون [الجواز للممنوع دليل الوجوب]

القاعدة الخامسة والثلاثون [الجواز للممنوع دليل الوجوب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: جواز ما لو لم يشرع لم يجز دليل على وجوبه. (¬1) وفي لفظ: ما كان ممنوعاً إذا جاز وجب. تأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: الواجب لا يترك إلا لواجب. تأتي في قواعد حرف الواو إن شاء الله. وفي لفظ: ما لا بد منه لا يترك إلا بما لا بد منه. وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد وإن اختلفت صيغها فدلالتها متحدة: ومفادها: أن ما شرعه الله سبحانه وتعالى مما لو لم يشرع ويأذن به الله كان ممنوعاً ومحرماً، فشرعه دليل وجوبه؛ لأن إجازة الشارع لفعل المحرم دلت على ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: قطع اليد في السرقة أوجبه الشارع حداً، ولولا ذلك لما جاز وكان حراماً لما فيه من قطع عضو عظيم المنفعة. ومنها: وجوب أكل الميتة للمضطر. ومنها: الختان لو لم يجب لكان حراماً لما فيه من قطع عضو وكشف العورة والنظر إليها. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 148، الأقمار المضيئة ص 210، وأشباه ابن السبكي ج 1 ص 193/ 194.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القواعد فكان سنة لا واجبا

ومنها: إقامة الحدود على ذوي الجرائم، لو لم تشرع لكانت حراماً لما فيها من الضرر على المقامة عليهم. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القواعد فكان سنة لا واجباً: النظر إلى المخطوبة لا يجب، ولو لم يشرع لم يجز. ومنها: سجود السهو سنة عند الشافعية، وسجود التلاوة كذلك لا يجبان، ولو لم يشرعا لم يجوزا.

القاعدة السادسة والثلاثون [الجيد والرديء]

القاعدة السادسة والثلاثون [الجيد والرديء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الجودة في الأَموال الربوية هدر. (¬1) وفي لفظ: الجيد والرديء في الربوية سواء، والدراهم الزيوف كالجياد في بعض المسائل. (¬2) وفي لفظ: الجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل. (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأَموال الربوية - أي الأَموال التي يجب بيعها متماثلة - جيدها ورديئها سواء، فلا يجوز التفاضل بين جيد ورديء منها؛ لأنهما سواء في الجنسية كتمر رديء بتمر جيد. وكذلك بالنسبة للدراهم الجياد والزائفة - أي المغشوشة - إذا كان الغالب الفضة، فهما سواء، وكذلك ما كان تبراً - أي ذهباً غير مضروب - أي مسكوك - مع المضروب، والصحيح مع المكسور، فهما سواء في وجوب التماثل بينهما وزناً ويحرم التفاضل، أي أن يكون أحدهما أثقل من الآخر بحجة الضرب أو الصحة أو غير ذلك من الصفات التي لا اعتداد بها في تبادل الأَموال الربوية. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 211 (¬2) الهداية جـ 5 ص 271، أشباه ابن نجيم ص 211، قواعد الفقه ص 75، عن ابن نجيم ص 319، وأشباه السيوطي ص 212 فما بعدها. (¬3) المغني جـ 4 ص 10, 42.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز تبادل صاع تمر جيد - كالسكّري - مثلاً - بصاعين من نوع آخر أقل جودة - كالشقراء، أو الخضري، أو المكتومي (¬1). بل إذا كان ولا بد من التبادل فصاع بصاع أو أن يبيع صاحب الرديء تمره بدراهم ثم يشتري بها تمراً جيداً. وهذا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة - فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً) (¬2) أخرجه البخاري. ومنها: إذا اشترى بالجياد ونقد الزيوف، وباعها بالمرابحة فإن رأس المال هو الجياد، في ست مسائل عدها ابن نجيم في الفوائد الزينية ص 56. ¬

_ (¬1) أنواع من التمر مشهورة في منطقة القصيم بالمملكة السعودية. (¬2) الجمع: تمر رديء. والجنيب: تمر جيد. كانا معروفين بالمدينة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

حرف الحاء

ثانياً: قواعد حرف الحاء

القاعدة الأولى [الحاجة - شرع العقود]

القاعدة الأولى [الحاجة - شرع العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: حاجة الناس أصل في شرع العقود. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن شرع العقود وجوازها مبني على حاجة الناس لتبادل المنافع؛ حيث إنه لا يستطيع الإنسان أن يقوم بكل ما يحتاجه بنفسه دون استعانة بالآخرين، ولذلك شرعت العقود بناء على حاجة الناس إلى تبادل المنافع ليعمر الكون. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع عقد البيع لحاجة الناس إلى تبادل الأَملاك، فالبائع في حاجة إلى المال، والمشتري في حاجة إلى السلعة. ومنها: شرع عقد الإِجارة لحاجة الناس إلى تبادل المنفعة، فالمستأجر يريد أن ينتفع بملك غيره، والمؤجر يريد الانتفاع بالأُجرة وهي ثمن المنفعة. وهكذا. ومنها: شرع عقد النكاح ليحل الاستمتاع بين الرجل والمرأة، وليكثر النسل ويحفظ الجنس. ولولا شرع العقود لتهارج الناس ولأكل القوي الضعيف وفسد الكون. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 15 ص 75.

القاعدة الثانية

القاعدة الثانية أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة (¬1). وفي لفظ: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة. (¬2) وفي لفظ: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة في حق أحاد الناس. (¬3) وفي لفظ: الحاجة العامة إذا وجدت أثبتت الحكم في حق من ليس له الحاجة. (¬4) وفي لفظ: الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر. (¬5) ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلق ببعض رخص الشرع التي تدل على رحمة الله بعبادة. مراتب ما يحرص الشرع على توفيره والعناية به والحفاظ عليه بالنسبة للبشر ثلاث مراتب: الضرورة، والحاجة، والكمالية أو التحسينية. فالضرورة: مأخوذة من الضرر، وهي اسم من الاضطرار ¬

_ (¬1) أشباه أبن نجيم ص 91، أشباه السيوطي ص 88، حاشية سنبلي زادة لوحة 117، المجلة المادة 32 المدخل الفقهي الفقرة (603)، الوجيز ص 42، ط 4. (¬2) المجموع المذهب لوحة 237 أ (¬3) المنثور جـ 2 ص 24 (¬4) المغني جـ 4 ص 555 (¬5) الغياثي ص 345

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ومعناها: المشقة الشديدة وهي المرتبة الأولى التي يحرص الشرع أشد الحرص على العناية بها، وهي بلوغ الانسان حدا لو لم يجد ما يحتاجه من طعام أو شراب أو لباس أو مسكن أو دواء - هلك أو قارب. وهذه المرتبة تبيح كثيرا من المحرمات. وأما الحاجة، فهي دون الضرورة، وهي بلوغ الانسان حداً إذا لم يجد ما يحتاجه لم يهلك ولكن يكون في مشقة شديدة وجهد، فهذه المرتبة لا تبيح الحرام الذي تتيحه مرتبة الضرورة، ولكنها تسيغ الخروج على بعض القواعد العامة وتبيح الفطر في الصوم. وأما الكمالية أو التحسينية: فهي ما يقصد من فعله نوع ترفه وزيادة في لين العيش دون الخروج عن حد الشرع. وما عدا ذلك فهو زينة وفضول. فمفاد هذه القواعد: أنه إذا كانت هناك حاجة عامة لمجموع من الناس أو خاصة بشخص ما نزلت هذه الحاجة منزلة الضرورة في جواز الترخيص لأجلها. لكن تفترق عن الضرورة بأن الحاجة مبنية على التوسع والتسهيل فيما يسع العبد تركه، بخلاف الضرورة، لأن مبنى الضرورة على لزوم فعل ما لا بد منه للتخلص من عهده تلزم العبد ولا يسعه الترك، والحاجة العامة إذا وجدت جازت في حق الاحاد ومن ليست له حاجة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: مشروعية الإِجارة والجعالة والحوالة والسلم ونحوها جوزت على خلاف القياس لعموم الحاجة إلى ذلك، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة؛ ولأن الإِجارة والسلم بيع معدوم - وبيع المعدوم باطل - ولكن جُوِّز هنا لحاجة الناس.

رابعا: مسائل مما خالفت فيه الحاجة الضرورة

والجعالة فيها جهالة، وفي الحوالة بيع دين بدين، وهو ممنوع. ولكن جُوِّز لعموم الحاجة. ومنها: ضمان الدرك - أي تحمل التبعة والغرامة - وهو عبارة عن ضمان الثمن عند استحقاق البيع، جُوَّز على خلاف القياس للجهالة بالمكفول به. وجُوَّز للحاجة إليه. ومنها الخضاب بالسواد للجهاد، لإرهاب العدو. ومنها: التبختر بين الصفين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن رآه يفعل ذلك: (هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموضع). (¬1) أو الموطن. رابعاً: مسائل مما خالفت فيه الحاجة الضرورة: قال الإمام الشافعي رحمه الله: "الحاجة لا تُحِقُّ لأحد أن يأخذ مال غيره". (¬2) فلو وجد إنسان به جوع شديد - ولكن لم يصل به إلى درجة أن يهلك - فلا يجوز له في هذه الحالة أخذ طعام غيره بغير إذنه سواء كان هذا الغير محتاجاً إلى ذلك الطعام أو غير محتاج. أما في حالة الضرورة حيث لو لم يأكل هذا الطعام لهلك أو قارب؛ فيباح له الأخذ بغير إذن ولا إثم عليه، لكن بشرط أن لا يكون صاحبه في حاجة إليه مثل الآخر، وعليه أيضاً ضمان ما أكل؛ "لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير"، "وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات من خوف تلف نفس" (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث في نيل الأوطار جـ 9 ص 147. ينظر المنثور جـ 2 ص 26. (¬2) الأم جـ 4 ص 282، باب ضيق السهمان. (¬3) الأم جـ 6 باب ما يكون رطباً أبداً.

القاعدة الثالثة [الحادث - انعقاد السبب]

القاعدة الثالثة [الحادث - انعقاد السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحادث بعد انعقاد السبب - أو قبل إتمامه - يجعل كالموجود عند ابتداء السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكل حكم سبب لوجوده، فإذا لم يوجد السبب لم يوجد الحكم، فعقد البيع مثلاً سبب لحل البدلين، فإذا وجد سبب حكم ما وقبل تمام السبب حدث أمر له ارتباط بالمسبب، فيجعل هذا الحادث كأنه وجد عند ابتداء السبب، فيأخذ حكم السبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجارية المبيعة إذا ولدت قبل القبض يجعل كالمولود عند ابتداء العقد في انقسام الثمن عليه - حيث يكون المولود ملكاً للمشتري تبعاً لملكيته لأمه، كأنه وُجد معها قبل العقد، فيكون الثمن لكليهما. ومنها: من اشترى بقرة حاملاً وقبل تسلمها من البائع ولدت. فالبقرة وولدها للمشتري. ومنها: أي زيادة تحدث من المبيع قبل القبض تجعل كالموجود عند ابتداء العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 102، ج 17 ص 133.

القاعدة الرابعة [الإضافة إلى أقرب وقت]

القاعدة الرابعة [الإِضافة إلى أقرب وقت] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحادث يحال بحدوثه إلى أقرب الأَوقات حتى يثبت دليل الإِسناد فيه إلى وقت سابق (¬1). وفي لفظ: الحوادث يحال بحدوثها علي أقرب الأَوقات. (¬2) وفي لفظ: الحوادث تضاف إلى أقرب الأَوقات. (¬3) وفي لفظ: إنما يحال بالحادث على أقرب الأَوقات. (¬4) وقد سبقت في قواعد حرف الهمزة رقم 439 وفي لفظ: يحال بالحادث على أقرب الأَوقات (¬5). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر - ولا بينة - ينسب هذا الأَمر إلى أقرب الأَوقات إلى الحال، ما لم يثبت نسبته إلى زمن أبعد. (¬6) وقد سبق ذكر مثل هذه القواعد في قواعد القسم الأول - قواعد حرف الهمزة - تحت رقم 439. ¬

_ (¬1) شرح السير 139/ القواعد والضوابط ص 147 عن مبسوط السرخسي. (¬2) المبسوط ج 13 ص 110. (¬3) الفرائد ص 98 عن نكاح الخانية. (¬4) المبسوط ج 14 ص 178، 179. (¬5) شرح السير ص 1897. (¬6) شرح الأتاسي للمجلة ج 1 ص 32، الوجيز ص 187 مع الشرح والبيان.

القاعدة الخامسة [الحكم في المجتهدات]

القاعدة الخامسة [الحكم في المجتهدات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحاكم إذا قضى في المجتهد فيه بشيء فليس لمن بعده من الحكام أن يبطل ذلك (¬1). وفي لفظ: الحكم في المجتهدات نافذ بالاجماع. (¬2) وفي لفظ: متى حكم الحاكم في المختلف فيه بشيء نفذ حكمه. (¬3) وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: لاستقرار الأَحكام واطمئنان الناس إلى ثبوث أحكام القضاة والحكام وعدم نقضها، لا يجوز لحاكم ولا قاض أن ينقض حكم حاكم أو قاض سابق إذا كان هذا الحكم باجتهاد صحيح من الحاكم أو القاضي السابق. ولم يكن هذا الاجتهاد مخالفاً لنص صريح من الكتاب أو السنة أو الإِجماع؛ لأنه إذا أجيز نقض الحكم باجتهاد حادث فيكون في ذلك فتح باب لا ينسد من النقوض؛ لأن كل حكم اجتهادي ينقضه حاكم آخر فلمن جاء بعده أن ينقضه، فيتسلسل اأَامر ولا يثبت حكم. ومفهوم القاعدة أنه إذا كان الحكم الاجتهادي لا ينقض، فالأَولى أن لا ينقض حكم نصي مبني على نص من الكتاب أو السنة أو الإِجماع. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 893. (¬2) نفس المصدر ص 897، 1003. (¬3) المغني جـ 5 ص 390.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حكم حاكم بحِلّ امرأة لزوجها، فليس لحاكم يأتي بعد ذلك فيحكم في هذه المسألة بعينها بتحريم هذه المرأة على زوجها. لكن له في مسألة أخرى مشابهة أن يحكم باجتهاده بحكم مخالف. فمثلاً: إذا اجتهد مجتهد في أن الخلع فسخ وأجاز زواج امرأة خالعها زوجها بعد طلقتين، فليس لمن جاء بعده - وهو يرى أن الخلع طلاق - أن يحكم ببطلان ذلك الزواج ويفرق بين الزوجين. ولكن إن حدثت مسألة مشابهة فله أن يحكم فيها بعدم حل عقد امرأة خالعها زوجها بعد طلقتين إلا إذا تزوجت رجلا آخر وطلقها بعد الدخول. ومنها: إذا حكم قاض بأن قول القائل لزوجته: عليَّ الحرام (¬1). بأنه يمين مثلاً أو لا شيء. فليس لمن جاء بعده أن يحكم على نفس هذا القائل بأن لفظ - عليَّ الحرام - طلاق بائن فيفرق بينه وبين زوجه بناء على اجتهاده هذا المخالف لاجتهاد القاضي السابق، أو أنه ظهار، أو غير ذلك من الوجوه المختلفة في هذه المسألة. ومنها: إذا أجاز الأمير البشراء والرسل من الغنيمة - قبل القسمة - على وجه الاجتهاد أو جعل للمقاتلين شيئاً من أسلاب القتلى بغير تنفيل. ثم رفع ذلك إلى من يرى خلاف رأيه فإنه لا يبطل شيئاً مما فعله لأنه أمضى باجتهاده في محل مختلف فيه. ومنها: إذا قال لامرأته: أنت خلية أو برَّية أو بائن أو بتة. فإن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما قالا: يقع به تطليقة رجعية، وقال علي رضي الله عنه: ثلاث تطليقات. ¬

_ (¬1) لفظ - عليَّ الحرام - اختلف فيه على أوجه كثيرة هل هو طلاق رجعي أو بائن أو ظهار أو يمين أو لا شيء. ينظر حلية العلماء جـ 7 ص 44 فما بعدها.

فإذا قضى قاض بأحد القضاءين ثم رفع إلى من يرى خلاف ذلك لم يبطل قضاؤه؛ لأنه حصل في محل مختلف فيه. وإبطال القضاء في المجتهدات يكون قضاء بخلاف الإجماع فيكون باطلاً. (¬1) ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1003.

القاعدتان السادسة والسابعة [الحاكم - الولي الممتنع]

القاعدتان السادسة والسابعة [الحاكم - الولي الممتنع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحاكم يقوم مقام الممتنع بولايته. (¬1) وفي لفظ: من حَرُم عليه الامتناع من بذل شيء سُئله فامتنع، فهل يسقط إذنه بالكلية أو يعتر ويجبره الحاكم. (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الولي: ضد العدو. وكل من ولي أمر آخر فهو وليه. ومنه ولي اليتيم، والصغير، والمجنون، والمرأة، والقتيل. أي مالك أمرهم. (¬3) فمفاد القاعدتين: أن الولي إذا امتنع عن التصرف المفيد لمصلحة من هو وليه فهل للحاكم عزله وإسقاط إذنه كلياً - وهذا مفاد القاعدة الأولى - أو أن إذنه يعتبر ويجبره الحاكم على بذل ما طلب منه "وهذا تساؤل القاعدة الثانية، ذلك التساؤل الذي يشير إلى وجود خلاف. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا امتنع ولي اليتيم عن النظر في مال اليتيم بما يصلحه، في حفظه أو تنميته، وخشي عليه الضياع. فهل للحاكم أن يكف يد الولي عن المال ويقوم هو مقامه في التصرف؟ هذا ما ذكره صاحب المغني. أو أن إذن ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 339، 390، 437، 447. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة 23. (¬3) المغرب ص 495، أنيس الفقهاء ص 263، الكليات ص 918.

الولي يبقى معتبراً ويجبره الحاكم على التصرف؟ هذا ما ذكره ابن رجب. ومنها: ولي المرأة إذا عضلها ومنعها من الزواج بالكفء للخاطب، فهل للحاكم أن يزوجها وينزع ولايتها عن الولي، أو يقيم ولياً غيره أبعد منه؟ روايتان.

القاعدة الثامنة [حال الضرورة]

القاعدة الثامنة [حال الضرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: حال تحقق الضرورة مستثنى من الحظر. من قول محمد بن الحسن رحمه الله. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حرم الله عز وجل أشياء، ولكنه سبحانه وتعالى عقب تحريمه لما حرم بقوله سبحانه {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬2). فكانت حالة الضرورة مستثناة من الحظر والتحريم وتفيد إباحة المحرم. وهذا أمر متفق ومجمع عليه. فمفاد القاعدة: أن الضرورة الاستثناء من حالة الحظر والتحريم يجب أن تكون محققة لا موهومة. وهذا شرط متفق عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اكره إنسان على شرب خمر أو قذف إنسان أو أكل ميتة بقتل أو قطع عضو، فلا يجوز له الإقدام على ما اكره عليه إلا عند تحقق الضرورة بشروطها: وهي أن يعلم أو يغلب على ظنه أن المكره قادر على تنفيذ ما هدد به، وأنه جاد في تهديده غير هازل وأنه لا يستطيع الصبر على ما هُدد به، وأنه لن يجد ناصراً ينصره، ففي هذه الحال يجوز له الإقدام على ما أكره عليه، وقد يجب. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 573. (¬2) الآية 119 من سورة الأنعام.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة: وهذه القاعدة ليست على إطلاقها فليس كل محرم تبيحه الضرورة، فهناك حالات لا يجوز للمضطر استباحتها مع وجود الضرورة كقتل المسلم المعصوم أو الزنا أو ضرب أحد الوالدين.

القاعدة التاسعة [الحال والأجل]

القاعدة التاسعة [الحال والأَجل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحالّ لا يتأجل (¬1) - إلا في مدة الخيار. (¬2) وفي لفظ: الأَجل لا يلحق ولا يسقط. (¬3) ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إن ثمن المبيع إذا لم يشترط في العقد تأجيله فهو حالٌّ أي عاجل، أي يجب دفعه حالا بمجرد تسلم المبيع أو بتمام العقد، ولا يقبل التأجيل بعد تمام العقد بخلاف ما لو اشترط في العقد تأجيله لمدة محدودة، فهو آجل لا عاجل. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: اشترى دابة أو سيارة أو داراً بثمن معلوم عشرة آلاف أو مائة ألف، ولم يشترط المشتري في العقد تأجيل الثمن كله أو بعضه، فالثمن حالٌّ فيجب على المشتري تعجيله في مجلس العقد أو عند تَسَلّم المبيع أو عند انتهاء إجراءات البيع. ومن الدين ما لا يكون إلا مؤجلاً وهو مال الكتابة والدية. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 26، أشباه ابن السبكي ج 1 ص 267، المغني جـ 4 ص 542، 545 (¬2) أشباه السيوطي ص 330. (¬3) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 267.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القواعد

رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القواعد: إذا قال صاحب الدين عند حلوله: لله عليَّ أن لا أطالبه إلا بعد شهر. لزم التأجيل. وقد استشكلت هذه المسألة؛ لأن الصورة إن كانت في معسر فالإنظار - أي الإمهال - واجب، والواجب لا يصح نذره. وإن كانت في موسر قاصد للأداء لم يصح أيضاً, لأن أخذه منه واجب ولا يصح إبطال الواجب بالنذر. ولكن أقول وبالله التوفيق: إن أداء الدين من الموسر عند حلول أجله هو الواجب، ولكن أخذ الدائن دينه عند حلول أجله ليس بواجب بل هو جائز - وإن كان المدين موسراً؛ لأَن الواجب ما يأثم بتركه، وصاحب المال لا يأثم بترك ماله عند المدين ولو حل أجله؛ لأن له أن يسقط الدين ويبرئ منه أو يزيد في الأَجل كما في مسألتنا. ومنها: إذا أوصى من له الدين الحالّ أن لا يطالب المدين إلا بعد شهر فإنه تنفذ وصيته، لكن بشرط أن يخرج قدر الدين من ثلثه. واستدرك على هذين الصورتين أن الدين لم يؤجل وإنما هو حالّ، ولكن منع من المطالبة مانع (¬1). وعلى ذلك قال في المغنى: كل دين حلَّ أجله لم يصر مؤجلاً بتأجيله. (¬2) وعند الحنفية قاعدة مقابلة تقول: الحالُّ يقبل التأجيل. خلافاً للشافعية. واستثنى الحنفية من عدم قبول التأجيل إذا حلّ وقته: القرض، ورأس مال المسلم، وبدل الصرف، والثمن بعد الإِقالة، ¬

_ (¬1) وينظر أشباه ابن السبكي ج 1 ص 268 نقلاً عن الرافعي والتتمة. (¬2) المغني جـ 4 ص 349.

ودين الميت، وما أخذ به الشفيع العقار. وما عدا ذلك فهو يقبل التأجيل عندهم. ولكن التأجيل مشروط بشروط: أولاً: بالقبول من المدين وإلا فلا يصح، والمال حالٌّ. وثانياً: أن لا يكون التأجيل لمدة مجهولة جهالة فاحشة، فلا يصح التأجيل - مثلاً - إلى مهب الريح، أو مجيء المطر. ويصح إلى الحصاد والدِياس. وإن كان البيع لا يجوز بثمن مؤجل إليها. (¬1) ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 356 - 357، وأشباه السيوطي ص 329.

القاعدة العاشرة [البقاء والابتداء]

القاعدة العاشرة [البقاء والابتداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة حالة البقاء أسهل من حالة الابتداء. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولاتها: إن البقاء على أمر من الأمور والاستمرار عليه أسهل وأيسر من حالة ابتدائه؛ لأن الشروط التي يجب توافرها في ابتداء التصرف وترتب الحكم عليها يمكن أن يتجاوز عن بعضها في حال البقاء والاستمرار. وقد سبقت هذه القاعدة في قواعد حرف الباء تحت رقم 35. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 943، 956.

القاعدة الحادية عشرة [اليمين]

القاعدة الحادية عشرة [اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحالف إن كان ظالماً فاليمين على نيّة منه يستحلفه لا على نيه الحالف. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين إنما توجه عند التقاضي على المدعى عليه عند عدم وجود بيَّنة للمدعي، والمدعى عليه إما أن يكون ظالماً وإما أن يكون مظلوماً. فمفاد القاعدة: أن اليمين إنما تكون على نية المستحلف - وهو القاضي أو المدعي - إذا كان الحالف ظالماً، فلا يصح فيها التورية ولا ينفع الاستثناء، ودليلها قوله عليه الصلاة والسلام "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" (¬2) وفي لفظ: "اليمين على نية المستحلف". (¬3) ومفهوم هذه القاعدة: أن الحالف إن كان مظلوماً فاليمين على نيته لا على نية المستحلف. وهذا عند الحنفية والحنابلة، دون المالكية والشافعية حيث إن عندهم أن اليمين على نية المستحلف سواء أكان الحالف ظالماً أم مظلوماً. إلا في الطلاق والعتاق فعلى نيَّة الحالف على كل حال باتفاق. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 30 ص 213، أشباه ابن نجيم ص 53، قواعد ابن رجب ص 38 ق 27، منار السبيل جـ 2 ص 440، حاشية المقنع جـ 3 ص 573 هامش 1. (¬2) الحديث أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة والترمذي. (¬3) أخرجه مسلم وابن ماجة وهو محمول على المستحلف المظلوم، المنتقى جـ 2 ص 910.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجه القاضي اليمين على المدعى عليه أنه ليس له عليه حق يطالب به - وهو يعني موضوع الدعوى - فليس للمدعى عليه أن ينوي بيمينه نفى حق آخر. لكن إن كان المدعى عليه مظلوماً والمدعي ظالماً فللمدعى عليه أن ينوي بيمينه نفى حق آخر أو يوري في اليمين.

القاعدة الثانية عشرة [الحالف]

القاعدة الثانية عشرة [الحالف] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحالف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين إنما تجب بشيئين: الأول: وجود دعوى صحيحة - كما سبق ذكره - لأن الدعوى إذا لم تكن صحيحة فلا يقبلها القاضي ولا ينظر فيها. والثاني: أن لا يوجد للمدعي بيَّنة؛ لأنه إذا وجدت البينة فلا يجوز توجيه اليمين على المدعى عليه. ومفاد القاعدة: الشرط الأول هو صحه الدعوى. فالحالف الذي يجب عليه اليمين هو من توجهت عليه دعوى صحيحة لا باطلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أدعى على رجل مبلغاً من المال لم يبين مقداره وطلب يمين خصمه، فإن القاضي لا يجيبه إلى ذلك؛ لأن هذه الدعوى دعوى بمجهول، هي باطلة, لأن الدعوى لا تصح إلا بعد بيان القدر والجنس. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة: القاضي لا يحلف على تركه الظلم في حكمه. لأنه قد يظلم وهو غير متعمد بالظلم. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 437، أشباه السيوطي ص 509 وينظر الفرائد البهية ص 77.

ومنها: في حدود الله تعالى: وإن كانت الدعوى صحيحة. ومنها: المنكر أن المدعي وكيل صاحب الحق لا يحلف. وإن كانت الدعوى صحيحة. ومنها: مَن عليه الزكاة إذا ادعى مسقطاً للزكاة. لا يحلف. (¬1) ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 509.

القاعدة الثالثة عشرة [الإقرار]

القاعدة الثالثة عشرة [الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة حجة الإقرار لا تعدو المُقِرِّ. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد الإقرار من القسم الأول من قواعد حرف الهمزة تحت رقم 4، 5 وهي قاعدة - الإقرار حجة قاصرة. ومفادها: أن الإقرار حجة في حق المقر خاصة لا تتعداه إلى غيره. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1731.

القاعدة الرابعة عشرة [الحجة]

القاعدة الرابعة عشرة [الحجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحجة لإثبات الحقوق مشروعة بحسب الإِمكان. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحجة في اللغة: الدليل والبرهان. يقال: حاجَّه محاجَّة فحجه - يحجه إذا غلبه في الحجة. (¬2) والحجة في الاصطلاح: هو معناها في اللغة أي الدليل والبرهان والبيِّنة. فمفاد القاعدة: أن إقامة الدليل لإثبات الحقوق والبرهنة عليها مشروعة بحسب الإمكان أي أن كل أَمر له دليل وحجة بحسبه، حيث إن الشرع لم يفرض دليلاً واحداً لكل أمر أو قضية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قبول شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال، وهي كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه. (¬3) ومنها: قبول شهادة القابلة في الاستهلال. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 16 ص 143. (¬2) المصباح المنير ومختار الصحاح مادة "حج" (¬3) المبسوط ج 16 ص 144.

القاعدة الخامسة عشرة

القاعدة الخامسة عشرة أولاً: لفظ ورود القاعدة الحجر جائز على الحر المكلف. في مسائل. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحجر في اللغة: المنع. يقال: حجر عليه القاضي حجراً. إذا منعه عن التصرف في ماله. (¬2) وهو معناه في الاصطلاح الفقهي، ولا يكون إلا بأمر القاضي. الأصل أن الإنسان الحر المكلف له الحرية في التصرف في أمواله كيف يشاء, لأن الملك هو القدرة على التصرف. والمالك قادر على التصرف في أمواله تصرفاً فعلياً وقولياً. ومفاد هذه القاعدة: أن الحر المكلف يجوز الحجر عليه ومنعه من التصرف في أمواله قولاً أو فعلاً؛ نظراً لمصلحته ولمصلحة من يعوله. ولكن هذا الحجر مقيد ومحدد في مسائل لا يعدوها وهي: حجر الصبي، والمجنون، وهذان غير مكلفين، والمبذر لأمواله فيما لا يفيده، وحجر هؤلاء الثلاثة لحق أنفسهم ومن يعولون. ومنها: حجر المفلس لحق الغرماء، وحجر الراهن لحق المرتهن، والمريض لحق الورثة، والعبد لحق سيده، والمرتد لحق المسلمين، وهذا عند الشافعية. (¬3) ¬

_ (¬1) الفرائد ص 241 عن حجر الخانية جـ 3 ص 634. (¬2) مختار الصحاح مادة (حجر) (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه ص 197.

وأما عند الحنفية فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الحجر على الحر، إلا في ثلاث مسائل، ولكن تلاميذه بخلافه حيث يرون الحجر على الحر في سبع وهي: الطبيب الجاهل الذي يعالج الناس ولا يعرف الطب فيضرهم في أجسادهم. المفتي الماجن الذي يعلم الناس الحيل ويفتي عن جهل، أو يفتي بما يخالف الشرع لِغَرض أو هوى. المكّاري المفلس يحجر عليه لمصلحة الناس حيث يضرهم في أموالهم وأوقاتهم ومصالحهم. المدين لحق بغرماء إذا طلبوا الحجر عليه كيلا يتلف ما في يده. السفيه وهو المبذر الذي لا يحسن التصرف في أمواله، فإن القاضي يحجر عليه بطلب أوليائه. المغفل الذي لا يهتدي إلى التصرفات ولا يصبر عنها. حجر الحاكم على المحتكر إذا أمره ببيع الطعام فامتنع. باعه الحاكم عليه. (¬1) ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 241 عن حجر الخانية جـ 3 ص 634 - 635.

القاعدة السادسة عشرة [الحجر الخاص]

القاعدة السادسة عشرة [الحجر الخاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحجر الخاص مع قيام الإذن العام باطل. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أذن الولي للصبي أو العبد بالتجارة فهو إذن عام يجيز للصبي والعبد المتاجرة في كل أنواع التجارات ومع كل الناس. (¬2) فإذا أراد الولي أو السيد منع المأذون من التجارة في نوع خاص أو مع أناس مخصوصين بعد الإذن العام فمفاد القاعدة أن هذا الحجر الخاص باطل ولا يصح. عند الحنفية لا يكون الإذن إلا عاماً ولا يخصص، وأما عند غيرهم فيجوز تخصيص الإذن بنوع من التجارة وبمدينة معينة وسوق مخصوصة. (¬3) ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع المأذون متاعاً أو اشتراه واشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام، وعلى العبد دين أو ليس عليه دين - فنقض المولى البيع في خلال الثلاثة الأيام بمحضر من الآخر لم يجز نقضه, لأنه حجر خاص في إذن عام؛ لأن هذا التصرف من العبد تناوله الإِذن العام فالمولى بفسخ هذا التصرف عليه - يحجر عليه من إمضائه بالإجازة، والحجر الخاص مع قيام الإذن العام باطل، كما أن استثناء تصرف من الإذن بالتجارة عند ابتداء الإذن باطل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 187. (¬2) المبسوط جـ 25 ص 6 كتاب المأذون الكبير. (¬3) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج جـ 4 ص 171، والمقنع جـ 2 ص 146.

القاعدة السابعة عشرة [الحجر - التعليق بالشرط]

القاعدة السابعة عشرة [الحجر - التعليق بالشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحجر لا يحتمل التعليق بالشرط، إنما يحتمل الإِضافة إلى وقت ما يحتمل التعليق بالشرط. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالشرط هنا: هو الشرط اللغوي وهو المبدوء بإن أو إحدى أخواتها، فمفاد القاعدة: أن الحجر لا يجوز تعليقه بالشرط؛ لأن الحجر من باب التقييد والتقييدات لا تحتمل التعليق بالشرط، بخلاف الإِذن فإن الإِذن يحتمل الإِضافة والتعليق بالشرط لأنه من باب الإطلاقات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لعبده المأذون إن جاء آخر هذا الشهر فقد حجرت أو قد حجرت عليك رأس الشهر، فإنه يكون باطلاً. كما لو قال لامرأة: إن جاء رأس الشهر تزوجتك. أما إذا قال لعبده: إذا كان رأس الشهر فقد أذنت لك في التجارة فهو كما قال، ولا يكون مأذوناً حتى يجيء رأس الشهر؛ لأن ذلك من باب الإطلاق. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 18.

القاعدة الثامنة عشرة [الحدث الحكمي]

القاعدة الثامنة عشرة [الحدث الحكمي] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحدث الحكمي أغلظ من النجاسة العينية. عند أبي يوسف رحمه الله. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحدث: هو الحالة الناقضة للطهارة شرعاً، والجمع: الأَحداث. مثل سبب وأسباب. والأَحداث نوعان: أحداث حكمية، وأحداث حسية عينية. فالحدث الحكمي كالجنابة، والإِمذاء، والريح، وكل ناقض للوضوء بأثره. والأَحداث العينية: كالغائط والبول، والدم، وكل ناقض للوضوء بخروجه. فمفاد القاعدة: أن الحدث الحكمي أغلظ وأشد في أحكامه من النجاسة العينية، من حيث ترتب بعض الأَحكام، كتنجيس الماء الملاقي لجسد المغتسل من الجنابة، ولكن عند باقي الأَئمة إن الماء المستعمل في إزالة النجاسة الحكمية كماء الغسل والوضوء طاهر غير طهور. عدا مالك رحمه الله فإنه طهور عنده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أزال النجاسة العينية تنجس الماء لملاقاة النجاسة، وكذلك إذا اغتسل لإزالة الجنابة فإن الماء المغتسل به نجس عند أبي يوسف. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 46.

ومنها: إنَّ مَن وجب عليه غسل من الجنابة ولم يجد سترة من الرجال عليه أن يغتسل وإن لم يجد سترة، وكذلك المرأة بين النساء. ولكن من أراد أن يستنجي ولم يجد سترة من الرجال فلا يجوز له أن يتكشف ويستنجي. وكذلك المرأة بين النساء.

القاعدة التاسعة عشرة [تداخل الحدود]

القاعدة التاسعة عشرة [تداخل الحدود] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحدود تتداخل. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحدود: جمع حد. والحد في اللغة: المنع، ومنه قيل للبواب والسجان حداد، إما لأنه يمنع عن الخروج، أو لأنه يعالج الحديد من القيود. (¬2) والحد: الحاجز بين الشيئين. وحد الشيء: منتهاه (¬3) والحد شرعاً: هي العقوبات المقدرة في الشرع, لأنها تمنع من الإِقدام. ومعنى تداخل الحدود: أن يعاقب على جرائم متشابهة من جنس واحد قد اجتمعت بحد واحد إذا لم يكن قد عوقب على كل منها وحده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من زنى، أو شرب خمراً، أو سرق مراراً - ولم يعاقب على كل فعلة منها وحدها - كفى حدٌّ واحدٌّ لكل منها. سواء أكان الأول موجباً لما أوجبه الثاني أم غير موجب. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 74، المنثور جـ 1 ص 270، 271، أشباه السيوطي ص 126، أشباه ابن نجيم ص 133. والمقنع مع الحاشية جـ 3 ص 448. (¬2) مختار الصحاح مادة (حدد). (¬3) المصباح المنير مادة (حدَّت).

فلو زنى وهو بكر، ولم يقم عليه الحد ثم زنى وهو ثيب، أقيم عليه حد الرجم فقط. ومنها: لو قذف واحداً مراراً أو جماعة في مجلس أو مجالس متفرقة، كفى حد واحد. بخلاف ما إذا زنى فحد، ثم زنا ثانية فإنه يحد ثانياً. أما لو زنى وسرق وشرب فيقام عليه ثلاثة حدود لاختلاف الجنس. ومنها: لو وطئ مراراً في نهار رمضان لم يلزم بالثاني وما بعده شيء؛ لأن الوطء الثاني كان في حال فطره لا صومه؛ لأنه أفطر بالوطء الأول. ولو وطئ في يومين من رمضانين مختلفين تعددت الكفارات. وأما إن كانا من رمضان واحد فإن كفر للأول تعددت وإلا اتحدت. وقد سبق مثل هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 65، وفي قواعد حرف التاء من القسم الثاني تحت رقم 72.

القاعدة العشرون [الحدود - الشبهات]

القاعدة العشرون [الحدود - الشبهات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحدود تسقط أو تُدرَأ بالشبهات (¬1). بخلاف الحقوق. (¬2) وفي لفظ: تسقط أوتندرئ بالشبهات. (¬3) وفي لفظ: الحدود مبناها على الإِسقاط والدرء بالشبهات. (¬4) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى تدرأ: أي تدفع، والشبهة: الالتباس. والمشتبهات من الأمور: المشكلات. واشتبهت الأمور: التبست فلم تتميز ولم تظهر. (¬5) فمفاد القاعدة: أن الحدود أو العقوبات المقدرة شرعاً تسقط ولا تقام عند وجود شبهة أو التباس بالفعل أو المحل، ولكن شرط في الشبهة أن تكون قوية. وأما حقوق العباد فلا تسقط بالشبهة ومستند هذه القاعدة الأثر الوارد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعاً". (¬6) وعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 122، أشباه ابن نجيم ص 127/ 291، المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 458. (¬2) الجمع والفرق للجويني ص 1204. (¬3) المبسوط ج 24 ص 13، المغني جـ 3 ص 577، جـ 4 ص 277. (¬4) المغني جـ 3 ص 177، 4/ 277، جـ 4 ص 616. (¬5) المصباح ومختار الصحاح مادة (الشبه، شبه) (¬6) الحديث أخرجه ابن ماجة حديث رقم 2545.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

"ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة". (¬1) وفي الباب آثار أخرى. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ثبت زنا على رجل أو امرأة ثم ادعى الرجل أنه كان مخطئاً ويظنها امرأته، أو أنه كان مكرهاً. أو ادعت المرأة أنها كانت نائمة فلم تشعر إلا بالزاني فوقها، ففي هذه الأحوال يدرأ الحد عنهما. ومنها: إذا ثبت جنون الرجل أو المرأة. ومنها: إذا اتهم بسرقة فادعى أن له حقاً فيها، كذلك يدرأ عنه الحد، أو ظن أن ما سرقه ملكه، أو مال أبيه أو ابنه، ولكن يجب عليه رد المسروق. ومنها: إذا اتهم بالسكر أو شرب المسكر فادعى أنه لم يعلم أن ما شربه خمر، كذلك لا يقام عليه الحد. ومنها: إذا تزوج امرأة بدون ولي، أو بغير شهود، لا يقام عليه الحد للاختلاف في وجوب ذلك. (¬2) ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الترمذي وذكر أنه قد روي موقوفاً، وأن الوقف أصح، ينظر المنتقى ج 1 ص 711، الحديثان 4039، 4040. (¬2) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 459.

القاعدة الحادية والعشرون [الحدود]

القاعدة الحادية والعشرون [الحدود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحدود شرعت زواجر عن ارتكاب أسبابها، عند من يعتقد حرمة السبب. (¬1) وفي لفظ: الحدود عقوبات. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الحدود، ومعنى الزواجر. فمفاد القاعدة: أن الحدود إنما شرعها الله عز وجل وأوجبها للمنع من ارتكاب أسبابها بالنسبة للواقع فيها حتى لا يعود إليها، وبالنسبة لغيره حتى يعتبر به. وهذا عند مَن يعتقد حرمة سبب الحد. وأما من لا يعتقد الحرمة فلا يقام عليه الحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع حد القتل قصاصاً للزجر عن ارتكاب جريمة القتل بغير حق، وعقوبة للقاتل، وشفاءً لصدور أولياء القتيل وسل سخائم قلوبهم. ومنها: شرع حد القطع في السرقة عقوبة للسارق، وزجراً عن سرقة الأَموال حفظاً على أربابها. ومنها: شرع حد السكر عقوبة للشارب وزجراً لغيره عن شرب الخمر حفظاً للعقول، وحرصاً على دوام المحبة والمودة بين المسلمين، ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2014. (¬2) المبسوط ج 20 ص 102.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ودوام ذكر العبد لربه سبحانه وتعالى وإقامة الصلاة. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الذمي لا يقام عليه حد السكر لأنه لا يعتقد حرمة الخمر. ومنها: المجوسي إذا تزوج أمه أو أخته لا يقام عليه حد الزنا, لأنه يعتقد إباحة ذلك.

القاعدة الثانية والعشرون [الحر]

القاعدة الثانية والعشرون [الحر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحر لا يدخل تحت اليد. (¬1) والاستيلاء. (¬2) وفي لفظ: الحر لا يدخل في العقد. (¬3) وفي لفظ: الحر ليس بمال متقوم (¬4). وفي لفظ: الحر لا يضمن باليد. (¬5) وفي لفظ: الأصل في الناس الحرية. (¬6) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحر: الإنسان الذي ليس بعبد ولا رقيق سواء كان ذكراً أم أنثى صغيراً أم كبيراً، مسلماً أم غير مسلم. ومعنى لا يدخل تحت اليد: أي أنه لا يكون مالا يباع ويشترى - أي أنه لا يُملك؛ لأن المملوك هو الذي يقع تحت اليد. وهو أيضاً لا يضمن كما تضمن المملوكات. ولكن يمكن أن يدخل الحر تحت اليد إذا أريد باليد هنا القوة والقدرة، بمعنى أنه يقع أسيراً مثلاً. أو يحبس ويسجن. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 352، أشباه السيوطي ص 124، أشباه ابن نجيم ص 131، 219، المغني جـ 5 ص 249, 303. (¬2) المنثور جـ 2 ص 43. (¬3) المبسوط ج 13 ص 3. (¬4) المبسوط ج 14 ص 131. (¬5) المبسوط ج 26 ص 153، المنثور مرجع سابق جـ 2 ص 43. (¬6) قواعد الفقه ص 76 عن شرح السير ص 352.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أستأجر حراً لعمل ما فهل له أن يؤجره من غيره؟ منهم من قال: ليس لمستأجره أن يؤجره من غيره، ولا تقرر أجرته بالتسليم؛ لأن منافعه لا تدخل تحت اليد، وهذا راجح. ومنها: إذا غصب إنسان صبياً فمات في يده أو بمرض، لم يضمن ديته. ولكن إذا نقله إلى مكان يغلب فيه الهلاك فمات، فإن ديته على عائلة الغاصب، ولكن الضمان هنا ضمان إتلاف لا غصب؛ لأن الحر يضمن بالإتلاف، ولا يضمن بالغصب، بخلاف العبد فإنه يضمن بكليهما. ومنها: إذا حبس حراً ولم يمنعه الطعام والشراب حتى مات حتف أنفه لم يضمنه. ومنها: إذا وطئ حرة بالشبهة وماتت بالولادة لم تجب الدية في المشهور. (¬1) ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 131، وأشباه السيوطي ص 124.

القاعدة الثالثة والعشرون [الحرام، الحلال]

القاعدة الثالثة والعشرون [الحرام، الحلال] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحرام لا يحرم الحلال. (¬1) حديث ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تخريج الحديث: ورد الحديث بغير لفظ القاعدة وهو حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها أنه: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل يتبع المرأة حراماً أينكح ابنتها؟ أو يتبع الابنة حراماً أينكح أمها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحرم الحلالَ الحرامُ إنما يحرم ما كان بنكاح حلال" (¬2). وفي رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يُحرِّم الحرامُ الحلالَ" (¬3) ومفاد الحديث أن الفعل الحرام لا يترتب عليه أحكام تترتب على الفعل المباح، وذلك في باب النكاح والرضاع خاصة. وهذه القاعدة محل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 204، وج 30 ص 296 عن الشافعي رحمه الله. (¬2) الحديث أخرجه ابن حِبَّان في المجروحين جـ 2 ص 98، والدارقطني جـ 3 ص 268، وابن عدي ومن طريقه البيهقي جـ 7 ص 169 والطبرانى في الأوسط - كما في الزوائد - جـ 4 ص 268، وذكره ابن أبي حاتم في العلل ج 1 ص 418. وتخريجه وتمام الكلام فيه في سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 388. (¬3) أخرجه ابن ماجة ص 146، والدارقطني جـ 3 ص 269، والبيهقي في السنن جـ 7 ص 169، والمعرفة جـ 3 ص 264، وأبو نعيم في أخبار أصبهان ج 1 ص 163. وقد قواه المحقق إرشاد الحق الأثري في العلل المتناهية جـ 2 ص 136 - 137.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

خلاف بين الحنفية والشافعية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من زنا بامرأة حرمت عليه أصولها وفروعها كما لو نكحها نكاحاً حلالا صحيحاً. وهذا عند الحنفية والحنابلة (¬1) مستدلين بقوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} (¬2). والمراد بالنكاح عندهم الوطء لا مجرد العقد سواء كان الوطء حلالا أم حراماً. وأما عند الشافعي والصحيح عند مالك (¬3) رحمهما الله تعالى: فلا يحرم على الزاني بالمرأة فروعها ولا أصولها لِهذا الحديث، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "لا يحرم إلا إذا كان الوطء بنكاح أو ملك يمين، وأما بالزنا فلا تثبت الحرمة. قال؛ لأن النكاح أمر حُمدت عليه، والزنا فعل رجمت عليه فأنى يستويان! وثبوت حرمة المصاهرة بطريق النعمة والكرامة، والزنا المحض سبب لإيجاب العقوبة فلا يصلح سبباً لإيجاب الحرمة والكرامة؛ ولأن الزنا لا يثبت به النسب والعدة، فكذلك حرمة المصاهرة. (¬4) ¬

_ (¬1) المقنع جـ 3 ص 33. (¬2) الآية 22 من سورة النساء. (¬3) ينظر الكافي جـ 2 ص 542. (¬4) ينظر الأم جـ 10 ص 512 - 513، وج 11 ص 14، ص 30.

القاعدة الرابعة والعشرون [الحرب - خدعة]

القاعدة الرابعة والعشرون [الحرب - خدعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحرب خدعة (¬1). حديث ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تخريج الحديث: هذا الحديث أخرجه الجماعة وغيرهم (¬2)، وهو عند البخاري تحت رقم 3028، والفتح ج 7 ص 157 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - "الحرب خدعة" وفي الباب أيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. "وخَدْعة" بفتح الخاء وضمها "وخُدَعة". ومعنى خُدعة: أنها تخدع أهلها ومعنى تخدع: تختل والختل: إرادة المكروه بالمخدوع من حيث لا يعلم". (¬3) ومفاد القاعدة - كما قال في الفتح - الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة، وإلا فقاتل "وأصل الخدع: إظهار أمر وإضمار خلافه. وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار. واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن - كما قال النووي - إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز. وفي الحديث إشارة إلى استعمال الرأي في الحرب، بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 119 وعنه قواعد الفقه ص 76. (¬2) ينظر في تخريجه موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 4 ص 567. (¬3) مختار الصحاح مادة (خدع).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد الإمام حرب قوم - ليس بينه وبينهم عهد ولا ميثاق - فعليه أن يوِّري حين خروجه بأن يذكر أنه يريد حرباً في جهة الشمال مثلاً، وهو يريد قوماً في جهة الجنوب أو الغرب، حتى لا ينذروا به فيستعدوا، لكي يأخذهم على غِرَّة وغفلة.

القاعدة الخامسة والعشرون [الحرج - التكليف]

القاعدة الخامسة والعشرون [الحرج - التكليف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحرج مدفوع (¬1) أو مرفوع (¬2) وفي لفظ: الخطاب بحسب الوسع. وتأتي في حرف الخاء إن شاء الله. وفي لفظ: التكليف بحسب الوسع. (¬3) وقد سبقت في حرف التاء تحت رقم 179. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحرج معناه في اللغة: الضيق. يقال: مكان حرج أي ضيق كثير الشجر. وحَرِج صدره: بمعنى ضاق. والحرج يأتي بمعنى الإثم. (¬4) فمفاد القاعدة: أن التضييق في الشرع مدفوع ومرفوع فلا تكليف إلا بحسب الوسع، أي الطاقة والقدرة الممكنة. وتندرج تحت قاعدة المشقة تجلب التيسير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ليس على مؤجر العبد للخدمة أن يشترط تسمية كل عمل عند العقد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 121، جـ 6 ص 55، ج 23 ص 65، الهداية بشرح فتح القدير ج 1 ص 209، جـ 2 ص 210، ج 1 ص 30. (¬2) قواعد المقّري ص 432 القاعدة 186. (¬3) المبسوط جـ 16 ص 112. (¬4) مختار الصحاح مادة (ح ر ج)

, لأن ذلك حرج وهو مدفوع. ومنها: جواز إقامة الجمعة في أكثر من مسجد جامع واحد في المصر الواحد إذا كان المصر متسعاً، حتى لا يقع الناس في الحرج إذا أُجبروا على إقامة الجمعة في موضع واحد.

القاعدة السادسة والعشرون [الحرمات]

القاعدة السادسة والعشرون [الحرمات] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحُرُمات تثبت بالشبهات (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحرمات: جمع حرمة، هي كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى ومنع من إتيانه. والشبهات: جمع شبهة وهي ما يشبه الثابت وليس بثابت. فمفاد القاعدة: أن الشبهة ملحقة في الحقيقة في الحرمة - وهذا من باب الاحتياط - ودليل هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من وقع في الشبهات وقع في الحرام" (¬2) ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأَموال الربوية يجب فيها تحقق المماثلة، فإذا شك في تحققها حُرمت المعاملة. ومنها: إذا أرسل كلبه المعلم وشاركه في الصيد كلب غير معلم أو كلب كافر، ولا يدري أيهما اصطاد. حرم أكل الصيد للشبهة. ومنها: إذا وجد ذبيحتين مسلوختين إحداهما مذكاة والأُخرى غير ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 39. (¬2) الحديث: متفق عليه. ينظر الفتح ج 1 ص 127 فما بعدها. واللفظ للدارمي جـ 2 ص 245.

مذكاة ولم يستطع التمييز بينهما، حرمتا كلاهما إحداهما بحسب الأَصل والثانية للشبهة. ومنها: اللحوم المستوردة من غير بلاد الإسلام والتي يجهل ذابحها، هل هو مسلم أو غير مسلم، أو هل هي مذكاة أو غير مذكاة، حرم تناولها للشبهة.

القاعدة السابعة والعشرون [حرمة النفس والمال].

القاعدة السابعة والعشرون [حرمة النفس والمال]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال. (¬1) وفي لفظ: حرمة مال المسلم كحرمة نفسه. (1) وفي لفظ: حرمة المال كحرمة النفس. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تفيد هذه القواعد أن دم المسلم وماله متساويان في التحريم، فلا يجوز أخذ مال المسلم إلا بطيب من نفسه أو بحق مشروع. كما أنه لا يجوز إراقة دم مسلم إلا بحق مشروع. ودليل ذلك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". (¬3) فقد ساوى الحديث في الحرمة بين الدماء والأَموال والأَعراض. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إن كان مع المحدث ماء يكفيه للوضوء غير أنه يخاف العطش يتيمم، ¬

_ (¬1) المبسوط ج 1 ص 114, 115. (¬2) نفس المصدر جـ 2 ص 3 (¬3) الحديث أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم مع اختلاف لفظ. واللفظ للدارمي جـ 2 ص 67 - 68.

ولا يتوضأ به؛ لأنه يحرم عليه أن يقتل نفسه، وحرمة النفس لا تكون دون حرمة المال. ومثله: لو لم يجد ماءً إلا بثمن وليس معه الثمن، أو بغبن فاحش، فله أن يتيمم، ويعتبر كالعاجز عن الوصول للماء. ومنها: إذا رأى وهو يصلي سارقاً يسرق شيئاً من متاعه، وَسِعَه أن يقطع صلاته ويلحق بالسارق، لأن حرمة المال كحرمة النفس.

القاعدة الثامنة والعشرون: [حرمة الملك].

القاعدة الثامنة والعشرون: [حرمة الملك]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: حرمة الملك باعتبار حرمة المالك. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن تحريم ما يملكه الإنسان على غيره تابع لحرمة المالك لذلك الشيء، فإن المالك المسلم أو غير المسلم - كالذمي - حرم على غيره دمه وماله وعرضه. إلا بحقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إباحة مال الحربي، لأَن دمه مباح. وتحريم مال المسلم والذمي, لأن دمهما غير مباح. ومنها: من سيب دابة بمهلكة فأخذها آخر فهي تبقى مملوكة لصاحبها؛ لأن التسيب لا يحذف وصف المالكية في الدواب - فهي لصاحبها فلا يملكها أحد بالأَخذ. وفي الباب حديث رواه الشعبي وقد أختلف في رفعه، قال البيهقي: هذا حديث مختلف في رفعه وهو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطع - والحديث - "كل أحد أحق بماله حتى يجعله لغيره". (¬2) ¬

_ (¬1) شرح السير ص 212، وعنه قواعد الفقه ص 76. (¬2) الحديث في السنن الكبرى جـ 6 ص 326 - 327 - باب ما جاء فيمن أحيا حسيراً.

القاعدة التاسعة والعشرون [الحرمة المتعدية]

القاعدة التاسعة والعشرون [الحرمة المتعدية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحرمة تتعدى في الأَموال مع العلم. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن اكتساب المال من حرام لا تقف حرمته عند مكتسبه، بل تتعداه لكل متعامل معه إذا علم أن هذا المال حرام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سرق إنسان شيئاً وأراد بيعه، وعلم المشتري أن هذا الشيء مسروق فيحرم عليه أن يشتريه من سارقه، وإن اشتراه - مع علمه بسرقته - يكون آثماً وشريكاً للسارق في جريمته. ومنها: إذا اغتصب مالا وآجره أو وهبه أو باعه، وعلم المستأجر أو الموهوب له أو المشتري أن هذا مال مغصوب، فلا يجوز له الإِقدام على استئجاره أو شرائه أو قبوله هبة، فحرمة الأَموال تتعدى مع العلم، وأما إذا لم يعلم فهو غير آثم. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: مال الوارث حلال له وإن علم بحرمته على المورث. فحرمته لا تتعدى مع العلم في حق الوارث، فإن مال مورثه حلال له وإن علم بحرمته منه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 288.

القاعدة الثلاثون [الحرمة - الاحتياط]

القاعدة الثلاثون [الحرمة - الاحتياط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحرمة تنبني على الاحتياط (¬1). وفي لفظ: الاحتياط في باب الحرمة واجب. (¬2) سبق مثل هاتين القاعدتين في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 48 وفي قواعد حرف الحاء قريباً: الحرمات تثبت بالشبهات تحت رقم 26. ومفاد القاعدة: إن على المسلم أن يحتاط لدينه فلا يقدم على ما فيه وجه تحريم أو شبهة تحريم؛ لأن مبنى الحرمات على الاحتياط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 207. (¬2) المبسوط جـ 3 ص 295.

القاعدة الحادية والثلاثون [الحرمة - الحل]

القاعدة الحادية والثلاثون [الحرمة - الحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحرمة لا تثبت صفة للمحل إلا بزوال صفة الحل. لاستحالة اجتماع الضدين في محل واحد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحلال والحرام صفتان متغايرتان، أو هما نقيضان لا يجتمعان في محل واحد، ولا يرتفعان، فالمحل إما أن يكون حلالا وإما أن يكون حراماً. فإذا ارتفع أحد الوصفين ثبت الآخر، فلا تثبت صفة المحل إلا بزوال الأُخرى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند ابن أبي ليلى: أن من قال لزوجته: هي عليَّ حرام. أنه لا يثبت بهذا القول شيء - ولو نوى -؛ لأن صفة الحل في الزواج لا تزول إلا بالتطليقات الثلاث. ومنها: الخمر حرام، لكنها إذا تخللت صارت حلالا. وزالت الحرمة. ومنها: المال المغصوب أو المسروق حرام الانتفاع به، ولكن إذا وَهَبَه المغصوب منه أو المسروق منه للغاصب أو السارق حل له الانتفاع به، وزالت صفة الحرمة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 71.

القاعدة الثانية والثلاثون [الحرية - القهر]

القاعدة الثانية والثلاثون [الحرية - القهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحرية المتأكدة بمنعة المسلمين لا تنقض بالقهر. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإنسان الممنوع بقوة المسلمين ومنعتهم هو حرٌ سواء أكان مسلماً أم ذمياً أم مستأمناً. فكل أولئك حريتهم متأكدة بمنعه المسلمين ودفاعهم عنهم وحياطتهم لهم، فهذه الحرية لا تزول بالقهر وغلبة غير المسلمين عليهم، فالمسلم يبقى حراً والذمي يبقى حراً ولو أسره أعداء الإِسلام وغلبوا عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أغار العدو على أرض الإِسلام فأخذ أسارى من المسلمين أو الذميين أو مستأمنين في دارنا موادعين، فاسترقهم، ثم إن المسلمين ظهروا على أهل الحرب، فوجدوا أولئك الذين استرقهم الأعداء، فإنهم يعودون أحراراً كما كانوا قبل ظهور أهل الحرب عليهم. وكذلك إن أخذوا بعض أموالهم فوجدت في الغنيمة فهي لهم قبل القسمة بغير شيء وبعد القسمة بالقيمة؛ لأن هؤلاء كانوا في مَنعَة المسلمين، والحرية المتأكدة بمنعة المسلمين لا تنقض بالقهر والاستيلاء. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1858.

القاعدة الثالثة والثلاثون [الحريم]

القاعدة الثالثة والثلاثون [الحريم] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحريم له حُكْم ما هو حريم له (¬1). (تحت قاعدة التابع تابع) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحريم: فعيل من الحرمة، وحريم البئر وغيرها: ما حولها من مرافقها وحقوقها. (¬2) سمي بذلك لأنه يحرم على غير مالكه أن يستبد بالانتفاع. (¬3) فمفاد القاعدة: أن ما يحيط بالبئر أو العين أو غيرهما حكمه في الحرمة حكم البئر أو العين. فإن كانت البئر مملوكة فحريمها مملوك لا يحل الانتفاع به بغير إذن المالك. وإن كانت البئر مباحة عامة فحريمها كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حريم الحرام ما يحيط به، كالفخذين فإنهما حريم للعورة الكبرى. وحريم الواجب ما لا يتم الواجب إلا به، ومن ثَمَّ وجب غسل جزء من الرقبة والرأس مع الوجه لتحقيق غسله. ومنها: غسل جزء من العضد مع الذراع. ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة جـ 5 ص 566 فما بعدها. أشباه السيوطي ص 125، المنثور جـ 2 ص 46. (¬2) مختار الصحاح مادة (ح وم) (¬3) المصباح مادة "حرمت"

ومنها: ستر جزء من السرة والركبة مع العورة، وجزء من الوجه مع الرأس للمرأة في الصلاة والإِحرام. ومنها: حرم الاستمتاع بما بين السرة والركبة في الحيض؛ لحرمة الفرج. عند قوم. ومنها: حريم المسجد حكمه حكم المسجد، لا يجوز الجلوس فيه للبيع ولا للجنب - ويجوز الاقتداء فيه بمن في المسجد والاعتكاف فيه. ومنها: حريم المعمور فهو مملوك لمالك المعمور في الأَصح، ولا يملك بالإِحياء قطعاً.

القاعدة الرابعة والثلاثون [حصول المقصود]

القاعدة الرابعة والثلاثون [حصول المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة حصول المقصود بالشيء ينهيه ويقرره. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن المقصود بالشيء أو العقد إذا حصل ووجد فإن ذلك ينهي هذا الشيء ويقرره ويؤكده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى جارية بشرط الخيار، ثم وطئها في زمن الخيار فقد سقط خياره، وتَمَّ العقد. فلا حق له في الرجوع بعد ذلك إلا بسبب جديد، كاكتشاف عيب. ومنها: إذا كان له على آخر دين فأخذ به رهناً ثم هلك الرهن عند المرتهن سقط الدين؛ لأن ما هو المقصود بالرهن قد حصل, لأن بقبض الرهن ثبتت يد الاستيفاء للمرتهن، ويتم ذلك بهلاك الرهن، وصيرورته مستوفياً بهلاكه بمنزلة استيفائه حقيقة، هذا عند الحنفية فقط وعند الآخرين الرهن غير مضمون. (¬2) ومنها: إذا باع أرضاً بشرط الخيار له ثم أجَّرها بإذن المشتري، فقد سقط خياره لأن برضائه تأجيرها بإذن المشتري يقرر العقد وينهي خياره. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 91. (¬2) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 2 ص 106.

القاعدة الخامسة والثلاثون [حق الله - خبر الواحد]

القاعدة الخامسة والثلاثون [حق الله - خبر الواحد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حق الله تعالى يثبت بخبر الواحد العدل. (¬1) وفي لفظ: قول الواحد العدل مقبول في الديانات (¬2). وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقوق نوعان: حقوق للعباد بعضهم على بعض. وحقوق لله تعالى على العباد. فأما حقوق العباد بعضهم على بعض فلا يقبل فيها خبر الواحد إلا عند الضرورة، كشهادة القابلة وأمثالها. وأما حقوق الله تعالى: فتثبت بخبر الواحد العدل، وذلك فيما يتعلق بأبواب الحلال والحرام والنجاسة والطهارة، ولا يشترط في هذا الواحد إلا العدالة، فلا تشترط الحرية ولا الذكورية، واختلفوا في خبر مستور الحال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مسلم اشترى لحماً وقبضه، فأخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي، فإنه لا يجوز له أن يأكل منه ولا يطعم غيره؛ لأن المخبر أخبره بحرمه العين. ومنها: إذا أخبره ثقة مسلم رجلاً أو امرأة حراً أو عبداً أو أمة أن هذا الماء الذي يريد الوضوء منه نجس إذ سقطت فيه فأرة، أو وقعت فيه نجاسة، فلا يحل له أن يتوضأ منه. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 196 عن الخانية فصل ما يقبل فيه قول الواحد وما لا يقبل جـ 3 ص 414. (¬2) نفس المصدر ص 196.

القاعدة السادسة والثلاثون [حق الملك]

القاعدة السادسة والثلاثون [حق الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة حق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع بقاءه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حق الملك يصيِّر المملوك سلعة بيد المالك، سواء كان المملوك رقيقاً أم حيواناً، ولذلك يمنع أن ينكح المملوك سيدته، أو أن تنكح السيدة عبدها, ولكن لو طرأ الملك على نكاح أو شراء قائم لا يمنع بقاء النكاح أو الاشتراء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن تزوج المكاتب مولاته - قبل تحرره - ودخل بها فعليه المهر؛ وسقط الحد بشبهة العقد، ولا يجوز النكاح وإن عتق. وإما إن تزوج المكاتب أو العبد بنت مولاه بإذنه جاز النكاح؛ لأنه لا ملك لها في رقبته ولا حق ملك ما دام الأَب حياً، فإن مات المولى فسد نكاح العبد؛ لأنها ملكت رقبة زوجها إرثاً - وملكها رقبة الزوج لو أقترن بالعقد منع صحة النكاح، فإذا طرأ على النكاح يرفعه أيضاً؛ لأن المنافي يؤثر سواء كان طارئاً أو مقارناً. فأما نكاح المكاتب فلا يفسد بموت المولى - عند الحنفية خلافاً للشافعي رحمه الله. ومنها: العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع بقاءه، كامرأة طلقها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 130 - 131.

زوجها أو مات عنها، فلا يجوز نكاحها مادامت في العدة. ولكن إن كانت زوجة واغتصبها مغتصب فعليها عدة من الزنا - مع بقاء نكاحها من زوجها - والعدة خشية أن تكون علقت من الزاني المغتصب أو المكره. ومنها: إذا أبق عبد - أي هرب من سيده - فلا يجوز بيعه حالة الإِباق، أما لو باعه قبل إباقه ثم هرب العبد، فالبيع باق.

القاعدة السابعة والثلاثون [إسقاط الحق]

القاعدة السابعة والثلاثون [إسقاط الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق بعد ما يثبت لا يسقط إلا بإسقاط صاحب الحق، (¬1) صريحاً أو دلالة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت حق من الحقوق لشخص ما ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً حراً أو عبداً فلا يجوز إسقاطه ولا يسقط من نفسه، وإنما يسقط بإسقاط صاحب الحق له دون غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت حد القصاص للولي فلا يجوز إسقاطه إلا مِن قِبَلِه. فلا يجوز للحاكم ولا غيره إسقاطه. ومنها: إذا ثبت حق الشفعة لواحد فلا يسقط إلا بإسقاط الشفيع له. ومنها: إذا ثبت حق الولاية على الصغير أو الصغيرة لأحد الأولياء فلا يسقط إلا بإسقاطه هو لولي آخر أو للقاضي؛ وفي هذه الصورة يجوز للقاضي إسقاط هذا الحق إذا ثبت عضل الولي لوليته ومنعها من النكاح من الكُفْءِ. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 14 ص 91، وينظر المنثور جـ 2 ص 54.

القاعدة الثامنة والثلاثون [الحق إذا لم يتجزأ]

القاعدة الثامنة والثلاثون [الحق إذا لم يتجزأ] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق إذا كان مما لا يتجزأ فإنه يثبت لكل واحد على الكمال. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقوق نوعان: نوع يقبل التجزئة بين أصحابه كالميراث، حق لكل الوارثين على سبيل التجزئة. ونوع لا يقبل التجزئة بحال، بل يثبت لكل واحد على الكمال، إِن انفرد واحد أخذ الحق كله بكماله، وإن تنازعوا تقاسموا، هذا إذا كان الحق مِمَّا يملك، وإما إن كان الحق لا يملك فلا ينقسم، بل يثبت لكل على كماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ولاية المطالبة بإزالة الضرر العام من طريق المسلمين تثبت لكل من له حق المرور على الكمال. ومنها: حق الشفعة يثبت لكل شفيع على الكمال. إن انفرد واحد أخذ الكل، وإن كثر الشفعاء فتنازعوا تقاسموا المشفوع فيه. ومنها: حق المطالبة بالقصاص يثبت لكل ولي على الكمال، ولكن يسقط على الكمال إذا تنازل أحد الأَولياء؛ لأن القصاص لا يقبل التبعيض. ومنها: ولاية الإِنكاح للصغير والصغيرة ثابتة للأولياء على سبيل الكمال، وكذلك ولاية الاعتراض فيما إذا تزوجت من غير كفء. والمراد ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 177، وغمز عيون البصائر ج 995 فما بعدها، قواعد الفقه ص 76 عن الأشباه.

بالأَولياء المستوين في الدرجة. ومن أمثلة ما يقبل التبعيض: إذا وَصَّى بخدمة مملوك لشخصين جاز أن يتهايئا فيخدم هذا يوماً وهذا يوماً؛ لأن الاستخدام في المملوك يتجزأ. ومنها: حق حد القذف في الأَصح، حتى إذا عفا بعض المقذوفين فللباقي حق الاستيفاء كاملاً؛ لأنه إنما شرع لدفع المعرة، ولا يدفع العار إلا بتمام الحد. (¬1) ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 57 بتصرف.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الحق الثابت بالإقرار]

القاعدة التاسعة والثلاثون [الحق الثابت بالإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق الثابت بالإقرار لا يبطل باليمين. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قواعد الإثبات: الإِقرار أو البينة، أو اليمين للنفي لا للإثبات. فمفاد القاعدة: أنه إذا ثبت حق بإقرار واعتراف من هو عليه، فإن هذا الحق لا يبطله بعد ذلك يمين المدعى عليه, لأن اليمين لما كانت للنفي فيريد المدعي عليه بيمينه نفي ما أثبته بإقراره، وذلك يعتبر رجوعاً عن الإِقرار وهو لا يجوز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر أنه غصب هذا الشيء من هذا الشخص أو من هذا، فإن اصطلحا أخذاه وكان بينهما، وإن اختلفا وكل يدعيه لنفسه استحلف المقر لكل منهما، فمن حلف له سقط حقه وثبت الحق للآخر وإن حلف لهما بطل إقراره؛ لأن جهالة المُقَرِّ له تمنع صحة الإقرار. وهذه القاعدة تشير إلى أنَّ من حلف له المُقر سقط حقه في المغصوب وثبت الحق للآخر، فاليمين لم تبطل الإقرار. وأما إذا حلف لهما فهذا في الظاهر مخالف للقاعدة لأنه يبطل إقراره بهذا الحلف. ولكن إنما بطل إقراره لأن المُقرَّ له صار مجهولاً، والمقرُّ له إذا صار مجهولاً بطل الإقرار بذلك لا باليمين، والله أعلم. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 17 ص 189.

القاعدة الأربعون [الحق الثابت]

القاعدة الأربعون [الحق الثابت] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق الثابت في محل مقصور عليه لا يبقى بعد فواته. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الحق الثابت في محل واحد مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره إذا فات هذا المحل زال ذلك الحق, لأن الحق لا يبقى بعد فوات محله المقصور عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع شخص يد آخر عمداً، وكانت يد القاطع شلاء، فيقال للمقطوعة يده اقطع يده إن شئت، وإلاّ فخذ الأرش - التعويض أو دية اليد؛ لأنه وجد جنس حقه ولكنه ناقص في الصفة فيخير لذلك. فإن سقطت يد القاطع أو كانت صحيحة فقطعت بسبب آخر قبل أن يختار المقطوع القصاص - ففي هذه الحالة لا شيء لمن له القصاص عند الحنفية؛ لأن الواجب هو القصاص لا غير، وقد سقط لفوات محله حقيقة وحكماً. وهو قول عند أحمد وبه قال مالك رحمهما الله تعالى. (¬2) أما عند الشافعي (¬3) رحمه الله فالواجب أحد شيئين إما القصاص وإما الأرش، وإذا تعذر استيفاء أحدهما لفوات محله تعين الآخر. وهو أحد القولين عند أحمد رحمه الله. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 26 ص 146. (¬2) المقنع جـ 3 ص 261. (¬3) الأم ج 12 ص 197.

القاعدة الحادية والأربعون [الحق في التبع]

القاعدة الحادية والأربعون [الحق في التبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق في التبع إنما يثبت بثبوته في الأصل. (¬1) تحت قاعدة التابع تابع ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة "التابع تابع" السابقة في قواعد حرف التاء تحت رقم 11، وفي قاعد حرف الثاء تحت رقم 17. ومفاد القاعدة: أن الحق في التابع أو في الفرع إنما يكون ثبوته بثبوته في متبوعه الذي هو أصله, لأن ما كان تابعاً لغيره في الوجود كان تابعاً له في أحكامه، ولا يفرد بالحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رهن إنسان عند آخر بقرة حاملاً، فولدت عند المرتهن، فإن ابنها رهن معها حيث يثبت فيه حق المرتهن تبعاً لثبوته في أمه. ومنها: عند أبي يوسف محمَّد رحمهما الله تعالى: إذا استحق إنسان القصاص في النفس فقطع يد الجاني ثم عفا عنه؛ عندهما لا شيء عليه؛ لأن اليد تابعة للنفس وهو كان مستحقاً للقصاص في النفس، وعندما استوفى طرفاً من نفس لو استوفاها لم يضمن، فكذلك إذا استوفى جزءاً منها لم يضمن كما لو قطع يد مرتد. وأما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه يضمن دية اليد؛ لأن من له حق الاستيفاء في النفس لا حق له في استيفاء الطرف؛ لأن استيفاء الطرف قطع، وهو كان حقه في القتل، والقطع غير القتل. (¬2) ¬

_ (¬1) المبسوط ج 26 ص 150. (¬2) من المصدر السابق باختصار.

القاعدة الثانية والأربعون [الحق الضعيف]

القاعدة الثانية والأربعون [الحق الضعيف] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق الضعيف لا يعدو محله. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحق إذا كان ضعيفاً لا يتعدى محله - أي لا يتجاوزه - ولو كان له صلة بغيره، والمراد بالحق الضعيف الحق الذي في إثباته شبهة، أو شرع رخصة من باب الضرورة والحاجة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشفعة حق للشفيع دون غيره، فإذا أراد الشفيع أن يتنازل عن حق الشفعة لغيره - ممن لا حق له في المشفوع فيه - سقطت شفعته، ولم ينتقل هذا الحق إلى غيره؛ لأن حق الشفعة حق ضعيف يسقط بأدنى سبب، لأن الشفعة إنما شرعت دفعاً لضرر متوقع استثناءً من القواعد العامة. ومنها: إذا وهب جارية فاستولدها الموهوبة له، أو زوجها فولدت، ثم أراد الواهب الرجوع في هبته فلا حق له في ولد الجارية؛ لأن ذلك حق ضعيف فلا يبقى بعد تصرف الموهوب له، ولأن الرجوع في الهبة حقٍ ضعيف لكراهة الرجوع فيها أو تحريمه. ولأن الموهوب إذا تغير تغيراً فاحشاً أو تبدل الملك فيه سقط الرجوع فيه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 59.

القاعدة الثالثة والأربعون [الحق]

القاعدة الثالثة والأربعون [الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق لا يسقط بتقادم الزمان. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت الحق لصاحبه لا يسقط بمضي المدة وتقادم الزمان ما دام هناك مَنْ يطالب به. والمقصود بهذه القاعدة الحق المخصوص بالعباد لا حق الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القذف، والقصاص، واللعان. لا تسقط بمضي المدة، فللمقذوف أن يطالب بإقامة الحد على القاذف مهما تطاول الزمان. وكذلك حق القصاص لا يسقط إلا بإسقاط من له الحق مهما تطاول الزمان. وكذلك اللعان. ومنها: إذا كان لإنسان دين على آخر فلا يسقط هذا الدين إلا بالأَداء أو الإِبراء، لا بمضي المدة، فللدائن المطالبة بحقه حتى يستوفيه، أو يبرئ المدين. ملحوظة: هذا حكم القاعدة العام، ولكن إذا حدد الإمام مدة ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 222 وعنه قواعد الفقه ص 77.

معينة للمطالبة بالحقوق فيجب التزامها، فإذا جاء إنسان وطالب بحق له بعد مضي المدة فلا ينظر بطلبه، هذا إذا كان عن طريق الدعوى، حيث لا تقبل الدعوى به لأمر الإِمام بعدم النظر في الدعوى بعد مضي المدة كخمسة عشر عاماً مثلاً. ولكن لا تبرأ ذمة المطالب بالحق إلا بالأَداء أو الإِبراء.

القاعدة الرابعة والأربعون [الحق]

القاعدة الرابعة والأربعون [الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق متى ثبت لا يبطل بالتأخير ولا بالكتمان. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه بمعنى القاعدة السابقة وتزيد عليها حكماً آخر. فمفاد هذه القاعدة: أن الحق متى ثبت لا يبطله تأخير المطالبة من صاحبه باستيفائه، ولا يبطله أيضاً كتمان من عليه الحق، ولا سكوت صاحب الحق عن المطالبة خوفاً وتقيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من كان معه مال يستحق عليه العشر فمر به العاشر فكتمه. ثم مر به في الحول الثاني فكتمه، ثم في الحول الثالث اكتشف العاشر كتمانه فإنه يُعَشِره لثلاثة أحوال. ومنها: من كتم زكاة ماله عدة سنوات، أو أخر إخراجها، فإنها تؤخذ منه لكل السنوات الماضية. ¬

_ (¬1) شرح السير 721 و2149 وعنه قواعد الفقه ص 77.

القاعدة الخامسة والأربعون [الحق المتعلق]

القاعدة الخامسة والأربعون [الحق المتعلق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحق المتعلق بالعين أقوى من الحق المتعلق بالذمة. (¬1) وفي لفظ: ما تعلق بالعين مقدم على ما تعلق بالذمة. (¬2) = وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحق إما أن يتعلق بالذمة - وهي الوعاء الاعتباري لتحمل التبعات والمسؤوليات. وهي عند الفقهاء: أهلية الإنسان لتحمل ما يجرى بينه وبين غيره من التصرفات. وإما أن يتعلق بالعين، والمراد بالعين هنا السلعة. فمفاد القاعدة: أن الحق إذا تعلق بالعين - أي كان الحق في ذات السلعة الموجودة - فهو مقدم في الاستيفاء على الحق المتعلق بذمة الشخص المدين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مات رجل عن تركة وديون، منها ديون ثمن طعام أو لباس أو قروض استهلكها، ومنها دين ثمن سيارة اشتراها ولم يدفع ثمنها وهي موجودة بحالها، فالدائن صاحب السيارة صاحب حق تعلق بالعين وهي السيارة فهو أحق بها من سائر الغرماء، فله أخذها واسترجاعها. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 64، أشباه السيوطي ص 335، أشباه ابن نجيم 360. (¬2) نفس المصدر جـ 3 ص 133.

وأما أصحاب الديون الأخرى المستهلكة - وهي ديون تعلقت بذمة المتوفى - فهم شركاء في التركة، إن وفت بديونهم أخذ كل منهم حقه، وإن لم تف بديونهم تحاصوا، أي أخذ كل منهم حصة من المال بحسب مقدار دينه. فصاحب الدين المتعلق بالعين أخذ حقه كاملاً باستحقاقه للعين الموجودة، وأما أصحاب الديون المتعلقة بالذمة فقد لا يأخذون حقوقهم بكمالها إذا لم تف التركة بها. ومنها حق المرتهن المتعلق بالمرهون مقدم على غيره.

القاعدة السادسة والأربعون [الحق الواحد]

القاعدة السادسة والأربعون [الحق الواحد] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق الواحد يجوز أن يثبت في محلين. (¬1) خلافاً لابن أبي ليلى رحمه الله الذي يقول: (إن الحق الواحد لا يجوز أن يثبت في محلين مختلفين) (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الحق لا بد له من محل يثبت فيه ويطالب به صاحبه، ولكن هل يجوز أن يثبت حق واحد في محلين في آن واحد؟ عند جميع الفقهاء يجوز؛ لأن الحق المراد به هنا ما يثبت في الذمة، وما يثبت في الذمة يجوز تعدد محاله. وخالف في ذلك ابن أبي ليلى رحمه الله فقال: إن الحق الواحد لا يثبت إلا في محل واحد، ولذلك أنكر الكفالة. وهذا في الحقيقة يصح في الحق المتعلق بالعين فقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على إنسان دين فكفله به شخص آخر فللدائن مطالبة الأصيل والكفيل، حيث إن ذمتيهما اشتغلتا بهذا الدين، فثبت الحق في محلين حيث إن العقد بالكفالة يوجب ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل على وجه التوثيق. وخالف في هذه المسألة ابن أبي ليلى فمنع جواز الكفالة وقال: إن ¬

_ (¬1) المبسوط ج 19 ص 161، تأسيس النظر ص 70، وعنه قواعد الفقه ص 78. (¬2) ينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة رقم 319، وقد سبقت ترجمة ابن أبي ليلى.

الحق متى ثبت في محل خلا عنه المحل الأول. فعنده أن الكفالة كالحوالة، فكما أن الحوالة تبرئ ذمة المحيل فكذلك الكفالة تبرئ ذمة الأصيل. والجمهور على خلاف ذلك: حيث إن الكفالة لا تبرئ ذمة الأصيل، فللمكفول له مطالبة الأصيل والكفيل. ومنها: أن شخصاً إذا أخذ كفيلاً بنفس المطلوب، ثم أخذ كفيلاً آخر بنفسه، فإن الكفيل الأول لا يبرأ فللطالب مطالبة الكفيلين.

القاعدة السابعة والأربعون [الغنيمة]

القاعدة السابعة والأربعون [الغنيمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحق يتأكد في الغنيمة بالاحراز. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى مسألة خلافية بين الحنفية وغيرهم، حيث إن الحنفية يرون أن حق الغانمين في الغنيمة لا يتأكد إلا بالاحراز في دار الإِسلام، ولذلك فهم لا يجيزون قسمتها في دار الحرب، خلافاً للمالكية والشافعية والراجح عند الحنابلة حيث يرون جواز قسمتها في دار الحرب بعد الاستيلاء عليها. ويدخل في ذلك مال الصلح والفيء، والهدية، وغير ذلك من أموال الكفار التي يستولي عليها المسلمون. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غنم المسلمون غنيمة من العدو فهم يملكونها بالاغتنام، ولكن لا يتأكد حق الغانمين فيها إلا إذا وصلوا بها دار الإِسلام، فيتم إحرازها فيها ويجوز قسمتها بعد ذلك. ويترتب على ذلك أحكام. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1186.

القاعدة الثامنة والأربعون [الحق - الحقيقة]

القاعدة الثامنة والأربعون [الحق - الحقيقة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحق يعمل عمل الحقيقة في إثبات الحرمة. (¬1) وفي لفظ: الحق لا يعارض الحقيقة. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحق والحقيقة لفظان وإن اشتركا في أصل المادة فبين معنييهما خلاف: فالحق، ضد الباطل. وهو واحد الحقوق، وهو الأَمر الصواب المتيقن، أو الأَمر الثابت الذي لا يجوز إنكاره. (¬3) ويأتي الحق بمعنى الواجب والثابت. والحقيقة: ضد المجاز، وما يحق على الرجل أن يحميه (¬4). وحقيقة الشيء منتهاه، وأصله المشتمل عليه. (¬5) فمفاد القاعدة: أن الحق والحقيقة لا تعارض بينهما، فكل منها يعمل عمل الآخر في إثبات ما يراد إثباته من حرمة وغيرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلق الرجل زوجته طلقة بائنة، أو طلقها ثلاثاً، فهل له أن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 202 فما بعدها. (¬2) المبسوط ج 17 ص 102. (¬3) أنيس الفقهاء ص 216. (¬4) مختار الصحاح (ح ق ق). (¬5) الكليات لأبي البقاء ص 316 فما بعدها.

يتزوج من أختها في عدتها؟ عند الحنفية والحنابلة (¬1) والمالكية (¬2)، لا يجوز له ذلك؛ لأن هذه معتدة على الإطلاق كالعدة من طلاق رجعي, لأن العدة من حقوق النكاح، والحق يعمل عمل الحقيقة: لأنها أي العدة - لا تجب إلا بنكاح أو شبهة نكاح، فبقاء العدة كبقاء حقيقة النكاح. وخالف في ذلك الشافعي رحمه الله تعالى، فهو يرى أنه يجوز له أن يتزوج من أختها؛ لأن النكاح مرتفع بينهما بجميع علائقه. ومنها: الحقيقة للمشتري حقيقة الملك، وللبائع حق الاسترداد، فإذا ولدت الجارية المبيعة لأقل من ستة أشهر من بيعها، فللبائع حق الاسترداد. لأنه تبين أن الحمل كان عنده. ¬

_ (¬1) المقنع جـ 3 ص 7. (¬2) قوانين الأحكام الشرعية ص 231.

القاعدة التاسعة والأربعون [الحقائق الشرعية - الماهيات الجعلية]

القاعدة التاسعة والأربعون [الحقائق الشرعية - الماهيات الجعلية] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحقائق الشرعية المتعلقة بالماهيات الجعلية إنما تنطلق على الصحيح منها دون الفاسد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقائق الشرعية: هي كل لفظ وُضع لمعنى في اللغة، ثم استعمل في الشرع لمعنى آخر مع هجران الاسم اللغوي عن المسمى، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين الوضع الأول، كالصلاة. (¬2) والمراد بالماهيات الجعلية: الحقائق التي صدرت عن المكلف، أو التصرفات الفعلية للمكلف كالبيع والنكاح والإِجارة والجهاد وغيرها من الصلاة والصوم وسائر العقود والعبادات. فمفاد القاعدة: أن نظر الشرع إلى تصرفات المكلفين إنما يعتبر فيها الصحيح دون الفاسد، من حيث بناء الأَحكام الشرعية عليه. فإذا أَحل الله البيع فإنما يراد به البيع الصحيح لا البيع الفاسد أو الباطل وهكذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يبيع ولا يشتري أو لا يستأجر، أو لا يصلي. فلا يحنث إلا بالصحيح دون الفاسد وفي الحنث بالصلاة خلاف: هل يحنث بمجرد تكبيرة الإحرام. أو إذا ركع، أو بعد الفراغ، ثلاثة أوجه عند الشافعية. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 68 أ - ب (¬2) الكليات لأبي البقاء ص 361.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

وكذلك بالنسبة للصوم لو حلف لا يصوم. ومنها: لو حلف لا يبيع فاسداً فباع صحيحاً أو فاسداً لم يحنث؛ لأن الصحيح غير محلوف عليه، وأما الفاسد فلأن الفساد لا يجامع البيع. أي أن البيع الفاسد لا يُعَدُّ بيعاً شرعاً؛ لأن البيع الشرعي لا يكون غير صحيح. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا حلف لا يحج حنث بالفاسد قطعاً؛ لأنه يجب المضي فيه وإتمام أعماله كالصحيح.

القاعدة الخمسون [حقوق العباد]

القاعدة الخمسون [حقوق العباد] أولاً: لفظ ورود القاعدة حقوق العباد إنما تسقط بإذن العباد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقوق نوعان: 1. حقوق الله سبحانه وتعالى، فهذه لا تسقط إلا بالأَداء كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. أو تسقط بتوبة العبد، وبعفو الله سبحانه وتعالى ومغفرته لمن تاب. 2. حقوق العباد - وهي مضمون القاعدة - فهذه لا تسقط إلا بإذن من له الحق وهو العبد. وحتى لو تاب العبد وعليه حقوق للعباد فلا تكمل توبته إلا برد الحقوق لأربابها أو إبراؤه منها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حق الشفعة لا يسقط إلا بإسقاط مَن له الحق فيه بعد المطالبة. ومنها: من اغتصب شيئاً لغيره فلا تسقط عن الغاصب التبعة إلا برد المغصوب لصاحبه أو إبراؤه منه ومسامحته. ومنها: حق النفقة للزوجة ولمن يعوله الرجل لا يسقط إلا بإسقاط مَن له الحق. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 174 الفرق 167.

القاعدة الحادية والخمسون [حقوق العباد - الصبيان - المجانين]

القاعدة الحادية والخمسون [حقوق العباد - الصبيان - المجانين] أولاً: لفظ ورود القاعدة حقوق العباد تتوجه على الصبيان - والمجانين - عند تقرر السبب كما تتوجه على البالغين. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حرصاً من الشرع الحكيم على حقوق العباد لم يعلق هذه الحقوق على وجود شروط التكليف، بل إذا صدر فعل من غير مكلف تعلق بحق من حقوق العباد توجهت المطالبة بهذا الحق حتى على الصبيان والمجانين كما تتوجه على البالغين. ولكن الخطاب يتوجه على الصبي بعد بلوغه - أو على وليه - والمجنون وحتى الدابة ولكن يتوجه الخطاب على ولي المجنون وصاحب الدابة. وليس من هذا باب التكليف ولكن من باب ربط الأَحكام بأسبابها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل صبي أو مجنون إنساناً أو دابة عمداً - لا يجب عليهما القصاص - لعدم التكليف، ولكن دية الخطأ على العاقلة، وثمن الدابة من ماله، ويخاطب الولي إن كان هناك ولي، وإلا فعلى الصبي بعد بلوغه. والمجنون كالصغير سواء، ولكن يخاطب بعد إفاقته إن أفاق وإلا فعلى وليه. ومنها: إذا أتلفت دابة إنسان متاعاً أو مالاً لشخص آخر فعلى صاحب الدابة ضمان ما أتلفته. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 221.

القاعدتان الثانية والخمسون والثالثة والخمسون [حقوق العقد]

القاعدتان الثانية والخمسون والثالثة والخمسون [حقوق العقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حقوق العقد تتعلق بالعاقد، وكيلاً كان أو مباشراً لنفسه. (¬1) وفي لفظ: حقوق العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل العاقد؛ لأن العاقد سبب في العقد فيضاف الحكم إليه. وعند الشافعي رحمه الله: إن حقوق العقد تتعلق بالموكل. (¬2) وفي لفظ: الحكم يثبت لمن باشر سببه. (¬3) وفي لفظ: عقد الوكيل يقع للموكل. (¬4) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: العقد من أركانه العاقدان، والعاقدان إما أن يكونا أصليين - أي أن حقوق العقد وواجباته تتعلق بكل واحد منها أصالة - وإما أن يكونا وكيلين - أي نائبين عمَّن تعود نتائج العقد إليهما. وإما أن يكون أحدهما أصيلاً والثاني وكيلاً. فإذا وقع العقد وتم بين متعاقدين وكيلين أو أحدهما أصيلاً والثاني وكيلاً. فالأَصيل تتعلق به حقوق العقد بلا خلاف. سواء أكان بائعاً أم مشترياً زوجاً أم زوجة أجيراً أم مستأجراً بحسب نوع العقد. وموضوع هذه القواعد فيما إذا كان كلاهما أو أحدهما وكيلاً، فهل تتعلق به حقوق العقد من دعوى أو تنازع أو رد بعيب أو استحقاق أو غير ذلك من حقوق العقد. أو أن الوكيل تنتهي علاقته بالعقد بمجرد تمامه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 206، جـ 11 ص 174. (¬2) المبسوط ج 12 ص 203. (¬3) المبسوط ج 12 ص 59. (¬4) المغني جـ 5 ص 5124، 141, 142، 480.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وتنتقل حقوقه كلها للأصيل؟ خلاف. فعند الحنفية: إن حقوق العقد تتعلق بالوكيل العاقد لا بالأَصيل، فهو مرجع المخاصمة لأنه السبب المباشر في العقد. وأما عند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى: فإن حقوق العقد تتعلق بالأَصيل الموكل لا بالوكيل؛ لأن الأصيل هو المستفيد الحقيقي من العقد لا الوكيل, لأن الوكيل مجرد واسطة تنتهي مهمته بإتمام العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى الوكيل سلعة ثم ظهر بها عيب، أو باع سلعة ثم ظهر بها عيب أو استحقت، فعلى رأي الحنفية أن المخاصمة للوكيل معه. وعند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى للأصيل ومعه. (¬1) ومنها: من وهب لعبد شيئاً أو باع لعبد، فالمخاصمة إنما تعود للعاقد وهو العبد، لا للمولى. عند أبي حنيفة رحمه الله. ومنها: في شركة العنان إذا أقر أحد الشريكين بدين في تجارتهما، وأنكره الآخر، لزم المقر جميع الدين - إن كان هو الذي ولي الدين؛ لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد وكيلاً كان أو مباشراً لنفسه - وأحد الشريكين في شركة العنان يعتبر وكيلاً لصاحبه في الشركة؛ لأن كل واحد من الشريكين يجعل عنان التصرف في بعض المال إلى صاحبه دون البعض. فكل واحد من الشريكين في شركة العنان يعتبر وكيلاً من جانب وأصيلاً من جانب آخر. (¬2) ¬

_ (¬1) المقنع جـ 2 ص 151 هامش 1، والمغني جـ 5 مرجع سابق. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 152.

القاعدة الرابعة والخمسون [الحقوق المجردة]

القاعدة الرابعة والخمسون [الحقوق المجردة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحقوق المجردة لا يجوز الاعتياض عنها. (¬1) وفي لفظ: لا يستحق العوض عن الحق الذي ليس بمتقوم. (¬2) وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقوق قسمان: حقوق متقومة بالمال - أي لها قيمة مالية - وحقوق غير متقومة. فالحقوق المتقومة يجوز الاعتياض عنها - أي أخذ عوضها -؛ لأن لها قيمة مالية. وأما الحقوق غير المتقومة فلا يجوز الاعتياض عنها؛ لأنها حقوق مجردة، إنما شرعت ليتوصل بها إلى أمور أخرى، أو يدفع بها أضرار متوقعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حق الشفعة حق مجرد، شرع لدفع ضرر متوقع من الشريك الجديد أو الجار. ولذلك لا يجوز الاعتياض عنه، فمن باع شفعته سقطت ولا يستحق شيئاً من المال. ومنها: إذا شكت المرأة عِنّة زوجها، فبعد الإِمهال لها الخيار في ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 212، وعنه قواعد الفقه ص 77، الفوائد الزينية الفائدة 125 ص 115. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 118.

البقاء والرضا بما قسم الله لها، أو أن تختار نفسها فيفسخ النكاح بينها وبين زوجها. فإذا أرادت أن تتنازل عن خيارها مقابل مبلغ من المال يبذله لها زوجها ورضيت، سقط خيارها ولا تستحق العوض؛ لأن الخيار إنما شرع لها لدفع الضرر عنها، فإذا تنازلت عن خيارها لأجل المال تبين أنها راضية بالبقاء مع زوجها وأنه لا ضرر عليها, ولذلك سقط خيارها ولا تستحق المال. ومنها: الكفيل بالنفس إذا صالح المكفول له بمال لم يصح ولم يجب المال، وفي بطلان الكفالة روايتان. ومنها: بيع حق المرور في الطريق، وحق الشرب - أي مسيل الماء - في جواز بيعهما وحدهما روايتان والمعتمد عدم الجواز إلا تبعاً للأرض (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 212.

القاعدة الخامسة والخمسون [الحقوق]

القاعدة الخامسة والخمسون [الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحقوق لا تقبل النقل إلى الغير. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقوق كثيرة متنوعة، منها: ما لا تقبل الإِسقاط ولا النقل ولا الإِرث كحق الرجوع في الهبة. وحق الزوج في الاستمتاع، وحق العاقلة في التأجيل، وحق الإِرث، وحق ولاية النكاح، وحق الحضانة. ومنها: ما يقبل الإِسقاط والإِرث دون النقل كالحدود والقصاص والوصايا والولايات ونحوها. ومنها: ما لا يقبل النقل ولا الإِرث كحق الوالدين .. ومنها: ما لا يقبل النقل ولا الإِرث ويقبل الإِسقاط كالسبق إلى مقاعد الأسواق والمساجد وحق التقديم في الحِلَق. ومنها: ما لا يقبل النقل ويقبل الإِسقاط وكذا الإرث على الأَصح كخيار المجلس. وأما خيار الثلاث - أي إذا قال: لي الخيار ثلاثة أيام - فيقبل الإِرث قطعاً والإسقاط دون النقل. فمفاد القاعدة: أنه لا يوجد حق يقبل النقل من صاحبه إلى غيره. وإن وجدت حقوق تقبل الإِسقاط أو الإِرث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع الدين من غير مَن عليه الدين - إن قلنا إنه حق - لا يجوز؛ لأن ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 2 ص 161.

الحقوق لا تقبل النقل إلى الغير. وإن قلنا إن هذا الدين مال. فيجوز. ولكن الأَصح الأول. فإن الدين هو حق في الذمة ولذلك لا يقبل النقل إلى غير مَن عليه الدين. ومنها: مَن ثبت له حق القصاص لا يجوز نقله إلى غيره. ومنها: مَن ثبت له حق الشفعة لا يجوز نقله إلى غيره.

القاعدة السادسة والخمسون [حقيقة الأمر]

القاعدة السادسة والخمسون [حقيقة الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة حقيقة الأمر للوجوب. (¬1) أصولية فقهية لغوية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمر: هو الطلب بصيغة، افعل، وليفعل، على سبيل الاستعلاء. (¬2) فإذا وردت صيغة الأمر بدون قرينة صارفة كان المراد بها الوجوب قطعاً؛ لأن الأَصل في صيغة الأَمر الوجوب - وهو طلب الفعل الجازم. وقد تخرج صيغة الأَمر عن الوجوب إذا دلت قرينة صارفة لها فتكون للإباحة أو الندب أو التهديد أو غير ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬3) صيغتا أمر دلتا على طلب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على سبيل الفرض والوجوب، لعدم الصارف. ومنها قوله تعالى {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬4) كلها صيغ أمر دلت على الوجوب قطعاً. ¬

_ (¬1) المبسوط 4 ص 58 وجميع كتب الأُصول باب الأَمر. (¬2) الكليات ص 176. (¬3) الآية 43، 83، 110 من سورة البقرة وغيرها. (¬4) الآية 29 من سورة الحج.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: قوله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬1) اصطادوا صيغة طلب دالة على الإِباحة لا على الوجوب؛ لأن الأَصل في الاصطياد الإِباحة، والأَمر بعد النهي يرجع الأَمر إلى ما كان عليه قبل النهي. ومنها قوله تعالى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (¬2) الأَمر هنا للندب والإِرشاد للأفضل، لا للوجوب للقرائن الكثيرة الصارفة. ¬

_ (¬1) الآية 2 من سورة المائدة. (¬2) الآية 282 من سورة البقرة.

القاعدتان السابعة والخمسون والثامنة والخمسون [الحقيقة - العادة - دلالة الحال]

القاعدتان السابعة والخمسون والثامنة والخمسون [الحقيقة - العادة - دلالة الحال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الحقيقة تترك بدلالة العادة. وفي لفظ: الحقيقة تترك بدلالة الحال، وتترك بدلالة الاستعمال أو العادة. (¬1) وفي لفظ: العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط. (¬2) وتأتي في حرف العين إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الأَصل في الكلام الحقيقة، - أي أن الراجح عند السامع أن المخاطب يريد بكلامه حقيقة معنى ألفاظه. لكن هذه الحقيقة اللغوية قد تترك بدلالات تدل عليها. فمفاد هاتين القاعدتين: أن مما تترك به الدلالة الحقيقية للكلام: دلالة العادة والعرف والاستعمال، كما تترك بدلالة الحال، ودلالة الشرع، وغير ذلك من الدلالات، وبخاصة في باب الأَيمان إن لم يكن للحالف نية. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا حلف لا يركب دابة، لا يحنث لو ركب كافراً، مع أن لفظ الدابة ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 37، المجلة المادة 40، وشرحها للأتاسي ج 1 ص 34، 93، المدخل الفقهي للزرقا فقرة 608، الوجيز مع الشرح والبيان ص 299 ط 4. (¬2) المغني جـ 5 ص 487.

يطلق في اللغة على كل ما دب على الأرض، والله سبحانه وتعالى سمى الكفار دواباً، قال سبحانه وتعالى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬1). ولكن هذا المعنى مهجور عرفاً حيث لا يطلق لفظ الدابة في العرف إلا على ذوات الأربع مما يركب كالحصان والبغل والحمار. ومنها: صيغ العقود كبعت واشتريت وتزوجت وتأجرت. حيث استعمل لفظ الماضي وأريد به المضارع لدلالة الاستعمال. وهكذا. ¬

_ (¬1) الآية 55 من سورة الأنفال.

القاعدة التاسعة والخمسون [الحقيقة المنفية]

القاعدة التاسعة والخمسون [الحقيقة المنفية] أولاً: لفظ ورود القاعدة الحقيقة تنتفي بانتفاء جزئها. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحقيقة في هذه القاعدة: جملة الشيء وكماله. فكمال الشيء ينتفي بانتفاء جزئه؛ لأنه انتفاء الجزء دليل على عدم كمال الحقيقة. والحقيقة ما لم تكن كاملة فهي منفية - أي معدومة - أي لا وجود لها سواء كانت هذه الحقيقة شرعية أو كلامية. والمراد بأجزاء الحقيقة التي يترتب على نفيها نفي الحقيقة هي أركانها التي بها قوامها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا فقدت الصلاة ركناً من أركانها وبدون عذرٍ - كالركوع أو السجود، فقد بطلت، وبطلانها هو انتفاؤها وعدمها شرعاً. ومنها: إذا قيل: إن زيداً ومسيلمة صادقان أو كاذبان. فهذا خبر كاذب؛ لأن الكذب نقيض الصدق، والمطابقة في المجموع منفية؛ لأن أحد الخبرين منفي؛ لأن الفرض أن زيداً صادق ومسيلمة كاذب. فإذا قلنا: هما صادقان، أو هما كاذبان كان هذا الخبر كذباً؛ لأننا أخبرنا عن ثبوت عدم المطابقة في كل واحد منهما. (¬2) ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 58. (¬2) المصدر السابق بتصرف.

القاعدة الستون [حكاية الحال]

القاعدة الستون [حكاية الحال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تقوم مقام العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال. (¬1) عند الشافعي رحمه الله. وفي لفظ: ترك الاستفصال في حكاية الأَحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال (¬2). وقد سبقت في قواعد حرف التاء تحت رقم 82 ص 282 ج 3. من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قصة غيلان بن سلمة الثقفي الذي كان تحته عشر نسوة فأمره - صلى الله عليه وسلم -: "أن يختار منهن أربعاً ويفارق سائرهن" (¬3) ولم يستفصل عليه الصلاة والسلام إن كان تزوجهن في عقود مختلفة متفرقة أو في عقد واحد، فدل ذلك على التسوية في وجوب مفارقة من زدن على الأَربع، وله اختيار من يريد إبقاءهن. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 87. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 137. (¬3) حديث غيلان أخرجه أحمد وابن ماجة الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. منتقى الأخبار جـ 2 ص 537. حديث 3539.

القاعدة الحادية والستون [حكاية الحال - وقائع الأعيان]

القاعدة الحادية والستون [حكاية الحال - وقائع الأَعيان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال. (¬1) عند الشافعي رحمه الله وفي لفظ: وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإِجمال فسقط بها الاستدلال (¬2). وتأتي في قواعد حرف الواو إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بحكاية الحال - ووقائع الأعيان: ذكر واقعة عين لشخص مخصوص حكم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع احتمال الحكم فيها لوجوه عدة، ولكن لما لم يكن فيها تفصيل كانت مجملة - أي مبهمة - فلإجمالها وإبهامها لا يجوز الاستدلال بها على غيرها لاحتمال أن يكون الحكم لوجه آخر أو احتمال آخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله عليه الصلاة والسلام: في المحرم الذي وقصته ناقته - أي طرحته أرضاً -: "ولا تمسوه بطيب ولا تُخَمِّروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" (¬3) ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 87. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 143. (¬3) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه الجماعة، ورواه النسائي بلفظه. منتقى الأخبار جـ 2 ص 77 - 78 الحديثان رقم 1808 - 1809.

هذه واقعة عين في هذا المحرم المخصوص، وليس في اللفظ دليل على أن هذا الحكم عام في كل محرم أو هو خاص في هذا المحرم بالذات. وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تمسوه، فإنه يبعث" ولم يقل: "لا تمسوا المحرم" فاحتمل أن يكون هذا خاص بهذا المحرم واحتمل أن يكون عاماً في كل محرم، ومن هنا جاء الإِجمال والإِبهام فلا يجوز حمله على أحد الوجهين إلا بدليل آخر.

القاعدة الثانية والستون [أحكام الاستثناء]

القاعدة الثانية والستون [أحكام الاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بإلا. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الاستثناء والأَصل في الاستثناء هو الأَداة - إلا - وهي أم الباب، ولكن توجد أدوات أخرى تقوم مقام - إلا - وهي: غير، وسوى، وحاشا, ولكن، وليس. فمفاد القاعدة: أن الاستثناء بغير إلا من أدواته حكمه حكم الاستثناء - بإلا - فما يدل عليه الاستثناء بإلا يدل عليه الاستثناء بغيرها. فمن أحكام الاستثناء: 1. أن يكون متصلاً بالكلام لا منقطعاً أو منفصلاً عنه بفاصل زمني. 2. أن استثناء الكل لا يصح بلا خلاف بين العلماء، وإن اختلفوا في استثناء الأَكثر، إذ أجازه بعضهم، وألحقه آخرون باستثناء الكل في البطلان. 3. ومنها: الاستثناء إذا تعقب جملاً معطوفاً بعضها على بعض بالواو عاد إلى جميعها عند الشافعية والحنابلة، خلافاً للحنفية الذين يرون أنه يعود إلى الأَخيرة منها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 158، 159.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لفلان عليَّ ألف دينار إلا ألفاً، أو غير ألف، أو سوى ألف، بطل الاستثناء عند الجميع وألزم بالألف التي أقر بها؛ لأن استثناء الكل يعتبر رجوعاً عن الإِقرار، والإِقرار في حقوق العباد لا يقبل الرجوع. وأما إذا قال: له عليَّ ألف إلا خمسمائة أو غير خمسمائة، فهذا جائز ويلزم بخمسمائة فقط. وأما إذا قال: ألف إلا سبعمائة مثلاً فبعضهم أبطل هذا الاستثناء. وألزمه بالمبلغ كاملاً؛ لأنه ألحقه باستثناء الكل. ومنهم من اعتبره صحيحاً وألزمه بثلاثمائة فقط. وكل ذلك بشرط أن يكون الكلام متصلاً دون فاصل زمني، وإِلا لم يعتبر استثناؤه. ومنها: إذا قال: إذا جاءك العلماء ورأيت الفضلاء وصاحبت الأَتقياء فأكرمهم إلا من أَبَى. فما بعد إلا يكون استثناء من الكل عند كثيرين. وأما الحنفية فمن الجملة الأخيرة فقط. وقد سبق مثل هذا في قواعد حرف الهمزة القواعد رقم 198 - 206.

القاعدة الثالثة والستون [حكم الأكثر]

القاعدة الثالثة والستون [حكم الأكثر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حكم الأكثر حكم الكل. (¬1) وفي لفظ: الأكثر ينطلق عليه اسم الشيء الكامل. (¬2) سبق مثلها في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام من 575 - 578. الجزء الثاني، ص 254. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 30 ص 52. (¬2) المغني لابن قدامة ج 1 ص 126، 298.

القاعدة الرابعة والستون [حكم الأمان].

القاعدة الرابعة والستون [حكم الأَمان]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: حكم الأَمان لا يتعدى إلى من كان منفصلاً عن المستأمن. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأَمان للحربي مشروع إذا جاء مستأمناً مستسلماً طالباً الأَمان منا: والإِجابة إليه واجبه عند الاطمئنان إلى عدم خداعه. فمفاد القاعدة: أن حكم الأَمان خاص بالمستأمن ومن هو متصل به غير منفصل عنه، وأَما من كان منفصلاً عنه فلا يدخل في أمانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاء حربي طالباً الأَمان لنفسه وأولاده الصغار دخلوا كلهم بأمانه. لكن لو كان معه أخ له - لم ينص على طلب الأَمان له صراحة - فلا يدخل في الأَمان معه؛ لأنه منفصل عنه، وليس من أولاده. ومنها: إذا كان مع المستأمن رجال فقال: هؤلاء أولادي. فهم فيء ولا أمان لهم، لأنهم أصول قد خرجوا بالبلوغ من أن يكونوا تبعاً له في حكم الأَمان، كما أنهم في حكم الذمة والإِسلام لا يتبعونه. ولكن إذا كانوا صغاراً يعبرون عن أنفسهم وصَدَّقوهُ فهم آمنون معه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا خرج المستأمن بنساء قد بلغن، فقال: هؤلاء بناتي. وصدقنه فهن آمنات تبعاً له - بخلاف البالغين من الرجال -؛ لأَن النساء في عياله ونفقته ما لم يتحولن إلى بيوت الأَزواج؛ ولأن النساء لا يستأمن لأنفسهن عادة، ولكن يكونُنَّ مع آبائهن أو أزواجهن، بخلاف الذكور من الأولاد. ¬

_ (¬1) شرح السير ج 1 ص 345.

القاعدتان الخامسة والستون والسادسة والستون [البدل - العوض]

القاعدتان الخامسة والستون والسادسة والستون [البدل - العوض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حكم البدل حكم المبدل. (¬1) وفي لفظ: حكم العوض حكم المعوض. (¬2) وفي لفظ: حكم البدل حكم الأصل. (¬3) وفي لفظ: حكم البدل إنما يعتبر عند العجز عن الأصل. (¬4) وفي لفظ: لا عبرة للبدل مع القدرة على الأصل. (¬5) وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الثلاث القواعد الأُولى مفادها: أن البدل أو العوض يأخذ حكم مبدله والمعوض عنه وهو المعبر عنه بالأَصل. فإن كان الأَصل واجباً كان البدل واجباً. وإن كان المعوض عنه أو المبدل منه مندوباً كان عوضه وبدله مندوباً وهكذا. والقاعدتان الأُخريان تفيدان حكماً آخر وقيداً في اعتبار البدل وإعطائه حكم أصله، وهو أن البدل لا يعتبر إلا عند العجز عن أصله، ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1672 والمبسوط جـ 4 ص 113، 133. (¬2) شرح السير ص 1961 والمبسوط جـ 22 ص 119. (¬3) المبسوط جـ 1 ص 104. (¬4) المبسوط جـ 3 ص 5. (¬5) المبسوط جـ 7 ص 31.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

وأما مع القدرة على الأَصل فلا اعتبار للبدل؛ لأنه إنما يسمي بدلاً إذا لم يمكن الإِتيان بالمبدل منه وهو أصله، حتى لا يكون جمعاً بين البدل وأصله. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: التيمم إنما يصار إليه عند عدم وجود الماء أو عند عَدَم القدرة على استعماله مع وجوده، فإذا كان الماء موجوداً وهو قادر على استعماله لا يجوز له التيمم. ومنها: من قدر على هدي التمتع أو القرآن لا يجوز له إبداله بالصيام, لأن الصيام بدل مشروط بِعَدَم استطاعة الهدي. فمن لم يستطع الهدي وجب عليه الصوم. ومنها: القادر على الرقبة في كفارة القتل أو الظهار لا يجوز له الانتقال عنها إلى الصوم, لأن الرقبة أصل والصوم بدل. ومن لم يستطع الرقبة وجب عليه الصوم.

القاعدة السابعة والستون [حكم البدل والخلف].

القاعدة السابعة والستون [حكم البدل والخلف]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حكم البدل يسقط اعتباره إذا قدر على الأصل. (¬1) وفي لفظ: قيام الأصل يمنع ظهور حكم الخلف. (¬2) وتأتي في حرف القاف. وفي لفظ: القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل تسقط البدل. وتأتي في حرف القاف إن شاء الله. (¬3) ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد لها ارتباط بالقواعد السابقة. ومفاد القاعدة الأولى والثانية: أن اعتبار البدل مقيد بعدم القدرة على الأَصل - كما مر آنفاً - لكن إذا قدر على الأَصل سقط حكم البدل وسقط اعتباره, لأن قيام الأَصل ووجوده يمنع ظهور حكم خلفه، وهو البدل. ومفاد الثالثة: أنه إذا انتقل إلى البدل ولكن قبل الفعل المراد وجد الأَصل فيسقط البدل ويعود إلى الأَصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا لم يجد الماء فتيمم ولكن قبل أن يصلي وجد الماء بطل تيممه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 110. (¬2) نفس المصدر جـ 4 ص 181. (¬3) نفس المصدر جـ 29 ص 137.

وعليه أن يتطهر بالماء لأنه الأَصل. ومنها: إذا لم يجد الهدي وعزم على الصوم ولكن قبل أن يصوم وجد الهدي وقدر عليه فلا يجوز له الانتقال إلى الصوم لأنه قدر على الأصل.

القاعدة الثامنة والستون [حكم التبع]

القاعدة الثامنة والستون [حكم التبع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حكم التبع حكم المتبوع (¬1). وفي لفظ: حكم التبع حكم الأصل. (¬2) وفي لفظ: الحكم الثابت للفرع يثبت في الأصل. (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كثير من الأَشياء لها أصول ولأصولها توابع وفروع، فالأَصل هو المتبوع والفرع هو التابع والتبع. ولما كان التابع وجوده بوجود أصله كان حكمه تابعاً لحكم أصله، فلا يفرد بالحكم إلا استثناءً، وبالمقابل يسقط حكم الفرع إذا سقط أصله. وقد سبق مثل هذه القواعد في قواعد حرف التاء تحت رقم 11. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحمل في بطن الدابة يتبع أمه، فإذا بيعت الدابة الحامل دخل في البيع حملها دون ذكر. ومنها: القفل يتبعه في البيع مفتاحه؛ لأنه لا ينتفع بالقفل دون مفتاحه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 178. (¬2) نفس المصدر ج 30 ص 143، الوجيز مع الشرح والبيان ص 331 ط 4. (¬3) نفس المصدر ج 16 ص 123.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القواعد

ومنها: إذا برئ الأصيل برئ الضامن والكفيل. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القواعد: يجوز إعتاق حمل الجارية دون أمه، ولكن لا تباع حتى تضع الحمل, لأنها حامل بِحُر، كما يجوز الوصية والهبة للحمل دون أمه.

القاعدة التاسعة والستون [التطوع - الفريضة]

القاعدة التاسعة والستون [التطوع - الفريضة] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم التطوع أخف من حكم الفريضة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرض والفريضة والواجب: ما طلبه الشرع طلباً جازماً بدليل قطعي لا شبهة فيه، أو بدليل ظني فيه شبهة. والتطوع والنفل والمستحب: ما حث عليه الشرع ولم يعزم على فعله. فمفاد القاعدة: أن التطوع غير المجزوم بطلب فعله أخف في حكمه من الفرض المجزوم بطلب فعله؛ وذلك أن حكم الفرض أن يثاب فاعله ويستحق العقاب والذم تاركه، وأما التطوع فهو يثاب فاعله ولا يذم تاركه. ولذلك كان حكمه أخف من حكم الفرض من ناحية أن الفرض يعاقب تاركه والتطوع ليس كذلك. ولذلك جاز في التطوع مالا يجوز في الفريضة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تارك فريضة الصلاة جحوداً كافر مرتد باتفاق، وتاركها كسلاً وتهاوناً كافر عند قوم وفاسق عند آخرين. لكن مَن صلى الفريضة دون ¬

_ (¬1) المبسوط ج 1 ص 183.

السنن الرواتب كسلاً أو تهاوناً - وليس إنكاراً للسنة - يكون مسيئاً، ولم يختلف في عدم تكفيره أو تفسيقه. ومنها: إن تارك إخراج الزكاة كتارك الصلاة، ولكن من لم يتصدق تطوعاً مع القدرة على ذلك لا يقال: إنه كافر أو فاسق، ولكنه مسيء محروم الثواب. ومنها: أن صلاة النافلة قعداً مع القدرة على القيام جائز - وإن كان على النصف من أجر القائم - ولكن الفريضة لا تجوز قاعداً مع القدرة على القيام.

القاعدة السبعون [حكم الجمع والتفريق]

القاعدة السبعون [حكم الجمع والتفريق] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الجمع يخالف حكم التفريق. فيجوز في الجمع ما لا يجوز في التفريق. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن حكم الجمع - أي جمع الصفقة المختلفة الاجناس ,, ويسبب التفريق ضرراً فإن الجمع هنا واجب عند الأكثرين, لأن الضرر مدفوع. فإذا كان في التفريق ضرر وفي الجمع منفعة وجب الجمع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تعذرت قسمة المال المشترك وجب أن يبيع مع شريكه ويقتسما القيمة، أو يؤاجر معه ويشتركا في الأُجرة. ومنها: إذا استأجر مزرعة للسكنى وأخذ ثمرة البستان جاز ذلك وإن كان الثمر لم يطلع - سواء أكان جنساً واحداً أم أجناساً مختلفة - لأن المنفعة وهي السكنى مقصودة فأحتاج إلى استئجارها، واحتاج مع ذلك إلى اشتراء الثمرة، ولا يتم غرضه من الانتفاع إلا بأن يكون له ثمرة يأكلها، فإن مقصوده الانتفاع بالسكنى في ذلك المكان، والأَكل من الثمر الذي فيه، فهو شبيه بما لو قصد السكنى والشرب من البئر. ولو لم يشتر الثمرة مع السكنى - مع إمكان التفريق - لتضرر بدخول مشتري الثمرة والضرر ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 147 - 148 بتصرف.

مدفوع. ولذلك جاز الجمع. (¬1) ومنها: إذا كان في بستان أشجار أو نخل مختلفة الأَنواع وبدا الصلاح في نوع منها - وكان في بيعه متفرقاً ضرر - جاز بيع جميع الأَجناس معاً. ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 153.

القاعدة الحادية والسبعون [أداء الأركان]

القاعدة الحادية والسبعون [أداء الأَركان] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الجواز متعلق بأداء الأركان. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات والمعاملات لكل منها أركان لا تصح إلا بوجودها جميعاً، فصحة العبادة وصحة المعاملة إنما تنبني على وجود الأَركان وأدائها، فإذا وجدت الأَركان وأدِّيت صحت الصلاة وتمت المعاملة، وإن نقص منها واجب - والواجب عند الحنفية ما دون الفريضة - أو نقص منها سنة فهي جائزة مع الإِساءة؛ لأن حكم الجواز متعلق بأداء الأركان دون غيرها وهذا أمر متفق عليه بين الجميع. وقد يقع الخلاف فيما هو الركن وما هو الواجب أو السنة أو الشرط، فينبني عليه صحة العبادة أو المعاملة أو فسادها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفية من ترك سجدة التلاوة في الصلاة، أو ترك قراءة التشهد فصلاته صحيحة، وليس عليه إعادة, لأنها واجبة - وليست فريضة - وترك الواجب يوجب الكراهة والنقصان ولا يفسد الصلاة. لكن إن كان سهواً فعليه سجود السهو لا إن كان عامداً. ومنها: في العقود والمعاملات: إذا تزوج امرأة وتمت أركان العقد ¬

_ (¬1) المبسوط ج 1 ص 223.

ولكن لم يحدد المهر، فالعقد صحيح، ويكون للمرأة مهر المثل، ولا يفسد العقد بعدم تحديد المهر. ومنها: إذا اشترى سيارة وحدد نوعها وسنة الصنع وتمت الصفقة بجميع أركانها ولكن لم يحدد لون السيارة، فللبائع أن يسلم المشتري سيارة من نفس النوع بأي لون كان، كما أن المشتري له أن يختار أي لون يريد وليس للبائع منعه، ولكن إذا لم يتفقا فلهما فسخ الصفقة بالتراضي.

القاعدة الثانية والسبعون [حكم الحكم]

القاعدة الثانية والسبعون [حُكْم الحَكَم] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الحَكَم نافذ في المجتهدات كلها، إلا في الحد والقصاص. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحَكَم هو الحاكم. والمراد به هنا: من جُعل إليه الحكم باتفاق الطرفين، وليس المراد به القاضي. يقال: حكَّمت الرجل: فوضت الحكم إليه. (¬2) ومنه قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (¬3). فمفاد القاعدة: أن الحَكَم الذي يفوض إِليه الحُكم يعتبر حكمه وينفذ في كل أمر اجتهادي، غير الحد والقصاص فمَرَّدها إلى القضاء. ويشترط في الحَكَم أن يكون أهلاً للشهادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف شخصان أو فريقان في قسمة أرض أو عقار أو شجارٍ فحكّما حَكَماً بينهما فما حكم به نافذ في حقهما. ومنها: إذا اختلف الزوجان وتنازعا وحكّما بينهما حَكَماً، فما يحكم به يجب عليهما تنفيذه. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 83 عن قضاء القاضي من الخانية جـ 2 ص 453 على هامش الفتاوى الهندية. (¬2) المصباح المنير مادة "الحكم" (¬3) الآية 35 من سورة النساء.

القاعدة الثالثة والسبعون [حكم الخطاب]

القاعدة الثالثة والسبعون [حكم الخطاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب حتى يبلغه. (¬1) وفي لفظ: حكم الخطاب في حق المخاطب لا يثبت ما لم يعلم به. (¬2) وفي لفظ حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب ما لم يعلم به خصوصاً إذا كان ملزماً. (¬3) وفي لفظ: الخطاب الملزم للغير لا يثبت حكمه ما لم يعلم به كخطاب الشارع. (¬4) وتأتي في حرف الخاء إن شاء الله تعالى. ثانياً معنى هذه القواعد ومدلولها: لا يُلزم المكلف بحكم خطاب ما لم يعلم به؛ لأن من شروط الفعل المكلف به الإنسان أن يعلم به، ولا يجب عليه فعل ما لم يعلم به ولا يلزمه؛ لأنه يكون تكليفاً بالمستحيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: أسلم إنسان في بلد أهله كفار، ولم يعلم بشرائع الإِسلام من صلاة وصيام، ولم يعلم بحرمة الفواحش كالزنا وشرب الخمر وغيرها. فلم يصل ولم يصم، وزنى وشرب الخمر، ثم علم بعد ذلك بوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر، فليس عليه قضاء ما فاته من صلاة وصيام، ولا يجب عليه حد بالزنا والخمر، ولا يأثم لعدم العلم؛ لأن الجهل في غير ¬

_ (¬1) المبسوط ج 19 ص 84. (¬2) نفس المصدر 127. (¬3) نفس المصدر ج 25 ص 29. (¬4) نفس المصدر ص 27.

دار الإِسلام عذر، وأما في دار الإِسلام فليس عذراً. ومنها: إذا وكل إنساناً وقال له: إيت فلاناً وقل له: أقرضني ألف درهم وأمسك هذا العبد رهناً بها. فلما خرج من عنده أشهد أنه قد أخرجه من الوكالة، فلم يبلغ ذلك الوكيل حتى رهن العبد. فإن الرهن جائز. ومنها: إذا أذن للصغير المميز في التجارة فاشترى وباع وهو لا يعلم بإذن الولي ولم يعلم به أحد - فليس بمأذون ولا يجوز شيء من تصرفاته؛ لأن حكم الخطاب لا يثبت ما لم يعلم به.

القاعدة الرابعة والسبعون [حكم الخلافة]

القاعدة الرابعة والسبعون [حكم الخلافة] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الخلافة باتحاد السبب. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالخلافة هنا "البدلية"، أي أن الشيء يكون خلفاً وبدلاً عن غيره عند اتحاد سبب البدل والمبدل منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في عقد البيع لما زال المبيع عن ملك البائع وأدخل الثمن في ملكه كان الثمن خَلَفاً عن مالية المبيع باتحاد السبب وهو العقد. ومنها: الأرش - أي دية العضو - خَلَف عن مالية اليد المقطوعة، باتحاد السبب وهو الجناية. ومنها: التراب خلف عن الماء في حكم الطهارة؛ لاتحاد السبب وهو إرادة الصلاة أو ما يحتاج للطهارة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 60.

القاعدة الخامسة والسبعون

القاعدة الخامسة والسبعون أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الذمي حكم المسلمين (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالذمي: اليهودي أو النصراني أو المجوسي الذي رضي بدفع الجزية والبقاء تحت حكم الإِسلام، والسكنى في أرض الإِسلام. فهذا حكمة حكم المسلمين في كل أموره وتصرفاته عدا ما يوجبه اختلاف الدين، ولذلك قالوا: الذمي من يلتزم أحكام الإِسلام فيما يرجع إلى المعاملات (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنا الذمي فإن كان بكراً يجلد، وإن كان محصناً يرجم، ويرى الحنفية أنه لا يرجم. ومنها: إذا قتل عمداً اقتص منه، وإن قتل خطأ وجبت الدية على عاقلته. ولكن هل تجب عليه الكفارة؟ خلاف. ومنها: إذا قذف يحد. ولكن لا يحد على شرب الخمر ولا يعزر على أكل لحم الخنزير، ولا يمنع من لبس الذهب والحرير. ولا يؤمر بالعبادات ولا تصح منه، ولا ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 325، وأشباه السيوطي ص 254، قواعد الفقه ص 82 عن الأشباه. (¬2) المبسوط جـ 10 ص 85.

يصح تيممه. ومنها: يصح بيعه وشراؤه ومعاملاته كلها إذا استوفت شروطها. ومنها: لا يرابي. ولا يعترض لهم لو تناكحوا نكاحاً فاسداً ولكنه جائز عندهم، ولو أسلموا بعد ذلك. ولكن إن كان مجوسياً تزوج ذات محرم منه ثم أسلم وجب التفريق بينهما.

القاعدة السادسة والسبعون [حكم المائعات]

القاعدة السادسة والسبعون [حكم المائعات] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم سائر المائعات كالماء في الأصح. (¬1) في حكم النجاسة والطهارة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمائعات: السوائل من خل أو زيت أو سمن ذائب أو عصير وغيره. فمفاد القاعدة: أن السوائل كلها حكمها حكم الماء في النجاسة والطهارة، فما ينجس الماء ينجسها، وكل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء. وكذلك في القلة والكثرة، بمعنى أن كل مقدار منها لو كان ماءً تنجس فإنه ينجس مثله أيضاً، وهذا عند الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله، ورواية عن مالك رحمه الله في بعض المواقع، وهو قول الإِمام الزهري (¬2). وهو القول الذي رجحه ابن تيمية رحمه الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا وجد حوض فيه عصير ووقعت في طرفه نجاسة فلم تغيره ولم يظهر لها لون أو رائحة، فالعصير طاهر كطهارة مثيله من الماء لو وقعت فيه تلك النجاسة التي لم تغيره. ومنها: إذا كان الزيت أكثر من القُلتين وولغ فيه كلب، لا ينجس، كما نص على ذلك أحمد رحمه الله (¬3). ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 16 عن الدر المختار ج 1 ص 124 مع رد المحتار. والمسائل الماردينية ص 27. (¬2) الإمام محمَّد بن مسلم ابن شهاب الزهري أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء وهو تابعي من أهل المدينة، توفي بدمشق سنة 124 هـ. (¬3) المسائل الماردينية ص 28.

القاعدة السابعة والسبعون [حكم السكران]

القاعدة السابعة والسبعون [حكم السكران] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم السكران من محرم كالصاحي. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السكران: فعلان من السكر. هي إزالة العقل بالشراب وغيره. والسكران: من فقد عقله بالسكر. وهو ضد الصاحي. والمراد به هنا من سكر من محرم عالم مختار غير مضطر ولا مكره. فمفاد القاعدة: أن السكران يعامل في أفعاله وتصرفاته معاملة الصاحي ويأخذ أحكامه. إلا في أشياء معدودة محصورة، وكذلك في العبادات فلا تصح منه. فهل هو مكلف حال سكره؟ منهم من يرى أنه مكلف ولذلك عومل معاملة الصاحي. ومنهم من لا يرى تكليفه ولا يعتبر تصرفاته، ولكن ما يترتب عليها من أحكام فهو من باب الحكم الوضعي ومن باب ربط الأَحكام بأسبابها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنا وهو سكران أقيم عليه حد الزنا عند صحوه، إلى جانب حد الشرب. إلا أن يتداخلا. ومنها: إذا طلق يقع طلاقه. ومنها: إذا سرق حال سكره قطعت يده حال صحوه. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 134 عن أحكام السكران من الأَشباه لابن نجيم ص 310، أشباه السيوطي ص 216.

رابعا: المسائل المستثناة من هذه القاعدة

ومنها: إذا قتل أو قذف وهو سكران أقتص منه، وأقيم عليه حد القذف. رابعاً: المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا أرتد حال سكره لا يحكم بردته. ومنها: إذا أقر وهو سكران بحد خالص لله، كالزنا أو الشرب لا يقام عليه الحد. ومنها: إذا أشهد على شهادته وهو سكران لا تقبل. ومنها: إذا زوج صغيراً أو صغيرة بأكثر من مهر المثل أو أقل وهو سكران لا يصح. ومنها: إذا وُكل بالطلاق وهو صاح، فطلق وهو سكران، لا يقع طلاقه. ومنها: إذا وكل بالبيع وهو صاح، فسكر فباع لم ينفذ على موكله. ومنها: إذا غصب شيئاً من صاح ورده عليه وهو سكران لا يعتبر رده. المردود عليه وهو سكران هو المغصوب منه.

القاعدة الثامنة والسبعون [الحكم والخصائص]

القاعدة الثامنة والسبعون [الحكم والخصائص] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الشيء قد يدور مع خصائصه. فإذا ثبتت خصائصه ثبت حكمه وإلا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكل فعل وتصرف خصائص تميزه عن غيره. والأَحكام تدور مع الخصائص، فإذا خولفت إحدى هذه الخصائص فسد ذلك الفعل وبطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة من خصائصها تحريم الكلام فيها والأكَل والعمل الكثير فمن تكلم في صلاته عامداً بطلت صلاته. ومن أكل فيها بطلت كذلك. ومنها: إذا قال لامرأتيه: إحداكما طالق. ثم وطئ إحداهما فيكون وطؤه بياناً للمطلقة منهما - وهي التي لم توطأ -؛ لأن وطء الحرة من خصائص ملك النكاح. فقد تصرف فيما هو من خصائص ملك النكاح وثبت البيان. ومنها: أن المحرم إذا دل على صيد فأدت دلالته إلى الإتلاف يجب عليه الجزاء؛ لأنه تصرف فيما هو من خصائص محظورات الإحرام. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 93 وعنه قواعد الفقه ص 79.

القاعدة التاسعة والسبعون [حكم الشيء وشرطه]

القاعدة التاسعة والسبعون [حكم الشيء وشرطه] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم الشيء يعقبه ولا يقترن به، بخلاف شرطه الذي يجب اقترانه به. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حكم الشيء: ما يترتب على وجود ذلك الشيء. والمراد به الحكم الشرعي المترتب على تصرف المكلف من حل أو حرمة أو وجوب أو إباحة أو كراهة أو صحة أو فساد. فمفاد القاعدة: أن وجود الحكم تابع لوجود الشيء فلا يسبقه الحكم ولا يقترن به ولا يصاحبه، وذلك خلاف لشرط الشيء، حيث إن الشرط يجب أن يسبق الفعل ويقترن به ليوجد حكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حل الاستمتاع بين الزوجين هو حكم العقد الصحيح بينهما. وشرط كون العقد صحيحاً مستوفياً أركانه وشروطه سابق لوجود الحكم ومقترن بالعقد. ومنها: صحة الصلاة حكم مترتب على استيفاء الصلاة أركانها وشروطها المقترنة بها، كالطهارة واستقبال القبلة عند القدرة، وغير ذلك من شروطها. ومنها: القبض في كل بيع إنما يستحق بالعقد، فهو حكم العقد لا شرطه كالملك، الذي قد يتأخر لوجود شرط الخيار لأحدهما. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 12 ص 198.

القاعدة الثمانون [العقد الفاسد]

القاعدة الثمانون [العقد الفاسد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة حكم فاسد العقود حكم صحيحها في الضمان. (¬1) وفي لفظ: فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه (¬2) وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. وفي لفظ: كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده، وما لا فلا. (¬3) وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. وفي لفظ: المقبوض في عقد فاسد كالمقبوض في العقد الصحيح فيها يرجع إلى الضمان وعدمه. (¬4) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يترتب على العقد الصحيح من وجوب ضمان المبيع عند التلف أو عدم ضمانه يترتب على العقد الفاسد أيضاً، والعقد الفاسد هو العقد الذي فقد أحد شروطه صحته ولم يصل إلى درجة البطلان. ولكن يختلف ضمان الصحيح عن ضمان الفاسد، فإن ضمان العقد الصحيح إنما يكون بالثمن الذي سميا، وأما ضمان الفاسد فإنما يكون بالقيمة، ولذلك قالوا: المبيع فاسداً تضمن قيمته يوم قبضه لو قيمياً، وبمثله لو مثلياً لضمانه بقبضه كالمغصوب. (¬5) ¬

_ (¬1) الاعتناء جـ 2 ص 668. (¬2) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 307، مختصر قواعد العلائي ج 1 ص 315، أشباه السيوطي ص 83. (¬3) قواعد ابن رجب القاعدة 47 والمغني جـ 4 ص 425. (¬4) المغني جـ 4 ص 54. (¬5) جامع الفصولين جـ 2 ص 35.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فالصحيح والفاسد مستويان في أَصل الضمان لا في المقدار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر الولي أجيراً على عمل للصبي إجارة فاسدة، فيكون الأُجرة على الولي لا في مال الصبي. وأما لو كانت الإجارة صحيحة ففي مال الصغير. ومنها: باع سيارة مطلقة دون تحديد بعشرة آلاف ريال، كان هذا البيع فاسداً لجهالة السيارة حيث لم تحدد، فإن جاء البائع بسيارة وقبضها المشتري - مع فساد البيع - ثم تلفت في يده فعليه قيمتها يوم قبضها، لا الثمن الذي سميا. ومنها: تزوجها بعقد فاسد فعليه مهر المثل لا المهر المسمى.

القاعدة الحادية والثمانون [حكم فعل النائب]

القاعدة الحادية والثمانون [حكم فعل النائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة حكم فعل النائب يظهر في حق المنوب عنه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النائب والمنوب عنه: فرع وأصل كالوكيل والموكل. فمفاد القاعدة: إذا فعل النائب فعلاً مما ناب فيه فيظهر حكم ذلك الفعل في حق الأصيل المنوب عنه لا في حق النائب؛ لأنه فرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ناب عن غيره في أداء دينه، فقد برئت ذمه المدين وهو المنوب عنه. ومنها: ناب عن معضوب - وهو غير القادر على الحج بنفسه - وأدى النسك، فقد برئت ذمة المعضوب. ومنها: إذا ارتهن الكافر من الكافر خمراً، ووضعها على يدي مسلم عدل - كناية عن إيداعها عنده - وقبضها، فالرهن جائز؛ لأن العدل في القبض نائب عن المرتهن، والمرتهن من أهل العقد على الخمر، فيظهر أثر العقد في حقه. ولكن تنزع الخمر من يد المسلم؛ لأنه ممنوع من الاقتراب منها، إذ هو مأمور باجتنابها، فتنزع من يده وتوضع على يدي ذمي عدل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 151.

القاعدة الثانية والثمانون [حكم ما بعد الغاية]

القاعدة الثانية والثمانون [حكم ما بعد الغاية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها. (¬1) وفي لفظ: حكم ما بعد الغاية بخلاف ما قبله. (¬2) أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الغاية معناها: النهاية. فغاية الشيء منتهاه، ومداه. وحروف الغاية (إلى، حتى). فمفاد القاعدة: أن حكم ما بعد النهاية مخالف لحكم ما قبلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬3). فإن - إلى - حرف غاية وجر، ومفاد الآية أن حكم الليل مخالف لحكم النهار، فإذا كان النهار ظرفاً ووعاءً للصوم فالليل بخلافه، فيكون ظرفاً ووعاءً للإفطار. ومنها قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬4)، فحكم طلوع الفجر وما بعده مخالف لحكم ما قبله بدليل وجود - حتى -. ومنها: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬5) فللأكل والشرب غاية هي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 210. (¬2) المصدر السابق ج 12 ص 75. (¬3) الآية 187 من سورة البقرة. (¬4) الآية 5 من سورة القدر. (¬5) الآية 187 من سورة البقرة.

طلوع الفجر فبعد طلوع الفجر، لا أكل ولا شرب. ومنها: إذا قال: بعتك هذه الأرض من هنا إلى هنا. تدخل البداية ولا تدخل النهاية. ومنها: إذا حضنت المطلقة الولد - من ذكر أو أنثى - فإن ذلك مشروط بعدم زواجها، فإذا تزوجت فللوالد أن يأخذ منها الولد. دخول المرفقين والكعبين في الوضوء عند غسل اليدين والرجلين وذلك ثابت بالإجماع؛ ولأن المرفق جزء من اليد لا غاية لها، وكذلك الكعب من الرجل. (¬1) ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع ج 1 ص 4.

القاعدة الثالثة والثمانون [حكم المعطوف]

القاعدة الثالثة والثمانون [حكم المعطوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: حكم المعطوف حكم المعطوف عليه. (¬1) لغوية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعطوف والمعطوف عليه - بالواو أو الفاء أو ثم - مشتركان في الحكم، وإن كانا غيرين، فيأخذ المعطوف حكم المعطوف عليه نفياً أو إثباتاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قلنا: جاء زيد وعمرو، فقد اشتركا في المجيء. والواو هنا لمطلق الجمع. وإن قلنا: جاء زيد فعمرو، فإن مجيء عمرو تال لمجيء زيد بغير مهلة - وهذا معنى قولهم: الفاء للترتيب والتعقيب. وإن قلنا: جاء زيد ثم عمرو، فإن مجيء عمرو تال لمجيء زيد وبينهما مهلة. ومنها: إذا قلنا: ما رأيت زيداً ولا عمراً. فقد نفيت رؤية كليهما. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 29 ص 145.

القاعدة الرابعة والثمانون [انفراد الحكم]

القاعدة الرابعة والثمانون [انفراد الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم إذا انفرد استند إلى سببه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكل حكم سبب ترتب عليه ذلك الحكم ونتج عنه، فإذا انفرد حكم بني على سببه، بخلاف ما إذا تعدد الحكم فيستند كل حكم إلى سببه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر المريض - مرض الموت - بدين لأجنبي وعليه ديون أخرى، تحاص الغرماء (¬2) في ماله. فإقراره لواحد ولآخرين تجمعها حالة واحدة وهي وحدة السبب وهي حالة المرض، فتعلق الديون كلها بماله في وقت واحد، وهو عند الموت حكم واحد استند إلى سبب واحد هو المرض فاستووا فيه. ومنها: إذا جنى إنسان جنايتين خطأ على شخصين، وهاتان الجنايتان تعلقتا بماله، فالمال بين المجني عليهما؛ لأن تعلق الجنايتين بالمال حكم والسبب واحد وهو الجناية فاستويا فيها. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 18 ص 25. (¬2) معنى تحاص الغرماء، أي أن مال المدين الميت إن كان يكفي سداد ديون جميع الغرماء أخذ كل واحد حقه كاملاً، وإن لم يف المال قسم بينهم بالحصص على مقدار ديونهم، فمثلاً صاحب الدين 100 يأخذ ضعف صاحب الدين 50، فللأول حصتان وللثاني حصة واحدة. وهكذا.

القاعدة الخامسة والثمانون [الحكم الثابت بجملة]

القاعدة الخامسة والثمانون [الحكم الثابت بجملة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم إذا ثبت بجملة يبقى ببقاء الواحد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بثبوت الحكم بجملة: أن يكون الحكم متعلقاً بجماعة. فمفاد القاعدة: أن الحكم إذا ثبت متعلقاً بجماعة أو عدة أشخاص، فإنه يبقى نافذاً وسارياً ما دام قد بقي واحد من أولئك الجماعة الذين ثبت الحكم فيهم أو لهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت بلدة مسلمة ثم أرتد أهلها وبقي فيها مسلم واحد أو ذمي آمن فإنها لا تصير دار حرب، ولكن بشرط أن يقدر هذا المسلم على إظهار شعائر دينه، والذمي يكون آمناً بأمانه. وبشرط أن لا يعلن أهلها المرتدون الحرب على المسلمين، وإلا صارت دار حرب. ومنها: إذا حاصر المسلمون حصناً ثم طلب أهل الحصن الأَمان من المسلمين مدة سنة مقابل مال يدفعونه، ورضى المسلمون بذلك، فلا يجوز للمسلمين أن يقاتلوا أهل هذا الحصن ما دام قد بقي من السنة المتفق عليها يوم واحد. أو لم يبق من أهل الحصن إلا رجل واحد. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا صالحت سرية أهل حصن على مال وأمنوهم - إلى أن ينصرفوا ¬

_ (¬1) شرح السير ص 487.

عنهم - فإن أهل الحصن آمنون حتى تنصرف عنهم السرية كلها. لكن إذا خرج الأمير - قائد السرية - مع جماعة القوم الذي لهم المنعة وبقي بعض أفراد السرية لم يخرجوا، فإن الأَمان قد تم وإن لم يخرج أولئك؛ لأن الباعث لأهل الحصن على التماس الصلح وأداء المال هو خوفهم من السرية وذلك باعتبار جماعتهم ومنعتهم، فبخروج الأمير مع جماعة القوم الذين لهم المنعة تم لهم ذلك. فإذا جاءت سرية أخرى مع بقاء أولئك الأَفراد جاز لأهل السرية الثانية مقاتلة أهل الحصن من غير نبذ ومن غير رد المال؛ لأن الأَمان لأهل الحصن كان إلى غاية وهي خروج السرية الأولى إلى دار الإِسلام - ولم يكن أماناً عاماً، فانتهى الأمان بوجود الغاية وهي انصراف السرية الأولى. والسرية الثانية لم تدخل في الأَمان. ولذلك لا يلزمها. والحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها. كما في القاعدة التالية.

القاعدة السادسة والثماثون [الحكم - العلة - السبب]

القاعدة السادسة والثماثون [الحكم - العلة - السبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها. (¬1) وفي لفظ: الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً. (¬2) وفي لفظ الحكم ينتهي بانتهاء علته. (¬3) وفي لفظ: لا يبقى الحكم مع زوال سببه. (¬4) وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله تعالى وفي لفظ: الحكم ينتفي لانتفاء سببه. (¬5) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحكم لا بد أن يثبت بعلة، والمراد بالعلة: هنا السبب. وإذا وجدت العلة أو السبب ثبت الحكم بها، فإذا زالت العلة أو السبب زال الحكم بزوالها وانتهى بانتهائها؛ لأن الحكم يدور مع علته وسببه وجوداً وعدماً. وهذا ما يسميه الأصوليون مسلك الدوران، أو مسلك الاطَّراد والانعكاس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وجود النصاب علة وسبب لوجوب الزكاة، فإذا هلك قبل تمام ¬

_ (¬1) المسائل الماردينية ص 36، 49. (¬2) القواعد والضوابط ص 119 عن كشاف القناع جـ 5 ص 12. (¬3) شرح الخاتمة ص 37. (¬4) المغني جـ 4 ص 371. (¬5) المغني جـ 8 ص 299.

الحول لم تجب. ومنها: الجلالة (¬1) التي تأكل النجاسة قد نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، فإذا حبست حتى تطيب، كَانت حلالاً باتفاق المسلمين؛ لأن علة النهي والتحريم كانت النجاسة، فلما زالت صارت طاهرة. ومنها: الخمر المنقلبة بنفسها إلى الخَلَّية تطهر باتفاق المسلمين، فإن النجاسة إذا زالت بأي وجه زال حكمها. ¬

_ (¬1) الجلالة: ما كان أكثر علفها العذرة والبعر والنجاسات. (¬2) الأحاديث عن النهي عن الجلالة - عن شرب لبنها أو ركوبها أو أكلها - عن ابن عباس وابن عمر وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواها الخمسة وأحمد. ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 867 مما بعدها - الأحاديث من 4595 - 4599.

القاعدة السابعة والثمانون [الحكم المعلق بالمشتق]

القاعدة السابعة والثمانون [الحكم المعلق بالمشتق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم إذا علق باسم مشتق من معنى فالمعنى الذي اشتق منه الاسم هو العلة للحكم. (¬1) وفي لفظ: الحكم متى علق باسم مشتق فذلك المعنى هو الموجب للحكم. (¬2) وفي لفظ: الحكم إذا علق باسم مشتق فإنه يكون معلّلاً بها يكون منه الاشتقاق. (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالاسم المشتق، الاسم المأخوذ من مصدر. فمفاد هذه القواعد: أن الحكم إذا استند إلى اسم مشتق من مصدر وبني عليه فإن المعنى الذي يدل عليه مصدر الاشتقاق يكون هو العلة والسبب للحكم، والموجب له، وهو المسمى في عرف الأصوليين الوصف المناسب للحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬4)، السارق اسم مشتق من السرقة فالسرقة علة وسبب القطع. ولو لم تكن علة لخلا الكلام عن الفائدة. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 12 ص 115. (¬2) نفس المصدر ج 14 ص 91. (¬3) أشباه ابن الوكيل ق 1 ج 1 ص 269. (¬4) الآية 38 من سورة المائدة.

ومنها: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (¬1) فالزانية والزاني اسم مشتق من الزنا؛ فالزنا علة وسبب الجلد وإقامة الحد. ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: "الجار أحق بصقبه أو بسقبه". (¬2) أي بشفعته، فإن الجار اسم مشتق من الجوار والمجاورة، فالجوار علة وسبب لطلب الشفعة. ¬

_ (¬1) الآية 2 من سورة النور. (¬2) الحديث عن الشريد بن سويد أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه، وعن عمرو بن الشريد، أخرجه البخاري ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 417، الأحاديث 3177 - 3179.

القاعدة الثامنة والثمانون [الحكم - الشرط]

القاعدة الثامنة والثمانون [الحكم - الشرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم بعد وجود السبب يتوقف على وجود شرطه. (¬1) وفي لفظ: الحكم بعد وجود السبب لا يثبت قبل وجود الشرط. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كل حكم مرتبط بسببه وعلته فإذا وجد السبب وجد الحكم لا محالة، ولكن ثبوت هذا الحكم وتحققه متعلق بوجود شرطه، فما لم يوجد شرطه لا يثبت، بمعنى: أنه لا يجب عليه ولا يطالب به، وإما أنه يجب عليه ويتعلق بذمته ولكن لا يقبل منه ولا يجوز له فعله، إلا بوجود شرطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قطاع الطرق إن أخذوا المال ولم يَقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يُقتلوا؛ لأن القتل شرط لوجوب القتل عليهم. ولو قَتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يقطعوا. ومنها: إخراج الزكاة لا يجب قبل وجود الشرط وهو الحول، وإن وجد النصاب فبتمام النصاب وجبت الزكاة في المال، ولكن لا يجب إخراجها ولا يطالب بها المزكي ما لم يحل على النصاب الحول. ومنها: الصلاة بعد دخول وقتها وجبت وتعلقت بذمة المكلف، ولكن لا يجوز له أداؤها إلا بعد استيفاء شروطها من الطهارة والقبلة عند الاختيار، وغير ذلك من شروطها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 17. (¬2) نفس المصدر جـ 9 ص 198.

ومنها: إحياء الموات سبب لتملكه، ولكن أبا حنيفة اشترط إذن الإمام فالملك التام للمحيي لا يتم إلا بإذن الإمام عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافاً لصاحبيه وباقي الأئمة حيث لا يشترطون إذن الإمام.

القاعدة التاسعة والثمانون [العلة ذات الوصفين]

القاعدة التاسعة والثمانون [العلة ذات الوصفين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم الثابت بعلة ذات وصفين إنما يثبت عند ثبوت الوصفين جميعاً. (¬1) وفي لفظ: الحكم المعلق بعلة ذات وصفين يحال به على آخر الوصفين وجوداً. (¬2) وفي لفظ مقابل: الحكم الثابت بعلة ذات وصفين ينعدم بانعدام أحد الوصفين. (¬3) وفي لفظ: الحكم إذا تعلق بعلة ذات وصفين يضاف إلى آخرهما وجوداً، والحكم الثابت بعلة ذات وصفين يزول بزوال أحدهما. (¬4) ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد وإن اختلفت صيغ ورودها فدلالاتها متحدة. ومفادها: 1. أن الحكم يجوز أن يعلق ويبنى على علة ذات وصفين أو أكثر. 2. أن الحكم إنما يثبت إذا وجد وتحقق الوصفان، والحكم إنما يتم بوجود الوصف الثاني بعد الأَول. إذن لا بد من وجود الوصفين معاً. 3. وأن الحكم إذا ثبت بالعلة ذات الوصفين فإنه ينعدم بانعدام أحدهما ولو بقي الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ثبوت الميراث معلق بالنسب - أو الزوجية والموت -. فلا يستحق إلا بالموت. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 307. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 48، جـ 9 ص 175، ج 17 ص 16، ج 24 ص 100. (¬3) المبسوط جـ 7 ص 71، جـ 21 ص 90. (¬4) شرح الخاتمة ص 56، التحرير جـ 4 ص 517 عن القواعد والضوابط ص 417.

ومنها: إذا علق طلاق زوجته بالخروج وتكليم فلان، فلا يقع الطلاق إلا إذا خرجت وكلمت ذلك الشخص. فلو خرجت دون أن تكلمه لا يقع الطلاق. ومنها: القرابة مع الملك علة العتق. فأما القرابة وحدها فلا تكون علة للعتق، كملك المكاتب قريبه - أباه أو ابنه أو أمه أو أخته - فلا يعتق عليه؛ لأنه لا ملك للمكاتب حقيقة بل له كسب حتى يعتق.

القاعدة التسعون [الحكم المنصوص]

القاعدة التسعون [الحكم المنصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم الثابت بالنص يجوز إثباته فيما ليس في معنى المنصوص. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت حكم بنص من كتاب أو سنة أو إجماع فلا يجوز إثبات هذا الحكم في غير المنصوص قياساً عليه إلا إذا كان غير المنصوص في معنى المنصوص، بأن وجدت علته بعينها في غير المنصوص حتى يصح القياس. هذا عند جماهير الفقهاء الذين يرون أن الأحكام الشرعية - غير التعبدية - معللة. خلافاً للظاهرية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دل محرم آخر أو حلالاً على صيد فقتله المدلول، فهل على الدال جزاءً؟ عند الحنفية وأحمد رحمه الله (¬2) عليه جزاء كقاتل الصيد سواءً، استناداً إلى آثار عن الصحابة رضي الله عنهم. وأما عند الشافعي رحمه الله فلا جزاء على الدال وإن كان مسيئاً (¬3)؛ لأن جزاء الصيد إنما وجب بقتله بالنص في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 79. (¬2) المقنع جـ 1 ص 409. (¬3) الأم جـ 5 ص 398، ولم يذكر التعليل الذي ذكره السرخسي عنه، ينظر روضة الطالبين جـ 2 ص 423.

مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (¬1) والدلالة ليست في معنى القتل؛ لأن الحكم الثابت بنص لا يجوز إثباته فيما ليس في معنى المنصوص. وعند مالك رحمه الله: لا جزاء على الدال ولكنه آثم. (¬2) ¬

_ (¬1) الآية 95 من سورة المائدة. (¬2) الكافي ج 1 ص 391.

القاعدة الحادية والتسعون [الحكم - تمام السبب وأوله]

القاعدة الحادية والتسعون [الحكم - تمام السبب وأوله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم عند تمام سببه يثبت من أول السبب. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تم سبب الحكم بشروطه، وكان بين بدء السبب وتمامه مدة أو فترة زمنية، فإن الحكم يعتبر منذ بدء السبب لا عند تمامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيع بشرط الخيار إذا أجيز من قبل من له الخيار ثبت الملك به من وقت العقد، فتهون زوائد المبيع في فترة الخيار ملكاً للمشتري لا للبائع، وإن كانت هذه الزوائد وجدت قبل تسليم المبيع للمشتري، سواء كان الخيار للبائع أم للمشتري. ومنها: إذا عقد رئيس حصن هدنة أو صلحاً مع المسلمين واشترط مشاورة رؤوس أهل الحصن، فإذا حصلت الموافقة فتعتبر الهدنة أو الصلح نافذاً من تاريخ الاتفاق لا من بعد وقت المشاورة، إلا إذا اشترط خلاف ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 101.

القاعدة الثانية والتسعون والثالثة والتسعون [الحكم في الفرع]

القاعدة الثانية والتسعون والثالثة والتسعون [الحكم في الفرع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم في التبع لا يثبت ابتداء، بل بثبوته في الأصل يظهر في التبع (¬1) وفي لفظ: الحكم في الفرع يثبت على الوجه الذي يثبت في الأصل (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق أمثال هاتين القاعدتين ومفادهما: أن التابع أو الفرع له ميزتان؛ الأولى: أن الحكم لا يثبت فيه ابتداءً وإنما يثبت أولاً في الأصل ثم يظهر في التبع والفرع. والميزة الثانية: أن الحكم الثابت في الفرع إنما يثبت بناء على ثبوته في الأَصل وعلى الوجه الذي ثبت في الأَصل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا باع بقرة حاملاً فيثبت البيع في جنينها تبعاً لها، ولا يجوز أن يفرد جنينها بالبيع، كما لا يجوز أن يباع جنينها أولاً ثم هي بعد ذلك. وإذا بيعت بشرط الخيار أو بثمن مؤجل ثبت ذلك في جنينها أيضاً. ومنها: الحكم فيما يقاس على الأَموال الربوية الستة هو نفس الحكم فيها أيضاً. ومنها: إذا أخذت أسيرة كافرة حبلى فهي فِيء تسترق وجنينها تَبَعٌ لها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 66 - 67. (¬2) نفس المصدر جـ 14 ص 55.

القاعدة الرابعة والتسعون [الحكم]

القاعدة الرابعة والتسعون [الحَكَم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكَم كالقاضي. (¬1) سبق معنى الحَكَم ومفاد هذه القاعدة: أن الحَكَم في قبول أحكامه ولزومها لمن حكماه كالقاضي في ذلك. وليس للمحكمين أو أحدهما رد أحكامه بعد أن تراضوا به حَكَماً. ولكن حكم الحَكَم يختلف عن حكم القاضي في مسائل عدها ابن نجيم أربع عشرة مسألة، ويختلف عن القاضي في أن حكمه لا يتعدى المحكمين له. إلا في مسألة نذكرها مما استثني. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم اثنان حَكَماً بينهما في قسمة أرض أو عقار أو خلاف أو مال، فقسمه بينهما أو حكم في الخلاف وجب عليهما قبول حكمه إلا إذا تبين فيه خطأ فاحش. ومنها: إذا حكم الزوجان حَكَمين من أهلها وأهله فحكما بالتفريق بينهما جاز عليهما، وإن حكما بعدم التفريق وألزما الزوجين أو أحدهما شيئاً لزم. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا حَكم الشريك وغريم له حَكَماً، فحكم الحَكَم بينهما وألزم الشريك شيئاً من المال المشترك - بعد حكمه على الشريك - تعدى هذا الحكم إلى الغائب وهو الشريك الآخر؛ لأن حكمه بمنزلة الصلح وهو من صنيع التجار ولذلك جاز. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 228 وعنه قواعد الفقه ص 79.

القاعدة الخامسة والتسعون [ثبوت الحكم]

القاعدة الخامسة والتسعون [ثبوت الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم لا يثبت إلا بنص أو قياس أو إجماع. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحكم: الحكم الشرعي فمفاد القاعدة: أن الحكم الشرعي لا يثبت في حق العباد إلا مستنداً إلى دليل من الأَدلة الشرعية، وهي: نصوص الكتاب والسنة والقياس عليهما والإِجماع من مجتهدي الأمة. ولا يجوز أن يصدر حكم عن هوى أو غاية أو غرض غير مبني على دليل شرعي وإلا كان حكماً باطلاً غير ملزم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز لحاكم مسلم أن يحرَّم ما أحل الله أو يحلل ما حرَّم. ومنها: إذا أصدر حاكم حكماً يحعل حد الزنا خمسين جلدة للمحصن أو رجماً للبكر، أو لم يعتبر الزنا جريمة تستحق العقوبة إذا كانت بالتراضي. فكل ذلك أحكام باطلة لأنها مخالفة للنصوص الشرعية الثابتة. ومنها: إذا أَصدر حاكم مسلم لبلد مسلم أمرا بأخذ الجزية من المسلمين من غير أرضه مقابل سكناهم في بلده فهذا حكم باطل مخالف لشرع الله حيث لا يجوز فرض الجزية على مسلم في أرض الإِسلام مقابل سكناه في بلد غير بلده. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 54، 125.

القاعدة السادسة والتسعون [عود الحكم]

القاعدة السادسة والتسعون [عود الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم لا يعود بعد زواله إلا بسبب جديد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكل حكم سبب ترتب عليه وجوده، والأَصل أن الحكم يزول بزوال سببه كما سبق بيانه. فمفاد القاعدة: أنه إذا زال حكم وانقضى بزوال سببه وانقضائه، أنه لا يعود هذا الحكم إلا بسبب جديد، لا بالسبب الزائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنا إنسان وأقيم عليه حد الزنا مرة، فلا يجوز إقامة الحد عليه مرة أخرى إلا بسبب جديد، كأن يزني مرة ثانية. ومنها: إذا عقد إنسان عقد نكاح على إمرأة، فلا يجوز له أن يعقد عليها مرة أخرى، ولا يجدد العقد إلا إذا طلقها وانقضت عدتها الرجعية دون مراجعة أو في عدتها إذا كانت عدة بينونة صغرى، أو بعد زوج آخر إذا كانت بينونة كبرى. ومنها: إذا نزع خفيه قبل انتهاء مدة المسح فقد بطلت طهارته وانتقض وضوؤه، فلا يعود إلا بسبب جديد هو إعادة الطهر والوضوء بالماء. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 289.

القاعدة السابعة والتسعون [حكم الخارج]

القاعدة السابعة والتسعون [حكم الخارج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم للخارج دون المَخْرَج (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تتعلق هذه القاعدة بموجب الحدث الناقض للطهارة. فهل المعتبر في الحدث والناقض للطهارة المَخْرَج: كما هو رأي الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى. أو المعتبر الخارج دون المخرج - قليلاً كان أو كثيراً - كما هو رأي الحنفية، وحكي عن أحمد رحمه الله؛ فهذه القاعدة تمثل رأي الحنفية في ذلك، إذ يعتبرون أن العبرة في الناقض هو الخارج دون مَخرَجه. وعند أحمد رحمه الله ينقض النجس الخارج من غير السبيلين إذا كان كثيراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخارج من السبيلين قليله وكثيره ينقض باتفاق. والخارج من غير السبيلين - سواء أكان غائطاً أم بولاً أم دماً فهو ناقض عند الحنفية - سواء قل أم كثر. والراجح عند الحنابلة النقض إذا كان كثيراً (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 76. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 50 - 51.

وهو غير ناقض عند مالك (¬1) والشافعي (¬2) رحمهما الله تعالى؛ لأنه خارج من غير المخرج فلم ينقض كالبصاق؛ ولأنه لا نص فيه. ومنها: إذا سدت مثانة إنسان فسحب بوله بإبرة من بطنه فعند الحنفية والراجح عند الحنابلة تنقض طهارته، وأما عند مالك والشافعي لا تنقض؛ لأنه خارج من غير المخرج. ¬

_ (¬1) الكافي لابن عبد البر ص 151. (¬2) روضة الطالبين جـ 1 ص 183 فما بعدها.

القاعدة الثامنة والتسعون [الغالب والنادر]

القاعدة الثامنة والتسعون [الغالب والنادر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم للغالب. والنادر لا يظهر في مقابلة الغالب. (¬1) وفي لفظ: الحكم يبنى على الغالب دون النادر. (¬2) وفي لفظ: الحكم ينبني على العام الغالب دون الشاذ النادر. (¬3) وفي لفظ: الحكم للغلبية، والمغلوب لا يظهر حكمه مع الغالب. (¬4) وفي لفظ: الحكم يبنى على ما هو الغالب منه المراد منه الأمور. (¬5) وفي لفظ: الحمل على الغالب والأغلب. (¬6) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالغالب والأغلب: هو ما يكثر وقوعه على مقابله وهو أكثر الأَشياء، فالغالب هو الكثير. وهذه القواعد معقولة المعنى حيث إن الأَحكام الشرعية إنما تنبني على الغالب الأكَثري دون القليل النادر، فإن النادر الشاذ في الشرع لا حكم له، بجانب الكثير الغالب. فالمغلوب مغلوب. والأَصل في الشرع حمل الأمور والأَحكام على ما يكثر وقوعه لا على ما يقل ويندر. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1569، المبسوط ج 5 ص 140 (¬2) المبسوط ج 1 ص 68، 77. (¬3) المبسوط جـ 2 ص 2. (¬4) المبسوط جـ 2 ص 54، جـ 5 ص 140. (¬5) شرح السير ص 713. (¬6) المجموع المذهب لوحة 155 ب، المنثور جـ 2 ص 428، الفروق جـ 4 ص 104.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من باع بدراهم أو دنانير أو نقد غير معين ولا موصوف، انصرف ذلك إلى غالب نقد البلد. ومنها: من مَلَك خمساً من الإبل سنة لزمه فيها شاة من غالب شياه البلد أو من أغلبها. ومنها: إبل الدية في مال الجاني - إذا كان القتل عمداً - أو على العاقلة إن كان خطأ يجب من غالب إبل البلد أو من أغلبها. ومنها: من باشر زوجته وليس بينهما ثوب فانتشر لها فعليه الوضوء، استحساناً, لأن الغالب من حال من بلغ في المباشرة هذا المبلغ خروج المذي منه حقيقة، فيجعل كالممذي بناءً للحكم على الغالب. ومنها: نوم المضطجع جعل حدثاً على الغالب لزوال الاستمساك. ومنها: اعتبر سكوت البكر رضاءً لأجل الحياء، بناء على الغالب من حال البكر. ومنها: صلاة المسافر في السفينة قاعداً مع قدرته على القيام, لأن الغالب دوران رأس القائم. وهذا رأي أبي حنيفة رحمه الله، وعند صاحبيه لا يجوز صلاته الفريضة قاعداً مع قدرته على القيام لأن السفينة كالبيت في حق المسافر. ولكن أقول وبالله التوفيق: إذا كانت السفينة صغيرة والراكب لا يحتمل دوار البحر أو كان البحر هائجاً فيقدم رأي أبي حنيفة رحمه الله. وأما إن كانت السفينة كبيرة كسفن هذا العصر، أو كان البحر هادئاً ولا يخشى الراكب الدوار فيجب عليه الصلاة قائماً، كما هو رأي الصاحبين. ومنها: أنه لا يجوز الدخول لدار الحرب بما ينتفع به أهل الحرب في قتال المسلمين كالسلاح والحديد والركائب, لأن ذلك يتقوى به على القتال. وأما ما ليس بسلاح بعينه فإن كان الغالب عليه أنه يراد للسلاح -

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

وقد يراد لغير السلاح - فلا يجوز إدخال ذلك إليهم, لأن الحكم للغالب. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: قالوا: إن بقاء الولد في بطن أمه أربع سنين نادر جداً، وإذا أتت به المرأة هذه المدة من حين فارقت الزوج إما لغيبة أو بطلاق - لحقه - أي نسب الولد للزوج المفارق. ولم تعتبر الغلبة في أمثاله. ومنها: إذا أتت به لستة أشهر ولحظتين من حين الدخول لحق بالزوج مع أن ذلك نادر جداً والغالب خلافه. ولكن الشارع أعمل النادر في هاتين الصورتين ستراً للعباد ورحمة بهم. (¬1) ومنها الغالب على ثياب الصبيان النجاسة - لا سيما مع طول لبسهم لها - والنادر سلامتها وقد جاءت السنة (بصلاته عليه السلام بأمامة يحملها في الصلاة). إلغاء لحكم الغالب وإثباتاً لحكم النادر لطفاً بالعباد. (¬2) ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 155 ب والفروق للقرافي جـ 4 ص 104. (¬2) الحديث عن أبي قتادة - رضي الله عنه - متفق عليه - المنتقى حديث 757.

القاعدة التاسعة والتسعون [الحكم والسبب]

القاعدة التاسعة والتسعون [الحكم والسبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حكم الشيء يعقبه ولا يقترن به (¬1). وقد سبقت تحت رقم 79. وفي لفظ: الحكم لا يسبق سببه. (¬2) ولا أوانه (¬3). وفي لفظ: الحكم متى ظهر عقب سببه يحال عليه. (¬4) وفي لفظ: الحكم ينبني على أصل السبب لا على الأحوال. (¬5) وفي لفظ: الأصل أن الحكم متى ظهر عقيب سبب يحال على ذلك السبب. (¬6) وقد سبقت في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 323. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحكم لا بد وأن يبنى على سبب سابق لوجوده وعلة متقدمة عليه، فوجود الحكم مترتب على وجود السبب، من حيث إن الحكم لا يسبق سببه ولا يقترن به، بل لا بد من تأخره عنه. وإن الحكم متى ظهر أو متى ورد بعد سبب فإنه يحال عليه، أي يبنى عليه ويعتبر علة له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن سرق تقطع يده فالسرقة بشروطها سبب، ووجوب القطع حكم، ولا يمكن أن يقدم القطع على السرقة، ولا الحد على الجريمة. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 17 ص 124. (¬2) نفس المصدر جـ 2 ص 18 وج 30 ص 198. (¬3) نفس المصدر ج 25 ص 147، ج 29 ص 137. (¬4) المبسوط جـ 11 ص 24. (¬5) المبسوط ج 24 ص 89. (¬6) المبسوط جـ 2 ص 51.

ومنها: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث قبل وجود اليمين لأن اليمين بشرط الحنث - سبب للكفارة. ولكن يجوز تقديم الكفارة على الحنث بعد وجود اليمين؛ لأنه يجوز تقديم الحكم على شرطه. ومنها: لا يجوز إخراج الزكاة قبل وجود النصاب. وإن كان يجوز إخراجها قبل الحول بعد وجود النصاب، إذ يجوز تقدم الحكم على شرطه دون سببه. ومنها: إذا رمى صيداً فأصابه، ثم ترك طلبه إلى عمل آخر، ثم طلبه فوجده ميتاً، فعند الحنفية لا يؤكل لاحتمال موته بسبب آخر. وعند أحمد رحمه الله روايتان. (¬1) وعند الشافعي رحمه الله يؤكل لأن الموت يحال على سببه. (¬2) ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ص 16 ق 13. (¬2) عند الشافعي رحمه الله تفصيل المسألة قال في الأم: وإذا رمى الرجل الصيد، أو أرسل عليه بعض المعلمات فتوارى عنه، ووجده قتيلاً، فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قِبل أنه قد يمكن أن يكون قَتَله غير ما أرسل عليه من دواب الأرض. وهذا مثل رأي الحنفية سواء. ثم قال: فإن كان قد بلغ وهو يراه مثل ما وصفت من الذبح - أي قتله الكلب وأنت تراه - ثم تردى فتوارى أكله. ثم قال: وإذا أصابت الرمية الصيد والرامي لا يراه فذبحته أو بلغت به ما شاءت لم يأكله، ووجد به أثر من غيرها أو لم يجده, لأنه قد يقتله ما لا أثر له فيه. الأم جـ 5 ص 477 - 478 ومن هنا أرى أن السرخسي رحمه الله نسب إلى الشافعي رحمه الله ما لم يقله.

القاعدة المئة [تعدي الحكم]

القاعدة المئة [تعدي الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم متى ثبت في حادثة بالنص - وعرف المعنى فيه - تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع. (¬1) أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت حكم في مسألة بعينها بنص شرعي من كتاب أو سنة، وكان هذا النص معللاً وعرفنا علته - وهذا معنى قوله: وعرف المعنى فيه - إذ المراد بالمعنى العلة، أو الوصف المناسب لتشريع الحكم - ففي هذه الحال فإن حكم هذا النص يتعدى بتلك العلة إلى كل مسألة لا نص فيها، وجد فيها تلك العلة. وهذا هو القياس الأصولي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قفيز الطحان (¬2) وما يقاس عليه مثل: من عصر سمسماً أو زيتوناً ¬

_ (¬1) المبسوط ج 15 ص 89. (¬2) من حديث سفيان الثوري عن هشام أبي كليب عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان "رواه الطحاوي في مشكل الآثار ج 1 ص 307، والدارقطني جـ 3 ص 47، والبيهقي جـ 5 ص 339. وفي رواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان" وقال الذهبي في الميزان "إن هذا الحديث منكر" لأنه فيه هشام أبو كليب وهو غير معروف. ولكن ذكره ابن حبان في الثقات - وقد سكت الذهبي نفسه عن الحديث في كتاب المهذب مختصر سنن البيهقي فلم يتعقبه بشيء - ينظر: الهداية في تخريج أحاديث البداية جـ 7 ص 466 - 468

بجزء منه، أو ذبح شاة بشيء من لحمها، فلا يجوز قياساً على قفيز الطحان. والمراد بقفيز الطحان: أحد أمرين: إما أن يقول صاحب الحب للطحان: اطحن بكذا وكذا بزيادة قفيز من نفس الطحن. وإما أن يطحن الصبرة لا يعلم مكيلها بقفيز منها. (¬1) ومنها: من أعطى حائكاً قطناً أو صوفاً ينسجه بقطعة منه، فهذا لا يجوز قياساً على قفيز الطحان. ومنها: قياس الأموال الربوية كالأرز والذرة والدخن وغيرها على الأَصناف التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي الذهب والفضة والبر والتمر. الحديث. لوجود العلة وهي الوزن في الذهب والفضة، والكيل في البر وأخواته، أو الطعم والادخار. ¬

_ ، ونصب الراية جـ 4 ص 140 وتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير جـ 3 ص 60. (¬1) تلخيص الحبير جـ 3 ص 60.

القاعدة الواحدة بعد المئة [الحكم المطلق]

القاعدة الواحدة بعد المئة [الحكم المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم المطلق لا يزيله إلا الذي أثبته (¬1). وهو الشرع. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحكم المطلق: الحكم العام الذي حكم به الله عَزَّ وَجَلَّ بالحل والحرمة، دون تقييده بمسألة جزئية أو عين مخصوصة أو حالة معينة. مثل: حل البيع وحرمة الربا الثابت بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬2). وقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (¬3). ففي هاتين الآيتين أحكام كلية ثابتة. فمفاد القاعدة: أن الأحكام الكلية الثابتة لا ينسخها إلا حكم من الله سبحانه وتعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوج رجل من امرأة معينة. فهذه مسألة جزئية أثبتها المكلف؛ لأنه هو الذي اختار هذه المرأة بالذات لتكون زوجة له دون غيرها. ولكن كون هذه المرأة حلال هذا الزوج حراماً على غيره من الرجال لم يشرعها ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 202. (¬2) الآية 275 من سورة البقرة. (¬3) الآية 3 من سورة النساء.

الشرع شرعاً جزئياً، وإنما شرعها شرعاً كلياً وحكم الشارع الكلي ثابت سواء وجد هذا الزوج المعين أم لم يوجد. ومنها: إذا اشترى عيناً فالشارع أحلَّها لهُ وحرَّمها على غيره؛ لإثباته سبب ذلك الملك الثابت بالبيع، ولم يحرم الشارع عليه رفع ذلك فله أن يرفع ما أثبته في هذه العين المقيدة على أي وجه أحب ما لم يحرمه الشارع عليه.

القاعدة الثانية بعد المئة [الحكم - السبب]

القاعدة الثانية بعد المئة [الحكم - السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم يبنى على السبب (¬1) وفي لفظ: الحكم يثبت بالسبب. (¬2) وفي لفظ: السبب يسبق الحكم. (¬3) وتأتي في قواعد حرف السين إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: القضاء بإعتبار السبب. (¬4) وتأتي في قواعد حرف القاف إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحكم مسبب. ولا بد لكل حكم من سبب، سواء أكان ذلك الحكم تعبدياً أم غير تعبدي. ولا بد أن يسبق السببُ الحكمَ - كما تقدم بيانه - لابتنائه عليه، ولأن السبب يسبق وجوده المسبب عقلا وعادة وشرعاً. فلا يمكن أن يسبق المسبب سببه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الحدث ناقض للطهارة. فالنقض مسبب عن الحدث، والحدث ¬

_ (¬1) المبسوط ج 27 ص 137، 153، وج 5 ص 198، ج 25 ص 135. (¬2) المبسوط ج 28 ص 10. (¬3) نفس المصدر. (¬4) نفس المصدر ج 27 ص 136.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وبني الحكم على الشرط لا السبب

سبب، ولا يمكن أن يثبت النقض قبل الحدث. ومنها: سبب وجوب الصلاة الوقت، فلا يمكن أن تقع صلاة صحيحة قبل دخول وقتها. ومنها: دخول رمضان سبب الصوم، ولا يمكن أن يسبق الصوم شهر رمضان ويكون فرضاً عنه. ومنها: القتل العمد العدوان سبب للقصاص، ولا يمكن أن يثبت القصاص قبل القتل. ومنها: النصاب سبب لوجوب الزكاة فلا يمكن أن يثبت الوجوب قبل وجود النصاب. ومنها: العقد سبب حِلَّ البدلين، فلا يجوز أن يسبق الحِلُّ العقد. ومنها: عقد النكاح سبب حل الاستمتاع بين الزوجين فلا يحل الاستمتاع قبل العقد. ومنها: الطلاق سبب الفرقة فلا تكون الفرقة قبل الطلاق أو قَبْل سبب موجب لها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وبني الحكم على الشرط لا السبب: إذا حفر إنسان بئراً في طريق العامة فسقطت فيها دابة أو إنسان. فعلى الحافر قيمتها ودية الإنسان، وإن لم يكن مباشراً, لأن الحافر بفعله أزال ما يمسك الدابة أو الإنسان على سطح الأرض، وإزالة المستمسَك شرط الوقوع. والسبب هو ثقل الماشي نفسه، لكن لا يمكن إضافة الحكم إليه لأنه ليس من صنعه، فأضيف الحكم إلى الشرط مجازاً، وهو إزالة المسكة

بالحفر. (¬1) ولكن يمكن أن يستدرك فيقال: إلا إذا ثبت أن الساقط قد ألقى بنفسه في البئر إذا كان إنساناً. أو أن الحافر قد فعل كل ما في وسعه لينبه السائرين على وجود البئر أو الحفرة، وأنه قام بتنفيذ ما طلبت منه الجهات المعنية لكي يسمحوا له بالحفر في الطريق العامة. ففي هاتين الحالتين لا يتحمل الحافر خطأ غيره. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 27 ص 14 - 15 بتصرف.

القاعدة الثالثة بعد المئة [الحكم - الحاجة]

القاعدة الثالثة بعد المئة [الحكم - الحاجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم يثبت بحسب الحاجة. (¬1) وفي لفظ: الحكم مع الحاجة يخالف الحكم مع عدم الحاجة. (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: إن ثبوت الأحكام الشرعية إنما يكون مقدراً بالحاجة إلى ذلك الحكم - أي في دائرته التي يمكن أن يظهر فيما نفوذه ولا يتعداها إلى خارجها. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال لزوجته: إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك. فقالت: حضت. فالقياس أن يقع الطلاق عليها وعلى فلانة معها؛ لأن قولها: حضت. حجة تامة فيما لا يعلمه غيرها، فيكون ثبوت هذا الشرط كثبوت شرط آخر بالبينة أو بتصديق الزوج. ولكن قالت الحنفية: إنه لا يقع على الأُخرى شيء حتى يعلم أنها قد حاضت؛ لأن في ذلك حق الضرة، وهي ما سلطتها ولا رضيت بخبرها في حق نفسها. ومنها: الملك المستحق إذا ثبت بإقرار المشتري لم يرجع على البائع بالثمن, لأنه اشتراه وهو يعلم أنه مستحق، فبإقراره أثبت حق المستحق للمبيع، ولا يُلزم إقراره البائع بإرجاع الثمن, لأن الإقرار حجة قاصرة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 104. (¬2) القواعد النورانية ص 80.

على المقر ولا تتعداه إلى غيره. ومنها: إذا شهد امرأتان ورجل بالسرقة، ثبت المال لصاحبه ولم يثبت القطع؛ لأن الحدود لا يقبل فيها شهادة النساء. فقبلت شهادتهن بالمال دون القطع؛ لأن الحكم بحسب الحاجة. ومنها: إذا كان الإِمام يعتقد طهارته وكان محدثاً أو جنباً فهو معذور في الإمامة والمأموم معذور في الائتمام على قول مالك وأحمد وغيرهما، ولكن على الإِمام الإِعادة لأنه مخطئ في الاعتقاد فخطؤه عليه فيعيد. وأما المأمومون فصلاتهم صحيحة، إذ لهم هذه الصلاة وليس عليهم من خطأ الإِمام شيء؛ لأن حكم الصلاة مع الحاجة يخالف حكمها مع عدم الحاجة. ومنها: تحصيل الجماعة في صلاة الخوف والمرض ونحوهما مع استدبار القبلة والعمل الكثير ومفارقة الإمام، ومع ترك المريض القيام أولى من أن يصلوا وحداناً. (¬1) ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 77.

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة بعد المئة

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة بعد المئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم إذا حصل عقيب علل يضاف جميعه إلى كل علة. (¬1) وفي لفظ: الحكم لا يثبت بدون سبب. (¬2) وفي لفظ: الحكم متى ظهر عقيب سبب ظاهر يحال به على ذلك السبب. (¬3) وفي لفظ: الحكم يثبت بحسب العلة. (¬4) وفي لفظ: الحكم يضاف إلى السبب دون المحل. (¬5) وفي لفظ: الحكم يضاف إلى علته حقيقة وإلى الشرط مجازاً. (¬6) وفي لفظ: الحكم يضاف إلى الشرط مجازاً عند تعذر إضافته إلى السبب. (¬7) وفي لفظ: يضاف الحكم إلى الشرط عند عدم صلاحية العلة لذلك. (¬8) وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. وفي لفظ: إنما يثبت الحكم بثبوت السبب. (¬9) وقد سبقت في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 642. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 26 ص 128. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 155. (¬3) المبسوط ج 17 ص 80. (¬4) المبسوط ج 13 ص 102. (¬5) المبسوط جـ 6 ص 156. (¬6) المبسوط ج 17 ص 11، والتحرير ج 1 ص 943 عن القواعد والضوابط ص 487. (¬7) المبسوط ج 27 ص 14. (¬8) المبسوط ص 27 ص 51. (¬9) المبسوط جـ 9 ص 196.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: إنما يضاف الحكم إلى الشرط إذا تعذر إضافته إلى السبب. (¬1) [الحكم - السبب - العلة - الشرط] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تنقسم إلى قسمين، الأول: مفاده أن الحكم إنما يضاف ويحال إلى سببه وعلته كما تقدم في أكثر من قاعدة. وهذا مدلول القواعد الخمس الأولى مع التاسعة. والقسم الثاني: مفاده: أن الحكم إذا لم يصلح إضافته إلى العلة والسبب وتعذر ذلك السبب بسبب من الأسباب، فإنما يحال به على الشرط، وتكون إضافة الحكم إلى الشرط على طريق المجاز, لأن الحقيقة إضافته إلى سببه وعلته لا إلى شرطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من طلق زوجته في مرض موته - القياس أن لا ترث؛ لأن سبب الإِرث انتهاء النكاح بالموت ولم يوجد؛ لارتفاعه بالتطليقات، أو نقول: إن سبب الإِرث الزوجية مع الموت وقد انتفت بالطلاق البائن قبل الوفاة. ولكن ورثت هنا استحساناً لأن الصحابة رضوان الله عليهم قد اتفقوا على ذلك. من حق هذا المثال أن يكون استثناءً من القواعد؛ لأن سبب الإرث وهو الزوجية مع الموت قد انتفى بالطلاق الثلاث. فالحكم لم ينبن على سببه ولا على شرطه، بل بني على خلاف قصد المريض من باب: من استعجل الشيء قبل أوانه يعاقب بحرمانه. ومن باب المعاملة بنقيض ¬

_ (¬1) المبسوط ج 27 ص 100.

المقصود الفاسد. ومنها: إذا اشترى ثوبين ثم وجد أحدهما معيباً، فله رد المعيب وحده دون الثاني. لأن الحكم يثبت بحسب العلة، وحكم الرد ثبت في المعيب دون السليم. ومنها: إذا أقام اثنان البينة على أن هذا الغلام هو ابن هذا الرجل من امرأته هذه، قضي بنسبه لذي اليد من امرأته المشار إليها إن جحدت هي ذلك؛ لأن السبب هو الفراش القائم بينهما. لكن بشرط أن يكون عمر الغلام مناسباً لوقت زواج الرجل بتلك المرأة. ومنها: إذا شهد شاهدان أن رجلاً حلف أن يعتق عبده إن دخل هذه الدار. وشهد آخران أنه قد دخلها. وقضى القاضي بعتقه. ثم رجع الشهود عن شهادتهم. فيضمن شهود اليمين قيمة العبد دون شهود الدخول؛ لأن شهود اليمين هم العلة في العتق. وشهود الدخول شهدوا على الشرط. وإضافة الحكم إلى الشرط مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة. بل متى كانت العلة صالحة لإضافة الحكم إليها لا يضاف شيء إلى الشرط. ومن أمثلة إضافة الحكم إلى الشرط دون السبب لعدم صلاحية السبب. من حفر بئراً في الطريق ووضع عليه حاجزاً وإشارات تنبه المارين إليه فجاء إنسان ورفع الحاجز أو أزال الإشارات فوقع في البئر إنسان أو دابة، فالضامن هو رافع الحاجز لا الحافر مع أن الحافر سبب ورافع الحاجز شرط.

القاعدة السابعة بعد المئة

القاعدة السابعة بعد المئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم يبنى على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقة الحال فيه. (¬1) وفي لفظ: البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقة جائز. (¬2) وقد سبق في قواعد حرف الباء تحت رقم 56. وفي لفظ: الحكم يبنى على الظاهر. (¬3) وفي لفظ: الحكم ينبني على الظاهر ما لم يتبين خلافه. (¬4) وفي لفظ: الأصل البناء على الظاهر واستصحاب الحال ما لم يعلم خلافه (¬5). وقد سبقت في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 430 وفي لفظ: الحكم بالظاهر واجب عند تعذر الوقوف على الحقيقة. (¬6) وفي لفظ: عند المنازعة يجعل القول قول من يشهد له الظاهر (¬7) - مع يمينه. وتأتي في حرف قواعد حرف العين إن شاء الله. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 205، 336، 359، 559. (¬2) نفس المصدر ج 1 ص 292. (¬3) نفس المصدر 342. (¬4) المبسوط ج 13 ص 141. (¬5) المبسوط ج 16 ص 16, 53. (¬6) المبسوط ج 17 ص 130. (¬7) المبسوط ج 16 ص 19.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها

[الحكم - الظاهر] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد سبق مثل هذه القواعد ضمن قواعد حرف الباء تحت رقم 56 ج 3 ص 80.

القاعدة الثامنة بعد المئة [البناء على القصد دون اللفظ].

القاعدة الثامنة بعد المئة [البناء على القصد دون اللفظ]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحكم يبنى على المقصود ولا ينظر إلى اختلاف العبارة بعد اتحاد المقصود (¬1). وفي لفظ: العبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ. (¬2) وتأتي في حرف العين إن شاء الله. وفي لفظ: إنما ينبني الحكم على ما هو المقصود. (¬3) وقد سبقت في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 641. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الأَحكام إنما تنبني على مقصود المتعاقدين ونياتها، ولا ينظر إلى اختلاف العبارة مع اتحاد المقصود. إلا إذا لم يمكن الوقوف على المقصود فتحكم العبارة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال لآخر: وهبتك هذه السيارة بعشرة آلاف. كان هذا بيعاً، وإن جاء بلفظ الهبة, لأن ذكر العوض دليل على أن المقصود هو البيع لا الهبة. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 22 ص 21. (¬2) نفس المصدر ج 12 ص 23. (¬3) نفس المصدر ج 23 ص 198.

القاعدة التاسعة بعد المئة [إضافة الحكم للمحل]

القاعدة التاسعة بعد المئة [إضافة الحكم للمحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكم يضاف إلى المحل عند تعذر إضافته إلى السبب. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأَصل إضافة الأحكام إلى أسبابها - كما سبق قريباً - ولكن قد يتعذر إضافة الحكم إلى السبب فيضاف إلى الشرط - كما سبق أيضاً، لكن مفاد قاعدتنا هذه أن الحكم إذا تعذر إضافته إلى سببه أو شرطه بأن كان السبب سماوياً ليس بفعل أحد من البشر أو جهل الفاعل، فإن الحكم حينئذ يضاف إلى محله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القسامة عند عدم معرفة القاتل هي أَيْمان تضاف إلى أهل المحلة التي وجد القتيل بها بين أظهرهم. فيطلب أن يحلف خمسون منهم: ما قتلناه ولا نعلم له قاتلاً. ومنها: إذا اختلط حنطة مع شعير لمالكين مختلفين - وكان الخلط بغير صنع أحد - فإن المخلوط هنا هالك لصعوبة الفصل، إلا أنه لا ضامن له فيكون لأقرب الناس إليه وهما المالكان قبل الخلط، فيقتسمان المخلوط لبقاء عين كل واحد حقيقة، وتعيب بعيب الشركة، ولا ضامن المخلوط. بخلاف فعل الغاصب؛ لأن الغاصب في هذه الحالة ضامن لكل منهما مثل حبه حنطة أو شعيراً. ولكن في مسألتنا هذه إذا كان ثمن الحنطة ضعف ثمن الشعير أليس من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 92.

العدل أن يضمن صاحب الشعير لصاحب الحنطة خسارة حنطته التي أخذها بسبب نقصان ثمن الشعير المختلط ببره؟ ومنها: إذا اختلطت أغنام لشخصين وليس هناك علامة مميزة لكل قطيع منهما وكان عدد كل قطيع مساوِ للآخر، فيقتسمان بالعدد. وهكذا كل ما خلط لا بفعل أحد وتعذر التمييز، كاختلاط الزيوت بعضها ببعض مع اختلاف أنواعها.

القاعدة العاشرة بعد المائة [الحكمة]

القاعدة العاشرة بعد المائة [الحكمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحكمة تراعى في الجنس لا في الافراد. (¬1) أي حكمة الحكم ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حكمة الحكم: أي المعنى الذي لأجله شرع الله عَزَّ وَجَلَّ الحكم. فمفاد القاعدة: أن هذا المعنى الشرعي يجب مراعاته في جنس المحكوم فيه - وهو الشيء الذي ورد فيه حكم الشارع بالحل أو التحريم أو الوجوب أو الكراهة أو الندب، أو الرخصة، ولا يجوز مراعاة هذه الحكمة ووجودها في الأَفراد؛ لاختلاف الأَحوال، وعدم الانضباط لو روعيت في الافراد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحكمة في جواز الفطر وتأخير الصوم وجواز القصر في السفر هي المشقة، وهي تراعى في ذات السفر لا في المسافرين، وفي ذات المرض لا في المرضى. ومنها: أن الله عَزَّ وَجَلَّ حرم الخمر لإسكارها، ولما تسببه من مفاسد جمة، فلا يأتي إنسان ويقول: أنا أشرب الخمر فلا أسكر، أو لا يصدني الخمر عن الصلاة، أو غير ذلك، فتكون مباحة لي حيث إن الحكمة في حقي منتفية. فنقول لا يجوز ذلك لأن الحكمة تراعى في الجنس، فالخمر جنس مسكر ومفسد وإن لم يسكر من بعضه بعض الناس، فهو حرام للحكمة العامة. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 38.

القاعدة الحادية عشرة بعد المائة [شرط الحل]

القاعدة الحادية عشرة بعد المائة [شرط الحل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حل الوطء لا يكون إلا بملك. (¬1) (أي كامل). وفي لفظ: قيام الملك في المحل شرط منصوص للحل. (¬2) وتأتي في حرف القاف إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاعدة الأولى أخص من الثانية، والثانية أعم، حيث أن الأولى موضوعها حل الوطء فقط، وتفيد أن حل الوطء للزوجة أو للأمة لا يكون إلا بملك كامل للبضع. فالأَمة المشتركة لا يجوز لأحد الشريكين وطؤها؛ لأن ملك كل واحد منهما ليس كاملاً، إذ كل واحد يملك نصفها مشاعاً. وإذا وطئ أحدهما الأَمة فعليه تعويض شريكه ثمن نصيبه منها ويتملكها. وأما الزوجة فلا يتصور فيها الشركة، ولكن لو كان العقد فاسداً فلا يحل له وطؤها لعدم خلوص ملك البضع. وأما القاعدة الثانية فموضوعها أعم حيث اشترطت قيام الملك في المحل مطلقاً فيشتمل ذلك الأَبضاع وغيرها. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: كما سبق في الشرح أن الأَمة المشتركة لا يجوز لأحد الشريكين وطؤها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 173. (¬2) نفس المصدر جـ 10 ص 202.

لعدم الملك الكامل لكل منهما. ومنها: من ملك شقص عبد لا يجوز بيعه كله أو عتقه إلا برضاء شريكه وإلا كان ضامناً. ومنها: إذا كانت أرض أو دار أو سيارة بين شركاء فلا يجوز لأحدهم بيعها ولا إجارتها إلا برضاء باقي الشركاء، وإلا كان ضامناً؛ لعدم خلوص الملك له.

القاعدة الثانية عشرة بعد المائة [اجتماع الحل والحرمة]

القاعدة الثانية عشرة بعد المائة [اجتماع الحل والحرمة ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحل والحرمة إذا اجتمعا في المحل يترجح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنه عند اجتماع الحل والحرمة في أمر واحد ولا مرجح لأحدهما، فيجب ترجيح جانب الحرمة ابتداء وانتهاء لأنه الأَحوط للدين. وقد سبق لهذه القاعدة أمثال في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 257 - 260. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 90.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة [الحل والحرمة - الاحتياط]

القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة [الحل والحرمة - الاحتياط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحل والحرمة مبني على الاحتياط. (¬1) وفي لفظ: الاحتياط في باب الحرمة واجب. (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الحل والحرمة حكمان شرعيان، فلا حلال إلا ما أحله الشرع، وقام الدليل على حله، ولا حرام إلا ما حرمه الشرع وقام الدليل على تحريمه. فما لم يقم الدليل الراجح على الحل والحرمة - واشتبه الأمر - فالأَصل التوقف، والبناء على الأَحوط للدين، والأَصل تغليب جانب الحرمة كما سبق في أكثر من قاعدة. وأما إذا لم يقم دليل على حل الشيء أو حرمته، فهو من المسكوت عنه والأَرجح فيه الحل ما لم يثبت ضرره. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا شك في أن هذه المرأة التي يريد الزواج منها قد أرضعت معه، فالأَحوط للدين تركها، والزواج من غيرها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا اشتبهت أخته بنساء أهل مصر جاز له الإقدام على النكاح من نساء ذلك المصر والمراد بالمصر - المدينة الكبيرة - ولا يحتاج إلى التحري. (¬3) ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 87. (¬2) المبسوط ج 30 ص 256. (¬3) قواعد ابن رجب ق 106 ص 256.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائة [الحل والحرمة]

القاعدة الرابعة عشرة بعد المائة [الحل والحرمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحل والحرمة من حق الشرع (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما سبق إن الحل والحرمة حكمان شرعيان والحل: التحليل أي جعل الشيء حلالاً مباحاً لفاعله. والحرمة: التحريم أي جعل الشيء حراماً محظوراً وممنوعاً على فاعله. وهذان الحكمان من أهم الأحكام التي تتعلق بحياة الإنسان ليعيش آمناً مطمئناً على نفسه وماله وعرضه وعقله ودينه. ولذلك لم يكل الله عز وجل التحريم والتحليل لأحد من خلقه. فالله سبحانه وتعالى هو المشرع الحقيقي، هو الذي يحل وهو الذي يحرم، في كتابه أو على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصاً أو دلالة. فليس لأحد من البشر حق التحليل والتحريم - ولذلك فإن الله عَزَّ وَجَلَّ ذم الذين يحلون ويحرمون بغيرِ إذنه وشرعه فقال سبحانه ذاماً لهم: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}. (¬2) وقال سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 151. (¬2) الآية 116 من سورة النحل.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (¬1) وقد ذم الله سبحانه الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله. فمفاد القاعدة: أن التحليل والتحريم من حق الشرع لا من حق غيره، فمن أحل أو حرم خلافاً لشرع الله فهو مذموم مستحق للعقاب الشديد والعذاب الأليم؛ لأنه أقام نفسه مشرعاً مقام الله العزيز الحكيم. وقد ذم الله سبحانه وتعالى الذي اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، (¬2) إذ كانوا يحلون ويحرمون بغير ما أنزل الله، ولا زالوا كذلك ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قد حرم الله عَزَّ وَجَلَّ الربا في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد بعد ذلك كائناً من كان أن يحكم بغير حكم الله ويحل الربا بأي حجة مهما كانت. ومنها: قد حرم الله سبحانه وتعالى الزنا واللواط والسرقة وشرب الخمر فليس لبشر بعد ذلك أن يحل ما حرم الله سبحانه، ويسميه بغير اسمه، وإلا فهو واقع تحت وعيد الله سبحانه حيث يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬3) ومنها: لا يجوز للحاكم المسلم الذي يحكم بشرع الله أن يفرض على ¬

_ (¬1) الآية 59 من سورة يونس. (¬2) في الآية 31 من سورة التوبة. (¬3) الآية 19 من سورة النور.

المسلمين من غير بلده الجزية مقابل سكناهم في بلده ويسميها بغير اسمها. ومنها: لا يجوز للحاكم المسلم أن يحرم على المسلمين من غير سكان بلده ما أحله الله لهم من حرية السكنى والعمل ما داموا يُحكَمون بشرع الله الذي يجب تطبيقه على الجميع على السواء، دون تفرقة بين مسلم ومسلم بحجة المواطنة أو غيرها؛ لأن المسلم هو مواطن في أي مكان في أرض الإِسلام.

القاعدتان الخامسة عشرة بعد المائة والسادسة عشرة بعد المائة [الحلال والحرام - المشتبه - ما يريب]

القاعدتان الخامسة عشرة بعد المائة والسادسة عشرة بعد المائة [الحلال والحرام - المشتبه - ما يريب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الأولى: الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات (¬1) والثانية: "فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" (¬2). (¬3) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذان حديثان نبويان كريمان: أولهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، ونصه متفق عليه. والحديث الأول جزء من حديث قيل إنه ثلث الإِسلام. والمراد بالمشتبهات: المسائل التي لم يعرف حلها ولا حرمتها، إما لتعارض الأَدلة فيها، أو ما اشتبه بالحرام الذي قد صح تحريمه. وليس من المشتبهات ما سكت عنه الشرع، بل الصحيح حله لعموم الأَدلة. وثانيهما: حديث أخرجه البخاري عن حسان بن أبي سنان (¬4)، ¬

_ (¬1) صحيح البخاري - كتاب البيوع باب 2. (¬2) سنن الترمذي مع عارضة الأحوذي جـ 9 ص 321. أبواب صفة القيامة. (¬3) المبسوط ج 16 ص 5، 65. (¬4) حسان بن أبي سنان البصري صدوق عابد من السادسة. تقريب التهذيب ج 1 ص 161 ترجمة 233 وقد فسر المشتبهات بقوله: ما رأيت شيئاً أهون من الورع: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. البخاري كتاب البيوع باب 3 تفسير المشتبهات.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

وهو عند الترمذي من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما - وقال عنه: حديث حسن صحيح. والمراد بما يريبك: أي ما تشك في حله فدعه إلى ما اتضح حله وتيقنت منه. وقد ساق السرخسي رحمه الله الحديثين مساقاً واحداً وكأنه ساق الثاني تفسيراً للأول. فمفاد الحديثين: أن البعد عن الأمور المشتبهة والتي فيها ريبة وشك ولم يتيقن من حلها هو الطريق إلى براءة الذمة؛ لأن من أتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اشتبهت شاتان مذبوحتان مسلوختان إحداهما مذكاة والاخرى غير مذكاة وجب البعد عنهما. لأن إحداهما محرمة عيناً - وهي الميتة - والاخرى لأجل الاشتباه. ومنها: إذا تزوج امرأة، ثم أخبر أنها أخته من الرضاعة - وإن كان الخبر من واحد - فلبراءة الذمة واستبراء الدين والعرض عليه مفارقتها. ومنها: إذا شك في انتهاء عدة المطلقة رجعياً فلا يجوز له مراجعتها، لأن الحكم بسقوط الرجعة يؤخذ فيه بالاحتياط. (¬1) ومنها: إذا أراد الحاكم المسلم أن يصدر نظاماً أو قانوناً ينظم به بعض أحوال الناس وشك في أن هذا النظام يعارض أمراً شرعياً بالحل أو التحريم، فيجب عليه أن لا يصدره استبراء لدينه وحفاظاً على شرع الله أن تنتهك حرماته. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 28 - 29.

القاعدتان السابعة عشرة والثامنة عشرة بعد المائة [دليل الحلال والحرام]

القاعدتان السابعة عشرة والثامنة عشرة بعد المائة [دليل الحلال والحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحلال ما لم يدل دليل على تحريمه. عند الشافعي رحمه الله والحلال ما دل الدليل على حله. عند أبي حنيفة رحمه الله. (¬1) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: عند الشافعي رحمه الله: إن حكمنا على الشيء بأنه حلال إذا لم يقم دليل على تحريمه، فالأَصل عنده الحل، والتحريم إخراج من الحل، فكل ما لم يقل دليل على تحريمه فهو الحلال اتباعاً للأصل. وأما عند أبي حنيفة رحمه الله: فالحلال عنده هو ما قام الدليل على أنه حلال، فالأَصل عنده التحريم، فالحل عنده يدور على وجود دليل الحل لا انتفاء دليل التحريم. وأنكر الحنفية نسبة ذلك إلى أبي حنيفة رحمه الله (¬2). وقد سبق مثل هذه القواعد في قواعد حرف الهمزة تحت 441. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إن المسكوت عنه في الشرع الذي لم يرد دليل على حله ولا على تحريمه - كالزرافة - مثلاً، فعند الشافعي رحمه الله - بناء على قاعدته - هي حلال، لعدم قيام الدليل على تحريمها. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 2 ص 70، أشباه السيوطي ص 60، وأشباه ابن نجيم ص 66. (¬2) ينظر أشباه ابن نجيم ص 66.

وأما عند أبي حنيفة رحمه الله - بناء على القاعدة المنسوبة إليه فهي حرام؛ لأنه لم يقم دليل على حلها. ولكن الراجح عند الفريقين - الحنفية والشافعية - ومعهم المالكية والحنابلة - أن الراجح في المسكوت عنه الحل، لعموم الأدلة. (¬1) ¬

_ (¬1) ينظر الوجيز ص 191 ط 4.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة [الحلف]

القاعدة التاسعة عشرة بعد المائة [الحلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الحلف على الشيء مشروط بإمكانه (¬1). أي إمكان وقوعه وعدم وقوعه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة شبه متفق على مضمونها بين الفقهاء ومفادها: أن الأَيمان مبنى احتمالها للحنث وعدمه هو إمكان وقوع المحلوف عليه عادة. ولذلك قالوا: إن اليمين المكفرة إنما تكون على أمر مستقبل ممكن الوقوع عادة. فاليمين أنواع: منها يمين على أمر ماض. فإن كان صادقاً فهو بارٌ في يمينه، وإن كان كاذباً مع تعمد الكذب فهي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله تعالى. ومنها: أن يحلف على أمر ماض وهو يظن صدقه - ولم يتعمد الكذب فيه - ثم يتبين أنه على خلاف ما حلف، فليس عليه شيء إن شاء الله تعالى. ومنها: أن يحلف على أمر مستقبل مستحيل الوقوع عقلاً أو عادة، فالجمهور على أنه لا يحنث واليمين تعتبر لغواً لعدم إمكان البر. وأما عند أبي يوسف رحمه الله فيرى أن الحلف على أمر مستقبل - سواء كان مستحيل الوقوع أو ممكناً فهي يمين منعقدة، ويحنث في الحال إذا حلف على أمر مستحيل. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 86، الفرق 134.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حلف لا يأكل هذا الطعام ثم أكله، فقد حنث وعليه كفارة يمين. ومنها: حلف أن لا يدخل هذا البيت أو لا يعمل هذا العمل ثم دخل البيت وعمل العمل، فهو حانث وعليه الكفارة. وأما إذا حلف ليشربن ما في هذه الكأس من الماء، فإذا الكأس فارغة لا ماء فيها - وهو لا يعلم - فعند الجمهور أنه لا يحنث؛ لأن يمينه غير منعقدة, لأن يمينه على أمر غير ممكن في العادة. وعند أبي يوسف يحنث. ومنها: إذا حلف ليقتلن فلاناً، فإذا هو ميت، وهو لا يعلم بموته - حنث عند أبي يوسف رحمه الله. ولم يحنث عند الجمهور؛ لأن المحلوف عليه غير ممكن الوقوع. لأن الميت لا يقتل.

القاعدة العشرون بعد المائة [الحلف]

القاعدة العشرون بعد المائة [الحلف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الحلف في طرف الثبوت على البت وفي النفي على العلم. (¬1) وفي لفظ: كل من حلف على فعل نفسه حلف على البت نفياً كان المحلوف عليه أو إثباتاً، ومن حلف على فعل غيره، فإن كان على إثبات حلف على البت أيضاً، وإن كان على نفي فيحلف على نفي العلم. (¬2) وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاعدة الأولى مجملة والثانية مفصلة. ومفادهما: أن من توجه عليه اليمين في المحكمة - وهو المدعى عليه - إن كان المحلوف عليه من فعل نفسه ويراد باليمين إثباته أو نفيه فيكون حلفه على البت أي القطع والجزم بأنه فعل أو لم يفعل، وكذلك إذا كان يراد باليمين الحلف على فعل غيره مثبتاً له فيحلف على البت أيضاً. وأما إذا كان على نفي فعل غيره فيكون حلفه بأنه لا يعلم. أي على نفي علمه بالواقعة. وقد سبق مثل هاتين القاعدتين في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 312 - 313. ¬

_ (¬1) المنثور ج 1 ص 90 - 91. (¬2) المجموع المذهب لوحة 377 أ.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة [أمور المسلمين - فعل المسلم]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة [أمور المسلمين - فعل المسلم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حمل أمور المسلمين على الصحة واجب. (¬1) وفي لفظ: حمل فعل المسلم على الصحة والحل واجب ما أمكن. (¬2) وفي لفظ: فعل المسلم محمول على ما يحل شرعاً (¬3). وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الأصل في المسلم - كفرد وفي المسلمين - كجماعة - أن تكون أفعالهم وأقوالهم مراعى بها قواعد الشرع وأحكامه، فلا يجوز حمل فعل مسلم أو كلام تكلم به على غير وجه شرعي صحيح دون دليل؛ لأن حسن الظن بالمسلمين واجب، وقد أمرنا بإحسان الظن بأهل القبلة، فلا يجوز إساءة الظن بالمسلم إذا فعل فعلاً أو قال قولاً، ونحن نجد لفعله أو كلامه وجهاً شرعياً صحيحاً نحمله عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا رأينا مسلماً يسير مع امرأة أو يخاطبها، فلا يجوز لنا أن نسيء الظن بهما أو نحاول التجسس عليهما لنتأكد من صلة هذا الرجل بهذه ¬

_ (¬1) المبسوط ج 17 ص 85. (¬2) نفس المصدر ج 17 ص 62. (¬3) المبسوط جـ 30 ص 140.

المرأة، ما لم تقم قرينة قوية على سوء الظن. ومنها: إذا قال لآخر: افتح باب داري هذه، أو أعطني كتابي هذا، فقال المخاطب: نعم، وفعل ما طلب منه، كان قوله: نعم. إقراراً بالملكية بالدار والكتاب للمخاطب؛ وذلك أن نعم - غير مفهوم المعنى بنفسه، فكان محمولاً على الجواب، ولأنه لو لم نحمله على الجواب لصار لغواً، وكلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولا يحصل على اللغو إلا إذا تعذر حمله على الصحة.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المائة [التبادر]

القاعدة الثانية والعشرون بعد المائة [التبادر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: حمل اللفظ إلى ما يتبادر إلى الذهن أولى. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بقاعدتين: الأولى: قاعدة: الأصل في الكلام الحقيقة؛ لأن عند الاطلاق إنما المتبادر إلى ذهن المخاطب هو المعنى الحقيقي للكلمة دون المعنى المجازي، والثانية: قاعدة العرف أو العادة محكمة. فإنه عند الإطلاق وبخاصة في باب الأَيمان، فإِنما يحمل كلام المتكلم الحالف على معنى الكلمة وإطلاقها العرفي دون اللغوي. فمفاد القاعدة: أن حمل لفظ المتكلم على المعنى الذي يسبق إلى ذهن المخاطب ويتبادر إليه هو أولى وأجدر بالقبول من حمله على معنى يحتاج إدراكه إلى أعمال فكر وتروِ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف لا يأكل من هذه الشجرة، فإنه يحمل الأكل على ما يخرج من ثمرها وإنتاجها دون خشبها, لأن المتبادر هو الثمر والإنتاج حسب العادة، ولا يحمل على خشبها. - وهي حقيقة الأَكل منها - لأن هذا معنى مهجور لتعذره أو تعسره وعدم استعماله. ومنها: إذا حلف أن يصلي. فيحمل على الصلاة الشرعية ذات ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 274.

الأَركان - لا على الدعاء - لأن المعنى الشرعي هو الحقيقة المتبادرة إلى الذهن عند إطلاق لفظ الصلاة. ومنها: إذا حلف ليصومن، فلا يبر إلا إذا صام صوماً شرعياً بنيته، ومن الفجر إلى غروب الشمس, لأنه هو المتبادر من لفظ الصيام.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائة [اللفظ العام]

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائة [اللفظ العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: حمل اللفظ العام على سببه دون عمومه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اللفظ العام: هو اللفظ الدال على متعدد دفعة واحدة من غير حصر. ومفاد القاعدة: أن اللفظ العام إذا أطلق قد يحمل على سبب وروده لا على عموم دلالاته. فكأن هذه القاعدة تشير إلى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، خلافاً للمشهورعند الأصوليين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬2) لفظ الميتة عام في كل ميتة سواء أكانت ميتة بر أم ميتة بحر وسواء كانت لها نفس سائلة أو لا نفس سائلة لها - أي لا دم فيها. ولكن خصت بميتة البر دون البحر، وبما لها نفس سائلة دون غيرها، لسببين: الأول: أن الآية نزلت في الميتة التي كانوا يأكلونها وهي ميتة حيوان البر بدليل قولهم: تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله. والسبب الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام "أحل لنا ميتان ودمان ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 99، الفرق 139. (¬2) الآية 3 من سورة المائدة.

: فأما الميتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال" (¬1)، وقوله عليه الصلاة والسلام في البحر: "هو الحل ميتته" (¬2). كذلك: الحيوان الذي يعيش بين البر والبحر كالسلحفاة - التي تسمى بالترس - والتمساح وفرس النهر وغيرها، هل يجب تذكيته باعتبار وجوده في بعض الأحيان في البر فيلحق بالحيوان البري، أو لا يجب تذكيته لوجوده في البحر فيلحق بميتة البحر - خلاف. فمن لم يوجب الذكاة فيه - وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله - حمل لفظ العموم على سببه دون عمومه، واعتبره من النادر المغلوب. ومن حمل لفظ العموم على عمومه دون سببه - وهو لفظ الميتة أوجب ذكاة البحري الذي يكون تارة في البر وتارة في البحر. ¬

_ (¬1) الحديث رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني، ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 879 حديث 4659. (¬2) الحديث رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبَّان وصححه البخاري ينظر منتقى الأخبار ج 1 ص 4 حديث رقم 1.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة [الإفادة، التكرار]

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة [الإفادة، التكرار] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: حمل اللفظ على ما يستفاد به فائدة جديدة أولى ما يحمل على التكرار. (¬1) وفي لفظ: كلام العاقل مهما أمكن حمله على الإِفادة لا يحمل على التكرار والإعادة. (¬2) وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان بمعنى القاعدة السابقة في قواعد حرف التاء - التأسيس أولى من التأكيد. ومفادهما: إن الكلام إذا دار بين أن يفيد معنى جديداً وبين أن يؤكد ويكرر معنى سابقاً، كان حمله على إفادة المعنى الجديد أولى من حمله على التأكيد والتكرار وقديماً قالوا: الإفادة خير من الإعادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قول أبي بكر الصديق لأم المؤمنين عائشة رضوان الله عليهما: لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه (¬3). لشيء كان قد وهبها إياه قبل مرضه الذي مات فيه - ولم تستلمه، فهل القبض يفيد معنى الحيازة؟ أو هما مختلفان؟ فالقبض: هو الأَخذ. فيقال: هو في قبضته. أي في ملكه. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 12 ص 50. (¬2) نفس المصدر ج 18 ص 10. (¬3) رواية مالك والبيهقي بلفظ جَدَدتيه واحتزتيه - الموطأ في الأَقضية رقم 48، وسنن البيهقي جـ 6 ص 280 حديث 11948 والمعرفة جـ 9 ص 50 حديث رقم 12316 - وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.

وأما الحيازة: فهي تفيد الضم والجمع، من حازه يحوزه إذا ضمه، وكل من ضم إلى نفسه شيئاً فقد حازه. فاختلاف اللفظين يدل على اختلاف المعنيين، ولذلك كان إفادته معنى جديداً أولى من حمله على التكرار. ومن هنا اشترط في الهبة لإتمامها القبض؛ لأنه دليل التملك لا مجرد الحيازة. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق طالق طالق. طلقت ثلاثاً عند أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى. وحتى إن قال: أردت به التأكيد. فهو يصدق ديانة لا قضاء؛ لأن القاضي مأمور باتباع الظاهر. وعند الشافعي وأحمد رحمهما الله: لا يلزمه إلا واحدة حملاً للفظ على التكرار. (¬1) ¬

_ (¬1) الإفصاح لابن هبيرة جـ 2 ص 155.

حرف الخاء

قواعد حرف الخاء

القاعدة الأولى [الخاص]

القاعدة الأولى [الخاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخاص مبين فلا يلحقه البيان. (¬1) أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخاص في اللغة: المنفرد (¬2) والمبين: الواضح. والخاص في الاصطلاح: هو كل لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد جنساً (¬3) أو نوعاً أو عيناً. فمفاد القاعدة: أن اللفظ الخاص واضح بنفسه قد يحتاج إلى توضيح أو بيان من غيره (¬4) بخلاف العموم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قلت: هذا كتابي. كان هذا لفظاً خاصاً لا يحتاج إلى بيان، لا من حيث معنى - كتاب - ولا من حيث النسبة. وإذا قلت: رأيت اليوم رجلاً. فهذا كلام واضح لا يحتاج إلى تبيين ما هو الرجل؛ لأن كلمة - رجل - لفظ خاص يفيد غير ما يفيده لفظ امرأة. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 79 عن منار الأصول جـ 1 ص 18 مع شرحه فتح الغفار. (¬2) الكليات ص 422. (¬3) الكليات ص 414. عن المنار جـ 1 ص 16 مع شرحه فتح الغفار. (¬4) كشف الأسرار شرح المنار جـ 1 ص 28 - 29.

القاعدة الثانية [خبر الآحاد]

القاعدة الثانية [خبر الآحاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: خبر الآحاد إذا ورد مخالفاً لنفس الأصول لم يقبل. (¬1) أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: خبر الآحاد: هو الخبر - أي الحديث - الذي لم يصل إلى رتبة المتواتر أو المشهور. ومفاد القاعدة: أن خبر الآحاد عند الحنفية - غير مقبول إذا ورد مخالفاً للقواعد العامة في الشرع. وهذا المراد من قولهم: نفس الأُصول. وهذه من المسائل التي خالف فيها الحنفية غيرهم، فلم يعملوا بأخبار آحاد ثبتت صحتها بدعوى أنها مخالفة لقواعد الشرع العامة، وبذلك أهملوا كثيراً من الأَخبار الصحيحة. ودعوى مخالفة الأُصول دعوى مجردة؛ لأنه إذا صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أصل قائم بنفسه فيجب اتباعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مسألة رد الشاة أو البقرة أو الناقة المصراة مع صاع من تمر، اعتبر الحنفية أن هذا الخبر معارض للأصول والقواعد العامة في الشرع، فلم يعملوا بموجبه وأهملوه بدعوى: أن اللبن مثلي، فهو إنما يضمن بمثله، لا بصاع من تمر. وحديث المصراة ثابت في الصحيحين، وقد أخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة وفي كلها "معها" صاعاً من تمر" (¬2) ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 106 ط قديمة، 106 ط جديدة، قواعد الفقه ص 79 عنه. (¬2) ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 351 الأحاديث من 2941 - 2945.

القاعدة الثالثة [خبر العدل]

القاعدة الثالثة [خبر العدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: خبر العدل مقبول فيما يكون ملزماً. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعدل: هو من تقبل شهادته من حيث إنه لم يعرف بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة. وهو الرضي المقنع في الشهادة. (¬2) فمفاد القاعدة: إن خبر الإنسان العدل - ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً - مقبول ومعتبر ومأخوذ به في الأمور التي هي ملزمة للخصم المدعى عليه. أو في أمر شرعي ملزم كالإِخبار برؤية هلال شهر رمضان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جنى عبد جناية، فأخبر إنسان مولى العبد وسيده بجناية عبده - وكان المخبر عدلاً - فاعتق السيد عبده بعد علمه بجنايته، فهو ضامن لجناية عبده لعتقه له باختياره بعد علمه بجنايته. ومنها: إذا كان لإنسان دابة حمار أو جمل أو ثور فعدا على أحد أو على زرعه، وجاء المتعدى عليه وأخبر صاحب الدابة يجنايتها وعدوانها، فعلى صاحب الدابة ضمان ما أتلفت. وكذلك لو أخبره غير المتعدى عليه وكان عدلاً. ومنها: إذا أخبر عدل برؤية هلال رمضان، وجب قبول شهادته وخبره وإلزام الناس بالصيام. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 27 ص 40. (¬2) الكليات ص 639.

القاعدة الرابعة [خبر الفاسق]

القاعدة الرابعة [خبر الفاسق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: خبر الفاسق في باب الدين غير مقبول. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفاسق هو غير العدل، أو هو من عرف بارتكاب كبيرة لم يتب منها، أو الإصرار على صغيرة، وهو غير الرضي المقنع في باب الشهادة. فمفاد القاعدة: أن خبر هذا الفاسق غير مقبول في الأمور التي تخص الدين كالإخبار بنجاسة الماء أو طهارته، أو الإِخبار برؤية الهلال، أو الإِخبار بحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أو غير ذلك من الأمور التي تتعلق بالدين، كما أن هذا الفاسق لا تقبل شهادته في الأمور الدنيوية في القضاء والدعاوى. والأَصل في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (¬2) فقد أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بالتبين والتحقق عند خبر الفاسق وهذا دليل على عدم قبول خبره مفرداً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 139. (¬2) الآية 6 من سورة الحجرات.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد رجل واحد برؤية هلال رمضان - وكان بالسماء غير أو غبار - فإن كان هذا الشاهد المخبر عدلاً قبلت شهادته وأمر الناس بالصيام. وإن كان هذا الشاهد المخبر فاسقاً لم تقبل شهادته؛ لتمكن التهمة في خبره، فشهادته هذه برؤية الهلال بمنزلة حديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخبر الفاسق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مردود غير مقبول.

القاعدة الخامسة [خبر النبي - صلى الله عليه وسلم -]

القاعدة الخامسة [خبر النبي - صلى الله عليه وسلم -] أولاً: لفظ ورود القاعدة: خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة يجب المصير إليه والعمل به، ولا يترك إلا لمعارض مثله أو أقوى منه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: خبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: المراد به حديثه الذي أخبرنا به عن وجوب شيء أو تحريمه أو ندبه أو كراهته أو إباحته. أو فعله - صلى الله عليه وسلم - العبادي. فمفاد القاعدة: أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعله العبادي حجة ودليل يجب العمل بموجبه والاستدلال به على الأحكام، ولا يجوز تركه والعدول عنه إذا صحت طريقه، إلا إذا وجد معارض لحكم الخبر مثله من السنة فيقع الترجيح بينهما إن أمكن، أو كان المعارض أقوى في ثبوته ودلالاته. كنص القرآن أو الخبر المتواتر أمام خبر الآحاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وردنا خبر صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريم الغش، فيجب علينا اتباعه والنصح للمسلمين في البيع. ومنها: وجوب سجود السهو في الصلاة قبل السلام أو بعده، لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأمره به. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 23.

القواعد السادسة والسابعة والثامنة [خبر الواحد - خبر الجماعة]

القواعد السادسة والسابعة والثامنة [خبر الواحد - خبر الجماعة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: خبر الواحد فيما يرجع إلى الدين حجة شرعاً. (¬1) وفي لفظ: خبر الواحد حجة في أمر الدين. (¬2) وفي لفظ: خبر الواحد في أمر الدين حجة يجب العمل بها إذا كان المخبر ثقة. (¬3) وفي لفظ: خبر الواحد في أمر الدين ملزم. (¬4) خبر الواحد ليس حجة في الأحكام - أي القضايا. (¬5) وخبر الجماعة حجة في الديانات والأحكام. (¬6) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد ذوات دلالات ثلاث: الدلالة الأولى: أن خبر الواحد - والمراد به: الحديث أو الأَثر الذي لم يصل إلى رتبة التواتر أو المشهور - عند الحنفية - أو لم يصل إلى رتبة المتواتر فقط عند غيرهم - فخبر الواحد الثقة مقبول وملزم وهو حجة في الأمور التي تتعلق بالدين؛ ولأنه إخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر عام. ¬

_ (¬1) شرح السير 297، وعنه قواعد الفقه ص 79. (¬2) نفس المصدر ص 2010، 2201. (¬3) المبسوط ج 1 ص 87، الخانية جـ 3 ص 415. (¬4) المبسوط جـ 10 ص 167. (¬5) المبسوط جـ 10 ص 164. (¬6) نفس المصدر.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

والدلالة الثانية: أن خبر الواحد غير مقبول في القضاء, لأن فيه إلزاماً على المدعى عليه، والالزام في القضاء لا يصح إلا بشاهدين. أو رجل وامرأتان في غير الزنا حيث يشترط في إثبات واقعة الزنا أربعة شهود. والدلالة الثالثة: أن خبر الجماعة - اثنان فأكثر - يلزم في الدين وفي القضاء. أما في الدين فلما كان خبر الواحد حجة ملزمة فخبر الجماعة أولى بالقبول. وأما في القضاء فقد سبق أن خبر الواحد غير مقبول فيه لوجود التهمة، وأما خبر الجماعة فأبعد عن التهمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الأَحاديث الصحيحة والحسنة أخبار آحاد، وهي حجة ملزمة في أمر الدين، وإن كان راوي أحدها واحداً فقط. لاستيفائها شروط القبول - ما لم يكن هناك معارض كما سبق - فحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بطهارة ماء البحر وحل ميتته" (¬1) حديث حسن صحيح يجب العمل به والمصير إليه، ولا يجوز أن يأتي إنسان ويقول إن ماء البحر ليس طهوراً لملوحته، أو أن ميتة البحر ليست حلالاً على الإطلاق. ومنها: إذا شهد واحد عند القضاء والمنازعة في قضية فلا تقبل شهادته وحده ولو كان عدلاً؛ لأن الشهادة عند القضاء من باب الإلزام، والإلزام لا يثبت بخبر الواحد. ومنها: إذا شهد جماعة - اثنان فصاعداً: أن فلاناً قتل فلاناً - فيؤخذ بقولهم إذا كانوا عدولاً. ولكن لو كان الشاهد واحداً فلا تقبل شهادته. ¬

_ (¬1) الحديث سبق تخريجه.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القواعد

وكذلك إذا روى جماعة حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلهم ثقات - يقبل خبرهم؛ لأنه إذا كان يقبل خبر الواحد إذا كان ثقة فخبر الجماعة أولى بالقبول. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القواعد تقبل شهادة المرأة الواحدة - إذا كانت عدلاً - فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة القابلة على الولد ونسبته إلى أبيه. ومنها: شهادة النساء وحدهن - واحدة أو أكثر - إذا لم يكن بينهن رجل وحدثت بينهن جناية.

القاعدتان التاسعة والعاشرة [خبر الواحد]

القاعدتان التاسعة والعاشرة [خبر الواحد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: خبر الواحد لا ينفك عنه الشبهة. (¬1) وفي لفظ: خبر الواحد عند المسالمة حجة. وعند المنازعة لا يكون حجة لما فيه من الإلزام. (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان لهما ارتباط بما سبقهما من قواعد في أحكام خبر الواحد، ومفادهما: أن خبر الواحد في باب القضاء غير مقبول؛ لأنه لا يخلو عن شبهة ولا ينفك عنها، وذلك من حيث طريق ثبوته، أو وجود التهمة. ولخبر الواحد حالتان: الأولى عند المسالمة وعدم المنازعة والتقاضي: فهو مقبول ويعتبر حجة لعدم الإِلزام. والثانية: عند المنازعة والتقاضي فهو غير مقبول لما فيه من الالزام على الغير والإِلزام لا يثبت بخبر الواحد. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال المدعي عندي بينة. ثم جاء بشاهد واحد يشهد له على ما يدعيه، فإن القاضي أو الحاكم لا يقبل شهادته ولو كان الشاهد من أَعدل الناس إلا إذا جاء المدعي بشاهد آخر معه. لأن خبر الواحد لا ينفك عن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 294، قواعد الفقه عنه ص 80. (¬2) المبسوط جـ 10 ص 175.

الشبهة وهو خلاف المشروع. ومنها: إذا رأى جارية أو سيارة مع رجل يبيعها ويزعم أنها كانت في يد رجل آخر وهو أمره ببيعها وصدقته الجارية - إن كان المبيع جارية - أو صدقه المشتري في غيرها أو غير المشتري، والرجل ثقة مسلم، فلا بأس بشرائها منه لأنه أخبر بخبر مستقيم محتمل ولا منازع له فيه. وأما إن قال: كانت في يد فلان ولكنه ظلمني وغصبني وأخذتها منه. لم ينبغ للمشتري أن يعترض لشراء ولا قبول - إن كان المخبر ثقة أو غير ثقة؛ لأنه أخبر هنا بخبر مستنكر فيه إلزام على الغير.

القاعدة الحادية عشرة [خبر الواحد]

القاعدة الحادية عشرة [خبر الواحد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: خبر الواحد لا يوجب علم اليقين بل يوجب العمل. (¬1) وفي لفظ: خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب علم اليقين. (¬2) فقهية أصولية ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان بمعنى واحد، وتمثلان رأياً لكثير من الأصوليين والفقهاء، وهو أن خبر الواحد يوجب العمل بمضمونه ودلالاته - إذا صحت طريقه ورواه العدل الضابط الثقة - أي أن الخبر قد بلغ درجة الشهرة أو الصحة أو الحسن - فيجب أن يعمل به ولا يجوز مخالفته، ولكنه لا يوجب علم اليقين كالمتواتر. فالمتواتر هو الذي يوجب علم اليقين لكثرة رواته؛ ولأنه قطعي في ثبوته. وأما خبر الآحاد - وإن كان صحيحاً - فهو دليل ظني من حيث ثبوته - فلا يفيد إلا الظن. بخلاف المتواتر القطعي الذي يوجب علم اليقين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (¬3) دليل قطعي من حيث ثبوته، فهو يفيد علماً يقينياً بوجوب قراءة القرآن في الصلاة - الفاتحة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 80. (¬2) نفس المصدر جـ 4 ص 12, 38. (¬3) الآية 20 من سورة المزمل.

أو غيرها. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (¬1) فهو خبر آحاد وهو دليل ظني فلا يفيد علم اليقين، وإن كان يجب العمل بمضمونه لصحة طريقه، فقراءة الفاتحة للإمام والمنفرد - عند أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى واجبة في الصلاة وليست ركناً، إذ تصح الصلاة بدونها وإن كان المصلي مسيئاً بعدم قراءتها. وهو رواية عن أحمد بن حنبل رحمه الله. وأما عند مالك والشافعي والثوري والمشهور عند أحمد رحمهم الله جميعاً أن قراءة الفاتحة للإمام والمأموم والمنفرد ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به. ¬

_ (¬1) الحديث رواه الجماعة. ينظر المنتقى حديث 891.

القاعدة الثانية عشرة [خبر الواحد]

القاعدة الثانية عشرة [خبر الواحد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: خبر الواحد - ولو عبداً أو صبياً - يقبل في المعاملات. (¬1) وفي لفظ: خبر الواحد في المعاملات يوجب العلم من حيث الظاهر. (¬2) - أو هو حجة. وفي لفظ: خبر الواحد في المعاملات مقبول عدلاً كان أو فاسقاً. (¬3) ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلق بخبر الشخص الواحد وذلك في المعاملات المالية بخاصة، ولا يشترط في المخبر أن يكون عدلاً. فمفاد هذه القاعدة: أن خبر الشخص الواحد في المعاملات مقبول سواء أكان المخبر رجلاً أم امرأة حراً أم عبداً كبيراً أم صبياً مميزاً، والعلة في ذلك أن المعاملات بين الناس يحكم فيها بالعرف والعادة الجارية بين الناس، وهي لكثرتها ودوامها واستمرارها تدعو حاجة الناس الملحة إليها إلى رفع الحرج وعدم التشديد؛ لأنه لو اشترط في كل معاملة جارية بين الناس شاهدان عدلان لوقع الناس في الحرج والضيق. (¬4) والحرج في الشريعة ¬

_ (¬1) الفرائد ص 291 عن الخانية فصل ما يقبل فيه قول الواحد جـ 3 ص 414 كتاب الحظر والإباحة. (¬2) المبسوط ج 13 ص 69 وج 5 ص 22 (¬3) المبسوط ج 25 ص 31 وج 27 ص 40. (¬4) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 488.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

مدفوع. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من رأى شيئاً عند إنسان ثم رآه في يد غيره يبيعه، وقال: إنه اشتراه منه أو وكله ببيعه، جاز الشراء منه بناء على خبره، وبناء على حسن الظن بالمسلمين. ومنها: إذا أرسل إنسان هدية لآخر مع ابنه - وهو صبي - جاز له قبولها لعادة الناس في ذلك. ومنها: إن رأى إنساناً يبيع شيئاً فلا بأس بشرائه منه؛ لأن اليد دليل الملك يستوي فيه الفاسق والعدل، إلا إن كان مثل هذا البائع لا يملك مثل تلك العين التي يعرضها للبيع وهو ليس موثوقاً. فالأَحوط أن يتنزه المشتري فلا يشتري هذا الشيء.

القاعدة الثالثة عشرة [الخراج، الضمان]

القاعدة الثالثة عشرة [الخراج، الضمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخراج بالضمان (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نص حديث نبوي كريم أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي والحاكم من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها. وفي بعض طرقه ذكر السبب: وهو أن رجلاً ابتاع عبداً فأقام عنده ما يشاء أن يقيم، ثم وجد به عيباً، فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه. فقال الرجل: يا رسول الله قد استعمل غلامي. فقال عليه الصلاة والسلام: "الخراج بالضمان" وهو حديث صحيح من جوامع الكلم، ولاشتماله على معان كثيرة جرى مجرى المثل. والخراج في اللغة: ما خرج من الشيء، فخراج الشجرة: الثمرة. وخراج الحيوان دره ونسله. وخراج العبد: غلته. قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابة الأموال: والخراج في هذا الحديث هو غلة العبد الذي يشتريه الرجل فيستعمله زماناً ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع فيرده، ويأخذ جميع الثمن ويفوز بغلته كلها؛ لأنه كان في ضمانه لو هلك هلك من ماله. والضمان في اللغة: هو الكفالة والالتزام. والمقصود به هنا: المؤونة ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 119، قواعد الحصني ق 2 ص 156 هامش، السيوطي ص 139، ابن نجيم ص 151، شرح الخاتمة ص 40، المجلة المادة 85، المدخل الفقهي الفقرة 649، الوجيز ص 365 ط 4.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كالإِنفاق والمصاريف وتحمل التلف والخسارة والنقص. فمفاد القاعدة: أن من يضمن شيئاً إذا تلف يكون نفع ذلك الشيء له في مقابله ضمانه حال التلف - والغرم بالغنم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اعتق الراهن العبد المرهون نفذ عتقه، فإن كان الراهن غنياً فلا سعاية على العبد لإمكان المرتهن أخذ حقه من الراهن وهو الأداء إن كان الدين حالاً، أو قيمة الرهن إن كان الدين مؤجلاً. وإما إن كان الراهن فقيراً فيسعى العبد للمرتهن في الأقل من قيمته أو من الدين؛ لتعذر أخذ الحق من الراهن. فيؤخذ ممن حصلت له فائدة العتق وهو العبد, لأن الخراج بالضمان - والغرم بالغنم. ومنها: إذ رد المشتري حيواناً أو سيارة أو داراً بخيار العيب - بعد قبضه واستعماله غير عالم بالعيب - وكان قد استعمل المشترى مدة - بنفسه أو أجره من غيره وقبض أجرته - لا يلزم رد ذلك للبائع لكونه في ضمان المشتري, لأنه لو كان تلف في يده قبل الرد لكان تلفه عليه ومن ماله. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة إذا أعتقت امرأة عبداً فإن ولاءه يكون لابنها. أما لو جنى هذا العبد جناية خطأ فالعقل - أي الدية - على عصبة المرأة لا على ابنها. فعصبة المرأة هنا عليهم العقل ولا ميراث لهم بوجود الابن.

القاعدة الرابعة عشرة [الخروج من الحل إلى الحرمة والعكس]

القاعدة الرابعة عشرة [الخروج من الحل إلى الحرمة والعكس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخروج من الإباحة إلى التحريم، والخروج من التحريم إلى الإباحة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد يكون الشيء مباحاً فيحرم، وقد يكون حراماً فيباح، فما هو ضابط هذين الانتقالين من الشيء لنقيضه أو ضده؟ الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب - أي لا بد من شروط وقيود عظيمة؛ لأن فيها خروجاً من جانب المفسدة إلى جانب المصلحة، ولا يجوز ترجيح مصلحة على مفسدة إلا إذا كانت تلك المصلحة أعظم من تلك المفسدة، وأما الانتقال من الإباحة إلى التحريم فلا يشترط فيها أعلى الرتب بل يكفي فيها أيسر الأسباب؛ لأن المنع أسهل من الفعل والامتناع أيسر من الإِقدام؛ ولأن تعارض المفسدة أو المضرة مع المنفعة يستلزم تغليب جانب المفسدة؛ لأن درء المفاسد مقدم وأولى من جلب المصالح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1. أمثلة للخروج من التحريم للإباحة: المرأة لا تحل للرجل إلا بعقد الزواج أو ملك اليمين، وعقد الزواج لكي يكون صحيحاً ويفيد حل المرأة للزوج يستلزم شروطاً في المرأة ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 4073 الفرق 131.

وشروطاً في الرجل وشروطاً في العقد، فمن شروط المرأة أن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع عقدها على الرجل كأن تكون زوجة لآخر، ومنها أن تكون حاملاً من آخر، ومنها: أن لا تكون محرماً للزوج بنسب أو رضاع. ومنها: أن لا تكون معتدة من آخر، وأن يكون لها ولي الخ ما هنالك من شروط. ومن شروط الرجل: أن لا يكون متزوجاً أربعاً غيرها وهن كلهن في عصمته، أو أن يكون في عدة رابعة مطلقة، أو أن يكون له زوجة هي أخت أو خالة أو عمة من يريد الزواج منها إلى آخر ما هنالك من شروط، ومن شروط العقد وأركانه: وجود الولي، والشهود إلى آخر ما هنالك من شروط وأركان. فإذا استوفى العقد شروطه وتم أبيحت المرأة للرجل. وأما إذا أراد الرجل الانتقال من إباحة المرأة الزوجة إلى تحريمها فيكفيه أن يتلفظ بلفظ الطلاق فتحرم عليه. فكان الانتقال من التحريم إلى الإِباحة يستلزم أعلى الرتب. وأما الانتقال من الإباحة إلى التحريم فيكفي فيه أيسرها وهي كلمة الطلاق هنا. ومنها: المسلم محقون الدم بإسلامه، فلا يباح دمه إلا بموجب شرعي كالردة، والزنا بعد إحصان، وقتله لمعصوم عمداً عدواناً، وهذه الموجبات الثلاثة لا يثبت واحد منها إلا بشروط وأركان. فالمرتد - مثلاً - قبل إباحة دمه يستتاب، وإن كان ارتد لشبهة يناقش فيها، ويناظر حتى تزال شبهته، وينظر في تحقق ردته وأسبابها، وكل ذلك حتى لا يباح دمه إلا بعد اليقين الكامل أنه كفر ولا أَمل في عوده إلى حظيرة الإِيمان والإِسلام. وحتى لو ثبت كل ذلك وأوجبنا قتله وعند إرادة التنفيذ رجع ونطق بالشهادتين فيحقن دمه للحال ولا يباح قتله بحال إلا بسبب آخر.

القاعدة الخامسة عشرة [الخروج من الخلاف]

القاعدة الخامسة عشرة [الخروج من الخلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخروج من الخلاف مستحب. (¬1) وفي لفظ: الخروج من الخلاف أولى وأفضل. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالخروج من الخلاف - أو مراعاة الخلاف - إعمال المجتهد بدليل خصمه المجتهد المخالف له في لازم مدلوله. والمقصود به إتيان ما هو أحوط للدين في مسألة - اجتهادية - اختلفت فيها أنظار الفقهاء واجتهاداتهم. فمفاد القاعدة: أنه عند وجود اختلاف في مسألة اجتهادية يستحب أن يخرج المكلف من الخلاف بفعل ما هو أَحوط لدينه، وذلك أولى وأفضل. ومسألة مراعاة الخلاف تعتبر أصلاً من أصول الإمام مالك رحمه الله. (¬3) ولمراعاة الخلاف شروط تنظر في المنثور للزركشي. (¬4) وفي شرح ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 127، أشباه السيوطي ص 136. (¬2) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 111 (¬3) شرح الولاتي لمنظومة ابن أبي يجب في أصول الإمام مالك لوحة 17 أ. (¬4) ج 1 من ص 29 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

منظومة أصول الإمام مالك للولاتي (¬1). وأشباه ابن السبكي. (¬2) ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان الخلاف في التحليل والتحريم فالخروج من الخلاف بالاجتناب أفضل؛ لأنه الأَحوط في الدين فمثلاً عند الاختلاف في حل نبيذ التمر والزبيب الذي لا يسكر قليله، أو في حرمته، فالأولى اجتنابه وعدم شربه خروجاً من الخلاف احتياطاً للدين. ومنها: إذا كان الخلاف في الكراهة أو الجواز والوجوب فالأولى الفعل، ومثاله: قراءة البسملة مع الفاتحة، فقد كرهها مالك رحمه الله وأوجبها الشافعي رحمه الله فالفعل أفضل. ¬

_ (¬1) محمَّد يحيى بن محمَّد المختار بن الطالب عبد الله المالكي المتوفى سنة 1330 هـ. الأعلام جـ 7 ص 142 - شجرة النور الزكية ص 435. (¬2) ج 1 ص 111 فما بعدها.

القاعدة السادسة عشرة [سكوت المدعى عليه]

القاعدة السادسة عشرة [سكوت المدعى عليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة الخصم إذا سكت عن الجواب في مجلس القاضي جعله منكراً، وإذا سكت عن اليمين بعد ما طُلب منه جعله ناكلاً (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بسكوت المدعى عليه عند القاضي، ولسكوت المدعى عليه عند القاضي حالتان يختلف حكم كل منهما عن الاخرى: فالحالة الأولى: أن يطلب القاضي من المدعى عليه الجواب عن دعوى خصمه، فإن أبى الجواب وسكت اعتبره القاضي منكراً للمدعي به. ففي هذه الحالة يطلب القاضي من المدعي البينة على ما يدعيه، أو يوجه اليمين على المدعى عليه إن عجز المدعي عن البينة. والحالة الثانية: أن يطلب القاضي من المدعى عليه اليمين عند عدم وجود بينة لخصمه المدعي، فإن سكت ولم يحلف اعتبر ناكلاً - أي ممتنعاً - عن اليمين، وفي هذه الحالة يكون أمام القاضي مسلكان: المسلك الأول: أن يلزم المدعى عليه بالدعوى - بعد إنذاره أنه إذا لم يحلف يلزمه بها - سواء قلنا إن الزام المدعى عليه الناكل بالدعوى على اعتبار أن نكوله إقرار بالمدعي، أو بذل بما يدعيه خصمه على سبيل الصلح. وهذا المسلك قال به الحنفية والحنابلة (¬2) وألزموا المدعى عليه بالمدعي ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 80 عن شرح السير الكبير ص 330. (¬2) المقنع جـ 3 ص 619.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

به. والمسلك الثاني: أن يرد القاضي اليمين على المدعي فيحلف ويستحق بيمينه ما يدعيه، وهذا المسلك قال به الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى شخص على آخر ديناً أو إتلافاً وذكر سبباً، فوجه القاضي السؤال على المدعى عليه عن صحة دعوى خصمه، فسكت المدعى عليه ولم يجب، وكرر عليه القاضي السؤال فلم يجب - وليس في سمعه ولا نطقه علة - فطلب القاضي من المدعي البينة فلم توجد، فوجه القاضي اليمين على المدعى عليه وطلب منه أن يحلف على نفي ما ادعاه خصمه عليه، فسكت، كرر عليه القاضي السؤال - وهدده بإنه إذا لم يحلف يعتبر ناكلاً ويلزم بالمدعي به أو يرد اليمين على خصمه - ومع ذلك فقد سكت ولم يحلف، فللقاضي أن يعتبره ناكلاً ويلزمه المدعي به، وإلا رد اليمين على المدعي وطلب منه أن يحلف على صدق دعواه فإن حلف استحق ما ادعاه، وإن أبى سقطت الدعوى.

القاعدة السابعة عشرة [الخصومة من المناقض]

القاعدة السابعة عشرة [الخصومة من المناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخصومة من المناقض غير مسموعة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدعوى في الخصومة تقبل بشروط: منها: أن يكون الخصم المدعي معروفاً حاضراً هو أو وكيله. ومنها: أن يكون المدعى عليه معروفاً كذلك. ومنها: أن يكون المدعي به شيئاً معلوماً، فالجهل بأحد الثلاثة يجعل الدعوى غير مقبولة. فمفاد القاعدة: أنه إذا ثبت تناقض في دعوى المدعي - بأن فقدت الدعوى شرطاً من هذه الشروط فإن الدعوى لا تسمع ولا تقبل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى على آخر أنه سرق منه مائة درهم. ثم قال: بل السارق هذا - لغير الأول - فقد ناقض في دعواه فلا يقطع واحد منهما، ولا يضمن واحد منهما المال، للتناقض في الدعوى، حيث إنه ادعى على واحد أولاً ثم أضرب عنه وادعى على ثان غيره، فأصبح المدعى عليه مجهولاً، وقد ثبت بذلك تناقض المدعي في دعواه فتسقط ولا تقبل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 192.

القاعدة الثامنة عشرة [الخطأ في غير المعين]

القاعدة الثامنة عشرة [الخطأ في غير المعين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخطأ فيما لا يشترط فيه التعيين لا يضر. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من العبادات ما يشترط فيه تعيين النية - أي تحديد نوع العبادة التي يريد أداءها وتحديد رتبتها -، من حيث إن العبادات أنواع كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، وكل منها له رتب مختلفة من حيث يكون بعضها فرضاً وبعضها نفلاً أو منذوراً، أداء أو قضاءً. ففي العبادات المختلفة يجب تحديد نوع العبادة المطلوب أداؤها، فإن كانت العبادة هذه ذات وقت متسع كالصلاة وجب تحديد رتبتها كفرض الصبح أو الظهر أو العشاء أداءً أو قضاءً، أو نفلاً راتبة أو غيرها. وأما إذا كان وقت العبادة لا يتسع لغيرها كصيام رمضان - فإن عند الحنفية وبعض من غيرهم لا يشترطون لصحة صوم رمضان تحديد وتعيين نيته، بل يجوز صيامه بمطلق نية الصيام، أو بنية واجب آخر، أو بنية التطوع، وكله يقع عن رمضان؛ لأن صوم رمضان متعين بوقته، حيث أن وقته لا يسع لغيره، والتعيين في المتعين لغو. فمفاد هذه القاعدة: أن المكلف إذا أخطأ في تعيين نية العبادة فيما يحتاج إلى التعيين فقد بطلت عبادته، كمن أراد أن يصلي الظهر فنوى العصر، أو أن يصلي فرضاً فنوى نافلة. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 14 - 15، أشباه ابن نجيم ص 30، قواعد الفقه عنه ص 80.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وأما في صيام رمضان فمن أراد صيام رمضان فنوى صياماً قضاءً أو تطوعاً في نهار رمضان فقد وقع عن رمضان وصح صومه عنه ولا يضره خطؤه في نيته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد حج الفريضة فأخطأ فنوى حجة تطوعاً، فلا يضره خطؤه، ويقع حجه عن حجة الإسلام؛ لأنه لا يجوز أن يتطوع بالحج مَن لم يحج حجة الإِسلام في الصحيح. ومنها: الطهارات: إذا أراد أن يتوضأ للصلاة فنوى الوضوء لقراءة القرآن أو للطواف بالبيت، فلا يضره خطؤه فله أن يصلي بوضوئه هذا، لأن الطهارات لا تتعين بالتعيين في الأصح. ومنها: الكفارات: فمن عليه كفارة يمين وظهار وقتل خطأ، فكفر عن إحداها بدون تعيين جاز، أو أراد أن يكفر عن اليمين فأخطأ ونواها عن الظهار صحت عن يمين؛ لأنه لا يشترط التعيين في الكفارات.

القاعدة التاسعة عشرة [خطأ الحاكم]

القاعدة التاسعة عشرة [خطأ الحاكم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: خطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال. (¬1) إذا لم يكن متعمداً. وفى لفظ: خطأ القاضي فى بيت المال (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخطأ ضد العمد. وهو أن يريد الإنسان شيئاً يحسن فعله فيقع منه غيره بخلاف ما يريد (¬3). والخطأ أنواع: فمنه ما يكون في الاجتهاد وهو المقصود هنا. فمفاد القاعدة: أن الحاكم: الإِمام أو القاضي إذا أخطأ في اجتهاده وترتب على خطئه ضرر للمحكوم عليه فإن تعويض هذا الضرر إنما يكون في بيت المال؛ لأَن الإِمام والحاكم والقاضي نائب عن الله تعالى في أحكامه وأفعاله فكان أرش جنايته في مال الله تعالى، ولأن الحاكم إِنما هو عامل للمسلمين لا لنفسه، ولذلك لا يتحمل خطأ اجتهاده الصحيح في ماله، لأَن الحاكم أو القاضي يكثر خطؤه في أحكامه المبنية على اجتهاده، فإيجاب ما يجب عليه أو على عاقلته يجحف بهم وبه ويجعل العلماء يمتنعون عن الحكم والقضاء فتضيع الحقوق. وشرط كون خطأ القاضي والحاكم في بيت المال أن يكون اجتهاد ¬

_ (¬1) المقنع لابن قدامة جـ 3 ص 422، والفروع جـ 6 ص 40 (¬2) الفرائد ص29 عن شرح السير الكبير ص 1064 والخانية كتاب الحدود جـ 3 ص 474 (¬3) الكليات ص 424

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كل منهما صحيحا مبنيا على قواعد الاجتهاد الصحيح غير مخالف لنص صريح أو خطأ متعمد أو ارتشاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حكم قاض في زان بالرجم على أنه محصن بشهادة شهود يظن عدالتهم - فرجم المتهم ثم تبين أن الشهود عبيد، فإن دية المرجوم في بيت مال المسلمين. ومنها: إذا شهد شهود على رجل بالزنا وهو غير محصن - فضربه الإِمام الحد، فجرحته السياط أو مات ثم ظهر أن الشهود عبيد، فضمان النقصان والدية في بيت المال.

القاعدة العشرون [الخطأ]

القاعدة العشرون [الخطأ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الخطأ لا يستدام ولكن يرجع عنه (¬1). وفي لفظ: الخطأ مرفوع (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخطأ إذا اكتشف يجب الرجرع عنه، ولا يجوز الاستمرار عليه، لأَن المخطئ مرفوع عنه الإثم، ولكنه إذا عرف خطأه وأصر عليه واستمر ولم يرجع عنه فلا يكون حينئذ خطأ، بل يكون تعمد الوقوع في الخطأ، فهو مأخوذ بما أخطأ فيه وهو آثم في ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم القاضي باجتهاده ثم تبين خطؤه إما في حكمه أو فى طريقه، فيجب عليه الرجوع عن حكمه في تلك القضية. فمن حكم في قضية طلاق أو قتل خطأ بأن حكم ببتات الطلاق ثم تبين له أن هذا الطلاق رجعي يجيز للزوج الرجعة فيجب عليه أن يرجع عن حكمه ذلك ويجيز للزوج الرجعة إلى زوجته ما دامت في العدة. وكذلك لو حكم في قضية قتل خطأ أنه كان عمدا وحكم بالقصاص، ثم تبين له أن حكمه كان خطأ وأن القتل إِنما كان خطأ لا ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2228 (¬2) المبسوط ج 27 ص 126

عمدا - فإن كان القصاص لم ينفذ - فيجب على القاضي أن يرجع عن حكمه ويعيد النظر في القضية ويحكم بالدية لا بالقصاص. وأما إن كان الحكم قد نفذ واقتص من القاتل فيجب دية القتيل في بيت المال إذا كان الاجتهاد صحيحا. ومنها إذا قتل أحد خطأ فإن الدية على العاقلة، والقاتل أحد العواقل يلزمه من الدية ما يلزم أحد العاقلة عند الحنفية والمالكية (¬1). وأما عند الشافعي رحمه الله فليس على القاتل خطأ شيء من الدية لأَن الخطأ مرفوع (¬2)، فكأن الشافعي رحمه الله فهم من رفع الخطأ رفع الإثم ورفع الدية أيضاً وعند الحنابلة خلاف (¬3). ¬

_ (¬1) الكافي جـ 2 ص 1106 (¬2) روضة الطالبين جـ 7 ص 200 ولم أجده صريحا في الأُم. (¬3) غاية المنتهى جـ 6 ص 139 وشرحها مطالب أولي النهى.

القاعدة الحادية والعشرون [الخطاب، الوسع]

القاعدة الحادية والعشرون [الخطاب، الوسع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الخطاب بحسب الوسع (¬1) وفي لفظ: التكاليف بحسب الوسع (¬2)، وقد سبقت في قواعد حرف التاء تحت رقم 197. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الوسع: هو الطاقة والاستطاعة والقدرة. ومفاد هاتين القاعدتين: أن الأَوامر الشرعية إنما يكون تنفيذها على قدر طاقة الإنسان وجهده واستطاعته وبما يقع تحت قدرته الميسرة، والأَدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬3). وقوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} (¬4). ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم" (¬5) ثالثاً: عن أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من لم يجد الماء أو لم يستطع استعماله لبرد أو مرض يتيمم ويصلي. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 1 ص 245. (¬2) المبسوط ج 4 ص 70. (¬3) الآية 286 من سورة البقرة. (¬4) الآية 233 من سورة البقرة. (¬5) الحديث عن ابن ماجة المقدمة ج 1 ص 3، والنسائي في باب الحج باختلاف لفظ.

القاعدة الثانية والعشرون: [الخطاب - الجواب]

القاعدة الثانية والعشرون: [الخطاب - الجواب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الخطاب السابق كالمعاد فيما بني عليه الجواب. (¬1) وفي لفظ: السؤال معاد - أو كالمعاد - في الجواب. (¬2) وتأتي في حرف السين إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: ما تقدم من الخطاب يصير كالمعاد للجواب. (¬3) وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخطاب الوارد إجابة لسؤال سائل يستدعي الجواب، وذلك الجواب غير مستقل بنفسه، فلا يصلح أن يكون ابتداء كلام. بل هو تابع للسؤال في عمومه وخصوصه حتى كأن السؤال معاد فيه. فإذا ورد جواب بإحدى أَدواته: نعم، أو بلى، أو أَجَل، بعد سؤال مفصل فيعتبر الجواب مشتملاً على مضمون السؤال؛ لأن مدلولات هذه الأَدوات تعتمد على ما قبلها من تفصيل، ولأن الجواب غير مستقل بنفسه في الإفادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبر الشفيع أن ثمن المبيع ألف درهم فسلم الشفعة، ثم تبين أن ¬

_ (¬1) المبسوط ج 14 ص 105 (¬2) المجموع لوحة 189، المنثور جـ 2 ص 214، أشباه السيوطي ص 141، أشباه ابن نجيم ص 153، المجلة المادة 66، المدخل ف 621، الوجيز ص 328 ط 4. (¬3) المبسوط ج 18 ص 6

الثمن خمسمئة درهم فهو على شفعته، كأنه قال: إن كان الثمن ألف درهم فقد سلمت الشفعة؛ لأنه ربما لا يستطيع الشراء بألف ولكنه يستطيع بأقل منها. ومنها: من سئل هل أخذت من فلان مالاً؟ فأجاب: بنعم. كان جوابه متضمناً إقراره بالأَخذ. ومنها: من سئل ألم تقتل فلاناً؟ فأجاب: ببلى. كان مقراً بالقتل وهكذا ... وقد يشمل السؤال الإِخبار والإنشاء أيضاً فلا يختص بالاستخبار. فلو باع شخص فضولي مالاً من أخر، وبلغ صاحب المال، وحينما بلغه الخبر قال: رضيت، فيعتبر قوله: رضيت، إذناً وصح البيع.

القاعدة الثالثة والعشرون: [الخطاب الملزم]

القاعدة الثالثة والعشرون: [الخطاب الملزم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخطاب الملزم للغير لا يثبت حكمه فى حقه ما لم يعلم به كخطاب الشارع. (¬1) وفي لفظ: حكم الخطاب لا يثبت فى حق المخاطب ما لم يعلم به خصوصاً إذا كان ملزماً. (¬2) وقد سبقت في قواعد حرف الحاء تحت رقم 70 وفي لفظ أخص: الوكيل هل ينعزل قبل علمه بموت الموكل أو عزله؟ (¬3) وتأتي في حرف الواو إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد سبق ذكر مماثل هذه القاعدة حرف الحاء تحت رقم 70. وبُيِّن هناك معناها ومدلولها: ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من وكل إنساناً في أمر ما فإن حكم الوكالة لا يثبت في حق الوكيل ما لم يعلم به أو يوافق عليه. وكذلك إذا عزل الوكيل ولم يعلم فهو على وكالته حتى يعلم بالعزل. في الصحيح. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 27 (¬2) المبسوط جـ 25 ص 29. (¬3) المغني لابن قدامة جـ 5 ص 123، قواعد ابن رجب ق 62.

ومنها: إذا أذن الولي للصغير أو العبد أو المعتوه بالتجارة وأعلم بذلك أهل سوقه فبايعوه، ثم حجر عليه، فإن هذا الحجر غير ملزم لأهل السوق حتى يعلموا به، وإلا كان غارَّاً لهم فيضمن ما بايعوا به المأذون بعد حجر مولاه له ما لم يعلمهم بالحجر.

القاعدة الرابعة والعشرون [خلط النفل بالفرض]

القاعدة الرابعة والعشرون [خلط النفل بالفرض] أولًا: لفظ ورود القاعدة: خلط النفل بالفرض قبل إكمال الفرض مفسد للصلاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرض غير النفل، فالفرض أو الواجب - عند غير الحنفية - هو ما طلبه الشارع طلباً جازماً، ويترتب الثواب على فعله، والعقاب على تركه، كالصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وغير ذلك من فرائض الإسلام. وأما النفل فهو التطوع، وهو كل عبادة حث عليها الشارع ورغب فيها ولم يعزم عليها ولم يوجبها، سواء في ذلك النفل في الصلاة أو الصدقة أو الحج أو غير ذلك من النوافل المستحبات من العبادات والمعاملات. فمفاد القاعدة: أن الفرض يجب أن يؤدى كاملاً، ثم من شاء أن يتنفل بعد تمام فرضه فله ذلك، أما من أراد أن يتنفل قبل تمام فرضه ويخلط الفرض بالنفل وخاصة في الصلاة فذلك مفسد ومبطل لصلاته، فلا تصح صلاته فرضاً ولا نفلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من صلى الفجر ثم قبل أن يسلم أراد أن يتطوع بركعتين أخريين، فقد فسد فرضه، ولم يعتبر نفله. ¬

_ (¬1) المبسوط، جـ 2 ص 104.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

وأما من كان مسافراً وصلى ركعتين من الرباعية، ثم قبل السلام نوى الإِقامة فعليه الإتمام، ويأتي بركعتين أخريين، وإلا فسدت صلاته. ولكن نية الإِقامة لا تصح إلا بمكان يصلح للإقامة وإلا فلم تصح. وبالتالي لا تصح صلاته. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا صلى المسافر ركعتين تامتين ثم قعد عند التشهد، ثم قام فقرأ وركع وسجد، ثم نوى الإِقامة - فقد استحكم خروجه من الفرض بتقييد الركعة أي الثالثة بالسجدة فلا يتغير فرضه بنية الإقامة - لأنها جاءت متأخرة - ولكنه متنفل بركعة فيضيف إليها ركعة أخرى ليكون شفعاً. ففي هذه الصورة لا تبطل صلاته. فقد انفصل فرضه عن نفله، فأخذ كلٌّ حكمه.

القاعدة الخامسة والعشرون [خلف الوعد]

القاعدة الخامسة والعشرون [خلف الوعد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الخلف في الوعد حرام (¬1). وفي لفظ: الوعد يحرم الخلف فيه. (¬2) وتأتي في حرف الواو إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوعد: فَعْل - فهو مصدر لوعد يعد إذا وعد خيراً؛ لأنه حاصل عن كرم. فمفاد القاعدة: أن من وعد عدة بخير وكرم فيجب عليه الوفاء به؛ لأن عدم الوفاء بهذا الوعد حرام، وعدم الوفاء هو معنى الخلف؛ لأنه نوع من الكذب والكذب حرام، وأيضاً الخلف في الوعد من صفات المنافقين كما ذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". (¬3) ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق. وقد قيد بعضهم الخلف المحرم المذموم إذا تضرر به الموعود ولم يخالف الشرع، أو كان الوعد تعليقاً لشيء على شيء، أو فى بيع الوفاء فيجب الوفاء. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 40. (¬2) الفرائد ص 32 عن حظر الأشباه لابن نجيم ص 288 (¬3) الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - متفق عليه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال له: إذا فعلت ما أشرت به عليك فلك عندي كذا، أو أنني أعدك بأن أعطيك كذا. فهذا يجب الوفاء به ولا يجوز الخلف فيه. ومنها: بيع الوفاء: وهو أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذا العين بمالك عليَّ من الدين، على أنني متى قضيت الدين فهو لي (¬1). فهنا إذا قضي الدين وجب على المشتري رد العين لصاحبها. ¬

_ (¬1) التعريفات الفقهية ص 215

القواعد السادسة والسابعة والثامنة والعشرون [الخلف والأصل]

القواعد السادسة والسابعة والثامنة والعشرون [الخَلَف والأَصل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الخَلَف إنما يجب بالسبب الذى وجب به الأصل. (¬1) ومنها: حكم الخلافة باتحاد السبب. (¬2) وقد سبقت في قواعد حرف الحاء تحت رقم وفي لفظ الخلف عن شيء يقوم مقامه عند فواته. (¬3) وفي لفظ: الخَلَف يعمل عمل الأصل عند عدم الأَصل (¬4). وفي لفظ: الخَلَف لا يكون أقوي - أو فوق - الأصل. (¬5) وفي لفظ: قيام الأَصل يمنع ظهور حكم الخلف. (¬6) وتأتي في حرف القاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذا القواعد ومدلولها: هذه القواعد تدل على ثلاثة أمور تتعلق بالبدل - وهو الخلف عن الأَصل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 50 (¬2) المبسوط جـ 11 ص 60. (¬3) المبسوط جـ 11 ص 59، والتحرير جـ 4 ص 285، وينظر القواعد والضوابط ص 487. (¬4) المبسوط جـ 2 ص 159، وج 12 ص 72. (¬5) المبسوط ج 1 ص 219 وج 26 ص 134. (¬6) المبسوط ج 29 ص 137.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الأول: أن الخلف أو البدل أنما يجب بالسبب الذي وجب به أصله. وهذا مدلول القاعدتين الأولى والثانية. والثاني: أن الخلف أو البدل إنما يقوم مقام أصله ويعمل عمل أصله عند فوات الأصل وعدم وجوده. وهذا مدلول القاعدتين الثالثة والرابعة. والثالث: أن الخلف أو البدل لا يكون أقوى من الأَصل أو فوقه بل دائماً يكون البدل دون الأَصل وأضعف منه مركزاً. وهذا مدلول القاعدة الخامسة. وبناء عليه إذا وجد الأَصل منع من ظهور البدل لأنه أضعف منه، وهذا مدلول القاعدة الأخيرة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: التيمم خَلَف وبدل عن الماء عند عدم وجوده أو تعذر استعماله، وسبب التيمم هو سبب استعمال الماء وهو إرادة التطهر من الأَحداث للصلاة أو غيرها مما يحتاج إلى طهارة وإن كانت طهارة التيمم حكمية، فهو أضعف من الماء في التطهير. ومنها: الأَجنبي الذي يعول اليتيم - وليس بوصي له ولا بينهما قرابة - وليس لهذا اليتيم أحد سواه - جاز أن يقبض ما يوهب له؛ لأن من يعول اليتيم خلف عن وليه؛ ولأنه أحق بحفظه وتربيته فهو بمنزلة وليه. ومنها: أنه عند الوجود الماء والقدرة على استعماله يسقط البدل وهو التيمم فلا يجوز. ومنها: أن الوكيل نائب عن الأصيل فيما وكل به، فإذا حضر الأصيل فلا عمل للوكيل بوجوده إلا بإذنه. ومنها: إذا قلعَ سِنَّ آخرَ فيجب أرشها، ولكن إذا نبت مكانها سن أخرى سقط الحكم ولا يجب الأرش.

القاعدة التاسعة والعشرون [الخلوة الصحيحة]

القاعدة التاسعة والعشرون [الخلوة الصحيحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة الخلوة الصحيحة بالزوجة كالدخول في الأحكام. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخلوة: هي انفراد الرجل مع المرأة بعد العقد عليها. وتكون الخلوة صحيحة إذا لم يكن مانع يمنع الرجل من جماع المرأة، سواء أكان المانع منها كالحيض أو الصوم أو الإحرام، أم كان منه كالصوم والإحرام، أم من غيرهما كوجود أخر معهما ولو نائماً. والمراد بالدخول: الجماع. فمفاد القاعدة: أن الرجل إذا عقد على امرأة ثم خلا بها وانفردا بدون مانع من الجماع فإن هذه الخلوة ينبني عليها الأَحكام المترتبة على دخول الرجل بالمرأة وجماعه لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يثبت بالخلوة الصحيحة تمام المهر للزوجة حتى لو طلقها ولم يمسها. ومنها ثبوت نسب الولد منه لو حملت وولدت في المدة. ومنها: ثبوت نفقتها عليه. ومنها: ثبوت العدة عليها لو طلقها بعد هذه الخلوة. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: لا يثبت الإِحصان لكليهما. كما لا يثبت حرمة البنت لو كانت المختلى بها الأُم. ولا يثبت بالخلوة الحل للزوج الأول، لاشتراط الدخول الفعلي. كما لا يثبت بها الرجعة، ولا الإرث، ولا توجب حرمة المصاهرة. ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية، الفائدة 219 ص 176.

القاعدة الثلاثون: [الخيار]

القاعدة الثلاثون: [الخيار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الخيار يشترط للفسخ لا للإجازة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخيار: في اللغة: فِعال من الخير، فهو اسم بمعنى الاختيار. واصطلاحاً: هو كون أحد العاقدين في فسحة من اختيار العقد أو تركه. والخيارات على ثمانية عشر قسماً: فمفاد القاعدة: أن الخيار - وبخاصة خيار الشرط - إنما يشترط حين التعاقد لإمكان فسخ العقد لا لإجازته، لأن العقد تام وإنما توقف نفاذه على الشرط، ففي خلال مدة الشرط لصاحب الشرط حق فسخ العقد لا إجازته، لأن إجازة العقد ونفاذه يتوقف على انتهاء مدة الشرط أو إسقاطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اشترى شيئاً لم يره فله خيار الرؤية، فإن رآه إما أعجبه إذا رآه وافياً بغرضه مستوفياً لشروطه فيتم العقد وينفذ، وإلا فسخ العقد لاختلاف المرئي عن الموصوف. ومنها: من اشترى شيئاً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، أو على أن يستشير شريكه مثلاً، فإذا انتهت مدة الثلاثة أيام فقد تم العقد ونفذ ولزم المشتري ما اشتراه أو البائع ما باعه إن كان الخيار له، وإلا فيمكن فسخ العقد من خلال المدة، أو عند عدم موافقة الشريك أو رضائه بالعقد. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 13 ص 43.

القاعدة الحادية والثلاثون: [خير الأمور]

القاعدة الحادية والثلاثون: [خير الأمور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: خير الأمور أوساطها (¬1). حديث شريف ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نص حديث نبوي كريم، قال في كشف الخفاء: قال ابن الغرس (¬2): ضعيف. وقال في المقاصد الحسنة: رواه ابن السمعاني (¬3) في ذيل تاريخ بغداد، لكن بسند فيه مجهول عن علي - رضي الله عنه - مرفوعاً. وللديلمي (¬4) بلا سند عن ابن عباس مرفوعاً: "خير الأعمال أوسطها". ويشهد لهذا الخبر قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (¬5) {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 80 عن الأشباه ولم أجده بالنص. (¬2) ابن الغرس محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن خليل أبو اليسر فاضل من فقهاء الحنفية مولده ووفاته بالقاهرة سنة 894. الضياء اللامع جـ 9 ص 220/ الأعلام جـ 7 ص 52. (¬3) ابن السمعاني: هو أبو بكر محمَّد بن أبي المظفر منصور بن محمَّد التميمي المروزي عالم بالتاريخ والأنساب والحديث ومعرفة الرجال والأسانيد، توفي بمرو سنة 510، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 198 مختصراً. (¬4) الديلمي شيرويه بن شهر زاد أبو شجاع الديلمي الهمذاني، مؤرخ من العلماء بالحديث، له كتاب فردوس الأخبار المخرج على كتاب الشهاب - اختصره ابنه وسماه مسند الفردوس توفي سنة 509. الأعلام جـ 3، ص 183. (¬5) الآية 29 من سورة الإسراء.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (¬1) (¬2) وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬3) أي عدولاً، لأن الوسط معناه العدل من كل شيء. وقد أخرجه أيضاً الزبيدي (¬4) في الإتحاف ج 6 ص 465، ج 7 ص 336، 422، وج 8 ص 13 والقاضي عياض (¬5) في الشفا ج 1 ص 175، والقرطبي (¬6) في التفسير ج 2 ص 154، ج 5 ص 343، ج 6 ص 726 وغيرها. ومفاد الحديث أن الخير في الاعتدال في كل شيء، حيث لا إفراط ولا تفريط، وحيث أن الفضيلة وسط بين رذيلتين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف الوارث والوصي يؤخذ بأوسط الأعداد. ومنها: إذا وجبت قيمة على إنسان واختلف المقومون فإنه يقضى بالوسط (¬7) ¬

_ (¬1) الآية 67 من سورة الفرقان. (¬2) كشف الخفا ج 1 ص 391. (¬3) الآية 143 من سورة البقرة. (¬4) محمَّد بن محمَّد بن محمَّد الحسيني الزبيدي أبو الفيض علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب من كبار المصنفين أصله من العراق ومولده بالهند ومنشأه في زبيد باليمن - وإليها نسب - أقام بمصر واشتهر بفضله، وتوفي بالطاعون في مصر سنة 1205. الأعلام جـ 7 ص 70 مختصراً. (¬5) القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي الغرناطي المالكي صاحب التآليف والتصانيف المفيدة في التفسير والحديث والسيرة والفقه، صاحب كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، مات بمراكش سنة 544 هـ، الأعلام جـ 5 ص 99 مختصراً. (¬6) القرطبي: محمَّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي أبو عبد الله، من كبار المفسرين صالح متعبد، صاحب كتاب الجامع لأحكام القرآن، توفي بمصر سنة 671 هـ، الأعلام جـ 5 ص 322. (¬7) أشباه ابن نجيم ص 183.

حرف الدال

القسم الرابع قواعد حرف الدال الذال الراء الزاي أولاً: قواعد حرف الدال

القاعدة الأولى: [الغالب - النادر]

القاعدة الأولى: [الغالب - النادر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الدائر بين الغالب والنادر، إضافته إلى الغالب أولى. (¬1) وفي لفظ: النادر ملحق بالغالب في الشريعة. (¬2) وتأتي في حرف النون إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق في قواعد حرف الحاء تحت رقم 97 معنى الغالب والنادر وحكمهما. وهاتان القاعدتان تؤكدان معنى ما سبق، وهو أن الحكم للغالب لا للنادر، وأن النادر لا حكم له منفرداً، وإنما هو ملحق بالغالب فحكمه حكمه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬3) دليل على حل ما مات في البحر - ولو حتف أنفه - ولا يحتاج ما في البحر إلى ذكاة. ومن حيوانات البحر ما يعيش تارة في البر كالتمساح والسلحفاة - المسماة ترس - وفرس النهر وأشباه ذلك. فهل هذه تذكى ذكاة حيوان ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 208 (¬2) نفس المصدر جـ 3 ص 99 الفرق 139. (¬3) الحديث سبق تخريجه.

البر، أم هي ملحقة بحيوان البحر؟ من نظر إلى أن الغالب في حيوان البحر حل ميتته بغير ذكاة حمل عليه وأَلحق به ما هو بحري، وإن كان يعيش تارة في البر وتارة في البحر. إلحاقاً للنادر بالغالب. ومنها في قوله - صلى الله عليه وسلم - "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" (¬1) فهل قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا تصرف بالفتوى فيجوز لكل أحد أن يحيي بدون إذن الإمام أو بغير إذنه، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، أو هو تصرف منه - صلى الله عليه وسلم - بالإمامة، فلا يجوز لأحد أن يحيي إلا بإذن الإمام وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله؟ قال القرافي ومذهب مالك والشافعي - وأحمد - رحمهم الله تعالى في الإِحياء أَرجح، لأن الغالب من تصرفه - صلى الله عليه وسلم - الفتيا والتبليغ، والدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى. ¬

_ (¬1) الحديث رواه الثلاثة عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه -. وحسنه الترمذي، والمراد بالثلاثة الترمذي وأبو داود والنسائي. سبل السلام جـ 3 ص 115.

القاعدة الثانية: [دار الإسلام]

القاعدة الثانية: [دار الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دار الإسلام دار أحكام (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تتميز دار الإِسلام عن دار الحرب بكون دار الإِسلام داراً تطبق فيها أحكام الإِسلام وينفذ فيها شرع الله سبحانه وتعالى. فأيما دار أَمكن فيها تطبيق وتنفيذ أحكام الله فهي دار إسلام، ولو كان كثير من أهلها كفاراً. وأيما دار لا يمكن فيها تطبيق أحكام الله فهي ليست دار إسلام بل دار حرب، وإن كان أهلها مسلمين. فإذن الذي يميز دار الإِسلام عن دار الحرب هو تطبيق شرع الله وتنفيذه كما أمر الله عَزَّ وَجَلَّ وكما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعلى ذلك فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار بين المسلمين لأَن حكم الإِسلام يجمعهم، هذا إذا كانوا جميعاً يحكمون بشرع الله، وإن انفرد كل حاكم بجزء من أرض الإِسلام يَحْكُمه. وأما في عصرنا الحاضر فقد انقسمت البلاد الإِسلامية إلى دول متعددة وجنسيات مختلفة يحكم منها كل حاكم - ملك أو رئيس أو أمير - يطبق على الناس قوانين وأنظمة وضعية يختلف مصدرها بين بلد وآخر، وعطل شرع الله من أكثرها ومن أكثر أحكامها إلا من رحم الله - وقليل ما هم -، فلم تعد الدار دار إسلام وإن كان سكانها مسلمين، بل بناء ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 33.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

على هذه القاعدة، فإن كل دار لا تحكم بشرع الله هي دار حرب، والله المستعان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المسلم يرث قريبه المسلم إذا كان في بلد غير بلده، وهما من بلاد الإسلام. كما أن الذمي في أي بقعة من دار الإِسلام يرث قريبه الذمي الهالك في غير بلده ما دام في دار الإِسلام. وأما الحربي إذا مات في دار الحرب فلا يرثه قريبه الذمي؛ لإختلاف الدارين وكذلك إذا مات ذمي - وله قريب في دار الحرب - فلا يرثه؛ لاختلاف الدارين. ولكن ماله يصرف إلى بيت المال إذا لم يكن له وارث في دار الإِسلام، كالمسلم الذي لا وارث له إذا مات. ومنها: أن المسلم أو الذمي إذا ارتكب جناية في بقعة من دار الإِسلام وحكم عليه بجناية، ثم فر قبل تنفيذ الحكم إلى بقعة أخرى من بقاع الإِسلام، فإن على حاكم البقعة أن يقبض عليه، فأما يرده إلى بلده لينفذ فيه شرع الله، وأما ينفذ هو شرع الله فيه إذا علم بجنايته والحكم فيها؛ لأَن شرع الله حاكم على جميع من في أرض الإِسلام ما دام حكامها يحكمون به.

القاعدة الثالثة [دار الحرب]

القاعدة الثالثة [دار الحرب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دار الحرب في حكم موضع واحد فيما يبتنى عليه استحقاق الغنيمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما سبق الدار داران: دار إسلام ودار حرب، فدار الإِسلام هي الدار التي يطبق فيها شرع الله ودار الحرب ما سواها، سواء أكان أهلها من ملة واحدة، أم اختلفت أديانهم ومللهم، فكلهم في نظر الإِسلام دار واحدة وملة واحدة. ومفاد القاعدة: إن دار الحرب وإن اختلفت مواضعها فحكمها حكم موضع واحد ودار واحدة فيما يبتنى عليه استحقاق الغنيمة وغيره من الأَحكام. فالغنيمة عند الحنفية لا يستحقها الغانمون بالقسمة إلا إذا أُحرزت في دار الإِسلام، ولا يغير هذا الحكم إذا أُخذت من موضع في دار الحرب ثم نقلت إلى موضع آخر غير دار الإِسلام. فكل مواضع دار الحرب يعتبر في حكم موضع واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا خرج المجاهد بفرسه من دار الإِسلام إلى دار الحرب يعتبر فارساً، ويستحق سهم فارس، حتى لو أعار فرسه لغيره وقاتل راجلا في إحدى المعارك فهو يستحق سهم فارس، إذ يبقى له سهم فارس ما بقي فرسه حيّاً في دار الحرب ولو كان معاراً. ومنها: أن المدد الذي يلحق لمعاونة الجيش والسرية يشاركون العسكر وأَصحاب السرية في الغنيمة ولو لم يقاتلوا إذا التقى المدد والعسكر في دار الحرب. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 982.

القاعدة الرابعة: [داعية الطبع: الوازع الطبيعي]

القاعدة الرابعة: [داعية الطبع: الوازع الطبيعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: داعية الطبع تجزئ عن تكليف الشرع. (¬1) وفي لفظ: الوازع الطبيعي مغن عن الإيجاب الشرعي. (1) وتأتي في حرف الواو إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشرع الحكيم منع المكلفين عن أَشياء وحرمها عليهم كشرب الخمر والزنا والسرقة وغيرها، مما حدَّ عليها حدودا، ورتب على فعلها عقوبات، لقيام بواعثها. ولكن هناك أَشياء حكم الشارع بنجاستها وثبت ضررها، ولكنه لم يحد عليها حدودا، ولم يرتب على الإقدام عليها عقوبات، لأَن طبع الإنسان السوي ينفر من الإقدام عليها. ومن هنا أَقام الشارع الحكيم الوازع الطبيعي ونفرة النفس مقام الإيجاب الشرعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البول والدم والعذرة كلها نجسة، ولم يرتب الشارع على تناولها عقوبة أو حدّاً اكتفاء بأن الوازع الطبيعي عند الإنسان السوي يمنعه من تناول هذه الأشياء لقذارتها. فأقيمت داعية الطبع مقام تكليف الشرع في هذه الأمور وأشباهها. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي ج 1 ص 368.

القاعدة الخامسة [الدافع بغير حق]

القاعدة الخامسة [الدافع بغير حق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدافع بغير حق ضامن كالقابض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومسائلها: المراد بالدافع: المعطي. ومفاد القاعدة: أن من أعطى استحقاقا لغير صاحبه بغير حق أو بغير إذن من صاحبه فهو ضامن لما أعطاه ودفعه؛ لأَن إِعطاءهَ غير صاحبه ظلم وتفريط، فهو ضامن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سلعة ثم دفع ثمنها لغير البائع - بغير إذنه - فهو ضامن للثمن، ولا تبرأ ذمته منه، وللبائع حق حبس السلعة حتى يستوفي الثمن. ومنها: إذا دفع مهر زوجته لأَبيها أو أخيها - بغير رضاها - فهو ضامن ولا تبرأ ذمته من المهر؛ لأَنه دفع لغير صاحب الحق بغير إذن أو رضى منه. ومنها: المودَع الذي أدَّى الوديعة إلى غير المودِع - بغير إذنه - وأَقر على ذلك هو ضامن, لأنه دفع بغير حق. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 92.

القاعدة السادسة [الأعم، الأخص]

القاعدة السادسة [الأَعم، الأَخص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدال على الأعم غير دال على الأخص. (¬1) أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى العام والأَعم والخاص والأَخص. ومفاد القاعدة: أن اللفظ يدل على أَمر عام لا يدل على أَمر خاص بدون قرينة؛ لأَن العام وإن كان يشمل الخاص بعمومه لكنه لا يدل عليه بخصوصه، لاحتمال أَن يدل على غيره مما يشترك معه في أَصل العموم. ولذلك فإن دلالة العام على الخاص لا تكون بدون قرينة مخصصة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لامرأَته "حبلك على غاربك" فهل هذا اللفظ يدل على الطلاق المحرَّم؟ الأَصل أن هذا مَثَل، حقيقته في الحيوان كالفرس أو البقرة التي يريد صاحبها تركها ترعى كما شاءت، فهو يترك حبلها الذي يربطها به على كتفها لتتحرك بحرية في الرعي دون تقييد، فإذا قال لامرأته ذلك فهو إما يريد حقيقة معنى اللفظ فيكون كذبا لا يبنى عليه حكم، وإما أن يريد نقل هذا اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، بأن يشبه المرأَة بالبقرة أو الفرس في مطلق تصرفها وأنه لا حجر عليها، وهذا معنى إنشائي عام لا يتحقق إلا ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 43، جـ 3 ص 36 الفرق 125 ص59 الفرق 127، شرح الكوكب ج 1 ص 135.

بقرينة، وهي نية نقل اللفظ من الإخبار إلى الإنشاء، والإِنشاء عام يشمل إرادة الطلاق وغيره، فإذن لا بد له من نية أخرى تخصصه وهي نية وإرادة المعنى الخاص وهو زوال العصمة، فحينئذ يقع الطلاق (¬1). ومنها: إذا قال لم: أر اليوم أَحدا، (فأحدا) لفظ عام يشمل كل أحد رجلاً أو أُنثى صغيرا أو كبيرا على أي صفة كانت، ولا يجوز حمله على أَحد مخصوص - كزيد - مثلا إلا بقرنية تخصصه، أو على إنسان داخل أو خارج بعينه إلا بقرنية مخصصة. ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 42 - 43 بتصرف.

القاعدة السابعة [المفاسد - المصالح - المنافع]

القاعدة السابعة [المفاسد - المصالح - المنافع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح - أو المنافع. إلا إذا كانت المصلحة أعظم (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من أَدلة ثبوت هذه القاعدة قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬2) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" (¬3). المراد بدرء المفاسد دفعها ورفعها وإزالتها. وإذا تعارضت مفسدة ومصلحة أو مضرة ومنفعة، فرفع المفسدة يقدم في الغالب إلا أَن تكون المفسدة مغلوبة؛ وذلك لأَن اعتناء الشرع بترك المنهيات أَشد من اعتنائِه بفعل المأمورات، لما يترتب على فعل المناهي من الضرر المنافي لحكمة الشارع في النهي. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 46 فما بعدها ولوحة 95 أ، أشباه ابن السبكي ج 1 ص 15، قواعد الحصني ج 1 ص 354، قواعد ابن رجب، القاعدة 109، أيضاح المسالك القاعدة 34، أشباه السيوطي ص 87، 105، قواعد المقري ص 201، أشباه ابن نجيم ص 90، شرح الخاتمة ص 40، المجلة المادة 30، المدخل الفقهي الفقرة 594، قواعد الفقه ص 81 عن أشباه ابن نجيم، الوجيز مع الشرح والبيان 265 ط 4. (¬2) الآية 108 من سورة الأنعام. (¬3) الحديث سبق تخريجه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تحريم الربا والزنا وبيع الخمور مع أن فيها منافع لأَهلها، ولكن المضار الناتجة عنها أشد وأعظم. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: هجرة المرأة المؤمنة من بلاد الكفار إلى بلاد الإسلام ولو لم تجد محرماً، حفاظا على دينها. ومنها: المتحيرة التي ليس لها عادة في الحيض قالوا عليها صلاة الفرائض أَبدا احتياطا لمصلحة الصلاة، ولم تحتط لدرء المفسدة الحاصلة من الصلاة مع الحيض.

القاعدة الثامنة [الدراهم]

القاعدة الثامنة [الدراهم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدراهم لا تكون مضمونة إلا بمثلها. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدراهم جمع درهم، والمراد بالدراهم في هذه القاعدة مطلق المال الذي يعتبر ثمناً للأشياء، سواء أكان دراهم أم دنانير أم ورقا، كما هو السائد في عصرنا. فمفاد القاعدة: أن النقد إنما يكون مضمونا عند فواته أو استهلاكه وهلاكه بمثله نوعا وقدرا، فلا يجوز بنقد آخر، إلا عند العجز فيجوز بالقيمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اقترض من آخر عشرة آلاف ريال أو دينار، فعليه رد مثلها حين حلول الأَجل. ومنها: من غصب من آخر نقدا من عملة معينة وأتلفه فعليه مثله لصاحبه المغصوب منه قدرا وصفة ونوعا. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا اقترض شخص من آخر مبلغا من المال من عملة أو نقد ورقي في زمننا هذا ثم أُلغيت هذه العملة وبطل التعامل بها فعلى المقترض قيمتها يوم اقترضها يؤديها لصاحبها حتى لا يتضرر المقرض. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 22 ص 4.

القاعدة التاسعة [الدراهم والدنانير]

القاعدة التاسعة [الدراهم والدنانير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدراهم والدنانير جنسان صورة ولكنهما جنس واحد معنى ومقصوداً؛ لأن المعنى المطلوب بهما الثمنية (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية ومالك ورواية عن أحمد رحمهم الله تعالى أن الدراهم - وهي النقد المضروب من الفضة - والدنانير وهي النقد المضروب من الذهب - وإن كانا في الواقع جنسين من معدنين مختلفين لكنهما عند التعامل يعتبران جنسا واحدا؛ من حيث إن المعنى المقصود والمطلوب بهما كونهما ثمنا للأشياء. هذا حينما كان الذهب والفضة ثمنا للأشياء وتعامل الناس بهما، ولكن في عصرنا الحالي والتعامل قائم بالعملة الورقية المسماة - بنكنوت - فإن كل عملة تعتبر قائمة بذاتها وجنسا خاصا لا يشبه الجنس الآخر والعملة الأخرى لبلد آخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استدان شخص من آخر مائة دينار، فله أَن يؤدي عنها قيمتها من الدراهم. ومنها: إذا اشترى سلعة بثمن مقدر بالدراهم فله أن يدفع الثمن بالدنانير مقدرا قيمتها بالدراهم. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 22 ص 181 ج 24 ص 165.

ومنها: إذا كان عنده عشرة مثاقيل من الذهب ومائة درهم من الفضة فقد بلغ ما يملكه نصاباً عند الحنفية ورواية عند أحمد (¬1)، وهو قول مالك (¬2) أيضاً، فيخرج عنه الزكاة إذا حال عليهما الحول. وقيل: يضمان بالقيمة؛ فمن كان عنده تسعة مثاقيل تساوي مائة درهم، وعنده أيضاً مائة درهم ضما إلى بعضهما ووجبت فيها، الزكاة وقيل: يكمل أَحدهما بالأَحظ للفقراء من الأَجزاء أو القيمة (¬3). ¬

_ (¬1) المقنع ج 1 ص 330. (¬2) الكافي لابن عبد البر ج 1 ص 285. (¬3) المقنع جـ 1 ص 330.

القاعدة العاشرة [الريب]

القاعدة العاشرة [الريب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. (¬1) حديث شريف ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نص حديث نبوي كريم رواه أبو داوود والطيالسي (¬2) وأحمد وأبو يعلى (¬3) الموصلي في مسانيدهم، كما رواه الدارمي (¬4) والترمذي والنسائي وآخرون عند الحسن بن علي رضي الله عنهما. وقال الترمذي حديث: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح ¬

_ (¬1) المبسوط ج 1 ص 85. (¬2) الطيالسي: هو هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم أبو الوليد من كبار حفاظ الحديث من أهل البصرة. وقالوا فيه: الحافظ الإمام الحجة، روى عن البخاري رحمه الله 107 أحاديث. تهذيب التهذيب ج 1 ص 45 فما بعدها مختصرا. الأعلام جـ 8 ص 87. (¬3) أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، الحافظ الثقة، محدث الموصل عاش 97 سنة وتفرد فرحل الناس إليه، توفي بالموصل سنة 307 الأعلام ج 1 ص 171. (¬4) الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل التميمي الدارمي السمرقندي أبو محمَّد، الحافظ سمع بالحجاز والشام ومصر والعراق وخراسان من خلق كثير واستقضى على سمرقند فقضى قضية واحدة واستعفى فأعفي، أظهر علم الحديث بسمرقند، له مسند الدارمي المسمى سنن الدارمي توفي سنة 255 هجري. الأعلام جـ 4 ص 95.

الإسناد، وصححه ابن حبان. (¬1) ومعنى يريبك يقال: رابه يريبه وأرابه يريبه ريبة، وهي الشك والتردد. فمفاد الحديث: إذا شككت في شيء فدعه إلى ما لا شك ولا ريب فيه. أي إذا شككت في حل شيء وحرمته والتبست عليك الأمور ولا مرجح فدع ما شككت فيه فهو أَسلم لدينك؛ لأَن ترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع. وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي (¬2) مرفوعاً: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس". وقال الخطابي (¬3): كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه وهو على ثلاثة أقسام: واجب ومستحب ومكروه: فالواجب ما يستلزمه ارتكاب المحرم - أي أن يكون الشك في حل شيء وحرمته. والمندوب: اجتناب معاملة من أَكثر ماله حرام، والمكروه اجتناب الرخص المشروعة على سبيل التنطع (¬4). ¬

_ (¬1) كشف الخفاء ج 1 ص 406. وموسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 5 ص 14 والمقاصد الحسنة ص 214 حديث رقم 490. (¬2) عطية بن عروة السعدي - ويقال ابن سعد - من سعد بن بكر بن هوازن صحابي نزل الشام روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أحاديث. تهذيب التهذيب جـ 7 ص 227. (¬3) حمد بن محمَّد بن إبراهيم الخطابي البستي أبو سليمان من نسل زيد بن الخطاب - رضي الله عنه - له معالم السنن شرح سنن أبي داود وغيره - توفي في بلدة بست سنة 388 هجري. الأعلام جـ 2 ص 273 مختصراً. (¬4) فتح الباري جـ 4 ص292، بتصرف.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أرسل كلبه المعلم على صيد وشاركه كلب غير معلم أو غير مسمى عليه فيجب عدم أكل الصيد للشبهة، وفيه حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أُرسل كلبي وأُسمي فأجد معه على الصيد كلبا آخر لم أُسَمِّ عليه ولا أدري أَيهما أخذ. قال: لا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تُسَم على الآخر (¬1). ومنها: من تزوج امرأة ثم قيل إنك قد أرضعتك أمها، أو جاءت امرأة وقالت: قد أرضعتكما. فالورع الترك وبطلان النكاح. ¬

_ (¬1) فتح الباري جـ 4 ص 292 حديث رقم 2054.

القاعدة الحادية عشر [الدعوة]

القاعدة الحادية عشر [الدعوة] أولاً: لفظ ورود القاعدة دِعوة الكافر لا تعارض دِعوة المسلم (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدِعوة: قال الأزهري (¬2): الدعوة بالكسر: ادعاء الولد. فمفاد القاعدة: أن ادعاء المسلم الولد لا يعارضه ادعاء الكافر؛ لأَن تصرف المسلم في ملكه أنفذ من تصرف الكافر. والدِعوة تصرف. ولأن دِعوة المسلم راجحة بالإِسلام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جارية بين شريكين أحدهما ذمي - علقت - أي حملت فادعى ولدها كل منهما. فهو ابن للمسلم وترجح دعوته بالإِسلام لما فيه من ثبوت حكم الإِسلام للولد. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 17 ص 126. (¬2) الأزهري أبو منصور محمَّد بن أحمد بن طلحة الهروي الشافعي ولد بهراة من مدن أفغانستان سنة 282 هجرية كان إماماً في اللغة بصيراً في الفقه عالى الإسناد، صاحب كتاب تهذيب اللغة توفي سنة 370 هجرية. من مقدمة كتاب تهذيب اللغة ج 1.

القاعدة الثانية عشرة: [دعوى السبب]

القاعدة الثانية عشرة: [دعوى السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دعوى السبب كدعوى الحكم الثابت بالسبب. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدعوى: الإدعاء والإخبار. فمفاد القاعدة: أن ذكر السبب والإخبار به يكون في قوة دعوى الحكم الثابت بالسبب، لأن الحكم مبني على السبب، فذكر السبب والمطالبة به يكون أَساساً للحكم المبني على ذلك السبب. فمن ادعى سبباً كان كمن ادعى حكماً ثابتاً بذلك السبب، فذكر السبب وسيلة للمطالبة بالحكم المبني عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وادع المسلمون المشركين علي مئة رأس يؤديها المشركون كل سنة، فإذا جاؤوا بها وقالوا كانوا أحراراً ولكنا قهرناهم بإذن ملكنا في دارنا حتى صاروا عبيداً لنا، وقال القوم: ما قهرونا ولا عرضوا لنا إلا عندكم. فالقول قولهم. ولا يحل للمسلمين أن يأخذوهم لأنهم يدعون عليهم سبب الرق - وهو القهر -، وهم ينكرون ذلك، فلا يقضى بِرِقِّهم حتى تقوم الحجة للمدعي، كأن يعترف المائة رأس بأنهم عبيد لهم. (¬2) ومنها: إذا ادعي على أحد سبب للرق وهو ينكر فلا يقضى بِرقِّه ¬

_ (¬1) شرح السير جـ 5 ص 1728، وقواعد الفقه ص 81 عنه. (¬2) نفس المصدر بتصرف.

حتى تقوم الحجة للمدعي. ومنها: إذا ادعى صاحب الوديعة على الأمين أنه أتلفها، وقال الأمين - أنها قد تلفت - بغير تعد ولا تقصير مني، فالقول قوله مع يمينه لأن المودع يدعي عليه سبب الضمان وهو تعمد الإتلاف، وهو ينكر هذه الدعوة.

القاعدة الثالثة عشرة: [الدعوى بالمجهول]

القاعدة الثالثة عشرة: [الدعوى بالمجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدعوى بالمجهول فاسدة. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدعوى بالمجهول فاسدة أي باطلة لا تقبل، ولا يجوز للقاضي أن يسمعها أو يطالب المدعي بالبينة، أو المدعى عليه باليمين، لأن كونها دعوى على مجهول دليل بطلانها. كما سبق في قواعد حرف الجيم رقم 23. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى شخص على آخر أنه استهلك ماله، أو اغتصبه، وقال لا أدري مقداره. فإن هذه الدعوى غير مقبولة ولا يلتفت إليها، ولا يستحلف المدعي عليه. ومنها: إذا ادعى أن فلاناً أوصى له بمال لا يعلم مقداره/ لا تقبل دعواه ولا يلتفت إليه. (¬2) رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا اتهِم وصي الميت أو قيم الوقف باستهلاك مال اليتيم أو مال الوقف، يستحلف، وإن لم يكن هناك شيء معلوم، نظراً للصغير والوقف. ¬

_ (¬1) الفرائد البهية ص 21 عن الخانية جـ 2 ص 378 هامش الهندية. (¬2) الخانية جـ 2 ص 338.

القاعدة الرابعة عشرة: [الدعوى على الغائب]

القاعدة الرابعة عشرة: [الدعوى على الغائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدعوى على الغائب بما هو سبب على الحاضر تسمع ويقضى بها. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الدعوى أن تكون على حاضر، أصيل أو وكيل، ولا تسمع دعوى على غائب. لكن مفاد هذه القاعدة: أن الدعوى إذا كانت بسبب من حاضر وغائب أنها تسمع ويقصى بها، ولو كان فيها حكم على الغائب، لأن الحاضر مدعى عليه أيضاً بسبب متحد بينه وبين الغائب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل أتي بآخر للقاضي وقال: هذا كفل لي بمالي على فلان الغائب - بأمره - ولي على فلان الغائب ألف قَبْلَ كفالته. فأنا أطالبه بها باعتباره كفيلاً بأَمر الغائب. وأقر الرجل بالكفالة وأنكر المال. فأقام المدعي البينة على الألف قبل كفالته. فتقبل بينته ويقضى بالكفالة والمال؛ لأنه ادعي على الغائب ما هو سبب لَحِقِّه على الحاضر. فينتصب الحاضر خصماً عن الغائب ويكون القضاء عليه قضاء على الغائب. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 84 عن الفتاوي الخانية - كتاب فيما يقضى القاضي في المجتهدات جـ 2 ص 455.

ومنها: إذا أقام رجل دعوى على شريك في شركة مفاوضة - والشريك الآخر غائب - تقبل الدعوى، لأن شركة المفاوضة ينوب فيها كل واحد عن الآخر، والحكم على الحاضر هو حكم أيضاً على الغائب لوحدة السبب ووحدة المال في هذه الشركة. إلا إذا كانت الدعوى على أحد الشريكين بسبب سابق على وجود الشركة. ومنها: رجلان شهدا على رجل بحق من الحقوق فقال المشهود عليه: هما عبدان. فقالا: كلنا عبدين إلا أنا اعتقنا، وأقاما البينة على ذلك، فإن القاضي يقضي بعتقهما، ويكون ذلك قضاء على مولاهما، حتى لو حضر المولى وأنكر العتق لا يلتفت إلى إنكاره (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوي الخانية جـ 2 ص 456.

القاعدة الخامسة عشرة: [الدعوى المتناقضة]

القاعدة الخامسة عشرة: [الدعوى المتناقضة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدعوى مع التناقض لا تصح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الدعوى أن تكون على أمر واضح بيِّن، وأن يَثْبت المدعي على دعواه حتى النهاية بالقضاء له أو عليه. بمعنى أن يبقى مدعياً بما ادعاه حتى يقيم البينة على ما يدعيه، أو توجه اليمين على خصمه المدعى عليه عند عدم البينة، وحتى يحكم القاضي في القضية. ولكن إن ظهر تناقض من المدعي في دعواه بأن ذكر في آخر كلامه ما ينقض أوله فتعتبر الدعوى باطلة ولا تقبل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة: إذا كفل رجل عن رجل بألف ريال بأَمره، ثم غاب الأصيل، فادعى الكفيل أن الألف من ثمن خمر - ليسقط الكفالة ولا يؤدي المال - لأن الخمر ليست مالاً بالنسبة للمسلم - فإن هذا الكفيل ليس بخصم في ذلك؛ لأنه التزم المطالبة بكفالة صحيحة، والمال يجب على الكفيل بالتزامه بالكفالة - وإن لم يكن واجباً على الأصيل - لأن الكفيل مناقض في دعواه؛ لأن التزامه بالكفالة إقرار منه أن الأصيل مطالب بهذا المال - والمسلم لا يكون مطالباً بثمن خمر - فيكون الكفيل مناقضاً في قوله: إن المال ثمن خمر، فهو التزم بالكفالة أَوَّلاً ثم أراد التهرب منها ثانياً بادعاء أَن المال من ثمن خمر حتى لا يلزم بأداء المكفول. ولذلك لا يقبل قوله: إن الألف من ثمن خمر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 85.

القاعدة السادسة عشرة: [تبعيض الدعوى]

القاعدة السادسة عشرة: [تبعيض الدعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة الدعوي هل تتبعض أو لا؟ (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتبعيض: جعل الدعوى أبعاضاً أي أقساماً وأجزاء بحيث يؤخذ ببعضها ويهمل بعض آخر. ومفاد القاعدة: أن الدعوى هل يمكن أن تقسم وتجزأ بحيث يحكم ببعض أجزائها دون بعض؟ خلاف عند المالكية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أقر رجل بطلاق امرأته ولكنه قال: طلقتها على مال - وذكره -. واعترفت الزوجة بوقوع الطلاق ولكنها أنكرت أنه على مال. فالدعوى هنا تتضمن شيئين: الطلاق، والمال. والطلاق معترف به من كليهما، والمال تنكره المرأة، فهل تحلف المرأة أنه طلقها على غير مال؟ فإذا حلفت لزم الطلاق وسقط المال. أو هل يحلف الزوج على ما قاله ويستحق المال. خلاف. ومنها: إذا قال: طلقت وأنا مجنون. فهل يلزم الطلاق؟ عند ابن ¬

_ (¬1) أيضاح المسالك القاعدة التاسعة والتسعون.

القاسم (¬1) لا يلزم الطلاق إذا علم أنه مجنون، وقال اللخمي (¬2) وسحنون (¬3). يلزم الطلاق. ¬

_ (¬1) ابن القاسم: هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري الفقيه صحب مالكاً عشرين سنة يأخذ عنه العلم والفقه الحديث وهو ناقل مذهبه وناشره، مات سنة 191 هـ، (تهذيب التهذيب جـ 6 ص252. (¬2) اللخمي: علي بن محمَّد الربعي، أبو الحسن أصله من القيروان، من فقهاء المالكية الكبار توفي بصفاقس سنة 478. الأعلام جـ 4 ص 328، والفكر السامي جـ 2 ص 215. (¬3) وسحنون بن سعيد تقدمت ترجمته واسمه عبد السلام التنوخي.

القاعدة السابعة عشرة: [دفع الدعوى]

القاعدة السابعة عشرة: [دفع الدعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دفع الدعوي صحيح، وكذا دفع الدفع. وكما يصح الدفع قبل إقامة البينة يصح بعدها، وكما يصح قبل الحكم يصح بعده. وكما يصح عند الحاكم الأول يصح عند غيره. وكما يصح قبل الاستمهال يصح بعده. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مهمة جداً، وهي معمول بها الآن في كل البلدان وكل الأَنظمة، والدفع في اللغة - كما قال ابن فارس - التنحية، والمراد بالدفع هنا: نقض الدعوى وتنحية المدعي وصرفه عن دعواه. والبينة: الشهود، والأَدلة. والاستمهال: طلب المهلة لإِقامة البينة واستيفاء الأَدلة. فمفاد القاعدة: أن للمدعى عليه دفع دعوى خصمه ونقضها، كما أَنَّ للمدعي دفع ذلك الدفع ونقضه. والدفع يصح ويجوز في كل الحالات سواء قبل الحكم للمدعي أو بعده، وقبل إقامة البينة أو بعدها، ويصح أيضاً عند الحاكم الأول وعند غيره. كما يصح قبل استمهال المدعي للاتيان ببينته أو بعده. وهذه القاعدة مهمة لأنها تقيم الدليل على جواز جعل المحاكم درجات - كما هو حاصل الآن - وحق المدعى عليه في استئناف الدعوى، وحق المدعي في استئناف آخر بعد استئناف المدعى عليه حتى تصل القضية ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية، الفائدة 218 ص 175 عن جامع الفصولين ص 113 الفصل العاشر.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

إلى محكمة النقض أو إلى أعلى محكمة في البلاد حيث يكون حكمها ملزماً لا يجوز دفعه ولا رفعه ولا نقضه، وذلك لوجوب إنهاء النزاع حتى لا يستمر إلى غير نهاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: برهن مدع على مال له على آخر وحكم له به، ثم برهن خصمه أن المدعي أقر قبل الحكم أنه ليس عليه شيء، يبطل الحكم. وقيل لا يبطل الحكم لاحتمال حدوث الدين بعد إقراره. ومنها: حكم له بمال ثم رفعا إلى قاض آخر وجاء المدعى عليه عند القاضي الثاني بالدفع، قالوا: يسمع الدفع ويبطل الحكم الأول. ومنها: إذا ادعى المدعى عليه البراءة واستمهل يومين فلم يأت بالدفع وحكم عليه، ثم أتى بالبينة وبرهن على البراءة فالمختار أنه تقبل ويبطل الحكم. وهذا يخالف المعمول به في المحاكم بأن للاستئناف مدة محددة لا يقبل بعدها. رابعاً: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال المدعى عليه: لي دفع ولم يبين وجهه لا يلتفت إليه ويحكم عليه. ومنها: إذا قال: لي بينة غائبة عن البلدة وبَيَّن وجه الدفع لا يقبل. أما لو ادعى إيفاء الدين وقال: لي بينة في البلدة. يمهله القاضي إلى مجلس أخر فإن لم يبرهن يحكم عليه. (¬1) ¬

_ (¬1) جامع الفصولين ص 113 بنوع تصرف.

القاعدة الثامنة عشرة: [دفع الضرر]

القاعدة الثامنة عشرة: [دفع الضرر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: دفع الضرر واجب بحسب الامكان. (¬1) وفي لفظ: الضرر يدفع بقدر الامكان. (¬2) وتأتي في قواعد حرف الضاد إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دفع الضرر قبل وقوعه، أو رفعه بعد وقوعه واجب، لأن الضرر في الشرع ممنوع ومدفوع. ولكن دفع الضرر ليس مطلقاً، بل هو مشروط بحسب الإمكان والقدرة، حيث إن دفع الضرر بضرر مثله لا يجوز، ودفعه بضرر أعلى منه أولى بعدم الجواز؛ لأن دفع الضرر لما فيه من المفسدة، فدفعه بضرر أعلى منه أو مثله لا يزيل المفسدة، بل قد يزيدها. والأصل أن يزال الضرر ويدفع بغير ضرر أصلاً، أو بضرر أخف قدر الإمكان - أي الاستطاعة -؛ لأن التكليف الشرعي مقترن بالقدرة على التنفيذ ومقيد بالوسع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع الجهاد لدفع شر الأعداء، ووجبت العقوبات لقمع الاجرام، وصيانة الأمن، ووجب سد ذرائع الفساد وأبوابه من جميع أنواعه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 94 وجـ 30 ص 197. (¬2) المجلة المادة 31، المدخل الفقهي الفقرة 587، الوجيز مع الشرح والبيان ص 198.

ومنها: شرع حق الشفعة لدفع الضرر المتوقع من الشريك أو الجار. ومنها: شرع الحجر على المفلس والسفيه لدفع ضرر سوء تصرفاتهما المالية. ومنها: إذا غصب ثوباً ثم صبغه، فإن المغصوب منه له الحق في استرداد ثوبه، ولكن دفع الضرر عن الغاصب بإيجاب قيمة صبغه على المغصوب منه - لكن هذا مشروط بأن يكون الصبغ يزيد من قيمة الثوب لا أن ينقصها. فإذا كان الصبغ ينقص من قيمة الثوب فعلى الغاصب ضمان ما نقص الثوب. كل ذلك إلى جانب العقوبة التعزيرية للغاصب.

القاعدة التاسعة عشرة: [دفع الضرر]

القاعدة التاسعة عشرة: [دفع الضرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دفع الضرر عن المسلمين واجب. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى سابقتها، ولكن تلك تفيد دفع الضرر عن العامة والخاصة، وهذه مفادها دفع الضرر عن الإِسلام وأهله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال أمير المسلمين لأهل حصن: لا أَمان لكم إن آمنكم مسلم أو أتاكم برسالة مني حتى آتيكم أنا فأؤمنكم بنفسي. فإذا أَتاهم مسلم وقال: إني رسول الأمير إليكم قد آمنكم - وكان كاذباً - فنزلوا على ذلك، فهذا الأَمان باطل، وهم فيء؛ لأن الأمير اشترط عليهم أن لا يؤمنهم إلا هو - لمصلحة المسلمين - وقد تقدم إليهم بذلك، فنزولهم على أمان غيره لا يعتبر أماناً؛ لأن قول الأمير بمنزلة النبذ لكل أمان إليهم، إلا أمانا يسمعونه من لسانه. ومنها: على من ولي أمراً من أمور المسلمين أن يكون همه مصلحة الإسلام والمسلمين ودفع الضرر عنهم ما أَمكنه، والتهاون في ذلك خيانة لمن ولاه الله أمرهم. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 581.

القاعدة العشرون [دفع ما ليس بواجب]

القاعدة العشرون [دفع ما ليس بواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة دفع ما ليس بواجب عليه يُسْتَرد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب على المكلف أداء ما يجب عليه أداؤه. فإذا دفع ما وجب عليه فقد أَدَّى ما عليه وبرئت ذمته، ولا حق له في استرداد ما دفعه بعد ذلك. ولكن إذا حدث أن أَدَّى إنسان ما لا يجب عليه بطريق الخطأ، فله حق استراد واسترجاع ما دفعه، ولا حق لآخذه في منعه منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب على إنسان زكاة ماله فأعطاه لمصرفها، فليس له أن يستردها بعد ذلك؛ لأنه دفع واجباً عليه لمن يستحقه. لكن إذا دفع رشوة فله حق استرداد ما دفع، لأن دفع الرشوة ليس بواجب عليه بل هو محرم عليه. ومنها: من دفع لشفيع مالا ليترك شفعته فله حق استرداد ما دفع؛ لأنه ليس للشفيع حق أخذ مال بدلا من شفعته، ولرضاه بأخذ المال سقطت شفعته، ويجب عليه رد المال إلى صاحبه. ومنها: إذا انفق على منكوحة بما فرضه القاضى ثم تبين فساد النكاح، بأن شهدوا بأنها أخته من الرضاع. أو أن العقد تم قبل انتهاء عدتها من زوج آخر - وفرق بينهما - رجع الزوج بما أَخذت منه؛ لأنه تبين أنها أخذت بغير حق. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 41، عن أشباه ابن نجيم، كتاب الغصب جـ 3 ص 220 مع شرح الحموي.

القاعدة الحادية والعشرون: [الدفع لغرض]

القاعدة الحادية والعشرون: [الدفع لغرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدفع إذا كان لغرض لا يجوز الاسترداد إذا كان باقياً. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تقابل سابقتها، ومفادها: أن من دفع مالاً لغرض مشروع فلا يجوز له استرداد ما دفع ما دام الغرض المدفوع لأجله باقياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من بلغ ماله نصاباً وقبل حولان الحول عَجَّل دفع زكاته إلى الساعي أو إلى الفقراء، فلا يجوز له استرداد ما عجل ما دام النصاب باقياً إلى تمام الحول. ولكن إذا نقص النصاب قبيل تمام الحول فيجوز له الاسترداد؛ لأن الغرض لم يبق. ومنها: إذا دفع المكفول عنه - أي الأصيل - المال إلى الكفيل - قبل دفع الكفيل من عنده إلى الطالب - الدائن - ليؤديه إليه، لا يسترده منه ما دام هذا الغرض باقياً؛ لأنه تعلق به حق القابض على احتمال أدائه للدين. بخلاف ما إذا دفع المال إلى الكفيل على غرض دفعه إلى رب الدين، ثم أدى بنفسه قبل أداء الكفيل، فإنه يسترده لعدم بقاء الغرض. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 41

القاعدة الثانية والعشرون: [الدفع - الرفع]

القاعدة الثانية والعشرون: [الدفع - الرفع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدفع أسهل - أولى - أقوى من الرفع (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدفع: المراد به الاحتياط للأمر والإعداد له قبل وقوعه، وهذا من باب الوقاية خير من العلاج. فالدفع يكون قبل الثبوت والرفع بعده. وأما الرفع: فهو إزالة الضرر بعد وجوده ووقوعه. فمفاد القاعدة: إن أخذ أسباب الوقاية قبل نزول البلاء أيسر وأولى من ترك البلاء حتى ينزل ثم رفعه بعد ذلك. والتعبير بأسهل وأولى يراد به بالنسبة للمكلف أو المكلفين، وأما كونه أقوى - وهو تعبير الزركشي - فالمراد به حقيقة الدفع أمام الرفع لا بالنظر للمكلف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أريد تولية إمام أو مسؤول فلا يولى إلا من استوفى الشروط المطلوبة في من أريد توليته بحسب المهمة التي يراد توليته لأجلها. ولا يولى من لم يستوف هذه الشروط. وأما إذا وَلِّي الإمام المستوفي للشروط ثم فسق فلا يعزل، لصعوبة الرفع ولما يسببه ذلك من أمور قد لا تحمد عقباها، أو لأن إثبات الفسق يصعب تحقيقه. ومنها: أن الشهادة على جرح الشاهد قبل تعديله تكون مقبولة؛ ¬

_ (¬1) الأشباه لابن السبكي ج 1 ص 127، المنثور للزركشي جـ 2 ص 155، أشباه السيوطي ص 138، قواعد المقري جـ 2 ص 374، الفرائد البهية ص 88.

لأنه دفع للشهادة قبل ثبوتها. ومنها: السفر قبل الشروع في الصيام يبيح الفطر، ولو سافر في أثناء يوم من رمضان لا يبيحه. ومنها: أن الزوج يملك منع زوجته من حج الفرض، فإن شرعت فيه بغير إذنه ففي جواز تحليلها قولان. ومنها: وجود الماء بعد التيمم وقبل الصلاة يمنع الدخول فيها، ولو دخل فيها بالتيمم ثم وجد الماء أثناء الصلاة لا يبطلها حيث تسقط عنه بالتيمم، عند بعض الفقهاء. وقيل: تبطل ويجب عليه الوضوء.

القاعدة الثالثة والعشرون [دلالة الإذن - الإذن العرفي].

القاعدة الثالثة والعشرون [دلالة الإِذن - الإِذن العرفي]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: دلالة الإذن من حيث العرف كالتصريح بالإِذن (¬1). وفي لفظ: الإِذن العرفي في الإِباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة كالإِذن اللفظي (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الدلالة غير التصريح من إشارة أو عرف أو حال أو غير ذلك. وأما التصريح فهو: القول الصريح باللفظ الواضح أو الكتابة المستبينة. والدلالة إما أن تكون دلالة حال أو دلالة عرف وموضوع القاعدتين دلالة العرف. فمفاد القاعدتين: أن ما دل على الإذن بفعل شيء أو تملكه أو تناوله وكان ذلك معروفاً بين الناس فهو في قوة التصريح بالإذن. دليل جواز الرجوع إلى الدلالة قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ} (¬3). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من فتح باب داره لزائره وأشار له بالدخول فيباح للزائر الدخول بهذه الإشارة - وإن لم يتلفظ رب الدار، لجريان العرف بذلك، وتكون ¬

_ (¬1) المبسوط ج 24 ص 7. (¬2) القواعد النورانية ص 114 - 115. (¬3) الآية 46 من سورة التوبة.

هذه الدلالة في قوة التصريح النطقي بالإِذن في الدخول. ومنها: إذا وضع الطعام بين يدي الضيف، فهو دلالة على جواز وإباحة تناوله وأكله عرفاً. ومنها: لما وكل النبي - صلى الله عليه وسلم - عروة بن أبي الجعد (¬1) - رضي الله عنه - في شراء شاة بدينار، فاشترى شاتين باع إحداهما بدينار وجاء بدينار وشاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة في بيعه". (¬2) وكذلك عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) عروة بن الجعد أو ابن أبي الجعد الأزدي البارقي، سكن الكوفة، جاء عنه ثلاثة أحاديث، تهذيب التهذيب جـ 7 ص 178. (¬2) الحديث أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود.

القاعدة الرابعة والعشرون [التصريح - الدلالة]

القاعدة الرابعة والعشرون [التصريح - الدلالة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: دلالة الإذن تنعدم بصريح النهي (¬1) وفي لفظ: دلالة الحال والعرف يسقط اعتبارها إذا صرح بخلافها. (¬2) وفي لفظ: الدلالة يسقط اعتبارها حين التصريح بخلافها. (¬3) وفي لفظ: لا عبرة للدلالة في مقابلة الصريح (¬4) وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تؤدي معنى مشتركا - وإن كان بعضها أعم دلالة من بعض - وهو أَن الدلالة سواء أكانت دلالة الإذن أم دلالة الحال، أم دلالة العرف أو غيرها من الدلالات فكلها يسقط اعتبارها إذا وجد التصريح بخلافها؛ لأَن الصريح أقوى من الدلالة؛ لأنه الأصل .. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الأمين له السفر بالوديعة دلالة، فأما إذا نهاه المودع عن السفر بها صراحة فليس له السفر بها؛ لأَن التصريح أقوى من الدلالة. ومنها: إذ قبض الأب مهر ابنته البالغة من الزوج فعلمت ¬

_ (¬1) شرح السير ص 175 (¬2) نفس المصدر ص 290، 539. (¬3) نفس المصدر ص173. (¬4) جامع الفصولين الفصل الرابع والثلاثون، شرح الخاتمة ص 64. مجلة الأحكام المادة 13، الوجيز ص 139.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

وسكتت، كان سكوتها إذنا منها بالقبض دلالة ويبرأ الزوج؛ لأَن ما كان السكوت فيه كالنطق فهو من قبيل الدلالة. ولكن إذا صرحت البنت بالنهي فلا يجوز قبض الأب عليها ولا يبرأ الزوج. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: دلالة الشرع - في أن الولد للفراش - أَقوى في ثبوت النسب من تصريح منكر جماع المطلقة رجعيا أو إنكاره أَنه راجعها في العدة بقوله: لم أجامعها أو لم أراجعها، إذ يعمل بدلالة الشرع وينسب الولد إليه، لأَن دلالة الشرع أقوى من صريح العبد؛ لأَن دلالة الشرع لا تحتمل الكذب بخلاف تصريح العبد.

القاعدة الخامسة والعشرون [دلالة الحال]

القاعدة الخامسة والعشرون [دلالة الحال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دلالة الحال في الكنايات تجعلها صريحة وتقوم مقام إظهار النية. (¬1) عند مالك وأحمد رحمهما الله تعالى ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دلالة الحال: يراد بها ما دلت عليه القرائن، والمراد بالحال الوضع العام للمسألة المبحوثة، وهو ما يسمى البساط عند المالكية. فمثلا من دلالات النكاح: اجتماع الناس وتحدثهم بما اجتمعوا له، وإظهار الزينات فهذه دلالات على أن المراد بهذا الاجتماع هو النكاح، فوجود هذه الدلالات مع العبارات والألفاظ الكنائية تجعل المراد وكأنه مصرح به، ويقوم وجود هذه الدلالات مقام إظهار النية، وعند الحنفية يصح بكل لفظ يدل على التمليك في الحال (¬2). ينظر القاعدة رقم 314 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال ولي الزوجة للزوج: مَلّكتكها بألف درهم. جاز النكاح بهذا اللفظ؛ لأَن الحاضرين يعلمون بالاضطرار أن المراد به الإِنكاح. ومن هنا قال ابن تيمية رحمه الله: أن العقود تصح بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، وهي التي تدل عليها أُصول الشريعة وتعرفها القلوب (¬3). ¬

_ (¬1) الفتاوي الكبرى ج 29 ص 10، القواعد النورانية ص 108. (¬2) مجمع الأنهر جـ 1 ص 319. (¬3) القواعد النورانية ص 110

القاعدة السادسة والعشرون [دلالة المجموع]

القاعدة السادسة والعشرون [دلالة المجموع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دلالة المجموع على القطع - مع ظنية الاحاد - جائز بانضمام دليل عقلي. (¬1) أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: خبر الواحد المجرد يفيد الظن ولا يفيد اليقين؛ لوجود الاحتمال بخطئه أو كذبه. ولكن إذا تأيد هذا الخبر بوروده من طرق متعددة، أو انضم إليه أخبار أخرى تؤيده فإن هذا المجموع يفيد اليقين والقطع؛ لأَن العقل يجزم بامتناع اجتماع العدد الكثير على الكذب - وإن لم يبلغ هذا المجموع حد التواتر؛ لأَن رجحان المظنون يتزايد بكثرة الأمارات إلى أن تبلغ حد القطع. والعلم القطعي عند العلماء له معنيان: الأول ما يقطع الاحتمال أصلاً كالمحكم والمتواتر. والثاني: ما يقطع الاحتمال الناشئ عن الدليل، كالظاهر والنص والخبر المشهور المستفيض. فالأول يسمونه علم اليقين. والثاني علم الطمأنينة. والقاعدة تشمل كلا النوعين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأخبار الواردة في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة. ومنها: الأخبار الواردة في جواز المسح على الخفين. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 42، عن التلويح شرح التنقيح ج 1 ص 242

القاعدة السابعة والعشرون [الدلالة في الأحكام]

القاعدة السابعة والعشرون [الدلالة في الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة الدلالة فى بعض الأحكام كالصريح، خصوصا فيما بني على التوسع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد سبق في أكثر من قاعدة أن للدلالة حكم الصريح في كثير من الأَفعال والتصرفات وبخاصة دلالة العرف. ولكن هذه القاعدة تخص نوعا من الأحكام تكون فيه الدلالة كالصريح وذلك في الأحكام التي مبناها على التوسع كالمعاملات والأمان، ولكن بشرط أن يكون الخبر الذي بنيت عليه الدلالة حقا - أي صادقا غير كاذب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبر فضولي بكرا بأن وليها زوجها. فسكتت يعتبر سكوتها رضا بالنكاح. ومنها: إذا أخبر فضولي الشفيع ببيع ما يستحق شفعته، فسكت عن الطلب. سقطت شفعته. لكن بشرط أن يكون البيع قد وقع فعلا قبل الإخبار. ومنها: إذا أَبلغ الوكيلَ فضوليٌ بأن الموكّل قد عزله عن الوكالة فيعتبر تصرفه باطلا بعد هذا الخبر. والعلة في قبول هذه الأَخبار وبناء الأحكام عليها أنه متى كان الخبر ¬

_ (¬1) المبسوط ج 25 ص 32

حقا فالمخبر كأَنه رسول الأصيل فكأن الأصيل قد أمر الفضولي أن يبلغ الخبر دلالة، ولكن هل يشترط في المبلغ العدد والعدالة كلاهما أو أحدهما. أو لا يشترط خلاف. ومنها: إذا قال أمير الجيش المسلم في مجلسه قد أَمنت أهل هذا الحصن - لحصن يحاصرونه - فذهب مسلم أو ذمي فاخبرهم - بغير إذن الأَمير - فهم آمنون إذا نزلوا ولا يحل استرقاقهم أو قتلهم. (¬1) ومنها: لو أن مسلما من أهل العسكر أشار إلى مشرك في حصن أَن تعال، أو أشار إلى أهل الحصين أن افتحوا، أو أشار إلى السماء، فظن المشركون أن ذلك أمان ففعلوا فهم آمنون. (¬2) ¬

_ (¬1) شرح السير ص 363 (¬2) شرح السير 286

القاعدة الثامنة والعشرون [الدلالة في المقادير]

القاعدة الثامنة والعشرون [الدلالة في المقادير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدلالة في المقادير التي لا يسوغ الاجتهاد في إثبات أصلها متى اتفقت فى الأقل واضطربت في الزيادة يؤخذ بالأقل فيما وقع الشك فى إثباته، وبالأكثر فيما وقع الشك في إسقاطه. (¬1) تحت قاعدة اليقين لا يزول بالشك ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ورد عن الشرع تقدير أشياء، ولكن اختلف في تلك المقادير بالزيادة أو النقصان. مفاد القاعدة أمران: الأول: أنه إذا اتفقت الأَقوال الواردة في مقدار الشيء في الأقل، واضطربت واختلفت في الزيادة أنه يؤخذ بالأَقل، لأنه المتيقن، والأكثر مشكوك فيه، وهذا يسميه الأصوليون الأخذ بأقل ما قيل. والأمر الثاني: أنه يؤخذ بالأَكثر إذا وقع الشك في إسقاطه. وفي كلا الأمرين إِنما يكون البناء على المتيقن لا المشكوك فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند أبي حنيفة رحمه الله: أن للفارس من الغنيمة سهمان، سهم له وسهم لفرسه، وللراجل سهم؛ لأَن إعطاء السهمين للفارس متفق عليه والأكثر مختلف فيه، لأَن عند غير أبي حنيفة أن للفارس ثلاثة أسهم، ¬

_ (¬1) قواعد الفقه عند تأسيس النظر ص 151

سهم له وسهمان لفرسه (¬1)، وهو الأرجح. ومنها: أمثلة للثاني: أن كفارة اليمين من الإطعام هل هي مد لكل مسكين؟ أو مدان. فقال الحنفية: بوجوب المدَّين؛ لأَن سقوط الكفارة عن ذمته دخله الاشتباه باخراج المد، ووجب الأَخذ بالأكثر للاحتياط في إبراء الذمة. ومنها: أن التكبيرات في أيام التشريق - عند أبي حنيفة - افتتاحها من صلاة الفجر من يوم عرفة وتختم في صلاة العصر من يوم النحر، وعند الصاحبين وأحمد رحمهم الله، تختم في صلاة العصر من آخر أيام التشريق. (¬2) ¬

_ (¬1) ينظر شرح السير ص 885 فما بعدها. (¬2) ينظر الأقوال في المغني جـ 3 ص 288.

القاعدة التاسعة والعشرون [الدلالة على القتل]

القاعدة التاسعة والعشرون [الدلالة على القتل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الدلالة الممكنة من القتل بمنزلة مباشرة القتل من وجه (¬1). وفي لفظ: الدلالة على القتل بمنزلة مباشرة القتل منه وجه. (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدلالة هنا بمعناها اللغوي: هو الإرشاد. فمفاد القاعدة: أنه إذا دل شخص شخصاً آخر على ثالث ليقتله بحيث تمكن المستدل من قتله فتعتبر تلك الدلالة بمنزلة مباشرة قتله من وجه؛ لأنه لولا تلك الدلالة لما عثر عليه ولما قتله. والدليل على هذه القاعدة: أن المحرم إذا دل حلالاً على صيد ليقتله فقتله كان عليه من الجزاء ما على القاتل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دل شخص آخر على مطلوب للثاني يريد قتله - والدال يعلم بقصده - وكان المطلوب في مكان لا يستطيع الفرار منه ولا الدفاع عن نفسه فيه، فقتل المستدل المدلول عليه فإن الدال يعتبر قاتلا مباشرا للقتل من وجه. ومنها: إذا هرب أسير أو معتقل من أيدي الكفار فقالوا لأسير آخر يرف مكانه: دلنا عليه لنقتله وإلا قتلناك، لم يسعه أن يدلهم عليه، لأَن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1506. (¬2) نفس المصدر ص 1505.

في هذا ظلماً للأَسير الهارب، ولأنهم لا يتمكنون منه إلا بدلالته، فهو بهذه الدلالة يمكنهم من قتله ولا رخصة في ظلم المسلم بهذا الطريق. ومنها: إذا حاصر الكفار حصناً للمسلمين فقالوا لأسير مسلم لديهم: دلنا على الموضع الذي يؤتى من قبله الحصن أو على مدخل الماء الذي يشربون منه أو لنقتلنك، وهو يعلم أنه إن دل على ذلك ظفروا بالحصن وقتلوا من فيه، أو كان على ذلك أكبر رأيه، فليس ينبغي له أن يدلهم على ذلك؛ لأنه يمكنهم بهذه الدلالة من قتل المسلمين واسترقاق ذراريهم وارتكاب الحرام من نسائهم. ومنها: أنه لو قيل لرجل: لنقتلنك أو لتمكننا من فلانة نزني بها - وهم لا يقدرون عليها إلا بدلالته - أنه لا يسعه أن يدل عليها.

القاعدة الثلاثون [دليل التاريخ]

القاعدة الثلاثون [دليل التاريخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دليل التاريخ كالتصريح بالتاريخ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا قامت دلالة على تاريخ سابق فيعتبر ما ترتب عليه من أحكام، وتكون تلك الدلالة كالتصريح بالتاريخ عند عدم التصريح به. وهكذا شأن كل دلالة أنها تثبت بها الأحكام ما لم يقم تصريح بخلافها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تنازع رجلان في ملكية بيت وكل واحد منهما يدعي أن البيت بيته، وأقاما البينة على ذلك، فإن كان أحدهما ساكنا في البيت فهو بيته؛ لأَن اليد هنا مرجحة عند تعارض البينتين؛ لأَن تمكنه من سكنى البيت دليل سبق عقده، وتقدم تاريخ تملكه، بشرط أن لا تكون إحدى البينتين أثبتت تاريخاً سابقا. ومنها: إذا تنازع رجلان في امرأة وكل واحد يدعي أنها امرأته ويقيم البينة، فإن كانت في بيت أحدهما - وكان قد دخل بها - فهي امرأته بما أن الترجيح يحصل باليد عند تعارض البينتين على العقد ولأن تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده. إلا إذا كانت إحدى البينتين اثبتت تاريخاً سابقاً، وأنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح بالسبق. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 5 ص 156

القاعدة الحادية والثلاثون [دليل الرضا والقبول]

القاعدة الحادية والثلاثون [دليل الرضا والقبول] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: دليل الرضا كصريح الرضا (¬1) - أو كصريحه (¬2) وفي لفظ: دليل القبول كصريح القبول (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى ما سبق من القواعد وهو أن الدلالة تقوم مقام الصريح عند عدمه. ولكن هذه القاعدة خاصة بالرضا والقبول، فإن وجدت دلالة الرضا أو دلالة القبول - وهو ما يدل على الرضا - لأَن الرضا أَمر قلبي - فكأن الرضا والقبول وجد صراحة فيتم العقد بناء على ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ابلغ الولي ابنته البكر بزواجها من شخص عيَّنه فسكتت، فيكون سكوتها دليلاً على رضاها وقبولها. ومنها: إذا سام شخص سلعة من آخر، فأخبره صاحبها بثمنها، فأخرج المشتري الثمن ووضعه أمام البائع - من حيث يتمكن من أخذه - ثم أخذ المشتري السلعة وانصرف بها والبائع ساكت وتركه يأخذها وينصرف بها وهو قادر على منعه، كان ذلك دليلاً من البائع على قبوله للثمن ورضائه بالعقد وإن لم يتكلم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 120 وج 13 ص 99، ج 14 ص 238 وج 15 ص 41 ج 25 ص 13. (¬2) شرح السير ص 1048 (¬3) المبسوط ج 28 ص 24

ومنها: إذا اشترى إنسان دابة أو سيارة ثم وجد بها عيباً، فله ردها على صاحبها لتدليسه العيب. ولا يجوز له في هذه الحال أن يركبها إلا إذا لم يجد طريقاً لردها إلى صاحبها إلا بركوبها - ولكن إذا ركبها لحاجة نفسه بعد علمه بالعيب فيكون ذلك دليل الرضا بالعيب؛ من حيث أنه انتفاع بملكه، ولا يجوز له الرد بعد ذلك. ومنها: من اشترى جارية فوجد بها عيباً ثم وطئها، يكون ذلك رضا بالعيب دلالة؛ لأن الوطء لا يكون إلا في الملك المتقرر الثابت.

القاعدة الثانية والثلاثون: [دليل الشيء]

القاعدة الثانية والثلاثون: [دليل الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة دليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه (¬1) وفي لفظ: يقوم ما يدل على الإِذن مقامه. (¬2) وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه بمعنى سابقتها وهي أن الأمور الباطنة - كالرضا والقبول - لا يمكن الاطلاع عليها لأنها مغيبة ولا يمكن أن تعرف إلا من جهة صاحبها بتصريحه بها. أو قيام دليل عليها فيعتبر؛ لأنه يقوم مقام الصريح كما سبق في أكثر من موضع. والقاعدة تفيد المعنى الثاني حيث أن الدلالة تقوم مقام الصريح عند عدمه؛ لأن الأمور الباطنة لخفائها يعسر الوقوف عليها، فأقيم السبب الظاهر مقام الباطن تيسيراً، كالرضا فإنه أمر باطن فأدير الحكم مع السبب الظاهر. وقد سبق لها أمثلة. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 43، ومجلة الأحكام المادة 68، وقواعد الفقه عنها ص 81. (¬2) المغني جـ 4 ص 368.

القاعدة الثالثة والثلاثون: [العرف - الإيمان]

القاعدة الثالثة والثلاثون: [العرف - الإِيمان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة دليل العرف يغلب على حقيقة اللفظ في باب الأَيمان. (¬1) وفي لفظ: مبني الإِيمان على العرف. (¬2) وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: هل الإِيمان مبنية على العرف؟ (¬3) وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الإِيمان إنما يغلب على المراد بها عرف الناس لا المعنى الحقيقي للفظ المحلوف به أو عليه؛ لأن الحالف إنما يحلف على ما اعتاده لا علي المعنى اللغوي الحقيقي للفظ الذي يكون مهجوراً في الاستعمال أو نادراً. وهذا إذا لم يكن للحالف نية بإرادة المعنى الحقيقي. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: مَن حلف لا يركب دابة، إنما يحنث إذا ركب فرساً أو بغلاً أو حماراً مما يركب عرفاً، ولا يحنث إذا ركب كافراً وإن سماه الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه الكريم دابة؛ لأن لفظ الدابة في العرف إنما يختص بما يركب من ذوات الأربع لا بكل ما دب على الأرض. ومنها: من حلف لا يأكل بيضاً، لا يحنث إلا ببيض يأكله الناس ¬

_ (¬1) المبسوط ج 30 ص 236 (¬2) نفس المصدر ج 30 ص 235، أشباه بن نجيم ص 97. (¬3) قواعد ابن رجب، قاعدة 121، ومنار السبيل جـ 2 ص 442، والوجيز مع البيان ص 93 ط 3.

عادة وهو بيض الدجاج. حتى لو أكل بيض سمك أو عصفور لا يحنث إلا أن ينويه. ومنها: من حلف لا يأكل لحماً، لا يحنث بأكل السمك أو الدجاج، لأن العرف لا يسميه لحماً، حيث إن اللحم في العرف إنما يطلق على لحم الإبل والبقر والغنم فقط.

القاعدتان الرابعة والثلاثون والخامسة والثلاثون: [التوكيل المطلق - دليل العرف - التهمة]

القاعدتان الرابعة والثلاثون والخامسة والثلاثون: [التوكيل المطلق - دليل العرف - التهمة] ألفاظ ورود القاعدة: دليل العرف يقيد مطلق التوكيل. (¬1) وفي لفظ: مطلق الوكالة يتقيد بالتهمة. (¬2) وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تختصان ببعض أحكام التوكيل، فهما من حيث اختصاصهما بالوكالة ضابطان ولكن من حيث أن أنواع الوكالة متعددة فهما قاعدتان. فمفادها: أن الوكالة وإن وردت مطلقة عن قيد التخصيص فهي يقيدها أمران: الأول: دليل العرف. والثاني: التهمة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من وكل إنساناً في شراء لحم له وأطلق، فإن هذا الإطلاق يقيد بعرف الموكِّل، فإن كان الموكل يعرف عنه أنه لا يأكل لحم الإبل واشترى له الوكيل لحم الإبل بحجة إطلاق الوكالة فلا يلزمه؛ لأن العرف مقيد، والوكيل يعلم ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 12 ص 214. (¬2) نفس المصدر ص 218.

ومنها: إذا وكله في تزويجه بامرأة غير معينة. فزوجه بابنته أو أخته فقد لا يلزمه النكاح؛ لأن التهمة هنا تقيد هذه الوكالة المطلقة. ومنها: إذا وكله بشراء شيء أو بيعه فاشتراه أو باعه بغبن فاحش. فلا يجوز على الموكل؛ لأن دليل العرف يقيد مطلق التوكيل؛ ولأن الشراء أو البيع بغبن فاحش ليس بمتعارف. كمن اشترى سلعة تساوي خمسة بعشرين، أو باع ما تساوي عشرين بخمسة. ومنها: أن الوكيل بالبيع لا يبيع من أبيه أو ابنه للتهمة، ولا تهمة في بيعه من الأجنبي.

القاعدة السادسة والثلاثون: [دليل النفي]

القاعدة السادسة والثلاثون: [دليل النفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: دليل النفي كصريح النفي. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل الشيء يقوم مقام التصريح به - عند عدمه في كل شيء -. ولكن هذه القاعدة تصرح بأمر قد يلتبس، إذ قد يظن أن دليل الشيء يقوم مقامه في الإثبات فقط، فجاءت هذه القاعدة لتبين أن دليل النفي أيضاً يقوم مقام التصريح بالنفي عند عدمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سام سلعة من صاحبها - كسيارة أو كتاب مثلاً - ودفع فيها ثمناً، ولكن البائع بعد سماعه ذكر الثمن - ركب سيارته وانصرف -، أو حمل كتابه وأدار ظهره للمشتري وانصرف، فيكون إعراض البائع دليلاً على رفض الثمن الذي قدمه المشتري وعدم رضائه بالبيع بذلك الثمن. ومنها: ادعى رجل بنوة ولد أَمته الأكبر، ولها ولدان أصغر منه - لا يعرف نسبهما - فيثبت نسب الأكبر منه ولا يثبت نسب الآخرين؛ لأنه بإقراره بالأكبر فقط استدل على عدم إقراره بالآخرين؛ لأن إظهار النسب واجب عليه، وتخصيصه الأكبر بالإقرار دليل على نفي نسبه عن الآخرين عند أبي حنيفة وصاحبيه. ولكن زفر ابن الحارث الهذلي يرى أن إقراره بالنسب للأكبر دليل ¬

_ (¬1) المبسوط ج 17 ص 144.

على إثبات نسب الآخرين منه؛ لأن أُم الولد أصبحت فراشاً له، ونسب ولد أم الولد ثابت من المولى من غير دِعوة إلا أن ينفيه صراحة، وهو لم ينف نسب الولدين الآخرين صراحة فينسبان له. وفي نظري أن وجهة نظر زفر أقوى. والله أعلم.

القاعدة السابعة والثلاثون [الدليل الحكمي]

القاعدة السابعة والثلاثون [الدليل الحكمي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الدليل الحكمي كالدليل المتيقن به. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأدلة نوعان: أدلة متيقن بها كدليل العرف ودليل الحال، والأدلة الحسية. وأدلة حكمية: أي أَدلة يحكم بها شرعاً وإن لم يكن لها سبب ظاهر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: انقضاء عدة المرأة بالشهور أو الحيض دليل حكمي على براءة رحمها، وحلها للأزواج. وهي دليل حكم به الشرع. ومنها: من نفى حبل امرأته وفرق القاضي بينهما باللعان، وحكم أن الولد ليس منه تنقضي عدتها منه بوضع الولد، وإن كان الولد ليس منه بالحكم. فاللعان دليل حكمي على نفي الولد عن الزوج. ومنها: إذا كانت زوجة صبي دون البلوغ، ومات الصبي، وظهر بها حبل عند موته، فإن عدتها منه أن تضع حملها استحسانا عند أبي حنيفة النعمان ومحمد رحمهما الله تعالى، وروى عن أحمد مثله (¬2). لظاهر الآية: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬3) وذلك خلافا لأبي يوسف وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى حيث يقولون: إن العدة في هذه الحالة بالشهور لا بوضع الحمل؛ لأننا متيقنون أن الحمل من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 53 (¬2) المغني جـ 11 ص 235 (¬3) الآية 4 من سورة الطلاق.

الزنا وليس من الصبي ولا حرمة لماء الزاني، وعدة المزني بها عدة المُطْلقة، وهو قول مالك أيضاً. (¬1) وكان موت الصبي دون البلوغ دليلاً حكمياً على أن حملها ليس منه؛ لأَن غير البالغ لا يتصور منه الحبل. ¬

_ (¬1) المغني جـ 11 ص 235

القاعدة الثامنة والثلاثون [الدوام على الفعل]

القاعدة الثامنة والثلاثون [الدوام على الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة الدوام على الفعل بمنزلة الإنشاء (¬1). وفي لفظ: الدوام على الشيء هل هو كابتدائه. (¬2) وفي لفظ: دوام المعلق عليه هل ينزل منزلة ابتدائه؟ (¬3) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدوام: معناه الاستمرار والبقاء. والإنشاء: معناه الابتداء. فمفاد القاعدة: أن من حلف لا يعمل شيئاً - وهو يعمل فيه ولم يتركه حين حلف - أو حلف على صفة وهو متلبس بها ولم يتركها عند الحلف، واستمر مقيما على عمله ومتلبسا بصفته، فهو يحنث في يمينه؛ لأَن استمراره على الفعل أو بقاءَه على الصفة بمنزلة ابتدائه لذلك الفعل، وتلبسه بتلك الصفة. وينظر القواعد ذات الأرقام 292 - 293 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف لا يسكن هذه الدار - وهو ساكن فيها - ولم يخرج منها مع إمكانية خروجه. فهو حانث في يمينه وعليه الكفارة. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 26 عن تعليق الفتاوى الخانية. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة الثانية عشرة، إعداد المهج ص 64. (¬3) قواعد الحصني جـ 2 ص 147.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا حلف بطلاق امرأته إذا قعد عند فلان، وهو قاعد عنده ولم يقم عند يمينه - فاستمراره على القعود مع إمكانية قيامه وانصرافه يأخذ حكم الابتداء فتطلق منه امرأته. وهكذا على كل فعل مستدام. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: مَن وجب عليه كفارة ظهار فلم يستطع الرقبة وبدأ في الصوم ثم أَيسر، فيستمر في صومه ولا يجعل دوامه عليه كابتدائه. ومنها: فقير أخذ الزكاة قبل الحول، ثم استغنى - وهي باقية - لم يردها. (¬1) ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة الثانية عشرة، إعداد المهج ص 64.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الدين دافع. منعة الدار]

القاعدة التاسعة والثلاثون [الدين دافع. منعة الدار] أولاً: لفظ ورود القاعدة الدين دافع في حق من يعتقد لا في حق من لا يعتقد. ومنعة الدار دافعة في حق من يعتقد ومن لا يعتقد. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدين يدفع عن معتنقه ومعتقده ما يمكن أن يوقع عليه من عقوبات عن أفعال يبيحها الدين. وأما من لا يعتقد الدين فإن الدين ليس بمانع عنه ما يجب عليه من عقوبات لأَفعال لا يسمح بها دينه. وأَما منعة الدار فهي دافعة عن الساكن فيها، سواء كان يعتقد الدين الإِسلامي أو كان من أهل الذمة أو من المستأمنين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم كافر في دار الحرب ثم خرج إلى المسلمين، ثم فتح المسلمين هذه الدار فإن أولاد هذا الرجل وأمواله تكون محرزة ولا تغتنم، بل ترد عليه قبل القسمة ويعدها بغير شيء؛ لأنه صار في منعة المسلمين. وأما إذا قُتِل هذا الذي أَسلم وهو في دار الحرب - قتله مسلم عمداً أو خطأ فإن عند أبي حنيفة لا يلزم القاتل قصاص ولا دية - وإن كان محرزا رقبته باسلامه - وذلك لأنه ليس في منعة دار الإِسلام، ولكن تلزم القاتل كفارة. ومنها: إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان لا يسقط سبب إحرازه نفسه وماله بالدار، فلو قتله مسلم عمدا قُتِل به، وإن قتله خطأ وجبت الدية على عاقلة القاتل ويلزم بالكفارة؛ لأَن الدين دافع في حق من يعتقد، بخلاف الصورة السابقة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1136

القاعدة الأربعون [الديون]

القاعدة الأربعون [الديون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الديون: أموال في الذمة، وما في الذمة لا يتعين، ولذلك فإن ما كان في الذمة إنما يقضي بمثله لا بعينه؛ لأَن الدَّيْن ليس بمال لا عرفا ولا شرعاً، وإنما هو وصف في الذمة لا يتصور قبضه حقيقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لمفقود على رجل دَيْن، والمَدِين مُقِرٌّ به - وللمفقود زوجة وولد يطلبون النفقة - فجائز للمدين أن ينفق عليهم من دين المفقود. ومنها: إذا كان لرجل على رجل مال، وللمطلوب على الطالب مثله، فهو قصاص عند الحنفية -؛ لأَن مطالبة كل واحد منهما صاحبه بدراهمه اشتغال بما لا يفيد؛ لأنه يستوفي من صاحبه ويرد عليه من ساعته ما كان له قِبَلَهُ. ولا يجوز الاشتغال بما لا يفيد بخلاف الأعيان، ولأن النقود لا تتعين بالتعيين. ومنها: إذا حلف ليقضين فلانا دينه اليوم، فباع من الدائن عبدا بدينه وقبضه، بر بيمينه، لأَن قضاء الدين طريقه المقاصة، ولأَن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها. (¬2) ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 41 وجـ 25 ص 113 وج 30 ص 150. وشرح الخاتمة ص 43، والتحرير ج 1 ص 147 وغيرها ينظر القواعد والضوابط ص 488 (¬2) شرح الخاتمة ص 44

حرف الذال

قواعد حرف الذال

القاعدة الأولى [ذكر بعض العام]

القاعدة الأولى [ذكر بعض العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ذكر بعض العام لا يُخَصَصه سواء كان أمراً أم نهياً أم خبراً. (¬1) على الصحيح من أقوال العلماء، فإن جزء الشيء لا ينافيه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى العام وهو اللفظ الدال على متعدد. فمفاد القاعدة: أنه إذا ذكر لفظ عام ثم عطف عليه أو ذكر بعده بعض افراده، فان ذلك لا يخصص اللفظ العام؛ لأَن جزء الشيء لا يعارضه ولا ينافيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] فإذا قيل بعدها: "ولا تقتلوا الرجال" فهل يعتبر ذكرَ الرجال - وهم بعض النفس - مخصصا لعموم النهي عن قتل النفس؛ الصحيح كما قال القرافي أنه لا يخصصه، وقيل على الشذوذ: إنه يخصصه من طريق المفهوم، فإن ذكر الرجال يقتضي مفهومه قتل غيرهم. ومنها: إذا قيل: أكرموا العلماء. أكرموا الفقهاء. فهل يعتبر ذكر الفقهاء وهم بعض العلماء مخصصا لعموم العلماء فيكون مفهومه لا تكرموا غير الفقهاء؟ الصحيح لا؛ لأَن من عدا المذكورين مسكوت عنه. ومنها: إذا قال: قرأت الكتب. قرأت كتب النحو. فهل يعتبر ذلك مخصصاً؟ ويكون ذكر البعض دالا على أن غير المذكور بخلافه؟ الصحيح لا. ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 210

القاعدة الثانية [ذكر البعض]

القاعدة الثانية [ذكر البعض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله. (¬1) وفي لفظ: ذكر جزء ما لا يتجزأ كذكر كله (¬2) وفي لفظ: ذكر الجزء فيما لا يحتمل التجزيء كذكر الكل (¬3) وفي لفظ: ما لا يتجزأ فذكر بعضه كذكر كله (¬4). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشيء إذا كان لا يقبل التجزئة - كالطلاق والعتاق والقصاص والنسب والرق - فيعتبر كُلاً واحداً، إذا وجد بعضه أو نُفي، فيأخذ هذا البعض حكم الكل، فكأنه وجد أو نُفِي كله. وهذه القاعدة شبه متفق عليها عند جمهور الفقهاء من جميع المذاهب، وإن خالف في ذلك زفر بن الهذيل من الحنفية فلم يعتبر ذكر البعض ذكراً للكل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 82، جـ 6 ص 90، أشباه السيوطي ص 160، أشباه ابن نجيم ص 162، شرح الخاتمة ص 45 المجلة المادة 63، المدخل الفقهي الفقرة 619، قواعد الفقه ص 82، الوجيز مع الشرح والبيان 322 ط 4، والتحرير جـ 1 ص 603، 843 عن القواعد والضوابط ص 488. (¬2) المبسوط 195 ص 171. (¬3) نفس المصدر ج 26 ص 176. (¬4) نفس المصدر جـ 4 ص 111

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طهرت المراة من حيضها آخر الوقت، وقد بقي من الوقت ما يمكنها من الاغتسال منه والتحريمة للصلاة - لزمها صلاة ذلك الوقت عند الجميع. عدا زفر رحمه الله تعالى حيث قال: لا يلزمها شيء. ومنها: إذا عفا مُسْتَحِق القصاص عن بعضه سقط كله. ومنها: إذا قال لزوجته رأسك طالق. طلقت كلها ومنها: إذا كفل برأس رجل أو برقبته أو بأي جزء منه يعبر به عن البدن - كان كفيلا به كلِّه - بخلاف ما لو قال بِرِجْلِه. رابعاً: يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا قال لزوجته: أنت طالق واحدة إذا شئت. فقالت شئت نصف واحدة. لا تطلق. ومنها: إذا قال: لله علي أن أصلي ركعة. لا يلزمه شيء في قول محمَّد رحمه الله تعالى. وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يلزمه ركعتان - وهو الراجح عند الحنفية؛ لأَن الركعة تدخل ضمن الركعتين - وإن كانت الركعة الواحدة عند الحنفية لا تعتبر صلاة بحيالها. وعند غير الحنفية يلزمه ركعة الوتر.

القاعدة الثالثة [الذكور البالغون]

القاعدة الثالثة [الذكور البالغون] أولاً: لفظ ورود القاعدة الذكور البالغون أصول، ليسوا تبعاً لآبائهم، بخلاف النساء (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذكر من بني آدم إذا بلغ أصبح رجلاً، فيعتبر أَصلا قائماً بنفسه ليس تابعا لأبيه، بخلاف الأُنثى وإن بلغت فهي متابعة، إما للأَب وإما للأخ وإما للزوج. والمتبوع أصل والتابع فرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأمن الحربي إلى أهل الإِسلام فأمَّنوه، فخرج معه بامرأة وأَطفال صغار فقال: هذه امرأتي وهؤلاء أولادي - ولم يكن ذكرهم في الأَمان - يجعلون جميعاً آمنين بأمانه استحسانا. ولكن إذا كان معه كبار بالغون يعبرون عن أنفسهم، فقال هؤلاء أولادي. فهم فيء؛ لأَنهم أصول قد خرجوا بالبلوغ عن أن يكونوا تبعاً له في حكم الأَمان. ولكن إذا خرج بنساء قد بلغن وقال: هؤلاء بناتي، فهن آمنات استحسانا؛ لأَنهن في عياله ونفقته، ما لم يتحولن إلى بيوت الأزواج. ومنها: لو كان معه أُمهات أو جدات أو أَخوات أو عمات أو خالات، فمن معه منهن فَهُنّ آمنات تبعاً له، بخلاف الآباء والأَجداد، فإنه لا يتبعه في الأَمان أحد من المقاتلة، إلا عبده وأَجيره استحسانا، وهذا مشروط بتصديق العبد أنه عبده، والأَجير أَنَّه أَجيره وأما إن كذبه فهو فيء. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 346، 347.

القاعدة الرابعة [اليقين - الذمة المشغولة]

القاعدة الرابعة [اليقين - الذمة المشغولة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الذمة إذا أعمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله (¬1). وفي لفظ: الذمة المشغولة بيقين لا تبرأ بالشك. (¬2) وفي لفظ: ما عرف ثبوته بيقين لا يزال إلا بيقين مثله. (¬3) وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذمة: معناها العهد والأَمان، إذ أن نقض العهد والأَمان موجب للذم. وأما الذمة عند الفقهاء: فهي بمعنى النفس أو الذات التي لها عهد. والمراد بها هنا أَهلية الإنسان لتحمل عهدة ما يجري بينه وبين غيره من العقود الشرعية أو التصرفات. فالذمة في الحقيقة: وعاء اعتباري يكون محلاً للتعهدات. فمفاد القاعدة: أن الذمة إذا أشغلت أو أَعمرت بتكليف يقيناً فلا يمكن أن تبرأ عن تحمل مسؤولية ما اشغلت به إلا بيقين مثل يقين ما أشغلت أو اعمرت به. والقاعدة الثالثة أعم حيث إنها تفيد أن ما عرف ثبوته يقيناً لا يزال ولا يرتفع إلا بمثل ما ثبت به. ¬

_ (¬1) أيضاح المسالك القاعدة 26، الوجيز ص 119 ط 3 والفروق جـ 2 ص 164. (¬2) الجمع والفرق للجويني ص 4. (¬3) المبسوط جـ 24 ص 13.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا شك في ترك مأمور في الصلاة، فعليه سجود السهو؛ لأن الذمة اعمرت بوجوب صلاة كاملة، والشك في ترك المأمور لا يبرئ ذمة المكلف مما أعمرت به، فوجب عليه سجود السهو ليتيقن من براءة ذمته. ومنها: من عليه دين بيقين وشك في قدره، لزمه إخراج القدر المتيقن به إبراء الذمة. ومنها: إذا شك فيما عليه من صيام أو زكاة فيجب عليه أن يأتي بالأَكثر أخذاً بالأحوط.

القاعدة الخامسة: [الذمة خلف عن الإسلام]

القاعدة الخامسة: [الذمة خَلَف عن الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الذمة خَلَف عن الإسلام في حصول الإحراز بها في حق الشرع. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإحراز والمنعة في دار الإِسلام يتمان بأَحد شيئين: إما بالإسلام: وهو أن يكون الشخص مسلماً فيحرز ماله وما في يده في حق الشرع. وإما بالذمة: فالذمي الذي رضي بحكم الإِسلام وسكن دار الإِسلام وأدى الجزية، فهو أيضاً يحرز ماله وما في يده في حق الشرع. فلا يحق لأحد أن يأخذ من يد مسلم أو ذمي مالاً في يده بغير حق، لأنه أحق به في شرع الله؛ ولأن عقد الذمة في تقرر الملك به خَلَف عن الإسلام (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل مسلمون أو ذميون دار الحرب مغيرين، وأصابوا سبايا من أحرار أهل الحرب فهم فيء يخمسهم الإِمام - وإذا أسلم الأُسراء قبل إخراجهم إلى دار الإِسلام فقد أَمنوا من القتل بالإِسلام، ولكنهم أرقاء، لأن الرق ثبت فيهم لما صاروا مقهورين، والإِسلام يمنع ابتداء الاسترقاق، ولكنه لا يمنع الرق الثابت. وأما إذا كان المصيب - في الأَسر - ذمياً فإنه يؤمر ببيع السبي ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1248 المبسوط جـ 10 ص 85. (¬2) المبسوط جـ 10 ص 85.

المسلم، لأنه لا يجوز أن يسترق ذمي مسلماً. ومنها: إذا عقد شخص عقد ذمة وله عبيد وأموال، فإذا ظهر عدو على أرض الإِسلام، وأخذ عبيد وأموال هذا الذمي، ثم استنقذ المسلمون ما في أيديهم فإنهم يردون على الذمي عبيده وأمواله بغير شيء قبل القسمة وبالقيمة بعد القسمة؛ لأن على المسلمين القيام بدفع الظلم عن أهل الذمة، كما عليهم ذلك في حق المسلمين.

القاعدة السادسة [ذو السببين]

القاعدة السادسة [ذو السببين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ذو السببين مقدم في الاستحقاق على ذي السبب الواحد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ذو السببين: أي صاحب السببين الموجبين للاستحقاق، مقدم على صاحب السبب الواحد؛ لأن السببين أقوى من السبب الواحد، والضعيف لا يعارض القوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أَخوان أحدهما لأب وأم، والآخر أخ لأب. فالميراث للأخ الشقيق من الأب والأم؛ لأنه صاحب سببين، بخلاف الأخ لأب فهو صاحب سبب واحد، وصاحب السببين مقدم على صاحب السبب الواحد. ومنها: الأخ الشقيق يقدم في ولاية النكاح على الأخ لأب، لهذا السبب. ومنها: ميراث المرتد بعد قتله لورثته المسلمين؛ لأنهم يستحقون ماله بالإسلام والقرابة، وغيرهم من المسلمين يستحق بالإِسلام فقط. وهذا رد على من يقول: إن ميراث المرتد لبيت المال يرثه ورثته المسلمون لاختلاف الدين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 101.

القاعدة السابعة [ذو العدد - الفعل المضاف]

القاعدة السابعة [ذو العدد - الفعل المضاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ذو العدد إذا قوبل بذي العدد ينقسم الآحاد على الآحاد، والفعل المضاف إلى جماعة بعبارة الجمع يقتضي الانقسام على الأفراد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا قوبل عدد بعدد فإن ذلك يقتضى الانقسام على الأَفراد، وكذلك إذا كان الفعل مضافاً إلى جماعة بعبارة الجمع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قيل: ركب القوم دوابهم، فإنه يفهم منه ركوب كل واحد دابته. ومنها: إذا قيل: أعط هؤلاء العشرة هذه العشرة الدراهم، اقتضى إعطاء كل واحد من العشرة درهماً. ومنها: إذا برز عشرة للقتال، فقال الأمير لعشرة من المسلمين: إن قتلتموهم فلكم أسلابهم، فقتل كل رجل واحداً منهم، استحق كل قاتل سلب قتيله خاصة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 669، وعنه قواعد الفقه ص 82.

حرف الراء

قواعد حرف الراء

القاعدة الأولى: [رافع الإباحة]

القاعدة الأولى: [رافع الإباحة] أولا لفظ ورود القاعدة: رافع الإباحة محرَم. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإباحة: معناها - كما سبق - جواز الفعل والترك حيث لا إثم على الفعل ولا على الترك كما أنه لا ثواب على الفعل ولا على الترك، إلا إذا صحب ذلك نية تجعل المباح مثاباً أو مؤثماً. والحرام: هو الممنوع شرعاً، وهو المحظور. فمفاد القاعدة: أن الإباحة إذا وجدت في أمر ما ثم طرأ عليها ما يرفعها فإن هذا الطارئ يعتبر محرَّماً للإباحة السابقة. ولما كان تحريم الحلال من خصوصيات الشرع؛ لأن الحكم لله سبحانه وتعالى لا لغيره ولا لأحد من خلقه، فإن أي نظام يحرم ما أحل الله وأباح صراحة. إنما يعتبر نظاماً كافرا متعدياً حدود الله؛ وكذلك كل نظام يُحِل ما حرَّم الله ومنع. لأنه أقام نفسه مقام صاحب التشريع. إلا إذا كان مانع المباح مجتهداً، أو وجد مصلحة شرعية راجحة منع بسببها المباح منعاً مؤقتاً - لا مستمراً دائماً - فإن كان اجتهاداً صحيحاً من مجتهد شرعي حائز لشروط الاجتهاد فهو مأجور. وإن كان اجتهاداً غير شرعي من غير مجتهد شرعي أو مجتهد شرعي حابى نظاماً غير شرعي، فهو آثم مأزور. ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 157.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطلاق تحريم، لأنه رافع لموجب النكاح. والنكاح للإباحة، ورافع الإباحة محرِّم، فالطلاق محرّم. ومنها: مانع تعدد الزوجات محاد لله ورسوله؛ لأن تعدد الزوجات مباح. فمانعه رافع للإباحة الثابتة بالكتاب والسنة والإِجماع، فمانع تعدد الزوجات محرِّم آثم. ومنها: معطي الأُنثى مثل نصيب الذكر من الميراث محاد لله ورسوله وكتابه، لأن إعطاء الذكر ضعف نصيب الأنثى واجب بالشرع. فمعطي الأُنثى مثل نصيب الذكر رافع لهذا الوجوب - وليس لمجرد الإِباحة - ورافع الوجوب أَشد تحريماً من رافع الإباحة. وهو كافر كفراً مخرجاً من الملة. ومنها: يباح للمسلم شرعاً أن يسكن في أي بلد من دار الإِسلام يحكمه شرع الله عز وجل، وأن يتصرف ويتنقل كما يريد - في حدود شرع الله - ولا يجوز لأحد أن يمنعه من ذلك، فإذا وجد نظام أو قانون أو حكم يمنع المسلم من السكنى في بلد مسلم في دار الإِسلام بأي حجة غير شرعية، أو بحجة أنه ليس من أهل هذا البلد، فهذا النظام أو القانون رافع للإِباحة الشرعية ومحرم لها. وواضع النظام والقانون قد أقام نفسه مشرعاً عن الله عز وجل، وبذلك يدخل في دائرة الكافرين الذين قال الله عز وجل فيهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬1). لأنهم كانوا يحللون ويحرمون فيطيعهم أتباعهم في ذلك. ¬

_ (¬1) الآية 31 من سورة التوبة.

القاعدة الثانية [الرأي]

القاعدة الثانية [الرأي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرأي يسقط اعتباره إذا جاء الحكم بخلافه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة المشهورة القائلة "لا اجتهاد مع النص". حيث إن مفاد هذه القاعدة: أن الحكم أو الفتوى باجتهاد الرأي يسقط اعتبارها ويلغو ولا يعتد به إذا جاء حكم الشرع منصوصاً بخلاف الرأي والاجتهاد، لأنه: لا مساغ للاجتهاد في مورد النص" (¬2) كما سيأتي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قضى حاكم بعدم صحة رجعة الزوجة الرجعية دون رضاها، لا ينفذ ذلك القضاء لأنه مخالف لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}. (¬3) ومنها: إذا قضى حاكم بحل المطلقة ثلاثاً بمجرد عقد الزواج الثاني - دون دخول فلا ينفذ هذا الحكم؛ لأن حديث العسيلة (¬4) يخالفه، ¬

_ (¬1) شرح السير ص 792. (¬2) قواعد الخادمي ص 73، المجلة المادة 24، المدخل الفقهي الفقرة 623، الوجيز مع الشرح والبيان ص 381 فما بعدها ط 4. (¬3) الآية 228 من سورة البقرة. (¬4) حديث العسيلة عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: رواه الجماعة ومثله عن ابن عمر رضي الله عنهما رواه أحمد والنسائي، منتقى الأخبار جـ 2 ص 617 الحديثان 3746، 3749.

فيكون التحليل بدون الوطء مخالفاً له فلا يجوز. ومنها ما سبق قريباً: من حكم إعطاء الأُنثى مثل نصيب الذكر من الميراث، فهذا حكم كافر والحاكم به كافر محاد لله ورسوله وكتابه.

القاعدة الثالثة: [الربا - الاحتياط]

القاعدة الثالثة: [الربا - الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الربا مبني على الاحتياط فالشبهة تعمل فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 48. فمفاد القاعدة: أن المعاملات الربوية يجب فيها تمام الوضوح، وتحق المماثلة بين البدلين، فأَيُّما شبهة وجدت في تلك المعاملات الربوية فهي تمنع صحة العقد وتبطله؛ لأن باب الربا مبني على الاحتياط كما سبق (¬2)؛ وذلك لشدة الوعيد في الكتاب والسنة للمتعاملين في الربا، فعند وجود أدنى شك في المماثلة أو وقوع المفاضلة فيجب إبطال العقد احتياطاً للدِّين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع ربوي بجنسه دون تحقق المماثلة يبطل العقد لشبهة التفاضل، كبيع صبرة تمر - أي كومة - بصبرة تمر مثلها في نظر الناظر، فهذا غير جائز لاحتمال المفاضلة، فلا بد من الكيل لتتحقق المماثلة. ومنها: مبادلة الحنطة بدقيقها لا تجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد؛ لأنهما جنس واحد. ومنها: عند الشافعي رحمه الله لا يجوز مبادلة صاع دقيق بصاع دقيق؛ لأنهما قد لا يتساويان فإن الدقيق ينكبس بالكبس. وعلى ذلك فيجوز وزناً بوزن لأنه لا يختلف. عند من يجوزون وزن الكيلي إذا تغير العرف. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 12 ص 178. (¬2) ينظر القاعدة رقم 2 من قواعد حرف الباء.

القاعدة الرابعة [الربح المستحق]

القاعدة الرابعة [الربح المستحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الربح لا يستحق إلا بعمل أو مال (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى واضحة المبنى. مفادها: أن الإنسان لا يستحق ربحاً بدون سبب مشروع، وإلا كان من أكل أموال الناس بالباطل. والأَسباب المشروعة للربح سببان رئيسيان: الأول: العمل. فالإنسان يستحق بعمله جزاءً، وأجرهُ هو ربح له. ويشترط في العمل أن يكون عملاً مشروعاً، وإلا فالربح حرام من كل عمل غير مشروع. الثاني: المال: أي أن يكون للإنسان مال يشغله - بغير الربا - فيستحق رب المال الربح بماله، وذلك في مال المضاربة، أو الإِجارة أو غير ذلك من تشغيل الأَموال. ولا يراد بالمال في القاعدة النقد فقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأجير والعامل والفني والمهندس والبناء والمعلم والطبيب وغيرهم يستحقون أجر عملهم، وهو ربح لهم. إذ رأس مالهم هو العمل. ومنها: صاحب الأرض أو الشجر أو رب المال يستحقون ربحاً من المزارعة أو المساقاة أو المضاربة مقابل أموالهم، فالأَرض مال، والشجر مال ورأس مال المضاربة مال، والمصنع مال، والطاحونة مال، والعمارة ¬

_ (¬1) المبسوط ج 22 ص 29.

المؤجرة مال وغيرها. ومنها: أنه إذا شرط في عقد المضاربة أن يكون ثلث الربح لأجنبي وثلث لرب المال، وثلث للمضارب، فإن ثلث الأَجنبي هو لرب المال، لأَن المشروط له الأجنبي لا عمل له ولا مال في هذا العقد، فيلغو ما شرط له ويجعل كالمسكوت عنه؛ فيكون لرب المال ولا تفسد المضاربة. بخلاف ما إذا شرط ثلث الربح لعبد المضارب أو أَجيره فيكون ثلثا الربح للمضارب لا لرب المال.

القاعدة الخامسة [دلالة الحال أصل شرعي]

القاعدة الخامسة [دلالة الحال أَصل شرعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرجوع إلى دلالة الحال لمعرفة المقصود بالكلام أصل صحيح في الشرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دلالة الحال هي التي تعتمد على ملابسات الحادثة وما أَحاط بها وما سبقها من أمور. فمفاد القاعدة: أَن دلالة الحال تعتبر أَصلا شرعياً صحيحا لمعرفة المقصود والمراد من الكلام؛ حيث لا يكون الكلام وافيا بغرض المتكلم، أو تكون دلالة الكلام اللغوية لا تُعَبّر عن مقصود المتكلم تعبيرا واضحا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال ولي المرأة للخاطب: ملكتك ابنتي أو أختي أو فلانة بمهر قدره كذا، وهناك شهود وجمع من الناس يظهرون الفرح والسرور، فيكون ذلك دليلاً على أن المراد بقوله: ملكتك أَي زوجتك، فيكون عقد النكاح صحيحا إذا استوفى شروطه، وإن لم يكن بلفظ التزويج أو الإنكاح. ومنها: إذا استأمن رجل وقال: آمنوني وبناتي، ولم يكن له إلا بنات بنات، فليس يدخلن في الأمان، لأَن أولاد البنات ينسبون إلى آبائهم لا إلى أبي أمهم، إلا إذا كان سبق وقال: لي بنات بنات ماتت أُمهاتهن فأمنوني في بناتي، فبتلك المقدمة يعلم أنه إِنما استأمن لهن. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 430.

القاعدة السادسة [الرجوع عن الإقرار]

القاعدة السادسة [الرجوع عن الإقرار] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الرجوع عن الإِقرار باطل (¬1) وفي لفظ: إِقرار الإنسان في ملك نفسه ملزم. (¬2) وفي لفظ: لا يقبل رجوع المقر عن إقراره، إلا فيما كان حدًّا لله يدرأ بالشبهات، ويحتاط لإسقاطه. (¬3) وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار سبق معناه إذ هو الاعتراف بحق للغير عليه، أو بفعل فعله. فمفاد القاعدة: أن الإنسان إذا أَقر بحق لغيره عليه ثم رجع عن إقراره، فإن رجوعه هذا باطل، ولا يعتد به ويلزم بالحق الذي أقر به لغيره؛ والعلة في ذلك أنه برجوعه يريد إبطال حق الغير، وذلك لا يجوز. وهذا كما سبق بيانه: بالنسبة لحقوق العباد، أما بالنسبة لحقوق الله تعالى التي تدرأ بالشبهات فإن الرجوع يعتبر صحيحا، إذا ثبت الحق عن طريق الإقرار لا الإشهاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لفلان علي ألف درهم - من ثمن خمر أو خنزير - لزمه الألف، وصل أو فَصَل؛ لأنه يريد بقوله: من ثمن خمر أو خنزير. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 18 ص 142. (¬2) المبسوط جـ 5 ص 145 وشرح الخاتمة ص 45 وينظر قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 542، 545، 548، 552، 554. (¬3) المغني جـ 5 ص 164.

إِبطال حق الدائن؛ لأَن الخمر والخنزير ليسا مالين عند المسلم. وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إن قال ذلك موصولا صدِّق. وإن قال ذلك مفصولا لا يصدق؛ لأنه بيان تغيير، وبيان التغيير لا يجوز مفصولا كالاستثناء والشرط. ومنها: إذا قال: هذه الدار لفلان بل لفلان آخر. فهي للأول لا للثاني؛ لأَن ذكر الثاني يعتبر رجوعا عن الإقرار وذلك لا يجوز.

القاعدة السابعة [الرجوع عن الشهادة - التناقض]

القاعدة السابعة [الرجوع عن الشهادة - التناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرجوع عن الشهادة والتناقض فيها قبل القضاء مانع من القضاء بالمال والحد جميعا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشهادة: من شهد يشهد، إذا أخبر. والشهادة بيان الحق سواء كان عليه أو على غيره، وهي خبر قاطع، يختص بمعنى يتضمن ضرر غير المخبر، ليخرج الإقرار (¬2). فمفاد القاعدة: أن الشاهد أو الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم، أو أخبروا بخلاف ما أخبروا به أولاً قبل القضاء بشهادتهم فإنها تبطل، ولا يقبل القاضي أو الحاكم شهادتهم الثانية؛ للتناقض مع شهادتهم الأولى، أو لرجوعهم عنها وإنكارهم إياها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهد شهود على إنسان بالسرقة من شخص بعينه - زيد مثلا - وقبل القضاء رجعوا، وقالوا: بل سرق الدراهم بعينها من رجل آخر - بكر مثلا - لم يقم الحد على السارق ولم يضمن المال؛ للتناقض في الشهادة قبل القضاء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 191. (¬2) الكليات ص 527.

القاعدة الثامنة [الرجوع في غير مجلس الحكم]

القاعدة الثامنة [الرجوع في غير مجلس الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرجوع في غير مجلس الحكم لا يتعلق به حكم. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا رجع الشاهدان أو الشهود عن شهادتهم وكان ذلك في مجلس الحكم قبل القضاء يقبل رجوعهم، وتبطل شهادتهم ولم يقض القاضي في القضية، ويطلب من المدعي شهوداً آخرين. وأما إذا رجع الشهود بعد الحكم فهناك تفصيل فيما يجب عمله. مدذكور مظانه من كتب الفقه العامة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهدان على إنسان بسرقة، وذلك في مجلس الحكم عند القاضي وحكم القاضي بشهادتهم بالحد على السارق وإرجاع المال المسروق لصاحبه، ثم أن الشاهدين لما خرجا من مجلس الحكم رجعا عن شهادتهما وقالا: إن فلاناً لم يسرق بل السارق غيره، لا يعتد برجوعهما هذا ولا يتغير الحكم المبني على شهادتهما في مجلس الحكم. ومنها: إذا ادعى أَولياء المقتص منه على الشاهدين أنهما رجعا عن شهادتهما، وسألوا الحاكم أن يحلفهما على ذلك، فليس عليهما يمين؛ لأنهم لو أقاموا البينة عليهما بالرجوع لم تقبل فكيف يستحلفان عليه. ولأن الرجوع في غير مجلس الحكم لا يتعلق به حكم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 184.

القاعدة التاسعة [الرخصة - الإكراه]

القاعدة التاسعة [الرخصة - الإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرخصة في الإِقدام على ما لا يحل بسبب الإِكراه لا تكون إلا عند تحقق خوف الهلاك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرخصة: لغة من رخص الشيء أي سهل ولان، ومنه يد رخصة أي لينة ناعمة، وعود رخص، وقوام رخص: أي لين ناعم. ورخص السعر: إذا سهل الشراء. (¬2) وأما معناها شرعاً: فهي الأَحكام التي ثبتت مشروعيتها بناء على الأَعذار مع قيام الدليل المحرم توسعاً في الضيق (¬3). فمفاد القاعدة: أن الإقدام على الأَمر المحرم في حالة الإكراه والترخص في فعله لا يجوز إلا عند تحقق خوف الهلاك بسبب الإكراه، وهو المسمى بالإكراه الملجئ، كالتهديد بالقتل أو بقطع عضو أو انتهاك عرض ممن يقدر على تنفيذ ما هدد به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا هدد بالقتل على أن يأكل لحم ميتة أو يشرب خمراً حل له التناول، ورخص له في الإقدام على المحرم؛ لأن الحفاظ على النفس ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1482. (¬2) معجم مقاييس اللغة، والمصباح المنير، ومختار الصحاح مادة (رخص). (¬3) شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر ج 1 ص 31.

مقدم على أكل الميتة أو شرب الخمر. وأما إذا هدد بالحبس أو الضرب إذا لم يتناول الميتة أو يشرب الخمر فلا يحل له ذلك. ومنها: إذا هدد بالقتل أو قطع عضو أو عذاب شديد إذا لم ينطق بكلمة الكفر، جاز له النطق بها ما دام قلبه مطمئناً بالإِيمان، ولو صبر حتى قتل كان مأجوراً.

القاعدة العاشرة [الرخصة - الضرورة]

القاعدة العاشرة [الرخصة - الضرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرخصة عند تحقق الضرورة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرخصة باعتبارها فعل الأمر المحرم مع بقاء دليل التحريم لا يجوز الإِقدام عليها إلا عند تحقق الضرورة، والمراد بالضرورة هنا: الاضطرار بحيث أن المضطر إذا لم يقدم على فعل الرخصة هلك أو قارب على الهلاك. وليس كل ضرورة توجب الإقدام على الرخصة أو تجيزه، وليس كل فعل محرم يجوز الإقدام علية مع وجود الضرورة. فمن الأفعال المحرمة ما لا يجوز الإقدام عليه بحال مهما كانت حالة الضرورة كقتل المسلم العصوم، أو الزنا من الرجل، أو ضرب الوالدين أو أحدهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أحس الإنسان بالجوع ولم يجد إلا ميتة، فلا يحل له الإقدام على الأكل منها إلا إذا يئس من الحصول على الطعام الطيب، وخشي على نفسه الهلاك لو لم يأكل منها. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 24 ص 76.

القاعدة الحادية عشرة [الرخصة]

القاعدة الحادية عشرة [الرخصة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرخصة لمعنى خاص لا تثبت مع عدمه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرخصة إِنما شرعت لمعنى خاص وسبب نَقَل الحكم من كونه عزيمة إلى كونه رخصة؛ للتخفيف على العباد وعدم المشقة عليهم. فأما إذا زال سبب الترخيص والذي لأَجله شرعت الرخصة فقد زال موجب الترخيص وامتنعت الرخصة. وهذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: "الضرورة تقدر بقدرها (¬2) " كما ستأتي في قواعد حرف الضاد. وبمعنى القاعدة القائلة: (ما ثبت لعذر بطل بزواله)، كما ستأتي بقواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القصر شرع في السفر رخصة من الله سبحانه وتعالى، فإذا لم يوجد السفر امتنع القصر. ومنها: التيمم شرع عند عدم وجود الماء أو عدم القدرة على استعماله مع وجوده، فإذا وجد الماء ووجدت القدرة على استعماله امتنع ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 27. (¬2) قواعد الخادمي ص 331، المجلة وشروحها المادة 22. المدخل الفقهي الفقرة 601، المنثور جـ 2 ص 320.

التيمم. ومنها: أكل الميتة وجب عند المخمصة عند خشية الهلاك فإذا لم توجد المخمصة ولا يخشى الهلاك لا يجوز أكل الميتة أو تناولها. ومنها: إذا لم توجد طبيبة جاز أن يعالج المرأة المسلمة الطبيب، ولكن إذا وجدت الطبيبة فلا يجوز أن يعالج المرأة المسلمة طبيب رجل وهكذا. ومنها: المرأة إذا فَصَدها أَجنبي - عند فقد المرأة أو المحرم - لم يجز لها أن تكشف جميع ساعدها، بل عليها أن تلف على يدها ثوباً ولا تكشف إلا القدر الذي لا بد من كشفه للفصد، فلو زادت عصت الله تعالى.

القاعدة الثانية عشرة [الرخص - الشك]

القاعدة الثانية عشرة [الرخص - الشك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرخص لا تناط بالشك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة توضح شيئاً من مدلول سابقاتها ومفادها أن الإِقدام على الرخص لا يجوز في حالة الشك في وجود الضرورة أو حصولها. أو عند عدم اليقين من وجود السبب المرخص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من شك بالهلاك إذا لم يأكل من الميتة فلا يحل له الإقدام عليها. ومنها: إذا شك بأن المُكْرِه لا يستطيع أن يفعل ما هدد به فلا يجوز للمكرَه في هذه الحالة أن يقدم على فعل المحرم المطلوب منه فعله. ومنها: إذا شك في جواز المسح وجب عليه الغسل لأَن المسح رخصة. ومنها: إذا شك في جواز القصر في الصلاة وجب عليه الإتمام. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 130، أشباه السيوطي ص 141.

القاعدة الثالثة عشرة [الرخص - المعصية]

القاعدة الثالثة عشرة [الرخص - المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرخص لا تناط بالمعاصي (¬1). وفي لفظ: لا تباح الرخص في سفر المعصية (¬2) وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مما وقع الخلاف بين الفقهاء في مضمونها؛ حيث إن الأئمة مالكاً (¬3) والشافعي وأحمد رحمهم الله جميعاً يرون أن العاصي بسفره لا يستحق الترخص، وليس له الإقدام على الرخص؛ لأَن الترخيص إنما شرع رحمة من الله بعباده، والعاصي لا يستحق ذلك بل هو مستحق للعقوبة لا للرحمة. ولكن الحنفية يرون أن الله عز وجل حينما شرع الرخص لم يفرق بين المطيع والعاصي، بل شرعها شرعاً عاما فقال سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (¬4) ولم يشترط سبحانه بالسفر أن لا يكون سفر معصية أو أن يكون سفر طاعة أو مباحا. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 135، المنثور جـ 2 ص 167، أشباه السيوطي ص 138. (¬2) المغني جـ 2 ص 262. (¬3) الكافي ج 1 ص 244. (¬4) سورة النساء الآية 43، والآية 6 من سورة المائدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سافر إنسان سفرا يريد به المعصية كالزنا أو قطع الطريق أو بيع الخمر أو المخدرات أو غير ذلك من المحرمات فليس له أن يقصر الصلاة أو يجمع أو يفطر في رمضان أو يمسح ثلاثاً أو يتنفل على الدابة أو يترك الجمعة أو يأكل الميتة عند مالك والشافعي وأحمد رحمهما الله جميعاً؛ لأَن الرخص لا تناط بالمعاصي. واختلفوا في جواز التيمم عند فقده الماء وصححوا جوازه لحرمة الوقت مع لزوم إِعادة الصلاة التي صلاها بذلك التيمم؛ لتركه التوبة من عصيانه (¬1). وأما عند الحنفية فيجوز له ذلك. ومنها: إذا سكر بمحرم وطال زوال عقله لم تسقط عنه الصلاة بل عليه قضاء ما فاته جميعا من صلاته باتفاق. ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية ج 1 ص 222.

القاعدة الرابعة عشرة [رد البدل والقيمة]

القاعدة الرابعة عشرة [رد البدل والقيمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: رد البدل عند تعذر رد العين بمنزلة رد العين (¬1). وفي لفظ: رد القيمة كرد العين (¬2). وفي لفظ: رد القيمة عند تعذر رد العين كرد العين (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى والمدلول؛ حيث إنه عند تعذر رد العين لصاحبها لهلاكها فإن بدلها - وهو إما القيمة وإما المثل - يقوم مقام رد العين في براءة الذمة وأداء الواجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استهلك إنسان طعام آخر وجب عليه رد بدله - مثله أو قيمته - إن لم يكن له مثل. وإذا رد المستهلك المثل أو القيمة فقد أدَّى الواجب وبرئت ذمته. ومنها: إذا غصب إنسان حيوانا من آخر ثم هلك عنده وجب عليه رد بدله وهو قيمته يوم غصبه أو يوم هلاكه، فإذا أدّاها برئت ذمته؛ لأَن رد البدل بمنزلة رد العين فكأنه لما دفع القيمة أدَّى العين ذاتها. ومنها: إذا غصب مسلم خمر ذمي وخللها يضمن قيمتها - لأَن ¬

_ (¬1) المبسوط ج 13 ص 97. (¬2) المبسوط جـ 21 ص 151. (¬3) شرح السير ص 1762.

الخمر بالنسبة للذمي مال متقوم - والخل للمسلم. ومنها: إذا وادع المسلمون الكفار وأخذوا منهم رجالاً رهناً، وأَخذ الكفار من المسلمين رجالا رهنا، ثم غدر الكفار فقتلوا رهن المسلمين؛ فإن المسلمين لا يقتلون رهنهم، بل يبيعونهم إذا كانوا مماليك ويضعون ثمنهم في بيت المال حتى يرضي المشركون المسلمين. فإذا دفع المشركون دية قتلانا لا بأس أن يقبل الإمام ذلك منهم. وسلم الديات إلى ورثة المقتولين (¬1). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1762.

القاعدة الخامسة عشرة [رفع العقد بعد الفسخ].

القاعدة الخامسة عشرة [رفع العقد بعد الفسخ]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: رد البيع الفاسد هل هو نقض له من أصله أو من حين رده؟ (¬1). وفي لفظ: رد العقود المفسوخه من أصلها أو من حين الفسخ (¬2). وفي لفظ: الفسخ بالعيب والخيار فإنه يستند إلى مقارن للعقد، فهل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه؟ (¬3) فيه خلاف معروف. وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: الفسخ رفع للعقد من حينه لا من أصله (¬4). وفي لفظ: الفسخ هل يرفع العقد من أصله أو فيما يستقبل؟ (¬5) وفي لفظ: هل الفسخ يرفع العقد من أصله أو من حينه؟ (¬6) وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد قد تطرأ عليه أمور توجب فسخه وإبطاله. ومفاد هذه القاعدة: أن هذه العقود المفسوخة والتي يجب رفعها وإبطالها هل يعتبر بطلانها من وقت عقدها أو من الوقت الذي وجب فيه ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 93. (¬2) المجموع المذهب لوحة 131. قواعد الحصني جـ 2 ص 246 (¬3) قواعد ابن رجب قاعدة 116. (¬4) المغني جـ 4 ص 162. (¬5) أشباه ابن نجيم ص 338. (¬6) أشباه السيوطي ص 292 المنثور جـ 2 ص 48 - 49.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فسخها؟ خلاف في ذلك بين الفقهاء من مختلف المذاهب. ولكن هل يترتب على ذلك ثمرة؟ إذا قلنا الفسخ من أَصله فزوائد المبيع للبائع؛ لأنها زوائد ملكه. وإن قلنا الفسخ من حينه فزوائد المبيع للمشتري لأنها زادت في ملكه. والخراج بالضمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع عبدا بيعا فاسدا ومضى عليه يوم الفطر عند المشتري، فهل فطرته على البائع أو على المشتري؟ إن قلنا أن العقد يرفع من أَصله ففطرته على البائع، وإن قلنا أنه يرفع من حينه ففطرته على المشتري. ومنها: إذا فسخ البيع لإفلاس المشتري، فإن العقد يرتفع من حينه قطعا والزوائد للمشتري. ومنها: إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الشركة بشرط الخيار، ثم باع الثاني نصيبه في زمن الخيار بيع بتات فهل للشريك الذي باع بشرط الخيار حق الشفعة أن فسخ العقد بالخيار؟ فإن قلنا أن خيار الشرط يرفع العقد من أَصله فلا شفعة له وإن قلنا يرفعه من حينه فله الشفعة (¬1). ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 131 ب.

القاعدة السادسة عشرة [الرد بالعيب]

القاعدة السادسة عشرة [الرد بالعيب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرد بالعيب قبل القبض بغير قضاء بمنزلة الرد بقضاء القاضي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا رد المشتري السلعة لعيب اكتشفه فيها قبل قبضها من البائع - وكان الرد بالتراضي بغير قضاء القاضي - فهذا الرد يعتبر بمنزلة الرد بقضاء القاضي فلا يجوز للبائع أن يرفض رد السلعة بعد ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان سيارة من آخر وتم العقد لكن بعد تمام العقد وقبل تسلم السيارة من البائع اكتشف المشتري فيها عيبا يوجب الرد فردها على بائعها بذاك العيب، فينزل هذا الرد بمنزلة رد القاضي. ومنها: إذا اشترى رجل سيارة أو دارا وقبضها ثم باعها من غيره، وقبل أن يقبض الثاني السيارة أو الدار علم بعيب فيها - كان عند البائع الأول - فرد المشتري الثاني السيارة أو الدار على المشتري الأَول بغير قضاء، وفي هذه الحال يجوز للمشتري الأول أن يرد السيارة أو الدار على البائع الأول بذلك العيب، لأَن الرد بالعيب قبل القبض بغير قضاء بمنزلة الرد بقضاء القاضي، ويترتب على ذلك ان البائع الأول ليس له حق الامتناع عن الرد بحجة أن المشتري قد باع السيارة أو الدار لغيره. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 49 عن الفتاوي الخانية فصل ما يرجع بنقصان العيب.

القاعدة السابعة عشر [رد الجهالات]

القاعدة السابعة عشر [رد الجهالات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ردوا الجهالات إلى السنة (¬1). حديث أو أثر ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا أثر ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ "أمر عمر أن ترد الجهالات إلى الكتاب والسنة" أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب خلق الأفعال (¬2). والمراد بالجهالات كل أَمر خالف حكم الكتاب أو السنة، وفي فعله تعطيل لحكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فيجب رد كل حكم مخالف للكتاب والسنة إليهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا لحق مرتد بدار الحرب وكان قد التزم قصاصا أو حد قذف قبل ارتداده ثم أرسل للمسلمين يريد أن يصالحهم على أن يؤمنوه على ما أصاب. فليس لأَحد من المسلمين أن يؤمنه على ذلك؛ لأَن القصاص محض حق الولي ليس لغيره ولاية الإسقاط فيه، وفي حد القذف حق المقذوف. فإن آمنه الإمام على هذا فليس ينبغي أن يفي له به؛ لأَن اشتراط هذا جهل؛ لأَن فيه ترك ما هو من مظالم العباد، فينبغي له أن يقيم عليه ما لزمه إذا طلبه الخصم، ولا يلتفت إلى هذا الشرط. وكذلك كل حكم صدر من حاكم مخالف لشرع الله عز وجل فيجب رده إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2015. (¬2) ذيل موسوعة أطراف الحديث لزغلول ج 1 ص 192.

القاعدة الثامنة عشرة [الرضا بسبب الإتلاف].

القاعدة الثامنة عشرة [الرضا بسبب الإتلاف]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرضا بسبب الإتلاف يمنع وجوب الضمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ظهر الرضا بوجود سبب الإتلاف ممن يتضرر بالإتلاف فهذا الرضا بالسبب يمنع من المطالبة بالضمان والتعويض؛ لأَن في رضاه إسقاط حقه في التعويض، وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وأما عند صاحبيه فإن كان الشريك - أي مسبب الضرر - موسرا فعليه الضمان، وإلا استسعى العبد في نصيب الشريك - إذا كان الإتلاف متعلقا بالعبد المشترك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى دابة بها مرض أو سيارة بها عيب - وهو يعلم أن هذا المرض يتلف الدابة أو أن هذا العيب قد يتلف السيارة - ثم تلفت الدابة أو السيارة، فليس للمشتري أن يطالب البائع بالتعويض؛ لأنه أَقدم على الشراء وهو يعلم بالسبب المؤدي للإتلاف والهلاك وراض به. ومنها: من اشترى قريبه الذي يعتق عليه شركة بينه وبين آخر، يعتق نصيبه ولا يضمن لشريكه نصيبه - سواء كان موسرا أم فقيرا - ولكن يسعى العبد للشريك في نصيبه، وليس للشريك مطالبة المعتق بالتعويض - عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه كان يعلم أنه إذا اشتراه معه عتق عليه نصيبه من العبد. ومنها: إذا باع أمة مزوجة قبل الدخول سقط جميع المهر - ولا يطالب به الزوج -؛ لأَن الفرقة جاءت من قبل من له المهر وهو البائع، فبيعه لها قبل الدخول رضا بسبب سقوط المهر فلا يستحق الضمان ولا التعويض. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 72.

القاعدة التاسعة عشرة [الرضا بالشيء]

القاعدة التاسعة عشرة [الرضا بالشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه، واعتراف بصحته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من رضي بالشيء أو العمل فهو راض ضمناً بما يتولد من ذلك الشيء ويترتب عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رضي بإجراء عملية جراحية فهو راض ضمناً بنتائجها، فلو مات من جرائها - دون تقصير الطبيب المعالج - فلا حق لورثته في التعويض. ومنها: إذا قطعت يد سارق حداً؛ ثم سرى أثر القطع فمات المقطوع، فلا ضمان على القاطع؛ لأنه مأذون له فيه. ومنها: رضا أحد الزوجين بعيب صاحبه فازداد العيب، فلا خيار على الصحيح؛ لأن رضاه به رضاً بما يتولد منه. ومنها: إذا ادعت بعد الدخول - وهي معتبرة الإذن - أي إذا كانت ثيباً - أنها زوجت بغير إذنها، لا يقبل قولها - لأنه نُزِّل الدخول منزلة الرضا. رابعاً: ما استثني من مسائل هذه القاعدة: ما كان مشروطاً بسلامة العاقبة: كضرب المعلم للتلميذ، وضرب الزوج لزوجته، والولي لليتيم، وتعزير الحاكم، ونحو ذلك، فكل ذلك إذا تعدى فهو ضامن؛ لأن كل هذه مشروط فيها السلامة وعدم الإِفراط. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 152، المنثور للزركشي جـ 2 ص 176، أشباه السيوطي ص 141.

القاعدة العشرون [الرضا قبل العلم]

القاعدة العشرون [الرضا قبل العلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرضا بالشيء لا يتعلق قبل العلم به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى؛ لأَن الرضا أمر قلبي ولا يمكن تحققه قبل العلم بالشيء المطلوب الرضا به؛ ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره - والرضا حكم. فبدون العلم لا يتصور وجود الرضا، ولا يعقل أن يرضى الإنسان بشيء لا يعلمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رضيت بالزوج قبل معرفته والعلم بخطبته لها، لا يعتبر رضاها هذا، ولها الخيار بعد ذلك. ومنها: إذا وكله أن يزوجه امرأَة بعينها على مهر قد سماه، فزوجها إياه وزاد عليه المهر فإن شاء الزوج أجازه وإن شاء رده، لأنه أتى بخلاف ما أمر به، وإن لم يعلم الزوج بالزيادة في المهر حتى دخل بها فهو بالخيار أيضاً؛ لأَن دخوله بها باعتبار أن الوكيل قد امتثل أمره فلا يصير راضيا بما خالف فيه الوكيل، فإن شاء أقام معها بالمهر المسمى، وإن شاء فارقها، ولها الأَقل من المسمى ومهر مثلها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 21.

القاعدة الحادية والعشرون [الرضا - حكم السبب]

القاعدة الحادية والعشرون [الرضا - حكم السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرضا تقرير بحكم السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: رضا الإنسان بالشيء أو العمل يقوم به دليل على تقريره وتأكيده ورضاه بحكم سبب وجود ذلك الشيء وتحققه؛ لأَن كل أمر له سبب نشأ عنه حكمه، فالرضا بالأمر رضا بسببه وحكمه وتقرير له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى ما لم يره، ثم رآه فرضي به. فرضاه هذا تقرير بحكم السبب الذي هو العقد ووجوب قبوله وعدم فسخه. ومنها: إذا تزوج امرأة دون نظر إليها، ثم رآها ودخل بها، فيكون دخوله بها رضا بحكم العقد الذي هو سبب النكاح. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 25 ص 189.

القاعدة الثانية والعشرون [الرضا في الانتهاء]

القاعدة الثانية والعشرون [الرضا في الانتهاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرضا في الانتهاء بمنزلة الرضا في الابتداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في المعاملات والعقود التراضي، ولا تنفذ المعاملة ولا يصح العقد بدون رضا من طرفيها. والأصل أن الرضا إِنما يكون في ابتداء العقد، ولكن ان عدم الرضا في الابتداء بسبب من الأسباب: فمفاد القاعدة: أنه إذا وجد في الانتهاء فالعقد صحيح والمعاملة نافذة؛ لأَن الرضا في الانتهاء كهو في الابتداء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زوجت المرأة بأقل من مهر مثلها - فلها حق الاعتراض والاختيار بين الرضا والرفض فيفسخ العقد، فإن دخل بها الزوج برضاها فيكون ذلك رضا منها بالمهر المسمى انتهاء ولا خيار لها بعده. ومنها: إذا اشترى إنسان سلعة ثم ظهر بها عيب كان عند البائع فللمشتري خيار العيب وحق رد السلعة المعيبة على البائع ويفسخ العقد ويسترد المشتري الثمن. ولكن إن رضي المشتري بالسلعة مع عيبها فقد تم العقد ولا خيار له بعد ذلك، كما إذا كانت السلعة سيارة أو دارا فأجرها بعد اكتشاف العيب فيعتبر تأجيره لها رضا بالعيب يمنع الرد ويسقط الخيار. فكأنه علم بالعيب عند العقد ورضي به. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 23 ص 126.

القاعدة الثالثة والعشرون [رفع الضرر]

القاعدة الثالثة والعشرون [رفع الضرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: رفع الضرر واجب. (¬1) وهي بمعنى قاعدة "الضرر يزال". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بحكم الضرر بعد نزوله. فمفادها: أن إزالة الضرر ورفعه عن الفرد أو الجماعة بعد وقوعه ونزوله واجب شرعاً - أي فرض - ولكن بقدر الإمكان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سلط إنسان ميزابه أو بالوعته على الطريق العام بحيث يضر بالمارين فإنه يؤمر برفعه وإزالته، أو إزالة ضرره. ومنها: أن المتلف يضمن عوض ما أتلف؛ للضرر الذي أَحدثه. ومنها: إذا كان نهر بين قوم فاصطلحوا على كَرْيه - أي تنظيف باطنه من الرمال والحجارة والأَتربة والأوساخ التي تعوق جريه - أو بوضع ممشاة عليه أو قنطرة على أن تكون النفقة عليهم بحصصهم فهذا جائز كله عليهم، وإذا لم يصطلحوا يجبروا عليه إذا كان في عدم ذلك ضرر عام. ومنها: إذا وضع شخص خشبة على جدار جاره أو صب فوقه جزءاً من سقف بيته، وكان الجدار لا يحتمل ثقل السقف فوقه، ويخشى من سقوطه فيجبر الجار على إزالة ما وضعه؛ لأَن رفع الضرر واجب. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 20 ص 159.

القاعدة الرابعة والعشرون [الرقية - الحرية]

القاعدة الرابعة والعشرون [الرقية - الحرية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرِّقِّيّة تَلَف، والحُريّة حَيَاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرِّقِّيَّة: أي العبودية. فمفاد القاعدة: أن من استُرِقَّ فكأنه تلف، لأنه أصبح مملوكا لغيره يتصرف فيه كما يشاء، فهو شبيه بالدابة أو السلعة، فلا رأى له في نفسه ولا في غيره، ولا يملك بل هو مملوك، فبالرق تلفت إنسانيته، وأما الحرية فهي حياة، لأَن بها يملك المرء نفسه بعد الرق، فكأنه حي بعد موت، وأصبح مالكا بعد أن كان مملوكا، وأصبح مريدا بعد أن كان لا إرادة له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأسير المُسْتَرَقُّ تالف معنى؛ لأنه لا يملك من أمر نفسه شيئا، فهو مملوك بعد أن كان مالكا. يتصرف به آسره كيفما يشاء ولا إرادة له. ومنها: المرتدة إذا لحقت بدار الحرب ثم جاءت بغير أمان كانت فيئا وقسم ميراثها بين ورثتها؛ لأنها صارت هالكة حكما حيث جعلت فيئا. هذا على القول بأن المرتدة لا تقتل بل تحبس وتجبر على الإِسلام، وأما على القول بأنها تقتل كالرجل المرتد فبرجوعها تقتل وتكون ميتة فعلا لا حكما. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1934.

القاعدة الخامسة والعشرون [الركن]

القاعدة الخامسة والعشرون [الركن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الركن يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم، عن أبي حنيفة رحمه الله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الركن في اللغة: هو الجانب الأقوى من الشيء (¬2). واصطلاحا: ركن الشيء ما لا وجود لذلك الشيء إلاّ به، ويطلق على جزء الماهية - أي حقيقة الشيء - مثل قولنا: القيام ركن في الصلاة (¬3). فمفاد القاعدة: أنه عند أبي حنيفة رحمه الله أن ركن الشيء وجزأه تبرأ ذمة المكلف بفعل أدنى ما يتناوله الاسم. أي أقل شيء. خلافا لصاحبيه وللآخرين من الأئمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القيام ركن في الصلاة. فعند أبي حنيفة رحمه الله أن المصلي يعتبر قائما ومؤدِّيا هذا الركن بمجرد استوائه قائما ولو لم يطمئن في قيامه. وكذلك الركوع والسجود. وعنده أن من أتى في صلاته بقراءة أقصر آية في كتاب الله يعتبر قارئا وتصح صلاته، مستدلا بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (¬4) فمن تيسر عليه آية واحدة يكون ممتثلا للأمر. ولكن عندَ أبي يوسف ومحمد وغيرهما من الأئمة رحمهم الله جميعا لا يجزئ ما لم يقرأ في كل ركعة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة على الأقل. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 1 ص 222 (¬2) مختار الصحاح مادة (ركن). (¬3) الكليات ص 481. (¬4) الآية 20 من سورة المزمل

القاعدة السادسة والعشرون [الركنية]

القاعدة السادسة والعشرون [الركنية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الركنية لا تثبت إلا بالنص. عند الحنفية (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية: أن كون الشيء ركنا في أمر ما لا يثبت إلا إذا ورد به نص، أي لا تثبت الركنية بالاجتهاد أو القياس أو خبر الواحد وأما الواجبات فتثبت بخبر الواحد؛ لأَن خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب علم اليقين. والركنية إنما تثبت بما يوجب علم اليقين. وهذا بناء على مذهب الحنفية القائلين بالتفريق بين الفرض - الذي هو ركن - وبين الواجب. وهو غير الفرض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لم يوجب الحنفية الطهارة في الطواف؛ لأَن المأمور به بالنص إنما هو الطواف الثابت بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬2) والطواف اسم للدوران بالبيت وذلك يتحقق من المحدثَ والطاهر، فلم تصر الطهارة ركنا ولكنها واجبة، والدم يقوم مقام الواجبات في باب الحج. ومنها: قراءة خصوص الفاتحة في الصلاة ليست ركنا، بل الركن مطلق القراءة الثابت بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (¬3). وقراءة الفاتحة واجبة لثبوت الأَخبار بها، فالخبر كما سبق يوجب العمل ولا يوجب علم اليقين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 38. (¬2) الآية 29 من سورة الحج. (¬3) الآية 20 من سورة المزمل.

القاعدة السابعة والعشرون [الرهن بالأمانات]

القاعدة السابعة والعشرون [الرهن بالأَمانات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الرهن بالأَمانات باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرهن في اللغة: ما يعطى توثيقا للدَّين. وهو معروف. والأَمانات: الودائع جمع أمانة؛ لأَن صاحبها يأتمن المودَع عليها. ومفاد القاعدة: أن الأصل في الأَمانات أَنها غير مضمونة على الأَمين إذا تلفت بغير قصد أو تقصير في الحفظ، ولذلك كان الرهن أو المطالبة به لتوثيق عقد الأَمانة باطل لا يجوز؛ لأَن الأمانات غير مضمونة بدون تفريط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أودع إنسان آخر وديعة مالاً أو غيره وطلب منه رهنا وثيقة بالأَمانة، فلا يجوز ولا يحق للمودع صاحب الأَمانة مطالبة المودع الأَمين بالرهن؛ لأَن الأَمين غير ضامن. ومنها: إذا تقارض رجلان وعقدا بينهما عقد قراض فليس لصاحب رأس المال أن يطلب من العامل رهناً برأس مال القراض. ومنها: العارية أيضاً غير مضمونة فليس للمعير أن يطلب من المستعير رهنا بالمعار. ¬

_ (¬1) ابن نجيم ص 356، الفرائد البهية ص 235.

القاعدة الثامنة والعشرون [تعارض الروايتين]

القاعدة الثامنة والعشرون [تعارض الروايتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الروايتان إذا تعارضتا تساقطتا، فالرجوع إلى دليل آخر (¬1). أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الروايتان أو الخبران إذا تعارضا - في نظر المجتهد - ولم يمكن العمل بكل منهما ولو من وجه، كما لم يمكن معرفة التاريخ ولم يمكن الترجيح بينهما بوجه من وجوه الترجيح، فيجب عدم العمل بهما - وهذا معنى تساقطهما -؛ لأَن العمل بكليهما مستحيل لتعارضهما، فوجب إسقاطهما والبحث عن دليل آخر للعمل بموجبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ورد خبران أحدهما يحرم والآخر يحل، ولم يمكن الجمع أو الترجيح، أسقطا ويبحث المجتهد عن دليل آخر أو الرجوع إلى القواعد العامة في الشرع فما وافق القواعد العامة أخذ به، وما لا يوافق يتركه. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 82 عن شرح الوقاية.

حرف الزاي

قواعد حرف الزاي

القاعدة الأولى [الزائل العائد]

القاعدة الأولى [الزائل العائد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وجد وضع بحكم ثم عُلَّق استمرار هذا الحكم أَو انتفاؤه بشرط أو صفة ثم تغير الوضع عما كان عليه، ثم عاد كما كان فهل يعتبر الأمر أو الوضع الذي ارتفع ثم عاد كأنه ما ارتفع، أو كأنه ما رجع ولا عاد؟ لأننا إذا اعتبرناه كأنه لم يرتفع فإن الحكم المبني أو المعلق على الشرط أو الصفة إذا وجد فهو واقع. أما إذا اعتبرنا كأنه لم يعد وأن الذي وجد إنما هو آخر جديد فإن الحكم لا يقع ولا يتحقق. خلاف وهناك مسائل: يعتبر الحكم فيها كالذي لم يعد قطعا. ومنها: يعتبر كالذي لم يزل قطعا. ومنها: ما فيه خلاف والأَصح أنه كالذي لم يزل. ومنها: ما فيه خلاف والأَصح أنه كالذي لم يعد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مثال للأول: إذا زال الملك عن العبد قبل ليلة هلال شوال ثم تملكه بعد الغروب من ليلة هلال شوال فلا تجب عليه فطرته قطعا. ومثال للثاني: إذا اشترى معيبا ثم باعه ثم علم بالعيب. فلا أرش ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 222 أ، قواعد الحصني جـ 3 ص 214، أشباه ابن السبكي ج 1 ص 128 وص 276، المنثور جـ 2 ص 178، أشباه السيوطي ص 176، قواعد ابن خطيب الدهشة ص 460.

له، فلو رد عليه بالعيب فله رده قطعا. ومثال الثالث: إذا جاوز الميقات غير محرم ثم عاد فالأَصح أنه إن عاد وقبل تلبسه بنسك سقط الدم. وإلا فلا. ومنها: إذا فارق عَرَفة قبل الغروب ولم يعد أراق دماً. فأما إذا عاد فكان بها عند الغروب فلا شيء عليه. ومثال الرابع: إذا جن قاض أو ذهبت أهليته لم ينفذ حكمه، فلو زالت الأسباب لم تعد ولايته في الأَصح. قال الزركشي: والضابط في هذه المسائل: أن ما كان المعلق فيه شرعيا إذا عاد فهو كالذي لم يزل. كالمفلس إذا حجر عليه قبل اقباض الثمن وكان قد خرج المبيع عن الملكية ثم عاد. وأما إن كان وضعيا أي - شرطا جعليا - فكالذي لم يعد. كما لو علق طلاقها على صفة ثم أبانها ثم تزوجها، فعادت - أي الصفة - لا يقع الطلاق في الأصح، وإن وجدت الصفة (¬1). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 182.

القاعدة الثانية: [الزيادة على الواجب]

القاعدة الثانية: [الزيادة على الواجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: زاد على الواجب بمثله يقع الكل واجبا (¬1). وفي لفظ: إذا أتى بالواجب وزاد عليه فهل يقع الكل واجبا أو لا (¬2)؟ وفي لفظ: الواجب الذي لا يتقدر هل يوصف كله بالوجوب (¬3). وتأتي في حرف الواو إن شاء الله، أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه مسألة اختلف فيها الأصوليون والفقهاء، وهي أن الواجب ما يلزم المكلف فعله، فإذا أَتي به أثيب عليه، وإذا لم يأت به أَثِم، والنفل بخلافه يثاب على الفعل ولا يأثم على الترك. فمفاد القاعدة: أن المكلف إذا جاء بالواجب المطلوب وزاد عليه شيئاً من جنسه فهل يعتبر كل ما أتى به واجبا؟ - هذا منطوق القاعدة الأولى عند الحنفية، وإن ذكروا أمثلة وقع فيها الخلاف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 378 وعنه قواعد الفقه ص 81. (¬2) أشباه ابن الوكيل ص 145 القسم الثاني. (¬3) قواعد الحصني جـ 2 ص 257، المنثور جـ 3 ص 320، أشباه السيوطي ص 532. الابهاج ج 1 ص 161، التبصرة ص 87، المستصفى ج 1 ص 73، المحصول ج 1 ق 2 ص 330، المجموع المذهب لوحة 88 ب، ونهاية السول ج 1 ص 104، التمهيد للاسنوي ص 86.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قرأ القرآن كله في الصلاة. وقع فرضا. ومنها: إذا أطال الركوع والسجود فيها وقع فرضا. عند الحنفية، وعند غيرهم خلاف. ومنها: إذا كرر الغسل في الوضوء هل يقع الكل فرضا، أو أن الأولى فرض والثانية والثالثة سنة؟ ومنها: إذا أخرج بعيرا عن خمسة من الإبل - والواجب شاة - فهل يقع الكل فرضا أو خمسه فرض، والباقي سنة وتطوعا؟ خلاف. ومنها: إذا نذر ذبح شاة فذبح بدنة. فهل يجزئه عن نذره؟ ولعل الثمرة تكون في النية، إذا نوى الوجوب في الكل أو لا. والثواب هل يثاب على الكل ثواب الواجب، أو ثواب النفل فيما زاد؟ ومنها: إذا أدى الزكاة وزاد على الواجب - قبل الحول - ثم هلك النصاب قبل تمام الحول فهل يرجع بقدر الواجب، أو الكل؟ خلاف. ومنها: إذا كشف عورته في الخلاء زائدا على القدر المحتاج إليه، هل يأثم على الجميع أو لا. خلاف.

القاعدة الثالثة [زعم الزاعم]

القاعدة الثالثة [زعم الزاعم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: زعم الزاعم يسقط اعتباره إذا جرى الحكم بخلافه. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالزاعم في القاعدة: المدعي أمراً ما. من زعم يزعم إذا كذب أو ادعى علماً بشيء، وقد يستعمل بمعنى قال مجردا عن الكذب، وقد يأتي بمعنى الظن الخطأ (¬2). فمفاد القاعدة: أن قول القائل أو ادعائه علماً بشيء ما فإذا جرى الحكم بخلافه لبيَّنةٍ أقوى فهو ساقط الاعتبار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادعى إنسان أن رجلاً أو شخصا فعل فعلا ما، ثم قامت البينة على خلاف ما ادعى، أسقطت دعواه. ومنها: إذا ادعى شخص أن له حقاً عند شخص آخر فأقام الآخر البينة على أداء الحق، سقطت دعوى المدعي. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 30 ص 111. (¬2) الكليات ص 488 بتصرف.

القاعدة الرابعة [الزعيم]

القاعدة الرابعة [الزعيم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الزعيم غارم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة جزء من حديث شريف ونصه "العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي، والزعيم غارم" لفظ أبي داود في كتاب البيوع (¬2). وبعضه عند ابن ماجة (¬3). وقد رواه غيرهما أيضاً. والمراد بالزعيم هنا - الحميل والكفيل والضمين - ومنه قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (¬4). والغارم: المؤدي لما تَحمَّله وضَمِنَه. فمفاد القاعدة: أن من تحمل شيئاً عن غيره فيجب عليه أداؤه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من كفل إنسانا بدين فلم يؤد الأصيل - المكفول - الدين في موعده، فيجب على الكفيل الأَداء وقضاء الدين. ومنها: إذا تصالح اثنان على مال محدد، وكفل بمال الصلح أجنبي عنهما، جازت الكفالة، ويدفع الأجنبي المال للمصالح. فإذا تبين أن المال ¬

_ (¬1) المبسوط ج 20 ص 149، ج 26 ص 14. (¬2) حديث رقم 3565 عن أبي أمامة - رضي الله عنه -. (¬3) حديث رقم 2405. (¬4) الآية 72 من سورة يوسف.

مستحق أو زيوف فيرجع المصالح على الأَجنبي الذي دفع المال لا على صاحبه الذي صالحه، لأن الأجنبي قد التزم بالضمان، وبظهور الدراهم مستحقة أو زائفة انتقض القبض لا أصل العقد. فعلى الأَجنبي الوفاء، وإن أَبى أن يدفع انتقض الصلح وعادت الدعوى.

القاعدة الخامسة [زيادة الصفة]

القاعدة الخامسة [زيادة الصفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: زيادة الصفة لا توجب زيادة الثمن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأَشياء لها صفات قد تتفق وقد تختلف، فإذا وجد شيئان من جنس واحد أحدهما زائد في صفته على الآخر: فمفاد القاعدة: أن هذه الزيادة في الصفة لا توجب زيادة في الثمن، وبخاصة في الأَموال الربوية حيث أن جيدها ورديئها سواء. كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى دارا أو أرضا على أنها ألف متر بمائة ألف، ثم ظهر أنها أكثر من ألف متر، فهي لازمة للمشتري، ولا تلزمه زيادة في الثمن بزيادة المساحة؛ لأنه إنما سمّى الثمن جملة بمقابلة الدار أو الأرض، والذرع فيها والمساحة صفة، فلا يزاد الثمن بزيادة الوصف. ومنها: إذا اشترى أرضا بمساحة معينة وفيها عدد من النخل - عشرون مثلا - بمبلغ محدود من المال، فزاد ثمن الأرض أو النخل، فهي للمشتري بما سمى؛ لأَن النخل صفة في الأرض، وزيادة الصفة لا توجب زيادة الثمن. ¬

_ (¬1) المبسوط ج 30 ص 189.

القاعدة السادسة: [الزيادة في الثمن]

القاعدة السادسة: [الزيادة في الثمن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الزيادة في الثمن والمبيع لا تثبت ملحقة بأصل العقد (¬1). أصل عند زفر رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تم البيع وانعقد العقد، ثم أراد أحد العاقدين أو كلاهما زيادة في الثمن أو المبيع، فعند زفر بن الهذيل رحمه الله لا تثبت هذه الزيادة ولا تلحق بأصل العقد، وأما عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى: فإن هذه الزيادة بعد تمام العقد تثبت وتلحق بأصل العقد؛ لأَن تراضي العاقدين على الزيادة بعد العقد بمنزلة تراضيها عند العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رهن ثوبا بعشرة دراهم، والثوب يساوي عشرة، فإذا زاد الراهن المرتهن ثوبا آخر ليكون مرهونا مع الأول بالعشرة - ففي القياس لا تصح هذه الزيادة - وهو قول زفر رحمه الله لأنه لا بد من أن يجعل بعض الدين بمقابلة الزيادة ليكون مضموناً به وذلك متعذر هنا؛ لأَن الثوب الأول مقبوض مقابل العشرة، فالثوب الثاني لا يقابله شيء من الثمن، وعند العلماء الثلاثة تثبت الزيادة في الرهن وتصح. ويكون الثوبان رهنا بالعشرة فكأن كل واحد منهما رهن بخمسة. وأما لو زاد المرتهن الراهن في الدين كأن زاده عشرة أخرى ليكون الرهن بهما جميعا، فهذه الزيادة لا تثبت في حكم الرهن عند أبي حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله تعالى، وإنما تثبت عند أبي يوسف رحمه الله استحسانا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 97.

القاعدة السابعة [الزيادة في الموهوب]

القاعدة السابعة [الزيادة في الموهوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الزيادة في عين الموهوب تمنع الواهب من الرجوع (¬1). ثانياً: معنى هذا الضابط ومدلوله: الهبة أركانها واهب وموهوب له وشيء موهوب، وتتم بالقبض. فمفاد هذا الضابط: أن الموهوب إذا زاد أو نما عند الموهوب له امتنع رجوع الواهب فيه -على القول بجواز رجوع الواهب في هبته - ولأن تلك الزيادة غيرت عين الموهوب فكأنه غيره. والحق أن هذا الحكم لا يختص بالهبة فالهدية كذلك بل والمبيع إذا زاد زيادة في عينه تمنع رده على بائعه كنقصانه، واللقطة كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وهب شخص لآخر دارا أو أرضا فبنى فيها أو زاد في الدار أو زرع في الأرض، امتنع على الواهب الرجوع فيها. ومنها: إذا ألقى شخص ما أو سيب حيواناً في برية أو مضيعة وقال: من فأخذه فهو له. فأخذه إنسان وأخرجه من البرية أو المضيعة إلى العمار أو القرية - أو كان في دار الكفر فأخرجه إلى دار الإسلام - فليس لصاحبه الذي سيبه الرجوع فيه، لأنه كان مشرفا على الهلاك والضياع وقد أحياه من أخذه بالإِخراج منها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 798.

القاعدة الثامنة [الزيادة المتولدة]

القاعدة الثامنة [الزيادة المتولدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الزيادة المتولدة من عين المغصوب إذا تلفت من غير صنع أحد لا تكون مضمونة. ثانياً: معنى هذا الضابط ومدلوله: هذا الضابط كسابقه يمكن أن يكون قاعدة إذا وسع شموله. فمفاده: أن من غصب شيئاً فزاد عنده زيادة ثم تلفت هذه الزيادة بآفة سماوية بغير صنع أحد فلا تكون مضمونة على الغاصب كضمان أصلها، إذا رد الغاصب المغصوب أو حكم عليه بالضمان. ومفهوم هذا الضابط أن هذه الزيادة لو تلفت بفعل الغاصب أو غيره فعلى المتلف الضمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب من آخر ناقة أو بقرة أو شاة فحملت عند الغاصب وولدت ثم مات ولدها، حتف أنفه بغير فعل أحد، فإن الغاصب غير ضامن له، وإن كان ضامناً للأصل المغصوب. ومنها: إذا غصب أرضا أو نخلا فأثمرت ثم جاءت جائحة فأفسدت الثمر وهو على رؤوس النخل فالغاصب غير ضامن للثمرة أيضاً.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع يشتمل على: 1 - اسم الكتاب كاملاً. 2 - اسم المؤلف وكنيته ولقبه وشهرته وتاريخ وفاته، إذا وجد. 3 - اسم المحقق إذا كان الكتاب محققاً. 4 - المطبعة أو دار النشر وبلد الطبع ورقم الطبعة وتاريخها إذا توافرت كلها، وإلا بحسب الموجود منها. 1 - الإبهاج شرح المنهاج الأصولي: تأليف الإمام علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 756، وولده الإمام عبد الوهاب بن علي المتوفي سنة 771 هـ. طبع دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولى 1404 - 1984. 2 - أخبار أصبهان: تأليف الإمام الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفي سنة 430 هـ. نشره عبد الوهاب عبد الواحد الخلجي. الناشر: الدار العلمية دلهي - الهند الطبعة الثالثة 1405 - 1985. 3 - إعداد الُمهَج للاستفادة من المنهج. في قواعد الفقه المالكي. تأليف الشيخ أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي. مراجعة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري. منشورات إدارة إحياء الثراث الإسلامي بقطر 1403 - 1983. 4 - الأعلام قاموس تراجم. تأليف خير الدين بن محمود بن محمد الزركلي الدمشقي المتوفى سنة 1396م. الطبعة السادسة. طبع دار العلم للملايين - بيروت سنة 1984.

5 - الأقمار المضيئة شرح القواعد الفقهية. تأليف الشيخ عبد الهادي ضياء الدين بن إبراهيم بن محمد بن القاسم الأهدل. نشر مكتبة جدة الطبعة الأولى 1407 - 1986. 6 - الأم، طبعة جديدة. للإمام محمد بن إدريس بن شافع المطلبي الشافعي رحمه الله المتوفى سنة 204 هـ تحقيق د/ أحمد بدر الدين حسون. طبع دار قتيبه - بيروت الطبعة الأولى 1416 - 1996. 7 - التلويح شرح التنقيح في الأصول، طبعة جديدة تأليف الإمام سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي المتوفى سنة 792 هـ تحقيق الشيخ زكريا عميرات. طبع دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1416 - 1996. 8 - التمهيد في تخريج الفروع على الأصول. تأليف الإمام جمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي المتوفى سنة 772 هـ، تحقيق د/ محمد حسن هيتو. طبع مؤسسة الرسالة - بيروت الطبعة الأولى 1400 - 1980. 9 - تهذيب اللغة. تأليف أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفى سنة 370 هـ تحقيق عبد السلام محمد هارون. طبع دار القومية العربية - القاهرة الطبعة الأولى 1384 - 1964. 10 - شرح الولاتي لمنظومة أصول الإمام مالك. مخطوط - بدون تاريخ تأليف محمد يحيى بن محمد المختار الشنقيطي المالكي المتوفى سنة 1330 هـ.

11 - العذب الفائض شرح عمدة الفارض: تأليف الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الفرضي. نشر دار الفكر - بيروت - الطبعة الثانية 1394 - 1974. 12 - غاية المنتهى مع شرحها مطالب أولي النهى. تأليف الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي المتوفى سنة 1033. والمطالب للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني المتوفى سنة 1243 هـ. منشورات المكتب الإسلامي - دمشق. الطبعة الأولى 1380 - 1961 م. 13 - الغياثي: غياث الأمم في التياث الظُلم. تأليف إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، المتوفي سنة 478 هـ. تحقيق د/ مصطفى حلمي، د. فؤاد عبد المنعم أحمد. الطبعة الأولى سنة 1402 هـ، دار الدعوة - الاسكندرية. 14 - الفتاوى الهندية في مذهب الحنفية. تأليف الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، دار التراث العربي - بيروت الطبعة الثالثة مصورة سنة 1400 - 1980. 15 - فتح الغفار شرح المنار: تأليف زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم الحنفي المتوفى سنة 970 هـ، مراجعة الشيخ محمود أبو دقيقة مطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة الطبعة الأولى 1355 - 1936 م. 16 - الفروع في الفقة الحنبلي: تأليف الشيخ شمس الدين المقدسي أبي عبد الله محمد بن مفلح المتوفى سنة 763 هـ. مراجعة عبد الستار أحمد فراج. طبع عالم الكتب - بيروت الطبعة الثالثة مصورة 1402.

17 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: تأليف محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي المتوفى سنة 1376 هـ. علق عليه عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ. نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة الطبعة الأولى 1396. 18 - الفوائد الزينية في مذهب الحنفية: تأليف زين الدين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم الحنفي المتوفى سنة 970 هـ تقديم أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. طبع دار ابن الجوزي - الدمام - السعودية، الطبعة الأولي 1414 - 1994. 19 - كشف الخفاء ومزيل الالباس: تأليف الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي المتوفى سنة 1162 هـ. دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة الثالثة - مصورة عن طبعة سنة 1351 هـ. 20 - الكليات - معجم في المصطلحات والفرق اللغوية: تأليف أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكغوي المتوفى سنة 1094 هـ. قابله وأعده للطبع د/ عدنان درويش، ومحمد المصري طبع مؤسسة الرسالة - بيروت الطبعة الثانية 1413 - 1993. 21 - معرفة السنن والآثار: تأليف الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 هـ تحقيق د/ عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: جامعة الدراسات الإِسلامية - كراتشي - باكستان. ودار قتيبة - دمشق - ودار الوعي - حلب. ودار الوفاء القاهرة - والمنصورة الطبعة الأولى 1411 - 1991.

22 - المغني: تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي المتوفى سنة 620 هـ. طبع مكتبة الرياض الحديثة الرياض: السعودية. 23 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: تأليف الإمام شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 هـ. دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1399 - 1979. 24 - الموطأ: للإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - تقديم فاروق سعد منشورات دار الافاق الجديدة - بيروت الطبعة الثانية 1401 - 1981. 25 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: تأليف أبي عبد الله بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق على محمد البخاري. نشر دار المعرفة - بيروت الطبعة الأولى 1382 - 1963. 26 - نهاية السول: للإمام جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي المتوفى سنة 772 هـ المطبوع مع شرح البدخشي المسمى مناهج العقول. دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى 1405 - 1984. 27 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: تأليف شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي الشافعي المتوفى سنة 1004 هـ طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة 1357 - 1938. 28 - الهداية مع شرحها فتح القدير: مؤلف الهداية شيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني المتوفى سنة 593 هـ.

ومؤلف فتح القدير الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام الحنفي المتوفى سنة 681 هـ. طبع شركة مكتبة مطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة - الطبعة الأولى 1389 - 1970 م.

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلَامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستاذ المشارك في كليّة الشريعَة وأصُول الِدّين بالقصيم - بريدَة الأقسَام الخامِس - السَّادِس - السَّابع حُروف السّين والشّين - الصَّاد وَالضّاد - الطَّاءَ وَالظّاء - العَين وَالغين مكتبة التَّوبَة دار ابن حزم

حرف السين

القسم الخامس قواعد حرف السين وحرف الشين أولاً: حرف السين عدد قواعد حرف السين (32) ثنتان وثلاثون قاعدة.

القاعدة الأولى [السؤال والجواب]

القاعدة الأولى [السؤال والجواب] أولا: ألفاظ ورود القاعدة: السؤال مُعاد - أو كالمعاد - في الجواب (¬1). وفي لفظ: "الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال" (¬2). وفي لفظ: "السؤال هل هو معاد في الجواب؟ " (¬3). وفي لفظ: "ما تقدم من الخطاب يصير كالمعاد في الجواب" (¬4). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. السؤال في اللغة: فُعال، من سأل يسأل، والهمزة منقلبة عن الواو. ومعنى السؤال: استدعاء معرفة، أو ما يؤدي إلى المعرفة (¬5). وهو طلب الاستفهام والاستخبار. والجواب: مشتق من جاب الفلاة إذا قطعها، وسمي الجواب جواباً لأنه ينقطع به كلام الخصم، وهو يكون تارة بـ "نعم"، وأَجَل، وبلى، وتارة بـ "لا". ¬

_ (¬1) المنثور 2/ 214، الكليات ص 502، أشباه السيوطي ص 141، أشباه ابن نجيم ص151، 271, المبسوط 6/ 80، الوجيز ص 328, ط 4. (¬2) القواعد والضوابط ص 148, 160عن الفتاوى الخانية 1/ 329. (¬3) قواعد الحصني 3/ 107. (¬4) شرح السير ص 435, المبسوط 18/ 6, ص 144. (¬5) الكليات ص 501.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ويستعمل فيما يتحقق وقوعه ويجزم به (¬1). فمفاد القاعدة: أن الخطاب الوارد سؤالاً لسائل يستدعي جواباً، وهذا الجواب غير مستقل بنفسه، بل يتبع السؤال في عمومه وخصوصه، حتى كأن السؤال معاد فيه ومكرر ضمنه. قد ذكر هذه القاعدة الأصوليون أيضاً (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سُئِل عن بيع الرطب بالتمر - فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: فلا إذن" (¬3). أي لا يجوز بيع الرطب بالتمر للتفاضل بينهما لنقص الرطب عن التمر عند جفافه ويبسه. ومنها: إذا قال له: تغد عندي. فقال: والله لا تغديت. فيحمل الحلف على الغداء المذكور قبلاً لا على كل غداء، فلو تغدى عند غيره أو في بيته لا يحنث؛ لدلالة العرف. ومنها: إذا قيل له: هل بعت دارك؟ فقال: نعم. كان ذلك إقراراً ببيع الدار كأنه قال: نعم بعت داري. ينظر أيضاً قواعد حرف الخاء رقم (22). ¬

_ (¬1) نفس المصدر, ص 352. (¬2) ينظر: التبصرة ص 144، العدة 2/ 596، البرهان 1/ 372، إحكام الآمدي 2/ 345، تيسير التحرير 1/ 263، شرح تنقيح الفصول ص 216 وغيرها. (¬3) الحديث: رواه الخمسة وصححه الترمذي.

القاعدة الثانية [السؤال والخطاب]

القاعدة الثانية [السؤال والخطاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السؤال والخطاب يمضي على ما عَمَّ وغَلَب، لا على ما شذ وندر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن سؤال السائل وخطاب المخاطب إنما يجب حمله على الدلالات العرفية للناس بحسب استعمالاتهم التي تعمُ وتغلب عليهم، سواء كان هذا العرف شرعياً أم عادياً. فعبارات المخاطبين إنما تحمل على معانيها العرفية - في الغالب - لا على دقائق العربية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من حلف لا يصوم، فلا يحنث إلا بالصوم الشرعي الذي غلب على الناس، وهو الإمساك بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ولا يحمل على مطلق الإمساك. ومنها: من قال لامرأته: أنت طالق، يقع الطلاق المفرق بين الزوجين، ولا يحمل إلا على الطلاق الشرعي الذي يتعامل به الناس, ولا يحمل على إطلاقها من قيد أو غيره، حتى لو ادعى ذلك فإنه لا يعتبر في القضاء ويدَّين بينه وبين الله تعالى. وينظر قواعد حرف الهمزة تحت رقم 308 ص 477. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي، وعنه قواعد الفقه ص 84. وينظر: الوجيز ص370, ط 4.

القاعدة الثالثة [الساقط - المعدوم]

القاعدة الثالثة [الساقط - المعدوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الساقط لا يعود (¬1). وفي لفظ: "الساقط مُتَلَاشِ لا يُتَصوَّر عوده" (¬2). وفي لفظ: "الساقط من الحق يكون متلاشياً لا يتصور عوده" (¬3). وفي لفظ: "المُسْقَطُ يكون متلاشياً" (¬4). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "المعدوم لا يعود" (¬5). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. المراد بالساقط: هو الحكم أو التصرف الذي تمَّ أو الحق الذي يسقطه صاحبه، ويبرئ منه غريمه. والمتلاشي هو المعدوم. والساقط صفة لموصوف محذوف وهو الحكم أو التصرف أو الحق. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 316, 318، شرح الخاتمة ص 46، مجلة الأحكام 51، المدخل الفقهي الفقرة 642، الوجيز مع الشرح والبيان ص 369، الفوائد الزينية الفائدة 207 ص 168. (¬2) المبسوط 21/ 44، والقواعد والضوابط ص 117 عن الهداية 1/ 209, 2/ 210, 8/ 30. (¬3) المبسوط 12/ 108, 25/ 149. (¬4) المبسوط 30/ 133, 134. (¬5) مجلة الأحكام، المادة 51. وينظر: الفتاوى الخانية 3/ 214، وجامع الفصولين الفصل 28, 2/ 8, والفوائد الزينية ص 168 فما بعدها.

ما يجري فيه الإسقاط

فمفاد القاعدة: أن من تنازل عن حق له على غيره, وأبرأه منه، وأسقطه عنه، أنه لا حق له في المطالبة به بعد ذلك؛ لأنه قد تلاشى، وما تلاشى وعُدِم لا يمكن عوده مرة ثانية؛ لأنه يصبح معدوماً لا سبيل إلى إعادته إلا بسبب جديد يعيد مثله لا عينه. والإسقاط كما يكون بفعل المكلف يكون أيضاً بالشرع. ما يجري فيه الإسقاط: يجري الإسقاط في حقوق العباد المجردة كالخيارات والشفعة والإبراء عن الدعاوى، وإبراء الذمم. ما لا يجري فيه الإسقاط: لا يجري الإسقاط في حقوق الله تعالى، والأعيان لا يجري فيها الإسقاط ولا يتصور. طرق الإسقاط: الإسقاط الصريح كإبراء الدائن مدينه عن دينه، وإسقاط بالالتزام، أو بالإشارة والدلالة، وإسقاط الشرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من باع بثمن حالًّ فللبائع حبس المبيع حتى يستوفي الثمن، ولكن إن سلمه للمشتري قبل قبض الثمن سقط حقه في الحبس، فليس له أن يسترده من المشتري ليحبسه حتى يقبض الثمن؛ لأن الساقط لا يعود. ومنها: إذا اشترى شيئاً بشرط الخيار فباعه أو أجَّره في مدة الخيار سقط خياره، ولا يمكن عوده.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة.

ومنها: إذا وهب حربي لمسلم هبة ثم أسر الحربي وأُعتق سقط حقه في الرجوع في الهبة؛ لأن حق الرجوع بطل بتبدل نفسه بالعبودية ثم بالعتق. ومنها: حق الشفعة يسقط بالإسقاط ولا يعود. وحق الغانم في الغنيمة قبل القسمة، وحق حبس الرهن، وخيار الشرط، وحق القصاص يسقط بالعفو. ومنها: إذا حكم القاضي برد شهادة الشاهد - مع وجود الأهلية والرد كان لفسق أو تهمة - ثم تاب الشاهد فلا تقبل شهادته في تلك الحادثة بعد ذلك (¬1). رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة. حق الاستحقاق في الوقف لا يبطل بالإبطال. ومنها: حق الرجوع في الهبة لا يسقط بالإسقاط. ومنها: حق المطالبة بإزالة ما وضع تعدياً لا يسقط بالإسقاط (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 319. (¬2) الفوائد الزينية ص 169 - 171.

القاعدة الرابعة [سبب الإتلاف]

القاعدة الرابعة [سبب الإتلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: سبب الإتلاف متى سبق ملك المالك لا يوجب الضمان له على المتلف (¬1). من أصول أبي حنيفة رحمه الله. سبقت في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 231. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا أتلف شخص شيئاً مملوكاً لشخص آخر ثم باع هذا الشخص الشيء المتلف إلى غيره، فليس للمشتري مطالبة المُتْلِف بضمان ما أتلف؛ لأن التلف حصل قبل أن يملك المشتري المبيع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قطع إنسان يد عبد ثم باع السيد عبده من غيره، ثم مات العبد بسبب القطع فليس للمشتري مطالبة القاطع بالتعويض؛ لأن التلف حصل قبل ملكه وفي غير ضمانه. كما أنه ليس للبائع مطالبة القاطع بالضمان؛ لأن العبد مات في غير ملكه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر, ص 21.

القاعدة الخامسة [السبب الباطل والصحيح]

القاعدة الخامسة [السبب الباطل والصحيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب الباطل لا يزاحم السبب الصحيح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأحكام إنما تنبني على الأسباب، ولكي يكون الحكم صحيحاً يجب أن ينبني على سبب صحيح. فمفاد القاعدة: أنه إذا تعارض سببان أحدهما صحيح، والثاني باطل فإن السبب الباطل لا ينظر إليه ولا يعتد به بجانب الصحيح. إنما ينبني الحكم على السبب الصحيح دونما أي اعتبار للسبب الباطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ورث إنسان من أبيه ميراثاً ثم جاءه شخص يدعي أنه أخوه من أبيه من امرأة زنا بها أبوه، فهذا لا يعتد به ولا يرث ولا ينسب للميت؛ لأن الزنا سبب باطل لا يستحق به المدعي نسباً ولا ميراثاً. ومنها: إذا باع شخص أرضاً أو داراً وجاء شريكه أو جاره وطلب الشفعة بالشركة أو الجوار، ثم جاء آخر وطلب الشفعة أيضاً باعتبار أنه أخ للبائع أو قريب له، فلا يستحق هذا الشفعة؛ لأن القرابة سبب باطل للشفعة والسبب الصحيح هو الشراكة أو الجوار لا القرابة. ¬

_ (¬1) المبسوط 30/ 45.

القاعدة السادسة [السبب التام]

القاعدة السادسة [السبب التام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب التام من قِبَل صاحب الشرع إذا أذن فيه وجب أن يترتب عليه مُسَبَّبه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأسباب التي تترتب عليها الأحكام نوعان: سبب تام يترتب عليه حكمه بشرط أن يأذن الشارع فيه. وسبب غير تام لا يترتب عليه حكمه. فمفاد القاعدة: أن السبب التام من قبل صاحب الشرع وجب أن يترتب عليه حكمه بشرط إذن الشارع فيه، وأما إذا وجد سبب تام ولكن لم يأذن به الشارع فلا يترتب عليه حكمه. والسبب التام هو السبب المستوفي لأركانه وشروط صحته ونفاذه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا عقد رجل عقد زواج على امرأة مستوفياً للشروط وجب أن يترتب عليه مسببه وحكمه وهو حل الاستمتاع بين الزوجين وما يترتب على هذا العقد من حقوق وواجبات. ولكن إذا وجد عقد ناقص بأن عقدت امرأة عقد زواجها بنفسها بغير ولي أو كان العقد بغير شهود فهذا عقد باطل لا يترتب عليه حكمه؛ لأنه عقد غير تام ولم يأذن به الشارع. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 204.

ومنها: إذا عقد مُحْرِمٌ عقد زواج بكل شروطه فهو عقد باطل لأنه وإن كان عقداً تاماً لكنه لم يأذن به صاحب الشرع؛ لأن المحرم لا يَنْكح ولا يُنْكَح. ومنها: المحجور عليه إذا وطيء أمته صارت له بذلك أم ولد، وهذا سبب فعلي يقتضي العتق عند موت السيد؛ لأن وطء المحجور سبب تام للعتق عند موت السيد، وقد أباح له صاحب الشرع الإقدام عليه وهو سبب تام. والحجر إنما هو سبب قولي وهو ممنوع منه، وليس هناك داع يدعوه لإعتاق عبده أو أمته عن جهة الطبع فلا يلزم من عدم تنفيذ العتق محذور، بخلاف وطء الأمة، فلو منعناه لربما وقع في الزنا.

القاعدة السابعة [السبب السالم عن المعارض]

القاعدة السابعة [السبب السالم عن المعارض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب السالم عن معارض إذا لم يكن فيه تخيير ترتب عليه مسببه اتفاقاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالسبب علة الحكم، والمسبَّب هو الحكم المترتب على وجود السبب، والسبب قد يرد سالماً عن المعارض، وقد يأتي مع وجود المعارض - والمراد بالمعارض هنا المانع من ترتب الحكم على سببه. والسبب قد يرد بالتخيير، وقد لا يكون فيه تخيير. فمفاد القاعدة: أن وجود السبب خالياً عن الموانع ولم يكن مخيراً فيه فإن مسببه وهو الحكم يترتب عليه ويوجد بوجوده إجماعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من دخل عليها وقت الظهر - وأمكنها الأداء - ولم تصلي حتى حاضت، فإنه يجب عليها قضاء هذه الصلاة؛ لأن العذر وهو الحيض المانع من الصلاة وجد بعد ترتب الوجوب في الذمة - فيجب عليها القضاء، وهذا عند الشافعي وأحمد وغيرهما (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد المقري, القاعدة 152, ص 400. (¬2) الفروق للقرافي 2/ 137, الفرق 88, وينظر: الأوسط لابن المنذر 2/ 246 المسألة 278.

وأما عند مالك رحمه الله وأصحاب الرأي، فإن الواجب متعلق بزمان لا بعينه فلا يجب القضاء إلا إذا فات جميع الوقت ولم تصلي؛ لأن المسقط للصلاة وجود العذر في آخر الوقت، ولا عبرة بما وجد من الوقت في أوله أو وسطه سالماً من العذر؛ لأنه وجد التخيير في أجزاء الوقت. ومنها: من وجب عليه عتق رقبة في الكفارة وعنده رقاب فله أن يتصرف فيها ما عدا الواحد بالعتق وغيره، فإذا فعل ذلك ولم يبق إلا رقبة واحدة فماتت أو تعيَّبت سقط عنه الأمر بالعتق وجاز له الانتقال إلى الصيام - وهذا إذا أصبح غير قادر على إيجاد رقبة صحيحة (¬1). ¬

_ (¬1) الفروق 2/ 138.

القاعدة الثامنة [السبب الضعيف]

القاعدة الثامنة [السبب الضعيف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب الضعيف لا يوجب حكماً قوياً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة معقولة المعنى، من حيث إن السبب إما أن يكون قوياً، وإما أن يكون ضعيفاً، وإذا كان الحكم مبنياً على السبب فبقوة السبب تكون قوة الحكم، فإذا كان السبب قوياً في ثبوته ودلالته كان الحكم المبني عليه قوياً كذلك. وأما إذا كان السبب ضعيفاً في ثبوته ودلالته فإن الحكم المبني عليه يكون ضعيفاً كذلك. فالحكم القوي لا يبنى ولا ينتج عن سبب ضعيف؛ لأن الحكم بحسب السبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع المولى عبده المأذون وكان عليه دين للغرماء - وكان بيعه بغير إذن الغرماء - فأعتق المشتري العبد قبل قبضه فعتقه موقوف؛ لأن المشتري بنفس العقد لا يتملك العبد ملكاً تاماً؛ لأنه موقوف على إجازة الغرماء، وبالسبب الموقوف ثبت الملك الموقوف، فإن لم يكن في ثمن العبد وفاء ولم يجز الغرماء لم يتم البيع وبِيْع العبد في دين الغرماء. أما لو أعتقه المشتري بعد القبض فينفذ عتقه؛ لأن السبب الضعيف ¬

_ (¬1) المبسوط 25/ 135.

بالقبض يقوى كما في البيع الفاسد، والبيع الموقوف أقوى من البيع الفاسد. ومنها: إذا باع الراهن المرهون فإن تصرف فيه المشتري قبل القبض لا ينفذ تصرفه إلا بإذن المرتهن، فتصرف المشتري موقوف على إذن المرتهن لتعلق حقه بالمرهون. ولكن لو قبضه المشتري نفذ تصرفه، ولأنه قبل القبض التسليط غير تام وتمامه موقوف على القبض.

القاعدة التاسعة [السبب الظاهر - المعنى الخفي]

القاعدة التاسعة [السبب الظاهر - المعنى الخفي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: السبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الخفي تيسيراً سقط اعتبار الباطن (¬1). وفي لفظ: "السبب الظاهر متى قام مقام المعنى الخفي دار الحكم معه وجوداً وعدماً" (¬2). وفي لفظ: "يحال بالحكم إلى السبب الظاهر دون ما لا يعرف" (¬3). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. الأصل في بناء الأحكام بناؤها على الأسباب الظاهرة لا المعاني الخفية الباطنة؛ لأن المعنى الخفي لا يدرك، وما لا يدرك لا يبني عليه حكم. مفاد هذه القاعدة: أن الحكم يدور مع سببه وعلته الظاهرة وجوداً وعدماً، ولا ينظر إلى المعنى الخفي ولا يعتبر تيسيراً على العباد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. البلوغ أقيم مقام المعنى الخفي - وهو العقل - في التكليف والتحمل؛ لأن العقل أمر خفي لا يدرك فأَقام الشارع البلوغ بعلاماته الظاهرة مقام اعتدال الحال في توجه الخطاب واعتبار كلام المكلف وأفعاله شرعاً، تيسراً للأمر على ¬

_ (¬1) المبسوط 17/ 71. (¬2) المبسوط 24/ 58, 66. (¬3) المبسوط 17/ 157.

الناس. فإذا وجد البلوغ مع اعتدال الحال وجد التكليف، وإذا انعدم انعدم التكليف. ومنها: إذا وجد الإيجاب والقبول تم العقد، وإذا انتفى الإيجاب والقبول انتفى العقد وعدم، حيث أقيم الإيجاب والقبول مقام الرضا لأنه أمر قلبي باطن. ومنها: الولد إنما ينسب لأبيه عند وجود الفراش؛ لأن الولد للفراش لا للماء ولا للوطء؛ لأنهما معنى خفي، والفراش سبب ظاهر لإثبات نسب الولد وبناء الأحكام عليه.

القاعدتان العاشرة والحادية عشرة [عمل السبب]

القاعدتان العاشرة والحادية عشرة [عمل السبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: السبب لا يعمل إلا في محله (¬1). وفي لفظ: "السبب يوجب الحكم في محله" (¬2). وفي لفظ: "السبب لا ينعقد موجباً لحكمه إلا في محل صالح له" (¬3). وفي لفظ: "السبب لا يوجب الحكم إلا في محل قابل له" (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. المراد بمحل السبب هو قابلية السبب لبناء الحكم عليه بأن يكون مناسباً في ذاته خالياً عن مانع لحكم السبب، فإذا كان كذلك وجب الحكم. فمفاد هذه القاعدة: أن أثر السبب وبناء الحكم عليه لا يظهر إلا في محل قابل لذلك السبب بأن يكون السبب مشروعاً خالياً عن مانع لحكمه وظهور أثره. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. صيد الحرم لا يملك بالاستيلاء؛ لأن شرط الاستيلاء أن يكون المحل مباحاً، وصيد الحرم غير مباح، فالاستيلاء صادف محلاً معصوماً غير موجب ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 52. (¬2) المبسوط 27/ 26. (¬3) المبسوط 9/ 116. (¬4) المبسوط 26/ 95.

للملك. ومنها: استيلاء الكفار بالقهر على أموال المسلمين لا يكون سبباً لملكهم إياها؛ لأنها مال معصوم غير موجب للملك عند الشافعي. ومنها: عبد قتل آخر خطأ، فمولاه بالخيار إن شاء دفعه لمولى القتيل بالجناية وإن شاء فداه بالأَرش - أي بالدية - أو يباع العبد في جنايته. وعذر الخطأ هنا لم يمنع استحقاق نفس العبد تمليكاً. ومنها: أن القتل العمد العدوان لا يوجب القصاص إلا في محل صالح له: وهو أهلية القاتل والمقتول. فإن كان القاتل أباً والمقتول ابناً سقط القصاص ووجدت الدية لانعدام الأهلية في المقتول؛ لأن الولد لا يكون أهلاً أن يجب له القتل على والده. ومنها: الصبي والمجنون إذا قتلا لا يقتص منهما لانعدام أهليتهما.

القاعدة الثانية عشرة [السبب - المباشرة]

القاعدة الثانية عشرة [السبب - المباشرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب متى كان بطريق التعدي فهو كالمباشرة في إيجاب الضمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. السبب هنا ما يقابل المباشرة، والأصل أن الضمان إنما يكون على المباشر لا على السبب إلا إذا كان المباشر غير قابل للضمان أو كان بطريق التعدي وهو مدلول قاعدتنا هذه. ومفاد القاعدة: أن السبب يجب عليه ضمان ما تلف وإن لم يباشر إذا كان هذا السبب تعدياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. حفر بئراً بطريق المسلمين بغير إذن من ولي الأمر أو الجهة المسؤولة، أو لم يأخذ الاحتياطيات اللازمة المأمور بها، فسقط فيها إنسان أو دابة فالحافر ضامن لأنه متعدٍ، وإن لم يكن مباشراً؛ لأن السقوط إنما كان بثقل الإنسان أو الدابة أو السيارة. ومنها: إذا تهايأ اثنان داراً - والمهايأة أن يتبادل الشريكان المنافع أو السكنى لكل منهما مدة محددة - فإذا بنى أحد الشريكين في الدار بناء أو احتفر بئراً (¬2)، فهو ضامن لما يحدث من ضرر بسبب ذلك؛ لأنه متعد في نصيب شريكه، ولأن هذا التصرف ليس من توابع السكنى بالمهايأة. ¬

_ (¬1) المبسوط 20/ 177. (¬2) بغير إذن شريكه.

القاعدة الثالثة عشرة [السبب المقيد بوصف]

القاعدة الثالثة عشرة [السبب المقيد بوصف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب متى كان مقيداً بوصف لا يكون موجباً بدون ذلك الوصف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. السبب قد يكون علة لحكمه بنفسه دون أمر آخر كإتلاف المال الموجب للضمان, وكن قد يكون السبب مقيداً بصفة خاصة وهو موضوع هذه القاعدة. فمفاد القاعدة: أن السبب إذا قيد بوصف فلا يبنى عليه الحكم بدون ذلك الوصف؛ لأن الوصف كالشرط فيه، والسبب بدون شرطه لا يوجب حكماً، وكذلك بدون وصفه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الأصل في المبيع أن يكون مالاً متقوماً، فإذا لم يكن متقوماً لا يجوز بيعه، كالخمر بالنسبة للمسلم؛ لأنه غير متقوم، ولأنه غير طاهر، فلا يجوز بيعه. ومنها: إذا كان في يد الشريكين دار أو عبد أو أمة، وقال أحدهما: ليس هذا من تجارتنا. فالقول قوله؛ لأن هذه الأعيان ليست للتجارة باعتبار الأصل، والتصادق من الشريكين لم يحصل بصفة العموم، وإنما حصل خاصاً بمتاع التجارة، فما لم يثبت كونه من التجارة لا يتحقق سبب الشركة بينهما. ومنها: المال سبب للتجارة، لكن إذا كان عند أحد الشريكَين دار أو ¬

_ (¬1) المبسوط 18/ 116.

أرض أو دابة أو سيارة - وهي وإن كانت مالاً - لكنها لا تصلح للتجارة - فلا تدخل في مال الشركة ولا تقوم الشركة بها. ومنها: مال الزكاة ما لم يبلغ النصاب لا تجب فيه الزكاة؛ لأن المال الزكوي موصوف بكونه بلغ نصاباً. ومنها: القتل بدون وصفه بكونه عمداً عدواناً - لا يوجب القصاص, لأن إيجاب القصاص ينبني علي قتل موصوف بكونه عمداً عدواناً.

القاعدة الرابعة عشرة [السبب الموجب بواسطة]

القاعدة الرابعة عشرة [السبب الموجب بواسطة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبب الموجب للحكم بواسطة كالموجب بغير واسطة في كون الحكم مضافاً إليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. السبب قد يوجب حكمه مباشرة بدرن واسطة كالقتل العمد العدوان موجب لحكمه وهو القصاص. وقد يكون بين السبب وحكمه واسطة وهو موضوع القاعدة. فمفاد القاعدة: أن وجود الواسطة بين السبب وحكمه لا يمنع من إسناد الحكم وبنائه على السبب كالمباشر، وعدم الاعتداد بالواسطة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا فُرِض عليه نفقة أخيه العاجز فصرف إليه زكاة ماله جاز وتسقط بها النفقة. ومنها: إذا اشترى من يعتق عليه كأبيه أو ابنه، أو ذا رحم محرم منه بنية كفارة عن ظهار جاز عند أئمة الحنفية الثلاثة استحساناً حيث إن عتق القريب يثبت بالقرابة والملك جميعاً خلافاً للشافعي وزُفَر رحمهما الله تعالى. ¬

_ (¬1) المبسوط 7/ 9.

القاعدة الخامسة عشرة [المتردد بين أصلين]

القاعدة الخامسة عشرة [المتردد بين أصلين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: السبيل فيما تردد بين أصلين أن يوفَّر حظه عليهما (¬1). وفي لفظ: "ما تردد بين أصلين، يوفر حظه عليهما" (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالتردد بين أصلين: أن يكون للشيء شبه بأصلين. فمفاد القاعدة: أن ما وجد فيه شبه بأصلين ينبغي أن يعطى حظاً من كل منهما، إلا إذا غلب أحدهما فيعطى حكمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. العبد متردد بين الإنسان وبين المال، فمن حيث شبهه بالإنسان يلزم بالتكاليف الشرعية، ومن حيث كونه مالاً يباع ويشترى ويوهب ويرهن، ومن هنا قالوا: إن بدل العبد إذا كان يجب لتفويت المنفعة كبدل قطع يده فهو فيه كالحر يجب فيه نصف بدل نفسه. وأما إذا كان باعتبار تفويت الزينة والجمال كقطع الشعر والأذن، فالمملوك: لا يلحق فيه بالحر، ولكن يلحق بالمال فيجب النقصان. ¬

_ (¬1) المبسوط 27/ 89. وينظر: قواعد الحصني 3/ 261 فما بعدها، وقواعد العلائي لوحة 75 أفما بعدها. (¬2) نفس المصدر 27/ 98.

القاعدة السادسة عشرة [الوساوس]

القاعدة السادسة عشرة [الوساوس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السبيل في الوساوس قطعها وعدم الالتفات إليها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الوساوس جمع وسوسة وهي القول الخفي لقصد الإضلال، وهي حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير (¬2). ووسوسة الشيطان ما يلقيه في نفس إلانسان من عدم صحة العمل أو الخوف من شيء ما ليجعل الإنسان لا يطمئن لعمل يقوم به وبخاصة فيما يتعلق بالعبادة كالطهارة والصلاة. فمفاد القاعدة: أن على من ابتلي بالوسواس لكي يتخلص منه أن يقطع هذه الوساوس ولا يلتفت إليها، وليقدم على العبادة ولو حدثته نفسه والشيطان بأنها غير صحيحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شك في بعض وضوئه إذا كان أول شك فعليه غسل الموضع الذي شك أن الماء لم يصله. أما إذا صار الشك له عادة ويعرض له كثيراً وجب أن لا يلتفت إليه؛ لأنه لو التفت إليه واشتغل بهذه الوساوس لم يتفرغ لأداء الصلاة، فكلما قام إليها يبتلى بمثل هذا الشك. ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 86. (¬2) الكليات ص 941 - 942 بتصرف, والقاموس المحيط، مادة (وسَّ).

ومنها: إذا وسوس إليه الشيطان أن تكبيرة الإحرام لم تقارن النية، وكثر ذلك عليه، فعليه قطع هذه الوسوسة بعدم الالتفات إليها، وإلا ما صحت له صلاة، وهذا ما يريده الشيطان. ومنها: إذا وسوس إليه الشيطان أن الناس يريدون قتله وعليه أن يأخذ حذره منهم - وهو دائماً يشك في كل من حوله, فعلى هذا أن يستعيذ بالله من شر الشيطان ووسوسته، ويعيد ثقته بنفسه وبالناس بعد حسن التوكل على الله، ويراجع نفسه ويسألها: لم يريد الناس قتله؟ وهو لم يسئ إليهم، وليس بينه وبين أحد منهم ثأر، ولم يفعل ما يوجب قتله، وليس عنده ما يقتلونه لأجله، فبهذا وأمثاله يقطع هذه الوساوس ويتخلص من هذا المرض.

القاعدة السابعة عشرة [ستر العورة]

القاعدة السابعة عشرة [ستر العورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ستر العورة فرض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العورة: هي كل ما يستحى من كشفه من أعضاء الإنسان، وهي قسمان: 1 - عورة مغلظة وهي السوأتان، القبل والدُبَر. 2 - وعورة غير مغلظة وهي ما عداهما كالفخذين إلى الركبة والإلية والعانة إلى السرة. ومفاد القاعدة: أن ستر العورة فرض في الصلاة وخارجها، فلا تصح صلاة مكشوف العورة مع القدرة على الستر، والمراد بها هنا العورة المغلظة والمخففة أيضاً. ودليل هذه القاعدة قوله تعالى: {يابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد} (¬2). والمراد بالزينة ستر العورة، وسترها واجب في كل حال من الأحوال (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا كان يصلي فسقط عنه ثوبه فقام عرياناً وهو لا يعلم ثم تذكر من ساعته فتناول ثوبه ولبسه، فإنه يمضي في صلاته ولا تبطل، لكن إن مكث ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 197. (¬2) الآية 31 من سورة الأعراف. (¬3) فتح القدير 2/ 200.

عرياناً بقدر ما يتمكن من أداء ركن من أركان الصلاة فإنها تبطل صلاته. ومنها: إذا انكشف من عورته فوق الربع وطال وقت الانكشاف كثيراً بطلت أيضاً؛ فالانكشاف الكثير في المدة اليسيرة والانكشاف اليسير في المدة الطويلة ليس بمبطل في الصلاة.

القاعدة الثامنة عشرة [الذرائع]

القاعدة الثامنة عشرة [الذرائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: سد الذرائع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الذرائع: جمع ذريعة، والذريعة: الوسيلة إلى الشيء. ومعنى سد الذرائع: حسم مادة وسائل الفساد دفعاً له، ما باب ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام. فمفاد القاعدة: أن الفعل السالم من المفسدة - في ظاهره - إذا كان وسيلة إليها مُنع منه سداً لباب الفساد. ودليل هذه القاعدة قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. استعمال الهاتف لمغازلة الإناث وحضهن على الفسق والفجور - ولو بمجرد الكلام - يعتبر وسيلة إلى الزنا والوقوع في المحرم، فيكون حراماً. ومنها: إذا أراد شخص أن يشتري سلاحاً وعلم البائع - أو غلب على ظنه - أن هذا المشتري يريد بشرائه السلاح أن يقتل به معصوماً، فلا يجوز له أن يبيعه. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 119. (¬2) الآية 108 من سورة الأنعام.

ومنها: سب أصنام الكفار وآلهتهم أمامهم لا يجوز, لأنهم قد يسبون الله سبحانه وتعالى. ومنها: حفر الآبار في طريق المسلمين أو وضع الألغام لقتل من يمر منهم، أو وضع السم في طعامهم وشرابهم. ومنها: بيوع الآجال وبيوع العينة حرام عند مالك وآخرين لأنها وسيلة إلى الربا (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: أصول الإمام مالك مخطوط لوحة 12 أ، وقواعد المقري ق 228، 2/ 477، والفروق للقرافي 2/ 32 الفرق 52.

القاعدة التاسعة عشرة [السراية]

القاعدة التاسعة عشرة [السَّراية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السِّراية تكون في الأمور الشرعية لا الحقيقية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. معنى السراية، لغة: سُرى الليل أي السير في الليل (¬2)، ويقال: سرى الدم في العروق: جرى فيها. والمراد بالأمور: الأوصاف، والشرعية: أي الثابتة شرعاً. وأما معناها في الاصطلاح: ثبوت الحكم في الكل بسبب ثبوته في البعض، وحكم الاستناد حكم السراية. ومعنى الاستناد: أن يثبت الحكم في الزمان المتأخر ويرجع القهقري حتى يحكم بثبوته في الزمان المتقدم، وهو المسمى بالأثر الرجعي، ويسمى بالانعطاف أيضاً. ومفاد القاعدة: أن ثبوت الحكم في الكل بسبب ثبوته في البعض - أو اعتبار الحكم مستنداً - إنما يكون في الأمور الشرعية التي ثبتت أحكامها شرعاً, ولا تكون في الأمور الحسية والعقلية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا استدانت الأَمة المأذونة ثم ولدت يباع الولد معها في دينها؛ لأنه ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 37. (¬2) مختار الصحاح مادة سري.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة.

وصف شرعي فيها - أي الدين - واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء فيسري إلى الولد. ومنها: إذا ملك جزءاً من عبد فأعتقه وهو موسر، سرى العتق إلى نصيب شريكه. ومنها: إذا عفا عن بعض القصاص سقط كله؛ لأنه لا يتجزأ. ومن أمثلة الاستناد: إذا نوى الصوم - في النفل - وقت الضحى صح الصوم بالنية التقديرية، لا بالنية التحقيقية. ومنها: النصاب تجب فيه الزكاة عند تمام الحول، مستنداً إلى وقت وجوده (¬1). رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. إذا أعتق أمة حاملاً من غيره .. وكان موسراً - لا يعتق حملها؛ لأن الحمل وإن كان في بطن الأم فهو نفس ينفرد عن الأصل فله حكم نفسه بخلاف نصيب الشريك (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر: أشباه بن نجيم ص 314 - 315. (¬2) المنثور 2/ 200 فما بعدها.

القاعدة العشرون [سراية الفعل]

القاعدة العشرون [سراية الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: سراية الفعل لا تخالف أصل الفعل في الصفة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بسراية الفعل هنا: تجاوز الحد موضعه. وسراية الجرح: هي تجاوز العطب عما هو مقرر في الحد أو العقوبة إلى غيره. كمن اقتص منه بقطع إصبعه، فالتهب مكان القطع وسرى ذلك إلى جميع البدن فمات المقطوع (¬2). فمفاد القاعدة: أن الفعل الجنائي إذا كان يستحق القصاص فسرى الجرح إلى العضو كله أو إلى الجسد كله ففيه القصاص. وأما إذا كان الفعل يستحق الأرش - أي التعويض المالي - فسرى فلا يستحق بسريانه غير الأرش؛ لأن سراية الفعل لا تخالف أصل الفعل في الصفة. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شُجَّ إنسان موضحة عمداً فذهب بصره. فعند محمد بن الحسن رحمه الله يجب القصاص فيهما؛ لأن إذهاب البصر عمداً يوجب القصاص فبالسراية كذلك. وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فعليه الأرش فيهما بناءً على هذا الأصل. ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 101. (¬2) معجم لغة الفقهاء ص 243, وينظر المصباح المنير, مادة (سريت).

القاعدة الحادية والعشرون [السفيه]

القاعدة الحادية والعشرون [السفيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السفيه إذا لم يُنه مأمور (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. السفيه: هو إما من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير ولا يمكن إصلاحه بالتمييز والتصرف فيه إلى التدبير. وإما هو ظاهر الجهل, عديم العقل، خفيف اللب، ضعيف الرأي، رديء الفهم، مُستَخَفُّ القدر، سريع الذنب، حقير النفس، مخدوع الشيطان, أسير الطغيان، دائم العصيان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان، وهو المقصود بالقاعدة لا الأول. فمفاد القاعدة: أن هذا السفيه المؤذي بلسانه ويده إذا لم ينهه وليه أو كبير قومه - عن سفهه وفساده مع علمه بذلك، فيكون هذا السفيه مأموراً بالسفاهة من قومه لإيذاء الآخرين. كالمنافقين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا عُرف عن إنسان سفه وتسلط على إيذاء الآخرين، وشُكِي إلى كبار قومه وأوليائه ليردعوه ويأخذوا على يده فلم يفعلوا, فيفهم من سكوتهم عن ردعه أنه مأمور من قِبَلهم بفعل ما يفعل. ¬

_ (¬1) شرح السير، ص 511.

ومنها: لو أن رهطاً من المسلمين كانوا أسرى في أيدي الكفار فخلوا سبيلهم وآمنوهم، ثم إن من أهل الحرب - غير من أخلوا سبيل الأسرى - علموا أن هؤلاء كانوا أسرى فأخذوهم ثم هرب الأسرى منهم حل لهم قتالهم وأخذ أموالهم. وكذلك لو فعل ذلك بهم رجل بأمر ملكه أو بعلمه ولم يمنعه من ذلك.

القاعدة الثانية والعشرون [سقوط العوض].

القاعدة الثانية والعشرون [سقوط العوض]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: سقوط العِوض عند وجود المسقط لا يكون دليلاً على أنه لم يكن واجباً بالعقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا سقط العوض أو البدل بسبب يوجب سقوطه، فلا يكون ذلك الإسقاط دليلاً على أن هذا العوض لم يكن واجباً قبل سقوطه؛ ولأنه لو لم يكن واجباً لم يسقط. ولأن السقوط أو الإسقاط دليل على وجوب ما أسقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا طلق زوجته قبل الدخول وقد فرض لها مهراً - فالأصل أن يسقط المهر كله؛ لأن الطلاق رفع للعقد من أصله - والمهر واجب بالعقد - فإسقاطه بالطلاق قبل الدخول لا يدل على أنه لم يكن واجباً، وأما سقوط نصف المهر لغير المدخول بها فلثبوت حكمه بالنص. ومنها: إذا تزوج امرأة ولم يُسَمّ لها مهراً فيجب لها مهر المثل، فأما إذا طلقها قبل الدخول فلا شيء لها؛ لأن مهر المثل لا يتنصف، ولكن لها المتعة, وليس معنى سقوط نصف المهر أنه لم يكن واجباً؛ بدليل أنه لو دخل بها لوجب عليه أداء مهر المثل عند الأكثرين. ¬

_ (¬1) المبسوط 5/ 64.

ومنها: إذا اشترى سلعة وقبل دفع الثمن هلكت السلعة عند البائع أو فسدت، فيسقط عن المشتري ثمنها، وهو - أي الثمن - كان واجباً قبل هلاكها.

القاعدتان الثالثة والرابعة والعشرون [السكران]

القاعدتان الثالثة والرابعة والعشرون [السكران] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: السكران من محرَّم كالصاحي (¬1). (أي في أحكامه). وفي لفظ: "السكران هل هو مكلف حتى تصح تصرفاته كلها سواء كانت له أو عليه؟ " (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. فمفاد القاعدة الأولى: أن السكران من محرم متعمداً عالماً غير مضطر ولا مكره يعامل في أحكامه معاملة الصاحي فيما له أو عليه. فهو مكلف إلا في مسائل مستثناة سبقت في قواعد حرف الحاء تحت رقم 74. ومفاد القاعدة الثانية: أن في تكليف السكران من محرم خلاف، حيث أن هناك من اعتبره مكلفاً فيتحمل مسؤولية تصرفاته مما له أو عليه، وهناك من اعتبره غير مكلف فلا يتحمل. وإذا قلنا: إنه غير مكلف فكيف وجب عليه ضمان جناياته وأفعاله؟ فيجاب: بأن هذا من باب الحكم الشرعي الوضعي "لا التكليفي"، أي أنه من باب ربط الأحكام بأسبابها، وليس من التكليف في شيء. والصحيح أنه مكلف خلافاً لكثير من الأصوليين الذين يرون أنه غير مكلف لأنه لا يفهم الخطاب. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 310, وعنه قواعد الفقه ص 83. (¬2) قواعد ابن خطيب الدهشة، ص 440، أشباه السيوطي، ص 216، وينظر: المنثور 2/ 205.

القواعد الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون والسابعة والعشرون والثامنة والعشرون

القواعد الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون والسابعة والعشرون والثامنة والعشرون أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: السكوت دليل الرضا (¬1). وفي لفظ: "السكوت عن البيان بعد تحقق الحاجة إليه لا يجوز" (¬2). وفي لفظ: "السكوت عن البيان حالة الحاجة إلى البيان دليل على عدم جوازه" (2). وفي لفظ: "السكوت عن النهي بمنزلة التصريح بالإذن" (¬3). وفي لفظ: "السكوت عن النهي بمنزلة الإذن الصريح" (¬4). وفي لفظ: "السكوت عن النهي دليل الرضا" (¬5). وفي لفظ: "السكوت عن النهي مع التمكن من النهي دليل الرضا (¬6) أو بمنزلة الإذن". وفي لفظ: "السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان" (¬7). ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 140. (¬2) شرح السير، ص 107، القواعد والضوابط، ص 488 عن الحصيري في التحرير. (¬3) المبسوط 25/ 43. (¬4) نفس المصدر 25/ 43. (¬5) نفس المصدر 25/ 28. (¬6) نفس المصدر، ص 235. (¬7) شرح الخاتمة، ص 47، المنثور 2/ 205 فما بعدها، أشباه ابن نجيم ص 254، المجلة، المادة 67، أشباه السيوطي ص 143، شرح المجلة للأتاسي 1/ 181، الوجيز ص 205.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها.

وفي لفظ: "السكوت قائم مقام النطق" (¬1). وفي لفظ: "السكوت عن الشيء هل هو إقرار أو إذن أم لا" (¬2). [السكوت] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القواعد تشير إلى بناء حكم شرعي على أمر استثنائي؛ لأن الأصل في بناء الأحكام على النطق والعبارات الصادرة عن الله عز وجل أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو عن المكلفين؛ لأن الألفاظ هي التي تدل على مراد المتكلم وقصده. ولكن المشرع الحكيم علم أن من عباده من لا يستطيع الكلام بسبب من الأسباب فلو لم يبن علي سكوته حكماً شرعياً لوقع في الحرج والضرر، ولكن لما كان الحرج والضرر في الشريعة ممنوعين ومرفوعين اعتبر الشارع الحكيم السكوت كالنطق في بعض المواطن بناءً على أسباب توجب اعتبار السكوت كالنطق. أسباب اعتبار السكوت كالنطق: 1 - أن يدل حال في المتكلم أن سكوته لو لم يكن بياناً ما كان ينبغي له أن يسكت؛ وذلك لأن مقامه يوجب عليه البيان، وذلك مثل سكوته - صلى الله عليه وسلم - عند أمر يعاينه أو قول يسمعه عن التغيير والإنكار، فيكون سكوته - صلى الله عليه وسلم - إذناً به؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له مقام التشريع والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما يسمى بالسنة التقريرية، أو إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق، ص 508. (¬2) إيضاح المسالك، القاعدة 102, إعداد المهج ص 100, 101, 103.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

2 - ومنها أن يكون السكوت لأجل حال في الشخص، فاعتبر سكوته كلاماً لأجل حاله، كسكوت البكر البالغة في إجازة النكاح لأجل حالها الموجبة للحياء من بيان الرغبة في الرجال، فيجعل سكوتها رضاً بالزواج. 3 - ومنها السكوت لضرورة دفع الغرور والضرر كسكوت الشفيع عن طلب الشفعة مع علمه بالبيع، فيجعل سكوته إسقاطاً لشفعته دفعاً للضرر عن المشتري. مفاد هذه القواعد: أن السكوت دليل الرضا، ولكن ليس الكلام على إطلاقه، بل هو مقيد بعدم وجود مانع من الكلام، وأن الساكت عن البيان بلسانه عند الحاجة إلى ذلك لا يجوز، ويعتبر السكوت في هذه الحالة بياناً ويلزم الساكت بالحكم. فالسكوت في هذه الأحوال يعتبر إذناً كصريح اللفظ، وإن كان بعضهم قد اختلف في دلالته. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. سكوت الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار عندما أُكِلَ الضب أمامه، دليل على حله وإباحته. ومنها: نكول المدعي عليه عن اليمين الموجهة عليه في المحكمة إذ يعتبر إقراراً أو بذلاً. ومنها: المحرم الذي يسكت وحلال يحلق رأسه وهو قادر على منعه يعتبر سكوته رضاً وإذناً بالحلق فعليه الجزاء.

القاعدة التاسعة والعشرون [السكوت]

القاعدة التاسعة والعشرون [السكوت] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: السكوت لا يكون حجة (¬1). وفي لفظ: "لا ينسب إلى ساكت قول" (¬2). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تمثل الأصل في الأحكام وما سبق يعتبر استثناء منها. ومفادها: أن السكوت لا ينبني عليه حكم، والساكت لا ينسب له قول أنه قاله، ولأن السكوت خلاف النطق، والشرع ربط معاملات الناس بالعبارات الدالة على المقاصد، فما جعل للسكوت حكماً ينبني عليه شيء كما تبنى الأحكام على الألفاظ، وما سبق من القواعد ما هو إلا يمثل الاستثناء من الأصل ومسائله محدودة معدودة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا زُوَّجت ثيِّب فعلمت وسكتت لا يعتبر سكوتها رضاً بالزواج، بل لا بد من نطقها. ¬

_ (¬1) المبسوط 18/ 171. (¬2) المنثور 2/ 206 فما بعدها، قواعد الحصني 2/ 270، أشباه السيوطي ص 142، وأشباه ابن نجيم ص 254, وإيضاح المسالك ق 102، مجلة الإحكام المادة 67, شرح الخاتمة ص 48، الوجيز مع الشرح والبيان ص 205.

ومنها: امرأة العنَّين إذا سكتت عن الاختيار وأقامت مع زوجها سنين فلا يعتبر سكوتها رضاً بالبقاء مع الزوج، بل لها حق المطالبة بفسخ العقد متى شاءت. ومنها: من رأى أجنبياً يبيع ماله فسكت ولم ينهه، لم يكن الأجنبي وكيلاً بسكوت صاحب المال؛ لأن الوكالة لا بد لها من نطق الموكل بالتوكيل. ومنها: الولي لا يملك قبض مهر البكر الرشيدة إلا بإذنها الصريح.

القاعدة الثلاثون [السكوت]

القاعدة الثلاثون [السكوت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السكوت ليس بمبطل للحق الثابت بصفة التأكيد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة بمعنى القاعدة السابقة وهي تعتبر بياناً لما لا يبطله السكوت. ومفادها: أن السكوت لا يعتبر مبطلاً لحق ثابت ومؤكد، فمن سكت عن حق له ثابت فلا يعتبر سكوته رضاً بإبطال هذا الحق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا سكت البائع عن المطالبة بثمن مبيع أو سلعة تسلمها المشتري فلا يعتبر سكوته عن المطالبة بالثمن إسقاطاً له، بل له المطالبة بالثمن على كل حال. ومنها: ما سبق من أن امرأة العنين لها حق ثابت بطلب فسخ النكاح واختيار نفسها فلا يبطل هذا الحق بسكوتها. ومنها: من رأى شخصاً يبيع متاعاً له أو يتلفه وهو ساكت لم يمنعه فلا يعتبر سكوته رضاً بالبيع ولا بالإتلاف. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة. سكوت الشفيع عن المطالبة بالشفعة بعد علمه بالبيع يعتبر رضاً بالبيع, فتسقط شفعته ولا يجوز له المطالبة بعد ذلك, مع أن الشفعة حق ثابت متأكد للشفيع، بعد علمه بالبيع, ولكن لما كانت الشفعة حقاً ضعيفاً؛ لأنها شرعت ¬

_ (¬1) المبسوط 5/ 27.

على غير القياس - دفعاً لضرر متوقع - كان سقوطها لأضعف الأسباب. وقد سبق أن إسقاط الشفعة في هذه الحالة دفعاً للغرور والضرر عن المشتري والبائع.

القاعدة الحادية والثلاثون [سلامة البدل]

القاعدة الحادية والثلاثون [سلامة البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: سلامة البدل كسلامة الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأصل والقاعدة المستقرة أن للبدل حكم أصله، فإذا اشترط في الأصل السلامة فهي شرط أيضاً في البدل، وإن كان في الأصل وفاءٌ بالغرض وإبراء للذمة فكذلك البدل؛ لأن البدل يقوم مقام أصله في أحكامه. ثانياً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اقترض من آخر دنانير أو دراهم صحيحة فعليه أن يسلم بدلها دنانير أو دراهم صحيحة لا زيوفاً؛ لأن سلامة البدل كسلامة الأصل. ومنها: إذا أتلف لغيره مثلياً صحيحاً سليماً فعليه بدله مثله صحيحاً سليماً. ومنها: إذا أَسر المشركون جارية فأحرزوها ثم اشتراها منهم مسلم فقطع إنسان يدها، فأخذ المشتري أرشها من القاطع، فإن أراد مولاها المسلم استردادها فإنه يأخذها بجميع الثمن، وليس له أن ينقص من ثمنها أرش يدها؛ لأن المشتري يستحق الثمن سليماً كاملاً، والمولى لا يثبت حقه في الأَرش كما لو سقطت يدها بآفة. ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 141.

القاعدة الثانية والثلاثون [السمة]

القاعدة الثانية والثلاثون [السَّمَة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: السمة لا تكون حجة في الأحكام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. السمة معناها العلامة، والمراد بها هنا الوسم الذي توسم به الدواب لتعريفها وتمييزها. فمفاد القاعدة: أن العلامة المميزة إذا وجدت على شيء ما كدابة فلا تكون هذه العلامة حجة أو دليلاً ينبني عليه حكم شرعي. هذا إذا كانت السمة غير معروفة أي وجد شك في دلالتها. أما إذا لم يوجد احتمال وكانت السمة كيَّاً بالحديد المحمي - كما هو الشأن في وسم الدواب - فتعتبر حينئذ حجة في الأحكام؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يَسمُ إبل الصدقة - أي يُعَلَّم عليها بالكي - ولو لم يكن الوسم حجة وعلامة مميزة تبنى عليها الأحكام ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وُجد في الغنائم فرس مكتوب عليه: حبيس في سبيل الله تعالى. فإن كان قريباً من عسكر المسلمين أو فيهم فهو بمنزلة اللقطة، فالسبيل فيه التعريف ولا يكون حبيساً بما عليه من السَّمة - العلامة - لوجود الاحتمال بأن تكون ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1055. (¬2) الحديث عن أنس أخرجاه، ينظر: منتقى الأخبار، الحديث 2034.

العلامة مزيفة. وأما لو وُجد في موضع للمشركين أو قريب منهم فهو من جملة الغنائم. وأما لو شهد قوم من المسلمين أنه من الخيل الحُبُس - أي الموقوفة للجهاد - وقد حضر صاحبه الذي كان في يده - فإن الإمام يرده إليه قبل القسمة وبعدها بغير شيء.

حرف الشين

ثانياً: قواعد حرف الشين عدد قواعد حرف الشين تسع وثمانون قاعدة.

القاعدة الأولى [ثبوت الشرط]

القاعدة الأولى [ثبوت الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شأن الشرط أن يتعين ثبوته عند ثبوت المشروط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشرط مع مشروطه مثل الدال مع مدلوله، أو اللفظ مع معناه. فإذا ثبت المدلول تعين ثبوت ووجود الدال، وكذلك إذا وجد معنى اللفظ تعين ثبوت اللفظ ووجوده. مفاد هذه القاعدة: أنه إذا وجد المشروط وثبت تعين الشرط ووجوده؛ لأن المشروط لا يمكن أن يوجد صحيحاً بدون شرطه، فوجوده وثبوته دليل على ثبوت شرطه ووجوده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وجدت الصلاة وصحت تعين ثبوت شروطها من الطهارة والاستقبال وغيرها. ومنها: إذا ثبت وجوب الزكاة في ذمة المكلف تعين ثبوت شرطها وهو حولان الحول. ومنها: إذا ثبت حل البدلين ثبت وجود العقد الصحيح بشروطه. ومنها: إذا وجد العقد الصحيح المبني عليه حل وإباحة المرأة للزوج تعين ثبوت الصداق؛ لأن الصداق شرط الإباحة، عند القرافي رحمه الله. ¬

_ (¬1) الفروق 3/ 141, الفرق 155.

القاعدة الثانية [الذم]

القاعدة الثانية [الذم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشارع لا يذم إلا على فعل محرم أو ترك واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الذم معناه في اللغة: اللوم والعيب، وهو خلاف المدح والحمد. يقال: ذممته، وهو ذميم، غير حميد (¬2). والذم الشرعي يكون باستحقاق العقوبة على الفعل المحرم أو ترك الواجب. فمفاد القاعدة: أن الشرع الحكيم لا يذم ولا يلوم المكلف إلا على أحد شيئين أو كليهما. الأول: فعل المحرم. فالمحرم ما طلب الشرع تركه طلباً جازماً، ففاعله يستحق الذم والعقاب على فعله. والثاني: ترك الواجب. والواجب هو ما طلب الشرع فعله طلباً جازماً فتاركه يستحق الذم والعقاب على تركه. وما عدا ذلك فلا يذم عليه الشرع؛ لأنه إما فعل واجب أو مندوب ففاعله ممدوح مثاب، وإما ترك محرم أو مكروه فتاركه محمود ممدوح مثاب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الصلاة فريضة واجبة, فمن تركها استحق الذم والعقاب من الشرع ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 41. (¬2) المغرب، مادة "الذم".

الحكيم. ومنها: الزنا محرم، فمن فعله استحق الذم والعقاب من الله العزيز الحكيم. ومنها: الخشوع والطمأنينة في الصلاة مطلوبان فتاركهما مذموم، لأنهما دليل المداومة والمحافظة على الصلاة، والمداومة والمحافظة على الصلاة واجب مطلوب.

القاعدة الثالثة [الشبهة]

القاعدة الثالثة [الشبهة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشبهة إنَّما تؤثر إذا اقترنت بالسبب الموجب (¬1). وفي لفظ: "الشبهة يجب اعتبارها في مواضع التهمة" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشبهة في اللغة: الالتباس. ومعناها في الاصطلاح: ما يشبه الثابت وليس بثابت، أو هو الشيء المجهول تحليله على الحقيقة وتحريمه على الحقيقة (¬3). والشبه عند الفقهاء أنواع: 1 - شبهة في الفاعل: كمن وطيء امرأة ظنها تحل له. 2 - شبهة في المحل: وهي ما يحصل بقيام دليل ناف للحرمة ذاتاً، أو بأن يكون للفاعل ملك أو شبه ملك، كوطئ البائع الجارية المبيعة قبل تسليمها للمشتري، أو كوطئ أمة أبنه والمشتركة. 3 - شبهة في الطريق: بأن يكون حلالاً عند قوم حراماً عند آخرين، كالنكاح بلا ولي أو شهود, وكالوطء ببيع أو نكاح فاسد. 4 - شبهة في الفعل: وهي ما يثبت بظن غير الدليل وهي شبهة ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 133, المنثور 2/ 225. (¬2) القواعد والضوابط ص 489 عن التحرير للحصيري 5/ 139. (¬3) المنثور 2/ 228.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

الاشتباه وتتحق في من اشتبه عليه الحل والحرمة فظن غير الدليل دليلاً - فلا بد من الظن. كظن حل الوطء لأمة أبويه وزوجه. أو أمة جده أو جدته أو وطئ المطلقة ثلاثاً في العدة والمختلعة أو أم الولد إذا أعتقها وهي في العدة، وذلك إذا قال: ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه، وأما إذا قال: علمت أنها حرام فيُحد. فمفاد هذه القاعدة: أن الشبهة إنما يؤثر وجودها في درء الحد أو في وجوب إقامته إذا اقترنت بالسبب الموجب للحد وهو المراد بموضع التهمة كتحقق الوطء أو السرقة أو القتل أو غير ذلك من موجبات الحدود. وللشبهة أحكام تنظر في مطولات كتب الفقه (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من وطئ امرأة على ظن أنها زوجته أو جاريته، فلا حد عليه ولكن يعزر لعدم التثبت. ومنها: إذا دخل على امرأة بنكاح فاسد، فلا حد عليه لشبهة العقد، ولكن عليه مهر المثل. ومنها: من اتهم بالسرقة وادعى أن له حقاً في المال المسروق، درئ عنه الحد للشبهة. ومنها: من قتل معصوماً واختلف في قتله عمداً أو خطأ, فلا قصاص عليه، ولكن عليه الدية للشبهة. ¬

_ (¬1) ينظر الكليات ص 538 - 539, أشباه السيوطي ص 122, أشباه ابن نجيم ص 127 بتصرف.

القاعدة الرابعة [الشبهة الدارئة]

القاعدة الرابعة [الشبهة الدارئة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشبهة كالحقيقة فيما يندرئ بالشبهات (¬1). وفي لفظ: "الشبهات الدارئة للحدود" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. هاتان القاعدتان لهما صلة بالقاعدة السابقة. ومفاد هاتين القاعدتين: أن الشبهة تعمل عمل الحقيقة في درء ودفع العقوبات التي تندرئ بها وهي الحدود، دون التعازير حيث لا تعمل فيها الشبهة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. حد الزنا والسرقة والقتل والقذف والسكر كلها تندرئ بالشبهة إذا وجدت عند الفعل. فمن زنا بجارية امرأته وقال: إنه ظن أنها تحل له، فلا يقام عليه الحد. فظن الحل هنا كحقيقة الحل في عدم إقامة الحد. ولكن لا ينفي ذلك تعزيره لعدم التثبت قبل الوقوع في الإثم. ومنها: من سرق وادعى أن له حقاً في المسروق درئ عنه الحد كذلك لاحتمال صدقه. ¬

_ (¬1) المبسوط 9/ 68, التحرير للحصيري 6/ 597 عن القواعد والضوابط ص 488. (¬2) المجموع المذهب لوحة 311/ أ, قواعد الحصني 4/ 75.

ومنها: إن قطع الأعضاء الأربعة - اليدان والرجلان - من السارق بتكرر سرقته فيه شبهة الإتلاف له حكماً؛ ولذلك لا تقطع يده اليسرى ولا رجله اليمنى؛ لأن الحدود زواجر لا متلفات.

القاعدة الخامسة [الشبهة والحقيقة]

القاعدة الخامسة [الشبهة والحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشبهة تعمل عمل الحقيقة فيما هو مبني على الاحتياط (¬1). وفي لفظ: "الشبهة تعمل عمل الحقيقة في إيجاب الحرمة" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. هاتان القاعدتان لهما صلة بما سبق من القواعد المتعلقة بالشبهة؛ ولكن مفاد هاتين القاعدتين مختلف نوعاً عما سبق. إذ مفادهما: أن الشبهة تعمل عمل الحقيقة - أي في ثبوت المنع من الفعل - في أمرين اثنين: الأول: أن وجود الشبهة فيما مبناه على الاحتياط يمنع من ارتكابه والإقدام عليه. والثاني: أن وجود الشبهة تعمل عمل الحقيقة في إثبات التحريم والمنع من الفعل، ومدلول القاعدة الثانية أخص من الأولى، وما مبناه على الاحتياط هو الفروج والدماء والعبادات والربا والنسب. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. بيع الأموال الربوية مجازفة لا يصح للشبهة؛ لأن الأصل في تبادل الأموال الربوية تحقق المماثلة، وفي المجازفة المماثلة مشكوك فيها فوجدت شبهة الربا. ¬

_ (¬1) المبسوط 17/ 99 - 100, 21/ 37. (¬2) المبسوط 4/ 205.

ومنها: النكاح الفاسد يثبت به نسب الولد إذا ثبت الدخول؛ لأن الأنساب مبنى إثباتها على الاحتياط. ومنها: إذا اشتبهت امرأة محرمة برضاع أو نسب بأجنبيات فلا يجوز له الزواج من إحداهن إذا كن محصورات. ومنها: إذا وجدت شاتان مسلوختان إحداهما ميتة ولم يمكن التفريق بينهما، وجب الامتناع عن كليهما للشبهة. ومنها: إن من زنا بامرأة لا يحل له أن يتزوج بابنتها أو أمها لشبهة البعضية، والشبهة تعمل عمل الحقيقة، وهذا عند الحنفية، أما عند الشافعي رحمه الله فيرى حل ذلك؛ لأن الحرام لا يحرم الحلال. ومنها: إذا ادعى عليه ألف درهم فأنكرها المدعى عليه، وصالحه على أن باعه بها سلعة، فهو جائز، ولكن ليس له أن يبيع هذه السلعة مرابحة؛ لأن مبنى الصلح على الإغماض والتجوز بدون الحق، فيتمكن فيه شبهة الحط، وبيع المرابحة مبني على الاحتياط، وبوجود شبهة الحط لا يجوز.

القاعدة السادسة [الشبهة]

القاعدة السادسة [الشبهة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشبهة تكفي لإثبات العبادات، كما تكفي لدرء العقوبات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها صلة بالقاعدتين قبلها ولكنها أخص منهما موضوعاً إذ تقتصر على إثبات الشبهة وأثرها في العبادات. ومفادها: أن وجود الشبهة في أمر من الأمور أنه أمر ديني يتعلق به الثواب والعقاب يكفي في إثبات عباديته، والمراد بالعبادات هنا، الأمور الدينية عموماً لا خصوص الصلاة مثلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. النكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ثبت به النسب، ووجب به مهر المثل، وثبت به وجوب العدة، وكل هذه أمور دينية عبادية. ومنها: إذا استهل المولود - أي صرخ حين ولادته - وثبت استهلاله بشهادة امرأة واحدة ثم مات وجبت الصلاة عليه، وثبت له النسب والميراث. ومنها: الحدود تدرأ بالشبهات؛ لأن الحدود من العبادات. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 48.

القاعدة السابعة [الشبهة]

القاعدة السابعة [الشبهة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشبهة لا تسقط التعزير وتسقط الكفارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق في القواعد آنفة الذكر أن الشبهة تعمل في الحدود فتدرؤها, وتعمل في العبادات والأمور الدينية عموماً فتثبتها. ومفاد هذه القاعدة: أن الشبهة وإن كانت تعمل في الحدود ولكنها لا تعمل في التعزيرات ولا تسقطها، ولكنها قد تعمل في الكفارات وتسقطها عند الشافعية، وأما عند الحنفية فيثبتون الكفارات مع الشبهة إلا كفارة الفطر في رمضان فإنها تسقطها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا جامع ناسياً في الصوم أو الحج فلا كفارة للشبهة - عند الشافعية. ومنها: إذا جامع صائم على ظن أن الشمس قد غربت أو أن الليل باق وبان خلافه فإنه لا يفطر ولا كفارة عليه. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 122, وأشباه ابن نجيم ص 130.

القاعدة الثامنة [شراء المعدوم]

القاعدة الثامنة [شراء المعدوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شراء المعدوم باطل (¬1). وقد سبق "بيع المعدوم باطل" قواعد حرف الباء تحت رقم (84). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المعدوم هو ما لا وجود له حين العقد. فمفاد القاعدة: أن شراء المعدوم وبيعه لا يجوز والعقد عليه باطل؛ لعدم القدرة على تسليمه لانعدامه؛ ولأن من شروط صحة العقد القدرة على التسليم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اشترى ثمرة نخلة قبل حملها به ووجوده، فالعقد باطل. ومنها: عقد على ابنة رجل قبل أن تحمل بها أمها وقبل أن تولد، فالعقد باطل. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة. بيع السَلَم جائز، وهو بيع معدوم، ولكنه أجيز بالنص لحاجة الناس، وصورته: أن يقترض من إنسان مبلغاً من المال على أن يسلم له مقداراً محدداً من التمر أو القمح أو الشعير أو غير ذلك من السلع حين وجودها. ولكن يشترط تعيين المقدار والنوع والوصف والمدة أي ميعاد التسلم. ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 115.

القاعدة التاسعة [شرائط الفرض]

القاعدة التاسعة [شرائط الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شرائط إقامة الفرض ما يكون في وسع المرء عادة (¬1). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشرائط جمع شريطة، والمراد بها هنا: الشروط المطلوب توافرها لحصول الفرض كالصلاة وأداء فريضة الحج. فمفاد القاعدة: أن الشروط التي يجب توافرها لصحة إقامة الفرض مقيدة بالإمكان، أي ما يكون في وسع المرء الإتيان به عادة بحيث لا يشق عليه؛ لأن المشقة في الشرع مدفوعة، قال السرخسي: هذا عند الشافعي رحمه الله تعالى. ولا أَظن أحداً من العلماء يخالف في هذا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2). ولكن الخلاف في بعض المسائل التي يراها بعضهم داخلة تحت هذه القاعدة ويراها آخرون غير مندرجة تحتها لمعارض راجح عنده كالمسألة التالية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. المرأة إذا أرادت الحج وليس لها محرم فيجوز عند الشافعي رحمه الله أن تحرم في رفقة نسوة ثقات؛ لأن هذا سفر لإقامة الفرض فلا يشترط فيه المحرم ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 111، وينظر: الأم للشافعي 5/ 38 فما بعدها. (¬2) الآية 286 من سورة البقرة.

كسفر الهجرة من بلاد الكفار إلى بلاد الإسلام. فإن التي أسلمت في دار الحرب وخافت الفتنة في دينها فيجب أن تهاجر إلى دار الإسلام ولو بغير محرم. ولأن المرأة لا ولاية لها على المحرم في إحرامه ولا يجب على المحرم الخروج معها، وليس عليها أن تتزوج لأجل هذا الخروج باتفاق، فالمحرم عند الشافعي ليس بشرط، وهذه المسألة خالف فيها الشافعي أبا حنيفة وأحمد، وعند مالك خلاف، رحمهم الله جميعاً. ومنها: أن من لم يجد الماء أو لم يستطع استعماله لمرض أو برد فله أن يتيمم. ومنها: أن من لم يستطع القيام في صلاة الفرض لمرض فله أن يصلي جالساً أو مضطجعاً أو على جنب.

القاعدة العاشرة [شرائط العبادة]

القاعدة العاشرة [شرائط العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شرائط العبادة مستدامة من أولها إلى آخرها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشروط التي يجب توافرها لصحة العبادة يجب استمرارها ودوامها ومصاحبتها للعبادة من أولها إلى آخرها، فلو انتقض شرط منها - بغير عذر - بطلت العبادة كلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. يشترط - مثلاً - لصحة الصلاة الطهارة واستقبال القبلة والقيام في الفرض فهذه الشروط يجب استصحابها من أول الصلاة إلى آخرها - أي من تكبيرة الإحرام إلى السلام - وإذا فقد شرط منها ولو في آخر جزء من الصلاة بطلت كلها. إلا القيام والاستقبال إذا وجد عذر مانع كالمرض أو الإكراه جازت الصلاة بدون قيام أو اسقبال. ومنها: يشترط لصحة الصيام - إلى جانب النية - الإمساك عن المفطَّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا أكل أو شرب أو جامع عامداً بطل صومه، ولكن مع النسيان يعذر ويستمر في صومه. ومنها: الإحرام في الحج والعمرة يجب استدامته حتى الانتهاء من أعمالهما. ¬

_ (¬1) المبسوط 2/ 33.

القاعدة الحادية عشرة [شرائط الأصل]

القاعدة الحادية عشرة [شرائط الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرائط تعتبر فيما هو أصل، ووجودها في الأصل يغني عن وجودها في التَبَع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشروط المعتبرة لصحة الفعل يجب اعتبارها في الأصل، ولكن هل يجب وجودها في الفرع أيضاً؟ فمفاد هذه القاعدة: أنه لا يشترط وجودها في الفرع أو التبع؛ لأن وجودها وتحققها في الأصل يغني عن وجودها في الفرع, لأن تابع الشيء يأخذ حكمه ويلحق به. وينظر القواعد رقم (32) من قواعد حرف التاء، رقم (17) من قواعد حرف الثاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اشترى أضحية فولدت قبل الذبح ذبح معها ولدها، وهو وإن لم يكن محلاً مقصوداً للتقرب بإراقة الدم ولكن ثبت الحكم فيه تبعاً للأم. ومنها: اتفاق المتعاقدين على أصل العقد يكون اتفاقاً على ما هو من شرائطه، وتكون البينة بينة من يَدَّعي شرط الأصل. ومنها: يشترط في الإمام شروط من الفقه والعلم والقراءة ما لا يشترط في المأموم، فوجود هذه الشرائط في الإمام يغني عن وجودها في المأموم. ¬

_ (¬1) المبسوط 12/ 14, 23.

القاعدة الثانية عشرة [الشرائع]

القاعدة الثانية عشرة [الشرائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرائع لا تلزم إلا بالسماع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق أمثال لهذه القاعدة في قواعد حرف الحاء تحت رقم 72. ومفادها: أن الأحكام الشرعية لا تلزم المكلفين ولا يجب عليهم العمل بموجبها إلا بعد العلم بها، وطريق العلم بها هو طريق الوحي والنبوة ولا مجال للعقل المجرد في استنباطها. ومن جهل الأحكام الشرعية وهو في دار الإسلام فجهله لا يكون عذراً لإسقاط المساءلة والعقاب؛ لأنه قادر على إزالة جهله بسؤال أهل العلم والذكر. وأما من لم يكن في دار الإسلام فهو معذور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أسلم شخص في دار الحرب أو دار الكفر ولم يعلم أن عليه صلاة أو زكاة أو أن الزنا محرم، فلم يصل ولم يزك وزنا أو شرب الخمر، فلا قضاء عليه ولا حد ولا عقوبة لعدم العلم, لأن الشرائع لا تلزم ولا تجب إلا بعد السماع والعلم بها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 243 وعنه قواعد الفقه ص 84.

القاعدة الثالثة عشرة [شرط التكليف]

القاعدة الثالثة عشرة [شرط التكليف] أولاً: لفظ ورود القاعدة. شرط التكليف بالفعل حصول التمكن منه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تفيد أن من كُلَّف بفعل ما أنه لا يجب عليه إلا إذا كان قادراً عليه ومتمكناً منه، وكان وقته متسعاً له، وإلا كان تكليفاً بالمحال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من أُمِرَ بالطهارة بالماء فلا يجب عليه التطهر به إلا إذا وجد الماء وأمكنه التطهر به وقدر على استعماله، وإلا كان له أن يتيمم. ومنها: من أمر بالقراءة في الصلاة، فلا تجب عليه إلا إذا كان قادراً عليها. وكذلك بالنسبة للقيام والركوع والسجود وغير ذلك عن أفعالها. ومنها: المسلم مكلف بالحج ولكن لا يجب عليه بدون الاستطاعة. ومنها: المسلم مكلف بالجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، ولكنه لا يجب عليه إلا إذا كان أهلاً للجهاد وقادراً على الحرب جسدياً أو مالياً. ومنها: من نذر التضحية بحيوان مخصوص فمات قبل يوم النحر فليس عليه شيء. ومنها: إذا دخل وقت الصلاة وجُنَّ المكلف أو حاضت المرأة أو نفست ¬

_ (¬1) قواعد ابن خطيب الدهشة ص 137, ص 227, 245.

قبل مضي زمن يسع فعل الصلاة فإن القضاء لا يجب. ومنها: إذا جامع زوجته في نهار رمضان ثم مات في ذلك اليوم أو جنَّ فلا كفارة عليه في الأصح.

القاعدة الرابعة عشرة [شرط الحد]

القاعدة الرابعة عشرة [شرط الحد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شرط الحد لا يثبت بما هو قائم مقام الغير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. شرط الحد: المراد به من شروط إقامة الحد على من يستحقه. فمفادها: أن من شروط إقامة الحد حضور صاحب الحق الواجب له الحد، فلا يجوز إقامة حد بدون حضور صاحب الحق، ولا يكفي حضور نائب له أو وكيل. وهذا عند الحنفية، وأما عند أحمد رحمه الله فيجوز التوكيل في المطالبة (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وجب القصاص بالقتل العمد العدوان فلا يجوز الاقتصاص إلا بحضور ولي القتيل، وصاحب الحق فيه، فإما أن يقتص بنفسه أو يوكل وكيلاً بحضوره، وذلك لاحتمال أن يعفو. ومنها: وكيل المسروق منه لا يعتبر حضوره عند إقامة الحد بل لا بد من حضور المسروق منه شخصياً سواء وجب القطع بالإقرار أو الشهادة، عند الأداء وعند القطع، ولا معتبر بحضور وكيله عند الاستيفاء، وهذا عند الحنفية. ¬

_ (¬1) المبسوط 9/ 143. (¬2) المغني 12/ 471.

وأما عند الشافعي رحمه الله فإذا أقر السارق بالسرقة فلا حاجة لحضور المسروق منه لقطعه, أما إذا قامت البينة على السارق فلا بد من حضور المسروق منه عند الشهادة؛ لأن الشهادة تنبني على الدعوى في المال فما لم يحضر هو أو نائبه لا تقبل شهادته (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: روضة الطالبين 7/ 355 - 358.

القاعدة الخامسة عشرة [الزيادة الموهومة - الوصف المرغوب فيه]

القاعدة الخامسة عشرة [الزيادة الموهومة - الوصف المرغوب فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شرط الزيادة الموهومة المرغوب فيها يفسد العقد (¬1)، ولكن شرط الوصف المرغوب فيه المعلوم وجوده جائز. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الزيادة الموهومة: هي زيادة غير متحققة بل مبناها على الوهم. المرغوب فيها: المحبوبة التي تجعل المشتري يرغب في السلعة ويزيد من ثمنها. فمفاد القاعدة: أن المبيع إذا شرط البائع أو المشترى فيه شرطاً مبنياً على الوهم، أو باعه على أنه موصوف بصفة محبوبة تزيد في ثمنه وهي غير متحققة بل زائدة عليه، فإن هذا الشرط مفسد للعقد؛ لأن الموهوم لا حقيقة له، وما ليس له حقيقة فإنه مثار للنزاع والخصومة، ولكن إذا اشترط وصفاً مرغوباً فيه وهو معلوم الوجود فالبيع جائز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع شاه على أنها حامل، فالبيع فاسد ولا يجوز؛ لاحتمال أن لا تكون حاملاً. ومنها: إذا باع بقرة على أنها تحلب كل يوم 100 لتر من اللبن, فسد ¬

_ (¬1) الفرائد ص 42, عن الخاتمة فصل في الشروط المفسدة للبيع 2/ 154.

العقد؛ لأن هذه زيادة موهومة لا تتحقق غالباً. ولكن لو شرط على أنها حلوب جاز البيع. ومنها: ابتاع بستاناً أو مزرعة واشترط على البائع ثمرة مقدرة كأن يشترط أن يثمر نخل البستان ألف صاع من التمر، فالعقد فاسد. ومنها: إذا استأجر أجيراً أو عاملاً على أنه خباز أو كاتب أو بنَّاء فالعقد جائز لأن هذه الأوصاف موجودة غالباً.

القاعدة السادسة عشرة [الشرط]

القاعدة السادسة عشرة [الشرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: شرط الشيء يتبعه - تابع له (¬1). وفي لفظ: "شرط الشيء يتبعه فيثبت بثبوته" (¬2). وفي لفظ: "شرط الشيء يسبقه" (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. هذه القواعد تتعلق ببيان رتبة الشرط من المشروط. فمفادها: أن شرط الشيء يسبقه في وجوده، ولكن يتبعه في أحكامه، فيثبت الشرط بثبوت المشروط، وينعدم بانعدامه؛ لأن التابع يتبع متبوعه في ثبوته وانتفائه. وقلنا: إن شرط الشيء يسبقه؛ لأن المشروط لا يتحقق وجوده بدون ثبوت شرطه وسبقه له في الوجود. وأما أن شرط الشيء يتبعه فالمراد يتبعه في أحكامه، فإذا صح المشروط صح شرطه، ولا عكس, لأنه قد يصح الشرط ولا يصح المشروط لوجود مانع أو فقد شرط آخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. استيلاد الأب جارية ابنه يقتضي تقديم ملكه لها حتى يكون وطؤه في ملك نفسه فلا يجب العقر - أي الحد. بخلاف وطء الشريك الجارية المشتركة. ¬

_ (¬1) المبسوط 5/ 36, 18/ 144. (¬2) المبسوط 17/ 124. (¬3) المبسوط 3/ 116.

ومنها: المماثلة في الأموال الربوية شرط يجب تحققه ليصح تبادلها، فيجب تحقق المماثلة قبل العقد وتبادل المالين، وإذا صح العقد ثبت صحة الشرط وهو تحقق المماثلة. ومنها: الطهارة شرط لصحة الصلاة، سابق على وجودها، وإذا صحت الصلاة كان ذلك دليلاً على صحة الشرط وهو الطهارة. وأما إذا تطهر وصحت طهارته فقد لا تصح صلاته لفقد شرط آخر كالاستقبال مثلاً في حالة الاختيار، أو وجود مانع كالجنون مثلاً.

القاعدة السابعة عشرة [شرط صحة الدعوى]

القاعدة السابعة عشرة [شرط صحة الدعوى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: شرط صحة الدعوى إعلام المدَّعي في الدعوى (¬1). وفي لفظ: "الدعوى بالمجهول باطلة". وقد سبقت هذه القاعدة في حرف الدال تحت رقم (13). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الدعوى والمصدر الادّعاء عند الفقهاء: عبارة عن إضافة الشيء إلى نفسه حالة المسالمة والمنازعة جميعاً (¬2). أو: هي قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره (2). أو: هي إضافة الشيء إلى نفسه في حالة واحدة مخصوصة وهي حالة المنازعة (¬3). والشيء إما عين أو دين أو حق. أو: هي قول بحيث لو سلَّم أوجب لقائله حقاً (¬4). أو: هي طلب الشيء زاعماً ملكه (¬5). ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 186, الفتاوى الخانية 2/ 367, ص 378. (¬2) أنيس الفقهاء ص 242, 241. (¬3) طلبة الطلبة ص 273. (¬4) حدود ابن عرفة ص 608. (¬5) المطلع ص 403.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ومفاد هذه القاعدة: أن الدعوى لكي تكون صحيحة مسموعة عند القضاء لا بد من بيان الشيء المدَّعى به بالدعوى وتحديده لكي يمكن القضاء به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ادعى شِرباً - أي مجرى الماء - في يدي رجل أنه بغير أرض، فإنه لا يقبل منه؛ لأن الشرب مجهول جهالة لا تقبل الإعلام. وإذا كان المدّعى مجهولاً فلا تصح الدعوى. هذا في القياس - أي بناء على القواعد العامة - ولكن قالت الحنفية: تقبل الدعوى بالبينة ويقضى بالشرب لمدَّعيه؛ لأنه قد تباع الأرض بدون الشرب فيبقى له الشرب وحده، فإذا استولى عليه غيره كان له أن يدفع عن نفسه. ومنها: إذا ادَّعى حقاً على غيره ولم يبيِّنه فلا تقبل الدعوى ولا تصح لجهالة المدَّعي. ومنها: إذا ادعى ديناً له على آخر. فلا تصح الدعوى حتى يبين القدر والجنس والصفة (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية 2/ 367.

القاعدة الثامنة عشرة [شرط صحة الصدقة]

القاعدة الثامنة عشرة [شرط صحة الصدقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شرط صحة الصدقة التمليك (¬1). أو لا يتم التبرع إلا بعد القبض (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصدقة: هي العطية التي بها تبتغى بها المثوبة من الله تعالى (¬3). أو هي: ما دُفِعَ لمحض التقرب (¬4). أو هي: تمليك ذي منفعة لوجه الله بغير عوض (¬5). فمفاد القاعدة: أن الصدقة لا تصح بدون تمليك المتصدَّق به للمتصدَّق عليه، وهذا معنى قولهم: "لا تصح الصدقة إلا مقبوضة". ومعنى التمليك هنا قبض المتصدَّق عليه للصدقة بحيث يمكنه التصرف فيها. وكالصدقة التبرع والهدية والزكاة الواجبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. تصدق على فقير بمبلغ من المال ولم يسلمه له. لا تصح الصدقة، لكن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2079, وعنه قواعد الفقه ص 85, وأشباه ابن نجيم ص 353. (¬2) مجلة الأحكام المادة 56. (¬3) أنيس الفقهاء ص 134. (¬4) المطلع ص 144. (¬5) شرح حدود ابن عرفة ص 554.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة.

إذا سلمه له أو خلَّى بينه وبينه بحيث لا يوجد مانع من القبض صحت؛ لأن التخلية تسليم. ومنها: إذا أعطى رجل آخر شيئاً في سبيل الله وقال له: إذا بلغت مكان كذا فشأنك به، قالوا: هو تمليك فله أن يتصرف به كما شاء قبل أن يبلغ المكان المحدد. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. الوصية: وهي تبرع مضاف إلى ما بعد الموت تتم وتصح بدون قبض.

القاعدة التاسعة عشرة [شرط الواقف]

القاعدة التاسعة عشرة [شرط الواقف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: شرط الواقف كنص الشارع في وجوب العمل به وفي المفهوم والدلالة (¬1). وفي لفظ: "شرط الواقف يجب اتباعه" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الواقف: اسم فاعل من وَقَف يَقِف, مثل وعَدَ يَعِد. والمراد به فاعل الوقف ومنفذه. وهو الحابس لعين على حكم ملك الله تعالى، والوقف هو الحبس. والمراد بشرط الوقف: ما تكلم به لا ما كتب في صك الوقف، لكن يشترط فيه إقامة البينة عليه. فمفاد القاعدة: أن شرط الواقف المحبِّس ماله لله تعالى يجب اعتباره في وجوب العمل به، وفي مفهومه ودلالته معاملة نص الشارع من آية أو حديث، ويشبه شرطُ الواقف نصَّ الشارع من ناحيتين: الأولى: أنه يُتبَّع في فهم شرط الواقف وتفسيره القواعد الأصولية التي يجب تحكيمها في تفسير نص الشارع. وهذا معنى قولهم في المفهوم والدلالة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 275, شرح الخاتمة ص 48, الفرائد البهية ص 151, المدخل الفقهي فقرة 701. (¬2) الفوائد الزينية الفائدة 70 ص 76.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

والثانية: أنه يجب احترامه وتنفيذه؛ لأنه صادر عن إرادة محترمة مثل الوصية. ولهذا معنى قولهم: في وجوب العمل به. ولكن يختلف شرط الواقف عن نص الشارع من وجهين أيضاً. الأول: أنه ليس للواقف تغيير شروط وقفه بعد ذلك، وليس له أن يجعله إلى غاية بخلاف نص الشارع. والثاني: أنه يشترط للعمل بشرط الواقف أن لا يخالف الشرع بأَن يكون شرطاً صحيحاً لا باطلاً، لأنه إذا خالف الشرع فلا يتبع. والمراد برعاية الشرط رعاية ما هو المقصود به لا رعاية عينه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وقف عقاراً وشرط أن يكون ريعه وخرجه لبني فلان الفقراء، فلا يجوز إعطاؤه غيرهم، كما لا يجوز إعطاؤه الأغنياء منهم. ومنها: إذا وقف على محتاجي أهل العلم جاز أن يشتري لهم به الثياب والمداد - أي الحبر - والورق، وما يحتاجون، كما يجوز إعطاؤهم من عين الغلة - أي الدراهم أو الثمر. ومنها: إذا وقف ضيعة أو مزرعة وشرط بيع ما يخرج من حبوبها ويتصدق بثمنها على الفقراء جاز أن يتصدق بعين ما يخرج منها أيضاً. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. إذا شرط النظر لواحد وشرط أن لا يعزله سلطان ولا قاضٍ. كان شرطه باطلاً إذا كان المشروط غير أهل.

ومنها: لو شرط أن يقرأ القرآن على قبره فالتعيين باطل. ومنها: يجوز للقاضي أن يزيد في معلوم الإمام - أي راتبه - على شرط الواقف إذا كان الراتب المعين لا يفي بنفقة الإمام وعياله (¬1). ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية ص 77 - 78.

القاعدة العشرون [شرط الوصف]

القاعدة العشرون [شرط الوصف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شرط الوصف المرغوب فيه المعلوم وجوده جائز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق أن شرط الوصف المرغوب فيه الموهوم مفسد للعقد وغير جائز. وقد أشرت هناك إلى هذه القاعدة التي: مفادها: أن اشتراط وصف مرغوب فيه ولكنه معلوم وجوده أنه جائز والعقد به جائز بخلاف السابق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من باع عبداً على أنه صاحب صنعة خباز أو نجار أو كاتب جاز البيع وصح العقد؛ لأن هذا وصف مرغوب فيه معروف ومعلوم وجوده. ومنها: إذا باع شيئاً وقال: بعت منك هذا الشيء بكذا على أن أحط من ثمنه كذا جاز البيع. وبلغة العصر إذا قال: ثمن هذا الكتاب أو هذه السلعة مائة ولك حسم أو خصم 20 % جاز وصح العقد. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 43 عن الفتاوى الخانية 2/ 154.

القاعدة الحادية والعشرون [الشرط والسبب]

القاعدة الحادية والعشرون [الشرط والسبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط إذا دخل على السبب ولم يكن مبطلاً يكون تأثيره في تأخير حكم السبب لا في منع السببية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. عرفنا سابقاً معنى الشرط ومعنى السبب, والمراد بالشرط هنا الشرط اللغوي. فمفاد القاعدة: أن الشرط إذا دخل على السبب ولم يبطله يؤثر في تأخير حكم السبب لا في منعه من النفاذ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق. فقوله: "إن دخلت" هذا الشرط ولم يؤثر في قوله "أنت طالق"؛ لأنه ثابت معه، ولكن أثر الشرط ظهر في تأخير حكم السبب - أي وقوع الطلاق - على حين الدخول. ومنها: البيع بشرط الخيار سبب لنقل الملك في الحال ولكن يظهر أثر الشرط في تأخير حكم السبب وهو لزوم البيع لحين انتهاء وقت الخيار أو إسقاطه؛ لأن شرط الخيار لا يجعل العقد لازماً إذ يؤخر لزومه فقط ولا يبطله. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 117 أ, قواعد الحصني 2/ 189, تخريج الفروع على الأصول ص148 - 150.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة، فأبطل السبب

رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة، فأبطل السبب: إذا قال: لمن أراد أن يتزوجها: إذا تزوجتك فأنت طالق. لا يصح العقد؛ لأن التطليق المعلق سبب لوقوع الطلاق، ودخول الشرط عليه تأثيره في تأخير حكمه، ودخول الشرط هنا أبطل حكم السبب؛ لأن السبب لا بد أن يكون صالحاً للاتصال متصلاً بالمحل الآن حتى يتصور تأخيره، وقبل النكاح ليس صالحاً لذلك.

القاعدة الثانية والعشرون [الشرط المعتبر]

القاعدة الثانية والعشرون [الشرط المعتبر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشرط إذا كان مفيداً تجب مراعاته، وإذا لم يكن مفيداً لا تجب مراعاته (¬1). وفي لفظ: "الشرط المفيد في العقد معتبر" (¬2). وفي لفظ: "الشرط إنما يراعى إذا كان مفيداً - لأحد العاقدين أو كليهما - وإذا لم يكن مفيداً لا يكون معتبراً" (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشروط في العقود إما أن تكون مفيدة لأحد العاقدين أو لكليهما - بأن يكون بها نفع - وإما أن لا تكون مفيدة ولا نفع بها لأحدهما أو كليهما. فمفاد القاعدة: أن الشرط إذا كان يجر نفعاً ومصلحة لأحد العاقدين أو كليهما - بشرط عدم تصادمه مع حقيقة العقد - فإن هذا الشرط يجب اعتباره ومراعاته. وأما إذا كان الشرط غير مفيد ولا نفع فيه لأحدهما فلا تجب مراعاته ولا اعتباره فيلغى ويصح العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شرط أهل الطفل على الظئر - المرضعة - إرضاع الطفل في بيتهم ¬

_ (¬1) شرح السير ص 299، وعنه قواعد الفقه ص 84. (¬2) المبسوط 15/ 120. (¬3) المبسوط 22/ 32, 40.

كان هذا الشرط معتبراً ويجب مراعاته لما فيه من الفائدة (¬1). ومنها: إذا قال أهل مدينة تريد الصلح: أعطونا عهداً أن لا تشربوا من ماء نهرنا هذا فأعطيناهم ذلك، فإن كان شربنا يضر بهم في مائهم فينبغي أن نفي لهم بهذا الشرط. وأما إن كنَّا نتيقن أن ذلك لا يضر بهم - بأن كان النهر كبيراً - فلا بأس بأن نشرب من ذلك النهر ونسقي الدواب ولو بغير علمهم؛ لأن هذا الشرط لا يفيد فهو غير معتبر. والصلح صحيح. ومنها: إذا عقد عقد مضاربة على ألف على أن يخلطها المضارب بألف من قبله ويعمل بهما جميعاً على أن للمضارب ثلثي الربح على أن نصف ذلك من ألفه ونصفه من ألف صاحبه، ولرب المال الثلث الباقي - فهذا الشرط باطل؛ لأنه غير مفيد؛ لأنه بعد اختلاط المالين لا يمكن تحديد ربح كل مال منهما، وتكون حصة المضاربة من ربح المالين جميعاً. ومنها: إذا قال رب المال للمضارب: اعمل بهذا المال في سوق المدينة، فعمل به في أي مكان آخر في نفس المدينة ولم يخرج منها، فهو ينفذ تصرفه على المضاربة، ولا يكون مخالفاً ولا ضامناً استحساناً, لأن المقصود سعر نفس المدينة لا عين السوق، والقياس يضمن لأنه خالف. أما لو قال: لا تعمل به إلا في سوق المدينة. فعمل في غير السوق فهو مخالف ضامن؛ لأنه منعه من التصرف بقوله: لا تعمل به، واستثنى تصرفاً مخصوصاً وهو ما يكون في السوق فقط وهذا شرط مفيد فيعتبر، بخلاف الأول (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط 15/ 120. (¬2) المبسوط 22/ 40 - 41 بتصرف.

القاعدة الثالثة والعشرون [الشرط وأنواعه]

القاعدة الثالثة والعشرون [الشرط وأنواعه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشرط إما أن يقتضيه العقد أَوْ لا، فإن اقتضاه فهو صحيح، وإن لم يقتضه العقد فإما أن يكون من مصلحته أوْ لا، فإن كان من مصلحته فهو صحيح، وإن لم يكن من مصلحة العقد فإما أن يتعلق به غرض أوْ لا، فإن لم يتعلق به غرض فالمختار صحة العقد وإلغاء الشرط، وإن تعلق غرض لأحدهما وليس من مصلحة العقد بطل الشرط (¬1). وفي لفظ: "الشرط بخلاف موجب العقد باطل" (¬2). وفي لفظ: "الشرط الذي يقتضيه العقد لا يضر" (¬3). وفي لفظ: "الشرط الذي ليس بمفيد لا يكون معتبراً" (¬4). وفي لفظ: "اشتراط ما لا يفيد هل يجب الوفاء به؟ " (¬5). وفي لفظ: "اشتراط ما يوجب الحكم خلافه" (¬6). ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 332 أ, قواعد للحصني 4/ 141. (¬2) المبسوط 10/ 85. (¬3) أشباه ابن السبكي 1/ 270. (¬4) المبسوط 2/ 28, 116. (¬5) إيضاح المسالك القاعدة 76. (¬6) نفس المصدر القاعدة 75.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها.

ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تتعلق بشروط العقد وتبين أن الشروط التي يمكن أن ترد على العقود أنواع ولكل نوع حكمه - وإن اختلف الفقهاء في أحكام بعضها: النوع الأول: شرط يقتضيه العقد ويكون من موجباته فهو صحيح ولا خلاف فيه كشرط الإقباض والرد بالعيب. النوع الثاني: شرط لا يقتضيه العقد ولكنه من مصلحة العقد فهو صحيح أيضاً كشرط الرهن والكفيل بالثمن والإشهاد، وهذا من مصلحة البائع، ومن مصلحة المشتري كون العبد كاتباً أوخبازاً أو البقرة حلوباً أو ضمان الدرك، ومن مصلحتها كشرط الخيار لهما. النوع الثالث: شرط لا يقتضيه العقد وهو ليس من مصلحته ولا يتعلق به غرض لأحد العاقدين كشرط أن لا يأكل إلا الهريسة أو لا يلبس إلا الخز، فهذا شرط ملغى والعقد صحيح وهو المختار. النوع الرابع: شرط لا يقتضيه العقد وهو ليس من مصلحته ويتعلق به غرض لأحد العاقدين فالشرط ملغي قولاً واحداً كشرط أن لا يقبض ما اشتراه ولا يتصرف فيه، واستثني من هذا شرط العتق في العبد المبيع، فالأصح صحة العقد والشرط جميعاً. النوع الخامس: شرط غير مفيد فلا يعتبر. والشرط المؤثر في العقد هو ما كان مقارناً للعقد لا سابقاً ولا لاحقاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من أسلم بشرط أن يرتكب شيئاً من الفواحش كان الشرط باطلاً.

والدليل ما روى أن وفد ثقيف جاؤوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: نؤمن بشرط أن لا ننحني للركوع والسجود فإنا نكره أن تعلونا أستاهنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا خير في دين لا صلاة فيه ولا خير في صلاة لا ركوع فيها ولا سجود" (¬1). ومنها: تزوج صغيرة لا تحمل في الحال وشرط أن لا يطأها إلى مدة الاحتمال، فشرط صحيح لأنه يقتضيه العقد. ¬

_ (¬1) الحديث عند أحمد رحمه الله من حديث عثمان بن أبي العاص, وفيه "لا خير في دين لا ركوع فيه" 4/ 218, وبلفظ: "لا خير في دين ليس فيه ركوع", عند أبي داود والبيهقي, والطبراني ونصب الراية وزاد المسير.

القاعدة الرابعة والعشرون [الشرط]

القاعدة الرابعة والعشرون [الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط أملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. نسبت هذه القاعدة لسيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -, ولكني بعد طول بحث لم أجدها من قوله - رضي الله عنه - بل هي من قول شريح القاضي (¬2) رحمه الله كما ورد في قصة ذكرها وكيع بن الجراح في كتاب أخبار القضاة 2/ 303 كما ذكرها أيضاً عبد الرزاق (¬3) في المصنف 6/ 226, خبر 10605. ومعنى أملك: أي أشد وأكثر ملكاً فهو اسم تفضيل ومعناه: إن الشرط قيَّد المشترط وأوثقه لأنه اشترط على نفسه وقيدها. ومقيِّد نفسه طليق. فمفاد القاعدة: أن من اشترط على نفسه شرطاً فقد قيَّد نفسه به، وعليه الوفاء بشرطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أمَّن المسلمون رجلاً على أن يدلَّهم على شيء ولا يخونهم، فإن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 278, 488, 1722, المبسوط 15/ 31, 20/ 129. (¬2) هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم االكندي أبو أمية, من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، أصله من اليمن ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين، كان ثقة في الحديث مأموناً في القضاء مات بالكوفة سنة 78 هـ، الأعلام 3/ 161. (¬3) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، من حفاظ الحديث الثقات، صاحب المصنف في الحديث توفي سنة 211 هـ. الأعلام 3/ 353 باختصار.

خانهم فهم في حِلّ من قتله، فخرج من مدينته حتى صار في أيديهم ثم خانهم أو لم يدلهم فقد برئت منه الذمة وصار إلى الإِمام إن شاء قتله وإن شاء استرقه. ومنها: إذا اقتسم جماعة أرضاً على أن لأحدهم النهر ولم يشترط له طريقاً فلا طريق له من أرض قسيمه، لأنه رضي الضرر لنفسه.

القاعدة الخامسة والعشرون [الشرط المخالف للشرع]

القاعدة الخامسة والعشرون [الشرط المخالف للشرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط الذي جرى مخالفاً لحكم الشرع يكون باطلاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. دليل هذه القاعدة وأصلها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مئة شرط" (¬2). وحديث "المسلمون على شروطهم الإ شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً" (¬3). فمفاد القاعدة: أن للإنسان أن يشترط في معاملاته ما شاء من الشروط التى تفيده، ولكن أيما شرط ورد مخالفاً لحكم الشرع فإنه يكون باطلاً. وهل تبطل المعاملة والعقد ببطلان الشرط، أو يبطل الشرط دون المعاملة؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وادع المسلمون قوماً على أن يأخذوا منهم رُهُنا، ويأخذ المسلمون منهم رُهناً، وعلى أنهم إن غَذَروا وقتلوا رُهُنَ المسلمين فدماء رُهُنهم لنا حلال. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1753. (¬2) الحديث أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجه حديث رقم 2521، وأحمد 6/ 213، والبيهقي 1/ 132، ومجمع الزوائد 4/ 86، 205، والتمهيد 7/ 117 وغيرها. (¬3) الحديث أخرجه أبو داود كتاب الأقضية ب 12، والترمذي رقم 1352، البيهقي 6/ 79، 166، والحاكم 2/ 49، الدارقطني 3/ 27, وغيرها.

ثم قتلوا هم رُهُنَنا، فإن دماء رهنهم لا تحل لنا، لأنهم مستأمنون فينا، فلا تحل دماؤهم بجناية كانت من غيرهم، ولكن الإِمام يجعلهم ذمة إن لم يسلموا، فإن أسلموا فهم أحرار لا سبيل لهم عليهم. ومنها: إذا زوَّجه وَليَّته علي أن يزوجه الآخر موليته بدلاً منها ومهراً لها فهذا لا يجوز، والنكاح باطل، لأن هذا نكاح الشغار المنهي عنه.

القاعدة السادسة والعشرون [الشرط]

القاعدة السادسة والعشرون [الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط لا يثبت بالظاهر بل بالنص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة اختلف على مضمونها ودلالتها، وهي فيما إذا ورد في معاملة أو قضية أز دعوى شرط فهل يشترط لثبوت الشرط والعمل به التنصيص عليه، أو يكفي في إثباته الظاهر؛ أما عند التعارض فيعمل بالشرط أو الشهادة المنصوصة لا بالشرط الظاهر؛ لاحتماله. وقد سبق أن المراد بالظاهر: الكلام الذي ظهر المراد منه بصيغته ويكون محتملاً. وأما النص: فهو الكلام الدال على المراد منه بدون احتمال. فمفاد القاعدة: أن الشرط لا يثبت إلا بالتنصيص عليه، ولا يثبت عند وجود الاحتمال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. أن ادعى مُدَّعٍ أن هذه الدار له، فشهد شاهدان أنها لأبيه الميت - فهذه الشهادة تتضمن الشهادة للمدعي بالملك وراثة عن أبيه، لكن قالوا: لا يقضى له بالملك وراثة عن أبيه؛ لأن شرط الميراث قيام ملك الأب وقت الموت ولم ¬

_ (¬1) المبسوط 17/ 45.

يثبت، فلذلك لم يثبت الملك للمدعي بهذه الشهادة، لأنها ليست نصاً على ملك أبيه للدار وقت الموت، لاحتمال أنه باعها قبل موته. ومنها: دار في يدي رجل فادعى رجل أنها له منذ سنتين وأقام البينة على ذلك. وادعى ذو اليد أنها في يده منذ سنتين وأقام البينة ولم يشهدوا أنها له. فالقاضي يقضي بالدار للخارج لأن شهوده شهدوا له بالملك نصاً، وشهود ذي اليد إنما شهدوا له باليد لا بالملك، والأيدي تنوعت إلى يد أمانة ويد ضمان ويد ملك، فلا تعارض بينة الخارج، لأن بينة الخارج غير محتملة (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 54 بتصرف.

القاعدة السابعة والعشرون [الشرط والعلة]

القاعدة السابعة والعشرون [الشرط والعلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط لا يعارض العلة في إحالة الحكم عليه، والحكم يضاف إلى علته حقيقة وإلى الشرط مجازاً، والمجاز لا يعارض الحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذة القاعدة ومدلولها. العلة - كما سبق - هي سبب الحكم وموجبه، وإسناد الحكم إلى سببه وعِلَّته يكون إسناداً حقيقياً. ولكن قد تكون العلة أو السبب ليسا صالحين لإضافة الحكم إليهما فيضاف الحكم إلى شرطه ولكن على سبيل المجاز. والمجاز لا يعارض الحقيقة. فمفاد القاعدة: أن الحكم إذا أحيل إلى الشرط وبنى عليه فهو لا يعارض عِلَّته، هذا إذا كانت العلة غير صالحة لبناء الحكم عليها، أما إذا كانت العلة صالحة فلا يضاف الحكم إلى الشرط قطعاً. وينظر القواعد رقم 104 - 106 من قواعد حرف الحاء. ثالثاً: من أمثلة هذة القاعدة ومسائلها. إذا شهد شاهدان أن رجلاً حلف أن يعتق عبده إن دخل هذه الدار، وشهد آخران أنه قد دخلها، وقضى القاضي بعتقه، ثم رجع الشهود جميعاً عن شهادتهم. فيضمن شهود اليمين قيمة العبد دون شهود الدخول؛ لأن شهود ¬

_ (¬1) المبسوط 17/ 11.

اليمين هم العلة في العتق، وشهود الدخول شهدوا على الشرط. وهنا لما كانت العلة صالحة أضيف الحكم إليها. ومنها: من حفر بئراً فألقى فيها آخر شخصاً أو حيواناً، فالضمان على الملقي دون الحافر، فالملقي مباشر لأنه علة في الموت. ومنها: من حفر بئراً في الطريق ووضع عليه علامات وموانع تنبه السائرين في الطريق لوجوده، ثم جاء شخص ورفع تلك العلامات والموانع فسقط في البئر إنسان أو دابة، فإن رافع العلامات والموانع هو الضامن؛ لأنه الشرط في الوقوع، وحافر البئر هو العلة والسبب، ولكن لما كان السبب غير صالح لإضافة الحكم إليه أضيف الحكم إلى الشرط وهو هنا المزيل للموانع.

القاعدة الثامنة والعشرون [الشرط الشرعي]

القاعدة الثامنة والعشرون [الشرط الشرعي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشرط لمَّا صح وجب الوفاء به شرعاً (¬1). وفي لفظ: "الشرط الموافق لحكم الشرع يجب الوفاء به" (¬2). وفي لفظ: "ما يتعذر الوفاء به شرعاً لا يجوز إعطاء العهد عليه؛ لأنه شرط مخالف لحكم الشرع" (¬3). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشرط الصحيح المفيد الموافق لمقتضى العقد إذا كان موافقاً لحكم الشرع غير مخالف له يجب الوفاء به، وما لا يمكن الوفاء به شرعاً لا يجوز اشتراطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وادع المسلمون المشركين مدة سنة وكتبوا بذلك كتاباً وجب على المسلمين الوفاء بهذا العهد وشروطه ما لم يكن فيها شرط مخالف لحكم الشرع. ومنها: إذا دخل الغازي دار الحرب فارساً ثم دفع فرسه إلى رجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه فهذا جائز؛ لأنه شرط موافق لحكم الشرع. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 85. (¬2) شرح السير ص 1790. (¬3) نفس المصدر ص 1788.

ومنها: إذا اشترط الموادعون من الكفار على المسلمين في أمان الرسل ألا يأخذ المسلمون منهم ضرائب، فإن كانوا يعاملون رسلنا. بمثل هذا يجب على المسلمين اشتراطه والوفاء به لأنه شرط موافق لحكم الشرع (¬1). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1790.

القاعدة التاسعة والعشرون [الشرط المتقدم]

القاعدة التاسعة والعشرون [الشرط المتقدم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأصل في الشروط أن تكون مقارنة للعقد مصاحبة له، ولكن قد يشترط أحد العاقدين شرطاً قبل العقد ويوضع في العقد شرط مخالف. فهل ينزل هذا الشرط المتقدم منزلة المقارن للعقد فيكون معتبراً أو لا؟ فلا يعتبر إلا ما كتب في العقد وقارنه؟ فمفاد هذه القاعدة: أن الشرط المتقدم ينزل منزلة المصاحب المقارن في الاعتبار ووجوب العمل به، وذلك في ظاهر مذهب فقهاء الحديث ومذهب أهل المدينة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أراد عقد نكاح واشترطت الزوجة أو أولياؤها أو الزوج قبل العقد أن يكون المهر ألفا، وعند العقد كتبوا أو أعلنوا ألفين، فهل المعتبر ما كتب في العقد أو ما اتُّفق عليه قبلا؟ بمدلول هذه القاعدة يكون المعتبر هو المتقدم وهو مذهب مالك والمشهور عند أحمد رحمهما الله، فيجب العمل به. وعند الحنفية وعند الشافعي رحمه الله في المشهور عنه أن المتقدم لا يؤثر، بل يكون كالوعد المطلق، يستحب الوفاء به، والمعتبر هو ما في العقد. وهذا في مسائل صداق السر والعلانية. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 220، وينظر حاشية المقنع 3/ 90.

القاعدة الثلاثون [الشرط والجزاء]

القاعدة الثلاثون [الشرط والجزاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط والجزاء يمين عند أهل الفقه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشرط والجزاء يراد بهما الشرط اللغوي، أي الجملة المصدَّرة بإحدى أدوات الشرط، إما التي تجزم فعلين، أو هي غير جازمة ولكنها تحتاج إلى شرط وجواب، فالأولى إن الشرطية أو إحدى أخواتها، والثانية إذا الظرفية ولو. فمفاد القاعدة: أن الشرط والجزاء إذا نطق بهما المكلف كان حكمهما حكم اليمين عند أهل الفقه - أي يلزم الوفاء أو الكفارة إن لم يف بها - والمقصود بالقاعدة نذر اللجاج والغضب، ومثل الحلف بالطلاق والعتاق على حض أو منع أو تصديق أو تكذيب، فهو لا يريد إيقاع الشرط ولا الجزاء ولكن ذكرهما ومقصوده عدم وجود الشرط، وذكر ما ذكر ليدل على قوة امتناعه عن الفعل أو حضه عليه. والمراد بلفظ اليمين في القاعدة: اليمين اللغوي لا الشرعي؛ لأن المسائل التي ذكرت القاعدة تعليلاً لها لا تفيد وجوب الكفارة بالحنث بل توجب وقوع الجزاء إذا وجد الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا كان لرجل زوجتان - زينب وعمرة - فقال لزينب: أنت طالق إذا ¬

_ (¬1) المبسوط 6/ 99 - 100.

طلقت عمرة، وقال لعمرة: أنت طالق إذا طلقت زينب. فإذا طلق إحداهما طلقت الأخرى، لأن كلامه الأول كان يميناً بطلاق زينب، وكلامه الثاني كان يميناً لطلاق عمرة، فالشرط طلاق عمرة، والجزاء طلاق زينب في الأول، والعكس في الثاني. ومن يطلقها أولاً تقع عليها طلقة أخرى، إحداهما بالإيقاع والثانية بوجود الشرط. ومنها: إذا قال لزوجته: إذا طلقتك فأنت طالق، ثم طلقها واحدة - وقد دخل بها - فهي طالق اثنتين فى القضاء إحداهما بالإيقاع والأخرى بوجود الشرط.

القاعدة الحادية والثلاثون [الشرط وجوابه]

القاعدة الحادية والثلاثون [الشرط وجوابه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. كما سبق فإن المقصود بالشرط في القاعدة هو الشرط اللغوي الذي يتضمن شرطاً وجزاءاً وصدِّر بأداة الشرط. فمفاد القاعدة: أن الشرط وجوابه وهو الجزاء إنما يتعلقان. بمعدوم في الحال ممكن الوجود في المستقبل، ولكن يجب أن يسبق الشرط جزاءه وجوابه في وجوده؛ لأنَّه وجود الجواب أو الجزاء مترتب على وقوع الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال: إن جئتني أكرمتك، فإن المجيء والإكرام معدومان حال التكلم ولكن يمكن وجودهما في المستقبل، فإذا وجد المجيء وجد الإكرام. ومنها: إذا قال لزوجه: إن دخلت الدار فأنت طالق. يحمل على دخول في المستقبل، والطلاق لم يقع قبل التطليق بالإجماع إنما يقع إذا وجد الدخول في المستقبل. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 77.

القاعدة الثانية والثلاثون [الشرط يقابل المشروط]

القاعدة الثانية والثلاثون [الشرط يقابل المشروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءاً جزءاً، وما لم يتم الشرط لا يثبت شيء من الجزاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشرط مع مشروطه - أي الجزاء والجواب - متقابلان، فإذا وُجِدَ الشرط كاملاً وُجِدَ المشروط كاملاً كذلك. وأما إذا وجد الشرط غير تام، فإن المشروط لا يتحقق؛ لأن وجود المشروط متعلق بوجود تمام الشرط وكماله، فلا يمكن أن يوجد جزء من المشروط بوجود جزء من الشرط؛ لأن الشرط مع مشروطه لا يقبلان التبعيض والتجزئة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال لزوجه: إن دخلت الدار فأنت طالق. لا تطلق إلا بدخول كامل الجسم في الدار، بحيث لو وضعت رجلها في الدار وجسدها خارجه لا تطلق لأنها غير داخلة ومنها: إذا نجحت كافأتك، فالشرط هو النجاح، ويجب أن يكون ثابتاً كاملاً لتحقق المكافأة لا أن يكون نجح في بعض العلوم دون بعض. ومنها: أن المكاتب لا يعتق إلا بأداء جميع المال، فلا يعتق بعضه بأداء ¬

_ (¬1) المبسوط 7/ 206، شرح السير ص 669، قواعد الفقه ص 85 عنه.

البعض. ومنها: إذا قال الأمير لعشرة من المسلمين، إن قتلتموهم فلكم أسلابهم، لعشرة من المشركين برزوا لقتال المسلمين، فقتل كل رَجُلٍ رجلاً منهم استحق كل قاتل سلب قتيله خاصة. وأما إذا قال: لكم أسلابهم إذا قتلتموهم كلهم ولم تغادروا منهم أحداً فقتلوا تسعة وفر العاشر فليس لهم شيء؛ لأن الشرط لم يتم، وما لم يتم الشرط لا يثبت شيء من الجزاء.

القاعدة الثالثة والثلاثون [اليمين]

القاعدة الثالثة والثلاثون [اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرع جعل اليمين لدفع الاستحقاق، فلا يكون سبباً للاستحقاق (¬1). وسبب الاستحقاق: الإقرار، أو البينة، أو النكول. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. طلب الاستحقاق أي إثبات الحق: جعل له الشرع أسباباً: هي إقرار المدَّعى عليه بالمدَّعي، أو البينة وهي شهود الإثبات، أو النكول وهو رفض المدعى عليه حَلِف اليمين عند توجهها عليه. وذلك عند عدم وجود بينة للمدعي. وأما اليمين فهو إنما شرعت لدفع الاستحقاق وإنما تكون على المدعى عليه لدفع دعوى خصمه. بدليل الحديث وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه أو على المنكر" (¬2). فالمدعي يريد إثبات استحقاق له، ولما كان متمسكاً بخلاف الظاهر وجب عليه البينة. ولما كان المدعى عليه متمسكاً بالظاهر شرعت اليمين في حقه لدفع دعوى الاستحقاق من خصمه، ولذلك ليس للقاضي أن يُحلّف المدعي على صدق دعواه لإثبات مدَّعاه إلا عند من يقولون: بجواز رد اليمين على المدعي إذا نكل المدَّعى عليه عن اليمين. ولا يجوز عند الجميع توجيه اليمين على المدعي ابتداءً. ¬

_ (¬1) المبسوط 18/ 153. (¬2) الحديث سبق تخريجه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ادعى شخص على آخر ديناً أو حقاً، وعندما طلب منه القاضي البينة وهي شهود الإثبات لم يجد. فوجه القاضي اليمين على المدعى عليه، فحلف أن خصمه ليس له عليه شيء، فتسقط الدعوى، ولا حق للمدعي بعد ذلك في إقامتها إلا إذا وجد بينة تؤيد دعواه، وتثبت استحقاقه. ولا يجوز للقاضي أن يحلف المدعي عند عدم وجود البينة.

القاعدة الرابعة والثلاثون [الحجة]

القاعدة الرابعة والثلاثون [الحجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرع قصر الحجة على البينة أو الإقرار أو النكول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها صله بسابقتها. ومفادها: أن الشرع قصر برهان ودليل إثبات الاستحقاق على ثلاثة أشياء رئيسة وهي: البينة - أي شهود الإثبات، والإقرار من الإنسان على نفسه بفعل نفسه أو حق غيره، والنكول عن اليمين، وهو رفض حَلِف. اليمين أو السكوت عنها عن مطالبة القاضي من المدعى عليه الحلف. وهذه الثلاث حجج حقيقية رئيسة، وهناك حجج أخرى هى: رد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه - عند غير الحنفية - والقسامة، وعلم القاضي، والقرينة القاطعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ادعى على آخر ديناً أو حقاً. وأتى بشهود عدول على ذلك, فيعتبر ذلك حجة على حقه ويحكم له خصمه. وإذا لم تكن بينة ولكن أقر المدعى عليه، واعترف بحق خصمه فيعتبر ذلك حجة ويلزم بأداء ما أقر به. وإذا لم توجد بينة ولا إقرار فيوجه القاضي اليمين على المدعى عليه فإن ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 49.

حلف سقطت الدعوى، وأما إن رفض الحلف ونكل عن اليمين فيلزمه القاضي بالدعوى ويثبت عليه حق خصمه ويلزمه بالأداء. ومنها: إذا خرج كنّاس من دار ومعه أشياء ثمينة فإذا تنازع هو وصاحب الدار في ذلك قضى لصاحب الدار، وهذا من باب القرينة؛ لأن الكناس لا يملك هذه الأشياء الثمينة عادة. ومنها: إذا وجد رجل بيده سيف ملطخ بالدم وهو متلطخ الثياب بالدم وفي الدار قتيل. فهذا قرينة قاطعة على أنه هو القاتل.

القاعدة الخامسة والثلاثون [السبب الخاص والمشترك]

القاعدة الخامسة والثلاثون [السبب الخاص والمشترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرع قد ينصب خصوص الشيء سبباً، وقد ينصب مشتركاً بين أشياء سبباً وينفي خصوصاتها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأحكام الشرعية - كما سبق في أكثر من قاعدة - لها أسبابها، وكل حكم شرعي يبنى على سبب شرعي، لكن مفاد هذه القاعدة: أن أسباب الأشياء تختلف من حيث كون السبب خاصاً بحكم أي بشيء خاص، وبين كون السبب مشتركاً بين أحكام أو أشياء عدة دون تخصيص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الزوال سبب لوجوب صلاة الظهر وتعلقها بذمة المكلف، وهذا سبب خاص لحكم خاص. ومثل رؤية الهلال سبب للصوم أو الفطر، والقتل العمد العدوان سبب للقصاص. ومنها: ألفاظ الطلاق أسباب لأشياء متعددة، ولكن خص منها ما دل على انطلاق المرأة من عصمة الرجل. ¬

_ (¬1) الفروق 3/ 144، الفرق 157.

ومنها: ألفاظ القذف المنصوب منها سبباً ما دل على نسبة المقذوف إلى الزنا أو اللواط. ومنها: ألفاظ الدخول في الإسلام المنصوب منها سبباً ما دل على مقصود الرسالة النبوية. ومنها: النكاح عند الحنفية والمالكية حيث ورد بألفاظ مختلفة في الكتاب والسنة، والأصل فيها عدم اعتبار الخصوص فيتعين العموم، فكل لفظ دل على مقصود العاقدين جاز به النكاح. قالوا: جاز النكاح بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة كالإنكاح والتزويج والتمليك والبيع والهبة وما في معناها، ولفظ الصدقة ولفظ الإباحة إن قصد به النكاح صح وتضمن المهر (¬1). ¬

_ (¬1) عقد الجواهر الثمينة 2/ 11.

القاعدة السادسة والثلاثون [مشروعية المصالح]

القاعدة السادسة والثلاثون [مشروعية المصالح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرَّة فيها، بل مشروعيتها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة "الأصل في المنافع الإباحة". فالمصالح هي المنافع. فمفاد القاعدة: أن الشرع الحكيم لا يحرم مصالح ومنافع لا مضرة فيها ولا مفسدة، بل إن الشرع قد ورد. بمشروعية كل عمل فيه مصلحة ومنفعة وفائدة وخلا عن المضر والمفسدة. بل أباح الشرع ما غلبت فيه المصلحة على المفسدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أقرض أحد الآخر مالاً بشرط أن يسلمه له في بلد آخر صح القرض بهذا الشرط في رواية عند أحمد رحمه الله وقال به: علي وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم وعطاء (¬2) وابن سيرين (¬3) والنخعي (¬4) رحمهم الله تعالى. ¬

_ (¬1) المغني 4/ 355، 6/ 437. (¬2) عطاء بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم. المكي الثقة فقيه فاضل من الثالثة، مات سنة 114 هـ على المشهور. تقريب التقريب 2/ 22 ترجمة 190. (¬3) محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر البصري ثقة عابد ثبت كبير القدر من الثالثة مات سنة 110 هـ. المصدر السابق ص 169 ترجمة 295. (¬4) إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه من الثانية مات سنة 96 هـ، وهو ابن خمسين. التقريب 1/ 46، الترجمة 301.

ومنها: أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد آخر ليربح خطر الطريق، والصحيح جوازه؛ لأن فيه مصلحة للطرفين، قال ذلك القاضي أبو يعلى (¬1). ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله في سياق القول: "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام". بغير خلاف. إذ اعتبر كثيرون تحريمه أو كراهته؛ لأنه قد يكون في ذلك زيادة وصحح ابن قدامة صحته. كل ذلك إذا اشترط في العقد وأما إذا لم يشترط فيجوز بلا خلاف. ¬

_ (¬1) أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء عالم عصره الأصول والفروع من أهل بغداد، وكان شيخ الحنابلة في وقته وتوفي سنة 458 هـ. الأعلام 6/ 99 - 100 مختصراً.

القاعدة السابعة والثلاثون [الشركة العامة]

القاعدة السابعة والثلاثون [الشركة العامة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشركة العامة لا تمنع قبول الشهادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشركة العامة: هي شركة بين المسلمين عموماً كبيت المال، أو بين فئة معينة كالغزاة فهم شركاء في الغنيمة قبل القسمة شركة عامة. والشركة الخاصة: كشركة المفاوضة والعنان، والميراث وغير ذلك من أنواع الشركات الخاصة بشخصين أو أشخاص معدودين. فمفاد القاعدة: أنه إذا كانت الشركة الخاصة تمنع قبول شهادة أحد الشركاء فيما فيه نفع للشركة؛ لأن نفع الشركة يعود بعضه إليه فكأنه شهد لنفسه، فالشركة العامة لا تمنع قبول الشهادة، وإن عاد بعض النفع على الشاهد؛ لأن الشهادة في الشركة العامة كالأخبار لا تخص واحداً بعينه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد قوم من الغزاة على واحد منهم بالغلول - أي السرقة من الغنيمة قبل القسمة - تقبل شهادتهم، وإن كان لهم نصيب في المشهود به. ومنها: إذا شهد بعض المسلمين على من سرق شيئاً من بيت المال قبلت شهادتهم وإن كانت للشهود نصيب في بيت المال. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1221.

ومنها: إذا شهد مسلمان على رجل أنه بنى داره هذه في طريق المسلمين أو في ملك عام للمسلمين تقبل شهادتهم, ويأمره الإِمام بهدمها حتى يعيدها طريقاً كما كانت، وإن كان الشاهدان منتفعين بالطريق، لكن لما انعدم الملك الخاص للشاهد في المشهود به كانت شهادته مقبولة.

القاعدة الثامنة والثلاثون [الشركة الخاصة]

القاعدة الثامنة والثلاثون [الشركة الخاصة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشركة الخاصة لا تمنع الملك في الملك المشترك بخلاف الشركة العامة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة ارتباط بالقاعدة السابقة ولكن من جهة أخرى. إذ مفادها: أن الشركة الخاصة توجب الملك في المال المشترك، فكل شريك له حق في ملك المال المشترك وإلا ما كان شريكاً. وأما الشركة العامة التي سبق بيانها فلا توجب الملك في المال المشترك بل تمنع ذلك لأن لكل أحد الحق فيه وإن كان ليس مالكاً لجزء بعينه، فكل واحد من المسلمين له حق في الشركة العامة، إن كان لا يجوز أن يملك منها شيئاً إلا بتمليك الإِمام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. المال الموروث هو شركة خاصة بين الوارثين، وكل وارث هو مالك لجزء مشاع من المال الموروث، بحيث إنه لا يدخل مع الورثة أحد غيرهم؛ لأن الشركة ثابتة في العين الموروثة. ومنها: مال الشركة - العنان أو المفاوضة أو غيرها من أنواع الشركات - هو مال مشترك بين الشركاء لكل شريك جزء منه، ولا يجوز أن يملك أحد غير الشركاء هذا المال المشترك. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 931، 972، 1067, وعنه قواعد الفقه ص 85.

أما الغنيمة فهي شركة عامة بين الغانمين ولا يملك أحد من الغانمين شيئاً منها، ولا يجوز أن يأخذ شيئاً منها قبل القسمة - إلا ما احتيج إليه كطعام وعلف - وإلا كان الآخذ غالاَّ سارقاً منها؛ لأن حق الغانمين في المالية دون العين؛ لأنه يجوز للإمام أن يبيع الكل ويقسم الثمن بينهم (¬1). وإنما يخلص الملك للغانمين كل على حدة في جزء مخصوص بعد القسمة. ومنها: مال بيت المسلمين هو ملك للمسلمين عموماً، من هم موجودون ومن سيوجد بعد ذلك، ولكن لا يملك أحد بعينه جزءاً بعينه من هذا المال. ومن أخذ منه بغير حق اعتبر سارقاً ولكن لا يقام عليه حد السرقة للشبهة باعتباره أحد الشركاء في هذا المال. ومنها: الطريق ملك للمسلمين عموماً، ولكل من يسير عليه منهم، ولا يجوز لأحد أن يبني فيه أو يعطل مشي الناس فيه، ويؤمر بإزالة كل ما يعوق سيرهم، وإن كان شريكاً لهم في الطريق شركة عامة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1062.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الشروط]

القاعدة التاسعة والثلاثون [الشروط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشروط في الأثمان تعتبر بحسب الإمكان (¬1). وفي لفظ: "الشروط إنما تعتبر بحسب الإمكان" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالأثمان ما يكون ثمناً في البيع كالذهب والفضة وغيرهما. هاتان القاعدتان ذاتا موضوع واحد ولكن أولاهما خاصة وثانيتهما عامة. ومفادهما: أن اعتبار الشروط في الأثمان أي الدراهم والدنانير وغيرهما إنما يكون بحسب القدرة والإمكان والاستطاعة. فالدراهم والدنانير والأوراق النقدية الأصل فيها أنها لا تتعين بالتعيين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أعطى وكيلاً له مبلغاً من المال ليشتري به شيئاً فيجوز للوكيل أن يشتري بثمن من عنده غير ما أعطاه الموكل، ويكون مشترياً للموكل. ومنها: من نذر وأضاف النذر إلى دراهم بعينها وجب إخراجها كمن قال: إن سميت هذه الدراهم وهذا الكُرَّ - أي وعاء الحَبِّ - في بيع هذا العبد فهما صدقة. وقد وجد ذلك فوجب التصدق بالدراهم والكُرِّ. ¬

_ (¬1) المبسوط 14/ 17. (¬2) التحرير شرح الجامع الكبير للحصيري 3/ 720 عن القواعد والضوابط ص 489.

ومنها: إذا اشترى الرجل ألف درهم بعينها بمائة دينار والدراهم بيض فأعطاه مكانها سوداً ورضي بها البائع جاز ذلك. لأن هذا استيفاء لا استبدال. والدراهم السود دراهم فضية مضروبة من النُّقرة - أي الفضة السوداء. ومنها: إذا وقف غلَّة وقف على الفقراء والمساكين لإطعامهم فيجوز بيع الغلة وإعطاؤهم المال بدلاً من الطعام.

القاعدة الأربعون [الشروط]

القاعدة الأربعون [الشروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشروط لا تسقط بالسهو (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. شروط كل عقد أو معاملة أو عبادة يجب اعتبارها فيها، ولا يتم التصرف إلا باستيفاء شروط صحته وهي المقصود. ومفاد القاعدة: أن شروط الصحة لا تسقط بالسهو لا بالنسيان، فمن سها عن شرط أو نسيه لم يصح تصرفه، وعليه إعادة التصرف مع استيفاء شروطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا سها عن نية الصوم لم يصح صومه، بخلاف سهوه ونسيانه ما يبطل كالأكل والشرب ناسياً أو ساهياً فصومه صحيح عند الجمهور من الفقهاء. ومنها: إذا سها فباع أو اشترى مجهولاً، فالعقد باطل لأن من شروط صحة العقد معلومية البدلين. ومنها: إذا صلى ثم تذكر أنه كان على غير طهارة، فوجب عليه إعادة الصلاة. ومنها: إذا سها أو نسي أو أخطأ فعقد على امرأة ذات زوج، فالعقد باطل؛ لأن من شروط صحة النكاح خلو المرأة عن مبطلاته. ¬

_ (¬1) المغني 3/ 117.

القاعدة الحادية والأربعون [الشروط اللغوية]

القاعدة الحادية والأربعون [الشروط اللغوية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالشروط اللغوية - كما سبق - هو جملة الشرط المصدَّرة بأداة شرط، إنْ أو إحدى أخواتها. فمفاد القاعدة: أن كل شرط لغوي هو سبب أو علة لوجود الحكم، والجزاء والجواب وهو الحكم، فمهما وجد الشرط وجد الحكم ومهما انعدم الشرط انعدم الحكم: لأن وجوه الحكم أو الجزاء والجواب مترتب دوماً على وجود الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قلت لصاحبك: إذا زرتني أكرمتك. كان الشرط وهو الزيارة سبباً وعلة لوجود الإكرام. فإذا وُجِدَت الزيارة وُجد الإكرام، وإذا عدمت الزيارة عُدِم الإكرام. ومنها: قول الرجل لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق. أو إن كلمت فلاناً فأنت طالق. فإذا وجد الدخول طلقت، وكذلك إذا وجد تكليمها فلاناً وهكذا. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 82.

القاعدة الثانية والأربعون [الشروط بعد العقد]

القاعدة الثانية والأربعون [الشروط بعد العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشروط المتعلقة بالعقد بعد العقد كالموجود لدى العقد (¬1)، عند أبي يوسف رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا اقترن الشرط بالعقد فهو معتبر اتفاقاً - إذا كان شرطاً صحيحاً - ولكن قد يتقدم الشرط على العقد، وقد يتأخر عنه، فما حكم هذا الشرط إذا تقدم أو تأخر؟ خلاف. قد تقدم حكم تقدم الشرط على العقد في القاعدة رقم (29). فمفاد هذه القاعدة: وهي من قول الإِمام أبي يوسف رحمه الله - أن الشرط إذا كان متعلقاً بالعقد ولكنه وجد بعد تمام العقد فيعتبر كأنه وجد عند العقد ومعه، فيوجب الاعتبار والعمل به، خلافاً لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تزوج امرأة ولم يفرض لها مهراً، وبعد العقد فرض لها مهراً، ثم طلقها قبل الدخول بها، عند أبي يوسف لها نصف المفروض بعد العقد، ويجعل المفروض بعد العقد كالمفروض عند العقد. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 43، 67، الطبعة الجديدة، وينظر من هذه الموسوعة قواعد القسم الأول - حرف الهمزة - قاعدة رقم 334.

وعند أبي حنيفة ومحمد لها المتعة كأنه لم يسمَّ لها مهراً. ومنها: إذا كفل عن رجل بمال - والطالب غائب - فبلغه الخبر فأجاز الكفالة جاز عند أبي يوسف ويجعل الإجازة في الانتهاء كالخطاب في الابتداء. وعندهما لا يجوز. ومنها: إذا اشترى سلعة بأوصاف معينة ثم جاءه البائع بسلعة دونها في أوصافها وقال: خذ هذه وأحط عنك من الثمن 10 % مثلاً، عند أبي يوسف يجوز وكأن العقد تَمَّ على ذلك، أو أتاه بأجود منها وقال: خذ هذه وزد على الثمن 10 % فعند أبي يوسف كل ذلك جائز وأما عند أبي حنيفة ومحمد فلا يجوز.

القاعدة الثالثة والأربعون [الشروط المعتبرة]

القاعدة الثالثة والأربعون [الشروط المعتبرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشروط المعتبرة في العقود هل يكفي وجودها في نفس الأمر أو لا بد من علم متعاطيها بوجودها قبل العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. لكل عقد شروط شرعية لا بد من توافرها، ولا يصح العقد بدونها. فمفاد القاعدة: أن شروط صحة العقد المعتبرة في نفوذه هل يجب أن يعلم بها المتعاقدان قبل العقد ليكون إقدامهما على التعاقد على بينة ووضوح، أو أنه يجوز العقد وإن لم يعلم المتعاقدان بوجودها، لكن بشرط أن تكون موجودة في الواقع ونفس الأمر؟ خلاف في صور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع صبرة بصبرة جزافاً، ثم خرجتا متماثلتين. قالوا: لا يصح العقد بالاتفاق؛ لأن تبادل الأموال الربوية يشترط في صحته تحقق التماثل والعلم به قبل العقد، ومع المجازفة وجد الشك في التماثل - وإن وجد التماثل بعد ذلك، والجهل بالمماثلة عند العاقد كحقيقة المفاضلة - كما سبق بيانه. ومنها: إذا تزوج امرأة - وهو لا يعلم هل تحل له أو لاً؟ قالوا: لم ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 323 أ, قواعد ابن خطيب الدهشة ص 267، قواعد الحصني 4/ 120.

يصح أيضاً - وإن تبين الحل بعد ذلك. ومنها: إذا ولى الإِمام قاضياً - وهو لا يعلم اتصافه بأهلية القضاء - قالوا: لم تصح توليته وإن كان في نفس الأمر متصفاً بها. ومنها: من باع مال أبيه وهو يظن حياته فكان ميتاً. فهل يصح العقد أو لا؟ خلاف في الصحيح الصحة, لأنه تبين أنه باع مال نفسه. ومنها: إذا عقد النكاح بشهادة خنثيين فوجدا ذكرين، كذلك الأصح صحة العقد (¬1). ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 323 أبتصرف.

القاعدة الرابعة والأربعون [الشروع في العبادة]

القاعدة الرابعة والأربعون [الشروع في العبادة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشروع في العبادة يلزم إتمامها (¬1). وفي لفظ: "الشروع ملزم كالنذر" (¬2). وفي لفظ: "الشروع ملزم للإتمام كالنذر" (¬3). ثانياً: معنى القاعدة ومدلولها. هذه من المسائل التي قال بها الحنفية والمالكية، والنخعي (¬4) من التابعين ورواية عن أحمد رحمهم الله. ومفادها: أن من شرع في عبادة - ولو نافلة - وجب عليه إتمامها، ولا يجوز له الخروج منها وإبطالها، وإلا وجب عليه قضاؤها. وحجتهم في ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (¬5). وقاسوا ذلك على النذر، ووجه الشبه أن النذر ليس واجباً، فمن نذر فقد أوجبه على نفسه، فإن لم يف به فعليه كفارة يمين. وهكذا كل من شرع في عبادة ليست لازمة؛ لأنه قبل ذلك كان مختاراً في الفعل وعدمه، فإذا دخل في الفعل فقد قيَّد نفسه، ومقيد نفسه طليق. وأما عند الشافعية ورواية عن أحمد أنه لا يلزم الفعل بالشروع؛ لأنه ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 179. (¬2) نفس المصدر 1/ 159. (¬3) نفس المصدر 3/ 70، 97, والمغني 3/ 151 - 153. (¬4) سبقت ترجمته (¬5) الآية 33 من سورة محمد.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

المتطوع أمير نفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من شرع في صلاة نافلة ثم قطعها فعليه قضاؤها. ومنها: من شرع في صيام نافلة أو تطوع ثم أفطر فعليه قضاؤه كذلك. وأما الحج والعمرة فمن تلبس بالإحرام فيهما وجب عليه إتمام أفعالهما - ولو سان متطوعاً بهما - فلا يخرج منهما بالإفساد وهذا متفق عليه عند الجميع. إلا إذا اشترط عند إلإحرام وحبسه حابس، أو أحصر ومنع عن أعمالهما فيفدي ويتحلل.

القاعدة الخامسة والأربعون [شطر العلة]

القاعدة الخامسة والأربعون [شطر العلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة شطر العلة لا يثبت شيئاً من الحكم (¬1). أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العلة هي الوصف الموجب للحكم. وقد تكون هذه العلة ذات وصف واحد، وقد تكون ذات أوصاف متعددة، فعدم التماثل في الربويات وصف واحد يوجب حرمة المعاملة والقتل العمد العدوان المكافيء من غير أب، علة ذات أوصاف متعددة توجب القصاص. فمفاد القاعدة: أن العلة المتعددة الأوصاف إذا وجد بعض أوصافها دون بعض فلا يثبت بذلك شيء من الحكم فلا بد من وجود جميع أوصافها لإثبات الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وجد القتل - دون العمد العدوان - لا يجب القصاص. ومنها: إذا أخذ المال ولم يكن خفية من حرز مثله لا يجب القطع. ومنها: إذا شرب مسكراً غير عامد مختار عالم، فلا حد عليه. ومنها: إذ وجد وصيان وتصرف أحدهما دون علم صاحبه فلا يجوز تصرفه؛ لأن الموصي جعلهما نائبين عنه، فلا تثبت الإنابة لأحدهما بانفراده. ¬

_ (¬1) المبسوط 28/ 21، الفروق للقرافي 1/ 109 الفرق السابع, وقواعد الحصني 3/ 238.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة.

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة. يجوز انفراد أحد الوصيين بتجهيز الميت، وشراء ما لا بد منه للصغير، واقتضاء الدين، ورد الوديعة، وتنفيذ الوصية في معين، وقبول الهبة والخصومة. ومنها: نواقض الطهارة متعددة ولا يشترط اجتماعها، فالبول وحده علة لنقض الطهارة، فإذا وجد فقد انتقضت الطهارة.

القاعدة السادسة والأربعون [الشك في النقيض]

القاعدة السادسة والأربعون [الشك في النقيض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في الآخر بالضرورة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. النقيضان هما صفتان أو وصفان لا يجتمعان في ذات معاً، ولا يمكن أيضاً ارتفاعهما معاً، فلا بد من وجود إحدى الصفتين في الذات. والمراد بالشك: تساوي الأمرين دون مرجح. والمراد بالضرورة: الاضطرار. فمفاد القاعدة: أنه إذا وقع شك في وجود أحد النقيضين فيوجب ذلك بداهة واضطراراً وجود الشك في النقيض الآخر للتلازم بينهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الحياة والموت نقيضان، فالشيء لا بد أن يكون متصفاً بأحدهما، فإذا وقع الشك في وجود الحياة في شخص فيلزم من باب الضرورة وجود الشك في موته. ومنها: العلم والجهل في مسألة واحدة نقيضان، فإذا وجد الشك في أحدهما استلزم ذلك وجود الشك في الآخر وهكذا. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 112 الفرق العاشر، قواعد المقري القاعدة 65 ص 288.

ومنها: إذا شككنا في وجود المانع كالحيض مثلاً لزم من ذلك الشك في ارتفاعه وعدم وجوده.

القاعدة السابعة والأربعون [الشك في الزيادة والنقصان]

القاعدة السابعة والأربعون [الشك في الزيادة والنقصان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشك في الزيادة كتحققها، والشك في النقصان كتحققه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشك - كما سبق بيانه - تساوي أمرين دون مرجح لأحدهما, والمراد بالزيادة والنقصان هنا: ما تبرأ به الذمة ص العبادة أو المعاملة. فمفاد القاعدة: أنه إذا شككنا في أنَّ براءة الذمة لا تكون إلا بالإتيان بالزائد أو البناء على الناقص، فيجب علينا الإتيان بالزائد والبناء على الناقص لنتحقق من براءة الذمة بيقين. بناءً على القاعدة الأخرى السابقة: "الذمة إذا أعمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله". ينظر القاعدة رقم (4) من قواعد حرف الذال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شك في صلاته هل هذه الركعة التي هو فيها ثانية أو ثالثة وجب عليه البناء على الأقل فيعتبرها الثانية ويأتي بثالثة ورابعة ثم يسجد للسهو. ومنها: إذا شك أو شكَّت فيما عليهما من صيام وجب الإتيان بالأكثر للتحقق من براءة الذمة. ومنها: إذا شك فيما عليه من دين هل هو ألف أو ألفان، وجب عليه دفع الأكثر للتحقق من براءة الذمة كذلك. ومنها: الشك في حصول التفاضل في الأموال الربوية يبطل المعاملة. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك, القاعدتان 25، 27.

القاعدة الثامنة والأربعون [تحت قاعدة اليقين]

القاعدة الثامنة والأربعون [تحت قاعدة اليقين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ضرورة (¬1). وفي لفظ: "الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط" (¬2). وفي لفظ: "الحكم المعلق على شرط - أو المشروط بشرط - إذا وقع الشك في وجود شرطه لا يثبت" (¬3). الشك في الشرط ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. هذه القواعد تفيدنا أن الأمر أو الفعل المترتب وجوده على الشرط أنه إذا وقع الشك في وجود هذا الشرط فإن هذا الشك يوجب الشك في حصول الفعل المشروط بهذا الشرط ضرورة ولزوماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. من شك في طهارته فيجب عليه التطهر - عند مالك رحمه الله - إذا كان خارج الصلاة -؛ لأن الصلاة صارت مشكوكاً فيها. ومنها: إذا ثبت دين على شخص وشككنا في الوفاء، فالدين باق. ومنها: إذا وقع النكاح بين رجل وامرأة بعقد صحيح، ثم وقع الشك في الطلاق، فالنكاح باق, لأن الطلاق شرط حل عصمة الزوجية، ولأنه شك طرأ على يقين فيجب إطراحه. ومنها: بيع الأموال الربوية مجازفة باطل. لوجود الشك في المماثلة. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 111 الفرق العاشر، قواعد المقري القاعدة 68 ص 293. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة العشرون, والوجيز مع الشرح والبيان ص 170، ط 4. (¬3) شرح المجلة للأتاسي 1/ 18، والوجيز مرجع سابق.

القاعدة التاسعة والأربعون [الشك في المانع]

القاعدة التاسعة والأربعون [الشك في المانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشك في المانع لا أثر له (¬1). تحت قاعدة اليقين. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا كان الشك في الشرط يؤثر - كما سبق ورأينا - فإن مفاد هذه القاعدة: أن الشك في المانع بعد وجود الحكم لا يؤثر في الحكم؛ لأن الشك في حالة المانع ملغى - كما سيأتي قريباً - لأنه طارئ على يقين، والشك لا يرفع اليقين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شك في وقوع الطلاق - بعد يقين النكاح - فلا يعتد بهذا الشك ولا يلزم الطلاق؛ لأن الطلاق مانع من استصحاب الحل بين الزوجين الثابت بالعقد الصحيح. فيطرح المانع. ومنها: إذا شك في عتق عبده أو أمته، فيطرح الشك كذلك؛ لأن الأصل استصحاب العبودية، والعتق طارئ. ومنها: حرمة الرضاع، فإذا تزوج امرأة بنكاح صحيح ثم شك في رضاعها معه، فالنكاح باق والشك ملغى كذلك. حتى يقوم دليل ثابت بالرضاع. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك, القاعدة الحادية والعشرون.

ومنها: إذا شكت امرأة في وجود الحيض - إن لم يكن في موعده - فالأصل بقاء الطهارة.

القاعدة الخمسون [الشك واليقين]

القاعدة الخمسون [الشك واليقين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة الشك لا يعارض اليقين (¬1). وفي لفظ: "الشك ملغى بالإجماع" (¬2). وفي لفظ: "اليقين لا يُزَال - لا يزول - بالشك" (¬3). وتأتي في حرف الياء إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. الشك في اللغة: مطلق التردد أو هو التردد بين النقيضين دون ترجيح لأحدهما (¬4). وهو كذلك عند الفقهاء حيث قالوا: إن الشك هو تردد الفعل بين الوقوع وعدمه. وقال الأصوليون: إن الشك هو استواء طرفي الشيء، وهو الوقوف بين الشيئين حيث لا يميل القلب لأحدهما. فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، فإن طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين. والمطروح هو الوهم (¬5). ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 48، 86. (¬2) قواعد المقري القاعدة 67. (¬3) المبسوط 1/ 50, 59, 86, 121, 143. (¬4) التعريفات ص 134. (¬5) الكليات، ص 528، وغمز عيون البصائر 1/ 193.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

فمفاد القاعدة: أن الشك لا يعارض اليقين لأنه أضعف منه، والضعيف لا يعارض القوي - ولذلك إذا طرأ شك على يقين فإن الشك يلغى ويرفض واليقين ثابت لا يزول, لأن اليقين من يقن الماء في الحوض إذا اطمأن واستقر. وفي اصطلاح الفقهاء: اليقين هو العلم بالشيء دون تخيل خلافه (¬1). وهو الإدراك الجازم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تطهر ثم شك في حدثه فهو طاهر. بناء على الأصل المتيقن. ومنها: ما سبق إذا ثبت نكاح امرأة بعقد صحيح ثم وقع الشك في الطلاق فالنكاح باق ثابت لأنه الأصل المتيقن. ¬

_ (¬1) الكليات ص 66 بتصرف.

القاعدة الحادية والخمسون [شهادة الإنسان على فعل نفسه]

القاعدة الحادية والخمسون [شهادة الإنسان على فعل نفسه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: شهادة الإنسان على فعل نفسه باطلة (¬1). وفي لفظ: "شهادة الإنسان فيما باشره مردودة بالإجماع (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. الشهادة في اللغة: من شهد يشهد إذا أخبر بخبر قاطع عن معاينة (¬3). وفي الاصطلاح: شهد يشهد إذا أخبر بصحة الشيء عن مشاهدة وعيان بحق على آخر (¬4). أو هي: بيان الحق سواء كان عليه أو على غيره، وهي خبر قاطع يختص بمعنى يتضمن ضرر غير المخبر (¬5). وقيل: هي إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر (¬6). وقيل: هي إخبار بتصديق مشروطاً فيه مجلس القضاء ولفظ الشهادة. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 92 عن الفتاوى الخانية، فصل الشهادة الباطلة 2/ 473, وينظر أشباه السيوطي ص 496. (¬2) الفرائد ص 18 عن الفتاوى االخانية، فصل شرائط النكاح 1/ 333، ينظر حاشية المقنع 3/ 164 هامش 3. (¬3) مختار الصحاح، مادة "ش هـ د". (¬4) أنيس الفقهاء، ص 235. (¬5) الكليات، ص 527. (¬6) التعريفات، ص 135.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما.

ومفاد هاتين القاعدتين: أن من يشهد في مجلس القضاء على فعل فعله بنفسه أو معاملة أجراها وباشرها أنه لا يقبل منه بالإجماع؛ لأنه في الحقيقة مناقض؛ لأنه يسعى في نقض ما تم من جهته. والقاعدة: "أن من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه" (¬1). كما سيأتي إن شاء الله. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. إذا شهد وكيل الزوجة أو وكيل الزوج بالنكاح فإن شهادته لا تصح؛ لأنه يشهد لنفسه، وأصل الشهادة أن تكون على غيره لا لنفسه. ومنها: إذا اشترى رجل آخر مكيلاً أو موزوناً، ثم طالبه البائع بعد ذلك بالثمن، فأنكر المشتري القبض فأتى البائع بشاهدين شهدا بالبيع والقبض، وأنهما كالا ذلك أو وَزَناه للمشتري، بطلت شهادتهما. أما لو لم يشهدا بالكيل أو الوزن فتقبل شهادتهما لأنها على فعل غيرهما. ومنها: إذا قال لأمرأته: إن كلمت فلاناً أو فلاناً فأنت طالق. فشهد المذكوران أن الزوج قال لها ذلك وأنها كلمتهما، بطلت شهادتهما؛ لأنهما شهدا على فعل أنفسهما. ومنها: إذا قال الشاهدان: نشهد أن زوج هذه المرأة قال لنا: خيَّرا امرأتي فلانة. فخيرناها فاختارت نفسها. لا تقبل شهادتهما. ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية ص 134 الفائدة 147، أشباه ابن نجيم ص 330، المجلة، المادة 100.

القاعدة الثانية والخمسون [شهادة أهل الذمة]

القاعدة الثانية والخمسون [شهادة أهل الذمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شهادة أهل الذمة ليست بحجة على المسلمين (¬1)، وشهادة أهل الحرب ليست حجة على أهل الذمة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشهادة فيها نوع ولاية, والذمي لا يكون والياً على المسلم. فمفاد القاعدة: أنه لا تقبل شهادة ذمي على مسلم، ولا تقوم الحجة على المسلم بهذه الشهادة، ومن باب أولى أن لا تقبل شهادة كافر غير ذمي لأنه أبعد، وكذلك لا تقبل شهادة الكافر الحربي على الذمي؛ لأنه لا ولاية للحربي على الذمي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد ذميان علي نكاح مسلمة لا تقبل شهادتهما، وأما إذ شهدا على نكاح ذمية على مسلم. قيل: إنها تقبل. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 344، وينظر بدائع الصنائع 6/ 280

القاعدة الثالثة والخمسون [شهادة الرجال مع النساء]

القاعدة الثالثة والخمسون [شهادة الرجال مع النساء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شهادة الرجال مع النساء حجة فيما يثبت مع الشبهات، لا فيما يندرئ بالشبهات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. ما يندرئ - أي يندفع ولا يثبت مع الشبهة هي الحدود والقصاص فلا تقبل فيها شهادة النساء مع الرجال، ولا شهادتهن وحدهن بطريق الأولى، ولكن في غير ذلك تقبل شهادة النساء مع الرجال، وهي حجة في إثبات الحقوق المالية وشبهها. قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬2). وكذلك تقبل شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد أربع نسوة على الزنا، لا تقبل شهادتهن، ويقام عليهن حد القذف. ومنها: إذا شهد رجل وامرأتان على عقد نكاح، فهل يصح النكاح؟ خلاف في هذه المسألة بين الفقهاء فعند النخعي والزهري (¬3) ومالك وأهل ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2010، وينظر: بدائع الصنائع 6/ 279 فما بعدها. (¬2) الآية 282 من. سورة البقرة. (¬3) الزهري: هو محمد بن مسلم بن شهاب القرشي أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه مات سنة 125 هـ. تقريب التهذيب 2/ 207.

المدينة والشافعي رحمهم الله تعالى أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين لأنه ليس بمال ولا يقصد منه المال ويطلع عليه الرجال فلم يكن للنساء في شهادته مدخل كالحدود والقصاص وهي الرواية الراجحة عن أحمد رحمه الله، وعند جابر بن زيد (¬1) وإياس بن معاوية (¬2) والشعبي (¬3) والثوري (¬4) وإسحاق (¬5) وأصحاب الرأي: أنه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين؛ لأنه لا يسقط بالشبهة فأشبه المال (¬6). ¬

_ (¬1) جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي البصري، ثقة فقيه، مات سنة 93 هـ. التقريب 1/ 123. (¬2) إياس بن معاوية بن قُرَّة المزني أبو وائلة البصري القاضي المشهور بالذكاء ثقة من الخامسة. مات سنة 122 هـ. تقريب التهذيب 1/ 87. (¬3) الشعبي عامر بن شراحبيل أبو عمرو، ثقة مشهور، مات بعد المئة. تقريب التهذيب 1/ 387. (¬4) الثوري سفيان. سبقت ترجمته. ينظر التقريب 1/ 311. (¬5) إسحاق بن راهويه. سبقت ترجمته. ينظر التقريب 1/ 54. (¬6) ينظر: المقنع مع الحاشية 3/ 707/ 708.

القاعدة الرابعة والخمسون [شهادة الرجال وشهادة المرأة]

القاعدة الرابعة والخمسون [شهادة الرجال وشهادة المرأة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شهادة الرجلين حجة تامة على الإطلاق، وشهادة المرأة ضرورية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأصل في الشهادة شهادة الرجلين العدلين، وهي حجة كاملة على الإطلاق، أي أن الشاهدين لا يحتاجان لحجية شهادتهما أن يكون معهما ثالث أو رابع إلا في الشهادة على الزنا. أما شهادة المرأة فهي في السعة ليست بحجة؛ وإنما تكون شهادة المرأة حجة بأحد أمرين: الأول: أن لا يوجد شاهد آخر وتوجد امرأتان، فتقبل شهادتهما مع الرجل - في غير ما يندرئ بالشبهات كما سبق بيانه قريباً - حتى لو شهدت مئة امرأة دون رجل معهن لا تقبل شهادتهن حتى لو كان المشهود به تافهاً. والأمر الثاني: أن يكون المشهود به مما لا يطلع عليه الرجال فتقبل فيه شهادة المرأة الواحدة والمرأتين وذلك من باب الضرورة والإضطرار حتى لا تضيع الحقوق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. شهد رجلان على آخر بالقتل أو السرقة تقبل شهادتهما إذا كانا عدلين. ومنها: شهد رجل وامرأتان على دَيْن، تقبل شهادتهم. ومنها: شهدت امرأة على ولادة طفل من زوجة رجل، فينسب المولود ¬

_ (¬1) المبسوط 17/ 84، بدائع الصنائع 6/ 279 فما بعدها.

لمن ولد على فراشه بشهادتها، ويجب على الأب كل حق للمولود من النفقة والعناية والتوريث - إلا أن ينفيه عند الولادة -. ومنها: شهدت امرأة أو امرأتان على بكارة امرأة أو ثيوبتها، فتقبل.

القاعدة الخامسة والخمسون [شهادة الفرد]

القاعدة الخامسة والخمسون [شهادة الفرد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شهادة الفرد لا تثبت الحكم (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. كما سبق قريباً أن الأصل في الشهادة الرجلان أو الرجل والمرأتان - في غير الزنا - وأنها لا تقبل ولا يعتد بها في غير مجلس القضاء وعند الدعوى. فمفاد هذه القاعدة: أنه إذا شهد شخص واحد على أمر ما سواء مما يدرأ بالشبهات أو غيره أنه لا تقبل هذه الشهادة, لأن للشهادة نصاب لا تقبل بدونه. وإذا لم يتمكن المدعي من استيفاء الشهود فإن اليمين على المدعى عليه، فإن نكل وأبى أن يحلف فإما أن يقضى عليه بالمدَّعى، أو ترد اليمين على المدعي مع شاهده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ادعى شخص على آخر أنه اقترص منه مبلغاً المال، أو سرق منه متاعاً، وأتى بشاهد واحد، فلا يسمع القاضي شهادة الشاهد الواحد حتى يكون معه ثانٍ، وإلاّ وجَّهت اليمين على المدعى عليه. ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 225.

القاعدة السادسة والخمسون [شهادة القلب - التحري]

القاعدة السادسة والخمسون [شهادة القلب - التحري] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شهادة القلب في التحري تكفي (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بشهادة القلب: طمأنينة القلب وارتياحه إلى نتيجة التحري، كطمأنينته وارتياحه بعد الاستخارة المشروعة. والمراد بالتحري في الأشياء: طلب ما هو أجرى بالاستعمال في غالب الظن، وأحرى: أجدر وأخلق (¬2)، يقال: فلانٌ حَريٌ بكذا - على وزن فعيل - أي خليق وجدير، ويقال: تحرّى فلان بالمكان: إذا تمكَّث، وفلان يتحرى كذا أي يتوخاه ويقصده (¬3). فالتحري في الاصطلاح الفقهي: هو التثبيت في الاجتهاد لطلب الحق والرشاد عند تعذر الوصول إلى حقيقة المطلوب والمراد (¬4). فمفاد القاعدة: أن طمأنينة القلب وارتياحه لنتيجة التحريَ تكفي في التزام ما وقع عليه تحرِّيه، والتحري إنما يكون فيما يباح للضرورة، وما لا يباح في حالة الضرورة لا يجوز التحري فيه. ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 219. (¬2) مختار الصحاح، مادة (حرا). (¬3) لسان العرب، مادة (حرا). (¬4) أنيس الفقهاء ص 85.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من التبست عليه جهة القبلة فعليه أن يتحرى ويجتهد، فما غلب على ظنه أنه جهتها استقبلها، وصلى إليها, ولا إعادة عليه لو تبين خطؤه بعد ذلك. ومنها: إذا اختلطت ميتة بمذكيات فله أن يتحرى فما غلب على ظنه أنها المذكاة جاز له الأكل منها بخلاف الشاتين. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. إذا اختلطت شاتان مسلوختان إحداهما مذكاة والأخرى ميتة فلا ينفع التحري؛ بل كلاهما أصبحت محرَّمة، الميتة بالأصل, والمذكاة بعلة الاشتباه. ومنها: لو اختلط إناء ماء طاهر بإناء فيه ماء نجس ولم يمكن التفريق لم يجز التحري، ولا يجوز له التطهر بأَيًّ منهما، بخلاف ما لو كثرت الأواني.

القاعدة السابعة والخمسون [شهادة الكافر]

القاعدة السابعة والخمسون [شهادة الكافر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: شهادة الكافر على المسلم لا تقبل (¬1). وفي لفظ: "شهادة الكافر فيما يتضرر به المسلم لا تكون حجة" (¬2). وفي لفظ: "شهادة الكفار لا تكون حجة في إثبات فعل للمسلمين" (¬3). وفي لفظ: "لا تقبل شهادة كافر على مسلم إلا تبعاً أو ضرورة" (¬4). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القواعد تؤدي معنى مشتركاً وهو أن شهادة الكافر على المسلم لا تقبل ولا تكون حجة ينبني عليها حكم؛ لأنه - كما سبق وبُيِّن - أن الشهادة نوع من الولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم. فلا تقبل إذاً شهادة الكافر على فعل مسلم يتضرر بها إلا في حالين: 1 - حال الضرورة حتى لا تضيع الحقوق إذا لم يوجد شاهد مسلم. 2 - أن يكون المشهود عليه كافراً تابعاً لمسلم فيصيب المسلم الضرر تبعاً. ثالثاً: أمثلة هذه القواعد ومسائلها. إذا شهد كافران - ذميان أو حربيان - على مسلم بالسرقة أو الغصب ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 41. (¬2) نفس المصدر 26/ 38. (¬3) نفس المصدر 26/ 39. (¬4) أشباه ابن نجيم ص 226.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة.

أو القتل الخطأ أو القذف فلا تقبل شهادتهما. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة. إذا شهد كافران على عبدٍ كافر بدَين - ومولاه مسلم - فتقبل، وإن تعدى ذلك إلى المولى المسلم، لأن الشهادة علي المسلم هنا كانت تبعاً. ومنها: إذا شهد كافران على وكيلٍ كافرٍ موكّلُه مسلم، فتقبل. ومنها: إذا مات مسلم في سفر - ولم يوجد شهود مسلمون على تركته - فيجوز أن يشهد على ما تركه شاهدان من غير المسلمين. وهذا من باب الضرورة.

القاعدة الثامنة والخمسون [شهادة النساء]

القاعدة الثامنة والخمسون [شهادة النساء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: شهادة المرأة فيما لا يطَّلع عليه الرجال حجة تامة (¬1). وفي لفظ: "شهادة النساء فيما لا يطَّلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطّلعون عليه" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. سبق قريباً معنى مقارب لهاتين القاعدتين - فكما تبين أن الأصل في الشهادة هم الرجال، ولكن جازت شهادة النساء مع الرجال في غير ما يندرئ بالشبهات كالأموال. ومفاد هاتين القاعدتين: أن ما لا يطّلع عليه الرجال إذا شهدت به امرأة واحدة أو عدة نسوة كانت هذه الشهادة حجة تامة يجب قبولها، كما يجب قبول شهادة الرجال فيما يطلع عليه الرجال. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. شهادة القابلة على الولادة وعلى البكارة كما سبق. ومنها: شهادة القابلة على الاستهلال, والمراد بالاستهلال: صياح الطفل حينما يولد حيث ينبني على استهلال المولود أحكام فقهية شرعية متعددة منها ثبوت نسبه، وميراثه، وتوريث من يرثون منه إذا مات بعد استهلاله، ¬

_ (¬1) المبسوط 2/ 137. (¬2) نفس المصدر 16/ 144.

ووجوب النفقة في ماله لمن تجب. وغير ذلك من الأحكام المفصلة في كتب الفقه. ومنها: شهادة النسوة بعضهم على بعض في الجراحات التي تقع بينهن وليس بينهم رجل كحمامات النساء وأسواقهن. هذا من باب الضرورة حتى لا تضيع الحقوق.

القاعدة التاسعة والخمسون [شهادة المسلمين]

القاعدة التاسعة والخمسون [شهادة المسْلِمَين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: شهادة المسْلِمَينِ حجة تامة على جماعة المسلمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. شهادة رجلين مسلمين على جماعة المسلمين - وليس على فرد مسلم فقط أو أفراد - تقبل وتعتبر حجة تامة في إثبات الحق المشهود به؛ لأنهما - أي المسْلِمَين - أهل للولاية على المسلمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا جاء رجل حربي مع عدد من المسلمين وهو مخلًّى عنه - أي غير مربوط أو مقيد - فقالوا: هو أسيرنا. فقال هو: بل جئت مستأمناً معهم. قالوا: القول قول المسلمين؛ لأن الجماعة تقهر الواحد وإن لم يكن مقيداً. لكن إذا شهد مسلمان أنه جاء مستأمناً قبلت شهادتهما على الجماعة واعتبر مستأمناً لا أسيراً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 552.

القاعدة الستون [الشهادة الباطلة]

القاعدة الستون [الشهادة الباطلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة إذا بطلت في البعض بطلت في الكل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشهادة شرعت لإثبات الحق، فإذا أبطل القاضي الشهادة في جزء من الحق المدَّعي بسبب مبطل فقد بطلت الشهادة في الكلّ؛ لأن الشهادة لا تتجزأ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ادعى رجل على آخر مالَينِ - أحدهما معلوم والآخر مجهول - فشهد شاهدان بهما، فلا تقبل الشهادة على المجهول، وبالتالي لا تقبل على المعلوم أيضاً لاقترانهما. ومنها: إذا شهدوا على الوقف، وشهدوا على شروطه بالتسامع، فإن الشهادة تُرَدُ في كليهما لأنها شهادة واحدة، وحيث ردت في الشروط فترد في الوقف أيضاً. ومنها: إذا شهد أربعة من النصارى على نصراني أنه زنى بمسلمة، فإن قالوا: إنه أكرهها حُدَّ النصراني، وإن لم يشهدوا بالإكراه بل بالطوع سقط الحد عنه وعُزِروا لحق المسلمة، ولا تحد المسلمة أيضاً؛ لأن شهادة أهل الذمة أو الكفار على المسلمين غير مقبولة - كما سبق بيانه - وهم حينما شهدوا ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 222، والفرائد ص 92، عن الفتاوى الخانية، فصل الشهادة الباطلة 2/ 473، وترتيب اللآلئ لوحة 59 أ.

على النصراني كانت شهادة أيضاً على المسلمة فكانت شهادتهم عليها باطلة، ومتى بطلت الشهادة في البعض - أي في حق المسلمة - بطلت في الكل، فبطلت في حق النصراني أيضاً. ومنها: إذا شهد لابنه وأجنبي بطلت في كليهما؛ لأن شهادة الأب لابنه غير مقبولة، فبطلت في حق الأجنبي أيضاً تبعاً.

القاعدة الحادية والستون [الشهادة المخالفة]

القاعدة الحادية والستون [الشهادة المخالفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة إذا خالفت الدعوى بالسبب مع اتحاد الحكم صحت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالسبب في القاعدة: أي الأساس الذي بنيت عليه الدعوى. والمراد بالحكم: هو ما بني على السبب. فمفاد القاعدة: أن الشهادة تعتبر صحيحة ويقبلها القاضي ويعمل بموجبها ولو اختلفت هذه الشهادة عن الدعوى بالسبب، أيَ أن الشاهدين ذكرا سبباً مخالفاً لسبب المدعي لدعواه. لكن يجب أن يكون الحكم أو النتيجة المترتبة على الدعوى متحدة لا تختلف، واختلاف السبب لا يضر. ثالثاً: أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. رجل ادعى على آخر ألفاً - كفل بها عن فلان - وذكر اسماً لمدين مكفول، وأتى بشاهدين، فشهد الشاهدان أن المدعى عليه أقر - بألف عن فلان - لآخر سميَّاه غير من سمّى المدعي، فإن الدعوى صحيحة ويحكم بالمال للمدعي، ولا يضر اختلاف السبب، وهو تخالف دعواه مع شهادة شاهديه في اسم المكفول؛ لأن الحكم وهو الكفالة بالألف متحدة بين المدعي والشاهدين. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 94 عن الفتاوى الخانية، فصل الشهادة تخالف الدعوى 2/ 477 فما بعدها.

ولكن لو ادعى عليه بألف قرضاً، وشهد الشاهدان بألف إرثاً، لا تصح الشهادة ولا الدعوى لاختلاف الحكم، ولما يترتب على حكم الإرث من أحكام لا يشبهها القرض. ومنها: إذا ادعى على رجل أنه اقترض منه ألفاً شهد الشاهدان على أن المدعى عليه اغتصبها منه أو من ثمن بيع قبلت الدعوى وصحت الشهادة؛ لأن الحكم لا يختلف هنا.

القاعدة الثانية والستون [الشهادة المخالفة]

القاعدة الثانية والستون [الشهادة المخالفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة إذا خالفت الدعوى بنقص عنها مع اتفاق الشاهدين صحت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة وقاعدتان تاليتان لها ارتباط بالقاعدة السابقة؛ لأن كلاً منها تتعلق بالشهادة وصحتها وصحة الدعوى بناءً على صحة الشهادة وبطلانها بناءً على بطلانها. فمفاد هذه القاعدة: أن شهادة الشاهدين إذا خالفت دعوى المدعي بنقص عما ادعاه - واتفق الشاهدان على ذلك - فإن الشهادة صحيحة والدعوى صحيحة بما شهدا لا بما ادعى. بخلاف الشهادة بالزيادة كما سيأتي قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ادعى رجل على آخر أن له عليه ديناً مقداره ألف وخمسمئة، وأتى بشاهدين فشهدا بألف. صحت الشهادة، ولزم المدعى عليه ما شهد به الشاهدان وهو الألف لا ما ادعاه المدعي. ومنها: لو ادعى داراً أو أرضاً، وأتى بشاهدين فشهدا له بنصفها ¬

_ (¬1) الفرائد ص 93 عن الفتاوى الخانية فصل الشهادة تخالف الدعوى, تحت باب من الشهادة التي يكذب المدعي شاهده 2/ 476 فما بعدها.

صحت الشهادة والدعوى بالنصف فقط. ومنها: رجل ادعى بدار أنها له منذ عشرين سنة، وأتى بشاهدين فشهدا أنها له منذ سنتين، صحت الشهادة, لأن المشهود به أقل من المدعى زمناً، ولكن صحت الدعوى لأنها أثبتت حق المدعي في المدعى به، ولا يضر اختلاف المدة بين المدعى والمشهود به.

القاعدة الثالثة والستون [الشهادة المخالفة]

القاعدة الثالثة والستون [الشهادة المخالفة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشهادة بأكثر من المدَّعى باطلة بخلاف الأقل (¬1). وفي لفظ: "الشهادة متى خالفت الدعوى بزيادة مقدارية أو اعتبارية فلا تصح" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. سبق قريباً أن الشهادة متى خالفت بنقص صحت وقبلت بما شهد به الشاهدان لا بما ادعاه المدعي، ومفاد هاتين القاعدتين: خلاف ما سبق، وهو أن الشهادة إذا خالفت ما ادعاه المدعي بزيادة وأكثر مما ادعاه - سواء كانت هذه الزيادة مقدارية أو اعتبارية - أنها باطلة، وبالتالي تبطل الدعوى ولا تصح. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. رجل ادعى على آخر نصف دار أو خمسمئة درهم، فأنكر المدعى عليه وجاء المدعي بشاهدين فشهدا له بكل الدار أو بألف درهم. فهذه شهادة باطلة ولا تقبل لأنها زادت زيادة مقدارية. لكن لو قال المدعي حينذاك: نعم كان لي ألف ولكنه قضاني خمسمئة صحت الشهادة، لأمكان التوفيق بين الدعوى وبين شهادة الشاهدين، لاحتمال أنه ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 81 عن رد المحتار 4/ 407. (¬2) الفرائد ص 93 عن الفتاوى الخانية، المصدر السابق.

قضاه الخمسمئة ولم يعلم بها الشاهدان وكانا قد علما بالألف. ومنها: إذا ادعى على رجل داراً إرثاً عن أبيه فأنكر المدعى عليه، وأتى المدعي بشاهدين فشهدا له أن هذه الدار ملك المدعي. فلا تقبل هذه الشهادة؛ لأنها خالفت الدعوى بزيادة اعتبارية؛ لأن دعوى المدعي مقيدة بالإرث والشهادة مطلقة والمطلق أكثر من المقيد في الاعتبار؛ ولأن شهادتهما بأنها ملك المدعي يحتمل أنها ملكه إرثاً، أو شراء، أو هبة، أو صلحاً، إلخ ما هنالك من أسباب الملك.

القاعدة الرابعة والستون [الشهادة بالمجهول]

القاعدة الرابعة والستون [الشهادة بالمجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة بالمجهول لا تكون حجة (¬1) - أو - غير صحيحة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق بيان أن الدعوى على المجهول وبالمجهول باطلة وغير معتبرة. ومفاد هذه القاعدة: أن الشهادة بالمجهول أيضاً باطلة وغير معتبرة، وإذا بطلت الشهادة وردَّت بطلت الدعوى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد أن المدعي له على المدعى عليه مال، ولم يبينا نوعه ولا مقداره، أو أنه باعه شيئاً ولم يعرفا ما هو. أو إذا شهدا على رجل أنه تزوج امرأة ولم يعرَّفاها. في كل هذه الأمثلة الشهادة باطلة والدعوى ساقطة. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. إذا شهد أنه كَفَل بنفس فلان. وهما لا يعرفانه. صحت الشهادة. ومنها: إذا شهدا برهن ولم يعرّفاه. كذلك. ومنها: إذا شهدا باغتصاب شيء مجهول (2). صحت الشهادة كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط 5/ 154. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 221، ترتيب اللآلئ لوحة 59 ب عنه.

القاعدة الخامسة والستون [الشهادة حجة]

القاعدة الخامسة والستون [الشهادة حجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة. الشهادة حجة في حق الكل، والإقرار حجة في حق المقرِّ خاصة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بحجية الشهادة في حق الكل: أي أن الشهادة حجة في حق المدعي والمدعى عليه ومن له صلة بالقضية، وهذا معنى قولهم: البينة حجة متعدية (¬2). والإقرار حجة قاصرة على المقر خاصة ولا تتعداه إلى غيره إلا استثناء أو ضرورة أو تبعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. مَن شُهِد عليه بغصب مال لغيره أو سرقته وقضي عليه به، فإذا كان قد باع المغصوب أو المسروق أو وهبه إلى غيره فيسترد منه بناء على الحكم بثبوت اغتصابه أو سرقته بالبينة. ومنها: إذا أقر بدين مشترك بينه وبين آخرين فإن إقراره ينفذ في حق نفسه فقط فيؤاخذ به في ماله، ولا يتعداه إلى شركائه ما لم يصدقوه. ولكن إذا قامت البينة بشهادة الشهود أن فلاناً وفلاناً وفلاناً قد اقترضوا معاً من فلان مالاً، أو ضاربهم بالمال، فإن المؤاخذة على الجميع. ¬

_ (¬1) المبسوط 28/ 36، وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 300 فما بعدها. (¬2) ينظر: قواعد حرف الباء رقم 92.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة.

رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. إذا أقرَّت الزوجة بِدَيْن، فللدائن حبسها - وإن فات حق الزوج بسبب الحبس -. ومنها: إذا أقر المؤجر بدين ولا وفاء له إلا العين المؤجرة، فله أن يبيعها لقضاء دينه وإن تضرر المستأجر.

القاعدة السادسة والستون [الشهادة على بطلان القضاء]

القاعدة السادسة والستون [الشهادة على بطلان القضاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشهادة على إبطال قضاء القاضي لا تقبل (¬1). وفي لفظ: "القضاء بعد صدوره صحيحاً لا يبطل بإبطال أحد، إلا إذا أقر المقضي له ببطلانه فيبطل" (¬2). وستأتي في حرف القاف إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الدعوى إذا فُصلت على الوجه الشرعي وقضي بها لا يجوز إلغاؤها ولا إبطالها؛ وإلا لا تستقر الأحكام ولا يطمئن الناس للقضاء. فمفاد القاعدة: إذا شهد شاهدان لإبطال حكم قضى به قاضٍ, فلا تقبل هذه الشهادة ولا يبطل القضاء إلا إذا قضى بما يخالف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا حكم قاضٍ في دعوى إرث أو نسب أو دَيْن أو غير ذلك بالبينة العادلة أو بالإقرار فلا يجوز بعد ذلك أن يأتي المدعى عليه بشهود ليشهدوا بخلاف ما حكم به القاضي ويبطلوا القضاء. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة وبطل القضاء. إذا أقر المقضي له بالبطلان بطل القضاء، إلا إذا كان المقضي له بِحُرِّيته. ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 183، وينظر: المقنع مع الحاشية 3/ 613 وما بعدها. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 243، والفوائد الزينية ص 149 الفائدة 178.

ومنها: إذا ظهر أن الشهود عبيد - عند من لا يقبلون شهادة العبد ضد الحرب - أو ظهر أن الشهود محدودون في قذف بالبينة، فإنه يبطل القضاء لكونه غير صحيح. حيث بني على طريق باطل (¬1). ¬

_ (¬1) وينظر: الفتاوى الخانية 2/ 437 فما بعدها.

القاعدة السابعة والستون [الشهادة على حقوق العباد]

القاعدة السابعة والستون [الشهادة على حقوق العباد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة على حقوق العباد لا تقبل بلا دعوى، بخلاف حقوق الله تعالى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. حقوق العباد لا تقبل الشهادة عليها بدون دعوى من أصحاب هذه الحقوق لأن ثبوت حقوقهم إنما يتوقف على مطالبتهم ولو بالتوكيل. ولكن حقوق الله تعالى تقبل الشهادة وتُسمع بدون دعوى من أحد، لأن الشهادة بحقوق الله تعالى تدخل في باب الحسبة، فعلى كل من علم حقاً لله تعالى وجب عليه الشهادة به حسبة حتى لا تتعطل الحقوق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد شخص بأن فلاناً اغتصب من آخر شيئاً أو ضربه، فلا تقبل هذه الشهادة بدون دعوى من صاحب الحق أو وكيله؛ ولكن إذا رأى سارقاً يسرق أو زانياً يزني فله أن يشهد بما رأى حسبة, لأن هذه من حقوق الله تعالى، ولذلك تقبل الشهادة بدون دعوى في أصل الوقف وعتق الأمة وحريتها الأصلية، ورؤية الهلال، وفي طلاق الزوجة وتعليق طلاقها، والخلع، وتدبير الأمة، والإيلاء والظهار وحرمة المصاهرة، والنسب. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 86 عن أشباه ابن نجيم ص 225، ص 242, الفوائد الزينية ص 91 الفائدة 87. وينظر: قواعد حرف الهمزة القاعدة رقم 136.

القاعدة الثامنة والستون [الشهادة على الشهادة]

القاعدة الثامنة والستون [الشهادة على الشهادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة على الشهادة تجوز في كل شيء إلا في الحدود والقصاص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالشهادة على الشهادة: "أن يغيب شهود الأصل ويوكَّلوا عنهم شهوداً آخرين ينقلون شهادتهم ويؤدونها أمام القاضي. فمفاد القاعدة: أن الشهادة على الشهادة أو التوكيل في أداء الشهادة يجوز في كل دعوى إلا في دعوى الحدود والقصاص؛ لأنها تدرأ بالشبهات، والشبهة هنا احتمال رجوع شهود الأصل عن شهادتهم، فلذلك لا يجوز التوكيل فيها، ولا تقبل شهادة شهود الفرع. ويشترط في الأصول الذين تقبل الشهادة على شهادتهم: أن يكونوا صالحين لأداء الشهادة إلى حين أداء الفروع لها أمام القضاء، فلو فسق شهود الأصل أو خَرِسوا أو ارتدوا وصاروا بحال لا تقبل شهادتهم بطلت الشهادة على شهادتهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. غاب شهود الأصل وحمَّلوا الشهادة لآخرين ليشهدوا أمام القضاء أن لفلان على فلان مبلغاً من المال قدره كذا بسبب كذا. فتقبل هذه الشهادة ¬

_ (¬1) الفرائد ص 95 عن الخانية فصل الشهادة علي الشهادة 2/ 485. وينظر: الاعتناء ص 1073، والمقنع مع الحاشية 3/ 712 فما بعدها.

ويعمل بها. ويجب أن يذكر شهود الفرع أنهم تحملوا شهادة شهود الأصل بأن يقولوا: نشهد أن فلاناً وفلاناً - أي شهود الأصل - شهدوا عندنا بكذا وأشهدونا على شهادتهم بذلك ونحن نشهد على شهادتهم بذلك.

القاعدة التاسعة والستون [الشهادة على المجهول]

القاعدة التاسعة والستون [الشهادة على المجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهادة على المجهول لا تكون مقبولة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق أن الدعوى إذا كان فيها مجهول لا تقبل الشهادة عليها. فمفاد هذه القاعدة: أن الشهادة على المجهول أيضاً لا تكون مقبولة؛ لأن الدعوى على المجهول باطلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد أن لفلان هذا على فلان الغائب - وهما لا يعرفانه - مبلغاً من المال وقدره كذا، فإنه لا تقبل هذه الشهادة؛ لأن المدعى عليه مجهول لدى الشهود. ¬

_ (¬1) المبسوط 2/ 95. وينظر أشباه ابن نجيم ص 245 - 246.

القاعدة السبعون [الشهادة على النفي]

القاعدة السبعون [الشهادة على النفي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشهادة على النفي لا تقبل (¬1). وفي لفظ: "بينة النفي غير مقبولة". وقد سبقت في قواعد حرف الباء تحت رقم (101). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأصل أن الإشهاد شرع للإثبات لا للنفي، واليمين للنفي. فمفاد هذه القاعدة: أنه إذا وجدت شهادة على نفي فعل المدعي أنها لا تقبل؛ لأن الشهادة على النفي لا تتصور، حيث يجب أن يكون الشاهد مصاحباً للمراد نفي الحكم عنه دون أن يغيب عنه طرفة عين (¬2). وهذا مستحيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد أن فلاناً لم يقترض من المدعي ما يدعيه. لا تقبل هذه الشهادة لكن إذا حلف المدعى عليه بأنه لم يقترض منه جاز, لأن اليمين إنما شرعت للنفي والبينة للإثبات. ومنها: لا يقبل قول الشهود: أنه لم يقل شيئاً غير ما سمعوا، فيمن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2025، قواعد الفقه ص 86، المبسوط 11/ 82 - 22/ 90، أشباه السيوطي ص 492، الفوائد الزينية ص 142 الفائدة 168. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 222.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة.

قال: المسيح ابن الله، وادعى أنه أخفى قوله: النصارى يقولون ذلك. أو هذا قول النصاري. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة. إذا شهدا على أن المدعى عليه لا مال له. وهي شهادة على إعساره. ومنها: إذا شهدا على أن هذا الميت لا وارث له غيره. شهادة على إثبات الإرث له وحده. ومنها: أن يضيف النفي إلى وقت مخصوص، كأن يدعى عليه بقتل أو قذف أو سرقة في وقت معين، فيشهدا له بأنه ما فعل في ذلك الوقت. شهادة على إثبات براءته (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 492.

القاعدة الحادية والسبعون [الشهادة الملزمة]

القاعدة الحادية والسبعون [الشهادة الملزمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشهادة غير ملزمة - أو لا تكون ملزمة - بدون القضاء (¬1). وفي لفظ: "الشهادة لا توجب الحق ما لم يتصل به قضاء القاضي (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشهادة حجة تامة، ولكن اعتبارها وإلزامها لا يكون إلا في المحكمة أمام القاضي، فبدون القضاء لا تكون الشهادة حجة ملزمة ينبني عليها حكم، ولا يعتد بها؛ لأنها شرعت لإثبات الحقوق، وإثبات الحقوق على طريق الإلزاء لا يكون إلا بالقضاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد اثنان أن هذا سرق مال هذا، فليس للمسروق منه أن يقطع يد السارق، بل لا بد من دعوىَ أمام القاضي ليحكم فيها. ومنها: إذا شهد شاهدان أن هذا قتل أباه، فليس له أن يقتله بدون قضاء القاضي. ومنها: إذا شهد اثنان أن لهذا الرجل على هذا الرجل مالاً وقدره كذا بسبب كذا في مجلس خارج المحكمة، لا تعتبر هذه الشهادة وإلا يثبت بها حق. ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 182. (¬2) نفس المصدر ص 181.

القاعدة الثانية والسبعون [الشهر]

القاعدة الثانية والسبعون [الشهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشهر طويل آجل وما دونه قليل عاجل (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. تختلف الأحكَام بين ما هو آجل، وما هو عاجل، فكيف يفرَّق بين العاجل والآجل؟ فمفاد هذه القاعدة: بيان ما هو آجل وما هو عاجل، إذ أفادت أن مدة الشهر هي الطويل الآجل - وهو أقل الآجل. وما دون الشهر فهو القليل العاجل، وبخاصة في باب المداينات. وهذا عند الحنفية، وأما عند المالكية فقد اختلفوا: إذ جعل بعضهم البعيد خمسة أيام فما فوقها، وبعضهم جعل البعيد عشرين يوماً (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. رجل له ابن جنَّ فأراد الأب أن يتصرف في ماله، فمتى يجوز له ذلك؟ قالوا: إن طال جنون الابن وتجاوز الشهر جاز تصرف الأب، وهو قول أبي حنيفة، وعليه العمل عند الحنفية. وقيل: إذا مضت السنة وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله. ومنها: إذا أغمي عليه مدة شهر فما فوقه لا يقضي الصلوات. ولا ¬

_ (¬1) الفرائد ص 57 عن الخانية فصل بيع غير المالك 2/ 284. (¬2) إعداد المهج ص 44 - 45.

يقضي صوم رمضان إذا أغمي عليه طيلة شهر رمضان؛ لأنه لم يشهد الشهر، ولكنه إذا أغمي عليه أقل من ذلك وجب القضاء.

القاعدة الثالثة والسبعون [الشهرة في النفي]

القاعدة الثالثة والسبعون [الشهرة في النفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشُهْرة في النفي حجة كما في الإثبات (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الشهرة: معناها الاشتهار والشيوع بين الناس. فمفاد القاعدة: أنه إذا اشتهر أمر وشاع وذاع بين الناس فإنه يمكن بناء الأحكام عليه إثباتاً ونفياً. ويكون ذلك الاشتهار حجة ودليلاً على ذلك الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من أمثلة إثبات الأحكام بالشهرة: إثبات نسبة الأولاد من أبيهم بالاشتهار بين الناس أنهم ولدوا في بيته وعلى فراشه، ومن زوجته فلانة، وأنه كان يكون في بيتهم ويذهب ويجيء ويحمل حوائجهم، وغير ذلك من الأمور الدالة على صحة النسب. ومن أمثلة نفي الأحكام بالشهرة: نفي شهادة الشهود وإسقاطها بتكذيبهم بأمر مشهور يمنع قبول شهادتهم، مثل أن يقيم المدَّعى عليه البينة على أن أحد الشهود الذين شهدوا عليه قاذف، وقد أقيم عليه الحد - أو هو عبد عند من لا يقبلون شهادة العبد ¬

_ (¬1) المبسوط 9/ 84.

على الحر -، ثم ينكر الشاهد ذلك ويأتي بأمر مشهور ينفي به التهمة التي اتهمه بها شهود المدعى عليه، مثل أن يشتهر أن هذا الشاهد في الوقت أو المكان الذي ادعى شهود المدعى عليه أنه أقيم عليه الحد فيه كان في الحج أو مسافراً إلى مكان بعيد معروف، أو يشتهر بين الناس عتقه قبل أدائه الشهادة، فبهذا يظهر كذب المدعى عليه، فلا يقضي القاضي بشهادتهم.

القاعدة الرابعة والسبعون [حكم المبدأ والمحاذاة]

القاعدة الرابعة والسبعون [حكم المبدأ والمحاذاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء إذا اتصل بغيره هل يعطى له حكم مباديه أو مُحاذيه؟ (¬1). وفي لفظ: "الشيء إذا اتصل بغيره هل يعطى حكم مبدئه أو يعطى حكم ما حاذاه؟ (¬2). وفي لفظ: "إذا اختلف الحكم بالمنبت والمحاذاة بماذا يعتبر؟ خلاف عند المالكية (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. مبدأ الشيء: أوَّله، وبدايته من منبته. والمحاذي: هو المجاور من حاذاه يحاذيه أي جاوره. فمفاد القاعدة: إذا كان لشيء مبدأ أو بداية في موضع، ثم طال واتصل بغيره وحاذاه وجاوزه، فهل حكمه بالنظر إلى مبدئه ومنبته أو بالنظر إلى نهايته ومحاذاته. خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا طالت اللحية إلى الصدر فهل يجب غسل ما خرج عن الوجه منها تبعاً للمبدأ، أو لا يجب تبعاً للمنتهى؟ ومنها: شجرة في الحل لها غصن في الحرم فهل ذلك الغصن يأخذ حكم ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 18. (¬2) إعداد المهج ص 36. (¬3) قواعد المقري القاعدة 80، وقد سبقت في قواعد الهمزة تحت رقم (90).

منبت الشجرة فيقطع أو يأخذ حكم الحرم فيمنع؟ ومنها: شجرة في الحرم أصلها وفرعها خارج الحرم، هل يصاد ما على غصنها الذي في الحل؟

القاعدة الخامسة والسبعون [الشيء المقام مقام غيره]

القاعدة الخامسة والسبعون [الشيء المقام مقام غيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشيء إذا أقيم مقام غيره في حكم، فهل يقوم مقامه في جميع الأحكام؟ (¬1). خلاف بين الأئمة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه قاعدة مثار خلاف بين فقهاء الحنفية الثلاثة وبين زفر بن الحارث رحمهم الله تعالى، فعند جمهور الحنفية إنه لا يقوم مقامه إلا في ذلك الحكم ولا يتعدى إلى الأحكام الأخرى، وأما عند زفر فإنه يقوم مقامه في جميع أحكامه؛ لأنه بدل والبدل يأخذ حكم مبدله. وفيها خلاف بين الأئمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. المستحاضة التي تتوضأ أو تغتسل لكل صلاة، لا يجوز إمامتها للطاهرات؛ لأن طهارتها قامت مقام طهارة الطاهرات في حق جواز صلاتها فقط، فلا تقوم مقام طهارة الطاهرات في حق الإمامة. ومنها: إن الرجل إذا كان صحيحاً قادراً على الركوع والسجود فلا يجوز له أن يقتدي بالمومئ برأسه؛ لأن الإيماء له حكم القيام في حق جواز صلاة المومئ فقط، فلا يقوم مقامه في حكم آخر. وعند زفر يجوز في المسألتين. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 79، وينظر المقنع مع الحاشية 1/ 66 فما بعدها. وينظر: قواعد الهمزة القاعدة رقم (335).

ومنها: التيمم، مثلاً يقوم مقام الماء في الطهارة؛ لأنه بدل. ولكن لا ينوب عنه في كل أحكامه عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد - رحمهم الله تعالى - إذا لم يجوزوا التيمم لفرض قبل دخول وقته، وعند أبي حنيفة وأصحابه يجوز، وهي رواية عن أحمد اختارها الشيخ تقي الدين رحم الله الجميع. وأيضاً: إذا كان التطهر بالماء يجوز قبل الوقت ويصلى به المتطهر ما شاء من الفرائض والنوافل فعند كثيرين لا يجوز أن يصلي المتيمم بتيممه إلا صلاة الوقت والنوافل، وعليه التيمم لكل وقت.

القاعدة السادسة والسبعون [الشيء المقدر في الشرع]

القاعدة السادسة والسبعون [الشيء المقدر في الشرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء إذا ثبت مقدراً في الشرع فلا يعتبر أي تقدير آخر. أو لا يغير إلى تقدير آخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة سبق لها مثيل في قواعد حرف الهمزة تحت رقم (336)، ومفادها: أن الشيء إذا وجد له تقدير شرعي فلا يجوز تغيير هذا التقدير، أو اعتبار أي تقدير آخر مغاير للتقدير الشرعي. وهذا عند جمهور الأئمة، وعند أبي يوسف وآخرين يجوز إذا كان مبناه على عُرف في زمن النص، أو مصلحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. خراج الأرض وجزية الرؤوس التي قدِّرت في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وفي رواية عند الإمام أحمد وآخرين لا يجوز تغييرها لا بالزيادة، ولا بالنقص. وفي رواية تجوز الزيادة دون النقص، ولكن المذهب على أن المرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان، وعلى هذا كثير من الأئمة؛ لأن فرضها في زمن أمير المؤمنين كان بحسب حاجة الناس وقدرتهم فإذا تغيرت الحاجة أو القدرة لزم التغيير بالزيادة أو النقص (¬2). ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 157، قواعد الفقه ص 86. (¬2) ينظر: كتاب الخراج لأبي يوسف ص 50، 122، والمقنع مع الحاشية 1/ 512 - 513.

ومنها: ما ورد كونه مكيلاً أو موزوناً في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبقى مكَيلاً أو موزوناً ولا يجوز تغييره، وأما عند أبي يوسف وابن تيمية وغيرهما يجوز ويعتبر على الناس عادتهم في ذلك.

القاعدة السابعة والسبعون [الشيء المعظم]

القاعدة السابعة والسبعون [الشيء المعظَّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء إذا عظم قدره شُدِّد فيه وكثرت شروطه، وبولغَ في إبعاده إلا بسبب قوي؛ تعظيماً لشأنة ورفعاً لقدره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بعِظَم القدر: ارتفاع المكانة وسمو المنزلة، والشرع لا يرفع قدر شيء إلا لما فيه عن عظيم المصلحة وعموم الفائدة. فمفاد القاعدة: أن الشيء - الحكم أو التصرف أو المعاملة والمعاقدة - إذا شدَّد الشرع فيه وأكثر شروطه فيكون ذلك دليلاً على ارتفاع مكانة هذا الشيء وعظيم قدره في الشرع، ولذلك لا يوصل إليه إلا بسبب قوي، وبالمقابل فإن الشيء إذا لم يشدد فيه الشرع ولم يكثر شروطه فيكون ذلك دليلاً على انخفاض منزلته ودنو مكانته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. النكاح أمر خطير وشأن عظيم؛ لأنه سبب بقاء النوع الإنساني المكرَّم, وسبب العفاف الحاسم لمادة الفساد واختلاط الأنساب، وسبب المودة والسكون، وغير ذلك من المصالح، فلذلك شدد الشرع فيه - ولأن أصله التحريم - فاشترط الشرع في عقده شروطاً في العاقدين والعقد، والصداق والشهادة والولي وخصوص الألفاظ عند كثيرين. ¬

_ (¬1) الفروق 3/ 144 الفرق 157.

ومنها: المناصب الجليلة والرتب العالية في العادة لا يوصل إليها إلا بعد تعب ومشقة وجهد. ومنها: الذهب والفضة لما كانا رؤوس الأموال وقيم المتلفات وأساس الأثمان شدَّد الشرع التعامل فيها، فاشترط المساواة والتناجز، وغير ذلك من الشروط.

القاعدة الثامنة والسبعون [الشيء المقدر حكما]

القاعدة الثامنة والسبعون [الشيء المقدر حكماً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء إنما يقدَّر حكماً إذا كان يتصور حقيقة، فأما إذا كان لا يتصور حقيقة فلا يجوز إثباته حكماً (¬1). ثانياً. معنى هذه القاعدة ومدلولها. الحقيقة: من حق الشيء إذا ثبت فهي فعيلة، والمراد بالحقيقة في القاعدة الوجود العيني الثابت في الخارج. والحكمي: يراد به هنا المعنى الدال على الشيء تقديراً ذهنياً لا وجوداً خارجياً. فمفاد القاعدة: أن الأشياء قد توجد وتتصور حقيقة، وقد لا يكون لها وجود حقيقي، فما يوجد ويتحقق في الخارج يجوز تقديره حكماً. وما لا يتصور له وجود خارجي فلا يجوز تقديره أو إثباته ذهناً أي معنى وحكماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الطهارة الحكمية يجوز تقديرها لأن الطهارة يجوز تصورها حقيقة وخارجاً. ومنها: إذا أسلم حربي مستأمن في دارنا - وله أولاد صغار في دار الحرب - ثم مات وجاء الأولاد الصغار مع عمَّهم لزيارة قبر أبيهم فللعمِّ أن يردهم إلى دار الحرب؛ لأنهم خرجوا إلى دار الإسلام مستأمنين بعد موت ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1875.

أبيهم، فلا يكونون مسلمين تبعاً له, لأنه لا يقدَّر تبعيتهم له بعد موته. بخلاف ما لو دخلوا دار الإسلام وأبوهم حي فلا يمكَّن العم من ردهم إلى دار الحرب؛ لأنهم صاروا تبعاً لأبيهم مسلمين. والأولاد الصغار في دار الحرب هو تابعون لأبيهم المسلم المقيم في دار الإسلام حكماً ما دام حياً. فلو دخلوا دار الإسلام في حياة أبيهم فلا يمكنون من العودة إلى دار الحرب لتبعيتهم لأبيهم. أما لو مات قبل دخولهم فلا يتصور تبعيتهم له بعد موته.

القاعدة التاسعة والسبعون [الشيء الملحق بغيره]

القاعدة التاسعة والسبعون [الشيء الملحق بغيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء إنما يلحق بغيره إذا تساويا من جميع الوجوه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه قاعدة أصولية فقهية تتعلق بالإلحاق القياسي. مفادها: أنه إذا أريد قياس فرع على أصل فيجب أن يتساوى الفرع مع أصله في جميع الوجوه التي يثبت معها القياس - أيَ المماثلة - حتى لا يكون القياس قياساً مع الفارق - ويسمى هذا القياس قياساً في معنى الأصل. وليس المراد بجميع الوجوه جميع الصفات وإلا كان هو هو. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. قياس العبد الزاني على الأمة في تنصيف الحد، قياس مساوٍ من جميع الوجوه؛ لأن الذكورية والأنوثية صفتان طرديتان ثم يعتبرهما الشرع في الحدود والعقوبات. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 49.

القاعدة الثمانون [الشيء في معدنه]

القاعدة الثمانون [الشيء في معدنه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء في معدنه لا يعطى له حكم الظهور ما لم يظهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. معدن الشيء: أصله الذي منه يخرج، من عَدَن بالمكان: إذا توطن وأقام، وهو منبت الجواهر من ذهب وفضة وغيرهما. والمعدن: مكان كل شيء منه أصله (¬2). مفاد القاعدة: أن الشيء ما دام موجوداً في أصله مغروساً فيه، لم يخرج منه, لا يعطى له حكم الظهور، ولا تبنى عليه الأحكام ما لم يظهر، كالذهب في ترابه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. التراب الذي يستخلص منه الذهب أو الفضة يجوز مبادلته متفاوتاً، ولا يقال: إنه ذهب أو فضة إلا إذا استخلص منه وانفرد عن ترابه، ولا زكاة فيه حتى يبلغ المستخلص نصاباً. وقيل: فيه الخمس (¬3). ومنها: أن المرأة إذا أحست بقرب الحيض لا تسمى حائضاً، ولا تأخذ حكَم الحائضات إلا بخروج الدم وظهوره خارج الفرج، وما لم يظهر فهو في معدنه ومستقره فلا يثبت حكمه، بالظهور. ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 151 (¬2) االقاموس، مادة (عدن). (¬3) ينظر: الأموال لأبي عبيد ص 469 فما بعدها.

القاعدة الحادية والثمانون [غاية الشيء]

القاعدة الحادية والثمانون [غاية الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء لا يكون غاية لنفسه (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. غاية الشيء: حدُّه ومنتهاه. فمفاد القاعدة: أن الغاية غير المغيا، فالمغيا له غاية هي غيره، وحكمها غير حكمه، ولا يمكن أن يكون الشيء غاية لنفسه, لأن المغيا لا يكون هو الغاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. في قوله تعالى {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬2). فليلة القدر مغياة وغايتها طلوع الفجر، فطلوع الفجر غير الليلة، وحكمه غير حكمها. ومنها: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬3). فالأكل والشرب مغيا والفجر غاية، وهما مختلفان. ومنها: إذا قال لزوجه: أنت طالق ما لم تلدي أو تحملي أو تحيضي، وقع الطلاق. بمجرد سكوته؛ لأنه جعلها طالقاً في وقت لا تلد فيه أو تحيض بعد ¬

_ (¬1) المبسوط 6/ 110، 136. (¬2) الآية 5 من سورة القدر. (¬3) الآية 187 من سورة البقرة.

اليمين، وكما سكت فقد وجد ذلك الوقت؛ لأنه جعلها طالقاً إلى غاية وهي أن تلد أو تحمل أو تحيض، فإذا وجدت الغاية متصلة بسكَوته فقد وُجِد الزمان الذي أوقع الطلاق فيه - إذا لم يحدد للغاية وقتاً مقدراً -. ولكنه إذا قال: أنت طالق ما لم تحيضي وحاضت مع سكوته، لا تطلق؛ لأنه وجدت الغاية التي جعلها طالقاً إليها، وبسكوته فقد انعدم الزمان الذي أوقع فيه الطلاق فلا تطلق, لأن الشيء لا يكون غاية لنفسه. ومنها: إذا قال: أنت طالق من واحدة إلى واحدة. تطلق واحدة عند الجميع.

القاعدة الثانية والثمانون [ناسخ الشيء وناقضه]

القاعدة الثانية والثمانون [ناسخ الشيء وناقضه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشيء لا ينقضه ما هو مثله أو دونه وينقضه ما هو فوقه (¬1). وفي لفظ: "الشيء لا ينسخه ما هو دونه" (¬2). وفي لفظ: "الشيء ينفسخ بما هو مثله" (¬3). وفي لفظ: "الشيء ينقضه ما هو مثله أو أقوى منه". وفي لفظ: "الشيء يرفعه ما هو مثله" (¬4). وفي لفظ: "ولا ينقضه ما هو دونه" (¬5). "أصولية فقهية". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالنقض: الهدم وبالنسخ: الرفع والإبطال. فمفاد القواعد: أن الشيء أو الحكم لا يهدمه ولا يرفعه ولا يبطله ما هو دونه أو أقل منه؛ لأن ما دونه ضعيف، والضعيف لا يعارض القوي. وهذا متفق عليه، وإنما يهدمه ويرفعه ما هو فوقه أو أقوى منه. وهذا متفق عليه أيضاً. ¬

_ (¬1) المبسوط 16/ 179. (¬2) المبسوط 3/ 137. (¬3) قواعد الفقه ص 87 عن شرح السير ص 2024. (¬4) المبسوط 25/ 29. (¬5) المبسوط 21/ 164، 22/ 152.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ولكن هل يهدمه ويبطله ما هو مثله؟ منطوق القاعدة الأولى: أنه لا يهدمه ما هو مثله. ولكن المعروف عند الأصوليين أن الناسخ يشترط أن يكون في قوة المنسوح أو أقوى منه. ولا ينسخه ما هو دونه، ولكن المراد من القاعدة أنه إذا كان الناقض مثله سواء والمراد نقضه تأيد بمرجح كالسبق واتصال القضاء فإنه لا ينقضه، وبهذا تكون المثلية اعتبارية لا حقيقية لأن كون الأول أسبق وتأيد بالقضاء يعطيه قوة على نقيضه فلا يكون مثله حقيقة. وبهذا تكون القواعد متفقة فى مدلولها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد شاهدان فى قضية ثم بعد تمام القضاء رجعاً عن شهادتهما فلا يبطل القضاء الأول برجوعهما، ولكن يضمنا المال الذى أتلف على المشهود عليه بشهادتهما بغير حق. ومنها: إذا شهد رجلان عند القاضي على رجل بالسرقة فاعتبر شهادتهما وقطع يد السارق ثم جاء الشاهدان بعد ذلك برجل آخر وقالا: أوهمنا أولاً، إنما السارق هذا، فهل يبطل القاضي حكمه الأول بناء على شهادتهما هذه، أو لا يقبل رجوعهما؟ خلاف، والراجح عند الحنفية أن القاضي لا يبطل قضاءه بقولهما الآخر، ولكن يضمنهما المال الذى شهدا به؛ لأن القول الأول تأيد بالقضاء فلا ينقضه القول الثاني الذى هو مثله - من حيث كونه شهادة - ولكن الحقيقة أن الثاني أضعف من الأول؛ لأن الأول تأيد بالسبق وبالقضاء فقوي بهما. ومنها: إذا أذن لولده فى التجارة، ولم يعلم بذلك أحد سوى الولد ثم

حجر عليه بعلم منه، بغير محضر من أهل سوقه، فهو محجور عليه، لوصول الحجر إلى من وصل إليه الإذن، لأن الحجر مثل الإذن حيث لم يعلم بالإذن أهل السوق، ولذلك جاز الحجر بغير علمهم. وهذا مثال لما نقضه ونسخه وأبطله ما هو مثله. ومنها: إذا قالت امرأة للقاضي: إني سمعت زوجي يقول: المسيح ابن الله. وقال الزوج: إنما قلت ذلك حكاية عمَّن يقول هذا. فإن أقر أنه لم يتكلم إلا بهذه الكلمة بانت منه امرأته - لاعتبار ذلك ردة منه -؛ ولأن ما في الضمير لا يصلح أن يكون ناسخاً لحكم ما تكلم به؛ فإن ما في ضميره دون ما تكلم به. والشيء لا ينسخه إلا ما هو مثله أو فوقه. ومنها: إذا شهد مسلمان على أسير فى دار الحرب أنه ارتد وقضى القاضى بوقوع الفرقة بينه وبين امرأته وقسم ماله بين ورثته، ثم جاء الرجل مسلماً فأنكر ما شهد به عليه الشاهدان من الردة لم يبطل القاضي قضاءه بإنكاره ولكنه يجعل إنكاره هذا اسلاماً مستقبلاً منه، فلا يرد عليه امرأته ولا ماله إلا ما كان قائماً بعينه، ولكن يجوز أن يعقد على امرأته المبانة عقداً جديداً.

القاعدة الثالثة والثمانون [الشيء المتضمن]

القاعدة الثالثة والثمانون [الشيء المتضمَّن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشيء لا يتضمن ما فوقه (¬1). وفي لفظ: "الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما في القوة" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. التضمن: معناه الالتزام، والاحتواء والاشتمال والدلالة يقال: تضمن الكتاب كذا - أى حواه ودلَّ عليه - وقال هذا فى ضمن كلامه: أى مطاويه ودلالته (¬3). فمفاد القاعدة: أن الشيء - أي القول أو التصرف لا يدل على ما فوقه وهذا مدلول القاعدة الأولى، كما أنه لا يحتوي ولا يشتمل على مثله، وهو مضمون القاعدة الثانية، وإذا كان لا يتضمن مثله فبالأولى أن لا يضمن ما فوقه، ولكن إذا لم يتضمن ما فوقه، لا ينفي أن يضمن مثله وما دونه. فكأن بين القاعدتين نوع تعارض، ولكن عند التحقيق لا نرى تعارضاً بينهما، فالأولى لا تنفي عدم تضمن الشيء مثله نصاً، وإنما نصت على عدم تضمنه ما فوقه وسكتت عن مثله ومساويه، والثانية نصت على المماثل المساوي. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 49 عن التعليق. (¬2) القواعد والضوابط ص 150 عن الهداية 8/ 453. (¬3) الهداية مع شرحها نتائج الأفكار 8/ 453.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما.

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. إذا برئ الأصيل برئ الكفيل لأنه دونه، ولكن إذا أبرأ الدائن الكفيل لم يبرأ الأصيل؛ لأنه فوقه في القوة. ومنها: إذا رأى إنساناً يبيع متاعه وهو ساكت لا يعتبر رضاً، ولا يتضمن القبول؛ لأن السكوت أضعف من القول الصريح، ولذلك قال الشافعي رحمه الله: "لا ينسب إلى ساكت قول". ومنها: المضارب لا يضارب غيره بمال المضاربة، والوكيل لا يوكل غيره فيما وكل فيه إلا أن يأذن لهما رب المال أو الموكل، أو يقول: اعمل برأيك، لأن الشيء لا يتضمن مثله.

القاعدة الرابعة والثمانون [الشيء المتردد بين أصلين]

القاعدة الرابعة والثمانون [الشيء المتردد بين أصلين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشيء يتردد بين أصلين فيختلف الحكم فيه (¬1). وفي لفظ: "قد يتردد الشيء بين أصلين فيختلف الحكم فيه بحسب ذينك الأصلين (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق أمثال لهذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت رقم (124)، وفي قواعد حرف الثاء تحت رقم (117). ¬

_ (¬1) قواعد بن خطيب الدهشة ص 306، 313، 423، 610. (¬2) المجموع المذهب لوحة 239 ب.

القاعدة الخامسة والثمانون [الشيء المعتبر]

القاعدة الخامسة والثمانون [الشيء المعتبر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء يعتبر ما لم يعد على موضوعه بالنقض والإبطال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالشيء: الأمر ويشمل التصرف الفعلي والقولي. فمفاد القاعدة: أن كل تصرف يعتبر ويعتد به ما لم يترتب عليه إبطال الفائدة منه ووقوع الضرر بسببه. قد سبقت مثلها في قواعد حرف الهمزة تحت رقم (341). ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي، ص 115.

القاعدة السادسة والثمانون [الشيء وعمومه]

القاعدة السادسة والثمانون [الشيء وعمومه] أولاً: لفظ ورود القاعدة. الشيء يَعُمُّ كل موجود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. لفظ "الشيء" لفظ عام يدل على كل موجود؛ لأن كل موجود في الوجود يسمى شيئاً، ودليل ذلك قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬2). وقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال طالبو الأمان: أمنونا على ما لَنا من شيء، دخل فى الأمان كل شيء لهم من الأولاد والأمتعة والعقارات والعبيد الخ؛ لأن اسم الشيء يعم كل موجود. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 87 عن شرح السير ص 325. (¬2) الآية 88 من سورة القصص. (¬3) الآية 62 من سورة الزمر.

القاعدة السابعة والثمانون [الشيء الواحد]

القاعدة السابعة والثمانون [الشيء الواحد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء الواحد لا يكون مقصوداً وتبعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالمقصود: الأصل الواحد المتبوع. فمفاد القاعدة: أن ما كان أصلاً متبوعاً لا يكون تبعاً فى شيء واحد وحالة واحدة، لأن كونه أصلاً ينفي أن يكون تبعاً. وكونه تبعاً ينفي أن يكون أصلاً. لكن لا يجوز أن يكون الشيء الواحد أصلاً فى حالة وتبعاً فى حالة أخرى كالأب والابن يجتمعان في شخص واحد حيث يكون الشخص أباً لأولاده فهو أصل لهم، وابن لأبيه فهو فرع له وتبعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. طواف الصَدَر - أي الوداع - في العمرة غير لازم عند كثيرين حيث قالوا: ليس فى العمرة طواف صَدَر ولا طواف قدوم؛ لأن معظم ركن العمرة الطواف، وهو مقصود - حيث إن للعمرة ركنين الطواف والسعي - والشيء الواحد لا يكون مقصوداً وتبعاً في آن (¬2). وطواف الصدر تبع لتوديع البيت. ومنها: من أراد أن يشتري بقرة أو سيارة فهي مقصودة بالشراء، ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 35. (¬2) ينظر: الفتاوى الخانية 1/ 301.

ولا يمكن أن تكون مع ذلك تبعاً لنفسها. ومنها: من تزوج امرأة، فهي مقصودة بالنكاح، ولا يمكن أن تكون تبعاً في نفس الوقت لنفسها.

القاعدة الثامنة والثمانون [الشيء يتبع غيره]

القاعدة الثامنة والثمانون [الشيء يتبع غيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الشيء يجوز أن يصير تابعاً لغيره وإن كان له حكم نفسه بانفراده (¬1). وينظر قواعد حرف الهمزة، القاعدة (34). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لا تخالف القاعدة السابقة؛ لأن موضوعها يختلف، وهي أصل عند أبي يوسف رحمه الله. فمفادها: أن الشيء يكون له حكم نفسه إذا انفرد، ولكنه لا يجوز أن يصير تابعاً لغيره فى حالة أخرى، كما مثلنا في الأب والابن، ولا يخالف فى مدلولها أحد كما أرى وإن اختلفوا في بعض الفروع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ذبح شاة فقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين - أي الشريانين في الرقبة - جاز أكلها؛ لأن أحد الودجين صار تابعاً للآخر لأنهما جنس واحد. وعند محمَّد يجب قطع من كُلَّ عرق أكثره. ومنها: إذا ملك شخص ثمانين شاة ثم بعد الحول هلك منها أربعون فالواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى شاة؛ لأن الزكاة فى النصاب دون العفو عندهما. وعند محمَّد وزفر الواجب نصف شاة؛ لأن الواجب قبل الهلاك كان شاة واحدة فلما هلك النصف تنصفت. ¬

_ (¬1) ينظر: تأسيس النظر ص 68.

القاعدة التاسعة والثمانون [الشيوع الطاريء]

القاعدة التاسعة والثمانون [الشيوع الطاريء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الشيوع الطاريء كالشيوع المقارن (¬1). وفى لفظ: "الشيوع الطاريء ليس نظير المقارن" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. هاتان القاعدتان في بدء النظر متعارضتان، فإحداهما تجعل الشيوع الطاريء كالشيوع المقارن والأخرى تنفي ذلك. ولكن عند النظر للأمثلة التي ذكرها السرخسي رحمه الله تبين أن التعارض مبني على المسائل التي يحصل فيها الشيوع، فمنها ما يعتبر الشيوع الطاريء فيها كالمقارن المصاحب الذي يبطل التصرف والمعاملة، ومنها ما لا يعتبر فيها الشيوع الطاريء كالمقارن فلا يبطل المعاملة، فلكل قاعدة منهما مجال عملها. والمراد بالشيوع: من شاع الأمر إذا انتشر، فكأن حق كل واحد من الشريكين منتشر في كل أجزاء الشيء المشترك، بحيث لا يمكن الفصل بينهما إلا بالتهايؤ أو القسمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. مثال القاعدة الأولى: إذا ارتهن اثنان شيئاً، ثم أراد أحدهما رد الرهن، لم يكن له ذلك حتى يجتمعا على الرد؛ لأن حق الحبس لكل واحد منهما ثابت ¬

_ (¬1) المبسوط 21/ 166. (¬2) المبسوط 15/ 146.

في جميع المرهون، ولا ولاية لأحدهما على الآخر في إسقاط حقه؛ ولأنه لو تمكن من رد نصيبه بطل به الرهن في نصيب الآخر - والرهن بينهما على الشيوع - والشيوع الطاريء كالشيوع المقارن فى ظاهر الرواية. ومثال القاعدة الثانية: إذا أجَّر داراً من رجلين، ثم إن الرجلين تهايئا بأن يسكن أحدهما شهراً - مثلاً - والآخر شهراً آخر، وهكذا. فإن مات أحد المستأجرين يبقى العقد فى حق الآخر - في ظاهر الرواية عند أبي حنيفة رحمه الله -؛ لأن الشيوع هنا طاريء وهو ليس في نظير المقارن. والمراد بالشيوع فى هذا المثال أن كل واحد من المستأجرين استأجر نصف الدار على الشيوع فجاز العقد لإمكان الانتفاع بينهما بالتهايؤ. ومنها: إذا وهب له جميع الدار، وسلمها للموهوب له، تم رجع في نصفها، جازت الهبة فى النصف الباقي، وإن كان شائعاً؛ لأنه طاريء، والشيوع الطاريء ليس كالمقارن. أما لو وهب له نصفها ابتداءً على الشيوع، فلا تجوز الهبة عند الحنفية.

حرف الصاد

القسم السادس قواعد حرف الصاد، وحرف الضاد، وحرف الطاء، وحرف الظاء أولاً: حرف الصاد عدد قواعد حرف الصاد (26) ست وعشرون قاعدة.

القاعدة الأولى [مسألة الظفر]

القاعدة الأولى [مسألة الظفر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تمثل المسألة المسماة عند الفقهاء بمسألة الظفر. ومفادها: أن من له حق مالي على غيره، ومَطَلَه المدين أو جحده حقه، ثم وجد صاحب الحق مالاً من جنس حقه يخص المدين أو الجاحد فللدائن أن يأخذ منه مقدار حقه، ولو خُفْيَةً وبغير إذن المدين، ولا إثم عليه فى ذلك، ولو اتّهم بسرقته فله أن يحلف على أنه ما سرق؛ لأنه مظلوم، واليمين نَّية الحالف إن كان مظلوماً. ودليل هذه القاعدة وأصلها: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث االمتفق عليه لهند زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". وهذا إذا منع النفقة أو بخل بها أو ببعضها مع اليسارة - وقَدِرت له الزوجة على مال - أخذت منه ما يكفيها واولادها بالمعروف. وهكذا كل من له حق على غيره ومنعه، فله الأخذ إذا ظفر بجنس حقه، ولكن إذا ظفر بغير جنس حقه فهل له أن يأخذ منه بمقدار حقه؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا كان لشخص على آخر دين مقداره ألف - مثلاً - ومطله المدين أو ¬

_ (¬1) المبسوط 5/ 188.

جحده، - ولا بيَّنة للدائن على حقه ليرفعه للقضاء - فإن الدائن إذا وجد للمدين مالاً من جنس حقه ريالات إذا كان الدين ريالات - أو ذهباً إن كان الدين ذهباً، فللدائن في هذه الحالة أن يأخذ من هذا المال ألفاً لأنها حقه، ولا إثم عليه فى ذلك؛ لأنه يسترد ماله.

القاعدتان الثانية والثالثة [أحكام الصبي المحجور]

القاعدتان الثانية والثالثة [أحكام الصبي المحجور] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الصبي المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله، فيضمن ما أتلفه من المال، فإذا قَتَل فالدية على العاقلة (¬1). وقاعدة لها صلة بأحكام الصبي: وهي الثالثة. الصبي لا يقع طلاقه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. المراد بالصبي عند الفقهاء: من كان دون البلوغ - ذكراً كان أو أنثى مميزاً أو دون سن التمييز -. والمحجور عليه: الممنوع من التصرف فى أمواله وحقوقه لعدم كمال العقل عنده. فمفاد القاعدة الأولى: أن من كان غير بالغ من بني آدم فهو ممنوع من التصرفات القولية فى أمواله وحقوقه، ولكن الصبي إذا حجر عليه - والأصل فيه الحجر إلا أن يؤذن له - فإنه والمجنون كلاهما يؤاخذان بأفعالهما المترتب عليها ضرر مالي، حيث يجب عليهما ضمان ما أتلفاه فى أموالهما، ويخاطب الولى بذلك أو هما بعد البلوغ والإفاقة. ولكن لا يؤاخذ عليهما فى أبدانهما ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 269، أشباه ابن نجيم ص 278، 306، الفوائد الزينية ص 61 ف53، ص 105 ف 107. (¬2) الفوائد الزينية ص 107 ف 109، وينظر أشباه ابن نجيم ص 306 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما.

كما سنرى من خلال الأمثلة، هذا فى حق الصبي المحجور عليه، فالصبي المأذون من باب أولى أن يكون مؤاخذاً. والقاعدة الثانية تخص تصرفاً قولياً للصغير وهو ما يتعلق بطلاقه فتفيد أن طلاقه لا يقع - كما أن تصرفاته القولية كلها لاغية وباطلة، ولكن لا يوجد استثناء كما سنرى. والمراد بالأفعال التى يؤاخذ بها الصبي ما يتعلق بحقوق العباد المالية، وأما حقوق الله تعالى فهو لا يؤاخذ بها ولا تجب عليه، ولكن يؤمر بفعل الطاعات للتعود عليها كالصلاة والصيام. والمؤاخذة عليه بأفعاله ليست من باب التكليف - لأنه غير مكلف -؛ لأن مدار التكليف على البلوغ عاقلاً، وإنما هذا من باب ربط الأحكام بأسبابها، فهو من باب الأحكام الشرعية الوضعية لا التكليفية. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. إذا قتل الصبي شخصاً عمداً، فلا يجب عليه القصاص باتفاق، وإنما تجب الدية على عاقلته باعتبار أن عمد الصبي خطأ، لأنه لا يصح منه قصد. ولكن هل تجب عليه الكفارة؟ خلاف. ومنها: إذا أتلف صبي مالاً أو متاعاً لغيره فيجب عليه ضمانه فى ماله إن كان له مال، ويخاطب الولي أو هو بعد البلوغ. ومنها: إذا تزوج الصبي - أى زوَّجه وليه - ثم طلَّق هذا الصبي زوجته فلا يقع طلاقه، كما لا يقع عتقه (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر في أحكام الصبيان أشباه ابن نجيم ص 306 فما بعدها.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القواعد.

رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القواعد. إذا زنا الصبي فلا يقام عليه حد الزنا، لأن هذا من حقوق الله تعالى والصبي غير مكلف. ومنها: إذا سرق لا تقطع يده، لكن يؤخذ المسروق ويرد لصاحبه وإن أتلفه الصبي يضمنه. ومنها: لا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلوات أو أفطره من أيام رمضان وإن كان يؤمر بالصلاة والصيام تعويداً على العبادة. ومنها: إذا حج وهو صغير لا تغني عن حجة الإسلام، فعليه الحج بعد البلوغ. ومنها: إذا أتلف ما اقترضه أو ما أودع عنده بلا إذن وليه فلا ضمان عليه؛ لأن المقرض والمودع هو الذى سلطه. ومنها: إذا كان الصبي مجبوباً - أى مقطوع الذكر والانثيين - يفرَّق بينه وبين زوجته ويكون طلاقاً على الصحيح. ومنها: إذا أسلمت امرأته وعرض عليه الإِسلام - وكان مميزاً فأبى - فإنه يقع الطلاق، وهو الصحيح (¬1). ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية ص 107 الفائدة 109، وص 61 الفائدة 53.

القاعدة الرابعة [صحة الأداء]

القاعدة الرابعة [صحة الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صحة الأداء باعتبار إمكان الأداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالأداء: الإتيان بالعبادة في وقتها الذى حدده الشرع لها، ولكن يظهر أن المراد بالأداء في هذه القاعدة أعم من ذلك إذ هو مطلق فعل العبادة على وجه صحيح سواء كان في داخل الوقت أو خارجه لعذر. والمراد بإمكان الأداء: القدرة على فعل العبادة والاستطاعة لها مكاناً أو زماناً أو حالة. فمفاد القاعدة: أنه إنما تعتبر العبادة صحيحة مجزئة إذا وجدت القدرة والاستطاعة على فعلها، فمن لم يتمكن من فعل العبادة في وقتها المحدد أو مكانها على الوجه المطلوب لا يعتبر أداؤه صحيحاً ولا عبادته مجزئة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من نذر أن يحج ويقف على جبل طارق - مثلاً - فلا يعتبر نذره ولا حجه صحيحاً؛ لأن جبل طارق ليس مكاناً لوقوف الحاج. ومنها: من نذر أن يعتكف في رمضان الماضي وهو في شوال فلا يصح نذره لعدم تمكنه من الأداء في الماضي، لأن الماضي لا يعود؛ ولأن الله عز وجل ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 125.

لم يتعبدنا بشيء من العبادات في الزمن الماضي. ومنها: من نوى من الليل أن يصوم عن اللحم أو الخبز أو الماء، فلا يعتبر صومه صحيحاً شرعاً؛ لأن الصوم الشرعي هو الإمساك عن المفطرات كلها لا بعضها. ومنها: من نذر أن يصلي عارياً - وهو قادر على اللباس - فنذره باطل؛ لأنه نذر معصية، فلو صلى كما نذر فصلاته باطلة لفقد شرط من شروط صحتها وهو ستر العورة. ومنها: من نوى أن يعتكف ليلة دون يومها, لم يلزمه شيء - عند من يشترطون وجوب الصوم لصحة الاعتكاف - لأن الليل ليس محلاً للصوم.

القاعدة الخامسة [صحة التصرف]

القاعدة الخامسة [صحة التصرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صحة االتصرف باعتبار أهلية التصرف، وكون المحل قابلاً للتصرف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. التصرف: هو القدرة على الاحتيال والتقلب في الأمور, وأصل المادة تدل على رجع الشيء وتردده، ومنه قولهم لحدث الدهر: صرف، والجمع صروف، وسمي بذلك لأنه يتصرف بالناس، أى يُقَلَّبهم ويردَّدهم (¬2). فمفاد القاعدة: أن تصرف الإنسان ليكون صحيحاً معتبراً لا بد له من شرطين: الأول: وجود أهلية التصرف أي القدرة عليه، والمراد بالأهلية هنا: استيفاء المتصرف شروط التصرف، من البلوغ والعقل والحرية - أو الإذن - والملكية لما يتصرف به أو الوكالة، وغير ذلك من الشروط. والشرط الثاني: أن يكون محل التصرف قابلاً له، بأن يكون مالاً متمولاً مملوكاً للمتصرف أو وكيلاً فيه. إلى آخر ما هنالك من شروط المتصرف فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الحكم بصحة شراء الكافر العبد المسلم؛ لأن الكافر عنده أهلية التصرف كالمسلم، والعبد محل قابل للتصرف باعتبار أنه مال متقوم في حق المسلم والكافر جميعاً، وإن كان لا يجوز إبقاء العبد المسلم في يد الكافر، فهو ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 131. (¬2) معجم مقاييس اللغة مادة "صرف".

وإن حكم بصحة شرائه للعبد المسلم فيؤمر بإخراجه عن ملكه حالاً. وعند الشافعية في بيع العبد المسلم من الكافر خلاف، والأصح عدم الصحة، ولكن يمكن أن يدخل العبد المسلم في ملك الكافر في خمسين صورة تقريباً (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 449، 450.

القاعدة السادسة [صحة التعويض]

القاعدة السادسة [صحة التعويض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صحة التعويض تختص بمال مُتَقَوَّم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. التعويض تفعيل من العِوَض، وعِوِض الشيء بدله. فمفاد القاعدة: أنه لكي يكون طلب البدل أو العِوَض للتالف أو المستهلك طلباً صحيحاً مشروعاً يجب أن يكون المعوض عنه مالاً متقوماً - أي ذا قيمة مالية - لا مالاً تافِهاً غير متقوم أو لا قيمة له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من أتلف لمسلم خمراً أو قتل خنزيراً فلا يصح المطالبة بتعويض عن الخمر أو عن الخنزير، لأنهما بالنسبة للمسلم ليسا مالاً متقوماً؛ لأن المسلم ممنوع من تملك الخمر أو الخنزير، ولكن لو أتلفهما لذمي نصراني وجب تعويضه عنهما لأنَّهما بالنسبة له مال متقوم. ومنها: من أتلف آلات لهو أو مزامير فإنه لا يطالب بتعويض عنها؛ لأن آلات اللهو لا قيمة لها؛ لأنها ليست مالاً للمسلم، ولكن إذا كان المتلف ليس من رجال الحسبة أو بغير إذن الإمام المسلم الذي يحكم بشرع الله فإنه يعزر لافتياته على ولي الأمر. ¬

_ (¬1) المبسوط 12/ 106.

ومنها: من أتلف أو استهلك أو غصب دابة أو طعاماً فتلف فعليه عوضه لأنه مال متقوم. ومنها: لا يجوز المبايعة بالميتة والدم لأنهما ليسا بمال متقوم.

القاعدة السابعة [صحة الحلف]

القاعدة السابعة [صحة الحلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صحة الحلف غير مفارقة عن صحة الإقرار وعدمها عن عدمها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. أن من صح إقراره صح استحلافه ومن لم يصح إقراره لم يصح استحلافه لأن من صح استحلافه حكم عليه بالنكول إذا امتنع عن أداء اليمين وألزم بالدعوى، وأما من لا يصح استحلافه، فلأنه لا يحكم عليه بالنكول، ويكون ذلك غالباً في الحقوق التي تتعلق بغير المدعى عليه، كالنكاح والخلع والصلح عن إنكار ودم العمد التي تتعلق بالموكل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الوكيل بالبيع والخصومة بالرد بالعيب من جهة المالك، يصح إقراره على المالك الموكّل، ولذلك جاز استحلافه عند الإنكار. فإن نكل عن اليمين ألزم بالدعوى. وأما الوصي على اليتيم أو ناظر الوقف فإذا خوصم في عيب عين باعها للصغير أو للوقف لا يصح استحلافه؛ لأنه لو أقر صريحاً لا يصح منه، فكذا لا يستحلف. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي، لوحة 62 أ.

القاعدة الثامنة [الصحة مقصودة]

القاعدة الثامنة [الصحة مقصودة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الصحة مقصود كل متكلم، فمهما أمكن حمل كلامه على وجه صحيح يجب حمله عليه (¬1). وفي لفظ: "مطلق كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن" (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصحة معناها: السلامة من الداء، وهي ضد السقم. وصحة الكلام: حمله على مقصود شرعي. فمفاد القاعدة: أن كل متكلم إنما يقصد من كلامه معنى صحيحاً شرعاً أو عرفاً، فإذا كان كلام المتكلم يحتمل وجوهاً فمهما أمكن حمله على وجه يصح شرعاً وجب حمله عليه، ولا يجوز حمله على غير وجه شرعي ما لم تدل على ذلك قرائن قوية، وهذا من باب حسن الظن بالمسلمين - وهو مطلوب شرعاً -؛ لأن المسلم مأمور بحسن الظن بأخيه المسلم وبكل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال حتى يقوم الدليل على غير ذلك. ومن أدلة هذه القاعدة: قوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ¬

_ (¬1) المبسوط 19/ 178. (¬2) المبسوط 17/ 197.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (¬1). وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (¬2). وفي الأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً" (¬3). وفي لفظ: "لا تظنن بكلمة خرجت من امريء مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً" (¬4). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. كفل رجل رجلاً وقال: إن لم أُوافِك به غداً فعليَّ ألف درهم، صحت الكفالة لحملها على ألف درهم لك عليه، لا على ألف مطلقة، لأن سياق الكلام يفيد ذلك المعنى الصحيح. ¬

_ (¬1) الآية 18 من سورة الزمر. (¬2) الآية 12 من سورة الحجرات. (¬3) الأثر عن سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخرجه أحمد في الزهد. ينظر: تفسير الدر المنثور 6/ 99. (¬4) المرجع السابق.

القاعدة التاسعة [الصحة مقصودة]

القاعدة التاسعة [الصحة مقصودة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصحة مقصود المتعاقدين، ومتى أمكن تحصيل مقصودهما بطريق جائز شرعاً يحمل مُطلق كلامهما عليه، ويجعل كأنهما صرَّحا بذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها، وإن كانت هذه أخص موضوعاً من تلك؛ لأن الأولى عامة في كل متكلم وفى كل كلام، وهذه خاصة في مقصود المتعاقدين. فمفادها: إن المتعاقدين إنما يقصدان من تعاقدهما قصداً صحيحاً وهو تبادل المنافع على وجه شرعي، فإذا أمكن تحصيل ما يقصدانِه بطريق جائز شرعاً وجب حمل مطلق كلامهما عليه ولا يجوز حمله على غير ذلك، ويجعل كأنهما صرَّحا بالمقصود الشرعي، وهذا من باب حسن الظن بالمسلمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع نصف عبد مشترك أو دار أو أرض بينه وبين غيره، يجوز البيع وينصرف تسمية النصف إلى نصيبه خاصة، ولا يجوز حمله على بيع نصيب شريكه. ¬

_ (¬1) المبسوط 12/ 187.

القاعدة العاشرة [الصداق المعين]

القاعدة العاشرة [الصداق المعين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض، مضمون ضمان عقد أو ضمان يد؟ قولان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصَّداق: هو مهر المرأة، ويسمى أيضاً: الصَّدُقة والصُّدْقة، وأصدق المرأة سمّى لها صِدَاقاً (¬2). فمفاد القاعدة: أن الزوج إذا عيَّن وسمى للزوجة صداقاً معيناً - كدار أو أرض أو عبد - وقبل أن يعطيها إياه هلك في يده، فهو مضمون عليه، ولكن ما نوع ضمانه، هل هو ضمان عقد أم ضمان يد؟ قولان عند الشافعية. لكن ما المراد بضمان العقد وضمان اليد، وما الفرق بينهما؟ ضمان العقد: أي هو المضمون على الزوج بسبب العقد فأحكامه تبع أحكام العقود، ولذلك لا يصح للزوجة بيعه قبل قبضه كالمبيع قبل القبض، ولا حق للزوج في التصرف فيه كالمبيع قبل قبض المشتري، وعند التلف يجب الرجوع إلى مهر المثل. وأما ضمان اليد: فيكون مضموناً على الزوج باعتبار أن يده عليه، ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 173، قواعد الحصني 3/ 286 فما بعدها. (¬2) مختار الصحاح، مادة (ص د ق).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

فله التصرف فيه قبل أن تقبضه الزوجة، فإن باعه قبل أن تقبضه الزوجة فعليه مثله إن كان مثلياً أو قيمته إن كان قيمياً، وقيمته يوم تلفه كالمستام والمستعير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أصدقها - طُنَّ تمر - معين، ثم تلف بعضه، انفسخ العقد في التالف - لا في الباقي - ولها الخيار، فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل - على قول ضمان العقد -، وإلا عليه مثله أو قيمته على قول ضمان اليد، وأما إن قبلت أن تأخذ الباقي فترجع إلى حصة التالف عن مهر المثل أو قيمته. ومنها: إذا أصدقها منافع دار ثابتة في يده، فهل يضمنها؟ إذا قلنا بضمان العقد لا يضمنها على الأصح، وأَما بناء على ضمان اليد فيضمنها. ومنها: لو زاد الصداق المعيّن في يده زيادة منفصلة - كبقرة ولدت - فالزيادة للمرأة قطعاً بناء على ضمان اليد، وأما على ضمان العقد فوجهان، كالمبيع لو زاد في يد البائع زيادة منفصلة.

القاعدة الحادية عشرة [الصدقة]

القاعدة الحادية عشرة [الصدقة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الصدقة لا تتم إلا بالقبض. خلافاً لمالك رحمه الله (¬1). وفى لفظ: "الصَّلات لا تملك قبل القبض" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق مثل هذه القاعدة وبيان معناها ومدلولها ضمن قواعد حرف التاء تحت رقم (26) ص 179 جـ 3. وقواعد حرف الشين تحت رقم (8). ¬

_ (¬1) المبسوط 12/ 35. (¬2) التحرير 4/ 1193 عن القواعد والضوابط ص 489.

القاعدة الثانية عشرة [الدلالة والصريح]

القاعدة الثانية عشرة [الدلالة والصريح] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الصريح أقوى من الدلالة (¬1). وفي لفظ: "لا قوام للدلالة مع النص" (¬2). وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: "لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح" (¬3). وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصريح: الواضح، كما ظهر المراد منه، وهو الأصل في المعاملات. والمراد به هنا: اللفظ المنطوق الدال على المراد، والكتابة من الصريح. والدلالة: غير النطق والكتابة، من إشارة أو عرف أو حال أو غير ذلك من الدلالات. ومفاد القاعدة: أن اللفظ الصريح أقوى في الاعتبار من الدلالة؛ لأن الصريح هو الأصل، والدلالة إنما تعتبر عند فقد الصريح وبدلاً منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا دخل إنسان بيت آخر بإذنه فله الجلوس في أي مكان من غرفة ¬

_ (¬1) شرح السير ص 125، 2184؛ ترتيب اللآلي، لوحة 61 أ. (¬2) نفس المصدر ص 2184. (¬3) جامع الفصولين الفصل الرابع والثلاثون، شرح القواعد ص 64، المجلة وشروحها المادة 13، وينظر: الوجيز ص 201، ط 4. والمدخل الفقهي، الفقرة 580.

الجلوس دلالة، ولكن إذا قال له صاحب المنزل: اجلس هنا. فليس له أن يجلس في غير المكان المشار إليه؛ لأن الصريح هنا أقوى في الاعتبار من الدلالة؛ ولا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح. ومنها: إذا حبَّس إنسان فرساً للجهاد في سبيل الله تعالى, فيجوز للوكيل أن يؤاجرها لينفق عليها - إذا احتاجت إلى النفقة - وهذا جائز بدلالة الحال للضرورة، وأما إن كان الذى حبَّسها شرط له حين وكَّله بها ودفعها إليه أن يؤاجرها بنفقتها فذلك جائز؛ لأنه وُجد منه صريح الأمر بالإجارة، والصريح أقوى من الدلالة. ومنها: إذا جعل الرجل خاناً وقفاً لمارة الطريق فاحتاج إلى المرمَّة فلا بأس للمقيم أن يؤاجر غرف الخان بمقدار ما يحتاج للمرمة للضرورة. ومنها: أن قائد الجند له أن يقسم الغنائم على جنده بعد المعركة وبعد إخراج الخمس ولا ينظر في ذلك إذن الإمام، ولكن إن نهاه الإمام عن القسمة فليس له أن يقسم؛ لأن الإذن ثبت له دلالة، وقد جاء النهي عنها إفصاحاً.

القاعدتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة [الصريح والكناية]

القاعدتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة [الصريح والكناية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصريح لا يحتاج إلى نيَّة، والكناية لا تلزم إلا بالنية (¬1). وفي لفظ: "الصريح لا يحتاج إلى النيَّة قضاءً لا ديانة، بخلاف الكناية" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. سبق معنى التصريح: وهو الواضح الظاهر المراد منه، والمراد به هنا: ما كان لفظه دالاً على معناه. والكناية: ما خفي استعماله، أو هو استعمال اللفظ في غير معناه الذي وضع له لغة. فمفاد القاعدة: أن ما كان من اللفظ صريحاً في بابه - بدلالة لفظه على معناه الموضوع له لغة - فحكمه ثبوت مدلوله مطلقاً ولا يحتاج إلى نيَّة، وما كان كناية عن غيره فهو يحتاج في استعماله وبناء الحكم عليه وثبوته إلى النيَّة (¬3)؛ لأن في الكناية اشتباه مراد المتكلم واحتماله فيشترط فيها النية إزالة للاشتباه والاحتمال بخلاف الصريح. ولكن القاعدة الثانية تفيد أن الصريح لا يحتاج إلى نية في القضاء - أي أمام القاضي -؛ لأن القاضي إنما يحكم بحسب ظواهر الألفاظ ولا ينظر إلى ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 293، أشباه ابن السبكي 1/ 78 فما بعدها. (¬2) شرح الخاتمة ص 50. (¬3) الكليات ص 562.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما.

النيات - أي أن القاضي لا ينظر إلى نية اللافظ ولا يعتد بها، وأما في الديانة - أى بين العبد وربه فإن النية معتبرة في ترتيب الثواب أو عدم العقاب أو الحل أو الحرمة -. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. إذا قال شخص لزوجته: أنت طالق. فتقع طلقة في الحال، وإذا قال: إنما أردت أنها طالق من وثاق، فلا تعتبر نيته أمام القضاء. ولكن إذا قال لها: اذهبي لأهلك. فلا يكون ذلك طلاقاً إلا إذا قصده ونواه بهذا اللفظ؛ لأن قوله: اذهبي لأهلك. لم يوضع في اللغة ليدل على الطلاق. ومنها: إذا طلق غافلاً أو ساهياً أو مخطئاً، وقع طلاقه أمام القضاء.

القاعدة الخامسة عشرة [الصغائر]

القاعدة الخامسة عشرة [الصغائر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصغائر لا تمنع قبول الشهادة، ولو مع الإصرار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصغائر: جمع صغيرة، وهى صفة لموصوف مقدر، تقديره: الجرائم أو الذنوب الصغائر. فمفاد القاعدة: أن صغائر الذنوب لا تمنع من قبول شهادة الشاهد المتصف بها، لا يشترط لقبول شهادته توبته منها، بل تقبل توبته ولو مع الإصرار والاستمرار عليها، وليس من الصغائر حلق اللحية ولا شرب الدخان، بل هى من الكبائر لثبوت تحريمها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. رجل أراد أن يبيع شيئاً وفيه عيب - وهو يعلم بذلك - ينبغي له أن يبين العيب ولا يدلس - أى يستر ولا يبين -، فإن باع ولم يبين لا يصير فاسقاً مردود الشهادة؛ لأن السكوت عن بيان العيب صغيرة من الصغائر لا تمنع قبول الشهادة. ومنها: من قصَّر من لحيته فشهادته مقبولة، ولكن من حلقها فلا؛ لأن تقصيرها صغيرة وحلقها كبيرة. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 50 عن الفتاوى الخانية 2/ 220 فصل أول الرد بالعيب.

القاعدة السادسة عشرة [الصغير]

القاعدة السادسة عشرة [الصغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصغير الذي يعبِّر عن نفسه مقبول القول فيما ينفعه لا فيما يضره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالصغير المعبَّر عن نفسه: هو الطفل المميز الذى بلغ سبع سنين فما فوقها، وكان دون البلوغ. فمفاد القاعدة: أن هذا الصغير يقبل قوله فيما يعود عليه بالنفع، ولكن فيما يضره فلا يقبل قوله فيه؛ لأن الصغير في الأصل محجور عن التصرف مطلقاً، ولكن القاعدة أفادت استثناء بشرطين: أن يكون الصغير قد بلغ سن التمييز، وأن يكون التصرف القولي فيما ينفعه لا فيما يضره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال صغير مميز: إن هذا الشيء أهداه أو تبرع به لي فلان، فيجوز له أخذه والانتفاع به، إذ يقبل قوله فيه. ولكن إذا قال الصغير: إنني بعت داري هذه أو دابتي، فلا يقبل قوله ولا يتم البيع - ما لم يكن مأذوناً -؛ لأن الصغير - كما سبق - محجور عن التصرف القولي فيما يضره. ومنها: إذا أقر صبي حر الأصل أو معروف النسب. بالرق على نفسه فإنه لا يقبل قوله، لأن هذا إقرار على نفسه فيما يضره. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 349.

القاعدة السابعة عشرة [صفة الشيء]

القاعدة السابعة عشرة [صفة الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صفة الشيء تملك بملك أصله (¬1). وفى لفظ: "الصفة تتبع الأصل فتبنى عليه" (¬2). وقد سبق مثلها في قواعد حرف التاء تحت رقم (22). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصفة لا تثبت إلا بالموصوف؛ لأنها عَرَض، والعرض لا يقوم بنفسه. فمفاد القاعدة: أن صفة الشيء إنما يملكها مالك ذلك الشيء الذي هو أصلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تعاقد شخصان عقد صرف - ويشترط في عقد الصرف التساوي والتقابض قبل التفرق - فإذا تم ذلك فقد لزم العقد. فإذا تم العقد ثم شرطا بعد العقد لأحدهما خياراً أو أجلاً، فالعقد فاسد - عند أبي حنيفة رحمه الله -؛ لأن المتعاقدين قَصَدا تغيير وصف العقد، بجعل الخاسر رابحاً، واللازم غير لازم؛ لأن العقد بغير شرط الخيار - لازم -، فوصف العقد كان الجواز، فغيراه إلى الفساد فبطل؛ لأن ما وقع عليه الاتفاق بعد العقد يجعل كالمذكور في أصل ¬

_ (¬1) المبسوط 14/ 83. (¬2) شرح السير ص 905.

العقد وذلك مبطل لعقد الصرف. ومنها: إذا اشترى بقرة أو شاة محفّلة - أى مملوء ضرعها لبناً - ثم بعد تمام العقد اشترط البائع حلبها لنفسه فهذا شرط باطل لأن كون البقرة أو الشاة محفلة صفة فيها يملكها المشتري، فإذا تم العقد على ذلك فاشتراط البائع الحلب بعد ذلك غير صحيح. ومنها: إذا اشترى سيفاً محلى بحلية من الذهب بمائة درهم، وحليته خمسون درهماً وتقابضا. فقد تم العقد صحيحاً لأنه يكون خمسون درهماً ثمن السيف وخمسون درهماً صرف الحلية. ثم اشترط أحدهما خياراً أو أجلاً، فهذا الشرط - وإن كان بعد تمام العقد يفسد العقد فكأنه مذكور في أصل العقد - وكذلك لو شرط تابعاً للعقد بعد تمامه.

القاعدة الثامنة عشرة [صفة الفرضية - اشتباه الأدلة]

القاعدة الثامنة عشرة [صفة الفرضية - اشتباه الأدلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صفة الفرضية مع اشتباه الأدلة لا تثبت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الفرض: هو الحكم الشرعي الثابت بدليل مقطوع به. أو هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، واشتباه الأدلة منافٍ للجزم والقطع. فمفاد القاعدة: أن الحكم الشرعي الموجب وهو ما يترتب على فعله الثواب وعلى تركه العقاب لا يثبت في حقنا مع وجود الاشتباه في أدلته؛ لأن الأصل في الفرضية القطع لا الظن، واشتباه الأدلة يورث ظناً لا قطعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الصلاة فرض لثبوتها بأدلة قطعية لا اشتباه فيها، من الكتاب والسنة والإجماع، ومثلها الزكاة والصيام ... الخ. ومنها: وجوب القراءة في الصلاة، والتوجه إلى القبلة، وغير ذلك من شروط صحة الصلاة وواجباتها وأركانها. ومنها: وجوب الصدق والأمانة والعدل وغير ذلك من الصفات المحمودة، فهي فرض على المسلم وعلى غيره، وإن كانت على المسلم أشد وأعظم وأحق. ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 59.

ومنها: أن العمرة عند الحنفية والمالكية - ليست فريضة -، بل هي سنة لاشتباه الأدلة، خلافاً للشافعية والحنابلة الذين يرون وجوبها في العمر مرة كالحج. وينبني على هذا الخلاف أن من جامع في إحرام العمرة قبل تمام طوافه - فهل تفسد عمرته ويجب عليه بَدَنة - كما يفسد حج المجامع في عرفة ويجب عليه بَدَنة؟ فعند الحنفية أن من جامع قبل أن يطوف أكثر الأشواط فقد أفسد عمرته وعليه أن يتمها ثم يبدلها وعليه هدي وهو شاة. وأما إن جامع بعد طوافه أكثر الأشواط لم تفسد عمرته، وعليه دم. وأما عند المالكية والحنابلة فإن جامع المعتمر قبل تمام الطواف والسعي فقد أفسد عمرته وعليه أن يتمها ثم يبدلها وعليه هدي (¬1)، وهو شاة. وهو وجه مرجوح عند الشافعية، والصحيح عندهم أن مَن أفسد عمرته بالوطء فحكمه حكم الحاج إذ تفسد عمرته وعليه بَدَنة (¬2). ¬

_ (¬1) الكافي 1/ 398، والمقنع مع حاشيته 1/ 418 هامش 3. (¬2) ينظر: روضة الطالبين 2/ 414 حيث ذكر أن مفسد العمرة عليه بدنة في الصحيح وفي الثاني شاة.

القاعدة التاسعة عشرة [صفة المعاوضة]

القاعدة التاسعة عشرة [صفة المعاوضة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صفة المعاوضة لا تمنع الفسخ عند الحاجة للضرر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المعاوضة: مفاعلة من (عوض) وهى تقتضي المشاركة بين اثنين فأكثر؛ لأن كل واحد يعطي شيئاً ويأخذ عِوَضه. أى بدلاً منه. فالمعاوضة مبادلة. فمفاد القاعدة: أن وجود المعاوضة في العقد لا تمنع فسخ العقد عند الحاجة للفسخ دفعاً للضرر عن أحد المتعاقدين، فوجود المعاوضة لا يكفي لمنع الفسخ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا انقطع شِرب المؤجَّر - أرضاً كان أو داراً - جاز فسخ الإجارة دفعاً للضرر عن المستأجر، وعقد الإجارة عقد معاوضة. ومنها: إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً جاز له رد المبيع بخيار العيب وفسخ العقد دفعاً للضرر عنه، وعقد البيع عقد معاوضة. ومنها: امرأة العَّنين جاز لها طلب فسخ النكاح بسبب العَّنة دفعاً للضرر عنها، وعقد النكاح عقد معاوضة كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط 15/ 79.

القاعدة العشرون [تفريق الصفقة]

القاعدة العشرون [تفريق الصفقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصفقة الواحدة إذا فسد بعضها فسد كلها (¬1). وفي لفظ: "العقد إذا فسد بعضه فسد كله" (¬2). وتأتي في قواعد حرف العين إن شاء الله تعالى، من أصول أبي حنيفة رحمه الله. وعند صاحبيه قاعدة مقابلة: الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة (¬3). وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن العقد أو الصفقة الواحدة - التى تشتمل على أشياء متعددة - إذا فسد بعضها تطرق الفساد إلى باقي العقد وباقي الصفقة؛ وذلك دفعاً للضرر المترتب على تفرق الصفقة، وهذا عند أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وعند مالك إذا دخل الفساد جُلَّ الصفقة أو خيرها أو كان بعضها يكمل بعضاً (¬4). وعند الصاحبين والرواية الأخرى عند أحمد وعند مالك إذا كان على غير ما تقدم: أن الفساد إذا طرأ على بعض المعقود عليه اقتصر عليه، ولا يتطرق الفساد إلى الباقي، وهذا كله فيما لا يكون كشيء واحد كمصراعي ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 115. (¬2) نفس المصدر 23/ 21. (¬3) نفس المصدر ص 115. (¬4) الكافي ص 720.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

باب أو نعلين، فلا يجوز رد أحدهما دون الآخر عند وجود عيب بأحدهما، وهذا عند الجميع (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. إذا اشترى قطيعاً من الغنم جملة واحدة - ولم يحدد لكل شاة ثمناً - ثم وجد في بعضها جرباً أو عيباً، فهل له رد المعيب بقيمته أو يجب رد الجميع؟ عند أبي حنيفة رحمه الله له رد الجميع حيث إن العقد إذا فسد في بعضها فسد في كلها، وعند الآخرين له رد المعيب خاصة بقيمته من الثمن حيث لم يفسد العقد في الباقي. ومنها: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم، فإذا أحدهما حر، فالبيع فيهما جميعاً إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمناً عند أبي حنيفة رحمه الله. وإذا سمَّى لكل واحد منهما ثمناً فالبيع جائز عند غير أبي حنيفة في غير المعيب بما سمى بمقابله من الثمن، وعند أبي حنيفة العقد فاسد. ومنها: إذا اشترى شاتين مسلوختين فإذا إحداهما ميتة أو ذبيحة مجوسي، والأخرى مذكاة، فإذا كانا بثمن واحد فالبيع فاسد عند الجميع. وإن جعل لكل واحدة منهما ثمناً فالبيع فاسد عند أبي حنيفة في الجميع، وعند غير أبي حنيفة فاسد في الميتة خاصة وصح في المذكاة بثمنها. ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية 2/ 49 فما بعدها.

القاعدة الحادية والعشرون [الصلح]

القاعدة الحادية والعشرون [الصلح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصلح عن إقرار بيع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الصلح خير. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً (¬2). والصلح قد يكون عن إقرار وقد يكون عن إنكار. فمفاد القاعدة: أنه إذا صالح شخص آخر بحق له مقر به كان ذلك بيعاً لذلك الحق على صاحبه، أو كالبيع؛ لأن الصلح عن إقرار تمليك بمال فيكون بيعاً، ومعنى كونه - أى هذا الصلح - بيعاً أنه يأخذ أحكام البيع فيما يترتب عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. رجل ادعى على آخر سرقة متاع أو إتلافه، ثم صالحه على مائة درهم يعطيها المدعي للسارق على أن يقر السارق بالسرقة ويرد المسروق على المدعي - ففعل السارق ذلك وأقر جاز. فإذا كانت السرقة عروضاً قائمة بعينها تصير ملكاً للمدعي بالمئة التي دفعها إلى السارق؛ لأن الإقرار المقرون بالعوض يكون عبارة عن ابتداء تمليك. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 50، أشباه ابن نجيم ص 260, المبسوط 20/ 143 فما بعدها، المقنع 2/ 124 - 125. (¬2) الحديث، أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح.

رابعا: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة.

ومنها: إذا ادعى شخص على آخر ملكية عقار فأقر المدعى عليه بالدعوى وصالحه على مال دفعه إلى المدعي فالصلح جائز، ويكون ذلك بيعاً للعقار محل الدعوى ويكون المال المأخوذ ثمناً له. وإذا كان الصلح عن منافع كان المأخوذ إجارة. رابعاً: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة. إذا صالح من الدين على عبد وقبضه، وليس له أن يبيعه مرابحة بلا بيان؛ لأن المرابحة تستلزم تحديد رأس المال، وفي الصلح نوع محاباة وإسقاط. ومنها: لو صالحه عن شاة اغتصبها أو ذبحها على صوف غيرها لا يجوز هذا الصلح؛ لأن بيع الصوف على ظهر الغنم لا يجوز (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 260.

القاعدة الثانية والعشرون [الصلح عن الحدود]

القاعدة الثانية والعشرون [الصلح عن الحدود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصلح عن الحدود باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الحدود: جمع حد، وهى العقوبات المقدرة شرعاً، كحد الزنا والسرقة والسكر. فمفاد القاعدة: أن الصلح عن عقوبة مقدرة شرعاً يعتبر صلحاً باطلاً ولا يسقط الحد. وفي المسألة تفصيل لا بد منه: إن الحدود منها ما هو حق خالص لله تعالى كحد الزنا والسكر، فهذا لا يجوز الصلح فيه عنه بحال، لا قبل أن يرفع إلي الحاكم ولا بعد أن يرفع. ومنها ما فيه حق العباد كالسرقة والقذف، فهذه يجوز الصلح فيها والعفو عنه قبل رفعه إلى الحاكم، وأما بعد الرفع فلا يجوز. ودليل هذه القاعدة وأصلها حديث العسيف (¬2) - هو الأجير الذي زنا بامرأة مخدومه -. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. صالح عن جريمة سرقة بعد رفعها إلي الحاكم، فالصلح باطل ويجب الحد ¬

_ (¬1) الفرائد ص 107 عن صلح الخانية 3/ 94، المقنع مع الحاشية جـ 2. (¬2) حديث العسيف رواه الجماعة.

على السارق بشروطه كما في حديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب" (¬1). وحديث المرأة المخزومية (¬2). ومنها: إذا صالح القاضي أو الحاكم شارب الخمر على أن يأخذ منه مالاً ويعفو عنه، لا يصح الصلح, ويُرد المال على شارب الخمر سواء قبل الرفع أو بعده، والحد يجب ولا يسقط لأنه حق الله تعالى. ومنها: إذا صالح السارق صاحب المال حتى لا يرفعه إلى الحاكم - على مال يدفعه - فالصلح باطل؛ لأنه يعتبر رشوة، ويجب رد المال إلى السارق. ولكن لصاحب المال أخذ المسروق أو تركه للسارق والعفو عنه بدون شيء وذلك قبل الرفع للحاكم. وأما بعد الرفع فلا يجوز عفوه. وأما إذا صالح السارق صاحب المال على المال المسروق لاستهلاكه أو تلفه فذلك جائز. ومنها: إذا صالح عن حق القصاص، جاز وسقط القصاص، فهو هنا صلح صحيح؛ حيث انتقل الحق من القصاص إلى الدية، ويعتبر ما صالح عليه بدلاً من الدية، والصلح عن الجنايات التي يجب فيها المال صلح صحيح. ومنها: إذا عفا المقذوف قبل أن يرفع إلى الحاكم سقط الحد، وأما بعد الرفع فلا يسقط، وذلك بدون مال، وإلا هو رشوة لا صلحاً، فلا يجب المال ولكن يسقط الحد إن كان قبل الرفع للحاكم، إلا عند من يعتبرون إن القذف ¬

_ (¬1) رواه النسائي وأبو داود، منتقى الأخبار 2/ 725 حديث 4094. (¬2) متفق عليه.

من حقوق العباد فيسقط الحد. ومنها: إذا قذف رجل امرأته المحصنة، حتى وجب اللعان بينهما، ثم أراد مصالحتها على مال حتى لا تطلب اللعان، كان الصلح باطلاً ولا يجب المال. وأما إذا عفت قبل الرفع للحاكم فالعفو جائز.

القاعدة الثالثة والعشرون [الصلح عن دين]

القاعدة الثالثة والعشرون [الصلح عن دين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصلح عن دين بدين لا يجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. أصل هذه القاعدة ودليلها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "نهى عن بيع الكاليء بالكاليء" (¬2). والمراد بالكاليء: الدين المؤجل. من كلأ يكلأ إذا تأخر، وهو بيع النسيئة بالنسيئة. فمفاد القاعدة: أن الصلح إذا تم عن دين في الذمة بدين في الذمة فهو صلح باطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا كان لرجل على آخر طن تمر، فصالحه عنه بعشرة آلاف مؤجلة، فلا يصح هذا الصلح؛ لأنهما افترقا عن دين بدين، لأن التمر في ذمة المدين وهو دين، فلما صالحه على مبلغ مؤجل افترقا عن دين بدين وذلك لا يجوز. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة. إذا كان لرجل على رجل ألف دينار فصالحه على خمسمائة مؤجلة، فالصلح جائز، لأن صاحب المال حط من الألف خمسمائة والمبلغ واحد. وليس هو من بيع الكاليء بالكاليء. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 106 عن صلح الخانية 3/ 94، والمقنع 2/ 125. (¬2) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما رواه الدارقطني والحاكم. وهو حديث معلول وإن كان متفقاً على عدم جواز بيع الدين بالدين. ينظر: المنتقى ص 323 حديث رقم 2810.

القاعدة الرابعة والعشرون [الصلح]

القاعدة الرابعة والعشرون [الصلح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصلح على رأس المال إقالة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الإقالة: هي رفع العقد وإسقاطه وفسخه. فمفاد القاعدة: أن المتبايعين إذا اصطلحا على رأس مال العقد دون زيادة أو نقصان كان ذلك رفعاً للعقد وإسقاطاً وفسخاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اشترى سيارة بعشرين ألفاً، ثم اصطلح البائع والمشتري على أن يسترد البائع السيارة ويرد على المشتري عشرين الفاً، فيكون ذلك الصلح إقالة للبيع وفسخاً له. ¬

_ (¬1) المبسوط 21/ 46.

القاعدة الخامسة والعشرون [الصور الخالية]

القاعدة الخامسة والعشرون [الصور الخالية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الصُّوَر الخالية من المعنى هل تعتبر أم لا؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالصور الخالية من المعنى: وجود آثار لمحرم في مباح. فمفاد هذه القاعدة: إذا وجدت هذه الآثار والمظاهر التي لا حقيقة لها - أى لا جرم معتبر - فهل تعتبر الصورة فيحرم استعمال ما هى فيه، أو لا تعتبر فلا يحرم؟ خلاف في المسألة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إناء مطلي بالذهب أو بالفضة، وإذا أُدخل النار لا يخلص من طلائه شيء، هل يجوز استعماله؟ خلاف (¬2). ومنها: ثوب منسوج بخيوط من ذهب أو فضة إذا أحرق إما أن يخرج منه شيء من الذهب أو االفضة أو لا يخرج؟ فهل يجوز استعماله.؟ وهل يجوز بيعه بذهب أو فضة؟ خلاف. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 66، إعداد المهج ص 106. (¬2) وينظر: المقنع مع الحاشية 1/ 22 فما بعدها، وروضة الطالبين 1/ 155.

القاعدة السادسة والعشرون [صورة المبيح]

القاعدة السادسة والعشرون [صورة المبيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: صورة المبيح إذا وُجِدت منعت وجود ما يندريء بالشبهات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للإباحة في الشرع أسباب، منها: العقود المشروعة, والهبات، والهدايا، والعارية إذ تبيح الانتفاع بالمعرَّى، والإرث. وغير ذلك من الأسباب المشروعة وما يندريء بالشبهات الحدود والقصاص. فمفاد القاعدة: أنه إذا وجدت صورة من صور الإباحة فيما هو من موجبات الحدود فإن وجود صورة ذلك المبيح يعتبر شبهة تمنع إقامة الحد، وإن لم يبح في واقع الأمر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وطئ امرأة بعقد زواج فاسد لا يجب الحد لوجود صورة المبيح. ومنها: إذا ادعى السارق أن المسروق ملكه، أو له فيه حق، كانت دعواه تلك شبهة تمنع إقامة الحد عليه. ومنها: إذا اصبح صائماً في بلده ثم سافر فأفطر متعمداً، لا كفارة عليه عند الحنفية؛ لأن صورة المبيح وهو السفر قد وجدت, وإن كان الفطر في هذه الصورة لا يجوز عند كثيرين، وتحتها صور كثيرة خالف فيها أبو حنيفة رحمه الله الجمهور. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 87 عن تأسيس النظر ص 148.

حرف الضاد

ثانياً: قواعد حرف الضاد عدد قواعد حرف الضاد (27) سبع وعشرون قاعدة.

القاعدة الأولى [الضامن]

القاعدة الأولى [الضامن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضامن لا يُقبل قوله إلا بحجَّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الضامن من ضَمن يضمن إذا كَفَل، فالضامن: الكفيل. والضمان: الكفالة (¬2). والكفالة: ضم ذمة إلى ذمة الكفيل في المطالبة (¬3). ومن معاني الضمان: الغرامة. يقال: ضمنته الشيء تضميناً فَتَضَمَّنه عني أي غرمته فالتزمه، والضمان أعم من الكفالة؛ لأن من الضمان ما لا يكون كفالة مثل: رد بدل الهالك مثله أو قيمته (¬4). وهو المقصود بقاعدتنا هذه. فمفاد القاعدة: أن من ضمن شيئاً ثم ادعى تلفه وهلاكه فإن قوله هذا لا يقبل إلا بدليل وبرهان على صدقه، وإلا كان ضامناً وغارماً لما تلف كالغاصب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا استأجر شخص أُجَرَاء ليسوقوا نعماً أو دواباً من مكان إلى آخر ¬

_ (¬1) شرح السير ص 872. (¬2) مختار الصحاح (ضمن). (¬3) معجم لغة الفقهاء ص 285. (¬4) الكليات ص 575 بتصرف.

فساقوها سوقاً عنيفاً حتى هلك بعضها، فهم ضامنون وغارمون ثمن ما هلك منها، ولا يقبل قولهم: إن موت بعضها كان بغير فعل منهم، إلا إذا أقاموا بينة على ذلك؛ لأن ما تلف بجناية يد الأَجير فهو ضامن له بمنزلة ما لو استهلكه. ومنها: إذا أعطى قماشاً لخياط ليخيطه له ثوباً، فأتلفه فهو ضامن لثمن القماش، ولا يقبل قوله بأنه تلف بغير تعدًّ منه إلا ببينة.

القاعدة الثانية [الضرر الأشد، الضرر الأخف]

القاعدة الثانية [الضرر الأشد، الضرر الأخف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر، ولا بد من ارتكاب أحدهما، فيحتمل الضرر الأخف ويرتكب ولا يرتكب الأشد؛ لأن في ارتكاب الضرر - وهو مفسدة - مباشرة للحرام - وفعله لا يجوز إلا لضرورة - ولما كانت الضرورة تقدر بقدرها - جاز ارتكاب الأخف؛ لاندفاع الضرورة به ولا يرتكب الأشد؛ لأنه لا ضرورة في حق الزيادة. وقد سبق أمثال لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام من (75 - 81). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إجبار المدين القادر على قضاء دينه. ومنها: الإجبار على النفقة الواجبة كنفقة الزوجة غير الناشزة، ونفقة معتدة الطلاق، ونفقة الطفل الفقير على أبيه، والبنت البالغة والابن البالغ الزمن والأعمى، ونفقة الأصول الفقراء على الفروع الموسرة. ومنها: جاز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الولد إذا كان ترجى حياته. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 89، والسيوطي ص 87، وشرح الخاتمة ص 51، المجلة المادة (27)، المدخل الفقهي في الفقرة 590، الوجيز مع الشرح والبيان ص 260.

القاعدة الثالثة [الضرر الخاص، الضرر العام]

القاعدة الثالثة [الضرر الخاص، الضرر العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر الخاص يُتحمل لدفع ضرر عام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها ارتباط بالقاعدة السابقة، وإن كانت أخص منها موضوعاً؛ لأن الضرر الخاص يدخل ضمن الضرر الأخف، والضرر العام يدخل ضمن الضرر الأشد. فمفاد القاعدة: أنه عند تعارض ضررين: أحدهما خاص بفرد أو جماعة أو طائفة، والآخر ضرر عام بجماعة المسلمين - ولا بد من ارتكاب أحدهما لدفع الضرر الآخر - فيرتكب الضرر الأخف وهو الضرر الخاص، ولا يرتكب الضرر الأشد وهو الضرر العام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. جواز الرمي إلى كفار تترسوا بأسرى المسلمين أو النساء أو الصبيان؛ لدفع ضررهم عن عموم الجماعة المسلمة، ولكن ينوى بالرمي الكفار لا الأسرى ولا النساء ولا الصبيان. ومنها: جواز الحجر على الطبيب الجاهل حرصاً على أرواح الناس. والحجر على المفتي الماجن حرصاً على دين الناس. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 88، شرح الخاتمة ص 51، المجلة المادة 26، المدخل الفقرة 593، الوجيز مع الشرح والبيان ص 263.

ومنها: من رَكِب دار غيره لإطفاء حريق وقع في البلدة فانهدم جدار من الدار بركوبه لم يضمن قيمة الجدار، وكذلك ما يتلف بالماء من محتويات الدار التي وقع فيها الحريق فلا يضمنه رجال الإطفاء؛ لأن ضرر الحريق عام على المسلمين فكان لعامة المسلمين دفع ذلك عنهم. ومنها: إذا حمل العدو على المسلمين فدفع عنهم رجل بآلة غيره أو بسلاحه حتى تلفت الآلة أو السلاح لم يضمن من قيمتها شيئاً.

القاعدة الرابعة [فسخ العقد]

القاعدة الرابعة [فسخ العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر عذر في فسخ العقد اللازم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق في قواعد حرف الصاد تحت رقم (19) أنه يجوز فسخ عقود المعاوضة للضرورة، فهذه القاعدة لها صلة بما سبق. فمفادها: إذا وجد ضرر بعد عقد لازم - كعقد البيع والإجارة والنكاح وغيرها من العقود اللازمة - فيكون وجود هذا الضرر عذراً في جواز فسخ ذلك العقد دفعاً للضرر عن أحد المتعاقدين أو كليهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. يفسخ عقد النكاح إذا ترتب على استمراره ضرر لأحد الزوجين، ككون الزوج عنِّيناً وخشيت الزوجة على نفسها من الفتنة، فجاز لها طلب الفسخ. وكذلك يجوز للزوجة طلب فسخ النكاح إذا تبين أن بالزوج مرضاً معدياً أو مرضاً يصعب البرء منه، وخشيت الزوجة على نفسها العدوى. ومنها: جواز فسخ الإجارة إذا انهدم البناء المؤجر أو جزء منه، وخشي المستأجر على نفسه، أو انقطع شرب الأرض الزراعية، فيجوز فسخ العقد حينئذ. ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 25 - 26.

القاعدة الخامسة [إزالة الضرر]

القاعدة الخامسة [إزالة الضرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر لا يزال بالضرر أو بمثله (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إزالة الضرر واجبة عند وقوعه, والأصل أن الضرر يجب إزالته ورفعه بدون ضرر لكن إن لم يمكن إزالته إلا بضرر فإن كان الضرر الناتج عن إزالة الضرر أقل منه جاز رفع الأشد بالأخف. لكن إذا كان الضرر المتوقع مثل الضرر المراد إزالته فلا يجوز إزالته؛ لأنه يكون تحصيل حاصل، واشتغال بما لا فائدة فيه، فأَن لا يُزال الضرر الواقع بضرر أشد منه أشد منعاً بطريق الأولى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. لا يجوز لإنسان محتاج إلى دفع الهلاك عن نفسه جوعاً أن يأخذ مال محتاج مثله. ومنها: لا يجوز لمن أكره بالقتل على القتل أن يقتل شخصاً معصوم الدم مثله؛ لأن هذا إزالة ضرر بمثله وهو لا يجوز. ومنها: إذا ظهر بالمبيع عيب قديم وحدث عند المشتري عيب جديد امتنع الرد بخيار العيب لتضرر البائع بالعيب الحادث إلا أن يرضى - ولكن يعود المشتري على البائع بالنقصان. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 42، أشباه السيوطي ص 86، أشباه ابن نجيم ص 87، شرح الخاتمة ص 51، المجلة المادة (25)، المدخل الفقرة 589، الوجيز مع الشرح والبيان ص259.

القاعدة السادسة [الضرر القديم]

القاعدة السادسة [الضرر القديم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر لا يكون قديماً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. ما دام الضرر إذا وقع يجب إزالته ورفعه؛ لأنه مفسدة، فسواء كان الضرر حادثاً أم غير حادث فيجب إزالته، وليس قِدَم الضرر حجة في رفعه، بل متى وُجِد الضرر وثبت يجب إزالته ولا يحتج بِقِدَمه. والمراد بالقدم ما لا يُعرف مبتدأه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وجدت بالوعة في طريق المسلمين وثبت ضررها عليهم فيجب إزالتها ولا يحتج صاحبها بأنها قديمة قِدَم الدار أو الطريق؛ لأنه متى ثبت الضرر وجبت الإزالة. ومنها: إذا وجد ميزاب يصب ماء على الطريق العام ويؤذي المارين فيجب إزالته أيضاً لما يسببه من ضرر للسائرين في الطريق. ومنها: إذا كان في دار بالوعة أو بيارة قديمة، ويتسرب ماؤها إلى آبار الجيران فينجسها فيجب على صاحبها إزالة ضررها بإصلاحها أو إزالتها بالكلية لأنه لا يجوز شرعاً تنجيس المياه الطاهرة. ¬

_ (¬1) المجلة المادة 7، شرح القواعد للزرقاني 55 فما بعدها، المدخل الفقرة 557، الوجيز ص 178.

القاعدة السابعة [دفع الضرر]

القاعدة السابعة [دفع الضرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر مدفوع بقدر الإمكان (¬1). وفي لفظ: "الضرر يدفع بقدر الإمكان" (¬2). وفي لفظ: "الضرر مدفوع في الشرع" (2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الضرر باعتباره مفسدة يجب رفعه وإزالته إذا وقع، كما يجب دفعه قبل وقوعه؛ لأن إبقاء الضرر إبقاء للمفسدة والشرع اعتنى بإزالة المفاسد أشد من اعتنائه بفعل المصالح. ومفاد القاعدة: أن دفع الضرر ورفعه إنما بقدر الإمكان، فإن أمكن إزالته كلياً وجب، وإلا فبالقدر الممكن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا غصب إنسان من آخر مثلياً واستهلكه وجب عليه رد مثله، فإن لم يوجد المثل يجب عليه رد قيمته، دفعاً للضرر عن المغصوب منه. ومنها: إذا خشي ولي اليتيم على مال اليتيم من ظالم وأمكن دفع ظلمه ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 83، أشباه ابن نجيم ص 89، شرح الخاتمة ص 52. المجلة المادة 31، المدخل فقرة 587، شرح القواعد ص 153. الوجيز ص 256. (¬2) المبسوط 2/ 210، 14/ 118، 19/ 107، 27/ 10، 28/ 23، والتحرير 4/ 866، 5/ 275عن القواعد والضوابط ص 489.

ببعض المال جاز الدفع وقاية لمال اليتيم. ومنها: شرع حق الشفعة دفعاً لضرر متوقع عن الشريك أو الجار. ومنها: الحجر على السفيه لدفع سوء تصرفاته المالية. ومنها: يجوز للمضطر أن يأكل مال غيره حفاظاً على حياته، ولكن عليه ضمان ما أكل؛ لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير. ومنها: إذا طلب الشفيع الشفعة وأشهد عليها، ثم شغله أمر عن تقرير شفعته ولم يسقطها فكم يستمر حقه في الشفعة؟ قالو: قدَّر شهر حتى لا يتضرر المشتري.

القاعدة الثامنة [إزالة الضرر]

القاعدة الثامنة [إزالة الضرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر يزال (¬1) أو مزال (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. يجب إزالة الضرر بعد وقوعه، كما يجب دفعه قبل وقوعه، كما سبق قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. يحرم إضرار النفس أو الغير ومباشرة المضار، كتناول السم وقطع العضو. ومنها: شرع الرد بالعيب دفعاً للضرر عن المشتري. ومنها: إذا طالت أغصان شجرة لشخص وتدلت على دار جاره فأضرته يكلف رفعها أو قطعها دفعاً للضرر عن الجار. ومنها: إذا أصابت آكلة يد إنسان أو رجله وخشي أن يسري المرض إلى باقي جسمه، وجب عليه قطع العضو المتآكل إزالة الضرر دفعاً له عن باقي الجسم. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 83، أشباه ابن نجيم ص 85، المجلة المادة ص 2، شرح القواعد ص125، المدخل الفقرة 588. (¬2) أشباه السبكي 1/ 41 - 45، قواعد الحصني 1/ 333، عن المجموع العلائي لوحة 45 أ، المنثور 2/ 321، الوجيز ص 258.

القاعدة التاسعة [الضرر اليسير]

القاعدة التاسعة [الضرر اليسير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرر اليسير يحتمل في العقود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالضرر اليسير: الذي لا يُخلُّ بمقصود العقد، ويتساهل فيه الناس. فمفاد القاعدة: أن وجود مثل هذا الضرر لا يفسد العقد، بل يصح العقد مع وجوده ويحتمل فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ابتاع نخلاً وعليها تمر لم يُؤَبَّر - أي لم يلقح - أو أُبِّر ولم يبدُ صلاحه، فإنه يجوز. وإن لم يجز إفراده بالعقد. لأنه جاء تبعاً لأصله وهو النخل. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 139.

القاعدة العاشرة [الضرورات]

القاعدة العاشرة [الضرورات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرورات تبيح المحظورات (¬1)، بشرط عدم نقصانها عنها (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن الممنوع شرعاً يباح عند الحاجة الشديدة - وهي الضرورة - ولكن بشرط أن لا تقل الضرورة عن المحظور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وجد رب الدين مالاً للمدين الممتنع من أداء الدين فله أخذ مقدار دينه إذا ظفر بجنس حقه. ومنها: جواز دفع الصائل عن إنسان أو حيوان، ولو أدى ذلك الدفع إلى قتله، إن لم يمكن الدفع بدونه. ومنها: جواز أكل الميتة للمضطر، وشرب الخمر لإزالة الغصة أو للإكراه. ومنها: جواز النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب للإيمان في حالة الإكراه. ومنها: نظر الحاكم والشاهد إلى المرأة ولو بشهوة جاز لمكان الضرورة، ولكن يقصد بالنظر الشهادة، أو الحكم عليها، ولا يقصد قضاء الشهوة. ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 154، أشباه السيوطي ص 84، ابن نجيم ص 85، إيضاح المسالك القاعدة ص 97, الفرائد ص 55، عن حظر الفتاوى الخانية، شرح القواعد ص 131، المدخل الفقرة 600، الوجيز مع الشرح والبيان ص 234، شرح الخاتمة ص 50 - 51. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 45.

القاعدة الحادية عشرة [الضرورة]

القاعدة الحادية عشرة [الضرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضرورة إذا اندفعت لم يُبَح له ما وراءها (¬1). وفي لفظ: "الضرورة تقدر بقدرها" (¬2). وفي لفظ: "الضرورات تقدر بقدرها" (¬3). وفي لفظ: "ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها" (¬4)، وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ومثلها: "ما جاء لعذر بطل بزواله" (¬5)، وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن الحكم الثابت لأجل الضرورة إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فقط، فإذا زالت الضرورة واندفعت عاد الحكم إلى ما كان عليه قبلها. ¬

_ (¬1) المغني 3/ 143. (¬2) المبسوط 1/ 122. (¬3) أشباه السيوطي ص 84، أشباه ابن نجيم ص 86، شرح القواعد ص 133، المدخل الفقرة 601. المجلة المادة 22، الوجيز مع الشرح والبيان ص 239. (¬4) أشباه السيوطي ص 84، وأشباه ابن نجيم ص 86. (¬5) أشباه السيوطي ص 85، وأشباه ابن نجيم ص 86، المجلة المادة 23، شرح سنبلي زادة لوحة 120.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إن المضطر لا يأكل من طعام غيره إلا بمقدار ما تندفع به ضرورته. ومنها: إن الطبيب ينظر من العورة بقدر الحاجة للمعالجة. ومنها: إذا أحدث رجل في بنائه شباكاً - أي نافذة - تطل على مقر نساء جاره لا يؤمر بهدم الحائط أو سد شباكه كلياً، بل بقدر ما يرفع الضرر عن جاره بصورة تمنع النظر.

القاعدة الثانية عشرة [الضعيف - القوي]

القاعدة الثانية عشرة [الضعيف - القوي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الضعيف لا يفسد القوي (¬1). وفي لفظ: "الضعيف لا يظهر في مقابلة القوي" (¬2). وفي لفظ: "الضعيف لا يعارض القوي" (¬3). وفي لفظ: "الضعيف لا ينوب عن القوي" (¬4). وفي لفظ: "الضعيف لا يدفع القوي ولكن يندفع به" (¬5). وفي لفظ: "لا يظهر الضعيف في مقابلة القوي" (¬6)، وتأتي في قواعد حرف لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. الأحكام الشرعية والأدلة الشرعية ليست كلها في رتبة واحدة، ولكن بعضها أقوى من بعض، إذ منها الحكم الذي هو ضعيف في أثره أمام حكم آخر أقوى منه في أثره. فمفاد هذه القواعد: أن الحكم الضعيف في أثره لا عمل له بجانب ذي ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 155. (¬2) نفس المصدر 1/ 176، 9/ 73. (¬3) نفس المصدر 2/ 170. (¬4) نفس المصدر 12/ 58. (¬5) نفس المصدر 5/ 88. (¬6) نفس المصدر 2/ 32، 6/ 121.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

الأثر الأقوى. وأن الدليل الضعيف لا يعتد به أمام الدليل الأقوى، فالضعيف لا يظهر أثره أمام القوي كما أنه لا ينوب عنه، ولا يفسده ولا يعارضه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. الوتر واجب عند أبي حنيفة رحمه الله، وسنة مؤكدة عن صاحبيه وباقي الأئمة رحمهم الله تعالى، فإذا نام عن الوتر أو نسيه ثم تذكره وهو في صلاة الفجر لا يفسد فرضه - عند الجميع - عدا أبي حنيفة رحمه الله -؛ لأن حكم الوتر أضعف من حكم الفجر. ومنها: إذا صلى الظهر يوم الجمعة في بيته ثم صلى الجمعة مع الإِمام فالجمعة فرض، ويصير الظهر تطوعاً له؛ لأن الجمعة أقوى من الظهر وهي فرض الوقت. ومنها: من اشترى الوديعة من مودعها لا يتم العقد إلا بقبض جديد؛ لأن قبض الأمين قبض أمانة وهو غير مضمون، وقبض المشتري قبض ضمان، ولا ينوب قبض الأمانة عن قبض الضمان؛ لأن قبض الأمانة ضعيف، وقبض الضمان قوي. ومنها: من سرق ثوباً وخاطه يسقط حق المسروق منه فيه - وإن كان له قيمة الثوب -؛ لأن حق المسروق فيه مقصور على العين قد تبدلت بالخياطة. ومنها: رجل له إبل سائمة قد اشتراها للتجارة، فهل عليه زكاة السائمة أو زكاة التجارة؟ عند الحنفية عليه زكاة التجارة. فيقومها ويخرج

زكاتها من قيمتها ربع العشر كعروض التجارة. وأما عند الشافعي رحمه الله فإن كانت الإبل نصاباً فأكثر فعليه زكاة السائمة, لأن زكاة السائمة أقوى من عدة وجوه والضعيف لا يعارض القوي. وأما إن لم تبلغ الإبل نصاب السائمة فعليه زكاة التجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً.

القاعدة الثالثة عشرة [ضمان الاستهلاك]

القاعدة الثالثة عشرة [ضمان الاستهلاك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان الاستهلاك ضمان فعل. الصبي والبالغ فيه سواء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الضمان هنا: معناه الغرامة. فمفاد القاعدة: أن الشيء إذا استهلك فإن مستهلكه يضمنه - بمعنى أنه يغرم ثمنه أو قيمته أو بدله -؛ لأن الاستهلاك فعل. وفعل الاستهلاك والإتلاف مضمون على الفاعل المستهلك أو المتلف. سواء كان صبياً أم بالغاً. عاقلاً أم مجنوناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها إذا استهلك رجل طعام غيره وجب عليه قيمته أو بدله، وكذلك إذا كان المستهلك صبياً أو مجنوناً فعليه الضمان في ماله، ويخاطب بذلك وليه. ومنها: إذا استودع رجلٌ صبياً محجوراً عليه مالاً فاستهلكه الصبي، فالصبي ضامن لمال المستهلك عند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى، وأما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يضمن, لأن الرجل هو الذي سلطه على المال. ومنها: إذا أودع شخص ما صبياً دابة فقتلها. ففي تضمين الصبي ¬

_ (¬1) المبسوط 11/ 119.

خلاف، ولكن إذا أودع الرجل الصبي عبداً فقتل الصبي العبد فهو ضامن وعلى عاقلة الصبي القيمة في ثلاث سنين؛ لأن عمد الصبي خطأ. وكذلك لو قتل الصبي شخصاً فهو ضامن، وعلى عاقلته الدية، سواء قتله عمداً أم خطأ؛ لأن عمد الصبي وخطؤه سواء.

القاعدة الرابعة عشرة [الضمان بالتغرير]

القاعدة الرابعة عشرة [الضمان بالتغرير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضمان بالتغرير - أو الغرور - مختص بالمعاوضات التي تقتضي سلامة العوض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. التغرير في اللغة: مِن غرَّر يغرر تغريراً - مثل كَرَّم يُكَرَّم تكريماً، هو حمل النفس أو الغير على الغرور وهو الخطر، والخداع (¬2). والتغرير في الاصطلاح: وقوع الغرر من الغارِّ. والغرر: ما يكون مجهول العاقبة. والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب (¬3). فمفاد القاعدة: أن ثبوت الضمان والتغريم المسبب عن الخداع إنما يكون للمعاملات التي فيه عوض أو بدل كالبيع والنكاح والإجارة وأمثالها. وأما غيرها فلا ضمان فيها. لأن التغرير إنما جُعل سبباً للضمان دفعاً للضرر بقدر الإمكان لا مطلقاً؛ ولأن التغرير بغير عقد ليس بسبب للضمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال الأب لأهل السوق هذا ابني وقد أذنت له في التجارة، فبايعوه، ولحقته ديون، ثم ظهر أن الأب قد حجر عليه فإن أهل السوق يعودون على ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 52، ترتيب اللآلي لوحة 63 أ. (¬2) مختار الصحاح مادة غرر. (¬3) الكليات ص 672.

رابعا: ما استثنى من هذه القاعدة.

الأب بديونهم لأنه غرَّهم بالإذن، ولم يعلمهم بالحجر. ومنها: إذا قال الطحان لصاحب الحنطة: اجعلها في هذا المكان. فجعلها فيه. فإذا هو مكان فيه قذارة - والطحان عالم به - فهو ضامن؛ لأنه صار غاراً. ومنها: إذا باعه سلعة - كسيارة أو دار أو جهاز - على أنه ملكه. ثم ظهر أنه ليس ملكاً له. فهو ضامن غار. رابعاً: ما استثنى من هذه القاعدة. إذا قال: سافر في هذا الطريق فإنه آمن. فسلكه فأخذ اللصوص متاعه، فهو غير ضامن. ومنها: إذا قال: كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم، فأكل مات، فهو غير ضامن أيضاً؛ لأن الأجنبي لا يُعْبأ بقوله لعدم الاعتماد على قوله فلا يتحقق التغرير، إلا أنه يستحق العقوبة عند الله تعالى، لكن إذا ثبت أنه هو الذي وضع السم في الطعام فهو ضامن. ومنها: إذا وهبه هبة فظهر أنها مستحقة، فأخذها صاحبها أو تلفت في يد الموهوب له، فإن الموهوب له يضمن قيمتها لصاحبها، ولا يرجع على واهبه؛ لأن الهبة عقد تبرع. ولكن إذا ضمن الغار السلامة للمغرور فهو ضامن، كما لو قال: إن سافرت اليوم وأصابك ضرر فأنا ضامن، فإن أصابه ضرر رجع على من غره. ولعل هذه المسائل التي اعتبرت مستثناة غير مستثناة لأنها لم يتحقق فيها الشرط؛ لأنها في غير المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض.

القاعدة الخامسة عشرة [ضمان الغرور - ضمان الكفالة]

القاعدة الخامسة عشرة [ضمان الغرور - ضمان الكفالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الغرور: الخداع من غره يغره: أي خدعه، والغرور: ما اغْتُرَّ به من متاع الدنيا (¬2). والمراد بالقاعدة الأول، وهذه القاعدة لها صلة بالقاعدة السابقة. فمفادها: أن من غرَّ غيره وخدعه في أمر حتى ارتكبه، فالغار ضامن وغارم، كما يغرم الكفيل لما كفل به، والمغرور من اغتُرَّ وخُدِع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا زوج رجل آخر بامرأة على أنها حرة، ثم ظهرت أنها أمة - أي رقيقة - فعلى الغار ما غرم الزوج. وإن ولدت منه فعلى الغار قيمة الولد وتخليصه من الرق؛ لأن ابن الأمة من غير السيد رقيق. ومنها: إذا غرَّ عبدٌ رجلاً في سلعة تبين أنها فاسدة - وغاب البائع - فعلى العبد ضمان الغرور، ولكن يطالب بعد عتقه، كما لو كفل عبد آخر بمال فهو يطالب به بعد العتق, لأنه حين العبودية لا يملك. ¬

_ (¬1) المبسوط 5/ 159. (¬2) مختار الصحاح، مادة غرر.

القاعدة السادسة عشرة [ضمان الغصب]

القاعدة السادسة عشرة [ضمان الغصب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان الغصب يختص بما هو مال متقوم (¬1). وأخرى: "ضمان الغصب لا يجب إلا بصنع في المغصوب يفوت يد المالك" (¬2). وأخرى: "ضمان الغصب لا يوجب الملك في المغصوب" (¬3)، عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. هذه قواعد ثلاث تتعلق ببعض أحكام الغصب. الغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلماً وقهراً. وفي الشرع: هو أخذ مال متقوم محرم بغير إذن مالكه على وجه يزيل يده، إن كان في يده (¬4). فمفاد هذه القواعد: أولاً: إن المغصوب الذي يُضمن على الغاصب إذا كان - مالاً - له قيمته، كان مملوكاً لغير الغاصب، فما ليس بمال متقوم أو كان شيئاً تافهاً لا قيمة له فلا يضمن غاصبه، وكذلك إذا كان غير مملوك - ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 186 (¬2) شرح السير ص 219. (¬3) المبسوط 14/ 50. (¬4) أنيس الفقهاء ص 269.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

- وهو متقوم - فهو مباح غير مغصوب. ثانياً: إنَّ المغصوب الذي يضمن الغاصب قيمته أو بدله إذا استهلكه الغاصب أو صنع فيه شيئاً يفوت يد المالك عن المغصوب. وثالثاً: إن دفع قيمة المغصوب أو بدله لا يجعل المغصوب ملكاً للغاصب بل يجب عليه رده إلى صاحبه واسترداد ما دفعه، وهذا عند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى. والأصل في ذلك أن المغصوب يجب رده على صاحبه المغصوب منه، ولا يجب ضمانه إلا إذا استهلك أو هلك في يد الغاصب، فإذا ادعى الغاصب الهلاك أو الاستهلاك وجب عليه الضمان فدفعه ثم ظهر المغصوب سليماً فعند أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى إن المغصوب يصبح ملكاً للغاصب؛ لأنه قد دفعه ضمانه، وأما عند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، لا يملكه بل يجب رده لصاحبه واسترداد ما دفعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا غُصِبَ ميتة أو خمر أو خنزير، فلا يضمن الغاصب - سواء كان مسلماً أم غير مسلم؛ لأن هذه الأشياء ليست بمال للمسلم. ومنها: من غصب مال حربي فهو غير ضامن أيضاً؛ لأن مال الحربي ليس بمحرم. ومنها: إذا غصب حنطة فطحنها وخبزها وأكلها، فعليه رد مثلها أو قيمتها إذا فقدت من الأسواق, لأنه فوت يد المالك. ومنها: إذا غصب ثوباً، فأبلاه، فعليه قيمته.

ومنها: إذا غصب دابة فشردت - أو سيارة فسرقت - ثم أدّى قيمتها لصاحبها تم وجدت الدابة أو السيارة فعند الحنفية ومالك لا يرجع صاحب الدابة والسيارة على الغاصب؛ لأن الغاصب قد ملك الدابة أو السيارة بما أداه من القيمة، وأما عند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى فيرد القيمة المأخوذة على الغاصب ويسترد دابته أو سيارته؛ لأن ضمان الغاصب لا يوجب الملك في المغصوب عندهما. ومنها: إذا غصب سلعة فأفسدها إفساداً يذهب جُلَّ منافعها أو جمالها فالغاصب ضامن لقيمتها يوم غصبها، فإذا ضمنها كانت له دون ربَّها - أي صاحبها - بما أدّى (¬1). ¬

_ (¬1) الكافي لابن عبد البر ص 842.

القاعدة السابعة عشرة [ضمان الفعل - ضمان المحل]

القاعدة السابعة عشرة [ضمان الفعل - ضمان المحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان الفعل يتعدد بتعدد الفاعل، وضمان المحل لا (¬1). وفي لفظ: "ضمان العقد". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بضمان الفعل: الغرامة والعقوبة المترتبة على الفعل الممنوع. وضمان المحل: الغرامة المترتبة على فعل محل ممنوع. فمفاد القاعدة: أن الغرامة والعقوبة المترتبة على الفعل الممنوع تتعدد بتعدد الفاعلين، والغرامة والعقوبة المترتبة على فعل في محل ممنوع لا تتعدد، إذ يكفي فيها عقوبة واحدة وإن تعدد الفاعلون. وفيها خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اشترك مُحْرِمان أو أكثر في قتل صيد تعدد الجزاء، فيجب على كل واحد من المُحْرِمين جزاء كامل، وإن كان الصيد المقتول واحداً. وعند الشافعي ورواية عند أحمد رحمهما الله لا يلزم إلا جزاء واحد على الجميع، والرواية الأخرى عند أحمد يتعدد الجزاء (¬2). ومنها: إذا اشترك حلالان في قتل صيد في الحرم، فعليهما جزاء واحد فقط. عند الجميع. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 174، الفوائد الزينية ص 131، الفائدة 142، وينظر المبسوط 4/ 81. (¬2) ينظر: المقنع مع حاشيته 1/ 410، 435، وروضة الطالبين 2/ 435.

ومنها: إذا جامع وهو محرم مراراً فعليه لكل مرة دم. ولكن إن كان ذلك في مجلس واحد فيكفيه دم واحد. وعند مالك رحمه الله كما عند الحنفية إذ يوجب على الجماعة إذا اشتركوا في قتل صيد جزاءً كاملاً على كل واحد منهم. وعنده أن ما صيد في الحرم وإن كان الصائد حلالاً فإن المشترك اثنان في قتل صيد في الحرم فعلى كل واحد منهما جزاء كامل (¬1). فعنده يتعدد الضمان على كل حال. ¬

_ (¬1) ينظر الكافي ص 393.

القاعدة الثامنة عشرة [ضمان القيمة]

القاعدة الثامنة عشرة [ضمان القيمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان القيمة خلف عن رد العين عند تعذره (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأصل في التفويت رد العين نفسها، فمن اغتصب عينًا أو استعار دابة فعليه رد المغصوب والعارية، ولكن إذا تعذر واستحال رد العين المغصوبة أو المعارة لتلفها أو استهلاكها أو هلاكها، فعلى المتلف المستهلك ضمان قيمتها يوم اغتصبها أو استعارها - أو يوم تلفها أو استهلاكها على الخلاف في ذلك. فمفاد القاعدة: أن دفع القيمة في هذه الحال بدل خلف وعوض عن رد العين لتعذره؛ وذلك حفظاً لحقوق العباد من الضياع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. استعار سيارة أو فرساً ليركبها فهلكت، فعليه قيمتها لصاحبها المعير بدلاً عنها. ومنها: إذا غصب طعاماً فعليه رده أو مثله، فإن تعذر رد العين أو المثل، فعليه قيمة ما اغتصب. ومنها: إذا تصرَّف الأمين بالوديعة واستهلكها فعليه ضمانها بأن يؤدي قيمتها للمودِع عند تعذر رد عينها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1382.

القاعدة التاسعة عشرة [ضمان القيمة - ضمان الثمن]

القاعدة التاسعة عشرة [ضمان القيمة - ضمان الثمن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان القيمة مع ضمان الثمن لا يجتمعان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. ضمان القيمة: هو غرم أو التزام قيمة الشيء بالغة ما بلغت بحسب تقويم المقومين وهو ضمان الغصب، وضمان البيع الفاسد وأشباههما. ضمان الثمن: هو ضمان ثمن المبيع المتفق عليه بين البائع والمشتري قل عن القيمة الحقيقية للسلعة أو زاد عنها. فمفاد القاعدة: أنه إذا وجب على إنسان ضمان قيمة شيء - من غصب أو بيع فاسد - فلا يجب عليه معه ضمان الثمن؛ لأنه إذا وجب أحد النوعين ارتفع الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ابتاع سيارة بيعاً فاسداً وتسلمها فتلفت في يده فعليه قيمتها لا الثمن الذي اتفقا عليه؛ لأن المبيع في البيع الفاسد مضمون بالقيمة لا بالثمن. ومنها: غصب بقرة فماتت عنده فعليه قيمتها يوم غصبها أو يوم موتها - على الخلاف في ذلك -. ومنها: استلم سلعة ولم يتفقا على الثمن ثم أخذها ليجربها فتلفت فعليه ¬

_ (¬1) المبسوط 25/ 183.

قيمتها. ومنها: ضمان نصف قيمة العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه - وكان موسراً - فيقوَّم عليه نصيب شريكه، كما في الحديث (¬1) ومنها: إذا اشترى سيارة وقبل دفع الثمن قبضها بغير إذن البائع فهلكت فعليه ثمنها، لا قيمتها؛ لأنها صارت مضمونة عليه بالثمن المتفق عليه بهذا القبض، وأما إذا اشتراها وقبل نقد الثمن وكل رجلاً بقبضها فقبضها الوكيل بغير إذن البائع فهلكت في يده فعليه قيمتها، ويرجع الوكيل على الأصيل بما دفع إلا إذا كان الهلاك بتعدٍ من الوكيل وتقصير. ¬

_ (¬1) الحديث من رواية ابن عمر رضي الله عنهما: "من أعتق عبداً بينه وبين آخر قوَّم عليه في ماله قيمة عدل، لا وكس ولا شطط، ثم عتق عليه في ماله إن كان موسراً" متفق عليه.

القاعدة العشرون [ضمان المنفعة]

القاعدة العشرون [ضمان المنفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان القيمة وضمان المنفعة يجتمعان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق بيان معنى ضمان القيمة، وأما ضمان المنفعة فيتعلق بالتزام غرم المنافع إذا فاتت في يده. فمفاد القاعدة: أن ضمان القيمة وضمان المنفعة قد يجتمعان على الشخص الواحد لاختلاف جهتيهما، بخلاف ضمان القيمة وضمان الثمن لاتحاد الجهة الموجبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا غصب داراً معدة للإيجار أو أرضاً مدة من الزمن ثم تلفت الدار أو الأرض فعلى المغتصب ضمان منفعة الدار أو الأرض طيلة مدة الاغتصاب كما عليه قيمتها صالحة. ومنها: إذا غصب ثوباً فلبسه حتى أبلاه وأتلفه فإنه يضمن القيمة والمنفعة جميعاً. ¬

_ (¬1) المغني 4/ 254، وينظر المقنع 2/ 250.

القاعدة الحادية والعشرون [حكم ضمان القيمة وضمان الدين]

القاعدة الحادية والعشرون [حكم ضمان القيمة وضمان الدين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمان القيمة يوجب الملك في المضمون للضامن (¬1)، وضمان الدَّين لا يوجب ذلك. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة ذات شقين: إذ تتضمن حكمين شرعيين: أحدهما: يختص بضمان القيمة - السابق بيانه - فتفيد القاعدة أن من ضمن وغرم قيمة شيء فقد ملكه. وثانيهما: يتعلق بضمان الدين - وهو الكفالة بمعناها الخاص، فتفيد القاعدة: أن من ضمن وكفل من غيره ديناً فضمانه هذا وكفالته لا يوجبان له الملك في المضمون؛ لأن المضمون بالدين ملك المكفول لا الكفيل الضامن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا غصب عيناً فتبدلت عنده بحيث يتعذر ردها على صاحبها فعليه قيمتها يوم غصبها ويملكها. وهذا عند الحنفية والمالكية (¬2)، وأما عند الشافعية فلا يملكها (¬3)، وكذلك الحنابلة (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط 21/ 116. (¬2) وينظر الكافي 842. (¬3) المنثور 2/ 325. (¬4) المقنع 2/ 249.

ومنها: إذا غصب ثوباً فخاطه، بعد قطعه له لم يكن لصاحب الثوب إلا قيمة الثوب يوم غصبه الغاصب، وبذلك يملك الغاصب الثوب (¬1). ومنها: إذا كفل عن شخص بثمن مبيع في الذمة ثم أدَّى ما ضمن فلا يملك المبيع؛ لأن المبيع ملك المشتري المكفول. ¬

_ (¬1) الكافي ص 846 بتصرف.

القاعدة الثانية والعشرون [الضمان الأصلي]

القاعدة الثانية والعشرون [الضمان الأصلي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضمان الأصلي للبيع - وغيره - ضمان القيمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تتعلق ببيان أصل الضمان وما حمل عليه وما يدخله الضمان. فمفادها: أن الأصل في الضمان هو ضمان القيمة - في البيع وغيره، وفي كل عقد ضمان يخصه - وإنما يكثر ذكر الضمان في البيوع لكونه فيها أظهر وأكثر استعمالاً. ففي النكاح ضمان وهو مهر المثل، وفي الإجارة ضمان وهو ضمان أجرة المثل، وهكذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا استام شيئاً وقبضه قبل تمام العقد ثم استهلكه أو هلك في يده فعليه قيمته. وكذلك كل شيء فسد فيه البيع فالمشتري إذا استهلكه فهو ضامن لقيمته بالغة ما بلغت. ومنها: إذا عقد على امرأة عقد نكاح وذكر ما لا يصلح مهراً ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 16.

- كخمر أو خنزير - فعليه مهر المثل. ومنها: إذا استأجر داراً أو أرضاً بما لا يصلح إجارة فالإجارة فاسدة وعليه أجر المثل إذا انتفع بالمؤجَّر.

القاعدة الثالثة والعشرون [الضمان بالشك]

القاعدة الثالثة والعشرون [الضمان بالشك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضمان بالشك لا يجب (¬1). وفي لفظ: "مع اشتباه السبب لا يجب الضمان" (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: "الضمان الواجب لحق العباد غير مبني على الاحتياط فلا يجب في موضع الشك" (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا وقع الشك في حصول الإتلاف أو الاستهلاك أو وقع الشك في المتلف أو المستهلك فلا يجب الضمان ولا الغرامة على من شك في إتلافه؛ لأن الضمان يستلزم يقين الفعل من الفاعل والشك ينافيه، سواء كان شكاً في الفاعل أو شكاً في سبب الهلاك. وذلك في حقوق العباد حيث إن الواجب لحق العباد غير مبني على الاحتياط بخلاف الواجب لحق الله سبحانه وتعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ادعى الأمين أن الوديعة سرقت أو تلفت بآفة سماوية بغير تعدٍ أو ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 87، 27/ 7، 20. (¬2) نفس المصدر 26/ 90. (¬3) أصول الكرخي ص 166 استنباطاً، والتحرير 3/ 292، عن القواعد والضوابط ص 489.

تقصير منه، وادعى صاحبها مسؤولية الأمين في إتلافها، فإن القول قول الأمين مع يمينه، ولا ضمان عليه، إلا إذا أقام صاحبها البينة على أن الأمين قصَّر في حفظها أو تعدى. ومنها: إذا صدمت سيارة شخصاً فأصيب بجروح ثم عولج وشفي، ثم مات بعد ما ظهر شفاؤه، فهل يجب على سائق السيارة الضمان؟ بحسب هذه القواعد لا يجب؛ لأنه وقع الشك في سبب موته هل هو الصدمة أو سبب آخر. ومنها: إذا ضرب محرم بطن ظبية فطرحت جنيناً ميتاً ثم ماتت فعليه جزاؤهما جميعاً، أخذاً بالاحتياط؛ لأن هذا من حق الله تعالى؛ لأن الضرب سبب صالح لموتهما وقد ظهر الموت عقيبه. ولكن من ضرب بطن امرأة حامل فألقت جنيناً ميتاً وماتت فيجب هنا دية الأم، كما يجب في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة بالحديث، وإلا فالقياس إما أن لا يجب فيه شيء؛ لأنه لم تعرف حياته، وفعل القتل لا يتحقق إلا في محل هو حي، والضمان بالشك لا يجب، وإما أن يجب فيه كمال الدية؛ لأن الضارب منع حدوث منفعة الحياة فيه، فيجعل كالحي في إيجاب الضمان بإتلافه. ولكن ترك القياس بالسنة، وهو حديث حمل بن مالك (¬1). وهذا إذا ألقته قبل موتها، وأما إذا ماتت الأم أولاً ثم انفصل الجنين بعد موتها فلا ضمان فيه عند الحنفية؛ لأنه مع اشتباه السبب لا يوجب الضمان، وذلك لاحتمال أن الجنين لم يمت من الضربة وإنما مات لانحباس نفسه ¬

_ (¬1) الحديث عن ابن عباس رواه أبو داود والنسائي، وفي الباب عن أبي هريرة والمغيرة بن شعبة متفق عليهما، ينظر: منتقى الأخبار 2/ 697, الأحاديث من 9387 - 3991.

بهلاك أمه. وعند غير الحنفية يجب دية المرأة ودية الجنين على أي وجه سواء انفصل قبل موتها أم بعد موتها لأن موته يحال على الضربة على كل حال.

القاعدة الرابعة والعشرون [ضمان العقد الفاسد]

القاعدة الرابعة والعشرون [ضمان العقد الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضمان بالعقد الفاسد يتقدر بالمثل شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العقد الفاسد: هو العقد الذي فقد أحد شروط صحته، كما لو جعل الثمن أو المهر خمراً أو خنزيراً، وهذا عند الحنفية حيث يفرقون بين الباطل والفاسد، فالباطل عندهم ما لم يشرع بأصله ووصفه، والفاسد ما كان مشروعاً بأصله دن وصفه. فمفاد القاعدة: أن الضمان والالتزام بالعقد الفاسد إنما يتقدر شرعاً بالمثل - إن كان له مثل - وإلا فبالقيمة، ولا يتقدر بالمسمى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تزوج امرأة وجعل مهرها خمراً أو خنزيراً، جاز العقد وفسد المهر المسمى -؛ لأن الخمر والخنزير ليست مالاً عند المسلمين - ووجب مهر المثل. ومنها: إذا جعل ثمن السلعة ميتة بطل العقد, لأن الميتة ليست مالاً عند الجميع. ومنها: إذا جعل أجرة دار خمراً أو آلة لهو، فيجب أجر المثل. ومنها: إذا استسخر حُراً واستعمله عنده يضمن أجر مثله، عند الشافعي رحمه الله, لأن المنافع عنده متقومة كالأعيان تتضمن بالإتلاف (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط 11/ 79. (¬2) المنثور 3/ 198.

القاعدة الخامسة والعشرون [الضمانات في الذمة]

القاعدة الخامسة والعشرون [الضمانات في الذمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الضمانات في الذمة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما بأخذ وإما بشرط، فإذا عدما لم تجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الالتزام بالغرامات لا يجب في ذمة الشخص إلا بأحد سببين: الأول: أن يأخذ المضمون، إما بالأخذ الشرعي - أي بالتعاقد - كالرهن، وإما بالأخذ غير الشرعي، كالغصب والإتلاف. والسبب الثاني: أن يكون الضمان مشروطاً على الضامن كالكفالة والحوالة والشراء واشباههما. وما لم يوجد أحد هذين السببين فلا يجب الضمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اشترى سلعة بثمن لأجل، فإن الثمن مضمون في ذمة المشتري، ولا حق للبائع في المطالبة به إلا عند حلول الأجل. ومنها: إذا استهلك طعام غيره فعليه ضمان مثله، إن كان مثلياً أو قيمته إن كان قيمياً أو تعذر المثل. ومنها: التقط لقطة ولم يشهد على التقاطها وتلفت، فعليه ضمانها إذا جاء صاحبها. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي، الأصل 16 ص 165، وينظر أشباه السيوطي ص 362.

القاعدة السادسة والعشرون [ضم المجهول للمعلوم]

القاعدة السادسة والعشرون [ضم المجهول للمعلوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمُّ المجهول إلى المعلوم يوجب جهالة الكل (¬1). وفي لفظ: "المجهول إذا ضُمَّ إلى معلوم يصير الكل مجهولاً" (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. وجود المجهول في العقد يبطله ولو كان ما عداه معلوماً؛ لأن وجود المجهول يوجب وجود النزاع والمخاصمة في العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. باع ما في هذا الكيس بثمن معلوم، فالبيع باطل لجهالة المبيع. ومنها: إذا كان المبيع معلوماً والثمن مجهولاً بطل البيع. ومنها: باع بثمن آجل أجلاً مجهولاً فسد البيع لجهالة الأجل. ومنها: إذا أجره بيتاً أو دكاناً، أو أرضاً بأجرة معلومة وسلعة مجهولة فسدت الإجارة لجهالة السلعة. ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 7، 15/ 159. (¬2) نفس المصدر 13/ 19، 16/ 33.

القاعدة السابعة والعشرون [ضمني الإقرار]

القاعدة السابعة والعشرون [ضمني الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ضمني كل إقرار معتبر مثل صريحة (¬1) أو صحيحه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الإقرار حجة على المقر فيلزم بما أقر به. والإقرار يكون صريحاً فيعمل بموجبه، وقد يكون الإقرار ضمنياً أو ضمن كلام آخر يفيد معنى مقصوداً غير الإقرار، ولكن يدخل الإقرار ضمن الكلام، ولعل هذا يدخل في مصطلح الأصوليين المسمى بدلالة الإشارة. فمفاد القاعدة: أن الإقرار الضمني يعتبر ويعتد به كالإقرار الصحيح والصريح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال الزوج: عقدنا عقد النكاح بشهادة فاسقين: فأنكرت المرأة. فلا يقبل قوله بالنسبة إلى إسقاط المهر، ولا خلاف أنه لا يرثها إذا ماتت؛ لأن قوله: عقدنا بفاسقين، يتضمن إقرار بفساد النكاح، والنكاح الفاسد لا يوجب التوارث بين الزوجين. ومنها: مسلم تحته مسلمة وكتابية بالنكاح ولم يدخل بهما بعد، فقال للمسلمة: ارتددتِ، وللكتابية أسلمت، فأنكرتا، بطل نكاحهما، فكأنه زعم أن الكتابية ارتدت بإنكارها، والمسلمة بطل نكاحها بدعواه ردتها. ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 334 - 337.

حرف الطاء

ثالثاً: قواعد حرف الطاء عدد قواعد حرف الطاء (14) أربع عشرة قاعدة.

القاعدة الأولى والثانية والثالثة [الطارئ بعد العقد]

القاعدة الأولى والثانية والثالثة [الطارئ بعد العقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الطارئ بعد العقد - قبل حصول المقصود به - كالمقارن للعقد (¬1). أو كالمقترن بالسبب (¬2) (¬3). وفي لفظ: "الطارئ هل ينزل منزلة المقارن؟ " (¬4). وفي لفظ: "الفساد الطارئ بعد العقد - قبل حصول المقصود به - كالمقترن بالعقد" (¬5)، وتأتي في حرف الفاء إن شاء الله. وفي لفظ - مقابل -: "ما يعرض بعد حصول المقصود لا يجعل كالمقترن بالسبب" (¬6)، وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالطارئ: الوصف الطارئ، مِن طَرَأ: بمعنى نزل فجأة وحصل. وصيغ هذه القواعد منها ما صيغ بالصيغة الخبرية، فدل على الاتفاق على أن الطارئ ينزل منزلة المقارن فيفسد العقد، إن كان وصفاً مفسداً. ومنها ما ورد بصيغة الإنشاء، فدل على الاختلاف في مضمونها، وهي ¬

_ (¬1) المبسوط 21/ 151. (¬2) نفس المصدر 22/ 34. (¬3) نفس المصدر 30/ 158، والتحرير 4/ 148، عن القواعد والضوابط ص 489. (¬4) المنثور 2/ 347، قواعد الحصني 2/ 195، إعداد المهج شرح المنهج ص 38. (¬5) المبسوط 22/ 88. (¬6) نفس المصدر.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

القاعدة الثانية. وأيضاً ينقسم مدلول هذه القواعد إلى قسمين: الأول: وجود الطارئ قبل حصول المقصود بالعقد - فهذا حكمه حكَم المقترن بأصل العقد، فيفسده إن كان مفسداً. والثاني: وهو لفظ القاعدة الأخيرة: وجود الطارئ بعد حصول المقصود بالعقد، فهذا لا يجعل كالمقترن ولا أثر له في العقد. فمفاد هذه القواعد: أن ما ينزل بالعقد بعد عقده وقبل حصول المقصود به يفسد العقد وكأنه مقترن بأصله، وأما إذا نزل بعد حصول المقصود بالعقد فلا أثر له فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا عقد على صغيره ثم أرضعتها زوجة كبيرة له بطل زواجه من الصغيرة، لأنها صارت بنت زوجته من الرضاع وبنته هو من الرضاع، وعلى زوجته الكبيرة ضمان مهر الصغيرة، لإفسادها عقد نكاحها بإرضاعها. ومنها: إذا اشترى عصيراً فتخمر قبل القبض يفسد العقد ويبطل؛ لأن الخمر ليست مالاً في حق المسلم. ومنها: إذا تزوج أمة ثم ملكها أو ملك بعضها انفسخ النكاح لطروء الملك عليها. ومن أمثلة الطارئ المفسد في الدوام: إذا نكح امرأة فوطئها أبوه أو ابنه بشبهة، أو وطئ هو أمها أو ابنتها بشبهة انفسخ النكاح.

ومن أمثلة ما بعد حصول المقصود

ومن أمثلة ما بعد حصول المقصود: الإحرام يمنع صح النكاح ابتداءً ولكن لو طرأ الإحرام على النكاح لم يقطعه بالإجماع. ومنها: إذا طرأت عدة شبهة عدى منكوحة لم يبطل نكاحها، كما لو اغتصبت أو أكرهت على الزنا لم يبطل نكاحها من زوجها، ولكن عليها عدة من الوطء الفاسد. ومنها: الإسلام يمنع ابتداء السبي دون دوامه (¬1). ¬

_ (¬1) قواعد الحصني 2/ 197 فما بعدها.

القاعدة الرابعة [الطاعة سبب المعصية]

القاعدة الرابعة [الطاعة سبب المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطاعة إذا صارت سبباً للمعصية ترتفع الطاعة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ترتبت على إرادة فعل الطاعة معصية كبيرة ارتفعت الطاعة - أي لا يجب على المكلف فعلها؛ لأنها تصبح وسيلة للمعصية، فالامتناع عن فعل الطاعة في هذه الحالة حتى لا يكون فعلها سبباً في وجود المعصية ووقوعها. فإذا أصبحت الطاعة سبباً ووسيلة للمعصية أخذت حكمها؛ لأن للوسائل أحكام المقاصد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لا يصل إلى الحج إلا بدفع رشوة - حيث كما يحدث ويحدث في بعض البلاد والأزمنة - فلا يجب الحج على من أراده، إذ ترتفع الطاعة لوجود المعصية وهي الرشوة. ومنها: إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وهي طاعة - يترتب عليها معصية أشد فلا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 17 عن حج الفتاوى الخانية 1/ 283.

القاعدة الخامسة [الطاعة حسب الطاقة]

القاعدة الخامسة [الطاعة حسب الطاقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطاعة بحسب - أو على حسب - الطاقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة سبقت في حرف التاء - وهي: التكليف بحسب الوسع - ودليل هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه. وفي رواية: "ما أمرتكم به". فمفاد القاعدة: أن طاعة الله سبحانه وتعالى فيما أوجبه علينا إنما تكون بحسب الوسع والطاعة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2). وإذا عجز الإنسان عن الواجب سقط، ولذلك قالوا: "لا واجب مع عجز" (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد الصلاة فلم يستطع القيام فيها - وهي فريضة - فليصل قاعداً أو مضطجعاً أو على جنب أو يومئ إيماءً. ومنها: من لم يستطع الحج لعدم قدرته على الزاد أو الراحلة أو أمن الطريق فلا يجب عليه. ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 74، 212. (¬2) سورة البقرة: 286. (¬3) إعلام الموقعين 2/ 41.

ومنها: من لم يستطع الصوم لهرم أو مرض فليفطر وليفد - أي يطعم عن كل يوم مسكيناً -. ومنها: من لم يستطع استعمال الماء لمرض أو شدة برد يتيمم.

القاعدة السادسة [الطاعات]

القاعدة السادسة [الطاعات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطاعات التي لا يجوز أَداؤها من الكافر لا يجوز الاستئجار عليها (¬1) عند الحنفية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحج والأذان وأمثالها طاعات لا يجوز للكافر أن يؤديها ولا تقبل منه، ولذلك لا يجوز الاستئجار عليها؛ لأن المباشر لعمل الطاعة عمله لله تعالى، فلا يصير مسلَّماً إلى المستأجر فلا يجب الأجرة عليه. وعند أحمد رحمه الله تعالى: "تصح الإجارة على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة - أي مسلماً - كالحج والأذان وتعليم القرآن والإقامة والإمامة والقضاء، وتعليم الفقه والحديث، فلا يصح الإجارة عليها، فهو كأبي حنيفة رحمه الله في ذلك. وعنه رواية: أنه يجوز أخذ الأجرة على التعليم، ويجوز أخذ رزق على ذلك من بيت المال؛ لأنه ليس بعوض بل القصد به الإعانة على الطاعة (¬2). وعند مالك رحمه الله: الإجارة على الحج جائزة الميت إذا أوصى بها - أي حجة الفرض فقط. وعنده لا يجوز الحج عن الغير إلا في حج الفرض عن الميت إذا لم يحج ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 158. (¬2) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 5/ 320 - 321.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عن نفسه أو العمرة فقط (¬1). وأما عند الشافعي رحمه الله: فيجوز؛ لأن عنده: "أن كل ما لا يتعين على الأجير أداؤه يجوز الاستئجار عليه إذا كان تجزئ فيه النيابة" (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر رجلاً ليحج عنه لم تجز الإجارة ويكون حجة عمَّن أمره بالحج ولكن له نفقة مثله في ماله - وليست أجرة - ولكن نفقة؛ لأنه فرَّغ نفسه لعمل ينتفع به المستأجر فيستحق الكفاية في ماله كالقاضي كفايته في بيت المال. ومنها: إذا استأجر رجلاً ليؤذن فلا تجوز الإجارة، للحديث: "إذا اتخذت مؤذناً فلا يأخذ على الأذان أجراً" (¬3). ¬

_ (¬1) الكافي ص 408. (¬2) روضة الطالبين 2/ 292. (¬3) الحديث عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، رواه الخمسة.

القاعدة السابعة [طالب التولية]

القاعدة السابعة [طالب التولية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: طالب التولية لا يُوَلّى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: طالب التولية: من طلب أن يكون والياً - المراد الولاية الدنيوية - إما لبلدة أو قضاء أو وقف أو غير ذلك من الولايات والوظائف العامة الدنيوية؛ لأن أصل التولية شرع تكليفاً لإقامة فرائض الله في الأرض، أو للإشراف على أعمال وأموال، ففي وظائف - وإن كانت على أعمال دنيوية - لكن أمر بها الشرع لخدمة من هم تحت ولايته، فمن طلب ولاية فهو يرى نفسه أكفأ من غيره، وقد يكون له في ذلك غرض دنيوي، وليس مقصوده إقامة شرع الله، أو أداء حقوق العباد. والأصل لما ذلك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمِّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال عليه السلام: إنا والله لا نُولّي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه" (¬2). وفيه عن عبد الرحمن بن سمرة عن أنس وعن أبي هريرة رضي الله عنهم. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 35، إن الإسعاف ص 53. (¬2) الحديث متفق عليه. ينظر: منتقى الأخبار الأحاديث من رقم 4939 - 4943.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ولكن الوظائف الدينية يجوز أن يطلبها من هو كفء كما ثبت أنَّ عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه طلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعله إمام قومه - ولعله كان أكثرهم حملاً لكتاب الله - فأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك (¬1). ولكن في عصرنا الحاضر أصبحت تولية الوظائف والأعمال يتقدم إليها طلابها بمؤهلاتهم، وقد يكون تعيينهم باختيار جمهور الناس بعد ترشيح أنفسهم كما يحدث بالنسبة لرؤساء بعض الدول وأعضاء المجالس النيابية، فمن وجد كفؤاً أو أن مؤهلاتهم، تؤهلهم للمناصب المطلوبة عُيِّنوا فيها. وقد يعيَّن من لا يكون كفؤاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل طلب التولية على الوقف، لا يعطى ولا يجاب إلى طلبه، وهو كمن طلب القضاء لا يقلد. ¬

_ (¬1) الحديث سبق تخريجه في القاعدة السابقة.

القاعدة الثامنة [الرجحان]

القاعدة الثامنة [الرجحان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: طرفي الترجيح إذا تعارضا كان الرجحان في الذات أحق منه في الحال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: طرفي الترجيح: هما المسألتان المتعارضتان. الرجحان في الذات: أي في العين. الحال: المراد به نفس الأمر الواقع. فمفاد القاعدة: أنه إذا وقع تعارض بين مسألتين إحداهما تتعلق بالذات والآخرى تتعلق بالواقع ونفس الأمر كان الرجحان لما يتعلق بالذات أحق منه لما يتعلق بالواقع؛ لأن الأمر المتعلق بالذات قائم وموجود حسّاً بخلاف الحال فإنه أمر حكمي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب مالاً - شاة أو حنطة - فغيره تغييراً يزيل اسمه فإن الغاصب يضمن المغصوب بقيمته ويملكه، أما الضمان فلكونه متعدياً، والمتعدي ضامن، وأما كونه يملكه فلأنه أحدث في المغصوب صنعة متقومة، كما لو ذبح الشاة وشواها أو طبخها، أو جعل الحنطة دقيقاً، فالتغيير في المغصوب غير اسمه وجعل حق المالك هالكاً من وجه؛ لتبدل الاسم وتفويت عُظم المنافع، وحق الغاصب في الصنعة قائم من كل وجه فيكون راجحاً. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي في سلك الأمالي لوحة 64 أ.

القاعدة التاسعة [طلب الكسب الحلال]

القاعدة التاسعة [طلب الكسب الحلال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: طلب الكسب الحلال فريضة بعد الفريضة (¬1). وفي لفظ: "طلب كسب الحلال فريضة". وفي لفظ: "طلب الكسب بعد الصلاة المكتوبة الفريضة بعد الفريضة" (¬2). وفي لفظ: "طلب الكسب فريضة على كل مسلم" وفي لفظ: "طلب الحلال فريضة على كل مسلم". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة حديث منسوب للرسول - صلى الله عليه وسلم - روي في عدة طرق وبألفاظ مختلفة (2). ومفاده: أن الإسلام يبغض الإنسان القادر الذي لا عمل له، ويحث على العمل وطلب الكسب الحلال، وجعل الإسلام طلب الكسب الحلال فريضة واجبة على كل مسلم قادر بعد الفرائض المكتوبات؛ لما فيه من إقامة ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 245. (¬2) والحديث رواه البيهقي عن ابن مسعود وضعفه كما رواه الطبراني عن أنس، وهو في إتحاف السادة المتقين 6/ 4، 4/ 138، وفي مشكاة المصابيح حديث رقم 2781، وكنز العمال الحديث 9231، وكشف الخفاء 2/ 59، وتاريخ أصفهان 2/ 339، وغيرها، ينظر: موسوعة أطراف الحديث لزغلول 5/ 155 - 156.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الحياة وعيش الإنسان عيشة شريفة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن يمتهن الإنسان مهنة شريفة أو يتعلم صنعة تغنيه عن مد يده للناس وتكفيه قوام حياته، وتعينه على نفقات بيته وأسرته واجب مفروض. فلا يجوز لمسلم قادر أن لا يعمل عملاً حلالاً شريفاً يكسب من ورائه عيشه وقوته، وإن لم يفعل وهو قادر فهو آثم.

القاعدة العاشرة [طمأنينة القلب]

القاعدة العاشرة [طمأنينة القلب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: طمأنينة القلب إلى ما اجتمع عليه فريقان أظهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الاختلاف في أمر ما فمن قواعد الترجيح أن ما اتفق عليه فريقان أو جمعان يكون أقوى وأرجح مما انفرد به واحد. ويكون ذلك أكثر طمأنينة لقلب المكلف؛ لأن نظر اثنين أقوى وأقرب للصواب من نظر واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إعطاء الفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، أو إعطاؤه سهمين له وسهم لفرسه، مسألة اختلفت فيها أنظار الفقهاء، فعند أبي حنيفة رحمه الله لا يعطى الفارس إلا سهمين: سهم له وسهم لفرسه، وعند تلميذيه أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يعطى ثلاثة أسهم، وقولهما راجح لاجتماعهما، وانفراده، بل إن رأيهما هو رأي جمهور الفقهاء غير الحنفية لقوة أدلته. ومنها: إذا أخبر أحد بنجاسة الماء، وأخبر اثنان بطهارته، فإنه يؤخذ بقول الاثنين؛ لأن طمأنينة القلب في خبر الاثنين أظهر. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 886.

القاعدة الحادية عشرة [الطهارة]

القاعدة الحادية عشرة [الطهارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطهارة أصل في الأشياء (¬1). وفي لفظ: "الأصل طهارة الأعيان" (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأصل في الأشياء: أن مبتدأ خلقها، فالله سبحانه وتعالى خلق الأشياء كلها طاهرة ثم طرأت عليها النجاسة، غير الأشياء التي هي نجسة العين كما خلقها الله تعالى وبين حكمها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: آنية أهل الكتاب وأطعمتهم طاهرة بدليل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكل من ضيافة اليهودي واليهودية فدل ذلك على طهارتها ولو كانت نجسة ما أكل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ومنها: أن الصحابة رضوان الله عليهم، قالوا: كنا نغزوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم ونستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم (¬4). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 53، إعداد المهج ص 234. (¬2) إعداد المهج ص 234. (¬3) الحديث عن أنس رضي الله عنه، رواه أحمد. (¬4) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، رواه أحمد وأبو داود.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا شك أو ظن أو ظن في طهارة ماء أو أرض أو طين أو بساط أو لباس أو طعام أو إناء أو غير ذلك مما ليس هو نجس العين فذلك الشيء طاهر في حق الوضوء والصلاة وحل الأكل وسائر التصرفات، ما لم يتيقن أو يغلب على ظنه نجاسته. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا غلب على ظنه نجاسة شيء كسراويل الكفرة وسؤر الدجاجة المخلاة والماء الذي أدخل الصبي يده فيه يكره استعماله تنزهاً ويستحب الاحتراز عنه.

القاعدة الثانية عشرة [الطهارة]

القاعدة الثانية عشرة [الطهارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطهارة شرط بقاء الصلاة كما هي شرط ابتدائها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطهارة في الجسم والمكان واللباس شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح صلاة بغير طهارة - عند القدرة عليها - وشروط صحة العبادة - عموماً - يجب استمرارها وبقاؤها مع العبادة منذ بدئها حتى نهايتها، فالطهارة في الصلاة كما يشترط وجودها عند ابتداء الصلاة يشترط استمرارها وبقاؤها حتى نهايتها. وهكذا كل عبادة من العبادات يشترط استصحاب شروط صحتها حتى نهايتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دخل الصلاة طاهراً ففي أثناء صلاته أحدث بطلت صلاته؛ لأن الشرط استمرار الطهارة حتى تمام الصلاة. ومنها: دخل الصلاة مستقبلاً فإذا انحرف أثناء صلاته متعمداً مختاراً بطلت صلاته. ومنها: الصائم يشترط لصحة صومه إمساكه عن كل المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا أمسك أول النهار ثم تناول مفطراً متعمداً ظهراً أو عصراً أو قبل الغروب فسد صومه. ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 169.

ومنها: المحرم بالحج أو العمرة يشترط لصحة حجه أو عمرته استمرار إحرامه حتى نهاية أعمال الحج أو العمرة، فإذا تحلل قبل تمام الأفعال لا يصح تحلله ويبقى على إحرامه لكن عليه دم لتحلله قبل تمام الأفعال. ولا يخرج ولا يبطل حجه ولا عمرته خلافاً لمفسد صالاته أو صومه.

القاعدة الثالثة عشرة [الطهارة نعمة]

القاعدة الثالثة عشرة [الطهارة نعمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطهارة نعمة فلا تثبت النعمة بالفعل المحرم (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: طهارة الأشياء من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده؛ حتى يستعملوا طاهراً نقياً، سواء أكان طعاماً أم شراباً أم ما يستعمل استعمالاً. فإذا كانت طهارة الأشياء نعمة فلا يجوز إثباتها بفعل محرم، لأن المحرم لا يكون طريقاً للنعم وللحلال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخمر نجسة والخل طاهر، فلا يجوز تخليل الخمر ونقلها من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة، ولو بنقلها من الظل إلى الشمس أو العكس أو وضع ملح فيها أو غير ذلك، ولكن إن تخللت بنفسها طهرت، ولأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن تخليلها" (¬2). ولأن حبسها وإبقائها في ملك المسلم معصية، والطهارة نعمة، والمعصية لا تكون سبباً للنعمة. ومنها: إذا صارت النجاسة ملحاً في الملاحة، أو أحرقت فصارت رماداً أو تراباً، فهل ذلك يصبح طاهراً؟ قولان، والأرجح أن كل ذلك طاهر إذا لم يبق شيء عن أثر النجاسة (¬3). ¬

_ (¬1) المسألة الماردينية ص 26، 33. (¬2) في الباب أحاديث عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن الخمر يُتَّخذ خلاً، فقال: "لا". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه. ينظر: منتقى الأخبار 2/ 898 الأحاديث 4765 - 4768. (¬3) ينظر في ذلك شرح المهذب 2/ 574، الاعتناء 1/ 105.

القاعدة الرابعة عشرة [الطوارئ]

القاعدة الرابعة عشرة [الطوارئ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الطوارئ هل تراعى أو لا؟ (¬1). أو: المتوقع هل يجعل كالواقع (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالطوارئ: جمع طارئ وهو الأمر الحادث، من طرأ عليه بمعنى ورد وحدث وحصل بغتة. فمفاد القاعدة: أن تقدير حدوث أمر بغتة هل يعتبر ويراعى فيمنع تقدير وقوعه من التصرف، أو لا يراعى ذلك؟ خلاف عند المالكية. وقد يُعَبَّر عن هذه القاعدة بقاعدة: اعتبار الحال أو المآل؟ (2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امرأة تزوجها عبد أبيها، قالوا: كره مالك رحمه الله ذلك مراعاة للطوارئ خشية أن يموت أبوها فترث زوجها العبد فيئول ذلك إلى فسخ النكاح. ومنها: إذا استأجر امرأة أشرفت على الحيض لكنس المسجد، فهل يجوز مع ظن طروء الحيض؟ يجوز مع احتمال بالمنع (¬3). ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 74، إعداد المهج ص 105. (¬2) أشباه السيوطي ص 178. (¬3) المصدر السابق ص 179.

حرف الظاء

رابعاً: قواعد حرف الظاء عدد قواعد حرف الظاء (9) تسع قواعد.

القاعدة الأولى [الظاهران]

القاعدة الأولى [الظاهران] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظاهران إذا كان أحدهما أظهر من الآخر فإن الأظهر أولى لفضل ظهوره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق ذكر هذه القاعدة وبيان معناها وأمثلة لها ضمن قواعد حرف الهمزة تحت رقم (343). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. أتت بولد يمكن كونه منه, وادعت أنه أصابها، وأنكر بعد الاتفاق على الخلوة، فأظهر القولين تصديقه. والثاني: إنها المصدَّقة. ومنها: تزوجها بشرط البكارة فوجدت ثيباً. وقالت: افتضني. وقال: بل كنت ثيباً. قال البغوي: القول قولها بيمينها لدفع الفسخ، لا لدفع كمال المهر (¬2). ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 162، وأشباه ابن السبكي 1/ 38، والمتثور للزركشي 1/ 330. (¬2) أشباه ابن السبكي 1/ 39.

القاعدة الثانية [الظاهر]

القاعدة الثانية [الظاهر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الظاهر إنما يكون حجة لدفع الاستحقاق لا لإثبات الاستحقاق (¬1) وفي لفظ: "الظاهر يدفع الاستحقاق ولا يوجبه" (¬2). وفي لفظ: "الظاهر يكفي لدفع الاستحقاق لا لإثبات الاستحقاق" (¬3). وفي لفظ: "استصحاب الحال دليل مُبَقًّ لا موجب" (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. الظاهر: هو اسم لكلام ظهر المراد منه للسامع بنفس الصيغة ويكون محتملاً للتأويل والتخصيص (¬5). وأما عند الفقهاء: فهو ما يترجح وقوعه وإن كان يحتمل أمراً آخر. والمراد بالظاهر في هذه القواعد: هو الأمر أو الحال السابقة للحكم، وهو المراد باستصحاب الحال. فمفاد هذه القواعد: أن ما ثبت وغلب على الظن وجوده يبنى عليه الحكم، والحكم المبني عليه هو دفع الغير عما يخصه - وهو معنى الدفع - ¬

_ (¬1) المبسوط 6/ 26، 9/ 171، 11/ 24 - 25، 27/ 20، شرح السير ص 321. (¬2) أصول الكرخي ص 161. (¬3) المبسوط 5/ 5. (¬4) المبسوط 11/ 43. (¬5) التعريفات ص 147.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ولا يعطى للمكلف استحقاقاً جديداً؛ لأن الظاهر بالنسبة للاستحقاق مغلوب والضعيف لا يظهر مع القوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. المفقود لا يورث؛ لأننا نستصحب حياته - وشرط التوريث التحقق من موت المورث - والمورث هنا خرج حيَّاً ولم يثبت موته. وهذا عند الجميع. والمفقود في نفس الوقت لا يرث من غيره - عند الحنفية -؛ لأن شرط استحقاق الإرث التحقق من حياة الوارث عند موت المورث، والمفقود هنا نحن في شك من حياته، ولذلك فهو لا يرث من غيره؛ لأن الإرث لا يبنى على الشك. وعند غير الحنفية يورثون المفقود استصحاباً لحياته السابقة.

القاعدة الثالثة [الظاهر]

القاعدة الثالثة [الظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظاهر شاهد لمن يوافق العرفُ قوله (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إن الظاهر وما يغلب على الظن يكون شاهداً - عند الاختلاف - لمن يكون العرف والعادة السائدة في زمنه موافقة لقوله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا سلم أبٌ وَلدَه لمعلم صنعة ليعلمها إياه - ولم يشترط شيئاً - ثم بعد أن علَّمه اختلفا لمن تجب الأجرة - هل هي للمعلم أو هي للمتعلم - وكلٌّ منهما يدعيها. فينظر إلى العرف السائد في تلك البلدة في ذلك الزمن هل العرف أن يأخذ المعلِّم لهذه الصنعة الأجرة، أو أن العرف يجعلها للمتعلم؟ فمن وافق العرف قوله كانت الأجرة له. ¬

_ (¬1) المبسوط 16/ 53.

القاعدة الرابعة [الظاهر- البينة]

القاعدة الرابعة [الظاهر- البينة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظاهر لا يعارض البيِّنة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. البيَّنة: وهي البرهان والشهود - أقوى من الظاهر -، ولذلك إذا وجد ظاهر وقامت البيَّنة على خلافه يحكم بالبينة ولا ينظر إلى الظاهر؛ لأنه أضعف منها، والضعيف لا يعارض القوي. كما سبق قريباً؛ ولأن الظاهر أمر حكَمي والبينة أمر حسي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. معه سلعة وأراد بيعها فهي ملكه بحسب الظاهر؛ لأن الأموال على ملك أربابها؛ ولأنه واضع يده عليها، ولكن أقام آخر البينة أن السلعة له، فيحكم له بها ويمنع الأول من بيعها وإن كان ظاهر الأمر أنها ملكه بوضع اليد. ومنها: ادعى على لقيط أنه عبده، وأَقام البينة على دعواه فيحكم له به. وإن كان الظاهر أن اللقيط في أرض الإسلام حر. ¬

_ (¬1) المبسوط 7/ 216.

القاعدة الخامسة [الظاهر]

القاعدة الخامسة [الظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظاهر يسقط اعتباره إذا تبين الحال بخلافه (¬1). وفي لفظ: "لا معتبر بالظاهر إذا تبين الأمر بخلافه (¬2)، أو إذا قام الدليل بخلافه" (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الظاهر يأخذ حكمه إذا لم يعارضه ما هو أقوىَ منه، وما هو أقوى من الظاهر البينة، والدليل كما سبق قريباً، والحال ونفس الأمر أي واقع الحال، فإذا عارض الظاهر واقع الأمر أو الدليل والحجة سقط اعتبار الظاهر ولم يعتد به لضعفه أمام ما هو أقوى منه. وهذه القاعدة بمعنى القاعدة الآتية "لا عبرة بالظن البين خطؤه". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الصلاة إلى غير جهة القبلة بدون تحرٍ باطلة. ومنها: إذا أعطى زكاته من ظنه فقيراً ثم تبين أنه غني، تلزمه الإعادة عند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى. ومنها: إذا أعطى زكاته من ظنه فقيراً مسلماً فظهر أنه كافر فلا تجزئه ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 192. (¬2) نفس المصدر ص 186 (¬3) نفس المصدر 11/ 185.

اتفاقاً. ومنها: شركة المفاوضة تقتضي أن كل مال بيد أحد الشريكين هو بينهما مناصفة، فإذا ادعى أحد الشريكين أن ما في يده من مال هو ميراث ورثه بعد وجود الشركة وأقام البينة على ذلك فهو مال يخصه ولا حق لشريكه فيه، ولا يدخل في شركة المفاوضة.

القاعدة السادسة [الظلم]

القاعدة السادسة [الظلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظلم يجب دفعه ويحرم تقريره (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، والتصرف في حق الغير بغير إذنه، ومجاوزة حد الشارع (¬2). وشرعاً: التعدي إلى مال الغير أو عرضه أو دمه بغير وجه شرعي (¬3). والظلم محرم شرعاً فيجب الابتعاد عنه، كما يجب دفعه لمن يقدر عليه إذا وقع. فمفاد القاعدة: أن الظلم يجب دفعه وإزالته على من استطاع، وإن لم يدفعه وهو قادر على ذلك فهو ظالم، وواقع في الحرام حيث إن الظلم يحرم تقريره والسكوت عليه. ومن أدلة هذه القاعدة قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا} (¬4). وفي الحديث: "لا تظلموا ألا لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه" (¬5). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 53. (¬2) الكليات ص 594. (¬3) مختار الصحاح, مادة (ظ ل م). (¬4) الآية 190 من سورة البقرة، والآية 87 من سورة المائدة. (¬5) الحديث رواه أحمد 5/ 72 عن عم أبي حرة الرقاشي في خطبة حجة الوداع.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شهد شاهدان على رجل أنه قتل رجلاً خطأً، وحكم القاضي بالدية، تم جاء من ادُّعِيَ قتله حياً، فإن القاضي يضمَّن الولي الدية لأنه قبض بغير حق، وهو ظلم والظلم يجب دفعه ويحرم تقريره. ومنها: إذا علم أن مسؤولاً لا يعمل لأحد عملاً مما هو حق له إلا بأخذ الرشوة - وهي ظلم - وعلم بذلك من فوقه من المسؤولين فيجب عَليهم تأديبه وعزله؛ لأن في إبقائه بدون عقوبة تقرير لظلمه، وتقرير الظلم والسكوت عليه حرام على من يستطيع دفعه فلم يفعل. ومنها: فرض الجزية على المسلمين في أرض الإسلام ظلم كبير - وإن سميت بغير اسمها -، فالسكَوت عنها والرضا بها ظلم. ومنها: فرض أنظمة كافرة - أو غير شرعية - على المسلمين ظلم فيجب دفعه لمن يقدر على ذلك ولا يجوز تقريره والسكوت عليه. ¬

_ (¬1) الحديث في الترغيب والترهيب 2/ 475، إتحاف السادة المتقين 5/ 60، الإتحافات السنية ص 294، ولم أجد فيه، الأذكار للنوويَ ص 367، تهذيب تاريخ دمشق 7/ 206, مشكاة المصابيح، حديث 2326، زاد المسير 3/ 370. ينظر: موسوعة أطراف الحدث لزغلول 11/ 177, والأحاديث القدسية الموجودة في الكتب الستة وموطأ الإمام مالك 1/ 264 حديث 266.

القاعدة السابعة [خطأ الظن]

القاعدة السابعة [خطأ الظن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظن غير المطابق هل يؤثر (¬1)؟ وفي لفظ: "لا عبرة بالظن البيَّن خطؤه" (¬2). وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا ظن أمراً ثم تبين أنه في واقع الأمر خلافه، فلا عبرة بذلك الظن، ويجب الحكم بحسب الواقع، إلا في بعض المسائل اختلف فيها للتعارض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا صلى على ظن أنه متطهر فظهر أنه صلى مع الحدث. يجب عليه الإعادة. ومنها: ظن دخول الوقت فصلى ثم ظهر أنه صلى قبل دخول الوقت. يعيد. ومنها: إذا ظن أن عليه ديناً فأداه ثم ظهر أنه لا دين عليه، استرد ما دفع. رابعاً: ومن المسائل التي اختلف فيها على قولين أو استثنيت من القاعدة. إذا باع مال أبيه - بغير إذنه - على ظن أنه حي، فإذا هو ميت، هل ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 162 - 166، إعداد المهج شرح المنهج ص 31. (¬2) أشباه ابن نجيم ص161.

يصح البيع، قولان: والأظهر الصحة لأنه ظهر أنه باع مال نفسه. ومنها: إذا رأوا عدواً فخافوه فصلُّو صلاة الخوف ثم ظهر أنه كان بينهم خندق أو نهر أو حاجز حصين. قالوا: الأصح وجوب القضاء. ومما استثني: خاطب امرأته بالطلاق وهو يظنها أجنبية - وقع الطلاق. ومنها: إذا رأى المتيمم ركباً - أي جماعة مسافرة - فظن أن معهم ماءً توجه عليه طلب الماء منهم - وانتقض تيممه - وإن لم يجد عندهم ماءً. فعليه إعادة التيمم.

القاعدة الثامنة [الظن]

القاعدة الثامنة [الظن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظن هل ينقض بالظن أم لا؟ (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تتعلق بالمسائل الاجتهادية المبنية على الظن. ومفادها: أن الاجتهاد الظني إذا تغير عند المجتهد بعد تنفيذ الاجتهاد الأول فهل يعتبر الاجتهاد الثاني ناقضاً ومبطلاً للاجتهاد الأول؟ الأصل: أن ما بني على الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله وينقض بالنص المخالف. ولكن يظهر أن عند المالكية خلاف حيث يرى بعضهم نقض الظن الأول وإبطاله على وجه الاستحباب لا الوجوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اجتهد وتحرى في جهة القبلة فصلى ثم تغير اجتهاده بعد ذلك، فهل يعيد صلاته؟ عند المالكية قولان: والمذهب أنه يعيد استحباباً، وعند غيرهم لا يعيد. ومنها: إذا حكم القاضي باجتهاده، ثم تغير اجتهاده إلى حكم آخر، أو مفتٍ أفتى في نازلة ثم تغير اجتهاده فيها. الجمهور على أن اجتهاده الثاني لا ينقض اجتهاده الأول، ولكن يأخذ باجتهاده الثاني في مسألة أخرىَ ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة السابعة، إعداد المهج ص 39.

مشابهة (¬1)، إلا إذا تبين أن الاجتهاد الأولى مبني على خطأ فاحش أو مخالف للنص أو الإجماع أو القواعد أو القياس الجلي (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر في كتب الأصول مختصر المنتهى لابن الحاجب وغيره. (¬2) ينظر: الفروق للقرافي، الفرق 223.

القاعدة التاسعة [الظهور والانكشاف]

القاعدة التاسعة [الظهور والانكشاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الظهور والانكشاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بهذه القاعدة انكشاف ما كان مستوراً قبل الحكم، وظهوره مخالفاً للحكم السابق، فهل ينقض الحكم بانكشاف خلافه أو يبقى؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال لزوجته: أنت طالق يوم يقدم فلان، فقدم نصف النهار، فحين قدومه تبين أن الطلاق قد وقع في أول اليوم - وانكشف ما كان مستوراً وعلم ما كان مجهولاً -. فتجري ما أحكام الطلاق من أول اليوم على حقائقها. ومنها: إذا جرى قسمة مال المفقود في دار الإسلام - وقد أنفق أولاده على أنفسهم من ماله - ثم ظهر أنه حي، فهل ترد النفقة وتبطل القسمة؟ خلاف. ومنها: إذا ادعت زوجة المتوفى أو المطلق أنها حامل وحصلت على النفقة ثم ظهر أن حملها كاذب، فهل تسترد النفقة منها؟ والمختار رد النفقة. ومنها: قد ضمن - أي كفل - عن رجل ديناً فأدى المدين - الأصيل - إلى الدائن عرضاً - أي سلعة عوضاً عن دينه - فيسقط ضمان الضامن بهذا الأداء، ثم ظهر أن السلعة المؤداة مستحقة لغير المدين، فهل يرجع الدائن على الكفيل - إذ ظهر أن الدين لم لم يؤدى - خلاف. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 33، وإعداد المهج ص 98.

حرف العين

القسم السابع قواعد حرف العين وحرف الغين أولاً: حرف العين عدد قواعد حرف العين (90) تسعون قاعدة.

القاعدة الأولى [العادات]

القاعدة الأولى [العادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العادات الأصل فيها العفو وعدم الحظر. أو الإباحة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العادات: جمع عادة، والعادة فَعْلة من العَوْد، أي التكرار، والمراد بها: كل أمر يتكرر ويعاد إليه. أو هي ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا له مرة بعد مرة. فمفاد القاعدة: أن ما اعتاده الناس وعرفوه وعلموا بموجبه فالأصل فيه الإباحة وعدم المنع، إلا إذا قام الدليل الشرعي على منعه لفساده أو ضرره أو مخالفته لأحكام الشرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اعتياد المسلمين تعطيل الأعمال يوم الخميس والجمعة أو يوم الجمعة فقط. ومنها: جريان عادة الناس على التعامل في العقود بكل ما دل على مقصود المتعاقدين وتراضيهما. ومنها: الأسماء التي جاءت في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - معلقاً بها أحكاماً شرعية فما كان عِلْمُ حدِّه ومعناه باللغة أو الشرع فالمرجع فيه ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 112، 200.

الشرع. وما لم يكن له حد أو معنى في اللغة أو في الشرع فالمرجع فيه إلى عرف الناس، وعاداتهم، كالحرز في السرقة، وفي قدر الحيض والنفاس أَقلُّه وأكثره وأغلبه، وفي التأخير المانع من الرد بالعيب.

القاعدة الثانية والثالثة والرابعة [العادة]

القاعدة الثانية والثالثة والرابعة [العادة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة. العادة تجعل حَكَماً إذا لم يوجد التصريح بخلافها (¬1). وفي لفظ: "العادة تنزل منزلة اللفظ" (¬2). وفي لفظ: "العادة مُحَكَّمَة (¬3)، إذا اطردت وإن اختلفت فلا" (¬4). وفي لفظ: "العادة المطردة تنزل منزلة الشرط" (¬5). وفي لفظ: "العادة معتبرة في تقييد مطلق الكلام" (¬6). وفي لفظ: "المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً" وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القواعد تتعلق بحكم العادة أو العرف وشروط اعتبارها عملها ¬

_ (¬1) شرح السير ص 295. (¬2) الفروق للجويني ص 273. (¬3) الأشباه لابن السبكي 1/ 50 - 54، المنثور 2/ 356، المجموع للعلائي لوحة 51 ب فما بعدها، قواعد الحصني 1/ 324، أشباه السيوطي ص 89، أشباه ابن نجيم ص 92، شرح سنبلي زاده على الأشباه لوحة 128، إيضاح المسالك القاعدة 111، إعداد المهج ص 177، المجلة المادة 36، شرح الخاتمة ص 53، ترتيب اللآلي لوحة 64 أ، المدخل فقرة 604، شرح القواعد للزرقاء ص 165، الوجيز مع الشرح والبيان ص 270. (¬4) الفروق للجويني ص 401. (¬5) شرح الخاتمة ص 54. (¬6) شرح السير ص 1077 وعنه قواعد الفقه ص 90.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

فمفادها على وجه العموم: أن العادة تجعل حَكَماً لإثبات حكم شرعي. سواء كانت عادة عامة أو خاصة إذا اطردت ولم يوجد التصريح بخلافها. ولم تخالف نصاً شرعياً أو شرطاً لأحد المتعاقدين. شروط اعتبار العادة حَكَماً: 1 - أن لا يوجد تصريح بخلافها؛ لأن التصريح أقوى من الدلالة؛ لأن العمل بالعادة دلالة لا تصريحاً، فإذا وجد التصريح بخلافها بطل العمل بها. 2 - أن تكون العادة مطردة، أي أن العمل بموجبها مستمر بين الناس أو معظمهم في شؤون حياتهم، لأن العادة إذا كان يعمل بها في وقت دون وقت لا تصلح أن تكون حكماً. 3 - وكذلك يشترط أن تكون العادة غالبة شائعة بين الناس فلا اعتبار لعادة يعمل بها فئة من الناس ولا يعمل بها آخرون. كما أنه لا اعتبار لعادة غير شائعة لا يعلمها أكثر الناس ولا يعملون بموجبها، هذا إذا كانت العادة عامة بين الناس. وأما العادة الخاصة بشخص أو أشخاص معينين أو طائفة من الناس فتكون حكماً لمن يعمل بها إذا عُرِف عنه ذلك. كما أن العادة تقيد مطلق الكلام دلالة كما لو صرح بالقيد أو الشرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اعتياد الناس تعطل بعض أيام الأسبوع. وكاعتيادهم أكل نوع خاص من المآكل أو استعمال نوع خاص من الملابس أو الأدوات. ومنها: تعارف الناس تقديم الأجرة قبل استيفاء المنفعة في إجارة

الأماكن سنوياً أو شهرياً. إلا إذا اشترط المستأجر التأخير. ومنها: اعتياد بعض الناس عند بيع الأشياء الثقيلة أن تكون حمولتها وإيصالها إلى محل المشتري على البائع. وغير ذلك كثير.

القاعدة الخامسة [الإجماع السكوتي]

القاعدة الخامسة [الإجماع السكوتي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العادة فيما بين أهل الاجتهاد إظهارُ الخلاف من غير توقف، فإذا سكتوا دل ذلك على رضاهم بالقول أو الحكم الذي قاله بعض المجتهدين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه قاعدة أصولية فقهية. ومفادها: أن مما جرت العادة فيه بين المجتهدين من الأمة أنه إذا اجتهد أحدهم في مسألة وأفتى فيها برأي أو حكم فيها بحكم فإن المجتهدين الآخرين إذا لم يوافقوا على تلك الفتوى أو ذلك الحكم أنهم يظهرون الخلاف ولا يسكتون عن نقد ذلك الحكم وتلك الفتوى، واعتراضهم عليها إبراء لذممهم إذا وجدوا أن تلك الفتوى أو ذلك الحكم فيه مخالفة شرعية أو مبناها على رأي ضعيف أو شاذ. ولكن إذا ظهرت تلك الفتوى أو ذلك الحكم وذاع وانتشر عمن قال به وسمع بها أو به المجتهدون الآخرون وسكتوا عن نقده واعتراضه أو مخالفته، فيكون ذلك السكوت منهم - مع القدرة على الاعتراض - دليلاً على رضاهم بذلك القول الذي قاله المجتهد. وهذا المسمى في عرف الأصوليين" الإجماع السكوتي" ولكن ذلك مشروط بأن لا يكون سكوتهم عن الاعتراض لأنهم ¬

_ (¬1) عن شرح اللمع ص 691 فقرة 807 بتصرف.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ممنوعون من الكلام والانتقاد - أي يعتبر السكوت رضا عند وجود حرية للعالم أن يتكلم بدون ضرر يعود عليه، وإلا لا يعتبر سكوته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أفتى عالم أو مجتهد أو مفت بفتوى تخالف ما عُلِم من الدين بالضرورة، أو أجمع عليه المجتهدون كمن أفتى بحل فوائد البنوك أو أحل الربا بأي وجه كان فإن المجتهدين الأخرين من شتى البقاع الإسلامية لم يسكتوا عنه وأظهروا الخلاف وسفهوا رأي القائل واستنكروه.

القاعدة السادسة [العارض]

القاعدة السادسة [العارض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العارض إذا ارتفع مع بقاء حكم الأصل جُعِل كأن لم يكن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العارض: هو الأمر الطارئ الذي يقع فجأة تم يزول. فمفاد القاعدة: أن الحكم الأصلي إذا طرأ عليه ما يمكن أن يزيله ثم ارتفع هذا الطارئ وزال، فإن الحكم الأصلي يبقى على ما كان عليه، ولا يعتبر العارض الطارئ مؤثراً فيه؛ لأنه زال وبزواله عاد الحكم إلى ما كان عليه، إلا في الحدود قبل الاستيفاء. ينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة 344. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إنَّ مال الزكاة إذا كمل نصابه في طرفي الحول ثم نقص النصاب خلال الحول أنه لا يمنع وجوب الزكاة فيه - خلافاً للشافعي رحمه الله - ومعنى هذا أنه إذا وجد عند إنسان في أول الحول نصاب كامل - فهذا النصاب تجب فيه الزكاة ويطالب بها عند تمام الحول - ولكن في منتصف الحول نقص النصاب بطارئ طرأ - ولم ينعدم المال كلياً - ثم قبل نهاية الحول عاد النصاب إلى ما كان عليه في أول الحول فعند الحنفية يجب في هذا المال الزكاة، وأما عند الشافعي رحمه الله فلا تجب الزكاة فيه بل يجب استئناف الحول؛ لأن بنقصان ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 150 وعنه قواعد الفقه ص 90.

المال عن النصاب سقط وجوب الزكاة، فإذا عاد النصاب استأنف حولاً جديداً منذ اكتمال النصاب الجديد. ومنها: إذا قطع رجل يد رجل مسلم عمداً أو خطأ - ثم ارتد المقطوعة يده - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلم، ثم سرى ذلك القطع إلى النفس فمات، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، يجب على القاطع دية كاملة، خلافاً لمحمد رحمه الله الذي يرى أنه يجب عليه أرش اليد لا الدية كاملة.

القاعدة السابعة [العارض الطارئ في الحدود]

القاعدة السابعة [العارض الطارئ في الحدود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العارض في الحدود قبل الإقامة كالمقترن بأصل السبب (¬1). وفي لفظ: "العارض قبل إقامة الحد كالمقترن بالسبب" (¬2). وفي لفظ: "العارض في الحدود بعد القضاء قبل الاستيفاء كالعارض قبل القضاء" (¬3). سبق مثلها في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 106 ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعارض هنا: الطارئ المانع الذي لو وجد قبل القضاء - أي الحكم - منع منه، فهو كذلك يمنع الحكم إذا طرأ قبل التنفيذ والاستيفاء. فمفاد القاعدة: أن ما يمنع من إقامة الحد - كالجنون - قبل الحكم بالحد إذا طرأ بعد الحكم وقبل التنفيذ يمنع أيضاً من إقامة الحدود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قذف الرجل امرأته - ووجب اللعان بينهما - ثم وُطِئت المرأة وطئاً حراماً - قبل إقامة اللعان - سقط اللعان بينهما؛ لأنها خرجت أن تكون محصنة. ¬

_ (¬1) المبسوط 7/ 51. (¬2) المصدر السابق 9/ 74، 91. (¬3) نفس المصدر 9/ 176.

ومنها: إذا شهد أربعة من النصارى على نصراني بالزنا فقضي عليه الحد، - ثم أسلم قبل إقامة الحد - درئ عنه الحد؛ لأن القاضي لا يتمكن من إقامة الحد إلا بحجة، وشهادة النصراني ليست بحجة على المسلم، وكذلك باقي الحدود، إلا الأموال فتستوفى منه بعد إسلامه. ومنها: إذا انفلت السارق بعد القضاء عليه بالقطع بالبينة، ثم قبض عليه بعد زمن، لم يقم عليه الحد للتقادم، كما لو سرق ثم شُهِد عليه بعد زمن لا يقام عليه الحد. ومنها: من قذف محصناً فزال إحصانه قبل إقامة الحد لا يسقط الحد عن القاذف عند أحمد بن حنبل رحمه الله. خلافاً لباقي الأئمة (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع 3/ 470.

القاعدة الثامنة [العارض قبل حصول المقصود]

القاعدة الثامنة [العارض قبل حصول المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العارض قبل حصول المقصود بالشيء كالمقترن بأصل السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أنه إذا تم العقد أو التصرف ولكن قبل حصول المقصود بالعقد أو التصرف - اعترض عارض أو وجد طارئ - لو وجد قبل العقد أو التصرف لأبطله - فإن هذا العارض الطارئ كذلك يبطل العقد أو التصرف إذا وجد قبل حصول المقصود بالعقد أو التصرف. وسبق مثل هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت رقم 105. وقواعد حرف الطاء تحت رقم (1, 2, 3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى عصيراً، فقبل أن يقبضه من بائعه تخمر - أي أصبح خمراً - بطل العقد كأن التخمر حصل قبله. وإذا كان المشتري قد دفع الثمن فيجب على البائع رده. ومنها: إذا اشترى حماماً أو طيراً في قفص وقبل قبضه وتسلمه عن البائع طار الحمام بحيث لا يستطيع رده بطل العقد كأن الحمام طار قبل وقوع العقد. ومنها: إذا أرسل هدية لشخص آخر وقبل وصول الهدية مات المهدى إليه، رجعت الهدية إلى المهدي كأن المهدى إليه مات قبل إرسال الهدية. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 684، وعنه قواعد الفقه ص 90.

القاعدة التاسعة [العارض بعد الاستيفاء]

القاعدة التاسعة [العارض بعد الاستيفاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العارض من السبب لا يؤثر فيما انتهى حكمه بالاستيفاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تقابل القاعدة السابقة؛ لأن مفادها: أن الطارئ على العقد أو التصرف إذا وُجد بعد التنفيذ والاستيفاء أنه لا أثر له على الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص عصيراً ثم قبضه من البائع وتسلمه وبعد ذلك تخمر عنده، فلا حق له في الرجوع على البائع؛ لأن العقد قد انتهى حكمه بالاستيفاء. ومنها: إذا اشترى طيوراً في قفص وتسلمها من البائع ثم طارت من يده، فإنه لا حق له في الرجوع كذلك. ومنها: إذا قطع يد آخر واستحق القصاص، وبعد التنفيذ جنَّ. فلا أثر لذلك على الحكم، إذ أن الحكم قد نُفِّذ واستوفى القصاص. ¬

_ (¬1) المبسوط 25/ 164.

القاعدة العاشرة [العارية، المنيحة، الزعيم]

القاعدة العاشرة [العاريَّة، المنيحة، الزعيم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العاريَّة مؤداة، والمنيحة مردودة، والزعيم غارم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نص حديث نبوي كريم سبق تخريجه ضمن قواعد حرف الزاي تحت رقم 5. العاريَّة: إما بمعنى العطية، وإما من التعاور - وهو التداول للشيء، وحقيقة العاريَّة الشرعية إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينَه، كالأواني والدواب - وهذه هي العاريَّة الحقيقية. وإذا كانت لا تبقى عين المنتفع به فيكون قرضاً يجب مثله أو قيمته. مؤداة: أي مردودة على صاحبها بعد استيفاء المنفعة عن المستعير. والمنيحة: فعيلة من المنح وهي الناقة أو البقرة أو الشاة الممنوحة للظهر أو اللبن - أي عطية معارة - أي مردودة على صاحبها المانح بعد استيفاء المنفعة منها. والزعيم غارم: أي الكفيل والضمين متحمل للغرم. فمفاد الحديث: أن من استعار شيئاً يجب عليه أن يؤديه أو بدله إلى المعير بعد انتهاء الاستيفاء، وكذلك من مُنِح شيئاً فعليه رده على صاحبه المانح ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1739.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

بعد استيفاء المنفعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استعار إنسان من آخر سيارة ليسافر بها أو يصل بها إلى مكان ما فيجب عليه ردها لصاحبها بعد قضاء مصلحته منها ولا يجوز له حبسها عنده. ومنها: إذا منح المسلم الغني أخاه المسلم الفقير ناقة أو بقرة أو شاة ينتفع بلبنها فعليه إذا استوفى ما فيها أو انتهى الوقت المحدد لمنحها فيجب ردها على صاحبها. ومنها: إذا كفل دين إنسان ولم يؤد المدين الدين عند حلول الأجل فعلى الكفيل الأداء.

القاعدة الحادية عشرة [العاقد لغيره]

القاعدة الحادية عشرة [العاقد لغيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العاقد لغيره في أحكام الشراء بمنزلة العاقد لنفسه في أحكام العقد فيما هو من حقوق العقد (¬1). وفي لفظ: "العاقد لغيره في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن حقوق العقد تعود للعاقد إذا كان العقد لنفسه وتترتب عليه أحكام العقد وتباعته وأحكامه، ولكن إن عقد لغيره - كالوكيل - فهل تعود أحكام العقد للعاقد - أي الوكيل - أو للمعقود له - أي للموكل؟ فمفاد القاعدة: أن عند الحنفية - أن حقوق العقد تعود إلى العاقد - ولو لغيره - فهو بمنزلة العاقد لنفسه، ولذلك يترتب على هذا العقد من الحقوق ما يترتب على العاقد لنفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إن اشترى اثنان داراً لواحد كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة النصف؛ لأن المشتري اثنان، وإن كانا وكيلين عن واحد - ولأن كل واحد منهما يعتبر مشترياً للنصف، فيحق للشفيع أن يطالب بنصف الدار، بخلاف ما لو كان العاقد واحداً أو كانت حقوق العقد تعود للموكل فلا يجوز للشفيع أن يطالب ¬

_ (¬1) المبسوط 14/ 104، 110. (¬2) نفس المصدر 13/ 125.

بالنصف فقط بل يجب عليه المطالبة بالكل وإلا سقطت شفعته. ومنها: إذا ظهر في المبيع عيب، فإن الوكيل العاقد هو الذي له حق رد المبيع على البائع بخيار العيب، أو لو ظهر المبيع مستحقاً فله مطالبة البائع بالثمن، لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وأما عند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى فهي متعلقة بالموكل على الإطلاق (¬1). ومنها: إذا اشترى وكيل داراً لرجل غائب فللشفيع أن يأخذها منه؛ لأنها في يده وهو نائب عن الموكل. ¬

_ (¬1) الإفصاح 2/ 12.

القاعدة الثانية عشرة [العامل الشريك]

القاعدة الثانية عشرة [العامل الشريك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الأجر على غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبين حكماً من أحكام المعاملة - وهي المساقاة، والمزارعة والإجارة -. فمفادهما: أن الشريك إذا عمل فيما هو شريك فيه لا يستوجب على عمله ذلك أجراً من شريكه؛ لأنه عامل لنفسه في جزء من ذلك العمل. ومن كان عاملاً لنفسه ولا يستحق أجر عمله على غيره. وأما عند الحنابلة فيجوز أن يكون لأحدهما من الربح أكثر من ربح ماله إذا عمل في الشركة وحده وذلك مقابل عمله في مال شريكه (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت الأرض بين رجلين فاشترطا على أن يعملا فيها جميعاً سنتهما هذه ببذرهما وبقرهما فما خرج فهو بينهما أثلاثاً - أي لأحدهما الثلثان والآخر الثلث - فالعقد فاسد؛ لأن شرط الزيادة على النصف لصاحب الثلثين يكون له أجرة على عمله، ولما كان يعمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الأجر فيما هو شريك فيه على غيره. ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 107، بدائع الصنائع 6/ 186. (¬2) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 5/ 244.

أما لو اشترطا أن ما خرج من الأرض فهو بينهما نصفان فهو جائز؛ لأن العمل من كليهما بالتساوي، فيكون الخارج بينهما بالتساوي أيضاً. ومنها: إذا كان النخيل بين رجلين فدفعه أحدهما إلى صاحبه سنته هذه على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما خرج من ذلك فهو بينهما للعامل ثلثاه وللآخر ثلثه، فهذا فاسد أيضاً - عند السرخسي -؛ لأن الذي شرط الثلث لنفسه استأجر صاحبه للعمل لا نصيبه بثلث الخارج من نصيبه، والعمل إنما يعمل فيما هو شريك لنفسه فيه، واستئجار أحد الشريكين صاحبه للعمل فيما هو شريك فيه باطل، والخارج بينهما نصفان ولا أجر للعامل على شريكه. هذا رأي السرخسي، ولكن الصحيح جواز هذه المعاملة إذ أن عند الحنفية جميعاً تجوز الشركة على ما اشترطا. قال في بدائع الصنائع: الربح تارة يستحق بالمال، وتارة بالعمل، وتارة بالضمان وسواء عملا جميعاً أو عمل أحدهما دون الآخر فالربح بينهما يكون على الشرط؛ لأن الربح في الشركة بالأعمال بشرط العمل. وإن اشترطا العمل على أحدهما فالربح بينهما على الشرط إذا كان فضل الربح للعامل؛ لأنه يستحق ربح رأس ماله والفضل بعمله (¬1). وهذا هو العدل. ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 6/ 63.

القاعدة الثالثة عشرة [العام]

القاعدة الثالثة عشرة [العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العام في الأشخاص مطلق في الأحوال (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العام: لغة هو الشامل. وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين: هو كل ما يتناول أفراداً متفقة الحدود على سبيل الشمول. أو هو كل لفظ وضع لمتعدد (¬2). أو هو كل لفظ ينتظم جمعاً من الأسماء لفظاً كالرجال، أو معنى كَمَنْ وما. والمطلق: هو ما يتناول الأفراد على سبيل البدل كرجل. أو هو الدال على الماهية من غير دلالة على الوحدة أو الكثرة. فمفاد القاعدة: أن اللفظ إذا ورد عاماً في الأشخاص فهو مطلق في الأحوال حيث لا يجوز تقييده بحال دون أخرى إلا بدليل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أكرم العلماء. فله إكرام كل عالم مهما كان عربياً أو أعجمياً صغيراً أو كبيراً، أو فقيراً أو غنياً، أبيض أو أسود، وليس له تخصيص أو تقييد فئة دون أخرى. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 138. (¬2) الكليات ص 600.

ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تُوَلَّه والدة على ولدها" (¬1)، عام في الوالدات والمولودين؛ من جهة أن لفظ "والدة" نكرة في سياق النفي فتعم، و"ولدها" اسم جنس أضيف فيعم. وعام في الزمان أيضاً من جهة أن "لا" لنفي الاستقبال على جهة العموم في الأزمنة المستقبلة، إلا أنه مطلق في أحوال الولد: إذ له مرتبة دنيا وهي الإثغار - أي خروج الأسنان - ورتبة عليها - وهي البلوغ - ومن هنا وقع الخلاف في الوقت الذي يجوز فيه التفريق بين الوالدة وولدها. ¬

_ (¬1) الحديث بلفظ: "عن ولدها" أخرجه البيهقي في السنن 8/ 8، وكنز العمال الحديث رقم 14023، 25023، ونصب الراية 3/ 66، 269، وكلها من رواية أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

القاعدة الرابعة عشرة [العام قطعي]

القاعدة الرابعة عشرة [العام قطعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العام قطعي كالخاص يوجب الحكم فيما يتناوله قطعاً (¬1). أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعام: أي اللفظ العام في دلالته. فمفاد القاعدة: أن اللفظ العام - غير المخصوص - قطعي الدلالة على ما يتناوله كاللفظ الخاص، فيوجب الحكم في كل ما يقع تحته. وهذا عند الحنفية، خلافاً لجمهور الأصوليين الذين يرون أن دلالة العام على ما تحته ظنية. وثمرة الخلاف تظهر عند إرادة تخصيص العموم، فمن قال: إن دلالة العام قطعية على ما تحته لا يجيز تخصيصه إلا بمقطوع به. ومن قال: إن دلالة العام ظنية أجاز تخصيصه بكل ظني مثله. ومن قال: إنه قطعي أجاز نسخة للخاص المقطوع به. ومن قال: إنه ظنّي لم يُجِز ذلك؛ لأن الظني لا ينسخ القطعي لوجوب التماثل والتجانس بين الناسخ والمنسوخ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬2). عام في تحريم ¬

_ (¬1) فتح الغفار 1/ 86، قواعد الفقه ص 91 عن المنار. (¬2) الأنعام: 121.

أكل ما لم يذكر اسم الله عليه - ولا يجوز عند الحنفية تخصيصه بخبر الواحد في قوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يُسَمَّ" (¬1)، فلا يجوز أكل ذبيحة من ترك التسمية عامداً، كما هو عند الشافعي رحمه الله تعالى. ومنها: قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬2)، فلا يجوز تخصيصه بخبر الواحد أو القياس، ولذلك فلا يجوز فيه قتلُ مباح الدم بردة أو بزنى أو قصاص أو قطع طريق إذا التجأ للحرم بناء على الحديث: "إن الحرم لا يعيذ عاصياً" (¬3). ولكن مَن التجأ للحرم مِمَّن يستحق القتل فلا يطعم ولا يسقى ولا يجالس حتى يضطر للخروج فيقتل خارجه (¬4). ¬

_ (¬1) الحديث في نصب الراية قال عنه: "غريب بهذا اللفظ. ذكر في معناه أحاديث لا تخلو من مقال 4/ 182، وذكره في الإتحاف 6/ 67 وقال: بالغ النووي في إنكاره وقال: هو مجمع على ضعفه. (¬2) آل عمران: 97. (¬3) الحديث أخرجه البخاري، في المغازي باب 51، ومسلم في الحج 446، والترمذي في الحج 1، والحديث رواه أبو شريح العدوي، وقيل: الخزاعي خويلد بن عمرو - عن عمرو بن سعيد. (¬4) فتح الغفار شرح المنار 1/ 88.

القاعدة الخامسة عشرة [العام كالنص]

القاعدة الخامسة عشرة [العام كالنص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العام كالنص في إثبات الحكم في كل ما يتناوله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالنص هنا: عبارة الشارع التي تدل على المراد دلالة قطعية، ولا تحتمل معنى غير ما سيقت لأجله. أي أن النص هو اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً (¬2). فتكون هذه القاعدة بمعنى سابقتها وهي: أن العام قطعي في دلالته على إثبات حكمه في كل ما يتناوله دون احتمال كالنص من الكتاب أو السنة في دلالته. فمفادها: أن اللفظ العام في دلالته القطعية على ما تحته يشبه نص الشارع الذي لا يحتمل إلا معنى واحد حيث يثبت به الحكم قطعاً. فالعام كذلك يثبت به الحكم في كل ما يتناوله قطعاً إلا أن يخص بمماثل لا بظني - كما سبق - وهذا عند الحنفية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الأمير: مَنْ قَتَل قتيلاً فله سلبه. فقتل ذميٌّ أو ذميّةٌ أو امرأة مسلمة أو عبد ممن كان يقاتل مع المسلمين أحداً من المشركين استحق القاتل ¬

_ (¬1) شرح السير ص 680، وعنه قواعد الفقه ص 91. (¬2) الكليات ص 908.

سلبه, لأن الإمام أوجب السلب للقاتل بلفظ عام يتناول المسلم والذمي والرجل والمرأة، والحر والعبد - وهو لفظ "مَنْ"؛ ولأن من استحق الرضخ - أي الإعطاء من الغنيمة دون السهم - فهو شريك فيها.

القاعدة السادسة عشرة [العام المقبول]

القاعدة السادسة عشرة [العام المقبول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العام المتفق على قبوله يترجح على الخاص (¬1). من أصول أبي حنيفة رحمه الله ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان اللفظ العام قد اتفق المجتهدون على قبوله والعمل بمدلوله، ثم جاء لفظ خاص معارض فإن اللفظ العام المتفق على قبوله يترجح على ذلك الخاص. عند أبي حنيفة رحمه الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحديث المشهور وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الذهب بيمنه والحرير بشماله وقال: هذا حرام على ذكور أمتي حِلُّ لإناثهم" (¬2). وهذا الحديث متفق على قبوله، وهو عام في تحريم الذهب والحرير على الذكور من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع الخبر الخاص وهو رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعرفجة بن أسعد (¬3) بأن يتخذ أنفاً من ¬

_ (¬1) شرح السير 132. (¬2) الحديث عن علي رضي الله عنه أخرجه البيهقي في السنن 2/ 569، الحديث رقم 4219، وعن أبي موسى رضي الله عنه الحديث رقم 422. وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي والترمذي وصححه. (¬3) عرفج بن أسعد أو ابن أسد بن كرب بن صفوان التميمي السعدي كان من الفرسان في الجاهلية وشهد الكُلاب فأصيب أنفه ثم أسلم، فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفاً من ذهب، وهو معدود من أهل البصرة. الإصابة 6/ 411، الترجمة رقم 5498، وحديثه عند أبي داود رقم 4232، وعند البيهقي الأحاديث من 4221 - 4224.

ذهب مكان أنفه المقطوعة يوم الكُلاب (¬1) - حيث اتخذ أنفاً من فضة فأنتن. فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى اعتبر هذا الخبر رخصة خاصة لعرفجة، فلم يجوِّز أن يستعمل الرجل الذهب في شيء. وعند غير أبي حنيفة يجوز للرجل أن يتخذ أنفاً أو سناً من ذهب أو يضبب أسنانه ويشدها بذهب. وهذا أعدل وأدل على سماحة الإسلام ويسر الدين. ¬

_ (¬1) يوم الكُلاب من أيام الجاهلية بين بكر وتغلب وهو يوم الكُلاب الأول. والكلاب اسم ماء لبني تميم بين البصرة والكوفة. العقد الفريد 6/ 67 - 68. وخزانة الأدب 1/ 410، 2/ 199، 6/ 8.

القاعدة السابعة عشرة [العبادة]

القاعدة السابعة عشرة [العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبادة لا تبقى بدون شرطها كما لا تبقى بدون ركنها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ركن العبادة: هو جزء حقيقتها الذي لا توصف العبادة ولا تسمى بدونه. وأما الشرط: فهو خارج عن ماهية العبادة وحقيقتها ووجوده سابق على الدخول فيها. وإن كانت العبادة يترتب وجودها عليه. فمفاد القاعدة: أن العبادة تنتفي وتنعدم بانتفاء وانعدام أحد أركانها، وكذلك تنتفي وتنعدم ولا توجد إذا فقد شرط من شروط صحتها، وذلك في حالة الاختيار لا الاضطرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة لا تبقى بدون أركانها، فإذا فقد ركن منها كالقراءة للقادر عليها بطلت، وكذلك القيام، والركوع، والسجود عند القدرة. وهي كذلك لا تبقى عند فقد شرط من شروطها كالطهارة والاستقبال. ومنها: الصيام لا يبقى إذا فقد ركن من أركانه كالإمساك عن الشراب ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 118.

- مثلاً - فهو كذلك لا يبقى إذا فقد شرط من شروط صحته كما إذا طرأ جنون على الصائم أو ارتداد والعياذ بالله تعالى؛ لأن من شروط صحة الصوم العقل والإسلام.

القاعدة الثامنة عشرة [العبادات البدنية]

القاعدة الثامنة عشرة [العبادات البدنية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبادات البدنية لا تجرى النيابة في أدائها (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات نوعان: عبادات مالية، وعبادات بدنية، ونوع ثالث، وهو عبادات مالية بدنية. فالعبادات المالية تجري النيابة في أدائها: كالزكاة، والصدقة، والعبادات المختلطة بدناً ومالاً يجوز أيضاً النيابة في أدائها عند الحاجة كالحج والعمرة. فمفاد القاعدة: أن العبادات البدنية الخالصة - كالصلاة والصيام - لا تجري النيابة في أدائها، ولا يجوز التوكيل فيها؛ لأن المقصود بها اختبار سر العبادة وخلوص الطاعة لله سبحانه وتعالى، وهذا لا يتحقق مع النيابة. وقال الشافعي رحمه الله: ولو أن رجلاً صام عن رجل بأمره ثم يجزه الصوم عنه، وذلك أنه لا يعمل أحد عن أحد عمل الأبدان؛ لأن الأبدان تُعبِّدَت بعمل فلا يجزى عنها أن يعمل غيرها - ليس الحج والعمرة للخبر ولأن فيهما نفقة (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 148. (¬2) الأم 13/ 421.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة لا تجوز النيابة في أدائها، ولا يجوز أن يصلي أحد عن أحد، فلا يجوز أن يصلي عنه وارثه أو من ينيبه؛ لأنها من فروض العين التي لا تقبل التوكيل ولا الإنابة. ومنها: الصوم فلا يجوز أن يصوم أحد عن أحد. ومَن مات وعليه صوم واجب - كقضاء رمضان - فالصحيح أنه لا يصوم عنه وليُّه بل يطعم عنه، ولكن قد ورد حديث يقول: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، فأصوم عنها؟ فقال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدّي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمُّكِ. أخرجاه في الصحيحين. وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه". متفق عليه. فالمطلق يحمل على المقيد، ويكون جواز صوم الولي عن وليه فيما هو نذر لا فيما هو قضاء ما أوجبه الله تعالى، ولعل الفرق والله أعلم أن النذر هو الذي أوجبه على نفسه. ودليل ذلك أيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه وليه ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضي عنه وليه" أخرجه أبو داود (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: نيل الأوطار 5/ 311 - 318، وسنن أبي داود الحديث رقم 2401.

القاعدة التاسعة عشرة [العبادات]

القاعدة التاسعة عشرة [العبادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبادات لا تبطل بشيء من مبطلاتها إذا وجدت بعد الفراغ منها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كل عبادة من العبادات لها مبطلات تبطلها إذا وجد شيء منها أثناءها، فالصلاة يبطلها نقض الطهارة، فمن نَقَض طهارته في أثنائها بطلت صلاته، وهكذا عدم القراءة أو ترك الركوع أو السجود. والصوم يبطله منافيه كالأكل والشرب والجماع. لكن مفاد هذه القاعدة: أن العبادات إذا تمت وفرغ منها ثم وجد أحد مبطلاتها فإن العبادة لا تبطل حيث تمت صحيحة مجزئة، فليس وجود المبطل بعد ذلك بمؤثر عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صلى وتمت صلاته بأَركانها وشروطها وآدابها وبعد السلام نقض طهارته أو انحرف عن القبلة، فصلاته صحيحة مجزئة. ومنها: صام وأمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وبعد الغروب جامع أهله، فصومه صحيح، وجماع أهله بعد الغروب ولو بلحظة غير مفسد لصومه لتمامه. ¬

_ (¬1) المغني 1/ 425.

ومنها: من حج أو اعتمر وبعد أداء نسكه كاملاً جامع أهله فحجه صحيح وعمرته صحيحة كذلك. ومنها: دخل في الصلاة أو الصوم بالنية، وبعد دخوله في الصلاة عزبت عنه النية فصلاته صحيحة؛ لأن الشرط مقارنة النية لتكبيرة الإحرام، وليس استصحابها في كل الصلاة شرط لصحة الصلاة.

القاعدة العشرون [عبارة الرسول والمبلغ]

القاعدة العشرون [عبارة الرسول والمبلغ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عبارة الرسول كعبارة المرسل (¬1). وفي لفظ: "عبارة كل مبلغ تكون بمنزلة عبارة المبلغ عنه" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعبارة: اللفظ أو القول الذي يتلفظ به الرسول لمن أرسل إليه، والمراد به هنا الرسالة الشفوية، وإن كتبت بعد ذلك. فمفاد القاعدة: أن كلام الرسول الموجه لمن أرسل إليه حكمه في الاعتبار والحجية حكم كلام مُرْسِلِه؛ لأن الرسول قائم مقام المرسل في تبليغ الرسالة، ولو لم يكن ذلك كذلك لما صح طاعة الرسل والأنبياء المبلغين عن الله عز وجل شرعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتبليغه رسالة ربه ملزم لمن بلغهم كما لو أن الله عز وجل هو الذي خاطبهم به، وكذلك أقوال جميع الرسل إلى أقوامهم. ومنها: إذا أرسل الإمام أو القائد مندوباً عنه أو رسولاً ليبلغ أوامره إلى رعيته أو جنوده، فيجب على الرعية والجنود الطاعة وتنفيذ الأوامر كما لو كان المخاطب لهم هو الإمام أو القائد؛ لأنه ليس في كل الحالات يستطيع ¬

_ (¬1) شرح السير 1/ 362، 471، 580، التحرير 4/ 10 عن القواعد والضوابط ص 490. (¬2) شرح السير ص 580، وينظر: المبسوط 25/ 31، 27/ 40.

الإِمام أو القائد أن يخاطب الرعية أو الجنود بما يريد، ولولا ذلك لتعسرت الأمور وتعطلت المصالح إذا وجب على الإمام أو القائد أن يخاطب الرعية أو الجنود كل أمر أو وصية بنفسه.

القاعدة الحادية والعشرون [عبارة الصبي]

القاعدة الحادية والعشرون [عبارة الصبي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عبارة الصبي غير معتبرة في العقود (¬1). عند الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصبي: من لم يبلغ الحلم. فمفاد القاعدة: أن الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى لا يعتبران كلام الصبي عند التعاقد، فعقد الصبي عندهما باطل؛ لأن عبارته وقوله غير معتبر، حيث يشترطان في العقود أهلية المتعاقدين، فلا ينعقد عقد بعبارة الصبي سواء أكان مميزاً أم غير مميز. وأما عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى فيصح عقده إذا كان مميزاً ولكن مع الإذن أو الإجازة اللاحقة (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باشر الصبي عقداً - بإذن الولي أو بغير إذنه، وسواء بيع الاختبار أو غيره - فلا يصح منه إتمام العقد، بل إذا انتهى الأمر إلى اللفظ أتى به الولي لا الصبي. ومنها: إذا اشترى الصبي شيئاً فتلف في يده أو أتلفه فلا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ. وكذلك لو اقترض مالاً؛ لأن المالك هو المضيع بالتسليم إليه (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 226، وروضة الطالبين 3/ 5. (¬2) الإفصاح 1/ 317. (¬3) روضة الطالبين 3/ 6.

القاعدة الثانية والعشرون [المرأة - عبارة النساء]

القاعدة الثانية والعشرون [المرأة - عبارة النساء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عبارة النساء لا تصلح لعقد النكاح (¬1). عند الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى. وفي لفظ: "المرأة لا تصلح أن تكون موجبة للنكاح ولا قابلة" (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرأة هل تصلح عبارتها لعقد النكاح؟ موجبة له أو قابلة؟ أي أن تزوج نفسها أو تزوج غيرها - عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى - لا يجوز للمرأة ذلك، كما لا يجوز لها أن تأذن لغير وليها بعقد نكاحها. أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيجوز للمرأة أن تلي عقد نكاحها لنفسها ولغيرها وأن تأذن لغير وليها في تزويجها. وحجة الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة زوجت نفسها فنكاحها باطل باطل باطل" (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 226، وينظر: روضة الطالبين 5/ 397 فما بعدها. (¬2) نفس المصدر 5/ 32، وينظر: المقنع 3/ 18، والكافي لابن عبد البر ص 522 فما بعدها. (¬3) الحديث: في الباب أحاديث عن أبي موسى وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم، وحديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي وقال عنه حسن. وينظر: منتقى الأخبار 2/ 504 فما بعدها، الأحاديث 3452 - 3455.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زوجت امرأة بكراً أو ثيباً - نفسها بدون إذن الولي، أو أذنت لغير وليها أن يزوجها - فذلك جائز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وأما عند مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى فإن هذا العقد باطل والزواج غير صحيح، ولكن إن كان دخل بها الزوج فلها مهر المثل، ولا يقام الحد عليها ولا على الزوج لشبهة العقد. ولكن إذا أجاز الولي بعد العقد - فعند الحنفية الزواج صحيح وقد تم العقد، وأما عند الأئمة الثلاثة الآخرين فلا بد من عقد جديد.

القاعدة الثالثة والعشرون [حقيقة اللفظ - العادة]

القاعدة الثالثة والعشرون [حقيقة اللفظ - العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبرة بحقيقة اللفظ. وإذا كانت العادة بخلافها لا تعتبر (¬1). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية أن الألفاظ تتقيد بمقصود الحالف أو بالعرف - كما سيأتي. ولكن الشافعي رحمه الله تعالى يرى أن العبرة والاعتداد إنما هو بحقيقة اللفظ ودلالته اللغوية، ولا يتقيد اللفظ - عنده - بالعادة أو العرف السائدين ما لم يقم الدليل صريحاً على ذلك، وليس ذلك دائماً، فقد أعمل الشافعي (¬2) رحمه الله العرف في كثير من المسائل إذا كان العرف مطرداً، ولأن تقييد الحقيقة بالعادة مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة. وأما إذا كانت اليمين بنية، فاليمين على ما نوى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان ساكناً في دار فحلف أن لا يسكنها وخرج منها بنفسه دون ثقله ومتاعه، فعند الحنفية يحنث؛ لأن السكنى بوجود الأمتعة وحاجات الإنسان وعياله، وأما عند الشافعي رحمه الله تعالى فلا يحنث؛ لأنه عقد يمينه على سكناه وحقيقة ذلك بنفسه، فينعدم بخروجه عقيب اليمين؛ ولأن النقلة والحكم على البدن لا على المال ولا على الولد ولا على المتاع (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط 8/ 163. (¬2) الأم 13/ 448. (¬3) وينظر: المجموع لوحة 66 ب، وقواعد الحصني 1/ 429 فما بعدها.

القاعدة الرابعة والعشرون [الحال - المآل - المتوقع]

القاعدة الرابعة والعشرون [الحال - المآل - المتوقع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العبرة بالحال أو بالمآل (¬1). وفي لفظ: "العبرة للمآل لا للحال" (¬2). وفي لفظ: "ما قارب الشيء هل يعطى حكمه" (¬3). وفي لفظ: "ما قرب من الشيء هل له حكمه" (¬4). وفي لفظ: "المتوقع هل يجعل كالواقع" (¬5). وفي لفظ: "المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل" (¬6). وكلها تأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى مع بيان الاختلاف في مضامينها. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحال: هو الحاضر، أو وقت التكلم أو الفعل. والمراد بالمآل: أي العاقبة وما يؤول ويصير إليه الأمر. فمفاد هذه القواعد: أن عند الحنفية إنما يبنى الحكم على ما يؤول ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 299 أ، أشباه السيوطي ص 178، قواعد الحصني 4/ 42 مع التمثل والتفريع، والأقمار المضيئة ص 272. (¬2) المبسوط 24/ 23، والأقمار المضيئة ص 272. (¬3) أشباه السيوطي ص 178، إعداد المهج ص 42. (¬4) إيضاح المسالك، القاعدة 14، وإعداد المهج ص 42. (¬5) أشباه السيوطي ص 178. (¬6) قواعد الحصني 2/ 457، أشباه السيوطي ص 178.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ويصير إليه الأمر لا للحال الحاضرة، وأما عند الشافعية والمالكية والحنابلة فالأمر مختلف فيه. فالقاعدة الأولى تشير إلى تردد الشافعية فيما يعتد به أو يبنى عليه الحكم أهو حال التكلم أو الفعل أو عاقبة الأمر، وكذلك في القواعد من الثالثة إلى آخرها. وأما عند الحنفية فيمثل رأيهم القاعدة الثانية وهي تفيد أن العبرة والاعتداد وبناء الحكم إنما يكون للمآل لا للحال قولاً واحداً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حَلَف ليأكلن هذا الرغيف غداً فأتلفه قبل الغد، فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد؟ وجهان عند الشافعية أصحهما الثاني. ومنها: الغارم إذا كان الدين الذي عليه مؤجلاً هل يعطى من الزكاة قبل حلول الأجل أو لا يجوز إلا بحلول الأجل؟ خلاف. ومنها: إذا استأجر المريض الذي لم يتحقق عضبه - أي منعه - من يحج عنه ثم تفاحش مرضه فصار ميئوساً منه بعد حج الأجير، فما حكم الحج عنه؟ خلاف. وصححوا - أي الشافعية - عدم الإجزاء. ومنها: إلقاء البذر في الأرض إتلاف له في الحال ولكنه إصلاح باعتبار مآله (¬1). ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 23.

القاعدة الخامسة والعشرون [وقت القضاء]

القاعدة الخامسة والعشرون [وقت القضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبرة بوقت القضاء دون الأداء (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختص بقضاء بعض العبادات بعد فوات أدائها في وقتها، وبخاصة الصلاة. فمفاد القاعدة: أن من فاتته صلاة فإن قضائها يكون محكوماً بوقت القضاء لا بوقت أدائها الفائت، وكذلك في الكفارات فيحكم فيها بالحال وقت الأداء لا وقت الوجوب. والمقصود هو النظر في حال من يجب عليه القضاء عند دخول وقت القضاء هل هو صالح لما يقضيه من العبادة أو يؤديه من الكفارات. وقد قيل: العبرة في الكفارات بوقت الأداء دون وقت الوجوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من فاتته صلاة المغرب أو العشاء أو الفجر فصلاها في النهار أنه يُسرُّ بالقراءة فيها ولا يجهر. ومن فاتته صلاة عيد الأضحى فقضاها بعد أيام التكبير أنه لا يكبر فيها السبع أو الخمس. ومنها: أن من وجبت عليه كفارة يمين وهو موسر فلم يؤدها ثم أعسر فلم يستطع التكفير بالعتق أو الإطعام أو الكسوة أن عليه الصوم. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 400.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: أن من وجب عليه كفارة ظهار أو قتل خطأ وهو موسر، فلم يؤدها حتى أعسر أن عليه صوم شهرين؟ ومنها: أن من عليه أو عليها صيام واجب فعند القضاء لم يستطع الصوم لمرض مزمن أو هرم أن عليه أو عليها الإطعام وسقط عنهما الصيام. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: أن من فاتته صلاة في الحضر فأراد قضاءها في السفر أنه يتمها ولا يقصر (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع 1/ 224، أشباه ابن نجيم ص 117.

القاعدة السادسة والعشرون [المقاصد]

القاعدة السادسة والعشرون [المقاصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبرة في العقود للمقاصد لا للألفاظ (¬1). أو للمعاني دون الألفاظ (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الاعتداد في العقود من بيع وشراء ونكاح وإجارة وهبة وغيرها بمقاصد المتعاقدين لا بالألفاظ التي يستعملونها، إلا إذا تعذر إعمال النيات والمقاصد فلا تهمل الألفاظ. وينظر القاعدة 108 من قواعد حرف الحاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال وهبتك هذه الدابة بمائة، كان هذا عقد بيع لا عاقد هبة؛ لذكر العوض. وقد سبق ذكر مثل هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام (96 - 98) رابعاً: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: بعتك هذا بغير ثمن. لم يكن هبة، وكان عقداً باطلاً, ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي 1/ 347، والمنثور للزركشي 2/ 371، وقواعد الحصني 1/ 369، 387، وقواعد ابن رجب القاعدة الثامنة والثلاثون، وأشباه السيوطي ص 166، وابن نجيم ص 207، وشرح الخاتمة ص 56، والمجلة المادة 3، والمدخل الفقهي الفقرة 573، الوجيز مع الشرح والبيان ص 147، وشرح القواعد للزرقا ص 13 - 40، والتحرير 5/ 400 عن القواعد والضوابط. (¬2) المبسوط 22/ 23.

وكذلك إذا قال: أجرتك داري هذه شهراً بغير أجرة لم تكن عارية. وكان عقد إجارة باطلاً. والعلة في البطلان: أن عقد البيع والإجارة فقد ركناً من أركانه، وهو الثمن في البيع والأجرة في الإجارة فلم يتم العقد ليمكن تحويله إلى عقد آخر، بخلاف قوله: وهبتك هذا بكذا.

القاعدة السابعة والعشرون [آخر جزئ الوصف = العلة ذات الوصفين]

القاعدة السابعة والعشرون [آخر جزئ الوصف = العلة ذات الوصفين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العبرة لآخر جزئ الوصف (¬1). أو العلة (¬2). وفي لفظ: "الحكم إذا تعلق بعلة ذات وصفين يضاف إلى آخرهما وجوداً. والحكم الثابت بعلة ذات وصفين يزول بزوال أحدهما (¬3). وقد سبقت في قواعد حرف الحاء تحت رقم (89). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبرة: الاعتداد. والمراد بالوصف هنا: العلة أو السبب المؤدي إلى الحكم الشرعي. فمفاد القاعدة: أن الحكم إنما يبنى على آخر جزء من السبب، ولا يبنى حكم على أول السبب، أو يبنى على آخر الوصفين وجوداً إذا كان السبب متعدد الأوصاف. وقد يقال: إن الحكم يجب بالكل، ويكون الجزء الأول موجباً بوجود الأخير، وذلك في الوصف المركب المرتب الأجزاء؛ لأنه علة معنى وحكماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غرقت سفينة لثقل في حمولتها، فإنما يضاف الغرق إلى تلك الزيادة ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 55. (¬2) ترتيب اللآلي، لوحة 67 أ. (¬3) شرح الخاتمة ص 56.

الأخيرة التي حملتها السفينة، وإن كان الغرق بسبب ثقل كل ما فيها. ومنها: أن دين الصحة ودين المرض مقدمان في الاستحقاق على الإرث لتقدم سببهما على سبب الإرث؛ لأن الوارث إنما يستحق المال بالنسب أو الزوجية مع الموت جميعاً فيضاف الاستحقاق إلى أخرهما وجوداً. ومنها: إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً بائناً باختيارها ثم مات فلا ترث منه لأنها زال سبب استحقاقها بالطلاق البائن.

القاعدة الثامنة والعشرون [الغالب الشائع]

القاعدة الثامنة والعشرون [الغالب الشائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبرة للغالب الشائع لا للنادر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعتبر شرطاً من شروط اعتبار العرف والعادة من حيث كونهما يجب أن يكونا شائعين بين الناس. والمراد بالشيوع: اشتهار العمل بالعرف أو العادة بين الناس. والمراد بالغلبة: أنه يعمل به أكثر الناس وأغلبهم. فمفاد القاعدة: أن العرف المعتبر حجة هو العرف المشهور بين الناس العمل به، وأما إذا كان العرف نادراً غير غالب على معاملات الناس وليس مشهوراً به العمل بينهم فهذا لا اعتداد به، ولا يصلح حجة لتخصيص مطلق الكلام. وكذلك بالنسبة لأحكام الشرع فالحكم للأكثر لا للأقل أو النادر؛ لأن للأكثر حكم الكل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اعتاد الناس أن يكون حمل الأشياء الثقيلة وإيصالها إلى محل المشتري على البائع وشاع هذا بينهم وعمل به أكثرهم وجب اتباعه، ولو لم ينص على ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 57، المجلة المادة 41، المدخل الفقرة 607، شرح القواعد للزرقا ص 181.

ذلك في العقد؛ لأن مثل هذا العرف يقيد مطلق الكلام. إلا إذا نص في العقد على خلافه. ومنها: إذا حَلف لا يشرب ماء، فشرب ماء تغير بغيره كعصير، فالعبرة للغالب؛ لأن المغلوب كالمستهلك في مقابلة الغالب، وإذا استويا يحنث. ومنها: إن أسواق المسلمين لا تخلو من المحرم والمسروق والمغتصب، ومع ذلك يباح التناول والمعاملة اعتماداً على الغالب؛ لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، ولا يستطاع الامتناع فيسقط اعتباره دفعاً للحرج، كقليل النجاسة وقليل الانكشاف.

القاعدة التاسعة والعشرون [الأسباب، المحال]

القاعدة التاسعة والعشرون [الأسباب، المحالّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبرة للأسباب دون المحالّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى السبب وهو أنه عبارة عما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه (¬2). ومفاد القاعدة: أن الاعتداد والأحكام إنما يكون عند وجود السبب لا المحل، فالأسباب هي التي تضاف إليها الأحكام، وإن كانت غير مؤثرة فيها؛ لأن الحكم إنما هو بإيجاب الله سبحانه وتعالى، والسبب معرِّف له، وهو معنى العلة. وأما المحالّ فهي جمع محل. وهو عبارة عما يقوم الحكم فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أفطر في نهار رمضان بجماع في يوم ثم كفَّر عن جنايته، ثم جامع في يوم آخر - سواء مع زوجته الأولى أو غيرها - فعليه كفارة أخرى. كمن زنى بامرأة فحُدَّ ثم زنى بها مرة أخرى فيلزمه حد آخر؛ لأن السبب فطر هو جناية على الصوم، وحرمة الشهر محل تغلظ به هذه الجناية، فالعبرة في الحكم بالسبب وهو الفطر في الصوم الواجب. ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 75. (¬2) الكليات ص 503.

ومنها: ما سبق وهو مَن زنى بامرأة فحُدَّ. ثم زنى بها مرة أخرى فيجب عليه حد آخر، بسبب الزنى، ولا عبرة بِكون المزني بها واحدة؛ لأنها محل الفعل، والعبرة للأسباب لا للمحال.

القاعدة الثلاثون [الملفوظ، المقصود]

القاعدة الثلاثون [الملفوظ، المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العبرة للملفوظ نصاً دون المقصود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بحسب ظاهرها تعارض القاعدة السابقة القائلة: العبرة في العقود للمقاصد لا للألفاظ. ولكن إذا عرفنا أن هذه القاعدة ذات موضوع آخر زال ظن التعارض، فلكل من القاعدتين محلها وموضوعها. فمفاد القاعدة: أن الأيمان والطلاق والعتاق إنما يكون حجة لبناء الأحكام عليه فيها هو اللفظ المنطوق به دون المقصود - إذا كانت ألفاظها صريحة -؛ لأن هذه الأشياء بنى فيها الشرع الأحكام على ألفاظها التي ينطق بها المكلف لا على قصده ونيته، والشرع إنما يبنى الأحكام على الظاهر لا على المضمر في النفس. ولكن الأيمان قد يدخلها التقييد أو التخصيص بالعرف أو الحال أو الدلالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من تزوج على قصد التطليق بعد الجماع صح عقده ونكاحه - مع أنه إذا شرط ذلك في العقد لا يصح؛ لأن العبرة للألفاظ، وصورة عقد النكاح بألفاظه واستيفاء شروطه صحيحة، مع الخلاف في صحة عقد نكاح مَن نوى ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 56، ترتيب اللآلي لوحة 67 ب.

التوقيت. ومنها: إذا قال: عليَّ الطلاق. أو الطلاق عليَّ واجب أو لازم، لا يقع عند كثيرين؛ لأن اللفظ لا يدل على طلاق المرأة، إنما يدل على كون الطلاق على الرجل. ولو نوى به الطلاق. ولكن في مثل هذه المسائل العرف حاكم. ومنها: من حلف لا يأكل لحماً. فإن أكل لحم غنم حنث، وأما إن أكل سمكاً لم يحنث مع أن السمك قد سماه الله لحماً طرياً. ولكن العرف يخصص ويقيد مطلق اللفظ.

القاعدة الحادية والثلاثون [المنكر]

القاعدة الحادية والثلاثون [المنكَّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العتق في المُنَكَّر لا يزيل الملك عن المعيَّن إلا بالبيان (¬1). أو القرعة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لا تختص بالعتق - وإلاَّ كانت ضابطاً. وإنما هي تعم كل تصرف للإنسان في مُنَكَّر غير معين، سواء أكان عتقاً أم طلاقاً أم بيعاً. فمفادها: أن التصرف في المنكَّر لا يزيل الملك عن معيَّن إلا بعد البيان من المُتَصَرِّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أعتق إحدى جواره دون تعيين، أو طلق إحدى نسائه، أو باع إحدى دوابه، ففي كل هذه الأمثلة وأشباهها لا يجوز إيقاع التصرف على واحدة معينة دون بيان من المتصرف: فلا تعتق جارية بعينها إلا إذا عيَّنها وحددها المعتق، أو تصرف تصرفاً يدل على المعتقة، كأن يكون عنده جاريتان فيعتق إحداهما منكرة - كأن يقول: إحداكما معتقة - ثم يجامع الأخرى أو يبيعها فنتبين بذلك أن المعتقة غيرها. وكذلك بالنسبة للزوجة أو الدابة، أو أي تصرف آخر يشبهه. أو يعينها بالإسم أو الصفة. ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 202. (¬2) وهذا عند أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى. ينظر المقنع 3/ 216 فما بعدها.

القاعدة الثانية والثلاثون [العتق ونفاذه]

القاعدة الثانية والثلاثون [العتق ونفاذه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العتق يستدعي حقيقة الملك (¬1). وفي لفظ: "العتق لا ينفذ بدون قيام الملك في المَحَل عند وجود الشرط" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان كسابقتهما لا تختصان بالعتق، بل تَعُمَّان كل تصرف متعلق بالإطلاق أو التقيد. فمفادهما: أن التصرف يوجب أن يكون المتصرف مالكاً لما يتصرف به، ولا ينفذ هذا التصرف دُون قيام الملك ووجوده في المتصرف به عند وجود شرطه، أو يوجد الاذن بالتصرف من المالك - إن كان المتصرف غير مالك كالوكيل أو الفضولي - لوقوع العتق أو الطلاق أو البيع أو غيرها، والمراد بالشرط هو الشرط التقييدي. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من أعتق عبد غيره لا يعتق العبد؛ لأن المعتِق لا يملك العبد ملكاً حقيقياً، ولكن إذا وكَّله المالك في عتق عبده عتق. أو أعتق عبد غيره فأجازه المالك عتق - عند من يعتبرون العقد موقوفاً -؛ لأن الإجازة في الانتهاء ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1924. (¬2) نفس المصدر ص 1935.

كالإذن في الابتداء. ومنها: من طلق امرأة ليست زوجة له لا تطلق. ومنها: من باع سلعة لغيره لا ينفذ البيع ما لم يأذن المالك. ومنها: من قال لامرأته: إن كلمت فلاناً فأنت طالق. تم طلقها بسبب آخر قبل أن تكلم فلاناً. وبعد ذلك كلمت من نهيت عن تكليمه. فلا يقع عليها طلاق، لأنها لم تعد زوجة له. إذا كلمت بعد انتهاء عدتها إذا كان الطلاق رجعياً.

القاعدة الثالثة والثلاثون [عدم بعض الشرط]

القاعدة الثالثة والثلاثون [عدم بعض الشرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عدم بعض الشرط كعدم جميعه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: شرط صحة العبادة أو المعاملة يجب استيفاؤه ووجوده كاملاً لتصح العبادة أو المعاملة، لكن إذا وجد بعض الشرط دون كله. فمفاد هذه القاعدة: أن العبادة أو المعاملة غير صحيحة وتعتبر باطلة؛ لأن فقدان بعض الشرط وعدمه يشبه فقدان الشرط وعدمه كله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا توضأ ولم يغسل إحدى قدميه بدون عذر لم تصح طهارته وبالتالي لا تصح صلاته؛ لأن شرط صحة الصلاة الطهارة الكاملة. ومنها: إذا أخل ببعض السترة في الصلاة - مع القدرة - لم تصح صلاته. ومنها: إذا ترك ملتقط اللقطة تعريفها في بعض الحول الأول - أي في أوله - لم يملكها بالتعريف فيما بعد؛ لأن الشرط لم يكمل - وهو تعريفها حولاً كاملاً -. ¬

_ (¬1) المغني 5/ 700، ط/ مكتبة الرياض، 8/ 298 الطبعة المحققة.

القاعدة الرابعة والثلاثون [عدم ثبوت الشرائط]

القاعدة الرابعة والثلاثون [عدم ثبوت الشرائط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عدم ثبوت حكم الشيء لعدم ثبوت شرائطه ليس رفعاً له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا لم يثبت حكم الشيء لفقد شرائطه أو بعض منها فلا يكون ذلك رفعاً لذلك الشيء وإعداماً له، بل هو رفع للحكم فقط؛ لأن عدم الحكم مرتب على عدم الشرط، فعدم الشرط علة لعدم الحكم، لا لرفع المحكوم به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من طلق امرأته طلقة رجعية، فقبل انقضاء عدتها لا يثبت حكم الطلاق وهو إزالة لملك؛ لأن شرط إزالة الملك وحل الزوجية هو انقضاء العدة، أو جعل هذا الطلاق بائناً بأن يطلقها طلقتين أخريين. ومنها: إذا نوت المرأة الصوم فجامعها رجل وهي نائمة أو مغمى عليها أو مجنونة، ثم أفاقت وعلمت بما فعل فإنها تقضي الصوم؛ لأن الجنون أو النوم أو الإغماء لا ينافيه، وإنما ينافيه النية. وثبوت القضاء دليل على عدم رفع الصوم عنها. وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يجب عليها القضاء؛ لانعدام قصد الإفطار (¬2). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 58. (¬2) مجمع الأنهر 1/ 243.

ومنها: إذا طلق امرأته طلقة رجعية ثم راجعها في العدة، تم طلقها بعد ذلك طلقتين فيكون طلاقاً ثلاثاً. ولا يقال: إنه برجوعه ارتفع الأول لكونه معلقاً بشرط انقضاء العدة.

القاعدة الخامسة والثلاثون [علة الإذن والتحريم - التعليل بالعدم]

القاعدة الخامسة والثلاثون [علة الإذن والتحريم - التعليل بالعدم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عدم علة الإذن التحريم، وعدم علة التحريم الإذن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأفعال والتصرفات منها ما هو مأدون فيه، ومنها ما هو غير مأذون فيه. فغير المأذون فيه هو المحرم، وغير المحرم هو المأذون فيه - والمأذون فيه يشمل الواجب والمندوب والمباح. فمفاد القاعدة: أن ما عدم الإذن فيه فهو المحرم - فَعِلَّة التحريم وسببه عدم الإذن، وأن ما كان مأذوناً فيه فهو المباح، وعلة الإباحة عدم التحريم. ومبنى هذه القاعدة على التعليل بالعلم. ولكن هذه القاعدة في الحقيقة غير جامعة لأنواع المأذون فيه والمحرم؛ لأن من المحرمات ما دل الدليل النصي على تحريمه، فيكون تحريمه - لا لعدم وجود الإذن - بل لوجود دليل التحريم، وكذلك من المباحات ما ورد فيه الإذن نصاً، فتكون إباحته أو وجوبه أو ندبه لوجود الدليل على ذلك لا لعدم وجود دليل التحريم. فليس عدم وجود الشيء دليلاً على وجود نقيضه دائماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. علة النجاسة الاستقذار، فمتى كانت العين غير مستقذرة فحكم الله تعالى في تلك العين عدم النجاسة وأن تكون طاهرة. فعِلَّة الطهارة عدم ¬

_ (¬1) الفروق للقرافي 2/ 34.

النجاسة، إلا أن يحدث معارض لعلة أخرى غير الاستقذار كما في الخمر. ومنها: تحريم الخمر معلل بالإسكار فمتى زال الإسكار زال التحريم وثبت الإذن. ومنها: علة إباحة العصير سلامته عن المفاسد، فإذا وجدت فيه مفسدة كالسكر حَرُم. فعلة عدم تحريم العصير هي علة الإذن فيه، وعدم علة الإذن علةٌ للتحريم. ومنها: سبب وجوب إراقة دم المرتد ردته، فإذا فقدت الردة كان دمه حراماً، وهكذا.

القاعدة السادسة والثلاثون [التعليل بالعدم]

القاعدة السادسة والثلاثون [التعليل بالعدم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عدم العلة علة لعدم المعلول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها. العلة: هي سبب وجود الحكم المبني عليها، فإذا وجدت العلة وجد الحكم - إلا إذا وجد مانع - وإذا انتفت العلة انتفى الحكم. فمفاد القاعدة: أن وجود المعلول - وهو الحكم - مترتب على وجود علته، فإذا عدمت العلة عدم الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. العقل علة لترتب الأحكام والتكاليف على الإنسان. لكن إذا جُنَّ هذا الإنسان وفقد عقله - أو بلغ مجنوناً - فلا يجب عليه شيء من الأحكام والتكاليف الشرعية؛ لأن العقل علةٌ لترتبها، فإذا عُدِم عدمت. ومنها: غروب الشمس ودلوكها ووجود الشهر علة لوجوب الصلاة والصوم، فإذا لم تغرب الشمس أو لم تزل ولم يدخل الشهر، فلا تجب الصلاة ولا الصوم. ومنها: النصاب علة لوجود الزكاة، فإذا عدم النصاب لم تجب. فوجود النصاب علة ووجود الزكاة معلول، وعدم النصاب علة لعدم وجوب الزكاة. ¬

_ (¬1) الفروق 2/ 37.

القاعدة السابعة والثلاثون [العرف واعتباره]

القاعدة السابعة والثلاثون [العرف واعتباره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العرف إنما يعتبر عند عدم التصريح بخلافه (¬1). وفي لفظ: "العرف إنما يعتبر فيما لا نص بخلافه" (¬2). وفي لفظ: "العرف غير معتبر في المنصوص عليه" (¬3). وفي لفظ: "العرف يسقط اعتباره عند وجود التسمية بخلافه" (¬4). وفي لفظ: "العرف لا يعارض النص" (¬5). وفي لفظ: "العرف يكون حجة إذا لم يخالف نص الفقهاء" (¬6). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. العُرْف: هو ما استقر في النفوس من جهة شهادات العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول (¬7)، وهو العادة. هذه القواعد كلها تفيد أن العرف والعادة مقيد اعتبارهما حجة من الأحكام والتصرفات بشرط وهو: عدم وجود نص مخالف لذلك العرف، ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1634، المبسوط 4/ 227. (¬2) المبسوط 14/ 136. (¬3) الأشباه ص 127، قواعد الفقه ص 71. (¬4) قواعد الفقه ص 92، عن السير ص 1725. (¬5) المبسوط 12/ 142. (¬6) شرح الخاتمة ص 55. (¬7) الكليات ص 617.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

سواء أكان ذلك نص الشارع أم نص المتعاقدين أم نص الفقهاء. ولكن بالنسبة لنص الفقهاء فالأمر غير مسلَّم تماماً؛ لأن نص الفقهاء قد يكون مبنياً على عرف زمانهم أو على مصلحة كانت في زمنهم، فهل إذا تغير العرف أو تبدلت المصلحة لا يجوز الخروج على نص الفقهاء؟ أرى أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأنه لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الأزمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. إذا جرى العرف بخروج المرأة من بيتها سافرة واختلاطها بالرجال - كما هو واقع الآن مع الأسف - فليس وجود هذا العرف وشيوعه بين المسلمين يجعله حجة وحكماً للإباحة؛ لأنه يعارضه نصوص كثيرة توجب على المرأة التستُّر وعدم الاختلاط بالرجال. ومنها: إذا تعاقد شخصان عقد إجارة - وكانت العادة أن يدفع المستأجر نصف الأجرة السنوية مقدماً - ولكن اشترط المستأجر في العقد تأخيره، أو اشترط المؤجر في العقد تقديمه كاملاً، فليس لأحدهما بعد ذلك أن يتمسك بأن العرف يقتضي نصف الأجر, لأن التسمية والنص في العقد بخلاف ذلك العرف. فلا اعتبار للعرف هنا, ولا يعارض المنصوص عليه. ومنها: إذا قال: عليَّ الطلاق، لا يقع عليه الطلاق عند جمهور الحنفية - ولو نوى الطلاق؛ ولأن العبرة للألفاظ لا للمعاني هنا، وهذا اللفظ يفيد أن الطلاق في الذمة لا غير - كما لو قال: لفلان عليَّ مئة دينار - أي في ذمتي، والذي في الذمة لا يلزم وجوده في الخارج. ومع ذلك اختار كثير من الفقهاء

وقوع الطلاق بهذه اللفظة اتباعاً لعرف الناس، ولكن عند الحنفية الفتوى على الأول وهو قول الإِمام، وإن خالفه في ذلك الصاحبان (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى البزازية هامش الهندية 4/ 174، الفتاوى الخانية 1/ 455 ,الفتاوى الهندية 1/ 355, شرح الخاتمة ص 55.

القاعدة الثامنة والثلاثون [العرف]

القاعدة الثامنة والثلاثون [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العرف الظاهر بين الناس حجة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: "العادة محكمة". ولكن في هذه القاعدة زيادة شرط وهو الظهور. فشرط اعتبار العرف حجة وحَكَماً أن يكون ظاهراً بين الناس معروفاً عندهم بحيث لا يخفى على جمهورهم؛ لأنه سبق القول بأن العبرة للغالب الشائع لا للنادر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا كان من عادة إنسان أن لا يأكل لحم البقر، ووكَّل آخر في شراء لحم مطلقاً فاشترى له لحم بقر - وهو لا يعلم عادة الموكِّل - فيلزم الموكِّل ما اشتراه له الوكيل؛ لأنه ذكر مطلقاً. والوكيل لا يعلم بعادة موكّله هذه. بخلاف ما لو قال له: اشتر لي لحم غنم فاشترى له غيره، فلا يلزمه للنص على المقصود. ومنها: إذا كان من عادة قوم لبس عمامة (¬2) مخصوصة - وهي معروفة بينهم لا يلبسون غيرها إلا نادراً - مثل الشماغ الأحمر في السعودية - فوكّل أحدهم آخر في شراء عمامة له، فاشترى له عمامة غير ما تعارفوا لبسه - كما لو اشترى له شماغاً أخضر أو أسود - فلا يلزم الموكل للعادة الظاهرة المعروفة بينهم. ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 130، 131، 132. (¬2) العمامة - كل غطاء عمَّ رأس لابسه.

القاعدة التاسعة والثلاثون [العرف المقارن]

القاعدة التاسعة والثلاثون [العرف المقارن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق لا اللاحق (¬1). وفي لفظ: "لا عبرة بالعرف الطارئ" (¬2)، وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تمثل جانباً من جوانب العرف الذي يعتبر حجة وحكماً. فمفادها: أن العرف الذي يوجب العمل يجب أن يكون مقارناً للعمل مصاحباً له، وسابقاً له في الوجود؛ لأن العرف لا يشتهر إلا بعد مضي أزمان على وجوده، وأما العرف اللاحق للعمل الحادث بعده فلا اعتداد به ولا اعتبار له، فلا يجوز أن يحمل حكم حدث قبلاً على عرف حدث متأخراً؛ لأن النصوص التشريعية يجب أن تفهم مدلولاتها اللغوية والعرفية في عصر صدور النص؛ لأنها هي مراد الشارع أو العاقد. ولا اعتبار بتبدل مفاهيم الألفاظ في الأعراف المتأخرة، كما أنه لا اعتبار لقبول الأعراف في الحوادث المتقدمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أوقف إنسان عقاراً في سبيل الله أو ابن السبيل، فسبيل الله هو مصالح الجهاد الشرعي أو سبل الخيرات، فلا يجوز أن يعتبر معناه طلب العلم ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 96، وابن نجيم ص 101. (¬2) نفس المصدر، وينظر: الوجيز مع الشرح والبيان ص 297.

خاصة، وابن السبيل هو من ينقطع من الناس في السفر وإن كان غنياً في بلده , فلا يجوز أن يحمل على اللقيط الذي قد يطلق عليه ابن السبيل. ومنها: إذا أقرَّ إنسان لآخر بألف ريال اقترضها أو سرقها، أو أقام دعوى على آخر بأنه اقترض منه ألف ريال منذ خمسين عاماً، فيجب عليه أن يحمل ذلك على الريالات التي كانت سائدة، لا الريالات الحادثة التي يتعارفها الناس الآن. ومنها: إذا علق إنسان طلاق امرأته على أكل رأس مشوي - وكان المعروف في ذلك رأس الغنم المشوي - ثم تبدل عرف الناس فصاروا يشوون رأس البقر أو الإبل، فأكلت رأس البقر أو الإبل، فلا يقع عليها طلاق؛ لأن المحلوف عليه هو رأس الغنم المشوي - وإن لم يُسَمِّه - للعرف الجاري عندهم حين الحلف والتعليق (¬1). ¬

_ (¬1) شرح الأشباه لسنبلي زاده - المعروف بتوفيق الإله - لوحة 141 - 142.

القاعدة الأربعون [العرف المقيد]

القاعدة الأربعون [العرف المقيِّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العرف يقيد مطلق اللفظ (¬1). وفي لفظ: "العرف قاض على الوضع" (¬2)، أي راجح عليه ومقيد له. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة سبق لها مثيلات، ينظر القاعدة رقم (192) من قواعد حرف التاء. ومفادها: أن العرف بشروطه يقيد اللفظ المطلق ويخصص عمومه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا كان من عادة أهل بلدة أن المهر منه معجل ومنه مؤجل، فحين الإطلاق يكن نصف المهر معجلاً ونصفه مؤجلاً لأقرب الأجلين الطلاق أو الموت - وإن لم يذكر في العقد - ولكن إذا نصَّ في العقد على تعجيل المهر كله فلا يجوز للزوج أن يحتج بأن العرف يوجب تأجيل جزء منه؛ لأن العرف لا يعارض النص. ومنها: إذا تأَجر شخص داراً أو دكاناً - وكان من عادة الناس دفع نصف الإجرة مقدماً - ولم ينص في العقد على خلاف ذلك - فيجب على المستأجر دفع نصف الأجر مقدماً، وعلى المؤجر قبول ذلك. وليس لأحدهما ¬

_ (¬1) المبسوط 28/ 95. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 68 م.

المطالبة بخلاف المعروف، ما لم يُنَص في العقد على خلافه. ومنها: إذا وُكِّل رجل بالتقاضي لدين فلا يملك هذا الوكيل قبض الدين بل له الخصومة أمام القاضي فقط - مع أن لفظ التقاضي يدل على القبض بالوضع اللغوي - يقال: اقتضيت حقي: أي قبضته، فإنه مطاوع قضى. لكن جرى العُرف بخلافه فيرجح وعليه الفتوى (¬1). إلا أن ينص على القبض. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 68 م.

القاعدة الحادية والأربعون [العصمة]

القاعدة الحادية والأربعون [العصمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العصمة بسبب الدين إنما تثبت في حق من يعتقد لا في حق من لا يعتقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العصمة: معناها: المنعة والحفظ. فمفاد القاعدة: أن حفظ الإنسان ومنعته بسبب يتعلق بالدين إنما يثبت ذلك له إذا كان يعتقد بهذا الدين. وأما مَن لا يعتقد بالدين العاصم فلا عصمة له ولا منعة ولا حفظ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا وُجِد مسلمان في دار الحرب بأمان فعامل أحدهما صاحبه فيجب أن تكون المعاملة بينهما خالية مما يفسدها كما لو كانا في دار الإسلام؛ لأن المسلم ملتزم بحكم الإِسلام حيثما يكون، ومال كل واحد منهما مال معصوم متقوم في حق صاحبه، ولو استهلك أحدهما مال صاحبه فعليه ضمان ما استهلك. ومنها: إذا غصب أحدهما مال صاحبه وهما في دار الحرب وقد دخلاها مستأمنين ورجعا إلى دار الإِسلام فإن كان عين المال قائماً وترافعا إلى القاضي فإن القاضي يقضي برد المغصوب لصاحبه , وإن كان مستهلكاً فعلى ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1885.

رابعا: ما استثنى من مسائل هذه القاعدة

الغاصب ضمان ما استهلك. رابعاً: ما استثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا قتل أحد المسلمين المستأمَنِيْن في دار الحرب صاحبه - فإن كان القتل عمداً - لم يجب القصاص على القاتل لقيام الشبهة بكونهما في دار الإباحة, ولأن المقتول يتمكن من استيفاء القصاص بقوة نفسه عادة - والقاتل ليس في يد الإِمام ليعينه على استيفاء القصاص، فلا يجب القصاص، ولكن تجب الديه في مال القاتل، وكذلك إذا قتله خطأ فلا يكون علي العاقلة شيء، بل الدية في مال القاتل خاصة؛ لأن التعاقل باعتبار التناصر، ولا تناصر بين مَن في دار الحرب وبين مَن في دار الإِسلام. ومنها: لا يجب الحد إذا فعل المسلم في دار الحرب شيئاً موجباً للحد كالزنا أو شرب الخمر، خلافاً للأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله , فهم يقولون بثبوت الحدود على المسلم في دار الحرب، ولكن اختلفوا في استيفائها: هل يجوز استيفاؤها في دار الحرب، أو لا تستوفى حتى يرجع إلى دار الإِسلام (¬1)؟؟ ¬

_ (¬1) الإفصاح 2/ 275، المجموع 18/ 138، وينظر المقنع مع الحاشية 3/ 450.

القاعدة الثانية والأربعون [العصمة وانعدامها]

القاعدة الثانية والأربعون [العصمة وانعدامها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإِسلام تنعدم عند تمام إحراز المشركين إياها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تتعلق بالأموال والغنائم، وكيف أن الأموال إنما تعصم بإحرازها في دار الإِسلام، ولكن هذه العصمة تنعدم إذا أحرزها المشركون. فمفاد القاعدة: أن أموال المسلمين يملكها المشركون إذا غنموها وأحرزوها بإدخالهم إياها إلى دار الحرب. وهي مسألة خلافية بين العلماء (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا غنم المشركون من المسلمين غنائم وحازوها وأدخلوها دار الحرب، ثم غلب عليهم المسلمون فاستردوها فإنها تكون غنيمة لجميع المقاتلين، ولكن إن وجد شيء بعينه لمسلم - فإن وجده قبل القسمة أخذه بغير شيء - وأما إن وجده بعد القسمة بين الغانمين فإنه يأخذه بقيمته إن شاء. ومنها: إذا أخذ المشركون ناقة أو دابة لمسلم ثم اشتراها منهم مسلم ¬

_ (¬1) المبسوط 10/ 61، شرح السير ص 1247، وينظر أحكام أهل الذمة 2/ 468. (¬2) ينظر: في ذلك المغني لابن قدامة 13/ 121 فما بعدها.

آخر، فلصاحبها الأول أن يأخذها بالثمن وإلا فيتركها كما ورد في الحديث (¬1). ومنها: إذا دخل أهل الحرب دار الإسلام للإغارة فأخذوا أموالاً وسبايا، ثم دخلوا دارهم فقد أحرزوها وملكوها، ثم إذا أسلموا بعد ذلك صار ذلك لهم؛ لأنهم بالإحراز قد ملكوها لتمام السبب وهو القهر، ثم يتقرر ملكهم بالإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: "من أسلم على مال فهو له" (¬2). وكذلك إن صاروا ذمة، وكذلك لو استأمنوا للمسلمين. ¬

_ (¬1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في السنن 9/ 188، حديث 18252. (¬2) أخرجه البيهقي في باب: "من أسلم على شيء فهو له" من كتاب السير: "السنن الكبرى" 9/ 190 - 191 حديث رقم 18259.

القاعدة الثالثة والأربعون [العفو]

القاعدة الثالثة والأربعون [العفو] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العفو إنما يُسْقِط ما كان مستحقاً للعافي خاصة (¬1). إلا إذا كان المعفو عنه لا يقبل التجزؤ. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العفو: معناه هنا: كَفُّ ضرر وإسقاطه مع القدرة (¬2). فمفاد القاعدة: أن العفو مخصوص بما كان للعافي خاصة دون غيره بشرط استحقاقه إياه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أساء شخص لآخر فعفا المُسَاءُ إليه عنه، فهو إنما يعفو عن إساءته له خاصة دون غيره ممن أساء إليهم. ومنها: إذا قتل قطاع طرق أو محاربون أشخاصاً من المسلمين، ثم إن ورثة المقتولين عفو عن القاتلين، فإن الإِمام له أن يقتل المقاتلين؛ لأنهم محاربون أو قطاع طرق، أو رأى المصلحة العامة في قتلهم، فعفو الورثة عنهم غير مؤثر، فإنهم إنما أسقطوا حقهم خاصة لاحق العامة. ومنها: إذا قتل رجل شخصين أو أكثر واستحق القصاص فعفا أحد ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1764، وعنه قواعد الفقه ص 93. (¬2) الكليات ص 53، 598، 632.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

أولياء المقتولين عن حقه في القصاص، فهو إنما عفا عن حقه خاصة دون الآخرين، فإن لكل واحد من أولياء المقتولين الآخرين أن يطالب بالقصاص ويستحقه ولا يؤثر فيه عفو أحدهم. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا عفا أحد أولياء الدم سقط القصاص؛ لأن القصاص لا يقبل التجزؤ وانتقل حق الأولياء إلى الدية.

القاعدة الرابعة والأربعون [العفو]

القاعدة الرابعة والأربعون [العفو] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العفو في الانتهاء كالإذن في الابتداء (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق معنى العفو. فمفاد القاعدة: أن من عفا عمَّن أتلف له من ماله شيئاً فكأنما أذن له في الفعل ابتداء. وكذلك لو عفا المجروح عن جارحه فكأنه أذن له في جرحه ابتداء؛ لأن النتيجة سقوط الضمان عن الفاعل. والإذن ينافي الضمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قتل شخص حيواناً لشخص آخر ثم عفا صاحب الحيوان عن قاتله سقط الضمان، فكأن الفاعل مأذون له في قتل ذلك الحيوان. ومنها: من قطع يد إنسان أو فقأ عينه، أو جرحه، ثم عفا المصاب عن خصمه فقد سقطت الجناية وضمانها. فكأن الجارح مأذون له فيما فعل. ومنها: أن من قطع يد إنسان أو شجه موضحه فقال المجني عليه عفوت عن الجناية أو الشجة وما يحدث منها، أو عن القطع وما يحدث منه صح العفو ويسقط ضمان السراية لو سرى الجرح فمات المجروح. ومنها: إذا قال المغصوب منه للغاصب: أبرأتك عن الغصب. يكون ذلك إبراءً عن الضمان الواجب بالغصب. ¬

_ (¬1) المبسوط 26/ 154.

القاعدة الخامسة والأربعون [عقد الذمة - عقد الأمان]

القاعدة الخامسة والأربعون [عقد الذمة - عقد الأمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عقد الذمة أقوى من عقد الأمان (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. عقد الذمة: العقد: إلزام على سبيل الأحكام (¬2). والذمة: العهد؛ لأن نقضه يوجب الذم (¬3). فمفاد القاعدة: أن الكفار المعاهدين الذين أومنوا على دمائهم وأديانهم وأعراضهم وأموالهم بأداء الجزية، فإن عهدهم هذا أقوى وأوثق من عقد الأمان للكافر الذي يدخل دار الإِسلام دخولاً مؤقتاً غير دائم. والفرق بين الذمي والمستأمن: أن الذمي مقيم في دار الإِسلام بعهد مؤبد. تجرى عليه بموجبه أحكام الإسلام مقابل أداء الجزية، فهو مستسلم وخاضع لأحكام الإسلام. وأما المستأمن فهو حربي دخل دار الإسلام بأمان مؤقت لتجارة أو عمل لوقت محدد ثم يعود إلى بلاده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إن الذمي إذا قُتِل فإن ديته مثل دية المسلم، أو نصف دية المسلم، أو ¬

_ (¬1) شرح السير ص 560. (¬2) الكليات ص 641. (¬3) نفس المصدر ص 454.

أربعة آلاف درهم، على الخلاف في ذلك. وأما دية المستأمن فهي ثمانمائة درهم (¬1) ومنها: لو أن ذمياً تزوج امرأة في دار الحرب وأخرجها مع نفسه فهي حرة ذمية، أما لو خرج مستأمناً مع زوجته فهي حرة آمنة، والفرق أن الذمية لا تعود إلى دار الكفر أو دار الحرب لأنها أصبحت متابعة لزوجها الذمي. وأما المستأمنة فتعود إلى دار الحرب إذا عاد زوجها إليها. ¬

_ (¬1) ينظر المقنع مع الحاشية 3/ 392، والإفصاح 2/ 210.

القاعدة السادسة والأربعون [العقد الخالي عن مقصوده]

القاعدة السادسة والأربعون [العقد الخالي عن مقصوده] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقد إذا خلا عن مقصوده لا يكون منعقداً أصلاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. كل عقد من العقود له مقصود وغرض يقصده العاقدان من عقده. فمفاد القاعدة: أن العقد - أي عقد - إذا خلا عن مقصوده الذي شرع له فإنه لا يكون منعقداً أصلاً، إذ يكون باطلاً لا يترتب عليه شيء من آثاره وأحكامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. عقد الزواج المقصود منه حل الاستمتاع بين الزوجين، فإذا شرط في العقد أن لا يطأ الزوج زوجته أو لا يستمتع بها، فإن هذا العقد باطل لا يترتب عليه أثر من آثاره. وقيل: يصح العقد ويبطل الشرط (¬2). ومنها: إذا استأجر داراً على أن لا يسكنها ولا ينتفع بها فالعقد باطل كذلك؛ لأن مقصود عقد الإجارة الانتفاع بالعين المؤجرة. ومنها: إذا ابتاع دابة أو سيارة على أن لا يركبها ولا يتصرف بها , فالعقد باطل كذلك؛ لانعدام المقصود من عقد البيع وهو حل التصرف في المبيع. ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 115. (¬2) ينظر: المقنع 3/ 49، المغني 9/ 487.

القاعدة السابعة والأربعون [العقد غير المفيد]

القاعدة السابعة والأربعون [العقد غير المفيد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العقد إذا لم يكن مفيداً كان باطلاً (¬1). وفي لفظ: "ما ليس بمفيد لا يعتبر شرعاً" (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة قريبة المعنى من سابقتها. ومفادها: أن العقد أو التصرف إذا خلا عن الفائدة فهو باطل لا يعتد به شرعاً؛ لأن المقصود من شرع العقود وجواز التصرفات حصول الفائدة المترتبة على العقد أو التصرف، فأما إذا خلا العقد أو التصرف عن الفائدة التي شرع لأجلها، فإن هذا التصرف يعتبر باطلاً وغير مشروع فلا تبنى على الأحكام؛ لأن العقد الباطل وجوده كعدمه (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اشترى أحد شريكي المفاوضة من صاحبه شيئاً للتجارة فالعقد باطل؛ لأن ما اشتراه هو من شركتهما قبل الشراء وبعده، فلا يكون العقد مفيداً فهو باطل؛ ولأنه تحصيل حاصل. ¬

_ (¬1) المبسوط 11/ 212. (¬2) نفس المصدر ص 241. (¬3) ينظر: المغني 5/ 338.

ومنها: التعيين في الصيد عند إرسال الكلب المعلم لا يشترط - خلافاً لمالك وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالى، ولأن المرسل ليس في وسعه تعليم الكلب أو الصقر على وجه لا يأخذ إلا ما يعينه له، ولأن التعيين غير مفيد في حقه ولا في حق الكلب؛ لأن قصد المرسل أخذ كل صيد يتمكن الكلب من أخذه، وعلامة علمه إمساكه على صاحبه بترك الأكل، فسواء أخذ ذلك الصيد أو غيره حلَّ؛ ولأن الشرط في الإرسال التسمية على الكلب أو الصقر لا على الصيد حتى يشترط التعيين. ومنها: إذا كفل شخصاً بمبلغ من المال على أن لا يؤديه عنه، فهذا عقد باطل غير مفيد, لأن مقصود الكفالة وفائدتها أداء الكفيل عن المكفول إذا لم يؤد المال في وقته المحدد، أو أعسر فلم يستطع الأداء. ومنها: إذا شرط في عقد النكاح أن لا تُسلَّم المرأة نفسها للزوج ولو أدى المهر كاملاً، فهذا عقد باطل - في الأصح - لأنه عقد غير مفيد وينافي مقصود النكاح.

القاعدة الثامنة والأربعون [فساد بعض العقد]

القاعدة الثامنة والأربعون [فساد بعض العقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العقد إذا فسد بعضه فسد كله (¬1). من أصول أبي حنيفة رحمه الله. وفي لفظ: "العقد واحد فإذا بطل بعضه بطل كله" (¬2). من أصول ابن أبي ليلى رحمه الله. أو: "الصفقة الواحدة إذا فسد بعضها فسد كلها" (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. من أصول أبي حنيفة وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالي ورواية عن أحمد وقول للشافعي رحمهما الله تعالى، أن العقد صفقة واحدة إذا فسد بعضها أو دخله البطلان بطلت كلها، وتطرق الفساد إلى باقي العقد والصفقة؛ وذلك دفعاً للضرر المترتب على تفرق الصفقة. والحقيقة أن الصور ثلاث: الصورة الأولى: أن يكون العقد أو الصفقة متعددة لكن يعتبر كشيء واحد كمصراعي باب أو نعلين فعند الجميع لا يجوز رد أحدهما دون الآخر عند وجود عيب بأحدهما (¬4). والصورة الثانية: أن تكون الصفقة لمتعدد ولكن جعل لكل واحد منها ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 21. (¬2) المبسوط 5/ 118. (¬3) نفس المصدر 23/ 115. (¬4) المقنع مع الحاشية 2/ 44.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

ثمناً محدداً، فعند وجود أحدهما معيباً له رده بثمنه، وهذا أيضاً عند الجميع , غير أبي حنيفة. والصورة الثالثة: وهي مثار الخلاف ومحل النزاع، أن تكون الصفقة لمتعدد بثمن واحد عام للكل فيظهر عيب في بعضها، فهل يبطل العقد كله؟ هذا مفاد هذه القاعدة بناء على هذه الأصول، أو لا يبطل العقد إلا فيما دخله الفساد؟ وهذا رأي مالك وصاحبي أبي حنيفة وقول للشافعي والرواية الأخرى عند أحمد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اشترى قطيعاً من الغنم جملة واحدة بثمن واحد، ثم وجد في بعضها جرباً أو عيباً، فهل له رد المعيب بقيمته أو جزئه من الثمن، أو له رد الجميع؟ بحسب هذه القاعدة له رد الجميع؛ حيث إن العقد إذا فسد في بعضها فسد في كلها، وهذا عند أبي حنيفة وابن أبي ليلى. وأما عند مالك وصاحبي أبي حنيفة، والرواية عن أحمد وقول للشافعي: أن له رد المعيب خاصة بجزئه من الثمن حيث لم يفسد العقد في الباقي، حيث إن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة (¬1). ومنها: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم، فإذا أحدهما حر فالبيع فاسد فيهما جميعاً، حيث لم يسم لكل واحد منهما ثمناً. ولكن إذا سمى لكل واحد منهما ثمناً فالبيع فاسد عند أبي حنيفة رحمه ¬

_ (¬1) المبسوط 23/ 115.

الله، أجازه صاحباه في العبد بما سمى بمقابلة من الثمن (¬1). ومنها: إذا اشترى شاتين مسلوختين، فإذا أحدهما ميتة، أو ذبيحة مجوسي، والأخرى مذكاة، فإذا كانا بثمن واحد فالبيع فاسد عند الجميع، وإن جعل لكل واحدة منهما ثمناً، فالبيع فاسد عند أبي حنيفة في الجميع، وعندهما في الميتة خاصة وصح في المذكاة بجزئها من الثمن. ومنها: إذا باع مشاعاً أو مشتركاً بينه وبين غيره أو ما يقسم عليه الثمن بالأجزاء فعند الجمهور يصح في نصيبه بقسطه من الثمن والمشتري بالخيار إذا لم يكن عالماً. وعند ابن أبي ليلى وأبي حنيفة يبطل العقد كله، مع وجود الخلاف في بعض الصور. ومنها: باع عبده وعبد غيره بغير إذنه، أو باع خلاً وخمراً فعند أبي حنيفة وابن أبي ليلى ورواية أحمد وقول للشافعي يبطل العقد ولا يصح البيع. ومنها: إذا تزوج حرة وأمة في عقدة واحدة فعند جمهور الحنفية يصح نكاح الحرة ويبطل نكاح الأمة (¬2). وأما عند ابن أبي ليلى رحمه الله فلا يجوز كلاهما؛ لأن العقد واحد فإذا بطل بعضه بطل كله كما لو جمع بين اختين. ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 3. (¬2) ينظر: المبسوط 5/ 118، بدائع الصنائع 2/ 268.

القاعدة التاسعة والأربعون [تصحيح العقد الفاسد]

القاعدة التاسعة والأربعون [تصحيح العقد الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقد إذا فسد لا طريق لتصحيحه إلا الاستقبال - أي بعقد جديد (¬1). عند زفر ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الفساد والبطلان عند الحنفية غيران، فالعقد إذا دخله فساد ثم أزيل فساده صح ولا حاجة إلى عقد جديد. ومفاد القاعدة: أن العقد إذا دخله فساد ثم أزيل فلا بد من عقد جديد - وهذا عند زفر بن الهذيل - وهو من الحنفية ولا يرى فرقاً بين الباطل والفاسد، وهذا رأي جمهور الفقهاء - غير الحنفية - أن الباطل والفاسد مترادفان، فالباطل فاسد والفاسد باطل، ولذلك فرأي الجمهور أن الفاسد ولو أزيل سبب فساده فلا بد من عقد جديد؛ لأن العقد الأول لا اعتبار له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا زوجت امرأة نفسها بغير ولي فهو عند الحنفية عقد جائز وإن دخله فساد، فإذا جاء الولي بعد تمام العقد ووافق على الزواج فقد تم العقد ولا حاجة إلى تجديده. وأما عند الإمام زفر والجمهور فهو عقد باطل لا اعتبار به ولا يعتد به ولا بد من عقد جديد يعقده الولي. وهذا في الحقيقة الأصح والأرجح. ومنها: إذا تبايع شخصان سلعة واشترط أحدهما الخيار - دون تحديد وقت - فعند زفر هذا عقد فاسد؛ لأن شرط الخيار أن يوقت في حدود ثلاث ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 62.

أيام، ولا يجوز الزيادة عليها عند أبي حنيفة وزفر، ولا بد من تحديد وقت الخيار في العقد فما لم يحدد وقت الخيار فهو فاسد عند زفر، وعليهما تجديد العقد ولكن عند أبي حنيفة إذا حددا بعد ذلك قبل نهاية الثلاثة الأيام صح العقد ولا يحتاج إلى تجديد.

القاعدة الخمسون [شرعية العقد]

القاعدة الخمسون [شرعية العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقد سبب شرعي للملك (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العقود إنما شرعت لكي يستطيع الإنسان أن يملك ما عند غيره، أو ينتفع به، أو يتصرف بما يملكه الآخرون، سواء كان ما يملك عيناً أم منفعة. فمفاد القاعدة: أن العقود أسباب وضعها الشرع الحكيم لانتقال الأملاك وتبادل المنافع، ولولاها لتغالب الناس وعمت الفوضى وأكل القوي الضعيف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. عقد البيع إنما كان سبباً شرعياً لحل البدلين، حيث يملك المشتري السلعة ويملك البائع الثمن. ومنها: عقد الإجارة إنما كان سبباً شرعياً لأن يملك المستأجر المنفعة ويملك المؤجر الأجرة. ومنها: عقد النكاح إنما كان سبباً شرعياً لملك منفعة البضع وحل الاستمتاع. ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 24.

القاعدة الحادية والخمسون [العقد الفاسد]

القاعدة الحادية والخمسون [العقد الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقد الفاسد لا يكون بنفسه سبباً للاستحقاق، وإنما يستوجب أجر المثل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العقد الفاسد عند الحنفية هو العاقد الذي دخله فساد في وصف من أوصافه وكان أصله مشروعاً فمفاد القاعدة: أن العقد الفاسد لا يكون سبباً لاستحقاق الثمن المسمى أو المهر المسمى أو الأجرة المسماة، بل إذا فسد العقد وجب ثمن المثل أو أجرة المثل أو مهر المثل، فليست القاعدة خاصة بعقد الإجارة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تزوج امرأة وأمهرها خمراً أو خنزيراً - والخمر والخنزير ليسا مالين عند المسلم - فإن هذا العقد يدخله فساد، ويجب لها مهر مثلها - لا قيمة الخمر والخنزير -؛ لأنهما غير متقومين عند المسلمين. ومنها: إذا عقد عقد مضاربة وقال رب المال للمضارب: خذ ما شئت من أي أصناف مالي - وله مال دراهم ودنانير وحنطة وتمر ودقيق - فأخذ المضارب التمر أو الدقيق، فهذه مضاربة فاسدة (¬2)، فإذا اشترى وباع فهو ¬

_ (¬1) المبسوط 22/ 22. (¬2) وذلك لجهالة رأس المال وعدم تعيينه.

لرب المال وللمضارب أجر مثله - بخلاف ما لو قال له: خذ هذه الحنطة فبعها ثم اعمل بثمنها مضاربة، فهذه مضاربة صحيحة. ومنها: إذا دفع رجل إلى آخر دكاناً على أن يبيع فيه البر أو التمر أو تجارة على أن ما رزق الله في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان، فقبض الدكان فباع فيه وأصاب مالاً، فالمال كله لصاحب البر أو التمر أو التجارة، ولصاحب الدكان مثل أجر دكانه؛ لأنه أجَّر الدكان بأجرة مجهولة، فكان إجارة فاسدة.

القاعدة الثانية والخمسون [العقد غير الموجب]

القاعدة الثانية والخمسون [العقد غير الموجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقد لا ينعقد موجباً ما يضاد المقصود به (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق أن كل عقد يوجب مقصوداً خاصاً به، فإذا لم يتحقق المقصود من العقد كان العقد باطلاً غير شرعي, لأنه لم يفد مقصوده. ومفاد هذه القاعدة: أنه من باب أولى أن لا ينعقد العقد ليوجب ما يضاد المقصود به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال شخص لامرأة إذا تزوجتك فأنت طالق. فإن تزوجها بعد ذلك فإن هذا العقد غير منعقد؛ لأن المقصود من الزواج دوام العشرة لا الطلاق، فالطلاق يضاد مقصود عقد النكاح، فكان هذا عقداً باطلاً. وبناء على ذلك فلا يقع على المرأة الطلاق؛ لأن العقد الباطل وجوده كعدمه. ومنها: إذا وهب هبة على أن يرجع فيها. فهو أيضاً عقد غير صحيح؛ لأن الرجوع في الهبة يضاد المقصود منها. ¬

_ (¬1) المبسوط 12/ 53.

القاعدة الثالثة والخمسون [العقد بالدلالة]

القاعدة الثالثة والخمسون [العقد بالدلالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقد ينعقد بالدلالة كما ينعقد بالتصريح (¬1). عند ابن أبي ليلى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأصل في انعقاد العقود الإيجاب والقبول. ولكن هل ينعقد العقد بغير إيجاب أو قبول؟ عند معظم الفقهاء - غير الشافعي رحمه الله - أن العقد ينعقد بدون لفظ وهو عقد التعاطي في البيع، بأن يأخذ السلعة ويدفع ثمنها إلى البائع دون تلفظ. ولكن مفاد هذه القاعدة: أنه الإمام محمد بن أبي ليلى أن العقد قد ينعقد بدون لفظ وبدون تعاطٍ، وذلك بالدلالة - والمراد بها غير اللفظ - وهي دلالة الحال أو دلالة فعل سابق فيقاس اللاحق على السابق إذا لم يكن هناك نص مخالف. والحق أن هذا ليس مذهب ابن أبي ليلى فقد قال بذلك شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله إذ اختار صحة البيع بل كل عقد بكل ما عده الناس بيعاً أو عقداً من متعاقب ومتراخٍ من قول أو فعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من استأجر أرضاً سنة فزرعها سنتين فعليه أجر السنة الثانية مثل الأولى؛ لاعتبار الظاهر، فكأنه زرعها في السنة الثانية بناء على العقد في السنة الأولى, ¬

_ (¬1) المبسوط 11/ 150.

وإنما لم يتعرض له صاحبها لهذا، فعليه أجر مثل السنة الأولى. وهذا إذا لم يُنَص في العقد أن الإجارة تجدد عند انتهاء السنة إذا لم يطلب أحد المتعاقدين فسخها. وأما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فعليه نقصان الأرض بالزراعة في السنة الثانية, لأنه غاصب فيما صنع ويتصدق بالفضل. وأرى أن الأرجح في هذه قول ابن أبي ليلى (¬1). ومنها: من اشترى سلعة بثمن محدد ثم أخذ أخرى مثلها، فعليه ثمنها مثل ثمن الأولى، إلا أن ينص البائع على خلاف ذلك. ومنها: من استأجر محلاً أو داراً سنة بأجرة محدد معلومة فسكنها سنتين أو ثلاث - وصاحبها لم يطلب منه الخروج منها ولا زيادة الأجرة - أن على المستأجر أجر مثل السنة الأولى للسنة الثانية والثالثة. وهذا هو المعمول به في أكثر البلاد. ¬

_ (¬1) ينظر المقنع مع الحاشية 2/ 4.

القاعدة الرابعة والخمسون [العقوبات]

القاعدة الرابعة والخمسون [العقوبات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقوبات لا تناسب إلا من قصد انتهاك المحارم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العقوبات: جمع عقوبة، وهي عذاب شرع زجراً عن ارتكاب الممنوع. والعذاب المراد به: الألم الثقيل الذي شرع زجراً عن الوقوع في الشر. والمحارم: جمع محرم. وهو الممنوع شرعاً، والمحظور ارتكابه شرعاً (¬2). وانتهاك المحارم: تناولها بما لا يحل (¬3). فمفاد القاعدة: أن العذاب والعقوبات المشروعة إنما شرعت زواجر وموانع من الذنوب والوقوع في المحرمات، وهي إنما توقع على من قصد وتعمد الوقوع في الحرام وارتكاب الذنوب باختيار ورضا دون إكراه، وبناء على ذلك اختلفت نتيجة وجزاء العامد عن المخطئ، وكان في ذلك العدل كله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا شرب شخص الخمر عالماً بتحريمه - غير مكروه ولا مضطر ولا مخطيء - استحق العقوبة وعومل معاملة الصاحي في كل ما أقدم عليه وارتكبه حال سكره سداً للذريعة. ¬

_ (¬1) شرح مختصر الروضة للطوفي 1/ 184. (¬2) الكليات 405، 654. (¬3) مختار الصحاح والمصباح مادة (نهك).

ولكن إذا شرب الخمر جاهلاً به أو مكرهاً عليه أو مضطراً، فلا عقوبة عليه ولا يقام عليه حد إذا سكر مما تناوله جهلاً أو مخطئاً أو مكرهاً أو مضطراً , ولو ارتكب في حال سكره هذه ما يوجب الحد. ومنها: من قتل نفساً معصومة متعمداً مختاراً وجب عليه القصاص عقوبة مستحقة رادعة وزاجرة، ولكن إذا كان القتل خطأ، فلا يجب القصاص وتجب الدية على العاقلة.

القاعدة الخامسة والخمسون [تعليق العقود]

القاعدة الخامسة والخمسون [تعليق العقود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: عقود المعاوضات لا تحتمل التعليق بالشرط (¬1). وفي لفظ: "العقود لا تقبل التعليق" (¬2). وفي لفظ: "تعليق التمليكات والتقييدات بالشرط باطل" (¬3) وينظر قواعد حرف التاء القاعدة (153). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. عقود المعاوضات: هي العقود التي تشتمل على بدلين عوض ومعوض كالبيع والأجارة والنكاح والمزارعة وغيرها، وهي عقود التمليكات. فمفاد هذه القاعدة: أن مثل هذه العقود لا تقبل التعليق بالشرط؛ لأن تعليقها بالشرط يجعلها غير منجزة وغير نافذة، والأصل فيها النفاذ بمجرد الإيجاب والقبول، ولأن مقتضى العقد اللزوم. ولكن صح التعليق بالشرط في بعض الحالات - لحديث حبَّان بن منقذ - رضي الله عنهم - أو منقذ بن عمر - على الخلاف فيه، وهو: "إذا بايعت فقل: لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام" (¬4) ولحاجة الناس إلى ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 40. (¬2) المجموع المذهب لوحة 322 أ. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 367. (¬4) الحديث روي بطرق متعددة عن عُمَر وابنه رضي الله عنهما وأخرجه البخاري وغيره. ينظر منتقى الأخبار 2/ 334 - 335، الأحاديث 2875 - 2878.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

وهذه القاعدة ليست على إطلاقها، بل هذه العقود تجوز مع خيار المجلس وشرط الخيار على أن لا يزيد على ثلاثة أيام - عند كثيرين - والبيع لا يبطل بالشرط في اثنين وثلاثين موضعاً ذكرها ابن نجيم رحمه الله في الأشباه (¬1). والذي يقبل التعليق بالشرط هو الإطلاقات: كالطلاق، والعتاق والحوالة والكفالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. إذا قال: أبيعك هذه الدار إذا هلَّ الهلال. فالعقد باطل. ومنها: أبيعك إذا رضي شريكي. كذلك. ومنها: إذا قال: إن كان أبي مات فقد زوجتك هذه المرأة - وكان قد مات فيها وجهان. وقال النووي رحمه الله تعالى (¬2): الأصح البطلان لوجود صريح التعليق. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد. إذا قال: أبيعك إذا رضي أبي. صح العقد، وتوقف نفاذه على رضاء الأب. ومنها: إذا اشترط البائع رهناً بالثمن أو كفيلاً، جاز العقد وصح البيع. ¬

_ (¬1) ينظر أشباه ابن نجيم ص 210 - 211. (¬2) النووي هو أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف بن مُرَّي الحزامي النووي الدمشقي شيخ الإسلام محرر مذهب الشافعي إمام أهل عصره علماً وعبادة وورعاً وفقهاً ولد سنة 631 هـ بنوى من أعمال دمشق وتوفي بها سنة 676 هـ ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من رجب رحمه الله. من كتاب المنهاج السوي في ترجمة الإِمام النووي للحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله - مختصراً.

القاعدة السادسة والخمسون [العبرة في العقود للمقصود]

القاعدة السادسة والخمسون [العبرة في العقود للمقصود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: العقود تصح بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل (¬1)، وبكل ما عدَّه الناس بيعاً أو إجارة. وفي لفظ: "الاعتبار للمعنى دون الألفاظ" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. مفاد هذه القاعدة: إن العقود تصح وتكون نافدة بكل لفظ أو فعل دل على مقصود العاقدين ورضاهما, ولا يجب أن يختص كل عقد بلفظ لا يجوز بغيره. بدلالة: أن الشرع اكتفى بالتراضي في البيع وبطيب النفس في التبرع، ولم يشترط لفظاً معيناً ولا فعلاً معيناً يدل على التراضي دون غيره. وينظر أيضاً من قواعد حرف الهمزة الأرقام 96 - 98. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال لعبده: إن أديت إلي ألفاً فأنت حر، كان إذناً له بالتجارة، لا كتابة فاسدة, لأنه معلوم أن العبد لا يمكنه أن يؤدي الألف إلا إذا أُذن له بالتجارة. ومنها: ينعقد النكاح بما يدل على ملك العين للحال كلفظ البيع ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 105، 110، الفتاوى الكبرى 29/ 13. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 207.

رابعا: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة.

والشراء والهبة والتمليك؛ لأن الحال شاهد على إرادة النكاح. ومنها: إذا قالت: اخلعني بهذه الألف أو بهذه السيارة، فقبض الألف أو السيارة على الوجه المعتاد فيدل ذلك على الرضا منه بالمعاوضة فيقع الخلع ومنها: وقوع الطلاق بألفاظ العتق. رابعاً: ومما استثني من مسائل هذه القاعدة. لا تنعقد الهبة بلفظ البيع بغير ثمن، ولا البيع بلفظ النكاح والتزويج لعدم جريان العادة بذلك (¬1). ومنها: عدم وقوع العتق بألفاظ الطلاق وإن نوى، عند الحنفية ورواية عند أحمد، وعند الآخرين يقع إن نوى (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 207. (¬2) وينظر المقنع 2/ 477 - 478.

القاعدة السابعة والخمسون [العقود الشرعية]

القاعدة السابعة والخمسون [العقود الشرعية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقود الشرعية لا تنعقد خالية عن فائدة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العقود الشرعية والصحيحة عن بيع وشراء ونكاح وإجارة وغيرها إذا صحت لا تنعقد إلا بحصول فائدة من انعقادها، وإلا لم تشرع؛ لأن الشرع إنما جاء بخير البشر، وما لا فائدة فيه فليس فيه خير فهو عبث، والعبث في الشرع ممنوع ومدفوع، وكل عقد لا يحقق الفائدة من انعقاده يكون عقداً باطلاً يأْباه الشرع. كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. عقد البيع مشروع وفائدته حل البدلين للمتعاقدين، ضرورة حاجة الناس إلى تبادل السلع والمنافع والأموال، فعقد البيع إذا لم يحقق الفائدة المقصودة فيه فهو عقد باطل. ومنها: عقد النكاح مشروع وفائدته حفظ النسل وإعفاف الرجل والمرأة وطهارة المجتمع من الفسق والفجور، وغير ذلك الفوائد التي لا تعد ولا تحصى. ¬

_ (¬1) المبسوط 28/ 7.

القاعدة الثامنة والخمسون [صحة العقود]

القاعدة الثامنة والخمسون [صحة العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقود في الظاهر - محمولة على الصحة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العقود التي يتعاقدها المسلمون يجب حملها على الصحة ما أمكن؛ وذلك من باب حسن الظن بالمسلمين، وأن المسلم لا يقدم على عقد إلا ويريده عقداً شرعياً صحيحاً خالياً عما يفسده أو يبطله، وأنه لا يقدم متعمداً على عقد يعلم فساده أو بطلانه، وأنه عند الاختلاف في صحة العقد وفساده فإن القول قول من يدعي الصحة، والبينة على من يدعي الفساد أو البطلان؛ لأن القول قول من يشهد له الظاهر، والبينة على من يدعي خلاف الظاهر. وينظر قواعد حرف الهمزة القاعدتين 460، 618. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تعاقد شخصان عقد بيع ثم ادعى أحدهما أن هذا العقد كان فاسداً أو باطلاً، وأنكر الآخر وادعى صحة العقد، فإن البينة على مدعي البطالان أو الفساد، والقول قول مدعي الصحة مع يمينه؛ لأن الأصل في العقود الصحة. ومنها: إذا تم عقد نكاح ثم ادعى أحدهم أن العقد غير صحيح لأن الشاهدين كانا فاسقين فعلى مدعي الفساد البينة وإثبات فسق الشاهدين، وإلا فالعقد صحيح. ¬

_ (¬1) المبسوط 21/ 62، القواعد النورانية ص 188، التحرير 4/ 631 عن القواعد والضوابط ص 490.

ومنها: إذا قيل: إن فلان قد عقد نكاحه على فلانة، فنفهم من ذلك ونعتقد صحة العقد وما يترتب عليه من أحكام.

القاعدة التاسعة والخمسون [العقود الموقوفة]

القاعدة التاسعة والخمسون [العقود الموقوفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقود لا تتوقف على الإجازة - عند الشافعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تمثل مسألة من مسائل الخلاف بين من يرون أن العقود يجوز أن يعقدها غير أصحابها وأنها تتوقف صحتها على إجازة من له الحق في إجازتها، وبين من يقولون إن العقود لا تتوقف على الإجازة, بمعنى أن العقد إذا لم يعقده من له الحق في عقده فهو عقد باطل، والباطل لا تتوقف صحته على الإجازة، وعلى رأس أولئك الإِمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى، فهو يرى أن عقد الفضولي باطل، لا موقوف على إجازة صاحب الحق أو الولي، وهذا أحد قولين عند الشافعية، وهو أصحهما، وهو المنصوص في الجديد من مذهب الشافعي، والقول الثاني: الوقف على إجازة المالك فإن أجازه نفذ وإلا بطل (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع فضولي سيارة لآخر، فإن هذا العقد باطل، حتى لو أجاز صاحبها، بل يجب أن يستأنف العقد، وهذا الجديد مذهب الشافعي رحمه الله. ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 226، 5/ 15. (¬2) أشباه السيوطي ص 285 نقلاً عن الرافعي، وأشباه ابن السبكي 1/ 238 - 239.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة.

ومنها: من زوج امرأة من رجل بغير علمه فهو عقد باطل، ولو علم به الرجل فأجازه لم يصح ويجب عقد جديد، وأما عند غير الشافعي رحمه الله فإن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيصح العقد بالإجازة ولا يحتاج إلى تجديد. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة. على مذهب الشافعي في الجديد. أن من اغتصب شيئاً أو أشياء فباعها، ثم تناقلتها الأيدي بالبيع فإن هذه العقود صحيحة ضرورة استحالة رد العقود كلها بعد تعددها (¬1). ¬

_ (¬1) المصدران السابقان.

القاعدة الستون [ألفاظ العقود]

القاعدة الستون [ألفاظ العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العقود وما تصح به من الألفاظ (¬1) عند الشافعية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. عند الشافعية: أن العقود على ثلاثة أقسام: القسم الأول ما لا ينعقد إلا بلفظه الصريح فلا ينعقد بالكناية اتفاقاً - عندهم - وهو النكاح، فالنكاح عند الشافعية لا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج. والقسم الثاني: ما يستقل الشخص بمقصوده - وهو الخلع والكتابة والصلح عن دم العمد - فإن مقصودها الطلاق والعتق والعفو، فتنعقد بالكناية قولاً واحداً كذلك. والقسم الثالث: ما سوى هذين القسمين ففيه وجهان: الأصح منهما أنها تنعقد بالكناية مع النيَّة. وقد سبق قريباً قول ابن تيمية رحمه الله ومذهب الحنفية والمالكية، وعند الحنابلة اختلاف (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال: ملكني ابنتك. فقال الولي: قد ملكتكها. بمهر قدره كذا. لم يصح عند الشافعية وجمهور الحنابلة وصح عند غيرهم؛ لأن النكاح بني على التعبد عند الشافعية. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 322 أ، المنثور 2/ 371 فما بعدها، قواعد الحصني 1/ 401 فما بعدها. (¬2) ينظر: المقنع مع الحاشية 3/ 10 فما بعدها.

القاعدة الحادية والستون [علة العلة]

القاعدة الحادية والستون [علة العلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: علة العلة تقوم مقام العلة في الحكم (¬1). أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العلة: هي السبب الظاهر الذي يبنى عليه الحكم. وعلة العلة: لها معنيان: الأول: بمعنى الحكمة من تشريع الحكم؛ لأن المراد بالحكمة المصلحة المناسبة لتشريع الحكم كالمشقة في السفر والمرض. فالسفر والمرض علة والمشقة فيهما هي علة العلة، وهي لما كانت غير منضبطة لم يبن الحكم عليها. والمعنى الثاني لعلة العلة: هو سبب السبب المباشر لوقوع الحكم، فمن رمى سهماً أو أطلق رصاصة فأصاب شخصاً فقتله، فإن علة القتل هي الإصابة، ولكن علة الإصابة الرمي، فلولا الرمي لم يُصب السهم ولا الطلقة. فمفاد القاعدة: أن علة العلة بنوعيها يمكن أن تقوم مقام العلة في بناء الحكم عليها، والنوع الثاني: واضح في قيامه مقام العلة لظهوره وانضباطه، وأما النوع الأول ففيه خلاف بين الأصوليين، والراجح عندهم أنه لا يبنى حكم على الحكمة لعدم انضباطها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من اشترى عبداً - قد حل دمه بالقصاص - فقُتِل عند المشتري قصاصاً - ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 116.

فإن المشتري يرجع على البائع بالثمن كله؛ لأن قتل العبد مُتلف لماليته، فالقتل قصاصاً علة علة والعلة هي استحقاق النفس بسبب القتل، وبسبب استحقاق النفس يرجع المشتري على البائع بالثمن؛ لأنه لو قتل عند المشتري بغير استحقاق أو قصاص لما حق له الرجوع على البائع. ومنها: أن الغضب علة لعدم جواز قضاء القاضي، والحكمة هي اندهاش العقل والمنع عن استيفاء الفكر، فيعلل بهما في الجوع الشديد والبرد الشديد والخوف والألم وغير ذلك من مسببات القلق وعدم اطمئنان الفكر وسكون العقل إلى الحكم الصائب. ومنها: إن الصبي يولى عليه لحكمة، وهي عجزه عن النظر لنفسه، فالصبا علة، فكل من عجز عن النظر لنفسه يولى عليه، وإن لم يكن صبياً كالمجنون والمعتوه والمغمى عليه طويلاً والمريض مرضاً مؤثراً في عقله.

القاعدة الثانية والستون [زوال الحكم بزوال علته]

القاعدة الثانية والستون [زوال الحكم بزوال علته] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العلة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها أم لا؟ (¬1). وفي لفظ: "هل بنفي علة يزول حكم" (¬2). وتأتي في قواعد حرف الهاء إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق أن المراد بالعلة سبب الحكم. ومفاد القاعدة: ما دام أن الحكم مترتب على علته وسببه فوجوده متعلق بوجود علته وسببه - وهذا أمر متفق عليه - ولكن إذا زالت العلة وعُدِم السبب فهل يبقى الحكم أو يزول بزوال العلة والسبب؟ خلاف، وهذا ما يسمى عند الأصوليين بمسلك الدوران - ومفاده عند القائلين به - إن الحكم يدور مع علته يوجد بوجودها وينتفي بانتفائها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تزوج وهو مريض مرض موت - وهذا الزواج حقه الفسخ - ثم شفي هذا من مرضه، فهل يبقى النكاح أو ينفسخ؟ ومنها: إذا وجد ماء نجس ثم تغير بتراب - مثلاً - وليس بماء مطلق فهل يطهر أو لا يطهر؟ خلاف. فمن رأى أن الحكم بالنجاسة إنما هو لأجل ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك مع حاشية القاعدة السادسة ص 146 - 148. (¬2) إعداد المهج شرح المنهج المنتخب ص 30.

التغير وقد زال، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً - حكم بطهوريته، ومن رأى أن الأصل في زوال النجاسة إنما يكون بالماء وليس هو حاصلاً حكم ببقاء النجاسة. ومنها: إذا اضطر لتعب فركب الهدي ثم وجد الراحة فهل يجب النزول عنه أو لا؟ ومنها: إذا خشى الهلاك على نفسه فأكل من الميتة، فهل يجب عليه الاقتصار على سد الرمق، أو يجوز له التناول حتى الشبع؟ خلاف.

القاعدة الثالثة والستون [ترجيح العلة]

القاعدة الثالثة والستون [ترجيح العلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العلة ترجح بزيادة من جنسها (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا وجدت علل متعارضة، وأريد إحداها لبناء الحكم فمن أسباب الترجيح بينها أن تكون إحدى العلل مؤيدة بزيادة من جنسها إذا كانت هذه العلة غير مستقلة، وأما إذا كانت مستقلة فلا ترجيح بالزيادة. والمراد باستقلال العلة انفرادها بالحكم عند وجودها، وإذا لم تكن منفردة ببناء الحكم عليها فليست علة مستقلة، فالشاهدان - مثلاً - علة مستقلة لبناء الحكم عند أداء شهادتهما، فإذا جاء المدعى عليه بثلاثة شهود أو أربعة فلا ترجيح لصاحب الأكثر؛ لأن الشاهدين العدلين عدة مستقلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الأخ لأب وأم يترجح على الأخ لأب فقط، ويقدم عليه في استحقاق الميراث والولاية وإن كانت العلة في كليهما هي الأخوة، ولكن وجود جانب الأم يرجح علة الأخ لأب وأم. ومنها: إذا كان لأحد شخصين ثلاثة جذوع على حائط مشترك وللآخر جذعان أو جذع واحد وتنازعا في ملكية الحائط، فإنه يحكم بالحائط لصاحب الأكثر، ولصاحب الأقل موضع خشبته؛ لأن الظاهر شاهد لصاحب الكثير. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 57.

القاعدة الرابعة والستون [العلل الشرعية]

القاعدة الرابعة والستون [العلل الشرعية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العلل الشرعية أمارات لا موجبات (¬1). أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تعبر عن مذهب جمهور الأصوليين والفقهاء من أهل السنة وهو أن العلل الشرعية وأسباب الأحكام هي أمارات وعلامات ومعرِّفات للأحكام، وليست موجبات لها بنفسها؛ لأن الموجب هو الله سبحانه وتعالى، وأقام هذه العلل علامات على الأحكام، خلافاً لما يقوله المعتزلة إن العلل موجبات بنفسها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. غروب الشمس أو زوالها أو طلوع الفجر أو دخول الشهر علل وأسباب ظاهرة وعلامات لتعلق وجوب صلاة المغرب أو الظهر أو الفجر أو صيام رمضان بذمة المكلف والموجب لهذه الصلوات والصيام هو الله سبحانه وتعالى. ومنها: بلوغ المال النصاب أمارة وعلامة على وجوب الزكاة وتعلقها بذمة المكلف إذا حال الحول مع بقاء النصاب. والموجب للزكاة هو الله سبحانه وتعالى. ومنها: البلوغ مع العقل علة للتكليف والمكلِّف هو الله سبحانه وتعالى عند وجود هذه العلاقة. ومنها: الإتلاف والقتل للضمان والقصاص، وهما علامة على وجوبهما، والموجب في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 205.

القاعدة الخامسة والستون [العلم بالرضا]

القاعدة الخامسة والستون [العلم بالرضا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العلم بالرضا يقوم مقام إظهار الرضا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الرضا أمر قلبي يدل عليه لفظ القبول والموافقة، هذا هو الأصل في إظهار الرضا بين المتعاملين، ولكن ذلك غير محصور فيه. فمفاد هذه القاعدة: أن الرضا وإن كان الدال عليه هو لفظ القبول لكن ذلك لا ينحصر فيه بل إن العلم بالرضا بوجود علامات تدل عليه، يقوم مقام إظهار الرضا بالألفاظ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. مبايعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بيعة الرضوان وكان غائباً لعلمه برضاه (¬2). ومنها: إدخاله - صلى الله عليه وسلم - أهل الخندق منزل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بدون استئذانه (¬3). ومنها: تناول الطعام في بيت الصديق والقريب، ولو لم يأذن لفظاً لعلمه برضاهما. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 115. (¬2) حديث بيعة الرضوان ذكره ابن هشام في السيرة 4/ 28 مع الروض الأنف. (¬3) حديث جابر ذكره ابن هشام في السيرة 3/ 260 مع الروض الأنف.

ومنها: بيع المعاطاة، وهو أن يرى السلعة وثمنها مكتوباً عليها فيأخذها ويعطي البائع أو العامل الثمن بدون تلفظ من أحدهما.

القاعدة السادسة والستون [العلم بالرضا]

القاعدة السادسة والستون [العلم بالرضا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العلم بالرضا ينفي الحرمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها ارتباط وثيق بالقاعدة السابقة وتعتبر نتيجة لها. فمفادها: أن العلم بالرضا - من حيث كونه قائماً مقام إظهار الرضا - فهل يحل تناول ما عُلِم الرضا بتناوله, وإذا كان يُحله فهو بالتالي ينفي التحريم ويعدمه؛ لأن وجود الإذن والرضا علة وعلامة ودليل على نفي التحريم - كما سبق -. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا دخل رجل بستان صديق له وتناول من ثماره بغير أمره؛ فإن كان يعلم أن صاحب البستان لو علم بذلك لا يبالي ولا يمنعه حَلَّ له ولم يحرم عليه ما تناوله. ومنها: إذا دخل دار صديقه أو قريبه فوجد فيها كتباً فأخذ أحدها ليقرأ فيه فلا بأس، وكذلك لو وجد فيه خطأً فأصلحه. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 188 عن الفتاوى الخانية فصل المستعير إذا لم يدفع بعد الطلب 3/ 386.

القاعدة السابعة والستون [العلم بالأصل]

القاعدة السابعة والستون [العلم بالأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العلم في حق الأصل يغني عنه في حق التبع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة فرع لقاعدة "التابع تابع". "فالتابع لغيره في الوجود تابع له في الحكم". ومفاد هذه القاعدة: أنه إذا علم حكم الأصل ففي العلم به علم بحكم التبع ضرورة؛ لأن التابع لا ينفصل عن متبوعه ولا ينفرد عنه بأحكامه، إلا استثناءً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من اقتدى بإمام ينوي صلاته - ولم يدر أنها الظهر أو الجمعة - أجزأه أيهما كان -؛ لأنه بنى صلاته على صلاة الإِمام وذلك معلوم عند الإمام. ومنها: من اقتدى بإمام ولم يدر أصلاته قصر أو إتمام فنوى أنه إن كان الإمام متمّاً أتم أو قاصراً قصر فصلاته صحيحة. ومنها: إذا علم براءة الأصيل عن دينه - أو علم أداءه ما عليه - أغني ذلك عن العلم ببراءة الكفيل عن الكفالة؛ لأن الكفيل تابع للأصيل المكفول. ¬

_ (¬1) المبسوط 1/ 207.

القاعدة الثامنة والستون [اليد المحقة]

القاعدة الثامنة والستون [اليد المحقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: على الإِمام تقرير اليد المحقة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالإمام هنا: كل من تولى أمراً وهو مسؤول عنه. وتقرير اليد المحقة: أي إثبات اليد صاحبة الحق. فمفاد القاعدة: أنه يجب على من تولى أمراً إماماً عاماً كان كالملك أو الرئيس، أو حاكماً أو قاضياً أو مسؤولاً أنه يجب عليه إثبات اليد صاحبة الحق على الحق المدَّعى ودحر اليد المبطلة وإزالتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تنازع اثنان في دار أو أرض أو دابة أو أي شيء كان وترافعاً إلى قاض أو حاكم أو أمير أو مسؤول فيجب على هذا الحكم بالحق والعدل وإعطاء الحق لصاحبه - ولو كان من أعدائه - ورفع اليد المبطلة ولو كان صاحبها من أقربائه أو خلصائه أو أصدقائه. ومنها: إذا أخذ أحد المجاهدين من الغنيمة طعاماً لنفسه أو علفاً لدابته قبل القسمة وقبل إحراز الغنيمة بالدار - وهو محتاج إليه ثم إن شخصاً آخر من المجاهدين أخذ بعض ذلك منه - وهو غير محتاج إليه - فخاصمه إلى الإمام قبل أن يستهلك فيجب على الإِمام رده للأول؛ لأن الآخذ الثاني متعدٍ، وعلى ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1224.

الإمام إزالة اليد المتعدية وإثبات اليد المحقة. ومنها: إذا غَصَب شخص من آخر أرضاً أو داراً أو حيواناً أو متاعاً فيجب على الإمام الأخذ على يد الغاصب - لأن يده متعدية - ورد المغصوب لمن غُصِبَ منه؛ لأنه صاحب اليد المحقة.

القاعدة التاسعة والستون [رد ما أخذت اليد]

القاعدة التاسعة والستون [رد ما أخذت اليد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: على اليد ما أخذت حتى ترد (¬1). حديث. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة نص حديث شريف كريم - وهذه رواية له - إذ ورد بألفاظ متقاربة، فقد أخرجه ابن ماجه رحمه الله في كتاب "الصدقات بلفظ "حتى تؤديه" الحديث رقم 2400. وأخرجه أبو داود والترمذي رحمهما الله في كتاب البيوع باب تضمين العارية بلفظ: "حتى تؤدي" الحديث رقم 3561 عند أبي داود، كما أخرجه أحمد رحمه الله في مسنده 5/ 8، 12، 13 بلفظيه. وأخرجه الدارمي 2/ 262، والبيهقي 6/ 90، 95، 8/ 276. وأخرجه في فتح الباري 5/ 241، ومشكاة المصابيح 2/ 121 حديث 2950. ولم أجده باللفظ الذي ساقه به السرخسي إلا في نصب الراية 4/ 167 , وهو عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -. ومفاد الحديث: أن من أخذ شيئاً بغير حق كان ضامناً له، ولا تبرأ ذمته منه حتى يرده ويؤديه بعينه أو بضمانه إلى صاحبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. وجوب ضمان المسروق على السارق سواء بقي المسروق أو تلف، فعلى السارق ضمان قيمته إن كان تالفاً. ¬

_ (¬1) المبسوط 9/ 156، 11/ 12, 49، 17/ 37، 18/ 109، 23/ 183.

ومنها: من غصب شيئاً فيجب عليه رد العين المغصوبة على المالك أو ضمانها. ومنها: من استعار شيئا - سيارة أو دابة أو كتاباً أو غير ذلك - فعليه رده إلى صاحبه الذي استعاره منه ولا تبرأ ذمته إلا برده. ومنها: من وجد لقطه فأخذها لنفسه - لا ليعرفها - فهو ضامن لها؛ لأنه ممنوع من أخذها - لغير تعريفها - فهو متعد في هذا الأخذ كالغاصب، فيكون ضامناً وعليه ردها لصاحبها أو ضمان قيمتها.

القاعدة السبعون [عمد الصبي]

القاعدة السبعون [عمد الصبي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عمد الصبي وخطؤه سواء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لا تختص بالصبي بل يدخل في حكمها كل من كان قاصر العقل أو فاقده أصلاً أو طروءاً، فالصبي قاصر العقل وناقصه، والمجنون فاقد العقل - إذا كان جنونه مطبقاً - وإذا كان يُجن ويفيق فهو في حال جنونه فاقد العقل، ويدخل في حكمها السكران من مباح أو بإكراه أو بخطأ - فمفاد القاعدة: أن الصبي ومن في حكمه غير مكلف لعدم القصد لضعف العقل أو فقده، فلذلك فإن ما يجنيه - وإن كان في الظاهر عمداً - فهو يعتبر خطأ ويعامل معاملة المخطيء لا العامد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الصبي - وكذلك المجنون - إذا قتلا إنساناً عمداً، فلا قصاص عليهما باتفاق؛ إذ يعتبر عمدهما خطأ والدية على العاقلة في أصح الأقوال. فلا خلاف بين الفقهاء في عدم القصاص من الصبي والمجنون وأشباههما، ولكن اختلفوا في أمرين: الأول: هل تجب دية الخطأ أو دية العمد؟ فالأكثرون على أن الواجب دية الخطأ، وهي دية مخففة وعلى العاقلة، وأما دية العمد فهي مغلظة ومن مال القاتل. ¬

_ (¬1) المبسوط 11/ 120.

والأمر الثاني: هل على الصبي والمجنون إذا قتلا كفارة؟ الأكثرون لا كفارة عليهما. وقال آخرون تجب الكفارة عليهما في مالهما إذا كانا غنيين (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: الوجيز مع الشرح والبيان والمصادر ص 133 فما بعدها، ط 4.

القاعدة الحادية والسبعون [أكبر الرأي]

القاعدة الحادية والسبعون [أكبر الرأي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العمل بأكبر الرأي جائز (¬1). وفي لفظ: "غالب الرأي يجوز تحكيمه فيما لا يمكن معرفة حقيقته" (¬2) وتأتي في حرف الغين إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بأكبر الرأي: غلبة الظن، والإدراك للجانب الراجح. فمفاد القاعدة: أن عند عدم اليقين يكفي غلبة الظن في بناء الأحكام عليها؛ لأن القطع في أكثر الأحكام متعذر. وينظر من قواعد حرف الهمزة القواعد من (572 - 574). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. رجل دخل على غيره ليلاً وهو شاهر سيفه أو مادَّاً رمحه يسدده نحوه وهو لا يدري أنه لص أو هارب من اللصوص، فإنه يحكم رأيه فإن كان في أكبر رأيه أنه لص دخل عليه ليسلبه ماله أو يقتله أو يعتدي على عرضه كان لصاحب المنزل أن يقتله - إن لم يمكن دفعه بغير القتل -. ومنها: إذا أتى صبي أو عبد لرجل بشيء، وقال: هو لك هدية من فلان، فإن كان أكبر رأيه أنه صادق وسعه أن يأخذ ذلك الشيء. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 197، عن الفتاوى الخانية فصل ما قُبل فيه قول الواحد. (¬2) شرح السير ص 192.

ومنها: إذا وجد ماء ليتوضأ به وخشي أن يكون مملوكاً أو نجساً فإن كان أكبر رأيه أنه مباح أو طاهر وسعه الوضوء منه.

القاعدة الثانية والسبعون [العمل بالظاهر]

القاعدة الثانية والسبعون [العمل بالظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العمل بالظاهر أصل لدفع الضرر عن الناس (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالظاهر: هو ما انكشف واتضح معناه للسامع من غير تأمل وتفكر كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬2) (¬3). أو هو: اسم لكلام ظهر المراد منه للسامع بنفس الصيغة، وإن كان محتملاً للتأويل والتخصيص (¬4)، هذا في الألفاظ. ولكن المراد بالظاهر في القاعدة: هو دلالة الحال والأمارات. فمفاد القاعدة: أن العمل بدلالة الحال والأمارات الظاهرة أصل شرعي لدفع الضرر عن الناس في معاملاتهم ودفع ورفع الحرج عنهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع العبد واشترى أمام المولى - والمولى ساكت - فذلك يوجب أن يكون العبد مأذوناً؛ لأن كل من رآه يبيع ويشتري وسيده يراه وهو ساكت يظنه بل يغلب على ظنه أنه مأذون فيعامله؛ لأنه لو لم يكن مأذوناً، ولو لم ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 58. (¬2) سورة البقرة: 275. (¬3) الكليات ص 592. (¬4) التعريفات ص 147.

يكن المولى راضياً به لمنعه دفعاً للضرر عن الناس. ومنها: إذا وُجد إنسان بيده سكين ملوث بالدم وبجواره قتيل ملطخ بدمه، فإننا بحسب الظاهر نأخذ ذلك الإنسان بتهمة القتل، إلا أن تقوم بيَّنة على خلاف الظاهر. ومنها: إذا وجدنا جماعة تصلي مستقبلي جهة ما فالظاهر أن هذه جهة القبلة فيجب أن ندخل معهم في الصلاة، أو نتوجه إلى الجهة التي كانوا متجهين إليها، إلا أن تقوم بينة أو علامة ظاهرة على خطئهم في التوجه.

القاعدة الثالثة والسبعون [العام]

القاعدة الثالثة والسبعون [العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العمل بالعام واجب حتى يقوم دليل الخصوص (¬1) أصولية فقهية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق معنى العام والخاص والعموم والخصوص. فمفاد القاعدة: أنه إذا وُجِد نص عام - سواء كان من نصوص الشرع أو المتعاقدين أو الواقفين - وجب علينا العمل بموجب هذا العموم حتى يقوم دليل على التخصيص، ولا يجوز لنا الانتظار والبحث عن المخصص قبل العمل بالعموم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال: أكرم علماء المدينة. فيجب على المخاطَب أن يكرم كل عالم في البلدة، ولا ينتظر بدعوى أن الآمر ربما يَخُص بعضاً منهم. ومنها: إذا قال: هو برئ مما لي قِبَله. برئ من الأمانة والغصوب والحقوق والقروض، وإن ادعى بعد ذلك حقاً لم تقبل بينته، إلا إذا وَقَّت الشهود أو شهدوا أنه حادث بعد الإبراء؛ لأنه لفظ أفاد البراءة على العموم وهو قوله: برئ مما لي قِبَله. ¬

_ (¬1) المبسوط 18/ 165.

القاعدة الرابعة والسبعون [العمل المنفي]

القاعدة الرابعة والسبعون [العمل المنفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العمل لا يكون منفياً إلا إذا انتفى شيء من واجباته (¬1)، فلا ينتفي العمل بانتفاء شيء من مستحباته. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. كل عمل له أركان وواجبات لا يتم إلا بها , وله مستحبات يتم بدونها. فمفاد القاعدة: أن العمل لا يبطل إلا بنقصان شيء من أركانه أو واجباته وفرائضه؛ لأن بها قوامه ووجوده، وأما إذا نقص شيء من مستحباته أو مندوباته فإنه لا يبطل بنقصان شيء منها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من صلى ولم يطمئن في صلاته أو لم يقرأ فيها - مع قدرته على القراءة - فصلاته باطلة وعليه إعادتها. ومنها: من لم يُحَكِّم شرع الله فهو غير مؤمن؛ لأن تحكيم شرع الله من أوجب الواجبات على المسلمين، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 26. (¬2) سورة النساء: 65.

ومنها: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" (¬1)، أو "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" فمن لم يقرأ بها - مع القدرة عليها - بطلت صلاته إماماً أو منفرداً. ومنها: مَن صلى بغير وضوء بطلت صلاته، وأنه "لا صلاة لمن لا وضوء له" (¬2). ومنها: من صلى وأسبل يديه فصلاته صحيحة، لأن القبض ليس عن واجبات الصلاة وفرائضها. وكذلك إذا لم يجاف عضديه عن جنبيه، فصلاته صحيحه (¬3). ¬

_ (¬1) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن. (¬2) رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) ينظر: المقنع مع الحاشية 1/ 141 فما بعدها.

القاعدة الخامسة والسبعون [العموم والخصوص - وازع العدالة]

القاعدة الخامسة والسبعون [العموم والخصوص - وازع العدالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العموم موجب لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالعموم في هذه القاعدة: الخبر المتعلق مضمونه بحكم عام لا يختص بفرد أو جماعة مخصوصة. والمراد بالخصوص هنا: الفرد أو الجماعة ممن روى أو ذكر الخبر. ووازع العدالة: أي مانع الشخص عن الكذب بتقواه وابتعاده عن ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر. ومفاد القاعدة: أن من روى خبراً - حديثاً - فيه حكم عام فهو غير مُتَّهم فيما يرويه ولو كان يعود عليه نفع من روايته لذلك الخبر، إذا كان الراوي للخبر عدلاً؛ لأن عدالته تمنعه من الكذب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا روى عبد - وهو عدل رضا - حديثاً يتضمن عَتقه، تقبل روايته منه وإن عاد النفع عليه؛ لأن باب الرواية بعيد عن التهم، وإنه لا يشترط في باب الرواية العدد، بخلاف الشهادة في الأمرين. إذ من شهد شهادة يعود نفعها عليه لا تقبل شهادته، كما أنه يشترط في قبول الشهادة اثنان من الشهود العدول. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 16 الفرق الأول.

ومنها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "من اتخذ كلباً إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية انتقص أجره كل يوم قيراط" فهذا حديث صحيح رواه الجماعة، ولا يجوز أن يتَّهم راويه لأنه صاحب زرع - فذكر الزرع في الحديث لا يضر في صحة الحديث لأن راويه عدل غير متهم - رضي الله عنه -. وبخاصة قد رواه غير أبي هريرة وهو سفيان بن أبي زهير - رضي الله عنه - (¬1) , وهو متفق عليه. ¬

_ (¬1) ينظر المنتقى 2/ 869، حديث رقم 4612، 4613. وسفيان بن أبي زهير النَمَري من أزد شنوءَة له صحبة. ينظر: التاريخ الكبير 4/ 86 الترجمة 2056.

القاعدة السادسة والسبعون [اجتماع الحقوق]

القاعدة السادسة والسبعون [اجتماع الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند اجتماع الحقوق أو الواجبات يبدأ بالأهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الحقوق: جمع حق، والحق هو الثابت الواجب، وهو ضد الباطل. فمفاد القاعدة: أنه إذا اجتمعت حقوق متعددة وواجبات ولا يسعها المال كلها، أو أن الوقت لا يتسع لأدائها كلها فإنه يقدم الأهم منها على المهم، والمهم على غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اجتمع في تركة: ورثة، وتجهيز ميت، ووصية ودين، فإنه يقدم تجهيز الميت فيبدأ به؛ لأنه الأهم وهو من حقوقه، ثم بالدين، ثم بالوصية, ثم بحقوق الورثة حيث يقدم أصحاب الفرائض فما بقي بعد ذلك فللعصبات الذكور. ومنها: إذا ضاق وقت على إنسان وعليه صلاة الوقت، وفعل خير, أو إغاثة ملهوف، أو إنقاذ غريق، فيقدم الأهم الذي يخشى فواته قبل غيره, فإنقاذ الغريق يقدم على غيره؛ لأنه إذا فات لا يمكن تداركه. ومنها: إذا أراد الخروج للحج ولم يدع لعياله ما يكفيهم, فحاجة ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1449، وعنه قواعد الفقه ص 92.

عياله أولى. ومنها: من أراد أن يغزو وعليه دين، فأداء الدين أولى وأهم، إلا إذا كان النفير عاماً، لأن الخروج في هذه الحالة فرض عين. ومنها: إذا أراد أن يغزو وله والدان حيان أو أحدهما فنهياه عن الغزو فالمستحب له ألاّ يغزو إلا بإذنهما، لكن إذا كان النفير عاماً أو أمره الإمام بالخروج فلا بأس له أن يخرج وإن كره أبواه (¬1). ومنها: مسلم استدان في دار الإسلام، ثم دخل الحرب واستدان، ثم مات. وجاء الدائنون فإن ما هو مطلوب به في دار الإسلام أقوى فيقدم، وما استدانه في دار الحرب أضعف فيؤخر (¬2). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 1454. (¬2) نفس المصدر ص 2052.

القاعدة السابعة والسبعون [الاحتمال]

القاعدة السابعة والسبعون [الاحتمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند الاحتمال لا يثبت إلا المقدار المتيقن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الاحتمال: افتعال من الحمل: ومعناه اقتضاء الفعل أو القول أو الدليل حكمين مختلفين. والاحتمال نوعان: 1 - احتمال بدليل. وهذا احتمال مقبول، إذ ينظر في دليله فإن ثبت أُخِذ به وإلا كان مرجوحاً لا يعمل به، ويكون: معنى الاحتمال هنا: الجواز. 2 - احتمال بغير دليل: هذا غير مقبول ولا ينظر فيه؛ إذ كل قول أو فعل أو دليل أو حكم يمكن أن يطرأ عليه احتمال. فما كان بغير دليل فهو مرفوض، ويكون. بمعنى الوهم. فمفاد القاعدة: أن الفعل أو القول المصادر عن المكلف إذا طرأ عليه احتمال نقيضه - أي جواز الفعل أو الترك أو الأكثر أو الأقل - فلا يثبت منه إلا المقدار المتيقن به، وبخاصة عند الاختلاف في المقادير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال لزوجته: أنت علي حرام - وليس له نية، فيحمل على اليمين؛ ¬

_ (¬1) المبسوط 6/ 71، 222.

لأن الحرمة الثابتة باليمين دون الحرمة الثابتة بالطلاق. ومنها: إذا قال: أمرك بيدك. وقال: إنه لم ينو الثلاث. أو نوى الطلاق فقط. فلا يقع إلا واحدة, لأنه المتيقن.

القاعدة الثامنة والسبعون [ضابط في الوصية - اختلاف الحقوق]

القاعدة الثامنة والسبعون [ضابط في الوصية - اختلاف الحقوق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند اختلاف الحقوق تجرى المزاحمة في الثلث (¬1). أو المال المعين (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذا الضابط يختص بالوصايا المتعددة، ولكن يمكن أن ينطبق على بعض شروط توزيع مال الوقف، أو توزيع صدقات مخصوصة على قوم مخصوصين. فمفاد القاعدة: أنه إذا وجد اختلاف في الحقوق المتعلقة بالمال، وكان المال لا يسعها فإنه تجرى المزاحمة فيها. والمراد بالمزاحمة قسمة المال بالحصص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى بأن يُحج عنه، ويعتق رقبة، ويطعم عنه، وكان الثلث لا يسعها، فإن الثلث يقسم بين الوصايا بالحصص. فما خرج للحج يحج عنه من حيث يبلغ لأنه هو الممكن من تحصيل مقصود الموصي، ويعتق عنه جزء رقبة. ومنها: إذا شرط الواقف أن يقسم ربع مال الوقف بين أناس بأعيانهم وحدد لكل جماعة مبلغاً محدداً، ثم تبين أن الربع لا يفي بالمطلوب فإنه يقسم بينهم بالحصص. ومنها: إذا أمر بتوزيع صدقات - زكاة أو غيرها - بين الأصناف ¬

_ (¬1) المبسوط 4/ 162. (¬2) إضافة من عندي ليتسع الضابط فيكون قاعدة.

وحدد لكل صنف مبلغاً، ثم إن المال لا يسعهم فإنما يعطى كل صنف ما يخصه بالحصص، وهو معنى المزاحمة.

القاعدة التاسعة والسبعون [اختلاف المستحق - اختلاف السبب]

القاعدة التاسعة والسبعون [اختلاف المستحق - اختلاف السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند اختلاف المستحق لا بد من أن يعتبر اختلاف السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا وقع اختلاف في المستحق للمال، فلا بد من اعتبار اختلاف سبب الاستحقاق؛ ليأخذ كل مستحق حقه بدون ظلم، وهذا عند تعدد المستحقين، ولكن إذا كان المستحق واحداً فلا يعتبر الاختلاف في السبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ضارب رجل رجلاً وأعطاء عشرة آلاف ليضارب بها، فربحت ألفاً، ثم ضاربه رجل آخر بألف أخرى فخلط منها خمسمائة بالألف الأولى، ثم خسرت ثلاثمئة، فهنا تكون الخسارة من المالين بالحصص: فمن صاحب الألف مئتان، ومن صاحب الخمسمائة مائة. فالهالك اعتبر من المالين، بخلاف ما لو كان رب المال واحداً. ومنها: إذا كان عبد مأذون وتنازع مع المولى وأجنبي لا شيء في أيديهم، فإن ثم يكن على العبد دين، فالمتنازع فيه بين المولى والأجنبي نصفين لاتحاد المستحق فيما في يد المولى والعبد. أما إذا كان على العبد دين فالمستحق لكسب العبد غرماؤه، فلا بد من اعتبار يد كل واحد منهم على حدة. ¬

_ (¬1) المبسوط 22/ 135.

ومنها: إذا كان على شخص دين لأشخاص عدة وطالبوه بديونهم أمام القضاء فعلى كل واحد منهم أن يذكر سبب الدين ويقيم البينة على ذلك, وأما إذا كان الدائن واحداً فلا يشترط بيان سبب كل دين بل يكتفي من البينة بإثبات الدين على المدين.

القاعدة الثمانون [تحقق المعارضة - انعدام الترجيح - الاحتياط]

القاعدة الثمانون [تحقق المعارضة - انعدام الترجيح - الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند تحقق المعارضة وانعدام الترجيح يجب الأخذ بالاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا وجد تعارض متحقق وثابت بين أمرين ولم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر فيجب الأخذ بالاحتياط للدين، وبخاصة فيما إذا اجتمع حلال وحرام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اشتبهت ميتة بمذكاة - ولم يمكن التفريق بينهما - وجب الابتعاد عنهما كليهما؛ احتياطاً للدين: إحداهما للحرمة المؤكدة، والثانية للاشتباه. ومنها: إذا وجدت معاملة وشككنا في أن فيها ربا أو لا ربا فيها، ولم نجد مرجحاً يرجح أحد الاحتمالين, وجب الأخذ بالاحتياط وترك هذه المعاملة؛ لأن الشك في الزيادة كتحققها. ومنها: من أشكل حاله من الحربيين وليس فيه دليل يدل على أنه مستأمن أو غير مستأمن, ولم يقع في القلوب ترجيح أحد الجانبين، فإنه ينبغي للأمير أن يأخذه فيخرجه إلى دار الإِسلام ويجعله ذمة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 294، وعنه قواعد الفقه ص 93.

القاعدة الحادية والثمانون [رد القيمة]

القاعدة الحادية والثمانون [رد القيمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: عند تعذر ردِّ العين ردُّ القيمة كردِّ العين (¬1). وفي لفظ: "ردُّ القيمة عند تعذر رد العين كرد العين" (¬2). وقد سبقت في قواعد حرف الراء تحت رقم (14). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. عند استحالة رد العين لهلاكها أو استهلاكها فعلى مُتْلفها أو مستهلكها رد قيمتها بدلاً عنها. فإذا رد قيمتها يوم هلكت أو استهلكت فذلك كرد العين نفسها في براءة الذمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. إذا اغتصب شخص من آخر سيارة أو حيواناً أو طعاماً أو لباساً فاستهلكه أو هلك عنده فعليه رد قيمته - أو مثله إن كان مثلياً - فإذا فعل ذلك فكأنما رد عين المغصوب وبرئت ذمته. ومنها: إذا قال المشركون للمسلمين: إنا أَسأْنا في قتل رُهُنِكم فنحن نغرم لكم دياتهم، فلا بأس بأن يقبل الإِمام ذلك؛ لأنه وقع اليأس عن رد الرُهُن. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1762, وعنه قواعد الفقه ص 93. (¬2) نفس المصدر.

القاعدة الثانية والثمانون [التعريف بالإشارة]

القاعدة الثانية والثمانون [التعريف بالإشارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند التعريف بالإشارة يسقط اعتبار النسبة؛ لأن الإشارة أبلغ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. التعريف بالإشارة باليد، أو الرأس أو غيرهما إلى الشيء الحاضر وتغني عن وصفه بصفة؛ لأن التعريف بالإشارة أبلغ وأقوى من الوصف لحضور الشيء المشار إليه ومعاينته من قِبَل المشتري، وأما الوصف فهو للغائب، وقد يحتمل الاختلاف، بخلاف المشار إليه الحاضر. وينظر في قواعد حرف الهمزة القواعد: (62 - 64، 234). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا قال: أبيعك هذه السيارة الحمراء - وهي بيضاء - فقبل المشتريَ جاز. وليس له الرجوع بعد ذلك. لكن إذا قال: أبيعك سيارتي الحمراء - وهي غير حاضرة - وهي بيضاء - فإن المشتري بالخيار إذا رآها؛ لاختلاف الصفة. ومنها: إذا قال الأمير: مَن أصاب - أي غَنِم - هذه الجُبَّة الخَز (¬2) - لِجُبَّة على رجل بعينه - فهي له. فأصابها - أي غنمها - إنسان فإذا هي ¬

_ (¬1) شرح السير ص 739، وعنه قواعد الفقه ص 92. (¬2) جُبَّة الخز: الجُبة: لباس سابغ يشبه العباءة، والخز: الحرير.

مُنْطَقَة بفَنَك أو سمور (¬1)، فالكل للمصيب؛ لأنه - أي الأمير - بنى الاستحقاق على التعيين بالإشارة دون الاسم والنسبة. ¬

_ (¬1) الفنك والسمور: اسم دابتين لهما فراء من أجود أنواع الفراء.

القاعدة الثالثة والثمانون [شهادة الظاهر]

القاعدة الثالثة والثمانون [شهادة الظاهر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: عند الخصومة القول قول من يشهد له الظاهر (¬1). وفي لفظ: "عند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا اختصم اثنان في شيء وكل منهما يدَّعيه - ولا بيِّنة لواحد منهما - فإن من يشهد له الظاهر - أي دلالة الحال- يكون القول قوله مع يمينه، فإذا حلف يستحق الشيء المتنازع عليه. وينظر القاعدة رقم (72)، والقاعدة (107)، من قواعد حرف الحاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. اختصم اثنان في دابة أو ثوب وأحدهما راكب الدابة أو لابس الثوب - ولا بيَّنة لواحد منهما، فإن القول للراكب واللابس مع يمينه؛ لأن الظاهر شاهد له. ومنها: من أعطى غزلاً لحائك لينسجه له ثوباً، فيقول الحائك له: هذا لا يكفي لما تطلبه، فيأمره أن يزيد من عنده بقدر ما يحتاج إليه ليعطيه ثمن ذلك. فإن اختلفا في الزيادة - وكان وزن غزله - مناً واحداً، أو كيلو غراماً واحداً - فلما وزن النسج كان وزنه منوين أو كيلين، فالقول في الزيادة قول ¬

_ (¬1) المبسوط 24/ 123. (¬2) نفس المصدر 15/ 88، 16/ 19.

الحائك؛ لأن الظاهر شاهد له، وهو هنا زيادة وزن النسج على وزن الغزل الذي سلمه للحائك. ومنها: من اشترك في حملة للحج بمبلغ خمسة آلاف ريال، ثم أراد صاحب الحملة أن يحمله في الحافلة - وقال مريد الحج: بل بالطائرة، واختلفا، فتحكم الأجرة في هذه الحال فإذا كانت الأجرة عالية فيكون القول قول مريد الحج، مع يمينه لأن الظاهر شاهد له؛ فإنه ما رضي بدفع هذه الأجرة العالية إلا ليسافر على الطائرة، والعكس فيكون القول لصاحب الحملة. ومنها: إذا اختلفا في أدوات أو آلات نجارة أو حدادة - وكان أحدهما نجاراً أو حداداً - فالقول قوله في ملكية هذه الأدوات أو الآلات مع يمينه.

القاعدة الرابعة والثمانون [ترجيح الوارد]

القاعدة الرابعة والثمانون [ترجيح الوارد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند المعارضة يترجح الوارد على المورود عليه (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة تمثل مرجحاً من المرجحات عند تعارض أمرين مختلفين، ومفادها: أنه إذا تعارض أمران مختلفان - ولم يمكن الترجيح بينهما - وكان أحدهما وارداً على الآخر، فإن الوارد يترجح جانبه على المورود عليه؛ لقوة الوارد وضعف المورود عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اشترى ابن سيارة واشترط الخيار لأبيه ثلاثة أيام، فهذا الاشتراط يكون للأب وللابن، فإن نقض الأب البيع في خلال مدة الخيار انتقض، وإن أجاز أحدهما العقد فهو جائز. فإن نقض الأب وأجاز الأبن. بمحضر من البائع فالسابق منهما أولى وإن كان منهما معاً - أحدهما أجاز والآخر نقض - فالنقض أولى من الإجازة؛ لأن النقض يرد على الإجازة، وأما الإجازة فلا ترد على النقض؛ لأن البيع المنقوض لا تمكن إجازته. ¬

_ (¬1) المبسوط 25/ 188.

القاعدة الخامسة والثمانون [رد المختلف فيه]

القاعدة الخامسة والثمانون [رد المختلف فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: عند المنازعة يُرَدُّ المختلف فيه إلى المتفق عليه (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. عند الاختلاف والتنازع في أمر من الأمور فإن إزالة هذا الخلاف وقطعه إنما يكون برد هذا المختلف فيه إلى مثيله من المتفق عليه عادة وعرفا بين الناس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا اتفق شخص مع سائق على أن ينقله بسيارة من مكان كذا إلى مكان كذا، ثم اختلفا في تحديد الأجرة، فإن قطع المنازعة يكون بتحكيم مثل تلك الأجرة، لتلك المسافة عند أهل الخبرة أو عادة السائقين، أو وجود تسعيرة من الجهة المختصة لكل مسافة محددة. ومنها: إذا اشترى أرضاً، واشترط لها طريقاً من أرض البائع، فإن عرض الطريق إذا اختلف في تحديده يُرَد إلى مقدار حاجة السائر فيه بسيارته، وبمقدار ما تستطيع سيارتان متقابلتان أن تعبرا بدون أن تصطدم إحداهما بالأخرى، وهذا أمر متفق عليه في هذا العصر - وهو أن لا يقل عرض الطريق عن إمكان عبور سيارتين، متقابلتين بدون اصطدام إحداهما بالأخرى. ¬

_ (¬1) المبسوط 30/ 181.

القاعدة السادسة والثمانون [العوائد المشتركة]

القاعدة السادسة والثمانون [العوائد المشتركة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العوائد لا يجب الاشتراك فيها بين البلاد - خصوصاً البعيدة الأقطار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العوائد: جمع عادة: والمراد بها: كل أمر متكرر من غير علاقة عقلية - كما يقول الأصوليون - أو هي: كل أمر متكرر تقبله العقول السليمة والفِطرَ المستقيمة. والمراد بالعوائد: الأعراف السائدة. ومفاد القاعدة: أن الأعراف والعادات التي تنتشر وتشيع بين الناس وبها يتعاملون وبها تُخَصُّ نصوصهم وأقوالهم - عند عدم التصريح بخلافها - لا يشترط في اعتبارها أن تَعُمَّ العادة منها جميع البلاد الإسلامية، بل إن لكل بلاد عاداتها وأعرافها, ولذلك يجب على المفتي والحاكم والقاضي والفقيه قبل أن يجيب على حكم مسألة اجتهادية لها تعلق بالأعراف أن يعرف عادات بلد السائل وأعرافها ليكون جوابه وفتواه وحكمه عادلاً موافقاً لأعراف الناس وعاداتهم، وإلا كان حكمه باطلاً جائراً، وفتواه غير صحيحة. وقد قال القرافي في هذا الموضع: إن المفتي لا يحل له أن يفتي أحداً ¬

_ (¬1) الفروق 3/ 162، الفرق 161.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

بالطلاق حتى يعلم أنه من أهل بلد ذلك العرف الذي رُتَّبت الفتيا عليه. إلى أن قال: ويكون المفتي في كل زمان يتباعد عما قبله يتفقد العرف هل هو باق أم لا. فإن وجده باقياً أفتى به، وإلا توقف عن الفتيا. وهذا هو القاعدة في جميع الأحكام المبنية على العوائد كالنقود والسكك في المعاملات والمنافع في الإجارات والأيمان والوصايا والنذور في الطلاق. فقد غفل عنه كثير من الفقهاء، ووجد الأئمة الأول قد أفتوا بفتاوى بناء على عوائد لهم وسطَّروها في كتبهم بناء على عوائدهم. ثم جاء المتأخرون ووجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها - وقد زالت تلك العوائد، فكانوا مخطئين خارقين للإجماع؛ لأن الحكم المبني على مَدْرك بعد زوال مدركه خلاف الإجماع (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. النقود تختلف اليوم في جميع الأقطار فكل قطر من البلاد العربية والإِسلامية له نقد خاص يختلف مسماه وقيمته عن نقد القطر الآخر - ولو كانا متجاورين - ولذلك لا بد من معرفة عملة كل بلد منها ونقده عند إرادة الفتيا والحكم. ومنها: ألفاظ خلية وبرية والحرام، وحبلك على غاربك ووهبتك لأهلك في الطلاق، هذه كانت في زمن مالك رحمه الله - مثلاً - يلزم به الطلاق الثلاث بناء على عادة كانت في زمانه، ولكن تغيرت العادات فأصبحت هذه الألفاظ لا تستعمل في تلك المعاني، فلا يجوز لنا الفتيا فيها ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 162.

بفتوى مالك أو غيره إلا بعد معرفة نيِّة المتكلم بها، وهل أراد بها الطلاق أو لا؟ ومنها: إذا ادعى عليه مالاً من زمن بعيد - وقد تغير النقد. فإنما يحكم بقيمة النقد القديم لا بالنقد الحادث.

القاعدة السابعة والثمانون [العوض والمعوض]

القاعدة السابعة والثمانون [العوض والمعوض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العوض حكمه حكم المُعَوَّض (¬1). وقد سبقت في قواعد حرف الحاء تحت رقم 65. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. العوض هو البدل، والمعوض هو المبدل منه. فمفاد القاعدة: أن حكم البدل هو حكم المبدل منه؛ لأنه قائم مقامه في الاستيفاء. وينظر من قواعد حرف الباء القاعدة رقم (14) وما بعدها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تعذر رد العين قام رد القيمة مقامها؛ لأن القيمة عوض العين وبدل منها. وينظر القاعدة رقم (81). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1961، قواعد الفقه ص 93.

القاعدة الثامنة والثمانون [العوض عما ليس بمال]

القاعدة الثامنة والثمانون [العوض عما ليس بمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العوض عما ليس بمال ليس بواجب أن يُعلَم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأشياء التي يكون لها عوض نوعان: 1 - نوع هو مال كالمبيع والأجرة، فهذا يجب أن يُعلم ليصح العقد؛ لأنه بدون معرفته يكون العقد باطلاً؛ لأن معرفته ركن من أركان العقد. 2 - ونوع ليس بمال كالصداق والكتابة. فهذا ليس بواجب أن يعلم، لأن عند الاختلاف يُحَكَّم المثل، بخلاف الأول؛ لأنه عند الاختلاف تحكم القيمة ويقع في تحكيمها التنازع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. تزوج امرأة ولم يفرض لها مهراً، فالعقد صحيح، ويجب لها مهر المثل إن دخل بها. ومنها: افتدت نفسها بمال، فيصح الخلع. ومنها: الصلح عن القصاص، لا يجب فيه تعيين المال. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 137.

القاعدة التاسعة والثمانون [العيب الحادث]

القاعدة التاسعة والثمانون [العيب الحادث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العيب الحادث قبل القبض يجعل كالمقترن بالعقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. إذا حدث عيب في السلعة - وهي عند البائع - قبل قبض المشتري لها، وقبل تسليمها له، يجعل المشتريَ بالخيار بين أن يأخذ السلعة بجميع الثمن أو بتركها؛ لأن العيب حصل في ضمان البائع، وكأن هذا العيب اقترن بالعقد ووجد معه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. اشترى سيارة من أحد المعارض، أو من أحد الأشخاص، وبعد تمام العقد وقبل أن يتسلمها المشتري ويقبضها من البائع وقع عليها حادث فعيَّبها، فالمشتري في هذه الحال بالخيار بين أن يأخذ السيارة بعيبها الحادث بجميع الثمن أو يتركها؛ لأن العيب حدث وحصل والسيارة لا زالت في ضمان البائع. ويجوز أن يضمن البائع النقصان إذا رضي المشتري. ومنها: إذا هُدِم جانب من الدار أو تعطلت بعض مرافقها الضرورية بعد تمام العقد وقبل أن يتسلمها المشتري فكذلك. فالمشتري بالخيار، بين أن يأخذها بجميع الثمن وبين أن يتركها. ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 186.

القاعدة التسعون [العين - الأجل]

القاعدة التسعون [العين - الأجل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: العين لا تقبل الأجل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الأجل: معناه اشتراط مهلة زمنية قبل تسليم العين المبيعة. فمفاد القاعدة: أن الأعيان لا تقبل التأجيل - كما سبق بيانه، وإنما الذي يقبل التأجيل هو الأثمان. والعلة في ذلك أن الأعيان لا تتعلق بالذمة، وإنما الذي يجوز أن يكون ديناً في الذمة هو الأثمان؛ لأنها لا تتعين بالتعيين. إلا أن يكون ذلك في السلم فتكون العين مؤجلة تبعاً لطبيعة ذلك العقد. وينظر القاعدة رقم (520) من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باعه سلعة حاضرة واشترط تسليمها له بعد مدة من الزمن، فالعقد باطل؛ لأن العين لا تقبل الأجل. رابعاً: ما استثنى من مسائل هذه القاعدة. المسلم فيه في عقد السلم يجب تأجيله لطبيعة هذا العقد فمن أسلم في مقدار محدد من التمر مبين النوع والأجل فالعقد جائز. ومنها: من استصنع ثوباً أو بيتاً أو آلة، واشترط الصانع مدة زمنية لتسليم المصنوع فالعقد جائز كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط 29/ 39.

حرف الغين

ثانياً: حرف الغين عدد قواعد حرف الغين (14) أربع عشرة قاعدة.

القاعدة الأولى [غالب الرأي]

القاعدة الأولى [غالب الرأي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: غالب الرأي يجوز تحكيمه فيما لا يمكن معرفة حقيقته (¬1). وفي لفظ: "غالب الرأي يقام مقام الحقيقة فيما لا طريق إلى معرفة حقيقته" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. غالب الرأي: هو غلبة الظن، وأكبر الرأَي. وهو دون اليقين. وقد سبق مثل هذه القاعدة في قواعد حرف العين تحت رقم 71. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 292. (¬2) المبسوط 24/ 49.

القاعدة الثانية [غالب الرأي]

القاعدة الثانية [غالب الرأي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: غالب الرأي بمنزلة اليقين فيما بنى أمره على الاحتياط (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة لها ارتباط وثيق بسابقتها. ومفادها: أن غالب الرأي وأكبره هو في رتبة اليقين والحقيقة في وجوب العمل به فيما بني أمره على الاحتياط للدين، وذلك عند عدم إدراك الحقيقة حفظاً لسلامة الدين والبعد عن المحرمات والمشبوهات، ودفعاً ورفعاً للحرج؛ لأنه ليس كل أمر يمكن أن تدرك حقيقة أو أن يوقف على اليقين منه. وينظر من قواعد حرف الهمزة القواعد (572 - 574). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أراد تزوج امرأة وغلب على ظنه أنها محرمة عليه بوجه من وجوه التحريم وجب عليه تركها وعدم الزواج منها احتياطاً لدينه. ومنها: إذا اشتبه عليه معاملة أو عقد فيه ربا أو يدخله الربا فيجب عليه الابتعاد عن هذا المعاملة تخلصاً من الوقوع في الربا. ومنها: لو أن راهباً نزل من صومعته إلى بعض مدائنهم فأصابه المسلمون في الطريق أو في المدينة فقال: إنما خرجت هارباً منكم خوفاً على ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1436.

نفسي. فلهم ألا يصدقوه ويقتلوه؛ لأنهم وجدوه في موضع الاختلاط بالمقاتلة منهم. وإن وقع في قلوب المسلمين أنه صادق فالمستحب لهم ألا يقتلوه، ولكن يأخذونه أسيراً؛ لأن غالب الرأي بمنزلة اليقين فيما بني أمره على الاحتياط. والقتل مبني على ذلك، فإنه إذا وقع فيه الغلط لم يمكن تداركه (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 1435.

القاعدة الثالثة [الغالب]

القاعدة الثالثة [الغالب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الغالب مساوٍ للمتحقق (¬1). وفي لفظ: "الغالب هل هو مساوٍ للمتحقق". (¬2) ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. هاتان القاعدتان ذكرهما المالكية، وإيرادهما يدل على الاختلاف في المضمون بين علماء المالكية، حيث يرى المَقَّري أن الغالب مساوٍ للمتحقق، ويرى الونشريسي أنه يجري فيه الخلاف. وينظر القاعدة الثامنة والتسعون من قواعد حرف الحاء. المراد بالغالب: ما كان احتمال حصوله أقوى من عدمه. والمحقق: ما كان حصوله ثابت الوقوع بدون احتمال. فمفاد القاعدة الأولى: أن ما كان احتمال حصوله أقوى هو في حكم الثابت الوقوع قطعاً. ومفاد القاعدة الثانية: أن ما كان احتمال حصوله أقوى أنه قد يساوى المتحقق، وقد لا يساويه. فبينهما فرق يؤخذ من أسلوب إيرادهما. ¬

_ (¬1) قواعد المقري - ولم أجدها في القسم المطبوع - وقد ذكر محقق إيضاح المسالك أنها في قواعد المقري المخطوطة في اللوحة 2 أ. وذكرها أيضاً الندوي في اللوحة 6. ولعل هذا راجع إلى اختلاف النسخ. وينظر: القواعد الفقهية للندوي ص 165. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة الأولى ص 136.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما.

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. سؤر الحيوان الذي من عادته استعمال النجاسة - الهرة مثلاً - فهل يكره شرب سؤره أو الوضوء منه أو لا يكره؟ خلاف عند المالكية، وهذا يرجح النص الثاني للقاعدة. ومنها: ملابس الكفار هل هي طاهرة فيجوز للمسلم أن يصلي فيها أو هي نجسة؛ لأن الكافر لا يتوقى النجاسات. خلاف والمشهور عدم جواز الصلاة فيها. ومنها: أرسل صقراً على صيد - والصقر ليس في يده - فهل يأكل ما صاده؟ خلاف. ومن خلال الأمثلة التي ذكرها الونشريسي نرى أن في القاعدة خلافاً عند المالكية، ولذلك فإيرادها بصيغة الإنشاء هو الصحيح.

القاعدتان الرابعة والخامسة [الغاية]

القاعدتان الرابعة والخامسة [الغاية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الغاية حد، والحد لا يدخل في المحدود (¬1). وفي لفظ: "الغاية لا تدخل تحت المضروب له الغاية، إلا أن تكون غاية إخراج" (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. الغاية من معانيها: النهاية، والمسافة، والفائدة المقصودة. ومفاد هاتين القاعدتين: أن النهاية حد - أي مانع عن التجاوز، والحد لا يدخل في المحدود، أي أن نهاية الشيء لا تدخل فيه - إذا كان بعضه متصلاً ببعض - وهو المراد بقولهم: المضروب له الغاية. وينظر القاعدة الثانية والثمانون من قواعد حرف الحاء. ولكن خرج عن ذلك ما كان غاية للإخراج فإنه تدخل الغاية فيه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما. قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬3)، فالليل غاية وهو غير داخل في الصوم، ومنها قوله تعالى كذلك: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ ¬

_ (¬1) المبسوط 13/ 52. (¬2) الفرائد ص 36 عن الفتاوى الخانية فصل اليمين المؤقتة 2/ 24. (¬3) سورة البقرة: 187.

رابعا: ما استثنى من مسائل هاتين القاعدتين

الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬1)، ومنها قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬2)، فما بعد حتى غاية؛ لأن حتى حرف غاية وجر. ومنها: إذا قال: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط، لم يدخل الحائطان في البيع (¬3). ومنها: إذا قال لدائنه، لأقضيَّن دَينَك إلى يوم الخميس، فلم يقض حتى طلع الفجر من يوم الخميس، حنث في يمينه؛ لأنه جعل يوم الخميس غايه، والغاية لا تدخل. رابعاً: ما استثنى من مسائل هاتين القاعدتين: دخول المرافق والكعاب في وجوب الغسل في الوضوء مع أنهما غاية، ولكن لما كانت الغاية هنا غاية إخراج دخل المرافق والكعاب؛ لأن المقصود إخراج ما بعدهما من وجوب الغسل، وقد ثبت دخول المرافق والكعاب في الغسل بالفعل والإجماع. ومنها: إذا قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين يقع الطلاق واحدة في الأصح (3). ¬

_ (¬1) البقرة: 187. (¬2) سورة القدر: 5. (¬3) ينظر: المنثور 2/ 427.

القاعدة السادسة [الغبن]

القاعدة السادسة [الغبن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الغبن المثبت للخيار ما يخرج عن العادة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الغبن: الخداع والنقص، ومنه: غبنه في البيع: خَدعه، وغَبِنَ رأيه: نقصه (¬2). وفي الاصطلاح: هو بيع الشيء بأقل أو شراؤه بأكثر، جهلاً أو تفريطاً (¬3). وهو نوعان: غبن يسير، وغبن فاحش. ومفاد القاعدة: أن الغبن يثبت الخيار للمشتري أو البائع المغبون، وذلك إذا كان الغبن فاحشاً، وطريق معرفة الفاحش من اليسير هو عادة الناس في تعاملهم فما رأوه فاحشاً أثبت الخيار، وما لا فلا. وعند الحنفية: إن الفاحش ما لا يدخل تحت تقويم المقومين. أي يختلفون في تقويمه - أي بيان قيمته - اختلافاً كبيراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. باع سلعة بألف، وهي تساوي عند التقويم ألفاً وخمسمائة، فهذا غبن ¬

_ (¬1) المغني 4/ 242. (¬2) مختار الصحاح مادة غ ب ن، والمطلع ص 235. (¬3) القاموس الفقهي ص 271.

فاحش، يثبت للبائع خيار الغبن. ومنها: إذا دخل السوق واشترى سلعة بألف، تم تبين أنها لا تساوي إلا ثمانمائة، فهذا غبن فاحش يثبت له الخيار، ولكن إذا تبين أنها تساوي تسعمائة وخمسين مثلاً أو تسعمائة وسبعين، فهذا غبن يسير يتغابن به الناس، فلا يثبت له فيها خيار الغبن. ومنها: وكَّل رجلاً في بيع سيارة - مثلاً - ولم يحدد لها ثمناً، فباعها الوكيل بأقل من ثمن المثل مما يتغابن الناس به صح البيع ولا ضمان على الوكيل؛ لأن ذلك لا يضبط غالباً.

القاعدة السابعة [الغرر اليسير]

القاعدة السابعة [الغرر اليسير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الغرر اليسير إذا احتمل في العقد لا يلزم منه احتمال الكثير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الغرر: هو الخَطَر. والغرر اليسير: هو ما شأن الناس التسامح فيه. وبيع الغرر: هو بيع ما لم يعلم وجوده وعدمه، أو لا يعلم قلته أو كثرته، أو لا يقدر على تسليمه (¬2). فمفاد القاعدة: أن القليل أو اليسير من الغرر محتمل في العقد، ولكن لا يلزم من احتمال القليل احتمال الكثير، فالكثير من الغرر يفسد العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا باع أو اشترى بشرط أن يحمله البائع إلى محل المشتري، أو أن يأتي المشتري بكفيل، فالبيع جائز والشرط صحيح. أما لو شرط أكثر فالعقد باطل إذا كانت هذه الشروط ليست من مقتضى العقد (¬3). ومنها: إذا باعه سمكاً في ماء. فإن كان السمك في بركة يصعب فيها اصطياده على المشتري فالعقد باطل؛ لأن هذا غرر كثير. ولكن إن كان السمك في ماء في طست أو في جَرَّة. فالعقد صحيح؛ لأن السمك يسهل ¬

_ (¬1) المغني 4/ 249. (¬2) القاموس الفقهي ص 272. (¬3) المغني 4/ 248.

اصطياده فيها، وهو مرئي واضح. ومنها: إذا باعه طيراً، فإذا كان الطائر فوق الشجرة، وإذا دعاه لا يجيبه فالعقد فاسد، ولكن إذا كان مما لو دعي أجاب أو كان في قفص فالبيع صحيح.

القاعدة الثامنة [الغرم - الغنم - النعمة - النقمة]

القاعدة الثامنة [الغرم - الغنم - النعمة - النقمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الغُرم بالغُنْم. وفي لفظ: "الغُرم مُقَابَلٌ بالغُنْم، أو الغنم مقابل بالغُرْمِ" (¬1). وفي لفظ: "الخراج بالضمان" (¬2). وقد سبقت في قواعد حرف الحاء تحت رقم (13). وفي لفظ: "المغرم مقابل بالمغنم" (¬3). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: "النعمة بقدر النقمة والنقمة بقدر النعمة" (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. الغُرم: الخسارة، وهو الضمان. الغُنْم: الربح، وهو الخراج. فمفاد القاعدة: أن من عليه الخسارة فله الربح. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 59، المجلة المادة 87، المدخل فقرة 650، شرح القواعد ص 369. (¬2) شرح السير 972، 1034، 1064، المبسوط 10/ 56، 210، 15/ 6، 5/ 209، 13/ 80. (¬3) المبسوط 22/ 67. (¬4) درر الحكام 1/ 87 - 89، وينظر الوجيز ص 365 مع الشرح والبيان.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. إذا أوقف داراً على سكنى ولده أو قريبه أو الفقير، فإن العمارة، والإصلاح على من له السكنى. ومنها: نفقة اللقيط من بيت المال، وكذا جنايته, لأن إرثه لبيت المال - عند عدم وجود الوارث؛ لأن بيت المال وارث من لا وارث له.

القواعد التاسعة والعاشرة والحادية عشرة [الغرور]

القواعد التاسعة والعاشرة والحادية عشرة [الغرور] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الغرور حرام (¬1). وفي لفظ: "الغرور والضرر مدفوع" (¬2). وفي لفظ: "الغرور بمباشرة عقد الضمان يكون سبباً للرجوع" (¬3). وفي لفظ: "الغرور لا يوجب الرجوع على مَن غرَّ إلا في ثلاث" (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها. الغرور: الخداع (¬5)، وهو تزيين الخطأ بما يوهم الصواب، ويقال له: الغرر، وهو ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا (¬6). وبيع الغرر أن يكون على غير عهدة ولا ثقة (¬7). فمفاد هذه القاعدة: أولاً: أن وجود الغرور أو الغرر والخداع وجهالة العاقبة في عقد من العقود حرام، وهو ممنوع شرعاً ويجب دفعه ورفعه. ¬

_ (¬1) المبسوط 28/ 23. (¬2) نفس المصدر 23/ 47. (¬3) نفس المصدر 11/ 142. (¬4) الفوائد الزينية فائدة 65 ص 71، رد المحتار 3/ 160، الفرائد ص 33، عن الخانية فصل الغرور من البيوع، 2/ 230. (¬5) مختار الصحاح مادة (غرر). (¬6) الكليات ص 672. (¬7) المغرَّب ص 338.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها.

ثانياً: إن وجود الغرور في عقد من عقود الضمان يوجب رجوع المغرور على من غرَّه؛ لأن الغرور المتعمد حرام, لأنه أكل أموال الناس بالباطل، ولأنه يسبب ضرراً على المغرور فيوجب الرجوع بالخسارة على من غرَّه. والقاعدة الثالثة: تخص الرجوع بسبب الغرر في عقود الضمان، فهل الغرور في غير عقود الضمان لا يوجب الرجوع؟ القاعدة الرابعة والأخيرة، تنص على أن الغرور لا يوجب الرجوع على من غرَّ إلا في ثلاث حالات: أولاها: عقود الضمان، وثانيها: أن يكون الغرور في عقد يرجع نفعه إلى الدافع، وإن لم يكن عقد معاوضة، كالوديعة والإجارة، وثالثتها: إذا كان الغرور بالشرط. إذن لا يختص الرجوع على الغار بعقود المعاوضة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها. من اشترى سيارة أو داراً أو أرضاً، فوجدها مرهونة، أو ملك غير البائع، فله الرجوع على البائع بالثمن. ومنها: إذا اشترى سلعة، ثم تبين أن هذه السلعة مسروقة أو مغتصبة وأخذها صاحبها، فللمشتري حق الرجوع على البائع بالثمن. ومنها: إذا تزوج امرأة على أنها حرة - أو أنها خالية من الموانع الشرعية - ثم ظهر أنها رقيقة مستحقة - أو ذات زوج أو معتدة فإن الزوج يرجع على المخبر بما غرمه. ومنها: إذا أودع وديعة عند إنسان أو أجَّر داراً لآخر، فهلكت الوديعة

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القواعد ولا يوجب الضمان

عند الأمين، وهدمت العين المستأجرة، ثم جاء رجل واستحق الوديعة، والعين المستأجرة، وضمَّن المودع والمستأجر، فإن المودع والمستأجر يرجعان على المودِع والمُؤَجّر بما ضمنا. ومنها: إذا قال: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن اعتدى عليك أو سرقك اللصوص فإني ضامن. فهنا يضمن لو حصل شيء من ذلك. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القواعد ولا يوجب الضمان: إذا قال له: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فسلكه فأخذه اللصوص، فالمخبر غير ضامن. ومنها: لو قال له: كُلْ هذا الطعام فإنه ليس بمسموم، فأكله فمات. لم يضمن. ومنها: إذا أخبره مخبر أن هذه امرأة حرة أو خالية الموانع، فتزوجها ثم ظهر خلاف ذلك، فالمخبر غير ضامن. لأنه مجرد مخبر ولم يشترط له السلامة.

القاعدة الثانية عشرة [الغش]

القاعدة الثانية عشرة [الغش] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الغش حرام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. الغِش: عدم النصيحة، وتزيين غير المصلحة (¬2)، ويأتي بمعنى: الغل والحقد. أو هو تدليس يرجع إلى ذات المبيع، بإظهار حسن وإخفاء قُبح، أو تكثيره بما ليس منه. فمفاد القاعدة: أن عدم النصيحة أو تزيين غير المصلحة أو تدليس المبيع بما ليس فيه حرام شرعاً. ودليل هذه القاعدة قوله عليه الصلاة والسلام: "مَن غشنا فليس منا" (¬3). وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بَيَّن ما فيه، ولا يحل لأحد يعلم ذلك إلا بَيَّنه" (¬4). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أراد شخص أن يبيع سيارة أو داراً أو سلعة - وفيها عيب - فيجب ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية الفائدة 151/ 135. (¬2) المصباح، مادة "غشَهُ". (¬3) الحديث رواه الجماعة إلا النسائي والبخاري. (¬4) الحديث رواه أحمد.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

عليه أن يبينه للمشتري، ولا يجوز له إخفاء العيب فإنه غِش لصاحبه. ومنها: لا يجوز لطلاب العلم أن يغشوا في امتحاناتهم لينجحوا بغير جهد أو جدارة فإن هذا غِشٌّ في الدين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا اشترى شخص أسيراً مسلماً حراً في دار الحرب، ودفع الثمن دراهم زيوفاً أو عروضاً مغشوشة جاز. وأما إن كان الأسير عبداً لم يجز. ومنها: إذا أدى الزيوف والناقص في الجنايات جاز.

القاعدة الثالثة عشرة [قياس غير المنصوص]

القاعدة الثالثة عشرة [قياس غير المنصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: غير المنصوص عليه يقاس على المنصوص عليه لمعنى مؤثر يجمع بينهما (¬1). أصولية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالمنصوص: ما ورد النص الشرعي بحكمه. وغير المنصوص: المسألة الحادثة. والمعنى المؤثر: هو العلة الجامعة أو الوصف المناسب. فمفاد القاعدة: أن ما يجد من حوادث ومسائل - وهي غير منصوص على حكمها - فإن المجتهد يقيسها على المنصوص الذي ورد الشرع بحكمه بشرط أن توجد علة جامعة بينهما. وهذا هو القياس الشرعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. ورد النص بتحريم التفاضل في الأموال الربوية الستة، فيقاس عليها غيرها مما وجدت فيه العلة، سواء قلنا: إن العلة في الذهب والفضة هي الوزن أو الثمنية، أو قلنا: الطعم أو الكيل، أو الإدخار، والاقتيات في الأربعة الأخرى. فيقاس الأرز والذرة وغيرها من الحبوب على البر والشعير. ¬

_ (¬1) المبسوط 3/ 16.

ومنها: اللواط يقاس على الزنا بالعلة الجامعة بينهما. ومنها: النباش يقاس على السارق بالعلة الجامعة بينهما.

القاعدة الرابعة عشرة [الواجب وغيره]

القاعدة الرابعة عشرة [الواجب وغيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: غير الواجب لا يجزئ عن الواجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المراد بالواجب: ما طلبه الشارع طلباً جازماً، وهو الفرض. أو هو: ما يثاب المكلف على فعله ويعاقب على تركه. ومقابله الحرام. فمفاد القاعدة: أن فعل غير الواجب - وإن كان من جنس الواجب - لا يجزئ ولا يسد مسد الواجب؛ لاختلاف الحكم والرتبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا تصدق بصدقة تطوع - وإن كانت أضعاف ما يجب عليه من الزكاة فلا تجزئه عن الزكاة الواجبة. ومنها: إذا صلى متطوعاً ألف ركعة، لا تجزئه عن صلاة فريضة واحدة. ومنها: إذا نوى حج تطوع - وهو لم يحج حجة الإسلام - لا يجزئه عن حجة الإسلام بل تقع عن حجة الإسلام ولو نواها تطوعاً عند كثيرين. ¬

_ (¬1) الفروق 1/ 165.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع زيادة عما سبق - كتاب الأحاديث القدسية في الكتب الستة وموطأ الإِمام مالك. بدون ذكر مؤلف ولا طابع ولا ناشر. - كتاب أحكام أهل الذمة. المؤلف الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ، المحقق د. صبحي الصالح، طبع دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية 1401 هـ. - كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين. المؤلف شمس الدين أبو عبد الله محمَّد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 هـ، مراجعة وتقديم طه عبد الرؤوف سعد، طبع دار الجيل، بيروت، سنة 1973 م. - كتاب الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، المؤلف أبو بكر محمَّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة 318 هـ، المحقق د. أبو حماد صغير أحمد بن محمَّد حنيف، طبع دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ. - كتاب التاريخ الكبير. المؤلف أبو عبد الله بن محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم الإِمام البخاري المتوفى سنة 256 هـ، طبع دار الكتب العلمية، بيروت 1407 هـ، مصورة. - كتاب التبصرة في أصول الفقه. المؤلف الإِمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ. المحقق د. محمَّد حسن هيتو، طبع دار الفكر، دمشق، سنة 1400 هـ. - كتاب تيسر التحرير. المؤلف العلامة محمَّد أمين المعروف بأمير با دشاه الحسيني الحنفي المتوفى نحو سنة 972 هـ، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة. - كتاب حاشية ابن قاسم على الروض المربع. المؤلف عبد الرحمن بن محمَّد قاسم العاصمي النجدي المتوفى سنة 1392 هـ، الطبعة الثانية 1403 هـ. - كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العربي. المؤلف عبد القادر بن عمر البغدادي

المتوفى سنة 1093 هـ، المحقق: عبد السلام محمَّد هارون، طبع الهيئة المصرية للكتاب, الطبعة الثانية، 1979 م. - كتاب الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام. المؤلف أبو قاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي المتوفى سنة 581 هـ، تقديم: طه عبد الرءوف سعد، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة، الطبعة الأخيرة. - كتاب زاد المسير في علم المسير. المؤلف أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي ابن محمَّد الجوزي المتوفى سنة 597 هـ، طبع المكتب الإِسلامي، دمشق، الطبعة الأولى سنة 1384 هـ. - كتاب شرح حدود ابن عرفة. المؤلف أبو عبد الله محمَّد بن قاسم الأنصاري الرصاع المتوفى سنة 894 هـ، ومؤلف الحدود الإِمام محمَّد بن عرفة الورغمي المتوفى سنة 803 هـ، المحقق: محمَّد أبو الأجفان والطاهر العموري، طبع دار الغرب الإِسلامي, بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ. - كتاب شرح اللمع. المؤلف أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ، المحقق عبد المجيد تركي، طبع دار الغرب الإِسلامي، بيروت. الطبعة الأولى سنة 1408 هـ. - كتاب العدة في أصول الفقه. المؤلف القاضي أبو يعلى محمَّد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 458 هـ، المحقق: د. أحمد بن علي بن سير المباركي, طبع مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى سنة 1400. - كتاب عقد الجواهر الثمينة. المؤلف جلال الدين عبد الله بن بن نجم بن المالكي المتوفى سنة 616 هـ. المحقق: د. محمَّد أبو الأجفان والأستاذ عبد الحفيظ منصور. صدر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بجده، طبع دار الغرب الإِسلامي، بيروت، الطبعة الأولى سنة 1415 هـ.

- كتاب العقد الفريد. المؤلف الفقيه أحمد بن محمَّد بن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 328 هـ، المحقق: محمَّد سعيد العريان، طبع مطبع الاستقامة، القاهرة، الطبعة الثانية 1372 هـ. - كتاب الفتاوى البزازية. المؤلف الإِمام محمَّد بن محمَّد بن شهاب المعروف بابن البزاز الكردري الحنفي المتوفى سنة 828 هـ، مطبوع على هامش الفتاوى الهندية بدءاً من المجلد الرابع، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة. - كتاب القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً. المؤلف سعدي أبو جيب. طبع دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية 1408 هـ تصوير 1993 م. - كتاب قواعد الحصني. المؤلف أبو بكر محمَّد بن عبد المؤمن الحصني المتوفى سنة 829 هـ، المحقق: د. عبد الرحمن بن عبد الله الشعلان، د. جبريل بن محمَّد حسن البصيلي، طبع مكتبة الرشد وشركة الرياض للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى سنة 1418 هـ. - كتاب مختصر المنتهى. المؤلف الإِمام أبو بكر عثمان بن عمر بن أبي بكر - ابن الحاجب - المتوفى سنة 646 هـ، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، مراجعة وتصحيح د. شعبان محمَّد إسماعيل، طبعة سنة 1393 هـ. - كتاب مشكاة المصابيح. المؤلف الشيخ ولي الدين محمَّد بن عبد الله الخطيب. العمري التبريزي، المتوفى بعد سنة 1380 هـ، المحقق محمَّد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإِسلامي، دمشق، الطبعة الأولى سنة 1380 هـ. - معجم لغة الفقهاء - عربي انجليزي - المؤلف د. محمَّد رواس قلعه جي، وحامد صادق قنيي، طبع دار النفائس، بيروت الطبعة الثانية 1408 هـ. - كتاب نتائج الأفكار تكملة شرح الهداية. المؤلف شمس الدين أحمد بن محمود الأدرنوي قاضي زادة الحنفي المتوفى سنة 988 هـ. وكتابا لهداية تأليف شيخ الإِسلام

برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة 593 هـ، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1389 هـ. - كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار. المؤلف محمَّد بن علي بن محمَّد الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، المحقق: طه عبد الرؤوف سعد، ومصطفى محمَّد الهواري. الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، طبعة سنة 1398 هـ.

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلَامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستاذ المشارك في كليّة الشريعَة وأصُول الِدّين بالقصيم - بريدَة القسم الثامن ويشمل حرفي الفاء والقاف وعدد قواعده 147 مؤسسة الرسالة ناشرون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حرف الفاء

أولاً قواعد حرف الفاء عدد قواعده 61 إحدى وستون قاعدة

القاعدة الأولى [الفائت - الخلف]

القاعدة الأولى [الفائت - الخلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفَائِتُ إلى خَلَف كالقائم معنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفائت: المراد به هنا الهالك الذي لا يقدر على استدراكه أو إرجاعه. والخَلَف: المراد به البدل أو العوض. فمفاد هذه القاعدة: أن الهالك الذي لا يمكن استدراكه ولا يُقدر على رده أو إرجاعه إذا كان له خَلَف وبدل وعوض عنه فإنه يعتبر كالموجود حكماً؛ لأن البدل يأخذ حكم المبدل منه كما سبق بيانه (¬2). وكما سيأتي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استعار دابة غيره وحمَّلها ما لا تطيق فهلكت فعليه قيمتها، فإذا أدَّى قيمتها إلى صاحبها فكأنه ردّها إليه؛ لأن القيمة خلف عن العين عند تعذر تسليم العين، وينظر قواعد حرف الباء تحت رقم 14. وكما سيأتي إن شاء الله في قواعد حرف القاف تحت رقم 86. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص49 عن التحرير للحصيري جـ 4 ص 367. (¬2) ينظر قواعد حرف الباء رقم 14.

القاعدة الثانية [الفائدة المستخلفة]

القاعدة الثانية [الفائدة المستخلفة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفائدة التي تستخلف مع بقاء أصلها تجري مجرى المنفعة (¬1). وفي لفظ: الفوائد التي تُستحق مع بقاء أصولها تجري مجرى المنافع (¬2)، وإن كانت أعياناً. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الفائدة: فاعلة بمعنى ما يستفاد زائداً على الأصل ولو كان عيناً. فمفاد القاعدتين: أن ما ينتج من الشيء مع بقاء أصله يأخذ حكم المنافع في جواز العقد عليها؛ من حيث إن المنافع تستفاد شيئاً فشيئاً مع بقاء الأصول الثابتة: كمنفعة دار أو دابة أو آلة أو غير ذلك. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ثمر الشجر والخضروات، ولبن الآدميات والبهائم والصوف والماء العذب، يجوز بيع الثمرة الموجودة وما ينتج بعد ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 150. (¬2) نفس المصدر ص 149.

ذلك فإنَّه كُلَّما خُلِقَ من هذه شيء فأُخذ وجُني أو رُضع أو جُزَّ أو استقي خَلَق الله عَزَّ وَجَلَّ بدله مع بقاء الأصل، فهذه الأشياء وأمثالها يجوز بيعها كالمنافع سواء. ومنها: الوقف والعاريَّة والمعاملة بجزء من النماء يجري مجرى المنفعة, لأن الوقف لا يكون إلا فيما ينتفع به شيئاً فشيئاً مع بقاء أصله، فإذا جاز وقف الأرض البيضاء أو الرباع لمنفعتها جاز وقف الحيطان - أي البساتين - لثمرتها. ووقف الماشية لدرِّها وصوفها، ووقف العيون والآبار لمائها. وهذا بخلاف ما يذهب بالانتفاع بدون خلف كالطعام ونحوه فلا يوقف. ومنها: استئجار الظئر - أي المرضعة - لأجل لبنها. ومنها: منيحة اللبن، وهي الشاة أو البقرة أو الناقة يعيرها صاحبها لأخيه المسلم لينتفع بلبنها.

القاعدة الثالثة

القاعدة الثالثة: أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: فاسد العقود في الضمان كصحيحها (¬1). وفي لفظ، فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه (¬2). وفي لفظ: الفاسد معتبر بالجائز في حكم الضمان (¬3). وفي لفظ: الفاسد معتبر بالصحيح (¬4). وفي لفظ: الفاسد من العقد معتبر بالصحيح والجائز في الحكم (¬5). وفي لفظ سبق في قواعد حرف العين تحت رقم 51. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 355. (¬2) أشباه ابن السبكي ج 1 ص 307، قواعد الحصني جـ 2 ص 225، مختصر قواعد العلائي لابن خطيب الدهشة جـ 1 ص 315، أشباه السيوطي ص 283. (¬3) المبسوط جـ 21 ص 65. (¬4) المبسوط جـ 4 ص 117، 176، 183. (¬5) المبسوط جـ 22 ص 46، جـ 15 ص 123، جـ 23 ص 117.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

العقد الفاسد معتبر بالجائز (¬6). وسبق مثل هذه القواعد ضمن قواعد حرف الحاء تحت رقم 80، وقواعد حرف الباء تحت رقم 74. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالعقد الفاسد: الباطل عند غير الحنفية، وعند الحنفية غير الباطل "وهو ما شرع بأصله دون وصفه". ومفاد هذه القواعد: أن العقد الباطل أو الفاسد إذا وجد فإنه يترتب عليه حكم العقد الصحيح في ضمان المبيع عند هلاكه في يد المشتري ولم يمكن فسخ العقد. ولكن يختلف عن العقد الصحيح في أن ضمان العقد الصحيح يكون بما اتفق عليه من الثمن، وأما ضمان العقد الفاسد فبالقيمة بالغة ما بلغت. فالصحيح والفاسد مستويان في أصل الضمان لا في المقدار. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تزوج امرأة بعقد فاسد فإنه يجب عليه مهر المثل لا المهر المسمى. ¬

_ (¬6) المبسوط جـ 11 ص 75.

القاعدة الرابعة [الاختيار الفاسد]

القاعدة الرابعة [الاختيار الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفاسد في معارضة الصحيح كالمعدوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بفعل المُكْرَه. والمراد بالفاسد هنا: الاختيار الفاسد. ومفادها: أنَّ المكرَه - بالإكراه التام - وهو التهديد بالقتل أو قطع عضو - يفسد اختياره ورضاه، حيث إن الإكراه التام يفسد الاختيار والرضا، فالمكرَه يصبح كالآلة في يد المكرِه لتحقق الإلجاء, لأن المرء مجبول على حب حياته، وهذا يحمله على الإقدام على ما أكره عليه فيفسد به اختياره. وفساد الاختيار يجعل الفاعل هنا كالمعدوم، فيصير الفعل منسُوباً إلى المكرِه لوجود الاختيار الصحيح منه. والمكرَه يصير كالآلة للمكرِه لانعدام اختياره حكماً في معارضة الاختيار الصحيح للمكرِه. وهذا في الأفعال فقط، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 39 كتاب الإكراه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

لا في الأقوال عند الحنفية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أُكره بالإكراه التام على أن يتلف مال آخر فأتلفه، فالضمان على المكرِه. ومنها: مَن أُكرِه بذلك على القتل فَقَتَلَ، فالقصاص على المكرِه لا على المكرَه في قول من أربعة أقوال في هذه المسألة. ومنها: من أُكرِه على طلاق زوجته بالقتل أو القطع فطلَّق، وقع طلاقه - عند الحنفية.

القاعدة الخامسة [الفاعل المكره]

القاعدة الخامسة [الفاعل المكرَه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفاعل إذا كان مُكْرَهاً في الفعل لا يضاف الفِعل إليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها. ومفادها: أنّ المكرَه على الفعل - بالإكراه التام - لا ينسب ما فعله إليه - بمعنى أنه لا ضمان عليه ولا يَتَحمَّل مسؤولية ذلك الفعل؛ لأن الفعل في هذه الحال ينسب إلى المكرِه؛ لأن المكرَه - كما سبق بيانه - يكون كالآلة في يد المكرِه لفساد اختياره، ولذلك فالضمان على المكرِه لا على المكرَه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن أكره غيره على قتل حيوان جاره أو إتلاف زرعه - وكان الإكراه تاماً ملجئاً، فإن الضمان إنما يكون على المكرِه الحامل لا على المكرَه الفاعل. ومنها: إذا حَلَف لا يسكن هذه الدار أو لا يركب هذه الدابة أو ¬

_ (¬1) الفرائد ص 37 عن مساكنة الخانية جـ 2 ص 94، حاشية الفتاوى الهندية.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

السيارة، فقُيِّد ومُنِع من الخروج، أو وجد باب الدار مغلقاً ولم يتمكن من فتحه، أو وُضِع في السيارة أو على ظهر الدابة فإنه لا يحنث في يمينه؛ لأن الفعل الذي هو السكنى أو الركوب صدر منه مكرهاً فلا ينسب ولا يضاف إليه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال رجل: إن لم يخرج من هذه الدار اليوم فامرأته طالق. فقُيِّد ومنع من الخروج أياماً، فإنه يحنث وتطلق منه امرأته. والفرق أن في المسألة الأولى شرط الحنث فيها وجودي وهو السكنى والركوب، وقد حصل فعله مكرهاً فلا يضاف إلى فاعله. وأما في مسألتنا هذه فشرط الحنث فيها عدمي وهو عدم الخروج وقد تحقق. ولكن عدم الخروج معناه البقاء وهو وجودي. ولكني في الواقع لا أرى فرقاً بين المسألتين ففي كليهما كان الفعل بالإكراه، والله أعلم.

القاعدتان السادسة والسابعة [الفتوى للجاهل]

القاعدتان السادسة والسابعة [الفتوى للجاهل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفتوى في حق الجاهل كالاجتهاد - أو بمنزلة الاجتهاد - في حق المجتهد (¬1). وفي لفظ: فتوى الفقيه للجاهل بمنزلة حكم القاضي الموَّلى (¬2)، أو حكم الحَكَم (¬3). بشرط استيفاء المفتي شروط الاجتهاد (¬4). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: لإدراك الأحكام الشرعية طريقان: الأولى: طريق الاجتهاد - إما في فهم النص وإما في استنباط الحكم. وهذه تلزم المجتهدين الذين استوفوا شرائط الاجتهاد كلِّياً أو جزئياً. ولا يجوز لهم التقليد فيما يمكنهم الاجتهاد فيه. والثانية: طريق التقليد والفتوى، وهذه تلزم الجاهل الذي لم ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 59. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 287. (¬3) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 453. (¬4) ترتيب اللآلي لوحة 70 أ.

يصل إلى درجة الاجتهاد، فهذا عليه إن احتاج لحكم شرعي في مسألة ما أن يسأل مَن يعلم وجوباً، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} (¬1). ولا يجوز للمسلم أن يتصرف أو يفعل فعلاً إلا بعد معرفة حكم الله فيه. فمفاد هاتين القاعدتين: أن الفتوى بالحكم الشرعي في حق الجاهل بطرق الاجتهاد هي بمنزلة الاجتهاد في حق المجتهد في وجوب العمل بها، فإذا كان القادر على الاجتهاد لا يجوز له أن يتصرف إلا بعد أن يعرف حكم الله باجتهاده فيما يريد التصرف فيه فكذلك الجاهل عليه أن يستفتي فيما يجهله من أحكام الله عزّ وجلّ ويجب عليه العمل بالفتوى، ولا يجوز له التصرف قبل معرفة الحكم؛ لأن الفتوى في حقه في درجة حكم القاضي أو الحَكَم في وجوب التنفيذ وعدم المخالفة. ولكن ذلك مشروط بأن يكون المفتي المسؤول مستوفياً شروط الاجتهاد، وإلا لا يجوز سؤاله ولا العمل بفتواه، إلا إذا كان يفتي من كتاب موثوق معتمد. ¬

_ (¬1) الآية 43 من سورة النحل والآية 7 من سورة الأنبياء.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من احتجم أو اغتاب فظن أنه أفطر فأكل عمداً أو جامع، لزمته الكفارة على الكمال؛ لكمال الجناية؛ لأنه فَعله عمداً، وظنه هذا فاسد لا يعتبر؛ لأنه جهل في أمور دينية في غير محله؛ لأن الدار دار إسلام. ولكن إذا أفتاه مفتٍ بأن الحجامة تفسد الصوم فأكل عمداً أو جامع فلا كفارة عليه؛ لأن الفتوى في حق العامي يسقط بها الكفارات، وإن كانت الفتوى خطأ في نفسها. ولكن الفتوى بإفطار المحجوم ليست خطأً لإعتمادها على دليل من السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث رافع بن خديج وثوبان وشداد بن أوس وأبي هريرة وعائشة وأسامة بن زيد ومعقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنهم. ومنها: ما لو طلَّق في حال الغضب، أو قال لزوجته: أنتِ عليَّ حرام. فلا يجوز له أن يطأ زوجته إلا بعد الاستفتاء ومعرفة الحكم، فإذا استفتى وأُفتي بوقوع الطلاق لزمه فراق زوجته، وإن أفتيَ بعدم الوقوع لم يفارقها.

القاعدة الثامنة [الفتوى بعد زوال المدرك]

القاعدة الثامنة [الفتوى بعد زوال المُدرك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفتيا بالحكم المبني على مُدرك بعد زوال مُدرَكه خلاف الإجماع (¬1). وفي لفظ: العادة إذا تغيرت أو بطلت بطلت الفتاوى المبنية عليها، وحَرُمت الفتوى بها لعدم مُدرَكها (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفتيا والفتوى والإفتاء: معناها تبيين المبهم (¬3). مِن أفتى العالم إذا بيَّن الحكم (¬4). وهي في الاصطلاح: الجواب عما يشكل من المسائل الشرعية أو القانونية. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 162 الفرق 161. (¬2) الفروق جـ 3 ص 288 الفرق 199، والإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 218. وتبصرة الحكام جـ 2 ص 70 - 73. معين الحكام ص 129. (¬3) الكليات ص 155. (¬4) المصباح مادة "الفتى".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وهي عند المالكية: الإخبار بالحكم الشرعي على غير وجه الإلزام (¬1). وهي عند الحنفية: بيان حكم المسألة. المُدْرَك: مُفْعل من أُدرك يُدْرك وهو مصدر ميمي واسم زمان ومكان. وجمعه مدارك. ومدارك الشرع مواضع طلب الأحكام، وهي حيث يُسْتدل بالنصوص والاجتهاد من مدارك الشرع. أو هي أدلة الأحكام. والفقهاء يقولون في الواحد مَدْرك بفتح الميم، وليس لتخريجه وجه (¬2). فمفاد هاتين القاعدتين: أن الفتوى بحكم مبني على دليل شرعي بعد زوال ذلك الدليل فإن هذه الفتوى باطلة لزوال دليلها، وهذا الحكم - وهو بطلان تلك الفتوى - ثابت بالإجماع؛ لأنه يكون بناء حكم على غير دليل ولا مُدرك وذلك باطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بني حكم أو فتوى على عادة أو عُرف سابق ثم تغيرت العادة أو تبدل العرف فلا يجوز الإفتاء بمثل الحكم السابق المبني ¬

_ (¬1) القاموس الفقهي ص 281. (¬2) المصباح مادة "أدركته".

على العادة السابقة الزائلة وحَرُمت الفتوى بتلك العادة لعدم مُدْركها. وكذلك إذا بني حكم على مصلحة مرسلة ثم تغيرت فلا يجوز بناء حكم آخر عليها بعد تغيرها لزوال المدرك. مثال: إذا قال لزوجته: أنت خلِيَّة أو أنت برية أو حبلك على غاربك - ولم يكن له نيَّة في طلاقها - فلا يجوز أن يفتى بطلاقها الآن, لأن هذه الألفاظ لا يستعملها الناس الآن لوقوع الطلاق، وقد لا يعرفونها ولا يعرفون المراد بها. ومنها: إذا باع أو اشترى من هو في بلده فيحمل الثمن على النقد المتعارف والمتعامل به في بلده. وأما إذا باع أو اشترى من غير بلده ونقد تلك البلدة مختلف - كما هو حاصل في زماننا - فيحمل الثمن على النقد المتعارف عليه في تلك البلدة إلا أن يبين.

القاعدة التاسعة [الفداء]

القاعدة التاسعة [الفداء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفداء يقابل بالأصل دون الوصف (¬1). وفي لفظ: الفداء يكون بمقابلة الأصل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفداء: من فَدى يفدي إذا استنقذه بالمال، أو أعطاه عوضه مالاً. والاسم الفدية، وجمعها فِدىً وفِديات. فمفاد القاعدة: أن فداء ما يفدى إنما يقابل بالأصل المطلوب افتداؤه ولا ينظر إلى الأوصاف، فالأوصاف في ذلك هدر، لا مقابل لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قُتِل إنسان خطأً فللوارث والولي دية الخطأ، بقطع النظر عن القتيل إن كان كبيراً أو صغيراً غنياً أو فقيراً جاهلاً أو عالماً صحيحاً أو مريضاً، فدية الخطأ لا تفاوت فيها بالأوصاف إنما ينظر إلى أن القتيل إنسان ذكر. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1865. (¬2) قواعد الفقه ص 94 عنه.

ومنها: إذا غلب المشركون على دار للمسلمين أو أرض لهم، ثم استنقذها المسلمون منهم، فوقعت منها دار أو أرض في سهم رجل من المقاتلة المسلمين فهدم بعض الدار أو قُلع شجر الأرض ثم جاء صاحب الدار أو الأرض فإنه يأخذ الدار أو الأرض بقيمتها يوم وقعت في سهم المقاتل، فإذا كان بعض ما هدم موجوداً كالحجارة أو الأخشاب أو الحطب فله أخذه؛ لأنه كان مملوكاً كالأصل. ولا ينقص من القيمة شيء مقابل النقصان الحاصل بفعل مَن وقعت في سهمه؛ لأن الفداء يقابل بالأصل لا بالأوصاف.

القاعدة العاشرة [الفرار من الأحكام الشرعية]

القاعدة العاشرة [الفرار من الأحكام الشرعية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفرار من الأحكام الشرعية ليس من أخلاق المؤمنين (¬1). من قول محمَّد بن الحسن. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة موضوعها الحيل للفرار من الأحكام الشرعية، ومفادها: المنع من التحايل لإسقاط الأحكام الشرعية وعدم تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الفرار من تطبيق الأحكام الشرعية ومحاولة تعطيلها باختراع الحيل ليس من أخلاق المؤمنين بل هو من أخلاق المنافقين؛ لأن الزمن حريص على إرضاء خالقه بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. والمنافق يحاول التهرب والفرار من تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى لضعف إيمانه أو انعدامه فيستعمل الحيلة للتهرب من أوامر الله سبحانه وتعالى وعدم الالتزام بها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 158 - 159.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن وجبت عليه زكاة بملكه للنصاب، وقبل حولان الحول وهب المال لزوجته أو أحد أقاربه - تهرباً من إخراجها - حتى لا تجب عليه لخروج المال عن ملكه قبل الحول، ولا تجب الزكاة على زوجته لأن المال لم يمض عليه عندها حول، فهذا لا يجوز؛ لأنه فرّ من تطبيق وتنفيذ شرع الله، ومن عُلِم عنه ذلك عوقب وأخذت منه الزكاة قهراً. ومنها: الحيلة لإسقاط استبراء الجارية المشتراة، وهي أن يتزوج الجارية التي يريد شراءَها ثم يشتريها فيقبضها، فلا يلزمه الاستبراء؛ لأن بالنكاح ثبت له عليها الفراش؛ وقيام الفراش له عليها دليل على تبين فراغ رحمها من ماء غيره شرعاً. وهذه حيلة مذمومة كسابقها. ومنها: الحيلة لإسقاط الشفعة. وينظر في الحيل الجائزة وغير الجائزة الفن الخامس من كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 405.

القاعدة الحادية عشرة [الفرض - النفل]

القاعدة الحادية عشرة [الفرض - النفل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفرض أفضل من النفل (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "وما تقرّب إليَّ عبدي بأَحبَّ إليّ من أداء ما افترضته عليه" (¬2). الفرض: هو التقدير والقطع، وشرعاً: هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً. أو هو ما يثاب المكلف على فعله ويأثم ويستحق العقوبة والذم بتركه. والنفل: في اللغة هو الزيادة والغنيمة. وشرعاً: هو العبادات غير المفروضة التي يتطوع بها. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 185، أشباه السيوطي ص 145، وأشباه ابن نجيم ص 157. (¬2) الحديث أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أو هو اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات (¬1). أو هو: ما رجح الشرع فعله وجوَّز تركه (¬2). وهو المسمى بالمندوب والمستحب والتطوع والمرغب فيه والسّنّة كلّه بمعنى. أو هو الزيادة، سميت بذلك لأنه زيادة على الواجب (¬3). فمفاد القاعدة: أن ما أوجبه الله عزّ وجلّ علينا وما افترضه أفضل وأكثر أجراً وثواباً مما يتطوع به الإنسان من صلاة أو صوم أو صدقة أو حج. والدليل الحديث القدسي السابق. وهذا أمر متفق عليه؛ ولأن الله عَزَّ وَجَلَّ لا يقبل من عبده نافلة ما لم يكن أدّى الفريضة؛ لأن طلب الفريضة مجزوم به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صلاة الفريضة أفضل من صلاة النافلة. فلو صلى الإنسان حياته كلها تطوعاً لا يقوم ذلك كله مقام فريضة واحدة إذا تركها، إلا أن يرحمه الله برحمته فيكمل نواقص فرائضه بنوافله، كما في ¬

_ (¬1) التعريفات ص 315. (¬2) أنيس الفقهاء ص 104 - 105. (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه ص 43 - 44.

الخبر (¬1). "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته" الحديث. ومنها: مَن تصدق بأضعَاف ما يجب عليه من الزكاة - ولم ينو بها أو ببعضها الزكاة الواجبة - لا تسقط عنه زكاة ماله. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وكان النفل أفضل من الفرض: إبراء المعسر - وهو تطوع ونافلة - أفضل من إنظاره - أي إمهاله - وهو واجب. ومنها: الابتداء بالسلام وهو سنة أفضل من رده وهو فريضة وواجب. ومنها: الوضوء قبل الوقت سنّة وهو أفضل من الوضوء بعد دخول الوقت عند إرادة القيام إلى الصلاة وهو واجب (¬2). ¬

_ (¬1) الخبر أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث تميم الداري. ينظر سبل السلام جـ 2 ص 5 وص 25. (¬2) أشباه السيوطي ص 147.

القاعدة الثانية عشرة [فرض العين]

القاعدة الثانية عشرة [فرض العين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فرض العين لا يُتْرك بالنافلة أو بما هو من فروض الكفاية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المفروض على العباد نوعان: فرض عين مطلوب من كل مكلف بعينه، ولا يسقط عنه إلا بأداء نفسه، ولا يسقط بأداء غيره عنه، كالصلاة والصوم. وفرض على الكفاية وهو المسمى بالواجب الكفائي. وهو ما يطلب من المجموع بحيث إنه إذا فعله بعضهم سقطت المطالبة به عن الآخرين، وإن لم يقم به بعضهم أثم الجميع، كالقضاء والأذان والإمامة. فمفاد القاعدة: أن ما كان فرضاً عينياً على كل مكلف أنه لا يجوز تركه بنافلة أو بفرض آخر من فروض الكفاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصلاة فرض عين على كل مكلف فلا يجوز أن يترك المكلف ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2238 وعنه قواعد الفقه ص 95.

فرضاً من الصلوات الخمس بأداء الصلوات النوافل مهما كثرت. بل الفرض أولاً ثم النفل والتطوع إن شاء. ومنها: لا يجوز لمكلف من المسلمين أن يترك أداء الصلوات المفروضات أو الصيام بحجة أنه يقوم بعمل للمسلمين مهما كان كالجهاد أو الإمامة العظمى أو القضاء. ومنها: أنه إذا دخل عسكر المسلمين أرض الحرب ثم أُخبروا أن العدو قد أَتَوا بعض أرض المسلمين أو بعض ثغورهم - ولا طاقة لهم بدفعهم - فالواجب على الجيش الداخل أن يرجعوا وينفروا إليهم ويَدَعوا غزوهم؛ لأن دخولهم دار الحرب نافلة أو من فروض الكفاية، وإنجاء المسلمين والدفع عنهم واجب عيني على تلك الفرقة الداخلة أرض الحرب، فيجب عليهم العودة والدفاع عن أهل الثغر المسلم.

القاعدة الثالثة عشرة [الفرض - الواجب - والعوض]

القاعدة الثالثة عشرة [الفرض - الواجب - والعوض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفرض لا يؤخذ عليه عوض (¬1). وفي لفظ: الواجب لا يجوز أخذ العوض عنه (¬2). وتأتي في حرف الواو إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرض والواجب لفظان مترادفان هنا ومعناها واحد، وهو ما طلب الشارع فعله من المكلف طلباً جازماً، كما سبق بيانه قريباً. والواجب المطلوب من المكلف فعله لا يجوز أن يأخذ عليه عوضاً أو أجراً أو ثمناً. لأنه إذا فعله أثيب على فعله من الله عزّ وجلّ بالثواب والجنة والمغفرة، وأما إذا لم يفعله فإنه يعتبر مقصراً آثماً يستحق العقاب على الترك؛ لأن ترك الواجب المفروض إثم وكبيرة من الكبائر يستحق صاحبها العقوبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجهاد لا يجوز الاستئجار عليه؛ لأن المجاهد إذا حضر ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 28. (¬2) نفس المصدر ص 317.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الصف تعيَّن عليه القتال وأصبح فرض عين عليه، ولأن منفعة الجهاد تعود إليه. ومنها: من تعيَّن عليه قبول الوديعة. لا يجوز أن يأخذ عليها أجراً. ومنها: إذا قال مَن فقد ماله: مَن دلني على مالي فله كذا - أي جائزة - فدله مَن المال في يده، لا يستحق أجراً؛ لأن الواجب عليه الرد بالشرع. ومنها: إذا خلَّص مشرفاً على الهلاك بالوقوع في ماء أو نار، لا تثبت له أجرة المثل. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: على الأم إرضاع ولدها اللبأ - وهو أول نزول اللبن - ولها أخذ الأجرة عليه، مع أن إرضاعها له واجب. ومنها: بذل الطعام في المخمصة - لمن يستحقه - واجب، وللباذل أخذ العوض عنه.

القاعدة الرابعة عشرة [الفرض]

القاعدة الرابعة عشرة [الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفرض ما ثبت بدليل موجب للعلم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الفرض. والأدلة الشرعية نوعان من حيث وجوب العلم والعمل: نوع موجب للعلم والعمل، وهو الدليل الثابت قطعاً من غير شبهة، وهو نص الكتاب والخبر المتواتر. وهذا موضوع القاعدة. والنوع الثاني: دليل يوجب العمل دون العلم، وهو الدليل الظني الثابت مع وجود الشبهة في طريقه، والمراد به خبر الآحاد. فمفاد القاعدة: أنه عند الحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب أن الفرض هو ما ثبت بدليل قطعي يوجب العلم والعمل. وأما ما ثبت بالدليل الظني الثابت فهو يوجب العمل دون العلم، وهو المسمى بالواجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مطلق القراءة في الصلاة فرض - عند الحنفية - بدليل قوله ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 101.

تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (¬1). وأما قراءة الفاتحة بخصوصها فهو واجب، لأنه ثبت بدليل ظني فيه شبهة، وهو خبر الآحاد. ومنها: الطواف بالبيت فرض، بدليل قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} (¬2). وأما الطهارة للطواف فهي واجبة وليست شرطاً في صحة الطواف كما في الصلاة، لأن الطهارة للطواف ثبتت بدليل ظني غير صريح. وهو الحديث القائل: "الطواف بالبيت صلاة" (¬3)، وحديث "إن الطواف بالبيت مثل الصلاة" (¬4). ومنها: صدقة الفطر واجبة لا فريضة - خلافاً للشافعي رحمه الله تعالى الذي يقول بفرضيتها. وهي واجبة عند الحنفية لأن ثبوتها بدليل موجب للعمل غير موجب لعلم اليقين، وهو خبر الواحد. ¬

_ (¬1) الآية 20 من سورة المزمل. (¬2) الآية 29 من سورة الحج. (¬3) الحديث عن جرير بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم. (¬4) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، وينظر سنن البيهقي جـ 5 ص 140، الأحاديث من 9303 - 9307.

القاعدة الخامسة عشرة [الفرع وأصله]

القاعدة الخامسة عشرة [الفرع وأصله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفرع المختص بأصلِ وجودُه يَدُلُّ على وجود أصله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات دلالة عقلية صحيحة، وهي أن الفرع المخصوص بأصل لا يمكن أن يوجد بدون أصله، وإلا كان هو أصلاً قائماً بذاته، والفرض أنه فرع مختص بأصل. فمفاد القاعدة: أن هذا الفرع يدل وجوده على وجود أصله قطعاً؛ لأنه لا فرع إلا بأصل. وأما الأصل فقد يوجد بدون فرع. فوجود الفرع دليل آني على وجود أصله لا علة له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وجود الوكيل عن موكّله يدل قطعاً على وجود أصله وهو الموكل. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 70 ب عن العناية شرح الهداية كتاب الوكالة. نتائج الأفكار جـ 6 ص 36. وشرح الخاتمة ص 59.

ومنها: إذا دفع الوكيل بالشراء الثمن من ماله وقبض المبيع فله أن يرجع على الموكل؛ لأنه انعقدت بينهما مبادلة حكمية؛ لأن الموكل لو وجد في المبيع عيباً يرده على الوكيل. ومنها: وجود الطفل الوليد فرع لوجود أمه، فوجوده دليل على وجود أمه التي ولدته؛ لأنه لا يمكن أن يوجد وليد بدون والدة.

القاعدتان السادسة والسابعة عشرة [الفرع والأصل]

القاعدتان السادسة والسابعة عشرة [الفرع والأصل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: 1 - الفرع يسقط إذا سقط الأصل (¬1). 2 - الفرع يلحق الأصل - أو يلتحق بالأصل - في حكمه، وإن لم توجد فيه علَّته (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الفرع تابع لأصله، والأصل متبوع، فما يحدث للأصل يحدث مثله للفرع. فمفاد القاعدة الأولى: أن الفرع يسقط إذا سقط أصله، والسقوط حكم، فهذه القاعدة خاصة بالإشارة إلى حكم السقوط. وينظر قواعد حرف التاء رقم 16، 32. ومفاد القاعدة الثانية: أعم حيث أشارت إلى أن الفرع يتبع أصله في أحكامه على وجه العموم سواء السقوط أو غيره، فإذا حكم على الأصل بحكم تبعه في ذلك الحكم فرعه؛ وينظر قواعد حرف ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 119 وأشباه ابن نجيم 121. (¬2) المبسوط جـ 3 ص 123 وجـ 26 ص 55.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

الهمزة القاعدة 116، 265. وليس من شروط التحاق الفرع بحكم أصله تعليله بعلته، فقد يكون للأصل علة وسبب في حكمه ولا توجد هذه العلة في فرعه وإن تبعه في حكمه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أبرأ الدائن الأصيل سقط الدين عن الكفيل ولم يطالب به، ولكن إذا أبرأ الدائن الكفيل لم تسقط المطالبة عن المدين الأصيل. ومنها: مَن فاتته صلوات أيام جنونه - وقلنا: بعدم القضاء - فلا يقضي سننها الرواتب. ومنها: مَن فاته الحج - بالوقوف بعرفة - وتحلل بأفعال العمرة لا يأتي بالرمي ولا بالمبيت بمنى، لأنهما تابعان للوقوف بعرفة وقد سقط. ومنها: إذا جامع المعتكف ناسياً - قال بعضهم - لا يفسد اعتكافه؛ لأن الاعتكاف فرع عن الصوم، والفرع يلحق بالأصل في حكمه، والصائم إذا جامع ناسياً لا يفسد صومه. لكن إذا جامع متعمداً فسد صومه واعتكافه. ومنها: إذا باشر المعتكف فأنزل فسد اعتكافه، كما لو كان صائماً فباشر فأنزل فسد صومه، وإذا لم ينزل لم يفسد اعتكافه

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

كما لا يفسد صومه بهذا. قالوا: هذا كله إذا لم يخرج من المسجد، فأما إذا خرج من المسجد لهذا الفعل فقد فسد اعتكافه بالخروج. رابعاً: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا مات الغازي المجاهد والعالم - مَن له حق منهم في ديوان الخراج يفرض لأولادهم تبعاً، ولا يسقط بموت الأصل ترغيباً في الجهاد وفي طلب العلم. ينظر من قواعد حرف التاء القواعد من الحادية عشرة إلى السادسة عشرة.

القاعدة الثامنة عشرة [الفرقة - النفقة]

القاعدة الثامنة عشرة [الفرقة - النفقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفرقة إذا وقعت من قِبَل الزوج بمباح أو محظور تستحق المرأة النفقة والسكنى. وإذا وقعت من قِبَل المرأة بفعل مباح كخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة لها النفقة والسكنى. وإن وقعت بفعل محظور كالردَّة ومطاوعة ابن الزوج فليس لها نفقة ولا سكنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة توضح متى تستحق المرأة النفقة والسكنى عند الفرقة من زوجها، وتبين أن المرأة تستحق النفقة والسكنى في حالين: الحال الأولى: أن تقع الفرقة من قِبَل الزوج مطلقاً بفعل منه مباح أو محظور. فالمباح كأن يطلقها، والمحظور كأن يرتد الزوج ويلتحق بدار الحرب. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 22 عن الفتاوى الخانية جـ 1 ص 441 فصل في نفقة العدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والحال الثانية: أن تقع الفرقة من قبل الزوجة ولها صورتان: الأولى أن تقع الفرقة منها بفعل مباح شرعاً، كأن تختار المرأة نفسها بعد بلوغها عند الزوج - في حال أن زوَّجها غير الأب وهي صغيرة -، أو تعتق وهي تحت عبد أو حر على الخلاف، أو تطلب الفرقة لعدم كفاءة الزوج، أو بسبب عنَّته. ففي هذه الصورة لها النفقة والسكنى طيلة عدتها. والصورة الثانية: أن تقع الفرقة من المرأة بفعل محرم، كأن ارتدت والعياذ بالله، أو طاوعت ابن زوجها. ففي هذه الصورة لا نفقة لها ولا سكنى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرَّ الزوج أن نكاح امرأته كان فاسداً وكذَّبته المرأة وفرَّق القاضي بينهما - بعد الدخول - كان لها النفقة والسكنى؛ لأن الفرقة من قِبَله. ومنها: إذا اختلعت الزوجة بمال، ولم تذكر نفقة العدة، كان لها النفقة، وأما إذا اختلعت على نفقة العدة سقطت النفقة.

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون [الفروع - الأصول].

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون [الفروع - الأصول]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: فروع الملك لمن كانت له أصوله (¬1). وفي لفظ: الفروع تبع للأصول (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان لهما ارتباط بالقاعدتين السابقتين 15، 16. ومفادهما: أنه لما كانت الفروع تابعة لأصولها في أحكامها فإن مالك الأصول يملك فروع تلك الأصول تبعاً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا كان عند إنسان شياه أو أبقار أو نوق تجب فيها الزكاة فنتجت قبل الحول - ولو بلحظات - كان حول النتاج مبنياً على حول الأمهات، فتجب فيها الزكاة، فتؤخذ الزكاة عن الأصول والفروع جميعاً. ومنها: إذا كانت شجرة في دار رجل فانتشرت عروقها في دار جاره فنبتت منها شجرة أخرى، فإن الشجرة الثانية ملك لمالك الشجرة الأولى؛ لأنها فرعها، وكون أصلها في دار الجار لا ¬

_ (¬1) الجمع والفرق جـ 1، ص 317. (¬2) نفس المصدر جـ 1، ص 31، 66، 67، 68.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يخرجها أن تكون ملكاً لمن تفرعت عن ملكه. ومنها: النخلة ملك لمن ملك النواة، ولو زرعها في أرض غيره. والفرخ ملك مالك البيضة، ولو وضعها تحت دجاجة غيره. والزرع ملك مالك البذر. ومنها: وأجنة الحيوانات ملك مالك الأنثى دون الفحل. ومنها: إذا تزوج عبد رجل مملوكة رجل آخر، أو زنى حر أو عبد بمملوكة، فالولد ملك لمالك الأمة. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الرجل إذا استولد جاريته كان الولد تابعاً للأب في الحرية، لا تبعاً للأم في الرق؛ لأن الأم ملك للأب، فالأب مالك للأصل. ومنها: الأمة إذا غَرَّت الزوج وخدعته بادعاء الحرية، فإن ولدها منه حر. ومنها: الأمة إذا وطئها حر بالشبهة، وهو يظنها زوجته الحرة فولده منها حر قطعاً. ومنها: إذا وطئ الأب جارية ابنه فولده منها حر - ولا تصير أم ولد له. ومنها: إذا نكح مسلم حربية، ثم غلب المسلمون على ديارهم وسبوها بعد حملها منه فإن ولدها لا يتبعها في الرق؛ لأنه مسلم في الحكم بإسلام أبيه.

القاعدة الحادية والعشرون [سؤال أهل الذكر]

القاعدة الحادية والعشرون [سؤال أهل الذكر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} (¬1). (¬2) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الناس يتفاوتون في علومهم وفي مداركهم، فبعضهم عالم بشيء أو أشياء وبعض آخر جاهل بهذه الأشياء عالم بغيرها. فمفاد الآية وحكمها: تعليم من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين أن يرجعوا في معرفة ما يجهلونه من كل شيء إلى مَن له بصر ومعرفة في ذلك الباب، وبخاصة فيما يتعلق بالدين والأحكام الشرعية، فليس كل الناس مجتهدين أو علماء، فعلى الجاهل أن يسأل العالم عما يجهله. وكذلك في أمور الدنيا يجب أن نرجع في معرفة ما نجهل إلى ¬

_ (¬1) الآية 43 من سورة النحل والآية 7 من سورة الأنبياء. (¬2) المبسوط جـ 13 ص 110.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

العلماء والخبراء فيها. والمعنى أن يرجع في معرفة كل شيء إلى من له بصر في ذلك الباب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جهل المسلم مسائل في الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج أو الطلاق أو غيرها من أمور دينه فلا يجوز له أن يقول فيها برأيه، ولا يجوز له أن يتصرف فيها قبل معرفة حكم ما يجهله، بل عليه أن يسأل علماء الشرع والمفتين المجتهدين في ذلك استبراء لدينه. ومنها: إذا أراد إنسان أن يبني بيتاً فعليه أن يسأل مهندساً مختصاً، لا عالماً دينياً، ولا طبيباً بيطرياً أو بشرياً. ومنها: المريض المحتاج للعلاج عليه أن يستشير طبيباً مختصاً لمعرفة علته والدواء المناسب له، لا أن يذهب إلى طبيب بيطري أو مهندس مدني.

القاعدة الثانية والعشرون [فساد السبب - ثبوت الملك]

القاعدة الثانية والعشرون [فساد السبب - ثبوت الملك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: فساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض (¬1). وفي لفظ: فساد السبب شرعاً لا يمنع ثبوت الملك بعد تمامه (¬2). وفي لفظ: فساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت الملك بالقبض، فلا يمنع بقاءَه بطريق الأَوْلى (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: فساد السبب أو فساد العقد معناه: وجود اختلال في أحد شروط العقد تمنع صحته - والعقد الفاسد عند الحنفية غير العقد الباطل، بل هو العقد المشروع أصلاً لا وصفاً - يعني أن يكون صحيحاً باعتبار ذاته فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجة (¬4). وذلك بوجود شرط زائد لا يقتضيه العقد ولا يلائمه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 54. (¬2) شرح السير ص 1117 فما بعدها وعنه قواعد الفقه ص 95. (¬3) المبسوط جـ 5 ص 78. (¬4) القاموس الفقهي ص 285.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وأما عند غير الحنفية فالفاسد من العقد هو الباطل، وهو خلاف الصحيح، ولا يترتب عليه أثره. وهذه القواعد تمثل أصلاً من أصول الحنفية في العقود. ومفادها: أن العقد إذا فسد شرعاً بفقده شرطاً من شروط صحته فلا يمنع فساده هذا وقوع الملك للعاقدين إذا صاحب ذلك القبض للثمن والمبيع، لكن على العاقدين أن يزيلا سبب الفساد. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: لو أن مستأمناً من المسلمين دخل دار الحرب بأمان ثم غصب من أموال أهل الحرب شيئاً فهذا غدر منه ولا يجوز، ويجب عليه رده لهم، فإن دخل به دار الإِسلام فإن أراد بيعه في دار الإِسلام فلا ينبغي لأحد من المسلمين أن يشتري ذلك منه؛ لأنه كسب خبيث وفي شرائه منه تقرير لمعنى الخبث فيه، لكن إن اشتراه منه إنسان جاز ذلك الشراء وإن كان مسيئاً (¬1). لأن فساد السبب لا يمنع ثبوت الملك بعد تمامه. ومنها: إذا تزوج أمرأة وأصدقها جارية وسلمها لها، ثم طلقها قبل الدخول فإن ملكية الزوجة لنصف الجارية فسد بطلاقها، فيستحق عليها ردّ النصف. ولكن لا يبطل ملكها في شيء إلا بِردّ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1117 فما بعدها، مصدر سابق.

الجارية بقضاء القاضي أو رضائها. ولكن لا ينفذ في الجارية عتق الزوج لها إذا أعتقها قبل الحكم. ومنها: إذا اشترى دابة بثوبين وقبض الدابة، ثم هلك الثوبان قبل أن يقبضهما البائع فعلى المشتري رد الدابة لفساد العقد بفوات القبض المستحق بالعقد، لكن إذا باع المشتري الدابة أو هلكت عنده فعليه قيمتها لتعذر رد العين. فقد ثبت له الملك في الدابة بالقبض، ولذا جاز له بيعها. ومنها: مَن أُكره على هبة شيء لآخر فقبض الموهوب له الهبة، فهو يملكها بالقبض - وإن كان الواهب مكرَهاً على التسليم - والإكراه مفسد للهبة - ولكن - عند الحنفية - الهبة الفاسدة توجب الملك بعد القبض كالهبة الصحيحة, بناء على أصلهم أن فساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض، لكن إذا هلك الموهوب فعلى الموهوب له رد القيمة للواهب المكره، كالمشتراة شراء فاسداً. وقد سبق أن العقد الفاسد كالعقد الصحيح في وجوب الضمان - وهذا عند الجميع - لكن في ضمان القيمة لا الثمن.

القاعدة الثالثة والعشرون [الفساد الطارئ]

القاعدة الثالثة والعشرون [الفساد الطارئ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفساد الطارىء بعد العقد - قبل حصول المقصود به - كالمقترن بالعقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطارئ: المفاجئ وهذه القاعدة قد سبقت ضمن قواعد حرف الطاء تحت الرقم 2. ومفادها: أن ما يطرأ على العقد بعد تمامه وقبل حصول المقصود به يفسد العقد وكأنه اقترن به وصاحبه بأصله. أما إذا طرأ بعد حصول المقصود بالعقد فلا اعتبار له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى عصيراً - وقبل تسلمه من البائع - تخمر - أي أصبح خمراً - فسد العقد ويجب على البائع رد الثمن للمشتري. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 88.

رابعا: مما أفسد مع الدوام - وهو مما استثني من مسائل هذه القاعدة.

رابعاً: مما أفسد مع الدوام - وهو مما استثني من مسائل هذه القاعدة. إذا نكح امرأة فوطئها أبوه أو ابنه بشبهة، أو وطئ هو أمها أو ابنتها بشبهة انفسخ النكاح بينهما.

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة والعشرون [الفسخ ورفع العقد]

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة والعشرون [الفسخ ورفع العقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفسخ رفع للعقد من حينه لا من أصله (¬1). وفي لفظ: فسخ العقد معتبر بأصل العقد (¬2). وفي لفظ: الفسخ بالعيب أو بالخيار - فإنه يستند إلى مقارن للعقد، فهو رافع للعقد من أصله أو من حينه، فيه خلاف معروف (¬3). وفي لفظ: الفسخ هل يرفع العقد من أصله أو فيما يستقبل (¬4)؟ وفي لفظ: الفسخ بالعيب ونحوه هل يرفع العقد من أصله أو من حينه (¬5)؟ ثانياً معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 162. (¬2) المبسوط جـ 21 ص 96، 166. (¬3) قواعد ابن رجب القاعدة 116. (¬4) أشباه ابن نجيم ص 338. (¬5) المنثور جـ 3 ص 49.

الثمرة الفقهية للخلاف

فسخ العقد: معناه إبطاله، ورد كل بدل إلى صاحبه. أو هو رفع للعقد وقلب كلٍّ من العوضين إلى دافعه (¬1). فبالنظر إلى هذه القواعد نراها تمثل وجهتي نظر مختلفتين في حكم فسخ العقد وإبطاله، هل هو من أصل العقد وإنشائه، أو هو من حين ظهور سبب الفسخ؟ القاعدتان الأوليان تعبران عن وجهة النظر القائلة: إن الفسخ رفع للعقد وإبطال له، لكن أولاهما قطعت بدون تردد إن رفعه يكون من حين ظهور سبب الفسخ لا من أصل العقد. وثانيتهما قطعت بدون تردد أيضاً إن فسخ العقد ورفعه معتبر بأصل العقد وبدئه. فهما مع قطعهما مختلفتان. والقواعد الثلاث الأخيرة تعبر عن وجهة نظر مترددة في اعتبار زمان الفسخ هل هو من الأصل أو من الحين؟ وتشير إلى وجود الخلاف. الثمرة الفقهية للخلاف: إن زوائد المبيع في المدة ما بين ابتداء العقد والفسخ هل هي ملك للبائع أو المشتري؟ عند من يقولون: بأن الفسخ يعتبر من أصل العقد فهي ملك البائع؛ لأن المبيع كان في ضمانه. ¬

_ (¬1) القاموس الفقهي ص 285.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وعند من يقولون: بأن الفسخ يعتبر من حين ظهور موجب الفسخ، فتكون الزوائد للمشتري. لأنها زوائد ملكه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الرهن عقد لا يتم ضمانه إلا بقبض المرهون من قبل المرتهن. فإذا فسخ العقد فلا يتم فسخه إلا برد المرهون إلى الراهن وقبضه له. ومنها: إذا اشترى بقرة، وفسخ البيع قبل القبض - وفي هذه الفترة ولدت البقرة، فهل مولودها للبائع أو للمشتري؟ عند من يقولون: إن الفسخ من أصل العقد فالمولود للبائع. وعند من يقولون: إن الفسخ عند اكتشاف سبب الفساد، فالمولود للمشتري. وأما إذا تم الفسخ بعد قبض المشتري للبقرة فمولودها له قولاً واحداً؛ لأن المبيع كان في ضمانه. والغرم بالغنم. وينظر من قواعد حرف الراء القاعدة 15. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: عقد النكاح لا يتم إلا بشروط، منها الشهود والمهر. ولكن الطلاق - وهو فسخ لعقد النكاح وإبطال له - يتم بدون ذلك، إذ يقع الطلاق ويبطل النكاح بمجرد تطليق الزوج. ولا يشترط الإشهاد على ذلك.

القاعدة السابعة والعشرون [الفضيلة]

القاعدة السابعة والعشرون [الفضيلة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفضيلة المتعلقة بهيئة العبادة، أو بنفس العبادة - أولى من المتعلقة بمكانها (¬1). وفي لفظ: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة (¬2). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفضيلة: المراد بها هنا صفة الكمال، من الفضل وجمعها فضائل، والمراد بها كثرة الثواب. فمفاد القاعدة: أن الثواب المتعلق بهيئة العبادة أي ذاتها ونفسها أكثر من الثواب المتعلق بمكانها أو الموضع الذى تؤدى فيه. ¬

_ (¬1) قو اعد الحصني جـ 3 ص 374، وأشباه السيوطي ص 147. (¬2) المجموع شرح المهذب جـ 3 ص 182، المجموع المذهب/ قواعد العلائي لوحة 272 أ.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أفضل المواضع للصلاة عند الشافعي رحمه الله داخل الكعبة، لكن إذا كانت الجماعة خارجها كانت مع الجماعة أفضل؛ لأن الجماعة فضيلة تتعلق بنفس أو هيئة العبادة وهي الصلاة، وداخل الكعبة فضيلة تتعلق بمكانها وموضعها. ومنها: صلاة النفل في بيت الإنسان أفضل منها في المسجد - مع شرف المسجد -؛ لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها، فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص وأبعد من الرياء والإعجاب. ومنها: الصلاة المفروضة جماعة في المساجد أفضل منها في البيوت فلو لم يكن في المساجد جماعة وحصلت له الجماعة في البيوت كانت أفضل منها.

القاعدة الثامنة والعشرون [الفطر السليمة]

القاعدة الثامنة والعشرون [الفِطَر السليمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفِطَر السليمة لا تتفق على الكذب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفِطَر جمع فِطرة: والفطرة هي الصفة التي يتصف بها كل موجود في أول زمان خِلْقَتِه. ومنه الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة" (¬2). والمراد بها في الحديث الإِسلام، وهو صفة الخلق جميعاً عند ولادتهم؛ فإنه سبحانه وتعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره. والفطرة أيضاً الطبيعة السليمة التي لم تُشَب بعيب. فمفاد القاعدة: أن الجبلة السليمة والفطرة المستقيمة لا يمكنها أن تتفق على الكذب في أمر من الأمور - وبخاصة الديني منها - لأن الكذب مناف لتلك الفطرة، وإنما يكذب مَن كان في فطرته عوج أو انحراف. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 111. (¬2) الحديث بهذا اللفظ أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الجنائز الباب 93. والمتفق عليه "ما من مولود إلا يولد على الفطرة".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأخبار المتواترة يحصل بها العلم اليقيني حيث لا تواطؤ على الكذب؛ لاختلاف المخبرين وتباعدهم واختلاف ثقافاتهم واتجاهاتهم.

القاعدة التاسعة والعشرون [فعل العجماء]

القاعدة التاسعة والعشرون [فعل العجماء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فعل العجماء جبار (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أصل هذه القاعدة حديث "العجماء جرحها جبار" (¬2). العجماء: المراد بها الدابة، وسميت عجماء لأنها لا تفصح. وجبار: هدر. ومفاد القاعدة: أن البهيمة تنفلت فتتلف شيئاً، فهو هدر، وكذلك المعدن - أي المنجم - إذا انهار على أحد فدمه جبار، أي هدر. وقد سبق بيان هذا الحديث وتخريجه في قواعد حرف الجيم تحت رقم 10. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل اشترى شاتين فنطحت إحداهما الأخرى - قبل القبض - فهلكت، خير المشتري بين أن يأخذ الباقية بحصتها من ¬

_ (¬1) الفرائد ص 53 عن فتاوى الخانية جـ 2 ص 258 باب في قبض المبيع. (¬2) سبق تخريج هذا الحديث.

الثمن أو يترك. ومنها: لو اشترى حمارا وشعيرا فأكل الحمار الشعير - قبل القبض - فالمشتري كذلك مخير بين أن يأخذ الحمار بحصته من الثمن أو يترك، أما إذا كان الحمار بثمن محدد، والشعير بثمن محدد، فهو يأخذ الحمار بثمنه المتفق عليه قبل أكله الشعير. ومنها: وإذا باع حمارا بشعير بعينه فلم يتقابضا حتى أكل الحمار الشعير ينفسخ البيع، ولا يكون البائع مستوفيا الثمن لأن فعل الحمار هدر غير مضمون فيصير الشعير هالكا قبل القبض كما لو هلك بآفة سماوية فينفسخ البيع.

القاعدة الثلاثون [النية]

القاعدة الثلاثون [النية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فعل الغير تمتنع النية فيه (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النية: هي القصد المؤكد لإرادة الفعل، وهي أمر قلبي. فمفاد القاعدة: إن الإنسان لا يمكنه أن ينوي فعل غيره، ففعل الغير تتعلق نيته بذلك الغير. فكل إنسان لا يمكنه أن ينوي إلا فعل نفسه؛ لأن النية مخصصة للفعل ببعض جهاته، من الفرض والنفل وغير ذلك من رتب العبادات وأنواعها، وذلك متعذر على الإنسان في فعل غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يمكن لإنسان أن ينوي صلاة غيره، ولا حجه، ولا صومه. ومنها: من أراد أن يقتل، فلا يمكن لغيره أن ينوي عنه نية القتل. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني جـ 1 ص 129، وينظر أشباه السيوطي ص 20.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: مَن وُكّل في إخراج زكاة فله أن ينوي بها عن الموكل. ومنها: مَن وُكِّل في ذبح أضحية فهو ينويها عن موكله. والأصل جواز التوكيل في النية إذا اقترنت بفعل. ولذلك جازت النيابة في الحج للمعضوب. أي غير القادر على الحج لمرض مزمن.

القاعدتان الحادية والثانية والثلاثون [فعل القاضي، وأمره]

القاعدتان الحادية والثانية والثلاثون [فعل القاضي، وأمره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: فعل القاضي حكم كأمره (¬1). وفي لفظ: أمر القاضي حكم (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاضي يحكم فيما يعرض عليه من دعاوى، وحكمه أن يظهر حكم الشرع فيما يعرض عليه، ثم يأمر بإحقاق الحق وإعطائه لصاحبه. فمفاد هاتين القاعدتين: أن الأولى تفيد أن حكم القاضي لا يقتصر على النطق بل إن فعله وتصرفه لصالح أحد المدعيين يعتبر حكماً منه. وأن الثانية تفيد أن أمر القاضي لغيره بتصرف ما يعتبر أيضاً حكماً منه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 235 وعنه قواعد الفقه ص 95. (¬2) نفس المصدر.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

فإذاً أنواع الأحكام التي تصدر عن القضاء ثلاثة: نطق بالحكم، فعل وتصرف، أمر. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا سلم القاضي العقار المحدود إلى المدعي - أو المدعى عليه - كان ذلك حكماً منه بإثبات الحق فيه لمن سلَّمه إليه. ومنها: إذا باع القاضي ما وقفه المريض في مرض موته - بعد موته - باعه لغرمائه وليس له مال غيره فيعتبر ذلك حكماً منه بإبطال الوقف. ومنها: أن يأمر الغاصب برد المغصوب على صاحبه. فيعتبر أمره حكم. ومنها: إذا أوقع الطلاق أو الفرقة كان ذلك حكماً منه.

القاعدة الثالثة والثلاثون [فعل المأمور]

القاعدة الثالثة والثلاثون [فعل المأمور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فعل المأمور بأمره كفعل الآمر بنفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن كل إنسان يحاسب على فعل نفسه لا على فعل غيره، فمن أمر غيره بإتلاف مال آخر كان الضمان على المتلف لا على الآمر، لأن القاعدة تقول "الآمر لا يضمن بالأمر" (¬2). ولكن قاعدتنا هذه تعتبر بيانا لأمر آخر. فمفادها: أن فعل المأمور بأمر الآمر كفعل الآمر بنفسه، فيكون الضمان في هذه الصورة على الآمر، فهذه القاعدة تعتبر استثناء من القاعدة السالفة الذكر. لأن الضمان على الآمر لا على الفاعل المأمور في صور يكون المأمور فيها مجبرا أو مكرها من الآمر. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1625. (¬2) شرح الخاتمة ص 7، أشباه ابن نجيم ص283. وينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة 590.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان الآمر سلطاناً، أو له سلطة قوية على المأمور فيكون فعل المأمور كفعل الآمر بنفسه فيكون الضمان على الآمر. ومنها: إذا كان الآمر أباً للمأمور أو سيداً له فالضمان عليه. ومنها: أن يكون المأمور صغيراً لا يعقل فالضمان على الآمر. ومنها: إذا أُسِرَ الحر من المسلمين أو من أهل الذمة فقال لمسلم أو ذمي مستأمن فيهم: افتدني من أهل الحرب، أو اشترني منهم، ففعل ذلك وأخرجه إلى دار الإسلام فهو حر، والمال الذي فداه به دين له على الآمر، فكأنه استقرضه منه فيجب عليه أداؤه؛ لأنه أحياه بما أدى من المال حكماً، فهو كما لو أن الآمر فدى نفسه بنفسه.

القاعدتان الرابعة والخامسة والثلاثون [فعل المسلم]

القاعدتان الرابعة والخامسة والثلاثون [فعل المسلم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن (¬1). وفي لفظ: فعل المسلم محمول على الصحة ما أمكن على ما هو الأفضل (¬2). وفي لفظ: فعل المسلم محمول على ما يحل شرعاً (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: من باب حسن الظن بالمسلم، وأنه لا يفعل فعلاً إلا ويراقب الله عَزَّ وَجَلَّ ويراعي أحكام شرعه، فإن فعل المسلم أو قوله أو تصرفه يجب أن يحمل على الصحيح من العقود، وعلى ما يحل من الأقوال والأفعال، ما أمكن ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 155، 165، جـ 7 ص 86. (¬2) المبسوط جـ 4 ص 118. (¬3) نفس المصدر جـ 30 ص 140.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ولا يجوز أن يحمل على غير الصّحّة وغير الحل إلا إذا وجدت قرائن قوية تؤيد ذلك الظن. وينظر القاعدة 287 من قواعد حرف الهمزة. وقواعد حرف التاء رقم 104. وقواعد حرف الحاء رقم 121. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا عقد مسلم عقد بيع أو عقد نكاح فإن هذا العقد يحمل على الصحة ما أمكن، فإذا ادعى أحد فساد العقد فعليه البينة؛ لأن الأصل في العقود الصحة. ومنها: إذا رأينا إنساناً يبيع متاعاً أو سلعة فيجب أن نحمل ذلك على أن ما يبيعه هو ملكه أو وكيل في بيعه، وليس لنا أن نتهمه بأنه سارق وأن المتاع مسروق، إلا إذا قامت بيِّنة أو شبهة قوية على ذلك.

القاعدة السادسة والثلاثون [فعل المضمون]

القاعدة السادسة والثلاثون [فعل المضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فعل المضمون كفعل الضمان في استحقاق موجَبِه عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضامن: اسم فاعل مِن ضَمِن يَضمن، وهو مَن يجب عليه أداء قيمة المتلَف إذا أتلفه. والضامن: هو الغارم والكفيل. والمضمون: اسم مفعول مِن ضُمِن يُضْمَن، وهو ما وقع عليه ضمان الضامن كالمال المتلَف، فهو مضمون على الضامن. وقد يكون المضمون إنساناً أو حيواناً. فمفاد القاعدة: أن المضمون - إذا كان إنساناً كعبد رقيق، أو حيواناً - فَعَيَّب نفسه بفِعله - فعند أبي حنيفة رحمه الله - أن الضمان - ضمان النقصان أو ضمان القيمة - يقع على الضامن، صاحب العبد أو الدابة، فكأن التلف حصل من فعل الضامن فيجب عليه قيمة المتلَف أو أرش النقصان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 75.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وعند غير أبي حنيفة يعتبر كأنما أُتلِف أو تعيب بآفة سماوية، فلا ضمان على الضامن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصدق رجل امرأة صداقاً - أي مهراً - عبداً أو ثوراً أو جملاً، ثم قبل أن تقبضه حدث عيب فيه، وكان حدوث العيب من فعل الصداق نفسه - وهو قبل القبض مضمون على الزوج بقيمته - كأن قطع العبد يد نفسه أو فقأ عين نفسه، أو تردى الثور أو الجمل في حفرة فكسرت ساقه، فهل هذا الصداق مضمون على الزوج؟ عند أبي حنيفة رحمه الله نعم. فكأن الزوج هو الذي أوقع فيه العيب، فللزوجة الخيار إما أن تطلب قيمة الصداق - العبد أو الثور أو الجمل - صحيحاً، أو تأخذه وتُضَمِّن الزوج النقصان. وعند غير أبي حنيفة لا شيء على الزوج، فالزوجة إما أن ترجع على الزوج بقيمة الصداق يوم تزوجها، وإن شاءَت أخذت المعيب ولا شيء لها من ضمان النقصان.

القاعدتان السابعة والثامنة والثلاثون [الفعل - القول]

القاعدتان السابعة والثامنة والثلاثون [الفعل - القول] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الفعل أقوى من القول (¬1). وفي لفظ: الفعل هل يقوم مقام القول (¬2)؟. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تتعلقان بالأسباب الموجبة لأحكامها، من حيث إنها تنقسم إلى قسمين: أسباب قولية، وأسباب فعلية. فالأسباب القولية كالإيجاب والقبول في العقود، والإباحة القولية والإذن اللفظي وغير ذلك. وأما الأسباب الفعلية فمنها ما يقوم مقام القول، بل إن القاعدة الأولى صريحة في أن السبب الفعلي أقوى من السبب القولي. والقاعدة الثانية: تشير إلى أن قيام الفعل مقام القول محل خلاف. ثانياً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 534. (¬2) قواعد الحصني جـ 2 ص 117.

تقديم الطعام للضيف ووضعه بين يديه يقوم مقام الإذن القولي في إباحة التناول. ومنها: إرسال الهدية إلى المُهدى إليه إذا قبلها ملكها بمجرد ذلك في الصحيح. ومنها: إعطاء الفقير صدقة تطوعاً، لا يشترط القبول القولي. ومنها: بيع المعاطاة. وإن كان عند الشافعية لا يجوز إلا في الأشياء الدنيئة. ومنها: إن المجنون والسفيه إذا أعتقا جارية لهما لا ينفذ عتقهما - لأنهما محجوران عن التصرفات القولية - ولكن إذا أحبل أحدهما جاريته واستولدها ثبت الولد، وأصبحت الجارية أم ولد له تعتق بموته. ومنها: المريض في مرض الموت إذا كان ماله مستغرقاً بالديون وله جارية لا يصح عتقه لها - لحق الغرماء - لكن إذا استولدها في هذه الحالة صح الاستيلاد. فكان الفعل أقوى من القول.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الفعل القلبي]

القاعدة التاسعة والثلاثون [الفعل القلبي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفعل القلبي لا يحكم بوجوده إلا إذا ظهر على الجوارح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفعل القلبي - من نيَّة أو اعتقاد أو هم - غيْبٌ عن غير صاحبه، فلا يمكن لغيره الحكم بوجوده إلا إذا ظهر وبان على جوارح وأعضاء ذلك الإنسان بفعل خارجي دال على ما في القلب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإيمان بالله سبحانه وتعالى أمر قلبي، لا يمكن الاطلاع عليه، لكن إذا وجدنا الرجل يصلي أو يذكر الله عَزَّ وَجَلَّ بلسانه حكمنا بإسلامه، ما لم يظهر منه خلاف ذلك. ومنها: نية الفعل - أي فعل - لا يمكننا الاطلاع عليها ولا معرفتها، ولكن إذا رأينا ذلك الإنسان عمل عملاً بجوارحه متعمداً حكمنا عليه أنه كان قد نواه قبل الفعل. ومنها: مَن حلف بالطلاق أن لا يعادي فلاناً من الناس، ¬

_ (¬1) الفرائد ص 27 عن تعليق الفتاوى الخانية جـ 1 ص 495 - 496 بالمعنى.

فعاداه وأصر على ذلك في قلبه ولم يظهر على لسانه منه شيء ولا على شيء من جوارحه - بل كان كل منها محفوظاً - فإنه لا يحنث في يمينه ولا يقع طلاقه. ومنها: إذا تزوج امرأة أخرى وكان قال لزوجته الأولى: إن دخلت عليك من ذلك غَيرَة فأنت طالق، فدخل عليها غيرة في قلبها ولم تتكلم ولم تَلِجَّ ولم تخبر بأنها حصل لها غَيْرة، فإنها لا تطلق؛ لأن ما في القلب لا يمكن التحرز عنه.

القاعدة الأربعون [الفعل العدوان]

القاعدة الأربعون [الفعل العدوان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفعل الذي هو عدوان واجب الفسخ شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العدوان: هو الاعتداء، وفعل ما لا يحل شرعاً، وهو تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده. ومفاد القاعدة: أن الفعل المخالف للشرع بتجاوزه لما لا يحل يجب فسخه وإبطاله شرعاً؛ لأنه ظلم والظلم يجب إزالته وإزالة آثاره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخذ مال غيره من غير حق ظاهر يكون عدواناً فيجب إزالته ورد المال لصاحبه، إلا أن يقيم الآخذ البينة على أنه أخذ حقه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 37.

القاعدة الحادية والأربعون [الفعل المباح]

القاعدة الحادية والأربعون [الفعل المباح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفعل متى كان مباحاً لا يصير ذلك سبباً موجباً للدية ولا الكفارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وإن كانت خاصة بالأفعال التي توجب الدية أو الكفارة - كالقتل الخطأ مثلاً - لكنها ذات مدلول عام. فمفادها: أن الفعل الذي يقوم به المكلف إذا كان مباحاً ومأذوناً به شرعاً - وإن تسبب عنه ضرر أو موت - فإن ذلك الفعل لا يصير سبباً موجباً للدية ولا للكفارة ولا التعويض عموماً - والمراد أن فاعل ذلك الفعل لا يترتب على فعله حق للعباد ولا حق لله تعالى -؛ لأن الإذن الشرعي ينافي الضمان للبشر كما أنه ينفي الإثم عن الفاعل. ولكن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يشترط مع الإذن الشرعي السلامة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1416، 1446، 1554 وعنه قواعد الفقه ص 56.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وهذه القاعدة بمعنى القاعدة السابقة في قواعد حرف الهمزة ذات الرقم 447 القائلة: "الإذن الشرعي ينافي الضمان" أو "الجواز الشرعي ينافي الضمان" (¬1). ومفادها: أن الإنسان لا يؤاخذ بفعل ما يملك أن يفعله شرعاً؛ لأن إذن الشارع يمنع المؤاخذة ويدفع الضمان إذا وقع بسبب الفعل المباح ضرر للآخرين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عالج طبيب مختص مريضاً وقام بعمل جراحة له ليزيل وَرَماً أو غيره، ثم مات المريض، فإن الطبيب لا يتحمل الدية ولا كفارة عليه؛ لأنه فعل أمراً مباحاً مأذوناً فيه. ومنها: مَن قتل امرأة أو شيخاً فانياً أو صبياً أو مجنوناً من أهل الحرب قبل وجود القتال منهم، فلا كفارة على المسلم القاتل ولا دية - وإن كان مسيئاً -؛ لأن المقتول لا عصمة لدمه، ولا تَقَوُّم له؛ لأن العصمة والتقوم إنما تكون بالدين أو بالدار ولم يوجد واحد منهما. ومنها: إذا وجد المسلمون في صف المشركين قوماً من المسلمين معهم الأسلحة، ولا يدرون أمكرَهون هم على ذلك أم غير ¬

_ (¬1) الوجيز ص 362، وينظر قواعد حرف الجيم رقم 34.

مكرهين، ثم رأوهم قد سلُّوا السيوف أو أطلقوا النار فقتل رجل من المسلمين رجلاً منهم، ثم قامت البينة من المسلمين أن أهل الحرب أخرجوه مكرهاً، فلا دية على عاقلة القاتل ولا كفارة؛ لأنه قتل شخصاً كان قتله حلالاً لوجوده في صف المشركين المقاتلين. وإراقة الدم المباح لا توجب دية ولا كفارة. ومنها: إذا أحرق المسلمون سفينة من سفائن المشركين أو أغرقوها وفيها ناس من المسلمين فليس على المسلمين في ذلك دية ولا كفارة؛ لأنهم باشروا فعلاً هو حلال لهم. ومنها: إذا نسف المسلمون بسيارة ملغّمة أو بتفجير أحدهم سوقاً أو حيّاً للكفار من يهود أو غيرهم، وفيه مسلمون فقتل بعضهم، فكذلك لا دية ولا كفارة على القاتلين، كما لو تترس الكفار بأطفال المسلمين.

القاعدة الثانية والأربعون [الفعل الجمعي]

القاعدة الثانية والأربعون [الفعل الجمعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفعل المضاف إلى جماعة بعبارة الجمع يقتضي الانقسام على الأفراد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالفعل المضاف إلى جماعة بعبارة الجمع: أن يسند الفعل إلى ضمير الجماعة المخاطبين أو الغائبين أو المتكلمين، فحينئذ يجب انقسام الناتج على الأفراد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا برز عشرة من المشركين لقتال المسلمين، فقال الأمير لعشرة من المسلمين: إن قتلتموهم فلكم أسلابهم. فقتل كل رجل رجلاً منهم، استحق كل قاتل سلب قتيله خاصة. وكأنه قال: مَن قتل قتيلاً فله سلبه. ومنها: إذا قال: أعط هذه العشرة الدراهم لهؤلاء العشرة المساكين. فإنه يعطي كل مسكين درهماً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 669.

ومنها: إذا قيل: ركب القوم دوابهم. فيفهم منه أنّ كلّ واحد منهم ركب دابته. ومنها: إذا قلنا: قمنا فلبسنا ثيابنا. فالمراد أنه لبس كل واحد منا ثوبه.

القاعدة الثالثة والأربعون [فعل المنهي عنه]

القاعدة الثالثة والأربعون [فعل المنهي عنه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فعل المنهي عنه ناسياً لا يفسد العبادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بشيء من أحكام النسيان، فالأصل في الناسي أنه مرفوع عنه الإثم فيما فعله حال نسيانه، لكن لا يرفع عنه ضمان المتلف من حقوق العباد. فمفاد القاعدة: أن مَن فعل فعلاً منهياً عنه - من حقوق الله تعالى - في صلاته أو صيامه أو حجه ناسياً أنه في صلاة أو صوم أو حج، فإن الحكم الشرعي الذي تفيده هذه القاعدة هو عدم فساد تلك العبادة؛ لأن العبادة لا يفسدها إلا فعل منهي عنه عمداً. والفروع وقع في بعضها الخلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن تكلم في صلاته ناسياً أنه في صلاة فصلاته صحيحة. لكن عند الحنفية بطلت صلاته. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 197.

ومنها: مَن أكل أو شرب أو جامع حال صيامه ناسياً صومه فإن صومه صحيح عند الجمهور في الأكل والشرب ولا إثم عليه، غير أن مالكاً رحمه الله يوجب عليه القضاء. واختلفوا في جماع الصائم الناسي (¬1). ومنها: لو غطى رأسه أو مس طيباً حال إحرامه ناسياً فلا شيء عليه إذا أزال الغطاء وأثر الطيب عند تذكره. ¬

_ (¬1) الإفصاح جـ 1 ص 343.

القاعدة الرابعة والأربعون [الفقر]

القاعدة الرابعة والأربعون [الفقر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الفقر في الناس أصل (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إن الله سبحانه وتعالى خلق الناس وأخرجهم من بطون أمهاتهم لا يملكون شيئاً، فهم في الأصل فقراء، ثم يغني الله عَزَّ وَجَلَّ مَن شاء منهم. فالفقر أصل، والغِنى عرض طارئ. ولذلك قلّ الأغنياء وكثر الفقراء للابتلاء. الأغنياء بالشكر والفقراء بالصبر. ودليل هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم: "يولد كل مولود أحمر ليس عليه غبرة - أي سترة - ثم يرزقه الله من فضله" (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 193. (¬2) الحديث عن حبة بن خالد وسواء بن خالد الأسديان قالا: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبني أو يعالج بناء له، فأَعنّاه عليه حتى فرغ منه، فَعلَّمنَا فكان فيما علَّمَناه: "لا تيأسا من الخير ما تهزهزت رؤوسكما، فإن كل مولود يولد أحمر ليس عليه قشر - أو قشرة - ثم يرزقه الله عَزَّ وَجَلَّ ويعطيه" الحديث في طبقات ابن سعد جـ 6 ص 21، الإصابة جـ 2 ص 200، وابن ماجه جـ 2 ص 1394 باب التوكل واليقين حديث رقم 4165. قال في الزوائد: إسناده صحيح.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يولد الإنسان لا يملك شيئاً من الدنيا - إلا إذا مات مورثه قبل ولادته، فهو غني بالميراث المتروك -؛ لأن المال والغنى إنما يصير للإنسان بجهده وعمله واكتسابه في هذه الحياة الدنيا - بعد تقدير الله عَزَّ وَجَلَّ له الغنى - فمن الناس مَن يبقى على الأصل فقيراً مهما جهد في حياته وهو الذي قُدِر عليه رزقه. ومنهم مَن يغتني ولو لم يجهد وهو الذي بسط الله عَزَّ وَجَلَّ له في رزقه. ومنها: إذا اختلف الزوج والمرأة في مقدار النفقة، فقال الزوج: أنا فقير، وقالت الزوجة: بل هو غني. فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأنه متمسك بالأصل، وعلى الزوجة البينة والإشهاد علىٍ غناه؛ لأنها متمسكة بأمر عارض. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: من التزم دَيناً بعقد اختياراً كالمهر ودَين الكفالة ثم ادعى الفقر لا يقبل منه، أو كان وجوب الدين عليه لبيع أو قرض لم يقبل قوله إنه فقير؛ لأنه صار غنياً بما دخل في ملكه من المال وبما التزمه. فدعوى الفقر لا تقبل منه في هذه الحال.

القاعدة الخامسة والأربعون [فوات الجزء]

القاعدة الخامسة والأربعون [فوات الجزء] اولاً: لفظ ورود القاعدة: فوات الجزء معتبر بفوات الكل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: فوات الشيء: زواله. من فات يفوت إذا زال وعدم. فمفاد القاعدة: أن زوال جزء من الشيء عند الحكم معتبر ومقيس على زوال كله في الضمان وعدمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل من آخر ثوبين على أن البائع بالخيار يلزمُه أيهما شاء بعشرة، ويرد الآخر، فتعيب أحد الثوبين عند المشتري - بغير فعله - فإن البائع على خياره، ولكنه لا يأخذ من قيمة المعيب شيئاً؛ لأنه لو هلك أحدهما فليس للبائع أن يلزم المشتري بالهالك، فهو يهلك على ضمان البائع - لأن الثوب أمانة عند المشتري - ما دام الخيار للبائع - فكذلك لو تعيَّب في يد المشتري بغير فعله. فإن نقض البائع البيع أخذ الثوب الصحيح والمعيب، ولم يُضَمِّن المشتري شيئاً من نقصان العيب الحادث قياساً على هلاك الثوب كله ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 191.

إذا هلك؛ لأن فوات الجزء معتبر بفوات الكل. ومنها: إذا أودع شخص آخر وديعة ذات أجزاء - مثل كتاب له أجزاء عدة - فتلف بعض الأجزاء عند المودَع بغير تعَدٍّ منه أو تقصير، فلا ضمان عليه؛ لأن الوديعة أمانة غير مضمونة سواء هلكت كلها أو جزؤها. ومنها: إذا اغتصب شيئاً فعيَّبه، فعليه ضمان نقصانه, لأنه لو أتلفه كله أو استهلكه فعليه ضمانه كله فكذلك جزؤه وبعضه.

القاعدتان السادسة والسابعة والأربعون [فوات الشرط]

القاعدتان السادسة والسابعة والأربعون [فوات الشرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: فوات شرط الشيء كفوات ركنه في امتناع العمل به (¬1). وفي لفظ: فوات الشرط يقتضي عدم المشروط (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متفقتان في دلالتهما، وإن اختلف لفظاهما. ومفادهما: أن فقدان شرط صحة من شروط الشيء ينتج عنه عدم المشروط؛ لأن المشروط يترتب وجوده على وجود شرطه، وكما سبق "إن الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط" (¬3) فبالأولى أن ينعدم المشروط إذا عدم شرط من شروطه، ففوات شرط الشيء في امتناع وجود مشروطه مثل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 40. (¬2) الفروق جـ 3 ص 86 الفرق 134. (¬3) ينظر قواعد حرف الشين رقم 48.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

فوات ركن الشيء في عدم وجوده وامتناع العمل به. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الدعوى شرط للعمل بالبينة، والإنكار شرط آخر، ولا يتم القضاء إلا بهما، فإذا لم توجد الدعوى لم تقبل البينة، وكذلك إذا كان المدعى عليه مقرا غير منكر فلا تقبل الدعوى ولا البينة ولا يقضي القاضي بها - أي بالبينة. ومنها: إذا انتقضت طهارة المصلي بطلت صلاته، كما لو ترك منها ركنا كالركوع أو السجود عمدا، أو ترك القراءة أو القيلم مع القدرة. وكذلك لو ترك الاستقبال أو ستر العورة مع القدرة. ومنها: إذا حلف ليقتلن فلانا، فوجده ميتا - وهو لا يعلم - فلا يحنث في يمينه؛ لأن شرط الحنث إمكان فعل المحلوف عليه عادة أو عرفا، وما حلف عليه متعذر ومستحيل عقلا وعادة فلا يحنث. لكن عند أبي يوسف رحمه الله يحنث؛ لأن عنده اليمين تنعقد على محلوف عليه مستقبلا أمكن أو لم يمكن. ومنها: إن حلف ليضربن زوجته إلى سنة فماتت قبل السنة. لا يحنث في يمينه وهو على بر، فالمتعذر عقلا أو عادة لا يوجب حنثا.

القاعدة الثامنة والأربعون [فوات القبض]

القاعدة الثامنة والأربعون [فوات القبض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فوات القبض إذا طرأ بهلاك المعقود عليه قبل التسليم كان مبطلاً للعقد، فكذلك إذا اقترن بالعقد منع انعقاده (¬1). ثانياً: معنى هده القاعدة ومدلولها: من شروط صحة العقد قبض المعقود عليه - سواء في ذلك المبيع أو الثمن - إلا في عقد السلم. فإن المسلم فيه لا يشترط تسليمه أو قبضه عند العقد، وإنما شرطه التأجيل. ومفاد هذه القاعدة: أنه إذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد، وذلك يحصل بهلاك المعقود عليه سواء كان هلاكه مقترناً بالعقد أو قبل التسليم، فيبطل العقد ولا يترتب عليه أثر من آثاره. ثالثاً: من أمثلة هده القاعدة ومسائلها: العبد الآبق لا يجوز شراؤه ولا بيعه لتعذر تسليمه. ومنها: إذا باع سيارة وقبل أن يتسلمها المشتري وقع لها حادث فهلكت، فقد بطل العقد ويسترد المشتري الثمن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 131.

ومنها: إذا عقدا بينهما عقد شركة على مال لكل منهما، وقبل خلط المالَين هلك مال أحدهما، فيبطل العقد بينهما لتعذر قيام الشركة بمال أحدهما دون الآخر. ومنها: إذا عقد على امرأة عقد نكاح وقبل تمام العقد هربت الزوجة فيمتنع العقد.

القاعدة التاسعة والأربعون [إطلاق الاسم - العرف]

القاعدة التاسعة والأربعون [إطلاق الاسم - العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في إطلاق الاسم اعتبار العرف (¬1). تحت قاعدة "العادة محكَّمة". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بأثر العرف والعادة في كلام الناس وبناء الأحكام على ما يتعارفونه ويعتادونه بينهم في بلادهم ومواطنهم. فمفادها: أن العرف له حاكميَّته وأثره في دلالة ألفاظ الناس وما يتكلمون به على معانيها المتعارفة بينهم - لا على معانيها اللغوية - وبخاصة في باب الأَيْمانِ. وهي بهذا تندرج تحت قاعدة - العادة محكَّمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليركبن دابة - والمتعارف بينهم أن لفظ الدابة لا يطلق إلا على الحمار أو الفرس خاصة - فلا يحنث إلا بركوب أحدهما فقط، فلو ركب بقرة أو جملاً فلا يحنث. مع أن دلالة لفظ الدابة في اللغة على كل ما يدبّ على الأرض ويمشي عليها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1803، وعنه قواعد الفقه ص 96.

ومنها: إذا حَلَف لينحَرنَّ بَدَنةً - وهو من أهل الإبل - فلا يجزئه إلا ناقة أو جمل. وإذا كان من أهل البقر - ولا يعرف الإبل - فلا يجزئه إلا بقرة. ومنها: إذا اشترط المسلمون على المشركين أن يعطوهم الكراع مع السلاح - فالكراع اسم الخيل والبغال والحمير - فأما الإبل والبقر والغنم فليس من الكراع بل من الأنعام والماشية. والكراع ما يكون لمنفعة الركوب خاصة. وإن اشترطوا الماشية لم يدخل في ذلك الخيل والبغال والحمير.

القاعدة الخمسون [التبع]

القاعدة الخمسون [التبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في اعتبار الأصل اعتبار التَّبَع (¬1). تحت قاعدة "التابع تابع". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات. ومفادها: أننا إذا اعتبرنا الأصل واعتددنا به في شيء ما فيكون في ذلك اعتبار التابع والفرع أيضاً؛ لأن التابع لغيره في الوجود تابع له في الحكم. كما سبق بيانه (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع بقرة أو شاةً أو ناقةً حاملاً، دخل حملها في البيع تبعاً. فإذا كان العقد في الأصل صحيحاً صح في التبع أيضاً، وإذا فسد العقد في الأصل فسد في التبع كذلك. ومنها: إذا قُتِل العبد خطأ كان على قاتله الدية لحرمة قتل النفس، فنفس العبد كنفس الحر، فإذا كانت نفس الحر أصلاً فنفس ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 30. (¬2) الإفصاح جـ 2 ص 212. ينظر من قواعد حرف التاء القواعد من 11 - 16.

العبد تبع فيجب فيها ما يجب في نفس الحر من الدية - ولكن تنقص عن دية الحر عشرة دراهم - وذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه. وعند الفقهاء خلاف في الواجب بقتل العبد: هل هو الدية ناقصة عن دية الحر - كما هو رأي الحنفية. أو هو ضمان قيمته بالغة ما بلغت ولو زادت عن دية الحر؟ وهو رأي الآخرين. إلا رواية عن أحمد رحمه الله لا يبلغ به دية الحر (¬1). والسبب في الخلاف هو الاختلاف في قياس العبد على الحر أو على الدابة، وهو من القياس المسمى قياس الشّبه عند الأصوليين. ¬

_ (¬1) الإفصاح جـ 2 ص 212.

القاعدة الحادية والخمسون [البدل المفيد]

القاعدة الحادية والخمسون [البدل المفيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في الأموال، البدل المفيد عامل في الإباحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأموال: التصرفات التي يكون ضمان نتائجها المال. وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الباء وينظر القاعدتان 14، 19 منها. والمراد بالبدل المفيد: هو الإذن في الفعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص لآخر: حطِّم بابي هذا أو زجاجي وكَسِّره، ففعل، فهو غير ضامن؛ لأن الإذن يعتبر بدلاً مفيداً لإباحة الفعل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 91.

القاعدة الثانية والخمسون [تحريم مال الغير]

القاعدة الثانية والخمسون [تحريم مال الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في تحريم المأخوذ من الغير في معاوضة أو ضمان ما أتلفه أو اغتصبه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بتعويض أو ضمان ما أتلفه المتلف أو غصبه الغاصب. فهل يجوز له أخذ هذا التعويض أو الضمان ممن عَلِم أن ما يعطيه له هو مال حرام؟ فمفاد القاعدة: أن المضمون له يحرم عليه أخذ مال الضمان أو التعويض من مال علم عَدَم حِلِّه من معطيه. وضابط الباب: أنه متى كان المأخوذ معلوم التحريم عند الآخذ باكتسابه إياه من جهة محرمة في اعتقادهما فإنه لا يحل له أخذه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أتلف إنسان مال آخر - كسيارة مثلاً - ثم جاء المُتلِف بمال يريد أن يعطيه صاحب المال المتلَف، وقال له: خذ هذا مال حرام أو من حرام. كسرقة أو ربا مثلاً - فإن صدقه المضمون له ¬

_ (¬1) المجموع المذهب - قواعد العلائي لوحة 312 ب.

فلا يجوز أخذه منه. وإن لم يصدقه المضمون له جاز له أخذه، ولا يحرم عليه لعدم علمه بتحريمه. ومنها: إذا قال الغاصب خذ ضمان ما غصبته منك وهو حلال، وقال المضمون له: بل هو حرام، ولم يبيِّن وجه التحريم بطريق، فإن المضمون له يجبر على القبض أو الإبراء. ومنها: إذا علم المضمون له أن هذا المال من حرام كثمن خمر أو مسروق فلا يحل له أخذه، لكن إذا كان الضمامن ذمياً - والخمر غير محرمة عليه - فيحل للمضمون له أخذ هذا المال؛ لأن شرط التحريم أن يكون المأخوذ محرماً في اعتقادهما.

القاعدة الثالثة والخمسون [الجناية على الأموال - الخيار]

القاعدة الثالثة والخمسون [الجناية على الأموال - الخيار] اولاً: لفظ ورود القاعدة: في الجناية على الأموال يثبت الخيار للمالك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجناية على الأموال تكون بإتلافها أو استهلاكها أو اغتصابها. فمفاد القاعدة: أنه إذا وقعت جناية على مال شخص من شخص آخر، فإن المجني على ماله - وهو المالك - يثبت له الخيار في تضمين الغاصب أو المتلِف قيمة المتلف أو ضمان نقصانه إذا كانت الجناية قد أنقصته، أو مثله إن كان مثلياً، فإذا ضمَّنه قيمة المجني عليه مَلَكَهُ الجاني، وأمّا إذا ضمَّنه النقصان لم يخرج عن ملك المالك، وعلى الجاني رده لمالكه مع أرش نقصانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن خَرَق ثوب إنسان خرقاً فاحشاً، فإن مالك الثوب مخيَّر بين أن يضمِّن الفاعل قيمة الثوب صحيحاً ويملكه، أو يضمنه ما نقص من قيمته ويرده إلى صاحبه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 98.

ومنها: مَن قطع قائمة أو قوائم دابّةٍ لغيره، فإن مالك الدابة بالخيار بين أن يضمنه قيمة الدابة صحيحة ويملكها، أو يضمنه ما نقص من قيمتها، ويردها.

القاعدة الرابعة والخمسون [دعوى الملك - بينة الخارج وذي اليد]

القاعدة الرابعة والخمسون [دعوى الملك - بيِّنة الخارج وذي اليد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في دعوى الملك تترجح بَيِّنة الخارج على بينة ذي اليد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دعوى الملك: هي الدعوى التي تتعلق بالأملاك كالدور والأراضي والعقار والحيوانات وغيرها من الأموال. والمراد بالخارج: هو المدعي الذي لا يد له على المِلك المدّعى. والمراد بذي اليد: الساكن في العقار إن كان داراً أو مَن يتصرف في الأرض بالزراعة والعناية إن كان العقار أرضاً أو بستاناً، أو راكب الدابة أو من بيده المال المتنازع عليه. فمفاد القاعدة: أنه إذا تعارضت بيِّنة الخارج مع بيِّنة ذي اليد فإن بيِّنة الخارج هي الراجحة في القبول عند القضاء، والسبب في ذلك أن الخارج هو المحتاج إلى إثبات ما يدعيه على صاحبه والبيِّنة بيِّنة المثبت - والأصل أن البيِّنات للإثبات لا للنفي - وذو اليد منكر ¬

_ (¬1) المبسوط: جـ 15 ص 65، شرح السير ص 1553.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

دعوى الخارج والمنكر يلزمه اليمين لأنه نافٍ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تخاصم اثنان في دابة، وأحدهما راكبها وكلاهما يدعيها، فإن البيِّنة المقبولة الراجحة هي بيِّنة الخارج؛ لأنه هو المحتاج لإثبات ما يدعيه على خصمه، فإن لم يكن للخارج المدعي بيِّنة كان له أن يستحلف الذي في يده الدابة؛ لأن ذا اليد مستحق لها باعتبار يده ظاهراً وهو منكر دعوى خصمه. فأما إذا أقر بما ادُّعيَ عليه أُمِر بِتسليمه إليه، فإذا أنكر استحلف على ذلك. رابعاً: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا أقام الخارج البينة على النتاج في ملكه وذو اليد كذلك قدِّمت بينة ذي اليد. ومنها: إذا برهن الخارج وذو اليد على نسب صغير قدِّم ذو اليد (¬1). ¬

_ (¬1) وينظر أشباه ابن نجيم ص 247.

القاعدة الخامسة والخمسون [الذمة]

القاعدة الخامسة والخمسون [الذَّمَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في الذِّمَّة سَعَة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذمة: هي الوعاء الاعتباري لتحمل التصرفات والتبعات وتحمل المسؤوليات. وهي لغة: العهد؛ لأن نقضه يوجب الذم. وقالوا: كل حركة يلزمك من تضييعها الذم يقال لها ذمة. ومنه يقال: أهل الذمة للمعاهَدين من الكفار (¬2). ومفاد القاعدة: أنّ الذّمة تسع كل ما يتحمله الإنسان من التبعات وبخاصة المالية منها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقر إنسان مختاراً بديون عليه لغيره. لزمته الديون كلها بالغة ما بلغت؛ لأن هذا إقرار منه بالتزام في ذمته، فهو يطالب بها كلها ويؤاخذ بها، ولأن إقراره كان خالص حقه. ومنها: كل إنسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 101. (¬2) الكليَّات ص 453.

القاعدة السادسة والخمسون [المقصود في العقود]

القاعدة السادسة والخمسون [المقصود في العقود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: في العقود يعتبر المقصود وعليه ينبني الحكم (¬1). وفي لفظ: العبرة في العقود للمعنى دون الألفاظ (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات. ومفادها: أن العقود إنما يعتبر فيها مقصود العاقدين، وعلى مقصودهما المدلول عليه تنبني أحكام العقد، هذا إذا ظهر المقصود وقام عليه الدليل، وإلا فالعمل بما دل عليه اللفظ. وينظر القواعد ذوات الأرقام 96 - 97 - 98 من قواعد حرف الهمزة، والقاعدة رقم 26 من قواعد حرف العين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الهبة بشرط العوض بيع. ومنها: الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض فإذا اشترط فيها العوض كانت إجارة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 79. (¬2) نفس المصدر جـ 12 ص 201.

القاعدة السابعة والخمسون [المتعة ومهر المثل]

القاعدة السابعة والخمسون [المتعة ومهر المثل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في كل موضع وإن الواجب مهر المثل قبل الطلاق، فالواجب المتعة بعد الطلاق؛ لأن مهر المثل لا يتنصف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختص بباب النكاح. ومفادها: أنه في كل موضع يجب مهر المثل قبل الطلاق، فإنه يجب المتعة للمرأة بعد الطلاق؛ لأن مهر المثل لا يتنصف. والمراد بالمتعة: كل ما حصل الانتفاع به انتفاعا قليلاً غير باق بل ينقضي عن قريب كالثياب والفراش والستور والبسط والمرافق (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 43. (¬2) الكليات ص 804.

إذا تزوج مسلم امرأة وجعل مهرها خنزيراً أو خمراً أو شيئاً مما لا يحل، فقد فسد المهر ولها مهر مثلها، فإذا طلقها قبل المسيس وجب لها المتعة. وأدنى ما تكون المتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة. وفي حكم المتعة ووقتها ومقدارها خلاف بين الأئمة.

القاعدة الثامنة والخمسون [التهمة - الشهادة]

القاعدة الثامنة والخمسون [التهمة - الشهادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في كل موضع لا تتحقق التهمة تكون الشهادة مقبولة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختص بباب الشهادة، ومتى تكون مقبولة ومتى تكون مردودة. ومفادها: أن الشهادة تكون مقبولة في كل موضع لا يتهم فيه الشاهد. فأما إذا وجدت التهمة فلا تقبل الشهادة. والمراد بالتهمة هنا: اعتبار أن هذه الشهادة تجر للشاهد بها منفعة أو مغنما يعود عليه، ففي كل موضع توجد فيه هذه التهمة وتتحقق فالشهادة مردودة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهادة الابن لأبيه غير مقبولة لوجود التهمة بالمنفعة التي تعود على الابن في شهادته لأبيه، أو كان الأب مدعيا بشهادته. ومنها: إذا قال الأب لعبده: إن كلمك فلان فأنت حر. وشهد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 35.

ابنان له أن فلانا كلم العبد وجحد الأب الكلام، فإن شهادة الابنين مقبولة لانتفاء التهمة. ومنها: إذا شهد شاهد على فعل تولاه لنفسه أو غيره مما يكون فيه خصما ومما لا يكون خصما فشهادته ساقطة بالاتفاق، كما لو زوج الأب ابنته فأنكرت الرضا، فشهد عليها أبوها وأخوها بالرضا، لم تقبل الشهادة؛ لأن الأب يريد تتميم ما باشره. ومنها: إذا تزوج امرأة بغير شهود أو بشاهد واحد، ثم أشهد بعد ذلك لم يجز النكاح؛ لأن الشرط هو الإشهاد على العقد ولم يوجد، وإنما وجد الإشهاد على الإقرار بالعقد الفاسد، والإقرار بالعقد الفاسد ليس بعقد، وبالإشهاد عليه لا ينقلب الفاسد صحيحا.

القاعدة التاسعة والخمسون [وجوب الأصل - التقدير]

القاعدة التاسعة والخمسون [وجوب الأصل - التقدير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في كل موضع لم يجب الأصل بالعقد لا تثبت المطالبة بالتقدير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق أصلاً بما يجب للمرأة من المهر، ولكنها عامة في كل عقد لم يجب فيه أصل الثمن أو البدل. فمفادها: أنه إذا لم يجب الأصل بالعقد فإنه لا تثبت المطالبة بتقدير قيمة الأصل؛ لأن الأصل غير موجود حيث لم ينص عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المفوضة - وهي المرأة التي تزوجت بدون مهر - لها مهر مثلها. وتقدير مهر المثل هنا لأن المهر فرض وجب بأصل العقد شرعاً. وفي هذه المسألة خلاف الشافعي رحمه الله حيث لا يرى للمفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول مهرا، على فرض عدم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 62.

صحة حديث المفوضة (¬1)، وقد صح الحديث فيجب المهر عند الجميع (¬2). ومنها: إذا وهب جارية لغيره، فلا يجوز أن يقدر لها ثمنا بعد ذلك؛ لأن الثمن إنما يجب بأصل العقد، والهبة لا مقابل لها بأصل العقد. ¬

_ (¬1) حديث المفوضة - وهي بروع بنت واشق - أخرجه أحمد في المسند جـ 4 ص 279 - 280، كما أخرجه أبو داود في كتاب النكاح حديث 2115، وأخرجه الدارمي في السنن جـ 2 ص 155، والترمذي جـ 3 ص 450 حديث 1145، والنسائي جـ 6 ص 121، وابن ماجه حديث 1891. وقال الترمذي حديث حسن صحيح. (¬2) روضة الطالبين جـ 5 ص 604 فما بعدها.

القاعدة الستون [الاستدامة]

القاعدة الستون [الاستدامة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: فيما يستدام الاستدامة كالإنشاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات ينظر قواعد حرف الهمزة تحت الرقم 216. ومفادها: أن الفعل الذي يدوم ويستمر ويمتد فاستدامته وامتداده واستمراره يعتبر كابتدائه وإنشائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يسكن هذه الدار - وهو ساكن فيها - وبقي فيها بدون أن يعمل ما يدل على عزمه الخروج من إخراج متاعه وأهله، فإنه يحنث في يمينه، وإن كان طلاقا وقع طلاقه. وأما إن أخذ في إخراج متاعه وأهله - ولو طال وقته لكثرة المتاع - فلا يحنث. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 129، 1510 وعنه قواعد الفقه ص 96 واللفظ له.

القاعدة الحادية والستون [المنصوص]

القاعدة الحادية والستون [المنصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: في المنصوص عليه يعتبر عين النص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنصوص عليه: هو ما ورد في حكمه نص عن الله عزّ وجلّ أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم. فالمراد بالنص: لفظ القرآن الكريم أو الحديث الشريف. فمفاد القاعدة: أنه عند إرادة الحكم يعتبر لفظ النص ودلالته، ولا تعتبر عِلَّته؛ لأن العلة والسبب إنما يعتبران في غير المنصِوص عند إرادة قياسه على المنصوص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل شخص آخر بعمود حديد أو طبق من حديد، فيجب القصاص من القاتل؛ لأن الحديد في كونه آلة القتل منصوصٌ عليه. ومنها: إذا نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمة الربا في الأصناف الستة، فإن الحكم فيها إنما ينبني على النص ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 123.

عليها، ولا ينظر للعلة فيها، فنقول: إنما حُرِّم الربا في الذهب والفضة وباقي الأصناف الستة لنص الرسول صلى الله عليه وسلم عليه. ولكن إذا أردنا بيان حكم غيرها فهنا ينظر للمعني المبني عليه تحريم الربا، فإذا أردنا معرفة حكم النحاس مثلاً أو الأرز فيمكن أن يقاس النحاس على الذهب والفضة بعلة الوزن. والأرز على القمح بعلة الكيل أو الطعم أو غير ذلك من العلل التي قال بها الفقهاء.

حرف القاف

ثانياً قواعد حرف القاف عدد قواعده 86 ست وثمانون قاعدة

القاعدة الأولى [اليقين - الظن]

القاعدة الأولى [اليقين - الظن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القادر على اليقين هل له الاجتهاد والأخذ بالظن (¬1)؟ وفي لفظ: القادر على اليقين هل يأخذ بالظن (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في هذه القاعدة هو أن الصحابي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هل له الاجتهاد؟ وهو قادر على معرفة اليقين من النبي صلى الله عليه وسلم؟ خلاف أصولي. اليقين: من يَقِن الماء في الحوض إذا استقر ودام. ويقن الأمر إذا ثبت ووضح. واليقين في الاصطلاح: هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع. وقيل: اليقين عبارة عن العلم المستقر في القلب لثبوته عن سبب متعين له بحيث لا يقبل الانهدام (¬3). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 184. (¬2) قواعد العلائي لوحة 257 ب، قواعد الحصني جـ 3 ص 334. (¬3) الكليات ص 979.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وقيل: هو العلم الحاصل عن نظر واستدلال، ولذلك لا يسمّى علم الله يقيناً (¬1). واليقين أبلغ علم وأوكده، لا يكون معه مجال عناد ولا احتمال زوال (¬2). والاجتهاد: افتعال من الجهد. وهو بذل الوسع في البحث. والظن: خلاف اليقين وهو إدراك أمرين أحدهما أرجح من الآخر. أو هو إدراك الجانب الراجح مع عدم إهمال مقابله. ومفاد القاعدة: أن مَن قدِر على علم مقطوع به مطابق للواقع فهل يجوز له أن يتركه ويجتهد ويأخذ بظنه واستدلاله الذي يحتمل الخطأ والصواب؟ خلاف في المسألة والترجيح مختلف في فروعها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شخص يريد الطهارة ومعه إناءان فيهما ماء، أحدهما نجس - وهو قادر على يقين الطهارة بأن كان على البحر أو على بركة ماء أو نهر، ويمكنه أيضاً أن يخلط الماءَين وهما قلَّتان فأكثر، فهل يأخذ باليقين وجوباً أو له الاجتهاد فيهما؟ قال السيوطي: الأصح أن ¬

_ (¬1) المصباح المنير مادة "اليقين". (¬2) الكليات ص 980.

له الاجتهاد. وأقول: والعلم عند الله تعالى: إنه إذا كان قادراً على يقين الطهارة فليس له الاجتهاد؛ لأن الاجتهاد يخطئ فيتوضأ بالنجس. ومنها: لو كان عنده ثوبان أحدهما نجس وهو قادر على طاهر بيقين. ومنها: إذا وجد المجتهد نصاً فليس له الاجتهاد بخلافه قطعاً. ومنها: إذا تيقن القبلة فليس له الاجتهاد فيها.

القاعدتان الثانية والثالثة [القضاء في المجتهدات]

القاعدتان الثانية والثالثة [القضاء في المجتهدات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القاضي إذا قضى في مجتهد فيه نفذ قضاؤه (¬1). وفي لفظ: قضاء القاضي في المجتهدات نافذ بالاتفاق (¬2). وفي لفظ: قضاء القاضي في المجتهدات يكون نافذاً لا يرد (¬3). وفي لفظ: قضاء القاضي في المجتهدات ينفذ إذا صدر عن اجتهاد لا عن تلبيس واشتباه (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القضاء إما أن يكون بأمر منصوص عليه فلا يجوز الاجتهاد فيه ولا ينفذ القضاء بخلافه. وإما أن يكون بأمر مجتهد فيه غير ¬

_ (¬1) شرح السير ص 792 وعنه قواعد الفقه ص 97، وأشباه ابن نجيم ص 232، الفوائد الزينية الفائدة 140. (¬2) شرح السير ص 182، المبسوط جـ 24 ص 184. (¬3) شرح السير ص 182. (¬4) المبسوط جـ 10 ص 135، جـ 16 ص 97، وينظر معين الحكام ص 30 - 31، وأدب القضاء ص 169.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

منصوص عليه وهو موضوع هذه القواعد. ومفادها: أن القاضي إذا قضى في أمر غير منصوص عليه واجتهد في حكمه وقضائه فإن قضاءَه نافذ، ولا يجوز لغيره نقضه ما لم يخالف نصاً صريحاً أو يظهر بطلانه بدليل؛ لأن المجتهدات إذا كان كل قاض ينقض ما اجتهد فيه سلفه لم يثبت قضاء، ولم يطمئن الناس إلى حكم قاض لاحتمال أن ينقضه غيره. ولذلك قالوا: إن الدعوى إذا فصِّلت على الوجه الشرعي أنها لا تنقض ولا تعاد. ولكن يشترط في القضاء النافذ أن يكون صادراً عن اجتهاد صحيح لا عن تلبيس أو تحايل أو اشتباه فإنه لا ينفذ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قضى على الغائب بالبيِّنَة ينفذ قضاؤه؛ لأنه فصل مجتهد فيه. ومنها: إذا نفل القائد من الغنيمة بعد الإصابة قبل القسمة مجاهداً له جزاء وغناء على وجه الاجتهاد والنظر منه فإن اجتهاده نافذ ولا يجوز لوال آخر أو قائد آخر لا يرى التنفيل بعد الإصابة أن ينقضه. ومنها: لو أن أهل البغي غلبوا على مدينة واستعملوا عليها قاضياً فقضى بأشياء، ثم ظهر أهل العدل على تلك المدينة فرفعت

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة ويرد فيها القضاء

قضاياه إلى قاضي أهل العدل فإنه ينفذ منها ما كان عدلاً؛ لأنه لو نقضها لاحتاج إلى إعادة مثلها. وكذلك إذا قضى بما رآه بعض الفقهاء. ومنها: لو أن قاضياً حجر على فاسد يستحق الحجر، وأبطل بيوعه وأشريته، ثم رفع الأمر إلى قاض آخر فأطلق عنه الحجر، وأجاز ما كان أبطله، ثم رفع إلى قاض آخر يرى الحجر أو لا يراه فإنه ينبغي له أن يجيز قضاء الأول بإبطال ما أبطل من بيوعه وأشريته، ويبطل قضاء الثاني فيما أبطله من قضاء الأول؛ لأن قِضاء الأول حصل في موضع الاجتهاد فنفذ ذلك وكان قضاءً تاماً. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة ويرد فيها القضاء: إذا شهد محدودان في قذف ولم يعلم القاضي حتى قضى بشهادتهما، ثم علم بذلك فإنه يرد القضاء ويأخذ المال من المقضي له؛ لظهور خطأ في قضائه، وكذلك إذا ظهر أنهما عبدان أو كافران. ومنها: إذا حكم حاكم بصحة نكاح المتعة، يرد ولا ينفذ. ومنها: إذا حكم بسقوط المهر بالتقادم، لا ينفذ. ومنها: إذا حكم بعدم صحة الرجعة بدون رضاها، لا ينفذ. ومنها: إذا حكم ببطلان عفو المرأة عن القصاص، لا ينفذ. ومنها: إذا حكم بعدم صحة تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها. لا ينفذ كذلك.

القاعدة الرابعة [خطأ القاضي]

القاعدة الرابعة [خطأ القاضي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القاضي لا تلحقه العهدة بالخطأ في القضاء إذا لم يكن متعمداً (¬1). وفي لفظ: إذا أخطأ القاضي كان خطؤه على المقضي له وإن تعمَّد كان عليه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الخاء تحت الرقم 19. العهدة: هي الضمان والغرامة. فمفاد القاعدة: أن القاضي إذا أخطأ في حكمه - بعد اجتهاد صحيح - وترتب على حكمه هذا ضرر على المحكوم عليه - من مال أو دم - ثم تبين الصواب بعد ذلك، فإن القاضي لا ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 491 عن التحرير جـ 5 ص 99. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 223، وينظر الفتاوى البزازية جـ 5 ص 159 على هامش الهندية.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يضمن الضرر المترتب على خطئه غير المتعمد، وإنما تكون العهدة على بيت المال أو على المقضي له. لكن إذا كان القاضي متعمداً الخطأ فعليه ضمانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم قاضٍ على متهم بالسرقة بقطع يده، ثم تبين أنه غير السارق، وكان الحكم بخطأ من القاضي - لا بشهادة الزور مثلاً - فإن بيت المال يتحمل دية اليد المقطوعة، وليس على القاضي شيء من ذلك. ومنها: إذا قضى القاضي على إنسان بمال لآخر بشهادة شاهدين ثم تبين كذب البينة فإن على المقضي له أن يرد المال على صاحبه.

القاعدة الخامسة [قضاء القاضي لنفسه]

القاعدة الخامسة [قضاء القاضي لنفسه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القاضي لا يملك أن يقضي لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاضي إنما نُصب لفصل الخصومات بين الناس، ولكن إذا نازع القاضيَ غيرُه، فإن هذه الدعوى يجب أن تكون عند قاض آخر؛ لأنه لا يجوز أن يقضي القاضي لنفسه في قضية نازعه فيها غيره. وكذلك ليس له أن يقضي لابنه أو أبيه أو أي شخص آخر لا تقبل شهادته له؛ لوجود التهمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الأمير: مَن قتل قتيلاً فله سَلَبُه. ثم إن الأمير نفسه قتل قتيلاً، فلا يستحق السلب في القياس؛ لأنه أوجب لغيره ولم يوجبه لنفسه كالقاضي لا يملك أن يقضي لنفسه. وفي الاستحسان يستحق كما يستحق غيره؛ لأنه وجب النفل للجيش بما قاله، وهو رجل منهم فيستحق كما يستحق غيره. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 663 وعنه قواعد الفقه ص 97. وأشباه ابن نجيم ص 227.

رابعا: مما استثني من مسائل هده القاعدة

ومنها: إذا كان على قاضٍ دين لشخص آخر، فأراد القاضي المدين أن يثبت للدائن الغائب وكيلاً ليدفع إليه الدين، فلا يجوز لهذا القاضي القضاء بإثبات تلك الوكالة. سواء كان قبل الدفع للوكيل أم بعده. رابعاً: مما استثني من مسائل هده القاعدة: إذا كان للقاضي غريم ميت فأثبت أن فلاناً وصيُّه وأراد أن يدفع إليه الدين فذلك جائز وصحيح، وإذا دفع إليه الدين برئ إذا كان الدفع بعد القضاء لا قبله (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 227.

القاعدة السادسة [الظاهر متبع]

القاعدة السادسة [الظّاهر متّبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القاضي مأمور باتباع الظاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القضاء إنما يتعلق بالأمور الظاهرة لا الباطنة، والأحكام الشرعية إنما تجري على ما يظهر من أفعال العباد ولا تحكم على بواطنهم إذا لم يظهر ما يدل عليها. ومفاد القاعدة: أن القاضي مأمور شرعاً باتباع الظاهر في أحكامه، وليس له أن يحكم على البواطن بدون دليل ظاهر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عَرَف وصي وجوب دين على الميت فقضاه بعلمه به من التركة، فإذا علم به القاضي ضمَّنه ما قضى، إلا إذا كان لصاحب الدين بيِّنة على حقه. ومنها: إذا دفع وصي مال يتيم لمن يضارب به، فإن كان فيه ربح فهو كله لليتيم. ولا يصدَّق الوصي أنه شريك في الربح؛ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 187.

لأنه شريك في رأس المال، إلا أن يُشهد على ما صنع من ذلك قبل أن يعمل به. ومنها: إذا شهد الشهود بأن هذا سارق. فإن القاضي يحكم بشهادتهم بعد تزكيتهم لأن الظاهر صدقهم، وإذا ثبت كذبهم بعد ذلك فهو غير آثم وغير ضامن كما سبق بيانه.

القاعدة السابعة [القاضي والنظر للعاجز]

القاعدة السابعة [القاضي والنظر للعاجز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القاضي مأمور بالنطر لكل مَن عجز عن النظر لنفسه (¬1). "أو نُصِبَ ناظراً". ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاضي ولي مَن لا ولي له. وبناء على ذلك فإن القاضي مأمور شرعاً بالنظر والرعاية لكل من عجز عن النظر لنفسه، لصغر أو أنوثة أو عته أو سفه أو جنون ولا ولي له، أو كان العجز لغياب الولي. والمراد بالنظر هنا: العمل بما فيه المنفعة والمصلحة للعاجز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وُجد يتيم لا ولي له، فإن القاضي يكون ولياً له، أو ينصب له وصياً يتولى أمره وأمر أمواله. ومنها: إذا غاب زوج المرأة - وله مال حاضر - فطلبت المرأة النفقة فإن القاضي يفرض لها النفقة في ذلك المال - إذا كان ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 197، والقواعد والضوابط ص 491 عن التحرير 5/ 582.

يعلم بالنكاح بينهما - ولكن يحلفها أن زوجها لم يعطها النفقة، لجواز أن يكون أعطاها النفقة قبل أن يغيب وهي تُلَبّس على القاضي. فإذا حلفت وأعطاها أخذ منها كفيلاً لجواز أن يحضر الزوج فيقيم البيِّنة أنه أعطاها. وهذا من القاضي نظر للغائب.

القاعدة الثامنة [التعاطي]

القاعدة الثامنة [التعاطي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قبض أحد البدلين كاف في انعقاد العقد بالتعاطي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عقد البيع يقتضي وجود بدلين - إما الثمن والمبيع - وإما بدلان عينيان كثوب وشاة، وينعقد العقد بمعرفة البدلين وتسليم أحدهما. وعقد البيع له صورتان: الصورة الأولى: البيع المعروف المتداول بأن يكون الثمن من المشتري والسلعة من البائع - وهو الأصل في عقد البيع. والصورة الثانية: أن يكون بسلعتين من المتعاقدين وهو المسمى ببيع التعاطي، حيث لا ثمن لإحدى السلعتين إلا مقابلتها. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 51 عن الفتاوى الخانية جـ 2 ص 127 كتاب البيع وص 223 مسائل الإقالة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنه إذا قبض أحد المتعاقدين السلعة من صاحبه برضاه فإن ذلك كاف في انعقاد عقد البيع بالتعاطي، وعلى الآخر أن يسلم سلعته لصاحبه في مجلس العقد لأن "الأعيان لا تقبل التأجيل" كما سبق بيانه (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دفع ثوباً مقابل شاة فتسلم صاحب الشاة الثوب فإن العقد يعتبر منعقداً بينهما، وعلى صاحب الشاة تسليم الشاة لصاحب الثوب. ¬

_ (¬1) ينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة 520.

القاعدة التاسعة [القبض]

القاعدة التاسعة [القبض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القبض إنما يعتبر في انتقال الملك لا في دعوى الملك القديم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القبض هو تسلم الشيء المحكوم به للمدعي. والقبض هو دليل على قيام الملك في المقبوض. ومفاد القاعدة: أن قبض الشيء المتنازع عليه يعتبر دليلاً على انتقال ملكية الشيء عن المحكوم عليه إلى المحكوم له. ولكنه - أي القبض - لا يعتبر دليلاً على دعوى ملكية قديمة للمتنازع عليه لاحتمال قبضه بسبب غير شرعي. وشرط القبض الصحيح الدال على انتقال الملك الرضا والاختيار من المنقول عنه إلى المنقول إليه، أو الحكم النافذ بذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 73 أ.

ابتاع سيارة بثمن وقبضها بإذن البائع، فيعتبر قبضها وتسلمها دليلاً على انتقال ملكيتها إلى المشتري، وثبوت ثمنها للبائع في ذمة المشتري إذا لم يشترط قبض الثمن حالاً. ومنها: إذا ادعى على شخص داراً - وهي بيد ذلك الشخص - فلا يعتبر وضع يد المدعى عليه دليلاً على ملكية الدار. فإذا أقلم المدعي البيِّنة على ملكية الدار ثبت حقه في الدار، ويلزم المدعى عليه - واضع اليد - على تخليتها وتسليمها للمدعي. ولا يعتبر وضع يده عليها دليلاً على انتقال ملكيتها له.

القاعدة العاشرة [القبض - الظاهر]

القاعدة العاشرة [القبض - الظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القبض حجة لدفع الاستحقاق - إذا زاحمه غيره فيما هو في يده - ولا يكون حجة لإثبات الاستحقاق؛ لأن القبض ظاهر، والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لإثباته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: وضع اليد على الشيء وقبضه وتسلّمه يكون حجة ودليلاً لدفع غيره - ممن يدعي استحقاقه - عما في يده، ولكنه في نفس الوقت ليس حجة لإثبات استحقاقه لما ليس في يده؛ لاحتمال أن يكون غاصباً أو سارقاً أو مشترياً من سارق أو غاصب. ولذلك - كما سبق في قاعدة قريباً - فإن بينة الخارج - عند المعارضة - ترجح على بيِّنة ذي اليد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 179.

إنسان يركب سيارة أو دابة أو يلبس ثوباً، فهذا الفعل منه دليل ظاهر على أنه يملك ما تحت يده. وبه يدفع من يدعي استحقاقه. لكن إن أقام المدعي البيِّنة على الملكية نزع من يد القابض وسلِّم للمدعي. وإن لم يقم المدعي البيِّنة فإن واضع اليد - المنكر استحقاق غيره - عليه اليمين. ومنها: إذا كانت في داران متلاصقتين فبيعتا، وطالب كل مشتر لإحداهما الشفعة في الأخرى - وكان أحد المشتريين قد قبض الدار والآخر لم يقبض فإن قبض القابض يصلح حجة لإبطال دعوى خصمه الشفعة فيما لم تقبض. ولكن لا يصلح قبضه أن يكون حجة لإثبات استحقاقه الشفعة في الدار الأخرى، فتجعل الداران كأنهما بيعتا معاً فلا شفعة لإحداهما في الأخرى. ولكن لو وقَّت أحدهما زمن شرائه ولم يوقت الآخر كانت الشفعة لمن وقَّت، أو لمن وقَّت تاريخاً أبعد إذا كانا قد وقّتا جميعاً. وهذا عند من يجوز الشفعة للجار الملاصق.

القاعدة الحادية عشرة [صفة القبض]

القاعدة الحادية عشرة [صفة القبض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قبض كل شيء بحسبه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأشياء تختلف بطبيعتها، ولذلك يختلف نوع القبض فيها - كما يختلف نوع حرز كل منها. فقبض الدابة غير قبض الثوب، غير قبض الدار، غير قبض الطير، وهكذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى داراً فأخلاها له البائع وسلمه مفتاحها، كان هذا قبضاً لها، وإن لم يسكنها. ومنها: اشترى ثوباً فلبسه أو وضعه في متاعه، كان قبضاً له. ومنها: اشترى طائراً فجعله في قفص وسار به، أو أَخَذه بيده ومشى به كان هذا قبضاً له. ومنها: اشترى رجل ثمر بستان من النخل أو الفاكهة، فهل يجوز له بيع الثمرة في شجرها؟ قال ابن قدامة رحمه الله: يجوز ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 101، 125.

ذلك مستدلاً بفعل بعض الصحابة رضوان الله عليهم، والحجة أن المشتري له التصرف في الثمرة، فكان له بيعها كما لو قطعها. وهو قَبَض الثمرة عند الشراء بتخلية البائع له البستان والثمرة، وقد وجدت التخلية. والتخلية تسليم. والتخلية بين المشتري والمبيع قبض (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر قواعد حرف التاء رقم 70.

القاعدتان الثانية عشرة والثالثة عشرة [القبض مقرر ومؤكد]

القاعدتان الثانية عشرة والثالثة عشرة [القبض مقرر ومؤكد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القبض مقرر للملك (¬1). وفي لفظ: القبض يقرر الثمن (¬2). وفي لفظ: القبض يؤكد الملك الثابت بالعقد (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القواعد تفيد أمرين: أولهما: أن المتعاقد إذا قبض المعقود عليه تقرر وتأكد ملكه فيه - إذا أصبح مالكاً له -؛ لأن بالقبض تم الملك وتأكد بعد العقد الصحيح. وثانيهما: أنه إذا تقرر الملك الثابت بالعقد في المقبوض فإن الثمن أيضاً يتأكد ويتقرر للبائع، فعلى المشتري أداؤه؛ لأنه لا يجوز أن يجتمع البدلان في ملك شخص واحد في وقت واحد. فإذا قبض المشتري السلعة تقرر الثمن وتأكد للبائع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 65. (¬2) نفس المصدر جـ 21 ص 82. (¬3) نفس المصدر جـ 5 ص 42.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تعاقد شخصان على بيع سيارة أحدهما للآخر وتم العقد وقبض المشتري السيارة فقد تم ملكه لها وعليه أداء الثمن المتفق عليه حالاًّ أو بحسب الشرط؛ لأن الثمن قد تقرر للبائع. ومنها: إذا أصدق الزوجة عبداً عنده ومرّ يوم الفطر، فإن كان لم يسلمها العبد فعليه صدقة الفطر، وأما إذا قبضته قبل يوم الفطر فعليها صدقته. ومنها: إذا أصدق زوجته عشرة آلاف وقبضتها، ثم وهبت له نصفها خمسة آلاف، ثم طلقها قبل الدخول فإن الزوج يرجع عليها بألفين وخمسمائة - نصف النصف -؛ لأنه بقبضها تعيّن ملكها فيه، وما وهبته للزوج لا يوجب عليها الضمان. ومنها: إذا تزوجها على مهر، وقبضت منه نصفه، ثم طلقها قبل الدخول فلا يرجع عليها بشيء، وكذلك لو قبضت النصف ووهبت له النصف الآخر.

القاعدة الرابعة عشرة [قبلة المتحري]

القاعدة الرابعة عشرة [قبلة المتحري] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قبلة المتحري جهة قصده (¬1). من قول علي رضي الله عنه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذا ضابط يتعلق بالقبلة عند الاشتباه. إذا اشتبهت القبلة وتحرى المصلي جهتها فالجهة التي يغلب على المتحري أنها جهة القبلة يجب عليه التوجه إليها؛ لأن القبلة جهة واحدة. حتى لو تبين أنه أخطأ فصلاته صحيحة. ولكن إذا تعمد أن يصلي لجهة أخرى غير التي توصل إليها باجتهاده وتحرَّيه فصلاته باطلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلى المريض إلى غير القبلة متعمداً - وهو قادر على التوجه إليها - فصلاته باطلة. وأما إذا تحرّى واجتهد إلى جهة وصلى إليها ثم تبين أنه أخطأ القبلة فصلاته صحيحة جائزة؛ لأن قبلة المتحري جهة قصده. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 215.

ومنها: إذا تحرى جماعة جهه القبلة عند الاشتباه واختلفوا، فلا يجوز لأحد منهم أن يأتمَّ بالآخر؛ لأنه يعتقد فساد صلاة إمامه - لاختلاف جهة تحريه. ولكن إذا كانوا في ظلمة أو مغارة وتحرّوا جهة القبلة وصلوا جماعة، وكل واحد توجه للجهة التي غلب عليها اجتهاده فصلاتهم صحيحة، وجازت صلاة الكل؛ لأن المؤتم هنا لا يعلم أنه خالف إمامه في جهته. بخلاف المسألة السابقة.

القاعدة الخامسة عشرة [قبول البينة]

القاعدة الخامسة عشرة [قبول البيِّنة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قبول البيِّنة ينبني على دعوى صحيحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيِّنة: من البيان وهو الوضوح. وهي صفة لموصوف محذوف تقديره الدلالة الواضحة، أو العلامة البيِّنة. فإذا قيل: له على ذلك بيِّنة أي: علامة واضحة على صدقه وهي الشهود ونحوها من البيِّنات (¬2). فمفاد القاعدة: أنه لا تقبل شهادة الشهود عند القضاء إلا بناء على دعوى صحيحة من المدعي، مستوفية لشروط صحتها من معلومية المدَّعِي والمدَّعَى عليه والمدَّعى به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أقام دعوى على شخص مجهول أنه سرق له مالاً أو ماشية، وأقام البيِّنة على السرقة، فهذه دعوى غير صحيحة، والشهادة غير مقبولة؛ لأن المدعى عليه مجهول. وقد سبق بيان متى تقبل الدعوى. في قواعد حرف الدال تحت الأرقام 13، 15. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 114، 139، 150. (¬2) المطلع ص 403.

القاعدة السادسة عشرة [القتال المشروع]

القاعدة السادسة عشرة [القتال المشروع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القتال أو القتل المأمور به لا يكون موجباً دية ولا كفَّارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القتل في الإسلام إما يوجب القصاص وهو القتل العمد العدوان، وإما يوجب الدية والكفارة وهو القتل الخطأ. ومفاد هذه القاعدة: أن هناك نوعاً من القتال أو القتل لا يوجب دية ولا كفارة وهو القتل أو القتال المشروع والمأمور به من الشارع. فمن قاتل أو قَتل بأمر شرعي فإن القاتل أو المقاتل لا يجب عليه ديّة ولا كفارة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المقتول قصاصاً لا يجب على قاتله - الولي أو غيره - دية ولا كفارة؛ لأنه قتل بحق ومشروع. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1554.

ومنها: إذا تترس الكفار بأسرى من المسلمين من الرجال أو النساء أو الأطفال وكان لا يمكن صد العدو إلا بالرمي الذي قد يصيب الأسرى، فإن المقاتل المسلم مأمور بالرمي وإن أصاب المسلمين، ولكن ينوي برميه الكفار. ففي هذه الحال لا يجب دية ولا كفارة على المقاتلين - وهذا عند الأكثرين - ولكن عند الحسن بن زياد اللؤلؤي - من تلاميذ أبي حنيفة - أنه يجب الدية والكفارة, لأن الضرورة تقدر بقدرها؛ ولأن دم المسلم معصوم، وتقدر الضرورة بقدرها في رفع المؤاخذة لا في نفي الضمان. ومنها: مَن قتل صائلاً عليه ظالماً له لم يمكن دفعه بغير القتل فلا دية عليه ولا كفارة, لأنه قَتَل بحق مشروع وهو حق الدفاع عن النفس.

القاعدة السابعة عشرة [القتل العمد]

القاعدة السابعة عشرة [القتل العمد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القتل العمد موجب للدية كالخطأ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه مسألة من المسائل التي وقع فيها الخلاف وهي: هل الواجب بالقتل العمد شيء معين، أو هو أحد شيئين لا بعينه؟ فعند أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى: الواجب فيه القود - أي القصاص - عيناً. وفي رواية عند مالك: التخيير بين القوْد والدّيّة. وعند الشافعي رحمه الله قولان: أحدهما: الواجب أحدهما لا بعينه. والثاني: أن القصاص هو الواجب عيناً، وله العدول إلى الدية من غير رضا الجاني. وعند أحمد رحمه الله روايتان كالمذهبين (¬2). فمفاد هذه القاعدة: هو أحد قولي الشافعي رحمه الله وهو وجوب الدية كوجوب القصاص. وعند الحنفية - كما رأينا - ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 52. (¬2) الإفصاح جـ 2 ص 194.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وجوب القصاص عيناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قُتِل شخص عمداً عدواناً - فبناء على الخلاف السابق - فإن ولي المقتول يطالب بالقصاص لأنه الواجب، لكن هل له أن يطالب بالدية اختياراً؟ بمعنى هل يخيَّر بين القصاص والدّيّة؟ عند الشافعي والرواية الأخرى عند مالك وأحمد أنه يجوز له أن يتخيَّر؛ لأن الواجب أحدهما لا بعينه. وأما على القول الأول: فليس له إلا المطالبة بالقصاص، ولا ينتقل عنه إلا إذا عفا عن القصاص فيستحق الدية سواء رضي الجاني أو لم يرض. على خلاف في المسألة. ولكن إذا عفا ولي المقتول عفواً مطلقاً فهل يستحق الدية؟ على القول بوجوب القصاص عيناً سقطت الدية. ولكن عند من يقول: إن الواجب أحد شيئين فتثبت الدية.

القاعدة الثامنة عشرة [الإنذار عذر]

القاعدة الثامنة عشرة [الإنذار عذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قد أعذر من أنذر (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مثل سائر مشهور ذكره أبو هلال العسكري (¬2) رحمه الله في جمهرة الأمثال (¬3) بلفظ: أعذر مَن أنذر. والعُذر: هو الحجة التي يعتذر بها. ويقال: أعذر الرجل: إذا بلغ أقصى العذر (¬4). والعُذْر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه (¬5). وأنذر: من النذارة - وهي التخويف والإعلام بما سيكون من سوء العاقبة (¬6). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 169 وقد ذكره الشارح حديثاً ولم أجده. (¬2) أبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل عالم بالأدب، نسبته إلى عسكر مُكرم من كور الأهواز له كتب في اللغة والأدب والشعر والتفسير توفي بعد سنة 395 هـ. الأعلام مختصراً جـ 2 ص 196. (¬3) جـ 1 ص 162. (¬4) لسان العرب مادة عذر. (¬5) الكليات ص 644. (¬6) المصباح مادة (نذرت).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة المثل: أن من خَوَّف وأعلم بما سيكون قبل الفعل فقد أقام العذر فلا يلام على الفعل بعد ذلك. ودليل هذه القاعدة قوله تعالى: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)} (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أساء إليك إنسان إساءَة بالغة ثم حذرته من مغبتها وأمثالها، فلم يرتدع فأنت توقع العقوبة المستحقة ولا تُلام؛ لأنك أنذرته قبل ذلك، وأقمت العذر لما فعلت به. ومنها: إذا نادى القائد العام في جنده وعبّأَهم أن يكون القائد فلان وجنده في الناحية اليمنى، والقائد فلان وجنده في الناحية اليسرى، أو أن يخرج فلان للمقدمة. فيجب عليهم الطاعة، فإذا عصى أحدهم فعلى الأمير إنذاره والجميع عاقبة العصيان، ولا يعاقبه لأول مرة - إلا إذا ترتب على عصيانه المتعمد ضرر شديد - فإن عصى مرة ثانية هو أو غيره - عاقبهُ بما يستحق. ¬

_ (¬1) الآية 28 من سورة ق.

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون [القدرة على الأصل]

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون [القدرة على الأصل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالخَلَف - أو بالبدل - تسقط اعتبار الخَلف أو البدل (¬1). وفي لفظ: قيام الأصل يمنع ظهور الخلف (¬2). وفي لفظ: القدرة على الأصل تمنع اعتبار البدل (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: البَدَل أو الخَلف أو العِوض عن أصل لا يعتبر إلا عند فقدان الأصل أو تعذره. فمفاد هاتين القاعدتين: أنه إذا عُدِم الأصل أو تعذر واضطر إلى اللجوء إلى البدل أو الخلف ولكن قبل استعمال البدل وتمام المقصود وُجد الأصل وقُدِر عليه فإنه يسقط حكم البدل ولا يجوز استعماله ويجب استعمال الأصل واعتباره. وينظر من قواعد ¬

_ (¬1) شرح السير ص 557 وعنه قواعد الفقه ص 97. المبسوط جـ 4 ص 181 وجـ 13 ص 148. (¬2) المبسوط جـ 29 ص 137. (¬3) المبسوط جـ 6 ص 27.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

حرف الحاء القاعدتان 66، 67. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تيمم لعدم وجود الماء أو عدم القدرة على استعماله - لبرد أو مشقة - ثم وجده قبل أن يدخل في صلاته وقدر على استعماله بطل تيممه ولا يجوز له الصلاة به باتفاق. لكن إذا دخل في الصلاة وقبل تمامها وُجِد الماء وقدر على استعماله ففي المسألة خلاف، فبحسب مفهوم القاعدتين بطل تيممه فعليه الوضوء واستئناف الصلاة. ومنها: استبراء الأمة التي لا تحيض عشرون يوماً، فإذا حاضت قبل تمام العشرين فيعتبر الاستبراء بالحيضة لأنها الأصل، ولا اعتداد بما سبق من الأيام لأنها بدل وقد قدر على الأصل. ومنها: إذا حاضت المرأة المطلقة حيضة ثم أيست وانقطع حيضها فتعتد بثلاثة أشهر كوامل ولا يعتد بالحيضة؛ لأنه لا يكمل الأصل بالبدل. منها: إذا وجب عليه دم تمتع أو قران فلم يجده فصام يومين أو ثلاثة في الحج ثم وجده فهل يجب عليه أو لا؟ خلاف.

القاعدة الحادية والعشرون [ما لا يستطاع الامتناع عنه]

القاعدة الحادية والعشرون [ما لا يستطاع الامتناع عنه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قدر ما لا يستطاع الامتناع عنه يعتبر عفواً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإسلام دين يسر، ولا يكلف الله سبحانه وتعالى نفساً إلا وسعها وقدرتها. فمفاد القاعدة: أن ما لا يمكن الامتناع عنه ويتعذر الخروج منه فإنه يعتبر عفواً، لا مؤاخذة عليه ولا حساب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أثر الدم في الثوب بعد غسله لا يضر كما في الحديث: "ولا يضرُّك أثره" (¬2) لخولة بنت يسار الصحابية رضي الله عنها, لأن الأثر قد لا يمكن إزالته. ومنها: إذا رمى طائراً فأصابه فسقط على الأرض ووجده ميتاً فهو حلال؛ لأن وقوعه على الأرض ضروري، ولا يمكن الامتناع منه، ولكن إن وقع في الماء لا يأكله إذا لم يدركه حيّاً لعل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 240. (¬2) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه أحمد وأبو داود رحمهما الله تعالى.

الماء قتله. ومنها: إذا رمى صيداً فهرب وتوارى منه ثم وجده ميتاً وليس به إلا أثر رميه فإن كان بحثه عنه لم يطل والوقت قريب فله أكله، وأما إذا طال الوقت كأن مضت عليه ليلة أو يوم فلا يأكله؛ لاحتمال موته بسبب نزف دمه، وقد يكون مات بسبب آخر غير الرمي، وهو لو طلبه أو حصل عليه في وقت قريب كان يمكنه أن يذكيه ذكاة الاختيار. وينظر القاعدة رقم 33 من قواعد حرف الباء.

القاعدة الثانية والعشرون [التردد بين أصلين]

القاعدة الثانية والعشرون [التردد بين أصلين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قد يتردد الشيء بين أصلين فيختلف الحكم فيه بحسب ذينك الأصلين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تعارض الأصلين: معناه تقابل القاعدتين على سبيل الممانعة، كنقابل الدليلين، وليس معناه تقابلهما على وزن واحد في الترجيح، فإن هذا كلام متناقض، بل المراد تعارضهما في نظر المجتهد، بحيث يتخيل في ابتداء نظره تساويهما فإذا حقق فكره رجَّح. ومفاد القاعدة: أن الشيء إذا تردد بين أصلين مختلفين فهو إما يأخذ شبهاً من كليهما، وإما يترجح إدراجه تحت أحدهما، ومن هنا يختلف الحكم لاختلاف الترجيح بحسب دقة النظر وعمق الاجتهاد. وينظر القاعدة 117 من قواعد حرف التاء. والقاعدة 84 ¬

_ (¬1) المجموع للعلائي لوحة 239 ب و254 ب، وقواعد الحصني جـ 3 ص 261. وينظر أشباه السيوطي الكتاب الثالث وقواعده ص 162 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

من قواعد حرف الشين. والقاعدة 124 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإقالة هل هي فسخ أو بيع؟ لأن لها شبها من كليهما. ويترتب على ذلك مسائل. منها: الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك؟ ويختلف الحكم في كليهما لأن لكل أصل منهما أحكام تخصه. ومنها: الأرض الخراجية التي يتبايعها أهلها، فمقتضى أخذ الخراج أن تكون وقفاً لا يجوز بيعها، ومقتضى جواز بيعها عدم جواز أخذ الخراج منها. ومنها: إذا رمى صيداً ثم غاب عنه ثم وجده ميتاً في ماء دون قلتين، فإن الصيد لا يحل أكله، ويعمل بأصل طهارة الماء فيجوز الوضوء منه.

القاعدة الثالثة والعشرون [الشرط]

القاعدة الثالثة والعشرون [الشّرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قد يثبت بالشرط ما لا يثبت بإطلاق العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشروط في العقود إنما وجدت لتثبت لأحد المتعاقدين أُموراً لا تثبت بالعقد إذا أطلق عنها. وهذا أمر بدهي معقول؛ لأن المشترط لا يشترط شرطاً إلا إذا كان هذا الشرط يفيد فائدة لا يفيدها العقد المطلق عنه. أو يريد تأكيد ما يمكن أن يثبت بالعقد المطلق قطعاً للمنازعة. وإلا كان الشرط لغواً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترط المحال غِنى المحال عليه وملاءَته فبان معسراً فإنه يرجع على المحيل. وهذا شرط فيه مصلحة العقد، فيثبت الفسخ بفواته كما لو اشترط صفة في المبيع. ومنها: إذا شرط في المبيع أن يسلمه إليه صحيحاً سليماً، أو في الثمن أن يوفيه حالاَّ. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 582.

القاعدة الرابعة والعشرون

القاعدة الرابعة والعشرون أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قد يثبت تبعاً ما لا يثبت مقصوداً (¬1). وفي لفظ: قد يثبت الشيء ضمناً وحكماً ولا يثبت قصداً (¬2). وفي لفظ: قد يثبت الشيء ضمناً على وجه لا يجوز إثباته قصداً (¬3) وفي لفظ: قد يدخل في العقد تبعاً ما لا يجوز إيراد العقد عليه قصداً (¬4). وفي لفظ: قد يثبت حكم العقد في الشيء تبعاً وإن كان لا يجوز إثباته فيه مقصوداً (¬5). وفي لفظ: قد يدخل في التصرف تبعاً ما لا يجوز أن يكون مقصوداً بذلك التصرف (¬6). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 631. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 71 ب، وجامع الفصولين الفصل 39. (¬3) المبسوط جـ 11 ص 157. (¬4) نفس المصدر ص 179. (¬5) نفس المصدر جـ 15 ص 37. (¬6) القواعد والضوابط ص 491 عن التحرير جـ 3 ص 1121. وينظر الوجيز ص 340.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وقد سبق مثلها في قواعد حرف الهمزة تحت الرقم 385، 386. تحت قاعدة التابع تابع [ثبوت التبع] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الشرائط الشرعية يجب توافرها جميعاً في المحل الأصلي، ولكن التوابع قد يتساهل في استيفائها بعض الشروط؛ لأنه قد يكون للشيء قصداً شروط مانعة، وأما إذا ثبت ضمناً أو تبعاً لشيء آخر فيكون ثبوته ضرورة ثبوت متبوعه، أو ما هو في ضمنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال الإمام أو القائد لجنده: لا خمس عليكم فيما أصبتم، أو قال: الفارس والراجل سواء فيما أصبتم، كان ذلك باطلاً؛ من فيه إبطال حق أرباب الخمس في الخمس، بخلاف قوله: مَن قتل قتيلاً فله سلبه، فهو وإن كان فيه إبطال حق أرباب الخمس في خمس السلَب؛ لأن المقصود بالتنفل هنا التحريض على القتال، وإبطال حق أرباب الخمس هنا كان تبعاً لا مقصوداً بخلاف الأول. ومنها: بيع الشرب أو الطريق مع الأرض أو العقار، وبيع الطريق والشرب وحده لا يجوز.

القاعدة الخامسة والعشرون [ثبوت الفرع]

القاعدة الخامسة والعشرون [ثبوت الفرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قد يثبت الفرح مع سقوط أو عدم ثبوت الأصل، أو وإن لم يثبت الأصل (¬1). تحت قاعدة التابع تابع ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من القواعد السابقة، وإن اختلفت عنها نوعاً ما؛ لأن فيها استثناء من الأصل. فمفادها: أن الفرع الذي الأصل فيه أن يتبع أصله في ثبوته وزواله وحكمه أنه قد يثبت مع سقوط وزوال أصله، وتعتبر هذه القاعدة استثناء من قاعدة "التابع تابع". والقاعدة القائلة "التابع يسقط بسقوط المتبوع" أو "الفرع يسقط إذا سقط الأصل". وأكثر استعمالات هذه القاعده أمام القضاء؛ لأن فيها تعبيراً عن إثبات الحقوق، ولا تبحث عن نشوئها في الواقع؛ لأن وجود الفرع في الواقع يستلزم وجود أصله الذي تفرع عليه، ولكن إثبات المسؤوليات الحقوقية على الأشخاص قد تفقد وسائل إثباتها في ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 121 وعنه قواعد الفقه ص 98. ترتيب اللآلي لوحة 71/ أ. أشباه السيوطي ص 119، المجلة المادة 81، المدخل الفقهي الفقرة 639. الوجيز ص 336 ط 4، 5.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

حق الأصل وتتوافر في حق الفرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامن. فإذا أنكر عمرو المال لزم المال القائل وهو الكفيل إن ادعاها زيد؛ لأن المرء مؤاخذ بإقراره، والكفيل قد أقر بكفالته، فيثبت المال في ذمته وإن كان فرعاً. ومنها: إذا ادعى الزوج أنه قد خالع زوجته على مبلغ محدد، ولكن المرأة أنكرت، بانت منه - بإقراره بالخلع - ولم يثبت المال الذي هو الأصل في الخلع. وثبتت البينونة التي هي فرع عن المال بإقرار الزوج واعترافه بالخلع.

القاعدة السادسة والعشرون [ثبوت الفعل والقول]

القاعدة السادسة والعشرون [ثبوت الفعل والقول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قد يثبت من جهة الفعل ما لا يثبت من جهة القول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في ثبوت الأحكام الأقوال, لأنها هي التي ينبني عليها صحة التصرفات والأفعال. ولكن هذه القاعدة تعتبر استثناء من ذلك الأصل حيث أفادت أنه قد يثبت من الأحكام بناء على الأفعال ما لا يثبت بناء على الأقوال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من وكّل وكيلاً بعقدٍ أو تصرفٍ، إذا عزله حال غيبته بقوله، لم ينعزل الوكيل حتى يعلم بالعزل. وَلكن إذا تصرف الموكل فيما وكَّل فيه قبل علم الوكيل نفذ تصرفه وانعزل الوكيل حكماً لنفاذ تصرف الموكل فيه. فلو وكله في تزويجه من امرأة عيَّنها، ثم عزل الوكيل بقوله عزلت وكيلي عن تزويجي بتلك المرأة، لم ينعزل الوكيل قبل ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 8. وينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة 491.

العلم بالعزل، ولو زوجه إياها في هذه الحالة جاز تصرفه. لكن إذا عقد الموكل بنفسه على تلك المرأة انعزل الوكيل حكماً؛ لأنه لا يمكن أن يعقد على امرأة واحدة مرتين. ومنها: إذا تصرف الصبي غير المأذون - أو المحجور - ببيع أو شراء أو عقد أو كفالة أو إقرار لم ينفذ تصرفه بغير إذن الولي. ولكن إذا أتلف الصبي والمحجور مالاً لغيرهما وجب عليهما ضمان ما أتلفاه. فهما قد ضمنا بفعلهما، ولم يضمنا بأقوالهما.

القاعدة السابعة والعشرون [الحقيقة والمجاز]

القاعدة السابعة والعشرون [الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قد يصرف اللفظ عن حقيقته إلى المجاز لقرينة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثال لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرقم 135. وينظر قواعد حرف الكاف تحت الرقم 24. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 195، المجموع المذهب ورقة 69 ب. قواعد الحصني جـ 1 ص 193.

القاعدة الثامنة والعشرون [الطارئ المانع، الدوام، الابتداء].

القاعدة الثامنة والعشرون [الطّارئ المانع، الدّوام، الابتداء]. أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء (¬1). وفي لفظ: المانع الطارئ هل هو كالمقارن؟ (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: كل ما لو قارن لمنَعَ فإذا طرأ فعلى قولين (¬3). وتأتي في حرف الكاف إن شاء الله. وفي لفظ: العقد على المنفعة مدة إذا طرأ فيها ما لو قارن الابتداء منع الصحة هل يبطله أم لا (¬4)؟ وفي لفظ: يحتمل في الدوام ما لا يحتمل في الابتداء، وقد يُحتَمل في الابتداء ما لا يحتمل في الدوام (¬5). وتأتي في قواعد حرف الياء إن شاء الله تعالى. وينظر في قواعد حرف الهمزة القاعدتين 292، 293. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 186، قواعد الحصني جـ 2 ص 195 - 203 - 210، ص 210 (¬2) السيوطي ص 185. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 312 - 313. (¬4) المجموع للعلائي لوحة 343 ب. (¬5) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 406.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التصرفات يشترط لصحتها ونفاذها شروط بحيث لو فقد بعضها عند ابتداء العقد أو التصرف، أو قارن مانع لمنع من نفاذ العقد أو التصرف. ولكن مفاد هذه القواعد: أنه إذا تمّ التصرف بشروطه ثم طرأ عليه ما يمكن أن يفسده ويبطله - من فقد شرط أو وجود مانع - مما لو وجد عند ابتدائه لمنعه فهل هذا التصرف يبقى صحيحاً ويغتفر بعض الشروط أو يحتمل وجود المانع؟ فالقاعدتان الأولى والأخيرة تفيدان صحة التصرف أو العقد قولاً واحداً؛ لورود القاعدتين بصيغة الخبر التي لا تشير إلى وجود خلاف. وأما القاعدتان الثانية والثالثة فهما تشيران إلى وجود الخلاف في الصحة والبطلان. وأما القاعدة الرابعة: فهي تخص العقد على المنفعة، وتشير إلى وجود الخلاف. ولكن يظهر أن الخلاف إنما هو بناء على المسائل المفرعة على تلك القواعد، فمن المسائل ما يصح التصرف فيها قولاً واحداً، ومنها ما فيه قولان؛ لاختلاف النظر والاجتهاد في المسألة:

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإسلام يمنع الرق ابتداءً، لكن إذا استُرِقّ كافر ثم أسلم بقي رقه. وهذا باتفاق. ومنها: إذا طلع الفجر وهو مجامع أو يأكل فنزع في الحال أو كفّ عن الأكل صحّ صومه. ومنها: ماء دون القُلَّتين أصابته نجاسة حال التطهير به ثم طرأ عليه ما يكثره - أي يبلغ به القلتين أو أكثر. الأصح طهارة الماء. ومنها: مستحاضة شفيت أثناء الصلاة - أي انقطع نزيفها - قالوا: صلاتها صحيحة. ومنها: أحرم ثم ارتد والعياذ بالله - فالأصح بطلان إحرامه. ومنها: قدر على الماء أثناء صلاته بالتيمم - عند الشافعية لا تبطل صلاته، فالطارئ ليس كالمقارن. ومنها: اشترى ما يمكن أن تجب فيه الزكاة إذا كان للتجارة، ونوى به الاستخدام والقنية دون التجارة. ثم بعد ذلك بزمن نوى به التجارة. فلا تجب فيه زكاة العروض إلا بعد مُضي الحول من وقت نيَّة التجارة لا من تاريخ الشراء. فليس الطارئ كالمقارن في الأصح في هذه المسألة. ومنها: إذا أجَّر الموقوفُ عليه الوقف مدة فمات في أثنائها،

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

أو انتقل الوقف إلى البطن الثاني ففيه وجهان عند الشافعية: أحدهما: بقاء الإجارة لأنها لازمة كما لو أجَّر ملكه. وثانيهما: المنعٍ؛ لأن المنافع بعد موته انتقلت لغيره ولا ولاية له عليها. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: الرضاع إذا قارن ابتداء النكاح منعه، ولو طرأ لقطعه أيضاً، ولا خلاف فيه، فهذا مانع ابتداءً وطروءاً ودواماً.

القاعدة التاسعة والعشرون [القديم]

القاعدة التاسعة والعشرون [القديم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القديم يترك على قدمه ولا يغيَّر إلا بحجة. ما لم يكن في ذلك ضرر (¬1). وفي لفظ: ما وجد قديماً يترك كذلك ولا يغيَّر إلا بحجة (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقديم: ما لا يعرف مبدأ وجوده، أو هو ما لا يحفظ أقران المدعي والمدعى عليه إلا إياه. فمفادهما: أن ما وُجد قديماً في أرض أو عقار أو دار من شرب أو طريق أو غيرهما من المرافق بحيث لا يعرف واضعه ولا مبدأ وضعه أنه لا يجوز إزالته أو تغييره بغير حجة شرعية، وذلك من باب حسن الظن بالمسلمين وأنه ما وُضِع هكذا إلا على وجه شرعي بحجة شرعية. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 111 على الخانية فصل الأنهار جـ 3 ص 206، شرح الخاتمة ص 60. المجلة المادة 6، المدخل فقرة 596. (¬2) المبسوط جـ 19 ص 4، جـ 23/ 180.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ولكن إذا ثبت ضرر هذا القديم فيجب إزالته أو إزالة ضرره؛ لأنّ الضّرر لا يكون قديماً، كما سبق بيانه (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام، ولكن إذا كان لأهل الذمة بِيَع أو كنائس قديمة فإنها تبقى ولا يُتَعرض لهم في ذلك؛ لأن القديمة تترك على حالها. والمر اد بالقديمة ما كانت قبل الفتح الإِسلامي. ومنها: رجل ادعى شِرب يوم في كل شهر من نهر معلوم وأقام البيِّنة على ذلك صحت دعواه وتقبل الشهادة ويحكم بها، وإن جُهِل تاريخ بدء الشرب. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: بالوعة قديمة لرجل أصبحت تضر بالجيران والسكان، يؤمر الرجل بإزالتها أو إزالة ضررها، ولا يحتج بقدمها لأنها صارت ضارة، "والضرر لا يكون قديماً"، وهكذا كل ما ثبت ضرره وإن كان وضعه قديماً. ¬

_ (¬1) ينظر قواعد حرف الضاد رقم 6، والوجيز ص 178.

القاعدة الثلاثون [الضرر الخاص والعام]

القاعدة الثلاثون [الضرر الخاص والعام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قد يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دفع الضرر قبل وقوعه واجب، ورفعه بعد وقوعه قدر الإمكان واجب أيضاً. والأصل أن دفع الضرر يجب أن يكون بغير ضرر أصلاً، فإذا لم يمكن إلا بضرر فيكون رفع الضرر الموجود بضرر أقل منه لا مساو ولا أكبر. والضرر العام الذي يصيب الجماعة يجب دفعه ورفعه، وإن كان على حساب ضرر خاص ببعض الناس, لأن الضرر الأشد يتحمل بارتكاب الضرر الأخف، كما سبق (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل أرض على شط نهر أو واد عام - كبير - ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 87، شرح الخاتمة ص 51، الفتاوى الخانية جـ 3 ص 207 فصل الأنهار، المجلة المادة 26، المدخل الفقهي الفقرة 593، الوجيز ص 263. (¬2) قواعد حرف الضاد القواعد 2، 3، 7. وينظر أشباه السيوطي ص 87.

واحتاج النهر أو الوادي إلى حفر وإصلاح وتنظيف ولم يمكن المرور إلا من أرض ذلك الرجل لإصلاح النهر العام فيجوز لهم الدخول في أرضه وإن تضرر بذلك؛ لأنه لا طريق لهم سواه ومصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد. ومنها: يمنع الطباخ من فتح محل للطبخ في سوق باعة الأقمشة دفعاً للضرر عنهم وإن تضرر هو بذلك. ومنها أيضاً: يمنع الرجل من تربية المواشي في حديقة بيته أو في حظيرة عنده إذا كان الحي كله للسكن وتضرر بذلك جيرانه من الروائح والحشرات.

القاعدة الحادية والثلاثون [القرائن، الخبر]

القاعدة الحادية والثلاثون [القرائن، الخبر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القرائن إذا احتفَّت بالخبر حصل به العلم (¬1). فقهية أصولية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القرائن: جمع قرينة. والمراد بها هنا: ما يوضّح عن المراد لا بالوضع، تؤخذ من لاحق الكلام الدال على خصوص المقصود أو سابقه (¬2). وقال في التعريفات: القرينة أمر يشير إلى المطلوب (¬3). احتفَّت بالخبر: أي أحاطت به في سياقه أو سباقه أو أمور خارجة عنه. والخبر: هو ما يفيد الظن لوجود شبهة في طريقه كخبر الآحاد. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب للعلائي لوحة 162 أ. قواعد الحصني جـ 2 ص 401 - 407، أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 282، المنثور للزركشي جـ 3 ص 59. (¬2) الكليات ص 734. (¬3) ص 182.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أن الخبر سواء أكان حديثاً أم غيره - إذا وجدت معه قرائن توضح المراد منه حصل بمجموعها العلم، وارتفع الخبر عن مرتبة المظنون إلى مرتبة المعلوم - أي الذي يوجب العلم والعمل. وقد اعتبرت القرائن في مواضع وغالبها لإفادة الظن فيما لم يكن فيه ظن قبلها بل شك أو وهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاعتماد على قول الصب المميز في الإذن في دخول الدار وحمل الصبي الهدية على الأصح. ومنها: مسائل اللوث في باب القسامة دائرة مع القرائن، واللوث: شبه الدلالة على حدث من الأحداث ولا يكون بيِّنة تامة، وهو يفيد غلبة الظن بوقوع المدعى به. ومنها: أعطى الفقير صدقة فأخذها وهو ساكت. كان سكوته قبولاً قطعاً. ومنها: إذا نحر الهدي وغمس نعله في دمه كان إباحة قطعاً. ومنها: إذا وجدنا رجلاً بيده سكين تقطر دماً وعنده قتيل مذبوح حكمنا بأنه القاتل للقرائن الدالة.

القاعدة الثانية والثلاثون [القرابة - الولاية]

القاعدة الثانية والثلاثون [القرابة - الولاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القرابة سبب كامل لاستحقاق الولاية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القرابة: في اللغة مأخوذة من القرب، وهو قرب خاص. فهي القرب في الرحم، والدنو في النسب. ويقال: القُرْبى والقرابة. فمفاد القاعدة: أن القرب في الرحم والدنو في النسب يعتبر سبباً كاملاً لاستحقاق الولاية - في النكاح وفي المال - وعلى الصغير والمجنون والمحجور عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الولاية في النكاح لا تكون إلا لذوي القُربى الأقرب فالأقرب، الأب ثم الأخ لأبوين وهكذا. ولا تجوز ولاية الأبعد مع وجود الأقرب وصلاحيته للولاية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 215.

القاعدة الثالثة والثلاثون [قرابة الولادة والزوجية]

القاعدة الثالثة والثلاثون [قرابة الولادة والزوجية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قرابة الولادة والزوجية تمنع قبول الشهادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: رأينا فيما سبق أن القرابة هي قرب الدرجة والرحم ودنو النسب، وهذه القاعدهَ تبين أن القرب يكون من ناحيتين أو جهتين: الأولى: من جهة الولادة، وهي جهة النسب والرحم. والثانية من جهة الزوجية، فتشمل الزوجين الرجل والمرأة، ولما كانت القرابة من هاتين الجهتين ذات منافع ومصالح مشتركة بين الأقرباء والأزواج فإن هذه القاعدة أفادت: أن الشهادة لقريب من إحدى هاتين الجهتين لا تقبل؛ لوجود هذه المصالح المشتركة، فكأن الشاهد حينما يشهد لقريبه أو الزوج لزوجه إنما يجر بشهادته هذه المنفعة لنفسه، ولذلك لا تقبل هذه الشهادة لوجود هذه التهمة، فشهادة الأصل لفرعه أو الفرع لأصله، أو الزوج لزوجته أو العكس لا تقبل، كما لا تقبل شهادة العبد لسيده ولا السيد لعبده، ولا الشريك لشريكه، ولا الأجير الخاص لمن استأجره، والتهمة المانعة ¬

_ (¬1) الفرائد ص 88 عن الخانية فصل مَن لا تقبل شهادته للتهمة جـ 2 ص 465 - 466.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أن يجر الشاهد بشهادته إلى نفسه مغنماً أو يدفع عن نفسه مغرماً. ولكن لو كانت الشهادة على القريب وليست له فهي مقبولة؛ لأنها بعيدة عن التهمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهادة الجد لولد ولده على ولده جائزة, لأنها شهادة على الفرع لا له. ومنها: شهادة أبي الزوجة للزوج على زوجته التي هي ابنته جائزة كذلك. ومنها: شهادة الرجل لأم امرأته وابنها، ولزوج ابنته ولابن امرأته من غيره جائزة لعدم وجود التهمة.

القاعدة الرابعة والثلاثون [القرابة]

القاعدة الرابعة والثلاثون [القرابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القرابة يدخل فيها كل قريب له صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، مسلماً أو ذمياً، حراً أو عبداً، والقرب قرب الدرجة والرحم لا قرب الإرث والعصوبة، فلا يدخل في القرابة الوارثون (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختص القرابة غير الوارثين فيما لو أوصى أو أوقف لقرابته، فالوارثون لا يدخلون لأنه لا وصية لوارث، والوقف شبه الوصية. فمفاد هذه القاعدة: أن القرابة الذين يدخلون في الوصية والوقف للأقربين هم كل قريب للموصي والواقف قرب درجة ورحم لا قرب إرث وعصوبة، فكل قريب له صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً ¬

_ (¬1) الفرائد ص 115 عن الإسعاف في أحكام الأوقاف ص 114. والإسعاف للطرابلسي إبراهيم بن موسى بن أبي بكر، نشر دار الرائد العربي - بيروت ط 1401 - 1981.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كان أو أنثى، مسلماً كان أو ذمياً، حراً كان أو عبداً، يستحقون من الوصية والوقف إذا عمّ ولم يخص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى لأقرب الناس إليه، أو أوقف على أقرب الناس إليه فهو من ارتكض معه في رحم أو خرج معه من صلب - أي إخوانه وأخواته وأولادهم - إذا كانوا غير وارثين. ومنها: إذا أوصى أو أوقف وقال: على أقرب قرابة مني - وكان له أبوان وولد - لا يدخل واحد منهم في الوقف ولا في الوصية؛ إذ لا يقال لهم قرابة هنا.

القاعدة الخامسة والثلاثون [القران في الذكر والحكم]

القاعدة الخامسة والثلاثون [القِران في الذكر والحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القِران في الذكر دليل القِران في الحكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القِران والاقتران: أن يذكر الشيء وغيره جميعاً في سياق واحد بأن يعطف أحدهما على الآخر، فذكر أحدهما مقترناً بالآخر معطوفاً عليه دليل على أن الحكم فيهما واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: إذا جاء زيد وخالد وعمرو فأعطهم مئة دينار، أو فأكرمهم. فذكر الجميع مقترنين معطوف بعضهم على بعض دليل على أن الإكرام يعمُّهم ولا يُخَصُّ أحد منهم دون غيره إلا بدليل، وأنهم شركاء في المئة الدينار. ومنها: تحريم أكل لحوم الخيل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بدليل اقترانها في الذكر بالبغال والحمير، في قوله تعالى: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 234.

{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)} (¬1). لما كانت البغال والحمير لا يجوز أكلها بالاتفاق، فذكر الخيل معها في سياق واحد دليل على تحريم أكلها كحرمة البغال والحمير. فقد امتنَّ الله سبحانه وتعالى علينا حين ذكرها بأنها ركوبة وزينة وذلك متفق عليه في البغال والحمير - والخلاف في حل لحوم الخيل. فالحنفية استدلوا بالآية على أن الخيل كالبغال والحمير في حرمة لحومها بدليل الاقتران. ¬

_ (¬1) الآية 8 من سورة النحل.

القاعدة السادسة والثلاثون [القصاص]

القاعدة السادسة والثلاثون [القصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القصاص عقوبة لا تجري النيابة في إيفائها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القصاص في اللغة: المماثلة. وفي الاصطلاح: أن يوقع على الجاني مثل ما جنى، فإذا وجب القصاص على جان - سواء كان قصاصاً في النفس أو في عضو من الأعضاء - فيقتص منه لا من غيره. فمفاد القاعدة: أن النيابة لا تجري ولا تجوز في الوفاء بعقوبة القصاص؛ لأنه يكون إيقاع عقوبة على بريء غير جانٍ، وسلامة الجاني الظالم، وإن كان يجوز أن تجري النيابة في استيفائها بل قد تجب النيابة في الاستيفاء إذا كان الولي لا يحسن القتل أو القطع. وذلك بخلاف النيابة في أداء الأموال. ويدخل في هذه القاعدة الحدود كلها، فلا تجوز النيابة في إيفائها، فلا يقام الحد على غير الزاني أو السارق أو الشارب، وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 20 ص 102.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وبناء على ذلك لا تجوز الكفالة بكل ما يوجب القصاص أو الحد، حتى لا يؤخذ الكفيل بشيء من القصاص، ولا من الأرش ولا من الحدود؛ لأن الكفالة إنما تصح بمضمون تجري النيابة في إيفائه، والقصاص والحدود عقوبات لا تجري النيابة في إيفائها فلا يصح التزامها بالكفالة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب القصاص على قاتل، وتبرع أحدهم بأن ينوب عنه في إيفاء القصاص فلا يجوز؛ لأن النائب المتبرع غير جان، وفي النيابة تعطيل لأحكام الله، وتشجيع للمجرمين، وليس في قتل النائب شفاء للصدور، بل فيه إشعال لنار الثأر والانتقام.

القاعدة السابعة والثلاثون [القصاص]

القاعدة السابعة والثلاثون [القصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القصاص ينبني على معرفة المساواة في البدل حقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: وجوب القصاص: أي المماثلة في العقوبة ينبني ويعتمد على معرفة أن البدل والمبدل منه متساويان حقيقة. أما إذا لم تثبت المساواة فلا يجوز القصاص. وهذا خاص بالقصاص في الأعضاء لا في النفس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن فقأ عين إنسان عمداً وعين المجني عليه فيها نقص، فلا يجب القصاص من الجاني، ويجب فيها حكومة عدل؛ لأن كمال الأرش باعتبار تفويت البصر الكامل ولم يوجد. ومنها: من قطع يداً شلاء فلا قصاص فيها، وإنما فيها حكومة عدل لنقص منفعتها أصلاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 66.

ومنها: من قطع من يد آخر إصبعاً زائدة عمداً فلا قصاص فيها أيضاً، وفيها حكومة عدل. ومنها: من قطع يد آخر عمداً ويد القاطع شلاء فالمجني عليه بالخيار إما القصاص وإما الدية. ومنها: مَن قطع يد إنسان من مفصل المرفق أو الكوع - أي الرسغ - عمداً ففيه القصاص لوجود المماثلة حقيقة، بخلاف ما لو قطعها من منتصف الساعد أو العضد.

القاعدة الثامنة والثلاثون [القصد إلي الإسلام]

القاعدة الثامنة والثلاثون [القصد إلي الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القصد إلى الإسلام معتبر بحقيقة الإسلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقصد إلى الإسلام: إرادته. فمن أراد الإسلام بعد أن بُيِّن له فهو في درجة واعتبار مَن أسلم حتى يتبين أمره، فلا يجوز قتله ولا قتاله، وإن أسر فهو حر إن أسلم ورُدَّ مالُه إليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دُعِي قوم من الكفار إلى الإسلام فأسلموا، ثم قاتلهم المسلمون - خطأ - فظفروا بهم فيجب تخلية سبيلهم ورد أموالهم إليهم، وبَطَل كل حكم كان فيهم؛ لأنهم لما أسلموا صحّ إسلامهم؛ والمسلم لا يسترق ولا يغنم ماله، والمسلمون المقاتلون يضمنون ما أتلفوا من أموالهم وما أراقوا من دمائهم. ومنها: إذا قال كفار: نحن نُسْلِم فكفّوا عنا، فأبى القائد أن يجيبهم إلى ذلك، فقاتلهم ولم يسلموا، فأصابهم. فقد أخطأ فيما ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2200.

صنع - لأنهم لو طلبوا أن يكونوا ذمة فيجب الكف عنهم، فإذا طلبوا الإسلام أولى أن يكف عنهم؛ لأنه إنما يقاتل لرفع راية الإسلام وإدخال الناس فيه. ولكن مَن قُتِل منهم فدَمه هَدْر، وما استهلك من أموالهم فلا ضمان فيه؛ لأنهم قوتلوا ولم يسلموا بعد، ولكن مَن بقي منهم ومن أموالهم فإن أسلموا رُدَّ ذلك إليهم وكانوا أحراراً لا سبيل عليهم؛ لأنهم لما سألوا أن يسلموا ويُكَفَّ عنهم فقد حَرُم على المسلمين قتالهم وأسرهم، فلما حَرُم عليهم أسرهم لم يملكوهم بالأسر فبقوا أحراراً لا سبيل عليهم؛ لأنه ظهر خطأ القائد بيقين، فعليه أن يُمنع من خطئه ويردهم أحراراً؛ لأن "القصد إلى الإسلام معتبر بحقيقة الإسلام"، والمسلم حقيقة لا يحارب ولا يسبى فكذلك إذا قصد الإسلام.

القاعدة التاسعة والثلاثون [قضاء القاضي الباطل]

القاعدة التاسعة والثلاثون [قضاء القاضي الباطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قضاء القاضي باطل فيما ارتشي به عند الكل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أن القاضي والحاكم والموظف والمسؤول إنما يقضي ويحكم ويتصرف بالعدل والحق؛ لأن وظيفته إحقاق الحق وإبطال الباطل، وخدمة الناس وتسهيل أمورهم، فإذا قضى أو حكم أو تصرف بغير الحق عالماً فحكمه وتصرفه باطل. والقضاء بغير الحق له أسباب عدة منها: ما أفادته هذه القاعدة: إذ مفادها: أن القاضي أو الحاكم أو الموظف أو المسؤول إذا ارتشى - أي أخذ رشوة - وحكم لمن رشاه أو قضى له مصالحه على حساب الآخرين أصحاب الحق، فإن حكم هذا القاضي باطل، وتصرف ذلك المسؤول باطل - وذلك متفق عليه عند جميع الفقهاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ¬

_ (¬1) الفرائد ص 22 عن نفقات الخانية جـ 2 ص 438.

إذا ترافع زوجان عند القاضي - وكانت الزوجة تطالب زوجها بالنفقة - ورشا زوجها القاضي ليحكم له بأن لا نفقة لها - وحكم القاضي بذلك، فحكمه هذا باطل؛ لأنه خلاف الحق. ومنها: إذا عجز الزوج عن إيفاء المهر المعجل قبل الدخول، وطلبت الزوجة من القاضي أن يفرق بينهما، وأخذ منها القاضي على ذلك شيئاً رشوة، فلا ينفذ قضاؤه. ومنها: إذا ارتشى مسؤول لينفذ لأحد الناس غرضه خلافاً للأنظمة والقوانين المرعية، فإن تصرف هذا المسؤول باطل، وحق أن يحاكم ويلقى جزاءه الرادع.

القاعدتان الأربعون والحادية والأربعون [قضاء القاضي المنقوض]

القاعدتان الأربعون والحادية والأربعون [قضاء القاضي المنقوض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قضاء القاضي بخلاف الإجماع باطل (¬1). وفي لفظ: قضاء القاضي يُنقض إذا خالف أحد أربعة أشياء: الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاضي يجب عليه أن يلتزم بحكمه قواعد الشرع بأن يحكم بالحق مستمداً حكمه من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح الواضح، وإن قضاء القاضي مستحق للإبطال إذا خالف باجتهاده عمداً أو خطأ أدلة الشرع الواضحة. فمفاد القاعدة الأولى: أن القضاء يكون باطلاً، إذا خالف القاضي بحكمه مسألة من مسائل الإجماع المتفق عليها؛ لأن ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم، ثم أجمعت عليه علماء ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 184. (¬2) الفروق جـ 1 ص 75، عن العز بن عبد السلام القواعد الكبرى جـ 2 ص 57، وينظر معين الحكام ص 29.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

الأمة من بعدهم في عصورهم المختلفة لا يجوز مخالفته. ومفاد القاعدة الثانية: أن قضاء القاضي باطل ليس بمخالفته للإجماع فقط بل إذا خالف الإجماع أو قواعد الشرع العامة، أو نصاً من النصوص الشرعية الصريحة، أو القياس الجلي الواضح الذي لا اختلاف فيه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا حكم حاكم أو قضى في مسألة بأن حكم بعدم صحة رجعة الزوج لزوجته الرجعية بغير رضاها، فحكمه هذا باطل؛ لأنه مخالف للنص والإجماع. ومنها: إذا قضى قاض بأن البيِّنة على المدعى عليه واليمين على المدعي بطل حكمه أيضاً لمخالفته النص والإجماع وقواعد الشرع العامة. ومنها: إذا أجاز القاضي أن يحبس الرجل أباه لأنه أخذ بعض ماله، فحكمه هذا باطل؛ لأنه مخالف للقياس الجلي في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (¬1)؛ لأن الحبس أشد إيذاءً من التأفيف فهو أولى بالنهي والمنع. ¬

_ (¬1) الآية 23 من سورة الإسراء.

القاعدة الثانية والأربعون [القضاء يحمل على الصحة]

القاعدة الثانية والأربعون [القضاء يحمل على الصحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قضاء القاضي يحمل على الصحة ما أمكن ولا ينقض بالشك (¬1)، ما لم يتبين الجور (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في القاضي المسلم أن يكون قضاؤه وحكمه مبنياً على قواعد الشرع وأدلته، فما حكم به أي قاض مسلم يجب أن يحمل على أنه حكم صحيح موافق لقواعد الشرع، وإن كان حكماً اجتهادياً خالفه فيه غيره، ولا يجوز نقضه لمجرد الشك - وهذا من باب حسن الظن بالقضاة وعدالتهم، فكأن هذه القاعدة قيد للقاعدتين السالفتين، ولكن إذا تبين بيقين مخالفة الحكم لقواعد الشرع وجب نقضه كما تقدم قريباً، أو تبين الجور من القاضي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقام المدعي شاهدين عند قاض أن قاضي بلدة كذا حكم له بأنه وارث فلان الميت وأن لا وارث له غيره - ولم يبينا سبباً للإرث الذي حكم به ذلك القاضي - فإن القاضي الثاني يسأل ¬

_ (¬1) الفرائد ص 90 عن الخانية فصل الشهادة الباطلة جـ 2 ص 471. (¬2) معين الحكام ص 30.

المدعي عن سبب الإرث، فإن بيَّنه حكم له بالإرث بناء على حكم القاضي الأول. ومنها: إذا حكم قاض بالتفريق بين الزوجين للإعسار، ثم رفعه الزوج إلى قاض آخر لا يرى التفريق بالإعسار، فليس للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الأول لأنه مخالف له في ذلك، أو لأنه شك في حكمه؛ لأن قضاء القاضي يحمل على الصحة ما أمكن، وفي جواز التفريق وجه شرعي.

القاعدتان الثالثة والأربعون والرابعة والأربعون [القضاء والحجة]

القاعدتان الثالثة والأربعون والرابعة والأربعون [القضاء والحجة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القضاء بحسب الحجة (¬1). وفي لفظ: القضاء بغير حجة باطل مردود (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق معنى القضاء: والحجة هي البرهان والدليل على صدق الدعوى. فمفاد القاعدة الأولى: أن قضاء الحاكم إنما يكون بحسب الدليل والبرهان، والمراد به في الدعوى: الشهود، أو الأيمان، فإذا حكم بالشهود بعد تعديلهم كان حكمه صحيحاً ما لم يخالف نصاً أو إجماعاً - كما سبق قريباً - وكان الحكم في مصلحة المدعي وله، وينبني على ذلك الحكم والقضاء أحكام تخصه، وإذا كان الحكم بيمين المدعى عليه - عند عدم بيِّنة المدعي، كان الحكم لصالح المدعى عليه وردت الدعوى. وإذا رفض المدعى عليه الحَلف بعد توجيه اليمين عليه - فإن الحاكم يحكم بنكوله ويقضي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 36. (¬2) نفس المصدر جـ 24 ص 155.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

عليه لصالح المدعي - عند قوم - أو يردّ اليمين على المدعي - عند قوم - فإن حلف حُكِم له بما ادعاه. ومفاد القاعدة الثانية: أن القضاء بغير البيِّنة أو اليمين عند عدم البيّنة هو قضاء وحكم باطل مردود؛ لأنه بني على غير أساس شرعي، وهو حكم بالهوى والتشهي وهو باطل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ادعى مالاً على آخر، وطلب القاضي يمين المدعى عليه، فنكل عن اليمين فحكم عليه القاضي بالمال لنكوله, لأن النكول إما يعتبر إقراراً أو بذلاً للمدَّعى به. والقضاء بحسب الحجة. ومنها: أقام شاهدين على حق له عند غيره والآخر ينكر فيحكم القاضي بالحق للمدعي بشهادة الشهود. ومنها: ادعى عند القاضي أن فلانة زوجته وهي تنكر، ولم يقم بيّنة على دعواه، فحكم له القاضي بها، فالحكم باطل لأنه قضاء بغير حجة. ومنها: ادّعت امرأة على زوجها أنه قذفها بالزنا، والرجل ينكر، فأقامت عليه البيِّنة بذلك، وزُكَّي الشهود، فأمر القاضي الزوج بالملاعنة، وهو أبى أن يفعل، وقال: إنه لم يقذفها والشهود شهود زور. فإن القاضي يجبره على اللعان ويحبسه حتى يلاعن، فإن لاعن بعد ذلك والتعنت هي أيضاً وفرّق القاضي

بينهما، ثم ظهر أن الشهود عبيد أو محدودون في قذف فإن القاضي يبطل الملاعنة ويبطل الفرفة؛ لأنه ظهر أن اللعان إنما كان بالإكراه، والإكراه بالحبس يمنع صحة الإقرار، كما تبين أن القضاء كان بغير حجة، فهو باطل مردود.

القاعدة الخامسة والأربعون [القضاء والسبب]

القاعدة الخامسة والأربعون [القضاء والسبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء باعتبار السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات ضمن قواعد حرف الحاء تحت الرقم 102. ومفادها: أن الحكم مسبب، ولا بد لكل حكم من سبب يبنى عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القتل العمد العدوان سبب للقصاص. ومنها: الحدث سبب للطهارة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 136.

القاعدة السادسة والأربعون [القضاء الصحيح]

القاعدة السادسة والأربعون [القضاء الصحيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء بعد صدوره صحيحاً لا يبطل بإبطال أحد، إلا إذا أقرّ المقضي له ببطلانه فيبطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القضاء المستوفي لشروطه كاملة، وبناءً على ذلك صدر صحيحاً فإنه لا يبطل بإبطال أحد، ولا يمكن إلغاؤه. وينظر القاعدة رقم 66 من قواعد حرف الشين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى عليه دعوى قذف وأقام البيِّنة وحكم القاضي بإقامة الحد، فإن هذا الحكم لا يبطل بعد ذلك، إلا إذا ادّعى المقضي له - المقذوف - أنه مبطل في دعواه، أو ثبت أن الشهود عبيد أو محدودون في قذف. فإن الحكم يسقط ويعتبر استثناء من القاعدة. ومنها: ادعى ديناً على آخر وأقام البيِّنة، أو أقر المدين بالدين، فحكم القاضي للمدعي بدعواه، فإن هذا الحكم لا يبطل، ويجب على المقضي عليه أداء ما ثبت في ذمته. ولكن إذا أكذب ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 243، الفوائد الزينية ص 149 الفائدة 178.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

المقضي له نفسه وأقر ببطلان دعواه سقط الحكم وبطل. ويعتبر ذلك استثناء من القاعدة. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إلى جانب ما سبق وهو إقرار المقضي له ببطلان الحكم ببطلان دعواه فإن المقضي له بحريته لا تبطل حريته ولو أقر بالبطلان. ومنها: إذا ظهر أن الشهود عبيد أو محدودون في قذف بالبيِّنة فإنه يبطل القضاء لكونه غير صحيح لبنائه على شهادة غير مقبولة.

القاعدة السابعة والأربعون [القضاء - الأداء]

القاعدة السابعة والأربعون [القضاء - الأداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء بصفة الأداء أو معتبر بصفة الأداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقضاء هنا: "فعل العبادة بعد وقتها المقدر لها شرعاً"، وليس المراد به الحكم. والأداء: "هو فعل العبادة في وقتها المقدر لها شرعاً ولم تسبق بأداء مختل". فمفاد القاعدة: أن المكلف إذا لم يفعل العبادة - المحدد وقتها - في وقتها الذي قدره الشارع لها وحدده، فإنه يجب عليه قضاء هذه العبادة، أي فعلها خارج وقتها بشرط أن تفعل بالصفة التي كان يجب عليه فيها الأداء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن فاتته صلاة العصر فلا يجوز له فعلها في الوقت المكروه - أي قبيل غروب الشمس -؛ لأن الصلاة ثبتت في ذمته بصفة الكمال، والفعل في الوقت المكروه نقص لها فلا يجوز؛ لأن القضاء يجب بصفة الأداء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 221، 226 - جـ 2 ص 97، 124.

ومنها: إذا قرأ الفاتحة فقط في الركعتين الأوليين من صلاة جهرية ولم يقرأ السورة بعدها فإنه يقرأ السورة في الركعتين الأخريين ويجهر بها - في قول عند الحنفية -؛ لأن القضاء بصفة الأداء. ومنها: إذا نسي صلاة في يوم من أيام التشريق ثم صلاها في يوم آخر من أيام التشريق كبر عقيبها. ومنها: أن مَن شرع في صلاة العيد مع الإِمام ثم فعل ما يبطل صلاته فإنه لا يقضيها - عند أبي حنيفة رحمه الله -؛ لأنه لا يمكنه أن يقضيها مع التكبيرات؛ لأن ذلك غير مشروع إلا في صلاة العيد، والمنفرد لا يتمكن من أداء صلاة العيد، ولا يجوز أن يقضيها بدون التكبيرات؛ لأن القضاء بصفة الأداء.

القاعدة الثامنة والأربعون [القضاء بالملك المجهول]

القاعدة الثامنة والأربعون [القضاء بالملك المجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء بالملك المجهول لا يجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أن بيَّنا أن القضاء بالمجهول أو للمجهول لا يجوز، والدعوى لا تتم. ومفاد هذه القاعدة يؤكد ذلك: وهو أن القضاء بالملك المجهول - من أرض أو عقار - لا يجوز؛ لأن الدعوى غير صحيحة، فما بني عليها غير صحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز للقاضي أن يقضي بالشفعة لشخص حتى يتبيّن ويقيم الحجة على ملكه لما يشفع به، وإلا لا شفعة له. ومنها: إذا وُكِّل في أخذ الشفعة لشفيعين وقال: إن أحدهما قد سلَّم شفعته وأنا أطلبها للآخر، فلا بد من تعيين مَن يطلب له الشفعة منهما؛ لأن الشفعة قضاء بالملك المشفوع به للشفيع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 165.

القاعدتان التاسعة والأربعون والخمسون [القضاء بالنكول]

القاعدتان التاسعة والأربعون والخمسون [القضاء بالنكول] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: 1 - القضاء بالنكول كالقضاء بشهادة الزور (¬1). 2 - القضاء بالنكول ممنوع, إلا في مسائل (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: النكول معناه: رفض المدّعى عليه حَلف اليمين بعد توجيهها عليه في مجلس القضاء عند عدم وجود بيَّنة للمدعي. والقضاء بالنكول محل خلاف بين الأئمة رحمة الله عليهم. فعند أبي حنيفة وأحمد في أرجح قوليه وعليه المذهب (¬3) أنه لا تُرَد اليمين على المدَّعي ويُقضى بالنكول على المدعى عليه. وقال مالك رحمه الله تعالى: تُرَدّ اليمين على المدعي ويُقضى على المدّعى عليه بنكوله فيما يثبت بشاهد ويمين وشاهد وامرأتين وهي الأموال والحقوق. ¬

_ (¬1) رد المحتار جـ 4 ص 333. (¬2) الجمع والفرق ص 50، المجموع للعلائي لوحة 374 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 258، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 437. (¬3) المقنع جـ 3 ص 617.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: تُرَدّ اليمين على المدَّعي ويقضى على المدَّعى عليه بنكوله في جميع الأشياء (¬1). وهاتان القاعدتان تمثلان الرأيين المتقابلين. فمفاد القاعدة الأولى: أن القضاء بشهادة الزور نافذ ظاهراً وباطناً في العقود - كبيع ونكاح - وفي الفسوخ - كإقالة وطلاق - حيث كان المحل قابلاً، والقاضي غير عالم بزورهم، عند أبي حنيفة رحمه الله. وعند أبي يوسف ومحمد وزفرَ رحمهم الله تعالى تنفذ ظاهراً فقط وعليه الفتوى. - وهي من مسائل الخلاف - فكذلك القضاء بالنكول عندهم حكمه في النفاذ وعدمه حكم القضاء بشهادة الزور. وهذه القاعدة تمثل رأي الحنفية ومَن وافقهم. أما مفاد القاعدة الثانية: فهي تمثل رأي الشافعية في القضاء بالنكول وهو أن القضاء بالنكول ممنوع ولا يجوز، وتُرَدّ اليمين على المدعي مع شاهده؛ لأن الشافعي رحمه الله يعتبر نكول المدعى عليه عن اليمين وامتناعه عن أدائها إقراراً تقديرياً منه، ولذلك فهو يرد اليمين على المدَّعي مع شاهده (¬2). ¬

_ (¬1) الإفصاح جـ 2 ص 368. (¬2) ينظر الأم جـ 13 ص 199 مع الهامش.

ولكن الشافعية مع ذلك رأوا أنه يجوز الحكم بالنكول في مسائل عدُّوها. منها: إذا طولب صاحب المال بالزكاة، فقال: إني أدّيت الزكاة. فاستحلف فلم يحلف. قضي عليه بالزكاة. وفي سبب وجوب الزكاة عليه في هذه الصورة خلاف هل هو بالنكول أو بالوجوب بالسابق؟. ومنها: الذمي إذا غاب ثم عاد مسلماً وادعى أنه أسلم قبل تمام السنة، وأنكر عامل الجزية ذلك، يحلف الذمي، فإن حَلَف وإلا وجبت عليه الجزية بنكوله عن اليمين. ومنها: إذا مات مَن لا وارث له فادعى الحاكم على إنسان بدين للميت وُجِد في دفتره فأنكره المدّعى عليه فَحُلِّف فنكل، يحكم عليه بالمال. ومنها: إذا ادعى الأسير الصبي استعجال إنبات شعر العانة بالدواء فَيُحلَّف فإن حلف لم يقتل، وإن أبى ونكل عن اليمين قتل (¬1). والسبب في القضاء بالنكول في تلك المسائل أن المدَّعي غير محصور لكي تُرَدّ عليه اليمين. ¬

_ (¬1) وينظر في باقي المسائل: الروضة جـ 12 ص 48 - 50، والمجموع للعلائي لوحة 374، وقواعد الحصني جـ 4 ص 258 وأشباه السيوطي ص 504 - 505.

ثالثا: من أمثلة القاعدة الأولى ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة القاعدة الأولى ومسائلها: إذا ادعى رجل على امرأة نكاحاً أو ادعت عليه طلاقاً، وأشهدا على ذلك شاهدين - وكانا شاهدي زور - بغير علم القاضي بزورهما - فحكم القاضي بشهادتهما، فإنه عند أبي حنيفة رحمه الله: أن هذا القضاء نافذ ظاهراً وباطناً. ظاهراً: أن يسلم القاضي المرأة إلى الرجل ويقول لها: سلمي نفسك إليه فإنه زوجك، ويقضي على الزوج بالنفقة والقسم. وأما النفاذ باطناً: فإنه يحل للزوج وطؤها، ويحل لها التمكين فيما بينها وبين الله تعالى. ومستند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: قول علي رضي الله عنه في مثل هذه القضية "شاهداك زوَّجاك" (¬1). وذلك حينما طلبت منه المرأة المنكرة للنكاح أن يجدد نكاحها من الزوج المدعي، فلو لم ينفذ النكاح باطناً لما امتنع رضوان الله عليه من تجديد العقد عليها عند طلبها. وأما إذا ادعت المرأة طلاقاً وأشهدت على ذلك شاهدين - وكانا شاهدي زور بغير علم القاضي - فإن القاضي يفرق بينها وبين زوجها، ويوجب علي الزوج دفع مؤخر المهر إن كان، ويجوز لها أن تتزوج زوجاً غيره بعد انتهاء عدتها. ولو كان الزوج ¬

_ (¬1) هذا الأثر لم أعثر على مصدره بعد طول بحث.

أحد الشاهدين. والشاهدان إذا كانا مزورين يتحملان التبعة والإثم أمام الله سبحانه وتعالى. وأما القاضي فإنما له الحكم بالظاهر ويترك الحكم على السرائر إلى الله سبحانه وتعالى. والشاهد من المثالين أن حكم الناكل عن يمينه حكم هذين الشاهدين في أن نكوله يوجب جريان الحكم عليه ظاهراً وباطناً. ومنها: ادعى عليه جارية أنه اشتراها بكذا فأنكر، فَحُلِّف فنكل، فقُضِي عليه بالنكول، تَحِلُّ الجارية للمدعي ديانة وقضاءً كما في شهادة الزور.

القاعدة الحادية والخمسون [القضاء الضمني]

القاعدة الحادية والخمسون [القضاء الضمني] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء الضمني لا يشترط له الدعوى والخصومة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقضاء الضمني: أن يحكم بصحة شيء أو بطلانه ضمن شيء آخر تبعاً له ولا يكون هو مقصوداً بالحكم. فمفاد القاعدة: أن القضاء بشيء ضمن شيء آخر وتبعاً له لا يشترط في صحته وثبوته دعوى من مدَّع ولا خصومة أمام القضاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهدان على خصم بحق لغيره، وذكرا اسم المدّعى عليه واسم أبيه وجده، وقُضي بذلك الحق، كان هذا القضاء قضاء بنسب المدَّعى عليه ضمناً وتبعاً، وإن لم تكن الدعوى في حادثة النسب. ومنها: إذا شهدا بأن فلانة زوجة فإن وكَّلت زوجها المذكور ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 75 م عن الأشباه لابن نجيم ص 233.

في كذا على خصم منكر، وقُضِيَ بصحّة الوكالة كان قضاءً بالزّوجيّة بينهما. ومنها: إذا ادَّعى كفالةً على رجل بمال بإذنه - فأقر المدّعى عليه بالكفالة، وأنكر الدين، فبرهن المدّعي على الكفيل بالدين، وقُضِيَ على المدعى عليه بالكفالة، كان قضاء عليه بالكفالة قصداً، وعلى الأصيل الغائب بأصل الدين ضمناً.

القاعدة الثانية والخمسون [القضاء على الغائب]

القاعدة الثانية والخمسون [القضاء على الغائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء على الغائب لا يجوز إلا أن يكون ما يدَّعى به على الغائب سبباً لازماً لما يدَّعى به على الحاضر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القضاء على الغائب لا يجوز, لأنه ربما لو حضر لأثبت براءَته مما ادُّعي به عليه، ولكن إذا كان ما يدَّعى به على الغائب سبباً لازماً لما يدّعى به على الحاضر جاز القضاء على الغائب ضمناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما سبق ذكره في القاعدة السالفة: أن القضاء على الكفيل بصحة الكفالة يكون قضاء على الغائب بصحة الدين؛ لأن ثبوت كفالة الكفيل يعتبر دليلاً على ثبوت الدين على الأصيل الغائب, لأن الدين سبب لازم للكفالة، هذا إذا كانت الكفالة عامة أو بأمر الغائب. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 74 أ. والفرائد البهية ص 84. عن الخانية باب ما يقضي القاضي في المجتهدات جـ 2 ص 451.

القاعدة الثالثة والخمسون [صحة القضاء مع زوال سببه]

القاعدة الثالثة والخمسون [صحة القضاء مع زوال سببه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء متى اعتمد سبباً صحيحاً لا يبطل بعد ذلك وإن زال السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا قضى قاضٍ في دعوى معتمدة على سبب صحيح ثم زال ذلك السبب الذي بنيت عليه الدعوى فإن ذلك الحكم المقضي به لا يبطل بعد ذلك؛ لأن الدعوى إذا حكم بها على الوجه الشرعي لا تنقض ولا تعاد، ولأن القضاء بعد صدوره صحيحاً لا يبطل بإبطال أحد، إلا في مسائل ظهر فيها بطلانه (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادعى عليه داراً في يده وأقام البيِّنة على ملكيتها، فَحُكِمَ له بها وقبضها، ثم ظهر أنها مستحقة. فالحكم السابق لا ينقض، وإنما تؤخذ من يد مَن حكم له بها بحكم جديد، إلا إذا خالفت الدعوى النص أو الإجماع والقواعد أو القياس الجلي كما سبق بيانه، وأما الأدلة الضعيفة أو المشتبه بها فلا تؤثر في الحكم بعد ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 491 عن التحرير جـ 5 ص 416. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 243.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

نفاذه، وإلا لا يستقر حكم ولا يطمئن صاحب حق لثبوت حقه. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا أقر المقضي له ببطلان ما قضي له به - كمن ادّعى على شخص مالاً وأقام بيِّنة على ذلك فَحُكِم له بالمال، ولكنه بعد ذلك أقرّ بكذبه أو خطئِه، فإن الحكم يبطل ويرد المال لصاحبه إذا كان تسلَّمه المقضي له. ومنها: إذا ظهر أن الشهود عبيد أو محدودون في قذف بالبيِّنة، فإنه يبطل القضاء لكونه بني على بيِّنة غير صحيحة.

القاعدة الرابعة والخمسون [القضاء النافذ]

القاعدة الرابعة والخمسون [القضاء النافذ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القضاء النافذ لا يجوز إبطاله بدليل مشتبه (¬1). وفي لفظ: القضاء النافذ لا يجوز إبطاله بطريق المعارضة (¬2). وفي لفظ: القضاء متى أمكن تنفيذه ينفَّذ (¬3). وفي لفظ: نقض القضاء بطريق محتمل لا يجوز (¬4). وتأتي في قواعد حرف النون إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد لها صلة بالقاعدة السابقة - وإن كانت تلك تخص جانباً غير هؤلاء - المراد بالقضاء النافذ القضاء الصحيح الذي يطبق حكمه على مَن حُكم عليه أو عليهم. فمفاد هذه القواعد: أن هذا القضاء الصحيح بعد صدوره لا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 151، 154. (¬2) نفس المصدر جـ 16 ص 157. (¬3) القواعد والضوابط ص 491 عن التحرير جـ 3 ص 871. (¬4) المبسوط جـ 16 ص 154.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يجوز إبطاله بدليل أو حجة ضعيفة محتملة أو معارضة، وأن هذا الحكم يجب أن ينفَّذ متى أمكن تنفيذه، ولا يجوز تأخير التنفيذ عند الإمكان، وذلك لأنه - كما سبق القول غير مرة - أن الدعوى إذا تمت على وجه صحيح، وحكم الحاكم، أو قضى القاضي بما دلّت عليه الحجة الصحيحة، ونفذ الحكم عند إمكان تنفيذه أنه لا يجوز نقض هذا الحكم ولا إبطاله بمعارضته بخبر غير صحيح أو دليل أو دليل ضعيف، إلا إذا كان الحكم مبنياً على حجة باطلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقام رجل بيِّنة على أن فلاناً قتل أباه يوم كذا وقُضي له بالميراث والقصاص، ثم ادّعت امرأة أن أباه قد تزوجها بعد ذلك اليوم لم تقبل بيِّنتها للمعارضة. ومنها: إذا أقام رجل البيِّنة على نكاح امرأة بتاريخ وقضى القاضي له بذلك، ثم أقام آخر البيِّنة على نكاحه بتلك المرأة بذلك التاريخ أيضاً لم تقبل بيّنته، ولا يبطل القضاء الأول بذلك؛ لأن الأول قد تأيد بالسبق وبِالقضاء. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: ما سبق التمثيل له في القاعدة السابقة.

القاعدة الخامسة والخمسون [القضاء تال للوجوب]

القاعدة الخامسة والخمسون [القضاء تالٍ للوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء يتلو الوجوب ولا يسبقه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقضاء في هذه القاعدة: ما يراد بالأداء. يقال: قضى دينه: إذا أدّاه في وقته. ولهذا ساقها السرخسي. فمفاد القاعدة: أن أداء الدين وإعطائَه للدائن يكون تالياً وتابعاً لوجوب الدين في ذمة المدين؛ لأنه لو لم يجب الدين في الذّمّة لما وجب أداؤه. ويجوز أن يكون مدلول القاعدة أعمّ من ذلك: فيكون القضاء ما يقابل الأداء، وذلك في العبادات؛ فإن وجوب العبادة في الذمة سابق على وجوب قضاء الفائت منها. ويجوز أيضاً أن يكون القضاء بمعنى الحكم؛ لأن قضاء القاضي وحكمه إنما يكون مظهراً لوجوب الحق وأدائه لصاحبه، وذلك سابق على الحكم وقضاء القاضي. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 168.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استقرض رجل من آخر مالاً ثم جحد المدين الدين وظفر الدائن بجنس حقه فأخذه، صار مستوفياً حقه بطريق المقاصة. ومنها: إذا غصب رب السلم من المسلم إليه مقدار طعامه المسلم فيه - بعد ما حل أجل طعام السلم - كان مستوفياً حقه بطريق المقاصة؛ إذ كان آخر الدينين قضاء من أولهما. ومنها: من فاتته إحدى الصلوات الخمس حتى خرج وقتها فيجب عليه قضاؤها بناء على وجوبها السابق في ذمته. ومنها: إذا حكم قاض بوجوب أداء الدين على المدين الجاحد فإنما بنى حكمه على تعلق وجوب سابق في ذمة المدين أظهرته البيِّنة.

القاعدة السادسة والخمسون [القضاء مقصور]

القاعدة السادسة والخمسون [القضاء مقصور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القضاء يقتصر على المقضي عليه ولا يتعدى إلى غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القضاء إنما هو حكم للمدَّعي على المدَّعى عليه، ولذلك فالأصل أن الحكم مقصور على المدعى عليه ولا يتعداه إلى غيره؛ وهذا هو مفاد لفظ القاعدة، ولكن ليس ذلك على إطلاقه، بل إن القضاء الذي يقتصر أثره على المقضي عليه ولا يتعداه إلى غيره - إلا استثناءً - إذا كان قضاء بإقرار المدعى عليه واعترافه بالحق. وأما إذا كان الحكم والقضاء بالبيِّنة -أي الشهود - فإن الحكم يمكن أن يتعدى إلى غير المقضي عليه ممن له صلة بواقعة الحكم. ولكن مفهوم القاعدة - كما أراده ابن نجيم - أن القضاء إنما يقتصر على المقضي عليه ومن له صلة بواقعة الحكم ولا يتعدى إلى غِيره أي إلى كافة الناس. إلا فيما استثني. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادُّعي على شخص أنه قتل فلاناً من الناس وشهد الشهود بذلك فيحكم القاضي بالقصاص من القاتل إذا كان القتل عدواناً عمداً ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 219، وعنه ترتيب اللآلي لوحة 73، وقواعد الفقه ص 98.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

من مكافئ غير والد. ولا يتعدى الحكم إلى غير الجاني. ومنها: إذا عُرِف نسب شخص من آخر أو قضي له به فلا يجوز لأحد بعد ذلك أن يدعي مشاركته في هذا النسب بنفس الحكم أو الواقعة. ومنها: إذا ثبت نكاح رجل من امرأة ثبوتاً شرعياً فليس لأحد بعد ذلك أن يدعي نكاح نفس المرأة بنفس الواقعة. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا استحقت عين من يد وارث بقضاء ببيِّنة، كان قضاء على سائر الورثة والميت، فلا تسمع دعوى ببيِّنة وارث آخر فيكون حكماً على الجميع. ومنها: ولاء العتاقة إذا ثبت لشخص لا يمكن لأحد آخر أن يدعيه فكان حكماً على الجميع. ومنها: إذا حُكم بحبس امرأة بدين لشخص آخر عليها، فإن الضرر المترتب على حبسها يصيب زوجها وأبنائَها فقد تعدى أثر الحكم إلى غير المقضي عليه وهو المرأة.

القاعدة السابعة والخمسون [سقوط الوجوب]

القاعدة السابعة والخمسون [سقوط الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القطع بسقوط وجوب ما لم يعلم أهل الزمان وجوبه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب إنما يثبت في ذمة المكلف ويلزمه أداؤه إذا قام الدليل القاطع على ثبوته. فما لم يُعلَم دليل وجوبه لا يجب على أهل الزمان فعله. ولذلك فنحن نجزم بأن ما لم يعلم دليل وجوبه يسقط التكليف به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قامت الأدلة القاطعة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة - على المسلم - ولم يقم دليل على وجوب صلاة سادسة، فوجوب صلاة سادسة ساقط لأننا لم نعلم دليلاً موجباً لها. وقد قامت الأدلة على سقوط وجوب صلاة سادسة. ومنها: فرض الله عَزَّ وَجَلَّ على المسلم صيام رمضان - مع القدرة - ولم يقم دليل على وجوب صوم المحرم - مثلاً - فوجوب صوم المحرم ساقط لعدم قيام الدليل على ذلك. ¬

_ (¬1) الغياثي ص 338.

القاعدة الثامنة والخمسون [قطع المنازعة]

القاعدة الثامنة والخمسون [قطع المنازعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قطع المنازعة واجب ما أمكن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنازعة: مفاعلة من نازع ينازع أي: خاصم يخاصم - ولا تكون إلا بين اثنين - فالمنازعة: المخاصمة والاختلاف. فمفاد القاعدة: أن إزالة المخاصمة وإصلاح ذات البين بين المسلمين واجب على مَن يقدر على ذلك بحسب الإمكان. والدليل قوله تعالى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (¬2). والأمِر للوجوب والإصلاح مطلوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تخاصم اثنان أو فئتان أو طائفتان بسبب أرض أو أموال أو مواريث فواجب على ذوي الحل والعقد ومَن يمكنه إزالة الخصام وإيجاد الاتفاق وإصلاح ذات البين أن يسعوا إلى قطع تلك المنازعة وإلى الإصلاح والتوفيق بين المتنازعين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 62. (¬2) الآية 1 من سورة الأنفال.

ومنها: إذا ادّعى شخص على آخر وديعة أودعها إياه، وأنكر المودَع - ولم يكن للمودِع بيِّنة على الوديعة - ففي هذه الحالة الصّلح جائز بينهما - كدعوى الدين عند إنكار المدين، وعجز المدعي عن البيِّنة -؛ لأن المقصود من الصلح قطع المنازعة، "وقطع المنازعة واجب ما أمكن".

القاعدة التاسعة والخمسون [حكم القلب]

القاعدة التاسعة والخمسون [حكم القلب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القلب حَكَمٌ فيما ليس فيه دليل ظاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقلب هنا: الإحساس الداخلي للإنسان بأن ما يقوله شخص آخر أمامه أو يفعله إنه صادق فيه أو كاذب، مخلص أو مخادع. أو هو غلبة الظن وأكبر الرأي عندما لا يوجد دليل ظاهر يوجب العمل، فغلبة الظن حينئذ حَكَم ودليل في ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل عسكر من المسلمين أرض الحرب فأُخبِرُوا أن المشركين أتوا بعض أرض المسلمين أو بعض ثغورهم، فإن خاف أهل العسكر على أهل الثغر أنهم لا يستطيعون مقاومة العدو، وكان أكبر رأيهم وغلَبة ظنِّهم أنه ليس بقربهم أحد من المسلمين يعينهم فالواجب على العسكر أن يرجعوا عن غزوهم ليدافعوا عنهم؛ لأن الدفاع عن أهل الثغر فرض عين ودخول دار العدو نافلة، أو فرض على الكفاية. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2239 وعنه قواعد الفقه ص 98.

ومنها: إذا حُمِل سارق إلى حاكم بأنه سرق، وادعى السارق أن ما أخذه هو مال له، أو وديعة عند مَن أخذ منه - وليس عنده بيِّنة على ذلك - ولكن إذا غلب على ظن القاضي أو الحاكم أن هذا الشخص صادق فيما يدعيه وأن مَن اتهمه بالسرقة ظالم له، فإنه لا يجوز له أن يقطعه؛ لأن دعواه أن ما أخذه هو مال له شبهة قوية في إسقاط الحد عنه، وعلى القاضي أن يبحث في صدق دعواه.

القاعدة الستون [القهر]

القاعدة الستون [القهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القهر يوجب الملك في محل مباح لا محل معصوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القهر: هو الغَلَبة. فمفاد القاعدة: أن التغلب على الخصم والانتصار عليه إنما يوجب الملك للغالب فيما يملك المغلوب إذا كان المحل - أي المتغلَّبُ عليه - مباحاً، كالكافر الأصلي، ولكن لا يجوز أن يكون القهر موجباً لملك معصوم كالمسلم وماله، والذمي وماله في دار حرب تغلب عليها المسلمون. فالمسلم يعصم ماله ودمه بإيمانه، والذمي يعصم ماله ودمه بأمانه وعهده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تغلب المسلمون على بلد من بلدان المشركين فوجدوا فيها امرأة مع أولادها الصغار، فقالت: إنها امرأة فلان المسلم وهؤلاء أولاده منها، وقامت البيِّنة على ذلك، فالمرأة وأولادها أحرار لا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 142.

يجوز استرقاقهم؛ لأن المسلم معصوم الدم والمال حيثما وجد. وكذلك لو ادّعت أنها امرأة ذمي؛ لأن المرأة تابعة لزوجها. ومنها: إذا أسلم حربي في دار الحرب، وله أولاد صغار كانوا مسلمين بإسلامه، فإن خرج إلينا وخلَّفهم كانوا مسلمين على حالهم، ولو تغلب المسلمون على هذه الدار فالأولاد أحرار لا سبيل عليهم؛ لأنهم مسلمون معصومون.

القاعدة الحادية والستون [قوة السبب]

القاعدة الحادية والستون [قوة السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قوة السبب توجب الترجيح (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأسباب الموجبة للأحكام مختلفة، وبعضها أقوى من بعض. فمفاد القاعدة: أنه عند تعارض الأسباب بدون مرجحات فإن السبب الأقوى للحكم يكون راجحاً ومقدماً على السبب الأضعف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ولاية النكاح تكون للأقرب عصوبة، فالأخت - عند عدم الأب - وليها أخوها، فإن كان لها أخوان: أحدهما: شقيق من أب وأم، والآخر من الأب، فإن الأخ من الأب والأم أقوى، فيقدم، وهو الأولى بميراثها ونكاحها لقوة السبب المدلي به. ومنها: إذا استحق اثنان الشفعة وأحدهما شريك والآخر جار فيقدم الشريك على الجار في استحقاق الشفعة عند التعارض لقوة الاتصال. عند مَن يرون أن الجار له حق الشفعة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 96، القواعد والضوابط ص 491 عن التحرير جـ 5 ص 333

القاعدة الثانية والستون [القود]

القاعدة الثانية والستون [القوْد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القوْد سبب لوجوب الضمان (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القوْد: هو الجرُّ من أمام بحبل أو غيره، والسوق من الخلف. فمفاد القاعدة: أنه إذا وجد قائد يقود حيواناً أو سيارة أو غير ذلك فإن قيادته تلك تكون سبباً لثبوت الضمان في ذمته إذا أتلف الحيوان أو السيارة شيئاً لغيره سواء كان يعلم بذلك أو لا يعلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قاد شخص قطار إبل فأتلفت بسيرها مالاً أو متاعاً لغيره فعلى قائد القطار ضمان ما أتلفت سواء علم بذلك أم لم يعلم؛ لأنه قائد. ومنها: إذا ركب سيارة وقادها في الطريق فأصابت إنساناً أو حيواناً أو مالاً فعليه ضمان ما أتلفت؛ لأنه قائدها. ومنها: إذا كانت سيارة محملة بالأمتعة أو البضائع فسقط ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 4.

منها شيء أثناء سيرها فقتلت إنساناً أو أتلفت مالاً أو عثر بها إنسان فتضرر فالضمان على القائد؛ لأن هذا مما يمكن التحرز منه بأن يربط الأمتعة أو البضائع ويحسن شدها على السيارة على وجه لا يسقط منها شيء، وإنما يسقط لتقصير كائن من صاحب السيارة، فلذلك فهو ضامن.

القاعدة الثالثة والستون [قول الإنسان]

القاعدة الثالثة والستون [قول الإنسان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قول الإنسان مقبول شرعاً فيما يخبر به عما في باطنه مما لا يعلمه غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى؛ فإن باطن الإنسان وما في ضميره لا يعلمه غيره إلا الله سبحانه وتعالى. فإذا هو أخبر عن نفسه بأمر باطني فإن قوله هذا مقبول شرعاً وتبنى الأحكام؛ لأنه لا طريق لنا إلى معرفة ما في ضميره إلا ما يقوله بلسانه. ولكن عند الشك في صدق قوله يجب الاحتياط والتدبر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخنثى المشكل الذي لم يتضح أمره في صغره إذا بلغ واحتلم كما يحتلم الرجال فهو رجل، وقوله مقبول في ذلك؛ لأن هذا أمر في باطنه ولا يعلمه غيره. وأما إذا رأى حيضاً كما ترى النساء فهو امرأة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 104.

ومنها: إذا اشتُبِه في أمر إنسان دخل الحدود وليس عليه سيماء المسلمين ولا المشركين، فإنه يُسأل عن اسمه ونسبه فيقبل منه ظاهراً؛ لأن هذا لا يعرف إلا من قِبَله، ثم يحتاط منه ويراقب حتى يتأكد الإمام من شخصه وبلده وحاجته من دخول البلد.

القاعدة الرابعة والستون [قول الصبي]

القاعدة الرابعة والستون [قول الصبي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قول الصبي هدر فيما يُلْزِمه الغرم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصبي: هو الصغير دون البلوغ، ذكراً كان أو أنثى، وهو لا يعقل تصرفاته لعدم كمال عقله. وتصرفاته القولية إما أن تكون فيما يصلحه وينفَعه، وإما فيما يضره، فتصرفاته القولية النافعة له تكون مقبولة. ومفاد القاعدة: أن تصرفات الصغير القولية فيما يضره ولا ينفعه أو تلزمه غرماً وضماناً مالياً فهي غير مقبولة، وقوله فيها لا يلتفت إليه. بخلاف تصرفاته الفعلية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال صبي: إنه استدان من فلان مالاً وأتلفه، أو أن فلاناً أودعه وديعة فأتلفها، فقوله هذا ساقط ولا ضمان عليه؛ لأن صاحب المال وصاحب الوديعة هما اللذان سلطاه على المال والوديعة فيتحملان مسؤوليتهما. ولا ضمان على الصغير. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 185.

لكن إذا أتلف الصغير مالاً لغيره، أو قتل شخصاً أو حيواناً فعليه في ماله ضمان ما أتلف، إلا القتل فإن الدية على العاقلة. ومنها: إذا أمر الصبي الحر صبياً حراً آخر مثله بأن يقتل إنساناً فقتله، فإن الدية على عاقلة القاتل، وليس على الصبي الآمر شيء. ومنها: إذا أمر رجل صبياً فقتل رجلاً، كانت الدية على عاقلة الصبي كمباشرته القتل باختياره، ولكن يرجعون بها على عاقلة الآمر (¬1)؛ لأن الآمر - وهو رجل هنا بخلاف المسألة السابقة - جانٍ في استعماله الصبي وأمره إياه بالقتل، وهو الذي تسبب في وجوب الضمان على عاقلة الصبي، فثبت لهم حق الوجوع بها على عاقلته. ¬

_ (¬1) ينظر جامع أحكام الصغار للأسروشني ص 182.

القاعدة الخامسة والستون [قول ذي اليد - تعيين الملك]

القاعدة الخامسة والستون [قول ذي اليد - تعيين الملك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القول في تعيين الملك قول ذي اليد، أميناً كان أو ضامناً (¬1). وفي لفظ: القول قول القابض (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ذو اليد: صاحب اليد وهو مَن كان بيده وتحت تصرفه المبيع أو الوديعة أو الرهن، فعلاً أو حكماً، وهو القابض. فمفاد القاعدة: أنه إذا وقع اختلاف في تعيين الملك المبيع فإن القول في تعيينه قول صاحب اليد مع يمينه، سواء كان أميناً - كالمودَع - أم ضامناً - كالمرتهن؛ وكان القول قول صاحب اليد لأنه متمسك بالظاهر والأصل وهو براءته من الضمان أو ما زاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شخص سلعة لشخص آخر بشرط الخيار للبائع أو المشتري وقبض المشتري السلعة، ثم أراد صاحب الخيار رد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 62. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 76 ب والفرائد ص 55 عن الخانية.

المشتَرَى، وعند الرد قال البائع: هذه السلعة ليست هي التي بعتكها وتسلمتها. وأنكر المشتري أن تكون غيرها - ولا بيِّنة للبائع - فالقول قول المشتري مع يمينه أنها السلعة التي وقع العقد عليها. ومنها: إذا باع خادماً بشرط الخيار للبائع أو المشتري، وقبض المشتري الخادم، ثم أظهر البائع عدم الرضا أو أراد المشتري رد الخادم فقال البائع: هذه ليست بخادمي التي اشتريت ولا بيِّنة لأحدهما - فالقول قول المشتري مع يمينه أنها خادمته التي وقع العقد عليها. ومنها: إذا أودع شخص وديعة عند شخص آخر، ولما أراد أن يسترد المودِع وديعته أخرجها له المودَع، فقال المودِع: هذه ليست وديعتي التي أودعتكها، وأنكر المودَع. فعلى المودِع البيِّنة أنها ليست وديعته التي أودعها، وإن لم تكن له بيِّنة فعَلى المودَع اليمين أنها وديعته بعينها وليست غيرها، والقول له في ذلك مع يمينه.

القاعدتان السادسة والستون والسابعة والستون [شهادة الأصل والظاهر]

القاعدتان السادسة والستون والسابعة والستون [شهادة الأصل والظاهر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القول في المنازعات قول مَن يشهد له الظاهر (¬1). وفي لفظ: القول قول المنكر الذي يشهد له الظاهر مع يمينه (¬2). وفي لفظ: القول قول من يتمسك بالأصل مع يمينه (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق معنى المنازعة ومعنى الظاهر. فعند التنازع والاختلاف ورفع الأمر للقضاء فإن إثبات أو نفي المدّعى به يدور بين أمرين: البيِّنة من المدعي - وهي الشهود - لإثبات ما يدعيه عند إنكار خصمه المدّعى عليه، والأمر الثاني: يمين المدّعى عليه عند إنكاره ما يدَّعى به عليه مع عدم وجود بيِّنة للمدعى. هذا هو الأصل. ولكن في أحيان كثيرة قد يكون كل من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 23، شرح السير ص 1115. (¬2) المبسوط جـ 12 ص 91، وشرح السير ص 2022. (¬3) المبسوط جـ 22 ص 43، شرح السير ص 342 وعنه قواعد الفقه ص 98.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

الخصمين مدّعياً ومدّعى عليه ففي هذه الحالة - وعند عدم وجود بيِّنة لأحدهما، فلا بد من توجيه اليمين على أحدهما، ولا توجّه اليمين إلا على مدّعى عليه مُنكر. فالمدّعى عليه هو مَن يتمسك بأصل أو يشهد له ظاهر الحال، فيكون القول قوله مع اليمين وعلى خصمه البيِّنة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: اختصم شخصان في ملكية بعض الكتب - وأحدهما طبيب والآخر قاض أو إمام أو عالم شرعي - والكتب منها ما هو مختص بالطب ومنها ما هو شرعي أو لغوي، وادعى كل منهما ملكيتها، - ولا بيِّنة لأحدهما - فإنه عند الحكم يكون القول قول الطبيب مع يمينه فيما هو مختص بالطب، والقول قول القاضي مع يمينه فيما هو من كتب الشرع كالفقه والتفسير والحديث. ومنها: إذا اختلف الرجل والمرأة في ملكية متاع البيت فإن ما كان من شأن النساء فهو للمرأة، وما كان من شأن الرجال فهو للرجل، وما كان مشتركاً بينهما فلِمَن يقيم البينة أو بحسب العرف والعادة، فما جرت العادة بملكية الرجل له فهو للرجل، وما جرت العادة بملكية المرأة له فهو للمرأة. ومنها: إذا دفع إليه ألف دينار وقال: خذ هذه الألف مضاربة بالثلث أو بالخمس أو بالثلثين، فأخذها وعمل بها فهي مضاربة

جائزة، وما شرطه من ذلك فهو للمضارب، وما بقي لرب المال؛ لأن المضارب هو الذي يستحق الربح بالشرط. فأما لرب المال فإنما يستحق الربح باعتبار أنه بما ملكه، فمطلق الشرط ينصرف إلى جانب مَن يحتاج إليه، وعرف الناس يشهد بذلك، وإذا قال رب المال: عنيت الثلثين لي. لم يصدَّق لأنه يدعي خلاف الظاهر المتعارف. ومنها: إذا خرج عبيد لأهل الحرب إلى دار الإسلام وقالوا: إنهم كانوا عبيداً للكفار وخرجوا هرباً منهم مراغمين لهم ليكونوا ذمة للمسلمين، فهم أحرار لا سبيل لمواليهم عليهم، وإن قدم مواليهم فزعموا أنهم أذنوا لهم في الخروج إلى دار الإسلام للتجارة، فالقول قول الموالي؛ لأنهم متمسكون بما هو الأصل؛ لأنهم تصادقوا أنهم كانوا مملوكين لهم، ولا يصدق العبيد أنهم خرجوا مراغمين لهم إلا ببيّنة. ومنها: إذا وهب رجل لرجل متاعاً ثم قال: إنما استودعتك إياه. فالقول قول صاحب المتاع مع اليمين؛ لأن المستودَع يدّعي تملك العين بالهبة، وصاحب المتاع منكر، فعلى المستودع البينة لإثبات السبب، وعلى المنكر اليمين، فإذا حلف أخذ المتاع، وإن كان هالكاً فالمستودَع ضامن للقيمة.

ومنها: إذا اختلف المضارب ورب المال في الإطلاق والتقييد، فقال المضارب: أطلقت. وقال رب المال: قيدت المضاربة بنوع من التجارة أو ببلد أو سوق بعينه. فالقول قول المدعي لإطلاق العقد؛ لأن الأصل في المضاربة الإطلاق لا التقييد - عند الحنفية - وعلى المنكر للإطلاق البيّنة لأنه مدع ومتمسك بخلاف الأصل. ومنها: إذا ادعت امرأة على زوجها أنه طلقها ثلاثاً. فقال الزوج: أصابني وجع أو جنون أذهب عقلي، فكان ذلك مني في هذه الحال - فإن لم يعرف أن ذلك أصابه - كان القول قولها. وأما إن عُرِف أن ذلك أصابه وشهد الشهود أنهم رأوه مجنوناً مرة، فالقول قوله؛ لأن القول قول المنكر الذي يشهد له الظاهر - وقد شهد له الظاهر أنه قد جُنَّ مرة فهي إذاً حالة معهودة تنافي الفرقة. فكان مقبول القول في ذلك مع يمينه.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والستون [قول الأمين]

القاعدتان الثامنة والتاسعة والستون [قول الأمين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القول قول الأمين في المحتمل مع اليمين (¬1). وفي لفظ: القول قول الأمين مع اليمين، من غير بيِّنة، إلا إذا كذَّبه الظاهر (¬2). من حقيقة أو عادة (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الأمين مَن لا يضمن كالمودَع والمستعير والمضارب أو كان ضامناً كالمرتهن والمشتري وله الخيار وأشباه ذلك. فمفاد هاتين القاعدتين: أنه عند وجود احتمال الصدق في سبب هلاك المدَّعى به ولا توجد بيِّنة للمدعي تؤيد دعواه - فإن القول قول الأمين مع يمينه, لأنه يدفع عن نفسه ضمان التلف بإنكاره التسبب في الهلاك، أو إنكاره تغير السلعة كما مر قريباً. لكن هذا مشروط بأن لا يكذبه ظاهر الحال أو حقيقة الأمر أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 218، 226. (¬2) المبسوط جـ 2 ص 161، جـ 15 ص 161، أصول الكرخي ص 12، وشرح السير ص 1905 وص 872، والمبسوط جـ 11 ص 113. وأشباه ابن نجيم ص 275. (¬3) القواعد والضوابط ص 491 عن التحرير جـ 4 ص 1276.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلها

العادة؛ لأنه إذا ظهر كذبه فإن الضمان عليه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلها: ادعى المودَع أن الوديعة قد سرقت مع مال له، أو وحدها، مع عدم تقصيره في حفظها، والمودِع ينكر ذلك ويتهمه باستهلاكها أو إتلافها. فالقول قول المودَع مع يمينه فيما يدعيه، ولأنه متمسك بالأصل وهو براءَة الذمة من الضمان. ومنها: إذا ادعى المضارب عدم الربح في مال المضاربة، أو ادعى سرقته أو حرقه، ورب المال يدعي عليه ضمان ماله، فالقول قول المضارب مع يمينه، لكن إذا كذبه الظاهر بأن ظهر عليه علامات الغنى كأن اشترى داراً فخمة أو سيارة ولم يعلم له مال آخر، ففي هذه الحالة يكون القول قول رب المال وعلى المضارب البيِّنة بعدم الربح أو بسرقة المال أو حرقه. ومنها: إذا استأجر راعياً فعطبت شاة من الغنم أو أكلها السبع في المرعى. فالراعي مصدق مع يمينه؛ لأنه أمين فيما في يده - هذا إذا كان أجير واحد - أما إذا كان أجيراً مشتركاً فهو ضامن لما يهلك بفعله، أو بغير فعله إلا الموت عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله. ومنها: إذا ادعى المستعير تلف الإناء المستعار أو السيارة المستعارة بغير تعدًّ منه أو تقصير أو خطأ متعمد، فإن على المعير

المدعي البيِّنة بأن المستعير أتلف المستعار، وإلا فالقول قول المستعير مع يمينه. لكن إذا كذب الواقع المستعير وثبت أنه مسؤول عن تلف السيارة المستعارة بمخالفته أنظمة المرور فإنه يضمن قيمة السيارة غير تالفة.

القاعدة السبعون [قول المتعنت]

القاعدة السبعون [قول المتعنت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قول المتعنت غير مقبول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتعنت: هو المتشدد. مِن عَنَّت يعنَّت، والعَنَت: الخطأ، والمشقة، والزِنَى، والأذى، يقال: أوقعه في العنت: أي الأذى. ومفاد القاعدة: أن المتعمد للمشقة والأذى والضرر لصاحبه، فقوله غير مقبول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلف المزارع مع رب الأرض في نصيب كل منهما، فقال المزارع: شرطت لي النصف. وقال رب الأرض: شرطت لك النصف وعشرة أقفزة. فالقول قول العامل؛ لأنهما اتفقا على اشتراط النصف، ثم ادعى رب الأرض زيادة على ذلك ليفسد العقد ويبطل استحقاق العامل، لا ليثبت حقه فيما أقر به؛ وذلك لأن المزارعة تفسد إذا اشترط فيها شيء معلوم للمزارع أو رب الأرض. فرب الأرض يريد بإقراره بالزيادة على النصف إفساد العقد من أصله. والمزارع يدعي صحة العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 93.

القاعدة الحادية والسبعون [قول المتهم]

القاعدة الحادية والسبعون [قول المتهم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قول المتَّهم لا يكون حجة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتَّهم: مفتعل، اسم مفعول من التهمة وهي: الشك والريبة والظن السِّيّئ. يقال: اتهمته: ظننت به سوءاً، فهو تهيم (¬2). وظنين. فمفاد القاعدة: أن الشخص المظنون به السوء لا يكون قوله معتبراً فيما اتُّهم به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد المسلمون حربياً - أي عدواً محارباً - في دار الإسلام فأخذوه. فقال: دخلت بأمان. لم يصدق؛ لأنه صار مأخوذاً مقهوراً بِمَنَعة الدار، فهو متّهم فيما يدعي من الأمان. إلا أن يثبت أمانه بالبيِّنة من المسلمين. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 295. (¬2) المصباح مادة "تَهم".

ومنها: إذا قبض على سارق ومعه المتاع الذي سرقه. ثم قال: ما سرقته وإنما اشتريته من صاحبه. فهو لا يصدق في دعواه هذه؛ لأنه متهم وقول المتهم لا يكون حجة. إذا شهد اثنان أنه اشتراه، أو جاء البائع وقال: ابتاعه مني، أُطلِقَ ولم يعاقب.

القاعدتان الثانية والثالثة والسبعون [قول الأمين - الضمان]

القاعدتان الثانية والثالثة والسبعون [قول الأمين - الضمان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة قول المرء مقبول فيما هو أمين فيه لنفي الضمان عنه، فأما في إسقاط الضمان الواجب عليه فهو غير مقبول (¬1). وفي لفظ: القول قول الأمين في براءَته عن الضمان. لا في استحقاق الأمانة لنفسه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان ذات شقين، الأول: له ارتباط وصلة بقواعد سبقت وهي التي تفيد أن الأمين قوله مقبول فيما هو محتمل مع يمينه، وذلك لنفي الضمان عنه. ينظر القاعدتان 68، 69. ولكن الشق الثاني: يفيد أن قول هذا الأمين غير مقبول إذا أراد بقوله إسقاط ضمان واجب عليه، أو استحقاق الأمانة لنفسه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا مات أحد شريكي المفاوضة - وبيده وديعة - ولم يبيِّن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 190. (¬2) المبسوط جـ 22 ص 187.

عند موته - فيلزم الشريك الحي الضمان. فإذا ادعى أنها هلكت أو ضاعت في يد المستودَع - وهو شريكه الميت - فلا يصدق في قوله هذا؛ لأنه يريد إسقاط الضمان الواجب عليه؛ لأن الوديعة ضمن مال الشركة؛ لأن الضمان في شركة المفاوضة عليهما جميعاً. ومنها: إذا ادعى صاحب مغسلة - وهو أجير مشترك - ضياع أو تلف أو سرقة ثياب لبعض عملائه، فهو ضامن لما تلف أو ضاع أو سرق، وقوله هذا غير مقبول لأنه يريد إسقاط الضمان الواجب عليه. ومنها: إذا ادعى الأمين ضياع الوديعة أو سرقتها وحلف اليمين على ذلك، وأنكر المودِع الضياع أو السرقة، فإن الأمين يسقط عنه ضمانها بيمينه، ولكن إن وجدت الوديعة بعد ذلك، أو أعادها السارق فلا يستحق الأمين الوديعة بدعوى أنه حلف اليمين، بل لا بد من ردها على صاحبها. ومنها: إذا عمل الوصي بمال اليتيم فربح، وقال: عملت به مضاربة - ولم يُشهد قبل العمل أنه عمل به مضاربة - فهو لا يصدق والمال كله لليتيم؛ لأنه نماء ماله. وأما إن أشهد قبل العمل فالربح بينهما.

القاعدة الرابعة والسبعون [قول المناقض]

القاعدة الرابعة والسبعون [قول المناقض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قول المناقض غير معتبر في حق غيره، ولكنه معتبر في حقه (¬1). وفي لفظ: المناقض لا قول له في حق غيره، ولكن التناقض لا يمنع إلزامه حكم كلامه (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما. المناقض: مفاعِل من نقض إذا نكث وهَدَم .. والمراد به هنا: مَن يغيِّر كلامه آخراً ليهدم ما ذكره أوّلاً. فهو كمن ينقض البناء ويهدمه بعد تمامه. أو مَن ينقض الغزل بعد غزله. فمفاد هاتين القاعدتين: أن هذا المناقض المغيِّر لا يعتبر قوله في حق غيره، ولا يبنى عليه حكم. ولكن تناقضه لا يمنع إلزامه بحكم كلامه الأول وإهمال كلامه الآخر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 62. (¬2) المبسوط جـ 16 ص 178.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اقتسم القوم داراً ميراثاً عن الميت وله امرأة أقرَّت القسمة, وأصابها الثُّمن، وعزل لها على حدة، ثم ادّعت أن الثُّمن صداقها، أو كان ديناً على الميت فإنه لا يقبل ذلك منها؛ لأنها لما ساعدتهم على القسمة فقد أقرت أثها كانت للزوج عند موته وصارت ميراثاً فيما بينهم، فهي مناقضة؛ لأن الصداق أو الدين يجب إخراجه من التركة قبل القسمة. ومنها: إذا شهد شاهدان أن فلاناً سارق وأخذ بشهادتهما فقطعت يده. ثم جاءا بآخر وقالا: إنه هو السارق وليس الأول. لا تقبل شهادتهما في حق الآخر، ويلزمان دية يد الأول للتناقض. ومنها: إذا أقر المشتري نصيب أحد الورثة ووقوع القسمة، ثم أراد شر اء نصيب وارث آخر فأنكر هذا الوارث الثاني وقوع القسمة، فيكون البيع واقعاً على نصف الوارث البائع، والنصف الآخر نصيب الوارث الآخر فيتخير المشتري إن شاء أخذ نصف قسمه بنصف الثمن، وإن شاء ترك لتفرق الصفقة عليه.

القاعدة الخامسة والسبعون [قول الواحد - حقوق العباد]

القاعدة الخامسة والسبعون [قول الواحد - حقوق العباد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قول الواحد العدل حجه في حقوق العباد للتنزه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواحد العدل: أي الشخص الواحد المقبول الشهادة. التنزه: البعد عن الريبة. فمفاد القاعدة: أن قول الشخص الواحد المقبول الشهادة يكون حجة ومعتبراً فيما يتعلق بحقوق العباد - ليس على سبيل الوجوب - وإنما على سبيل الاستحباب، للبعد عن الريبة والتنزه عن المشتبه في تحريمه ونجاسته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان بيد رجل طعام وأذن لغيره بالتناول منه، فأخبره عدل أن ذلك الطعام مغصوب - والذي بيده ينكر الغصب ويزعم أنه له - إن تنزه المأذون له في الأكل ولم يأكل كان أفضل، وإن لم يتنزه كان في سعة من ذلك. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 197 عن الخانية فصل ما يقبل فيه قول الواحد جـ 3 ص 414.

ومنها: إذا جاء عبد أو صبي لرجل بشيء. وقال: هو لك هدية أرسله فلان. جاز له أن يقبله إن غلب على ظنه أنه صادق. وإلا ردّه؛ لأن خبر الواحد ولو كان عبداً أو صبياً يقبل في المعاملات كما سبق في قواعد حرف الخاء تحت رقم 12.

القاعدة السادسة والسبعون [قول الواحد وخبره - الديانات - حق الله تعالى]

القاعدة السادسة والسبعون [قول الواحد وخبره - الديانات - حق الله تعالى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قول الواحد العدل مقبول في الديانات (¬1). وفي لفظ: حق الله تعالى يثبت بخبر الواحد. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالديانات: حق الله سبحانه وتعالى - كما هو مفسر في القاعدة الثانية. فمفاد القاعدتين: أن قول الشخص الواحد العدل وخبره مقبول ومعتبر فيما يتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى كالإخبار بالحل والحرمة والطهارة والنجاسة. ولا يشترط فيه ذكورة ولا حريّة. وينظر قواعد حرف الخاء رقم 6، 7، 8. وحرف الحاء رقم 35. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: مسلم اشترى لحماً وقبضه، فأخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي أو علماني أو شيوعي أو زنديق، فإنه لا يجوز له أن يأكل ولا يطعم غيره منه؛ لأن المخبر أخبره بحرمة العين؛ لأن ذبيحة هؤلاء ميتة لا يجوز تناولها. ومنها: مسافر حضرته الصلاة ولم يجد ماءً إلا في إناء ¬

_ (¬1) الفرائد ص 196 عن الخانية فصل ما يقبل فيه قول الواحد جـ 3 ص 415.

فأخبره رجل عدل ولو عبداً أن نجس، فليس له أن يتوضأ منه. وأما إن كان المخبر فاسقاً أو مستوراً فله أن يتوضأ منه, لأن قول الفاسق غير مقبول في الديانات، والمستور فيه خلاف. ومنها: إذا دخل رجل على قوم من المسلمين يأكلون طعاماً ويشربون شراباً فدعوه إليه، فقال له رجل ثقة منهم عرف: هذا لحم ذبيحة مجوسي وهذا شراب خالطه خمر. وقال الذين دعوه: ليس الأمر كما قال بل هو حلال. فإن كان المخبرون عدولاً لا يلتفت إلى قول الواحد الذي أخبر بالحرمة. وإن كانوا متهمين أخذ بقول الواحد، ولا يسعه أن يتناول شيئاً من ذلك سواء كان المخبر حراً أم عبداً ذكراً أم أنثى، وأما إن كان في القوم رجلان ثقتان فإنه يأخذ بقولهما. ومنها: رجل تزوج امرأة فأخبره ثقة مسلم - رجل أو امرأة - أنهما ارتضعا من امرأة واحدة. فيستحب أن يتنزه فيطلقها، ويعطيها نصف المهر إن لم يكن قد دخل بها، والمهر كله إن كان قد دخل بها. والتنزه هنا احتياطاً لمكان حرمة الوطء، وإن لم يطلقها ولم يتنزه وسعه ذلك لأن ملك النكاح لا يبطل بهذه الشهادة.

القاعدة السابعة والسبعون [صحة العقد]

القاعدة السابعة والسبعون [صحة العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القول قول مدعي صحة العقد دون فساده (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أمثلة لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة بلفظ "الأصل في العقود الصحة" القاعدة رقم 275. ومفادها: أن الأصل في العقود أن تبنى على الصحة لا على الفساد - وهذا من حسن الظن بالمسلمين - لأن المسلم لا يحل لنفسه أن يبني معاملاته على البطلان والفساد؛ لأنه يعلم عدم حل ذلك، فإذا عَقَدا عَقْداً واختلفا في صحته وفساده فالقول مع اليمين قول مدعي صحة العقد؛ لأنه متمسك بالأصل والظاهر. وعلى مدعي الفساد البيَّنة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلفا في صفة سلامة المبيع، فالقول لمدعي السلامة مع يمينه؛ لأن العيب عارض والسلامة أصل وظاهر، والقول لمن يتمسك بالأصل والظاهر مع يمينه، وعلى الآخر البينة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 253.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قالت المرأة: وقع العقد بغير ولي ولا شهود، وأنكر الزوج. قالوا: القول قولها مع اليمين؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد؛ لأن إنكارها الولي والشهود إنكار لأصل العقد.

القاعدة الثامنة والسبعون [القوي - الضعيف]

القاعدة الثامنة والسبعون [القوي - الضعيف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: القوي ينوب عن الضعيف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا اجتمع سببان قوي وضعيف - فقد سبق القول: إن الضعيف لا يظهر في مقابلة القوي. وفي قاعدتنا هذه أن القوي ينوب عن الضعيف. وعلى ذلك فالضعيف لا يظهر في مقابلة القوي ولا معه؛ لأنه لا يجتمع النائب والمنوب عنه معاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان يصلي فقرأ في صلاته آية سجدة وسمعها من قارئ بجواره، فإنه لا يسجد إلا سجدة واحدة للسجدة التي قرأها في صلاته، ولا يسجد للسماعية؛ لأن الصلاتية - أي السجدة المقروءة في الصلاة - أقوى من ناحيتين: أنها في الصلاة، وأنها تلاوته هو. والسماعية أضعف. فنابت عنها الصلاتية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 11.

القاعدتان التاسعة والسبعون والثمانون [قياس المنصوص]

القاعدتان التاسعة والسبعون والثمانون [قياس المنصوص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قياس المنصوص على المنصوص باطل (¬1). عند الحنفية. وفي لفظ مقابل: قياس المنصوص على المنصوص جائز (¬2). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تمثلان وجهتي نظر مختلفتين فيما يتعلق بقياس النصوص. فعند الحنفية: أن المنصوص لا يقاس على المنصوص؛ لأن لكل منصوص حكم نفسه، ولا يبحث فيه عن العلة إلا إذا أريد قياس غير منصوصٍ على المنصوص. وعند الشافعي رحمه الله تعالى: أنه يجوز قياس منصوص على منصوص آخر في حكمه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 84، 93، 113. (¬2) المبسوط جـ 26 ص 68.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قتل المحرم صيداً فعليه الكفارة، الهدي، أو الإطعام، أو الصيام، فعند جمهور الحنفية أنه مخيَّر بين هذه الثلاثة، ولو كان قادراً على الهدي أو الإطعام فيجوز له الصيام. وأما عند زفر بن الهذيل رحمه الله تعالى: إنه لا يجوز له الانتقال إلى الصوم إلا عند العجز عن الهدي أو الإطعام؛ لأن - أو - عنده لا تنفي الترتيب في الواجب، كما في قطاع الطرق في قوله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬1) فهو قاس منصوصاً على منصوص على خلاف جمهور الحنفية والشافعي (¬2) رحمهم الله تعالى، حيث اعتبروا ذلك على التخيير سواء أكان واجداً للهدي أم غير واجد. وأما آية قطَاع الطرق بخاصة فهي على الترتيب عند الجميع عدا مالك رحمه الله تعالى (¬3). ومن أمثلة القاعدة الثانية: أن الشافعي رحمه الله في قول له قاس منصوصاً على منصوص وحمل مطلقاً على مقيد في كفارة ¬

_ (¬1) الآية 33 من سورة المائدة. (¬2) ينظر الأم جـ 5 ص 319 فما بعدها. (¬3) الإفصاح جـ 2 ص 262.

القتل حيث إنه أوجب على القاتل خطأ أو عمداً التكفير بإطعام ستين مسكيناً إذا عجز عن العتق والصيام، قياساً على كفارة الظهار - حيث حمل المطلق في كفارة القتل الخطأ على المقيد في كفارة الظهار -، وهو قياس منصوص على منصوص، وهي رواية عن أحمد رحمه الله (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المجموع شرح المهذب جـ 17 ص 548. والإفصاح جـ 2 ص 224 - 225.

القاعدة الحادية والثمانون [النص - القياس - الاجتهاد]

القاعدة الحادية والثمانون [النص - القياس - الاجتهاد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: القياس لا يصار إليه مع النص (¬1). وفي لفظ: القياس لإبطال النص باطل (¬2). وفي لفظ: لا اجتهاد مع النص (¬3). وتأتي في حرف (لا) إن شاء الله. وفي لفظ: النص يقدم على الاجتهاد (¬4). وتأتي في حرف النون إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الأصل في الأحكام نصوص الشرع الحكيم من الكتاب الكريم أو السنة المطهرة، والإجماع. وما عدا ذلك فهو راجع إليه. والاجتهاد: كما سبق هو: بذل الوسع في استخراج ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 66، 74، 152، 252. (¬2) المبسوط جـ 29 ص 139. (¬3) شرح الخاتمة ص 73، المجلة المادة 14، المدخل الفقهي الفقرة 623. الوجيز ص 381. (¬4) المغني جـ 5 ص 582.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الأحكام واستنباطها من الأدلة الشرعية، وهو نوعان: اجتهاد في فهم النصوص وإدراك أحكامها ومقاصدها، وهذا اجتهاد لازم لكل مجتهد. والنوع الثاني: اجتهاد في قياس غير المنصوص على المنصوص أو استنباط أحكام مبناها على العرف والعوائد أو على المصلحة، وهذا الاجتهاد لا يصار إليه إلا عند، عدم وجود نص في المسألة، ولا يجوز أن يقاس منصوص على منصوص - كما سبق قريباً - لأن النص أصل وهو يغنى عن القياس، كما لا يجوز بناء حكم على عرف أو مصلحة تخالف نصاً ثابتاً, فكل حكم يخالف نصاً ثابتاً فهو باطل مردود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاجتهاد في حكم المطلقة الرجعية، كأن يجتهد قاض فلا يجيز رجعتها إلى زوجها -أثناء العدة - إلا برضاها، فهذا مخالف للنص وهو قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (¬1). ومنها: الاجتهاد في إعطاء الأنثى مثل نصيب الذكر بحجة أن صلة الوارثين - الذكور والإناث بالمورث درجة واحدة. فهذا اجتهاد باطل؛ لأنه مخالف ومعارض للنص الصريح في قوله تعالى: {لِلذَّكَرِ ¬

_ (¬1) الآية 228 من سورة البقرة.

مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬1)، وفي هذا الاجتهاد مُحادّة لله ولرسوله ولكتابه، والفاعل لذلك متعمداً كافر خارج من الإسلام يستباح دمه؛ لأنه مرتد. ومنها: إذا رأى مفت أو حاكم أن المفطر في رمضان بالجماع متعمداً لا يجب عليه إلا الصيام فقط مع القدرة على العتق أو الإطعام، فهو اجتهاد خاطئ؛ لأن النص ورد بالترتيب بين هذه الثلاثة: العتق، ثم الصيام، ثم الإطعام. ¬

_ (¬1) الآية 11 من سورة النساء.

القاعدة: الثانية والثمانون [قيام الأصل]

القاعدة: الثانية والثمانون [قيام الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قيام الأصل يمنع ظهور الخَلَف (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان هذه القاعدة تحت الرقم 20 فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 29 ص 137.

القاعدة الثانية والثمانون [قيام حق الشرع - أقوى الأعذار]

القاعدة الثانية والثمانون [قيام حق الشرع - أقوى الأعذار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قيام حق الشرع في الرد لفساد السبب أقوى الأعذار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاملات الجارية بين الناس منها الصحيح ومنها الباطل والفاسد، فما كان منها باطلاً أو فاسداً فيجب رده وفسخه سواء أكان فيه حق الله سبحانه وتعالى أم حقوق العباد. وإذا قام ووجد حق الشرع بإيجاب الرد والفسخ في معاملة أو معاقدة ما فإن هذا العذر - أي حق الشرع - يعتبر من أقوى الأعذار لوجوب الفسخ والرد؛ لأن حق الله أقوى الحقوق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نكح رجل امرأة نكاحاً فاسداً: كأن تزوجها بغير ولي أو بغير شهود فيجب في هذه الحالة فسخ النكاح وبطلانه، ولا يجوز للرجل أن يطأ المرأة، ولا يجوز للمرأة أن تسلِّم نفسها للرجل؛ لأن حق الله سبحانه وتعالى يوجب الفسخ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 26.

ومنها: اشترى سيارة شر اء فاسداً ثم أجرها، فإذا فسخ عقد البيع فسخ عقد الإجارة تبعاً؛ لأنه يجب على المشتري رد السيارة للبائع لفساد العقد.

القاعدة الثالثة والثمانون [التعليق]

القاعدة الثالثة والثمانون [التعليق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قيام سبب الملك عند التعليق كقيام الملك في صحة التعليق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التعليق: "هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى". والمراد به هنا ربط أمر بأمر آخر. أي أنه إذا حصل الأمر الأول حصل ووجد الأمر الآخر ضرورة. وشرط صحة التعليق: "كون الشرط معدوماً على خطر الوجود" أي: لا يكون الشرط موجوداً عند التعليق وإلا فهو تنجيز، ولا يكون الشرط مستحيلاً وإلا فهو تعليق باطل. ويجب أيضاً وجود رابط حيث كان الجزاء مؤخراً وإلا يكون تنجيزاً. وأيضاً يجب عدم وجود فاصل أجنبي بين الشرط والجزاء. وركن التعليق: أداة شرط وفعل الشرط وجزاء صالح (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 131. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 367.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنه عند التعليق والشرط إذا وجد سبب لملك شيء ما فذلك كوجود الملك ذاته في اعتبار التعليق وصحته في بناء حكمه عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لجاريته: كل ولد تلدينه فهو حر. فما ولدته في ملكه فهو حر؛ لأن ملك الأم سبب لملك الولد. فوجود الأم في ملك الرجل سبب صالح لوجود وتحقق ملك الرجل في ولدها إذا وجد وهي في ملكه؛ لأن مَن ملك الأم ملك ولدها تبعاً، وملك الولد سبب صالح للعتق.

القاعدة الرابعة والثمانون [الملك - الحل]

القاعدة الرابعة والثمانون [الملك - الحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قيام الملك في المحل شرط منصوص للحِلّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حل الشيء وجواز الانتفاع به لا يجوز إلا إذا كان هذا الشيء مملوكاً لمن هو في يده، أو كان مأذوناً له فيه. وإلا حَرُم الانتفاع به، إلا بإذن مالكه إذا كان مما يحل بالإذن. وتنظر القاعدة رقم 111 من قواعد حرف الحاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يحل الاستمتاع بالمرأة إلا إذا وجد ملك بضعها للمستمتع، إما بعقد صحيح أو بملك يمين. ولا تحل بالإذن مطلقاً. ومنها: لا يحل الانتفاع بالمبيع أو الثمن إلا بعقد صحيح. أو إذن من البائع. ومنها: عدم حل الانتفاع بالمؤجّر إلا بعقد إيجار صحيح أو إذن من المؤجر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 202.

القاعدة الخامسة والثمانون [قيمة الشيء]

القاعدة الخامسة والثمانون [قيمة الشيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: قيمة الشيء إنما تعرف بالرجوع إلى نظيره بصفته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القيمة: هي الثمن الذي يقاوم به المتاع. أي يقوم مقامه. والنسبة إليها: قيمي. والقيمي: ما لا وصف له ينضبط به في أصل الخلقة حتى ينسب إليه، وأما ما له وصف ينضبط به كالحبوب والحيوان المعتدل فإنه ينسب إلى صورته وشكله فيقال: مِثلي. أي: له مثل شكلاً وصورة من أصل الخلقة (¬2). فمفاد القاعده: أنه إذا أريد معرفة قيمة شيء ما، والثمن الذي يقوم مقامه فإنما يعرف بالرجوع إلى مثيله ونظيره بصفته، أي إلى ما يقاربه، وإلا كان مثلياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن أتلف مالاً لغيره - كسيارة مثلاً - فعليه ضمان قيمتها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 64. (¬2) المصباح المنير مادة "قام".

بالرجوع إلى نوعها وسنة صنعها وحالتها، وأثمان مثيلاتها في وقتها. ومنها: مَن قتل عبداً لغيره أو فرساً، فعليه قيمته بالغة ما بلغت بالرجوع إلى أهل الخبرة في ذلك. وفي العبد قول إنه عليه ديته لا يبلغ بها دية الحر.

القاعدة السادسة والثمانون [القيمة - العين]

القاعدة السادسة والثمانون [القيمة - العين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: قيمة الشيء عند تعذر تسليم عينه تقوم مقام العين (¬1). وفي لفظ: القيمة خَلَف عن العين عند تعذر تسليم العين (1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى القيمة. وتعذر تسليم عين الشيء: استحالة ذلك لتلف العين أو هلاكها أو استهلاكها. فمفاد القاعدة: أنه إن استحال تسليم العين وردها إلى صاحبها بسبب فواتها أو تفويتها بالهلاك أو الاستهلاك فعلى مهلكها أو مستهلكها قيمتها؛ لأن هذه القيمة بدل عنها، وتقوم مقامها في إبراء الذمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من استهلك طعام غيره بغير إذنه - وكان مضطراً - فعليه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 126.

قيمة ذلك الطعام (¬1) إن لم يكن مثلياً - وإلا فعليه مثله - فإذا أدّى القيمة فقد برئت ذمته. ومنها: من ذبح بقرة جاره بعد اغتصابها فعليه قيمتها؛ لتعذر تسليم عينها - إلا إذا رضي صاحبها أن يأخذها مذبوحة - فإذا أدّى المغتصب قيمتها فقد برئت ذمته عن ضمانها، ولكن عليه إثم الغصب. ¬

_ (¬1) ولا إثم عليه للجواز الشرعي ولكن إذا استهلكه ولم يكن مضطراً فعليه الإثم والغرم.

حرف الكاف

القسم التاسع قواعد حرف الكاف وعدد قواعده 273 قاعدة

القاعدة الأولى [الكافر - المجنون]

القاعدة الأولى [الكافر - المجنون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكافر والمجنون ليسا من أهل العبادات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكافر: غير المؤمن والمسلم، وهو كل مَن لا دين له، أو يدين بدين غير الإسلام. والمجنون: هو فاقد العقل. خلقة أو طروءاً. فمفاد القاعدة: أن هذين الصنفين من البشر لا يتوجه إليهما الخطاب بأداء العبادات، فالكافر لا تقبل منه العبادة - ولو أدّاها -؛ لأنه فاقد شرط قبولها وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى. والمجنون لا يتصور منه العبادة على وجهها الصحيح لفقده العقل، وهو ميزان التصرفات، فلا يصحّ من المجنون نيَّة ولا قصد، وكذلك الصغير غير المميز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلّى كافر أو صام أو أخرج زكاة ماله، فكلّ ذلك غير مقبول منه؛ لأنّه فاقد شرط قبول العبادات وهو الإيمان، وليس ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 413.

المقصود من العبادات الواجبات فقط، بل ما كانت منها سنة فلا يقبل منه، أو كان واجباً كفائياً كذلك، فلو أذَّن لا يعتدّ بأذانه. ومنها: لو صلّى مجنون فصلاته غير صحيحة؛ لعدم القصد الصّحيح منه. ومنها: لا يصحّ أذان كافر ولا مجنون؛ لأنّ الأذان عبادة وهما ليسا من أهلها.

القاعدتان الثانية والثالثة [كتاب القاضي إلى القاضي]

القاعدتان الثانية والثالثة [كتاب القاضي إلى القاضي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كتاب القاضي إلى القاضي حجّة في الأحكام (¬1). وفي لفظ: كتاب القاضي إلى القاضي بمنزلة شاهدين (¬2). وإن لم يكن مختوماً. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بكتاب القاضي إلى القاضي: أن يكتب أحد القضاة في بلد ما بقضية عُرضت عليه: إمّا ليتمِّم إجراءات المحاكمة وإمّا لتنفيذ الحكم، وإنَّما يحتاج لكتاب قاضٍ إلى قاض آخر في بلد آخر إذا كان المدَّعى عليه أو بعض الشّهود، أو المدّعى به في البلد الآخر. فهذا الكتاب حجّة في الأحكام وهو قائم مقام الشّاهدين، ولكن هل يشترط في هذا الكتاب أن يكون مختوماً - أي مغلقاً وعليه ختم من الشّمع أو الرّصاص - ليؤمن التّزوير أو لا يشترط ذلك؟ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 290 وعنه قواعد الفقه ص 100. (¬2) القواعد والضوابط ص 144، 491 عن التحرير جـ 5 ص 807 وعن اختلاف الفقهاء ص 241. معين الحكام ص 119.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

فالقاعدة الثّانية تشير إلى أنّه لا يشترط لاعتباره أن يكون مختوماً. ولكن الصّحيح عند الحنفية وجوب الختم ليؤمن التّزوير. وهل يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كلّ شيء! خلاف. فعند الجميع لا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص، والنّكاح والطّلاق والخلع إلا مالكاً رحمه الله فإنّه يقبل عنده في ذلك كلّه. والمتّفق عليه أنّ كتاب القاضي من مصر إلى مصر يقبل في الحقوق الّتي هي المال أو ما كان المقصود منه المال (¬1). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ادّعى شخص في بلدة كذا أنّ فلاناً في بلدة كذا أخذ سيارة أو دابّة له، صفتها كذا وشهد بذلك شاهدان أمام القاضي، فكتب بذلك كتاباً إلى قاضي البلدة الثّانية، فعند وصول الكتاب إليه يحضر المدّعى عليه مع السيّارة أو الدّابة المدّعى بها، فبعد فضِّ الكتاب - أي فتحه - ينظر في أوصاف السيّارة أو الدّابّة فإنْ وافق ذلك ما في الكتاب أخذه من المدَّعى عليه وأرسله إلى المدَّعِي. ¬

_ (¬1) الإفصاح جـ 2 ص 348.

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة [الكتاب]

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة [الكتاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكتاب أحد اللّسانين (¬1). وفي لفظ: الكتاب ممّن نَأَى كالخطاب أو بمنزلة الخطاب ممّن دنا (¬2). وفي لفظ: الكتاب كالخطاب (¬3). أو "هل هو كالخطاب" (¬4). وفي لفظ: الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) شرح السير ص 360، المبسوط جـ 25 ص 31، قواعد الفقه ص 99. (¬2) شرح السير ص 803 - 1839. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 339، أشباه السيوطي بالمعنى 308، المجلة المادة 69 المدخل الفقهي الفقرة 609. الوجيز ص 299، القواعد والضوابط ص 145. المبسوط جـ 5 ص 16 وجـ 6 ص 16. المجموع للعلائي لوحة 77 أ. (¬4) قواعد الحصني جـ 1 ص 48. (¬5) ترتيب اللآلي لوحة 77 أ.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

حاجة الإنسان، وما يحسُّ به من مشاعر وما يكنّه ضميره من أفكار وخواطر جعل الله عَزَّ وَجَلَّ له طرقاً للتّعبير عنها، ونقلها إلى غيره ليفهموه، ويلبّوا له حاجاته وما يريد، هذه الطّرق أساسها وأصلها اللّسان المعبِّر عما في الضّمير والنّاطق بما في النّفس، ولكن قد يُعتقَل اللّسان أو يبعد الإنسان ويحتاج لنقل أفكاره والتّعبير عن حاجته بغير اللّسان، فهداه الله سبحانه وتعالى إلى الكتابة والخط. فمفاد هذه القواعد: أنّ الكتاب والخطّ مُعتبر في الدّلالة على ما في النّفس كالخطاب الشّفوي، وينبني عليه ما ينبني على الخطاب، لكن بشرط أن يكون مكتوباً ومعنوناً بما هو معهود ومعروف بين النّاس. ملحوظة هامّة: في هذا العصر الذي نعيشه شاع بين النّاس علمائهم وجهالهم أخطاء تعبيريّة قلّما يلتفتون إليها، ومنها إطلاق اسم الخطاب على الكتاب أو الرّسالة فيقولون: وصلنا خطاب من فلان، أو بناءً على خطابنا رقم كذا وتاريخ كذا. وهذا تعبير خطأ، وإن كان شائعاً, لأنّ الخطاب لا يطلق إلا على المشافهة، وما كتب يسمى كتاباً أو رسالة أو مكتوباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها:

إذا أراد إنسان مقيم في الرّياض بيع عقار له في القاهرة أو مكّة - مثلاً - فكتب إلى شخص مقيم هناك: إنّني قد بعتك داري أو عقاري المحدود بكذا والموصوف بكذا بمبلغ قدره كذا. فحين وصول الكتاب إلى الشّخص المقصود، وصرّح بقبول العرض فقد تمَّ العقد بينهما على ما في الكتاب. وسواء في ذلك قَبِلَ المرسَل إليه بالعرض شفاهاً أو هاتفه به مهاتفة أو أرسل له كتاباً بالقبول. ومنها: إذا أراد شخص أن يتزوّج امرأة من بلد آخر، فأرسل إلى وليِّها كتاباً يطلب منه فيه الزّواج من وليّته فلانة بمهر قدره كذا، فحين وصول الكتاب إلى وليّ المرأة فقال بمحضر من الشّهود: قَبِلت زواج وليّتي فلانة من فلان على مهر قدره كذا. فقد تمَّ العقد.

القاعدة السابعة [الكتاب - الخط]

القاعدة السابعة [الكتاب - الخط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكتاب مُحتمل والخطّ يشبه الخط (¬1). وفي لفظ: لا يعتد على الخطّ ولا يعمل به (¬2). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. وفي لفظ: هل يجوز الاعتماد على الكتابة والخطّ (¬3)؟ وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ظاهراً أنّ هذه القاعدة متعارضة مع القاعدة السّابقة، ولكن إذا عرفنا أنّ لكلّ من القاعدتين مجالها زال ذلك التّعارض الظّاهري. فقد رأينا أنّ القاعدة السّابقة إنّما تتعلّق بالمُكاتبة التي تخصّ الغائب أو معقول اللسان - ولو كان حاضراً - من حيث الاعتماد على الكتاب لإجراء العقود والمعاملات. ولكن هذه القاعدة إنّما تتعلّق بكتابة الحقوق والواجبات والوصايا. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2044 وعنه قواعد الفقه ص 99. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 217. (¬3) أشباه السيوطي ص 309 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفادها: أنّ الحقوق أو الواجبات أو الوصايا التي ينصّ عليها في كتاب من الكتب لا تقبل بمجرّد الكتاب، بل لا بدّ أن يؤيد ذلك مؤيدات أخرى غير الكتاب -؛ لأنّ الكتاب يحتمل أن يكون مزوراً؛ ولأنّ المخطوط كثيراً ما تتشابه، ولذلك لا يعتمد على الخطّ وحده في إثبات الحقوق بل لا بدّ من الإشهاد أو الاستفاضة - والآن يسجل الكتاب في إدارات خاصّة للحفظ والبعد عن التّزوير. أمّا ما كان في دفتر البيّاع والسّمسار والصّراف فإنّ الخطّ فيه حجّة (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اشترى حانوتاً أو داراً فوجد بعد القبض مكتوباً على بابها: وَقْف على مسجد كذا. قالوا: لا يردّ البيع؛ لأنّ الكتابة علامة لا تُبنى عليها الأحكام. لكن إذا وجدت حجّةٌ أو صكٌّ بذلك، فقد بطل البيع. ومنها: لا اعتبار بكتابة وقف على كتاب أو مصحف. ومنها: الشّاهد لا يشهد بمضمون خطّه إذا لم يتذكّر، ولو كان الكتاب محفوظاً عنده، كالمَحضَر والسّجلّ الّذي يحتاط به، فالصّحيح أنّه لا يقضي به ولا يشهد ما لم يتذكّر. ومنها: إذا رأى بخط أبيه: أنّ لي على فلان كذا، أو أدَّيت ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 218، 340.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

إلى فلان كذا، فله أن يحلف على الاستحقاق أو الأداء اعتماداً على خطّ أبيه إذا وَثِقَ بخطّه وأمانته (¬1). رابعاً: مما استُثني من مسائل هذه القاعدة: كتاب مَلِكٍ أو رئيس دولة إلى دولة أخرى فإنّه يعتبر ويُعمل بما فيه. ومنها: كُتب تعيين الموظّفين في دوائر الدّولة ومصالحها تعتبر ويُعتمد عليها؛ لأنّها لا تزوّر. ملحوظة: في عصرنا الحالي للكتابة أكبر الأثر في معاملات النّاس أفراداً وجماعات لِمَا وُجد من الحيطة بالتّواقيع المُعتمدة والأحكام الرّسميّة. وإن كان التّزوير ما زال موجوداً ولكنّه سرعان ما ينكشف. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 311.

القاعدة الثامنة [كتابة الأخرس]

القاعدة الثامنة [كتابة الأخرس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كتابة الأخرس كإشارته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أنّ الإشارة المعهودة للأخرس معتبرة كالنّطق باللّسان. يُنظر القاعدة رقم 235 من قواعد حرف الهمزة. ومفاد هذه القاعدة: أنّه إذا كانت إشارة الأخرس مُعتبرة كالبيان باللّسان، فإنّ كتابته أيضاً مُعتبرة ومُعتدّ بها كالإشارة في كلّ شيء من بيع وإجارة وهبة ونكاح وطلاق وغير ذلك إلا في الحدود. بل قد تكون الكتابة أوضح وأبين وأضبط من الإشارة؛ لأن الإشارة لا يعرفها إلا أهل الأخرس وخلصاؤه، وأمّا الكتابة فكلّ مَن يقرأ ويكتب قادر على قراءَتها وفهم مضمونها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كتب الأخرس كتاباً يطلب فيه الزّواج من امرأة. فإذا اطّلع وليّ المرأة على الكتاب فأعلن قبوله بحضور شاهدين فقد تمّ العقد. ومنها: يقع طلاقه إن كتبه، ولكن هل لا بد من الإشارة معه؟ أو هو صريح، أو كناية لا بدّ فيه من النَّيَّة. خلاف (1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 343، أشباه السيوطي ص 312.

القاعدة التاسعة [كثرة الاستعمال]

القاعدة التاسعة [كثرة الاستعمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كثرة الاستعمال لا توجب التّرجيح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وقع التّعارض بين أمرين: أحدهما:- أكثر استعمالاً من الآخر، فلا يرجّح الّذي هو أكثر استعمالاً بهذه الحجّة؛ لأنّه ليس من المرجّحات كثرة الاستعمال، بل المرجّحات إمّا عدالة الشّهود، وإمّا عددهم وكثرتهم، وإمّا موافقة القواعد العامّة، وإمّا قوّة الدّليل وصحّته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كَثُرَ استعمال الرّبا في مجتمع من المجتمعات - كما هو واقع الآن - فلا يعتبر ذلك دليلاً على حلَّه وإباحته، بل هو حرام ويبقى حراماً حتّى لو طبّق استعماله الأرض كلّها، وحتى لو سُمّي بغير اسمه؛ وذلك لوضوح الأدلّة على تحريمه. ومنها: إذا انتشر بين النّاس حلق اللّحى - كما هو حاصل ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير جـ 1 ص 253.

الآن - فليس ذلك دليلاً على حِلّ حلقها، ولا تعتبر كثرة استعمال النّاس ذلك مرجّحاً لإباحة الحلق، بل يبقى حلقها حراماً. ومنها: شيوع الاختلاط والسّفور والتّكشّف في كثير من مجتمعات المسلمين، فلا يعتبر ما يفعله النّساء الآن دليلاً أو مرجّحاً لحلّ السّفور والتّكشّف، بل يبقى حراماً لقيام الأدلّة الصّريحة الصّحيحة على التّحريم.

القاعدة العاشرة

القاعدة العاشرة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كَذِب الظُّنون (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الظُّنُون: جمع ظن. وهو التّردّد الرّاجح بين طرفي الاعتقاد غير الجازم (¬2). فإدراك الطّرف الرّاجح يسمّى ظنّاً، وإدراك الطّرف المرجوح يسمّى وهماً. وهذا الظّنّ من قبيل الشّكّ عند الفقهاء. والظّنّ قد يطلق على اليقين. ولكن المقصود بالقاعدة هو بمعنى الشّكّ. وهذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة "لا عبرة بالظّنّ البيِّن خطؤه". ومفادها: إنّ الحُكم المَبني على ظنًّ خاطئٍ لا يعتدّ به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأوا سواداً فظنّوه عدوّاً فصلّوا صلاة شدّة الخوف، ثمّ بان أنّه لم يكن عدوّاً. فعليهم الإعادة. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 138 ب. (¬2) أشباه السيوطي ص 157.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

ومنها: إذا اجتهد في أحد الإناءَين وظنّ طهارة أحدهما فتوضّأ ثمّ تيقّن أنّه كان النّجس، ففيها عند الشّافعية قولان: الجديد الصّحيح أنّه لا يُعذر وعليه الإعادة. ومنها: مَن ظنّ أنّه مُتطهّر فصلّى ثمّ تبيَّن له الحدث فعليه الإعادة قطعاً. ومنها: مَن ظنّ دخول الوقت فصلّى، ثمّ تبيَّن أنّه صلّى قبل الوقت فكذلك. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا صلّى خلف مَن ظنّه مُتطهّراً ثمّ تبيَّن أنّه كان مُحدِثاً، فإنّ صلاته تصحّ إذا لم يكن في الجمعة. ومنها: إذا رأى المتيمّم المسافر ركباً - أي قافلة - فظنّ أنّ معهم ماءً فإن تيمّمه يبطل، وإن لم يجد معهم ماءً. ومنها: إذا وكّل وكيلاً في تزويج ابنته، فزوّج الوكيل امرأة ظنّها بنت المُوكّل فإذا هي بنت الوكيل - صحّ النّكاح.

القاعدة الحادية عشرة [الكسب الحادث]

القاعدة الحادية عشرة [الكسب الحادث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكسب الحادث بعد تمام السّبب يثبت فيه حكم السّبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالكسب الحادث: الزّيادة في المَبيع أو المَوهُوب، أو المُوصى به. والمراد بتمام السّبب: تمام العقد. والمراد بحكم السّبب: حكم العقد. فمفاد القاعدة: أنّ الزّيادة الحادثة في المبيع أو الموهوب أو المُوصى به بعد تمام العقد يثبت فيها حكم العقد، فتكون للمشتري؛ لأنّها زوائد ملكه، أو للموهوب له، أو للموصى له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى بقرة حاملاً، وقبل القبض، ولدت البقرة عند البائع، فللمشتري البقرة وولدها؛ لأنّها زيادة ملكه. فكأنّ العقد كان عليها وعلى ولدها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 49.

ومنها: إذا أوصى لآخر بخادم، ثم مات المُوصي والخادم تخرج من الثُّلث، وقبل قَبْض المُوصى له للخادم وهبَ إنسان للخادم ألف درهم، ثمّ قَبِل المُوصى له الوصيّة، فللموصى له الخادم وثلث الألف؛ لأنّ السّبب من جهة المُوصي قديم، لكن لم يثبت للمُوصى له لانعدام القبول منه قبل موت المُوصي. فإذا قبل - بعد موت المُوصي- فله الخادم وثلث الألف؛ لأنّه لو خرج جميع الألف من الثّلث سلَّمت له فكذلك يسلّم له ثلثها، وكذلك لو كانت الخادم حاملاً فولدت فهو للمُوصى له.

القواعد الثانية والثالثة والرابعة عشرة [الكسب - نماء الملك]

القواعد الثانية والثالثة والرابعة عشرة [الكسب - نماء الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكسب يُملك بملك الأصل (¬1). وفي لفظ: الكسب يملك بضمان الأصل تبعاً له (¬2). وفي لفظ: الكسب يتبع الأصل (¬3). وفي لفظ: نماء الملك لمالكه (¬4). وتأتي في حرف النون إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد قريبة المعنى من سابقتها، ولكنّها أعمّ منها معنىً ومدلولاً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2167 وعنه قواعد الفقه ص 100. (¬2) نفس المصدر ص 1374. (¬3) المبسوط جـ 22 ص 122. (¬4) شرح السير ص 2167.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

فمفادها: أن كلّ كسب حاصل من شيء ما فهو مملوك لمن يملك الأصل؛ لأنّ الكسب - وهو الزّائد المستفاد - تبع، والتّابع لغيره في الوجود تابع له في الحكم. ولأن الكسب إنّما هو نماء الملك وزيادته، فنماء الملك لمالكه ضرورة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا اشترى سلعة بمائة، وقبل أن يقبضها من البائع زادت قيمتها فأصبحت تساوي مائتين، فإنّها للمشتري؛ لأنّها زوائد ملكه. ومنها: إذا اشترى بقرة أو شاة وقبل قبضها ولدت عند البائع، فهي وولدها للمشتري؛ لأنّها زوائد ملك مَن مَلَك الأصل؛ ولأنّه بالعقد خرجت عن ملك البائع حتى لو كان الثّمن مؤجلاً. ومنها: إذا اشترى المضارب بمال المضاربة عبداً برأس المال ثمّ كاتبه، فأدى العبد بدل الكتابة فإنّه لا يعتق وهو عبد كحاله، وما أدّاه فهو من المُضاربة؛ لأنّه كسب عند وجود المُضاربة، والكسب يتبع الأصل. ومنها: إذا اشترى سيارة وأجرها ثمّ اكتشف بها عيباً يوجب الرّدّ على البائع، فللمشتري ما كسب من الأجرة؛ لأنّ الأجرة تملك بضمان الأصل تبعاً للأصل؛ لأنّ السّيّارة لو أصابها ضرر قبل اكتشاف العيب فهو على ضمان المشتري، والغنم بالغرم.

القاعدة الخامسة عشرة [الكف عن الظلم]

القاعدة الخامسة عشرة [الكفّ عن الظّلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكفّ عن الظّلم واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكفّ: معناه الامتناع. والظّلم: هو وضع الشّيء في غير موضعه، والتّصرف في حقّ الغير، ومجاوزة حدّ الشّرع. فمفاد القاعدة: أنّ الامتناع عن الظّلم واجب شرعي؛ لأنّ كلّ مجاوزة لحدّ الشّرع تعتبر تعديّاً، والتّعدي والظّلم منهيٌّ عنه ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحاكم والإمام والموظف المسؤول، عليهم جميعاً أن يمتنعوا عن ظلم مَن تحت أيديهم، ويجب أن تكون تصرفاتهم مقيدة بحدود الشّرع وبما فيه مصلحة النّاس الّذين تحت أيديهم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 124.

ومنها: الوالد عليه بالعدل والتّسوية بين أولاده، ويجب عليه أن لا يفضّل بعضهم على بعض؛ لأنّ هذا من الظّلم. ومنها: المعلّم عليه أن يعدل بين طلابه وتلاميذه، وأن يسوّي بينهم فلا يقدّم واحداً منهم أو يعطيه ما لا يستحقّ من الدّرجات لقرابة أو مصلحة خاصّة. ومنها: إذا كانت خادمة عند قوم أو ظئر - أي مرضعة - لطفل في بيت، فإذا كان أهل البيت أو الصّبي يؤذونها بألسنتهم أو بأيديهم فيجب الكفّ عن ذلك؛ لأنّ هذا ظلم، وإن لم يكفّوا فلها فسخ الإجارة.

القاعدة السادسة عشرة [إثم المضيع]

القاعدة السادسة عشرة [إثم المُضَيِّع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كفى بالمرء إثماً أن يضَيِّعَ مَن يقوته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصُّ حديث نبوي كريم: تخريجه: أخرجه أبو داود رحمه الله في السّنن - باب صلة الرّحم - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بلفظ، "كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّع مَن يقوت". حديث رقم 1692. وفي بذل المجهود جزء 8 ص 245 وقال: ولفظ مسلم "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمَّن يملك قوتَه" مسلم مع شرح النووي جـ 7 ص 82. كما أخرجه أحمد بن حنبل رحمه الله في المسند جـ 2 ص 160، 193، 194، 195، بلفظ أبي داود. فمفاد القاعدة الحديث: أنّ مَن يُضّيِّع مَن يقوته - أي يعوله ويملكه - ممّن هو تحت يده - ممّن لا يستطيعون الإنفاق على أنفسهم لعجز أو صغر أو كبر أو أنوثة أو رقٍّ، إنّ مَن يفعل ذلك فإنّ إثم هذا التَّضييع لِعِظَمه يكفيه لدخول النّار، نعود بالله منها. ¬

_ (¬1) شرح السّير ص 198.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وفي الحديث ترهيب شديد لمن يضيِّعون من تحت أيديهم ممّن تجب نفقتهم عليهم بِعَدَمِ الإنفاق عليهم وإهمالهم، وترك توجيههم وتربيتهم وتعاهدهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن كان عنده أطفال صغار ذكور أو إناث فيجب عليه الإنفاق عليهم بحسب قدرته واستطاعته، ولا يجوز له أن يتركهم بدون نفقة. ومنها: مَن أراد الحجّ وله مَن يجب أن ينفق عليه: من والدين عاجزين أو أطفال صغار أو بنات ولو كبيرات أو زوجة، وليس عنده ما يبقيه لهم، فلا يلزمه الحجّ ولا يجوز له أن يحجّ ويتركهم يتكفّفون النّاس أو يموتون جوعاً. ومنها: إذا أراد الجهاد، وكَرِه خروجه للجهاد أولاده الصّغار أو الإناث صغيرات أو كبيرات ليس لهنّ أزواج، أو زوجته أو والداه، فإن خشي عليهم الضّيعة فلا يسعه أن يخرج ويتركهم ويدع من تلزمه نفقته ورعايته؛ لأنّ القيام بتعاهد هؤلاء والإنفاق عليهم مستحقّ عليه بعينه، هذا إذا لم يكن النّفير عامّاً. وأمّا إذا كان النّفير عامّاً فلا بأس أن يخرج؛ لأنّ الخروج في هذه الحالة فرض عين على كلّ واحد قادر.

القواعد السابعة والثامنة والتاسعة عشرة [الكفالة]

القواعد السابعة والثامنة والتاسعة عشرة [الكفالة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكفالة بمضمون بما تجري النّيابة في إيفائه صحيحة، وبما لا تجري النّيابة في إيفائه باطلة (¬1). وفي لفظ: الكفالة بما ليس بمضمون على الأصيل باطلة (¬2). وفي لفظ: الكفالة بالأمانة لا تصحّ (¬3). وفي لفظ: لا تجوز الكفالة بشيء من الأمانات؛ لأنها غير مضمونة على الأصيل (¬4). وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الكفالة من كَفِلَ يَكْفل بمعنى ضَمِنَ وتحمَّل. وفي الاصطلاح الفقهي: ضمّ ذمَّة الكفيل إلى ذمَّة الأصيل في المطالبة بالحقّ. والمضمون: اسم مفعول مِن ضُمِن يُضمن: المكفول به، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 214. (¬2) نفس المصدر جـ 23 ص 128. (¬3) نفس المصدر جـ 23 ص 127. (¬4) المبسوط جـ 20 ص 12.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وهو ردّ مثل التالف مثلاً أو قيمته. فمفاد هذه القواعد: أنّ الكفالة الصّحيحة إنّما تكون بشروط: أوّلها: أن يكون المكفول به مضموناً على الأصيل بالمثل أو القيمة. وثانيها: أن يكون هذا المضمون تجوز النّيابة والوكالة في الوفاء به. فما كان المكفول به غير مضمون أو لا تجري النّيابة في إيفائه وأدائه فإنّ الكفالة به تكون باطلة غير صحيحة (¬1). وعلى ذلك فالكفالة بالأمانات باطلة؛ لأنّ الأمانات غير مضمونة على الأمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الأمانات كالوديعة والإعارة، ومال القراض لا يجوز الكفالة به؛ لأنّها أموال غير مضمونة إلا بالتّعدي أو التّقصير في الحفظ والاستعمال. ومنها: إذا أسلم ثوباً إلى خيّاط أو سيارة إلى مصلّح - وهو الميكانيكي - وللخياط شريك في الخياطة مفاوضة، وكذلك للميكانيكي في الورشة - ولم يشترط عليه أن يخيطه بنفسه أو يصلح السّيّارة بنفسه، فهو يطالب أي الشّريكين بإيفاء العمل؛ لأنّ كلّ واحد منهما كفيل عن صاحبه؛ لأن هذا تجرى النّيابة في إيفائه. بخلاف ما لو شرط عليه أن يخيطه بنفسه أو يصلح السّيّارة بنفسه. ¬

_ (¬1) ينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة 588.

القاعدة العشرون [الكفر]

القاعدة العشرون [الكفر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكفر كلُّه مِلَّةٌ واحدة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكفر: معناه في اللغة التّغطية، فكلّ شيء غطَّى شيئاً فقد كفره، ومنه سُمِّي الكافر؛ لأنّه يستر نِعَم الله عليه ويغطيها وينكرها (¬2). وشرعاً: عدم الإيمان، وهو ضدّ الإيمان، وضدّ الشّكر، وهو تغطية نعم الله بالجحود (¬3). والملَّة: الطّريقة (¬4)، وتأتي بمعنى الدّين، وأصلها من أمللت الكتاب (¬5). ومفاد القاعدة: أنّ الكفر كلّه والكافرون كلّهم على اختلاف مللهم وأديانهم ملّة وطريقة واحدة, لأنّ شريعة محمَّد صلى ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28، ص 93. (¬2) الكليّات ص 742. (¬3) نفس المصدر ص 763. (¬4) الكليّات ص 443. (¬5) مفردات الرّاغب مادة (ملل).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الله عليه وسلم ودينه هي الحقّ بلا شكّ ولا ريب، والنّاس بالنسبة إليها فرقتان: أ - فرقة تُقِرُّ بها وهم المؤمنون قاطبة. ب - وفرقة تنكر بأجمعها وهم الكفّار قاطبة. فبهذا الاعتبار هم مِلَّة واحدة وإن اختلفوا فيما بينهم (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى مستأمن في دار الإسلام بوصيّة وشهد على وصيّته أهل الذّمّة - وإن كانوا على غير ملّته - فإنّ شهادتهم عليه مقبولة. ومنها: أنّ اليهودي يرث قريبه النّصراني والنّصراني يرث قريبه اليهودي ولا عبرة باختلاف الدين؛ لأنّهم في الكفر ملّة واحدة، إلا إذا كان أحدهما حربياً والآخر ذمياً فلا يرثه لاختلاف الدّار. فالشّرط اتّحاد الدّار. ومنها: أنّ اليهودي يعقل عن النّصراني وعكسه، وأنّ اليهودي يكون ولياً للنّصرانية في النّكاح. والنّصراني يكون وليّاً لليهوديّة. إلا إذا اختلفت الدار (¬2). والمجوس كذلك. ¬

_ (¬1) الكليّات ص 763. (¬2) ينظر أشباه السيوطي ص 255. وأشباه ابن نجيم ص 326.

القاعدة الحادية والعشرون [الكفارات]

القاعدة الحادية والعشرون [الكفارات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكفارات عن العبادات جابر وزاجر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكفّارات: جمع كفَّارَة، من الكَفْر، وهو السّتر والتّغطية - كما سبق بيانه - وسمّيت الكفّارة بذلك؛ لأنّها تستر الذّنب وتذهبه - هذا في الأصل - ثمّ استعملت فيما وُجِد فيه صورة مخالفة أو انتهاك، وإن لم يكن فيه إثم كالقاتل خطأ وغيره (¬2). وهي تَصرّف أوجَبهُ الشّرع لمحو ذنب معيّن، كالإعتاق والصّيام والإطعام (¬3). أو هي ما يُكَفَّر به الإثم - أي يغطى - وشرعاً: ما كُفِّر به من صدقة وصوم ونحوهما، سمِّي به؛ لأنّه يكفّر الذّنب ويستره (¬4). ومعنى الجابر: مِن جَبَر بمعنى أصلح، ومثله الجبران. أي ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 424، قواعد الحصني جـ3 ص 418، مجموع العلائي لوحة 282 فما بعدها. (¬2) تحرير ألفاظ التّنبيه ص 125. (¬3) معجم لغة الفقهاء 382. (¬4) التّعريفات الفقهية ص 444.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

التّكميل، ومنه: دم التّمتّع والقِران في الحجّ، دم جبران لا دم جزاء. أو دم جبر لا دم وزر (¬1). ومعنى الزّاجر: مِن زَجَره إذا منعه ونهاه. فمفاد القاعدة: أنّ الكفّارات المشروعة لتلافي ما يحصل في بعض العبادات من نقص أو بعض التّصرفات من خطأ تنقسم إلى قسمين: أ - قسم منها جَابر أي مُصلِح لِمَا فسد من العمل، ومُزيل لِمَا حصل من النّقص في العبادة، أو يجبر مصلحة فاتت أو يستدركها. فهو من باب جلب المصالح. ب - وقسم منها زاجر. فكأنّه عقوبة مرتبة على فعل هو تعدٍّ على حقّ الشّرع، ففعله يزجر ويمنع المكفّر وغيره عن الوقوع في مثله، كما أنّه يمنع غيره من مواقعة فعل مثل فعله، ومن ارتكاب المفسدة. فهو من قَبيل دَرْءِ المفسدة. والخلاف واقع في كون الكفّارات كلّها جوابر وزواجر أو بعضها جابر وبعضها زاجر؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحنث في اليمين موجب للكفارة. جبراً أو زجراً. ¬

_ (¬1) معجم لغة الفقهاء ص 159.

ومنها: الإخلال بواجب من واجبات الحجّ مُوجب للكفارة كذلك. ومنها: القتل الخطأ موجب للكفّارة، ومثله العمد عند غير الحنفية. ومنها: قتل المحرم الصّيد موجب للكفّارة - وهي المثليّة - وهذا كونها للزّجر أقرب منها للجبر. ومنها: كفّارة الجِمَاع في نهار رمضان وهي للزّجر قطعاً.

القاعدة الثانية والعشرون [الكفارات]

القاعدة الثانية والعشرون [الكَفَّارَات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكفّارات لا تتداخل (¬1). عند الشّافعي ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: رأينا فيما سبق أن الحدود تتداخل. ومعنى التّداخل: هو تفاعل من الدّخول، أي يدخل بعضها في بعض. كمن زنا أكثر من مرّة - ولم يُحدَّ - فإنّه يُحَدُّ للجميع حدّاً واحداً. فهل الكفّارات مثل الحدود تتداخل إذا اجتمعت؟ عند الشّافعي (¬2) ومالك (¬3) رحمهما الله تعالى بناء على هذه القاعدة أنّها لا تتداخل، بل يجب على المكلف لكلّ فعل مخالف كفّارة ولو كانت هذه الأفعال متماثلة. وعند الحنابلة وجهان أصحهما عدم التّداخل (¬4). أمّا الحنفيّة والوجه الثّاني عند الحنابلة أنّ الكفّارات تتداخل كما تتداخل الحدود. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 74. (¬2) روضة الطالبين جـ 6 ص 249 - 250. (¬3) الكافي ص 343. (¬4) الإفصاح جـ 2 ص 337.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن جامع في نهار رمضان وهو صائم في أكثر من يوم، ولم يكفِّر عن أوّل يوم فإنّه يكفر كفّارة واحدة عن كلّ الأيام؛ لأنّ الجناية هي انتهاك حرمة الصّوم والشّهر جميعاً، وهذا عند الحنفيّة ووجه عند الحنابلة. وأمّا عند مالك والشّافعي رحمهما الله تعالى فإنّه يجب عليه لكلّ يوم كفّارة. ومنها: مَن قتل أكثر من مسلم خطأ ولم يكفّر عمّن قتل أولاً بأوّل فإنّه يجب عليه كفّارة واحدة عند الحنفيّة، ولكن بناء على هذه القاعدة فإنّه يلزمه لكلّ قتل كفّارة. ومنها: لو ظاهر من أكثر من امرأة. فكفّارة واحدة إذا كان بكلمة واحدة، وأمّا إن كان بكلمات - أي ظاهر من كلّ امرأة بكلمة - فكفّارات متعدّدة عند مالك والشّافعي وأحمد (¬1) رحمهم الله تعالى. ومنها: من حَلَفَ أكثر من يمين قبل التّكفير فعليه كفّارة واحدة في رواية عند أحمد رحمه الله (¬2). وأمّا عند الحنفيّة فلا تداخل في كفّارة اليمين فخالفوا بذلك قاعدتهم في التّداخل (¬3). ¬

_ (¬1) المقنع جـ 3 ص 244. (¬2) المقنع جـ 3 ص 572. (¬3) المبسوط جـ 8 ص 157.

القواعد الثالثة والرابعة والخامسة والعشرون [الكفارات]

القواعد الثالثة والرابعة والخامسة والعشرون [الكفَّارات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكفَّارات لا تجب على الصّبي والمجنون (¬1). وفي لفظ: الكفّارة تسقط بالشبهة (¬2). وفي لفظ مقابل: الكفّارات لا تندرئ بالشبهات (¬3) , وبخاصة في الأيمان. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه ثلاث قواعد اثنتان منها بينها شبه ارتباط، والثّالثة مقابلة لهما. فأولى هذه القواعد تتعلق بوجوب الكفّارة على الصّبي والمجنون، فالكفّارات كالحدود قد تسقط بالشبهة الدّارئة؛ لأنّها عبادات. ولذلك فهي لا تجب على الصّبي والمجنون إذا فعلا ما يُوجب الكفّارة على الكبير والعاقل، وذلك لعدم القصد والنيَّة منهما، وعدم القصد شبهة دارئة للحد، وهي كذلك شبهة دارئة للكفارة، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 69. (¬2) المبسوط جـ 3 ص 94، 68. (¬3) المبسوط جـ 8 ص 157.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وهذا عند الحنفيّة، وأمّا عند غيرهم فقد يوجبون الكفّارة على الصّغير والمجنون إذا فعلا ما يوجبها ويكون ذلك في مالهما. فالصّغر والجنون عند الحنفيّة شبهة مسقطة للكفّارة في حقّ الصّغير والمجنون. وثالثة القاعدتين: مقابلة للقاعدة الثّانية نصّاً إذ مفادها أنّ الكفّارات لا تندرئ بالشّبهات، ولعلّ ذلك يخصّ كفّارة اليمين دون غيرها من الكفّارات، فعندهم إن كفّارة اليمين لا تسقط بالشّبهة. وإن كان يسقط غيرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: رجل أصبح في أهله صائماً، ثمّ سافر، قالوا: لا يفطر؛ لأنّه لمّا أصبح مقيماً وجب عليه أداء الصّوم في هذا اليوم. ولكن إن أفطر فلا كفّارة عليه - ولو أفطر بالجماع - لتمكّن الشّبهة بسبب اقتران المبيح للفطر؛ لأنّ السّفر مبيح للفطر في الجملة. ومنها: صبي أو مجنون قتلا عمداً، فعمدهما خطأ لعدم القصد، والدّيّة على العاقلة، ولا كفّارة على الصّبي والمجنون عند الحنفيّة لشبهة عدم القصد، وأمّا عند غير الحنفيّة فخلاف في وجوب الكفّارة عليهما، والصّحيح عدم وجوبها. ومنها: الصّبي والمجنون اللذان يحجّ بهما وليهما، إن تركا رمي الجمار لم يكن عليهما شيء، ولا يجب عليهما دم بترك الرّمي

ومن أمثلة القاعدة الثالثة

قياساً على الكفّارات حيث لا يجب منها شيء على الصّبي والمجنون. ومن أمثلة القاعدة الثالثة: إذا حلف الرّجل على شيء لا يفعله أبداً، ثمّ حلف في ذلك المجلس أو مجلس آخر لا يفعله أبداً ثمّ فَعله، فعليه كفّارة يمينين لأنّهما عقدان وإن كان الجزاء واحداً، هذا إذا نوى يميناً أخرى، أو نوى التّغليظ، أو لم يكن له نيّة، فالمعتبر صيغة الكلام. والأيمان لا تتداخل ولا تندري كفّارتها بالشّبهات. بخلاف ما إذا نوى اليمين الثّاني اليمين الأوّل؛ لأنّه قصد التّكرار.

القاعدة السادسة والعشرون [الكفيل]

القاعدة السادسة والعشرون [الكفيل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكفيل بغير الأمر متبرع يلتزم ويؤدي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكفيل إنّما يلتزم بما يكفل إذا استدعاه الأصيل وطلب منه أن يكون كفيلاً عنه، ففي هذه الحالة إذا أدّى الكفيل ما أُمِر وطُلِب منه كفالته، فله أن يرجع على الأصيل بما أدّى. ولكن إذا كفل بغير أمر أو طلب، والتزم بالغُرم والأداء فهو متبرع، وليس له أن يرجع على المكفول عنه بما أدّى؛ لأنّه أدّى بغير أمره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كفل شخص عن آخر بألف دينار لمدة معيّنة - بدون طلب من المَدين - ثمّ عند حلول الأجل أدّاها للدّائن، فليس له مطالبة المدين بالألف, لأنّه أدَّى بغير أمره، أو طلبه، فهو متبرع بما التزم وأدّى. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 160.

القاعدة السابعة والعشرون [الحذف والإضمار]

القاعدة السابعة والعشرون [الحذف والإضمار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكلام إذا تضمّن حذفاً، أو إضماراً، قُدِّر فيه ما دلّ عليه السّياق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصوليّة فقهيّة، فكلام المتكلّم إمّا أن يكون ظاهراً دالاً على المقصود فهذا يعمل فيه بدلالة ألفاظه وعباراته، فإذا كان صريحاً عمل فيه بصراحته وإن كان كناية اعتبر فيه كنايته. ولكن إذا كان الكلام ليس ظاهراً بل اشتمل على إضمار أو حذف، فإنما يعمل فيه بدلالة السّياق للعبارة، وبما يصحّ تقدير ما حذف أو أضمر. وهذا يعتبر من المجاز بالحذف أو الإضمار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه" الحديث (¬2) فلصحّة العبارة يجب ¬

_ (¬1) شرح مختصر الرّوضة للطوفي جـ 1 ص 141. (¬2) قد سبق تخريجه.

تقدير مضمر أو محذوف وهو - حكم - أو - إثم -؛ لأنّ الخطأ واقع ولا يمكن رفعه، وكذلك النّسيان والاستكراه. ومنها: قوله سبحانه وتعالى حكاية قول إخوة يوسف عليه السّلام: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي أهل القرية, لأنّ القرية عبارة عن حوائط ودور وأشجار ولا يمكن سؤالها فلا بدّ من تقدير محذوف تتوقف عليه صحّة العبارة. وهذا المسمّى مجاز الحذف.

القاعدة الحادية والعشرون [المجمل]

القاعدة الحادية والعشرون [المجمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلام صاحب الشّرع إذا كان محتملاً احتمالين على السّواء - وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر صار مجملاً (¬1). أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: صاحب الشّرع: هو الله سبحانه وتعالى، والمبلغ عن الله شرعه هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المجمل: هو المبهم، من أجمل الأمر: إذا أبهمه. وأتى به جملة دون تفصيل أو بيان. والأصل في المجمل أنه لا يعمل به إلا بعد بيان من المُجْمِل. فمفاد القاعدة: أنّ النّصّ الشّرعيّ - من كتاب أو سنّة - إذا ورد محتملاً معنيين مستويين لم يترجّح إدراك أحدهما على الآخر فإنّ هذا يعتبر في عرف الأصوليين والفقهاء مجملاً - أي مبهماً - ولا يجوز العمل بأحد احتماليه بالتّحكم؛ لأنّ المجمل لا يجوز العمل به إلا بعد بيانِه من المجمل، فما لم يُزَل إجماله لا يجوز العمل به. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 87.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وكون بعض النّصوص مجمل أو غير مجمل محلّ خلاف كبير بين الفقهاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله عليه الصّلاة والسّلام في المُحرِم الذي وقصته ناقته: "لا تمَسُّوه بطيب فإنّه يُبعث يوم القيامة مُلبياً" (¬1). هذه واقعة عين في هذا المُحرم، وليس في اللفظ ما يقتضي أن يكون هذا الحكم ثابتاً لكلّ مُحرِم أو ليس بثابت (¬2). وإذا تساوت الاحتمالات بالنّسبة إلى بقية المُحرمين سقط الاستدلال به على أنّ المُحرِم - عموماً - إذا مات لا يمسّ بالطّيب. فالحكم على شخص معين. فكان مجملاً بالنّسبة إلى غيره. وهذا عند المالكيّة والحنفيّة، وأمّا عند غيرهم فليس مجملاً بل أَجرَوه على كلّ مُحرم مات بإحرامه (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ "اغسلوا المُحرم في ثوبيه اللذين أحرم بهما، واغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تَمسُّوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنّه يبعث يوم القيامة ملبياً" أخرجه البخاري ومسلم والنّسائي. (¬2) ينظر الكافي ص 282. (¬3) ينظر المقنع جـ 1 ص 275 - 276.

القواعد التاسعة والعشرون، والثلاثون، والحادية والثلاثون

القواعد التاسعة والعشرون، والثلاثون، والحادية والثلاثون أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلام العاقل محمول على الصّحة والعمل به شرعاً، فلا يلغى مع إمكان الإعمال (¬1). وفي لفظ: كلام العاقل محمول على الصّحة ما أمكن (¬2). أو مهما أمكن حمله على وجه صحيح يحلّ شرعاً لا يحمل على ما يحرم شرعاً (¬3). أو محمول على الفائدة ما أمكن (¬4). أو مهما أمكن تصحيحه لا يجوز إلغاؤه (¬5). وفي لفظ: كلام العاقل وتصرفه يحمل على وجه الصّحة بقضية الأصل (¬6). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 71، وجـ 6 ص 62، 86، 135، وجـ 17 ص 197، جـ 18 ص 17. (¬2) القواعد والضوابط ص 160. (¬3) المبسوط جـ 6 ص 228 - 229 وجـ 7 ص 11. (¬4) المبسوط جـ 11 ص 142. (¬5) نفس المصدر جـ 9 ص 26 - 27. (¬6) الفرائد ص 113 عن الفتاوى الهندي جـ 6 ص 221.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: لا يحمل كلام العاقل على اللغو إلا إذا تعذر حمله على الصحة (¬1). وتأتي - في حرف - لا - إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: مهما أمكن حمل الكلام على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه (¬2). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وقد سبقت لها أمثال ضمن قواعد حرف التاء تحت الرقم 100 وقواعد حرف الصّاد تحت الرقم 8. [كلام العاقل] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المسلم العاقل مَن تجري أموره كلّها على وفق مقتضيات العقل والمنطق بعد تدبر وتفكر. فمفاد هذه القواعد: أنّ المسلم العاقل حينما يتكلّم أو يتصرف فيجب حمل كلامه وتصرفه على أمرين: الأول: على الصّحّة والصّواب ما أمكن ذلك؛ لأنّ عقله يمنعه أن يتكلّم أو يتصرّف باللغو والباطل أو غير المفيد. والأمر الثّاني: أنّه إذا صحّ كلامه وتصرفه فيجب العمل به ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 17. (¬2) المغني جـ 5 ص 156.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

شرعاً؛ لأنّه يجب حمله على الحلّ والصّحّة، ويترتب على ذلك أن يُعمل بما يقول، ولا يجوز إهمال كلامه أو إلغاؤه ما دام يمكن حمله على وجه يصحّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ادّعى شخص على آخر أنّ مورثه قد أقرّ له ببيع الدّار وشهد الشّهود بذلك، فيعتبر هذا الإقرار بالمبيع صحيحاً، وإن كان محتملاً أن يكون قبل البيع. ومنها: إذا قال البائع للمشتري بعتك هذه السّيارة بكذا، فيجب حمل ذلك على إنشاء البيع، وإن كان اللفظ ماضياً, لأنّ صيغة الإخبار والإنشاء في البيع واحدة.

القاعدتان الثانية والثالثة والثلاثون [كلام العاقل - الإفادة]

القاعدتان الثانية والثالثة والثلاثون [كلام العاقل - الإفادة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلام العاقل مهما أمكن حمله على الإفادة لا يحمل على التّكرار والإعادة (¬1). وفي لفظ: كلام العاقل معتبر لفائدته لا لعينه (¬2). وفي لفظ: الأصل في كلام العاقل أن يكون مفيداً (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق في القواعد السّالفة أنّ كلام العاقل يجب حمله على الصّحّة ما أمكن، وهذه القواعد لها صلة بما سبق، من حيث إنّ كلام العاقل إذا حمل على الصّحّة فمعنى ذلك أنّه مفيد؛ لأنّ الكلام الصّحيح والتّصرف الصّحيح يجب أن يكون مفيداً للمتكلّم أو غيره. ولكن إذا كرر العاقل كلامه وأعاده فهل يحمل على التّكرار والإعادة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 10. (¬2) نفس المصدر جـ 12 ص 69. (¬3) المغني جـ 5 ص 172، 182.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

أو يحمل على الإفادة فائدة جديدة؟ منصوص القاعدة الأولى يفيد أنّ حمله على الفائدة الجديدة أولى من حملة على التّكرار والتأكيد, لأنّ التّأسيس أولى من التأكيد (¬1)، وإعمال الكلام أولى من إهماله (¬2). وينظر القاعدة رقم 124 من قواعد حرف الحاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من قال لزوجته: أنت طالق طالق طالق. طلقت ثلاثاً. فإن قال: أردت به التّأكيد. صدِّق ديانة لا قضاء؛ لأنّ القاضي مأمور باتّباع الظّاهر، وهذا عند أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى. وقال الشّافعي وأحمد رحمهما الله تعالى لا يلزمه إلا واحدة (¬3). ومنها: إذا وهب داراً لرجلين على أن يكون لهذا النّصف ولهذا النّصف يجوز؛ لأنّ حالة التّفصيل لا تخالفه حالة الإجمال. خلافاً لما لو قال: لهذا الثّلثان ولهذا الثّلث، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يجوز؛ لتفرق العقد ووقوعه على جزأين مشاعين. وعند مَن يقول بجواز الهبة في المشاع فكلّ ذلك جائز. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 135، أشباه ابن نجيم ص 149، قواعد ابن رجب القاعدة 159. (¬2) المنثور جـ 1 ص 183، أشباه السيوطي ص 128، أشباه ابن نجيم ص 135 شرح الخاتمة ص 17 المجلة المادة 60، المدخل الفقهي الفقرة 615، الوجيز ص 314. (¬3) الإفصاح لابن هبيرة جـ 2 ص 155.

القاعدة الرابعة والثلاثون [الإطلاق - التقييد]

القاعدة الرابعة والثلاثون [الإطلاق - التّقييد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلام النّاس يجري على إطلاقه حتى يقوم دليل التّقييد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإطلاق والتَّقييد من صفات الكلام، فالكلام المطلق: هو ما يتناول الأفراد على سبيل البدل. كلفظ (رجل) مثلاً. والكلام المطلق: الخالي عن الوصف أو الشّرط أو الاستثناء، والمقيّد بخلافه كلفظ (رجل طويل). فمفاد القاعدة: أنّ كلام النّاس يحمل على معناه العام دون تقييد حتّى يقوم دليل على تقييده، والدّليل إمّا حال أو عرف أو صريح قيد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لآخر: اشتر لي لحماً. فلفظ اللحم هنا مطلق فللوكيل أن يشتري أي نوع من أنواع اللحوم فيلزمه، لكن إذا قامت دلالة التّقييد كأَن يكون الوكيل يعلم أنّ موكّله لا يأكل إلا لحم الغنم، ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير جـ 6 ص 906.

فلا يجوز له أن يشتري له غيره. لأنّ دلالة العرف هنا مقيّدة. ومنها: إذا قال طبيب لشخص اشتر لي كتاباً - من أحد المعارض - فاشترى له كتاب هندسة، فلا يلزمه, لأنّ مهنة الموكّل مقيدة لإطلاقه لفظ كتاب، حيث إنّ الطّبيب لا يستفيد من كتاب الهندسة. ومنها: إذا حَلَف لا يأكل البيض، فلا يحنث إلا بأكل بيض الدّجاج لأن الأيمان مقيّدة بالعرف.

القاعدة الخامسة والسادسة والثلاثون [الحقيقة والمجاز]

القاعدة الخامسة والسادسة والثلاثون [الحقيقة والمجاز] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكلام محمول على حقيقته ولا تترك الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل (¬1). وفي لفظ: الكلام محمول على حقيقته، لا يجوز تركها إلى نوع من المجاز إلا عند قيام الدليل (¬2). وفي لفظ: الكلام لحقيقته حتى يقوم الدليل على مجازه (¬3). وفي لفظ: الكلام إذا كان له حقيقة مهجورة ومجاز مستعمل يحمل على المجاز المستعمل بالإجماع (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الكلام الّذي يتكلّم به المتكلّمون إمّا أن يكون دلالته حقيقية من حيث الدّلالة اللغوية، وهي: دلالة اللفظ على المعنى الموضوع ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 221. (¬2) نفس المصدر جـ 30 ص 248. (¬3) القواعد والضوابط ص 157، 176. (¬4) القواعد والضوابط ص 178.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

له وضعاً أولياً. وإمّا أن تكون دلالته مجازية، وهي دلالة اللفظ على غير المعنى الموضوع له لعلاقة مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي. والأصل في الكلام الحقيقة، والمجاز فرع الحقيقة. فمفاد هذه القواعد: أنّ الأصل في كلام النّاس أن يحمل على دلالته الحقيقيّة اللغويّة أو الشّرعيّة أو العرفيّة، ولا يجوز حمله على غير حقيقته إلا بدليل، كتعذر الحقيقة أو تعسّرها أو التّصريح بخلافها، ولا بدّ من وجود القرينة الصارفة للفظ عن حقيقته إلى مجازه. والكلام قد يكون له حقيقة ولكنّها مهجورة لتعذّرها أو لتعسّرها وله مجاز مستعمل، فعند الإطلاق يجب حمل الكلام على مجازه المُستعمل ولا يجوز حمله على حقيقته المهجورة والمتعسّرة غير المُستعملة؛ لأن كلام النّاس إنّما يحمل على حقائقهم العرفيّة لا اللغويّة، وبخاصة في باب الأيمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال شخص لآخر: وهبتك هذا الشّيء. فأخذ المخاطب الموهوب، ثمّ ادّعى الواهِب أنّه أراد بلفظ الهبة البيع مجازاً وطلب ثمناً لِمَا وَهَب. فلا يقبل قوله؛ لأنّ الأصل في الكلام الحقيقة. وحقيقة الهبة تمليك بدون عِوض.

ومنها: إذا وقف شخص على أولاده، دخل الأبناء مع البنات؛ لأنّ لفظ الولد يشملهم جميعاً حقيقة. ومنها: إذا قال: هذه الدّار لزيد كان إقراراً له بالملك. ومنها: إذا حلف أن يأكل من هذه القِدْر. فيبر بأكل ما يطبخ فيها، لا بأكل من جرمها؛ لأنّ أكل جرم القِدْر حقيقة مهجورة، فلو أكل من جرمها. لا يبرّ في يمينه إلا إذا نوى ذلك.

القاعدتان السابعة والثامنة والثلاثون [دلالة الكلام]

القاعدتان السابعة والثامنة والثلاثون [دلالة الكلام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكلام إذا سيق لمعنى لا يستدل به في غيره (¬1). وفي لفظ: الكلام يعمل بدلالته إلا إذا صُرِّح بخلافه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الكلام إنما يصدر من قائله لمعنى يستدل به على قصده وغرضه من سوقه وصدوره. ولكن الكلام قد يُساق لمعناه الحقيقي، وقد يُساق لمعنى مجازي، وقد يُساق لمعنى مطلق أو مقيّد. فمفاد هاتين القاعدتين: أنّ الكلام إذا دلّ على معنى مخصوص مقصود فلا يجوز أن يستدل به في غير ذلك المعنى إلا إذا وجد تصريح بخلاف ذلك. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: في قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬3) ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 130 الفرق 150. (¬2) القواعد والضوابط ص 160 عن نُكَت الجامع. (¬3) الآية 23 من سورة النساء.

فهذه الآية سيقت لبيان تحريم الجمع بين الأختين تحت رجل واحد في وقت واحد سواء أكانتا زوجتين أم رقيقتين أم إحداهما زوجة والأخرى رقيقة. فلا يجوز سياقها لمعنى آخر. ولكن الآية الثّانية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) عامّة في الأختين وغيرهما، فكلّ واحدة من الآيتين أعمّ من وجه وأخصّ من وجه. ولكن رُجِّح تحريم الجمع بين الأختين بملك اليمين أيضاً؛ لأنّ الآية الأولى سيقت لبيان التّحريم، والثّانية سيقت للمدح بحفظ الفروج، فتكون آية التّحريم سالمة عن المعارض فتقدم. ومنها: إذا قال: بعتك هذه السّيارة أو الأرض بكذا، فهذا الكلام سيق لبيان إرادة البيع فلا يجوز حمله على غير ذلك من أنواع العقود كالهبة أو الإعارة. ومنها: إذا قال: وهبتك هذا الكتاب، فهذا الكلام سيق لبيان إرادة الهبة دون مقابل، لكن إذا قال: وهبتك هذا الكتاب بخمسين مثلاً، فيفهم منه إرادة البيع لِذِكر الثمن. ¬

_ (¬1) الآية 3 من سورة النساء.

القاعدة التاسعة والثلاثون [مطلق الكلام، قصد المتكلم]

القاعدة التاسعة والثلاثون [مطلق الكلام، قصد المتكلم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكلام مبني على غرض المُتكلّم (¬1). وفي لفظ: مطلق الكلام محمول على قصد المُتكلّم (¬2). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: مطلق اللفظ يتقيد بمقصود الحالف. وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد قريبة الدّلالة من سابقاتها. فغرض المتكلّم وقصده ومقصوده: هو المعنى الّذي سيق له الكلام وأراده المُتكلّم. فمفاد هذه القواعد: أنّ كلام المُتكلّم إذا أطلق بغير قيد فإنّه يجب حمله على مقصوده من وراء إطلاقه، وعلى غرضه من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 200. (¬2) نفس المصدر.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

سَوقه، وبخاصّة في باب الأَيمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من حلف أن لا يأكل خبزاً، فيحمل المراد بالخبز على نيّة الحالف وقصده إن كان له نيَّة، وإلا فيحمل على الخبز المُتعارف عليه بين النّاس في بلده - ولا يحمل على المعنى اللغوي للفظ الخبز - فإذا كان المُتعارف بينهم خبز البر - القمح - فلا يحنث بأكل خبز الأرز؛ لأنّه غير محلوف عليه. ومنها: إذا قال المريض للطّبيب أو الصّيدلي: عندي سعال شديد، أو ألم وأريد دواءً. فإنّ على الطّبيب أو الصّيدلي أن يعطيه دواء يعالج السعال أو الألم؛ لأنه المعنى والغرض الّذي سيق الكلام لأجله.

القاعدتان الأربعون والحادية والأربعون [الكلام المبهم - التفسير]

القاعدتان الأربعون والحادية والأربعون [الكلام المُبْهَم - التّفسير] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الكلام المبهم إذا اقترن به - أو تعقّبه - تفسير كان الحكم لذلك التّفسير (¬1). وفي لفظ: الكلام المطلق إذا اتّصل به تفسير كان الحكم لذلك التّفسير (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: إذا ورد الكلام مبهماً مُجملاً أو مُطلقاً غير مقيّد، ثمّ اقترن به أو تلاه واتّصل به تفسير وبيان لذلك الإبهام أو تقييد لذلك المُطلق كان الحكم مبنيّاً على ذلك التّفسير والبيان. وينظر من قواعد حرفٍ الهمزة القاعدة رقم 394. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال لوكيله أو لآخر: اشتر لي لحماً، ولا تشتر لحم بقر ولا جمل. كان المراد لحم الغنم؛ لأنّه قيَّد إطلاقه بنهيه عن شراء لحم البقر والجمل - فلم يبق إلا لحم الغنم الّذي يُسمّى لحماً في ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 32، 89، 96. وجـ 16 ص 54. (¬2) نفس المصدر جـ 18 ص 129.

العرف. ومنها: إذا قال: داري لك سكنى، تكون عارية لا تمليكاً. ومنها: إذا استأجر أجيراً ثلاثة أشهر شهرين بدرهم وشهراً بخمسة، فالشّهران الأولان بدرهم، والشّهر الثّالث بخمسة دراهم. ومنها: إذا قال الوصي أو الوكيل: قبضت جميع ما للميت أو الموكل على فلان وهو مئة درهم. فقال فلان: عليَّ ألف درهم وقد قبضها الوصي أو الوكيل. فقال الوصي أو الوكيل: إنّما قبضت مئة، فإنّه يؤخذ من الغريم تسعمئة؛ لأنّ الألف عليه قد ثبتت بإقراره، والوصي أو الوكيل ما أقرّ إلا بقبض مئة؛ لأنّه فسر مطلق إقراره موصولاً بكلامه. ومطلق الإقرار قوله: قبض جميع ما للميت على فلان، وتفسيره قوله: وهو مئة درهم، فكأنّه قال: قبضت، مئة درهم.

القاعدة الثانية والأربعون [الكلام المتصل]

القاعدة الثانية والأربعون [الكلام المتّصل] أولاً: لفظ ورود هذه القاعدة: الكلام المتّصل بعضه ببعض إذا كان في آخره ما يُغَيِّر موجب أوَّله يتوقف أوَّله على آخره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بالقاعدتين السّابقتين، وإن كانت أعمّ منهما دلالة. إذ مفادها: أنّ الكلام المتّصل بعضه ببعض إذا وُجد في آخره كلام يغيِّر مفهوم أوّله، كان الحكم مبنياً على ما ورد في آخره. ولا يعتبر أوّله دُون آخره؛ لأنّ آخره منع أوَّله كالجملة الواحدة، ويتّضح ذلك بوجود الاستثناء أو الشّرط أو القيد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: مَن دخل داري فأكرمه إلا فلاناً وفلاناً، فوجود الاستثناء في آخره يقيّد عموم أوّل كلامه، ويجعل إكرامه مخصوصاً بغير فلان وفلان. ومنها: إذا قال: أوقفت داري هذه أو مزرعتي على الفقراء ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 37.

من بني فلان. فلا يجوز إعطاء الفقراء من غير بني فلان بحجّة أنّهم فقراء. ومنها: إذا قال: أُوصي بالثّلث لفلان وأُوصي به لفلان آخر. فالثّلث بينهما نصفان؛ لأنّه أشرك الثّاني مع الأوّل في الثّلث؛ والعطف للإشراك، وجاء بالكلام متّصلاً لا منفصلاً، فكأنّه قال: أُوصي بالثّلث لفلان وفلان.

القاعدة الثالثة والأربعون [الكلام المقيد بالاستثناء]

القاعدة الثالثة والأربعون [الكلام المقيّد بالاستثناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكلام المقيَّد بالاستثناء يكون - أو يصير عبارة عمّا وراء المستثنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة لغويّة فقهيّة - لها ارتباط بسابقاتها - فالكلام إذا صدر عن المكلّف مقيّداً بالاستثناء - بإلا أو إحدى أخواتها - فإنّ مدلول الكلام إنّما يكون عبارة عمّا بعد الاستثناء، ولا يعمل بالمستثنى منه على إطلاقه, لأن المستثنى مع المستثنى منه كالجملة الواحدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد الأمير أو الإمام أو الرئيس لواء لقائد وقال: لا يخرج معه إلا ثلاثمئة فلا يجوز أن يخرج معه أكثر من ذلك. ومنها: إذا قال لعبيده كلّكم أحرار إلا فلاناً وفلاناً، عتق الجميع غير مَن استثنى. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 179، المبسوط جـ 6 ص 91، جـ 7 ص 80، جـ 12 ص 116، وجـ 22 ص 90.

ومنها: إذا قال ربّ المال للمضارب: شرطت لك ثلث الرّبح إلا مئة، فلا يستحق المضارب الثّلث كاملاً بل يجب أن ينقص مئة، إلا إذا أقام بيِّنة على استحقاق الثّلث كاملاً. ومنها: قوله عليه الصّلاة والسّلام: "لا تبيعوا البرّ بالبرّ إلا سواء بسواء" (¬1). ففي الحديث نَهيٌ عن بيع البرّ بالبرّ إلا متساوياً. فإطلاق النّهي عن البيع قُيِّد باستثناء المتساويين، فالبيع مع التّسوية جائز وبدونها ممنوع محرّم؛ لأنّه ربا. ¬

_ (¬1) هذا الحديث جزء من حديثين، أحدهما رواه أحمد ومسلم مطوَّلاً وليس فيه "لا تبيعوا"، وأمّا لفظ "لا تبيعوا" فقد ورد في أكثر من حديث عند البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وغيرهم.

القاعدة الرابعة والأربعون [الكلام عزيمة]

القاعدة الرابعة والأربعون [الكلام عزيمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكلام يصير عزيمة بالنّيَّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العزيمة من: عَزَم الأمرَ إذا أكَّده وقوّاه، وأراد فعله وقطع عليه. أو جدَّ في الأمر (¬2). فالكلام قد يكون هزلاً غير جد، وقد يكون مزاحاً، وقد يكون سهواً وغفلة، وقد يكون عزيمة مؤكّداً. والعزيمة في الفقه: اسم لما هو أصل الأحكام غير متعلّق بالعوارض، ويقابلها الرّخصة (¬3). فمفاد القاعدة: أنّ الكلام إنّما يصير عزيمة ومؤكداً إذا صحبته النّيَّة؛ لأن النّيَّة هي القصد المؤكّد. فمن نوى فعل ما نطق به أو أسرّه في نفسه يكون كلامه معزوماً به مؤكّداً. وعليه فإنّ مَن عزم على فعل أمر أو تركه فإنّه يُحاسب على هذه النّيَّه سواء فعل أو ترك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 30. (¬2) الكليّات ص 650. (¬3) نفس المصدر ص 650.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن عزم على فعل خير ومنعه منه مانع من خارج: فله أجر ما نوى. ومنها: من قال لزوجته: حبلك على غاربك. ونوى الطّلاق فهو طلاق. ومنها: من عَزم على فعل مُنكر أو فاحشة، ومنعه منه مانع من خارج فعليه إثم ما نوى. ومنها: أن المصلّي عليه أن ينوي بالتّسليمة الأولى مَن عن يمينه من الحفظة والرّجال. وبالتّسليمة الثّانية مَن على يساره منهم، فعليه أن ينويهم بقلبه مع مخاطبته بلسانه.

القاعدة الخامسة والأربعون [المؤتمن]

القاعدة الخامسة والأربعون [المُؤتَمَن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ أحد مؤتمن على ما يدعيه، مما هو تحت يده (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من باب حسن الظّنّ بالمسلمين، ودفع الشّبه والتّعسير عن المتعاملين، فإنّ كلّ واحد منهم أمين على ما هو تحت يده، ويدّعي ملكيته أو أنّه وديعة عنده، أو أنّه وكيل في بيعه أو إعطائه، أو غير ذلك من التّصرفات؛ أي أنّه مؤتمن ومصدق حتّى لا يتعرض له أحد برفع يده عنه. وليس المعنى أنّه محقّ في دعواه، ولكن أخذاً بالظّاهر أنّ ما في يد الإنسان فهو مصدق فيما يدّعيه فيه. ولا يختصّ هذا بالمسلمين بل الذّمييّن والكفّار مقبولة أقوالهم وادعاءاتهم فيما تحت أيديهم، حتّى تقوم البيّنة على خلاف ما يدّعون. لأن هذا من باب الضّرورة للزوم المشقّة على عدم التجويز. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 15 الفرق الأوّل.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى الجزار أو القصّاب: أنّ هذه الذّبيحة ذكرٌ أو أنثى وأنها ذكيّة، فإنّه يقبل قوله في ذلك، إذا كان مثله يذبح. ومنها: إذا أراد شخص بيع سلعة في السّوق فيجوز شراؤها منه، ولا يلزم إقامة البيِّنة على ملكيته لها. إلا عند وجود قرائن على أنّه لا يملك مثلها، كصعلوك معروف بيده جوهرة ثمينة يعرضها للبيع.

القاعدة السادسة والأربعون [الإعطاء]

القاعدة السادسة والأربعون [الإعطاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ إعطاء وقع بلفظ المنحة - فإن كان ذلك المُعطى مما ينتفع به قائم العين كدار وكساء وشاة - فهو عارية. وإن كان مما ينتفع به بإتلاف عينه كالدّراهم والطّعام واللبن فهو قرض في ظاهر الرّواية - وفي النوادر يكون هبة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أعطى شخص ما آخر شيئاً ما - فإذا كان ذلك بلفظ المنحة - بأن يقول: خذ هذا منحة -أي عطيّة- فلا يخلو المُعطى من أحد أمرين: إمّا أن يكون ممّا ينتفع به مع بقاء عينه كالدّار والكساء والحيوان. وإمّا أن يكون ممّا ينتفع به بإتلاف واستهلاك عينه كالدّراهم والطّعام واللبن فما حكم كلٍّ؟ الأوّل: أن يكون عاريَّة، فيجب على الممنوح له ردّ العين ¬

_ (¬1) الفرائد ص 142 عن الخانية أول كتاب الهبة جـ 3 ص 262. وينظر قواعد الحصني جـ 3 ص 270.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

بعد الانتفاع. والثّاني: يحتمل أمرين: الأوّل: أن يكون قرضاً فيجب ردّ مثله أو قيمته. والأمر الثّاني: أن يكون هبة لا يجب ردّها. ولكن الأمر الأوّل أرجح عند الحنفيّة في ظاهر الرّواية. والمراد بظاهر الرّواية: المسائل المذكورة في المبسوط والجامع الصّغير، والجامع الكبير والسير الكبير والصّغير والزّيادات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل منح رجلاً ظهر بعير أو لبن شاة أو كتاباً ليقرأ فيه، أو داراً ليسكنها، فهذه تعتّبر عاريَّة، ويجب على الممنوح له ردّها. ومنها: إذا قال: خذ هذا الطّعام فكُلْه، أو هذه الدّراهم فانتفع بها، فهذا في الرّاجح قرض يجب عليه ردّ مثله أو قيمته.

القاعدة السابعة والأربعون [الإقرار]

القاعدة السابعة والأربعون [الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ إقرار لا يقع الاستغناء به عن بيان المُقِرّ يُجْعَل بيانه مقبولاً فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار مُلزم للمُقِرّ لا يتعدّاه إلى غيره إلا استثناء، والإقرار قد يكون بيِّناً واضحاً، وقد يكون مُجملاً مبهماً. فمفاد القاعدة: إنّ الإقرار إذا ورد عن المُقرِّ مُبهماً لا يفهم المراد منه، فإنّ بيان المُقِرّ لإزالة ذلك الإبهام مقبول من المقرّ مع يمينه أنّه أراد بإقراره ذلك المبيَّن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لفلان عندي حقّ. فعليه بيان ذلك الحقّ؛ إن كان مالياً أو معنوياً، ويقبل قوله فيه مع يمينه. ومنها: إذا قال الأجير: كلّ ما عندي من قليل أو كثير هو ملك فلان، ولا يعرف ما أقرّ به، فعليه بيانه وقوله فيه مقبول مع يمينه، إذا ادّعى فلان غير ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 152.

القاعدة الثامنة والأربعون [الإقرار الباطل]

القاعدة الثامنة والأربعون [الإقرار الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ إقرار عُلِّق بشرط أو خَطَر يكون باطلاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار لكي يكون صحيحاً يجب أن يكون باتّاً غير مُعَلَّق على شرط أو خَطَر. فمفاد القاعدة: أنّ الإقرار إذا عُلِّق على شرط مع خطر الوقوع وعدمه فهو إقرار باطل، ومثل ذلك: البيع والقسمة والإجارة والإجازة والرّجعة والصّلح على مال وغيرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لفلان عليَّ ألف درهم إذا شاء فلان، فقال فلان: شئت. كان ذلك الإقرار باطلاً. ومنها: إذا قال: أبيعك هذه الدّار إذا هطل المطر، فالبيع باطل؛ وإن البيع يبطل بالشّرط الفاسد. وتعليق العقد بشرط مع خطر يكون باطلاً. ومنها: إذا قال: لفلان عليَّ ألف درهم إن دخلت الدّار أو هبَّت الرّيح. كان الإقرار باطلاً كذلك. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 112 عن إقرار الخانية جـ 3 ص 125.

القاعدة التاسعة والأربعون [مخالف أمر العامة]

القاعدة التاسعة والأربعون [مخالف أمر العامّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ أمر خالف أمر العامة فهو عيب يُرَدُّ به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأمر العامّة: عادتهم وما عُرِف بينهم ممّا قبلوه وعملوا به في تصرفاتهم ومعاملاتهم. فإذا وجد شيء فيه صفة أو حال تخالف ما عرَفه النّاس واعتادوه فيعتبر عيباً موجباً للرّدّ ومُبطلاً للعقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ترافع شخصان إلى قاض في جارية ليس على رَكَبها - أي فرجها - شعر. فثقل أمرها على القاضي، ولم يدر ما يحكم به - ثمّ قال: يسأل عن ذلك أصحاب الرّقيق - أي التّجَّار المختصون ببيع الرّقيق - أي العبيد والجواري، فإن كان هذا الوصف غشّاً رددتُ به. ومنها: اشترى بقرة للحليب، فإذا بها عقيم لا تلد وبالتّالي لا لبن فيها، فهذا عيب فاحش يخالف المعهود من الأبقار فتردّ به على بائعها. ¬

_ (¬1) أخبار القضاة لوكيع جـ 2 ص 55 من أقوال القاضي سوار بن عبد الله بن قدامة بن عنزة العنبري التميمي قاضي البصرة في خلافة أبي جعفر المنصور.

القاعدة الخمسون [الحل والتحريم]

القاعدة الخمسون [الحلّ والتّحريم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ أمر لا يحلّ إلا بملك أو نكاح فإنّه لا يحرم بشيء حتى ينتقض الملك أوالنّكاح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذي لا يحل إلا بملك أو نكاح - أي عقد نكاح - إنّما هو المرأة، فالمرأة لا تحلّ للرّجل إلا بإحدى طريقين: ملك اليمين بشروطه، أو عقد الزّواج بشروطه، وإذا ثبت الحلّ بإحدى هاتين الطّريقتين، فلا تحرم المرأة على السّيّد أو على الزّوج إلا بانتقاض الملك بالعِتق، أو الزّواج من غيره، ولا تحرم المرأة على الزّوج إلا بانتقاض العقد بالطّلاق أو الفسخ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لآخر: أذنت لك في وطء جاريتي هذه، أو قالت له امرأة حرّة مسلمة: قد أذنت لك في وطئي. فلا يحلّ له وطء أيّ منهما إلا إذا ملك الجارية ملكاً كاملاً تامّاً بشراء أو هبة أو صدقة، وإلا إذا تزوّج الحرّة زواجاً شر عيّاً صحيحاً. ¬

_ (¬1) كتاب الأصل للإمام محمَّد بن الحسن الشيباني جـ 3 ص 113.

ومنها: إذا نكح رجل امرأة بعقد صحيح، فلا تحرم عليه إلا إذا طلّقها أو فسخ عقدها وانتقض. ومنها: ملك جارية ملكاً تامّاً صحيحاً بطريق صحيح، فلا تحرم عليه إلا إذا أعتقها، أو زوّجها غيره.

القاعدة الحادية والخمسون [الحل بالإذن]

القاعدة الحادية والخمسون [الحلّ بالإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ أمر يحلّ بغير نكاح ولا ملك إنّما يحلّ بالإذن فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها، فإذا كانت المرأة لا تحلّ للرّجل إلا بالعقد الصّحيح أو الملك التّام، ولا تحرم إلا بانتقاض النّكاح والملك، فإنّ ما كان غير المرأة ممّا يحلّ بغير نكاح ولا ملك، كالطّعام والشّراب واللباس وما يملك فذلك إنّما يحلّ بالإذن فيه عن طريق البيع أو الإجارة أو الهبة أو الصّدقة، أو الإذن الشّرعي كالمبَاحات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى مسلم لحماً فلمّا أخذه من بائعه أخبره رجل مسلم ثقة أنّه ذبيحة كافر، فلا ينبغي له أن يأكله ولا يطعمه غيره. وعند محمَّد بن الحسن رحمه الله: أنّه لا ينبغي له أن يردّه على صاحبه ولا يحلّ للبائع أن يمنع ردّ ثمنه على المشتري. قال: لأنّ نقض ¬

_ (¬1) كتاب الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني جـ 3 ص 113 - 118.

الملك فيه لا يجوز يقول واحد، كما أنّ منع الثّمن لا يجوز بقول واحد. ومنها: إذا قال رجل لآخر: خذ هذه السّيّارة هديّة منّي لك. جاز أخذها واستعمالها بذلك الإذن. لكن إذا قال للمُهدَى إليه رجل آخر: إنّ هذه السّيّارة قد اغتصبها المهدي من غيره. فهنا يُكره للمُهدَى إليه أخذ السّيّارة ولا استعمالها، ولكن إن لم يتنزه عن ذلك كان في سعة؛ لأنّ المخبر هنا لم يخبر بحرمة العين، وإنّما أخبر أن من تملَّك من جهته لم يكن مالكاً - وهو مكذَّب في هذا الخبر شرعاً فإنّ الشّرع جعل صاحب اليد مالكاً باعتبار يده. لكن إذا قامت البيّنة على أنّ السّيّارة لم تكن ملكاً للمهدي وعُرِف صاحبها فلا يحلّ للمُهدَى إليه استعمالها.

القاعدة الثانية والخمسون [جهل التاريخ]

القاعدة الثّانية والخمسون [جهل التّاريخ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ أمرين ظهراً ولا يعرف التّاريخ بينهما، يجعل كأنَّهما حصلا معاً (¬1). وفي لفظ: كلّ أمرين ظهراً ولا يعرف سبق أحدهما جُعِلا كأنّهما وقعاً معاً (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: للتّاريخ ومعرفة الزّمن أثر واضح في بناء الأحكام، فمثلاً إذا مات المورِّث وبعد دقيقة مات وارثه، فإنّ الموروث ينتقل إلى الوارث الّذي يرثه ورثته الأحياء. ولكن قد يحصل أن يموت اثنان ولا يعرف سبق أحدهما بالوفاة، فحينئذ يعتبر كأنّهما ماتا معاً، ولا يرث أحدهما من الآخر. فمفاد القاعدتين: أنّ كلّ أمرين ظهراً ولم يُعرف تاريخ وقوع كلّ منهما أو سبق أحدهما الآخر فيعتبران في الأحكام كأنّهما ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 38. (¬2) المبسوط جـ 17 ص 61.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وقعا وحصلا معاً، وينظر قواعد الهمزة رقم 397. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان جماعة في طائرة أو سيّارة وقُدِّر عليها حادث ماتوا بسببه فحينئذ يُقَدّر موتهم معاً، ولا يرث أحد منهم الآخر، بل يكون ميراث كلّ واحد لورثته الأحياء. ومنها: الغرقى والهدمى يجعلون كأنّهم ماتوا معاً، فلا يرث بعضهم بعضاً.

القاعدة الثالثة والخمسون [تقديم الأقوى على الأضعف]

القاعدة الثالثة والخمسون [تقديم الأقوى على الأضعف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ أمرين لا يجتمعان يقدّم الشّارع أقواهما على أضعفهما (¬1). وكذلك العقل والعرف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وُجِد أمر أن لا يمكن اجتماعهما معاً في مكان واحد فإنَّ الشّارع الحكيم يقدّم أقواهما للعمل بموجبه ويهمل الأضعف؛ لأنّ الضّعيف لا يظهر في مقابلة القوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الرّقّ والزّوجيّة أمران لا يجتمعان، فإذا ملك رجل امرأة. فلا يحقّ له الزّواج منها؛ لأنّ ملك اليمين أقوى من النّكاح. ومنها: إذا تزوّج رجل أَمَة لرجل آخر ثمّ ملكها الزّوج، انفسخ النّكاح بينهما لطروء المنافي عليه؛ لأنّ ملك اليمين أقوى. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 135 الفرق 153.

القاعدة الرابعة والخمسون [قول الأمين]

القاعدة الرّابعة والخمسون [قول الأمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ أمين فالقول قوله في الرّدّ على مّن ائتمنه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمين: فعيل من الأمانة: والأمانة مصدر أمُن إذا صار أميناً، والأمين هو الإنسان الصّادق غير الخائن وهو المستودع. وكلّ ما أُمِن عليه الإنسان فهو أمانة (¬2). وكلّ ما افترض على العباد فهو أمانة كالصّلاة والصّيام والزّكاة، وأداء الدَّين والوديعة. فمفاد القاعدة: أنّ من أؤتمن على شيء - فعند عدم البيِّنة عند الإنكار - فإنّ القول قوله في ردّ الوديعة على صاحبها المؤتمِن؛ لأنّ الأمين غير ضامن، وهو بيمينه ينفي عن نفسه الضّمان؛ لأن الأمين لا يضمن بغير التّعدي أو التّقصير في حفظ الأمانة. ومفهوم القاعدة أنّه لو ادّعى الرّدّ على غير من ائتمنه لا يقبل ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 361. (¬2) الكليّات ص 186.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

قوله، كما إذا ادّعى ردّ الوديعة على رسول المالك أو على الوارث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استُودع وديعة ثمّ ادَّعى ردّها على صاحبها، وأنكر صاحبها الرّدّ، وادّعى أنّ الأمين استهلكها أو أتلفها. فالقول قول الأمين مع يمينه أنّه ردّ الوديعة لصاحبها؛ لأنّه بيمينه يدفع عن نفسه ضمان الوديعة؛ لأن الأصل براءة ذمّة الأمين من الضّمان. ومنها: عامل القراض إذا ادّعى عدم الرّبح، فإنَّ القول قوله مع يمينه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المستأجر للعين لا يقبل قوله: إنّه ردَّ المستأجَر على المؤجر؛ بل عليه البيِّنة؛ لأنّ قبض المستأجَر لمنفعة نفسه ومصلحتها، فهو ضامن إذا لم يثبت الرّدّ على المؤجِّر. ومثله المرتهن إذا ادّعى ردّ الرّهن على الرّاهن.

القاعدة الخامسة والخمسون [الإخبار عن حكم]

القاعدة الخامسة والخمسون [الإخبار عن حكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ إمام أخبر عن حكم بسبب اتّبع فيه، فكان فتيا ومذهباً. أو أخبر عن وقوع ذلك السّبب، فهو شهادة أو خبر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالإمام: مَن يُقتدى به في الفقه والعلم الشّرعي كأبي حنيفة ومالك والشّافعي وأحمد رحمهم الله جميعاً. فمفاد القاعدة: أنّ مَن يقتدي به النّاس في الفقه والعلم الشّرعي إذا أخبر عن حكم شرعي وذكر سبباً لذلك الحكم فإن العامّة يتبعونه فيه، ويكون قوله هذا فتيا ومذهباً له. وجاز تقليده فيه. أمّا إذا أخبر عن وقوع سبب ذلك الحكم، فإن هذا الإخبار يعتبر شهادة لا فتيا، أو خبراً لا مذهباً، فلا يتبع فيما قال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال إمام من الأئمة: إنّ الوتر - مثلاً - واجب. وذكر دليله، فهذا يُعتبر فتيا ومذهباً له يقلده فيه من اتّبعه وقلّده. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 4 ص 5 الفرق 203.

ولكن إذا قال: إنّ مكّة المكرّمة فتحت عنوة أو صلحاً، أو أنّ فلاناً خالع امرأته أو أنّ فلاناً أُخذ ماله غصباً. فهذه لا تكون فتيا ولا مذهباً، بل هي خبر أو شهادة قد يصدق فيها، أو قد يكون مخطئاً. فلا يُقَلَّد فيها.

القاعدتان السادسة والسابعة والخمسون [الإثبات الناقض - سد تصرف الشرع]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والخمسون [الإثبات النّاقض - سدّ تصرف الشّرع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ إنشاء سدّ تصرف الشّرع فهو باطل (¬1). وفي لفظ: كلّ ما أدَّى إثباته إلى نفيه ونقضه فهو باطل (¬2). وفي لفظ: كل إثبات تضمن نفياً فهو عين التنافي (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالإنشاء هنا: القيام بالتّصرف القولي أو الفعلي فمفاد القاعدتين: أنّ كلّ إنشاء تصرف من المكلّف يترتّب عليه أحد أمرين: إمّا سدّ تصرف الشّرع وإبطال أحكامه، وإمّا يؤدي إثبات هذا التّصرف إلى نفيه ونقضه، فكلّ تصرف هذا شأنه يعتبر تصرفاً باطلاً، وصاحبه آثم. ومن التّصرفات الباطلة ما يسمّى التّعليق الدّوري: وهو ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 123. (¬2) أشباه السيوطي ص 384. (¬3) الجمع والفرق ص 789.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

المسائل التّي يؤدي تصحيح القول فيها إلى إفساده، ويؤدي إثباته إلى نفيه (¬1). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: التّعليق الدّوري: أن يقول: مهما طلّقتك فأنت طالق قبله ثلاثاّ. ثمّ طلّقها، ففي هذه المسألة ثلاثة أوجه: الأوّل: لا يقع عليها طلاق أصلاً، عملاً بالدور وتصحيحاً له؛ لأنّه لو وقع المنجز لوقع قبله ثلاث، وحينئذ فلا يقع المنجز للبينونة بالثّلاث السّابقة. والوجه الثّاني: يقع المنجز. والوجه الثّالث: يقع ثلاث تطليقات: المنجزة وطلقتان من المعلّق إن كانت مدخولاً بها. واختلف الشّافعية في الرّاجح منها. ومنها: كلّما عزلتك فأنت وكيلي. حيث سدّ على نفسه باب العزل. إلا أن يقول: كلّما عدت وكيلي فأنت معزول، ثمّ يعزله. ومنها: إذا قال: إن آليت منك، أو ظاهرت منك، أو فسخت بعيبك، أو لاعنتك أو راجعتك، فأنت طالق قبله ثلاثاً. ثمّ وُجِد المعلّق به. قالوا: لم يقع الطّلاق. وفي صحته الأوجه الثّلاثة السّابقة (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 380. (¬2) أشباه السيوطي ص 381.

ومنها: لو شهد رجلان على رجل أنّه أعتق عبديه سالماً وغانماً. فحكم بعتقهما. ثمّ شهد العبدان المعتقان بفسق الشّاهدين، لم يقبل قولهما ولا شهادتهما؛ لأنّهما لو قبلت عادا رقيقين، وإذا عادا رقيقين بطلت شهادتهما بفسق الشّاهدين، فقبول شهادتهما يؤدي إلى إبطالها، فأبطلناها. ومنها: إذا قال لأمَتِهِ: إن زوَّجتك فأنت حرَّة. فزوّجها. لم تعتق؛ لأن في عتقها إبطال زواجها؛ لأنّا لو قلنا: بعتقها في ذلك اليوم بطل تزويجها. وإذا بطل تزويجها بطل عتقها. فثبت النّكاح ولا تعتق. ومنها: إذا ادّعى المقذوف بلوغ القاذف، وأنكر القاذف بلوغه - ولا بيِّنة للمقذوف على بلوغ القاذف، لم يحلف القاذف أنّه غير بالغ؛ لأنّ الحكم بيمينه يتضمّن إبطال اليمين؛ إذ اليمين من غير البالغ لا يعتدّ بها. ومنها: إذا دفع إلى رجل زكاة فاستغنى بها، فلا يسترجعها منه؛ لأنّ الاسترجاع منه يُوجب دفعها ثانياً؛ لأنّه يصير فقيراً بالاسترجاع (¬1). وهكذا كلّ ما أدّى إثباته إلى نفيه ونقضه فهو باطل. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 384.

القاعدة الثامنة والخمسون [الإيجاب - القبول]

القاعدة الثامنة والخمسون [الإيجاب - القبول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ إيجاب افتقر إلى القبول فقبوله بعد موت الموجِب لا يفيد (¬1). إلا في الوصيّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإيجاب هو القول الصّادر من أوّل المتعاقدين. وفي اللغة: هو الإثبات لأي شيء كان. أو هو: أو كلام يصدر من أحد العاقدين لأجل إنشاء التّصرف، وبه يوجَب ويثبت التّصرف (¬2). والقبول: ما يذكر ثانياً جواباً عن الإيجاب، وهو قول العاقد الثّاني: قبلت أو رضيت، أو أي لفظ آخر يدلّ على الرّضا بالعقد. ويشترط في القبول لكي يكون مفيداً وتنبني عليه آثار العقد حياة الموجب عند صدور القبول من القابل. فمفاد القاعدة: أنّ القبول إذا صدر من القابل بعد موت ¬

_ (¬1) مختصر ابن خطيب الدهشة ص 395. (¬2) مجلة الأحكام المادة 101. وأشباه ابن السبكي جـ 1 ص 362، وأشباه السيوطي ص 280. والأصل من قواعد العلائي لوحة 346 ب.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الموجب أنّه باطل لا يفيد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: زوّجتك موليتي فلانة على مهر قدره كذا. وقبل صدور القبول من الزّوج مات الولي. فإذا قبل الزّوج بعد ذلك فقبوله باطل، والعقد لم ينعقد؛ لأنّ بوفاة الولي انتقلت الولاية إلى غيره من الأولياء. ومنها: إذا قال البائع: بعتك هذه السّلعة بكذا. وقبل أن يقبل المشتري مات البائع. فقبول المشتري بعد موت البائع لا يفيد، ولم ينعقد العقد؛ والعلّة في ذلك؛ أنّ السّلعة بعد وفاة البائع انتقلت ملكيتها إلى الوارث والوارث لم يوجب. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا أوصى لشخص بوصيّة ومات الموصي قبل قبول الموصى له، ثمّ قبل المُوصَى له الوصيّة جازة الوصيّة وملكها الموصى له؛ لأنّ الوصية لا يشترط فيها قبول المُوصَى له قبل موت الموصي. وإذا مات المُوصَى له بعد قبوله وبعد موت الموصي قام وارث المُوصَى له مقامه.

القاعدة التاسعة والخمسون [دار الحرب]

القاعدة التّاسعة والخمسون [دار الحرب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ بلدة من بلاد الإسلام أجرى أهل الحرب أحكامها فيها صارت دار حرب عندهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدّار داران: دار إسلام، ودار حرب. فدار الإسلام: هي الدّار الّتي تحكم بشرع الله سبحانه وتعالى، ويأمن فيها المسلمون بإيمانهم، وأهل الذّمّة بأمانهم. ودار الحرب: هي دار الكفر. ومفاد القاعدة: أنّه يمكن أن تعود بلد من بلاد الإسلام وتصير دار حرب، وذلك بأن يُعَطَّل فيها شرع الله، ويُجْري فيها أهل الحرب أحكامهم. وهذا عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وأمّا عند أبي حنيفة فيشترط إلى جانب ذلك أن لا يكون بينها وبين دار الحرب الأصليّة دار إسلام - أي أن تكون متّصلة ¬

_ (¬1) الفرائد ص 234 على الخانية جـ 3 ص 384.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

بدار الحرب - وأن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمّيّ آمن بالأمان الأوّل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بلد مثل تركيا وتونس وغيرهما من بلاد المسلمين يحكمها الزّنادقة العلمانيّون، وحكّموا فيها أحكام أهل دار الحرب ويحاربون الإسلام وشريعته، فيُحلّون ما حرّم الله، ويُخالفون أمر الله وأحكامه ويستبدلونها بأحكام بشريّة وضعيّة. فعلى رأي الصاحبين هي دار حرب، وعلى رأي أبي حنيفة رحمه الله ليست كلّها دار حرب ما دام فيها مسلمون أو وُجد بينها وبين دار الحرب دار إسلام. والله أعلم.

القاعدة الستون [المجمل وبيانه]

القاعدة السّتّون [المجمل وبيانه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ بيان للمُجْمَل يُعَدُّ مراداً من ذلك المُجمل وكائناً فيه (¬1). أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المُجمَل: اسم مفعول من أُجْمل إذا أُبهم. فالإجمال يقابله التّفصيل والبيان. والمُجمل عند الأصوليين: ما لا يفهم منه مراد المتكلّم (¬2). وعند الفقهاء: هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير مُلخَّصة (¬3). وقال في التّعريفات: هو ما خفي المراد منه بحيث لا يدرك بنفس اللفظ إلا ببيان من المُجْمِل، سواء كان ذلك لتزاحم المعاني المتساوية الأقدام كالمشترك أو لغرابة اللفظ، أو لانتقاله من معناه الظّاهر إلى ما هو غير معلوم (¬4). ¬

_ (¬1) تنقيح الفصول ص 312. (¬2) الإيضاح لقوانين الاصطلاح ص 21. (¬3) التّوقيف ص 253. (¬4) التّعريفات ص 215 - 216.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنّ اللفظ المُجمَل إذا صاحَبَه أو تلاه بيانٌ من المُجمِل فيعتبر ذلك البيان مراداً من ذلك المُجمَل وجزءاً منه، فلا يكون مُجمَلاً بعد ذلك بل هو مُفَسَّر ومبيَّن - وينظر القاعدة رقم 48. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} لفظ الهلوع لفظ مُجمَل ولكن تلاه قوله تعالى: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} (¬1) فيعتبر ذلك بياناً للمُجمَل وتفسيراً لذلك اللفظ الغريب. ومنها: ألفاظ الصّلاة والزّكاة والصّوم، كلّها مُجملة وبيّن المراد منها الكتاب والسّنّة على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ¬

_ (¬1) الآيات 19 - 21 من سورة المعارج.

القاعدة الحادية والستون [بيان المجمل]

القاعدة الحادية والسّتّون [بيان المجمَل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ بيان للمُجمِل يكون منطوقاً به في ذلك المجمَل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى المجمَل وهو الكلام المبهم الّذي يحتاج إلى تفسير من المجمِل. فإذا ورد بيان للمجمَل من المجمِل فإنّ ذلك البيان يعتبر منطوقاً به في العبارة المجمَلة فيجب العمل بها؛ لأنّها في الحقيقة لم تعدّ مجمَلة بل مُفَسَّرة، وهي قريبة المعنى من القاعدة السّابقة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬2). لفظ مجمل في الأصل، لكن لمّا ورد عن السّنّة في خصوصياتها وهيئاتها وأحوالها، عُدَّ ذلك ثابتاً بلفظ القرآن، وأجمع المسلمون على أنّ ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 164 - 165 الفرق 162. (¬2) الآية 43، 83، 110 من سورة البقرة. والآية 77 من سورة النساء. والآية 87 من سورة يونس. والآية 56 من سورة النور وغيرها.

الصّلاة والزّكاة مشروعة بالقرآن. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق. ونوي الثّلاث. يقع الثّلاث. خلافاً لأبي حنيفة يرحمه الله - فهو يرى أنّها واحدة رجعيّة؛ لأنّ اسم الفاعل وهو (طالق) لا يفيد إلا أصل المعنى، والزّائد يكون بمجرّد النّيَّة والنّيَّة لا توجب طلاقاً. وعند أبي يوسف وغيره - رحمهم الله - تقع ثلاثاً (¬1). لأنّ لفظ طالق كان مُجملاً، وفسّره بنيَّته. ¬

_ (¬1) ينظر عقد الجواهر الثمينة جـ 2 ص 189.

القاعدة الثانية والستون [السكوت عن الثمن ونفيه]

القاعدة الثّانية والسّتّون [السّكوت عن الثّمن ونفيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ بيع سُكِت فيه عن ذكر الثّمن فهو فاسد. وإذا نُفِيَ الثّمن فهو باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لا تختصّ بالبيع بل يندرج فيها الإجارة والسّلم، وكلّ عقد لم يذكر فيه المعقود عليه أو البديل لا يصحّ؛ لأن الثّمن والأجرة والمسلم فيه كلّ ذلك من أركان العقد، والعقد إذا لم يصحّ ركن فيه فهو فاسد عند الحنفيّة باطل عند غيرهم والفرق بين الباطل والفاسد عند الحنفيّة: أنّ الباطل غير مشروع بأصله ولا وصفه ولا تترتب عليه آثاره. والفاسد مشروع بأصله دون وصفه - أي أنّ الوصف غير مشروع - وأنّ الفاسد إذا أُزيل فساده صحّ ولا يحتاج العقد إلى تجديد والباطل لا يصحّ. وعند غير الحنفيّة كلّ باطل فاسد وكلّ فاسد باطل فلا فرق. وفرقت القاعدة بين أمرين: الأوّل: أن يسكت عن ذكر الثّمن أو الأجرة، أو المسلم فيه أو البديل. فحكم هذا العقد الفساد عند ¬

_ (¬1) الفرائد ص 40 عن الخانيّة أوّل البيع الباطل جـ 2 ص 134.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الحنفيّة ويزول الفساد إذا ذكر بعد ذلك الثّمن أو البديل. والثاني أن يُنْفى الثّمن أو الأجرة أو المسلم فيه أو غيرها ففي هذه الحال هو باطل عند الحنفيّة قطعاً، ولا يكون هبة ولا إعارة ولا قرضاً. وعند غيرهم خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: بعتك هذه السيارة - ولم يذكر ثمناً - وقال الآخر: قبلت. فالعقد فاسد عند الحنفيّة - باطل عند غيرهم إذا لم يصحّ كونه هبة؛ لأنّ العقد نقص ركن من أركانه. ومنها: إذا قال: أجرتك هذه الدّار. ولم يذكر الأجرة - وقبل المستأجر. فكذلك. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا زوَّج موليته ولم يذكر لها مهراً، فالعقد صحيح ولها مهر مثلها.

القاعدة الثالثة والستون [التدليس - الخيار]

القاعدة الثّالثة والسّتّون [التّدليس - الخيار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تدليس يختلف الثّمن لأجله يُثْبِت الخيار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه في الظّاهر ضابط يختصّ بالتّدليس في البيع، ولكن التّدليس لا يختص بالبيع، بل يمكن أن يكون في كلّ تصرف وعقد. ومن هذه النّاحية هي قاعدة وليست ضابطاً. معنى التّدليس: من دَلَّس يُدَلَّس، أي كتم عيب السّلعة من المشتري وأخفاه، وأصل المادّة من "الدَّلَس" وهو الظّلمة، كما قاله ابن فارس (¬2). فمفاد القاعدة: أنّ كلّ عيب خفيٍّ في السّلعة يعلمه البائع ولم يخبر به المشتري، وكان الثّمن يختلف لأجل هذا العيب، بأن كانَ العيب فاحشاً يؤثر في قيمة السّلعة، فإنّ هذا التّدليس يثبت الخيار للمشتري في قبول السّلعة أو ردّها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 157. (¬2) ابن فارس أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسين من أئمة اللغة والأدب توفي سنة 395 هـ. الأعلام جـ 1 ص 193 مختصراً.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سيّارة وبعد ذلك وجد بها عيباً أخفاه البائع، ولم يُعلم به المشتري، كأن تكون السّيّارة تستهلك من الزّيت ما يدلّ على فساد ماكينتها. فللمشتري الخيار في ردّها أو استرجاع بعض ثمنها مقابل رضائه بعيبها. ومنها: إذا استأجر داراً فوجدها في الشتّاء تسيل سقوفها ماءً، والمؤجر كان يعلم بذلك، فللمستأجر الخيار في البقاء بأنقص من الأجر المتّفق عليه أو بفسخ العقد، أو إصلاح العيب على حساب المؤجّر. ومنها: إذا تزوّج امرأة على أنّها بكر فإذا هي ثيَّب - وكان الولي يعلم بذلك وأخفاه عن الزَّوج - فهل للزّوج الخيار؟ عند الحنابلة روايتان، والرّواية الرّاجحة أنّ له الخيار (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 50.

القاعدتان الرابعة والستون والخامسة والستون [تقاعد التصرف عن تحصيل مقصوده]

القاعدتان الرّابعة والسّتّون والخامسة والسّتّون [تقاعد التّصرّف عن تحصيل مقصوده] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ تصرّف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل (¬1). أو بطل من أصله (¬2). وفي لفظ: كلّ تصرّف كان من العقود كالبيع أو غير العقود كالتّعزيرات، وهو لا يحصل مقصوده فإنّه لا يشرع ويبطل إن وقع (¬3). وفي لفظ: كلّ عقد لا يفيد مقصوده يبطل (¬4). وفي لفظ: كلّ تصرّف لا يترتّب عليه مقصوده لا يُشرع (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: تصرفات المكلّفين الّتي يقومون بها تنبني عليها أحكام ومقاصد وفوائد يقصدها ويريدها المكلّفون من وراء تصرّفاتهم. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 324 أ، أشباه السيوطي 285. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 259. (¬3) الفروق جـ 3 ص 238 الفرق 184. (¬4) نفس المصدر جـ 3 ص 260 الفرق 190. وتهذيب الفروق جـ 3 ص 254. (¬5) الفروق جـ 3 ص 135 الفرق 153.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ولكن إذا وُجد تصرّف لا ينبني عليه المقصود منه فإن هذا التّصرف باطل، والشّرع لا يعتبره ولا يرتّب عليه حكماً. ويُنظر قواعدٍ حرف الهمزة القاعدة رقم 105. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: اشترى سلعة على أن لا يملكها، فالعقد باطل؛ لأنّ عقد البيع إنّما شرع لملك البدلين، فإذا كان المشتري لا يملك ما يشتريه فالعقد تقاعد عن تحصيل المقصود منه فهو باطل. ومنها: إذا تزوّج امرأة على أن لا يطأها، فالعقد باطل كذلك, لأنّ المقصود من النّكاح حلّ الوطء لتحصيل الولد والإعفاف. ومنها: عدم صحّ بيع الحرّ؛ لأنّه ليس بمال. ولا يقع تحت اليد. ومنها: عدم جواز الإجارة على فعل محرم. ومنها: إذا جنى إنسان جناية: من قتل أو غيره، وقبل إقامة الحدّ عليه جُنَّ. فلا يقام عليه حدّ؛ لأنّ الحدود إنّما شُرعت زجراً، والمجنون لا يعقل معنى الزّجر. ومنها: إذا زنا وهو سكران أو سرق، فإنّما يُحدُّ إذا صحا. ومنها: المجبوب ومَن لا يولد له لا يشرع له اللعان لنفي النّسب؛ لأن النّسب لا يلحق به أصلاً. ولا يفيد اللعان شيئاً.

القاعدة السادسة والستون [العقد الموقوف]

القاعدة السّادسة والسّتّون [العقد الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تصرّف صدر من غير المالك - إن كان له مجيز حال وجوده - يتوقّف على إجازة مَن له الإجازة. وإن لم يكن له مجيز لا يتوقّف - بل يبطل - (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد الموقوف: هو عقد الفضولي، ولكن كون العقد موقوفاً مشروط بشرطين: الأوّل: أن يكون العقد صحيحاً لا باطلاً. والشّرط الثّاني: أن يكون للعقد مجيز حال وجوده ووقوعه؛ لأنّ فائدة التّوقف النّفاذ عند الإجازة، وهذا مضمون القاعدة ومفادها. فالعقد الموقوف إنّما يكون موقوفاً على إجازة المالك، أو مَن له حقّ الإجازة، فإن لم يكن للعقد مجيز فإن العقد يعتبر باطلاً غير موقوف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّغير - غير البالغ - لا يقع طلاقه. فإذا طلّق إنسان ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 136، 156، 178، عن شرح الجامع للإسبيجابي، وشرح الحصيري.

فضولي امرأة صغير فإن الطّلاق لا يقع وإن أجازه الصّغير؛ لأنّ الصّغير لا عبارة له، فهو لا يقع طلاقه بنفسه، فبالأولى أن لا تصحّ إجازته. ومنها: إذا باع فضولي سيّارة، وقبل الإجازة مات المالك، فالعقد باطل غير موقوف؛ لأنّه لا مجيز له حال وجوده.

القاعدة السابعة والستون [قبض المبيع]

القاعدة السّابعة والسّتّون [قبض المبيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تصرّف يجوز من غير قبض إذا فعله المشتري قبل القبض لا يجوز، وكلّ تصرف لا يجوز إلا بالقبض إذا فعله المشتري قبل القبض جاز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّصرفات نوعان: نوع يتمّ ويصحّ العقد فيه ولو لم تقبض العين أو البدل - أي لم يتسلمها المشتري - ونوع آخر لا يتمّ إلا بقبض من المشتري. فمفاد القاعدة: أنّ التّصرف الّذي يجوز ويصحّ من غير قبض إذا تصرّف المشتري بالسّلعة قبل قبضها، فإن العقد الثّاني باطل؛ لأن المشتري أو المستأجر الآخر لا ينوب عن الأول في القبض. وأمّا التّصرف الّذي لا يتمّ إلا بالقبض كالهبة والرّهن مثلاً فإن المشتري إذا تصرّف بالسّلعة قبل قبضها فإنّه يجوز؛ لأنّ قبض المشتري الثّاني يعتبر بدلاً عن قبض الأوّل. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 54 عن الخانية جـ 2 ص 264 فصل قبض المبيع.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى رجل من آخر سيّارة - فالعقد صحيح ولو لم يستلم السّيّارة ما دامت شروط العقد صحيحة - وقبل أن يتسلّمها المشتري باعها أو أجرها من آخر، فإنّ هذه العقد - الثّاني - لا يجوز؛ لأنّ المشتري الثّاني أو المستأجر - ليس نائباً عن الأول في القبض. ولكن إذا أعار سيّارته أو وهبها لآخر أو رهنها عند آخر. جاز التّصرف الثّاني لأنّ المستعير أو الموهوب له أو المرتهن صار مسلطاً من قبل المشتري على القبض. فيكون المشتري قابضاً بقبضه.

القاعدة الثامنة والستون [التصرف المستقل]

القاعدة الثّامنة والسّتّون [التّصرّف المستقل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تَصَرُّف يستقلّ به الشّخص ينعقد بالكناية مع النيَّة كانعقاده بالصّريح (¬1). وما لا يستقل به ضربان (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّصرفات أو العقود الّتي يتصرّف بها نوعان من حيث الصّيغة: إمّا أن تكون الصّيغة صريحة فلا تحتاج إلى النّيَّة، وإمّا أن تكون الصّيغة كنائية فتحتاج إلى النّيَّة. ومن ناحية أخرى فإنّ التّصرفات من حيث انفراد الشّخص بها أو عدم انفراده نوعان أيضاً: نوع ينفرد الشّخص ويستقلّ به ولا يشاركه فيه غيره - أي أنّه يتمّ من جهة واحدة ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول - فهذا التّصرف كما ينعقد بصريح اللفظ ينعقد أيضاً بالكناية بشرط استصحاب النّيّة المعيِّنة للمراد، وهو مقصود القاعدة. والنوع الثّاني: لا ينفرد الشّخص به بل لا بدّ من طرفين ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 248، أشباه السيوطي ص 296. (¬2) أشباه السيوطي ص 296.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

موجب وقابل، وهذا أيضاً نوعان: الأوّل: نوع يشترط فيه الإشهاد على التّصرف مثل النّكاح، وبيع الوكيل المشروط فيه الإشهاد. وهذا النّوع لا ينعقد بالكناية؛ لأن الشّاهد لا يعلم النّيَّة. والنّوع الثّاني: الّذي لا يشترط فيه الإشهاد ينقسم إلى قسمين: قسم يقبل مقصوده التّعليق بالغرر كالكتابة، والخلع فينعقد مع الكناية بالنّيَّة. والقسم الثاني: لا يقبل التّعليق بالغرر كالإجارة والبيع وغيرهما من أنواع العقود، وهذا القسم فيه خلاف والوجه الصّحيح جوازٍ انعقاده مع النّيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّلاق يستقل به الشّخص وينفرد بإمضائه فيجوز أن يطلِّق الزّوج زوجته بقوله: اذهبي لأهلك، إذا نوى بهذه العبارة الطّلاق. ومنها: أن يقول الدائن لمدينه: ليس لي عليك شيء. وينوي به الإبراء، فيصحّ ولا يحقّ له المطالبة بعد ذلك. ومثل ذلك العتاق والنّذر والظّهار وأشباهها تصحّ وتنعقد بالكناية مع النّيَّة لأنّ هذه الأمور لا تحتاج إلى الإشهاد عليها. من أمثلة النوع الثاني: إذا أراد عقد نكاح - وهو عقد غير مستقل به إذ يحتاج إلى إيجاب وقبول وإشهاد فلا ينعقد بدون حضرة الشّهود ولذلك لا

ينعقد بالكناية ولو نوى - وهذا عند الشّافعيّة الذين يرون أن عقد النكاح لا ينعقد صحيحاً إلا بلفظ التزويج أو النكاح - وعند غير الشافعية يجوز عقده بغير لفظ التّزويج والنّكاح؛ لأنّ الحال ينبئ عن المقصود. ومنها: الخلع فهو عقد يحتاج إلى إيجاب من الزّوجة وقبول من الزّوج فينعقد بالكناية مع النّيَّة؛ لأنّه لا يشترط فيه الإشهاد. ومنها: البيع والإجارة وباقي العقود تنعقد بالكناية مع النّيَّة في الأصح. فإذا قال: وهبتك هذه السّيّارة بكذا كان بيعاً لا هبةً لذكر العوض. والخلاف فيما إذا عدمت القرائن، وأمّا إن توفّرت القرائن وأفادت المقصود وجب القطع بالصّحّة.

القاعدة التاسعة والستون [التصرف الفاسد]

القاعدة التّاسعة والسّتّون [التّصرّف الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تصرّف يقع من المشتري شراءً فاسداً فهو كتصرف الغاصب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّصرف الصّادر عن المسلم ينبغي أن يكون تصرفاً صحيحاً؛ حتّى يحلّ له الانتفاع بما تعاقد عليه، لكن إذا وقع التّصرّف من المشتري أو المتعاقد - عموماً - باطلاً، فإنّ حكمه حكم تصرف الغاصب. وإذا كان المعقود عليه عيناً فهو في يد المشتري كالمغصوب في يد الغاصب، فيجب عليه ردّه وإلا كان آثماً ولا يحلّ له الانتفاع به. ولكن يختلف عن الغاصب في صورة ما إذا كان العقد الفاسد نكاحاً فإنّه لا يُحَدُّ إذا وطئ المرأة لشبهة العقد، والغاصب إذا وطئ المغصوبة يحدّ. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 294، قواعد الحصني جـ 2 ص 225، أشباه السيوطي ص 287.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى جارية بما لا يكون ثمناً كميتة أو دم، ثمّ وطئها، فيجب عليه الحدّ، بخلاف ما إذا استند العقد إلى شرط فاسد أو كون الثمن خمراً. ومنها: إذا عقد على امرأة بغير ولي أو شهود ووطئها فلا حدّ عليه لشبهة العقد، وإن كان النّكاح فاسداً. ومنها: إذا استولد الغاصب عالماً بالتّحريم لم ينعقد الولد حرَّاً بخلاف المشتري شراءً فاسداً، حيث ينعقد الولد حرّاً لو وطئ الجارية المشتراة فحملت منه.

القاعدة السبعون [التعليل الباطل]

القاعدة السّبعون [التّعليل الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تعليل يتضمّن إبطال النّص باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتّعليل: استنباط عِلَّة الحكم وسببه. فمفاد القاعدة: أنّه إذا كان استنباط علَّة الحكم من النّصّ يعود على النّصّ بالإبطال، فإنّ التّعليل يكون باطلاً ولا يجوز؛ لأنّ النّصّ إنّما وُجد ليُعمل به وبما تضمنه من حكم أو أحكام، فإذا كان استنباط العلّة والاجتهاد في استخراجها يبطل عمل النّص فإنّ التّعليل هو الباطل لا النّص؛ لأنّ الاجتهاد يقبل الخطأ والنّصّ لا يقبله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صرف الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة إلا مثلاً بمثل يداً بيد، فإذا قلنا: إنّ علَّة تحريم التّفاضل في النقدين هي الثمنيّة - فإذا تغيّر الوضع - كما هو حاصل الآن - ولم يعد الذّهب والفضّة ثمناً للأشياء - لأنّ الأثمان ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص492 عن التحرير جـ 1 ص 146.

الآن هي الورق النّقدي - فهل يجوز التّفاضل بالذّهب مع الذّهب والفضّة مع الفضّة؟ لأنّهما لم يعودا ثمناً للأشياء؟ لو قلنا ذلك لكان التّعليل بالثّمنية متضمناً إبطال النّص. ولكن لمّا كان النّص ثابتاً لا يقبل الإبطال فإنّ التّعليل هو الباطل لا النّصّ. ومنها: لو عللَّنا حرمة الخنزير بأنّه يأكل القاذورات والنّجاسات أو أنّه يحتوي على الدّودة الشّريطيّة، فإذا حبسنا خنزيراً أو أطعمناه الطّاهرات من الطّعام، وعالجناه وقضينا على ما فيه من الدّودة الشّريطيّة فهل يحلّ أكله؟ إنْ قلنا ذلك فقد أبطلنا حكم النّصّ بالتّعليل، ولكن النّصّ صريح وثابت، فالباطل إنّما هو التّعليل للتّحريم لا النّصّ.

القاعدة الحادية والسبعون [التمليك]

القاعدة الحادية والسّبعون [التّمليك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ تمليك صحّ في الحياة صحّ بعد الوفاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للإنسان في حياته أن يعطي من ماله مَن يشاء. وما دام قد جاز له أن يعطي من ماله مَن يشاء في حياته فله أن يوصي بذلك بعد وفاته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: للإنسان أن يهب من ماله في حياته لمن يشاء من مسلم أو ذمي أو مشرك، حرّ أو عبد ذكر أو أنثى صغير أو كبير. فهل تستوي الوصيّة في ذلك؟ عند مالك وأحمد وأكثر أصحاب الشّافعي رحمهم الله يجوز له أن يوصي بشيء من ماله للمشرك والحربي؟ لأنّ كلّ من صحّ تمليكه بغير الوصيّة جاز أن يملك بالوصيّة (¬2). واختلاف الأديان والدّار لا يؤثر في التّمليك بالوصيّة. وخالف في ذلك أبو حنيفة رحمه الله فلا يجوز عنده الوصيّة للحربي أو لمن هو في دار الحرب. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه الإِسلامي ص 163، 251 عن الإشراف جـ 2 ص 324. (¬2) المقنع مع الحاشية جـ 2 ص 366.

القاعدة الثانية والسبعون [الجهالة]

القاعدة الثّانية والسّبعون [الجهالة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع جواز العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ التّعاقد ينبغي أن يكون على شيء معلوم، ثمناً كان أو مثمناً. ولكن إذا وُجِد في أحدهما جهالة فلا تخلو: إمّا أن تؤدي هذه الجهالة إلى المنازعة والخصام بين المتعاقدين، وإمّا أن لا تؤدي إليها. فإذا كانت الجهالة تفضي وتؤدي إلى المنازعة فالعقد باطل أو فاسد، وهذا مفهوم القاعدة. وأما إذا كانت الجهالة يسيرة لا تفضي ولا تؤدي إلى المنازعة فإن العقد صحيح وجائز. وهذا منطوق القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سلعة بثمن مؤجل، فإذا كان الأجل مجهولاً، أو غير متعارف فإن العقد لا يجوز. كما لو قال: آتيك بالثمن وقت يموت فلان، أو وقت ما يتزوّج - وهو لا يدري - فالعقد باطل. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 492 عن التحرير جـ 6 ص 275.

لكن إذا قال: آتيك بالثّمن إذا قدم الحاجّ أو حان وقت الحصاد، فإنّ العقد صحيح؛ لأنّ الجهالة هنا يسيرة، وهذا شرط متعارف. ومنها: إذا قال: بِعْتُ منك جميع مالي في هذا البيت بكذا. قالوا: جاز وإن لم يعلم به المشتري؛ لأنّ الجهالة في البيت يسيرة - والمراد بالبيت الغرفة -، ولكن نقول: إنّ هذه الجهالة الآن لا تعتبر يسيرة لاختلاف ما تحتويه الغرف ولذلك لا بدّ من البيان.

القاعدة الثالثة والسبعون [الوطء بالشبهة]

القاعدة الثّالثة والسّبعون [الوطء بالشّبهة] أوّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ جهة صححها بعض العلماء وحَكَم بِحِلّ الوطء بها فالظاهر أنّه لا حَدَّ على الواطئ بتلك الجهة، وإن كان الواطئ لا يعتقد حِلَّ الوطء بها (¬1). وهذا من باب الشّبهات المؤثرة في دفع الحدود. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تزوّج رجل امرأة مؤمنة أو كتابيّة بعقد شرعي مستوف لشروطه، أو مَلَك أَمَةً مِلكاً شرعيّاً، ولم يكن في العقد أو الملك أية مخالفة لأي من الأئمة المعتبرين رضوان الله عليهم، فإنّ وطء الرّجل لهذه المرأة حلال باتّقاق وإجماع. ولكن بعض العلماء أجاز حِلَّ وطء المرأة وإن فقد عقد الزّواج أو الملك بعض شروطه المتّفق عليها. أو نقص من ملكيّة الأمّة بعض صفاتها كذلك. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 394، قواعد الحصني جـ 4 ص75، 237، قواعد الأحكام جـ 2 ص 137، مجموع العلائي لوحة 311 أ - ب، أشباه السيوطي ص 123 - 124.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنّه إذا تزوّج رجل امرأة بعقد فقد بعض شروطه المتّفق عليها أو مَلَك أَمَة بصفة غير متّفق عليها - وكان الواطئ لا يعتقد حِلَّ وطء هذه المرأة لفقدان ذلك الشّرط فإنّه لا حدَّ على هذا الواطئ لسببين: الأوّل: شبهة العقد أو الملك. والثّاني: كون بعض الأئمة أحلّ الوطء مع فقدان ذلك الشّرط أو نقصان تلك الصّفة. ولكن بشرط أن يكون للمخالف مستند قوي بعض القوّة للقول بالحلّ، وإذا كان المستند ضعيفاً فلا يعتبر. ولكن سقوط الحدّ - في الحقيقة - لا يمنع تعزير الواطئ بما يراه الإِمام؛ لأنّه أقدم على وطء يعتقد حرمته، فهو مستهتر يستحق العقوبة التعزيريّة وإن سقط الحدّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل تزوّج امرأة بغير ولي - ووطئها وهو يعتقد عدم صحّة العقد عليها - فلا يُحَدّ؛ لأنّ بعض الأئمة وهو أبو حنيفة رحمه الله صحّح العقد بدون ولي. ومنها: تزوّج امرأة بغير شهود ودخل بها - وهو يعتقد حرمة وطئها - كذلك لا يحدّ؛ لأنّ مالكاً رحمه الله أجاز العقد بغير شهود (¬1). ¬

_ (¬1) اختلاف العلماء للمروزي ص 123. وينظر عقد الجواهر جـ 2 ص 14.

ومنها: اشترى أمة مجوسيّة أو وثنيّة ووطئها - وهو يعتقد حرمة وطئها -؛ لأنّ الأكثرين على عدم جواز وطء الأمّة المجوسيّة أو الوثنيّة، بل وذكر الاتّفاق على عدم جواز نكاح المجوسيّة والوثنيّة (¬1). فهذا أيضاً لا يقام عليه حدّ الزّنا؛ لأنّ من الأئمة من صحّح وطء الأمّة المجوسيّة أو الوثنيّة أخذاً بعموم قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬2). وذكر ابن السّبكي (¬3): أنّ الإِمام أبو بكر الفارسي (¬4) صاحب كتاب عيون المسائل ذهب إلى أنّ للحاكم أن يزوّج الحرّة المجوسيّة (¬5). ¬

_ (¬1) الإفصاح جـ 2 ص 127. (¬2) الآية 3 من سورة النساء. (¬3) ابن السبكي هو الإِمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي المتوفي سنة 771 هـ. وقد سبقت له ترجمة. (¬4) أبو بكر الفارسي الإمام أحمد بن الحسن بن سهل صاحب كتاب عيون المسائل وهو إمام جليل اختلف في وفاته وفي ترجمته، ينظر الطبقات الكبرى جـ 1 ص 186، وفي كشف الظّنون أحمد بن الحسين المتوفى سنة 305 هـ جـ 2 ص 1188. له ترجمة في طبقات ابن هداية الله وقال: مات في حدود سنة 350. وينظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي جـ 2 ص 195. (¬5) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 396.

كما ذهب ابن حزم (¬1) رحمه الله إلى جواز نكاح حرائر المجوس بناء على وجوب الجزية عليهم إذا اعتبر أن المجوس من أهل الكتاب (¬2)، وكذلك قال أبو ثور (¬3). (¬4) وينسب إلى مالك رحمه الله إباحه نكاح المجوسيّة بملك اليمين، وإباحة إجبارها على الإِسلام، وذكر ابن عبد البر (¬5) خلاف ذلك حيث قال: ليس لمسلم أن يتزوّج مشركة وثنيّة أو غير وثنيّة أو مجوسيّة، وحرام عليه وطء هؤلاء بنكاح أو ملك يمين (¬6). وقال في المدوّنة في المجوسي يسلم وتحته مجوسيّة: ¬

_ (¬1) ابن حزم الإِمام علي بن أحمد بن سعيد الطاهري أبو محمَّد عالم الأندلس في عصره وأحد أئمة الإسلام، ولد بقرطبة، من مؤلفاته: الإحكام والمحلى والفِصَل، توفي سنة 456 هـ. الأعلام جـ 4 ص 254 مختصراً. وله ترجمة في عامة كتب التراجم. (¬2) المحلَّى لابن حزم جـ 9 ص 445. (¬3) أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه توفي سنة 240 هـ، له ترجمة في تاريخ بغداد جـ 6 ص 65 وغيره وقد سبقت ترجمته. (¬4) المجموع شرح المهذب جـ 15 ص 123 - 124. (¬5) ابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمَّد النمري القرطبي حافظ المغرب المتوفي سنة 463 هـ وقد سبقت له ترجمة. (¬6) الكافي جـ 2 ص 543.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يعرض على امرأته الإِسلام فإن أسلمت وإلا فُرِّق بينهما (¬1). وقال ابن وهب (¬2): قال مالك: لا يطأ الرّجل الأمَة المجوسيّة؛ لأنّه لا ينكح الحرّة المجوسيّة (¬3). رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أباح الراهن للمرتهن وطء الجارية المرهونة - وهو يعتقد عدم الحل - فيجب الحدّ على المرتهن، وإن كان المحكي عن عطاء (¬4) - في هذه الصّورة - الإباحة؛ لأنّ خلاف عطاء لا مستند صحيحاً له، أو أنّه انعقد الإجماع بعده على عدم حلّ إعارة الجارية للوطء (¬5). وكذلك في نكاح المتعة: لأنّ خلاف الشّيعة لا يعتبر. ¬

_ (¬1) جـ 2 ص 217. (¬2) ابن وهب عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري بالولاء، المصري أبو محمَّد فقيه من الأئمة من أصحاب مالك جمع بين الفقه والحديث والعبادة له كتب منها الجامع في الحديث وكان حافظاً مجتهداً ثقة، توفي بمصر سنة 197، الأعلام جـ 4 ص 44 مختصراً. (¬3) المدونة جـ 2 ص 216. (¬4) عطاء بن أبي رباح أبو محمَّد المكي، انتهت إليه فتوى أهل مكة، وكان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث أدرك مئتين من الصحابة توفي سنة 114 هـ أو بعيدها. تذكرة الحفاظ جـ 1 ص 98 وغيرها مختصراً. (¬5) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 294.

القاعدة الرابعة والسبعون [الملك]

القاعدة الرّابعة والسّبعون [المِلك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حال صحّ أن يملك بعد زوالها صحّ أن يملك مع وجودها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحال هنا: العوارض الطّارئة على الإنسان كالمرض والجنون والسفه والصّغر. فمفاد القاعدة: أنّ من صحّ وجاز له أن يملك بعد زوال عارض طارئ صحّ وجاز له أن يملك مع وجود ذلك العارض الطارئ، فالعوارض لا تمنع التّملك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّغير يملك حال صغر؛ لأنّه إذا كبر صح له أن يملك. ومنها: المجنون حال جنونه صحّ منه التّملك؛ لأنّه يصحّ منه بعد إفاقته وزوال جنونه، وهذا كلّه متّفق عليه. ومن المسائل المختلف عليها: مسألة العبد، هل يصحّ منه الملك حال عبوديته؟ أو لا يصحّ منه؟ فبناء على هذه القاعدة يصحّ ¬

_ (¬1) قواعد الفقه الإِسلامي ص 163، 247 عن الإشراف جـ 1 ص 270.

منه الملك؛ لأنّه جائز له الملك بعد تحرره. وهذا مذهب مالك رحمه الله. فإن عنده أنّ العبد يملك (¬1). وأمّا عند أبي حنيفة والشّافعيَ وأحمد رحمهم الله تعالى فإنّ العبد لا يملك (¬2). وحجّة مالك رحمه الله تعالى: أنّ العبد يملك استباحة البضع فجاز له أن يملك بدله وهو مال الخلع، بناء على القاعدة القائلة: "كلّ مَن مَلَك شيئاً ملك بدله" (¬3). فإذا تزوّج عبد بإذن سيّده بِحُرَّة ثمّ أرادت الخلع، فإنّ العبد كما يملك استباحة بُضعها بالنّكاح يملك بدل ذلك وهو مال الخلع. ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 247 وينظر الكافي لابن عبد البر ص 546 - 547 (¬2) ينظر المغني جـ 6 ص 259 فما بعدها. (¬3) نفس المصدر ص 247 - 248.

القاعدة الخامسة والسبعون [خبر الحر وشهادته]

القاعدة الخامسة والسّبعون [خبر الحرّ وشهادته] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كُلُّ حُرٍّ يقبل خبره تقبل شهادته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بقبول الخبر: تصديقه بما قال. فمفاد القاعدة: أنّ الحُرَّ إذا أخبر بخبر ما فَصُدِّق فإنّ شهادته تكون مقبولة ومعتبرة أيضاً؛ لأنّ قبول خبره دليل عدالته. والعدل مقبول الشّهادة؛ ولأنّه لو لم يقبل خبره إلا بعد التّحقق والتّبيّن كان فاسقاً كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (¬2). وقيّدوا بالحرّ؛ لأنّ العبد وإن قُبل خبره لا تقبل شهادته على الأحرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبر حُرٌّ بنجاسة هذا الماء أو طهارته فقبلنا خبره بذلك، فلو شهد على إنسان أو له فإنّ شهادته مقبولة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 444. (¬2) الآية 6 من سورة الحجرات.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: مَن أخرج القذف مخرج الشّهادة ولم يتم العدد فإنّه تُرَدُّ شهادته ويقبل خبره.

القاعدة السادسة والسبعون [الحق لا يسقط]

القاعدة السّادسة والسّبعون [الحقّ لا يسقط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حَقٍّ لم يسقط بتأخير الإقرار لم يسقط بتأخير الشّهادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى. فمفادها: أنّ حقّ الله سبحانه وتعالى لا يسقط بالتّأخير سواء في ذلك تأخير الإقرار به أو الشّهادة عليه، وذلك خلافاً للحنفيّة الّذين يرون أنّ تأخير الشّهادة - بغير عذر - في حقوق الله سبحانه وتعالى يسقط ذلك الحقّ وذلك بعدم قبول تلك الشّهادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد أربعة على رجل أو امرأة بالزّنا بعد حصول الفعل بمدّة - شهر أو سنة أو أكثر أو أقل - فإنّ الحدّ يقام على الزّانية أو الزّاني المشهود عليه، ولا يسقط الحدّ بتأخير شهادتهم، لأنّه لو أخّر الزّاني أو الزّانية الإقرار بالزّنا فيقبل إقرارهما على أنفسهما ويقام عليها الحد، ولا يضر التّأخير في إقامة الحدود الّتي لله. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه الإِسلامي ص 164، 253 على الإشراف جـ 2 ص 215.

ولكن عند أبي حنيفة رحمه الله يضر، فإنّ تأخير الشّهادة على حقّ الله سبحانه وتعالى شبهة في درء الحدّ عن المتّهم. وقد سبق بيان ذلك ودليله (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر قواعد حرف التاء القاعدة 181 ص 434 جـ 4.

القاعدة السابعة والسبعون [تعجيل الحق المالي]

القاعدة السّابعة والسّبعون [تعجيل الحقّ المالي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حقّ مالي وجب بسببين يختصان به أو وجب بسبب وشرط فإنّه جائز تعجيله بعد وجود أحد السّببين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقوق نوعان: حقوق ماليّة، وحقوق غير ماليّة. وموضوع القاعدة - الحقّ المالي: والحقّ المالي قد يجب بسبب واحد، وقد يجب بسببين، وقد يجب بسبب وشرط. والحق المالي: ما وجب إخراجه من المال. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ حقّ مالي وجب بسببين أو سبب وشرط أنّه يجوز تقديم هذا الحقّ وتعجيله إذا وُجد أحد السّببين أو وجد السّبب وتأخّر الشّرط. وعند الحنفيّة خلاف ذلك. ومفهوم القاعدة: أنّ الحقّ المالي إذا وجب بسبب واحد أنّه لا يجوز تقديمه على سببه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 222. قواعد الحصني جـ 2 ص 166 فما بعدها، المجموع للعلائي لوحة 111 ب فما بعدها، أشباه السيوطي ص 402.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كفّارة اليمين - وهي واجبة باليمين مع الحنث - أنّه يجوز تعجيلها وإخراجها بعد اليمين وقبل الحنث. ومنها: الزّكاة يجوز تعجيلها قبل الحول بعد تمام النّصاب، فالنّصاب سبب والحول شرط. وممّا وجب بسبب واحد ولا يجوز تقديمه على سببه: تقديم الشّيخ الهرم والمريض المزمن والحامل الفدية على رمضان فذلك لا يجوز قبل رمضان ووجوب الصّوم. ومنها: الأضحية قبل يوم النّحر لا تجوز.

القاعدة الثامنة والسبعون [حبس الممتنع عن الحق]

القاعدة الثّامنة والسّبعون [حبس الممتنع عن الحق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حقّ يجوز التّوكيل فيه لا يجوز للحاكم أن يحبس فيه الممتنع ما أمكن التّوصّل إليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من الحقوق ما يجوز التّوكيل في استيفائه ومنها ما لا يجوز التّوكيل فيه. فالحقّ الّذي يجوز التّوكيل فيه لا يجوز للحاكم أن يحبس بسببه الممتنع عن أدائه ما أمكن التّوصل إلى الحق بأي طريق غير الحبس، لكن إذ لم يمكن التّوصل إلى الحقّ بغير طريق الحبس فللحاكم أن يحبس الممتنع حتّى يؤدي الحقّ إلى صاحبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على إنسان ديون وليس عنده مال يؤدي منه، وعنده عقار أو أمتعة أو عروض وامتنع عن بيعها أو بيع بعضها لأداء الحقّ لأصحابه، وطلب الغرماء حبسه، فإنّ الحاكم لا يحبسه، بل يتعيّن على الحاكم أن يبيع عليه بنفسه أو بأمين يوكّله ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 481، النسخة المحققة غير المطبوعة.

في بيعها، هذا رأي الماوردي (¬1) رحمه الله، ولكن رجّح الرّافعي (¬2) والنّووي (¬3) أنّ الحاكم يتخيّر بين البيع عليه وبين حبسه وتعزيره حتّى يبيع. ¬

_ (¬1) الماوردي علي بن محمَّد بن حبيب البصري الشافعي أبو الحسن الإِمام صاحب الحاوي. له مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير والأحكام. توفي سنة 450 هـ. شذرات الذهب جـ 3 ص 285 مختصراً. طبقات ابن السبكي جـ 3 ص 303 مختصراً. (¬2) الرّافعي عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم القزويني الإمام أبو القاسم، صاحب الشّرح الكبير المسمى بالعزيز والمحرر وغيرهما. توفي سنة 623 هـ، طبقات ابن السبكي جـ 5 ص 119. (¬3) النّووي يحيى بن شرف بن مري بن حسن أبو زكريا شيخ الإسلام توفي سنة 776 وقد سبقت ترجمته.

القاعدة التاسعة والسبعون [الحكم الشرعي - السبب الشرعي]

القاعدة التّاسعة والسّبعون [الحكم الشّرعي - السّبب الشّرعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حكم شرعي لا بدّ له من سبب شرعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة مهمّة معقولة المعنى وهي أنّه إذا كان مصدر الأحكام هو الشّرع فإنّ الشّرع لم يشرّع حكماً بدون سبب شرعي فالأسباب الشّرعيّة هي الّتي تبنى عليها الأحكام الشّرعيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إباحة المرأة للرّجل حكم شرعي، له سبب يجب تلقّيه من السّمع، فما لم يسمع من الشّرع لا يكون سبباً صحيحاً، والسّبب في إباحة المرأة للرّجل إمّا عقد الزّواج الصّحيح، وإما ملك اليمين بشروطه. ومنها: قطع يد السّارق حكم شرعي، وله سبب شرعي وهو أخذ مال غيره خفية من حرز مثله بشروطه. ومنها: حِلُّ البدلين حكم شرعي، وله سبب شرعي هو العقد الصّحيح. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 144 الفرق 157.

القاعدة الثمانون [الحكم والسبب والشرط]

القاعدة الثّمانون [الحكم والسّبب والشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حكم وقع قبل سببه وشرطه لا ينعقد إجماعاً، وبعدهما ينعقد إجماعاً، وبينهما في النفوذ قولان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلّ حكم شرعي له سبب وشرط، أو سببان أو أكثر - كما سبق قريباً - والأصل أنّ الحكم إنّما يقع منعقداً صحيحاً بعد وجود سببه وشرطه أو وجود السّببين أو الأسباب. فمفاد القاعدة: أنّ الحكم مع سببه وشرطه له ثلاث حالات: 1 - إمّا أن يقع قبل حصول السّبب والشّرط فهذا الحكم غير منعقد بالإجماع. 2 - وإمّا أن يقع بعد وجود السّبب أو الأسباب والشّرط فهو منعقد بالإجماع. 3 - وإمّا أن يقع بعد وجود السّبب وقبل وجود الشّرط. فهذا ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 174 الفرق 167.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

موضع الخلاف، إذ فيه قولان بالصّحّة وعدمها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزّكاة إنّما تجب في المال ويطالب بها المكلّف إذا وجد سببها - وهو بلوغ المال النّصاب - ووجد شرطها - وهو حولان الحول - أي مضيّ عام كامل على امتلاك النّصاب وما فوقه. ومنها: الصّلاة تجب بدخول وقتها - وهذا سبب - وشرط أدائها بقاء التّكليف والطّهارة من الحيض والنّفاس، وباقي شروط صحّتها. وكذلك الصّوم والحجّ، وباقي العبادات لها أسباب وشروط. ومنها: الكفّارة حكم، وهي إنّما تجب باليمين مع الحنث، فإذا كفَّر الحالف بعد حنثه فهذا هو الواجب بالإجماع. وإذا كفَّر قبل اليمين والحنث فلا تجوز بالإجماع، ولا تسقط عنه الكفّارة لو حلف بعد ذلك وحنث. وإذا كفَّر بعد اليمين وقبل الحنث فهذا فيه القولان كما سبق قريباً.

القاعدة الحادية والثمانون [حكم الحيوان]

القاعدة الحادية والثّمانون [حكم الحيوان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ حيوان حكمُ جلده وشعره وعَرَقه ودَمعِهِ ولُعابِه حُكمُ سُؤْرِه في الطّهارة والنّجاسة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحيوانات في حالة الحياة الأصل فيها الطّهارة - كما سبق بيانه -، ولكن الشّرع حرَّم بعض الحيوانات فحكم بنجاستها، كالخنزير - مثلاً - وبعض الحيوانات اختلف في طهارة جلدها وشعرها وعرقها ودمعها ولعابها. فمفاد القاعدة: أنّ المعيار لمعرفة حكم الجلد وما تبعه من حيث الطّهارة والنّجاسة، هو معرفة حكم سؤره - والسؤر هو: بقيّة الماء في الإناء بعد الشّرب - فإذا كان سؤر الحيوان طاهراً كان جلده وشعره وغير ذلك منه طاهراً، وإن كان سؤره نجساً، فحكم جلده وشعره وما تلاه النّجاسة، ولكن كيف نعرف حكم سؤره؟. طريق دلك السّمّاع والنّقل عن الشّرع صراحة أو ضمناً. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 52، 57، 79، 81.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الكلب والخنزير نجسان؛ لأنّ سؤرهما نجس, للأمر بإراقة الماء الّذي ولغ فيه الكلب أو الخنزير - وما تولّد منهما - والأمر بغسل الإناء سبع مرّات (¬1). ومنها: سباع البهائم وجوارح الطّير والحمار الأهلي والبغل - عند أحمد رحمه الله - سؤرها نجس. إذا لم يجد غيره تيمّم وتركه. وعند غير أحمد سؤرها طاهر، وعند ابن قدامة إن سؤر البغل والحمار طاهر (¬2). ومنها: السّنَّور - القط - والفأر وابن عرس سؤرها طاهر في الأصحّ - لِعِلَّة الطّواف -. ومنها: ما أُكل لحمه فهو طاهر باتّفاق. ¬

_ (¬1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه مسلم والنسائي وغيرهما. (¬2) المغني جـ 1 ص 49.

القاعدة الثانية والثمانون [الخيار]

القاعدة الثّانية والثّمانون [الخيار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ خيار ثبت بالشّرع لدفع الضّرر عن المال فهو على الفور (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخيار: اسم مصدر، فِعال من الخيرة والاختيار. يُقال: اختار يختار اختياراً، وهو طلب خير الأمرين: إمضاء العقد أو فسخه (¬2)، والخيار ثبت عن طريق الشّرع لدفع الضّرر عن المتعاقدين أو أحدهما. فمفاد القاعدة: أنّ الخيار المشروع لدفع الضّرر عن المال إنّما هو على الفور ولا يحتمل التّأخير ولا التّأجيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّفعة شرعت لدفع ضرر متوقّع، فإذا علم من له حقّ الشّفعة بالبيع وجب عليه المطالبة فوراً، وإلا سقطت شفعته. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 283، وقواعد الحصني مع التفصيل جـ 4 ص 128، المجموع للعلائي لوحة 326 ب فما بعدها، أشباه السيوطي ص 291. (¬2) المطلع ص 234.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

وذلك لدفع الضّرر عن البائع والمشتري. ومنها: إذا وجد المشتري في السّلعة المُشتراة عيباً يُوجب الرّدّ، فعليه الرّدّ حالاً إذا أراده، وأمّا إذا أراد الرّدّ وأخّره بغير عذر فقد سقط خياره لأنّه خيار ثبت بالشّرع لدفع الضّرر عن المال فكان على الفور. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: خيار التّصرية: فإنّه يمتدّ ثلاثة أيّام. وفيه خلاف الرّافعي والنّووي (¬1). ومنها: خيار الشّرط يمتدّ ثلاثة أيّام. أو أكثر. ¬

_ (¬1) سبقت ترجمتهما.

القاعدة الثالثة والثمانون [الدعوى بحق]

القاعدة الثّالثة والثّمانون [الدّعوى بحقّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ دعوى بحقّ لا يحتمل السّقوط يستحلف منكرها على السّبب. وكلّ دعوى بحقّ يحتمل السّقوط يستحلف منكرها على الحاصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دعاوى الحقوق تنقسم إلى قسمين: أ - دعوى بحقّ لا يحتمل السّقوط لا بالرّضا ولا بالإبراء لظهوره وثبوته. ب - دعوى بحقّ يحتمل السّقوط بالرّضا أو الإبراء أو الصّلح لعدم ظهوره أو لإمكان زواله. فمفاد القاعدة: أنّ المدَّعَى عليه بحقّ لا يحتمل السّقوط فأنكر، ولا بيِّنة للمدعي، فإنّ المدَّعَى عليه المنكر يُستحلف على سبب الحقّ المدَّعى به. فإذا حَلَف منكراً للسّبب سقطت الدّعوى. وأمّا إذا كان المدّعى به حقاً يحتمل السّقوط، وأنكر المدّعى عليه، فإنّه يحلف على إنكار الحاصل - أي الموجود والكائن الّذي ¬

_ (¬1) الفرائد ص 20 عن الخانية باب اليمين جـ 2 ص 434.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يدَّعي به المدَّعي -. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى عليه مالاً أنّه استقرضه منه، وأنكر المدَّعَى عليه الاستقراض فإنّه يستحلف على السّبب وهو الاستقراض: أنّه ما استقرض منه المال المدَّعَى به. ومنها: لو ادَّعى عليه وديعة فأنكر، فإنّه يُستحلف على وجود الوديعة المدَّعى بها في يده. ومنها: ادَّعى أن جاره فتح في حائطه باباً، أو بنى على حائط له بناءً، وأنكر المدَّعى عليه، - ولا بيِّنة للمدعي - فإنّ المدَّعى عليه المنكر يُستحلف على السّبب؛ لأنَّ المدَّعي ادّعى عليه حقاً لا يحتمل السّقوط لا بالرّضا ولا بالإبراء. أمّا لو ادّعى على غيره أنّه حفر في أرضه حُفَيرة وأضرّ ذلك بأرضه، وطلب أرش النّقصان فإن بيَّن موضع الأرض بحدودها ومقدار الحفيرة والنّقصان فإنّ القاضي يحلف المدّعَى عليه على الحاصل بالله ماله عليك هذا الحقّ الّذي يدّعي. فيحلفه على الحاصل لا على السّبب.

القاعدة الرابعة والثمانون [الدعوى]

القاعدة الرّابعة والثّمانون [الدّعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ دعوى يشترط فيها أن تكون متعلّقة بشخص معيّن (¬1)، أو جهة معيّنة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أن الدّعوى إذا كانت بمجهول أو لمجهول أو على مجهول أنّها لا تقبل. ومفاد هذه القاعدة: أنّ الدّعوى لكي تكون صحيحة مقبولة أنّه يشترط فيها أن تكون متعلّقة بشخص معيّن لا بشخص مجهول - هكذا حدّد ابن السّبكي رحمه الله -، ولكن يمكن أن يُقال أيضاً: أو جهة معيّنة؛ لأنّ الدّعوى يمكن أن ترفع على شخص اعتباري كجهة معيّنة. فالأصل أن يكون المدّعى عليه معيّناً لا مبهماً سواء أكان شخصاً حقيقيّاً أم اعتباريّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة أو مسائلها: إذا ادّعى على أشخاص أنّ أحدهم سرق ماله أو اعتدى عليه، فهذه الدّعوى لا تُقبل؛ لأنّ المدّعى عليه مبهم غير معيّن ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 432.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ولا محدّد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال المدّعي: إنّ القتيل قتله أحد هؤلاء - وهم جمع يمكن اجتماعهم على قتله - قالوا: فإنّ الحاكم يحلِّفهم واحداً واحداً أنّه ما قتله ولا يعلم له قاتلاً. والقول بتحليفهم يقتضي صحّة الدّعوى؛ لأنّ التّحليف فرعها. والأصل في صحّتها مسألة القسامة.

القاعدة الخامسة والثمانون [الدم النجس]

القاعدة الخامسة والثّمانون [الدّم النَّجس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ دَمٍ أصاب نجاسة غير معفوًّ عنها لم يُعْفَ عن شيء منه لذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسير الدّم والقيح، واليسير ما لا يفحش في قلب مَن عليه الدّم، وقيل: قدر موضع الدّرهم فاحش، عدا دم الكلب والخنزير فإنّه لا يُعفى عن اليسير. والّذي صحّحه ابن قدامة رحمه الله: أنّه لا حدَّ له في الشّرع فيرجع فيه إلى العرف. فمفاد القاعدة: أنّ الدّم وإن كان يسيراً لكن أصاب أو اختلط مع نجاسة غير معفوّ عنها فإنّه لا يُعفى عن شيء منه لذلك الاختلاط وتلك الإصابة، سواء في ذلك الثوب أو البدن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختلط الدّم اليسير ببول أو غائط فلا يُعفى عن يسيره، إذ يجب غسله؛ لأنّ البول والغائط نجاسة غير معفوّ عنها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 81.

القاعدتان السادسة والسابعة والثمانون [الدم، الدماء]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والثّمانون [الدّم، الدّماء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ دم وجب بطريق الكفّارة - في شيء من أمر الحجّ أو العمرة - فإنّه لا يجزئ ذبحه إلا في الحرم (¬1). وفي لفظ أعمّ: كلّ الدّماء تتعيّن في الحرم إلا دم الإحصار فحيث أحْصِر (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالدِّماء والدّم هنا: الذّبائح الّتي تلزم المُحرم بالحجّ أو العمرة وتجب عليه، فالقاعدة الأولى أخصّ من الثّانية: لأنّها نصّت على الدّم الّذي يجب بطريق الكفّارة فقط. والثّانية أعمّ منها؛ لأنّها شملت كلّ الدماء الواجبة سواء أكانت كفّارة أم غير كفّارة. فمفاد القاعدتين: أنّ ما يجب على الحاجّ أو المُعتمر من ذبائح - كفّارات أو غيرها - إنّما يجب ذبحها في نطاق الحرم - ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 75. (¬2) أشباه السيوطي ص 448، قواعد الحصني جـ 4 ص 109، مجموع العلائي لوحة 320 أ.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ولا تجزئ خارجه - إلا إذا كان الدّم دم إحصار - أي منع من دخول الحرم - فإنّه يجب إراقته في مكان إحصاره سواء داخل الحرم أو خارجه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: مَن وجب عليه هدي تمتّع أو قران أو هدياً ساقه معه - فيجب ذبحه في الحرم - منى أو مكّة - فمُنى كلّها منحر، وكذلك مكّة كلّها منحر - أي مكان نحر. ومنها: مَن وجب عليه دم جزاء - لفعل محرّم في الحجّ أو العمرة - فيجب ذبحه في الحرم. ومنها: مَن وجب عليه كفّارة إفساد حج أو عمرة فيجب ذبحه في الحرم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: مَن أحصر ومنع من الحجّ بعدو أو مرض فإنّ عليه دماً يريقه حيث أحصر، ولا يجب في الحرم لتعذر ذبحه في الحرم مع منعه من دخوله.

القاعدة الثامنة والثمانون [الدين الثابت في الذمة]

القاعدة الثّامنة والثّمانون [الدَّين الثّابت في الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ دَيْن ثابت في الذّمّة - ليس بثمن - يجوز الاعتياض عنه. فإن كان ثمناً ففي الأصحّ، وإن لم يكن ثمناً فَقَطْعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدَّين: هو حقّ ثابت في ذمّة المدين. والدَّين: إمّا أن يكون ثمناً لشيء من الأشياء، وإمّا أن لا يكون ثمناً، وحكم كلّ منهما يختلف من حيث جواز التّعويض عنه، واستبداله بشيء آخر. فالدّين الّذي ليس ثمناً لشيء من الأشياء فهذا يجوز التّعويض عنه قولاً واحداً. وأمّا الدّين الّذي هو ثمن لشيء من الأشياء ففي جواز التّعويض عنه قولان: أصحهما الجواز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استقرض ألف دينار - والقرض دين ليس ثمناً لشيء - فيجوز ردّ بدلها من الدّراهم أو من نقد آخر بقيمتها أو يأخذ بها ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 257.

رابعا: مما استثني ولا يجوز فيه الاستبدال

عروضاً. ومنها: إذا أتلف زرعاً أو حيواناً أو آلة لغيره فعليه ضمان ما أتلف ديناً في ذمّته - وضمان الإتلاف ليس ثمناً - فله أن يستبدله بعوض عيني بقيمة الإتلاف. ومنها: أرش العيب - أي عوض نقصان العيب - وإن قدِّر بالدّراهم في الذّمّة فيجوز استبدالها بعوض يعادل قيمتها. ومنها: الإبل الواجبة في الدّيّة - بلفظ الصّلح - يجوز الاعتياض عنها. ومنها: ثمن مبيع في الذّمّة يجوز الاستبدال به في الأصحّ؛ لأن المعنى فيه أنّ المقصود ماليته لا عينه. رابعاً: ممّا استثني ولا يجوز فيه الاستبدال دين السّلم لا يجوز الاستبدال عنه (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 331، وأشباه ابن السبكي جـ 1 ص 258.

القاعدة التاسعة والثمانون [الرخصة - الضرورة - الحاجة]

القاعدة التّاسعة والثّمانون [الرّخصَة - الضّرورة - الحاجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ رخصة أبيحت للضرورة والحاجة لم تستبح قبل وجودها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إتيان الرّخص وارتكابها بسبب الضّرورة أو الحاجة مشروط بوجود الضّرورة أو الحاجة وتحققهما فعلاً وواقعاً. فما لم تتحقّق الضّرورة أو الحاجه في الواقع فلا يجوز ارتكاب الرّخصة وإتيانها أو العمل بها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ظنّ العبد أنه سيجوع غداً، أو أنّه سَيُكْرَه غداً أو بعد ساعة على فعل محرم أو أكل محرم، فلا يجوز له ارتكاب الفعل المحرم بهذا الظنّ، فالرّخصة لا تستباح إلا بعد وقوع الضّرورة أو الحاجة، لا بِظَنِّ وقوعها ووجودها. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه للروكي ص 161، 211، عن الإشراف جـ 1 ص 33.

ومنها: لا يجوز لمريد الوضوء أن ينتقل إلى التيمّم إلا بعد اليأس من الوصول إلى الماء أو القدرة على استعماله. ومنها: لا يجوز الأكل من الميتة قبل وجود حالة الاضطرار.

القاعدتان التسعون والحادية والتسعون [شرعية السبب]

القاعدتان التّسعون والحادية والتّسعون [شرعيّة السّبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ سبب شرعه الله لحكمة لا يشرعه عندَ عدم تلك الحكمة (¬1). وفي لفظ: كلّ سبب لا يحصل مقصوده لا يشرع (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الأسباب شرعها الله عَزَّ وَجَلَّ لحكمة أرادها، وشرع عليها سبحانه أحكاماً عند وجودها. فمفاد هاتين القاعدتين: أنّ الأسباب إذا عُدِمت الحكمة من مشروعيّتها، أو لم يحصل مقصودها الشّرعي فإنّها لا تكون مشروعة؛ لأنّ الأسباب لم تشرع لذواتها بل لأحكامها، فمهما عدم الحكم لم يشرع السّبب. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: العاقل إذا زنا أو سرق أو سبّ يقام عليه الحدّ ويعزر؛ لأنّ الحدود والتّعزيرات شُرعت لحكمة وهي الزّجر. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 171 - الفرق 165.

لكن إذا زنى مجنون أو صبي لا يقام عليهما الحدّ لعدم الحكمة في حقّهما. ومنها: شرع البيع للاختصاص بالمنافع في العوضين، وليس البيع مشروعاً فيما لا ينتفع به، ولا فيما كثر غرره أو جهالته لعدم انضباط الانتفاع مع الغرر والجهالة المُخِلَّين بالأرباح وحصول الأعيان. ومنها: شرع اللعان لنفي النّسب، ولم يشرعه للمجبوب والخصي لانتفاء النّسب منهما بغير لعان.

القاعدة الثانية والتسعون [دعوى العقد]

القاعدة الثّانية والتّسعون [دعوى العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شخص توجهت عليه دعوى عقد فالقول قوله مع يمينه أنّه لم يعقد ذلك العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد: هو اتّفاق بين طرفين يلتزم كلّ منهما بمقتضاه تنفيذ ما اتّفقا عليه كعقد البيع والنّكاح. والأصل عدم التّعاقد. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ إنسان توجهت عليه دعوى بعقد أنّه عقده - كعقد البيع أو الإجارة أو النّكاح أو غيرها - فأنكر حصول العقد مع المدَّعي - ولا توجد بيِّنة للمدعي تثبت في دعواه - فإنّ القول قول المنكر لحصول العقد مع يمينه أنّه لم يعقد ذلك العقد؛ لأنّ الأصل عدم التّعاقد وبراءة الذّمّة من التّبعات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل دَين على آخر فأمر غيره بقبضه - وللمأمور على الآمر دين - ثمّ اختلف الآمر والمأمور، فقال الآمر: كنت وكيلي وقبضت لي، وقال المأمور: بل كنتُ محتالاً وقبضت ما ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني ص 630.

قبضت لنفسي. فالقول قول الآمر مع يمينه: أنّه ما أحال بالمبلغ؛ لأنّ المأمور يدّعي عليه عقد حوالة وهو يُنكر، والقول قول المُنكِر مع يمينه عند عدم بيِّنة المدّعي. ومنها: إذا ادّعى عليه عقد بيع سيّارة أو دار أو دابّة فأنكر - ولا بيّنة للمدعي - فإنّ اليمين توجّه على المدّعى عليه؛ لأنّه منكر للعقد المدَّعَى.

القاعدة الثالثة والتسعون [الشرط الباطل]

القاعدة الثّالثة والتّسعون [الشّرط الباطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ شرط بغير حكم شرع باطل (¬1). وفي لفظ: كلّ شرط بغير حكم الشّرع يكون باطلاً (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان بمعنى الحديث المشهور عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها في قصّة بريرة رضي الله عنها، ونصّ الحديث "كلّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" (¬3). فمفاد القاعدتين والحديث: أنّ الشّروط الّتي تخالف مقصود الشّارع وتعارض الحكمة من التّشريع فهي باطلة غير معتبرة، ولو كانت مئة شرط؛ لأنّ قضاء الله وحكمه أحقّ ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 60. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 77 ب وينظر الوجيز ص 399. (¬3) الحديث صحيح أخرجه النسائي في الطلاق باب 32، وابن ماجة رقم 2521، وأحمد جـ 6 ص 213، والبيهقي جـ 1 ص 132 ومجمع الزوائد جـ 4 ص 86، 205، والتمهيد جـ 7 ص 117، وغيرهم. وينظر موسوعة الحديث لزغلول جـ 6 ص 431.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

بالاتّباع، وشرطه سبحانه وتعالى أوثق وأوكد وأولى بالاتّباع سواء كان ذلك عن كتاب الله سبحانه وتعالى أم عن سنة رسوله صلّى الله عليه وسلم. وليس المراد بكتاب الله في الحديث القرآن، بل معنى كتاب الله: هو حكمه وقضاؤه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا شرط الضّمان في الوديعة، فهو شرط باطل؛ لأنّ الأمانات غير مضمونة بدون تعدّ أو تقصير؛ ولأنّ الأمين إنّما هو عامل لمنفعة صاحب الوديعة وليس لنفسه. ومنها: الشّرط الّذي يضاد مقصود العقد فهو باطل؛ لمخالفته الحكمة من مشروعية العقد، كمن يشترط في المنكوحة أن لا يطأها زوجها. ومنها: إذا التزم المرتدّ قصاصاً أو حدّ قذف - قبل ارتداده ولحوقه بدار الحرب - ثمّ قال للمسلمين: أصالحكم على أن تؤمنوني على ما أصبت. فلا يجوز أمانة على ذلك؛ لأنّ القصاص وحدّ القذف حقّ للعباد فليس لأحد غير صاحب الحقّ إسقاطه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: الوديعة إذا كانت بأجر فهي مضمونة، ويجوز أخذ الرّهن بها؛ لأنّ الأمين يعمل لنفسه ومنفعته.

القاعدة الرابعة والتسعون [الشرط المخالف]

القاعدة الرّابعة والتّسعون [الشّرط المخالف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط خالف - أو نافى - مقتضى العقد فهو باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة سبق لها مثيلات. وهي وثيقة الصّلة بالقاعدتين السّابقتين، لأنّ مقتضى كلّ عقد هو حكم الشّرع فيه. فما خالف مقصود العقد ومقتضاه، أو نافاه، فهو عقد باطل لا ينبني عليه حكم، أو أنّ الشّرط يكون باطلاً لا يعتدّ به مع صحّة العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سيّارة واشترط عليه بائعها أن لا يركبها خارج المدينة، فهذا شرط مخالف ومناف لمقتضى العقد، فهو شرط باطل لأنّ لمالك السّيّارة ومشتريها أن يركبها في داخل المدينة أو خارجها كما يشاء. ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 184 - 185.

القاعدة الخامسة والتسعون [الشرط الباطل]

القاعدة الخامسة والتّسعون [الشّرط الباطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ شرط ليس في كتاب الله باطل (¬1)، ولو كان مئة شرط (¬2). وفي لفظ: من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مئة شرط، قضاء الله أحقّ، وشرط الله أوثق (¬3)، وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة - مع اختلاف اللفظ - وأصل هذه القاعدة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّابق. ¬

_ (¬1) و (¬2) المبسوط جـ 5 ص 221، جـ 13 ص 42، جـ 20 ص 138، وجـ 14 ص 138، شرح السير ص 1548، ص 1665، ص 2014. (¬3) الحديث أخرجه البخاري في كتاب المكاتب باب 3، والشروط 17 - 13، والبيوع 67 - 73، ومسلم في كتاب العتق 8، والنسائي في كتاب الطّلاق 31 - 32. والبيوع 85 - 86، وابن ماجه حديث 2521، وأبو داود في العتاق 2، والترمذي في الوصايا 7. وأحمد جـ 6 ص 82.

القاعدة السادسة والتسعون [الشرط الصريح]

القاعدة السّادسة والتّسعون [الشّرط الصّريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط صريح جاء بعد المتعاطفات يرجع إلى الجميع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمتعاطفات: الجُمَل المعطوف بعضها على بعض بحرف عطف. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ شرط جاء صريحاً بعد جمل معطوف بعضها على بعض بالواو أو الفاء أو ثمّ، أنّ هذا الشّرط يعود إلى جميع المتعاطفات، فيكون شرطاً فيها كلّها، لا في الأخيرة فقط. خلافاً للاستثناء والوصف - عند الحنفية - كما سبق بيانه، فإنّه يرجع للأخيرة فقط، خلافاً للشّافعية وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقف على ولده وولد ولده ونسله وعقبه إذا كانوا من أولاد الذّكور، فقوله: إذا كانوا من أولاد الذّكور شرط صريح تعقب كُلاّ من ولده وولد ولده ونسله وعقبه، فهو شرط للجميع باتّفاق. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 156 عن ردّ المختار شرح الدّر المختار جـ 3 ص 432 - 433.

ومنها: إذا قال: أكرم الفقهاء، فالنّحاة، والأطباء، إذا جاءوك ضيوفاً. فقوله: إذا جاءوك ضيوفاً شرط في الجميع لا في الأطباء خاصّة.

القاعدة السابعة والتسعون [شرط ترك المنفعة]

القاعدة السّابعة والتّسعون [شرط ترك المنفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط كان لترك المنفعة لا يفسد العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا شرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطاً فيه ترك منفعة له فإن ذلك لا يفسد العقد وللعاقد الآخر اتّباع الشّرط أو العمل بخلافه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر داراً أو دكاناً واشترط المؤجّر على المستأجر أن لا يجري فيها إصلاحاً، فالعقد صحيح، والمستأجر مخير بين اتّباع الشّرط وعدم الإصلاح، أو ترك الشّرط وإجراء الإصلاح. ومنها: إذا شرط ربّ الأرض على المزارع عدم تسميد الأرض، أو أن لا يدخل فيها كلباً، فالعقد صحيح. والمزارع بعد ذلك بالخيار. ومنها: إذا تزوّج امرأة وشرطت عليه أن لا يكسوها، أو لا يطعمها اللحم، فالعقد صحيح، والشّرط مخيّر فيه. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 167 على الخانية فصل ما يفسد المزارعة جـ 3 ص 180.

القاعدة الثامنة والتسعون [الشرط القاطع للشركة]

القاعدة الثّامنة والتّسعون [الشّرط القاطع للشّركة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط يؤدِّي إلى قطع الشّركة مع حصوله كان مفسداً للعقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وإن كان لفظها يشعر باختصاصها بالشّركة لكنّها ذات مفهوم عام، حيث إنّ كلّ شرط يؤدي إلى إبطال المعاملة أو المعاقدة مع حصوله ووجوده يعتبر مفسداً للعقد ومبطلاً له؛ لأنّه يدخل في الشّروط التي تخالف مقتضى العقد، كما سيأتي قريباً. مع اختلافهم في الشّروط الّتي تخالف مقتضى العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المزارع وربّ الأرض شريكان في الخارج من الأرض - أي في غلّة الأرض - فإذا اشترط ربّ الأرض أنّ له الحبّ وللمزارع التّبن، فسد العقد؛ لأنّ هذا الشّرط يؤدي إلى قطع الشّركة بينهما؛ لأنّه قد يفسد الحبُّ بآفة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 60.

ومنها: إذا اشترط ربّ المال في المضاربة مبلغاً معلوماً من المال، فسدت المضاربة؛ لأنّ هذا الشّرط يؤدي إلى قطع الشّركة بينهما؛ لأنّه قد لا يربح سوى هذا المبلغ، أو قد لا يربح شيئاً. فتكون الخسارة على المضارب، وشرط المضاربة أنّ الخسارة تقع على رأس مال المضاربة، والمضارب أمين ما لم يخالف.

القاعدة التاسعة والتسعون [الشرط المخالف]

القاعدة التّاسعة والتّسعون [الشرط المخالف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط يخالف موجب العقد مفسد للعقد (¬1). وفي لفظ: كلّ شرط يخالف مُقتَضَى العقد فهو مفسد للعقد (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما سبق ذكره في أكثر من موضع أنّ كلّ عقد يترتّب عليه أحكامه المختصّة به، وهي موجَباته، فمثلا عقد البيع من أحكامه حلّ البدلين للمتعاقدين، المبيع للمشتري، والثّمن للبائع. وعقد النّكاح من أحكامه: حلّ الاستمتاع بين الزّوجين، فإذا شرط أحد المتعاقدين شرطاً يخالف مقتضى العقد وموجَبه الشّرعي، فإنّ هذا الشّرط يفسد العقد ويبطله، وقد سبق مثل هذه القاعدة قريباً، تحت الرقم 94. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سلعة على أن تبقى عند بائعها بعد دفع الثّمن، فهذا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 36. (¬2) القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير جـ 5 ص 364.

الشّرط مفسد للعقد؛ لأنّه مخالف لموجَبه ومقتضاه وهو تسليم السّلعة للمشتري. ومنها: إذا استأجر رحى ماء على أنّه إذا انقطع الماء عنها فالأجر عليه، لم يجز؛ لأنّ هذا الشّرط مخالف لموجب العقد، لأنّ موجب العقد أنّه لا يجب الأجر إلا بالتّمكن من استيفاء المعقود عليه. واستيفاء الرّحى بدون الماء غير ممكن، فالعقد بهذا الشّرط فاسد. ومنها: إذا تزوّج امرأة على أن لا ينقلها من بيت أبيها لا من دارها - أي بلدها -، فهذا الشّرط إمّا مفسد للعقد، وإمّا هو شرط باطل - حيث يبطل الشّرط ويصحّ العقد - وله نقلها إلى منزله وقتما يريد, لأنّ وجودها في بيت أبيها يمنع الزّوج من إتيان زوجته وقتما يشاء.

القاعدة المتممة للمئة [الشرط]

القاعدة المتمّمة للمئة [الشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط يعتبر في الاستدامة يعتبر في الابتداء، وقد يعتبر في الابتداء ما لا يعتبر في الاستدامة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود لها بداية واستدامة لمقتضى العقد. ومن الشّروط ما يعتبر في الابتداء، ولا يعتبر في الاستدامة، ومنها ما يعتبر في الاستدامة. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ شرط يعتبر في الاستدامة هو شرط معتبر في الابتداء بلا عكس، أي ليس كلّ شرط معتبر في الابتداء معتبر في الاستدامة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استدامة وجود المرهون في قبضة المرتهن شرط للزوم الرّهن، وهذا الشّرط معتبر في الابتداء، فإنّ قبض المرهون عند ابتداء عقد الرّهن شرط في صحته ولزومه. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 367.

ومنها: إذا أجَّر الرّاهن الدّار المرهونة برضا المرتهن خرجت الدّار من الرّهن، وبقي كأنّه لم يوجد فيه قبض، فإذا رجعت الدّار إلى المرتهن صارت رهناً. ومنها: شرط صحّة عقد النّكاح حضور الولي ورضاه، فإذا تمّ النّكاح فإنّ رضا الولي ليس شرطاً لاستدامته.

القاعدة الحادية بعد المئة [الشرط بعد انتهاء العقد]

القاعدة الحادية بعد المئة [الشرط بعد انتهاء العقد] أوَّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شرط يوجب عليه عملاً بعد انتهاء العقد فهو فاسد يفسد به العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: شرعت العقود لتحقيق مقتضياتها وموجباتها - كما سبق بيانه - ولكل واحد من المتعاقدين أن يشترط لنفسه ما شاء من الشروط المعتبرة التي لا تُخِلُّ بمقصود العقد ولا تفسده كالخيار وغيره، ولكن ليس لأحد المتعاقدين أن يشترط على المتعاقد الآخر عملا إضافياً بعد انتهاء العقد، وليس من لوازمه ومتمماته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شرط رب الأرض على المزارع أن يحرث الأرض ويزيل منها الحشائش بعد انتهاء مدة المزارعة فإن هذا الشرط مفسد لعقد المزارعة ومبطل له. ومنها: إذا شرط المؤجر على المستأجر بعد انتهاء مدة إجارته للبيت أن يرممه ويصلحه، فهذا شرط مفسد لعقد الإجارة كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 36.

ومنها: إذا اشترط رب المال على المضارب أنه بعد ظهور الربح وحصوله أن يشتري له بنصيبه من الربح سيارة - مثلاً - فهذا شرط مفسد للعقد كذلك.

القاعدة الثانية بعد المئة [الشهادة المردودة]

القاعدة الثّانية بعد المئة [الشّهادة المردودة] أوَّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شهادة تُرَدُّ لأجل العلّة فإذا ارتفعت العلّة فإنها تقبل (¬1). وقيل: لا تقبل إلا في حالات أربع (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادة المقبولة لها شروطها، فإذا فُقِد شرط منها فهي مردودة غير مقبولة، وسبب الرّدّ إمّا وصف في الشّاهد يمنع من قبول شهادته وإمّا شبهة تهمة. فمفاد القاعدة: أنّ الشّاهد إذا ردّت شهادته لعلّة - أي وصف يوجب الرّد - فإنّه إذا زالت تلك العلّة وتغيّر الوصف فإنّ شهادته تقبل في نفس تلك الحادثة وغيرها. وقيل: لا تقبل إلا في أربع حالات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد كافر على مسلم أمام القاضي فإنّ شهادته تُرَدّ لعلّة الكفر، فأمّا إذا أسلم بعد ذلك فإن شهادته على المسلم تقبل لزوال العلّة الموجبة للرّدّ ما لم يكن هناك علّة أخرى توجب الرّدّ. ومنها: الصّبي غير مقبول الشّهادة، فإذا بلغ قبلت شهادته. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 145 عن النُّتف في الفتاوي لأبي الحسن السعدي. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 232.

ومنها: شهادة المملوك لسيده لا تقبل لكن إذا عتق قبلت. ومنها: الفاسق مردود الشّهادة، فإذا شهد في قضية وَرُدَّت شهادته فيها لفسقه ثم تاب فإنّ قبول شهادته بعد توبته محلّ خلاف إذا كان فسقه بسبب القذف أو إذا كان معروفاً بالكذب أو شاهد زور كان عند النّاس عدلاً. ومنها: الأعمى تردّ شهادته فإذا أبصر قبلت.

القاعدة الثالثة بعد المئة [الشهادة المردودة]

القاعدة الثالثة بعد المئة [الشّهادة المردودة] أوَّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شهادة جرَّت مغنماً للشاهد أو دفعت مغرماً لا تجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادة شُرعت لإظهار الحقّ، وردّه إلى أصحابه، ولذلك شُرط في الشّاهد أن يكون عدلاً، ولكن مع ذلك وضعت قيود لقبول شهادة العدل. فمفاد هذه القاعدة: أنّ شهادة العدل قد تُرَدُّ ولا تقبل لأحد أمرين: الأول: أن تجرّ هذه الشّهادة مغنماً للشّاهد أو تفيده ربحاً، فكأنّه شهد لنفسه. والأمر الثاني: أن تدفع هذه الشّهادة عن الشّاهد مغرماً أو خسارة. ففي هاتين الحالتين تُرَدّ شهادة الشّاهد ولو كان عدلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهادة الابن لأبيه لا تجوز ولا الأب لابنه. ومنها: شهادة الزّوج لزوجته لا تجوز ولا الزّوجة كذلك. ومنها: شهادة الأجير الخاص لمستأجره لا تجوز كذلك. ومنها: إذا شهد الوصي بدين للميت والورثة صغار أو بعضهم ¬

_ (¬1) الفرائد ص 89 على الخانية جـ 2 ص 466.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

صغار لا تقبل شهادته؛ لأنّه يثبت بشهادته حقّ نفسه. أمّا لو كانت الورثة كباراً فشهادته جائزة. ومنها: ثلاثة نفر لهم على رجل دين فشهد اثنان منهم على الثالث أنّه أبرأ المدين عن حصّته من الدّين، لا تقبل شهادتهما؛ لأنّهما يدفعان شركة الثّالث فيما يقبضان من المدين. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: شهادة المستأجر لمؤجره أنّ الدّار المستأجرة ملك للمؤجّر جائزة، وإن كان المستأجر ساكناً فيها.

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة بعد المئة [الشهادة المردودة]

القواعد الرابعة والخامسة والسّادسة بعد المئة [الشّهادة المردودة] أوَّلاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ شهادة يكون سبب ردّها الفسق إذا قبلها القاضي وحكم بها يصحّ (¬1). وفي لفظ: وكلّ شهادة يكون سّبب ردّها التّهمة، أو لم ينقل في قبولها خلاف مجتهد فلا يصحّ قبولها. كشهادة المملوك. وفي لفظ: كلّ شهادة رُدَّت للتّهمة - فإذا انتفت التّهمة فإنّها لا تقبل (¬2). أو لم تقبل بعد الرّدّ (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد لها صلة وارتباط بما سبقها ومفادها أمران: الأمر الأوّل: أنّ الفاسق لا تقبل شهادته ليس لفسقه بل لتهمة الكذب. لكن إذا تاب وأعلن توبته قبلت شهادته. وتفيد القاعدة الأولى: أنّ الفاسق إذا قبل القاضي شهادته ¬

_ (¬1) الفرائد ص 16 عن الخانية جـ 2 ص 459 فما بعدها. (¬2) القواعد والضوابط ص 145. (¬3) الجمع والفرق للجويني ص 1227.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

في قضيّة وحكم بتلك الشّهادة فهو جائز؛ لأنّ هذا أمر مجتهد فيه والأمور الاجتهاديّة إذا حكم بها حاكم نفذت. والأمور الّتي تردّ بها الشّهادة للفسق تختلف فيها الأنظار. والأمر الثّاني - وهو مفاد القاعدتين الأخيرتين: أنّ الشّهادة إذا ردَّت للتّهمة أنّها لا تقبل بعد ذلك، وكذلك إذا كانت مردودة باتّفاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: شهادة المملوك لسيّده لا تقبل، وإذا أعتقه بعد ذلك وأراد أن يشهد نفس شهادته السّابقة فإنّها لا تقبل، وفي ذلك خلاف. ومنها: امرأة ولدت ولداً وادّعت أنّه من زوجها هذا. وجحد الزّوج ذلك. فشهد على الزّوج أبوه أو ابنه، أنّ الزّوج أقرّ أنّه ولده من هذه المرأة جازت شهادتهما عليه (¬1). ¬

_ (¬1) الخانية جـ 2 ص 465.

القاعدتان السابعة والثامنة بعد المئة [بيع ما لا ينتفع به]

القاعدتان السّابعة والثّامنة بعد المئة [بيع ما لا ينتفع به] أوَّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شيء كُرِه أكله والانتفاع به على وجه من الوجوه فَشراؤه وبيعه مكروه، وكلّ شيء لا بأس بالانتفاع به فلا بأس ببيعه (¬1). وفي لفظ: كلّ ما جاز اقتناؤه وانْتُفِع به صار مالاً وجاز بذل العوض عنه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاعدة الأولى ذكرها الإِمام محمَّد بن الحسن رحمه الله في معرض مناقشة مسألة بيع الكلب وأخذ ثمنه، والمراد بالكراهة في القاعدة الكراهة التّحريميّة، والتّحريم، وليس كراهة التّنزيه. فمفاد القاعدة: أنّ ما حرَّم الشّرع أكله أو الانتفاع به على أي وجه من الوجود فشراؤه وبيعه حرام، وثمنه حرام. وأمّا ما انتفع به على وجه من الوجوه فلا بأس ببيعه وشرائه وثمنه حلال. ومفاد الثانية: أنّ كلّ شيء جاز اقتناؤه وانتفع به صار مالاً متقوماً وجاز بيعه وشراؤه وأخذ العوض عنه. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 139 عن الحجّة على أهل المدينة جـ 2 ص 771 - 772. (¬2) عارضة الأحوذي جـ 5 ص 278 أبواب البيوع.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الكلب العقور والخنزير لا يجوز بَيعُهما ولا أكل ثمنهما لحرمة الانتفاع بهما وحرمة أكلهما. ومنها: كلب الصّيد والماشية والزّرع يجوز بيعه واقتناؤه، وثمنه حلال؛ لأنّه منتفع به. ومنها: الحمار الأهلي حَرُم أكله، لكن الانتفاع به في غير الأكل حلال، ولذلك جاز بيعه وشراؤه وأكل ثمنه، وكذلك البغل.

القاعدة التاسعة بعد المئة [البراءة، الشرط]

القاعدة التّاسعة بعد المئة [البراءَة، الشّرط] أوَّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ شيء يجوز فيه الجُعْل فالبراءَة فيه جائزة على الوفاء بذلك الشرط، وكلّ شيء لا يجوز فيه الجُعل فالبراءة جائزة والشّرط باطل. والهبة والصدقة مثل البراءة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجُعْل: هو مال يجعل في مقابل شيء يعمله (¬2). والجعيلة: ما يُعطاه الإنسان على الأمرِ يفعله (¬3). فمفاد القاعدة: أنّ ما جاز فيه إعطاء المال مقابل عمل يجوز فيه البراءة منه، على شرط الوفاء. وأمّا ما لا يجوز فيه الجعل فإنّ البراءة فيه جائزة والشّرط باطل. وحكم الهبة والصّدقة حكم البراءة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قالت امرأة لزوجها: أبرأتك عَمّا لي عليك من مؤخّر ¬

_ (¬1) الفرائد ص 26 عن خلع الخانية جـ 1 ص 542 (¬2) المطلع ص 215. (¬3) نفس المصدر ص 281.

الصّداق، أو الدّين على أن تطلقني. فإذا طلّقها جازت البراءة، وإن لم يطلّقها فلا تجوز البراءة. وجازت البراءة هنا؛ لأنّ طلب المرأة الطّلاق هو خلع، والخلع على جُعل جائز، وهو الأصل فيه. ومنها: إذا قالت له: وهبت لك مالي عليك على أن لا تتزوج عليَّ امرأة أخرى، فالهبة صحيحة والشّرط باطل؛ لأنّ الجُعل على أن لا يتزوج عليها لا يجوز.

القاعدة العاشرة بعد المئة [الطاعة - المعصية]

القاعدة العاشرة بعد المئة [الطّاعة - المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ طاعة لا تصل إليها إلا بمعصية لا يجوز الإقدام عليها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطّاعة لا تجامع المعصية، ولا تكون المعصية طريقاً إلى الطّاعة. فمفاد القاعدة: أنّه إذا لم تصل إلى الطّاعة إلا بالمعصية، فلا يجوز الإقدام على المعصية، ولو كانت طريقاً إلى الطّاعة؛ لأنّه إذا اجتمع الحرام والحلال فإنّ الحرام يغلب الحلال. فيجب اجتناب الحرام والمعصية لما فيهما من المفسدة، ولو كانتا طريقاً إلى الطّاعة. فالطّاعة لا يجوز الإقدام عليها إلا بطريق مباح، أو طريق هو طاعة مثلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز اغتصاب ماء للوضوء ممّن يملكه، فمن لم يجد الماء تيمّم، ولا يغتصب ماء غيره، وإن كان غير محتاج إليه. ومنها: لا يجوز الحجّ على مركب مسروق أو مغتصب، وإن كان الحجّ طاعة، ولو لم يجد مركباً غيره لا يجب عليه الحج. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 132.

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [الاستئجار على الطاعة]

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [الاستئجار على الطّاعة] أوَّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ طاعة يختصّ بها المسلم فالاستئجار عليها باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يختصّ المسلم بطاعات واجبة عليه أو مندوبة كالصّلاة والأذان وتعليم القرآن. فمفاد القاعدة: أنّ الطّاعات الّتي يختصّ بها المسلم - ولا تقبل من كافر - فإنّه لا يجوز أن يُسْتَأجر المسلم على فعلها، فالأجرة عليها باطلة. وهذا عند الحنفيّة، وعند غيرهم خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز أخذ الأجرة على أداء الصّلوات؛ لأنّه يجب على كلّ مسلم بالغ عاقل خالٍ من الموانع أداء الصّلوات. وهذا متفق عليه. ومنها: الاستئجار على تعليم القرآن باطل، - والمسألة خلافيّة - والأكثرون على جوازه في هذا الزّمن لانقطاع العطاء من بيت المال، وتعليم القرآن يحتاج إلى تفرغ المعلّم، ولو لم يأخذ المعلّم أجراً ضاع هو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 37.

وعياله، وإن اشتغل بغير تعليم القرآن ضاع القرآن. ومنها: أخذ الأئمة والمؤذنين أجراً على الإمامة والأذان. وعند أحمد رحمه الله روايتان أظهرهما المنع. ورخّص فيه مالك رحمه الله (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع جـ 1 ص 101، المغني جـ 2 ص 70. وينظر عقد الجواهر جـ 1 ص 120 وجـ 2 ص 842 - 843.

القاعدة الثانية عشرة بعد المئة [الطهارة]

القاعدة الثانية عشرة بعد المئة [الطّهارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ طهارة جائزة بكلّ ماء طاهر مطلق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطّهارات متعدّدة الأسباب: فمنها طهارة للصّلاة، وطهارة لقراءة القرآن، وطهارة للطّواف. ومنها طهارة الحائض والنّفساء والجنب. وطهارة لمس المصحف. وطهارة الأنجاس الحسّيّة. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ هذه الطّهارات تجوز بكلّ ماء طاهر مطلق - والمراد بالإطلاق هنا عدم تقيّد الماء بالإضافة - كما يقال: ماء الورد -. فالطّهارات إنّما تجوز بالماء المطلق الطّاهر، وهو الماء الباقي على أصل خلقته. وهذا أمر متّفق عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الغسل من الجنابة أو الحيض أو النّفاس لا يجوز إلا بماء طاهر مطلق. وأمّا إذا خالط هذا الماء طاهر - ولم يغلب عليه اسمه - جاز التّطهير به (¬2). ومنها: الوضوء لا يجوز إلا بماء طهور. ومنها: إزالة النّجاسة الحسّيّة بالماء المطلق، وبغيره خلاف. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 7. (¬2) ينظر المقنع جـ 1 ص 15 فما بعدها.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المئة [العبادة المؤقتة]

القاعدة الثالثة عشرة بعد المئة [العبادة المؤقّتة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عبادة مؤقّتة فالأفضل تعجيلها في أوّل الوقت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات منها ما هو مؤقّت بوقت، إذا لم تُؤدّ فيه تكون قضاءً. ومنها ما ليس مؤقّتاً بوقت يفوت بعدم الأداء فيه. فمفاد القاعدة: أنّ العبادات المؤقّتة بوقت - وإن كان وقتها متّسعاً - فإنّ الأفضل تعجيلها في أوّل الوقت. وإن جاز تأخيرها ما لم يخرج وقتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلوات الخمس مؤقّتة كلّ منها بوقتها الّذي حدّده الشّرع لها بداية ونهاية. فالأفضل تعجيل كلّ صلاة منها في أوّل وقتها، إلا ما ورد استحباب تأخيرها كصلاة العشاء أو الظّهر حين اشتداد الحر. ومنها: الزّكاة حيث إنّ وقت وجوبها بلوغ المال النّصاب مع حولان الحول. فالأفضل إخراجها بمجرّد حولان الحول، وإن جاز ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 398.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

تأخير أدائها وتكون ديناً في ذمّة المزكّي. ومنها: الحجّ يجب عند وجود الاستطاعة، فالأفضل تعجيله عند من يرون أنّه على التّراخي. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: صلاة الضّحىَ أوّل وقتها طلوع الشّمس - بل ارتفاعها - ويُسَنّ تأخيرها لربع النّهار. ومنها: صلاة العيدين يسنّ تأخيرها لارتفاع الشّمس. ومنها: الفطرة أوّل وقتها غروب شمس ليلة العيد، ويُسَنُّ تأخيرها ليومه.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المئة [حرمة المس والنظر]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد المئة [حرمة المسّ والنّظر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عضو حَرُم النَّظَر إليه حَرُم مَسُّه بطريق أوْلَى، ما عدا الضّرورات (¬1). ولا عكس. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أحلّ الشّرع أشياء وحَرَّم أشياء، فكان ممّا حَرَّم النّظر إلى غير المحارم من الرّجال والنّساء، وأمر بغضّ البصر عنهم وعنهن. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ عضو حَرَّم الشّرع النّظر إليه من الرّجل والمرأة أنّه يحرم مَسُّه ولمسه بطريق الأَوْلَى؛ لأنّ اللّمس والمسّ أغلظ وأفحش من النّظر. ولكن يستثنى من ذلك ما جاز لأجل الضّرورة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يحرم نظر الرّجل الأجنبي للمرأة الأجنبيّة، فيحرم عليه مَسُّها، أو لمس يدها أو رأسها أو صدرها، أو ساقها أو أي عضو منها. ومنها: يحرم على المرأة النّظر للرّجل الأجنبي فيحرم عليها مسُّ جلده أو رجله أو ظهره أو ساقه. ¬

_ (¬1) الأشباه والنّظائر لابن السبكي جـ 1 ص 367. المنثور للزركشي جـ 3 ص 114، أشباه السيوطي ص 475. مختصر ابن خطيب الدهشة ص 412.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استُثني من مسائل هذه القاعدة: الطّفل الصّغير والطّفلة الصّغيرة غير المشتهاة يجوز النّظر إليهما ويجوز مسُّهما. ومنها: الطّبيب يجوز له النّظر إلى مكان الألم من المرأة ومسُّه للعلاج، لكن بقدر الحاجة. ومنها: مسُّ فرج امرأته يجوز بلا خلاف، وفي جواز النّظر إليه خلاف.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئة [ضمان العقد الفاسد]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئة [ضمان العقد الفاسد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ عقد اقتضى صحيحه الضّمان فكذلك فاسده، وما لا فلا (¬1). وفي لفظ: كلّ عقد كان صحيحه غير مضمون أو مضموناً ففاسده كذلك (¬2). وفي لفظ: كلّ عقد فاسد مردوده إلى صحيحه (¬3). وفي لفظ: كلّ عقد يجب الضّمان في صحيحه يجب الضّمان في فاسده، وما لا فلا (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق أمثال لهما في قواعد حرف الحاء تحت رقم 80، وقواعد حرف الباء رقم 74، وفي قواعد حرف الفاء تحت رقم 3. وقواعد حرف العين تحت رقم 51، فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 283. (¬2) المغني جـ 4 ص 425. (¬3) قواعد الفقه ص 162، 240 عن الإشراف جـ 2 ص 56. (¬4) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 307، مختصر قواعد العلائي لابن خطيب جـ 1 ص 315، أشباه السيوطي ص 283.

القاعدة السادسة عشرة بعد المئة [العقد المضمون]

القاعدة السادسة عشرة بعد المئة [العقد المضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد اقتضى الضّمان لم يغيره الشّرط (¬1). وفي لفظ: ما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود نوعان: نوع يقتضي الضّمان، ونوع لا يقتضي الضّمان. فما يقتضي الضّمان مثل المقبوض بالبيع الصّحيح أو الفاسد. وما لا يقتضي الضّمان كالوديعة ومال الشّركة والمضاربة. فمفاد القاعدة: أنّ العقد الّذي يقتضي الضّمان ويوجبه إذا شُرِط فيه عدم الضّمان فإنّ هذا الشّرط ملغى والعقد صحيح؛ لأنّ إسقاط الضّمان نفي للحكم مع وجود سببه، وليس هذا للمالك، ولا يملك الإذن فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استعار سيارة من صاحبها وشرط عدم ضمانها إذا تلفت، فإنّ هذا الشّرط باطل، وتبقى السّيّارة مضمونة على المستعير - وهذا عند ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 222 كتاب العاريَّة. وجـ 7 ص 342. (¬2) نفس المصدر جـ 8 ص 115.

مَن يرون أنّ العاريَّة مضمونة على المستعير سواء تَلِفَت بتعدّ منه أو بغير تعدٍّ. وهذا المذهب هو الّذي رجّحه ابن قدامة رحمه الله في المغني (¬1). ومنها: الوديعة إذا اشترط المودَع ضمانها، فلا يضمنها لو تلفت بغير تعدّ أو تقصير منه؛ لأنّ الوديعة أمانة، والأمانات غير مضمونة كما سبق بيانه. ولأن (ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشّرط مضموناً (¬2)، وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه) (¬3). ¬

_ (¬1) و (¬2) جـ 5 ص 221 - 222. (¬3) نفس المصدر جـ 8 ص 115.

القاعدة السابعة عشرة بعد المئة [العقد غير المفيد]

القاعدة السابعة عشرة بعد المئة [العقد غير المفيد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ عقد تقاعد عنه مقصوده بطل من أصله (¬1). وفي لفظ: كلّ عقد لا يفيد مقصوده يبطل (¬2). وفي لفظ سيأتي: كلّ لفظة كانت خالص لعقد حمل إطلاقها عليه، فإن وُصل بها ما ينافي مقتضاه بطل (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: كما سبق في أكثر من موضع أنّ لكلّ عقد مقصوده الّذي شُرِع من أجله، فأيّما عقد لم يحصل المقصود منه، ولم تترتّب عليه أحكامه المشروعة فهو عقد باطل من أصله لا يمكن تصحيحه. وينظر القاعدة رقم 81. وينظر قواعد حرف الهمزة رقم 105. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا باع سلعة بشرط عدم انتفاع المشترى بها، فالعقد باطل؛ لأنّ مقصود عقد البيع حلّ الانتفاع بالبدلين. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 259، 347. (¬2) القواعد والضوابط ص 119. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 347.

ومنها: إذا تزوّج امرأة بشرط عدم دخوله بالمرأة، كان العقد باطلاً كذلك؛ لأنّ المقصود من عقد النّكاح هو حلّ الاستمتاع والجماع. فإذا انتفى ذلك انتفى مقصود العقد فبطل.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المئة [التوكيل في العقد]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد المئة [التّوكيل في العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكّل فيه غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ بعباده أنّه لم يوجب على كلّ إنسان أن يعقد عقده بنفسه، بل إنّه سبحانه وتعالى تيسيراً على عباده أجاز وأباح أن يوكّل الإنسان غيره في قضاء بعض مصالحه، وعقد بعض عقوده عنه، وإن كان قادراً على أن يعقدها بنفسه أو يقضيها بنفسه، فليس التّوكيل مقصوراً عند عدم القدرة على الفعل. فمفاد القاعدة: أنّ أيّما عقد يجوز أن يعقده الإنسان بنفسه يجوز له أن يوكّل غيره في عقده عنه، حتى وإن كان الأصيل قادراً على العقد بنفسه. ومفهوم القاعدة: أنّ ما لا يجوز أن يعقده الإنسان بنفسه أنّه لا يجوز له أن يوكّل فيه غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإنسان الكامل التّصرف يجوز له أن يعقد عقد بيع أو إجارة ¬

_ (¬1) نتائج الأفكار تتمة فتح القدير شرح الهداية جـ 6 ص 3، وجـ 8 ص 4.

بنفسه، فيجوز له أن يوكّل في عقده غيره. ومنها: عقد النّكاح إذا جاز أن يعقده القادر عليه لنفسه جاز له أن يوكّل في عقده غيره. وممّا دلّ عليه مفهُومها: المريض مرض الموت لا يجوز له التّصرف في ماله - فيما زاد على الثلث - وعلى ذلك لا يجوز له التّوكيل فيه بالبيع أو الهبة أو غيرهما. ومنها: الذّمّي يجوز له شراء الخمر وبيعها - لأنّها مال عنده - ولا يجوز أن يوكّل مسلماً في بيعها وشرائها. ومنها: توكيل الصّبي والعبد والسّفيه المحجورين عن التّصرف لا يصحّ؛ لأنّه لا يصح منهم التّصرف، فلا يصحّ توكيل غيرهم لهم في ذلك.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المئة [العقد المعلق بصفة]

القاعدة التّاسعة عشرة بعد المئة [العقد المعلّق بصفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد فيه عوض إذا علِّق بصفة - لا يقتضي إطلاق العقد تلك الصّفة - فسد بالتعليق (¬1). إلا في مسألتين ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط وصلة بقواعد سابقة تفيد بطلان العقد وفساده إذا تقاعد عنه مقصوده. ومفادها: أنّ أيّما عقد فيه عوض إذا اشترط فيه لإتمامه وصف لا يقتضيه العقد المطلق فإنّ هذا العقد يبطل بهذا الشّرط الّذي يعطل مقصوده. واشتراط العوض في العقد ليخرج العقود الّتي لا عوض فيها كالهبة والإعارة فإنّ التّعليق فيها لا يفسدها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذه السّلعة بشرط أن لا تقبضها. بطل العقد؛ لأنّ شرط العقد الصّحيح قبض المشتري للسّلعة. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 331 ب. أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 289 - المختصر لابن خطيب الدهشة ص 276. قواعد الحصني جـ 4 ص 140.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة مسألتان

ومنها: إذا قال: بعتك هذه الجارية على أن أسلّمها لك آخر الشّهر. لا يصحّ العقد لأنّ الشّرط في البيع التّسليم عند العقد - عدا عقد السّلم. ومنها: إذا قال: أبيعك هذه السّيّارة إذا شاء فلان، فإنّ العقد لا يصحّ ولو شاء فلان. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة مسألتان: الأولى: إذا قال لعبده: أنت حرّ غداً على ألف. فقبل العبد. وكذلك لو قال لزوجته: أخالعك غداً على ألف فقبلت. والثّانية: إذا قال: أعتق عبدك هذا عنّي غداً بألف فقبل. فيعتق العبد في العقد. ولكن هل تجب قيمته أو المسمّى؟ خلاف.

القاعدة العشرون بعد المئة [العقد المؤقت]

القاعدة العشرون بعد المئة [العقد المؤقت] أوّلاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد كانت المدّة ركناً فيه لا يكون إلا مؤقّتاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود منها ما هو مؤبد لا يقبل التّوقيت. ومنها: ما هو مؤقّت لا يقبل التّأبيد ومنها ما يجوز تأبيده وتوقيته. فعقد البيع ينقل الملكيّه نقلاً مؤبّداً. وعقد النّكاح يفيد حلّ الاستمتاع بين الزّوجين ما دام النّكاح قائماً. والأصل فيه التأبيد والاستمرار. لكن مفاد القاعدة: أنّ من العقود ما تذكر فيه مدّة نفاذه، فإذا انتهت المدّة بطل العقد، لأنّ بذكر المدّة يكون العقد مؤقّتاً، لا مؤبّداً دائماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد الإجارة العينيّة عقد مؤقّت؛ لأنّ المدّة فيه ركن من أركانه. ومنها: عقد السّلم عقد مؤقّت؛ لأنّ المدّة فيه ركن من أركانه كذلك. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 240.

ومنها: عقد المساقاة والمزارعة قد يكون مؤقّتاً وقد يكون مؤبّداً. ومنها: عقد الهدنة لا يكون إلا مؤقّتاً. ومنها: عقد الشّركة والمضاربة إذا ذكرت فيه المدّة كان مؤقّتاً.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [العقد القابل للفساد]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [العقد القابل للفساد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد للجواز فيه مدخل كان للفساد فيه أثر. وكلّ عقد لا يكون للجواز فيه مدخل لا يكون للفساد فيه أثر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود أنواع: منها: لازم من الجانبين، ومنها: جائز من الجانبين، ومنها: جائز من أحد الجانبين فقط. ومعنى اللّزوم: أنّ العقد إذا تمّ بشروطه لا يدخله الفساد بعد ذلك. ومن العقود اللازمة من الجانبين: عقد البيع، والصّرف، والسّلم، والتّولية والمرابحة، والوضيعة والتّشريك والصّلح والحوالة، والإجارة، والنّكاح، والصّداق والخلع بعوض. فهذه العقود لا يدخلها الفساد بعد تمامها. ومفاد القاعدة: أنّ العقد إذا دخله الجواز بوجه ما فهو أيضاً قابل للفساد بوجه ما. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد الشّركة جائز من الجانبين، ولذلك جاز أن يفسد بسبب مفسد. ومنها: عقد الوكالة والمضاربة والوصيّة والعاريَّة والإيداع، والقرض والقضاء، وسائر الولايات عدا الإمامة العظمى. ومنها: ما هو جائز من جانب واحد، فيدخله الفساد أيضاً: ومثاله: الرّهن: هو عقد جائز من جانب المرتهن، ولازم من جانب الرّاهن بعد القبض. ويمكن أن يفسد بأن يطأ الرّاهن الجارية المرهونة، أو يؤجر الدّار المرهونة بإذن المرتهن فيبطل الرّهن. ومنها: الكتابة جائزة من جانب العبد لازمة من جانب السّيّد. وقد تفسد بأن يُعَجِّز المكاتب نفسه. ومنها: عقد الكفالة: جائز من المطالَب لازم من جانب الكفيل. ومنها: عقد الأمان جائز من قِبَل الحربي لازم من قِبل المسلم (¬1). وكلّ من هذه العقود قد يدخله الفساد بسبب فينقضه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 336 بتصرف.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المئة [العقد الموقوف]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد المئة [العقد الموقوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد له مجيز حال وقوعه توقف للإجازة وإلا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفيّة وغيرهم - عدا الشّافعيّة - أنّ من العقود ما يكون موقوفاً - أي يتوقّف نفاذه على إجازة صاحب الحقّ فيه، وما كان لا مجيز له حال وقوعه فلا يكون موقوفاً. فمفاد القاعدة: أن العقد إنّما يكون موقوفاً إذا كان له مجيز حال وقوعه، فأمّا إذا لم يكن له مجيز حال وقوعه كان عقداً باطلاً. والباطل لا يوقف ولا يجاز. وقد سبق متل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت رقم 254. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع داراً أو عقاراً لمحجور عن التّصرف فلا يصحّ العقد؛ لأنّ المحجور لا يصحّ منه الإجازة. ومنها: إذا طلَّق فضولي امرأة الصّبي أو المجنون، أو أعتق عبده أو تصدّق بماله فلا يتوقّف العقد، ولا تجوز فيه إجازة الولي؛ لأنّه لا يملك ذلك. ¬

_ (¬1) من أصول الكرخي، وعنه ردّ المحتار جـ 2 ص 432 وقواعد الفقه ص 101.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئة [الحلول]

القاعدة الثّالثة والعشرون بعد المئة [الحلول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد يدخله الحلول اقتضى إطلاقه الحلول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحلول: ما يقابل التّأجيل. وهو قبض البدلين حين العقد. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ عقد يشترط فيه عند حصوله أن يكون حالاًّ، فإنه إذا عقد مطلقاً عن قيد الحلول فإنّه يكون حالاًّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقدا عقد بيع عقار بثمن معلوم، وتَمَّ العقد دون خيار لأحدهما فمقتضى هذا العقد أن يسلّم المشتري الثّمن حالاًّ للبائع ويستلم العقار. لكن إذا اشترط المشتري التّأجيل لمدّة معلومة ورضى البائع فإنّ الثّمن يكون مؤجلاً. ومنها: إذا عقد عقد سلم واشترط المسلَم إليه أو ربُّ السلّم الحلول فإنّه لا يكون حالاًّ؛ لأنّ عقد السّلم من أركانه الأجل، ولا يكون حالاًّ بطريق الأولى عند الإطلاق. ومنها: اقترض من آخر مبلغاً من المال، فلا يدخله الحلول ولو اشترط المقرض. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 617.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئة [الحرام - العقد الباطل]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد المئة [الحرام - العقد الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عقد يقصد به الحرام فهو حرام والعقد باطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في شرعيّة العقود التّوصل بها إلى استباحة البدلين وحلِّهما، لتبادل الأملاك والمنافع بين البشر بطريق مشروع يقطع النّزاع والمخاصمة، فمهما وُجد عقد خالف شرعيّة العقود فهو عقد باطل. فمفاد القاعدة: أنّ أيَّما عقد قصد به المتعاقدان أو أحدهما التّوصل إلى أمر محرَّم في شرع الله. فقصد الحرام حرام والعقد حرام وباطل لا يترتّب عليه ثمرة؛ لأنّ العقود إنّما شرعها الله لما فيه مصلحة عباده والحرام فيه ضررهم ومفاسد لهم فهو غير مشروع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد شخصان عقداً يقصد به الرّبا، فالعقد باطل، وهما آثمان. ومنها: إذا اشترى شخص من بائع أسلحة سلاحاً ليقتل به معصوماً - والبائع يعلم ذلك - فالعقد باطل؛ لأنّ قتل المعصوم حرام. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 246.

ومنها: إذا عقد شخص عقداً مع امرأة ليزني بها فالعقد باطل والفعل حرام والقصد محرّم. ومنها: إذا اشترى عنباً ليعصره خمراً - والبائع يعلم ذلك - فهذا العقد باطل غير مشروع - عند قوم - لأنّه يقصد به الحرام. ومنها: إذا استأجر شخصاً ليعصر له عنباً ويصنعه خمراً فالعقد باطل. ومنها: بيع السّلاح في الفتنة، أو لقطاع الطّرق - ممّن يعلم ذلك - فهو حرام وباطل. ومنها: إذا أجّر محلاّت لتكون مصرفاً ربويّاً. فهذا حرام والعقد باطل. ومنها: إذا أجَّر خادمته لمن يعلم أنّه يزني بها، فهذا عقد محرّم وباطل.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة [العلة والشرط]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة [العلّة والشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ علَّة ذات وصفين، أو حكم عُلِّق على شرطين لم يوجد الحكم بأحدهما؛ لأنّ العلّة والشّرط لا يؤثّران إلا كاملين (¬1). أصوليّة فقهيّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيل في قواعد حرف الحاء تحت رقم 89، ولكن تلك كانت خاصّة بالعلّة ذات الوصفين، وهذه أعمّ منها إذ أضافت إلى العلّة الحكم إذا علِّق على شرطين أنّه لا يوجد إلا بوجودهما معاً. فمفاد هذه القاعدة أمران: الأوّل: أنّ العلّة المركّبة من وصفين أو أكثر أنّ الحكم لا يمكن وجوده بدون وجود الأوصاف كلّها. والثّاني: أنّ الحكم إذا كان وجوده مشروطاً بشرطين أو أكثر أنّه لا يوجد إلا بوجود وتحقّق شروطه كلّها. والعلّة في ذلك: أنّ من أحكام العلّة والشّرط أنّها لا يؤثّران في وجود الحكم وعدمه إلا كاملين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القتل الّذي يوجب القصاص على القاتل يجب أن يتّصف بعلّة ذات ¬

_ (¬1) شرح مختصر الروضة للطوفي جـ 1 ص 480.

صفات إذا نقصت منها صفة لا يجب القصاص. وهو كون القتل قتل عمد عدوان من مكافئ غير والد ولا مانع، كالجنون والصّغر. فإذا كان القتل عمداً غير عدوان فلا قصاص. وكذلك إذا كان القتل عمداً عدواناً ولكن من غير مكافئ - كقتل الحرِّ العبدَ أو المسلم الذّمّي - عند غير الحنفيّة - فلا قصاص. ومنها: إذا كان القاتل والداً أو صغيراً أو مجنوناً فلا قصاص. ومنها: إذا علِّق حكم العقد على شرطين فلا يتمّ إلا بوجودهما معاً وإلا كان العقد باطلاً، كما إذا اشترط صاحب الثّوب على الخيّاط أن يخيطه بنفسه وعلى صفة مخصوصة، فلا يلزم صاحب الثّوب الثّمن إلا بعد تحقّق الشّرطين. فلو لم يخطّه الخياط بنفسه لا يلزمه ولو كان على الصّفة المطلوبة، وكذلك لو خاطه بنفسه ولكن على غير الصّفة المطلوبة. ومنها: ثبوت الميراث للزّوج أو الزّوجة بشرطين: بقاء الزّوجيّة والموت. فإذا عدم أحدهما فلا يستحق الميراث.

القاعدة السادسة والعشرون بعد المئة [الشروع]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد المئة [الشّروع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عمل لك أن لا تدخل فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضى إلا الحجّ والعمرة (¬1). من قول الإِمام الشّافعي رضي الله عنه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بأمر مختلف فيه بين الفقهاء رحمهم الله تعالى وهو الشّروع في العبادة التّطوعيّة، كما إذا دخل إنسان في عبادة متطوّعاً - متنفّلاً - فهل يجب عليه الإتمام. وإذا خرج منها لأمر ما فهل يجب عليه قضاؤها؟. فمفاد القاعدة: أنّه عند الإمامين الشّافعي وأحمد رحمهما الله تعالى: أنّ أيَّما عبادة لا تجب على الإنسان إذا دخل فيها فهو مخيّر بين إتمامها والخروج منها، فإن خرج منها بسبب ما فليس عليه قضاؤها (¬2)، ويستثنى من ذلك الحجّ والعمرة فإنّهما يلزمان بالشّروع فيهما بالإحرام عند الجميع. وأمّا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلا يجوز الخروج من العبادة ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 185. (¬2) ينظر روضة الطالبين جـ 2 ص 251.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

متى شرع فيها وإن خرج فعليه القضاء. وعند مالك رحمه الله تعالى: إن خرج بغير عذر فعليه القضاء، وإن خرج بعذر فلا قضاء عليه (¬1). وإذا كانت العبادة منذورة فإنّه يجب عليه الإتمام أو القضاء لأنّ النّذر واجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دخل في صلاة نافلة فله إتمامها، فإن خرج منها بدون عذر فعليه قضاؤها عند أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما. وإن خرج بعذر فعليه القضاء عند أبي حنيفة. وأمّا عند الشّافعي وأحمد رضي الله عنهما فلا قضاء عليه في الصّورتين. ومنها: من صام يوماً تطوّعاً ثمّ بدا له فأكل أو شرب فعليه القضاء عند أبي حنيفة مطلقاً، وعند مالك إن أفطر بغير عذر. ولا قضاء عليه عند الشّافعي وأحمد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: من أحرم بحجّ أو عمرة متطوّعاً فيلزمه الإتمام ولا يجوز له الخروج منهما؛ لأنّهما يلزمان بالشّروع عند الجميع، حتّى لو أفسدهما بالجماع فيجب عليه الإتمام وعليه القضاء والكفّارة. لكن إذا أحصر فيتحلّل ويجب عليه القضاء. ¬

_ (¬1) الإفصاح جـ 1 ص 249.

وإذا اشترط عند إحرامه ومنعه مانع فله أن يتحلّل ولا شيء عليه عند أحمد والشّافعي رحمهما الله تعالى (¬1). ومنها: من نذر صلاة أو صوماً وشرع فيه فعليه الإتمام ولا يجوز له الخروج إلا بعذر ثمّ عليه القضاء؛ لأنّ النّذر واجب. وهذا عند الجميع. ¬

_ (¬1) وينظر الإفصاح جـ 1 ص 299 فما بعدها.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المئة [فسخ العقد - جواز التصرف]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد المئة [فسخ العقد - جواز التّصرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عِوَض مُلِك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لم يجز التّصرف فيه قبل قبضه، وما لا ينفسخ بهلاكه جاز التّصرف فيه قبل قبضه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأعواض الّتي تملك بالعقود نوعان: نوع ينفسخ العقد بهلاكه قبل قبضه كعقد البيع للمكيل أو الموزون أو المعدود باتّفاق. والنّوع الثّاني: لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل القبض كالمهر في عقد النّكاح والخلع. فمفاد القاعدة: أنّ العوض الّذي ينفسخ العقد بهلاكه قبل قبضه لا يجوز للمشتري التّصرف فيه قبل القبض والتّسليم. وأنّ العوض الّذي لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل القبض فيجوز التّصرف فيه قبل قبضه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى طعاماً أو شراباً مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً ثمّ تصرّف فيه بالهبة أو البيع قبل قبضه من البائع فإنّ العقد ينفسخ؛ لأنّه لا يجوز له التّصرف فيه قبل القبض - فكلّ تصرّف للمشتري فيه فهو باطل؛ ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 128، وجـ 6 ص 191 - 192.

لأنّه إذا هلك قبل القبض هلك من مال البائع؛ لأنّه في ضمانه حتى يسلمه. وهذا باتّفاق. وأمّا ما عدا الطّعام فإنّ عند أبي حنيفة رحمه الله، أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلا العقار. وعند الشّافعي رحمه الله: أنّ كلّ مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. وعند أحمد رحمه الله رواية مثل قول الشّافعي. والرّواية الأخرى - الرّاجحة في المذهب - أنّ ذلك في الطّعام المكيل أو الموزون أو المعدود خاصّة (¬1). ومنها: عوض الخلع والعتق على مال وبدل الصّلح عن دم العمد وأرش الجناية وقيمة المتلَف كلّها يجوز التّصرف فيها قبل قبضها لأنّ العقد لا ينفسخ بهلاكها. ومنها: مهرها دابّة أو داراً فأَجَّرت الدّار أو باعت الدّابّة - قبل القبض - جاز تصرّفها؛ لأنِّ عقد النّكاح لا ينفسخ بهلاك المهر. وهذا عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله. ¬

_ (¬1) نفس المصدر جـ 4 ص 124، 128.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئة [العيب موجب الرد]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد المئة [العيب موجب الرّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عيب يُرَدّ به في البيع يُرَدّ به في الصّداق - عند الشّافعي رحمه الله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الشّافعي رحمه الله ورضي عنه أنّ ما جاز بيعه جاز جعله صداقاً، وما لا يصحّ مسمّى أو عوضاً في البيع لا يستحقّ في النّكاح. فعنده أنّ النّكاح كالبيع إلا في الخيار. فمفاد القاعدة بناء على ذلك: أنّ الصّداق إذا وُجِد به عيب يوجب الرّدّ لو وجد مثله في البيع، فإنّ الصّداق يُرَدّ به أيضاً، فتبطل التّسمية ويجب مهر المثل، وأمّا عند الحنفيّة فيجب القيمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جعل صداق زوجته عبداً أو أَمَةً أو داراً أو بستاناً فوجدت فيه عيباً يوجب الرّدّ لو كان العبد أو الأَمَة أو الدّار أو البستان مبيعاً، فإنّ لها حقّ ردّ الصّداق المسمّى. وفي هذه الحال تبطل التّسمية ويجب مهر المثل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 70، وينظر الأم للإمام الشافعي جـ 10 ص 220، 238.

ومنها: إذا تزوّجها بثمرة بستان لم يبد صلاحها على أن يدعها إلى أن تصلح، فيكون لها مهر مثلها وتكون الثّمرة لصاحبها؛ لأنّ بيعها في هذه الحال لا يحلّ على هذا الشّرط (¬1). ¬

_ (¬1) الأم جـ 10 ص 239.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئة [العيب مانع الرد]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد المئة [العيب مانع الرّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ عيب يوجب الّردّ على البائع يمنع الرّدّ إذا وُجد عند المشتري (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العدل والتّساوي في تحمّل التّبعة مطلوب في كلّ معاملة، والعقود من أكثر المعاملات شيوعاً بين الناس، وبخاصّة عقد البيع. فمفاد القاعدة: أنّ من العيوب الّتي قد توجد في السّلعة ما يوجب الرّدّ على البائع إذا دلَّسه على المشتري وأخفاه حين التّعاقد؛ لأنّ المشتري يتضرّر بذلك العيب، فلرفع الضّرر عن المشتري جاز ردّ المبيع بالعيب الموجود عن البائع. وبمقابل ذلك إذا حدث مثل هذا العيب عند المشتري بعد تسلّم السّلعة فإنّ هذا يمنع الرّدّ على البائع دفعاً للضّرر عنه، ولو وجد في السّلعة ضرر مثله عند البائع. لكن المشتري يرجع على البائع بنقصان العيب، إلا أن يرضى البائع بالرّدّ مع ضمان نقصان العيب الحادث عند المشتري أو بدونه. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 164، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 284، الاعتناء جـ 1 ص 438، أشباه السيوطي ص 455.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى جهازاً كهربائياً وبعد قبضه وتسلّمه وجد به عيباً في الصّنعة يوجب الرّدّ، ولكن حدث عيب جديد عند المشتري - إذ وصله بتيار كهربائي أعلى ممّا يلزم لتشغيله، فأصبح في الجهاز عيبان: عيب قديم كان عند البائع، وعيب جديد حدث عند المشتري، فحدوث العيب عند المشتري بصُنْعِه يمتنع عليه ردّ الجهاز للبائع بالعيب القديم. ولكن يرجع على البائع بنقصان العيب، لكن إذا رضي البائع بردّ الجهاز فله ذلك، لكن يرجع على المشتري بالنّقصان الحاصل بسبب العيب الحادث.

القاعدة الثلاثون بعد المئة [موجب العدة]

القاعدة الثلاثون بعد المئة [موجب العدَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ فرقة توجب العدَّة (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة تتعلّق بفُرَق النّكاح بعد الدّخول. ومفادها: أنّ كلّ فرقة بين الزّوجين - سواء في ذلك ما كان طلاقاً أم فسخاً للنّكاح، وسواء في ذلك ما كان من قِبَل الزّوج أم من قِبل الزّوجة - فكلّها توجب عدّة على المرأة لا يمكنها خلالها من الزّواج بآخر حتى تنتهي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وقعت الفرقة بين الزّوجين بطلاق رجعي أو بائن - بينونة صغرى أو كبرى - فعلى الزّوجة عدّة طلاق - ثلاثة قروء إن كانت من ذوات الحيض أو ثلاثة أشهر إن كانت من ذوات الأشهر، أو حتى تضع حملها إن كانت حاملاً، أو بمضي أربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت عدّة وفاة ولم تكن حاملاً. ومنها: زوجة عنِّين اختارت نفسها، فعليها العدّة كذلك، وإن كانت هذه الفرقة ليست طلاقاً عند بعضهم - وهي عند الحنفيّة طلقة ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 479.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

بائنة. ومنها: خالعها زوجها على مال، وقعت الفرقة بينهما، سواء قلنا إنّها فرقة طلاق أم فسخ، فعليها العدّة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: طلّقها قبل أن يدخل بها أو خالعها. فليس عليها عدّة؛ لأنّ العدّة للتّأكّد من براءة الرّحم من الحمل، وقبل أن يدخل بها هي بريئة من ذلك. ومنها: إذا عقد عليها ثمّ توفّي قبل أن يدخل بها، فعليها عدّة الوفاة، ولو لم يدخل بها؛ لأنّ المغلّب في عدّة الوفاة هو التّعبّد.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئة [فرق النكاح]

القاعدة الحادية والثّلاثون بعد المئة [فُرَق النّكاح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ فُرقةٍ جاءتَ من قِبَل المرأة لا بسبب الزّوج فهي فسخ - كخيار العتق والبلوغ - وكلّ فُرقة جاءَت من قِبَل الزّوج فهي طلاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تتعلّق هذه القاعدة ببيان أنواع الفُرَق الواقعة بير الزّوجين وحكم كلّ منها. ومفادها: أنّ الفرقة إمّا أن تكون من قِبَل المرأة وبسبب منها لا بسبب من الزّوج. وإمّا أن تكون من قِبَل الزّوج لا بسبب من المرأة. وأن الفرقة الّتي بسبب من المرأة ومن قِبَلها أن حكمها أنّها فسخ لا طلاق، ولا تحسب على الرّجل من عدد تطليقاته وأنّها إذا كانت بسبب من الزّوج ومن قِبَله أنّها طلاق وتحتسب عليه من عدد تطليقاته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زوَّج السَّيِّد أَمَتَه ثمّ أعتقها - وهي تحت الزّوج - فلها خيار يسمّى خيار العتق -؛ لأنّها حينما زوِّجت لم تكن مختارة؛ لأنّ سيّدها هو ¬

_ (¬1) الفرائد ص 21 عن الفتاوى الهندية جـ 1 ص 522 فما بعدها، أشباه ابن نجيم ص 177 حاشية (1).

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الّذي زوّجها. فأمّا حين أُعتقت فأصبحت حرَّة فقد ملكت نفسها، فأعطاها الشّرع خيار العتق، فإن اختارت نفسها وقعت الفرقة بينها وبين زوجها - حراً كان أو عبداً - وهذه الفرقة هي فُرقة فسخ لا طلاق. ومثلها: إذا زوَّج الصّغيرة غير أبيها - فلمّا بلغت عند الزّوج أعطاها الشّرع خياراً يسمّى خيار البلوغ، فإنّ اختارت نفسها وقعت الفرقة بينها وبين زوجها، وهي أيضاً فرقة فسخ لا طلاق. ومنها: فرقة اللّعان وهي فسخ لا طلاق. ومنها: إذا طلّقها زوجها أو خالعها وقعت الفرقة بينهما وهي فرقةً طلاق لا فسخ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: امرأة مسلمة ارتدّ زوجها - والعياذ بالله - ولحق بدار الحرب، وقعت الفرقة بينهما. وهي في هذه الحال فرقة فسخ لا طلاق؛ لأنّ المرتدّ لا يقع طلاقه. وكانت مستثناة؛ لأنّ الفرقة وقعت بسبب من الزّوج.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئة [القرابة]

القاعدة الثّانية والثّلاثون بعد المئة [القرابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ قرابة من جهتين تقدّم على القرابة من جهة عند الاستواء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأقوى يقدم على الأضعف، - وكما سبق في أكثر من قاعدة أنّ الضّعيف لا يظهر أمام القوي: فمفاد القاعدة: أنّ القرابة إذا كانت من جهة الأب والأم فهي مقدّمة على القرابة من جهة الأب وحده أو الأم وحدها؛ لأنّ القرابة من جهة واحدة أضعف من القرابة من جهتين: إذا كانوا من درجة واحدة، وما كان يدلي بسببين أقوى ممّا يدلي بسبب واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أخوان أحدهما أخ شقيق - من أب وأم - والآخر أخ لعلَّة من الأب فقط، ولهما أخت ماتت فميراثها لأخيها الشّقيق لأنّ قرابته من جهتين، وليس لأخيها من أبيها شيء من الميراث لأنّ قرابته من جهة واحدة. والقرابة من جهة واحدة أضعف من القرابة من الجهتين. ومنها: إذا كان لامرأة أخوان أحدهما من أب وأم والآخر من الأب فقط، فالولاية في النّكاح للأخ من الجهتين إذ يقدم؛ لأنّ قرابته أقوى. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 158 عن التنقيح جـ 2 ص 566.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئة [القربة المباحة]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد المئة [القربة المباحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ قربة كانت على سبيل الإباحة استوى فيها الغني والفقير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القربة: كلّ عمل خير ينقرّب به إلى الله سبحانه وتعالى ابتغاء الأجر والمثوبة، والقُرَب منها ما هو سبيله الفرضيّة كالصّلاة والزّكاة والحجّ وصوم رمضان، ومنها: ما هو سبيله النّدب والاستحباب كالتّطوعات والنّوافل. ومن القرب: ما هو بدني ومنها ما هو مالي - وموضوع القاعدة القرب الماليّة، ومن القرب ما هو سبيله الإباحة. وموضوع القاعدة: القرب الماليّة الّتي سبيلها الإباحة. فمفاد القاعدة: أنّ المسلم إذا تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بعمل خير مالي غير مفروض وأباحه للناس جاز أن يتناول منه الغني والفقير لاستوائهما فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذبح شاة أو بقرة أو بعيراً، وأباحها للنّاس بقوله: مَن شاء ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2122 وعنه قواعد الفقه ص 101.

فليقتطع. جاز للغني والفقير الأخذ منه. ومنها: المياه المسبَّلة في المساجد والطّرقات يجوز أن يشرب منها الغني والفقير, لأنّها قربة إباحة. ومنها: وضع علب المناديل الورقيّة في المساجد فهي مباحة للغني والفقير.

القاعدتان الرابعة والخامسة والثلاثون بعد المئة [القرض بشرط النفع]

القاعدتان الرّابعة والخامسة والثلاثون بعد المئة [القرض بشرط النّفع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ قرض جرّ نفعاً فهو حرام (¬1). وفي لفظ: كلّ قرض جرّ نفعاً فهو ربا حرام (¬2). وفي لفظ: كلّ قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: أصل هذه القاعدة ودليلها قوله صلّى الله عليه وسلّم: "كلّ قرض جرّ منفعة فهو ربا" (¬4). وفي معناه: "إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه طبقاً فلا يقبله، أو حَمَله على دابّته فلا يركبها، إلا أن يكون جرى بينه وبينه ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 265، الإشراف جـ 1 ص 257 عن قواعد الفقه للروكي ص 165. (¬2) قواعد الفقه ص 102 عن الأشباه لابن نجيم. (¬3) المغني جـ 4 ص 354. (¬4) كنز العمال الحديث رقم 15516، وإرواء الغليل جـ 5 ص 235 برواية الحارث عن علي رضي الله عنه.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

قبل ذلك" (¬1). القرض في اللغة: مصدر قرض الشّيء يقرضه إذا قطعه، وفي الاصطلاح: هو ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه (¬2). والقرض مندوب للمحتاج إليه، والمقرض له أجره، والشّرط في القرض عدم اقتضاء الزّيادة على ما أعطى. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ قرض يبتغي به مقرضه نفعاً مادّيّاً أو غير مادّيّ فهو ربا حرام. وهو حرام باتّفاق إذا شرط المقرض على المستقرض أن يزيده على ما أعطاه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: أقرضه مبلغاً من المال رغبة في مساعدة من المستقرض للمقرض في أمر ما، فهذا حرام وهو ربا، كأن يكون المستقرض موظّفاً ويريد المقرض منه أن يسهل له معاملة عنده أو عند غيره في دائرته. ومنها: إذا أقرضه مئة ألف على أن يزيده عليها عند الاقتضاء عشرة آلاف، أو يعطيه هدية أو غير ذلك فكلّ ذلك حرام. ¬

_ (¬1) كنز العمال رقم 15515 عن ابن ماجة والبيهقي عن أنس رضي الله عنه، وقد ضعف الألباني الحديثين. ولكن لهما شواهد كثيرة منها ما هو صحيح. وقد ذكرها الألباني في نفس المصدر. (¬2) المطلع ص 246، المصباح مادة (قرضت).

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئة [القرينة - المتعاطفات]

القاعدة السّادسة والثلاثون بعد المئة [القرينة - المتعاطفات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ قرينة لفظيّة أو حاليّة تدلّ على كون الوصف أو الضّمير أو الاستثناء لكلّ من المتعاطفات يجب صرف ذلك إلى جميعها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد ترد عبارة ذات جُمَل معطوف بعضها على بعض بحرف عطف، وتختم هذه العبارة بوصف أو ضمير أو استثناء فإذا اقترن بذلك قرينة أو دليل لفظي أو حالي على أنّ الوصف أو الضّمير أو الاستثناء يعود على كلّ المتعاطفات فحينئذ يجب صرف ذلك الوصف أو الضّمير أو الاستثناء إلى كلّ المتعاطفات، وليس إلى الأخير منها. وهذا أمر متّفق عليه عند الجميع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أعط هذا المال من الزّكاة لمن تجده في طريقك من العمال العاطلين والمعاقين والمعوزين من المسلمين. انصرف الوصف بالإسلام إلى الجميع بدليل ذكر أنّ المال من الزّكاة الّتي لا يجوز صرفها لغير المسلم. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 157.

ومنها: إذا قال: أكرم مَن يدخل هذا البيت من العلماء والأطبّاء والمهندسين إلا مَن أبى: فيشمل الاستثناء كلّ مَن يأبى من العلماء والأطبّاء والمهندسين. ومنها: إذا قال: اقتل كلّ مَن يحاربك من اليهود والنّصارى والهندوس والبوذيّين كلّهم. انصرف الضّمير إلى كلّ المذكورين قبله، لجواز قتل المحاربين منهم جميعاً.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئة [المخصوص من القياس]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد المئة [المخصوص من القياس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ قياس لا ينفكّ عمّا يعارضه فهو باطل (¬1). وفي لفظ: لا يقاس على المخصوص من القياس؛ لأنّ قياس الأصل يعارضه (1). فقهيّة أصوليّة وتأتي في قواعد حرف - لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القياس هو: "حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما". والأصل: هو المقيس عليه من كتاب أو سنّة أو إجماع. والفرع: هو المقيس. وهو المسألة الّتي يراد الحكم لها. والجامع: هو العلّة أو الوصف المناسب لتشريع الحكم. والحكم: هو قضاء الشّارع بكون الشّيء واجباً أو مندوباً أو حراماً أو مكروهاً أو مباحاً. والقياس الصّحيح الّذي لا يخالف النّصوص دليل شرعي صحيح. ومفاد القاعدة: أنّ القياس إذا وُجِدَ له معارض من كتاب أو سنَّة أو إجماع أو قياس صحيح آخر فإنّ هذا القياس يعتبر باطلاً ولا يبنى عليه حُكْم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 64.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القياس الّذي ينتج تساوي نصيب الأنثى على نصيب الذّكر في الميراث بناء على تساوي صلتهما بالموَرِّث فهذا قياس باطل؛ لأنّه يعارضه قول الله سبحانه وتعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} النساء الآية 11. ومنها: إذا اختصم شخصان في شاة وهي في يد أحدهما - وأقام كلاهما البيِّنة أن الشّاة شاته نتجت عنده، فالحكم أنّ الشّاة لذي اليد لأنّ بيِّنته ترجحت على بيِّنة الخارج بوجود الشّاة في يده. وهذه المسألة مخصوصة من القياس بالسّنّة - لأنّ الأصل في غير النّتاج ترجيح بيِّنة الخارج. وأمّا في النّتاج فقد حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بناقة اختصم فيها رجلان كلاهما يدّعي نتاجها عنده أنّها لذي اليد (¬1). وأمّا غير النّتاج فلا يأخذ حكمه إلا ما كان مثل النّتاج من كلّ وجه. ¬

_ (¬1) الحديث عند أبي داود رقم 3613 بخلاف ذلك حيث إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم حكم أنّ الدّابة بينهما نصفان - وقال الرّاوي وليس لأحدهما بيِّنة. وفي رواية وأشهد كل منهما شاهدين. ولعلّ الرواية الأولى أرجح.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئة [الكلام المستقل]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد المئة [الكلام المستقلّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ كلام يستقلّ بنفسه، يوجد منه الحكم ولا يبنى على غيره. وما لا يستقلّ بنفسه يبنى على غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكلام الصّادر من المكلّف إمّا أن يكون مستقلاً بنفسه غير معتمد ولا مرتبط بكلام قبله. وإمّا أن يكون معتمداً على كلام سابق فهو غير مستقل لارتباطه بما سبقه من كلام. فمفاد القاعدة: أنّ الكلام المستقلّ بنفسه يؤخذ منه الحكم الدّال عليه، ولا يبنى على غيره. وأمّا الكلام غير المستقل فلا يؤخذ منه الحكم لابتنائه على غيره وارتباطه به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: إن تزوّجت فلانة فهي طالق، لا بل فلانه - لامرأته الموجودة. قالوا: لا يقع الطّلاق على امرأته؛ لأنّ قوله: لا بل فلانة غير مستقلّ بنفسه لابتنائه على الشّرط السّابق وهو: تزوّج فلانة. للمرأة الأخرى. وعلى هذا يقع الطّلاق على امرأته الحاليّة حين زواجه من الأخرى. فكأنه قال: إن تزوّجت هنداً فزينب طالق - أي امرأته ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 142.

الموجودة. ومنها: إذا قال: إذا أنا متّ فَوَصيِّي فلان. لا بل أعط فلاناً ألف درهم. فقوله: لا بل أعط فلاناً. هذا كلام مستقلّ بنفسه فعلى المأمور إعطاؤه ألف درهم.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئة [العقد الباطل]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد المئة [العقد الباطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ لفظة كانت خالصة لعقد حُمِل إطلاقها عليه، فإنّ وُصِل بها ما ينافي مقتضاه بطل (¬1). وفي لفظ: اللفظ الموضوع للعقد إذا وجد معه ما ينافيه بطل؛ للتهافت (¬2). وتأتي في حرف اللام إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود لكلّ منها لفظ خاصّ يدل على معناه وأحكامه، فإذا ورد لفظ لعقد خاصّ كالبيع مثلاً حُمِل إطلاق اللفظ على البيع المعروف ولا يفهم من لفظ البيع النّكاح أو الإجارة مثلاً. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ لفظ دلّ على عقد مخصوص ثم وُصِل بهذا اللفظ ما ينافي ويضاد مقتضى العقد وموجبه فإنّ هذا العقد يعتبر باطلاً؛ لأن آخر الكلام ينافي أوّله. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 98. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذه السّيّارة بلا ثمن. لم يصحّ العقد في الأصحّ. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 347. (¬2) المنثور للزركشي جـ 3 ص 127.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا قال: أجرتك هذه الدّار بدون أجرة؛ لأنّ عقد البيع من أركانه ذكر الثّمن، وعقد الإجارة من أركانه ذكر الأجرة. فلمّا لم يذكر الثّمن في عقد البيع ولا الأجرة في عقد الإجارة - بل نفاهما الموجِب - بطلا، ولم يصحّا؛ لعدم اكتمال أركان العقدين. وكلّ عقد لا يستوفي أركانه فهو باطل. ومنها: إذا قال: قارضتك. اقتضى اشتراكهما في الرّبح؛ لأنّ عقد المضاربة هذه حقيقته، لكنّه إذا قال: قارضتك والرّبح كلّه لك أو لي. بطل عقد المضاربة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: ملّكتك هذه الدّار بلا ثمن. صحّ العقد ويحمل على الهبة؛ لأنّ قوله: ملّكتك، يحتمل البيع والهبة فيحمل عليها. وليس نصّاً في البيع كقوله: بعتك.

القاعدة الأربعون بعد المئة [اللفظ غير المستقل بنفسه]

القاعدة الأربعون بعد المئة [اللّفظ غير المستقلّ بنفسه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ لفظ لا يستقلّ بنفسه إذا لحق لفظاً مستقلاً بنفسه صار المستقلّ بنفسه غير مستقلّ بنفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ العبارات التي يستعملها المكلّفون تنقسم إلى قسمين من حيث استقلالها بالدّلالة على المراد. فالأوّل: قسم مستقلّ بنفسه في الدّلالة. والثّاني: قسم غير مستقل بنفسه في الدّلالة. فمفاد القاعدة: أنّ اللفظ الّذي لا يستقل بنفسه إذا اتّصل بلفظ مستقل بنفسه فإنّ اللفظ المستقلّ يصير غير مستقلّ؛ لأنّ العبارة أصبحت مزدوجة من مستقلّ وغير مستقلّ، ولا يكون أحدهما مستقلاً بنفسه بل العبارة كلّها من كليهما تفيد المراد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قول القائل: بعتك هذه السّيّارة بكذا. كلام مستقل بنفسه. وقوله: إذا رهنتني كذا. كلام غير مستقل بنفسه بالإفادة. فإذا قال: بعتك هذه السّيّارة بكذا إذا رهنتني بثمنها كذا. فأصبح اللفظ الّذي كان مستقلاً بنفسه غير مستقل لاتّصاله بغير المستقل، فلا يتمّ العقد بدون ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 114 وص 182.

العبارتين معاً. ومنها: إذا أقرَّ فقال: له عندي عشرة إلا اثنين. صار قوله: له عندي عشرة غير مستقلّ بالإفادة؛ لاتّصاله بالمستثنى الّذي هو غير مستقلّ بنفسه بالإفادة، فيلزمه ثمانية. أمّا لو قال: له عندي عشرة. وسكت فيلزمه عشرة لاستقلال اللفظ بنفسه في الإفادة. ومنها: قوله: لا لبست ثوباً. لفظ مستقلّ بنفسه يفيد عموم الثّياب. لكن إذا قال: لا لبست ثوباً كتاناً، فقد وصف المطلق بهذه الصّفة المقتضية للتّقييد. ولفظ "كتاناً" لفظ مفرد لا يستقلّ بنفسه.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة [المعنى المتعارف]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة [المعنى المتعارف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ لفظ محمول على ما هو المتعارف بين النّاس في مخاطباتهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبيّن أثر العرف في معاملات النّاس في مخاطباتهم. ومفادها: أنّ ما يلفظ به اللافظ من النّاس في معاملاتهم الجارية بينهم - وبخاصّة في باب الأَيمان - أنّها محمولة على ما يتعارفه النّاس واعتادوه لا على دقائق العربية، إلا إذا وُجد نيَّة للافظ تفيد غير المتعارف فيحمل عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل بيضاً. لا يحنث إلا بأكل بيض الدّجاج؛ لأنّه المتعارف بين الناس فلا يحنث بأكل بيض غيره، إلا إذا كان له نيَّة تعميم. ومنها: إذا قال: عليَّ وقِبَلي دين. أو قوله. عندي وديعة. أو قوله: في ملكي وديعة أو في مالي شركة. كلّ ذلك يدلّ على معنى الإقرار، لأنّه المتعارف بين النّاس. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 ص 79.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المئة [كلكم راع]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد المئة [كلّكم راع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته (¬1). الحديث. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة جزء من نصّ حديث كريم أخرجه البخاري في كتاب العتق باب 19. وكتاب الاستقراض باب 20، وفي أكثر من موضع آخر. كما أخرجه أبو داود والتّرمذي وأحمد والبيهقي وغيرهم (¬2). وهذا الحديث من جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلّم، ومفاده: أنّ كلّ إنسان راع وحافظ لما تحت يده، من أعلى الرّتب والمناصب وهو الإمام إلى أدناها وهو العبد الرّقيق، فكلّهم راع وحافظ ومسؤول بين يدي الله سبحانه وتعالى عن رعيّته هل حفظها أو ضيّعها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 217. (¬2) ونص الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته؛ فالأمير الّذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم. والرّجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيّده وهو مسؤول عنه، وكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته" أخرجه أبو داود حديث رقم 2928 كتاب الخراج واللفظ له.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإمام الأعظم راع للأمّة ويجب عليه حياطتها، والعمل لما فيه مصلحتها، وإذا غشّ أو قصَّر في رعايته فالله حسيبه. ومنها: الرّجل راع في أهل بيته ومسؤول عنهم. ومنها: المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عمّا فيه من أولاد ومال ومتاع.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئة [تحليل المحرم - الضرورات]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد المئة [تحليل المحرَّمِ - الضّرورات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما أحلّ من محرم في معنى لا يحلّ إلا في ذلك المعنى خاصّة. فإذا زال ذلك المعنى عاد إلى أصل التّحريم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحرّمات معلومة من الدّين بالضّرورة - وبخاصّة فيما هو من المآكل والمشارب والمناكح. فإذا كان بعض محرمات الأكل والشّرب قد يحل بسبب من الأسباب، فليس معنى ذلك أنّه يبقى حلالاً أبداً، بل إنّه إذا زال المعنى أو الوصف أو السّبب الموجب للاستحلال رجع التّحريم. وهذه بمعنى القاعدة القائلة: ما جاز للضّرورة أو لعذر بطل بزواله. وينظر أيضاً القاعدة رقم. . . . . ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الميتة محرّمة، ولكن إذا اضطرّ في مجاعة أن يأكل من الميتة فبمجرّد زوال المجاعة وانقضائها عاد التّحريم، فلا يجوز له تناولها. ومنها: الخمر محرّمة لإسكارها، فإذا اضطرّ لإزالة غُصَّة ولم يجد إلا الخمر فيجوز له تناولها فإذا زالت الغُصَّة رجع التّحريم. ¬

_ (¬1) كتاب الأم جـ 4 ص 362 - الحجة في الأكل والشّرب في دار الحرب.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المئة [النفي والثبوت]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد المئة [النّفي والثّبوت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما أدّى ثبوته إلى نفيه فنفيه أولى من ثبوته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الثّبوت والنّفي نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فما ثبت فهو غير منفي وما انتفى فهو غير ثابت. ومفاد القاعدة: أنّ كلّ حكم ينتج عن ثبوته نفيه فالنّفي أرجح وأولى من الإثبات. وينظر القاعدتان 56, 57. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أعتق عبدين ثم ادّعى غير المعتق ملكيتهما، وجاء بالعبدين المعتقين ليشهدا له بالملكيّة، فإنّ شهادتهما لا تقبل؛ لأنّه يلزم من قبولها إبطال العتق، ويلزم من إبطال العتق إبطال شهادتهما لعبوديتهما؛ لأنّ شهادة العبد لا تقبل. ومنها: إذا زوّج عبده من حُرَّة، ثمّ باع منها العبد بالصّداق قبل الدّخول لا يصحّ البيع؛ لأنّ في صحّة البيع ملك المرأة زوجها، ولو ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 197.

ملكت زوجها لفسخ النّكاح، ولو فسخ النّكاح لسقط مهرها، وإذا سقط المهر بطل البيع (¬1). ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 199، وعقد الجواهر الثمينة جـ 2 ص 107.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئة [براءة الذمة]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئة [براءة الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما أشكل وجوبه فالأصل براءة الذّمّة فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في وجوب شيء في الذّمّة اليقين والقطع، إمّا بالدّليل القطعي بالنّسبة للعبادات، أو القطع أو غلبة الظّنّ بالنّسبة لتحمّل التّبعات الدّنيوية. فإذا شككنا في وجوب شيء علينا أو تعلّقه بذمّتنا ولم يقم عليه دليل قاطع أو غلبة ظنّ فالأصل براءة الذّمّة من التّبعات وخلوها من الواجبات. وينظر من قواعد حرف الصّاد القاعدة 18. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شككنا في دخول وقت صلاة، فالأصل عدم الدّخول، وبراءة الذّمّة من شغلها بوجوب الصّلاة، فلا تجب صلاة ولا تتعلّق بذمّة إلا بعد التّيقّن من دخول وقتها مع انتفاء الموانع، كالحيض والنّفاس. ومنها: إذا شككنا في دخول شهر رمضان فلا يجوز لنا أن نصوم يوماً نشكّ أنَّه من الشّهر. ¬

_ (¬1) الغياتي ص 364.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المئة [كلمة على للشرط]

القاعدة السادسة والأربعون بعد المئة [كلمة على للشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّما أمكن حمل كلمة "على" على الشّرط فلا يعدّل عنه لغيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلمة على من حيث عملها هي حرف جرّ تدخل على الأسماء فتجرّها. وأما معناها: فلها معان عدّة: فهي للاستعلاء حقيقة ومجازاً، وتأتي لمعان أخرى (¬2). وتستعمل عند الفقهاء في معنى يفهم منه كون ما بعدها شرطاً لما قبلها - وهو مقصود القاعدة ومدلولها، ولذلك قالوا: إنّ معنى "على" من الشّريعة عبارة على اللزوم والوجوب. وقد تكون على بمعنى الباء التي تفيد اللصوق (¬3). فمفاد القاعدة: أنّ كلمة "على" إذا أمكن حملها على الشّرط فلا يجوز العدول عنه أو تجاوزه إلى غيره. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 158. (¬2) انظر مغني اللبيب لابن هشام جـ 1 ص 213. (¬3) الكليات ص 628 - 629 بتصرف.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (¬1). ومنها: قوله سبحانه وتعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} (¬2). ومنها: قولهم في نكاح الشّغار: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك (¬3). ومنها: من شرط الواقف على أن يوزّع الرّيع على الذّكور الفقراء من الورثة. ¬

_ (¬1) الآية 27 من سورة القصص. (¬2) الآية 12 من سورة الممتحنة. (¬3) نكاح الشّغار هو نكاح خال عن المهر إذ تكون إحدى المرأتين مهراً عن الأخرى. وهو نكاح باطل منهي عنه.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المئة [العيب موجب الرد]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد المئة [العيب موجب الرّدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما أنقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرض صحيح ويَغلب في أمثاله عدمه أو - والغالب في جنس المبيع عدمه - فهو عيب يردّ به المبيع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العيب: وصف في المبيع ينقص قيمته. والعيب نوعان: عيب فاحش يوجب الرّدّ. وعيب غير فاحش يوجب أرش النّقصان. فمفاد القاعدة: بيان العيب الفاحش الّذي يوجب الرّدّ وهو كلّ عيب ينقص العين المبيعة أو ينقص من قيمتها، بحيث يفوت بوجوده غرض صحيح للمشتري من السّلعة. ويغلب أن لا يكون في أمثال السّلعة المبيعة مثله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سيّارة ثمّ وجد في ماكينتها أو مبدّل السّرعة عيباً - أخفاه البائع - وهذا العيب يخلّ بعمل السّيّارة وينقص من قيمتها نقصاناً فاحشاً لو علم به المشتري، فهذا العيب تردّ به السّيّارة، ويجب على البائع ردّ الثّمن. لكن إذا تعهّد البائع بإصلاح الخلل ورضي المشتري بذلك ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 280، وأشباه السيوطي ص 455 - 456.

فيجوز. ومنها: إذا قطع البائع أذن الشّاة بحيث لا تصلح للتّضحية بها، ثبت الرّدّ. ومنها: إذا اشترى داراً ثم وجد بها خللاً في أساساتها يضرُّ بها، ثبت الرّدّ، لأنّ هذا العيب ينقص القيمة والمنفعة. ومنها: إذا اشترى مزرعة على أنّ بها ماء لسقي زرعها ثمّ وجد ماء بئرها ناضباً، ثبت الرّدّ، لأنّ هذا العيب يضرّ بالمزرعة ضرراً بيّناً. ومنها: إذا اشترى دابّة فوجدها ذات جماح أو تعضّ من يقربها. ثبت الرّد كذلك.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئة: [المنفعة المتعلقة باثنين]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد المئة: [المنفعة المتعلّقة باثنين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّما تعلّقت المنفعة باثنين معاً كان تعيب أحدهما عيباً للآخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها وإن كانت هذه أخصّ وتلك يمكن تعميمها. الأعيان إنّما تراد لمنفعتها، والمنفعة قد تكون من عين واحدة فإذا تعيبت هذه العين ونقصت منفعتها وقيمتها ثبت الرّدّ فيها كما سبق قريباً بيانه. ومفاد القاعدة: أنّ المنفعة قد تتعلّق باثنين لا بواحد - وكلّ منهما مكمّل للآخر، فإذا وجد العيب في أحدهما كان عيباً في الآخر أيضاً؛ لأنّ المنفعة لا تتمّ إلا بكليهما - فيثبت الرّدّ للاثنين معاً. كما سبق قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى زوجاً من الأحذية أو الخفاف فوجد في أحدهما عيباً ينقص المنفعة أو القيمة - كأن كان أحدهما أصغر من الآخر - فيثبت الرّدّ ¬

_ (¬1) الفرائد ص 49 على الفتاوى الخانيّة جـ 2 ص 211.

ويلزم البائع به. ومنها: إذا اشترى من نجار مصراعي باب فوجد في أحدهما عيباً يمنع الإغلاق، فيثبت الرّدّ، وإذا تسلّم المشتري أحدهما وهلك الثّاني عند البائع كان للمشتري ردّ ما قبضه أو يصنع له النّجّار مصراعاً آخر. ومنها: إذا اشترى من أحد المعارض طقم كنب بأوصاف خاصّة وعندما نقل إلى منزله وجد إحدى الكنبات تختلف عن الأخريات في لونها أو في أوصافها - ولم يمكن للبائع تبديلها - فللمشتري الحقّ في ردّ كل الطّقم واسترداد الثّمن المدفوع.

القاعدتان التاسعة والأربعون والخمسون بعد المئة [البيع والرهن]

القاعدتان التّاسعة والأربعون والخمسون بعد المئة [البيع والرّهن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيع والرّهن عقدان بينهما اتّصال وارتباط - وإن كان عقد البيع لازماً من الطّرفين وعقد الرّهن لازم من طرف الرّاهن وجائز من طرف المرتهن. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ شيء يجوز أن يقع عليه البيع يجوز أن يقع عليه الرّهن فيكون مرهوناً بالثّمن، وأنّ كلّ شيء لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه. وقد ذكر صاحب الاعتناء قاعدة مقابلة حيث قال: كلّ ما جاز رهنه جاز بيعه ولا عكس (¬2). وليس بينهما تقابل حقيقي بل الثّانية تشير إلى أمر مستثنى من القاعدة الأولى. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 336 ب، أشباه السيوطي ص 457، قواعد الحصني جـ 4 ص 157. (¬2) الاعتناء جـ 1 ص 443.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيت والعقار يجوز أن يكون مبيعاً فكذلك يجوز أن يكون رهناً. ومنها: الدّواب والعبيد والسّلع يجوز أن تكون مبيعاً كذلك يجوز أن تكون رهناً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: المنافع يجوز بيعها بالإجارة - لأنّ عند الشّافعي رحمه الله أن الإجارة هي بيع المنفعة، وهي كالأعيان عنده - ولكن هذه المنافع لا يجوز رهنها, لأنّه لا يتصوّر القبض فيها. ومنها: المدبَّر يجوز بيعه، ورهنه باطل عند الشّافعيّة. ومنها: ما يتسارع إليه الفساد - كالفواكة واللحوم والخضار - إذا رهنه بدين مؤجّل وشرط أن لا يباع قبل حلول الأجل فهو باطل قطعاً. ولكن الآن بوجود المبردات التي تمنع تسارع الفساد وتطيل عمر هذه السّلع فإنّ الرّهن بها يجوز أن يكون صحيحاً إذا كان أجل الدّين يحلّ قبل انتهاء مدّة الصّلاحيّة. وممّا يصحّ رهنه ولا يجوز بيعه، من القاعدة الثّانية: رهن المصحف من الكافر يصحّ - عند الشّافعيّة - ويوضع عند عدل مسلم ولا يصحّ بيعه منه. وكذلك العبد المسلم. والسّلاح. ومنها: رهن المبيع من البائع قبل قبضه صحيح. ولا يصح بيعه (¬1). ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 4 ص 157 - 159.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [ضمان ما جاز بيعه]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [ضمان ما جاز بيعه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ما جاز بيعه كان على متلفه القيمة، وما لا يجوز بيعه فلا قيمة على مُتلِفِه (¬1). وفي لفظ: كلّ ما جاز بيعه فعلى متلفه الضمّان (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقيمة هنا: الضّمان أي العوض الّذي يشمل ضمان المثلي بمثله، وبقيمته إن كان متقوّماً. فمفاد القاعدة: أنّ الضّمان أي العوض - على المُتْلِف إنّما يجب إذا كان الشّيء المُتْلَف ممّا يجوز بيعه - وأمّا ما لا يجوز بيعه فلا ضمان على مُتْلفه قيمياً كان أو مثلياً؛ لأنّه لا يدخل تحت تقويم المقومين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّيء التّافه الّذي لا يلتفت إليه فلا قيمة له، وليس على متلفه ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 305، المنثور للزركشي جـ 3 ص 107، الاعتناء جـ 1 ص 439. (¬2) أشباه السيوطي ص 468.

ضمان ولا عوض كحبّة حنطة فإنّها لا تباع. ومنها: ما كان نجساً - وقلنا: إنّه لا يجوز بيعه - فليس على متلفه ضمانه. ومنها: إذا أتلف على مسلم خمراً أو خنزيراً فلا ضمان على المُتْلف؛ لأنّ الخمر والخنزير ليسا مالين للمسلم، وأمّا إن كانا لذمّيّ فإنّه يضمن. ومنها: العبد إذا كان قاطع طريق فلا قيمة على متلفه بسببها.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المئة [الشهادة والحلف]

القاعدة الثّانية والخمسون بعد المئة [الشّهادة والحلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما جاز للإنسان أن يشهد به جاز له أن يحلف عليه، ولا ينعكس (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادة: إخبار بصحّة الشّيء على مشاهدة وعيان - لا عن تخمين وحسبان - بحقّ على آخر (¬2). وهي مطلوبة شرعاً. وهي خبر قاطع (¬3). أو هي عبارة على إخبار بتصديق مشروط فيه مجلس القضاء ولفظة الشّهادة (2). فمفاد القاعدة: أنّ ما جاز للإنسان أن يشهد به؛ لأنّه شاهده وعاينه، جاز أن يحلف عليه. ولكن ليس كلّ ما جاز أن يحلف عليه جاز له أن يشهد به؛ لأنّ باب الأَيمان أوسع، وقد يحلف الإنسان على عدم العلم، ولكن لا يشهد به. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 386، المجموع المذهب لوحة 162 أ، قواعد الحصني جـ 2 ص 394، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 444، أشباه السيوطي ص 505. (¬2) أنيس الفقهاء ص 235. (¬3) المطلع ص 406.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها على العكس أي يحلف ولا يشهد

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها على العكس أي يحلف ولا يشهد: إذا أخبره صادقان أن فلاناً قتل أباه، أو غصب ماله. جاز له أن يحلف، ولكن لا يجوز له أن يشهد لأنّه لم يَرَ. أمّا الشّاهدان فيجوز أن يحلفا على رؤيتهما لما شهدا به. ومنها: إذا رأى بخط مورثه أنّ له دَيْنَاً على رجل أو أنّه قضاه، فله الحلف إذا قوي عنده صحّته ولا يشهد.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المئة [التحريم والإباحة للصفة والسبب]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد المئة [التّحريم والإباحة للصّفة والسّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما حَرُم لصفته لا يباح إلا بسببه، وما يباح لصفته لا يحرم إلا بسببه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: صفات الأشياء لها أثر واضح في حلّ الشّيء أو حرمته. فمفاد القاعدة: أنّ ما حرمه الشّرع لوصف خاص به ومفسدة فيه أنه لا يجوز إباحته إلا بسبب مبيح. وأنّ ما كان حلالاً لوصف فيه ومصلحة للمتناول أنّه لا يحرم إلا بسبب محرم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الميتة محرّمة لمفسدتها ومضرّتها. ولكن أباح الشّرع تناولها عند الاضطرار الملجئ. ومنها: الخمر حرّمت لإسكارها، وقد تباح لإزالة الغصّة عند عدم وجود غيرها. ومنها: القمح ولحوم الأنعام وغير ذلك من المآكل والملابس والمساكن أبيحت لصفاتها من المنافع والمصالح فلا تحرم إلا بسبب محرم كالغصب والسّرقة والعقود الفاسدة. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 96 الفرق 137.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المئة [حرمة النظر والمس]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد المئة [حرمة النّظر والمس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما حرّم النّظر إليه حَرُم مَسُّه بطريق الأولى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حَرَّم الشّرع نظر الرّجل إلى المرأة من غير محارمه، وكذلك حرّم نظر المرأة إلى الرّجل من غير محارمها. بقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (¬2) الآية. وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬3) الآية. بل وحَرَّم الشّرع نظر الرّجل إلى بعض أعضاء محارمه. وكذلك المرأة. بل وحَرَّم نظر الرّجل إلى الرّجل والمرأة إلى المرأه ما بين السّرّة والرّكبة. فمفاد القاعدة: أنّ ما حَرَّم الشّرع النّظر إليه فإنّ مسَّه أشدّ ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 346 ب. (¬2) الآية 30 من سورة النور. (¬3) الآية 31 من سورة النور.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

تحريماً من النّظر إليه. وينظر القاعدة رقم 114. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حَرَّم الشّرع نظر الرّجل إلى المرأة الأجنبية كلّها فلا يجوز له أن يمسّ يدها أو رجلها أو شعرها أو وجهها بطريق الأولى. ومنها: حرَّم الشّرع نظر المرأة إلى الرّجل الأجنبي فلا يجوز لها أن تمسّ يده أو رأسه أو أي عضو من جسمه بطريق الأولى. ومنها: يحرم على الرّجل النّظر إلى ظهر أمه أو أخته أو بطنها، فمسّ ذلك منها أشد حرمة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الطبيب المعالج يجوز له أن يمسّ العضو الّذي يحتاج للعلاج من المرأة والنّظر إليه لكن بقدر الحاجة، بشرط أن لا يوجد طبيبة أنثى تقوم بذلك العمل. ومنها: امرأة على وشط الغرق جاز للرّجل الأجنبي عنها مسُّ جسمها وحملها لإنقاذها. لأنّ باب الضّرورات مستثنى.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة [ما يحل به الصيد]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة [ما يحل به الصّيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلُّ ما خَرَق وأنهر الدّم حَلَّ ما يصاد به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "ما أنهَرَ الدّم وذُكِرَ اسم الله عليه فكلوا" الحديث رواه الجماعة. عن رافع بن خديج رضي الله عنه. وهذه القاعدة تتعلّق بالذّكاة الاختياريّة والاضطراريّة. فمفادها: أنّ السّلاح الّذي يُصاد به الصّيد البرّي - وهو الحيوان المتوحّش - يشترط فيه أن يخرق الجلد أو يمزّق إهاب الصّيد - أي أن يكون له حَدٌّ مرهف أو رأس محدّد أو يخرق بقوّة اندفاعه، ويريق الدّم. فإذا كان كذلك حَلّ ما يصاد به، بشرط أن يموت قبل أن يدركه، وإلا وجب تذكيته بالذّبح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما يُصاد بالرّصاص والرّشّ يحلّ به الصّيد لأنّه يخرق ويهريق الدّم بقوة اندفاعه. ومنها: ما يُصاد بالحجر والمعراض والعصا لا يحل أكله - إذا ¬

_ (¬1) الفرائد ص 177 عن الخانية باب الصيد جـ 3 ص 360.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

لم يدركه حيّاً فيذكّيه ذكاة الاختيار -؛ لأنّ الحجر والمعراض والعصا لا تخرق بل تدقّ دقّاً. ومنها: إذا توحّش بعير أو ثور فهو كالصّيد البرّىّ، أو سقط في بئر ولم يمكن إخراجه حيّاً فإنّه يجرح في أي موضع ويحلّ أكله. رابعاً: ممّا يستثنى من مسائل هذه القاعدة: رمى طيراً فأصابه وسقط في الماء فلا يؤكل؛ لاحتمال أن يكون وقوعه في الماء هو السّبب في موته.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المئة [المقصود الوسيلة]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد المئة [المقصود الوسيلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة (¬1)؛ لأنّها تبع له في الحكم. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقصد: هو الغاية من الفعل. والوسيلة: هي الطّريقة الّتي يتوصّل بها إلى المقصود. والوسائل تبع للمقاصد في أحكامها. فمفاد القاعدة: أنّه إذا كانت الوسائل متابعة للمقاصد فإنّه إذا سقط اعتبار المقصد وألغي فإنّه يسقط اعتبار الوسيلة والاعتداد بها ويلغى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة مقصد وهدف وغاية. والسّعي إليها وسيلة لتحقيقها، فإذا لم تكن صلاة فلا سعي لها. ومنها: حجّ بيت الله الحرام مقصد وغاية، والسّفر وسيلة إليه، فإذا لم يرد الإنسان الحجّ أو العمرة سقطت وسيلتهما وهي السّفر. ومنها: إذا كان المقصد حراماً، كانت الوسيلة إليه حراماً كذلك. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 33.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا كان المقصد واجباً، فالوسيلة واجبة. ومنها: إذا كان المقصد مباحاً، فالوسيلة مباحة كذلك. ومنها: في قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (¬1) فأثابهم الله سبحانه وتعالى على الظّمأ والنّصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنّهما حصلا لهم بسبب التّوسّل إلى الجهاد الّذي هو وسيلة لإعزاز الدّين وصون المسلمين. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: دفع مالاً لرجل يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك، فالوسيلة هنا اعتبرت، وإن كان المقصد حراماً غير معتبر. ومنها: إمرار الموسى على الرأس الأصلع للتّحليل. فقد سقط المقصد وهو حلق الشّعر، واعتبرت الوسيلة، وهي إمرار الموسى على الرّأس. ¬

_ (¬1) الآية 120 من سورة التوبة.

القاعدة السابعة والخمسون بعد المئة [شروط الرواية والشهادة أداء وتحملا]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد المئة [شروط الرّواية والشّهادة أداءً وتحمّلاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما شُرِط في الّرواية والشّهادة فهو معتبر عند الأداء لا عند التّحمل (¬1). إلا في مسائل ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّواية: المراد بها نقل الحديث والخبر. والشّهادة: الإخبار عن حقّ. ولكلّ منهما شروط. فمفاد القاعدة: أنّ الشّروط المشترطة لقبول الرّواية أو الشّهادة إنّما يجب اعتبارها والاعتداد بها عند أداء الرّواية أو أداء الشّهادة لا عند تحمّلها؛ لأنّه قد يتحمّل رواية أو شهادة صغير مميز أو رقيق ولكن لا تقبل روايته أو شهادته إلا إذا كان كبيراً، أو حراً لقبول شهادته، حيث إنّ رواية العبد مقبولة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد عند القاضي عبد رقيق على حرٍّ لا تقبل شهادته، لكن إذا شهد بعد ما تحرّر فهي مقبولة. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحه 163 ب، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 619، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 425. قواعد الحصني جـ 2 ص 408، أشباه السيوطي 492.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا سمع حديثاً أو شاهد أمراً وهو صغير دون البلوغ - أي وهو مميّز - ثم رواه أو شهد بعد بلوغه تقبل روايته وشهادته إذا بلغ عدلاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الشّاهد في النّكاح يجب أن تتوافر فيه الشّروط عند التّحمّل وعند الأداء.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المئة [الإرث والهبة]

القاعدة الثّامنة والخمسون بعد المئة [الإرث والهبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما صحّ أن يُمْلك إرثاً صحّ أن يُمْلك هبة وابتياعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يصحّ للإنسان أن يرث من مورّثه كلّ ما تركه من مالٍ ومتاع وعقار وحقوق، فكذلك يصحّ أن يملك الإنسان ذلك عن طريق الهبة أو طريق البيع والشّراء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان متاعاً بعقد صحيح جاز ذلك وصحّ؛ لأنّه يمكنه أن يملكه عن طريق الميراث. ومنها: إذا وُهب لإنسان دار أو سيّارة فيصحّ له تملّكها لأنّه يجوز له أن يملك مثل ذلك عن طريق الميراث. ومنها: إذا تصدّق إنسان بصدقة على غيره كدار أو سيّارة أو ثوب أو غيره، فإنّ له أن يشتريه ممّن تُصُدِّق به عليه - مع الكراهة - لأنّه يملك الصّدقة الموروثة على مورّثه. وفي هذه المسألة خلاف في جواز الرّجوع في الصّدقة - ولو ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 1 ص 182 وعنه قواعد الفقه للروكي ص 163، 250.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

بالشّراء - لحديث عمر رضي الله عنه الذي رواه البخاري ومسلم والتّرمذي وأحمد وأبو داود والبيهقي والطّبراني وابن ماجه وغيرهم. ولكن لعلّ المنهي عنه الرّجوع في صدقة في سبيل الله - أي الجهاد. لا غيرها من الصّدقات. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الشّفعة لما كانت لا تورّث فلا يصحّ هبتها ولا شراؤها.

القاعدة التاسعة والخمسون بعد المئة [البيع والهبة]

القاعدة التّاسعة والخمسون بعد المئة [البيع والهبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما صحّ بيعه صحّت هبته، وما لا يصح بيعه لا يصحّ هبته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تشبه قواعد سابقة ذكرها كلّ من كتب في القواعد من الشّافعيّة، وذكروا نفس الأمثلة. ومفادها: أنّ البيع والهبة مرتبطان، فما يصحّ في أحدهما يصحّ في الآخر، وما لا يصحّ في أحدهما لا يصحّ في الآخر. ولكن لمّا كان البيع هو الأصل كانت الهبة محمولة عليه، فما صحّ وجاز مبيعاً صحّ وجاز موهوباً وما لا فلا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مسائل هذه القاعدة كثيرة لا تحصى لأنّها الأصل، ولكن خرج عن القاعدة مسائل صحّت فيها الهبة ولم يصحّ فيها البيع، إمّا لأن المحلّ لا يقبل البيع لأنّه حق من الحقوق وإمّا عدم جواز بيعه لصفة فيه تمنع إجراء البيع. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 344 أ، قواعد الحصني جـ 4 ص 183، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 382 الاعتناء ص 726، أشباه السيوطي ص 469.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: هبة إحدى الضّرّتين نوبتها للأخرى صحيحة، ولا يجوز بيعها؛ لأنّها حقّ من الحقوق. ومنها: لحم الأضحية وجلدها وصوفها لا يجوز بيعه ويجوز هبته. ومنها: المبيع قبل قبضه لا يجوز بيعه وتصحّ هبته على وجه. ومنها: المُخَلاَّة والرّخمة والغراب وما شابهها لا يصحّ بيعها وتصحّ هبتها. وممّا يجوز بيعه ولا تصحّ هبته: الدَّين الّذي يجوز قرضه يصحّ بيعه اتّفاقاً، ولا تجوز الهبة في مثله. ومنها: مال المريض مرض الموت يجوز بيعه للوارث بثمن المثل ولا يجوز هبته له؛ لأنّها تكون وصيّة، ولا تجوز للوارث.

القاعدة الستون بعد المئة [صحة البينة والدعوى]

القاعدة السّتّون بعد المئة [صحّة البيِّنة والدّعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما صحّت إقامة البيِّنة به صحّت الدّعوى به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدّعوى الصّحيحة لها شروط سبق ذكر كثير منها. فمفاد قاعدتنا هذه: أنّ ما صحّت إقامة البيِّنة - أي شهادة الشّهود به - تصحّ الدّعوى به للتّرابط الوثيق بين البيِّنة والدّعوى؛ ولأنّ البيِّنة لا تصحّ ولا تقام إلا على شيء ثابت معلوم غير مجهول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهدت البيِّنة على أنّه أقرّ على نفسه لفلان بكذا. فتصحّ - بناء على ذلك - دعوى الدّائن على مدينه، بناء على الشّهادة على إقراره بالمبلغ. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 432 عن أبي علي السنجي وهو الحسين بن شعيب المروزي وهو من الشافعية المصنفين من أصحاب الوجوه وقد كان إمام زمانه في الفقه وقد شرح مختصر المزني وغيره توفي سنة 430 هـ طبقات الشافعية الكبرى باختصار جـ 4 ص 344.

القاعدة الحادية والستون بعد المئة [الرهن والضمان]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد المئة [الرّهن والضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما صحّ الرّهن به صحّ ضمانه وما لا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه مثل القواعد السّابقة ذكرها الشّافعيّة في كتب القواعد كلّها مع ذكر أمثلة لما يجوز ولما لا يصحّ. الرّهن: هو ما يعطى وثيقة بالدّين، وهو في اللغة: الثّبوت. وفي الشّرع: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذّر استيفائه ممّن عليه (¬2). فمفاد القاعدة: أنّ كلّ عين مال تصحّ وثيقة بالدَّين يصحّ أن تكون مضمونة على متلفها، وما لا يصحّ مرهوناً لا يصحّ أن يكون مضموناً؛ وذلك أنّ الرّهن لا يصحّ إلا بمال مقوّم. فما لا يدخل تحت تقويم المقوّمين لا يصحّ رهناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: اضمن لي ما على فلان، ولم يعيّن ولم يحدّد، فالضّمان باطل؛ لأنّ ضمان المجهول والرّهن بالمجهول باطل. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 294، الاعتناء ص 507، أشباه السيوطي ص 461. (¬2) الاعتناء ص 507.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: لو قال: أرهنك هذه السّيّارة على مقدار من التّمر، ولم يحدّد ولم يعيِّن فالرّهن باطل. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: ضمان الدَّرك صحيح، ولكن لا يجوز الرّهن عليه؛ لأنّه يحتمل أن لا يخرج المبيع مستحقاً، وهو الغالب - فيلزم أن يبقى مرهوناً أبداً (¬1). ¬

_ (¬1) الاعتناء ص 507.

القاعدة الثانية والستون بعد المئة [ضمان الكل وضمان البعض]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد المئة [ضمان الكلّ وضمان البعض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ما ضُمِن كلّه بالقيمة ضُمِن بعضه ببعضها (¬1). وفي لفظ: ما ضمن كلُّه ضُمن جزؤه بالأرش (¬2). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ سابق: الجزء أو البعض معتبر بالكلّ (¬3). ينظر قواعد حرف الباء رقم 30 وحرف الجيم رقم 2. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ما تضمن جملته بالقيمة أو بالمثل عند التّلف أو الإتلاف، فإنّ بعضه يضمن أيضاً بالقيمة أو بالمثل اعتباراً للبعض بالكلّ. وهذا أمر متّفق عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المبيع إذا كان بعد التّحالف قائماً - ولكن معيباً - يُرَدّ مع الأرش - وهو قدر النّاقص من القيمة بسبب العيب؛ لأنّ الكلّ مضمون على ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 349، أشباه السيوطي ص 362. (¬2) أشباه السيوطي ص 362. (¬3) المبسوط جـ 6 ص 65، جـ 11 ص 58، جـ 21 ص 159، وشرح السير ص 2205، والمبسوط جـ 3 ص 90.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

البائع بالثّمن فكذلك البعض. ومنها: المستعار في يد المستعير إذا تلف كلّه في غير الوجه المأذون ضمنه على المشهور وكذلك إذا تلف جزؤه على الأصحّ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا عجَّل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول - وكان ما عجَّل تالفاً - يغرم المسكين قيمته، وإن كان معيباً ففي الأرش وجهان. والحجّة في تغريم المسكين القيمة أنّه تبيّن أنّ الزّكاة لم تجب على المزكّي. ومنها: الصّداق الّذي تعيَّب في يد الزّوجة قبل الطّلاق، فلا أرش له. ومنها: القرض إذا تعيّب ورجع فيه المقرض فلا أرش له. بل يأخذه ناقصاً أو مثله (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 362.

القاعدة الثالثة والستون بعد المئة [عظم الشرف - عظم الخطر]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد المئة [عِظَم الشّرف - عِظَم الخطر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كُلَّما عَظُم شرف الشّيء عظم خطره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عَظُم: فعل ماضٍ من الإعظام، وهو الإكبار والتّشريف والزّيادة. والشّرف: العلو. وخطر الشّيء: زيادة قدره ومكانته ومنزلته على غيره، يقال: خَطُر الرّجل إذا ارتفع قدره ومنزلته فهو خطير (¬2). فمفاد القاعدة: أنّ الشّيء كلّما زاد شرفه وعلا وارتفع في مكانته كان ذلك دليلاً على سمو مكانته ومنزلته وارتفاع قدره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشّهادتين، ولذلك كانت هي ميزان قبول الأعمال يوم القيامة، فمَن أدّى صلاته كاملة وتُقُبِّلت، تقبّل الله سبحانه وتعالى سائر عمله - ومن أدّى صلاته ناقصة ولم تُقبل رُدَّت عليه وردَّ سائر عمله وكان من أصحاب النّار. نعوذ بالله منها. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 118. (¬2) المصباح مادة "الخَطَر".

القاعدة الرابعة والستون بعد المئة [قتل المؤذي]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد المئة [قتل المؤذي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما فيه أذى للنّاس في أنفسهم أو في أموالهم يباح قتله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تدخل تحت قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" و"الضّرر مرفوع ومدفوع". وهذه القاعدة وإن وردت فيما يؤذي المحرم من السّباع والهوام خاصّة لكن معناها عام. ومفادها: أنّ ما يؤذي الناس في أنفسهم وأبدانهم فيسبب لهم الهلاك أو الجرح، أو يؤذيهم في أموالهم بالإتلاف وأعراضهم بالانتهاك يباح قتله دفعاً لشرّه وأذاه إذا لم يمكن دفعه بغير القتل. ولكن إذا أمكن دفع شرّه وأذاه بغير القتل فلا يجوز قتله إلا إذا كان طبعه الأذى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الكلب العقور والسّبع الضّاري والحيّة وغيرها إذا بدأت المحرم بالعدوان فقتلها فلا شيء عليه؛ لأنّه قتلها دفاعاً عن نفسه ودفعاً لأذاها وشرّها. ولكن إذا قتلها بدءاً بدون أن تبدأه بالأذيّة فعليه الجزاء إلا ما نُصَّ على جواز قتله في الحلّ والحرم. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 342، جـ 4 ص 281.

ومنها: قتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور جائز في الحلّ والحرم سواء بدأ بالأذى أو لم يبدأ للحديث المتّفق عليه عن عائشة رضوان الله عليها وعلى أبيها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "خمس من الدّواب كلّهن فاسق يقتلن في الحلّ والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" (¬1). ويقاس على الكلب العقور كلّ ما آذى الناس وضرّهم في أنفسهم وأموالهم من الكواسر كالذّئب. ومنها: إذا عدا عليه مجنون أو سكران أو جمل صائل أو ثور هائج فأمكن دفعه بدون القتل فلا يجوز قتله، وأمّا إن لم يمكن دفعه بغير القتل فلا جناح عليه في قتله دفعاً لشرّه وأذاه عن نفسه. ولكن إذا قتله في هذه الحال هل تلزمه الدّية والضّمان؟ خلاف. ومنها: إذا عدا عليه قاطع طريق يريد ماله أو نفسه أو عرضه فدافعه فقتله، فلا شيء عليه ديناً أو دنيا للحديث "من قتل دون ماله فهو شهيد" فيه على سعيد بن زيد وابن عمر وأبي هريرة رضي الله ¬

_ (¬1) وقد ذكرت الحية في حديث آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه الإمام مسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مثله: أخرجه الإمام أحمد. ينظر منتقى الأخبار جـ 2 ص 254 - 255.

عنهم (¬1). وحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله سائل: إن عدا عليّ عادٍ؟ فأمره أن ينهاه ثلاث مرّات. قال: فإن أبى. فأمره بقتاله. قال: فكيف بنا؟ قال: "إن قتلك فأنت في الجنّة، وإن قتلته فهو في النار" (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر سنن ابن ماجه الأحاديث 2580 - 2582. (¬2) رواه أحمد والطبراني والبزار ورجالهم ثقات. ينظر مجمع الزوائد حديث 10470 جـ 6 ص 368.

القاعدة الخامسة والستون بعد المئة [التعزير]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد المئة [التّعزير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما فيه التّعزير من الحقوق كالضّرب والشّتم فإنّه يجري فيه التّحليف، ولا يسقط بالتّقادم، وتقبل فيه شهادة النّساء، كسائر الحقوق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّعزير إنّما يكون عقاباً على جرائم غير الحدود، ومقدار التّعزير يعود إلى اجتهاد الحاكم ونظره في مقدار الرّادع عن الجريمة. ولكن هل يجوز أن يبلغ بالتّعزير الحدّ أو لا يجوز؟ أو يزيد عن الحدّ؟ خلاف. ومفاد القاعدة ثلاثة أحكام: الأوّل: أنّ التّعزير يجري فيه التّحليف من المدّعى عليه عند عدم البيِّنة من المدّعي أي أن يوجه اليمين على المدّعى عليه المنكر للحقّ فإذا حلف سقطت الدّعوى - وإن نكل عن اليمين عُزِّر. والثّاني: أنّ الجرم التّعزيري لا تسقط عقوبته بالتّقادم، خلافاً للحدود عند بعض الفقهاء. والثالث: أنّ الجرم الّذي يستحق فيه فاعله التّعزير تقبل فيه شهادة النّساء خلافاً للحدود. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 108 عن دعوى الخانية جـ 2 ص 436.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وفيه أيضاً أحكام أخرى. منها: أنّه تقبل فيه الشّهادة على الشّهادة، ويقبل فيه كتاب القاضي للقاضي، ولا يختصّ الإمام بإقامته، كلّ ذلك خلافاً للحدود. فالزّوج يؤدّب الزّوجة والولد. ولو رأى إنسان إنساناً آخر يفعل ما يوجب التّعزير فله أن يمنعه وينهاه ويزجره ويضربه إن كان لا ينزجر بالمنع باللّسان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص لآخر وشتمه بقوله: يا لوطي، أو يا آكل الرّبا، أو يا شارب الخمر، لا يحد ولكن يعزّر بقدر ما يرى الحاكم. ومنها: إذا ضربه بعصا أو بيده ولم يجرحه ولم يكسر منه عظماً أو عضواً، فعليه التّعزير أيضاً. ومنها: إذا قال له: يا حمار أو يا خنزير أو يا منافق أو يا خبيث، وأشباه ذلك كلّه فيه التّعزير.

القاعدة السّادسة والسّتّون بعد المئة [العدل في موجب الفسخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما كان لأحد المتعاقدين فسخه بوجه، كان للآخر فسخه بمثل ذلك الوجه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد الصّحيح ينعقد بالتّراضي بين العاقدين، ومقابل ذلك لا ينفسخ إلا بتراضيهما على الفسخ، ولفظ العقد عامّ شامل لكلّ أنواع العقود. فمفاد القاعدة: أنّه إذا جاز لأحد المتعاقدين فسخ العقد بسبب من الأسباب الموجبة للفسخ فإن للعاقد الآخر الحقّ في الفسخ بسبب مثله؛ لأنّ العاقدين متساويان في حقوق العقد وواجباته. ولكن ليس معنى ذلك أنّه يجب تراضي العاقدين على الفسخ, لأنّ الفسخ قد يتراضى عليه العاقدان، وقد يرفضه أحدهما فيجبر عليه بالقضاء إذا ثبت أنّ في العقد ضرراً على طالب الفسخ، أو وجد في المعقود عليه ما يلزم البائع أو العاقد الآخر بالفسخ. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 2 ص 65، وعنه قواعد الفقه للروكي ص 163، 245.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد المشتري عيباً في السّلعة يوجب الرّدّ، فله ردّ المبيع وفسخ البيع واسترداد الثّمن بسبب ذلك العيب. وبالمقابل فإن البائع إذا وجد في الثّمن عيباً - كأن وجد النّقود مزيفة - فله ردّ الثّمن وفسخ البيع بذلك العيب. ومنها: إذا تضرّر أحد الشّريكين من الشّركة وطالب فسخ العقد فإنّ للشّريك الآخر الحقّ أيضاً في فسخ العقد إذا وجد في حقّه ضرر مثله.

القاعدة السابعة والستون بعد المئة [الصريح]

القاعدة السّابعة والسّتّون بعد المئة [الصّريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره ولا صريحاً فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصّريح: هو اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق. كلفظ البيع. الكناية: هو اللفظ المستعمل في غير المعنى الموضوع له في اللغة. كلفظ الهبة إذا أريد به البيع. فألفاظ العقود قد تكون صريحة تدلّ على العقد المراد باللفظ اللغوي الموضوع للدّلالة عليه. وقد تكون غير صريحة أي أنّها تدلّ على عقد آخر، ولكن لا بدّ من قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي للفظ. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ لفظ عقد استعمل صراحة فيما وضع له لا يجوز أن يكون كناية عن غيره، وبالأحرى أن لا يكون صريحاً فيه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 249، المنثور للزركشي جـ 2 ص 311، جـ 3 ص 146، قواعد الحصني جـ 1 ص 398 أشباه السيوطي ص 295.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذه السّيّارة فخذها. فهذا اللفظ صريح في الدّلالة على عقد الهبة، وهو عقد تبرع مجّاني، فإذا قال بعد ذلك: إنّما أردت البيع فلا يقبل منه. ومنها: إذا قال: أسلمت إليك هذا الثّوب بدينارين. فهو بيع قطعاً؛ لأنّ السّلم لا يكون إلا مؤجلاً. فهنا استعمل لفظ "السّلم" للدّلالة على عقد البيع بدليل وقرينة العوض الحالّ. ومنها: إذا خاطب زوجته بلفظ الطّلاق، وقال: أردت الظّهار. لا يكون ظهاراً ولا يقبل منه؛ لأنّ لفظ الطّلاق صريح في إزالة قيد النّكاح مع وجود نفاذه في موضوعه فلا يكون صريحاً في الظّهار ولا كناية. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال لزوجته: أنت حرام كظهر أمّي. ونوى الطّلاق بالمجموع، كان طلاقاً - عند الشّافعيّة - مع أنّه إذا أطلق - أي لم ينو - كان ظهاراً قطعاً.

القاعدة الثامنة والستون بعد المئة [الأصل الثابت]

القاعدة الثّامنة والسّتّون بعد المئة [الأصل الثّابت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما كان له أصل لا ينتقل عن أصله بمجرّد النّيَّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأصل في القاعدة: المبدأ والأساس. وهو المعنى اللغوي لكلمة أصل. فمفاد القاعدة: أنّ ما بني على أساس ومبدأ لا ينتقل عن مبدئه وأساسه الّذي بني عليه بمجرّد النّيَّة، بل لا بدّ من عمل مصاحب للنّيَّة حتى يجوز انتقاله عن أصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترت حلية ذهبيّة للبس فلا زكاة فيها - عند بعضهم - فإذا مضى بعض العام ثمّ أرادت جعلها للتّجارة فلا تنتقل بمجرّد النّيَّة، بل لا بدّ من عمل مصاحب كأن تخلعها ولا تلبسها أو تعرضها للبيع. ومنها: إذا اشترى داراً أو أرضاً للقنية ثمّ أراد أن يجعلها للتّجارة بنيّة مستأنفة فلا تنتقل ولا تجب فيها الزّكاة إلا بعمل مصاحب. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 1 ص 177 وعنه الروكي في قواعد الفقه ص 160، 180.

القاعدة التاسعة والستون بعد المئة [المملوك للمورث]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد المئة [المملوك للمورّث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما كان مملوكاً للمورَّث - فإذا لم يخرج بموته من أن يكون مملوكاً للمورّث - يصير ملكاً لوارثه (¬1). عند الشّافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ملك المورَّث إذا مات عنه صار ملكاً للوارث، وهذا عند الجميع. لكن بعض ما كان يملكه المورّث في حياته قد يخرج عن ملكه عند موته ووفاته، ففي هذه الحالة لا يصير ملكاً للوارث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أرض أو مزرعة أو عمارة يملكها شخصٌ ثم مات عنها فبموته تنتقل ملكيّتها إلى الورثة بعده تلقائياً واضطراريّاً، لكن إذا مات هذا المورّث وعليه دين مستغرق لقيمة الأرض أو المزرعة أو العمارة فإنّ الورثة لا يرثون شيئاً؛ لأنّ الدّائنين أحقّ بقيمة الأرض أو المزرعة أو العمارة من الورثة؛ لأنّ الورثة لا يرثون إلا ما زاد عن الدّين أو الوصيّة. ومنها: المكاتب - عند الشّافعي رحمه الله - كان مملوكاً ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 130.

للمورّث، فإذا مات المورّث قبل عتق المكاتب أصبح ملكاً للوارث. وإن أدّى باقي نجومه بعد ذلك وولاؤه للمورّث لا للوارث. وينبني على هذه مسألة اختلف فيها الحنفيّة والشّافعيّة وهي: إذا تزوّج العبد أو المكاتب بنت مولاه صحّ النّكاح عند الحنفيّة والشّافعيّة ما دام المورّث حيّاً فإذا مات انفسخ النّكاح في العبد عندهم جميعاً؛ لأنّ لبنت المورّث نصيب في رقبة زوجها فينفسخ النّكاح؛ لأنّه لا يجوز أن يتزوّج العبد مولاته، وإذا طرأ المنافي أثَّر كما لو كان مقارناً. قال في الرّوضة وأمّا إذا كان مكاتباً وتزوّج بنت مولاه فإنّ نكاحه بعد موت المورّث لا ينفسخ عند الحنفيّة وينفسخ عند الشّافعي رحمه الله؛ لأنّه إذا تزوّج بمولاته بعد وفاة المولى لا يصحّ، فكذلك لا يبقى النّكاح بعد موت المولى (¬1). ¬

_ (¬1) روضة الطالبين جـ 5 ص 466، 558، وجـ 8 ص 549.

القاعدة السبعون بعد المئة [الذريعة - المصلحة الراجحة]

القاعدة السّبعون بعد المئة [الذّريعة - المصلحة الرّاجحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما كان منهيّاً عنه للذّريعة فإنّه يفعل لأجل المصلحة الرّاجحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سدّ الذّرائع: هو إغلاق الطّرق والمسالك التي تؤدّي إلى الوقوع في الحرام. كمنع الاختلاط بين الرّجال والنّساء لما يؤدّي إليه من مفاسد لا تحصى. ومفاد القاعدة: أنّه إذا كان التّصرف منهيّاً عنه سدّاً للذّريعة المؤدّية إلى المفسدة أو الضّرر لكن إذا وجد مصلحة ومنفعة أعظم من الضّرر فإنّ هذه الذّريعة يجب فتحها للمصلحة الرّاجحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان دفع المال للأعداء ممنوعاً؛ لأنَّه ذريعة ووسيلة لإعطائهم القوّة المادّيّة علينا، لكن إذا كان دفع هذا المال لدفع شر أكبر، أو لاستخلاص الأسرى المسلمين من أيديهم فإنّه يصبح جائزاً بل واجباً إن لم يمكن بغير هذه الطّريق. ومنها: الصّلاة التي لها سبب، وتفوت بفوات السّبب تفعل ولو ¬

_ (¬1) الفتاوى جـ 22 ص 298، 299 بتصرف.

في الوقت المنهي عن الصّلاة فيه لأجل المصلحة الرّاجحة من فعل الصّلاة لوجود سببها، كصلاة الكسوف وركعتي الطّواف وتحيّة المسجد (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى جـ 22 ص 298، 299 بتصرف.

القاعدة الحادية والسبعون بعد المئة [الأصل والتبع]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد المئة [الأصل والتّبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مال اشتمل على أصل وتبع فما يخرج منه يكون من الأصل، وما سواه يكون من التّبع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المال قد يشتمل على أصل - وهو رأس المال - وقد يشتمل على تبع وهو الرِّبح، أو زيادة المال باختلاف القيمة. فإذا وجب على المال شيء فهو من رأس المال، وإن أصابته آفة فهو من التّبع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أعطاه مالاً مضاربة، فضارب وربح وتاجَر، ثم صار له على غريم دين وأفلس الغريم، فإنّ هذه الخسارة أي المال الهالك على الغريم تكون من الرّبح لا من رأس المال. ومنها: رهن داراً أو سيّارة تساوي ألفاً فصارت تساوي ألفين، ثم جاء إنسان وأحرق السّيّارة أو هدم الدّار ودفع المال، فإنّ ألفاً من الثّمن توضع رهناً مكان السّيّارة أو الدّار؛ لأنّ حقّ المرتهن في مالية الرّهن مقدّم على حقّ الرّاهن، والزّيادة الحادثة لم تكن في أصل الرّهن فهي للرّاهن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 185.

القاعدة الثانية والسبعون بعد المئة [ما لا يجب على الأجير أداؤه]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد المئة [ما لا يجب على الأجير أداؤه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يتعيّن على الأجير أداؤه يجوز الاستئجار عليه إذا كانت تجزئ فيه النّيابة (¬1). وفي لفظ: كلّ ما لا يتعيّن على الأجير إقامته فالاستئجار عليه صحيح (¬2). عند الشّافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يتعيّن على الإنسان فعله ويجب عليه فإنّه لا يجوز أن يُسْتَأجر على فعله كالصّلاة. ولكن ما لا يجب على الأجير أداؤه - بحسب شروط العمل الذي استؤجر عليه - فإنّه يصحّ ويجوز أن يستأجر على فعله، لكن بشرط أن تجوز فيه النّيابة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استأجر رجلاً أو رجالاً على أن يبنوا له بيتاً، فالإجارة صحيحة جائزة؛ لأنّ بناء البيوت للآخَرين لا تجب على البنائين. ومنها: إذا دفع مالاً لآخر على أن يصلّي عنه أو يصوم، فلا تجوز هذه الإجارة؛ لأنّ الصّوم والصّلاة واجبين على الأجير كما هما ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 158. والمبسوط جـ 16 ص 177. (¬2) ينظر الأم جـ 5 ص 63.

واجبان على المستأجر. ومنها: استأجر حمّالاً على أن يحمل له متاعاً إلى البيت، فذلك جائز والأجرة عليه صحيحة. ومنها: رجل استأجر آخر ليحجّ عنه، جازت هذه الإجارة وصحّت عند الشّافعي رحمه الله (¬1). ولم تجز عند الحنفيّة. ¬

_ (¬1) ينظر الأم جـ 5 ص 63.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المئة [ما به تمام المعاش]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد المئة [ما به تمام المعاش] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يتمّ المعاش إلا به فتحريمه حَرَج. وهو منتفٍ شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بما لا يتمّ المعاش إلا به: هو الضّرورات والحاجيّات التي لو فقدها الإنسان لهلك أو قارب الهلاك. كالطّعام والشّراب واللباس والمسكن والمعاملات التي لا يستغنى عنها بين الناس. وينظر أيضاً القاعدة رقم 36 من قواعد حرف الشّين. الحرج: التّضييق. فمفاد القاعدة: أنّ ما كان ضروريّاً لمعاش الإنسان وحياته، وما هو من مقومات وجوده ولوازم معاشه فهو مباح وغير محرم؛ لأنّ تحريمه تضييق على الناس وضرر عليهم في أنفسهم وأموالهم، ولذلك فتحريمه منتف وممنوع شرعاً، بدليل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬2). وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 143. (¬2) الآية 78 من سورة الحج.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬1). وغيرها من الآيات الدّالّة على نفي الحرج والتّضييق في شرع الله سبحانه وتعالى. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الله شرع الدّين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيّقاً" (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إجارة الأرض ذات الشّجر وغيرها جائزة غير ممنوعة لحاجة الناس إلى ذلك. ومنها: إجارة مسكن في بستان، ويدخل في الإجارة تبعاً ثمر البستان يأكل منه المستأجر، وإن كان مقدار ما يأكله ليس معلوماً، وذلك لحاجة النّاس في بعض البلدان (¬3). ومنها: استعمال الآلات والأدوات المخترعة حديثاً - وفيها مصلحة ومنفعة للناس في دينهم ودنياهم - وإن كان مخترعها وصانعها كافراً. ما لم يكن في استعمالها ضرر ديني أو دنيوي. ¬

_ (¬1) الآية 185 من سورة البقرة. (¬2) الحديث أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً، ينظر أشباه السيوطي ص 77. (¬3) القواعد النورانية ص 147.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المئة [الذمة - الإقرار]

القاعدة الرّابعة والسّبعون بعد المئة [الذّمّة - الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يثبت في الذّمّة لا يصحّ الإقرار به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذّمّة: هي وعاء اعتباري لثبوت الحقوق على المكلف وله. وهي في اللغة: العهد؛ لأنّ نقضه يورث الذّمّ (¬2). والذي يثبت في الذّمّة هو الحقوق لا الأعيان. فمفاد القاعدة: أنّ ما لا يمكن ثبوته في الذّمّة - وهو الأعيان - لا يصحّ الإقرار به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ أنّ لفلان في ذمّته داراً أو سيّارة أو غير ذلك من الأعيان لا يقبل إقراره ولا يصحّ؛ لأنّ هذه الأشياء لا تثبت في الذّمّة، لعدم صحّة السّلم فيها ولا بدل متلف لأنّها غير مثليّة. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 466. (¬2) الكلّيّات ص 454 بتصرف.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المئة [ما لا يجوز التوكيل فيه]

القاعدة الخامسة والسّبعون بعد المئة [ما لا يجوز التّوكيل فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز أن يوكِّل فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المسلم لا يجوز له أن يشتري خمراً أو خنزيراً أو آلة لهو أو يبيعها، كما لا يجوز له التّعاقد بالرّبا وما لا يحلّ شرعاً؛ لأنّ هذه الأشياء والمعاملات ليست بمال عند المسلم، ولم يحل الشّرع التّعامل بها. فإذن ما لا يجوز له شرعاً أن يعقد عليه لا يجوز له أن يوكِّل فيه غيره -، وهذا عند جمهور الفقهاء - ولكن أبا حنيفة رحمه الله تعالى: يُجَوِّز ذلك؛ لأنّ العقد يقع للوكيل أولاً ثمّ للموكّل بعد ذلك، فإذا وكّل ذمّيّاً في شراء خمر فقد وقع الخمر للوكيل الذّمّيّ لأنّه العاقد ولا يقع في ملك المسلم الموكّل؛ لأنّ عنده أنّ حقوق العقد وتبعاته إنّما تقع للعاقد وعليه، وكيلاً كان أو أصيلاً. ورأي الجمهور أبعد عن الشّبهات وأبرأ للدّين. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 142.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز للمسلم أن يوكّل نصرانيّاً في شراء خمر أو خنزير؛ لأنّ المسلم لا يجوز له العقد عليها بيعاً أو شراءً. ومنها: لا يجوز للمسلم أن يوكّل كافراً في تزويجه بوثنيّة أو مجوسية؛ لأنّ المسلم لا يجوز له أن يعقد عليها. ومنها: يحرم على المسلم أن يوكّل كافراً ليجري عنه معاملة ربويّة؛ لأنّ المسلم ممنوع من التّعامل بالرّبا.

القاعدتان السادسة والسابعة والسبعون بعد المئة [ما لا يضمن]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والسّبعون بعد المئة [ما لا يضمن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يجوز ملكه لا ضمان فيه (¬1). وفي لفظ: كلّ ما حرّم الانتفاع به لم يجب ضمانه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: ما لا يجوز أن يملك: أي ما حرَّم الشّرع ملكه واقتناؤه - وذلك التّحريم إمّا لنجاسة ذلك الشّيء أو لضرره ومفسدته، فمن أتلفه لغيره فلا يطالب بضمان ما أتلفه ولا غرمه ولا تعويضه؛ لأنّ الممنوع المتلَف لا تقدير لقيمته ولا لثمنه؛ لأنّه ليس بمال متقوّم عند المسلم، وكذلك الشّيء التّافه الّذي لا يدخل تحت تقويم المقوّمين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من أتلف لمسلم خمراً، أو قتل له خنزيراً فلا ضمان عليه؛ لأنّ المسلم لا يجوز أن يملك الخمر أو الخنزير ولأنّ الشّارع حرَّم الانتفاع بهما، فهما ليسا مالين في حقّ المسلم، لكن إذا كان هناك حاكم مسلم يقيم شرع الله فيلزمه تأديب المتلِف؛ لأنّه افتات - أي تعدّى - على حقّ ¬

_ (¬1) المغني جـ 6 ص 304. (¬2) نفس المصدر جـ 5 ص 300 وج 7 ص 426.

الحاكم. ومنها: إذا كسَّر لمسلم طبلاً أو مزماراً أو عوداً أو آلة موسيقيّة فلا ضمان عليه؛ إذا كانت هذه الأشياء وأمثالها لا تستعمل في شيء مباح غير كونه آلة لهو. ومنها: النّجس يمنع المسلم من اقتنائه أو الانتفاع به، فمن أتلف لمسلم شيئاً نجساً فلا ضمان عليه كذلك.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المئة [ما لا يختلف بالمستعمل]

القاعدة الثّامنة والسّبعون بعد المئة [ما لا يختلف بالمستعمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يختلف بالمستعمل فالتّقييد فيه باطل؛ لأنّه غير مفيد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان الشّيء يختلف استعماله باختلاف الأشخاص المستعملين فإنّ التّقييد بوجه الاستعمال جائز ولازم لمن يتضرّر من ذلك. لكن إذا كان الاستعمال لا يختلف بين شخص وآخر فإنّ التّقييد بوجه الاستعمال باطل؛ لأنّه تحصيل حاصل وغير مفيد قطعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السّكنى في البيوت لا تختلف باختلاف السّاكن، فللمستأجر للسّكنى بنفسه له إسكان غيره بإجازة المؤجرّ أو بدون إجازة - وإن كانت أنظمة التّأجير في بعض البلدان تشترط عدم تأجير المسكن لغيره إلا بإذن المالك. لكن ركوب الدّابة والسّيّارة واللباس يختلف باختلاف المستعمل ولذلك فالشّرط المقيّد فيها بنوع الاستعمال والمستعمل جائز. ¬

_ (¬1) رد المحتار شرح الدر المختار جـ 5 ص 17 - 18، وعنه قواعد الفقه ص 102.

ومنها: قراءة الكتاب قد لا تختلف باختلاف القارئ، فتقييد القارئ بكيفيّة القراءة أو وقتها تقييد باطل. لكن تقييده بعدم إعارته لغيره جائز.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المئة [ما لا يضمن بإشهاد]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد المئة [ما لا يضمن بإشهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لا يضمن من المتلَفَات المأخوذة بإشهاد لا يضمن إذا أخذ بغير إشهاد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما لا يضمن إمّا أن يكون من الأمانات، أو ممّا لا يملك. وما يأخذه الإنسان من أملاك غيره إمّا أن يُشْهد على أخذه، وإمّا أن لا يشهد على ذلك. فمفاد القاعدة: أنّ الشّيء المأخوذ بإشهاد إذا كان ممّا لا يضمن ولا يغرم مَن تلف عنده، أنّه أيضاً لا يضمنه إذا أخذه بغير أن يشهد على أخذه إذا هلك أو تلف عنده بغير تعدٍّ أو تقصير منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اللقطة إذا التقطها الملتقط بنيّة الحفظ والتّعريف ثمّ تلفت عنده - بغير تعدٍّ أو تقصير - فهو غير ضامن لها، سواء اشهد على التقاطها أم لم يُشهد - خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، إذ يرى أنّه إذا لم يشهد على التقاطها فتلفت فهو ضامن. ومنها: الوديعة غير مضمونة بدون تعدّ سواء كان أخذها بإشهاد أو بغير إشهاد عند الجميع. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 2 ص 86 وعنه قواعد الفقه للروكي ص 162، 235.

القاعدة الثمانون بعد المئة [العقد على العين والمنفعة]

القاعدة الثّمانون بعد المئة [العقد على العين والمنفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لم يمنع العقد على العين لم يمنع العقد على منفعتها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيع والإجارة عقدان مترابطان متّفقان في كثير من شروطهما، فإن العقد على المنفعة - وهو الإجارة - كالعقد على العين - وهو البيع، فما منع العقد على العين منع العقد على المنفعة كذلك، وما لم يمنع العقد على العين لا يمنع العقد على المنفعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد البيع على ملك في دار مملوكة لبائعها - ولا يوجد ما يمنع من إتمام العقد فإنّ هذه الدّار يجوز العقد على منافعها بعقد الإجارة، فالمؤجّر كالبائع والمستأجر كالمشتري. ومنها: إذا لم يجز عقد بيع على عين مغصُوبة لم يجز بالمقابل العقد على منفعتها؛ لأنّ الغصب كما يمنع بيع العين يمنعُ إجارتها. ومنها: الإعارة جائزة, لأنّ بيع المستعار جائز؛ إلا أن يكون مغصوباً، أو آلة لهو يحرم بيعها والانتفاع بها. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 2 ص 67 - 68 وعنه قواعد الفقه للروكي ص 162، 235.

القاعدة الحادية والثمانون بعد المئة [الظاهر]

القاعدة الحادية والثّمانون بعد المئة [الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما له ظاهر فهو ينصرف إلى ظاهره، إلا عند قيام المعارض أو الرّاجح لذلك الظّاهر، وكلّ ما ليس له ظاهر لا يترجّح أحد محتملاته إلا بمرجّح شرعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الظّاهر. فمفاد هذه القاعدة أمران: الأوّل: الشّيء الّذي له ظاهر - أي يحتمل أمرين أحدهما أرجح - في النّظر - من الآخر فالحكم يكون للظّاهر؛ لترجّحه، إلا إذا وُجِد معارض لذلك الظّاهر من آية أو خبر أو إجماع أو قياس صحيح، أو وجد مرجّح للمعنى الآخر من خارج اللفظ. والأمر الثّاني: أنّ ما ليس له ظاهر - أي أنّ محتملاته متساوية - فلا يجوز ترجيح أحد محتملاته إلا بمرجّح شرعي، وإلا كان ترجيحاً تحكميّاً بلا دليل وهو مرفوض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص سلعة من بائع وذكر الثّمن مطلقاً، فإنّ الثّمن ينصرف إلى النّقد المتعارف والمعمول به في البلد؛ لأنّه الظّاهر عند ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 195 الفرق 106، وتهذيب الفروق جـ 2 ص 193.

ومن أمثلة ما ليس له ظاهر فيجب ترجيحه بمرجح شرعي

الإطلاق. لكن لو قيّد الثّمن بذكر عملة معيّنة انصرف إليها. ومنها: إذا وكّل شخصٌ آخر فتصرف الوكيل بغير نيَّة في تخصيص ذلك التّصرّف بالموكّل فإنّ ذلك التّصرف من بيع أو نكاح أو غيرهما ينصرف للوكيل المتصرّف دون موكّله؛ لأنّ الغالب على تصرفاته أنّها لنفسه. ومنها: تصرّفات المسلمين إذا أطلقت ولم تقيّد بما يقتضي حلَّها ولا تحريمها فإنّها تنصرف للتّصرفات المباحة دون المحرّمة؛ لأنّه ظاهر حال المسلمين. ومن أمثلة ما ليس له ظاهر فيجب ترجيحه بمرجّح شرعي: الصّوم احتاج للنّيَّة؛ لأنّ الإمساك عن المفطرات يتردد بين العادات والعبادات. ومنها: كلّ العبادات التي لها مثيل في العادات لا تنصرف إلى العبادة إلا بالنّيَّة المرجحة. ومنها: الكنايات في باب الطّلاق والعتاق احتاجت للنّيَّة لتردّدها بين المعنى اللغوي والمقصود الشّرعي.

القاعدة الثانية والثمانون بعد المئة [الموضوع الشرعي واللغوي]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد المئة [الموضوع الشّرعي واللغوي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما له موضوع شرعي ولغوي إنّما ينصرف المطلَق منه إلى الموضوع الشّرعي (¬1)، لأنّ الظّاهر من صاحب الشّرع التّكلم بموضوعاته. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها نوع صلة وارتباط بالقاعدة السّابقة. إذ مفادها: أنّ كلّ تصرّف أو قول له وجهان: شرعي ولغوي - وصدر عن صاحب الشّرع مطلقاً عن التّقييد بأحد الوجهين - فإنّه ينصرف إلى الموضوع الشّرعي دون اللغوي؛ لأنّ الظّاهر والرّاجح من صاحب الشّرع التّكلم بالموضوعات الشّرعيّة لا الموضوعات اللغوية، فإنّه عليه الصّلاة والسّلام جاء لبيان الشّرعيات لا لبيان اللغويات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ألفاظ الوضوء والصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ، والإيمان، والنّفاق، والكفر وغيرها عند الإطلاق إنّما تنصرف ولا يفهم منها إلا المراد الشّرعي والمقصود الشّرعي والدّلالة الشّرعيّة لا المعاني اللغوية. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 6.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المئة [الرجوع ابتداء وانتهاء]

القاعدة الثّالثة والثّمانون بعد المئة [الرّجوع ابتداء وانتهاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لو تمَّ منتهاه كان رجوعاً فمبتدأه أيضاً رجوع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بما يفيد رجوع المتصرّف عن تصرّفه. إذ بالنّسبة للرّجوع عن التّصرف يستوي فيه ما كان في الانتهاء وما كان في الابتداء، فمّا كان بعد انتهائه يترتّب عليه الرّجوع عن التّصرّف ويستفاد منه ذلك؛ فإنّ مبتداه أيضاً يفيد الرّجوع كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أوصى بدار لشخص - والوصيّة تبرّع مضاف إلى ما بعد الموت - فقبل موته عَرَض تلك الدّار للبيع، فيعتبر عرضه لها للبيع رجوعاً على الوصيّة كما لو باعها، إذا لو باعها فعلاً كان ذلك رجوعاً عن الوصيّة فكذلك عَرْضه لها للبيع. ومنها: اشترى سيّارة بشرط الخيار تمّ عرضها للبيع فيعتبر ذلك إسقاطاً لخياره ورجوعاً عنه. ومنها: إذا دبَّر عبداً له - أي قال له: أنت حرّ بعد موتي - ثمّ ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني ص 1595 - 1596.

باعه بشرط الخيار، فيعتبر ذلك رجوعاً عن التّدبير. ومنها: أوصى بجارية ثمّ وطئها فحملت، فيعتبر رجوعاً عن الوصيّة وإمساكاً للجارية. لأنّها صارت أمّ ولد له (¬1). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 333.

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة والثمانون بعد المئة [نية الشرط المبطل]

القواعد الرّابعة والخامسة والسّادسة والثّمانون بعد المئة [نيَّة الشّرط المبطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ما لو شرطاه في العقد أبطله، فإذا نوياه في حال العقد كان مكروهاً (¬1). قال الزّركشي: نصّ عليه الإمام الشّافعي رحمه الله في الصّرف (¬2). وفي لفظ: كلّ ما لا يجوز التّصريح بشرطه في العقد يكره قصده (¬3). وفي لفظ: كلّ ما لو صرّح به أبْطَلَ، فإذا أضمره كُرِه (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق بيان بعض الشّروط التي تبطل العقد. فمفاد هذه القاعدة: أنّ الشّروط التي تبطل العقد إذا اشترطت فيه صراحة، إذا نواها المتعاقدان أو أحدهما أو شرطاً منها حال العقد ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 234. (¬2) لم أجده بعد طول بحث. (¬3) المجموع للنووي جـ 10 ص 132. (¬4) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 309.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

كان العقد مكروهاً، لكن هل هي كراهة تنزيه أو كراهة تحريم؟ خلاف، والمكروه تنزيهاً هو ما كان إلى الحلال أقرب، والمكروه تحريماً هو ما كان إلى الحرام أقرب. ولعلّ الخلاف راجع إلى أنواع الشّروط المضمرة إذ من الشّروط ما يكون مبطلاً للعقد قطعاً فإضماره يكون مكروهاً تحريماً، ومنها ما يكون في بطلان العقد به خلاف، فإضماره يكون مكروهاً تنزيهاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: بيع العينة - وهو أن يبيع سلعة بثمن مؤجّلاً: ثمّ يشتريها من المشتري بأقلّ ممّا باع نقداً، فالرّبا هو الفرق بين السّعرين. لأنّ القصد من المعاملة هو التّحايل على الرّبا. ومنها: إذا تزوّج امرأة - وهو في بلاد غربة - وفي نيّته أن يطلّقها عند إرادته الرّجوع إلى بلده، فهذا يشبه زواج المتعة المنهي عنه، وهو لو شرط ذلك في العقد لبطل. ومنها: أن يتزوّج امرأة لقصد الطّلاق كأن يتزوّجها ليحلّها لزوجها الأوّل. ومنها: إذا كان شخص معروف عنه أنّه إذا اقترض مالاً يردّ أكثر ممّا اقترض، فهل يكره إقراضه؟ وجهان عند الشّافعي.

القاعدة السابعة والثمانون بعد المئة [المقارن المانع - الطارئ]

القاعدة السّابعة والثّمانون بعد المئة [المقارن المانع - الطّارئ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما لو قارن لمنع. فإذا طرأ فعلى قولين (¬1). وفي لفظ: المانع الطّارئ هل هو كالمقارن (¬2)؟ وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقارن: المصاحب للعقد أو التّصرف. فمفاد القاعدة: أنّ ما يؤدّي إلى بطلان العقد أو التّصرف إذا صاحب إنشاء العقد أو التّصرف، أنّه إذا تمّ العقد ثمّ وجد ذلك فهل يبطل العقد أو التّصرّف أو لا يبطله؟ قولان عند الشّافعيّة بالبطلان وعدمه، عدا بعض المسائل مقطوع فيها بالبطلان، والتّرجيح مختلف تبعاً لاختلاف المسائل والفروع، وينظر القاعدتان، 38، 491 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وُجد ماء دون القُلّتين فيه نجاسة ثم طرأ عليه ماء كثَّره فزاد على القلّتين فهل يطهر؟ الأرجح طهارته. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 312. (¬2) أشباه السيوطي ص 185 - 186، قواعد الحصني جـ 2 ص 195 - 210.

رابعا: مما استثني فكان الطارئ كالمقارن قطعا، أو ليس كالمقارن قطعا

ومنها: إذا شفيت المستحاضة أثناء الصّلاة فهل تبطل صلاتها؟ الأرجح البطلان. ومنها: إذا أحرم ثمّ ارتدّ. بطل إحرامه. ومنها: إذا قدر على الماء أثناء الصّلاة بالتّيمّم، الأصح لم تبطل صلاته. ومنها: إذا اشترى عروضاً للقنية ثمّ بعد الشّراء نوى التّجارة. الأصحّ لا تجب الزّكاة. رابعاً: ممّا استثني فكان الطّارئ كالمقارن قطعاً، أو ليس كالمقارن قطعاً: الرّضاع لو قارن ابتداء النّكاح لمنعه، ولو طرأ لقطعه أيضاً ولا خلاف فيه. ومنها: العدّة لو قارنت ابتداء النّكاح لمنعته ولو طرأت في أثنائه في وطء الشّبهة لم تقطعه ولا خلاف فيه.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المئة [ما ليس له دم سائل]

القاعدة الثّامنة والثّمانون بعد المئة [ما ليس له دم سائل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما ليس له دم سائل لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء إذا مات فيه، في قول عامّة الفقهاء. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المخلوقات من حيث وجود الدّم السّائل فيها قسمان: قسم له دم سائل وهو الإنسان والحيوانات بأنواعها. وقسم ليس له دم سائل وهو السّمك والحشرات وبعض الزّواحف. فمفاد القاعدة: أنّ السّمك والحشرات والمخلوقات التي لا دم سائل في جسدها أنها ليست نجسة إذا ماتت، ولا تنجس الماء إذا ماتت فيه. وبالمقابل فإنّ كلّ ما له دم سائل ينجس بالموت، وينجس الماء إذا مات فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السّمك والذّباب والعقارب والعنكبوت وأشباهها لا دم سائل فيها، فهي لذلك غير نجسة في حال الحياة ولا بعد الموت، ولا تنجس الماء إذا ماتت فيه. ولكن سام أبرص سام فإذا مات في الماء فإنه يسمّمه ويقتل شاربه. وبعض أنواع الحشرات الأخرى كذلك.

القاعدتان التاسعة والثمانون والتسعون بعد المئة [ما لا تؤثر فيه النية]

القاعدتان التّاسعة والثّمانون والتّسعون بعد المئة [ما لا تؤثّر فيه النّيَّة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ما هو صريح في بابه لا ينصرف إلى غيره بالنّيَّة (¬1). وفي لفظ: كلّ لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثّر النّيَّة في صرفه عن موضوعه (¬2). وفي لفظ سبق: كلّ ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره ولا صريحاً فيه (¬3). وينظر القاعدة 167 من قواعد حرف الكاف هذا. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الصّريح من الألفاظ: ما كان موضوعاً في أصل اللغة لمعنى مخصوص، ولا يفتقر إلى إضمار أو تأويل. أو هو ما ظهر المراد منه لكثرة استعماله فيه (¬4). والمجاز: هو استعمال اللفظ في غير موضوعه لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 36. (¬2) نفس المصدر جـ 1 ص 46. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 249، المنثور جـ 3 ص 146، جـ 2 ص 311. (¬4) الكليات ص 562.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

والكناية: هي أن يتكلّم بشيء يستدلّ به على المكني عنه كالرّفَث والغائط (¬1). أو هي: ما خفي استعماله في المراد منه وفي غيره، ولا يثبت المعنى المراد إلا بنيَّته (¬2). ومفاد هذه القواعد: إنّ اللفظ الصّريح الموضوع لمعنى خاصّ مشتهراً به لا يجوز صرفه إلى غير حقيقته اللغويّة أو الشّرعيّة، ولا تعمل فيه النّيَّة المخصّصة أو المغيِّرة ما دام قد وجد نفاذاً في موضوعه الّذي وُضِع له. وأمّا إن لم يجد نفاذاً في موضوعه فيلغى ويهمل. والقاعدتان الأولى والثّانية بينهما صلة وثيقة. فالأولى منهما تفيد أنّ كلّ لفظ صريح لا تعمل فيه النّيَّة إذا وجد نفاذاً في موضوعه، فلا ينصرف إلى غيره. والثّانية منهما تفيد معنى متقارباً وهو أنّ من الألفاظ ما لا يكون إلا صريحاً في دلالته ولا يدخله المجاز، ولا تعمل فيه النّيَّة المخصّصة أو المُغَيِّرة - كأسماء الأعداد، فهذه يجب إجراؤها على لفظها، وبحسب دلالتها اللغوية الموضوعة لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق. ثمّ قال: أردت بهذا اللفظ أنّها ¬

_ (¬1) المصباح مادة "كنيت" والكليات ص 761. (¬2) الكليات ص 562.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

طالق من وَثاق. فلا يقبل منه؛ لأنّ لفظ "طالق" موضوع لحلّ رباط الزّوجيّة، ولا تعمل النّيَّة في تحويله إلى معنى آخر، وقد وجد نفاذاً في موضوعه. بخلاف ما لو قال لأَمته: أنت طالق. فيكون كناية عن العتق والتّحرير؛ لأنّ الأَمَة لا يقع عليها طلاق. وهكذا استثناء من القاعدة. ومنها قوله: أنت طالق ثلاثاً. وقال: أردت اثنتين. لا يقبل قوله؛ لأنّ أسماء الأعداد لا يدخلها المجاز، فلا تسمع فيها النّيَّة. ومنها: لو ظاهر من امرأته بلفظ الظّهار. وقال: أردت ونويت الطّلاق. لا يقبل منه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام. وعنَى به الطلاق فإنّه يقع، مع أنّ لفظ التّحريم صريح في إيجاب الكفّارة. ومنها: إذا قال لأمته: أنت طالق. ونوى العتق عتقت لأنّ صرائح الطّلاق كناية في العتق.

القاعدة الحادية والتسعون بعد المئة [واجب الرفع]

القاعدة الحادية والتّسعون بعد المئة [واجب الرّفع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما هو واجب الرّفع بالاسترداد فلا يجوز تقريره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما وجب رفعه وإنهاؤه بسبب الاسترداد والاسترجاع إمّا لوجود فساد في العقد، وإمّا لكونه مستحقاً. لا يجوز تثبيته وإقراره؛ لأنّ تثبيته وإقراره مناف لوجوب رفعه وإنهائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سلعة ودفع ثمنها للبائع. ثم تبيّن أنّ هذه السّلعة مستحقّة لشخص آخر غير البائع، فيجب في هذه الحال استرداد الثّمن من البائع ورفع العقد وإنهاؤه، ولا يجوز تقرير البيع مع وجود الفساد بسبب الاستحقاق. ومنها: عقد على امرأة ودفع لها مهراً، ثمّ تبيّن قبل الدّخول أنّها أخته من الرّضاع. فيفسخ العقد ويجب ردّ المهر المقبوض. ومنها: اشترى بشرط الخيار له أو للبائع ودفع الثّمن، ثمّ اختار الفسخ، فعلى البائع ردّ الثّمن وأخذ السّلعة - إن كان المشتري قبضها - ولا يجوز تقرير هذا البيع وإثباته بعد اختيار الفسخ إلا بعقد جديد. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 78 ب.

القاعدة الثانية والتسعون بعد المئة [البينة - التحليف]

القاعدة الثّانية والتّسعون بعد المئة [البيِّنة - التّحليف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يترتّب عليه البيِّنة يترتّب عليه التّحليف، سوى بيِّنة أقيمت لإثبات الخصومة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالبيِّنة: الإشهاد، ويكون من طرف المدَّعي. والتّحليف: هو توجيه اليمين على المدعى عليه، عند عدم بيّنة المدَّعي. فمفاد القاعدة: أنّ الدّعوى إذا قبلت البيّنة لإثباتها، يقبل فيها أيضاً تحليف المدّعى عليه عند عدم بيّنة المدَّعِي. ولكن خرج عن ذلك صورة: وهي: إذا أقام المدّعي دعوى لإثبات الخصومة، ولا بيِّنة عنده وطلب تحليف المدّعى عليه فلا يمكن ذلك؛ لأنّ اليمين لا تكون إلا في دعوى صحيحة وإثبات الخصومة ليس دعوى صحيحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل ادّعى على ميّت ديناً، وقدَّم الوصي إلى القاضي، فجحد الوصي. وطلب المدّعي من القاضي تحليف الوصي، لا يحلفه ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 78 أ.

القاضي؛ لأنّ فائدة التّحليف هو النّكول، ولو أقرّ الوصي بالمال لا يصحّ إقراره على الميّت فلا يحلِّفه، فالوصي ليس خصماً، ولذلك لا يحلف؛ لأنّ المدّعي يريد إثبات الخصومة. ومنها: ادّعى رجل على آخر أنّ المدّعَى عليه زوج بنته فلانة منه - وهي صغيرة - فأنكر الأب، فطلب المدّعي يمينه، فإن كانت البنت كبيرة وقت الخصومة فلا يستحلف الأب؛ لأنّ الأبّ بمنزلة الوكيل، والوكيل بالنّكاح لا يتوجّه عليه الخصومة فلا يحلف. وتستحلف المرأة على دعواه بخلاف ما لو كانت البنت صغيرة - فيحلف عند أبي يوسف ومحمد (¬1) رحمهما الله تعالى. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 429 بتصرف.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد المئة [العوض - المهر]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد المئة [العوض - المهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه بالشّرط يصلح أن يكون مهراً؛ لأنّ المقصود تحقّق المعاوضة (¬1). عند الشّافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الإمام الشّافعي رحمه الله ورضي عنه أنّ المهر هو عوض عن تملّك البُضع، ولذلك أجاز أن يكون مهراً كلّ ما يصلح عوضاً أو معوضاً عنه. وعلى ذلك لا يصحّ مهراً - عنده - ما لا قيمة له. قال الإمام الشّافعي رحمه الله: وأقلّ ما يجوز في المهر أقلّ ما يتموّل النّاس، وما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة، وما يتبايعه الناس بينهم (¬2). ومثله: كلّ منفعة ملكت وحلَّ ثمنها، مثل كراء الدّار، وما في معناها. وقال في موضع آخر: كلّ ما جاز أن يكون مبيعاً أو مستأجراً بثمن جاز أن يكون صداقاً، وما لم يجز فيهما لم يجز في الصّداق (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 106. (¬2) الأم جـ 8 ص 197 كتاب الصّداق. (¬3) الأم جـ 8 ص 200.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فالشّافعي رحمه الله لا يرى أنّ للمهر حدّاً أدنى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز أن ينكح الرّجل المرأة على الدّرهم وأقلّ من الدّرهم، وأقلّ ما له ثمن، إذا رضيت المرأة المنكوحة، وكانت ممّن يجوز أمرها في مالها. ومنها: يجوز أن تنكح المرأة رجلاً على أن يخيط لها ثوباً، أو يبني لها داراً، أو يخدمها شهراً، أو يعمل لها عملاً مهما كان، أو يعلّمها قرآناً مسمّى، أو يعلّم لها ولداً، وما أشبه ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) الأم جـ 8 ص 200.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المئة [القرعة]

القاعدة الرّابعة والتّسعون بعد المئة [القرعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يجوز فعله بغير إقراع، فالأولى للإمام أن يقرع تطييباً للقلوب ونفياً للتّهمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقراع: إفعال من القرع، والقرع: الخطر. وهو السَّبَق والنَّدَب الّذي يستبق إليه (¬2). والاسم القرعة، ومعناها: النّصيب والسُّهمة. ومفاد القاعدة: أنّ للإمام أو القاضي أن يقرع بين الشّركاء، أو أصحاب الحقوق، حتّى لو كان المال المشترك يجوز قسمته بينهم بغير إقراع، وذلك تطييباً لقلوب المقتسمين ونفياً للتّهمة بالمحاباة أو التّفضيل. وذلك في كلّ أمر ليس فيه إلزام، وأمّا ما فيه إلزام فلا قرعة فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قسّم الإمام أو القائد الغنائم بين المقاتلين فيجوز له أن يقرع بينهم فيما يمكن أن يكون نصيب كلّ واحد منهم. كما أنّ له أن يعطي ¬

_ (¬1) شرح السير ص 889 وعنه قواعد الفقه ص 102. (¬2) المصباح مادة "القرع".

كلّ مقاتل نصيبه من غير إقراع. ومنها: إذا قسّمت أرض مشاع بين شركاء، أو تركة فيها دور ومزارع ودكاكين فللقاضي أو الإمام أو الحاكم - بعد القسمة - أن يقرع بين الشّركاء فيما يأخذه كلّ واحد منهم، وإن كان يمكن أن يعطي كلّ شريك قسمه أو سهمه ممّا قسم. ولكن تطييباً لقلوبهم ودفعاً لتهمة المحاباة جاز له أن يقرع بينهم. ومنها: إذا أراد الزّوج سفراً - وله أكثر من زوجة - جاز له أن يقرع بينهن، فمن خرجت قرعتها أخذها معه. كما كان رسول الله صلّ الله عليه وسلّم يفعل.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المئة [النقض - البدل]

القاعدة الخامسة والتّسعون بعد المئة [النّقض - البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يحتمل النّقض لا يتمّ إلا بتسمية البدل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّقض: معناه الهدم والنّكث والفسخ في العقود. وما يحتمل النّقض - أي الإبطال - هو العقود وما في معناها. فمفاد القاعدة: أنّ ما يجوز أن ينقض ويبطل لا يكون تامّاً صحيحاً إلا إذا سُمِّي وذكر فيه البدل؛ لأنّ تسمية البدل ركن فيه، فما لم يسمَّ فيه البدل لا يتمّ ولا يعتبر حتى يمكن أن يدخله النّقض والإبطال؛ لأنّه باطل ومنقوض من أصله. وذلك كالبيع والقسمة والإجارة والكتابة والخلع والطّلاق والعتاق بِجُعْل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سلعة أو باعها ولم يسمِّ لها ثمناً لم يتمّ العقد، ولا يحلّ للمشتري استعمال السّلعة؛ لأنّ العقد فقد ركناً من أركانه، ونقض عقد البيع يجوز إذا وجد في المبيع عيب قادح، أو وجدت السلعة مستحقّة، أو هلك المبيع عند البائع قبل قبضه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 126.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: عقد الإجارة لا يتمّ بدون ذكر الأجرة والمدّة. وعقد الإجارة يحتمل النّقض والإبطال عند الضّرورة، فما لا يتمّ لا يقبل النّقض؛ لأنّه باطل ومنقوض من أصله. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: عقد النّكاح يمكن أن يتمّ بدون تسمية المهر، فمن تزوّجت ولم يُسَمَّ لها مهر، فإن دخل بها فلها مهر مثلها، وإن لم يدخل بها وطلّقها فلها المتعة. وعقد النّكاح عقد يحتمل النّقض بأن يظهر أنّ الزّوجة من محارمه رضاعاً أو نسباً أو يطلّقها.

القاعدة السادسة والتسعون بعد المئة [العقود المؤبدة]

القاعدة السّادسة والتّسعون بعد المئة [العقود المؤبدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يصحّ تأبيده من عقود المعاوضات فلا يصحّ توقيته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الّذي يصحّ تأبيده من عقود المعاوضات البيع والنّكاح. فلا يصحّ توقيتهما - أي جعلهما مؤقّتين بوقت يبطل البيع والنّكاح بحلوله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع داراً وحدّد للمشتري خمس سنوات أو عشر لملكيّتها فالعقد باطل، إذ ينقلب عقد إجارة, لأنّ عقد البيع لا يقبل التّوقيت. ومنها: إذا تزوّج امرأة لمدة سنة أو شهر فالعقد باطل؛ لأنّ هذا عقد المتعة المنهي عنه، وقيل يصحّ العقد ويبطل شرط التّوقيت؛ لأنّ عقد النّكاح عقد مؤبّد لا يقبل التّوقيت. ومنها: إذا كاتب عبده على أنّه إذا أدّى نجوم الكتابة عتق وأصبح حرّاً عشر سنوات فقط. فالشّرط باطل لأنّ الحرّيّة لا تتوقّت فمن عتق فهو حر أبداً، إلا إذا لحق بدار الحرب وحارب المسلمين وأسر فإنّه يعود رقيقاً بسبب جديد. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 2 ص 105، وعنه قواعد الفقه للروكي ص 163، 245.

القاعدة السابعة والتسعون بعد المئة [مال الصداق وعوض القصاص]

القاعدة السّابعة والتّسعون بعد المئة [مال الصّداق وعوض القصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يصلح أن يكون صداقاً في النّكاح يصلح أن يكون عوضاً عن القصاص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يكون صداقاً - أي مهراً - عند الحنفيّة - كلّ ما هو مال متموّل، فالصّلح عن القصاص بعوض هو مال جائز؛ لأنّه مال يُستَحقّ عوضاً عمّا ليس بمال - وهو القصاص - بالعقد. فما يجوز أن يكون مهراً في النّكاح يجوز ويصلح أن يكون بدلاً عن القصاص - أي ديّة القتيل. وينبني على ذلك أمور: منها جواز التّصرف في بدل الصّلح - عن القصاص - قبل القبض وإن كان عيناً - كالإبل - كما يجوز التّصرّف في الصّداق قبل قبضه؛ لأنّه لو هلك الصّداق قبل القبض يجب مثله أو قيمته ولا يبطل النّكاح. فكذلك مال الصّلح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل قُتِل عمداً وله ابنان فصالح أحدهما القاتل من حصّته على ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 11.

ألف. فذلك الصّلح جائز، ولا شركة لأخيه فيه؛ لأنّه أسقط نصيبه من القود - أي القصاص - بعوض. وهو لو أسقطه بغير عوض جاز. والمال عوض عن القصاص استحقّه بعقد الصّلح، وهو المباشر للعقد.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المئة [البيع والإجارة]

القاعدة الثّامنة والتسّعون بعد المئة [البيع والإجارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يصلح ثمناً في البيع يصلح أجرة في الإجارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة واضحة المعنى صحيحة المبنى، حيث إنّ الثّمن في البيع عوض عن السّلعة، والأجرة في الإجارة عوض عن المنافع. بل إنّ عقد الإجارة في الحقيقة عقد بيع، وهو بيع المنفعة كما هو عند الإمام الشّافعي رحمه الله. فلذلك كلّ ما صلح ثمناً للمبيع في عقد البيع يصلح أجرة للمؤجَّر في عقد الإجارة. وبالمقابل فإنَّ ما لا يصلح ثمناً في البيع لا يصلح أجرةً في الإجارة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع أرضاً بألف دينار. وأجر عمارة بألف مثلها. ومنها: باع سيّارة وجعل ثمنها خمراً أو خنزيراً فالبيع باطل؛ لأنّ الخمر والخنزير ليسا مالاً عند المسلم. فكذلك إذا أجّر بيتاً على خمر أو خنزير فالأجرة باطلة وعقد الإجارة باطل كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 15.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المئة [ما يفسد العبادة]

القاعدة التّاسعة والتّسعون بعد المئة [ما يفسد العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما يفسد العبادة عمداً يفسدهاً سهواً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ضيّقة المجال؛ إذ ليس كلّ ما يفسد العبادة عمداً يفسدها سهواً. إلا في مسائل قد وقع فيها الخلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مسَّ المتوضّئ ذكره سهواً فهل ينتقض وضوؤه؟ عند المالكيّة خلاف. والرّاجح عندهم عدم النّقض بذلك؛ لأنّه لا يمكن الاحتراز منه. ومنها: إذا أكل أو شرب ناسياً. فعند مالك رحمه الله أن صومه قد فسد وعليه القضاء. لكن لا إثم عليه. وهذا المثال مطابق للقاعدة. ومنها: من ترك ركناً في الصّلاة كالرّكوع أو السّجود عمداً أو سهواً بطلت صلاته إن لم يستدرك ذلك قبل السّلام. والأصل أنّ السّهو والنّسيان لا يبطل العبادة بل تجبر العبادة بالسّجود للسّهو في الصّلاة في ترك واجب سهواً. ومنها: جماع المحرم يفسد الحج والعمرة عمده وسهوه. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 1 ص 25، 202، 226، وعنه قواعد الفقه للروكي ص 164، 259.

القاعدة المتممة للمئتين [ما ينزل من السماء]

القاعدة المتمّمة للمئتين [ما ينزل من السّماء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ ما ينزل من السّماء إلى الأرض فهو نظيف داسته الدّواب أو لم تدسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما ينزل من السّماء إمّا ماء وإمّا بَرَد وإمّا ثلج، وكلّها طاهرة ونظيفة سواء داستها الدّواب بعد نزولها أم لم تدسها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوضوء بماء المطر والغسل منه جائز ومزيل للحدث والخبث؛ لأنّه الأصل في الطّهارة بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} (¬2). ومنها: الثّلج والبَرَد النّازلين من السّماء نظيفان وطاهران، ويجوز الأكل منهما وابتلاعهما، وإذا أصابا الجسم أو الملابس فلا يلوثانها ولا ينجسانها. ومنها: طين الشّوارع من أكثر المطر أو الماء إذا أصاب الثّوب لا ينجسه وتجوز الصّلاة فيه. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 96. (¬2) الآية 48 من سورة الفرقان.

القاعدة الحادية بعد المئتين [كل]

القاعدة الحادية بعد المئتين [كلّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: " كلّ" متى أضيفت إلى ما يعلم منتهاه تتناول الجميع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لفظ "كلّ" لا يستعمل إلا مضافاً، وهو قد يضاف إلى معرفة أو إلى نكرة، كما قد يضاف إلى ما يعلم منتهاه وآخرته، وإلى ما لا يعلم منتهاه وغايته. ومفاد القاعدة: أنّ هذا اللفظ - أي لفظ كلّ - إذا أضيف إلى ما يعلم نهايته وغايته فالحكم أنّه يتناول الجميع، بخلاف ما لا يعلم منتهاه فلا يتناول الجميع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أبيعك هذه المئة الرّأس من الأغنام كلّ رأس بمئة. تناول الكلّ، وترتّب على ذلك أنّه إذا ظهر عيب في بعضها ردّها بحصّتها من الثّمن. ومنها: إذا قال: أبيعك هذه العشرة الأقفزة حنطة، وهذه العشرة الأقفزة شعيراً كلّ قفيز بدرهم، فالبيع جائز في الجميع؛ لأنّ جملة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 11.

المبيع معلومة والثّمن معلوم. وأمّا لو قال: أبيعك هذه الحنطة وهذا الشّعير - ولم يسمّ كيلهما - كلّ قفيز بدرهم، فالبيع فاسد عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنّ عنده أنّه إذا لم تكن الجملة معلومة فإنّ ما يتناوله هذا اللفظ قفيز واحد وهو مجهول؛ لأنّه لا يعلم أنّه من الحنطة أو من الشّعير، ففسد البيع.

القاعدة الثانية بعد المئتين [المتصرف عن غيره]

القاعدة الثّانية بعد المئتين [المتصرّف عن غيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ متصرّف عن الغير فعليه أن يتصرّف بالمصلحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّصرّف عن الغير إمّا تطوّعاً وإمّا اشتراطاً وإمّا وجوباً. وعلى كلّ حال فكلّ من يتصرّف عن غيره أيَّ تصرّف كان يجب عليه أن يكون تصرّفه تبعاً لمصلحة المتصرَّف عنه، ولا يجوز أن يَجُرّ أو يسبّب تصرّفه ضرراً على المتصرَّف عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وكّلَ وكيلاً في شراء سلعة ما بثمن مطلق، فيجب على الوكيل أن يتصرّف بما فيه مصلحة الموكّل، من حيث جودة السّلعة وتناسب الثّمن بدون غبن فاحش. ومنها: إذا جُنَّ المكاتب وله مال. يؤدّي الحاكم عنه نجوم الكتابة - أي أقساطها - إذا كانت الحرّيّة مصلحته. ومنها: وصي اليتيم وقيِّم الوقف وغيرهما يجب عليهما أن يتصرّفا في مال اليتيم والوقف بما فيه مصلحة اليتيم والوقف. وإلا كانا خائنين إذا تعمّدا الضّرر. ¬

_ (¬1) الأشباه لابن السبكي جـ 1 ص 310.

القاعدة الثالثة بعد المئتين [العرف]

القاعدة الثّالثة بعد المئتين [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ متكلّم له عرف فإن لفظه عند الإطلاق يُحمل على عُرفه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة "العادة محكَّمة" وتختصّ بالعرف القولي. ومفادها: أنّ المتكلّم إذا كان له عرف فإنّ كلامه ولفظه وما ينطق به يجب حمله على عرفه عند الإطلاق وعدم التّقييد بإرادة غير العرف، وبخاصّة في باب الأيمان والمعاملات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سيّارة أو باعها بعشرة آلاف وأطلق، ولم يعيّن نوع النّقود، فيصرف لفظه ويحمل على النّقود المعتاد التّعامل بها في بلده. ومنها: حلف لا يأكل لحماً. فلا يحنث بأكل السّمك أو الدّجاج؛ لأنّ العرف لا يسمّي السّمك والدجاج لحماً. ومنها: الأصولي والمتكلّم إذا ذكر العلّة والشّرط والمانع والعرض وغيرها من مصطلحات الكلام والأصول إنّما تحمل على ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 118 الفرق 145.

معناها عندهم لا على معانيها اللغويّة. ومنها: العروضي إذا ذكر السّبب والوتد والفاصلة فإنّما تحمل على معانيها العرفيّة عند العروضيّين. فالسّبب حرفان متحرّكان أو متحرّك فساكن. والوتد ثلاثة أحرف وهو وتد مجموع ووتد مفروق والفاصلة كبرى وهي خمسة أحرف وتد وسبب وصغرى وهي أربعة أحرف = سببين.

القاعدة الرابعة بعد المئتين [المجتهد]

القاعدة الرّابعة بعد المئتين [المجتهد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مجتهد مصيب أو كالمصيب (¬1). أصوليّة فقهيّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المجتهد: هو مَن توفّرت فيه أوصاف المجتهدين، وكان قادراً على استنباط الأحكام من أدلّتها. فمفاد القاعدة: أنّ الفقه أو المفتي أو الحاكم إذا اجتهد في بيان حكم واقعة اجتهاديّة غير نصّيَّة، فهو مصيب في اجتهاده سواء أخطأ أم أصاب؛ لأنّ المراد بالإصابة - لا إصابة عين الحكم عند الله سبحانه وتعالى - ولكن الحكم الّذي يتوصّل إليه المجتهد باجتهاده الصّحيح، فإن أصاب باجتهاده حكم الله سبحانه وتعالى فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد وهو أجر الاجتهاد، فهو كالمصيب؛ لأنّه أدّى ما طُلِب منه. وليس المراد أنّ كلّ مجتهد مصيب في حكمه، وإلا وقع التّعارض بين الأحكام بدعوى أنّ كلاً منها صواب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اختصم اثنان أمام القاضي فبعد سماع أقوالهما وأقوال الشّهود ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 191، وينظر التلويح والتوضيح شرح التنقيح جـ 2 ص 572 فما بعدها.

اجتهد وحكم لأحدهما بالمدَّعى، فهو في هذه الحالة مصيب في اجتهاده حتى وإن كان الحقّ لغير مَن حُكم له، ما دام قد اجتهد في إيصال الحقّ بحسب وسعه وطاقته. ومنها: عميت عليه القبلة، فاجتهد وتحرّى وصلّى إلى الجهة التي غلب على ظنّه أنّها جهة القبلة، فصلاته صحيحة، وحتى لو تبيّن له الخطأ من بعد، فليس عليه الإعادة ولا القضاء.

القاعدة الخامسة بعد المئتين [المخير بين شيئين]

القاعدة الخامسة بعد المئتين [المُخَيَّر بين شيئين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلُّ مُخَيَّر بين شيئين إذا اختار أحدهما تعيَّن عليه ولا يعود على الآخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المبنى معقولة المعنى؛ لأنّ معنى التّخيير التّسوية بين الفعل والتّرك، أو بين الأخذ وعدمه، ولا يجتمع في التّخيير الأمران معاً. فكلّ مَن خُيّر بين أمرين ثمّ بعد التّفكير والتّدبّر والنّظر اختار أحدهما، فتعيّن عليه أخذه أو العمل به وامتنع عليه الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أراد أن يشتري سيّارة فخيّره البائع بين سيّارتين إحداهما حمراء والأخرى بيضاء، فإن اختار البيضاء امتنع عليه أخذ الحمراء. ومنها: أراد الزّواج فخيّره الولي بين ابنتيه باسمة وعلياء، فإذا اختار باسمة امتنع عليه اختيار علياء. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 79 أ.

القاعدة السادسة بعد المئتين [المسألة المختلف فيها - العمل على رأي الأكثر]

القاعدة السّادسة بعد المئتين [المسألة المختلف فيها - العمل على رأي الأكثر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مسألة اختلف فيها فالعمل على ما قاله الأكثر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تمثّل مبدأ عند الحنفيّة مبنيّاً على أنّ المذهب الحنفي - وإن كان يحمل اسم أبي حنيفة رحمه الله - ليس مذهب شخص معيَّن مفرد، بل هو مذهب اشترك في وضعه جماعة وعلى رأسهم ثلاثة كبارهم: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله، ولذلك فقد وقع الخلاف بينهم في أحكام كثير من المسائل. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ مسألة وقع فيها الاختلاف بين الأئمة الثّلاثة أن يكون العمل فيها على ما اتّفق عليه الأكثر، فما اتّفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف مرجّح على ما انفرد به محمد بن الحسن. وما اتّفق عليه أبو يوسف ومحمد مرجّح على ما انفرد به أبو حنيفة. وهكذا وقد خرج على ذلك مسائل رُجِّح فيها قول أبى حنيفة وحده، أو قول أبي يوسف وحده، ومسائل لم يقع فيها ترجيح. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 158.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت دار أو أرض أو قرية مشهورة باسم رجل، ولم يذكر الشّهود حدودها, لا تقبل شهادتهم عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يبيّنوا الحدود. ولكن عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تقبل شهادتهما ولو لم يبيّنوا الحدود اكتفاءً بالشّهرة، والعمل على قولهما. ومنها: رجل عنده عنب فباعه ممّن يتّخذه خمراً، أو عنده دار فأجرها ممّن يتّخذها للمعاصي، فعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز ذلك. وعند الصّاحبين يكره ممّن يعلم أنّه أراد المعصية، والعمل على قولهما حال العلم. ومنها: شهدوا على رجل بالزّنا، فرجمه القاضي ثمّ تبيّن أنّ الشّهود عبيد، فَدِيَة المرجوم في بيت المال؛ لأنّه خطأ القاضي، وهذا عند الصّاحبين وعليه العمل، وأمّا عند أبي حنيفة فلا ضمان على أحد.

القاعدة السابعة بعد المئتين [المسبب والمباشر]

القاعدة السّابعة بعد المئتين [المسبِّب والمباشر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ مسبِّب لم يطرأ عليه مباشر كان عليه الضّمان (¬1). وفي لفظ: يضاف الفعل إلى المسبِّب إن لم يتخلّل واسطة (¬2). وتأتي في قواعد حرف الياء إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المتسبِّب والمباشر متقابلان. والأصل أنّ الضّمان على المباشر - أي الّذي وقع الفعل بمباشرته له، ولكن قد يجب الضّمان على المسبِّب أو المتسبِّب في التّلف - دون المباشر - وذلك مشروط بأن لا يطرأ عليه مباشر، أو أن لا يتخلّل واسطة بين المسبِّب والتّلف. والمتسبّب أو المسبِّب - هو كلّ من جَعَل سبباً لوقوع الحادثة ولو لم يباشر. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: حافر البئر متسبّب، والمُرَدِّي فيها آخر مباشر، ففي هذه ¬

_ (¬1) الفرائد ص 131 عن الخانية فصل في ضمان ما يتولد من المباح جـ 3 ص 223. (¬2) نفس المصدر ص 210 عن الخانية فصل في ضمان ما يحدث في الطريق جـ 3 ص 457.

الصّورة الضّمان على المُرَدِّي لأنّه مباشر. لكن إذا حفر بئراً في طريق المسلمين بغير إذن، ولم يضع عليها علامات إرشاديّة أو إشارات تنبّه السّائرين فوقع فيها إنسان أو دابّة، فالحافر ضامن وإن لم يكن مباشراً؛ لأنّه المتسبّب. ومنها: إذا قذف إنساناً في البحر فالتقمه الحوت، فالضّمان على القاذف مع أنّه متسبّب في هلاك المقذوف؛ لأنّ الحوت ليس أهلاً للضّمان. ومنها: رجل رشّ الماء في طريق المسلمين ولم يدع ممرّاً - فعطب بذلك إنسان. كان ضمانه على الرّاش؛ لأنّه مسبّب ولم يطرأ عليه مباشر، ولأنّ ما فعله مباح والمباح مقيّد بشرط السّلامة. ومنها: إذا رمى في الأرض قشور موز فزلق بها إنسان فكسرت رجله أو يده فعلى الرّامي الضّمان؛ لأنّه مسبّب، ولم يطرأ عليه مباشر ولا واسطة. ومنها: ألقى حيّة فعطب بها إنسان، فإذا كان العطب بمجرّد الإلقاء قبل أن تتحرّك بنفسها عن وضعها فالضّمان على الملقي. وأمّا إذا تحرّكت عن موضعها فلا ضمان عليه لأنّه تخلل بين الإلقاء والعطب واسطة وهو تحرّك الأفعى بنفسها وانتقالها.

القاعدة الثامنة بعد المئتين [المسكر]

القاعدة الثّامنة بعد المئتين [المسكر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مسكر حرام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث كريم من أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وهو من جوامع كَلِمِه عليه الصّلاة والسّلام وقد ورد بلفظ "كلّ مسكر خمر وكلّ مسكر حرام". تخريج الحديث: أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الأشربة - باب بيان أنّ كلّ مسكر حرام جـ 3 الحديث رقم 1586 عن عائشة رضي الله عنها. والبخاري في كتاب الأدب باب 80، والأحكام باب 22، والمغازي 60. وأبو داود في الأشربة حديث رقم 5، 7، والترمذي في الأشربة 1، 2، والنسائي في الأشربة 53، 45، 40، 49، وابن ماجه في الأشربة 9، 13، 14، والدّارمي في الأشربة رقم 8. والطبراني في الضحايا رقم 8، وأحمد في عدّة مواضع. ينظر المعجم المفهرس جـ 2 ص 491. فالحديث نصّ في بيان أنّ كلّ ما أسكر وغطّى على العقل فهو خمر - وليس بخصوص العنب أو التّمر - سواء كان من النّبات أم من ¬

_ (¬1) المغني جـ 12 ص 495.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الجماد، وبيان أنّ كلّ ما أسكر فهو حرام لا يجوز تناوله سواء أسكر قليله أم لم يسكر إلا كثيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مهما اختلف أسماء المشروبات، أو اختلف ألوانها وطعومها، أو اختلف أصولها المصنوعة منها، أو طرق صنعها أو كانت سائلة أو جامدة أو غازيّة، ما دامت تسكر وتغطّي عقل شاربها ومتناولها فهي حرام كلّها ومتناولها يجب إقامة حدّ الشّرب عليه. ومنها: ماء الشّعير الّذي يسمّونه بيرة إذا اختلط مع الغول - أي ما يسمّى بالكحول - فهو حرام, لأنّه مسكر. ومنها: ما يسمّونه "عَرَق أو نبيذ" هو حر ام لأنّهما مشروبان مسكران - وما يطلق عليه نبيذ هو عصير العنب إذا تزبب - أي أصبح العنب زبيباً. وهو غير النبيذ المذكور في كتب الفقه.

القاعدة التاسعة بعد المئتين [المسلم أمين - حق الشرع]

القاعدة التّاسعة بعد المئتين [المسلم أمين - حقّ الشّرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حقّ الشّرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من باب حسن الظّنّ بالمسلمين فإن قول كلّ منهم مقبول ومعتبر فيما هو من حقوق الشّرع؛ لأنّ المسلم شأنه ألا يقدم على قول في حقّ شرعي يتعمّد فيه الخطأ والإضلال؛ لأنّ دينه وتقواه يمنعانه من القول على الله بغير علم، كما يمنعانه من الكذب على عباد الله في حقّ من حقوق الشّرع. ولكن إذا وجد زمن تعالم فيه كثير من الناس وقلّ الورع وغلَب الفساد وتجرّأ كثير من الناس على القول والفتيا بغير علم، فإنّ على المرء أن يتبيّن صدق قول القائل وصحّته شرعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّت أمرأة أنّ زوجها قد جامعها - وأنكر الزّوج ثم فارقها - وانقضت عدّتها، حَلَّ لزوجها الأوّل الّذي كان قد طلّقها ثلاثاً أن يصدقها ويتزوّجها؛ لأنّها أخبرت عن أمر بينها وبين ربّها وهو حلّها للزّوج ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 151.

الأوّل، ولا حقَّ للزّوج الثّاني في ذلك. ومنها: إذا قالت امرأة: طلّقني زوجي، أو مات عنّي وانقضت عدّتي، حلَّ لخاطبها أن يتزوّجها ويصدقها؛ لأنّ الحلّ والحرمة من حقّ الشّرع. ومنها: إذا اشتبهت عليه القبلة في دار غربة فسأل عنها فأرشده مسلم إليها جاز له الصّلاة إلى الجهة المشار إليها. ومنها: إذا شكّ في طهارة ماء وأراد الوضوء فسأل من هو بجوار الماء فأخبره مسلم أنّ هذا ماء طاهر. جاز له الوضوء منه.

القاعدتان العاشرة والحادية عشرة بعد المئتين [المشكوك فيه]

القاعدتان العاشرة والحادية عشرة بعد المئتين [المشكوك فيه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ مشكوك فيه ملغى في الشّريعة، أو يجعل كالمعدوم الّذي يُجزم بعدمه (¬1). وفي لفظ: كلّ مشكوك فيه سواء كان سبباً أو شرطاً أو مانعاً ملغى (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان لهما صلة وثيقة بقاعدة "اليقين لا يزول بالشّكّ". فإذا كان اليقين هو المعتبر في الأحكام - ومثله غلبة الظّنّ وأكبر الرّأي - فإن الشّكّ بالمقابل لا اعتبار له ولا تبنى عليه الأحكام. والشّكّ: هو التّردّد بين أمرين دون مرجّح لأحدهما. وبناء على ذلك فإنّ كلّ مشكوك فيه، في وجوده ووقوعه أو انتفائه يعتبر ملغى في الشّريعة ويجعل كالمعدوم الّذي يقطع ويجزم بعدمه؛ لأنّ كلّ مشكوك فيه يقابله أمر متيقّن منه واليقين لا يزول بالشّكّ. والشّكّ إمّا أن يكون في السّبب أو في الشّرط أو في المانع. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 111. (¬2) تهذيب الفروق جـ 2 ص 173.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا شكّ هل طلّق أو لم يطلّق. بقيت العصمة؛ لأنّ الطّلاق هو سبب زوال العصمة وقد شككنا فيه فنستصحب الحال المتقدّمة - وهي يقين النّكاح. ومنها: إذا شككنا في زوال الشّمس فلا تجب صلاة الظّهر. ومنها: إذا شككنا في دخول الشّهر فلا يجب الصّوم. ومنها: إذا شككنا في الطّهارة فإنّا لا نقدم على الصّلاة حتى نتطهّر. ومنها: إذا شككنا في الحيض فلا تمتنع عن الصّلاة ولا يمتنع عنها زوجها حتى ترى الدّم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة عند مالك رحمه الله: إذا شكّ في بقاء طهارته المتيقّنة فعليه الوضوء؛ لأنّ الشّكّ في الطّهارة يوجب الشّكّ في صحّة الصّلاة الواقعة سبباً مبرئاً للذّمّة، والذّمّة أعمرت بوجوب الصّلاة يقيناً فلا تبرأ الذّمّة بالمشكوك فيه، وأيضاً "إنّ الشّكّ في الشّرط مانع من ترتّب المشروط" كما تقدّم بيانه (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر قواعد حرف الشين رقم 48.

القاعدة الثانية عشرة بعد المئتين [المعصية - التعزير]

القاعدة الثّانية عشرة بعد المئتين [المعصية - التّعزير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ معصية ليس فيها حدّ مقدّر ففيها التّعزير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاصي التي يرتكبها المكلّفون تنقسم إلى قسمين رئيسين من حيث ترتّب العقوبات عليها. فقسم حدّد له الشّارع عقوبة رادعة - وهو المسمّى بالحدود. وقسم آخر لم يحدّد له الشّارع عقوبة محدّدة وترك تحديد عقوبة كلّ معصية لاجتهاد الحاكم فيما يراه رادعاً وزاجراً وهو المسمّى في الشّرع بالتّعزير. فالتّعزير - كما سبق بيانه - عقوبة غير مقدّرة على جرائم ومعاصٍ غير محدّدة ترك أمر تحديد عقوبة كلّ معصية أو جريمة لاجتهاد الحاكم فيما يراه ملائماً للمصلحة. ولكن الأنظمة الآن حدّدت لكلّ جريمة أو معصية عقوبة تناسبها، إمّا سجن المجرم أو العاصي وإمّا جلده بحسب جرمه، وإمّا تغريمه مالاً - وذلك خارج نطاق الحدود الشّرعيّة - فالقاضي يحكم بموجب هذه الأنظمة ويصدر الحكم بناء على العقوبة المقدّرة في النّظام، فهو ليس ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 188.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

حرّاً في تقدير العقوبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أكل مسلم لحم خنزير - وعلم به الحاكم - فله تعزيره بما يراه رادعاً. لأنّ أكل لحم الخنزير - مع ورود تحريمه - لم يحدّد له الشّرع عقوبة محدّدة. ومنها: من أفطر في رمضان بغير عذر وجاهر بإفطاره، فللحاكم تعزيره بما يراه رادعاً. ومنها: من شتم آخر بغير لفظ القذف، فعليه التّعزير بما يكون مناسباً وزاجراً.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المئتين [المعنى القائم بشيئين]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد المئتين [المعنى القائم بشيئين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ معنى يقوم بشيئين ولا يتمّ بأحدهها يجعلان كشيء واحد في حقّ ذلك المعنى, لأنّ الغرض المطلوب لا يحصل إلا بهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بالعلّة ذات الوصفين أو الأوصاف المتعدّدة، وبالحكم ذي الشّرطين؛ لأنّه سبق بيان أنّ العلّة لا يتمّ الحكم إلا بوجود جميع أوصافها وإذا فقد أحد أوصافها انتفى الحكم. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ حكم أو أمر أو معنى حسّيّاً كان ذلك أو معنويّاً لا يتمّ إلا بشيئين لا يتمّ ولا يوجد بأحدهما، فإنّ هذين الشّيئين أو الوصفين يعتبران كشيء واحد في بناء ذلك الحكم عليهما؛ لأنّ الغرض المقصود لا يحصل إلا بهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الباب ذا المصراعين - أي الدّرفتين - والنّعل والحذاء والخفّ وما يجري مجرى هذا هما في الواقع شيئان، وفي الحكم والمعنى شيء واحد، وقد سبق بيان أنّه إذا وجد عيب في أحدهما وجب ردّ كليهما؛ ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 67 عن الوجيز للحصيري جـ 2 ق 185.

لأنّهما كالشّيء الواحد. ومنها: القتل الموجب للقصاص: هو القتل العمد العدوان من مكافئ غير والد، فإذا فقد وصف من هذه الأوصاف لم يجب القصاص. وينظر القاعدة رقم 148 من قواعد حرف الكاف.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المئتين [النية المشتركة]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد المئتين [النّيّة المشتركة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مفروضين لا تجزيهما نيَّة واحدة (¬1). تحت قاعدة النيّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلّ فرض وواجب يحتاج إلى نيَّة خالصة له ليصحّ أداؤه. بل كلّ عبادة من العبادات - لها مثيل في العادات - لا تكون عبادة إلا بالنّيَّة المميّزة لها. فمفاد هذه القاعدة: أنّه ليس في الشّرع عبادتان مفروضتان تجزئ فيها نيَّة واحدة عن كليهما ويصحّان بها، بل يبطل كلاهما إذا نواهما صاحبهما بنيّة واحدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نوى بصلاته صلاة الوقت وقضاء فائتة. فلا تصحّ نيَّته وبالتّالي لا تصحّ صلاته أداء ولا قضاء. ومنها: نوى بصومه صوم فرض رمضان وقضاء ليوم آخر من رمضان سابق أو صوم نذر، فلا تصحّ نيّته، ولكن عند الحنفيّة يصحّ صومه عن يومه فقط. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 59.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الحجّ والعمرة فهما تجزئهما نيّة واحدة عند الإحرام وذلك في نيَّة الحج قارناً بين الحج والعمرة في أشهر الحج.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئتين [المكروه]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئتين [المكروه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كل مكروه في الجماعة يسقط فضيلتها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا فعل المقتدي فعلاً مكروهاً في الصّلاة خلف إمامه، فهذا الفعل يسقط فضيلة الجماعة. لكن ما المراد بفضيلة الجماعة؟. هل هو سقوط ثواب الجماعة؟ فكأنّ فاعل المكروه صلّى منفرداً. أو هو بطلان صلاة المأموم؟. من خلال الأمثلة نرى أنّ منها: ما يسقط ثواب الجماعة بالنّسبة للفاعل، ولكن لا تبطل صلاته. ومنها: ما يبطل صلاته بالكلّيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قارن المقتدي الإمام في الأفعال كالرّكوع والقيام والسّجود ولم يتابعه، ففي هذه الحال صلاته صحيحة ولكن يكره له ذلك، فهذا قد يسقط ثواب الجماعة بالنسبة له. لكن إذا لم يتأخّر عن الإمام في تكبيرة الإحرام وقارنه بها أو سابقه فقد بطلت صلاته. ومنها: إذا تقدّم على الإمام في الأفعال كأن ركع أو سجد قبله فقد بطلت صلاته. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 438، وينظر روضة الطالبين جـ 1 ص 470 فما بعدها.

ومنها: إذا فارق الإمام - فقد سقط ثواب الجماعة - وصلاته تعتبر صلاة منفرد. ومنها: إذا نوى أن يقتدي بالإمام وهو أثناء صلاته، فهو مكروه. ومنها: إذا صلّى منفرداً خلف الصّف. ومنها: إذا صلّى قضاء خلف إمام يصلّي أداءً. فهو خلاف الأولى وصلاته صحيحة. ومنها: صلاة النّوافل المطلقة في الجماعة، قالوا: إنها لا تستحب فيها. ومنها: إذا لم يتمّ الصّف الأوّل، وَوُجِدَ صفّ ثانٍ قبل إتمام ما أمامه، فهو مكروه.

القاعدة السادسة عشرة بعد المئتين [كفارة الحنث]

القاعدة السّادسة عشرة بعد المئتين [كفّارة الحنث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مكلّف حنث في يمينه لزمته الكفّارة، حراً كان أو عبداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحنث في اليمين: الأصل في معنى الحنث: الذّنب. ولكن في اليمين هو: الخُلف فيه. والمخالفة لما انعقدت عليه اليمين، إمّا بفعل ما حَلَف عليه ألاّ يفعله، وإمّا بعدم فعل ما حلف عليه أن يفعله مع القدرة على فعله. فالحنث في اليمين يوجب الكفّارة على الحانث مطلقاً، حرّاً كان أو عبداً ذكراً كان أو أنثى، إذا كان مسلماً بالغاً عاقلاً، وكان اليمين بالله تعالى. والكفّارة: إمّا عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم على التّخيير بين هذه الثّلاثة. فإن لم يستطع واحداً منها فعليه صيام ثلاثة أيّام. وهذا أمر متّفق عليه بين جميع علماء المسلمين؛ للآية الصّريحة في ذلك. وهي قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 438.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حلف أن لا يكلّم واحداً من الناس، ثمّ كلّمه يجب عليه كفّارة الحنث في يمينه. ومنها: حلف أن يعطي فلاناً من النّاس شيئاً، فلم يعطه وهو قادر على ذلك، فإذا لم يحدد وقتاً للإعطاء فلا يحنث إلا بالموت. وأمّا إن حدّد وقتاً ومضى ذلك الوقت ولم يعطه فقد حنث وعليه كفّارة يمين. والمرأة كالرّجل في ذلك. ومنها: حلف عبد أن لا يعصي سيّده. ثمّ عصاه، فعليه كفّارة يمين. ولما كان العبد لا يملك فيجب عليه صيام ثلاثة أيّام وسقطت عنه الكفّارة بالعتق أو الإطعام أو الكسوة، لكن إن تحرّر قبل التّكفير، وملك مالاً، يستطيع به أن يطعم أو يكسو أو يعتق فيجب عليه ولا يجزئه الصّوم. ¬

_ (¬1) الآية 89 من سورة المائدة.

القاعدة السابعة عشرة بعد المئتين [جواز بيع ما ينتفع به]

القاعدة السّابعة عشرة بعد المئتين [جواز بيع ما ينتفع به] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مملوك أبيح الانتفاع به يجوز بيعه إلا ما استثناه الشّرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيع إنّما يقع على مملوك للبائع، والمملوك قد يباح الانتفاع به وقد لا يباح. وسواء في ذلك الأعيان أو المنافع. فمفاد القاعدة: أنّ ما يجوز بيعه من الممتلكات إنّما هو المملوك الّذي أباح الشّرع الانتفاع به. وأمّا ما لم يبح الشّرع الانتفاع به فلا يجوز بيعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ملك دابّة أو سيّارة أو أرضاً أو داراً فيجوز له التّصرف بها بالبيع؛ لأنّه يجوز ويباح له الانتفاع بها. ومنها: من ملك دابّة أو سيّارة أو أرضاً أو داراً فيجوز له كراؤها وتأجيرها؛ لأنّه يجوز له ويباح الانتفاع بها. والإجارة بيع المنافع. ومنها: جواز بيع بهيمة الأنعام والخيل والصيود والبغل والحمار ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 284.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

وسباع البهائم وجوارح الطّير الّتي تصلح للصّيد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الكلب وأمّ الولد والوقف لا يجوز بيع أي منها، وإن كان الانتفاع بها مباحاً فالكلب ثمنه خبيث لورود النّص بعدم بيعه - وهذا في الكلب غير المعلّم، وأمّا في الكلب المعلَّم ففيه خلاف. وأُمّ الولد لا يجوز بيعها في الأصحّ. والوقف أصبح ملكاً لله تعالى فلا يجوز بيعه وإن كان يباح الانتفاع به.

القاعدتان الثامنة والتاسعة عشرة بعد المئتين

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة عشرة بعد المئتين أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ مَن أخبر عن فعل نفسه قبلناه؛ لأنّه لا يعلم إلا من جهته. إلا حيث تتعلق به شهادة أو دعوى (¬1). وفي لفظ: كلّ ما لا يعلم إلا من جهة الشّخص يقبل قوله فيه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان قاعدتان معقولتا المعنى واضحتا المبنى؛ لأنّ ما لا يمكن علمه ولا معرفته إلا من صاحب العلاقة، أو ممّن فعله فيجب قبول قوله فيه مع يمينه؛ لأنّنا لو لم نقبل قوله فيما هو من خصائصه وأفعاله أو ممّا ينفرد بعلمه لضاع حقّ أو حقوق ولوقع ظلم، وضياع الحقوق لا يجوز، وإيقاع الظّلم بالبرءاء ممنوع ومدفوع. لكن استثني من عدم قبول قوله إذا تعلّق به أحد أمرين: الأوّل: ما تتعلّق به شهادة يتعلّق بها حقوق للغير، والثّاني: أن يتعلّق به دعوى. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 466، 496 فما بعدها. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 278، قواعد الحصني جـ 2 ص 128.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا توفّي شخص وطالب ورثته باقتسام تركته، فادّعت زوجته أنّها حامل. فيوقف تقسيم التّركة حتّى يتبيّن حملها؛ لأنّ كونها حاملاً لا يعلم إلا من جهتها ومن قِبلها وبخاصة في أشهر الحمل الأولى. ومنها: إذا وجب قصاص على امرأة أو حدّ رجم فادّعت الحمل، فيكفّ عن قتلها حتّى تضع حملها. ومنها: إذا ادّعت المطلّقة الرّجعيّة أنّها حاضت ثلاث حيض امتنعت رجعتها، وإن أنكر زوجها ذلك, لأنّ هذا لا يعلم إلا من قِبَلها وبخاصّة إذا كانت المدّة محتملة. ومنها: المودَع إذا ادّعى تلف الوديعة يقبل قوله مع يمينه في السّبب الخفيّ والظّاهر؛ لأنّ المودِع ائتمنه، فلزمه تصديقه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: لا يصدّق السّفيه في دعوى توقان نفسه واحتياجه للنّكاح، وهذا إذا كان له زوجة وأراد أخرى. ومنها: شهادة المرضعة بقولها: أشهد أنّي أرضعته. ففي قبول قولها وجهان عند الشّافعيّة أصحّهما القبول والثّاني عدمه؛ لأنّها شهادة على فعل النّفس، فلتقل إنّه ارتضع منّي، وإن كان الإرضاع قد يعلم من غير طريقها. ومنها: الحاكم بعد عزله إذا قال: أشهد أنّي حكمت بكذا. ففيه وجهان: الصّحيح عدم القبول؛ لأنّها شهادة على فعل نفسه.

ومنها: القُسَّام إذا قَسموا ثمّ شهدوا لبعض الشّركاء على بعض أنّهم قسموا بينهم واستوفوا حقوقهم بالقسمة، والصّحيح عدم القبول أيضاً، ولأنها شهادة على فعل أنفسهم. ومنها: ادّعت المرأة أنّ هذا الولد - وهو مجهول النّسب - مُستَولَد من هذا الرّجل أو السّيّد - فإذا أرادت إثبات النّسب لا تسمع منها الدّعوى. وأمّا إن قصدت إثبات أمّيّة الولد ليمتنع بيعها وتعتق بموته سمعت وحلِّف السيد.

القاعدة العشرون بعد المئتين [أداء الدين]

القاعدة العشرون بعد المئتين [أداء الدّين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من أدّى دين غيره بدون إذنه فهو متبرّع لا رجوع له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنّ من دفع مالاً لدائن بدون إذن المدين فهو متبرع بالدّفع، وليس له بعد ذلك أن يطالب المدين بما دفع. لكن إذا كان الدّفع بإذن المدين فله الرّجوع عليه بما دفع. وهذه القاعدة ليست خاصّة بقضاء الدّين بل تعمّ كلّ تصرّف يكون بغير إذن المتصرَّف عنه؛ لأنه لا يملِّك أحدٌ غيرَه شيئاً بغير اختياره وإذنه إلا الميراث. ولكن لا يمنع ذلك المدفوع عنه أداء ما دفع. أمّا الدّافع فلا حقّ له في المطالبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دفع ديناً لعمرو على خالد بدون إذن خالد. فليس له أن يرجع على خالد ويطالبه بما دفعه عنه، أمّا لو أعطاه خالد فله أخذه. ومنها: اشترى سلعة - كسيّارة أو جهاز - فجاء آخر ودفع عنه ¬

_ (¬1) الفرائد ص 34، وينظر الفتاوى الخانية جـ 3 ص 84.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

الثّمن بغير إذنِه، فليس للدّافع مطالبة المشتري بعد ذلك بالثّمن الّذي دفعه للبائع. ومنها: استأجر داراً أو دابّة أو دكاناً بأجرة معلومة، جاء شخص آخر فدفع الأجرة لصاحب الدّار أو الدّابّة أو الدّكان، بغير إذن المستأجر. فليس للدّافع بعد ذلك مُطالبة المستأجر بما دفع؛ لأنّه دفع عنه بغير إذنه، فهو متبرع. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا أعار إنساناً شيئاً ليرهنه، ثمّ إنّ ذلك المُعير افتكّ المرهون من المرتهن ودفع الدّين، فإنّه يرجع على المستعير الرّاهن بما أدّاه، وذلك مع أنّه أدّى دين غيره بغير إذنه لكنّه هو مضطرّ لأجل تخليص ملكه. فلا يقال فيه: إنّه متبرّع.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئتين [مدعي البراءة]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئتين [مدّعي البراءة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من ادّعى براءَة ذمته بإبراء أو قضاء لم يقبل قوله إلا ببيِّنة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذّمّة إذا أشغلت أو أعمرت بحقّ، ثم ادّعى صاحبها أنّ ذمّته قد برئت من الحقّ الّذى شغلت به بإبراء صاحبه إيّاه، أو بقضائه للحقّ وأدائه لصاحبه - وأنكر صاحب الحقّ دعواه - فإنّ قوله هذا - أي المدّعي - لا يقبل منه إلا ببيِّنة؛ لأنّه مُدَّعٍ، والمدّعى عليه البيِّنة. أو إذا اعترف صاحب الحقّ بالإبراء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل عليه دين لآخر. فادَّعى أنّ الدّائن أبرأه من دينه، أو أنّه أدّى دينه، فهذه دعوى - وهذا القول لا يقبل منه إلا إذا جاء الشّهود يشهدون له بذلك، أو أقرّ الدّائن بالإبراء أو الأداء. ومنها: إذا قذف شخص آخر. وقبل إقامة الحدّ عليه ادّعى أنّ المقذوف أسقط حقّه. فلا يقبل منه إلا ببيِّنة أو إقرار من المقذوف. وهذا عند من يعتبرون القذف من حقوق العبد. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 853.

ومنها: إذا استأجر رجل داراً، فأمره صاحب الدّار بإنفاق الأجرة على عمارتها، فادّعى مقداراً. فكذبه صاحب الدّار، فلا يقبل قول المستأجر في مقدار النّفقة الّذي يدّعيه إلا ببيِّنة؛ لأنّ المستأجر ملتزم بالأجرة، وهي مستقرة في ذمّته، فهو بدعواه يدّعي براءَة ذمته عن ذلك المقدار من الأجرة.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المئتين: [القضاء على الغائب]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد المئتين: [القضاء على الغائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلُّ مَن ادُّعِي قِبَلَه حقّ لا يثبت إلا بقضاء على الغائب قُضِي عليه وعلى الغائب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ الحقّ المدَّعى لا يثبت إلا على حاضر أو وكيل غائب؛ لأنّ الحكم على الغائب قبل سماع أقواله أو وكيله لا يجوز؛ فلعله لو حضر أو وكّل أبدى دفعاً للحقّ المطلوب. لكن مفاد القاعدة: أنّه إذا ادِّعي على حاضر حقّ، وهذا الحقّ لا يثبت إلا بقضاء على غائب لصلته به، فإنّ القاضي يقضي على الحاضر والغائب؛ حيث إنّ القضاء على الغائب جاء تبعاً للقضاء على الحاضر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل ادّعى على آخر عند قاضٍ أنّه قال له: اضمن لفلان مالَه عليَّ من المال. وأنّه ضمِن له ذلك، وأدّى لفلان ألفاً كانت له على الآمر، وأقام على ذلك بيِّنة. فإنّ القاضي في هذه الحالة يقضي على المدّعَى عليه بالمال، وكان ذلك أيضاً قضاء على الغائب بالقبض. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 139 عن الجامع الكبير ص 198.

ومنها: رجل في يديه عبد، قال لآخر: هذا العبد لفلان فاشتره لي بألف. فاشتراه له ودفع الألف. وقال المأمور بعد ذلك قد فعلت. وأقام البيِّنة، قضي على الآمر بالأف وكان العبد له. وكان هذا قضاء على ربّ العبد أيضاً. ومنها: رجل مات وترك ميراثاً. وأقام رجل البيِّنة أنَّه ابن عمّ الميّت لا يعلمون له وارثاً غيره. فيقضي القاضي بالنّسب والميراث. وإن لم يحضر الآباء كلّهم ولا وكلاؤهم. ويكون قضاء على الحاضر والغائب. ومنها: عبد مأذون له عليه دين، قال رجل لصاحب الدّين: أنا ضامن لمالك عليه إن أعتقه مولاه. فأقام صاحب الدّين البيِّنة أنّ المولى أعتقه، وأنّ له عليه من الدّين كذا - والمولى والعبد غائبان - فيقضي القاضي بعتق العبد ويقضي على الكفيل بالمال (¬1). ¬

_ (¬1) الجامع الكبير ص 199.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئتين

القاعدة الثّالثة والعشرون بعد المئتين أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من ارتكب معصية لا يجب فيها الحدّ يُعَزَّر (¬1). وفي لفظ: من أتى معصية لا حدّ فيها ولا كفارة عُزِّر، أو فيها أحدهما فلا (¬2). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاصي من حيث العقوبات عليها نوعان: نوع قدَّر الشّرع عقوبته وحدّد مقدارها وهي المعاصي الّتي حدَّ لها الشّرع حدوداً كالزّنا والقذف والسّرقة والسّكر والرّدّة. ونوع آخر لم يقدّر له الشّرع قدراً ولا حدّ له حدوداً، وترك ذلك لاجتهاد الحاكم بقدر ما يرى من العقوبة الرّادعة الزّاجرة بحسب نوع الجريمة والمعصية، وهذا يسمّى تعزيراً. فالتّعزير هو عقوبة على جرائم ومعاصٍ لم يحدّ لها الشّرع حداً وتركها لاجتهاد الحاكم. فالمعاصي والجرائم لم يهمل الشّرع عقوبة أيّ منها سواء في ذلك ما كان منها معصية لله وارتكاب ما نهى الله عنه، أو كان جريمة في حقّ العباد. فكلها معاقب عليها بالحدّ أو التّعزير، وذلك لتطهير المجتمع ¬

_ (¬1) الفرائد ص 134 عن الخانية جـ 3 ص 233 فصل حد الشرب. (¬2) أشباه السيوطي ص 489، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 396.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

من رجس المعاصي وليطمئن النّاس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم وأمن حياتهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزّنا حدّ له الشّرع حداً للبكر والثّيب. فإذا ضاجع رجل امرأة لا تحلّ له ونال منها غير أنّه لم يجامعها. فهذا لا يحدّ ولكن يعزر بحسب ما يرى الحاكم من عقوبة رادعة. ومنها: غصب مالاً، أو أخذه من غير حرز، فلا يقام عليه حدّ السّرقة ولكن يعزر بعقوبة رادعة. ومنها: من أفطر في رمضان وهو مقيم صحيح. ومنها: المسلم الّذي يبيع الخمر أو يصنعه أو يأكل الرّبا ولا يرجع فإنّه يعزر ويحبس. ومنها: المغني والمخنث والنّائحة يعزرون ويحبسون حتى يتوبوا. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: ذوو الهيئات - أي ذوي الشّرف والعلم - في عثراتهم. إذ تقال عثراتهم للحديث (¬1). ¬

_ (¬1) الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" أخرجه أبو داود رقم 4375، وغيره ينظر في تخريجه موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 2 ص 107.

ومنها: الأصل لا يعزر بحقّ الفرع، كما لا يحدّ بقذفه. ومنها: إذا رأى من يزني بزوجته فقتله في تلك الحالة فلا قصاص ولا تعزير عليه.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئتين [التعزير]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد المئتين [التّعزير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من ارتكب منكراً أو آذى غيره بغير حقّ بقول أو فعل أو إشارة يلزمه التّعزير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من القاعدة السّابقة. ومفادها: أنّ كلّ من ارتكب معصية - ليس فيها حدّ - أو آذى غيره بغير حقّ سواء أكان الأذى بقوله أو فعله أو إشارته فإنّ التّعزير يلزمه. و - كما سبق بيانه - إنّ التعّزير إنّما يكون بحسب الجرم وعظم المعصية، ويكون تحديده باجتهاد الحاكم أو القاضي بما يراه مناسباً للزّجر والرّدع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قبّل امرأة أو فاخذها - ولم يزن بها - فعليه التّعزير. ومنها: من شتم غيره بأن قال له يا حمار أو يا خنزير. فعليه التّعزير. ¬

_ (¬1) الدّر المختار جـ 3 ص 182، 185.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئتين [شراء الملك الشائع]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئتين [شراء الملك الشّائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من اشترى ملكاً - وكان في ذلك الملك حقّ شائع لمستحقّ - نزل المشترى مع ذلك المستحق منزلة البائع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأملاك قسمان: إمّا أن تكون أملاكاً معيَّنة محددة مقسومة لكلّ قسم منها مالك، وإمّا أن تكون أملاكاً شائعة غير مقسومة ولا محددة لملاَّك عدّة. وسمِّيت شائعة: لأنّ حقّ كلّ مالك فيها شائع في كلّ جزء منها. فمفاد القاعدة: أنّ مَن اشترى قسماً من ملك مشاع، أو اشترى ملكاً من شخص، وفي ذلك الملك حقٌّ شائع لمستحق آخر غير البائع - ولم يطالب ذلك المستحق أو الشّريك بحقّ الشّفعة أو أسقطها - فإنّ المشتري في هذه الحالة ينزل منزلة البائع؛ لأنّه حلّ محله فيما كان يملك، فله حقوقه كاملة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى حصّة من ملك شائع بين اثنين فهو يعتبر شريكاً بالنّصف ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 782.

لمن لم يبع ولم يأخذ بالشّفعة. كما أنّ للمشتري الحقّ في الشّفعة لو أراد الشّريك الآخر البيع بعد ذلك. ومنها: إذا اشترى حصّة من ملك شائع بين أربعة، فهو يعتبر شريكاً بالرّبع للشّركاء الآخرين إذا كان للبائع الرّبع وإلا فهو بمنزلته، وله كلّ الحقوق وعليه كلّ الواجبات بحسب نصيبه. ومنها: إذا اشترى أرضاً وفيها بناء لغير البائع فإنّ المشتري إمّا أن يكلّف صاحب البناء قلعه ويغرم له ما نقص من الأرض، وإن شاء المشتري أدّى لصاحب البناء قيمة بنائه واشتراه منه. وإن شاء رضي بتقرير بنائه والتزم له أجرة المثل في المستقبل. كما كان للبائع في هذه الخصال الثلاثة؛ لأنّه نزِّل منزلته.

القاعدة السادسة والعشرون بعد المئتين [الجمع بين الحرام والحلال]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد المئتين [الجمع بين الحرام والحلال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن جمع في العقد الواحد بين حرام وحلال، كان العقد في الحرام باطلاً، وكان في الحلال قولان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة من القواعد المختلف في مدلولها وأحكامها: فمفادها: أنّ العقد الواحد إذا جمع بين حرام وحلال فإنّ العقد في الحرام يكون باطلاً قولاً واحداً. وأمّا في الحلال فمنهم من أجازه، ومنهم من أبطله أيضاً. واختلفوا في بعض الصّور. والأقسام الّتي تندرج تحت هذه القاعدة ثلاثة بالنّسبة للحلال. 1 - قسم يبطل في الحرام - وفي الحلال قولان. 2 - وقسم يبطل في الحرام - ويحلّ ويصحّ في الحلال. 3 - وقسم يبطل في كليهما قولاً واحداً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى وعاءَين في أحدهما خمر وفي الثاني خلّ، في عقد واحد. فإنّ العقد في الخمر باطل قولاً واحداً؛ لأنّها لا يملكها مسلم ولا ثمن لها. وأمّا في الخلّ فقولان: هناك مَن أجازه. وهناك من أبطله ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 979.

أيضاً. ومنها: الرّجل المعسر الخائف من العنت إذا جمع في عقدة واحدة بين حرّة وأَمَة، فنكاحهما باطل قولاً واحداً عند والد إمام الحرمين. وعند غيره هو على القولين. أمّا إذا كان موسراً فنكاح الأمة باطل، وفي نكاح الحرّة قولان: صحيح وباطل. ومنها: من جمع في عقدة واحدة بين مجوسيّة ومسلمة، بطل العقد في المجوسيّة وصحّ في المسلمة. بدون خلاف. ومنها: جمع بين امرأتين له نكاح كلّ واحدة منهما على الانفراد بطل العقد فيهما جميعاً، كالجامع بين أختين أو بين المرأة وعمّتها أو بين المرأة وخالتها.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المئتين

القاعدة السّابعة والعشرون بعد المئتين أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن جنى جناية فهو المطالب بها ولا يطالب بها غيره (¬1). إلا في صورتين. وفي لفظ: من لا مدخل له في الجناية لا يطالب بجناية جانيها، إلا في فرعين (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجناية: من جنى يجني إذ أذنب ذنباً يؤخذ به (¬3). فمن أذنب ذنباً أو أجرم جريمة في حقّ نفسه أو غيره، فإنما عقوبة ذلك الذّنب عليه لا على غيره؛ لأنّ المقصود من العقوبة الزّجر والتّأديب. ولهذه القاعدة أدلّة من الكتاب والسّنّة: فمن الكتاب قوله سبحانه وتعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} (¬4). وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 366 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 236، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 568. (¬2) أشباه السيوطي ص 487. (¬3) المصباح مادة "جنيت" القاموس الفقهي مادة (جنى). (¬4) الآية 38 من سورة النجم.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1). وقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬2). ومن السّنّة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يجني جانٍ إلا على نفسه" (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل شخص آخر عمداً. فالقصاص من القاتل، ولا يقتصّ من غيره. ومن سرق فإنّما تقطع يد السّارق لا يد غيره. ومن زنا فإنّما يقام عليه الحدّ، ولا ينوب عنه غيره فيه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: القاتل خطأ فإنّ الدّيّة على العاقلة لا على القاتل. وكذلك ديّة شبه العمد. ومنها: الصّبيّ المحرم إذا قتل صيداً أو ارتكب موجب كفّارة فالجزاء على الولي، لا في مال الصّبيّ. ¬

_ (¬1) الآية 164 من سورة الأنعام. (¬2) الآيه 15 من سورة الإسراء، 18 من سورة فاطر، 7 من سورة الزمر. (¬3) الحديث أخرجه أحمد رحمه الله في المسند جـ 3 ص 499. عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه. وكنز العمال عنه الحديث 40106.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئتين [صدقة التطوع]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد المئتين [صدقة التّطوع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن حُرِم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدّق والكافر وغيرهم يجوز دفع صدقة التّطوع إليهم، ولهم أخذها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الزّكاة الواجبة لها مصارفها المحدّدة شرعاً. فلا يجوز إعطاء شيء منها لغير مصارفها، فالأغنياء وقرابة المتصدّق الّذين يجب عليه نفقتهم، والكافر، لا يستحقون منها شيئاً، فلا يجوز لهم أن يأخذوه، ولا يجوز للمزكّي إعطاء أيّ منهم مع العلم وإلا لم تسقط عنه الزّكاة الواجبة. لكن صدقة التّطوع لها حكم آخر وهو: مفاد هذه القاعدة: أنّ مَن حُرِم ومُنِع من أخذ صدقة الفرض - أيّ الزّكاة الواجبة - يجوز أن يعطى من صدقة التّطوع كما يجوز له أخذها وتمولها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز إعطاء صدقة التّطوع للغني والكافر وقريب المتصدّق، ويحلّ لهم أخذها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 659.

ومنها: الإنفاق على أهل بيته زوجته وأولاده بنيّة الصّدقة عليهم منه إذا احتسبها, وله الأجر على ذلك، مع أنّه يجب نفقتهم عليه، لكن لا يجوز إعطاؤهم أو الإنفاق عليهم من الزّكاة الواجبة. ومنها: يجوز لذوي قربى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأخذ من صدقة التّطوع - في الأظهر - وإن كان حَرُم عليهم الزّكاة الواجبة (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 658.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئتين [قول الضامن]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد المئتين [قول الضّامن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن حصل عليه ضمان بعقد أو قبض، فالقول فيه قوله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّمان: من ضمن يضمن إذا التزم. فمن التزم شيئاً بعقد أو قبض ثمّ اختلف فيه - أيّ في مقدار الضّمان - فإنّ القول فيه قول الضّامن الملتزم مع يمينه؛ لأنّه مدّعى عليه، وعلى الآخر البيِّنة؛ لأنّه مدّعي الزّيادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج رجل امرأة على ناقة بعينها، أو بستان بعينه، وقبل أن يسلّم المهر للزّوجة ماتت النّاقة أو تلف البستان. واختلفا في قيمة النّاقة أو البستان، فإنّ القول في القيمة قول الزّوج مع يمينه. ومنها: إذا أتلف المودَع الوديعة أو استهلكها واختلف مع المودِع في قيمتها، فالقول قول المودَع الأمين مع يمينه في القيمة، وعلى المودِع البيِّنة. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 153 عن شرح الجامع للجصاص الرازي.

ومنها: إذا غصب شخص شيئاً لشخص آخر واستهلكه أو تلف عنده، واختلف الغاصب والمغصوب منه في قيمته، فإنّ القول قول الغاصب مع يمينه.

القاعدة الثلاثون بعد المئتين [الحلف]

القاعدة الثّلاثون بعد المئتين [الحلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن حلف على فعل نفسه حلف على البت نفياً كان المحلوف عليه أو إثباتاً، ومن حلف على فعل غيره، فإنّ كان على إثبات حلف على البتّ أيضاً؛ لأنّه يسهل الوقوف عليه كما أنّه يشهد به - وإن كان على نفي فيحلف على نفي العلم؛ لأنّ النّفي المطلق يعسر الوقوف على سببه، ولهذا لا تجوز الشّهادة على النّفي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال وينظر قواعد حرف الهمزة رقم 312، 313، وقواعد حرف الحاء رقم 120. ومفادها: أنّ المحلوف عليه أحد شيئين: إمّا على إثبات فعل، وإمّا على نفي فعل. وإثبات الفعل نوعان: لأنّه إمّا إثبات فعل نفسه، وإمّا إثبات فعل غيره. ونفي الفعل كذلك نوعان: إمّا نفي فعل نفسه، وإمّا نفي فعل غيره. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 377 أ. قواعد الحصني جـ 4 ص 264.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فإن كان الحلف على إثبات فعل نفسه أو إثباث فعل غيره، أو على نفي فعل نفسه فيكون حلفه على البتات أي القطع بالفعل أو عدم فعل نفسه؛ لأنّه يعلم ما فعل أو لم يفعل، وكذلك على إثبات فعل غيره. وأمّا إن كان الحلف على نفي فعل غيره فيكون حلفه على نفي علمه بذلك. والميزان والمعيار في ذلك الشّهادة فما يجوز له أن يشهد عليه يحلف على البتات والقطع. وما لم يجز له أن يشهد عليه فيحلف على عدم العلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى وارث على إنسان ديناً لمورثه عليه، فأجاب المدين بأنّ مورثك قبض الدّين أو أبرأني منه، فإن الوارث - وقد أصبح مدّعياً عليه بالعلم بالقبض أو الإبراء - فيحلف على نفي علمه بإبراء المورث أو قبضه. وكذا لو كان المدّعى عليه المورث، فيحلف الوارث على نفي العلم. ومنها: إذا شهد اثنان أنّ شخصاً باع من فلان في ساعة كذا. وشهد آخران أنّه كان ساكتاً في تلك السّاعة - فهذه شهادة على نفي البيع - فهل تقبل؟ والصّحيح أنّها تقبل، لأنّ النّفي المحصور كالإثبات في إمكان الإحاطة به بخلاف النّفي المطلق.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئتين [وجوب أداء الصلاة]

القاعدة الحادية والثّلاثون بعد المئتين [وجوب أداء الصّلاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن دخل عليه وقت الصّلاة - وهو من أهل الفرض - وجب عليه فعلها على حسب حاله - حتّى بالإيماء - ولا يعذر أحد في تأخيرها عن وقتها (¬1). إلا في صور. وفي لفظ: كلّ حال قدر المصلّي فيها على تأدية فرض الصّلاة كما فرض الله تعالى صلاها، وصلّى ما لا يقدر عليه كما يطيق (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصّلاة من أوجب الواجبات على المسلم، وهي الرّكن الثّاني بعد الشّهادتين، وهي ميزان قبول الأعمال يوم القيامة أو ردّها. والأمر بأدائها في أوقاتها ثابت بأدلّة من الكتاب والسّنّة والإجماع، فلا يعذر مسلم في تركها, ولا يجوز له تأخير أدائها عن وقتها مهما كانت حاله؛ لأنّ عليه أن يصلّيها بحسب حاله وقدرته. إلا في حالا محدودة يجوز له فيها تأخير أدائها لا تركها. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 313 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 81، أشباه السيوطي ص 434. (¬2) الأم جـ 1 ص 81 باب صلاة المريض.

ثالثا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

فمفاد القاعدة: أنّه إذا دخل على المسلم وقت الصّلاة - وكان من أهل أدائها - أي بالغاً عاقلاً غير حائض ولا نفساء - ولا نائماً ولا مغمى عليه - فإنّه يجب عليه أداؤها وفعلها على حسب حاله وقدرته حتى لو أومأ بها إيماءً إن لم يمكنه القيام والرّكوع ولا السّجود. ولا يعفى أحد مستوفٍ للشّروط من تأخيرها عن وقتها إلا استثناءً في صور. ثالثاً: ممّا يستثنى من مسائل هذه القاعدة: النّائم والمغمى عليه معذوران في تأخير أداء الصّلاة حتى يستيقظ النّائم ويفيق المغمى عليه. ومنها: النّاسي معذور في التّأخير حتى يتذكّر أو يذكر. والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} " الحديث رواه الجماعة بهذا اللفظ إلا البخاري والتّرمذي. والآية 14 من سورة طه. ومنها: المكره على تركها حتّى بالإيماء. ومنها: جواز تأخيرها في السّفر بنيّة الجمع. وفي مزدلفة للنّسك. ومنها: المشتغل بإنقاذ غريق أو دفع صائل عن نفس أو بضع أو مال، أو بالصّلاة على ميّت خشي انفجاره. وكذا بدفنه. ومنها: العادم للماء والتّراب في قول، وفي كلّ ذلك يجب القضاء.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئتين [التسيب]

القاعدة الثّانية والثلاثون بعد المئتين [التّسيّب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن سيَّبَ دابّة لعلّةٍ فأخذها إنسان وتعاهدها كان لصاحبها أن يستردّها بعد ذلك، إلا أن يقول الّذي سيَّبها حين سيَّبها: مَن شاء فليأخذها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سُيِّب يُسيَّب: إذا ترك يذهب حيث شاء. وسيَّب الشّيء: تركه. تعاهد الشّيء: تردّد إليه وأصلحه وحفظه. والأفصح تَعَهَّدته (¬2). وقال ابن فارس: لا يقال: تعاهدته؛ لأنّ التّفاعل لا يكون إلا من اثنين (¬3). فمفاد القاعدة: أنّ مَن سيَّب شيئاً له قيمة أو لا قيمة له. فلا يزول ملكه عنه بالتّسيّب، فإذا أخذه إنسان فإن لمالكه استرداده, حتّى لو اعتنى به مَن أخذه فلا يستردّ ممّا أنفقه عليه شيئاً لأنّه متبرّع. لكن إذا قال المسيِّب حين سيَّبه: مَن شاء فليأخذه. فأخذه إنسان صار ملكه ولا حقّ لمسيِّبه في استرداده. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 143 عن الخانية كتاب الهبة جـ 3 ص 262. (¬2) المصباح المنير مادة "العهد". (¬3) ابن فارس صاحب كتاب معجم مقاييس اللغة، سبقت ترجمته.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سيَّب شخص دابّة عجفاء في مكان ما، فجاء إنسان فأخذها واعتنى بها حتى سمنت وتعافت. فلصاحبها أن يستردّها ممّن هي تحت يده، وليس لمن أنفق عليها المطالبة بالنّفقة؛ لأنّه متبرّع، وصاحبها لم يأذن له في أخذها وتعهدها. ومنها: إذا رمى ثوبه وقال حين رماه للحاضرين: من أراد أن يأخذه فليأخذه، فأخذه أحدهم، فهو هبة. ومنها: إذا قال رجل: قد أذنت للناس جميعاً في ثمر نخلي أو بستاني هذا، فمن أخذ شيئاً منه فهو له. فعلم بذلك ناس من الناس، فأخذوا شيئاً من ذلك فهو لهم. ومنها: إذا سيَّب دابّة وقال: لا حاجة لي إليها. ولم يقل: هي لمن أخذها. فأخذها إنسان لا تكون له.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئتين [الشك في الفعل]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد المئتين [الشّكّ في الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن شكّ في شيء هل فعله أم لا، فهو غير فاعل في الحكم (¬1). تحت قاعدة براءة الذّمّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بقاعدة "اليقين لا يزول بالشّك" وفرع القاعدة "الأصل براءة الذّمّة" فمن شكّ في أمر من الأمور أنّه فعله أو لم يفعله، فهو في الحكم غير فاعل؛ لأنّ براءة الذّمّة عن الفعل متيقّنة وهي الأصل، والفعل مشكوك فيه، والشّكّ لا يزيل اليقين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سلَّم من صلاته، وبعد ذلك شكّ هل سها في صلاته تلك أو لم يَسْهُ، فالأصل عدم السّهو. ومنها: إذا كان صائماً وشكّ في حصول المفسد، فالأصل عدم الإفساد وصحّة الصّوم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا شكّ ماسح الخف هل انتقضت المدّة أم لا. فعليه الغَسل، إذ ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 1 ص 279 عن ابن القاص أبو العباس أحمد بن أبي أحمد القاص الطبري المتوفى بطرسوس سنة 335، طبقات الشافعية الكبرى جـ 3 ص 59.

يُحكم بانقضاء المدّة. تحت قاعدة "الشّكّ في الشّرط مانع من ترتّب المشروط" وقد سبقت. ومنها: إذا شكّ المسافر هل نوى الإقامة أم لا. لم يترخّص مع أنّ الأصل عدم نيَّة الإقامة. من باب الأخذ بالأحوط للدّين. ومنها: إذا تيمّم ثمّ رأى شيئاً لا يدري أسراب هو أم ماء. يبطل تيمّمه مع أنّ الأصل عدم كونه ماءً (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المجموع للعلائي لوحة 30 ب، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 29 - 30، المنثور للزركشي جـ 2 ص 374 - قواعد الحصني جـ ص 280 فما بعدها، أشباه السيوطي ص 72 - 73.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المئتين [صحة المباشرة وعدمها]

القاعدة الرّابعة والثلاثون بعد المئتين [صحّة المباشرة وعدمها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن صحّت مباشرته الشّيء صحّ منه التّوكيل فيه، والتّوكُّل فيه عن غيره، وما لا يجوز له مباشرته لا يصحّ توكيله ولا التّصرف فيه بالوكالة عن غيره (¬1). وفي لفظ: من لا يجوز تصرّفه لا يجوز توكيله ولا وكالته (¬2). وتأتي ضمن قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإنسان قد يباشر الشّيء أو المعاملة بنفسه، وقد يوكّل فيه غيره، ولكن ليس كلّ شيء يمكن أن يوكّل فيه الإنسان غيره، بل إنّ هذا مشروط بأنّ ما يريد التّوكيل فيه يصحّ منه فعله ومباشرته إيّاه بنفسه، وما لا يصحّ منه فعله ومباشرته إيّاه بنفسه لا يصحّ له التّوكيل فيه، ولا التّوكّل فيه عن غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يصحّ ويجوز للمكلف أن يبيع ويشتري بنفسه - بشرط أن يكون ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 338 أ. قواعد الحصني جـ 4 ص 161، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 316. أشباه السيوطي ص 463. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 325.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ما يريد بيعه أو شراءَه ممّا يجوز فيه التعاقد - فيصحّ له أن يوكّل فيه غيره، وأن يتوكّل فيه عن غيره. ومنها: عقد النّكاح يصحّ للمكلف أن ينكح ويتزوج بنفسه، فيصحّ له أن يوكّل في عقد النّكاح غيره، ويتوكّل هو عن غيره. بشرط أن يكون العقد خالياً عن الموانع الشّرعيّة الّتي تمنع انعقاده، كأن يكون مريد النّكاح محرماً، فلا ينكح ولا ينكح وليس له أن يوكّل غيره في عقد النّكاح ولا أن يتوكّل هو عن غيره. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المستثنى نوعان: النّوع الأوّل مع صحّة مباشرة المكلف له لا يصحّ التّوكيل فيه: العبادات البدنيّة كالصّلاة والصّوم وتلاوة القرآن. ومنها: الأيمان، والنّذور، والإيلاء، واللعان، والقسامة. لا يصحّ التّوكيل فيها. ومنها: الشّهادات في التحمل والأداء. ومنها: تملك المباحات كالاحتطاب والاصطياد، وفيه عند الشّافعيّة وجهان. ومنها: الالتقاط لا يجوز التّوكيل فيه. النوع الثّاني: ما يصحّ التّوكيل فيه مع أنّه لا تصحّ له مباشرته بنفسه:

الأعمى - عند الشّافعيّة - لا يصحّ منه البيع والشّراء ونحوهما، ويصحّ أن يوكّل غيره في ذلك للضّرورة. ومنها: من وجب له القصاص في العين أو في الطَرَف لم يستوف ذلك بنفسه على الصّحيح ويوكّل فيه؛ لأنه لا يؤمن أن يردد الحديدة ويزيد في الألم تشفياً. ومنها: العبد لا يصحّ قبوله النّكاح بغير إذن سيّده، ويصحّ أن يتوكّل فيه لغيره على الأصح. ومنها: الموسر لا يجوز أن يعقد على أمة لنفسه مع القدرة على الحرّة، ويجوز أن يكون وكيلاً لمعسر خاف العنت في قبول النّكاح. وممّا امتنع فيه المباشرة والتّوكيل والتّوكّل: المحجور: لا يصحّ منه التّصرّف في ماله ولا يجوز له التّوكيل فيه. ومنها: الصّبي المميز: لا يصحّ منه التّصرّف في ماله ولا يجوز له التّوكيل فيه. ولكن يجوز توكيله في الإذن في دخول، الدّار وحمل الهديّة.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المئتين [صحة الطلاق والظهار]

القاعدة الخامسة والثّلاثون بعد المئتين [صحّة الطلاّق والظّهار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن صحّ طلاقه صحّ ظهاره. عند الشّافعيّة والحنابلة (¬1). خلافاً للحنفيّة والمالكيّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مثار خلاف بين الحنفيّة والمالكيّة من جانب والشّافعيّة والحنابلة من جانب آخر. حيث إنّ عند الشّافعية والحنابلة أنّ من صحّ طلاقه - وهو المسلم والذّمّيّ - صحّ منه الظّهار. والظّهار أن يقول لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي. وحكمه الامتناع عن وطء المرأة حتى يُكَفِّر عن ظهاره بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين قبل التماس، أو يطعم ستّين مسكيناً. فعلى مفاد هذه القاعدة يقع الظّهار من الذّمّي؛ لأنّه يصحّ طلاقه، وقد قال الشّافعي رحمه الله: "ويلزم الظّهار من لزمه الطّلاق ويسقط عمّن سقط عنه"، فإذا كان الذّمّي يلزمه الطّلاق فيلزمه الظّهار أيضاً" (¬2). وأمّا عند الحنفيّة والمالكيّة "فمن صحّ ظهاره صحّ طلاقه"، فلا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 231. (¬2) الأم جـ 11 ص 474، 478.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يصحّ عندهم ظهار الذّمّي؛ لأنّه لا يصحّ منه التّكفير؛ لأنّ الكفّارة تطهير من الذّنب، والكافر ليس بأهل له وما فيه من الشّرك أعظم من الظّهار. وأمّا عند الشّافعي وأحمد رحمهما الله تعالى: أنّ الذّمّي من أهل الكفّارة؛ لأنّه من أهل الإعتاق؛ لأنّ في الكفارة شائبة العقوبة فتكون بمنزلة الحدّ وفي الحدّ معنى الكفّارة (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذمّي - يهودي أو نصراني - ظاهر من زوجته، صحّ ظهاره - عند الشّافعي وأحمد رحمهما الله تعالى - فعليه عتق رقبة، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً. ولا يُكَفّر بالصّوم؛ لأنّه ليس من أهله. وعند الحنفيّة والمالكيّة (¬2) لا يصحّ ظهاره. وخصّ الذّمّي باليهودي والنّصراني لأنّ الذّمّي المجوسي لا يقع ظهاره عند الجميع لأنّه يرى حِلَّ أمّه وأخته. ¬

_ (¬1) المقنع جـ 3 ص 240، والكافي ص 603، 571. (¬2) ينظر بلغة السالك جـ 2 ص 239، وعقد الجواهر جـ 2 ص 225.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئتين [من يصح منه الإسلام]

القاعدة السّادسة والثّلاثون بعد المئتين [من يصحّ منه الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن صحّ منه الإسلام إذا أتى به صحّ منه الإباء إذا عُرِض عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدّخول في الإسلام يصحّ من كلّ بالغ عاقل ذكر أو أنثى حرّ أو عبد ناطق أو أبكم، ويدخل مع هؤلاء الصّبي الّذي يعقل الإسلام (¬2). فمن وعى الإسلام من هؤلاء وأراد الدّخول فيه صحّ منه وقبل واعتبر مسلماً. وبالمقابل فكلّ واحد من هؤلاء إذا عُرض عليه الإسلام فأبى الدّخول فيه صحّ إباؤه وامتناعه فيقتل أو يكون ذمّة أو رقيقاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد نكاح صبيّين ذمّيّين ثمّ أسلم أحدهما - وهو يعقل الإسلام - صحّ إسلامه - عند الحنفيّة - استحساناً، ويعرض على الآخر الإسلام - إن كان يعقل - فإن أسلم فَهُما على نكاحهما، وكذلك إن كان الّذي أسلم هو الزّوج. أمّا إن كانت المرأة هي التي أسلمت فيعرض الإسلام على الزّوج فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن أبى فُرِّق بينهما ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 47. (¬2) المقنع جـ 3 ص 517.

استحساناً؛ لأنّ السّبب الموجب للفرقة يستوي فيه الصّبي والبالغ. ومنها: المجنون ومن زال عقله بآفة أو نوم أو إغماء أو شرب دواءً مباحاً فسكر منه لا تصحّ ردّته، ولا حكم لكلامه بغير خلاف، هذا إذا كان مسلماً قبل زوال عقله.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئتين [ضمان اليد]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد المئتين [ضمان اليد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من ضمِن شيئاً باليد لم يبرأ من الضّمان إلا بيد أخرى سوى تلك اليد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد باليد هنا: القدرة على التّصرف. ودليل القاعدة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "على اليد ما أخذت حتى تؤدّي" (¬2). أو (تؤديه) فمن وجب عليه ضمان شيء ما بأَخذه وقبضه وقدرته على التّصرف فيه بالباطل فإنّ ذمّته لا تبرأ من ضمان ما أخذ حتى يؤدّيه إلى اليد المحقّة - وهو المراد باليد الأخرى - واليد التي يجب عليها الضّمان هي يد الغاصب والمستام والمستعير والمشتري فاسداً والأجير على قول، ويد الأمانة إذا وقع فيها التّعدي. والضّمان إمّا في مقابلة فوات يد المالك أو تفويتها كما هو عن الشّافعيّة، أو في مقابلة فوات العين كما هو عند الحنفيّة (¬3). ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 695. (¬2) الحديث رواه الخمسة وصحّح الحاكم إسناده وسبق تخريجه. (¬3) المقنع جـ 2 ص 228.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب شيئاً وجب عليه ضمانه، ولا يبرأ من الضّمان إلا أن يردّه الى يد من اغتصبه منه. ومنها: استعار دابّة أو سيارة أو ثوباً أو آنية ليستعملها مدّة محدّدة يوماً أو ساعة أو شهراً، وعند نهاية المدّة لم يسلّمها للمعير فتلفت عنده وجب عليه ضمان العاريَّة - وإن لم يتعمّد الإتلاف -؛ لأنّه بعد انقضاء مدّة الإعارة لو انتفع بالعين صار ضمانه كضمان الغصب، والعاريَّة عند الشّافعيّة والحنابلة مضمونة بقيمتها يوم التّلف (¬1). ولكن ليس كضمان المغصوب. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 323 فما بعدها.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئتين [تعليق الطلاق]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد المئتين [تعليق الطّلاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن علَّق الطّلاق على صفة لا يقع ذلك الطّلاق دون وجود تلك الصّفة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطّلاق قد يوقعه الزّوج غير معلّق على صفة أو حالة، أو غير مشروط بشرط، وقد يكون معلقاً على صفة مشروطة. فما كان غير معلّق ولا مشروط فهو يقع بمجرّد صدوره عن الزّوج، سواء أكان طلاقاً رجعيّاً أم بائناً؛ إذا كان الزّوج مستوفياً لشروط الإيقاع. ولكن إذا كان الطّلاق معلقاً على صفة أو حال أو جزاء فلا يقع قبل وجود تلك الصّفة أو تلك الحال أو ذلك الجزاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن حضت فأنت طالق. لا تطلق قبل أن ترى دم الحيض. ومنها: إذا قال: إن خرجت من الدّار فأنت طالق. لا يقع عليها ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 357 أ. أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 379، قواعد الحصني جـ 4 ص 214. أشباه السيوطي ص 477.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الطّلاق قبل خروجها من الدّار، حتى لو وضعت رِجْلاً خارج الباب لا تطلق ما لم تخرج بكلّها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا تزوّج حُرٌّ بأَمَة وعلّق طلاقها على كونه عنيناً، فليس لها أن تحاكمه، فلا يصحّ يمينه بطلاقها ولا دعواها؛ لأنّها لو حققت دعواها خرجت من الزّوجيّة، والعقد الّذي يناقض موضوعه لا يصحّ. ومنها: إذا قال لها: إن رأيت الهلال فأنت طالق. فإنّها تطلق برؤية غيرها. ومنها: إذا قال: أنت طالق أمس أو الشّهر الماضي. فتطلق في الحال على الأظهر. ومنها: إذا قال: أنت طالق لرضى فلان أو لدخول الدّار طلقت في الحال. واللام للتّعليل. ومنها: إذا قال لمن لا سُنَّة لها ولا بدعة لصغر أو كبر: أنت طالق للسُّنّة أو البدعة طلقت في الحال. وكذلك إذا قال: أنت طالق طلقة حسنة أو قبيحة. أو نحوه.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئتين [الاجتهاد الجزئي]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد المئتين [الاجتهاد الجزئي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مّن عَلِم أدلّة شيء كان من المجتهدين فيه وإن جهل غيره (¬1). فقهيّة أصوليّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأدلّة: جمع دليل، وهو عند الأصوليّين "ما يوصل إلى المطلوب قطعاً أو ظنّاً" ليشمل الدّليل والأمارة. والمجتهدون: جمع مجتهد، من اجتهد يجتهد اجتهاداً، إذا بذل وسعه وطاقته في طلب شيء. فالاجتهاد اصطلاحاً: هو بذل الوسع في استخراج حكم شرعي من أدلّته. والاجتهاد نوعان: 1 - اجتهاد كلّي، وهو اجتهاد المجتهد في عموم أدلّة الشّرع ومعرفة أحكامه - وإن جهل بعضها. 2 - واجتهاد جزئي، وهو اجتهاد فقيه في استنباط حكم شرعي لمسألة أو مسائل محدودة من أدلّتها التّفصيليّة الشّرعيّة. وهل يعتبر مجتهداً؟ خلاف. لكن مفاد هذه القاعدة: أنّ من علم أدلّة حكم شرعي لمسألة ما فهو يعتبر مجتهداً في هذه المسألة، وينبني على ذلك أنّه لا يجوز له أن يقلّد غيره من المجتهدين فيها، بل يجب عليه أن يعمل باجتهاد نفسه. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 440.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وهذا في كلّ مسألة اجتهاديّة لا نصّ فيها بخصوصها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المجتهد في القبلة، هو العالم بأدلّتها، وإن كان جاهلاً بأحكام الشّرع - فيجب عليه أن يتوجّه في صلاته إلى جهة القبلة الّتي استدلّ عليها باجتهاده. ومنها: من اجتهد في أنّ الخلع فسخ فليس له أن يقلّد من اجتهد ورأى أنّ الخلع طلاق (¬1). ومنها: من اجتهد في إيقاع الطّلاق البات بالقول "عليَّ الحرام" لا يقلد من رأى أنّ هذا القول لا يترتَّب عليه حكم الطّلاق، بل عليه أن يعمل باجتهاد نفسه دون اجتهاد غيره. ¬

_ (¬1) الفرق بين الفسخ والطّلاق أنّ الفرقة المعتبرة فسخاً لا تحسب على الرّجل من عدد تطليقاته.

القاعدة الأربعون بعد المئتين [العلم أو الجهل بالتحريم والجهل بوجوب العقوبة]

القاعدة الأربعون بعد المئتين [العلم أو الجهل بالتّحريم والجهل بوجوب العقوبة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ مَن علم تحريم شيء لم يفده جهله بما يترتّب عليه (¬1). وفي لفظ: كلّ من جهل تحريم شيء فيما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل، إلا إذا كان مما يخفى (¬2). وفي لفظ: من علم حرمة شيء وجهل وجوب الحدّ لم يسقط عنه الحدّ بذلك الجهل؛ لانتهاكه حرمة الله تعالى (¬3). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: العلم بالتحريم سبب لوجوب العقوبة على من ارتكب ما علم تحريمه، وإن كان يجهل العقوبة المترتّبة على ذلك الفعل المحرّم؛ لأنّ هذا جهل غير معتبر لإسقاط الأحكام. لكن من ارتكب محرماً جاهلاً ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 381، المنثور جـ 2 ص 15، أشباه السيوطي ص 286. (¬2) أشباه السيوطي ص 200 - 201. (¬3) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 117، 535، المجموع المذهب لوحة 140 أ. قواعد الحصني جـ 2 ص 286.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

تحريمه - وليس ممّا علم تحريمه من الدّين بالضّرورة - أو كان ممّا يخفى علمه على كثير من النّاس فقد يكون عذراً في عدم العقوبة (¬1). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أمر غاصب غيره بإتلاف المغصوب أو إحراقه - وهو يجهل أنّ هذا الشّيء مغصوب - ففعل ما أمر به أو طلب منه، وجب عليه ضمان ما أتلف، ولم يفده جهله بالغصب، لكن يرجع على الغاصب بما ضمن. إلا إذا قال له الغاصب: أتلف أو أحرق مالي هذا. فأتلفه. ومنها: إذا شرب الخمر عالماً بحرمتها, ولكنّه يجهل العقوبة المترتّبة على شربها، فعليه حدّ السّكر، إن كان في بلد مسلم؛ لأنّ مثل هذا لا يجهل في دار الإسلام. إلا إذا كان حديث عهد بإسلام. أو كان في بلاد الكفر وقد أسلم وقد علم بتحريم الخمر ولم يعلم عقوبة شربها فالرّاجح أنّه لا حدّ عليه؛ لأنّ جهله هذا يعتبر عذراً، بخلاف الموجود في دار الإسلام. ومنها: من علم تحريم الطّيب في الحجّ أو العمرة وتطيّب، ولكنّه لا يعلم أنّ على من تطيّب فدية أو جزاء، وجب عليه الفدية. ولم يفده جهله بالعقوبة. ومنها: لو علم تحريم الكلام في الصّلاة ولم يعلم أنّه مبطل لها، فتكلّم فقد بطلت صلاته، ولم يفده جهله. ¬

_ (¬1) وينظر القاعدة 26 من قواعد حرف الجيم.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا قتل من يعتقد عدم مكافأته كحر يقتل عبداً، أو مسلم يقتل ذمّيّاً. ثمّ تقوم البيِّنة بأنّ المقتول قد أعتق، فأصبح حرّاً، أو أسلم. فهل على القاتل قصاص؟ قولان: قول بأنّه لا قصاص عليه، وهو أضعف القولين. وعلى هذا تكون مستثناة. ومنها: لو شهد رجلان على رجل بقتل فقُتِل ثم رجعا عن شهادتهما. وقالا: تعمدنا الشّهادة الباطلة، ولكن ما عرفنا أنّه يقتل بشهادتنا، فلا يجب القصاص في الأصحّ.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئتين [القبض بالإذن]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئتين [القبض بالإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن قبض بإذن الدّافع ما ليس من جنس حقّه كان أميناً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من أخذ شيئاً من غيره بإذنه - وكان ذلك المقبوض والمأخوذ من غير جنس حقه - فحكم المقبوض أنّه أمانة في يد القابض، ويأخذ حكم الأمانة والوديعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شخص له على آخر مئة ألف، فأعطاه سيّارة، فقبضها الدّائن وأخذها. فهي أمانة عنده غير مضمونة عليه إلا بالتّعدي أو التّقصير، ولا تعتبر أداء للدّين لأنّها ليست من جنس حقّه وهو الدّراهم. إلا إذا صالحه عليها برضاه. ومنها: رجل اشترى سلعة من آخر بألف ريال. فأخذها مظروفة في ظرف. ولما فتح الظّرف في داره أو دكانه وجدها دولارات أو جنيهات، فأراد أن يردّها لصاحبها فضاعت منه فهو غير ضامن شيئاً. إلا إذا ثبت التّقصير في الحفظ. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 55 عن الخانيّة جـ 2 ص 265.

ومنها: إذا دفع إليه ألفاً ديناً عليه، فأخذها الدّائن، ثمّ عدَّها بعد ذلك فوجدها ألفاً ومئتين أو ألفاً وخمسمئة، فرجع ليردّ الزّائد فضاعت كلّها، فلا شيء عليه ولا له؛ لأنّه استوفى ألفه والزّائد أمانة عنده غير مضمونة. أمّا لو ضاعت المئتان فقط كان الألف بينهما على ستة.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المئتين [اليمين على مقبول القول]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد المئتين [اليمين على مقبول القول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن قُبل قوله فعليه اليمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق في أكثر من قاعدة: أنّ مَن يقبل قوله هو المتمسّك بالظّاهر والأصل وهو المنكر وهو المدّعَى عليه لأنّه الأصل. ومن لا يقبل قوله هو المتمسّك بخلاف الأصل وهو المدّعِي، فعليه البيِّنة. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ متمسّك بالظّاهر والأصل يقبل قوله لكن عليه اليمين لنفي المدَّعى به عليه. بناء على الحديث "البيِّنة على المدّعِي واليمين على المدَّعى عليه المنكر" (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأمين غير ضامن. فالقول قوله في هلاك الوديعة بغير تعدٍّ منه أو تقصير في حفظها، أو في ردّها على صاحبها. ولكن عليه اليمين لنفي الضّمان عن نفسه. ومنها: إذا اختلفا في قيمة المتلَف، فالقول قول النّافي للزّيادة مع يمينه. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 53، أشباه ابن نجيم ص 59، 221. (¬2) ينظر الوجيز ص 184 الطبعة الأخيرة. وقد سبق تخريج الحديث.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا أقرّ شخص بشيء أو حقّ لغيره قُبِل تفسيره بما لَهُ قيمة، والقول قول المقرّ مع يمينه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الموهوب له إذا ادّعى هلاك الشّيء الموهوب - حين أراد الواهب الرّجوع في هبته - أنّه لا يمين عليه، والقول قوله في هلاكه أو استهلاكه.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئتين [أهلية الشهادة والقضاء]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد المئتين [أهليّة الشّهادة والقضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن كان أهلاً للشّهادة فهو أهل للقضاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادة أمام القضاء لا تقبل إلا بشروط في الشّاهد، فإذا استوفى الشّاهد هذه الشّروط قبلت شهادته، وإلا رُدَّت. فمفاد القاعدة: أنّ من تقبل شهادته أمام القضاء لعدالته واستيفائه شروط القبول كان جديراً وأهلاً لتولّي منصب القضاء. ولكن الحقيقة أنّ هذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ بل هي تختصّ بالجوانب الأخلاقيّة للشّاهد التي تجمعها كلمة العدالة، أي كون الشّاهد مسلماً حراً عدلاً ثقة صادقاً. ولكن القضاء يحتاج إلى جانب ذلك إلى صفات أخرى من الفقه والعلم والقدرة على القضاء والحكم بين الناس من الذّكاء والفراسة ودقّة النّظر في الأمور، وهذه صفات لا يتصف بها الشّاهد في أغلب الأحيان. فليس كلّ من صلح شاهداً صلح قاضياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من كان عدلاً - غير مرتكب كبيرة ولا مُصِرٍّ على صغيرة، ¬

_ (¬1) الفرائد ص 86 عن الخانية كتاب الدعوى.

وليس أصلاً ولا فرعاً للمشهود له قبلنا شهادته. وهو بالتّالي يكون أهلاً للقضاء إذا كان إلى جانب ذلك فقيهاً عالماً بالقضاء ذا فراسة وذكاء، قد حَصَّل علم القضاء وفقه القضاء. ومنها: العبد والصّبي والأعمى - عند الحنفيّة - والمرأة والكافر لا يكونون أهلاً للقضاء، حتى لو قلِّد أحدهم فقضى لا ينفذ قضاؤه. ولأن القضاء ولاية ولا ولاية للعبد والصّبي والكافر. والمرأة لضعفها، وأمّا الأعمى فلعدم رؤيته للمتخاصمين. وفيهما خلاف.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المئتين [الفرع المكذب أصله]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد المئتين [الفرع المكذب أصله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن كان فرعاً لغيره لم تسمع دعواه بما يكذب أصله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وإن كانت واردة فيما يتعلّق بادّعاء النّسب، لكن يمكن أن يتّسع مضمونها ليشمل كثيراً من الفروع والأصول. فمفادها: أنّ الفرع إذا ادّعى دعوى فيها تكذيب لدعوى أصله أنّه لا تسمع هذه الدّعوى ولا تقبل؛ لأنّ الدّعوى إذا فصِّلت على الوجه الشّرعي لا تنقض ولا تعاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت إقرار رجل بأنّه من ولد العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه ثمّ مات. فادّعى ولده بعد ذلك أنّه من نسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلا تسمع هذه الدّعوى؛ لأنّ فيها تكذيباً لأصله. ومنها: إذا أثبت الموكل أن ماله عند زيد من الناس ومقداره كذا, ووكّل في قبضه وكيلاً، فادّعى الوكيل: أنّ المال عند بكر من الناس ومقداره كذا - لغير المقدار الّذي ذكره الموكّل - فإنّ هذه الدّعوى ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 507

لا تقبل لأنّ فيها تكذيباً لأصله وهو الموكل من جهتين: من جهة المدين، ومن جهة المقدار.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئتين [القول للأمين]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئتين [القول للأمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من كان في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة - فادّعى تلفه - فالقول قوله مع يمينه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة التي تفيد أنّ الأمانات غير مضمونة على من هي تحت يده. ولذلك فمن كان في يده شيء لغيره بإذنه - على سبيل الأمانة - فهو غير ضامن له إذا تلف أو هلك بغير تعدٍّ منه أو تقصير في حفظه. فمن ادّعى تلف أمانة عنده لغيره فإنّ القول قوله في سبب التّلف مع يمينه؛ لأنّه متمسّك بالأصل وهو براءة ذمّته عن الضّمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أُودِعَ وديعة وحينما جاء صاحبها ليستردّها ادّعى الأمين أنّها سرقت في متاع له. وأنكر المودِع، وادّعَى أنّ الأمين استهلكها. ولا بيِّنة له. فالقول قول الأمين مع يمينه أنّها سرقت. فلا يضمنها. ومنها: استعار سيّارة من آخر - على القول بأنّ العاريَّة غير مضمونة - ثمّ ادّعى أنّها وقع لها حادث بغير فعل منه فتلفت. فالقول قوله مع اليمين. ويبرأ من الضّمان. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 103.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المئتين [المحبوس بحق لغيره]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد المئتين [المحبوس بحقًّ لغيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ من كان محبوساً بحقًّ مقصود لغيره كانت نفقته عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمحبوس: أيّ المشغول بعمل لغيره. فمن كان هذا حاله فإنّ نفقته على مَن أشغله، والنّفقة بالمعروف، أو بالشّرط والاتّفاق. ويتفرّع على هذه القاعدة ضابط وهو: "كلّ من وجبت نفقته على غيره وجبت عليه فطرته، ومن لا فلا" (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزّوجة محبوسة بحقّ الزّوج فيجب عليه نفقتها، وفطرتها. ومنها: العبد محبوس بحقّ السّيّد فيجب نفقته عليه وفطرته إذا كان مسلماً باتّفاق. ومنها: الدّابّة محبوسة بحقّ صاحبها فيجب عليه نفقتها. ومنها: القاضي والمدرّس والعامل والموظف وغير هؤلاء نفقتهم ¬

_ (¬1) الهداية مع فتح القدير! 3 ص 322 وعنه قواعد الفقه ص 103. (¬2) قواعد الحصني جـ 4 ص 99 فما بعدها.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

على من حبسهم وشغلهم واستأجرهم. ومنها: المضارب بمال المضاربة له نفقته من مال المضاربة. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: الرّهن - مع أنّه محبوس لحقّ المرتهن - لكن نفقته على الرّاهن، وذلك لأنّ الرّهن محبوس في الحقيقة لحقّ الرّاهن والمرتهن، فليس محبوساً لحقّ المرتهن خاصّة. ومن المستثنى من الضّابط: القريب الكافر الّذى تجب نفقته، والعبد الكافر، والأَمَة الكافرة تجب نفقتهم دون فطرتهم. ومنها: زوجة المعسر تجب نفقتها في ذمّته ولا تجب عليه فطرتها، إذا كانت موسرة ففطرتها عليها، وصحّح بعضهم عدم الوجوب.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المئتين [الحق الثابت]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد المئتين [الحقّ الثابت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن له حقّ فهو على حاله حتّى يأتيَه اليقين على خلاف ذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقّ الثابت قطعاً هو لصاحبه مهما طال الزّمن، فلا يدّعي أحد سوى صاحبه أنّ الحقّ له، أو يدَّعي صاحبه أنّه ليس له، إلا إذا قام الدّليل المقطوع به على خروجه عن يد صاحبه إلى غيره، وتشمل القاعدة الحقّ المادّي والمعنوي. والمراد باليقين في القاعدة: أنّ يعلمه أو يشهد عنده الشّهود العدول بذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت شراء إنسان مزرعة أو سيّارة شراء صحيحاً بعقد صحيح فهي ملكه، وتبقى على ملكه حتى يقوم دليل قاطع على خروجها عن ملكه لغيره. ومنها: إذا ثبت طريق أو شرب لشخص فله حقّ المرور ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 139 عن كتاب الأصل لمحمد بن الحسن جـ 3 ص 166.

والماء، فلا يخرج ذلك عن حقّه إلا إذا ثبت خلافُه. ومنها: إذا ثبت لرجل حقّ على رجل آخر من دين أو غيره، فقال الذي عليه الحق، قد أوفيتك أو أبرأتني منه، أو ادعى أجلاً أبعد، فوقع في قلب صاحب الحقّ أنّه صادق، وكان على ذلك أكبر ظنّه، وكان عنده عدلاً ثقة، فالأفضل أن يصدقه. وإن لم يصدقه فطالب بحقّه فله استحلافه عند القاضي. فإن نكل عن اليمين وسعه أن يأخذ المال منه (¬1). ¬

_ (¬1) الأصل لمحمد بن الحسن جـ 3 ص 163 باختصار.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئتين [العرف]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد المئتين [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن له عُرْف يحمل كلامه على عُرْفه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى العرف والعادة. فكلّ متكلّم له عرف وعادة في استعمال الألفاظ ودلالاتها إنّما يحمل كلامه على الدّلالة العرفيّة لا على الدّلالة اللغويّة للّفظ، إلا إذا كان له نيّة أو قامت الأدلّة على عدم إرادته للمعنى العرفي. وينظر القاعدة رقم 203. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله عليه الصّلاة والسّلام: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (¬2) يحمل على الصّلاة في عرفه عليه الصّلاة والسّلام وهو الصّلاة الشّرعيّة دون الدّلالة اللغويّة وهي الدّعاء. ومنها: من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف. يحمل على الحلف الشّرعي وهو الحلف بالله تعالى. ¬

_ (¬1) الفروق ج 1 ص 76. (¬2) الحديث عن ابن عمر رواه الجماعة إلا البخاري - ينظر منتقى الأخبار حديث رقم 338.

ومنها: إذا قال لزوجته: إن أكلت لحماً فأنت طالق. ثم أكلت سمكاً. فهو لا تطلق؛ لأنّ المراد باللحم في العرف هو لحم الأنعام - من إبل وبقر وغنم - والسّمك لا يطلق عليه في العرف لحم، إلا إذا نواه.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المئتين [الإقرار بمال في الذمة]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد المئتين [الإقرار بمال في الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن له على رجل مال في ذمّته فأقرّ به لغيره قبل (¬1). أي إقراره. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذّمّة هي الوعاء الاعتباري لتحمل الحقوق والتّبعات. فمن كان له في ذمّة رجل مال - دين أو قرض أو غيره - ثمّ أقرّ صاحب المال أنّ هذا المال لفلان غيره. فإنّ إقراره هذا يقبل على نفسه - أي يجوز في الحكم؛ لأنّ إقرار الإنسان على نفسه مقبول - وحقّ لذلك الغير أن يطالب المدين بما أقرّ به ذلك الرّجل الدّائن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: زيد له مال على بكر في ذمّته ثمن مبيع. ثم أقرّ زيد هذا أنّ هذا المال الّذي في ذمّة بكر هو لسالم. فإقراره هذا مقبول، ولسالم أن يطالب بكراً بهذا المال. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أقرّت المرأة بالصّداق الّذي في ذمّة زوجها أنّه لغيرها رجلاً ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 347 ب. قواعد الحصني جـ 4 ص 174. أشباه السيوطي ص 465.

كان أو امرأة. فلا يقبل إقرارها. ومنها: إذا أقرّ الزّوج بما خالع عليه في ذمّة امرأته، كذلك لا يقبل. ومنها: إذا أقرّ بما وجب له من أرش جناية في بدنه. ومبنى الاستثناء على منع بيع الدّين في الذّمّة. وإلا فيصحّ الإقرار ولا تكون مستثناة أو أن هذه الأشياء تختصّ بمن وجبت له فلا تثبت ابتداء لغيره. وعند ثبوتها لم يثبت لها ناقل.

القاعدتان الخمسون والحادية والخمسون بعد المئتين [الملك والتصرف]

القاعدتان الخمسون والحادية والخمسون بعد المئتين [الملك والتّصرف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ من ملك شيئاً يملك التّصرف فيه إلا لمانع (¬1). وفي لفظ: كلّ مَن جُعل له شيء فهو إليه، إن شاء أخذه وإن شاء تركه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: فمن ملك شيئاً قدر على التّصرف فيه بكلّ أنواع التّصرف المباحة؛ لأن معنى (الملك) القدرة على التّصرف. لكن إذا قام ووجد مانع حال دون ذلك التّصرف كالحجر مثلاً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من ملك كتاباً. ملك القراءَة منه، وتصحيحه, والكتابة عليه والتّعليق على صفحاته. كما يملك إعارته وهبته أو بيعه وتأجيره. إلى آخر ما هنالك من التّصرفات. ومنها: من ملك بيتاً ملك التّصرف فيه بالهدم أو الإصلاح أو الزّيادة أو النّقصان. ومنها: من أُعطِي شيئاً هبةً أو هدية أو تبرعاً، فهو بالخيار إن ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير جـ 3 ص 1227. (¬2) الأم جـ 3 ص 199 التفليس.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

شاء أخذ وإن شاءَ ترك. لأنه إن أخذه مَلَكه، وإن تركه لا يدخل شيء في ملكه بغير اختياره. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الصّبي يملك ما له الموروث عن مورّثه، لكنه ممنوع من التّصرف القولي والفعلي في أمواله إلا بإذن الوصي لمصلحته. ومنها: الغني المحجور لسفهه يمنع من التّصرف في أمواله لمصلحته ومصلحة أولاده ومن ينفق عليه. ومنها: المال المشترك - غير القابل للقسمة - يمنع الشّريك من التّصرف فيه إلا بإذن شريكه إلا أن يبيع نصيبه منه، فله ذلك.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المئتين [قضاء ما فات]

القاعدة الثّانية والخمسون بعد المئتين [قضاء ما فات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن وجب عليه شّيء ففات لزمه قضاؤه استدراكاً لمصلحته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجبات الشّرعيّة من حيث وقت أدائها تنقسم إلى قسمين: قسم حدّد له الشّرع وقتاً لأدائه بداية ونهاية كالصّلاة والصّوم. وقسم آخر حدّد له الشّرع وقتاً للوجوب في الذّمّة عند تحقّق شروطه ولم يحدّد له وقت نهاية، كالزّكاة والحجّ على القول بأنّه ليس على الفور. وقسم آخر لم يحدّد له الشّرع وقت بداية ولا نهاية كقضاء رمضان وإن كان البدء مفترضاً بعد نهاية شهر رمضان ودخول أيّام الفطر - أي بعد يوم الفطر وهو أوّل يوم من شوال. وبهذا يمكن أن يدخل في ثاني القسمين، فما أدّاه في أي وقت كان أداء لا قضاء. فمفاد القاعدة: أنّ من وجب عليه شيء من العبادات المؤقّتة بدءاً ونهاية ففات وقتها يجب عليه قضاؤها؛ لأنّها تعلّقت بذمّته فلا تبرأ ذمّته إلا بالأداء في الوقت أو القضاء خارجه. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 319 أ، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 616، أشباه السيوطي ص 401. قواعد الحصني جـ 2 ص 30 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دخل عليه وقت صلاة وهو نائم أو نسيها حتى خرج وقتها فيجب عليه قضاؤها عند استيقاظه أو عند تذكرها. ومنها: من كان مسافراً في نهار رمضان أو مريضاً أو حائضاً أو نفساء فأفطر وأفطرت فيجب عليهم قضاء ما أفطروه بعد خروج رمضان الذي أفطروا فيه وزوال المانع، وأما لو حال عليه الحول وعنده مال وجبت فيه الزكاة ففي أي وقت أخرجها لمصارفها بعد دخول وقت وجوبها فهو أداء لها ولا توصف بالقضاء. ومنها: إذا وجد النّفقة للحجّ استقرّ الوجوب في ذمّته، فإذا أدّاه في تلك السّنة التي وجد فيها النّفقة كان أداءً. وإذا أخّره إلى سنة أخرى بعدها كان أداء أيضاً لا قضاء في الأرجح. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: من نذر صوم الدّهر فإنّه إذا فاته منه شيء لا يتصوّر قضاؤه، فلا يلزمه. ومنها: نفقة القريب إذا فاتت لم يجب قضاؤها، إلا إذا حكم بها حاكم. ومنها: إذا دخل مكّة بغير إحرام فلا يمكن قضاؤه، لأنّه إذا خرج إلى الحلّ كان الثّاني واجباً بالشّرع لا بالقضاء. ومنها: الفرارُ من الزّحف. لا قضاء فيه.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المئتين [الوطء الحرام]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد المئتين [الوطء الحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن وطئ وطأً حراماً - وهو عالم بتحريمه - فعليه الحد (¬1). إلا في صور ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوطء الحرام: هو النّكاح غير الشّرعي. وهو إتيان امرأة لا تحلّ له، وهو عالم بتحريم ذلك عليه. فكلّ مَن فعل ذلك فعليه الحدّ. الجلد مئة وتغريب عام إن كان بكراً أو الرّجم بالحجارة حتى الموت إن كان محصناً. وهذه هي عقوبة الزّاني وحدُّه ذكراً كان أو أنثى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنا بامرأة لا تحلّ له وهو عالم بحرمتها عليه فيجب إقامة الحدّ عليه. وعليها إذا كانت مطاوعة عالمة بالحرمة. ومنها: مَن وطئ زوجة أبيه، وهو عالم بتحريمها عليه، أو أَمَة أبيه، وهو عالم بتحريمها عليه. وجب إقامة الحدّ عليه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا وطئ جارية ابنه - وقال: علمت أنّها حرام. لا يُحَدّ ولكن يعزر. ¬

_ (¬1) المجموع للعلائي لوحة 367 أ، قواعد الحصني جـ 4 ص 237.

ومنها: إذا وطئ الغازي جارية من المغنم قبل القسمة. ومنها: وطء الجارية المشتركة. ومنها: كلّ جهة أباح بها عالمٌ الوطء، انتهض خلافه شبهة في عدم وجوب الحدّ ولكن يشترط أن يكون الخلاف له حظ كبير من النّظر الاجتهادي.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المئتين [العمل المشترك]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد المئتين [العمل المشترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ مَن يجبر على فعل شيء مع شريكه فإذا فعل أحدهما يكون متطوّعاً. وإن كان لا يجبر ففعله لا يكون تبرّعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بكلّ عمل مشترك بين اثنين فأكثر. ومفادها: أنّ مَن يجبر على فعل شيء مشترك مع آخر، ويجب عليه أن يقوم به معه لمصلحتهما، فإذا فعل أحدهما ما يجب أن يفعلاه معاً كان فعله هذا تطوّعاً منه وتبرّعاً عن صاحبه، ولا يستحقّ عليه أجراً. وأمّا إذا كان الفعل أو العمل لا يجب عليه ففعله فإنّه لا يكون متبرّعاً وله أجر مثل ما فعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان نهر بين رجلين فاحتاج إلى تنظيف مجراه، فالأصل أنّ هذا العمل مشترك بينهما - عليهما أن يقوما به معاً. فإن نظّفه أحدهما دون الآخر كان فعله هذا عن صاحبه تطوّعاً وتبرّعاً منه لا يستحق عليه أجراً. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 110 عن الخانية باب الحيطان والطرق جـ 3 ص 113 فما بعدها.

ومنها: إذا كانت سفينة مشتركة بين اثنين فأكثر فخربت فأصلحها بعض أصحابها أو أحدهم فإنّ الواجب على بقيّة الشّركاء أن يصلحوها معهم، فإن فعلوا وحدهم كان فعلهم عن الآخر تبرّعاً؛ لأنّه أصلح عن نفسه وغيره. ومنها: إذا كانت غرفة فوق البيت، والبيت لرجل والغرفة لرجل آخر، فإذا انهدم البيت - وبالتّالي انهدمت الغرفة، وأبى صاحب السّفل أن يبني، فهو لا يجبر على البناء - فإن بنى صاحب العلو لا يكون متبرّعاً، وله أن يضمن الآخر قيمة ما بنى؛ لأنّ صاحب العلو إنّما بنى السّفل لمصلحته ليبني فوقه، والسّفل لصاحبه، فعليه أداء قيمة البناء للباني وهو صاحب العلو. ولصاحب العلو أن يمنع صاحب السّفل من السّكنى حتى يعطيه ما أنفق في البناء (¬1). ¬

_ (¬1) الخانية جـ 3 ص 109 بتصرف.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئتين [أحكام الأرض]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئتين [أحكام الأرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ موضع فتح عنوة فإنّه وقف على المسلمين. وكلّ أرض صولح أهلها عليها تكون لهم ويؤدون خراجاً معلوماً، فهذه ملك لأربابها. وكلّ أرض أسلم عليها أهلها - قبل قهرهم عليها - أنّها لهم، وأنّ أحكامهم أحكام المسلمين. وأنّ عليهم فيما زرعوا فيها الزّكاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولاتها: هذه قواعد ثلاث تتعلق بالأرض المفتوحة وأنّ الأراضي المفتوحة ثلاثة أصناف: الأوّل: أرض فتحت عنوة - أي بالحرب - ولم يسلم أهلها ولم يصالحوا - فهذه حكمها أنّها وقف على المسلمين وأهلها يبقون فيها يؤدون خراجها. كأرض العراق والشّام ومصر. الثّاني: أرض صولح عليها أهلها - أي فتحت صلحاً - فهذه حكمها أنّها ملك لأصحابها يؤدّون عنها خراجاً معلوماً بحسب شروط ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 717، 718، 725. ويُنظر في بيان هذه الأحكام كتاب الخراج لأبي يوسف وغيره كالأموال لأبي عبيد والخراج ليحيى بن آدم.

الصّلح. والثّالث: أرض أسلم أهلها بدون حرب، ولم يُقهروا. فهذه حكمها أنّها لهم وتجري عليهم أحكام المسلمين، فعليهم فيما زرعوا الزّكاة - أي العشر أو نصف العشر.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المئتين [الموضوع بحق]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد المئتين [الموضوع بحقّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ موضوع بحقّ إذا عطب به إنسان فلا ضمان على واضعه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ الضّرر مدفوع ومرفوع، وأنّه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وأنّ من سبّب لغيره ضرراً في نفسه أو ماله فعليه ضمانه. ولكن مفاد هذه القاعدة: أنّ مَن تسبّب بضرر لغيره بشيء موضوع فينظر: إن كان هذا الشّيء الموضوع موضوعاً بحقّ، أي لواضعه حقّ في وضعه، فتضرّر به غيره فإنّه لا ضمان على الواضع؛ لأنّه تصرف تصرّفاً مأذوناً به شرعاً. وأمّا إن كان هذا الشّيء الموضوع موضوعاً بغير حقّ فإنّ على واضعه ضمان ما تلف أو عطب به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل وضع على حائطه أو سقف بيته شيئاً كَلَبِنَةٍ أو حجر لمصلحة شرعيّة له بطريقة سليمة فسقط على إنسان ما في الطّريق. فلا ¬

_ (¬1) الفرائد ص 195 عن الخانية ما يضمن بالنار.

ضمان على صاحب البيت أو الحائط, لأنّه وضع ما وضعه بحقّ. ومنها: حفر في بيته أو أرضه بئراً أو حفرة فسقط فيها إنسان أو حيوان، فلا ضمان على الحافر؛ لأنّه مأذون له في الحفر في ملكه. ومنها: إذا وضع باروداً ليفجر حجارة أو يهدم بناء - كما يفعل الآن - فانفجر البارود وتطايرت الحجارة فأصابت أحداً من الناس أو هدّمت بناء آخر مجاوراً، فواضع البارود ضامن لما أصاب أو تلف بوضعه؛ لأنّه يعلم أنّ البارود يؤثر ويقذف الحجارة إلى مكان بعيد. إلا إذا كان أنذر النّاس ووضع الحواجز فتخطاها بعضهم فأصابه ضرر فلا ضمان على المُفجّر. ومنها: إذا أوقد في بيته أو أرضه ناراً إيقاداً معتاداً فأصاب شرر منها أمتعة أو أرضاً لجاره فأحرقته. فلا ضمان على الموقد للإذن الشّرعي وعدم التّعدي.

القاعدة السابعة والخمسون بعد المئتين [الميتة]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد المئتين [الميتة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلّ ميتة نجسة إلا السّمك والجراد بالإجماع. والآدمي على الأصح (¬1). وفي لفظ: الميتات نجسة إلا السّمك والجراد بالإجماع والآدمي على الأصح (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: الأصل في الميتات النّجاسة إلا السّمك والجراد (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحيوان إذا مات تنجّس بالموت فلا يحلّ أكله ولا استعمال شيء منه للنّجاسة - ولكن يحلّ أكل الميتة عند إلاضطرار أو الإكراه فقط. ويستثنى من ذلك ميتة السّمك والجراد فإنّها حلال بالنّص عليها (¬4). ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 200. (¬2) أشباه السيوطي ص 431. (¬3) الاعتناء جـ 1 ص 218. (¬4) الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّ لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدَّمان فالكبد والطّحال" رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ويستثنى كذلك ميتة الآدمي في المسلم في الصّحيح؛ لأنّ المسلم لا ينجس حيّاً ولا ميّتاً (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز أكل ميتة السّمك والحوت بدون تذكية لأنّها طاهرة. ومنها: الجراد يؤكل حيّاً وميتاً حيث إنّه طاهر بالنّص. وهو أيضاً لا دم سائل له. ¬

_ (¬1) لحديث "المسلم لا ينجس" رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المئتين [النفقة]

القاعدة الثّامنة والخمسون بعد المئتين [النّفقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ نفقة يجبر عليها صاحبها فلم ينفق فأمر القاضي صاحبه بالنّفقة فأنفق، رجع بِكُلِّها على شريكه هلكت الغلّة أو بقيت. وكلّ نفقة لا يجبر عليها صاحبها فأنفق شريكه بأمر القاضي فإنّها تكون في حصّة الآخَر، فإن لم تَفِ بها لم يكن للمنفق غير ذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّفقة المشتركة بين اثنين فأكثر إمّا أن تجب على جميع الشّركاء ويجبرون عليها، وإمّا أنّها تجب ولكن بدون إجبار عليها. فإذا كانت النّفقة تجب على جميع الشّركاء ويجبرون عليها وأبى أحد الشّركاء أو بعضهم الإنفاق ورفع الآخر أو الآخرون الأمر إلى القضاء فصدر أمر القاضي لهم بالإنفاق، فإنّ المنفق يرجع على شريكه أو شركائه الممتنعين بكلّ ما أنفق، سواء بقيت الغلّة أو الثّمرة أو هلكت. وأمّا إذا كانت النّفقة لا يجبر عليها الشّريك فأنفق شريكه بأمر القاضي، فإنّ هذه النّفقة تحسم من حصّة الشّريك الممتنع، فإن وَفَت ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 51.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الغلّة بها أخذ ما أنفق، وإلا فإنّه يأخذ ما يخرج، ولو لم يف بما أنفق. وإن هلكت الغلّة أو الثّمرة، لم يرجع بشيء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عبد أو أَمَة بين شريكين أو أكثر يجب عليهم نفقتهما، فإذا امتنع أحدهم عن الإنفاق ورفع الشّريك الآخر الأمر إلى القاصي، وحكم القاضي بأن ينفق الشّريك، فإذا أنفق يرجع على شريكه بكلّ ما أنفق، حتى لو مات العبد والأَمَة بعد ذلك، أو أَبَقَا - أي هربا -. ومنها: إذا كان البذر من صاحب الأرض - في المزارعة - فلمّا صار الزّرع بقلاً قال العامل: لا أنفق عليه ولا أسقيه. فإنّ القاضي يجبره على أن ينفق عليه ويسقيه؛ لأنّه التزم ذلك بمباشرة العقد طائعاً، فيجبر على إيفاء ما التزمه. فلو أجبره ولم يكن عنده ما ينفق أمر القاضي صاحبَ الأرض والبذر أن ينفق ويسقيه على أن يرجع بذلك كلّه على صاحبه، وإن كان أكثر من نصيبه. ومنها: إذا كان عبد صغير بين رجلين - وهو يحتاج للإرضاع والنّفقة - فقال أحدهما: ليس عندي ما أنفق عليه، ولا ما أسترضع به. أجبره القاضي على ذلك، فإن لم يقدر على ذلك أمر شريكه فاسترضع له، رجع عليه بحصّته من الأجر بالغاً ما بلغ؛ إذا كان رضاع مثله، وإن كان أكثر من قيمة الصّبي. سواء بقي الصّبي أو هلك. ومنها: إذا كانت دابّة بين شريكين فامتنع أحدهما عن النّفقة - فهو ليس مجبراً في القضاء. فإذا أنفق شريكه لم يكن له أن يرجع على الممتنع فيما زاد على قيمة نصيبه ولا بعد هلاك الدّابّة؛ لأنّ الإنسان لا يجبر على الإنفاق على ملكه في غير بني آدم في القضاء.

القاعدة التاسعة والخمسون بعد المئتين [ضمان النقص]

القاعدة التّاسعة والخمسون بعد المئتين [ضمان النّقص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ نقص دخل على ملك شخص لاستصلاح ملك الآخر - من غير إذن الأوّل ولا فعل صدر عنه النّقص واستند إليه - كان الضّمان على مدخل النّقص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة يمكن أن تدخل وتتفرع على قاعدة - لا ضرر ولا ضرار -؛ لأنّ إدخال النّقص والتّسبب فيه ضرر، فهو مَدفوع ومرفوع. فمن أدخل النّقص والضّرر والفساد على غيره لاستصلاح ملكه وجرّ النّفع إليه - بدون إذن المتضرّر أو فعل صدر عنه النّقص واستند إليه - ففي هذه الحالة يجب الضّمان على مدخل النّقص والضّرر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرّة واحدة - واشترط الزّرع له - فإذا حصد الزّرع وبقيت له عروق في الأرض تستضر بها الأرض - كعروق القطن والذّرة فعلى البائع إزالتها. وإذا تحفّرت الأرض فعليه تسويتها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 84 - 85.

ومنها: لو باع خابية كبيرة أو دولاباً كبيراً لا يخرج إلا بهدم باب الدّار فهدمه المشتري كان عليه ضمانه. ومنها: إذا حفر أساساً لبناء بيت له فأثّر الحفر في جدران بيت جاره، فعليه إصلاح ما تضرّر به الجار وإزالة النّقص والضّرر الّذي أحدثه بالحفر.

القاعدة الستون بعد المئتين [الوصف بعد المتعاطفات]

القاعدة السّتّون بعد المئتين [الوصف بعد المتعاطفات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ وصف ذكر بعد المتعاطفات يرجع إلى الأخير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه من القواعد المختلف على مدلولها بين الفقهاء. وقد سبق ذكر أمثال لها. والمراد بالمتعاطفات الجمل أو الأسماء الّذي عطف بعضها على بعض بأحد حروف العطف كالواو والفاء وثمّ. ومفادها: أنّه إذا وردت ألفاظ عطف بعضها على بعض بأحد حروف العطف ثم ذكر بعد الأخير منها وصف، فإنّ هذا الوصف يكون وصفاً خاصّاً لآخر المتعاطفات وهذا محل الخلاف. هل يعود الوصف للجميع أو للأخير فقط؟ إلا إذا وجدت قرينة فإنّه يعود إلى الجميع عند الجميع. والقاعدة تمثل رأي الحنفيّة. كالاستثناء عندهم، وبخلاف الشّرط فإنّه يعود للجميع. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 156 عن ردّ المحتار على الدّر جـ 3 ص 432 - 433. وينظر أشباه ابن نجيم ص 202.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أوقفت هذا الوقف علي بني زيد وبني خالد وبني عمرو الفقراء، فإنّ الوصف بالفقراء يرجع إلى بني عمرو لا إلى سواهم ممن قبلهم. ومنها: إذا قال: أكرم العلماء والفقهاء والأدباء المسلمين. كان الإكرام لمطلق العلماء ومطلق الفقهاء. ولكن لا يكرم إلا الأدباء المسلمون دون غيرهم من أجناس الأدباء. ومنها: إذا قال: وقفت على ولدي وولد ولدي ونسلهم الذّكور. فالذّكور صفة ترجع لولد الولد فقط. والأكثرون أنّه قيد للجميع. ومنها: إذا قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي المحتاجين. يعود الوصف للأخير عند أكثر الحنفيّة. وإلى الجميع على الأصحّ عند الآخرين.

القاعدة الحادية والستون بعد المئتين [مؤونة الرد]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد المئتين [مؤونة الرّدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ يد كانت يد ضمان وجب على صاحبها مؤونة الرّدّ، وإن كانت يد أمانة فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليد يدان: يد ضمان، ويد أمانة. فمن أخذ شيئاً لغيره - وهو مضمون عليه - أي يغرم قيمته أو ثمنه عند الهلاك أو الاستهلاك - فيجب عليه مؤونة أو نفقة ردّ ذلك الشّيء لصاحبه. وأمّا إذا كانت يده يد أمانة - أي غير مضمون عليه إلا إذا تعدّى أو قصّر في الحفظ - فإنّ مؤونة الرّدّ ونفقته على صاحب الأمانة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من غصب شيئاً وجب عليه ردّه لصاحبه. وإذا كان ردّه يحتاج إلى نفقة فهي على الغاصب. ومنها: العاريَّة - على القول بأنّها مضمونة - وهو الصّحيح للحديث - فعلى المستعير مؤونة الرّدّ، فمن استعار سيّارة فعليه ردّها، ومؤونة ردّها عليه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 329، أشباه السيوطي ص 468 بعضها.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

ومنها: من اشترى دابّة بشرط الخيار له وقبضها ثمّ أراد ردّها في مدّة الخيار فمؤونة الرّدّ عليه حتى يسلمها للبائع؛ لأنّها لو هلكت في يده فهو ضامن. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: العين المستأجرة يجب مؤونة ردّها على المستأجر - وهي أمانة غير مضمونة. ومنها: من اغتصب خمراً لذمّي فليس عليه مؤونة الرّدّ في الأصحّ - وإنّما عليه التخلية. ومنها: العاريَّة حتى على القول بأنّها مضمونة على المستعير. فمن باب الأدب وحسن المعاملة أن يتحمل المستعير مؤونة ونفقة ردّها إلى صاحبها المعير، وإلا قد يستنكف الناس ويمتنعون عن إعارة ما يحتاج إلى نفقة في ردّهم إليهم ولأن الغرم بالغنم فمن استفاد من العاريَّة عليه مؤونة ردّها.

القاعدة الثانية والستون بعد المئتين [اليمين للدفع]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد المئتين [اليمين للدّفع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلّ يمين قُصِد بها الدّفع لا يستفاد بها الإثبات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل - كما سبق ذكره - أنّ اليمين التي يحلفها مَن كان القول قوله - إنّما هي للدّفع: أي دفع دعوى المدّعي، وليست لإثبات أمر غير ثابت أو جلب شيء غير متيقّن. وإنّما ذلك للبيّنة. وكما سبق فإنّ البيّنات للإثبات. فمفاد القاعدة: أنّ المدَّعَى عليه إذا حلف ليدفع بيمينه أمراً ينكره على خصمه، وفي ضمن يمينه إثبات مُدَّعاه، فإن هذا الحالف لا يمكّن من أن يثبت بيمينه تلك أمراً آخر. بل إثبات ذلك الأمر الآخر يحتاج إلى البيَّنة ويصبح المدّعَى عليه بعد ذلك مدّعياً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى العنين أنّه قد وطئ زوجته، والزّوجة تنكر الوطء وتطلب فسخ النّكاح، فإنّ الزّوج مصدَّق بيمينه أنّه قد وطئَها. وشرعت اليمين في حقه لأمرين: الأوّل: أنّ الوطء لا يمكن إقامة البيَّنة عليه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 442.

والثّاني: أنّ يمينه لإرادة دفع الفسخ الّذي تطلبه المرأة بقولها: لم يطأها. فإذا حدث وطلّق هذا الزّوج زوجته هذه ثمّ أراد رجعتها وهي مصرّة على إنكار الوطء فإنّه لا يمكَّن من استرجاعها؛ لأنّ اليمين المحلوفة كانت لدفع الفسخ؛ لا لإثبات الرّجعة. والقول قولها. ومنها: المُوْلي إذا ادّعى الوطء والمرأة تنكر، فحكمه حكم العنين. ومنها: إذا قال المشتري: العيب قديم. وقال البائع: بل حادث. فصدقنا البائع بيمينه، ثمّ جرى بعده الفسخ بتحالف، وأخذ البائع يطالب المشتري بأرش العيب الّذي أثبت حدوثه بيمينه، لم يكن له؛ لأنّ يمينه صلحت للدّفع فلا تصلح لشُغْل ذمّة الغير، بل للمشتري الحلف - الآن - بأنّ العيب ليس حادثاً عنده؛ لدفع الأرش.

القاعدة الثالثة والستون بعد المئتين [كلمة إنما]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد المئتين [كلمة إنَّما] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلمة "إنَّما" لتقرير الحكم في المذكور، ونفيه عمّا عداه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نحويّة بلاغيّة فقهيّة، كلمة إنَّما مركبة من كلمتين هما: إنَّ الّتي لتأكيد النّسبة، وما الكافَّة (¬2). وهي حرف يفيد الحصر. وهو معنى تقرير الحكم في المذكور ونفيه عمّا عداه. فتقرير الحكم: توكيده وقصره على المذكور دون سواه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (¬3). فإنَّما وأَنّما بمعنى واحد تفيدان الحصر. والأولى: مِن قصر الصّفة على الموصوف. أي أنّ ما يُوحى إليه عليه الصّلاة والسّلام ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 15. (¬2) شروح التلخيص جـ 2 ص 193. (¬3) الآية 108 من سورة الأنبياء.

مقصور على كون الإله واحداً لا غير، فهي مثل "إنّما يقوم زيد" والثّانية: من قصر الموصوف على الصّفة وهو "إلهكم" على الصّفة وهي الوحدانيّة. مثل "إنّما زيد قائم". وهذا كلّه حصر إضافي (¬1). ¬

_ (¬1) مغني اللبيب مع حاشية الدسوقي جـ 1 ص 54 - 55، وشروح التلخيص جـ 2 ص 194.

القواعد الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والستون بعد المئتين [كلمة كل]

القواعد الرّابعة والخامسة والسّادسة والسّابعة والسّتّون بعد المئتين [كلمة كلّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: كلمة "كلّ" إذا دخلت على المعرفة أوجبت عموم أجزائها. وسُمَّي هذا الكلّ مجموعياً (¬1). وفي لفظ: كلمة "كلّ" إذا دخلت على النّكرة أوجبت عموم أفرادها على سبيل الشّمول دون التّكرار (¬2). وفي لفظ: كلمة "كلّ" توجب الإحاطة على سبيل الانفراد (¬3). وفي لفظ: كلمة "كلّ" توجب تناول كلّ واحد على الانفراد (¬4). أو توجب الجمع على وجه الإفراد (¬5). وفي لفظ: كلمة "كلّ" توجب العموم (¬6). ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلئ لوحة 77 ب. (¬2) ترتيب اللآلئ لوحهَ 77 أ. (¬3) شرح السير ص 225، 333. (¬4) نفس المصدر ص 857. (¬5) نفس المصدر ص 857، 859. (¬6) شرح السير ص 103.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

لغويّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: قال النّحاة: إنّ لفظ "كلّ" اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (¬1). وكذلك لاستغراق المعرَّف المجموع. نحو قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} (¬2)، وأجزاء المفرد المعرَّف، نحو "كلّ زيد حسن" (¬3). فمفاد هذه القواعد: أنّ كلمة "كلّ" هي اسم، وتدخل على المعرفة والنّكرة وهي توجب عموم وشمول ما دخلت عليه. فإذا أضيفت إلى معرفة أوجبت شمول الحكم على عموم أجزاء هذه المعرفة، وسمّي هذا الكلّ مجموعيّاً. وإذا أضيفت إلى النّكرة أوجبت شمول الحكم لعموم أفراد هذه النّكرة، ولم تفد التّكرار. أي أنّها توجب تناول كلّ واحد على الانفراد. وينظر القاعدة رقم 457 من قواعد حرف الهمزة. فـ "كلّ" لفظ يدلّ على الاستغراق والتّعميم والشّمول. سواء دخلت على المنكر حقيقة أو حكماً. أو المعرف المجموع أو أجزاء ¬

_ (¬1) الآية 185 من سورة آل عمران. (¬2) الآية 95 من سورة مريم. (¬3) مغني اللبيب جـ 1 ص 281.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

المعرّف. كما تأتي نعتاً وتوكيداً أو تالية للعوامل. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} (¬1). أي كلّ فرد. ومنها: قوله: أنت طالقة كلَّ التّطليقة. أوجبت عموم أجزائها، فتقع طلقة واحدة. وأمّا قوله: أنت طالقة كلّ تطليقة: أوجبت عموم أفرادها. فتقع ثلاث تطليقات. ومنها: قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} (¬2). ومنها: قولك: جاء كلّ القوم. وقولك: قرأت كلّ الكتاب. ومنها: إذا قال القائد: كلّ مَن دخل منكم هذا الحصن أوَّلاً فله رأس أوله جائزة كذا. فدخل خمسة معاً. فلكلّ واحد منهم رأس أو جائزة. أمّا لو دخلوا متتابعين فالرّأس للأوّل منهم خاصّة. ومَن جاء بعده فليس بأوَّل. ¬

_ (¬1) الآية 93 من سورة مريم. (¬2) الآية 38 من سورة المدثر.

القاعدة الثامنة والستون بعد المئتين [كل]

القاعدة الثّامنة والسّتّون بعد المئتين [كل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلمة "كلّ" متى أضيفت إلى ما لا يعلم منتهاه تتناول الأدنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها من حيث إنّها تختص بعمل "كل". ومفادها: أنّ هذه الكلمة - كل - إذا أضيفت إلى شيء غير معروف نهايته ومنتهاه وغايته، فإنّها إنّما تتناول الحدّ الأدنى من المضاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لأمدحنَّك بكلّ مدحة. يكتفى منه بثلاث. ومنها: إذا قال لزوجته أو لآخر: لأصفنّك بكلّ سوء. اكتفى بذكر ثلاث صفات سوء وإذا كانت في يمين فقد برّ يمينه. ومنها: إذا استأجر بيتاً كلّ شهر بدرهم. كان لكلّ واحد من المؤجر والمستأجر نقض الإجارة عند نهاية الشّهر الأوّل؛ لأنّه إنّما لزم العقد في شهر واحد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 131.

القاعدة التاسعة والستون بعد المئتين [كلمة "كلما" لغوية فقهية]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد المئتين [كلمة "كلّما" لغويّة فقهيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلمة "كلَّما" تقتضي تكرّر نزول الجزاء بتكرّر الشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلمة "كلّما" مكوّنة من كلمتين "كلّ" الّتي تفيد العموم. وما الّتي تفيد الظّرف، ووقع بعدها فعلان. وهي ظرف منصوب على الظّرفيّة بجوابه في المعنى، وهي كذلك ظرف تضمن معنى الشّرط، لا أنّها شرط حقيقة. فمفاد القاعدة: أنّ ما بعد "كلّما" يشبه الشّرط والجزاء، وأنّ الجزاء فيها يتكرّر نزوله كلّما تكرّر الشّرط، كما هو شأن أدوات الشّرط (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 47. (¬2) مغني اللبيب مع حاشية الدسوقي جـ 1 ص 291. (¬3) الآية 25 من سورة البقرة.

ومنها: قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} (¬1). ومنها: قول الشّاعر: وقولي كلَّما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي ومنها: إذا قال رجل لامرأته: كلّما ولدت ولداً فأنت طالق. فولدت ولدين في بطن واحد. كانت طالقاً بالولد الأوّل منهما؛ لوجود شرط الطّلاق، وهو ولادة الولد، ثمّ تصير معتدّة. فلمّا وضعت الولد الثّاني حكم بانقضاء عدّتها؛ لأنّها معتدّة وضعت جميع ما في بطنها. والولد الّذي تنقضي به العدّة لا يقع به طلاق؛ لأنّها بعد وضع الولد الثّاني ليست في نكاحه، ولا في عدّته، حيث طلقت بوضع الولد الأوّل ولكن لو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد لوقعت عليها تطليقتان وتنقضي العّدة بوضع الولد الثّالث. ¬

_ (¬1) الآية 56 من سورة النساء.

القاعدة السبعون بعد المئتين [كلمة "ما" أصولية فقهية]

القاعدة السّبعون بعد المئتين [كلمة "ما" أصوليّة فقهيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كلمة "ما" توجب العموم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما: تارة تكون حرف نفي تقول: "ما جاءَني من أحد". وتارة تكون اسماً تفيد الشّرط أو الاستفهام أو بمعنى الاسم الموصول. ففي كلّ هذه الأحوال: فهي تفيد عموم الأشخاص أو عموم الأحوال. وهي عند الأصوليين: من ألفاظ العموم. أي أن دلالتها تشمل كلّ ما دخلت عليه. وكذلك "مَن"، والفرق أنّ "ما" لغير العاقل، و"مَن" للعاقل في أغلب أحوالهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال القائد لجندى: ما أصبت من عشرة من جنود العدو فَلَك واحد منهم. أو لك سلبهم. فإذا أصاب العشرة فله ما شرط القائد. وكذلك لو أصاب عشرين فله منهم اثنان من أوساطهم؛ لأنّ ما أفادت العموم في المصاب. أي المغنوم. ومنها: قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)} (¬2). عامّ في كلّ خير مفعول. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 695 وعنه قواعد الفقه ص 103. (¬2) الآية 215 من سورة البقرة.

القاعدة الحادية والسبعون بعد المئتين [مبطلات الأحكام]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد المئتين [مبطلات الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها. ولا يلزم من شرعه رافعاً لحكم سببٍ أن يرفع حكم غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام - سواء منها التّعبّديّة أو غيرها - شرعها الله سبحانه وتعالي وبناها على أسباب ظاهرة. وكما شرعها الله سبحانه وأوجبها على عباده أو أباحها شرع كذلك مبطلات هذه الأحكام وروافعها. وكلّ حكم مشروع شرع له سبب، فإذا رفع الله عَزَّ وَجَلَّ حكماً مبنيّاً على سبب، فلا يلزم من ذلك رفع غير ذلك الحكم، ولو كان مبنيّاً على ذلك السّبب بعينه؛ لأنّ السّبب الواحد قد يبنى عليه أكثر من حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع الله عَزَّ وَجَلَّ الإسلام وعقد الذّمّة سببين لعصمة الدّماء، والرّدّة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذّمّي روافع لتلك العصمة. ومنها: السّبي سبب للملك، والعتق رافع له. ومنها: الاستثناء بالمشيئة شرعه الله عَزَّ وَجَلَّ رافعاً لحكم اليمين ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 76.

لقوله عليه الصّلاة والسّلام: "مَن حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" (¬1) فلا يلزم أن يكون الاستثناء رافعاً لحكم العتق والتّطليق، كما أنّ التّطليق رافع لحكم النّكاح فلا يرفع حكم اليمين بالطّلاق والعتاق. ¬

_ (¬1) الحديث: رواه الخمسة إلا أبا داود. عن ابن عمر رضي الله عنهما.

القاعدة الثانية والسبعون بعد المئتين [عقد العقد وإبقاؤه لدفع الضرر]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد المئتين [عقد العقد وإبقاؤه لدفع الضّرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: كما يجوز أن ينعقد العقد ابتداء لدفع الضّرر - أو إلغاؤه ونقضه - يجوز إبقاؤه لدفع الضّرر بطريق الأَوْلى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان يجوز عقد العقد - أي عقد كان - لدفع الضّرر عن العاقدَين أو أحدهما، فإنّه يجوز كذلك إلغاء العقد ونقضه أو إبقاؤه لدفع الضّرر بطريق الأوْلَى، فالنّقض أو الإثبات والإبقاء لدفع الضّرر واجب؛ لأنّ الضّرر مدفوع ومرفوع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقدا عقد بيع طعام لدفع ضرر عن المشتري - وهو الحاجة إلى الطّعام - والبائع - لحاجته إلى الثّمن - ثمّ ظهر أنّ الطّعام فاسد، فهنا يجب نقض العقد ورفعه وإلغاؤه دفعاً للضّرر عن المشتري. ومنها: إذا استأجر بيتاً لسكناه، ثمّ انقطع شرب البيت أو خرب جانب منه، فإنّ الإجارة تنقض دفعاً للضّرر عن المستأجر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 56.

ومنها: إذا تزوّج امرأة دفعاً للضّرر عن نفسه - وهو العنت - ثمّ أرادت الطّلاق لسبب غير وجيه أو غير مقبول، فإنّ العقد يجوز إبقاؤه، وللزّوج رفض طلبها الطّلاق دفعاً للضّرر عنه.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المئتين [الكناية]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد المئتين [الكناية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الكناية تنصرف إلى الثابت بمقتضى الكلام لغة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكناية: كلام استتر المراد منه بالاستعمال، وإن كان معناه ظاهراً في اللغة. سواء كان المراد به الحقيقة أو المجاز (¬2). فإذا تضمّن الكلام كناية فإنّما ينصرف المراد بها إلى المعنى الثّابت بدلالة الكلام ومقتضاه لغة، إلا إذا قامت الدّلالة على إرادة غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك ابنتي هذه. وشهد بذلك شاهدان. فيكون هذا عقد نكاح صحيح إذا استعير لفظ الهبة هنا للنّكاح لاتّصال بينهما من حيث السّببيّة، ولقيام القرينة الدّالّة على إرادة النّكاح من إحضار ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 59. (¬2) التوقيف على مهمات التعاريف ص 610 باختصار وينظر في معنى الكناية بتوسع: المصباح مادة "كنى" والتعريفات ص 197، ومعجم لغة الفقهاء ص 385.

الشّهود. وهذا عند مَن يرون جواز النّكاح بكل لفظ دالّ عليه. ومنها: قوله تعالى عن صاحب يوسف عليه السّلام {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (¬1) أي عنباً بالعصر يصير خمراً. وهذا ما يسمّى بالمجاز المرسل وعلاقته ما يؤوّل إليه. ¬

_ (¬1) الآية 36 من سورة يوسف.

حرف اللام

القسم العاشر قواعد حرف اللام وعدد قواعده 51 قاعدة وحرف لا وعدد قواعده 171 قاعدة

القاعدتان الأولى والثانية [تغير الفتوى بتغير العادة والعرف]

القاعدتان الأولى والثّانية [تغيّر الفتوى بتغيّر العادة والعرف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف (¬1). وفي لفظ: اللفظ متى كان الحاكم فيه مضافاً لنقل عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة، وتغير إلى حكم آخر إن شهدت له عادة أخرى (¬2). وفي لفظ: العادة إذا تغيّرت أو بطلت بطلت الفتاوى المبنيّة عليها وحرمت الفتوى بها لعدم مدركها (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد بمعنى القاعدة القائلة "لا ينكر تغيّر الأحكام الاجتهاديّة بتغيّر الأزمان" وإن كانت هذه القاعدة أعمّ منهما موضوعاً. من الأحكام الشّرعيّة ما قد يبنى على العرف والعادة السّائدين في وقت وقوع الحادثة، ولكن الأحكام المبنيّة على الأعراف أو العادات لا ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 175 الفرق 168 تعليق ابن الشاط. (¬2) نفس المصدر جـ 3 ص 177. (¬3) نفس المصدر جـ 3 ص 288 الفرق 199، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 218. وتبصرة الحكام جـ 2 ص 60، 64، 70، 73.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

يجوز أن تبقى أحكاماً دائمة إذا زال العرف وتغيّرت العادة التي بنيت عليها تلك الأحكام. فمفاد هذه القواعد: أنّ الحكم أو الفتوى المبني على عرف أو عادة سابقة فإنّه يجب أن يغير الحكم والفتوى عند تغيّر العرف والعادة إذا شهد للحكم أو الفتوى عادة أخرى جديدة. وقد سبق قريب من هذه القواعد في قواعد حرف العين تحت رقم 86. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: لفظ: الحرام، والخلية، والبرية، وحبلك على غاربك، ووهبتك لأهلك، ألفاظ كانت تستعمل في أعراف وعادات القدماء - كمالك رحمه الله - للدّلالة على الطّلاق الثّلاث بدون نيّة، وكن الآن قلّ مَن يستعمل هذه الألفاظ للتّطليق، ولذلك لا بدّ من النّيّة وأن يُسأل المتكلّم بأحدها ماذا أراد بها؟ فإن أراد الطّلاق واحدة وقعت واحدة أو اثنتين وقعت اثنتين أو ثلاث فثلاث. وإن لم يرد بها الطّلاق لا يقع شيء. ومنها: إذا خيَّر الزّوج زوجته فاختارت نفسها فهو طلاق ثلاث عند مالك رحمه الله بناء على عرف بلده وزمانه. وأمّا عند الأئمة أبي حنيفة والشّافعي وأحمد رحمهم الله تعالى فهو كناية لا يلزم به شيء إلا بالنّيَّة، وهو المفهوم اللغوي للفظ التّخيير، فيجب المصير إليه والرّجوع إلى اللغة بسبب تغيّر العرف.

القاعدة الثالثة [الإشارة]

القاعدة الثّالثة [الإشارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للإشارة عموم كما للعبارة (¬1). أصولية فقهية ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعبارة: دلالة النّص بحسب معناه اللغوي الّذي سيق له. والمراد بالإشارة - عند الأصولييّن -: دلالة اللفظ لا في محل النّطق، وهو العمل بما ثبت بنظم النّص لغة، لكنّه غير مقصود ولا سيق له النّص، وليس بظاهر من كلّ وجه، حتى لا يفهم بنفس الكلام من أوّل وهلة (¬2). فمفاد القاعدة: أنّ لدلالة اللفظ بإشارته كما لدلالته بعبارته من حيث كونه يجوز أن يكون عامّاً قابلاً للتّخصيص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬3). دلّ هذا النّص بإشارته على جواز إصباح الإنسان جُنُباً، ولا يضرّ ذلك بصومه؛ لأنّ له أن ¬

_ (¬1) كشف الأسرار شرح المنار جـ 1 ص 381 وعنه قواعد الفقه ص 103. (¬2) نفس المصدر ص 375. (¬3) الآية 187 من سورة البقرة.

يجامع أهله إلى طلوع الفجر، فلا يبقى له وقت للغسل إلا بعد الفجر، فدلّ ذلك على جواز إصباحه جنباً وجواز صومه. وهذا متّفق عليه. ومنها: في قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1) فدلالة النّص بحسب معناه اللغوي هو وجوب نفقة الصّغير على والده، ودلالته بحسب نظمه - وهو دلالة الإشارة - أنّ نسب الولد إلى الأب؛ لأنّ اللام تدلّ على الاختصاص في قوله سبحانه {له}. وأيضاً فالمولود له لفظ عام بدلالة اللام، ولكن خُصّ منه عدم إباحة وطء الأب جارية ابنه فلا تحلّ له، وإن كان لا يحدّ للشّبهة فيجب عليه قيمتها لولده (¬2). وإن كانت اللام تستلزم أن يكون الولد وأمواله ملكاً للأب مختصّاً به. ومنها: قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} (¬3)، فإنه سيق لبيان علو درجات الشّهداء ولكن يفهم منه إشارة أنّه لا يصلَّى عليه؛ لأنّه حيّ، والحيّ لا يصلى عليه، ثم خصّ من عمومه حمزة ومن معه رضي الله عنهم، فإنّه عليه الصّلاة والسّلام صلّى عليه سبعين صلاة (¬4). ¬

_ (¬1) الآية 233 من سورة البقرة. (¬2) كشف الأسرار جـ 1 ص 382. (¬3) الآية 154 من سورة البقرة. (¬4) أحاديث الصّلاة على شهداء أحد لا تخلو من ضعف والأرجح أنّه عليه الصّلاة والسّلام لم يصلّ عليهم، ينظر المنتقى جـ 5 ص 71 فما بعدها.

القاعدة الرابعة [الأكثر بمنزلة الكل]

القاعدة الرّابعة [الأكثر بمنزلة الكلّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: للأكثر حكم الكلّ (¬1). وفي لفظ سبق: الأكثر ينزل منزلة الكمال (¬2). وفي لفظ: الأكثر ينطلق عليه اسم الشّيء الكامل (¬3). وقد سبق أمثلة لهذه القواعد في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام: من 575 - 578. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفية أنّ الشّيء إذا وجد أكثره كان ذلك بمنزلة وجوده كلّه. وإذا عدم أكثره كان بمنزلة عدمه كلّه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يشترط لحلّ الذّبيحة قطع الودجين والحلقوم والمريء - أي مجرى الدّم والهواء والطّعام، فإذا قطع الذّابح ثلاثة منها حلّت الذّبيحة. أو إذا قطع أكثر كلّ واحد منها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 54، القواعد والضّوابط ص 118، 141. (¬2) المبسوط جـ 4 ص 126. (¬3) المغني جـ 1 ص 126، 298.

القاعدة الخامسة [ولاية النظر]

القاعدة الخامسة [ولاية النّظر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للأمير والوالي ولاية النّظر لكلّ مَن عجز عن النّظر لنفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: رعاية لمصالح البشر وما ينفعهم قرّر الشّرع الحكيم أنّ من يستطيع النّظر والتّدبير لنفسه فعليه ذلك. ولكن لمّا كان من البشر من يعجز عن النّظر لنفسه لصغر أو جنون أو ضعف أو مرض فإنّ الشّرع الحكيم فوّض ذلك إلى مَن يستطيعه ممّن له ولاية على العاجز من أقاربه الأدنين أو الأوصياء. فإذا لم يوجد أو كان الولي ممتنعاً عن النّظر فإنّ الشّرع أعطى الأمير أو الوالي أو القاضي أمر النّظر والتّدبير لذلك العاجز - بل أوجبه - حتى لا يهلك أو يتضرّر في نفسه أو ماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّغير العاجز عن النّظر لنفسه، وليس له ولي أو وصي فإنّ القاضي أو الوالي يتولّى النّظر له في ماله ونفسه بحكم ولايته. ومنها: المرأة إذا عضلها الولي وأبى أن يزوّجها من الكفء ¬

_ (¬1) شرح السير ص 217 وعنه قواعد الفقه ص 104.

الخاطب، وخشيت التعنيس فإنّ لها أن ترفع أمرها للوالي أو الأمير أو القاضي، فإمّا أن يجبر الولي على إنكاحها، أو يعزله عن الولاية ويتولاّها هو أو يولّي مَن يتولَّى إنكاحها غير الأب. ومنها: إذا ترك أحدهم دابّته في مضيعة فأخذها إنسان وجاء بها إلى الوالي أو الأمير؛ فأمره بالإنفاق عليها حتى يجد صاحبها، ففعل ذلك. فإذا حضر صاحبها أخذها وأعطى المنفق ما أنفق بعد أمر الأمير؛ لأنّ للأمير ولاية النّظر لكلّ من عجز عن النّظر لنفسه. فكان أمره بالإنفاق كأمر صاحب الدّابّة؛ لأنّه صدر عن ولاية شرعيّة.

القاعدة السادسة [دلالة الحال]

القاعدة السّادسة [دلالة الحال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للحالة من الدّلالة كما للمقالة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال في قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 314. ومفادها: أنّ لغير اللفظ من عرف أو إشارة أو علامة أو حال إفادة كما للفظ الصّريح عند عدم وجوده. فالمراد بدلالة الحالة: الملابسات التي تحيط بالمسألة. وهو ما يسمّى بالبساط عند المالكيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أذن صاحب المنزل للضّيف بالدّخول إلى غرفة الجلوس فبدلالة الحال للضّيف أن يجلس في أيّ مكان فيها ما لم يعيِّن له المضيف مكاناً خاصّاً يجلس فيه. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي، الأصل السابع وعنه قواعد الفقه ص 104.

القاعدة السابعة [الشرط]

القاعدة السّابعة [الشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للشّرط تأثير في العبادات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط له معنيان: معنى عند الأصولييّن، ومعنى عند اللّغوييّن، وكلاهما له تأثير في العبادات وسبق معنى الشّرط عند الأصولييّن. والمراد بالقاعدة الشّرط اللغوي وهو: تعليق الفعل أو إتمامه على أمر آخر بصيغة الشّرط اللغويّة المبدوءة بإنْ أو إذا أو إحدى أدوات الشّرط. ومفاد القاعدة: أنّ للشّرط في العبادات وجوداً وعدماً تأثيراً كتأثير الرّكن؛ من حيث إنّ العبادة لا تصحّ إذا فقدت ركناً من أركانها بدون عذر، وكذلك لا تَصحّ إذا فقدت شرطاً من شروطها كذلك. والحقّ أنّ أثر الشّرط لا يختص بالعبادات بل إن المعاملات للشّرط تأثير فيها كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من شروط صحّة العبادة عموماً إسلام العبد. فالإسلام شرط لصحّة كلّ عبادة في الإسلام، فإذا وجد شرط الإسلام صحّت العبادة ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 364.

من العبد مع استيفاء باقي شروطها، وإذا لم يوجد شرط الإسلام لا تصحّ أيّ عبادة ولو وجدت كلّ شروطها الأخرى. فلو صلّى كافر بطهارة كاملة مستقبلاً مستوفياً كلّ شروط الصّلاة، فصلاته غير صحيحة وغير مقبولة؛ لأنّه فاقد شرط صحتها وقبولها الأساس وهو الإسلام. ومنها: الزّكاة شرط تعلّق الوجوب بذمّة المكلّف هو حولان الحول، فإذا لم يحلّ الحول على النّصاب فلا زكاة فيه، حتى لو أنفقه قبل الحول ولو بساعة أو يوم لا يتعلّق وجوب الزّكاة بذمّته. ومنها: إذا اشترط المحرم في بدء إحرامه أنّه يحلّ إذا مرض أو ضاعت نفقته أو نفدت أو حصر وقال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني. فله الحلّ متى وجد ذلك ولا شيء عليه؛ لأنّ للشّرط تأثير في العبادات. ومنها: إذا قال: إن شفى الله مريضي صمت شهراً متتابعاً أو متفرّقاً وجب عليه ما شرطه.

القاعدة الثامنة [المعدوم]

القاعدة الثّامنة [المعدوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للشّرع أن يجعل المعدوم حقيقة موجوداً حكماً لحاجة الإنسان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعدوم: هو غير الموجود. وعدمه إمّا أن يكون حقيقيّاً وإمّا أن يكون حكماً واعتباراً. فمِن حِكَم الشّرع أنّه قد يجعل المعدوم حقيقة وفعلاً موجوداً حكماً، فيعطيه أحكاماً شرعيّة، أو يبني على هذا الوجود الحكمي أحكاماً شرعيّة لحاجة الإنسان وغرضه ونفعه ومصلحته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوقف على أولاده وأولاد أولاده وذريَّاتهم غلِر المخلوقين عند تحبيس الموقوف جائز، مع أنّ أولاد الأولاد وذرياتهم غير موجودين حقيقة، ولكن الشّرع اعتبرهم موجودين حكماً لحاجة الإنسان صرف ريع الوقف على التّأبيد. ولاستمرار الثّواب والأجر. ومنها: إذا أوصى لحمل فلانة، وهي لم تحمل بعد، أو كان حملها مشكوكاً فيه، تصحّ الوصيّة لذلك الحمل عند وجوده - في قول عند الحنابلة - والرّاجح عكسه - قال: لأنّ الوصيّة تمليك فلا يصحّ ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 492 عن التحرير.

للمعدوم. أمّا إن كانت حاملاً فِعلاً فالوصيّة جائزة وصحيحة عند الجميع؛ لأنّ الحمل يرث فتصحّ الوصيّة له، إن وضعته لأقل من ستّة أشهر من حين الوصيّة (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية جـ 2 ص 368. وحلية العلماء جـ 6 ص 74.

القاعدة التاسعة [العرف]

القاعدة التّاسعة [العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للعرف عِبرة في معرفة المراد بالاسم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى العرف والعادة. والمراد بالعرف هنا: العرف اللغوي وهو دلالة اللفظ في اللغة. والعِبرة: الأثر والاعتداد. والمراد بالاسم: اللفظ المنطوق به. فمفاد القاعدة: أنّه يعتدّ بالعرف اللغوي ودلالته من المقصود من إطلاق الاسم أو العبارة المنطوق بها إذ يُحَكَّم العرف في بيان المقصود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال طالب الأمان: آمنوني على مواليَّ، وليس له إلا مواليات إناث لا ذَكر فيهن. فَهُنَّ آمنات استحساناً؛ لأنّ أهل اللغة يقولون للمعتقَات: هنّ موالي بني فلان (¬2). كما يقولون للمعتقين الذّكور. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 434 وعنه قواعد الفقه ص 104. (¬2) نفس المصدر ص 433.

ومنها: إذا قال: أوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي. دخل فيهم أولاد البنات - في القول الرّاجح -؛ لأنّ الولد في اللغة يطلق على الذّكر والأنثى، إلا أن يقول الواقف: على أولادي وأولادهم الذّكور. ومنها: إذا قال المشركون: أمِّنُونا على أهلينا ومتاعنا. فالقوم الذين سألوا ذلك آمنون وإن لم يذكروا أنفسهم بشيء؛ لأنّ النّون والألف في قوله: أمنونا كناية لإضافة المتكلّم ما يتكلّم به إلى نفسه، وكلمة على للشّرط - أي بشرط ذلك - وأهل الرّجل: كلّ من يعوله الرّجل في داره وينفق عليه (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 308.

القاعدة العاشرة [اللغو]

القاعدة العاشرة [اللغو] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللغو لا يكون مشروعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اللغو: السّاقط (¬2). وكلّ مطروح من الكلام لا يعتدُّ به (¬3). أو هو: أخلاط الكلام (¬4) - وهو الباطل (4). فمفاد القاعدة: أنّ السّاقط والمطروح والباطل من الكلام ليس مشروعاً؛ لأنّه مذموم. والدّليل قوله تعالى في صفة المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} (¬5). والإعراض لا يكون عن المشروع بل عن غير المشروع. وقوله تعالى في صفة الجنة: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)} (¬6). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 212. (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه ص 275. (¬3) الكليات ص 778، مفردات الراغب مادة (لغا). التَوقيف مادة اللغو. (¬4) المصباح مادة (لغا). (¬5) الآية 3 من سورة المؤمنون. (¬6) الآية 25 من سورة الواقعة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العقود الشّرعيّة - كعقد النّكاح، والبيع، والإجارة وغيره أسباب مشروعة لحصول الفائدة المرجوّة منها، فإذا خلت عن الفائدة كانت لغواً غير مشروعة. ومنها: لغو اليمين، وهو ما لا عقد للقلب عليه - وذلك ما يجري وصلاً للكلام بضرب من العادة، فلا كفّارة فيه ولا حنث لعدم مشروعيته (¬1). ¬

_ (¬1) المصادر السابقة والتوقيف ص 623.

القاعدة الحادية عشرة [القرب وأثره]

القاعدة الحادية عشرة [القرب وأثرهُ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للقُرْب عبرة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القرب: ضدّ البعد. وسواء في ذلك القرب الحسّيّ أو المعنوي، أو النّسبي فالقرب له أثر واعتداد في الأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أحيا أرضاً في بلاد فيها أراض عشرية (¬2) وأراض خراجيّة (¬3)، فإنّ الواجب في الأرض المحياة إمّا العشر وإمّا الخراج. فإذا كانت أقرب إلى الأراضي العشريّة فهي عشريّة، أو إلى الخراجيّة فهي خراجيّة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 7. (¬2) الأرض العشرية هي الأرض التي يجب العشر أو نصف العشر زكاة للخارج منها. (¬3) الأرض الخراجية هي الأرض التي بقيت في أيدي أصحابها وفرض عليها خراج أي قسم مما تخرجه من الحب والثمار بحسب ما فرض الإمام، والخراج إما خراج مقاسمة أو خراج تعيين وتحديد. وهو الجزية على الأرض المفتوحة عنوة. وينظر في هذا كتب الخراج لأبي يوسف ويحيى ابن آدم وابن رجب وغيرهم.

ومنها: إذا كانت أرض قريبة من القرية أو المدينة فليس لأحد إحياؤها لحقّ أهل القرية والمدينة. ومنها: المرء أحقّ بالانتفاع بفناء داره من غيره. ومنها: الأخ الشّقيق مقدّم على الأخ لأب في الميراث وفي الولاية.

القاعدة الثانية عشرة [اعتبار الأدنى]

القاعدة الثّانية عشرة [اعتبار الأدنى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اللفظ إذا تعذّر فيه اعتبار الأقصى يعتبر الأدنى (¬1). وفي لفظ: المعتبر أدنى ما يتناوله اللفظ (¬2). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلّ لفظ له دلالته ومعناه، فإذا كان اللفظ عامّاً فإنّ دلالته على ما تحته تحتمل الأدنى والأعلى من أفراده. فمفاد القاعدة: أنّ اللفظ إذا تعذّر واستحال حمل دلالته على جميع أفراده - لعدم القرينة - فإنّما يعتبر فيه دلالته على الحدّ الأدنى من أفراده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال له عليَّ دراهم - ولم يبيّن عددها - فإنّ إقراره يصدق على أدنى الجمع وهو ثلاثة. ومنها: إذا قال لأمَة رقيقة عنده: هي حرّة بعد موتي - إذا ثبتت على الإسلام، أو لم ترجع عن الإسلام. فإن أقامت على الإسلام ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 90. (¬2) نفس المصدر ونفس الصفحة.

ساعة بعد موته فهي حرّة من ثلثه؛ لأنّه لم يكن الشّرط ثباتها على الإسلام إلى وقت موتها، فإنّ الجزاء وهو العتق لا يتصوّر حين ذاك. ومنها: إذا أوصى للفقراء بثُلُثِهِ، ولم يوجد إلا ثلاثة، فَيُعطَون الثّلث كلّه؛ لأنّه - كما سبق - إنّ أدنى الجمع ثلاثة. ومنها: إذا أوصى لامرأة بألف درهم على أن لا تتزوّج بعد وفاته، فإذا قبلت وفعلت ما شرط عليها بعد موته يوماً أو أقلّ أو أكثر فلها الوصيّة؛ لأنّ المعتبر وجود أدنى ما يتناوله اللفظ. ثمّ لو تزوّجت بعد ذلك لم تبطل وصيّتها. إلا إذا قال: على أن لا تتزوّج أبداً، أو وَقَّت لذلك وقتاً، فهو كما قال.

القاعدة الثالثة عشرة [اللفظ الدائر بين معهود الشرع وغيره]

القاعدة الثّالثة عشرة [اللفظ الدّائر بين معهود الشّرع وغيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ إذا دار بين المعهود في الشّرع وبين غيره، حُمِل على المعهود في الشّرع؛ لأنّه الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الألفاظ الشّرعيّة إنّما تحمل دلالاتها على معهود الشّرع؛ لأنّ الشّرع إنّما جاء ليبيّن بنصوصه أحكاماً شرعيّة لا عرفيّة ولا لغويّة. لكن إذا تعارض مفهوم لفظ ودلالته بين الدّلالة الشّرعيّة وبين دلالة غير شرعيّة لغوية أو عرفيّة فإنّ الأرجح هو حمله على دلالته الشّرعيّة لأنّه الظّاهر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لأصلَّينَّ صلاة. فإنّما يحمل قوله على الصّلاة المعهودة في الشّرع ذات الرّكوع والسّجود عند الإطلاق، ولا يِحمل على الدّعاء - وإن كان هذا معنى الصّلاة اللغوي - إلا بالنّيّة. ومنها: إذا نذر أن يصوم. فإنّما يحمل على الصّوم الشّرعي المعهود، لا على مطلق الإمساك إلا إذا نوى إمساكاً خاصاً، كالصّوم عن الكلام مثلاً، فيحمل على ما نوى. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 75.

ومنها: إذا قال لآخر: يا زان. فهو قاذف، وعليه حدّ القذف، ولا يصدّق قضاءً إذا قال: إنّه أراد أنّه زانئ في الجبل - أي صاعد فيه.

القاعدة الرابعة عشرة [المجاز والحقيقة]

القاعدة الرّابعة عشرة [المجاز والحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ إذا صار عبارة عن غيره مجازاً سقط اعتبار حقيقته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة "إذا تعذّرت الحقيقة يصار إلى المجاز" (¬2). لأنّ اللفظ إمّا أنّ تراد حقيقته، وإمّا أن يراد مجازه، فإذا أمكن حمله على الحقيقة فلا يحمل على المجاز إلا مع القرينة، فإذا حمل اللفظ على مجازه سقط اعتبار حقيقته، ومعنى ذلك: أنّ اللفظ لا يجوز حمله على حقيقته ومجازه معاً. وهي مسألة خلافيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليأكلن من هذا القدر، فإنّما يَبَرُّ في يمينه إذا أكل ممّا يطبخ فيها؛ لأنّه هو المتبادر، وإن كان مجازاً, لأن حقيقة الأكل من القدر هو أكل معدنها، وهذا متعذّر حقيقة، فكأنّ لفظ القدر صار مجازاً عن غير معدنها وهو ما يطبخ فيها. ومنها: إذا حلف بالمشي إلى بيت الله الحرام، فلا يَبَرُّ إلا إذا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 130، القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير. (¬2) ينظر قواعد حرف الهمزة رقم 133 - 135.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

حجّ أو اعتمر؛ لأنّ العرف الظّاهر بين الناس أنّهم إذا ذكروا المشي إلى بيت الله الحرام فهم يريدون به التزام النّسك. فقد صار التّعبير بالمشي إلى بيت الله الحرام عبارة عن غيره مجازاً وهو النّسك. فسقط اعتبار حقيقة اللفظ، وجعل كأنّه تلفّظ بما صار عبارة عنه وهو النّسك. وعلى ذلك - فلو لم يكن له نيّة - ومشى إلى مكّة بدودن أداء نسك لا يَبَرُّ في يمينه. ومنها: إذا قال: ثوبي هذا ستر البيت. أو قال: أنا أضرب به حطيم البيت. فعليه أن يهديه - أي يتصدّق به في مكّة المكرّمة على فقراء الحرم - استحساناً؛ لأنّه إنّما يراد بهذا اللفظ الإهداء به وصار اللفظ عبارة عمّا يراد به غيره. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أوصى شخص لأولاد فلان - وكان لفلان هذا أولاد صلبيون وحفدة - انصرفت الوصيّة إلى الأولاد الصّلبيّين فقط؛ لأنّه المعنى الحقيقي للأولاد، وقيل: يدخل ولد الولد أيضاً حملاً للكلام على الحقيقة والمجاز معاً (¬1). ومن هنا جاء الاستثناء. ¬

_ (¬1) ينظر الوجيز ص 318.

القاعدة الخامسة عشرة [الحقيقة والمجاز]

القاعدة الخامسة عشرة [الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ إذا صار مستعملاً في حقيقته ينتفي المجاز عنه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مقابلة لسابقتها، حيث إنّ "الأصل في الكلام الحقيقة" (¬2). فمتى أمكن حمل اللفظ على حقيقته واستعمل فيها، انتفى عنه المجاز ولم يجز استعماله فيه إلا استثناءً على قول، كما سبق قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى وقال: إنّ ثمرة بستاني هذا لفلان - ولم يقل أبداً - ثمّ مات. فإن كان في البستان ثمرة حين موت الموصي فإنّها يستحقّها الموصَى له، ولا حقّ له فيما يحدث بعد ذلك. أمّا إذا لم يكن في البستان ثمرة حين موت الموصي فيستعمل اللفظ في مجازه، ويكون له ما يحدث من الثّمار بعد ذلك ما عاش. أمّا إذا قال: أبداً. فهي للموصى له ما عاش، الموجود منها وما ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 2. (¬2) ينظر الوجيز ص 317.

سيوجد بعد ذلك. ومنها: إذا أوصى لآخر بصوف غنمه أو بألبانها أو بأولادها. لم يَجُزَّ إلا ما على ظهورها من الصّوف، ولم يحلب إلا ما في ضروعها من اللبن، ولم يستحقّ إلا ما في بطونها من الولد يوم يموت الموصي. وما حدث بعد ذلك فلا وصيّة له فيه. ومنها: إذا قال لصبيّ رقيق عنده: هذا ابني. والصّبي مجهول النّسب. ويولد مثله للقائل، فهو ينسب إليه بإقراره ويكون ابنه حقيقة، ولا يكون قوله: هذا ابني. مجازاً عن تحريره من الرّقّ. أمّا لو كان الصّبي معروف النّسب فيكون هذا القول من السّيّد مجازاً عن تحريره، وكذلك لو كان لا يولد مثله لمثله.

القاعدة السادسة عشرة [اللفظ ذو المعنيين]

القاعدة السّادسة عشرة [اللفظ ذو المعْنيين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ إذا تعدى معنيين أحدهها أجلى من الآخر والآخر أخفى، فإنّ الأجلى أملك من الأخفى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 425. فاللفظ إذا كان يحتمل معنيين أحدهما أوضح من الآخر فالحَمل على المعنى الأوضح أولى من الحَمل على المعنى الأخفى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬2) الآية. فعند الحنفيّة يحمل لفظ عقَّدتم على العقد أي الحلف على أمر مستقبل وهو عندهم أجلى وأوضح، خلفاً للشّافعي رحمه الله الّذي يحمله على عزم القلب الّذى يقع على الماضي والمستقبل. وهو الأخفى. ¬

_ (¬1) أصول الإمام الكرخي بلفظ الأصل إن اللفظ إذا تعدى. الأصل رقم 36. ص 119 طبعة مطبعة الإمام بالقاهرة. وعنه قواعد الفقه ص 104. (¬2) الآية 89 من سورة المائدة.

القاعدتان السابعة والثامنة عشرة [تخصيص اللفظ العام]

القاعدتان السّابعة والثّامنة عشرة [تخصيص اللفظ العام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اللفظ إذا كان عامّاً يخصّ بالمعروف، وإذا كان خاصّاً لا يخصّ (¬1). وفي لفظ: اللفظ العام يجوز تخصيصه وتقييده بالعرف (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: اللفظ إمّا أن يكون عامّاً في دلالته، وإمّا أن يكون خاصّاً، وإمّا أن يكون مطلقاً وإمّا أن يكون مقيّداً. وقد سبق بيان معنى العام والخاصّ، فاللفظ العامّ قابل للتّخصيص. أيّ الدّلالة على بعض ما يتناوله لفظ العامّ، وللعموم ألفاظ معروفة عن الأصولييّن واللغوييّن. واللفظ المطلق قابل للتّقييد. وما كان خاصّاً أو مقيّداً فلا يخصّ مرّة أخرى ولا يقيّد لأنّ المصغّر لا يصغر مرّتين. ومفاد القاعدة: أنّ كلّ لفظ عامّ قابل للتّخصيص، وكلّ لفظ مطلق قابل للتّقييد، والمخصصات كثيرة وكذلك القيود ولكن المقصود بالقاعدة التّخصيص والتّقييد بالعرف والعادة. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 493 عن التحرير. (¬2) نفس المصدر ص 178.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال لغيره: مَن دخل داري فأكرمه. (فَمَنْ) لفظ عام قابل للتّخصيص، فإذا كان المتكلّم من عادته أن لا يدخل داره إلا العلماء، والمخاطب يعلم ذلك، فإنّه لا يجوز له أن يكرم سوى العلماء. فكأنّه قال: من دخل داري من العلماء. ومنها: إذا اشترى سلعة بألف، ولم يبيّن نوع العملة والنّقد - فإنّ العرف يخصّص ويقيّد المراد بالألف وهو عملة البلد المتداولة بين النّاس. ومنها: إذا قال: اشتر لي سيّارة بخمسين ألف ريال سعودي - مثلاً - فلا يصحّ للوكيل أن يشترط على المشتري أن تكون من فئة "الخمسمائة ريال" مثلاً. أو من فئة المئتين، أو أن تكون ذات أرقام خاصّة.

القاعدة التاسعة عشرة [الحقيقة والمجاز]

القاعدة التّاسعة عشرة [الحقيقة والمجاز] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اللفظ إذا كان له معنى حقيقي مستعمل ومعنى مجازي متعارف يرجّح المعنى الحقيقي - عند أبي حنيفة رحمه الله - وعند الصّاحبين رحمهما الله - المجازيّ (¬1). وفي لفظ: الكلام إذا كان له حقيقة مهجورة ومجاز مستعمل، يحمل على المجاز المستعمل بالإجماع (¬2). وقد سبقت في قواعد حرف الكاف تحت رقم 36. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة الأولى صريحة في وجود الاختلاف بين أبي حنيفة وبين صاحبيه رحمهم الله جميعاً. والقاعدة الثّانية تبيّن أنّ الأمر مجمع عليه، فهل بين القاعدتين تنافٍ؟ لا تنافي بين مدلولي القاعدتين ومفادهما: حيث إنّ القاعدة الأولى تشير إلى وجود الاختلاف في حالة وجود استعمال - ولو قليل للحقيقة - والقاعدة الثّانية تفيد الإجماع على الحمل على المجاز المستعمل في حالة هجرٍ للحقيقة وعدم استعمال لها. فلا تعارض ولا تناف بين القاعدتين إذ لكلّ واحدة منهما مجالها. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 91 أ. (¬2) القواعد والضوابط ص 178.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة الأولى: أنّه إذا كان للفظ معنى حقيقي ومعنى مجازي، والمعنى الحقيقي يستعمل تارة وتارة، فعند أبي حنيفة رحمه الله إنّ المعنى الحقيقي هو المرجّح مع عدم إهمال المعنى المجازي. وأمّا عند صاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى فإنّ المعنى المجازي هو الرّاجح لكثرة استعماله. وعند غيرهم فالمعنيان مستعملان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يشرب من هذا النّهر، فعند أبي حنيفة يحنث إذا كرع منه بفمه - وهذا المعنى الحقيقي للشّرب من النّهر - وأمّا عند الصّاحبين فإنّه يحنث إذا شرب منه بيده أو بكوز؛ لأنّه المتعارف. والكرع وإن كان مستعملاً فهو قليل جداً. ومنها: إذا أوصى شخص لأولاد فلان - وكان لفلان أولاد صلبيّون وحفدة، فإذا استعملنا الحقيقة كانت الوصيّة للأولاد الصلبيّين فقط، وبهذا قال بعضهم - كما سبق قريباً. وقال آخرون يدخل في الوصيّة ولد الولد أيضاً حملاً للكلام على الحقيقة والمجاز معاً. ومنها: إذا حلف لا يأكل من هذا الدّقيق. فاستفّه. فهو يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله ولا يحنث عند صاحبيه؛ لأنّ استفاف الدّقيق مهجور عرفاً وعادة، لكن لو أكل من خبز معجون ملى هذا الدّقيق فإنّه يحنث عند الكلّ.

القاعدتان العشرون والحادية والعشرون [الكل والكلي]

القاعدتان العشرون والحادية والعشرون [الكلّ والكلّيّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اللفظ الدّال على الكلّ دالّ على جزئه في الأمر وخبر الثّبوت بخلاف النّهي وخبر النّفي. وعند ابن الشاط (¬1): اللفظ الدّال على الكلّ دالّ على جزئه مطلقاً (¬2). وفي لفظ: اللفظ الدّال على الكلّيّ لا يدلّ على جزئيّ من جزئيّاته مطلقاً من غير تفصيل. بل يفهم الجزئي من أمر آخر غير اللفظ (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الكلّ والكلّيّ لفظان مختلفا المعنى والدّلالة: فالكلّ: اسم لجملة تركّبت من أجزاء محصورة، وجزء الكلّ يسمى بعضاً (¬4)، وهو موجود في الخارج مثاله: الشّاي من الماء وورق ¬

_ (¬1) ابن الشاط: سراج الدين أبو القسام قاسم بن عبد الله بن محمَّد الأنصاري السبتي فقيه مالكي فرضي من الكتاب توفي سنة 723. الأعلام جـ 5 ص 177 باختصار. (¬2) الفروق جـ 1 ص 134. (¬3) نفس المصدر ص 136. (¬4) الكليات ص 244.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

نبات الشّاي. والكلّيّ: هو الّذي لا يمنع نفس تصوّر معناه وقوع الشّركة فيه (¬1). والكلّيّ لا يوحد إلا في الذّهن. مثاله: الإنسان، فهو كلِّي، لكن لا يدلّ لفظه على خُصوص زيد من الناس. فمفاد هاتين القاعدتين: أنّ اللفظ إذا دخل على الكلّ فهو دالّ على كلّ جزء فيه. في الأمر وخبر الثّبوت. ولكن هل يدلّ على جزئه في النّهي وخبر النّفي؟ عند القرافي رحمه الله لا يدلّ. وعند ابن الشاط يدلّ ولعلّ ما قاله ابن الشاط رحمه الله أصوب. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الخمسة من العشرة جزء. والعشرة كلّ. ومنها: الحيوان من الإنسان والإنسان كلّ لتركّبه من الحيوان والنّاطق. ومنها: لفظ (حيوان) كلّيّ لا يدلّ ذلك على أنّه إنسان. لاحتمال أن يكون فرساً. وإذا قلنا في الدّار إنسان كلِّي. لا يدلّ على أنّه زيد بعينه لاحتمال أن يكون الموجود غيره. ومنها: إذا أوجب الله عَزَّ وَجَلَّ علينا صلاة ركعتين، فقد أوجب ركعة؛ لأن الرّكعتين ركعة وركعة في الإثبات. وأمّا إذا نهى الله عزّ وجلّ عن ثلاث ركعات في الفجر فلا يلزم من ذلك النّهي عن ركعتين مستقلّتين عند القرافي. وعند ابن الشاط يدلّ. ¬

_ (¬1) الكليات ص 745.

القاعدة الثانية والعشرون [اللفظ العام]

القاعدة الثّانية والعشرون [اللفظ العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ العام يكون نصّاً في كلّ ما يتناوله (¬1). أَصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تمثّل رأي الحنفيّة في دلالة اللفظ العامّ قبل التّخصيص، فاللفظ العام عند الحنفيّة يعتبر نصّاً أي حجّة قاطعة في كلّ ما يتناوله من أفراد قبل التّخصيص. فالعام - قبل التّخصيص - عند الحنفيّة - قطعي الدّلالة، فلذلك لا يجوز تخصيصه إلا بقطعي مثله، فأمّا بعد التّخصيص فهو ظنِّي. وقد سبق أمثال لهذه القاعدة في قواعد حرف العين تحت الأرقام 14، 15. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: مَن دخل داري فأكرمه. عامّ في كلّ داخل، فلا يجوز للمخاطَب أن يخصّص هذا العموم بأحد دون أحد. لأنّ لفظ (مَنْ) مِن ألفاظ العموم. ومنها: إذا قال: خذ من الصّندوق ما تريد. فله أن يأخذ جميع ما فيه دون جِرمه. ومنها: إذا قال عند التّوكيل: بِعْ لِمَنْ شئت. فقوله:- لمن شئت. لفظ عام. فالوكيل حرّ التّصرّف في البيع لمن شاء حتّى لنفسه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 33، القواعد والضوابط ص 493 عن التحرير.

القاعدة الثالثة والعشرون [إقامة اللفظ مقام غيره]

القاعدة الثّالثة والعشرون [إقامة اللّفظ مقام غيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اللّفظ متى أقيم مقام شيء فاستعماله كاستعمال ما جعل عبارة عنه (¬1). وفي لفظ سابق: اللفظ إذا جعل عبارة عن غيره مجازاً سقط اعتبار حقيقته في نفسه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الألفاظ ينوب بعضها عن بعض، ويعبَّر بلفظ عن معنى لفظ آخر، ولكن لا بدّ من القرينة التي تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى غيره. فمفاد القاعدة: أنّ اللفظ إذا أقيم مقام شيء آخر فإنّه يستعمل استعماله في الدّلالة على المراد ويأخذ أحكامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لفظ (الهبة) وضع في الأصل للدّلالة على عقد مجاني دون مقابل. لكن إذا قال: وهبتك هذا الكتاب بمئة ريال. فإن هذا يكون عقد ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 493 عن التحرير. وينظر الوجيز ص 147 فما بعدها. (¬2) القواعد والضوابط ص 492 عن التحرير.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

بيع. وأقيم لفظ (وهبتك) مقام لفظ (بعتك) بدليل وقرينة ذكر العوض، فيأخذ العقد في هذه الحال أحكام البيع كلّها. ومنها: إذا قال: أعرتك هذه السّيّارة بمئة ريال. يكون العقد عقد إجارة - وإن عبَّر بلفظ الإعارة، ويأخذ العقد أحكام عقد الإجارة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: بعتك هذه السّيّارة بغير ثمن. لا يكون عقد هبة قطعاً، بل هو عقد بيع باطل لعدم ذكر الثّمن الّذي هو ركن في عقد البيع. ومنها: إذا قال: أسلمت إليك هذا الثّوب بهذا الكتاب. لا ينعقد سلماً قطعاً، وفي انعقاده بيعاً قولان عند الشّافعيّة (¬1). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 2 ص 372، وقواعد ابن رجب القاعدة 38، أشباه السيوطي ص 166.

القاعدة الرابعة والعشرون [اللفظ واقتضاؤه]

القاعدة الرّابعة والعشرون [اللفظ واقتضاؤه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ محمول على ما يقتضيه ظاهره لغة أو شرعاً أو عرفاً، ولا يحمل على الاحتمال الخفي ما لم يقصد، أو يقترن به دليل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلّ لفظ له دلالة ظاهرة متبادرة إلى ذهن السّامع، واحتمالات دلالات اللفظ ثلاثة: وهي معناه في اللغة، أو في الشّرع، أو في العرف. وهي حقائق فيها لغوية أو شرعيّة أو عرفيّة. فكلّ لفظ يتكلّم به متكلّم لا بدّ من أن يحمله السّامع على أحد هذه الدّلالات الثّلاث بما يتبادر إلى ذهنه، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك. ولا يجوز أن يحمل اللفظ على معنى خفي غير مقصود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يركب دابّة. يحمل على المعنى العرفي للدّابّة، وهي ما يركب من الدّواب وهي: الفرس والبغل والحمار. دون سواها لتقييد العرف للمعنى اللغوي العامّ للفظ (دابّة). ومنها: إذا حلف ليصومَنَّ. فلا يبرّ إلا بالصّوم الشّرعي؛ لأنّه ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 121 عن قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام جـ 2 ص 102.

الظّاهر المتبادر إلى الذّهن، ولا يجوز حمله على الإمساك عن الكلام أو الحركة مثلاً، ما لم تقم قرينة على ذلك. وقد قالت مِريم عليها السّلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)} (¬1). حيث دلّت بالقرينة على أنّها صائمة عن الكلام دون غيره. ومنها: إذا حلف ليركبنّ البحر. فإنّما يُراد به ركوب السّفينة لا النّزول في الماء؛ لأنّ الماء لا يركب. ولا يراد به ركوب الموج إلا أن ينويه. ومنها: إذا حلف بالقرآن أو بالمصحف، لم تنعقد يمينه - عند الحنفيّة -؛ لأنّه ظاهر في هذه الألفاظ في عرف الاستعمال ولا سيما في حقّ النّساء والجهّال الّذين لا يعرفون الكلام القديم ولا يخطر لهم ببال، ولا يخطر ببالهم التّجوّز بالمصحف عنه. ورجّحه العزّ بن عبد السّلام (¬2) رحمه الله خلافاً لمالك والشّافعي رحمهما الله. وخالفه الزّركشي رحمه الله وقال: بل قولهما هو القريب؛ لأنّه الحقيقة الشّرعيّة. ¬

_ (¬1) الآية 26 من سورة مريم. (¬2) العزّ بن عبد السّلام سبقت ترجمته.

القاعدة الخامسة والعشرون [اللفظ غير المستقل]

القاعدة الخامسة والعشرون [اللفظ غير المستقلّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ المستقلّ إذا ألحق به ما لا يستقلّ صيّر الأوّل غير مستقلّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد باللفظ المستقلّ: اللفظ الدّال على تمام معناه بانفراده. وغير المستقلّ: اللفظ الّذي لا يدلّ على تمام المعنى بانفراده. فمفاد القاعدة: أنّ اللفظ المستقلّ بدلالته إذا اتّصل به لفظ غير مستقلّ بالدّلالة فإنّ اللفظ الأوّل يصير غير مستقلّ، ولا يدلّ على تمام المقصود. وكما يصير اللفظ المستقلّ بنفسه غير مستقلّ إذا اتّصلَ به غير المستقلّ لفظاً فكذا لو نواه أيضاً، خلافاً للقرافي (¬2)، كما رجّحه ابن الشاط (¬3). ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 181 - 182. (¬2) القرافي أحمد بن إدريس سبقت ترجمته. (¬3) ابن الشاط سراج الدين أبو القاسم وأبو محمَّد قاسم بن عبد الله بن محمَّد الأنصاري فقيه فرضي مالكي توفي سنة 723 هـ. له ترجمة في الديباج ص 226، وفهرس الفهارس جـ 2 ص 413 وغيرهما، سبقت له ترجمة قريباً.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف تحت رقم 138. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قلنا: نجح الطّلاب. فهذا كلام مستقلّ بالإفادة، حيث أفادنا أن جميع الطّلاب ناجحون. لكن إذا قلنا: نجح الطّلاب إلا عليّاً. فإنّ الجملة الأولى تصبح غير مستقلّة بالإفادة, لأنّ الاستثناء - وهو غير مستقلّ بالإفادة - اتّصل بها فصيّرها غير مستقلّة بالإفادة. ومنها: قوله: عندي عشرة إلا اثنين كذلك. ومنها: إذا حلف وقال: لا أكلت طعاماً إلا اللّحم. فهو لا يحنث بأكل اللّحم. ومنها: إذا قال: لا لبست ثوباً حريراً، فهو لا يحنث إلا بثوب الحرير دون غيره من الثّياب. ومنها: إذا قال: لا أكلت طعاماً. ونوى طعاماً مخصوصاً، فإنّه لا يحنث إلا بأكل ما نواه دون غيره؛ لأنّ النّيَّة صيّرت لفظه المستقلّ غير مستقلّ.

القاعدة السادسة والعشرون [اللفظ المطلق]

القاعدة السّادسة والعشرون [اللفظ المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ المطلق إذا كان له مسمّى معهود أو حال يقتضيه انصرف إليه (¬1). وإن كان نكرة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اللفظ المطلق الّذي لم يقيّد بوصف أو حال، فعلام يحمل؟ إذا كان لهذا اللفظ المطلق مسمّى معروف، أو حال خاصّة أو صفة، فإنّه يحمل عليه وينصرف إليه ولا يجوز تعميمه وشموله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال أحد المتبايعين: بعتك هذه السّلعة بعشرة ريالات أو جنيهات. فكلمة ريالات أو جنيهات مطلقة في اللفظ، ثمّ لا ينصرف هذا اللفظ إلا إلى المعهود المعروف من الرّيالات أو الجنيهات التي يتعامل بها في تلك البلاد. ومنها: إذا قال المريض للطّبيب: إنّ بي إسهالاً. فقال الطّبيب: لا تأكل طعاماً دسماً. فإنّه يعلم أنّ النّهي مقيّد بتلك الحال. ومنها: إذا قال: اشتر لي لحماً. والمعهود بينهم لحم الإبل. فلا ينصرف المطلق إلا إلى ما يعرفونه. وكان ذلك من باب التّخصيص العرفي. ¬

_ (¬1) القواعد النّورانيّة ص 174.

القاعدة السابعة والعشرون [اللفظ المطلق]

القاعدة السّابعة والعشرون [اللفظ المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ المطلق - أو المحتمِل - عند عدم القصد - هل يحمل على الأقل أو على الأكثر (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أطلق شخص لفظاً، وهذا اللفظ لا دلالة له على حدّ معيَّن - إذ يحتمل القلّة والكثرة - فهل يحمل على الأقل أو على الأكثر - عند عدم القصد؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نذر صوم شهر، فهل يجب عليه صيام ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين يوماً؛ لأنّ الشّهر يكون تارة ثلاثين وتارة تسعة وعشرين؟ فهل تبرأ الذّمّة بالأقل أو بالأكثر؟ أقول وبالله التّوفيق: إذا بدأ صومه في خلال الشّهر فالرّاجح أنّه يصوم ثلاثين يوماً احتياطاً لبراءة الذّمّة. ولكن إذا بدأ صومه في أوّل يوم من الشّهر فصيامه المبرئ بحسب الشّهر إن كان الشّهر تسعة وعشرين فيصوم تسعة وعشرين وإن جاء الشّهر متمّماً الثّلاثين فيجب أن يصوم ثلاثين. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 92.

إذا قال لزوجته: أنت حرام - ولم يقصد الثّلاث ولا البينونة - فهل يحمل على أقلّ ما يصدق عليه اللفظ وهو طلقة واحدة، أو الأعلى وهو الثّلاث؟ خلاف. ومنها: هل بالعقد يتقرّر المهر جميعه، أو نصفه ثمّ يكمل بالدّخول أو الموت؟ خلاف كذلك.

القاعدة الثامنة والعشرون [اللفظ المطلق والمقيد]

القاعدة الثّامنة والعشرون [اللفظ المطلق والمقيّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ المطلق لا يحمل على المقيّد إلا إذا كان لو صرّح بذلك المقيّد لصحّ. وإلا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى المطلق والمقيّد. إذا صدر عن شخص لفظ مطلق وكان يحتمل التّقييد، فهل يحمل على القيد أو لا؟ مفاد القاعدة: أنّه لو صُرِّح بذلك القيد لصحّت العبارة والمعاملة، فإنّ المطلق يحمل على المقيّد، أمّا لو صرّح بالمقيّد فلم تصحّ العبارة أو المعاملة، فإنّ المطلق لا يحمل على المقيّد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على رجل دينان - بأحدهما رهن - فدفع إلى المدين عن أحدهما وأطلق، فله أن يعيّن بعد ذلك، ويصحّ قيده. ومنها: إذا أقرّ المفلس بمعاملة فإذا قال: عن جناية أو على مال قُبِل إقراره، فإن أطلق قُبل وحمل على الأقل, لأنّه لو صرّح به لصحّ. ومنها: إذا أعار أرضاً للزّراعة وأطلق، ولم يبيّن الزّرع صحّ على القول الأصحّ. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 180.

القاعدة التاسعة والعشرون [اللفظ والحقيقة]

القاعدة التّاسعة والعشرون [اللفظ والحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ معمول به في حقيقته ما أمكن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من القاعدة القائلة: "الأصل الحقيقة". فكلّ لفظ له معنى حقيقي يدلّ عليه في أصل وضعه، وقد يحمل على مجازه، لكن لما كان (الأصل في الكلام الحقيقة) - كما سبق - فإنّ اللفظ إذا أطلق يجب حمله على معناه الحقيقي ما أمكن ذلك، ولا يجوز حمله على مجازه إلا إذا تعذّر حمله على حقيقته, لأنّه (إذا تعذّرت الحقيقة يصار إلى المجاز). أمّا إذا لم يمكن حمل اللفظ على حقيقته أو مجازه فإنّه يهمل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قال: ما أملك صدقة في المساكين، فحقيقة معنى اللفظ في الملك لكلّ مملوك، ويستوي في ذلك مال الزّكاة وغيره، فيجب عليه هنا أن يخرج جميع ملكه صدقة، ولا يحمل على بعض ما يملِك وهو الزّكاة فقط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 93.

ومنها: إذا قال لصبي رقيق عنده مجهول النّسب يولد مثله لمثله: هذا ابني. لحق به؛ لأنّه حقيقة البنوة ولا يجوز حمله على المجاز أي إرادة العتق.

القاعدة الثلاثون [ما ينافي العقد]

القاعدة الثّلاثون [ما ينافي العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ الموضوع للعقد إذا وُجِد معه ما ينافيه بطل للتّهافت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف مع مرادفتها تحت الرقم: 139. للعقود ألفاظ تدلّ عليها، وكلّ لفظ عقد يدلّ على مقتضاه وأحكامه، فإذا صدر العقد من أهله وجب حمله على مقتضاه وموجبه، لكن إذا اتّصل بهذا العقد ما يعارضه وينافيه فإنّه يبطل ولا يقع صحيحاً؛ لأنّ وجود ما ينافيه ويعارضه مانع من إجرائه في مقتضاه وموجبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذه السّيّارة بلا ثمن أو أجرتك هذه الدّار بلا أجرة، فالعقد باطل في كليهما؛ لأنّ الثّمن في عقد البيع، والأجرة في عقد الإجارة ركنان، فإذا فقدا فقد بطل العقد لفقد ركن من أركانه. ومنها: إذا قال: قارضتك. اقتضى هذا اللفظ اشتراكهما في الرّبح. لكن إذا شرط ربّ المال خلاف ذلك بأن قال: الرّبح كلّه لي، ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 3 ص 127.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

أو كلّه لك كان العقد باطلاً. أمّا لو قال: أقرضتك هذا المال. اقتضى أنّ الرّبح كلّه للمستقرض. فإذا قال: على أنّ الرّبح لي أو بيننا بطل وكان قراضاً باطلاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: ملكتك هذه السّيّارة بلا عوض. كان هبة. لأنّ لفظ التّمليك يحتمل البيع والهبة، فحمل على الوجه الّذي يصحّ. ومنها: إذا قال: بعتك منافع هذه الدّار شهراً بعشرة كان إجارة، ولو قال بلا أجرة. كان عاريَّة.

القاعدة الحادية والثلاثون [اللفظ ومقتضاه]

القاعدة الحادية والثّلاثون [اللفظ ومقتضاه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللفظ يقتضي ما تناوله (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الألفاظ إنّما وضعت للدّلالة على معانيها اللغويّة - حقيقيّة كانت أو مجازيّة - فكلّ لفظ إذاً إنّما يقتضي ويفيد ما تناوله بمعناه اللغوي أو الشّرعي أو العرفي، ولا يجوز تحميله معنى لا يقتضيه ولا يتناوله، إلا إذا نواه أو قامت قرينة على إرادة غير المعنى الأصلي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لله عليّ أن أعتكف ثلاثين يوماً. فهل يلزمه التّتابع؟ خلاف. بين القاضي (¬2) أبى يعلى وتلميذه أبي الخطاب (¬3)، حيث أوجب القاضي التّتابع، وأبو الخطاب أجاز التّفريق، وقال: لا يلزمه التّتابع؛ لأنّ اللفظ يقتضي ما تناوله. والأيّام المطلقة توجد بدون التّتابع. إلا أن ينويه. وذلك بخلاف ما لو نذر أن يعتكف شهراً فيلزمه التتّابع باتّفاق. ومنها: إذا قال: له عليّ ألف إلا مئة. يلزمه تسعمئة؛ لأنّ اللفظ إذا دخله الاستثناء دلّ على ما بعد المستثنى. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 213. (¬2) القاضي أبو يعلى محمَّد بن الحسين الفراء الحنبلي وقد سبقت له ترجمة. (¬3) أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي وقد سبقت له ترجمة.

القاعدة الثانية والثلاثون [المنافع]

القاعدة الثّانية والثّلاثون [المنافع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للمنافع حكم المال عند العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قاعدة قريبة المعنى من هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم. . . . . ومفادها: أنّ المنافع تأخذ حكم الأعيان عند التّعاقد. فما أوجبه العقد على الأعيان أوجبه على المنافع، وما يمنعه يمنعه، حيث إنّ عقد الإجارة كعقد البيع سواء. ولذلك اعتبر الشّافعي رحمه الله أنّ الإجارة هي بيع المنفعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر داراً للسّكنى فوجد فيها عيباً يخلّ بالسّكنى، فله فسخ العقد بالعيب كما أنّ للشتري فسخ عقد البيع إذا وجد في المبيع عيباً يخُلُّ بالمقَصود من المبيع. ومنها: للمضارب أن يستأجر من مال المضاربة البيوت والدّكاكين والأمتعة والدّوابّ؛ لأنّ ذلك من صنيع التّجار. كما له أن يشتري ذلك، حيث إن المضارب لا يستغني عن الاستئجار والتّأجير؛ لأنّ الإجارة والاستئجار تجارة من حيث إنّه مبادلة مال بمال. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 39.

القاعدة الثالثة والثلاثون [الوسائل، المقاصد]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون [الوسائل، المقاصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: للوسائل أحكام المقاصد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوسائل: جمع وسيلة، وهي الطّريق الموصلة إلى المقصود. المقاصد: جمع مقصد وهو المطلب والغاية من الفعل. والمقاصد الّتي يقصدها ويبتغيها المكلّفون منها حلال ومنها حرام. فالوسائل كذلك؛ لأنّه لمّا كانت الوسائل هي الموصلة لمقاصدها أخذت أحكام تلك المقاصد. فوسيلة الحلال يجب أن تكون حلالاً. ووسيلة الحرام محرّمة كحرمة الحرام المُوصلة إليه. ويختلف أجر وسائل الطّاعات باختلاف فضائل المقاصد ومصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل من سائر الوسائل. وكذلك يختلف وزر وإثم وسائل المعاصي باختلاف المقاصد ومفاسدها، فالوسيلة إلى أرذل المقاصد أرذل من سائر الوسائل (¬2). ويُشْترط في الوسائل أن تكون مقدورة للمكلّفين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السّعي إلى الجمعة وسيلة إليها. فإذا كانت صلاة الجمعة واجبة ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 60. (¬2) قواعد الأحكام جـ 1 ص 104 فما بعدها.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

فالسّعي إليها واجب. ومنها: طلب الرّزق الحلال فريضة وواجب، فوسيلته يجب أن تكون كذلك بالبيع والشّراء والعمل والمضاربة وغير ذلك من وسائل كسب الرّزق الحلال. ومنها: الزّنا حرام. فكلّ وسيلة يمكن أن تؤدّي إليه فهي حرام. فالاختلاط بين الرّجال والنّساء في المجامع والأسواق والحفلات حرام كذلك. وسفور المرأة وتكشّفها حرام, لأنّ كلّ ذلك وسائل للزّنا المحرّم. ومنها: قتل المسلم المعصوم حرام. فشراء السّلاح وبيعه لمن يريد أن يقتل به مسلماً معصوماً حرام كذلك؛ لأنّه وسيلة إليه. ومنها: نفقة المَحْرَم وراحلته تجب على المرأة المُريدة للحجّ؛ لأنّها لا تتوصّل إلى أداء الحج إلا به - أي بالمَحْرَم ولذلك وجب عليها نفقته وراحلته. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الأصلع الّذي لا شعر على رأسه - إذا كان حاجّاً أو معتمراً - مأمور بإمرار الموسى على رأسه ندباً أو وجوباً، مع أنّ المقصد وهو إزالة الشّعر ساقط وإمرار الموسى وسيلة.

القاعدة الرابعة والثلاثون [اللهو واللعب]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون [الّلهو والّلعب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اللهو واللّعب عند الشّافعي رحمه الله على الإباحة إلا أن يقوم دليل على التّحريم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 444. الّلهو: من لها يلهو، وأصل الّلهو: التّرويح عن النّفس بما لا تقتضيه الحكمة (¬2). والّلعب: هو فعل الصّبيان يعقب التّعب من غير فائدة (¬3). قال الشّافعي ذلك بناء على أصله المعروف عنده: أنّ الأمور مبناها على الإباحة حتّى يقوم دليل التّحريم - خلافاً لأبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى. فعند الشّافعي رحمه الله إنّ الّلهو والّلعب الأصل فيهما والقاعدة المستمرّة أنّهما مباحان، فلا يمنع الإنسان من لهو ولعب إلا إذا قام الدّليل على تحريمه ومنعه. ¬

_ (¬1) الأشباه والنّظائر لابن الوكيل ق 1 ص 355، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 430. مختصر ابن خطيب الدهشة ص 622. (¬2) المصباح مادة "الّلهو". (¬3) التعريفات ص 204.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أنواع الألعاب الّتي يلعبها الإنسان فرداً أو جماعة: كالقفز والجري والمسابقات البدنيّة والعقليّة يرى الشّافعي رحمه الله أنّ أصلها على الإباحة، ولا يمنع إلا ما قام الدّليل على تحريمه كالّلعب بالنّرد والشّطرنج، وإذا كان الّلهو أو الّلعب يلهي عن الواجبات كالصّلاة.

القاعدة الخامسة والثلاثون [الحكاية]

القاعدة الخامسة والثّلاثون [الحكاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لو حكى ما لا يملك استئنافه للحال لا يصدق فيما حكى بلا بيِّنة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حكى هنا: بمعنى أقرّ أو ادَّعى. فمن أقرّ بشيء لا يملك استئنافه أو إنشاؤه في الحال - أي حال ما حكى - لا يصدق فيما أقرّ به، إلا أن يقيم البيِّنة على صدق دعواه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: إنّه قد راجع زوجته في عدّتها - وأنكرت المرأة الرّجعة - وكانت قد انتهت عدّتها وانقضت - فلا تقبل دعواه المراجعة إلا بالبيِّنة؛ لأنّه لا يملك الآن رجعتها. ومنها: إذا ادّعى أنّه قد طلب الشّفعة حين علمه بالبيع، ولكنّه لم يتمكّن من المطالبة بالمشفوع في حينه لغيبته أو مرضه أو سجنه، فلا يصدّق بمجرّد الدّعوى، بل لا بدّ من البيَّنة؛ لأنّه الآن لا يمكنه طلب الشّفعة لمضى زمن بعد علمه بالبيع. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 91 ب.

القاعدة السادسة والثلاثون [البينة واليمين]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [البيِّنة واليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لو يعطى النّاس بدعواهم لادَّعى رجال دماء قوم - أو رجال - وأموالهم، ولكن البيِّنة على المدّعِي واليمين على المدَّعَى عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم يحدّد طريق إثبات الحقوق ونفيها؛ حتّى لا يأخذ أحد ما لا يستحقّ، ولا يمنع أحد من أداء ما وجب عليه أو أخذ ما استحقّه ووجب له. والحديث رواه مسلم رحمه الله عن ابن عبّاس في كتاب الأقضية رقم 1711. والبيهقي في السّنن الكبرى جـ 10 في كتاب الدّعوى والبيّنات حديث رقم 21197 بلفظ مسلم. وحديث رقم 21200، 21201، 21202، 22203 كما رواه غيرهما. ومفاد الحديث: أنّ البيّنة - وهي الشّهود - إنّما تجب على المدّعِي، واليمين إنّما تَلزم المدَّعَى عليه، - عند الإنكار وعدم بيّنة المدّعِي -، وإذا طلب الخصم يمينه. ولولا ذلك لادّعى أناس كثيرون دماء آخرين وأموالهم بالباطل ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحه 370 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 244.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى أنّ فلاناً استدان منه مبلغاً من المال. فطالبه القاضي بالشّهود على دعواه، فلم يستطع، وطلب يمين خصمه المنكر. فحلف أمام القاضي بالله أنّه ليس له عليه ما يدّعيه. وبذلك تسقط الدّعوى.

القاعدة السابعة والثلاثون [الخبر والمعاينة]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [الخبر والمعاينة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس الخبر كالمعاينة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخبر: هو القول المحتمل للصّدق والكذب، أي يصحّ أن يقال لقائله: إنّه صادق فيه أو كاذب. والمعاينة: مأخوذة من العين، والمراد بها الرّؤية المتحقّقة التي لا تقبل التّكذيب، سواء كانت رؤية حسّيّة أو عِلميّة. والقاعدة نصّ حديث نبوي كريم أخرجه أحمد (¬2) رحمه الله في المسند جـ 1 ص 271. والهيثمي (¬3) في مجمع الزّوائد عن ابن عباس (¬4) ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 162. (¬2) أحمد هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الإمام المشهور. (¬3) الهيثمي نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي القاهري الشافعي الحافظ، ولد سنة 735 هـ، وهو صاحب الكتاب العظيم المشهور مجمع الزوائد ومنبع الفوائد توفّي سنه 803. عن مقدمة كتاب بغية الرّائد. (¬4) ابن عباس، عبد الله بن عباس، ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الملقّب بترجمان القرآن أشهر من أن يعرَّف.

رضي الله عنهما وقال: رواه أحمد والبزّار (¬1) والطّبراني (¬2) في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصّحيح. وصحّحه ابن حبّان (¬3). وللخبر تتمّة: إنّ الله عَزَّ وَجَلَّ أخبر موسى عليه السّلام بما صنع قومه في العجل فلم يُلْق الألواح، فلمّا عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت. ¬

_ (¬1) البزّار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، أبو بكر حافظ من العلماء بالحديث، من أهل البصرة حدَّث بأصبهان والشّام وبغداد، وتوفّي بالرّملة من أرض فلسطين، له مسندان في الحديث وتوفّي سنة 292 هـ. الأعلام جـ 1 ص 189 مختصراً، له ترجمة في تاريخ بغداد جـ 4 ص 334، وتذكرة الحفاظ وغيرهما. (¬2) الطّبراني سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشّامي أبو القاسم. من كبار المحدّثين، أصله من طبرية الشّام وإليها نسبته ولد بعكا من أرض فلسطين ورحل إلى عدد من الأقطار وتوفّي بأصبهان سنة 360 هـ. له المعاجم الثّلاثة، وله كتب في التّفسير ودلائل النّبوّة وغيرها. الأعلام جـ 3 ص 121 مختصراً له، له ترجمة في وفيات الأعيان والنّجوم الزّاهرة وغيرهما. (¬3) ابن حبّان محمَّد بن حبّان بن أحمد التميمي أبو حاتم البستي، ولد في بست من بلاد سجستان. رحل وتنقّل في الأقطار، وهو أحد المكثرين في التّصنيف، من كتبه المسند الصّحيح في الحديث، توفّي في بلده بست سنة 354 هـ. الأعلام جـ 6 ص 78 مختصراً، له ترجمة في معجم البلدان وشذرات الذّهب، وتذكرة الحفّاظ وميزان الاعتدال وغيرها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ومفاد الخبر: أنّ قول المخبر بجانب المعاينة ضعيف فلا يقوى على إبطال الحكم الثّابت بها، وأيضاً إنّ أثر المعاينة على النّفس كبير بخلاف أثر الخبر. وكما في قصّة موسى عليه السّلام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى داراً على آخر وهي في يد المدّعَى عليه فقدم أحدهما - غير ذي اليد أي الخارج - تاريخاً للشّراء - لا يدلّ على سبق عقده على الدّار - فالدّار لصاحب اليد لأنّه متمكّن من القبض وذلك دليل سبق عقده. وهذا دليل معاينة بخلاف الآخر. فدليله مخبر. ومنها: إذا أُخْبِر إنسان أنّه قيل له: إنّ الأمير أو الإمام كان في البلدة الفلانيّة يوم كذا - لتاريخ حدّده، وقال آخر: إنّه رآه في بلدة غيرها في نفس اليوم، فإنّ السّامع إنّما يصدّق مدّعي الرُّؤية؛ لأنّه يخبر عن معاينة، بخلاف الأوّل المخبر عن خبر وسماع.

القاعدة الثامنة والثلاثون [التقية - القتل]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون [التّقية - القتل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ليس في القتل تقية (¬1). أثر وفي لفظ: لا تقية في القتل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّقية: هي الوقاية. ومعناها حفظ الشّيء ممّا يؤذيه ويضرّه (¬3). والتّقية: المداراة الظّاهرة - عن ابن عباس رضي الله عنهما. ومفاد القاعدة: أنّه ليس في القتل محافظة على النّفس ولا مداراة للمكرِه، والمقصود قتل النّفس المعصومة بسبب الإكراه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الكفّار لأسير مسلم لديهم: خذ هذا السّيف واقتل هذا - لأسير مسلم آخر - وإلا قتلناك. فلا يحلّ له أن يقتله؛ لأنّّه معصوم الدّم مثله، وإذا قتله كان في ذلك تقديم حظ نفسه وتفضيله على حظ نفس أخيه المسلم، وذلك لا يجوز. ولأنّهم أمروه بمعصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1503. (¬2) عن الحسن البصري رحمه الله. ينظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان جـ 2 ص 423، ص 425 من البحر الماد بهامشه. (¬3) مفردات الرّاغب مادة (وقى).

القاعدة التاسعة والثلاثون [ما فيه معنى الشيء، المؤول بغيره، والمقام مقام غيره]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون [ما فيه معنى الشّيء، المؤّول بغيره، والمقام مقام غيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ليس كلّ ما فيه معنى الشّيء حكمه حكم ذلك الشّيء (¬1). وفي لفظ: ليس كلّ ما أوِّل بشيء حكمه حكم ما أوَّل به (1). وفي لفظ: المؤّول بالشّيء لا يلزم أن يكون في حكمه من كلّ وجه (1). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. وفي لفظ: إنّ ما أقيم مقام الشّيء لا يجوز أن يكون في معناه من كلّ وجه، وإلا لكان عينه (1). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد مهما اختلفت ألفاظها فدلالاتها متقاربة، إذ معناها أنّ كثيراً من الأشياء تتشابه في بعض الوجوه، فمنها ما يكون في معنى آخر، أو يؤوّل بشيء آخر - أي يفسّر به - أو يقوم مقام شيء آخر. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 61 عن المطول للتفتازاني طبعة العثمانية - استنبول سنة 1304 هـ. شرح التلخيص في البلاغة ص 188 وشروح التلخيص جـ 2 ص 332 - 333. طبعة مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر - طبعة سنة 1937 هـ.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ولكن ليس من الضّروري أنّ ما أشبه شيئاً أن يأخذ حكمه، أو يكون في معناها من كلّ وجه، فقد يأخذ الشّيء حكم ما يشبهه ويؤوّل به وقد لا يأخذه. وقد يأخذ حكماً من أحكامه دون أحكامه كلها؛ لأنّه لو أخذ أحكامه كلّها لكان هو هو وليس مؤوّلاً به. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: المرأة إمّا أن تكون ذات حيض أو حامل، أو لا تحيض لصغر أو كبر. وللحائض أحكام: منها: عدم جواز إيقاع الطّلاق عليها أثناء الحيض أو في طهر مسَّها فيه، أو أنّ إيقاعه مكروه. ومنها: أنّها تعتدّ بثلاثة أقراء في شهر واحد - كما ذكر الفقهاء وتنقضي عدّتها - ولكن لا يجوز لها أن تعتدّ بشهر واحد إذا كانت آيسة أو صغيرة، وذلك أنّ الشّهر إنّما يقوم في حقّ الآيسة والصّغيرة مقام الحيضة الواحدة في انقضاء العدّة والاستبراء خاصّة لا في جميع الأحكام، فلم يقم مقامه في إيقاع الطّلاق مثلاً. ومنها: إنّ الاستفهام الإنكاري كقولنا: أتضرب زيداً وهو أخوك. هو بمعنى النّفي، لكن لا يشبهه من كلّ وجه؛ من حيث إنّنا إذا قلنا: لا تضرب زيداً فهو أخوك، فلا بد من الفاء ولا يجوز بالواو، كما أنّ جواب الاستفهام الإنكاري لا يصحّ بالفاء بل بالواو الحاليّة. وأيضاً يصحّ وقوع أحدهما حيث لا يصحّ وقوع الآخر.

القاعدة الأربعون [ما لا يمنع]

القاعدة الأربعون [ما لا يمنع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس كلّ ما لا يمنعه الحاكم إذا وقع يجيب إليه أو يأذن فيه إذا طُلِب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للحاكم أن يمنع النّاس من أشياء قد تضرّهم في دينهم أو دنياهم. والمباحات لا يمنعها الحاكم، فللنّاس أن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون بعد أن لا يكون في ذلك ضرر لغيرهم. ولكن الحاكم قد لا يستجيب لطلب بعض النّاس فعل أمر لا يمنعه الحاكم لو فعلوه هم بأنفسهم، وقد لا يأذن في فعله لو طُلِب منه الإذن، لكن لو تُرِك النّاس وفعلوه فليس للحاكم منعهم منه؛ لأنّهم أحرار في فعل ما يرونه مصلحة لهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلب الشّركاء قسمة ما لا تبطل منفعته بالكلّيّة إذا كُسِّر أو قُسِّم كالسَّيف، والدّار الصّغيرة، فالأصحّ أنّ الحاكم لا يجيبهم إلى ذلك. ولكن إذا اقتسموا بأنفسهم لم يمنعهم، لكن إذا كانت تبطل منفعته بالكلّيّة فله منعهم من ذلك. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 424.

ومنها: لا يجوز للحاكم الإجابة إلى بناء ما استهدم من الكنائس - القديمة - ولا الإذن فيه، وكاد (¬1) الإِمام يدَّعي الإجماع على ذلك. وإن كان لا يمنع عند إعادة ما استهدم من كنيسة قديمة على الخلاف فيه. هذا كان في الماضي أمّا الآن فلا يجوز أي بناء جديد أو قديم تهدّم إلا بعد الإذن من البلديّة أو ما يقوم مقامها. ضرورة تنظيم المدن. ومنها: على القول بأنّ المشرك إذا انتقل إلى دين يُقَرُّ أهله عليه لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدّين الّذي كان عليه، قال الأصحاب - أي الشّافعيّة -: لا يقال له: أسلم أو عد إلى ما كنت. بل يقال له: أسلم فإن عاد إلى دينه تركناه. ¬

_ (¬1) المراد به والد ابن السبكي الإمام علي بن عبد الكافي.

القاعدة الحادية والأربعون [التصرف في ملك الغير]

القاعدة الحادية والأربعون [التّصرّف في ملك الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس لأحد أن يحدث مرجاً في ملك غيره، ولا يتّخذ فيه نهراً ولا بئراً ولا مزرعة إلا بإذن صاحبه. ولصاحبه أن يحدث ذلك كلّه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يملكه الإنسان من أرض أو غيرها هو حرّ التّصرّف فيه، ولكن لا يجوز لغيره أن يتصرّف بما يملكه أيّ تصرّف بغير إذن من المالك. ومالك الشّيء له حقّ التّصرّف فيما يملك بكلّ أنواع التّصرّف لكن بشرط أن لا يتعمّد ضرر غيره، وينظر القاعدة رقم. . . . . ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أرض لإنسان لا يجوز لآخر أن يجعلها مرعى لمواشيه بغير إذن المالك، فإن فعل فعلى الحاكم عقوبته وتضمينه النّقص. ومنها: لا يجوز لأحد أن يجري نهراً أو يحفر بئراً في أرض غيره بغير إذنه. ومنها: لا يجوز لأحد أن يستولي على أرض غيره ويتّخذها مزرعة له. لكن إن أذن له المالك جاز. ¬

_ (¬1) كتاب الخراج لأبي يوسف ص 103.

القاعدة الثانية والأربعون [دفع الضرر]

القاعدة الثّانية والأربعون [دفع الضّرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس لأحد أن يدفع الضّرر عن نفسه بالإضرار بغيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دفع الضّرر ورفعه مطلوب شرعاً، لكن الأصل أن يدفع الضّرر أو يرفع بدون ضرر أو بضرر أخفّ منه، لكن دفع الضّرر بضرر مثله، أو أشدّ منه لا يجوز، كما سبق بيانه - ينظر القواعد ذوات الأرقام 5، 7، من قواعد حرف الضّاد. ومفاد القاعدة: أنّه لا يجوز لأحد أن يدفع ضرراً عن نفسه بإيقاع الضّرر بغيره لأنّ في ذلك أنانيّة وأَثَرة، والمسلم مأمور بالإيثار لا بالأثرة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز لمن أكره بالقتل أو القطع على قتل غيره أن يقتله، إذا كان المراد قتله معصوم الدّم، بل على المكرَه أن يصبر إمّا أن يقتل فيكون شهيداً مظلوماً وإمّا أن ينجو. ومنها: لا يجوز لجائع يخشى الهلاك على نفسه أن يأكل طعام ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 90.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

جائع مثله وهو محتاج إليه؛ لأنّ صاحب الطّعام أحقّ بطعامه. أمّا إذا كان الآخر غير محتاج إلى ذلك الطّعام فلا بأس أن يأخذه، ولكن عليه ضمان ثمنه، ولا إثم عليه لو أخذه بغير رضا صاحبه. ومنها: لا يجوز لإنسان سقط عليه أفعى أو هاجمه حيوان مفترس أن يدفع عن نفسه الأفعى بقذفها على غيره، أو تحريض الحيوان على الإضرار بغيره، لكن عليه أن يدفع عن نفسه ما استطاع بدون الإضرار بالآخرين. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: حقّ الشّفعة للشّفيع مشروع بالأخبار المشهورة، مع أنّ فيه ضرراً على المشتري، فكأنّ الشّفيع دفع الضّرر المتوقّع عن نفسه بإدخال الضّرر على المشتري لإجباره على تسليم المشفوع للشّفيع، وإبطال ملكه عليه. لكن الضّرر على المشتري ليس محقّقاً؛ لأنّه يأخذ ما دفعه.

القاعدة الثالثة والأربعون [إثبات الملك لغيره]

القاعدة الثّالثة والأربعون [إثبات الملك لغيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ليس لأحد ولاية إدخال الشّيء في ملك غيره من غير رضاه (¬1). وفي لفظ: لا يملك أحد إثبات ملك لغيره بلا اختياره (¬2). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. وفي لفظ: لا يدخل في ملك الإنسان شيء من غير اختياره - إلا الإرث (¬3). وتأتي في حرف - لا - إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الشّرط في التّملّك والتّمليك أن يكونا عن تراضٍ، لا عن إكراه أو إجبار أو غير اختيار، فلا يجوز لأحد أن يدخل في ملك غيره شيئاً من غير اختيار ذلك الغير أو رضاه بالملكيّة. كما أنّه لا يدخل شيء في ملك إنسان بغير اختياره ورضاه، ولكن الرّضا بالشّيء قد يكون صريحاً وقد يكون دلالة، ولكن يوجد مسائل مستثناة ستأتي. وكما أنّه لا يدخل شيء في ملك إنسان إلا باختياره، كذلك لا يخرج شيء من ملك إنسان إلا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 53. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 82 أ. (¬3) المجموع المذهّب لوحة 345 أ. قواعد الحصني جـ 4 ص 186.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

باختياره ورضاه. إِذَن فلا بدّ من الرّضا والاختيار في الإدخال والإخراج. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الصّدقة أو الهبة لا تدخل في ملك المتصَدّق عليه أو الموهوب له إلا بالقبول والقبض. فما لم يقبل صراحة أو دلالة ولم يقبض فلا يعتبر مالكاً للصّدقة أو الهبة. ومنها: المبيع لا يدخل في ملك المشتري إلا برضاه ورضا البائع بالثّمن. فلو لم يرض المشتري لا يدخل المبيع في ملكه ولو رضي البائع. ولو لم يرض البائع لا يخرج المبيع عن ملكه ولو رضي المشتري، كما لا يدخل الثّمن في ملك البائع بغير رضاه ورضا المشتري. رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: الإرث يدخل في ملك الوارث بغير اختياره؛ لأنّ هذا الملك اضطراري. ومنها: غلّة الوقف تدخل في ملك الموقوف عليه بغير اختياره. ومنه: نصف الصّداق إذا طلّق قبل الدّخول يدخل في ملك الزّوجة. ومنها: المعيب إذا ردّ على البائع بسبب العيب. فهذا إجبار من الشارع بقبول الرّد.

القاعدة الرابعة والأربعون [حقوق العباد]

القاعدة الرّابعة والأربعون [حقوق العباد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للإمام ولاية إسقاط حقوق العباد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإمام الأعظم له ولاية على مَن هم تحت يده، ولكن هذه الولاية مقيّدة غير مطلقة - إذ هي مقيّدة بمصالح العباد - فإذا ترافع إليه اثنان في حقّ لأحدهما فليس للإمام إسقاط هذا الحقّ عن المطالّب به بغير رضا خصمه. لكن هل للإمام إسقاط بعض حقوق الله تعالى إن وجد في ذلك المصلحة؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أصاب أهل البغي من القتل والأموال قبل أن يخرجوا ويحاربوا ثمّ صالحوا بعد الخروج على إبطال ذلك، لم يجز، ويجب على الإمام أخذهم بجميع ذلك من القصاص والأموال؛ لأنّ ذلك حقّ لزمهم للعباد. ومنها: إذا ارتدّ إنسان عن الإسلام "والعياذ بالله تعالى" وكان عليه أموال وديون وحقوق للعباد كحقّ القصاص والقذف، ثمّ لحق بدار ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 131.

الحرب فزنا أو شرب الخمر أو سرق منهم، ثمّ رجع إلى الإسلام ودار الإسلام، فإنّ الإمام يأخذه بحقوق العباد وليس له إسقاط أي حقّ منها بدون رضا صاحبه، وأمّا حقوق الله تعالى فلا يقام عليه حدٌّ وللإمام إسقاط ذلك عنه, لأنّه إنّما ارتكب ذلك حال ردّته وبدار الحرب حيث لا حكم للشّرع هناك (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر شرح السير الكبير ص 2012 فما بعدها.

القاعدة الخامسة والأربعون [التصرف في الملك]

القاعدة الخامسة والأربعون [التّصرّف في الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للرّجل التّصرّف في ملكه تصرّفاً يضرّ بجاره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للإنسان - رجلاً كان أو امرأة - أن يتصرّف في ملكه كيف يشاء؛ لأنّ معنى (الملك) القدرة على التّصرّف في المملوك. لكن هذا التّصرّف ليس مطلقاً بل هو مقيّد بشرط سلامة الآخرين وعدم الإضرار بهم. فمفاد القاعدة: أنّه ليس للإنسان - رجلاً كان أو امرأة - أن يتصرّف في ملكه تصرّفاً يؤدّي إلى الإضرار بجيرانه باختياره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: للإنسان أن يفعل في بيته ما يشاء بشرط أن لا يتعدّى فعله حدود بيته - لا بالصّوت ولا بالرّائحة ولا بالأذى -. فإذا اتّخذ بيته مصبغة أو مستودعاً للكيماويات، أو ورشة للدّق والطّرق فإن اشتكى جيرانّه وتضرّروا فللإمام والمسؤولين منعه من ذلك؛ دفعاً للضّرر عن الجيران. وهذا هو المعمول به في تنظيمات ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 572، 595.

المدن الحديثة. ومنها: إذا حفر في أرضه حفرة، فدخل إنسان أو حيوان فتردّى فيها، فإنّ صاحب الأرض ليس بضامن - إلا عند أبي حنيفة رحمه الله - لأنّه يرى أنّ الجواز الشّرعي ينافي الضّمان لكن بشرط السّلامة. ومنها: إذا حفر بئراً في أرضه ليسحب ماء بئر جاره فليس له ذلك. ويجب منعه وردم بئره. ومنها: ليس للجار أن يرتفع على جاره بالبناء ويفتح عليه نوافذ تكشف جاره وتطلع على حرمه.

القاعدة السادسة والأربعون [نصب الأسباب]

القاعدة السّادسة والأربعون [نصب الأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للعباد ولاية نصب الأسباب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أسباب العبادات والمعاملات من نصب ووضع الشّرع الحكيم، وإنّما على العباد أخذ هذه الأسباب وسيلة للوصول إلى مسبباتها، فليس لأحد من العباد أن ينصب سبباً لعبادة أو معاملة لم يأذن بها الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نصب الشّرع الحكيم لكلّ عبادة سبباً لإيجابها على العباد. فجعل للصّلاة أوقاتاً محدّدة معيّنة جعلها أسباباً ظاهرة لتعلّق وجوب الصّلاة بذمّة المكلّفين. فلا يجوز لعبد أن يجعل سبباً غيرها لصلاة واجبة يؤدّيها. ومنها: نصب الشّارع النّصاب المالي سبباً لتعلّق وجوب الزّكاة بالمال. وجعل الحول سبباً لتعلّقها بذمّة المكلّف. ومنها: جعل الله البيع سبباً لحلّ تملّك البدلين، وعقد الإجارة سبباً لتملّك المنفعة من المستأجر والأجر من المؤجّر. وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 131.

ومنها: إذا نصب أحدهم علامة خاصّة - كنصف شعبان مثلاً - أو ليلة الإسراء والمعراج سبباً لعبادة بخصوص هذه الّليالي، فهذه عبادة باطلة لم يأذن بها الله سبحانه وتعالى ولم يفعلها رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينصب لصحّتها سبباً. ومنها: الاحتفال بمولد الرّسول صلّى الله عليه وسلم لم يجعله الشّارع سبباً لعبادة خاصّة، فكلّ ما يفعل في تلك الذّكرى العزيزة على أنّه عبادة يتقرّب بها إلى الله سبحانه فهو باطل ومبعد عن الله سبحانه وتعالى لا مقرّب منه.

القاعدة السابعة والأربعون [الشرع الباطل]

القاعدة السّابعة والأربعون [الشّرع الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للعبد شرع ما ليس بمشروع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها، فكما أنّه ليس للعباد نصب الأسباب كذلك ليس لهم أن يشرّعوا ما لم يشرّعه الله عَزَّ وَجَلَّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ العبادات توقيفيّة، ليس للعباد مدخل في مشروعيّتها، كذلك ليس للعباد أن يشرّعوا أموراً حاربها الشّرع أو أبطلها وحكم بخلافها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ليس للعباد تشريع أحكام تخالف شرع الله كتحليل الرّبا وتسميته بغير اسمه، كأن يسمّونه فوائد أو عوائد أو غير ذلك. ومنها: تشريع أحكام تخالف شرع الله بحُجّة عدم المواطنة أو عدم الجنسيّة أو غير ذلك من الأحكام الوضعيّة البشريّة الّتي جعلت الأمّة الواحدة أُمماً. ومنها: تحليل الخمر وتسميتها بغير اسمها كأن تسمّى - مشروبات روحيّة -. ومنها: إباحة الاختلاط والتّكشّف باسم المدنيّة والتّحضّر والتّقدّم وغير ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 95.

القاعدة الثامنة والأربعون [تصرف القاضي]

القاعدة الثّامنة والأربعون [تصرّف القاضي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للقاضي ولاية التّصرّف إلا فيما فيه نظر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكلّ مسؤول دائرة عمله الّتي ليس له أن يتعدّاها، سواء في ذلك القاضي وغيره من الموظّفين المسؤولين كباراً كانوا أو صغاراً. فمفاد القاعدة: أنّه ليس للقاضي أن يتصرّف في غير دائرة اختصاصه، وإلا كان تصرّفه باطلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ليس للقاضي أن ينفّذ بيده الأحكام على الجناة؛ لأنّ هذا من عمل السّلطة التّنفيذيّة لا القضائيّة. فالقاضي عليه إصدار حكم الشّرع في المسألة المعروضة وإحالة التّنفيذ على الجهة المختصّة. ومنها: إذا كان القاضي ممنوعاً من النّظر في الأوقاف، فليس له أن ينظر في مسائلها، وإلا كان نظره باطلاً. ومنها: إذا كان القاضي حدّد له النّظر في المخالفات أو الجرائم الصّغيرة والأموال، فليس له أن ينظر في الدّماء والفروج. وإن نظر في شيء من مسائلها فنظره باطل وكذلك حكمه فيها. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 493 عن التحرير جـ 6 ص 68.

القاعدة التاسعة والأربعون [المؤمن لا يذل نفسه]

القاعدة التّاسعة والأربعون [المؤمن لا يذلّ نفسه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه وقد أعزَّه الله تعالى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم وتوجيه عظيم من رسول عظيم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. تخريج الحديث: ذكره الزّبيدي (¬2) رحمه الله في الإتحاف جـ 1 ص 296 بعدّة روايات عن حذيفة بن اليمان (¬3)، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكرة بن الحارث (¬4) وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، واللفظ من ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1693، المبسوط جـ 16 ص 56. (¬2) الزبيدي محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن عبد الرزاق الحسيني أبو الفيض الملقب بمرتضى - علامة باللغة والحديث والرجال والأنساب من كبار المصنفين أصله من واسط العراق ومولده بالهند ومنشأه في زبيد باليمن من مؤلفاته تاج العروس شرح القاموس توفي سنة 1205 هـ، الأعلام جـ 7 ص 10. (¬3) حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي في أوّل خلافة علي رضي الله عنه سنة 36 هـ. التقريب جـ 1 ص 156. (¬4) أبو بكرة بن الحارث بن كلدة الثقفي واسمه نفيع. صحابي نزل على بكرة من فوق حصن الطائف وأعتقه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، مات بالبصرة سنة 1 - 52 هـ، التقريب جـ 2 ص 306.

رواية علي وأبي بكرة رضي الله عنهما. وكلّ روايات الحديث بدون قوله "وقد أعزّه الله". وقد أخرجه أبو نعيم (¬1) في الحلية، والهيثمي (¬2) في المجمع، وابن عدي (¬3) في الكامل، وأبو يعلى (¬4) الموصلي في المسند جـ 2 ص 141 حديث رقم 1407 عن الحسن البصري (¬5) عن أبي سعيد الخدري (¬6) رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) أبو نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله حافظ مؤرّخ من الثقات في الحفظ والرواية ولد ومات بأصبهان سنة 430 هـ. التقريب جـ 2 ص 401، الأعلام مختصراً جـ 1 ص 157. (¬2) الهيثمي نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الشافعي الحافظ توفي بالقاهرة سنة 807 هـ. مختصر من مقدمة كتابه مجمع الزوائد. (¬3) ابن عدي عبد الله بن عدي بن عبد الله ابن القطان الجرجاني علامة بالحديث ورجاله، أخذ عن أكثر من ألف شيخ صاحب كتاب الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين. وهو من الأئمة الثقاة في الحديث توفي سنة 365 هـ. الأعلام مختصراً جـ 4 ص 103 عن سير الأعلام جـ 16 ص 154. (¬4) أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي بن المثنى الإمام الحافظ شيخ الإسلام محدث الموصل سمع الكثيرين وحدَّث عنه الكثيرون وهو ثقة مأمون، عاش سبعاً وتسعين سنة مات سنة 307 هـ، سير الأعلام جـ 14 ص 172 فما بعدها مختصراً. (¬5) الحسن سبقت ترجمته. (¬6) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه سبقت ترجمته.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وقد بيَّن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معنى إذلال المؤمن نفسه فقال عليه الصّلاة والسّلام: "يتعرّض من البلاء ما لا يطيق". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أن يعترض واحد على ظلم يراه من حاكم، أو يجهر بكلمة حقّ، وليس بقادر على التّغيير - فيؤخذ ويضرب ويسجن ويهان وقد يقتل - كما حدث مع يزيد الضبي (¬1) رحمه الله مع الحكم بن أيوب (¬2) الثّقفي عامل الحجّاج بن يوسف (¬3) على البصرة. ومنها: لا يجوز للمسلمين أن يوادعوا الكفّار بدفع بعض المال لهم إذا كان بالمسلمين قوّة عليهم؛ لأنّ هذا من التزام الذّلّ - وليس للمؤمن أن يذلّ نفسه وقد أعزّه الله تعالى. ¬

_ (¬1) لم أعثر له على ترجمة. (¬2) كان عاملاً على البصرة من قبل الحجّاج بن يوسف سنة 75 هـ، وهو زوج ابنة الحجّاج. (¬3) أعرف من أن يُعرَّف - حيث عُرف بجبروته وسفكه للدّماء.

القاعدة الخمسون [قتل النفس]

القاعدة الخمسون [قتل النّفس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس للمسلم أن يقتل نفسه، ولا أن يُعين على قتل نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المؤمن عزيز، ومطيع لله عَزَّ وَجَلَّ بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه. وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَقتُلُوا أَنفُسَكم} (¬2). ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل الإنسان نفسه لأي سبب كان من الأسباب الدّنيويّة. وإذا كان المسلم لا يحلّ له أن يقتل نفسه فليس له أيضاً أن يعين على قتل نفسه بسبب من الأسباب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسَرَ الكفّار جندّيّاً مسلماً، ثمّ طلبوا منه أن يناولهم هذا السّيف أو هذه البندقيّة ليقتلوه بها، فليس له أن يجيبهم إلى ذلك؛ لأنّه بهذا يعينهم على قتل نفسه وهذا منهي عنه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1498. (¬2) الآية 29 من سورة النساء.

ومنها: لا يجوز بحال للمسلم أن ينتحر يأساً من الحياة أو لأنّه أصيب بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده. لأنّ الانتحار دليل على عدم الإيمان بقضاء الله وقدره. ومنها: إذا قبض الأعداء على رجل مسلم وابنه، وأرادوا قتلهما. فإذا قال الأب: قَدِّموا ابني قبلي، أو اقتلوا ابني قبلي لأَحتسبه، فلا يجوز له ذلك؛ لأنّ في هذا القول إعانة على قتل مسلم، أو طلب لقتل مسلم وهو لا يجوز.

القاعدة الحادية والخمسون [الحرمة وملك اليمين]

القاعدة الحادية والخمسون [الحرمة وملك اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ليس من ضرورة الحُرمة انتفاء ملك اليمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ليس كلّ محرّم لا يجوز أن يملك، بل إنّ من المحرّمات على الإنسان ما يجوز تملّكه مع حرمته، فالحرمة وملك اليمين لا يتنافيان دائماً، بل قد تجتمع الحرمة وملك اليمين وقد لا يجتمعان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخمر بدءاً لا يملكها مسلم، لحرمتها ونجاستها، لكن إذا ملك المسلم عصيراً فتخمّر يبقى مملوكاً، وإن كان حراماً شربه. ومنها: الذّهب والحرير حرام على ذكور هذه الأمّة لبساً وآنية لكن لا يمنع ذلك تملّكهما. فالرّجل يملك حلية من الذّهب أو آنية من الذّهب والفضّة ويحرم عليه استعمالهما. ومنها: حيث افترقا: الميتة محرّمة لا تجتمع مع ملك اليمين. فإذا ماتت دابّة لإنسان خرجت عن ملكه، وحَرُم تناولها إلا لضرورة. ومنها: إذا اجتمع عند رجل أختان إحداهما زوجة والأخرى رقيقة، فملكه لأخت زوجته لا ينافي حرمتها عليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 24.

حرف لا

قواعد حرف لا

القاعدة الأولى [الإلزام]

القاعدة الأولى [الإلزام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا إلزام إلا بمجمع، ما لم يثبت بدليل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإلزام معناه: الإثبات والإدامة والوجوب. يقال: لزم الشّيء لزوماً: ثبت ودام. وألزمته: أثبتُّه وأَدَمته. ولزمه المال، والطّلاقَ، وجب عليه (¬2). المجمع: المتّفق عليه. فمفاد القاعدة: أنّه لا إيجاب لحقّ، ولا إثبات لحكم إلا بإجماع واتّفاق أو دليل وحجّة ملزمة؛ لأنّه إذا ثبت بالحجّه فلا حاجة إلى الاتّفاق؛ لأنّ الحجّة ملزمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ولدت المعتدّة فلا تثبت الولادة ولا نَسبُ المولود للزّوج المطلِّق إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين؛ لأنّ في إثبات الولادة إلزام المشاركة في الإرث على الورثة، والإلزام على الغير لا يجوز إلا بحجّة. أو أن يتّفق الورثة على الإقرار بالمولود. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 61. (¬2) المصباح مادة (لزم).

ومنها: إذا ادّعت المرأة الولادة بعد وفاة الزّوج - لأقل من سنتين - فصدّقها جميع الورثة أو صدّقها بعضهم ممّن يتمّ بهم نّصاب الشّهادة، فيصحّ تصديقهم في حقّ الإرث والنّسب. وأمّا إذا صدّقه من لا يبلغ نصاب الشّهادة فلا تقوم الحجّة إلا في حقّه، فيشاركه المولود في حصّته من الإرث دون الآخرين، ولا يثبت النّسب.

القاعدة الثانية [الخلف والأصل]

القاعدة الثّانية [الخلف والأصل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا بقاء للخَلَف مع وجود الأصل (¬1). وفي لفظ: لا عبرة للبدل مع القدرة على الأصل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالخلف: البدل والعوض. فإذا وجد الأصل - وهو المبدل منه - زال الخَلف وسقط حكمه، ولا يجوز استعماله. وينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة 66. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّيمّم بالتّراب خلف عن الماء وبدل عنه عند فقده أو عدم القدرة على استعماله مع وجوده، فإذا وجد الماء، أو قدر مريد الطّهارة على استعماله لا يجوز التّيمّم ويبطل حكمه، وإذا كان متيمّماً بطل تيمّمه. ومنها: إذا قدر المتمتّع أو القارن على الشّاة قبل الصّوم وجب عليه الدّم، ولا يجوز له الصّوم. ومنها: إذا وجد الأصيل سقط حكم الكفيل. ومنها: إذا قدر مريد التّكفير عن الحنث على العتق أو الإطعام أو الكسوة لم يجز له الصّوم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 81. (¬2) نفس المصدر جـ 7 ص 31.

القاعدة الثالثة [بطلان العبادة]

القاعدة الثّالثة [بطلان العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا بقاء للعبادة مع فوات ركنها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ركن كلّ شيء جزء حقيقته، فالغرفة جدرانها أركانها. وانتفاء ركنٍ من شيء ما انتفاء لحقيقته، سواء أكان عبادة أم غير عبادة. فمفاد القاعدة: أنّ أيّ عبادة من العبادات فات ركن من أركانها فإنّ هذه العبادة باطلة ولا بقاء لها ولا استمرار، وكذلك المعاملات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القراءة ركن من أركان الصّلاة. فإذا لم يقرأ المصلّي في صلاته - مع القدرة على القراءة - بطلت صلاته. ولو جاء بباقي أركان الصّلاة وشروطها. ومنها: الوقوف بعرفة ركن الحجّ. فإذا لم يقف الحاجّ بعرفة يوم التّاسع أو ليلة العاشر من ذي الحجّة، فقد بطل حجّه، ولو وقف على كلّ جبال الدّنيا. وعليه أن يتحلّل بعمرة. ومنها: في غير العبادات: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 78.

الثّمن ركن في عقد البيع، فإذا لم يذكر الثّمن في عقد البيع أو الأجرة في عقد الإجارة كان العقد باطلاً، ولا يترتّب عليه آثاره. ومنها: إذا كان المدَّعَى عليه مجهولاً أو المدّعَى به مجهولاً لم تصحّ الدَّعوَى.

القاعدة الرابعة [بطلان العبادة]

القاعدة الرّابعة [بطلان العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا بقاء للعبادة مع وجود ما ينافيها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكلّ عبادة - إلى جانب أركانها - شروط تصحّ بها، فإذا فقد شرط منها أو وجد ما ينافي أحد شروطها بطلت تلك العبادة. والحقيقة أنّ مدلول هذه القاعدة أعمّ من العبادة - كالقاعدة السّابقة - إذ يشمل حكمها كلّ عمل شرعي يقوم به المكلّف؛ حيث إنّ كلّ عمل إذا وجد ما ينافي أحد شروطه فإنّه يبطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة يشترط لصحّتها طهارة المصلّي جسماً وثوباً ومكاناً، فإذا أحدث وهو في الصّلاة بطلت صلاته فوراً. أو أحدث أثناء وضوئه وجب عليه استئنافه. ومنها: إذا أكل الصّائم أو شرب أو جامع عامداً في يوم صومه بطل صومه؛ لأنّ هذه الأفعال تنافي الصّوم الشّرعي. ومنها: إذا اشترط البائع على المشتري أن لا يتصرّف بالمبيع، فقد بطل عقد البيع؛ لأنّ هذا الشّرط ينافي مقتضى العقد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 169.

ومنها: إذا تزوّج امرأة وشرطت عليه أن لا يطأها. فقد بطل العقد؛ لأنّ هذا الشّرط ينافي مقتضى عقد النّكاح ومقصوده.

القاعدة الخامسة [إثبات الأهلية]

القاعدة الخامسة [إثبات الأهليّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تأثير للإجازة في إثبات الأهليّة لمن ليس بأهل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجازة: معناها: إظهار رضا صاحب الحقّ في جواز المعاملة التي أجراها الفضولي. والإجازة كالإذن بالمعاملة، ولذلك قالوا: الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء. ومفاد القاعدة: من شروط صحّة الإجازة أن يكون الفضولي المتصرّف أهلاً للتّصرّف، بأن يكون بالغاً عاقلاً. فإذا تصرّف فضولي صغير أو مجنون أو محجور عليه فإنّ إجازة صاحب الحقّ لا تفيد حلّ المعاملة, لأنّ الصّغير والمجنون والمحجور عليه ليسوا أهلاً للتّصرّف، فتصرّف كلّ منهم باطل، ولمّا كانت الإجازة لا تعمل في الباطل، فإنّ إجازة صاحب الحقّ لا تفيد، ولا تصحّح المعاملة ولا تثبت أهليّة المتصرّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع صغير أو محجور عليه سلعة لآخر، ثمّ بلغ صاحب السّلعة البيع فأجازه، فإنّ إجازته لا تكون دليلاً على إثبات أهليّة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 178.

الفضولي المتصرّف، وبالتّالي لا يكون العقد صحيحاً. ومنها: إذا أوصى لمن هو في دار الحرب. فالوصيّة باطلة وإن أجازها الورثة؛ لأنّ الحربي في حقّ مَن هو في دار الإسلام كالميت. ولهذا تنقطع العصمة بتباين الدّار حقيقة وحكماً. والميت لا يكون أهلاً للوصيّة، ولذلك فلا تصحّ وصيّة المسلم لحربي في دار الحرب ولو أجازها الورثة. ومنها: الوصيّة لقاتل المورث لا تجوز في الصّحيح وإن أجازها الورثة كذلك.

القاعدة السادسة [الإذن الباطل]

القاعدة السّادسة [الإذن الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تأثير للإذن في جعل مَن ليس بأهل أهلاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتها. ولكن تلك كانت إجازة في الانتهاء وهذه مختصّة بالإذن في الابتداء. فمن ليس بأهل للتّملّك أو التّصرّف لا يجعله الإذن أهلاً لذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الأكثرين - لا يحلّ الملك للعبد، فالعبد لا يملك؛ لأنّه مملوك. ولذلك لا يجوز للعبد أن يتسرى - أي يملك رقيقة بملك اليمين ويطأها، ولو أذن له السّيّد؛ لأنّ العبد مملوك فلا يجوز أن يكون مالكاً للمال لما بين المالكيّة والمملوكيّة من المنافاة. وعلى ذلك ملك الرّقبة لا يثبت للعبد فكذلك حكمه وهو حلّ الوطء. بخلاف النّكاح فإنّ العبد يجوز له أن يتزوّج بإذن السّيّد ضرورة، وزواج العبد لا يجعله مالكاً للزّوجة لكن له ملك وحل الوطء فقط. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 129.

القاعدة السابعة [العزيمة]

القاعدة السّابعة [العزيمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تأثير للعزيمة في تغيير الحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعزيمة هنا: النّيَّة والقصد. فالنّيَّة المخالفة لحقيقة دلالة اللفظ أو الفعل الواقع لا أثر لها في تغيير تلك الحقيقة، بل يعمل بدلالة اللفظ الحقيقيّة، والفعل الواقع وتبني الأحكام الشّرعيّة المترتّبة على ذلك الواقع والدّلالة وإن خالفتهما النّيَّة؛ لأنّ النّيَّة عمل قلبي والشّرع إنّما يحكم بالظّاهر، والسّرائر والضّمائر والنّيّات أمرها إلى الله عَزَّ وَجَلَّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قرأ الفاتحة في الصّلاة على نيَّة أنّها ذكر أو دعاء لم تخرج عن قرآنيّتها بهذا القصد، وتصحّ بها الصّلاة؛ لأنّ حقيقة القرآن قد وجدت، ولا تأثير للعزيمة في تغيير الحقيقة، إذا كانت القراءة في محلّها. وقراءة الفاتحة في الصّلاة في محلّها. ومنها: إذا طلّق امرأته بلفظ الطّلاق الصّريح ثمّ قال: نويت ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 63، ترتيب اللآلي لوحة 82 ب، أشباه ابن نجيم بالمعنى ص 25.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الطّلاق من وثاق أي قيد أو أسر أو غير ذلك، لا يصدّق، ولا تعمل نيّته؛ لأنّه لا تأثير للعزيمة في تغيير حقيقة الطّلاق الصّريح الشّرعيّة وهي حلّ عقدة الزّوجيّة. ومنها: من عليه سجود سهو وسلّم بنيّة أنّ لا يسجد، فنيّته غير معتبرة؛ لأنّ السّجود مشروع، وتغيير المشروع بالنّيّة لا يجوز. ومنها: إذا أخذ متاع صديقه مازحاً فهلك في يده فهو ضامن كالغاصب، ولو قال إنّما أردت المزاح والمداعبة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: قالوا: إنّ القرآن يخرج عن كونه قرآناً بالقصد فجوزوا للجنب والحائض قراءة ما فيه من الأذكار بقصد الذّكر، والأدعية بقصد الدّعاء - بشرط أن لا تكون القراءة في محلها كما سبق قريباً (¬1). ومنها: إذا أعطى الزّكاة بنيّة الهبة لا تقع عن الزّكاة. فعملت العزيمة هنا. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 25.

القاعدة الثامنة [أثر الغيبة]

القاعدة الثّامنة [أثر الغَيْبَة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تأثير للغَيْبَة في إبطال حقّ تقرّر سببه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالغيبة: غياب صاحب الحقّ. فليس لغياب صاحب حقّ تأثير في إبطال حقّه إذا كان هذا الحقّ قد ثبت سببُه وتأكّد، إمّا بالوقوع وإمّا بالقضاء وإمّا بالإقرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّفيع إذا كان غائباً فلا تسقط شفعته، إذا تمّ البيع ووقع العقد، فإذا حضر وعلم به كان على شفعته؛ لأنّ الحقّ بعد ما ثبت لا يسقط إلا بإسقاط صاحبه. ومنها: إذا كان لإنسان على آخر دين بسبب ثابت ومشروع وغاب الدّائن زمناً، فإنّ الدّين لا يسقط عن المدين إلا بالأداء أو الإبراء مهما طال غياب الدّائن. حتّى لو مات الدّائن كان لورثته حقّ مطالبة المدين بالدّين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 91.

القاعدة التاسعة [الرخص]

القاعدة التّاسعة [الرّخص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تباح الرّخص في سفر المعصية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان ما يتعلّق بهذه القاعدة ضمن قواعد حرف الرّاء تحت الرّقم 13 وقد وردت بلفظ: "الرّخص لا تناط بالمعصية". فلتنظر هناك. ثالثاً: ورخص السّفر: قصر الصّلاة. فالعاصي بسفره لا يجوز له القصر. ومنها: جواز الفطر في رمضان. فالعاصي بسفره لا يجوز له أن يفطر. ومنها: الجمع بين الصّلاتين. كذلك - فلا يجوز له الجمع. ومنها: امتداد مسح الخفّ ثلاثة أيّام. فمدّة مسح العاصي بسفره يوم وليلة بناء على هذه القاعدة وأمثالها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 262.

القاعدة العاشرة [التابع]

القاعدة العاشرة [التّابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تَبَع للتّبع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّبع: هو التّابع لغيره وهو فرع غيره، والمتبوع هو الأصل له. فمفاد القاعدة: أنّ ما كان تابعاً لغيره في وجوده وحكمه لا يكون متبوعاً وله تابع آخر من جهة ما هو تبع فيه. وذلك في المرهون وأشباهه. ولكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ من حيث إنّه يجوز عقلاً وعادة أن يكون الشّيء تابعاً من وجه وهو متبوع وله تابع من وجه آخر. مثل الجد والأب والابن فإنّ الأب تابع للجد وهو أصل للابن والابن تابع له. وينظر من قواعد حرف التّاء القاعدة رقم 14. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ارتهن أرضاً وكرماً وقيمة الأرض والكرم مساوية للدّين، ثمّ أثمر الكرم ثمراً كثيراً مثل قيمته، ثمّ ذهب الشّجر وسلم الثّمر، وقيمة الشّجر والأرض سواء، فإنّه يذهب ثلث الثّمن؛ حيث إنّ الثّمار زيادة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 113 - 114، جـ 26 ص 82.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

في الشّجر والأرض جميعاً؛ لأنّ الشّجر تبع للأرض وليس الثّمر تابعاً للشّجر وحده، فانقسم الدّين على قيمة الثّلاثة سواء فيذهب الشّجر بثلث الدّين. ومنها: إذا قطع قاطع يد إنسان من نصف السّاعد فعليه نصف الدّيّة؛ لأنّه ليس للسّاعد ولا للكفّ بدل مقدّر سوى الأصابع - فلو قطعها كلّها فعليه نصف الدّية - ولكن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أنّه عليه إلى جانب نصف الدّية حكومة عدل في نصف السّاعد حيث إنّه لم يجعل تبعاً للكفّ لأنّه لا تبع للتّبع - فالكفّ تبع للأصابع في وجوب نصف الدّية ولا يمكن جعل السّاعد تبعاً للأصابع لأنّ الكفّ حائل بينه وبين الأصابع فوجب فيه حكومة عدل. وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجب إلا أرش اليد لحديثين رواهما (¬1). رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: ما سبق ذكره من أنّ الأب تابع للجدّ والابن تابع للأب، فكان الأب تابعاً من وجه متبوعاً من وجه. ومنها: وكيل الوكيل جائز إذا أذن الأصيل، فالوكيل الأوّل تابع للأصيل وهو متبوع بالوكيل الآخر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 82.

القاعدة الحادية عشرة [بيع ما لا يملك]

القاعدة الحادية عشرة [بيع ما لا يملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تَبِعْ ما ليس عندك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم تضمّن حكماً شرعيّاً متّفقاً عليه، وهو عدم جواز بيع ما لا يملك الإنسان قبل أن يملكه؛ لأنّه ليس على ثقة من حصوله. وينظر من قواعد حرف الباء القاعدة رقم 79. تخريج الحديث: هذا الحديث عن حكيم (¬2) بن حِزام رضي الله عنه. رواه الخمسة، وأخرجه ابن حبَّان (¬3) في صحيحه. وقال التّرمذي (¬4): حسن صحيح. وأخرجه في جامعه بهذا اللفظ. ينظر منتقى ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 4 ص 146. (¬2) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي أسلم يوم الفتح عاش مئة وعشرين سنة مات بالمدينة سنة 54 هـ، له مناقب كثيرة رضي الله عنه وأرضاه. ينظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي جـ 1 ص 166 - 167. (¬3) ابن حبّان محمَّد بن حبّان أبو حاتم البستي، مؤرّخ علاّمة جغرافي محدِّث ولد في بُستِ، وهو من المكثرين في التّصنيف، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره له المسند الصّحيح وغيره توفّي في بلده في سن الثمانين سنة 354 هـ رحمه الله. الأعلام مختصراً جـ 6 ص 78. (¬4) الترمذي أبو عيسي، سبقت ترجمته.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الأخبار حديث 2808. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أراد شخص أن يشتري سيّارة فذهب إلى أحد المعارض وطلب شر اء سيّارة وذكر نوعها وأوصافها كاملة. وباعه صاحب المعرض سيّارة بنفس الأوصاف المطلوبة - ولكنّها ليست عنده ولا يملكها عند العقد، بل وعد المشتري أن يأتيه بها بعد شهر أو أسبوع. فهذا العقد باطل. لكن لو وعد صاحب المعرض بأنّ السّيّارة المطلوبة تصله بعد شهر أو أقلّ أو أكثر ولم يتمّ العقد على شرائها فذلك جائز، وهذه مواعدة وليست عقداً باتّاً كسابقه. فإنّ المشتري له الحقّ في عدم شراء تلك السّيّارة أو شراء غيرها بعد ذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة وجاز بيعه قبل قبضه: الإرث: يجوز للوارث بيع ما يرثه قبل القسمة وقبل قبض نصيبه من الميراث. ومنها: الوصيّة وغلّة الوقف والرّزق المقرّر من بيت المال والسّهم المقرّر من الغنيمة والصّيد إذا ثبت ووقع في الشّبكة، هذه كلّها يجوز بيعها قبل قبضها.

القاعدة الثانية عشرة [المنافع وتقويمها]

القاعدة الثّانية عشرة [المنافع وتقويمها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تتقوّم المنافع في نفسها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنافع غير الأعيان، جمع: منفعة، والمراد بها: المصالح المترتّبة على استغلال الأعيان واستعمالها. فالمنافع هذه غير متقوّمة في نفسها - أي لا قيمة لها في نفسها؛ لأنّه لا يتصوّر فيها الإحراز - أي وضعها في حرز - أي حصن أو بيت؛ ولأنّ ما لا يحرز لا يمكن تقويمه. والمنافع أمور غير مادّيّة منظورة، بل هي أمور معنويّة اعتباريّة تستفاد من الأعيان. فالصّيد قبل صيده لا يقبل التّقويم، والحشيش والأعشاب النّابتة في الأرض لا تتقوّم إلا إذا قطعت. فلا تكون المنافع مِثلاً للمال المتقوّم، فلا تقضى به؛ لأنّ مبنى القضاء على المماثلة، ولا تضمن المنافع؛ لأنّ الضّمان قضاء، ومن شروط القضاء أن يكون للغائب أو الفائت مثلٌ كامل أو قاصر أو يرد فيه نصّ. ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية الفائدة 55، شرح الخاتمة ص 71، وينظر المنثور للزركشي جـ 3 ص 197.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وموضوع القاعدة هو عدم ضمان المنافع إذا تُعُدِّي عليها لعدم تقوّمها في نفسها - وهذا عند الحنفيّة - وأمّا عند الشّافعي رحمه الله فإن منافع المغصوب المتقوّم تضمن بالمال. وهذا في الحقيقة أعدل حتى لا تضيع الحقوق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اغتصب غاصب داراً وسكنها مدّة أو لم يسكنها فإنّه لا يُضَمَّن منافعها الضّائعة على الملك - بناء على هذه القاعدة - ولكن عند الشّافعي رحمه الله فإنّ الغاصب يضمن منافع المغصوب حيث تضمن بالمال المتقوّم وهو العين؛ لأنّ المنفعة عند الشّافعي مال. وهذا عدل وبخاصّة إنّ منافع الدّور والمحلاّت والعمارات يمكن الآن وبكلّ يسر تقويم إجاراتها وما تستحقّه، قياساً على أمثالها وبحسب الأسعار السّائدة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الإجارة حيث إنّ عقد الإجارة عقد صحيح بالنّصّ، والأجرة مقابل المنفعة، ولكن التّقوم في المنفعة بإقامة العين المستأجرة - كالدّار - مقام المنفعة تحفّظاً لصحّة العقد، فالعقد ورد على العين لا على المنفعة، ثمّ ينعقد العقد على المنافع شيئاً فشيئاً. ومنها: إذا كانت العين مُعَدَّة للاستغلال واغتصبها مغتصب فهو ضامن للأجرة. ومفهوم ذلك أنّ العين إذا لم تكن معدّة للاستغلال أنّ أجرتها غير مضمونة وذلك موضوع القاعدة.

ومنها: منافع مال اليتيم، ومنافع مال الوقف، فهي تضمن بالإتلاف والتّعدّي. وأقول وبالله التّوفيق: إنّ تضمين المغتصب منافع المغصوب - ولو لم يكن معدّاً للاستغلال هو الأعدل، والأقطع لطمع الطّامعين، فإنّ المغتصب إذا علم أنّه سيضمن منافع ما اغتصبه مهما كان فإنّ ذلك قد يردعه عن الغصب والتّعدّي. والله أعلم.

القاعدة الثالثة عشرة [مزاحمة التبع للأصل]

القاعدة الثّالثة عشرة [مزاحمة التّبع للأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تثبت المزاحمة للتّبع مع الأصل فيها يستحقّ بغلبة الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان المراد بالتّبع والأصل: فإذا كان الأصل هو الأقوى، لأنّه سبب وجود التّبع والتّبع وجوده تابع لوجوده أصله، فإذن لا تقع المزاحمة بينهما ولا تثبت؛ لأنّه كما سبق إنّ معنى المزاحمة: المدافعة، والمدافعة إنّما تكون بين متماثلين في الوجود والقوّة، لكن لمّا كان الأصل غالباً بقوّته وسبق وجوده فلا تثبت المزاحمة بينه وبين تابعه وفرعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصي لامرأة حامل بوصيّة، فلو وضعت المرأة بعد وفاة الموصي، فلا يستحقّ مولودها من الوصيّة شيئاً؛ لأنّه تبع للأمّ, ولا مزاحمة للتّبع مع الأصل. ومنها: إذا أعتق شخص عبداً ثمّ مات المعتِق فولاء العتيق يكون لابن المعتِق؛ لأنّه عصبة لأب، فإذا مات المعتِق عن ابن وابنة، ثمّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 40.

مات المعتَق فيكون ميراثه للابن، ولا يكون للابنة من ميراثه شيء؛ لأنّها صاحبة فرض، وإنّما تصير عصبة تبعاً للابن. أمّا لو أعتقت المرأة عبداً فإنّ ولاءه لها وكذلك ميراثه إذا مات عن غير وارث.

القاعدة الرابعة عشرة [كفالة الأمانات]

القاعدة الرّابعة عشرة [كفالة الأمانات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تجوز الكفالة بشيء من الأمانات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ الأمانات غير مضمونة - أي أنّ الأمانة لا يغرم الأمين مثلها أو قيمتها إذا تلفت أو هلكت بغير تعدّ منه أو تقصير؛ وذلك لأنّ الأمين إنّما يحفظ الأمانة أو يعمل بها لصالح ونفع صاحبها، ولذلك لمّا كانت المنفعهَ تعود على المستأمِن لم يجب على المستأمَن ضمانها، إلا إذا تعدّى أو قصَّر، ولذلك فلا يجوز اشتراط الكفيل عند وضع الأمانه على يد الأمين؛ لأنّ الكفيل إنّما جعل ليضمن المكفول إذا لم يؤدّ الضّمان. ولمّا كانت الأمانات غير مضمونة على الأمين فلا حاجة للكفيل. وينظر القاعدتان رقم 18، 19 من قواعد حرف الكاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أودع شخص أمانة عند شخص آخر، ثمّ طلب كفيلاً يكفل الأمين، فلا يجوز له ذلك، ولا يجيبه الأمين على طلبه هذا. ومنها: رأس مال المضاربة أمانهَ في يد المضارب، فلا يجوز لصاحب رأس المال أن يطلب من المضارب كفيلاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 12.

ومنها: مال الشّركة أمانة في يد الشّريكين، فلا يجوز لأحدهما أن يطلب كفيلاً على شريكه.

القاعدة الخامسة عشرة [التحليف]

القاعدة الخامسة عشرة [التّحليف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تحليف إلا بطلب الخصم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّحليف: تفعيل من الحلف، والمراد به طلب توجيه اليمين على المدَّعَى عليه، عند عدم وجود بيِّنة للمدَّعِي. فمفاد القاعدة: أنّه لا يجوز للقاضي توجيه اليمين على المدَّعَى عليه إلا بطلب من خصمه المدَّعِي؛ لأنّ المطلوب أولاً - بعد صحّة الدّعوى - بيِّنة المدّعِي، فإنَ لم توجد فيجوز توجيه اليمين على المدَّعَى عليه بشرط أن يطلب المدَّعِي تحليفه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى عليه مالاً، ولم يأت المدّعِي بشهود، فإذا طلب المدَّعِي توجيه اليمين على المدَّعَى عليه وطلب من القاضي تحليفه فإنّ القاضي يُحَلِّفه. وأمّا إذا لم يطلب المدّعِي تحليف خصمه فلا يجوز للقاضي تحليفه، وإنّما يقول للمدّعِي: هات شهودك أو بيّنتك ليشهدوا لك بما تدّعي. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 18 عن دعوى الهندية جـ 4 ص 13 - 14.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: للقاضي أن يستحلف الشّفيع إذا طلب من القاضي أن يقضي له بالشّفعة، حيث يحلّفه القاضي بالله لقد طلبت الشّفعة حين علمت بالشّراء، وإن لم يطلب المشتري ذلك. وهذا عند أبي يوسف. ومنها: البكر إذا بلغت عند الزّوج وطلبت التّفريق من القاضي، فإنّ القاضي يحلّفها بالله لقد اخترت الفرقة حين بلغت. وإن لم يطلب الزّوج. ومنها: المشتري إذا أراد ردّ السّلعة بالعيب يحلّفه القاضي أنّك لم ترض بالعيب. ومنها: المرأة إذا سألت القاضي أن يفرض لها النّفقة في مال الزّوج الغائب، يحلّفها بالله ما أعطاك نفقتك حين خرج؟ وهذه المسائل الأربع عند أبي يوسف رحمه الله دون أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله حيث لا يحلَّف بدون طلب الخصم أيضاً. ومنها: إنّ من ادّعى دينًا على ميّت يُحلَّف - من غير طلب الوصي أو الوارث - بالله ما استوفيت دينك من المديون الميّت - قبل وفاته - ولا من أحد أدّاه إليك عنه ولا قبض قابض بأمرك، ولا أبرأته منه ولا شيئاً منه. وهذه المسألة مجمع عليها؛ من حيث إنّ الخصم ميّت، واليمين هنا يَحْلفها المدَّعِي لا المدَّعَى عليه.

القاعدة السادسة عشرة [التحليف في الحدود]

القاعدة السّادسة عشرة [التّحليف في الحدود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تحليف في الحدود اتّفاقاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحدود: جمع حد. وهو تلك الجرائم الّتي حدَّ لها الشّرع عقوبة محدّدة مقدّرة، لا يجوز النّقص منها ولا الزّيادة عليها. والحدود لا تثبت إلا بالبيَّنة أو الإقرار. ولذلك لا يجوز تحليف المدّعَى عليه بحدّ، وذلك لأنّ المدّعَى عليه إذا طلب منه اليمين وامتنع عن الحلف أنّه يلزم بالقضيّة عند الأكثرين، ولمّا كان النّكول - أو الامتناع عن اليمين - ليس نصّاً في ثبوت الحقّ، فهو يورث شبهة، والحدود تدرأ بالشّبهات. فلذلك امتنع التّحليف في الحدود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهد ثلاثة على رجل أو امرأة بالزّنا - والشّهادة التّامّة على الزّنا أربعة شهود لا ثلاثة - وطلبوا تحليف المدّعَى عليه أنّه ما زنى، فإنّ القاضي لا يجيبهم إلى ذلك، بل إذا لم يكمل نصاب الشّهادة - وهو ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 428 باب اليمين من كتاب الدّعوى وعنه الفرائد ص 80.

أربعة - فإنّ الشّهود الثّلاثة يقام عليهم حدّ القذف، إلا إذا أقرّ المتّهم بالزّنى. ومنها: إذا شهد واحد على آخر أنّه شرب الخمر، وطلب تحليفه على ذلك، لعدم اكتمال نصاب الشّهادة - وهو هنا اثنان - فإنّ القاضي لا يجيبه على ذلك ولا يطلب من المتّهم حلف اليمين.

القاعدة السابعة عشرة [التحليف]

القاعدة السّابعة عشرة [التّحليف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تحليف مع البرهان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البرهان: المراد به هنا الحجّة والبيَّنة - أي الشّهود. فلا يوجه اليمين على المدَّعَى عليه عند وجود بيِّنة المدّعِي وشهوده؛ لأنّ اليمين إنّما تكون مشروعة عند عدم البيَّنة لا مع وجودها، وكذلك لا يحلف المدّعِي مع وجود بيَّنته لأنّ البيِّنة حجّة كاملة وبرهان تامّ. ولكن خرج عن ذلك مسائل جاز فيها تحليف المدّعِي مع وجود بيِّنته إضافة إليها لزيادة التّوثّق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى على آخر أنّه غصبه شيئاً ما وأقام بيَّنة على ذلك. فلا يطلب القاضي من المدّعِي اليمين مع بيَّنته؛ لأنّه خلاف المشروع. كما لا يطلب من المدّعَى عليه اليمين لدفع دعوى المدّعِي؛ لأنّ البيِّنة العادلة قد أثبتت دعوى الغصب. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فجاز تحليف المدّعِي زيادة على بيّنته: ¬

_ (¬1) الفرائد ص 19 عن دعوى الهندية جـ 4 ص 14.

يحلف مدّعى الدّين على الميّت إذا برهن. ولا خصوصيّة لدعوى الدّين، بل في كلّ موضع يدّعى حقّاً في التّركة وأثبته بالبيِّنة فإنّه يُحَلَّفُ أيضاً من غير طلب خصم أنّه ما استوفى حقّه. وهو مثل حقوق الله يحلف من غير دعوى. ومنها: المستحِقّ للمبيع بالبيِّنة يحلف للمستحَقّ عليه بالله أنّه ما باعه ولا وهبه ولا تصدّق به ولا خرجت العين عن ملكه. ومنها: يحلف مدّعِي الآبق مع البيِّنة بالله أنّه باق على ملكك إلى الآن لم يخرج ببيع ولا هبة. ومنها: مديون الميت إذا ادّعى الدّفع له مع البيَّنة فإنّه يحلّف أيضاً احتياطاً.

القاعدة الثامنة عشرة [التداخل]

القاعدة الثّامنة عشرة [التّداخل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تداخل في أعمال العبادات، وإنّما التّداخل فيما يندرئ بالشّبهات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّداخل: تفاعل من الدّخول، والمراد به هنا: نيابة عمل عبادي عن عمل عبادي آخر بينهما تشابه. وقد سبق أنّ الحدود تتداخل، أي يدخل بعضها في بعض وفعل بعضها يغني عن فعل بعض آخر وينوب عنه. فمفاد القاعدة: أنّ أعمال العبادات لا يقوم بعضها مقام بعض، ولا ينوب بعضها عن بعض - ولو كانت متشابهة - بل يجب الإتيان بكلّ عمل عبادي على حدة. وهذه القاعدة مستند الحنفيّة في وجوب طوافين وسعيين للقارن في الحجّ. وعند غيرهم أنّه يكفي طواف واحد وسعي واحد؛ لأنّه دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الّذي أخرجه مسلم وغيره (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 28. (¬2) ينظر منتقى الأخبار الحديث رقم 2423.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن أحرم ونوى بإحرامه القران في النّسك، فعند جمهور الحنفيّة يجب عليه طوافين وسعيين، طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجّته، وقد ثبتت من غير طريق أنّ القارن يطوف للحجّ والعمرة طوافاً واحداً ويسعى سعياً واحداً (¬1). ومنها: لا تداخل بين أشواط طواف واحد وسعي واحد. ومنها: من نذر صيام يوم، وعليه قضاء من رمضان، فلا يجزئه أن يصوم ذلك اليوم عن نذره وقضائه، بل يجب أن يصوم الّذى حدّده وفاء بنذره ثمّ يصوم يوماً آخر لقضائه. ومنها: مَن أخّر صلاة الظّهر لآخر وقتها وأوّل وقت صلاة العصر، فلا يجوز له أن يصلّي أربع ركعات عن ظهره وعصره، بل يجب عليه أن يصلّي للظّهر أربعاً ثمّ يصلّي للعصر أربع ركعات أخرى. فلا تداخل. ومنها: من عليه كفّارات متعدّدة - فلا تداخل بينها - وعليه أداؤها جميعها. ¬

_ (¬1) ينظر منتقى الأخبار الأحاديث من 2635 - 2639.

القاعدة التاسعة عشرة [الدعوى - الإبراء العام]

القاعدة التّاسعة عشرة [الدّعوى - الإبراء العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تسمع الدّعوى بعد الإبراء العام إلا بحقّ حادث (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإبراء: إسقاط الحقّ. بما يبرئ ويسلم ذمّة المدين. وإذا أبرأ صاحب الحقّ المدين عن حقّه إبراءً عامّاً، ثمّ أراد أن يرفع دعوى مطالبة بالحقّ، فلا تسمع هذه الدّعوى بعد ذلك الإبراء، إلا إذا وجد حقّ حادث بعد الإبراء العام، وصورة الإبراء أن يقول: لا حقَّ لي قِبّل فلان. فإذا قال ذلك سقط كلّ حقّ له عليه، ولمّا كان السّاقط لا يعود - كما سبق - فلا تسمع دعواه ومطالبته بالحقّ السّاقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على شخص دين لآخر، فقال الدّائن للمدين: أبرأتك ممّا لي عليك، فقد سقط الحقّ وبرئت ذمّة المدين، ولا يجوز للدّائن بعد ذلك أن يطالب بما أبرأ عنه. لكن إذا حدث حقّ جديد بعد الإبراء فله أن يرفع دعوى للمطالبة به. ومنها: إذا ثبتَ حقّ الشّفعة للشّفيع، وكان له على البائع أو المشتري دين فأبرأه منه إبراءً عامّاً بأن قال: أبرأتك عن كلّ حقّ لي ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 223، 265، شرح الخاتمة ص 69.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

عليك. سقط حقّ الشفعة أيضاً، ولا حقّ له في المطالبة به بعد ذلك. لكن لو قال: أبرأتك ممّا لي عليك من الدّين. لم يسقط حقّ الشّفعة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أبرأه إبراء عامّاً من كلّ حقّ، وكان قد ضمن له الدَرَك. فإنّ ضمان الدّرك لا يدخل في الإبراء العامّ. وضمان الدَرَك: هو ضمان الغرامة والتّبعة إذا ظهر أنّ للمبيع مستحِقّ (¬1). أو هو الحقّ الواجب للمشتري والبائع عند إدراك المبيع أو الثّمن مستحقّاً (¬2). ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التّنبيه ص 204. (¬2) القاموس الفقهي ص 225.

القاعدة العشرون [الدعوى]

القاعدة العشرون [الدّعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تسمع الدّعوى والبيِّنة بملك سابق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا تقبل دعوى المدّعِي ولا تسمع أقوال شهوده إذا قالوا عن المتنازع عليه: كان ملكه بالأمس، أو في الشّهر الماضي، أو العام الماضي. بل لا بدّ أن يضيفوا إلى قولهم: كان ملكه بالأمس ولم يزل أو لا نعلم مزيلاً له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تنازع رجلان داراً. وجاء أحدهما بشاهدين يشهدان له أمام القاضي. فقال الشّاهدان: نشهد أنّ هذه الدّار كانت ملكاً للمدّعِي في العام الماضي. فلا تسمع هذه الدّعوى، ولا تقبل هذه الشّهادة؛ لأنّ الملك السّابق لا يدلّ على بقاء الملك إلى الآن، فلعلّه باعها بعد ذلك. لكن إذا قالوا: كانت ملكاً للمدّعِي في العام الماضي أو الشّهر الماضي ولا زالت في ملكه، أو لم نعلم زوال ملكه عنها. فإنّها تقبل الشّهادة وتسمع الدّعوى. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 505 - 506، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 629.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا ادّعى المدّعَى عليه أنّه اشتراه من خصمه منذ سنة، أو أنّه أقرّ له به من سنة، أو يقول المدّعَى عليه: كان ملكك بالأمس وهو الآن ملكي، فيؤاخذ بإقراره بملكيّة المتنازع عليه لخصمه، ثمّ عليه إقامة الحجّة على ملكه اللاحق. ومنها: إذا شهدت بيّنة أحدهما أنّ هذه الدّابّة ملكه نتجت في ملكه، فإنّها تقبل، وإن كان النّتاج سابقاً؛ لأنّ النّتاج إنّما يحصل مرّة واحدة، وهو نماء ملكه.

القاعدة الحادية والعشرون [إجازة الباطل]

القاعدة الحادية والعشرون [إجازة الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تصحّ إجازة الباطل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد سبق القول بأنّ الإجازة إنّما تعمل في المتوقّف. وأمّا الباطل فلا تصحّ إجازته لبطلانه وعدم انعقاده، فكأنّ الإجازة وقعت على معدوم فلا تصحّ. وينظر القاعدة 3 من قواعد حرف الباء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع فضولي خمراً أو خنزيراً لمسلم - والمسلم لا يملك الخمر ولا الخنزير - فإنّ هذا العقد باطل؛ لأنّ الخمر والخنزير ليسا مالين للمسلم، فلو أجاز صاحبهما هذا العقد فإنّه لا يجوز؛ لأنّه وقع في الأصل باطلاً. والإجازة لا تصحّح الباطل. ومنها: إذا زوَّجه امرأة لا تحلّ له. فأجاز الزّوج هذا النّكاح لم يجز لأنّه وقع في الأصل باطلاً. ومنها: ما سبق قريباً إذا كان الفضولي صغيراً أو محجوراً عليه فلا يصحّ تصرّفه ولو أجاز صاحب الحقّ عمله. فهو باطل. لوقوعه من الأصل باطلاً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2055 وعنه قواعد الفقه ص 105.

ومنها: إذا أوصى حربي في دار الحرب لمسلم في دار الإسلام بوصيّة، ثمّ مات الحربي وأسلم أهل الدّار قبل أن يقسم الميراث، فإن كان المسلم الموصَى له يوم الوصيّة في دار الإسلام فالوصيّة باطلة؛ لتباين الدّارين بينهما. وتباين الدّارين يمنع الوصيّة حتى وإن أجازها الورثة بعد ما أسلموا، فهي باطلة، والباطل لا تلحقه الإجازة. وأمّا إذا دفع الورثة الوصيّة إلى الموصَى له وسلّموها له، فهي بمنزلة الهبة منهم. أمّا إذا كان المسلم يوم الوصيّة في دار الحرب فهي وصيّة صحيحة جائزة؛ لأنّهما في دار واحدة، والوصيّة تنفّذ من الثّلث بعد إسلام أهل الدّار قبل قسمة الميراث.

القاعدة الثانية والعشرون [جهالة الجنس]

القاعدة الثّانية والعشرون [جهالة الجنس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تصحّ التّسمية في شيء من العقود مع جهالة الجنس (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من شروط صحّة العقود معرفة البدلين وتعينهما، فإذا كان أحد البدلين مجهولاً لم يصحّ العقد، والجهالة إمّا جهالة صفة وإمّا جهالة جنس، فجهالة الصّفة لا تمنع صحّة العقد كما سيلي قريباً، وإنّما الذي يمنع صحّة العقد هو جهالة الجنس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترط طالبو الموادعة من المشركين على أنفسهم أن يعطوا كلّ سنة مائة ثوب أو مئة دابّة، فالموادعة فاسدة؛ لجهالة الجنس المسمّى من حيث إنّ الثّياب أجناس مختلفة. والدّوابّ كذلك أنواع مختلفة، فالاسم حقيقة يتناول كلّ ما يدبّ على الأرض، وعرفاً يتناول الخيل والبغال والحمير. ومع جهالة جنس أو نوع الدّابّة لا يصحّ التّسمية في شيء من العقود. أمّا لو قالوا: نعطيكم مئة رأس. فتصحّ الموادعة؛ لأنّ الجنس ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1734 وعنه قواعد الفقه ص 105.

معلوم هنا عادة - لأنّ المراد رأس من بني آدم - والمجهول هو الصّفة، وجهالة الصّفة لا تمنع صحّة التّسمية فلهم أن يأتوا بأي نوع من الرؤوس - أيّ الأرقّاء - ذكوراً أو إناثاً صغاراً أو كباراً، ومن أي صنف يكون وسطاً من ذلك النّوع. ومنها: إذا قال: أبيعك هذه الدّابّة أو السّيّارة بألف. ولم يعيّن نوع النّقد وفي البلدة نقود مختلفة يتعامل بها النّاس، فالعقد باطل غير صحيح؛ لأنّ الألف مجهولة الجنس.

القاعدتان الثالثة والرابعة والعشرون [الدعوى]

القاعدتان الثّالثة والرّابعة والعشرون [الدّعوى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا تصحّ الدّعوى بمجهول (¬1). ولا تصحّ الدّعوى إلا من مطلق التّصرف (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تتضمّنان شرطين من شروط صحّة الدّعوى: أوّلهما: أن تكون الدّعوى بمعلوم محدّد لا بمجهول. فالدّعوى بالمجهول لا تسمع كما أنّ الدّعوى على المجهول لا تسمع، ولا تقبل ولا تصحّ عند القضاء. وثانيهما: يشترط لصحّة الدّعوى أن يكون المدّعِي مطلق التّصرّف فيما يدّعيه، أمّا إذا كان المدّعِي مقيّد التّصرّف كالصّغير والمجنون والمحجور فلا تصحّ منهم الدّعوى ولا يسمعها القاضي. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: أقام عليه دعوى وقال: لي عليه شيء. ولم يبيّنه. لا تسمع هذه ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ ص 431، الاعتناء جـ 2 ص 1086، قواعد الحصني جـ 4 ص 248 فما بعدها. وأشباه السيوطي ص 499 فما بعدها. أشباه ابن نجيم ص 246. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 432.

رابعا: مما استثني من مسائل القاعدة الأولى

الدّعوى. ومنها: إذا ادّعى صغير أو معتوه على شخص ديناً أو ثمن سلعة فلا تسمع هذه الدّعوى؛ لأنّ المدّعِي غير مطلق التّصرّف. ومنها: لا تسمع دعوى العبد على سيّده أنّه أذن له في التّجارة. ومنها: لا تسمع دعوى ممّن ليس بولي ولا وكيل حقّاً لغيره قصد التّوصّل إلى حقّه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل القاعدة الأولى: ذكر السّيوطي خمساً وثلاثين مسألة يصحّ فيها الدّعوى بالمجهول منها ما هو متّفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه. منها: دعوى الوصيّة بالمجهول صحيحة. ومنها: الإقرار بالمجهول تسمع الدّعوى به على الرّأي المعتبر. ومنها: ما يتعلّق بطلب المرأة المتعة أو النّفقة أو الكسوة، وكلّها دعوى بمجهول يوجب القاضي ما يقتضيه الحال. وذلك دليل على صحّة الدّعوى. ويضبط كثيراً من هذه المسائل قولهم: (كلّ ما كان المطلوب فيه موقوفاً على تقدير القاضي فإنّ الدّعوى بالمجهول تسمع فيه).

القاعدة الخامسة والعشرون [شهادة أهل الملل]

القاعدة الخامسة والعشرون [شهادة أهل الملل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تقبل شهادة أهل ملّة على أهل ملّة أخرى إلا المسلمين فإنّ شهادتهم مقبولة على أهل الملل كلّها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى حديث نبوي كريم روي بروايات مختلفة: تخريج الحديث: روي هذا الحديث بلفظ: "لا تقبل شهادة أهل دين على أهل دين إلا المسلمون؛ فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم" بهذا اللفظ أخرجه البيهقي من طريق الأسود (¬2) ابن عامر - شاذان - عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي طريقه عمر بن راشد (¬3) وهو ضعيف (¬4). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 153، المقنع جـ 3 ص 688، الاعتناء جـ 2 ص 1071، عقد الجواهر جـ 3 ص 139، 145. (¬2) الأسود بن عامر الملقب بشاذان: الشّامي نزيل بغداد يكنى أبا عبد الرحمن ثقة من التّاسعة توفي سنة 208 هـ. التقريب الترجمة 573. (¬3) عمر بن راشد بن شجرة اليمامي. ضعيف من السّابعة - روى عنه الترمذي والبيهقي، التقريب الترجمة 421. (¬4) ينظر تلخيص الحبير جـ 4 ص 198 حديث 2018، نصب الراية جـ 4 ص 86.

وقد أخرجه البيهقي أيضاً في السّنن بلفظ "لا يتوارث أهل ملّتين شتّى، ولا تجوز شهادة ملّة على ملّة، إلا ملّة محمَّد فإنّها على غيرهم" (¬1). وفي رواية أخرى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا ترث ملّة ملّة ولا تجوز شهادة ملّة على ملّة إلا شهادة المسلمين فإنّها تجوز على جميع الملل" (¬2). وفي رواية أخرى: "لا يرث أهل ملّة ملّة، ولا تجوز شهادة ملّة على ملّة إلا أمّتي تجوز شهادتهم على مَن سواهم" (¬3). وكلّها عن طريق عمر بن راشد. فمفاد الحديث القاعدة: أنّ الشّهادة لمّا كانت نوعاً من الولاية، فلا تقبل شهادة أهل ملّة أو دين على أهل ملّة أو دين آخر، وذلك لوجود التّهمة ولأنّ أهل كلّ دين لا يتورّعون أن يشهدوا شهادة كاذبة ضدّ من يخالفهم في الدّين لبغضهم له وحقدهم عليه. لكن شهادة المسلمين على أهل الملل كلّها مقبولة؛ لأنّ هذه الأمّة هم الشّهداء على النّاس بالنّصّ وهو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ ¬

_ (¬1) سنن البيهقي جـ 10 ص 274 الحديث 20616. (¬2) نفس المصدر حديث رقم 20617. (¬3) نفس المصدر حديث رقم 20618.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (¬1) وأيضاً هذه الأمّة عدول ولا يشهدون على غيرهم بالباطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى نصراني على يهودي دعوى دين عند قاضٍ وأتى بشاهدين أحدهما يهودى والثّاني نصراني، فإن القاضي يردّ شهادتهما: النّصراني لمخالفة دينه لدين المشهود عليه، واليهودي لأنّه شاهد واحد. ويطلب القاضي من المدّعِي شاهداً آخر أو يوجه اليمين على المدّعَى عليه اليهودي إذا لم يستطع المدّعِي الإتيان بشاهد آخر، وعند أبي حنيفة تقبل الشّهادة. ومنها: ترافع ذميّان أمام القضاء في دعوى لأحدهما على الآخر وجاء المدّعِي بشاهدين مسلمين ليشهدا له على خصمه بصدق دعواه، فإنّ القاضي يسمع شهادتهما ويقبلها ويحكم بها، ولو أنّ المشهود عليه من أهل ملّة أخرى؛ لأنّ المسلمين عدول على أنفسهم وعلى غيرهم باتّفاق. ¬

_ (¬1) الآية 143 من سورة البقرة، وفي سورة الحج الآية 78 {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.

القاعدة السادسة والعشرون [شهادة الكافر]

القاعدة السّادسة والعشرون [شهادة الكافر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تقبل شهادة كافر على مسلم إلا تبعاً أو ضرورة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّه لا تقبل شهادة كافر على كافر من ملّة أخرى، وبالأولى أن لا تقبل شهادة كافر على مسلم أبداً, لأنّه كما سبق أنّ الشّهادة نوع من الولاية ولا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة، حتّى أنّ الأب الكافر لا يكون وليّاً في إنكاح ابنته المسلمة. وأنّ شهادة المسلم على غيره من أهل الملل الأخرى مقبولة. ولكن مفاد القاعدة: أنّ شهادة الكافر على المسلم - وإن كانت لا تقبل في الأحوال العاديّة - ولكنّها يمكن أن تقبل في حالتين اثنتين لا ثالث لهما. الحالة الأولى: أن تكون الشّهادة على المسلم تبعاً لشهادة الكافر على كافر مثله لا أصلاً مباشراً. وينظر من قواعد حرف الشّين القواعد 52, 57, 59. والحالة الثّانية: هي حالة الضّرورة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 226.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهد كافران على توكيل كافر كافراً بكلّ حقّ له في البلدة الفلانيّة على خصم كافر، وكان لهذا الخصم الكافر شريك مسلم، فتتعدّى الشّهادة إلى الخصم المسلم الآخر. ومنها: إذا شهد كافران على توكيل كافر لموكّله المسلم جازت شهادتهما على المسلم تبعاً. ومنها: الوصيّة في السّفر حيث تقبل شهادة رجلين من أهل الكتاب على الموصِي المسلم الميّت في السّفر للضّرورة إذا لم يوجد غيرهما. وهذا عند ابن أبي ليلى وشريح وأحمد رحمهم الله. خلافاً للأئمة أبي حنيفة ومالك والشّافعي حيث لا يجيزون ذلك.

القاعدة السابعة والعشرون [تلفيق الشهادتين]

القاعدة السّابعة والعشرون [تلفيق الشّهادتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تلفق الشّهادتان إلا أن يتطابقا لفظاً ومعنى ومحلاًّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّلفيق: معناه الجمع بين الشّهادتين مع اختلاف اللفظين. إذا اختلفت الشّهادتان - من الشّاهدين - بزيادة أو بنقص فلا تقبل للاختلاف؛ لأنّ شرط قبول الشّهادتين المطابقة للدّعوى. ولكن مفاد هذه القاعدة: أنّه إذا اختلفت ألفاظ الشّاهدين في التّعبير عن الدّعوى ولكن مع الاتّفاق في المعنى جازت شهادتهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أحضر شاهدين ليشهدا له بخلوّ ذمّته عن الدّين المطالّب به، فقال أحد الشّاهدين، أشهد أنّه أبرأه ممّا له عليه. وقال الآخر: أشهد أنّه قد أحلَّه من دينه. قبلت الشّهادتان, لأنّ الإبراء والتّحليل بمعنى. ومنها: إذا شهد أحد الشّاهدين بأنّ المدَّعَى عليه باع المدَّعَى به للمدّعِي. وشهد الآخر بأنّه أقرّ أمامه بأنّه باعه له. قبلت الشّهادتان. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 506.

القاعدة الثامنة والعشرون [جهالة الصفة]

القاعدة الثّامنة والعشرون [جهالة الصّفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا تمنع الجهالة في الصّفة صحة التّسمية فيما بني أمره على التّوسّع، كالنّكاح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها وهي كالاستثناء منها: حيث إنّ العقد لا يصحّ مع جهالة الجنس، ولكن إذا ذكر الجنس وجهلت الصّفة فإنّ العقد صحيح والتّسمية صحيحة في العقود الّتي بنيت أمورها على التّوسّع كالنّكاح والأمان وغيرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد على امرأة وشرط لها مهرها داراً أو سيّارة، ولم يذكر أوصافها، صحّ عقد النّكاح ولها الوسط. وعند الاختلاف لها مهر المثل. ومنها: إذا شرطوا في عقد الموادعة مئة رأس، ولم يذكروا أوصافاً، فإن مضت السّنَة ووجب الفداء كان ذلك إلى المشركين يعطونهم من أي صنف شاؤوا وسطاً. كما سبق قريباً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1734 وعنه قواعد الفقه ص 105.

القاعدة التاسعة والعشرون [الثواب - النية]

القاعدة التّاسعة والعشرون [الثّواب - النّيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ثواب إلا بالنّيّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذكرها ابن نجيم رحمه الله في الأشباه ص 6، وجعلها أولى القواعد. من حيث إن النّيّة تدخل في كلّ تصرفات المكلّف من عبادات ومعاملات وخصومات ومباحات ومناهي وتروك، وكلّها تحتاج للنّيَّة. ولكن ما ينبني عليه الثّواب منها إنّما هو المقصود به العبادة ووجه الله سبحانه وتعالى. فلا ثواب على عمل شرعي إلا إذا قصد به وجه الله سبحانه وتعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلّى إنسان صلاة تامّة بشروطها كاملة ولكنّه لم ينو بها وجه الله فإنّ ما فعله لا يعتبر صلاة شرعيّة ولم تبرأ ذمّته، ولا ثواب له على ما فعل. ومنها: إذا نوى بصلاته الرّياء والسّمعة، فلا ثواب له بل عليه إثم ووزر. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 6 وعنه الفرائد ص 4.

ومنها: من تصدّق بأضعاف ما يجب عليه من الزّكاة الواجبة، ولم ينو ببعض ما تصدّق به ما يجب عليه من الزّكاة، لم تبرأ ذمّته ولا يثاب ثواب الواجب، بل يجب عليه إخراج ما عليه من زكاة حتى تبرأ ذمّته.

القاعدة الثلاثون [احتمال التهمة]

القاعدة الثّلاثون [احتمال التّهمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا حجّة مع الاحتمال النّاشئ عن دليل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا حجّة ولا برهان مقبول أو مفيد مع وجود احتمال النّقيض الّذي ينشأ عن دليل ظنّي أو قطعي بوجود تهمة، بل إنّ وجود ذلك الاحتمال عامل مهمّ في بطلان العمل وعدم اعتباره، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ودون صاحبيه ودون الشّافعي. وينظر القاعدة رقم 595 من قواعد حرف الهمزة، وقواعد حرف التّاء القاعدتان 109، 224. والقاعدة 49 من قواعد حرف الباء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ شخص في مرض موته بدين لبعض ورثته، لا ينفذ إقراره إلا بتصديق باقي الورثة؛ لأنّ احتمال اتّخاذ هذا الإقرار مطيّة لترجيح أو تفضيل بعض الورثة على بعض في الإرث قوي، تدلّ عليه حالة المرض. وأمّا إن كان الإقرار في حال الصّحّة فجائز. وكذلك إذا كان لأجنبي. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 70، المجلة المادة 73، المدخل الفقهي الفقرة 583، وينظر الوجيز ص 216.

وبطلان الإقرار في مرض الموت مذهب أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله خلافاً للشّافعي، وأمّا عند مالك فإن كان المورث لا يتّهم صحّ إقراره وإلا لم يصحّ (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر الإفصاح جـ 2 ص 18، وتخريج الفروع للزنجاني ص 212.

القاعدة الحادية والثلاثون [التناقض]

القاعدة الحادية والثّلاثون [التّناقض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا حجّة مع الاختلاف أو التّناقض، لكن لا يختلّ معه حكم الحاكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحجّة: هي البرهانَ: والدّليل، والبيِّنة. فإذا وجد اختلاف أو تناقض في حجّة المدّعِي ودعواه وشهوده فإنّ هذه الحجّة مرفوضة وغير مقبولة، وترفض الدّعوى والشّهادة؛ وذلك لأنّ القاضي لا يمكنه أن يحكم بأحد المتناقضين لعدم الأولويّة فتساقطا؛ لأنّ الموافقة معنىً بَيْن شهادتي الشّاهدين شرط لقبوله، كما كانت شرطاً بين الدّعوى والشّهادة، ولكن إذا كانت الموافقة في المعنى فلا يمنع اختلاف اللفظ من صحّة الشّهادة وقبولها - كما سبق قريباً -. لكن إذا حكم القاضي بموجب شهادة الشّاهدين ثمّ رجع الشّاهدان عن شهادتهما - فلا تبقى شهادتهما حجّة؛ لأنّهما نقضاها برجوعهما عنها. لكن الحكم لا ينقض، وإنّما يلزم على الشّاهدين ضمان المحكوم به بشهادتهما الباطلة المرجوع عنها. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 220، شرح الخاتمة ص 71، المجلة المادة 80، شرح القواعد للزرقا ص 337 قواعد الفقه ص 106 عن المجلة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أشهد شاهدين على دعواه ديناً على آخر، فشهد أحدهما بألف ثمن مبيع، وشهد الآخر بألفين قرضاً، سقطت الدّعوى للتّناقض في الشّهادة والاختلاف فيها. لكن إذا كان الخلاف في المهر يقضى بالأقلّ منهما. ومنها: إذا شهد أحدهما بأنّها هبة، وشهد الآخر بأنّها عطيّة صحّت الشّهادة؛ للاتّفاق في المعنى. ومنها: إذا شهد أحدهما بالنّكاح وشهد الآخر بالتّزوّج فهي مقبولة أيضاً.

القاعدة الثانية والثلاثون [النادر]

القاعدة الثّانية والثّلاثون [النّادر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا حكم للنّادر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّادر: اسم فاعل من نَدَر إذا قلّ وجوده، ووقوعه. والنّادر القليل الوجود والوقوع لا حكم له بمفرده في الشّرع؛ لأنّ الحكم للغالب، أي لما يكثر وجوده ويعمّ وقوعه. وينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة 98، والقاعدة 28 من قواعد حرف العين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأت بنت ستّ سنين الدّم، فليس بحيض صحيح؛ لأنّ سبق أوانَه، فلا يعطى له حكم الصّحّة. ومنها: ما تراه الحامل من الدّم فليس من الرّحم, لأنّ بالحمل ينسدّ فم الرّحم، فالدّم المرئي ليس من الرّحم، ولا يأخذ حكم الحيض، فيكون فاسداً. ومنها: إذا كان العرف أو العادة غير مشتهرة وغير غالبة، فلا حكم لها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 149.

القاعدة الثالثة والثلاثون [التبرع]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون [التّبرّع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا رجوع فيما تبرّع به عن غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّبرّع: هو إعطاء مجّاني دون مقابل. فمن دفع مالاً عن غيره بغير إذنه أو أوامره، فلا حقّ له في الرّجوع على مَن دفع عنه؛ لأنّه متبرّع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دفع وأدّى دين غيره بغير إذنه، ثمّ طالبه بما دفع، فلا حقّ له، وليس للمدفوع عنه أداء ما دفع, لأنّ الدّفع بغير إذن تبرّع، والمتبرّع لا يرجع. ومنها: من دفع نفقة زوجة غيره، بغير إذن ولا قضاء - فلا رجوع له. ومنها: من أدّى زكاة عن غيره بغير إذنه فلا رجوع عليه. ومنها: مَن ضحّى عن غيره بغير أمره، فلا رجوع عليه كذلك. ومنها: إذا دفع الوصي أو الأب المهر عن ابنه الصّغير، ولم يشهد، فلا رجوع له عليه (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه عن الدّر المختار جـ 2 ص 356 - 357. (¬2) حاشية ابن عابدين جـ 2 ص 358.

القاعدة الرابعة والثلاثون [الإعانة]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون [الإعانة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا رخصَة في الإعانة على قتل مسلم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وقعت الضّرورة يترتّب على وقوعها التّرخّص - أي الأخذ بالرّخصة - ولو بفعل المحرم، كأكل الميتة وشرب الخمر، والنّطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب. لكن مع ذلك قد توجد الضرّورة ولا يجوز التّرخّص في مسائل وذلك إذا كان المحظور أكبر من الضّرورة فلا رخصة في قتل مسلم معصوم ولو بالإكراه الملجئ. ولا بالإعانة على قتل مسلم معصوم الدّم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أكره بالقتل أو قطع عضو على قتل مسلم معصوم، فلا يجوز له قتله، وإن قتله كان آثماً؛ لأنّه اختار حظّ نفسه ومصلحتها الموهومة على حظّ أخيه المسلم ومصلحته. ومنها: إذا قال العدوّ لأسير مسلم دُلَّنا على مكان أسير مسلم آخر هارب - وهو يعلم مكانه - ويغلب على ظنّه أنّه لو دلّهم عليه لقتلوه، ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1505.

فلا يجوز له أن يدلّهم عليه. ومنها: إذا قيل لأسير مسلم: اشحذ لنا هذا السّيف لنقتل به هذا الأسير - لأسير آخر مسلم - فلا يجوز له شحذ السّيف؛ لأنّه من الإعانة على قتل أخيه.

القاعدة الخامسة والثلاثون [الأمر بالمعصية]

القاعدة الخامسة والثّلاثون [الأمر بالمعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا رخصة في التّصريح بالأمر بالمعصية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعصية محرّمة، ولا رخصة في ارتكابها، وبخاصّة القتل. وكذلك لا ترخّص في التّصريح بالأمر بالمعصية, لأنّه كارتكاب المعصية والإعانة عليها؛ (ولأنّ ما يحرم فعله يحرم طلبه). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسر العدو مسلماً وأوقدوا له ناراً، وقالوا له: ألق بنفسك فيها. فلا يجوز له ذلك؛ لأنّه يصير قاتلاً نفسه بالدّخول فيها، وليس للمسلم أن يقتل نفسه ولا أن يعين على قتل نفسه. ومنها: إذا قُدَّم الأسير المسلم ليضرب عنقه، فضربوه بسيف سوء، فقال لهم: خذوا سيفي هذا فاقتلوني به. لم يسعه ذلك، وهو آثم في مقالته؛ لأنّه كما لا يحلّ له أن يقتل نفسه بحال، لا يحلّ له أن يأمر بقتل نفسه. ومنها: إذا أراد العدو شقّ بطنه، فقال: لا تفعلوا، ولكن اضربوا عنقي، أو أطلقوا عليّ النّار. لم يسعه هذا؛ لأنّه تصريح ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1499 - 1501.

بالأمر بالمعصية. ومنها: إذا قال لمسؤول: خذ هذا المال ونفّذ لهذا الرّجل مطلبه - والمال رشوة - فلا يجوز ولا يحلّ له ذلك؛ لأنّ هذا أمر بمعصية.

القاعدة السادسة والثلاثون [الضرر والضرار]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [الضّرر والضّرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ضرر ولا ضرار في الإِسلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم، وهي إحدى القواعد الكليّة الكبرى، والحديث بهذا اللفظ من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط جـ 1 ص 41 من زوائد المعجمين، وينظر في تخريجه: نصب الرّاية جـ 4 ص 386 فما بعدها، والمعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ص 235 فما بعدها. وإرواء الغليل جـ 3 ص 411. وقال الشّيخ ناصر الدّين الألباني في ختام تخريجه له: فهذه طرق كثيرة لهذا الحديث قد جاوزت العشر، وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها فإنّ كثيراً منها لم يشتد ضعفها، فإذا ضمّ بعضها إلى بعض تقوّى الحديث بها وارتقى إلى درجة الصّحيح إن شاء الله تعالى جـ 3 ص 413. والضّرر: هو التّقدّم بالمساءة والإيذاء للغير. والضّرار: مقابلة الضّرر بالضّرر. ومفاد الحديث القاعدة: أنّه يحرم على المسلم أن يضرّ أخاه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 81. وينظر الوجيز ص 251 مع الشرح والبيان.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ابتداءً ولا جزاءً، فالضّرر محرّم بالنّصّ؛ لأنّ لا النّافية الاستغراقية تفيد المنع من كلّ أنواع الضّرر في الشّرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أحدث المالك في ملكه ما يضرّ جاره من هزّ أو دقّ أو رائحة كريهة ضارّة فإنّه يمنع من ذلك. ومنها: النّهي عن الضّرر في الوصيّة. ومنها: النّهي عن إمساك المرأة قصد الإضرار بها. ومنها: مَن شهر على المسلمين سيفاً فعليهم أن يقتلوه - إذا مسَّت الضّرورة، ولم يمكن دفعه بغير القتل.

القاعدة السابعة والثلاثون [ضمان الحافظ]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [ضمان الحافظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ضمان على المبالغ في الحفظ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالضّمان: الغرامة. المبالغ في الحفظ: الّذي عمل ما في وسعه لحفظ ما تحت يده. فالأمين الّذى عمل ما في وسعه لحفظ ما ائتمن عليه وما هو تحت يده من مال لغيره، فإنّه لا يغرم قيمة ما تلف بغير تعدّ منه أو تقصير، وينظر القاعدة رقم 605 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وكَّله في حفظ ماله فوضعه مع أمواله عناية به فتلف بآفة سماويّة أو سطا لصوص فسرقوا متاعه وأمواله ومن ضمنها مال الموُدِع، فلا ضمان على الوكيل ما دام قد عمل ما في وسعه. ومنها: رجل دفع بضاعة إلى آخر ليبيعها في بلدة أخرى بغير أجر، فحملها وباعها، وأخذ ثمنها، فجعله في برذعة حمار له - لخوف الطّريق، فنزل رباطاً مع القافلة فَسُرِق الحمار مع البرذعة والدّراهم، قالوا: لا ضمان عليه؛ لأنّه بالغ في الحفظ. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 58 عن الخانيّة فصل تصرّفات الوكيل من كتاب البيوع جـ 2 ص 290.

القاعدة الثامنة والثلاثون [الطاعة - المعصية]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون [الطّاعة - المعصية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا طاعة للسّلطان في المعصية، وإنّما الطّاعة في المعروف (¬1). وفي لفظ: لا طاعة في معصية الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: طاعة السّلطان وولي الأمر واجبة بالنّص وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬2) ولكن هذه الطّاعة ليست مطلقة في كلّ ما يأمر به السّلطان أو ولي الأمر، ويشمل ذلك الوالد والزّوج وكلّ مسؤول تحت يده من تجب عليه طاعته - بل إنّ هذه الطّاعة مقيّدة بالأمر والطّاعة بالمعروف. وأمّا في المعصية وما يخالف شرع الله فلا طاعة، لأنّه "لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق" (¬3). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 74. (¬2) الآية 59 من سورة النساء. (¬3) الحديث عن عمر رضي الله عنه رواه أحمد والحاكم.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أمر سلطان أو حاكم أحداً من مرؤوسيه بأمر فيه إثم كقتل بغير حقّ، أو أخذ مال بغير رضا صاحبه، فلا تجوز الطّاعة في ذلك، وإن أطاع فهو آثم وهو والسّلطان الآمر شريكان في الإثم والمعصية. ومنها: إذا أمر الأب ابنه بإتلاف مال لآخر أو سلبه - والابن بالغ عاقل - فلا يجوز لابنه طاعته في هذه الحال. ومنها: إذا أمر الزّوج زوجته بالسّفور أو مخالطة الرّجال، فلا يجوز لها أن تطيعه؛ لأنّ السّفور والاختلاط معصية. ومنها: إذا نهى حاكم علماني زنديق نساء المسلمين عن الحجاب، فلا طاعة له في ذلك، ويجب على المسلمين أن يقوموا عليه ويحاربوه - إن كان بهم قدرة وقوّة عليه - إلا أن تقوم فتنة أكبر يذبح فيها المسلمون.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الطاعة - المعصية]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون [الطّاعة - المعصية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة - كما سبق - نصّ حديث نبوي كريم (¬2) عن عمر رضوان الله عليه أخرجه أحمد والحاكم رحمهما الله. وقد ورد عن علي رضي الله عنه قوله: "لا طاعة في معصية الله إنّما الطّاعة في المعروف" (¬3). كما ورد الخبر بألفاظ عدّة مقاربة. ومفاد القاعدة: ما ذكر في القاعدة السّابقة من أنّه لا يجوز بل يحرم أن يطيع أحد أحداً في معصية الله سبحانه وتعالى. بل إنّما تكون الطّاعة في المعروف من المباح والمندوب والمستحبّ والواجب. وأمّا المعصية فلا يجوز الطّاعة فيها، ولو كان الأمر سلطاناً قاهراً أو أباً أو ¬

_ (¬1) شرح السير ص 166، 1503. (¬2) الحديث رواه أحمد جـ 1 ص 131، 409 وجـ 5 ص 66. وابن عبد البر في التّمهيد جـ 8 ص 58، والدّر المنثور جـ 1 ص 118 وجـ 2 ص 177 وغيرهم. (¬3) الحديث رواه البخاري جـ 9 ص 109، ومسلم كتاب الأمارة الباب 8 رقم 49، وفي الجهاد والبيعة كما أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهم. ينظر موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 7 ص 265.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أمّاً أو زوجاً، بل إنّ كلّ حقّ ساقط إذا جاء حقّ الله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما ذكر سابقاً في القاعدة رقم 38.

القاعدة الأربعون [التوهم]

القاعدة الأربعون [التّوهّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة بالتّوهّم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا عبرة: لا اعتبار ولا اعتداد. التّوهّم: التّخيّل والتّمثل في الذّهن. وهو الوهم أيضاً، ويقابله الظّنّ. فالتّوهّم لا يثبت به حكم شرعي، كما لا يجوز تأخير الشّيء الثّابت بصورة قطعيّة بوهم طارئ. فالوهم باطل لا يثبت معه حكم شرعي. كما لا يؤخّر لأجله حكم شرعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مات مدين عن تركة مستغرقة بالدّيون وطلب الغرماء من القاضي بيعها وتقسيم أثمانها بينهم، عليه أن يفعل - بعد أن يكون قد أعلن عن وفاة المدين وعن إرادة بيع تركته لسداد ديونه - فالقاضي بعد ذلك لا يجوز له أن يؤخّر بيع التّركة لاحتمال ظهور دائن آخر. وينظر القاعدة رقم 74. ¬

_ (¬1) مجلة الأحكام المادة 74، المدخل الفقهي الفقرة 582، الوجيز مع الشرح والبيان ص 208.

القاعدة الحادية والأربعون [الخط - الكتابة]

القاعدة الحادية والأربعون [الخطّ - الكتابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة بالخطّ عندنا - أي الحنفيّة - إلا في مسائل (¬1). وفي لفظ آت: لا يعتمد على الخطّ ولا يعمل به (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالخطّ: الكتابة. فما وجد مكتوباً فلا يعتدّ به، ولا يعمل بمضمونه؛ لاحتمال التّزوير، والخطّ يشبه الخطّ. هذا عند أبي حنيفة رحمه الله. وأمّا عند تلاميذ أبي حنيفة والأئمة الآخرين، فإنّ الخطّ والكتابة تعتبر حجّة ويعمل به إذا كان الكتاب قد كتب بالطّريقة المتعارف عليها. وقد سبق في قواعد حرف الكاف - أنّ الكتاب كالخطاب. وسيأتي مزيد بيان مع الأمثلة تحت القاعدة الآتية رقم 140. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 17 عن أوقاف الخصاف. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 217، شرح الخاتمة ص 69.

القاعدة الثانية والأربعون [خطأ الظن]

القاعدة الثّانية والأربعون [خطأ الظّن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة بالظّنّ البيِّن خطؤه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا بني فعل من حكم أو استحقاق على ظنّ ثمّ تبيّن خطأ ذلك الظّنّ فيجب عدم اعتبار ذلك الفعل وإلغاؤه. وينظر من قواعد حرف الظاء القاعدة رقم 7. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المجتهد في المسائل الظّنّيّة إذا عرض له استنباط أو دليل آخر أقوى، فيجب عليه الرّجوع عن قوله الأوّل الّذي ظهر خطؤه، إلى ذلك القول الآخر. ومنها: إذا ظنّ الماء نجساً ثمّ توضّأ منه. ثمّ تبيّن أنّه طاهر. جاز وضوءه إذا لم يصلّ به، وأما إذا صلّى فيعيد الصّلاة الّتي صلاّها قبل تبيّن طهارة الماء. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 310، وقواعد الحصني جـ 2 ص 353، قواعد الأحكام جـ 1 ص 54، 57، أشباه السيوطي ص 157 أشباه ابن نجيم ص 161، شرح الخاتمة ص 64، المجلة المادة 72، المدخل الفقهي الفقرة 584، الوجيز مع الشرح والبيان والتمثيل ص 210.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا ظنّ المدفوعَ إليه زكاته غير مصرف للزّكاة، ومع ذلك دفع له. ثمّ تبيّن أنّه مصرف أجزأه اتّفاقاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا صلّى في ثوب ظنّه نجساً ثمّ ظهر أنّه طاهر. أعاد الصّلاة. لأنّه صلّى مع الشّكّ في الطّهارة. ومنها: إذا صلّى الفرض وعنده أنّ الوقت لم يدخل بعد، فظهر أنّه كان قد دخل، لم تجزئه صلاته ووجب عليه إعادتها. ومنها: إذا رأى المتيمّم قافلة فظنّ أنّ معهم ماءً، توجّه عليه الطّلب، وبطل تيمّمه، ولو لم يجد عندهم ماءً، فيجب عليه إعادة التّيمّم. فالظّنّ الخاطئ في هذه الأمثلة وأشباهها بني عليه حكم.

القاعدة الثالثة والأربعون [الظنيات - الاعتقادات]

القاعدة الثّالثة والأربعون [الظّنّيّات - الاعتقادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة بالظّنّيّات في باب الاعتقادات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها وأمثلتها: الظّنّيّات: المراد بها الأدلّة الظّنّيّة، مثل أخبار الآحاد. والاعتقادات: الأمور المتعلّقة بالعقيدة. من أدلّة هذه القاعدة: قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (¬2). وقوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)} (¬3). فالاعتقادات الأصل فيها الحقّ اليقينيّ على وجه يكون مخالفه باطلاً. وهذا في الأصول والأمهات، وفيما هو من الضّرورات الدّينيّة من اللواحق والفروع. وأمّا في البعض الآخر فيكفي فيه الظّنّ، وإلا يلزم إكفار كلّ فرقة فرقة أخرى. على أنّه لا نزاع في كفاية الظّنّ في بعض الاعتقادات كمسألة رؤية الله سبحانه وتعالى، وصفات الله سبحانه ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 65. (¬2) الآية 36 من سورة يونس، والآية 28 من سورة النّجم. (¬3) الآية 32 من سورة الجاثية.

وتعالى، وعذاب القبر، وصفة التّكوين، وتفضيل بعض الأنبياء عليهم السّلام على بعض، والملائكة، وأمثال هذه المسائل. وإنّما الكلام في إثبات الوحدانيّة والقيامة والنّبوّة ونظائرها. والظّاهر اعتبار الجزم فيها.

القاعدة الرابعة والأربعون [العرف الطارئ]

القاعدة الرّابعة والأربعون [العرف الطارئ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة بالعرف الطارئ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعرف الطارئ: العرف الحادث الجديد. الأصل أنّ العرف المعتبر في الأحكام هو العرف السّابق لوقوع الحادثة والمقترن بها فهذا العرف يصلح مخصّصاً للعموم ومقيّداً للإطلاق. ولكن العرف الجديد لا يصلح لذلك ولا يحتجّ به. وقد سبق بيان ما يتعلّق بهذه القاعدة وأمثالها ضمن قواعد حرف العين تحت الرّقم 39، حيث وردت القاعدة بلفظ: "العرف الّذي تحمل عليه الألفاظ إنّما هو المقارن السّابق لا اللاحق". ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 96، وأشباه ابن نجيم ص 101، الوجيز ص 297.

القاعدة الخامسة والأربعون [الموقتون]

القاعدة الخامسة والأربعون [الموقّتون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة بقول الموقّتين (¬1). ولو عدولاً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالموقّتين هنا: هم أهل الحساب والتّوقيت، الّذين يحسبون دخول الشّهر وخروجه تبعاً للمنازل أو النّجوم. فلا حجّة في قول أهل الحساب في اعتبار ابتداء الشّهر أو انتهائه، إنّما العبرة بالرّؤية نصّاً. والدّليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّا أمّة أميَّة لا نكتُب ولا نحسُب الشّهر هكذا وهكذا، يعني مرّة تسعة وعشرين ومرّة ثلاثين" (¬2). وقوله صلّى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا" (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت رؤية هلال الشّهر - رمضان أو غيره - في أي بلد ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 108 عن الدّرّ المختار وشرحه رد المحتار، حاشية ابن عابدين جـ 2 ص 92. (¬2) البخاري كتاب الصوم الباب 13. (¬3) نفس المصدر باب 11.

وجب على جميع البلدان الاتّباع. قال في الدّر المختار: واختلاف المطالع غير معتبر - في ظاهر المذهب الحنفي - وعليه أكثر المشايخ وعليه الفتوى، فيُلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب، وهو المعتمد عند المالكيّة والحنابلة؛ لتعلّق الخطاب عامّاً بمطلق الرّؤية في حديث "صوموا لرؤيته" (¬1). ¬

_ (¬1) ردّ المحتار جـ 2 ص 96.

القواعد السادسة والسابعة والثامنة والأربعون [اختلاف الأسباب، اتحاد الحكم، سلامة المقصود وانتفاؤه]

القواعد السّادسة والسّابعة والثّامنة والأربعون [اختلاف الأسباب، اتّحاد الحكم، سلامة المقصود وانتفاؤه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا عبرة لاختلاف السّبب مع اتّحاد الحكم (¬1). وفي لفظ: لا يبالى باختلاف الأسباب غير سلامة المقصود (¬2). وفي لفظ مقابل: لا يبالى بالأسباب عند انتفاء المقصود (1). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولاتها: الأصل أنّ الأسباب مطلوبة لأحكامها المترتّبة عليها لا لأعيانها كما سبق في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 192 - 194. وعلى ذلك لا حجّة ولا اعتداد باختلاف السّبب إذا كان الحكم متّحداً، وهذا مدلول القاعدة الأولى. والقاعدة الثانية مفادها: أنّ اختلاف الأسباب لا يضرّ ولا يهتمّ به في إصدار الحكم إذا ظهر سلامة المقصود؛ لأنّ عند حصول المقصود لا بأس بانتفاء الوسيلة. والقاعدة الثّالثة مفادها: أنّ الأسباب لا يبالى بها إذا كان المقصود منتفياً. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 62. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 79 ب. وشرح الخاتمة ص 62.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

فمفاد القواعد الثّلاث: أنّه إذا كانت الأسباب غير مقصودة لأعيانها وكانت وسيلة للأحكام المترتّبة عليها، فلا يضرّ اختلاف هذه الأسباب إذا كان: 1 - الحكم متّحداً أي واحداً غير مختلف عليه. 2 - وإذا كان المقصود سليماً. 3 - أو إذا كان المقصود منتفياً. ففي هذه الأحوال الثّلاثة لا يبالى باختلاف الأسباب. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: قال شخص لآخر: لك عليّ ألف درهم من ثمن هذه الدّابّة الّتي اشتريتها منك، فقال الآخر الدّابّة دابّتك ولي عليك ألف درهم قرضاً. لزمه المال لحصول المقصود وإن كذب في السّبب, لأنّه أقرّ بالمال وطالبه الثّاني به. ومنها: شهد شاهد أنّ للمدّعِي على المدَعَى عليه ألف درهم اغتصبها، وشهد الآخر أنّ له عليه ألف درهم اقترضها. فالشّهادة مقبولة وإن اختلف السّبب؛ لأنّ كلاً منهما شهد بألف درهم في ذمّة المدّعَى عليه. ومنها: أميَّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ليست نقيصة وليست عيباً فيه عليه الصّلاة والسّلام؛ إذ المطلوب من الكتابة والقراءة المعرفة وإنّما هي آلة لها وواسطة موصلة إليها غير مرادة في نفسها، فإذا حصلت الثّمرة والمطلوب استغني عن الواسطة والسّبب. ومنها: الحائض إذا توضّأت لا عبرة بوضوئها لأنّ الصّلاة منتفية عنها بالحيض.

القاعدة التاسعة والأربعون [الدلالة - التصريح]

القاعدة التّاسعة والأربعون [الدّلالة - التّصريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا عبرة للدّلالة في مقابلة التّصريح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال في قواعد حرف الهمزة القاعدة 638، وقواعد حرف الصّاد رقم 12. ومفادها: أنّ الدّلالة يسقط اعتبارها إذا وجد التّصريح بخلافها؛ لأنّ الدّلالة أضعف من الصّريح. وينظر القاعدة رقم 512 من قواعد حرف الهمزة، ومن قواعد حرف الصّاد القاعدة 12 والقاعدة 24 من قواعد حرف الدّال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد الشّهود بأنّ شراء الخارج كان قبل شراء ذي اليد كان الخارج أولى بالمتنازع فيه؛ لأنّ البيِّنة صريح واليد دلالة. هذا إذا لم يثبت ذو اليد شراءً بتاريخ أسبق. ومنها: إذا فتح له باب داره أو سيّارته، فيكون ذلك إذناً بالدّخول دلالة، لكن إذا فتح الباب وقال: لا تدخل، فيسقط اعتبار الدّلالة، ولا يحقّ له الدّخول. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 64. المجلة المادة 13، المدخل الفقهي الفقرة 580، وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 201.

القاعدتان الخمسون والحادية والخمسون [دلالة النص, اقتضاء النص]

القاعدتان الخمسون والحادية والخمسون [دلالة النّصّ, اقتضاء النّصّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا عموم لدلالة النّصّ ولا لاقتضاء النّصّ (¬1). وفي لفظ: لا عموم للمقتضي، فلا تصحّ فيه نِيَّة التّخصيص (¬2). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: النّصّ: هو عبارة عن صيغة اللفظ الّتي ورد بها القرآن الكريم أو الحديث الشّريف. ومن حيث المعنى: النّصّ هو الظاهر بنفسه. ودلالة النّصّ: ما ثبت بمعنى النّصّ لغة لا اجتهاداً، وهي دلالة اللفظ على حكم منطوق لمسكوت يفهم مناطه بمجرّد فهم اللغة. كدلالة قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (¬3) على تحريم الضّرب بطريق الأَوْلى. واقتضاء النّصّ: هو ما يوجبه النّصّ حكماً، وهو دلالة على مسكوت يتوقّف صدق المنطوق عليه. مثاله "رفع عن أمّتي الخطأ ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 108 عن المنار. ينظر فتح الغفار جـ 2 ص 47. (¬2) المبسوط جـ 8 ص 177. (¬3) الآية 23 من سورة الإسراء.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

والنّسيان" (¬1) أي حكمهما لا عينهما. أو يتوقّف عليه صحّته شرعاً. مثاله: قال: اعتق عني عبدك بألف (¬2). أو عقلاً: مثاله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬3) أي أهلها (¬4). فمفاد القاعدتين: أنّ دلالة النّصّ واقتضائه لا يحتملان التّخصيص؛ لأنّ التّخصيص إنّما يرد على العموم والعموم من أوصاف اللفظ ولا لفظ في الدّلالة، والمقتضى معنى لا لفظ فيه، فلذلك لا يجوز تخصيصه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من أمثلة دلالة النّصّ: سؤر الهرة الأهلية طاهر بالنَّص لعلة الطّواف. وأمّا الهرّة الوحشيّة فسؤرها نجس بدلالة النّص لعدم الطّواف. ¬

_ (¬1) الحديث ورد بألفاظ مختلفة، ولفظ الكتاب أخرجه السيوطي في الجامع وابن حجر في بلوغ المرام ص 126 بلفظ "إن الله وضع عن أمتي". وقد صحّحه الألباني بهذا اللفظ في صحيح الجامع. وقال عن لفظ الكتاب: منكر. ينظر إرواء الغليل جـ 1 ص 123. (¬2) فتح الغفار جـ 2 ص 47. (¬3) الآية 82 من سورة يوسف. (¬4) قواعد الحصني جـ 3 ص 191 - 192.

ومن أمثلة اقتضاء النّصّ: قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬1) يقتضي لتصحيحه شرعاً الملك للرّقبة، وكأنّه قال: فتحرير رقبة مملوكة للمحرّر. لأنّ تحرير رقبة مملوكة للغير غير متصوّر، وتحرير الحرّ كذلك. ومنها: إذا حلف وقال لا آكل، ونوى طعاماً دون طعام، فعند الحنفيّة. لا يدَّيَّن في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى. فهو حانث بأكل أي طعام. ولا يجوز تخصيصه بطعام دون طعام ولو نواه، وأمّا عند الإمام الشّافعي رحمه الله. فكأنّه قال: لا آكل طعاماً؛ ولأنّ الأكل يقتضي مأكولاً. فلا يحنث إذا أكل غير ما نواه. لأنّ عنده أنّ المقتضى له عموم فيجوز تخصيصه بالنّيَّة. ¬

_ (¬1) الآية 3 من سورة المجادلة.

القاعدة الثانية والخمسون [ضمان الإتلاف]

القاعدة الثّانية والخمسون [ضمان الإتلاف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا فرق في الإتلاف الموجب للضّمان بين العلم والجهل (¬1). وفي لفظ: لا فرق في ضمان المتلَف في العلم والجهل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإتلاف والإفساد لما يملكه الآخرون موجب لضمان المتلَف على المتلِف شرعاً، ولا فرق في إيجاب الضّمان والغرامة على المتلِف بين أن يقوم على الإتلاف عالماً عامداً، وبين أن يكون جاهلاً مخطِئاً غير متعمّد. لكن الفرق في استحقاق الإثم، فالعالم العامد المتلف لمال غيره آثم ضامن وقد يضاعف عليه الغرم. والجاهل غير المتعمّد ضامن غير آثم، ولا يضاعف عليه الغرم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن قتل دابّة غيره، أو أحرق زرعه، أو مزّق ثوبه - متعمّداً ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 45. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 277.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

قاصداً للإتلاف، فهو ضامن آثم. ومنها: مَن رمى طائراً فأصاب دابّة لغيره، فهو ضامن للدّابّة، لكنّه غير آثم لأنّه لم يتعمّد. ومنها: إذا اشترى المضارب من مال المضاربة مَن يعتق على ربّ المال، كأبيه وأمّه - انفسخ عقد المضاربة ووجب الضّمان على المضارب متعمّداً كان أو جاهلاً. ومنها: إذا كان نائماً ومال على طفل بجواره فقتله، أو مال فأتلفه. فعليه ديّة الصّغير والكفّارة كما عليه ضمان المال المُتْلَف. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا كان في دار الحرب فرأى رجلاً ظنّه من الكافرين فأطلق عليه النّار فقتله، ثمّ تبيّن أنّه مسلم. فالأصحّ أنّه لا تجب الدّيّة.

القاعدة الثالثة والخمسون [الدلالة - النص]

القاعدة الثّالثة والخمسون [الدّلالة - النّصّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا قوام للدّلالة مع النّصّ (¬1). وفي لفظ سبق "لا عبرة للدّلالة مع التّصريح" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قِوام الشّيء - بالكسر - نِظامه وعماده وملاكه الّذي يقوم به (¬3). الدّلالة: غير النّطق. النّصّ: المراد به هنا المنطوق. فلا اعتبار للدّلالة مع وجود النّصّ المخالف لها. أي أنّه لا يحتجّ بالدّلالة على أمر أو حكم إذا ورد نصّ منطوق به مخالف لها، وذلك قبل العمل بالدّلالة وبناء الحكم عليها. وينظر القاعدة رقم 48. والقاعدة رقم 12 من قواعد حرف الصّاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأمين له السّفر بالوديعة إذا خشي عليها حين غيابه دلالة، لكن إذا نهاه المودِع عن السّفر بها صراحة فليس له السّفر بها. وإذا سافر ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2181، 2184 وعنه قواعد الفقه ص 108. (¬2) جامع الفصولين الفصل 34، شرح الخاتمة ص 64، مجلة الأحكام المادة 13. (¬3) الكليّات ص 728.

بها وضاعت فهو ضامن. ومنها: إذا قبض الأب مهر ابنته البكر البالغة من الزّوج فعلمت وسكتت، كان سكوتها إذناً بقبض الأب دلالة، ويبرأ الزّوج. لكن لو صرّحت البنت بالنّهي لا يجوز قبض الأب عليها ولا يبرأ الزّوج.

القاعدة الرابعة والخمسون [ما استحل بتأويل القرآن]

القاعدة الرّابعة والخمسون [ما استحلّ بتأويل القرآن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا قَوَد في دم استحلّ بتأويل القرآن، ولا حدَّ في فَرْج استحلّ بتأويل القرآن، ولا ضمان في مال استحلّ بتأويل القرآن. كلّ ذلك بشرط المنَعَة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تمثَّل أساساً لمعاملة المحاربين من المسلمين، والخارجين على الإمام إذا كانوا متأوّلين ولهم مَنَعة. وترتّب على خروجهم قتل أو وطء أو امتلاك مال. فمفاد القاعدة: ثلاثة أمور بشرطين: الأمر الأوّل: أنّه لا قصاص في القتلى. والأمر الثّاني: أنّه لا حَدَّ في الوطء. الأمر الثّالث: أنّه لا ضمان في الأموال. والشّرطان: الأوّل، أن يكون خروجهم وقتلهم ووطؤهم وأخذهم الأموال بسبب تأويلهم لكتاب الله. والشّرط الثّاني: أن يكون لهم مَنَعة أي قوّة وجماعة كبيرة. والأصل في هذا كلّه فعل الإمام علي رضي الله عنه في معاملته مَنْ قاتله من أتباع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أو في معاملته لمن قاتله من ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1849، وينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 511، فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الخوارج. أمّا إذا كان الخروج بغير تأويل للقرآن كقطّاع الطّرق والمفسدين في الأرض، ولم يكن لهم مَنَعة - أي قوّة. فلا بدّ من قتلهم إذا قتلوا، وحدِّهم إذا وطئوا حراماً، وغرامتهم إذا سلبوا الأموال أو أتلفوها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزيّا بعض المجرمين بزيّ الجنود أو الشّرطة وقطعوا طريق المسافرين فقتلوا بعض النّاس وانتهكوا الحرمات واعتدوا على النّساء وسلبوا الأموال. ثمّ قبض عليهم. فهؤلاء يجب قتلهم قصاصاً لمن قتلوه من المسافرين، ويجب حدُّهم حدّ الزّنا لانتهاكم الحرمات، كما يجب تغريمهم الأموال التي سلبوها من النّاس؛ ودْلك لأنّهم غير متأولين للقرآن ولم يكن لهم منعة.

القاعدة الخامسة والخمسون [قول المملوك]

القاعدة الخامسة والخمسون [قول المملوك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا قول للمملوك في نقله من ملك إلى ملك في الرّضا والسّخط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المملوك: هو الرّقيق ذكراً كان أو أنثى. والشّرط في المملوكيّة أن تكون نتيجة حرب وقتال مع الكفّار لإعلاء كلمة الله، أو لمن تولّد منهم؛ وذلك لأنّ الاسترقاق ليس له سوى طريق واحد رئيس وهو الأخذ بسبب الحرب لإعلاء كلمة الله، حينما يدعى المشركون للإسلام فلم يجيبوا، أو الجزية فلم يطيعوا، ويأبون إلا القتال، فقاتلهم المسلمون، واحتلوا ديارهم، فما أخذه المسلمون منهم من رجال ونساء وأطفال فهم أرقّاء مملوكون، حتى ولو أسلموا بعد ذلك؛ لأنّ الإسلام يمنع الرّقّ ابتداءً ولا يمنعه بقاءً، فالإِسلام لا يزيل الرّقّ بعد وجوده، وإنّما يمنعه قبل حدوثه. ولهذه الطّريق نتائج يصحّ الرّقّ بها، وهو أن يتزوّج العبد أمة فتلد فولدهما رقيق تبع لهما، أو تزوّج الأمة من حرّ، فولدها رقيق تبعاً لها. وليس هناك طريق آخر للاسترقاق. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1672.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنّ الرّقيق المملوك يصبح بِرِقَّه مالاً، لا ملك له على نفسه ولا على غيره بطريق الأولى، فهو يُمْلَك ولا يَمْلك - ويصبح لا رأي له في نفسه كالدّابّة. فلمالكه أن يبيعه ويهبه أو يؤجّره أو يحررّه، وليس للرّقيق الاعتراض، ولا الاختيار فيما يفعله فيه مالكه من التّصرفات الشّرعيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عبد رقيق عند رجل موسر باعه من رجل فقير، أو وهبه له، أو كانت جارية، فليس للعبد ولا للجارية الاعتراض. ومنها: أَمَة رقيقة وهبها سيّدها شخص آخر فقبلها، فليس لها الاعتراض على ذلك سواء رضيت أم سخطت.

القاعدة السادسة والخمسون [قياس العبادات]

القاعدة السّادسة والخمسون [قياس العبادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا قياس في العبادات غير معقولة المعنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القياس: عند الأصوليّين - وكما سبق - (هو إلحاق فرع بأصل في حكم لعلّة جامعة بينهما). أو هو: (حمل فرع على أصل في حكم لجامع بينهما). فالمقيس عليه هو الأصل، والمقيس هو الفرع، والجامع هو العلّة، أو الوصف المناسب. والحكم هو قضاء الله بكون الشّيء واجباً أو حراماً أو مندوباً أو مكروهاً أو مباحاً. والعبادات الّتي هي غير معقولة المعنى: هي تلك العبادات الّتي لا يمكن تعليلها بعلّة موجبة لحكمها بإيجاب الله تعالى. أو هي تلك العبادات الّتي يعجز البشر عن إدراك علّة مشروعيّتها. فمفاد القاعدة: أنّ العبادات الّتي لا تدرك علَّتها ولا يمكن تعليل حكمها - وهي العبادات التي قصد بها الخضوع لله سبحانه وتعالى واتّباع أمره، ولا يدرك العقل البشري علّة أو سبباً لها. فهذه العبادات لا يجوز القياس عليها؛ لأنّ مبنى القياس على إدراك العلّة في الأصل، فما لم تدرك علّة الأصل لا يصحّ القياس. ¬

_ (¬1) الإشراف جـ 1 ص 42، 59، 45، وعنه قواعد الفقه للروكي ص 164.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلوات المفروضات غير معقولة المعنى، ولذلك لا يمكن أن يقاس عليها، فيستنبط المكلّف صلوات أخرى تشبهها قياساً عليها لتكون واجبة مثلها. ومنها: صوم شهر رمضان غير معقول المعنى من حيث خصوص هذا الشّهر، فلا يجوز أن يقيس أحدهم شهراً آخر فيوجب الصّيام فيه على نفسه. ومنها: الوقوف بعرفة دون غيرها من الأماكن غير معقول المعنى، فلا يمكن أن يقاس عليه مكان آخر يصحّ فيه الوقوف.

القاعدة السابعة والخمسون [قيمة العمل]

القاعدة السّابعة والخمسون [قيمة العمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا قيمة للعمل إلا بتسمية العوض وتسليم تامّ إلى مَن يكون له العمل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تعبّر عن أُسُس صحّة العمل وترتّب ثمرته عليه، فتفيد أنّ العمل لا يكون صحيحاً وله قيمة واعتبار إلا بشروط: 1 - بيان العمل المطلوب وتحديده. 2 - ذكر العوض أو الأجر على العمل وتسميته. 3 - تسليم موقع العمل أو ما يراد بالعمل إلى من يكون عاملاً، وهو الأجير أو العامل. وبدون هذه الشّروط لا يصحّ العمل ويعتبر العقد عليه باطلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أراد أن يبني بيتاً فاتّفق مع البنّاء على نوع البناء وصفته وتخطيطه، ومقدار الأجرة وشروط دفعها، وتحديد مدّة العمل، وسلَّم له الموقع، فالعقد صحيح، وعلى كلٍّ منهما الوفاء بشروط العقد. لكن لو لم يتّفقا على الأجرة، أو على تحديد المدّة، أو لم يسلّم صاحب العمل الموقع إلى البنّاء فالعقد باطل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 109.

ومنها: إذا كان النّخيل بين رجلين، أو الشّركة بين اثنين، فدفعه أحدهما إلى صاحبه سَنَته، على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقّحه، أو على الشّركة فيديرها ويشرف عليها، فما خرج من الثّمرة أو الرّبح فهو بينهما للعامل ثلثاه، وللآخر ثلثه، فهذه الصّورة يقول عنها السّرخسي: إنّها معاملة فاسدة؛ لأنّ الّذي شرط االثّلث لنفسه استأجر صاحبه للعمل في نصيبه بثلث الخارج من نصيبه، وإنّما هو يعمل فيما هو شريك فيه لنفسه، واستئجار أحد الشّريكين لصاحبه للعمل فيما هو فيه شريك باطل. ويقول السّرخسي: ويصحّح المعاملة أن يكون الخارج بينهما نصفين. وسبب الفساد في نظره ورأيه: أنّه لا قيمة للعمل إلا بتسمية العوض وتسليم تامّ إلى من يكون له العمل والشّركة تمنع من ذلك. وهذا الرّأي خالفه الكاساني في بدائع الصّنائع (¬1) وغيره من فقهاء المذاهب (¬2)، وأجازوا مثل هذه المعاملة، وهو الحقّ إن شاء الله تعالى؛ لأنّ زيادة النّصيب مقابل عمل الشّريك في المال المشترك؛ ولأنّ استحقاق أصل الأجر بأصل ضمان العمل لا بالعمل (2). ¬

_ (¬1) بدائع الصّنائع جـ 6 ص 76. (¬2) وينظر المقنع جـ 2 ص 163 هامش 3.

القاعدة الثامنة والخمسون [الرخص]

القاعدة الثّامنة والخمسون [الرُّخص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا مدخل للرّأي في إثبات الرُّخَص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّخص: جمع رخصة، والرّخصة في اللغة: من الرّخص وهو: الّلين والتّوسعة، والسّهولة (¬2). ومعنى الرّخصة في الاصطلاح الفقهي: هي الأحكام الّتي تثبت مشروعيّتها بناء على الأعذار مع قيام الدّليل المحرّم توسّعاً في الضيّق (¬3). واختلف في حكمة مشروعيّة الرّخص: هل شرِعت تَرفّهاً وتوسعة على أصحاب الأعذار، أو شرعت ترفّهاً فقط. فلا يناط بالمعصية؟ خلاف. وهل يقاس على الرّخص أو لا يقاس؟ خلاف بين الفقهاء في ذلك. فمفاد القاعدة: أنّ الرّخص إنّما شرعت تعبّداً من الشّارع وتيسيراً على العباد، فلا مجال للرّأي بالاجتهاد فيها، ولا يُتَعدّى بها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 49. (¬2) المصباح مادة (رخص). (¬3) شرح المجلة لعلي حيدر جـ 1 ص 31.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

مواضعها، ولا يقاس عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلّوا في الحرب أو الخوف ركباناً جماعة إمامهم أمامهم، فقد أجاز ذلك محمَّد بن الحسن رحمه الله تعالى؛ لينالوا فضيلة الجماعة. ولكن السّرخسي لم يجز ذلك؛ لأنّه لما جاز للمصلّين صلاة الخوف الذّهاب والمجيء في أثناء الصّلاة؛ إنّما جاز ذلك رخصة ثابتة بالنّصّ، ولا يقاس عليها؛ لأنّه لا مدخل للرّأي في الرّخص. ولكن الإمام محمَّد بن الحسن أجاز ذلك قياساً على جواز ذهابهم ومجيئهم وتحرّكهم. فأجاز صلاتهم ركباناً جماعة. ومنها: إذا شرعت الرّخصة بالتّيمّم عند فقد الماء، أو عدم القدرة على استعماله - مع وجوده - لخوف على حياة أو لمرض أو لبرد أوغيره، فلا يجوز التّيمّم مع وجود الماء البارد مع القدرة على تسخينه.

القاعدة التاسعة والخمسون [الكفارة]

القاعدة التّاسعة والخمسون [الكفّارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا مدخل للقياس في الكفّارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكفّارة: فعَّالة من التّكفير. والمادة (كَفَر). بمعنى غطّى. فالكفّارة مُغَطِّية للذّنب وساترة له. والكفّارات أحكام شرعيّة شرعت لمحو الخطايا وغفران الذّنوب في عدد من المعاصي والأخطاء الّتي يقع فيها المكلّف. ككفّارة القتل الخطأ، واليمين بعد الحنث. فمفاد القاعدة: أنّ الكفّارات أمور تعبّديّة غير معقولة المعنى، ولذلك لا مدخل للاجتهاد فيها والقياس عليها. كالرّخص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرعت كفّارة للقتل الخطأ بالنّصّ، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 73. (¬2) الآية 92 من سورة النساء.

فلا يقاس عليه القتل العمد، عند الحنفيّة ومالك رحمه الله والرّواية الرّاجحة عند أحمد رحمهم الله. خلفاً للشّافعي والرّواية المرجوحة عند أحمد. ومنها: شرعت الكفّارة بعد الحنث لليمين المنعقدة على أمر مستقبل. فلا تشرع لليمين الغموس. كذلك عند عامّة العلماء عدا الشّافعي رحمه الله (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر الأم جـ 7 ص 56، واختلاف العلماء للمروزي ص 211 فما بعدها.

القاعدة الستون [الحدود]

القاعدة السّتّون [الحدود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا مدخل للقياس في مقادير الحدود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بالقاعدتين السّابقتين. فمفادها: أنّ الحدود وهي العقوبات الّتي قدّرها الشّرع على جرائم محدودة، وهي القتل العمد، والزّنا، والسّرقة، والسّكر، والقذف، والحرابة بشروطها. فهذه الحدود غير معقولة المعنى، ولذلك لا يقاس عليها غيرها من الجرائم التي لم يرد في تحديد عقوبتها نصّ، وإن كانت في الظّاهر - أشدّ ممّا شرعت لها الحدود. كجريمة الّلواطة وجريمة النبش. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السّارق يجب قطع يده من الكوع - وهو مفصل الكف - حدّاً. وللسَّرقة الموجبة للحدّ شروط معروفة مفصّلة في كتب الفقه - فهل يقاس على السّارق النباش الّذي ينبش القبور ليسرق أكفان الموتى؟ خلاف. بنصّ القاعدة لا يقاس. ومنها عند الحنفيّة: قبول شهادة السّارق الّذي قطعت يده وقد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 132.

تاب. فلا يقاس عليها عندهم القاذف التّائب حيث لا تقبل شهادته، ولو تاب؛ لأنّه لا مدخل للقياس في مقادير الحدود، ورفض شهادة القاذف من تمام الحدّ، فلا تقاس عليها شهادة السّارق الأقطع التّائب.

القاعدة الحادية والستون [الاجتهاد - النص]

القاعدة الحادية والسّتّون [الاجتهاد - النّصّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا مساغ للاجتهاد في مورد النّصّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مساغ: مفعل من ساغ يسوغ بمعنى: سهل. فلا مساغ: أي لا منفذ ولا طريق ولا دليل يجيز. الاجتهاد: بذل الجهد العلمي، واستفراغ الوسع في استنباط الأحكام من أدلّتها. النّصّ: لغة: الرّفع والإظهار. واصطلاحاً: هو خطاب الشّارع. وهو آيات الكتاب العزيز والأحاديث النّبويّة الصّحيحة الثّابتة، والإجماع الثّابت بالنّقل الصّحيح. فمفاد القاعدة: أنّه لا يجوز الاجتهاد باستعمال الرّأي والقياس لإيجاد حكم لمسألة ما قد ورد فيها نصّ شرعي من كتاب أو سنّة أو إجماع صحيح. والاجتهاد الممنوع هنا في مورد النّصّ ما كان مصادماً للنّصّ الثّابت الواضح المعنى الّذي ورد فيه، وهو ما لا يقبل التّأويل ولا ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 73، مجلة الأحكام المادة 14، المدخل الفقهي الفقرة 623، قواعد الفقه ص 108 عن المجلة، الوجيز مع الشّرح والبيان ص 381.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يحتمله. بخلاف الاجتهاد في فهم النّصّ فذلك مطلوب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قضى حاكم بقسمة الميراث على وجه التّسوية بين الذّكر والأنثى وقال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬1). فهذا اجتهاد باطل وحكم جائر وقضاء ظالم يجب رفضه وردّه؛ لأنّه مخالف للنّصّ وهو قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (1). والحاكم بذلك المتعمّد زنديق كافر. ومنها: إذا أوجب حاكم موافقة الزّوجة على الرّجعة لزوجها في عدّة الطّلاق الرّجعي، فهذا حكم مرفوض؛ لأنّه معارض ومخالف لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (¬2). ¬

_ (¬1) الآية 11 من سورة النساء. (¬2) الآية 228 من سورة البقرة.

القاعدتان الثانية والثالثة والستون [الفرض، المباح، المستحب]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والسّتّون [الفرض، المباح، المستحبّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: 1 - لا معارضة بين المباح والفرض (¬1). 2 - لا يجوز ترك الواجب للاستحباب (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المباح: هو الحلال مستوي الطّرفين، أي ما جاز للمكلّف أن يفعله أو أن لا يفعله، كما أنّه لا ثواب على الفعل أو على التّرك. ولا عقاب على الفعل أو على التّرك. إلا إذا صاحب ذلك النّيَّة. والمستحبّ: هو ما كان فعله خيراً من تركه، أو هو ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه. والفرض والواجب: هو ما طلبه الشّارع طلباً حتماً جازماً، ورتّب الثّواب على فعله، والعقاب على تركه. فالفرض أقوى من المستحبّ والمباح، ولمّا كان لا معارضة بين القوي والضّعيف؛ لأنّ (الضّعيف لا يظهر في مقابلة القوي) - كما تقدّم بيانه؛ فإنّه لا معارضة بين الفرض والمباح لعدم التّساوى؛ لأنّ شرط وجود المعارضة التّساوي، ولم يوجد، فإذا وجد مباح وفرض ¬

_ (¬1) شرح السير ص 414. (¬2) نفس المصدر ص 1657 وعنه قواعد الفقه ص 109.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

وجب العمل بالفرض وترك المباح لترجّح جانب الفرض بالطّلب الجازم. وكذلك لا معارضة بين الفرض والمستحبّ؛ لأنّ الفرض أقوى، ولذلك لا يجوز ترك واجب لإدراك مستحبّ أو مندوب؛ لأنّ ترك الواجب - أي الفرض - يترتّب عليه إثم، وفعل المستحبّ - وإن كان يترتّب على فعله أجر - لكن لا إثم في تركه بخلاف الواجب. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا استولى المسلمون على حصن، وأخذوا مَن فيه أسرى، وأرادوا قتل الرّجال المحاربين منهم، وكان بينهم ذمّيّ أسير، أو دخل الحصن أو المدينة لتجارة أو عمل، ولا يعرف من بينهم، فإنّه لا ينبغي للإمام أن يقتل أحداً منهم؛ لأنّ قتل الأسير مباح، والتّحرّز عن قتل الذّمّيّ واجب، ولا معارضة بين الفرض والمباح. ومنها: إذا أسلم قبل الفتح بعض أهل الحصن، ولم يخرجوا حتّى ظهر عليهم المسلمون واستولوا على الحصن، فادّعى كلّ واحد منهم أنّه هو الّذي أسلم. كانوا جميعاً فيئاً إلا مَن عُرِف بعينه أنّه أسلم قبل فتح الحصن، فحينئذ يكون حرّاً هو وأولاده الصّغار ويسلّم له ماله؛ لأنّه لو لم يفعل ذلك لما أمكن سبي أهل مدينة علمنا أنّ فيهم مسلماً واحداً أو ذمّيّاً واحداً لا يعرف بعينه. فيسبون جميعاً حتى يُعرف المسلم أو الذّمّيّ بعينه. ومن أمثلة الثّانية:

إذا أراد أهل الحرب مفاداة بعض أسارى المسلمين الأحرار ببعض أساراهم المسلمين عندهم الرّجال بالرّجال، والنّساء بالنّساء، والصّبيان بالصّبيان. فإذا رضي المسلمون بذلك، ثمّ جاءوا بالأسراء فأراد الأمير المسلم أن يأخذهم ولا يعطيهم فداءهم، فهذا واسع له أن يفعله - أي يجوز له -؛ لأنّ أهل الحرب لم يملكوهم، وهم ظالمون في حبسهم. (وإعطاء الأمان على التّقرير على الظّلم لا يجوز). وأمّا إذا فادوهم بمال فالمستحبّ لهم الوفاء بما عاملوهم عليه لئلا ينسبوا إلى الغدر، وليطمئنوا إليهم في مثل هذا في المستقبل، بخلاف الأسارى أو السّلاح إذا وقعت المفاداة بها؛ لأنّ الامتناع من ردّ ذلك عليهم واجب شرعاً ولا يجوز ترك الواجب للاستحباب. والمستحبّ هنا الوفاء بما وقع الصّلح به من الأسارى المسلمين لا المال؛ لأنّ الامتناع من دفع المال إليهم مستحبّ وليس بواجب شرعاً وتخليص المسلمين واجب شرعاً.

القاعدة الرابعة والستون [الاجتهاد - اليقين]

القاعدة الرّابعة والسّتّون [الاجتهاد - اليقين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا معتبر بالاجتهاد بعد اليقين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الاجتهاد. واليقين: من يقِنَ الماء في الحوض إذا استقرّ ودام. وفي الاصطلاح: اليقين هو الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق للواقع. فمفاد القاعدة: أنّه بعد حصول الجزم والقطع بالحكم أو الأمر لا يعتدّ باجتهاد مجتهد بخلاف ذلك. وهذه القاعدة بمعنى القاعدة السّابقة القائلة: "لا مساغ للاجتهاد في مورد النّصّ". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المصلّي في المسجد الحرام يجب عليه التّوجّه إلى عين الكعبة، ولا مجال للاجتهاد في معرفة جهة القبلة, لأنّها متيّقنة ومقطوع بها. ومنها: إذا قضى القاضي باجتهاد في مسألة، ثمّ ظهر نصّ بخلاف اجتهاده فلا يعتدّ بذلك الاجتهاد، إذ هو باطل في مقابلة النّصّ؛ حيث إنّ النّص يقين، وكما سبق قريباً أنّه (لا مساغ للاجتهاد في مورد النّصّ). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 36.

القاعدتان الخامسة والستون والسادسة والستون [البدل والأصل]

القاعدتان الخامسة والسّتّون والسّادسة والسّتّون [البدل والأصل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا معتبر بالبدل حال قيام الأصل، ولا يجمع بين البدل والأصل (¬1). وفي لفظ: لا يقوم البدل حتّى يتعذّر المبدل منه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: البدل لا يعتدّ به إلا عند عدم وجود الأصل المبدل منه. فمع وجود الأصل وقيامه فلا اعتداد بالبدل، ولا اعتبار له؛ لأنّه لا يجمع بين الأصل والبدل في حالة واحدة. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 111 - 112، 294. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: لا يجوز التّيمّم مع وجود الماء، والقدرة على استعماله. ومنها: مَن وجب عليه دم تمتّع أو قِرَان وهو واجد له وقادر عليه لا يجوز له الصّوم. ومنها: مَن قدر على عتق رقبة في الكفّارة الواجبة على القتل الخطأ أو الظّهار فلا يجوز له الانتقال إلى الصّوم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 27. (¬2) قواعد المقري القاعدة 226 جـ 2 ص 469.

ومنها: الجمعة ليست بدلاً عن الظّهر بل هي أصل، كما هو مذهب مالك والشّافعي رحمهما الله تعالى (¬1). لأنّها لو كانت بدلاً عنها لوجب قضاؤها إذا فاتت، ولكن إذا فاتت الجمعة وجب قضاء الظّهر لا الجمعة. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة 226 جـ 2 ص 469.

القاعدة السابعة والستون [الظاهر]

القاعدة السّابعة والسّتّون [الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا معتبر بالظّاهر إذا تبيّن الأمر بِخلافه، أو إذا قام الدّليل بخلافه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالظّاهر: دلالة الحال. والأصل أنّ الظّاهر من الألفاظ: هو الّلفظ الّذى يغلب على الظّنّ فهم معنى منه، مع تجويز غيره (¬2). أو هو ما دلّ على معنى دلالة راجحة بحيث يظهر منه المراد للسّامع بنفس الصّيغة، ويكون محتملاً للتّأويل والتّخصيص (¬3). وقد سبق بيان ما يتعلّق بهذه القاعدة وأمثلتها ضمن قواعد حرف الظّاء تحت الرّقم 5، وقد وردت بلفظ "الظّاهر يسقط اعتباره إذا تبيّن الحال بخلافه". ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 185 - 186. (¬2) الإيضاح ص 20. (¬3) التوقيف ص 489.

القاعدة الثامنة والستون [القبول والرد]

القاعدة الثّامنة والسّتّون [القبول والرّدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا معتبر بالقبول والرّدّ قبل أوانه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القبول مرتّب على الإيجاب، فإذا لم يحصل الإيجاب لم يصحّ القبول بدونه؛ لأنّ أهم ركنين في العقود هما الإيجاب والقبول أو الرّدّ, لأنّهما دليل الرّضا. والإيجاب سابق للقبول والرّدّ، فإذا قبل أو رفض وردّ قبل الإيجاب فهذا لا يعتبر، وله القبول أو الرّدّ بعد حصول الإيجاب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أعلنت المرأة - أو وَليُّها - قبول هذا الرّجل زوجاً لها قبل طلبه الزّواج منها. أو أعلنت رفضها للزّواج منه، فقبولها أو رفضها أو قبول وليّها أو رفضه لا يعتدّ به، ولهما بعد إيجابه وطلبه الزّواج منها القبول أو الرّفض. ومنها: إذا أوصى لشخص بوصيّة، فأعلن الموصَى له قبول الوصيّة في حياة المُوصِي، فهذا القبول لا اعتبار له؛ لأنّ أوان وجوب الوصيّة هو ما بعد موت الموصِي. فإن مات الموصِي فالموصَى له إمّا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 47.

أن يقبل الوصيّة فيملك الموصَى به - قبضه أو لم يقبضه -؛ لأنّه بمجرّد القبول بعد وفاة الموصِي يلزم العقد على وجه لا يملك أحد إبطاله، فيثبت حكمه وهو الملك. وإمّا أن لا تقبل فَتبطل الوصيّة.

القاعدة التاسعة والستون [القضاء]

القاعدة التّاسعة والسّتّون [القضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا معتبر بالقضاء عن جهل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يشترط في القاضي العلم والاجتهاد والفقه، فإذا كان القاضي جاهلاً بطرق الاجتهاد، أو غير فقيه، ولم يسأل من هو أفقه منه، وحكم في مسألة بجهل؛ فإنّ حكمه باطل لا يعتدّ به، وهو آثم إن لم يكن اجتهاده صحيحاً سليماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أعتق جارية بعينها من جواريه ثمّ نسيها، ثمّ باع بعضهن، فحكم الحاكم بجواز بيعهن اجتهاداً وجعل الباقية هي المعتقة، ثمّ رجع إليه شيء ممّا باع بشراء أو هبة أو ميراث لم ينبغ له أن يطأها؛ لأنّ القاضي قضى بغير علم، وهو مخطئ في قضائه؛ لأنه حكم بجواز بيع محل لا يعرف فيه الملك بيقين، فيكون باطلاً. ومنها: إذا حكم قاضٍ بجواز رجعة المطلّقة البائنة إلى زوجها بغير عقد جديد، فحكمه باطل، لأنّ البائن لا يجوز رجوعها إلى زوجها المطلّق إلا بعقد جديد ولو كانت في عدّتها، ولا بدّ من رضاها في طلاق ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 203.

بائن بينونة صغرى، وأمّا الكبرى فلا يجوز رجعتها للزّوج إلا بعد زواجها من آخر ثمّ طلاقها منه وانتهاء عدّتها منه. ولا يكون رجوعها للزّوج الأوّل إلا بعقد جديد.

القاعدة السبعون [الاحتياط]

القاعدة السّبعون [الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا معنى للاحتياط قبل ظهور السّبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاحتياط: افْتعال من الحيطة وهي الحفظ. ومعناه: طلب الأَحَظِّ، والأخذ بأوثق الوجوه (¬2). فالاحتياط إنّما يطلب بعد ظهور سبب الحكم لا قبله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد أن يتزوّج امرأة فلا يجوز له أن يحتاط فلا يتزوّجها بحجّة أنّها ربّما تكون قد رضعت معه أو رضع معها بدون دليل ظاهر، أو على سبيل التّوهّم. لكن إذا أخبره مخبر رجل أو امرأة أنّ هذه المرأة قد رضعت معك، ولم يتيقّن، فهنا يجوز له الأخذ بالأحوط، وهو عدم الزّواج منها. ومنها: إذا أراد أن يشتري لحماً، وقبل الشّراء حدّثته نفسه أنّ هذا اللحم الموجود في السّوق ربّما يكون لحماً غير مذكّى الذّكاة الشّرعيّة فالأحوط أن لا يشتري منه. فهذا وهم باطل ولا معنى له غير وسوسة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 43. (¬2) المصباح مادة "حاطه".

الشّيطان. لكن إن أخبر مخبر أنّ هذا اللحم في هذا المحلّ فيه شبهة فله الأخذ بالأحوط، والشّراء من غيره. ومنها: إذا قال لامرأته: إن لم أدخل الدّار اليوم فأنت طالق ثلاثاً. ثمّ مات بعد مضي اليوم ولا يُدرى أدخل أم لم يدخل، فعليها عدّة الوفاة، وليس عليها العدّة بالحيض - أي عدّة الطّلاق -؛ لأنّ سبب وجوب العدّة بالحيض هو الطّلاق، ووقوع الطّلاق بوجود الشّرط غير معلوم بل مشكوك فيه، ولا معنى للاحتياط قبل ظهور السّبب. ومنها: لا يجوز التّكفير عن الحنث قبل اليمين احتياطاً.

القاعدة الحادية والسبعون [المرتد]

القاعدة الحادية والسّبعون [المرتدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ملّة للمرتدّ والمرتدّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرتدّ - والعياذ بالله تعالى - هو إنسان كان مسلماً ثمّ كفر. وسمّي مرتدّاً لأنّه ارتدّ أي رجع على عقبيه عن الإسلام إلى الكفر، وعن الهدى إلى الضّلال. وهذا المرتدّ سواء تنصّر أو تهوّد أو تمجّس، فهو لا ملّة له ولا دين؛ لأنّ المرتدّ يستحقّ القتل شرعاً لردّته - وليس له دين يحميه - ولكن يمهل ثلاثة أيّام ليتأمّل فيما عَرَض له من الشّبهة. ففيما وراء ذلك اعتبر كأنّه لا حياة له حكماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز للمرتدّ أن يتزوّج مرتدّة، ولا كافرة أصليّة يهوديّة، أو نصرانيّة أو مجوسيّة، ولا مسلمة بطريق الأولى، لأنّ النّكاح يعتمد الملّة ولا ملّة للمرتدّ ذكراً أو أنثى؛ لأنّ النّكاح مشروع لبقاء النّسل، والمرتدّ مستحقّ للقتل، فما كان سبب بقائه لا يكون مشروعاً. وهو ميّت حكماً؛ لأنّه يستحقّ القتل، والميّت لا ينكح. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 48.

ومنها: المرتدّة لا يجوز نكاحها من أحدٍ؛ لأنّها بالرّدّة صارت محرّمة حتّى وإن لم تقتل كما يقول الحنفيّة. وأمّا عند غيرهم فتقتل كالرّجل سواء.

القاعدتان الثانية والثالثة والسبعون [النيابة في الأيمان]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والسّبعون [النّيابة في الأيمان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا نيابة في اليمين (¬1). أو الأَيْمَان (¬2). وفي لفظ: النّيابة لا تجزي في الاستحلاف، وتجزي في قبول البيِّنة (¬3). وينظر من قواعد حرف النّون القاعدة رقم 82. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين شرعت بجانب المدّعَى عليه - المنكر - المتمسّك بالأصل والظّاهر. ولمّا كانت اليمين نافية لدعوى المدّعِي ومثبتة لحقّ المدّعَى عليه أو براءة ذمّته من الدّعوى فلا ينوب عن المدّعَى عليه أحد في حلفها؛ لأنّ براءة الذّمّة والتّمسّك بالأصل لا يعرفه غير صاحبه. وأمّا في الشّهادة فتجوز النّيابة فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شيئاً لغيره بأمره واشترط له الخيار، فقال البائع: ¬

_ (¬1) من قول محمَّد بن الحسن رحمه الله شرح السير ص 1393، والمبسوط جـ 13 ص 53، وص 120. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 163. (¬3) نفس المصدر جـ 25 ص 152.

رضي الآمر - وهو غائب - لم يصدّق على ذلك؛ لأنّ البيع غير لازم بسبب الخيار المشروط للآمر، والبائع يدّعي لزومه، فلا يصدّق إلا ببيّنة. وليس له استحلاف المشتري؛ لأنّه وكيل، ولأنه لا يدَّعي عليه الرّضا، وإنّما يدَّعيه على الآمر، والآمر غير موجود، ولا نيابة في اليمين. ومنها: إذا قال المشتري أو البائع للقاضي: حَلِّف الوكيل ما يعلم أنّ صاحبه سلَّم الشّفعة. فإنّ القاضي لا يجيبه إلى ذلك؛ لأنّه لا يمين على الوكيل، لأنّ التّسليم مدّعى على الموكل ولو استحلف الوكيل في ذلك كان بطريق النّيابة، ولا نيابة في الأيمان.

القاعدة الرابعة والسبعون [الواجب والحرام]

القاعدة الرّابعة والسّبعون [الواجب والحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أدلّة هذه القاعدة من الكتاب: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2). وقوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬3). وقوله سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (¬4) وغيرها من الآيات الدّالة على إباحة المحرّمات لأجل الضّرورة. وغيرها من الآيات الّتي تدلّ على أنّ التّكليف بقدر الوسع والطّاقة. ومن السّنّة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أمرتكم بالشّيء ¬

_ (¬1) أعلام الموقعين جـ 2 ص 48. (¬2) الآية 286 من سورة البقرة. (¬3) الآية 185 من سورة البقرة. (¬4) الآية 173 من سورة البقرة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فخذوا به ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" (¬1). فالقاعدة تدلّ دلالة صريحة على أنّ الواجبات تسقط إذا عجز المكلّف عن فعلها، وأنّ المحرّمات قد تستباح عند الضّرورة، وهذا من يسر هذه الشّريعة وسماحتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المصلّي إذا عجز عن القيام سقط عنه وصلّى بحسب قدرته واستطاعته. ومنها المريض إذا عجز على الصّيام لمرض مزمن لا يرجى برؤه، سقط عنه الصّيام، وعليه الفدية. ومنها: المضطر الّذي يخشى على نفسه الهلاك، يجب عليه أكل الميتة إذا وجدها، فلو لم يأكل ومات فهو آثم. ومنها: المكره على النّطق بكلمة الكفر يباح له ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان. ومنها: الرّجل خلف الصّفّ إذا لم يجد فرجة ولم يجد من يقوم معه وصلّى فذّاً خلف الصّفّ صحّت صلاته للحاجة. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه النسائي في باب وجوب الحج بلفظه.

القاعدة الخامسة والسبعون [الولاية]

القاعدة الخامسة والسّبعون [الولاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ولاية لأحد على غيره إلا في حدود ولايته على نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة ومثيلتها ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 634 وتدلّ على أنّه لا يجوز أن يتجاوز الإنسان مرتبته فيما يمكن التّجاوز فيه إلى غيره؛ لأن المرء لا ولاية له على غيره إلا في حدود ولايته على نفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّغير ولايته على نفسه ناقصة فلا يجوز أن يكون وكيلاً عن بالغ في أموره. كما لا يجوز له أن يتصرّف في شؤون غيره تصرّفاً لا يمكن أن يتصرّف فيه على نفسه. ومنها: العبد لا ولاية له على نفسه، فبالأولى أن لا يكون وليّاً على غيره. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 70.

القاعدة السادسة والسبعون [بيع المال]

القاعدة السّادسة والسّبعون [بيع المال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ولاية لأحد في بيع المال على مالكه من غير حقّ مستحقّ عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا يجوز ويحرم أن يبيع أحد كائناً من كان بيع مال غيره بدون إذنه من غير حقّ استحقّ على المالك؛ لأنّه لا ولاية لغير المالك على ماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد واحد أن يبيع أرض غيره أو سيّارته أو متاعه جبراً عليه - بحجّة أنّه لا يعجبه - وبدون إذن من المالك، فلا يجوز والبيع باطل. ومنها: المفلس إذا طالب غرماؤه بيع ممتلكاته عليه لسداد ديونهم فذلك جائز بإذن من القاضي أو الحاكم. وذلك لوجود الحقّ المستحقّ على المفلس. لكن مع ذلك يبدأ بالنّقود فإن وفَت بسداد ديونهم وأدائها لا يباع شيء آخر من متاعه، وإن لم تفِ تباع العُروض، ولا يباع العقار إلا إذا لم تفِ العروض بالدّيون. ومنها: إذا وُجد مسلم يحمل في سيّارته أو على دابّته خمراً، ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1544.

فالإمام له حقّ تأديبه بإراقة الخمر. وليس بإتلاف الزق - أو مصادرة السّيّارة أو الدّابّة - إلا إذا تقدّم الإِمام بذلك ورأى في ذلك تأديباً له. وأمّا إن أراد أن يبيع الآنية أو الدّابّة أو السّيّارة الّتي كان عليها الشّراب أو الممنوع فبيع ذلك كلّه باطل؛ لأنّه باع مال غيره بغير إذن صاحبه، والإمام في هذا كغيره من النّاس في أنّه لا ولاية له في بيع المال على مالكه من غير حقّ مستحقّ عليه (¬1). لكن إذا كان الإِمام قد تقدّم للنّاس وحذّرهم وأنذرهم أنّ من وُجِدَ معه خمر أو مخدّرات أو ممنوعات شرعيّة أنّه سيصادر المركبة الّتي يوجد عليها الممنوع وأعلن للنّاس ذلك ففي هذه الحال قد يجوز له بيعها ومصادرتها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1543 - 1544.

القاعدة السابعة والسبعون [ولاية الذمي]

القاعدة السّابعة والسّبعون [ولاية الذّمّيّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ولاية للذّمّي ولا الحربي على المسلم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذّمّي: هو مَن رضي بالخضوع لحكم الإِسلام والبقاء في أرض الإسلام مقابل دفع الجزية والبقاء على دينه، ويشمل ذلك: اليهود والنّصارى والمجوس. والحربي: هو المشرك المحارب للإسلام الّذي لم يرض بالدّخول في الإسلام ولا بدفع الجزية. فمفاد القاعدة: أنّ هؤلاء ليس لهم ولاية على المسلمين، ولا نفوذ لهم عليهم، وقد سبق بيان أنّه لا تقبل شهادتهم على المسلمين، لأنّ الشّهادة نوع من الولاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا تقبل شهادة الذّمّيّ على المسلم أو المسلمة إلا تبعاً. كما سبق بيانه. ومنها: إنّ المرأة المسلمة إذا كان أبوها ذمّيّاً فلا ولاية له عليها في تزويجها. ¬

_ (¬1) المبسوط ص 28 ص 25، المقنع ج! 2 ص 394. الكافي ص 1032.

ومنها: أنّ الحربي أبعد من الذّمّيّ، فلا ولاية له على ذمّيّ - ولو من أهل دينه - ولا على مسلم بطريق الأولى. حيث لا تقبل شهادة حربي على ذمّي. كما سبق بيانه. ومنها: إذا أوصى المسلم إلى ذمّيّ أو حربيّ مستأمن أو غير مستأمن، فالوصيّة باطلة؛ لأنّ في الوصيّة إثبات الولاية للوصي على سبيل الخلافة عنه، فالوصي يخلف الموصي في التّصرّف، كما أنّ الوارث يخلف المورث في الملك بالتّصرّف، ثمّ الكافر لا يرث المسلم. فكذلك لا يكون وصيّاً للمسلم. ومنها: إذا أوصى الذّمّيّ إلى الحربي لم تجز الوصيّة، لهذا المعنى السّابق. وأمّا وصيّة الذّمّيّ إلى الذّمّيّ فجائزة؛ لأنّه يثبت لبعضهم على بعض ولاية بالقرابة فكذلك بالتّفويض. وأحدهما يرث صاحبه، فيجوز أن يكون وصيّاً له.

القاعدة الثامنة والسبعون [المعلوم والموهوم]

القاعدة الثّامنة والسّبعون [المعلوم والموهوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يؤخّر استيفاء المعلوم لمكان الموهوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستيفاء: استفعال من الوفاء. ومعناه: طلب ما يفي بغرضه. فلا يجوز تأخير طلب الشّخص الموجود لحقّه بحجّة مستحقّ آخر غائب - قد يطلب وقد لا يطلب - هذا إذا كان الحاضر مستحقّاً للحقّ على الكمال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع رجل يدي رجلين ووجب القصاص لهما على الكمال، فإذا اقتُصَّ لأحدهما فيجب الأرش - أي الغرم - للآخر - على رأي الشّافعي رحمه الله -. وعلى رأي الحنفيّة يكون القطع لهما، فكأنّ كلّ واحد منهما استوفى نصف حقّه، ويجب لهما الأرش نصفين، للنّصف الباقي لكلّ منهما. وإذا عفا أحدهما: فيكون القصاص للآخر فقط. وإذا حضر أحدهما دون صاحبه لم ينتظر الغائب، ويُقْتَصّ لهذا الحاضر؛ لأنّ حقّه ثابت في جميع، اليد، ومزاحمة الآخر معه في الاستيفاء موهومة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 140.

ومنها: إذا كان لدار أو أرض شفيعان، وحضر أحدهما وغاب الآخر، فللحاضر حقّ الشّفعة كاملاً، ولا ينتظر الغائب لعلّه يطلب أو لا يطلب. ومنها: إذا كان لغريمين دين على التّركة - وأحدهما غائب - فلا ينتظر، وللغريم الحاضر أن يأخذ دينه من التّركة.

القاعدة التاسعة والسبعون [ترك الواجب]

القاعدة التّاسعة والسّبعون [ترك الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يؤمر بترك الواجبات لما ليس بواجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وثيقة الصّلة بقاعدة سابقة. ينظر القاعدتان رقم 61، 62. الواجبات أو الفرائض: أعلى المطلوبات الشّرعيّة؛ لأنّها - كما سبق قريباً - ثبتت بالطّلب الجازم للفعل، وترتّب الإثم على التّرك. وما ليس بواجب إمّا مندوب أو مباح، والمندوب يستحبّ فعله، وفاعله يثاب على الفعل ولا يأثم على التّرك. وطلب المندوب غير جازم، فهو أضعف من الواجب. والمباح: مأذون في فعله أو تركه، ولا إثم على الفعل أو التّرك، كما أنّه لا أجر ولا ثواب على الفعل أو التّرك إلا إذا صحب ذلك نيّة العمل أو التّرك لله. ومفاد القاعدة: أنّ الشّارع لا يأمر بترك الواجبات لفعل المندوبات أو المباحات؛ لتأكّد الواجب بالطّلب الجازم. ولما في ترك الواجب من المفسدة، ولما في فعله من المصلحة الّتي لا توجد في ¬

_ (¬1) المسائل الماردينية ص 88.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

غيره، ولكن قد يأمر الشّارع الحكيم بترك واجب لواجب هو أقوى منه وآكد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من الأدلّة على الوجوب المؤكّد لصلاة الجماعة أنّه قد يترك لها أكثر واجبات الصّلاة في صلاة الخوف وغيره. فلولا أنّ صلاة الجماعة واجبة وجوباً مؤكّداً لم يؤمر بترك بعض الواجبات؛ لأنّه لا يؤمر بترك الواجبات لما ليس بواجب. ومنها: إنّ المصلّي إذا كان لا يستطيع القيام فيؤمر بالصّلاة قاعداً، أو على جنب. والقيام للصّلاة واجب، ويؤمر بتركه عند الضّرورة لواجب آخر وهو القعود في هذه الحال. ولأنّ القعود في الصّلاة المفروضة بدل القيام عند القدرة غير مشروع.

القاعدة السادسة والأربعون: مكرر [اختلاف الأسباب]

القاعدة السّادسة والأربعون: مكرّر [اختلاف الأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يبالى باختلاف الأسباب عند سلامة المقصود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأسباب: جمع سبب، وهو ما يترتّب عليه الحكم عند وجوده. فاختلاف الأسباب لا يضرّ إذا تبيّن سلامة المقصود، وهو المدَّعَى. وقد سبقت هذه القاعدة تحت الرّقم 46. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى على شخص ألف دينار، وأتى بالبيِّنة، فشهد أحد الشّاهدين أنّ الألف دينار قرض أقرضه المدّعِي للمدّعى عليه. وشهد الآخر أنّ الألف دينار ثمن سلعة باعها المدّعِي للمدّعَى عليه، أو اغتصبها منه، فلا يضرّ اختلاف الشّاهدين في الأسباب في ثبوت الحقّ للمدَّعِي؛ لاتّفاق الشّاهدين على ثبوت الدّين في ذمّة المدّعَى عليه. وهو المقصود. ومنها: أنكر رجل أنّه تزوّج هذه المرأة، وأقامت المرأة البيِّنة على زواجها منه، فشهد أحد الشّاهدين أنّه تزوّجها منذ شهر. وشهد الآخر أنّه تزوّجها منذ شهرين، فيثبت الزّواج مع اختلاف الشّهادتين في التّاريخ؛ لأنّها اتّفقا على وقوع النّكاح، والاختلاف في الأسباب لا يضر. وينظر القاعدة رقم 45، 46، 47. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 79 ب.

القاعدة الثمانون [الأصل والفرع]

القاعدة الثّمانون [الأصل والفرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يبطل الأصل ببطلان فرع له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة أنّ الفرع يبطل ببطلان أصله، ويسقط بسقوطه - كما سبق بيانه - لكن الأصل لا يبطل ببطلان فرع له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّل شخص آخَرَ في استيفاء دين له، ثمّ استوفاه الموكِّل بنفسه، فتبطل الوكالة، ولا حقّ للوكيل في المطالبة، لكن إذا وكّله في الاستيفاء ثمّ ألغى وكالته فلا تبطل مطالبة الأصيل بالحقّ. ومنها: إذا أعتق ما في بطن هذه الجارية جاز دونها، فلا تبطل عبودية الجارية ورقُّها بتحرير ما في بطنها، وإن كان فرعاً لها. ومنها: الشّفعة فرع للبيع، فإذا بطلت الشّفعة لا يبطل البيع ببطلانها، وذلك فيما إذا باع المريض لأجنبي محاباة، وكان الشّفيع في البيع وارثاً، ففي وجه عند الشّافعي رحمه الله يبطل البيع من أصله؛ لإفضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث. وهذا الوجه فاسد؛ لأنّ الشّفعة فرع البيع فإذا بطلت لا يبطل البيع. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 320.

القاعدة الحادية والثمانون [بطلان العقد]

القاعدة الحادية والثّمانون [بطلان العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يبطل عقد من العقود إلا بما ينافي مقصود ذلك العقد، دون ما لا ينافي مقصوده، وإن كان منهيّاً عن مقارنته معه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود إنّما يحكم ببطلانها إذا وجد ما يعارض وينافي المقصود من كلّ عقد منها. وأمّا إذا وجد ما لا ينافي مقصود العقد فالعقد صحيح لا يبطل، ولو وجد معه ما كان منهيّاً، عن مقارنته معه ومصاحبته له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد البيع - مثلاً - يبطل إذا شرط البائع على المشترى عدم الانتفاع بالمبيع. لكن إذا أخلّ البائع أو المشتري بأحد شروط العقد المنهي عن الإخلال بها لا يبطل العقد. كما إذا لم يدفع المشتري الثّمن حالاً مع اشتراط الحلول. فالعقد صحيح وعلى المشتري أن يدفع الثّمن، وإلا يرفع الأمر للقضاء. ومنها: عقد الذّمّة لا يبطل إلا إذا انتقض شرط ينافي مقصوده، وهو الحرابة مثلاً. لكن إذا سبّ الذّمّي مسلماً أو قتله خطأ، أو ضربه، ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 12 الفرق 118.

فإنّ عقد الذّمّة لا يبطل. ومنع الجزية والتّمرّد على الأحكام، وإكراه المسلمة على الزّنا، كلّ ذلك ينقض عقد الذّمّة، ويبيح دم الذّمّيّ وماله.

القاعدة الثانية والثمانون [بقاء الاستحقاق]

القاعدة الثّانية والثّمانون [بقاء الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يبقى الاستحقاق بعد موت المستحقّ، وإن كان السّبب منعقداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ليست على إطلاقها بل فيها تفصيل؛ لأنّ الاستحقاق الّذي يستحقّه الإنسان إمّا أن يورث عنه وإمّا أن لا يورث. ومفاد هذه القاعدة القسم الثّاني الّذي لا يورث، من حيث بطلان الاستحقاق إذا مات مستحقّه ولا يورث عنه. وهذه من المسائل الخلافيّة بين الحنفيّة ومن سواهم، حيث إنّ الحنفيّة يشترطون لاستحقاق الغنيمة الإصابة - أي الاغتنام - ثمّ الإحراز بدار الإسلام. فما لم تحرز في دار الإسلام لا تقسم. ومن مات من المجاهدين قبل إحرازها في دار الإسلام لا يورث نصيبه منها. وحجّتهم في ذلك: أنّ الغنيمة إذا لم تحرز في دار الإسلام فاحتمال استرداد العدو لها قائم. وأمّا إذا دخلت دار الإسلام فيستبعد استرجاع العدو لها. وعندهم: أنّ المجاهد لو قتل في دار الحرب أو مات بعد الفراغ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 43.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

قبل الإحراز أنّه لا يستحقّ شيئاً؛ لأنّه وقع أجره على الله سبحانه وتعالى. وأمّا عند الشّافعي ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى أنّ سهم المجاهد يورث؛ لأنّ الملك للغنيمة عندهم يثبت بنفس الإصابة، وموت أحد الشّركاء لا يبطل مِلكَه عن نصيبه، ويجوز عندهم قسمة الغنائم في دار الحرب، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله. ولكلّ من الرّأيين دليل من فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وفعل الصّحابة رضوان الله عليهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مات الفارس لم تستحقّ فرسه من الغنيمة إذا كان موته قبل الإحراز, لأنّه لا يورث سهمه، وعند الشّافعي رحمه الله يورث؛ لأنّ الحقّ عند الحنفيّة يثبت بالإصابة ويتأكّد بالإحراز بالدّار، ودون الإحراز هو حقّ ضعيف، والحقّ الضعيف لا يورث. ومنها: حقّ الشفعة يسقط إذا مات الشّفيع قبل الطّلب، وإلا فللورثة المطالبة (¬1). وعند مالك رحمه الله الشّفعة موروثة (¬2). ¬

_ (¬1) المقنع جـ 2 ص 271. (¬2) الكافي ص 864.

القاعدة الثالثة والثمانون [الحكم والسبب]

القاعدة الثّالثة والثّمانون [الحكم والسّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يبقى الحكم بعد زوال سببه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحكم يبنى على السّبب، فإذا زال السّبب زال الحكم وانتفى؛ لأنّ السّبب أساس وجود الحكم فإذا انتفى الأساس وانتقض انهدم البناء. وقد سبق بيان ما يتعلّق بهذه القاعدة وأمثلتها ضمن قواعد حرف الحاء تحت الرّقم 86، وقد وردت بلفظ "الحكم يدور مع علّته وجوداً وعدماً" وغير ذلك من ألفاظ ورود القاعدة فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 371.

القاعدة الرابعة والثمانون [الملك على النفس]

القاعدة الرّابعة والثّمانون [الملك على النّفس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يبقى للإنسان الملك على نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإنسان يملك غيره، من حيوان أو متاع أو رقيق، ولكنه لا يملك نفسه، ولا يبقى له ملك على نفسه، ومعنى ذلك: أنّ العبد إذا أحرز نفسه بخروجه إلى دار الإسلام مسلماً كان أو ذمّيّاً مراغماً لمولاه فهو حرّ ويوالي مَن شاء. والعتق والحرّيّة ينافيان الملكيّة ولو على النّفس. ولذلك لا يثبت عليه الولاء لأحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا خرج عبد هارباً من دار الحرب إلى دار الإسلام معلناً إسلامه، أو طلب أن يكون ذمّيّاً، فهو يجاب إلى طلبه ويعتبر حرّاً يوالي من شاء. ولا يعتبر رقيقاً مالكاً نفسه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2286 وعنه قواعد الفقه ص 108.

القاعدة الخامسة والثمانون [اتحاد القابض والمقبض أو الموجب والقابل]

القاعدة الخامسة والثّمانون [اتّحاد القابض والمقبّض أو الموجب والقابل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يتّحد القابض والمقبض (¬1). وفي لفظ: اتّحاد الموجب والقابل ممنوع (¬2). وفي لفظ: هل اليد تكون قابضة دافعة في آن واحد (¬3)؟ وتأتي في حرف الهاء إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ العقود إنّما تجري بين شخصين أحدهما قابض والآخر مقبّض، أو أحدهما موجب والثّاني قابل. وأمّا أن يكون القابض والمقبض أو البائع والمشتري واحداً فهذا لا يكون، وينظر القاعدتان رقم 281 و419 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّل وكيلاً في بيع مال له، فلا يجوز أن يبيع الوكيل من نفسه، بأن يشتري المال الّذي وُكِّل ببيعه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 259، 265. قواعد الحصني جـ 2 ص 154، المنثور جـ 1 ص 88 - 89. (¬2) أشباه السيوطي ص 280، المنثور جـ 1 ص 88. (¬3) إعداد المهج ص 157.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة، واتحد الموجب والقابل

ومنها: إذا قالت امرأة لرجل: زوَّجني. فلا يجوز أن يزوّجها من نفسه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة، واتّحد الموجب والقابل: الأب أو الجد يبيع مال الطّفل لنفسه، أو بيع ماله للطّفل، أو يهب منه وله أو يرهن منه وله. ومنها: أن يزوّج الجدّ بنت ابنه بابن ابن آخر له، على الأصحّ. ومنها: إذا زوّج عبده الصّغير بأمته. على قول الإجبار. ومنها: إذا وكّله وأذن له في البيع من نفسه، وقدَّر الثّمن ونهاه عن الزّيادة. ومنها: إذا خالعها على طعام في ذمّتها بصفة السّلم وأذن لها في صرفه لولده منها فصرفته له من غير توسّط قبض صاحب المال، فإنّها تبرأ.

القاعدتان السادسة والسابعة والثمانون [المقدور والمعجوز]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والثّمانون [المقدور والمعجوز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يترك القليل من السُّنَّة للعجز عن كثيرها (¬1). وفي لفظ: الميسور لا يسقط بالمعسور (¬2). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: مَن قدر على بعض الشّيء لزمه (¬3). وتأتي في حرف الميم إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: لا يسقط المقدور عليه بالمعجوز عنه (¬4). وفي لفظ: مَن قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا (¬5)؟ وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) المغني ج 1 ص 96، 238، 255، 433، 463، 471، 595، جـ 2 ص 145، جـ 3 ص 75. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 155، 159، أشباه السيوطي ص 159، قواعد الحصني جـ 2 ص 48. (¬3) المغني جـ 1 ص 126، 298. (¬4) المنثور جـ 1 ص 232. (¬5) قواعد ابن رجب القاعدة 8. وينظر الوجيز ص 396.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬1). وقال الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (¬2). المأمورات مبناها على القدرة والاستطاعة، فمن قدر على فعل بعض المأمور به وعجز عن باقيه وجب عليه فعله، ولا يجوز ترك الكلّ بدعوى عدم القدرة على البعض. بل يجب على المكلّف فعل ما يقدر عليه؛ لأنّ القدرة على الفعل شرط من شروط التّكليف، فالأمر الّذي يستطيع المكلّف فعله وهو قادر عليه لا يسقط بما عجز عنه أو شقّ عليه فعله، وينظر من قواعد حرف الباء القاعدة 31. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من لم يجد السّواك فاستاك بإصبعه أو خرقة - فقد قيل لا يصيب السّنّة؛ لأنّ الشّرع لم يرد به - والصّحيح - عند ابن قدامة رحمه الله أنّه يصيب بقدر ما يحصل من الإنقاء - ولا يترك القليل من السّنّة للعجز عن كثيرها (¬3). القادر على بعض الفاتحة في الصّلاة يأتي به بلا خلاف. ¬

_ (¬1) الآية 286 من سورة البقرة. (¬2) الحديث رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) المغني جـ 1 ص 96.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

ومنها: القادر على بعض السّترة يستر به القدر الممكن جزماً. ومنها: من لم يستطع القيام في الصّلاة وقدر على القعود وجب عليه. ومنها: إذا عجز عن الرّكوع والسّجود وهو قادر على القيام وجب عليه ولزمه القيام بلا خلاف. ومنها: مقطوع بعض الأطراف يجب عليه غسل الباقي. ومنها: مَن قدِر على بعض صاع في الفطرة لزمه. ومنها: إذا كان محدثاً وعليه نجاسة حسّيّة - ولم يجد إلا ماءً يكفي أحدهما - غسل النّجاسة وتيمّم للحدث. ومنها: إذا عجز عن سداد كلّ الدّين أدّى ما قدّر عليه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: إذا قدر على بعض الرّقبة في الكفّارة، لا يعتقها، بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف. ومنها: من قدر على صوم بعض يوم دون كلّه لا يلزمه إمساكه، بلا خلف؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

القاعدة الثامنة والثمانون [التبرع]

القاعدة الثّامنة والثّمانون [التّبرّع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يتمّ التّبرّع إلا بالقبض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان ما يتعلّق بهذه القاعدة وأمثلتها ضمن قواعد حرف الشّين تحت الرّقم 18، وقد وردت بلفظ: (شرط صحّة الصّدقة التّمليك). كما وردت أيضاً ضمن قواعد حرف الصّاد تحت الرّقم 11 بلفظ: "الصّدقة لا تتمّ إلا بالقبض" وبلفظ "الصِّلات لا تملك قبل القبض". فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) مجلة الأحكام المادة 56.

القاعدة التاسعة والثمانون [حكم الخطاب]

القاعدة التّاسعة والثّمانون [حكم الخطاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يثبت حكم الخطاب في حقّ المخاطَب ما لم يعلم به (¬1). فقهيّة أصوليّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة فقهيّة أصوليّة، وهي ذات مدلول مسلَّم شرعاً وعقلاً؛ لأنّ تكليف الإنسان بحكم لم يعلمه هو تكليف بالمستحيل، وشرط التّكليف العلم بالفعل المكلّف به وحكمه. فحكم الخطاب - سواءً أكان من خطابات الشّرع أم من خطابات البشر بعضهم لبعض - لا يثبت ولا يطالب به المكلّف قبل العلم به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم شخص في دار الحرب - ولم يعلم أنّ الصّلاة عليه واجبة، أو أنّ الخمر حرام - فلم يصلّ وشرب الخمر، ثم علم بعد ذلك، فإنّ ما فاته من صلاته لا يطالب بقضائه، ولا يقام عليه حدّ الشّرب ولا يأثم لجهله. والجهل في دار الحرب عذر. ومنها: إذا وكّل شخص شخصاً آخر وكالة، فإنّ حكم هذه الوكالة لا يلزم الوكيل قبل علمه بها. وكذلك لو عزله عن الوكالة لا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 45.

ينعزل قبل علمه بالعزل على الصّحيح. ومنها: إذا اشترى شيئاً أو باعه بشرط الخيار له أو للآخر، فإنّ مَن له الخيار لا يحقّ له الفسخ إلا بحضور العاقد الآخر، ولا يلزم العاقد الآخر الفسخ إلا بالعلم به في مدّة الخيار.

القاعدتان التسعون والحادية والتسعون [الحكم قبل الوجود والوقوع]

القاعدتان التّسعون والحادية والتّسعون [الحكم قبل الوجود والوقوع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يثبت حكم الشّيء قبل وجوده (¬1). وفي لفظ: لا يثبت حكم المعلوم قبل وقوعه (¬2). وفي لفظ: المتوقّع هل يجعل كالواقع (¬3)؟ وفي لفظ: ما قارب الشّيء هل يعطى حكمه (¬4)؟ وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إذا كان الشّيء متوقّعاً وجوده، ويغلب على الظّنّ حصوله في زمن آت قريب، فهل يثبت حكمه كأنّه موجود حالاً، أو لا يثبت حكمه إلا بعد وجوده ووقوعه؟ خلاف يظهر في كثير من المسائل. ولفظ القاعدتين الأوليين يفيد القطع بعدم ثبوت الحكم قبل الوجود والوقوع. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 97 - 98، 245. قواعد الحصني جـ 4 ص 42 فما بعدها، أشباه السيوطي ص 178 - 180. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 97. (¬3) المصادر السابقة وأشباه ابن الوكيل ق 2 ص 400، والمجموع للعلائي لوحة 133، وإعداد المهج ص 97. (¬4) المصادر السابقة، وإعداد المهج ص 97.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

والقاعدة الثّالثة: تفيد وجود الخلاف في ذلك ومثلها القاعدة الرّابعة. وينظر من قواعد حرف التّاء القاعدة 50، وقواعد حرف الطّاء القاعدة 14، وقواعد حرف العين القاعدة 24. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: لو أسلم فيما يَعُمّ وجوده عند المحل، فعرضت آفة عُلِم بها بانقطاع الجنس عند المحل. فهل يتنجز حكم الانقطاع في الحال، أو يتأخر إلى المحل؟ وهو الأصحّ. ومنها: من عليه عشرة أيام من رمضان فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيّام، فهل يجب عليه فدية ما لا يسعه الوقت في الحال. أو لا يجب حتّى يدخل رمضان، فيه وجهان. ومنها: إذا أوصى له بثلث ماله، فهل يعتبر الثّلث حال التّعليق - أي عند النّطق بالوصيّة - أو حال الوفاة - قولان.

القاعدة الثانية والتسعون [الحكم والدليل]

القاعدة الثّانية والتّسعون [الحكم والدّليل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يثبت لله حكم على المكلّفين غير مستند إلى دليل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أحكام الله عَزَّ وَجَلَّ على المكلّفين إنّما عُرِفت ووجبت على المكلّفين وشغلت بها ذممهم على ألسنة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم بأدلّة ذكروها ونصوص عن الله عَزَّ وَجَلَّ أوردوها، فما لم يرد عن الله عَزَّ وَجَلَّ أدلّة بأحكامه، فلا يثبت على المكلّفين منها حكم، ولا يجب عليهم منها شيء، ولا تشغل ذممهم بأحكام لم يقم عليها لله عزّ وجلّ دليل أو أمارة عن طريق صحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجب على المكلّفين من المسلمين صلاة غير الصّلوات الخمس التي ثبتت بأدلّتها الصّحيحة من الكتاب والسّنّة. ومنها: لا يجب ولا يثبت على المكلّفين إخراج غير الزّكاة المفروضة ربع العشر أو نصفه أو العشر، على اختلاف الأصناف، فإذا فرض أحد على النّاس أن يدفعوا له خمس أموالهم على أنّه حكم من ¬

_ (¬1) غياث الأمم ص 353.

الله عَزَّ وَجَلَّ، فلا يطاع ولا يثبت على المكلّفين ذلك لعدم قيام الدّليل على دعواه. ومنها: إذا ادّعى أحدهم تحريم مأكول أو مشروب أو ملبوس أو معاملة فيطالَب بالدّليل، فما لم يُقِم على دعواه دليل صحيح فلا تحريم، ولا يجوز لأي مكلّف اتّباعه وتحريم ما حرّمه؛ لأنّ التحريم والتّحليل لا يكون إلا عن طريق الشّرع بالأدلّة الصّحيحة.

القاعدة الثالثة والتسعون [شطر العلة]

القاعدة الثّالثة والتّسعون [شطر العلّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يثبت شيء من الحكم بشطر العلّة (¬1). فقهيّة أصوليّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الباء تحت رقم 5 ونصّها: "ببعض أركان العلّة لا يثبت شيء من الحكم". وينظر أيضاً من قواعد حرف الشّين القاعدة 45، والقاعدة 89 من قواعد حرف الحاء. فالعلّة المركّبة من أوصاف عدّة إذا وُجِد بعض هذه الأوصاف في محلّ الحكم، فلا يترتّب عليها شيء من الحكم؛ لأنّه لا بدّ من توافر كلّ أجزاء العلّة وأركانها ليترتّب الحكم عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل والد ولده، لا يقتصّ منه؛ لأنّ علة القصاص مركّبة من قتل عمد عدوان من مكافئ غير والد. ومنها: إذا شهد شاهد واحد على الطّلاق، لم يثبت القاضي الطّلاق حتى يأتي شاهد ثانٍ؛ لأنّ الشّاهد الواحد جزء العلّة وشطرها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 152.

القاعدة الرابعة والتسعون [الفرع والأصل، والمسبب والسبب]

القاعدة الرّابعة والتّسعون [الفرع والأصل، والمسبّب والسّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يثبت الفرع والأصل باطل، ولا يحصل المسبّب والسّبب غير حاصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات شقّين مرتبطين فالشّقّ الأوّل خاصّ بالفرع والأصل، ومفاده أنّه إذا كان وجود الفرع تبعاً لوجود أصله، فإنّه إذا بطل الأصل وانتفى بَطَل الفرع وانتفى كذلك، والشّقّ الثّاني عامّ في الأسباب ومسبّباتها ومفاده أنّ المسبّب ناتج عن وجود السّبب فلا يمكن أن يوجد مسبّب وسببه غير حاصل أو موجود، فالسّبب أصل والمسبّب فرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الابن فرع لوجود الأب، فإذا انتفت الأبوّة انتفت البنوّة. ومنها: أغصان الشّجرة وثمارها تابعة لوجود جذعها وساقها، فإذا قطع الجذع والسّاق سقطت الأغصان والثّمار والأوراق. ومنها: الغروب والزّوال والفجر أسباب ظاهرة لترتّب الصّلاة في ذمّة المكلّف فالصّلاة مسببه عن هذه الأوقات، فإذا لم تغرب الشّمس ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 58.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

لم تجب المغرب، وإذا لم تزل الشّمس لم تجب الظّهر، وإذا لم يطلع الفجر لم تجب صلاته. ومنها: الإتلاف سبب للضّمان، فإذا لم يوجد الإتلاف لا يجب الضّمان. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: يندب أو قد يجب - على المحرم الأصلع إمرار الموسى على رأسه عند الحِلّ، وإن كان ليس على رأسه شعر.

القاعدة الخامسة والتسعون [القضاء]

القاعدة الخامسة والتّسعون [القضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجب القضاء ما لم يتقرّر الوجوب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى القضاء: هو فعل العبادة في غير وقتها المحدّد لها شرعاً ولم تسبق بأداء مختل أو ناقص. فالقضاء في الحقيقة لا يتصوّر قبل وجوب المراد قضاؤه وتعلّق أدائه في ذمّة المكلّف، فالقضاء لا يقع إلا بعد الوجوب. وتعلّق الواجب في ذمّة المكلّف؛ لأنّ قضاء العبادة مبني على سبق وجوبها وتعلّقها في ذمّة المكلّف، فما لم يثبت وجوب العبادة لا يجب قضاؤها، ويمتنع, لأنّه فعل عبادة غير مأذون بها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن أراد قضاء صلاة لم تجب عليه لا يصحّ ولا يجوز. ومنها: الحائض لا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصّلوات أثناء الحيض؛ لأنّ الصّلاة في الحيض غير واجبة بل محرّمة غير جائزة. فلا قضاء عليها. ومنها: قضاء الحائض أو النّفساء صوم رمضان واجب؛ لأنّ الصّيام واجب عليها، ولكن منع من الأداء وقوع الحيض في رمضان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 15.

ومنها: لا يجب على الإنسان قضاء دين لم يجب في ذمّته قبلاً. ومنها: لا يجوز التّكفير عن الحنث قبل وجود اليمين. ومنها: من أراد أن يحجّ قضاء عن حجّ يريد إفساده مستقبلاً، فلا يجوز.

القاعدة السادسة والتسعون [العين المعقود عليها]

القاعدة السّادسة والتّسعون [العين المعقود عليها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجتمع على عين عقدان لازمان بل يكون أحدهما على العين والآخر على المنفعة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعين: الشّيء الّذي يقع عليه العقد كالدّار، مثلاً. فلا يجوز أن يجتمع على شيء واحد عقدان صحيحان لازمان من جنس واحد؛ لأنّ كلّ صاحب عقد يريد حقّه على سبيل الكمال، فيقع النّزاع والتّخاصم. ولكن اجتماع عقدين مختلفين على شيء واحد جائز، كأن يكون أحد العقدين على ذات العين أو الشّيء والآخر على منفعة تلك العين أو ذلك الشّيء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أجر داره من إنسان ثم باعها لشخص آخر. فالبيع للعين والإجارة على المنفعة وذلك جائز. ومنها: رهن داره من شخص ثمّ أجرها لشخص آخر فذلك ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 343 أ. مختصر ابن خطيب الدهشة ص 370، أشباه ابن السبكي ص 357.

جائز. ومنها: يجوز للسّيّد إيجاز جاريته المزوّجة، ثمّ لا يجوز للزّوج منعها من المستأجِر. ومنها: ولو أجرت امرأة نفسها، ثمّ نكحت في المدّة صحّ قطعاً والإجارة بحالها.

القاعدة السابعة والتسعون [اجتماع فرضين]

القاعدة السّابعة والتّسعون [اجتماع فرضين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجتمع فرضان في وقت واحد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرض في اللغة: من فَرَض يفرض إذا حزَّ وأثّر. ويأتي بمعنى التّقدير أيضاً. وبمعنى الوجوب. والمراد هنا المعنى الشّرعي: وهو الوجوب، فالفرض ما أوجبه الله سبحانه وتعالى علينا بدليل قطعي لا شبهة فيه، ورتّب على فعله الثّواب وعلى تركه العقاب وعند الجمهور - غير الحنفيّة - أنّ الفرض والواجب مترادفان. فمفاد القاعدة: أنّه لا يجتمع على المكلّف في وقت واحد فرضان أو واجبان من جنس واحد ودليل القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تصلّوا صلاة مكتوبة في يوم مرّتين". وفي لفظ: "لا تصلّوا صلاة في يوم مرّتين" (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 176. (¬2) الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة والإمام أحمد في المسند جـ 2 ص 19. والنسائي في كتاب الإمامة بنحوه جـ 2 ص 114.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: فرض الله عَزَّ وَجَلَّ الصّلوات خمساً، ولم يفرض في وقت واحد صلاتين. وفي هذا ردّ على من يوجبون صلاة الظّهر بعد صلاة الجمعة يوم الجمعة؛ لأنّ الجمعة فرض الوقت لمن استوفى شروطها، بدلاً من الظّهر، فلا يجتمع البدل والمبدل منه. ولذلك لا يجتمع فرضان في وقت واحد. ومنها: من عليه قضاء رمضان أو نذر وأراد أن يأتي في شهر رمضان بأن ينوي صوم رمضان والقضاء أو النّذّر، فذلك غير جائز، ولا يقع صومه إلا عن رمضان خاصّة. فمن نذر أن يصوم يوماً من رمضان لم يصحّ نذره؛ لأنّ كلّ يوم في رمضان مشغول بصيام واجب فلا يجتمع معه واجب آخر. ومنها: من صلّى الظّهر في بيته، أو وهو في طريقه - إذا كان مسافراً - ثمّ دخل بلدة وصلّى الجمعة مع الإِمام فالجمعة فرضه ويصير الظّهر تطوّعاً له؛ لأنّ الجمعة أقوى من الظّهر.

القاعدة الثامنة والتسعون [الجمع بين الأصل والبدل]

القاعدة الثّامنة والتّسعون [الجمع بين الأصل والبدل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يجمع بين الأصل والبدل على سبيل رَفْو أحدهما بالآخر (¬1). وفي لفظ: لا يجوز الجمع بين البدل والأصل, إلا في الجبيرة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّفْو: الإصلاح، والإكمال، والالتحام. والأصل أنّ البدل أو العوض لا يُحتاج إليه إلا عند فقدان الأصل، أو المبدل منه، أو المعوض عنه. فاجتماع البدل والمبدل منه مخالف لهذا الأصل، كما أنّه لا يجوز أن يرفأ أو يصلح أو يكمل أحدهما بالآخر إلا استثناءً. وينظر القاعدتان رقم 423، 424 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأصل في الطّهارة الماء. والتّراب طهارة حكميّة بدلاً منه عند فقده أو عدم القدرة على استعماله. فلا يجوز أن يتوضّأ الإنسان ثمّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 122. (¬2) نفس المصدر جـ 2 ص 135.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يتيمّم، أو يغتسل ثمّ يتيمّم. ومنها: إذا ملك المُكفِّر ثمن نصف رقبة فهل يعتقها ويصوم عن النّصف الآخر شهراً. سبق وأنّ ذلك لا يجوز، فلا يكمل الأصل بالبدل. ومنها: مَن قدر على نصف شاة فهل يشتريه ويصوم خمسة أيّام عن دم التّمتّع؟ الصّحيح لا بل ينتقل إلى الصّوم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المسح على الجبيرة واجب بدل غسل ما تحتها، فإنّ المتوضّئ يغسل أطرافه بالماء ويمسح ما فوق الجبيرة، فقد أكمل الوضوء بالمسح. ومنها: من عنده ماء يكفي غسل بعض جسده، أو بعض أعضاء وضوئه. فقيل: يغسل ما استطاع ثمّ يتيمّم للباقي. فقد جمع بين الأصل والبدل ورفا أحدهما بالآخر.

القاعدة التاسعة والتسعون [أجرة الواجب]

القاعدة التّاسعة والتّسعون [أجرة الواجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب (¬1). وفي لفظ: فرض العين لا يؤخذ عليه أجرة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الواجب - الفرض - وحكمه، فلا يجوز أن يأخذ الإنسان أجراً على فعل مفروض شرعي فرضه الله عليه وأوجب عليه أداءه. كالصّلاة والصّيام, لأنّه إذا أدّى ما طلب منه فإنّ أجره على الله سبحانه وتعالى. والمراد هنا: الواجب العيني لا الواجب الكفائي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة مفروضة على كلّ مسلم ومسلمة مكلّفين عاقلين خاليين من الموانع. فلا يجوز للمسلم أن يطلب أجراً على أدائه الصّلاة المفروضة عليه، ولا يجوز أن يعطي. ومنها: الصّوم مفروض على كلّ مسلم ومسلمة مكلّفين فلا يجوز أن يأخذ الصّائم أجراً على صومه. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 469. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 87، المنثور جـ 3 ص 28.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا قال له: صلِّ وخذ ديناراً. أو صم رمضان ولك مائة دينار. فهذا لا يجوز إعطاءً ولا أخذاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الأمّ ترضع ولدها وهو واجب عليها، ويجوز لها أخذ الأجرة على الإرضاع بالنّصّ إذا طلّقها زوجها وطلب منها إرضاح ولدها. والنّصّ قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (¬1). ومنها: بذل الطّعام للمضطرّ واجب، ولكن لصاحبه الحقّ في المطالبة بالثّمن. ومنها: قالوا: تعليم القرآن واجب، ويجوز له أخذ الأجرة على تعليمه. وهذه فيها خلاف. ولكن الآن يجوز؛ لأنّ المعلّم متفرّغ لهذا، ولو لم يأخذ أجراً لترك تعليم القرآن لمهنة أخرى يعيش منها، ولكن إذا كان لمعلّم القرآن دخل آخر يكفيه فالأرجح أنّه لا يجوز له أخذ الأجرة على تعليم القرآن. وكذلك إمام الصّلاة والمؤذّن. ¬

_ (¬1) الآية 6 من سورة الطّلاق.

القاعدة المتممة للمئة [إعطاء الأمان]

القاعدة المتمّمة للمئة [إعطاء الأمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز إعطاء الأمان على التّقرير على الظلّم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إعطاء الأمان: منح السّلامة لطالبها. التّقرير على الظّلم: الموافقة على إبقائه وإثباته. فيحرم على القائد أو الأمير أو الحاكم أن يوافق على صلح مع عدوّه، أو منحه الأمان - أي السّلامة من محاربته - مع إبقاء هذا العدو أو المحارب ظالماً لمن هم تحت يده. والقاعدة أعمّ من ذلك إذ يشمل مدلولها كلّ مسؤول يعلم بظلم مرؤوسيه لمن تحت أيديهم أو لمن يتعاملون معهم ثم يسكت عن ظلمهم؛ لأنّ السّكوت عن الظّلم مشاركة للظّالم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد الأمير أو القائد أو الإِمام مصالحة أهل مدينة طلب أميرها أو رئيسها الصّلح من المسلمين على أن يبقى هذا الأمير أميراً عليها، وكان يفرض على النّاس الأموال بغير حقّ أو يستعبدهم، أو يعتدي على حرماتهم، فإنّ الأمير المسلم لا يجوز له مصالحة ذلك الرّئيس مع بقاء ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1892.

ظلمه على أهل مدينته. ومنها: إذا أسر العدو بعض المسلمين أو أهل الذّمّة، ثم خرج الآسرون إلينا بأمان ومعهم بعض الأسراء وطلبوا فداءهم، فإنّهم لا يجابون إلى ذلك، ويؤخذون منهم مجاناً؛ لأنّهم ظالمون لهم في حبسهم إيّاهم، فإن حبس وأسر الحرّ ظلم، ولا يجوز إعطاء الأمان على التّقرير على الظلم. وهذا بخلاف ما لو كان المأسور عبداً فإنّ المستأمن لا يجبر على بيعه إذا دخل إلينا بأمان؛ لأنّ العبد يملك بالإحراز. إلا إذا كان العبد مسلماً أو ذمّيّاً فإنّه يؤمر ببيعه. ومنها: إذا كان مسؤول وتحت يده موظفين يعلم أنّهم يرتشون ويعطّلون مصالح النّاس حتى يأخذوا الرّشوة منهم، فسكوته عنهم مع العلم بهم تقرير وإبقاء لظلمهم.

القاعدة الحادية بعد المئة [النجس]

القاعدة الحادية بعد المئة [النّجس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز الانتفاع بالنّجس مطلقاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّجس: هو المستقذر عقلاً وطبعاً وشرعاً (¬2). والنّجاسة صفة حكميّة توجب منع استباحة الصّلاة (¬3). فما وجدت فيه هذه الصّفة، فلا يجوز الانتفاع به أبداً كليّاً أو جزئياً، حقيراً أو لا، بنفس النّجاسة أو بثمنها. والنّجس محرّم تناوله واستعماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز بلُّ الطّين بالخمر. وبلُّ العجين أولى بالحرمة وعدم الجواز. ومنها: لا يجوز بيع الخمر وأكل ثمنها، وما أصابته فهو نجس. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 186 عن أشربه الخانية بالمعنى جـ 3 ص 224. (¬2) الكلّيّات ص 479. (¬3) شرح حدود ابن عرفة ص 83.

ومنها: إذا وقع في الزّيت نجاسة فلا يجوز الانتفاع به، ولو في إيقاد المصابيح، أو الصّابون بطريق الأولى. ومنها: لا يجوز التّداوي بالنّجس المحرّم. إلا عند الضّرورة القصوى وعدم وجود غيره.

القاعدة الثانية بعد المئة [التابع - الأصل]

القاعدة الثّانية بعد المئة [التّابع - الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز أن يثبت في التّابع حكم آخر سوى الثّابت فيمن هو أصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّابع حكمه حكم متبوعه، فلا يجوز أن يكون للتّابع حكم آخر غير الحكم الثّابت في متبوعه وأصله؛ لأنّه - وكما سبق بيانه - إنّ التّابع لغيره في الوجود تابع له في حكمه. وينظر من قواعد حرف التّاء الأرقام 11 - 16. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا خرج ذمّي من دار الحرب مع زوجته الحربيّة فهي آمنة؛ لأنّها تابعة لمن هو من أهل دارنا في المقام، وهو الذّمّي، فتصير ذمّيّة تبعاً له. ومنها: إذا باع بقرة واستثنى حملها لا يجوز؛ لأنّ الحمل تابع، ولا يجوز فيه حكم غير حكم متبوعه. ومنها: إذا خرج الذّمّي من دار الحرب ومعه امرأة قال: هي أختي - فإن لم يكن استأمن عليها - تكون فيئاً، بخلاف الزّوجة؛ وذلك ¬

_ (¬1) شرح السير ص 339، 560، 561 وعنه قواعد الفقه ص 109.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

لانعدام التّبعيّة للأخت في حقّ الاحتباس في دارنا؛ لأنّ الحربي أو الحربيّة المستأمنين لهما حقّ الرّجوع إلى دار الحرب إذا أرادا. بخلاف الذّمّي أو الذّميّة، فلا حقّ لهما في الرّجوع إلى دار الحرب بعد عقد الذّمّة إلا مستأمنين. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: يجوز إعتاق الحمل دون أمّه، كما يجوز الوصيّة له دونها.

القاعدة الثالثة بعد المئة [اجتماع العوضين]

القاعدة الثّالثة بعد المئة [اجتماع العوضين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز أن يجتمع العوضان لشخص واحد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العوضان: المراد بهما: الأصل والبدل، أو العوض والمعوض، أو الثّمن والسّلعة. فمن استحقّ الأصل لا يجوز له أخذ العوض، ومن استحقّ العوض لا يجوز له أخذ المعوّض عنه، ومن أخذ الثّمن لا يجوز له أخذ السّلعة أيضاً؛ لأنّ هذا من أكل المال بالباطل. وينظر القاعدة رقم 418 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز أن يكون للبائع الثّمن والسّلعة معاً، ولا للمشتري. كما لا يجوز للمؤجِّر أن يأخذ الأجرة والمنفعة معاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المسابقة بجائزة - جائزة - فإنّ السّابق يأخذ الجائزة، فقد سبق وهو أخذ الجائزة، فاجتمع العوض والمعوّض لشخص واحد. كذا قال القرافي، وتعقبّه ابن الشّاطّ فقال: المبذول في المسابقة ليس عوضاً عن الثّواب، بل هو معونة على القيام بذلك الأمر، فللقائم بها ثوابه، ولمن تولّى المعونة ثوابه. فلم يجتمع العوضان لشخص واحد. والله أعلم. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 2، الفرق 114.

القاعدة الرابعة بعد المئة [الاستنباط المبطل]

القاعدة الرّابعة بعد المئة [الاستنباط المبطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز أن يستنبط من النّص معنى يعود عليه بالإبطال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ المعنى الّذي يدلّ عليه النّصّ الشّرعي من آية أو حديث إنّما هو الحكم الشّرعي المقصود بذلك النّصّ. فإذا استنبط مجتهد من نصٍّ معنى يبطل دلالة النّصّ وحكمه، فإنّ ذلك المعنى المستنبَط هو الباطل لا دلالة النّصّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال صلّى الله عليه وسلّم: "ذكاة الجنين ذكاة أمِّه" (¬2). المعنى الظّاهر للحديث أنّ الجنين إذا وُجد في البقرة أو النّاقة أو الشّاة المذبوحة المذكّاة ميّتاً وهو تامّ الخلق أنّه يجوز أكله؛ لأنّ ذكاة أمّه تكون ذكاة له، فهو مذكّى بذكاتها؛ لأنّه إنّما مات لما انحبس عنه دم الأمّ، فكأنّه جزء أو عضو من أجزائها وأعضائها، بل هو جزء وعضو منها قبل الولادة. ¬

_ (¬1) الأشباه لابن السبكي جـ 1 ص 152. (¬2) الحديث أخرجه أبو داود في المسند جـ 2 ص 99 في باب الزّكاة حديث رقم 1572.

فإذا قال مجتهد إنّ معنى الحديث أنّ ذكاة الجنين مثل ذكاة أمّة - أي لا يجوز أكله ما دام قد خرج ميّتاً، فهذا المعنى المستنبط يعود على الكلام بالإبطال، ويصيّره لغواً؛ لأنّ الجنين إذا احتيج إلى ذكاته - بأن خرج حيّاً - فذكاته كسائر الحيوانات، ولا خصوصيّة لأمّه في ذلك. والحديث قد خصّص ذكاته بذكاة أمّه دون غيرها. فكان ذلك دليلاً على جواز أكله إذا خرج ميّتاً لأنّه مذكّى بذكاتها.

القاعدة الخامسة بعد المئة [التبع - الأصل]

القاعدة الخامسة بعد المئة [التّبع - الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز أن يكون التّبع مبطلاً للحكم الثّابت في الأصل بحال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ التّبع أو التّابع حكمه حكم متبوعه، فثبوت الحكم في التّبع تابع لثبوته في الأصل المتبوع، وبناء على ذلك لا يجوز بحال أن يبطل وجود الفرع حكماً ثابتاً في أصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت أَمَةٌ حاملاً برقيق، فأعتق السّيّد حملها. فإنّ إعتاق الحمل لا يمكن أن يبطل العبوديّة أو الرّقّ في الأمّ. ومنها: إذا أبرأ الدّائنُ الكفيلَ، فلا يكون إبراءً للمدين الأصيل بحال. ومنها: إذا أسقط الشّرع عن المسافر السّنن الرّواتب وهي متابعة للفرائض فلا يكون ذلك إسقاطاً للفريضة بحال. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 50.

القاعدة السادسة بعد المئة [حكم العقد]

القاعدة السّادسة بعد المئة [حكم العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز أن يَنْفُذَ العقد موجباً حكماً غير الحكم الذي انعقد له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد: هو الارتباط بين الإيجاب والقبول، أو هو اتّفاق بين طرفين يلتزم كلٌّ منهما بموجبه تنفيذ ما اتّفقا عليه. كعقد البيع والزّواج وغيرهما. فكلّ عقد من العقود له ألفاظ تدلّ على المقصود منه وعلى أحكامه. فلذلك لا يجوز أن يترتّب على عقد من العقود حكم غير الحكم الذي دلّ عليه لفظه أو انعقد العقد له. إلا إذا قامت قرينة على أنّ المراد بصيغة العقد غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد الهبة عقد يدلّ على إعطاء شيء بدون عوض - بلفظ "وهبتك"، فهو عقد مجّاني فإذا وهبه سيّارة بقوله: وهبتك هذه السّيّارة، أو هذه السّيّارة هبة منّي لك فخذها، فلمّا أخذها قال له: هات ثمنها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 91.

فلا يلتفت إليه؛ لأنّ عقد الهبة موجبه الإعطاء دون مقابل، فطلب الثّمن يوجب حكماً غير الحكم الّذي انعقد له عقد الهبة. لكن إذا قال: وهبتك هذه السّيّارة بعشرة آلاف، أو بثمن قدره كذا، فقوله بكذا أخرج الهبة مخرج البيع فدلّ على أنّ المقصود عقد بيع لا عقد هبة. ومنها: إذا قال زوّجتك هذه الجارية بمهر قدره كذا. فلا يجوز أن يحمل المخاطب هذا اللفظ على إرادة البيع.

القاعدة السابعة بعد المئة [تأخير إقامة الفرض]

القاعدة السّابعة بعد المئة [تأخير إقامة الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز تأخير إقامة الفرض مع التّمكّن من إقامته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرض: هو ما طلب الشّارع فعله طلباً جازماً بدليل قطعي، ورتّب على فعله الثّواب وعلى تركه العقاب - كما ذكر قبلاً أكثر من مرّة - كالصّلاة والزّكاة وغيرها. فعلى ذلك يحرم تأخير إقامة الفرض وأدائه ما دام المكلّف قادراً على إقامته وفعله بعد وجود سببه. ولكن إذا كان المكلّف غير قادر على إقامة الفرض في وقته بعذر مشروع فيجوز له تأخيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل وقت الصّلاة وجب على المكلّف القادر إقامتها، ولا يجوز له تأخيرها حتى يخرج وقتها. ومنها: مَن ملك النّصاب وحال عليه الحول وجب عليه إخراج الزّكاة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 117.

ومنها: القدرة على قتال الكفّار أو المرتدّين لا يجوز تأخيره. ومنها: من ملك الزّاد والّراحلة وجب عليه الحجّ على الفور من سنته عند كثيرين ولا يجوز له التّأخير.

القاعدة الثامنة بعد المئة [ترك المسلمين سدى]

القاعدة الثّامنة بعد المئة [ترك المسلمين سُدَى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز ترك المسلمين سُدىً ليس عليهم مَن يُدَبِّر أمرهم في دار الإِسلام ولا دار الحرب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سُدىً: أي هملاً لا راعي لهم ولا إمام. فلا يجوز أن يترك المسلمون هملاً ليس لهم راع ولا إمام أو أمير أو قائد يدبّر أمورهم ويصلح ذات بينهم، ويأخذ على يد الظّالم وينصر المظلوم ويمنع التّظالم سواء في ذلك دار الحرب أو دار الإسلام، وإلا عمَّت الفوضى وأكل القوي الضّعيف، وهلك النّاس. دليل هذه القاعدة: فعله صلّى الله عليه وسلّم، وقوله عليه الصّلاة والسّلام: "لا يحلّ لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا عليهم أحدهم" رواه أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال صلّى الله عليه وسلّم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا عليهم أحدهم" رواه أبو داود رحمه الله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه مثله (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 803. (¬2) ينظر منتقى الأخبار الأحاديث 4936 - 4938.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

هذا في الثّلاثة ففي الأكثر بطريق الأولى والأوجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأمّة ككل يجب أن يكون لها قائد يقودها وسائس يسوسها، ويكون رمزاً لوحدتها وقوّتها لكي تهابها الأمم وتحسب حسابها الأعداء. ومنها: القافلة لحجّ أو سفر لا بدّ أن يكون لها أمير ومسؤول عنها وإلا دبّت فيها الفوضى وتعطّل سيرها وتنازع النّاس فيها لاختلاف آرائهم وأهوائهم. ومنها: الدّائرة أو المدرسة لا بدّ لها من مدير أو رئيس يدبّر أمورها ويشرف على سير العمل فيها.

القاعدة التاسعة بعد المئة [الحقيقة والمجاز]

القاعدة التّاسعة بعد المئة [الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز مقصودين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لغويّة بلاغيّة فقهيّة أصوليّة. الحقيقة: من حُقّ الشّيء: إذا ثبت، والأصل فيها: الكلمة الحقيقة، ثمّ حذف الموصوف وأقيمت الصّفة مقام الموصوف، ونقلت من الوصفيّة إلى الاسميّة. واصطلاحاً: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له وضعاً أوّل، كلفظ الأسد للحيوان المعروف. والمجاز: من جاز يجوز إذا عبر. وفي الاصطلاح: الكلمة المستعملة في غير ما وُضِعت له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي. والأصل في الكلام الحقيقة - كما سبق بيانه -، والمجاز فرع الحقيقة، فلكلّ مجاز حقيقة، وليس لكلّ حقيقة مجاز. ومفاد هذه القاعدة: أنّه لا يجوز أن تدلّ الكلمة واحدة على المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في آن واحد قصداً - أي أن يقصد ¬

_ (¬1) شرح السير ص 430، ومسلم الثبوت جـ 1 ص 216، هامش المستصفى. وعنه قواعد الفقه ص 110.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كلّ واحد منهما - وهذا منعه جمهور أهل العربية وجميع الحنفيّة، وجمع من المعتزلة والمحقّقون من الشّافعيّة، ولكن يمكن الجمع بين الحقيقة والمجاز تبعاً غير مقصود. وعند الشّافعيّة يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز - أي أن تدلّ الكلمة وتستعمل في معنييها معاً إلا إذا استحال الجمع عقلاً (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لإنسان موال ولمواليه موالٍ (¬2)، فلا يدخل موالي الموالي في الوصيّة أو الوقف؛ لأنّ موالي الإنسان في الحقيقة هم مَن أعتقهم، أو أعتقوه. وأمّا موالي الموالي فهم موال لهم مجازاً، فلا يدخلون في الوصيّة، أو الوقف للموالي، ولا يجمع بينهما (¬3). ومنها: إذا أوقف على ولده، وله ولد وولد ولد. فلا يدخل ولد الولد, لأنّ ولده في الحقيقة هم من كانوا من صلبه، وأمّا ولد ولده فهو ولد له مجازاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال الحربي: آمنوني في موالي. وله موال وموالي موالٍ. كانوا جميعاً آمنين استحساناً؛ لأنّ اسم المولى لمعتقه حقيقة، ولمعتق ¬

_ (¬1) المصدران السابقان، وإرشاد الفحول جـ 1 ص 132. (¬2) المراد بالموالي: إما الأرقّاء الذي أعتقهم سيّدهم، أو هم الأسياد الذين أعتقوا عبيدهم. فلفظ الموالي يعم الجانبين. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 135.

معتقه مجازاً، والأمان مبني على التّوسّع. ومنها: في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (¬1). يتناول الأمّ والجدّات جميعاً. ¬

_ (¬1) الآية 23 من سورة النساء.

القاعدة العاشرة بعد المئة [الجمع بين الحقين]

القاعدة العاشرة بعد المئة [الجمع بين الحقّين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز الجمع بين الحقّين لمستحقّ واحد بمقابلة محلّ واحد (¬1). عند الشّافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختصّ بالمسائل التي يجتمع فيها حقّ الله وحقّ العبد، فليس للعبد المستحقّ أن يجمع بين حقّ الله عَزَّ وَجَلَّ وحقّه بمقابلة محلّ واحد أو عوض وبدل عن محل واحد أو بسبب أمر واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القتل العمد العدوان، فيه حقّان: حقّ الله سبحانه وتعالى، وهو القصاص زجراً، وحقّ العبد وهو الغرامة - أي الدّيّة - ولا يجتمعان، فلا يجوز تنفيذ القصاص في القاتل مع تغريمه الدّيّة. فإن اختار الولي القصاص مُكِّنَ منه، وإن عفا عن القصاص، فله الدِّيّة؛ لأنّ الله عزّ وجلّ رخص لأمّة محمَّد صلّى الله عليه وسلّم للولي: إن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدِّيّة، وإن شاء عفا (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 61. (¬2) ينظر الأم جـ 12 ص 31، وروضة الطّالبين جـ 7 ص 104.

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [جواز الشهادة والقضاء]

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [جواز الشّهادة والقضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز قضاء مَن لا تجوز شهادته له، ومن جازت شهادته عليه جاز قضاؤه عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادة لا تجوز لأسباب تتعلّق بالرّوابط التي تربط بين الشّاهد والمشهود له أو عليه، أو تورث شبهة منفعة تعود على الشّاهد بشهادته. فبناء عليه لا يجوز أن يقضي قاضٍ لمصلحة شخص لا تجوز شهادته له، ولا ضدّ مصلحة شخص لا تجوز شهادته عليه. لكن مَن جازت شهادته عليه جاز أن يكون قاضياً فيقضي على من جازت شهادته عليه، لانتفاء الشّبهة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت لا تقبل شهادة الوالد لولده، وإن سفل، ولا شهادة الولد لوالده وإن علا - وهو قول أكثر أهل العلم - فبناء على هذه القاعدة لا يجوز أن يقضي والد لولده ولا ولد لوالده. ومنها: إذا كانت لا تقبل شهادة أحد الزّوجين لصاحبه، فبناء ¬

_ (¬1) الفرائد ص 83 عن الخانية جـ 2 ص 449 فما بعدها.

على هذه القاعدة لا يصحّ قضاء زوج لزوجته. ومنها: لا تجوز شهادة السّيّد لعبده، ولا العكس، وعلى ذلك لا يصحّ قضاء السّيّد لعبده. ولكن في كلّ ما سبق يجوز القضاء على مَن لا تقبل شهادته له. فيجوز أن يقضي الوالد على ولده. والزّوج على زوجته.

القاعدتان الثانية والثالثة عشرة بعد المئة [الاستيلاء على مال الغير]

القاعدتان الثّانية والثّالثّة عشرة بعد المئة [الاستيلاء على مال الغير] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي (¬1). وفي لفظ: لا ينزع شيء من يد أحد إلا بحقّ ثابت معروف (¬2). وفي لفظ: ليس لأحد أن يحدث مرجاً في ملك غيره ولا يتّخذ فيه نهراً ولا بئراً ولا مزرعة إلا بإذن صاحبه، ولصاحبه أن يحدث ذلك كلّه (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالسّبب الشّرعي: ما جعله الشّرع سبباً للملك وجواز التّصرّف، كالبيع والهبة والإرث والوصيّة الخ. وهذه القواعد تفيد أحكاماً شرعيّة مبناها على حياطة ورعاية الملكيّة الخاصّة وهو تحريم أخذ مال الغير والاستيلاء عليه - سواء كان ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1045، وشرح الخاتمة ص 73، المجله المادة 97، المدخل الفقهي الفقرة 655 قواعد الفقه ص 110. (¬2) المدخل الفقهي الفقرة 711. (¬3) كتاب الخراج لأبي يوسف ص 103 وقد سبقت ضمن قواعد حرف اللام تحت الرقم 41.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

الآخذ الإمام أو الأفراد - بغير سبب شرعي يجيز ذلك ويبيحه، أو إذن صاحبه، وإلا كان الآخذ غاصباً آثماً وضامناً لما أخذ. وأدلّة هذه القواعد: أولاً: من الكتاب العزيز قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬1). وأخذ مال الغير بلا سبب شرعي من أكل الأموال بالباطل. ثانياً: من السّنّة المطهّرة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه" أو "بطيب نفسه" رواه الدارقطني. وقوله صلّى الله عليه وسلم: "لا يحلّ لأحد أن يأخذ متاع أخيه لاعباً ولا جادّاً، فإن أخذ أحدكم عصا أخيه فليردّها عليه" رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي. ولأنّه إذا لم يكن للشّخص حقّ التّصرّف القولي في مال الغير بلا إذنه، فبالأولى ليس له أخذ مال غيره بلا مسوِّغ شرعي. فإذا أخذه كان ضامناً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: لا يجوز للحاكم أن يأخذ المال لنفسه، أو لبيت المال على وجه التّعزير، بل يمسك ما أخذ مدّة لينزجر ثمّ يعيده الحاكم إليه، وإلا كان ¬

_ (¬1) الآية 188 من سورة البقرة. والآية 29 من سورة النساء.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

غاصباً ظالماً. ومنها: إذا التقط شخص لقطة بِنيَّة تملّكها - لا تعريفها - كان غاصباً ضامناً. ومنها: الضّرائب المتنوعة التي تفرض على النّاس بحجّة المصلحة العامّة ضرائب ظالمة ومن أكل أموال النّاس بالباطل. ومنها: لا يجوز لأحد أن يشقّ طريقاً في أرض غيره بغير إذنه. ولا يجعل من أرض غيره مسرحاً لدوابه ومرعى. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: مسألة الظّفر: وهي ما إذا كان لشخص دين على شخص آخر فماطله أو جحده، فللدائن أخذ حقّه الصّحيح الثّابت من مال المدين الجاحد، ولو بدون علمه، إذا كان من جنس حقّه. وعلى قول: أو من غير جنس الدّين. ولا إثم عليه.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المئة [التصرف في ملك الغير]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد المئة [التّصرّف في ملك الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز لأحد أن يتصرّف في ملك الغير - أو حقّه - بلا إذن ولا ولاية في مال غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقاتها، وإن كانت أعمّ منها موضوعاً، التّصرف في ملك الغير أو حقّه يشمل التّصرّف القولي والتّصرّف الفعلي بغير إذن المالك. وكلّ ذلك يعتبر اعتداء على حقّ المالك. وعدم الجواز شامل لجميع أنواع التّصرّف من استعمال أو إعارة أو إيداع أو إجارة أو هبة أو بيع أو رهن أو غير ذلك من أنواع التّصرّفات. والتّصرّف الفعلي دون إذن معناه المنع الموجب للضّمان. والتّصرّف القولي معناه عدم النّفاذ. والإذن قد يكون صريحاً وقد يكون دلالة. وقد يكون ولاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز للأمّ أن تبيع مال ولدها الصّغير لنفقتها؛ إذ لا ولاية لها ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 283، شرح الخاتمة ص 73، المجلة المادة 96، المدخل الفقرة 653. الوجيز مع الشرح والبيان ص 390.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

في التّصرّف حال الصّغر، ولا في الحفظ حال الكبر. ومنها: يضمن مودَع الابن الغائب، لو أنفق الوديعة على أبوي الابن الغائب بلا أمر قاض. ومنها: إذا صلّى على الجنازة غير الولي أو السّلطان أو القاضي بلا إذن الولي، أعادها الولي إن شاء؛ لتصرّف الغير في حقّه بلا إذن. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: يجوز للولد والوالد الشّراء بمال المريض منهما ما يحتاج إليه بغير إذنه. ومنها: إذا مات بعض الرّفقة في السّفر فجهّزوه بمال معه، جاز ولم يضمنوا. ومنها: إذا أغمي عليه، فأنفقوا عليه من ماله، لم يضمنوا استحساناً.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئة [مخالفة الإجماع]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئة [مخالفة الإجماع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يجوز مخالفة الإجماع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجماع لغة: فيه معنى الاتّفاق والغرم. وفي الاصطلاح: هو اتّفاق المجتهدين من أمّة محمَّد صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته في عصر على حكم شرعي. والإجماع إمّا أن يكون سنده متواتراً، وإمّا أن يكون غير متواتر. فإن كان الإجماع متواتراً فهذا الّذى لا تجوز مخالفته، ومنكره كافر. وحكمه حكم الخبر المتواتر. وهو موضوع القاعدة. وأمّا إذا كان الإجماع غير متواتر فيأخذ حكم الخبر غير المتواتر (¬2) أي خبر الآحاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اجتهد حاكم في مسألة اجتهاديّة، ونفذ حكمه، ثمّ جاء حاكم أخر يرى خلافه فعليه أن يمضي ذلك الحكم، وليس له أن يبطله؛ لأنّه أمضى الحكم في فصل مجتهد فيه، والحكم في المجتهدات نافذ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 897 وعنه قواعد الفقه ص 110. (¬2) الكليات ص 42 - 44.

بالإجماع. ففي إبطاله مخالفة للإجماع وذلك لا يجوز. ومنها: فرض الجزية على المسلمين محرّم بالإجماع، فإذا فرض حاكم الجزية على مسلمي بلده أو الطّارئين عليها فيكون مخالفاً للإجماع المقطوع به. وذلك لا يجوز. ومنها: ثبت بإجماع الصّحابة رضوان الله عليهم إعطاء الجدّة السّدس - عند عدم الأم - فإذا منعها حاكم من هذا السّدس أو أعطاها أكثز منه، فهذا حكم باطل؛ لأنّه مخالف للإجماع المقطوع به وذلك لا يجوز.

القاعدة السادسة عشرة بعد المئة [الحق المجهول - التحليف]

القاعدة السّادسة عشرة بعد المئة [الحقّ المجهول - التّحليف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يُحَلِّف القاضي على حقّ مجهول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ الدّعوى لا تصحّ إذا جهل أحد أركانها. كالمدّعَى عليه، أو المدَعى به أو المدَّعِي. وإذا لم تصحّ الدّعوى لم يصحّ التّحليف. ففي هذه القاعدة بيان أنّ القاضي لا يجوز له أن يحلِّف المدّعَى عليه على حقّ مجهول يطالب به المدَّعِي، بناء على أنّ الدّعوى غير صحيحة, لأنّ المدَّعَى به مجهول. وينظر القاعدة رقم 23 من قواعد حرف الجيم والقاعدة 57 من قواعد حرف التّاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى أحد الشّريكين على شريكه خيانة مبهمة، وطلب من القاضي تحليفه، فلا يُحَلِّفه؛ لأنّ المدّعَى به مجهول. ومنها: إذا ادّعى رجل على آخر استهلاك مال، أو خيانة في وصيّة، أو في وفاء بعض الدّين، وطلب من القاضي تحليف خصمه ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 218 وعنه قواعد الفقه ص 111.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يعدّ قوله: لم أعلم مقداره، أو نسيت. لا يلتفت القاضي إلى قوله؛ لأنّ اليمين تترتّب على صحّة الدّعوى. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا اتّهم القاضي وصيّ اليتيم بخيانة في مال اليتيم، فله أن يحلِّفه، وإن كان المدّعَى به مجهولاً. ومثله متولّي الوقف؛ وذلك نظراً لليتيم والوقف. ومنها: إذا ادّعى المودِع على المودَع خيانة مطلقة فإنّه يحلّفه. ومنها: الرّهن المجهول وفي دعوى الغصب، ودعوى السّرقة. ففي هذه الحالات الثّلاث تسمع الدّعوى بالمجهول ويجوز فيها التّحليف (1).

القاعدة السابعة عشرة بعد المئة [البيع لأعداء المسلمين]

القاعدة السّابعة عشرة بعد المئة [البيع لأعداء المسلمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا لأعدائهم ما يتقوّون به على قتال المسلمين (¬1). ولا رخصة في تقويتهم على محاربة المسلمين (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة أصل عظيم في معاملة أعداء الإسلام، وأعداء الأمّة الإِسلاميّة، لو وعاها المسلمون وعملوا بمدلولها، فإنّه يحرم على المسلمين أن يبيعوا لأعدائهم وأعداء دينهم ما يكون قوّة لهم على قتال المسلمين، مهما كان نوع هذه السّلعة، ما دامت تدخل في صنع السّلاح أو الأدوات والأجهزة والمخترعات التي تقوّيهم علينا وعلى قتالنا، فكأنّنا ببيع هذه السّلع لهم نقتل أنفسنا ونشجّعهم على قتالنا وقتلنا واستباحة ديار الإسلام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز بيع السّلاح لأعداء الدّين من الكفّار والخارجين؛ لأنّهم بهذا السّلاح يحاربوننا ويقوون علينا. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1243. (¬2) نفس المصدر ص 1409 وص 567 فما بعدها.

ومنها: لا يجوز بيع الخيل والمراكب التي يمكن أن تستعمل في الحرب. ومنها: إذا حاصر المسلمون حصناً من حصون الكفّار، فلا يجوز للمسلمين أن يبيعوا للمحاصرين طعاماً أو شراباً حتى يستسلموا، ويخرجوا على حكم الله تعالى؛ لأنّ بيع الطّعام وغيره منهم سبب عظيم لتقويتهم وصبرهم على الحصار وبقائهم في حصنهم. فلا يحلّ لأحد من المسلمين أن يبيعهم شيئاً من ذلك. ومنها: لا يحلّ ولا يجوز استقدام عمّال أو خبراء من دولة كافرة يضطّهد فيها المسلمون ويقتلون ويشرّدون؛ لأنّ الأموال التي يأخذونها تساعدهم وتقوّيهم على المسلمين عندهم. ومنها: في عصرنا الحاضر لا يجوز للمسلمين أن يبيعوا للكفار المواد التي تدخل في صنع الأسلحة والآلات الحربيّة كالحديد والمعادن والبترول واليورانيوم والماء الثّقيل وغيرها من المعادن والمواد التي تدخل في صنع الأسلحة الفتّاكة المتطوّرة التي تقوّيهم علينا ويحاربوننا بها - وإن كنّا في حاجة إلى المال؛ لأنّ في تقويتهم علينا ضياع أمننا واستقرارنا وحريّاتنا وأموالنا. والله المستعان.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المئة [كلام العاقل]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد المئة [كلام العاقل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يحمل كلام العاقل على اللغو إلا إذا تعذّر حمله على الصّحّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اللغو من الكلام هو الباطل الّذي لا فائدة ولا منفعة ولا مصلحة من ورائه. فالعاقل حريص على ما يخرج من فيه، فإذا تكلّم بكلام يجب حمله على الصّحّة والمصلحة، لكنه إذا تعذّر واستحال حمله على الصّحّة - ففي هذه الحال - يكون لغواً باطلاً. وحمل الكلام على الصّحّة إمّا أن يحمل على حقيقته وإمّا يحمل على مجازه، فإذا تعذّر الحمل على الحقيقة أو المجاز بطل ولغا. وينظر القاعدة رقم 29 من قواعد حرف الكاف ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص مسلم: شربت شراباً. فيجب حمله على ما يصحّ شربه ويحلّ، ولا يجوز حمله على شراب محرّم، أو أنّه كذب في قوله. ومنها: إذا قال رجل: ركبت اليوم بحراً. وهو في مكان ليس ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 17.

فيه بحر حقيقي، وليس عنده فرس سريع الجري يشبه البحر. ففي هذه الحال يعتبر كلامه لغواً باطلاً؛ لأنّه تعذر حمله على حقيقته أو على مجازه.

القاعدة التاسعة عشرة بعد المئة [الوطء]

القاعدة التّاسعة عشرة بعد المئة [الوطء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يخلو الوطء - بغير ملك اليمين- عن مهر أو حدّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوطء: جماع المرأة ونكاحها. الوطء له طريقان شرعيان: العقد بشروطه وملك اليمين بشروطه. ووطء المرأة غير الأمة إمّا أن يكن عن طريق شرعي بعقد النّكاح، وإمّا أن يكون عن طريق غير شرعي وهو الزّنا والسّفاح. فالوطء عن طريق العقد - سواء كان صحيحاً أم فاسداً أم بشبهة - فهو موجب للمهر بالغاً ما بلغ، إمّا مسمّى، وإمّا مهر المثل. وإن كان عن طريق غير شرعي فهو موجب للحدّ - أي العقوبة المقدّرة شرعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد رجل عقد نكاح على امرأة - ولو كان العقد فاسداً لفقده أحد شروط صحّته - فإذا دخل الرّجل بالمرأة وجب عليه مهرها. فإذا كان المهر مسمّى فيجب كما سمّي، وإن لم يكن المهر مسمّى أو كان المهر خمراً أو خنزيراً أو شيئاً لا يجوز أن يكون مهراً فيجب مهر ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 335.

المثل. ومنها: إذا زنى رجل بامرأة فيجب عليه الحدّ الشّرعي، إذا كان الزّاني بكراً وجب حدّه وجلده مئة جلدة وتغريب عام، وأمّا إن كان الزّاني ثيباً - محصناً - فحدّه الرّجم بالحجارة حتى الموت.

القاعدة العشرون بعد المئة [الإدخال في الملك - تمليك الغير]

القاعدة العشرون بعد المئة [الإدخال في الملك - تمليك الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يدخل شيء في ملك الإنسان بغير اختياره، إلا الميراث (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المِلك: هو القدرة على التّصرّف، أو هو: اتّصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقاً لتصرّفه فيه وحاجزاً عن تَصرّف غيره فيه (¬2). والمِلك والتّملّك له أسباب شرعيّة ليكون شرعيّاً فما جاء عن غير طريقها لا يكون مشروعاً. والملك يجب أن يكون عن رضاً من المالك، فلا يجوز أن يدخل شخص شيئاً في ملك شخص آخر بغير رضاً منه واختيار. وينظر أيضاً القاعدة 137. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز أن يبيع شخص أرضاً أو سيّارة أو دابّة لشخص آخر ويدخلها في ملكه بغير رضاً منه واختيار. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 34 أ، قواعد الحصني جـ 4 ص 186. أشباه السيوطي - عن قواعد العلائي ص 317. (¬2) القاموس الفقهي ص 340 عن التعريفات ص 247. والتوقيف عنه ص 675.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا لم يقبل الفقير الصّدقة ولو حكماً لا يملكها. ومنها: إذا وهب شخص لآخر هبة فإذا أبى الموهوب له قبضها لا يكره على ذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الإرث يدخل في ملك الوارث بغير اختياره؛ لأنّ الإرث ملك إجباري ينتقل من المورّث إلى الوارث بمجرّد موت المورّث، ولو رفض الوارث الميراث لا يعتبر رفضه.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [اليقين]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [اليقين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يُزال اليقين إلا بيقين مثله (¬1). أو لا يُترك (¬2). وفي لفظ: ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين (¬3). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: الذّمّة إذا أعمرت بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله (¬4). وسبقت ضمن قواعد حرف الذّال تحت رقم 4. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة "اليقين لا يزول بالشّكّ"، الآتية ضمن قواعد حرف الياء إن شاء الله تعالى؛ لأنّه إذا كان اليقين - أي المقطوع به - لا يرتفع ولا يزول بالشّكّ؛ لأن الشّكّ أضعف من اليقين، فإنّه من البدهي أنّ اليقين يرتفع ويزول ويترك بيقين مثله طارئ عليه لتساويهما في القوّة. وينظر القاعدة 50 من قواعد حرف ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 78. (¬2) نفس المصدر ص 219. (¬3) أشباه السيوطي ص 55، أشباه ابن نجيم ص 59، 199. والمبسوط جـ 24 ص 13 قريب منه. (¬4) إيضاح المسالك القاعدة 26، وينظر الوجيز ص 182 مع الشرح والبيان.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الشّين. والقاعدة رقم 4 من قواعد حرف الذّال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أشغلت ذمّة المكلف بواجب كالصّلاة يقيناً فلا تبرأ ذمّته إلا بالأداء الصّحيح يقيناً. ومنها: من نسي صلاة من الخمس، تلزمه الخمس، حتى يحصل اليقين بأداء الصّلاة المنسيّة. ومنها: من عليها صيام وشكّت في قدره، فعليها الصّيام الّذى تبرأ به الذّمّة يقيناً، وهو الأكثر. ومنها: إذا علمنا بعقد زواج فلان على فلانة، ومضى على ذلك زمن فإنّنا نستصحب هذا اليقين وننسب إليه الأولاد منها. حتى نعلم يقيناً أنّه قد طلّقها.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المئة [الحق غير المتقوم]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد المئة [الحقّ غير المتقوّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يستحقّ العوض عن الحقّ الّذي ليس بمتقوّم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقّ إمّا أن يكون متقوّماً - أي له قيمة مادّيّة وثمن يقدّرهما أهل الخبرة - وإمّا أن يكون الحقّ غير متقوّم أي ليس له مقابل مادّي، ولا يدخل تحت تقويم المقومين. فالحقّ المتقوّم يستحقّ صاحبه العوض عند هلاكه أو استهلاكه أو إتلافه بفعل غيره أو تنازله عنه لغيره. وأمّا الحقّ غير المتقوّم فلا يستحقّ صاحبه عِوضاً له؛ لأنّه مجرّد حقّ شرعه الشّرع الحكيم لمصلحة من دفع ضرر متوقّع أو جلب مصلحة لصاحبه، وينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة 54. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سلَّم شفعته بمال، أو باع شفعته، أو أخذ مالاً عن كفالة بالنّفس بدلاً عنها. لا يجوز ذلك، وتعتبر شفعته ساقطة باطلة، ولا حقّ له في المطالبة بها بعد ذلك، وكذلك الكفالة بالنّفس إذا أخذ بدلاً عنها مالاً، فلا يستحقّه وكلّ مال أخذ عن هذين الطّريقين فهو باطل مردود على صاحبه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 118.

ومنها: امرأة عنين ثبت لها الخيار - أي إمّا أن تبقى مع الزّوج وإمّا أن تختار نفسها فيفسخ النّكاح بينهما - فإذا أخذت مالاً من الزّوج على أن تختاره وتبقى معه، لا تستحقّ المال وسقط خيارها. لأنّ خيارها شرعه الشّارع دفعاً للضّرر عنها، فرضاها بأخذ المال يدلّ على أنّه لا ضرر عليها من بقائها مع الزّوج، فيسقط خيارها. ففي كلّ هذه المسائل وأمثالها يجب ردّ المال؛ لأنّ هذه حقوق غير متقوّمة. ويسقط الحقّ.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئة [أعظم الضررين وأدناهما]

القاعدة الثّالثة والعشرون بعد المئة [أعظم الضّررين وأدناهما] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يستفاد أعظم الضّررين عند التّصريح بأدناهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وُجِد التّصريح من صاحب الشأن بالرّضا بضرر خفيف فلا يدلّ ذلك على الرّضا بالضّرر الأعظم والأشدّ، بخلاف العكس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر رجل حانوتاً ليبيع فيه ثياباً، أو يفتح مصنعاً لخياطة الملابس، فليس له أن يجعل منه ورشة لصيانة السّيّارات؛ لأنّ صاحب الحانوت إنّما رضي بالضّرر الخفيف لا بالشّديد. ومنها: إذا استأجر داراً للسّكنى، فليس له أن يجعلها مصنعاً؛ لأنّ ضرر المصنع أشدّ، إلا إذا استأجرها ليفعل بها ما شاء. وهذا أيضاً مقيد الآن بشروط تنظيم المدن. ومنها: إذا استأجر أرضاً ليزرعها، فليس له أن يغرس فيها زيتوناً أو نخلاً؛ لأنّ ضرر الغرس أشدّ من ضرر الزّراعة، وعمل الغرس غير عمل الزّراعة، والتّفاوت بينهما في الضّرر على الأرض ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 86.

فاحش. ومنها: إذا أباح الشّارع ضرب الزّوجة عند النّشوز - ولم تنفع معها الموعظة ولا الهجران في المضجع - فليس للزّوج أن يضربها ضرباً مبرّحاً أو يكسر لها عظماً، أو يشوّه لها وجهاً. ومنها: إذا أمر الشّارع بضرب الأولاد لعشر إذا لم يصلوّا، فكذلك لا يجوز الضّرب المبرح ولا كسر العظيم أو تشويه الوجه.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئة [استفادة الأعلى]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد المئة [استفادة الأعلى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يستفاد بالشّيء ما هو فوقه في محلّ فيه حقّ الغير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط وصلة بسابقتها، وإن كانت مختلفة عنها موضوعاً. فالسّابقة موضوعها نفي الضّرر الأشدّ إذا كان الرّضا بالأخفّ، وهذه موضوعها أعمّ لأنّها عُبِّر بها عن الشّيء، والشّيء أعمّ من كونه ضرراً أو نفعاً. فمفادها: أنّ الشّيء المتّفق عليه لا يدلّ على جواز الاستفادة ممّا هو أعلى منه وفوقه أو أعمّ منه إذا كان ذلك متعلّقاً بحقّ الغير. فالرّضا بالأدنى لا يكون رضاً بالأعلى ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أذن المضارب لعبد من المضاربة بالتّجارة، فهل يجوز على ربّ المال؟ قيل: لا يجوز؛ لأنّ الإذن العام أعمّ من المضاربة؛ لأنّ الإذن فكّ الحَجْر عموماً فهو فوق المضاربة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 39، وجـ 26 ص 26.

ومنها: هل للمأذون عبداً أو صبياً أن يكاتب عبده؟ قالوا: ليس له ذلك؛ لأنّ المأذون انفكّ عنه الحجر في التّجارة، والكتابة ليست بتجارة، والمأذون فيما ليس بتجارة كالمحجور. والفك بالكتابة فوق الفكّ الثّابت بالإذن، إلا إذا أجاز مولاه ذلك، ولم يكن على المأذون دين. ومنها: المضارب ليس له أن يتزوّج من مال المضاربة؛ لأنّ مال المضاربة يراد به التّجارة والرّبح، والزّواج ليس من التّجارة. ومنها: إذا سمح لعابر أن يعبر أرضه سائراً على قدميه فلا يجوز له أن يعبر فيها بالسّيّارة أو بالدّابّة.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة [الحكم الأصلي والعوارض الجزئية]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد المئة [الحكم الأصلي والعوارض الجزئية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يسقط الحكم الأصلي بالعوارض الجزئية (¬1). وفي لفظ: ما ثبت حكماً أصليّاً لا يسقط بالعوارض الجزئية (1). وتأتي في قواعد حرف الميم إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحكم الأصلي: الحكم العامّ المشروع بناءً على القواعد المستقرّة. والمراد بالعوارض الجزئية: الطّوارئ النّادرة. فالحكم الثّابت أصالة لا يسقطه وجود أمر طارئ عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تعيين النّيِّة شرط لصحّة الصّلاة في سعة الوقت؛ لأنّ النّيَّة شرعت هنا لتمييز العبادة المطلوبة عن غيرها من جنسها، فإذا طرأ عارض من نسيان أو نوم أو إغماء أو تقصير من العبد إذ أخّرها إلى الوقت المضيق، وتذكّر في الوقت الضّيّق - الّذي لا يتّسع إلا لصلاة الوقت، فلا تسقط نيّة التّعيين؛ لأنّ ما ثبت حكماً أصليّاً، وهو وجوب التّعيين بناء على سعة الوقت لا يسقط بالعوارض، ولأنّ التّقصير لا ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 75.

يصلح سبباً لسقوط الحقّ. ومنها: العصمة الثّابتة بالإسلام والدّار لا تسقط بعارض دار الحرب، فإذا دخل مسلمان دار الحرب وقتل أحدهما صاحبه خطأ تجب الدّيّة؛ لأنّ الأصل وهو العصمة لم تبطل بهذا العارض. ومنها: وجوب الجزاء على المحرم إذا ذبح ظبياً مستأنساً؛ لأنّه صيد في الأصل، فلا يبطله الاستئناس. ومنها: البعير إذا ندّ لا يأخذ حكم الصّيد على المحرم، فيحلّ عقره له.

القاعدة السادسة والعشرون بعد المئة [البدلان]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد المئة [البدلان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يُسَلَّم للمرء بدلان عن شيء واحد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للشّيء الواحد بدل واحد يقابله. وللسّلعة ثمن واحد يقابلها، ولذلك لا يصلحّ أن يسلَّم للشّخص الواحد بدلان عن شيء واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص شِربَ أرض - أيّ حقّ شربها ومرور الماء بها - وحده - بجارية - وهذا عقد فاسد؛ لأنّ الشّرب من المنافع الّتي لا تباع منفردة كما سبق ذكره - ثمّ إنّ الجارية وطئها إنسان فأخذ المشتري العقر - أي المهر - من الواطئ، ثمّ ولدت الجارية عند المشتري وماتت، فعلى المشتري ردّ قيمتها إلى البائع (¬2) وردّ ولدها أيضاً؛ لأنّ المشتري أخذ بدل الوطء، وليس الولد بعد الانفصال عوضاً عن جزء مضمون منها، ولا تبعاً لها. وليس للمشتري أخذ الولد؛ لأنّه بذلك يسلّم له بدلان عن شيء واحد - أي المهر والولد عن الوطء، وذلك ليس بمشروع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 195. (¬2) لأنّ العقد الفاسد مضمون بالقيمة.

ومنها: اشترى سيّارة بخمسين ألفاً سلّمها للبائع. وأراد البائع - بعد تمام العقد - أن يستولي على سيّارة للمشتري قديمة أو متوسطة أو جديدة - ليجعلها أيضاً في مقابلة السّيّارة المباعة، فليس له ذلك؛ لأنّ بدل السّيّارة ثمنها وهو الخمسون ألفاً، ولا حقّ له في سيّارة المشتري الثّانية، ولأنّه لا يسلّم للشخص بدلان عن شيء واحد. إلا إذا اشترط البائع السّيّارة القديمة مع الخمسين ألفاً، فيكونان ثمناً واحداً وبدلاً واحداً للسّيّارة المُشتراة.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المئة [شرع الله - الحكم لله]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد المئة [شرع الله - الحكم لله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يشرع إلا ما شرعه الله ولا يحرم إلا ما حرَّمه الله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أدلّة هذه القاعدة: لهذه القاعدة أدلّة من الكتاب الكريم كثيرة تدلّ دلالة واضحة أنّ الحكم والأمر كلَّه لله عَزَّ وَجَلَّ: من هذه الأدلّة قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (¬2). وقوله جلّ ذكره: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} (¬3). وقوله سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬4). وقوله سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)} (¬5). ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 201. (¬2) الآية 57 من سورة الأنعام. (¬3) الآية 62 من سورة الأنعام. (¬4) الآية 40 من سورة يوسف. (¬5) الآية 67 من سورة يوسف.

وقوله سبحانه: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)} (¬1). وجعل سبحانه كلّ حكم غير حكمه حكماً جاهليّاً فقال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} (¬2). فالمسلم ملتزم بشرع الله سبحانه وتعالى حيثما وجد، وفي كلّ وقت وآن، فلا يجوز لمسلم - حاكم أو محكوم - أن يشرع شرعاً أو يسنّ نظاماً أو قانوناً غير ما شرعه الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل الله عَزَّ وَجَلَّ تحكيم شرعه علامة الإيمان فقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (¬3). ولم يجعل الله سبحانه وتعالى خيرة لعباده أمام شرعه فقال عزّ من قائل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (¬4). فشرع الله في كتابه ¬

_ (¬1) الآية 70 من سورة القصص. (¬2) الآية 50 من سورة المائدة. (¬3) الآية 65 من سورة النساء. (¬4) الآية 36 من سورة الأحزاب.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وعلى لسان رسوله واجب الاتباع ولا يجوز مخالفته بحال. فلا حلال إلا ما أحلّ الله ولا مفروض إلا ما فرضه الله ولا حرام إلا ما حرّمه الله - في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فلا يجوز لمسلم كائناً من كان أن يحرّم شيئاً لم يحرّمه الله سبحانه وتعالى، فكلّ شرع بغير ما شرع الله باطل مرفوض، وكلّ محرّم غير ما حرم الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه أو على لسان رسوله فتحريمه باطل، وهو باق على الأصل من الحلّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز أن يشرع عبادة غير ما شرع الله عَزَّ وَجَلَّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلا يجوز شرع عيد أو اجتماع - واعتبار ذلك من الدّين - غير عيدي الفطر والأضحى. ومنها: لا يجوز أن يحرم حاكم على النّاس أكلّ نوع من اللحوم أو المأكولات غير ما حرّمه الله عَزَّ وَجَلَّ، كما ليس له أن يبيح شيئاً ممّا حرَّم الله عَزَّ وَجَلَّ كالخمور وبيع لحم الخنزير، وغير ذلك ممّا حرَّم الله. ومن فعل ذلك مستبيحاً له فهو كافر خارج من دين الإِسلام. ومنها: لا يجوز أن يبيح حاكم مسلم يدّعي الإسلام أن يبيح للنّساء السّفور والاختلاط بالرّجال، فكيف إذا كان يحارب حجاب المرأة المسلمة ويعاقبها على لبسه ويبيح الزّنا والفجور؟ فهذا زنديق كافر بإجماع المسلمين. والله المستعان.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والعشرون بعد المئة [الإبراء عن المجهول وعما لم يجب]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة والعشرون بعد المئة [الإبراء عن المجهول وعمّا لم يجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: 1 - لا يصحّ الإبراء عن المجهول (¬1). 2 - لا يصحّ الإبراء عمّا لم يجب ولا جرى سبب وجوبه، في الأظهر (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإبراء: إسقاط الحقّ، وإخلاء الذّمّة منه، أو هو تمليك الحقّ لمن هو عليه. فالقاعدة الأولى تفيد: أنّ المجهول لا يصحّ إسقاطه، ولا إبراء الذّمّة عنه، ومفهومها أن ما يصحّ الإسقاط فيه والإبراء منه إنّما هو المعلوم مقداره، والإبراء عن المجهول في صحّته خلاف عند الشّافعيّة. إذا كان بمعنى الإسقاط. والقاعدة الثّانية تفيد: أنّ ما لم يجب على الإنسان من مال أو حقّ، أو لم يجر سبب وجوبه، أنّه لا يصحّ ولا يجوز الإبراء عنه؛ لأنّ الإبراء إنّما يكون لما شغلت به الذّمّة من أموال وحقوق، وما لم يجب، أو لم يجر سبب وجوبه لم تُشغل به الذّمّة، ولا يجوز المطالبة ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 171، 462، أشباه ابن نجيم ص 264. (¬2) قواعد الحصني جـ 3 ص 266، أشباه السيوطي ص 462.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

به. وخلاصة القاعدتين: أنّ ما تشغل به الذّمّة وتجوز المطالبة به هو الّذي يصحّ الإبراء عنه وإسقاطه، أو تمليكه لمن هو عليه. والمجهول وما لم يجب لا تجوز المطالبة به، وبالتّالي لا يصحّ الإبراء عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى شخص على آخر مبلغاً من المال، ولم يبيّن مقداره، ثمّ أبرأ المدّعِي المدّعَى عليه عنه لا يصحّ الإبراء، كما لم تصحّ دعواه به. ومنها: إذا ساومه على سيّارة يريد شراءها - ولم يُبَتُّ العقد بينهما - ثمّ إنّ البائع أراد إبراء المشتري المساوم على ثمنها، فلا يصحّ إبراؤه؛ لأنّ الثّمن لم يجب في ذمّة المشتري. ومنها: إذا قال له: أبرأتك عن قذفك لي - وهو لم يقذفه - فهلا يبرأ إذا قذفه. ومنها: إذا قال: لا أشفع في نصيبك إذا بعته - وهو لم يبعه - لا يصحّ إسقاط الشّفعة وله حقّ المطالبة بعد علمه بالبيع. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إبل الدّية يصحّ الإبراء عنها مع جهالتها, لأنّ الجهالة هنا للصّفة لا للجنس. ومنها: إذا قال: لي عليه مبلغ من المال دون المئة، وأبرأته عنه يصحّ؛ لأنّه ذكر غاية يتحقّق أن حقّه دونها.

ومنها: إذا حفر بئراً في ملك غيره بغير إذنه - ثمّ أبرأه المالك، ورضي ببقائها، فإنّ الحافر يبرأ ممّا يقع فيها، وإن كان لم يجر سبب وجوبه، أو لم يجب بعد.

القاعدة: الثلاثون بعد المئة [الاستثناء الممنوع أو الثنيا في البيع]

القاعدة: الثّلاثون بعد المئة [الاستثناء الممنوع أو الثنيا في البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يصحّ استثناء ما لا يصحّ بيعه مفرداً، أو بيع ما عداه منفرداً عن المستثنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بمسألة وقع فيها خلاف، وهي: هل تصحّ الثنيا في البيع؟ والحديث الّذي تدور عليه هذه المسألة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم "نهى عن الثنيا إلا أن تُعلَم" (¬2) والثنيا هي الاستثناء. ورأى ابن قدامة رحمه الله هو المنع: أي عدم صحّة الاستثناء إذا كان المستثنى لا يصحّ بيعه مفرداً، والعلّة في المنع: الجهالة المفضية إلى التّنازع. وأيضاً لا يصحّ بيع ما عدا المستثنى منفرداً عنه. أي المستثنى منه لا يجوز بيعه دون المستثنى. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 115. المجموع المذهب لوحة 208 ب. (¬2) الحديث أخرجه النسائي والترمذي وصححه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بلفظ "نهى عن المحاقلة والمزابنة والثنيا إلا أن تعلم". الحديث رقم 2801. كما أخرجه أيضاً ابن حِبَّان في صحيحه، ومسلم بلفظه المذكور عاليه. وينظر المنتقى جـ 2 ص 319 مع التّعليق.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذا القطيع غير شاة، أو إلا شاة. ولم يعيِّنها. لم يصحّ البيع عند أكثر أهل العلم، خلافاً لمالك رحمه الله الّذي يرى جواز ذلك (¬1). ومنها: إذا قال: بعتك ثمرة هذا البستان إلا ألف رطل منه. لا يصحّ؛ لأنّ الباقي بعد المستثنى مجهول. ومنها: إذا قال: بعتك شاة من هذا القطيع بألف، ولم يعيّنها، لا يصحّ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا باع قطيعاً واستثنى شاة بعينها جاز وصحّ البيع؛ لأنّ العقد يقع على غير المعيَّنة فلا تنازع. ومنها: إذا باع ثمرة بستان واستثنى ربعها أو ثلثها جاز. فكأنّه باع الثّلاثة الأرباع أو الثّلثين. ¬

_ (¬1) الكافي ص 681 - 682.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئة [بيع الدين]

القاعدة الحادية والثّلاثون بعد المئة [بيع الدّين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يصحّ بيع الدّين بالدّين قطعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان ما يتعلّق بهذه القاعدة وأمثلتها ضمن قواعد حرف الباء تحت الرّقم 73 وقد وردت بلفظ "بيع الدَّين بالدَّين باطل". فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 330.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئة [بيع الشيء قبل قبضه]

القاعدة الثّانية والثّلاثون بعد المئة [بيع الشّيء قبل قبضه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يصحّ بيع الشّيء قبل قبضه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مبناها على أحاديث كريمة: الحديث الأوّل: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتّى تستوفيه". أخرجه أحمد ومسلم رحمهما الله تعالى. الحديث الثّاني: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه" رواه أحمد والبيهقي رحمهما الله تعالى. الحديث الثّالث: في الصّحيحين: "مَن ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله". وفي الباب أحاديث أخر ينظر المنتقى جـ 2 ص 323 الأحاديث من 2813 - 2824. وقد وقع الخلاف بين العلماء: هل هذا خاصّ بالطّعام، وما عداه يجوز بيعه وإن لم يقبضه؛ لأنّ عدداً من الأحاديث ورد بلفظ الطّعام. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 333/ ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 145، الاعتناء جـ 1 ص 432.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أو هو عامّ في كلّ مبيع - وعلى هذا أكثر الفقهاء -؛ لورود أحاديث صحيحة بلفظ (الشّيء)، وهو عامّ في الطّعام وغيره. ومفاد القاعدة: أنّه لا يجوز ولا يصحّ بيع الشّيء قبل قبضه، فإذا اشترى سلعة - طعاماً أو غيره - فيجب عليه قبضها ثمّ بيعها بعد ذلك إذا شاء. وأمّا بيعها قبل قبضها وهي ما زالت عند البائع الأوّل - وفي ضمانه، ولم يُحَوّلها المشتري - فلا يجوز ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سيّارة من أحد المعارض، ثم أراد بيعها - فلا يصحّ البيع إلا إذا أخرجها من المعرض وتسلّمها، قبل البيع الثّاني. وإلا كان البيع الثّاني باطلاً. على القول بعموم النّهي. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الأمانات والودائع يجوز بيعها قبل قبضها، لتمام الملك وعدم الضّمان (¬1). ومنها: الإرث، والوصيّة، وغلّة الوقف، والرّزق المقرّر من بيت المال، والسّهم المقرّر من الغنيمة، والصّيد إذا ثبت ووقع في الشّبكة، وما رجع فيه الوالد من الهبة لولده. كلّ هذه الأشياء يجوز بيعها قبل قبضها لتمام الملك وعدم الضّمان (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 4 ص 147. (¬2) ينظر قواعد الحصني جـ 4 ص 146، عن شرح الرافعي الكبير جـ 8 ص 422 - 428.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئة [تأجيل الأعيان]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد المئة [تأجيل الأعيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يصحّ تأجيل الأعيان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأعيان: هي الأشياء ذوات الأمثال والقيم، وهي السّلع المبيعة، والّتي يقابلها الأثمان. فالأعيان لا تقبل التّأجيل - أي تأخير تسليمها للمشتري - في غير عقد الاستصناع والسّلم -؛ لأنّ ما يقبل التّأجيل إنّما هو الأثمان؛ لأنّها تتعلّق بالذّمّة، بخلاف الأعيان فإنّها لا تتعلّق بالذّمّة، وكذلك لا يصحّ البراءة عن الأعيان؛ لأنّ البراءة إسقاط، والإسقاط لا يرد على العين بل هو مخصوصٌ بالدّين. أمّا لو قلنا إنّ الإبراء تمليك فيجوز الإبراء، وينظر القاعدة رقم 520 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع داراً أو سيّارة بشرط عدم تسليمها للمشتري إلا بعد شهر مثلاً، بطل البيع؛ لأنّ الأجل في المبيع المعيَّن باطل؛ ولأنّ التّأجيل للتّحصيل، والعين حاصل. فيكون شرطاً فاسداً. ومنها: إذا كان عند شخص عبد وجنى جناية فيما دون النّفس، ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 64.

فإنّ على سيّده، إمّا أن يدفعه بالجناية للمجني عليه حالاً، أو يفديه بدفع أرش الجناية حالاً؛ لتخليص عبده, لأنّ دفع العبد دفع عين والعين لا تقبل الأجل، والفداء بدله.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المئة [الرجوع عن القضاء]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون بعد المئة [الرّجوع عن القضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يصحّ رجوع القاضي عن قضائه - في موضع الاجتهاد - إذا كان مع شرائط الصّحّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاضي إنّما نُصِب لفصل الخصومات، وقطع المنازعات، وإيصال الحقوق لأربابها، ومنع التّظالم، وردع الظّالم، وعلى القاضي أن يحكم بحكم عادل مستوف لشرائط الصّحة. فإذا حكم قاض في دعوى صحيحة حكماً مستوفياً شرائط الصّحّة فليس له بعد ذلك الرّجوع عن حكمه لأي سبب من الأسباب؛ لأنّ رجوعه عن قضائه الصّحيح المجتهد فيه ظلم لصاحب الحقّ، والظّلم باطل ومرفوض. وأيضاً في جواز الرّجوع عن القضاء عدم اطمئنان النّاس لأحكام القضاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال القاضي - بعد فصل القضيّة - رجعت عن قضائي، أو وقعت في تلبيس الشّهود، أو أبطلت حكمي. لم يصحّ قوله. والقضاء ماضٍ. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 454، أشباه ابن نجيم ص 235، وعنه قواعد الفقه ص 111.

رابعا: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة

رابعاً: من المسائل المستثناة من هذه القاعدة: إذا ظهر للقاضي خطؤه - بأن اجتهد اجتهاداً مخالفاً لنصّ ثابت - فيجب عليه نقض قضائه، لا إذا تبدّل اجتهاده. ومنها: إذا كان قضى في مسألة بعلمه، فله الرّجوع عنه. لأنّها ليست مسألة اجتهاديّة. ومنها: إذا قضى في مجتهد فيه مخالف لمذهبه. فله نقضه دون غيره.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المئة [السبب - الألفاظ]

القاعدة الخامسة والثّلاثون بعد المئة [السّبب - الألفاظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يصنع السّبب شيئاً إنّما تصنع الألفاظ (¬1). عن الشّافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى السّبب والأسباب، والمراد بالألفاظ، الألفاظ الصّريحة الّتي لا تحتمل غير معناها الشّرعي، كلفظ الطّلاق، أو الفراق، أو السّراح؛ لأنّ هذه الألفاظ الثّلاثة عند الشّافعي رحمه الله صريحة في حلّ عقد الزّوجية، ولا ينظر إلى سبب النّطق أو ظروفه، لكن إذا ادّعى الزّوج أنّه لم ينو طلاقاً فيسعه أن يمسكها، ولكن لا يسعها أن تقيم معه؛ لأنّها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه. وهذه القاعدة لها ارتباط بالقاعدة الأصوليّة القائلة "العبرة في عموم اللفظ لا في خصوص السّبب". أي أنّ الحكم الشّرعي الوارد على سبب خاصّ لا يختصّ به، وإنّما يعمّ كلّ حادثة مشابهة لتلك الحادثة الّتي ورد لأجلها الحكم. ولا يكون الحكم خاصّاً بسببه إلا بدليل يخصّ. فالسّبب لا يُخَصُّ به العامّ الوارد بعده. ¬

_ (¬1) الأم جـ 5 ص 240 - 241، وقواعد الحصني جـ 2 ص 156، جـ 3 ص 121.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنّ الأحكام الشّرعيّة لا تبنى على أسبابها الخاصّة - إلا بدليل مخصّص - وإنّما تبنى على الألفاظ الدّالة على السّبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مسألة العرايا: وردت في الفقراء، فهل تختص بهم؟ الرّاجح أنّها لا تختصّ؛ لأنّ اللفظ المبيح عام، ورد على سبب وهو الحاجة، والعبرة بعموم اللفظ دون قصره على سببه. ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "الولد للفراش" (¬1) لا يختصّ بالمولود في قصّة زمعة، بل يعمل به في كلّ مولود ولد على فراش الرّجل. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضوان الله عليها. في كتاب الرضاع باب 10 حديث 1457. والبخاري قبله في كتاب الوصايا باب 4 حديث 4، وأبو داود في كتاب الطّلاق باب 34 حديث 2273، وغيرهم.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئة [الاستحالة المطهرة]

القاعدة السّادسة والثّلاثون بعد المئة [الاستحالة المطهرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يطهر شيء من النّجاسات بالاستحالة - إلا الخمرة - إذا انقلبت بنفسها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 623، 624. وعند ابن قدامة رحمه الله تعالى - وهو مذهب الحنابلة - أنّ الاستحالة - أي تحوّل شيء نجس إلى شيء آخر، لا يجعل ذلك النّجس طاهراً، إلا إذا تحوّلت الخمر إلى خلّ بنفسها، فيحكم حينئذ بطهارتها. وعند الحنفيّة: أنّ الخمر إذا تخلّلت بنفسها أو خلّلت بفعل فاعل فإنّها تطهر. وكذلك إذا وقعت نجاسة في مملحة واستحالت ملحاً فإنّها تطهر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تغيّرت الخمر فأصبحت خلاً - بدون فعل فاعل - فإنّها تطهر ويطهر الظّرف الّذي هي فيه، وذلك بشرط أن تنقلب وتستحيل بنفسها، ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 72، 98، قواعد الونشريسي القاعدة 4 ص 142، المنثور للزركشي جـ 3 ص 268. ومجمع الأنهر جـ 1 ص 61. المقنع جـ 1 ص 81.

بدون فعل آدميّ، وهذا أمر متّفق عليه. ومنها: إذا وقعت جيفة حمار أو كلب في مملحة فأصبحت ملحاً، فهو طاهر - عند الحنفيّة - خلافاً للآخرين؛ لأنّ انقلاب الأعيان من المطهّرات عندهم (¬1). ومنها: إذا أحرقت الميتة فهل رمادها طاهر؟ خلاف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 166.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئة [الضعيف - القوي]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد المئة [الضّعيف - القوي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يظهر الضّعيف في مقابلة القوي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات ينظر قواعد حرف الضّاد - القاعدة 12. فالدّليل الضّعيف أمام الدّليل القوي لا حكم له، والعمل بالدّليل القوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مريض أو مسافر صلّى الظّهر يوم الجمعة، ثمّ صلّى الجمعة مع الإمام، فهل فرضه الظّهر أو الجمعة؟ الرّاجح عند جمهور الحنفيّة أنّ فرضه الجمعة، والظّهر الّذى صلاه قبلها غير معتبر، خلافاً لزفر بن الهذيل (¬2) من الحنفيّة حيث قال: إنّ فرضه الظّهر لا الجمعة؛ لأنّ المريض أو المسافر لا تجب عليه الجمعة، وهو كذلك عند الأكثرين (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 32. (¬2) الإمام زفر بن الهذيل سبقت له ترجمة. (¬3) ينظر المغني جـ 3 ص 222 - 223.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئة [الخلف والأصل]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد المئة [الخلف والأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يعتبر الخلف مع وجود الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أمثال لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف الباء تحت رقم 11، وقواعد حرف الخاء تحت الأرقام من 26 - 28. فالأصل إذا كان موجوداً ومقدوراً عليه فلا اعتبار بوجود البدل في الأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّيمّم خلف وبدل عن الماء عند فقده، أو عند عدم القدرة على استعماله مع وجوده، ولكن عند وجود الماء والقدرة على استعماله لا يجوز التّيمّم. منها: إذا قدر المتمتّع أو القارن على الهدي فلا يجوز له الصّوم بدلاً عنه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 130

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئة [الأهلية]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد المئة [الأهليّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يعتبر قيام الأهليّة عند وجود الشّرط - بل عند التّعليق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأهليّة: هي عبارة عن صلاحيّة الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه (¬2)، ولا توجد الأهليّة ولا تتحقّق إلا إذا بلغ الإنسان عاقلاً. والتّعليق: ربط مضمون جملة بمضمون جملة أخرى - كجملة الشّرط. فوجود أهليّة الزّوج أو المتصرّف إنّما تعتبر عند تعليق الأمر المراد بالشّرط لا عند وجود الشّرط المعلّق عليه وتحقّقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زوّج الأب ابنه الصّغير، فطلّق الصّغير زوجته - فلا يقع طلاقه، وكذلك إذا قال الصّغير لزوجته تلك: إن كلّمت فلاناً فأنت طالق. فكلّمته بعد بلوغ الصّبي. فلا يقع الطّلاق؛ لأنّ الشّرط قيام ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 107 - 108. (¬2) القاموس الفقهي ص 29.

الأهليّة عند التّعليق، لا عند وجود الشّرط. وعند التّعليق كان الصّبي فاقد الأهليّة. ومنها: إذا قال البالغ لزوجته: إن دخلت الدّار فأنت طالق. ثم جُنَّ الزّوج، ودخلت المرأة الدّار بعد جنونه طلقت، لاستيفاء الشّرط وهو وجود الأهليّة عند التّعليق.

القاعدة الأربعون بعد المئة [الوصف]

القاعدة الأربعون بعد المئة [الوصف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يعتبر الوصف في المعيَّن، وفي غير المعيَّن معتبر (¬1). وفي لفظ: عند التّعريف بالإشارة يسقط اعتبار التّسمية؛ لأنّ الإشارة أبلغ (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق ذكر الثّانية منهما ضمن قواعد حرف العين تحت رقم 82. ومفاد الأولى: أنّ الشّيء إذا كان معيّناً حاضراً فإن ذكر أوصافه لا اعتبار لها؛ لأنّ حضوره أقوى من ذكر الأوصاف، حتى لو خالف الوصف فإنّ الاعتبار للتّعيين، وأمّا إذا كان الشّيء غائباً عن مجلس العقد فإنّ ذكر الأوصاف ضروري وهو معتبر في الحكم. حتّى إذا وجد مخالفاً للوصف المذكور فإنّ المشتري بالخيار، وينظر القاعدة رقم 84 من قواعد حرف العين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد أن يشتري سيّارة حاضرة فقال البائع: أبيعك هذه السّيّارة الحمراء - وهي بيضاء - ورضي المشتري فلا خيار له بعد ذلك. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 544. (¬2) نفس المصدر ص 739.

وأمّا إذا كانت السّيّارة غائبة فقال: أبيعك سيّارتي الحمراء، ثمّ ظهر أنّها بيضاء فالمشتري بالخيار بين إتمام الصّفقة أو رفضها.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة [الخط]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة [الخط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يعتمد على الخط ولا يعمل به (¬1). وفي لفظ: لا عبرة بالخط عندنا، إلا في مسائل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند أبي حنيفة رحمه الله أنّ الخطّ - ويراد به المكتوب في الحجج أو الوصايا والشّروط - أنّه لا يعتدّ به ولا يحتجّ، ولا يجوز العمل بمقتضاه وحده. وحجّتهم في ذلك: أنّ الخطّ يشبه الخطّ، فقد يكون الكتاب مزوّراً. وأمّا عند تلاميذه وعند الأئمة الآخرين فإنّه يعتبر حجّة، ويعمل به إذا كان الكتاب كتب بالطّريقة المتعارف عليها. وهو الرّاجح إن شاء الله. ولكن إذا وجدت حجّة أو وصيّة بخطّ واقف أو موصٍ وعليها ختمه وتوقيع الشّهود فهل تردّ هذه أيضاً؟ في الواقع أنّ الحجّة أَو الصّك إذا استوفى شروطه المنصوص عليها في النّظام فإنّه يعتبر ويجب العمل به، وإلا ضاعت حقوق كثيرة، ولهذا استثنى الحنفيّة من عدم ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 217، شرح الخاتمة ص 69. (¬2) الفرائد ص 17 عن أوقاف الخصاف.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

قبول الخطّ مسائل، ستأتي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قالوا: القاضي لا يقضي إلا بالحجّة - أي البيِّنة - فلا يجوز له العمل بمكتوب الوقف الّذي عليه خطوط القضاة الماضين. ومنها: إذا أحضر المدّعي صكاً وفيه خط المدّعَى عليه بإقراره فإنّه - أي المدّعَى عليه - لا يحلَّف أنّه ما كتب، وإنّما يحلَّف على أصل المال. ومنها: إذا اشترى حانوتاً أو داراً ثم وجد بعد قبضه أنّه مكتوب على بابه: أنّه وقف على المسجد الفلاني. قالوا: لا يرُدَّه ولا يبطل البيع؛ لأنّ الخطّ علامة لا تبنى عليها الأحكام. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: كتاب أهل الحرب بطلب الأمان، فإنّه يعمل به، ويثبت الأمان لحامله. ومنها: العمل بما كتب في دفتر السّمسار والصّرّاف والبياع؛ لأنّه لا يكتب في دفتره إلا ماله أو عليه.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المئة [الظن والعمل به]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد المئة [الظّنّ والعمل به] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يعمل بالظّنّ - عند الشّافعي رحمه الله - إلا أن يقوم دليل خاصّ على اعتباره، إمّا في جنس الحاكم، أو في نوعه. وعند مالك رحمه الله لا حاجة إلى ذلك؛ إذ يعمل بالظّنّ إلا أن يقوم دليل خاصّ على إلغائه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الظّنّ: هو إدراك الجانب الرّاجح، ويقابله الوهم، وهو إدراك الجانب المرجوح. ومفاد القاعدة: أنّ العمل بالظّنّ مختلف فيه بين الإمامين الجليلين: مالك بن أنس، محمَّد بن إدريس الشّافعي رحمهما الله تعالى، فإنّ الشّافعي لا يعمل بالظّنّ إلا إذا قام دليل خاصّ على اعتباره؛ إمّا في جنس الحكم وإمّا في نوعه. وأمّا مالك فإنّه يعمل بالظّنّ ما لم يقم دليل خاصّ على إلغائه. فبناء على ذلك فإنّ الأصل عند الإِمام الشّافعي رحمه الله عدم العمل بالظّنّ، إلا إذا قام دليل على الاعتبار. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 312 أ، قواعد ابن خطيب الدهشة ص 73.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وعند الإمام مالك رحمه الله الأصل العمل بالظّنّ إلا إذا قام دليل على الإلغاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المصالح المرسلة معتبرة عند مالك رحمه الله، وغير معتبرة عند الشّافعي رحمه الله. ومنها: الصّغر: هو وصف وعلّة في ثبوت ولاية النّكاح وولاية المال، والمعتبر هنا جنس الولاية وهذا باتّفاق. ومنها: لمس الذّكر في نقض الوضوء ثبت اعتباره بنصّ الحديث. وهذا ممّا اعتبر فيه الظّنّ في نوع الحكم.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئة [عمل القاضي]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد المئة [عمل القاضي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يعمل القاضي في سجل مَن قبله برأيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تمثّل مبدأً من مبادئ العدالة، ونظاماً من نظم القضاء. حيث أفادت أنّ القاضي - أيّ قاضٍ كان - لا يجوز له أن يتصرّف في سجلات القضاة السّابقين له ويعمل فيها برأيه - حتى وإن كان ما فيها مخالفاً لرأيه، متى وافق فصلاً مجتهداً فيه - وذلك استخفافاً بقضائهم، أو مهملاً لما توصّلوا إليه من الأحكام في القضايا الّتي عرضت عليهم - وكلّ ذلك إذا لم تكن تلك الأحكام قد نُفِّذت - وإنّما عليه أن يسعى في تنفيذ ما توصّلوا إليه. إن لم يكن قد نُفِّذ؛ لأنّ ما في السّجل حُكم، وكذلك إذا رُفع إليه حكم حاكم يجب عليه إمضاؤه متى وافق فصلاً مجتهداً فيه، وهذا بخلاف كتاب القاضي إلى قاضٍ آخر، فإنّه يعمل فيه برأيه إذا كان مخالفاً، ولا يُنَفَّذ كتاب القاضي المرسِل إذا كان على خلاف رأيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو أن رجلاً جاء إلى قاضٍ وقال: إنّ لفلان بن فلان الغائب عليَّ ¬

_ (¬1) الفرائد ص 85 عن الفتاوى الخانية جـ 2 ص 456.

كذا من المال، وإنّي قد قضيته، وهو الآن في بلدة كذا، وأنا أريد الذّهاب إلى تلك البلدة، وأخاف أن يأخذني الطّالب بالمال ثمّ يجحد الإيفاء، فاسمع من شهودي ها هنا، واكتب لي حجّة، حتّى لو خاصمني يكون حجّة لي. فإنّ القاضي يسمع بيّنته، ويجعل على الغائب خصماً. وليس لقاضٍ في البلد الآخر أن يحكم بخلاف حكم الأوّل. ومنها: إذا ادّعت المرأة أنّ زوجها الغائب قد طلّقها، وطلبت من القاضي سماع شهودها على الطّلاق، فإنّ القاضي يسمع بيّنتها، ويجعل عن زوجها الغائب خصماً، فلو ذهبت إلى البلدة التي فيها زوجها الغائب، وادّعى عدم تطليقها, لا تقبل دعواه بعد حكم القاضي الأوّل. ومنها: لو أن قاضياً قضى بجواز بيع المُدَبَّر، ونفذ قضاؤه، حتى لو رفع إلى قاض آخر يرى خلاف ذلك لا يكون للثّاني أن يبطل حكم الأوّل.

القاعدتان الرابعة والخامسة والأربعون بعد المئة [تكفير المسلمين أهل القبلة]

القاعدتان الرّابعة والخامسة والأربعون بعد المئة [تكفير المسلمين أهلِ القبلة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يفتى بكفر مسلم مهما أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره اختلاف (¬1). وفي لفظ: لا يكفر أحد من أهل القبلة (¬2). من قول الشّافعي رضي الله عنه. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متّفق على مضمونهما، فإنّ المسلم محقون الدّم مصان العرض، فإذا كان يحرم قتله بغير موجب، ويحرم قذفه بغير دليل، فأولى أن لا يفتى بكفره بغير دليل واضح وصريح، من قول أو فعل؛ لأنّه كما قالوا: "لا يُخْرِجُ الرّجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه"، ثمّ ما تُيُقّن أنّه رِدَّة يحكم بها. وأمّا ما يشكّ أنّه ردّه فلا يحكم بها، إذ الإسلام الثّابت لا يزول بالشّكّ، مع أنّ الإسلام يعلو. وقالوا: إذا كان في المسألة وجوه توجب التّكفير ووجه واحد يمنعه، فعلى المفتي أن يحيل إلى الوجه الّذي يمنع التّكفير، تحسيناً ¬

_ (¬1) ردّ المحتار جـ 3 ص 285 - 289 وعنه قواعد الفقه ص 112. (¬2) أشباه السيوطي ص 488.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

للظّنّ بالمسلم. إلا إذا صرَّح بإرادة موجب الكفر، فلا ينفعه التّأويل (¬1). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: مَن ظنّ عَدَم حرمة شيء وارتكبه، فلا يكفر. بخلاف ما لو اعتقد الحرام حلالاً، أو أنكر حرمة ما ثبت من الدّين بالضّرورة كحرمة الزّنا. ومنها: مَن سجد لصنم - أو وضع مصحفاً في قاذورة فإنّه يكفر، وإن كان مصدّقاً؛ لأنّ فعله ذلك قائم مقام التّكذيب. ومنها: من تكلّم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً أو عالماً عامداً كَفَر عند الكلّ، ولا اعتبار باعتقاده. ولكن مَن تكلّم بها مخطئاً أو مكرهاً لا يكفر عند الكلّ. ¬

_ (¬1) ينظر المغني جـ 12 ص 276.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المئة [الموهوم والمعلوم]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد المئة [الموهوم والمعلوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يقابِل الموهومُ المعلومَ (¬1). وفي لفظ: لا يبنى الحاكم على الموهوم (¬2). وفي لفظ: لا يترك المعلوم بالموهوم (¬3). وفي لفظ سبق: لا عبرة بالتّوهم (¬4). تحت رقم 36 وفي لفظ: بالموهوم لا تثبت القدرة (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: لا عبرة: لا اعتبار ولا اعتداد. الموهوم: اسم مفعول من الوهم، والوهم والتّوهّم: التّخيّل والتّمثيل في الذّهن، وهو أدنى درجة من الظّنّ أو الشّكّ. والمراد به: تخيّل غير الواقع، أي الاحتمال العقلي البعيد النّادر الحصول. فإن كان الظّن الخاطئ لا اعتداد به، فبالأولى أن لا يعتدّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 46. (¬2) شرح السير ص 211، المبسوط جـ 21 ص 107. (¬3) المبسوط جـ 2 ص 19. (¬4) المجلة المادة 74، المدخل الفقهي الفقرة 582، الوجيز ص 208. (¬5) المبسوط جـ 4 ص 164.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

بالتّوهّم، ولا يبنى عليه حكم، ولا يمنع القضاء، ولا يؤخّر الحقوق؛ لأنّه غير مستند إلى دليل عقلي أو حسّي. فمفاد القواعد: أنّه لا يثبت حكم شرعي استناداً إلى وهم، كما أنّه لا تعارض بين المعلوم والموهوم؛ لأنّ الموهوم ضعيف جدّاً أمام المعلوم القوي. كما أنّه لا يجوز تأخير الشّيء الثّابت بصورة قطعيّة بوهم طارئ. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا اشتبهت القبلة على إنسان فصلى إلى جهة بدون تحرّ ولا اجتهاد. لا تصحّ صلاته؛ لابتنائها على مجرّد الوهم. بخلاف ما لو تحرّى واجتهد مع غلبة الظّنّ، فصلاته صحيحة وإن تبيّن بعد ذلك أنّه أخطأ جهة القبلة. ومنها: إذا كان لدار شفيعان أحدهما غائب، فللحاضر أن يأخذ كلّ الدّار بالشّفعة؛ لأنّ سبب ثبوت الحقّ على الكمال وُجد في حقّه، وقد تأكّد بالطّلب، ولم يعرف تأكّد حقّ الغائب, لأنّه يحتمل أَن يطلب وأن لا يطلب أو يُعرِض، فلم يقع التّعارض والتّزاحم، فلا يمنع الحاضر من استيفاء حقّه الثّابت بحقّ محتمل، ولا عبرة بالتّوهّم. ومنها: إذا جاء ورثة الميّت أمام القاضي، وأقاموا البيِّنة أنّهم ورثته، وطالبوا بتقسيم التّركة، فإنّ القاضي يجب عليه ذلك، ولا يؤخّر لاحتمال أن يظهر وارث آخر، أو غريم للميّت.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المئة [القياس على المخصوص]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد المئة [القياس على المخصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقاس على المخصوص من القياس؛ لأنّ قياس الأصل يعارضه (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المخصوص من القياس: هو المستثنى من القواعد العامّة. فمفادها: أنّ ما كان مستثنى من قاعدة عامّة لا يقاس عليه غيره إلا إذا كان في معناه من كلّ وجه - لأنّ القاعدة العامّة تعارض هذا القياس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تنازع اثنان دابّة - وهي بيد أحدهما - وأقام كلّ منهما البيّنة أنّ الدّابة دابّته، وأقام ذو اليد - أي مَن كانت الدّابّة عنده وتحت تصرّفه - البيِّنة أنّ الدّابة قد نتجت - أو ولدت - عنده. فالمعتبر بيّنته، وهو قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فهذا مخصوص من القاعدة العامّة وهي إنّ البيّنة بيّنة الخارج عند التّنازع. فهذه القضية المخصوصة يمكن أن يقاس عليها كلّ ما كان مثلها ممّا لا يحصل إلا مرّة واحدة أي لا يتكرّر كالنّتاج. وأمّا ما يمكن أن يتكرّر فلا يقاس على ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 64.

النّتاج، فيحكم فيه بأصل القياس أي بالقاعدة العامّة وهي تقديم بيّنة الخارج على بيّنة ذي اليد. ومنها: إذا تنازع اثنان داراً - وأحدهما ساكن فيها - وأقام كلّ منهما البيِّنة، فإن ذكر كلّ منهما تاريخاً كانت الدّار لصاحب التّاريخ المتأخّر، وإن لم يذكرا تاريخاً فهي بينهما نصفان. ومنها: العرايا ثبتت رخصة في الرّطب والتّمر. فهل يقاس عليها الزّبيب والعنب؟ خلاف. لأنّ القاعدة هي قاعدة الرّبا. والرّطب والتّمر جنس واحد ولكن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم رخّص في العرايا وأباحها. فهي مخصوصة من القاعدة العامّة.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئة [قياس المنصوص]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد المئة [قياس المنصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقاس المنْصوص علي المنصوص (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ورد نصّان في أمرين مختلفين بينهما نوع تشابه، وذكر حكم أحدهما ولم يذكر حكم الآخر فهل يقاس أحدهما على الآخر فيعطى المسكوت عن حكمه حكم المنطوق به؟. مفاد القاعدة: أنّه لا يقاس أحدهما على الآخر، بل يعمل بكلّ نصّ في محلّه ودلالته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحصر إذا لم يقدر على الهدي - قيل: يتحلّل بغير شيء. وهو قول أهل المدينة. وقال عطاء: يتحلّل بصيام عشرة أيّام. قياساً على عدم القدرة على هدي التّمتع. لكن عند الحنفيّة: أنّه لا يتحلّل إلا بالهدي؛ لأنّ حكم المحصر منصوص عليه في القرآن، وهو قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ¬

_ (¬1) السير ص 2039 وعنه قواعد الفقه ص 112.

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬1) فهو التّحلّل بالهدي خاصّة. وسكتت الآية عن حكم غير الواجد فليس له حكم غيره لكن هدي التّمتّع منصوص عليه، وفيه الصّوم إذا لم يجد الهدي. فلا يقاس المنصوص على المنصوص. ¬

_ (¬1) الآية 196 من سورة البقرة.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المئة [رجوع المقر]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد المئة [رجوع المقرّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يقبل رجوح المقرّ عن إقراره. إلا فيما كان حدّاً لله يدرأ بالشّبهات ويحتاط لإسقاطه (¬1). وفي لفظ: كلّ مَن أقرّ بشيء ثمّ رجع لم يقبل إلا في حدود الله تعالى (¬2). وينظر القاعدة 108 من قواعد حرف الهمزة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الإقرار، وسبق أيضاً مثل لهذه القاعدة في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 545، 552، 554، وفي قواعد حرف الرّاء تحت الرّقم 6. فالمُقِرُّ بحقّ عليه لغيره، لا يقبل منه رجوعه عن إقراره؛ لأنّ في ذلك ضياع حقّ المُقرِّ له. ولكن إذا كان الحقّ المُقَرُّ به حقّاً لله سبحانه وتعالى يدرأ ويدفع بالشّبهة فإنّ للمُقِرّ الحقّ في الرّجوع عن إقراره ذلك؛ لأنّ رجوعه عن إقراره تكذيب لنفسه فيعتبر شبهة يدرأ الحدّ بسببها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 164. (¬2) أشباه السيوطي ص 465، عن المنثور للزركشي جـ 1 ص 187.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أقرّ أنّ لفلان عنده ألف دينار، ثمّ أنكر إقراره، أو رجع عنه، أو استثنى الكلّ بأن قال: لفلان عندي ألف دينار إلا ألف دينار، فلا يقبل منه وعليه الألف الدّينار. فلا يقبل منه إنكار أو استثناء. ومنها: إذا أقرّ إمام الحاكم أنّه زنى فأمر الحاكم بإقامة الحدّ عليه، وعندما أحسّ بألم الضّرب هرب، أو قال: ردّوني للحاكم. فردّوه فأنكر أنّه زنى. فيترك ولا يقام عليه الحدّ بدليل قصّة ماعز رضي الله عنه (¬1). لكن إذا ثبت الحدّ بالبيِّنة - أي الشّهود - فلا يقبل إنكاره أو رجوعه. ¬

_ (¬1) قصة ماعز رضي الله عنه وفراره حين وجد مس الحجارة عن أبي هريرة رضي الله عنه أخرجها أحمد وابن ماجه والترمذي وقال الترمذي: حديث حسن. وعن جابر رضي الله عنه: أخرجها أبو داود.

القاعدة الخمسون بعد المئة [التزاحم]

القاعدة الخمسون بعد المئة [التّزاحم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقدّم أحد في التّزاحم على الحقوق إلا بمرجِّح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّزاحم: تفاعل من زَحَم بمعنى دفع. فالتّزاحم: التّدافع، ولا يكون ذلك إلا في مضيق. يقال: تزاحم القوم: إذا تضايقوا في المجالس (¬2). فمفاد القاعدة: أنّه إذا اجتمع أصحاب حقوق وضاقت الحقوق عنهم، فإنّ تقديم بعضهم على بعض لا يكون إلا بسبب يرجّح المُقَدَّم على غيره. ولا يجوز تقديم أحد منهم بدون مرجّح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ازدحموا في الدّعوى فإنّ القاضي لا يقدّم أحداً منهم إلا بمرجّح؛ كأن يكون بينهم مريض لا يصبر على الانتظار، أو غريب يريد الرّجوع إلى أهله. أو أوّلهم حضوراً. ومنها: إذا تزاحموا على مجالس الإفتاء أو الدّرس يقدّم أوّلهم حضوراً، فإن استووا في المجيء أقرع بينهم. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 362 وعنه قواعد الفقه ص 112. (¬2) المصباح مادة (زحمته).

ومنها: إذا ازدحمت الدّيون على التّركة يقدّم الدّين المقَرُّ به في الصّحّة، وما كان معلوم السّبب، على الدّين المُقَرِّ به في المرض، أو المجهول السّبب. ومنها: في باب الإمامة يقدّم الأعلم، ثم الأقرأ، ثم الأورع.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [النكول عند الشافعية]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [النّكول عند الشّافعيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقضى بالنّكول. واستثني من ذلك مسائل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّكول: هو امتناع المدَّعَى عليه عن أداء اليمين بعد توجهها عليه. من نَكَل: إذا جَبُن وتأخّر وامتنع. فعند الشّافعيّة: أنّه لا يقضى على المدّعَى عليه إذا امتنع عن أداء اليمين. وإنّما تردّ اليمين على المدّعِي. وأمّا عند الحنفيّة والحنابلة فيقضى بالنّكول. ويقضى على النّاكل بالمدَّعى به (¬2). وعند المالكيّة يقضى على النّاكل إذا كان للمدّعِي شاهد واحد عدل. وإلا حُلِّف المدَّعِي مع الشّاهد الواحد العدل (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى على آخر ديناً، وبيَّن مقداره، ولم يأت بشاهدين، أو جاء ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 374 ب فما بعدها. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 437 - 438. قواعد الحصني جـ 4 ص 258. أشباه السيوطي ص 504 - 505. المقنع جـ 3 ص 617. (¬3) الكافي ص 909 - 911.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وحكم بالنكول عند الشافعية

بشاهد واحد، فتوجّه اليمين على المدَّعَى عليه، فإن حلف سقطت الدَّعوى، وإن نكل عن اليمين ونَبَّهَهُ القاضي أنّه إذا أصرّ على الامتناع وعدم الحلف أنّه يحكم عليه، فإن أبى الحلف حكم عليه، عند الأئمة الثّلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى. وأمّا عند الشّافعي رحمه الله فلا يحكم عليه بالنّكول، وإنّما يردّ اليمين على المدَّعِي قولاً واحداً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة وحكم بالنّكول عند الشّافعيّة: إذا ادّعى ربّ المال أنّه لا زكاة عليه، ونكل عن اليمين، لزمته الزّكاة. ومنها: إذا أُسِر صبي - ووجد قد أنبت - أي شعر عانته قد ظهر - وادّعى استعجال الإنبات بالدّواء - لأنّ الإنبات علامه البلوغ - فيُحَلَّف - أي أنّه استعجل الإنبات بالدّواء - فإن نكل عن اليمين جاز قتله. ومنها: إذا أسلم الذّمّي وادّعى أنّ إسلامه قبل السَّنة فلا يجب عليه الجزية، فيُحلَّف أنّه أسلم قبل السَّنَة. فإن نكل عن اليمين أخذت منه الجزية.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المئة [التعارض بين الضعيف والقوي]

القاعدة الثّانية والخمسون بعد المئة [التّعارض بين الضّعيف والقوي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقع التّعارض بين الضّعيف من السّبب وبين القوي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال، ينظر قواعد حرف الضّاد تحت رقم 12، وقواعد حرف - لا - تحت رقم 136. قد سبق بيان أنّه لا تعارض بين الضّعيف والقوي. لأنّ الضّعيف أمام القوي لا يعتدّ به ولا يعتبر، فلا يمكنه مقاومة القوي. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 186.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المئة [الأكثر]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد المئة [الأكثر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقوم الأكثر مقام الكلّ، أو الكمال. عند الشّافعي رحمه الله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق ضمن قواعد حرف الهمزة واللام أنّ الأكثر يقوم مقام الكلّ، وأنّ للأكثر حكم الكمال، عند الحنفيّة والحنابلة. ينظر قواعد حرف الهمزة الأرقام 575 - 578. وقواعد حرف اللام تحت الرّقم 4 ولكن عند الشّافعي رحمه الله تعالى أنّه يرى أنّ الأكثر لا يقوم مقام الكلّ وينكر ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الحنفيّة أنّ أكثر أشواط الطّواف بمنزلة الكلّ في حكم التّحلّل به عن الإحرام، وذلك عند طواف الإفاضة أو طواف العمرة. ولكن عليه دم للإخلال بالواجب وهو الطّواف سبعة أشواط كاملة. وأمّا عند الشّافعي رحمه الله تعالى وأحمد ومالك رحمهم الله تعالى: أنّه لا يجزئه إلا طواف سبعة أشواط كاملة، لأنّ الشّافعي كما هو أصله الّذي ذكرنا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 42. وينظر الأم جـ 5 ص 238 - 239 وص 272، ص 275 نصاً.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

لا يقوم الأكثر مقام الكلّ. لأنّ من أصل الشّافعي اعتبار الطّواف بالصّلاة في العدد والطّهارة، فكما أنّ أكثر عدد الرّكعات في الصّلاة لا يقوم مقام الكامل فكذلك أشواط الطّواف, لأنّ تقدير أشواط الطّواف بسبعة أشواط ثابت بالنّصوص المتواترة فكان كالمنصوص عليه في القرآن، وما يقدر شرعاً بقدر لا يكون لما دون ذلك القدر حكم كما في الحدود وغيرها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: قال الشّافعي رحمه الله: كمال الذّكاة بأربع الحلقوم والمريء والودجين. وأقلّ ما يكفي من الذّكاة اثنان الحلقوم والمريء (¬1). فهو قد أباح الذّبيحة بدون قطع الودجين، فأقام الأكثر مقام الكلّ. ولكن لو قطع الحلقوم وحده والمريء وحده مع الودجين لا تحلّ الذّبيحة. فليس للأكثر هنا حكم الكلّ. ¬

_ (¬1) الأم جـ ص 200.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المئة [اليقين - الاختلاف]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد المئة [اليقين - الاختلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يقين في موضع الاختلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليقين لغة: من يَقِن الماء في الحوض إذا استقرّ ودام وثبت (¬2). واليقين في الاصطلاح: هو العلم القطعي الحاصل عن نظر واستدلال. وهو الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق للواقع (¬3). فمفاد القاعدة: أنّ اليقين هو الاعتقاد الجازم والعلم القطعي، وما كان كذلك فلا يجوز أن يطرأ عليه خلاف، أو يقع فيه الخلاف، فإذاً الموقع الذي يقع فيه الاختلاف لا يجوز أن يكون يقيناً؛ لأنّ اليقين والخلاف والاختلاف متنافيان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: فرضيّة الصّلاة مقطوع بها يقيناً فلا يقع فيها اختلاف ولا خلاف بين المسلمين علماء وعامّة. لكن نقض الوضوء من مسّ المرأة أو لمسها ليس يقيناً؛ لموضع ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 54 (¬2) المصباح مادة (يقن). (¬3) الكليات ص 979.

الاختلاف فيه. حيث قال بعض العلماء بأنّ المسّ ناقض. وقال آخرون: بأنّه غير ناقض. ومنها: الحكم ببلوغ الصّبي مختلف فيه. والصّغر صفة معلومة في الصّغير بيقين. فلا تزول إلا بيقين مثله - عند أبي حنيفة - ولذلك لا يحكم ببلوغ الصّغير إذا لم تظهر عليه علامات البلوغ الحقيقيّة، إلا إذا بلغ ثماني عشرة سنة.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة [ضمان الممتنع]

القاعدة الخامسة والخمسُونَ بعد المئة [ضمان الممتنع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يلزم ضمان ما لا يستطاع الامتناع منه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ضمان ما يتلفه الإنسان باختياره أو خطئه واجب إذا كان يستطيع المتلف الامتناع على الإتلاف بأخذه الاحتياطات اللازمة فقصّر فيها. لكن ما لا يمكن التّحرّز عنه، وما ليس في وسع الإنسان الامتناع منه، فهو غير ضامن له ولا إثم عليه في وقوعه. فالماشي في الطّريق مستعمل حقّه؛ لأنّ السّير في الطّريق مباح، وهو محتاج إلى ركوب الدّابّة أو السّيّارة؛ لأن قضاء المصالح بدونهما متعذّر أو شبه متعذّر، ولكن ذلك مشروط بسلامة غيره, لأنّ حقّه في السّير في الطّريق بدون ضرر يصيب الآخرين، ولأنّ دفع الضّرر عن غيره واجب عليه. فيقيّد بالسّلامة. ولكن ما ليس في وسعه الامتناع منه لا يكون ضامناً له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان راكباً دابّة فنفحت - أي رَفَست - برجلها أو بذنبها، فلا ضمان على الرّاكب؛ لأنّ وجه الرّاكب أمام الدّابة لا خلفها. والرّاكب ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 189.

ليس في وسعه التّحرّز عن ذلك. ومنها: إذا كان راكباً سيّارة فضربت بعجلها وهي تسير حصاة في الطّريق أو نواة فأصابت إنساناً ففقأت عينه، فلا ضمان على سائق السّيّارة؛ لأنّ هذا لا يمكن التّحرّز منه. ومنها: إذا كانت سيّارة محمّلة ببضائع أو أمتعة أو آلات فسقط منها وهي سائرة شيء فضرّ إنساناً أو حيواناً أو سقط على سيّارة وراءه أو بجانبه، فالسّائق ضامن؛ لأنّه لم يحسن ربط الأمتعة أو البضائع أو الآلات على السّيّارة، وهذا ممّا يمكن التّحرّز منه. ومنها: حفر حفرة في الطّريق بالإذن وأخذ الاحتياطات اللازمة التي تنبه السّائرين في الطّريق من الإشارات والأنوار، ومع ذلك سقطت فيها سيّارة بخطأ قائدها، فلا ضمان على الحافر.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المئة [الطهارة - النجاسة]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد المئة [الطّهارة - النّجاسة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يمكن الحكم بالطّهارة مع بقاء السّبب الموجب للنّجاسة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: شرط تمام الطّهارة عدم وجود المنافي. فلا يمكن الحكم بطهارة الإنسان غسلاً أو وضوءاً، ولا بطهارة الثّوب أو الأرض ما دام سبب النجاسة باقياً وموجوداً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يحكم بطهارة المغتسل إذا اغتسل وهو مجامع زوجته، أو ما زال منيُّه يقطر. ومنها: لا يحكم بصحّة وضوء إنسان وطهارته وهو قائم يبول. ومنها: لا يحكم بطهارة الماء أو السّمن الّذي وقعت فيه فأرة أو حيوان ما دامت الميتة موجودة ولو نزحت البئر كلّها مع وجودها، إذ يجب أوّلاً رفع الميتة، فإن كان الماء كثيراً نزح منه بقدر ما يغلب على الظّنّ الطّهارة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 90.

والسّمن إن كان جامداً رفعت الفأرة وما حولها. وإن كان ذائباً سائلا أُريق. ومنها: إذا اغتسلت الحائض قبل انقطاع الدّم لا يحكم بطهارتها فلا تجوز صلاتها ولا صيامها, ولا يطأها زوجها قبل انقطاع الدّم.

القاعدتان السابعة والثامنة والخمسون بعد المئة [القضاء بالحكم والسبب]

القاعدتان السّابعة والثّامنة والخمسون بعد المئة [القضاء بالحكم والسّبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يمكن القضاء بالحكم إلا بعد القضاء بالسّبب (¬1). وفي المقابل: لا ينتفي حكم الفعل إذا تقرّر سببه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: كلّ تصرف يبنى عليه حكم يكون سبباً لذلك الحكم. فإذا ثبت السّبب وتقرر فالقضاء بالحكم لازم ولا يجوز انتفاؤه؛ لأنّه مبني على سببه، فإذا تقرّر السّبب وقضى به وجب القضاء بالحكم، وينظر القاعدتان 642، 643 من قواعد حرف الهمزة، ولذلك لا يجوز للقاضي أن يصدر حكماً في قضيّة ما إلا بعد قضائه بسبب ذلك الحكم، لأنّ السّبب إذا لم يعتدّ به ولم يعتبر لا يبنى عليه حكم، وبالمقابل فإنّ السّبب إذا تقرّر لا يجوز انتفاء حكم الفعل المبني على سببه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا شهد شاهدان على أنّ هذا قطع يد هذا من المفصل عمداً، وشهد شاهدان آخران على أنّه قطع رِجْله عمداً، وشهدوا جميعاً أنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 168. (¬2) نفس المصدر جـ 4 ص 73.

الجريح لم يزل صاحب فراش حتى مات، وزُكِّي أحد شاهدي اليد وأحد شاهدي الرِّجل. لم يؤخذ القاطع بشيء؛ لأنّ واحداً من الفعلين لم يثبت عند القاضي؛ لأنّ العدل من الشّهود بكلّ فعل واحد. وشرط الإثبات عند القاضي عدالة الشّاهدين على كلّ فعل. فلمّا لم يثبت ذلك تعذّر القضاء بالحكم لتعذّر القضاء بالسّبب. لكن لو زُكي شاهدا اليد أو الرِّجل وشهدا أنّ الجريح ما زال صاحب فراش حتى مات، والولي يدّعي العمد، لثبت السّبب عند القاضي ووجب الحكم والقضاء به على القاطع بالقصاص، ولا يجوز نفي الحكم بعد تقرّر سببه. ومنها: إذا ادّعى شخص على آخر مالاً أنّه أقرضه إيّاه، وأقام شاهدين مقبولي الشّهادة فإنّ القاضي يحكم بالمال بناء على قضائه بالسّبب الثّابت بشهادة الشّاهدين. ولا يجوز له نفي حكم الفعل بعد تقرّر السّبب. ومنها: إذا حلق شخص رأس محرم وهو نائم أو مكرَه - فعند الحنفيّة - يجب على المحلوقة رأسه الفدية وهي الدّم؛ لأنّ النّوم أو الإكراه لا يخرج المكرَه من أنّ يكون مؤاخذاً بحكم الفعل، ولكن ينتفي عنه الإثم، ولكن لا ينتفي حكم الفعل إذا تقرّر سببه. والسّبب هنا: ما نال المحرم من الرّاحة والزّينة بحلق رأسه. وأمّا عند الشّافعي رحمه الله فلا شيء عليه؛ لأنّ الإكراه عنده يخرج المكرَه أن يكون مؤاخذاً بحكم الفعل وكذلك النّائم.

القاعدتان التاسعة والخمسون والستون بعد المئة [تمليك الغير]

القاعدتان التّاسعة والخمسون والسّتّون بعد المئة [تمليك الغير] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا يملك أحد إثبات ملك لغيره بلا اختياره وقبوله، إلا الإرث (¬1). وفي لفظ: لا يملك أحد أن يدخل شيئاً في ملك غيره بغير رضاه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: كما لا يجوز امتلاك شيء مملوك للغير بغير إذن صاحبه، فكذلك لا يجوز أن يُدخل أو يثبت أحد شيئاً في ملك غيره بغير اختياره ورضاه. ينظر القاعدة رقم 100. وللتمليك أسباب لا بدّ من وجود أحدها ليصحّ تمليك الغير ما لم يكن يملكه، منها: المعاوضات الماليّة، والمهور، ومال الخلع، والميراث، والهبات والصّدقات والوصايا، والوقوف، والغنائم، والاستيلاء على المباح، والإحياء، وبغير ذلك لا يصحّ التّملّك الشّرعي والتّمليك. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تصدّق على آخر بصدقة، فلا يتمّ قبولها إلا بقبول من ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 347، شرح الخاتمة ص 62. (¬2) المبسوط جـ 7 ص 19.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

المتصدَّق عليه وقبضه لها فعلاً أو حكماً. ومنها: إذا كفَّر غير المظاهر عنه بغير أمره لا يجزيه. ومنها: إذا قال: بعتك هذه الدّار بكذا فخذها وتملّكها. فلا تدخل في ملك المشتري إلا بإظهار القبول ودفع الثّمن، ولا يملكها بمجرّد إيجاب البائع ولو سلّمه مفاتيحها أو أخلاها له. ومنها: إذا قال: إذا تزوجتك فهذه الحديقة هي مهرك. فلا تكون الحديقة ملكاً للمرأة المخاطَبة إلا إذا تمّ عقد النّكاح بالتّراضي. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: الإرث يدخل في ملك الوارث بغير اختياره أو رضاه؛ لأنّ الإِرث خلافه، فلا يحتاج للقبول والاختيار، بل يثبت جبراً من الشّارع. ومنها: الوصيّة للجنين لا تحتاج إلى قبول. ومنها: غلّة الوقف يملكها الموقوف عليه، وإن لم يقبل. ومنها: البيع المشروط فيه الخيار للبائع أو المشتري - إذا مات مَن له الخيار - دخل المبيع في ملكه بغير قبول. ومنها: الوصيّة لا تدخل في ملك الموصَى له إلا بعد قبوله لها بعد وفاة الموصِي. لكن إن مات الموصِي والموصَى له قبل قبول الوصيّة دخلت في ملكه ويأخذها ورثته (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 362.

القاعدة الحادية والستون بعد المئة [التصرف في الملك]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد المئة [التّصرّف في الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يمنع الرّجل من التصرف في ملكه إذا لم يضرّ بغيره ضرراً بيِّناً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملك: معناه القدرة على التّصرف، فالمالك له الحقّ في التّصرف بما يملكه كيف يشاء، ولو أضرّ ذلك بغيره، ما لم يتعمّد الضّرر. ولكن هذه القاعدة تقيّد تصرّف المالك في ملكه بقيد عدم حصول الضّرر الفادح بغيره، أمّا إذا كان يتصرّف في ملكه بما يضرّ غيره ضرراً بيِّناً واضحاً فإنّه يمنع من ذلك التّصرّف. لأنّ تصرّفه مقيّد بقيد السّلامة وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وعليه الفتوى والعمل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد صاحب الدّار أن يبني في داره اصطبلاً، أو حماماً عامّاً، أو تنوراً، يمنع من ذلك؛ لثبوت الضّرر على الجيران. ومنها: إذا أراد أن يجعل في داره مصنعاً أو ورشة فإنّه يمنع من ذلك لما فيه من الإيذاء الواضح والضّرر البيِّن على الآخرين. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 110 عن الخانية جـ 3 ص 108.

وعلى ذلك أنظمة المدن الحديثة. ومنها: إذا كان لرجل عُلُوُّ بيت ولآخر سفله فليس لصاحب العلو أن يبني في علوه بناء أو يتدّ وتداً إلا برضاء صاحب السّفل. إذا أضرّ ذلك بصاحب السّفل. كما ليس لصاحب السّفل أن يهدم جداراً أو بناء في سفله إلا برضاء صاحب العلو؛ لأنّ ذلك قد يوهي البناء فيضرّ بصاحب العلو.

القاعدة الثانية والستون بعد المئة [الضرر ممنوع]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد المئة [الضّرر ممنوع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينبغي لأحد أن يحدث شيئاً في طريق المسلمين ممّا يضرّهم، ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئاً ممّا فيه الضّرر عليهم ولا يسعه ذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات شقّين أو جانبين: أحدهما: يتعلّق بعامّة المسلمين ومفاده أنّه لا يجوز لأي شخص كان أن يحدث أو ينشئ في طريق المسلمين ما يضرّهم ويضيّق عليهم الطّريق؛ لأنّ الطّريق العام ملك لعامّة المسلمين. والجانب الثّاني: يتعلّق بالإمام أو ولي الأمر، فإنّ سلطة الإمام أو الملك أو الرّئيس سلطة مقيّدة بمصلحة مجموع الأمّة، ولذلك فلا يجوز لهذا الإمام أو الملك أو الرّئيس أو الوالي أن يقطع أرضاً أو موقعاً لشخص من الأشخاص أو جهة من الجهات إذا كان في هذا الإقطاع ضرر لعامّة المسلمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حفر أحدهم حفرة أمام بيته ليجتمع فيها الماء - وكان ذلك ¬

_ (¬1) الخراج لأبي يوسف ص 101.

يضرّ بمن يمرّ في هذا الطّريق أو الشّارع، أو يسبّب ضرراً عامّاً بسبب اجتماع الماء فإنّه يؤمر بردمها وإزالتها. ومنها: لا يجوز لأحد أن يوقف سيّارته في الشّارع بحيث يضيق الطّريق أو يمنع عبور الشّارع على السّيّارات الأخرى. ومنها: لا يجوز لولي الأمر أن يقطع لأحد الأشخاص أرضاً هي مرعى لدوابّ المسلمين, لأن هذا يضرّهم.

القاعدة الثالثة والستون بعد المئة [الحد حق الله]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد المئة [الحدّ حقّ الله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينبغي لوالٍ ثبت عنده حدّ حقّ لله تعالى إلا أقامه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الولاة هم حماة شرع الله والمنفّذون لحدوده وأحكامه، فإذا ثبت عند والٍ من الولاة أو حاكم من الحكّام حدٌّ في حقّ من حقوق الله تعالى فيجب عليه إقامته وتنفيذه، ولا يجوز له التّهاون أو الإهمال في ذلك بأي سبب، إلا إذا وجدت شبهة تمنع إقامته. دليل القاعدة: فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إقامته حدّ السّرقة (¬2) على المخزوميّة، وعلى سارق رداء صفوان. وتنفيذه صلّى الله عليه وسلّم حدّ الزّنا (¬3) على من ثبت زناه بإقراره أو بالبيِّنة، وكذلك ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 197. (¬2) إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم حدّ السّرقة في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم التي رواها أحمد والنسائي وأبو داود ومسلم رحمهم الله تعالى. ينظر منتقى الأخبار الأحاديث 4085 - 4092. (¬3) إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم حدّ الزّنا في أحاديث رواها الجماعة. ينظر منتقى الأخبار الأحاديث 4013 - 4018.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

حدّ القذف (¬1) إذا طالب به المقذوف. وحدّ الشّرب (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حدّ الحرابة لا يجوز العفو عنه، لا للأولياء ولا للإمام أيضاً. وكذلك حدّ الزّنا، وحدّ السّرقة إذا رفع إلى الإمام. ¬

_ (¬1) إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم حدّ القذف على من قذف عائشة رضوان الله عليها رواه الخمسة إلا النسائي. منتقى الأخبار حديث 3796. (¬2) إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم حدّ الشّرب في حديث أنس وعقبة بن الحارث والسائب بن يزيد رضي الله عنهم، التي رواها أصحاب الصّحاح والسّنن. ينظر منتقى الأحاديث 4099 - 4102.

القاعدة الرابعة والستون بعد المئة [الخصم عن الغائب]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد المئة [الخصم عن الغائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينتصب أحد خصماً عن أحد غائب، بلا نيابة أو وكالة أو ولاية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدّعوى لا تقام إلا بوجود وحضور المدّعِي والمدَّعَى عليه. فلا يجوز أن يقوم أحد بالخصومة عن غائب سواء أكان مدّعياً أم مدّعَى عليه إلا إذا كان هذا القائم نائباً أو وكيلاً أو وليّاً للغائب عن مجلس القضاء. وإلا فلا يجوز أن يسمع القاضي الدّعوى، حتى ولو كان فيها منفعة ومصلحة للغائب؛ لأنّه لا ولاية لأحد في إدخال شيء في ملك غيره بغير اختياره ورضاه - كما سبق آنفاً - ولا تثبت النّيابة أو الوكالة أو الولاية، إلا بالبيِّنة حسب القواعد المرعيّة. دليل هذه القاعدة: قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر، الحديث: "يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنّك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء" (¬2). ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 67، عن أشباه ابن نجيم ص 225. (¬2) الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي رحمهم الله تعالى، ينظر منتقى الأخبار الحديث 4978.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى داراً في يد رجل أنّها داره اشتراها من فلان الغائب - وهو يملكها -. وقال ذو اليد: الدّار داري. فأقام المدّعِي البيِّنة على دعواه. قبلت بيّنته. ويكون ذلك قضاء على الغائب والحاضر جميعاً، وينتصب الحاضر وهو ساكن الدّار خصماً عن الغائب نيابة؛ لأنّ المدَّعَى به شيء واحد وهو الدّار. وما ادّعي على الغائب وهو الشّراء منه سبب لثبوت ما يدّعَى على الحاضر؛ لأنّ الشّراء من المالك سبب لا محالة. ومنها: نيابة الوصي عن الصّغير فإنّه يصير خصماً عن الصّغير نيابة في البيِّنة لا في اليمين؛ لأنّ اليمين لا نيابة فيها. أمّا الاستحلاف فتجري فيه النّيابة. ومنها: إذا شهد شاهدان على رجل بحقّ من الحقوق، فقال المشهود عليه: هما عبدان لفلان الغائب فأقام المشهود له البيِّنة أنّ فلاناً الغائب أعتقهما وهو يملكهما قبل العتق. تقبل هذه الشّهادة ويثبت العتق في حقّ الحاضر والغائب جميعاً، والمدّعَى به شيئان المال والعتق على الغائب. لكن المدَّعَى به على الغائب سبب لثبوت المدَعَى به على الحاضر. فناب الحاضر عن الغائب في ذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: ومنها: إنَّ أحد الورثة ينتصب خصماً عن باقي الورثة الغائبين. ومنها: إنَّ أحد الموقوف عليهم ينتصب خصماً عن الباقي (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 226.

القاعدة الخامسة والستون بعد المئة [نقض الأعلى بالأدنى]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد المئة [نقض الأعلى بالأدنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينتقض الشّيء بما هو دونه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات: فالأدنى هو الأضعف ولمّا كان الضّعيف لا يظهر في مقابلة القوي - كما سبق ذكره - فإنّ الدّليل الأعلى والأقوى لا يجوز أن ينقض بالدّليل الأدنى لضعفه وقوّة ذاك. وينظر من قواعد حرف الشّين القاعدة رقم 82. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 152.

القاعدتان السادسة والسابعة والستون بعد المئة [الساكت والسكوت]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والسّتّون بعد المئة [السّاكت والسّكوت] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل، إنّما ينسب إلى كلّ قوله وعمله (¬1). وفي لفظ: لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السّكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان (¬2). وفي لفظ: لا أنسب إلى ساكت قولاً (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: أنّ السّكوت لا يعتدّ به، ولا يجوز أن ننسب لساكت قولاً لم يقله أو عملاً لم يعمله، أو نحمل سكوته على معنى قول قد لا يكون يريده أو عمل لا يريده؛ لأنّ الأصل في المعاملات وتحمّل التّبعات هو اللفظ أو الفعل، فما لم يوجد اللفظ أو الفعل لا يجوز بناء الحكم على السّكوت. لكن القاعدة الثّانية اشتملت على استدراك واستثناء وذلك أنّ السّكوت قد يكون بياناً كاللفظ وذلك عند الحاجة إلى البيان. ويتحقّق ذلك ¬

_ (¬1) الأم ج 1 ص 152 باب الساعات التي تكره فيها الصّلاة، طبعة جديدة أو ص 134 طبعة قديمة. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 154، الفرائد ص 20 عنه، شرح الخاتمة ص 47، المجلة المادة 67، المدخل الفقرة 581، الوجيز مع الشرح والبيان ص 205. (¬3) المجموع المذهب لوحة 156 أ. أشباه السيوطي ص 142.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

بثلاثة أمور: الأوّل: أن يكون حال السّاكت دالاً على أنّ سكوته لو لم يكن بياناً ما كان ينبغي له أن يسكت عنه، وذلك كسكوت صاحب الشّرع صلّى الله عليه وسلّم - عند أمر يعاينه - عن التّغيير أو الإنكار فيكون سكوته إذناً به، وهذا ما يعبَّر عنه بالسنة التّقريريّة. وهذا أمر متّفق عليه. الثّاني: أن يعتبر السّكوت كالنّطق لأجل حال في الشّخص، كسكوت البكر. وهذا وإن كان متّفقاً عليه لكن اختلفوا في الفروع. الثّالث: أن يعتبر السّكوت لضرورة دفع الغرور والضّرر. كسكوت الشّفيع عن طلب الشّفعة بعد علمه بالبيع، إذ يعتبر إسقاطاً لشفعته عن الأكثرين. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة رقم 316، وينظر أيضاً من قواعد حرف السّين القواعد من 25 - 29. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا رأى إنساناً يتلف له شيئاً أو يبيع له متاعاً - وهو ساكت - فلا يعتبر سكوته رضاً، وله تضمين المتلِف وأخذ المتاع. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: سكوت البكر عند استئمار وليّها قبل التّزويج. ومنها: إذا حلفت أن لا تتزوّج فزوّجها أبوها فسكتت - حنثت. لأنّ سكوتها يعتبر رضاً بالزّواج. ومنها: سكوت المتصدَّق عليه. يعتبر قبولاً للصّدقة. بخلاف الموهوب له.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والستون بعد المئة [ما لا ينفذ من القضاء]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة والسّتّون بعد المئة [ما لا ينفذ من القضاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: لا ينفذ أمر القاضي إلا إذا وافق الشّرع (¬1). وفي لفظ: لا ينفذ القضاء ما إذا قُضِيَ بشيء مخالف للإجماع (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: لا تختصّ هاتان القاعدتان بالقاضي والقضاء، بل يعمّ حكمها كلّ من تولّى أمراً من أمور المسلمين يتعلّق بالحكم والقضاء. فالإمام الأعظم لا ينفذ أمره إذا لم يوافق الشّرع والإجماع من الشّرع. من أدلّة هاتين القاعدتين: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (¬3). والحاكم والقاضي إنّما نصب لإقامة العدل وحفظ حدود الشّرع، فحكمه بغير الشّرع خروج عمّا نصّب له. ولذلك لا ينفذ أمره. وإنّما خصّ القاضي والقضاء لأثرهما في الأمّة وموقعهما من تنفيذ الشّرع وردّ الحقوق لأصحابها وخطرهما العظيم. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 74 عن أشباه ابن نجيم ص 125. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 315 وعنه قواعد الفقه. (¬3) سبق تخريج هذا الحديث.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: لا يبيع القاضي مال الصّغير من نفسه، ولا يبيع ماله من الصّغير؛ لأنّ القاضي إنّما تعتبر ولايته في حقّ ما بين النّاس، وأمّا فيما بينه وبين النّاس فهو كغيره، ولا ولاية له فيه، فلا يجوز تصرّفه. ومنها: لا يجوز للقاضي ولا للحاكم تزويجه الصّغيرة من غير كفء، ولا تأجيله عند وجود الكفء؛ لأنّ الحقّ ليس له. ومنها: إذا أمر القاضي بجلد زان محصن أو سجنه، فهذا أمر مخالف لشرع الله ولإجماع الأمّة؛ لأن حدّ الزّاني المحصن الرّجم بالحجارة حتى الموت، فالحاكم بجلده فقط أو سجنه مخالف لشرع الله.

القاعدة السبعون بعد المئة [نقض الاجتهاد]

القاعدة السّبعون بعد المئة [نقض الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد - أو بمثله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا اجتهد مجتهد في حكم مسألة من المسائل الشّرعيّة الاجتهاديّة - غير النَّصِّيّة - وعمل باجتهاده فيها، ثم بان له رأي آخر في مسألة أخرى مشابهة، فلا يجوز أن ينقض اجتهاده الأوّل باجتهاده الثّاني، كما لا يجوز لغيره أن ينقض اجتهاده في مسألة صدر له فيها رأي. والعلّة في ذلك: أنّ الاجتهاد الثّاني ليس بأقوى من الأوّل، وأنّه يؤدّي إلى أن لا يستقرّ حكم. وينظر من قواعد حرف الهمزة القواعد رقم 267 - 269. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اجتهد مجتهد في أنّ قول القائل - عليَّ الحرام - أنّه لا شيء، ¬

_ (¬1) المستصفى جـ 2 ص 300، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 479 من محققة الأزهر. ومخطوط مكتبة أحمد الثالث تحت رقم 1091 وساقط من المطبوعة، المنثور جـ 1 ص 93، أشباه السيوطي ص 101، أشباه ابن نجيم ص 105، مجلة الأحكام المادة 160، المدخل الفقهي الفقرة 624، الوجيز مع الشرح والبيان ص 384، وقواعد الحصني جـ 3 ص 338.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

وأفتى بذلك الاجتهاد مَن استفتاه، ثم تغيّر اجتهاده بعد ذلك فرأى أنّ هذا القول يجب اعتباره طلقة بائنة أو رجعيّة أو طلاق بات، فليس له الرّجوع في اجتهاده الأوّل إلى اجتهاده الآخر في المسائل الّتي صدرت فيها الفتوى. ولكن في مسائل مستجدّة له الحكم والفتوى بالاجتهاد الثّاني. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: يجوز نقض الاجتهاد إذا تبيّن الخطأ بيقين: كما لو قضى بحكم مخالف للنّصوص الواضحة من الكتاب والسّنّة أو الإجماع أو القواعد الكلّيّة، أو خالف قياساً جليّاً، أو خالف المذاهب الأربعة - في قول. ومنها: إذا كان الاجتهاد مخالفاً لشرط الواقف. ومنها: إذا تبيّن خطأ الحاكم في نفس الحكم أو سببه أو طريقه. فينقض الحكم هنا لتبيّن بطلانه (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 105، وأشباه ابن نجيم ص 108.

القاعدة الحادية والسبعون بعد المئة [تغير الأحكام]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد المئة [تغيّر الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينكر تغيّر الأحكام - الاجتهاديّة - بتغيّر الأزمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنّ تغيّر الأوضاع والأعراف والأحوال الزّمنيّة له تأثير كبير في كثير من الأحكام الشّرعيّة الاجتهاديّة؛ لأنّ ما كان من الأحكام الشّرعيّة مبنيّاً على عرف النّاس وعاداتهم، أو على مصلحة من المصالح، أو وضع خاصّ من الأوضاع فإنّ هذه الأحكام تكون قابلة لتغيير كيفيّة العمل بمقتضى الحكم بسبب اختلاف العادة أو المصلحة، أو الوضع عن الزّمن السّابق، أمّا أصل الحكم الثّابت بالنّص فلا يقبل التّغيير بحال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من المقرّر في أصول المذهب الحنفي أنّ المدين تَنفُذ تصرّفاته في أمواله، بالهبات والوقف وسائر وجوه التّبرّع - ولو كانت ديونه مستغرقة أمواله كلّها -؛ باعتبار أنّ الدّيون تتعلّق بذمّته - لا بأمواله - ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 65، مجلة الأحكام المادة 39، المدخل الفقهي الفقرة 614، شرح القواعد للزرقا ص 173 الوجيز مع الشرح البيان ص 310.

فتبقى أعيان أمواله حرّة، فينفذ فيها تصرّفه. هذا مقتضى القواعد القياسيّة. لكن لمّا فسد الزّمان وخربت الذّمم، وكثر الطّمع، وقلّ الورع، وأصبح المدينون يعمدون إلى تهريب أموالهم من وجه الدّائنين عن طريق وقفها، أو هبتها لمن يتقون به من قريب أو صديق، أفتى المتأخّرون من فقهاء الحنفيّة والحنابلة - في وجه عندهم (¬1) - بعَدم نفاذ هذه التّصرفات من المدين إلا فيما يزيد عن وفاء الدّيون من أمَواله. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 11.

القاعدة الثانية والسبعون بعد المئة [المختلف فيه والمجمع عليه]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد المئة [المختلف فيه والمجمع عليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا ينكر المختلف فيه، وإنّما ينكر المجمع عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام الشّرعيّة: منها أحكام مجمع على اعتبارها, ولا خلاف فيها. ومنها أحكام وقع الاختلاف بين الأئمة فيها. فالأحكام المختلف فيها لا ينكر ولا يعترض على مَن خالف فيها ما دامت مخالفته مبنيّة على اجتهاد صحيح. ولكن الأحكام المجمع عليها لو خالف فيها مخالف فيجب استنكار خلافه واعتراضه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم حاكم بأنّ الخلع فسخ فلا ينكر عليه؛ لأنّ كون الخلع فسخًا أو طلاقاً مسألة وقع فيها الخلاف. ومنها: إذا أفتى مفت بأنّ لمس المرأة لا ينقض الوضوء اعتبرت فتواه، ولا يعترض عليها باجتهاد من رأى أنّ لمس المرأة ناقض. لوجود الخلاف في المسألة. ومنها: إذا أفتى مفت بأنّ مَن جامع في نهار رمضان يجب عليه ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 158.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الصّيام شهرين متتابعين فقط. فهذا يعترض عليه؛ لأنّ الإجماع قائم على أنّ المجامع في نهار رمضان - وهو صائم مختار - إمّا أن يعتق رقبة فإن لم يجد فليصم وإن لم يجد فليطعم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: أن يكون مذهب المخالف بعيد المأخذ ضعيف الدّليل بحيث ينتقض، فهذا ينكر عليه. مثاله: إذا وطئ المرتهن المرهونة وجب عليه الحدّ. ولا ينظر لخلاف عطاء (¬1) الّذي يرى إباحة الجواري؛ لمخالفته المجمع عليه. ومنها: أن يكون للمنكر حقّ فيه، كالزّوج يمنع زوجته الذّمّيّة من شرب الخمر، وإن كان مباحاً عندها. ¬

_ (¬1) عطاء بن أبي رباح من التابعين مفتي مكة - سبقت له ترجمة.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المئة [ما قبل البلوغ]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد المئة [ما قبل البلوغ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: لا يوصف قبل البلوغ بالكراهة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البلوغ: وهو وصول الإنسان من عمره مرحلة تجب عليه فيها الأحكام وتحسب عليه فيها تصرفاته القوليّة والفعليّة؛ وهي المرحلة التي يغلب على الظّنّ فيها نضج العقل والإدراك. ومن علامات البلوغ بالنّسبة للرّجل الإنزال. والحيض بالنّسبة للمرأة، أو الإنبات لكليهما (¬2) أو استكمال خمس عشرة سنة. فقبل وصول الإنسان لهذه المرحلة من عمره فلا توصف أعماله وتصرّفاته بالكراهة أو بالتّحريم؛ لأنّه غير مكلّف في هذه الحال بشيء من العبادات، ولا بشيء من المنهيات. وإن كان يؤمر بالصّلاة عند بلوغه سبع سنين للتّعوّد عليها، وهو مثاب على فعل الطّاعات تفضّلاً من الله سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 219، أشباه ابن نجيم ص 278، 306، شرح الخاتمة ص 67. (¬2) ينظر أشباه ابن نجيم ص 223، وينظر قواعد الحصني جـ 2 ص 410 فما بعدها. والمنثور جـ 2 ص 295.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل الصّغير عمداً، فلا يقتصّ منه، ويعتبر عمده خطأ، والدّية على العاقلة. ومنها: إذا قتل الصّغير مورثه عمداً، لا يوصف فعله بالخطأ والتّقصير، لعدم الخطاب (¬1). والجزاء يستدعي ارتكاب المحظور، بخلاف البالغ المخطئ فإنّه يوصف بالتّقصير لكونه محلاً للخطاب. ومنها: إذا جامع الصّغير - ولو ببالغة - لا يعتبر فعله زناً، ولا يقام عليه الحدّ. ومنها: لا يجب على الصّبي المحرم في جنايته جزاء لأنّ فعله غير موصوف بالحرمة، فلا يكون جانياً. ومنها: أنّه إذا طلّق لا يقع طلاقه. ملحوظة: الصّغير المحجور عليه يؤاخذ بأفعاله، والحجر إنّما هو في الأقوال لا في الأفعال. فما أتلفه من الأموال فيضمن في ماله. ومنها: إذا أقرض رجل طفلاً صغيراً شيئاً فأتلفه لم يضمن الصّغير شيئاً. ومنها: إذا أودع عند الصّغير شيئاً بغير إذن وليّه فأتلفه، أو أعاره فأتلفه، فلا يضمن (¬2). ¬

_ (¬1) وفي وجه إنّ عمده عمد ويحرم إرث من قتله. المنثور جـ 2 ص 298. (¬2) الفوائد الزينية الفائدة 53 ص 107.

ملحوظة هامة

ملحوظة هامّة: الصّغير له حالتان: الحالة الأولى قبل سنّ التّمييز - أي دون سبع سنين - في هذا الطور لا يتحمّل الصّبي شيئاً ولا يوصف عمله وقوله بكراهة أو تحريم باتّفاق. لا في العبادات ولا في المعاملات. والحالة الثّانية - سنّ التّمييز ما فوق سبع سنين إلى البلوغ. ففي هذا الطّور وقع الخلاف في كثير من المسائل السابقة. هل يعتبر فيها كالبالغ أو لا.

حرف الميم

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلَامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستاذ المشارك في كليّة الشريعَة وأصُول الِدّين بالقصيم - بريدَة الجزء التاسِع القسم الحادي عشر قواعد حرف الميم عدد قواعده 719 قاعدة مؤسسة الرسالة ناشرون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ غاية في كلمة جميع الحقوق محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1424 هـ - 2003 م ISBN 9953 - 32 - 000 - 4 حقوق الطبع محفوظة C 2003 م. لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه بأي شكل من الأشكال أو حفظه ونسخه في أي نظام ميكانيكي أو إلكتروني يمكن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه ولا يسمح باقتباس أي جزء من الكتاب أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على خطي مسبق من الناشر. 1

القاعدة الأولى [الشرط المبطل]

القاعدة الأولى [الشّرط المبطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المؤثّر من الشّروط في بطلان العقد إنّما هو المقارن لصيغها، فإذا تقدّم الاتّفاق عليه أو تأخّر وقع العقد خالياً عنه، فإنّه لا أثر له غالباً (¬1). وفي لفظ: المقارن للصّنيع إذا كان مؤثّراً، فإذا تقدّم أو تأخّر لا يؤثّر غالباً (¬2)، وستأتي. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان - وإن اختلفتا صيغة ولفظاً - فهما متّحدتان معنى ومفهوماً ومدلولاً، فالشّروط المقارنة والمصاحبة للعقد أو التّصرّف هي التي تؤثّر فيه سلباً أو إيجاباً سواء منها ما كان لمصلحة الموجب أم لمصلحة القابل أم لمصلحة الطّرفين، والشّرط إذا كان مخالفاً لموجب العقد ومقتضاه فهو مبطل للعقد إذا كان مقارناً ومصاحباً عند التّعاقد وإجراء العقد، لكن إذا وجدت شروط قبل انعقاد العقد - ولم يُنصّ عليها في العقد -، أو تأخّرت عن انعقاد العقد فهل تؤثّر في العقد فتبطله؟. ¬

_ (¬1) المختصر - قواعد ابن خطيب الدهشة ص 278، قواعد الحصني جـ 4 ص 143. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 476.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما المختلف فيها

مفاد القاعدتين: أنّه إذا وقعت الشّروط متأخّرة أنّه لا أثر لها في العقد قطعاً، لكن إذا كانت الشّروط متقدّمة على العقد فمنها ما يؤثّر في العقد فيبطله، ومنها ما لا يؤثّر فيه بالإبطال؛ لأنّه إمّا أن يعتبر الشّرط وإمّا أن لا يعتبر، والعد صحيح لوقوعه خالياً عن تلك الشّروط، ومنها ما هو مختلف في اعتباره. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما المختلف فيها: بيع الثلجئة (¬1) عند الشّافعيّة الأصحّ صحّة العقد وبطلان الشّرط المتقدّم. ومنها: لو اتّفقا على البيع بألف، وأظهراه في العقد بألفين، صحّ بألفين، ولا أثر للاتّفاق السّابق. ومنها: إذا اتّفقا على أنّ مهر السّرّ ألفان، ومهر العلانية ألف، فالرّاجح اعتبار المصطلح عليه قبل العقد، فهو كالمشروط فيه مقارناً. ومنها: إذا قال: متى قلت لامرأتي: أنت عليّ حرام. فإنّي أريد الطّلاق. ثمّ قال لها ذلك بعد مدّة فعن الرّوياني (¬2): إنّها تحتمل ¬

_ (¬1) بيع الثلجئة: هو بيع صوري وهو أن يتّفق شخصان على أن يظهرا العد إمّا للخوف من ظالم أو نحوه، وإمّا لغير ذلك، ويتّفقا على أنهما إذا أظهراه لا يكون بيعاً حقيقة. ثمّ يعقدان العقد. القاموس الفقهي ص 328. (¬2) الرّوياني: هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمَّد أبو المحاسن أحد أئمة الفقه الشّافعي، ولد سنة 415 هـ. رحل في طلب العلم. اشتهر بحفظ =

وجهين: أحدهما وقوع الطّلاق عملاً بكلامه السّابق، والثّاني أنّه كما لو لم يقل: لاحتمال تغيّر النّيَّة. ¬

_ = المذهب الشّافعي حتى قيل عنه: إنّه قال: لو احترقت كتب الشّافعي لأمليتها من حفظي: له مصنفات جليلة منها: البحر، والحلية، والتجربة، وغير ذلك. توفي مقتولاً سنة 502 هـ إذ قتله الملاحدة الباطنية بجامع آمل يوم الجمعة حادي عشر من المحرم. طبقات الشّافعية ص 190، تهذيب الأسماء واللغات جـ 2 ص 277، طبقات الشّافيّة الكبرى جـ 4 ص 264.

القاعدة الثانية [المأذون]

القاعدة الثّانية [المأذون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المأذون له في شيء يكون إذناً فيما يقتضي ذلك الشّيء إيجابه، وهل يكون إذناً فيما يقضي ذلك الشّيء استحقاقه (¬1)؟. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المأذون: اسم مفعول من الفعل أُذِنَ له في الشّيء: أي سمح له بمزاولة ذلك الشّيء أو أخذه أو استعماله، والإذن معناه في اللغة: إطلاق الفعل والإباحة. فمن أُذن له في شيء ما فيكون ذلك الإذن إذناً فيما يترتّب على ذلك الشّيء أو ما ينتج عنه من نتائج لازمة له وموجَبَة به. لكن هل يكون ذلك الإذن إذناً فيما له صلة بالفعل لكن ليس من موجَباته؟ أو لا بدّ من إذن خاصّ بذلك المستحَقّ؟. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أولاً: ما لا يكون إذناً ووقع فيه الخلاف، الوكيل بالبيع مطلقاً - له إجراء عملية البيع بشروطها - لكنّه لا يملك تسليم المبيع قبل استيفاء ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 174. المنثور للزركشي جـ 1 ص 108، ولفظها عنده: الإذن في الشّيء إذن فيما يقتضي ذلك الشّيء إيجابه.

ثانيا: مما كان إذنا في الاستحقاق

الثّمن. لكن إذا استوفى الثّمن وجب عليه التّسليم لأنّه مستحقّ عليه. ومنها: الوكيل في الخصومة في إثبات حقّ، هل يملك استيفاءه؟ خلاف. وكذلك الوكيل بالاستيفاء هل يملك الخصومة؟ ومنها: إذا وكّل وكيلاً في رهن ماله على دين اقترضه الرّاهن، ثم أعسر الرّاهن، فهل يكون الوكيل مأذوناً له في بيع المرهون؟ خلاف. ثانياً: ممّا كان إذناً في الاستحقاق: إذا أذن السّيّد لعبده المأذون له في التّجارة أن يرهن عبد السّيّد على دين لزم المأذون في مال التّجارة، صحّ الرّهن وله بيع المرهون؛ لأنّ الرّهن اقتضاه بإذن السّيّد. ومنها: إذا أذن لعبده في النّكاح كانت النّفقة والمهر في كسب العبد، ولا يضمنها السّيّد في جديد الشّافعي رحمه الله. ومنها: إذا أذن له في الضّمان فقط دون الرّجوع، فأدّى عنه الضّامن كان له الرّجوع؛ لأنّ الأداء نتيجة الضّمان المأذون فيه.

القاعدة الثالثة [التزام الشروط]

القاعدة الثّالثة [التزام الشّروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المؤمنون عند شروطهم (¬1). أو المسلمون (¬2). أو على شروطهم (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم ذكره البخاري رحمه الله في كتاب الإجارة باب 14 أجر السمسرة، تعليقاً جازماً به، ولم يصله. وللحديث تتمّة وهي: "والصّلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً". رواه أبو داود وأحمد والدّارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه. رفعه وصحّحه الحاكم، وله شاهد عند ابن راهويه. وروي بلفظ: "المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً". ينظر في تخريجه: تلخيص الحبير جـ 3 ص 23 حديث 1104. وكشف الخفاء جـ 2 ص 209 حديث 2302. والمقاصد الحسنة ص 385 حديث 1023. وموسوعة الحديث لزغلول جـ 8 ص 653. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2031، والمبسوط جـ 23 ص 33. (¬2) المبسوط جـ 3 ص 41. (¬3) التمهيد جـ 7 ص 115.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ومفاد الحديث: أنّ المؤمنين والمسلمين وقَّافون عند شروطهم الّتي اشترطوها على أنفسهم، وأنّهم يفون بشروطهم الّتي أوجبوها على أنفسهم؛ لأنّ الوفاء بالشّرط من الإيمان، وعدم الوفاء من النّفاق؛ لأنّ الشّرط الّذي يشترطه الإنسان على نفسه نوع من الوعد، والوعد يجب الوفاء به، ونقضه من صفات المنافقين، لكن إذا كان الشّرط مخالفاً للشّرع بأن يحلّ حرماً أو يحرّم حلالاً فلا يجوز اشتراطه ولا الوفاء به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترط المشتري على نفسه أن يدفع الثّمن حالاًّ، فعليه الالتزام بذلك. وأمّا إذا كان الشّرط تأجيله لمدّة معلومة فيجب على المشتري الوفاء بالشّرط وأداء الثّمن عند حلول الأجل، كما يجب على البائع عدم مطالبة المشتري بالثّمن إلا عند حلول الأجل. ومنها: من استأجر أجيراً وشرط له أجرة محدّدة على عمل محدّد فيجب على الأجير الوفاء بالشّرط وأداء العمل المطلوب على أكمل وجه مستطاع بحسب الشّرط، ويجب على المستأجر صاحب العمل أداء الأجر المتّفق عليه عند تمام العمل، أو بحسب الشّرط المتّفق عليه، وأن لا يماطل الأجير في أداء أجره إذا أدّى عمله على الوجه المطلوب.

القاعدة الرابعة [المأمور بالتصرف]

القاعدة الرّابعة [المأمور بالتّصرّف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المأمور بالتّصرّف لا يعزل نفسه في موافقته أمر الآمر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمأمور بالتصرّف: مَن يتصرّف لغيره بإذنه. فهذا يجب عليه أن يكون تصرّفه موافقاً لأمر الآمر الّذي يتصرّف بإذنه، وليس لهذا المأمور أن يتصرّف مخالفاً أمر الآمر وإذنه, لأنّه بهذا يكون قد عزل نفسه بمخالفته المتّفق عليه، فيكون تصرّفه لنفسه لا للآمر، فلا يجوز تصرّفه في حقّ الآمر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المضارب إذا اشترى بمال المضاربة سلعة - سيّارة أو داراً أو أرضاً أو عروضاً - ثمّ أشهد بعد الشّراء أنّه اشترى هذه السّلعة لنفسه شراءً مستقلاً بمثل ما اشتراها به أو بربح. فإنّ شراءه لنفسه باطل، والسّلعة على المضاربة، وسبب الفساد أنّه يشتري من نفسه لنفسه وهذا باطل؛ لأنّه لا يملك الشّراء من نفسه لنفسه غير الأب في حقّ ولده الصّغير. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 127.

لكن إذا كان المضارب حين اشتراها أشهد أنّه يشتريها لنفسه فذلك جائز إذا كان ربّ المال أذن له في ذلك. - وما اشتراه فهو له - وهو ضامن لربّ المال الثّمن؛ لأنّه قضى بمال المضاربة دين نفسه، وإن كان ربّ المال لم يأذن له فالمشترى على المضاربة. ومنها: إذا وكّله في شراء شيء معيّن، فإذا قال: إنّه اشترى هذا الشّيء لنفسه يكون شراؤه للموكّل لا لنفسه, لأنّه يريد عزل نفسه في موافقة أمر الآمر، إلا إذا كان الموكّل قد أذن له في ذلك.

القاعدة الخامسة [المأمور بالتنجيز]

القاعدة الخامسة [المأمور بالتّنجيز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المأمور بالتّنجيز لا يملك التّعليق ولا الإضافة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّنجيز: تفعيل من نجز الأمر بمعنى تمّ وكمل، فالتّنجيز أمر بالإتمام والكمال، وفي البيع والمعاملة، إتمام العقد حالاً دُون تأخير. وهو الفعل الحال غير المؤجّل. والتّعليق: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، أي ربط الشّرط بالجزاء. فإذا حصل الشّرط وقع الجزاء، أو هو ربط العمل بشرط مستقبل. والإضافة: إسناد الأمر إلى وقت أو شخص معيّن أو غير معيّن. فمن أمر بإنجاز فعل أو تصرّف فلا يجوز له أن يعلّقه على حصول أمر آخر، كما ليس له أن يسنده إلى موافقة شخص أو مجيء وقت أو تغيّر حال أو صفة. لأنّه إذا خالف ما أُمر به لا يلزم الآمر ما عمله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أمره بعتق عبده. فليس له أن يدبره؛ لأنّ التّدبير عتق مؤّجل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 95.

إلى وفاة السّيّد، والسّيّد أمره بإنجاز العتق. ومنها: إذا قال له: أكرم ضيوفي اليوم، فليس له أن يؤخّر إكرامهم ليوم آخر أو لآخر الشّهر، أو انتظاراً لقدوم شخص.

القاعدة السادسة [المأمور بالشيء - الأمر المطلق لا يقتضي التكرار]

القاعدة السّادسة [المأمور بالشّيء - الأمر المطلق لا يقتضي التّكرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المأمور بالشّيء لا يملك تكراره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بمسألة (دلالة الأمر) عند الأصوليّين، وهي هل الأمر المطلق يقتضي التّكرار؟. والرّاجح في المسألة أنّ الأمر المطلق لا يقتضي التّكرار ما لم تقم قرينة على إرادته. فالمأمور بفعل شيء ما يكون منفّذاً للأمر ومطيعاً للآمر بفعل المأمور مرّة واحدة. وهذا ما تفيده هذه القاعدة، فالأمر المطلق لا يقتضي التّكرار، ولا يملك المأمور تكرار الفعل، ولو كرّره يكون مخالفاً للأمر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لوكيله: أعط هذا الفقير ديناراً. فيكون منفّذاً للأمر بإعطائه ديناراً واحداً مرّة واحدة. ولا يجوز له أن يعطيه ديناراً كلّما رآه, لأنّه لا يملك ذلك. ومنها: إذا وكّله في أن يزوّجه امرأة بعينها فزوّجها إيّاه، ثمّ طلّقها الموكّل، فليس للوكيل أن يزوّجها إيّاه مرّة أخرى بحجّة الوكالة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 85.

السّابقة. ومنها: إذا أمره ببيع سيّارة له، فباعها. فليس له أن يبيع سيّارة أخرى له بحجّة أنّه أمره ببيع سيّارته؛ لأنّه حينما باع ما أُمِر ببيعه فقد نفّذ ما أُمر به، وانتهى توكيله فيما وكّل به. فليس له أن يبيع أخرى إلا بأمر جديد.

القاعدة السابعة [المأمور بالشيء عليه إتمامه]

القاعدة السّابعة [المأمور بالشّيء عليه إتمامه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المأمور بالشّيء مأمور بإتمام ذلك الشّيء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المأمور بفعل شيء ما، أو الموكَّل بفعل شيء ما يتضمّن ذلك الأمر إتمام ذلك الشّيء المأمور به والإتيان به على وجه الكمال، إلا إذا كان الأمر محدّداً بمرحلة أو حالة خاصّة فلا يجوز للمأمور أن يتعدّاها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أمره برفع دعوى أمام القضاء في قضيّة معيّنة له، فهل على المأمور أن يستمرّ في الدّعوى إلى النّهاية؟ نصّ القاعدة يفيد ذلك، وهذا المعمول به عرفاً في المحاكم، فمن وكّل محامياً في قضيّة له فهذا التّوكيل يلزم المحامي بالسّير في القضية حتّى النّهاية. لكن إذا قيِّد الأمر بتسجيل الدّعوى في المحكمة فقط فليس له غير ذلك. ومنها: أرسل رجلاً يخطب له امرأة بعينها فزوّجها إيّاه، جاز على الموكِّل, لأنّ الزّواج من تمام الخطبة. لكن لو أمره بالاقتصار على الخِطبة فقط فليس له تزويجه منها. ومنها: إذا طلب منه أن يعرف له سعر سلعة معيّنة في السّوق يريد شراءها، فاشتراها له بالسّعر المناسب جاز وعليه قبولها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 199.

القاعدة الثامنة [مؤونة الملك]

القاعدة الثّامنة [مؤونة الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مؤونة الملك على قدر الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة المشهورة: أنّ (الغُرم بالغُنم)، والرّبح على قدر الخسارة. فمن ملك جزء شيء كنصفه أو ثلثه، فعليه من الغرم عند الخسارة بمقدار ملكه من ذلك الشّيء وعلى الآخر ما بقي. وبناء على ذلك فإنّ نفقة الشّيء المملوك - المحتاج للنّفقة - كدابّة أو عبد - إنّما تكون على الشّركاء بحسب أنصبتهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترك اثنان في شراء دابّة مناصفة فعلى كلّ واحد منهما نصف نفقتها لكن إذا كان لأحدهما الثّلث وللآخر الثّلثان فعلى صاحب الثّلث ثلث النّفقة وعلى الآخر ثلثاها. ومنها: إذا وَرِث جماعة داراً أو عمارة أو اشتروها وهم ذكور وإناث - واحتاجت الدّار أو العمارة للتّرميم، فإنّ على كلّ واحد منهم جزءاً من نفقة التّرميم بمقدار ملكه فيها. فالذّكر عليه ضعف ما على الأنثى في الموروث. وإذا كانت من ضمن الورثة زوجة مع أولادها ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 218.

فعليها ثُمُن النّفقة. ذلك بحسب ملكها الثّمن. ومنها: إذا اشترك جماعة في شراء قطيع من الأغنام أو البقر أو الإبل بأنصبة متفاوتة فعلى كلّ واحد منهم النّفقة والزّكاة بمقدار نصيبه منها.

القاعدتان التاسعة والعاشرة [المؤول بالشيء، القائم مقام غيره]

القاعدتان التّاسعة والعاشرة [المؤوّل بالشّيء، القائم مقام غيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المؤول بالشّيء لا يلزم أن يكون في حكمه من كلّ وجه (¬1). وفي لفظ: ما يقام مقام غيره لا يلزم أن يكون في حكمه من كلّ وجه (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: إنّ البدل الذي يقام مقام المبدل منه لا يلزم أن يأخذ أحكامه كلَّها، ولا يلزم أن يكون مثله من كلّ وجه - وإلا كان هو هو -، ولكن الأصل أنّ البدل غير المُبدل منه، والغيريّة تقتضي الاختلاف، وإن أخذ البدل بعض أحكام المبدَل منه. وقد سبق أمثال لهاتين القاعدتين ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 335 وقواعد حرف اللام تحت الرّقم 39. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: التّراب قائم مقام الغسل والوضوء - عند فقد الماء - ولا يأخذ حكمهما من كلّ وجه، وإلا كان على المتيمّم أن يعمّ جسمه وأعضاء الوضوء بالتّراب. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 61.

ومنها: العدّة بالأشهر - في حقّ الآيسة والصّغيرة - قائمة مقام الحيض في انقضاء العدّة والاستبراء فقط، لا في جميع أحكام الحيض.

القاعدة الحادية عشرة [الماء]

القاعدة الحادية عشرة [الماء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الماء لا يملك - عند الحنفيّة - ملكاً لا إباحة فيه للغير بأن ينتفع منه إلا إذا أحرز في الأواني (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قال صلّى الله عليه وسلّم: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنّار" (¬2). الحديث. فبناء على ذلك رأى الحنفيّة أنّ الماء مشاع بين جميع النّاس لا يملكه واحد يختصّ به دون النّاس. وهذه القاعدة وإن كانت صيغتها تخصّ ملكيّة الماء، ولكن معناها أعمّ وأشمل حيث يعمّ كلّ ما كان في الأصل مباحاً كالاحتشاش والاحتطاب والصّيد وغير ذلك. فمفادها: أنّ ما كان مباح الأصل أنّه لا يملك ملكاً خاصّاً إلا إذا أحرز وصار في اليد أي في قبضة مالك خاصّ. والماء قبضه أن يوضع في الأواني أي الأوعية. ¬

_ (¬1) الخانيّة كتاب الشّرب جـ 3 ص 205 وعنه الفرائد ص 126. (¬2) الحديث أخرجه أبو داود في البيوع رقم 60، وابن ماجه في الرهون رقم 16، وأحمد جـ 5 ص 364.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مياه الأنهار والعيون والآبار هي ملكيّة عامّة تبيح الانتفاع لكلّ منتفع، ولا حقّ لأحد في منع أحد من الاستقاء منها. لكن إذا وضع الماء في الأواني أو البرك أو الأحواض الخاصّة فأصبح ملكيّة خاصّة لا يجوز لأحد الانتفاع منه إلا بإذن المالك (¬1). ومنها: الأنهار والتّرع الصّغيرة المشتركة بين أناس معيّنين لا يجوز لأحد غير الشّركاء الانتفاع بهذا الماء إلا بإذن الشّركاء جميعهم - إلا الشَّفَه فلا تمنع - أيّ الشّرب، إلا إذا كان الشّرب منه يضرّه، كسقي الإبل الكثيرة من المجرى الصّغير فيمنع؛ لأنّه يضرّ أهله. ومنها: الحشيش في البرّيّة والحطب في الغابة مباح للجميع، لكن إذا احتشّ إنسان وجمع الحشيش والأعشاب وجعلها حزماً أو كومة فقد أصبح هذا ملكيّة خاصّة، ليس لأحد حقّ فيه إلا لصاحبه الّذي احتشّه وكذلك الحطب، بشرط أن لا يضرّ ذلك بالبيئة. ومنها: الصّيد مباح لمن يريد الاصطياد - سواء في ذلك صيد البرّ أم البحر - فليس لأحد حقّ منع أحد من الاصطياد - إلا إذا كانت أرضاً خاصّة به، أو وجد تنظيم من الدّولة يمنع ذلك - لكن إذا اصطاد شخص غزالاً أو أرنباً أو حمار وحش أو غير ذلك فقد أصبح الصّيد ملكه، ولا يجوز لأحد الانتفاع به أو الاستيلاء عليه بغير إذن مالكه. ¬

_ (¬1) إلا الآبار في الأرض المملوكة فهي لمالك الأرض ولا يجوز لأحد أن يدخل الأرض المملوكة إلا بإذن المالك.

القاعدة الثانية عشرة [المباح بالشرط]

القاعدة الثّانية عشرة [المباح بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أبيح تركه بشرط إذا زال عاد الأصل إلى حاله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط يوجب حكمه في المشروط - فمثلاً الطّهارة شرط لصحّة الصّلاة - فالصّلاة بدون طهارة لا تقع صحيحة. فإذا أبيح ترك شيء ما لوجود شرط فيه يبيح تركه، فإذا زال ذلك الشّرط وانعدم عاد حكم الأصل إلى حالته السّابقة على وجود الشّرط، وهو عدم إباحة التّرك. وهذه القاعدة بمعنى القواعد الآتية، ما أبيح للضّرورة يقدّر بقدرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من جاز له قصر الصّلاة في السّفر إذا أقام وجب عليه الإتمام؛ لأنّ ترك الإتمام مشروط بوجود السّفر، فإذا زال الشّرط وجب الرّجوع إلى الأصل وهو الإتمام. ومنها: من أبيح له الفطر في السّفر أو الحيض أو النّفاس، ثمّ أقام المسافر وطهرت الحائض والنّفساء وجب عليهم الصّوم لزوال شرط ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 266، وجـ 3 ص 134.

الفطر. ومنها: إذا قدم المسافر المفطر نهاراً، أو طهرت الحائض في النّهار، وجب عليهم الإمساك بقيّة اليوم؛ لزوال شرط الفطر.

القاعدتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة [الضرورة والعذر]

القاعدتان الثّالثة عشرة والرّابعة عشرة [الضّرورة والعذر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما أبيح للضّرورة يقدّر بقدرها (¬1). وفي لفظ: ما ثبت لعذر بطل بزواله (¬2). وفي لفظ: ما جاز لعذر بطل بزواله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إذا أجاز الشّرع ارتكاب بعض ما حرَّم لضرورة أو حاجة أو عذر فإنّ الجواز يبطل بزوال الضّرورة أو انقضاء الحاجة أو زوال العذر، ويعود الحكم إلى أصله وهو التّحريم. وكذلك كلّ رخص الشّرع بسبب العذر. وينظر من قواعد حرف التّاء القاعدة رقم 7. ومن قواعد حرف الضّاد القاعدة رقم 11. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا اضطرّ إنسان في مجاعة إلى أكل الميتة، ثمّ وجد طعاماً طيّباً فلا يجوز له إصابة الميتة بعد ذلك. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 93 ب. شرح الخاتمة ص 77. (¬2) أشباه السيوطي ص 84، وأشباه ابن نجيم ص 86، شرح الخاتمة ص 75، 77، الفرائد ص 14، المجلة المادة 23. وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 239 - 241.

ومنها: إذا قصر صلاته في سفره، أو أفطر فيه ثمّ أقام وجب عليه الإتمام والصّوم. ومنها: إذا اضطرّ أو أكره على شرب الخمر ثمّ زالت حالة الاضطرار أو الإكراه، لم يجز له بعد ذلك شربها أو تناولها. ومنها: القدرة على استعمال الماء تبطل التّيمّم. فإن كان التّيمّم لفقد الماء بطل بوجوده. وإن كان لمرض بطل ببرئه. وإن كان لبرد بطل بزواله.

القاعدة الخامسة عشرة [المبان من الصيد]

القاعدة الخامسة عشرة [المبان من الصّيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أبين من الصّيد كميتته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ضابط يختصّ ببعض أحكام الصّيد. ودليلها قوله صلّى الله عليه وسلّم: "ما أبين من حيّ فهو ميّت" وفي لفظ: "ما أبين من البهيمة وهي حيّة فهو ميتة" (¬2). أبين: معناه انفصل وانقطع. من البين: وهو البعد والانقطاع. الصّيد: المراد به ما توحّش من البهائم والطّيور. فما قطع من أعضاء الصّيد بالرّمي مع بقاء الصّيد حيّاً، فالمنقطع ميتة لا يجوز تناوله. وليس ذلك خاصّاً بالصّيد بل يدخل في ذلك كلّ ما أبين من حيوان حيّ وحشيّ أو إنسيّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رمى صيداً فقطع رجله. وفرَّ أو بقي حيّاً، فإنّ رجله لا يجوز أكلها؛ لأنّها قطعت من حي، فهي ميتة. ويجوز أكل باقيه إذا مات قبل أن يذكّيه اختياراً. ¬

_ (¬1) صيد الخانية جـ 3 ص 361 - 362 وعنه الفرائد ص 178. (¬2) ينظر في تخريجه تلخيص الحبير جـ 1 ص 28 - 29.

وإذا كان الصّيد قطع نصفين فإن كان الأكثر من جهة الرأس أكل ما كان من جهة الرّأس وحَرُم الباقي. وأمّا إن كان الأكثر من جهة العجز أُكِلَ كلُّه. ومنها: إذا جُبَّ - أي قطع - سنام جمل، حَرُم السّنام ولم يؤكل، وكذلك إذا قطع إِلية خروف لا تؤكل.

القاعدة السادسة عشرة [المفعول حال الشك]

القاعدة السّادسة عشرة [المفعول حال الشّكّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أتى به المكلّف حال الشّكّ - لا على وجه الاحتياط، ولا لامتثال الأمر - فوافق الصواب في نفس الأمر، فهل يجزئ؟ (¬1). عند الحصني وغيره لا يجزئ؛ لاشتراط الجزم بالنِّيَّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا شكّ المكلّف في أمر ما أنّه فعله أو لم يفعله، ثمّ فعله مع شكّه به، فإنّ فِعله هذا - وإن وافق الصّواب في نفس الأمر - يكون غير مجزئ. لكن بشرطين: الأوّل: أن يفعله لا على وجه الاحتياط، فلو فعله من باب الاحتياط كان مجزئاً. الثّاني: أن يفعله ليس لامتثال الأمر. فلو فعله للطّاعة وامتثال الأمر كان مجزئاً أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الشّاكّ في دخول رمضان: أصوم غداً إن كان من رمضان، فإن لم يكن منه فتطوّع. ثمّ بان من رمضان. قالوا: لا ¬

_ (¬1) المجموع شرح المهذب جـ 6 ص 252، جـ 1 ص 476، المجموع المذهب للعلائي لوحة 22 أ، قواعد الحصني جـ 1 ص 239، والمختصر ص 75.

يجزئه ولا يقع عنه؛ لأنّه لم يصمه على أنّه فرض ولم يستند إلى أصل أو استصحاب. وقال المزني (¬1): يقع عن رمضان إذا بان منه، وهو الصّحيح. ومنها: إذا شكّ هل أصاب الثّوب نجاسة أم لا. فغسله احتياطاً ثمّ بان أنّه متنجّس فإنه يجزئ. ومنها: إذا كان محدثاً وشكّ هل توضّأ أم لا؟ فتوضّأ احتياطاً ثمّ بان أنّه كان محدثاً فإنّه يجزئه. ومنها: لو كان عنده إناءان أحدهما نجس، فهجم على أحدهما بدون اجتهاد أو تحرّ ولا أمارة وتبيّن أنّ الّذي استعمله هو الطّاهر، فلا تصحّ طهارته ولا صلاته، ولو غسل به نجاسة لم يصحّ. ومنها: إذا شكّ في جواز المسح على الخفّ ومسح - بدون احتياط أو امتثال للأمر - ثمّ تيقّن جواز المسح يجب عليه إعادة المسح ويقضي ما صلّى به. ومنها: إذا كان عنده ثوبان وفي أحدهما نجاسة فاجتهد في الاختيار وغلب على ظنّه أنّ هذا هو الثّوب الطّاهر، فلبسه وصلّى فيه فإنّه يجزيه إذا تبيّن أنّه صلّى في طاهر. لكن إن تبيّن الخطأ بعد ذلك أعاد وجوباً. ¬

_ (¬1) إسماعيل بن يحيى أبو إبراهيم المزني المصري - من تلامذة الإمام الشافعي وأصحابه له مصنفات في مذهب الإمام الشافعي توفي سنة 264 بمصر. طبقات الشّافعية ص 20 باختصار.

القاعدة السابعة عشرة [اجتماع الحرام والحلال/ والمحرم والمبيح]

القاعدة السّابعة عشرة [اجتماع الحرام والحلال/ والمحرِّم والمبيح] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا وقد غلب الحرامُ الحلال (¬1). وفي لفظ: ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرامُ الحلالَ (¬2). وفي لفظ: ما اجتمع محرِّم ومبيح إلا غلب المحرِّم (¬3). وفي لفظ: ما يغلب فيه الحرامُ الحلال (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قالوا: إنّ لفظ هذه القواعد الأوّل نصّ حديث لكن قال فيه الزّين ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 77، جـ 2 ص 54، شرح السير ص 411 والمبسوط جـ 5 ص 44، جـ 10 ص 147 - 148، جـ 13 ص 123، شرح الخاتمة ص 5. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 117، 380، 50، أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 305، أشباه السيوطي ص 105، قواعد الحصني جـ 3 ص 403. المجموع المذهب لوحة 279 أ، المنثور للزركشي جـ 1 ص 125. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 109، وعنه قواعد الفقه ص 114. القواعد والضوابط ص 132. وينظر الوجيز ص 266. (¬4) قواعد الحصني جـ 3 ص 403 فما بعدها استنباطاً، وأشباه السيوطي ص 267.

العراقي (¬1) في تخريج أحاديث منهاج الأصول: لا أصل له. كما أدرجه ابن مفلح (¬2) في أوّل كتابه في الأصول فيما لا أصل له (¬3). وقال العجلوني (¬4) في كشف الخفاء: قال ابن السبكي (¬5) الأشباه ¬

_ (¬1) الزّين العراقي هو الحافظ عبد الرّحيم بن الحسين أبو الفضل العراقي الشّافعي المتوفى سنة 806 هـ، وهو من كبار حفّاظ الحديث، أصله من الكرد، وسكن مصر، وله رحلات، له كتب في الحديث والأصول وغيرها وله ترجمة في أكثر كتب الرّجال، الأعلام جـ 3 ص 344. (¬2) ابن مفلح: هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح الحنبلي المحدِّث الأصولي. نشأ في بيت علم وفضل فقد كان والده وجدّه من العلماء الأعلام، من مصنفاته شرح المقنع في الفقه، وكتاب المقصد الأرشد في ترجمة أصحاب الإمام أحمد، وله مصنف في الأصول دلّ على تبحّره في هذا الفنّ، توفي بدمشق في شعبان سنة 884 هـ. الفتح المبين جـ 3 ص 49 مختصراً. عن شذرات الذهب جـ 7 ص 338. (¬3) كشف الخفاء جـ 2 ص 181 الحديث 2186. (¬4) العجلوني: المفسّر المحدّث الشّيخ إسماعيل بن محمد العجلوني - نسبة إلى عجلون في الأردن - الجراحي. صاحب كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة النّاس. والمتوفى سنة 1162 هـ. له ترجمة في أوّل كتابه المذكور من ص 2 - 6 منقولة مختصرة من سلك الدّرر للمرادي. (¬5) ابن السّبكي: هو الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السّبكي المتوفّى سنة 771 هـ، وقد سبقت له ترجمة.

والنّظائر نقلاً عن البيهقي (¬1): رواه جابر الجعفي (¬2) عن الشّعبي عن ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه ضعف وانقطاع؛ لأنّ جابراً الجعفي ضعيف، والشّعبي عن ابن مسعود منقطع، وإنّما روي عن الشّعبي من قوله (¬3). غير أنّ القاعدة في نفسها صحيحة (¬4). وعورض هذا الخبر بحديث "الحرام لا يحرِّم الحلال" الّذي أخرجه ابن ماجة (¬5)، والدّارقطني عن ابن عمر مرفوعاً. قال ابن السّبكي: وليس بمعارض؛ لأنّ المحكوم به ثمّ - أي في خبر ما اجتمع الحلال والحرام - هو إعطاء الحلال حكم الحرام تغليباً واحتياطاً لا صيرورته في نفسه حراماً (¬6). وقال أيضاً: فهو من باب "ما لا يتمّ ¬

_ (¬1) البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، الفقيه، من أئمة الحديث وأكابر فقهاء الشّافعيّة في عصره صنّف زهاء ألف جزء منها: السّنن الكبرى، والصّغرى، ولد سنة 384 هـ بقرية من قرى بيهق، ومات بنيسابور سنة 458 هـ. طبقات الشّافعيّة ص 159 - 160 مختصراً. (¬2) جابر الجعفي هو جابر بن يزيد بن الحارث. ويقال: أبو يزيد الكوفي. اختلف فيه، وضعّفه النّسائي والحاكم وغيرهما، ووثّقه آخرون. (¬3) ينظر السّنن الكبرى للبيهقي جـ 7 ص 275 حديث 13969. (¬4) أشباه ابن السّبكي جـ 1 ص 117. (¬5) في كتاب النّكاح باب لا يحرم الحرام الحلال. حديث 2015. والدّارقطني في كتاب النّكاح أيضاً باب المهر حديث 89، كما أخرجه البيهقي في المعرفة جـ 10 ص 116 والسّنن جـ 7 ص 274. (¬6) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 118.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الواجب إلا به فهو واجب" فالواجب على المكلّف البعد عن المحرّم، فإذا اشتبه محرّم مع مباح فلا يتمّ التّيقّن من ترك المحرّم إلا بترك المباح المشتبه. فمفاد الحديث القاعدة: أنّه إذا اجتمع حلال وحرام في موضع واحد، واشتبها بحيث لا يمكن التّفريق بينهما فإنّه يغلب جانب التّحريم احتياطاً. وبلفظ آخر أنّه إذا تلاقى محرّم ومباح وعسر التّمييز بينهما فإنّه يجب ترك المحرّم بعلّة التّحريم وترك الحلال المشتبه بعلّة الاشتباه؛ لأنّ (من اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشتبهت منكوحة بأجنبيات محصورات لم يحلّ الزّواج بواحدة منهنّ لاحتمال أن يقع على المحرّمة. ومنها: إذا كان أحد أبوي المرأة كتابيّاً والآخر مجوسيّاً، ففي حلّ المناكحة خلاف، والأصح التّحريم. ومنها: إذا أكل الكلب المعلّم من الصّيد في موضعه فالصّحيح تحريمه. ومنها: الرّكبة من العورة؛ لاجتماع عظم الفخذ وعظم السّاق فيها. وعظم الفخذ عورة فغُلِّب جانبه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد وغُلِّب الحلال: إذا رمى سهماً إلى طائر أو حيوان فجرحه ثمّ وجده ميّتاً وليس فيه إلا أثر سهمه فإنّه يحلّ. كما رجّحه النّووي رحمه الله.

القاعدتان الثامنة عشرة والتاسعة عشرة [المتردد والمشبه بأصلين]

القاعدتان الثّامنة عشرة والتّاسعة عشرة [المتردّد والمشبّه بأصلين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما أخذ شبهاً من أصلين توفّر حظّه عليهما (¬1). وفي لفظ: ما تردّد بين أصلين يوفر حظه عليهما (¬2)، عملاً بهما (¬3). وفي لفظ: ما تجاذبه دليلان يوفر حظّه عليهما (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: القاعدة العامّة والأصل المستقرّ أنّ كلّ فرع يتبع أصله في أحكامه، لكن إذا وجد فرع أخذ شبهاً من أصلين مختلفين، ولم يمكن إلحاقه بأحدهما خاصّة، فإنّه يأخذ من كلّ واحد منهما أحكامه - أي كما أنّه أخذ شبهاً من كليهما فإنّه يأخذ من أحكامهما. أمّا إذا ترجّح أحد الأصلين فإنّه يلحق بالرّاجح منهما في نظر المجتهد. ومن هنا قد يقع الاختلاف في أحكام فرع إذ يلحقه أحد المجتهدين بأصل ويلحقه مجتهد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 133. (¬2) نفس المصدر جـ 4 ص 62، جـ 5 ص 67، جـ 6 ص 50، جـ 18 ص 149، جـ 26 ص 178. (¬3) عن التحرير للحصيري جـ 6 ص 85، القواعد والضوابط ص 493. (¬4) المبسوط جـ 6 ص 85.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

آخر بأصل آخر، وينظر قواعد حرف التّاء رقم 117. وقواعد حرف الشّين رقم 84. وقواعد حرف السّين رقم 15. وقواعد حرف القاف القاعدة 20. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا وجد الإمام أنّ مَن سبقه من الأئمة يأخذ الخراج من بلد، وأهله يتبايعون أملاكه فيما بينهم - فمقتضى أخذ الخراج أن يكون وفقاً - فلا يباع - وهذا أصل. وبمقتضى بيعه أن لا يؤخذ منه الخراج - وهذا أصل آخر -. وقد نصّ الشّافعي رحمه الله تعالى: على أنّ الإمام يأخذ الخراج ويمكّنهم من بيعه، إعطاء لكلّ يد حقّها. ومنها: العبد المنقطع خبره تجب فطرته على سيّده، لكن لو أعتقه عن الكفّارة لم يجزئه؛ لأنّ الأصل شغل الذّمّة بالكفّارة، فلا تبرأ إلا بيقين، والعبد الغائب لم تتيقّن حياته لكي يجزئه على كفّارة يشترط فيها يقين الحياة. والأصل الثّاني بقاء الحياة استصحاباً فتجب فطرته - ولو مع الشّكّ في حياته. ومنها: نظر القابلة وشهادتها فهو خبر من وجه، وشهادة من وجه؛ لاختصاصها بمجلس الحكم. فلاعتباره بالشّهادة تعتبر فيه الحرّيّة ولفظ الشّهادة، ولاعتباره بالخبر لا يعتبر فيه الذّكورة ولا العدد. ومنها: رجل مات وترك امرأة وأم ولد وولداً، فأقرّت الورثة أنّ كلّ واحدة منهما قد ولدت هذا الغلام من الميّت، فبناء على ذلك يثبت نسبه من الميّت ويشارك الورثة في الميراث، وإقرار الورثة ببنوّة الغلام

إلزام للغير من وجه - حيث يحملون نسبه على الميّت - والتزام من وجه - حيث يشاركهم في الميراث. فلا بدّ من العدد ويسقط لفظ الشّهادة عملاً بالأصلين.

القاعدة العشرون [الضيق والمحرج]

القاعدة العشرون [الضّيِّق والمحرج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أدّى إلى الضّيق والحرج وتنفير الناس عنه كان حكمه ساقطاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة "الضّرورات تبيح المحظورات". لمّا كان الأصل في الشّرع التّيسير على العباد ورفع الحرج والضّيق والضّرر عنهم فكلّ ما يؤدّي إلى التّضييق على العباد والتّعسير عليهم، ويكون سبباً في نفرة النّاس وبعدهم عنه كان حكمه في الشّرع ساقطاً - أي لا حكم له. والأدلّة على ذلك كثيرة من الكتاب والسّنّة والإجماع. 1 - الأدلّة من الكتاب: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬2). وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (¬3). وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2126. (¬2) الآية 78 من سورة الحج. (¬3) الآية 6 من سورة المائدة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الْعُسْرَ} (¬1). 2 - من السّنَّة: قوله صلّى الله عليه وسلم: "إنّ الله شرع الدّين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً، ولم يجعله ضيّقاً" (¬2). والحديث المتّفق عليه عن عائشة رضي الله عنها: "ما خيِّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً". ولأنّه (لا حرام مع ضرورة ولا واجب مع التّعذّر والاستحالة). وللإجماع على عدم التّكليف بالشّاقّ، ومشروعيّة الرّخص عند المشقّة وينظر الوجيز ص 218 تحت شرح قاعدة المشّقّة تجلب التّيسير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الرّخص كلّها إنّما شرعت لرفع الحرج والضّيق عن العباد، وهذا أمر علم من الدّين بالضّرورة وأجمعت عليه الأمّة. ومنها: الإجماع على عدم وقوع التّكليف بما فيه مشقّة على العباد، أي المشقّة التي تتجاوز الحدود العاديّة والطّاقة البشريّة السّويّة. وإلا فكلّ الأعمال دنيويّة كانت أو دينيّة فيها مشقّة، ولكنّها واقعة تحت قدرة المكلّف عموماً. ومنها: ركوب الفرس الحبيس للجهاد إذا ركبه في حوائجه داخل المدينة أو خارجها غير بعيد عنها؛ لأنّ هذا أمر فيه مصلحة للفرس أيضاً. ¬

_ (¬1) الآية 185 من سورة البقرة. (¬2) الخبر أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً.

القاعدة الحادية والعشرون [المطلق والمقيد]

القاعدة الحادية والعشرون [المطلق والمقيّد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما أطلقه الشّارع يعمل بمقتضى مسمّاه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعده (¬1). وفي لفظ: الواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشّرع صلّى الله عليه وسلّم ويقيّد ما قيَّده (¬2). وتأتي في قواعد حرف الواو إن شاء الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإطلاق ضدّ التّقييد، والمراد بالإطلاق هنا عدم التّحديد أو التّقدير، فالواجبات الشّرعيّة منها ما قيّده الشّارع بصفة أو حال أو عدد أو غير ذلك من المقيّدات، ومنها ما أطلقه الشّارع فلم يحدّدهُ. فمفاد القاعدة: أنّ ما ورد عن الشّارع مقيّداً فيلزم قيده ولا يجوز تغييره، وما ورد على الشّرع مطلقاً عن القيد أنّه يجب العمل فيه بإطلاقه ومقتضى مسمّاه ووجوده، ولا يجوز للمكلّف تقييده بدون دليل شرعي أو عرفي يقيّد إطلاقه. ¬

_ (¬1) عن ابن تيمية رحمه الله المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 223. (¬2) الفتاوى جـ 24 ص 12 - 13.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الواجب في الزّكاة قدّره الشّارع في جميع الأموال التي تجب فيها الزّكاة، فلا يجوز للمزكّي أن ينقص منه، ولا يزيد عليه على أنّه فرض. ومنها: فرض الله عزّ وجلّ الصّلوات خمساً وقدّر صفاتها وأوقاتها فلا يجوز الإخلال بشيء منها بالزّيادة أو النّقص أو التّغيير. وأمّا النّوافل فلم يقدّر أعدادها. ومنها: السّفر المبيح للقصر هل هو مقيّد أو مطلق؟ فرأي الظّاهريّة - وتبعهم في ذلك ابن قدامة وابن تيميّة - رحمهما الله - أنّه كلّ سفر سواء قلّ أو كثر ولا يتقدّر بمدّة، وسواء كان مباحاً أم حراماً. ومنها: الإقامة للمسافر لم يحدّها الشّرع بزمن محدود لا بأربعة أيّام ولا بخمسة عشر يوماً. ومنها: الرّكوع والسّجود أمر بهما الشّارع ولم يقيّدهما بحدّ محدود فيعمل فيهما بمقتضى المسمّى أي ما يطلق عليه ركوع أو سجود.

القاعدة الثانية والعشرون [وسيلة الحرام]

القاعدة الثّانية والعشرون [وسيلة الحرام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أفضى إلى الحرام كان حراماً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أفضى: أي أوصل من الفعل "فضى" فضوّاً. والمراد به وسيلة الحرام فكلّ ما أوصل وأدّى إلى الحرام كان حراماً؛ لأنّ للوسائل أحكام المقاصد - كما سبق بيانه - فإذا كان المقصد حراماً فكلّ وسيلة تؤدّي وتوصل إليه فهي حرام، ولأنّ وسائل الحرام حرام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تبرّج النّساء وخروجهن سافرات شبه عاريات حرام, لأنّه يؤدّي إلى الزّنا المحرّم. ومنها: اختلاط الرّجال بالنّساء في الأماكن العامّة أو الخاصّة - غير المحارم - حرام لأنّه يؤدّي ويفضي إلى الحرام. ومنها: مباشرة المعتكف أو المحرم زوجته دون الفرج بشهوة حرام فإن أنزل فسد اعتكافه وحجّه أو عمرته. ومنها: بيع العينة حرام لأنّه وسيلة إلى الرّبا المحرّم. وبيع العينة أن يبيع التّاجر سلعة إلى شخص بثمن إلى أجل ثمّ يشتريها من ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 199، جـ 4 ص 97.

المشتري بأقلّ من الثّمن الّذي باعها له به نقداً. كرجل احتاج إلى مبلغ من المال لغرض له ولم يجد من يقرضه، فيذهب إلى أحد التّجّار كتاجر للسّيّارات - مثلاً - فيشتري منه سيّارة بعشرة آلاف مؤجّلة إلى سنة، ثمّ يشتري البائع - أو وسيطه - السّيّارة من المشتري بثمانية آلاف نقداً يدفعها له. فيكون المشتري قد استدان ثمانية آلاف نقداً بعشرة آلاف مؤجّلة إلى سنة، وهذا هو ربا النّسيئة بعينه.

القاعدة الثالثة والعشرون [البدل مع مبدله]

القاعدة الثّالثة والعشرون [البدل مع مبدله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أقامه الشّارع مقام الشّيء لا يلزم إعطاؤه حكمه من كلّ وجه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرع الحكيم قد يقيم شيئاً مقام شيء لضرورة أو حاجة، فالمقام مقام غيره هو البدل، والبدل لا يلزم أن يأخذ كلّ أحكام المُبدل منه، أو المقام مقامه، لكنّه يأخذ بعض أحكامه لا كلّها. وقد سبق مثل لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف اللام تحت الرّقم 39. وضمن قواعد حرف الميم تحت الرّقم 9، 10. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّيمّم بالتّراب أقامه الشّارع مقام الماء في الطّهارة والإجزاء، فلا يلزم أن يعمّ المتيمّم جميع جسمه بالتّراب عند عدم الماء ليتطهّر من الجنابة مثلاً. أو لا يلزم أن يعمّ جميع أعضاء الوضوء بالمسح بالتّراب كما يجب ذلك بالماء، بل يكفيه في التّيمّم ضربة أو ضربتان. وعند جماعة من الفقهاء لا يجوز له التّيمّم قبل دخول الوقت، وإذا تيمّم لنافلة ليس له أن يصلّي بهذا التّيمّم الفريضة، ومن تيمّم لفريضة لا يجوز له ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 281 ب، قواعد الحصني جـ 3 ص 414.

أن يصلّي بهذا التّيمّم فريضة وقت آخر. ومنها: صيام المتمتّع بدل الهدي، فالهدي يجزي في أيّام الحجّ فقط، والصّوم بعضه فيها وبعضه عند الرّجوع للأهل. ومنها: إشارة الأخرس بالطّلاق في الصّلاة لا تبطل الصّلاة في الصّحيح، فليست الإشارة منه كالنّطق من النّاطق؛ لأن النّاطق لو نطق بالطّلاق في الصّلاة بطلت صلاته اتّفاقاً. وقيل تبطل صلاة الأخرس بالإشارة كما تبطل بنطق النّاطق. والصّحيح خلافه.

القاعدة الرابعة والعشرون [العمد والسهو - البطلان وعدمه]

القاعدة الرّابعة والعشرون [العمد والسّهو - البطلان وعدمه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما اقتضى عمده البطلان اقتضى سهوه السّجود، وما لا يُبطِل عهده لا يُسجَد لسهوه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة من قواعد الصّلاة، فالصّلاة لها مبطلات إذا فعل المصلّي أحدهما بطلت صلاته، لكن هذه المبطلات ليست على درجة واحدة، فمنها ما يبطل عمده وسهوه، كترك ركن من الأركان فهذا يبطل الصّلاة أو الرّكعة إذا حصل، سواء أكان التّرك عمداً أو سهواً. ومنها: ما يبُطل عمده دون سهوه - وهو موضوع هذه القاعدة - فما أبطل فعله أو تركه الصّلاة إذا وقع عمداً فإنّه إذا فعل أو ترك على وجه السّهو فهو يوجب سجود السّهو لا بطلان الصّلاة. أمّا ما لا يبطل الصّلاة إذا فعل متعمّداً فلا يسجد لسهوه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ترك ركناً من الصّلاة كالقراءة أو القيام أو الرّكوع أو السّجود - مع القدرة عليه - إن كان متعمّداً التّرك بطلت صلاته، وكذلك لو تكلّم عامداً بطلت أيضاً. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 218 - 219، المنثور جـ 3 ص 133.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا ترك ركناً سهواً - فإن تذكّر وهو في الصّلاة - فإنّه يأتي بركعة أخرى غير الّتي ترك فيها الرّكن - فهنا تبطل الرّكعة دون الصّلاة - لكن إذا تذكّر بعد خروجه من الصّلاة فيجب عليه إعادتها، إذا تيقّن من ترك الرّكن. ومنها: إذا ترك الجلوس الأوسط في الفريضة متعمّداً بطلت صلاته، لكن إذا قام للثّالثة ساهياً ونسي الجلوس وجب عليه سجود السّهو. ومنها: إذا أشار في صلاته متعمّداً لا تبطل صلاته، ولو أشار ساهياً لا يسجد للسّهو. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا تنفل على الدّابة فحوّلها عن صوب مقصده وعاد قريباً متعمّداً بطلت صلاته، وفي النّسيان خلاف في وجوب السّجود. ومنها: إذا قرأ الفاتحة في الرّكوع أو السّجود أو قرأ التّشهّد في القيام، فإنّه يسجد للسّهو على الأصحّ ولا تبطل الصّلاة بعمده على الأصحّ.

القاعدة الخامسة والعشرون [نقض الاجتهاد بالاجتهاد]

القاعدة الخامسة والعشرون [نقض الاجتهاد بالاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أمضي بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 23 - 25. وينظر الوجيز مع الشّرح والبيان ص 384. وتأتي مثيلتها ضمن قواعد حرف "لا". ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 188، 194.

القواعد السادسة والسابعة والثامنة والعشرون [الشك في الوجوب، انتفاء الدليل]

القواعد السّادسة والسّابعة والثّامنة والعشرون [الشّكّ في الوجوب، انتفاء الدّليل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما شكّ في وجوبه لا يجب (¬1). وفي لفظ: ما انتفى دليل وجوبه لا يجب (¬2). وما انتفى دليل تحريمه لا يحرم. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تبيّن أنّ الأصل في الأحكام الشّرعيّة - وجوباً أو تحريماً - إنّما هو الدّليل الشّرعي الموجب أو المحرّم. ولا يجوز العمل بوجوب أو تحريم إلا إذا دلّ على ذلك دليل قطعي جازم. فمفاد القاعدة الأولى أنّه إذا وقع الشّكّ في وجوب أمر ما - أو في تحريمه - فإنّه لا يجوز العمل بالشّكّ، فلا يلزم العمل بالواجب المشكوك في وجوبه ولا تحريم ما شكّ في تحريمه - إلا من باب الاحتياط في المحرّم، ولكن إذا شكّ في دليل الوجوب قد ينتقل الأمر إلى النّدب أو الإباحة. ومفاد القاعدتين التّاليتين: أنّه إذا كان لا يجب العمل بالشّك فمن باب أولى أنّه لا يجوز العمل أو الامتناع عند انتفاء الدّليل وعدمه ¬

_ (¬1) غياث الأمم ص 341. (¬2) نفس المصدر ص 355.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

يقيناً. فالشّيء الّذي انتفى وانعدم دليل وجوبه لا يجب قطعاً. والشّيء الّذي انتفى وانعدم دليل تحريمه لا يحرم قطعاً. ولا يلزم الامتناع عنه ولو من باب الاحتياط، بخلاف المشكوك في تحريمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الوتر - مثلاً - هل هو واجب - أي فرض - الأكثرون على نفي وجوبه، لكن لا يمنع ذلك أن يكون سنّة مؤكّدة كما هو رأي الكثيرين. ومنها: زكاة الخيل أو الحمر الأهليّة مشكوك في وجوبها فلا تجب. ومنها: إيجاب صلاة سادسة انتفى دليل وجوبها فلا تجب. ومنها: ركوب السّيّارة والطّائرات وأنواع المأكولات لم يرد دليل يحرّمها، فلا يحرم منها إلا ما قام عليه الدّليل.

القاعدة التاسعة والعشرون [أعظم الأمرين وأهونهما]

القاعدة التّاسعة والعشرون [أعظم الأمرين وأهونهما] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه (¬1). أو أصغرهما. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بتداخل الأحكام بعضها في بعض، إذ يدخل الأصغر في الأكبر والأهون في الأعظم، فإذا اجتمع أمران أحدهما أعظم من الآخر - وهما من جنس واحد - فالاعتبار لأعظم الأمرين بخصوصه فيجب فعله، وأمّا أهونهما وأصغرهما فلا يجب فعله؛ إذ يدخل الأصغر في الأكبر، ولكن إذا اختلف الجنسان أو النّوعان فلا يدخل أحدهما في الآخر، فمن زنى وسرق يقام عليه حدّ الزّنا وحدّ السّرقة. ومن قطع يد إنسان وقتل آخر، قطع ثمّ قتل. وينظر القاعدة 153 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجب على الزّاني التّعزير بالملامسة والمفاخذة، فإنّ أعظم ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 377، المجموع المذهّب لوحة 99 ب، قواعد الحصني جـ 2 ص 113، المنثور جـ 3 ص 131، أشباه السيوطي ص 149، قواعد الأحكام جـ 2 ص 85.

الأمرين - وهو الحد - قد وجب فدخل فيه ما هو الأقل والأهون. ومنها: الزّاني المحصن لما أوجب أعظم الحدّين وهو الرّجم بخصوصه - وهو زنى المحصن - لم يوجب أهونهما وهو الجلد بعموم كونه زنى. ومنها: إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصّلاة فقد دخلت تحيّة المسجد في الفريضة.

القاعدة الثلاثون [الواجب ابتداء وعلى سبب]

القاعدة الثّلاثون [الواجب ابتداء وعلى سبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما أوجب الله ابتداءً أولى بالتّقديم ممّا أوجبه بناء على وجود سبب من المكلّف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما أوجبه الله عزّ وجلّ: أي ما افترضه على عباده. ابتداءً: أي بدون سبب من المكلّف بل بالفرض الإلهي لاختبار طاعة المكلّف، كالصّلاة والزّكاة والحجّ. وأمّا ما وجب بناء على وجود سبب من المكلّف فهو إمّا عقوبة وإمّا كفّارة. فمفاد القاعدة: أنّه عند تعارض واجبين أحدهما ممّا أوجبه الله ابتداء، وثانيهما ممّا وجب بناء على سبب من المكلّف فإنّ ما أوجبه الله عزّ وجلّ ابتداءً يقدّم على الآخر من باب الأولويّة. ولكن لا تؤخذ هذه القاعدة على إطلاقها بل إنّ ما وجب بناء على وجود سبب من المكلّف يقدّم على ما أوجبه الله ابتداءً، وبخاصّة إذا تعلّق بما وجب بناء على سبب حقوق للآخرين، أو ترتّب عليه إبراء ذمّة المكلّف من حقّ وجب عليه لله. ¬

_ (¬1) عن التحرير للحصيري جـ 5 ص 34. القواعد والضوابط ص 493.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صلاة الفريضة مقدّمة في الأداء على الصّلاة المنذورة إذا تعارضتا. ومنها: الزّكاة الواجبة مقدّمة في الأداء على صدقة منذورة. ومنها: حجّ الفريضة مقدّم أيضاً في الأداء على حجّ منذور مطلق عن التّحديد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: أداء الدّين مقدّم على أداء الزّكاة الواجبة، أو حتى على الوصيّة. ومنها: شخص عليه كفّارة عتق رقبة وعليه زكاة، وإذا اشترى الرّقبة للكفّارة نقص النّصاب فيجب عليه العتق دون الزّكاة. وذلك إذا كانت الكفّارة لقتل خطأ، وهو لا يستطيع الصّيام.

القواعد الحادية والثانية والثالثة والثلاثون [المتردد بين المباح والسنة والواجب وبين البدعة]

القواعد الحادية والثّانية والثّالثة والثّلاثون [المتردّد بين المباح والسّنّة والواجب وبين البدعة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما تردّد بين المباح والبدعة لا يؤتى به (¬1). وفي لفظ: ما تردّد بين السُّنَّة والبدعة لا يؤتى به (1). وفي لفظ: ما تردّد بين البدعة والفريضة يجب أداؤه (¬2). وفي لفظ: ما تردّد بين الواجب والبدعة يجب أداؤه احتياطاً (2). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلّق بالمتردّد والمشتبه في الفعل بين أمرين أحدهما مطلوب الفعل والثّاني مطلوب التّرك. المراد بالبدعة: الأمر المحرّم أو المكروه. وهو الأمر الّذي لا أساس له في الشّرع. فإذا كان التّردّد والاشتباه بين أمرين أحدهما جائز الفعل والتّرك وهو المباح أو كان مطلوب الفعل طلباً غير جازم. والأمر الثّاني: غير جائز الفعل لكونه بدعة في الدّين، ولم يمكن التّرجيح ووقع الشّكّ فيهما ففي هذه الحال يجب ترك هذا الفعل وعدم الإتيان به؛ لأنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 280، جـ 3 ص 195. (¬2) نفس المصدر جـ 2 ص 80 - 81.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

المباح لا إثم ولا أجر في فعله ولا في تركه، وأمّا البدعه فيلزم الإثم والمفسدة بفعلها، فكان ترك ما لا يوجب أجراً ولا إثماً أولى. وكذلك لو تعارض أمر بين كونه سنَّة أي مندوباً أو بدعة فلا يؤتى به كذلك لترتّب المفسدة عليه لو ثبت أنّه بدعة؛ ولأنّ ترك البدعة واجب ولازم، وأداء المسنون أو المندوب غير لازم. ولكن إذا كان التّعارض بين ما يعتقد فرضيّته أو وجوبه وهل هو بدعة ففي هذه الحال يجب أداؤه احتياطاً؛ لأنّ الواجب يلزم الإثم بتركه وفي فعله الأجر والثّواب، والمصلحة المترتّبة على فعل الواجب أعظم من المفسدة المترتّبة على فعل البدعة لو ثبت كونه بدعة؛ ولأنّه لا وجه لترك الواجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: المستحاضة الدّائمة تغتسل لكلّ صلاة، وتصلّي المكتوبات والسّنن المشهورة - أي السّنن الرّواتب والوتر - ولا تصلّي شيئاً من التّطوّعات - عند الحنفيّة -؛ لأنّ أداء التّطوّع في حال الطّهر مباح، وفي حال الحيض حرام. وما تردّد في بين المباح والبدعة لا يؤتى به، والتّحرّز من البدعة واجب. وكذلك لا تمسّ المصحف، ولا تدخل المسجد؛ لأنّها في كلّ وقت على احتمال أنّها حائض. ومنها: المستحاضة المتحيّرة لا تأتي بطواف التّحيَّة؛ لأنّه سنّة، وما تردّد بين السّنّة والبدعة لا يؤتى به. ومنها: أنّها تأتي بطواف الزّيارة - الإفاضة - لأنّه ركن الحج فلا بدّ أن تأتي به.

القاعدة الرابعة والثلاثون [أفعال الكافر الأصلي]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون [أفعال الكافر الأصلي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تركه الكافر الأصلي من واجبات وما فعله من محرّمات في دين الإسلام - الّتي يستحلّها في دينه - ثمّ أسلم فإنّه يسقط حكمه بالإسلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "الإسلام يجبّ ما قبله" (¬2). الكافر الأصلي: هو من ولد من أبوين كافرين ونشأ على الكفر. فهذا إذا أسلم لا يطالب بفعل الواجبات الّتي تركها حال كفره، وكذلك إذا فعل في حال كفره محرّمات - كالزّنا وشرب الخمر والرّبا وغير ذلك من المحرّمات في دين الإسلام - وهي في دينه كانت حلالاً - فإنّه يسقط أيضاً حكمها بالإسلام فلا يعاقب على شيء منها - إذا كانت من حقوق الله تعالى. وقيِّد بالكافر الأصلي لأنّ المرتدّ إذا رجع إلى الإسلام ففي قضائه ما تركه من الواجبات حال ردّته وفي عقوبته على ما فعله من محرّمات خلاف. ¬

_ (¬1) الفتاوى الكبرى جـ 22 ص 7 - 8. (¬2) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أخرجه أحمد رحمه الله في المسند جـ 4 ص 204 - 205.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نكح بلا ولي ولا شهود - وذلك جائز في دينه - ثمّ أسلم فإنّه يبقى على زواجه إذا أسلمت امرأته معه أو كانت كتابيّة. ومنها: إذا ملك الحربي مال المسلمين بالقهر والغلبة ثمّ أسلم فلا يؤخذ منه، فإنّ الإسلام يغفر له به تحريم ذلك الفعل فيصير الفعل في حقّه عفواً. ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: "من أسلم على شيء فهو له" (¬1). ومنها: كافر قتل نفساً وهو كافر أو سرق ثمّ أسلم فلا يعاقب على شيء من ذلك ولو كانت النّفس المقتولة مسلمة. وذلك بخلاف الذّمّي والمعاهد فإنّهم يحاسبون على ما يفعلون لرضاهم بحكم الإسلام. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المجوسي إذا أسلم وتحته زوجة هي أمّه أو أخته أو ذات محرم منه، فإنّه يفرّق بينه وبينها، ولا يجوز إبقائها تحته، وإن كان ذلك مباحاً في دينه قبل إسلامه. ومنها: إذا اغتصب كافر مالاً من آخر كافر مثله - والمال قائم - ثمّ أسلما، فيجب على الغاصب ردّ ما اغتصبه على صاحبه. لكن إذا كان المال مستهلكاً فلا يطالب بردّه ولا قيمته. ¬

_ (¬1) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أخرجه أحمد رحمه الله في المسند جـ 4 ص 204 - 205.

القاعدة الخامسة والثلاثون [التخلل والموالاة]

القاعدة الخامسة والثّلاثون [التّخلّل والموالاة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما تعتبر فيه الموالاة فالتّخلّل القاطع لها مضر (¬1). وفي لفظ: المتخلّلات بين ما يشترط فيه الموالاة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الموالاة: المراد بها التّتابع في الأفعال دون فاصل. والتّخلّل: من خَلَل الشّيء إذا وجد فيه فاصل أو فراغ أو فُرجة بين الشّيئين. فمفاد القاعدة: أنّ كلّ ما تعتبر فيه الموالاة والتّتابع فإنّ دخول شيء ليس منه فيه يعتبر مضرّاً ومبطلاً له وقاطعاً. ومعرفة التّخلّل القاطع طريق معرفتها العرف؛ لأنّه لم يرد في الشّرع تحديد للتّخلّل القاطع. والموالاة كما تكون في الأفعال تكون في الأقوال أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الإيجاب والقبول في البيع وفي العقود يشترط فيهما الاتّصال. ¬

_ (¬1) الأشباه لابن السبكي جـ 1 ص 124. أشباه السيوطي ص 408، المنثور جـ 1 ص 277، جـ 3 ص 241. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 239.

ومنها: الاستثناء في العقود والأيمان يشترط اتّصاله، ولا يضرّ فيه سكتة التّنفّس والسّعال والعطاس مثلاً. ومنها: الموالاة في الوضوء، وفي أشواط الطّواف وبين صلاتي الجمع. ففي الوضوء يجب الموالاة بين الأعضاء، فإذا وجد قاطع طويل أبطل الوضوء ويجب الاستئناف. وفي أشواط الطّواف والسّعي يجب التّتابع، لكن لا يضرّ لو قامت الصّلاة قبل التّمام، أو تعب فجلس يستريح قليلاً ويتمّ من حيث انتهى.

القاعدة السادسة والثلاثون [العلامة والسيما]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [العلامة والسّيما] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تعذّر الوقوف على حقيقته يعتبر فيه العلامة والسّيما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السيّما: العلامة. وعطف السّيما على العلامة من باب عطف المترادفين. فإذا استحال الوقوف على حقيقة الشّيء وجوهره فإنّه يعتبر فيه أي في بيان حكمه أو معرفته العلامة والسّيما. فما لم يتيقّن أمره يحكم فيه بغلبة الظّنّ؛ من حيث إنّ العلامة والسّيما تفيد ظنّاً غالباً. ودليل جواز تحكيم السّيما قوله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} (¬2). وقوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأى شخص إنساناً يدخل بيته ليلاً، ولا يدري أنّه سارق أو هارب من اللّصوص، فإنّه يحكم حاله، فإن كان عليه سيما ¬

_ (¬1) شرح السير 292، المبسوط جـ 2 ص 54. (¬2) الآية 41 من سورة الرحمن. (¬3) الآية 46 من سورة التّوبة.

اللّصوص، أو كان معه آخر يجمع المتاع فلا بأس بأن يقتلهما قبل أن يدنُوا منه، إذا لم يمكن طردهما بغير القتل. وإن كان على الدّاخل سيما أهل الخير فعليه أن يؤويه ولا يسعه طرده. ومنها: إذا وجد ميّت لا يدري أمسلم هو أم كافر، فإن كان عليه سيما المسلمين من الختان والخضاب ولبس السّواد - وهذا كان في زمنهم - فحينئذ يغسّل ويصلّى عليه.

القاعدة السابعة والثلاثون [ما تعلق بسببين]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [ما تعلّق بسببين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تعلّق بسببين جاز تقديمه على أحدهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من الأحكام والأفعال ما يترتّب على سبب واحد فهلا يجوز تقديمه عليه. ومنها ما يترتّب ويتعلّق على سببين، فإذا وجد السّببان وجب الحكم وتعلّق بذمّة المكلّف، ولكن إذا وجد أحد السّببين فيجوز تقديم الفعل قبل وجود السّبب الآخر، وذلك في الحقوق الماليّة دون البدنيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كفّارة اليمين تجب باليمين مع الحنث. فإذا حلف، يجوز تقديم الكفّارة على الحنث. ومنها: الزّكاة إنّما تجب بتمام النّصاب وحولان، الحول، فإذا وجد النّصاب قبل تمام الحول جاز إخراج الزّكاة، وتبرأ ذمّة المكلّف بأدائها. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 132، وجـ 2 ص 197.

القاعدة الثامنة والثلاثون [ما تعلق بالعين أو الذمة]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون [ما تعلّق بالعين أو الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تعلّق بالعين مقدّم على ما تعلّق بالذّمّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقّ المتعلّق بالعين - أي بالسّلعة أو الشّيء المادّيّ المحسوس - مقدّم عند المطالبة على الحقّ المتعلّق بالذّمّة؛ لأنّ الحقّ المتعلّق بالعين معيّن ومحدّد والمتعلّق بالذّمّة غير معيّن. وينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة رقم 45. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سلعة ولم يدفع ثمنها، ثمّ مات المشتري أو أفلس وعليه ديون لغرماء آخرين غير البائع، فإذا كانت السّلعة قائمة فالبائع أحقّ بها من سائر الغرماء؛ لأنّ حقّه تعلّق بعينها, وحقّ الغرماء الآخرين متعلّق بذمّة المدين الميّت أو المفلس، فحقوقهم بعد موته أو إفلاسه متعلّقة بتركته أو أمتعته وأمواله دون تلك السّلعة. ومنها: المرتهن أحقّ بالمرهون من باقي الغرماء. ومنهما: حقّ أرش الجناية يقدّم على غيره من الدّيون. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 133، جـ 2 ص 64.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الخطاب والجواب]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون [الخطاب والجواب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تقدّم من الخطاب يصير كالمعاد للجواب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجواب متعلّق بخطاب سابق، والخطاب السّابق يصير كأنّه معاد في الجواب؛ لتضمّنه إيّاه، وإلا لم يكن جواباً عنه، وسواء في ذلك الاستفهام أو غيره. وقد سبق لهذه القاعدة أمثال ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 629، وقواعد حرف الحاء تحت الرّقم 22، وقواعد حرف السّين تحت الرّقم 1. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سأل سائل فقال: هل أمطرت السماء الليلة؟ فإذا كان الجواب بـ "نعم" فكأنّ المجيب قال: نعم أمطرت السّماء الليلة. وإن كان الجواب بـ "لا" فكأنّ المجيب قال: لا لم تمطر السّماء الليلة. ومنها: إذا قال المشتري: اشتريت منك هذه السّلعة بكذا، أو قال البائع: بعتك هذه السّلعة بكذا. وقال البائع - في الأولى - بعتك إيّاها بما قلت. فكأنّه قال: إن اشتريتها بكذا فقد بعتكها بما قلت. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 6.

القاعدة الأربعون [ما يحتاج إلى معرفته]

القاعدة الأربعون [ما يحتاج إلى معرفته] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تقع الحاجة إلى معرفته فطريقه في الشّرع الرجوع إلى أمثاله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا دعت الحاجة إلى معرفة شيء ما أو قيمته ولم نتمكّن من معرفة ذاته أو قيمة ذاته، فإنّ الشّرع أوجب لمعرفة ذلك الرّجوع إلى أمثاله وأشباهه ممّا عرف أو عرفت قيمته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المفقود بعد فقده لا يجوز تقسيم تركته، ولا تبين منه زوجته، لكن إلى متى؟ عند الحنفيّة: قدّروا مدّة حياته ليحكم بعد ذلك بموته فتقسم تركته وتبين منه امرأته - بموت أقرانه - أي ممّن هو في مثل سنّه. وقدّر بعضهم ذلك بمئة وعشرين سنة، وبعضهم بتسعين سنة - أي المدّة التي لا يعيشها أمثاله غالباً. ومنها: إذا أتلف إنسان لآخر شيئاً كدابّة أو دار أو متاع - واختلفا في تقدير قيمته - فيرجع إلى تقدير قيمة أمثاله وأشباهه. ومنها: إذا وجب لامرأة مهر المثل، فيقدّر بمهر أمثالها من قومها - أي قوم أبيها - بكراً كانت أو ثيباً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 25.

القاعدة الحادية والأربعون [ما لا يحتاج إلى نية]

القاعدة الحادية والأربعون [ما لا يحتاج إلى نيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما تميَّز بنفسه لا يحتاج إلى نيَّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة النّيَّة. فالنّيَّة إنّما شرعت لتمييز العبادات عن العادات التي لها شبه بها، ولتمييز رتب العبادات بعضها عن بعض، لكن إذا كانت العبادة متميّزة بنفسها، ولا تلتبس بعادة من العادات - أي لا مثيل لها في العادات، فلا تحتاج إلى نيَّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذكر الله سبحانه وتعالى، والإيمان به لا يحتاج إلى نيَّة؛ لأنّه لا مثيل له في العادة وهو عبادة متميّزة بنفسها - إلا إذا كان الذّكر منذوراً فيجب فيه النّيَّة. ومنها: الرّجاء في الله والخوف منه لا يحتاج إلى نيَّة. ومنها: النّيَّة لا تحتاج إلى نيَّة وإلا تسلسل الأمر إلى ما لا نهاية. ومنها: قراءة القرآن؛ لأنّ كلّ هذه متميّزة بصورتها. إلا إذا كانت القراءة منذورة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 59. قواعد الحصني جـ 1 ص 214 فما بعدها، أشباه السيوطي ص 12. أشباه ابن نجيم ص 30.

القاعدة الثانية والأربعون [الثابت بدلالة اللفظ والنص]

القاعدة الثّانية والأربعون [الثّابت بدلالة اللفظ والنّصّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ثبت بدلالة اللفظ فهو كالملفوظ (¬1). وفي لفظ: ما ثبت بالدّلالة فهو كالثّابت بالنّص (¬2). وفي لفظ: ما ثبت بدلالة النّصّ عادة فهو كالمنصوص عليه (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: دلالة اللفظ: هو أي يكون الحكم مفهوماً من اللفظ لغة أو عادة، فما ثبت بتلك الدّلالة يكون كالمنصوص عليه والمنطوق بعبارة النّصّ في بناء الحكم عليه وينظر القاعدة السّادسة من قواعد حرف الثّاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: في قوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (¬4)، دليل على أنّ الشّهادة حجّة في الأحكام. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 185. (¬2) نفس المصدر جـ 18 ص 19، ص 30. (¬3) نفس المصدر ص 30، 67. (¬4) الآية 283 من سورة البقرة.

ومنها: إذا أقرّ في مرض موته: أنّ هذه الألف درهم التي عنده لقطة، فيجب على الورثة التّصدّق بتلثها؛ لأنّ إقراره بها كالأمر للورثة أن يتصدّقوا بها دلالة، فيتصدّقوا به من ثلثه. ومنها: إذا أقرّ بكرم في أرض. كان للمُقَرِّ له الكرم بأرضه؛ لأنّ اسم الكرم يجمع الشّجر والأرض عادة. ومنها: إذا قال: غصبت من فلان شيئاً. فالإقرار صحيح، ويلزمه ما يبيِّنه، ولا بدّ أن يكون مالاً يجري فيه التّمانع بين النّاس؛ لأنّ الغصب لا يَرِد إلاَّ على مال. ومنها: إذا قال: ليس لك عليّ أكثر من مئة درهم. كان ذلك دليلاً على وجوب المئة في ذمّته.

القاعدة الثالثة والأربعون

القاعدة الثّالثة والأربعون أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد المزيل (¬1). وفي لفظ: ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل بخلافه (¬2). وفي لفظ: ما ثبت يكون باقياً ما لم يوجد الدّليل المزيل (¬3). وفي لفظ: ما عُلِم ثبوته فالأصل بقاؤه ما لم يعرف المُسْقِط (¬4). وفي لفظ: ما عُرِف قيامه فالأصل بقاؤه ما لم يعلم الهلاك (¬5). وفي لفظ: ما عُرِف ثبوته فالطّاهر بقاؤه (¬6). أو فالأصل بقاؤه. ما لم يظهر خلافه. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 92 ب، شرح الخاتمة ص 76. (¬2) المجلة المادة 10. (¬3) شرح السير ص 124 وعنه قواعد الفقه ص 114، ص 1877، 1907، 1944. (¬4) المسبوط جـ 26 ص 163. (¬5) شرح السير ص 1231. (¬6) المبسوط جـ 30 ص 28، جـ 20 ص 123، جـ 25 ص 117.

ثانيا: معنى هده القواعد ومدلولها

وفي لفظ: ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه ويجب التّمسّك به حتى يعلم خلافه (¬1). وفي لفظ: ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه ما لم يتيقّن بزواله، أو إلى أن يتبيّن سبب زواله (¬2). [الثّابت يقيناً - الاستصحاب] ثانياً: معنى هده القواعد ومدلولها: هذه القواعد تمثّل قاعدة الاستصحاب السّابقة بلفظ: "الأصل بقاء ما كان على ما كان"، وينظر قواعد حرف الهمزة تحت الرقم 351، 430 وينظر الوجيز ص 172. فما ثبت وجوده بزمان سابق فيجب الحكم ببقائه واستدامته إلا إذا وجد سبب ينفيه ويزيله يقيناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تزوّج رجل امرأة بعقد صحيح فنحن نحكم بالزّوجيّة بينهما، وينسب الأولاد من هذه المرأة إلى الزّوج، ويجب على الزّوج النّفقة إلى غير ذلك من الحقوق والواجبات، ولا نحكم بزوال الزّوجيّة بينهما إلا إذا وُجد سبب ذلك طلاق أو فسخ أو خلع، أو غير ذلك من أسباب الفرقة يقيناً. ومنها: إذا شُغلت ذمّة إنسان بدين فإنّا نحكم بإشغال هذه الذّمّة بذلك الدّين حتى يثبت الأداء أو الإبراء. ¬

_ (¬1) نفس المصدر جـ 18 ص 142، 180، وجـ 30 ص 54. (¬2) نفس المصدر جـ 17 ص 36، 45 وجـ 29 ص 149.

ومنها: إذا أقرَّ فقال: كان له عليَّ ألف درهم. ثمّ قال: قد قضيتها إيّاه قبل أن أُقِرّ به، وجاء بالبيِّنة على القضاء قبلت بيِّنه، فهو قد أقرّ بحقّ سابق ثمّ ادّعى أداءه بالبيّنة، فقد أتى بما يناقض إقراره، فيقبل منه بالبيّنة، وتكون البيّنة دليلاً على سقوط ما ثبت في ذمّته.

القاعدة الرابعة والأربعون [ما ثبت بالشرع]

القاعدة الرّابعة والأربعون [ما ثبت بالشّرع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ثبت بالشّرع أولى ممّا يثبت بالشّرط (¬1). وفي لفظ: ما ثبت بالشّرع مقدّم على ما ثبت بالشّرط (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: ما أثبته الشّرع يجب تقديمه على غيره؛ لأنّ الأصل أنّ الأحكام هي للشّرع ومنه لا لغيره، ولأنّ ما يثبته الشّرع حقّ ومصلحة، وما يثبته العبد لنفسه أو لغيره إمّا موافق لما أثبته الشّرع فهو مقبول، وإمّا مخالف لما أثبته الشّرع فهو مرفوض ومردود؛ لما فيه من المفسدة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال الرّجل لامرأته: طلّقتك بألف على أنّ لي الرّجعة. يسقط قوله "بألف" ويقع رجعياً؛ لأنّ المال ثبت بالشّرط، والرّجعة ثبتت بالشّرع، فكانت أقوى. ولأنّه لو قدّمنا الشّرط لكان خلعاً لا حقَّ له في رجعتها، ولكنّه اشترط على أنّ له الرّجعة الثّابتة بطريق الشّرع. ومنها: إذا استولد أمة ثمّ دبرها. قالوا: لا يصحّ التّدبير؛ لأنّ ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 149، أشباه السيوطي ص 149. (¬2) المنثور جـ 3 ص134، أشباه السيوطي ص 149.

عتق المستولدة عند الموت ثابت بالشّرع فلا يحتاج وقت الموت إلى تدبير. ومنها: لا يصحّ نذر الواجب؛ لأنّ الواجب ثابت بالشّرع. ومنها: إذا أحرم بتطوّع أو نذر - وهو لم يحجّ حجّة الإسلام - وقع إحرامه عن حجّة الإسلام؛ لأنّه يتعلّق بالشّرع، ووقوعه عن التّطوّع والنّذر متعلّق بإيقاعه عنهما والأوّل أقوى.

القاعدة الخامسة والأربعون [الثابت بالضرورة والعذر]

القاعدة الخامسة والأربعون [الثّابت بالضّرورة والعذر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ثبت بالضّرورة يتقدّر بقدرها ويتجدّد بتجدّدها (¬1). وفي لفظ: ما ثبت لعذر بطل بزواله (¬2). أو ما جاز لعذر (2). وفي لفظ: ما أبيح للضّرورة يقدَّر بقدرها (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ما أبيح للضّرورة والعذر فهو يقدّر بقدر الضّرورة والعذر ولا يجوز أن يزيد عليهما. ولكن إذا زالت الضّرورة والعذر رجع الأمر إلى العزيمة. وكلّما عادت الضّرورة وتجدّد العذر لزمت الرّخصة وتجدّدت. وينظر من قواعد حرف الضّاد القاعدة رقم 11، ومن قواعد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 121، 127، المنثور جـ 3 ص 138. (¬2) أشباه السيوطي ص 85، أشباه ابن نجيم ص 86، المجلة المادة 23. سنبل زادة اللوحة 130. الوجيز ص 239 فما بعدها. (¬3) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 469، أشباه السيوطي ص 84، أشباه ابن نجيم ص 86.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

حرفٍ الميم القاعدة رقم 13، 14، وينظر الوجيز ص 239 - 241. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حدثت مجاعة واضطر إلى أكل الميتة حلَّت له بل وجب عليه تناولها. ويأكل منها بقدر الضّرورة واستمرارها، فإذا زالت المجاعة حرم عليه تناولها. ولكن إذا رجعت المجاعة تجدّدت له رخصة تناول الميتة ما دام لم يجد المذكّاة أو الطّعام الحلال الطّيب. ومنها: الطّعام في دار الحرب يؤخذ من الغنيمة قبلت القسمة على حسب الحاجة. ومنها: المرأة إذا احتاجت إلى طبيب - عند عدم الطّبيبة المرأة - لم يجز لها أن تكشف من جسدها إلا القدر الّذي لا بدّ من كشفه، ولو زادت عصت الله تعالى.

القاعدة السادسة والأربعون [الثابت بالعادات]

القاعدة السّادسة والأربعون [الثّابت بالعادات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت بالعادات مثل ما ثبت بالشّهادات في تعليق الأحكام عليها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادات بنى عليها الشّارع الحكيم أحكاماً، وأثبت بها أموراً عظيمة فيما يتعلّق بالدّين والدّم والمال والعرض. فبالشّهادة يباح الدّم ويحقن، وبها يباح المال ويحرم، وبها يباح العرض ويحرم. فما ثبت بالعادة والعرف في بناء الأحكام عليه مثل ما ثبت بالشّهادة في بناء الأحكام عليها، لكن بشرط أن لا يكون العرف والعادة معارضاً للنّصوص الشّرعيّة أو لأحكام الشّرع. وينظر القاعدة رقم 5 من قواعد حرف الثّاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإجماع السّكوتي معتبر عند جمهور الأصوليّين - وهو أن يصدر على بعض المجتهدين حكم في مسألة ويعلم به المجتهدون الآخرون فيسكتون ولا يظهرون الرّضا ولا الإنكار ولم يكن ثمّة مانع أوجب سكوتهم أو قهر أوجب إظهار الرّضى، ففي هذه الحالة يعتبر هذا ¬

_ (¬1) شرح اللمع في أصول الفقه ج 2 ص 693 الفقرة 808.

إجماعاً صحيحاً؛ لأنّ العادة فيما بين أهل الاجتهاد إظهار الخلاف من غير توقّف. فدلّ لسكوتهم هنا على الرّضا والموافقة على ذلك الحكم أو تلك الفتوى.

القاعدة السابعة والأربعون [الثابت مع المنافي]

القاعدة السّابعة والأربعون [الثّابت مع المنافي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت بوجود المنافي ضرورة لا يكون محالاً به على الإقرار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق ببعض مفسدات ومبطلات الإقرار، فإنّ الإقرار إذا كان مكذَّباً شرعاً فإنّه باطل وساقط، وكذلك إذا كذّبه الواقع، وفي هذه القاعدة بيان أحد مبطلات الإقرار وهو وجود المنافي والمعارض للإقرار ضرورة ولزوماً. وليس المراد بالضرورة هنا الاضطرار بل اللّزوم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى أبو الزّوج نسب زوجة ابنه - أي قال: إنّها ابنته. وصدَّقته - وكانت أقرّت قبلاً أنّها أمة لرجل - فينفسخ نكاحها من ابنه، لأنّها بادّعاء الأب تكون أخت الزّوج. فهنا عمل ادّعاء الأب ببنوّة الزّوجة على فسخ نكاحها من ابنه، ولم يعمل إقرارها بأنّها أمّة لرجل على إبقاء النّكاح - ومن ضرورة ثبوت نسبها من أب الزّوج انتفاء النّكاح. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 156.

ومنها: لو أنّ مجهولة الأصل تزوّجت رجلاً، ثمّ أقرّت بالملك لرجل فهي أمة له؛ لإقرارها على نفسها بالرّق - وهو أمر محتمل في ذلك الزّمن - ولا تصدّق على فساد النّكاح؛ لأنّه ليس من ضرورة كونها أمة له بإقرارها فساد النّكاح؛ فإنّ نكاح الأمة بإذن مولاها صحيح. ومنها: إذا ادّعى رجل على امرأة أنّها أمته وادّعت أنّه عبدها - ولا يعرف أصلهما - وليس الواحد منهما في يد صاحبه - وصدَّق كلّ واحد منهما صاحبه في دعواه، كان دعواهما وإقرارهما باطلاً؛ لأنّ تصديق كلّ واحد منهما لصاحبه إقرار بالرّق له على نفسه، وبين الإقرارين منافاة ضرورة؛ لاستحالة أن يكون كلّ واحد منهما مالكاً لصاحبه مملوكاً له. فإذا تحقّق التّنافي تهاترت الدّعويان والإقراران وتساقطا.

القاعدة الثامنة والأربعون [الثابت باليقين]

القاعدة الثّامنة والأربعون [الثّابت باليقين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ثبت بيقين لا يزول بالشّكّ (¬1). أو: لا يرتفع إلا بيقين مثله (¬2). أو: فلا يرفع إلا بيقين (¬3). وفي لفظ: ما عرف ثبوته بيقين لا يحكم بزواله بالاحتمال (¬4). أو: لا يُزال إلا بيقين مثله (¬5). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة إحدى القواعد السّت الكبرى، وتعتبر من أهم القواعد وأكثرها فروعاً ومسائل، ومفادها: أنّ ما عرف ثبوته أو نفيه بيقين - أي قطع وجزم - لا يجوز رفعه بأدنى من اليقين، فلا يرتفع بالشّكّ أو بالظّنّ الضّعيف، ولكن قد يعتبر خلافه عند غلبة الظّنّ احتياطاً. وقد سبق أمثال لهذة القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 428، وضمن قواعد حرف (لا) تحت الرّقم 120. وسيأتي لفظ القاعدة المشهور ضمن قواعد حرف الياء بلفظ: اليقين لا يزول بالشّكّ. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي الأصل الأول. (¬2) المنثور جـ 3 ص 135، المبسوط جـ 7 ص 149. (¬3) ترتيب اللآلي لوحة 105 أ، أشباه ابن نجيم ص 59/ 159، أشباه السيوطي ص 55. (¬4) المبسوط جـ 6 ص 51. (¬5) نفس المصدر جـ 24 ص 13.

القاعدة التاسعة والأربعون [الحكم الأصلي - العوارض الجزئية]

القاعدة التّاسعة والأربعون [الحكم الأصلي - العوارض الجزئيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت حكماً أصليّاً لا يسقط بالعوارض الجزئية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحكم الأصلي الحكم العام المشروع بناء على القواعد المستقرّة، وهو العزيمة. والمراد بالعوارض الجزئيّة: الطّوارئ والظّروف النّادرة، لا الضّرورات المبيحة. فالحكم الثّابت أصالة لا يسقطه وجود أمر طارئ عليه. وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف "لا" تحت الرّقم 115. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نيَّة الصّلاة ولو ضاق الوقت لا بدّ من تعيينها، ولو كانت الصّلاة متعيّنة بضيق الوقت إلا عنها. ومنها: العصمة الثّابتة بالإسلام والدّار لا تسقط بعارض الحرب، حتّى لو دخل مسلمان دار الحرب وقتل أحدهما صاحبه تجب الدّيّة؛ لأنّ الأصل وهو العصمة لا تبطل بهذا العارض. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 75.

ومنها: وجوب الجزاء على المحرم إذا ذبح ظبياً مستأنساً؛ لأنّه صَيْد في الأصل فلا يبطله الاستيناس، كالبعير إذا ندّ - أي شرد عن صاحبه - لا يأخذ حكم الصّيد في الحرمة على المحرم حتى يحلّ عقره عليه، أي يجوز له أن يصيبه بالسّلاح في أي موضع ويحلّ أكله، وكذا لو سقط في بئر ولم يمكن إخراجه حيّاً.

القاعدتان الخمسون والحادية والخمسون [التابع تابع]

القاعدتان الخمسون والحادية والخمسون [التّابع تابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ثبت ضمناً لشيء لا يثبت قبله (¬1). وفي لفظ: ما ثبت ضمناً للشّيء يتقدّر بقدره (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: القاعدة الأولى مفادها: أنّ الثّابت ضمن شيء آخر هو تابع له في وجوده وأحكامه، ولمّا كان المتبوع أصلاً، والتّابع فرعاً له، كان الضّامن أصلاً والمضمون فرعاً له كذلك، ولمّا كان التّابع لا يسبق متبوعه كان ما ثبت ضمناً لشيء لا يثبت قبله؛ ضرورة أنّ وجود التّابع مترتّب على وجود المتبوع. وينظر من قواعد حرف التّاء القاعدة 30. وأمّا مفاد القاعدة الثّانية: فالثّابت ضمن شيء آخر لا يزيد عليه بل هو مقدّر بقدره؛ لأنّ التّابع للشّيء في وجوده تابع له في حكمه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: يجوز شراء بقرة في بطنها حمل، ولكن لا يجوز شراء الحمل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 3. (¬2) نفس المصدر جـ 11 ص 116.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

في بطن البقرة قبل شراء البقرة. ومنها: من استعمل الوديعة فهو ضامن لها، لكن إذا ردّها للحفظ لا يضمن فالضّمان مقدّر بزمن الاستعمال والمخالفة. ومنها: ممنوعات الإحرام مقدّرة بوجود الإحرام، فإذا أحلّ المحرم أبيح له ما كان ممنوعاً، ولا يجوز له أن يحرّم على نفسه ما كان محرّماً بزمن الإحرام. ومنها: الإمساك عن المفطرات مقدّر بطلوع الفجر إلى غروب الشّمس. فلا يجوز الاستمرار بالامتناع على المفطرات بعد الغروب. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: الحرّ في بطن الأمة يزيد عنها - مع أنّه ثابت ضمنها - فيجوز الهبة والوصيّة والميراث له، وكلّ ذلك لا يجوز للأمة. كما أنّه يجوز أن يعتق ما في بطن الأمة قبل عتقها.

القاعدة الثانية والخمسون [الثابت على خلاف الدليل - الرخصة والقياس عليها]

القاعدة الثّانية والخمسون [الثّابت على خلاف الدليل - الرّخصة والقياس عليها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت على خلاف الدّليل للحاجة قد يتقيّد بقدرها، وقد يصير أصلاً مستقلاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بالرّخص والقياس عليها. فالرّخصة إنّما تثبت ضرورة أو لحاجة بخلاف دليل العزيمة. وهي مقدّرة بقدر الضّرورة أو الحاجة، وتزول بزوالهما. ولكن هل تصبح الرّخصة أصلاً مستقلاً؟ أي حكماً شرعيّاً ثابتاً على العموم ويقاس عليها غيرها ممّا لا نصّ فيه؟ مفاد القاعدة: نعم. وهذا مذهب الشّافعيّة وعدد من الفقهاء؛ إذ يرون أنّ الرّخصة يجوز أن يقاس عليها ما يشبهها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العرايا: وهي جمع عريَّة. ثبتت رخصة للحاجة في التّمر والرّطب خاصّ، فهل يقاس عليها العنب والزّبيب، والتّين الجاف والمشمش الجاف وأمثالها ممّا يجفّف من الفواكه والثّمار؟ خلاف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 490، المجموع المذهّب لوحة 235 أ. مختصر ابن خطيب الدّهشة ص 192. قواعد الحصني جـ 3 ص 248.

ومنها: صلاة القصر شرعت حالة الخوف بنصّ القرآن الكريم، الآية 101 من سورة النّساء ثم عمَّت جميع الأسفار المباحة، وقال صلّى الله عليه وسلّم: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (¬1). ومنها: الإجارة جوّزت على خلاف الدّليل لورودها على المنافع المعدومة - حين العقد - للحاجة، ولم تتقيّد بالحاجة، بل صارت أصلاً لعموم البلوى. ومنها: السّلم لأنّه بيع معدوم. ومنها: الجعالة لما فيها من جهالة العمل. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه ابن ماجه جـ 1 ص 339، وأبو داود جـ 1 ص 274، والدّارمي جـ 1 ص 292، 293، وأحمد جـ 1 ص 25/ 26 ومسلم جـ 2 ص 337 - 338 بشرح النّووي. والتّرمذي جـ 5 ص 243، والنّسائي 235.

القاعدة الثالثة والخمسون [الثابت على خلاف الدليل]

القاعدة الثّالثة والخمسون [الثّابت على خلاف الدّليل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت على خلاف الدّليل في الواجب هل تلتحق به النّوافل (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت شيء على خلاف القواعد العامّة في الفرائض، هل تلتحق به النّوافل والتّطوّعات فيثبت فيها ما ثبت في الفرائض مخالفاً للدّليل؟ ومعنى مخالفة الدّليل: إنّه فعلٌ لما لا يجب (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سجود السّهو قالوا: ثبت على خلاف الدّليل في الفرض. وقالوا: للشّافعي قول غريب - وهو القول القديم. إنّه لا يسجد للسّهو في النّوافل. والجديد على خلافه. ومنها: قالوا: التّيمّم على خلاف الدّليل في الواجب. ويشرع في النّفل أيضاً. ومنها: هل تجوز النّيابة على المعضوب في حجّ التّطوّع، كالفرض. قولان عند الشّافعيّة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 497. (¬2) المجموع شرح المهذب جـ 4 ص 61.

القاعدة الرابعة والخمسون [الثابت على خلاف الظاهر]

القاعدة الرّابعة والخمسون [الثّابت على خلاف الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت على خلاف الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بخلاف الظّاهر: خلاف الحالة الواضحة الثّابتة التي يغلب على الظّنّ بقاؤها واستمرارها. فهذة الحالة الأصليّة قد تخالَف ويثبت ضدّها؛ لأنّ الشّرع إنّما أقام البيّنات وأجاز الدّعاوى لإثبات الحقوق أو نفيها بقطع النّظر عن حال الشّخص المدّعَى عليه؛ لأنّ هذه الظّواهر قابلة للتّغيّر في كثير من الأحيان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى البرّ التّقي الصّدوق الموثوق بصدقه وعدالته على الفاجر المعروف والمشهور بالفجور وغصب الأموال وإنكارها أنّه غصب منه شيئاً أو أتلفه فعلى المدّعِي - وإن كان تقيّاً صدوقاً برّاً - البيِّنة، وعلى المدّعَى عليه اليمين إذا لم يُقِم المدّعِي البيّنة. وتقبل يمين المدّعَى عليه عند ذلك، وإن كان على خلاف الظّاهر. ومنها: لو ادّعى ذلك الفاجر على هذا التّقي المشهور بالصّدق ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 521. القواعد الكبرى ج 2 ص 103 فما بعدها. قواعد الحصني جـ 4 ص 72 عنه.

والأمانة شيئاً وطلب يمينه أحلفناه له، مع أنّ الظّاهر يكذّبه في دعواه. ومنها: إذا ادّعى إنسان على قاضٍ أنّه استأجره لكنس داره ونحوه سمعت الدّعوى على الأصحّ وإن كان ذلك ممتنعاً عادة. ومنها: إذا أتت الزّوجة بالولد لدون أربع سنين من حين الطّلاق بعد انقضاء عدّتها بالأقراء، فإنّ هذا الولد يلحق بالزّوج. مع أنّ الغالب الظّاهر أنّ الولد لا يتأخّر لهذه المدّة. قالوا: لأنّ الأصل عدم الزّنا، وعدم وطء الشّبهة، والشّارع متشوّق إلى السّتر ودرء الحدّ، فغلّب الأصل على الظّاهر. ولكن في هذه المسألة خلاف؛ لأنّ الأخذ بهذا الحكم وبخاصّة في زمننا فتح باب يصعب سدّه، فكيف ينسب ولد لزوج طلّق زوجته أو مات عنها منذ أربع سنوات، وانتهت عدّتها بالأقراء في الطّلاق - وكيف يكون حصول الحمل مع وجود الحيض ثلاث مرّات بعد الطّلاق، هذا الحمل لا يعقل أن يكون من الزّوج قطعاً. وقد قال ابن عبد السّلام رحمه الله: قلنا: وقوع الزّنا أغلب من تأخّر الحمل إلى أربع سنوات إلا ساعة واحدة. وكذلك الإكراه والوطء بالشّبهة. ولا يلزم على ذلك حدّ الزّنا فإنّ الحدود تسقط بالشّبهة (¬1). وهذا هو الحقّ إن شاء الله. ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 103.

القاعدة الخامسة والخمسون [ما ثبت على خلاف القياس]

القاعدة الخامسة والخمسون [ما ثبت على خلاف القياس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت على غير القياس - أو على خلاف القياس - فغيره لا يقاس عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تقابل قاعدة سبقت قريباً، ومفادها: أنّ ما ثبت على غير القواعد المستقرة وخلافاً للأحكام العامّة - والمراد به الرّخص - إنّما يقتصر به على مورده ولا يقاس عليه غيره. فالرّخص مقصورة على مواضع ورودها. وهذه من مسائل الخلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قضاء سنّة الفجر معها ثبت على خلاف القياس، فلا يقاس عليها غيرها من السّنن - وهذا عند الحنفيّة - إذ عند غيرهم يجوز قضاء السّنن، كسنّة الظّهر البعديّة، وهذه تقضى وحدها - لكن إذا لم يصلّ الظّهر في وقتها فهل له قضاء سننها معها؟ وتقاس على الفجر؟ الرّاجح عند الجميع عدم القضاء. ¬

_ (¬1) القواعد الكبرى جـ 2 ص 138 فما بعدها، ترتيب اللآلي لوحة 93 ب، شرح الخاتمة ص 77، المجلة المادة 15. وينظر قواعد الحصني جـ 3 ص 229 فما بعدها.

ومنها: البناء على الصّلاة إذا سبقه الحدث أو الرعاف ثابت على خلاف القياس، فلا يقاس عليه من أحدث عمداً، بل يجب عليه الاستئناف. ومنها: عند الحنفيّة - لا يشترط النّيَّة في الوضوء مع اشتراطها في التّيمّم, لأنّ التّطهير بالتّراب تعبّدي لا بُدَّ له من النّيَّة فلا يقاس عليه الوضوء؛ لأنّ التّطهير بالماء معقول المعنى من حيث إنّ الماء مطهّر بنفسه فلا يحتاج إلى النّيَّة. وأقول: ولو صحّ هذا القياس فلا ثواب للمتوضّئ؛ لأنّ الثّواب إنّما يترتّب على نيَّة العبادة، ولا يكون الوضوء عبادة يثاب عليها إلا بالنّيَّة. وهذا أمر متّفق عليه.

القاعدة السادسة والخمسون [ما ثبت على الفور أو التراخي]

القاعدة السّادسة والخمسون [ما ثبت على الفور أو التّراخي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت على الفور أو على التّراخي أو فيه خلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختصّ بالخيارات - جمع خيار - وهي على ثلاثة أنواع: نوع على الفور قولاً واحداً، ونوع على التّراخي قولاً واحداً، ونوع مختلف فيه والتّرجيح مختلف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النوع الأوّل: ما هو على الفور قولاً واحداً: خيار الرّدّ بالعيب. وخيار النقيصة، وخيار الخُلف إذا شرط الرّهن أو الضمين فلم يَفِ بذلك أو امتنع من إقباض الرّهن، وامتنع الضّامن من الكفالة. ومنها: إذا زُوِّجت المرأة من غير كُفء بغير رضاها - فإذا قلنا بصحّة النّكاح - فلها الخيار وهو على الفور. النّوع الثّاني: ما هو على التّراخي قولاً واحداً. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 326 ب، قواعد الحصني جـ 3 ص 36 فما بعدها. المنثور جـ 2 ص 146 فما بعدها.

خيار المجلس، ممتدّ بامتداد المجلس. ومنها: خيار الشّرط ثلاثة أيّام فما دونها. ومنها: خيار الوالد في الرّجوع فيما وهب لولده، وهو على التّراخي لا إلى أمد، حتى قالوا: لو أسقط هذا الخيار لم يسقط بل له الرّجوع بعد ذلك. ومنها: خيار من أبهم الطّلاق بين زوجتيه، أو أبهم العتق بين أمَتيه. على التّراخي أيضاً. ومنها: خيار التّعيين كمن أسلم على أكثر من أربع نسوة، لكنّه لا يمهل حتى تطول المدّة. ومنها: تخيير الولي بين العفو والقصاص، وكذلك حقّ القذف أو التّعزير كلّه ثابت لصاحب الحقّ على التّراخي. النوع الثالث: وهو ما فيه الخلاف وهو قسمان: القسم الأوّل: ما فيه الخلاف والأرجح أنّه على الفور: خيار التّصرية فيه وجهان، أصحّهما أنّه على الفور. والثّاني: أنّه يمتد ثلاثة أيّام. ومنها: خيار البائع في الرّجوع إلى عين مالِه عند فلس المشتري. فيه وجهان: والأصحّ أنّه على الفور. ومنها: الأخذ بالشّفعة: إذ الشّفيع مُخَيَّر بين الأخذ والتّرك. وفيه خمسة أقوال: أظهرها أنّه على الفور. القسم الثّاني: ما فيه الخلاف والأرجح أنّه على التّراخي:

خيار المجلس إذا مات من له الخيار، وانتقل حقّه إلى وارثه، فإن كان حاضراً مجلس العقد فحكمه حكم مورّثه. وإن كان غائباً ففيه أوجه: أصحّها، أنّه يمتدّ الخيار حتى يفارق مجلس الخبر. ومنها: خيار السّلم إذا انقطع المسلم فيه عند محلة لجائحة، فالصّحيح أنّه على التّراخي.

القاعدة السابعة والخمسون [ما ثبت للجماعة]

القاعدة السّابعة والخمسون [ما ثبت للجماعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت لجماعة فهو بينهم على سبيل الاشتراك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت شيء لإنسان فله التّصرف فيه منفرداً لا يشاركه فيه غيره، ولكن إذا ثبت شيء لجماعة - اثنين فصاعداً - فهو شركة بينهم على التّساوي أو التفاضل - بحسب أنصبتهم - ولا يجوز انفراد أحدهم بالتّصرّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وصَّى اثنين فلا يجوز انفراد أحدهما بالتّصرّف، فلا بدّ من اجتماعهما؛ لأنّ الموصي إنّما رضي باجتماع رأييهما. ومنها: إذا جعل على الوقف ناظرين فكذلك لا يجوز انفراد أحدهما بالتّصرّف. ومنها: إذا أعطى ماله مضاربة لشخصين فلا بدّ من اشتراكهما معاً في التّجارة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 176. وترتيب اللآلي لوحة 93 أ.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: ولاية الإنكاح للصّغير والصّغيرة ثابتة للأولياء على سبيل الكمال لكل، فلكلّ واحد منهم حقّ تزويج الصّغير أو الصّغيرة منفرداً عن الآخرين. ومنها: القصاص الموروث يثبت لكلّ من الورثة على الكمال، فلكلّ واحد من الورثة حقّ التنازل عن القصاص بدون رضاء الآخرين، فيسقط القصاص جملة؛ لأنّه لا يتجزّأ. ومنها: ولاية المطالبة بإزالة الضّرر العام عن طريق المسلمين تثبت لكلّ من له حقّ المرور على الكمال؛ لأنّ الحقّ إذا كان لا يتجزّأ يثبت لكلٍّ على الكمال. ومنها: حقّ الشّفعة يثبت للشركاء، لكلّ شريك على الكمال.

القاعدة الثامنة والخمسون [الثابت لضرورة الشهادة]

القاعدة الثّامنة والخمسون [الثّابت لضرورة الشّهادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ثبت لضرورة الشّهادة فهو كالمشهود به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّهادة إنّما شرعت لإثبات الحقوق المدَّعاة، ويثبت بها المدَّعَى به، وما يتعلّق بالمدّعَى ضرورة ولزوماً. فما ثبت بضرورة الشّهادة ولزومها يكون كأنّه مشهود به فيثبت ويلزم ويعتدّ به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد اثنان على رجل بأنّه قتل شخصاً عمداً أو خطأ، أو قطع يده أو رجله أو فقأ عينه عمداً أو خطأ فيلزم من اعتبار هذه الشّهادة والحكم بها ثبوت حقّ المطالبة بالقصاص أو الدّيّة لولي المقتول ضرورة، وكذلك ثبوت حقّ القصاص أو الأرش للمقطوع والمفقوءة عينه. ومنها: ادّعى رجل وامرأة صبيّاً - وهو في يد المرأة - وأقام كلُّ من الرّجل والمرأة البيِّنة على أنّ هذا الصّبي ابنه، قضي وحكم بثبوت نسب الصّبي من كليهما، ومن ضرورة ذلك القضاء والحكم بالفراش بينهما - أي الزّوجيّة -. ولكن بشرط أن لا يكون في بيّنة المرأة ما يدفع بيّنة الرّجل كأن تدّعي في بيّنتها أن هذا الصّبي ابنها من زوجها فلان، غير الرّجل المدّعِي. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 83.

القاعدة التاسعة والخمسون [استثناء المنفرد بالعقد]

القاعدة التّاسعة والخمسون [استثناء المنفرد بالعقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده فإنّه يصحّ استثناؤه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّيء الّذي يجوز أن يقع العقد عليه منفرداً - أي هو المستقلّ بنفسه - يجوز ويصحّ استثناؤه من العقد؛ لأنّه غير تابع لغيره، وبالمقابل ما لا يجوز انفراده بالعقد لا يصحّ استثناؤه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحيوان والعقار والعروض كلّها أشياء يجوز وقوع العقد عليها بانفرادها، ولذلك يجوز استثناؤها أيضاً. فمن اشترى قطيعاً من الغنم واستثنى عدداً معيَّناً منه مبيَّناً جاز العقد والاستثناء. ومنها: من باع داراً إلا غرفة منها صحّ البيع والاستثناء. ومنها: الجنين في بطن الدّابّة لا يجوز استثناؤه؛ لأنّه لا يجوز إيراد العقد عليه منفرداً. ¬

_ (¬1) الفوائد الزينيّة ص 103 الفائدة 101.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: أوصى بعبد من ثلثه لفلان. لا يجوز استثناء الخدمة، مع أنّ الوصيّة بخدمة العبد تجوز ويصحّ ايراد العقد عليها بانفرادها. ومنها: عتق الجنين دون أمّه والوصيّة له جائز مع أنّه لا يصحّ إيراد العقد عليه منفرداً دون أمّه.

القاعدتان الستون والحادية والستون [البيع والرهن والهبة والضمان]

القاعدتان السّتّون والحادية والسّتّون [البيع والرّهن والهبة والضّمان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا (¬1). أو ما قبل البيع قبل الرّهن. وفي لفظ: ما جاز بيعه جاز هبته وما لا فلا (¬2). وفي لفظ: ما جاز الرّهن به صحّ ضمانه، وما لا فلا (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: العقود وإن اختلفت موضوعاتها وصورها فبين كثير منها ارتباط، ففي هذه القواعد بيان الارتباط بين بعض العقود وبعضها. فما جاز أن يقع عليه عقد البيع من الأشياء والسّلع والعروض جاز ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 336 ب، المنثور جـ 3 ص 139، قواعد الحصني جـ 4 ص 157، أشباه السيوطي ص 457، أشباه ابن نجيم ص 288 ترتيب اللآلي لوحة 94 ب. (¬2) المجموع المذهّب لوحة 344 أ، المنثور جـ 3 ص 138، قواعد الحصني جـ 4 ص 183، أشباه السيوطي ص 469. (¬3) المجموع المذهّب لوحة 337 ب، المنثور جـ 3 ص 138، قواعد الحصني جـ 4 ص 160. أشباه السيوطي ص 458.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

أن يقع مرهوناً وموهوباً، وما امتنع بيعه لعلَّة كالنّجاسة والتّحريم مثلاً لا يجوز رهنه ولا هبته وكذلك ما جاز أن يكون مرهوناً من الحيوان والعروض وغيرها جاز أن يكون مضموناً, لأنّ كونه جاز مرهوناً يدلّ على أنّه جاز مبيعاً وموهوباً، وما كان مبيعاً كان جائزاً ضمانه والكفالة به. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: كلّ طاهر منتفع به يجوز بيعه، فكذلك يجوز رهنه وهبته. ومنها: إذا جاز رهن الحيوان أو العقار فإنّه يجوز أن يقع مضموناً ومكفولاً به. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: المنافع يجوز بيعها - فالإجارة عند الشّافعيّة هي بيع المنفعة - ولكن لا يجوز رهنها لعدم تصوّر القبض فيها، وكذلك لا يجوز هبتها - لأنّ الهبة يشترط لتمامها قبض الموهوب والمنافع لا يتصوّر فيها ذلك. وبناء على ذلك لا يجوز ضمان المنافع ولا الكفالة بها. ومنها: رهن النّصيب المشاع من بيت معيّن من دار محتملة للقسمة فيه وجهان: أصحّهما لا يصحّ الرّهن وإن جاز بيعه. ومنها: إذا جعل شاته أضحية، لم يجز بيع نمائها من الصّوف واللّبن ويجوز وتصحّ هبته. ومنها: الكلب تصحّ هبته ولا يجوز بيعه.

القاعدة الثانية والستون [السلم والقرض]

القاعدة الثّانية والسّتّون [السَّلم والقرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما جاز السّلم فيه جاز قرضه، وما لا فلا (¬1). وفي لفظ: ما لا يجوز السّلم فيه لا يجوز قرضه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السَّلَم: هو السَّلَف. وهو عقد على موصوف في الذّمّة، مؤجّل، بثمن مقبوض في مجلس العقد (¬3). القرض: هو السَّلَف، وهو ما تعطيه من المال لتقضاه. فالسّلَم والقرض متشابهان من حيث إنّ كلاً منهما مؤجّل، لكن السّلم المؤجّل فيه المسلّم فيه وهو الموصوف في الذّمّة. والقرض المؤجّل فيه أداؤه وإعادته إلى المقرض. وينبني على تشابه السّلم والقرض جواز كلّ واحد منهما بما يجوز في الآخر. فما يجوز فيه السّلم يجوز فيه القرض، وما لا يجوز فيه السّلم لا يجوز فيه القرض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز السّلم في التّمر والحيوان، ولذلك يجوز قرضهما. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 457. (¬2) المنثور جـ 3 ص 155. (¬3) المطلع ص 245.

رابعا: مما يستثنى من مسائل هذه القاعدة

ومنها: يجوز السّلم في كلّ مكيل وموزون وكذلك القرض. ومنها: لا يجوز السلّم في العددي المتفاوت، ولذلك لا يجوز قرضه (¬1). رابعاً: ممّا يستثنى من مسائل هذه القاعدة: الجارية التي تحلّ للمقترض يجوز السّلم فيها، ولا يجوز قرضها. لأنّه لا يجوز قرض الجواري وإن جاز السّلم فيهن بشروط. ومنها: الدّراهم المغشوشة، يجوز السّلم فيها ولا يجوز قرضها. ¬

_ (¬1) روضة النّاظرين جـ 3 ص 48، فما بعدها.

القاعدة الثالثة والستون [ما جاز على التخيير أو البدل]

القاعدة الثّالثة والسّتّون [ما جاز على التّخيير أو البدل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما جاز على البدل لا يدخله تبعيض فيهما (¬1). وفي لفظ: ما جاز فيه التّخيير لا يجوز فيه التّبعيض إلا أن يكون الحقّ لمعيّن ورضي (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الإبدال والتّخيير وإن اختلفا لفظاً فهما متّفقان مفهوماً. فمن الواجبات على المكلّف والكفّارات والحقوق ما يسَّره الشّرع عليه بأن أباح له وأجاز التّخيير فيه بين عدّة أشياء، أو الانتقال إلى بدل المفروض عند فقده، وعدم وجوده، أو عدم القدرة على استعماله. فإذا أتى المكلّف بواحد من المخيّر فيه برئت ذمّته ولم يكلّف الإتيان بغيره، ومنها ما يكون على التّرتيب بحيث إنّ المكلّف إذا لم يستطع الأوّل فله أن ينتقل إلى الثّاني. فمفاد هاتين القاعدتين: أنّ ما أجاز الشّرع فيه التّخيير والإبدال لا يجوز للمكلّف أن يأتي بجزء من كلّ شيء ممّا جاز فيه التّخيير؛ لأنّ التّخيير بين الأشياء لا بين أجزائها. وكذلك لا يجوز له ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 259. (¬2) نفس المصدر جـ 1 ص 255، جـ 3 ص 138.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

أن يفعل جزءاً من الأصل المبدل منه وجزءاً من البدل مع القدرة على الأصل. ولكن استثني من ذلك إذا كان الحقّ المخيّر فيه لشخص أو جهة معيّنة ورضي الشّخص أو الجهة بأخذ بعضٍ من كلّ شيء ممّا جاز فيه التّخيير. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: التّيمّم شرع بدلاً عن الماء عند فقده أو عند عدم القدرة على استعماله، لكن مع وجوده والقدرة على استعماله لا يجوز للمكلّف أن يغسل بعض جسمه ويتيمّم للباقي، أو يغسل بعض أعضاء الوضوء ويتيمّم للباقي. إلا إذا كان ما عنده من الماء لا يكفي لغسل كلّ الأعضاء - فعند بعضهم - يغسل ما قدر عليه ويتيمّم للباقي. ومنها: إذا قدر المتمتّع أو القارن على الشّاة فليس له الانتقال إلى الصّوم، وبالأولى لا يجوز له أن يهدي نصف شاة ويصوم خمسة أيّام، وهو قادر على شاة كاملة، ولكن إذا لم يقدر على شاة كاملة فعليه الانتقال إلى الصّوم. ومنها: في كفّارة اليمين لا يجوز للمكفَّر أن يطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة. ومنها: في كفّارة القتل الخطأ عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين عند عدم القدرة على العتق، فلا يجوز أن يعتق نصف رقبة ويصوم شهراً - سواء أكان قادراً على عتق رقبة كاملة أو قادراً على

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

نصف رقبة فقط، فعند عدم القدرة على رقبة كاملة فينتقل إلى صيام شهرين متتابعين. ومنها: الشّفيع مخيّر بين الأخذ بالشّفعة أو التّرك. فلو أراد أخذ بعض المشفوع فيه فليس له ذلك. لكن إذا رضي المشتري فإنّه يجوز؛ لأنّ الحقّ له. ومنها: أنّ الشّرع خيَّر المتوضّئ بين غسل الرّجلين والمسح على الخفّين، فلو أراد أن يغسل إحدى رجليه ويمسح على الأخرى لم يجز. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا قتل ثلاثة محرمون ظبية، فعليهم جزاء واحد يخيّر فيه بين الشّاة أو الصّيام أو الإطعام، فلو أخرج أحدهم تلث شاة، وأطعم الثّاني بقيمة ثلث الشّاة، وصام الآخر عدل ذلك فإنّه يجزئ اتفاقاً. ومنها: إذا وجب القصاص لواحد على جماعة فيجوز له قتل الجميع أو أخذ الدّيّة، فلو قتل بعضهم وأخذ الدّيّة من البعض جاز.

القاعدة الرابعة والستون [الشهادة والحلف]

القاعدة الرّابعة والسّتّون [الشّهادة والحلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما جاز للإنسان أن يشهد به فله أن يحلف عليه (¬1)، ولا ينعكس. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإدلاء بالشّهادة وحلف اليمين مستويان في شرط الإتيان بهما، وذلك بكونهما لا يعتدّ بهما إلا في دعوى صحيحة أمام القضاء، والشّاهد لا يكون شاهداً إلا إذا كانت عدلاً، وعلم ما يريد أن يشهد به علماً يقيناً. بناء على الحديث الشّريف "إذا علمت مثل الشّمس فاشهد وإلا فدع" الحديث (¬2). وليس المراد بالقاعدة يمين النّفي بل يمين الإثبات. وحالف اليمين لا يجوز له أن يحلف على شيء إلا إذا كان علمه به يقينياً، فلذلك ما جاز للإنسان أن يشهد به وتكون شهادته به صادقة صحيحة فإنّ له أن ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 444، أشباه السيوطي ص 505. (¬2) الحديث أخرجه في نصب الرّاية جـ 4 ص 82 وقال: أخرجه البيهقي في سننه جـ 10 ص 263 بلفظ: "أمّا أنت يا ابن عباس فلا تشهد إلا على أمر يضيء لك كضياء هذه الشّمس". والحاكم في المستدرك جـ 4 ص 98. وقال صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي في مختصره بقوله: بل هو حديث واهٍ، لأنّ في رواته محمد بن سليمان بن مشمول أو مسمول ضعفه غير واحد. نصب الرّاية.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يحلف عليه، ويكون حلفه صحيحاً صادقاً. لكن لما كان باب اليمين أوسع من باب الشّهادة، فليس كلّ ما جاز أن يحلف عليه يجوز أن يشهد به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاز لشخص أن يشهد بقتل أو سرقة أو إتلاف أو اغتصاب فيجوز له أن يحلف عليه، أي يجوز له أن يحلف بالله أنّ هذا قتل هذا أو سرقه أو أتلف ماله أو اغتصبه. ومنها: إذا أخبره ثقة أنّ فلاناً قتل أباه أو غصب ماله فإنّه يجوز له أن يحلف بناء على خبر الثّقة، لكن لا يجوز له أن يشهد بذلك؛ لأنّه لم ير. ومنها: إذا رأى بخطّ مورّثه أنّ له ديناً على رجل، أو أنّه قضاه، فله الحلف عليه إذا قوي عنده صحّته، ولا يشهد بمثل ذلك. لأنّ باب اليمين أوسع من باب الشّهادة.

القاعدة الخامسة والستون [الوقف والعرف]

القاعدة الخامسة والسّتّون [الوقف والعرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما جرى العرف بين النّاس بالوقف فيه من المنقولات يجوز؛ باعتبار العرف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوقف: هو مصدر يقف وقفاً. والمراد به الموقوف أي العين المحبَّسة إمّا على ملك الواقف وإمّا على ملك الله تعالى (¬2). أو هو: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه - بقطع التّصرّف في رقبته - على مصرف مباح (¬3). فالوقف في اللغة: الحبس، وفي الشّرع حبس العين على ملك الواقف والتّصدّق بالمنفعة، أو حبس العين على ملك الله تعالى والتَصدّق بالمنفعة (¬4). أو هو: حبس المملوك وتسبيل منفعته مع بقاء عينه ودوام الانتفاع به من أهل التّبرّع على معيَّن يملك بتمليكه، أو جهة عامّة، في ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 45. (¬2) القاموس الفقهي ص 385. (¬3) نفس المصدر ص 386. (¬4) التعريفات ص 274.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

غير معصية تقرّباً إلى الله تعالى (¬1). فالأصل في الوقف هو حبس ثابت العين كالعقار والأرضين ولكن: مفاد القاعدة: أنّه يجوز وقف المنقولات إذا جرى العرف والعادة بين النّاس بوقفها، كالخيل والسّلاح للجهاد، وكتب العلم، وغير ذلك من المنقولات إذا جرت العادة بها بين النّاس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إلى جانب ما سبق ذكره من جواز وقف الخيل وتحبيسها في سبيل الله تعالى - في وقت كانت الخيل أقوى عدّة للجهاد - وكذلك السّلاح بأنواعه وكتب العلم النّافعة: يجوز وقف فرش المساجد، ومكبّرات الأصوات، وبرادات المياه، وغيرها ممّا تحتاجه المساجد لإعمارها. ومنها: وقف تسبيل الماء الجاري للشّرب أو الوضوء. ¬

_ (¬1) التوقيف في مهمات التعاريف ص 386.

القاعدة السادسة والستون [الغاية]

القاعدة السّادسة والسّتّون [الغاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما جعل غاية فوجود أوَّلِه كاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: غاية الشّيء: منتهاه وطرفه، وقد تكون بمعنى العلّة - أي ما لأجله وجد الشّيء (¬2). فمفاد القاعدة: أنّ ما جعله نهاية لشيء فإنّ وجود أوّله كاف في اعتباره، ولا يشترط بلوغ نهايته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يجب عليه الهدي، إذا أحرم بالحجّ - عند أبي حنيفة والشّافعي وأحمد رحمهم الله تعالى - لا بإتمام أعمال الحجّ؛ لأنّ الحجّ جعل غاية لوجوب دم التّمتّع عليه بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬3). فإحرامه بالحجّ قبل قيامه بأعمال الحجّ كاف في وجوب الهدي ما عليه وتعلّقه في ذمّته. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 475، جـ 4 ص 322. (¬2) التّعريفات ص 166. (¬3) الآية 196 من سورة البقرة.

ومنها: إذا تداينا بدين وجعلا الأجل إلى شهر تعلّق الأداء بأوّله، وكذلك إذا جعل الأجل اسماً يتناول شيئين كجمادى وربيع ويوم النّفر تعلّق الأجل بأوّلهما. ومنها: في الوضوء غسل اليدين إلى المرفقين وغسل الرّجلين إلى الكعبين، هل يشترط في غسل المرفقين والكعبين استيعابهما أو يكفي إذا غسل أوّلهما؟ إذا قلنا: يكفي غسل بدايتهما فيدخل ذلك تحت القاعدة، وإلا كان استثناءً منها. والإجماع على استيعابهما بالغسل.

القاعدة السابعة والستون [الحاجة والعوض]

القاعدة السّابعة والسّتّون [الحاجة والعوض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما جُوِّز للحاجة لا يجوز أخذ العوض عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحاجة: هي حال فيها شدّة دون حالة الضّرورة، وقد تكون ضروريّة أحياناً. فما أجازه الشّارع لحاجة الفرد أو الجماعة فلا يجوز جعله مجالاً للبيع أو الأجرة أو التّعويض، فمن باب أولى ما جوز للضّرورة. ولكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها بل هي خاصّة ببعض ما جوّزه الشّارع لحاجة مخصوصة في ظرف مخصوص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أجاز الشّارع اتّخاذ كلب للحراسة أو الصّيد فلا يجوز تأجير هذا الكلب أو استئجاره لذلك في الأصحّ. ومنها: أجاز الشّارع إعارة الفحل للضّراب، فلا يجوز تأجيره وأخذ العوض عليه في الأصح. ومنها: أجاز الشّارع لصاحب الهدي ركوبه عند حاجته، ولكن لا يجوز أن يؤجّره لغيره ويأخذ عوضاً عنه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 139.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الإجارة جوزت للحاجة، ويجوز أخذ العوض عنها من المستأجر. ومنها: يجوز إجارة المرضعة للحاجة، والمربيّة للطفل كذلك (¬1)، بل قد يدخل ذلك في باب الضّرورة ويجوز أخذ الأجرة عليه. ¬

_ (¬1) التوقيف ص 263.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والستون [حرمة الأخذ حرمة الإعطاء، وضمان الأجزاء]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة والسّتّون [حرمة الأخذ حرمة الإعطاء، وضمان الأجزاء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما حَرُم أخذه حَرُم إعطاؤه (¬1). وفي لفظ: ما حَرُم على الآخذ أخذه حَرُم على المعطي إعطاؤه (¬2). وفي لفظ: ما حَرُم أخذه حَرُم كلّ شيء منه، وما ضُمِنَت جملته ضمنت أبعاضه (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: أولاً: هذه القواعد تمثّل جانباً مهمّاً من جوانب السّياسة الشّرعيّة، فقد حرَّم الشّرع على المسلم أخذ أشياء كالرّشوة والرّبا، وحرمة هذه الأشياء وأمثالها - وإن كانت نصّاً في الأخذ - فهي أيضاً محرّمة إعطاءً، فكما لا يجوز للمسلم أن يأخذ رشوة أو ربا فهو محرّم عليه أيضاً أن يعطي الرّشوة أو الرّبا لغيره، فيكون ذلك سدّاً لأبواب ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 150، أشباه ابن نجيم ص 158، ترتيب اللآلي لوحة 92 ب، شرح الخاتمة ص 76، المجلة المادة 34، المدخل الفقهي الفقرة 628، الوجيز ص 287. (¬2) المنثور جـ 3 ص 140. (¬3) المغني جـ 3 ص 351، 498، 513، جـ 4 ص 253.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الرّشوة والرّبا وأشباههما أخذاً وإعطاءً، لأنّ الإعطاء وإن كان من جانب المعطي فهو أخذ من جانب الآخذ، وكلاهما محرّم. ثانياً: وتعطي القاعدة الثّالثة حكماً آخر من أحكام المعاملات، وهو أنّ ما وجب ضمان جملته أو كلِّه عند إهلاكه أو إتلافه فإنّ أجزاءه أو أبعاضه مضمونة أيضاً عند الإهلاك أو الإتلاف اعتباراً للجزء بالكلّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: كما يحرم على المسلم أخذ الرّبا والرّشوة يحرم عليه إعطاؤهما للمرابي والمرتشي. لأنّ في إعطائهما تشجيعاً للرّبا والرّشوة ونشراً لهما في المجتمع المسلم. وفي الحديث الصّحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لعن آكل الرّبا ومؤكله وشاهديه وكاتبه) (¬1). ومنها: حرمة مهر البغي - أي الفاجرة وحلوان الكاهن - أي المنجّم ومدّعي علم الغيب. وأجرة النّائحة وأجرة الزّامر - أي المطرب. فكلّ ذلك لا يجوز أخذاً ولا إعطاءً. ومن أمثلة القاعدة الثّالثة: على من يتلف شجر الحرم أو حشيشه ضمان ما أتلف قليلاً كان ما أتلفه أو كثيراً. ومنها: المحرم إذا حلق بعض شعر رأسه أو قصّ بعض أظفاره فيجب عليه الفدية بالطّعام لأنّه لا يجب الدّم إلا في حلق جملة ¬

_ (¬1) الحديث رواه الخمسة وصحّحه التّرمذي.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

الرّأس أو قصّ جملة الأظافر. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: استثني جواز إعطاء الرّشوة للحاكم أو لمن يمنع الحقّ إلا بها، وذلك لكي يصل المعطي إلى حقّه - وذلك بعد استنفاذ كلّ الوسائل الشّرعيّة المتاحة للوصول إلى الحقّ. وفي هذه الحال الإثم على الآخذ. ومنها: إعطاء الكفّار الفدية لفك الأسرى، وإعطاء شيء لمن يخاف هجوه. ومنها: إذا خاف الوصي أن يستولي غاصب على مال اليتيم أو الوقف فله أن يؤدّي شيئاً ليخلّصه. ومنها: يجوز الاستقراض بالرّبا في حال الاضطرار - وذلك دليل زوال الرّحمة والتّعاون من قلوب المسلمين - وهذا من باب اختيار أهون الضّررين. ومنها:- يجوز طلب الجزية من الذّمّي مع أنّه يحرم عليه إعطاؤها؛ لأنّ في إعطائها بقاءه على الكفر، وهو متمكّن من إزالة الكفر بالإسلام. فإعطاؤه إيّاها إنّما هو على استمراره على كفره وهو حرام.

القاعدة السبعون [حرمة الاستعمال والاتخاذ]

القاعدة السّبعون [حرمة الاستعمال والاتّخاذ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما حَرُم استعماله حَرُم اتّخاذه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أنّ ما حرَّم الشّارع على المسلم استعماله يحرم عليه أيضاً اتّخاذه واقتناؤه؛ لأن الاتّخاذ والاقتناء قد يكون وسيلة للاستعمال فيما بعد، فهذا من باب سدّ الذّرائع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حرَّم الشّارع الحكيم على الرجل المسلم لبس الذّهب، فبناء على ذلك يحرم عليه أن يتّخذه أو يقتني خاتماً من الذّهب. ومنها: كما حَرُم على الرّجال لبس الحرير يحرم عليهم اقتناء أثواب الحرير أو اتّخاذها دفعاً للوقوع في الاستعمال المحرم بعد ذلك. ومنها: تحريم استعمال أواني الذّهب والفضة للرّجال والنّساء، فكذلك يحرم عليهم اتّخاذها واقتناؤها - كتحفة - حتى لا يكون ذلك وسيلة إلى استعمالها من بعد. ومنها: تحريم اتّخاذ الكلب لمن لا يصيد أو لا يريد أن يحرس ماشيته أو زرعه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 139، أشباه السيوطي ص 150، وينظر الوجيز ص 387 فما بعدها.

القاعدة الحادية والسبعون [حرمة الانتفاع والثمن والضمان]

القاعدة الحادية والسّبعون [حرمة الانتفاع والثّمن والضّمان] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما حَرُم الانتفاع به لم يجب ضمانه (¬1). وفي لفظ: ما كان الانتفاع به حراماً، وإمساكه حراماً فثمنه حرام (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه" (¬3). فما حرم الانتفاع به لنجاسته أو ضرره لا يجب على متلفه ضمانه أو التّعويض عنه؛ لأنّ ما لا ينتفع به لا قيمة له ولا ثمن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الميتة لا يجوز الانتفاع بها، فمن أحرقها لا يجب عليه ضمانها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 300. (¬2) القواعد والضوابط ص 144 عن شرح معاني الآثار جـ 4 ص 54 فما بعدها. (¬3) الحديث أخرجه مسلم في باب تحريم بيع الخمر من كتاب المساقاة جـ 3 ص 1206 عن ابن عباس رضي الله عنهما والنسائي في باب النهي عن بيع الخمر من كتاب البيوع. والدارمي في سننه جـ 2 ص 114، 206. والإمام مالك في باب جامع تحريم الخمر من كتاب الأشربة. الموطأ جـ 2 ص 846. والإمام أحمد في المسند جـ 1 ص 230، 244، 324، 358.

ومنها: الخنزير وآلات اللهو التي لا تستعمل إلا لذلك يحرم اقتناؤها واستعمالها والانتفاع بها، فمن أتلف على مسلم خنزيراً أو خمراً أو آلة لهو لا يجب عليه ضمانها. ولكن إذا كان هناك حاكم مسلم يقيم شرع الله فلا يجوز الافتيات عليه، وله أن يؤدّب المتلِف. ومنها: الكلب لغير الصّيد والحراسة إمساكه حرام والانتفاع به حرام وثمنه حرام (¬1). ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 144 عن شرح معاني الآثار جـ 4 ص 54 فما بعدها.

القاعدة الثانية والسبعون [حرمة الفعل والطلب]

القاعدة الثّانية والسّبعون [حرمة الفعل والطّلب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما حَرُم فعله حَرُم طلبه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة وسابقاتها قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لعنت الخمر على عشرة أوجه: بعينها وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها". وفي رواية: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الخمر عشرة" (¬2). وعند أبي داود: "لعن الله الخمر" (¬3) إلخ الحديث. وحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القائل: "لعن الله اليهود حرِّمت عليهم الشّحوم فجملوها فباعوها" (¬4). هذه القاعدة لها ارتباط وثيق بسابقتين لها، فما حرَّم الشّارع من المسلم فعله حرَّم عليه أن يطلب فعله من غيره. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 151، أشباه ابن نجيم ص 158، المجلة المادة 35. الوجيز مع الشرح والبيان ص 387. (¬2) الحديث في سنن ابن ماجة كتاب الأشربة الحديثان 3380، 3381. (¬3) سنن أبي داود كتاب الأشربة الحديث 3674. (¬4) سنن ابن ماجة الحديث 3383.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حرَّم الشّارع الزّنا واللواط وشرب الخمر وغير ذلك من المحرّمات، فكذلك يحرم أن يطلب المسلم من غيره أن يزني أو يلوط أو يشرب الخمر. ومنها: حرَّم الشّارع قتل المعصوم، فلا يجوز لأحد أن يطلب من غيره أن يقتل معصوم الدّم. ومنها: حرَّم الشّارع السّرقة وقطع الطّريق والغصب والانتحار، فلا يجوز لأحد أن يطلب من غيره أن يسرق أو يقطع الطّريق أو يغتصب أو ينتحر.

القاعدة الثالثة والسبعون [الحاصل بسبب خبيث]

القاعدة الثّالثة والسّبعون [الحاصل بسبب خبيث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما حصل بسبب خبيث فالسّبيل ردّه (¬1). من قول محمَّد ابن الحسن رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: رسم الشّرع للتّملّك والانتفاع بما يملك الغير حدوداً، وأقام لها معالم، وشرط لها شروطاً، فمن تمسّك بما شرع الله ورسوله، وأقام حدود الشّرع، وانتهى إلى معالمه، ونفذ شروطه، فإنّ تملّكه والانتفاع بما أراد الانتفاع به يكون حلالاً، وذلك على طريق البيع الصّحيح، والإجارة والإعارة أو غير ذلك من العقود المشروعة الصّحيحة. ولكن مفاد القاعدة: أنّ ما حصل بسبب غير مشروع كعقد فقد شروط صحّته فإنّ الطّريق الوحيد للتّخلّص من تبعته هو ردّه إلى صاحبه؛ لأنّ ما حصل بسبب خبيث كالغصب أو السّرقة أو فساد في العقد لا يجوز استعماله ولا الانتفاع به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأمن مسلم في دار الحرب ثم لحق بعسكر المسلمين ومعه ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1116 وعنه قواعد الفقه ص 115، ردّ المحتار جـ 5 ص 355.

مال فزعم أنّ أهل الحرب ملّكوه إيّاه ببعض الأسباب فالقول له؛ لأنّ الظاهر شاهد له. وإن قال: غصبته منهم. فهو فيء ويجب على الأمير أن يأخذه منه فيردّه إلى أهل الحرب؛ لأنّ المستأمن إنّما تملّكه بطريق القهر وذلك بقوّة الجيش حين التحق بهم وشاركوه في الإحراز، ولكن لمّا كان قد حصله بسبب خبيث حرام شرعاً وهو غدر الأمان فقد لزمه أن لا يغدر بهم وأن لا يأخذ شيئاً من أموالهم بغير طيبة أنفسهم. (وما حصل بسبب خبيث فالسّبيل ردّه). ومنها: من اشترى شيئاً بعقد فاسد فيجب عليه ردّه؛ لأنّ العقد الفاسد سبب خبيث للملك. ومنها: من غصب شيئاً أو سرقه ثمّ لم يجد صاحبه أو لم يعرفه فيجب عليه التّصدّق به والثّواب لصاحبه لا للغاصب ولا للسّارق؛ لأنّ سبيل الكسب الخبيث التّصدّق إذا تعذّر الردّ على صاحبه، ويتصدّق بلا نيَّة الثّواب له، وإنّما ينوى به براءة الذّمّة.

القاعدة الرابعة والسبعون [الشرط المخالف لمقتضى العقد]

القاعدة الرّابعة والسّبعون [الشّرط المخالف لمقتضى العقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما خالف مقتضى العقد فهو باطل (¬1). وفي لفظ سابق: كلّ شرط يخالف مقتضى العقد أو ينافي مقتضى العقد فهو باطل (¬2). أو مفسد للعقد. وقد سبقت في قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 99. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مقتضى كلّ عقد بحسبه، والمراد بالمقتضى الغاية والنّتيجة الّتي شرع العقد لأجلها؛ لأنّ العقود إنّما توجب مقتضياتها بالشّرع. فإذا شرط في العقد - أي عقد - شرط ينافي ويخالف الغاية التي شرع العقد لأجلها فإنّ وجود هذا الشّرط يعتبر سبباً كافياً لبطلان العقد وفساده، ولا يصحّ بعد ذلك إلا بإزالة الشّرط المخالف أو بالاستئناف - أي بعقد جديد. وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 77. ¬

_ (¬1) القواعد النورانيّة ص 184 - 185. (¬2) القواعد والضّوابط ص 492 عن التّحرير.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج امرأة واشترط طلاقها فالعقد باطل. ومنها: إذا اشترى سلعة واشترط البائع على المشتري عدم الانتفاع بها، فالعقد باطل لمخالفة الشّرط مقتضى عقد البيع. وهكذا.

القاعدة الخامسة والسبعون [الحسن عند المسلمين]

القاعدة الخامسة والسّبعون [الحسن عند المسلمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن (¬1) أثر. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تخريج الأثر: يورد الأصوليّون والفقهاء هذا الأثر على أنّه حديث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. لكن قال العلائي الحافظ صلاح الدّين خليل بن الأمير سيف الدّين كيكلدى بن عبد الله أبو سعيد الدّمشقي الشّافعي المتوفى سنة 761 هـ، قال: لم أجد هذا الأثر مرفوعاً في شيء من كتب الحديث أصلاً، ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسّؤال، وإنّما هو من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه، أخرجه أحمد في مسنده. وقال السّخاوي في المقاصد الحسنة (¬2): حديث "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" أخرجه أحمد في كتاب السّنّة، ووهم من عزاه للمسند. وقال المعلّق في هامشه: بل هو في المسند أيضاً من حديث أبي وائل عن ابن مسعود، ثمّ روى الحديث بطوله وقال: هو موقوف ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1460 وعنه قواعد الفقه ص 115. وينظر الوجيز ص 270 - 272. (¬2) ص 36، ومزيل الإلباس جـ 1 ص 188. والمجموع المذهّب لوحة 51 ب.

حسن. وقد رجعت إلى المسند فوجدته من رواية زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود وليس من رواية أبي وائل. وكذا أخرجه البزّار والطّيالسي والطبراني وأبو نعيم في ترجمة ابن مسعود من الحلية بل هو عند البيهقي في الاعتقاد من وجه آخر عن ابن مسعود رضي الله عنه (¬1). ومفاد القاعدة: أنّ ما أجمع المسلمون على حسنه من الأقوال والأفعال والعادات والتّصرّفات والعقود فيعتبر صحيحاً؛ لأنّ الأمّة الإسلاميّة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة أو فساد. ويكون ذلك دليلاً على حسن ذلك عند الله تعالى. لكن المراد بالمسلمين في هذا الأثر - والله أعلم - أهل الحلّ والعقد من العلماء العاملين والصّلحاء والمجتهدين لا عوامّ هذه الأمّة وجهلتها والمبتدعين فيها. وإذا صحّ سند هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه فإنّ في الحديث دليلاً على أنّ ابن مسعود لم يقله من عند نفسه، وإنّما سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ ما عند الله سبحانه وتعالى لا يعلمه ابن مسعود ولا غيره اجتهاداً من عند نفسه وإنّما يعلمه عن طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المؤيّد بالوحي؛ لأنّ ما عند الله لا يعلم إلا عن طريق الوحي المنزّل من عند الله. وهذا الأثر اتّخذ دليلاً على صحّة قاعدة "العادة محكَّمة" وأثر ¬

_ (¬1) المقاصد الحسنة ومزيل الإلباس مرجعان سابقان.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

العادة في الأحكام وتصرّفات المكلّفين. كما اتّخذه الأصوليّونَ دليلاً على حجيّة الإجماع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنّ على أهل المزارع والبساتين حفظها في النّهار، وعلى أهل المواشي حفظها باللّيل. كما ورد في حديث محيصة رضي الله عنه الّذي رواه أبو داود وصحّحه جماعة (¬1). ومنها: اعتبار أقلّ سنّ تحيض فيه المرأة، وفي قدر أقلّه وأكثره وأغلبه. ومنها: اعتبار وقت إمكان البلوغ. ومنها: اعتبار قدر الطّهر الفاصل بين الحيضتين، وقدّر أقلّ النّفاس وأكثره وأغلبه. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 52 أ، وينظر سنن أبي داود الحديث 3569، 3570.

القاعدة السادسة والسبعون [المعاملة بنقيض المقصود]

القاعدة السّادسة والسّبعون [المعاملة بنقيض المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ربط به الشّارع حكماً فعمد المكلّف إلى استعجاله لينال ذلك الحكم، فهل يُفَوَّتْ عليه معاملة له بنقيض مقصوده أو لا؟ لوجود الأمر الّذي علّق الشارّع الحكم عليه؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنّ مَن يتوسّل بالوسائل غير المشروعة تعجّلاً منه للحصول على مقصوده المستحقّ له شرعاً فإنّ الشّرع عامله بضدّ مقصوده، فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله. لكن في لفظ هذه القاعدة ما يشير إلى تردّد المؤلّف بين المعاملة بنقيض المقصود أو عدم ذلك. ولكن الجمهور من الفقهاء على الاتّفاق على المعاملة بنقيض المقصود ودليلهم قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا ميراث لقاتل". وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 464، وسيأتي أمثلة لها ضمن قواعد حرف الميم هذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل الوارث مورّثه الّذي يرث منه عمداً مستعجلاً الإرث فإنّه يحرم من الميراث.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا قتل الموصَى له الموصِي فهو يحرم من الوصيّة بالاجماع. ومنها: لو طلّق الرّجل امرأته ثلاثاً بغير رضاها في مرض موته قاصداً حرمانها من الإرث ومات وهي في العدّة فإنّها ترثه. وفي قول إنّها ترثه ولو مات بعد انقضاء عدّتها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قتلت أم الولد سيّدها عتقت - ولا تحرم العتق للقتل - ولو تعمّدت قتله للعتق -؛ لأنّ إعتاقها ثابت بالشّرع، ولا ينفي ذلك القصاص منها. ومنها: لو قتل الدّائن المدين حلَّ دينه على قول راجح وطالب به الورثة.

القاعدة السابعة والسبعون [الزائل العائد]

القاعدة السّابعة والسّبعون [الزّائل العائد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما زال من الأعيان ثمّ عاد بأصل الخلقة، أو بصنع آدمي، هل يحكم على العائد بحكم الأصل أم لا؟ فيه خلاف (¬1). وفي لفظ سبق: الزّائل العائد كالّذي لم يُزل أو كالّذي لم يعد؟ ينظر قواعد حرف الزّاي رقم 1. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنّ الشّيء إذا زال بسبب ثمّ عاد كما كان سواء أكان عوده بأَصل الخلقة أو بصنع من الإنسان فهل يكون حكم هذا العائد حكمه الأوّل - كالّذي لم يَزُل - أو يحتاج إلى حكم جديد؟ خلاف. وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الزّاي تحت الرّقم 1. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع أذن شخص أو قلع سنَّه ثم أعاده في الحال والتحم كما كان ولم يفسد فهل يحكم بطهارته أو لا؟ نصّ أحمد رحمه الله على طهارته إذا ثبت والتحم. وأمّا إذا لم يثبت ولم يلتحم فهو نجس، وإذا ثبت فإن كان بجناية جان فلا قود فيه ولا دية سوى حكومة نقصه. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 142.

ومنها: إذا جنى على إنسان فأذهب شمَّه أو سمعه أو بصره، ثمّ عاد، فلا ضمان بحال. في المذهب الحنبلي. ومنها: إذا اغتصب بقرة فهزلت عنده ثمّ سمنت، فهل يضمن نقصها؟ على وجهين. ومنها: إذا قطع نبات الحرم أو قلع غصناً من شجرة منه ثم عاد، ففي ضمانه وجهان. ومنها: إذا وصّى له بدار فانهدمت فأعادها، فالمشهور عند الحنابلة بطلان الوصيّة بزوال الاسم، ولا يعود بعود البناء, لأنّه غير الأوّل. ويتوجّه عودها إن أعادها كالقديمة سواء. وفي وجه آخر: لا تبطل الوصيّة بكلّ حال ولو لم يُعِد بناءها. ومنها: إذا تهدّمت الكنيسة التي تُقَرُّ في دار الإسلام، فهل يمكنون من إعادتها؟ على روايتين معروفتين بناء على أنّ الإعادة هل هي استدامة أو إنشاء؟

القاعدة الثامنة والسبعون [الواحد المتكرر]

القاعدة الثّامنة والسّبعون [الواحد المتكرَّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما شُرِط فيه العدد إذا تكرّر الواحد منه هل يقوم مقام اثنين فيه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا شرط في أمر ما عدد محدّد، فهل إذا تكرّر واحد بالعدد المطلوب فهل يكون ذلك قائماً مقام العدد المطلوب؟ وهل يجوز أن يقوم فيه الواحد المكرّر مقام اثنين أو أكثر؟ على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل: لا يجزئ قطعاً. والقسم الثّاني: يجزئ قطعاً. والقسم الثّالث ما فيه خلاف واختلف في التّصحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القسم الأوّل: وهو ما لا يجزئ قطعاً: إذا شهد واحد في قضية ثمّ أعاد الشّهادة لا يقوم مقام الشّاهد الآخر. القسم الثّاني: وهو ما يجزئ قطعاً: إذا دفع إلى فقير مدّاً في كفّارة ثمّ اشتراه منه ودفعه إلى آخر أجزأه؛ لأنّ المدّ الثّاني غير الأوّل لأنّ (تبدّل سبب الملك قائم مقام تبدّل الذّات). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 142.

القسم الثّالث: وهو ما فيه الخلاف: إذا استعمل الحجر في الاستجمار فلم يتلوّث ثمّ استعمله ثانياً وثالثاً، أجزأ في الصّحيح. ومنها: إذا رمى بحصاة ثمّ أخذها ورمى بها هكذا سبعاً. اختلفوا في التّصحيح. ومنها: إذا أطعم مسكيناً واحداً عشرة أيّام فهل يقوم مقام إطعام عشرة مساكين؟.

القاعدة التاسعة والسبعون [المشروع لمعنى]

القاعدة التّاسعة والسّبعون [المشروع لمعنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما شرع فعله لمعنى فلم يوجد في حقّ بعض المكلّفين، وأمكن فعله، هل يسقط عنه اعتباراً بنفسه أو لا اعتباراً بجنسه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من المشروعات ما شرع لمعان وحكم شرعيّة إذا وجدت في حقّ بعض المكلّفين وجب فعلها عليهم. ولكن قد لا توجد هذه المعاني في حقّ مكلّفين آخرين، فهل يجب عليهم الفعل مع الإمكان ولو لم يوجد المعنى اعتباراً بجنس الفعل؟ أو يسقط عنهم اعتباراً بعدم انطباق الحكم عليهم؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع الحلق أو التّقصير في الحج والعمرة للتّحلّل من أفعالهما بعد الانتهاء، فإذا وجد شخص أصلع - لا شعر في رأسه - فهل يستحب له إمرار الموسى عليه اعتباراً بجنس الفعل، أو لا يستحبّ له لأنّه لم يوجد الحلق في حقّه؟ خلاف. وبعضهم أوجب إمرار الموسى على رأسه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 141.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: السواك شرع للتّنظيف فلو فرض شخص نقي الأسنان قوي الطّبيعة لا يثبت بها القلح - أي صفرة الأسنان - فهل تسقط عنه سُنَّة السّواك. قالوا: لا تسقط عنه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: من وُلِد مختوناً لا يجوز إمْرار الموسى على الحشفة لأنّ ذلك لا يمكن.

القاعدة الثمانون [المشروع لمعنى فوجد من غير قصد]

القاعدة الثّمانون [المشروع لمعنى فوجد من غير قصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما شرع لمعنى فوجد من غير فعل قاصد، فإنّ كان القصد ركناً فيه لم يعتد به وإلا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها، فما شرع لمعنى وحكمه ثمّ وجد من غير فعل مقصود أو وجد مصادفة فهل يجزئ أو لا يجزئ؟ يختلف الحكم فيما إذا كان هذا الأمر مشروطاً بشرط أو تلزمه النّيَّة، أو لا تلزمه. فإن كان مشروطاً بشرط أو تلزمه النّيَّة والقصد ركن فيه، لم يعتّد به، ولكن إذا لم يكن مشروطاً بشرط أو لم تكن النيَّه ركناً فيه فيصحّ اعتباره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقف الجنب في مهب الرّيح فسفتّ التّراب عليه فردّده ونوى التّيمم، قالوا: لم يجزه؛ لأنّ نقل التّراب شرط ولم يوجد. ومنها: إذا دُفِع الجنب أو وقع في بركة ماء أو بحر، أو نزل عليه سيل كفاه وصحّ تطهيره إذا نوى. وعند الحنفيّة ولو لم ينو. ومنها: الغريق هل يكفي غرقه وانغماره في الماء عن غسله، أو يجب غُسله؟ وجهان أصحهما لا يجب غسله. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 147.

القاعدة الحادية والثمانون [الشك في الوجوب]

القاعدة الحادية والثّمانون [الشّكّ في الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما شُكَّ في وجوبه لا يجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوجوب لا يثبت إلا بدليل قطعي، فما لم يرد في وجوبه دليل قطعي فلا يجب على المكلّف اعتقاد وجوبه، كما لا يجب عليه العمل به. وقد سبق قريباً أنّ ما انتفى دليل وجوبه لا يجب، فكذلك ما وقع الشّكّ في وجوبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوتر - مثلاً - وقع الشّكّ في وجوبه، فلا يجب على المكلّف اعتقاد وجوبه كاعتقاده بوجوب إحدى الصّلوات الخمس، ولذلك فالوتر إذا لم يثبت وجوبه فهو سنَّة مؤكّدة، والمراد بالوجوب هنا ما يرادف الفرضية. ومنها: زكاة الحليّ المستعمل للزّينة أو الإعارة، اختلف في وجوبها، لكن على المكلّف إخراج زكاتها إبراءً للذّمّة وخروجاً من الخلاف. ¬

_ (¬1) الغياثي ص 341.

القاعدة الثانية والثمانون [خبر العدول]

القاعدة الثّانية والثّمانون [خبر العدول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما صار معلوماً بخبر العدول فهو بمنزلة الثّابت بإقرار الخصم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعدول: الشّهود والبيّنة. فما عُلِم عن طريق الشّهود العدول فإنّه بمنزلة الثّابت بإقرار المدّعَى عليه، بل هو أقوى من الإقرار، من حيث إن المُقِرّ يحقّ له الرّجوع عن إقراره - إذا كان الحقّ لله سبحانه وتعالى - كما له الاستثناء المتّصل بإقراره في حقوق العباد، والإقرار لا يتعدّى أثره المقر، ولكن الثّابت بالشّهود من حقوق الله تعالى - كالزّنا - لا يمكن للمشهود عليه التّراجع عنه أو تكذيب الشّهود العدول، كما أنّه لا يمكنه الاستثناء من الحقّ بعد شهادتهم عليه، كما أنّ أثر الشّهادة يتعدّى المشهود عليه إلى غيره ممّن له صلة بالقضيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن شُهِد عليه بدين وجب عليه أداؤه، ولا ينفعه إنكاره أو التّراجع بعد الشّهادة، فكأنّه أقرّ بما ادّعاه عليه خصمه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 188.

ومنها: مَن شُهِد عليه بشرب خمر أو زنا وجب إقامة الحدّ عليه - إلا إذا ادّعى شبهة فكأنّه أقرّ بالفعل. ولا يمكنه التّراجع عمّا شُهِد به عليه.

القاعدة الثالثة والثمانون [وظيفة الأرض]

القاعدة الثّالثة والثّمانون [وظيفة الأرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما صار وظيفة للأرض يقرّر ولا يتغيّر بتغيّر المالك (¬1). عند محمد بن الحسن رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تشير هذه القاعدة إلى تلك الضّريبة - الوظيفة - المفروضة على الأرض خراجيّة كانت تلك الأرض كأرض العراق والشّام ومصر - أو غير خراجيّة - أي عشريّة - ممّا أسلم عليها أهلها أو صُولحوا عليها. ووظيفة الأرض الخراجيّة وظّفها عليها أمير المؤمنين سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد افتتاح تلك البلاد. وفي مقدار تلك الوظيفة خلاف بين العلماء هل يجب إبقاؤها على ما فرضها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بحيث لا يجوز الزّيادة عليها أو النّقص منها مهما اختلفت الظّروف والأحوال والملاّك، أو أنّه يجوز الزّيادة عليها أو النّقص عنها تبعاً للظّروف والأحوال، واختلف العلماء أيضاً في أنّ تلك الوظيفة على الأرض خاصّة وإن اختلف الملاّك بين مسلم وذمّي، أو أنّ تلك الوظيفة لا تكون إلا إذا كان مالك الأرض ممّن يدفع جزية رأسه؟. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 7.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ومفاد هذه القاعدة: أنّ تلك الوظيفة على الأرض خاصّة، فما كانت الأرض خراجيّة فعلى مالكها الخراج وإن كان مسلماً، وإن كانت الأرض عشريّة فعلى مالكها العشر وإن كان ذمّيّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأرض التي اسلم عليها أهلها ففيها العشر، لا يتغيّر بتغيّر المالك، ولكن قال بعضهم: إذا ملكها الذّمّي ففيها عُشران. أي يضاعف عليه العشر. ومنها: الأرض التي فتحت عنوة - أي بالقوّة - وقسّمها الإمام بين الغانمين الفاتحين فكذلك يجب فيها العشر وتبقي عشريّة لا تتغيّر. ومنها: الأرض التي فتحت عنوة وأبقى الإمام أهلها فيها - كأرض العراق والشّام ومصر - ففيها الخراج لا تتغيّر عن ذلك ولا تصير أرض عشر ولو ملكها بعد ذلك مسلم، خلافاً لمالك رحمه الله تعالى. ومنها: الأرض الخراجيّة التي وظّف عليها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه خراجاً معلوماً، فتبقى خراجيّة ويبقى ما وُظِّف عليها سواء كان خراج وظيفة أو خراج مقاسمة ولا يتغيّر ولو تغيّر المالك (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر الخراج لأبي يوسف ص 36 فما بعدها، والاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب ص 46 فما بعدها، طبع دار المعرفة بيروت طبعة 1399 - 1979.

القاعدة الرابعة والثمانون [المعلق بالشرط]

القاعدة الرّابعة والثّمانون [المعلّق بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما صحّ تعليقه بالشّرط ينزل عند وجود الشّرط جملة، إذا لم يكن في لفطه ما يدلّ على التّرتيب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّعليق بالشّرط: هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، وهو الشّرط اللغوي بـ "إن أو إحدى أدوات الشّرط". والّذي يصحّ تعليقه بالشّرط من العقود والمعاملات هو الإطلاقات كالطّلاق والعتّاق والحوالة والكفالة وأشباه ذلك، وأمّا التّمليكات كالبيع والشّراء والنّكاح، والتّقييدات كالعزل والحجر والرّجعة وأشباهها فكلّها لا تقبل التعليق بالشّرط. شروط صحّة التّعليق: كون الشّرط معدوماً على خطر الوجود؛ لأنّ التّعليق بكائن - أي موجود وحاصل - هو تنجيز. والتّعليق يالمستحيل باطل. ويشترط أيضاً وجود رابط بين الشّرط والجزاء، إذا كان الجزاء مؤخّراً. وأن لا يوجد فاصل أجنبي بين الشّرط والجزاء (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 127. (¬2) ينظر أشباه ابن نجيم ص 367 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فمفاد القاعدة: أنّ ما صحّ تعليقه بالشّرط يتحقّق وجوده عند وجود الشّرط جملة - أي دفعة واحدة - إلا إذا كان في لفظه ما يدلّ على التّرتيب فيقع مرتّباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الرّجل لامرأة: إن تزوّجتك أو متى تزوجتك فأنت طالق طالق وطالق. ثمّ تزوّجها. تطلق واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله، وثلاثاً عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهذه القاعدة على مذهبهما؛ لأنّه علّق ثلاث تطليقات مجتمعات بشرط التّزوّج فيقعن عند وجود الشّرط معاً، لكن إذا قال: إذا فعلت كذا فأنت طالق ثمّ طالق ثمّ طالق، وفعلت. إن كان قد دخل بها تعلّقت الأولى بالشّرط ووقعت الثّانية والثّالثة في الحال. وفي إيقاع الطّلاق على المرأة قبل الزّواج خلاف بين الأئمة، والرّاجح أنّه لا يقع طلاق قبل الزّواج. ومنها: إذا قال لعبده: إن أدّيت إليَّ ألفاً وغرست هذه الأرض شجراً فأنت حُرٌّ فيعتق العبد كلّه إذا فعل الشّيئين الأداء والغرس. ومنها: إذا قال: إذا تزوّجتك فأنت طالق، وأنت عليَّ كظهر أمّي، ووالله لا أقربك. ثمّ تزوّجها: طلقت وسقط عنه الظّهار والإيلاء، عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما هو مطلّق مظاهر مولٍ؛ لأنّ الكلّ تعلّق بالتّزويج عندهما جملة.

ومنها: إذا قال المدين للدّائن: إن لم أوافك بدينك آخر الشّهر فقد أحلتك به على فلان ثمّ فلان. فإذا جاء آخر الشّهر ولم يؤدّ الدّين فله مطالبة فلان فإن لم يؤدّه فيطالب الآخر. بخلاف ما لو قال: على فلان وفلان فله مطالبتهما معاً.

القاعدة الخامسة والثمانون [الحل، والعقد]

القاعدة الخامسة والثّمانون [الحل، والعقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما صلح للحل لا يصلح للعقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحلَّ: فكّ الارتباط والخروج عن العهدة. والعقد: هو الارتباط والدّخول في العهدة. فما جعله الشّارع سبباً صالح لحلّ إلارتباط والخروج عن العهدة لا يكون صالحاً لإيجاد الارتباط والدّخول في العهدة أو العبادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل في الصّلاة بتكبيرة الإحرام ثمّ شكّ في نيَّة الصّلاة فأتى بتكبيرة أخرى مع النّيَّة لا تنعقد الصّلاة بها؛ لأنّ التّكبيرة الثّانية كانت للخروج من الصّلاة لا للدّخول فيها؛ لأنّه عقد صلاته بالأولى، ومن ضرورة العقد الحلُّ بالتّكبيرة الثّانية. ومنها: لفظ الطّلاق وضع لفك الارتباط بين الزّوجين، فلا يصلح للعقد بينهما. ومنها: لفظ التّزويج وضع لعقد النّكاح فلا يصلح لحلّه، أي للطّلاق. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 143.

القاعدة السادسة والثمانون [الكثرة والقلة]

القاعدة السّادسة والثّّمانون [الكثرة والقلّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ضبط بالكثرة والقلّة واختلف حكمهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بورود الشّكّ، والتّردّد في بلوغ الشّيء المقدّر حد كثرته أو أقلّ من ذلك؛ بسبب اختلاف حكم الكثرة والقلّة وبناء الأحكام المختلفة عليهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقعت في الماء نجاسة وشكّ المكلّف هل هذا الماء بلغ حد الكثرة - أي القُلَّتين - أو لم يبلغها؟ ففيه احتمالان. واختار النّووي رحمه الله طهارة الماء عملاً بالأصل؛ لأنّ (الأصل في الماء الطّهارة) (¬2). ومنها: إذا فعل في الصّلاة فعلاّ منافياً - كالحركة - ثمّ وقع الشّكّ والتّردّد في بلوغه حدّ الكثرة أم لا؟ ففي هذه المسألة ثلاثة أوجه: الأوّل: استصحاب حكم الصّحّة - أي أنّ الأصل صحّة الصّلاة. والثّاني: الحكم بالبطلان. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 144. (¬2) ينظر المجموع شرح المهذب جـ 1 ص 172.

والثّالث: يتبع غلبة الظّنّ، فإن استوى الظّنان فالأصل دوام صحّة الصّلاة. والأوّل هو الأظهر. ومنها: إنّ دم البراغيث والبقّ والبعوض وخرء الطّير معفو عنه إذا كان قليلاً، فلو تردّد ففيه احتمال. وقال النّووي رحمه الله: الأصحّ أنّ له حكم القليل (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المجموع شرح المهذب جـ 1 ص 172.

القاعدة السابعة والثمانون [ضمان الجزء والبعض]

القاعدة السّابعة والثّمانون [ضمان الجزء والبعض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ضُمِن كلُّه ضُمِن جزؤه بالأرش (¬1). وفي لفظ: ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما وجب ضمانه كلّه وغرمه على متلفه أو مستهلكه فيجب ضمان جزئه وبعضه كذلك؛ لأنّ (الجزء معتبر بالكلّ) - وذلك إذا كانت إتلاف هذا الجزء أو البعض لا يؤثّر في جملة الشّيء - أي أن يكون للشّيء أبعاض إذا هلك شيء منها لا يؤثّر ذلك في جملتها، وإلا إذا كان يؤثّر في الجملة فعليه ضمان الجملة لا البعض. وقد سبق بيان مثل هذه ضمن قاعدة سابقة تحت الرّقم 69. وينظر القاعدة ذات الرّقم 135 من قواعد حرف الكاف، والقاعدة الثّانية من قواعد حرف الجيم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اغتصب حنطة واستهلك بعضها. وجب عليه بدل المستهلك أو قيمته، وردّ ما لم يستهلك. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 349، وأشباه السيوطي ص 362. (¬2) المغني جـ 3 ص 351، 498، 513.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا صاد محرم صيداً فقتله وجب عليه ضمانه، وإذا جرحه ولم يقتله وجب عليه أرش النّقصان. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المعجل من الزّكاة إذا استردّ المزكّي بعضه عند هلاك المال قبل الحول، فليس له أن يضمن المصرف أرش النّقصان. ومنها: إذا تعيّب الصّداق في يد الزّوجة قبل الطّلاق: ثمّ طلّقت قبل الدّخول، وجب عليها ردّ النّصف وإن تعيّب. وليس عليها أرش النّقصان، أو يأخذ الزّوج بدله. ومنها: إذا رجع البائع فيما باعه بسبب إفلاس المشتري ووجد ناقصاً بآفة أو إتلاف فلا أرش. ومنها: القرض إذا تعيّب ورجع فيه المقرض، لا أرش له، بل يأخذه ناقصاً أو مثله.

القاعدة الثامنة والثمانون [المعجوز عن تسليمه]

القاعدة الثّامنة والثّمانون [المعجوز عن تسليمه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما عجز عن تسليمه شرعاً - لا لحقّ الغير - هل يبطل لتعذّر التّسليم، أو يصحّ نظراً لكون النّهي خارجاً (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعجز الشّرعي: منع الشّرع من الفعل. فما مَنَع منه الشّرع لحكمة، أو لما تضمنه من فساد خاصّ أو عام - ولكن لم يتعلّق به حقّ العبد - هل يعتبر هذا التّصرّف باطلاً من أصله، أو يعتبر صحيحاً ويبطل لتعذّر التّسليم لحقّ الشّرع؟ في كلّ من مسائله وجهان عند الشّافعيّة، أصحهما بطلان المعاملة من أصلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نهى الشّرع على التّفريق بين الأم وولدها، فإذا باع الأمّ دون ولدها، أو الولد دون أمّه وهو محتاج إليها، هل يعتبر هذا العقد باطلاً من أصله، أو يعتبر عقداً صحيحاً لاستيفائه شروط الصحّة، ولكن يبطل لعدم القدرة على التّسليم للمنع الشّرعي؟ وجهان. ومنها: نهى الشّرع عن بيع السّلاح لأهل الحرب؛ لأنّ فيه تقوية لهم على حرب المسلمين، فمن باع سلاحاً لحربي فهل يعتبر العقد ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 452.

باطلاً من أصله، أو هو عقد صحيح ولكن يبطل لعدم القدرة على التّسليم للمنع الشّرعي؟ وجهان أيضاً أو قولان. وهذا حينما كان المسلمون يصنعون سلاحهم بأيديهم، ولكن مع الأسف تبدّل الحال وأصبح المسلمون يشترون السّلاح من أعدائهم. ومنها: بيع الماء المحتاج إليه للطّهارة أو هبته وقت الصّلاة. ومنها: منع الحاكم من قبول الهدية، فالعقد لا خلل فيه، ولكن تسليم المال إليه ممنوع منه شرعاً. فهل يصحّ ويمنع؟ فيه وجهان. والأصحّ البطلان.

القاعدة التاسعة والثمانون [الجهل والنسيان]

القاعدة التّاسعة والثّمانون [الجهل والنّسيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنّسيان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجهل والنّسيان عذران شرعيّان يترتّب على وجودهما رفع الإثم على الجاهل والنّاسي، فالنّسيان والجهل مسقطان للإثم مطلقاً (¬2)، ولكنّها ليسا عذرين في عدم وجوب الضّمان والغرم، فالجاهل والنّاسي يجب عليهما ضمان ما أتلفاه حال الجهل والنّسيان. فالجهل والنّسيان عذران في حقوق الله سبحانه وتعالى، ولكنّها ليسا عذرين في حقوق العباد. وحقيقة الجهل: عدم العلم عمّا من شأنه أن يُعلم، وحدّ النّسيان: عدم تذكّر الشّيء وقت الحاجة إليه. أنواع الجهل: الجهل أنواع منها ما يعتبر عذراً، ومنها ما لا يعتبر عذراً. النّوع الأوّل: جهل باطل لا يصلح عذراً في الآخرة، كجهل الكافر بصفات الله تعالى وأحكام الآخرة، وجهل صاحب الهوى، وجهل الباغي، وجهل مَن خالف في اجتهاده الكتاب أو السّنّة المشهورة أو ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 46. (¬2) أشباه السيوطي ص 188.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الإجماع الصّحيح. النّوع الثّاني: جهل في موضع الاجتهاد الصّحيح، أو في موضع الشّبهة، فهذا يصلح عذراً وشبهة. النّوع الثّالث: الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر، أو مسلم في بادية بعيدة عن النّاس. فهذا يعتبر عذراً. النّوع الرّابع: جهل الشّفيع بأن له الشّفعة، وجهل الأمة بالإعتاق، وجهل البكر بنكاح الولي، وجهل الوكيل والمأذون بالإطلاق والتّقييد. فهذا يعتبر عذراً (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نسي صلاة أو صوماً أو زكاة أو كفارة أو نذراً وجب عليه القضاء باتّفاق. لكن إذا جهل أن عليه صلاة أو صوماً أو غيرهما من العبادات، وهو في غير دار الإسلام فهو معذور ولا يجب عليه القضاء. لكن إن كان في دار الإسلام - وليس في بادية بعيدة عن النّاس - فهو غير معذور ويجب عليه القضاء (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 187 فما بعدها، وأشباه ابن نجيم ص 302 فما بعدها. (¬2) المراد بالقضاء بالنسبة للصّلاة والصّوم، الإتيان بالعبادة بعد خروج وقتها المحدّد لها، وهو القضاء الاصطلاحي. ولكن بالنسبة للزّكاة والنّذر المطلق أو الكفارة فالمراد بالقضاء الأداء وإبراء الذّمّة. والقضاء هنا بمعناه اللغوي، وهو مطلق الأداء.

ومنها: مَن شرب خمراً جاهلاً حرمتها فلا حدّ ولا تعزير - هذا إذا كان في غير دار الإسلام أو نشأ في صحراء بعيداً عن النّاس. ومنها: الإتيان بمفسدات العبادة ناسياً أو جاهلاً، فالحكم عدم الإفساد.

القاعدة التسعون [الثابت بيقين - الاستصحاب]

القاعدة التّسعون [الثّابت بيقين - الاستصحاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما عرف ثبوته بيقين لا يحكم بزواله بالاحتمال (¬1). أو "لا يزال إلا بيقين مثله" (¬2). وفي لفظ: ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه (¬3). ما لم يظهر خلافه. وفي لفظ: ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه، ما لم يتيقّن بزواله، أو "إلى أن يتبيّن سبب زواله" (¬4). وفي لفظ: ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه حتى يقوم دليل الزّوال (¬5). وفي لفظ: ما عرف قيامه فالأصل بقاؤه ما لم يعلم الهلاك (¬6). وفي لفظ: ما علم ثبوته فالأصل بقاؤه ما لم يعرف المسقط (¬7). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 51. (¬2) المبسوط جـ 24 ص 13. (¬3) المبسوط جـ 10 ص 180، وجـ 20 ص 123، جـ 25 ص 117. (¬4) نفس المصدر جـ 17 ص 36، 45. (¬5) المبسوط جـ 29 ص 149. (¬6) شرح السير ص 1231. (¬7) المبسوط جـ 26 ص 163.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالاحتمال: الشّكّ في الزّوال وعدمه. هذه القواعد بمعنى القاعدة الكبرى "اليقين لا يزول - أو لا يُزال - بالشّكّ". وبمعنى القاعدة القائلة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان) وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة رقم 430. وبمعنى القاعدة القائلة: (ما ثبت بيقين لا يزال إلا بيقين مثله) وقد سبقت تحت الرّقم 48. وبمعنى القاعدة القائلة: (إذا أُعْمِرَت الذّمَّة بيقين فلا تبرأ إلا بيقين مثله) وينظر القاعدة رقم 161 من قواعد حرف الهمزة. فمفاد هذه القواعد: أنّ الأصل المتيقّن ثبوته المقطوع بوجوده لا يجوز الحكم بزواله بمجرّد احتمال، بل لا بدّ من اليقين المقابل المزيل لليقين الثّابت. وبناء الأحكام على ذلك حتى يثبت الدّليل المزيل. وينظر القاعدة 10 من قواعد حرف الثّاء، والقاعدة 111 من قواعد حرف لا. والقاعدة 428 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تطهّر ولم يحدث ناقض فإنّ الأصل بقاء الطّهارة. ومنها: إذا عقد على امرأة عقد نكاح صحيح، ولم يعلم المزيل المسبّب للفرقة فالحكم بقاء النّكاح بينهما، وبناء الأحكام على ذلك.

ومنها: إذا ثبت دين في ذمّة إنسان فلا يحكم ببراءة ذمّته منه إلا بإقرار أو بيّنة بالأداء أو الإبراء. ومنها: إذا دخلت سلعة في ملك إنسان بيقين - بعقد صحيح كبيع أو هبة أو إرث أو غير ذلك من أسباب الملك - فلا يجوز الحكم بزوال ملكه عنها بمجرّد احتمال أنّها ربّما خرجت عن ملكه.

القاعدة الحادية والتسعون [المعلق بالشيء]

القاعدة الحادية والتّسعون [المعلّق بالشّيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما علَّق بشيء هل يعلق بأوّله فيقع؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتعلّيق هنا: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى - وقد سبق بيان ذلك - والمراد الرّبط إحدى أدوات الشّرط. فما علَّق بشيء - يوم أو وقت أو زمان أو حال أو صفة، أو أيّ شيء له أحوال متعدّدة، فهل يكون التّعليق بأوّل أوقاته فيقع المعلَّق به بمجرّد دخول أوّل أزمان التّعليق أو لا يقع المعلَّق عليه إلا باستيفاء كلّ المعلَّق عليه؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته أنت طالق غداً، أو إذا جاء الغد فأنت طالق. فهل تطلق بمجرّد دخول فجر الغد أو عند نهايته؟ الأصحّ عند طلوع فجر الغد. ومنها: إذا قال: أنت طالق أوّل بلوغ ولدي وقت الختان. طلقت في اليوم السّابع من ولادته. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 109.

ومنها: إذا قال: إن حضت فأنت طالق. الوجه الرّاجح لا يحكم بوقوع الطّلاق حتى يمضي يوم وليلة. ومنها: إذا قال المدين للدّائن أجِّل الدّين إلى الجمعة أو إلى رمضان حلَّ بأوّل جزء منه.

القاعدة الثانية والتسعون [الحكم المعلق على فعل فاعل]

القاعدة الثّانية والتّسعون [الحكم المعلّق على فعل فاعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما علق الحكم فيه على فعل فاعل إذا فعله غيره هل يلتحق به؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا علّق حكم ما على فعل إنسان، فإذا فعل هذا الفعل إنسان آخر غير المعلّق على فعله الحكم، فهل يتمّ الأمر ويثبت الحكم بفعل ذلك الغير ويعتبر ملتحقاً به، أو لا يقع الحكم إلا بفعل مَن علّق عليه؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن رأيت الهلال فأنت طالق. فرآه غيرها. قالوا: طلقت. لأنّ المراد بالرّؤية العلم. لكن هذا إذا لم يكن له نيّة مخصّصة بالرّؤية البصريّة خاصّة. ولذلك إذا قال: أردت المعاينة. فوجهان أشبههما قبول قوله. ومنها: إذا قال المدين لربّ الدّين: إن أخذت مالك فامرأتي طالق. فأخذه ربّ الدين وهو مختار. طلَّقت امرأة المديون سواء كان مختاراً أم مكرهاً على الإعطاء. لكن في قول: أنّه إذا كان مكرهاً فلا تطلق امرأته. وإذا أدّاه أجنبي عنه لا يقع الطّلاق, لأنّ المأخوذ بدل حقّه لاحَقُّه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 478.

القاعدة الثالثة والتسعون [عموم البلوى]

القاعدة الثّالثة والتّسعون [عموم البلوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما عَمَّت بَليَّته خفّت قضيّته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت القاعدة الكبرى (المشقّة تجلب التّيسير). المراد بعموم البليَّة: كثرة الوقوع عند أكثر النّاس وفي أكثر الحالات. فما كثر وقوعه وابتلاء أكثر الناس به خفّ أثره، ووجب تيسير حكمه وعدم التّشدّد فيه؛ لأنّ التّشدّد فيه يوقع الناّس في الحرج والضّيق، والحرج في الشّريعة مدفوع ومرفوع. وما لم تعمّ بليّته - أي يكون محصوراً ببعض الأشخاص أو في بعض الأحوال فلا يوجب التّخفيف ولا التّيسير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جميع تخفيفات الشّرع ورخصه تدخل تحت هذه القاعدة. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 94 أ، شرح الخاتمة ص 78، أشباه ابن نجيم ص 84. وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 218 فما بعدها.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: سائس الخيل - فإنّ سياستها بالنّسبة إليه بلوى - ولكنّها بالنّسبة إلى غيره ليست كذلك، فلا يعتبر في حقّه بلوى من حيث الحكم فلا يغتفر له ما أصابه من النّجاسة، بخلاف طين الشّوارع لعامّة النّاس.

القاعدتان الرابعة والتسعون والخامسة والتسعون [ما في الذمة]

القاعدتان الرّابعة والتّسعون والخامسة والتّسعون [ما في الذّمّة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما في الذّمّة إذا عيِّن هل يعطى حكم المعيَّن ابتداءً (¬1). وفي لفظ: ما في الذّمّة لا يتعيّن إلا بقبض (¬2) مكلّف بصير (¬3). وفي لفظ: ما في الذّمّة لا يتعيّن إلا بقبض صحيح (¬4). وفي لفظ: ما تقرّر في الذّمّة لا يكون معيناً (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الذّمّة: هي الوعاء الاعتباري لتحمّل الحقوق والواجبات والعهود، وما فيها يعتبر غير معيَّن لأنّه يجوز إعطاء بدله أو قيمته، ولكن إذا عيّنه صاحب الذّمّة تعيَّن. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 159. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 541 وعنه قواعد الفقه ص 116. (¬3) المنثور جـ 3 ص 160. (¬4) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 282، وترتيب اللآلي لوحة 92 ب. (¬5) قواعد المقري ق 149.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

لكن من حيث الحكم هل يُعْطى حكم المعيَّن ابتداءً، أو يعطى حكم المعيَّن عند التّعيين؟ خلاف وهذا مفاد القاعدة الأولى. ومفاد القاعدتين التّاليتين: أنّ ما في الذّمّة لا يتعيّن إلا بقبض صحيح، والقبض الصّحيح عند الشّافعيّة أن يكون القابض مكلّفاً وبصيراً، فعندهم قبض الأعمى لا يعتبر قبضاً صحيحاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا لزمه أضحية أو هدي بالنّذر فقال: عيَّنت هذه الشّاة لأضحيتي أو نذري. تعيّنت في الأصحّ، فكأنّه عيَّنها ابتداءً. ومنها: إذا كان لشخصين دين علي آخر بسبب واحد، فقبض أحدهما نصيبه فإنّ للآخر أن يشاركه فيه؛ لأنّ ما في الذّمّة لا تصحّ قسمته، لعدم تعيُّنه. ومنها: إذا نذر إعتاق عبد ثمّ عيَّن عبداً عمّا التزم، تعيَّن في الأصحّ كالأضحية بل أولى بالتّعيين. ومنها: إذا خالعته على مال في ذمّتها، ثمّ وكّل محجوراً بقبضه فلا يصحّ القبض، وإذا تلف المال ضاع على المرأة؛ لأن قبض المحجور قبض غير صحيح. لكن قال الرّافعي نقلاً عن صاحب التّتمّة (¬1) - ساكتاً عليه - إنّ الزّوج المختلع إذا وكَّل محجوراً في قبض ¬

_ (¬1) صاحب التّتمّة هو أبو سعد - أبو سعيد - عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري المتولى، فقيه مناظر عالم بالأصول. ولد بنيسابور سنة 426 هـ، وتعلّم بمرو، =

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

المال من الزّوجة ففعل كان مضيّعاً له، وتبرأ المرأة بالدّفع - مع أنّ توكيل المحجور لا يصحّ -. وهذا هو الموافق لحكم الشّرع؛ حيث إنّ الزّوج هو المضيّع لا الزّوجة. بخلاف ما لو سلمت، الزّوجة المال للمحجور بغير إذن الزّوج، أو كان الزّوج لا يعلم أنّ الوكيل محجور والزّوجة تعلم بذلك. ومنها: إذا دفع الزّكاة إلى أعمى، قالوا لا تجزئ على أصل الشّافعي رحمه الله، بناء على أنّ الأعمى لا يصحّ قبضه وإقباضه ولا بيعه ولا شراؤه ولا معاملاته بل يوكّل، وجاز توكيله للضّرورة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: إذا خالع زوجته على طعام في ذمّتها، ووضعه بصفات السّلم، وأذن لها في صرفه لولده منها. فإنها تبرأ بصرفه إلى الصّغير. مع أنّ إقباض الصّغير غير صحيح. ومنها: إذا أنفق على زوجته الصّغيرة أو المجنونة بإذن الولي يبرأ وإن لم يكن القبض صحيحاً. ¬

_ = وتولّى تدريس النّظامية ببغداد وتوفي فيها سنة 478 هـ. والتتمّة هي تتمّة كتاب الإبانة للفوراني في فقه الشّافعيّة. طبقات الشافعيّة ص 176.

القاعدة السادسة والتسعون [المتوقع، المشرف على الزوال]

القاعدة السّادسة والتّسعون [المتوقّع، المشرف على الزّوال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما قارب الشّيء هل يعطى حكمه (¬1)؟ وفي لفظ: هل المتوقع كالواقع (¬2)؟. وتأتي في قواعد حرف الهاء إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: المشرف على الزّوال هل يعطى حكم الزّائل (¬3). وتأتي قريباً. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق أمثال لهذه القواعد ضمن قواعد حرف التّاء رقم 5. وقواعد حرف الطّاء، رقم 14. وقواعد حرف - لا - رقم 91. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: جواز تقديم نيَّة الصّلاة أو نيَّة الوضوء عليها بوقت يسير. عند كثيرين. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 393، ق 2 ص 419. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 41، 45. قواعد الحصني جـ 2 ص 265، إعداد المهج ص 42، 55. أشباه السيوطي ص 178. (¬3) قواعد الحصني جـ 2 ص 265.

ومنها: إذا لم يكن لهم في البلد قوت معلوم يلزمهم في الفطرة قوت أقرب البلاد إليهم. ومنها: لو لم يكن لهم نقد، فأتلف شخص على آخر مالاً فيقوَّم بنقد أقرب البلاد إليهم.

القاعدة السابعة والتسعون [الأكثر فعلا وفضلا]

القاعدة السّابعة والتّسعون [الأكثر فعلاً وفضلاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان أكثر فعلاً كان أكثر فضلاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العمل العبادي إذا كان أكثر فعلاً من غيره من جنسه كان أكثر فضلاً وأعظم ثواباً؛ لأنّ الثّواب على قدر المشقّة. وكما قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها: "أجرك على قدر نصبك" (¬2). ولكن عند التّحقيق يظهر أنّ هذه القاعدة ليست على إطلاقها بل هي خاصّ بالعملين المتشابهين وأحدهما أكثر فعلا من الآخر وأيسر عملاً وثوابه أعظم ممّا كان أكثر فعلاً. قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (¬3) فالذّكر على يسره وخفّته أكبر من الصّلاة وأعظم أجراً. والله أعلم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قالوا: فصل الوتر - أي الإتيان بالرّكعتين شفعاً - ثمّ الرّكعة، أفضل من وصل الثّلاث لما فيها من زيادة النّيّة والتّكبير والسّلام. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 143. (¬2) أخرجه مسلم رحمه الله. (¬3) الآية 45 من سورة العنكبوت.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: صلاة النّفل قاعداً من غير عذر على النّصف من صلاة القائم؛ لما في القيام من زيادة الفعل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الصّلاة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمساً وعشرين مرّة. ومنها: القصر أفضل من الإتمام بشرطه. ومنها: صلاة الصّبح أفضل من سائر الصّلوت. مع أنّها أقصر من غيرها. ومنها: ذكر الله سبحانه وتعالى مع يسره وخفّته على اللّسان أفضل من كثير من العبادات.

القاعدة الثامنة والتسعون [المباح]

القاعدة الثّامنة والتّسعون [المباح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان باقياً على أصل الإباحة يستوي في الانتفاع به المستغني عنه والمحتاج إليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المباح: هو المأذون فيه، وليس هناك مانع يمنعه. فما كان باقياً مباحاً على أصله فكلّ النّاس فيه سواء ينتفعون به؛ لأنّه لو اختصّ به بعضهم دون بعض لم يكن مباحاً. فما دام كلّ النّاس لهم حقّ الانتفاع به على سواء فالمحتاج إليه والمستغني عنه لهم حقّ فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاحتشاش والاحتطاب من البرّ والغابات يستوي كلّ النّاس في الأخذ منها سواء من كان في حاجة إليها ومن كان مستغنياً عنها. فمن سبق غيره إلى شيء منها فهو أحقّ به. ومنها: الاصطياد لوحوش البرّ، والأسماك في البحار من المباحات، فلكلّ النّاس حقّ الصّيد منها الفقير والغني على السّواء. لكن إذا وجد نظام يمنع التّنازع فيجب اتّباعه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1187.

ومنها: الطّعام من الغنيمة مباح بين الغانمين ما داموا في دار الحرب، سواء من كان عنده طعام كثير من ذلك الجنس أم من ليس عنده.

القاعدة التاسعة والتسعون [الكفر والإيمان]

القاعدة التّاسعة والتّسعون [الكفر والإيمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان تركه كفراً ففعله إيمان وما لا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المعنى سليمة المبنى، فالإيمان له أفعال تدلّ عليه، فمن فعلها فهو مؤمن، ومن لم يفعلها وتركها فهو كافر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النّطق بالشّهادتين دليل الإيمان، فمن نطق بهما فهو مؤمن. ومن تركهما وأبى أن ينطق بهما فهو كافر. ومنها: ترك الصّلاة كفر، للأحاديث الواردة في ذلك، ففعل الصّلاة إيمان. ولكن قال الزّركشي: إن الكافر لو صلّى لا يحكم بإسلامه، وكذلك لو زكَّى أو صام؛ لأنّه يفعلها الكفّار. وأقول: هذا إذا كان هذا الفاعل معروفاً بكفره، لكن إذا وجدنا إنساناً يصلّي فإنّنا نحكم بإسلامه. وإذا وجدنا إنساناً لا يصلّي ولا يريد أن يصلّي فإنّنا نحكم بكفره. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 145، أشباه السيوطي ص 489.

القاعدة المتممة للمئة [الاستصحاب]

القاعدة المتمّمة للمئة [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان ثابتاً فإنّه يبقى ببقاء بعض آثاره، ولا يرتفع إلا باعتراض معنى هو مثله (¬1) أو فوقه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لقد سبق قريباً أمثال لهذه القاعدة بألفاظ مختلفة، لأنّ الأصل أنّ ما كان ثابتاً بيقين فإنّ الأصل بقاؤه حتى يثبت الدّليل المزيل، وذلك أن يعترض على ما كان ثابتاً دليل مثله في قوته أو أقوى منه. لكن ما كان ثابتاً هل يبقى ويحكم ببقائه إذا بقي بعض آثاره؟ مفاد القاعدة: أنّه يبقى ببقاء بعض آثاره، ولا يحكم بزواله إلا بارتفاعه كلِّيّاً، باعتراض معنى مغير هو مثله أو فوقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دار الحرب هي الدّار الّتي لا يأمن فيها المسلمون، ولا يحكم فيها بشرع الله، فكلّ مكان لا يأمن فيه المسلمون، ولا يحكم فيه بشرع الله فهو من جملة دار الحرب. حتى ولو كان يخاف فيه أهل الحرب، وذلك في الأراضي التي بين دار الإسلام ودار الحرب فإنّها تعتبر من دار الحرب؛ لأنّها كانت في يد أهل الحرب، فلا تصير دار إسلام إلا ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1253 وعنه قواعد الفقه ص 116.

بانقطاع يد أهل الحرب عنها من كلّ وجه. ومنها: إذا أصاب البدن أو الثّوب نجاسة فيجب إزالتها بالكلّيّة، لكن إن أزيل بعضها وترك بعضها فإنّ البدن أو الثّوب لا يطهر ما دام بعض آثار النّجاسة باقياً، أو ما زالت الرّائحة موجودة. عدا اللون فإن بقاءه لا يضرّ. ومنها: المطلّقة الرّجعيّة تعتبر زوجة ما دام في العدّة؛ لأنّ العدّة من آثار عقد الزّواج. فلها على الزّوج المطلِّق كلّ الحقوق من النّفقة وتوابعها، عدا الجماع ودواعيه.

القاعدة الواحدة بعد المئة [الثابت ضرورة]

القاعدة الواحدة بعد المئة [الثّابت ضرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان ثبوته بطريق الضّرورة تعتبر فيه الجملة دون الأحوال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بطريق الضّرورة: أي التّبعيّة دون الأصالة، وليس معناها الاضطرار. والمراد باعتبار الجملة: اعتبار الصّورة العامّة لا الحال الطّارئة عليها. فمفاد القاعدة: أنّ ما كان ثبوته تابعاً لثبوت غيره فإنّما تعتبر فيه الحال الأصليّة دون الأحوال الطّارئة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن قتل عبداً ولدته أَمَة مباعة - وهو أحد اثنين - ثمّ ادّعى البائع بنوّة الولد الحي، فهو أي المقتول - وإن استحقّ الحرّيّة تبعاً لأخيه الحي بدعوى البائع لكن الواجب على القاتل قيمته لا ديته، وإن ثبتت الحرّيّة فيه تبعاً؛ لأنّ الأصل عبوديّته تبعاً لأمّه، ويكون بدل النّفس لورثة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 108.

المقتول. أمّا لو ادّعى البائع بنوه الولد المقتول فيجب على القاتل ديّته لا قيمته لثبوت حرّيّته أصلاً لا تبعاً. ومنها: إذا اشترى بقرة حاملاً، فإنّ جنينها يدخل ضمن عقد البيع تبعاً ولزوماً، ولا يخلّ بعقد البيع إن ولدته حيّاً أو ميّتاً، واحداً أو أكثر.

القاعدة الثانية بعد المئة [المرتد وسبب بقائه]

القاعدة الثّانية بعد المئة [المرتدّ وسبب بقائه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان سبب البقاء لا يكون مشروعاً في حقّ المرتدّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرتدّ: هو شخص كان مسلماً ثمّ كفر، والعياذ بالله تعالى. وحكم المرتدّ: القتل ذكراً كان أو أنثى. وخالف الحنفيّة في الأنثى المرتدّة فرأوا أنّها لا تقتل وإنّما تحبس حتى تموت أو تراجع الإسلام. والأصل في حكم المرتدّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن بدّل دينه فاقتلوه" (¬2). فهذا شامل للذّكر والأنثى. والمرتدّ يستتاب وينظر ثلاثة أيّام إمّا أن يرجع للإسلام أو يقتل. فما كان من سبب للبقاء والحياة فلا يكون مشروعاً في حقّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 48. (¬2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب 140، والاعتصام باب 38، والاستنابة باب 3. وأبو داود كتاب الحدود 1، والترمذي في كتاب الحدود 35. والنسائي في كتاب التحريم باب 14. وابن ماجه في الحدود 3، وأحمد في المسند جـ 1 ص 2، 7، 282, 323, وجـ 5 ص 231.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

المرتدّ؛ لأنّ حياته غير مستحقّة ما دام على ردّته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد المرتدّ أن يتزوّج مرتدّة أو مسلمة أو كافرة أصيلة فلا يمكّن من ذلك؛ لأنّ النّكاح يعتمد الملَّة والمرتدّ لا ملَّة له. وثانياً: أنّ النّكاح مشروع لمعنى البقاء فإنّ بقاء النّسل يكون به، وكذلك بقاء النّفوس، والمرتد مستحقّ للقتل لأنّ قتله صار مستحقّاً بنفس الرّدّة. وإنّما يمهل ثلاثة أيّام ليتأمّل فيما عرض له من الشّبهة، فلا يصحّ منه عقد النّكاح؛ لأنّ اشتغاله بعقد النّكاح يشغله عمّا لأجله حياته وهو التّأمّل.

القاعدة الثالثة بعد المئة [الشرط وثبوت الحكم]

القاعدة الثّالثة بعد المئة [الشّرط وثبوت الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان شرطاً فما لم يثبت بدليل موجب له لا يثبت الحكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكلّ عمل شروط تُوجب صحّته، ولكن لا يثبت شرط إلا بدليل موجب له، فما لم يثبت الشّرط بدليله لا يثبت الحكم المترتّب عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّهارة شرط لصحّة الصّلاة - عند القدرة - وقد ثبتت شرطيّة الطّهارة لصحّة الصّلاة بأدلّة كثيرة من الكتاب والسّنّة. وكذلك استقبال القبلة وستر العورة وغير ذلك من الشّروط. ومنها: شرط صحّة العبادات النّيَّة وهي كذلك قامت الأدلّة على اعتبارها. فما لم تتحقّق النّيَّة لا يثبت حكم العبادة. ومنها: حياة الوارث بعد موت المورّث شرط لاستحقاقه الميراث، فما لم تثبت حياته فلا يرث، فلا يرث المفقود من أبيه أو مورّثه - عند الحنفيّة - لعدم تحقّق حياته عند موت مورّثه. وقد ثبت هذا الشّرط بالأدلة الشّرعيّة؛ ولأنّ الوراثة خلافة والحي يخلف الميّت. فأمّا الميت فلا يخلف الحي ولا الميّت. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 43.

القاعدة الرابعة بعد المئة [الصريح]

القاعدة الرّابعة بعد المئة [الصّريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية عن غيره (¬1). ولا صريحاً فيه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالصّريح: هو دلالة اللفظ على معناه الذي وضع له لغة أو شرعاً دلالة مطابقة، أو هو اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق (¬2). فما كان من لفظ صريح في دلالته على مضمونه ومعناه وعُمِل ونُفَّذ في موضوعه الذي وضع له، فلا يكون في هذه الحال كناية على غيره ولا مجازاً عنه؛ لأنّه لا يصار إلى الكناية أو المجاز إلا عند تعذّر الحقيقة. كما أنّ الصّريح في بابه وموضوعه لا يكون صريحاً في غير موضوعه، وينظر من قواعد حرف الصّاد القاعدتان 13, 14. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذه السّيّارة. فقال الآخر: قبلت وتسلّمها. فلا ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 317، وأشباه ابن السّبكي جـ 1 ص 249، المنثور جـ 3 ص 146، أشباه السّيوطي ص 295. (¬2) أشباه ابن السّبكي جـ 1 ص 250.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يجوز بعد ذلك أن يطالبه الواهب بالثّمن بحجّة أنّه أراد بيعها بلفظ الهبة. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق. كان طلاقاً ولا يصرف إلى الظّهار، وإن قال: نويت الظّهار. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: أنت حرام. ونوى به الطّلاق أو الظّهار، فإنّه يقع على ما نوى. عند الشّافعيّة. ومنها: لو أسلم على أكثر من أربع نسوة وقال لإحداهنّ: أمسكتك، فإنّه صريح في اختيارها، مع صراحته في الرّجعة، لكن لا يحمل على الرّجعة؛ لأنّه لم يسبق منه طلاقها. ومنها: إذا طلّق زوجته ثمّ راجعها بلفظ التّزويج أو النّكاح كان كناية عن الرّجعة.

القاعدة الخامسة بعد المئة [التوكيل في المباح]

القاعدة الخامسة بعد المئة [التّوكيل في المباح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان على أصل الإباحة لا يجوز التّوكيل فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ممّا وقع فيه الخلاف بين الفقهاء. وهو أنّ ما كان مباحاً في الأصل أنّه ملك مَن سبق إليه - لكن هل يجوز التّوكيل فيه أو لا يجوز؟ ومفاد هذه القاعدة بيان مذهب الحنفيّة: وهو أنّه لا يجوز التّوكيل في الاستيلاء على ما كان مباحاً؛ لأنّ للوكيل أن يستولي على ذلك لنفسه، ولأنّ التّوكيل إنّما يعتبر فيما لا يملك الوكيل مباشرته قبل التّوكيل. ولأنّ الموكّل لا حقّ له فيه قبل وضع يده عليه. والأصل في ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن سبق إلى مباح فقد ملكه" (¬2)، وقد سبقت إلى ذلك يد الوكيل فهو أحقّ به. وفي رواية: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له" (¬3). وأمّا عند الحنابلة فيجوز التّوكيل في تملّك المباحات من الصّيد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 217. (¬2) الحديث بهذا اللفظ أخرجه علي القاري في الأسرار المرفوعة ص 345. (¬3) الحديث أخرجه أبو داود. ينظر تلخيص الحبير جـ 3/ 63.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والحشيش ونحوه (¬1)؛ لأنّها - أي الإباحة - تملّك مال بسبب لا يتعيّن عليه. فجاز التّوكيل فيه كالابتياع والاتهاب. وعند الشّافعيّة في هذه المسألة قولان مشهوران: أصحّهما الجواز إذا قصده الوكيل؛ لأنّه أحد أسباب الملك فأشبه الشّراء (¬2). وعند المالكيّة تجوز الوكالة في كلّ ما يكون قابلاً للنّيابة (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكّل شخصاً في صيد فلا يجوز عند الحنفيّة، وهو لمن اصطاده، وعند غيرهم يجوز. ومنها: إذا اشترك رجلان على أن يحتطبا الحطب ويبيعانه. فما باعاه فهو بينهما نصفان. كانت هذه الشركة فاسدة - عند الحنفيّة -؛ لأنّ صحّة الشّركة باعتبار الوكالة، وهذا ممّا لم تصحّ فيه الوكالة، فلا تصحّ الشّركة. وعند غيرهم تصحّ. ¬

_ (¬1) المغني جـ 7 ص 199، والمقنع جـ 2 ص 149. (¬2) روضة الطالبين جـ 3 ص 524 - 525. (¬3) الجواهر الثّمينة جـ 2 ص 675.

القاعدة السادسة بعد المئة [المباح، المتبرع به]

القاعدة السّادسة بعد المئة [المباح، المتبرّع به] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما كان على وجه التّبرّع أو الإباحة يستوي فيه الغني والفقير (¬1). وفي لفظ سابق: كلّ قربة على سبيل الإباحة يستوي فيها الغني والفقير (¬2). ينظر قواعد حرف الكاف الرّقم 133. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصّدقات منها واجب ومنها جائز، والواجب من الصّدقات لا يجوز أن يأخذه إلا من كان من الأصناف الثّمانيّة التي ذكرها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} (¬3). فمن أعطى صدقته الواجبة لغير أحد هذه الأصناف لم تبرأ ذمّته وعليه إخراج ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2097 وعنه قواعد الفقه ص 116. (¬2) شرح السير ص 2122. (¬3) الآية 60 من سورة التوبة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

غيرها. ومَن أخذها من غير هذه الأصناف فلا يحلّ له الأخذ؛ لأنّه "لا تحلّ الصّدقة لغني، ولا لذي مِرَّة - قوي" والمراد بها والله أعلم الصدّقة الواجبة. ولكن مفاد هاتين القاعدتين: أنّ ما كان من الصّدقات على جهة التّبرّع والتّطوّع والإباحة فإنّه يستوي في جواز الأخذ منه الغني والفقير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّرب من السّقاية الموقوفة يجوز للغني أن يشرب من مائها كما يجوز للفقير المحتاج. ومنها: المناديل الورقيّة المتبرّع بها للمساجد يجوز استعمالها للغني والفقير على حد سواء. ومنها: مَن ذبح ناقة أو بقرة وقال: مَن شاء فليقتطع، جاز لكلّ أحد الأخذ والاقتطاع منها سواء كان غنيّاً أو فقيراً.

القاعدة السابعة بعد المئة [حكم الفاسد شرعا]

القاعدة السّابعة بعد المئة [حكم الفاسد شرعاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان فاسداً شرعاً فذكره كالسّكوت عنه في حكم الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفاسد شرعاً: هو ما أبطله الشّرع ولم يعتد به، ولم يبن عليه حكماً؛ لفقده بعض شروط الصّحّة أو أحد الأركان. وحكم هذا الفاسد أنّه لا يعتدّ به ولا يعتبر حتى ولو ذكر في العقد، فهو كالمسكوت عنه ولا يبنى عليه حكم ولا استحقاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج مسلم مسلمة على خمر أو خنزير - أي جعل مهرها خمراً أو خنزيراً - أو أي شيء ممّا لا يحلّ كان النّكاح جائزاً، ولها مهر مثلها؛ لأنّ صحّة تسمية المهر ليس من شرائط أصل النّكاح. فالنّكاح صحيح بغير تسمية المهر فكذلك مع فساد التّسمية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 43.

القاعدة الثامنة بعد المئة [التابع المضمون]

القاعدة الثّامنة بعد المئة [التّابع المضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان في مضمون خلقة حيوان لا يجوز تمليكه بعقد المعاوضة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (التّابع تابع). وقاعدة: (التّابع لا يفرد بالحكم) وقد سبقتا. فما كان تابعاً لحيوان في أصل الخلقة ومتّصلاً به اتّصال خلقة - ولو كان قابلاً للانفصال بعد ذلك - فإنّه لا يجوزه إفراده بالحكم أو تمليكه بعقد المعاوضة، كالبيع والإجارة وغيرهما. ولكن إذا انفصل عن الحيوان جاز تمليكه بعقد المعاوضة؛ لأنّه أصبح أصلاً بنفسه غير تابع لغيره. وينظر من قواعد حرف التّاء القواعد 11، 12، 15. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز بيع الصّوف على ظهر الغنم، ولا اللبن في الضّرع، ولا الحمل في البطن. ولكن إذا انفصل هؤلاء جاز العقد عليها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: يجوز توريث الحمل في البطن والهبة والهدية له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 89، وينظر الوجيز ص 333.

القاعدة التاسعة بعد المئة [القديم]

القاعدة التّاسعة بعد المئة [القديم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان قديماً يترك على حاله، ولا يُغَيَّر إلا بحجّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (القديم يترك على قِدَمه ولا يغيّر إلا بحجّة) (¬2) أي أنّ القديم الذي لا يدرك مبدؤه ومنشؤه ولم يكن ضارّاً فإنّه لا يجوز إزالته ويجب إبقاؤه على حاله ولا يغيّر إلا بحجّة موجبة للتّغيير؛ لأنّ أصل وضعه لا بدّ أن يكون مشروعاً - وهذا من باب حسن الظّنّ بالمسلمين - وأمّا إذا كان ضارّاً فإنّه يجب إزالة ضرره؛ لأنّ الضّرر لا يكون قديماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّريق وشرب الماء إذا كان في أرض الغير لا يجوز منعه إذا كان قديماً؛ لأنّه لا يمكن أن يوضع إلا بحجّة شرعيّة وحقّ شرعي، فلا ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 211. (¬2) شرح الخاتمة ص 60، المجلة المادة 6، وينظر القاعدة 29 من قواعد حرف القاف.

يجوز تغييره، إلا إذا ثبت بطلان وضعه بحجّة شرعيّة. ومنها: إذا كان لعلو رجل بالوعة تمرّ بأرض ساكن السّفل، واشتكى صاحب السّفل، فليس له رفعها أو منع صاحب، العلو من إراقة الماء فيها. ولكن إذا ثبت ضررها على صاحب السّفل فله المطالبة بإزالة الضّرر بتغطيتها إذا كانت مكشوفة، أو بإصلاحها إذا كانت تحتاج للإصلاح؛ لأنّ الضّرر مدفوع ومرفوع.

القاعدة العاشرة بعد المئة [المعروف المعتاد]

القاعدة العاشرة بعد المئة [المعروف المعتاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان متعارفاً - وليس في عينه نصّ يبطله - فالقول بجوازه واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت القاعدة الكلّيّة الكبرى (العادة محكَّمة) فما كان متعارفاً بين النّاس ومعتاداً العمل به بينهم - وليس هناك نصّ خاصّ به - شرعي أو لأحد العاقدين - يعارضه أو يبطله فإنّ العمل به جائز، والقول بجوازه واجب؛ لأنّ للأعراف والعادات أثراً واضحاً في معاملات النّاس وتصرّفاتهم ما لم يعارض ذلك العرف وتلك العادة نصّ شرعي أو لأحد العاقدين يبطلها بخصوصها. وينظر من قواعد حرف العين القاعدة رقم 37. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من المتعارف بين النّاس أنّ حمولة الأشياء الثقيلة على البائع في المصر. لكن إذا اشترط البائع الحمولة على المشتري فليس للمشتري التّمسّك بالعرف أو العادة؛ لأنّ نصّ البائع يعارضها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 199، وينظر الوجيز ص 270 فما بعدها.

ومنها: اعتياد النّاس في هذا الزّمن أخذ فوائد في على أموالهم المودعة في البنوك الرّبويّة، فهذه العادة غير معتبرة ولا يجوز العمل بها؛ لأنّه يعارضها النّصوص الشّرعيّة المحرّمة للرّبا. ومنها: تعارف النّاس اليوم في كثير من بلاد المسلمين - مع الأسف - على خروج المرأة من بيتها سافرة أو شبه عارية، وهذا العرف وتلك العادة غير معتبرة ولا يجوز العمل بها شرعاً مهما تعارفها النّاس وعملوا بها؛ لأنّ النّصوص الشّرعيّة المحرّمة لتبرّج المرأة وخروجها سافرة واختلاطها بالرّجال تعارض تلك العادة الفاسدة.

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [المتفرق والمتصل]

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [المتفرّق والمتّصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان متفرقاً في نفسه لا يجب الوصل فيه إلا بالتنصيص، وما كان متّصل الأجزاء يجوز تفريقه إلا بالتّنصيص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأشياء منها ما كان متفرّقاً أجزاءً، ومنها ما كان متّصل الأجزاء، فما كان منها متفرّقاً في أصله ونفسه فلا يجب وصله إلا إذا وجد نصٌّ يجيز ذلك. وما كان منها متّصلاً فهو لا يجوز تفريقه إلا بالنّصّ على ذلك كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نذر إنسان أن يعتكف شهراً، فيجب عليه اعتكاف شهر متتابع، ولا يجوز فيه التّفريق؛ لأنّه لما ذكر الشّهر فذلك يوجب التّتابع، كمن حلف لا يكلّم فلاناً شهراً. ومنها: إذا أجَّر بيته شهراً أو سنة فهذا يوجب التّتابع في الإجارة، ولا يجوز التّفريق إلا بالنّص على ذلك كأن يقول: أستأجر هذا المحل ثلاثين يوماً متفرّقة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 120.

ومنها: إذا نذر أن يصوم عشرة أيّام. فيجوز له صيامها متفرّقة ومتوالية.

القاعدة الثانية عشرة بعد المئة [المحرم]

القاعدة الثّانية عشرة بعد المئة [المحرّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان محرّماً في دار الإسلام كان محرّماً في دار الحرب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المسلم ملتزم بأحكام الإسلام حيثما يكون، في دار الإسلام أو دار الحرب، فما كان محرّماً على المسلم في دار الإسلام فهو محرّم عليه في دار الحرب أيضاً. فالزّنا محرّم على المسلم وغيره في دار الإسلام فهو محرّم عليه في دار الحرب وكذلك شرب الخمر والسّرقة. ولكن خالف أبو حنيفة رحمه الله في بعض ذلك فأباح للمسلم أن يرابي الكافر في دار الحرب؛ لأنّ أموالهم في حكم الإباحة للمستأمن المسلم إذا كان ذلك برضا الكافر. وخالف في ذلك جمهور الفقهاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كما أنّ الزّنا واللواط محرّم في دار الإسلام فهو محرّم أيضاً في دار الحرب. ومنها: تكشف المرأة المسلمة مُحرَّم في دار الإسلام، فهو كذلك محرّم في دار الكفر، وما يفعله كثير من نساء المسلمين حينما يذهبون ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 45 - 46، جـ 5 ص 552.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

إلى بلاد الكفرة فيتكشّفن ويمشين سافرات، كلّ ذلك محرّم مخالف لشرع الله. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الرّبا محرّم في دار الإسلام بين المسلمين وبين المسلمين والذّميّين والمستأمنين، لكن إذا دخل مسلم دار الحرب مستأمناً فلا يجوز له أن يغدر أو يأخذ شيئاً من أموالهم خفية أو اغتصاباً؛ لأنّ ذلك يعتبر خيانة. ولكن إن قامر حربياً فقمره أو عامله معاملة ربويّة فذلك جائز عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنّه أخذ ماله بإذنه. ومنع ذلك المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة قال في المغني والمقنع: ويحرم الرّبا بين المسلم والحربي وبين المسلمين في دار الحرب كما يحرم بين المسلمين في دار الإسلام (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع جـ 2 ص 77.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المئة [الممنوع الجائز]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد المئة [الممنوع الجائز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان ممنوعاً - منه - إذا جاز وجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمور الممنوع فعلها على المكلّف ويحرم عليه ارتكابها إذا أجاز الشّرع فعلها أصبح فعلها واجباً. وما كان واجباً لا يجوز تركه إلا بعذر أو ضرورة أو شبهة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قطع يد الإنسان لا يجوز وهو ممنوع منه، لكن إذا سرق هذا الإنسان أجاز الشّرع قطع يده، وإجازة الشّرع هذه معناها وجوب الفعل، فقطع يد السّارق واجب. ومنها: قتل الإنسان المعصوم محرّم وممنوع، لكن إذا قتل غيره بغير حقّ، أو زنا وهو محصن أو ارتدّ فيجب قتلها لإجازة الشّرع ذلك. ومنها: الختان واجب، ولولا جواز الشّرع كان ممنوعاً لما فيه من كشف العورة. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 146، أشباه السيوطي ص 148.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: قالوا: سجود التّلاوة فعل زائد في الصّلاة لا يجوز، فلمّا جوّزه الشّرع كان مقتضاه أنّه يجب. ولم يوجبه الشّافعيّة، ومثله سجود السّهو، ولذلك أوجبه الحنفيّة. ومنها: النّظر إلى المخطوبة أجازه الشّرع ولم يجب. ومنها: كتابة العبد أجازها الشّرع ولم تجب.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المئة [ما يصح التزامه بالنذر]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد المئة [ما يصحّ التزامه بالنّذر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما كان من جنسه واجب شرعاً صحّ التزامه بالنّذر، وما ليس من جنسه واجب شرعاً لا يصح التزامه بالنّذر (¬1). وفي لفظ: ما لا أصل له في الفرائض لا يصحّ التزامه بالنّذر (¬2). وتأتي قريباً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّذر لا يصحّ التزامه إلا إذا كان المنذور من جنس عبادة وقربة واجبة شرعاً، كالصّلاة والصّيام، وأمّا ما لم يكن من جنسه واجب شرعاً فلا يصحّ التزامه بالنّذر. وكذلك لا يصحّ نذر المعصية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يصحّ أن ينذر الإنسان أن يحجّ، إذا كان قد حجّ حجّة الإسلام. ومنها: يصحّ نذر الصّوم في غير رمضان، إذا لم يصادف نذره يوماً ينهى فيه عن الصّوم. ومنها: يصحّ نذر الصّدقة؛ لأنّ الصّدقة من جنس الزّكاة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 94. (¬2) نفس المصدر ص 120، 124.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الواجبة شرعاً. ومنها: يصحّ نذر الصّلاة غير الفريضة. والفرائض لا يصحّ النّذر بها؛ لأنّها واجبة قبل النّذر. ومنها: لا يصحّ نذر الصّوم والإمساك عن الكلام, لأنّه ليس من جنس عبادة واجبة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا نذر أن يعود مريضاً صحّ مع أنّ عيادة المريض ليس من جنسها واجب لكن صحّ النّذر بها من حيث كونها قربة.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئة [الشرط والمانع]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئة [الشّرط والمانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما كان وجوده شرطاً كان عدمه مانعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط كما تقدّم تعريفه وبيانه في أكثر من موضع هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولكن لا يلزم من وجوده وجود المشروط ولا عدمه. فمفاد هذه القاعدة: أنّ ما كان شرطاً لصحة تصرّف ما يكون عدم وجوده مانعاً من صحّة ذلك التّصرّف. وهذا منع بالعدم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّهارة شرط لصحّة الصّلاة. فعدم الطّهارة - مع القدرة عليها - مانع من صحّتها. ومنها: القدرة على التّصرّف شرط لصحّة العقد. فإذا لم توجد القدرة على التّصرّف - كالصّغير والمجنون والمحجور - فإنّ العقد باطل لوجود المانع وهو عدم القدرة على التّصرّف. ومنها: الشّرط في البيع والسّلم وغيرهما من عقود المعاوضة ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 146.

القدرة على التّسليم، والعجز مانع. فإذا شككنا في وجود الشّرط لا يثبت الحكم؛ لأنّ (الشّكّ في الشّرط مانع من ترتّب المشروط). كما سبق بيانه. وأمّا إذا شككنا في المانع أثبتنا الحكم عملاً بالأصل في الموضعين؛ لأنّ عند عدء الشّرط فالأصل عدم وجوده، وإذا لم يوجد الشّرط فالأصل وجود المانع.

القاعدة السادسة عشرة بعد المئة [وسيلة الواجب]

القاعدة السّادسة عشرة بعد المئة [وسيلة الواجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما كان وسيلة إلى الواجب فهو واجب (¬1). وفي لفظ آت: ما لا يتوصّل إلى المستحقّ إلا به يكون مستحقّاً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة الموصلة إلى الحلال حلال والوسيلة الموصلة إلى الحرام هي حرام. ومفاد هذه القاعدة: أنّ ما كان وسيلة وموصلاً إلى الواجب فهو واجب. ومن أدلّة ثبوت هذه القاعدة قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬3). فالسّعي إلى الجمعة واجب لوجوبها. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 493 عن التحرير جـ 5 ص 982، 983. (¬2) نفس المصدر عن التحرير جـ 6 ص 12. (¬3) الآية 9 من سورة الجمعة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صلاة الجمعة واجبة فالسّعي إليها واجب, لأنّه الوسيلة المؤدّية إليها. ومنها: النّفقة على من تلزمه نفقته واجبة، فالعمل لأجل تحصيل هذه النّفقة واجب كذلك. ومنها: قتال الكفّار واجب فإعداد القوّة وسيلة لقتالهم فهو واجب كذلك. ومنها: الحجّ على المكلّف القادر واجب فاتّخاذ الوسائل الموصلة لأداء هذه الفريضة واجب.

القاعدة السابعة عشرة بعد المئة [النذر]

القاعدة السّابعة عشرة بعد المئة [النّذر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما لا أصل له في الفرائض لا يصحّ التزامه بالنّذر (¬1). وفي لفظ: تنزيل النّذر على واجب الشّرع أو على جائزه (¬2). وقد سبقت ضمن قواعد حرف التاء رقم 220 فلتنظر هناك. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّذر: في اللغة: التزام بعمل شيء أو تركه. وشرعاً: التزام مسلم مكلّف قربة باللفظ منجزاً أو معلّقاً ومجازاة بما يقصد حصوله من غير واجب الأداء (¬3). وقال في التّعريفات: النّذر إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيماً لله تعالى (¬4). فمفاد القاعدة الأولى: أنّ النّذر إنّما هو عبادة وقربة إلى الله تعالى، فلذلك لا يصحّ إلا بعبادة أو قربة لها أصل في الفرائض، وما لم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 120، 124. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 537 والمجموع المذهّب لوحة 249 أ. (¬3) التّوقيف ص 695. (¬4) ص 260.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يكن لها أصل في الفرائض فلا يصحّ النّذر بها, لأنّ النّذر بها يكون ابتداعاً في الدّين لم يأذن به الله، وينظر القاعدة 114 السّابقة. والقاعدة الثّانية تشير إلى نقطة وقع فيها الخلاف. بعد الاتّفاق على مضمون القاعدة الأولى، وهذه النّقطة أو الموضوع هو علام ينزل النّذر هل ينزل على ما أوجبه الشّرع أو على ما أجازه؟ والأرجح حمله على الواجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نذر صلاة فيلزمه ركعتان؛ لأنّه أقلّ الواجب. ومنها: مَن نذر صوماً فيلزمه ويجب عليه صوم يوم كامل ويجب فيه تبييت النّيّة. وممّا ينزل منزلة الجائز: نذر القربات التي لم توضع لتكون عبادة وإنّما هي أعمال وأخلاق مستحسنة رغّب فيها الشّرع لعموم فائدتها. ومنها: من نذر أن يذبح ولده. لم يصحّ نذره؛ لأنّ ذبح الولد ليس له أصل في شرعنا وليس من الفرائض بل هو معصية، ولا نذر في معصية.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المئة [ترك الواجب للواجب]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد المئة [ترك الواجب للواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا بدّ منه لا يترك إلا لما لا بدَّ منه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً قاعدة بمعنى هذه القاعدة. والمراد بما لا بدّ منه: هو ما يجب فعله. فالواجب لا يجوز تركه إلا لواجب مثله أو أقوى منه. وينظر القاعدة 35 من قواعد حرف الجيم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قطع اليد حرام لا يجوز لكن لمّا سرق صاحبها وجب قطعها. فقد ترك ما كان محرّماً والواجب تركه إلى واجب هو أقوى منه. ومنها: أكل الميتة للمضطرّ واجب. والأصل في الميتة الحرمة لكن سقطت الحرمة لحالة الاضطرار. ومنها: مسألة الختان لو لم يجب لم يجز لأنّه قطع عضو سليم، وفيه كشف العورة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 194. أشباه السيوطي ص 148.

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون بعد المئة [البناء على الظاهر والغالب]

القاعدتان التّاسعة عشرة والعشرون بعد المئة [البناء على الظّاهر والغالب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما لا طريق لنا إلى معرفته لا تبنى عليه الأحكام، وإنّما يبنى على الظّاهر المعروف (¬1). وفي لفظ: ما لا طريق إلى معرفة حقيقته يبنى الحكم فيه على أكثر الرّأي (¬2). وفي لفظ سابق: غالب الرّأي يجوز تحكيمه فيما لا يمكن معرفة حقيقته. ينظر القاعدة 1 من قواعد حرف الغين. وفي لفظ: الحكم يبنى على الظّاهر فيما يتعذّر الوقوف على حقيقة الحال فيه. ينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة 107. والقاعدة 56 من قواعد حرف الباء. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ما لا يمكن معرفته بأي وسيلة شرعيّة أو لغويّة أو عرفيّة فإن الأحكام لا تبنى عليه؛ لأنّه يدخل في المستحيل، وما كان مستحيلاً لا تبنى عليه الأحكام. ولذلك فإنّ ما يتعذّر معرفة الحقيقة فيه، وما لا يمكن اليقين فيه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 167. (¬2) شرح السير ص 193.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

فإنّ الحكم يبنى فيه على أكثر الرّأي وغالبه وغالب الظّنّ وعلى الظّاهر؛ لأنّ البناء على الظّاهر أو على غالب الظّنّ والرّأي طريق أكثر الأحكام. فهذه القواعد تتعلّق ببيان حكم الأمر الواقع الذي لا يقين فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: حقيقة الموت لا تعرف، لكن إذا شهد رجلان على رجل أنّه ضرب آخر بالسّيف أو أطلق عليه النّار فلم يزل صاحب فراش حتى مات، فعلى المشهود عليه القصاص، إذا كان الضّرب بالسّيف أو إطلاق النّار عمداً عدواناً؛ لأنّه ظهر أنّ موته بهذا السّبب، ولم يعارضه سبب آخر فيجب إضافة الحكم إليه؛ لأنّ الرّوح لا يمكن أخذه مشاهدة وإنّما طريق الوصول إلى إزهاق الرّوح الأسباب الظّاهرة المعروفة مثل هذه. ومنها: إذا شهد الشّهود أنّ هذا الشّخص وارث هذا الميّت لا وارث له غيره، تقبل شهادتهم إذا كانوا عدولاً؛ لأنّ حقيقة البنوّة أمر خفي لا يشاهد، وإنّما يعرف بالأسباب الظّاهرة من كون هذا الوارث ابناً لهذا الشّخص من زوجته فلانة. ومنها: إذا أراد شخص مسلم الجهاد وله أبوان كافران فكرها خروجه كراهة أن يقاتل أهل دينهما - لا شفقة عليه، ولا لكونهما في حاجة إليه - فلا يطعهما، وله الخروج والجهاد، وليس عليه طاعة في داعية الشّرك، وإنّما يعرف ذلك منهما بغالب الظّنّ والرّأي. إلا إذا صرّحا بذلك.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [المؤثر حالا واستقبالا]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [المؤثر حالاً واستقبالاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يؤثر في الحال هل يؤثر في الاستقبال (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بلفظ "ما" التّصرّف. أي أنّ التّصرّف الذي لا يؤثر حالاً هل يكون له تأثير مستقبلاً؟. قال الزّركشي: تحت هذه القاعدة قسمان: القسم الأوّل: ما لا يؤثّر في الحال ولا في الاستقبال. والقسم الثّاني: يؤثّر في الاستقبال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أعتق الشّريك حصّته - وهو معسر ثم أيسر - لا يسري عليه العتق؛ لأنّه لما لم يؤثر عتقه في الحال لم يؤثّر في الاستقبال. وهذا على رأي الشّافعيّة في أنّ العتق والرّقّ يتجزآن. ومنها: إذا أسلم شخص وله ولد كافر، ولولده ولد صغير، فلا يحقّ للجد أن يستتبع ولد ولده لوجود الولد. لكن إذا مات ولده هل يحقّ للجدّ أن يستتبع ولد ولده؟ قالوا: لا يحقّ له ذلك؛ لأنّه لمّا لم يستحقّ استتباع ولد ولده في حياة ولده الكافر لم يؤثّر ذلك فيما بعد وفاته، بل ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 154.

يبقى ولد ولده كافراً تبعاً لأبيه الميّت. ومنها: يشترط في الإحصان الإصابة - أي الجماع - في نكاح صحيح، بعد التّكليف والحرّيّة - وهذا في الوجه الأصحّ - فلو تزوّج عبد أو صغير وأصاب زوجته في نكاح صحيح ثمّ زنى، ثمّ كمل حاله - بأن أعتق العبد وبلغ الصّغير - فزنى، لا يرجم؛ لأنّه حين زنى لم يكن محصناً. فلا إحصان في حال الصّغر والعبوديّة. ومن أمثلة القسم الثّاني: إذا استولد الرّاهن المرهونة - وقلنا: لا يثبت الاستيلاد حال الرّهن - ثمّ زال الرّهن، فإنّ حكم الاستيلاد يثبت في الأصحّ (¬1). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 155.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المئة [ما يستوي فيه الحر والعبد]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد المئة [ما يستوي فيه الحرّ والعبد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يؤثر فيه الرّقّ فالعبد والحرّ فيه سواء (¬1). عند مالك رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّقّ له أحكام كثيرة ذكر السيوطي رحمه الله في أشباهه ص 226 خمسين مسألة نقلاً عن أبي حامد في الرّونق (¬2)، وزاد عليها. كما أنّ ابن نجيم رحمه الله ذكرها في أشباهه ص 311 تحت عنوان أحكام العبيد. فما يؤثر فيه الرّق يختلف حكمه بين الحرّ والعبد. ولكن مفاد هذه القاعدة: أنّ من الأحكام ما لا يؤثر فيه الرّق، ولذلك يستوي فيه الحرّ والعبد عند مالك رحمه الله بل وعند غير مالك أيضاً، والمراد بالعبد العبد المسلم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 124. (¬2) المراد بالرّونق كتاب مختصر في فروع الشّافعية. قيل إنه منسوب لأبي حامد الاسفرائني، وهو أحمد بن محمَّد ولد سنة 344 هـ وقد انتهت إليه رئاسة الشّافعيّة في زمنه توفي ببغداد سنة 406 هـ، وقيل إنه للمحاملي ورجّح ذلك ابن السّبكي. والمحاملي هو أحمد بن محمَّد بن أحمد الضبي أبو الحسن له مصنّفات مشهورة توفي سنة 415 هـ.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العبد يملك الطّلاق كما يملكه الحرّ. ومنها: استواؤهما - أي الحرّ والعبد - في وجوب القصاص عند وجود سببه. ومنها: عند مالك رحمه الله، أنّ للعبد أن يتزوّج أربعاً كالحرّ - خلافاً لباقي الأئمة الذين يرون أنّ العبد على النّصف من الحرّ، فلا يجوز له أن يجمع بين أكثر من زوجتين. وحجّة مالك رحمه الله تعالى: أنّ الرّقّ لا يؤثر في مالكيّة النّكاح (¬1). حيث قال في المدونة، قال مالك: أحسن ما سمعت أنّ العبد يتزوّج أربعاً. ومثله عن القاسم بن محمَّد (¬2)، وسالم بن عبد الله (¬3)، ¬

_ (¬1) المدونة جـ 2 ص 161، 162. (¬2) القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أحد الفقهاء الكبار في المدينة - ثقة عابد من كبار الثّالثة مات سنة 106 هـ على الصّحيح. التّقريب جـ 2 ص 120. (¬3) سالم بن عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرشي العدوي أبو عمر أو أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً فاضلاً، كان يشبّه بأبيه في الهدى والسّمت، من كبار الثّالثة. مات في آخر سنة 106 هـ على الصّحيح. التقريب جـ 1 ص 280.

وابن شهاب (¬1)، وربيعة (¬2)، يحيى بن سعيد (¬3) ومجاهد (¬4)، وابن جبير (¬5)، وكثير من العلماء أنّهم قالوا: ينكح العبد أربعاً. وممّا يستوي فيه الحرّ والعبد الكفّارة في الظّهار واليمين، وكذا إيلاؤه متل إيلاء الحرّ. وكفّارته في الإيلاء على النّصف من كفّارة الحرّ. ¬

_ (¬1) ابن شهاب هو محمَّد بن مسلم بن عبد الله ابن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر الفقيه الحافظ، متّفق على جلالته وإتقانه. وهو من رؤوس الطبقة الرّابعة توفي سنة 125 هـ. التّقريب جـ 2 ص 207. (¬2) ربيعة بن أبي عبد الرحمن - فروخ - التيمي - مولاهم، أبو عثمان المدني، المعروف بربيعة الرأي، ثقة فقيه مشهور. من الخامسة مات سنة 136 هـ على الصّحيح. التّقريب جـ 1 ص 247. (¬3) يحيى بن سعيد لعلّه يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني النجاري أبو سعيد القاضي من التّابعين، روى عنه مالك رحمه الله، كان يوازي ابن شهاب الزهري مات سنة 146 هـ. تهذيب التهذيب جـ 11 ص 221. (¬4) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم، المكّي ثقة. إمام في التّفسير وفي العلم من الثّالثة اختلف في وفاته بين سنة 101 هـ، سنة 104 هـ. (¬5) ابن جبير: نافع بن جبير بن مطعم النوفلي أبو محمَّد، أو أبو عبد الله، المدني ثقة فاضل، من الطبقة الثّالثة مات سنة 99 هـ. التّقريب، جـ 2 ص 295.

القواعد من الثالثة والعشرين بعد المئة إلى السابعة والعشرين بعد المئة

القواعد من الثّالثة والعشرين بعد المئة إلى السّابعة والعشرين بعد المئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما لا يتأتّى - أو لا يتوصّل - إقامة الفرض إلا به يكون فرضاً في نفسه (¬1). وفي لفظ: ما لا يتأتّى - أو لا يتوصّل - إلى إقامة المستحقّ إلا به يكون مستحقّاً (¬2). وفي لفظ: ما يتوصّل به إلى أداء الواجب - أو إقامة الفرائض يكون واجباً أو فرضاً (¬3). وفي لفظ: ما لا يتوصّل إلى المطلوب - أو المقصود - إلا به يكون مقصوداً (¬4). وفي لفظ: ما لا يتوصّل إلى الفرض إلا به يكون فرضاً (¬5). وفي لفظ: ما لا يتمّ الواجب المطلق إلا به - وكان ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 245، 250. (¬2) نفس المصدر ص 251، 256. (¬3) نفس المصدر ص 266، 270. (¬4) نفس المصدر جـ 14 ص 20، 24، 58، جـ 17 ص 31. (¬5) نفس المصدر جـ 4 ص 193.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

مقدوراً للمكلّف فإنّه واجب (¬1). وفي لفظ: ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب (¬2). ويلحق بهذه القواعد: ما لا يتمّ الجائز إلا به فهو جائز (¬3). وقاعدة: ما لا يتمّ المباح إلا به فهو مباح (¬4). وقاعدة: ما لا يتمّ اجتناب المحرّم إلا باجتنابه فهو حرام (4). [الوسائل والمقاصد] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق بيان أنّ للوسائل أحكام المقاصد (¬5)، فهذه القواعد ذات صلة وثيقة بذلك ولكنّها تفصل بيان تلك الوسائل لمختلف المقاصد. وهذه قواعد فقهيّة أصوليّة. ومفادها: أنّ الواجبات والمباحات والمحرّمات كلّها لا بدّ لها من وسائل توصل إليها، فوسيلة كلّ مقصد بحسبه وتأخذ حكمه. فوسيلة ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 2 ص 41. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 88. (¬3) القواعد النورانيّة ص 140. (¬4) نفس المصدر ص 147. (¬5) وينظر قواعد الأحكام جـ 1 ص 46.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الفرض ومقدّمته التي لا يمكن أداء الفرض إلا عن طريقها تكون فرضاً وواجباً مثله، فلا تبرأ ذمّة المكلّف إلا إذا توصّل إلى الفرض والواجب عن طريق مقدّمته ووسيلته، ما دامت تلك المقدّمة مقدورة المكلّف. وهكذا يقال في مقدّمات المباح والمندوب والجائز والمحرّم. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا خفي عليه موضع النّجاسة من الثّوب أو البدن وجب غسله كلَّه. لكن إذا خفي عليه موضع النّجاسة من مكان متّسع كدار فوجهان أصحّهما كذلك يغسلها كلّها، والثّاني يتحرّى ويصلّي فيما يغلب على ظنّه طهارته. وهذا الوجه أيسر. ومنها: إذا اختلطت زوجته بأجنبيّات محصورات، وجب الكف عن الجميع حتى يتبيّن ولا يجوز التّحرّي في الفروج. ومنها: البعد عن الزّنا فرض، ولا يتوصّل إلى ذلك إلا بالنّكاح المشروع، فيكون النّكاح فرضاً - عند الظاهريّة - بل وعند غيرهم أيضاً إذا كان قادراً عليه جسديّاً وماديّاً. وخشي على نفسه الزّنا. ومنها: الصّلاة لا يمكن إقامتها بدون طهارة - للقادر عليها - فالطّهارة واجبة؛ لأنّها وسيلة إلى إقامة الواجب. ومنها: إنّ سترة العورة واجب، ولا يمكنه ستر العورة إلا بثوب، ولا يحصل له الثوب إلا بالاكتساب عادة، فالاكتساب واجب ومطلوب.

ومنها: الإنفاق في سبيل الله وعلى الزّوجات والأولاد مطلوب وواجب، ولا يتصوّر الإنفاق، من المكسوب إلا بعد الكسب، فالكسب مطلوب ومفروض. ومنها: وجوب اتّخاذ الأواني والأوعية لحمل الماء والطّعام وحفظه؛ لأنّ الاستقاء للنّفس والأهل واجب، ولا يكون ذلك إلا بوعاء يحمل فيه الماء، وكذلك الطّعام. ومنها: البيِّنة في الدّعوى سبب مطلوب، لإثبات المدَّعَى، فلا يثبت المدَّعَى إلا بها، فيكون مقصوداً. ومنها: إذا تصارفا مئة دينار بألف درهم، فنقد المئة الدّينار وقال الآخر: اجعل الألف درهم بالألف التي لي عليك، فإذا رضي كانت مقاصة جائزة استحساناً.

القاعدتان الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون بعد المئة [ما لا يتبعض أو يتجزأ]

القاعدتان الثّامنة والعشرون والتّاسعة والعشرون بعد المئة [ما لا يتبعّض أو يتجزّأ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما لا يتبعّض لا يثبت حتى يثبت السّبب في جميعه، ولا يسقط بوجود السّبب في بعضه (¬1). وفي لفظ: ما لا يتجزّأ فالتزام بعضه التزام لكلِّه (¬2). أو فذكر بعضه كذكر كلّه. وفي لفظ: ما لا يقبل التّبعيض - فذكر بعضه كذكر كلّه، أو يكون اختيار بعضه كاختيار كلِّه، وإسقاط بعضه كإسقاط كلِّه (¬3). وفي لفظ بعبارة أعمّ: الحكم على بعض ما لا يتجزّأ بنفي أو إثبات حكم على كلَّه (¬4). ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 329. (¬2) المبسوط جـ 2 ص 98. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 105، المنثور للزركشي جـ 3 ص 153، أشباه السيوطي ص 160، أشباه ابن نجيم ص 162. (¬4) أشباه ابن السّبكي جـ 1 ص 109.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ما لا يمكن تجزئته ولا تبعيضه إذا التزم المكلّف بعضه يعتبر ذلك التزاماً بجملته وكلِّه، وأيضاً ما لا يتبعّض لا يثبت ولا يتحقّق حتى يثبت السّبب المثبت في جميعه. ولكن من جانب آخر يسقط الحكم إذا وجد السّبب في بعضه أو جزئه، فثبوت الحكم فيما لا يتبعّض لا يكون إلا بثبوت سبب الحكم في جميعه، ولكن سقوط الحكم يثبت إذا وجد السّبب المسقط في بعضه، وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدتان 52، 449، ومن قواعد حرف الذّال القاعدة رقم 2. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: مَن نذر أن يصلّي ثلاث ركعات، يجب عليه أن يأتي بأربع ركعات؛ لأنّ مبنى التّطوّع على الشّفع دون الوتر. والشّفع الواحد لا يتجزّأ. والتزام بعضه التزام كلّه. ومنها: إذا قال الشّفيع: آخذ نصف الشّقص المشفوع. سقطت شفعته عند الأكثرين؛ لأنّه لمّا طلب النّصف كان تاركاً للنّص الآخر، فيسقط ويسقط باقي الشّفعة؛ لأنّ الشّفعة لا تتبعضّ، وطلب بعضها ليس طلباً لجميعها، بخلاف السّقوط، فإن الجميع يسقط بوجود سبب السّقوط في بعضه. ومنها: من قال لزوجته: رأسك طالق طلقت كلّها؛ لأنّ الطّلاق لا يتبعّض. وكذلك لو قال: أنت طالق نصف تطليقة تقع طلقة كاملة.

ومنها: إذا عفا مستحقّ القصاص عن بعضه سقط كلّه. وإذا عفا بعض من يستحقّ القصاص سقط القصاص في حقهم جميعاً.

القاعدتان الثلاثون والحادية والثلاثون بعد المئة [غير المتقوم]

القاعدتان الثّلاثون والحادية والثّلاثون بعد المئة [غير المتقوّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يتقوّم شرعاً فالجنس وغير الجنس فيه سواء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما لا يتقوّم شرعاً: هو ما لم يعتبر الشّرع له قيمة أو ثمناً كالخمر والخنزير للمسلم، والميتة عند الكلّ. وهو ما لا تقطع اليد بسرقته. وما يكون متقوّماً شرعاً: هو ما يعتبره الشّرع مالاً له قيمة، وتقطع اليد بسرقة ما يبلغ النّصاب منه. ويقابل قاعدتنا قاعدة تقول: ما يكون متقوّماً شرعاً فالاعتياض عنه جائز (¬2). والمراد بالاعتياض: أخذ العوض أو البدل عنه. فمفاد القاعدتين: أنّ ما لا قيمة له عند الشّرع يستوي فيه الجنس وغيره. وماله قيمة عند الشرع يجوز أخذ التّعويض عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخمر والخنزير وما صنع من آلات اللهو والمعازف لا قيمة لها عند المسلم؛ لأنّ الشّرع لم يجعلها أموالاً في حقّنا، فمن أتلف على مسلم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 52 (¬2) نفس المصدر.

خمراً أو خنزيراً أو آلة لهو فلا ضمان عليه فيها؛ لأنّها غير متقوّمة شرعاً. لكن إذا وجد إمام يقيم شرع الله فله تعزير المتلف لافتياته عليه. ومنها: إذا أتلف مسلم لذمّي خمراً أو خنزيراً فإنّه يغرم قيمته عندهم؛ لأنّه مال متقوّم في حقّهم. ومنها: إذا باع إنسان بقرة أو شاة أو نخلاً - أو غير ذلك ممّا يجوز بيعه - فللبائع حقّ أخذ ثمن ما باع والانتفاع به لأنّه عوض عمّا هو متقوّم شرعاً.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئة [الثابت بالتبعية دون الابتداء]

القاعدة الثّانية والثّلاثون بعد المئة [الثّابت بالتّبعيّة دون الابتداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يثبت ابتداءً ويثبت تبعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (التّابع تابع) المتقدّمة ومتفرّعة عليها. فالّذي يثبت ابتداءً هو أصل، وما لا يثبت ابتداء ولكلى يثبت تبعاً فهو فرع وتابع. لأنّ إثبات الأصول المتبوعة يلزمه شروط قد لا تكون موجودة في التوابع، لكن التّابع يغتفر فيه ما لا يغتفر في المتبوعات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً، ولم يروا الهلال، ففي الوجه الأصحّ أنّه يجوز لهم الإفطار لحصوله ضمناً وتبعاً. ومنها: إذا شهدت نسوة على الفراش - أي على زوجيّة هذه المرأة لهذا الرّجل، فتثبت شهادتهن ويثبت نسب الولد المولود على فراش الزّوج تبعاً لشهادتهنّ على الفراش. ولكن لا نقبل شهادتهن على النّسب ابتداء. ومنها: إذا أوقف وقفاً على نفسه لم يصحّ. لكن لو وقف على الفقراء ثمّ صار منهم فيدخل في الوقف لأنّه جاء تبعاً. وهو الأصحّ. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 544 فما بعدها.

ومنها: لا يجوز تعليق التّمليك ابتداءً، لكن إذا قال: أعتق عبدك هذا إذا جاء الغد على كذا. فقال: إذا جاء الغد فهو حرّ على كذا. صحّ، وإن تضمّن التّمليك.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئة [ما لا يقبل بالانفراد لا يستوفى]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد المئة [ما لا يقبل بالانفراد لا يستوفى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما لا يجوز للرّجل فعله منفرداً به لا يجوز أن يطلب استيفاءه (¬1). وفي لفظ: ما لا يُقبل بالانفراد لا يجوز له طلب استيفائه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من التّصرّفات ما يجب أن يقوم به أكثر من واحد، فما وجب أن يقوم به اثنان، لا يجوز لأحدهما فعله منفرداً، كما لا يجوز له أن يطلب استيفاءه منفرداً. بل لا بدّ أن يقوم به الاثنان معاً، ويطلبا استيفاءه معاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وصَّى اثنين على أولاده أو أمواله، فليس لأحدهما الانفراد بالتّصرّف أخذاً أو إعطاءً؛ لأنّه ما رضي بتدبير أحدهما دون الآخر. ومنها: إذا كان القصاص مشتركاً بين اثنين فلا يجوز أن يقام بدون حضورهما معاً. ومنها: إذا كان وديعة لشخصين فلا يجوز لأحدهما استرداد نصفها دون حضور الآخر. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 149. (¬2) أشباه السيوطي ص 506.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المئة [ما لا يعلق بالشرط]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون بعد المئة [ما لا يعلّق بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يحتمل التّعليق بالشّرط لا يصحّ إيجابه في المجهول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان ما لا يمكن تعليقه بالشّرط كالنّكاح والبيع، والنّسب ممّا لا يحتمل تعليقه بالشرّط. فما لا يمكن تعليقه بالشّرط لا يصحّ ولا يجوز إيجابه في المجهول؛ لأنّ الإيجاب في المجهول بمنزلة التّعليق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لرجل عبدان ولداً في ملكه من أمته، فأقرَّ في صحّته أنّ أحدهما ابنه، ثمّ مات ولم يبيّن، لم يثبت نسب واحد منهما - عند الحنفيّة - ويسعى كلّ واحد منهما في نصف قيمته؛ لأنّه بادعاء البنوّة كان أحدهما حرّاً. ولكن لمّا لم يبيّن اعتبر كلّ واحد منهما أنّه نصف حرّ، فما لم يعتبر في حقّ النّسب اعتبر في حقّ العتق. ولكن عند ابن أبي ليلى أنّه يثبت نسب أحدهما ويورثا ميراث ابن واحد ويوجب على كلّ واحد منهما السّعاية في نصف قيمته. ولكن كيف يثبت نسب أحدهما دون الآخر وهو مجهول؟ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 155.

ومنها: إذا قال: زوّجتك إحدى ابنتي هاتين، لا يجوّز ما لم يبيّن؛ لأنّه إيجاب في مجهول. والنّكاح لا يحتمل التّعليق بالشّرط. ولكن يحتجّ على هذا بقصّة موسى عليه السّلام حيث قال له أب البنتين: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (¬1). ¬

_ (¬1) الآية 27 من سورة القصص.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المئة [ما ينفذ من المكره]

القاعدة الخامسة والثّلاثون بعد المئة [ما ينفذ من المكرَه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يحتمل النّقض ينفذ من المكرَه إذا باشره على وجه لا يُرد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما لا يحتمل النّقض: أي ما لا يقبل الإبطال من التّصرّفات والأقوال. فما لا يقبل النقض والإبطال من التّصرّفات والأقوال ينفذ من المكرَه إذا باشره على وجه وطريقة وتصرّف لا يُرَدّ، كما ينفذ على غير المكره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أجبر القاضي المدين على بيع ماله، فتصرّف به المشتري، ثمّ ظهر أنّ المدين قد أدّى دَيْنه - مثلاً - أو أنّ الشّهود كانوا غير عدول أو عبيداً. فإنّ القاضي يبطل من تصرّف المشتري ما يحتمل النّقض كردّ المبيع إذا كان باقياً. لكن إذا كان المبيع أمةً واستولدها المشتري فتبقى أمّ ولد له؛ لأنّ كونها أمّ ولد له لا يحتمل النّقض ولا الإبطال. ولكن المشتري يغرم عقرها وقيمة ولدها، ويكون الولد حرّاً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1367.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئة [الركن والجبران]

القاعدة السّادسة والثّلاثون بعد المئة [الرّكن والجبران] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يدخل الشّيء ركناً لا يدخله جبراناً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ركن الشّيء: جزء ماهيته وحقيقته. والجبران: هو ما شرع لجبر نقص أو تقصير أو مخالفة، في الحجّ وغيره. فمفاد القاعدة: أنّ الجبران - أو إكمال النّقص - لا بدّ أن يكون من جنس الأركان، فما لم يكن أصله ركناً في العبادة لا يكون جبراناً فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سجود االسّهو شرع لجبر إخلال في الصّلاة. ولكن لما لم يشرع السّجود في صلاة الجنازة لم يشرع سجود السّهو فيها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة واعترض به عليها: الدّماء الواجبة في الحجّ شرعت جبراناً، وهي لا تدخل الحجّ ركناً فيه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 148.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئة [المتعذر الامتناع عنه، العفو]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد المئة [المتعذّر الامتناع عنه، العفو] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يستطاع الامتناع عنه يجعل عفواً (¬1). أو يكون عفواً (¬2). أو فهو عفو (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما لا يستطاع الامتناع منه أو عنه: هو ما لا يمكن الاحتراز عنه، ولا بدّ منه، بحيث لا يقع تحت قدرة المكلّف الامتناع عنه، فما كان كذلك فهو عفوٌ، - أي هو مُسْقَط لا يعتبر في الأحكام ولا يبنى عليه حكم. وهذه بمعنى القاعدة القائلة: لا واجب مع ضرورة أو عجز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جنب اغتسل فانتضح من غُسله في إنائه، لم يفسد عليه الماء؛ لأنّ ذلك لا يمكن الاحتراز عنه. ومنها: إذا انتضح عليه من البول متل رؤوس الإبر لم يلزمه غسله؛ لأنّ فيه بلوى. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 113. (¬2) نفس المصدر جـ 1 ص 46، 86, 90، 94. (¬3) شرح السير ص 1467، 1468، 1545. والمبسوط جـ 3 ص 141.

ومنها: عند نزح بئر سقطت فيها نجاسة، فما قطر من الدلو فيها لا يضرّها للتّعذّر؛ لأنّ النّزح على أنّ لا يقطر منه شيء فيها متعذّر. لكن اليوم يمكن أن يسحب الماء من البئر بواسطة الآلة "الدينمو - الموتور -" فلا يقطر منه شيء فيها. ومنها: إذا حلف لا يدخل دار فلان وهو فيها لم يحنث إذا خرج من ساعته. ومنها: إذا قال لزوجته: متى لم أطلّقك فأنت طالق ثلاثاً. ثمّ قال موصولاً بكلامه. أنت طالق واحدة. فقد برّ في يمينه استحساناً، ولا يقع عليه إلا واحدة. وفي القياس يقع عليها ثلاث؛ لأنّ ما بين يمينه وقوله: أنت طالق واحدة. يوجد وقت موصوف بأنّه لم يطلقّها فيه - وإن لطف - وذلك يكفي شرطاً للحنث. ولكن وجه الاستحسان أنّ البرّ مراد الحالف، ولا يمكنه البرّ إلا بعد أن يجعل هذا القدر من الوقت مستثنى، وهو ما لا يمكن الامتناع عنه. ومنها: إذا أحرقنا حصون المشركين أو أغرقناها بالماء فذلك جائز، ولو كان فيها أسرى من المسلمين أو مستأمنين صغاراً أو كباراً، نساءً أو رجالاً؛ لأنّه لا طريق للتّحرّز عن إصابتهم مع امتثال الأمر بقهر المشركين.

وإن هلك بعضهم فلا شيء على المسلمين في ذلك؛ لأنّ هلاكهم غير مقصود. ومنها: أنّ الذّمّي ممنوع من إدخال الخمر والخنزير إلى أمصار المسلمين، لكن إذا مرّ بذلك في سفينة في نهر مثل النّيل أو دجلة والفرات فمرّ بها في وسط مدائن المسلمين لم يمنع من ذلك؛ لأنّ هذا الطّريق الأعظم لا بدّ له من المرور فيه.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئة [التابع]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد المئة [التّابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يستقلّ بنفسه تبع لما يستقلّ بنفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (التّابع تابع) ومتفرّعة عليها. فمن الأشياء ما يستقلّ بنفسه بأن يكون له حكم بانفراده. ومنها ما لا يستقلّ بنفسه، بل يكون تابعاً لغيره. فما لا يستقلّ بنفسه ويكون تابعاً لغيره في وجوده فهو تابع له في أحكامه، ولا يجوز إفراده بالحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجنين في بطن الدّابّة لا يستقلّ بنفسه، فهو تابع للدّابّة يدخل في البيع معها، ولا يجوز بيعه بانفراده. ومنها: المفتاح مع القفل غير مستقل بنفسه، فهو تابع للقفل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الجنين في بطن الأَمَة غير مستقلّ بنفسه في الحال، ولكن مع ذلك يجوز عتقه دونها، ويجوز الهبة والوصيّة له؛ لأنّه على وشك الانفصال عنها، والاستقلال بنفسه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 17.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئة [التابع لا يستثنى]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد المئة [التّابع لا يستثنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يصحّ إفراده بالعقد لا يصحّ استثناؤه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج أيضاً تحت قاعدة (التّابع تابع) ولها صلة وثيقة بسابقتها، فالّذي لا يصحّ إفراده بالعقد هو ما لا يستقل بنفسه. وما لا يستقلّ بنفسه يكون تبعاً للمستقلّ، وما كان تبعاً فكما لا يصحّ إفراده بالعقد لا يصحّ استثناؤه وإخراجه من العقد على متبوعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما سبق ذكره من أنّ الحمل في بطن الدّابّة لا يصحّ إفراده بالعقد فكذلك لا يصحّ استثناؤه عند بيع متبوعه. ومنها: الصّوف على ظهر الغنم، واللّبن في الضّرع، لا يصحّ استثناؤهما من العقد عند بيع الغنم؛ لأنّه لا يجوز إفراد الصّوف بالعقد وهو ما زال على ظهر الغنم، كما لا يجوز إفراد اللبن بالبيع وهو ما زال في الضّرع. ومنها: لا يصحّ بيع الجارية دون حملها، وإذا كانت حاملاً بِحرًّ لا يجوز بيعها قبل الوضع. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 95 أ.

القاعدة الأربعون بعد المئة [مفسد الصلاة]

القاعدة الأربعون بعد المئة [مفسد الصّلاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يصلح للصّلاة فمباشرته مفسدة للصّلاة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بمفسدات الصّلاة ومبطلاتها: وهي تجمل ذلك بأنّ كلّ ما لا يصلح للصّلاة، أي كلّ ما ليس من جنس الصّلاة وأفعالها إذا فعله المصلّي وباشره فإنّه مفسد ومبطل لصلاته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأكل والشّرب لا يصلح للصّلاة فمن أكل أو شرب وهو في الصّلاة بطلت صلاته. ومنها: الكلام - بغير القرآن والذّكر اللازم للصّلاة - لا يصلح للصّلاة فمن تكلّم في صلاته عامداً بطلت صلاته. فمن نادى ابنه واسمه يحيى وهو في صلاته فقال: يا يحيى مريداً النّداء، بطلت صلاته. ومنها: الحركة الكثيرة والمشي مفسد للصّلاة لأنّه لا يصلح لها. ومنها: من كان في صلاته ففتح كتاباً - غير القرآن - وأخذ يقرأ فيه ولو بغير صوت - بطلت صلاته. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 171.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة [غير المضمون]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئة [غير المضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يضمن بمثله ولا بقيمته لا يضمن (¬1). كالحشرات. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّمان: هو التّعهّد بأداء القيمة أو الثّمن أو المثل. والأشياء منها ما هو مضمون بأحد هذه الثّلاثة - فهذا له قيمة - وهو متقوّم - كما سبق بيانه قريباً -. ومنها ما ليس بمضمون وهو غير المتقوّم أو الشّيء الّذي لا قيمة له. فما ليس بمتقوّم فهو غير مضمون على متلفه لا بقيمته ولا بمثله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحشرات كالذّباب والبعوض والصّراصير غير مضمونة لأنّه لا قيمة لها ولا مثل. ومنها: إذا قتل المحرم ما كان مؤذياً بطبعه كسباع البهائم والحيّة والعقرب والغراب والحدأة والفأر، فهذه ليس في قتلها جزاء على المحرم؛ لأنّها غير مضمونة بالمثل ولا بالقيمة. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 343.

ومنها: ما لا يؤذي بطبعه، ولكن لا يؤكل لنجاسته وقذارته أو استقذاره كالرّخم والدّيدان، فلا أثر للحرم ولا للإحرام فيه، ولا جزاء فيه إن قتله؛ لأنّ هذه ليست بصيد ولا مثل لها ولا قيمة.

القاعدة الثانية والأربعون بعد المئة [القول لمن يعلم]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد المئة [القول لمن يعلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يعلم إلا من جهة الشّخص فالقول قوله فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المعنى والدّلالة؛ لأنّ ما لا يعلم إلا من قبل شخص واحد، ومن جهته، فإنّ قوله مقبول فيه مع يمينه. ولا يقبل قول غيره فيه لأنّه رجم بالغيب. ولأنّ غيره لا يمكنه معرفته ولا الاطلاع عليه، كما أنّه لا يمكن إقامة البيّنة عليه. ولذلك وجب قبول قوله فيه، واليمين قائمة مقام البيّنة في حقّه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن حضت فأنت طالق. فقالت: حضت. فقولها مقبول مع يمينها؛ لأنّ هذا لا يعرف إلا من جهتها. ومنها: إذا تزوّج امرأة من وليِّها، ثمّ مات الزّوج عنها. فقال وارث الزّوج: إنّ وليَّك زوّجك بغير إذنك فنكاحك باطل، ولا إرث لك. فقالت: بل زوّجني بإذني ولي الميراث. فالقول قولها مع يمينها؛ لأنّ إذنها لا يعلم إلا من جهتها. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 149.

ومنها: إذا قالت: قد انقضت عدَّتي. فيقبل قولها، إذا كان ذلك في مدّة الإمكان. ومنها: إذا قال الأب: أنا محتاج للنّكاح، صُدِّق بلا يمين، ووجب على الولد إعفافُه.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئة [دليل التحريم]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد المئة [دليل التّحريم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لم يقم عليه دليل التّحريم فلا حرج فيه، في الزّمان الشّاغر عن حملة العلوم بتفاصيل الشّريعة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّحريم: حكم شرعي مفاده المنع من إتيان ما منع الشّرع إتيانه أو ارتكابه، ولا يثبت التّحريم إلا بدليل قطعي؛ لأنّ المحرم يترتّب الإثم على ارتكابه. والوقوع فيه، كما يترتّب الأجر والثّواب على تركه واجتنابه، فهو مقابل للواجب والمفروض. ومفاد القاعدة: أنّه إذا خلا زمن عن العلماء وحملة الشّريعة العالمون بتفاصيل أحكام الشّرع، والتبس على النّاس الحرام والحلال، فإنّه لا حرج على النّاس في الإقدام على التّصرّفات أو الأفعال التي لم يقم عليها دليل يفيد التّحريم قطعاً أو ظنّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم شخص أو جماعة يعيشون في بلاد الكفر، ولم يجدوا مسلماً عالماً يعلّمهم شرائع الإسلام وأحكامه، ولا من يبيّن لهم الحلال والحرام فلا يجوز لهم أن يحرّموا على أنفسهم شيئاً لم يقم عليه دليل ¬

_ (¬1) غياث الأمم ص 359.

يحرّمه. ولا حرج عليهم في أفعالهم وتصرّفاتهم - حتى لو شربوا الخمر أو أكلوا الخنزير أو زنوا أو فعلوا شيئاً من المنكرات أو أكلوا الرّبا. لأنّه لا تحريم إلا بدليل كما أنّه لا واجب إلا بدليل.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المئة [العبادة والنية]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد المئة [العبادة والنّيَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يكون إلا عبادة لا يحتاج إلى نيَّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة متفرّعة على قاعدة (الأعمال بالنّيّات) أو (الأمور بمقاصدها) فإنّ ما يكون عبادة فلا بدّ له من النّيَّة إذا كان لهذه العبادة مثيل في العادة كالصّلاة والصّوم؛ لأنّ النّيَّة إنّما شرعت لتمييز العبادات على العادات. لكن إذا كان الفعل لا يكون إلا عبادة وليس له مثيل في العادة فإنّه لا يحتاج إلى النّيَّة المخصّصة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإيمان بالله تعالى والخوف منه والرّجاء فيه وما أشبه ذلك فهذه عبادات لا تحتاج إلى النّيِّة؛ لأنّه لا مثيل لها في العادات. ومنها: نيَّة العبادة عبادة ولا تحتاج إلى نيَّة، وإلا لزم التّسلسل. ومنها: الأذكار وقراءة القرآن عبادات لا تحتاج إلى نيّة، إلا إذا كانت منذورة فتحتاج إلى النّيَّة لتخصيصها. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 4 عن الأشباه ص 30 على شرح ابن وهبان للمنظومة بلفظه، وينظر أشباه السيوطي ص 12. وينظر الوجيز ص 127.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئة [التصرفات غير اللازمة]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئة [التّصرّفات غير اللازمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يكون لازماً من التّصرّفات يكون لدوامه حكم الابتداء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّصرّفات منها لازم بمعنى أنّه لا ينفكّ عن المتصرّف، ومنها ما لا يكون لازماً بمعنى أنّه يجوز انفكاكه على المتصرّف وخلّوه منه. فما كان من التّصرّفات منفكّاً غير لازم للمتصرّف فإن الدّوام عليه والاستمرار يأخذ حكم ابتدائه في وجوب الالتزام بشرائطه وبناء الحكم عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوكالة: ومعناها: التّصرّف على الغير فيما يخصّه. هي عقد غير لازم. لكن إذا وكّل شخص آخر في عمل ما فإنّ شروط هذه الوكالة يجب اعتبارها ما دامت الوكالة قائمة. ولا تتقيّد الوكالة بالمجلس. وكذلك الإذن. ومنها: الإذن. فمن أذن لولده الصّغير أو لعبده في التّجارة فالإذن مستمر ما لم يقع حجر بعد ذلك. وللمأذون التّجارة فيما أُذن له فيه، في النّوع أو البلدة فلا يجوز له المخالفة ما دام الإذن باقياً. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 91 ب.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المئة [التقييد غير المفيد]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد المئة [التّقييد غير المفيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يكون مفيداً من التّقييد لا يعتبر (¬1). وبالمقابل: التّقييد متى كان مفيداً فهو معتبر (¬2). وينظر قواعد حرف التّاء رقم 193. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: شرعت القيود في العقود دفعاً للضّرر عن المتعاقدين أو أحدهما، أو جلباً للنفع لهما أو لأحدهما، فإذا قيَّد أحد المتعاقدين العقد بشرط غير مفيد له ولا لصاحبه، فإنّ هذا القيد أو هذا الشّرط لا يعتبر شرعاً ولا يعتدّ به؛ لأنّ ما ليس بمفيد لا يعتبر شرعاً. فوجوده كعدمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كفل بنفس شخص فقال: أدفعه لك عند القاضي. فدفعه عند الأمير، أو العكس، صحّ وقد برئ من الكفالة؛ لأنّ المقصود تمكّنه من إثبات الحقّ عليه بالحجّة، والاستيفاء منه بالقوّة. ومنها: إذا أُخبر الشّفيع أنّ الثّمن ألف درهم فسلَّم الشّفعة - أي رفضها وأبطلها - فإذا هو مئة دينار ثمنها ألف درهم، سقطت الشّفعة، ولا عبرة باختلاف النّقدين لأنّهما في المعنى جنس واحد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 179. وجـ 14 ص 106. (¬2) نفس المصدر جـ 16 ص 26.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المئة [القرب غير المقصودة]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد المئة [القُرَب غير المقصودة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يكون مقصوداً بنفسه من القُرَب لا يصير ديناً في الذّمّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القُرَب: جمع قُرْبة. بضم القاف وهي العبادة التي يُتَقَرَّب بها إلى الله سبحانه وتعالى. والقُرَب أنواع منها ما هو مقصود بنفسه كالصّلاة والصّوم، ومنها ما لا يكون مقصوداً بنفسه وإنّما يأتي تبعاً لغيره، ومتمّماً له. فما كان من العبادة مقصوداً بنفسه وتركه المكلّف فلم يفعله في وقته صار ديناً في ذمّته، لا تبرأ ذمّته منه إلا بأدائه أو قضائه. لكن ما كان غير مقصود بنفسه وتركه المكلّف فلم يفعله سقط عنه ولا يلزمه قضاؤه، ولا أداؤه بعد ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإطالة في القيام للصّلاة أو في القراءة أو في الرّكوع أو السّجود عبادة غير مقصودة بنفسها, لأنّ المقصود القيام والقراءة المفروضة والرّكوع والسّجود في أدنى ما يجب، فمن صلّى ولم يُطِل القيام أو لم ¬

_ (¬1) عن التحرير جـ 1 ص 65، 66، القواعد والضوابط ص 493.

يطل القراءة أو الرّكوع أو السّجود، فلا تصير تلك الإطالة ديناً في ذمّته يجب عليه أداؤه. ومنها: قراءة القرآن عبادة مقصودة في الصّلاة وخارجها، لكن تحسين الصّوت بالقراءة والتّرتيل الكامل عبادة غير مقصودة فمن قرأ القرآن ولم يحسن صوته بقراءته أو لم يرتّل ترتيلاً كاملاً فقراءته صحيحة، ولا يصير تحسين الصّوت أو التّرتيل الكامل ديناً في ذمّته يجب عليه أداؤه.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئة [الإثبات بالشرط]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد المئة [الإثبات بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يمكن إثباته إلا بشرط فإذا وقعت الحاجة إلى إثباته يقدّم شرطه عليه لا محالة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط مقدّم في ثبوته ووجوده على المشروط، فلا يجوز للشّرط أن يتأخّر وجوده على المشروط. فمفاد القاعدة: أنّ ما لا يمكن إثباته إلا بوجود شرطه، فإنّه إذا وقعت الحاجة إلى إثباته، فلا بدّ من تقدّم وجود شرطه عليه قطعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لغيره: اعتق عبدك عنّي على ألف - فأعتقه. يقدّم التّمليك منه على نفوذ العتق منه ضرورة كونه - أي التّمليك - شرطاً في المحل. ومنها: الطّهارة بالنّسبة للصّلاة، فإذا قال له: صلّ فيستدعي ذلك تقديم الطّهارة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 69.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المئة [المتعذر استعماله]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد المئة [المتعذّر استعماله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يمكن استعماله كالمعدوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما لا يمكن استعماله: أي يستحيل ويتعذّر استعماله، فحكمه حكم المعدوم المفقود من حيث عدم الاعتداد، وعدم بناء الأحكام عليه؛ لأنّ التّكليف بالمستحيل مستحيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد مريد الحجّ أو العمرة لبس فعل فلم يستطع لبسها لضيقها، أو كانت لغيره، فله لبس الخفّ، ولا فدية عليه. ومنها: إذا وجد ماءً في بئر، ولم يجد الدّلو أو الرّشاء - أي الحبل - لتناوله، فله التّيمّم؛ لأنّه لا يمكنه استعمال الماء. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 303.

القاعدة الخمسون بعد المئة [الاعتبار بالغير]

القاعدة الخمسون بعد المئة [الاعتبار بالغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يمكن اعتباره بنفسه اعتبر بغيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من الأشياء ما يمكن أن تُقَوَّم بنفسها لشهرتها بين النّاس أو لكثرة وجودها. ومنها ما لا يمكن اعتباره بنفسه لندرته أو لقلّة وجوده، أو لانعدامه في محلّه، فهذا يكون تقويمه واعتباره بغيره من الأشياء التي تقاربه؛ لأنّ (ما قارب الشّيء أعطي حكمه). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجناية على الحرّ إذا لم يكن لها أرش مقدّر وفيها حكومة تعتبر بالجناية على الرّقيق؛ لأنِّ الحرّ لا يقوَّم وإنّما يقوَّم الرّقيق. ومنها: الماء إذا وقع فيه نجاسة مائعة توافقه في الصّفات، قدِّر بغيره فيما لو كان مخالفاً له إذا كان يغيّره فنجس وإلا فلا. ومنها: إذا كان له رُطَب لا يتّخذ منه ثمر - كالبلح الحلوة - ففى اعتبار النّصاب به إمّا أن يقوَّم رطباً، أو تعتبر حالة جفافه كغيره. ففي الاعتبار بنفسه أو بغيره وجهان. ومنها في قول: يقدّر الخمر خلاً، الخنزير شاة. عند التّقويم. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 148، وينظر أشباه السيوطي ص 354.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [تعذر الاحتراز]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [تعذّر الاحتراز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يمكن التّحرّز عنه يجعل عفواً (¬1). أو معفو عنه (¬2). أو الاحتراز. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثيل لهذه القاعدة بلفظ: ما لا يستطاع الامتناع منه - أو عنه - فهو عفو. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المستحاضة تصلّي وإن قطر الدّم منها؛ لأنّه لا يمكنَ التّحرّز منه. وكذلك من استطلق بطنه، ومن به سلس البول. ومنها: إذا شهدوا على رجل بشرب الخمر - وقد زالت الرّائحة ببعد المسافة عن القاضي - قبلت شهادتهم؛ لأنّ ذلك لا يمكن التّحرّز عنه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 139. (¬2) الإشراف جـ 1 ص 25، 103 عن قواعد الفقه ص 160، والمبسوط جـ 9 ص 172.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المئة [ما لا يؤثر فيه الرق]

القاعدة الثّانية والخمسون بعد المئة [ما لا يؤثر فيه الرّق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يملك المولى على عبده فالعبد فيه ينزل منزلة الحرّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثيل لهذه القاعدة بلفظ: (ما لا يؤثر فيه الرّق). السّيّد يملك عبده وتصرّفاته فلا يتصرّف العبد إلا بإذن السّيّد كالزّواج والبيع والشّراء وأشباهها. ولكن توجد أشياء لا يملكها السّيّد على عبده؛ لأنّ لا يؤثر فيها الرّقّ، فالعبد فيها كالحرّ سواء. ولا يمكن للسّيّد إبطال تصرّف العبد فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلّق العبد زوجته - حرّة أو رقيقة - لا يملك السّيّد إبطال هذا الطّلاق. فالعبد والحرّ في الطّلاق سواء. ومنها: الإقرار، إذا أقرّ العبد بالسّرقة فلا يمكن للسّيّد إبطال إقراره، ويؤخذ العبد بما أقرّ وتقطع يده. ومنها: إذا كان عبد مأذون وأقرّ بديون فإنّه يؤخذ بها إذا لم يكن في المال الموجود معه وفاء، أو يفديه السّيّد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 183.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد المئة [مانع الإذن]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد المئة [مانع الإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يمنع ابتداء الإذن لا يمنع بقاءه بطريق الأولى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإذن بالتّجارة للعبد والصّغير المميّز جائز، ولكن قد تقوم موانع تمنع من الإذن ابتداءً، فهذه تمنع بقاءه بطريق الأَوْلى كالسّفه والإتلاف. ولكن إذا وجدت أسباب لا تمنع الإذن ابتداءً، فهذه لا تمنع بقاءه واستمراره بطريق الأَولى كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العبد السّفيه المتلف أو المبذّر لا يؤذن له في التّجارة ابتداءً، فكذلك لو طرأ عليه السّفه والإتلاف، يحجر عليه بعد الإذن. ومنها: العبد المجنون لا يؤذن له، فإذا طرأ عليه الجنون بعد الإذن حجر عليه. ومنها: العبد إذا أُذن له ثم أَبق - أي هرب من سيّده - ففي بقاء إذنه خلاف، فعند زفر بن الهذيل رحمه الله أنّه يبقى مأذوناً لأنّ إباقه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 33.

غير مانع من إذنه عنده، وما لا يمنع ابتداء الإذن لا يمنع بقاءه بطريق الأولى. وعند باقي أئمة الحنفيّة يعتبر إباقه الطّارئ حَجراً على تصرّفه وإلغاء الإذن السّابق؛ لأنّ إباقه يُجعل دلالة على حجره، ودلالة الحجر كالتّصريح به. كما أنّ دلالة الإذن كالتّصريح به. ومنها: الرّقّ لا يمنع ابتداءً النّكاح فكذلك لا يمنع بقاءه بطريق الأولى، فإذا أقرَّتِ امرأة مجهولة النّسب أنّها أمة لفلان، وصدَّقها، كانت أمَة له، لكن إذا كانت متزوّجة فإنّ نكاحها يبقى. فإقرارها بالرّقّ لا يبطل نكاحها؛ لأنّ ذلك حقّ الزّوج.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد المئة [ما لا يوقف عليه]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد المئة [ما لا يوقف عليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لا يوقف عليه في حكم المعدوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من قاعدة سبقت قريباً. فما لا يوقف عليه: هو ما لا يمكن العثور عليه وإيجاده، لكونه مفقوداً، والمفقود لا يمكن استعماله. فالمفقود له حكم المعدوم. فلا ينتظر، ولا يبنى عليه حكم؛ فإنّ ما لا يستطاع العثور عليه ولا إيجاده، فانتظار وجوده عبث، والشّرع منزّه عن ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن قتل لقيطاً عمداً فعند أبي يوسف رحمه الله لا يقتصُّ منه، وتلزمه الدّيّة لبيت المال؛ لأنّ القصاص للولي، وولي اللقيط مجهول لا يوقف عليه. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: يجب القود، والإمام هو ولي مَن لا وليّ له، وإذا ثبت أن السّلطان هو الولي تمكّن من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 219.

استيفاء القصاص. ولكن يجوز للسّلطان أن يعفو عن القصاص ويلزم القاتل الدّيّة لبيت مال المسلمين، وليس للإمام أن يعفو عن القصاص بغير مال. ومنها: إذا خرج إلينا حربي أسلم ودخل دارنا فقتله إنسان عمداً فعلى قاتله القصاص عندهما كاللّقيط.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة [مال المسلمين لا يغنم]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئة [مال المسلمين لا يغنم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مال المسلمين لا يصير غنيمة للمسلمين بحال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا يجوز للمسلم أن يقاتل أخاه المسلم بغير تأويل. فإذا وقع القتال بين المسلمين بتأويل، أو لأنّ إحدى الطّائفتين بغت على الأخرى فقاتلها المسلمون كما أمر الله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬2). ففي مثل هذه الأحوال لا يجوز أن تأخذ الطّائفة المنتصرة أموال الطّائفة المهزومة وتجعلها غنيمة تقسمها بين الغانمين. بل يجب ردّ هذه الأموال إلى أربابها أو إلى ورثتهم؛ لأنّ مال المسلمين لا يصير غنيمة للمسلمين بحال. والأصل في ذلك فعل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قاتل أهل الشّام والخوارج وفي وقعة الجمل لم يجعل مال أحد منهم غنيمة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1035، وعنه قواعد الفقه ص 117. (¬2) الآية 9 من سورة الحجرات.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المئة [نزول الجزاء]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد المئة [نزول الجزاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لم يتيقّن من وجود الشّرط بعد اليمين لا ينزل الجزاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بالتّعليق بالشّرط. ومفادها: أنّ الجزاء لا يجوز أن ينزل بالمحلوف عليه إلا إذا وجد الشّرط الذي علِّق عليه الجزاء قطعاً ويقيناً. وإذا لم يتيقّن من وجود الشّرط ويقطع به فلا يجوز تحقّق الجزاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن دخلت الدّار أو كلّمت فلاناً، أو فعلت كذا فأنت طالق. فلا يقع الطّلاق عليها ما لم يتحقّق من وقوع الشّرط ووجوده من الدّخول أو التّكليم أو الفعل المحلوف عليه. ومنها: إذا قال القائد: مَن قتل قتيلاً فله سلبه. فادّعى أحدهم أنّه قد قتل هذا القتيل، فلا يستحقّ السّلب بمجرّد قوله. بل لا بدّ من إقامة البيّنة على أنّه قتله. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 109.

القاعدة السابعة والخمسون بعد المئة [ما ليس بمحدد شرعا]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد المئة [ما ليس بمحدَّد شرعاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لم يرد فيه الشّرع بتحديد يتعيّن تقريبه بقواعد الشّرع (¬1). وفي لفظ آت: ما ليس بمقدّر شرعاً يجعل تبعاً لما هو مقدّر شرعاً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حدّد الشّرع مقادير كثير من الأشياء كالكفّارات، والحدود، والعدد، وغير ذلك من المقدّرات الشّرعيّة، ولكن هناك أمور لم يرد فيها من الشّرع تقدير أو تحديد، فهذه يجب أن تحدّد وتقدّر وتعيّن بناء على قواعد الشّرع العامّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المشاق التي توجب التّخفيف منها ما ورد في الشّرع حكمه كالتّأذّي بالقمل في الحجّ جعله الشّرع مبيحاً للحلق ووجوب الفدية، فأي مرض أو أذى مثله أو فوقه أباح الحلق كذلك وإلا فلا. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 120. (¬2) المبسوط جـ 26 ص 83.

ومنها: السّفر مبيح للفطر بالنّصّ فهل يعتبر به غيره المشاقّ؟ الصّحيح لا؟ لأنّ الحكمة وهي المشقّة هنا لا تصلح علَّة لبناء الحكم عليها. لتفاوتها بحسب الأشخاص والأحوال والظّروف. ومنها: من باع عبداً واشترط أنّه كاتب، يكفي في هذا الشّرط مسمّى الكتابة ولا يحتاج إلى المهارة فيها. ومنها: خوف الغرق في البحر أو عدم الاطمئنان إلى أمن الطّريق يسقط وجوب الحجّ عن القادر عليه إذا غلب على ظنّه ذلك، أو أخبره ثقة بعدم أمن الطّريق، ولا طريق غيره.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المئة [حكم البدل]

القاعدة الثّامنة والخمسون بعد المئة [حكم البدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لم يُقْدر على الأصل لا يسقط حكم البدل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل والبدل لا يجتمعان، فلا ينتقل إلى البدل إلا عند عدم وجود الأصل أو عند عدم القدرة على استعماله. ويبقى حكم البدل ما دام الأصل غير مقدور عليه، فحكم البدل لا يسقط إلا عند القدرة على الأصل المُبدل منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من عليه كفّارة يمين فلم يستطع العتق أو الإطعام أو الكسوة ينتقل إلى الصّوم. فما لم يقدر على العتق أو الإطعام أو الكسوة، فكفّارته الصّيام قطعاً مهما طال عليه الزّمن. ومنها: المتيمّم إذا وجد الماء وبينه وبين الماء سبع أو عدو لا ينتقض تيمّمه، وله التّيمّم مهما طال الوقت؛ لأنّ الماء لا يستطاع الوصول إليه. ومنها: مَن لم يستطع القيام في صلاته، فصلاته جائزة قاعداً أو مضطجعاً أو على جنب، فلا يجب عليه القيام قبل القدرة والاستطاعة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 241.

القاعدة التاسعة والخمسون بعد المئة [مجال العرف والعادة]

القاعدة التّاسعة والخمسون بعد المئة [مجال العرف والعادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لم يكن له حدّ في اللغة ولا في الشّرع فالمرجع فيه إلى عرف النّاس (¬1). وفي لفظ: ما ورد في الشّرع مطلقاً من غير تحديد ولا حدّ له في اللغة ولا في الشّريعة فيجب الرّجوع فيه إلى العرف والعادة (¬2). وتأتي قريباً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: توجد أمور حدّد الشّرع مقاديرها كالصّلوات والكفّارات والحدود وأشباه ذلك، وتوجد أمور يُعرف تحديدها باللغة كحدّ الوجه في الوضوء، وكأسماء الأشياء كالشّمس والقمر والبحر والسّماء والأرض، ومنه ما يعلم بالشّرع كالمؤمن والمنافق والكافر. وهناك أمور لم يجعل الشّرع لها حدّاً، كما أنّه ليس لها في اللغة أيضاً، فهذه مردّ تحديدها إلى عرف النّاس وعاداتهم الجارية بينهم، وقد يختلف التّحديد باختلاف الشّيء المراد تحديده، وباختلاف الأشخاص والأحوال، فالعرف قاضٍ في ذلك. ¬

_ (¬1) القواعد النّورانيّة ص 111. (¬2) المغني جـ 1 ص 308.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القبض الوارد في الحديث "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه" (¬1). فالقبض المقصود في الحديث لم يحدّده الشّرع، وليس له تحديد في اللغة، فمرجع تحديده إلى العرف والعادة. ومنها: الحرز في السّرقة يختلف باختلاف الشّيء المسروق وعادة النّاس في الحفظ واختلاف الحروز. ومنها: البيع والإجارة والهبة ونحوها من العقود لم يحدّد الشّارع لها حدّاً لا في كتاب الله ولا في سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا نقل عن أحد من الصّحابة والتّابعين أنّه عيَّن للعقود صفة مُعَيَّنة الألفاظ أو غيرها، أو قال ما يدلّ على ذلك من أنّها لا تنعقد الأ بالصّيغ الخاصّة، وليس لذلك حدّ في لغة العرب. فإذا لم يكن له حدّ في الشّرع ولا في اللغة كان المرجع فيه إلى عرف النّاس وعاداتهم، فما سَمَّوه بيعاً فهو بيع، وما سمّوه هبة فهو هبة. فالنّاس يتبايعون ويستأجرون كيف شاؤوا ما لم تحرّم الشّريعة. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي بهذا اللفظ. ينظر المنتقى جـ 2 ص 324 الحديث رقم 2820.

القاعدة الستون بعد المئة [إثبات حكم البيع]

القاعدة السّتون بعد المئة [إثبات حكم البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما لم يكن موجوداً في ملكه لا يمكن إثبات حكم البيع فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله عليه الصّلاة والسّلام لحكيم بن حزام رضي الله عنه: "يا حكيم لا تبع ما ليس عندك" (¬2). فما لم يكن موجوداً في ملك الإنسان وقادراً على تسليمه لا يمكن إثبات حكم البيع فيه؛ لأنّ حكم البيع إنّما يثبت في مبيع موجود ومقدور التّسليم. وكان ذلك كذلك لئلا يقع النّزاع والتّخاصم عند عدم القدرة على التّسليم، وغير ذلك من الأسباب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أبيعك عشرين طنّاً من الأرز - وهي ليست عنده ولا في ملكه - فالبيع باطل وإن قبل المشتري. ومنها: إذا قال: أبيعك ما في هذه البحيرة من السّمك. فالبيع باطل كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 15. (¬2) الحديث رواه الخمسة، ينظر المنتقى جـ 2 ص 321 - 322 حديث رقم 2808، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه وقال الترمذي: حسن صحيح.

القاعدة الحادية والستون بعد المئة [ما يجري فيه القصاص]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد المئة [ما يجري فيه القصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما له مفصل أو حَدٌّ مضبوط من الأعضاء جرى فيه القصاص. وما لا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القصاص: معناه المماثلة والمتابعة، فقتل القاتل وجرح الجارح، وقطع القاطع قصاص. فمفاد القاعدة: أنّ القصاص في الأعضاء إنّما يكون في عضو له مفصل أو حدّ مضبوط، وما لم يكن له مفصل أو حدّ مضبوط ففيه حكومة عدل وأرش. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع إنسان عمداً من الكوع ففيه القطع؛ لأنّ له مفصل. ومنها: إذا قلع سنّاً، فيقلع من الجاني مثله. ومنها: إذا قطع لسانه، قطع لسانه قصاصاً. ومنها: إذا قطع يده من العضد أو السّاعد فلا قصاص؛ لأنّه لا مفصل ولا حدّ، ويجب فيها حكومة عدل، أو تقطع اليد من الكوع أو من المرفق وفي الزّائد حكومة عدل، كما لو قطع يده من الكفّ. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 485.

القاعدة الثانية والستون بعد المئة [قسمة المال الواحد]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد المئة [قسمة المال الواحد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المال الواحد إذا قوبل بشيئين مختلفين بعقد المعاوضة ينقسم على مقدار قيمتهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا باع شيئين مختلفين بثمن واحد فإنّ هذا الثّمن ينقسم على مقدار قيمتهما إذا اختلفت القيمتان، وذلك عند استحقاق أحد الشّيئين، أو وجود عيب فيه يوجب الرّدّ، إذا رضي البائع والمشتري بردّ أحدهما دون الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج رجل بامرأتين على ألف درهم، فالألف بينهما على قدر مهر كلّ واحدة منهما. فإن طلّقهما قبل الدّخول كان لهما نصف الألف بينهما على قدر مهريهما. ومنها: إذا اشترى فرسين بعشرة آلاف، ثمّ ظهر أنّ إحدى الفرسين بها عيب يوجب الرّدّ، فتقسم العشرة الآلاف على قيمة كلّ من الفرسين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 93.

القاعدة الثالثة والستون بعد المئة [المال والشبهات]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد المئة [المال والشّبهات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المال يثبت مع الشّبهات (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للمال أحكام تخصّه، يختلف بها عن أمور أخرى، من هذه الأحكام التي تخصّ المال أنّه يثبت مع وجود الشّبهة في إثباته بخلاف الحدود - مثلاً - فهي لا تثبت مع وجود أدنى شبهة؛ لأنّ الحدود تدرأ بالشّبهة، وأمّا المال فلا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل رجل شخصاً آخر عمداً ثمّ ادّعى أنّه قتله دفاعاً عن النّفس أو العرض أو المال، ولكن لا توجد بيِّنة تؤكّد مدعاه، فدعوى أنّه قتله دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله شبهة في إسقاط القصاص عنه، ولكن ما لم يأت ببيِّنة تؤكّد ذلك فعليه الدّية في ماله - لأنّ الدّية - وهي مال - لا تسقط بالشّبهة. ومنها: قتله ثمّ ادّعى أنّ قتله كان خطأ - وهو غير متعمّد لقتله - فمع وجود هذه الشّبهة يسقط القصاص، ولكن يجب المال - أي الدّيّة -. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 136.

القاعدة الرابعة والستون بعد المئة [القربة وغيرها]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد المئة [القربة وغيرها] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ليس بقربة لا يقام مقام القربة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقُربة كلّ عبادة بدنيّة أو ماليّة يتقرّب بها العبد إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ابتغاء الأجر والثّواب. فما ليس بقربة يدخل في باب العادة، أو الأفعال العاديّة التي لا تكون عبادة، فهذه لا يجوز إقامة بعضها مقام عمل عبادي يتقرّب به إلى الله سبحانه وتعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّيام بنيَّة النّسك قربة يثاب عليها العبد، وأمّا الإمساك عن الطّعام بنيّة الحمية ودفع الأذى، أو بسبب أمر الطّبيب بذلك فلا يكون هذا الإمساك على الطّعام والامتناع عنه قربة يتقرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى. ومنها: مَن أراد الحجّ فوقف على كلّ جبل من جبال الدّنيا، ولم يقف على عرفات في اليوم التّاسع من ذي الحجّة لا يعتبر وقوفه ولا يعتبر مؤدّياً فريضة الحجّ. ومنها: السّجود على الذّقن أو الخدّ ليس بقربة أصلاً، فلا يجوز التّنفّل به، ولا يصار إليه عند العجز عن السّجود على الجبهة والأنف. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 157.

القاعدة الخامسة والستون بعد المئة [ضمان ما ليس بمال]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد المئة [ضمان ما ليس بمال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ليس بمال لا يضمن بمال بالشّهادة الباطلة (¬1). وفي لفظ: ما ليس بمال لا يضمن بمال أصلاً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هاتان القاعدتان بمعنى واحد وإن كانت إحداهما أبين من الأخرى وأعمّ. فمفادهما: أنّ ما ليس بمال - أي الشّيء الذي لا قيمة ماليّة له، أو لا يدخل تحت تقويم المقومين، فهذا إذا أتلف علي صاحبه فهو غير مضمون على المتلف؛ لأنّ ما يضمن هو ما كان مالاً أصلاً، ويدخل تحت تقويم المقومين، وهذا ليس بمال فلا قيمة له، وليس على متلفه ضمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شهدا على أنّ هذا عبد لهذا، وهو يدّعي الحرّيّة - فقضى القاضي بعبوديّته بشهادتهما، ثمّ رجعا على شهادتهما، لم يضمنا شيئاً؛ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 15. (¬2) المبسوط جـ 26 ص 92.

لأنّهما ما أتلفا على المشهود عليه شيئاً، وإنّما أبطلا حرّيّته، والحرِّيَّة لا تضمن بالمال. ومنها: لو شهدوا بنسب أو أولاد ثمّ رجعوا لم يضمنوا كذلك. ومنها: الحرُّ لا قيمة له؛ لأنّه ليس بمال، فمن سرق صبيّاً أو غصبه وحبسه فمات عنده بغير فعل منه، فهو غير ضامن له (¬1). ولكن لولي الأمر معاقبته على سرقته أو غصبه بما يراه رادعاً. ومنها: إذا زنى رجل بِحُرَّة فحبلت منه وماتت في الولادة أو في النّفاس فإنّ الزّاني لا يضمن شيئاً (¬2). لكن إذا قامت البيّنة على زناه يقام عليه حدّ الزّنا. ومنها: رجل خدع صبية وذهب بها إلى موضع لا يعرف، فإنّ الرّجل يحبس حتى يأتي بها أو يعلم أنّها قد ماتت (¬3). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 309. (¬2) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 338. (¬3) نفس المصدر ص 243.

القاعدة السادسة والستون بعد المئة [أخذ بغير شرط]

القاعدة السّادسة والسّتّون بعد المئة [أخذ بغير شرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ليس بمشروط يجوز أخذه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستئجار على الطّاعات عند كثير من العلماء لا يجوز، كالاستئجار على الحجّ، أو الإمامة في الصّلاة، أو تعليم القرآن أو الأذان. لكن مفاد القاعدة: أنّ من قام عن غيره بأداء طاعة وقربة ممّا تجوز فيه النّيابة، ولم يشترط على عمله أجراً، ثمّ إنّ المنوب عنه أعطاه شيئاً بعد أداء العمل - بدون شرط - فذلك جائز، وله أن يأخذه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الاستئجار على الحجّ لا يجوز عند الحنفيّة - خلافاً للشّافعي رحمه الله الذي يرى جواز ذلك - لكن إذا حجّ عن غيره بأمره ولم يشترط عليه شيئاً، وبعد أن أتمّ الحجّ أعطاه المحجوج عنه مالاً جاز له أخذه؛ لأنّ هذا يعتبر نفقة لا أجرة. ومنها: الإمام والمؤذّن لا يجوز أن يستأجرا على الإمامة والأذان، لكن إن أُعطِيا مالاً بدون شرط مسبق جاز لهما أخذه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 159.

القاعدة السابعة والستون بعد المئة [غير المفيد]

القاعدة السّابعة والسّتّون بعد المئة [غير المفيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ليس بمفيد لا يعتبر شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة قريباً بلفظ (ما لا يكون مفيداً من التّقييد لا يعتبر). وينظر القاعدة 145. وهناك بيانها وأمثلتها. وينظر من قواعد حرف العين القاعدة رقم 47. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 241.

القاعدة الثامنة والستون بعد المئة [ما ليس بمقدر]

القاعدة الثّامنة والسّتّون بعد المئة [ما ليس بمقدّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ليس بمقدّر شرعاً يجعل تبعاً لما هو مقدّر شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بما ليس بمقدّر: ما لم يرد فيه تحديد أو تقدير من الشّرع. وقد سبق قريباً مثل هذه القاعدة بلفظ (ما لم يرد فيه الشّرع بتحديد يتعيّن تقريبه بقواعد الشّرع). فما ليس له تقدير أو تحديد في الشّرع وكان متّصلاً بما قدّره الشّرع فإنّه يعتبر تابعاً له، وليس له تقدير أو تحديد في نفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قطع يد إنسان من الكفّ فإنّ الكفّ ليس لها تقدير في الشّرع، وإنّما ورد التّقدير للأصابع. فعلى القاطع أرش الأصابع فقط، والكفّ يعتبر تابعاً لها، ولا أرش فيها، وذلك لأنّ أرش الأصابع - أي ديّتها وتعويضها - ثابت بالنّصّ شرعاً، والكفّ لم يرد عن الشّرع فيها تقدير. ومنها: لو قطع اليد من نصف السّاعد فيجب نصف الدّية بقطع الأصابع، والسّاعد ليس له أرش مقدّر فيكون تبعاً لما له أرش مقدّر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 83.

كالكفّ - وهذا عند أبي يوسف رحمه الله تعالى، وهو الظّاهر عند الحنابلة ومالك وبعض أصحاب الشّافعي رحمه الله، وأمّا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ففي السّاعد حكومة عدل زيادة على نصف الدّية؛ لأنّ السّاعد ليس تبعاً للأصابع. وعند القاضي أبي يعلى رحمه الله في الزّائد عن الكوع حكومة عدل، كرأي أبي حنيفة ومحمد (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 402.

القاعدة التاسعة والستون بعد المئة [الغرر، غير المقصود]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد المئة [الغرر، غير المقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ليس بمقصود إذا وقع فيه غرر لم يفض إلى مفسدة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكلّ عقد مقصود وهدف يقصده العاقدان ويهدفان إليه، ولكن قد يتبع المقصود الرئيس من العقد ما هو غير مقصود - أي يأتي تبعاً -، فإذا وقع في المقصود من العقد غرر ما فللمغرور الرّدّ وإبطال العقد؛ لما يؤدّي إليه وجود الغرر من المفسدة، ولكن إذا وقع الغرر فيما ليس بمقصود فلا يجوز إبطال العقد؛ لأنّ وجود هذا الغرر في غير المقصود لا يؤدي إلى مفسدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع الثّمار قبل بدو صلاحها منهي عنه للغرر، وما يمكن أن يصيب الثّمرة من الآفات، ولكن بعد بدو الصّلاح يجوز البيع، مع أنّه قد يصيب الثّمرة آفة بعد ذلك، ولكن لمّا كان هذا نادراً ويسيراً لم يعتبر في الحكم. ¬

_ (¬1) القواعد النّورانيّة ص 137.

ومنها: جواز إبقاء الثّمر بعد البيع على الشّجر إلى كمال الصّلاح. ومنها: أنّ العوض عمّا ليس بمال ليس بواجب أن يعلم - كما يعلم الثّمن والأجرة - وممّا ليس بعوض عن مال الصّداق - أي مهر المرأة - لأنّه عوض عن منافع البُضع، وهي غير محدودة. ومنها: مال الكتابة والفدية في الخلع، والصّلح عن القصاص، والجزية والصّلح مع أهل الحرب. فالأموال في هذه ليست هي المقصود الأعظم. ومنها: إذا ابتاع أرضاً وفيها شجر أو زرع لم يدرك يجوز البيع إذا كان مقصوده الأرض.

القاعدة السبعون بعد المئة [غير الواجب]

القاعدة السّبعون بعد المئة [غير الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ليس بواجب لا يصير بالإشهاد واجباً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب - كما سبق بيانه - ما يلزم بفعله الثّواب، وبتركه العقاب. وهو ما طلب الشّارع فعله طلباً جازماً. فما لم يوجبه الشّرع ولم يطلب فعله طلباً جازماً أو لم يوجبه. المكلّف على نفسه بسبب مشروع فليس بواجب، ولا يمكن أن يصير بالإشهاد عليه واجباً؛ لأنّ الإشهاد لا يوجب شيئاً لم يوجبه الشّرع أو المكلّف على نفسه, لأنّ الإشهاد هو مثبت ومبيّن لما يحتاج إلى الإثبات والبيان فقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لا حقَّ لي عليك، فأشهد لي عليك بألف درهم، وقال الآخر: أجل لا حقَّ لك عليَّ، ثمّ أشهد له بألف درهم، والشّهود يسمعون ذلك كلّه، فهذا باطل، فلا يلزمه شيء ولا يسع الشّهود أن يشهدوا عليه؛ لأنّه بما تقدم من تصادقهما على انتفاء حقّه تبيّن أنّ المراد به الزّور والباطل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 122.

ومنها: إذا قال لشهوده: أشهدوا عليّ أنّي قتلت فلاناً عمداً، ويجب عليَّ القصاص - وفلان حيّ موجود -، فهذه شهادة زور باطلة لا يبنى عليها حكم؛ لأنّه يكذبها الواقع، ولا توجب على المشهود عليه قصاصاً ولا دية.

القاعدة الحادية والسبعون بعد المئة [مجال العادة والعرف]

القاعدة الحادية والسّبّعون بعد المئة [مجال العادة والعرف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما ليس فيه معيار شرعي اعتبرت فيه العادة العامّة (¬1). وفي لفظ آت: ما ورد في الشّرع مطلقاً من غير تحديد، ولا حدّ له في اللغة ولا في الشّريعة يجب الرّجوع فيه إلى العرف والعادة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً أنّ ما لم يردّ فيه بيان أو تقدير من الشّرع، ولا يعرف له تقدير أو بيان في اللغة فإنّ مجال الاعتبار فيه هو العادة والعرف العام. فهذه القاعدة تؤكّد ذلك وتفيد أنّ ما ليس فيه معيار أو تقدير شرعي إنّما يعتبر بالعادة والعرف، وتحكم فيه العادة. وهذه القاعدة متفرّعة على القاعدة الكلّيّة الكبرى (العادة محكَّمة) وقد سبق بيانها وينظر من قواعد حرف العين القواعد: 2، 3، 4. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 264 الفرق 192، وتهذيب الفروق جـ 3 ص 269. (¬2) المغني جـ 1 ص 308.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحرز في السّرقة لم يرد له تحديد في الشّرع ولا في اللغة؛ لاختلاف الحروز باختلاف الأشياء المحروزة وباختلاف البيئات وعادات النّاس، فما اعتبرته العادة العامّة حرزاً فتقطع اليد بسرقة ما فيه، وما لا فلا. إذا بلغ المسروق نصاباً.

القاعدتان الثانية والثالثة والسبعون بعد المئة [المانع للدوام والابتداء]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والسّبعون بعد المئة [المانع للدّوام والابتداء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما منع الدّوام منع الابتداء (¬1). وفي لفظ: المانع الطّارئ هل هو كالمقارن. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: من الموانع ما يمنع ابتداء الحكم أو التّصرّف، ومنها ما يمنع دوام الحكم أو التّصرّف واستمراره. ومنها ما يمنع الابتداء والدّوام. فمفاد القاعدة الأولى: بيان أنّ ما منع دوام الحكم أو التّصرّف واستمراره يمنع أيضاً ابتداءه بطريق الأولى. وأمّا مفاد القاعدة الثّانية: فهو هل إذا حصل وطرأ مانع على التّصرّف هل يعتبر كالموجود عند ابتداء االتّصرّف فيبطل التّصرّف أو لا يبطله؟ الرّاجح أنّه كالمقارن. وينظر القاعدة رقم 27 من قواعد حرف القاف. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تزوّج صغيرة فأرضعتها زوجة له كبيرة انفسخ نكاح الصّغيرة؛ لأنّها صارت بنتاً للزّوج بالرّضاع، وكذلك لو أرضعتها قبل ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 317. المنثور جـ 2 ص 347، أشباه السيوطي ص 185.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

العقد لم يصحّ العقد. فالرّضاع المحرّم يمنع الزّواج ابتداءً ودواماً. ومنها: وجود الماء في أثناء الصّلاة بالتّيمّم يمنع دوام صلاته في قول، وإذا وجد الماء قبل الصّلاة بالتّيمّم بطل تيمّمه إجماعاً. ومنها: من ملك زوجته انفسخ نكاحها. وكذلك لو ملك جارية لما جاز له العقد عليها إنّما يطأها بملك اليمين. ومنها: الحدث يمنع صحّة الصّلاة والطّواف ابتداءً، فإذا طرأ عمده عليهما قطعهما. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا أحرم الإنسان زال ملكه عن الصّيد - على الأصح -؛ لأنّ الإحرام يمنع دوام ملك الصّيد لكن لو اشترى صيداً صحّ ملكه - في وجه - ويجب عليه إطلاقه في الحال. ففي هذا المثال خالف حكم الابتداء حكم الاستمرار والدّوام. ومنها: إذا طلع الفجر على مريد الصّوم وهو مجامع فنزع في الحال صحّ صومه، ولكن لو جامع في أثناء الصّوم بطل صومه. ومنها: الإسلام يمنع الاسترقاق ابتداءً ولكن لا يمنعه دواماً، أي إذا استرق الكافر ثمّ أسلم وهو رقيق فلا يمنع إسلامه بقاء رقّه. ومنها: إذا أحرم المتزوّج لم يمنع إحرامه استمرار نكاحه، لكن لو قارن الزّواج ابتداء الإحرام منع.

القاعدتان الرابعة والخامسة والسبعون بعد المئة [تحريم المنفعة والبيع والإجارة]

القاعدتان الرّابعة والخامسة والسّبعون بعد المئة [تحريم المنفعة والبيع والإجارة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما منفعته محرّمة لا يجوز الاستئجار على فعله (¬1). وفي لفظ: ما يحرم بيعه لا تجوز إجارته (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: تتعلّق هاتان القاعدتان ببعض أحكام الإجارة والاستئجار. فمفاد أولاهما: أنّ ما كانت منفعته محرّمة فإنّه لا يجوز الاستئجار على فعله؛ لأنّ الاستئجار على فعله فيه إبقاء للمنفعة المحرّمة واستمرار لها. والمسلم مأمور بإزالة المحرّم، لا بإبقائه واستمراره. ومفاد ثانيتهما: أنّ ما حرَّم الشّارع بيعه لا يجوز إجارته؛ لأنّ الإجارة نوع من البيع وهو بيع المنافع، فإنّ ما حرَّم الشّارع بيعه حرَّم كلّ أوجه الانتفاع به، وبالتّالي حرَّم منفعته. ولهاتين القاعدتين صلة بقواعد سابقة: متل قاعدة (ما حَرُم فعله حَرُم طلبه) و (ما حَرُم استعماله حَرُم اتّخاذه). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الزّنا والزّمر والنّوح والغناء محرّمات فلا يجوز الاستئجار على ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 550. (¬2) نفس المصدر ص 552.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

فعل أي منها. ومنها: لا يجوز الاستئجار على كتابة شعر محرّم ولا بِدعة ولا ما يدعو إلى الفسق، فالاستئجار على طباعة الكتب والمجلات المفسدة حرام؛ لأنّ فعلها حرام وكتابتها حرام. ومنها: لا يجوز حمل الخمر والخنزير لمن يشربها أو يأكله. ومنها: لا يجوز إجارة الكلب والخنزير بحال؛ لأنّه لا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها، إلا الكلب الذي يباح اقتناؤه. ومنها: لا تجوز إجارة ما لا يقدر على تسليمه؛ لأنّه لا يجوز بيعه كذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: الحرّ لا يجوز بيعه ويجوز أنّ يؤجر نفسه. ومنها: لا يجوز استئجار الدّيك ليوقظه لوقت الصّلاة، وإن كان بيعه يجوز. ومنها: الوقف لا يجوز بيعه ويجوز إجارته.

القاعدة السادسة والسبعون بعد المئة [السبب والنية]

القاعدة السّادسة والسّبعون بعد المئة [السّبب والنّيَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما نصبه الشّارع سبباً من قول أو فعل هل تقوم النّيَّة مقامه أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما نصبه الشّارع سبباً: أي ما جعله صاحب الشّرع سبباً. نصب الشّارع وأقام أسباباً بنى عليها أحكاماً، فإذا وجد السّبب وجد الحكم، فما جعله الشّارع سبباً لحكم من الأحكام سواء أكان هذا السّبب قولاً أم فعلاً، فإذا وجد وجد الحكم لا محالة، إلا إذا وجد مانع. فالبلوغ أقامه الشّارع سبباً لتعلّق التكاليف بذمّة الإنسان، إلا إذا بلغ مجنوناً أو معتوهاً، فلا تكليف. وغروب الشّمس وزوالها نصبه الشّارع سبباً لتعلّق الصّلاة بذمّة المكلّف. والإتلاف جعله الشّرع سبباً لوجوب الضّمان على المتلف. ولفظ الطّلاق جعله الشّرع سبباً لحلّ عقد الزّوجيّة، وهكذا، ولكن موضوع القاعدة إذا كانت الأفعال أو الأقوال تصلح أسباباً بجعل الشّرع فهل يمكن أن تقوم النّيَّة والقصد القلبي مقام الأسباب الظّاهرة في ترتّب ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 376، المجموع المذهّب لوحة 24 ب، المنثور جـ 3 ص 299، قواعد الحصني جـ 1 ص 244 فما بعدها، أشباه السيوطي ص 39.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الأحكام عليها؟ خلاف، والأصحّ والأرجح أنّه لا تقوم النّيَّة مقام السّبب القولي أو الفعلي في بناء الأحكام عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نوى إنسان أن يقتل شخصاً فهل تقوم النّيَّة مقام الفعل في وجوب القصاص أو الدّية؟ لا تقوم النّيَّة مقام الفعل هنا بالإجماع، لكن يترتّب على هذه النّيّة الإثم. ومنها: إذا نوى طلاق امرأته بقلبه ولم يتلفّظ بلفظ الطّلاق فهل تطلق المرأة؟ عند جمهور الفقهاء أنّ الطّلاق لا يقع ما لم يتلفّظ. ولكن في رواية عند مالك رحمه الله تعالى أنّ الطّلاق يقع (¬1). ومنها: إذا قصد الخيانة في اللقطة، فهل يقوم مقام الخيانة الفعليّة حتى يصير ضامناً؟ فيه وجهان عند الشّافعيّة، ومثلها الوديعة، والصّحيح أنّه لا يضمن إلا أنّ يتّصل بنيّته نقل من الحرز. ومنها: إذا أحيا أرضاً بنيّة جعلها مسجداً فبمجرّد النّيّة صارت مسجداً، ولا تحتاج إلى لفظ، كما في الوقف. وهنا عملت النّيّة عمل الفعل واللفظ. ومنها: إذا نوى قطع قراءة الفاتحة في الصّلاة مع سكتة يسيرة، فإنّه يبطل القراءة على الصّحيح، وأمّا مع عدم السّكوت فلا يؤثّر قطعاً. ¬

_ (¬1) ينظر عقد الجواهر الثّمينة جـ 2 ص 168.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا نوى قطع السّفر في أثناء القصر، فإذا عزم على الإقامة بموضعه، أو الرّجوع إلى وطنه انقطع سفره، وكان ابتداء سفره من هناك إذا سافر. ولكن يشترط في نيَّة الإقامة بموضعه أن يكون موضعه صالحاً للإقامة. ومنها: إذا نوى بمال التّجارة القنية، انقطع حول التّجارة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: النّذر والطّلاق لو نواهما بقلبه ولم يتلفّظ لم ينعقد النّذر ولا يقع الطّلاق ورأينا أنّ الطّلاق يقع في رواية عند مالك رحمه الله. ومنها: من عزم على المعصية ولم يفعلها أو لم يتلفّظ بها لا يأثم. ولكن هذا فيه اختلاف، والأرجح المؤاخذة بالعزم دون حديث النّفس وما دونه من المخاطر والهاجس ما لم يتكلّم أو يعمل.

القاعدة السابعة والسبعون بعد المئة [المانع الطارئ]

القاعدة السّابعة والسّبعون بعد المئة [المانع الطّارئ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المانع الطّارئ هل هو كالمقارن (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً بيان هذه القاعدة وأمثلتها تحت قاعدة (ما منع الدّوام منع الابتداء). فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 468.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المئة [اجتماع المانع والمجوز]

القاعدة الثّامنة والسبّعون بعد المئة [اجتماع المانع والمجوز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المانع من الجواز إذا استوى بالمجوز يترجّح المانع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المانع في اللغة: الحاجز بين الشّيئين. وعند الأصوليّين: هو الوصف الظّاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه لذاته. والمجوز: هو الدّليل الدّال على جواز وإباحة الفعل أو القول. ولهذه القاعدة صلة بقواعد اجتماع الحلال والحرام. فمفاد القاعدة: أنّه إذا اجتمع المانع والمبيح أو المجوز، وكان المانع أقوى رجّح جانب المانع، وأمّا إذا كان المبيح أقوى حجّة ودليلاً قُدِّم المبيح ورُجِّح جانبه. لكن إذا تساويا في القوّة يترجّح جانب المانع، وذلك لأنّ وجود المانع دليل التّحريم، وقد سبق بيان أنّه إذا اجتمع المبيح والمحوم رجّح جانب المحرم قطعاً؛ لأنّ درء مفسدة المحرَّم مقدّم على جلب مصلحة المبيح. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 142 - 144.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت الأضحية مقطوعة الأذن فإن كان الذّاهب من الأذن الأقلَّ جازت التّضحية بها. وأمّا إن كان الذّاهب والباقي متساويين فلا تجزئ الأضحية بها لاستواء المانع والمجوز. ومنها: إذا نسج ثوب بحرير وقطن متساويين لا يجوز لبسه للرّجال، لوجود المانع والمجوّز بالتّساوي.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المئة [المشورة]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد المئة [المشورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما هلك قوم عن مشورة (¬1). حديث ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المشورة: على زنة معونة. من شار يشور إذا أبدى ما عنده فيه من المصلحة. والشّورى: اسم منه أيضاً، ووزنها "فُعْلى". قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬2). والشّورى من صفات المؤمنين، أي لا يستأثر أحد بشيء دون غيره (¬3). وقال الرّاغب الأصفهاني (¬4): التّشاور والمشاورة والمشورة: استخراج الرّأي بمراجعة البعض إلى البعض، ومنه قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬5). والشّورى: الأمر الذي يتشاور فيه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 63. (¬2) الآية 38 من سورة الشّورى. (¬3) المصباح مادة (شرت). (¬4) الرّاغب هو أبو القاسم حسين بن محمَّد بن المفضل الأصفهاني أحد أئمة السّنة صاحب كتاب المفردات في غريب القرآن. وهو متوفى سنة 502 هـ. (¬5) الآية 159 من سورة آل عمران، مفردات الرّاغب مادة (شور) بتصرّف.

هذه القاعدة قيل: هي نصّ حديث نبوي كريم، لكن هذا الحديث روي بروايات أخرى منها: "رأس العقل بعد الإيمان التّودّد إلى النّاس، وما يستغني رجل عن مشورة". رواه البيهقي في الشّعب، والعسكري (¬1)، والقضاعي (¬2) عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه. ورواه البيهقي أيضاً على علي بن زيد (¬3) مرسلاً. كما رواه العسكري أيضاً عن ابن جدعان (3) بلفظ "ولن يهلك بدل وما يستغني". وفي رواية "وما شقي عبد قط بمشورة" (¬4). والحديث ورد بطرق مختلفة يقوّي بعضها بعضاً. ¬

_ (¬1) العسكري أبو الحسن علي بن سعيد - منسوب إلى مدينة عسكر سرمرَّى بالعراق - محدّث كان من الحفّاظ، صنّف كتاب الشّيوخ والمسند، توفّي بنيسابور سنة 300 هـ. تاريخ أصبهان جـ 2 ص 12. (¬2) القضاعي زيد بن حبيب بن سلامة أبو عمرو، محدّث من الشّافعيّة من أهل الإسكندرية، له كتاب الفرائد في الحديث توفي سنة 433 هـ. الأعلام جـ 3 ص 57، عن هدية العارفين جـ 1 ص 376. (¬3) علي بن زيد بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري - أصله حجازي - وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ضعيف من الرّابعة. مات سنة 131 هـ وقيل قبلها. التّقريب جـ 2 ص 37، وتهذيب التّهذيب جـ 7 ص 322 فما بعدها. (¬4) ينظر مزيل الإلباس جـ 1 ص 421 - 424 مختصراً، وينظر المقاصد الحسنة ص 22 - 223.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ومفاد الحديث: إنّ من يشاور النّاس لا يهلك ولا يخطئ؛ لأنّه يشارك بعقله ورأيه عقول النّاس وآراءهم. ولذلك أمر الله عزّ وجلّ رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالمشاورة - مع استغنائه عليه الصّلاة والسّلام عنها بالوحي - ولكن تعليماً لأمّته، وبياناً لأهمّيّة المشورة ومكانتها. فقال سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬1) ومدح المؤمنين فقال عزّ من قائل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أراد أن يتزوّج فعليه أن يستشير الأمناء فيمن يتزوّج، فيسأل عنها، وعن أهلها حتى يطمئنّ إلى دينها وخُلُقها وعنصرها وبيئتها ووسطها الاجتماعي الّذي تعيش فيه، فيقدم على الزّواج منها. ومنها: مشاورة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه الّذين خرجوا معه لرصد عير قريش قبيل معركة بدر، حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: "أشيروا عليَّ أيّها النّاس". وكرّرها ليعرف ردّ الأنصار. والقضيّة معروفة. ¬

_ (¬1) الآية 159 من سورة آل عمران، مفردات الرّاغب مادة (شور) بتصرّف. (¬2) الآية 38 من سورة الشّورى.

القاعدة الثمانون بعد المئة [شرط الابتداء]

القاعدة الثّمانون بعد المئة [شرط الابتداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما هو شرط ابتداء الشّيء لا يكون شرط بقائه لا محالة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط سابق في وجوده على المشروط، والمشروط تالٍ في وجوده للشّرط، وما كان مشروطاً بشرط فيجب أن يكون شرطه متحقّقاً عند ابتداء الفعل، كالصّلاة شرط صحّتها الطّهارة، فيجب وجودها وتحقّقها عند ابتداء الصّلاة وافتتاحها. ولكن من الشّروط ما يجب بقاؤه واستمراره مع المشروط حتى نهاية الفعل. كالطّهارة مع الصّلاة، ولكن من الشّروط ما لا يشترط استمرارها وبقاؤها، لكن لا بدّ من وجودها عند ابتداء الفعل أو التّصرّف، وهذا هو موضوع قاعدتنا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّراضي شرط لصحّة العقد، ولكن لا يلزم بقاء التّراضي بعد تمام العقد، فقد يتزوّج رجل امرأة بتراضٍ بينهما ولكن قد يطرأ على هذا التّراضي ما يبطله، لكن لا يبطل عقد النّكاح ببطلان التّراضي بعد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 179.

تمام العقد، وكذلك عقد البيع والإجارة والوكالة وغيرها. ومنها: عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: لو أنّ غلاماً أدرك وهو مصلح قد أونس منه الرّشد فدفع إليه وصيُّه أو القاضي ماله وسلّطه عليه ثمّ فسد بعد ذلك وصار ممّن يستحقّ الحجر، فعند أبي حنيفة رحمه الله لا يخرج المال من يده، ولا يحجر عليه - خلافاً لصاحبيه - لأنّ عند أبي حنيفة رحمه الله: إنّ ما هو شرط ابتداء الشّيء لا يكون شرط بقائه لا محالة، وهنا سُلَّم له ماله عند إيناس رشده، فلا يلزم بقاء هذا الشّرط بعد ذلك.

القاعدة الحادية والثمانون بعد المئة [الموهوم]

القاعدة الحادية والثّمانون بعد المئة [الموهوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما هو موهوم الوجود يجعل كالمتحقّق فيما بني أمره على الاحتياط (¬1). وفي لفظ: الموهوم فيما يبنى على الاحتياط كالمتحقّق (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى الاحتياط: وهو أخذ الحيطة - أي الحفظ. فقد بنى الشّارع الحكيم أموراً على الاحتياط مراعاة لجانب الحظر، سواء في ذلك بعض المعاملات وبعض العبادات. فما بنى أمره على الاحتياط جعل الشّارع الأمر الموهوم وجوده كالمتحقّق، وذلك إبراءً للذّمّة وبعداً عن المحرّمات والمشتبهات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع صبرة طعام صبرة طعام مجازفة، حتى لو تبيّن بعد الكيل أنّهما متساويان، فلا يجوز العقد فيهما؛ لأنّ المماثلة بين الربويات شرط يجب تحقّقه عند العقد. أي أنّ المعتبر لجواز عقد الرّبويات العلم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 191. (¬2) نفس المصدر جـ 14 ص 13.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

بالمساواة عند العقد. وباب الرّبا مبني على الاحتياط - كما تقدّم بيانه - فتوّهم المساواة كتحقّق المفاضلة. ومنها: خطب امرأة ثمّ توهّم أو أخبره من لا يثق به أنّها محرّمة عليه برضاع أو نسب فالأولى له تركها احتياطاً؛ لأنّ باب النّكاح أيضاً مبناه الاحتياط للفروج. لكن إن كان دخل بها فلا يجب عليه مفارقتها إلا بعد التّيقّن، لكن إن أراد مفارقتها من باب الورع فذلك جائز. ومنها: إذا شهد اثنان على رجل أنّه قتل آخر عمداً ووقع الشّكّ في شهادة أحدهما لتهمة أو فسق، فلا يجوز القصاص من المتّهم بالقتل؛ لأنّه قد وجدت شبهة دارئة، والدّماء مبناها على الاحتياط كذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذ خرص عليه الرّطب فأعطاه الفقراء رطباً - زكاة - ثمّ جفّ عندهم، وجفّ عند المالك أيضاً - أي أصبع الرّطب تمراً - أجزأه، ولا يلزمه استرداده ثمّ دفعه إليهم مرّة ثانية.

القاعدة الثانية والثمانون بعد المئة [إزالة أثر العبادة]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد المئة [إزالة أثر العبادة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما هو أثر العبادة يكره إزالته (¬1). وفي لفظ: ما يكون صفة العبادة يكره إزالته (¬2). وهذا عند الشّافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أثر العبادة أو صفتها: ما ينتج عن العبادة من آثار في جسم الإنسان العابد فما كان من آثار ونتائج العبادة يكره إزالته ومحوه، والكراهة هنا للتّنزيه لا للتّحريم؛ لأنّه لم يرد في ذلك نهي صريح يقتضي تحريماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يكره عند الشّافعي رحمه الله السّواك آخر النّهار أو بعد الّزوال لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك" (¬3). والسّواك يزيل أثر الخلوف الّذي هو من أثر الصّوم. ومنها: كذلك يكره إزالة دم الشّهيد، ولذلك فالشّهيد لا يغسل بل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 99. (¬2) نفس المصدر جـ 4 ص 122. (¬3) الحديث متّفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يدفن بدمه، كما هو. وغسل الشّهيد محرم, لأنّ بقاء الدّم ليكون شاهداً له على خصمه يوم القيامة. ومنها: يكره إزالة الشّعث والاغبرار عن المحرم، لقوله صلّى الله عليه وسلّم حينما سُئل ما الحاجّ فقال: "الشّعث التفل" (¬1). واستعمال الدّهن والطّيب يزيل هذا الوصف فلذلك حُرِّم الطّيب والدّهن للمحرم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا دهن المحرم شقاق رجله بزيت أو دهن أو شحم لم يكن عليه شيء؛ لأنّ قصده التّداوي، والتّداوي غير ممنوع منه في حال الإحرام. ¬

_ (¬1) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أخرجه البيهقي في السنن جـ 5 ص 93 الحديث 9110.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المئة [الدفع على صفة]

القاعدة الثّالثة والثّمانون بعد المئة [الدّفع على صفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما وجب دفعه على صفة فأَخلّ بها عند الدّفع لم يجز بل لا بدّ من استرداده ودفعه على وجهه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما أوجب الشّارع دفعه أي إخراجه على صفة أو حال مخصوصة فلا يجوز الإخلال بهذه الصّفة أو هذه الحال حين الدّفع والإخراج. فمن دفع موصوفاً بصفة خاصّة أو حال خاصّة بغير الصّفة أو الحال المطلوبة وجب عليه أن يستردّ ما دفعه ممّن دفعه إليه، ثمّ يدفعه ويخرجه على الوجه الشّرعي الواجب، وإلا لم تبرأ ذمّته، ولم يؤدّ ما وجب عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الهدي - سواء التّطوعيّ أم الواجب - يجب على المهدي أن يختاره أولاً على الصّفة الشّرعيّة الواجبة، ثمّ يجب عليه أن يذبحه، ثمّ يدفعه إلى الفقراء أو المستحقين، لكن لو دفعه إلى مستحقّيه وهو حيّ فذبحوه فلا يجزئه، بل عليه أن يستردّه منهم، ثمّ يدفعه إليهم ثانية؛ لأنّه يجب عليه أن يسلّمه لهم مذبوحاً. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 157.

ومنها: إذا دفع بنت مخاض معجلة عن خمس وعشرين ثمّ في آخر الحول صارت ستّاً وثلاثين، وصارت بنت المخاض بنت لبون، فيجب عليه استردادها ثمّ دفعها ثانية للمستحقّين. ومنها: إذا كان له دين علي فقير فأعطاه دينه من الزّكاة لم يجز، بل طريقه أن يدفع إليه الزّكاة ثمّ يدفعها إليه الفقير عن دينه.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد المئة [القديم والصفة القديمة]

القاعدة الرّابعة والثّمانون بعد المئة [القديم والصّفة القديمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: أولاً: ما وجد على صفة لا يغيَّر عنها إلا بحجّة ملزمة (¬1). وفي لفظ: ما وجد قديماً يترك كذلك ولا يغيّر إلا بحجّة (¬2). أو لا يجوز تغييره إلا بدليل موجب لذلك (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (القديم يترك أو يبقى على قدمه ولا يغيّر إلا بحجّة) والّتي سبقت ضمن قواعد حرف القاف تحت الرّقم 29. فما وُجد على صفة خاصّة أو حال مخصوصة فلا يجوز تغييره عن صفته أو حاله الّتي وُجد عليها إلا بحجّة ملزمة موجبة للتّغيير؛ إذ كون الشّيء وُجد على صفة خاصّة دليل على أنّ هذه الصّفة إنّما اتّفق على وصف هذا الشّيء بها، وإنّ مَن وضعها إنّما وضعها لغرض وفائدة تخصّه، وبسبب مشروع، فلذلك لا يجوز أن تغيّر هذه الصّفة أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 200. (¬2) المبسوط جـ 19 ص 4. (¬3) شرح السير ص 1529.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الحال إلا بدليل قوي موجب للتّغيير، كأن يثبت أنّ تلك الصّفة أصبحت تجرّ ضرراً أو تسبّب خطراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان نهر يجري بين قوم معروفين فهو خاصّ بهم فلا يحلّ لغيرهم فيه شرب إلا ببيِّنة أو اتّفاق ملزم. ومنها: إذا كان نهر يصبّ في أجمة - وهي أرض منخفضة تنبت فيها الأشجار - ويسقي أرض قوم غير أهل الأجمة، ولا يدرى كيف كان حاله، ولا لمن كان أصله، فتنازع أهل الأرض وأهل الأجمة، فهو يقضى به بين أصحاب الأرض بالحصص، وليس لهم أن يقطعوه على أهل الأجمة، وليس لأهل الأجمة أن يمنعوه من المسيل في أرضهم؛ لأنّ النّهر إنّما يحفر لسقي الأراضي في العادة، فالظّاهر فيه شاهد لأصحاب الأراضي، وهم المنتفعون به، ولكن لأهل الأجمة نوع منفعة أيضاً، فلا يكون لأصحاب الأراضي قطع ذلك عنهم. ومنها: إذا كان حائط بين شخصين تنازعا فيه، ولأحدهما فيه اتّصال تربيع، وللآخر عليه جذوع، فالحائط لصاحب الاتّصال، وليس له أن يكلّف الآخر رفع جذوعه؛ لأنّ له منفعة في ذلك. ولكن إذا تبيّن أنّ وضع الجذوع يضرّ بالحائط ضرراً بيِّناً ويغلب على الظّنّ سقوطه إذا لم ترفع الجذوع، فإنّ صاحب الجذوع يجبر على رفعها.

القاعدة الخامسة والثمانون بعد المئة [مجال العادة والعرف]

القاعدة الخامسة والثّمانون بعد المئة [مجال العادة والعرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ورد في الشّرع مطلقاً من غير تحديد، ولا حدّ له في اللغة ولا في الشّريعة يجب الرّجوع فيه إلى العرف والعادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً بيان هذه القاعدة تحت لفظ: (ما ليس فيه معيار شرعي اعتبرت فيه العادة العامّة). وينظر الوجيز ص 281 - 282. وقاعدة (ما لم يكن له حدّ في اللغة) القاعدة 158. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 308.

القاعدة السادسة والثمانون بعد المئة [توسعة الشرع]

القاعدة السّادسة والثّمانون بعد المئة [توسعة الشّرع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما وسَّعه الشّرع فضيَّقه المكلَّف على نفسه هل يتضيّق (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرع ورد بالتّيسير ونفي الحرج والتّضييق، فإذا ورد الشّرع بأمر وسع فيه ويسَّره فضيّقه المكلّف على نفسه وعسَّره فهل يتضيّق؟ أي هل يكون تضييق المكلّف على نفسه ملزماً له، أو لا يكون ملزماً؟ أو هل يجوز تضييق ما وسّعه الشّرع؟ خلاف في المسألة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع من المكلّف أحداث - جمع حَدث وهو الموجب للطّهارة - فنوى بالطّهارة بعضها، فهل يرتفع الجميع أو لا يرتفع إلا ما نواه؟؛ لأنّه لو نوى الجمع ارتفع جميعها - وهذا من التّيسير -. في هذه المسألة خلاف. والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه لا يرتفع جميعها وإنّما يرتفع ما نواه فقط. ومنها: إذا نذر صلاة النّفل قائماً - وصلاة النّفل تجوز جالساً مع القدرة على القيام - وهذا من توسيع الشّرع، فلمّا نذر الصّلاة قائماً ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 158.

فقد ضيَّق على نفسه. قال بعض الشّافعيّة: لا تنعقد صلاته؛ لأنّ القعود رخصة، وهو قد التزم ترك الرّخصة، وهذا لا يجوز. وقال آخرون منهم: تنعقد صلاته؛ لأنّه أراد زيادة الطّاعة بالقيام. ومنها: إذا قال: أصلّي بطهارة حدث مخصوص صلاة واحدة. كان له أن يصلّي بهذه الطّهارة ما شاء ما لم يحدث. وهنا اتّفاق على أنّ ما ضيّقه على نفسه لا يتضيّق.

القاعدة السابعة والثمانون بعد المئة [الحرج]

القاعدة السّابعة والثّمانون بعد المئة [الحرج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يؤدي إلى الحرج يكون موضوعاً عن المكلّفين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت القاعدة الكليّة الكبرى (المشقّة تجلب التّيسير) الآتية قريباً إن شاء الله تعالى. والأدلّة على نفي الحرج في الشّريعة من الكتاب والسّنّة كثيرة جدّاً، ومن أوضحها الإجماع على عدم التّكليف بالشّاقّ ومشروعيّة الرّخص. فكلّ ما يؤدّي إلى الحرج والتّضييق على المكلّفين موضوع ومرفوع عنهم، رحمة من الله عزّ وجلّ بعباده. وينظر تفصيل ذلك في الوجيز ص 218 فما بعدها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الفطر في السّفر رخصة من الله سبحانه وتعالى لعباده؛ لما في السّفر من المشقّة والإرهاق والتّعب. ومنها: قصر الصّلاة في السّفر. ومنها: مشروعيّة التّيمّم عند عدم القدرة على استعمال الماء لشدّة البرد، سواء في ذلك للغسل من الجنابة أو عند إرادة الوضوء للصّلاة. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 164 على شرح الجامع الكبير للإمام عبد المطّلب الهاشمي الحلبي المتوفّي سنة 616 هـ.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد المئة [المباح مشروط بالسلامة]

القاعدة الثّامنة والثّمانون بعد المئة [المباح مشروط بالسّلامة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يباح للمرء شرعاً لمنفعة نفسه يتقيّد بشرط السّلامة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أباح الشّرع للإنسان أشياء، وأذن له في فعلها إذا وجد فيها نفعاً أو مصلحة له، ولم يرتّب الشّرع على المباح ثواباً ولا عقاباً، لا على فعله ولا على تركه، لكن هذه القاعدة تشير إلى شرط لفعل المباح - إذا كان الفعل لمنفعة نفسه ومصلحته - وهذا الشّرط أن لا يترتّب على هذا الفعل - وإن كان مباحاً - ضرر يصيب غيره، وإلا كان ضامناً - وهذا المراد بقولهم: يتقيّد بشرط السّلامة - أي سلامة الآخرين. وضمان الضّرر المترتّب على فعل المباح المأذون فيه مسألة خلافيّة بين الفقهاء، فمنهم من لم يوجب الضّمان؛ لأنّ الإذن الشّرعي ينافي الضّمان - كما سبق بيانه -. ومنهم مَن أوجب الضّمان واشترط أنّ المباح إنّما يباح ويتقيّد بشرط سلامة الغير، وهذا من شروط أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وأمّا إذا كان الفعل المباح لمصلحة غيره فلا يضمن إلا ثبت ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 48.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

التّقصير والتّهاون. وينظر من قواعد حرف الجيم القاعدة رقم 34. ومن قواعد حرف الكاف القاعدة رقم 250، 256. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حفر حفرة في أرضه أو داره وسقط فيها إنسان - إن كان هذا السّاقط من أهل الأرض أو الدّار، ولم يقم الحافر بالإنذار وبوضع الحواجز والإشارات فهو ضامن. وأمّا إن أنذر ووضع ما يحجز عن السّقوط وأعلم من بأرضه أو داره بوجود حفرة، فسقط فيها دابّة أو إنسان فهو غير ضامن. لكن بموجب هذه القاعدة فهو ضامن كذلك. وكذلك إذا تردّى فيها إنسان أو دابّة تعدّت إلى الأرض أو الدّار من خارجها، فالحافر عند الجمهور غير ضامن، وعند أبي حنيفة رحمه الله يضمن. ومنها: إذا ضرب الوالد ولده تأديباً له وزجراً فمات، فعند أبي حنيفة رحمه الله يضمن الوالد ديّته ويحرم الميراث. ومنها: إذا ضرب الرّجل زوجته تأديباً وتعزيراً فماتت فهو ضامن لديّتها ويحرم الميراث منها كذلك. ومنها: إذا ضرب المعلّم الولد بإذن الأب فمات فلا ضمان على المؤدّب لأنّه ضربه لمصلحة الولد لا لمصلحة المعلم بخلاف ضرب الأب ولده، وبخلاف ضرب الزّوج زوجته. وكلّ هذه الأمثلة إذا كان الضّرب زائداً على المعتاد.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد المئة [ثبوت حكم الخطاب]

القاعدة التّاسعة والثّمانون بعد المئة [ثبوت حكم الخطاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما يبتنى على السّماع لا يثبت حكمه في حقّ المخاطب ما لم يسمع به (¬1). وفي لفظ آت: ما يجب بخطاب الشّرع لا يثبت حكمه في حقّ المخاطب قبل علمه به (¬2). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الأحكام الشّرعيّة وغيرها لا تثبت في حقّ المكلّف أو المخاطب بها ما لم تصل إليها ويسمعها، ولا يجب عليه العمل بها ما لم يعلم بها. أمّا قبل وصولها إليه وتبليغه بها وعلمه وسماعها من المبلّغ فلا تلزمه أحكامها، ولا يجب عليه قضاء ما يجب بفواته القضاء؛ لأنّ التّكليف بحسب الوسع، وما لم يسمع النّداء - الخطاب - الطّالب للحكم فلا تكليف في حقّه. ودليل هاتين القاعدتين: أنّ أهل قباء افتتحوا الصّلاة إلى بيت المقدس - بعد فرض التّوجّه إلى الكعبة وقبل علمهم به ووصول الخبر إليهم، وأجاز لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك ولم يأمرهم ¬

_ (¬1) شرح السير ص 243 وعنه قواعد الفقه ص 116. (¬2) المبسوط جـ 1 ص 245.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

بالإعادة؛ أو القضاء؛ لأنّه لم يبلغهم الخطاب قبل دخولهم في الصّلاة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: كافر أسلم وهو في دار الكفر - ولم يعلم بما يجب عليه من صلاة أو صيام أو زكاة - ولم يعلم بما نهى عنه الإسلام من الرّبا والزّنا وشرب الخمر وغير ذلك، فلم يُصَلَّ ولم يصم، وأكل الرّبا وزنى وشرب الخمر، ثمّ علم بحكم ذلك كلّه، فلا قضاء عليه لما تركه من صلاة أو صيام، ولا إثم عليه لما فعله من المنهيّات، حتى يعلم بها. ومنها: إذا كان الجيش مسافراً ثمّ عزم القائد على الإقامة، وأعلن على عزمه على الإقامة، فإنّ مَن سمع إعلان القائد فيجب عليه إتمام الصّلاة؛ لأنّ الجند تبع لقائدهم في السّفر والإقامة، ولكن مَن لم يسمع النّداء إذا صلّى قصراً فصلاته صحيحه وليس عليه إعادتها ولا قضاؤها؛ لأنّ التّكليف بحسب الوسع. ومنها: الذّمّي في دار الإسلام إذا أسلم ولم يُصلِّ؛ لأنّه لم يعلم بوجوب الصّلاة عليه، قالوا: يجب عليه قضاء الصّلوات التي فاتته ولم يُصَلِّها؛ لأنّ الخطاب بوجوب الصّلاة على المسلم شائع في بلاد الإسلام، فيقوم شيوع الخطاب مقام العلم. بخلاف من أسلم في دار الحرب.

القاعدة التسعون بعد المئة [مبطلات الشهادة]

القاعدة التّسعون بعد المئة [مبطلات الشّهادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يبطل الشّهادة لمخالفتها الدّعوى في المقدار أو الاعتبار بالزّيادة، يبطلها لمخالفتها بذلك في الزّمن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ضابط من ضوابط الشّهادة، وهي تفيد أنّ من مبطلات الشّهادة وموجبات ردّها وعدم قبولها أن تخالف دعوى المدّعِي في المقدار المدّعَى به بزيادة، وكذلك مخالفتها دعوى المدّعِي في زيادة الزّمن، كأن يدّعِي المدّعِي زمناً ويذكر الشّاهد في شهادته زمناً آخر أقدم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل ادّعى بدار أنّها له منذ سنة، وأتى بشاهدين فشهدا له أنّها له منذ عشرين سنة. لا تقبل هذه الشّهادة لمخالفتها الدّعوى بالزّيادة في الزّمن. لكن لو قال الشّاهدان: أنّها له منذ ستة أشهر، قبلت شهادتهما؛ لأنّهما اتّفقا مع المدّعِي على ملكيّة الدّار في الزّمن القريب. ومنها: رجل ادّعى على آخر عشرة آلاف. وأتى بشاهدين، ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 270 فما بعدها، وعنه الفرائد ص 94.

فشهدا له بعشرين ألفاً. لا تقبل شهادتهما لمخالفتها الدّعوى بالزّيادة في المقدار، لكن لو شهدا بخمسة آلاف، قبلت شهادتهما فيما شهدا به؛ لأنّ الخمسة الآلاف ضمن العشرة بخلاف العشرين، إلا إذا قال المدّعِي: كان لي عليه عشرون ألفاً فأبرأته من عشرة آلاف ولم يعلم الشّاهدان. جازت شهادتهما لإمكان التّوفيق بين الدّعوى والشّهادة. ومنها: إذا ادّعى المدّعِي أنّ الدّار يسكنها المدّعَى عليه هي إرث له عن أبيه. فأنكر المدَّعَى عليه. فجاء المدّعِي بشاهدين شهدا له أنّ هذه الدّار ملك المدّعِي. فلا تقبل هذه الشّهادة؛ لأنّها خالفت الدّعوى بزيادة اعتباريّة؛ لأنّ دعوى المدّعِي بالإرث، والشّهادة جاءت مطلقة، والمطلق أكثر من المقيّد في الاعتبار، فلذلك بطلت الشّهادة؛ لأنّ قولهما هي ملك للمدّعِي يحتمل أنّها إرث أو أنّه اشتراها أو وهبت له، أو غير ذلك من أسباب الملك.

القاعدتان الحادية والتسعون والثانية والتسعون بعد المئة [المتردد بين السنة أو الفرض أو الواجب وبين البدعة]

القاعدتان الحادية والتّسعون والثّانية والتّسعون بعد المئة [المتردّد بين السّنّة أو الفرض أو الواجب وبين البدعة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما يتردّد بين السّنّة والبدعة فتركه أولى (¬1). وما يتردّد بين الفرض والبدعة فإتيانه أولى (¬2). وما يتردّد بين الواجب والبدعة فإتيانه أولى (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تبيّن مراتب بعض الأحكام الشّرعيّة، فالفرض مثلاً أعلى الأحكام، وهو الواجب عند غير الحنفيّة، وأما عند الحنفيّة فالواجب دون مرتبة الفرض، والسّنّة دون مرتبة الواجب والفرض. وهذه الأحكام مطلوبة الفعل. وأمّا البدعة: فهي ما ليس له أصل في الدّين، أو هي الذّهاب إلى قول لم يدلّ عليه دليل. أو هي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصّحابة والتّابعون، ولم يكن ممّا اقتضاه الدّليل الشّرعي. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 79. (¬2) نفس المصدر والصفحة. (¬3) نفس المصدر ص 80.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وعند الحنفيّة: هي اعتقاد خلاف المعروف عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا بمعاندة بل بنوع شبهة (¬1). والبدعة مقابلة للسّنّة. وإتيانها حرام أو مكروه. وإذا تردّد الأمر بين الحرام أو المكروه والحلال غَلَب الحرامُ الحلال فكان ترك الفعل أولى، لكن إذا تردّد الأمر بين الحرام والفرض أو الواجب فإنّ الفعل هنا أولى من التّرك إلا إذا كانت مفسدة الحرام أعظم. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا شكّ في الفجر في وقتها أنّه صلاها أو لم يصلّها، فالصّلاة لازمة؛ لأنّ الصّلاة فرض. ومنها: قضاء الفوائت بعد العصر والفجر غير مكروه. مع أنّ النّفل بعدهما بدعة مكروهة. ومنها: إن استطاع تقبيل الحجر الأسود من غير إيذاء أحد قبَّله، وإلا لا؛ لأنّ استلام الحجر وتقبيل سنّة، وإيذاء المسلمين حرام. ومنها: سفر المرأة المسلمة من بلاد الكفّار واجب - ولو وحدها - إذا خشيت الفتنة في دينها، مع أنّ سفرها وحدها بدون محرم حرام وبدعة. ¬

_ (¬1) القاموس الفقهي ص 32.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد المئة [تقابل الضدين، العدم والملكة والواسطة]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد المئة [تقابل الضّدّين، العدم والملكة والواسطة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يتردّد فيه هل هو من تقابل الضّدّين أو العدم والملكة والواسطة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالشّيء المتردّد فيه: الشّيء الذي يحتمل وجهين. والمراد بالضّدّين: الصّفتان اللتان لا تجتمعان وقد ترتفعان، كالسّواد والبياض. ولكن المراد بالضّدّين هنا ما يشمل النّقيضين، وهما الصّفتان اللتان لا تجتمعان ولا ترتفعان، كالعمى والبصر، والعلم والجهل. فمفاد القاعدة: أنّ الأمر المتردّد في الحكم فيه لاحتماله وجهين متقابلين أو أكثر هل يعتبر ذلك من تقابل الضّدّين أو من تقابل النّقيضين - المعبَّر عنهما هنا بالعدم والملكة - فالمراد بالملكة: الصّفة القائمة. والعدم: الصّفة الطّارئة. والتّساؤل هنا حول ما إذا كان هذا الأمر المتردّد فيه هو أحد الأمرين بعينه وقد أشكل علينا، أو أنّه أمر خارج عنهما وفيه صفة تقابل الضّدّين، وقد يطلق على ذلك لفظ "الواسطة"؟ وينظر قواعد حرف التّاء رقم 75. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 137، وأشباه السيوطي ص 535.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخنثى المشكّل - وهو إنسان له ما للذّكر وما للأنثى - بدون تغلّب صفة على آخرى، فهل هذه الخنثى المشكّل هو عين الرّجال والنّساء، أو هو أحدهم؟ فيه وجهان بناء على أنّ الإشكال هل هو في الواقع ونفس الأمر عند الله تعالى، أو هو مشكّل في النّظر فقط لا في نفس الأمر؟ كان هذا في السّابق، ولكن الآن بتطوّر الطّبّ وتقدّم أدوات الكشف والجراحة صار بالإمكان تغليب أحد الأمرين بإجراء جراحة للخنثى تبيّن حالة وتعيِّن جنسه قطعاً. ومنها: هل من الطّلاق لا سنّيّ ولا بدعي. كطلاق غير الممسوسة، والحامل والصّغيرة والآيسة؟ فإذا قلنا: إنّ الطّلاق السّنّي ما ليس بمحرّم فهذا سنّي، والبدعي ما كان محرّماً. فطلاق هؤلاء طلاق سنّي. فليس إذاً إلا سنّي أو بدعي. وإن قلنا: إنّ السّنّي هو طلاق المدخول بها - التي ليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة - ويكون في طهر لم يمسَّها فيه، وليس في حيض ولا نفاس، والبدعي طلاق المدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه. فلنا ثلاثة أقسام فيكون طلاق غير الممسوسة والحامل والصّغير والآيسة ليس بدعيّاً ولا سنّيّاً وهو الواسطة بينهما.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المئة [الحرام طريقا ومقصدا]

القاعدة الرّابعة والتّسعون بعد المئة [الحرام طريقاً ومقصداً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يتطرّق إليه بارتكاب الحرام يكون حراماً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يتطرّق إليه: أي ما يكون طريق الوصول إليه محرّماً، فيكون هو أيضاً محرّماً؛ لأنّ ما كان وسيلته الحرام فهو حرام. وهذا من باب سدّ الذّرائع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من دفع رشوة ليتوصّل إلى مقصوده فمقصوده حرام، إلا إذا كان مقصوده حقّاً له - وليس في وصوله إلى حقّه ضرر لغيره أو تأخير لحقّ غيره - ومنعه منه مانع لا يستطيع دفعه إلا بإعطاء الرّشوة، فذلك جائز والإثم على الآخذ المرتشي. كيتيم له مال أراد ظالم الاستيلاء عليه، ورأى الوصي أنّه إذا أعطاه بعض المال سَلِم باقيه، فيجب عليه إعطاءه، ليسلم باقي مال اليتيم، والإثم على الآخذ الظّالم. ومنها: بيع الخمر للمسلم حرام؛ لأنّ تناول ثمنها حرام. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 250.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المئة [إسقاط خيار الرؤية]

القاعدة الخامسة والتّسعون بعد المئة [إسقاط خيار الرّؤية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يتعذّر الاستقصاء فيه برؤية كلّ جزء منه فرؤية جزء منه قائم مقام رؤية الجميع في إسقاط خيار الرّؤية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستقصاء: استفعال من قصا المكان قصواً، بمعنى بَعُدَ (¬2). والاستقصاء: طلب الأقصى أي الأبعد من الأمور، والمراد به هنا رؤية كلّ جزء وطرف من المبيع. فمفاد القاعدة: أنّ ما يصعب ويتعذّر فيه رؤية كلّ جزء وطرف منه، فإنّ رؤية جزء أو أجزاء منه تقوم مقام رؤية الجميع في إسقاط خيار المشتري. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد شراء عمارة أو دار فلا يمكن رؤية كلّ جزء منها من أسفلها وأعلاها، وباطنها وظاهرها وأسُسها وقواعدها، فيكتفى عند البيع برؤية الظّاهر منها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 40. (¬2) المصباح مادة "قصا".

ومنها: إذا أراد شراء بستان أو حائط نخل ورأى ظاهره فلا خيار له، ورؤية الظّاهر مثل رؤية الباطن. هكذا قالوا: ولكن البستان لا بدّ من رؤية أشجاره ومعرفة أنواعها وما فيه من آبار أو أبنية، فكيف يكتفى بالظّاهر؟ إلا إذا أرادوا بالظّاهر مثل هذا. ومنها: من أراد شراء سيّارة فيكتفى في رؤيتها ظاهرها وداخلها وتجربتها، ولا يمكن تفكيكها ليعلم ما في داخل أجهزتها، فمن عرف سنة الصّنع ورآها وجرّب سيرها لا خيار له بعد ذلك إلا إذا ظهر فيها عيب فاحش أخفاه البائع. أو كان سوء الصّنعة.

القاعدة السادسة والتسعون بعد المئة [الشرط المتعذر]

القاعدة السّادسة والتّسعون بعد المئة [الشّرط المتعذّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يتعذّر الوفاء به شرعاً لا يجوز إعطاء العهد عليه (¬1)؛ لأنّه شرط مخالف لحكم الشّرع. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيل ضمن قواعد حرف الشّين تحت الرّقم 28. ومفادها: أنّ ما يستحيل أو يصعب الوفاء به من الشّروط لا يجوز إعطاء العهد أو الوعد عليه؛ لأنّ إعطاء العهد على ما يتعذّر الوفاء به يكون سبباً لنقض العهد وإخلاف الوعد وطريقاً للكذب، وذلك لا يجوز شرعاً. فإعطاء شرط لا يمكن الوفاء به مخالف لحكم الشّرع فلا يجوز إعطاؤه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من تزوّج امرأة على أن يسكنها قصراً فخماً أو يمهرها مهراً ضخماً - وهو فقير لا يملك قوت يومه - فهذا شرط باطل لا يجوز؛ لأنّه يتعذّر عليه الوفاء به. ومنها: إذا جاء رسل أهل الحرب للاتّفاق مع المسلمين على ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1788.

بعض الأمور، وجاءوا معهم بأسارى مسلمين ليفادوهم، وشرطوا على المسلمين أنّه إذا لم تتمّ المفاداة يردّون الأسرى إلى دار الحرب، فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوهم على ذلك، ولا أن يكتبوا بذلك وثيقة، بل يجب على المسلمين أن ينقضوا العهد معهم ويخلّصوا الأسارى المسلمين من أيديهم سواء احتاجوا إلى قتال على ذلك أو لم يحتاجوا.

القاعدة السابعة والتسعون بعد المئة [الشرط والمشروط]

القاعدة السّابعة والتّسعون بعد المئة [الشّرط والمشروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يتعلّق بالشّرط لا يكون ثابتاً قبل الشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى الشّرط والتّعليق. فما كان مشروطاً وقوعه وثبوته وحصوله بشرط فإنّه قبل وجود الشّرط يكون معدوماً، ولا يثبت إلا بثبوت شرطه. لأنّ الشّرط دائماً يجب حصوله قبل مشروطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق إذا كلّمت فلاناً، أو إذا خرجت من داري بغير إذني. فلا يقع الطّلاق ما لم تكلّم فلاناً، أو تخرج من الدّار بغير إذن. ومنها: شرط القصاص إزهاق الرّوح، فما لم يقع القتل العمد العدوان المزهق للرّوح لا يجب القصاص. ومنها: شرط وجوب أداء الزّكاة الحول، فما لم يحلّ الحول لا يثبت الوجوب في ذمّة المكلّف. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 126.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المئة [ضرورة النص]

القاعدة الثّامنة والتّسعون بعد المئة [ضرورة النّصّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يثبت بضرورة النّصّ فهو كالمنصوص (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ضرورة النّصّ: لزومه ودلالته. والمراد بالنّصّ: اللفظ الدّال من الكتاب أو السّنّة. فما ثبت بطريق لزوم النّصّ ودلالته فهو في الحكم كالمدلول عليه بعبارة النّصّ ولفظه لغة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النّهي عن التّأفيف يستلزم النّهي عن الضّرب والشّتم والقتل بطريق الأَوْلى ضرورة. ومنها: جواز شهادة الكافر على وصيّة المسلم يدلّ على جوازها على وصيّة الكافر - بطريق الأولى. ثمّ نسخ حكم ولايتهم على المسلمين فبقي حكم الشّهادة بينهم ثابتاً بضرورة النّصّ، فليس من ضرورة انتساخ شهادتهم على المسلمين انتساخ شهادة بعضهم على بعض كالولاية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 134.

القاعدتان التاسعة والتسعون والمتممة المئتين [الثابت ضمنا]

القاعدتان التّاسعة والتّسعون والمتمّمة المئتين [الثّابت ضمناً] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما يثبت ضمناً للشّيء فثبوته بثبوت الأصل (¬1). وفي لفظ: ما يثبت ضمناً للشّيء يعتبر حكمه بذلك الشّيء (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تندرجان تحت قاعدة (التّابع تابع)، وهما متّفقتا المعنى. فما ثبت ضمناً وتبعاً لشيء آخر فإنّما يكون ثبوته تابعاً لثبوت أصله وضامنه، فلو لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع، وثبوت الفرع دليل على ثبوت الأصل. ومن ناحية ثانية فإنّ حكم المضمون إنّما يكون تابعاً لحكم الضّامن، كما أنّ حكم الفرع والتّابع إنّما يكون تبعاً لحكم أصله ومتبوعه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: ثبوت الكفّارة في ذمّة المكلَّف دليل على وجود موجبها، من يمين أو ظهار أو إيلاء أو قتل أو غير ذلك من موجبات الكفّارة؛ لأنّه لا يمكن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1866. (¬2) المبسوط جـ 28 ص 10.

أن تثبت الكفّارة بدون موجب لها. ومنها: ثبوت الحوالة في ذمّة المحال عليه دليل ثبوتها قبلاً في ذمّة المُحيل المدين، وهو الأصل. ومنها: إذا دخل مستأمن دار الإسلام بأمان ثم تبعته زوجته كانت مستأمنة مثله؛ وكذلك لو صار المستأمن ذمّيّاً، صارت زوجته ذمّيّة مثله؛ لأنّ المرأة تابعة لزوجها. ومنها: الوصيّة - في مرض الموت - بالمحاباة هي بيع حكماً، فما يثبت للبيع يثبت للوصيّة بالمحاباة. كمن أوصى بعتق عبده وقيمته الثّلث. وأوصى بأن يباع عبد آخر من فلان بكذا، وحطّ من قيمته مقدار الثّلث، فالثّلث بينهما نصفان، فالمشتري يطالب بدفع نصف الثّلث الزّائد والعبد المعتق يسعى في نصف قيمته (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 9.

القاعدة الواحدة بعد المئتين [خلاف الظاهر]

القاعدة الواحدة بعد المئتين [خلاف الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يثبت على خلاف الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالظّاهر: الأمر المعتاد المشهور بين النّاس. فما يثبت أو يحصل على خلاف المعهود بين النّاس ففي إثباته والحكم بموجبه خلاف وينظر القاعدة الرابعة والخمسون. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى البرّ التّقي العدل الصّدوق على من اشتهر بالفجور وغصب الأموال أنّه قد غصب منه شيئاً، وأنكر المدّعَى عليه. فيطالب المدّعِي بالبيّنة - مع ظهور واشتهار عدالته وصدقه - وإلا طولب المدّعَى عليه الفاجر باليمين، ويكون القول قوله، وإن كان على خلاف الظّاهر. ومنها: إذا ادّعى إنسان على مَن كان ذا مرتبة - كقاضٍ مثلاً - أنّه استأجره لكنس داره ونزح مرحاضه، فهل تقبل هذه الدّعوى؟ خلاف. هناك من صحّح سماعها وهناك من ردّها على اعتبار أنّ ما ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 521، المجموع المذهّب لوحة 310 أ، قواعد الأحكام جـ 2 ص 103 - 106، قواعد الحصني جـ 4 ص 72، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 21.

كذّبه العقل أو أحالته العادة مردود. ومنها: إذا أتت الزّوجة بولد لدون أربع سنين من حين الطّلاق, ولو بلحظة، وبعد انقضاء العدّة بالأقراء، قال بعضهم: فإنّ الولد يلحق بالزّوج مع كون الغالب الظّاهر خلافه. قالوا: وإنّما يلحق بالزّوج لأنّ الأصل عدم الزّنا وعدم وطء الشّبهة. وقال الشّيخ الإِمام عزّ الدين بن عبد السّلام رحمه الله: قلنا: إنّ وقوع الزّنا أغلب من تأخّر الحمل إلى أربع سنين إلا ساعة واحدة، وكذلك الإكراه والوطء بالشّبهة. ولا يلزم من ذلك حدّ الزّنا؛ فإنّ الحدود تسقط بالشّبهات بخلاف إلحاق الأنساب فإنّ فيه مفاسد. منها: جريان التّوارث بينهما، ومنها نظر الولد إلى محارم الزّوج، ومنها إيجاب النّفقة والكسوة والسّكنى. ومنها: الإنكاح والحضانة (¬1)، ولذلك فالأرجح والأصحّ أنّه لا يلحق الزّوج. ومنها: إذا تعاشر الزّوجان على الدّوام مدّة عشرين سنة ثمّ ادّعت أنّه لم ينفق عليها شيئاً ولم يكسها شيئاً. فالقول قولها عند الشّافعي رحمه الله مع مخالفة هذا للظّاهر في العادة. يكون القول قولها إذا لم يكن بيّنة للزّوج على الإنفاق. وقولها إنّما يعتبر مع اليمين. ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام ج! 2 ص 103 - 104

القاعدة الثانية بعد المئتين [الثابت عند الانفراد والاجتماع]

القاعدة الثانية بعد المئتين [الثّابت عند الانفراد والاجتماع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يثبت عند الانفراد قد يثبت عند الاجتماع مع غيره، وقد لا يثبت إمَّا قطعاً وإمّا على الخلاف (¬1). أَصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد (بما): كلّ تصرّف بالفعل، أو كلّ شيء يمكن أن يقال فيه: إنّه صحيح إذا وقع أو غير صحيح. وأصل هذه القاعدة قاعدة أصوليّة وهي (التّعليل بالوصف المركّب) أي العلّة ذات الأوصاف والأجزاء المتعدّدة كالقتل العمد العدوان من مكافئ غير والد. فالعلّة المفردة إذا استوفت شروطها وجد معلولها لا محالة إذا انتفت موانعها. وأمّا إذا تعدّدت أجزاؤها فيقع فيها الخلاف هل تعمل أو لا تعمل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المباحات كالأكل والشّرب وأنواع المأكولات والملبوسات تثبت وتصحّ منفردة ومجتمعة قطعاً، سواء اتّفقت أنواعها أم اختلفت. ومنها: ما لا يثبت مع الاجتماع قطعاً: ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2، ص 551 فما بعدها، وينظر المجموع للعلائي لوحة 231 ب فما بعدها. قواعد الحصني جـ 3 ص 238 فما بعدها.

إذا زوّجها وليّان أو وكيلان بشخصين معاً فإنّه لا يصحّ عقد واحد منهما. ومنها: لو قال: مَن حجّ عنّي فله ألف. فسمعه اثنان فحجّا عنه معاً، أو شكّ في المتقدّم منهما لم يقع عنه، ويقع عنهما. وممّا يثبت منفرداً ولا يثبت مع الاجتماع مع غيره: الجمع بين الأختين أو المرأة مع عمّتها أو خالتها ممتنع مع أنّ كلّ واحدة منها يصحّ إفرادها بالعقد. ومنها: نيَّة التّعدّي من المودع لا توجب كون الوديعة مضمونة عليه، ومجرّد نقل الوديعة من موضع إلى موضع لا يوجب ذلك، لكن إذا اجتمعا بأن نوى التّعدّي ونقلها ضمن.

القاعدة الثالثة بعد المئتين [حكم الخطاب]

القاعدة الثّالثة بعد المئتين [حكم الخطاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يجب بخطاب الشّرع لا يثبت حكمه في حقّ المخاطَب قبل علمه به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى هذه القاعدة قريباً تحت الرّقم 189. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 245.

القاعدة الرابعة بعد المئتين [الملك اعتبارا وسببا]

القاعدة الرّابعة بعد المئتين [الملك اعتباراً وسبباً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يجب باعتبار الملك لا يختلف باختلاف سبب الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يجب على المكلّف أداؤه باعتباره مالكاً لشيء ما، لا يختلف الواجب بسبب اختلاف أسباب الملكيّة؛ لأنّ سبب التّملّك لا أثر له في الواجب المطلوب أداؤه, لأنّ الحكم بالوجوب إنّما يتقرّر بثبوت الملك للمكلّف لا بسبب الملك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من ملك نصاباً من المال عن طريق الزّكاة أو الصّدقة أو الإرث أو الهبة أو الهديّة ثمّ حال عليه الحول وجب عليه إخراج زكاته. ومنها: من ملك قطيعاً من الغنم أو البقر أو الإبل وبلغت عند الحول نصاباً أو أنصبة فعليه إخراج زكاة كلّ منها، ولو كان ملكه لها بأسباب مختلفة. ومنها: إذا وجد قتيل في محلة - ولم يعرف قاتله - فإنّ أيمان القسامة تجب على السّكّان والمشترين الموجودين لا على الملاّك البعيدين ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 112.

عن المحلة، وهذا عند أبي يوسف وابن أبي ليلى رحمهم الله تعالى. وهو الرّأي الأقرب إلى العدل والصّواب. ومنها: إذا وجد قتيل في السّجن ولم يعرف قاتله فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ديّته على بيت المال؛ لأنّ أهل السّجن مقهورون في المقام في ذلك الموضع، وهم قَلّ ما يقومون بحفظه وتدبيره إلا بقدر حاجتهم. ثمّ ذلك الموضع معدّ لمنفعة المسلمين، فديّة القتيل الموجود فيه تكون على المسلمين في بيت مالهم. ولكن عند أبي يوسف رحمه الله تكون ديّته على أهل السّجن؛ لأنّهم بمنزلة السّكّان في ذلك الموضع.

القاعدة الخامسة بعد المئتين [الواجب بالملك, زوال الملك]

القاعدة الخامسة بعد المئتين [الواجب بالملك, زوال الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يجب بالملك أصلاً لا يتوقّف وجوبه على زوال الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقّ الواجب بثبوت الملك أصلاً لا يمكن توقّف وجوبه على زوال ذلك الملك؛ لأنّ هذا يكون مخالفاً للواقع الشّرعي، فمهر المرأة المسمّى أو مهر المثل يتوقّف وجوبه على ثبوت الزّوجيّة لا على زوالها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اختلف الفقهاء في ثبوت المتعة للمطلّقة، فعند الحنفيّة أنّ المطلّقة التي تجب لها المتعة هي المطلَّقة قبل المسيس ولم يفرض لها مهر، فهذه التي تجب لها المتعة دون غيرها؛ لأنّ المتعة وجدت خلفاً عن مهر المثل، ولكن أوان وجوبها بعد الطّلاق، أي بعد زوال الملك، بخلاف المهر المسمّى أو مهر المثل. وأمّا المطلّقة المدخول بها والمسمّى له مهر، فالمتعة مستحبّة في حقّها، وليست واجبة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 62.

وأمّا عند مالك رحمه الله تعالى فالمتعة مستحبّة لا واجبة لكلّ مطلّقة، إذا كان الطّلاق باختيار الزّوج ولا اختيار لها فيه. وأمّا إن كان الطّلاق بسببها فلا متعة لها. إلا مطلّقة قبل الدّخول وقد فرض لها (¬1) لأنّ لها نصف المسمّى. وأمّا عند الشّافعي رحمه الله تعالى فالمتعة واجبة للمطلّقة المدخول بها إذا كان مهرها مسمّى، ولا سبب لها في الطّلاق، وإلا لا متعة لها (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر عقد الجواهر الثّمينة جـ 2 ص 121. (¬2) كفاية الأخبار جـ 2 ص 67.

القاعدة السادسة بعد المئتين [واجب الضمان]

القاعدة السّادسة بعد المئتين [واجب الضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه (¬1). وما لا يجب ضمانه لا يصير بالشّرط مضموناً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما أوجب الشّرع ضمانه وغرمه على متلفه أو مستهلكه، فإنّ هذا الضّمان والغرم لا ينتفي ولا يسقط إذا اشترط صاحبه نفيه، حتى لو نفاه فله حقّ المطالبة به بعد ذلك؛ لأنّ ضمانه ثابت بالشّرع. بخلاف ما لم يوجب الشّرع ضمانه أو غرمه فلا يصحّ اشتراط ضمانه، حتى لو اشترط فإنّ هذا الشّرط يعتبر باطلاً. وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة 116. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنّ شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين المستأجرة فالشّرط فاسد؛ لأنّه ينافي مقتضى العقد. ومنها: إذا شرط المؤجّر على المستأجر للسّيّارة - مثلاً - أن لا يسير بها في الصّحراء أو الوديان، فتعدّى وخالف الشّرط فتلفت السّيّارة أو أصابها الضّرر فالمستأجر ضامن. ¬

_ (¬1) المغني جـ 8 ص 115.

ومنها: الجراح والشجاج مضمونة على الجارح والشّاجّ، فلو قال شخص لآخر شجّني موضّحة أو اقطع يدي ولا ضمان عليك، ففعل. فعلى الجارح والشّاجّ الضّمان وللمشجوج والمجروح المطالبة بالضّمان؛ لأنّ الضّمان هنا ثابت شرعاً ولا ينتفي بالشّرط.

القاعدة السابعة بعد المئتين [ما يجب قضاؤه]

القاعدة السّابعة بعد المئتين [ما يجب قضاؤه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يجب قضاؤه بعد فعله لخلل وما لا يجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من العبادات ما يجب إعادة فعله إذا حصل في أدائه خلل أو نقصان، أو لم يفعل في وقته المحدّد له. وهذه الإعادة إذا كانت خارج الوقت المحدّد للعبادة تسمّى قضاءً. ومنها ما لا يجب إعادته ولا قضاؤه. وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة رقم 252. والعبادة التي تقضى أو تعاد هي العبادة التي حدّد الشّارع لأدائها وقتاً له بداية ونهاية. والمراد بالقضاء عند الفقهاء هو إعادة الفعل الذي لم يفعل في وقته أو فعل ولكن مع خلل وفساد، سواء كان ذلك في الوقت أو خارجه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما يجب قضاؤه على الأصحّ لوقوع الخلل فيه: مَن تيمّم في الحضر لعدم الماء أو البرد مطلقاً أو لنسيان الماء في ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 399، ص 401.

رَحْلِهِ - أو على الجبيرة الموضوعة على غير طهر - عند من يشترط الطّهر لوضع الجبيرة - وصلّى فعليه إعادة الصّلاة إذا وجد الماء أو قدر على استعماله، أو سقطت الجبيرة. ومنها: إذا صلّى بدون طهارة حين لم يجد ماءً ولا تراباً. فعليه الإعادة والقضاء إذا وجد الماء أو التّراب. ومنها: الأعمى الذي لم يجد مَن يدلّه على القبلة. ومنها: من عليه نجاسة لا يعفى عنها ولا يقدر على إزالتها، والمربوط على خشبة، ومَن شدّ وثاقه، ولا يستطيع التّوجّه إلى القبلة. فكلّ هؤلاء يجب عليهم الإعادة أو القضاء إذا زالت أعذارهم. ومنها: الحاجّ أو المعتمر إذا أفسد حجّه أو عمرته بسبب مفسد كالجماع، فعليهم القضاء والكفّارة. ومنها: العاري يومئ ويعيد صلاته، على قول. 2 - وممّا لا يجب قضاؤه للمشقّة والعذر العامّ أو العذر الدّائم. صلاة المريض قاعداً أو مومياً أو متيمّماً. ومنها: الصّلاة بالإيماء في شدّة الخوف. ومنها: المستحاضة، ومن به سلس البول. وأشباه ذلك يصلّون على حالهم ولا إعادة عليهم ولا قضاء.

القاعدة الثامنة بعد المئتين [المباشرة]

القاعدة الثّامنة بعد المئتين [المباشرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يحتاج إلى مباشرة لا يتمّ إلا بها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المباشرة: أصل المادة من البشرة: وهي أعلى جلد الإنسان. ومنه: باشر زوجته مباشرة: لامست بشرته بشرتها. وهو كناية عن الجماع (¬2). ومباشرة الأمر: أن يفعل الفعل بنفسه من غير واسطة. فالفعل الذي يلزم أن يفعله الإنسان بنفسه ولا يوكّل فيه غيره فإنّه لا يعتبر تامّاً ولا صحيحاً إذا فعله له غيره، ولم يفعله بنفسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكّل شخص في أمر له وكيلين لم ينفّذ بفعل واحد منهما منفرداً، بل لا بدّ من اجتماعهما معاً حتى يتمّ، كالطّلاق والعتاق والبيع والهبة وأمثالها من التّصرّفات. ومنها: إذا استصنع شيئاً وشرط على الصّانع أن يصنعه بنفسه، وصنعه أجيره، فلا يصحّ، وللمستصنع حقّ الرّفض والامتناع عن أخذ ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 156. (¬2) القاموس الفقهي ص 37 بتصرف وزيادة.

الشّيء المستصنع. كمن أراد خياطة ثوب واشترط على الخيّاط أن يخيطه بنفسه، ولا يسلّمه لأجيره، فخاطه الأجير. فلا يلزم المستصنِع.

القاعدة التاسعة بعد المئتين [حكم المضمون]

القاعدة التّاسعة بعد المئتين [حكم المضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يحصل ضمناً إذا تُعِرِّض له لا يضرّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (التّابع تابع) فما كان تابعاً لغيره في وجوده وحصوله ضمن حصول غيره، فإذا أراد المكلّف وتعرّض لإدخاله ضمن متبوعه فلا يضرّ ذلك المتبوع؛ لأنّ التّابع والمضمون حاصل ضمن متبوعه سواء تعرّض له المكلّف أم لم يتعرّض له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا توضّأ أو اغتسل ناوياً رفع الحدث، ثمّ ضمَّ إلى ذلك نيَّة التّبرّد بالماء، لا يضرّه ذلك، ووضوءه وغسله صحيح؛ لأنّ التّبرّد حاصل نواه أو لم ينوه. ومنها: إذا دخل المسجد والصّلاة قائمة فنوى الفريضة وضم إليها نيَّة تحيّة المسجد فصلاته صحيحة. ومنها: إذا ضمَّ إلى نيَّة غسل الجناية نيَّة الغسل للجمعة جاز ذلك ولم يضرّه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 147.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: فيضر التعرض

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: فيضرّ التّعرّض: إذا قال: بعتك هذه الدّابّة وحملها. بطل البيع. وإن دخل الحمل ضمناً في مطلق البيع. وإنّما بطل البيع في الصّورة الأولى؛ لأنّه ضمّ مجهولاً إلى معلوم. والحمل لا يفرد بالحكم وهو مجهول. ومنها: لو قال: بعتك الدّار وأساسها يبطل البيع بذكر الأساس، مع أنّه لو سكت لحصل ضمناً. ومنها: إذا وقف على المسلمين، دخل هو فيهم، ولو صرّح بنفسه بطل الوقف. ومنها: إذا استأجره للعمل يوميّاً. فوقت الصّلاة يستثنى ضمناً. لكن لو صرّح باستثنائه بطلت الإجارة.

القاعدة العاشرة بعد المئتين [المختلف بالرق والحرية]

القاعدة العاشرة بعد المئتين [المختلف بالرّقّ والحرّيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يختلف بالرّقّ والحرّيّة يكون المعتبر فيه حال تقرّر الوجوب (¬1). عند مالك رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحال الّذي يختلف الحكم فيه بسبب الحرّيّة أو الرّقّ فإنّ المعتبر فيه حال تقرّر الوجوب، أي حال ثبوت الوجوب في ذمّة المكلّف. لا حال الأداء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا زنى وهو عبد - فعليه جلد خمسين - أي نصف حدّ الحرّ. فإذا تحرّر بعد ذلك وقبل إقامة حدّ الزّنى عليه فحدّه خمسون؛ لأنّ الحدّ وجب عليه وهو عبد، باتّفاق. ومنها: الأمة إذا طلّقت تطليقة رجعيّة، ثم أعتقت بعد الطّلاق وقبل انتهاء عِدَّتها - وعدّة الأمة حيضتان - صارت عدّتها عدّة الحرّة، وأمّا إذا كان الطّلاق بائناً لم تنتقل عدّتها، وهذا عند الحنفية وأحد قولي الشّافعي رحمه الله، وهو قول أحمد رحمه الله (¬2). وأمّا عند مالك وأحد القولين عند الشّافعي رحمهما الله فلا تنتقل عدّتها إلى عدّة الحرائر؛ لأنّ العدّة تقرّرت عليها في حال رقّها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 37. (¬2) المقنع جـ 3 ص 279.

القاعدة الحادية عشرة بعد المئتين [البيع والوقف]

القاعدة الحادية عشرة بعد المئتين [البيع والوقف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يدخل تبعاً في البيع يدخل تبعاً في الوقف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوقف: معناه الحبس. وقد سبق بيانه. فالذي يدخل في البيع تابعاً لأصل فهو يدخل كذلك في الوقف. فالوقف شبيه بالبيع في بعض أحكامه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقف بستاناً فيه أشجار وبناء. دخلت الأشجار والبناء في الوقف. كما لو باعه دخلت أشجاره وبناؤه في عقد البيع بدون ذكر؛ لأنّ الأشجار والبناء راسخة دائمة، بخلاف الخضروات وما لا أصل له ثابت فلا يدخل إلا بالنّصّ عليه. ومنها: إذا أوقف بقرة حاملاً أو فيها درٌّ - على القول بجواز وقف المنقول - دخل في الوقف حملها ودرُّها - أي لبنها - كما يدخل في البيع بدون ذكر. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانيّة جـ 3 ص 380 ما يدخل في الوقف، وعنه الفرائد ص 166.

القاعدة الثانية عشرة بعد المئتين [ما يرتد]

القاعدة الثّانية عشرة بعد المئتين [ما يرتدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يرتدّ بالرّدّ وما لا يرتدّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من المعاملات والتّصرّفات ما يبطل بردّ أحد أطراف المعاملة، ومنها ما لا يرتدّ ولا يبطل بردّ أحد الأطراف دون رضاء الطّرف الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - ما يرتدّ بالرّدّ من طرف واحد؛ لأنّه يشترط لصحّته القبول باللفظ: ما يتوقّف على الإيجاب والقبول يرتدّ بالرّدّ قطعاً - قبل موافقة الطّرف الآخر - كلّ العقود كالبيع والنّكاح والهبة وغيرها تبطل بردّ أحد المتعاملين قبل تمام العقد. 2 - ما يرتدّ بالرّدّ ممّا لا يشترط فيه القبول باللفظ على رأي: الوكالة ترتدّ بالرّدّ قطعاً، ولا يشترط فيها القبول باللفظ على الأصح. ومنها: الوقف على معين - لا يشترط فيه القبول باللفظ - ويرتدّ بالرّدّ عند بعض الشّافعيّة. وعند آخرين منهم لا يرتدّ بالرّدّ. ¬

_ (¬1) مجموع العلائي لوحة 290 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 6، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 372.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المئتين [المستثنى للضرورة أو الحاجة]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد المئتين [المستثنى للضّرورة أو الحاجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يستثنى من القواعد المستقرّة. تحت الضّرورات والحاجات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المستثنى - أي الخارج عن حكم القواعد الشّرعيّة العامّة المستقرّة والمستمرّة. لا يخرج عن القواعد العامة - أي الأحكام الكلّيّة - إلا ما كانت تدعو إليه الضّرورة - أي الاضطرار - والحاجة الماسّة. فلا يخرج أو يستثنى من القواعد إلا بسبب المشقّة الحاصلة أو المظنون حصولها بسبب ضرورة واقعة أو متوقّعة، أو بسبب حاجة ماسّة حاصلة للفرد أو الجماعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استعمال الماء في الحدث سالب للطّهوريّة؛ لأنّ ملاقاة الماء القليل للنّجاسة ينجّسه، لكن استثني من ذلك ما قبل الانفصال عن العضو أو الثّوب المغسول، إذ لولا ذلك لما تصوّر رفع حدث ولا إزالة نجس. ومنها: صحّة صلاة المستحاضة ومن به سلس البول ونحو ذلك ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 138 - 168، مجموع العلائي لوحة 272 ب فما بعدها.

مع الحدث الدّائم للضّرورة. ومنها: العفو عن كلّ نجاسة تعمّ البلوى بها كفضلة الاستجمار، والبثرات، وطين الشّوارع المحكوم بنجاسته، ما لم يتفاحش. ومنها: تغيّر الجهات في صلاة الخوف اغتفر لمصلحة الجماعة في هذه الحالة، والحاجة إليها وإلى الحراسة.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المئتين [التكليف بحسب الوسع]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد المئتين [التّكليف بحسب الوسع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يستحقّ على المرء شرعاً يعتبر فيه الوسع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من أدلة هذه القاعدة الكثيرة: من الكتاب الكريم قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2). ومن السّنّة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم" (¬3). ما يجب على المرء المكلّف أن يفعله شرعاً فإنّ الشّرع قيّد ذلك بالاستطاعة والقدرة الميسّرة على الفعل، بحيث لا يطلب من المكلّف فعل ما يشقّ أو يستحيل عليه فعله. ولذلك فإنّ الشّرع قد خفّف عن المكلّف فعل ما يشقّ عليه بفعل ما يمكنه فعله بدون مشقّة زائدة عن الحالة السّويّة أو الحالة العرضيّة الاضطراريّة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 188. (¬2) الآية 286 من سورة البقرة. (¬3) الحديث أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجة، المقدمة حديث رقم 2 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من لم يستطع الصّلاة قائماً لمرض ألمَّ به جاز له أن يصلي قاعداً أو على جنب أو يومئ إيماءً. ومنها: الحجّ وجوبه مقيّد بالاستطاعة المادّيّة والبدنيّة، فمن لم يستطع فلا يجب عليه الحجّ. ومنها: السّير في طريق المسلمين مباح مقيّد بشرط السّلامة؛ لأنّ الحقّ في الطّريق لجماعة المسلمين. واشتراط السّلامة فيما يمكن التّحرّز عنه، دون ما لا يمكن التّحرّز عنه. فمن سار على دابّته في طريق المسلمين فوطئت الدّابّة أو السّيّارة إنساناً بيد أو رجل أو مقدّمة أو جانب وهي تسير فقتله فديّته على عاقلة الرّاكب، وعلى الرّاكب الكفّارة. لكن إن رفست الدّابّة برجلها أو ذنبها وهي سائرة فلا ضمان على الرّاكب؛ لأنّ هذا لا يمكن التّحرّز عنه، ووجه الرّاكب أمام الدّابة لا خلفها. ومنها: إذا ضربت الدّابّة وهي تسير بحافرها حصاة أو نواة أو حجراً فأصاب إنساناً فلا ضمان على الرّاكب أيضاً؛ لأنّ هذا لا يمكن التّحرّز عنه، فهو بمنزلة التّراب والغبار المنبعث عن سنابكها. وكذلك لو أطارت السّيّارة بعجلاتها حصاة أو حجراً فأصاب سيّارة خلفها أو إنساناً فلا ضمان على سائق السّيّارة.

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئتين [الواحد يوجب ويقبل]

القاعدة الخامسة عشرة بعد المئتين [الواحد يوجب ويقبل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يستقلّ به الواحد في التّملّك (¬1). أو اتّحاد الموجب والقابل. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبيّن ما يجوز للواحد أن يفعله إذ هو قائم مقام الاثنين. وذلك في كلّ عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، إذ الأصل في العقود أن تكون بين طرفين أحدهما موجب والثّاني قابل، أو أحدهما قابض والثّاني مقبض. أمّا أن ينفرد شخص واحد بذلك فيعتبر خروجاً واستثناءً من القواعد العامّة المستقرّة والمستمرّة للحاجة والضّرورة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأب يبيع مال ابنه الطّفل من نفسه، والجد كالأب في ذلك. ومنها: أن يزوّج الأب ابن ابنه الصّغير من بنت ابن آخر له، ولكن الصّحيح أنّه لا بدّ من الإتيان بالإيجاب والقبول وهما جانبا العقد. ¬

_ (¬1) مجموع العلائي لوحة 291 أ، أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 421، المنثور جـ 1 ص 89، قواعد الحصني جـ 4 ص 10، أشباه السيوطي ص 280 - 281.

ومنها: إذا ظفر الإنسان بجنس حقّه ممن ظلمه، فإنّه يأخذه مستقلاً به ويملكه ولا يحتاج إلى إيجاب أو قبول. ومنها: المضطر إذا وجد طعام غائب أو حاضر مَنَعه فإنّه يأكله بقيمته. ومنها: الشّفيع يأخذ الشّقص المشفوع بالثّمن جبراً على المشتري والبائع.

القاعدة السادسة عشرة بعد المئتين [التوبة والإكراه]

القاعدة السّادسة عشرة بعد المئتين [التّوبة والإكراه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يسقط بالتّوبة يسقط حكمه بالإكراه، وما لا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإكراه معناها الإجبار علىَ فعل أو قول أو ترك ممّن يتصوّر منه الإكراه. والمراد بالإكراه في هذه القاعدة هو الإكراه الملجئ التّام - أي التّهديد بالقتل أو بقطع عضو أو انتهاك عرض - إذا لم يفعل ما يؤمر بفعله. ويشترط لحصول الإكراه: قدرة المكرِه على إيقاع وفعل ما هدّد به. وعجز المكرَه عن الدّفع بنفسه أو بغيره. وغلبه ظنّ المكرَه أنّ المكرِه سيفعل ما هدّده به. فمفاد القاعدة: أنّ الإكراه المذكور يسقط حكم التّصرّف سواء أكان هذا التّصرّف فعلاً أم قولاً. ولكن يستثنى من ذلك مسائل لا أثر للإكراه فيها. وضابط ذلك: أنّ ما يسقط حكمه وإثمه بالتّوبة يسقط حكمه ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 151، المنثور جـ 3 ص 155. وأشباه السيوطي ص 208.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

بالإكراه، غير ما استثني من المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع مكرهاً لا يصحّ البيع. ومنها: إذا شرب الخمر مكرهاً لا يحدّ ولا يأثم. لكن لو صبر فلم يشرب حتى قُتِل فهو آثم. ومنها: إذا نطق بكلمة الكفر مكرهاً لا يعتبر كافراً. لكن لو صبر حتىَ قتل كان أفضل وكان مأجوراً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فلم يسقط حكمه بالتّوبة وإن سقط بالإكراه والعكس. شرب الخمر متعمّداً لا يسقط حكمه وَحدُّه التّوبة. وإن كان يسقط بالإكراه. ومنها: إذا قذف مكرهاً يسقط حكمه بالإكراه، لكن توبة القاذف لا تُسقِط الحدّ عنه. ومنها: الزّنا من الرّجل لا يسقط حكمه بالإكراه - وهو الإثم لكن يسقط الحد للشبّهة. ويسقط الإثم بالتّوبة، وأمّا الحدّ فلا يسقط بالتّوبة.

القاعدة السابعة عشرة بعد المئتين [المرجح والموجب]

القاعدة السّابعة عشرة بعد المئتين [المرجّح والموجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يصلح مرجّحاً لا يصلح موجباً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرجّح: هو الأمر أو الدّليل الذي يجعل أحد الأمر المتردّد بينهما أرجح في نظر المجتهد من الأمر الآخر. فالدّليل الذي يصلح مرجّحاً لجانب أحد الأمرين لا يصلح أن يكون موجباً للفعل الذي دلّ عليه؛ لمعارضة الأمر الآخر له. لكنه في الحقيقة يفيد غلبة الظّنّ بأنّ هذا الأمر - أي الرّاجح- أولى بالقبول والفعل من الأمر الآخر المرجوح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج حرٌّ أَمَة على أنّها حرّة، ثم جاءت منه بولد، فولده حرّ بسبب الغرور - فالغرور دليل مرجّح لحرّية الولد - لأنّ الأصل أنّ ولد الأمة يتبع أمّه في الرّقّ ولو كان الأب حرّاً - لكن للغرور يجب عليه قيمة الولد لمولى الأمة عند المخاصمة. لكن إذا كان الزّوج المغرور عبداً فولدها رقيق تبعاً لأمّه. فالغرور في المسألة الأولى صلح مرجّحاً لحريّة الولد وليس ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 121.

موجباً لها. ولذلك عليه قيمة الولد. ومنها: الأصل في النّاس الحرّيّة، فإذا ادّعى رجل عبوديّة شخص آخر بدون بيّنة، وادّعى الآخر أنّه حرّ ولم يقع عليه رقّ، فكون الأصل في النّاس الحرّيّة مرجّح لإثبات حرّيّة المدَّعَى عليه. ولكن هذا الأصل لا يصلح موجباً لحرّيّة شخص قام الدّليل على رقّه وعبوديّته. ومنها: الأصل في الأموال على ملك أربابها: فإذا ادّعى شخص ملكيَّة شيء ما في يد شخص آخر ولا بيّنة له، وأنكر المدّعَى عليه دعواه، وادّعى أنّ هذا الشّيء ملكه بيده، فالقول قوله بناء على الأصل المذكور، لكن هذا الأصل لا يصلح موجباً لملكيّة شيء قامت البيِّنة على أنّه ملك لشخص آخر غير ذي اليد.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المئتين [الاستصحاب]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد المئتين [الاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يصلح لإبقاء ما كان على ما كان لا يصلح لإيجاب ما لم يكن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مثار خلاف بين العلماء. وهو أنّ ما صلح لإبقاء ما كان على ما كان عليه هل يصلح لإيجاب ما لم يكن، وذلك المسمّى: باستصحاب الحال. فعند الحنفيّة في آخرين لا يصلح لإيجاب ما لم يكن، بل لا بدّ من دليل آخر غير ذلك. وأمّا عند الشّافعيّة وآخرين فإنّه يصلح دليلاً لإيجاب ما لم يكن مع إبقاء ما كان على ما كان. وهذه القاعدة متفرّعة على قاعدة (اليقين لا يزول بالشّكّ). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المفقود الذي فقد ولم يعرف موته ولا حياته - لا يقسم ميراثه ولا تبين منه زوجته، ولا تسلّم وديعته لورثته -؛ لأنّ الأصل بقاء حياته، ولأنّه خرج حيّاً فتصحب حياته. لكن لو مات من يرثه المفقود فهل يرث المفقود منه أو لا يرث؟. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 120، وينظر الوجيز ص 172 فما بعدها.

فعند من يقولون: إنّ ما يصلح لإبقاء ما كان على ما كان يصلح لإيجاب ما لم يكن يورثون المفقود من مورّثه الميّت بناء على استصحاب حياته. وعند من يقولون: إنّ ما يصلح لإبقاء ما كان على ما كان لا يصلح لإيجاب ما لم يكن، فالمفقود عندهم لا يرث للشّكّ في حياته عند موت مورّثه؛ ولأنّ الشرط في استحقاق الميراث المتّيقّن من حياة الوارث عند موت المورّث، والمفقود هنا حياته غير متيقّنة بل هي مشكوك فيها. (والشّكّ في الشّرط مانع من ترتّب المشروط).

القاعدة التاسعة عشرة بعد المئتين [ميزان الكفر والإسلام]

القاعدة التّاسعة عشرة بعد المئتين [ميزان الكفر والإسلام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما يصير به المسلم كافراً إذا جحده يصير الكافر به مسلماً إذا اعتقده (¬1). وفي لفظ: ما كان تركه كفراً ففعله إيمان. وما لا فلا (¬2). وقد سبقت تحت الرّقم 99. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للإسلام والكفر أسباب تؤدّي إليهما، ولكن لمّا كان الإسلام والكفر نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان فإنّ الإنسان لا بدّ إمّا أن يكون مسلماً وإمّا كافراً، ولا ثالث لهما - لما كان الأمر كذلك - فإنّ ما يكون سبباً ودليلاً للإسلام إذا نطق به الكافر أو نواه صار مسلماً، وإذا جحده مسلم وأنكره صار بجحوده إيّاه كافراً والعياذ بالله تعالى. فالإيمان تصديق محمَّد صلّى الله عليه وسلّم في جميع ما جاء به من الدّين ضرورة. والكفر تكذيب محمَّد صلّى الله عليه وسلم في شيء ممّا جاء به من الدّين ضرورة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 387. (¬2) أشباه السيوطي ص 489.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نطق الكافر بالشّهادتين فإنّه يصير بهما مسلماً، وإذا جحدها مسلم صار كافراً مرتدّاً. ومنها: لو صلّى مع جماعة المسلمين يحكم بإسلامه، ولو مسلم جحد الصّلاة يحكم بكفره قطعاً. ومنها: اليهودي أو النّصراني إذا قال: "أشهد أنّ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله" قالوا: لا يكون مسلماً بهذا؛ لأنّ بعض اليهود والنّصارى يقولون: إنّ محمداً رسول الله إلى العرب خاصّة. فلذلك لو قالها يهودي أو نصراني لا يكون دليل إسلامه حتى يضمّ إليها التّبرّي من اليهوديّة أو النّصرانيّة. ومنها: اليهودي إذا أقرّ برسالة عيسى عليه السّلام يجبر على الإسلام؛ لأنّ المسلم لو جحد رسالته كفر.

القاعدة العشرون بعد المئتين [السبب والمسبب]

القاعدة العشرون بعد المئتين [السبّب والمسبّب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يظهر عقيب سببه يكون محالاً به عليه حتى يتبيّن خلافه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لكلّ مسبّب سبب لوجوده، ولا يمكن أن يحصل أو يظهر مسبّب بدون سبب سابق له. فما ظهر بعد سبب يكون مسبّباً عن ذلك السّبب، فيحكم بسببيّة ذلك السّبب لما ظهر عقيبه، إلا إذا تبيّن خلاف ذلك يقيناً، ووجد سبب آخر غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أطلق شخص النّار على صيد فأصابه، فيحكم له به حتى يتبيّن أنّ شخصاً آخر رماه قبله فأصماه. ومنها: إذا طعن شخص آخر فمات. فيحكم بأنّ سبب القتل أو الموت هو طعنة ذلك الشّخص فيؤخذ به، إلا إذا تبيّن أنّ سبب الوفاة غير الطّعنة. ومنها: إذا تزوّج شخص امرأة وجاءت بولد: فالولد ينسب للزّوج لأنّه ولد على فراشه من زوجته. ولكن إذا أنكر الزّوج بنوّة الولد ولاعن زوجته فلا ينسب الولد إليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 153.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئتين [المكروه عادة وعبادة]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئتين [المكروه عادة وعبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يعاف في العادات يكره في العبادات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يعاف: أي ما يكره، من عاف يعاف عيافة. يقال: عاف الطّعام: أي كرهه (¬2). فما كان في العادة المقبولة والمعروفة مكروهاً فهو مكروه أيضاً في العبادات؛ لأنّ العبادات إنّما شرعت لمصلحة البشر، والعادات إنّما شرعت وانتشرت بين النّاس وعملوا بها واعتمدوها لما فيها من مصلحة لهم، فإذا وجد شيء كرهه النّاس في عاداتهم فهو أيضاً مكروه في عباداتهم لما بين العادات والعبادات من جامع، وهو المصلحة المشتركة. لكن ما هي العادة التي يعاف فيها ويكره في العبادات؟ هي العادة الصّحيحة المقبولة التي لا تعارض بينها وبين النّصوص والقواعد الشّرعيّة، وأمّا العادات الفاسدة الباطلة فليس ما يعاف فيها يكون مكروهاً في العبادات، بل ربّما انتشر بين النّاس عادات مذمومة محرّمة في ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 10. (¬2) المصباح مادة "عاف"

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الشّرع يعاف فيها ما هو من مستحسنات الشّرع بل من موجباته. كعادة السّفور في كثير من المجتمعات الإسلاميّة - مع الأسف - التي يعاقب المتعاملون بها الحجاب الشّرعي، فهل يكون الحجاب الشّرعيَ للمرأة مكروهاً لأنّ تلك العادة المذمومة تعافه؟ لا وألف لا. بل تلك العادة هي المذمومة والمحرّمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يعاف في العادة الصّحيحة أكل المستقذرات والحشرات، وهي كذلك مكروهة في الشّرع. ومنها: الأواني المعدّة للنجاسات لا يتطهّر بها. ومنها: الصّلاة في المراحيض.

القاعدة الثانية والعشرون بعد المئتين [أحكام القصر]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد المئتين [أحكام القصر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يعتبر فيه مسافة القصر من الأحكام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبيّن الأحكام الشّرعيّة التي تنبني على السّفر ومسافة القصر. ومسافة القصر: هي تلك المسافة من الأرض التي يجوز فيها للمسافر القاطع لها أن يقصر الصّلاة الرّباعيّة، أي أنّها يجوز له أن يصلّي الصّلاة ذات الأربع ركعات وهي صلاة الظّهر والعصر والعشاء يجوز له أن يصليها ركعتين. وهذا معنى القصر. وهذه المسافة تقدّر بنيف وثمانين كيلاً بالمقياس العصري. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز الفطر للمسافر في شهر رمضان، ثم يقضي ما أفطره بعد خروج شهر رمضان. ومنها: المسح على الخفّين ثلاثة أيّام بلياليهنّ. ومنها: الجمع بين الصّلاتين - في الأصحّ - عند غير الحنفيّة. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 298 أ، قواعد الحصني جـ 4 ص 40، أشباه السيوطي ص 418.

أي صلاتي الظّهر والعصر تقديماً وتأخيراً. والمغرب مع العشاء كذلك. ومنها: عدم جواز نقل الزّكاة عن بلد المال - عند بعضهم - إذا وجد المستحقّون في بلد المال. ومنها: اعتبار حاضري المسجد الحرام في عدم جواز التّمتّع في الحجّ. ومنها: المكان الذي يغرَّب إليه الزّاني. ومنها: تزويج الحاكم المرأة التي غاب وليّها فوق مسافة القصر - أو ما دونها على رأي. ومنها: أنّ ما دون مسافة القصر يجب على الشّاهد الذّهاب للمحكمة لأداء الشّهادة، وأمّا إذا كانت المسافة مسافة القصر فما فوقها فلا يجب عليه. ومنها: جواز صرف الزّكاة إلى من ماله بعيد عنه قدر مسافة القصر. ومنها: عدم جواز سفر المرأة وحدها بدون محرم، وبعضهم حرَّم سفر المرأة وحدها بدون محرم في كلّ سفر طويلاً أو قصيراً. ويستثنى من ذلك هجرة المرأة وحدها من بلاد الكفر إلى دار الإسلام إذا خشيت الفتنة.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد المئتين [الاستحقاق]

القاعدة الثّالثة والعشرون بعد المئتين [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يفيد الاستحقاق إذا وقع لا على وجه التّعدّي، فهل يفيده إذا وقع على وجه التّعدّي (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يفيد الاستحقاق: أي ما يفيد الحقّ - أو طلب الحقّ. فالأصل أنّ ما يفيد الاستحقاق إنّما يقع على وجه شرعي غير معتَدٍ به على حقّ غيره، لكن إذا وقع ما يفيد الاستحقاق على وجه التّعدّي، والاعتداء على حقّ غيره، فهل يفيد الاستحقاق كما يفيده لو وقع على غير وجه التّعدّي. خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تحجّر مواتاً، أي جاء إلى أرض ميتة غير محياة فأحياها بسور أو بعلامات وأحجار، ثم جاء آخر فأحياها بأن أنبط فيها ماءً، أو غرس فيها شجراً، فهل يملكها هذا الآخر المتعدّي على حقّ الأوّل؟ قالوا: الأصحّ أنّه يملكها؛ لأنّ الإحياء مقدّم على التّحجير. ومنها: إذا عشّش طائر في أرض إنسان أو داره وفرَّخ فيها. قالوا: لا يملكه صاحب الأرض أو الدّار، لكنه أولى بتملّكه. لكن لو ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 156.

تعدّى غيره وأخذه هل يملكه. قالوا: الأصحّ أنه يملكه؛ لأنّه ما كان ملكاً لصاحب الأرض أو الدّار. ومنها: إذا كان في البلد موضع تقام فيه الجمعة فأُحدث مكان آخر تقام فيه الجمعة على وجه لا يجوز إحداثه، وسبقت جمعته، أنّ الجمعة للجامع الأوّل وإن كان مسبوقاً. هذا بناء على قول: الجمعة لمن سبق، وإنّما كانت الجمعة للجامع الأوّل وإن كان مسبوقاً لأنّ الجامع الثّاني أحدثت فيه الجمعة على وجه غير شرعي.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئتين [ما يقام مقام غيره]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد المئتين [ما يقام مقام غيره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما يقام مقام غيره لا يأخذ جميع أحكامه (¬1). وفي لفظ سبق: ما أقامه الشّارع مقّام الشّيء لا يلزم إعطاءه حكمه من كلّ وجه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً تحت الرّقم 9، 10 مثل هذه القاعدة فلتنظر هناك. وتنظر القاعدة رقم 335 من قواعد حرف الهمزة. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 3 ص 414. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 369. المجموع المذهب لوحة 281 ب.

القاعدتان الخامسة والسادسة والعشرون بعد المئتين [المعلق ومكمله]

القاعدتان الخامسة والسّادسة والعشرون بعد المئتين [المعلَّق ومكمّله] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ما يقبل التّعليق من التّصرّفات يصحّ إضافته إلى بعض محلّ التّصرّف، وما لا يقبله لا يصحّ إضافته إلى بعض المحل (¬1). وفي لفظ: ما يقبل التّعليق يكمَّل مُبَعَّضه. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالتّعليق - كما سبق بيانه - ربط مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، وهو الشّرط اللغوي. وذلك في الطّلاق والعتق وغيرهما من التّصرّفات والإطلاقات التي تقبل التّعليق. فما يقبل التّعليق من التّصرّفات يصحّ إضافته إلى بعض محلّه وجزئه حيث يكمل مبعّضه - أي ما ذكر بعضه - وهذا داخل ضمن قاعدة (ما لا يقبل التّبعيض فذكر بعضه كذكر كلّه) وقد سبق بيانه. ولكن ما لا يقبل التّعليق لا يصحّ إضافته إلى بعض محلّه أو إلى جزئه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال لزوجته: إذا أو إن خرجت بغير إذني فرأسك طالق. فخرجت. طلقت كلّها. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 383. عن وجيز الغزالي.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا قال: أحرمت بنصف نسك. انعقد نسك كامل. وممّا لا يقبل التّعليق: النّكاح والرّجعة. فإذا قال: إذا قدم أبوك تزوّجتك. أو تزوّجتك إذا قدم أبوك. لا يصح النّكاح. ومنها: إذا قال: إذا حضر فلان فقد راجعتك. لا تصحّ الرّجعة ولو حضر فلان, لأنّ الرّجعة لا تقبل التّعليق. ومنها: القذف لا يعلّق. فلو قال: إذا دخلت الدّار فأنت زان. لم يكن قاذفاً. مع أنّ القذف يقبل الإضافة إلى بعض المحل، فلو قال: زنا قبلك أو دبرك. كان قاذفاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الإيلاء يقبل التّعليق مع كونه لا يصح إضافته إلى بعض المحلّ. إلا الفرج خاصّة. ومنها: الوصيّة يصحّ تعليقها ولا يصحّ أن تضاف إلى بعض المحلّ. وكذلك التّدبير.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المئتين [حكم المقدر وما دونه]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد المئتين [حكم المقدّر وما دونه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يقدّر شرعاً بقدْر لا يكون لما دون ذلك القدر حكم ذلك القدر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما قدَّره الشّارع أو حدّد مقداره كمّاً أو عدداً أو وزناً فلا يجوز تنقيصه عن تقدير الشّارع؛ لأنّه لا يكون للقدر النّاقص حكم القدر التّام الكامل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قدَّر الشّارع حدّ زنا البكر بمئة جلدة، فلو جلد تسعاً وتسعين جلدة لا يكون ذلك حدّاً كاملاً ولا تبرأ به الذّمّة. ومنها: حدّد الشّارع وقدّر نصاب الزّكاة من الأموال. كما قدّر مقدار المُخرج، فلو كان المال ناقصاً عن النّصاب جزءاً واحداً فليس له حكم النّصاب الكامل فلا تجب فيه الزّكاة، وكذلك لو أخرج زكاة ماله 2 % بدلاً من ربع العشر لم تبرأ ذمّته. ومنها: أنّ الشّارع الحكيم قدّر الطّواف المجزئ بسبعة أشواط، فلو نقص منها شوط لم يكن لهذا الطّواف حكم. كركعات الصّلاة فأكثرها لا يقوم مقام كمالها. فكذلك أشواط الطّواف النّاقصة لا تقوم مقام الكاملة. إذا نقصت على سبعة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 42.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئتين [الإجبار]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد المئتين [الإجبار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يقع فيه الإجبار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإجبار: معناه الإكراه. فالقاعدة لبيان ما يجوز أن يقع فيه الإكراه على الفعل أو قبول التّصرّف. وبيان ممّن يكون الإجبار. وليس المراد بالإجبار هنا الإكراه بمعناه العام بل المراد إكراه مخصوص في أحوال مخصوصة. والإجبار قد يكون من جانب واحد، وقد يكون من الجانبين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: للأبّ والجدّ إجبار البكر على الّزواج. وهي أيضاً لها أن تجبرهما أن يزوّجاها إذا طلبت ذلك. وهذا إجبار من الجانبين. ومنها: إجبار الأب والجدّ على تزويج المجنونة. ومنها: إذا ظهرت الغبطة - أي المصلحة - الرّاجحة في تزويج البنت الصّغيرة ففي وجوب ذلك على الأب والجدّ وجه. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 295 أ. قواعد الحصني جـ 4 ص 27.

ومنها: السّفيه المحجور عليه المحتاج إلى النّكاح يجبر الولي على تزويجه، كما للولي أن يجبره على ذلك. ومنها: المضطر يجبر صاحب الطّعام - غير المحتاج إليه - على أخذه منه، ولصاحب الطّعام إجباره على الأكل إذا امتنع وشارف التّلف.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئتين [القيد بالقصد]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد المئتين [القيد بالقصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يقيّد من الكلام بمقصود المتكلّم بمنزلة ما يتقيّد بتنصيص المتكلّم عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مقصود المتكلّم: هو مراده من الكلام الذي ينطق به وهدفه وغايته من ورائه. والتنصيص: النّصّ على المراد والتّعبير عنه باللفظ الدّال عليه. فمفاد القاعدة: أنّ ما يدلّ على قصد المتكلّم ونيّته يعتبر قيداً وتخصيصاً للكلام المطلق وحكم اعتباره حكم ما يتقيّد بلفظ المتكلّم ونصّه عليه وتعبيره عنه، وإنّما يعرف مقصود المتكلّم ومراده بالقرائن الدّالة عليه؛ لأنّ قصد المتكلّم هو نيّته وهذا أمر قلبي لا يمكن الاطّلاع عليه ومعرفته إلا بالقرائن والعلامات الدّالة عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أوصيت لفلان بسيّارة - وليس عنده حينذاك سيّارة - ثم مات. أعطي الموصّى له قيمة سيّارة من ثلثه؛ لأنّ هذا مقصوده، وأمّا إن مات ولا مال له فليس للموصّى له شيء. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 841.

ومنها: إذا قال القائد: مَن دخل هذا الحصن أوّلاً فله كذا. فلمن دخل أوَّلاً النّفل، ولكن ذلك يتقيّد بالمال الموجود في الحصن دون غيره؛ لأنّ المقصود إيصال المنفعة للمسلمين، وإنّما يتحقّق ذلك إذا تقيّد النّفل بالمال الموجود فيه، فإذا لم يوجد في الحصن مال فلا شيء للدّاخل أوّلاً لانعدام المحلّ الذي أوجب القائد حقّه فيه، إلا أن يقول القائد: له كذا من هذا المال الذي عنده.

القاعدة الثلاثون بعد المئتين [الأكثر نفعا]

القاعدة الثّلاثون بعد المئتين [الأكثر نفعاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون أكثر نفعاً فهو أفضل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المبنى معقولة المعنى؛ فإنّ ما كثر نفعه هو أفضل وأعلى وأولى ممّا قلّ نفعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إعطاء الفقير المستحقّ للزّكاة نصاباً - إذا كان لا يسدّ حاجته إلا النّصاب فما فوقه - أفضل من إعطائه بضعة دراهم. ومنها: توزيع المال على جماعة من المستحقّين أفضل من إعطائه واحداً منهم فقط - عند استواء حاجتهم. ومنها: النّكاح والتّزوّج أفضل من العزوبيّة مع العبادة؛ لأنّ منفعة العبادة مقصورة على العابد، ومنفعة الزّواج لا تقتصر على النّاكح بل تتعدّى إلى غيره من زوجة وولد وأقارب وأصهار. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 194.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئتين [سنة الوقت وبدعته]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئتين [سنّة الوقت وبدعته] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون سنَّة في وقته يكون بدعة في غير وقته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات منها ما يتعلّق بوقت يجب أداؤها فيه، فإذا أدَّيت في وقتها الذي حدّد الشّارع كان ذلك سنّة، وإذا فعلت في غير وقتها الذي حدّد الشّرع لها كان فعلها ذلك بدعة؛ لأنّ الشّرع إنّما قصد تحديد الوقت لمصلحة شرعيّة، وما حُدِّد له وقت فلا يجوز أداؤه في غيره، وما لا يجوز أداؤه في غير وقته المحدّد له إذا فعل خارج وقته كان فعله بدعة منهي عنها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّكبيرات في صلاة العيدين سنّة في وقتها، فلو صلّى في غير وقت صلاة العيد وكبَّر تلك التّكبيرات كان فعله هذا بدعة غير جائزة. ومنها: صلاة الضّحى سنّة في وقت الضّحى، فلو صلاها بعد الزّوال على أنّها سنّة الضّحى كانت بدعة غير جائزة. ومنها: الوقوف بعرفة يوم التّاسع من ذي الحجة وليلة العاشر هو المشروع، فلو وقف إنسان في غير ذلك الوقت متعمّداً كان وقوفه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 97.

بدعة غير جائزة، ولم يصحّ له حجّ. ومنها: إذا نسي صلاة من صلوات أيّام التّشريق - التي يكبّر عقيبها - فذكرها بعد أيّام التّشريق فقضاها، لم يكبّر عقيبها؛ لأن التّكبير عقيب الصّلوات مؤقّت بوقت مخصوص فلا يقضي بعد ذلك الوقت. ومنها: رمي الجمار مؤقّت بوقت - وهو أيّام منى - فإذا رمى بعد تلك الأيّام كان رميه بدعة غير جائزة. ومنها: الأذان للصّلوات مؤقّت بأوقاتها، ولأسباب مشروعة (¬1)، فلو أذّن في غير الأوقات ولسبب غير مشروع كان أذانه بدعة منهي عنها. ¬

_ (¬1) كالأذان عند تغوّل الغيلان، ففي الحديث: "إذا تغولت بكم الغيلان فنادوا بالأذان" مجمع الزّوائد جـ 10 ص 19، ومسند أحمد جـ 3 ص 382، 305 وغيرهما، ينظر موسوعة زغلول جـ 1 ص 278 - 279.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد المئتين [شرط شرط العبادة]

القاعدة الثّانية والثّلاثون بعد المئتين [شرط شرط العبادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون شرط العبادة شرطه اقترانه بأوّله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط يجب تحقيقه قبل مشروطه، فعلى ذلك ما يكون شرطاً للعبادة يجب أن يحصل ويتحقّق قبل الدّخول فيها، وشرط هذا الشّرط أن يقترن بأوّل العبادة، وإلا لم تصحّ تلك العبادة، ولو وجد ذلك الشّرط بعد الدّخول فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّهارة شرط صحّة الصّلاة يجب تحقّقها قبل الصّلاة، ووجودها مقترناً بأوّل الصّلاة. ومنها: استقبال القبلة - عند القدرة والاختيار - مشروط باقترانه بأوّل الصّلاة - أي عند افتتاحها بتكبيرة الإحرام. ومنها: الإمساك عن المفطرات شرط صحّة الصّوم، فيجب اقترانّه بأوّل أوقات الإمكان قبيل طلوع الفجر. ومنها: ستر العورة كذلك يجب اقترانه بأوّل دخوله في الصّلاة، وإلا إذا دخل الصّلاة وعورته مكشوفة فلا تنعقد صلاته ولو سترها بعد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 116.

ذلك، إذ عليه استئناف النّيَّة. لكن إذا كانت عورته أو جزء منها مكشوفاً دون أن يشعر فلمّا شعر بذلك سترها فصلاته صحيحة والله أعلم. ومنها: النّيَّة يشترط فيها مقارنها لأوّل الصّلاة عند تكبير الإحرام، وكذلك نيّة الإحرام عند الميقات المكاني. ونيّة الطّواف عند الدّخول فيه.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المئتين [العلة المنفردة والترجيح]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد المئتين [العلّة المنفردة والتّرجيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون علَّة للاستحقاق بانفراده لا يقع به التّرجيح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العلّة: المراد بها هنا السّبب. فما يكون سبباً للاستحقاق منفرداً دون سبب آخر معه فإنّه لا يقع به ترجيح الاستحقاق إذا كان موجب الاستحقاق سبباً آخر؛ لأنّ التّرجيح إنّما يقع بما لا يكون علّة أو سبباً للاستحقاق، أي إنّ التّرجيح إنّما يكون بأمر خارج عن الموجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قرابة الأب سبب للاستحقاق بالعصوبة - وبعد وجود هذا السّبب لا تكون قرابة الأم علّة للاستحقاق - بل تكون علّة للتّرجيح. ولهذا يرجّح الأخ لأب وأم على الأخ لأب في الميراث والولاية. ومنها: مات شخص وترك ابني عم أحدهما أخ لأم. فللأخ لأم السّدس فرضاً، والباقي بينهما نصفان بالعصوبة؛ لأنّ ابن العم الّذي هو أخ لأم له سببان للميراث: الفرض بالأخوة لأم، والعصوبة بالعمومة، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 29 ص 155، 177.

فيرث بكلّ واحد من السّببين، ويجعل اجتماع السّببين في شخص واحد كوجودهما في شخصين، فيستحقّ السّدس بالفريضة، ثمّ يزاحم الآخر فيما بقي بالعصوبة. وهناك قول آخر في المسألة: وهو أنّ المال كلّه لابن العمّ الّذي هو أخ لأم؛ لأنّه أظهرهما قرباً.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المئتين [التعويض عن المتقوم شرعا]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون بعد المئتين [التّعويض عن المتقوّم شرعاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون متقوّماً شرعاً فالاعتياض عنه جائز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتقوّم شرعاً: هو ما أثبت الشّرع له قيمة، فما أثبت الشّرع له قيمة فيجوز بيعه وشراؤه وإجارته. والمراد بالاعتياض: أخذ العوض عنه. وأخذ العوض إمّا بمبادلته بغيره بعقد شرعي، وإمّا بأخذ بدله مثله أو قيمته إذا أتلفه متلف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأنعام من الإبل والبقر والغنم متقوّمة شرعاً فيجوز الاعتياض عنها بيعاً وإجارة وبدل إتلاف أو استهلاك، وغيرها من الحيوانات التي لم يرد عن الشّرع نهي على ثمنها أو اقتنائها. ومنها: الملابس بأنواعها والمأكولات بأنواعها والمشروبات بأنواعها كلّها يجوز أخذ العوض عنها، عدا ما حرّمه الشّرع، كالخمر والخنزير بالنّسبة للمسلم فهما ليسا بمالين وليسا بمتقوّمين شرعاً بين المسلمين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 52.

ومنها: الكلب المعلّم، أو الّذي يقتنى للحراسة يجوز بيعه وشراؤه، وأخذ العوض عنه في الرّاجح. بخلاف غيرها من أنواع الكلاب حيث لا يجوز أخذ العوض عنها لأنّها ليست متقوّمة شرعاً.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المئتين [المذهب والتقليد]

القاعدة الخامسة والثّلاثون بعد المئتين [المذهب والتّقليد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون مذهباً ويُقَلَّدُ فيه الإِمام بشرطين: الأوّل: أن يكون من 1 - الأحكام: كوجوب الوتر. 2 - الأسباب: كالمعاطاة. 3 - الشّروط: كالنّيّة في الوضوء. 4 - الموانع: كالدَّين في الزّكاة. 5 - الحِجاج: كشهادة الصّبيان والشّاهد واليمين. الثّاني: أن يختص الإمام بالقول بأحد هذه الخمسة ويخالفه غيره فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المذهب: لغة: الطّريق. ويراد به هنا الطّريق الشّرعي الّذي اتّخذه إمام من الأئمة المعتبرين - كأبي حنيفة ومالك والشّافعي وأحمد رحمهم الله تعالى - سبيلاً في فهم الشّرع والأخذ بالأدلةّ وطرق استنباط الأحكام، وعُرِف به. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 4 ص 5 الفرق 203.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فما يكون مذهباً لإمام من الأئمة قال القرافي: إنّه يشترط فيه ليكون مذهباً متّبعاً يقلّده فيه مقلّدوه من العوام وغير المجتهدين يشترط فيه شرطان. الشّرط الأوّل: هو عبارة عن بيان الأمور والموضوعات التي يقع فيها الاجتهاد والتّقليد، وهذه الأمور كما عدّها القرافي: خمسة أشياء: أوّلها: الأحكام: جمع حكم والمراد بها الوجوب والتّحريم والنّدب والكراهة والإباحة. وثانيها: الأسباب: أي أسباب وعلل الأحكام التي استنبطها المجتهد باجتهاده. وثالثها: الشّروط: جمع شرط وقد سبق بيانه. ورابعها: الموانع: جمع مانع من الحكم. وخامسها: الحِجاج: جمع حجّة والمراد بها البراهين والأدلّة التي يستدلّ بها على الأحكام. الشّرط الثّاني: أن يقع الخلاف في بعض فروع هذه الخمسة مع اختصاص الإمام المجتهد بالقول في بعضها، ومخالفة غيره من الأئمة فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوتر: وقد اختلف في حكمه، فقال أبو حنيفة رحمه الله: (الوتر واجب) والمراد بالواجب ما دون الفرض عند الحنفيّة، وخالفه

غيره. ومنها: بيع المعاطاة، وهو البيع بدون لفظ الإيجاب والقبول منعه الشّافعي رحمه الله تعالى وأجازه الآخرون. ومنها: النّيّة في الوضوء، لم يوجبها أبو حنيفة رحمه الله، وأوجبها غيره. ومنها: الدَّين المانع من وجوب الزّكاة اعتبره بعضهم ولم يعتبره آخرون مانعاً. ومنها: شهادة الصّبيان، والنّساء، والشّاهد واليمين. وغير ذلك من مسائل الخلاف بين الأئمة المعتبرين.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد المئتين [أداء المستحق]

القاعدة السّادسة والثّلاثون بعد المئتين [أداء المستَحَق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون مستحقّاً على المرء في عين بجهة فعلى أي وجه أتى به يقع على الوجه المستحق وتصريحه بخلافه باطل (¬1). وفي لفظ: ما استحقّ في عين بجهة فعلى أي وجه أتي به يقع عن المستحَق عليه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا استُحِقّ شيء على شخص ما بسبب من الأسباب فيجب على هذا الشّخص أداء ما استُحِقّ عليه، والمراد بالمستحقّ هنا: الأمور الماليّة أو العينيّة دون العباديّة ولكن هل لأداء المستحَقّ وجه أو طريق مخصوص بحيث لا يجوز خلافه؟ مفاد القاعدتين: أنّه ليس لأداء الواجب طريق محدّد، بل إنّ الواجب إذا أتى به على أي وجه كان ووصل إلى صاحبه فإنّ ذمّة المستحَقّ عليه تبرأ بذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 19 (¬2) نفس المصدر ص 45.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل عليه دَيْن لآخر فعند حلول الأجل يجب عليه الأداء وإيصال الدّين لصاحبه، إمّا بتسليمه إيّاه يداً بيد، لكن إذا جاء المدين بالدّين ووضعه أمام الدّائن بحيث يتمكّن من تسلّمه، فقد برئت ذمّة المدين، حتى لو ضاع المبلغ بعد ذلك قبل أن يتسلّمه الدّائن. وكذلك لو كتب له بالمبلغ صكّاً - أي شيكاً - وسلّمه إيّاه. أو أرسل بالمبلغ حوالة مصرفيّة لحساب الدّائن، فقد برئت ذمّة المدين. ومنها: إذا أوصى شخص بعتق جارية - وهي تخرج من الثّلث - فتبقى على ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة للوصيّة، وولاؤها للميّت. ولو أعتقها بعض الورثة عن نفسه كان العتق عن الميّت؛ لأنّ العتق في هذه الجارية مستحقّ عن الميّت. ومنها: إذا قال لجارية له: أنت حرّة إن دخلت الدّار، أو قال: بعد موتي. لم يكن هذا تدبيراً، ولكن إن مات القائل ثمّ دخلت الجارية الدّار عتقت، وإذا قال الوارث: أنت حرّة على ألف درهم إن قبلتِ. فقبلت. فهي حرّة بغير شيء؛ لأنّها لا تعتق لوجود الشّرط، وإنّما تعتق بجهة الوصيّة عن الميّت، وذلك بغير شيء. ومنها: إذا غصب طعاماً، ثمّ أطعمه المغصوب منه بغير علمه، فقد برئت ذمّة الغاصب؛ لوصول الطّعام إلى صاحبه، ولو بغير علمه في وجه.

والوجه الآخر لا يبرأ، وهو الوجه الرّاجح عند الحنابلة (¬1). وأمّا إذا غصب إناءً أو آلة ثمّ أعارها لصاحبها فقد برئ من الغصب سواء علم المالك أو لم يعلم. ¬

_ (¬1) المقنع جـ 2 ص 246.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد المئتين [المستحق والشرط]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد المئتين [المستحقّ والشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون مستحقّاً على المرء لا يتقيّد بشرط ليس في وسعه التّحرّز عنه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يكون واجباً على الإنسان أن يفعله ومستحقّاً عليه لا يشترط لذلك الفعل شرط ليس في مقدور المكلّف ولا في وسعه وطاقته التّحرّز أو الامتناع منه؛ لأنّ ما لا يمكن التّحرّز عنه عفو. كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّبيب الّذي عليه إجراء جراحة لمريض ليس عليه تبعة موت المريض أو سريان الجراحة إذا قام بكلّ الاحتياطات اللازمة، أو أجرى الجراحة على الوجه المطلوب والمعروف عند أهل الطّبّ والخبرة. ومنها: إذا وجب حدُّ جلد على زان غير محصن فمات من أثر الضّرب لضعف في بنيته - وكان الضّرب كالمعتاد - فإنّ مقيم الحدّ غير ضامن. ومنها: إذا قطع يد سارق فسرت الجراحة ومات من ذلك فلا شيء على القاطع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 65.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المئتين [توكيل المدين]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد المئتين [توكيل المدين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون مستحقّاً على المرء من الدَّين لا يصلح هو أن يكون وكيلاً في قبضه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بقاعدة (اتّحاد القابض والمقبّض) والأصل عدم الاتّحاد، فمن كان عليه دين لشخص آخر فلا يجوز أن يكون المدين وكيلاً عن الدّائن في قبض الدّين من نفسه؛ لأنّ هذا يعني اتّحاد القابض والمقبّض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز أن يبيع الوكيل في البيع من نفسه, ولو كان أباً للموكّل. ومنها: لا يزوّج الولي المرأة من نفسه، كأن يكون الولي ابن عمّ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الأب والجد في حقّ الصّغير، فيجوز أن يكون كلاً منهما قابضاً ومقبّضاً. ومنها: أجَّرَ داراً وأذن للمستأجر صرف أجرتها في عمارتها (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 121. (¬2) ينظر أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 259 فما بعدها.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المئتين [الشهادة والظن]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد المئتين [الشّهادة والظّنّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يكون مستند الشّاهد فيه الظّنّ كالعدالة والإرث والإعسار لا يجوز للحاكم أن يحكم فيه بعلمه (¬1). عند إمام الحرمين الجويني. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بحكم الحاكم والقاضي بعلمه. ما يكون مستند الشّاهد ودليله فيه الظّنّ - لا القطع واليقين - فلا يجوز أن يحكم فيه الحاكم أو القاضي بعلمه للتّهمة، وذلك في مسائل مخصوصة كالعدالة والإرث والإعسار. ومفهوم ذلك أنّه إذا كان مستند الشّاهد فيه القطع واليقين أنّه يجوز أن يحكم فيه بعلمه. وذلك إذا قامت القرائن واحتفت بالخبر حصل العلم بها، فيجوز أن يحكم حينئذ بعلمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإعسار: أي الحكم بإعسار الزّوج وعدم قدرته على الإنفاق على زوجته، فهذا لا يمكن القطع به، وإنّما قصارى شهادة الشّاهد الظّنّ، ولذلك قالوا: لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه بإعسار المدَّعَى عليه. ¬

_ (¬1) مجموع العلائي لوحة 162 أفما بعدها، قواعد الحصني جـ 2 ص 395.

ومنها: الإرث: أي أن يقول الشّاهد هذا وارث فلان ولا وارث غيره. فهذا أيضاً مبناه على الظّنّ، فلا يجوز للقاضي أن يقضي بأنّه لا وارث للميّت غير فلان إذا كان لا يعلم غيره. ومنها: الملك بوضع اليد لا يفيد إلا الظّنّ، واحتمال أن يكون المالك غيره احتمال وارد. ومنها: تعديل الشّهود لا يحكم الحاكم بعلمه فيهم؛ لأنّ مبنى ذلك على الظّنّ الظّاهر دون القطع.

القاعدة الأربعون بعد المئتين [مانع الابتداء والبقاء]

القاعدة الأربعون بعد المئتين [مانع الابتداء والبقاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يمنع الابتداء يمنع البقاء (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال. وينظر القاعدة رقم 152 من قواعد هذا الحرف. ومفادها: أنّه إذا وجد مانع يمنع ابتداء الحكم أو التّصرّف، فإنّ هذا المانع إذا وجد بعد حصول الحكم أو التّصرّف فهو يبطله ويمنع بقاءه واستدامته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإرضاع يمنع ابتداء الزّوجيّة بين المرضعة والزّوج، أو بين الرّجل والمرأة، فإذا تزوّج رجل بنتاً صغيرة وله زوجة أخرى كبيرة فأرضعت الكبيرة الصّغيرة فسخ نكاح الصّغيرة, لأنّها أصبحت بنتاً للزّوج بالرّضاع. ومنها: إذا تزوّج رجل امرأة ثم أخبره ثقة أنّهما ارتضعا من ثدي واحد وجب عليه مفارقتها. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 494 عن التحرير جـ 4 ص 591، 904، وينظر أشباه السيوطي ص 185.

ومنها: إذا وجد المتيمّم الماء وهو في صلاته، بطل تيمّمه عند بعضهم. ومنها: إذا ارتدّ محرم - والعياذ بالله تعالى - بطل إحرامه، كما لو أحرم وهو مرتد. ومنها: إذا ملك الزّوج زوجته، أو الزّوجة زوجها بطل النّكاح في الكلّ ابتداءً وبقاءً.

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئتين [أحكام القرب]

القاعدة الحادية والأربعون بعد المئتين [أحكام القُرب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ينبني من الغُنم شرعاً على القُرب يختصّ به أصحاب الملك دون السّكان (¬1)، وكذلك الغُرم. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: جعل الشّارع للقُرب أحكام، والمراد: قرب الأملاك - الأراضي والدّور - واتّصال بعضها ببعض. فالشّرع قد بنى على اتّصال الأملاك أحكاماً تعود منافعها إلى أصحاب الملك دون السّكّان المستأجرين. فكذلك يجب أن يكون الغرم عليهم أيضاً - عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى, لأنّ الغرم بالغنم والرّبح على قدر الخسارة. خلافاً لأبي يوسف وابن أبي ليلى اللَّذين يريان أنّ السّكان والمشترين كالملاّك فيما فيه غرم على المحلّة. وينظر القاعدة رقم 8 من قواعد هذا الحرف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّفعة حقّ للمالك المتّصل ملكه بالملك المبدع. وأمّا المستأجر للدّار أو الأرض فليس له حقّ الشّفعة؛ لأنّ وجوده مؤقّت بمدّة الأجرة بخلاف المالك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 112.

ومنها: إذا وجد قتيل في دار رجل فإنّما يؤخذ به السّاكن دون صاحب الدّار إذا لم يكن ساكناً فيها، ودون المشتري كذلك. وهذا على رأي أبي يوسف وابن أبي ليلى. ومنها: القتيل الموجود في المحلة فإن أيمان القسامة إنّما توجه على السّكان الموجودين في المحلة سواء أكانوا مُلاكاً أم مشترين أم مستأجرين. ومنها: إذا وجد قتيل في السّجن فديّته عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله على بيت المال. وأمّا عند أبي يوسف فعلى أهل السّجن؛ لأنّهم بمنزلة السّكّان. وقد مرّ ذلك قريباً. ومنها: إذا وجد قتيل في دار بين رجلين ولأحدهما ثلث الدّار وللآخر الثّلثان فإنّ الدّيّة على عواقلهما نصفين؛ لأنّ القيام بحفظ المكان والتّدبير فيه يكون باعتبار أصل الملك، لا باعتبار قدر الملك، وقد استويا في أصل الملك.

القاعدة الأربعون بعد المئتين [الحقوق المنتقلة للورثة]

القاعدة الأربعون بعد المئتين [الحقوق المنتقلة للورثة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما ينتقل إلى الورثة من الحقوق وما لا ينتقل منها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا مات الإنسان ينتقل كلّ ما يملكه من الأموال إلى ورثته من بعده، لكن الحقوق التي يتركها المتوفّى هل تنتقل كلّها إلى ورثته، أو أنّ بعضها لا يقبل الانتقال وبعضها يقبله؟ ذكر العلائي رحمه الله ضابطاً في ذلك فقال: إنّ ما كانت تابعاً للأموال فإنّه يورث عنه، وكذلك ما يدفع به ضرراً عن الوارث في عرضه، وما كان متعلّقاً بنفس المورث وشهوته وعقله فلا ينتقل إلى الوارث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من الخيارات التي تنتقل إلى الوارث: خيار المجلس، وخيار الشّرط، والرّدّ بالعيب، وخيار الخلف، وخيار الإقالة، وخيار التّصرية. وإذا مات واحد من الغانمين انتقل حقّه إلى ورثته. وحقّ الرّهن وقبول الوصيّة. ومنها: إذا مات المتحجر انتقل حقّه إلى ورثته. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 345 أ، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 364 مع التّفصيل، قواعد الحصني جـ 4 ص 187 أشباه ابن السيوطي ص 472.

ومنها: حقّ الشّفعة وسائر المحاكمات المتعلّقة بالمال. ومنها: ما يرجع إلى التّشفّي كحقّ القصاص في النّفس والأطراف؛ ولأنّه أيضاً قد يؤوّل إلى المال. ومنها: حقّ القذف والمحاكمة فيه وحدُّه ينتقل إلى الوارث. ومنها: لو وهب من ابنه شيئاً ثمّ مات لم يكن لوارثه الرّجوع وإن كان من توابع المال؛ لأنّه الموهوب غير موروث عنه. وحقّ الرّجوع يتعلّق بصفة الأبوة. وأمّا ما لا ينتقل من الحقوق: كلّ حقّ يتعلّق بالنّكاح وتوابعه لا ينتقل إلى الوارث منها شيء، ومنها حقّ اللعان. ومنها: ما بيده من قضاء ومناصب لا ينتقل إلى الوارث، كما لا ينتقل اجتهاده، وعلمه ودينه. وممّا اختلف في انتقاله: الولاء: قيل إنّه غير موروث بدليل إنّه لا ينتقل إلى جميع الورثة - حيث إنّ المرأة لا ترث الولاء. قال العلائي: والأظهر أنّه يورث لكن للعصبات.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد المئتين [النذر اللازم]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد المئتين [النّذر اللازم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يلزم بالنّذر وما لا يلزم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّذر: سبق بيان معناه، وهو ما يقدّمه العبد لربّه، أو يوجبه على نفسه من صدقة أو عبادة أو نحوها. ويشترط لصحّة النّذر: أن يكون للمنذور أصل في الشّرع. وهذه القاعدة تتعلّق ببيان ما يلزم بالنّذر - أي ما يجب الوفاء به، وما لا يلزم - أي ما لا يجب الوفاء به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما كان معصية ونذر فعلها، فهذا حرام لا ينعقد به نذره، ولا كفّارة فيه على القول الرّاجح في مذهب الشّافعي، وفي قول تجب الكفّارة. ومنها: ما كان من القربات الواجبة بأصل الشّرع كالصّلوات الخمس وصوم رمضان إذا نذر فعلها فلا يجب ولا ينعقد نذره بأصل الشّرع. ومنها: ما كان من المحرّمات كالزّنا إذا نذر تركه لا ينعقد ¬

_ (¬1) المجموع المهذّب لوحة 320 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 112.

نذره؛ لأنّ ترك الزّنا واجب بأصل الشّرع، والخلاف في لزوم الكفّارة كسابقه. ومنها: المباحات كالأكل والنّوم والقيام والسّفر ونحوها، قالوا: لا ينعقد بالنّذر التزامها، ولكن هل يكون يميناً يجب فيها الكفّارة؟ خلاف كما سبق في نذر المعاصي. وما يلزم بالنّذر: إذا نذر في الفرائض صفات مستحبّة لزمه فعلها كمن نذر تطويل القراءة في الصّلاة. ومنها: فروض الكفايات ما يحتاج فيها إلى بذل مال أو معاناة مشقّة كالجهاد وتجهيز الموتى، ودفنهم والصّدقات، فالصّحيح لزومها بالنّذر. ومنها: ما ليس فيه بذل مال ولا مشقّة كصلاة الجنازة، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ففيه وجهان والأصحّ اللزوم. ومنها: المستحبّات الشّرعيّة من القربات كلّها تلزم بالنّذر.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد المئتين [ما يمتد ويدوم]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد المئتين [ما يمتدّ ويدوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يمتدّ فلدوامه حكم الابتداء، وإلا لا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يمتد: المراد به ما يستمرّ ويبقى حكمه، ولم يوقّت انتهاؤه بوقت. فما كان على هذه الصّفة فإنّ لدوامه واستمراره حكم ابتدائه في لزوم أحكامه ووقوعها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا علّق طلاق زوجته بوصف قائم بها كالحيض مثلاً أو المرض، فإنّما يكون ذلك على حيض أو مرض في المستقبل؛ لأنّ الحيض والمرض لا يمتدان. لكن إذا قال لصحيحة: إن صححت فأنت طالق، طلقت في الحال؛ لأنّ الصّحّة ممّا يمتدّ فلدوامها حكم الابتداء. ومنها: إذا حلف أن لا يدخل عليه البيت وهو فيه، لا يحنث إلا بدخول مستأنف, لأنّ الدّخول لا يمتدّ. إلا إذا حلف أن لا يبقى معه في البيت ولم يخرج فوراً يحنث. ومنها: إذا حلف أن يخرج من هذا البيت، ومضت مدّة يمكنه الخروج فيها فلم يخرج فقد حنث. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 182 وعنه قواعد الفقه ص 117.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئتين [مانع تمام السبب والنكاح]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد المئتين [مانع تمام السّبب والنّكاح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يمنع تمام السّبب فالنّكاح لا يحتمله (¬1). - أي لا يقبله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّكاح وإن كان عقداً بين طرفين، ويحتاج إلى إيجاب وقبول كالبيع، ولكنّه يختلف عن باقي العقود في أمور يجمعها مضمون هذه القاعدة وهو قوله (ما يمنع تمام السّبب) فكلّ ما يمنع تمام العقد غير عقد النّكاح فإنّ النّكاح لا يقبله، ولا يؤثّر فيه بمعنى أنّ هذا الأمر إذا وجد لا يجوز في عقد النّكاح حيث يصحّ العقد ويبطل الشّرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيع يصحّ فيه خيار الشّرط للبائع والمشتري ولكليهما، ولكنّه لا يصحّ في عقد النّكاح, فلا خيار شرط ولا خيار رؤية في عقد النّكاح - وإن صحّا في عقد البيع. فإذا وجدا يصحّ عقد النّكاح ويبطل الشّرطان. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 64.

القاعدة السادسة والأربعون بعد المئتين [الدرء بالشبهات]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد المئتين [الدّرء بالشّبهات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يندرئ بالشّبهات لا يثبت بحجّة فيها شبهة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يندرئ بالشّبهات: أي ما يندفع بالشّبهات ويمتنع إيقاعه لوجود الشّبهات، وهو الحدود. الشّبهات: جمع شبهة، ومعناها لغة: الالتباس. وفي الشّرع: ما لم يتيقّن كونه حراماً أو حلالاً (¬2). فما يندفع لوجود الشّبهات لا يثبت بحجّة أو دليل فيه التباس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عدم قبول شهادة النّساء في الحدود، للشّبهة في شهادتهن بالضّلال والنّسيان. ومنها: إذا قال القاتل: لم أتعمد قتله، وإنّما أخطأت الهدف. فقوله هذا شبهة في عدم وجوب القصاص في حقّه. وينتقل الواجب إلى الدّيّة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 114. (¬2) أنيس الفقهاء ص 281 عن التّعريفات للجرجاني ص 85.

ومنها: إذا اشتبه المأخوذ هل هو من حرز أو من غير حرز، أو هل يبلغ المسروق نصاباً أو لم يبلغ النّصاب. فهذه شبهة في عدم وجوب قطع يد السّارق. ومنها: إذا وطئ جارية له فيها شرك، لا يقام عليه الحدّ لشبهة الملك. ومنها: إذا شهد على الزّنى فسّاق أو عميان لم يحدّ المشهود عليه، ولكن يحدّ الشّهود؛ لأنّ الزّنى لا يقبل فيه إلا شاهد عدل مُبصر يصف الزّنى.

القاعدة السابعة والأربعون بعد المئتين [موجب الضمان والقصاص]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد المئتين [موجب الضّمان والقصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ما يوجب الضّمان والقصاص (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّمان: هو الغرم المالي. القصاص: المماثلة، وتكون بالقتل مقابل للقتل العمد العدوان، وبالقطع وبالحزّ. فما الذي يوجب الضّمان والغرامة الماليّة على الفاعل، وما الذي يوجب القصاص عليه؟ هذا هو مضمون القاعدة. ومفادها: إنّ ما يوجب الضّمان أربعة أشياء: الأوّل: اليد. أي الأخذ والتّملّك بأسباب. والمراد باليد هنا: "كل يدٍ غير مؤتمنة". كيد الغاصب، والمستام، والمستعير، والمشتري شراء فاسداً، والأجير المنفرد باليد أو كان مشتركاً، على قولين مرجوحين. وكذلك كلّ يد أمينة تعدّت كالمودَع، والمرتهن، والشّريك، والمضارب, والوكيل، وأشباه هؤلاء. فمتى وقع من أحدهم التّعدّي ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 284 أ، قواعد الحصني جـ 3 ص 420، المختصر ص 360 فما بعدها.

صارت اليد يد ضمان فيضمن إذا تلف ما تحت يده ولو بآفة كما لو لم يكن مؤتمناً. الثّاني: المباشرة. كمن أتلف مال غيره بيده، فهو ضامن، أو ذبح حيوانه. أو أحرقه أو أغرقه بغير إذن من صاحبه. الثّالث: التّسبّب، والأسباب الموجبة للضّمان منها أسباب قويّة وأسباب ضعيفة وأسباب متوسّطة. فمن تسبّب في الإتلاف كان ضامناً، كمن ألقى إنساناً في الماء فالتقمه الحوت، فهو ضامن. ومنها: شاهد الزّور بالقتل فيقتل. الرّابع: الشّرط: فمن اشترط عليه الضّمان عند التّلف فهو ضامن. وممّا يضمن أيضاً: من أمسك شخصاً ليقتله آخر فهو شريك للقاتل. ومنها: طعام المضطر المبذول لطالبه حالة الضّرورة يضمن بقيمته، كالماء المبذول في المفازة - أي الصّحراء. أمّا ما يوجب القصاص: فهو القتل العمد العدوان المكافئ ولا مانع. فهذا يوجب القصاص أو الدّيّة، والكفّارة، عند بعض الفقهاء.

ومنها: يجب القصاص على المكرِه، والشّهود الذين شهدوا بسبب موجب للقتل، ثمّ رجعوا، أو تبيّن أنّهم شهود زور فيجب القصاص. وأمّا في الأعضاء: ما يوجب القصاص - أي المماثلة - كلّ عضو له مفصل أو حدّ مضبوط (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر أشباه السيوطي ص 485 فما بعدها مختصراً.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد المئتين [المباح المقيد]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد المئتين [المباح المقيّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المباحات تتقيّد بشرط السّلامة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة تحت الرّقم 187. المباح: هو المأذون في فعله. فما أذن الشّارع فيه وأباحه للمكلّف فذلك مشروط بسلامة العاقبة، وإلا إذا ساءت العاقبة، أو تسبّب ضرر عن فعل المباح فالفاعل ضامن. وهذه القاعدة مقابلة للقاعدة القائلة: (الجواز الشّرعي ينافي الضّمان). لأنّ قاعدتنا هذه تمثّل رأي أبي حنيفة رحمه الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تعزير الزّوج زوجته مباح له غير مستحقّ عليه، فإذا ماتت الزّوجة من تعزيره فهو ضامن؛ لأنّه مشروط في التّعزير السّلامة. والأصل في تعزير الزّوجة: الضّرب غير المبرح، بدون كسر عظم أو تشويه وجه، فكيف إذا وصل الأمر إلى التّسبّب في القتل؟ ومنها: الختان مأذون فيه وهو واجب. فإذا تعدّى الخاتن، أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 65.

ختن وقطع الحشفة بسلاح صدئ فاسد، أو كان المختون مريضاً والخاتن يعلم بمرضه، أو كان الجو بارداً وهو ضارّ بالمختون فمات المختون بسبب من هذه الأسباب أو مثلها فالخاتن ضامن. ومنها: السير في الطّريق مباح لكن بشرط أن لا يضرّ غيره بسيره وإلا كان ضامناً.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد المئتين [المباح]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد المئتين [المباح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المباح يملك بالإحراز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى المباح، ولكن المراد به هنا: ما بقي على أصل خلقته ولم يملكه مالك. والإحراز: وضع الشّيء في الحرز، والمراد بالحرز: ما يكون به حفظ الشّيء وتحصينه. فالمباح إنّما يملكه آخذه بوضعه في مكان حصين أو إناء، أو وضع عليه علامة تدلّ على إحرازه، وبدون ذلك لا يكون مملوكاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الماء الجاري في الأنهار والبحيرات والبرك وماء العيون ماء مباح للجميع، فإذا أخذ منه إنسان وملأ به جرّة أو إناءً له فقد أحرزه وملكه، ولا يجوز لغيره الاستيلاء عليه بغير إذن صاحبه. ومنها: الصّيد - وهو الحيوان الوحشي - مباج لكلّ صائد، فإذا رمى شخص صيداً وأثبته برميته، فهو صاحبه ومالكه، وهو أحقّ به من غيره؛ لأنّ إثباته وحبسه برميه يعتبر إحرازاً له. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1737 وعنه قواعد الفقه ص 118.

ومنها: الحطب والعشب في الفلوات مباح، فإذا جمعه إنسان وربطه حُزَماً، أو كَوَّمه أكواماً ليحمله، فهو أحقّ به من غيره، وهو مالكه.

القاعدة الخمسون بعد المئتين [الدين بالدين]

القاعدة الخمسون بعد المئتين [الدَّين بالدين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبادلة الدَّين بالدَّين لا تجوز (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مبادلة الدّين بالدّين أو بيع الدّين بالدّين لا يجوز اتّفاقاً، وكذلك هبته ورهنه إلا لمن عليه الدّين, لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" (¬2). وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الباء تحت الرّقم 73. وقواعد حرف - لا - تحت الرّقم 130. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تنظر في القواعد السّابقة المذكورة أعلاه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الحوالة: وهي بيع دين بدين. جازت للحاجة. ¬

_ (¬1) المبسوط ج! 2 ص 203. أشباه السيوطي ص 330، أشباه ابن نجيم ص 358. (¬2) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما، رواه الدارقطني والحاكم. وهو حديث ضعيف مع الاتّفاق على معناه، ينظر تعليق المنتقى ج! 2 ص 322 الحديث 2810.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئتين [ما يبطل حول الزكاة]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئتين [ما يبطل حول الزّكاة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المبادلة توجب استئناف الحول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمبادلة: أن يعطى كلّ واحد منهما الآخر ما عنده ويأخذ بدله ما عند صاحبه، فإذا تبادل رجلان ما عندهما من مال يستحقّ الزّكاة - وذلك قبل حولان الحول - فإنّ كلّ واحد منهما يبدأ حولاً جديداً؛ "لأنّ تبدل سبب الملك قائم مقام تبدّل الذّات". ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند شخص أنصبة من الذّهب، فبادلها بقيمتها من الفضة، يستأنف كلّ منهما حولاً جديداً للزّكاة - على أحد القولين. ومنها: من عنده أغنام أو أبقار أو إبل، وفي خلال الحول أو قبل تمام الحول بشهر أو بأيام بادل بها إبلاً أو بقراً أو غنماً، فإنّ كلّ واحد منهما يستأنف حولاً جديداً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: بادل سلعة من سلع التّجارة بمثلها, لا يستأنف حولاً جديداً بل يضمّ ذلك إلى ما عنده من سلع التّجارة. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 443.

ومنها: إذا بادل أحد النّقدين بالآخر - على القول الصّحيح - لا يستأنف الحول. ومنها: إذا باع سلعة للتّجارة بأحد النّقدين وكان نصاباً، فإنّه يضمّه إلى مال التّجارة وحوله حولُها.

القاعدة الثانية والخمسون بعد المئتين [دليل الرضا]

القاعدة الثّانية والخمسون بعد المئتين [دليل الرّضا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مباشرة الفعل الذي هو دليل الرّضا بمنزلة التّصريح بالرّضا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّضا أمر قلبي لا اطّلاع لنا عليه، ولكن قد يدلّ عليه القول والتّصريح بالرّضا كقوله: بعت أو اشتريت أو تزوّجت إلخ. ولكن قد يدلّ على الرّضا غير القول والتّصريح، وذلك بمباشرة فعل يكون دليلاً على الرّضا. فتعتبر تلك المباشرة دليلاً على الرّضا، في قوّة التّصريح القولي بالرّضا. فدليل الرّضا الفعلي في قوّة ومنزلة التّصريح القولي بالرّضا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد شراء سلعة كتب عليها ثمنها، فأخذ السّلعة وأعطى البائع الثّمن المكتوب عليها، فأخذه البائع ووضعه في جيبه أو درجه، فذلك دليل رضا البائع بالبيع والمشتري بالسّلعة، ولو لم ينطقا. ومنها: إذا تزوّجت المرأة من غير كفء، ثمّ جاء الولي فقبض مهرها وجهّزها، فهذا منه رضا بالنّكاح؛ لأنّ قبض المهر تقرير لحكم العقد فيتضمّن ذلك الرّضا بالعقد ضرورة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 28.

القاعدتان الثالثة والرابعة والخمسون بعد المئتين [تضمين المباشر]

القاعدتان الثّالثة والرّابعة والخمسون بعد المئتين [تضمين المباشر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المباشر لا يعتبر فيه معنى التّعدّي لوجوب الضّمان (¬1). وفي لفظ: المباشر ضامن وإن لم يتعمّد (¬2). وفي لفظ: المباشر ضامن وإن لم يتعدّ، والمتسبّب لا إلا بالتّعدّي (¬3). وتأتي تالية وفي لفظ: المباشر للإتلاف مع المسبّب إذا اجتمعا - وهما جانيان - فإنّه يجب الضمّان على المباشر (¬4). وينظر القاعدة رقم 70 من قواعد حرف الهمزة. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المباشر: هو مَن وقع منه الفعل بتعدّ أو بدونه. فمن وقع منه فعل نتج عنه إتلاف لمال الغير أو نفسه - بغير ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 88، 189. (¬2) مجلة الأحكام المادة 92 وعنه قواعد الفقه ص 117. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 284، ترتيب اللآلي لوحة 96 أ، شرح الخاتمة ص 78، المجلة المادة 92، شرح القواعد للزرقا ص 385، 388. (¬4) القواعد والضوابط ص 157 عن شرح الجامع الكبير لخواهر زادة.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

وجه شرعي - فهو ضامن لما أتلفه من نفس أو مال وإن لم يكن متعدّياً، أو كان مخطئاً؛ لأنّ الضّمان والغرم إنّما هو مقابل للإتلاف غير المأذون فيه، وأمّا المتسبّب فهو لا يضمن إلا إذا كان متعدّياً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: مَن مال على شخص بجواره وهو نائم فقتله، فإنّه ضامن لدية القتيل على عاقلته وإن لم يكن متعمّداً، وعليه كفّارة القتل الخطأ أيضاً. ومنها: إذا تناول إناءً من غير إذن صاحبه فسقط من يده فتكسّر، فهو ضامن، وإن لم يكن متعدّياً. ومنها: المحرم أو الحلال في الحرم إذا رمى سهماً ليقتل ذئباً، فأصاب صيداً لا يريد إصابته فعليه الجزاء، وإن لم يكن متعمّداً. ومنها: لو زلقت قدم إنسان فسقط على آخر فقتله، أو على شيء فأتلفه فهو ضامن، وإن لم يكن متعدّياً.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئتين [المباشر والمتسبب]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد المئتين [المباشر والمتسبّب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المباشر ضامن وإن لم يتعدّ، والمتسبّب لا إلا بالتّعدّي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات شقّين، بل هي في الحقيقة قاعدتان أولاهما تتعلّق بالمباشر وقد سبق بيانه وأمثلتها. والثّانية تتعلّق بالمتسبّب: وهو ما وقع الفعل بأثر عمله لا بفعله المباشر. والمتسبّب نوعان: إمّا متسبّب متعدٍّ بالإتلاف. فهذا ضامن لما تلف بسببه، وإن لم يكن مباشراً للإتلاف. وإمّا متسبّب غير متعدّ بالإتلاف، فهذا غير ضامن لما تلف بتسبّبه. وهذا هو الفارق بين المباشر والمتسبّب في لزوم الضّمان، فالمباشر ضامن وغارم على كلّ حال، وأمّا المتسبّب فهو لا يضمن إلا في حالة التّعدّي. ¬

_ (¬1) الفوائد الزينية ص 93 الفائدة 89، أشباه ابن نجيم ص 284، ص 290، المجلة م 92، 93، شرح الخاتمة ص 78. ترتيب اللآلي لوحة 96 أ.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حفر حفرة في الطّريق العامّ - بغير إذن الجهة المختصّة - أو لم يأخذ الاحتياطات اللازمة المأمور بها فسقط فيها إنسان أو حيوان فهو ضامن؛ لأنّه متعدٍّ. ومنها: إذا حفر بالإذن وأخذ الاحتياطات اللازمة، ثمّ سقط فيها إنسان أو حيوان فهو غير ضامن. ومنها: إذا حفر في ملكه فدخل ملكه حيوان لجارة فسقط في الحفرة، فهو غير ضامن له لأنّه لم يتعدّ. ومنها: إذا أصابت شرارة من طرق الحدّاد ثوب إنسان أو متاعه فأحرقته، فالحدّاد ضامن لأنّه مباشر. لكن إذا تطاير الشّرر من كيره بغير فعل منه، فهو غير ضامن؛ لأنه متسبّب وليس مباشراً. ومنها: إذا أخبر ظالماً بمال إنسان ليأخذه بغير حقّ فأخذه الظّالم، فالنّمّام ضامن، وإن كان متسّبباً لأنّه متعدٍّ.

القاعدة السادسة والخمسون بعد المئتين [الأيمان - العرف]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد المئتين [الأيمان - العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى الأيمان على العرف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بمبنى الأيمان - دلالة ألفاظها. فاليمين حينما يحلف بها حالف على شيء ما بلفظ ما فإنّ مدلول ذلك اللفظ إنّما يعتمد في بيانه وتفسيره على ما دلّ عليه عرف الحالف وعادته، إلا إذا كانت للحالف نيَّة يحتملها اللفظ فتحمل اليمين عليها. وقد سبق لهذه القاعدة أمثال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حلف لا يأكل الخبز، حنث بما يعتاد أهل بلده أكله، فإذا أكل خبزاً لم يعتده هو ولا أهل بلده لم يحنث. كمن أكل خبز أرز في بلد خبز أهله من البرّ، ولا يعرفون خبز الأرز. ومنها: حلف لا يأكل شواءً، لا يحنث إلا بأكل اللحم المشوي دون الباذنجان والجزر المشوي - مثلاً - إلا إذا نواه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 235. وينظر الوجيز ص 156 فما بعدها، وأشباه ابن نجيم ص 97.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: حلف لا يركب حيواناً. يحنث بالرّكوب على الإنسان لتناول اللفظ والعرف. بخلاف لو حلف لا يركب دابّة، فلا يحنث بالرّكوب على كافر.

القاعدة السابعة والخمسون بعد المئتين [البيع]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد المئتين [البيع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى البيع على الاستقصاء (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستقصاء: استفعال من القصوى، والقصوى: هي البُعدى. والمراد أخذ كلّ الحقّ. فالبيع مبني على أساس مطالبة كلّ من البائع والمشتري الحقّ كاملاً دون نقص، وكذلك كلّ عقد أشبه البيع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اتّفق اثنان على أن يبيع أحدهما الآخر داراً أو أرضاً بمبلغ مئة ألف - مثلاً - فالمشتري حريص على أن يأخذ كلّ ما يدخل ضمن الدّار أو الأرض بحدودها ومشتملاتها، بحيث لا يترك من مساحتها شيئاً مهما كان قليلاً. والبائع حريص على أن يأخذ المئة الألف بكاملها نقداً صحيحاً سليماً لا ينقص درهماً واحداً أو أقلّ من ذلك. ومنها: إذا كان لرجلين على آخر ثمن سيّارة، فباع أحدهما حصّته منها بخمسة آلاف، فهو يضمن لشريكه ألفين وخمسمئة؛ لأنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 41.

أحد الشّريكين صار مستوفياً جميع نصيبه ببيعه حصّته. ولكن لشريكه نصف ما قبض؛ لأنّ البيع عقد ضمان، فيكون موجباً عليه لشريكه ضمان نصف ما قبض.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد المئتين [التصرفات الشرعية - الفائدة]

القاعدة الثّامنة والخمسون بعد المئتين [التّصرّفات الشّرعيّة - الفائدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى التّصرّفات الشّرعيّة على الفائدة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّصرّفات الشّرعيّة إنّما شرعت لما فيها من الفائدة والمصلحة للعباد فضلاً من الله تعالى، فإذا خلا التّصرّف عن الفائدة أو المصلحة فلا يكون مشروعاً، ومتى كان مفيداً كان صحيحاً ومشروعاً (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد البيع والإجارة وجميع العقود إنّما شرعت لما فيها من الفائدة والمصلحة للمتعاقدين، فإذا خلا العقد عن الفائدة لأحدهما أو كليهما فهو عقد غير مشروع. ومنها: إذا تزوّج امرأة وشرط في العقد أن لا يطأها، فهذا عقد باطل؛ لأنّ هذا الشّرط ينافي مقتضى عقد الزّواج وموجبه، فهو عقد خال عن الفائدة والمصلحة فلذلك هو عقد باطل غير مشروع. ومنها: إذا اشترى ربّ المال من المضارب سلعة من مال المضاربة بزيادة على رأس المال فذلك جائز؛ لأنّ هذا التّصرّف مفيد؛ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 127. (¬2) القواعد والضوابط ص494 عن التحرير جـ 5 ص 511، 512.

لأنّ فيه مصلحة المضاربة. ومنها: إذا تبايعا واشترط أحدهما أو كلاهما الخيار، فالعقد جائز والشّرط جائز لما فيه من الفائدة والمصلحة للمشترط.

القاعدة التاسعة والخمسون بعد المئتين [تداخل الحدود]

القاعدة التّاسعة والخمسون بعد المئتين [تداخل الحدود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى الحدود على التّداخل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثيل لهذه القاعدة بلفظ أعمّ وهو: (إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً) (¬2) وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 65، 74. ومعنى تداخل الحدود: وجوب حدّ واحد بأفعال متعدّدة من جنس واحد قبل إقامة الحدّ على كلّ واحد منها قبل فعل الموجب الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سارق قام بعدّة سرقات كلّها موجبة للحدّ، ولكن لم يقم عليه الحدّ لأي منها، إمّا لعدم معرفته قبلاً، وإمّا لعدم العثور عليه، فهذا يستحقّ حدّاً واحداً مهما تعدّدت سرقاته، فتقطع يد واحدة فقط من مفصل الكفّ. ومنها: إذا زنى إنسان زِنى متعدّداً سواء أكان مع امرأة واحدة أو نساء متعدّدات - ولم يقم عليه حدّ أي فعل منها - فإنّما يجب عليه حدّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 177. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 95، أشباه السيوطي ص 126، أشباه ابن نجيم ص 132.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

واحد فقط سواء أكان بكراً أم ثيباً. ومنها: إذا قذف شخصاً واحداً عدّة مرّات، هل يكفي حدّ واحد؟ الأَصحّ نعم. لكن إذا قذف أشخاصاً متعدّدين فيجب عليه لكل شخص حدّ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا سرق وزنى وشرب الخمر. يقام عليه لكلّ فعل حدٌّ؛ لأنّه لا تتداخل هذه الحدود لاختلاف الجنس، وإنّما يقام عليه حدّ الخمر أوَّلاً، ثمّ حدّ الزّنى إن كان بكراً، ثمّ حدّ السّرقة. لكن إن كان محصناً وقد زنى، فإنّما يقام عليه حدّ السّرقة ثمّ حدّ الزّنى وهو الرّجم. ومنها: لو وطئ في نهار رمضان مرّتين لم تلزمه بالثّاني كفّارة؛ لأنّه لم يصادف صوماً؛ حيث إنّه قد فسد صومه بالوطء الأوّل. ومنها: إذا جامع زوجته بعد الوقوف بعرفة - قبل التّحلّل الأوّل - فعليه في المرّة الأولى بدنة، وفي المرّة الثّانية شاة، ولا تداخل.

القاعدة الستون بعد المئتين [الصلح - الإغماض - التجوز]

القاعدة السّتّون بعد المئتين [الصّلح - الإغماض - التّجوّز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى الصّلح على الإغماض والتّجوّز بدون الحقّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الصّلح: معروف، والإغماض: هو مأخوذ من غمض العين - أي إغلاقها - عن رؤية الشّيء، فكأن المُصالح عن بعض حقّه أغمض عينيه عن البعض الآخر، وهو التّجاوز. والتّجوّز: هو من الجواز وهو العبور، فكأنّ المصالح عبر عن المطالبة بكامل حقّه إلى المطالبة والرّضا ببعضه. فمبنى الصّلح وقيامه على المسامحة ببعض الحقّ وأخذ بعضه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنسان له على آخر ألف، فصالحه على خمسمئة. فذلك جائز؛ لأنّ بالصّلح رضي بإسقاط بعض حقه وهو خمسمئة. ومنها: شخص له على آخر مبلغ من المال، فأنكره، أو ادّعى الأداء، ثمّ اصطلحا على أن يعطيه بعضاً ويسامحه بالبعض الآخر، فذلك جائز، ويحلّل كلّ منهما صاحبه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 39، جـ 21 ص 41.

القاعدة الحادية والستون بعد المئتين [العبادة - الاحتياط]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد المئتين [العبادة - الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى العبادة على الاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادة بأنواعها من صلاة أو صيام أو حجّ أو زكاة، أو غير ذلك. فرضاً أو نفلاً إنّما تقام وتبنى على الأخذ بالأحوط للدّين؛ لأنّ ذمّة المكلّف إنّما أُعمرت بعبادة كاملة فيجب أداؤها كاملة للحصول على براءة الذّمّة. وعدم الأخذ بالأحوط قد يؤدّي إلى الأداء النّاقص الذي لا تبرأ به الذّمّةُ، وقد يؤدّي إلى التّساهل في العبادات وشروطها وأركانها فيكون ذلك سبباً في فسادها وبطلانها وعدم قبولها. وشرط الأخذ بالأحوط أن لا يكون موصلاً إلى الوساوس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلّى وسها في صلاته، فلم يدر كم صلّى، أثلاثاً أم أربعاً، فالأخذ بالأحوط أن يجعلها ثلاثاً ويأتي برابعة ويسجد للسّهو؛ لأنّه لو اعتبرها أربعاً فلعله لا يكون إلا صلّى ثلاث ركعات، فلا تبرأ بها الذّمّة. كما أنّه يجب البناء على المتيقّن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 107.

ومنها: إذا وقف خنثى في صفّ النّساء فالاحتياط أن يعيد الصّلاة لوقوفه بجوار النّساء - وعند الحنفيّة أنّ الرّجل إذا صلّى خلف النّساء أو بجوارهنّ في صلاة مشتركة بطلت صلاته. وهذا خنثى مشكّل، وسقوط الأداء بذلك في حقّه موهوم. فلذلك يستحبّ له أن يعيد الصّلاة. ومنها: الصّيام يجب إمساك جزء من الليل قبل الفجر احتياطاً لصحّة الصّوم.

القاعدة الثانية والستون بعد المئتين [النفل والفرض]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد المئتين [النّفل والفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى النّفل على المسامحة والفرض على الضّيق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرض من العبادات ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه - وهو الواجب أيضاً عند غير الحنفيّة - فالفرائض التي فرضها الشّرع الحكيم مبناها على الضّيق أي على وجوب أدائها على أكمل وجه مستطاع أراده الشّارع، ويجب استيفاء أركانها وشروطها بحسب الوسع. وأمّا النّفل فهو الزّيادة على الفرائض، وهو السّنّة والمستحبّ والتّطوّع، فهذه مبناها على المسامحة أي على التّخفيف من بعض شرائط الفريضة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صلاة الفريضة يجب أداؤها من قيام مع القدرة، وأمّا النّفل فيجوز أداؤه قاعداً مع القدرة على القيام. ومنها: في صلاة الفرض يجب التّوجّه إلى القبلة واستقبالها عند القدرة، ولكن النّفل يجوز أداؤه على الدّابّة حيثما توجّهت. ومنها: الصّيام المفروض يجب تبييت النّيّة له - عند غير الحنفيّة - وأمّا صيام النّفل فلا يجب تثبيت النّيّة له، حيث يجوز بنيّة بعد الفجر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 62.

إلى ما قبل الزّوال. والصّيام المفروض لو جامع خلاله فعليه الكفّارة والقضاء. وأمّا الصّيام المتنفّل به فلو جامع خلاله فلا كفّارة وفي قضائه خلاف. ومنها: الزّكاة المفروضة تجب في أموال مخصوصة بنسب مخصوصة، ولأصناف مخصوصين وشروط مخصوصة. بخلاف صدقة التّطوّع حيث تجوز من كلّ مال ولكل صنف من النّاس، وبكلّ مقدار. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فتساوى الفرض والنّفل حجّ الفريضة والعمرة - على القول بوجوبها مرّة في العمر - يستوي شروط وأداء نوافلها وفرائضها وما يترتّب على كلّ منهما.

القاعدة الثالثة والستون بعد المئتين [تداخل الواجب]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد المئتين [تداخل الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مبنى الواجب على التّداخل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من قاعدة سبقت قريباً وهي قاعدة (مبنى الحدود على التدّاخل) ولكن هذه القاعدة أعمّ معنى من تلك؛ لأنّ الواجب أعمّ من الحدود. حيث إنّ الحدود بعض الواجبات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل المسجد والصّلاة قائمة، دخلت تحيّة المسجد في الفريضة. ومنها: - كما سبق بيانه - إنّ الحدود المتماثلة من جنس واحد إذا تعدّدت ولم يقم الحدّ على أيّ منها قبلاً أنّها تتداخل، فتلزم عقوبة واحدة على عدّة أفعال متجانسة. ومنها: إذا قصّ المحرم أظافر يد من يديه في مجلس - ولم يكفّر - ثمّ قصّ أظافر اليد الأخرى في مجلس آخر، فعند محمد بن الحسن رحمه الله عليه كفّارة واحدة من الدّم؛ لأنّ الفعل سببه واحد، كما في حلق جميع الرّأس في مجلس واحد أو مجالس متفرّقة. وأمّا في قول أبي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 78.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، فعليه أربع كفّارات إذا قصّ أظافر يديه ورجليه في أربعة مجالس؛ لأنّ كلّ واحد منها جناية متكاملة فتوجب الدّم، ومذهب محمَّد مذهب الجمهور في ذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: صدقة الفطر إذا لم يخرجها الرّجل من سنته فعليه إخراجها، وإن طالت المدّة، وإذا تعدّدت صدقات الفطر على الشخص فيجب عليه إخراجها جميعاً ولا تتداخل.

القاعدة الرابعة والستون بعد المئتين [الفاسد وما بني عليه]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد المئتين [الفاسد وما بني عليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المبني على الفاسد فاسد (¬1). وفي لفظ سبق: إذا بطل الشّيء بطل ما في ضمنه. وينظر قواعد الهمزة 264 - 265. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما بني على فاسد أو باطل فهو فاسد وباطل، وذلك في التّصرّفات القوليّة والعقود، وما كان أساسه صحيحاً كان صحيحاً؛ لأنّه لا يعقل أن ينشأ صحيح عن فاسد أو فاسد عن صحيح غالباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى جامعاً أو مسجداً مع أوقافه، ووقفه وضمّه إلى وقف آخر، وشرط له شروطاً. فشروطه باطلة لبطلان اشتراء الجامع أو المسجد. ومنها: إذا أجر شخص العقار الموقوف - والمؤجّر غير النّاظر - لم تصحّ الإجارة، وإن أذن المؤجّر للمستأجر في عمارة الموقوف المستأجر فأنفق، لم يرجع على أحد وكان متطوّعاً؛ لأنّه لمّا لم تصحّ الإجارة لم يصحّ ما في ضمنها أو ما بني عليها. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 392 وعنه قواعد الفقه ص 117.

القاعدة الخامسة والستون بعد المئتين [أداء العمل]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد المئتين [أداء العمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتأكّد بأداء العمل أقوى من غير المتأكّد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفعل الذي صاحبه الأداء يكون أقوى وآكد من فعل لم يصاحبه الأداء، وهذه القاعدة مجالها: فيمن جمع في إحرامه بين نيّة الحجّ ونيَّة العمرة، بأن أدخل أحدهما في الآخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أهلّ مكّي بالحجّ، وطاف للحجّ شوطاً، ثمّ أهلّ بالعمرة، فإن عليه أن يرفض عمرته؛ لأنّ إحرامه بالحجّ قد تأكّد بالطّواف، وإن لم يرفضها وطاف لها وسعى أجزأه ولكن عليه دم جبران؛ لإهلاله بالعمرة قبل أن يفرغ من حجّته، وقد صار جامعاً بين الحجّ والعمرة، والمكّي منهي وممنوع من الجمع بينهما. ومنها: إذا أهل الآفاقي بالحجّ وطاف شوطاً ثمّ أهلّ بالعمرة، كان عليه رفضها لتأكّد إحرام الحجّ بالعمل قبل الإهلال بالعمرة. ومنها: إذا كان عليه كفّارة يمين وكفّارة ظهار بالصّوم، فصام يوماً بنيّة كفّارة اليمين ثمّ أراد أن ينوي بصومه كفّارة الظّهار، فلا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 182.

يصحّ؛ لأنّ صيامه عن كفّارة اليمين تأكّد بالعمل، لكن عليه أن يصوم عن كفّارة ظهاره بعد تمام صيام أيّام كفّارة اليمين. ومنها: إذا تصدّق على فقير تطوعاً، ثمّ أراد أن يجعل ما تصدّق به عليه جزءاً من الزّكاة، أو نوى بعد إعطائه أنّه زكاة ماله. لا يقع على الزّكاة الواجبة؛ لأنّ الإعطاء بنيّة التّطوّع تأكّد بالعمل، والشّرط في نيّة العبادة مصاحبتها ومقارنتها لابتداء العمل لا بعده.

أولا: لفظ ورود القاعدة

القاعدة السّادسة والسّتّون بعد المئتين [حكم اجتماع حدّين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى اجتمع حدان وفي البداية بأحدهما إسقاط الآخر يبدأ بذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ الحدود تتداخل، ولكن هذا مقيّد بما إذا كانت من جنس واحد، لكن إذا اختلفت أجناسها فلا تتداخل ووجب إقامتها جميعاً. فمفاد هذه القاعدة: أنّه إذا اجتمع حدّان مختلفان وكان في إقامة أحدهما إسقاط للآخر ففي هذه الحال إذا كان الحدّان بسبب واحد وجب إقامة المسقِط، ولكن إذا اختلفت الأسباب وجب البدء بما يمكن سقوطه لو بدئ بالآخر (¬2). أي يجب البدء بالحدّ القابل للسّقوط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب على إنسان حدٌّ يوجب القتل - كزنى المحصن أو القصاص - وحدّ يوجب القطع، كحدّ السّرقة، وحدّ يوجب الجلد كحدّ القذف. وجب أوّلاً إقامة حدّ القذف، ثمّ إقامة حدّ السّرقة وهو القطع، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 56. (¬2) روضة النّاظرين جـ 7 ص 372.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة ووجب البدء بالمسقط

ثمّ إقامة حدّ القتل بعد ذلك؛ لأنّه لو قتل أوّلاً لسقط حدّ السّرقة وحدّ القذف. ومنها: إذا سرق وقتل في المحاربة هل يقطع ثمّ يقتل أو يقتصر على القتل والصّلب؟ ويندرج حدّ السّرقة في حدّ المحاربة؟ وجهان عند الشّافعيّة دون ترجيح (2). رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة ووجب البدء بالمسقِط: إذا قذف رجل امرأة رجل آخر بالزّنى، وشهد الشّاهدان على أنّه قد قذفها بشخص واحد، وجاء المقذوف به يطلب حدّه، ولم يستطع القاذف أن يأتي ببيّنة على زناها بذلك الشّخص. فإنّ إلإمام يجلد القاذف حدَّه، ويدرأ على المرأة اللعان؛ لأنّه اجتمع عند الإمام حدّان القذف واللعان. ومتى اجتمع حدّان وفي البداية بأحدهما إسقاط للآخر يبدأ بذلك أي بالحدّ المسقِط لا المسقَط - كما في الأمثلة السّابقة -.

القاعدة السابعة والستون بعد المئتين [التردد في الصيد]

القاعدة السّابعة والسّتّون بعد المئتين [التّردّد في الصّيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى اجتمع في الصّيد لعلّ وعسى لا يحل تناوله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بالصّيد الوحشي. ومعنى لعلّ وعسى: الشّكّ في سبب موته، هل هو من رمية الصّائد أو مات حتف أنفه، أو لسبب آخر غير الرّمي؟ فما كان هذا حاله فلا يحلّ الأكل منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رمى صيداً فغاب عنه ثمّ وجده وبه أثر سهمه، وأثر آخر كنهش سبع أو حيّة أو غير ذلك، ففي هذه الحالة لا يحلّ أكله؛ لاحتمال موته بسبب آخر غير إصابة سهمه. ومنها: إذا أرسل كلبه المعلّم على صيد فأكل منه، فكذلك لا يحلّ أكله لاحتمال أنّ الكلب صاده لنفسه ونسي تعلّمه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أرسل البازي أو الصّقر المعلّم على صيد فصاده وأكل منه، يحلّ أكله؛ لأنّ علامة تعليم البازي أو الصّقر أن تدعوه فيجيبك. بخلاف الكلب. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 222.

القاعدة الثامنة والستون بعد المئتين [اجتماع موجب الحل وموجب الحرمة]

القاعدة الثّامنة والسّتّون بعد المئتين [اجتماع موجب الحل وموجب الحرمة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: متى اجتمع موجب الحلّ وموجب الحرمة يُغَلَّب الموجب للحرمة (¬1). وفي لفظ: عند اجتماع المعنى الموجب للحلّ والمعنى الموجب للحرمة يُغَلَّب الموجب للحرمة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: موجب الحل: الدّليل الموجب للحلّ والإباحة. وموجب الحرمة: الدّليل الموجب للتّحريم والمنع. سبق لهاتين القاعدتين أمثلة كثيرة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 57 - 26. وقواعد حرف التّاء رقم 126، 131. ومفاد هذه القواعد: أنّه إذا اجتمع في محلّ واحد موجب للحلّ وموجب للتّحريم ولا مرجّح، فإنّه يغلب جانب التّحريم؛ لأنّ في تغليب جانب التّحريم درء للمفسدة، وذلك مقدّم على جلب المصلحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أرسل كلبه المعلَّم على صيد، ثمّ شاركه كلب غير معلّم أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 224، جـ 12 ص 7. (¬2) نفس المصدر جـ 13 ص 123، 159. وينظر المنثور جـ 1 ص 125.

كلب مجوسي أو علماني أو شيوعي، فالصّيد لا يؤكل لاحتمال أن يكون صاده غير كلبه المعلّم. ومنها: البغل - المتولّد بين الفرس والحمار - لا يجوز أكله تغليباً لجانب الحمار، وذلك على القول بحلّ أكل لحم الفرس.

القاعدة التاسعة والستون بعد المئتين [مانع موجب العقد]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد المئتين [مانع موجب العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى اقترن بالعقد ما يمنع موجبه لم يصحّ العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: شرعت العقود لمصالح العباد، وكلّ عقد يدلّ على فائدة ومصلحة مقصودة، كعقد البيع - مثلاً - المقصود منه تبادل العوضين ليحلّ لكلّ واحد من المتعاقدين الانتفاع بما عند الآخر، وكعقد النّكاح المقصود منه حلّ الاستمتاع بين الزّوجين. فإذا اقترن بالعقد وصاحبَه شرط يمنع مقتضاه وما شرع له فالعقد في هذه الحالة باطل غير صحيح. وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة رقم 77. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترط في عقد النّكاح عدم جواز استمتاع الرّجل بزوجته، فالعقد باطل؛ لأنّ هذا الشّرط يمنع موجب العقد ومقتضاه وما شرع له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 69. قواعد الحصني جـ 4 ص 143.

القاعدة السبعون بعد المئتين [المعاني الباطنة - الأسباب الظاهرة]

القاعدة السّبعون بعد المئتين [المعاني الباطنة - الأسباب الظّاهرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى تعذّر الوقوف على المعاني الباطنة تقام الأسباب الظّاهرة مقامها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاني الباطنة: مثل الرّضا وعدمه والإرادة والحبّ والبغض. الأسباب الظّاهرة: هي العلامات الدّالة على ما في الباطن. فمفاد القاعدة: أنّه متى لم نستطع الوقوف على المعاني الباطنة، وتعذّرت معرفتها لأسباب خاصّة فإنّما تبنى الأحكام على الأسباب والعلامات الظّاهرة التي تدلّ على ما في الباطن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)} (¬2). فالله سبحانه وتعالى دلّ على عدم إرادة المنافقين للخروج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدم الإعداد لذلك الخروج. فعدم الإعداد سبب ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 159، وينظر عقد الجواهر الثّمينة جـ 2 ص 257. (¬2) الآية 46 من سورة التوبة.

ظاهري لعدم إرادة الخروج؛ لأنّ الإرادة أمر باطني لا يطّلع عليه من العباد والذي يريد الخروج للجهاد - ولو لم يتكلّم - يقوم بتجهيز نفسه ومركوبه وسلاحه وأداته، فلمّا لم يفعلوا ذلك دلّ على عدم إرادتهم الخروج للجهاد. ومنها: سكوت البكر عند عرض الزّواج عليها دليل على رضاها بالزّوج الخاطب، فالسّكوت سبب ظاهر لمعنى باطن وهو الرّضا. ومنها: إذا دفع المشتري للبائع ثمن السّلعة المكتوب عليها وتسلّمه البائع ووضعه في صندوقه، كان ذلك دليلاً على رضاه بالبيع. ومنها: إقامة البلوغ عن عقل مقام اعتدال الحال الباطن في تحمّل التّكاليف والتّبعات. ومنها: إقامة السّفر والسّير المديد مقام المشقّة في جواز التّرخص.

القاعدة الحادية والسبعون بعد المئتين [المساواة في الأحكام]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد المئتين [المساواة في الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى ثبتت المساواة بين الشّيئين بالنّص ثم خُصَّ جنس أحدهما بحكم كان ذلك تنصيصاً على ذلك الحكم في الآخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبتت مساواة بين شيئين بنصّ الشّرع على ذلك، ثمّ خُصَّ جنس أحد الشّيئين بحكم كان ذلك دليلاً نصّيّاً على أنّ الحكم في الآخر المسكوت عنه مثله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لمّا كانت الذّكوريّة والأنوثيّة في الرّقّ سواء دون تمييز بينهما في الأحكام كان التّنصيص على تنصيف الحدّ على الإناث الزواني من الإماء تنصيصاً على تنصيف الحدّ على الذّكور الزّناة من العبيد، خلافاً للظّاهريّة (¬2). ومنها: إذا جعل زيداً وعمراً في العطيّة سواءً ثمّ يقول: أعط زيداً درهماً فيكون ذلك تنصيصاً على أن يعطي عمراً أيضاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 123. (¬2) ينظر المُحَلَّى جـ 11 ص 239 فما بعدها.

القاعدة الثانية والسبعون بعد المئتين [الحكم في المختلف فيه]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد المئتين [الحكم في المختلف فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى حكم الحاكم في المختلف فيه بشيء نفذ حكمه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل معنى هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الحاء تحت الرّقم 5. ومفادها: أنّ حكم الحاكم باجتهاده في أمر اجتهادي اختلف في حكمه العلماء من الصّحابة رضوان الله عليهم، والتّابعين من بعدهم، فإنّ حكم هذا الحاكم نافذ بإجماع؛ لكن بشرط أن لا يخالف حكمه النّصوص الثّابتة أو الإجماع أو القواعد العامّة في الشّرع أو أقاويل الصّحابة أو التّابعين أو العلماء المجتهدين عموماً، بأن يأتي بحكم لم يقل به أحد ممّن سبق, لأنّ ليس اجتهاد أولى من اجتهاد ما دام كلّ منهما على طريق صحيح سليم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع الأراضي الخراجيّة إذا حكم به حاكم أو فعله الإمام أو نائبه جاز وثبتت فيه الشّفعة؛ لأنّه فصل مختلف فيه. ومنها: إذا حكم حاكم بالطّلاق البائن لامرأة قال لها زوجها: عليَّ الحرام. نفذ حكمه، وبانت المرأة من زوجها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 390، وينظر أشباه ابن نجيم ص 232.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد المئتين [السبب وموجبه]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد المئتين [السّبب وموجبه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى خلا السّبب عن موجَبه كان لغواً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: موجَب السّبب: بفتح الجيم أي مقتضاه، فإذا وجد سبب ولم يتحقّق مقتضاه كان السّبب لغواً - أي باطلاً لا حكم له -؛ لأنّ السّبب الصّحيح هو السّبب الذي يترتّب عليه مسبّبه ومقتضاه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا لاعن الرّجل امرأته وقعت الفرقة بينهما وثبتت الحرمة المؤبّدة. وإذا ثبتت الحرمة المؤبّدة فلا ترتفع بوجه من الوجوه؛ ولأنّه إذا جاز للملاعن أن يعيد امرأته إلى ذمّته كان لعانه خالياً عن موجَبه فكان لغواً، لكن اللعان قد وقع فيجب أن يترتّب عليه حكمه. ومنها: إذا ملك الرّجل زوجته فسخ نكاحها منه؛ لأنّ ملك اليمين مناف لملك النّكاح. فإذا طلّقها لا يقع طلاقه عليها بعد ذلك؛ لأنّ ملك رقبتها ينافي ملك اليد بسبب النّكاح. ومنها: موجَب الرّضاع الحرمة، وإذا ثبتت الحرمة المؤبّدة فلا ترتفع بوجه من الوجوه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 88.

ومنها: إذا جامع المرأة أبو زوجها أو ابنه، أو جامع الزّوج أمها أو ابنتها فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق؛ لأنّ المحرميّة بالمصاهرة تنافي النّكاح ابتداءً وبقاءً، كالمحرميّة بالرّضاع والنّسب، وعليها العدّة إن كان قد دخل بها، ولا يقع طلاقه عليها؛ لأنّ موجب الطّلاق حرمة ترتفع بإصابة الزّوج الثّاني. وقد ثبتت بينهما - بالجماع المحرّم - حرمة مؤبّدة لا ترتفع بوجه من الوجوه، فلا يتصوّر مع هذا ثبوت الحرمة التي ترتفع بالزّوج الثّاني.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد المئتين [الكناية والحقيقة]

القاعدة الرّابعة والسّبعون بعد المئتين [الكناية والحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى صار اللفظ كناية عن غيره سقط اعتبار حقيقته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكناية: المراد بها هنا المجاز؛ لمقابلته بالحقيقة. واللفظ: المراد به لفظ العقد. فاللفظ إذا استعل في الدّلالة على عقد غير مدلول عليه بصيغته اللغويّة، فيكون استعماله هنا مجازاً. وإذا استعمل اللفظ في مجازه في موقع سقط اعتبار حقيقته في ذلك الموقع؛ ولأنّه لا يستعمل اللفظ في حقيقته ومجازه معاً إلا استثناءً، ولكن يشترط ليكون اللفظ مجازاً في دلالته أن توجد قرينة تدلّ على إرادة المجاز، وإلا كان مستعملاً في حقيقته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذا الثّوب. فهذا عقد هبة حقيقيّة؛ لأنّ الهبة عقد تبرّع بدون مقابل. لكن إذا قال: وهبتك هذا الثّوب بمئة درهم، كان هذا بيعاً لا هبة؛ لذكر البدل والعوض. ولا يجوز أن يكون عقد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 60.

هبة. وعند الحنابلة فيه خلاف (¬1). ومنها: إذا وهب رجل ابنته لرجل آخر بشهادة شاهدين جاز ذلك عند الحنفيّة وعند مالك رحمه الله، ولكن بشرط ذكر المهر (¬2). ورجّح جواز ذلك ابن تيميّة رحمه الله؛ لأنّ هذا تملك يستباح به الوطء، فينعقد بلفظ الهبة، خلافاً للشّافعيّة والرّاجح عند الحنابلة الذين يرون أنّ الزّواج لا يصحّ إلا بلفظ التّزويج والإنكاح. ¬

_ (¬1) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 10، والوجيز ص 149. (¬2) ينظر عقد الجواهر الثّمينة جـ 2 ص 11.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد المئتين [السبب الظاهر والباطن]

القاعدة الخامسة والسّبعون بعد المئتين [السّبب الظّاهر والباطن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى قام السّبب الظّاهر مقام الباطن يدار الحكم معه وجوداً وعدماً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة سبقت قريباً. بلفظ: (متى تعذّر الوقوف على المعاني الباطنة تقام الأسباب الظّاهرة مقامها). ومفادها: أنّه عندما يقام السّبب الظّاهر في بناء الحكم عليه مقام المعنى الباطن الذي لا يمكن الاطّلاع عليه فإنّ الحكم المقصود يدار مع السّبب الظّاهر وجوداً وعدماً, لأنّ الحكم يدور مع سببه وعلَّته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنسان يريد الحجّ - والإرادة أمر باطني - فإذا لم يُعدّ عدّة السّفر من الأمتعة والرّكوبة والزّاد، فنفهم من ذلك أنّه لا يريد الحجّ في عامه هذا. لكن إن رأيناه أعدّ أمتعته وسيّارته وزاده وما يحتاجه أو رأيناه اشترك في حملة للحجّ نعلم من ذلك أنّه يريد الحجّ وإن لم ينطق أو يتكلّم. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 494 عن التحرير جـ 1 ص 562.

أولا: لفظ ورود القاعدة

القاعدة السّادسة والسّبعون بعد المئتين [حقّ الحاضر والغائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى كان حقّ الحاضر متّصلاً بحقّ الغائب انتصب الحاضر خصماً عن الغائب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا تجوز الدّعوى إلا من حاضر أو وكيله - على حاضر أو وكيله، ولا تجوز من غائب ولا على غائب. لكن مفاد هذه القاعدة: أنّ الدّعوى تصحّ من الغائب لكن بشرط أن تكون الدّعوى من حاضر له حقّ متّصل بحقّ الغائب، فيكون الحكم للحاضر أو عليه حكماً للغائب أو عليه؛ لأنّ الحقّ المدَّعى به متّصل بين الحاضر والغائب. فيكون الحاضر خصماً عن نفسه ووكيلاً عن الغائب ضمناً، وينظر القاعدة رقم 52 من قواعد حرف القاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استحقّ المبيع من المشتري بالبيَّنة والقضاء كان الحكم قضاءً عليه وعلى من تلقّى منه الملك - وهو البائع - فلو برهن البائع بعد القضاء على الملك لم تقبل بَيَّنَتُه. ومنها: إذا أحضر المدّعِي رجلاً وادّعى عليه حقّاً لموكّله، وأقام ¬

_ (¬1) المبسوط ج! 17 ص 55.

بيِّنة على أنّه وكَّله في استيفاء حقوقه والخصومة في ذلك قبلت، ويقضى بصحّة الوكالة، ويكون ذلك حكماً على الموكَّل الغائب أيضاً. ومنها: أحد الورثة ينتصب خصماً عن الباقين الغائبين. ومنها: أحد الموقوف عليهم ينتصب خصماً كذلك عن الباقين الغائبين (¬1). فيكون الحكم له ولهم أو عليه وعليهم. ومنها: إذا ادّعى رجل كفالة على رجل آخر بمال، فأقرّ المدَّعَى عليه بالكفاله وأنكر الدّين، فبرهن المدّعِي على الكفيل بالدّين، وقضي عليه بها. كان قضاءً عليه قصداً، وعلى الأصيل الغائب ضمناً. ومنها: دار أو أرض في يدي رجل، أقام آخر البيّنة أنّها له منذ سنة، وأقام آخر البيّنة أنّها له اشتراها من آخر منذ سنتين، وهو يملكها يومئذ، فإنّ القاضي يقضي بها لصاحب الشّراء؛ لأنّه أسبق تاريخاً، وقد أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه الآخر، وهو خصم عن بائعه أيضاً في إثبات الملك له في الوقت الذي أرَّخ شهوده، فكان هو أولى بها. ¬

_ (¬1) وينظر أشباه ابن نجيم ص 226.

القاعدة السابعة والسبعون بعد المئتين [تعدي الحكم]

القاعدة السّابعة والسّبعون بعد المئتين [تعدّي الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى كان المعنى في المنصوص عليه معلوماً تعدّى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة تتعلّق بالفقه وأصوله، وهو أنّ المنصوص عليه - أي ما ورد به النّصّ من الكتاب أو السّنّة - إذا كانت علَّته معلومة، فإنّ الحكم يتعدّى بسبب تلك العلّة إلى الفرع الذي لم يرد النّصّ بحكمه. وهذا هو القياس الذي عرَّفه الأصوليّون بقولهم: "القياس هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما". فالأصل هو المقيس عليه، والفرع هو المقيس. والجامع هو العلّة، والحكم إمّا بالإيجاب أو التّحريم أو النّدب أو الكراهة أو الإباحة، وهو حكم الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الخمر حرِّمت لإسكارها، فكلّ شيء وجد فيه الإسكار فهو حرام قياساً على الخمر سواء في ذلك ما كان سائلاً أو جامداً أو بخاراً، معدناً أو نباتاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 146.

ومنها: نصّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على تحريم التّفاضل في الأصناف السّتّة: الذّهب والفضّة، والبِرّ والشّعير والتّمر والملح. فالذّهب والفضّة باعتبارهما موزوني جنس، فما كان موزوناً من غيرهما من المعادن فهو يلحق بهما في تحريم التّفاضل، والأربعة الأخرى لما فيها من الكيل والجنس، فما كان مكيلاً فهو يلحق بها كذلك. ومنها: من استنبط عيناً أو بئراً كانت لكلّ منهما حريم باتّفاق. لكن إذا حفر نهراً بإذن الإمام في موضع لا حقَّ فيه لأحد فهل يستحقّ حريماً؟ عند أبي حنيفة رحمه الله لا يستحقّ حريماً. وأمّا عند صاحبيه رحمهما الله تعالى فهو يستحقّ له حريماً من الجانبين بعرض النهر لملقى طينه والمشي عليه لإجراء الماء في النّهر وذلك قياساً على حريم العين والبئر.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد المئتين [أول الكلام وآخره]

القاعدة الثّامنة والسّبعون بعد المئتين [أوّل الكلام وآخره] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: متى ما كان في آخر الكلام ما يغيّر موجب أوَّله توقّف أوَّلُه على آخره (¬1). وفي لفظ سبق: الكلام المتّصل بعضه ببعض إذا كان في آخره ما يغيّر موجب أوّله يتوقّف أوّله على آخره (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال وُضّح فيها معناها ومدلولها وأمثلتها: وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة رقم 42. ومفادها: أنّ الكلام المتّصل إنّما يحكم على مضمونه عند تمامه. فإذا كان في آخره ما يغيّر موجب ومدلول أوّله فيجب أن يتوقّف الحكم على أوّله بموجب آخره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال مُقِرّاً: لك عندي مئة درهم إلا عشرين درهماً. كان مقرّاً بثمانين درهماً فقط؛ لأنّه استثنى من المئة عشرين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 107. (¬2) نفس المصدر جـ 28 ص 37.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد المئتين [الحادث بالتغيير]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد المئتين [الحادث بالتّغيير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: متى وقع الشّيء جائزاً أو فاسداً فلا يتقلب عن حاله لمعنى يطرأ عليه ويحدث فيه إلا بالتّجديد والاستئناف (¬1). عند زفر بن الهذيل رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال: ينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 492. فمفاد هذه القاعدة: أنّ كلّ تصرّف ينبني عليه حكم إذا طرأ عليه ما يغيّر حكمه فإنّه يعتبر باطلاً، وعلى المتعاقدين أو المتصرّفين تجديد التّصرّف واستئنافه. ولا يجوز تعديل العقد أو التّصرّف بناء على ما يطرأ مع بقاء العقد أو التّصرّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شيئاً إلى الحصاد أو إلى الدياس فحكم ذلك البيع الوقف عند جمهور الحنفيّة إلى إخراج ذلك الشّرط وإبطاله. فإن أخرج قبل تمكّنه جاز وإلا فلا. لكن عند زفر رحمه الله إنّ العقد فاسد - بسبب الشّرط المجهول - فلا يعود إلى الجواز وإن أخرج هذا الشّرط، بل ¬

_ (¬1) تأسيس النّظر ص 84.

يجب تجديد العقد واستئنافه بدون ذلك الشّرط. ومنها: المكره على البيع، إذا باع مكرهاً فالبيع موقوف إلى زوال الإكراه، فإن رضي مختاراً صحّ البيع وإلا بطل. لكن عند زفر البيع فاسد وإن رضي المكرَه بعد زوال الإكراه, لأنّ العقد وقع فاسداً فلا يعود إلى الجواز إلا بالتّجديد والاستئناف.

القاعدة الثمانون بعد المئتين [التبرع]

القاعدة الثّمانون بعد المئتين [التّبرّع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتبرّع لا يجبر على إتمام تبرّعه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّبرّع: تفعّل من برع يقال بَرَع الرّجل فهو بارع: إذا فضل غيره في علم أو شجاعة أو غير ذلك. فالتّبرّع تفضل وزيادة على الواجب، أو هو فعل لا يقابله عوض (¬2). فمفاد القاعدة: أنّ من أراد التّبرّع بالمال أو غيره أو وعد بالتّبرّع لجهة ما فإن أراد إلغاء تبرّعه وردّه قبل إقباضه له ذلك ولا يجوز إجباره على إتمام تبرّعه. ما لم يقبض من قبل المتبَرّع له. لأنّ الصّدقة إنّما تمامها بالقبض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دعي إنسان إلى التّبرّع بالمال أو الأرض لجهة مخصوصة أو شخص مخصوص فوعد بأن يتبرّع بمبلغ مقدّر من المال، أو بأرض معيّنة. ثمّ عنَّ له بعد ذلك أن يلغي تبرّعه ويبطله قبل أن تقبضه الجهة المتبرّع إليها، فللمتبرّع أن يبطل تبرّعه، ولا يجبر على الوفاء، وإن كان هذا لا يليق بذوي المروءات لكن إذا طرأت ظروف على المتبرّع اضطرّته إلى إبطال تبرّعه فذلك جائز ولا تثريب عليه. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 494 عن التحرير جـ 5/ 981. (¬2) المصباح مادة "برع" بتصرّف وزيادة.

القاعدة الحادية والثمانون بعد المئتين [التقدير والانعطاف]

القاعدة الحادية والثّمانون بعد المئتين [التّقدير والانعطاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المترقّبات إذا وقعت هل يقدّر حصولها يوم وجودها أو يقدّر أنّها لم تزل حاصلة (¬1). وهي قاعدة: التّقدير والانعطاف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المترقّبات: هي الأمور التي لم تحصل بعد، ولكن يقدّر حصولها مستقبلاً. فمدلول القاعدة: أنّ هذه الأمور المقدّر وقوعها إذا وقعت هل يُقَدَّر حصولها يوم وجودها ووقوعها، أو أنّها تعتبر واقعة قبلاً من بداية العقد أو التّصرّف؟ قولان عند المالكيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع بشرط الخيار. ثمّ أجاز مَن له الخيار. فهل يعتبر البيع نافذاً من حين العقد، أو من حين إجازة من له الخيار؟ قولان عند المالكيّة. ويترتّب على ذلك أنّه إذا اعتبر البيع نافذاً من حين العقد أنّ زوائد المبيع للمشتري. وأمّا إذا اعتبر نافذاً من حين الإجازة، فإنّ زوائد ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 32، وإعداد المهج ص 97.

المبيع تكون للبائع. ومنها: إجازة الورثة الوصيّة، فهل يعتبر الموصَى به ملكاً للموصَى له منذ الوصيّة أو عند إجازة الورثة فقط؟ وينبني على ذلك أنّه لو زاد الموصَى به زيادة بين يوم الوصيّة ويوم إجازة الورثة، فهل تعتبر تلك الزّيادة ملكاً للموصَى له أو للورثة؟ ومنها: إذا نوى صوم تطوّع قبل الزّوال، فإنّ الصّوم ينعقد بهذه النّيّة من أوّل اليوم، وهو انعطاف النّيّة لأوّل اليوم. ومنها: إذا أعتق عبده في سفره ثمّ قدم فأنكر العتق، ثمّ قدم من شهد عليه بالعتق فحكم به. فهل يقدر العبد عتيقاً يوم أعتق، أو الآن حين صدر الحكم؟.

القاعدة الثانية والثمانون بعد المئتين [المتسبب والضمان]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد المئتين [المتسبّب والضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتسبّب إذا كان متعدّياً في تسبّبه يلزمه الضّمان (¬1). وفي لفظ: المسبَّب. وتأتي وفي لفظ: المتسبّب إذا كان متعدّياً في تسبّبه يكون ضامناً، وإن لم يكن متعدّياً لا يضمن (¬2). وفي لفظ: المتسبّب كالمباشر. عند محمد بن الحسن (2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القواعد أمثال. وينظر القواعد ذوات الأرقام 251 - 253. فالمتسبّب: هو من وقع الفعل بسبب منه، وكان غير مباشر له. والذي يتسبّب في وقوع الضّرر والأذى لغيره إمّا أن يكون متعدّياً، وإمّا أن يكون غير متعدّ. فمدلول القاعدتين الأوليين: أنّ المتسبّب إذا كان متعدّياً فهو ضامن وغارم لما تلف بسببه - وهذا لا خلاف فيه. وأمّا إن كان غير متعدّ ولا متعمّداً للضّرر، فإن وقع الضّرر أو التّلف قضاء وقدراً أو بخطأ منه فهو غير ضامن. وهذا أيضاً متّفق عليه. غير أنّه قد ورد عن محمَّد بن الحسن رحمه الله أنّ المتسبّب ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 188. (¬2) نفس المصدر جـ 5 ص 141.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كالمباشر في وجوب الضّمان، وهذا مفهوم القاعدة الثّالثة. والمباشر ضامن تعدّى أو لم يتعدّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج رجل طفلة في سنّ الرّضاع - أي عقد عليها - وله زوجة كبيرة فأرضعتها، فقد فسد النّكاح بين الرّجل وزوجتيه كلتيهما؛ حيث إنّ الصّغيرة قد أصبحت بنتاً له من الرّضاع فحرمت عليه حرمة مؤبّدة - ويرجع على المرضعة - إن كانت تعمّدت الإرضاع لفسخ النّكاح - يرجع عليها بنصف المهر؛ لأنّه لمّا فسخ النّكاح قبل الدّخول وجب للصّغيرة نصف المهر. وأمّا إذا لم تكن متعمدّة بأن أخطأت، أو أرادت الخير بأن خافت على الرّضيع الهلاك من الجوع لم يرجع عليها بشيء عند الجمهور. وأمّا عند محمَّد بن الحسن فيرجع عليها بنصف المهر سواء تعمّدت أم لم تتعمّد. وعند الشّافعي رحمه الله يرجع عليه بالمهر كلّه؛ لأنّها أتلفت عليه ملك نكاحه فيها (¬1). وكذلك يفسخ نكاح الكبيرة ويبطل؛ لأنّها أصبحت أمّاً للصّغيرة بالرّضاع، والعقد على البنات يحرّم الأمهات. فحرمتا معاً. ومنها: حافر البئر في ملك نفسه لا يضمن ما سقط فيها بخلاف الحافر في الطّريق أو في ملك الغير بغير إذن. وعند أبي حنيفة يضمن لأنه يشترط سلامة العاقبة - كما سبق بيانه. وعند محمَّد بن الحسن يضمن أيضاً؛ لأنّ عنده المتسبّب كالمباشر، والمباشر يضمن في العمد والخطأ. ¬

_ (¬1) ينظر روضة النّاظرين جـ 6 ص 433.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد المئتين [صحة العقد وفساده]

القاعدة الثّالثة والثّمانون بعد المئتين [صحّة العقد وفساده] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتعاقدان إذا صرّحا بجهة الصّحّة صحّ العقد، وإذا صرّحا بجهة الفساد فسد، وإذا أبهما صُرِف إلى الصّحّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق ذكر هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 460. بلفظ: (الأصل أنّ المتعاقدين إذا صرّحا بجهة الصّحّة صحّ العقد إلخ). فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي الأصل 14، ص 113 مع تأسيس النّظر.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد المئتين [المتعدي - القاصر]

القاعدة الرّابعة والثّمانون بعد المئتين [المتعدّي - القاصر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتعدّي أفضل من القاصر. (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفعل المتعدّي والمتجاوز أثر فاعله إلى نفع غيره فهو أفضل وأعظم أجراً من الفعل المقصور على صاحبه، والمختص أثره بفاعله لا يتعدّاه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة؛ لأنّ طلب العلم يتعدّى نفعه إلى كثير من النّاس، وصلاة النّافلة لا يتعدّى نفعها صاحبها. ومنها: فرض الكفاية له مزيّة على فرض العين؛ لأنّ القائم بفرض الكفاية أسقط الحرج عن الأمّة. ومنها: من حِكم تقديم العتق أو الإطعام أو الكسوة في كفّارة اليمين على الصّيام أن تلك الثّلاثة يتعدّى أثرها المكفِّر إلى غيره، والصّيام مختصّ به، ولذلك كان فعل أحدها واجباً عند القدرة عليه، والصّيام لا يجوز إلا عند العجز عن أحد الثّلاثة. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 144.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الإيمان وإن كان قاصراً فإنّه أفضل الأعمال؛ لأنّه أساسها وشرط قبولها، ولكن عند التّحقيق نرى أنّ الإيمان ليس قاصراً أثره على المؤمن بل يتعدّى إلى الجماعة المسلمة من حيث إنّ المؤمن يكثر سواد المسلمين ويدفع عنهم، وتصل إليهم فوائد كثيرة بإيمان المؤمن. ومنها: الصّلاة وهي أفضل الأعمال فأثرها قاصر على المصلّي، لكن هذا غير مسلَّم بل إنّ ما يتعدّى بسبب الإيمان يتعدّى أيضاً بسبب الصّلاة.

القواعد: الخامسة والثمانون والسادسة والثمانون والسابعة والثمانون بعد المئتين [المتعذر - المتعسر - الممتنع]

القواعد: الخامسة والثّمانون والسّادسة والثّمانون والسّابعة والثّمانون بعد المئتين [المتعذّر - المتعسّر - الممتنع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المتعذّر كالممتنع (¬1). وفي لفظ: المتعذّر يسقط اعتباره، والممكن يستصحب فيه التّكليف (¬2). وفي لفظ: المتعسّر كالمتعذّر، والمتعذّر كالممتنع (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المتعذّر: شبه المستحيل وقوعه، وهو غير المقدور على فعله. المتعسّر: ما يصعب فعله ويشقّ على المكلّف، وهو دون المتعذّر. فما يصعب ويشقّ فعله على المكلّف حكمه حكم المتعذّر فعله، والمتعذّر فعله يسقط طلب التّكليف به، ويسقط اعتباره؛ لأنّه يكون في درجة الممتنع عقلاً أو عادة، وسيأتي أن الممتنع عادة كالممتنع عقلاً في عدم اعتباره. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1063. (¬2) الفروق جـ 3 ص 198 الفرق 173. (¬3) المبسوط جـ 11 ص 91.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

والممتنع عقلاً أو عادة يسقط اعتباره، ولا يترتّب عليه حكم، ولكن الممكن الحصول والواقع تحت قدرة المكلّف فإنّما يستصحب فيه الاستطاعة لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من اغتصب من واحد حنطة، ومن آخر شعيراً فخلطهما. ضمن مثليهما، أو قيمتهما للمغصوب منهما. لتعسّر الرّدّ بالخلط. ومنها: إذا قسّم الإِمام الغنيمة ووقعت جارية منها في سهم رجل فأقامت البيِّنة شاهدين مسلمين إنّها حرّة ذمّيّة قد سباها المشركون، فتقبل شهادة المسلمين ويقضى بحرّيتها. ويعوّض الإِمام من وقعت في سهمه قيمتها من بيت مال المسلمين، ولا تنتقض القسمة للتّعذّر. ومنها: إذا أكل في يوم من أيّام صوم الظّهار أو القتل - وهو شهران متتابعان - أو النّذر المتتابع، ناسياً أو مجتهداً أو مكرهاً، أو وطئ نهاراً - غير المظاهر منها - ناسياً قضى يوماً متّصلاً بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصّوم من أوّله. وهذا بخلاف المتعمّد أو مَن وطئ المظاهر منها ناسياً أو غافلاً ليلاً أو نهاراً. وذلك أنّ شرط التّكليف القدرة على الفعل، والنّاسي والمكره والمجتهد يتعذّر منهما الفعل، ولذلك لم يبطل تتابع هؤلاء. ¬

_ (¬1) الآية 16 من سورة التغابن.

ومنها: إذا غصب قطناً فغزله ونسجه ثوباً، فعلى الغاصب مثله أو قيمته - إن كان لا يوجد مثله - ولا سبيل لصاحب القطن على الثّوب؛ لأنّ الثّوب غير القطن، ويتعذّر إرجاعه إلى أصله. وعند الشّافعي وفي قول لأبي يوسف رحمهما الله تعالى: المغصوب منه بالخيار: إمّا أن يأخذ الثّوب، أو يضمِّن الغاصب مثل قطنه أو قيمته.

القواعد الثامنة والثمانون والتاسعة والثمانون والتسعون بعد المئتين [الشرط والمشروط]

القواعد الثّامنة والثّمانون والتّاسعة والثّمانون والتّسعون بعد المئتين [الشّرط والمشروط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المتعلّق بالشّرط لا ينجز ما لم يوجد الشّرط حقيقة (¬1). وفي لفظ: المعلّق بالشّرط لا ينزل إلا بعد العلم بوجود الشّرط (¬2). وفي لفظ: ما لم يتمّ الشّرط لا ينزل الجزاء. أو بدون تمام الشّرط لا ينزل الجزاء (¬3). وفي لفظ: المتعلّق بالشّرط يثبت بوجود الشّرط (¬4). وفي لفظ: المتعلّق بالشّرط معدوم قبل الشّرط - أو قبل وجود الشّرط (¬5). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 109. (¬2) نفس المصدر جـ 6 ص 208. (¬3) نفس المصدر جـ 6 ص 202. (¬4) شرح السير ص 531. (¬5) نفس المصدر ص 535، 1083.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق بيان معنى الشّرط والمشروط. المتعلّق بالشّرط - وهو الجزاء والمشروط - لا يجوز العمل به ولا ينزل إلا بعد وجود الشّرط وتحقّقه والعلم بوجوده قطعاً بتمامه. فما لم يوجد الشّرط تاماً حقيقة لا ينزل الجزاء، ولا ينجز المشروط، ومفهوم ذلك (أنّ المتعلّق بالشّرط معدوم قبل وجود الشّرط)، وهذا نصّ القاعدة الأخيرة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق إذا خرجت من الدّار، وكلّمت فلاناً، فلا يقع الطّلاق حتى يوجد منها الخروج وتكليم فلان. فإذا وجد الخروج وحده لا تطلق؛ لأنّ الشّرط مجموع الشّيئين، ولو كلّمت فلاناً وهي في داخل الدّار لا تطلق كذلك. ومنها: إذا قال لعبده: إذا أدَّيت إليّ ألفاً فأنت حرّ. فلا يعتق ما لم يؤدّ الألف كاملة، حتى لو أدّى تسعة وتسعين وتسعمئة لا يعتق، إلا أن يبرأه المالك. ومنها: إذا قال: أنت طالق إن أحببت. فقالت: قد شئت الطّلاق، وقع عليها؛ لأنّها أتت بما جعله شرطاً بل أقوى؛ لأنّ المشيئة أقوى من المحبّة. لكن إذا قال: أنت طالق إذا شئت. فقالت: أحببت أو هويت أو أردت. لم يقع شيء؛ لأنّها أتت بغير ما جعله شرطاً حكم الطّلاق.

ومنها: إذا قال: أنت طالق إذا شاء فلان. ومات فلان هذا. ولا يُعلم أنّه شاء أو لم يشأ، لم يقع الطّلاق لعدم العلم بوجود الشّرط. ومنها: إذا قال لزوجته: إن كان أوّل ولد تلدينه غلاماً فأنت طالق. فولدت خنثى مشكّلاً لم يقع الطّلاق حتى يتبيّن أمره.

القاعدة الحادية والتسعون بعد المئتين [المتعلق بالشرط]

القاعدة الحادية والتّسعون بعد المئتين [المتعلّق بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتعلّق بالشّرط مقدّم قبل الشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتعلّق بالشّرط وهو الجزاء سابق في وجوده قبل وجود الشّرط في الزّمان، فالمتكلّم إنّما يتكلّم بما يريد أن يكون جزاء قبل تعليقه بما يريده شرطاً. أو أنّ العقد أو التّصرّف إنّما يوجد قبل وجود شروطه؛ لأنّ شروطه من متمّماته لا من أركانه، ووجود الأركان سابق لوجود الشّرط - وهذا في التّصرّفات القوليّة لا الفعليّة - وشروط الجواز لا شروط الصّحّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من علَّق طلاق امرأته بشرط فإنّ تلفّظه بلفظ الطّلاق سابق لاشتراطه وقوعه. فقول القائل: أنت طالق إن فعلت كذا. فإن لفظ الطّلاق هو ما بني عليه الشّرط، فلولا سبق لفظ الطّلاق لم يبن علي الشّرط حكم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 24.

ومنها: البيع بشرط الخيار، مقدّم على اشتراط الخيار لأحد المتعاقدين أو كليهما، من حيث إنّ البيع يتمّ بوجود أركانه، ولكن لا يلزم ولا يثبت إلا إذا أسقط مَن له الخيار خياره.

القاعدة الثانية والتسعون بعد المئتين [المتنافيان]

القاعدة الثّانية والتّسعون بعد المئتين [المتنافيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتنافيان لا يجتمعان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّنافي: هو التّعارض بين أمرين فأكثر. ويشمل التّنافي التّضادّ والتّناقض. فإنّ المتنافيين إن جاز انتفاؤهما معاً فهما ضدّان - كالأحمر والأخضر -. وأمّا إن لم يجز انتفاؤهما معاً فهما النّقيضان (¬2). فالنّقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان - أي معاً. والضّدّان لا يجتمعان وقد يرتفعان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجهل والعلم في مسألة واحدة عند شخص واحد نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان معاً، بل لا بدّ من وجود أحدهما وانتفاء الآخر. ومنها: الأبيض والأسود لا يجتمعان في شيء واحد، وقد يرتفعان معاً، فيكون اللون أحمر أو أخضر، فهما ضدّان. ومنها: إذا كانت المرأة مبانة أو مالكة أمر نفسها فلا رجعة لزوجها عليها؛ لأنّه إذا ثبتت البينونة انتفى النّكاح، فملك النّكاح ينافي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 25. (¬2) المبسوط جـ 25 ص 74.

البينونة، والبينونة تنافيه. ومنها: إذا جنى عبد جناية بإقرار أو بيِّنة، ثم قال: أنا عبد فلان. وصدّقه فلان بذلك. وقال وليّ الجناية: بل هو حرّ. فالحكم أنّه عبد لفلان، ولا حقّ لأصحاب الجناية في رقبته؛ لأنّهم بإقرارهم ودعواهم حرّيّته ينكرون تعلّق الجناية برقبته، ويزعمون أنّ حقّهم على عاقلته، ولا يعرف له عاقلة. وبين ثبوت الرّقّ بإقراره ووجوب أرش الجناية على عاقلته منافاة، كما أنّ بين حرّيّته - كما زعموا - واستحقاق رقبته بالجناية منافاة كذلك.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد المئتين [المتوقع والواقع]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد المئتين [المتوقّع والواقع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المتوقّع هل يجعل كالواقع (¬1). أو المتوقّع كالواقع (¬2). وفي لفظ: ما قارب الشّيء هل يعطى حكمه (¬3)؟ وقد سبقت. وفي لفظ: هل الاعتبار بالحال أو بالمآل (2)؟ وتأتي في قواعد حرف الهاء إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: المشرف على الزّوال هل يعطى حكم الزّائل (3)؟ وتأتي إن شاء الله قريباً. وفي لفظ: إذا علِّق الحاكم على سبب سيقع وكان ذلك السبب يختلف بحسب وقت التّعليق ووقت وقوعه فأيّهما المعتبر؟ فيه خلاف (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 393، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 97 - 98، 275. المنثور جـ 3 ص 161. (¬2) المجموع المذهّب لوحة 187 أ، أشباه السيوطي ص 178. (¬3) أشباه السيوطي ص 178. (¬4) المجموع المذهّب لوحة 104 أ.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

سبق لهذه القواعد أمثلة ضمن قواعد حرف الثّاء تحت الرّقم 50. وقواعد حرف - لا - تحت الرّقم 91. ومفادها: أنّ ما كان متوقّع الحدوث، ويغلب على الظّنّ حدوثه أو زواله هل يعطى حكم الموجود فعلاً أو الزّائل حقّاً؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حلف ليأكلنّ هذا الرّغيف غداً، فأتلفه قبل الغد. فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد؟ وجهان أصحّهما الثّاني. ومنها: لو لم يبق من مدّة الخف ما يسع الصّلاة فأحرم بها، فهل تنعقد صلاته؟ الأصحّ نعم. ومنها: إذا استأجر امرأة أشرفت على الحيض لكنس المجسد. قالوا: جازت الإجارة وإن ظنّ طروء حيضها؛ لأنّ الكنس في الجملة جائز. والأصل عدم طروء الحيض. فلم يجعل المتوقّع هنا كالواقع. وقيل: بالمنع. ومنها: هل العبرة بالثّلث الذي يتصرّف فيه المريض بحال الوصيّة أو الموت؟ وجهان، أصحّهما الثّاني (¬1). ومنها: جواز التّيمّم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل لا في الحال. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 104 أوأشباه السيوطي 178.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد المئتين [المتولد بين شيئين]

القاعدة الرّابعة والتّسعون بعد المئتين [المتولّد بين شيئين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتولّد: المراد به النّتاج الحاصل من شيئين مختلفين بالحلّ والحرمة، فما نتج بين شيئين مختلفين جنساً ونوعاً فلا يحمل اسم أيّهما ولا جنسه ولا حكمه، إذ يختلف اسمه وجنسه وحكمه عنهما, لأنّ إعطاءه اسم أحدهما وجنسه وحكمه يكون ترجيحاً لأحدهما دون مرجّح، وليس أحدهما أولى من الآخر بذلك. ولذلك فهو يجب أن ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البغل المتولّد بين الفرس والحمار يتفرّد باسمه وجنسه، ولكن من حيث الحكم يغلب جانب التّحريم لتولّده بين مباح ومحرّم. ومنها: السّبع المتولّد بين الذّئب والضّبع. والعسبار المتولّد بين الضبعان والذئبة. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 595.

ومنها: إذا تولّد حيوان بين الظباء والمعز، فهو ليس بمعز وليس بظباء ولا يتناوله نصوص الشّارع، ولا يمكن قياسه عليها لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما في كونه لا يجزئ في هدي ولا أضحية ولا ديّة ولذلك لا تجب فيه الزّكاة. وهذا مذهب الشّافعيَ رحمه الله وقد رجّحه ابن قدامة رحمه الله، مع أنّ المذهب عند الحنابلة أنّه تجب الزّكاة في المتولّد بين الوحشي والأهلي. وعند مالك وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنّه إن كانت الأمّهات أهليّة وجبت فيها الزّكاة؛ لأنّ ولد البهيمة يتبع أمّه.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد المئتين [المتولد من الأصل وحكمه]

القاعدة الخامسة والتّسعون بعد المئتين [المتولّد من الأصل وحكمه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المتولّد من الأصل يكون بصفة الأصل (¬1). وفي لفظ: المتولدّ من الأصل ثبت فيه ما كان في الأصل (¬2). وفي لفظ: المتولّد يملك بملك الأصل (¬3). وفي لفظ: المتولّد من الأصل يثبت فيه ما كان في الأصل (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد يمكن إدراجها تحت قاعدة (التّابع تابع). فما تولّد من أصل فهو فرع له، والفرع يأخذ صفة أصله وحكمه من الحل أو الحرمة أو الجواز وعدمه أو الملك وعدمه. فالفرع تابع والتّابع يأخذ أحكام متبوعه ولا يفرد عنه بحكم، إلا استثناء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 125، جـ 11 ص 54. (¬2) نفس المصدر جـ 21 ص 76. (¬3) نفس المصدر جـ 11 ص 95. (¬4) القواعد والضوابط ص 494 عن التحرير جـ 4 ص 544، جـ 3 ص 1193.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: الزّيادة في عين المغصوب تضمن بالبيع والتّسليم كالأصل المغصوب. ومنها: لبن الآدميّة ليس مالاً متقوّماً؛ لأنّ الآدمي ليس مالاً متقوّماً. هذا إذا كانت المرأة حرّة. ولكن إذا كانت المرأة أمَة رقيقة فيجب أن يكون لبنها متقوّماً مثلها. ومنها: من غصب حنطة فزرعها، أو بقرة فولدت، أو جارية فولدت، أو شجرة فأثمرت، فلمالك الأصل ملك المتولّد عند الشّافعي رحمه الله. خلافاً للحنفيّة القائلين: بأنّ المتولّد ملك للغاصب؛ لأنّه وجد في ضمانه. وعند غيرهم خلاف.

القاعدة السادسة والتسعون بعد المئتين [المتولد من المأذون فيه]

القاعدة السّادسة والتّسعون بعد المئتين [المتولّد من المأذون فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتولّد من مأذون فيه لا أثر له، بخلاف المتولّد من منهي عنه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ترتّب على فعل مأذون فيه ضرر على المفعول، فإنّ الفاعل لا يضمن ولا يأثم على النّتيجة إذا حصلت خلافاً للمتوقّع، هذا إذا قام بعمله تبعاً للعادة الجارية والشّروط المتّبعة. لكن إذا تولّد ضرر عن منهي عنه فإنّ الفاعل يضمن ويأثم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اقتصّ من الجاني أو قطع يده في السَّرقة فَسَرى إلى النّفس فلا شيء على القاطع والمقتصّ. ومنها: إذا تطيّب قبل الإحرام فسرى إلى موضع آخر بعد الإحرام فلا كفّارة فيما تولّد منه، كمن طيّب رأسه قبل الإحرام فبعد الإحرام سال الطّيب على وجهه، فلا شيء عليه. ومنها: محلّ الاستجمار معفو عنه، فلو عَرِق ولم يتجاوز فتلوّث منه فالأصح أنه عفو. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 163.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومثال المتولّد من منهي عنه: القطع في الجناية لما كان منهياً عنه ضمن سرايته كمن قطع يد إنسان ظلماً فسرى الجرح إلى نفس المقطوع فمات، فالجاني ضامن للنّفس لا لليد. ومنها: المبالغة في المضمضة والاستنشاق تكره للصائم، فإذا بالغ وسبق الماء أفطر بخلاف فيما إذا لم يبالغ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا كان المأذون فيه مشروطاً بسلامة العاقبة كإخراج الجناح من البيت إلى الشّارع، فتضرّر به المارّة ضمن صاحب الجناح. ومنها: إذا ضرب المعلّم الصّبي فمات فهو ضامن؛ لأنّ الإذن مشروط بسلامة العاقبة وعدم المبالغة في الضّرب، وكذلك في ضرب الزّوج زوجته إذا ماتت من ضربه.

القاعدة السابعة والتسعون بعد المئتين [المتولد من مضمون وغير مضمون]

القاعدة السّابعة والتّسعون بعد المئتين [المتولّد من مضمون وغير مضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتولّد من مضمون وغير مضمون، لكلّ حكمه (¬1). خلاف وفي لفظ: المتولّد من المضمون يكون مضموناً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة من القواعد المختلف في مدلولها. إذا نشأ عن فعلين أحدهما مضمون - لأنّه منهي عنه - والآخر غير مضمون - لأنّه مأذون فيه - إذا نشأ على ذلك ضرر فما حكم ذلك؟ وأمّا إذا نشأ الضّرر عن فعل مضمون فهو مضمون قطعاً. هل يعتبر الحكم بناء على المضمون فيكون مضموناً، أو على غير المضمون فلا يكون مضموناً؟ خلاف. ولكن يتبيّن من خلال المسائل أنّ لكلّ واحد منهما حكمه غالباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب الضّمان بالخِتَان في الحرّ أو البرد أو سوء الصّنعة، فهل الواجب جميع الضّمان للتّعدّي، أو نصفه للإذن؛ لأنّ الختان في ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 164. (¬2) القواعد والضّوابط ص 493 عن التحرير جـ 6 ص 22.

الأصل مأذون فيه، وهو واجب، والهلاك حصل من مستحقّ وغيره. وجهان أصحّهما الثّاني أي على الخاتن نصف الضّمان. ومنها: إذا ضربه حدّاً فجرحه وأنهر دمه، قالوا: لا ضمان عليه؛ لأنّه قد يكون ذلك من رِقَّة جلده. أمّا إذا عاد وضربه موضع الجرح ففى الضّمان وجهان. ومنها: إذا اشترك محرِم وحلال في قتل صيد، لزم المحرم نصف الجزاء ولا شيء على الحلال، إلا إذا كان الصّيد داخل الحرم فعليهما كليهما.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد المئتين [تصرف المتولي على غيره]

القاعدة الثّامنة والتّسعون بعد المئتين [تصرّف المتولّي على غيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتولّي على الغير هل يجب عليه أن يتصرّف بالمصلحة، أو الواجب عليه أن لا يتصرّف بالمفسدة (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (التّصرّف على الرّعيّة منوط بالمصلحة جزماً) وقد سبقت ضمن قواعد حرف التّاء تحت الرّقم 101. ولكن وردت هذه القاعدة بصيغة تفيد الشّكّ في المقصود بتصرّف المتولّي على غيره، هل المقصود التّصرّف بالمصلحة، أو أنّ الواجب عليه أن لا يتصرّف بما فيه مفسدة؟ والحقّ أنّه لا تعارض؛ لأنّه حتى التّصرّف بما لا مفسدة فيه هو مصلحة أيضاً؛ لأنّه إذا انتفت المفسدة تحقّقت المصلحة، وكفى بانتفاء المفسدة مصلحة، ولكن ذلك فيما إذا استوت المصلحة والمفسدة، فيجوز التّصرّف فيما لا مفسدة فيه، وإن لم تتحقّق مصلحة واضحة (¬2). ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 291 ب، المنثور جـ 1 ص 309، قواعد الحصني جـ 4 ص 12، أشباه السيوطي ص 121. (¬2) وينظر الوجيز ص 347.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امرأة ليس لها قرابة يتولّى أمرها، فهل للإمام أو القاضي أن يزوّجها من غير كفء برضاها؟ قالوا: فيه وجهان. والصّحيح المنع. لعدم تحقّق المصلحة. ومنها: إذا استوت المصلحة والمفسدة في أخذ الشّقص - أي الجزء - المشفوع وتركه لليتيم. ففي المسألة ثلاثة أوجه: الوجوب، والجواز والتّحريم، والأوّل غريب انفرد به الروياني (¬1). ومنها: هل يجوز قتل قاتل من لا وارث له؟ خلاف. والأصل أنّ من لا وارث له إذا قُتِل فديّته في بيت المال. فإذا اقتصّ من قاتله لم يستفد بيت المال شيئاً. وقال العلائي: وفي تخريج هذا المثال على هذه القاعدة نظر. لكن الإِمام نظر إلى المصلحة العامّة، ولكنَ ليس له العفو عن القصاص مجاناً. ¬

_ (¬1) قاضي القضاة عبد الواحد بن إسماعيل أبو المحاسن فخر الإِسلام الروياني الشّافعي من كبار فقهاء الشّافعية في زمنه من كتبه بحر المذهب، قتله الملاحدة بجامع آمل سنة 502 هـ طبقات الشّافعيّة ص 190.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد المئتين [المتيقن]

القاعدة التّاسعة والتّسعون بعد المئتين [المتيقّن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المتيقّن به لا يتبدّل إلا بمثله (¬1). وفي لفظ: المتيقّن لا يزال بالمشكوك (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة الكلّيّة الكبرى (اليقين لا يزول أو لا يرتفع بالشّكّ)، وستأتي. واليقين: هو الثّابت المقطوع والمجزوم به. فما ثبت ثبوتاً مقطوعاً به لا يتبدّل ولا يزول ولا يرتفع إلا بيقين مثله وفي درجته، ولا يرتفع بأدنى منه كالظّنّ أو الشّكّ. لكن الظّنّ إذا كان غالباً نزل منزلة اليقين احتياطاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن تيقّن الحدث وشكّ في الطّهارة فهو محدث، ويجب عليه أن يتطهّر؛ لأنّ يقين الحدث لا يزول إلا بيقين الطّهارة. وكذلك العكس. ومنها: إذا عدا الذّئب على شاة فقطع أوداجها، ونثر ما في بطنها، ثم أدركها صاحبها فذبحها, لم يحلّ أكلها؛ لأنّ ما هذه حالها فهي ميتة لا محالة، لكن إن كانت تضطرب ويمكن أن تعيش يوماً أو يومين أو بضع ساعات فذبحها صاحبها جاز أكلها؛ لأنّه متيقّن من حياتها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 706 وعنه قواعد الفقه ص 118. (¬2) القواعد والضّوابط ص 494 عن التحرير جـ 2/ 918 وجـ 3/ 1084.

القاعدة المتممة للثلاثمئة [المثال الجزئي - القاعدة الكلية]

القاعدة المتمّمة للثّلاثمئة [المثال الجزئي - القاعدة الكلّيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المثال الجزئي لا يصحّح القاعدة الكلّيّة (¬1). فقهيّة كلاميّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمثال الجزئي: المسألة المفردة. القاعدة الكلّيّة: الحكم الكلّي العام الذي يندرج تحته مسائل كثيرة. فمفاد القاعدة ومدلولها: أنّ الأمثلة الجزئيّة مهما كثرت لا تثبت القاعدة الكلّيّة، بل إنّ المثال الجزئي ينبه به على القاعدة ويوضّحها؛ لأنّ إلف النّفس بالجزئيّات أكثر من إلفها بالكلّيّات. وكانت علّة عدم إثبات القاعدة الكلّيّة بالمثال الجزئي؛ لأنّه إثبات الحكم الكلّيّ ببعض جزئياته، وهو استقراء ناقص لا يفيد إلا الظّنّ، وبخاصّة إذا كان موضوع القاعدة جنساً أو ما في حكمه ممّا كانت أفراده متجانسة. ولكن إذا كان موضوع القاعدة نوعاً حقيقيّاً أو فصلاً له أو خاصّة متماثلة الأفراد فمشاهدة الحكم في جزئيات كثيرة توجب فيضان الحكم الكلّيّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قلنا: إنّ الإنسان يحرّك فكّه الأسفل حين المضغ، وكذلك ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 81، عن التلويح شرح التوضيح جـ 1 ص 268.

الجمل والفرس والحمار وغيرها من الحيوانات، فهل يكوِّن ذلك قاعدة كلّيّة لحكم فيقال: (كلّ حيوان يحرّك فكه الأسفل حين المضغ)؟ فنقول: إنّ هذه القاعدة منقوضة بالتّمساح؛ لأنّه يحرّك فكّه الأعلى حين المضغ. وقد يوجد غير التّمساح كذلك. ومنها: إذا قلنا: نار الحطب حارّة، ونار الحجر حارّة، فإنّ مشاهدة الحكم في جزئيّات كثيرة توجب إثبات الحكم الكلّي للنّار، فيقال: كلّ نار حارّة. وتكون قاعدة كلّيّة صحيحة؛ لأنّ الموضوع هنا خاصّة متماثلة. ولا يحتجّ بنار إبراهيم عليه السّلام؛ لأنّ انقلابها باردة كان معجزة ربّانيّة. ومنها: إذا قلنا: زيد يضحك أو ضاحك، وعمرو يضحك، وليلى تضحك. فيمكن أن يقال: (كل إنسان ضاحك) بالقوّة أو بالفعل. وهي قاعدة كلّيّة صحيحة. ومنها: إذا قيل: فلان قتل فلاناً فقُتل، وفلان قتل فلاناً فقُتل، وفلان قتل فلاناً فقُتل، فهل يصحّ أن يُقال: كل من قَتَل يقتل، أو "كلّ قاتل يقتصّ منه" نقول: لا يجوز أن يقال ذلك؛ لأنّ القاتل قد يكون قتل متعدّياً لمكافئ غير والد. فهذا يجب عليه القصاص إذا كان عاقلاً بالغاً. ولكن مَن قتل خطأ، أو بحقّ لا يقتصّ منه. أو مَن قتل وهو صغير، أو إذا كان مجنوناً أو والداً أو حرّاً قتل عبداً أو مسلماً قتل ذمّيّاً أو حربياً لا يقتصّ من هؤلاء كذلك.

القاعدتان الحادية والثانية بعد الثلاثمئة [زيادة البينة]

القاعدتان الحادية والثّانية بعد الثّلاثمئة [زيادة البيِّنة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المثبت للزّيادة من البينتين يترجّح (¬1). وفي لفظ: المثبت من البيّنتين أولى (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: البيَّنة هي الحجّة والبرهان، والمراد بها هنا شهود الإثبات. فعند تعارض البيّنتين وتساويهما في العدد والعدالة من كلّ الوجوه فإنّ أثبتت إحداهما زيادة عن الأخرى فالمثبتة للزّيادة ترجّح على مقابلتها. ولمّا كانت البيّنات للإثبات - كما سبق بيانه ضمن قواعد حرف الباء تحت الرّقم 99، 101. فإنّ البيّنة المثبتة أولى في القبول والعمل بها من البيّنة النّافية. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اشترى بقرتين بمبلغ واحد وقبضهما، ثمّ ماتت إحداهما عنده، وأراد ردّ الأخرى بالعيب. فاختلفا في قيمة الميتة، وجاء المشتري ببيّنة تشهد له أنّ البقرة الميتة تساوي ألفاً - مثلاً -، وجاء البائع ببيّنة أنّها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 29. (¬2) نفس المصدر جـ 28 ص 15.

تساوي ألفين، فإنّ البيّنة المقبولة هي بيّنة البائع؛ لأنها تثبت الزّيادة؛ ولأنّهما اتّفقا على أنّ جميع الثّمن متقرّر على المشتري بالقبض، ثمّ الاختلاف بينهما في مقدار ما سقط عنه بردّ البقرة المعيبة. ومنها: إذا اختلفا في قيمة السّلعة، والسّلعة قائمة - أي موجودة - وأقاما جميعاً البيّنة، فالبيّنة المقبولة هي بيّنة البائع التي تثبت الزّيادة، لا بيّنة المشتري التي تنفيها. ومنها: إذا شهد شاهدان أنّه دبَّر عبده فلاناً إن قُتل. وأنّه قد قُتل. وشهد شاهدان أنّه مات موتاً. فإنّ البيّنة الرّاجحة لجواز عتق العبد من الثّلث هي البيّنة التي تثبت القتل والعتق، بخلاف الأخرى النّافية لهما. والبيّنات للإثبات لا للنّفي.

القاعدة الثالثة بعد الثلاثمئة [مثل الشيء]

القاعدة الثّالثة بعد الثّلاثمئة [مثل الشّيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مثل الشّيء غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المثل: هو الشّبيه والنّظير. ولا يكون الشّيء شبيهاً بنفسه ولا مثلاً لها. ولا نظيراً لنفسه، فلذلك فإنّ المثل غير الشّيء، وهو مقابله، وإن كان يشبهه، وهذا أمر مشاهد ومحسوس، فإنّ الإنسان إذا نظر في المرآة ورأى صورته فيها، فليست الصّورة هي نفس الإنسان بل هي خياليّة، وخيال الشّيء غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها المختلف فيها: في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (¬2)، فالله سبحان وتعالى ليس له مثل ولا شبيه ولا نظير، لأنّه لو كان له مثل لكان إلهاً غيره، والله سبحانه وتعالى المتفرّد بالألوهيّة الحقّة والرّبوبيّة والحاكميّة. فليس مثله شيء (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 89، جـ 30 ص 115. (¬2) الآية 11 من سورة الشّورى. (¬3) ينظر الجامع لأحكام القرآن جـ 16 ص 8 - 9.

ومنها: إذا أودع رجل آخرَ وديعة ممّا يكال أو يوزن ووكّله بقبضها، فاستهلكها رجل وأعطى المستودَع مثلها، فهل للوكيل أن يقبض المثل -؛ لأنّ المثل في ذوات الأمثال كالقيمة فيما لا مثل له - وهو قد أذن له في قبض العين فلا يتعدّى إذنه إلى عين أخرى - وهذا لأنّ مثل الشّيء غيره. ولكن استحسنوا جواز قبضه؛ لأنّ رضاه بأمانته لا يختلف باختلاف العين، وإنّما يختلف باختلاف الجنس. ومنها: رجل مات وترك ابناً وابنة، وأوصى بمثل نصيب الابن، فأجاز الابن، ولم تجز الابنة، فالقسمة من خمسة وأربعين سهماً، للابنة عشرة، وللابن ثمانية عشر، وللموصَى له سبعة عشر؛ لأنّه نقص ممّا أوصي له به سهم؛ لأنّ الابنة لم تجز الوصيّة، أمّا لو أجازت الابنة الوصيّة فلها سهم من خمسة وللابن سهمان وللموصَى له سهمان مثله.

القاعدة الرابعة بعد الثلاثمئة [المثلى والمتقوم]

القاعدة الرّابعة بعد الثّلاثمئة [المثلى والمتقوّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المثلي مضمون بمثله. والمتقوّم بالقيمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المضمونات من حيث ما تضمن به تنقسم إلى قسمين رئيسين: مثلي وقيمي. فالمثلي: هو الشّيء الذي له مثل من جنسه لا يتفاوت، فهو مضمون بمثله إن وُجد. والقيمي: هو الشّيء الذي لا مثل له، أو له مثل متفاوت، فهذا إنّما يضمن بقيمته، أي بقدر ما يساويه من المال. ومن القيمي أيضاً: المثلي الذي انقطع مثله فلم يوجد أو وجد متفاوتاً، فهذا يجب ضمانه بقيمته أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المكيلات والموزونات مثلية. فإنّما يضمن كلّ منها بمثلها. كاللبن والتّمر والماء والبر والذّهب والفضّة، فهي تضمن بمثلها عند ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 1 ص 152، روضة الطّالبين جـ 5 ص 8، المجموع المذهّب لوحة 287 فما بعدها، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 303، قواعد الحصني جـ 3 ص 425، أشباه السيوطي ص 180، 200.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الإتلاف. والحيوان والسّلع والأثاث والدّور والعقار والآلات والمنافع كلّها قيمية فإنّما تضمن بقيمتها عند الإتلاف. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: اللحم مع أنّه مثلي ولكنّه يضمن بالقيمة للتّفاوت بين أنواع اللحمان. ومنها: لبن المصراة مع أنّه مثلي ولكن يضمن بصاع من تمر للحديث. ومنها: الماء في المفازة، إذا وجد في موضع لا قيمة للماء فيه، فإنّه يطالبه بقيمة الماء في المفازة، أي الصّحراء. ومنها: الفاكهة مع أنها مثليّة، لكن الأصحّ أنّها تضمن بالقيمة، للتّفاوت. ومنها: إذا اقترض متقوّماً، فالأصحّ أنّه يردّ مثله في الصّورة، كالخبز واللحم. ومنها: إذا كان المنقوّم مثليّاً في الأصل، كمن غصب رُطَباً - إذا قلنا: إنّه متقوّم - فصار تمراً - والتّمر مثلي - وتلف فعليه مثله تمراً. إلا إذا كان الرّطب أكثر قيمة لزمته قيمته.

القاعدتان الخامسة والسادسة بعد الثلاثمئة [المجاز - النصوص]

القاعدتان الخامسة والسّادسة بعد الثّلاثمئة [المجاز - النّصوص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المجاز لا يدخل في النّصوص بل في الظّواهر فقط (¬1). والمجاز في أسماء الأجناس جائر (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق بيان معنى المجاز "وهو استعمال اللفظ في غير موضوعه الأصلي لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي". والنّصوص: جمع نص، والمراد به هنا اللفظ الدّال على معناه قطعاً ومطابقة، كألفاظ الأعداد. والنّصّ في اللغة: عبارة عن الظّهور، ومنه سمّي كرسي العروس منصّة لظهورها عليه. والفقهاء يطلقونه بإزاء المقطوع به والمظنون، وهو بالمقطوع به أحرى. والمقطوع به: هو اللفظ الدّال دلالة لا تحتمل التّأويل كقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (¬2). فهذا النّصّ مقطوع بدلالته لا يحتمل التّأويل ولا المجاز. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 46، 47. (¬2) الآية 196 من سورة البقرة.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

والظّواهر: جمع ظاهر أو ظاهرة، وهو اللفظ الذي يغلب على الظّنّ فهم معنى منه مع تجويز غيره، كسائر النّصوص في الفروع (¬1). فمفاد القاعدة الأولى: أنّ المجاز لا يدخل في المقطوع به، إنّما يدخل فيما فيه احتمال. ومفاد القاعدة الثّانية: أنّ المجاز إنّما يدخل في الظّواهر كأسماء الأجناس، وهي الأسماء الموضوعة للأفراد المبهمين. بخلاف علم الجنس الموضوع للماهية. فالأسد للحيوان المفترس اسم جنس، لأنّه يدلّ على فرد مبهم. وأسامة علم جنس لأنّه يفيد ذات كلّ واحد من أشخاص الأسد بعينها من حيث هي هي على سبيل الاشتراك اللفظي (¬2). ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3)، فهذا نصّ لا يحتمل التّأويل ومثله قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬4). فهذا نصّ في الحدّ لا يقبل المجاز ولا التّأويل، وممّا يمكن أن يقبل المجاز من الظّواهر: ¬

_ (¬1) الإيضاح لقوانين الاصطلاح ص 19 - 20. (¬2) الكلّيّات ص 87. (¬3) الآية 38 من سورة المائدة. (¬4) الآية 2 من سورة النّور.

قولك: قتلت فلاناً شرَّ قتلة حتى عاد لا يستطيع المشي. فهذا مجاز يراد به الضّرب الشّديد. ومنها: ما دخله المجاز من أسماء الأجناس. قولهم: رعينا الغيث. والمراد به العشب الذي نبت بسبب نزول الغيث. ومنه قولهم: رأيت أسداً في براثنه يخطب على المنبر. وأنت تريد رجلاً شجاعاً. وممّا لا يدخله المجاز أيضاً: من أطلق العشرة وأراد السّبعة فهو مخطئ لأنّ ألفاظ الأعداد نصوص لا يدخلها مجاز البتة. وممّا يدخل المجاز من الظّواهر: من أطلق صيغ العموم وأراد الخصوص، فهو مصيب لغة؛ لأنّها ظواهر. ومثالها: قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} (¬1) فالقائل واحد، ومن جمعوا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم بعض النّاس لا كلّهم. ¬

_ (¬1) الآية 173 من سورة آل عمران.

القاعدة السابعة بعد الثلاثمئة [المجاز - الحقيقة]

القاعدة السّابعة بعد الثلاثمئة [المجاز - الحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المجاز لا يعارض الحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى المجاز ومعنى الحقيقة. والمراد اللفظ المجاز، واللفظة الحقيقة. ولمّا كان المجاز فرعَ الحقيقة، والحقيقة هي أصل المجاز، فكلّ مجاز هو فرع للحقيقة، وليست كلّ حقيقة أصلاً للمجاز؛ لأنّ من الحقائق ما لا يدخله المجاز، كما سبق قريباً. ولمّا كان الأمر كذلك فلا يقع تعارض بين المجاز والحقيقة، كما لا يقع تعارض بين الفرع وأصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: رأيت اليوم أسداً. فالمفهوم المتبادر من الإطلاق أنّه رأى أسداً حقيقيّاً، وهو الحيوان الزّائر المفترس. ولا يجوز أن يحمل على الرّجل الشّجاع؛ لأنّه لم تقم قرينة على إرادة المجاز. ولأنّ الأصل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 28.

في الكلام الحقيقة، أي المتبادر عند السّامع. ومنها: إذا قيل: إنّ الإِمام قد وضع حجر الأساس لبناء هذا المسجد. فلا يفهم منه أنّه أمر غيره بوضعه، بل يفهم منه أنّه وضعه بيده.

القاعدة الثامنة بعد الثلاثمئة [المجبر - الغار]

القاعدة الثّامنة بعد الثّلاثمئة [المجبر - الغار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المجبَر على الشّيء لا يكون غارّاً، إذ الغارُّ من يكون مختاراً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المجبَر: اسم مفعول من أُجبر على كذا أي أكره عليه، فالإجبار هو الإكراه. الغارُّ: من غَرَّ إذا لبَّس وخدع. والمغرور: المخدوع. فإذا أكره إنسان على قول شيء أو فعل شيء فيه خداع وغرر لغيره، فلا يكون هذا المكرَه غارّاً ولا مخادعاً؛ لأنّ الغارَّ الحقيقي هو من يكون مختاراً لقول الغرور أو فعله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا هدّد شخص آخر بالقتل أو القطع أو الضّرب الشّديد على أن يقول لمن يريد الزّواج من أمَةٍ: إنّها حُرَّة. فيتزوّجها الرّجل على أنّها حرَّة ثم يظهر أنّها أمَة، فهنا ضمان الخسارة وقيمة الولد لو ولدت على ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 494 عن التحرير جـ 5 ص 1041.

المكرِه لا المكرَه؛ لأنّ المكرَه غير غارّ لأنّه غير مختار. ومنها: إذا أُجبر وأُكره على القول بأنّ هذا الطّريق آمن - لمن يريد أن يُسافر فيه - وهو يعلم أنّ به قطّاع طرق. فهو أيضاً غير ضامن لأنّه مكرَه على القول.

القاعدة التاسعة بعد الثلاثمئة [الخبر]

القاعدة التّاسعة بعد الثّلاثمئة [الخبر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مجرّد الخبر لا يصلح حجّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخبر: هو قول يحتمل الصّدق والكذب لذاته. أي يجوز أن يقال لقائله، إنّه صادق فيه أو كاذب. ولمّا كان الخبر بهذه المثابة فإنّه لا يصلح بمفرده حجّة ولا برهاناً على صدق ما تضمنه من إخبار في الأمور الملزمة، إلا إذا صاحب ذلك قرائن تقوّيه كتعدّده مع عدالة القائلين أو كثرتهم كثرة تمنع اتّفاقهم على الكذب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حضر إنسان عند القاضي أو الإِمام فقال: إنّ فلاناً سرق أو قتل. فإنّ الإِمام أو القاضي لا يعتمد على قوله هذا فيقبض على فلان، ويأمر بقطعه أو قتله، وإنما يبحث الأمر حتى يتحقّق من صدق القائل أو كذبه. لكن إذا حضر شخص آخر أو أشخاص آخرون فقالوا مثل مقالة الأوّل، وأخبروا بمثل خبره، ففي هذه الحال يعتبر قولهم حجّة، وتبنى عليه الأحكام. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 310، 468 وعنه قواعد الفقه ص 119.

ومنها: إذا أمَّن المسلمون أهل حصن على أنفسهم وأهلهم ومتاعهم، ولمّا فتح الحصن قال المستأمنون: هؤلاء أهلونا، وهذا متاعنا لخيار - من الأهل والمتاع -، فإن صدّقوهم بما ادّعوا فهم آمنون معهم، ولكن إذا كذّبوهم بما قالوا: كانوا فيئاً؛ ودعوى المستأمنين لا تكون مقبولة إلا بحجّة ودليل.

القاعدة العاشرة بعد الثلاثمئة [الدعوى والبينة]

القاعدة العاشرة بعد الثّلاثمئة [الدّعوى والبيِّنة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مجرّد الدّعوى لا يعارض البيّنة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مجرّد الدّعوى: هو ادّعاء أحقيّة الشّيء بدون بيِّنة. والبيِّنة: هي الشّاهدان، ولا تعتبر البيّنة ولا تقبل إلا بعد إقامة الدّعوى. فعلى ذلك فإنّ الدّعوى المجرّدة عن البيِّنة لا تعارض البيِّنة المبنيّة على الدّعوى, لأنّها أقوى منها. و (الضّعيف لا يعارض القوي). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان صبي في يد رجل فأقامت امرأة شاهدين أنّه ابنها. قضي بالنّسب منها لإثبات الدّعوى بالحجّة، وإن كان ذو اليد يدّعيه لم يقض به بمجرّد دعواه. ومنها: إذا ادّعى داراً في يد شخص وأقام البيِّنة على دعواه، فإنّ القاضي يحكم له بالدّار، وإن كان ساكن الدّار أو ذو اليد يدّعيها؛ لعدم وجود بيّنة له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 81.

القاعدتان الحادية عشرة والثانية عشرة بعد الثلاثمئة [السبب - الضمان]

القاعدتان الحادية عشرة والثّانية عشرة بعد الثلاثمئة [السّبب - الضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مجرّد السّبب موجب للضّمان (¬1). عند محمَّد بن الحسن رحمه الله. وفي لفظ مقابل: مجرّد السّبب يسقط اعتباره في مقابلة المباشرة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متقابلتان ظاهراً. وقد سبق لهما مثيلات. فالأولى منهما تدلّ على أنّ المتسبّب - أي صاحب السّبب - مجرّد وجوده موجب للضّمان، ولو لم يطرأ مباشر. لكن المتّفق عليه أنّه عند اجتماع السّبب والمباشرة أنّ الضّمان على المباشر. ولذلك قلنا: أنّهما متقابلتان ظاهراً. والثّانية منهما تدلّ على أنّ المتسبّب في الإتلاف الموجب للضّمان يسقط اعتباره، ولا ضمان عليه إذا طرأ مباشر للإتلاف. وقد سبق في قواعد عدّة أنّ المتسبّب غير ضامن إلا بالتّعدّي، إلا عند محمَّد بن الحسن رحمه الله: أنّه ضامن تعدّى أو لم يتعدّ فهو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 297. (¬2) المبسوط جـ 26 ص 182.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

كالمباشر. لكن بشرط أن لا يطرأ مباشر بين السّبب والإتلاف. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: حفر شخص حفرة في طريق المسلمين فجاء آخر وألقى فيها شخصاً أو دابّة فهلكت، فإن الضّمان هنا على المباشر الذي وقع الهلاك بفعله باتّفاق. ومنها: إذا فتح باب قفص أو اصطبل أو حفر حفرة - ولو بالإذن - ثم طار الطّائر من القفص، أو خرج الحيوان من الإسطبل فهلك، أو سقط في الحفرة إنسان أو حيوان. ففي كلّ ذلك الضّمان على المتسبّب، وهو فاتح القفص والإسطبل وحافر الحفرة، تعدّى أو لم يتعدّ عند محمَّد رحمه الله. وأمّا عند غير محمَّد رحمه الله فإنّ المتسبب إذا كان متعدّياً ومتعمّداً لما فعله فهو ضامن دون ما لم يتعمّد أو يتعدّ.

القاعدة الثالثة عشرة بعد الثلاثمئة [المجهول والمعلوم]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد الثّلاثمئة [المجهول والمعلوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المجهول إذا ضمَّ إلى المعلوم فالانقسام باعتبار الذّات دون القيمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّه إذا ضمّ المجهول إلى المعلوم أصبح الكلّ مجهولاً - كما سيأتي في القاعدة التّالية - فلا يصحّ العقد. لكن المراد بالقاعدة ليس المجهول مطلقاً بل المراد به هنا المجهول قيمته وهو المعلوم بذاته. فإذا ضمّ مجهول القيمة إلى معلومها، فإنّما تنقسم القيمة عليهما باعتبارهما اثنين دون نظر إلى قيمة كلٍّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج امرأة على ألف درهم على أن ردّت عليه عبداً أو دابّة. فهو جائز؛ لأنّها بذلت شيئين بإزاء الألف. البضع والعبد. فيقسم الألف على قيمة العبد ومهر مثلها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 89.

القاعدة الرابعة عشرة بعد الثلاثمئة [المجهول والمعلوم]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد الثّلاثمئة [المجهول والمعلوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المجهول إذا ضمّ إلى معلوم يصير الكلّ مجهولاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المجهول هنا: يراد به مجهول الذّات أو الوجود، فإذا ضمّ العقد أو التّصرّف شيئاً مجهولاً أو مشكوكاً في وجوده إلى شيء معلوم الوجود فإنّ الكلّ يصير مجهولاً، وإذا صار الكلّ مجهولاً بطل العقد أو التّصرّف؛ لأنّ العقد لا يصحّ على مجهول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى شاة بشرط إنّها حامل، فالعقد فاسد لجهالة ما في بطنها. ومنها: باع بعيرين - أحدهما نادٌّ - أي شارد على صاحبه - فالعقد باطل لجهالة البعير الشّارد وعدم القدرة على تسليمه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 19، القواعد الكبرى جـ 1 ص 61.

القاعدة الخامسة عشرة بعد الثلاثمئة [المجهول]

القاعدة الخامسة عشرة بعد الثّلاثمئة [المجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المجهول لا يجوز تمليكه بشيء من العقود قصداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بيان للقاعدة السّابقة وتأكيد لمدلولها: فقد سبق أنّ المجهول إذا ضمّ إلى المعلوم يصير الكلّ مجهولاً، والمجهول لا يجوز تمليكه ولا العقد عليه بشيء من العقود قصداً، ولكن إذا وقع ضمناً لا يضرّ. فإذا وقع العقد على مجهول قصداً فهو باطل، ولو ضمّ إلى معلوم. كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى ناقة أو بقرة أو شاة حاملاً، ولم يشترط وجود الحمل فالبيع صحيح نافذ. والحمل يدخل في العقد على الأم تبعاً وإن كان مجهولاً، بخلاف ما إذا اشترط الحمل فالعقد باطل كما سبق ذكره. ومنها: إذا وهب نصيبه من أرض أو دار مجهولة لم تجز الهبة لجهالة الموهوب. ومنها: عند الحنفيّة لا يجوز هبة المشاع؛ لأنّه متعذّر القبض ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 74.

والتّسليم، وشرط تمام الهبة والتّبّرع القبض. فبالأولى أن لا تجوز الهبة في نصيب من أرض أو دار مجهولة. ومنها: إذا زوّج بنتاً من بناته بدون تسميتها - وله عدّة بنات - فالعقد باطل لجهالة المعقود عليها.

القاعدة السادسة عشرة بعد الثلاثمئة [المحاباة في المرض]

القاعدة السّادسة عشرة بعد الثّلاثمئة [المحاباة في المرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المحاباة في المرض تبرّع بمنزلة الوصيّة (¬1). وإنّما تجوز من الثّلث بدون زيادة، إلا إذا أجاز الورثة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحاباة: يقال: حاباه محاباة إذا سامحه. مأخوذ من حبوته إذا أعطيته، فالمحاباة مفاعلة من حبوت الرّجل أحبوه إذا أعطيته الشّيء بغير عوض (¬2). فالمسامحة في بعض ما يستحقّ إذا كانت في مرض الموت فهي بمنزلة الوصيّة، ولا تجوز إلا من الثلث بدون زيادة، إلا إذا أجاز الورثة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع سيّارته في مرض موته لشخص بألف، وقيمتها عشرة آلاف وهي ماله كلّه، فللمشتري قيمة الألف، وثلث قيمة ما بقي من السّيّارة وهو ثلاثة آلاف، ويدفع ما بقي للورثة. لكن لو أجاز الورثة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 74. (¬2) المصباح مادة حبا.

فعل الأب فهو يأخذ السّيّارة بدون أداء شيء. ومنها: من باع في مرض موته سيفاً محلّى قيمته عشرون ديناراً بدينار واحد وتقابضا - وليس له مال غيره - فللمشتري قيمة الدّينار من السّيف والحلية, وثلث قيمة ما بقي من السّيف، ويؤدّي الباقي، وإن شاء ردّ كلّه وأخذ ديناره. هذا إذا لم تجز الورثة، وأمّا إن أجاز الورثة فله السّيف وحليته بديناره. ومنها: مريض له تسعمئة درهم - ولا مال له غيرها - فباعها بدينار واحد وقبضه، وقبض الآخر مئة درهم من تسعمئة، ثم افترقا، ومات المريض، والمال قائم، والدّينار قيمته تُسْع المال - أي مئة درهم - فإجازةُ الورثة وردّهم هنا سواء - وللمشتري المئة الدّرهم بتسع الدّينار ويردّ عليه ثمانية أتساع الدّينار؛ لأنّ عقد الصّرف قد بطل في ثمانية أتساع الدّينار لعدم التّقابض في المجلس، وإنّما بقي العقد في مقدار المئة. وذلك دون ثلث المال فلا يحتاج إلى إجازة الورثة. وقد بطلت المحاباة لبطلان عقد الصّرف.

القاعدة السابعة عشرة بعد الثلاثمئة [المحال]

القاعدة السّابعة عشرة بعد الثّلاثمئة [المَحَالّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المَحَالُّ في حكم الشّروط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحالُّ: جمع محل. والمراد به هنا محل العقد. أي ما وقع عليه التّعاقد. وليس المراد المكان. فما يقع عليه التّعاقد يعتبر محلاً للعقد، ويكون في حكم الشّرط - أي شرط الصّحّة - فما لم يصحّ محل العقد - أي موضوعه - لا يصحّ العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل عند القاضي: تزوّجت هذه المرأة ولها زوج، أو هي معتدّة من غيري، أو هي مجوسيّة، أو أختها عندي، أو هي أمَة تزوّجتها بغير إذن مولاها. فالعقد في ذلك كلّه باطل - لأنّ محلّ العقد وهو المرأة لا يصحّ زواجها منه - ويفرّق القاضي بينهما؛ لإقرار الزّوج بالحرمة عليه. فجعل إقراره مقبولاً في إثبات الفرقة من جهته، فللزّوجة نصف المهر إن كان قبل الدّخول، وجميع المسمّى ونفقة العدّة إن كان بعد الدّخول. ومنها: إذا قال تزوّجتك بغير شهود. فهذه وسابقتها سواء. ومنها: اشترى قربة خلّ، فإذا هي خمر. فالعقد باطل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 37.

القاعدتان الثامنة عشرة والتاسعة عشرة بعد الثلاثمئة [المحتمل - النية]

القاعدتان الثّامنة عشرة والتّاسعة عشرة بعد الثّلاثمئة [المحتمل - النّيَّة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المحتمل لا تتعيّن جهة فيه بدون النّيَّة. وفي لفظ: المحتمل لا يوجب شيئاً بدون النّيَّة (¬1). والمحتمل لا يثبت إلا بحجّة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المحتمل: هو اللفظ الذي يجوز في دلالته وجهان أو أكثر. فإذا كان اللفظ كذلك فلا يجب حمله على أحد معانيه أو معنييه إلا بالنّيَّة المميّزة، فالنّيَّة هي التي تعيّن الجهة فيه. وهذا المحتمل لا يثبت مدلوله إلا بحجّة وبرهان يرجّح أحد مدلولاته. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا حلف لا يأتي امرأته. والإتيان هنا لفظ محتمل. فإذا عنى الجماع فهو مولٍ. وإن قال: لم أعن الجماع، صدّق في القضاء مع يمينه؛ لأنّ الإتيان قد يراد به الجماع، ويراد به الزّيارة أو الضّرب. فكان اللفظ محتملاً. فلا يوجب شيئاً بدون النّيَّة. ومثله: لو حلف لا ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 22، 63. (¬2) نفس المصدر جـ 26 ص 105.

يغشاها، أو لا يقرب فراشها. ومنها: إذا حلف لا يباضعها، فهو مول، ولا يصدّق في القضاء؛ لأنّ ظاهر اللفظ الجماع، فإنّ المباضعة إدخال البضع في البضع. فلا يصدّق في صرف اللفظ عن ظاهره. ومنها: إذا قال لعبده: لا سبيل لي عليك. أو لا ملك لي عليك، أو قد خرجت من ملكي. فلا يعتق بهذه الألفاظ إلا إذا نوى العتق, لأنّها ألفاظ محتملة. ومنها: إذا قال لزوجته في حال المخاصمة: اغربي عن وجهي، لا أرينك في بيت لي. كان هذا طلاقاً. مع أنّ اللفظ وهو قوله: اغربي عن وجهي محتمل، لكن الحال الذي أطلق فيه هذا اللفظ، وقوله: لا أرينّك في بيت لي. يكون حجّة في إرادته الطّلاق، ولو أنكره بعد ذلك لا يقبل منه.

القاعدتان العشرون والحادية والعشرون بعد الثلاثمئة [المحتمل]

القاعدتان العشرون والحادية والعشرون بعد الثّلاثمئة [المحتمل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المحتمل لا يصلح حجّة للقضاء (¬1). وفي لفظ: المحتمل لا يكون حجّة ملزمة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان لهما ارتباط بسابقتيهما، وإن اختلف المدلول. فإنّ هاتين القاعدتين تفيدان أنّ اللفظ المحتمل لا يكون حجّة ملزمة أمام القضاء؛ لأنّ القضاء إنّما يُلزِم بحجّة واضحة لا احتمال فيها. لكن إذا قام الدّليل على أحد وجهي المحتمل وجب العمل به. كما سبق بيانه آنفاً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: عند الشّافعي رحمه الله تعالى: إنّ نكول المدَّعَى عليه عن اليمين لا يكون موجباً للقضاء عليه؛ لأنّ النّكول سكوت في نفسه. والسّكوت محتمل فلا يكون حجّة. ومنها: كتاب القاضي إلى القاضي القياس يأبى جوازه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 90. (¬2) نفس المصدر جـ 13 ص 39، جـ 16 ص 112، جـ 17 ص 34، 87، 100. والقواعد والضّوابط ص 494، على التحرير جـ 3 ص 487.

للاحتمال، وإنّما جوّز للدّليل والحاجة. ومنها: الشّهادة محتملة؛ لأنّها قول يحتمل الصّدق والكذب، وإنّما جوّزت بالنّصوص التي أمرت بالعمل بالشّهادة تيسيراً وحتى لا تضيع الحقوق. ومنها: حائط بين دارين ادّعاه صاحب كلّ واحد من الدّارين - ولأحدهما جذوع على الحائط - فعند الحنفيّة الحائط لصاحب الجذوع. وأمّا عند الشّافعي رحمه الله، فلا يقضى لصاحب الجذوع؛ لأنّ صاحب الجذوع لا يستحقّ بوضع الجذوع ترجيحاً - عنده - لأنّ وضع الجذوع محتمل، والله أعلم.

القاعدتان الثانية والعشرون والثالثة والعشرون بعد الثلاثمئة [المحتمل - المنصوص]

القاعدتان الثّانية والعشرون والثّالثة والعشرون بعد الثّلاثمئة [المحتمل - المنصوص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المحتمل لا يعارض المنصوص (¬1). ولا يدفع حكمه. وفي لفظ: المحتمل لا يترك الأصل به (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولها: إذا كان المحتمل لا يثبت إلا بحجّة ولا يجوز العمل به إلا بالنّيَّة المميزة، فهو ضعيف. والمنصوص - أي المقطوع بدلالته - أقوى منه دلالة، و (الضّعيف لا يظهر في مقابلة القوي). ولذلك لا تقع المعارضة بين المحتمل والمنصوص؛ لضعف المحتمل وقوّة المنصوص. ولمّا كان المحتمل لا يعارض المنصوص القوي فهو بالأولى أن لا يرفع ولا يدفع حكماً ثبت بالمنصوص؛ ولأنّ المنصوص أصل والمحتمل فرع، والأصل لا يُتْرك بالفرع. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال المجاهدون لحربي: آمنّاك على أن تدلّنا على شيء ¬

_ (¬1) شرح السير ص 527 وعنه قواعد الفقه ص 119. (¬2) المبسوط جـ 23 ص 22.

أرادوه. فإذا دلّهم كان على أمانه، وأمّا إذا لم يدلّهم فلا يكون ذلك دليلاً على أنّه لا أمان له؛ لأنّ ذلك محتمل. وهم قد نصّوا على أمانه إن دلّهم فقط. والمحتمل لا يعارض المنصوص ولا يرفع حكماء. بخلاف ما لو قال: على أنّي إن لم أدلّكم فلا أمان بيني وبينكم. فحينئذ هذا نصّ صريح يصلح معارضاً لذلك النّصّ. ومنها: إذا قال: ازرع في أرضي طُنّاً من قمحك، على أنّ ما تخرجه الأرض كلّه لي. قالوا: هذا العقد لا يجوز؛ لأنّه دفع الأرض مزارعة بجميع الخارج؛ لأنّ قوله: على أنّ الخارج كلّه لي. محتمل أن يكون المراد الخارج لي عوضاً عن منفعة الأرض، ويجوز أن يكون المراد الخارج لي بحكم استقراض البذر. ومع الاحتمال لا يثبت تمليك البذر منه. فيكون الخارج كلّه لصاحب البذر، وعليه أجر مثل الأرض سواء أخرجت الأرض شيئاً أم لم تخرج.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمئة [المحجور]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد الثّلاثمئة [المحجور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المحجور عليه بالسّفه كالصّغير في جميع أحكامه (¬1). إلا في أشياء. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحجور: اسم مفعول. من حُجر عليه إذا منع من التّصرّف، فالحجر: المنع. والمحجور: ممنوع من التّصرّفات القوليّة في ماله. ويكون الحجر إمّا لصغر وإمّا لسفه. والمراد بالسَّفه: خفّة العقل وسوء التّصرفات في الأموال. أو هو عبارة عن التّصرّف في المال بخلاف مقتضى الشّرع والعقل بالتّبذير فيه والإسراف، مع قيام خفّة العقل (¬2). والسّفيه: من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التّبذير، ولا يمكن إصلاحه بالتّمييز والتصرّف فيه بالتّدبير (¬3). فمن حجر عليه لسفهه فحكمه حكم الصّغير، فلا بدّ من ولى يلي ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 283. (¬2) الكلّيّات ص 349. (¬3) نفس المصدر ص 510.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عليه وينفق عليه من ماله. ولا بدّ من إعلام النّاس بالحجر عليه حتى لا يعاملوه. وأمّا تصرّفات المحجور الفعليّة فهو مأخوذ بها سواء كانت من أمور العبادات أو من حقوق العباد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تصرّف المحجور فباع أو اشترى فتصرّفه باطل، وعقوده باطلة. ومنها: إذا أقرّ السّفيه على نفسه بمال، فإقراره غير صحيح ولا يعتبر. ومنها: إذا حجر على سفيهة واختلعت من زوجها على مال وقع الخلع وصحّ، ولكن لا يلزمها المال. لأنّها محجورة عن التّصرّف في مالها. ومنها: إذا وقف المحجور عليه بالسّفه ماله أو أرضه فوقفه باطل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: وكان تصرّف السّفيه كتصرّف العاقل الرّشيد: يجوز للسّفيه أن يتزوّج؛ لأنّ الزّواج من حوائجه الضّروريّة لكن لا يزيد على مهر المثل. ومنها: يجوز للسّفيه أن يطلّق ويعتق ويستولد ويدبر.

ومنها: تجب عليه الزّكاة في ماله - ويخرجها الولي - ويجب عليه الحجّ والعبادات. ومنها: يصحّ إقراره بالعقوبات. البدنيّة والماليّة. ومنها: تصحّ وصاياه بالقُرَب من الثّلث. ومنها: إنّ الصّبي إذا قَتَل متعمّداً فالدّيّة على عاقلته, لأنّ عمد الصّبي خطأ. لكن المحجور عليه للسّفه إذا قَتَل متعمّداً يقتصّ منه؛ لأنّه بالغ عاقل.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمئة [المحرمية]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الثّلاثمئة [المحرمية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المحرميّة كما تنافي ابتداء النّكاح تنافي البقاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحرمية: المراد بها ثبوت الحرمة وعدم حلّ النّكاح. فكما أنّ ثبوت الحرمة بين الرّجل والمرأة تمنع انعقاد النّكاح، فإذا وجدت أسباب التّحريم أثناء النّكاح أبطلته، ومنعت بقاءه واستمراره. وأسباب التحريم إمّا رضاع وإمّا نسب وإمّا صهر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عقد على البنت حرّمت عليه أمّها. حرمة مؤبّدة. وإذا دخل بالأمّ حرمت عليه ابنتها كذلك. فإذا تزوّج امرأة ثم ماتت ولها أمّ فيحرم عليه الزّواج منها؛ لأنّ حرمة أمّ الزّوجة حرمة مؤبّدة. ومنها: إذا تزوّج امرأتين إحداهما كبيرة وقد دخل بها والأخرى صغيرة رضيعة، فأرضعت الكبيرة الصّغيرة حرمتا عليه كلتاهما؛ لأنّ الصّغيرة أصبحت بنتاً للكبيرة بالرّضاع، وهو قد دخل بالكبيرة فيبطل عقد الصّغيرة؛ لأنّها أصبحت ابنته بالرّضاع وابنة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 41.

زوجته. ويبطل عقد الكبيرة لأنّها أصبحت أمّاً لزوجته الصّغيرة. والعقد على البنات يحرّم الأمهات. ومنها: إذا تزوّج ذمّيّ مجوسيّة، صحّ النّكاح بينهما، وإذا أسلم أحدهما وأبى الآخر، فرّق القاضي بينهما؛ لأنّ المجوسيّة لا يجوز أن يتزوّجها مسلم ابتداءً فكذلك بقاءً. وأمّا إذا أسلمت الزّوجة وأبى الزّوج فيفرّق بينهما؛ لأنّه لا يجوز للمسلمة أن يتزوّجها كافر ابتداءً وكذلك بقاءً. ومنها: إذا طلّق الذّمّي امرأته ثلاثاً، ثمّ أقام عليها - أي لم يتركها - فرافعته إلى السّلطان فرّق بينهما؛ لأنّهم يعتقدون أنّ الطّلاق مزيل للملك - وإن كانوا لا يعتقدونه محصور العدد، فإمساكه إيّاها بعد التّطليقات الثّلاث ظلم منه. وهذا ونكاح المحارم سواء؛ لأنّ الثّلاث توجب حرمة المحلّ بخطاب الشّرع.

القاعدة السادسة والعشرون بعد الثلاثمئة [المحظور والكفارة]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد الثّلاثمئة [المحظور والكفّارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المحظور المحض لا يصلح سبباً لإيجاب الكفّارة (¬1). عند الحنفيّة. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحظور المحض: هو الحرام الخالص الذي لا تشوبه شائبة تأويل. فما كان كذلك لا يصلح سبباً موجباً للكفّارة؛ لأنّ الكفارة إنّما شرعت لمحو الذّنب غير المتعمّد، وهذا المحظور أكبر من أن تمحوه الكفّارة. وهذا مذهب الحنفيّة ورواية عند أحمد رحمه الله وهو مذهب مالك أيضاً. والذي يقول بالكفّارة هو الشّافعي رحمه الله ورواية أخرى عند أحمد رحمه الله (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القاتل عمداً عدواناً لا كفّارة عليه؛ لأنّ عمله محظور محض، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 93. (¬2) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 430.

والكفّارة شرعت نصّاً على من قتل خطأ. والقتل العمد من أكبر الكبائر، فلا تمحوه الكفّارة. ومنها: اليمين الغموس. وهي اليمين التي يحلفها الإنسان وهو كاذب بها عالم بكذبه فيها، وسمّيت غموساً؛ لأنّه تغمس صاحبها في الإثم أو في نار جهنّم نعوذ بالله منها. والصّحيح عند الحنابلة أنّها لا تنعقد ولا كفّارة فيها؛ لأنّها من الكبائر وهي أعظم من أن تكفّر. وفي رواية عند أحمد رحمه الله فيها الكفّارة مع الإثم وهو قول الشّافعي رحمه الله (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 565.

القاعدة السابعة والعشرون بعد الثلاثمئة [المالك المخاصم]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد الثّلاثمئة [المالك المخاصم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المخاصم في العين المالك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المخاصم: مفاعل من خاصم يخاصم، والمخاصمة: مفاعلة وهي المنازعة - ولا تكون إلا بين اثنين أو أكثر. والأصل فيها: أن يتعلق كلّ واحد بخصم الآخر أي جانبه (¬2). فمن له حقّ المخاصمة والمنازعة في العين إنّما هو مالك العين لا غيره، إلا إذا وكَّل وكيلاً عنه في ذلك، أو كان وليّاً أو ناظراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: دار ادعاها رجل، وهي بيد آخر. فمدَّعي الملكيّة هو المخاصم فيها، وعليه البيِّنة والمرافعة، ولكن يجوز أن يوكِّل في ذلك. ومنها: أودع عند شخص وديعة فسرقت. قالوا: إنّ المودَع لا يخاصم، وإنّما يخاصم صاحب الوديعة. ومنها: المرهون إذا تلف فإنّما يخاصم في دعوى الضّمان والتّعويض الرّاهن المالك للرّهن لا المرتهن. ومنها: المستعير لا يخاصم كذلك. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 164. (¬2) مفردات الراغب مادة "خصم".

القاعدة الثامنة والعشرون بعد الثلاثمئة [المختلف فيه]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد الثّلاثمئة [المختلف فيه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المختلف فيه بإمضاء الإِمام باجتهاده يصير كالمتّفق عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالإمام: الإِمام الأعظم الحاكم بشرع الله الفقيه في دين الله، أو مَن ولاّه الإِمام أمراً من الأمور، فإذا عُرِض عليه أمر اختلف العلماء فيه فرجّح الإِمام قولاً باجتهاده وحكم فيه فأمضاه، فيصير حكم ذلك كالمتّفق عليه، أي لا يجوز الخلاف فيه بعد ذلك، كما لا يجوز لمن يأتي بعده إلغاءه وإبطاله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّسوية في العطاء - رآها أبو بكر رضي الله عنه فأمضاها - ولمّا جاء عمر رضي الله عنه لم يبطل شيئاً ممّا أعطاه أبو بكر، وإنّما رأى أن يفاضل بين النّاس استئنافاً. ومنها: اختلف الصّحابة رضوان الله عليهم في الأراضي المغنومة المفتوحة بالقتال، هل تقسم بين الغانمين، أو تبقى وقفاً ¬

_ (¬1) شرح السير ص 800 وعنه قواعد الفقه ص 120، وينظر القاعدة رقم 270 من قواعد هذا الحرف.

للمسلمين؟ فرأى عمر رضوان الله عليه أن تبقى وقفاً للمسلمين فلا يجوز تغييرها بعد ذلك عن ذلك. ولم يغيّرها أحد بعد عمر رضي الله عنه. ومنها: اختلفوا في بيع الأراضي المغنومة ووضع الخراج عليها إذا ملكها مسلم، فأجاز عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بيعها وأن يبقى عليها خراجها ولو ملكها مسلم؛ لأنّ الخراج جزية الأرض. ومنها: لو أنّ الأمير بعد انهزام المشركين نظر إلى قتلى منهم عليهم أسلابهم، وهو لا يدري مَن قتلهم، فقال: مَن أخذ سلب قتيل فهو له، فأخذها قوم، فذلك لهم؛ لأنّ المسلمين لم يأخذوها مع الغنائم، فيكون هذا تنفيلاً بعد الإصابة. ولكن الإِمام أمضاه باجتهاده، فصار كالمتّفق عليه. حتى إذا مات أو عزل أو ولي غيره لم يستردّ من الآخذين شيئاً من ذلك.

القواعد التاسعة والعشرون والثلاثون والحادية والثلاثون بعد الثلاثمئة

القواعد التّاسعة والعشرون والثّلاثون والحادية والثّلاثون بعد الثّلاثمئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة المخصوص من القياس بالأثر لا يلحق به إلا ما يكون في معناه من كلّ وجه (¬1). وفي لفظ: المخصوص من القياس بالنّص لا يلحق به ما ليس في معناه من كلّ وجه (¬2). وفي لفظ: المخصوص من القياس بالنّصّ يلحق به ما يكون في معناه من كلّ وجه (¬3). وفي لفظ أعمّ: المخصوص من القياس بالنّصّ يقاس عليه غيره (¬4). عند ابن أبي ليلى. وفي لفظ مقابل: المخصوص من القياس بالنّصّ لا يقاس عليه غيره (¬5). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 125، جـ 26 ص 138. (¬2) المبسوط جـ 1 ص 78، 89، جـ 30 ص 13. (¬3) نفس المصدر جـ 26 ص 63. (¬4) نفس المصدر جـ 3 ص 55. (¬5) المبسوط جـ 3 ص 55، جـ 6 ص 64.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: المخصوص من القياس لا يقاس عليه غيره (¬1). عند الحنفيّة؛ لأنّ الأصل يعارضه. أصوليّة فقهيّة [المخصُوص من القياس والقياس عليه] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المخصوص من القياس: هو المستثنى بالنّصّ من القواعد العامّة، فما كان كذلك، فهل يجوز أن يقاس عليه غيره أو يلحق به غيره في حكمه؟ خلاف. عند جمهور الحنفيّة أنّه لا يقاس عليه ولا يلحق به إلا ما كان في معناه من كلّ وجه. وإلا لا يقاس عليه غيره. ولكن عند ابن أبي ليلى رحمه الله في آخرين أنّه يجوز أن يقاس عليه غيره. ولو لم يكن في معناه من كلّ وجه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: العرايا: جمع عرية وهي بيع التّمر بالرّطب على رؤوس النّخل، وهي مخصوصة ومستثناة من القاعدة العامّة في الرّبا وقد جوّزت العرايا للحاجة مع أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع صاع من الرّطب بصاع من التّمر؛ لوجود التّفاضل بعد يبس الرّطب. فهل يجوز أن يقاس على العرايا غيرها؟ أجاز بعضهم بيع ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 130، 131، القواعد والضّوابط ص 494 عن التحرير جـ 3 ص 487.

الزّبيب بالعنب؛ لأنّه كالتمر والرّطب من كلّ وجه. ومنع ذلك آخرون وقصروا ذلك على ما ورد فيه النّصّ. ومنها: نصّ الشّرع على أنّ الإخوة لأم إذا كانوا ذكوراً وإناثاً فهم شركاء في الثّلث. فإذا مات رجل وترك ابنة أخ لأمّ وابن أخت لأمّ فهل ينزلون منزلة أصولهم التي بها يدلون؟ أو يقتصر في النّصّ على مورده؟ في قول عند أبي يوسف رحمه الله يقتصر في النّصّ على مورده؛ لأنّه مخصوص من القياس بالنّصّ. وأولاد الأخوة لأمّ ليسوا في معنى الآباء؛ لأنّهم لا يرثون بالفرضيّة شيئاً. ومنها: أنّ المشتري للجارية المستحقّة يرجع على البائع بالثّمن، ولو استولدها يرجع على البائع بقيمة الولد، وهذا هو المخصوص من القياس باتّفاق الصّحابة. لكن إذا وطئ المشتري الجارية فيجب عليه مهرها لمستحقّها، ويقضى بها لمستحقّها أيضاً، والمشتري يعود على البائع بالثّمن، لكن لا يعود عليه بالمهر؛ لأنّ المهر إنّما لزمه عوضاً عمّا استوفى بالوطء فلا يرجع ببدله على غيره. ولا يقاس على ولد الجارية المستولدة. ولكن عند ابن أبي ليلى إنّ المشتري يرجع على البائع بالثّمن وبالمهر وقيمة الولد خلافاً للحنفيّة في المهر. ومنها: رجل تسحّر في شهر رمضان وقد طلع الفجر - وهو لا يعلم به - فعند الحنفيّة فسد صومه، وعند ابن أبي ليلى صحّ صومه قياساً على النّاسي. وعند الحنفية: إنّ المخطئ ليس كالنّاسي؛ لأنّ

المخطئ يمكنه الاحتراز على الغلط في الجملة بخلاف النّسيان. ولكن أرى - والله أعلم، أنّ الحق في هذه المسألة مع ابن أبي ليلى بناء على الأصل - وهو بقاء الليل، بخلاف المفطر في آخر النّهار بظنّ أنّ الشّمس قد غابت. ومنها: إذا تزوّج امرأة على مهر فاسد كالخمر والخنزير - فلها مهر المثل - ثمّ طلّقها قبل الدّخول، فعند الحنفيّة لها المتعة؛ لأنّ مهر المثل لا يتنصّف، ولا يقاس على المهر المسمّى؛ لأنّه ليس مثله من كلّ وجه، وتنصيف المهر المسمّى قبل الدّخول ثابت بالنّصّ مخصوصاً من القياس؛ لأنّ القياس أنّه لا تستحقّ شيئاً؛ لأنّها لم تسلم شيئاً، وعند الشّافعي رحمه الله لها نصف مهر المثل. ومنها: أنّ الإِمام الأوزاعي رحمه الله يرى جواز التوضّؤ بسائر الأنبذة بالقياس على نبيذ التّمر. أمّا عند الحنفيّة فلا يجوزون ذلك ويقصرون الجواز على نبيذ التّمر؛ لأنّه مخصوص من القياس بالأثر فلا يقاس عليه غيره.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد الثلاثمئة [المخير]

القاعدة الثّانية والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [المخيَّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المخيَّر بين الشّيئين إذا أدّى أحدهما تعيّن ذلك من الأصل واجباً (¬1). وفي لفظ: المخيّر بين الشّيئين إذا اختار أحدهما تعيَّن ذلك عليه (¬2) - أو باختياره (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بالمسألة الأصوليّة، وهي المسمّاة عند الأصوليّين (الواجب المخيّر فيه). فإذا وجب على إنسان فعل واحد من شيئين أو أكثر، ففعل أحد هذه الأشياء باختياره ورضاه كان ما فعله هو الواجب عليه عيناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الذي يريد التّكفير عن يمين حنث فيها فعليه أن يفعل أحد ثلاثة أشياء، وهو بالخيار يفعل أيّها شاء. فإذا أعتق عن يمينه كان عتقه هو الكفّارة في حقّه، وكذلك إذا أطعم أو كسا عشرة مساكين. فما يفعله ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 15. (¬2) نفس المصدر جـ 21 ص 77. (¬3) نفس المصدر جـ 25 ص 124.

يكون هو الواجب في حقّه، وتبرأ ذمّته بفعله. ومنها: رجل عنده مئتا قفيز حنطة للتّجارة، قيمتها مئتا درهم، فحال عليها الحول، ثمّ رجعت بعد ذلك قيمتها إلى مئة درهم. فإن أراد الزّكاة من العين تصدّق بربع عشرها خمسة أقفزة بالاتّفاق. أمّا إذا أراد الزّكاة عن القيمة فعند أبي حنيفة رحمه الله يؤدّي خمسة دراهم، معتبراً وقت وجوب الزّكاة وتعلّقها في ذمّته وهو حولان الحول. وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى: يؤدّي درهمين ونصفاً معتبرين وقت الأداء لا وقت الوجوب. ورأي أبي حنيفة رحمه الله هو الأرجح؛ لأنّ الواجب عند حولان الحول إمّا ربع عشر العين، وإمّا ربع عشر القيمة، يتعيّن ذلك باختياره. و (المخيَّر بين الشّيئين إذا أدّى أحدهما تعيّن ذلك عليه). ومنها: إذا غصب المأذون - عبداً كان أو ابناً - من رجل ألف درهم فقبضها منه رجل آخر فهلكت عنده، ثمّ حضر صاحبها، فاختار ضمان الأجنبي برئ العبد المأذون أو الابن منها؛ لأنّ المغصوب منه كان مخيّراً بين تضمين الغاصب الأوّل أو الثّاني، وكان الواجب هو ما اختاره.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد الثلاثمئة [التلوم]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [التَّلوّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مدّة التّلوُّم مفوّضة إلى رأي القاضي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّلوم: معناه الانتظار. أو تأجيل النّظر في القضيّة. يقال: تلوّم تلوّماً أي تمكَّث. والتّمكّث: التّمهّل. فالمدّة التي تحتاجها قضيّة ما للتأكّد من صدق المدّعِي أو حضور غائب أو لمصلحة يراها القاضي مفوّضة ومتروكة إلى رأي القاضي بحسب ما يراه مصلحة ومناسباً، وليس لها تقدير في الشّرع. وإنّ كان أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قدّراها بالحول، ولكن رأي أبي حنيفة هو المعمول به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل في يديه مال لرجل غائب. فمات الغائب، وجاء رجل وادّعى أنّه ابنه، وصدّقه ذو اليد. فإنِّ القاضي يتلوّم ولا يدفع المال إلى المدّعِي، سواء قال: للميّت وارث آخر أو لم يقل. فإن ظهر وارث آخر، وإلا دفع المال إليه. وهذا هو المعمول به في القضاء عند الشّكّ في عدد الورثة أو المستحقّين. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانيّة جـ 2 ص 404 وعنه الفرائد ص 73.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمئة [تكذيب الشاهد]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [تكذيب الشّاهد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المدّعِي متى أكذب شاهده في بعض ما شهد له به بطلت شهادته في الكلّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ الشّاهد إنّما يشهد ليثبت للمدّعِي الحقّ الذي يدّعيه، ويشترط في الشّهادة أن تطابق الدّعوى من كلّ الوجوه، فإذا شهد الشّهود بالدّعوى ثمّ إنّ المدعي أكذب شاهده أو شهوده في بعض ما شهدوا به له بطلت شهادة الشّاهد أو الشّهود في الكلّ؛ لأنّ الشّهادة إذا بطلت في البعض بطلت في الكلّ (¬2). وإذا بطلت شهادة الشّهود فإمّا أن يأتي المدّعِي بشهود غيرهم، أو توجّه اليمين على المدّعَى عليه. وينظر من قواعد حرف الشّين القاعدة رقم 60. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى شخص على آخر أنّ له عليه ألفاً، وجاء بشهوده ليشهدوا له بصدق دعواه، فشهد أحد شهوده بأنّ له ألفاً وخمسمئة بطلت ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 176. (¬2) الفرائد ص 92.

شهادته في الكلّ. أمّا لو شهد الشّاهد بخمسمئة فإنّ شهادته مقبولة؛ لأنّ الخمسمئة ضمن الألف. ومنها: رجل ادّعى على آخر نصف دار أو ألف درهم فأنكر المدَعَى عليه، فأتى المدّعِي بشاهدين شهدا له بكلّ الدّار، أو بألفي درهم، لا تقبل هذه الشّهادة, لأنّها زادت زيادة مقداريّة، وقد أكذب المدّعِي شاهده بدعواه الأقل (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 93.

القاعدة الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمئة [مدلول الإقرار]

القاعدة الخامسة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [مدلول الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المدلول عليه بالإقرار كالمنصوص عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المدلول عليه بالإقرار: أي ما كان تابعاً للمُقرِّ به، ومن ضروراته، ولا ينفصل عنه، فما كان تابعاً للمُقَرِّ به ومن ضروراته فيعتبر في الحكم كالمنصوص عليه بالإقرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أقرّ له بقفل، فيكون إقراراً أيضاً بمفتاحه، لأنّ القفل لا قيمة له بغير مفتاحه. ومنها: أقرّ لآخر بنخلة في بستانه. فللمُقَرِّ به النّخلة والأرضُ النّابتةُ فيها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 66.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمئة [المذكور بالمعنى]

القاعدة السّادسة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [المذكور بالمعنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المذكور بالمعنى كالمذكور صريحاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى والدّلالة من سابقتها. والمراد بالمعنى في القاعدة: الكناية، والدّلالة بالضّرورة واللزوم كما سبق. فما ذكر مدلولاً عليه أو مكنّى به فهو كالمذكور صريحاً في إفادة الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاءك ضيف وحين استقبلته بالباب قلت له: البيت بيتك. فهذه العبارة تفيد التّصريح بالدّخول وإن لم تصرّح بالدّخول. ومنها: إذا جاءك من يستشيرك في خاطب لابنته أو وليّته، وكنت تعرف عن الخاطب سوء المعاملة لمن تحت يده، فقلت للمستشير فلان طويل اليد، واللسان. أي أنّه يضرب نساءه ويؤذيهنّ ويشتمهنّ. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 494 عن التّحرير جـ 5 ص 1000.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد الثلاثمئة [فناء الدار]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [فناء الدّار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المرء أحقّ بالانتفاع بفناء داره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: فناء الدّار: السّاحة التي أمامها. فإذا كان لشخص دار أو دكان فله الانتفاع بالسّاحة التي أمامها، وهو أحقّ بها من غيره، وله أن يمنع غيره من الانتفاع بذلك الفناء وتلك السّاحة - ويقاس على ذلك أنّ ما كان أقرب إلى الأراضي العشرية فهو عشري، وما كان أقرب إلى الأراضي الخراجيّة فهو خراجي, لأنّ (للقرب عبرة). القاعدة رقم 11 من قواعد حرف اللام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل له دار أمامها ساحة - غير مملوكة - فهو أحق بها لمربط فرسه ودوابّه، أو إيقاف سيّارته، أو إخراج قمامة بيته، أو تكون ملعباً لأولاده، إذا لم تكن مملوكة لشخص بعينه أو جهة بعينها. ومنها: له دكان أو متجر أو شركة، وأمامها ساحة غير مملوكة فهو أحقّ بالانتفاع بها من غيره من أصحاب المحال الأخرى المجاورة، فله إيقاف سيّاراته بشرط أن لا يشغل بذلك طريق المسلمين، أو يسبب ضرراً للجيران أو السّائرين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 7.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد الثلاثمئة [الإقرار حجة قاصرة]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [الإقرار حجّة قاصرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المرء مؤاخذ بإقراره (¬1). وفي لفظ: المرء يعامل في حقّ نفسه كما أقرّ به، ولا يصدّق على إبطال حقّ الغير ولا بإلزام الغير حقاً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى هذه القاعدة سبق في أكثر من موضع، وينظر من قواعد حرف الهمزة قواعد الإقرار. فإقرار الإنسان على نفسه مقبول، وهو مأخوذ بما أقرّ به، ولا يقبل من المقرّ الرّجوع عمّا أقرّ به من حقوق العباد، ولكن إذا كان المُقَرُّ به حقّاً من حقوق الله عَزَّ وَجَلَّ فيجوز للمقرّ الرّجوع عن إقراره وعدم المؤاخذة به، وإقراره لا يلزم غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أقرّ على نفسه لفلان بألف. فهو مأخوذ بها إذا طالبه الدّائن. ومنها: أقرّ على نفسه بقتل فلان. وفلان وجد مقتولاً فعلاً، ولم يعرف له قاتل، فهو مأخوذ بإقراره. فإن كان قتله عمداً عدواناً، فلولي القتيل المطالبة بالقصاص، وإن كان قتله خطأ فالدّية على عاقلته. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 79، المجلة المادة 79، شرح القواعد للزرقا ص 333. (¬2) أصول الكرخي الأصل 11.

ومنها: إذا أقرّ بالزّنا أو شرب الخمر. ولكن لمّا أريد إقامة الحدّ عليه أنكر أو هرب، فلا يحدّ. إذ يعتبر ذلك رجوعاً عن إقراره. ولمّا كان ذلك من حقوق الله تعالى فهو غير مؤاخذ بما أقرّ به بعد رجوعه. بخلاف ما لو قامت عليه البيِّنة بذلك.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمئة [المرأة والزوج]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد الثّلاثمئة [المرأة والزّوج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المرأة تابعة لزوجها (¬1). أو للزّوج في المقام (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرأة باعتبارها أنثى ضعيفة، فهي تابعة غير متبوعة. فإن كانت بنتاً فهي تابعة لأبيها صغيرة أو كبيرة لم تتزوّج. والأخت إذا لم تتزوّج فهي تابعة لأخيها، والأم تابعة لأبنائها الكبار. وعلى ذلك فالزّوجة تابعة لزوجها، وهذا مدلول هاتين القاعدتين. والقاعدة في ذلك: أنّ من وجبت عليه نفقة المرأة ورعايتها فهو وليّها وهي تابعة له. فالمرأة المتزوّجة تابعة لزوجها لوجوب قوامتها عليه، فعليها أن تتبعه في أي مكان يقيم فيه؛ لأنّ نفقتها واجبة عليه، وهو مسؤول عنها أمام الله عَزَّ وَجَلَّ وأمام النّاس. ومفهوم ذلك أنّ الزّوج لا يكون تابعاً لزوجته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاء حربي وطلب أن يكون ذمّة لنا، وأعطيناه ذلك فإنّ زوجته تعتبر ذمّيّة كذلك، وكذلك أولاده الصّغار. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1702. (¬2) نفس المصدر ص 546.

ومنها: لو أنّ مسلماً في دار الحرب تزوّج منهم كتابيّة وأخرجها إلى دار الإِسلام فهي حرّة، ولا يمكنها الرّجوع بعد ذلك إلى دار الحرب لقيام النّكاح بينها وبين المسلم. وتعتبر ذمّيّة. ومنها: إذا مستأمنة في دار الإِسلام تزوّجت مسلماً صارت ذمّيّة. ومنها: لو أنّ ذمّيّاً دخل دار الحرب بأمان فتزوّج منهم امرأة أخرجها مع نفسه بعد ما استأمن المسلمين عليها، فهي حرّة ذمّيّة، ولا ترجع إلى دار الحرب.

القاعدة الأربعون بعد الثلاثمئة [المرارة والجرة]

القاعدة الأربعون بعد الثّلاثمئة [المرارة والجرَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مرارة كلّ شيء كبوله، وجرَّة البعير كسرقينه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبيّن حكم بعض ما يوجد في بعض الحيوانات من السّوائل، وذلك من حيث الطّهارة والنّجاسة. البول يختلف حكمه تبعاً للحيوان البائل. فإن كان الحيوان البائل حيواناً مأكول اللحم فإنّ بوله عند كثير من العلماء طاهر لطهارة لحمه. وهناك من يرى نجاسة كلّ بول سواء كان من حيوان مأكول اللحم أو غير مأكول، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله. والسّرقين: هو السرجين - وأصلها كلمة أعجمية سركين. أو هو الزّبل، أو ما يخرج من الحيوان وهو الرّوث والبعر. كالغائط للإنسان. وهذا مختلف أيضاً في طهارته ونجاسته. والمرارة: حويصلة لاصقة بالكبد تفرز مادة صفراوية شديدة المرارة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 167، وعنه الفرائد ص 15.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الجِرَّة: بالكسر لذي الخف والظّلف كالمعدة للإنسان. وقال الأزهري (¬1): الجرَّة ما تخرجه الإبل من كروشها فتجترّه، فالجرَّة في الأصل المعدة، ثمّ توسّعوا فيها حتى أطلقوها على ما في المعدة. المصباح مادة جررت. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المرارة من الحيوان حكمها حكم بول هذا الحيوان، فإن حُكِم بطهارة بوله، كانت مرارته طاهرة. وإن حُكِم بنجاسة بوله كانت مرارته نجسة. ومنها: جرَّة البعير، وهي إعادة الطّعام إلى فم الحيوان المجتر ومضغه ثانية فهذه أيضاً من حكم بطهارة روث البعير حكم بطهارتها. وحكم بنجاستها من حكم بنجاسة بعر البعير وسرقينه. ومنها: إذا أدخل في إُصبعه المجروح مرارة مأكول اللحم، يكره عند أبي حنيفة رحمه الله لأنّه لا يبيح التّداوي ببوله. وأباحه أبو يوسف رحمه الله، وعند محمَّد رحمه الله إنّ مرارة مأكول اللحم طاهرة لطهارة بوله عنده، وهو كذلك عند الحنابلة. ¬

_ (¬1) الأزهري: محمَّد بن أحمد بن منصور الهروي أحد الأئمة في اللغة والأدب مولده ووفاته بهراة في خراسان وهي اليوم إحدى بلاد الأفغان نسبته إلى جدّه الأزهر. له كتاب تهذيب اللغة توفي سنة 370 هـ. الأعلام جـ 5 ص 311.

القاعدة الحادية والأربعون بعد الثلاثمئة [الحق والحقيقة]

القاعدة الحادية والأربعون بعد الثّلاثمئة [الحقّ والحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مراعاة الحقيقة أولى من مراعاة الحقّ. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقّ: من معانيه: ضدّ الباطل. يقال: هذا حقّ، وهذا باطل. ويقال. حقّ الأمر إذا صحّ وثبت. والحقيقة: من معانيها: منتهى الشّيء وأصله المشتمل عليه. فمفاد القاعدة: أنّه عند التّعارض بين الحقيقة والحقّ فإنّ المحافظة على الحقيقة ومراعاتها أولى من الحفاظ على الحقّ ومراعاته؛ لأنّه لا نُثبت الحقّ يقيناً إلا إذا عرفنا أصل الشّيء وما يشتمل عليه وعرفنا نهايته ومنتهاه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اختلفا في عقد من العقود - كعقد بيع مثلاً - هل هو صحيح أو فاسد، فلا بدّ لكي نعرف الحكم فيه قطعاً أو ظنّاً غالباً أن نعرف أصل العقد وما اشتمل عليه من أركان وشروط، ثمّ بعد ذلك نحكم عليه بالصّحّة أو البطلان. ومنها: إذا ادّعى شخص على آخر أنّه قتل وليَّه، فقبل أن يبحث الحاكم أو القاضي فيما يجب على القاتل، عليه أن يبحث عن حقيقة

الدّعوى من حيث صدق المُخبر أو كذبه، ثم من حيث أسباب القتل ودوافعه من حيث كونه عمداً عدواناً أو خطأً، ومن حيث كون المقتول مستحقّاً للقتل أو غير مستحقّ له، وغير ذلك من التفصيلات ثمّ بعد أن يستيقن من حقيقة الأمر وتتّضح الصّورة كاملة عليه أن يبحث بعد ذلك عن الحقّ الواجب لهذه الحادثة. والله أعلم.

القاعدة الثانية والأربعون بعد الثلاثمئة [الحكمة والوصف]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد الثّلاثمئة [الحكمة والوصف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مراعاة الحكمة مع وجود الوصف، الأكثر اعتبارها (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مراعاة الحكمة: أي اعتبارها. الحكمة: المراد بها علّة العلّة. أي سرّ التّشريع والوصف الذي لأجله شُرِع الحكم كالمشقّة مع السّفر أو المرض. فإذا وجد الوصف المناسب لتشريع الحكم - وهو العلّة - فإن مراعاة الحكمة وملاحظتها فعند الأكثرين اعتبارها، وإن كان يجوز الاكتفاء بكون الوصف مظنّة وجود الحكمة. وإن لم توجد أو تُراعَ. وليس المراد باعتبار الحكمة جواز القياس عليها دون العلّة، فعند جمهور الأصوليّين أن الحكمة لا تصلح جامعاً بين الأصل والفرع لعدم انضباطها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السّفر مع عدم وجود المشقّة كسفر المترفين في الطّائرات وغيرها يبيح القصر ويبيح الفطر في رمضان، ومسحّ الخفّ ثلاثة أيّام. وإن لم ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 232 ب، وقواعد الحصني جـ 3 ص 241.

تتحقّق الحكمة، ولكن لمّا كان السّفر مظنّة المشقّة اعتبر في التّرخّص. ومنها: إثبات الشفعَة للشّريك لمظنّة الضّرر في المستقبل. ومنها: حرمان القاتل من الإرث إذا كان القتل عمداً عدواناً لمظنّة التّهمة، وقد يكون قتله ليس لاستعجاله الميراث. ومنها: العقل جعل مناط التّكاليف. فضبطه الشّارع بأن جعله منوطاً بالبلوغ.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد الثلاثمئة [الخلاف]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد الثّلاثمئة [الخلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مراعاة الخلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مراعاة الخلاف: أي ملاحظته وأخذه بعين الاعتبار للخروج عنه، من راعيت الأمر: نظرت في عاقبته (¬2). والخلاف: المراد به المسائل الخلافيّة بين الأئمة - وهي المسائل الاجتهاديّة. فالفقيه عليه أن يراعي ويلاحظ الخلاف بين الأئمة في المسألة المعروضة عليه ويأخذ بالأحوط لدينه. وذلك إذا كان دليل الخصم معتبراً. أمّا لو كان دليل الخصم غير معتبر لضعفه، فخلافه غير معتبر. ومراعاة الخلاف مسألة خلافيّة: اعتبرها قوم ولم يعتبرها آخرون. وقال المالكيّة في تعريفه: هو إعمال المجتهد لدليل خصمه - أي المجتهد المخالف له - في لازم مدلوله الذي أعمل في عكسه دليلاً آخر. وعند الحنفيّة: يندب الخروج من الخلاف. بشرط عدم لزوم ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 85 - 86. (¬2) المصباح مادة "رعت".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ارتكاب المكروه في المذهب الحنفي والمراد "المكروه تحريماً" (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نكاح الشّغار: حيث إنّ مالكاً رحمه الله أعمل دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشّغار في لازم مدلوله الذي هو ثبوت الإرث بين الزّوجين المتزوّجين بالشّغار، إذا مات أحدهما. وهذا المدلول هو عدم الفسخ، أعمل مالك رحمه الله في نقيضه وهو الفسخ دليلاً آخر. فمذهب مالك رحمه الله: وجوب فسخ نكاح الشّغار، وثبوت الإرث بين المتزوّجين به إذا مات أحدهما قبل الفسخ (¬2). ومنها: يندب الوضوء من مسّ المرأة عند الحنفيّة خروجاً من الخلاف. ¬

_ (¬1) رد المحتار جـ 1 ص 99. (¬2) وينظر شرح أصول الإمام مالك لمحمد يحيى بن محمَّد المختار بن عبد الله الشنقيطي، مخطوط.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد الثلاثمئة [مراعاة المعاني]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد الثّلاثمئة [مراعاة المعاني] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مراعاة المعاني في باب العبادات أبين من مراعاة الصّور (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاني: جمع معنى، والمراد به هنا الحكمة من مشروعيّة العبادة، فمراعاة وملاحظة الحكمة في باب العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحجّ أولى وأظهر من مراعاة وملاحظة الصّور الظّاهرة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّائم إذا تمضمض أو استنشق فبالغ في مضمته أو استنشاقه فدخل الماء حلقه، فعند الحنفيّة فسد صومه وعليه القضاء؛ للنّهي الوارد عن المبالغة في ذلك للصّائم، ولأنّ ركن الصّوم قد انعدم مع عذر الخطأ، وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصوّر. وركن الصّوم الابتعاد عن المفسد من أكل أو شرب أو جماع. والشّافعي رحمه الله لا يرى قضاء على الصّائم بسبب الخطأ. ومنها: عند الحنفيّة: إذا جامع رجل زوجته في نهار يوم من أيّام رمضان ثم حاضت المرأة ومرض الرّجل فلا كفّارة عليهما لوجود ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 67، 76.

الصّورة المبيحة للفطر مع اقترانها بالسّبب وهو الحيض والمرض، ولأنّه ظهر أنّ صوم هذا اليوم غير مستحقّ عليهما. وعند ابن أبي ليلى لا تسقط الكفّارة عنهما، وهو قول الشّافعي رحمه الله. ومنها: صلاة الخوف شرعت بصور مختلفة عن صلاة الأمن، فدلّ ذلك على أنّ الشّارع الحكيم إنّما ينظر إلى قلوب العباد وطاعتهم وإخلاصهم وخضوعهم له ولا ينظر إلى صور العبادة في ذاتها. ولكن مع ذلك فصور العبادة مطلوبة نصّاً.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الثلاثمئة [معرفة العيوب]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الثّلاثمئة [معرفة العيوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المرجع في معرفة العيوب إلى عرف التّجار، وفي كلّ شيء يرجع إلى أهل تلك الصّفة، فما يعدونه عيباً يردّ به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعيوب هنا: هي العيوب التي يستحقّ المبيع الردّ بسببها. فالسّلع والبضائع قد يُطَّلع فيها على عيوب توجب ردّها إلى البائعين، وذلك بعد استلام المشتري لها. وقد يكون البائع قد دلّسها على المشتري وأخفاها وقد لا يكون على علم بها. لكن كيف يُعرف العيب الذي يوجب الرّدّ من العيب الذي لا يوجبه؟ مفاد هذه القاعدة: أنّ معرفة هذه العيوب يرجع فيها إلى أهلها وخبرائها وأهل الذكر فيها، فما يعدّه أهلها عيباً يعتبر وتردّ به السّلعة، وما لا يعتبرونه عيباً لا تردّ به السّلعة، ولا يستحقّ المشتري أرش النّقصان عند عدم الرّدّ. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 494 عن التحرير جـ 3 ص 1128.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى حيواناً جملاً أو بقرة أو شاة أو حصاناً، ثم وجد به عيباً، فإنّما يسأل عن هذا العيب وهل يوجب الرّدّ أهل الخبرة في هذه الحيوانات كالأطباء البيطريين أو سوّاس الخيل ومربّيها أو أهل الإبل والبقر والشّياه. ومنها: إذا اشترى آلة كهربائية، ثم وجد فيها عيباً، فإنّما يرجع في معرفة هذا العيب ودرجته إلى أهل الصنعة من المهندسين الكهربائيين وأمثالهم. ومنها: إذا اشترى سيّارة ثم وجد فيها عيباً بعد استعمالها أو عند تجربتها بعد شرائها، فكذلك إنّما يرجع في تقدير العيب إلى أهل الصّنعة من الميكانيكيين وأشباههم.

القاعدة السادسة والأربعون بعد الثلاثمئة [المرسل والمسند]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد الثّلاثمئة [المرسل والمسند] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المرسل كالمسند في الاحتجاج (¬1). أصوليّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المرسل من الأحاديث: ما يرويه التّابعي ولم يذكر فيه الصّحابي إذ يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والمسند: ما اتّصل إسناده، ولم يسقط منه راويه من الصّحابة بأن يقول التّابعي: - مثلاً - قال أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلّى عليه وسلم. ومسألة الاستدلال بالمرسل مسألة خلافية بين الأئمة. وأمّا عند أبي حنيفة رحمه الله فإنّ المرسل يحتجّ به كالاحتجاج بالحديث المسند، إذ هو - أي المرسل - مقبول من الثّقات فمرسله كمسنده، لكن لا يقبل ممّن يعلم إرساله على الثّقات وغيرهم. وقالوا: أصحّ المراسيل: مراسيل سعيد بن المسيب. كما يقول يحيى بن معين رحمه الله (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه 121، وينظر كشف الأسرار شرح أصول البزدوي جـ 3 ص 7 فما بعدها. (¬2) معرفة علوم الحديث ص 26، المؤلف الحاكم أبي عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ النيسابوري، منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، تحقيق السيد معظم حسين، الطبعة الثانية 1397 - 1977. ويحيى بن معين بن عون =

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع قال: حدثني محمَّد بن رافع (¬1)، حدثنا حجين (¬2)، حدثنا الليث (¬3) عن عقيل (¬4) عن ابن شهاب (¬5) عن سعيد بن المسيب أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "نهى عن المزابنة" (¬6). ¬

_ = الغطفاني - مولاهم - أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل - من العاشرة مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين بالمدينة النبوية، وله بضع وسبعون سنة. التقريب جـ 2 ص 358. (¬1) محمَّد بن رافع القشيري النيسابوري ثقة عابد روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، من الحادية عشرة مات سنة 245 هـ، تقريب التهذيب جـ 2 ص 160. (¬2) حجين بن المثنى اليمامي، أبو عمير، سكن بغداد وولّي قضاء خراسان، ثقة من التّاسعة مات ببغداد سنة 185 هـ. وقيل بعد ذلك. (¬3) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، الإِمام المعروف توفي سنة 175 هـ. سبقت له ترجمة. (¬4) عُقَيل لعله عُقيل بن خالد بن عقيل الأيلي أبو خالد الأموي مولاهم ثقة ثبت سكن المدينة ثم الشام ثم مصر مات سنة 144، التقريب جـ 2 ص 29. (¬5) ابن شهاب الزهري، محمَّد بن مسلم الإمام سبقت له ترجمة. (¬6) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ، في كتاب البيوع.

القاعدة السابعة والأربعون بعد الثلاثمئة [المزاح - الهبة]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد الثّلاثمئة [المزاح - الهبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المزاح في الهبة جدّ إذا اتّصل القبض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تفيد نوعاً من المعاملة بين النّاس، وأنّه يستوي الهزل والجدّ فيها إذا استوفت شروطها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المزاح - الهزل في عقد الهبة كالجدّ في حكمه إذا اتّصل به قبض الموهوب له الهبة. فإذا قبض الموهوب له الهبة ولو كانت الهبة هزلاً فقد ملكها وله حقّ التّصرّف فيها، فإذا تصرّف فيها تصرّفاً يغيرها فلا حقّ للواهب الرّجوع فيها. ومنها: الهدية تأخذ حكم الهبة في ذلك. ومنها: عقد البيع ولو هازلين إذا اتّصل به قبض الثّمن وقبض المبيع انقلب جدّاً، بطريق الأولى. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 261 وعنه الفرائد ص 143.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد الثلاثمئة [مسائل الاجتهاد]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد الثّلاثمئة [مسائل الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مسائل الاجتهاد مظنونة، فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة فيها ردّ على المقلّدين المتعصّبين لمذاهب من قلّدوهم، إذ يعتقدون أنّ مذهب إمامهم هو الصّواب، ومذهب غيرهم هو الخطأ. ولكنّ الحقّ أنّ المسائل الفقهيّة الاجتهادية التي اختلفت فيها أنظار الفقهاء ليست مقطوعاً بصحّة ما ذهب إليه المجتهدون، ولا بخطأ ما ذهبوا إليه فيها؛ لأنّها مسائل مظنونة بنيت على الظّنّ، والظّنّ قد يخطئ وقد يصيب. وبناء على ذلك لا يجوز لأحد أن يقطع ويجزم ببطلان مذهب مخالفه في مسألة ما، ولا يقطع بصحّة مذهب مقلِّده، بل هو يقلّد بناء على غلبة ظنّه أنّ هذا صواب، ولكن قد يحتمل الخطأ، والمجتهد مأجور على كلّ حال. ولا يقطع ببطلان اجتهاد مجتهد إلا عند مخالفة اجتهاده للنّصوص المقطوعة أو القواعد الشّرعيّة العامّة أو الإجماع، أو ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 310.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

اتّبع طريق اجتهاد غير صحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اختلفوا في نيّة التّيمّم - مع اتّفاقهم على وجوبها - هل يجب تعيين الفرض الذي سيصليه بالتّيمّم، أو لا يشترط ذلك بل تكفي نيّة التّيمّم المطلقة لاستباحة العبادة. أو ما يستباح بالطّهارة؟ خلاف بين الأئمة. فلا يجوز القطع بصحّة مذهب ولا ببطلان المذهب الآخر. ولكن مَن قلّد إماماً فعليه اتّباعه، إلا إذا كان قادراً على النّظر والتّرجيح ونظر في دليل الخصم فرجّحه فعليه العمل به. ومنها: صلاة الجنازة اختلفوا هل تقرأ فيها الفاتحة أو لا تقرأ. ومنها: ثبوت الشّفعة للجار الملاصق، اختلف فيها كذلك.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد الثلاثمئة [المساجد]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد الثّلاثمئة [المساجد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المساجد لله بمنزلة الكعبة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المساجد أماكن الصّلوات في الإسلام، فهي بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فهي في الحرمة ووجوب الاحترام والعناية والتّطهير والدّفاع عنها بمنزلة الكعبة المشرّفة. ولذلك كانت المساجد محرزة عن حقوق العباد وخالصة لله تعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز أن يدخل الجنب المسجد كما لا يجو ز له أن يدخل الكعبة. ومنها: لا يجوز أن يطأ الرّجل في المسجد زوجته. ومنها: كما لا يجوز أن يقضي فيها حاجته من بول أو غائط. ومنها: الكنائس والبيع وبيوت النّيران لا حرمة لها، فإذا دخل المسلمون أرض الحرب بغير أمان فلا بأس بتخريب هذه الكنائس والبيع ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1817 وعنه قواعد الفقه ص 121.

وبيوت النّيران وتحريقها وقضاء الحاجة فيها، وكذلك وطء الجواري فيها؛ لأنّها بمنزلة غيرها من مساكنهم، بل هي أهون على المسلمين من المساكن لكثرة ما يعصى الله تعالى فيها. وهذا بخلاف المساجد فلا يجوز فيها شيء من ذلك.

القاعدة الخمسون بعد الثلاثمئة [المساواة]

القاعدة الخمسون بعد الثّلاثمئة [المساواة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المساواة أصل في الشّرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المساواة بين النّاس فيما لهم وعليهم أصل من أصول الشّرع عظيم، فلا فضل في الإِسلام لغني على فقير، ولا لعظيم على حقير، ولا لأمير على مأمور، ولا لرجل على امرأة إلا بما فضّل الله سبحانه وتعالى، ولكن فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات هم متساوون أمام شرع الله. والتّفاضل فيما بينهم إنّما يكون بتقوى الله وطاعته، والورع والبعد عن محارم الله، وفعل ما أمر الله به، ورسوله صلّى الله عليه وسلم. ودليل هذه القاعدة من الكتاب قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬2) والأخوة تقتضي المساواة. ومن الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم" (¬3) الحديث. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 104. (¬2) الآية 10 من سورة الحجرات. (¬3) الحديث عن علي رضي الله عنه رواه أحمد والنسائي وأبو داود.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: توفي رجل وترك ورثة ذكوراً وإناثاً، فقسمة الميراث بينهم على ما قسم الله سبحانه وتعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، ولا يجوز تفضيل ذكر أو أنثى على آخر مثله وفي رتبته بحجّة أنّه أكبر منه، أو كان بارّاً بمورثه أكثر منه، أو غير ذلك من الأسباب، فالبارّ والعاقّ في الميراث سواء، وثواب البرّ وعقوبة العقوق عند الله سبحانه. والصّغير والكبير في ذلك سواء، والعاقل والمجنون في ذلك سواء. ومنها: الزّاني يقام عليه حدّ الشّرع إذا استوفى شروطه، وسواء في ذلك إذا كان الزّاني غنياً أو فقيراً عظيماً أو حقيراً. ومنها: السّارق تقطع يده إذا استوفي الشّروط سواء كان شريفاً أو وضيعاً ذكراً أم أنثى. ومنها: القاتل المتعمّد المتعدّي يقتصّ منه سواء أكان المقتول غنيّاً أم فقيراً عظيماً أم حقيراً، وسواء أكان القاتل ملكاً أم أميراً والمقتول صعلوكاً أم خفيراً.

القاعدتان الحادية والخمسون والثانية والخمسون بعد الثلاثمئة [المساواة - الإضافة]

القاعدتان الحادية والخمسون والثّانية والخمسون بعد الثّلاثمئة [المساواة - الإضافة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المساواة في الإضافة تقتضي التّوزع على سبيل التّساوي (¬1). وفي لفظ: مطلق الإضافة يقتضي المناصفة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الإضافة: هي الإسناد، من أضافه إذا أسنده. والمراد بالإضافة هنا أعمّ ممّا يراد عند النّحاة، إذ تشمل هنا إلى جانب المعنى النّحوي للإضافة العطف؛ لأنّ المعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة المضاف مع المضاف إليه، وتشتمل غير ذلك ممّا يفيد وقوع المشاركة بين الأشخاص أو بين الأشياء. فإذا تساوى شيئان تسوية مطلقة فذلك يقتضى المناصفة عند القسمة، أو الاستحقاق. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: أقرّ شخص أنّ المال الذي في يده مضاربة لفلان وفلان، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 100. (¬2) نفس المصدر ص 121.

وصدَّقاه. فهو بينهما نصفان. فالإضافة هنا عبارة عن العطف بالواو. ومنها: قال: له على مئتا مثقال ذهباً وفضة، فعليه من كلٍّ مئة مثقال. والإضافة هنا شاملة للإضافة النّحويّة والعطف بالواو. ومنها: إذا قال: له عليَّ طن من حنطة وشعير وسمسم , فعليه من كلّ جنس الثّلث. ومنها: إذا أوصى لقرابته من الأب والأم. فلكلٍّ نصفٌ.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد الثلاثمئة [المساواة - الاستحقاق]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد الثّلاثمئة [المساواة - الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للاستحقاق أسباب توجبه، فإذا تساوى شخصان أو أشخاص في سبب موجب للاستحقاق فيقتضي ذلك ويوجب المساواة بينهما أو بينهم في ذات المستحّقّ، حيث لا تفاضل بين المستحقّين بالسّبب الواحد؛ لأنّه يكون ترجيحاً بينهم بدون مرجّح وذلك لا يجوز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوارثون من مورث واحد - ذكوراً كانوا أو إناثاً - يستحقّون أنصبتهم من الميراث بالتّساوي للذّكر مثل حظّ الأنثيين، فلا يفضل كبير على صغير، ولا بارّ على عاقّ ولا تقي على فاسق؛ لأنّ سبب الاستحقاق واحد، وهو صلتهم بالمورث. ومنها: إذا كان لرجل أربع نسوة، فعند موته كلّ واحدة منهنّ تستحقّ رُبُع الثّمن، إن كان له ولد، أو ربع الرّبع إن لم يكن له ولد. ولا تفاضل بين قديمة وجديدة، أو بين جميلة وقبيحة منهنّ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 35، 40، جـ 26 ص 140.

ومنها: إذا تنازع اثنان داراً أو أرضاً أو دابّة وكلّ واحد منهما يدّعي أنّها في يده وأقام كلّ منهما البيّنة أنّها في يده، فإنّ القاضي يجعل لكلّ يد نصفها؛ لتعارض البيّنتين وتساويهما، فيقضي لكلّ واحد منهما بالنّصف منها - أي بالمشاركة فيها. ومنها: دار في يد رجل ادّعاها آخر أنّها له أجرها من ذي اليد، وادّعى آخر أنّها له أودعها إيّاه. وأقام كلّ واحد منهما البيّنة، قضى بينهما بالمناصفة؛ لأنّ كلّ واحد منهما أثبت ببيّنته أنّ وصولها إلى ذي اليد من جهته، فتتحقّق المساواة بينهما في سبب الاستحقاق.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمئة [المسبب وتضمينه]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد الثّلاثمئة [المسبّب وتضمينه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسبِّب إذا لم يكن متعدّياً يكون ضامناً (¬1). وفي لفظ: المسبِّب إذا لم يكن متعدّياً في التّسبّب لا يكون ضامناً (¬2). وفي لفظ سبق قريباً: المتسبّب - ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال. والمسبب: هو صاحب السّبب، وهو غير المباشر للفعل، وقد سبق بيان أنّ المسبّب لا يضمن ما يهلك أو يتلف أو يتضرّر بسببه إلا إذا كانت متعدّياً، لكن إذا كان غير متعدّ فهو لا يضمن عند جمهور الحنفيّة خلافاً لمحمد بن الحسن الذي يرى تضمينه على كلّ حال. إذا لم يعترض مباشر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حفر بئراً في الصّحراء - في غير طريق السّائرين - فلا ضمان عليه فيما يقع فيها من إنسان أو دابّة؛ لأنّه غير متعدّ بالحفر، بل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 22. (¬2) نفس المصدر جـ 30 ص 308.

له البئر وحريمها. لكن إذا حفر في الطّريق العام فهو ضامن لما يقع فيها؛ لأنّ الحقّ في ذلك الموضع للعامّة. لكن إذا كان الحفر بإذن من الجهة المسؤولة، وعمل الاحتياطات المطلوبة فهو غير ضامن لما يقع فيها. عند غير محمَّد بن الحسن رحمه الله.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد الثلاثمئة [معاملة المستأمن]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد الثّلاثمئة [معاملة المستأمن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستأمن لا يطالب بموجب المعاملة الموجودة منه في دار الحرب، وهو مطالب بموجب المعاملة الموجودة منه في دار الإِسلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المستأمن: إنسان حربي، أي قدم من دار الحرب - أي دار وبلاد الكفرة المحاربين للإسلام وأهله، وطلب الأمان نفسه لكي يدخل دار الإسلام لغرض كالتّجارة أو الزّيارة، أو غير ذلك من الأسباب، فهذا الشّخص لا يعامل فيما وقع منه من مخالفات أو إساءات في دار الحرب؛ لأنّه في تلك الحال غير خاضع لحكم الإسلام، لكنه مطالب بموجب المعاملة الموجودة منه في دار الإسلام، فإذا فعل ما يوجب العقوبة، أو يوجب حكماً شرعيّاً يعاقب ويعامل بحسب جرمه وتصرّفه كما يعاقب الذّمّي ويعامل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل زوجان حربيان دار الإسلام، بأمان، أو دخل أحدهما قبل صاحبه، ثم أساءت المرأة، فللزّوج أن يرجع إلى دار الحرب دونها. فإن تزوّجها في دار الإسلام فلها أن تمنعه من الرّجوع حتى ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1865.

يوفيها مهرها. وإن كان تزوّجها في دار الحرب فليس لها ذلك؛ لأنّ وجوب الصّداق بعقد النّكاح، فإذا كان أصل العقد في دار الحرب فليس لها أن تطالبه بموجبه في دار الإِسلام. ومنها: إذا أسلم الزّوج وهي كتابيّة، ثم أنكرت أصل النّكاح بينهما، فأقام الزّوج البيّنة - من المسلمين أو من أهل الذّمّة - على أصل النّكاح، أو على إقرارها به في دار الحرب لم يلتفت القاضي إلى هذه البيّنة, لأنّها مستأمنة في الظّاهر، وهي منكرة للنّكاح والقول قول المنكر، وباعتبار النّكاح تكون ذمّيّة، فهذه بيّنة تقوم على مستأمنة لمعاملة كانت بها في دار الحرب، والقاضي لا يقبل البيّنة في ذلك عليها. أما إذا أقام الزّوج عليها البيِّنة أنّها أقرَّت بالنّكاح في دار الإِسلام، قبل القاضي بيِّنته، ومنعها من الرّجوع إلى دار الحرب، بمنزلة ما لو أقرَّت به بين يدي القاضي. ومنها: إذا قتل حربي آخر في دار الحرب ثمّ دخل دار الإسلام مستأمناً، ثم جاء ولي المقتول، ورفع الأمر إلى القضاء طالباً القصاص من القاتل، فإنّ القاضي لا ينظر في هذه القضية لأنّها معاملة صدرت في دار الحرب حيث لا يخضع القاتل لحكم الإسلام. لكن إذا دخل حربيان دار الإِسلام مستأمنين وقتل أحدهما صاحبهُ، ثم جاء ولي المقتول مستأمناً وطلب القصاص من القاتل، فإنّ القاضي يجيبه ويقضي بالقصاص على القاتل إذا قامت بيِّنة على القتل العمد.

القاعدة السادسة والخمسون بعد الثلاثمئة [المستثنى بالشرط]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد الثّلاثمئة [المستثنى بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستثنى شرطاً كالمستثنى شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الاستثناء والمستثنى. فما استثناه المتعاقدان بالشّرط بينهما فهو في الحكم كما لو استثناه الشّرع فيجب اعتباره، والعمل بمقتضى ذلك الاستثناء. لأنّ شرط أحدهما الاستثناء كان لمصلحة رآها، وموافقة العاقد الآخر على هذا الشّرط تقييد رضى به، ولذلك وجب العمل بما اتّفقا عليه ولا يجوز نقضه إلا من صاحب الشّرط إذا تنازل عنه. ومن نوى عبادة من العبادات، واستثنى ما رآه مصلحة له ممّا أباحه الشّرع فهو جائز - كما لو كان الاستثناء من الشّرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سيّارة واشترط أن يجرّبها مدّة محدّدة، ورضي البائع، فهو جائز وهو كشرط الخيار له. ومنها: إذا أقرّ أنّ له عليه ألفاً إلا مئتين. كان المطلوب منه ثمانمئة، فكأنّه أقرّ بثمانمئة. قد يقال: لِمَ لَمْ يقرّ بالثمانمئة مرّة واحدة؟ ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 166.

بدون استثناء. يجاب: بأنّه ربّما كان له عليه ألف وأدَّى مئتين، وعند الإقرار نسى ما أدّى فلمّا أقرّ بالألف تذكّر أنّه أدّى مئتين فاستثناها. ومنها: في العبادات: إذا نذر اعتكافاً شهراً أو عشرة أيّام متتابعات، وشرط لنفسه الخروج لعارض أو طارئ من زيارة مريض أو تشييع جنازة أو قضاء حاجة جاز ذلك، وله ما شرط، ولا شيء عليه. ومنها: الاشتراط في الحجّ أو العمرة إذ يقول مريد الإحرام عند إحرامه (ومحلّي حيث حبستني) صحّ ذلك وجاز وله ما شرط، فإن أصابه مرض أو حبسه حابس عن النّسك تحلّل ولا شيء عليه.

القاعدة السابعة والخمسون بعد الثلاثمئة [المستحق شرعا]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد الثّلاثمئة [المستحقّ شرعاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستحقّ شرعاً يكون أقوى من تنصيص المتعاقدين عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يستحقّه المكلّفون من تصرفاتهم وتعاقداتهم هو ما أراده الشّرع من تشريع تلك التّصرّفات أو التّعاقدات، وكلّ تصرّف أو عقد صحيح يترتّب عليه استحقاق مشروع، وهذا الاستحقاق المشروع تكمن قوّته في شرعيّته، بحيث لو نصّ المتعاقدان عليه لا يزداد قوّة، بل إنّ تنصيصهم عليه وعدم تنصيصهم سواء؛ لأنّ الاستحقاق الثّابت بالشّرع أقوى من تنصيصهم عليه، ولقوّة الاستحقاق الشّرعي لو نفاه المتعاقدان أو أحدهما بطل العقد أو التّصرّف؛ لأنّ الاستحقاق المترتّب على العقد أو التّصرّف لا قوام للعقد أو التّصرّف إلا به شرعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى قلب فضّة - أي حلية من الفضّة على شكل القلب - بعشرة دراهم أنّ فيه - أي وزنه - عشرة، فإذا فيه عشرون درهماً، فيجب على المشتري أن يأخذه بعشرين درهماً - أو يتركه - إن لم يكن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 88.

تفرّقا عن المجلس؛ لأنّه اشترى درهماً بدرهم - أي بمثل وزنها في البيع، وذلك حكم ثابت بالشّرع في الربويات، سواء صرّحا بذلك أم لم يصرّحا. ومنها: عقد النّكاح المستحقّ به شرعاً حلَ الاستمتاع بين الزّوجين، وترتّب حقوق الزّوجيّة، فما يستحقّ بهذا العقد سواء نصّ المتعاقدان عليه أو لم ينصّا، فهو مستحقّ بالشّرع، وهو أقوى من تنصيصهما عليه، ولقوّته لو اشترط أحدهما نفيه بطل العقد من أصله.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد الثلاثمئة [المستحق على الزوجة]

القاعدة الثّامنة والخمسون بعد الثّلاثمئة [المستحقّ على الزّوجة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستحَقّ على الزّوجة لا يسقط بالمعصية، والواجب لها يسقط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: علي الزّوجة لزوجها حقوق، ولها عليه واجبات. ففي الأحوال العاديّة والحياة السّويّة على الزّوج أن يؤدّي للزّوجة حقوقها بحسب قدرته واستطاعته، وعلى الزّوجة مقابل ذلك أنّ تقوم بواجباتها لزوجها بحسب قدرتها واستطاعتها. لكن عند عصيان الزّوجة، ووقوعها في المعصية أو نشوزها فإنّ ما عليها من حقوق لزوجها لا تسقط عنها بل يجب عليها أداؤها، ولكن ما يجب لها على الزّوج يسقط؛ لأنّ العصيان كان من قِبَلها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عصت المرأة بأن ارتدّت - والعياذ بالله تعالى - أو طاوعت ابن الزّوج على الجماع، وما أشبه ذلك، فلا نفقة لها على الزّوج. أمّا السّكنى فواجبه لها؛ لأنّ القرار في البيت مستحقّ عليها مدّة العدّة، فلا يسقط ذلك بمعصيتها. وأمّا النّفقة فواجبة لها فتسقط بمجيء الفرقة من قِبَلها بالمعصية. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 204.

القاعدة السابعة والخمسون بعد الثلاثمئة [صفة السلامة، الجودة]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد الثّلاثمئة [صفة السّلامة، الجودة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستحَقّ في العقد صفة السّلامة في العوض، أمّا صفة الجودة فلا تستحق بمطلق العقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: صفة السّلامة، وصفة الجودة صفتان يتّصف بهما العوض والمعوض في العقود، ولكن إحداهما أعمّ من الأخرى، وإحداهما تثبت بمطلق العقد سواء اشترطاها أم لم يشترطاها. والأخرى لا تثبت إلا بالشّرط. فعند إطلاق العقد أي إتمامه صحيحاً بغير شروط، فالمستحقّ للعاقدين صفة السّلامة في العوضين. فإذا وجد العِوضان سليمين صحّ العقد، وإلا ردّ المعيب بخيار العيب. ولكن صفة الجودة لا تستحقّ في أحد العوضين أو كليهما بمطلق العقد بل لا تستحقّ إلا بالشّرط والتّنصيص عليها، وينظر من قواعد حرف الباء القاعدة 48. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى سيّارة بعقد مطلق، فإذا بها سليمة من العيوب التي يمكن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 151.

أن تردّ بها السّيّارة. ولكن إذا أراد المشتري أن يردّ السّيّارة بحجّة أنّها ليست جيدة - لرداءة نوعها - مثلاً - فليس له ذلك؛ لأنّه لم يشترط ذلك في العقد، وصفة الجودة لا تلزم إلا بالاشتراط. ومنها: إذا دفع ربّ الأرض إلى رجل أرضه وبذراً على أن يزرعها فما خرج منها فهو بينهما نصفان، ولم يشترط عليه سقيا ولا حفظاً. فإن كان الزّرع لا يحتاج إلى سقي ولكنّه لو سقي لكان أجود له، فالعقد جائز على شرطهما.

القاعدة الستون بعد الثلاثمئة [المستقذر]

القاعدة السّتّون بعد الثّلاثمئة [المستقذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستقذر شرعاً كالمستقذر حسّاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس لنا مثل السّوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" رواه الجماعة. وحديث: "إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمَّد إنّما هي أوساخ النَّاس" الحديث رواه مسلم عن المطلب بن ربيعة بن الحارث. ومفادها: أنّ ما استقذره الشّارع من الأفعال هو في حكم الابتعاد عنه واجتنابه كالمستقذر في الحسّ والمشاهدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الماء المطّهر المستعمل في إزالة الحدث لا يُطهر؛ لأنّه طهر الذّنوب المستقذرة شرعاً. ومنها: الصّدقة لا تحلّ ولا تنبغي لآل محمَّد صلّى الله عليه وسلّم لأنّها أوساخ النّاس. ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم "لا يبسط ذراعيه انبساط الكلب" عن أنس رضي الله عنه متّفق عليه. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 118 عن قواعد المقري ص 229 القاعدة الثامنة.

القاعدة الحادية والستون بعد الثلاثمئة [المستقرض]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المستقرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستقرَض مضمون بالمثل إن كان من ذوات الأمثال، وبالقيمة إن لم يكن من ذوات الأمثال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المستقرض: المال المستقرض. وهو مستفعل، والمراد به المال الذي أصبح قرضاً، أي ديناً على آخذه، والقرض: ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه (¬2). وما يقرض نوعان: إمّا مال مثلي أي يضمن بمثله كالقمح والشّعير والأثمان. وإمّا مال قيمي: أي يضمن بقيمته كالطّعام واللحم والفواكه وما أشبه ذلك. والمال المثلي إذا اقترض ثم عند حلول الأجل لم يوجد يقوّم ويؤدّى قيمته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اقترض أو استقرض شخص من آخر ألف دينار. فيجب عليه أداء ألف دينار مثلها. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 494، عن التحرير جـ 3 ص 483. (¬2) المصباح مادة (قرض).

ومنها: إذا استقرض شخص من آخر عشرة آلاف ريال سعوديّة فعليه أداء عشرة آلاف ريال سعوديّة عند حلول الأجل. ومنها: اقترض طن قمح من نوع مخصوص، فعليه أداء طن من نوع مثله. ومنها: اقترض شخص من آخر طعاماً فأكله، فعليه قيمته. ومنها: اقترض شخص نصف خروف، فعليه قيمة النّصف لا مثله.

القاعدة الثانية والستون بعد الثلاثمئة [مستند الشاهد]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد الثّلاثمئة [مستند الشّاهد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مستند الشّاهد إن كان إخفاؤه يورث ريبة تعيَّن ذكره، فلا تقبل الشّهادة إلا بذكره. وإن كان ذكره يورّث ريبة تعيَّن إخفاؤه، فَتُردُّ الشّهادة عند ذكره. وإن لم يتعلّق ريبة لا بذكره ولا بإخفائه لم يضرّ واحد منهما. وإن تردّد النّظر في أنّه هل يورث ريبة؟ اختلف فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بمستند الشّاهد: هو ما اعتمد عليه في شهادته بما يثبت للمشهود له حقّاً أو حكماً. فإن كان مستند الشّاهد إذا أخفاه ولم يذكره يورث ويسبب ريبة أو شكّاً عند القاضي، أو عند المشهود له، ففي هذه الحالة يجب ويتعيّن ذكر المستند. وبالمقابل إذا كان ذكر المستند يورث ريبة أو شكّاً فيجب ويتعيّن إخفاؤه، وأمّا إن لم يتعلّق بذكره ولا بإخفائه ريبة لا يضرّ واحد منها - أي ذكره أو إخفاؤه - وإن تردّد النّظر بين إيراث الرّيبة أو عدمها في ذكره أو إخفائه، فهذا ما وقع الخِلاف في ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 312، المجموع المذهب لوحة 309 ب. أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 425 - 426، قواعد الحصني جـ 4 ص 70.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

مسائله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الجرح لا يقبل إلا مُفسَّراً؛ لاختلاف المجتهدين في أسبابه، فما يراه بعضهم جرحاً لا يراه آخرون كذلك. ومنها: إذا أخبره ثقة بنجاسة الماء، أو شهد به شاهدان لم يقبل ما لم يتبيّن السّبب. ومنه: لو شهدا أنّ بينهما رضاعاً محرّماً، فكذلك. ومنها: الشّهادة بالاستفاضة فيما يجوز فيه ذلك كالنّسب، لو صرّح الشّاهد بمستنده، فالجاري على ألسنة المشايخ أنّها لا تقبل (¬1). ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 309 ب، وقواعد الحصني جـ 4 ص 70.

القاعدة الثالثة والستون بعد الثلاثمئة [المستند]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المستند] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستند إلى الشّيء الغالب فيه أنّه لا يضرّ التّصريح به، وقد يضرّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من سابقتها، فإنّ الشّيء إذا استند إلى أمر آخر كدليل عليه، فإنّ الغالب - عند العلائي رحمه الله - أو عند جمهور الشّافعيّة أنّه لا يضرّ التّصريح به، ولكنّه في بعض المسائل قد يضرّ. فإذا كان يغلب ضرره بالتّصريح به وجب عدم التّصريح به كما مرّ آنفاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ممّا يضرّ التّصريح به ويضعف شهادة الشّاهد ويكون سبباً في عدم سماعها إذا شهد شاهد على أمر كالجرح والتّعديل، أو الملكيّة أو الفسق، ثمّ صرّح بأنّ مستنده في ذلك هو الاستفاضة - أي انتشار هذه الصّفة بين النّاس، فإنّ هذه الشّهادة تردّ ولا يقبل قول الشّاهد؛ لأنّ الاستفاضة دليل ضعيف. ومنها: إذا شهد شاهد بأنّ لهذا الجار الحقّ في إجراء الماء على سطح جاره أو في أرضه، إذا رآه مدّة طويلة بدون مانع فهذه شهادة مقبولة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 312، المجموع المذهّب لوحة 309 ب.

القاعدة الرابعة والستون بعد الثلاثمئة [المستهلك]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المستهلك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المستهلك في الشّيء يصير وجوده كعدمه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المستهلك: أي القليل الضّائع ضمن الكثير، ويتعذّر فصله وتمييزه. فإذا اختلط قليل مع كثير من جنسه أو من غير جنسه ولم يظهر أثر هذا القليل، فإنّه يعتبر مستهلكاً في الكثير ويكون وجوده فيه كعدمه في الحكم. أي لا يعتدّ ولا يعتبر ذلك القليل المستهلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقعت نجاسة في ماء كثير، ولم يظهر أثرها لا بالرّائحة ولا باللون ولا بالطّعم، فإنّ الماء يعتبر طاهراً مطهّراً، ولا اعتبار لما وقع فيه من النّجاسة لأنّها مستهلكة فيه. ومنها: إذا اختلطت محرمة برضاع أو نسب بنسوة غير محصورات، فإنّ من أراد أن يتزوّج إحداهن فله ذلك, لأنّ تلك الواحدة تعتبر كمستهلكة وضائعة ضمن العدد الكبير، ويستبعد أن ينكحها من دونهن، حتى لو نكحها مع عدم العلم بها فلا إثم عليه؛ لأنّه لو منعناه من الزّواج من أولئك النّسوة غير المحصورات لوقع في الحرج الشّديد ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 119 عن كشاف القناع للبهوتي جـ 6 ص 265.

ولَسُدَّ عليه باب النّكاح. ومنها: اختلط زيت طاهر كثير بزيت نجس قليل، ولم يظهر أثر النّجاسة، فالزّيت طاهر كلّه؛ لأنّ النّجس القليل مستهلك ضمن الكثير فلا حكم له.

القاعدة الخامسة والستون بعد الثلاثمئة [المسقط]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المُسْقَط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المُسْقَط يكون متلاشياً (¬1). وفي لفظ: المسقط متلاش، أو يتلاشى (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المُسقَط: اسم مفعول من أُسقط، والمراد به: الحقّ أو الحكم. والمتلاشي: الزّائل والمعدوم. من تلاشى يتلاشى: إذا زال ولم يبق له أثر. فمفاد القاعدة: أنّ الحقّ أو الحكم إذا أسقطه صاحبه، وأبرأ عنه خصمه فإنّ هذا الحقّ أو الحكم يعتبر زائلاً ومعدوماً، ولا حق له في المطالبة به بعد ذلك، وينظر من قواعد حرف السّين القاعدة رقم 3. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان له دين على شخص ثم أبرأه منه. فقد برئت ذمّة المدين، وليس للدّائن بعد ذلك أن يطالبه بالدّين قطعاً. ومنها: إذا كان له حقّ على شخص كحقّ القذف أو السّبّ أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 152، جـ 28 ص 10، 29 ص 55، جـ 30 ص 133، 134. (¬2) نفس المصدر جـ 28 ص 135.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

غير ذلك فعفا عنه، وأسقط حقّه، فإنّ الحقّ يسقط، وليس له بعد ذلك أنَ يطالبه بنفس الحقّ المُسقط من جديد لأنّه قد زال وانعدم وتلاشى، والزّائل لا يتصوّر عوده. ومنها: إذا أعتق السّيّد عبده أو أمته، فيعتبر ذلك إسقاطاً للرّقّ والعبودية، ولا يمكنه الرّجوع بعد ذلك. ومنها: حقّ الشّفعة يسقط بالإسقاط أو الإعراض، وإذا سقط لا يعود إلا بسبب جديد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الزّوجة إذا أسقطت نفقتها عن زوجها، فلا تسقط ولها حقّ المطالبة بها بعد ذلك. ومنها: الفقير صاحب الحقّ في الوقف لا يسقط حقّه بإسقاطه بل له المطالبة به بعد ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) وينظر أشباه ابن نجيم ص 316 فما بعدها.

القاعدة السادسة والستون بعد الثلاثمئة [المسقط والموجب]

القاعدة السّادسة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المسقِط والموجِب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسقِط والموجِب إذا اقترنا ترجّح المسقط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المُسقِط: اسم فاعل من أسقط فهو مُسقط. والمراد به هنا: الدّليل المسقط للحقّ أو الحكم. الموجب: اسم فاعل أيضاً من أوجب فهو موجب. والمراد به هنا: الدّليل الموجب للحقّ أو الحكم. إذا اقترن دليل موجب ودليل مسقط أو تعارضا فإنّ الذي يترجّح جانبه إنّما هو الدّليل المسقِط، والمرجِح لذلك: أنّ المسقط يردّ على الموجب فيزيل إيجابه، وأنّ الموجب لا يردّ على المسقط, لأنّه إذا سقط أمر فإنّه لا يعود كما سبق قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادَّعى رجل على آخر ديناً، وجاء ببيّنة تشهد له، وجاء المدّعَى عليه ببيّنة تشهد له أنّه قد أبرأه عن دينه، أو أنّه أدّى إليه دينه. ففي هذه الحال عند تساوي البيّنتين يترجّح جانب بيّنة المدّعَى عليه لأنّها مسقطة للدّين المدَّعَى. إلا إذا بيّن المدّعِي أنّ هذا دين آخر غير ما أبرأه منه أو أدّاه إليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 306.

القاعدة السابعة والستون بعد الثلاثمئة [المسلط]

القاعدة السّابعة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المسلَّط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسلَّط على الشيء إذا أخبر فيما سُلّط عليه بما لا يكذبه الظّاهر فيه يجب قبول قوله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المسلَّط: اسم مفعول: من سُلِّط فهو مسلَّط. أي مُلِّك سلطة الفعل. فمن سُلِّط على شيء وأخبر عمّا سُلِّط عليه بخبر لا يكذبه الظّاهر والواقع فيه يجب في هذه الحالة قبول خبره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّل شخص آخر في ذبح شاة له وتوزيع لحمها على الفقراء، ثم أخبر الوكيلُ أنّه قد ذبح تلك الشّاة وقسّمها بين الفقراء، ولم يقم دليل على كذبه، كرؤية الشّاة حيّة مثلاً، فإنّ قول الوكيل يجب قبوله وتصديقه. ومنها: المودَع يدّعي ردّ الوديعة، فإن اتّهموه فعليه اليمين لدفع التّهمة. ومنها: الوصي إذا أنفق على ورثة صغار أوصي عليهم، فقال: قد أنفقت عليهم كذا مبلغاً من المال، فإن كان ذلك نفقة مثلهم في تلك المدّة، أو زيادة شيء قليل، فهو مصدّق فيه، وإن اتّهموه فعليه اليمين؛ لأنّه أمين، والقول قوله في المحتمل مع اليمين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 30.

القاعدة الثامنة والستون بعد الثلاثمئة [المسلم]

القاعدة الثّامنة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المسلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسلم مأمور بأن يدفع سبب الهلاك عن نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه، أو يؤذيها، وكذلك يجب عليه أن يدفع سبب الهلاك عن نفسه بقدر المستطاع. ولا يجوز للمؤمن أن يعين على قتل نفسه ولو بكلمة، كذلك لا يجوز له أن يتسبّب في هلاك نفسه، في غير الجهاد لإعلاء كلمة الله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان مسلم في سفينة فاحترقت، فإن كان على يقين من الهلاك في أحد الوجهين - النّار أو الغرق - وهو يرجو النّجاة في الوجه الآخر فعليه أن يصنع ما يرجو فيه النّجاة، ويدفع عن نفسه سبب الهلاك بقدر الوسع. ومنها: إذا كان مسلم مأسوراً مظلوماً في أيدي الكفّار، فكفل به مسلم أو ذمّي أو حربي على أن يحضر يوم كذا ليقتلوه. فلا بأس بأن يخفر كفيله ويخرج ويهرب، سواء أمره بالكفالة أو لم يأمره بذلك. بخلاف ما لو كانت الكفالة لأجل المال. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2030 وعنه قواعد الفقه ص 121.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: لو أنّ مسلمة أسيرة في دار الحرب أعطت كفيلاً مسلماً أو ذمّيّاً على أن يحضرها غداً ليفجر بها رجل منهم، أو يتزوّجها كافر، وهي ذات زوج أو لم تكن ذات زوج، فلا بأس بأن تخفر كفيلها وتهرب؛ لأنّ ما تخاف منه أمر لا يجوز أن تأذن فيه بحال، فكان هذا والقتل سواء. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا علم أحد المجاهدين لإعلاء كلمة الله أنّه لو دخل بسيّارة مفخّخة على الكفّار وفجّرها فإنّه يقتل منهم مقتلة عظيمة ويوجع فيهم، مع أنّه في الغالب يموت مع انفجار سيّارته، فذلك جائز إن شاء الله تعالى، وهو إذا قتل نحسبه على الله شهيداً، ومن خير الشّهداء، إن شاء الله تعالى.

القاعدة التاسعة والستون بعد الثلاثمئة [المسلم]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد الثّلاثمئة [المسلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسلم ملتزم بأحكام الإِسلام حيثما يكون (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المسلم: هو من رضي الله ربّاً وبالإِسلام ديناً، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبيّاً ورسولاً، والمسلم لهذا ملتزم بأحكام الإسلام حيثما يكون في دار الإِسلام أو في دار الحرب، في البرّ أو البحر، في السّفر وفي الإقامة. فلا يجوز للمسلم أن يقدم على فعل مخالف لأحكام الإِسلام إذا كان في دار الحرب أو دار الكفر، أو دار لا يحكمها شرع الله، بحجّة أنّ أحكام الإِسلام لا تطبّق فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المسلم الذي يسافر إلى أرض يحكمها الكفر أو ملّة أخرى غير الإسلام، لا يجوز له أن يتفلّت من أحكام الإِسلام في الحلال والحرام، في المأكل والمشرب والملبس، فلا يجوز له أن يأكل لحم الخنزير أو لحماً لم يذكر اسم الله عليه بحجّة عدم وجود الذبائح المذكّاة، ولا يجوز له أن يشرب الخمر، بحجّة أنّ كلّ النّاس هناك يشربونها، أو يزني لأنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 131، شرح السير ص 1884.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

باب الزّنا مفتوح على مصراعيه، ولا أن يسرق، ولا أن يأكل الرّبا أو يعطيه، بحجّه أنّه ليس في دار الإِسلام، فهو وإن قيل: إنّه لا يقام عليه الحدّ، لكن الإثم غير مرفوع عنه، فهو آثم ويستحقّ العقوبة من الله سبحانه وتعالى على ارتكابه ما حرّم الله. ومنها: إذا ضارب مسلم حربياً في دار الحرب على أنّ له أو للحربي مبلغاً محدّداً من الرّبح - درهماً فما فوقه - فالمضاربة فاسدة؛ لأنّ من شروط صحّة المضاربة عدم تحديد ربح معيّن لأحد الطّرفين، بل التّحديد بالنّسبة، النّصف أو الثّلث أو غير ذلك. وهذا عند أبي يوسف وباقي الأئمة رحمهم الله تعالى. ومنها: إذا كان مسلمان في دار الحرب قد دخلاها بأمان، فعامل أحدهما صاحبه فهذا وما لو كانت المعاملة بينهما في دار الإِسلام على السواء. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى أنّه يجوز أن يعامل المسلم الحربي في دار الحرب بالرّبا. أو لو ضاربه واشترط له ربحاً محدّداً فذلك جائز. خلافاً لأبي يوسف وجمهور العلماء في هذه المسألة. وينظر المغني لابن قدامة رحمه الله جـ 4 ص 45 فما بعدها. ومنها: إذا قتل أحد المسلمين صاحبه عمداً في دار الحرب لا يجب على القاتل القصاص لقيام الشّبهة بكونهما في دار الإباحة. والقاتل ليس في يد الإِمام، فلا يجب القصاص ولكن تجب الدّيّة في ماله.

القاعدة السبعون بعد الثلاثمئة [المسلمون متساوون]

القاعدة السّبعون بعد الثّلاثمئة [المسلمون متساوون] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المسلمون تتكافَؤُ دماؤهم، وهم يَدٌ على مَن سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم (¬1). وفي لفظ: المسلمون يد على مَن سواهم يسعى بذمّتهم أدناهم، يعقد عليهم أولاهم، ويردّ عليهم أقصاهم (¬2). حديث ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث كريم: أخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم. يسعى بذمّتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم" الحديث جـ 3 ص 80 كتاب الجهاد رقم 2751. وفي رواية له: "المؤمنون تتكافؤ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم" كتاب الدّيات الحديثان 4530، 4531. وعند ابن ماجه بلفظ القاعدة عن ابن عباس رضي الله عنهما جـ 2 ¬

_ (¬1) شرح السير ص 254. (¬2) نفس المصدر ص 483.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ص 895. الأحاديث 2683 - 2685. وقد ورد عن علي رضي الله عنه أيضاً، وقد سبق. فمعنى الحديث: أنّ المسلمين متساوون في القصاص والدّيّات لا يفضل شريف على وضيع، واللائق بحالهم أن يكونوا كيد واحدة في التّعاون والتّعاضد على الأعداء، فكما أنّ اليد الواحدة لا يمكن أن يميل بعضها إلى جانب وبعضها إلى جانب آخر، فكذلك اللائق بشأن المؤمنين، ويسعى بعهدهم وعقدهم أقلهم عدداً وهو الواحد، وأقلّهم رتبة وهو العبد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل أعلى النّاس رتبة أقلَّهم مكانة في المجتمع المسلم عمداً، فإنّ القصاص حقّ لولي القتيل، مهما كانت مكانة القاتل، إلا أن يرضى بالدّيّة، أو يعفو. ومنها: إذا أجارت امرأة من المسلمين أو عبد مسلم من عبيدهم كافراً أو طالب جِوار فإنّ على المسلمين أن يحفظوا جوار هذه المرأة أو هذا العبد فلا يخفروه. كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينما أجارت أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها بعض أحمائها - في غزوة الفتح - فأجار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أجارت (¬1). ¬

_ (¬1) الخبر أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما تحت الرقم 2763 جـ 3 ص 84 - وهو حديث متّفق عليه، كما أخرجه الدارمي والطبراني وأحمد.

القاعدة الحادية والسبعون بعد الثلاثمئة [المسلمون عدول]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المسلمون عدول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسلمون عدول بعضهم على بعض (¬1). إلا محدوداً في قذف أو فرية. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العدول: جمع عدل، وهو المَرْضيّ مقبول الشّهادة الذي يُقنع به. والمصدر منه العدالة وهي صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عادة ظاهراً (¬2). فالمسلمون عموماً مرضيّون مقبولوا الشّهادة بعضهم على بعض؛ لأنّ لكلّ مسلم ولاية على أخيه المسلم، لذلك يقبل قوله فيه. إلا ما استثني، هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة، وفي نصب الراية جـ 4 ص 81، والدارقطني جـ 4/ 207 وذكره العجلوني في كشف الخفاء جـ 2 ص 208، وقال: أورده الديلمي عن ابن عمرو مرفوعاً بلا سند، وابن أبي شيبة بسند إلى ابن عمرو ويروى عن عمر رضي الله عنه في كتابه المشهور إلى أبي موسى رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 63. (¬2) المصباح مادة (العدل).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد اثنان عند القاضي على أمر فشهادتهما مقبولة، ما لم يظهر عليهما جرح. ومنها: إجازة شهادة مستور الحال من المسلمين قبل السؤال عنه، إذا لم يطعن الخصم، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وذلك لأنّ صفة العدالة ثابتة لكل مسلم باعتبار اعتقاده.

القاعدة الثانية والسبعون بعد الثلاثمئة [المسلمون]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المسلمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسلمون على - عند - شروطهم (¬1). حديث ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث كريم أخرجه ابن عدي في الكامل جـ 6 الحديث 2088. بهذا اللفظ. وقد ورد هذا الحديث بلفظ "المسلمون عند شروطهم" وأخرجه البخاري رحمه الله جـ 3 ص 120 كما أخرجه غيره. وقد ورد بلفظ "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً". وفي لفظ عند الدارقطني: "المسلمون على شروطهم ما وافق الحقّ" وبلفظ "المسلمون على شروطهم والصّلح جائز". وذكره ابن أبي شيبة مرسلاً عن عطاء (¬2). ومعنى قوله: على شروطهم أو عند شروطهم: أي أنّ المسلمين وقّافون عند شروطهم التي التزموها على أنفسهم فلا يتعدّونها، ويعملون على المحافظة عليها ومراعاتها وتنفيذها. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 232، المبسوط جـ 13 ص 41، جـ 23 ص 33. (¬2) المصنف جـ 4 ص 450 الحديث 22029.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سلعة وشرط البائع الثّمن حالاًّ، فعلى المشتري الأداء عند استلام السّلعة، وإن اشترط المشتري التّأجيل إلى أمد محدّد، ورضي البائع فهو على ما اشترطا، وليس للبائع المطالبة بالأداء قبل الوقت المحدّد. ومنها: إذا باع بعيراً وشرط على المشتري رأسه، فإذا لم يذبحه المشتري فللبائع شروى رأسه. ومنها: إذا استعار أرضاً ليزرعها وشرط عليه المعير قلع الشّجر عند ردّها فيلزمه ذلك، فعليه قلع الشّجر والزّرع عند ردّها للمعير ويسلّمها خالية إلا أن يرضى المعير.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد الثلاثمئة [العقد الفاسد]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [العقد الفاسد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسمّى في العقد الفاسد لا يجب للفساد، والضّمان لا يجب إلا بالقبض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد الفاسد: هو العقد الذي فقد بعض شروط صحّته. فإذا تعاقدا عقداً فاسداً بثمن مسمّى فإنّ هذا الثّمن المسمّى لا يجب على المشتري؛ لفساد العقد. ولكن إذا قبض المبيع في العقد الفاسد واستهلكه يجب عليه الضّمان. وضمان العقد الفاسد ليس بالمسمّى ولكن بثمن المثل أو القيمة. وإذا كان العقد الفاسد عقد نكاح فيجب مهر المثل لا المسمّى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تزوّج امرأة بغير شهود وقد فرض لها مهراً ودخل بها، فإنّ الواجب في هذه الحالة مهر المثل لا المسمّى، ويفسخ العقد بينهما لفساده إذا لم يدخل بها. لكن إذا دخل بها إذا صحّحاه وأتيا بالشّهود - عند من يرون أنّ إزالة سبب الفساد تصحّح العقد - فيعود العقد صحيحاً ولا يحتاج لتجديد أو استئناف. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 24.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

وكذلك: إذا مهرها خمراً أو خنزيراً فيجب مهر المثل وإن لم يفسد العقد بذلك. ومنها: إذا اشترى سلعة من محجور أو صبي بثمن ثم هلكت السّلعة أو استهلكها المشتري، فإنّ على المشتري استرجاع الثّمن الذي دفعه وعليه قيمة السّلعة؛ لأنّه قبضها بعقد فاسد. ومنها: إذا اشترى عبداً على أن لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدّق به، فالبيع فاسد. فإذا قبض المشتري العبد ومات في يده، فعليه قيمته. وهذا عند الحنفيّة. وأمّا عند ابن أبي ليلى (¬1) رحمه الله فالبيع جائز والشّرط باطل، وعند ابن شبرمة (¬2): البيع جائز والشّرط صحيح وهذا من المسائل التي اختلفت فيها أنظار الفقهاء. من حيث حكم البيع والشّرط المنافي. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا اشترى عبداً على أن يعتقه، فالبيع صحيح والشّرط جائز باتّفاق. ¬

_ (¬1) ابن أبي ليلى سبقت ترجمته. (¬2) ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضّبّي، أبو شبرمة الكوفي القاضي، ثقة فقيه من الخامسة مات سنة 144 هـ كان معاصراً لأبي حنيفة رحمة الله عليهما. التّقريب جـ 1 ص 422.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد الثلاثمئة [المسنون والمفروض]

القاعدة الرّابعة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المسنون والمفروض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المسنون لا يقوم مقام المفروض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المسنون من العبادات: هو ما وردت به السّنّة ورغّبت فيه، وهو المستحبّ والنّفل والتّطوّع. والمفروض: هو ما ثبت بدليل قطعي من الكتاب أو السّنّة، فما كان مفروضاً فهو واجب الفعل. وما كان مسنوناً فهو جائز. ولذلك لا يسدّ المسنون مسدّ المفروض ولا يقوم مقامه. ودليل ذلك الحديث القدسي "وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتى أحبَّه" الحديث أخرجه البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه (¬2). ولكن للسُّنن في الآخرة مكان عند الحساب حيث إنّه إذا نقصت الفرائض فإنّ من كرم الله عَزَّ وَجَلَّ ورحمته بعباده أن يكمل ما نقص من الفرائض بما أدّاه المؤمن في حياته الدّنيا من السّنن والنّوافل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 65. (¬2) صحيح البخاري كتاب الرّقاق باب 38.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة مفروضة، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، فمن لم يصلّ الفرائض وتطوّع وصلّى في اليوم مئة ركعة تطوّعاً لا تقوم مقام ركعة واحدة من الفريضة؛ لأنّ الفريضة قد أشغلت بها الذّمّة قطعاً ولا تبرأ الذّمّة إلا بأدائها. ومنها: الزّكاة المفروضة ربع العشر في النّقدين والعروض، فمن ملك نصاباً فما فوقه وحال عليه الحول فيجب عليه أداء الزّكاة المفروضة، فمن تصدّق بكلّ ماله بعد الحول ولم ينو ببعضه أداء الزّكاة، فلا تبرأ ذمّته من الواجب. ومنها: من لم يصم رمضان وصام الأشهر كلّها عداه فإنّ صومه ذلك لا يقوم مقام صيام يوم من رمضان.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد الثلاثمئة [المشبه والمشبه به]

القاعدة الخامسة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المشبّه والمشبّه به] أولاً: لفظ ورود القاعدة المشبّه لا يقوى قوة المشبه به (¬1). بلاغيّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المشبّه به: هو الأصل. والمشبّه: هو الفرع. والتّشبيه: إلحاق أو إقامة شيء مقام شيء بشيء لصفة جامعة بينهما. والصّفة قد تكون ذاتيّة وقد تكون معنويّة. والمشابهة: المشاركة في معنى من المعاني (¬2). فإذا شبهنا شيئاً بشيء آخر فإنّ المشبّه لا يكون في قوّة المشبّه به، ولا يكون مشتملاً على كلّ صفاته، لأنّ المشبّه به تكون الصّفة التي هي وجه الشّبه، أقوى فيه وأوضح منها في المشبّه. وينظر القواعد 9، 10، 23، 222 والقاعدة 335 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قلنا: هذا الرّجل يشبه النّخلة. أي في طوله، فوجه الشّبه في النّخلة أوضح منه في الرّجل وأقوى. ومنها: إذا قلنا: زيد كالأسد في الشّجاعة، فصفة الشّجاعة في ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 46. (¬2) المصباح مادة "الشَّبَه" بتصرف يسير.

الأسد أقوى منها في زيد. وهكذا. ومنها: التّراب قائم مقام الماء في استباحة ما يستباح به، ولكنّه ليس في قوة الماء ولا يأخذ كلّ أحكامه.

القاعدة السادسة والسبعون بعد الثلاثمئة [المشترك]

القاعدة السّادسة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المشترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشترك هل يحمل على كلّ معانيه مع تجرّده عن القرائن بطريق الحقيقة (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المشترك: هو لفظ واحد يدلّ على معان عدّة كلفظ العين يدلّ على العين الباصرة، والعين الجارية، والذّهب والفضّة، والعين الخيار من النّاس، والعين الجاسوس. ومفاد القاعدة: أنّ المشترك من حيث حمله على كلّ معانيه أو على معنى دون آخر مسألة خلافيّة بين الفقهاء والأصوليّين. فقد ذهب الشّافعي رحمه الله وجماعة من فقهاء وأصوليي الشّافعيّة إلى جوازه، وذهب آخرون منهم وعلى رأسهم إمام الحرمين والغزالي رحمهما الله، والحنفيّة إلى منعه وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو وقّف أو أوصى على مواليه، وله موالٍ من أعلى وموالٍ من أسفل، فعند الحنفيّة ومن تابعه إنّ الوقف باطل لاختلاف أسباب الجهتين، والموالي جمع مولى، والمولى لفظ مشترك يطلق على العبد ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 131.

المعتَق وعلى السّيِّد المعتِق. وأمّا عند الشّافعي رحمه الله ومن معه فيكون الوقف للجهتين. عملاً بعموم المشترك. ومنها: إذا قال لعبده: إن رأيت عيناً فأنت حرّ. فرأى العبد أحدّ أفراد العين. فهل يعتق، فيه تردّد، والوجه بناء على مذهب الشّافعي يعتق بما رآه، ولا يشترط رؤية الجميع. وعند إمام الحرمين لا يعتق لأنّ المشترك لا يحمل على جميع معانيه.

القاعدة السابعة والسبعون بعد الثلاثمئة [المشتري والبائع]

القاعدة السّابعة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المشتري والبائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشتري يقوم مقام البائع فيما كان أصله ميراثاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق ببعض مسائل الميراث. فإنّ المشتري من أحد الوارثين نصيبه فإنّه عند غياب هذا الوارث البائع، فإنّ المشتري يقوم مقامه في مطالبة وارث آخر بقسمة الميراث القابل للقسمة؛ ليأخذ النّصيب الذي اشتراه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل مات وترك ضيعة وخمسة بنين - أحدهم صغير - والباقي كبار - اثنان منهم حاضران، واثنان غائبان. فاشترى رجل نصيب أحد الحاضرين. وطلب المشتري شريك بائعه - أي الوارث الآخر الحاضر - بالقسمة عند القاضي، وأخبرا القاضي بالقصة، فالقاضي يأمر الشّريك الحاضر بالقسمة، ويجعل رجلاً وكيلاً عن الغائبين وخصماً عن الصّغير؛ لأنّ المشتري قائم مقام بائعه في مطالبة الشّريك الحاضر بقسمة الضّيعة الموروثة. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 159 وعنه الفرائد ص 117.

ومنها: رجل باع من رجل آخر شيئاً، وضمن رجل بالدّرك، ثم مات الضّامن، وطلب ورثة الضّامن قسمة ميراثه، فإنّ القاضي يقسم؛ لأنّ الدين غير ثابت للحال - والمراد بالدّين ضمان الدّرك - فإن قسم القاضي وباع كلّ واحد من الورثة نصيبه ثم أدرك المشتري دركاً، كان للمشتري أن يرجع على ورثة الضّامن وينقض قسمتهم؛ لأنّ هذا بمنزلة دين مقارن للموت؛ لأنّ سبب هذا الدّين كان في حياة الميّت.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد الثلاثمئة [المشتق]

القاعدة الثّامنة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المشتقّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشتقّ من الصّريح صريح (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المشتقّ: هو ما أخذ من المصدر، تشبيهاً بما أخذ من الثّوب وشُقّ منه، فإنّه مشتقّ. والمشتقّات عند النّحاة منها الأفعال، وأسماء الفاعلين والمفعولين والمبالغة وغيرها. الصّريح: هو ما دلّ على معناه الأصلي الذي وضع له مطابقة بحيث لا يحتمل غيره، أو هو اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق. ويقابل الصّريح: الكناية. وهذه مسألة لغويّة لها أثرها في الفقه، فإذا اشتقّ من مصدر صريح مشتقّ فهو صريح كأصله، والمراد هنا ما كان صريحاً في الشّرع وإن كان له في اللغة احتمالات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لفظ "الطّلاق" في عرف الشّرع صريح في حلّ عقدة الزّوجيّة، ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 61 فما بعدها، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 81، المنثور جـ 2، ص 306، قواعد الحصني جـ 1 ص 393، أشباه السيوطي ص 296.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ولا يحتاج إلى نيَّة؛ لأن لفظه يدلّ على معناه. ومثله ما اشتقّ منه كلفظ: طلّقتك، وأنت طالق، وأنت مطلّقة. ومنها: إذا قال: أبحتك كذا بألف، لا يكون كناية في البيع، بل هو صريح في الإباحة مجاناً. ومنها: إذا قال: رجَّعتك، وارتجعتك، وراجعتك كلّها صرائح. ومنها: في العتق: أنت حرّ، أو محرّر، أو حرّرتك، أو عتيق، أو معتَق. ومنها: في القضاء: وليّتك القضاء، قلّدتك، استنبتّك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال لزوجته: أنت عليّ حرام. ونوى الطّلاق وقع. مع أنّ التّحريم صريح في إيجاب الكفّارة. ومنها: إذا قال لعبده. أعتق نفسك. فكناية تنجيز عتق، مع أنّه صريح في التّعويض. ومنها: إذا قال مريد الشّركة: اشتركنا. فهذا لا يكفي مع أنّه صريح؛ لأنّه لا يكون صريحاً إلا بذكر نوع الشّركة. ومنها: الخلع لا يكون صريحاً إلا بذكر المال.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد الثلاثمئة [المشرف على الزوال]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد الثّلاثمئة [المشرف على الزّوال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المشرف على الزّوال هل يعطى حكم الزّائل (¬1)؟ خلاف. وبمعناها ما سبق: المتوقّع هل يجعل كالواقع! وما قارب الشّيء هل يعطى حكمه؟ وفي لفظ: المشرف على الزوال إذا استدرك وصين عن الزّوال هل يكون استدراكه كإزالته وإعادته ابتداءً، أو هو محض استدامة (¬2)؟ ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق لهذه القواعد أمثال. والمراد بالمشرف على الزّوال: أي المقارب للانعدام والرّفع. فما أوشك أن يزول ويرتفع فهل يكون له حكم ما ارتفع وزال فعلاً أو لا؟ خلاف فيما يكون حكمه. وينظر من قواعد حرف العين ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 419، المجموع المذهب لوحة 133 ب، المنثور جـ 3 ص 166، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 127، قواعد الحصني جـ 2 ص 257، أشباه السيوطي ص 178. (¬2) المنثور جـ 3 ص 168.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

القاعدة رقم 24. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بيع عبد مريض أو دابّة مريضة - والمشتري يعلم بالمرض - فالبيع جائز، مع أن المريض قد يموت. ومنها: إذا باع الابن العين الموهوبة بشرط الخيار، - وقلنا: لا يزول الملك إلا بانقضاء الخيار - فهل للأبّ الرّجوع في الهبة؟ خلاف. ومنها: المكاتب عند الإطلاق هل يجري عليه حكم المملوك أو لا؟ فإذا قال السّيّد عبيدي أحرار. هل يعتق المكاتب أم لا؟ فيها وجهان. ومنها: إذا حُجر على المفلس بديون حالَّة، وعليه ديون مؤجّلة. فهل تَحُلُّ بالحجر قولان: الأصحّ لا.

القاعدة الثمانون بعد الثلاثمئة [المشرف على الزوال]

القاعدة الثّمانون بعد الثّلاثمئة [المشرف على الزّوال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشرف على الزّوال إذا استدرك وصين عن الزّوال هل يكون استدراكه كإزالته وإعادته ابتداءً، أو هو محض استدامة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها، ولكنّها تفيدنا معنى جديداً، وهو هذا الحكم أو الشّيء الّذي قارب أن يرتفع ويزول إذا حفظ وصين عن الزّوال واستدرك قبل زواله، فهل يعتبر استدراكه وبقاؤه كأنّه زال ثم أعيد ابتداءً، أو هو استدامة له، كأنّه ما أوشك على الزّوال؟ خلاف، يترتّب عليه آثار لكلّ قول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جنى المرهون، وقال المرتهن: أنا أفديه ليكون مرهوناً بالفداء وآخذ الدّين. فإنّ جوزّنا الزّيادة على الدّين فذاك - أي يكون هذا العمل جائزاً، ويكون العبد مرهوناً بالفداء والدّين. وإن منعنا - أي الزّيادة على الدّين فقولان مأخذهما ما ذكرنا في نصّ القاعدة، فإن قلنا: كالزّائل والمعاد جازت هذه المعاملة، وكأنّه ابتداء رهن بالدّينين جميعاً ¬

_ (¬1) المنثور ج 3 ص 168.

- والمذهب - أي الشّافعي - القطع بالجواز؛ لأنّه من مصالح الرّهن. وإن كان لا تجوز الزّيادة في الدّين المرهون به. ومنها: إذا كان على الشّجر ثمر غير مؤبّر فباعها، واستثنى الثّمار لنفسه - أي البائع - هل يحتاج إلى شرط القطع؟ لأنّه يصير كأنّه باعها ثم اشتراها، وقد نصّ الإِمام الشّافعي رحمه الله: أنّه لو باع شجرة مطلعة واستبقى الطّلع لنفسه لم يجز إلا بشرط القطع, لأنّه أشرف على الزّوال، فإن استبقى كما لو باعه ثم اشتراه. ومنها: إذا دبر عبداً فجنى في حياته جناية تستغرق قيمته، ومات السّيّد، ولم يخلف غيره، ففداه الورثة. فمعلوم أنّهم لو سلّموه لبيع لبطل العتق فيه، فإذا فَدَوه - فالولاء لمن؟ على قولين: فإن قلنا: المشرف على الزّوال كالزّائل. فالولاء للورثة. وإلا فللسيّد الميّت. وعندي - أي الزّركشي - ليس بين القولين كبير فرق؛ لأننا لو قلنا: إنّ الولاء للسّيّد فإنّ ورثته يرثونه أيضاً؛ لأنّ الولاء يرثه العصبة.

القاعدة الحادية والثمانون بعد الثلاثمئة [المشروط]

القاعدة الحادية والثّمانون بعد الثّلاثمئة [المشروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشروط شأنه الانتفاء عند انتفاء أحد شروطه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمشروط: الشّيء المشروط، كالصّلاة والبيع مثلاً. فما كان شأنه أن لا يوجد إلا بشروط تصحّحه فإنّه ينتفي ويبطل إذا فقد أحد شروطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة لها شروط صحّة، منها الطّهارة، والاستقبال، وستر العورة، عند القدرة، فإذا فقد المصلّي واحداً من هذه الشّروط مع قدرته على استيفائه انعدمت الصّلاة وبطلت. ومنها: البيع له شروط، منها: قدرة العاقدين على التّصرّف فيما تعاقدا عليه. ومنها القدرة على تسليم المبيع أو الثّمن، فإذا باع طيراً في الهواء لا يقدر على إمساكه فالبيع باطل. أو إذا كان أحد المتعاقدين محجوراً أو مجنوناً أو صغيراً غير مأذون فإنّ البيع باطل. ومنها: عقد الجزية، فإذا خرج الذّمّي عن بعض شروط عقد ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 12 الفرق 118.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الذّمّة، كخروجه عن أحكام السّلطان، ونبذ العهد والقتل والقتال، فإنّ ذلك مناف للأمان والتّأمين الذي أعطيه، وهما مقصود العقد، فإن عقد الذّمّة يبطل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أظهر النّصارى الذّمّيّون معتقدهم في المسيح عليه السّلام، فإنّهم يؤدّبون ولا ينقض عهدهم بذلك. وكذلك إذا قطع الذّمّي الطّريق أو قتل أحداً - ولو مسلماً عمداً - فعليه القصاص ولا ينقض عهده، وحكمهم في ذلك حكم المسلمين.

القاعدة الثانية والثمانون بعد الثلاثمئة [المشغول]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد الثّلاثمئة [المشغول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشغول لا يشغل (¬1). عند الشافعي رحمه الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة سليمة المبنى معقولة المعنى، من حيث إنّ ما كان مشغولاً بشيء لا يمكن شغله بشيء آخر. كالإناء المشغول بالماء لا يتصوّر شغله بشيء آخر إلا إذا خلا ممّا فيه. ولكن مع وضوح هذا المعنى فقد اختلف في أحكام بعض المسائل لاختلاف جهة النّظر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رهن رهناً بدين، فلا يجوز أن يرهن هذا الرّهن بدين آخر، فيكون رهناً بالدينين؛ لأنّ الرّهن مشغول بالدّين الأوّل. هكذا قالوا. وأقول وبالله التّوفيق: هذا لو كان الرّهن لا تزيد قيمته عن قيمة الرّهن الأوّل، لكن لو كان الرّهن قيمته ضِعف أو أضعاف الرّهن الأوّل، فما المانع من أن يكون رهناً بالدينين أو الثّلاثة؟ بحسب قيمته التي فيها وفاء بكلّ الدّيون؟ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 139، المنثور جـ 3 ص 174، أشباه السيوطي ص 151.

ومنها: لا يجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى لاشتغاله بالرّمي والمبيت، ولكن أقول وبالله التّوفيق: ما المانع من إحرامه بالعمرة، ورميه ومبيته لا يستغرقان الوقت كلّه، فوقته غير مشغول بالكامل حتى ينافي رميه ومبيته إحرامه بالعمرة. ومنها: إذا أجّر داره أو باعها لشخص وبعد تمام العقد أجّرها أو باعها لشخص آخر، فالعقد الثاني باطل؛ لأنّ فيه إبطال الحقّ الأول. ومنها: إذا قطع رجل يميني رجلين. فالحكم عند الشّافعي رحمه الله: إن قطعهما على التّعاقب تقطع يمينه بأولاهما، وللثّاني الأرش؛ لأنّه لا يمكن قطع اليد مرّتين. وإن قطعهما معاً يقرع بينهما، ويكون القصاص لمن خرجت قرعته والأرش للآخر؛ لأنّه حين قطع يد أحدهما فقد صارت يده مشغولة بحقّه مستحقة له قصاصاً. والمشغول لا يشغل (¬1). وأمّا عند الحنفيّة: فتقطع يمينه بهما، ويغرم ديّة يد منهما تقسم بين الاثنين؛ لأنّ كلّ واحد منهما له حقّ في القصاص والأرش كصاحبه. ¬

_ (¬1) ينظر المجموع للإمام النووي جـ 17 ص 312 فما بعدها.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمئة [المشقة]

القاعدة الثّالثة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [المشقّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشقّة تجلب التيسير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة إحدى القواعد الكليّة الكبرى. وهي القاعدة التي تختصّ ببيان رخص الشّرع وتخفيفاته بناء على الأعذار الموجبة لذلك. فإنّ الأحكام التي ينشأ على تطبيقها حرج على المكلّف ومشقّة في نفسه أو ماله فالشّريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلّف واستطاعته دون عسر أو إحراج. ولهذه القاعدة أدلّة كثير من الكتاب والسّنّة والإجماع والمعقول. والمراد بالمشقّة الميسرة: هي تلك المشقّة التي تتجاوز الحدود العاديّة والطّاقة البشريّة السّويّة، لا مطلق مشقّة؛ لأنّ كلّ التّكاليف في ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 2 - 14، المجموع المذهّب لوحة 37 أ، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 48 - 49، المنثور جـ 3 ص 169. قواعد الحصني جـ 1 ص 165، 272، أشباه السيوطي ص 76 وشروحه، أشباه ابن نجيم ص 75، المجلة المادة 17، الفرائد ص 14، شرح القواعد للزرقا ص 105، الوجيز مع الشرح والبيان ص 218 فما بعدها، القواعد والضوابط 117، 135، المختصر ص 95، 279، 410.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

هذه الحياة الدّنيا لا تخلو من مشقة محتملة. وينظر تفصيل هذه القاعدة وما يتعلّق بها في كتابنا الوجيز ص 218 فما بعدها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قصر الصّلاة في السّفر، وجواز الفطر للمسافر. ومنها: جواز التّيمّم لمن يجد الماء ولكنّه لا يستطيع استعماله لشدّة برد أو مرض أو عدو، أو غير ذلك من موانع استعمال الماء. ومنها: أكل الميتة للمضطر، وشرب الخمر للاضطرار أو الإكراه. ومنها: جواز الإجارة على الطّاعات كالإمامة والأذان وتعليم القرآن حفظاً للشّعائر من الضّياع. وغير ذلك من أنواع الرّخص.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد الثلاثمئة [المشقة والحرج]

القاعدة الرّابعة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [المشقّة والحرج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشقّة والحرج إنّما يعتبر في غير المنصوص، أمّا فيه فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها علاقة بسابقتها، وتعتبر قيداً لها، أو استثناء منها؛ لأنّ المشقّة الميسّرة والمرخّصة لارتكاب ما كان محظوراً قبل وجودها إنّما تختصّ بما ليس منصوصاً عليه، أمّا إذا نُصّ في الكتاب أو السّنّة على عمل فيه مشقّة وحرج - والشّرع لا يأمر بما فيه حرج - فإنّ هذه المشقّة لا تقبل التّخفيف، ولا يجوز فيها التّرخّص. والمراد بالمنصوص: أي الفعل المنصوص على وجوب الإتيان به أو الانتهاء عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حرمة رعي حشيش الحرم وقطعه - إلا الإذخر - عند كثير من العلماء للنّصّ الوارد في النّهي عن ذلك. ولكن أبا يوسف رحمه الله أجاز رعي حشيش الحرم دفعاً للحرج عن الحجّاج والمعتمرين - حينما كانوا يأتون الحجّ والعمرة على دوابهم. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 83، وعنه قواعد الفقه ص 122.

ومنها: تغليظ نجاسة الأرواث عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لحديث "إنها ركس" أي نجس، وذلك للروثة التي أتي ليستجمر بها عليه الصّلاة والسّلام فردّها وقال "إنها ركس" (¬1). ومنها: عدم الاعتبار بالعسر وعموم البلوى في موضع فيه نصّ كالبول لا يعفى عن قليله يصيب الثّوب أو البدن للتّحذير الوارد في ذلك. ¬

_ (¬1) الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه والنسائي، واللفظ لأحمد رحمه الله وعند غيره "هذه ركس".

القاعدة الخامسة والثمانون بعد الثلاثمئة [حكم المشكوك في وجوبه]

القاعدة الخامسة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [حكم المشكوك في وجوبه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المشكوك في وجوبه لا يجب فعله، ولا يستحبّ تركه. بل يستحبّ فعله احتياطاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام الشّرعيّة الطّالبة للفعل حكمان: هما الوجوب، وهو الطّلب الجازم لإيقاع الفعل، والنّدب، وهو طلب غير جازم لإيقاع الفعل. فإذا شكّ المكلّف أو المجتهد في وجوب أمر -أي شكّ في الطّلب هل هو جازم أو غير جازم - ففي هذه الحالة يندب فعل هذا الأمر احتياطاً؛ ولا يستحبّ ترك الفعل للشّكّ في الوجوب؛ لأنّ الأمر إذا لم يكن واجباً كان مندوباً - أي مستحباً فعله - أو مباحاً، والمباح لا يطلب فعله ولا تركه بل المكلّف مخيّر بين الفعل والتّرك، لكن لمّا شكّ في الوجوب ترجّح جانب الطّلب فاستحبّ فعله على سبيل النّدب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اختلف الأئمة في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، حتى إنّ الشّافعي رحمه الله أبطل صلاة من لم يقرأ بها، والحنفيّة لم يجيزوا ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 93.

قراءتها خلف الإِمام، ولوجود الخلاف قد يقع الشّكّ في الوجوب. ولذلك وبناء على هذه القاعدة يستحبّ ويندب قراءتها عند الإمكان. ومنها: الوضوء من مسّ الذّكر للاختلاف في وجوبه بين الحنفيّة وغيرهم، فللاحتياط يندب ويستحب الوضوء لمن مسَّ ذكره. هذا إذا لم يكن مجتهداً يمكنه التّرجيح بين الأدلّة، لكن إذا كان مجتهداً يمكنه التّرجيح بين الأدلّة فيجب عليه العمل بالدّليل الرّاجح عنده. ومنها: إذا شكّ في وجوب زكاة أو كفّارة أو صلاة، فلا يجب عليه الفعل ولا يستحبّ له التّرك، بل يستحبّ الفعل احتياطاً للدّين، كزكاة الحلي المختلف في وجوبها. ومنها: إذا كان يوم الثّلاثين من شعبان يوم غيم - أي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثّلاثين من شعبان، ففي صومه خلاف، والأرجح عدم صومه لأنّه يوم الشّكّ، لكن ورد عن أحمد بن حنبل رحمه الله في قول ثالث له أنّه كان يجيز صومه من رمضان، ويجيز فطره، والأفضل صومه إذ كان يستحبّ صومه ويفعله ولا يوجبه.

القاعدة السادسة والثمانون بعد الثلاثمئة [مشيئة الله]

القاعدة السّادسة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [مشيئة الله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مشيئة الله تعالى واجبة النّفوذ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة عقدية تتعلّق بالعقيدة وأصولها. فمشيئة الله سبحانه وتعالى واجبة النّفوذ على ما يشاء الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى لا مكره له. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (¬2). ولذلك نهى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم القائل "ربّ اغفر لي إذا شئت" بل أمره بالجزم بالدّعاء، فيقول: "اللهم اغفر لي". فكلّ عدم ممكن يعلم وقوعه نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى أراده، وكلّ وجود ممكن يعلم عدم وقوعه نعلم أنّ الله تعالى أراده، فتكون مشيئة الله سبحانه وتعالى معلومة قطعاً، وأمّا مشيئة غيره فلا تعلم، غايته أن يخبرنا، وخبره إنّما يفيد الظّن. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 77. (¬2) ينظر العقيدة الطحاوية وشرحها جـ 1 ص 133، تحقيق عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى سنة 1408 هـ.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق إن شاء الله تعالى. فعند الإمامين مالك وأحمد رحمهما الله تعالى يلزمه الطّلاق لأنّه لا يعلم هل أراد الطّلاق على التّعيين أم لا, وليس لنا طريق إلى التّوصّل إلى ذلك فيؤاخذ بلفظه، ولأنّه استثناء يرفع جملة الطّلاق حالاً ومآلاً فلم يصحّ كاستثناء الكل (¬1). وهذه المسألة خلافيّة، من حيث إنّ أبا حنيفة والشّافعي رحمهما الله تعالى لا يوقعان الطّلاق في هذه الصّورة للجهل وعدم العلم بمشيئة الله تعالى (1). ¬

_ (¬1) وينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 206 - 207.

القاعدة السابعة والثمانون بعد الثلاثمئة [الألفاظ المصرحات]

القاعدة السّابعة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [الألفاظ المصرّحات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المصرَّحات من الألفاظ تحمل على ظواهرها (¬1)، ولا تعتبر نيّة اللافظ في صرف اللفظ إلى غير ظاهره. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المصرّحات من الألفاظ: هي الألفاظ التي تدلّ على معناها صراحة، سواء أكان المعنى الذي تدلّ عليه شرعيّاً أم لغويّاً أم عرفيّاً. فإذا كان اللفظ صريحاً في الدلالة على معناه الّذي وضع له فإنّما يعمل به على حسب تلك الدّلالة الظّاهرة، ولا تعتبر نيَّة المتكلّم في صرف اللفظ عن معناه الصّريح إلى معنى آخر غير ظاهر؛ لأنّ النّيَّة إنّما جعلت لتعيين المراد عندما يكون المراد غير محدّد، لكن هذه الألفاظ معلومة المراد بظواهرها، وهي عاملة في حقائقها التي وضعت للدّلالة عليها فلا تحتاج إلى النّيَّة لتعيينها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الرّجل لزوجته: أنت طالق أو مطلّقة، فهذا لفظ صريح ظاهر في إرادة الطّلاق المحرّم شرعاً، فإذا قال الزّوج: نويت أنّها طالق من وثاق فلا يقبل قوله. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 164 عن شرح الجامع الكبير للأسمندي.

ومنها: إذا قال رجل لأمَتِه: تعالي يا حرّة. كان ذلك إعتاقاً لها، ولا يقبل قوله إنّه أراد أنّها كريمة أو أصيلة.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد الثلاثمئة [المصلحة، العدوان]

القاعدة الثّامنة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [المصلحة، العدوان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المصلحة مطلوبة شرعاً، والعدوان ممنوع منه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة يمكن إدراجها تحت قاعدة (لا ضرر ولا ضرار). فالمصلحة مطلوبة شرعاً حيثما وجدت، وقد سبق بيان أنّ فعل المسلم محمول على الصّحّة ما أمكن، والفعل الصّحيح مصلحة وهي مطلوبة، والاعتداء ظلم والمسلم ممنوع منه شرعاً، بل وغير المسلم ممنوع منه كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البيع والشّراء فيه مصلحة للبائع والمشتري فهو مطلوب شرعاً؛ لأنّ به يحلّ البدلان: السّلعة تحلّ للمشتري، والثّمن يحلّ للبائع، وفي كليهما مصلحة مطلوبة. ولكن الغصب ممنوع شرعاً ولا يحلّ لأنّه عدوان على أملاك غيره. ومنها: الزّواج مطلوب شرعاً, لأنّ فيه مصلحة للزّوجين من حيث إنّ كلاً منهما يعفّ صاحبه عن الوقوع في الحرام، وبالنّكاح الشّرعي يحصل النّسل الطّيب ويعمر الكون - ولكنّ الزّنا محرّم وممنوع؛ لأنّه عدوان ومفسدة. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 494 عن التحرير جـ 3 ص 851.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد الثلاثمئة [البدل والأصل]

القاعدة التّاسعة والثّمانون بعد الثّلاثمئة [البدل والأصل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المصير إلى البدل لا يجوز إلا عند عدم الأصل (¬1). وفي لفظ: المصير إلى البدل عند فوات الأصل لا مَعَ قيامه (¬2). وفي لفظ: المصير إلى البدل لا يجوز مع القدرة على الأصل (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال، ينظر القاعدة 11، 14 من قواعد حرف الباء. الأصل والبدل لا يجتمعان، كما لا يجتمع العوض والمعوض عنه، وذلك لأنّ البدل لا يحتاج إليه إلا عند عدم وجود الأصل المبدل منه أو عدم القدرة عليه، وإلا كان جمعاً بين البدل والأصل وذلك لا يجوز. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 156. (¬2) شرح السير ص 1714. (¬3) القواعد والضوابط ص 495 عن التحرير جـ 1 ص 75.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز الانتقال إلى التّيمّم إلا عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله مع وجوده. لكن إذا وجد الماء، أو وجدت القدرة على استعماله فلا يجوز الانتقال إلى التّيمّم. ومنها: لا يجوز الصّيام بدلاً عن دم التّمتّع والقِرَان إلا عند عدم القدره على الهدي، فمن صام وهو قادر على الهدي واجد له، فصومه غير صحيح ولا تبرأ به الذّمّة. ومنها: لا يجوز الانتقال إلى صوم شهرين كفّارة القتل الخطأ إلا عند عدم القدرة على عتق الرّقبة أو عدم وجودها.

القاعدتان التسعون والحادية والتسعون بعد الثلاثمئة [المضاف للوقت، المعلق بالشرط]

القاعدتان التّسعون والحادية والتّسعون بعد الثّلاثمئة [المضاف للوقت، المعلّق بالشّرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المضاف إلى وقت أو المعلّق بالشّرط لا يكون موجوداً قبله (¬1). والمضاف إلى وقت أو المعلّق بالشّرط عند وجوده كالمنجز (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان مترابطتان، ومعناهما متّحد، فالمعلّق بالشّرط أو المضاف إلى وقت إمّا أن يكون شرطه المعلّق به موجوداً عند التّعليق أو معدوماً ممكن الوجود في المستقبل، فإذا كان الشّرط المعلّق به موجوداً عند التّعليق، أو وجد بعد التّعليق أو حلّ الوقت المضاف إليه فإنّ هذا المشروط يعتبر منجزاً حالاً. وأمّا إذا كان الشّرط غير موجود - وهو ممكن الوجود في المستقبل - فإنّ المشروط بالشّرط والمضاف إلى الوقت يعتبر معدوماً قبل وجود شرطه أو حلول وقته، ولا يبنى الحكم إلا بعد تحقّق الشّرط، ويكون الحكم عند وجود الشّرط كالمنجز عند التّعليق. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 28. (¬2) نفس المصدر جـ 7 ص 80.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال لزوجته: أنت طالق إن كنت صحيحة. فهي طالق حالاً، إذا لم تكن مريضة فعلاً؛ لأنّ الصّحّة أصل في الإنسان وهي صفة مستمرّة. ومنها: إذا قال: إن حضت فأنت طالق - وكانت حائضاً - فلا تطلق إلا عند حيضة مستقبلة. ومنها: إذا قال: إن ملكت عبداً فهو حرّ، أو كلّ مملوك أملكه أبداً فهو حرّ. فإنّ كلّ مملوك يملكه يعتق عليه، سواء كان ملكه بالشّراء أو الهبة أو غير ذلك. ومنها: إذا قال: وصيي فلان، حتى يقدم فلان الغائب، ثم الوصيّة لفلان الغائب، فهو كما قال. ثم إذا قدم الغائب فهو الوصي؛ لأنّ الوصيّة الخاصّة بالأوّل قد انتهت بقدوم الثّاني. ومنها: إذا قال لزوجته: إن دخلت دار فلان أو كلّمت فلاناً فأنت طالق. فلا تطلق إلا إذا دخلت الدّار التي لفلان، أو كلّمت فلاناً.

القاعدة الثانية والتسعون بعد الثلاثمئة [المضاف للجزء]

القاعدة الثّانية والتّسعون بعد الثّلاثمئة [المضاف للجزء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المضاف للجزء كالمضاف للكلّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (ما لا يقبل التّبعيض فذكر بعضه كذكر كلّه) وقد سبقت تحت الرّقم 109، وينظر القاعدة رقم 449 من قواعد حرف الهمزة. فما أضيف إلى جزء أو بعض ما لا يقبل التّجزئة ولا التّبعيض فهو كالمضاف للكلّ في الحكم، والمراد بالإضافة: الإسناد والنّسبة كما سبق بيانه قريباً. في قاعدة: ما قبل التّعليق من التّصرفات. وقد سبقت قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: رأسك طالق، طلقت كلّها. ومنها: إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة، وقعت عليها طلقة كاملة. ومنها: لو قال: أحرمت بنصف نسك، انعقد نسك كامل. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 175 وينظر جـ 1 ص 200 فما بعدها. أشباه السيوطي ص 160. وينظر الوجيز ص 322 مع الشرح والبيان.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا عفا مستحقّ القصاص عن بعضه سقط كلّه؛ لأنّ القصاص لا يقبل التّبعيض. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الإيلاء، فإنّه لا يصحّ إضافته إلى بعض المحل إلا الفرج خاصّة. ومنها: الوصيّة لا يصحّ أن تضاف إلى بعض المحلّ. لا يصحّ أن يقال: أوصيت لرأسك.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد الثلاثمئة [المضمونات]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد الثّلاثمئة [المضمونات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المضمونات (¬1). وفي لفظ: ما يوجب الضّمان (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المضمونات: جمع مضمون، أو مضمونة. والمراد بها موجبات الغرامة والتّعويض. وهذه القاعدة تتعلّق ببيان الأسباب التي توجب الغرم والتّعويض عمّا يتلف أو يستهلك من مال الغير بسبب منها. وكذلك ما يفوت من منفعة الأموال. والأسباب الموجبة للضّمان عند الشّافعيّة أربعة هي: الأوّل: اليد، والمراد بها اليد العاديّة الظالمة غير المؤتمنة كيد الغاصب والمستام. الثّاني: المباشرة: أي الإتلاف والاستهلاك والتّفويت بغير إذن عمداً كان أو خطأ. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 461، قواعد الأحكام جـ 2 ص 131، المجموع المذهّب لوحة 287 ب، المنثور جـ 3 ص 174، قواعد الحصني جـ 3 ص 420، المختصر ص 360، 544، وأشباه السيوطي ص 361. (¬2) قواعد الحصني جـ 3 ص 420.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الثّالث: التّسبّب، وقد مرّ ذكره، ولا يكون التّسبّب موجباً للضّمان إلا بالتّعدّي. الرّابع: الشّرط، وهو ما لا يؤثّر في الفعل ولا يحصله؛ بل يحصل التّلف عنده بغيره، ويتوقّف تأثير ذلك الغير عليه. وعدَّ آخرون منها: الحيلولة: وهي أن يحول بين المال أو المنفعة وصاحبها. وفي تقسيم عام تنقسم المضمونات إلى قسمين رئيسين: وهما: ضمان العقد. وضمان اليد. فضمان العقد: ما عُيِّن في صلب عقد بيع أو سلم أو إجارة أو صلح أو نحو ذلك، ومردّه إلى ما اتّفق عليه المتعاقدان أو بدله. وضمان اليد نوعان: لأنّ اليد إمّا مؤتمنة كالوديعة والشّركة والمضاربة والوكالة، ونحوها، إذا وقع فيها التّعدّي صارت اليد يد ضمان، فيضمن عند ذلك إذا تلفت بنفسها كما لو لم يكن مؤتمناً. وإمّا يد غير مؤتمنة، كيد الغاصب، والمستام، والمستعير، والمشتري شراء فاسداً. وضمان اليد مردّه إلى المثل أو القيمة. والفرق بين ضمان اليد وضمان الإتلاف أنّ ضمان اليد متعلّق بالمباشرة والسّبب لوجوده في كلّ منهما، وضمان الإتلاف يتعلّق الحكم فيه بالمباشرة دون السّبب سواء كان نفساً أو مالاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب حيواناً فذبحه، أو مات عنده، فعليه ضمان وغرم

قيمته لصاحبه. ومنها: أحرق ثوب صاحبه فعليه ضمان قيمته، وسواء أكان الإحراق عمداً أو خطأ. ومنها: حفر بئراً في الطّريق بغير إذن فسقط فيها إنسان أو دابّة فهو ضامن. ومنها: استأجر دابّة وشرط عليه المؤجر أن لا يحمّلها أكثر من مقدار عيَّنه، فحمّلها أكثر فعطبت، فهو ضامن. ومنها: أودع وديعة فقصّر في حفظها فسرقت فهو ضامن؛ لأنّ الأمانات الشّرعيّة تضمن بالتّفويت. ومنها: إذا نقل الغاصب المغصُوب إلى بلد آخر فهلك أو ضاع فللمالك المطالبة بالقيمة في الحال للحيلولة، فإذا ردّ الغاصب المغصوب وجب على المالك ردّ القيمة.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمئة [تملك المضمونات]

القاعدة الرّابعة والتّسعون بعد الثّلاثمئة [تملّك المضمُونات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المضمونات تملك بالضّمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وإن كان لها ارتباط بسابقتها من حيث وجوب الضّمان بأسبابه، لكنّها تمثل رأياً للحنفيّة: وهو أنّ المال المضمون إذا أدّى الضّامن ضمانه للمضمون له - مِثلاً أو قيمة - فإنّه - أي الضّامن - يملك المضمون، وهذا واضح ومتّفق عليه فيما إذا كان الضّمان ضمان عقد. وأمّا إذا كان الضّمان ضمان يد ففيه الخلاف. فعند الحنفيّة بناء على مضمون هذه القاعدة: أنّ الضّامن يملك المضمون مطلقاً إذا أدّى ضمانه سواء أكان ضمان عقد أم ضمان يد، وخالفهم الجمهور في ضمان اليد فلا يملكه الضّامن وإن أدّى ضمانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سيّارة بثمن ودفعه لبائعها، فإنّ المشتري يملك السّيّارة قطعاً، وليس للبائع بعد ذلك حقّ الرّجوع بدون وجود شرط. ومنها: إذا غصب شخص سيّارة آخر، ثمّ ادّعى سرقتها أو ضياعها أو هلاكها، وأدّى لصاحبها ضمانها وغرامتها، ثم وجدها، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 67، أشباه ابن نجيم ص 350.

فإنّ عند الحنفيّة أنّ الغاصب عندما أدّى الضّمان فقد ملك السّيّارة المغصوبة، ولا حقّ لصاحبها في استرجاعها وقد أخذ قيمتها. ولكن عند غير الحنفيّة لصاحبها حقّ ردّ الضّمان المأخوذ واسترجاع سيّارته. ومنها: إذا غصب حنطة فطحنها أو ثوباً فخاطه، أو شاة فذبحها، فعند الحنفيّة إنّ الغاصب يملك المغصوب وينتقل حقّ المالك إلى المثل أو القيمة، وعند غيرهم يجب ردّ المغصوب، وإذا نقص فعليه أرش النّقصان.

القاعدتان الخامسة والسادسة والتسعون بعد الثلاثمئة [الإقرار بالعقد - مطلق العقد]

القاعدتان الخامسة والسّادسة والتّسعون بعد الثّلاثمئة [الإقرار بالعقد - مطلق العقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق الإقرار بالعقد يتناول الصّحيح من العقد (¬1). وفي لفظ: مطلق العقود الشّرعية محمول على الصّحّة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق لهاتين القاعدتين مثل. ينظر من قواعد حرف الصّاد القاعدة رقم 9. العقود الشّرعيّة كالنّكاح والبيع والإجارة وغيرها الأصل فيها عند الإطلاق الصّحّة؛ لأنّها مقصود المتعاقدين، والشّرع إنّما شرع العقود لتبادل المنافع، فمبناها على الصّحّة لا الفساد، وعلى ذلك إذا أقرّ بعقد مطلق فإن ذلك لا يتناول إلا الصّحيح من العقود، ولا ينصرف إلى الفاسد منها. وبناء على ذلك فإنّ مدَّعِي صحّة العقد متمسّك بالأصل، ومدّعي الفساد متمسّك بخلاف الأصل فعليه البيِّنة، وعلى المتمسّك بالأصل اليمين ويكون القول قوله. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 188. (¬2) نفس المصدر جـ 20 ص 72.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومدلولهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومدلولهما: إذا عقدا عقد نكاح بشروطه فهو صحيح يفيد موجبه ومقتضاه، فإذا ادّعى أحدهما فساد العقد فعليه البيِّنة لأنّه متمسّك بخلاف الأصل، والقول لمدّعي الصّحّة مع يمينه؛ لأنّه منكر لسبب الفساد فعليه اليمين إذا عجز مدّعِي الفساد عن البيِّنة. ومنها: إذا عقدا عقد بيع أرض أو عقار بشروطه، فهو صحيح يفيد موجبه ومقتضاه، ولا يسمع قول مدّعي الفساد إلا ببيِّنة على دعواه؛ لأنّ الأصل في العقود الصّحّة. ومنها: إذا أمر رجلاً أن يضمن لرجل ألف درهم ويكفله بها، فضمنها، فهي لازمة على الكفيل، يأخذه بها الطّالب؛ لأنّه التزمها، ولا يكلَّف الطّالب - أي الدّائن - تفسير وجه هذا المال من أين كان وكيف كان، ولكن يؤخذ الكفيل بالضّمان بإقراره أو بالبيِّنة التي قامت للطّالب عليه بالضّمان؛ لأنّ عقد الكفالة مطلق وهو مبني على الصّحّة. ومنها: إذا تفاوض اثنان وافترقا، ثم ادّعى أحدهما أنّ صاحبه كان شريكه بالثّلث، وادّعى صاحبه النّصف، وكلاهما مقرّ بالمفاوضة، فجميع المال من العقار وغيره بينهما نصفان؛ لأنّ موجب المفاوضة المساواة في ملك المال، فاتّفاقهما على المفاوضة يكون اتّفاقاً على حكمها، وهو أنّ المال بينهما نصفان. ثمّ مدّعي التّفاوت يكون راجعاً بعد الإقرار ومناقضاً في كلامه، و (مطلق الإقرار بالعقد يتناول الصّحيح من العقد).

القواعد السابعة والثامنة والتاسعة والتسعون بعد الثلاثمئة والقاعدة المتممة للأربعمئة

القواعد السّابعة والثّامنة والتّاسعة والتّسعون بعد الثّلاثمئة والقاعدة المتمّمة للأربعمئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق الإذن ينصرف إلى المتعارف (¬1). ومطلق اللفظ في الإقرار ينصرف إلى المعتاد (¬2). وفي لفظ: مطلق العقد ينصرف إلى المتعارف (¬3) - أو يتقدّر بدلالة العرف (¬4). وفي لفظ: مطلق التّسمية محمول على المتعارف بين الناس (¬5). أو مطلق اللفظ - في مخاطباتهم (¬6). وفي لفظ: مطلق التّسمية في العقد تنصرف إلى المتعارف (¬7). وفي لفظ: مطلق التّسمية ينصرف إلى ما هو المعروف بالعرف (¬8). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 145. (¬2) نفس المصدر جـ 18/ 67. (¬3) نفس المصدر جـ 16/ 54. (¬4) نفس المصدر جـ 11/ 115. (¬5) نفس المصدر جـ 19/ 99. (¬6) القواعد والضوابط ص 495 عن التحرير جـ 5 ص 1084. (¬7) المبسوط جـ 30 ص 186. (¬8) شرح السير ص 1725.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: المعتبر في التّسمية العرف (¬1). [الإذن، الإقرار، التّسمية، العرف] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تندرج وتتفرّع على قاعدة (العادة محكَّمة)، فهذه القواعد تبيّن أثر العرف وعادة الناس في معاملاتهم وتصرّفاتهم القوليّة، فالإذن بعمل شيء ما إذا كان مطلقاً عن الشّروط فهو ينصرف ويتقيّد بالمتعارف في مثل ذلك التّصرّف، وكذلك إذا أقرّ إقراراً مطلقاً بأمر ما فهو ينصرف إلى المتعارف المعتاد في مثله، وإذا أطلق لفظ عقد كبيع أو نكاح أو إجارة أو هبة أو غير ذلك فإنّه ينصرف دائماً إلى المتعارف المعمول به بين الناس في العادة، وكذلك بالنّسبة للمذكور في اليمين إلا إذا وجد صارف. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: من استعار دابّة ليركبها إلى مكان معلوم فأخذ بها من طريق آخر لا يسلكه الناس عادة فهلكت فهو ضامن؛ لمخالفة المتعارف، وهذا على القول بأنّ العارية غير مضمونة في الأحوال العاديّة. ومنها: إذا أقرّ لآخر بمزرعة أو بستان كان للمقرّ له الشّجر والأرض والنّخل؛ لأنّ اسم البستان أو المزرعة عند الإطلاق يجمع الكلّ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 69.

ومنها: إذا أقرّ أنّ هذا النّخل لفلان، فأراد المقرّ له أن يأخذ الأرض كلّها, لم يكن له ذلك، وإنّما له النّخل بأصوله من الأرض، ولا يستحقّ الطّريق ولا ما بين النّخيل من الأرض؛ لأنّ النّخيل اسم للشّجر، ولا يسمّى نخلاً إلا وهو ثابت، فأمّا بعد القطع فيسمى جذوعاً. ومنها: إذا اشترى من بائع سيّارة بخمسين ألفاً. فينصرف هنا - في السّعودية - إلى النّقد المتعارف والمتعامل به بين الناس عند الإطلاق، وهو الرّيال السّعودي، وأمّا في بلد آخر فإنّما ينصرف إلى عملة تلك البلد إن كان ريالات أو دنانير أو جنيهات أو غيرها من أنواع النّقد المختلفة باختلاف البلدان. لكن إذا نُصَّ على نقد مخصوص فهو الواجب أداؤه.

القاعدتان الواحدة والثانية بعد الأربعمئة [ما يقتضي المساواة]

القاعدتان الواحدة والثّانية بعد الأربعمئة [ما يقتضي المساواة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق الاشتراك - أو الشّركة - يقتضي المساواة (¬1). وفي لفظ: مطلق كلمة "بين" يقتضي المساواة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: لفظ الاشتراك والشّركة يقتضي بحسب دلالته الاصطلاحيّة المساواة بين الشّريكين، وكذلك إذا ورد لفظ (بين) في معاملة أو تصرّف فإنّه يقتضي كذلك المساواة؛ لأنّ لفظ الاشتراك افتعال من الشّركة، ولا يكون إلا بين اثنين أو أكثر، وكذلك لفظ (بين) في اللغة لا يأتي إلا لبيان المشاركة فيما أضيف إلى الأشخاص. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومدلولهما: إذا قال: هذه الأرض مشتركة بيني وبين فلان، فيقتضي ذلك المساواة بينهما في الاستحقاق وسببه، إلا إذا نُصَّ على التّفاوت. ومنها: إذا دفع مالاً لشخص مضاربة علىَ أنّهما شريكان في الرّبح، ولم يسمّ نصفاً ولا غيره، فهو جائز، وللمضارب نصف ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 24، 54. (¬2) نفس المصدر ونفس الصفحات.

الرّبح. ومنها: إذا قال: ثلث مالي بين فلان وفلان، أو هذا المال بين فلان وفلان، كان مناصفة بينهما.

القاعدة الثالثة بعد الأربعمئة [الإقرار بالمال]

القاعدة الثّالثة بعد الأربعمئة [الإقرار بالمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مطلق الإقرار بالمال ينصرف إلى الالتزام بسبب عقد مشروع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أقرّ شخص لآخر بمبلغ من المال - فلا يُسأل المُقِرُّ عن سبب هذا المال، ولماذا كان عنده - لأنّه من باب حسن الظّنّ بالمسلمين - فإنّ هذا الإقرار ينصرف إلى التزام المال بسبب عقد مشروع. ولا يحقّ لأحد أن يسأل المُقرَّ على سبب التزامه لهذا المال. لكن إذا كانت هناك شبهة قوية تشير إلى سبب محرّم فلا مانع أن يسأل القاضي المقرّ على سبب التزامه؛ لاحتمال أن يكون التزمه بسبب محرّم كالقمار أو الرّبا، أو الرّشوة، أو غير ذلك من الأسباب المحرّمة. وهذا إذ فشا الفساد بين الناس كما في زمننا هذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ الرّجل أو المرأة أنّ لفلان علي عبداً، ثم أنكره فإنّه يقضى عليه بقيمة عبد وسط، كما يقضى في المهر - أي إذا جعل مهر زوجته عبداً مطلقاً بدون وصف - فلها عبد وسط. ومنها: إذا أقرّ بألف لفلان أو بمئة ألف، فلا يسأل عن سبب هذا الدّين، بل يطالب بالأداء إذا طالبه المُقرُّ له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 176.

القاعدتان الرابعة والخامسة بعد الأربعمئة [التوكيل والوكالة]

القاعدتان الرّابعة والخامسة بعد الأربعمئة [التّوكيل والوكالة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق التّوكيل ينصرف إلى ما يجوز للموكِّل أن يفعله بنفسه شرعاً، دون ما يكون ممنوعاً عنه (¬1). وفي لفظ: مطلق الوكالة يتقيّد بالمعتاد. أي بالعرف (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الوكالة: نيابة، إذ ينوب الوكيل عن الموكّل فيما وكّله فيه، والتّوكيل بمعنى الوكالة، وسواء كانت الوكالة أو النّيابة قوليّة أو فعليّة. فالقاعدة الأولى: مفادها أنّ التّوكيل المطلق - أي إذا وكّل شخص آخر وكالة مطلقة عن القيود - أي وكالة عامّة - فإنّما تنصرف إلى ما يجوز للموكّل أن يفعله بنفسه شرعاً - أي إلى التّصرّفات الشّرعيّة المباحة -. لكن ما منع منه الشّرع، ولا يجوز للموكّل أن يفعله بنفسه، فلا يجوز للوكيل أن يفعله لموكّله كذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 123. (¬2) المبسوط جـ 19 ص 36.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

والقاعدة الثّانية: مفادها أنّه إذا وكّل شخص آخر وكالة مطلقة عن القيود والشّروط فإنّما تتقيّد بالمعتاد المتعارف بين الناس؛ لأنّ العادة والعرف يقيّدان تصرّفات المكلّفين المطلقة ما لم ينصّ على خلاف ذلك في عقد الوكالة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: وكلّ شخص آخر في قبض ديونه، فإنّ الوكيل عليه أن يطالب الدّائنين ويستوفي منهم بالطّرق المشروعة، فلا يجوز له مثلاً: أن يؤخّر ديناً على مدين مقابل زيادة في الدّين؛ لأنّ هذا رباً ممنوع ولا يجوز للموكّل أن يفعله بنفسه، فكذلك الوكيل. ومنها: لا يجوز للوكيل أنَ يبيع ديناً بدين؛ لأنّ هذا ممنوع شرعاً، ولا يجوز للموكّل أن يفعله بنفسه. لكن إذا باع الدّين ممّن عليه الدّين فهو جائز. ومنها: لا يجوز للوكيل أن يستوفي ديناً من ثمن ميتة أو خمر أو خنزير، مع علمه بذلك؛ لأنّ الميتة ليست بمال أصلاً، فلا ثمن لها يكون ديناً، والخمر والخنزير ليسا مالين عند المسلمين، فلا يكون ثمنهما ديناً لمسلم. ومنها: إذا وكّله في تزويجه من امرأة كان الموكّل قد تزوّج أمّها، أو كانت ذات رحم محرم منه أو أربع سواها خرج الوكيل من الوكالة؛ لأنّه - أي الموكّل - صار بحال لا يملك مباشرة العقد عليها بنفسه بما أحدث من التّصرّف، وذلك عزل منه للوكيل.

ومنها: إذا وكّلته امرأة في تزويجها فزوّجها من غير كفء لم يجز - وهو الأصحّ؛ لأنّها ممنوعة من أن تزوّج نفسها من غير كفء. ومنها: إذا وكّله ببيع شيء فللوكيل أن يبيع بالنّقد - لا بالنّسيئة - بما يتغابن به الناس في مثله، ولا يجوز البيع بغبن فاحش ليس بمعتاد، وكذلك لو وكّله بشراء شيء. ومنها: إذا قال: بيع هذا لفلان. فلا يجوز أن يبيع لغيره. ومنها: إذا وكّله بالبيع لأجل. فلا يجوز للوكيل أن يبيع بأجل غير متعارف بين أهل السّوق.

القاعدة السادسة بعد الأربعمئة [مطلق العقد]

القاعدة السّادسة بعد الأربعمئة [مطلق العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مطلق العقد يقتضي تسليم المعقود عليه في الحال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد المطلق عن الشّرط والبيان يوجب تسليم المعقود عليه - الثّمن والمبيع - في الحال - أي في مجلس العقد - إلا إذا نُصَّ على خلاف ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تبايع اثنان سلعة بعقد مطلق فموجب العقد يقتضي أن يسلّم البائع السّلعة إلى المشتري، ويسلّم المشتري الثّمن إلى البائع في الحال. أي في مجلس العقد. ومنها: إذا عقدا عقد نكاح فمقتضى العقد تسليم الزّوجة لزوجها بعد تسليم المهر في مجلس العقد، ولكن مطلق عقد النّكاح يتقيّد بالمتعارف والمعتاد، وهو أنّ الزوجة لا تسلّم نفسها للزّوج - وإن دفع مهرها - إلا بعد حفل الزّفاف المتعارف والمعتاد بين النّاس في هذه الأزمنة. ومنها: من اشترى ثماراً على الشّجر بدون اشتراط القطع أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 95.

التّرك فهو جائز؛ لأنّه وشرط القطع سواء، ويؤمر بأن يقطعها في الحال بمقتضى مطلق العقد، وأمّا عند الشّافعي رحمه الله يتركها إلى وقت الإدراك؛ لأنّه هو المتعارف بين الناس.

القاعدة السابعة بعد الأربعمئة [صفة السلامة، والجودة]

القاعدة السّابعة بعد الأربعمئة [صفة السّلامة، والجودة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مطلق العقد يقتضي سلامة المعقود عليه عن العيب (¬1). وفي لفظ سبق: المستحقّ بمطلق العقد صفة السّلامة - لا نهاية الجودة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثال لهذه القاعدة قريباً. إنّ مطلق العقد - أي العقد الخالي عن الشّروط والتّفصيلات - يقتضي ويوجب اتّصاف المعقود عليه بالسّلامة عن العيوب - التي توجب الرّدّ - سواء في ذلك المبيع أو الثّمن، ولا يستحقّ بإطلاق العقد نهاية الجودة في المعقود عليه؛ لأنّ نهاية الجودة إنّما تستحقّ بالشّرط لا بمطلق العقد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى عبداً فوجده مخنّثاً أو سارقاً أو كافراً، فله أن يردّه؛ لأنّ هذه عيوب يردّ بها، ومطلق العقد يقتضي السّلامة عن العيب. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 105. (¬2) نفس المصدر جـ 11 ص 20.

ومنها: إذا اشترى سيّارة، وبعد ذلك وجد أن محرّكها مستهلك فله ردّها؛ لأنّ هذا عيب تردّ به. ومنها: إذا اشترى بقرة سليمة من العيوب - وهي حلوب - ولكن ليس لبنها غزيراً، فلا يردّها بذلك؛ لأنّ نهاية الجودة لا تستحقّ إلا بالشّرط لا بمطلق العقد. ومنها: إذا استأجر سيّارة لتوصله إلى مكّة، فإنّ على السّائق أن يخرج به فيها في وقت يدرك فيه الحجّ بلا مشقّة على المستأجر، وذلك بحسب المتعارف بين الناس في الوقت الذي يمكن أن يقطع فيه المسافة من موطنه إلى مكّة بدون مشقّة ولا إرهاق زائد عن الحدّ المحتمل والمعروف، وإذا أراد المستأجر حمل السّائق على أن يخرج به قبل وقت الحجّ بزمن طويل فليس له ذلك إلا بالشّرط.

القاعدتان الثامنة والتاسعة بعد الأربعمئة [المطلق وتنزيله]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة بعد الأربعمئة [المطلق وتنزيله] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المطلق عند عدم القرينة ينزل على أقل المراتب (¬1). وعند الحنفيّة: المطلق من الألفاظ ينصرف إلى الكامل من المعاني (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متقابلتان، وتمثلان رأيين مختلفين لمذهبين. أولاهما: تمثّل رأي الشّافعيّة في حكم اللفظ المطلق وعلام ينزل؟ فعندهم ينزل على أقلّ المراتب. أي على أقلّ ما ينطلق عليه الاسم. وثانيتهما: تمثّل رأي الحنفيّة حيث ينزلون اللفظ المطلق ويصرفونه إلى الكامل من المعاني. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا وكّل شخصاً في شراء عبد كاتب أو بقرة حلوب، فاشترى له عبداً يكتب أدنى كتابه، فعند الشّافعيّة يلزمه، وكذلك لو اشترى له بقرة حلوباً نزرة الحلب غير غزيرته فكذلك تلزمه. ومنها: إذا حلف أن لا يأكل لحماً، فلا يحنث بأكل السّمك، وحجّة الحنفيّة أنّه ليس لحماً كاملاً، لعدم وجود الدّم في السّمك. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 180.

والشّافعيّة لا يحنث عندهم أيضاً لكن للعرف حيث لا يطلق في العرف على السّمك لحم. ومنها: عند الشّافعيّة أنّه لو مسح ثلاث شعرات من رأسه في الوضوء لجاز لأنّه أدنى ما يطلق عليه اسم المسح. ومنها: إذا باع بثمن مطلق ينزل على نقد البلد فإن لم يكن وكان له محملان أخفّ وأثقل حُمِل على أخفّهما عملاً بأقلّ ما يقتضيه الاسم. ومنها: إذا عقدا عقد بيع مطلق ينصرف ويحمل على العقد الصّحيح الكامل.

القاعدتان العاشرة والحادية عشرة بعد الأربعمئة [فعل المسلم]

القاعدتان العاشرة والحادية عشرة بعد الأربعمئة [فعل المسلم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق فعل المسلم محمول على ما يحلّ شرعاً (¬1). وفي لفظ: مطلق فعل المشتري المسلم محمول على ما يحلّ شرعاً، ما لم يظهر خلافه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان إحداهما خاصّة، والأخرى عامّة. المسلم الأصل في تصرّفاته كلّها حملها على ما يحل ويباح شرعاً؛ لأنّ المسلم مفروض فيه الورع والتّقوى، والبعد عن المشتبهات عدا عن المحرّمات، ولذلك فإنّ المسلم إذا باع أو اشترى فإنّما يحمل فعله وتصرّفه على ما يحلّ شرعاً لا على ما يحرم، إلا إذا ظهر خلاف ذلك، فيعامل بموجب ما ظهر، وليس ذلك خاصّاً بالمشتري. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أقرّ أنّه اشترى هذه السّيّارة من البائع وقبضها، فإنّ عليه أن ينقد الثّمن للبائع، وليس للبائع أن يستردّ السّيّارة؛ لأنّ ثبوت حقّ البائع بإمساك السّيّارة قد سقط بتسليمها للمشتري برضاه، ولكن إذا أثبت البائع ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1555. (¬2) المبسوط جـ 18 ص 137.

أنّ المشتري قد قبض السّيّارة بغير إذن - وذلك لا يحلّ شرعاً - فإنّ له أن يستردّ السّيّارة ما لم يدفع المشتري الثّمن. ومنها: إذا طالبه بدين عليه فلا يُسأل عن سببه - كما سبق قريباً - لأنّ فعل المسلم محمول على ما يحلّ شرعاً. ومنها: إذا تترّس الكفّار بأسارى من المسلمين فيجوز الرّمي على الكفّار، وينوي الرّامي المشركين المقاتلين برميه دون غيرهم، وعليهم - أي الرّماة المسلمين - أن يتحرّزوا بقدر الاستطاعة، فإذا رمى مسلم صفّ كفّار فأصاب مسلماً تترّسوا به، واختلف الرّامي وولي المقتول، فقال الولي: لقد رميته قاصداً قتله بعد ما علمت أنّه مكره من جهتهم، وقال الرّامي: إنّما تعمدّت المشركين بالرّمي، فإنّ القول قول الرّامي مع يمينه؛ لأنّه منكر سبب وجوب الضّمان عليه، والظّاهر شاهد له، و (مطلق فعل المسلم محمول على ما يحل شرعاً).

القواعد الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة بعد الأربعمئة [مطلق الكلام]

القواعد الثّانية عشرة والثّالثة عشرة والرّابعة عشرة بعد الأربعمئة [مطلق الكلام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق الكلام محمول على قصد المتكلم (¬1). وفي لفظ: مطلق الكلام يجب تحصيله على قصد المتكلّم (¬2). وفي لفظ: مطلق الكلام يتقيّد بالمقصود (¬3). وفي لفظ: مطلق الكلام يتقيّد بدلالة الحال وبما يعلم من مقصود المتكلّم (¬4). وفي لفظ: مطلق اللفظ يتقيّد بمقصود الحالف (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق قريباً أنّ كلام العاقل محمول على الصّحّة ما أمكن، وعلى ما يحلّ - كما سيأتي أيضاً - ولكن هذه القواعد تفيدنا أموراً أخرى، ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 200. (¬2) المبسوط جـ 9 ص 123. (¬3) شرح السير ص 492 وعنه قواعد الفقه ص 123. (¬4) نفس المصدر ص 489. (¬5) المبسوط جـ 30 ص 236/ 237.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وهي أنّ كلام العاقل مع وجوب حمله على الصّحّة ما أمكن فيجب كذلك - إذا ورد مطلقاً - أن يتقيّد بقيود تحدّد معالمه وتقيّد إطلاقه وتخصّص عمومه، ومن هذه القيود قصد المتكلّم ونيّته من وراء كلامه ولفظه بغضّ النّظر عن دلالة الألفاظ اللغوية، وذلك إذا قام دليل على نيّته وقصده؛ لأنّ القصد والنّيّة أمران قلبيان، فلا بدّ من دليل يدل عليهما، فمن تكلّم بكلام مطلق وقصد به معنى أو غرضاً خاصّاً، فإن ذلك القصد يقيد إطلاق ذلك الكلام، وبخاصّة في باب الأيمان. وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة 26. وممّا يقيد مطلق الكلام أيضاً العرف والعادة ودلالة الحال والبساط - أي ملابسات وظروف إطلاق اللفظ. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا كان في صلاة فقرع أحدهم عليه بابه، فرفع صوته بالقراءة، أو قال: سبحان الله، ليسمعه الطّارق فينصرف أو ينتظر، لم تفسد صلاته؛ لأنّه قصد برفع الصّوت والتّسبيح صيانة صلاته عن القطع لفتح الباب. ومنها: إذا كان في صلاته فأخبره أحدهم بخبر سوء، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. إن أراد وقصد جواب المُخبِر قطعت صلاته، وإلا لم تقطع. ومنها: إذا نسب رجلٌ رجلاً إلى غير أبيه في حالة غضب وشجار وسبّ فعليه الحدّ؛ لأنّه يُعلم أنّ مقصوده في حال الغضب إلحاق

الشّين به في ذكر نسبة أمّه إلى الزّنا، وهذا من كنايات القذف. ومنها: إذا قال: وهو في صلاته: يا يحيى خذ الكتاب بقوّة. وأراد القراءة لم يضرّه. وأمّا إن أراد مخاطبة إنسان، اسمه يحيى، فسدت صلاته. ومنها: إذا حلف لا يأكل لحماً. ونوى لحم البقر مثلاً، لا يحنث بأكل لحم الضّأن أو الماعز أو الإبل؛ لأنّ نيّته وقصده قيَّد إطلاق لفظه. ومنها: إذا قال القائد: من جاء برأس فله مئة دينار، فهذا جائز، وهو على رؤوس الرّجال المقاتلين ليس على السّبي بدلالة الحال والمقصود. ومنها: إذا قال أهل حصن كفّار للمسلمين: نصالحكم على أن تؤمنونا على ألف دينار، ولم يوقّتوا وقتاً. فهذا على خروج السّريّة إلى دار الإسلام؛ لأنّه يعلم من مقصودهم بهذا الصّلح الأمن من الخوف الذي نزل بهم، وإنّما يتمّ ذلك بخروج السّريّة إلى دار الإسلام.

القواعد الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة بعد الأربعمئة

القواعد الخامسة عشرة إلى الثّامنة عشرة بعد الأربعمئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق الكلام محمول على عرف أهل اللسان (¬1). وفي لفظ: مطلق الكلام محمول على المتعارف والظّاهر (¬2). وفي لفظ: مطلق اللفظ - في اليمين - محمول على ما يتفاهمه النّاس في مخاطباتهم (¬3). وفي لفظ: مطلق اللفظ محمول على المفهوم عرفاً (¬4). أو يتقيّد بالعرف. وفي لفظ: مطلق اللفظ محمول على معاني كلام النّاس، وما يتفاهمونه في مخاطباتهم (¬5). وفي لفظ: مطلق الفعل محمول على ما هو المعتاد (¬6). وفي لفظ سبق: في الأيمان يعتبر العرف (¬7). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 136. (¬2) المبسوط جـ 8 ص 139، 159. (¬3) المبسوط جـ 20 ص 102 وجـ 28/ 90، القواعد والضوابط ص 495 عن التحرير جـ 5/ 1084. (¬4) المبسوط جـ 22 ص 56. (¬5) نفس المصدر ص 78. (¬6) نفس المصدر جـ 10 ص 210. (¬7) نفس المصدر جـ 20 ص 101.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

وفي لفظ: المطلق من الكلام يتقيّد بدلالة العرف (¬1). [مطلق الكلام واللفظ والفعل، العرف] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلّق بدلالة الألفاظ عند الإطلاق، وما الذي يقيّد ذلك الإطلاق، فعند إطلاق الكلام أو الألفاظ تحمل مدلولاتها على معاني كلام النّاس وما يقصدونه وما يتفاهمونه بينهم بناء على العرف والعادة السّائدين بينهم، ولا يجوز حملها على معانيها اللغوية إلا إذا قامت الأدلّة على إرادة ذلك. وهذه القواعد منها ما هو عام في كلّ كلام وكلّ لفظ يتخاطب به الناس، ومنها ما هو خاصّ يتعلّق بالأيمان وما يحلف عليه الناس، ومنها ما يتعلّق بالأفعال التي تصدر عن المكلّفين، وكلّ هذه يحكم في مدلولاتها العرف والعادة السّائدين بين النّاس، وبخاصّة فيما يتعلّق بالأيمان، فالعرف يقيّد مخاطبات النّاس وأيمانهم وأفعالهم ما لم يدلّ دليل أو قرينة حال أو قصد على خلاف العرف أو العادة، وقد سبق لهذه القواعد أمثال. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حلف لا يأكل بيضاً. فيحمل على ما تعارفه الناس وتفاهموه وهو بيض الدّجاج بخاصّة، وإن كان لفظه مطلقاً، ولا يحمل على ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1713.

إطلاقه إلا إذا نواه. ومنها: لو حلف لا يسكن دار فلان هذه. فسكن غرفة منها. حنث؛ لأنّ السّكنى في الدّار هكذا تكون. ومنها: إذا أوصى لخادمة أن تقيم مع ابنيه الصّغيرين حتى يستغنيا، ثم هي حرّة، ولا وارث له غيرهما، وهي تخرج من ثلثه. فعليها خدمتهما حتى يدركا - أي يبلغا - فإذا أدركا فقد عتقت. ومنها: إذا حلف لا يكفل بفلان, أو لا يضمن فلاناً، فكفل عنه بمال لم يحنث؛ لأنّ الكفالة بفلان إذا أطلقت فإنّما يفهم منها الكفالة بالنّفس، إلا إذا عنى ونوى المال. وهذا على عرف زمانهم في مخاطباتهم، لكن إذا تغيّر العرف وصار معنى الكفالة بفلان أو ضمان فلان هو كفالة ما يلزمه أو ضمان ما يلزمه، فلو حلف على ذلك، فهو يحنث إذا كفل عنه بمال. أمّا إذا حلف لا يضمن لفلان شيئاً فضمن له بنفس أو مال، فهو حانث؛ لأنّه قد ضمن له؛ لأنّ المفهوم من هذا اللفظ التزام المطالبة بتسليم شيء مضمون له، وقد وجد ذلك. ومنها: إذا دفع مالاً مضاربة واشترط على المضارب أن يشتري به الثّياب ويبيعها، فاسم الثّياب اسم جنس للملبوس في حقّ بني آدم، فله أن يشتري به ما شاء من ذلك كالخزّ والحرير والكتّان القطن وكلّ ما يلبس، لكن ليس له أن يشتري السّتائر والبسط والسّجّاد والوسائد والفرش؛ لأنّ كلّ ذلك من جنس الفرش ولا يتناوله اسم الثّياب في العادة مطلقاً.

ومنها: إذا دفعه إليه على أن يشتري به البز فليس له أن يشتري به من ثياب الخزّ والحرير والطيالسة والأكسية شيئاً، وإنّما يشتري ثياب القطن والكتّان فقط. لأنّ البزاز في عرف الناس من يبيع ثياب القطن والكتّان. وهذا شيء مبناه على عرف الناس في ذلك الزّمن وليس من فقه الشّريعة.

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون بعد الأربعمئة [مطلق الكلام - دلالة الحال]

القاعدتان التّاسعة عشرة والعشرون بعد الأربعمئة [مطلق الكلام - دلالة الحال] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق الكلام يتقيّد بدلالة الحال (¬1)، ويصير ذلك كالمنصوص عليه (1). وفي لفظ: مطلق الكلام يتقيّد بما سبق فعلاً أو قولاً (¬2). وفي لفظ: مطلق الكلام يتقيّد بما هو المعلوم - أو الغالب - من دلالة الحال (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القواعد لها صلة بما سبقها من قواعد، من حيث إنّ موضوعها ما يقيد مطلق الكلام، فالكلام المطلق كما يقيّده العرف، يقيّده أيضاً أحد شيئين: الأوّل: دلالة الحال - أي البساط أو ملابسات وحيثيات الكلام -. والثّاني: ما سبقه من فعل أو قول. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومدلولهما: إذا دعاه ليتغدّى عندهُ. فحلف أن لا يتغدّى. ثم ذهب إلى بيته ¬

_ (¬1) شرح السير ص 762، 785، 801. (¬2) المبسوط جـ 8 ص 168. (¬3) نفس المصدر ص 186.

وتغدّى. لا يحنث؛ لأنّه حلف على غداء صاحبه، بدليل الكلام السّابق والحال السّابقة. ومنها: إذا أنفق على لقيط قبل إذن الإِمام فتلك النّفقة تعتبر تطوّعاً وتبرّعاً منه، ولا تصبح ديناً في ذمّة اللقيط. لكن إذا أمره القاضي أن ينفق عليه على أن يكون ذلك ديناً عليه فهو جائز، وهو دين على اللقيط. ومنها: إذا حلف لا يسكن داراً لفلان - وهو ينوي بأجر أو عاريَّة - وسكنها على غير ما عنى، ولم يجر قبل ذلك كلام فإنّه يحنث. وما نوى لا يغني عنه شيئاً؛ لأنّه نوى التّخصيص فيما ليس فيه لفظ، فإنّ في لفظه فعل السّكنى - وهو نوى التّخصيص في السّبب الذي يتمكّن به من السّكنى. لكن إن كان قبل ذلك كلام يدلّ عليه بأن استعاره فأبى فحلف وهو ينوي العاريَّة ثم سكن بأجر فحينئذ لا يحنث لدلالة الحال، فكأنّ اليمين مخصوصة بالسّكنى بالاستعارة. ومنها: إذا قامت امرأته لتخرج فقال لها: إن خرجت فأنت طالق. كانت يمينه على تلك الخرجة فلو قعدت ثم خرجت بعد ذلك لا تطلق.

القاعدة الحادية والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق من الكلام]

القاعدة الحادية والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق من الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق من كلام العاقل محمول على المشروع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال. وينظر من قواعد حرف التّاء القاعدة رقم 100. كلام العاقل عند الإطلاق يجب حمله على الصّحّة وعلى المشروع لا على البطلان والفساد؛ لأنّ العاقل إنّما يتصرّف ويتكلّم ليتحمّل مسؤوليّة تصرّفه وكلامه. ولكي يترتّب على كلامه النّتائج المطلوبة للعقلاء والمكلّفين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: اشتريت منك هذه السّيّارة، أو هذه السّلعة بكذا فإنّما يريد بذلك العقد الشّرعي الصّحيح لا الفاسد أو الباطل. ومنها: إذا أقرّ أنّ لحمل فلانة عليه مبلغاً من المال، أو هذه العين ملك لما في بطن فلانة، فولدت لمدّة يعلم أنّه كان في البطن وقت الإقرار. فعند محمَّد بن الحسن رحمه الله الإقرار صحيح؛ لأنّ عقل الإنسان ودينه يدعوانه إلى التّكلّم بما هو صحيح، لا بما هو لغو، فيجعل مطلق إقراره صحيحاً بمنزلة ما لو بيّن سبباً صحيحاً. ¬

_ (¬1) كشاف القناع جـ 6 ص 182.

القاعدة الثانية والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق محمول على الكمال]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق محمول على الكمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق محمول على الكمال الخالي عن العوارض المانعة من الجواز (¬1). وفي لفظ: المطلق من الشّيء ينصرف إلى الكامل منه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أطلق لفظ على شيء كسلعة أو ثمن، فإنّما ينصرف ويحمل على الكامل منه لا على النّاقص، أو ما فيه عارض مانع من جوازه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع رجل ماله، وسُئل المفتي عن ذلك، فإنّما يفتي بصحّة البيع، وإن احتمل أنّ الرّجل غير عاقل - مثلاً -؛ لأنّ الصّحّة هي الأصل والكمال في الشّيء. ومنها: إذا قال إنسان: تزوّجت، أو عقدت عقد نكاح على فلانة، فإنّما ينصرف ويحمل على العقد الصّحيح المستوفي شرائطه. ¬

_ (¬1) غمز عيون البصائر جـ 2 ص 338 عن الفتاوى البزازية جـ 6 ص 51 - 52 على هامش الفتاوى الهندية. (¬2) المبسوط جـ 16 ص 113.

ومنها: اشتراط العقل والضّبط والعدالة، لمّا كان لا حدَّ يرجع إليه في كمال معرفة هذه الأشياء جعل الشّرع لها حدّاً، وهو البلوغ مع العقل تيسيراً.

القاعدتان الثالثة والرابعة والعشرون بعد الأربعمئة [مطلق النهي]

القاعدتان الثّالثة والرّابعة والعشرون بعد الأربعمئة [مطلق النّهي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مطلق النّهي يوجب الفساد (¬1). وفي لفظ: مطلق النّهي عن العقد يدلّ على فساده إلا أن يقوم دليل (¬2). فقهيّة أصوليّة ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان متّحدتا المعنى، لكن إحداهما أعمّ من الأخرى. فالأولى منهما تدلّ على العموم، فإذا وجد نهي مطلق فإنّما يدلّ على فساد المنهي عنه، وإذا فسد الشّيء حَرُم، أو على أقلّ تقدير دخله كراهة تحريم أو تنزيه. والثّانية منهما: تدلّ على نهي مخصوص بالعقود، فإذا نهى الشّارع عن عقد من العقود فذلك دليل على فساده وبطلانه، إلا أن يقوم دليل على عدم الفساد، ويكون ذلك دليلاً على كراهة التّنزيه أو التّحريم. وكون النّهي يقتضي الفساد مسألة أصوليّة خلافيّة بين الحنفيّة وغيرهم. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 56. (¬2) عقد الجواهر الثمينة جـ 2 ص 417.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: (نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع ما ليس عند الإنسان). فإذا باع إنسان ما ليس عنده، فالعقد باطل. ومنها: نهى الشّرع عن الرّبا، فمن عقد عقد ربا، فالعقد باطل وفاسد. ومنها: بيع الحيوان باللحم إذا كان من جنس واحد مأكول اللحم، كبيع كبش بعشرين رطلاً من اللحم مثلاً. فهذا منهي عنه ويعتبر من الرّبا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة. ومنها: بيع الطّعام قبل قبضه، وبيع الكالئ بالكالئ، وكلّ ذلك من البيوع الفاسدة. ومنها: النّهي عن الصّلاة بعد صلاة الفجر وصلاة العصر.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق - العام]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق - العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق غير العام (¬1). أَصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المطلق والعام مصطلحان أصوليّان فقهيّان، وكلاهما فيه عموم، ولكن يختلف أحدهما عن الآخر في نوع عمومه، فالعامّ عمومه شمولي، إذ يشمل كلّ ما يندرج تحت لفظه من أفراد. ولذلك عرَّفوا العام بأنّه (اللفظ الدّال على شيئين فصاعداً مطلقاً) (¬2). والمطلق عمومه بدلي: ولذلك قالوا في تعريفه: "ما دلّ على شيء غير معيّن باعتبار حقيقة شاملة لجنسه"، وهو النّكرة في سياق الإثبات (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬4) الآية. كلّ ألفاظها عامّة من حيث إن لفظ المؤمنين ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 33. (¬2) الإيضاح ص 17. (¬3) نفس المصدر ص 18. (¬4) الآية 35 من سورة الأحزاب.

والمؤمنات وما عطف عليهما ألفاظ تدلّ على شيئين فصاعداً. ومنها: قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (¬1) فلفظ (ما) من ألفاظ العموم. ومنها: قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬2). فلفظ (رقبة) مطلقة دلّ على الحقيقة بدون قيد، فإذا قال: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (¬3). فهذا القيد أخرج الرّقبة عن إطلاقها, لأنّ الحقيقة قيِّدت بالإيمان. ¬

_ (¬1) الآية 270 من سورة البقرة. (¬2) الآية 89 من سورة المائدة. (¬3) الآية 92 من سورة النساء.

القاعدة السادسة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق المتأبد]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق المتأبّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق فيما يحتمل التّأبيد بمنزلة المصرّح بذكر التّأبيد (¬1). وفي لفظ: المطلق فيما يحتمل التّأبيد متأبّد (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من المعاملات الجارية بين الناس معاملات مؤقّتة بوقت كالإجارة والسّلم، فهذه لا تحتمل التّأبيد، بل لا بدّ فيها من التّوقيت. ومنها معاملات الأصل فيها التّأبيد أو تحتمله، فهذه إذا أطلقت على شرط التّأبيد فهي مؤبّدة كأنّه صرِّح فيها بذكر التّأبيد. والمراد بالتّأبيد - الاستمرار إلى ما لا نهاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد النّكاح عقدّ الأصل فيه التّأبيد ويحتمله، ولذلك لا يجوز توقيته، ولا يشترط عند العقد ذكر تأبيده. ومنها: عقد البيع فهو عقد مؤبّد - ولو لم يشترط التّأبيد - ولا يكو مؤقّتاً. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 490. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 211.

ومنها: عقد الذّمّة عقد مؤبّد، ولو لم يشترط فيه التّأبيد بخلاف عقد الموادعة والهدنة. ومنها: إذا صالح الإمام قوماً من الكفّار على أن يؤمنوهم على مال، ولم يذكروا مدّة، بل كان العقد مطلقاً، فلا يجوز للإمام أن يقاتلهم حتى يردّ إليهم ما أخذوا منهم؛ لأنّ مقصودهم من بذل المال تحصيل الأمن لهم مطلقاً، حتى لا يتعرّض أحدٌ من المسلمين لجانبهم. فكأنّهم قالوا: آمنونا أبداً. فلذلك لا يحلّ قتالهم إلا بعد ردّ المال عليهم.

القاعدة السابعة والعشرون بعد الأربعمئة [النذر المطلق]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد الأربعمئة [النّذر المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق في النّذر يجب حمله على المعهود شرعاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّذر: ما كان وعداً على شرط، ومنه نذر طاعة ونذر معصية، فنذر المعصية لا يجوز ولا يعتبر للحديث "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" (¬2) أو "لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" (¬3). فإذا نذر عبادة نذراً مطلقاً فإنّما يجب أن يحمل وينصرف إلى المعهود من الشّرع؛ لأنّ النّذر إنّما يصحّ ويجوز بماله أصل في الشّرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نذر صلاة - غير مفروضة - فيجب عليه صلاة شرعيّة لا تقلّ عن ركعتين بنيَّتها. ومنها: ومن نذر صوماً، فيجب الصّيام الشّرعي، من طلوع ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 547. (¬2) رواه الجماعة إلا مسلماً عن عائشة رضي الله عنها. (¬3) رواه أبو داود عن ثابت بن الضّحّاك وأصله في الصحيحين.

الفجر إلى غروب الشّمس مع تثبيت النّيّة، ولا يجوز أن يصوم عن الكلام، أو الطّعام ليلاً. وأقلّ ما يجزئه يوم. ومنها: من نذر هدياً وأطلق، فأقلّ ما يجزئه شاة، أو سُبُع بدنة أو سُبُع بقرة. أمّا لو عيَّن فيلزمه ما عيَّنه. وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق، والمقيد]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق، والمقيّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق لا يحمل على المقيّد في حكمين مختلفين (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ورد لفظ مطلق في حكم، وورد لفظ مقيّد في حكم آخر مختلف، ففي هذه الحال لا يحمل المطلق على المقيّد، بمعنى أنّه لا يجوز أن نعطي الحكم الذي ورد في المقيّد للمطلق، أي أنّه لا يجوز الحكم بتقييد المطلق بقيد المقيّد مع الاختلاف في الحكمين. وهذه من مسائل الخلاف بين الحنفيّة وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ في كفّارة القتل الخطأ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (¬2) فقيدت الرّقبة المجزئة في هذه الكفّارة بالإيمان، ولذلك لا يجوز عتق رقبة كافرة في كفّارة القتل الخطأ، وهذا متّفق عليه. وذكر الله عَزَّ وَجَلَّ في كفّارة اليمين المنعقدة {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (¬3) بدون قيد الإيمان، فهي رقبة مطلقة عن القيد. فعند الحنفيّة تجزئ في ¬

_ (¬1) شرح السير ص 636. (¬2) الآية 92 من سورة النساء. (¬3) الآية 89 من سورة المائدة.

كفّارة اليمين مع الحنث رقبة كافرة، ولا يجب إعتاق رقبة مؤمنة. وكذلك في الظّهار وغيره عدا القتل الخطأ؛ لأنّه لا يحمل المطلق على المقيّد في حكمين مختلفين. وهذا خلافاً للمالكيّة والشّافعيّة والرّاجح عند الحنابلة. ومنها: إذا نفل الأمير سريّة نفلاً مطلقاً، فيكون الاستحقاق لهم في هذا بالتّساوي بين الفارس والرّاجل، ولا يقاس على الاستحقاق الثّابت لهم بالغنيمة؛ لأنّ النّفل غير الغنيمة، ولا يحمل، المطلق على المقيّد في حكمين مختلفين، لكن إن بيَّن الأمير لهم وقال: للفارس منكم سهم الفارس وللرّاجل سهم الرّاجل ثبت الاستحقاق بتسميته.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد الأربعمئة [المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق من العارف بالمحلّ الصّحيح ينزل على الجهة الصّحيحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد من العارف بالمحل الصّحيح: العالم بالسّبب والحكم. فإذا ورد لفظ مطلق بحكم أو بيان أمر من إنسان عالم أو فقيه عارف بالأحكام الشّرعيّة وأسبابها، فإنّما ينزل لفظه وكلامه على الجهة الصّحيحة، أي يعتمد قوله ويتبع ولو لم يبيّن السّبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبر فقيه بنجاسة ماء - وكان مذهبه موافقاً لمذهب السّائل - اعتمد قوله واتّبع وإن لم يبيّن سبب النّجاسة. ومنها: إذا أخبر عدل بأنّ فلاناً مجروح غير عدل، فالرّاجح أن يقبل قوله وإن لم يذكر السّبب. ومنها: إذا أخبره ثقة بأنّ فلانة التي يريد الزّواج منها قد ارضعت معه أو هو رضع معها. فيجب اعتماد قوله وتركها. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 176.

القاعدة الثلاثون بعد الأربعمئة [المطلق وتفسيره]

القاعدة الثّلاثون بعد الأربعمئة [المطلق وتفسيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق من سلام الآدمي - إذا خلا عن قرينة - ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسّر بما يفسّر به (¬1). أو يحمل على المشروع (¬2). وقد سبقت قريباً ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا أطلق الإنسان كلاماً - خالياً عن قرينة تقيّده - فيجب أن يحمل ويفسّر بما يفسّر به كلام الله سبحانه وتعالى، أي يفسّر بلغة العرب؛ لأنّ المطلق من الألفاظ إنّما يقيّد بالنّصّ أو بدلالة الحال أو العرف - كما سبق بيانه - فإذا لم يوجد شيء من ذلك، فإنّما يحمل ويفسّر بما يفسّر به كلام الله تعالى - أي القرآن الكريم، والقرآن الكريم إنّما يفسّر بلغة العرب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وقفت - أي حبست - هذا العقار، أو هذه الأرض على أولادي، ثم على المساكين. أو قال: على ولدي ثم المساكين، أو على ولد فلان ثم على المساكين. فيكون وقفاً على أولاده ذكوراً وإناثاً، ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 609. (¬2) القواعد والضوابط ص 119 عن كشاف القناع ج 6 ص 182.

وأولاد أولاده منَ الأولاد البنين ما تناسلوا، ما لم تكن قرينة تصرف عن ذلك. وأولاد البنات ليس لهم شيء؛ لأنّهم من رجال آخرين، وهذا هو الأرجح عنَ أحمد رحمه الله وهو مذهب مالك ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى. وعند الشّافعي وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يدخل أولاد البنات؛ لأنّ أولادهن أولاد أولاده حقيقة. ودخول ولد الولد مختلف فيه فعند الحنابلة والشّافعيّة يدخل ولد الولد في الوصيّة والوقف؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬1) فدخل فيه ولد البنين وإن سفلوا، وكذلك كلّ موضع ذكر الله تعالى الولد دخل فيه ولد البنين؛ ولأنّ ولد ولده ولده. والقبائل تنسب كلّها إلى جدودها، وعند الحنفيّة والمالكيّة لا يدخل ولد الولد إلا بالنّصّ فإذا انقرض ولده لصلبه صرفت إلى المساكين (¬2). ¬

_ (¬1) الآية 11 من سورة النساء. (¬2) الإسعاف ص 99 عن الفتاوى الخانية جـ 3 ص 319، فصل في الوقف على الأولاد والأقارب والجيران، وينظر عقد الجواهر جـ 3 ص 43.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد الأربعمئة [حمل المطلق على المقيد]

القاعدة الحادية والثّلاثون بعد الأربعمئة [حمل المطلق على المقيّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق والمقيّد في حادثتين يحمل أحدهما على الآخر (¬1). عند الشّافعي رحمه الله ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة عند الشّافعي رحمه الله ومن وافقه، وهي مقابلة لقاعدة سبقت قريباً - عند الحنفيّة. وقلنا: إنّها من مسائل الخلاف بين الحنفيّة وغيرهم، وهي أنّ المطلق والمقيّد في حادثتين - في حكم متّحد - يحمل أحدهما على الآخر - بمعنى أنّ المطلق يقيّد بقيد المقيّد ويعطى حكمه، وهذا معنى حمله عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سبق بيان أنّ كفّارة اليمين وكفّارة الظّهار لا تحمل على كفّارة القتل الخطأ عند الحنفيّة لاختلاف الحكمين، لكن عند الشّافعي ومالك وأحمد رحمهم الله تعالىَ يحمل المطلق على المقيّد، فلا يجزئ في كفّارة انتهاك صوم رمضان أو الظّهار أو اليمين إلا رقبة مؤمنة، حملاً لها على كفّارة القتل الخطأ (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 68. (¬2) ينظر روضة الطالبين جـ 6 ص 255، الاعتناء ص 907، وعقد الجواهر جـ 1 ص 365، جـ 2 ص 231، والمقنع جـ 3 ص 247 وهي الرواية الراجحة في ظاهر المذهب.

القاعدة الثانية والثلاثون بعد الأربعمئة [المطلق]

القاعدة الثّانية والثلاثون بعد الأربعمئة [المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق يجري على إطلاقه إذا لم يقم دليل التّقييد نصاً أو دلالة (¬1). وفي لفظ: المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التّقييد (¬2). من أصول أبي حنيفة رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المطلق من الألفاظ والكلام يجب أن يعمل به ويحمل على إطلاقه، ولا يجوز تقييده بأي قيد ما لم يقم دليل على التّقييد منصوص عليه أو دلّت عليه القرائن وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافاً لصاحبيه رحمهما الله تعالى. فعنده أنّ من أطلق فكلامه يجري على إطلاقه مهما ترتّب من نتائج. ولكن عندهما أنّ اللفظ المطلق لا يعمل به على إطلاقه في كلّ حال، بل إنّ العرف يقيّده، فإذا ترتّب على الإطلاق نتائج مخالفة للعرف لا يجوز العمل بالمطلق بناء على القاعدة السّابقة (مطلق اللفظ يتقيّد بالعرف). ¬

_ (¬1) المجلة المادة 64، شرح الخاتمة ص 80، شرح القواعد للزرقا ص 261. (¬2) المبسوط جـ 19 ص 40، 117، القواعد والضوابط ص 495 عن التحرير جـ 5 ص 858.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: اشتر لي فرساً، أو سيّارة، ولم يحدّد النّوع، ولا اللون، ولا أي صفة من الصّفات مقيّدة، ولم يكن له عادة معروفة في اقتناء الخيل أو السّيّارات، فأيُّما فرس اشتراه الوكيل، أو أي سيّارة ابتاعها فهي تلزم الموكِّل، ويجبر على قبولها؛ لأنّه أطلق كلامه، ولم يقيّده بالنّصّ على القيد. ولم يقم دليل على التّقييد بصفة مخصوصة. ومنها: قال: إذا سألك سائل فأعطه، فأيّما سائل سأله ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً، فأعطاه برئت منه الذّمّة، وأدّى ما هو مطلوب منه. ومنها: إذا قال ربّ المال للمضارب: اعمل برأيك. فدفع المضارب المال إلى آخر مضاربة على أكثر من نصيبه يجوز (¬1). لأنّه قال له: اعمل برأيك، ولم يقيّد بقيد. ومن الأمثلة التي وقع فيها الخلاف: إذا وكَّله بشراء جارية وسمّى جنسها وسنّها وثمنها، فاشتراها له عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليدين أو الرّجلين أو إحداهما أو مقعدة، فهي جائزة على الآمر عند أبي حنيفة رحمه الله. إذا اشتراها بمثل القيمة، أو بما يتغابن به الناس، وعند صاحبيه لا تلزم الآمر ولا تجوز عليه بهذه الصّفات، ويكون الوكيل مشترياً لنفسه؛ لأنّهما يعتبران ¬

_ (¬1) شرح الشيخ أحمد الزرقا رحمه الله ص 265 وفيه تفصيل مفيد فلينظر هناك.

العرف، وشراء ما فيها هذه العيوب غير متعارف بين الناس؛ لأنّه يفوت منفعتها. ومنها: إذا وكّل رجلاً أن يهب هذا الثّوب لفلان، على عوض يقبضه منه - ولم يسمّ مقدار العوض - ففعل ذلك غير أنّ العوض أقلّ من قيمة الثّوب الموهوب. فهو جائز في قول أبي حنيفة بناء على أصله في اعتبار إطلاق اللفظ، ولا يجوز على قولهما إلا أن يكون العوض مثل الموهوب أو دونه بما يتغابن الناس في مثله، بناء على أصلهما في تقييد مطلق اللفظ باعتبار العادة.

القاعدة الثالثة والثلاثون بعد الأربعمئة [المطلق والغالب]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون بعد الأربعمئة [المطلق والغالب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المطلق يحمل على الغالب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة. وهي قريبة المعنى من القاعدة السّابقة. ومفادها: أنّ المطلق من الألفاظ - إذا لم تقم قرينة على تقييده يجب حمله على الغالب، أو الظّاهر، ولا يحمل على النّادر غير الشّائع في وسطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع بثمن مطلق فإنّما ينزل على نقد البلد التي جرى فيها التّبايع. وإذا كان في البلد عدّة أنواع من النّقد فإنّما يحمل على أشهرها وأكثرها تداولاً بين النّاس أي النّقد الذي يغلب على النّاس التّعامل به. ومنها: إذا حلف لا يأكل خبزاً. ولا نيَّة له - في البلد أنواع من الخبز، يحمل اليمين على الغالب منها والمشهور الذي يأكله أكثر الناس في بلده. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: المسافر إذا لم ينو القصر ولا الإتمام في صلاته لزمه الإتمام؛ ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 138.

لأنّ الأصل هو الإتمام، فإذا أطلق النّيّة انصرف إلى المعهود. لا إلى الغالب على المسافر وهو القصر.

القاعدتان الرابعة والخامسة والثلاثون بعد الأربعمئة [المظلوم]

القاعدتان الرابعة والخامسة والثّلاثون بعد الأربعمئة [المظلوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المظلوم لا يظلم غيره (¬1). وفي لفظ: المظلوم له أن يدفع الظّلم عن نفسه بما قدر عليه لكن ليس له أن يظلم غيره (¬2). وفي لفظ: مَن ظُلِم ليس له أن يظلم غيره (¬3). وتأتي قريباً. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المظلوم: اسم مفعول من ظُلِم فهو مظلوم - وهو مَن وَقَع عليه الظّلم. والظّلم: هو وضع الشّيء في غير موضعه، أو التّصرّف في حقّ الغير - بغير إذنه - ومجاوزة حدّ الشّارع (¬4). فالّذي وقع عليه الظّلم من غيره بالتّصرّف في حقّه - بغير إذنه - أو مجاوزة حدّ الشّارع في معاملته أو عقوبته، له أن يدفع ظلم الظّالم ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 97 أ، شرح الخاتمة ص 81. (¬2) شرح السير ص 2033 وعنه قواعد الفقه ص 124. (¬3) المبسوط جـ 21 ص 157. (¬4) الكليات ص 594.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

عن نفسه بقدر استطاعته، وإن لم يستطع دفع الظّلم أو رفعه فليس له إلا الصّبر والدّعاء وانتظار الفرج من عند الله، وليس له أن يظلم غيره من الناس أو غير ظالمه انتقاماً ممن ظلمه؛ لأنّه إذا فعل ذلك صار ظالماً بعد أن كان مظلوماً. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: مَن سُرِق له شيء، ولم يعرف السّارق، فليس له أن يسرق غيره انتقاماً من الناس، فإنّه يصير مجرماً كالذي سرق منه. ومنها: إذا دخل أحد المساجد ليصلي فسرق أحدهم حذاءه أو نعاله، فلا يجوز له أن يأخذ أي حذاء آخر ممّا هو عند باب المسجد؛ لأنّه في هذه الحال يكون هو وسارق نعله سواء، لكن إمّا أن يستعير نعلاً حتى يصل منزله، أو يمشي حافياً إلى بيته أو سيّارته، ويستعوض الله خيراً في حذائه. ومنها: مَن قتل له قتيل، فليس له أن يقتل غير القاتل - إن كان القتل عمداً عدواناً - فإن قتل غير القاتل صار قاتلاً مستحقّاً للقصاص. وصار ظالماً بعد أن كان مظلوماً. ومنها: من اضطر إلى العمل مع قوم براتب غير مجز وغير مكافئ - لصفة فيه تفاوتت لأجلها الرّواتب بغير وجه شرعي - مع أنّه ماهر في عمله مخلص في أدائه، فعليه أن يراعي الله عزّ وجلّ في عمله، ولا يقصّر فيه، ولا يخون - ويقول أعمل لقدر الرّاتب أو أخون انتقاماً - فذلك لا يجوز؛ لأنّه بعد أن كان مظلوماً أصبح ظالماً

مستحقّاً للعقوبة، إن لم تكن من الناس فمن الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، وليعلم أنّ عاقبة الظّلم وخيمة دنيا وأخرى. نعوذ بالله من أن نظلم أو نُظلم.

القاعدة السادسة والثلاثون بعد الأربعمئة [مظنة الشيء]

القاعدة السّادسة والثّلاثون بعد الأربعمئة [مظنّة الشّيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مظنّة الشّيء تقوم مقام حقيقته، والمظانّ إنّما يعلم جعلها مظنّة بنصّ أو إجماع (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مظنّة الشّيء: مَأْلفه الذي يُظَن كونه فيه (¬2). والمظنّة: مَفْعِلة، اسم مكان أو اسم زمان أو مصدر ميمي. والذي يدعو إلى اعتبار المظنّة أنّ الشّيء قد يدرك وقد لا يدرك، فالنّاقض من الخارج من السّبيلين مدرك في حال اليقظة، وغير مدرك في حال النّوم. فما يدرك يبنى عليه الحكم، وما لا يدرك ينظر فيما يمكن أن يكون ويوجد فيه وبسببه، فيكون مظنّته ويبنى عليها الحكم، وإن خفيت الحكمة فيها. ولا يكون الشّيء مظنّة للشّيء بالاجتهاد، أو بالتّحكّم، وإنّما يعلم كون هذا الشّيء مظنّة للشّيء بنصّ من الكتاب أو السّنّة أو بإجماع من الصّحابة رضوان الله عليهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: النّوم في ذاته ليس ناقضاً للطّهارة، لكن لمّا كان النّائم لا يشعر ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 208, 300، 436، جـ 2 ص 70، 625. (¬2) الكليّات ص 868.

بما خرج منه جُعل النّوم مظنّة لوجود النّاقض؛ لأنّه كما قال عليه الصّلاة والسلام: "العين وكاء السه، فمن نام فليتوضّأ" (¬1) أو كما قال عليه الصّلاة والسّلام، الحديث عن عليَ رضي الله عنه. وفي حديث معاوية رضي الله عنه "العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء" (¬2) الوكاء: الرّباط. السه: حلقة الدّبر. ومنها: اللّمس من الرّجل للمرأة مع الشّهوة مظنّة لخروج المذي النّاقض، فأقيم مقامه - عند مَن يرون النّقض باللّمس مع الشّهوة -. ومنها: غسل الكافر إذا أسلم لمظنّة جنابة لحقته، أو نجاسة أصابته. ومنها: التقاء الختانين يوجب الغسل؛ لمقامه مقام الإنزال؛ لأنّه مظنّته. ومنها: إذا عَرِيت الولادة عن الدّم ففي وجه يجب الغسل لأنّها مظنّة النّفاس الموجب. ومنها: غسل اليدين عند الاستيقاظ من النّوم لمظنّة النّجاسة. ومنها: الحمّام موضع الأوساخ والبول، فَنُهِي عن الصّلاة فيه لأنّه مظنّة ذلك. ومنها: اعتبار الحول في الزّكاة؛ لأنّه مظنّة النّماء في المال. ¬

_ (¬1) الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة، المنتقى حديث 318. (¬2) نفس المصدر الحديث 319.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد الأربعمئة [الاحتمال - الاستحقاق]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد الأربعمئة [الاحتمال - الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مع الاحتمال لا يثبت الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاحتمال: هو دخول الشّك في ثبوت السّبب الموجب للاستحقاق، من حيث إنّ الدّليل يحتمل الأمرين، ثبوت الاستحقاق، وعدم ثبوته. ومعنى الاستحقاق: ثبوت الحقّ لطالبه ومدَّعيه. فإذا وجد الاحتمال فإنّ الاستحقاق لا يثبت. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وقع الشّكّ في كون فلان هو المتلف أو القاتل فلا يثبت عليه الضّمان لوجود الشّكّ والاحتمال. ومنها: إذا قال رجل لامرأة: والله لا أقربك، لا يكون هذا إقراراً منه بأنّها زوجته؛ لأنّه كلام محتمل، فلعلّه منع نفسه من قربانها لعدم الملك له عليها، ولعلّه قصد الإضرار بها، والمحتمل لا يكون حجّة. ومنها: إذا ادّعى مجهول النّسب أنّه ابن فلان الميّت، ويستحقّ ميراثه، ولم يأت ببيِّنة على قوله، لا يستحقّ من الميرات شيئاً؛ لأنّ كلامه محتمل للصّدق والكذب. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 851.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد الأربعمئة [المظنة - الحقيقة]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد الأربعمئة [المظنّة - الحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المظّنة لا يعتبر معها وجود الحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى المظنّة في القاعدة السّابقة. وهذه القاعدة ذات صلة بسابقتها، فإذا كانت المظنّة تقوم مقام حقيقة الشّيء فإنّ وجود حقيقة ذلك الشّيء لا اعتبار لها؛ إذ أن الشّارع أقام المظنّة مقامها؛ ولأنّ الحقيقة تلك لا انضباط لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: السّفر مظنّة وجود المشقّة، ولذلك بنيت الأحكام عليه لأنّ له صفة ظاهرة منضبطة، فسواء وجدت المشقّة في السّفر حقيقة أو لم توجد فلا اعتبار لها ولا اعتداد بها إنّما الاعتداد بالسّفر ذاته. ومنها: النّوم مظنّة الحدث، فسواء وجد الحدث أو لم يوجد حقيقة أثناء النّوم فلا يعتبر, لأنّ الاعتبار للنّوم ذاته. ومنها: التقاء الختانين مظنّة الإنزال فيجب الغسل عنده، وسواء حصل الإنزال أو لم يحصل فالغسل واجب بالالتقاء. ¬

_ (¬1) مغني ذوي الأفهام ص 511.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد الأربعمئة [المعارضة بنقيض المقصود]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد الأربعمئة [المعارضة بنقيض المقصود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعارضة بنقيض المقصود الفاسد (¬1). وفي لفظ: ما يثبت الحكم بوجوده إذا أوجده هل يثبت له الحكم (¬2). وفي لفظ سيأتي: من قصد إلى ما فيه إبطال قصد الشّارع عوقب بنقيض قصده (¬3). وفي لفظ سبق: مراعاة الحكمة مع وجود الوصف الأكثر اعتبارها. القاعدة 34. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق بيان مثل هذه القواعد. إذا تصرّف الإنسان تصرّفاً يقصد من ورائه استعجال أمر أخّره الشّرع، فإنّ هذا التّصرّف يعتبر باطلاً، ويترتّب عليه حرمانه مما تعجّله ليحوزه ويحصله، وفي بعض مسائل هذه القاعدة خلاف. وينظر ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 416، المنثور جـ 3 ص 183، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 168 - 170، قواعد الحصني جـ 3 ص 241. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 418. (¬3) الإشراف جـ 2 ص 134، 241 عن القواعد ص 275.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الوجيز ص 159 فما بعدها. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا طلّق امرأته في مرض موته - فراراً من ميراثها - ترث منه إذا مات قبل انقضاء عدّتها عند الأكثرين، وقديم الشّافعي رحمه الله. ومنها: إذا قتل مورثه ليرثه حرم الميراث. ومنها: عدم طهارة الخمر إذا خلّلت بطرح شيء فيها. خلافاً للحنفيّة. ومنها: حقّ الشّفعة شرعه الشّرع مراغمة لمقصود البائع وصرف البيع إلى الشّريك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قتل صاحب الدّين المؤجّل مديونه، حلَّ الدّين في الأصحّ. ليس معنى حلول الدّين إعفاء القاتل من العقوبة، بل إن عقوبة القتل عمداً أو خطأ يستحقّها الدّائن القاتل. ولكن المسألة في بيان حكم الدّين المؤجّل فحسب. ومنها: إذا أمسك زوجته لأجل ميراثها مسيئاً عشرتها فإنّه يرثها في الأصحّ، وهو وإن جاز له ميراثها إن ماتت قبله، لكن إثم إساءة العشرة بغير حقّ واقع به، ومسؤول عنه بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ. ومنها: لو جبَّت امرأة - أي قطعت - ذكر زوجها من أجل أن تفسخ نكاحها منه، فهل لها حقّ الفسخ لكونه أصبح مجبوباً لا يصل إليها، أو ليس لها حقّ الفسخ معاملة لها بنقيض مقصودها؟ خلاف.

القاعدة الأربعون بعد الأربعمئة [المعارضة]

القاعدة الأربعون بعد الأربعمئة [المعارضة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعارضة لا تتحقّق بين ما لّه صحّة، وبين ما لا صحّة له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعارضة إنّما تتحقّق بين متماثلين، فعند وجودها يلزم التّرجيح. ولكن إذا كان المختلفان غير متماثلين، كأن يكون أحد الدّليلين صحيحاً، والدّليل الآخر باطلاً لا صحّة له، فلا تعارض بينهما, لأنّ ما لا صحّة له ساقط الاعتبار في مقابلة الصّحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّجت امرأة زوجين في عقدة واحدة كان النّكاح باطلاً؛ لأنّ النّكاح لا يحتمل الاشتراك وليس أحدهما بأولى من الآخر. هذا إذا كان كلّ واحد منهما يصحّ نكاحه منها بانفراده. لكن إذا كان أحدهما عنده أربع نسوة، والآخر لا نسوة له، كان نكاح الذي ليس له نِسوة منهما جائزاً؛ لأنه لو انفرد نكاح الذي له أربع نسوة لم يصحّ، ولو انفرد نكاح الآخر كان صحيحاً. فإن اجتمعا صحّ نكاح من يصحّ نكاحه عند الانفراد، ولا تعارض بينهما. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 158.

ومنها: إذا أقامت المرأة البيَّنة على النّكاح من رجل، والزّوج جاحد للنّكاح، يثبت نكاحها، ولا يفسد بجحوده؛ لأنّ النّكاح الثّابت لا يرتفع إلا بالطّلاق، وجحوده ليس بطلاق. فإنّ الطّلاق قطع للنّكاح، والجحود نفي للنّكاح أصلاً، فلا يصير به قاطعاً، فلهذا قضي بالنّكاح بينهما؛ لأنّه لا معارضة بين إثبات النّكاح وجحوده.

القاعدة الحادية والأربعون بعد الأربعمئة [معاريض الكلام]

القاعدة الحادية والأربعون بعد الأربعمئة [معاريض الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: معاريض الكلام مندوحة عن الكذب (¬1). من قول عمر رضي الله عنه ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاريض: جمع معراض، وزان مفتاح، ومعناه التّورية والسّتر. والتّعريض: خلاف التّصريح من القول؛ بأنّ يتكلّم بكلام يفهم منه مخاطبة شيئاً وهو يريد شيئاً آخر، تهرّباً من الوقوع في الكذب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لعمرو بن ود وهو يبارزه يوم الخندق: أليس قد ضمنت لي أن لا تستعين علي بغيرك فمَن هؤلاء الذين دعوتهم. فالتفت كالمستبعد لذلك، فضرب علي رضي الله عنه ساقيه ضربة قطع رجليه وكانت خدعة. ومنها: قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لنُعيم بن مسعود الثّقفي (¬2) رضي الله عنه حينما قال: يا رسول الله إنّ بني قريظة قد ¬

_ (¬1) شرح السير ص 120 وعنه قواعد الفقه ص 122. (¬2) المذكور في كتب الرجال نعيم بن مسعود الأشجعي الفطفاني أسلم زمن الخندق، وهو الذي خذل الأحزاب ثم سكن المدينة، تهذيب التهذيب جـ 10 ص 466.

غدرت وبايعت أبا سفيان وأصحَابه. فقال عليه الصّلاة والسّلام: فلعلّنا نحن أمرناهم بهذا. فرجع إلى أبي سفيان وقال: زعم محمَّد - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه أمر بني قريظة بهذا (¬1). ولكن الذي في سيرة ابن هشام والرّوضَ الأُنُف خلاف هذه القصّة جـ 3 ص 265. وينظر الفصول في اختصار سيرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير ص 149. وينظر الاكتفاء للإمام أبي الرّبيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي جـ 2 ص 172 مثله. وأصل ذلك عند ابن هشام. ينظر تهذيب سيرة ابن هشام ص 193 فما بعدها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 120.

القاعدتان الثانية والثالثة والأربعون بعد الأربعمئة [المال بالأجل أو بالجودة]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والأربعون بعد الأربعمئة [المال بالأجل أو بالجودة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: معاوضة المال بالأجل لا يجوز (¬1). وفي لفظ: معاوضة الدّراهم بالجودة لا تجوز (¬2). وفي لفظ: مبادلة المال بالأجل، أو الأجل بالمال ربا (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلّق بنوعي الرّبا: النّسيئة والفضل. فإذا كان عليه دين وحلَّ أجله، فطالب المدين تمديد الأجل مقابل زيادة الدّين، فهذا لا يجوز؛ لأنّه عين الرّبا المنهي عنه. وكذلك إذا كان عليه دين بدراهم فأراد تعويضه عنها بخير منها مع تمديد الأجل فلا يجوز أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ادّعى عليه ألف درهم سوداً، فصالحه منها - بعد الإنكار - على ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 20 ص 165. (¬2) نفس المصدر ص 166. (¬3) نفس المصدر جـ 21 ص 31.

ألف بَخِيَّة (¬1) إلى سنة، لم يجز؛ لأنّ هذا الفضل عوض عن الأجل. ومنها: إذا باعه شيئاً بألف ثم صالحه على ألف ومئة إلى أجل كان ذلك باطلاً؛ لأنّ ما شرط من زيادة القدر عوض عن الأجل، ومثل هذه المعاوضة رباً شرعاً. وكذلك إذا صالحه على أجود منها حالَّة. ¬

_ (¬1) الدّراهم السود والبخيَّة نوعان من الدراهم أحدهما أجود من الآخر. وكانا معروفين في ذلك الزمن.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد الأربعمئة [الاشتباه - الضمان]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد الأربعمئة [الاشتباه - الضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مع اشتباه السّبب لا يجب الضّمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّمان - أو الغرم - إنّما يجب إذا كان سببه متحقّقاً، ومتيقّناً منه، لكن إذا وقع اشتباه في سبب الضّمان، فلا يجب الضّمان ولا الغرامة. وهذه قريبة المعنى من قاعدة سبقت وهي (مع الاحتمال لا يجب الاستحقاق). وينظر من قواعد حرف الضّاد القاعدة رقم 23. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حفر حفرة في غير ملكه بالإذن، وقام بعمل الاحتياطات اللازمة، ومع ذلك وقع في هذه الحفرة حيوان أو إنسان، ووقع الشّكّ في استيفاء الحافر احتياطاته؛ لأنّه صاحب سبب، فمع اشتباه السّبب لا يجب عليه ضمان الواقع في الحفرة. ومنها: إذا صدمت سيّارة شخصاً فأصيب بجروح ثم عُولج وشفي، ثم مات بعد أن ظهر شفاؤه. فهل يجب على سائق السّيّارة الضّمان؟ بحسب هذه القاعدة لا يجب؛ لأنّه وقع الشّكّ في سبب موته ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 90.

هل هو من الصّدمة أو من سبب آخر. وأقول: مع تقدّم الطبّ حديثاً ووجود الآلات التي يمكنها معرفة أسباب الوفاة، فإن معرفة سبب الوفاة أصبح أمراً ميسوراً في غالب الأحوال.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الأربعمئة [أدنى اللفظ]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الأربعمئة [أدنى اللفظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر أدنى ما يتناوله اللفظ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعتبر وما تبرأ به الذّمّة في أداء الواجبات أدنى - أي أقل - ما يتناوله لفظ الأمر - ولا يجب الأعلى - أو ما فوق الأدنى إلا بدليل. وينظر من قواعد حرف اللام القاعدة رقم 12. وقد سبق في قواعد هذا الحرف ما هو قريب من معنى هذه القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (¬2). فتبرأ ذمّة المكلّف في الرّكوع بانحناء الجذع واستواء الظّهر عنده، ولو لم يَطُل. وتبرأ ذمّة المكلّف إذا وضع جبهته على الأرض أدنى وضع. ومنها: إذا قال: له على دراهم. ولم يبيِّن. يصدق بأدنى الجمج وهو ثلاثة دراهم. ومنها: إذا أوصى النّصراني بعتق خادمة له إن ثبتت على ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 90. (¬2) الآية 77 من سورة الحج.

النّصرانيّة بعد موته، فثبتت على ذلك بعد موته بساعة أو أكثر، فإنّها تعتق من ثلثه. فإن غيَّرت دينها بعد ذلك لم تبطل وصيتها، وعتقها ماض. لكن إن غيَّرت دينها بعد موته مباشرة بلا فصل ولم تثبت على النّصرانيّة فإنّها لا تعتق؛ لأنّ شرط ثبوت الوصيّة ثباتها على ما شرط عليها.

القاعدة السادسة والأربعون بعد الأربعمئة [الرمي والإصابة]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد الأربعمئة [الرّمي والإصابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر حالة الرّمي لا حالة الإصابة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بالأفعال التي يطرأ عليها طارئ يغيّرها من حال إلى حال، وهي وان كانت بمنظومتها تخصّ حالة الرّمي لكن معناها أوسع من ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رمى مسلم كافراً بسهم، وقبل أن يصل إليه سهمه أو رصاصته أسلم، فهل يعتبر موته حالة إسلامه فيقتصّ من الرّامي، أو يعتبر حالة الرّمي حين كان كافراً؟ فنصّ القاعدة يدلّ على أنّ المعتبر حالة الرّمي لا حالة الإصابة، فلا يجب القصاص. وأقول: ولكن وجوب القصاص هنا غير مقبول وغير جائز، لأنّه حينما رمى رمى كافراً ولم يقصد قتل مسلم، فكون المرمِي أسلم قبل وصول السّهم القاتل لا يوجب على الرّامي القصاص للشّبهة، والحدود والقصاص تُدْرَأُ بالشّبهة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 138.

ومنها: إذا رمى صيداً - وهو مسلم - ثم ارتدّ قبل إصابة السّهم، ثم أصاب السّهم الصّيد، فإنّه يحلّ تناوله. فالمعتبر هنا أيضاً حالة الرّمي. ومنها: إذا أسلم ذمّي - ولم يوال أحداً حتى قتل قتيلاً خطأ - فلم يقض في هذه الحال حتى والى رجلاً من المسلمين، ثم جنى جناية أخرى خطأ. فإنّه يقضى بالجنايتين على بيت المال ويجعل ولاؤه لجماعة المسلمين، وتبطل موالاته مع الذي والاه؛ لأنّ الذي أسلم ولم يوال أحداً فولاؤه لبيت المال حتى يكون ميراثه - لو مات بدون وارث - لبيت المال. ومنها: إذا قتل ذمّيّ ذمّيّاً، ثم أسلم القاتل، وجب القصاص بالاتّفاق (¬1). هذا إذا كان القتل عمداً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 131.

القاعدة السابعة والأربعون بعد الأربعمئة [العادة]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد الأربعمئة [العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر عادة كلّ قوم فيما يبتنى عليه ممّا يكره أو لا يكره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة مرتبطة بقاعدة (العمادة محكَّمة). ومدلولها: أنّ المعتبر عند النّاس فيما يجوز أو لا يجوز - من غير الأمور المنصوص عليها - هو عادة هؤلاء الناس فيما يرونه مكروهاً أو غير مكروه في معاملاتهم لأعدائهم، وما يمكن أن يدخلوه دار الحرب أو لا يدخلوه. وهذه القاعدة وإن أوردها السّرخسي رحمه الله فيما يعامل به الأعداء، لكن مدلولها في الواقع أعمّ من ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان نوع من المعدن أو الملابس لا يستعمله أهل دار الحرب في صنع السّلاح، فيجوز إدخاله دارهم للتّجارة. لكن إن كانوا يدخلونه في صنع أسلحتهم التي يحاربون بها المسلمين فلا يجوز بيعه لهم ولا إدخاله دارهم للتّجارة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1570.

ومعرفة ذلك تعود إلى عادة هؤلاء الناس أو القوم فيما يمكن أن يصنعوا منه أسلحتهم أو يستعينوا به في صنع أي نوع من السّلاح. ومنها: في عصرنا الحالي - والمسلمون عالة على الكفّار في السّلاح صنعه وتجارته - لا يجوز بيع البترول إلى الكفّار المحاربين - كاليهود - لأنّه عماد قوّتهم وتفوّقهم علينا، وكذلك أنواع المعادن والمنتجات التي تدخل في صنع أسلحة الدّمار، فلايجوز بيعها إليهم لأنّها سرّ قوّتهم، وبها يحاربوننا. لكن إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ومنها: أنواع الملابس التي يلبسها الرّجال أو النّساء، فلكلّ قوم عادة وطراز في ملابسهم ويكرهون أن يلبس أحدهم لباساً يخالف لباس قومه. وكذلك في أنواع الطّعام والشّراب.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد الأربعمئة [التسمية - العرف]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد الأربعمئة [التّسميّة - العرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر في التّسميّة العرف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال. والمراد بالتّسميّة: اللفظ المطلق عن الوصف أو القيد - كما سبق قريباً - وبخاصّة في باب الأيمان، فإنّ العرف هو المعتبر والمقيِّد للإطلاق، والعرف إمّا أن يكون عرفاً شرعيّاً أو عرفاً عامّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يركب دابّة - والدّابّة في العرف العام إنّما تطلق على الفرس والبغل والحمار فقط. فلا يحنث إلا بركوب واحدة من هذه الثّلاث، إلا إذا كان له نيَّة. ولا يحنث بالرّكوب على الجمل؛ لأنّ الجمل من الأنعام لا من الدّواب في العرف الشّرعي. ومنها: إذا حلف أن يصوم، لا يبرّ إلا بالصّوم الشّرعي بالنّيَّة والإمساك في الوقت. ومنها: إذا تزوّج امرأة على بيت - فإن كان من أهل البادية - ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 69.

فلها بيت من الشّعر من بيوت أهل البادية. وإن تزوّجها على ألف فينصرف إلى نقد البلد المتداول بين النّاس.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد الأربعمئة [تفاضل الأعمال]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد الأربعمئة [تفاضل الأعمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر في تفاضل الأعمال المتّحدة تفاضل أحوال عاملها أولاً، ثم تفاضل الأعمال أنفسها ثانياً، ثم تفاضل أحوال المنتفع بها - إن كانت متعدّية النّفع ثالثاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأعمال المتّحدة يقع فيما بينها تفاضل بأسباب ثلاثة. الأوّل: تفاضل أحوال عاملها؛ بأن يكون نفس العامل المكلّف أفضل من عامل مكلّف آخر تقوى وورعاً وخشية وإخلاصاً. الثّاني: هو تفاضل الأعمال أنفسها، بأن يكون أحد الأعمال أفضل من الآخر. الثّالث: هو تفاضل أحوال المنتفع بها إذا كانت متعدّية النّفع لغير العامل، أي أنّ نفعها يتعدّى العامل إلى غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "سبق درهمٌ مئة ألف ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 11 تعليق ابن الشّاط، وتهذيب الفروق.

درهم" (¬1). والعلّة في ذلك السّبق والفضل هو حال المتصدّق بالدّرهم، وحال المتصدّق بالمئة الألف. فالمتصدّق بالدّرهم تصدّق بنصف ماله، والمتصدّق بالمئة الألف تصدّق بجزء يسير من ماله. ومنها: إنظار المدين المعسر إلى الميسرة، أفضل من إبرائه، لما فيه من تحمّل وظيفة الإنظار التي حمل عليها، واضطرّ إليها بإيجابها عليه أشقّ من وظيفة الإبراء الموكولة إلى اختياره، والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث: رواه ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه. حديث رقم 2443. والزبيدي في الإتحاف جـ 9 ص 296 كما رواه النسائي، ورواه ابن حبان والحاكم من حديث أبي ذر رضي الله عنه. وكلهم بلفظ "سبق درهم مئة ألف". (¬2) الآية 280 من سورة البقرة.

القاعدة الخمسون بعد الأربعمئة [الجنايات]

القاعدة الخمسون بعد الأربعمئة [الجنايات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر في الجنايات مآلها لا حالها (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجنايات: جمع جناية، من جنى يجني إذا فعل ما يعاقب عليه. أو هي: كلّ فعل محظور يتضمّن ضرراً (¬2). والجناية في الأصل: أخذ الثّمر من الشّجر، نقلت إلى إحداث الشّرّ، ثم إلى الشّرّ، ثم إلى فعل محرّم. فالمعتبر في الجنايات من حيث أحكامها، وما يترتّب عليها من عقوبات هو مآلها أي مصيرها وعاقبتها لا حال حدوثها، فكم من جناية بدأت صغيرة ثم آلت إلى هلاك، ودليل هذه القاعدة وأصلها الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن رجلاً جرح فأراد أن يستقيد فنهى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح" (¬3). وروي الحديث على عمرو بن شعيب عن أبيه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 155. (¬2) الكلّيّات ص 331، 356، التوقيف ص 255 عنه. (¬3) الحديث رواه أحمد والدارقطني، وينظر منتقى الأخبار الحديثان 3932، 3933

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عن جدّه عمرو بن العاص رضي الله عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قطع يد شخص أو رجله، أو جرحه جراحه، وطالب بالقصاص أو الأرش، فإنّ القاضي لا يجيبه إلا بعد البرء، أو بعد بيان عاقبة الفعل؛ لأنّ القطع أو الجرح قد يسري إلى النّفس فيلزم القصاص أو الدّيّة. ومنها: إذا قطع عبد يد إنسان فصالح مولاه عن القطع على أن يدفع العبد إليه. فأعتقه المجني عليه، ثم مات المجني عليه، فالعتق نافذ والعبد صلح بالجناية وما ينشأ عنها، ويترتّب على ذلك عدم جواز ملاحقة العبد المعتق بالقصاص أو الدّيّة. ومنها: إذا قطع يده من المفصل، فسرى أثر القطع إلى نصف السّاعد، فهنا سقط القطع قصاصاً وصار حقّ المجني عليه في الأرش؛ لأنّ نصف السّاعد لا يمكن فيه القطع لعدم تحدّده، كما يتحدّد المفصل، ولذلك سقط القطع ووجب الأرشَ، وهو المال؛ لأنّه لا يجوز القصاص في الأطراف إلا إذا كان القطع محدّداً بالمفصل عند الحنفيّة - المبسوط جـ 26 ص 135. وأحد الوجهين عند الحنابلة المقنع جـ 3 ص 374.

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [حكم الدار]

القاعدة الحادية والخمسون بعد المئة [حكم الدّار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر في حكم الدّار هو السّلطان في ظهور الحكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بحكم الدّار: أي البلاد من حيث كونها دار إسلام أو دار حرب، فالدّار أو البلاد التي يحكم فيها بشرع الله هي دار الإسلام. والدّار التي لا يحكم فيها بشرع الله، بل يحكمها الكفر وقوانينه ونظامه وعملاؤه هي دار حرب وإن كان أهلها مسلمين. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 465. ¬

_ (¬1) شرح السير الكبير ص 1703.

القاعدة الثانية والخمسون بعد الأربعمئة [المنصوص، المعنى]

القاعدة الثّانية والخمسون بعد الأربعمئة [المنصوص، المعنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر في المنصوص عين النّصّ، وفي غيره المعنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما ورد فيه نصٌّ من الكتاب أو السّنّة فإنّما يحكم فيه بما ورد ولا ينظر في علّته أو سببه، فالحكم تابع للنّصّ وإن لم يعلّل، لكن حكم غير المنصوص إنّما ينظر في المعنى الجامع بين الأصل الذي هو النّصّ، وبين ما يراد إلحاقه به في حكمه. وهذا هو القياس الأصولي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ورد النّصّ بتحريم الرّبا والتفاضل في الأصناف السّتّة، فالحكم فيها تابع للنّصّ، ومأخوذ منه وهو حرمة التّفاضل فيها، لكن ما كان مثلها ممّا لم يرد فيه النّصّ فإنّما ينظر إلى المعنى الجامع - كالكيل في المكيلات، والوزن في الموزونات - فيعطى غير المنصوص حكم المنصوص إذا وجد المعنى الجامع بين الأصل والفرع المقيس. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 159، 194 عن نكت الجامع الكبير للكرماني والتيسير بمعاني الجامع الكبير للأخلاطي.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد الأربعمئة [المعتبر المفيد]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد الأربعمئة [المعتبر المفيد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر ما يكون مفيداً دون ما لا يكون مفيداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعتبر: صفة لموصوف محذوف تقديره الشّرط المعتبر والمعتدّ به في المعاملات والمعاهدات إنّما هو الشّرط المفيد فائدة لأحد المتعاقدين أو كليهما. وأمّا إذا كان الشّرط غير مفيد فهو غير معتبر ولا يعتدّ به في الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترط المشتري على البائع إيصال السّلعة إلى محلّه، فهذا شرط معتبر؛ لأنّ فيه مصلحة للمشتري، فإذا وافق البائع على ذلك لزمه. ولكن إذا شرط البائع على المشتري أن يسوق السّيّارة المشتراة بنفسه ولا يسلمها لسائق، فهذا شرط غير معتبر؛ لأنّه مخالف لمقتضى العقد، ولا فائدة فيه للبائع؛ لأنّ المالك حرّ التّصرّف بالسّيّارة إمّا أن يسوقها بنفسه، أو يسلمها لمن يسوقها له، ولا شأن للبائع بذلك ولا فائدة له. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1722.

ومنها: إذا صالح المسلمون المشركين علي أن يخرجوا عنهم إلى موضع يأمن فيه بعضهم من بعض، فالمقصود مدّة السّير لا عين المكان، فإذا خرجوا عنهم وساروا بمقدار مدّة يأمن فيها بعضهم منِ بعض ثم أراد المسلمون أن يغيروا عليهم بغير نبذ فلا بأس بذلك؛ لأنّ اشتراط المكان المعيّن غير مفيد. حتى لو خرجوا إلى مكان آخر قدر المسير إلى المكان المعين فلهم أن يغيروا عليهم بدون نبذ؛ لأنّ المقصود من الصّلح بذكر الموضع أن لا يتمكنوا من الرّجوع إليهم بعد الوصول إلى ذلك المكان إلا بمدّة مديدة؛ لأنّ الفائدة في اعتبار المدّة لا في اعتبار عين المكان. لكن إذا كان الصّلح إلى جانب ذلك مشروطاً بمدّة زمنيّة معيّنة فلا يجوز للمسلمين أن يغيروا عليهم قبل انقضائها بدون نبذ؛ لأنّه يكون غدراً.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد الأربعمئة [الغالب - حكم الحد]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد الأربعمئة [الغالب - حكم الحدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعتبر هو الغالب في حكم الحدّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تخصّ ما حُرِّم شربه أو أكله كالخمر. ومفادها: أنّ المعتبر في ارتكاب الحرمة الموجبة للحدّ هو الغالب، فإذا اختلط شراب أو طعام محرّم بما يحلّ فالحكم للغالب. فإذا غلب الخمر على الماء - مثلاً - حرم الشّرب ووجب الحدّ. لكن إذا أريق خمر قليل في ماء أكثر منه أفلا ينجس ذلك الماء فلا يحلّ شربه ولا استعماله. قد سبق بيان ذلك. لكن القاعدة تخصّ وجوب الحدّ فقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طبخ بالخمر مرقة - أي باللحم - فلا يحلّ الأكل ولا الشّرب لنجاسة الخمر، لكن لو شرب من تلك المرقة فلا يحدّ؛ لأنّ الغالب عليها غير الخمر، لكن إن سكر منها حُدَّ. ومنها: إذا عجن الدّقيق بالخمر ثم خُبِز لا يحلّ أكله؛ لأنّ الدّقيق تنجس بالخمر، والعجين النّجس لا يطهر بالخبز. ومنها: إذا خلط الخمر بالماء أو بالعسل وكان الغالب الماء أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 25.

العسل فلا يحدّ؛ لأنّ الحكم للغالب، والغالب الماء أو العسل. ومنها: إذا خلط لحم خنزير بلحم بقر، ثم فُرِما معاً - أي طحنا - فاختلطا، فإن أكل منهما مسلم متعمداً مع العلم وجب تعزيره. وسواء أكان الغالب لحم الخنزير أو لحم البقر.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد الأربعمئة [المنافي - الالتزام]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد الأربعمئة [المنافي - الالتزام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مع التّصريح بالمنافي لا يصحّ الالتزام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنافي: اسم فاعل من نافى ينافي إذا ذكر ما يثبت عدم الفعل؛ لأنّ المنافي مقابل للمثبت. فإذا صرّح بما يثبت عدم الفعل فلا يصحّ التزام الضّمان أو الغرامة أو فعل الواجب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قالت امرأة: لله عليَّ أن أصوم يوم حيضي. فلا شيء عليها؛ لأنّ الحيض ينافي الصّوم. ومنها: إذا قال القتيل - قبل موته - لم يقتلني فلان. فلا يجوز إلزام المتّهم فلان بالقصاص أو الدّيّة؛ لأنّ تصريح القتيل ينافي الالتزام. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 98.

القاعدة السادسة والخمسون بعد الأربعمئة [التناقض في الدعوى]

القاعدة السّادسة والخمسون بعد الأربعمئة [التّناقض في الدّعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مع التّناقض في الدّعوى لا تكون البيّنة مقبولة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وجد تناقض في دعوى المدّعي، وأتى ببيِّنة تشهد له، فلا تكون بيّنته مقبولة أمام القضاء؛ لأنّ التّناقض في الدّعوى يمنع صدق البيِّنة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ أنّ هذه السّيّارة لفلان. ثم جاء بالبيِّنة لتشهد أنّها له، لم تقبل بيّنته للتّناقض. ومنها: إذا كان في يد شخص دار، فقال لآخر: هذه دارك يا فلان، فقال فلان: بل هي دارك، ثم قال الأوّل: بلى هي داري، وجاء بالبيِّنة، فلا تقبل بيِّنته للتّناقض بين قوله أولاً: هذه دارك يا فلان، وقوله آخراً: بلى هي داري. رابعاً: وممّا يستثنى من مسائل هذه القاعدة: أقرت امرأة بالرّق لرجل، فباعها المُقرُّ له، فإذا ادّعت عتقاً بعد البيع، أو ادّعت أنّها حرّة الأصل، وأقامت البيّنة على ذلك قُبِلت بيّنتها استحساناً مع التّناقض بين اعترافها بالرّقّ ثم ادعاؤها الحرّيّة؛ وكان سبب قبول بيّنتها مع ذلك أنّ الحرّيّة إذا ثبتت لا تحتمل الإبطال. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 159.

القاعدة السابعة والخمسون بعد الأربعمئة [المعدول عن أصل لأصل]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد الأربعمئة [المعدول عن أصل لأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعدول عن الأصل المستقرّ إلى الأصل المهجور قد يعتبر وقد يلغى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالقاعدة: الانتقال عن البدل - وهو المعبَّر عنه بالأصل المستقر - إلى المبدل منه - وهو المعبّر عنه بالأصل المهجور. أو هو الانتقال عن الرّخصة إلى العزيمة، فتارة يعتبر ويصح الفعل ويجوز، وتارة لا يعتبر ولا يصحّ الفعل ولا يجوز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غسل رأسه بدل أن يمسحه، فهل يجوز ويغني عن المسح؟ فيه عند الشّافعيّة وجهان. ومنها: غسل الخفّ بدل مسحه، قالوا: لكن يكره لما فيه من إفساد الماليّة غالباً. ومنها: إذا انغمس المحدث في الماء ناوياً رفع الحدث، ولم يحصل التّرتيب. قيل: يجزئ؛ لأنّ الأصل الغسل، وإنّما حطّ عنه تخفيفاً، فإذا اغتسل رجع إلى الأصل وصارت الأعضاء كالعضو الواحد. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 237 ب، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 90.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والخمسون بعد الأربعمئة [المعدوم والممتنع شرعا]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة والخمسون بعد الأربعمئة [المعدوم والممتنع شرعاً] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً (¬1). وفي لفظ: ما امتنع شرعاً فهو كالمعدوم حسّاً (¬2). وفي لفظ: المعدوم معنى هل هو كالمعدوم حقيقة (¬3)؟ ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالمعدوم شرعاً هو ما نهى عنه الشّرع ومنع منه وحرَّمه، فحكمه أنّه لنهي الشّرع معدوم لحرمة استعماله، فما كان كذلك فحكمه أنّه كالمعدوم حسّاً وواقعاً، فلا يبنى عليه حكم، والممتنع شرعاً هو المنهي عنه والمحرم. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: حلف بالله أو بالرّحمن وقال: أردت مخلوقاته مجازاً للعلاقة، فهل تلزمه كفّارة؟ نعم تلزمه؛ لأنّ هذين اللفظين لا يدخلهما مجاز ولا ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 3 ص 377 هامش رقم 7.الفروق جـ 1 ص 164، 204 وجـ 2 ص 84 عن أحمد بن حنبل رحمه الله. (¬2) الفروق جـ 3 ص 62 الفرق 128. (¬3) قواعد المقرى ق 109.

تخصيص. فمنع المجاز في هذين اللفظين شرعي فلا يبنى على مجازهما حكم, لأنّه لا مجاز لهما. ومنها: من لم يجد سترة إلا ثوب حرير، فهل يلبسه ويصلّي فيه؟ وجهان عند الشّافعيّة أصحّهما تجب الصّلاة فيه؛ لأنّه طاهر يسقط به الفرض. والوجه الثّاني: يصلّي عرياناً؛ لأنّه عادم لسترة شرعيّة. والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً (¬1). ومنها: إذا باع رشيد من رشيد ثوباً بخنزير، فقد فُقِد ركن من الأربعة وهو أحد العوضين فتكون الماهية معدومة شرعاً. ومنها: عند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: أنّ من توضّأ بالماء المغصُوب فصلاته باطلة كمن صلّى بغير وضوء حسّاً؛ لأنّ الغصب منهي عنه شرعاً. ومنها: غاصب الخفّ إذا مسح عليه فصلاته باطلة، وكذلك طلاق الصّبي وإعتاقه لا يقع. ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 274 ب، قواعد الحصني مصدر سابق.

القاعدتان الستون والحادية والستون بعد الأربعمئة [المعدوم]

القاعدتان السّتّون والحادية والسّتّون بعد الأربعمئة [المعدوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعدوم لا يكون محلاً لإضافة العقد إليه (¬1). وفي لفظ مقابل: المعدوم ينزل منزلة الموجود، في صور (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالمعدوم في القاعدتين هو المعدوم حسّاً وواقعاً، فما كان كذلك فلا يجوز إضافة العقد إليه - أي لا يجوز أن يكون معقوداً عليه أو محلاً للعقد عليه؛ لأنّه معدوم غير موجود واقعاً. وهذا مفاد ومدلول القاعدة الأولى. والقاعدة الثّانية يمكن اعتبارها استثناءً من القاعدة الأولى، وإن اختلفت أصولهما، فالقاعدة الأولى يقول بها الحنفيّة، والقاعدة الثّانية يقول بها الشّافعيّة. ومفادها: أنّ المعدوم قد ينزل منزلة الموجود فيصحّ إضافة العقد إليه ويأخذ أحكاماً في مسائل محصورة. وينظر من قواعد حرف ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 20 ص 161. (¬2) قواعد الأحكام جـ 2 ص 95 - 57، المنثور جـ 3 ص 182، قواعد الحصني جـ 2 ص 238.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

التّاء القواعد 184 - 186. وعلى ذلك فإنّ الحنفيّة والشّافعيّة وغيرهم متّفقون على أنّ المعدوم لا يكون محلاً لإضافة العقد إليه، وإن خرج عن ذلك بعض المسائل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: أولاً: أمثلة القاعدة الأولى: إذا قال بعت هذا الشّيء لما ستحمل فلانة. فهو عقد باطل؛ لأنّ ما ستحمله معدوم واقعاً وحسّاً. ومنها: إذا قال: بعتك سكنى هذه الدّار. قالوا: لم يجز بيع السّكنى لانعدام المحل، فالمنفعة معدومة في الحال، وإيجادها ليس في مقدور البشر، لكن لو قال: أجرتك هذه الدّار جاز العقد؛ لأنّ الدّار المنتفع بها قائمة مقام المنفعة في جواز إضافة عقد الإجارة إليها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: وهي أمثلة للقاعدة الثّانية: إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة، وماتت إحداهن فله أن يختار الميتة وتحسب له من الأربع. ومنها: إذا تداعى اثنان شخصاً ثم مات. فللقائف (¬1) أن يلحقه بأحدهما كما لو كان موجوداً. ومنها: يجوز الحكم على المعدوم بالتّكليف كالإيمان في أطفال ¬

_ (¬1) القائف: هو من يتبع الأثر ويلحق الشّخص بأقرب الناس شبهاً به.

المسلمين والكفر في أولاد الكافرين. ومنها: بيع الدّين بالدّين لمن عليه الدّين - أي المقاصّة بينهما. ومنها: العدالة مقدّرة في العدول، إذا غفلوا عنها أو زال إدراكهم لها بنوم أو إغماء، وكذلك الفسق يقدّر في الفاسق مع غفلته عنه، أو مع زوال الإدراك.

القاعدة الثانية والستون بعد الأربعمئة [المعرفة والنكرة]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد الأربعمئة [المعرفة والنّكرة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعرفة لا تدخل تحت النّكرة. إلا المعرفة في الجزاء (¬1)، أو إلا في الأيمان (¬2). وفي لفظ: المعرَّف لا يدخل تحت المنكَّر (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمعرفة والمعرَّف: ما كان معروفاً معيناً، لا المعرفة عند النّحاة. فمن تكلّم أو حلف يمينًا على شيء مُنكر - أي عام - غير مخصوص، أو مطلق غير مقيّد، فإنّ المعروف والمعيّن من نوع ذلك الشّيء لا يدخل ضمن النّكرة ولا يندرج تحتها، - مع أن المنكر أعمّ من المعرَّف -. لكن إذا كانت المعرفة أو كان المعرَّف في الجزاء أو جواب الشّرط، أو في الأيمان فيمكن أن تدخل المعرفة تحت النّكرة ويلزمها الحكم. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 185 مع شرح الحموي غمز عيون البصائر جـ 2 ص 146 وعنه قواعد الفقه ص 125. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 97 أ. (¬3) أشباه ابن نجيم ص 187.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: إن دخل داري أحد فاطرده، لا يدخل المتكلّم. ومنها: إذا قال: إن دخل الدّار أحد فعبيدي أحرار - وله عبد واحد - دخل في الجزاء ويعتق إن دخل الدّار أحد. ومنها: إذا قال: إن كلّم غلامي هذا أحداً. لا يدخل المالك كذلك. ومنها: إن دخل دارَكِ هذه أحد فأنت طالق، يدخل الحالف إلا أن ينوي دخول نفسه. ومنها: إذا قال لعبده: أعتق أي عبيدي شئت، لا يعتق العبد نفسه. ومنها: لو قال: زوِّج ابنتي من رجل، لا يدخل المخاطَب المأمور، وإن زوّجها من نفسه لا يصحّ، ومثلها إذا قالت: زوّجني مَن شئت. فزوّجها من نفسه لا يصحّ؛ لأنّ الوكيل معرفة، وإنّما وكّلته أن يزوّجها من رجل منكر. ومنها: إذا قال: إن كلّم غلامي هذا أحدٌ فأنت طالق، فكلّمته. تطلق؛ لأنّها وقعت في الجزاء.

القاعدة الثالثة والستون بعد الأربعمئة [العرف والمعروف]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد الأربعمئة [العرف والمعروف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعروف بالعرف كالمشروط بالنّصّ (¬1). وفي لفظ: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً (¬2). أو المعروف بين النّاس. وفي لفظ: المعلوم بالعرف كالمعلوم بالنّصّ - أو بالشّرط (¬3). وفي لفظ: المعروف كالمشروط (¬4). أو المعروف بالعادة. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تندرج تحت قاعدة (العادة محكّمة) وتتفرّع عليها. وينظر قواعد حرف الثّاء القاعدة رقم 5، وقواعد حرف القاف القاعدة رقم 44، والقواعد رقم 2 - 4 من قواعد حرف العين. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1721. (¬2) مجلة الأحكام المادة 43، وعنه قواعد الفقه ص 125، وشرح القواعد للزرقا ص 183، والوجيز ص 306، والقواعد والضوابط ص 177 عن التحرير. (¬3) المبسوط جـ 15 ص 90، 130. (¬4) المبسوط جـ 12 ص 54.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

فما كان معروفاً بين النّاس شائعاً بينهم فإنّه عند الإطلاق يعتبر هذا المعروف قيداً للإطلاق كأنّما نُصَّ عليه وشُرِط في العقد أو المعاملة أو التّصرّف أو اليمين. وهذه القواعد تعبّر عن سلطان العرف العملي عند الفقهاء، ولذلك قالوا: إنّ ما تعارف عليه النّاس في معاملاتهم - وإن لم يذكر صريحاً - هو قائم مقام الشّرط في الالتزام والتّقييد. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا اشترى شيئاً ثقيلاً كالحديد أو الإسمنت أو الحجارة فإنّ إيصاله إلى محل المشتري على البائع عند الإطلاق، ما لم يُنَصّ في العقد على خلافه. ومنها: إذا وكَّله في شراء لحم - والوكيل يعلم أنّه لا يأكل إلا لحم الضّأن - فاشتر له لحم بقر أو إبل، فإنّه لا يلزمه، ويلزم الوكيل ما اشتراه؛ لأنّ عرف الموكّل يقيّد إطلاقه، فكأنّه نَصَّ على لحم الضّأن واشترطه. ومنها: من اشترى سيّارة جديدة دخل فيها عدّتها ومفاتيحها وعجلها الاحتياط دون ذكر في العقد للعرف المتداول والعادة الجارية. ومنها: إذا وهبه هبة - وكانت العادة بتعويض الواهب عن هبته - ولم يعوّض الموهوب له الواهب، فإنّ للواهب الحقّ في الرّجوع في هبته. أو يبقى العوض ديناً في ذمّة الموهوب له كأن وهبه طعاماً فأكله.

ومنها: ما تعارف النّاس الاستصناع فيه فهو جائز. ومنها: إذا استأجر الرّجل من الرّجل داراً سنة بكذا، ولم يُسَمَّ ما يريدها له، فهو جائز؛ لأنّ المقصود معلوم بالعرف؛ لأنّه إنّما يستأجر الدّار للسّكنى. فله أن يسكنها ويسكنها من شاء - إلا أن ينصّ على عدم إسكان غيره - لكن لا يفعل فيها ما يضرُّ بالبناء إلا بالشّرط، وإذا استعملها لغير السّكنى بغير شرط، فللمالك إبطال العقد بفسخه وإخراجه من الدّار، ولا يتعلّل المستأجر بالإطلاق لأنّ العرف يقيّده.

القاعدة الرابعة والستون بعد الأربعمئة [عرف التجار]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد الأربعمئة [عرف التّجار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعروف بين التجار كالمشروط بينهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تدخل ضمن القواعد السابقة، ولكنّها أخص منها موضوعاً إذ تتعلّق بعادات طائفة التّجّار وأعرافهم، فما كان معروفاً بين التّجّار في معاملاتهم فعند الإطلاق يكون كالمشروط بينهم، والمنصوص عليه، بشرط عدم مخالفة هذا العرف للنّصّ والشّرط، ولا تسمع دعوى إرادة خلافه بغير نصّ أو شرط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو تبايع تاجران شيئاً ولم يصرّحا في صلب العقد أنّ الثمن نقد أو نسيئة، فعقد البيع - وإن كان مقتضياً نقد الثّمن حالاّ - إلا أنّهم إذا تعارفوا على أنّ ذلك الشّيء يؤدى ثمنه بعد أسبوع أو شهر أو مقسّطاً؛ لا يلزم المشتري أداء الثّمن حالاّ، وينصرف إلى عرفهم وعادتهم في الأجل؛ لأنّ (المعروف بينهم كالمشروط). ¬

_ (¬1) المجلة المادة 44. شرح الزرقا ص 185، قواعد الفقه ص 125، الوجيز ص 308.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا تبايع تاجران من تاجر الذّهب ذهباً أو فضّة بينهم فلا بدّ من التّقابض في المجلس، ولا يجوز تأخير القبض وإلا كان رباً، حتى وإن كان عرف التّجّار البيع نسيئة. لأنّ باب الرّبا مبني على الاحتياط كما تقدّم بيانه. بل أنّه إذا أراد شخص أن يبيع ذهباً لتاجر الذّهب ليبدله بذهب جديد بطراز جديد فلا بدّ أن يقبض ثمن ما باع ولا يؤخّر قبض الثّمن حتى يشتري السّلعة الجديدة، وإلا كان رباً.

القاعدة الخامسة والستون بعد الأربعمائة [المعطوف على الشرط]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد الأربعمائة [المعطوف على الشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعطوف على الشّرط شرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعطوف هو ما ذكر ثانياً بعد حرف من حروف العطف، وهي الواو أو الفاء أو ثم، أو "أو". فإنّ المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه في إعرابه وفي حكمه الشّرعي، وإن كان مغايراً له في حقيقته؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة. فإذا كان المعطوف عليه شرطاً فإنّ المعطوف يكون شرطاً كذلك ويأخذ حكم الشّرط المعطوف عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن خرجت وكلّمت فلاناً فأنت طالق. فلا تطلق إلا إذا خرجت وكلّمت فلاناً. فلو خرجت ولم تكلّمه لا تطلق. ولو كلّمته وهي داخل البيت لا تطلق؛ لأنّ الشّرط مجموع الشّيئين. بخلاف ما لو قال: إن خرجت أو كلّمت، فهنا تطلق بفعل أي واحد منهما. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أرسلت كلبك المعلّم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 237، جـ 29 ص 145.

وذكرت اسم الله تعالى فكُل" (¬1) الحديث. فالأكل مشروط بشيئين: الإرسال، وذكر اسم الله تعالى. فلو أرسل ولم يذكر اسم الله تعالى فلا يؤكل. وإن انطلق الكلب وحده دون إرسال ولمّا انطلق ذكر صاحبه اسم الله تعالى، فلا يؤكل؛ لأنّه لم يرسله، وكذلك لا يؤكل إذا أرسله غير مسلم وذكر اسم الله تعالى. ¬

_ (¬1) الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه متفق عليه، وينظر منتقى الأخبار الأحاديث 4617 - 4620.

القاعدة السادسة والستون بعد الأربعمئة [معظم الشيء]

القاعدة السّادسة والسّتّون بعد الأربعمئة [معظم الشّيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: معظم الشّيء يقوم مقام كلّه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة (للأكثر حكم الكلّ - أو حكم الكمال) وقد سبقت ضمن قواعد حرف اللام تحت الرّقم 4. فإذا وجد معظم الشّيء أو أكثره أو غالبه فإنّ له حكم ما لو وجد كلّه. وهذه القاعدة ليست على إطلاقها، إذ أنّ هناك أموراً كثيرة لا يجوز أن يكون حكم أكثرها كحكم كلّها، بل لا تعتبر ولا يعتدّ بها ما لم يتحقّق كلّها دون نقص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أدرك الرّكوع مع الإمام فتحصل الرّكعة؛ لأنّ الرّكوع وما بعده معظم الصّلاة. ومنها: إذا أدرك ركعة قبل خروج الوقت كان الكلّ أداءً في الأصحّ، ولكن في هذا المثال ما قام معظم الشّيء مقام كلّه، بل قام بعضه مقام كلّه، فهو يندرج تحت القاعدة الأخرى (ذكر بعض ما لا ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 183.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يتجزّأ كذكر كلّه) فالصّلاة لا تتجزّأ، فلمّا أدى بعضها في الوقت كان كأنّه أدّاها كاملة، فهذا المثال لا ينطبق على هذه القاعدة. ومنها: إذا أحرم الصّبي، ثم بلغ قبل الوقوف أو في أثنائه حُسب عن فرض الإسلام لإدراكه معظم الحجّ في حال الكمال. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قرأ في الرّكعة بعض الفاتحة أو أكثرها لم يجزئه عند من يرون أنّ قراءة الفاتحة ركن في الصّلاة. ومنها: إذا طاف خمسة أشواط من سبعة لم يتمّ طوافه - عند غير الحنفيّة - وإذا لم يتمّ وطال الفصل يجب عليه استئناف الطّواف. وكذلك لو صلّى ثلاث ركعات من أربع لم تصحّ صلاته.

القاعدتان السابعة والثامنة والستون بعد الأربعمئة [المعلق بالشرط]

القاعدتان السّابعة والثّامنة والسّتّون بعد الأربعمئة [المعلّق بالشّرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعلَّق لا ينجَّز (¬1). وفي لفظ: المعلق بالشّرط عَدَمٌ قبله (¬2). وفي لفظ: المعلّق بالشّرط معدوم قبل وجود الشّرط (¬3). أو لا يكون موجوداً (¬4). أو يكون معدوماً (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق لهذه القواعد أمثال. وقد سبق بيان معنى التّعليق، فالمعلّق بالشّرط أو على الشّرط لا يأخذ حكمه إلا بوجود شرطه وتحقّقه، ولا يكون منجزاً قبل وجود الشّرط، والمشروط معدوم قبل وجود شرطه، ولا ينبني عليه حكم. لكن إذا وجد شرطه أصبح كالمنجز وأخذ حكمه. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 216. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 20. (¬3) نفس المصدر جـ 3 ص 130، جـ 29 ص 139 وجـ 15 ص 98، جـ 24 ص 55 وترتيب اللآلي لوحة 98 أ. (¬4) المبسوط جـ 25 ص 143، وقواعد الفقه ص 126. (¬5) شرح السير ص 2042

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: مَن سبق فله جائزة. فلا تستحقّ الجائزة إلا عند وجود الجزاء وهو السّبق. ومنها: الصّلاة لا تصحّ إلا بشروط فما لم يوجد شرط منها - مع القدرة - فالصّلاة عدم، كشرط الطّهارة. ومنها: إذا قال لزوجته: إن أطعتني أعطيتك هدية. فلا تستحقّ الهديّة بدون طاعته. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق عند آخر الشّهر. فلا يقع الطّلاق إلا عند ورود آخر الشّهر، ولا تطلق قبله، فالطّلاق قبل آخر الشّهر معدوم. ومنها: إذا قال: سأسافر بعد أسبوع، فقبل مضي الأسبوع فالسّفر غير موجود. ومنها: لو نذر صوم يوم بعينه، ثم أراد صوم يوم قبله عنه لم يجز. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: إذا دبَّر عبده - والتّدبير يفيد العتق بعد الموت - ثم أعتقه في حياته. نفذ عتقه.

القاعدة التاسعة والستون بعد الأربعمئة [المعلق بالشرط]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد الأربعمئة [المعلّق بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعلّق بالشّرط عند وجود الشّرط كالمنجز (¬1). وفي لفظ: المعلّق بالشّرط عند وجوده كالمنشأ (¬2). وفي لفظ: المعلّق بالشّرط يجب ثبوته عند ثبوتِه، وهو معدوم قبل ثبوت شرطه (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القواعد تقابل سابقاتها، فتلك كانت تشير إلى أنّ المعلّق بالشّرط عدم قبل وجود الشّرط. وهذه تفيد أنّ المعلّق بالشّرط إذا وجد الشّرط فإنّه يكون كالمنجز حالاً، أو المنشأ حالاً، لظهور الحكم عند وجود الشّرط. ولذلك فإنّ المعلّق بالشّرط يجب ثبوته وتحقّقه عند ثبوت شرطه وتحقّقه، وإن كان معدوماً قبله. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 466. وقد رأينا أنّه يشترط لصحّة التّعليق بالشّرط كون الشّرط المعلّق ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 126، جـ 6 ص 82، وشرح السير ص 1935، والمبسوط جـ 30 ص 155، القواعد والضوابط ص 157، 495 عن التحرير. (¬2) المبسوط جـ 4 ص 135. (¬3) شرح الخاتمة ص 82، المجلة المادة 82، المدخل الفقرة 645.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عليه معدوماً في الحال ممكن الوجود عادة في المستقبل، فالتّعليق في المحقّق الوجود في الحال تنجيز، فإن قال: إن كانت السّماء فوقنا فأنت طالق. تطلق في الحال. وكذلك لو علّقه بالممتنع عادة وإن كان ممكناً عقلاً؛ لأنّ الممتنع عادة كالممتنع عقلاً في عدم بناء الحكم عليه، فذلك تنجيز أيضاً فإن قال: إن لم أصعد السّماء فأنت طالق. طلقت في الحال؛ لأنّ الصّعود إلى السّماء مستحيل عادة، وكذلك لو علّقه بالمستحيل عقلاً بطريق الأولى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: إذا خرجت من الدّار فأنت طالق. فخرجت فإنّ الطّلاق يقع عليها حين خروجها، فكأنه أوقعه لحظة خروجها، أو كأنّه أنشأ الطّلاق حين خروجها، والطّلاق قبل خروجها معدوم غير واقع لعدم ثبوت شرط التّعليق.

القاعدة السبعون بعد الأربعمئة [المعلق بالشرط]

القاعدة السّبعون بعد الأربعمئة [المعلّق بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعلّق بالشّرط عند وجود الشرّط لا ينزل إلا عند بقاء المحل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا علِّق تصرّف بشرط فعند وجود الشّرط لا ينزل الحكم المبني على الشّرط والمعلّق عليه إلا إذا كان المشروط عليه الشّرط باقياً ليقبل الحكم. أمّا إذا كان محلّ الشّرط وهو المشروط عليه أو بسببه قد خرج عن المحل أو قد زال محلّه فإنّ الشّرط لا يعمل عمله؛ لعدم وجود المحلّ الصّالح له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن كلمت فلاناً فأنت طالق. ثمّ طلّقها بسبب آخر. وبعد طلاقها كلمت فلاناً، فلا يقع عليها الطّلقة المعلّقة؛ لأنّها لم تعد زوجة له بعد البينونة، فكأنّ وقوع الطّلاق المعلّق عليها مشروط ببقاء الزّوجيّة. ومنها: إذا قال لامرأته: إن دخلت الدّار فأنت عليّ كظهر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 230.

أمّي. ثم أبانها - أي طلّقها طلقة بائنة لا رجعيّة - فدخلت الدّار في العدّة، أو بعد العدّة، لم يكن مظاهراً منها؛ لأنّ موجب الظّهار حرمة ترتفع بالكفّارة، وبالبينونة تثبت حرمة أقوى من ذلك، فلا يظهر الضّعيف مع القوي، والمرأة لم تبق محلاً بعد البينونة. بخلاف ما لو كانت الطّلقة رجعيّة.

القواعد الحادية والسبعون والثانية والسبعون والثالثة والسبعون بعد الأربعمئة [المعلق بالشرط أو الشرطين]

القواعد الحادية والسّبعون والثّانية والسّبعون والثّالثة والسّبعون بعد الأربعمئة [المعلّق بالشّرط أو الشّرطين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعلّق بالشّرط لا يثبت حكمه في بعض المحلّ بوجود بعض الشّرط (¬1). ومنها: المعلّق بالشّرط لا ينزل إلا بعد وجود الشّرط بكماله (1). ومنها: المعلّق بالشّرطين ينزل عند وجودهما من غير مراعاة التّرتيب (1). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد مع اختلاف ألفاظها فمدلولها متّحد. ومفادها: أنّ الشّرط المعلّق عليه قد يكون شيئاً واحداً وقد يكون متعدّداً - وقد سبق بيان أنّ المعطوف على الشّرط شرط. وبناء على ذلك فإنّه إذا كان الشّرط متعدّداً فإنّه لا يثبت حكمه إلا إذا وجد الشّرط بتمامه وكماله، ولا يثبت حكم الشّرط في جزء من ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 495 عن التحرير جـ 3 ص 248، 1135، جـ 4 ص 1023، جـ 5 ص 217، جـ 1 ص 312، جـ 3 ص 708.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

المحل أو بعضه إذا وجد بعض الشّرط. بل لا بد من تحقّق الشّرط كلّه واحداً أو متعدّداً. وإذا كان المعلّق عليه شرطين أو أكثر فلا يشترط لتحقّق الحكم وقوعهما مترتبين، بل إنَّ شرطَ تحقّق الحكم وقوعُ الشّرطين أو الشّروط وتحقّقها سواء وقعا بترتيب أو غير ترتيب إلا إذا كان الشرط الثاني مترتّباً وقوعه على الشّرط الأوّل فيجب التّرتيب وإلا لم يقع الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: إذا سافرت إلى جدّة والمدينة فلك عندي جائزة. فلا يستحقّ الجائزة إلا بالسّفر إلى تلكما المدينتين، ولا يستحقّ جزء الجائزة إذا سافر إلى جدّة وحدها أو المدينة وحدها. ومنها: إذا قال: إن خرجتِ بغير إذني، وكلّمت فلاناً، وزرت فلانة، فأنت طالق. فهي لا تطلق إلا إذا فعلت تلك الثّلاثة، مرتّبة أو غير مرتّبة. فأمّا لو خرجت فقط لا تطلق، أو خرجت وكلّمت فقط لا تطلق. إذاً لا يقع الطّلاق إلا بتحقّق الثّلاثة ووجودها منها.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد الأربعمئة [المعلق والمضاف]

القاعدة الرّابعة والسّبعون بعد الأربعمئة [المعلّق والمضاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعلّق بالشّرط لا ينعقد سبباً للحال، والمضاف منعقد في الطّلاق والعتاق والنّذر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات شقّين: الأوّل يفيد ويدلّ على أنّ المعلّق بالشّرط لا ينعقد سبباً للحال - كما سبق بيانه في أكثر من قاعدة -؛ لأنّه لا ينعقد إلا بوجود الشّرط وبقاء المحل. والشّقّ الثّاني: يفيد ويدلّ على أنّ الشّرط المضاف ينعقد سبباً للحال في ثلاثة أشياء الطّلاق والعتاق والنّذر. والمراد بالإضافة هنا: الإسناد مطلقاً، لا الإضافة عند النّحاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أنت حرّ غداً. لم يملك بيعه اليوم، لكن إذا قال: إذا جاء غد فأنت حرّ. يملك بيعه اليوم؛ لأنّه أضاف الحريّة إلى مجيء الغد. ومنها: إذا قال: لله عليّ التّصدّق بدرهم غداً. ملك التّعجيل فله أن يتصدّق به اليوم. بخلاف ما لو قال: لله عليّ التّصدّق بدرهم ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 180 وغمز عيون البصائر جـ 2 ص 121 فما بعدها، وعنه قواعد الفقه ص 126.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

إذا جاء غد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: حيث سووا بين التّعليق والإضافة. إبطال خيار الشّرط. قالوا: لا يصحّ تعليق إبطاله بالشّرط، لكن إذا قال: إذا جاء غد فقد أبطلت خياري. أو قال: أبطلته غداً، فجاء غد بطل خياره لأنّه وإن كان في الظّاهر تعليقاً لكنّه في الواقع إضافة فكأنّه أضاف الإبطال إلى الغد ولكن عبَّر عن ذلك بصيغة التّعليق. ومنها: إذا قال: أجرتك غداً، أو إذا جاء غد فقد أجرتك صحّت، مع أنّ الإجارة لا يصحّ تعليقها وتصحّ إضافتها.

القاعدتان الخامسة والسادسة والسبعون بعد الأربعمئة [المعلوم بالعادة والدلالة]

القاعدتان الخامسة والسّادسة والسّبعون بعد الأربعمئة [المعلوم بالعادة والدّلالة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعلوم دلالة كالمعلوم نصّاً (¬1). والمعلوم بالعادة كالمشروط بالنّص (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: أولى القاعدتين تفيد أنّ الدّلالة لها حكمها، كما أنّ للنّصّ حكمه، فما عُلم عن طريق الدّلالة - أي غير النّطق - فحكمه كالمعلوم بالنّصّ عليه - هذا إذا لم يوجد نصّ يعارضه، وإلا فلا حكم للدّلالة مع النّصّ المخالف. وثانية القاعدتين سبق لها أمثال ومفادها: أنّ ما عرف ثبوته بالعادة والعرف والاستعمال الشّائع فحكمه كالمشروط بالنّصّ عليه؛ لأنّ من أقوى الدّلالات دلالة العرف والعادة. وصلة القاعدتين واضحة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا وكّله في شراء عمامة - والعمامة عَلَم لكلّ ما غطّى الرّأس وعمَّه - والوكيل يعلم أنّ موكّله يلبس العمامة التي تسمّى اليوم "الشّماغ" فإذا اشترى له شماغاً يلزم الموكّل. وإذا اشترى له (غترة) أي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 209. (¬2) نفس المصدر جـ 23 ص 59.

عمامة بيضاء غير الشّماغ الأحمر، أو شماغاً غير أحمر، فلا يلزم الموكّل، ويكون الوكيل اشتراه لنفسه؛ لأنّ المعلوم دلالة وعادة كالمعلوم نصّاً. ومنها: إذا وكّله أن يُسلم له عشرة دراهم في طعام، انصرف إلى الحنطة - وهي القمح والبُر - أما إذا كان العرف يطلق الطّعام على الخبز أو الأرز انصرف إليه.

القاعدتان السابعة والثامنة والسبعون بعد الأربعمئة [المعلوم - المحتمل - الموهوم]

القاعدتان السّابعة والثّامنة والسّبعون بعد الأربعمئة [المعلوم - المحتمل - الموهوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المعلوم الظّاهر لا يترك العمل به بالمحتمل (¬1). وفي لفظ: المعلوم لا يؤخّر للموهوم (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الظّاهر والمحتمل متقابلان - والمعلوم والموهوم متقابلان. فالظّاهر والمعلوم قويان، والمحتمل والموهوم ضعيفان، ولمّا كان الضّعيف لا يظهر في مقابلة القوي، فإنّ العمل بالمعلوم الظّاهر واجب، ولا يترك العمل به ولا يؤخّر تنفيذ ما دلّ عليه لأجل المحتمل والموهوم. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا وجدنا شخصاً بيده سكين ملوّث بالدّم، وأمامه قتيل يتشحط في دمه، فإنّ الظّاهر أنّ حامل السّكين هو القاتل، فلا يجوز لنا تركه لاحتمال أن يكون قتله غيره. ومنها: إذا رأينا شخصاً يبيع سلعة فيجوز لنا أن نشتريها منه، ولا نمتنع عن شرائها بحجّة أنّه يحتمل أن يكون سارقاً لها أو مغتصباً؛ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 208 - 209. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 280، ترتيب اللآلي لوحة 97 ب.

لأنّ (الأموال على قول وملك أربابها). ومنها: إذا انقطع دم الحائض لأيّام عادتها - دون العشرة - فإنّها تؤخّر إلى وقت يمكنها الاغتسال فيه، وتصلّي فرضها، ولا بأس لزوجها أن يطأها؛ لأنّ انقطاع الدّم طهر من حيث الظّاهر، والاستدلال بما قبله. واحتمال توهّم العود لم يتأيّد بدليل، فلا يمنعه من الوطء، وكذلك لها أن تتزوّج إن كان هذا آخر عدّتها؛ لأنّها قد طهرت ظاهراً. ومنها: لو قلع شخص عيني رجلين، فحضر أحدهما اقتصّ له، وللآخر نصف الدّية. ومنها: لو حضر أحد الشّفيعين قضى له بكلّ المشفوع فيه. ولا يؤخَّر لاحتمال طلب الشّفيع الآخر.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد الأربعمئة [النفي - الاجتماع]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد الأربعمئة [النّفي - الاجتماع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مع النّفي لا يتحقّق الاجتماع (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّفي: يقابل الإثبات. وهذه القاعدة الأصل فيها بعض ما يحصل في الحجّ والعمرة، ولكن موضوعها أعمّ، فإذا وجد النّفي فلا يتحقّق اجتماع أمرين؛ لأنّ النّفي دليل رفض أحدهما. والنّفي قد يكون عملاً: أي لا يمكن تحقيق العمل المطلوب ولا إيجاده للاستحالة والتّعذّر. وقد يكون قولاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من جمع في إحرامه بين حجّتين أو عمرتين - أي نوى بإحرامه أن يحجّ حجّتين أو عمرتين معاً - فإنّ الجمع بينهما عملاً منفي. أي ممتنع. ومع النّفي لا يتحقّق الاجتماع فيكون رافضاً لإحداهما على كلّ حال. ومنها: إذا أهلّ الآفاقي - وهو في عرفات بعمرة - فيجب عليه رفضها - أي - التّحلّل منها بعدم فعلها -؛ لأنّه محرم بالحجّ وعليه دم؛ لتحقّق المنافي عملاً. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 182.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا نوى بصيامه الواجب في رمضان والقضاء. لا يجتمعان؛ فإن الصّوم يقع عن رمضان قطعاً، وتكون نيّته عن القضاء مرفوضة. ومنها: إذا كفَّر كفّارة واحدة عن واجبين، وقعت على أحدهما فقط، كمن كفّر عن يمينين حنث فيهما بعتق رقبة واحدة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا نوى بصلاته فرض الوقت وقضاء الفائتة مثله - لم يصحّ واحدة منهما، فصلاته باطلة، فنيّته هنا أبطلت صلاته، فكأنّها جمعت بين بطلان النّيتين معاً، نيَّة فرض الوقت ونيَّة قضاء الفائتة. فكان الاجتماع في النّفي والرّفض والبطلان بخلاف الصّوم.

القاعدة الثمانون بعد الأربعمئة [المعين - الذمم]

القاعدة الثّمانون بعد الأربعمئة [المعيَّن - الذّمم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعينات لا تثبت في الذّمم، وما في الذّمم لا يكون معيناً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعيَّنات: جمع معيَّنة - أي مرئية بالعين - وهي صفة لموصوف محذوف، تقديره السّلعة المعيّنة، أو هي المشخصات في الخارج المرئية بالحسّ. والذّمم: جمع ذمّة، وهي وعاء اعتباري لإثبات الحقوق والواجبات لإمكان المطالبة بها. والذّمّة: العهد، وسمّيت ذمّة؛ لأنّ مَن نكثها أو أخفرها فهو مذموم. وإذا كانت المعيَّنات لا تثبت في الذّمم، فإنّ ما في الذّمم لا يكون معيناً، بل يتعلّق الحكم فيه بواحد غير معيَّن؛ لأن المطلوب متى ما كان في الذّمّة فإنّ لمن هو عليه أن يتخيّر بين الأمثال ويعطي أي مثل شاء. أمّا لو عقد على معيّن من تلك الأمثال لم يكن له الانتقال عنه إلى غيره. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 133 - 134.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سلعة معيَّنة فاستحقّت - أي ظهر لها مالك غير البائع أو ظهرت مرهونة أو غير ذلك - انفسخ العقد فيها ويستردّ المشتري ما دفعه، وليس له أن يسلم غيرها. ومنها: إذا استأجر شخصاً لحمل متاع له أو إيصاله إلى بلد عيَّنه، ولكن لم يعيّن وسيلة النّقل والحمل، فإنّ للمستأجَر أن يعيّن له دابّة أو سيّارة، فإذا عطبت أو تعطّلت وجب عليه إحضار غيرها؛ لأنّ المعقود عليه غير معيّن. ومنها: الصّلاة في وقتها معيَّنة، فإذا خرج وقتها ولم يؤدّها، انتقل الأداء إلى الذّمّة فكان قضاء يؤدّيه في أي وقت شاء. ومنها: الدّيون في الذّمّة لا يتعيّن أداؤها من نقد بعينه، بل يؤدّيها المدين بالنّقد المتداول من أي فئاته شاء. وليس للدّائن أن يجبره على الأداء بفئة منه معيّنة.

القاعدة الحادية والثمانون بعد الأربعمئة [المعين]

القاعدة الحادية والثّمانون بعد الأربعمئة [المعيَّن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المعيَّن لايُعرَّف بصفته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمعيّن هنا: الموجود المشار إليه، فما كان موجوداً مشاراً إليه واقعاً تحت الحسّ أو مذكوراً في عبارته فإنّه لا يُعرَّف بصفته؛ لأنّ وجوده كاف عن الوصف؛ بل هو أقوى من الوصف. وسيأتي: أنّ (الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لله عليَّ أن أصوم شهراً. صام أيّ شهر شاء، لكن إذا أفطر منه يوماً وجب عليه استئناف شهر واستقباله بالصّوم ومنها: إذا قال: لله عليَّ أن أصوم رجباً متتابعاً. فصام ثم أفطر فيه يوماً، فعليه قضاء ذلك اليوم وحده؛ لأنّ ما أوجبه على نفسه من الصّوم في وقت بعينه معتبر بما أوجبه الله عليه من الصّوم في وقت بعينه وهو صوم رمضان، وهذا لأنّ ذكر التّتابع في شهر بعينه غير معتبر، فالمعيَّن لا يعرَّف بصفته. ومنها: إذا قال: أنكحتك ابنتي هذه - البيضاء الطّويلة - وهي ¬

_ (¬1) المبسوط ج 3 ص 132.

حاضرة مرئيّة، فالصّفة غير معتبرة؛ لأنّ المراد إنكاحها امرأة معيّنة لو اختلفت الصّفة في حقّ للزّوج في الاعتراض لأنّه ينظر ويرى التي أمامه المشار إليها.

القاعدة الثانية والثمانون بعد الأربعمئة [المغرم والمغنم]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد الأربعمئة [المغرم والمغنم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المَغْرم مقابل بالمغنم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المغرم: هو الغرامة والخسارة. والمغنم: هو الرّبح والغنيمة. وقد سبق لهذه القاعدة أمثال مثل: (الغرم بالغنم، والغنم بالغرم). وقد سبقت ضمن قواعد حرف الغين تحت الرّقم 8. وبلفظ: (الخراج بالضّمان) ضمن قواعد حرف الخاء تحت الرّقم 13. وبلفظ سيأتي إن شاء الله: (النّعمة بقدر النّقمة، والنقمة بقدر النّعمة). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 67.

القاعدتان الثالثة والرابعة والثمانون بعد الأربعمئة [المغرور - الغار]

القاعدتان الثّالثة والرّابعة والثّمانون بعد الأربعمئة [المغرور - الغارّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المغرور في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض جعل سبباً للضّمان دفعاً للضّرر بقدر الإمكان (¬1). وفي لفظ: المغرور يرجع على الغار بما غرَّه (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المغرور: هو المخدوع، الذي يخدع في المعاوضات، إذ توصف له السّلع بغير حقيقتها، أو يشتريها على أنّها سليمة فتظهر معيبة. فهذا المغرور له الحقّ في المطالبة بالتّعويض ممّن غرَّه، بما غَرَّه به؛ دفعاً للضّرر بقدر الإمكان، ولأنّ الغرور حرام. وينظر القواعد من 9 - 11 من قواعد حرف الغين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اشترى سيّارة على أنّها سليمة من العيوب - أو اشتراها مطلقة - والإطلاق يقتضي سلامة العوض في العقد الصّحيح. ثم ظهر فيها ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 98 ب، أشباه ابن نجيم ص 215. (¬2) شرح السير ص 2119 وعنه قواعد الفقه ص 126، وينظر الفتاوى الخانية جـ 2 ص 230 مسائل الغرور.

عيوب - أخفاها البائع - توجب الرّدّ أو أرش النّقصان فللمشتري المغرور الحقّ في المطالبة بالتّعويض على النّقص الحاصل بالعيب، من البائع أو من الوسيط الذي غرَّه، وذلك دفعاً للضّرر عن المشتري المخدوع بقدر الإمكان. ومنها: إذا اشترى أمَة فاستولدها، ثم ظهرت مستحقة، فإنّ المشتري يرجع على البائع بالثّمن وبقيمة الولد. ومنها: إذا اشترى أرضاً وبنى فيها ثم ظهرت مستحقّة - أو أنّها ليست ملكاً للبائع - فإنّ المشتري يرجع على البائع بقيمة الأرض والبناء. ومنها: إذا قال رجل لأهل السّوق بايعوا ابني هذا فقد أذنت له في التّجارة، فظهر أنّه ابن غيره. رجعوا عليه للغرور. ومنها: إذا غرَّ البائع المشتري وقال له: قيمة متاعي كذا فاشتره. فاشتراه بناء على قوله، ثم ظهر فيه غبن فاحش، فإنّه يردّه. ومنها: إذا كان عنده وديعة فهلكت. ثم جاء رجل واستحقّ الوديعة، وضمَّنها الأمين، فإنّ المودَع الأمين يرجع على المودِع بما ضمن.

القاعدة الخامسة والثمانون بعد الأربعمئة [اللفظ والمعنى]

القاعدة الخامسة والثّمانون بعد الأربعمئة [اللفظ والمعنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المغلَّب هل هو اللفظ أو المعنى (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند التّعاقد قد يتلفّظ المتعاقدان بلفظ العقد الذي يريدانه صريحاً كعقد البيع بقولهما بعت واشتريت، فيترتّب على العقد مقتضاه وأحكامه، وقد يكون اللفظ لعقد ومراد العاقدين عقداً آخر مدلولاً عليه بما وُصِل بألفاظ العقد، فهل تكون العبرة والاعتداد بلفظ العقد الملفوظ أو بالمعنى المراد؟ المغلَّب عند الأكثرين المعنى المقصود المدلول عليه، لا باللفظ الملفوظ، وقد سبق لهذه القاعدة أمثال، ينظر من قواعد حرف الهمزة القواعد من 96 - 98، 641. ومن قواعد حرف الحاء القاعدة 108. وغيرهما. وينظر الوجيز ص 147 فما بعدها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبتك هذا الكتاب بمئة. كان بيعاً لا هبة؛ لذكر العوض، كان تلفّظ بلفظ الهبة. ¬

_ (¬1) ينظر قواعد ابن رجب القاعدة 38، وأشباه السيوطي ص 166، وأشباه ابن نجيم ص 207، والوجيز مع الشرح والبيان ص 147.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: بعتك هذا الكتاب بدون ثمن، أو أجرتك هذه الدّار بدون أجرة. لا يكون العقد الأوّل هبة ولا بيعاً وهو عقد باطل. ولا يكون العقد الثّاني إجارة ولا إعارة، وهو باطل كذلك؛ لعدم ذكر الثمن والأجرة فيهما وهما من أركان العقد.

القاعدتان السادسة والسابعة والثمانون بعد الأربعمئة [المغلوب - الغالب]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والثّمانون بعد الأربعمئة [المغلوب - الغالب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب (¬1). والمغلوب في حكم المستهلَك (¬2). أو المغلوب لا حكم له (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المغلوب: اسم مفعول من غُلِب، والمراد به الشّيء القليل. والغالب: اسم فاعل من غَلَب، والمراد به الشّيء الكثير. إذا اختلط شيئان معاً وكان أحدهما أكثر من الآخر فإنّ الأكثر هو الغالب والأقل هو المغلوب. والحكم إنما يكون للغالب منهما؛ لأنّ المغلوب مستهلك في الغالب. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا صبَّ لبن امرأة في طعام، فأكله الصّبي، فإن كان الطّعام هو الغالب فلا تثبت به الحرمة؛ لأنّ هذا أكل، والموجب للمحرمية ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 14. (¬2) نفس المصدر جـ 2 ص 14. (¬3) القواعد والضّوابط ص 141 عن كتاب الأصل لمحمد بن الحسن جـ 2 ص 331 - 332.

الشّرب دون الأكل. أمّا إن كان اللبن هو الغالب، فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تثبت الحرمة ومنها: إذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى ثم أوجر منه صبي، فهل تثبت الحرمة منهما جميعاً؟ أو تثبت الحرمة لمن يكون لبنها غالباً؟ خلاف. ومنها: إذا اختلط موتى مسلمين بموتى كفار - ولم يمكن التّفريق بينهم - فإن كانت الغلبة للمسلمين غسلوا جميعاً وصلَّي عليهم جميعاً - إلا مَن عُرِف أنه كافر - وإن كانت الغلبة للكفّار لا يصلّى عليهم، إلا مَن عُرِف أنه مسلم بالسّيما والعلامة؟ لأنّ الحكم للغالب. فإذا استويا لم يصلّ عليهم عند الحنفيّة، ولكن عند غيرهم من الفقهاء يصلّى عليهم جميعاً ويُنْوى بالصّلاة المسلمين؛ لأنّه لما عُجِز عن التمييز الفعلي بينهم فإنّما يميز بالنّيّة.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد الأربعمئة [المغيا]

القاعدة الثّامنة والثّمانون بعد الأربعمئة [المغيا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المغيا لا بدّ أن يثبت قبل الغاية ويتكرّر إليها (¬1). أو - ثم يصل إليها (1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المُغَيّا: اسم مفعول من غُيِّيَ فهو مغيا. والمراد به هنا: ما جعل غاية ونهاية. فحكمه أنّه يثبت قبل الغاية ويتكرّر ويصل إليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن أكلت حتى لبست، فأنت طالق. يقتضي اللفظ تأخير اللبس مع تكرّر الأكل قبله حتى يصل إليه؛ لأنّ حتى حرف غاية. ومنها: إذا قلت: قام القوم حتى عمرو. يقتضي تأخّر قيام عمرو. بدلالة حتى التي هي حرف غاية وجر. ومنها: قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} (¬2). فالسّلام ثابت قبل الفجر وهو ممتدّ ومستمرّ إلى طلوع الفجر. ومثله: سرت حتى طلعت الشمس، فالسّير ثابت ومستمر قبل طلوع الشّمس إلى طلوعها. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 84، ص 113. (¬2) الآية 5 من سورة القدر.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد الأربعمئة [المفرد المضاف]

القاعدة التّاسعة والثّمانون بعد الأربعمئة [المفرد المضاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المفرد المضاف إلى معرفة للعموم (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المفرد المنكر إذا أضيف إلى معرفة أفاد العموم والشّمول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (¬2). استدلّ على أنّ الأمر للوجوب - بسبب التّهديد بإصابة الفتنة أو العذاب - والمراد كلّ أمر لله تعالى. ومنها: إذا أوصى لولد زيد، أو وقف على ولده - وكان له أولاد ذكور وإناث - كانت الوصيّة والوقف للكلّ. ومنها: إذا قال: إن كان حملك ذكراً فلكِ عندي هديتان. وإن كانت أنثى فهديّة. فولدت ذكراً وأنثى .. قالوا: لا تستحقّ الهديّة, لأنّ الحمل اسم للكلّ - أي كلّ الحمل - فما لم يكن كلّ الحمل ذكراً أو أنثى لم يوجب الشّرط. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 386، وعنه قواعد الفقه ص 126. (¬2) الآية 63 من سورة النور.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال: زوجاتي طالق. أو عبيدي حُر - بالإفراد في كليهما - طلقت واحدة وعتق واحد. والتّعيين إليه. ومقتضى لفظه طلاق الكلّ وعتق الجميع، لكن لم يحمل على الجميع لوجود الوصف المفرد وهو الخبر فلم يطابق المبتدأ.

القاعدة التسعون بعد الأربعمئة [المفرط]

القاعدة التّسعون بعد الأربعمئة [المفرَّط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُفَرَّط ضامن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المفرِّط: اسم فاعل من فَرَّط فهو مفرِّط. أي مهمل ومتهاون غير محتاط ومقصِّر ومضيَّع. فمن قصَّر في حفظ أو رعاية ما أو مَن تحت يده حتى ضاعوا أو هلكوا، فإنّه غارم وضامن لما ضاع أو هلك بسبب تقصيره وإهماله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نامت امرأة وبجوارها رضيع أو طفل فمالت عليه أثناء نومها فقتلته فعليها الدّية وتلزمها الكفّارة لتفريطها وعدم احتياطها. ومنها: من أتلف مال غيره عمداً أو خطأ فهو ضامن وغارم، والفرق بين المتعمّد المتعدّي والمخطئ أنّ المتعمّد المتعدّي آثم ويستحقّ العقوبة، والمخطئ غير آثم، ولا يستحقّ العقوبة، وإن كانا مستويين في وجوب الضّمان. ومنها: أودع وديعة فقصّر في حفظها حتى ضاعت فهو ضامن لها بسبب تقصيره، مع أنّ يده مؤتمنة في الأصل. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه الإسلامي ص 229 عن الإشراف جـ 2 ص 78.

القاعدة الحادية والتسعون بعد الأربعمئة [المفسد وزواله]

القاعدة الحادية والتّسعون بعد الأربعمئة [المفسد وزواله] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المفسد إذا زال قبل تقرّره يصير كأن لم يكن (¬1). وفي لفظ: المفسد للعقد إذا زال قبل تقرّره جُعل كأن لم يكن وصحّ العقد (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المفسد للعقد هو إمّا فقدان العقد بعض شروط صحّته، أو اشتراط شرط خارج عن مقتضى العقد أو مناف لمقتضاه. والمراد بالإفساد هنا: غير البطلان، وذلك لأنّ الحنفيّة يفرّقون بين الباطل والفاسد، فالباطل لو أزيل سبب البطلان فلا بدّ من استئناف العقد وتجديده عند الكلّ، ولا يكون زوال سبب البطلان مصحّحاً للعقد، بخلاف المفسد عند الحنفيّة. فبناءً على هذه القاعدة إذا أزال المتعاقدان هذا المفسد للعقد قبل ثبوته - وثبوت المفسد يكون بالتّقابض والتّفرّق عن المجلس - فإذا أزيل المفسد قبل ثبوته فإنّ العقد يعود صحيحاً ويجعل المفسد كأن لم يكن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 23. (¬2) نفس المصدر جـ 12 ص 143.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وعند غير الحنفيّة الفاسد والباطل مترادفان فإذا دخل العقد فساد فالعقد غير صحيح ويجب استئنافه وتجديده ولو أُزيل المفسد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشتراط خيار الرّؤية في السّلم مفسد للعقد، فإن أسقط الخيار قبل التّفرّق صحّ العقد. ومنها: إذا تصارفا درهماً بدرهمين - وهذا عقد دخله الرّبا - فإن رَدَّ آخذ الدّرهمين درهماً منهما لصاحبه قبل التّفرّق من المجلس صحّ العقد درهماً بدرهم. وعند غير الحنفيّة العقد باطل فلا بُدَّ مِنْ ترادهما وتجديد العقد واستئنافه درهماً بدرهم. ومنها: إذا تزوّج امرأة بغير شهود، أو زوجّت نفسها بغير ولي، فإذا حضر الشّهود بعد ذلك أو أجاز الولي صحّ العقد عند الحنفيّة، ولم يصحّ عند غيرهم بل يجب تجديد العقد واستئنافه.

القاعدة الثانية والتسعون بعد الأربعمئة [إباحة المحرم]

القاعدة الثّانية والتّسعون بعد الأربعمئة [إباحة المحرم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المفسدة المقتضية للتّحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بباب الضّرورات والحاجة - وهي بمعنى القاعدة القائلة: (لا حرام مع ضرورة) وقد سبقت. فإذا وجدت مفسدة مسبّبة لتحريم فعل في شيء أو أمر ما - لأنّ المحرّم إنّما حرِّم لأجل ما فيه من مفسدة - ولكن عارض ذلك حاجة راجحة أو ضرورة ماسّة أبيح المحرم؛ لأنّ (الضّرورات تبيح المحظورات. والحاجة تنزل منزلة الضّرورة). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جواز إبقاء الثّمرة على الشّجر إلى كمال الصّلاح؛ لأنّ الحاجة داعية إلى بقاء الثّمر بعد البيع إلى كمال صلاحه. وإذا أصابته جائحة قبل اكتمال صلاحه هلك من ضمان البائع. ودليل ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم رحمه الله من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه ¬

_ (¬1) القواعد النورانية ص 133.

قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حقّ" (¬1) ¬

_ (¬1) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. ينظر المنتقى الحديث 2863.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد الأربعمئة [المفسوخ]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد الأربعمئة [المفسوخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المفسوخ لا تلحقه الإجازة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المفسوخ: هو العقد الذي أبطله العاقدان بعد تمامه، إذ يدخله الفسخ بسبب من الأسباب. فإذا عقد فضولي عقداً ثمّ فسخه، فإن إجازة المالك أو صاحب الشّأن لا تنفع ولا تصحّح العقد بعد فسخه؛ لأنّ الإجازة إنّما تعمل في العقد الموقوف، لا في المفسوخ ولا في الباطل - كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي سيّارة شخص لشخص آخر، وقبل إجازة المالك فسخ الفضولي أو المشتري منه العقد، ثم جاء المالك فأجاز العقد، فإنّ العقد لا يعود صحيحاً بهذه الإجازة, لأنّ الإجازة إنّما صادفت عقداً مفسوخاً أي باطلاً معدوماً، لا عقداً موقوفاً، فلا عمل لها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 188.

القاعدتان الرابعة والخامسة والتسعون بعد الأربعمائة [المفهوم]

القاعدتان الرّابعة والخامسة والتّسعون بعد الأربعمائة [المفهوم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المفهوم لا يكون حجّة في الاستحقاق (¬1). وفي لفظ: مفهوم النّص ليس بحُجّة (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: مفهوم النّص: المراد به عند الأصوليين والفقهاء، مفهوم المخالفة. ومعنى مفهوم المخالفة: ما يفهم عن اللفظ في يسير محلّ النّطق، أو أنّ الحكم المسكوت عنه يخالف حكم المنطوق به. ويسمى دليل الخطاب أيضاً (¬3). فمفهوم المخالفة لا يكون حجّة ولا دليلاً للاستحقاق، ولا يعتدّ به في الأحكام عند الحنفيّة، وإن كان غيرهم يعتبره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬4) فمفهومه أن مَن لم يشهد الشّهر لا يجب عليه صومه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 25. (¬2) نفس المصدر جـ 5 ص 202. (¬3) الإيضاح ص 22. (¬4) الآية 185 من سورة البقرة.

ومنها: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (¬1) فمفهومه أنّه لا يجوز الزّواج من الأمَة غير المؤمنة، وهذا عند غير الحنفيّة، وأمّا عند الحنفيّة فلا يأخذون بهذا المفهوم. ومنها: وجوب النّفقة للمعتدّة من طلاق بائن وهي غير حامل مع السّكنى عند الحنفيّة ورواية عن أحمد بن حنبل رحمه الله. خلافاً للشّافعيّة والمالكيّة (¬2) الذين يرون أن لا نفقة لها إلا إذا كانت حاملاً استدلالاً بالمفهوم من قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬3). فأخذوا من ذلك عدم استحقاق النّفقة للبائن غير الحامل المعتدّة، ولها السّكنى فقط (¬4). والوجه الرّاجح عند أحمد رحمه الله أنّه لا نفقة لها ولا سكنى (¬5). ومنها: إذا قال المضارب: إنّ لربّ المال ثلث الرّبح. ولم يسمّ المضارب لنفسه شيئاً، قالوا: هذه مضاربة فاسدة في القياس؛ لأنّهما لم ¬

_ (¬1) الآية 25 من سورة النساء. (¬2) ينظر عقد الجواهر الثمينة جـ 2 ص 310. (¬3) الآية 6 من سورة الطّلاق. (¬4) ينظر روضة الطالبين جـ 6 ص 475 - 476. (¬5) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 308 - 309.

يبيّنا ما هو المحتاج إليه وهو نصيب المضارب من الرّبح. ولأنّه ليس من ضرورة اشتراط الثّلث لربّ المال اشتراط ما بقي للمضارب، فإنّ ذلك من المفهوم. والمفهوم لا يكون حجّة في الاستحقاق؛ لاحتمال أن يكون مراده اشتراط بعض الرّبح لعامل آخر يعمل معه. لكن قالوا: هذه مضاربة جائزة استحساناً؛ لأنّ عقد المضاربة عقد شركة في الرّبح، فإذا بيّن نصيب أحدهما كان ذلك بياناً في حقّ الآخر. ودليل الاستحسان قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (¬1). ¬

_ (¬1) الآية 11 من سورة النساء.

القاعدة السادسة والتسعون بعد الأربعمئة [المفهوم]

القاعدة السّادسة والتّسعون بعد الأربعمئة [المفهوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المفهوم لا يوجب الحد (¬1). عند أبي حنيفة رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بسابقتيها، وإن كانت أخصَّ منهما موضوعاً، فعند الحنفيّة - عموماً - إذا كان المفهوم (¬2) لا يصلح حجّة على وجه العموم، فإنّ في هذه القاعدة بيان أنّ هذا المفهوم لا يصلح حجّة على وجه الخصوص في إيجاب الحدّ، قذفاً أو غيره؛ لأن الحدود تدرأ بالشّبهات. ولا يجب الحدّ إلا إذا كان اللفظ صريحاً غير كناية وبخاصّة في القذف عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أحمد رحمه الله لا حدّ إلا بالقذف الصّريح (¬3). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: ما أنا بزان ولا أمي بزانية مخاطباً شخصاً أمامه، فمفهومه أنّ المخاطَب زانِ وأمّه زانية - وبخاصّة إذا كان ذلك في مجال المشاتمة والمنازعة - لكن لمّا كان أبو حنيفة رحمه الله لا يعمل ولا يأخذ ¬

_ (¬1) الخانية جـ 3 ص 476 حد القذف وعنه الفرائد ص 216. (¬2) المراد بالمفهوم ألفاظ الكناية لا المفهوم الأصولي فقط. (¬3) ينظر المغني جـ 12 ص 392.

بالمفهوم لم يوجب على القائل حدّ القذف؛ لأنّ وجوب حدّ القذف عنده لا يكون إلا بصريح اللفظ. وكذلك هو عند أحمد والشّافعي وغيرهما. ومنها: إذا قال لامرأة: وطِأَك فإن وطأ حراماً، أو فجر بك فجوراً، أو جامعك جماعاً حراماً، لا حدّ عليه. ومنها: إذا قال لآخر: لست لأبويك، فليس بقاذف ولا حدّ عليه.

القاعدة السابعة والتسعون بعد الأربعمئة [الأجل والدراهم - الربا]

القاعدة السّابعة والتّسعون بعد الأربعمئة [الأجل والدّراهم - الرّبا] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مقابلة الأجل بالدّراهم ربا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّبا نوعان: ربا الفضل - أي الزّيادة مع الجنس -، وربا النّسيئة - أي الأجل. فربا الفضل يكون في الجنس الواحد كالذّهب بالذّهب متفاضلاً. وربا النّسيئة يكون بزيادة على رأس المال مقابل، زيادة المدّة - وكلاهما محرّم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حطّ عنه شيئاً من دَينه مقابل تعجيل الأداء لا يجوز، كما لو زاده شيئاً مقابل التّأجيل وزيادة المدّة. ومنها: بيع التّقسيط الآجل بزيادة عن النّقد، تعتبر الزّيادة ربا؛ لأنّها في مقابل تأجيل دفع الثّمن. وينظر القاعدة رقم 438 بلفظ "معاوضة". ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 126.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد الأربعمئة [المقادير]

القاعدة الثّامنة والتّسعون بعد الأربعمئة [المقادير] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المقادير بالرّأي لا تستدرك (¬1). وفي لفظ: نصب المقادير بالرّأي لا يجوز. وتأتي في قواعد حرف النّون إن شاء الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقادير: جمع مقدار، والمراد به هنا: المقدّرات الشّرعيّة التي تتعلّق - بالأزمان، والأعداد والمكاييل والمقاييس، والعقوبات البدنيّة أو الماليّة والواجبات المقدّرة - أي التي حدّد الشّارع مقاديرها - فكلّ هذه الأمور لا تدرك بالرّأي، ولا مجال للرّأي والاجتهاد في نصبها وتحديدها، فإذا لم تكن مسموعة أو منصوصاً عليها فلا يجوز نصبها، ولو اجتهد مجتهد في تقدير أي منها بدون نصّ فلا يعتدّ باجتهاده ولا يعمل بتقديره. إلا ما كان من باب العقوبات التّعزيريّة فيعود تقديرها إلى رأي الإمام بحسب الجرم، لأنّ ما لا تقدير له في الشّرع يعود تقديره إلى رأي الإِمام بحسب ما يرى من المصلحة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 133.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ذكروا في باب الشّفعة في الأرضين والأنهار: أنّ الشّركاء في النّهر الصّغير هم كلّ من له شِرب منه. لكن إذا كان النّهر كبيراً تجري فيه السّفن، فالجار أحقّ به؛ لأنّ الحنفيّة يرون جواز الشّفعة للجار الملاصق؛ لأنّ الشّركة في النّهر الكبير شركة عامّة بمنزلة الطّريق النّافذ، ولكن كيف يفرَّق بين النّهر الصّغير والنّهر الكبير؟. قالوا: إذا كان النّهر تجري فيه السّفن فهو النّهر الكبير، ولا مجال فيه للتّقدير بعدد المنتفعين؛ لأنّه لم يرد عن الشّرع تقدير لذلك، والمقادير بالرّأي لا تستدرك. ومنها: حريم النّهر فلو أجرى نهراً، فله حريمه من الجانبين بقدر ما يرى الإمام من حاجة حافره، وما يقطع التّنازع بين الحافر وبين جيرانه، ولا تقدير لحريم النّهر في الشّرع. ومنها: إذا قدّر الشّارع حدّ زنا البكر بمئة جلدة، فلا يجوز لحاكم أن يزيد على هذا الحدّ أو ينقص منه، أو يبدله بالسّجن أو الغرامة أو غير ذلك من العقوبات.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد الأربعمئة [المقارن]

القاعدة التّاسعة والتّسعون بعد الأربعمئة [المقارن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقارن للصّنيع إذا كان مؤثّراً فإذا تقدّم أو تأخّر لا يؤثّر غالباً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقارن للصّنيع: هو ما يصاحب إنشاء العقد أو ابتداء العمل، فإذا كان هذا المصاحب مؤثّراً في العقد أو الفعل حال مقارنته للعقد أو الفعل فإنّ تأثيره محصور في الابتداء مع المقارنة والمصاحبة، أمّا إذا تقدّم عن إنشاء العقد أو تأخّر عنه فإنّه لا يؤثّر في العقد ولا في الفعل في أغلب الأحيان. ومفهوم ذلك أنّه قد يؤثّر في بعضها أحياناً تقدّم أو تأخّر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شرط على المشتري قبل العقد أن لا يبيع السّلعة التي يريد شراءها، ولم ينصّ على ذلك عند التّعاقد فالعقد صحيح، ولا يؤثّر الشّرط السّابق في صحّته. ومنها: إذا شرط بعد عقد النّكاح أن تنفق عليه زوجته، فهذا شرط باطل لا يؤثّر في صحّة عقد النّكاح؛ لأنّه شرط تأخّر عن إنشاء ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 476.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة فأثر

العقد ولم يقارنه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فأثر: إذا قال لزوجته: متى قلت لكِ: أنت عليّ حرام، فإنّي أريد به طلاقك. ثم قال لها ذلك بعد مدّة. في وجه أنّ الطّلاق يقع عملاً بكلامه السّابق. ومنها: اختلاف مهر السّر والعلانيّة: وهو أن يتّفقا قبل العقد أن يكون المهر ألفاً مثلاً - وعند العقد أعلنا المهر عشرة آلاف، أو خمسمئة. فهل المعتبر مهر السّر فيكون قد أثّر في العقد مع أنّه لم يقارنه؟ قال بعضهم: المصطلح عليه قبل العقد كالمشروط فيه.

القاعدة المتممة للخمسمئة بعد الأربعمئة [القصد والنية]

القاعدة المتمّمة للخمسمئة بعد الأربعمئة [القصد والنيَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مقاصد اللفظ على نيَّة اللافظ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت القاعدة الكلّيّة الكبرى (الأعمال بالنّيّات) وتتفرّع عليها. فالمتكلّم والمتلفّظ بالألفاظ له من وراء لفظه وكلامه مقاصد ونيّات يرجوها ويريدها، فلذلك فإنّ مقاصد اللفظ وما يراد به إنّما يعتدّ بها ويعتمد فيها على نيَّة المتكلّم. وقد يكون ظاهر اللفظ غير مراد للمتكلّم فيعمل بنيَّته وقصده من لفظه. لكن لمّا كان القصد والنيَّة أمران قلبيّان كان لا بدّ من دلائل وأمارات تدلّ على تلك النّيّة وذلك القصد المراد للاعتداد بهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: احفر في أرضي هذه حفرة. فيفهم أنّ الأرض ملكه؛ لأنّه أضاف الأرض إلي ياء المتكلّم. لكن إذا قال: احفر في هذه الأرض حفرة. فلا يفهم أنّها ملكه. ومنها: إذا حلف أن لا يأكل اللحم، ونوى جميع أنواع اللحم، يحنث بأكل أي نوع منها، لكن إذا لم تكن له نيَّة فيحمل اليمين على ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 312.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

عرف الحالف فيقيّد اللفظ بدلالة العرف - كما سبق بيانه قريباً -. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: اليمين بالله تعالى عند القاضي تكون على نيّة المستحلف - وهو القاضي - دون نيّة الحالف، إلا إذا كان الحالف مظلوماً فإنّ اليمين تكون على نيَّته - عند الحنفيّة والحنابلة - دون نيّة القاضي المستحلف.

القاعدة الحادية بعد الخمسمئة [المقاصد]

القاعدة الحادية بعد الخمسمئة [المقاصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقاصد في العَرض والعقار تتعلّق بصورهما وأعيانهما (¬1) لا بأبدالهما. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقاصد: جمع مقصد، وهو اسم زمان أو مكان أو مصدر ميمي. ويراد به هنا ما يطلب ويراد ويستهدف ويتغيا. العَرَض: هو غير الثّمن، كالدّواب والملابس والمأكولات وغيرها مما يشترى بالأثمان. والعقار: المراد به الأراضي والدّور. والأعيان: جمع عين. والمراد به هنا نفس العَرَض والعقار. فكلّها تراد وتشترى وتباع لما فيها من منفعة ومصلحة للمتعاقدين، ويتعلّق ذلك بظواهرهما، لا بأثمانهما وأبدالهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الدّار إنّما تراد للسّكنى، والأرض إنّما تراد ويقصد منها الزّراعة أو البناء، والعروض إنّما تراد لما فيها من منفعة ومصلحة جعلت وصنعت لأجلها، فالدّواب تراد للرّكوب والزّينة، والملابس ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 99 أ، وينظر المبسوط جـ 24 ص 165.

تراد للبس والدّفء، والمأكولات تراد للأكل وهكذا، ولذلك فإنّ المديون الذي لا يؤدّي دينه - إذا طالب غرماؤه القضاء بالاستيفاء منه - فإنّ القاضي لا يبيع أولاً: عروض المديون ولا أمتعته ولا عقاره لأنّها من حوائجه، إنّما يبدأ بسداد الدّيون من النّقود والأثمان، فإن وَفَت كان بها، وإن لم تفِ باع عليه الأيسر فالأيسر، ولا يبيع العقار ولا الدّار، وإذا لم يفِ ما باعه عليه بأداء الدّيون باع كلّ شيء في سوقه، ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم وينفق عليه بالمعروف، إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه. ويبدأ ببيع ما يتسارع إليه الفساد ثم الحيوان ثم الأثاث، ثم العقار (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر روضة الطالبين جـ 3 ص 379 فما بعدها، والمقنع جـ 3 ص 131 - 137.

القاعدة الثانية بعد الخمسمئة [الشروط - مقاطع الحقوق]

القاعدة الثّانية بعد الخمسمئة [الشّروط - مقاطع الحقوق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مقاطع الحقوق عند الشّروط (¬1). ولك ما شرطت (¬2). من قول عمر رضي الله عنه. وفي لفظ: المسلمون عند شروطهم عند مقاطع حقوقهم (2). وقد سبقت. وفي لفظ: المسلمون عند مشارطهم - أو شروطهم - عند مقاطع حدودهم (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد من قول أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي ¬

_ (¬1) صحيح البخارى كتاب النكاح باب 52، وينظر المغني جـ 9 ص 483 فما بعدها، والقواعد النورانية ص 200، وأعلام الموقعين جـ 3 ص 338، وكشاف القناع جـ 3 ص 53. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في باب الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها، من كتاب النكاح جـ 4 ص 199. وسنن سعيد بن منصور في باب ما جاء في الشّرط في النكاح جـ 1 ص 185. وينظر كنز العمال الحديث رقم 45648، وحديث رقم 45646. (¬3) المصنف لعبد الرزاق خبر 10608 جـ 6 ص 227. وينظر المدخل الفقهي الفقرة 229.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الله عنه، وسببها: أنّ رجلاً تزوّج امرأة وشرط لها السّكنى في دارها - أي بلدها - ثم أراد نقلها إلى بلده فرفضت وتمسّكت بشرطها، فتقاضيا إلى عمر رضي الله عنه، فقال: لها شرطها. فقال الرّجل: إذن يطلقّننا. فقال عمر رضي الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشّروط ولك ما شرطت". أي أنّ الفصل بين الحقوق إنّما يتحدد تبعاً للشروط التي يشترطها المتعاقدان، فالمشترط على نفسه قيَّد نفسه بالشّرط فيجب عليه الوفاء بما اشترط، ولأنّ مقيد نفسه طليق، وبخاصّة في باب النّكاح، والأصل في ذلك حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الآمر بالوفاء بالشّروط وأحقّها بالوفاء ما استحلّت به الفروج قال عليه الصّلاة والسّلام: "أحقّ الشّروط أن يوفَّى به ما استحللتم به الفروج" الحديث رواه الجماعة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تزوّج امرأة واشترط لها دارها - أي لا يخرجها من بلدها إذا أراد أن يرجع إلى بلده، أو ينتقل إلى بلد آخر - فهذا الشّرط يجب الوفاء به، فإذا أراد الانتقال فامرأته بالخيار إمّا أن تسافر من وتتنازل عن شرطها، وإمّا يطلّقها بناء على ما اشترط على نفسه، ولها طلب فسخ النّكاح إذا رفض طلاقها. ومنها: إذا أراد شراء سيّارة واشترط عليه البائع الثّمن حالاً، فيجب على المشتري أداء الثّمن قبل تسلّمه السّيّارة.

ومنها: إذا اشترى سلعة واشترط على البائع إيصالها لمحلّه وتركيبها فيه - كالمكيّف مثلاً - فعلى البائع الوفاء بالشّرط، وإذا أبى بعد ذلك فللمشتري مقاضاته أو يحسم من الثّمن تكاليف الحمل والتّركيب.

القاعدة الثالثة بعد الخمسمئة إلى السادسة بعد الخمسمئة [القبض الفاسد - والمقبوض الهالك]

القاعدة الثّالثة بعد الخمسمئة إلى السّادسة بعد الخمسمئة [القبض الفاسد - والمقبوض الهالك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المقبوض في عقد فاسد كالمقبوض في العقد الصّحيح فيما يرجع إلى الضمّان وعدمه (¬1) والمقبوض بحكم قرض فاسد بمنزلة المقبوض بحكم بيع فاسد (¬2). وفي لفظ: المقبوض بحكم عقد فاسد يجب ردّ عينه في حال قيامه، وردّ قيمته بعد هلاكه (¬3). وفي لفظ: المقبوض على سوم الشّراء مضمون بقيمته (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق مثل هذه القواعد في قواعد حرف الفاء رقم 3 وقواعد حرف الحاء رقم 80، وحرف الكاف رقم 115. فكلّ عقد فاسد يجب إزالة فساده قبل التّفرّق. وإلا لا يحلّ للمشتري الانتفاع بما اشترى ولا للبائع ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 54. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 33. (¬3) المبسوط جـ 13 ص 31. (¬4) ترتيب اللآلي لوحة 100 أ.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الانتفاع بالثّمن، فيجب على البائع والمشتري أن يترادّا ما تعاقدا عليه فيردّ المشتري السّلعة ويردّ البائع الثّمن. ولكن إذا تبايعاً فاسداً أو تقابضاً فاسداً، فإذا كان المقبوض قائماً وجب ردّ عينه، وأمّا إذا كان قد هلك أو استهلك فيجب أداء ضمانه، كالعقد الصّحيح في وجوب الضّمان وعدمه، لكن يفترق العقد الفاسد عن العقد الصّحيح بأنّ ضمان العقد الصّحيح بما اتّفقا عليه. ولكن ضمان العقد الفاسد بالقيمة لا بالمسمّى سواء أكانت القيمة أكثر من المسمّى أو أقلّ منه، والمقبوض على سوم الشّراء عند هلاكه مضمون بقيمته أيضاً كالعقد الفاسد. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تزوّج امرأة على خمر أو خنزير. فلها مهر المثل. ومنها: باع سيّارة مطلقة - أي لم يبيّن نوعها ولا سنة صنعها ولا أي شيء يتعلّق بها - بعشرة آلاف، كان هذا البيع فاسداً لجهالة السّيّارة، فإن جاء البائع بسيّارة وقبضها المشتري - مع فساد البيع - ثم تلفَت في يده فعليه قيمتها يوم قبضها، لا الثّمن الذي سميا.

القاعدة السابعة بعد الخمسمئة [المقبوض على الجهة]

القاعدة السّابعة بعد الخمسمئة [المقبوض على الجهة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقبوض على جهة الشّيء كالمقبوض على حقيقته في حكم الضّمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قبض الأشياء وتسليمها تختلف جهاتها باختلاف حقائقها التي تشير إليها أنواع العقود المختلفة، حيث إنّ كلّ لفظ عقد يدلّ على حقيقته وما شرع له، فالمقبوض في البيع يكون مقبوضاً على جهة الاستبدال؛ لأنّ حقيقة البيع استبدال المبيع بالثّمن. وما كان مقبوضاً في الهبة يكون مقبوضاً على جهة التّبرّع؛ لأنّ هذه حقيقة الهبة، وهكذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قبض الرّهن يكون على جهة الاستيفاء، لا جهة الاستبدال؛ لأنّه إذا قبض الرّهن وهلك في يده فيعتبر مستوفياً دينه. وهذا عند الحنفيّة الذين يرون أنّه إذا هلك المرهون فإنّه يهلك بالأقل من قيمته ومن الدّين، ويعتبر المرتهن مستوفياً دينه بهلاك الرّهن عنده، ولكن عند الشّافعيّة والحنابلة أنّ الرّهن أمانة غير مضمون إذا هلك بغير تعدّ من المرتهن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 42.

وعند مالك رحمه الله: أنّه إذا كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق فمن ضمان الرّاهن، وأمّا إذا ادّعى المرتهن هلاكه بأمر خفي، لم يقبل قوله ويضمن (¬1). ومنها: وهبه هبة فهلكت عنده أو استهلكها، ثم أراد الواهب استرجاعها، فلا يضمنها الموهوب له, لأنّ الهبة قبضت على جهة التّبرّع، والمتبرّع به إذا هلك فهو غير مضمون لأنّ هذه حقيقته. ¬

_ (¬1) ينظر روضة الطالبين جـ 3 ص 334، والمقنع جـ 2 ص 106 وعقد الجواهر جـ 2 ص 598 - 599.

القاعدة الثامنة بعد الخمسمئة [المقترن بالمانع]

القاعدة الثّامنة بعد الخمسمئة [المقترن بالمانع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقترن بالمانع الحسيّ أو الشّرعيّ كالعدم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقترن بالمانع: هو المصاحب للمانع عند حصوله. فأي فعل أو تصرّف أريد إيجاده مع وجود المانع الحسيّ الواقعي أو المانع الشّرعيّ فإنّ هذا الفعل أو التّصرّف يعتبر معدوماً، باطلاً، لا يبنى عليه حكم. لأنّ وجود المانع مُعدِم ومبطل للحكم والتّصرّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد على امرأة وهو محرم، فالعقد باطل لوجود المانع الشّرعي وهو الإحرام. ومنها: صامت أو صلّت وهي حائض، فصومها باطل وصلاتها باطلة؛ لأنّه قارن ذلك وجود المانع الشّرعي وهو الحيض، وهي آثمة إن صامت أو صلّت متعمّدة مع وجود الحيض. ومنها: خلا بامرأة وعندهما رجل نائم، فلا يعتدّ بهذه الخلوة لوجود المانع الحسيّ. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 119 عن أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 131 بلفظ الموجود المقترن.

ومنها: إذا وجد الماء وحال دونه حائل يعجز عن دفعه، أو احتيج إليه لحيوان محترم، أو كان به مرض يمنعه من استعماله. جاز له التّيمّم، لوجود المانع الحسيّ من استعمال الماء. ومنها: الأب الكافر لا يرث ابنه المسلم، ولا ابنه يرثه لاختلاف الدّين. وهذا مانع شرعي. ومنها: مَن وجد حرَّة ولكن رتقاء أو قرناء أو رضيعة أو معتدّة عن غيره فله نكاح الأمة، على الأصحّ.

القاعدتان التاسعة والعاشرة بعد الخمسمئة [المقتضى والمقتضي]

القاعدتان التّاسعة والعاشرة بعد الخمسمئة [المقتضى والمقتضي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المقتضى تبع للمقتضي (¬1). وفي لفظ: المقتضى إنّما يثبت إذا ثبت المقتضي (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المقتضى بالفتح: اسم مفعول من اقتُضيَ فهو مقتضى أي ما ترتّب وجوده على وجود مقتضيه - وهو المطلوب. والمقتضي بالكسر: اسم فاعل من اقتضى فهو مقتضٍ - أي طالب لما يترتّب عليه ويطلبه، فمقتضي الدّين هو الدّائن، ومن قضى الدّين هو المدين، والمقتضى هو الدّين، فالمطلوب تابع لطالبه ومترتّب وجوده عليه. فإذا ثبت ووجد الطّالب، ثبت ووجد المطلوب. فمقتضى الأمر الوجوب، ومقتضى النّهي التّحريم. فالأمر مقتضٍ، والوجوب مقتضى، والنّهي مقتضٍ والتّحريم مقتضى. وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 90. (¬2) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومدلولهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومدلولهما: بلوغ الإنسان عاقلاً يقتضي ترتّب التّكاليف في ذمّته، ووجوبها عليه، ومطالبته بها. فوجوب التّكاليف مقتضى، ومقتضيه البلوغ عاقلاً. وإن كان المقتضي في الحقيقة هو الشّرع. ولكن الشّرع أقام البلوغ مع العقل أمارة وعلامة على وجوب التّكاليف. ومنها: عقد البيع إذا ثبت فهو مقتضٍ لتبادل البدلين، وإباحتهما للمتعاقدين. ومنها: عقد النّكاح إذا صحّ فهو مقتضٍ لحلّ الاستمتاع بين الزّوجين. ومنها: الإتلاف مقتضٍ للضّمان ومترتّب عليه، فالضّمان مقتضى.

القاعدة الحادية عشرة بعد الخمسمئة [المقدر شرعا]

القاعدة الحادية عشرة بعد الخمسمئة [المقدّر شرعاً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقدار الثّابت بالشّرع لا يجوز لأحد أن يتجاوزه إلى ما هو أكثر أو أقل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً قاعدة قريبة المعنى من هذه القاعدة، فالمقدار الثّابت بالشّرع، والمحدّد بالنّصّ، سواء في ذلك الأمور التّعبّديّة أو العقوبات، أو الكفّارات. فلا يجوز لأي كان أن يتجاوز ذلك المقدار بالزّيادة أو النّقصان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلوات الواجبة أعدادها وركعاتها وأوقاتها كلّها ثابتة المقدار بالشّرع، فلا يجوز الزّيادة عليها - باعتبارها واجبة - ولا بالنّقصان منها. ومنها: الصّوم الواجب، والزّكاة الواجبة، لا يجوز الزّيادة عليها - على سبيل الوجوب - ولا النّقصان منها. ومنها: الحدود المشروعة كحدّ الزّنا وحدّ القذف والسّكر وغيرها حدّد الشّرع مقدار كلّ حدّ منها، فلا يجوز لحاكم أو قاضٍ أو مفت أن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 56.

يحكم أو يقضي أو يفتي بزيادة على واحد منها أو نقصانه. فمن فعل ذلك متعمّداً قد يخرجه ذلك من الدّين إن كان فعله مستدركاً على الشّرع. فكيف فيمن يعطلّون الحدود ويلغونها من أحكامهم متعمّدين فهم كفّار قطعاً، مهما تعلّلوا. ومنها: حدّد الله عَزَّ وَجَلَّ الفرائض وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فمن غيّر ذلك أو بدّله متعمّداً مستهتراً فهو كافر قطعاً ومرتدّ يحلّ قتله وقتاله.

القاعدة الثانية عشرة بعد الخمسمئة [المقدرات - المحققات]

القاعدة الثّانية عشرة بعد الخمسمئة [المقدّرات - المحقّقات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقدّرات لا تنافي المحقّقات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقدّرات: جمع مقدّرة، وهي صفة لموصوف محذوف تقديره: الأحكام المقدّرة - أي الأحكام التي قدّرها الشّرع وبيَّن كنهها وغاياتها ومقاديرها. أي فرض لها أحكاماً معيّنة. وأصل مادة مقدّرة: قُدِّر يُقدَّر تقديراً، أي بلغت بالشّيء كنهه ونهايته (¬2)، فما قُدِّر من الأحكام الشّرعيّة لا ينافي الأحكام المتيقّنة المحقّقة؛ لأنّه من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود؛ لتصحّ الأحكام وما يبنى عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص أمَة شراء صحيحاً، أبيح وطؤها للمشتري بالإجماع؛ لأنّها أصبحت مِلكه، لكن إن اطّلع على عيب فيها يوجب الرّدّ، فإنّ الرّدّ بالعيب نقض للعقد من أصله - في قول - فترتفع الإباحة المترتّبة على العقد الصّحيح، مع أنّها واقعة بالإجماع. وكذلك ¬

_ (¬1) الفروق جـ ص 71. (¬2) معجم مقاييس اللغة مادة "قدر".

العقد واقع أيضاً، ورفع الواقع محال عقلاً، والمحال عقلاً لا يردّ الشّرع بوقوعه، فيتعيّن أن يكون هذا الارتفاع تقديراً لا تحقيقاً، أي فرضاً لا واقعاً، فيحكم صاحب الشّرع بأنّ العقد الموجود والإباحة الموجودة المترتّبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم - وإن كانت موجودة - ولا تنافي بين ثبوت الشّيء حقيقة وعدمه حكماً. ومنها: تقدير ملك القتيل الدّيّة قبل موته بالزّمن الفرد - أي في آخر لحظات حياته - ليصحّ الإرث. لأنّ ورثته إنّما يرثون ما كان مملوكاً له حال حياته، لا بعد موته، لأنّ الميّت لا يملك بعد موته. ومنها: صوم التّطوّع يصحّ بنيَّة من الزّوال، وتنعطف هذه النّيّة تقديراً إلى الفجر. مع أنّ الواقع عدم النّيّة من الزّوال إلى الفجر.

القاعدة الثالثة عشرة بعد الخمسمئة [المقدرات]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد الخمسمئة [المقدّرات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقدّرات الشّرعيّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمقدّرات الشّرعيّة في هذه القاعدة: الأمور التي قدَّر الشّرع وحدّد مقاديرها - وقد سبق بيان ذلك. وأنّ ما قدَّره الشّرع لا يجوز الزّيادة عليه ولا النّقصان منه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المقدّرات الشّرعيّة ثلاثة أقسام: القسم الأوّل: ما قطع فيه بأنّه تحديد؛ بمعنى أنّه لا يجوز الزّيادة فيه ولا النّقصان منه، وهو الغالب. ومن صوره: تقدير مدّة المسح على الخفّ للمقيم يوماً وليلة، وكذا أقلّ مدّة الحيض، ووجوب المرّة الواحدة في الوضوء والغُسل. ومنها: تثنية الخطبة في الجمعة والعيدين والكسوفين، والشّاهدين، وسجدتي السّهو، وكلمات الأذان، وغير ذلك من الأحكام التي حدّد الشرع مقاديرها. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 359، المجموع المذهّب لوحة 297 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 37، أشباه السيوطي ص 393.

القسم الثّاني: ما قطع فيه بأنّه تقريب. ومن أمثلته: في السَّلَم والوكالة: إذا أسلم إليه في حيوان عمره خمس سنين مثلاً اعتبر ذلك تقريباً. حتى لو شرط فيه التّحديد بطل؛ لأنّه يتعذّر تحصيل ذلك السّن تحديداً بالأوصاف المشروطة. أقول: لكن إذا أمكن تحصيل الحيوان بالسّنّ المطلوبة تحديداً - كما هو حاصل إذ يسجل وقت ولادة الحيوان في كثير من مزارع الأبقار - مثلاً - ويعلق ذلك في أذنها فلا تختلط بغيرها، فلا يبطل العقد بذلك إن شاء الله. ومنها: إذا وكّله في شراء حيوان لشيء مخصوص كان ذلك معتبراً بالتّقريب، كشراء حصان للسّباق. ومنها: سن التّمييز الذي يحرم فيه التّفريق بين الأم وولدها في البيع قدروه بسبع سنين أو ثمان، وجزم فيه النووي وغيره بالتّقريب. القسم الثّالث: ما اختلف فيه هل هو تحديد أو تقريب. ومن صورة وأمثلته: تقدير القلّتين بخمسمئة رطل. ومنها: الاعتبار بين الصّفين بثلاثمئة ذراع، وهذا في وقت كان السّلاح فيه السّيف والرمح والسّهام والخيل. ومنها: تقدير سنّ الحيض بتسع سنين، والأصحّ في هذه الثّلاثة التّقريب. ومنها: تقدير مسافة القصر بثمانية وأربعين ميلاً.

ونُصُب المعشرات بألف وستمائة رطل: والنّصب: جمع نصاب. والمعشَّرات من الحبوب والثّمار ما يجب فيها العشر، والأصحّ فيهما على التّحديد. ملحوظة: فما ورد فيه التّحديد لأنّه منصوص عليه، ولتقدير الشّرع وتحديده إيّاها حكمة فلا يسوغ مخالفتها. وأمّا المختلف فيه فيشبه أن يكون تقديره بالاجتهاد، إذ لم يجئ نصّ صريح صحيح في ذلك. وما قارب القدر فهو في المعنى مثله (¬1). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 394 عن شرح المهذب.

القاعدة الرابعة عشرة إلى السادسة عشرة بعد الخمسمئة

القاعدة الرّابعة عشرة إلى السّادسة عشرة بعد الخمسمئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المقرّ إذا كان مكذَّباً في إقراره يسقط أو يبطل حكم إقراره (¬1). وفي لفظ: المقرّ بالشّيء إذا صار مكذباً فيه بقضاء القاضي سقط اعتبار إقراره (¬2). وفي لفظ: المقرّ متى صار مكذّباً شرعاً في إقراره حكماً سقط اعتبار إقراره - أو يبطل حكم ذلك الإقرار (¬3). وفي لفظ: المُقَرُّ له إذا كذَّب المقرَّ بطل إقراره (¬4). وفي لفظ: المكذَّبُ في إقراره حكماً لا يبقى إقراره حجّة عليه (¬5). وفي لفظ: المكذَّب في زعمه بقضاء القاضي لا يبقى لزعمه عبرة (¬6). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 566. (¬2) المبسوط جـ 29 ص 200. (¬3) المبسوط جـ 20 ص 115، جـ 30 ص 166، شرح السير ص 376. (¬4) أشباه ابن نجيم ص 253. (¬5) المبسوط جـ 17 ص 174. (¬6) المبسوط جـ 5 ص 36.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

[المُقِرُّ المُكذَّب] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الأصل أنّ المُقِرَّ مؤاخذ بإقراره، وهذا أمر متّفق عليه، وقد سبق بيان ذلك وأمثلته ضمن قواعد الإقرار في قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام من 524 - 562. لكن إذا أقرّ مُقِرٌّ بأمر ثم وُجد مكذّب له في هذا الإقرار فقد سقط وبطل إقراره، ولا يبنى على إقراره هذا حكم. وتكذيب الإقرار إمّا أن يكون شرعيّاً، وإمّا أن يكون حكماً، وإمّا أن يكون التّكذيب واقعيّاً، وإمّا أن يكون التّكذيب من المُقرِّ له. وكلّ هذه تبطل الإقرار وتسقطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أقرّ شخص أنّ ما اشتراه هو ملك لبائعه. ثمّ استحقّ المبيع في يده بالبيِّنة لغير البائع، فقد بطل البيع، ورجع على بائعه بالثّمن، ولم يعتبر إقراره بالملك للبائع؛ لأنّه كُذِّب إقراره حكماً بالبيِّنة على أنّ المبيع مستحَقّ، وهذا تكذيب شرعي أيضاً. ومنها: إذا أقرّ أنّ أخته تستحقّ ضعف نصيبه من الميراث أو مثله، فإقراره باطل شرعاً؛ لأنّ الشّرع إنّما أعطى البنت نصف نصيب الذّكر، لا مثله ولا ضعفه. ومنها: إذا أقرّ أنّه قتل فلاناً البارحة، ثم جاء فلان حيّاً. فيكون إقراره كاذباً؛ لأنّ الواقع يكذّبه.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

ومنها: إذا أقرّ أنّ لفلان عليه دين مقداره ألف، مثلاً، فقال فلان: ليس لي عليك شيء. فيعتبر الإقرار ساقطاً لتكذيب المُقَرِّ له المُقِرِّ في إقراره. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: إذا أقرّ بالحرّيّة لعبد، فأنكر العبد الحرّيّة. ثبت العتق. ولا ينظر إلى إنكار العبد. ومنها: إذا أقرّ بالنّسب لفلان فأنكر فلا يعتبر إنكاره. فالحرّيّة والنّسب إذا أقرّ بهما لا يسقطهما الإنكار.

القاعدة السابعة عشرة بعد الخمسمئة [المقر به]

القاعدة السّابعة عشرة بعد الخمسمئة [المُقَرُّ به] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُقَرُّ به يجعل في حقّ المُقِرّ كالثّابت بالبيّنة أو المعاينة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار أو الاعتراف بالحقّ أقوى أدوات الإثبات، فهو في الحقيقة أقوى من البيّنة - أي الشّهادة -؛ لأنّ المُقِرَّ يغلب على الظّنّ صدقه، إن لم يكن الصّدق متيقّناً؛ ولأنّ الإنسان لا يكذب على نفسه ليجر عليه ضرراً. ولذلك فإنّ الشّيء المُقَرَّ به يجعل في حقّ المُقِرّ - من حيث المطالبة به - كأنّه ثبت بالمعاينة - أي المشاهدة - أو بالشّهادة. فالمُقرُّ له بناء على ذلك له رفع الدّعوى وإثبات الإقرار والمطالبة بالمُقَرِّ به. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 549. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ الرّجل: أنّ هذه المرأة أخته أو أمّه أو ابنته من الرّضاع، ثم أراد أن يتزوّجها، وقال: أوهمت أو أخطأت أو نسيت، وصدّقته المرأة فهما مصدّقان على ذلك، وله أن يتزوّجها. وأمّا إن ثبت على ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 143.

قوله الأوّل، وقال: هو حقّ كما قلت. ثمّ تزوّجها فُرِّق بينهما، ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها. فهو مؤاخذ بإقراره وإقرارها، ووجود التّصديق منها دليل على بطلان أصل النّكاح. "وإقرار الزّوج بما ينافي النّكاح يبطله" ينظر القاعدة 571 من قواعد حرف الهمزة. ومنها: إذا أقرّ بأنّ لفلان عليه ديناً في ذمّته مقداره كذا. فللمقَرِّ له المطالبة بذلك المال، وإقامة الدّعوى عليه، كما لو ثبت بالبيّنة.

القاعدة الثامنة عشرة بعد الخمسمئة [إقرار المقر حجة في حقه]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد الخمسمئة [إقرار المقرّ حجّة في حقّه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المُقِرّ يؤاخذ بحكم إقراره (¬1). وفي لفظ: المُقِرّ يعامل في حقّ نفسه كأنّ ما أقرّ به حقّ (¬2). ولكن لا يصدّق في حقّ الغير (¬3). وفي لفظ سبق مثله: إقرار المقرّ حجّة في حقّه (3). وفي لفظ: المقرّ يعامل في حقّه وكأنّ ما أقرّ به حقّ إذا لم يكن في المحلّ حقّ لأحد سواه (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبقت هذه القواعد وأمثال لها ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 524، 528، 529، 532، 537، 541، 543، 544. فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 121. (¬2) نفس المصدر ص 95 جـ 22، وجـ 12 ص 90. (¬3) نفس المصدر جـ 21 ص 140. (¬4) المبسوط جـ 7 ص 151.

القاعدة التاسعة عشرة بعد الخمسمئة [المقرر]

القاعدة التّاسعة عشرة بعد الخمسمئة [المُقرِّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقرِّر كالموجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المُقرَّر: هو المثبت لأمر كان على شرف السّقوط وأثبته، فهو اسم فاعل. والموجب: اسم فاعل من أوجب فهو موجب أي ملزم بالفعل. فمن قرّر أمراً وأثبته فهو في قوّة الموجب الملزم لما يترتّب على هذا الأمر من حقوق وواجبات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهدان على رجل بطلاق زوجته قبل الدّخول. فقُضِي لها بنصف المهر بعد إثبات شهادتهما عند القاضي وإيقاع القاضي للطّلاق، ثم رجع الشّاهدان عن شهادتهما وأكذبا أنفسهما. ضمنا للزّوج المال الذي دفعه - وهو نصف المهر - لأنّهما قرّرا عليه ما كان على شرف السّقوط بمجيء الفرقة من جانبها. ولأنّ وقوع الفرقه قبل الدّخول مسقط لجميع الصّداق إذا كان من جانب المرأة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 150.

ومنها: إذا شهد شاهدان على رجل بدين لآخر مقداره عشرة آلاف، فإنّ القاضي يحكم بشهادتهما ويلزم المشهود عليه أداء الدّين لصاحبه، لأنّ شهادتهما أثبتت الدّين في ذمّة المدين المنكر.

القاعدة العشرون بعد الخمسمئة [رجوع المقر عن الإقرار]

القاعدة العشرون بعد الخمسمئة [رجوع المقرّ عن الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُقِرّ لا يملك الرّجوع بعد الإقرار (¬1). (في حقوق العباد) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار - كما سبق بيانه - ملزم للمقرّ، فيجب على المقرّ الوفاء بما أقرّ به، وعليه أن يتحمّل مسؤوليّة إقراره، فإنّه كان قبل إقراره طليقاً فبإقراره قيّد نفسه، فإذا أراد الرّجوع عن إقراره - في حقوق العباد - فلا يقبل منه؛ لأنّه لا يملك الرّجوع. فمن أقرّ بحقّ لغيره، أو بفعل فعله بغيره، ثم أراد الرّجوع عن إقراره فلا يقبل منه؛ لأنّه لا يملكه. لكن لو كان المُقَرُّ به حقّاً لله تعالى فيجوز للمقرّ الرّجوع في إقراره، ويقبل منه رجوعه، بخلاف حقوق العباد؛ لأنّ حقوق العباد إذا أقرّ بها يطالبه بها صاحب الحقّ فيخرج الأمر من يد المقرّ إلى يد المُقرِّ له. وينظر القاعدة رقم 558 من قواعد حرف الهمزة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ بدين لآخر. ثم أنكر لا يقبل إنكاره بعد إقراره ويلزم بأداء ما أقرّ به إذا طالبه المُقرُّ له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 81.

القاعدة الحادية والعشرون بعد الخمسمئة [المقر]

القاعدة الحادية والعشرون بعد الخمسمئة [المُقِرّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُقرُّ يعامل في حقّه وكأنّ ما أقرّ به حقّ إذا لم يكن في المحلّ حقّ لأحد سواه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقرّ يعامل في حقّ نفسه بما أقرّ به، وهذا أمر مسلّم مقرّر وقد سبق بيانه - كما أنّه لا يصدق في حقّ الغير - لأنّ الإقرار ملزم للمقرّ دون غيره بخلاف البيِّنة. لكن هذه القاعدة جاءت بقيد يقيّد إقرار المقرّ في حقّه، فليس كلّ إقرار لمُقرّ يقبل ولو كان في حقّه إلا إذا لم يكن في المحلّ المُقَرِّ به حقّ لأحد سواه، فإن كان في المحلّ حقّ لأحد سوى المقرّ فلا يُقبل إقرار المقرّ إلا في حقّ نفسه أو يردّ إقراره لتعلّقه بحقوق الآخرين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ مُقرٌّ أنّ هذه الدّار التي ورثها من أبيه ملك لفلان. والدّار له فيها شركاء ورثة آخرون ينكرون ذلك فلا يصدّق في إقراره لأنّ المحلّ مشغول بحقوق الورثة الآخرين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 151.

ومنها: إذا أقرّ في مرض موته أنّ جاريته هذه قد وَلَدت منه - وصارت أمّ ولد تستحقّ العتق بعد موته - ولم يكن معها ولد، فإنّها تعتق من الثّلث؛ لأنّ إقراره لها باستحقاق العتق بمنزلة تنجيز العتق، ولو نجز عتقها كان من الثّلث؛ لأنّ حقّ الورثة تعلّق بها بسبب مرضه. بخلاف ما لو كان معها ولد فإنّها تعتق بمجرّد موته ويثبت نسب الولد منه. ومنها: أقرّ لرجل مجهول النّسب أنّه أخوه من أبيه ويستحقّ مثل نصيبه من الميراث، وله إخوة آخرون ينكرون ذلك. فإنّ مجهول النّسب لا يلحق بالميّت، ولكن يقاسم المقرّ في نصيبه من ميراثه، لأنّه يعامل في حقّ نفسه بما أقرّ به.

القاعدة الثانية والعشرون بعد الخمسمئة [المقصد ووسائله]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد الخمسمئة [المقصد ووسائله] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقصد إذا كان له وسيلتان فأكثر لا تتعيّن إحداهما عيناً بل يخيّر بينهما، وأمّا إذا اتّحدت الوسيلة فتتعين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقصد: اسم مكان: من قصد يقصد، والمراد به ما يريد الشّخص وينوي فعله، فإذا كان لما يقصده الإنسان ويريده وسيلتان - أي طريقان - أو أكثر للوصول إليه وتحقيقه فإنّ المكلّف يتخيّر بينهما، ولا يتعيّن عليه إحداهما. لكن إذا لم يكن لما يقصده إلا وسيلة واحدة فيجب سلوكها لتعينها به لأنّه لا يمكنه الوصول إلى مقصده وغايته إلا بها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد إنسان أن يذهب إلى مكّة شرّفها الله تعالى وكرّمها، فوسائل الوصول إليها إمّا عن طريق البر وإمّا عن طريق الجو، وطريق البرّ إمّا أنّ يأخذ الحافلة أو السّيّارة الصّغيرة أو يركب دابّة، فهو مخيّر في اتّخاذ الوسيلة التي تلائمه للوصول إلى مقصده وهو مكّة ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 146، الفرق 158.

المكرّمة. هذا إذا أراد أن يذهب إلى مكّة مختاراً بدافع ذاتي لأداء النّسك. لكن إذا أرسل في مهمّة عاجلة وأمره المسؤولون أن يركب الطّائرة، فتتعيّن عليه الوسيلة فيلزم باتّخاذها لأداء مهمّته. ومنها: عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة جواز فسخ نكاح المعسر بالنّفقة في حقّ زوجته التي وجب عليه الإنفاق عليها؛ لأنّ رفع الضّرر عنها واجب. ورفع الضّرر عن الزّوجة بالإعسار ليس له إلا طريق واحد هو الطّلاق؛ لأنّ المرأة تقول: إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلّقني.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد الخمسمئة [مقصود الحالف]

القاعدة الثّالثة والعشرون بعد الخمسمئة [مقصود الحالف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مقصود الحالف في اليمين معتبر (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً إنّ مطلق اللفظ في اليمين يتقيّد بمقصود الحالف. ومقصود الحالف هو مراده من كلامه عند حلفه باليمين، فما قصده الحالف وأراده بلفظه فهو معتبر ومعتدّ به في الحكم - أي البرّ باليمين أو الحنث فيها - وإن خالف مقصود الحالف ما يتفاهمه النّاس في مخاطباتهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل خبزاً، ونوى كلّ أنواع الخبز، أو كلّ ما يسمّى خبزاً، فهو يحنث بأي خبز يتناوله، لكن إذا لم يكن له نيّة ولا قصد فإن حلفه يحمل على الخبز المعهود والمعروف عنده في بلده، فلو تناول خبزاً غير معهود في بلده فلا يحنث. ومنها: إذا دعاه صديقه ليتغدّى فحلف ألا يتغدّى، ثم ذهب إلى بيته وتغدّى، فلا يحنث لأنّه لمّا حلف كان مقصوده الغداء عند صديقه لا كلّ الغداء. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 232.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد الخمسمئة [المقضي عليه. الدعوى، البينة]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد الخمسمئة [المقضي عليه. الدّعوى، البيِّنة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته فيها (¬1). إلا ما كان من باب الدّفع (¬2). وفي لفظ آت: مَن صار مقضيّاً عليه في حادثة، لا يصير مقضيّاً له في تلك الحادثة (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القاعدة تبيّن أنّ المقضي عليه - وهو المدَّعى عليه - إذا حكم عليه في المدّعى به ببيِّنة المدّعي أنّه لا تُسمع منه دعوى بعد ذلك فيما قضي به عليه ولو أتى بالبيِّنة؛ إلا أن يكون ذلك من باب الدّفع والنّقض للحكم السّابق فيجوز في مسائل. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ادّعى عليه ديناً وأقام البيِّنة على ذلك، وحكم القاضي بإلزام المدّعى عليه بأداء الدّين. فإذا جاء المدّعى عليه بعد ذلك ببيِّنة تشهد له ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 221 وعنه قواعد الفقه ص 128، شرح الخاتمة ص 83. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 99 ب. (¬3) القواعد الضوابط ص 496 عن التحرير جـ 4 ص 146.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

بعدم الدّين أو بأدائه قبل الدّعوى فلا تقبل دعواه ولا بيِّنته، لكن إذا أراد دفع الدّعوى ونقضها قبل التّنفيذ فيقبل منه ذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا بلغت زوجة صغيرة عند الزّوج - وكان الّذي أنكحها غير الأَب والجد حال صغرها - فقالت عند القاضي: بلغت الآن واخترت الفرقة، وأنكرها الزّوج فقال: لا بل بلغت قبل ذلك، عجز في إقامة البيّنة بعد طلبها منه، حُكِم للزّوجة بالفسخ، وفرّق بينهما. فإذا أتى الزّوج بعد ذلك بالبيّنة على مدّعاه تقبل وتسمع دعواه، لأنّ القضاء بالفسخ قضاء ترك بشهادة ظاهر الحال؛ لأنّ الظّاهر شاهد لها. فالبيّنة مقبولة والدّعوى مسموعة بعد قضاء التّرك. ومنها: لو ادّعى رجل عيناً في يد رجل آخر وأقام بيّنة على دعواه فقضي له بها. فقال ذو اليد: قد اشتريتها منك، وأقام بيّنة تسمع وتقبل؛ لأنّه أدّعى تلقي الملك من المدّعي. ومنها: لو اشترى ثوراً وقبضه، فادّعى عليه رجل أنّه ثوره سرق منه، وأقام بيّنة على دعواه، وقضي له بها. ثم ادّعى المشتري أنّ هذا الثّور نتج عنده وأقام بيِّنة على ذلك تسمع وتقبل، لأنّها دعوى نتاج. ومنها: إذا أقرّ المدّعي ببطلان دعواه، أو أقرّ أنّ برهانه كاذب، أنّه لا شيء له على المدّعي، تسمع وتقبل، ويقضى للمدّعى عليه؛ لأنّ المدّعي أكذب نفسه.

ومنها: تسمع الدّعوى بعد القضاء بالنّكول. فعلى ذلك تقبل الدّعوى وتسمع البيِّنة من المدّعى عليه بعد القضاء بأحد أسباب خمسة: الأوّل: إذا كان القضاء بالتّرك. الثّاني: إذا ادّعى المدّعَى عليه التلقى للمدّعى به من المدعي. الثّالث: إذا كانت الدّعوى دعوى نتاج. الرّابع: إذا أقرّ المدّعي بكذب مدعاه - أي إذا أكذب المدّعي نفسه -. الخامس: إذا كان القضاء بالنّكول: أي نكول المدّعى عليه عن اليمين.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الخمسمئة [المقيد - المطلق]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الخمسمئة [المقيّد - المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المقيَّد لا يعارض المطلق (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقيّد من الألفاظ: ما قيّد بوصف أو حال كَغَرسٍ أبيض. والمطلق من الألفاظ: ما لم يقيدّ كلفظ فرس. فالمقيّد والمطلق كلّ منهما يُعمل به في مجاله، ولا يعارض أحدهما الآخر، ولا يحمل المطلق على المقيّد - عند الحنفيّة - بل كلّ واحد منها يعمل به فيما ورد فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لآخر: اشتر لي فرساً، وأطلق فأيّ فرس اشتراه يلزمه، إلا إذا قيّد إطلاقه بعرف أو حال. ومنها: إذا قال: اشتر لي سيّارة، وحصاناً أبيض. فالسّيّارة مطلقة والحصان مقيّد فلا يحمل المطلق على المقيّد، ولا يعارض المطلق المقيّد. ومنها: كفّارة القتل الخطأ: رقبة مؤمنة. مقيّدة بالإيمان نصّاً. وكفّارة اليمين: رقبة مطلقة. فلا تعارض بينهما ويعمل بكلّ منهما في مجاله، ولا يحمل أحدهما على الآخر عند الحنفيّة ومن معهم. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير جـ 2 ص 239.

القاعدة السادسة والعشرون بعد الخمسمئة [المكبر]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد الخمسمئة [المكبَّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المكبَّر لا يكبَّر (¬1). هذه القاعدة لغويّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المكبَّر: يقابل المصغّر. فإذا كان المصغّر لا يصغر، فالمكبَّر أيضاً لا يكبر؛ لأنّه بلغ غايته فيستحيل تكبيره، كما يستحيل تصغير المصغّر. ومثلهما: المعرَّف لا يعرَّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع التّسبيع في غسلات ولوغ الكلب. أي غسل الإناء الذي ولغ الكلب فيه سبع مرّات. فلا يجوز تثليث الغسل ولا يشرع. أي أن يغسل الإناء ثلاث مرّات كلّ مرّة سبع غسلات. ومنها: أيمان القسامة خمسون يميناً، فلا يجوز التّغليظ فيها لتكون مئة مثلاً. ومنها: ديّة العمد مغلّظة، فلا تضاعف. ومنها في العربية: ما جمع لا يجوز جمعه مرة أخرى إذا كان على صيغة منتهى الجموع، كمساجد، وصحائف، ومصاحف. ومنها: امتناع دخول اللام المعرّفة على العلم والمضاف للعلم؛ لأنّ العلم معرفة، والمضاف للمعرفة معرفة. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 152.

القاعدة السابعة والعشرون بعد الخمسمئة [المكذب]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد الخمسمئة [المكذَّب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المكذَّب شرعاً لا يعتبر إنكاره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنكر من توجه عليه اليمين - وهو المدّعى عليه. فإذا أنكر منكر مسألة ما، ولم يأت المدّعي بالبيّنة، فإنّ القول قول المنكر مع يمينه، لكن إذا كان هذا المنكر يكذّبه الشّرع، ويثبت دعوى المدّعي، فإنّ إنكار المنكر لا يعتبر ولا يعتدّ به؛ لأنّ تكذيب الشّرع له أقوى من إنكاره، ولو حلف اليمين. ثالثاً: من أمثلة لهذه القاعدة ومسائلها: إذا طلّق رجل زوجته طلاقاً رجعيّاً، فولدت لأقلّ من ستّة أشهر، وادّعت أنّه راجعها أو وطئها في العدّة، فأنكر ذلك. فإنّ إنكاره مراجعتها في العدّة أو وطأه لها لا يعتبر ولا يعتدّ به، لأنّ الشّرع كذّبه في إنكاره هذا، ووجه تكذيب الشّرع له: أنّها ولدت لأقلّ من ستّة أشهر من حيث ادّعت المراجعة أو الوطء، والشّرع يقول: الولد للفراش - فكون الولد للفراش أقوى من قوله لم أراجعها أو لم أطأها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 151.

ولأنّ (دلالة الشّرع أقوى من صريح العبد) (¬1). ومنها: إذا ولدت المرأة من الرّجل وهما ينكران الدّخول، فهما محصنان؛ لأنّ الولد شاهد على الدّخول بينهما، وهو أقوى من شهادة شاهدين، فإذا كان الإحصان يثبت بشهادة شاهدين فبثبوت النّسب أولى. ولهذا لأنّهما مكذّبان شرعاً في إنكارهما الدّخول. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 64، شرح المجلة للأتاسي جـ 1 ص 40.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد الخمسمئة [المكذب]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد الخمسمئة [المكذَّب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المكذَّب في زعمه بقضاء القاضي لا يبقى لزعمه عبرة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المكذّب في زعمه: أي في إقراره أو ادّعائه. والزّعم: بمعنى القول. ويطلق على الظّنّ، وعلى الاعتقاد. وأكثر ما يكون الزّعم فيما يشكّ فيه ولا يتحقّق. وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب. وقال آخر: أكثر ما يستعمل فيما كان باطلاً أو فيه ارتياب (¬2). فإذا قال المدّعي أو أقرّ أمام القاضي بأمر، فكذّبه قضاء القاضي فإنّ قوله وإقراره لا يعتدّ به ولا يعتبر، بل هو ساقط باطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جحد الزّوج النّكاح، فأقامت المرأة البيّنة، جاز النّكاح؛ ولم يكن جحوده طلاقاً ولا فرقة؛ لأنّ الطّلاق تصرّف في النّكاح - بعد ثبوته - وهو منكر لأصل النّكاح، فلا يكون إنكاره تصرّفاً فيه بالرّفع ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 36. (¬2) المصباح مادة (زعم) باختصار وتصرّف.

والقطع، فقضاء القاضي بجواز النّكاح وإثباته تكذيب للزّوج الجاحد للنّكاح، وذلك بالحجّة والبيّنة. ومنها: إذا ادّعى عليه جناية، فأنكر وجحد. فأقام المدّعي البيّنة، فحكم بها القاضي وألزم المدّعى عليه بالضّمان. فيكون قضاء القاضي تكذيباً لزعم المدّعى عليه عدم الفعل.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الخمسمئة: [المكره المحسن]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد الخمسمئة: [المكره المحسن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المكرِه بحق يكون محسناً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المكرِه - بكسر الرّاء -: اسم فاعل من أكره يكره فهو مُكِره. وهو من وقع منه الإكراه. والإكراه: الإجبار. والإكراه قد يكون بحقّ، وقد يكون بغير حقّ. ولكلّ منهما أحكام. والإكراه بغير حقّ إكراه مذموم ممنوع شرعاً وعقلاً وعادة. وأمّا الإكراه بحقّ - وهو موضوع قاعدتنا هذه - فهو فعل ممدوح. فالمكرِه والمجبِر لغيره على فعل هو حقّ، يكون هذا المكرِه محسناً لا مسيئاً، وممدوحاً لا مذموماً؛ لأنّ هذا من باب المعاونة على الخير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القاضي حينما يجبر ويكره المدين المماطل، أو الجاحد المليء عن أداء الدّين الثّابت بالبيّنة أو الإقرار يكون محسناً؛ لأنّ فعله فيه ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1072.

إيصال الحقّ لصاحبه. ومنها: إذا اشترى مشترون الغنيمة من المجاهدين قبل الوصول إلى دار الإِسلام فالبيع جائز ونافذ، وإذا قبض المشترون ما اشتروا، ولم ينقدوا الثّمن، ثم لحقهم المشركون - وعلم الأمير أنّه لا طاقة للمسلمين بهم - فأمر منادياً فنادى أنّ من اشترى منّا شيئاً فليطرحه. وهدّد مَن لم يطرح ما معه بوعيد. وقد فعل ذلك نظراً لهم؛ لأنّه أكرههم على ما يحقّ عليهم فعله شرعاً، فإنّ المسلم مأمور - عند الضّرورة - أن يجعل ماله وقاية لنفسه، فهو قد أكرههم بحق، فلا يضمن لهم شيئاً من ثمن ما طرحوا بل يجب عليهم أداء الثّمن الذي تقرّر ديناً في ذمّتهم؛ لأنّ إتلاف المبيع بعد تقرّر الثّمن وانتهاء العقد لا يسقط الثّمن، سواء حصل بفعل المشتري أو بفعل البائع.

القاعدة الثلاثون بعد الخمسمئة [المكلف]

القاعدة الثّلاثون بعد الخمسمئة [المكلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المكلف ليس له إلا مباشرة الأسباب، فإذا أتي بها ثبت الحكم قهراً وجبراً من الله تعالى غير موقوف على اختيار المكلف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة واضحة المعنى فالمكلّف عليه فعل الأسباب، لا ثبوت الأحكام؛ لأنّ الحكم يثبت بالسّبب قهراً وجبراً من الله تعالى، وليس موقوفاً على اختيار المكلّف. والمراد بالحكم هنا: نتيجة فعل السّبب وما يترتّب عليه، وليس المراد به الحكم التّكليفي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حصول الولد يكون بتقدير الله سبحانه وتعالى، فالمكلّف عليه أن يفعل السّبب - وهو النّكاح - وليس عليه وجوب حصول الحمل، بل حصول الحمل ووجود الولد بتقدير الله عَزَّ وَجَلَّ لا للعبد. ومنها: على المكلّف السّعي والعمل لاكتساب أسباب المعيشة، ووجود الرّزق وحصوله واسعاً أو ضيّقاً هو حكم من الله سبحانه وتعالى يثبت قهراً وجبراً، وغير موقوف على اختيار المكلّف. فكم من ساع ¬

_ (¬1) المغني جـ 6 ص 702.

ليله ونهاره وقد ضيِّق عليه رزقه، ولا يكاد يحصل على ما يقيم أوده. وكم من عامل قليلاً أو قاعد قد وسّع عليه في رزقه فهو يعيش في بحبوحة وسعة ورفاه ونعيم بعمل قليل، فالأوّل عليه الصّبر، والثّاني عليه الشّكر، وقليل من يفعل ذلك. ومنها: اللّقطة تدخل في ملك الملتقط عند تمام التّعريف حكماً كالميراث؛ لأنّ الالتقاط والتّعريف سبب للتّمليك، فإذا تمّ - أي التّعريف - وجب أن يثبت الملك به حكماً كالإحياء والاصطياد.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد الخمسمئة [الملتزم]

القاعدة الحادية والثّلاثون بعد الخمسمئة [الملتزَم] أولاً: لفظ ورود القاعدة الملتزَم لأَجل الشّيء كالملتزَم بحقيقته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: أَجْل الشّيء: أي صفة فيه. وحقيقة الشّيء: عينه ونفسه. فمن التزم وأوجب على نفسه شيئاً لأجل صفة في الشّيء كان كأنّه التزمه لحقيقة الشّيء وعينه ونفسه. وكذلك ما أوجبه الشّارع لأجل صفة الشّيء فهو كموجَب وملتزم بحقيقته ونفسه. ثالثاً: من أمثلة لهذه القاعدة ومسائلها: البكر إذنها صماتها وسكوتها. وكان الشّرع قد جعل صمت البكر وسكوتها إذناً لأجل صفة في البكر وهو حياؤها، فإنّها تستحي من إظهار الرّغبة في الرّجال. فكان التزام صمتها وسكوتها وجعله إذناً منها في تزويجها لأجل حيائها، فكأنّ ذلك ملتزم لحقيقتها ونفسها. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير جـ 1 ص 1044.

القاعدتان الثانية والثالثة والثلاثون بعد الخمسمئة [ملك التصرف وملك العين]

القاعدتان الثانية والثّالثة والثّلاثون بعد الخمسمئة [ملك التّصرّف وملك العين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ملك التصرف يستفاد بالقبض (¬1). وملك العين يستفاد بالعقد (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: العقد إذا تمّ بين المتعاقدين وتقابضا ترتّب عليه أحكام. من هذه الأحكام ملك التّصرّف بالبدلين - المبيع والثّمن - فالمشتري ملك التّصرّف بالمبيع عند قبضه، والبائع ملك التّصرف بالثّمن عند قبضه. فالقبض بعد تمام العقد يترتّب عليه القدرة على التّصرّف. والعقد نفسه إذا تمّ صحيحاً ترتّب عليه أنّ المشتري يملك العين المبيعة ولو لم يقبضها، والبائع يملك الثّمن ولو لم يقبضه، لكن كليهما لا يستطيع التّصرّف قبل قبض البدل. ويترتّب على ملك المشتري العين المبيعة بتمام العقد صحيحاً جواز بيعها لغيره ولو لم يقبضها. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اشترى سيّارة ودفع ثمنها، فقد تمّ العقد وملك المشتري السّيّارة، لكن إذا كان النّظام لا يسمح بقبض السّيّارة إلا بعد نقل ملكيتها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 9.

في الأوراق الرّسميّة، فإنّ المشتري لا يملك التّصرّف فيها - وإن ملك عينها - لكن بعد تمام الإجراء وتسلم السّيّارة يصبح المشتري مالكاً للتّصرّف فيها. لكنّه وقبل نقل ملكيتها في الأوراق الرّسميّة يستطيع بيعها لغيره، فينقل المشتري الجديد السّيّارة باسمه إن أراد. ومنها: اشترى أرضاً ودفع ثمنها، فقد ملك عينها - ويستطيع بيعها عندئذ - لكن لا يمكنه التّصرّف فيها بالبناء أو الزّرع إلا بعد الحصول على صكّ الملكيّة.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الخمسمئة [الملحقات بالعقود]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون بعد الخمسمئة [الملحقات بالعقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملحقات بالعقود هل تعتبر كجزئها أو إنشاء ثان (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقد - وكما سبق بيانه -: ارتباط الإيجاب بالقبول. فبعد تمام العقد الصّحيح بشروطه، فإذا ألحق أحد العاقدين أو كلاهما بالعقد شرطاً أو أمراً لم يكن في صلب العقد فهل يعتبر هذا الملحق جزءاً من العقد بعد تمامه أو يعتبر إنشاءً ثانياً، أي عقداً جديداً وتصرّفاً آخر؟ خلاف ينبني عليه ثمرة وأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم في مئة قفيز - أي عَقَد عقْد سلم في مئة قفيز - أو مئة كيلو من القمح - مثلاً - ثمّ إن المسلم زاد مئة منها قبل حلول الأجل. في جواز هذه المعاملة قولان: القول الأوّل: تلحق هذه بالعقد فتجوز فكأنّه أسلم في مئتي قفيز. قال: وهو مذهب المدونة (¬2). ووجه ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك ق 55. (¬2) ينظر المدونة جـ 3 ص 155.

الجواز: إنّه بالكثرة رفع تهمة الرّبا. ولكن مذهب سحنون (¬1): القطع - أي عدم إلحاقه بالعقد - فلا تجوز المعاملة؛ لأنّها تدخل في باب الرّبا باعتبارها هدية من المدين. ومنها: إذا ابتاع قصيلاً - أي زرعاً يقصل أي يقطع كالذّرة والشّعير والقمح قبل أن يُسبِّل - ثم اشترط خلفه القصيل، أي ما يخرج بعد القطع وينبت. ومنها: إذا اشترى ثمرة بستان، واشترط بعد ذلك ما يخرج من الثمرة جديداً، كثمار الطماطم والخيار والباذنجان وأشباهها. ومنها: اشتراط مال العبد بعد شراء رقبته. وكلّها فيها خلاف. ¬

_ (¬1) سحنون هو عبد السلام بن سعيد سبق له ترجمة.

القاعدتان الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون بعد الخمسمئة [ملك الحل - النكاح]

القاعدتان الخامسة والثّلاثون والسّادسة والثّلاثون بعد الخمسمئة [ملك الحل - النّكاح] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ملك الحلّ بمنزلة ملك التّصرف (¬1). وملك الحلّ لا يحتمل الشّركة (¬2)، والنكاح لا يحتمل الاشتراك (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تختصّان ببعض أحكام النّكاح والزّواج. فأولاهما تفيد: أنّ من ملك الحلّ - أي حلّ الاستمتاع بالزّوجة بعقد النّكاح الصّحيح أو ملك الأمَةَ بسب مشروع - هو بمنزلة ملك التّصرّف - أي القدرة على التّصرّف في المبيع - ولا يشبه ملك العين. فللزّوج الاستمتاع بالزّوجة على الوجه المشروع، وللمالك الاستمتاع بالأمَة كذلك، لكنّ القدرة على التّصرّف في الأمَة تشبه القدرة على التّصرّف في المبيع وملك العين. وثانيتهما: تفيد حكماً مهمّاً من أحكام النّكاح أو صلة الرّجل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 162. (¬2) نفس المصدر جـ 5 ص 156. (¬3) نفس المصدر ص 157.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

بالمرأة نكاحاً أو ملك يمين، فمن ملك حلّ الزّوجة أو الأمَة فهذا الحلّ خاصّ به محصور عليه، فلا يجوز اشتراك شخصين في امرأة زوجة كانت أو أمَة فيما يتعلّق بالجماع أو الوطء؛ لأنّ النّكاح لا يحتمل الاشتراك وملك الحلّ لا يقبل الشّركة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تزوّج امرأة فلا يجوز أن يشاركه فيها أحد من قريب أو بعيد؛ لأنّ النّكاح لا يحتمل الاشتراك لما في الاشتراك من اختلاط الأنساب، وجهل الآباء، ووجود التّنازع والتّشاجر. ومنها: المكاتب إذا اشترى جارية حلَّ له وطؤها إذا عتق؛ لأنّ المكاتب في حكم ملك التّصرّف بمنزلة الحرّ. وإذا عجز المكاتب لم يطأها المولى حتى يستبرأها بحيضة؛ لأنّه إنّما ملكها بعد عجز المكاتب. ومنها: إذا اشترى أمَةً يحلّ له وطؤها، ولا يجوز أن يشاركه أحد في وطئها. لو كانت جارية بين شريكين أو أكثر لا يجوز لأحد من الشّركاء وطؤها، فهم شركاء في خدمتها فقط، فالنّكاح لا يجوز إلا بملك كامل، والجارية المشتركة الملك فيها لكلّ شريك ناقص، فهي شركة مشاع بينهم.

القاعدة السابعة والثلاثون بعد الخمسمئة [ملك العين]

القاعدة السّابعة والثّلاثون بعد الخمسمئة [ملك العين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ملك العين لا يبطل بالإبطال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العين يقابلها الثّمن، فالعين هي نفس الشّيء الذي يقع عليه العقد من بيع أو غيره، فهذه العين ملك لصاحبها، فلا تخرج عن ملكه بمجرّد تركها، أو قوله أبطلت ملكيّتها، أو سيَّبتها. (فملك العين لا يبطل بالإبطال). ولا يسقط بالإسقاط أو الإبراء، إنّ ما يبطل عن طريق البيع أو التّبرّع أو الهبة أو الهدية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ورث عيناً عن أبيه أو مورثه، وقال: أبطلت حقّي في الميراث، لا يبطل حقّه وله المطالبة به وأخذه. ومنها: إذا ترك دابّة في صحراء أو مضيعة، فأخذها آخذ واعتنى بها، فلصاحبها أخذها بغير شيء، وليس لآخذها حقّ المطالبة بما أنفق عليها؛ لأنّه متبرّع بالعناية والإنفاق حيث لم يأذن له المالك. ومنها: رجل له مسيل ماء في دار أو أرض، وله حقّ إجراء الماء، وله رقبة المسيل - أي ملك المجرى من الأرض - فقال ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 214.

صاحب المسيل لصاحب الدّار أو الأرض: أبطلت حقّي في المسيل، فإنّ ملكه للمسيل لا يبطل، لأنّه مالك لرقبة المسيل، وله حقّ المطالبة به بعد ذلك.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد الخمسمئة [الملك في المضمون]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد الخمسمئة [الملك في المضمون] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملك في المضمون لمن يتقرر عليه الضمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المضمون: هو المال المتقوم. فمن تقرّر وثبت عليه ضمان شيء وغرمه فهو ملك له بما أدّى من غُرمه. وهذه القاعدة في بعض مسائلها خلاف بين الحنفيّة وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الثّمن في العقد الصّحيح ثابت على المشتري فإذا أدّى المشتري الثّمن ملك المثمون وهو السّلعة. ومنها: غصب شيئاً، وادّعى هلاكه أو ضياعه، وأدّى قيمته للمغصوب منه، ثم ظهر المغصوب سليماً، فعند الحنفيّة أنّ هذا المغصوب أصبح ملكاً للغاصب؛ لأنّه أدّى ضمانه. ولكن عند غيرهم لا يملكه الغاصب بل للمغصُوب منه استرداده وإرجاع القيمة الّتي دفعها الغاصب إليه. ¬

_ (¬1) القواعد الضوابط 496 عن التحرير جـ 5 ص 778، 779.

ومنها: اشترى سيّارة بثمن آجل، ثم مات قبل حلول الأجل، وليس في التّركة وفاء بثمن السّيّارة فدفع أحد الورثة ثمن السّيّارة للمعرض، فهو يملكها بما دفع، ولا حقّ للورثة الآخرين فيها.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد الخمسمئة [ملك المبيح]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد الخمسمئة [ملك المبيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ملك المبيح لا يزول بالإباحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها، فمن أخذ أو استولى على شيء أباحه صاحبه لمن يأخذه، أو ألقاه لخساسته أو تفاهته، أو عدم حاجته إليه، ثم أراد مبيحه استرداده بعد ذلك فله أخذه واسترداده؛ لأنّ الشّيء المملوك لا يزول ملكه عن صاحبه بالإباحة. وهذا بخلاف الحقوق فإنّها تسقط بالإسقاط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من ألقى شاة ميتة له فجاء آخر وجزّ صوفها كان له أن ينتفع به، لكن لو وجده صاحب الشّاة في يده كان له أن يأخذه منه. ولو سلخها ودبغ جلدها - على القول بطهارة جلد الميتة بالدّباغ - كان لصاحبها أن يأخذ الجلد منه بعد ما يعطيه ما زاد الدّباغ فيه، لأنّ ملكه لم يزل بالإلقاء، والصّوف مال متقوّم من غير اتّصال شيء آخر به، فله أن يأخذه مجّاناً. لكن لو غزله آخذه فلا يأخذه صاحبه إلا إذا أعطاه ما زاد الغزل فيه. وأمّا الجلد فإنّه لا يصير متقوّماً إلا بالدّباغ، فإذا أراد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 2.

أن يأخذه كان عليه أن يعطيه ما زاد الدّباغ فيه. ومنها: مَن وجد شيئاً ممّا لا يطلبه مالكه كقشور الرّمّان والبّطيخ، فلمالكه أخذه إذا أراد. وذلك في أرض أو عند أناس لا يستعملون قشور الرّمّان أو البّطيخ، أو أنّ ملقيه ومبيحه لا يريد الاستفادة منه، فأخذه آخر وجمعه فقد ملكه.

القاعدة الأربعون بعد الخمسمئة [ملك المحل]

القاعدة الأربعون بعد الخمسمئة [ملك المحلّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: ملك المحلّ شرط عند انعقاد اليمين (¬1). وفي لفظ: بدون المحلّ لا يثبت الحكم. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القاعدة تتعلّق ببعض أحكام النّكاح والطّلاق والعتق، فمن طلّق زوجته على شرط ثم وجد الشّرط وهي في غير ملكه فإنّ يمينه لا تنعقد، ولا يقع على الزّوجة شيء، لعدم ملك المحلّ، وكذلك من أعتق عبده على شرط فوقع الشّرط وهو ليس في ملكه لا يعتق. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال لزوجته: إن حضت فأنت طالق، تم طلّقها قبل أن تحيض، فحاضت وهي في غير ملكه، فلا يقع عليها الطّلاق المشروط، هذا إذا كان طلاقها قبل حيضها طلاقاً بائناً لا رجعيّاً. ومنها: إذا قال: كلّما كلمت فلاناً، أو فعلت كذا فأنت طالق، فكلّمت فلاناً أو فعلت كذا - وهي في غير ملكه - لا يقع عليها طلاق. ومنها: إذا قال لامرأته في رجب - ولم يدخل بها -: إذا جاء يوم الأضحى فأنت طالق ثم أبانها، ثم تزوّجها يوم عرفة فجاء يوم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 108.

الأضحى وهي في ملكه طلقت، لأنّه وقع الشّرط وهي في ملكه، ولا تعتبر الإبانة السّابقة مانعاً من وقوع الطّلاق. ومنها: إذا قال لعبده إذا دخلت الدّار فأنت حرّ. ثم باعه، ثم اشتراه ودخل الدّار عتق.

القاعدة الحادية والأربعون بعد الخمسمئة [ملك اليمين]

القاعدة الحادية والأربعون بعد الخمسمئة [ملك اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ملك اليمين يمنع انعقاد نكاح المولى، وإذا طرأ عليه أبطله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ملك اليمين: المراد به ما يملك من الإماء والجواري. فمن ملك أمة أو جارية بطريق مشروع فله وطؤها واستخدامها واستيلادها كما له بيعها وهبتها وإهداؤها وتزويجها لمن يشاء. ولذلك إذا تزوّج أمَة لغيره ثم ملكها انفسخ نكاحها منه، وله وطئها بملك اليمين، وقد انفسخ نكاحها منه لأنّ النّكاح لا يجامع ملك اليمين، فملك اليمين أقوى من النّكاح، ولذلك يمنع انعقاده، وإذا طرأ عليه أبطله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ملك جارية سواء كانت أمَةً أو مكاتبته أو مدبرته أو أمّ ولده أو أمَةً يملك بعضها، وأراد أن يعقد عليها عقد نكاح، فلا يجوز ذلك له؛ لأنّ الملك أقوى من العقد، لكن إذا أعتقها وأراد وطأها فلا يحلّ له إلا بعقد النّكاح, لأنّها أصبحت حرّة مالكة لنفسها ولبضعها. ¬

_ (¬1) الخانية جـ 1 ص 369 وعنه الفرائد ص 20.

ومنها: إذا تزوّج أمَةً لغيره ثم ملكها أو ملك بعضها انفسخ نكاحها منه وبطل. ومنها: إذا زوّجت المرأة نفسها من عبدها أو المكاتب إذا تزوّج مولاته لا يصحّ، وكان عليه العَقر - أي الحدّ - لأنّ النّكاح إذا لم يعتبر كان بمنزلة العدم. ولو عتق المكاتب - بأداء نجوم مكاتبته - بعد ما تزوج مولاته، لا ينقلب النّكاح جائزاً؛ لأنّ الباطل لا ينقلب صحيحاً.

القاعدة الثانية والأربعون بعد الخمسمئة [الملك بالقهر، الإحراز]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد الخمسمئة [الملك بالقهر، الإحراز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملك بطريق القهر لا يثبت ما لم يتمّ القهر بالإحراز بدار تخالف دار صاحب المال أو المستولى عليه (¬1). وينظر القاعدة رقم 45 من قواعد حرف الباء. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملك بطريق القهر: هو الغنيمة، وهي كلّ مال يأخذه المجاهدون من الكفّار على سبيل الغلبة والقهر. فعند الحنفيّة أنّ المجاهدين يملكون الغنائم بانتهاء المعركة وقهر العدو وهزيمته، - وهذا أمر متّفق عليه عند الحنفيّة وغيرهم - لكن قال الحنفيّة: إنّ إحراز الغنائم وتمام ملكها لا يتمّ إلا إذا دخل المجاهدون دار الإسلام، أو دخلوا داراً تخالف دار صاحب المال أو المستولى عليه - ولذلك فعند الحنفيّة وقول عند أحمد رحمه الله: أنّ الغنائم لا تقسم إلا بعد الوصول إلى دار الإسلام - خلافاً لغيرهم من الأئمّة - معلّلين ذلك، باحتمال أن يعيد العدو الكرّة عليهم قبل دخولهم دار الإسلام فيستردّ منهم ما أخذوه، وحتى لا يثقل المجاهد بما يحمل من غنيمة فيجد العدو فرصة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 126، جـ 30 ص 142.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

لمهاجمتهم، فلا يستطيعون دفعه لانشغال كلّ واحد بما يحمل. ولكن عند مالك رحمه الله، لا تؤخّر قسمة ما يقسم إلى دار الإسلام (¬1)، فعنده يجب قسمتها في دار الحرب وعند الشّافعيّة والرّاجح عند الحنابلة: لا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب، أو يقال: يستحبّ قسمتها في دار الحرب (¬2)، ويكره تأخيرها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أموال الخوارج لا تملك؛ لبقاء العصمة والإحراز فيها، وإنّما تردّ عليهم بعد هزيمتهم وزوال شوكتهم، أو تردّ إلى ورثتهم. ومنها: انتهت المعركة بين المسلمين والكفّار بانتصار المسلمين، وقد غنم المسلمون من الكفّار غنائم كثيرة من الخيول والسّلاح والدّوابّ والأمتعة فيجمعها الإمام أو القائد، ويعزل الخمس، ويقسّم الأربعة الأخماس الباقية بين الغانمين، إمّا يقسّمها في دار الحرب بعد انتهاء المعركة، وإمّا يؤجّل قسمتها حتى يرجع المجاهدون إلى دار الإسلام، وهذا موضوع قاعدتنا هذه. ¬

_ (¬1) عقد الجواهر الثمينة جـ 1 ص 505. (¬2) روضة الطالبين جـ 5 ص 335، وأشباه ابن السبكي جـ 2 ص 299.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد الخمسمئة [ملك الوارث]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد الخمسمئة [ملك الوارث] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الملك الثّابت للوارث هو الملك الذي كان للمورث (¬1). وفي لفظ: كلّ ما كان مملوكاً للمورِّث - فإذا لم يخرج بموته من أن يكون مملوكاً للمورّث يصير مملوكاً لوارثه - عند الشافعي - رحمه الله - (¬2). وقد سبقت ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 169. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملك الذي يستحقّه الوارث بعد موت مورّثه إنّما هو ما كان يملكه المورّث قبل موته، وبناء على هذه القاعدة، أنّه إذا حصل ملك في شيء ما للمورث بعد موته بسبب كان في حياته فهل يدخل في ملك الوارث؟ وبناء على هذا أيضاً: أنّ ما كان يحقّ للمورّث فعله لو كان حيّاً - يحقّ للوارث كذلك؛ لأنّه يرثه عنه - وينظر القاعدة رقم 169 من قواعد حرف الكاف. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 128 ونسبها لشرح السير ولم أجدها فيه رغم البحث. (¬2) المبسوط جـ 5 ص 130.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى المورّث شيئاً ثم بعد موته ظهر به عيب يوجب الرّدّ، فإنّ للوارث حقّ الرّدّ على بائع المورّث، واسترداد الثّمن. ومنها: إذا اشترى المورّث أمَةً أو سلعة، وورثها الوارث ثم ظهر أنها مستحقّة أو أنّ المورّث مغرور فيها فإنّ للوارث حقّ الرّدّ واسترداد الثّمن كذلك. ومنها: أنّ بنت المولى لو تزوّجت مكاتب أبيها بإذنه جاز النّكاح ما دام المولى حيّاً، فإن مات المولى - وهو الأب - فسد النّكاح بينهما؛ لأنّ المكاتب - قبل تحرّره - ما زال على ملك المورّث قبل تمام نجوم المكاتبة، فبالتّالي هو موروث ويصبح ملكاً للورثة، فبنت المولى ملكت رقبة المكاتب أو بعضها فينفسخ النّكاح بينهما - كما في العبد - خلافاً للحنفيّة. ومنها: إذا تزوّج أمَة رجل ثم اشترى بعضها قبل أن يدخل بها، أو ملكها بوجه من الوجوه فسد النّكاح لتقرّر المنافي، ولا مهر لها؛ لأنّه لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها فعليه المهر لمولاها، وقد انتقض النّكاح لملكه جزءاً من رقبتها.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد الخمسمئة [الملك]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد الخمسمئة [الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملك لا يثبت ابتداءً بغير سبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملك: هو القدرة على التّصرّف في المملوك. والإنسان يولد عارياً فقيراً لا يملك، ثم إذا امتدّ به العمر ملك، ولكن لا يثبت ملك الإنسان ابتداءً بدون سبب موجب للملك؛ لأنّ ما يمكن أن يملكه إنسان هو ملك لغيره قبل أن يصير ملكاً له. إلا ما كان من المباحات فهي ملك من سبق إليها. وقبل ذلك لم تكن في ملك أحد من البشر وإنّما هي على ملك الله سبحانه أباحه لمن يسبق إلى أخذه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّوريث سبب من أسباب الملك، فمن كان وارثاً يثبت له الملك في الموروث بمجرّد موت المورث. ومنها: الهبة والهديّة سببان من أسباب الملك في الموهوب والمهدى للموهوب له والمهدى إليه. ومنها: البيع سبب من أسباب الملك، من حيث إنّ المشتري يملك السّلعة، والبائع يملك الثّمن، إذا تمّ العقد صحيحا. ومنها: العمل سبب للحصول على الأجر من الأثمان - الذّهب والفضّة - أو العروض وملكها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1366، 1368.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الخمسمئة [التدبير]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الخمسمئة [التّدبير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملك المتأكّد بالتّدبير لا يحتمل النّقض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّدبير: من دبَّر يدبَّر تدبيراً، والمراد به عتق العبد بعد موت السّيّد، حيث يقول السّيّد لعبده: أن حُرٌّ على دَبَر مني، أي بعد موتي. فبمجرّد موت السّيّد يعتق العبد. فمفاد القاعدة: أنّ ملك العبد إذا أثبت سيّده تدبيره فإنّ هذا الملك لا ينقض إذا ادّعى آخر أنّه أعتقه، فالملك المؤكّد بدعوى التّدبير أقوى من الملك مع دعوى الإعتاق، إذا كانت دعوى الإعتاق متأخّرة زمنيّاً عن دعوى التّدبير. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أمَةٌ في يد رجل، فأقام آخر البيّنة على أنّها أمَتُه منذ ستّة أشهر وأنّه أعتقها ألبتة منذ شهر، وأقام آخر البيّنة أنّها أمَتُه منذ سنة، وأنّه أعتقها عن دبر منذ سنة. قالوا: يقضى بها مدبَّرةً لمدّعي التّدبير؛ لأنّ تاريخ شهوده أسبق، فإنّهم أثبتوا الملك والتّدبير له منذ سنة. وفي قول آخر إنّ البيّنة المقبولة هي بيّنة مدّعي العتق، والأمَةُ حرّة ألبتّة؛ لأنّه لمّا استويا في إثبات الملك بقي التّرجيح بما أثبتوا من العتق، والعتق والتّدبير إذا اجتمعا يترجّح العتق. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 56.

القاعدة السادسة والأربعون بعد الخمسمئة [الملك المطلق والمقيد، الملك بالسبب]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد الخمسمئة [الملك المطلق والمقيّد، الملك بالسّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملك المطلق أزيد من الملك المقيد لثبوته من الأصل، والملك بالسبب مقتصر على وقت السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملك المطلق: يراد به المطلق على سبب التّملّك. الملك المقيّد: أي بذكر سبب التّملّك. فالملك المطلق أعمّ من الملك المقيّد؛ لأنّ إطلاقه يفيد الأولويّة، لكن إذا قيِّد الملك بالسّبب الذي به كان الملك فهو مقتصر على وقت السّبب ويفيد الحدوث. ولذلك كان أضيق مجالاً من الملك المطلق عن السبّب. ويظهر أثر هذه القاعدة في دعوى الملك عند اختلاف البينتين، فالبيِّنة التي تثبت ملكاً مطلقاً، أو بالنّتاج، ترجح على التي تثبت ملكاً بسبب خاصّ في وقت خاصّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى مدّع ملكاً مطلقاً على دار أو أرض، وشهدت شهوده بأنّها ¬

_ (¬1) الدر المختار مع شرحه رد المختار جـ 4 ص 388، وعنه قواعد الفقه ص 128.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ملكه بسبب كشراء أو إرث، قبلت الشّهادة، لكونها بالأقلّ ممّا ادّعى فتطابقا. ومنها: إذا ادّعى أرضاً بشراء، وشهد شهوده بأنّها ملكه - شهادة مطلقة عن ذكر السّبب - لا تقبل هذه الشّهادة، لأنّها شهدت بالأكثر. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: ادّعى ملكاً بالإرث، أو النّتاج، أو الشّراء من مجهول، وشهدت بيّنته بالملك المطلق، قبلت الشّهادة؛ لأنّ دعوى الإرث والنّتاج - النّتاج في الحيوان خاصّة - في قوّة الدّعوى بالملك المطلق؛ لأنّ دعوى المطلق يفيد الأولويّة على الاحتمال، والنّتاج على اليقين (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر حاشية ابن عابدين على الدر المختار جـ 4 ص 388 - 289.

القاعدة السابعة والأربعون بعد الخمسمئة [دوام الملك]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد الخمسمئة [دوام الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الملك يدوم بعد ثبوت سببه، إلا أن يلزمه ما يناقضه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في الأملاك دوامها واستمرارها بعد ثبوت سبب الملك؛ لأنّ الملك إذا وقع بسبب صحيح فهو يفيد الدّوام والاستمرار والتّأبيد، إلا إذا طرأ عليه ما ينقضه ويزيله، كبيع أو هبة، أو استحقاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى أرضاً بعقد صحيح، فإنّ هذا العقد يثبت للمشتري ملكيّة الأرض ملكاً مؤبّداً دائماً. لكن إذا ظهر أنّ الأرض مستحقّة - أي أنّ مالكها غير البائع أو أنّها مرهونة بمبلغ من المال - فعند ذلك يبطل عقد البيع ويأخذ الأرض مستحقّها، ويرجع المشتري على البائع بالثّمن. ومنها: إذا أحيا أرضاً ميتة فقد ملكها بالإحياء بالنّص، لكن إن تركها بعد ما أحياها فماتت، فهل لغيره أن يحييها ويملكها؟ عند المالكيّة: نعم، فهنا طرأ على الملك ما قطع دوامه ونقضه. ومنها: إذا استأنس إنسان حيواناً وحشياً، كأسد أو زرافة أو قرد أو غزال ثم هرب منه وتوحّش ثانية، فقد زال ملكه عنه لعوده إلى أصله، فلغيره اصطياده واستئناسه إذا أمكنه. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 4 ص 19 عن تعليق ابن الشاط الفرق 213.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد الخمسمئة [الملاك وأملاكهم]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد الخمسمئة [الملاك وأملاكهم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُلاّك مختصون بأملاكهم، لا يزاحم أحد مالكاً في ملكه من غير حق مستحق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الملاّك: جمع مالك، ومالك الشّيء هو من له القدرة على التّصرّف فيما يملكه دون معارض. فالملاّك - أي أصحاب الأملاك كلّ واحد منهم مختصّ بما يملكه، ولا يجوز لأحد غير مالك أن يزاحم مالكاً في ملكه أو يشاركه فيه بدون وجه حقّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنسان له أرض أو مزرعة فيها من كلّ الثّمرات وأجرى فيها نهراً، أو إنسان له عمارة أو بناية ضخمة عالية البنيان عظيمة الأركان، لا يجوز لأحد آخر أن يأتي ويأخذ جانباً من الأرض أو المزرعة أو يسكن طابقاً من البناية جبراً عن المالك بدعوى أنّ الأرض واسعة والمزرعة عظيمة والبناية كبيرة، ولا يضرّ المالك أخذ جزء منها، فهذا يؤخذ على يده ويمنع من الاستيلاء على بعض ملك غيره ¬

_ (¬1) غياث الأمم ص 356.

بغير وجه استحقاق شرعيّ ولو كان المالك من أغنى الأغنياء والمعتدي من أفقر الفقراء. فليس للفقير أن يأخذ من مال الغني إلا ما طابت به نفسه، إلا إذا كان الغني مانعاً لحقّ الله فللإمام أن يأخذ منه الحقّ بالقوّة.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد الخمسمئة [المماثلة المجهولة]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد الخمسمئة [المماثلة المجهولة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المماثلة المجهولة كالمفاضلة المعلومة (¬1). وفي لفظ سابق: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختصّ بالتّحذير من الرّبا من حيث إنّ شرط التّعامل بالأموال الرّبويّة العلم والتّيقّن بالمماثلة، أمّا إذا كانت المماثلة مجهولة وغير متيقّنة فإنّ المعاملة تحرم كما لو كانت المعاملة بمفاضلة واضحة بيِّنة. وقد سبق مثلها ضمن قواعد حرف الجيم تحت الرّقم 29. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز بيع صبرة طعام بصبرة طعام دون كيل لكليهما، حتّى ولو ظهر بعد ذلك أنّهما متساويان. ولذلك قالوا: بيع الأموال الرّبويّة مجازفة لا يجوز. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق للجويني ص 372، 387. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 301، قواعد الحصني جـ 4 ص 120.

القاعدة الخمسون بعد الخمسمئة [القصاص]

القاعدة الخمسون بعد الخمسمئة [القصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المماثلة في القصاص مرعيّة (¬1)، إلا في مسائل. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القصاص: من قَصَّ الأثر أي تتبّعه. والقصاص معناه: قتل القاتل وجرح الجارح وقطع القاطع. والقصاص: القود. فمن قتل غيره بفعل من الأفعال أو أداة قاتلة، فوليّ الدّم بالخيار بين أن يستوفي بالسّيف، أو بمثل فعله وأداته. لكن إذا كان القتل بمحرّم، فلا يجوز قتله بمثله بل يستوفي بالسّيف؛ لأنّه يؤدّي إلى محذور شرعي. والقاطع إنّما يقتصّ منه إذا كان القطع من مفصل، وإلا فلا قصاص، وإنّما له الأرش. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن قُتِل بالرّصاص، فلوليّه قتله بالرّصاص أو بالسّيف. ومنها: إذا قطع يديه ورجليه فمات، فللولي فعل ذلك بشرط موته لا تركه. ومنها: إذا قتله بأن أوجره خمراً، أو لاط فيه فقتله، فلا يجوز القصاص بمثله بل يقتل بالسّيف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 330، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 390 - 392.

ومنها: إذا قتله بالسّحر، فلا يقتصّ منه بالسّحر. ومنها: إذا قتله بسيف مسموم يفتت ويمنع من الغسل والدّفن، ففي القصاص بمثله احتمال وجهين. ومنها: إذا قطع يده أو فقأ عينه، أو صلم أذنه، فله القصاص. والجارح: إنّما يقتصّ منه إذا كان الجرح محدّداً كالموضّحة وإلا فلا قصاص.

القاعدتان الحادية والثانية والخمسون بعد الخمسمئة [الممتنع]

القاعدتان الحادية والثّانية والخمسون بعد الخمسمئة [الممتنع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الممتنع عادة كالممتنع حقيقة (¬1)، أو عرفاً وعادة (¬2). وفي لفظ: ما كذّبه العقل أو جوّزه وكذّبته العادة فهو مردود (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بامتناع العادة أو تكذيب العقل والعادة: امتناع وتعذّر واستحالة وقوع الفعل في العقل والعادة، أو في العادة فقط وإن جوّزه العقل، فما استحال وتعذّر عقلاً وقوعه فهو مردود - أي مرفوض لا يبنى عليه حكم، وكذلك ما امتنع واستحال في جاري العادات وقوعه، فإنّه مردود كذلك، ولو جوّز العقل وقوعه. فما استحال وامتنع وتعذّر وقوعه في جاري العادات فحكمه حكم ما استحال وامتنع وتعذّر عقلاً من حيث رفضه وردّه. وأمّا ما أبعدته العادة من غير إحاله فله رتب في البعد والقرب ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 100 أ، شرح الخاتمة ص 84، المجلة المادة 38، شرح القواعد للزرقا ص 171، الوجيز مع الشرح ص 213. (¬2) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير. (¬3) قواعد الأحكام جـ 2 ص 106.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

فيها مجال اختلاف. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ادّعى رجل من أدنياء النّاس على الملك أو الأمير أنّه استأجره لكنس داره وسياسة دابّته، فإنّ هذه الدّعوى لا تقبل لمخالفتها لمجاري العادات، فإنّ العادة تحيل ذلك، وإن كان العقل لا يحيله. ومنها: إذا تعاشر الزّوجان على الدّوام مدّة سنتين، ثم ادّعت الزّوجة أنّه لم ينفق عليها شيئاً ولم يكسها شيئاً، فعند الشّافعي - رحمه الله - القول قولها مع اليمين، مع مخالفة هذا للظّاهر في العادة. ومنها: إذا ادّعى شخص على من هو أصغر منه أو مساويه سنّاً أنّه أبوه فهذا الإدعاء مردود غير مقبول قطعاً؛ للاستحالة العقليّة، حيث إنّ العقل لا يتصوّر أن يكون الصّغير أباً للكبير.

القاعدتان الثالثة والرابعة والخمسون بعد الخمسمئة [المنافع]

القاعدتان الثّالثة والرّابعة والخمسون بعد الخمسمئة [المنافع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المنافع تجري مجرى الأعيان (¬1). وفي لفظ: المنافع كالأعيان القائمة - أو بمنزلة الأعيان القائمة - يجوز مبادلتها بمثلها، أو بخلاف جنسها، ولا ربا فيها (¬2). عند الشافعي رحمه الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المنافع تقابل الأعيان. وقد اختلف العلماء في أحكام المنافع من حيث جواز العقد عليها، فعند الحنفيّة: أنّ المنافع معدومة، والمعدوم لا يجوز أن يكون ركناً في العقد، ولذلك تقام العين المؤجّرة أو المعارة مكان المنفعة في إجراء العقد عليها. وأمّا عند الشّافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، فإنّ المنافع تجري مجرى الأعيان وتأخذ أحكامها من حيث: العقد عليها، ومبادلتها بمثلها، أو بخلاف جنسها، ومن حيث إنّه لا يجري فيها الرّبا، وعلى ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 433، 437، 441، 445، 495 وينظر عقد الجواهر جـ 2 ص 835 فما بعدها. (¬2) المبسوط جـ 15 ص 137، وينظر الأم جـ 8 ص 57 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

المغتصب ضمان ما ضاع على المالك فيها. وينظر قواعد حرف الهمزة القاعدة 472. وللإجارة شروط وأركان تنظر في محالها من كتب الفقه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا أجّر داراً لمدّة معلومة بأجر معلوم جاز العقد وملك المستأجر المنفعة مدّة العقد. ومنها: إذا استأجر سيّارة وجعل الأجر سكنى دار جاز، خلافاً لأبي حنفية رحمه الله تعالى، والصّحيح جوازه، وهو قول أكثر العلماء. ومنها: إذا اغتصب داراً أو سيّارة - وكان مالكها يؤجّرها - فإنّ على المغتصب أجرة الدّار والسّيّارة طيلة مدّة الاغتصاب، لتفويت منافعهما على المالك.

القاعدة الخامسة والخمسون بعد الخمسمئة [المنافع]

القاعدة الخامسة والخمسون بعد الخمسمئة [المنافع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المنافع لا تتقوّم إلا باعتبار التّسمية (¬1). وفي لفظ: المنافع لا تأخذ حكم الماليّة إلا بالعقد (¬2). وفي لفظ: المنافع مال في حكم العقد (¬3). وفي لفظ: المنفعة لا تتقوّم إلا بالتّسمية في العقد (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد لها صلة بسابقتيها: فالمنافع إنّما تستوفى بحكم العقد ولا تتقوّم - وهذا رأي الحنفيّة ووجهة نظرهم في المنافع - أي لا يكون لها قيمة وتعتبر مالاً إلا بعقد الإجارة -؛ لأنّ عقد الإجارة - في الصّحيح - هو عقد على بيع المنفعة، فهو من أنواع البيوع - وإن كانت المنفعة معدومة حين العقد للضّرورة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 46، 47. (¬2) نفس المصدر جـ 11 ص 27. (¬3) نفس المصدر جـ 21 ص 43. (¬4) نفس المصدر جـ 23، ص 23.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا كان لرجلين على رجل ألف درهم، فلو استأجر منه أحدهما داراً بحصّة من الدّين وسكنها، فهو بمنزلة قبض نصف الدّين، وإقراره باستيفاء نصيبه، فلشريكه أن يأخذه بنصفها؛ (لأنّ المنافع مال في حكم العقد). ومنها: من غصب عبداً وآجره، فأجرته للّذي أجره؛ لأنّه في ضمانه، ولأنّه بعقده صيّر ما ليس بمال مالاً - ولكن ينبغي أن يتصدّق به؛ لأنّه حصل بكسب خبيث، وإن دفعه إلى المولى قهو للمولى. وعند غير الحنفيّة الأجرة للمولى على كلّ حال. ومنها: إذا قال صاحب الأرض للعامل: اعمل ببذري في أرضي بنفسك وبقرك وأُجَرائك، فما خرج فهو كلّه لي. جاز والعامل معين؛ لأنّ صاحب الأرض استعان به في العمل حيث لم يشترط له بمقابلته شيئاً. وليس للعامل شيء؛ لأنّه رضي أن يعمل بدون مقابل. وأمّا إن قال صاحب الأرض: على أنّ الخارج كلّه لك، فهو جائز أيضاً، وصاحب الأرض معير لأرضه، مقرض لبذره؛ لأنّه شرط للعامل جميع الخارج، وكانت الأرض معارة؛ لأنّ منفعة الأرض متقوّمة بنفسها، فلا تتقوّم إلا بتسمية البدل بمقابلتها ولم يوجد. ومنها: إذا اتّفق ربّ الأرض والعامل على عقد مزارعة بنسبة بينهما، - وكان البذر على صاحب الأرض - فبعد أن كرب العامل الأرض - أي حرثها - وحفر مجاري مائها وأعدّها للزّراعة، بدا لربّ

الأرض أن لا يزرعها، كان له ذلك؛ لأنّه قد يتضرّر بالمضي على العقد من حيث إتلاف البذر بإلقائه في الأرض، ولا يعلم أيحصل الخارج أم لا، ثم لا شيء للعامل؛ لأنّ المنافع لا تتقوّم إلا بالتّسمية، والمسمّى للعامل بإزاء عمله بعض الخارج، ولم يحصل الخارج. ولكن من باب مراقبة الله تعالى وحتى لا يضيع على العامل تعبه وجهده يطالب ربّ الأرض بأن يعطى العامل أجر مثله, لأنّه إنّما عمل ليزرع فيحصل له الخارج، فإذا أخذ ربّ الأرض الأرض بعد إقامة هذه الأعمال كان غارّاً للعامل ملحقاً الضّرر به والغرور والضّرر مدفوعان.

القاعدتان السادسة والسابعة والخمسون بعد الخمسمئة [المنافي]

القاعدتان السادسة والسّابعة والخمسون بعد الخمسمئة [المنافي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المنافي إذا تقرّر فالمحترم وغير المحترم فيه سواء (¬1). والمنافي يؤثر سواء كان طارئاً أم مقارناً (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المنافي: هو المعارض والمبطل للحكم، أو للتّصرّف. فهاتان القاعدتان تبيِّنان أثر المنافي في التّصرّف أو الحكم. فمفاد القاعدة الأولى: إذا وجد معارض للحكم ومبطل له وقد ثبت فإنّ ما طرأ عليه يؤثّر فيه بالإبطال سواء أكان المنافي محترماً شرعاً أم غير محترم. ومفاد القاعدة الثانية: أنّ هذا المنافي يكون مؤثّراً في الحكم أو التّصرّف إذا كان مقارناً للتّصرف أو طارئاً عليه على حدّ سواء. فالمنافي مبطل ومؤثّر في فساد الفعل على كلّ حال. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا سُبي أحد الزّوجين تقع الفرقة بينهما بالاتّفاق، فالمنافي لبقاء الزّوجية هو سبي أحدهما. ومنها: إذا أسلمت زوجة كافر في دار الحرب ثم خرجت ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 52. (¬2) نفس المصدر ص 130.

مراغمة لزوجها إلى دار الإسلام، وقعت الفرقة بينهما لتباين الدّارين، أو للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حقّ الزّوج. ومنها: إذا تزوّج مسلم كتابيّة في دار الحرب - على كراهة ذلك - ثم خرج إلى دار الإسلام وتركها في دار الحرب حتى انتهت عدّتها وقعت الفرقة بينهما، ولا يقع طلاقه عليها بعد ذلك؛ لأنّ النّكاح قد انقطع لا إلى عدّة، فإنّ بقاءها في دار الحرب كما ينافي أصل النّكاح بينها وبين الزّوج ينافي العدّة، ولهذا لا يقع طلاقه عليها. ومنها: إذا أسلم كافر وتحته أختان يجب عليه اختيار واحدة منهما ومفارقة الأخرى. ومنها: إذا تزوّج المولى مكاتبته، فالنّكاح باطل لقيام الملك له في رقبتها - حتى تؤدّي كلّ نجوم مكاتبتها -، والمولى ممنوع من وطئها بسبب الكتابة، فإن وطئها فلها المهر بمنزلة ما لو وطئها قبل النّكاح - ويسقط الحدّ للشّبهة - لأنّها بعقد الكتابة صارت أحقّ بنفسها ومكاسبها. ومثلها: إن تزوّج المكاتب مولاته ودخل بها فعليه المهر لسقوط الحدّ بشبهة النّكاح، ولا يجوز النّكاح وإن عتق. ومنها: إذا تزوّج المكاتب أو العبد بنت مولاته بإذنه، حاز النّكاح؛ لأنّه لا ملك لها في رقبته ولا حقّ ملك ما دام الأب حيّاً، فإن مات المولى وهو الأب فسد نكاح العبد؛ لأنّها ملكت رقبة زوجها إرثاً - وملك رقبة الزّوج أو بعضها لو اقترن بالنّكاح منع صحّته، فإذا طرأ على النّكاح أبطله.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والخمسون بعد الخمسمئة [المناقض - التناقض]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة والخمسون بعد الخمسمئة [المناقض - التناقض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المناقض إذا صدقه خصمه فيما يدَّعي ثبت الاستحقاق له (¬1) - أو يقبل قوله (¬2). وفي لفظ: المناقض لا قول له في حق غيره، ولكن التناقض لا يمنع إلزامه حكم كلامه (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المناقض: اسم فاعل من ناقض يناقض. إذا كان كلامه يهدم بعضه بعضاً، أو يخالف بعضه بعضاً، فالنّقض: معناه الهدم والإبطال والنّكث. فمن خالف كلامه بعضه بعضاً فلا قول له في حقّ غيره أو خصمه، لكن إن صدّقه خصمه فيما يدّعي قُبِل قوله وثبت الاستحقاق له مع تناقضه لأنّ التّناقض لا يمنع من إلزام المتناقض حكم كلامه، وينظر قواعد حرف الكاف القاعدة رقم 74. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 67. (¬2) نفس المصدر جـ 25 ص 73. (¬3) نفس المصدر جـ 16 ص 178.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا اشترى عبد من رجل متاعاً أو باعه، وبعد تمام العقد قال الرّجل للعبد: أنت محجور عليك فلا أدفع إليك ما اشتريت منّي - أو ثمن ما بعته - وقال العبد: بل أنا مأذون لي. فالقول قول العبد؛ لأنّ معاملة الرّجل معه إقرار منه بصحّة المعاملة وكونه مأذوناً له في التّجارة. فإنّه لا يحلّ للرّجل أن يعامل عبد غيره إلا أن يكون مأذوناً له. فهو في قوله: أنت محجور عليك. مناقض في كلامه ساع في نقض ما تمّ به، فلا يقبل قوله، ولا يمين على العبد. ويجبر الرّجل على دفع ما باع وأخذ الثّمن، أو دفع الثّمن وأخذ ما اشترى. أمّا إذا أقرّ العبد عند القاضي أنّه محجور ردّ البيع. ومنها: اقتسما داراً مناصفة وقبضا وأشهدا على القسمة والقبض والوفاء. ثم ادّعى أحدهما بيتاً في يد صاحبه، لم يصدّق على ذلك لأنّه مناقض، ولكن إذا أقرّ صاحبه بدعواه وصدّقه فإقراره ملزم له ويردّ على صاحبه ما ادّعاه. ومنها: إذا شهد شاهدان أمام القضاء على إنسان بسرقة، فقطعت يده، ثم جاءا بعد ذلك بآخر وقالا: قد أوهمنا إنّما السّارق هذا، فالقاضي لا يصدّقهما على التّالي لتناقض شهادتيهما، ويضمنهما دية الأوّل. هذا إذا لم يفعلا ذلك عمداً، وكان تناقضهما خطأ. لكن إذا تعمّدا الشّهادة الكاذبة فتقطع أيديهما.

القاعدة الستون بعد الخمسمئة [بيع ما لم يقبض]

القاعدة السّتّون بعد الخمسمئة [بيع ما لم يقبض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه (¬1). حديث متّفق عليه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم رواه بهذا اللفظ الجماعة إلا التّرمذي، وقد روي بألفاظ مختلفة كلّها تفيد منع بيع الطّعام حتى يقبضه المشتري. وينظر منتقى الأخبار. الأحاديث من 2813 - 2824. فمن اشترى طعاماً فلا يجوز له أن يبيعه إلا إذا قبضه واكتاله واستوفاه، والمراد بالطّعام: البرّ والشّعير والذّرة والأرز وكلّ ما يكال أو يوزن من الأطعمة وهذا متّفق عليه - غير أنّه عند أبي حنيفة رحمه الله ورواية عند أحمد رحمه الله: أنّ التخلية بين المشتري والسّلعة تعتبر قبضاً وتسليماً. وخالفهما في ذلك الآخرون. ولكن هل كلّ شيء اشتراه لا يجوز أن يبيعه إلا إذا قبضه قياساً على الطّعام أو أنّ القبض المشروط لا يكون في غير الطّعام؟ خلاف بين الأئمة: منهم من عمّم الحكم في كلّ شيء، ومنهم من قصره على الطّعام دون غيره، فأجاز بيع ما لم ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 333 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 145.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يقبض من غير الطّعام. فعند أبي حنيفة رحمه الله: أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلا العقار. وعند الشّافعي ورواية عند أحمد - رحمهما الله - أنّ كلّ مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى مئة صاع من برّ، ثم أراد بيعها لغير الأوّل، فلا يجوز له ذلك إلا إذا كالها وقبضها واستوفاها ونقلها إلى محلّه، أو على الأقلّ أخرجها من محلّ البائع. وهذا متّفق عليه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فجاز بيعه قبل قبضه: الإرث: يجوز للوارث بيعه قبل قبضه. ومنها: الموصى به كذلك يجوز بيعه قبل قبضه لأنّ الوصيّة أخت الإرث. ومنها: غلة الوقف. ومنها: الرّزق المقرّر من بيت المال، والسّهم المقرّر من الغنيمة. ومنها: الصّيد إذا أثبت أو وقع في الشبّكة.

القاعدتان الحادية والثانية والستون بعد الخمسمئة [اختيار أهون الشرين]

القاعدتان الحادية والثّانية والسّتّون بعد الخمسمئة [اختيار أهون الشّرين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من ابتلي ببليتين فعليه أن يختار أهونهما (¬1). وفي لفظ: يُدفع أعظم الضّررين بأهونهما (¬2). وتأتي في قواعد حرف الياء إن شاء الله تعالى. وفي لفظ: مَن دُفع إلى شرَّين فعليه أن يختار أهونهما (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق لهذه القواعد أمثال: ينظر من قواعد حرف الهمزة القواعد من 75 - 81، المراد بالبليّتين: الضّررين والشّرين. فمن وقع بين أمرين كلاهما فيه شرّ وضرر - وكان لا بدّ من ارتكاب أحدهما - فعلى المبتلي أن يختار أخفّهما ضرراً وأقلّهما شرّاً؛ لأنّ ارتكاب الحرام لا يجوز إلا لضرورة ولا ضرورة في حقّ الزّيادة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 187، شرح السير ص 1664، 1758، أشباه الوكيل ق 2 ص 160. (¬2) المبسوط جـ 4 ص 59، 106، جـ 6 ص 46، جـ 10 ص 77. (¬3) شرح السير ص 215، وينظر الوجيز ص 260 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

فإذا كان المبتلى قادراً على التّخلّص من الأعظم بارتكاب الأخفّ فيجب عليه ذلك. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: لو أنّ مصلّياً لو صلّى قائماً ينكشف من عورته ما يمنع جواز الصّلاة، ولو صلّى قاعداً لا ينكشف منه شيء، فإنّه يصلّي قاعداً؛ لأن ترك القيام أهون. ومنها: جواز شقّ بطن المرأة الميتة الحامل لإخراج الجنين إذا كانت حياته ترجى.

القاعدة الثالثة والستون بعد الخمسمئة

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد الخمسمئة أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من أتى بسبب يفيد الملك أو الحلّ أو يسقط الواجبات على وجه محرّم - وكان ممّا تدعو النّفوس إليه - ألغي ذلك السّبب، وصار وجوده كالعدم، ولم تترتّب عليه أحكامه (¬1). وفي لفظ آت: من استعجل أمراً أخّره الشّرع يعاقب بالحرمان (¬2). وفي لفظ آت: من استعجل الشّيء قبل أوانه عوقب بحرمانه (¬3). وفي لفظ آت: من تعجّل الشّيء (¬4). وفي لفظ آت: من استعجل ما أخّره الشّرع يجازى بردّه (¬5). ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 102. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 10. (¬3) ابن رجب قاعدة 102، أشباه السيوطي ص 152، أشباه ابن نجيم ص 159، المجلة المادة 99، المدخل الفقهي الفقرة 630. (¬4) المنثور جـ 3 ص 205، وينظر أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 168. (¬5) درر الحكام جـ 1 ص 87 عن الكفاية، وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 159 فما بعدها.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

[المعاملة بنقيض المقصود] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: إنّ من يتوسّل بالوسائل غير المشروعة تعجّلاً منه للحصول على مقصوده المستحقّ له - سواء أكان مقصوده يفيد ملكاً أو حِلاًّ أو يسقط واجباً - فإنّ الشّرع عامله بضدّ ونقيض مقصوده، فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله. وقد سبق مثل هذه القواعد ضمن قواعد حرف الهمزة رقم 464. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: مَن تزوّجت عبدها فُرِّق بينهما ولو تحرّر بعد ذلك فلا يحلّ لها الزّواج منه. ومنها: من تزوّج بشرط التّحليل جاز النّكاح ولكن لا تحلّ الزّوجة به للزّوج الأوّل عقوبة له وهذا عند أبي يوسف رحمه الله. ومنها: مَن قتل مورّثه حرم ميراثه منه.

القاعدة الرابعة والستون بعد الخمسمئة [الزيادة على الواجب]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد الخمسمئة [الزّيادة على الواجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مَن أتى بما فوق الواجب هل يعتبر الكلّ واجباً (¬1)؟ وفي لفظ آت: من وجب عليه عبادة، فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه، هل يوصف الكلّ بالوجوب (¬2)؟ وفي لفظ: الواجب الذي لا يتقدّر هل يوصف كلّه بالوجوب؟ وفي لفظ: الواجب إذا قدِّر فعُدِل إلى ما فوقه هل يجزئه (¬3)؟ وفي لفظ: الواجب الذي لا يتقدّر بقدر هل توصف الزّيادة بالوجوب (¬4). وتأتي في قواعد حرف الواو إن شاء الله تعالى. فقهيّة أصوليّة ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 3. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 145، وينظر من كتب الأصول مبحث الواجب عند الأصوليين. (¬3) المنثور جـ 3 ص 318. (¬4) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 145، وقواعد الحصني جـ 2 ص 57، أشباه السيوطي ص 532.

ثانيا: معنى هده القواعد ومدلولها

ثانياً: معنى هده القواعد ومدلولها: الواجبات الشّرعيّة مقرّرة إمّا بالأقلّ وإمّا بالأكثر، وإمّا تحديداً لا يقبل الزّيادة ولا النّقصان. فهذه القواعد تتعلّق بالواجبات التي قدّر الشّرع أدنى ما يجزئ فيها. فإذا أتى المكلّف بالمجزئ من الواجب، ثم زاد عليه من جنسه، فهل يعتبر الكلّ واجباً، أو أنّ ما زاد لا يأخذ حكم الواجب؟ خلاف. وينظر القاعدة رقم 60 من قواعد حرف الهمزة، والقاعدة 2 من قواعد حرفٍ الزّاي. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: أعطى عن خمس من الإبل جملاً - الواجب شاة - فهل يقع الجمل كلّه واجباً أو ما يقابل الشّاة وهو سُبُعه؟ ومنها: قرأ سورة البقرة - مثلاً - في ركعة، فهل تعتبر كلّ قراءته واجباً أو الجزء المجزئ فقط؟ ومنها: سبّح في ركوعه أو سجوده عشرين تسبيحة. ومنها: إذا وجب عليه شاه فذبح بدنة، فهل كلّها واجبة أو سبعها؟ على وجهين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القواعد: أخرج زكاة ماله نصف العشر، بدلاً من ربع العشر. فلا يقع الكلّ واجباً باتّفاق فالواجب ربع العشر، وما زاد فهو تطوّع.

ومنها: نذر التّصدّق بدرهم لم يجز بدينار, مع أنّ الدّينار أفضل. ومنها: وجب عليه شاة في جزاء الصّيد فأخرج بدنة أو بقرة، لم يجزه؛ لأنّ القصد فيه المماثلة في الصّورة.

القاعدة الخامسة والستون بعد الخمسمئة [المعصية - التعزير]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد الخمسمئة [المعصية - التّعزير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من أتى معصية - أو بمعصية - لا حدّ فيها ولا كفّارة عُزِّر (¬1)، أو فيها أحدهما فلا. وفي لفظ: كلّ معصية ليس فيها حدّ مقدّر ففيها التّعزير (¬2) وقد سبقت ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 212. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعاصي التي يرتكبها المكلّف تنقسم إلى قسمين: معاص اعتبرها الشّارع من الكبائر ورتّب عليها عقوبات محدّدة، لا يجوز الإخلال بها نقصاً أو زيادة، كحدّ الزّنا والسّكر والسّرقة والقذف والرّدّة والحرابة والقتل. ومعاص اعتبرها الشّرع أقلّ ممّا سبق ولم يرتّب عليها عقوبات محدّدة مع نهيه عنها نهياً جازماً، وترك تحديد عقوبة كلّ فعل منها لاجتهاد الحاكم المسلم المطبّق لشرع الله يوقعها على مرتكبها بحسب ما يراه رادعاً وزاجراً. وسمّى هذا تعزيراً. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 396، المنثور جـ 3 ص 198، أشباه السيوطي 489. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 188.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وهناك معاص رتّب عليها الشّارع كفّارات ماحية، وهي من حقوق الله سبحانه وتعالى، فكلّ معصية لها عقوبة مقدرة أو كفّارة واجبة فلا تعزير فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من أكل لحم الخنزير عالماً بحرمته غير مكره ولا مضطر وهو مسلم، فعلى الحاكم المسلم أن يوقع عليه عقوبة تعزيريّة رادعة له وزاجرة لغيره عن الوقوع في مثل ذلك. ومنها: من يبيع الخمر أو يعتصرها من المسلمين، ولم يشربها - فيجب تعزيره بما يراه الإمام رادعاً. ومنها: من اغتصب مالاً لمعصوم، فيعزر مع وجوب ردّ المغصوب إلى صاحبه، والغاصب لا تقطع يده لأنّه ليس سارقاً. ومنها: من أفطر في رمضان بغير عذر مشروع وجاهر بفطره، فيجب على الحاكم تعزيره. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: استثنى الشّافعي رحمه الله تعالى من لزوم التّعزيز ذوي الهيئات - أي وجوه النّاس المعروفين بأخلاقهم ومكانتهم في المجتمع - فلا تعزير عليهم. - وقيل: هم صاحب الصّغيرة فقط، وقيل: من إذا أذنب ندم وتاب (¬1). وقال الشّافعي - رحمه الله -: هم الذين لا يعرفون بالشّرّ. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 489، وعنه ابن نجيم ص 189.

ومنها: الأصل لا يعزر بحقّ الفرع، كما لا يحدّ بقذفه، أي الأب مع الابن. ومنها: إذا رأى من يزني بزوجته - وهو محصن - فقتله في تلك الحالة، فلا قصاص ولا تعزير عليه. ومنها: إذا نظر إلى بيت غيره ولم يرتدع بالرّمي ضربه صاحب البيت بالسّلاح ونال منه ما يردعه. ومنها: إذا ارتدّ ثم أسلم فإنّه لا يعزر أوّل مرّة.

القاعدة السادسة والستون بعد الخمسمئة [الملك المتصل غير المنفصل - التملك جبرا]

القاعدة السّادسة والسّتّون بعد الخمسمئة [الملك المتّصل غير المنفصل - التّملّك جبراً] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من اتّصل ملكه بملك غيره متميّزاً عنه - وهو تابع له - ولم يمكن فصله بدون ضرر يلحقه - وفي إبقائه على الشّركة ضرر - ولم يفصله - فلمالك الأصل أن يتملّكه بالقيمة من مالكه، ويجبر المالك على القبول. وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل فالمشهور أنّه ليس له تملّكه قهراً لزوال ضرره بالفصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: قد يتّصل ملك إنسان بملك غيره، ويكون أحدهما تابعاً للآخر. فإذا اتّصل ملك إنسان بملك غيره فهذا له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون الملك المتّصل متميّزاً عن الأصل ولكن لا يمكن فصله عن الأصل إلا بضرر يلحق صاحب الأصل. ففي هذه الحالة لمالك الأصل أن يتملّك هذا الملك جبراً عن صاحبه بقيمته، ويُجْبِر الحاكم المالك على القبول. وهذا من أنواع التّملّك القهري. والحالة الثّانية: أن يكون الملك المتّصل يمكن فصله بدون ضرر يلحق بمالك الأصل، فهذا ليس لمالك الأصل أن يتملّكه جبراً ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 77.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

لزوال الضّرر. بل إذا رضي صاحبه ببيعه لمالك الأصل فله ذلك، وإلا فلا يجبر على المشهور عند الحنابلة. وللتّملّك القهري أو الجبري شروط: الأوّل: أن يكون ملك الغير متميّزاً عن ملك الأصل ولكنّه تابع له. الثّاني: أن لا يمكن فصل هذا التّابع بغير ضرر يعود على مالك الأصل. الثّالث: أن يكون في بقاء هذا الموصول التّابع ضرر على المالك الأصلي. الشّرط الرّابع: أن لا يكون مالك هذا التّابع قد فصله. فإذا وجدت هذه الشّروط جميعها فإن لمالك الأصل أن يتملّك هذا المتّصل التّابع جبراً وقهراً على مالكه على أن يدفع له قيمته. ويجبر مالك التّابع على القبول وتسلّم القيمة. وأمّا إذا رفض، فإنه مُضارّ لا يلتفت إلى رفضه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غرس المستأجر أو بني في الأرض المستأجرة، - وقد انقضت المدّة - فإذا لم يقلعه المالك المستأجر فلمالك الأرض المؤجّر تملّكه بالقيمة؛ لأنّه لا يمكن قلعه بدون ضمان نقصه وفيه ضرر عليه. ومنها: إذا اشترى حيواناً يؤكل واستثنى رأسه أو أطرافه فإنّه يصحّ، فإذا امتنع المشتري عن الذّبح لم يجب وكان للبائع قيمة المستثنى.

القاعدتان السابعة والثامنة والستون بعد الخمسمئة [ضمان المتلف]

القاعدتان السّابعة والثّامنة والسّتّون بعد الخمسمئة [ضمان المُتلَف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من أتلف شيئاً لدفع أذاه لم يضمنه، وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه (¬1). وفي لفظ: من أتلف نفساً أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه فلا ضمان عليه وإن كان النّفع يعود إلى غيره فعليه الضّمان (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان بينهما ارتباط وثيق، لكن ثانيتهما أعمّ من أولاهما، فأولاهما تفيد: أنّ من أتلف شيئاً لغيره - نفساً فما دونها - وكان ذلك الإتلاف لدفع ضرر وأذى هذا الشّيء عن نفسه أنّه غير ضامن لهذا المتلف. ولكن إذا أتلف هذا الشّيء لدفع أذى عن نفسه به - أي كان المتلف آلة لدفع الأذى - فإنّ على المتلف ضمانه. وثانيتهما: تفيد ما أفادته القاعدة الأولى ولكنّها تزيد عليها: بأنّ من أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه فإنّه لا إثم عليه، ولكن إن أتلف ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 26. (¬2) نفس المصدر القاعدة 27.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

نفساً فما دونها أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى غيره فعليه ضمان ما أتلف وإثم ما أفسد من العبادة مع قضاء تلك العبادة التي أفسدها. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا صال عليه حيوان - آدمي أو بهيمة - فدفعه عن نفسه بالقتل - حيث لم يمكن دفعه بأقلّ من ذلك - فلا ضمان عليه. لكن إن قتل حيواناً لغيره في مخمصة ليحيي به نفسه فعليه ضمانه. ومنها: لو حلق المحرم رأسه لتأذّيه بالقمل والوسخ فعليه الفدية - ولا إثم عليه -؛ لأنّ الأذى من غير الشّعر، لكن لو خرجت في عينه شعرة فقلعها أو نزل الشّعر على عينيه فأزاله فلا فدية عليه ولا إثم. ومنها: إذا أشرفت السّفينة على الغرق، فألقى متاع غيره - بغير إذنه - ليخفّفها، فهو ضامن لما ألقى. لكن لو سقط عليه متاع غيره فخشي أن يهلكه فدفعه فوقع في الماء، لم يضمنه. ومنها: إذا خافت الحامل والمرضع على نفسيهما من الصّوم فأفطرتا فلا فدية عليهما، وعليها القضاء فقط. لكن إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما فعليهما الفدية على المشهور عند الحنابلة. ومنها: إذا أكره على الحلف بيمين لحقّ نفسه فحلف دفعاً للظّلم عنه، لم تنعقد يمينه، لكن لو أكره على الحلف لدفع الظّلم عن غيره فحلف انعقدت يمينه في قول، وقيل لا تنعقد.

القاعدة التاسعة والستون بعد الخمسمئة [خطأ الظن]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد الخمسمئة [خطأ الظّنّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من أتلف مال غيره وهو يظنّ أنّه له، أو تصرّف فيه يظنّ لنفسه ولاية عليه، ثم تبيّن خطأ ظنّه، فإن كان مستنداً إلى سبب ظاهر من غيره، ثم تبيّن خطأ المتسبّب أو أقرّ بتعمّده للجناية ضمن المتسبّب، وإن كان مستنداً إلى اجتهاد مجرّد - كمن دفع مالاً تحت يده إلى من يظنّ أنّه مالكه، أو أنّه يجب الدّفع إليه، أو أنه يجوز ذلك، أو دفع ماله الذي يجب عليه إخراجه لحقّ الله إلى مَن يظنّه مستحقّاً ثم تبيّن الخطأ ففي ضمانه قولان: وإن تبيّن أنّ المستند لا يجوز الاعتماد عليه، ولم يتبيّن أنّ الأمر بخلافه فإن تعلق به حكم فنقض فالضّمان على المتلف، وإلا فلا ضمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق بخطأ الظّنّ فهي بمعنى القاعدة السّابقة القائلة: (لا عبرة بالظّنّ البيِّن خطؤه)، ولكنّها تفصّل ما أجملته تلك القاعدة. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 95، وينظر من قواعد حرف (لا) القاعدة رقم 42، وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 210.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

من حيث أنّ قاعدتنا هذه وضّحت أنّ خطأ هذا الظّنّ إمّا أن يكون مستنداً إلى سبب ظاهر متعلّق بغير الفاعل المخطئ، وإمّا أن يكون الإتلاف بناء على اجتهاد من المتلف، ثم تبيّن خطأ اجتهاده، ففي تضمينه قولان، ولكن إن تبيّن أن المستند للخطأ لا يجوز الاعتماد عليه لوضوح بطلانه، ولم يتبيّن الأمر بخلافه، فإن كان الفعل قد تعلّق به حكم فنقض وبطل فالضّمان على المتلف، وأمّا إن لم يتعلّق به حكم فلا ضمان. وإن كان المستند أقرّ أنّه تعمّد الإضلال والخطأ فعليه الضّمان لأنّه متسبّب في الضّرر، والمتسبّب إذا كان متعمّداً فعليه الضّمان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهدان بموت زيد، فقسم ماله بين ورثته، ثم تبيّن بطلان الشّهادة بقدوم زيد حيّاً. فإنّ الشّاهدين يضمنان المال. ومنها: إذا رجم حاكم رجلاً بشهادة أربعة بالزّنا ثم تبيّن أنّه مجبوب، فالضّمان على الحاكم لتفريطه، حيث إنّ المجبوب لا يخفى حاله. ومنها: إذا حكم الحاكم بمال بشهادة، ثم رجع الشّهود وصرّحوا بالخطأ أو التّعمّد بشهادة الزّور، فالضمان يختصّ بهم لاعترافهم، ولا ينقض حكم الحاكم. ومنها: إذا دفع إلى رجل دراهم غيره يظنّه صاحبها، فأنفقها المعطى، فالضّمان على المنفق وإن كان مغروراً - لتلف المال تحت يده بانتفاعه به.

ومنها: إذا مضى على المفقود زمن تجوز فيه قسمة ماله، فقُسّم ثم قدِم. ففي ضمان ما أتلفته الورثة روايتان عند الحنابلة. وإذا تزوّجت زوجته ثم قدم خيِّر بينها وبين المهر. وفي رواية عند أحمد رحمه الله: أنّه إذا قدم بعد ما تزوّجت امرأته وماتت فلا خيار له ولا يرثها.

القاعدة السبعون بعد الخمسمئة [ضمان النقص]

القاعدة السّبعون بعد الخمسمئة [ضمان النّقص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن أدخل النّقصَ على ملك غيره لاستصلاح ملكه، وتخلّصه من ملك غيره، فإن لم يكن ممّن دخل النّقص عليه بتفريط باشتغال ملكه بملك غيره. فالضّمان على من أدخل النّقص. وإن كان منه تفريط فلا ضمان على من أدخل النّقص. وكذا إن وُجد ممّن دخل النّقص عليه إذن في تفريغ ملكه من ملك غيره - حيث لا يجبر الآخر على التّفريغ - وإن وجد منه إذن في إشغال ملكه بملك غيره، حيث لا يجبر الآخر على التّفريغ، فوجهان في وجوب الضّمان وعدمه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المتسبّب في ضرر غيره ونقص ملكه يجب عليه ضمان ما نقص ملك غيره أو تضرّر بسببه - لكن هذا إذا لم يكن ذلك الغير أذن له في ذلكَ أو فرّط في حقّ نفسه. لكن عند إرادة فصل وتفريغ ملك غيره من ملكه - ولم يكن ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 78.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

مجبراً على التّفريغ - فإن وجد إذن ممّن دخل عليه النّقص فلا ضمان على متسبّب النّقص للإذن. في أحد الوجهين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع داراً فيها ناقة لم تخرج من الباب إلا بهدمه، فإنه يهدم ويضمن البائع للمشتري النقص. ومنها: لو دخل حيوان غيره في داره وتعذّر إخراجه بدون هدم بعضها، أو أدخلت بهيمة رأسها في قِدره، أو وقع دينار غيره في محبرته، وتعذّر إخراجه بدون الكسر - ولم يكن بتفريط أحد، فهدمت الدّار وكسرت القدر والمحبرة، فالضّمان على صاحب الحيوان والدّينار. ومنها: إذا أعاره أرضا للغراس، ثم أخذ غرسه، فإن كان شرط عليه القلع فلا يلزمه ضمان النّقص بذلك ولا تسوية الحفر؛ لأنّ المالك رضي بذلك باشتراطه له، وإن لم يشترط عليه القلع فوجهان.

القاعدة الحادية والسبعون بعد الخمسمئة [أكبر الأمرين]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد الخمسمئة [أكبر الأمرين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ادّعى أكبر الأمرين لا يصدّق إلا ببيّنة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأكبر الأمرين: أعظمهما أثراً وأقواهما. وأبعدهما عن الأصل والظّاهر. إذا اختلف اثنان في أمر وادّعى أحدهما صفة لهذا الأمر، وادّعى الآخر صفة أخرى، فإنّ من يدَّعي الصّفة الدّنيا يكون القول قوله مع يمينه؛ لأنّه متمسّك بالأصل والظّاهر. ومن يدّعي الصّفة الكبرى أو العظمى يجب عليه البيِّنة؛ لأنّه متمسّك بخلاف الأصل والظّاهر. والمتمسّك بخلاف الأصل والظّاهر عليه البيِّنة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أعطى رجل آخر مالاً. وادّعى المعطي أنّه قرض، وادّعى المعطى أنّه هبة أو صدقة. فإنّ أكثر الأمرين هنا هو ادّعاء الهبة أو الصّدقة فيكون على مدّعيهما البيّنة ليصدق في داعوه. وإلا فالقول قول المعطي مع يمينه أنّه أعطاه إيّاه قرضاً. ومنها: إذا أعطى رجل آخر مالاً، وقال. خذ هذا المال فجاهد به، أو اغزُ به، فاشترى به المعطى متاعاً أو سلاحاً أو كراعاً ليغزو ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2115.

به. فقال صاحب المال: إنّما أعطيتك لتغزو به، فرُدَّ عليّ المتاع. فالقول قول ربّ المال مع يمينه؛ لأنّ قوله فجاهد به أو اغز به يحتمل معنى الجهاد عن المعطي ويحتمل الجهاد عن المعطى، وهو المجمل وكان البيان إليه. ولأنّ ما ادّعاه المعطي لا يوجب زوال المال عن ملكه، وما ادّعاه المعطى يوجب زواله عن ملكه إلى بدل أو إلى غير بدل، فكان أكبر الأمرين. ومنها: إذا ادّعى ولي القتيل أنّ القتل كان عمداً، وقال القاتل: بل كان خطأ، فإن أكبر الأمرين هو ادّعاء العمد، فعلى مدّعيه البيّنة وعلى الآخر اليمين.

القاعدة الثانية والسبعون بعد الخمسمئة [تدارك المحرم]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد الخمسمئة [تدارك المحرّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ارتكب محرّماً يمكن تداركه بعد ارتكابه وجب عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحرّمات نهى عنها الشّرع الكريم لما فيها من مفاسد وأضرار، ولكن مَن ضعفت نفسه وتغلّب عليه شيطانه فارتكب محرّماً وأمكنه تداركه والارتفاع عنه بعد ارتكابه فيجب عليه ذلك، لأنّ تداركه إيّاه ومحاولة إزالته أو إزالة آثاره دليل على توبته وخشيته من عاقبته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شرب خمراً وأحسّ بخطئه وجريمته فعليه أن يتقيأها. ومنها: إذا سرق شيئاً ثم ندم على سرقته فعليه ردّ المسروق إلى صاحبه. ومنها: إذا تناول طعاماً، ثم علم حرمته بعد بلعه فعليه أن يتقيّأه كذلك. ومنها: إذا أراد الزّنا بامرأة لا تحلّ له وجلس بين شعبها الأربع ثم تذكر حرمة ما هو مقدم عليه، فعليه النّهوض وتركها والهروب عنها. لكن إذا وقع الزّنا فلا سبيل إلى تداركه إلا بالاستغفار والتّوبة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 123.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد الخمسمئة [المدعى الموصوف]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد الخمسمئة [المدَّعى الموصوف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ادَّعى شيئاً ووصفه دُفِع إليه بالصفة - إذا جُهِل ربه، ولم يثبت عليه يد من جهةٍ مَالكةٍ. وإلا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ادَّعى شخص ملك شيء موجود عند آخر، ووصفه له بصفة مطابقة للموجود، فإنّه يدفعه إليه ويعطيه له. لكن ذلك مشروط بشرطين: الأوّل: أن يكون صاحب هذا الشّيء مجهولاً غير معروف. الثّاني: أن لا يثبت على هذا الشّيء يد أو ادّعاء من جهة أخرى. وإلا فلا بد من البيّنة ولا يكفي الصّفة. فإذا طابقت الصّفة الموصوف فيجب على من هو عنده دفعه إليه. وأمّا إن لم تطابقه الصّفة، أو طابقت وكان صاحب هذا الشّيء معروفاً، أو قامت بيِّنة على ثبوت هذا الشيء لجهة أخرى مالكة. فلا يجوز دفعه إلى هذا الشّخص الواصف. فلو دفعه إليه مع ذلك كان ضامناً. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 98.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد لُقَطَة فعرَّفها، ثم جاء شخص ووصفها بصفاتها فيجب دفعها إليه؛ لأنّ الوصف المطابق أقوى من البيّنة، لكن إذا عُرِف صاحب هذه اللقطة قبل قدوم الواصف، فلا يجوز دفعها للواصف. ومنها: اللّقيط إذا تنازع فيه اثنان أيّهما التقطه - وليس هو في يد أحدهما - فمن وصفه منهما فهو أحقّ به. ومنها: إذا تداعى المؤجّر أو المستأجر دفيناً في الدّار، فهو لواصفه منهما. ومنها: لو وجد المجاهد ماله في الغنيمة قبل القسمة فإنّه يستحقّه بالوصف ونحوه، ممّا يدلّ على أنّه له.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد الخمسمئة [أجر الأجير]

القاعدة الرّابعة والسّبعون بعد الخمسمئة [أجر الأجير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من استأجر أجيراً فليعلمه أجره (¬1). حديث وفي رواية: فليبيّن له أجره، وفي رواية: فليسمّ له أجرته. وفي رواية: "نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن استئجار الأجير حتى يبيّن له أجره" (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم، روي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرّزاق في مصنفه في البيوع، وروى أحمد في المسند بلفظ (نهى). ورواه النّسائي في المزارعة موقوفاً على الخدري. وكذلك ابن أبي شيبة ذكره موقوفاً على الخدري وأبي هريرة بلفظ القاعدة في البيوع. وأخرجه البيهقي في السنن جـ 6 ص 198 حديث رقم 11651 بلفظه وهو جزء من حديث. وهذا أي إعلام الأجير أجره قبل العمل أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 18. (¬2) أخرجه أحمد رحمه الله في المسند، البيهقي في السنّن رقم 11652.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

في أثنائه واجب، وعدم إعلامه وعدم بيان الأجر محرّم منهي عنه؛ لأنّ فيه مجالاً للمنازعة والمخاصمة والاختلاف، فلا بدّ من تحديد العمل المطلوب، وبيان الأجرة عليه، وإعلام الأجير بها. والمراد بالأجير: كلّ مَن طُلِب منه القيام بعمل جسدي أو فكري أو عملي أو غير ذلك من الأعمال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد بناء بيت أو حفر بئر واستأجر لذلك أجراء فعليه أن يتّفق معهم على الأجر ويعلمهم به، ويبيّن لهم العمل المطلوب والأجر. فإذا انتهى عملهم وجب عليه إعطاؤهم أجرهم حالاً كاملاً بدون تأخير. ومنها: إذا وظّف عند موظّفاً لعمل مخصوص فيجب عليه بيان الرّاتب الشّهري الذي يستحقّه الموظّف على عمله هذا. والأنظمة الآن في التّوظيف قائمة على بيان صفة العمل ومكانه وساعاته وبيان الرّاتب والمميّزات الخاصّة بذلك العمل وغير ذلك مع بيان الإجازات والمستحقّات وغيرها، وهذا أمر محمود يلزم الطّرفين الوفاء بما تعاقدا عليه.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد الخمسمئة [جواز التأخير]

القاعدة الخامسة والسّبعون بعد الخمسمئة [جواز التّأخير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من استحبّ له التّأخير - أو جاز له - فمات قبل الفعل هل يعصى (¬1)؟ فقهيّة أصوليّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة يبحثها الأصوليّون عند بحثهم مسألة الواجب الموسّع. فالواجب الموسع وقته هو ما كان وقته أوسع منه، فهو يسعه ويسع غيره من جنسه كأوقات الصّلوات. ففي أوقات الصّلوات يجوز للمكلّف تأخير الأداء عن أوّل الوقت عند الحاجة، ولكن هل عليه أن يعزم على الفعل في ثاني الوقت أو لا يشترط العزم؟ خلاف بين الفقهاء والأصوليّين. ومفاد القاعدة: أنّ من جاز له أو استحبّ تأخير الأداء عن أوّل الوقت ثم مات قبل الفعل هل يعتبر عاصياً؟ لأنّه لم يؤدّ ما وجب عليه؟ خلاف. والصّحيح أنّه لا يعصى إلا إذا أخّر لغير عذر ففي عصيانه احتمال. ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 82 ب، المنثور للزركشي جـ 3 ص 203، قواعد الحصني جـ 2 ص 25.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ورد الأمر بتأخير صلاة الظّهر لشدّة الحرّ، فمات أحد المصلّين قبل الأداء، فهل يعتبر عاصياً بالتّأخير؟ قطعاً لا يعتبر عاصياً، إلا إذا عزم على ألا يفعل في الوقت الموسع. ومنها: إذا تيقّن المسافر أنّه سيجد الماء آخر الوقت، فهل يتيمّم ويصلّي، أو يؤخّر حتى يجد الماء في آخر الوقت، فإن لم يجد تيمّم وصلّى؟ خلاف. فلو قلنا: إنّ الأفضل له الانتظار حتى يجد الماء فمات قبل الأداء فهل يعتبر عاصياً؟ خلاف والأصحّ لا يعتبر عاصياً. ومنها: إذا استحبّ دفع الزّكاة للإمام، فوجد المساكين ولم يدفعها إليهم وأخّر الدّفع للإمام فتلف المال. فهل يضمن؟ الأصحّ نعم. ومنها: إذا قَدِر على الحجّ ولم يحجّ في عامه، ومات قبل أن يحجّ، فهل يكون عاصياً؟ إذا قلنا إنّ الحجّ على الفور عند وجود الاستطاعة فهو عاصٍ. وإلا لا.

القاعدة السادسة والسبعون بعد الخمسمئة [استحقاق الرجوع]

القاعدة السّادسة والسّبعون بعد الخمسمئة [استحقاق الرّجوع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من استحقّ الرّجوع بعين أو دين بفسخ أو غيره - وكان قد رجع إليه ذلك الحقّ بهبة أو إبراء ممّن يستحقّ عليه الرّجوع - فهل يستحقّ الرّجوع ببدله أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: استحقاق رجوع المشتري بثمن السّلعة المشتراة إنّما يكون بسبب يوجب الرّجوع، كأن يظهر أنّ العين المباعة مستحقّة لغير البائع، أو يظهر فيها عيب يوجب الرّجوع، أو ظهر أنّ الثّمن زيوفاً أو غير ذلك من الأسباب الموجبة للرّد، فمن استحقّ إرجاع العين أو الدّين بفسخ العقد أو بسبب آخر - وكان ذلك الحقّ قد رجع للمشتري أو البائع بهبة أو إبراء من المشتري أو صاحب الحقّ - فهل من يستحقّ الرّجوع يستحقّ الرّجوع ببدل تلك العين أو الدّين؟ خلاف باختلاف المسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع عيناً، ثم وهب ثمنها للمشتري، أو أبرأه من ثمنها، ثم بان بها عيب يوجب الرّدّ، فهل لهذا المشتري ردّها والمطالبة بالثّمن أم لا؟ على وجهين. وكذا لو أبرأه عن بعض الثّمن، فهل له المطالبة بقدر ما ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 67.

أبرأه منه؟ ومنها: إذا أصدق زوجته عيناً فوهبتها منه، ثم طلّقها قبل الدّخول، فهل يرجع عليها ببدل نصفها؟ على روايتين، ولكن إذا كان الصّداق ديناً فأبرأته منه فعلى وجهين أصحّهما لا يرجع؛ لأنّ ملكه لم يزل عنه. ومنها: لو شهد شاهدان بمال لزيد على عمرو, ثم رجعا عن شهادتهما - وقد قبضه زيد من عمرو, ثم وهبه له. قالوا: لم يسقط عنهما الضّمان. لكن لو كان المشهود به ديناً فأبرأه الدائن منه قبل قبضه, ثم رجعا لم يلزم الشّاهدين الرّاجعين شيء؛ لأنّه لم يترتّب على شهادتهما غرم.

القاعدة السابعة والسبعون بعد الخمسمئة [استعجال المؤخر]

القاعدة السّابعة والسّبعون بعد الخمسمئة [استعجال المؤخر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من استعجل أمراً أخّره الشّرع يعاقب بالحرمان (¬1). وفي لفظ: من استعجل - أو تعجّل - الشّيء قبل أوانه عوقب بحرمانه (¬2). وفي لفظ: من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القواعد تحت الرّقم 558. وينظر أيضاً من قواعد حرف الهمزة القاعدة 464. والوجيز ص 159 فما بعدها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 10. (¬2) قواعد ابن رجب ق 102، المنثور جـ 3 ص 205، أشباه السيوطي ص 152، أشباه ابن نجيم ص 159، المجلة المادة 99، المدخل الفقرة 630، شرح القواعد ص 403، الوجيز ص 159 فما بعدها. (¬3) درر الحكام جـ 1 ص 87، إعداد المُهَج ص 191.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد الخمسمئة [المستفاد منه يرجع إليه]

القاعدة الثّامنة والسّبعون بعد الخمسمئة [المستفاد منه يُرجع إليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن استفيد من جهته أمر من الأمور يرجع إليه في بيان جهاته، إلا إذا قامت الحجّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بجهات الأمر: أوصافه التي تبيّنه وتحدّده. والحجّة: أي الدّليل والبرهان على خلاف ما قال. فمَن كانت معرفة أمر من الأمور وبيانه من جهته باعتباره القائم بهذا الأمر، فإنّ معرفة أوصاف هذا الشّيء وبيان حدوده إنّما يرجع فيها إلى ذات الشّخص الذي استفيد منه معرفة ذلك الأمر، إلا إذا قام دليل على خلاف بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البائع والمشتري هما مَن يستفاد معرفة البيع عن طريقهما، فيجب أن يرجع إليهما في بيان أوصاف المبيع والثّمن وما يتعلّق بالبيع من صحّة وفساد. لكن إذا قامت الحجّة ووجد الدّليل على خلاف ما قالا فيتبع الدّليل. كأن يقولا هو بيع صحيح، ثم يتبيّن فساده بالدّليل والبرهان. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 181 عن التحرير جـ 5 ص 394.

ومنها: من عقد نكاحاً على امرأة يرجع إليه في بيان صحّة العقد وفساده، واسم المرأة ونسبها ووصفها. ومنها: إذا طلب الشّفيع الشّفعة في أرض أو دار فإنّما يرجع إلى البائع أو المشتري في معرفة حدودها ومساحتها والثّمن المتّفق عليه. لكن إذا قام الدّليل على أنّ الثّمن غير ما ادّعياه فإنّما يعمل بالدّليل والحجّة لا بقولهما. كأن يزعما أنّ الثّمن كان مئتي ألف، وتقوم الحجّة على أنّه مئة ألف.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد الخمسمئة [حكم المسلم]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد الخمسمئة [حكم المسلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فله ما لنا وعليه ما علينا (¬1). حديث. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم عن الحسن البصري أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم وحسابه على الله" أخرجه بهذا اللفظ عبد الرّزاق في المصنّف تحت الرّقم 20113. وفي رواية أخرى: "مَن صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذاك - أو فذلكم - المسلم الذي له ذّمّة الله وذّمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمّته" (¬2). ففي هذا الحديث بيان من هو المسلم الكامل الإسلام، وهو ما ¬

_ (¬1) شرح السير ص 155. (¬2) الحديث أخرجه البخاري جـ 1 ص 496 من فتح الباري، والنّسائي جـ 8 ص 105، والبيهقي جـ 2 ص 3، والبغوي جـ 3 ص 65، والمشكاة 13، ومجمع الزّوائد جـ 1 ص 28، والدّرّ المنثور جـ 1 ص 148، والكنز حديث 398، وينظر موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 8 ص 360.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

اجتمعت فيه أمور ثلاثة: الصّلاة، استقبال القبلة، أكل ذبيحة المسلم. فمن فعل هذه الأمور الثّلاثة فهو المسلم له ما للمسلمين من الحقوق، وعليه ما عليهم من الواجبات، وحسابه على الله سبحانه وتعالى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم كافر وصلّى مع المسلمين بالجماعة، وأكل من ذبائح المسلمين، فإنّه يُحكَم بإسلامه، وإذا رجع عن الإسلام بعد ذلك حكم بردّته وضربت عنقه. ومنها: إذا أظهر أحد الإسلام، وصلّى وحده، ولم يصلّ مع جماعة المسلمين لا يحكم بإسلامه إلا في رواية عن محمَّد بن الحسن رحمه الله. ومنها: إذا صام الكافر، أو أدّى الزّكاة، أو حجّ، فهل يحكم بإسلامه؟ في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة لا يحكم بإسلامه ما لم يصلّ، لكن في رواية: إذا حجّ البيت على الوجه الذي يفعله المسلمون، حُكِم بإسلامه. لكن لعلّ الرّواية الأولى هي الأرجح؛ لأنّ الصّلاة ميزان الأعمال فمن لم يصلّ فليس بمسلم.

القاعدة الثمانون بعد الخمسمئة [تأخر حصول الملك]

القاعدة الثّمانون بعد الخمسمئة [تأخّر حصول الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من استند تملّكه إلى سبب مستقرّ لا يمكن إبطاله، وتأخّر حصول الملك عنه، فهل تنعطف أحكام ملكه إلى أوّل وقت انعقاد السّبب، وتثبت أحكامه من حينئذ، أو لا تثبت إلا من حين ثبوت الملك؟ فيه خلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّملّك لا بدّ له من سبب، والسبّب إمّا أن يكون مستقرّاً لا يمكن إبطاله، وإمّا أن لا يكون السّبب مستقرّاً، فإذا وقع التّملّك مستنداً إلى سبب مستقرّ، ولكن تأخّر حصول الملك عن السبب، فأحكام ذلك الملك المترتّبة عليه هل تعتبر من بدء انعقاد السّبب وتثبت من حينه، أو لا تثبت تلك الأحكام إلا من حين ثبوت الملك في ثاني الحال؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الموصى له إذا قبل الوصيّة قبل الموت، فهل يثبت له الملك من حين الموت أم لا؟ ومنها: إذا تملّك المالك للأرض زرع الغاصب بنفقته بعد بدوّ ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 116.

صلاحه، فهل تجب زكاته عليه أو على الغاصب؟ على وجهين. ومنها: الفسخ بالعيب أو الخيار فإنّه يستند إلى مقارن للعقد، فهل هو رفع للعقد من أصله أو من حين الفسخ أو الخيار، فيه خلاف معروف. ومنها: إذا نوى الصّائم المتطوّع الصّوم في أثناء النّهار، فهل يحكم له بحكم الصّيام من أوّله أم من حين نواه؟ فلا يثاب على صومه إلا من حين النّيّة؟ على وجهين. ومنها: إذا بلغ الصّبيّ أو عتق العبد وهما محرمان قبل فوات وقت الوقوف بعرفة، فهل يجزيهما عن حجّة الإسلام، على روايتين أشهرهما الإجزاء.

القاعدة الحادية والثمانون بعد الخمسمئة [خيار الرؤية]

القاعدة الحادية والثّمانون بعد الخمسمئة [خيار الرّؤية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه (¬1). حديث. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم: أخرجه الدّارقطني والبيهقي في السّنن جـ 5 ص 439 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي سنده عمر بن إبراهيم الكردي، مذكور بالوضع. وذكر الدّارقطني أنّه تفرّد به. وقال الدّارقطني والبيهقي: المعروف أو هذا من قول ابن سيرين. وجاء من طريق أخرى مرسلة عن مكحول عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخرجها ابن أبي شيبة والدّارقطني والبيهقي، والرّاوي عنه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف. وقد علّق الشّافعي رحمه الله القول به على ثبوته. ونقل النّووي اتّفاق الحفّاظ على تضعيفه. وطريق مكحول المرسلة - على ضعفها أمثل من الموصولة (¬2). كما أخرج الطّحاوي والبيهقي من طريق علقة بن وقاص: أنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 34. (¬2) ينظر نصب الراية جـ 4 ص 9، وينظر شرح معاني الآثار للطّحاوي جـ 4 ص 10.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

طلحة اشترى من عثمان - رضي الله عنهما - مالاً. فقيل لعثمان: إنّك قد غُبنت. فقال عثمان: لي الخيار لأنّي بعت ما لم أره. وقال طلحة: لي الخيار لأنّي اشتريت ما لم أره. فحكّما بينهما جبير بن مطعم رضي الله عنه، فقضى بالخيار لطلحة، وهو المشتري - ولا خيار لعثمان لأنّه البائع. ومعنى الحديث القاعدة واضح من حيث إنّه يفيد ثبوت الخيار لمن اشترى ما لم يره إذا رآه على غير الصّفة التي وصف بها المبيع. وهذه من المسائل الخلافيّة التي تتعلّق بحكم الخيار في بيع ما لم يره المشتري. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى إنسان سيّارة غير موجودة عند البائع - حين العقد - لكن وصفها له البائع بصفتها من حيث نوعها وسنة صنعها ولونها وبعض أوصافها، وتمّ العقد على ذلك، ولكن حينما جيء بالسّيّارة ورآها المشتري تبيّن له أنّ فيها اختلافاً في بعض أوصافها - كاختلاف النّوع أو سنة الصّنع أو الّلون - ففي هذه الحال للمشتري الخيار إمّا أن يرضى بالصّفقة الحاضرة أو يفسخ العقد لاختلاف الصفّة.

القاعدة الثانية والثمانون بعد الخمسمئة [الشرط الباطل]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد الخمسمئة [الشّرط الباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل (¬1). وفي رواية: ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مئة شرط، قضاء الله أحقّ. وشرط الله أوثق. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة نصّ حديث نبوي كريم متّفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها في قصّة بريرة. وسببه ما كان من إرادة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، شراء بريرة رضي الله عنها من أهلها حينما اشترطوا أن لا يكون الولاء لهم. وقد سبق لهذه القاعدة أمثال ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 95. والحديث أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب 67، وكتاب العتق باب 2، 3. وفي كتاب الشّروط كما أخرجه مسلم في كتاب العتق باب 8, وأخرجه أحمد في المسند جـ 6 ص 1. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1548، 1665، ص 2014.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد الخمسمئة [اعتبار الأمر]

القاعدة الثّالثة والثّمانون بعد الخمسمئة [اعتبار الأمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من اعتبر أمره في شيء، يعتبر إطلاق أمره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمر: هو طلب الفعل جزماً، وهو يقابل النّهي. والأمر المقطوع به يفيد وجوب فعل المأمور، وترتّب الثّواب على فعله، واستحقاق العقاب على تركه. فمن اعتدّ واعتبر أمره في شيء ما، يجب اعتبار أمره عند إطلاقه عن القيود، ولا ينتظر تقييده لتنفيذه، بل يجب تنفيذه على إطلاقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أمر الله عزّ وجلّ بالصّلاة في أكثر من موضع في كتابه، فيجب طاعة أمره بإقامتها كما أمر وكما بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفعله وقوله. ومنها: أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بالزّكاة كما أمر بالصّلاة فيجب طاعة أمره بأدائها كما أمر وكما بيَّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفعله وقوله. ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير جـ 5/ 670.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد الخمسمئة [عتق ما لا يملك]

القاعدة الرّابعة والثّمانون بعد الخمسمئة [عتق ما لا يملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن أعتق ما لا يملك ثم ملك لا ينفذ عتقه (¬1). وفي لفظ: إنشاء العتق متى سبق الملك لا ينفذ بحدوث الملك في المحل بعده (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هاتان القاعدتان وإن كانتا تخصّان مسألة من مسائل العتق لكنّهما في حقيقتهما أعمّ معنى من ذلك من حيث إنّ من تصرّف تصرّفاً قوليّاً فيما لا يملك أنّه إذا ملك ما تصرّف بقوله فيه؛ إنّ قوله السّابق لا ينفذ ولا اعتداد به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال إنسان: إنّ هذا العبد الفلاني إذا ملكته فهو عتيق أو فهو حرّ. ثم ملكه بعد ذلك، فإنّ عتقه فيه لا ينفذ ما لم يجدّد العتقّ بعد ملكه إيّاه. والأصل في ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد والتّرمذي رحمهما الله تعالى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلّى الله ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 111. (¬2) نفس المصدر ص 115.

عليه وسلّم قال: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك" (¬1). ومنها: إذا باع إنسان سلعة لم يملكها - فهذا عقد باطل أو موقوف إن كان المالك معروفاً - ثم بعد ذلك ملكها، فلا يصحّ العقد فيها، ويجب عليه استئناف العقد وتجديده إذا كان المشتري لا زال يريد تلك السلعة. ولأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "نهى عن بيع ما ليس عند البائع" (¬2). ومنها: إذا طلّق رجل امرأة لم يتزوّجها أو قال: إن تزوّجت فلانة فهي طالق، ثم تزوّجها لم يقع طلاقه السّابق عليها. لحديث عمرو بن شعيب السّابق وفيه: "لا طلاق له فيما لا يملك". وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا طلاق قبل النّكاح، ولا عتق قبل ملك" رواه ابن ماجة حديث 2048. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه أحمد والتّرمذي وقال التّرمذي: حديث حسن. (¬2) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، ينظر المنتقى الحديث 2808.

القاعدة الخامسة والثمانون بعد الخمسمئة [العقد وشرائطه]

القاعدة الخامسة والثّمانون بعد الخمسمئة [العقد وشرائطه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من أقدم على عقد كان في ضمنه الاعتراف بوجود شرائطه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كلّ عقد مختصّ بنوع المعاملات، بيوع أو غيرها، يدلّ لفظه على أحكامه وشروطه. فمن أقدم على إجراء عقد مختاراً راضياً كان ذلك رضاً منه وإقراراً بشرائط ذلك العقد وأحكامه كلّها. إلا إذا وجد استثناء لبعض الشّروط أو الأحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من اشترى أرضاً أو سيّارة أو سلعة أو باعها راضياً مختاراً فإنّ هذا العقد الذي عقده يتضمّن رضاه بجميع شروطه وأحكامه. ومنها: إذا تزوّج امرأة بعقد صحيح، فإنّ رضاه بهذا العقد يكون إقراراً واعترافاً منه بجميع أحكامه وشروطه، فعليه تنفيذ كلّ ما يوجبه عقد النّكاح من وجوب النّفقة على الزّوجة والأبناء وغير ذلك من الأحكام. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 199.

القاعدتان السادسة والسابعة والثمانون بعد الخمسمئة [الإنشاء والإقرار]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والثّمانون بعد الخمسمئة [الإنشاء والإقرار] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من أقرّ بما يملك إنشاءه يكون مقبول الإقرار في حقّ الغير لانتفاء التّهمة (¬1). وفي لفظ: من أقرّ بما يملك إنشاءه لا يكون متّهماً في إقراره (¬2). وفي لفظ: من أقرّ بما يملك إنشاءه يكون مصدّقاً في ذلك (¬3). وفي لفظ: مَن قدِر على الإنشاء قدر على الإقرار (¬4). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه من قواعد أحكام الإقرار وقد سبق لها مثيلات ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 398، 533، 535. ومفادها: أن المقرّ بما يستطيع ويملك إنشاءه حال إقراره يكون مقبولاً منه ذلك الإقرار، وإذا كان إقراره هذا متعلّقاً بحقّ غيره فإنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 5. (¬2) نفس المصدر جـ 25 ص 116. (¬3) نفس المصدر جـ 27 ص 22. (¬4) قواعد الحصني جـ 4 ص 169.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

إقراره هذا يكون أيضاً مقبولاً في حقّ ذلك الغير لانتفاء التّهمة ولأنّه يمكنه الآن إنشاء وفعل ما أقرّ به. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: طلّق زوجته ثم في خلال العدّة أقرّ واعترف بأنّه راجعها، وهي تنكر ذلك. فإنّ إقراره مقبول وإنكارها لا يفيدها؛ لأنّه قادر الآن على مراجعتها لبقاء العدّة. بخلاف ما لو كانت العدّة قد انقضت ووقع إقراره بعد انقضائها.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد الخمسمئة [شرط الصحة والجواز]

القاعدة الثّامنة والثّمانون بعد الخمسمئة [شرط الصّحّة والجواز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من التزم شيئاً وله شرط لنفوذه فإنّ الذي هو شرط لنفوذ الآخر يكون في الحكم سابقاً والثّاني لاحقاً، والسّابق يلزم للصّحّة والجواز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 475 بلفظ (الأصل). ومفادها: أنّ الشّروط دائماً تكون سابقة في الوجود على المشروط؛ لأنّ وجود المشروط وتحقّقه معتمد على تحقّق شروطه وحصولها، ولذلك فالشّرط يكون سابقاً في الوجود على الحكم، والمشروط يكون لاحقاً لشرطه، والشّرط إمّا شرط صحّة أو شرط جواز. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وجود الاستطاعة شرط سابق لوجوب الحجّ وتحقّقه وحصوله. ومنها: الطّهارة شرط لصحّة الصّلاة فهي سابقة في وجودها على الصّلاة. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي الأصل 13.

ومنها: الشّرط في صحّة العقود أن يكون العاقدان جائزي التّصرّف - أي حرَّين بالغين عاقلين مختارين - فإذا فقد شرط من هذه الشّروط كان العقد غير جائز. إلا إذا أجازه من هو جائز التّصرّف من سيّد أو ولي أو مختار.

القاعدتان التاسعة والثمانون والتسعون بعد الخمسمئة [الأداء بنصفي المطلوب]

القاعدتان التّاسعة والثّمانون والتّسعون بعد الخمسمئة [الأداء بنصفي المطلوب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من أمر بشيء وعجز عن الإتيان به جملة وأمكنه الإتيان بنصفيه معاً هل يجزيه (¬1)؟ وفي لفظ: مَن خيِّر بين شيئين وأمكنه الإتيان بنصفيهما معاً فهل يجزئه أو لا (¬2)؟ ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان تتعلّقان بالكفّارات والواجبات الماليّة. فإذا وجب على المكلّف أداء شيء واحد، أو خيّر بين شيئين، ولكنّه عجز عن أداء الشّيء الواحد جملة واحدة وأمكنه أن يأتي بنصفي الشّيء أو الشّيئين، فهل يجزئه التّنصيف أو لا بدّ من الكمال من واحد؟ في المسألة تفصيل: مفاده: أنّه إذا كان ما أدّاه يقوم بمقصود الشّرع فهذا جائز وإلا لم يجز. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا وجب عليه كفّارة عتق رقبة، فأعتق نصفي عبدين، وكان نصفاهما الآخران حرَّين - أي أعتق نصفي مبعضين - قالوا: هذا جائز ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 260. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة 101.

ويجزئه عن كفّارته؛ لأنّ نصفي العبدين كالعبد كالواحد. ومنها: إذا وجب عليه التّضحية بشاة فضحّى بنصفي شاتين. قيل: لا يجزيه؛ لأنّ الشّاة لا يصحّ الاشتراك فيها. ولأنّه لو ضحّى بنصفي الشّاتين فمعنى ذلك أنّ النّصفين الآخرين لمضحٍ آخر، (وإراقة الدّم لا تتجزأ). ومنها: إذا وجب عليه الزّكاة شاة، فأخرج نصفي شاتين، لا يجزيه كذلك، إلا إذا جعل باقي الشّاتين للفقراء. ومنها: إذا أخرج زكاة الفطر صاعاً من جنسين، قيل: لا يجزيه. وعند الحنابلة يجزيه. ومنها: إذا وجب عليه كفّارة يمين فأطعم خمسة فقراء وكسا خمسة، فهل يجزيه؟ خلاف، وعند الحنابلة يجزي على المشهور. ومنها: جزاء الصّيد إذا وجب عليه شاة، فلو أدّى ثلث شاة، أو أطعم بقدر ثلث الشّاة وصام الباقي. قالوا: فيه وجهان، بالإجزاء وعدمه. ومنها: إذا قتل ثلاثة محرمون ظبية، فعليهم جزاء واحد - عند الشّافعية - يخيّرون فيه بين الشّاة أو الصّيام أو الإطعام، فلو أخرج أحدهم ثلث شاة، وأطعم الثّاني بقيمة ثلث شاة، وصام الآخر عدل ذلك. قالوا: إنّه يجزئه اتفاقاً (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المنثور جـ 1 ص 257.

القاعدة الحادية والتسعون بعد الخمسمئة [من ملك أن يملك]

القاعدة الحادية والتّسعون بعد الخمسمئة [من ملك أن يملك] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من انعقد له سبب يقتضي المطالبة بالتّمليك هل يعطى حكم من ملك (¬1)؟ وفي لفظ: من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتّمليك هل يعطى حكم من ملك أو لا (¬2)؟ وفي لفظ: من انعقد له سبب يقتضي الملك هل يعد مالكاً (¬3)؟ وفي لفظ: من مَلك أن يملك هل يعد مالكاً (3)؟ ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: من تحقّق له سبب لملك شيء ما ويقتضي ذلك وينتج عنه أنّ له حقّ المطالبة بالتّمليك فهل يعتبر في حكم من ملك حقيقة وفعلاً أو لا يعتبر. خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا كان الأب أو الابن فقيرين ولكنّهما قادرين على التّكسّب لمهنة ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 21 الفرق 121. (¬2) إعداد المهج شرح المنهج ص 46، إيضاح المسالك القاعدة 19. (¬3) الفروق جـ 2 ص 21 الفرق 121.

في أيديهما، فهل يجب الإنفاق عليهما، وهل يعطيان من الزّكاة؟ والمشهور عدم اشتراط القدرة في جواز أخذ الزّكاة. ومنها: إذا وُهب له الماء وهو متيمّم، فهل يبطل تيمّمه، بناء على أنّه هل يعدّ مالكاً، أو لا يبطل تيمّمه بناء على أنّه لا يعدّ مالكاً؟ ومنها: إذا حيزت الغنيمة فقد انعقد للمجاهدين سبب المطالبة بالقسمة والتّمليك، فهل يعدّون مالكين ذلك أم لا؟ قولان عند المالكيّة: هل يملكون بالحوز والأخذ، أو لا يملكون إلا بالقسمة؟ ومنها: العامل في القراض - أي المضاربة - وجد في حقّه سبب يقتضي المطالبة بالقسمة وإعطائه نصيبه من الرّبح، فهل يعد مالكاً لظهور الرّبح، أو لا يملك إلا بالقسمة؟ قولان والمشهور الثّاني. ومنها: ذو سلس قادر على رفعه وعلاجه، فهل ينقض السّلس وضوءه أم لا؟ الصّحيح أنّه لا ينقض.

القاعدة الثانية والتسعون بعد الخمسمئة [إنكار حق غيره]

القاعدة الثّانية والتّسعون بعد الخمسمئة [إنكار حقّ غيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من أنكر حقاً لغيره ثم أقَرَّ به, قُبل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه ملحقة بقواعد الإقرار. ومفادها: أنّ من ادُّعيَ عليه حقّ لغيره فأنكره وجحده، ثم أقرّ به بعد الإنكار والجحود فإنّ إقراره مقبول، ولا أثر لإنكاره وجحوده السّابق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى عليه آخر أنّه قد اغتصبه أرضاً أو سيّارة أو مالاً فأنكر ذلك، ثم أقرّ واعترف بما كان أنكره فإنّ إقراره واعترافه مقبول، ويطالب بردّ ما اغتصبه. ومنها: إذا أنكر زوجيّة امرأة ادّعت عليه أنّها زوجته، ثم أقرّ بأنّها زوجته، قُبِل إقراره، ولا يعتبر إنكاره طلاقاً لها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذ وقع فيها الخلاف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 444، المجموع المذهب لوحة 341 أ، أشباه ابن السّبكي جـ 1 ص 347، المنثور جـ 3 ص 198، قواعد الحصني جـ 4 ص 173، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 336.

إذا أنكرت المرأة الزّوجيّة وقالت: زوّجني وليي بغير إذني، ثم صدّقته - أي الزّوج - فلا يقبل قولها في الأصحّ عند الشّافعي وابن السّبكي رحمهما الله. وقال آخرون يقبل، وتردّد بعضهم. ومنها: إذا قالت: انقضت عدّتي قبل أن يراجعني - إذا كان الزّوج ادّعى مراجعتها في العدّة - ثم صدّقت الزّوج، فهل يقبل قولها؟ على قولين: ومنهم من جزم بالقبول، فإذا قلنا بالقبول، فلا تعتبر مستثناة.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد الخمسمئة [المنكر والمدعي]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد الخمسمئة [المنكر والمدّعِي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من أنكر فعل غيره كان القول قوله؛ لأنّه متمّسك بالأصل. ومن ادّعى فعل نفسه لا يقبل قوله إلا بحجّة (¬1)، لأنّه يدّعي أمراً عارضاً، وكذلك: من أنكر حقّاً على نفسه كان القول قوله (¬2). وفي لفظ: مَنْ يُنكر ومن يَدَّعي (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى الحديث الشّريف: "البيّنة على المدّعي، واليمين على المنكر". فمن أنكر فعل غيره أو دعواه فهو متمسّك ببراءة الذّمّة وهي أصل، فيكون القول قوله مع يمينه، إذا لم يقم خصمه البيِّنة على دعواه. ولكن من ادّعى فعل نفسه أو ادّعى على غيره، فلا يقبل قوله إلا بالبيّنة لأنّه متمسّك بخلاف الأصل، ويدّعي أمراً عارضاً. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 56 وعنه الفرائد ص 104. (¬2) القواعد والضوابط ص 172 عن شرح الزيادات لقاضي خان. (¬3) المبسوط جـ 19 ص 187، 188.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى عليه مالاً فأنكر. فعلى المدّعي الحجّة والبيّنة، وإلا فالقول قول المنكر مع يمينه.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد الخمسمئة [المباشر الناقض]

القاعدة الرّابعة والتّسعون بعد الخمسمئة [المباشر النّاقض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من باشر عقداً، أو باشره من له ذلك، ثم ادّعى ما ينقضه. لم يقبل (¬1). وفي لفظ آت: من سعى في نقض ما تمّ من جهته فسعيه مردود عليه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المباشر للعقد إمّا أن يكون أصيلاً أو يكون وكيلاً ونائباً. فكلّ من باشر عقداً أو تصرّفاً ما أعمّ من أن يكون عقداً أو غيره - كما هو منطوق ومفهوم القاعدة الثّانية - وتمّ العقد أو التّصرّف بمباشرته وفعله وقوله، ثم بعد ذلك ادّعى ما يبطل ذلك العقّد والتّصرّف, فإنّ دعواه لا تقبل وقوله مردود مرفوض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من باع عبداً وبعد بيعه قال: لم يكن ملكي. لا يقبل قوله. أو قال: كنت أعتقته. ومنها: طلّق امرأة ثلاثاً أمام القاضي، ثم أراد أن يتزوّجها بولاية القاضي فامتنع القاضي, لأنّه أوقع الطّلاق الثّلاث بين يديه، فقال ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 344.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

المطلّق: لم يكن الطّلاق واقعاً لأنّها لم تكن زوجتي. فلا يقبل قوله ولا يزوّجه القاضي بها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا رهن عبداً ثم ادّعى أنّه باعه قبل الرّهن، ففيه قولان: أحدهما: لا يقبل لمناقضته. والثّاني: يقبل لأنّ الإقرار لا في ملكه بخلاف البيع. ومنها: إذا أجَّر عبداً ثم ادّعى فساد الإجارة؛ لأنّ العبد ليس عبده. ففيه قولان كذلك. وإذا قلنا: إنّ قوله مقبول فهل عليه يمين؛ فيه قولان كذلك.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد الخمسمئة [مال الغائب والمجهول]

القاعدة الخامسة والتّسعون بعد الخمسمئة [مال الغائب والمجهول] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن بيده مال، أو في ذمّته دين يعرف مالكه. ولكنّه غائب يرجى قدومه، فليس له التّصرّف فيه بدون إذن الحاكم، إلا أن يكون تافها. وإن كان قد أيس من قدومه، بأن مضت مدّة يجوز فيها أن تُزَوّجَ امرأته ويقسّم ماله، وليس له وارث, فهل يجوز التّصرّف فيه بدون إذن الحاكم؟ وإن لم يعرف مالكه بل جُهل، جاز التّصدّق به عنه بشرط الضّمان، بدون إذن الحاكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق ببيان حكم أموال لأناس تحت يد غيرهم أو في ذمّتهم، وأصحاب هذه الأموال: إمّا أن يكونوا معروفين وإمّا أن يكونوا مجهولين. فإن كانوا معروفين ولكنّهم غائبون، والغائب إمّا أن يكون قدومه متوقّعاً وإمّا أن يكون قدومه ميؤوساً منه، ولكلّ حكم. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 97.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فإن كان الغائب متوقّع القدوم وهو صاحب المال أو الدّين أو الحقّ، فلا يجوز لمن كان المال تحت يده أو في ذمّته أن يتصرّف فيه بدون إذن الحاكم، إلا أن يكون المال شيئاً تافهاً حقيراً. وإن كان الغائب ميئوساً من قدومه، وقد مضت مدّة طويلة على غيابه يجوز فيها أن تتزوّج امرأته ويقسّم ماله، وليس له وارث. ففي هذه الحال هل يجوز التّصرّف فيه بدون إذن الحاكم، أو لا بدّ من إذنه؟ على وجهين. والحال الثّالثة: أن يكون صاحب هذا المال غير معروف بل هو مجهول، فلمن كان المال تحت يده التّصرّف بالصّدقة فيه بغير إذن الحاكم. ولكن بشرط ضمانه إذا وجد صاحبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الّلقطة التي لا تملك إذا أجرنا الصّدقة بها، أو التي يخشى فسادها إذا أراد الملتقط التّصدّق بها، فالمنصوص جواز التّصدّق بها من غير حاكم. ومنها: إذا وجد لقيطاً معه مال، فإنّه ينفق عليه منه بدون إذن الحاكم، هذا كان في عصر المؤلف رحمه الله أو قبله. وأمّا الآن فإن التقاط الّلقيط لا بدّ فيه من إعلام وإخبار الجهات المسؤولة للتّحقيق والبحث، وقد لا تسمح هذه الجهات للملتقط بتربيته، ولا أخذ ماله، بل يوضع في بيوت خاصّة بالّلقطاء، وتستولي الدّولة على ما معه من مال.

ومنها: الودائع التي جهل مالكها، يجوز للمستودَع الأمين أن يتصرّف فيها بدون إذن حاكم، وكذلك إن كان مالكها معروفاً وغاب ولم يطّلع على خبره، وليس له ورثة، فإن المستودَع يتصدّق بها بدون إذن الحاكم. لكن إذا جاء صاحبها بعد ذلك فله تضمين الأمين.

القاعدة السادسة والتسعون بعد الخمسمئة [خطأ الظن]

القاعدة السّادسة والتّسعون بعد الخمسمئة [خطأ الظّنّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من تصرّف في شيء يظنّ أنّه لا يملكه، فتبيّن أنّه كان يملكه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة يمكن إدراجها تحت قاعدة (لا عبرة بالظّنّ البيِّن خطؤه)، فإنّ من تصرّف في شيء يظنّ أنّه لا يملكه - لأنّه كان ملك غيره - وبعد االتّصرّف تبيّن أنّ هذا الشّيء كان يملكه عندما تصرّف، فهل يكون تصرّفه صحيحاً أو يجب إبطاله بحسب ظنّه؟ ولأنّ التّصرّف في ملك الغير بغير إذنه إمّا باطل أو موقوف، بحسب التّصرّف إن كان قوليّاً أو فعليّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شيئاً من ملك أبيه - بغير إذنه - ثم تبيّن أنّ أباه قد مات ولا وارث له غيره، ففي صحّة تصرّفه وجهان (¬2)، ويقال روايتان. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 65. (¬2) الوجهان: عند الاختلاف في مراد الإمام من قوله ويكون الوجهان لعلماء الحنابلة. والروايتان: هما القولان المرويان عن الإمام أحمد رحمه الله في المسألة.

ومنها: إذا طلّق امرأة يظنّها أجنبيّة، فتبيّن أنّها زوجته. ففي وقوع الطّلاق روايتان. ومنها: إذا أبرأ شخصاً من مبلغ من المال - كمئة درهم مثلاً - معتقداً أنّه لا شيء له عليه، ثم تبيّن أنّه كان في ذمّته المبلغ الذي أبرأه منه. ففي صحّة الإبراء وجهان. ومنها: إذا جرحه جرحاً لا قصاص فيه، فعفا المجروح عن القصاص وسرايته، ثم سرى أثر الجرح إلى نفسه فمات. فهل يسقط القصاص؟ وجهان كذلك.

القاعدة السابعة والتسعون بعد الخمسمئة [التصرف في مال الغير]

القاعدة السّابعة والتّسعون بعد الخمسمئة [التّصرّف في مال الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من تصرَّف في عين تعلّق بها حقّ لله تعالى. أو لآدمي معيَّن، إن كان الحقّ مستقرّاً فيها بمطالبة مَن له الحقّ بحقّه، أو يأخذه بحقّه لم ينفذ التّصرّف. وإن لم يوجد سوى تعلّق الحقّ لاستيفائه منها صحّ التّصرّف على ظاهر المذهب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تصرّف شخص - تصرّفاً قوليّاً أو فعليّاً - بعين ببيع أو هبة أو إتلاف أو غير ذلك من أنواع التّصرّفات، وكانت هذه العين قد تعلّق بها حقّ لله تعالى، أو لآدمي معيَّن معروف، فما حكم تصرّف هذا الشّخص؟ الحكم يدور بين حالين: الأول: أن يكون هذا الحقّ المتعلّق بالعين له مطالب من حيث ثبوت هذا الحقّ في هذه العين واستقراره - والمطالب صاحب الحقّ يطالب بحقّه، أو تمكّن صاحب الحقّ من أخذ هذه العين بحقّه فإنّ تصرّف هذا الفضولي باطل لا ينفذ، وإن استهلكها أو أتلفها فعليه ضمانها. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 53.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وامّا إن كان تعلّق الحقّ بهذه العين لمجرّد استيفائه منها - كالرّهن مثلاً - فإن التّصرّف يصحّ على ظاهر مذهب الحنابلة، ويقابله الوجه الآخر أنّه لا يصحّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تصرّف الرّاهن في المرهون ببيع أو غيره بما لا سراية له، لا يصحّ هذا البيع ولا ينفذ؛ لأنّ المرتهن أخذه بحقّه في الرّهن من التّوثيق والحبس وقبضه وحكم له به. ومنها: الشّفيع إذا طالب بالشّفعة فلا يصحّ تصرّف المشتري بعد طلب الشّفيع؛ لأنّ حقّ الشّفيع قد تقرّر وثبت. ومنها: وجد مضطر وعند آخر طعام فاضل عن حاجته فبادر وباعه أو رهنه، فهل يصحّ؟ والأظهر أنّه لا يصحّ البيع بعد طلب المضطر؛ لوجوب دفع الطّعام إلى المضطر مع علمه باضطراره. ومنها: إذا باع النّصاب بعد الحول فإنّه يصحّ؛ لأنّ الزّكاة تعلّقت بذمّة المكلّف، لا بعين ماله.

القاعدة الثامنة والتسعون بعد الخمسمئة [التصرف في الملك وغيره]

القاعدة الثّامنة والتّسعون بعد الخمسمئة [التّصرّف في الملك وغيره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن تصرّف فيما يملك وفيما لا يملك نفذ تصرّفه فيما يملك من دون ما لا يملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للإنسان أن يتصرّف فيما يملكه كيف يشاء - إلا أن يضرّ ذلك بغيره كما سيأتي - ولكنّه إذا تصرّف فيما لا يملكه - أي في ملك غيره - فإنّ تصرّفه غير نافذ ولا معتبر؛ لأنّه متعدٍّ. فبناء على ذلك إذا تصرّف شخص في شيئين، أو في شيء له فيه شريك، فهو تصرّف فيما يملك وفيما لا يملك، فإنّ تصرّفه نافذ فيما يملك، وباطل فيما لا يملك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شاتين إحداهما ملكه والأخرى ليست ملكه، فإنّ تصرّفه نافذ في الشّاة التي يملكها، وبطل في الشّاة الأخرى لعدم ملكيّته لها. ومنها: إذا قال لامرأته وامرأة جاره: أنتما طالقتان. طلقت زوجته دون زوجة جاره. ومنها: إذا قال لعبده وعبد غيره: أنتما حرّان. يعتق عبده ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 75.

وحده، فينفذ تصرّفه فيما يملكه ممّا يتناوله لفظه. لكن إذا قيّد تصرّفه فيما يملك الآخرون بإجازتهم فأجازوا نفذ تصرّفه فيهم أيضاً: فمن قال لعبده وعبد غيره: أنتما حرّان إذا أجازني مولى فلان، فأجاز المولى عتق الثّاني أيضاً.

القاعدة التاسعة والتسعون بعد الخمسمئة [التصرف الضار]

القاعدة التّاسعة والتّسعون بعد الخمسمئة [التّصرّف الضّارّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من تصرّف في ملكه تصرّفاً يلحق الضّرر بغيره يتمكّن ذلك الغير من دفع الضّرر عن نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة معقولة المعنى واقعيّة الدّلالة، من حيث إنّ كلّ إنسان يمكن أن يلحقه ضرر بتصرّف الآخرين فإنّ للمتضرّر دفع ذلك الضّرر قبل وقوعه، أو رفعه بعد وقوعه بكلّ سبيل مستطاع, لأنّه (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد شخص أن يبني عمارة وأخذ في حفر الأرض ليضع أُسُسَها، ولكن تبيّن أنّ الحفر بالدّقّ في أرضه يضرّ بعمارة جاره وقد يصدّعها فإنّ للجار صاحب العمارة المجاورة منعه من الحفر بالدّقّ، وعليه أن يرى وسيلة أخرى للحفر لا تضرّ بجاره وإلا يمنع من الحفر والبناء. ومنها: إذا أراد شخص أن يحفر في أرضه بئراً ليسقي مزرعته، ولكن تبيّن أنّه لو حفر بئره لغاضَ ماء بئر جاره، فإنّه يمنع من الحفر، وعليه أن يبتعد عن الحفر في مكان يتسبّب في تسرب ماء بئر جاره إليه. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 496 عن التحرير جـ 6 ص 140.

القاعدة المتممة للستمئة [تعلق الحق بالمال]

القاعدة المتمّمة للسّتمئة [تعلّق الحقّ بالمال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من تعلّق بماله حقّ واجب عليه، فبادر إلى نقل الملك عنه صحّ، ثم إن كان الحقّ متعلّقاً بالمال نفسه لم يسقط. وإن كان متعلّقاً بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه سقط. وإن كان لا يزول بانتقاله لم يسقط على الأصحّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للمالك التّصرّف بملكه كيف يشاء. لكن إذا تعلّق بالمال حقّ واجب، فبادر صاحب المال وأسرع - قبل تأكّد الحقّ في ذمّته - فنقل الملك إلى غيره ببيع أو غيره، فإّن نقل الملك صحيح؛ لأنّه تصرّف من صاحب الحقّ. لكن ما حكم الحقّ المتعلّق بذلك المال؟ تحت هذا ثلاث أحوال: الحال الأولى: أن يكون الحقّ متعلّقاً بالمال المنقول نفسه، فهنا لا يسقط الحقّ. والحال الثّانية: أن يكون الحقّ الواجب متعلّقاً بالمالك بسبب، وهذا السّبب زال بانتقال المال عنه. ففي هذه الحال يسقط الواجب. والحال الثّالثة: أن يكون الواجب متعلّقاً بالمالك لا يزول بانتقاله عنه، ففي هذه الصّورة خلاف. والأصحّ أنّ الحقّ لا يسقط. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 24.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا بادر الغالّ - أي السّارق من الغنيمة قبل القسمة - فباع رحله - أي متاعه - قبل إحراقه؛ لأنّ من عقوبة الغالّ إحراق رحله - كما ورد في الخبر (¬1)، فحينما باع رحله أصبح ملك غيره، فلا يجوز إحراقه والبيع صحيح على وجه. والوجه الثّاني: ينفسخ البيع ويحرق؛ لأنّ حق التّحريق أسبق، وقد تعلّق بهذا المال عقوبة لمالكه على جريمته السّابقة على البيع. ومنها: إذا باع المشتري الشّقص المشفوع قبل طلب الشّفيع. فيه وجهان: أنّ البيع باطل؛ لأنّه ملك غير تام. والثّاني: أنّ البيع صحيح - وهو الوجه المشهور -؛ لأنّ الشّفيع يمكنه أن يطلب الشّفعة من المشتري الثّاني ولا يسقط حقّه. ومنها: إذا أُمِر الذِّميُّ بهدم بنائه العالي، فبادر وباعه من مسلم. صحّ وسقط الهدم لزوال علّته. ومنها: لو مال جداره إلى ملك جاره، فطولب بهدمه، فباع داره. صحّ البيع، وهل يسقط الضّمان عنه بالسّقوط بعد ذلك؟ خلاف، والصّحيح أنّه يسقط؛ لأنّ الوقوع حصل في غير ملكه. ومنها: إذا باع نصابه بعد الحول - ولم يكن قد أخرج الزّكاة - فإنّ البيع صحيح، وتبقى الزّكاة الواجبة متعلّقة في ذمّته. ¬

_ (¬1) الخبر عن تحريق متاع الغال ورحله. رواه أحمد وأبو داود عن صالح بن محمَّد بن زائدة. وعند أبي داود عمرو بن شعيب عن جده. ينظر المنتقى الحديثان 4377، 4378.

القاعدة الحادية بعد الستمئة [الإقلاع عن الفعل]

القاعدة الحادية بعد السّتمئة [الإقلاع عن الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من تعلّق به الامتناع من فعل هو متلبس به، فبادر إلى الإقلاع عنه، هل يكون إقلاعه فعلاً للممنوع منه أو تركاً له، فلا يترتّب عليه شيء من أحكامه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من القاعدة السّابقة القائلة: (الدّوام على الشّيء هل هو كابتدائه أو لا)؟ (¬2) وهذه القواعد تفيد أنّ من وجب عليه الإقلاع عن فعل ممنوع هو متلبّس به وواقع فيه فسارع إلى الإقلاع عن ذلك الفعل، فهل يكون إقلاعه عن ذلك الفعل وتركه له فعلاً لذلك الممنوع أو يعتبر تركاً له، ولا يترتّب عليه شيء من أحكام فعل ذلك الممنوع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جامع في ليل رمضان فأدركه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال. ففي إفطاره ووجوب الكفّارة عليه خلاف. والأرجح أنّه لا يفطر بالنّزع؛ لأنّه نوى الخروج من الفعل المتلبّس به. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 58. (¬2) ينظر قواعد الونشريسي ق 12 "إيضاح المسالك"

ومنها: من كان في أرض أو دار مغتصبة، أو كان لابساً ثوباً مغتصباً أو ثوب حرير، ثمّ مشى في الأرض أو الدّار للخروج منها وترك الاغتصاب، فهل يعتبر في مشيه هذا مغتصباً؛ خلاف. وكذلك إذا أخذ في نزع الثّوب الحرير وخلعه، أو الثّوب المغتصب، فهل يعتبر فعله هذا داخلاً في إثم لبس الحرير والاغتصاب. خلاف والأصحّ لا؛ لأنّ الأعمال بالنّيّات وهو نوى الخروج من الإثم لا الدّخول فيه.

القاعدة الثانية بعد الستمئة [الصريح والكناية - الظاهر والمحتمل]

القاعدة الثّانية بعد السّتمئة [الصّريح والكناية - الظّاهر والمحتمل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من تكلّم بكلام هو ظاهر المراد لم تعتبر النّيّة فيه. وإن كان غير ظاهر المراد - لإجمال فيه أو لاشتراك - اعتبر بنيّة فيه (¬1). وفي لفظ: موجَب اللفظ يثبت باللفظ ولا يفتقر إلى النّيَّة، ومحتمل اللفظ لا يثبت إلا بالنّيّة (¬2)، وستأتي قريباً إن شاء الله. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الكلام إمّا صريح يدلّ لفظه على معناه مطابقة وحقيقة، وإمّا لفظ كنائي غير صريح يحتمل أكثر من معنى أو يكون مشتركاً بين عدّة معان. فاللفظ الصّريح الظّاهر المراد منه لا يشترط في ترتّب أحكامه عليه وجود النّيَّة من المتكلّم؛ لأنّ لفظه يدلّ على معناه، وموجّب اللفظ ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 156 عن شرح الجامع الكبير للإسبيحابي أحمد بن منصور الحنفي المتوفى سنة 480 هـ. (¬2) نفس المصدر ص 161 عن شرح الجامع الكبير لعلاء الدين الأسمندي السمرقندي المتوفى سنة 552 هـ.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

معناه الذي يدلّ عليه لغة واصطلاحاً. وأمّا إذا كان اللفظ كناية يحتمل معنيين أو أكثر أو كان مشتركاً فلا بدّ من ثبوت أحكامه إلى نيّة المتكلّم وقصده منه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال: بعت أو اشتريت، فهذا لفظ يدلّ على معناه مطابقة فلا يحتاج إلى نيّة. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق، أو طلقتك، فهي تحرم عليه بمجرّد تلفّظه ولا يفتقر إلى النّيَّة, لأنّ هذا اللفظ صريح في حلّ عقدة الزّوجية شرعاً. ومنها: إذا قال لعبده: لا يد لي عليك، أو اذهب حيث شئت، فهذا كلام محتمل لا بدّ من النّيَّة معه إذا أراد تحريره أو عتقه. ومنها: إذا قال لزوجته: اذهبي لأهلك، أو اخرجي من البيت، فالكلام محتمل ولا يحمل على إرادة الطّلاق المحرّم إلا بالنّيَّة.

القاعدة الثالثة بعد الستمئة [إسقاط العوض]

القاعدة الثّالثة بعد السّتمئة [إسقاط العوض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن تملّك إسقاط العوض بعد ثبوته له, إذا سُلِّط على إتلاف المعوض كان تسليطه عليه متضمّناً إسقاط العوض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العِوَّض: هو البدل عن المعوَّض المتلف أو المستهلك أو المغصوب الهالك. ولمّا كان العوض من حقّ صاحب المبدل منه المعوَّض فله إسقاطه عمّن وجب عليه. وبناء على ذلك فمن سلّط غيره على إتلاف المعوَّض - أي الأصل المملوك لصاحبه - فإنّ تسليط غيره على إتلاف ذلك الأصل يكون متضمّناً لإسقاط العوض؛ لأنّه بتسليط غيره على إتلاف ما يملكه أو جزئه فهذا يعتبر إذناً بالفعل. ومن كان مأذوناً له بفعل شيء لا يجب عليه ضمانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال مالك العبد لإنسان: اقتله. فقتله. لم يلزم القاتل للمالك ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 389.

عوضاً؛ لأنّ المالك أذن له، لكن القاتل هنا بغير حقّ ألا يستحقّ العقوبة، وإن كان لا يجب عليه تعويض العبد للإذن. ومنها: إذا قال شخص لآخر: اقطع يدي. فإذا قطعها لم يلزمه عوضها. ولكن للإمام تعزير الاثنين. وفي مثل هذه المسائل خلاف بين المذاهب في لزوم التّعويض والعقوبة وعدمها؛ لأنّه هل الإنسان يملك دمه أو نفسه حتى يسمح ويأذن لغيره باستباحة دمه وقتله؟ وكذلك بالنّسبة لأعضائه. ومنها: إذا قال شخص لآخر، اذبح بقرتي فذبحها، فالذّابح غير ضامن للعوض للإذن. ومنها: إذا قال شخص لآخر اهدم حائطي هذا، فهدمه، فلا حقّ لصاحبه في التّعويض للإذن.

القاعدة الرابعة بعد الستمئة [المنتهي، المنهى]

القاعدة الرّابعة بعد السّتّمئة [المنتهي، المنهى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المنتهي متقرّر في تعيُّنه (¬1). وفي لفظ: المنتهي متقرّر في نفسه (¬2). وفي لفظ: المنهى يكون متقرّراً (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنتهي: هو الفعل أو التّصرّف التي تمّ وانتهى بشروطه. فإذا تمّ الفعل أو التّصرّف وانتهى بشروطه، فإنّ ذلك يعتبر دليلاً وبرهاناً على تأكّده وثبوته وتعيُّنه؛ لأنّه بعد انتهائه صحيحاً لا يمكن إبطاله أو إلغائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّت المرأة في صحّة أو مرض أنّها تزوّجت فلاناً بكذا - ثم جحدته - أي الزّواج الذي أقرّت به سابقاً - فإن صدّقها الزّوج في حياتها يثبت النّكاح بينهما؛ لأنّ جحودها بعد الإقرار باطل؛ لأنّ الإقرار لا يقبل الرّجوع في حقوق العباد، وأمّا إن صدقها بعد موتها: فعند أبي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 113. (¬2) نفس المصدر جـ 18 ص 143. (¬3) نفس المصدر جـ 25 ص 158.

يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يثبت النّكاح اعتباراً لجانبها بعلّة أنّ النّكاح ينتهي بالموت. فمضي المدّة ينهيه، ولهذا يستحقّ المهر والميراث - إن لم يوجد الدّخول. فيصحّ تصديق الزّوج في حال تقرّر وتأكّد المقرّ به. كما يصحّ قبل تقرّره. أي قبل الوفاة. ومنها: إذا مات المرهون - وكان دابّة - فقد سقط الدّين؛ لأنّ عقد الرّهن انتهى بموت المرهون - لحصول المقصود به - والمنتهي يكون متقرّراً في تعيّنه. وهذا عند الحنفيّة، وعند غيرهم لا يسقط الدّين إذا مات الرّهن بغير تعدّ من المرتهن. ومنها: عقد الإجارة ينتهي بمضيّ المدّة. ومنها: إذا اشترى عبداً فأعتقه، فإنّ العتق مُنْهٍ للملك المتقرّر؛ لأنّه لولا تقرّر الملك لما لجاز العتق.

القاعدة الخامسة بعد الستمئة [التصرف قبل العلم بالإذن]

القاعدة الخامسة بعد السّتّمئة [التّصرّف قبل العلم بالإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من توقّف نفوذ تصرّفه أو سقوط الضّمان أو الحنث على الإذن، فتصرّف قبل العلم به - أي بالإذن - ثم تبيّن أنّ الإذن كان موجوداً، هل يكون كتصرّف المأذون له، أو لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هناك أمور لا يجوز التّصرّف فيها بغير إذن من له الإذن، ومن تصرّف بشيء منها قبل الإذن فتصرّفه باطل لا يصحّ. لكن إذا تصرّف بأمر ما قبل العلم بالإذن، ثم تبيّن أنّ الإذن كان موجوداً قبل التّصرّف، فهل يكون تصرّفه تصرّف المأذون له العالم بالإذن فيصحّ. أو لا فلا يصحّ؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تصرّف في مال غيره بعقد أو غيره، ثم تبيّن أنّه كان قد أذن له في التّصرّف، هل يصحّ أم لا؟ فيه وجهان. بالصّحّة وعدمها. ومنها: إذا قال لزوجته: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق. ثم أذن لها - ولم تعلم بإذنه - فخرجت. فهل تطلق؟ وجهان أشهرها - ¬

_ (¬1) القاعدة 64 من قواعد ابن رجب.

وهو المنصوص - أنّها تطلق؛ لأنّ المحلوف عليه قد وجد وهو خروجها على وجه المشاقة والمخالفة؛ ولأنّ الإذن هنا إباحة بعد حظر فلا يثبت في حقّها بدون علمها كإباحة الشّرع. ومنها: إذا أذن البائع للمشتري في مدّة الخيار في التّصرّف، فتصرّف المشتري - بعد الإذن - وقبل العلم به - فهل ينفذ أم لا؟ يتخرّج على الوجهين في التّوكيل وأولى. ومنها: من وكّل وكيلاً في أمر - وقبل أن يعلم الوكيل بالتّوكيل تصرّف في ذلك الأمر - فهل يعتبر تصرّفه صحيحاً. خلاف على وجهين. ومنها: إذا غصب طعاماً من إنسان، ثم أباحه له المالك، ثم أكله الغاصب غير عالم بالإذن، فلا ضمان عليه في الأصحّ.

القاعدة السادسة بعد الستمئة [الشك]

القاعدة السّادسة بعد السّتّمئة [الشّكّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن تيقّن بالفعل وشكّ في القليل أو الكثير حُمِل على القليل؛ لأنّه المتيقّن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (اليقين لا يزول بالشّكّ) وتتفرّع عليها. فمن فعل فعلاً متيقّناً منه، ثم شكّ فيما فعله هل هو الأقلّ أو الأكثر فيجب حمله على الأقلّ لأنّه المتيقّن. بخلاف إذا شكّ فيما عليه فيجب حمله على الأكثر؛ لأنّه الذي تبرأ به الذّمّة. ودليل هذه القاعدة الحديث الذي رواه الصّحابي الجليل عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلّى أم اثنتين، فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر أصلّى اثنتين أم ثلاثاً فليجعلها اثنتين، وإذا لم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً، ثم يسجد إذا فرَغَ من صلاته، وهو ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 55، أشباه ابن نجيم ص 59، ترتيب اللآلي 105 أ. الوجيز ص 182 مع الشّرح والبيان.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

جالس قبل أن يسلّم سجدتين" (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّكّ في الصّلاة، كما ورد في الحديث أعلاه. ومنها: مَن شكّ في طوافه هل هذا الشّوط السّادس أو السّابع فليجعله السّادس ثم يأتي بالسّابع. ومنها: من شكّ أو شكت فيما عليه أو عليها من صيام فليأت بالأكثر الذي تبرأ به الذّمّة بيقين. ومنها: إذا كان عليه دين وشكّ في قدره، ينبغي لزوم إخراج القدر المتيقّن به براءة الذّمّة. ¬

_ (¬1) الحديث، أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، ينظر المنتقى أحاديث 1331، 1332، 1333.

القاعدة السابعة بعد الستمئة [التخيير]

القاعدة السّابعة بعد السّتمئة [التّخيير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ثبت له التّخيير بين حقّين، فإن اختار أحدهما سقط الآخر، وإن سقط أحدهما ثبت الآخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّخيير: معناه التّسوية. فمن خيَّر بين حقّين فله اختيار أحدهما، وإسقاط الآخر. فإن اختار أحدهما سقط الآخر، وليس له المطالبة به بعد اختياره. وإذا أسقط أحدهما ثبت له الآخر، وليس له بعد ذلك اختيار السّاقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا عفا مستحقّ القصاص عن القصاص تعيَّن المال - إذا قيل: إنّ الواجب أحد الأمرين. وإذا عفا عن المال ثبت له القود. ومنها: إذا اشترى سيّارة وظهرت معيبة - عيباً يوجب الرّدّ - فاستعملها، فاستعماله لها دلّ على رضاه بها فسقط حقّه في الرّدّ والأرش. ومنها: لو تحجّر مواتاً وطالت مدّته، ولم يحيه، ولم يرفع يده ¬

_ (¬1) المنثور جـ 1 ص 262 - وقواعد ابن رجب القاعدة 110.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

عنه، قال له السّلطان: أحي أو اترك. ومنها: إذا ادّعى عليه فأنكر، فطلب منه اليمين فنكل قضي عليه بالنّكول، وجعل مُقِراً؛ لأنّ اليمين بدل من الإقرار، فإذا امتنع من البدل حكم عليه بالأصل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: من عليه كفّارة يمين فهو مخيّر بين العتق والإطعام والكسوة، فإذا اختار أحدها، جاز له قبل التّكفير أن يختار غيره. ومنها: إذا اختار عامل الزّكاة أربع حقاق في المئتين من الإبل، ثم رجع واختار خمس بنات لبون جاز. ومنها: إذا اختار المميّز أحد الأبوين دفع إليه، فلو رجع واختار الآخر حوَّل إليه.

القاعدة الثامنة بعد الستمئة [التخيير]

القاعدة الثّامنة بعد السّتمئة [التّخيير] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مَن ثبت له التّخيير بين حقّين فإن اختار أحدهما سقط الآخر، وإن أسقط أحدهما أثبت الآخر. وإن امتنع منهما - فإن كان امتناعه ضرراً على غيره استوفي له الحقّ الأصلي الثّابت له إن كان ماليّاً - وإن لم يكن حقّاً ثابتاً سقط. وإن كان الحقّ غير ماليّ ألزم بالاختيار. وإن كان حقّاً واجباً له وعليه - فإن كان مستحقّه غير معيّن حُبس حتى يعيِّنه ويوفيه. وإن كان مستحقّه معيّناً فهل يحبس ويستوفى منه الحقّ الذي عليه؟ فيه خلاف. وإن كان حقّاً عليه وأمكن استيفاؤه منه استوفي. وإن كان عليه حقّان أصلي وبدل فامتنع من البدل حكم عليه بالأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى سابقتها ولكنّها تزيد عليها تفصيلاً فلزم إفرادها. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 110 - والمنثور جـ 1 ص 262 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والتّفصيل فيما يلي: المخيَّر إن امتنعَ عن الاختيار فإنّ له حالات: الحال الأولى: أن يكون في امتناعه ضرر على غيره. ففي هذه الحال إمّا أن يكون الحقّ ماليّاً ثابتاً، أو غير ثابت، فإن كان الحقّ ماليّاً ثابتاً استوفي له الحق الأصلي. وإن كان الحقّ غير ثابت سقط بامتناعه، وإن كان الحقّ غير مالي ألزم بالاختيار. والحال الثّانية: أن يكون الحقّ واجباً له وعليه، فإن كان مستحقّ الحقّ غير معين. حُبس حتى يعيِّنه ويوفيه. وأمّا إن كان مستحقّه معيّناً، فهل يحبس ويستوفى من الحقّ الذي عليه؟ خلاف. والحقّ الذي على المخيَّر إن أمكن استيفاؤه منه استوفي. وأمّا إن كان عليه حقّان أصلي وبدل فامتنع من البدل حكم عليه بالأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو أتاه الغريم بدَيْنه في محله ولا ضرر عليه في قبضه؛ فإنّه يؤمر بقبضه أو إبرائه، فإن امتنع قبضه له الحاكم وبرئ غريمه. ومنها: لو امتنع الموصى له من القبول والرّدّ حكم عليه بالرّدّ وسقط حقّه من الوصيّة. ومنها: لو أسلم على أختين أو أكثر من أربع نسوة وامتنع من الاختيار حبس وعزّر حتى يختار. ومنها: لو أخرت المعتقة - تحت العبد - الاختيار حتى طالت المدّة أجبرها الحاكم على اختيار الفسخ أو الإقامة بالتّمكين من

الاستمتاع. ومنها: لو أبى المُوْلي بعد المدّة أن يفيء أو يطلّق فروايتان: إحداهما يحبس حتى يفيء أو يطلق، والثّانية يفرّق الحاكم بينهما. ومنها: لو حلّ دين الرّهن، وامتنع الرّاهن من توفيته - وليس ثم وكيل في البيع - باع الحاكم الرّهن ووفَّى الدّين منه.

القاعدة التاسعة بعد الستمئة [التصرف]

القاعدة التّاسعة بعد السّتمئة [التّصرّف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ثبت له حقّ التّملّك بفسخ أو عقد هل يكون تصرّفه فسخاً أم لا؟ وهل ينفذ تصرّفه أم لا؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا تصرّف من له حقّ التّملّك - فيما يملك - فلا يكون تصرّفه في المبيع أو المتعاقد عليه فسخاً أو لا يكون فسخاً؟ فإن كان تصرّفه يفيد فسخ العقد فإنّ المتعاقد عليه يصبح ملكاً له أو يعود إلى ملكه وينفذ تصرّفه فيه. وإن قيل: إنّ تصرّفه لا يكون فسخاً، فلا ينفذ تصرّفه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البائع - إن كان له الخيار فيما باعه - إذا تصرّف في المبيع - والمراد التّصرّف الفردي دون علم المشتري - وتصرّفه واقع بناء على شرط الخيار له - فإنّ تصرّف البائع في هذه الصّورة لا يكون فسخاً للعقد ولا ينفذ. فلو كان المبيع عبداً فأعتقه البائع لا يجوز عتقه في هذه الحال؛ لأنّه غير مالك له في ذلك الوقت إنّما له فيه خيار. أمّا إذا اختاره ثم أعتقه جاز، فأمّا دون أن يردّ البيع بغير علم ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 55.

المشتري فلا. ومنها: إذا باع عبداً بأمَةٍ أو أمَةٍ بعبد، ثم وجد بالأمَةِ أو العبد عيباً يوجب الرّدّ فله الفسخ واسترجاع البدل أو المبيع. وكذلك كلّ السّلع المبيعة إذا علم بعيبها بعد العقد، وليس له التّصرّف في عوضه الذي أدّاه؛ لأنّ ملك الآخر عليه تامّ مستقر. فإذا أقدم وأعتق الأمَةَ أو وطئها، أو أعتق العبد لم يكن ذلك فسخاً ولم ينفذ عتقه لأنّه أعتق ما هو في ملك غيره. ومنها: إذا تصرّف الشّفيع في الشّقص المشفوع قبل التّملّك، هل يكون تملّكاً ويقوم ذلك مقام قوله أو تملّكه أو مقام المطالبة عند من أثبت بها الملك، أو مقام الأخذ باليد عند من أثبت الملك بالتّصرّف؟ خلاف.

القاعدة العاشرة بعد الستمئة [الحق الساقط بتصرف الغير]

القاعدة العاشرة بعد السّتمئة [الحقّ السّاقط بتصرّف الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ثبت له حقّ في عين، وسقط بتصرّف غيره فيها، فهل يجوز للمتصرّف فيها الإقدام على التّصرّف المسقط لحقّ غيره قبل استئذانه أم لا؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ من ثبت له حقّ في عين أنّه لا يجوز لغيره التّصرّف في هذه العين تصرّفاً يسقط حقّ صاحب الحقّ إلا بعد استئذان صاحب الحقّ. ولو كان المتصرّف هو صاحب العين، فإذا حصل التّصرّف قبل استئذان صاحب الحقّ فهل يحكم على هذا التّصّرف بالجواز أو بالبطلان؟ خلاف في صور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رهن عبداً ثم أعتقه. قال: لا يجوز إسقاط حقّ المرتهن في العبد، ولو وضع قيمته مكانه؛ لأنّ حقّ المرتهن في عين العبد لا في بدله. وقال آخرون: يجوز عتقه ولا يجبر الرّاهن على وضع قيمته مكانه ¬

_ (¬1) القاعدة 54 من قواعد ابن رجب.

رهناً أو سداد الدّين؛ لأنّ ما يهمّ المرتهن توثيق دينه سواء برهن العبد أو قيمته. ومنها: إذا كان الرّهن أمَةً فلا يجوز للرّاهن وطؤها واستيلادها. ومنها: إذا كان الخيار للبائع فلا يجوز إسقاطه بتصرّف المشتري في المبيع. ومنها: إذا أراد أحد المتبايعين مفارقة الآخر في المجلس خشية أن يفسخ الآخر. فيه روايتان: الجواز وعدمه.

القاعدة الحادية عشرة بعد الستمئة [سبب التمليك]

القاعدة الحادية عشرة بعد السّتمئة [سبب التّمليك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتّمليك هل يعطى حكم من ملك أو لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان مثل هذه القاعدة قريباً تحت لفظ: (من انعقد له سبب يقتضي المطالبة بالتّمليك). ينظر القاعدة تحت الرّقم 591 من قواعد هذا الحرف. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 19، إعداد المهج ص 46.

القاعدة الثانية عشرة بعد الستمئة [المنجز والإضافة]

القاعدة الثّانية عشرة بعد السّتمئة [المنجز والإضافة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المنجز لا يحتمل الإضافة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنجز: أي الأمر أو التّصرّف الواقع حالاً حاضراً غير مؤجّل. فما كان كذلك فلا يجوز إضافته إلى المستقبل، لأنّه نجز فلا يجوز التّأخير ولا التّأجيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الولي: زوّجتك موليتي فلانة. وقال الخاطب: قبلت زواجها اليوم غداً. فقد تمّ العقد اليوم، ولا يقبل التّأجيل إلى الغد. وحتى لو قال: قبلت زواجها غداً. لا يتمّ العقد لا اليوم ولا غداً؛ لأنّ عقد النّكاح لا يقبل التّعليق. ومنها: إذا قال أنت طالق اليوم غداً. طلقت اليوم. ومنها: إذا باع سلعة بشرط أداء الثّمن حالاً، فلا يجوز تأجيل الأداء إلى الغد إلا أن يرضى البائع. ومنها: إذا قال لعبد أنت حرّ، عتق في الحال، ولا يصدّق المولى إذا قال: أردت غداً أو بعد شهر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 115.

القاعدة الثالثة عشرة بعد الستمئة [قول المدعى عليه]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد السّتمئة [قول المدّعى عليه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن جُعِل القول قوله فيما كان هو خصماً فيه - والشّيء ممّا يصحّ بذله - كان القول قوله مع يمينه (¬1). وفي لفظ: كلّ من قبل قوله فعليه اليمين (1). وينظر القاعدة 242 من قواعد حرف الكاف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يكون القول قول من هو متمسّك بالأصل أو الظّاهر مع يمينه - كما سبق بيانه - فمن كان القول قوله في الخصومة كان ذلك مع يمينه، فإذا حلف سقطت الدّعوى، لكن ذلك مشروط بأن يكون المحلوف عليه ممّا يصحّ بذله - أي إعطاؤه والتّنازل عنه - ليخرج بذلك ما لا يصحّ بذله، كالنّكاح وأشباهه في أمور لا يحلف عليها. وكون المحلوف عليه ممّا يصحّ بذله لاحتمال أن ينكل المدّعى عليه عن اليمين فيقضى عليه بالنّكول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: القول قول الأب أنّه أنفق على ولده الصّغير مع يمينه. ومنها: إذا ادّعى عليه دعوى مال فأنكر، ولم يأت المدّعي ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 102 أ، عن أشباه ابن نجيم ص 221.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ببيّنة، فإنّ القول قول المدّعى عليه مع يمينه على نفي الدّعوى. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الوصي في دعوى الإنفاق على اليتيم أو رقيقه، القول قوله بغير يمين. ومنها: إذا باع القاضي مال اليتيم. فلا يمين عليه والقول قوله. ومنها: إذا ادّعى الموهوب له هلاك العين الموهوبة أو اختلفا في اشتراط العوض، فالقول قول الموهوب له بغير يمين.

القاعدة الرابعة عشرة بعد الستمئة [تعلق الحكم]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد السّتمئة [تعلّق الحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من جمع في كلامه بين ما يتعلّق به الحكم وما لا يتعلّق به الحكم، فلا عبرة لما لا يتعلّق به الحكم، والعبرة لما يتعلّق به الحكم (¬1) والحكم يتعلّق به. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 473. وهذه من أصول أبي حنيفة رحمه الله. وهي بمعنى القاعدة التي سبقت قريباً: (من تصرّف فيما يملك وفيما لا يملك). فمن تكلّم بكلام أو تصرّف بتصرّف يجمع بين شيئين أو أشياء، بعضها يتعلّق به حكم الكلام أو التّصرّف، وبعضها لا يتعلّق به الحكم، فإنّ العبرة والاعتداد لما يتعلّق به الحكم ويظهر أثره فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال لزوجته وزوجة جاره: أنتما طالقتان طلقت زوجته دون زوجة جاره. ¬

_ (¬1) ينظر تأسيس النظر ص 18.

القاعدة الخامسة عشرة بعد الستمئة [الجاني المطالب]

القاعدة الخامسة عشرة بعد السّتمئة [الجاني المطالَب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مَن جنى جناية فهو المطالب بها ولا يطالب بها غيره (¬1)، إلا في صورتين. وفي لفظ سيأتي: من لا مدخل له في الجناية لا يطالب بجناية جانيها، إلا في فرعين (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجناية: مِن جنى يجني، إذا أذنب ذنباً يؤخذ به. المصباح مادة (جنيت) والقاموس الفقهي (جنى). فمفاد القاعدة: أن من أذنب ذنباً أو أجرم جريمة في حقّ غيره فإنّما عقوبة ذلك الذّنب عليه لا على غيره. إلا في مسألتين أو في صورتين استثناءً. وينظر القاعدة 195 من قواعد حرف الكاف. وأدلّة هذه القاعدة من القرآن الكريم: قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} (¬3). ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 558، المجموع المذهب لوحة 266 ب، قواعد الحصني جـ 4 ص 236، مختصر ابن خطيب الدهشة ص 568، أشباه السيوطي ص 487. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 392. (¬3) الآية 38 من سورة النجم، والآية 64 من سورة الأنعام، والآية 15 من سورة الإسراء، والآية 18 من سورة فاطر، والآية 7 من سورة الزمر.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يجني جانٍ إلا على نفسه" (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل شخص آخر عمداً عدواناً فالقصاص من القاتل ولا يقتصّ من غيره. ومنها: مَن سرق إنّما تقطع يده لا يد غيره. ومنها: من زنا فإنّما يقام عليه الحدّ، ولا ينوب عنه غيره فيه. ومنها: من جرح آخر موضحة اقتصّ منه لا من غيره. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: القاتل خطأ، فإنّ الدّيّة على العاقلة لا على القاتل، وكذلك ديّة شبه العمد. وإنّما على القاتل الكفّارة. ومنها: الصّبي المحرم إذا قتل صيداً أو ارتكب موجب كفّارة فالجزاء على الولي لا في مال الصّبي. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه أحمد في المسند جـ 3 ص 499 وكنز العمال الحديث 40106.

القاعدة السادسة عشرة بعد الستمئة [الجهل بالحرمة والحد]

القاعدة السّادسة عشرة بعد السّتمئة [الجهل بالحرمة والحدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من جهل حرمة شيء ممّا يجب فيه الحدّ وفعله لم يحدّ، وإن علم الحرمة وجهل الحدّ أو العقوبة حُدَّ أو عوقب (¬1)، لانتهاكه حرمة الله تعالى. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} (¬2). ومن الأصول المقرّرة: (أنّ من شروط التّكليف العلم بالمكلّف به). فمن لم يعلم ما كلِّف به لا يحاسب عليه حتى يعلم، فمن جهل تحريم ما حرَّمه الله تعالى لوجوده بعيداً عن دار الإسلام، أو أسلم في دار الكفر، أو كان في دار الإسلام ويعيش في الصّحراء أو الجبال، ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 117، 535، المجموع المذهب لوحة 139 ب، أشباه السيوطي ص 200 - 201، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 381، قواعد الحصني جـ 2 ص 286، المنثور جـ 3 ص 218. (¬2) الآية 15 من سورة الإسراء.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فارتكب بعض ما حرمه الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلا يقام عليه حدّ ولا يعزر. ولكن إن علم أنّ هذا الفعل محرّم وجهل العقوبة عليه، وارتكبه فهو معاقب ولا ينفعه جهله بالعقوبة ما دام قد علم تحريمه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من شرب الخمر جاهلاً حرمتها، فلا يقام عليه حدّ السّكر. ومنها: من جهل أنّ الزّنا محرّم في الإسلام - كمن أسلم في دار الكفر - فزنا ثم علم بحرمة الزّنا فلا يقام عليه حدّ الزّنا. ومنها: من علم أنّ الخمر حرام في الإسلام، ولكن جهل أنّ شارب الخمر يعاقب بالجلد أو بالحدّ فشربها فيقام عليه الحدّ؛ لأنّ الجهل بالعقوبة بعد العلم بالتّحريم لا يدفع العقوبة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قتل من يعتقد عدم مكافأته - كحرّ يقتل عبداً، أو مسلم يقتل ذمّيّاً - ثم تقوم البيّنة بأنّ المقتول قد أعتق أو أسلم، فهل على القاتل قصاص؛ قولان: قول بأنّه لا قصاص عليه. وعلى هذا تكون مستثناة، وهو أضعف القولين. ومنها: لو شهدا على رجل بقتل فقتل، ثم رجعا على شهادتهما، وقالا: تعمّدنا الشّهادة الباطلة، ولكن ما عرفنا أنّه يقتل بشهادتنا، فلا يجب القصاص في الأصحّ.

القاعدة السابعة عشرة بعد الستمئة [صاحب الحق الممتنع]

القاعدة السّابعة عشرة بعد السّتمئة [صاحب الحقّ الممتنع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن حَرُم عليه الامتناع من بذل شيء سُئِله فامتنع، فهل يسقط إذنه بالكلّيّة، أو يعتبر ويجبره الحاكم (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من وجب عليه بذل شيء - إذن أو مال أو غيره - وحَرُم عليه الامتناع عن إعطائه لتعلّق حقّ الغير به - وأبى بذله لمستحقّيه، فامتنع عن الأداء والبذل، فهل يسقط إذنه تماماً، وتنتقل الولاية لغيره أو يعتبر إذنه ويبقى لكن يجبره الحاكم على الأداء والإذن؟ وينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة رقم 7. تحت هذه القاعدة صورتان: الأولى: أن يكون المطلوب إذناً فقط دون شيء آخر، ففي هذه الحال لا يعتبر إذنه، ما لم يَضُرُّ به. والصّورة الثّانية: أن يكون المطلوب من الممتنع تصرّفاً لعقد أو فسخ أو غيرهما. ففي هذه الصّورة خلاف. هل يسقط إذنه، أو يبقى ويجبره الحاكم؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امتنع عن النّفقة الواجبة عليه لزوجته، فرفعت أمرها للقضاء، ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 23.

فهل يأخذ القاضي من ماله نفقة زوجته دون رضاه، أو يجبره على النّفقة؟ ومن أمثلة الصّورة الأولى: وضع الخشب على جدار جاره - إذا لم يضرّ به - فمنع، لا يعتبر إذنه. ومنها: حجّ الزّوجة الفرض، فإذن الزّوج مستحبّ وليس بواجب فلو امتنع عن الإذن يجبر. ومنها: أخذ المضطر طعام غيره بثمنه فللمضطر أخذه قهراً، وسقط الإذن. ومن أمثلة الصّورة الثّانية: إذا طلب أحد الشّركاء قسمة ما لا تضرّه القسمة، فغاب أو امتنع عن القسمة يجوز أن يأخذ الشّريك الحاضر نصيبه، أو يرفع الأمر للحاكم. ومنها: إذا امتنع من الإنفاق على بهائمه، يجبر على الإنفاق أو البيع. ومنها: العنَّين إذا انقضت مدّته وتحقّق عجزه، وأبى أن يفارق زوجته، فرَّق الحاكم بينهما. ومنها: الولي في النّكاح إذا امتنع من التّزويج، فهل يسقط حقّه وينتقل إلى غيره ممّن هو أبعد منه أو لا فيقوم الحاكم مقامه؟.

القاعدة الثامنة عشرة بعد الستمئة [الحلف]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد السّتمئة [الحلف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن حلف على فعل نفسه نفياً أو إثباتاً فعلى البت، أو على فعل غيره إثباتاً فعلى البت. أو نفياً فعلى نفي العلم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال ينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدتان 312، 313. ومن قواعد حرف الحاء القاعدة 120، ومن قواعد حرف الكاف 230. ومفادها: أنّ من أراد أن يحلف يميناً على فعل نفسه - سواء أكان الحلف على إثبات الفعل أو نفيه - فإنّ يمينه تكون على البتات - أي أنّه فعل أو لم يفعل قطعاً؛ لأنّه يعرف حال نفسه. وكذلك إن أراد أن يحلف على فعل غيره مثبتاً ذلك الفعل فإنّه يحلف على البتات والقطع؛ لأنّه يسهل الوقوف عليه، كما أنّه يشهد به. لكن إن أراد أن يحلف على فعل غيره نفياً، فإنّ يمينه تكون على عدم العلم؛ لأنّ النفي المطلق يعسر الوقوف على سببه، ولا تجوز الشّهادة على النّفي. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 334، المجموع المذهب لوحة 212، وقواعد الحصني جـ 4 ص 264، المنثور جـ 3 ص 206، وأشباه السيوطي ص 505.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أراد أن يحلف يميناً على أنّه قد أدّى دينه، أو أنّه لم يضرب زيداً فيكون يمينه على البتات والقطع أنّه فعل أو لم يفعل. ومنها: إذا طلب منه يمين على أنّ هذا سرق، فهو يحلف أيضاً على القطع برؤيته أو عدم رؤيته يسرق. ومنها: إذا طلب منه أن يحلف يميناً على أنّ هذا لم يستردّ الدّين الذي له على فلان، فإنّه يحلف على عدم العلم بالاسترداد.

القاعدة التاسعة عشرة بعد الستمئة [الدال وتضمينه]

القاعدة التّاسعة عشرة بعد السّتمئة [الدَّالُّ وتضمينه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن دلَّ سارقاً على سرقة مال الغير، أو دلّ غاصباً على ما غصبه للغير، فلا ضمان عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدّالّ على الخير كفاعله - أي في استحقاق الأجر -، والدّال على الشّرّ كفاعله - أي في استحقاق الإثم -. لكن هل على الدّال على شيء من الشّرّ ضمان ما يتلف بدلالته؟. نصّ قاعدتنا هذه يفيد أنّه لا ضمان على الدّالّ؛ لأنّه غير مباشر، والضّمان على المباشر. كما أنّ الدّال ليس بصاحب سبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دلّ شخص سارقاً على مال لغيره ليسرقه فسرقه. فلا ضمان على الدّال بل الضّمان والغرامة والقطع على السّارق المباشر لسرقة مال الغير. ولكن الدّال آثم وعليه وزر الدّلالة. ومنها: إذا دلّ غاصباً على شيء يريد اغتصابه فاغتصبه، فكذلك لا ضمان على الدّال، وعليه وزر الدّلالة على الشّرّ. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 203 وعنه الفرائد ص 124.

وممّا يمكن أن يقاس على ذلك: مَن باع عنباً أو تمراً أو عصيراً على من يجعله خمراً. فعند أبي حنيفة رحمه الله إن ذلك جائز، وكره ذلك آخرون، ولا إثم على البائع. ومنها: إذا دلّ إنساناً على آخر ليقتله فقتله. فلا ضمان ولا قصاص على الدّال، ولكن عليه وِزْرُ الدّلالة على الشّرّ وهو آثم.

القاعدة العشرون بعد الستمئة [تأويل اللفظ الظاهر]

القاعدة العشرون بعد السّتمئة [تأويل الّلفظ الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ذكر لفظاً ظاهراً في الدّلالة على شيء ثم تأوّله، لم يقبل تأويله في الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد باللفظ الظّاهر الدّلالة: اللفظ الصّريح الذي يدلّ لفظه على معناه مطابقة وهو لا يقبل التّأويل. فمن ذكر لفظاً صريحاً في دلالته - سواء كان صريحاً في دلالته الّلغوية أو الشّرعيّة أو العرفيّة ثم تأوَّله بخلاف دلالته فلا يقبل منه تأويله في ظاهر الأمر لمخالفة هذا التّأويل دلالة اللفظ الصّريحة. إلا إذا كان تأويل اللفظ إقراراً مبنيّاً على الظّنّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلّق زوجته بصريح اللفظ، ثم قال: أردت بذلك طلاقاً من وثاق لم يقبل في الحكم، ولا يسع امرأته أن تصدّقه في ذلك، كما لا يسع الحاكم تسليمها إليه, لأنّهما متعبّدان في العمل بالظّاهر. ومنها: إذا قال لأمَتِهِ: أنت حرّة، ثم قال: أردت حرّيّة النّفس والأخلاق لم يقبل ولا يسعها أن تسلّم نفسها إليه، ولا يحلّ له بيعها، ولا ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 344 عن القواعد الكبرى جـ 2 ص 100.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة وقبل تأويله بناء على ظنه

يجوز لها أن تدع الحقوق الواجبة لله على الحرائر. وكذلك العبد. ومنها: أن يعبّر عن الألف بالألفين - في مسألة مهر السّرّ والعلانيّة - فهذا غير مقبول قطعاً؛ لأنّه نوى وضع اللفظ اللغوي على ما لا يحتمله. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة وقبل تأويله بناء على ظنّه: أن تقرّ المرأة بنفي الرّجعة بناء على ظنّها، ثم يظهر خلاف ظنّها فترجع إلى زوجها. ومنها: قول السّيّد لعبده المكاتب إذا أدّى نجوم المكاتبة، اذهب فأنت حرّ. ثم ظهرت النّجوم مستحقّة فإنّ المكاتب لا يعتق؛ إذا تأوّل قوله: اذهب فأنت حرّ أنّه بناه على أنّه عتق بأداء النّجوم. ومنها: إذا شهد شخص أنّ هذا الميّت لا وارث له سوى فلان، ثم ظهر له وارث آخر فإنّ شهادته لا تبطل إلا في الحصر؛ لأنّه أسند شهادته بذلك إلى ظاهر.

القاعدة الحادية والعشرون بعد الستمئة [الظاهر - خلاف الظاهر]

القاعدة الحادية والعشرون بعد السّتمئة [الظّاهر - خلاف الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ساعده الظّاهر فالقول قوله، والبيِّنة على مَن يدَّعي خلاف الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالظّاهر هنا: الأصل المستقرّ. فمن ساعده الظّاهر - أي قوّى جانبه وتمسّك به - وبنى قوله على الأصل الثّابت المستقرّ - كبراءة الذّمّة - فهو المدّعى عليه. والمدّعى عليه يكون في الدّعوى القول قوله مع يمينه، والبيِّنة - أي الشّهود - على المدّعِي؛ لأنّه يدّعي خلاف الظّاهر، ويريد إثبات شيء غير ثابت أصلاً. وقد سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 392. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى شخص على آخر مبلغاً من المال، فأنكر المدّعَى عليه، فعلى المدّعِي إثبات مدَّعاه بالبيَّنة. أي الشّهود - لأنّه متمسّك بخلاف الظّاهر. فإن لم يستطع فعلى المدّعى عليه اليمين ويكون القول قوله؛ لأنّه متمسّك بالظّاهر والأصل وهو براءة الذّمّة. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي الأصل الثالث.

القاعدة الثانية والعشرون بعد الستمئة [الساعي في نقض ما أتم]

القاعدة الثّانية والعشرون بعد السّتمئة [السّاعي في نقض ما أتَمَّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من سعى في نقض ما تمَّ من جهته فسعيه مردود عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا عمل شخص على نقض وهدم وإبطال ما أجراه وتمّ من جهته باختياره ورضاه فلا اعتبار لنقضه ونكثه؛ والحكمة في ذلك لما في عمله من التّعارض والمنافاة بين الشّيء الذي تمّ من قِبَله وبين سعيه الأخير في نقضه. وشرط اعتبار هذا التّناقض أن يكون أمام خصم منازع، وإلا لا يعتبر متناقضاً ويسمع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع عبداً وقبضه المشتري، وذهب به إلى منزله، والعبد ساكت، وهو ممن يعبِّر عن نفسه، فهو إقرار من العبد بالرّقّ. فلا يصدّق في دعوى الحرّيّة بعد ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 174، جـ 13 ص 128، جـ 14 ص 126، جـ 15 ص 61. أشباه ابن نجيم ص 230، ترتيب اللآلي لوحة 100 ب، المجلة المادة 100، الفرائد ص 19، شرح القواعد للزرقا ص 407، المدخل الفقهي الفقرة 631، الوجيز مع الشرح والبيان ص 360، القواعد والضوابط ص 158.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا أقرّ لغيره بمبلغ من المال في ذمّته، فلا يجوز رجوعه عن إقراره. ومنها: إذا تقاسم الورثة التّركة ثم ادّعى أحدهم أنّها ملكه وأراد نقض القسمة فلا تسمع دعواه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: اشترى أرضاً، ثم ادّعى أنّ بائعها جعلها مقبرة أو مسجداً، فتقبل دعواه إذا برهن على ذلك، ويفسخ البيع.

القاعدة الثالثة والعشرون بعد الستمئة [سقوط العقوبة - مضاعفة الغرم]

القاعدة الثّالثة والعشرون بعد السّتمئة [سقوط العقوبة - مضاعفة الغرم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من سقطت عنه العقوبة بإتلاف نفس أو طرف مع قيام المقتضي له لمانع. فإنه يتضاعف عليه الغرم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إتلاف الأنفس أو الأطراف عمداً يوجب القصاص من المتلف، لكن قد يقوم مانع يمنع من العقوبة الواجبة، ففي حالة وجود المانع من القصاص فإن الغرم والضّمان - الدّية والأرش - يتضاعف على الفاعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل صبي غيرَه عمداً - فلا يقتصّ منه - لعدم التّكليف - ولكن تضاعف عليه الدّيّة في ماله - في قول عند الحنابلة. ومنها: إذا قتل مسلم ذمّيّاً عمداً - لا يقتصّ منه - خلافاً للحنفيّة - ولكن يضمنه بديّة مسلم. ومنها: من سرق من غير حرز - فلا يجب عليه القطع - لكن يتضاعف عليه الغرم. ومنها: إذا قلع الأعور عيناً لصحيح، فإنّه لا يقتص منه، ولكن تلزمه الدّية كاملة؛ لأنّ الدّية هنا فداء عينه الوحيدة؛ لأنّه إذا قلعت عين الأعور فعلى قالعها ديّة كاملة - لأنّه يصبح أعمى. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 140.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد الستمئة [المسامحة]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد السّتمئة [المسامحة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن سومح في مقدار يسير فزاد عليه، فهل تنتفي المسامحة في الزّيادة وحدها، أو في الجميع؟ (¬1). وجهان. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا سُومح إنسان وعفي له في مقدار يسير فَعله أو تصرّفه، أو أخذه، ولكنّه زاد على هذا المقدار القليل المسامح فيه، فهل تنتفي المسامحة وتبطل في الزّيادة وحدها أو في جميع المقدار - أي المسامح فيه والزّيادة معاً - وجهان عند الحنابلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: سامحتك في أخذ دينار من هذه المحفظة، فأخذ دينارين أو أكثر. فهل تبقى المسامحة في الدّينار الواحد، ويجب ضمان ما زاد، أو يجب عليه ضمان الجميع. قيل. وقيل. ومنها: إذا أكل المضحِّي جميع أضحيته، فهل يلزم بضمان ثلثها (¬2) أو ما يقع عليه الاسم؟. أمّا لو تصدق أوَّلاً بجزء يسير منها أجزأه؛ لأنّ الصّدقة بالثّلث كلّه مستحبّ وليس بواجب. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 29. (¬2) لأنّه يجب عليه أن يتصدّق بشيء منها إلى الثّلث.

ومنها: إذا ضرب الولي الصّبي، أو الرّجل امرأته ضرباً مبرحاً وماتا، فهنا تضمن الدّية كاملة. أما لو عفي عن القدر المباح بانفراده لم يجب كمال الدّية. وأقول: لكن القدر المباح غير محدّد فكم يسقط من الدّية مقابله؟ والموت إنّما كان بسبب غير المباح.

القاعدة الخامسة والعشرون بعد الستمئة [الاجتهاد]

القاعدة الخامسة والعشرون بعد السّتمئة [الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من شرط الاجتهاد أن يعجز عن الوصول إلى اليقين (¬1). فقهيّة أصوليّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاجتهاد: كما سبق بيانه في أكثر من موضع: هو بذل الوسع في استخراج الحكم والوصول إلى الحقّ. والاجتهاد هذا نتيجته مظنونة لا مقطوع بها لاحتمال الخطأ، والمجتهد إنّما يضطر للاجتهاد في حكم مسألة ما عندما يعجز عن الحصول على حكم يقيني منصوص لها؛ لأنّه لا اجتهاد مع النّصّ. ولذلك كان شرط الاجتهاد: أنّه لا يلجأ إليه إلا عند العجز عن الوصول إلى اليقين عن طريق النّصّ الواضح الدّلالة. فإذا لم يوجد نصّ واضح الدّلالة في المسألة المعروضة فهنا يلجأ الحاكم أو المفتي إلى الاجتهاد. وإلا فلا يجوز له الاجتهاد إلا في فهم النّصّ، ومحاولة تطبيقه على الواقعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز الاجتهاد في حقّ الزّوج مراجعة زوجته المطلّقة رجعيّاً ¬

_ (¬1) عقد الجواهر الثمينة جـ 1 ص 28.

- بدون رضاها - فمن اجتهد ورأى أنّه لا يجوز مراجعتها إلا برضاها فاجتهاده باطل؛ لأنّه معارض للنّصّ القرآني القائل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (¬1). ومنها: لا يجوز اجتهاد مجتهد في إعطاء الأنثى مثل نصيب الذّكر من الميراث بحجّة تساويهما في الصّلة بالمورث؛ لأنّ هذا اجتهاد معارض للنّصّ القرآني القائل: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬2). ومنها: لا يجوز كذلك الاجتهاد في جعل المشقّة مطلقاً موجبة للفطر في حقّ الصّائم ولو كان غير مسافر ولا مريض، فأباح فطر العامل بحجّة عدم تعطيل الإنتاج. ومنها: من كان معه ماء متيقّن من طهارته، أو كان على شاطئ نهر، امتنع الاجتهاد. ولكن إذا كانت عنده أوان وفي أحدها نجاسة ولا يعرف المتنجّس منها فهنا يجوز له الاجتهاد، وطلب أمارة تغلب بها على الظّنّ الطّهارة. ¬

_ (¬1) الآية 228 من سورة البقرة. (¬2) الآية 11 من سورة النساء.

القاعدة السادسة والعشرون بعد الستمئة [شرط الذمة]

القاعدة السّادسة والعشرون بعد السّتمئة [شرط الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من شرط الانتقال إلى الذمة تعذر المعيَّن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذّمّة: هي الوعاء الاعتباري لتحمّل العُهَد والمسؤوليات. ويشترط فيما يتعلّق بالذّمّة أن لا يكون معيَّناً. فإذا كان معيَّناً فلا يتعلّق بالذّمّة، ولكن إذا تعذّر المعيَّن واستحال وجوده أو الحصول عليه انتقل الحكم إلى الذّمّة فوجب الضّمان، وهو بدل المعيَّن المتعذّر. وقد سبق بيان (أنّ المعيَّنات لا تثبت في الذّمّة، وأنّ ما في الذّمّة لا يكون معيّناً). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: استعار سيّارة فركبها فهلكت - فعلى القول بضمان العاريَّةِ - يجب عليه بدلها، ولكن البدل هنا متعذّر، فإذن عليه ضمان قيمتها في ذمّته. ومنها: الصّلاة معيَّنة لوقتها، فإذا تعذّر أداؤها في وقتها ترتّبت في الذّمّة ووجب القضاء. ومنها: الزّكاة معيَّنة بوجود نصابها، فإذا تلف النّصاب بعذر - قبل الحول - لا يضمن نصيب الفقراء، ولا ينتقل الواجب إلى الذّمّة. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 134.

القاعدة السابعة والعشرون بعد الستمئة [شرط الشرط]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد السّتمئة [شرط الشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من شرط الشّرط إمكان اجتماعه مع المشروط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط في اللغة العلامة. وفي الاصطلاح الأصولي، الوصف الظّاهر المنضبط الذي يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط ولا عدمه. كالطّهارة للصّلاة. وللشّرط عموماً شرط في صحّته وهو: أن يمكن عقلاً وعادة اجتماعه مع المشروط؛ لأنّه إذا لم يمكن اجتماعه مع المشروط لا يصلح شرطاً له، من حيث إنّ حكمة الشّرط في غيره. فإذا لم يكن اجتماعه معه لا تحصل فيه حكمته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لامرأته: إن طلّقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً. فإذا طلّق دون الثّلاث، لزمه الثّلاث. كما لو قال: أنت طالق أمس. فإنّ الشّرط هنا - وهو قوله: إن طلّقتك. لا يجتمع مع المشروط وهو قوله: أنت طالق قبله, لأنّه يلزم الدّور، وكلّ شيء تضمن إثباته نفيه انتفى من أصله. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 75.

ولذلك يجب إلغاء القبليّة وإيقاع الطّلاق الثّلاث عليه. ومنها: قوله إن طلّقتك طلقة أملك بها الرّجعة، فأنت طالق قبلها طلقتين. فالشّرط هنا كذلك لا يجامع المشروط فهو ملغى كذلك. والشّرط الذي يجامع المشروط ويمكن اجتماعه معه كقوله: أنت طالق إن كلّمت فلاناً، أو فعلت كذا، فإذا كلّمت أو فعلت فقد وقع الطّلاق عليها.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد الستمئة [شرط المخصص]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد السّتمئة [شرط المخصّص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من شرط المخصَّص أن يكون منافياً للمخصَّص (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المخصِّص: هو ما يرد على العام فيخرج منه بعض أفراده. وشرط هذا المخصِّص أن يكون بخلاف العام المخصَّص، أي منافياً له ليمكن إخراج البعض من العموم. وإلا لو لم يكن منافياً لا يصلح مخصِّصاً، وإذا لم يكن منافياً كان مؤكّداً. والمخصِّصات كثيرة، ومن أشهرها الاستثناء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل لحماً، ونوى لحم الإبل مثلاً، لم يحنث بأكل لحم البقر أو الغنم؛ لأنّ نيّته خصَّصت عموم لفظ اللحم وقيّدت إطلاقه. ومنها: إذا قال: اقتلوا المشركين، ولا تقتلوا أهل الذّمّة، كان قوله: ولا تقتلوا أهل الذّمّة مخصّصاً لعموم قوله: اقتلوا المشركين. ومنها: إذا قال: له عندي عشرة إلا اثنين. ألزمناه ثمانية؛ لأنّ الاستثناء لا يستقلّ بنفسه. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 179.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد الستمئة [الشروع الملزم]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد السّتمئة [الشّروع الملزم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن شرع في عبادة تلزم بالشّروع ثم فسدت فعليه قضاؤها على صفة التي أفسدها، سواء كانت واجبة في الذّمّة على تلك الصّفة أو دونها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العبادات إمّا تلزم بالشّروع والدّخول فيها كالواجبات والمنذورات، وإمّا لا تلزم بالشّروع فيها كالمندوبات والمستحبّات - عند بعض الفقهاء - فمن شرع ودخل في عبادة واجبة ثم أفسدها أو فسدت، وجب عليه قضاؤها على صفة التي أفسدها ومثلها. ويستوي في ذلك أن تكون تلك العبادة واجبة في الذّمّة على تلك الصّفة التي أفسدها أو دونها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شرع في صلاة قصر ثم فسدت، فإذا أقام قبل قضائها في السّفر فعليه قضاؤها في الحضر قصراً كما أفسَدها. وإذا شرع في صلاة في الحضر ثم فسدت؛ فإذا سافر قبل قضائها فعليه قضاؤها في السّفر تامّة لا قصراً. ومنها: إذا صلّى مسافر خلف مقيم وفسدت صلاته، فإنّه يجب ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 31.

عليه قضاؤها تامّة. ومنها: إذا أحرم من بلده - وهذا مخالف للمسنون - وهو الإحرام من الميقات - ثم أفسد نسكه بجماع وجب عليه قضاؤه، والإحرام من موضع إحرامه أولاً. ومنها: إذا عيَّن ما في ذمّتّه من الهدي والأضحية ما هو أزيد صفة من الواجب ثم تلف، فإدا كان تلفه بتفريطه فعليه إبداله بمثله، وإن كان بغير تفريط فإنّه لا يلزمه أكثر ممّا كان في ذمّتّه. ومنها: إذا نذر اعتكاف عشرة أيّام، فشرع في اعتكافها في أوّل العشر الأواخر من رمضان، ثم أفسد اعتكافه، لزمه قضاؤها في العشر من العام المقبل؛ لأنّ اعتكافه العشر لزمه بالشّروع عن نذره، فإذا أفسده لزمه قضاؤه على صفة ما أفسده.

القاعدة الثلاثون بعد الستمئة [الشك في الفعل]

القاعدة الثّلاثون بعد السّتمئة [الشّكّ في الفعل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن شكّ هل فعل شيئاً أو لا، فالأصل أنّه لم يفعل (¬1). أو لم يفعله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تندرج تحت القاعدة الكلّيّة الكبرى (اليقين لا يزول بالشّك) وتتفرّع عليها. وهذه القاعدة تؤكّد على أنّ براءة الذّمّة أصل مقرّر. فإنّ مَن شكّ هل فعل شيئاً أو لم يفعله، فالأصل عدم الفعل، فلذلك يبني على عدم الفعل، إلا إذا غلب على ظنّه الفعل فيأخذ حكمه؛ لأنّ غلبة الظّنّ قريب من اليقين وبعيد من الشّكّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شكّ في ارتكاب فعل منهي عنه - وهو في الصّلاة - فلا يسجد للسّهو؛ لأنّ الأصل عدم الفعل. ومنها: إذا شكّ هل طلّق زوجته أو لم يطلقها. قالوا: لا يقع الطّلاق؛ لأنّ الإباحة متيقّنة بعقد النّكاح، والطّلاق المحرِّم مشكوك فيه. ومنها: شكّ هل حلف بالله أو بالطّلاق أو بالعتاق فحلفه باطل. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 1 ص 279 عن ابن القاص، وأشباه السيوطي ص 55، أشباه ابن نجيم ص 59، ترتيب اللآلي لوحة 105 أ، شرح الخاتمة ص 84، الوجيز ص 182.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد الستمئة [المقضي عليه - المقضي له]

القاعدة الحادية والثّلاثون بعد الستمئة [المقضي عليه - المقضي له] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن صار مقضيّاً عليه في حادثة لا يصير مقضياً له في تلك الحادثة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقضي عليه: هو المدّعَى عليه. المقضي له: هو المدّعِي. المدّعى أمام القضاء في حادثة أو قضيّة لا يكون مدَّعى عليه في نفس الحادثة أو القضيّة، وكذلك المدّعى عليه - وهو المقضي عليه - لا يكون مدعيّاً - أي مقضيّاً له - في نفس القضيّة أو الحادثة. فإنّ القضاء على المدّعى عليه في حادثة أو قضيّة معناه أنّ عليه حقّاً يجب عليه أداؤه للمدَّعي. ولذلك لا يمكن أن يصبح من عليه الحقّ صاحب حقًّ في نفس القضيّة؛ لأنّ هذا متعذّر وخلاف المعهود، فإنّ القضاء إنّما جعل لإثبات حقّ للمدعي وإيجاب حقّ على المدّعى عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى شخص على آخر ديناً بمئة ألف، وأثبته بالبيِّنة فحكم له القاضي بالمبلغ وأمر المدّعَى عليه بأدائه. فلا يصحّ أن يطالب المدّعَى ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير ج 4/ 146.

عليه المدّعِي برد المبلغ المأخوذ منه ويطلب من القاضي الحكم له بذلك. ومنها: ادّعى شخص على آخر أمام القضاء بأنّه ضربه فشجّه، وأثبت دعواه بالبيَّنة وحكم القاضي بالقصاص أو التّعويض فلا يصحّ للمدّعَى عليه بعد ذلك أو يطلب من القاضي الحكم له بالشّجّة المقضي بها.

القاعدتان الثانية والثالثة والثلاثون بعد الستمئة [صحة التصرف والتوكيل]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والثّلاثون بعد السّتمئة [صحّة التّصرّف والتّوكيل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من صحّ تصرّفه في شيء تدخله النّيابة صحّت وكالته فيه (¬1). وفي لفظ: من صحّت منه مباشرة الشّيء صحّ توكيله فيه غيره، وتوكّله فيه عن غيره، وما لا فلا؟ (¬2). وفي لفظ: من لا يجوز تصرّفه لا يجوز توكيله ولا وكالته (¬3). وتأتي قريباً. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: التّصرّفات منها ما تدخله النّيابة - أي يصحّ أن ينيب الشّخص عنه من يقوم بذلك التّصرف، ومنها ما لا تدخله النّيابة فلا يصحّ التّوكيل فيه كالصّلاة والصّوم وقراءة القرآن. فمن صحّ تصرّفه في شيء ممّا يجوز دخول النّيابة فيه - كالبيع والشّراء والنّكاح وتفرقة زكاة وذبح أضحية - ويمكنه مباشرته بنفسه، ¬

_ (¬1) المجموع المذهب 238 أ، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 323، قواعد الحصني جـ 4 ص 161. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 451، أشباه ابن السيوطي ص 463. (¬3) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 325، أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 451.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

صحّ وجاز أن يوكّل فيه غيره وينيبه عنه، كما يصحّ ويجوز له أن يكون وكيلاً ونائباً عن غيره فيه. وشرط صحّة التّصرّف أن يكون المتّصرّف مستوفياً للشّروط المعتبرة من البلوغ والعقل والحرّيّة وعدم الحجر، والإذن للعبد الصّغير والمميّز. فمن كان كذلك جاز تصرّفه وتوكّله عن غيره، وتوكيل غيره عنه في كلّ ما تدخله النّيابة ومن لا فلا. وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة رقم 234. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البالغ العاقل الحرّ يجوز أن يعقد عقد النّكاح أو البيع لنفسه، فيجوز أن يوكّل فيه غيره، أو يتوكّل هو عن غيره في ذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة، أو اختلف فيه: السّفيه يجوز أن يكون وكيلاً عن المرأة في اختلاعها من زوجها ويصحّ. مع أنّ السّفيه محجور عن التّصرّفات القوليّة - لكن هنا لا ضرر عليه لأنّه يضيف المال إلى المرأة. ومنها: إذا اصطرف رجلان، وأراد أحدهما أن يفارق المجلس قبل القبض، ووكّل رجلاً في ملازمة المجلس إلى القبض، لم يصحّ وينفسخ العقد. ومنها: من طلّق إحدى زوجتيه أو أعتق أحد عبديه - دون تعيين - لا يجوز ولا يصحّ أن يوكّل غيره في تعيين المطلّقة أو المعتَق.

ومنها: يجوز توكيل الكافر في شراء العبد المسلم، والمصحف للمسلم، ولا يجوز له أن يشتريه لنفسه. ومنها: السّفيه المأذون له في النّكاح لا يصحّ له التّوكيل فيه. ومنها: المحرم يوكّل في النّكاح من يعقد له بعد التّحلّل. ومنها: المرأة تُوكَّل في الطّلاق في الأصحّ، ولا تباشره بنفسها. ومنها: توكيل الكافر في طلاق المسلمة يصحّ في الأصحّ. ومنها: توكيل معسر موسراً في نكاح أمَةٍ يجوز مع أنّه لا يجوز للموسر مباشرته لنفسه. ومنها: الوصيّة لا يصحّ التّوكيل فيها في الأصحّ.

القاعدة الرابعة والثلاثون بعد الستمئة [الأمان]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون بعد السّتمئة [الأمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ضرورة الأمان ثبوت العصمة عن الاسترقاق والقتل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الضّرورة هنا: اللزوم، أي من حقوق الأمان المترتّبة عليه للمستأمَن، وليس معنى الضّرورة هنا الاضطرار. فمن لوازم الأمان ومن حقوقه المترتّبة عليه المستأمَن ثبوت عصمة المستأمن عن العبوديّة والاسترقاق - أي لا يصبح عبداً رقيقاً - وكذلك ثبوت عصمة وامتناع دمه أن يراق - أي فلا يقتل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حاصر المسلمون حصناً، فنادى أصحاب الحصن بالأمان - أي طلبوا الأمان من القائد المسلم - ثم نزلوا من حصنهم بناءً على موافقة القائد المسلم على طلب تأمينهم فليس له ولا لأحد من جنده استرقاق واحد منهم ولا قتله؛ لأنّ الأمان عاصم ومانع عن القتل والاسترقاق. ومنها: إذا جاء كافر من دار الحرب، وطلب دخول دار الإسلام ¬

_ (¬1) شرح السير ص 480.

بأمان ليتاجر أو يزور بعض أقاربه من أهل الذّمّة، فأعطي الأمان ودخل دار الإسلام، فهو معصوم الدّم ولا يسترقّ ويخرج متى شاء أو في الوقت المحدّد لخروجه إن حُدّد له وقت خروج. وإن لم يخرج في الوقت المحدّد بعد الإنذار فإنّه يعتبر ذمّة ويمنع من الرّجوع إلى دار الحرب.

القواعد الخامسة والسادسة والسابعة والثلاثون بعد الستمئة [الضمان والقضاء والأداء والإذن]

القواعد الخامسة والسّادسة والسّابعة والثّلاثون بعد السّتمئة [الضّمان والقضاء والأداء والإذن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من ضمن بالإذن رجع وإن أدَّى بلا إذن، ومن لا فلا وإن أدى بإذن (¬1). وفي لفظ: من قضى دين غيره بأمره وكان له أن يرجع عليه (¬2). وفي لفظ: من قضى دين غيره بغير أمره، وهو مجبر عليه أو مضطر فيه - يرجع عليه (¬3). وفي لفظ آخر: من قضى دين غيره بغير أمره وهو مضطر فيه لا يجعل متبرعاً (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد - وإن اختلفت ألفاظها - تدور حول مغزى ومفهوم واحد وهو: الضّمان والأداء على الغير بالإذن، وبغير الأمر، اختياراً واضطراراً. فمن ضمن عن غيره شيئاً فأدّاه بإذنه أو بغير إذنه فله حقّ الرّجوع بالمؤدّى على الأصيل. وأمّا إن لم يضمن، وأدّى ولو بالإذن ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 462. (¬2) القواعد والضوابط ص 496 - 497 عن التحرير جـ 4 ص 675، 676. (¬3) نفس المصدر جـ 2 ص 192، جـ 6 ص 735. (¬4) نفس المصدر جـ 6 ص 735.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فلا حقّ له بالرّجوع على الأصيل ويعتبر متبرّعاً. ومن قضى دين غيره بأمره وطلب منه فله حقّ الرّجوع عليه؛ لأنّه كالوكيل في أداء الدّين للدّائن. ولكن إذا قضى الدّين بغير أمر المدين فإمّا أن يكون مضطراً للأداء ومجبراً عليه أو لا. فإن كان مجبراً على الأداء ومضطرّاً فيه فله الرّجوع على الدّائن ولا يجعل متبرّعاً، وإن كان غير مجبر ولا مضطر وأدّى وقضى الدّين بغير الأمر فلا حقّ له في الرّجوع ويجعل متبرعاً بما أدّى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ضمن بما على زيد لعمرو بإذن من زيد وطلب منه، ثم أدّى المبلغ أو المقدار الذي ضمنه فله حقّ الرّجوع على زيد بما أدّى لعمرو سواء أذن له زيد أم لم يأذن. لأنّه إنّما أدّى بناء على ضمانه المأذون فيه. ومنها: علم أنّ لزيد على عمرو ألفاً، فأدّاها لزيد بدون إذن عمرو فلا حقّ له في الرّجوع على عمرو لعدم الضّمان، ولو أذن عمرو له بالأداء فإنّه لا حقّ له أيضاً في الرّجوع لعدم الضّمان المسبق ويعتبر في الصّورتين متبرّعاً. ومنها: أَمر زيد عمراً أن يقضي دينه لخالد، فأدّاه وقضاه بناء على الأمر فله حقّ الرّجوع على زيد بما أدّى. ومنها: إذا أكره شخص أن يؤدّي ويقضي الدّين الذي على سالم لسلاَّم فأدّاه بالإكراه والإجبار، فله الرّجوع على سالم بما أدّى إلى سلاَّم.

القاعدة الثامنة والثلاثون بعد الستمئة [المظلوم لا يظلم]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون بعد السّتمئة [المظلوم لا يَظلم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن ظُلِم ليس له أن يظلم غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة بلفظ (المظلوم لا يظلم غيره). الظّلم ظلمات يوم القيامة فمن ظُلِم له الحقّ في الانتقام والانتصار من ظالمه، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً. وهذا أمر وحقّ مشروع. لكن ان يوقع ظلمه على غير ذلك، فهذا الممنوع وهو موضوع القاعدة؛ لأنّه إذا ظلم مَن لم يظلمه صار ظالماً بعد أن كان مظلوماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل شخص من قبيلة رجلاً آخر من قبيلة أخرى، أو من عشيرة غير عشيرته، فلا يجوز لأفراد قبيلة القتيل أو أوليائه من عشيرته أن يقتلوا من أفراد قبيلة القاتل أو عشيرته أحداً غير القاتل. وإلا صاروا ظالمين بعد أن كانوا مظلومين. ومنها: إذا ضرب شخص آخر، فلا يجوز للمضروب أن ينتقم لنفسه بضرب شخص بريء غير الضّارب. ومنها: من سُرِق له شيء، فلا يجوز أن يقوم بسرقة شيء من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 157.

شخص آخر انتقاماً ممّن سرقه، أو انتقاماً لسرقته، كمن يسرق له حذاء من باب المسجد، فيغضب ويأخذ حذاءً لشخص ما زال في داخل المسجد بدلاً من حذائه المسروق، فقد أصبح سارقاً بعد أن كان مسروقاً.

القاعدة التاسعة والثلاثون بعد الستمئة [المنع والرفع]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون بعد السّتمئة [المنع والرفع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المنع أسهل من الرّفع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أمثال هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الدّال تحت الرّقم 22 بلفظ (الدّفع)، والمراد بالدّفع هو المراد بالمنع، أي أنّ أخذ الاحتياطات اللازمة قبل وقوع المحذور أسهل وأيسر وأقلّ كلفة وضرراً من رفع المحذور بعد وقوعه. وهذا بمعنى القول المأثور (الوقاية خير من العلاج). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تخليل الخلّ ابتداء بأن يوضع في عصير العنب ما يمنع تخمّره مشروع وجائز. لكن تخليلها بعد تخميرها ممنوع. ومنها: السّفر قبل الشّروع في الصّيام يبيح الفطر، وإن سافر في أثناء يوم رمضان ففي استباحة فطره روايتان. ومنها: وجود الماء بعد التّيمّم وقبل الشّروع في الصّلاة يمنع الدّخول فيها بالتّيمّم، ولو دخل فيها بالتّيمّم ووجد الماء، فهل تبطل الصّلاة أم لا؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 134.

ومنها: أخذ الاحتياطات اللازمة قبل وصول المرض أو الوباء - بالتّطعيم وغيره - أيسر وأسهل جداً من محاولة رفع المرض أو الوباء بعد نزوله. ومنها: الاستعداد والإعداد وتهيئة الأمّة مادّيّاً ومعنويّاً وعسكريّاً أيسر وأسهل في دفع الأعداء عن الدّين والبلاد والعباد؛ لأنّ العدوّ إذا علم أنّ الأمّة معدّة ومستعدّة لمجابهته لو هجم عليها يمنعه ذلك من الهجوم بخلاف ما لو علم أنّ الأمّة وقادتها لم يعدّوا ويستعدّوا للدّفاع فيغتنم الفرصة فيهجم على البلاد والعباد، وبعد ذلك دفعه مكلّف وقد يتعذّر. ومنها: الإسلام يمنع الرّقّ ابتداءً ولا يرفعه بعد حصوله.

القاعدة الأربعون بعد الستمئة [الجهل بوجوب الحد]

القاعدة الأربعون بعد السّتمئة [الجهل بوجوب الحدّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من علم حرمة شيء ممّا يجب فيه الحدّ وجهل وجوب الحدّ لم ينفعه جهله بالحدّ، بخلاف جهله بالحرمة (¬1). وفي لفظ: من علم حرمة شيء وجهل وجوب الحدّ لم يسقط عنه الحدّ بذلك الجهل لانتهاكه حرمة الله تعالى (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثال لهذه القاعدة قريباً بلفظ (من جهل حرمة شيء) تحت الرّقم 616. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 218. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 117، 535. وقواعد الحصني جـ 2 ص 286.

القاعدة الحادية والأربعون بعد الستمئة [منع الحق والضرب]

القاعدة الحادية والأربعون بعد الستمئة [منع الحقّ والضّرب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن عليه حقّ إذا مَنَع عن قضائه لا يُضرب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تمثّل حكماً مبنيّاً على احترام وحفظ كرامة الإنسان ولو كان عليه حقّ لغيره، فإنّ الضرب عمل يحط من كرامة المضروب، ويهين نفسه، ويضع من شرفه. ولذلك فإنّ مَن عليه حقّ لغيره من دين أو غيره فإنّه يحبس أو يلازَم، ولا يضرب ولا يقيّد ولا يُغَلّ في حبسه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على شخص دين وحان وقت أدائه، فامتنع عن قضائه - مع قدرته على الأداء والقضاء - فإنّ القاضي يحبسه حتى يؤدّي دينه أو يبرأه الدّائن، أو يسقط الحقّ عنه. ولا يجوز ضربه ليؤدّى ما عليه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا امتنع شخص على الإنفاق على قريبه الذي تجب عليه نفقته من فروعه أو أصوله - فيحبس حينئذ ويجوز ضربه؛ لأنّ الحقّ يفوت بالتّأخير. هذا إن كان قادراً على الإنفاق وامتنع. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 218، وعنه قواعد الفقه ص 130.

ومنها: إذا لم يقسم بين نسائه، ووُعِظ فلم يرجع، فإنّه يضرب؛ لأنّ حقّ من لم يقسم لها يفوت بالتّأخير؛ لأنّ القَسْمَ لا يقضى. ومنها: إذا امتنع من كفّارة الظّهار - مع قدرته - فيضرب؛ لأنّ حقّ زوجته في الجماع يفوت بالتّأخير لا إلى خَلَف.

القاعدة الثانية والأربعون بعد الستمئة [الإقرار والبينة]

القاعدة الثّانية والأربعون بعد الستمئة [الإقرار والبيَّنة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من عمل إقراره قبلت بَيِّنته وإلا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق ببعض الصّلات الأسريّة، فمن قبل إقراره في والديه أو ولده أو زوجته أو وليّه، فإنّ بيِّنته وشهوده فيه تقبل، وأمّا إذا لم يقبل إقراره - بأن أقرّ بغير مَن سبق ذكره فلا تقبل بيَّنته فيه. كما لو أقرّ بعمّ أو أخ أو جد أو ابن ابن؛ لأنّ مدار قبول البيَّنة على وجود الخصم، وهؤلاء لا يكون المُقرُّ خصماً فيهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ بأن هذا أبوه، أو هذه أمّه، أو هذا ولده، أو هذه زوجته، أو هذا مولاه، فإذا صدقه المدّعَى عليه عمل إقراره، وإذا أنكر المدّعَى عليه وأقام المدّعي البيَّنة على دعواه قبلت بيِّنته. ومنها: إذا أقرّ أنّ هذا معتَق أبيه - وهو من مواليه - قبل إقراره فيه وكذا بيِّنته. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا ادّعى إرثاً فإنّه تقبل بيِّنته ولا يقبل إقراره. وكذا إذا ادّعى نفقة أو حضانة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 226، ترتيب اللآلي لوحة 103 أ.

القاعدة الثالثة والأربعون بعد الستمئة [العمل والضمان]

القاعدة الثّالثة والأربعون بعد السّتمئة [العمل والضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من عمل لغيره عملاً ولحقه ضمان يرجع على مَن وقع له العمل (¬1). وفي لفظ: من عمل لغيره عملاً ولحقه ضمان، كان قرار الضّمان على من عمل له (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا عمل شخص عملاً لغيره - بأجر أو بغير أجر - والعمل كان بإذن ذلك الغير، فإذا لحق العامل ضمان أو غرم بسبب ذلك العمل فإنّه يرجع على صاحب العمل بما غرم وضمن؛ لأنه إنّما عمل لغيره بإذنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر شخص عاملاً يحفر له في أرضه أو داره بئراً أو حفرة، فتضرّر من الحفر بيت جاره أو أرضه، فضمَّن المتضرّر العامل غُرم ما تضرّر، فإنّ العامل يعود على صاحب العمل ويطالبه بما غرم. ومنها: إذا قال لعامل: اهدم جداري هذا، فهدمه العامل، ثم ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 107 ب. (¬2) القواعد والضوابط ص 496 عن التحرير جـ 3 ص 543.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

تبيّن أنّ الجدار كان لغير الآمر، فغرَّم صاحبه العامل، فإنّ العامل يعود على الآمر بما ضمن؛ لأنّه غرَّه بقوله: اهدم جداري هذا. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال شخص لعامل اهدم هذا الجدار، أو اقطع هذه الشّجرة. فهدم العامل الجدار وقطع الشّجرة، ثم تبيّن أنّ الجدار لغير الآمر، والشّجرة كذلك، فإنّ العامل هو الذي يغرم لا الآمر. لأنّ الضّمان هنا على المباشر. والعامل كان غير مضطر للعمل بقول الآمر: اهدم هذا الجدار أو اقطع هذه الشجرة، ولم يضفهما إلى نفسه.

القاعدة الرابعة والأربعون بعد الستمئة [المنع والجمع]

القاعدة الرّابعة والأربعون بعد السّتمئة [المنعُ والجمع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المنع من واحد مبهم من أعيان، أو معين مشتبه بأعيان يؤثر الاشتباه فيها المنع يمنع التّصرّف في تلك الأعيان قبل تمييزه. والمنع من الجمع يمنع من التّصرّف في القدر الذي يحصل به الجمع خاصّة. فإن حصل الجمع دفعة واحدة منع من الجميع مع التّساوي، فإن كان لواحد منهما مزيّة على غيره بأن يصحّ وروده على غيره ولا عكس اختصّ الفساد به على الصّحيح، والمنع من القدر المشترك كالمنع من الجميع يقتضي العموم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات جوانب متعدّدة يجمعها كلّها المنع من التّصرّف إمّا بسبب الإبهام وإمّا بسبب الجمع والعموم. فإذا وجد واحد مبهم مجهول بين أعيان كثيرة، أو كان معيناً لكنّه اشتبه بأعيان يؤثّر فيها الاشتباه. فإنّ تصرّف المكلّف بشيء من تلك الأعيان ممنوع وغير جائز قبل تمييز وفصل المبهم أو المشتبه أو ما ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 109.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

يراد التّصرّف فيه. وإذا منع شخص من الجمع، فإنّ المنع ينصبُّ على القدر الذي يحصل به الجمع خاصّة - لا ما قبله - ولكن إن حصل الجمع دفعة واحدة فإنّه يمنع من التّصرّف في الجميع إذا كانت متساوية، أمّا إذا كان أحدها مميّزاً عن غيره بسبب صحّة وروده على غيره ولا يصحّ ورود غيره عليه فإنّ الفساد يختصّ به على الصّحيح. وأخيراً: فإنّ المنع من القدر المشترك بين أشياء كالمنع من الجميع لإفادته العموم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلّق رجل واحدة مبهمة من زوجاته، مُنِع من وطء زوجاته كلَّهن حتى يبيّن المطلَّقة. أو يميّز بالقرعة على الصّحيح عند الحنابلة. ومنها: إذا أعتق واحدة من إمائه مبهمة مُنع من وطء أي واحدة منهنّ، أو بيعها حتى يعيّن أو يميّز بالقرعة. ومنها: إذا اشتبهت أخته نسباً أو رضاعاً بعدد محصور من الأجنبيات مُنِع من التّزوّج بكلّ واحدة منهنّ حتى يعلم أخته من غيرها. ومنها: إذا اشتبهت ميتة بمذكاة - وكلاهما مسلوخة - فإنّه يمنع من الأكل من أيّ منهما حتى يعلم المذكاة. ومنها: إذا أعطينا الأمان لواحد من أهل حصن، أو أسلم واحد منهم، ثم ادّعى كلّ واحد منهم أنّه المستأمن أو أنّه المسلم حَرُم قتلهم أو استرقاقهم جميعاً بغير خلاف.

ومن أمثلة الصّورة الثّانية: إذا ملك أختين أو أمَّاً وبنتها فالمشهور عند الحنابلة أنّ له الإقدام على وطء واحدة منهما ابتداء، فإذا فعل حَرُمت عليه الأخرى. لأنّه لا يجوز الجمع بينهما. ومنها: إذا أسلم على خمس نسوة ففارق واحدة، فإنّه يمسك عن وطء واحدة منهنّ حتى تستبرئ المفارقة، أي له وطء ثلاث دون الرّابعة حتى تنتهي عدّة المفارقة. ومنها: إذا تزوّج خمساً أو أختين في عقد واحد فالنّكاح باطل في الجميع؛ لأنّ الجمع حصل به دفعة واحدة ولا مزيّة للبعض على البعض فيبطل. بخلاف ما إذا تزوجهنّ بعقود متفرّقة فإنّما يبطل عقد الأخيرة فقط. ومنها: إذا تزوّج أمَّاً وبنتاً في عقد واحد ففيه وجهان: أحدهما: يبطل النّكاحان معاً. كالمثال السّابق. والثّاني يبطل نكاح الأم إذا عري عن الدّخول بخلاف العكس, لأنّ العقد على البنت يحرّم الأم، والدّخول بالأمّ يحرّم البنت. ومنها: إذا تزوّج حرّة وأمَةً في عقد واحد وهو فاقد لشرط نكاح الإماء، فإنّه يبطل نكاح الأمَة وحدها على الأصحّ. وذلك لأنّ الحرّة تمتاز عليها بصحّة ورود نكاحها عليها في مثل هذه الحال ولا عكس. ومن أمثلة الصّورة الثّالثة: وهو المنع من القدر المشترك:

إذا قال لزوجاته: لا وطئت إحداكن، ناوياً بذلك الامتناع عن وطء مسمّى إحداهنّ وهو القدر المشترك بين الجميع - لأنّ كلّ واحدة منهنّ هي إحداهن - فيكون مولياً من الجميع - مع أنّ العموم يستفاد أيضاً من كونه مفرداً مضافاً. أمّا لو قال: لا وطئت واحدة منكنّ. فالمذهب الصّحيح أنّه يعمّ الجميع أيضاً؛ لأنّ النّكرة في سياق النّفي للعموم. وقيل: يكون مولياً من واحدة غير مُعَيَّنة فتخرج بالقرعة. وهذا قول لا يصحّ.

القاعدة الخامسة والأربعون بعد الستمئة [المنفعة]

القاعدة الخامسة والأربعون بعد السّتمئة [المنفعة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المنفعة إنّما تملك بملك الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المعنى، فإنّ المنفعة النّاتجة عن أصل هي مملوكة لمن ملك الأصل، لأنّ مَن ملك الأصل ملك منفعته. فله الانتفاع بها أو نقل هذه المنفعة وبيعها إلى غيره بعقد الإجارة أو الهبة أو الإعارة أو غير ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى داراً أو سيّارة فقد ملك منفعة الدّار بسكناها أو تأجيرها، وله الانتفاع بالسّيّارة بنفسه أو وكيله أو غير ذلك من أنواع التّصرّفات. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أوصى برقبة عبد أو دار أو دابّة لشخص، وأوصى بمنفعة العبد أو الدّار أو الدّابّة لغيره، فذلك جائز، فهنا من يملك الرّقبة لا يملك المنفعة. ومنها: الأمَة يزوّجها سيّدها - فإنّه يملك رقبتها ولا يملك منفعة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 106.

بضعها ما دامت مزوّجة. ومنها: المرهون يملكه الرّاهن، وفي ملك منفعته أثناء الرّهن خلاف. ومنها: المبيع إذا كان ثمنه حالاً. فإنّ للبائع أن يمنع المشتري من الانتفاع به حتى يسلّم الثّمن. أمّا إذا كان الثّمن مؤجّلاً فلا يحقّ له منعه من الانتفاع به.

القاعدة السادسة والأربعون بعد الستمئة [فعل المحرم]

القاعدة السّادسة والأربعون بعد الستمئة [فعل المحرّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من فعل ما يعتقد تحريمه لم يقع مجزئاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا فعل شخص فعلاً معتقداً أنّه محرّم، فإنّ هذا الفعل لا يقع مجزّئاً أو مبرئاً للذّمّة، ولو كان الفعل في الواقع غير محرم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلّى لغير القبلة مع العلم والقدرة فإنّ صلاته باطلة غير مجزئة؛ لأن التّوجّه إلى غير القبلة - مع العلم والقدرة - محرّم. منها: إذا قصر المسافر معتقداً تحريم القصر، لم تصحّ صلاته؛ لأنّ نيّة التّقرّب بالصّلاة شرط، وهذا يعتقد أنّه عاص، فلم تحصل نيَّة التّقرّب. ومنها: إذا صلّى وهو يعتقد أنّه محدث - وهو قادر على إزالة حدثه - أو كان غير محدث حقيقة - فصلاته باطلة وهو آثم. ومنها: إذا صام في حال سفره وهو يعتقد أن صومه محرّم في السّفر. ومنها: إذا حجّ بمال مسروق - وهو يعتقد أنّ حجه بالمال المسروق حرام - لا يصحّ حجّه ولا تسقط عنه حجّة الإسلام. ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 266, 267.

القاعدة السابعة والأربعون بعد الستمئة [صلة من هو في دار الحرب بمن هو في دار الإسلام]

القاعدة السّابعة والأربعون بعد السّتمئة [صلة مَن هو في دار الحرب بمن هو في دار الإسلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من في دار الحرب في حقّ من هو في دار الإسلام كالميّت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دار الحرب - هي دار الكفر والشّرك - ودار الإسلام داران متقابلان لكلّ منهما حكم يخالف حكم الآخر، ولكلّ منهما أحكام تخصّه. ولذلك فإنّ بين الدّارين قطيعة وانفصال - كانفصال وقطيعة وبعد الكفر عن الإيمان والإِسلام -. ولذلك فإن مَن في دار الحرب لا يرث من هو في دار الإسلام، ولذلك فإنّ السّاكن والمقيم في دار الحرب يعتبر في حقّ من هو في دار الإسلام كالميّت في أحكامه. وأمّا المسلم حيثما كان في ديار الإسلام - وإن قُسَّمت الآن دولاً وشعوباً وجنسيات مختلفة - أقول رغم ذلك الاختلاف والانفصال فالمسلم في كلّ دار من دور الإسلام يرث أخاه المسلم ويورّثه حيثما كان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وُجد حربي مستأمن في دار الإسلام، وأوصى بماله كلِّه لمسلم أو ذمّي، فهو جائز؛ لأنّ حكم الإسلام لا يجري على ورثته؛ لأنّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 93.

امتناع نفوذ الوصيّة فيما زاد على الثّلث لحقّ الورثة، وليس لورثة الحربي حقّ مرعي في دار الإسلام. ومنها: إذا أعتق المستأمن عبداً له عند الموت أو دبَّره - وهو في دار الإسلام - فذلك صحيح منه، من غير اعتبار الثّلث كذلك. ومنها: إذا أوصى ذمّي لحربي في دار الحرب لم تجز الوصيّة؛ لتباين الدّارين بينهما حقيقة وحكماً، ولذلك لا يجري التّوارث بينهما.

القاعدة الثامنة والأربعون بعد الستمئة [قول ذي اليد]

القاعدة الثّامنة والأربعون بعد السّتمئة [قول ذي اليد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من في يده شيء فقوله مقبول فيه ما لم يحضر خصم ينازعه في ذلك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة سبقت في حرف الألف تحت الرّقم 601 ولفظها (الأموال باقية على ملك أربابها) (¬2). فمن كان في يده أو تحت يده وتصرّفه شيء فقوله بأنّه ملكه قول مقبول منه بغير يمين بشرط أن لا يحضر خصم ينازعه في ذلك؛ لأنّه إذا حضر خصم أو وجد خصم ينازعه في ملكيّة ما في يده، أو ما تحت يده فإنّ مجردّ قوله غير مقبول، فإذا رفع الأمر للقضاء فعلى خصمه البيَّنة، وإلا فعليه اليمين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حضر إنسان إلى السّوق ومعه شيء يريد بيعه كسّيّارة أو شاة أو ملابس أو سلعة غير ذلك، فإنّ مَن يريد الشّراء له الحقّ في شراء تلك السّلعة، ولا يجب عليه أن يستفسر من البائع إن كانت هذه السّلعة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 9. (¬2) المجموع المذهّب الوجه 125، قواعد الحصني جـ 4 ص 3.

ملكه أو غير ملكه، إلا عند الشّكّ في أمانة البائع - بأن عُرِف عنه الخيانة أو السّرقة مثلاً -. لكن إذا جاء خصم وقال. لا تشتر هذه السّلعة منه؛ لأنّها ملكي أو لأنّها ليست ملكه، فهنا يجب على المشتري أن يتوقّف عن الشّراء، وعلى الخصم المدّعي إثبات دعواه أمام القضاء بالبيِّنة أنّ هذه السّلعة ليست ملك مَن هي في يده أو تحت يده. وإن لم يأت بالبيَّنة فإنّ القاضي يوجّه اليمين على المدّعَى عليه، فإن حلف ثبتت يده وصحّ قوله لما في يده. ومنها: إذا كانت دار ميراثاً بين قوم حضور تصادقوا عند القاضي عليها وأرادوا القسمة، وسألوا القاضي أن يقسمها بينهم، فإنّ القاضي يقسمها بينهم ويشهد عليهم أنّه قسمّها بإقرارهم، وقضى بذلك عليهم دون غيرهم؛ لأنّ اليد فيها لهم، وهذا عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وأمّا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلا يقسم القاضي العقار بإقرار الورثة حتى تقوم البيَّنة على أصل الميراث.

القاعدة التاسعة والأربعون بعد الستمئة [مقبول الرواية والشهادة]

القاعدة التّاسعة والأربعون بعد السّتمئة [مقبول الرّواية والشّهادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن قُبِلت روايته أو شهادته في شيء فهل يكتفى بإطلاقه القول في ذلك أو يكلّف بيان السّبب (¬1)؟ يختلف الأمر باختلاف الصّور. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من تقبل روايته - أي في نقل الأحاديث والأخبار - أو تقبل شهادته في شيء أو على شيء أمام القاضي - ولا يكون كذلك إلا وهو عدل مقبول - فإذا روى أو شهد في شيء ما وأطلق القول فهل يكتفي بذلك، أو لا بدّ من بيان السّبب؟ قالوا: إذا كان الشّيء لا تشتبه طرقه، ولا يختلف فيه المجتهدون فلا يكلّف بيان السّبب. لكن فيما اشتبهت طرقه، واختلف المجتهدون فيه ففي تكليفه بيان السّبب خلاف، هل يكلّف طلباً للاحتياط ودرءاً للاحتمال، أو لا يكلّف إذا كان جاهلاً حيث لا يقبل خبره ولا شهادته في ذلك - والكلام في العالم مقبول الرّواية والشّهادة لا الجاهل - وإذا كان عالماً فهو يدري أين يضع قوله. أو يكلّف عدم ذكره لئلا يورث ذكره إيّاه ريبة؟ خلاف باختلاف ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 329.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الصّور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّهادة بالجرح والتّعديل، الصّحيح لا بدّ من بيان سبب الجرح دون التّعديل. ومنها: إذا أخبره ثقة بنجاسة الماء، أو شهد به شاهدان، لم يقبل ما لم يبيّن سبب االنّجاسة، لكن إذا كان المخبر فقيهاً موافقاً في المذهب، فلا يكلّف بيان السّبب. ومنها: إذا شهد باستحقاقه الشّفعة، فلا بدّ من بيان السّبب. ومنها: إذا شهد بأنّ هذا وارث هذا الميّت، لا بدّ من بيان السّبب الذي يستحقّ به الميراث.

القاعدة الخمسون بعد الستمئة [القول في الأصل والصفة]

القاعدة الخمسون بعد السّتمئة [القول في الأصل والصّفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من قُبِل قوله في أصل الشّيء كان القول قوله في صفته (¬1). أو قبل القول في فرعه (1)، لأنّه تابعه. وفي لفظ: من كان القول قوله في أصل الشّيء كان القول قوله في صفته (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق القول بأنّ من في يده شيء فقوله مقبول فيه، فمن قبل قوله في ملكيّة شيء يخصّه، كان القول قوله أيضاً في صفته؛ لأنّ الصّفة تتبع الموصوف، وصاحب الشّيء ومالكه أعلم بصفته من غيره، وكذلك يكون القول قوله في فرعه؛ لأنّ الفرع تابع لأصله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا جاء شخص بقماش لخيّاط، وقال له: اقطع لي من هذا القماش قميصاً، ثم إنّ الخيّاط قطعه قباء، فاختلفا. فقال صاحب الثّوب: أذنت في قطع الثّوب أو القماش قميصاً. وقال الخيّاط: بل أذنت في قطعه قباءً. فالقول قول صاحب القماش مع يمينه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 286 بتصرّف. (¬2) المغني جـ 5 ص 104، المنثور جـ 3 ص 219.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

أمّا إذا كان القماش للخيّاط فالقول قوله مع اليمين. ومنها: إذا قال: بعتك هذه النّخلة بعد التّأبير - أي التّلقيح - فالثّمرة لي. وقال: المشتري بل بعتني قبل التّأبير. فالقول قول البائع. لأنّه مالك الأصل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: غاب الزّوج سنة، ثم ادّعى أنّه طلَّق بائناً في صدر مدّة الغيبة - أي في أوّل سنة غيابه - فكذّبته الزّوجة وطالبت بالنّفقة. قالوا: القول قولها في حقّها. والقول قوله في أصل الطّلاق. ومنها: الأصحّ أنّ القول قول مدّعي صحّة البيع دون فساده، مع أنّهما لو اختلفا في أصل البيع فالقول قول البائع.

القاعدتان الحادية والثانية والخمسون بعد الستمئة [المماثلة]

القاعدتان الحادية والثّانية والخمسون بعد السّتمئة [المماثلة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من قُتِل بشخص قُطع به ومن لا فلا (¬1). ومن قُتِل بشيء قُتِل بمثله (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان قاعدتان تتعلّقان بوجوب المماثلة، فأولاهما: تتعلّق بوجوب المماثلة في الأشخاص والمساواة بينهم، فإنّ مَن قتل مساويه عمداً عدواناً قتل به، ومن قُتِل بمن قتل - أي مَن اقتُصّ منه لقتل مساويه ومكافئه - اقتُصّ منه لقطع طرف من أطرافه عمداً. ومن لم يقتل بالشّخص لعدم المساواة لا يقطع طرف بقطع طرف منه. وثانيتهما: تتعلّق بوجوب المساواة بآلة القتل، فمن قَتَل بالسّيف قُتِل به. إلا فيما استثني. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قطع حرّ يد مسلم حرٍّ مسلم مثله قطع به؛ لأنّ الحرّ المسلم يقتل بالحرّ المسلم. ومنها: من قتل غيره بالسّيف قُتِل به. ومن قتل غيره ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 484. (¬2) نفس المصدر ص 486.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

بالرّصاص قُتِل به. رابعاً: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين: لا تقطع اليد الشّلاء بالصّحيحة ولا الصّحيحة بالشّلاء؛ لأنّ شرط قطع اليد أن تكون نصفاً من صاحبها وليست الشّلاء كذلك. مع أنّ صاحب اليد الصّحيحة يقتل بصاحب اليد الشّلاء والعكس. ومنها: إذا جنى المكاتب على عبده في الطّرف فله القصاص منه، مع أنّه لا يقتل به على الأصحّ. ومنها: من قتل غيره بمحرّم كإيجار الخمر حتى قتله، أو لاط به حتى قتله لا يقتل بالمثل وإنّما يقتل بالسّيف. وممّا اختلف فيه: هل إذا قتله بالسّمّ يقتل به أو بالسّيف؟ ومنها: إذا أنهشه أفعى أو حبسه مع سبع في مضيق، فهل يتعيّن السّيف أو يقتل بمثل ما فعل؟ ورجّح بعضهم الثّاني.

القاعدة الثالثة والخمسون بعد الستمئة [القدرة على الأصل والبدل]

القاعدة الثّالثة والخمسون بعد السّتمئة [القدرة على الأصل والبدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن قدر على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل لا يلزمه الإعادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة واضحة المعنى من حيث إنّ البدل لا يُنتقل إليه إلا عند انعدام الأصل - أي المبدل منه - أو عند عدم القدرة عليه مع وجوده - فإذا أضطرّ إنسان إلى البدل في أمر ما، وحصل المقصود منه، ثم وُجد الأصل المبدل منه، أو قُدِر عليه، فليس له أن يعيد الفعل الذي فعله بالبدل؛ لأنّ البدل يقوم مقام الأصل عند عدمه وفقده، أو عند عدم القدرة على استعماله مطلقاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أراد الطّهارة للصّلاة فلم يجد الماء، أو وجده ولكن لم يستطع استعماله لشدّة برد أو مرض، فتيمّم وصلّى بتيمّمه، ثم وجد الماء أو قدر على استعماله بتسخينه أو زوال مرضه، فلا يجب عليه أن يعيد الصّلاة التي صلاّها بالتّيمّم. ومنها: إذا أراد أن يكفّر على يمينه، فلم يستطع الرّقبة ولم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 90.

يستطع الإطعام أو الكسوة، فصام ثلاثة أيّام، ثم قدر على أحد الثّلاثة السّابقة، فليس له أن يفعل أحدها عن كفّارته؛ لأنّه كفَّر بالصّيام. ومنها: القاتل خطأ لم يجد أو لم يستطع إعتاق رقبة، فصام شهرين متتابعين، ثم وجد الرّقبة، فلا يلزمه الإعتاق.

القاعدة الرابعة والخمسون بعد الستمئة [الإنشاء والإقرار]

القاعدة الرّابعة والخمسون بعد السّتمئة [الإنشاء والإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن قدِر على الإنشاء قدر على الإقرار (¬1). أو من ملك الإنشاء ملك الإقرار ومن لا فلا (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القادر على الفعل الآن - وهذا معنى إنشاء الفعل - فهو قادر أيضاً على الإقرار والاعتراف به. ويقبل منه إقراره بأنّه فعله قبل ذلك؛ لأنّه إذا لم يقبل إقراره فله فعله الآن. أمّا إذا لم يقدرعلى الفعل الآن - لزوال وقته أو لوجود مانع - فإقراره لا يقبَل منه، ولا يصدّق على ما أقرّ به. وينظر من قواعد الهمزة القواعد 398، 533 - 535. والقاعدتان السّادسة والسّابعة والثّمانون بعد الخمسمئة من قواعد هذا الحرف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال: إنّه أرجع زوجته في العدّة من طلاق رجعي، فأنكرت ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 340 ب. مختصر ابن خطيب الدهشة ص 332، قواعد الحصني جـ 2 ص 169. (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 347، الاعتناء ج 2 ص 616، أشباه السيوطي ص 464.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الزّوجة الرّجعة، فإذا كانت العدّة ما زالت باقية ولم تنته فإنّ الزّوج يصدّق في إقراره ويكون القول قوله؛ لأنّه قادر الآن على إرجاعها. وأمّا إذا كانت العِدَّة قد انتهت فلا يقبل قوله إلا بالبيِّنة. ومنها: إذا أقرّ المريض بمرض الموت لأجنبي بحقّ، قُبل إقراره؛ لأنّه قادر الآن على إنشائه. بخلاف إقراره للوارث فلا يقبل للتّهمة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الوكيل في البيع وقبض الثّمن، إذا أقرّ بذلك وكذّبه الموكّل، لا يقبل قول الوكيل مع قدرته على الإنشاء. ومنها: وليّ السّفيه يقدر على تزويجه، ولكن لا يملك الإقرار به. ومنها: المرأة يقبل إقرارها بالنّكاح، ولا تقدر على إنشائه. ومنها: المريض يقبل إقراره بهبة وإقباض للوارث في الصّحّة، ولكن لا يقبل هذا في مرضه للتّهمة. ومنها: الإقرار بالنّسب يمكنه، ولكن لا يمكنه إنشاؤه.

القاعدتان الخامسة والسادسة والخمسون بعد الستمئة [القدرة على البعض]

القاعدتان الخامسة والسادسة والخمسون بعد السّتمئة [القدرة على البعض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: من قدرعلى بعض الشّيء لزمه (¬1). وفي لفظ: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا (¬2)؟. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق بيان مثل هاتين القاعدتين ضمن قواعد حرف (لا) تحت الأرقام 11، 82. ودليل هاتين القاعدتين قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (¬4). فمن أمر بعبادة أو عمل أو تصرّف فلم يقدر على الإتيان به كاملاً كما أُمِر فليأت منه ما استطاعه، ممّا هو واقع تحت قدرته واستطاعته، فالمعجوز عنه ساقط؛ لأنّه (لا واجب مع عجز) كما سبق بيانه، ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 126، 298. (¬2) قواعد ابن رجب ق 8. وينظر الوجيز ص 396. (¬3) الآية 16 من سورة التّغابن. (¬4) الحديث سبق تخريجه.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

والأمر الذي يستطيع المكلّف فعله وهو يسير عليه لا يسقط بما شقّ عليه فعله وعَسُر. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من قدر على بعض الفطرة لزمه إخراج ما يقدر عليه. ومنها: إذا لم يستطع الصّلاة قائماً فليصلّ قاعداً - إن استطاع - وإلا على جنب أو يومئ إيماءً. ومنها: إذا لم يجد ماءً يكفيه للوضوء فليغسل ما استطاع ويتيمّم للباقي.

القاعدة السابعة والخمسون بعد الستمئة [المعاملة بنقيض القصد]

القاعدة السّابعة والخمسون بعد السّتمئة [المعاملة بنقيض القصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن قصد إلى ما فيه إبطال قصد الشّارع عوقب بنقيض قصده (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أمثال لهذه القاعدة - تنظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 464. ومن قواعد هذا الحرف القاعدة رقم 563. وينظر الوجيز مع الشّرح والبيان ص 159 فما بعدها. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه للروكي ص 275 عن الإشراف جـ 2 ص 134.

القاعدة الثامنة والخمسون بعد الستمئة [الساعي لمنفعة المسلمين]

القاعدة الثّامنة والخمسون بعد السّتمئة [السّاعي لمنفعة المسلمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من كان سعيه في توفير المنفعة على المسلمين فهو في الحكم كأنّه معهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذي يسعى ويعمل في سبيل مصلحة جماعة المسلمين فهو في حكم من هو معهم، وإن كان في الواقع بعيداً عنهم في سفر أو بلد آخر؛ لأنّ انشغاله بمصلحة المسلمين أمر مهمّ للجماعة وتعود منفعته عليهم. فلذلك إنّ السّاعي لمصلحة جماعة المسلمين يستحقّ من الغنيمة أو الفيء أو المال العامّ - بيت مال المسلمين - ما يستحقّه من هو في المعركة. ودليل هذه القاعدة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسهم لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من غنائم بدر - ولم يحضرها - لأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان قد وجهه إلى ناحية الشّام لمنفعة المسلمين (¬2). وأنّه عليه الصّلاة والسّلام بعث محيصة بن مسعود الأنصاري رضي الله عنه إلى أهل فدك وهو محاصر خيبر، ففتحها وهو غائب ثم ¬

_ (¬1) شرح السير ص 979، 984. (¬2) ينظر سيرة ابن هشام جـ 2 ص 326.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

جاء فضرب له بسهم (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا خرج مسلم مع الجيش على فرسه محارباً، ثم إنّ العدو أسره، فإنّ له سهم الفارس - وإن لم يقاتل -؛ لأنّه انعقد له سبب الاستحقاق معهم بدخول دار الحرب. ومنها: إذا بعث القائد أو الأمير رسولاً في بعض حوائج المسلمين إلى دار الحرب، ولمّا دخل الرّسول إليهم بأمان أصاب المسلمون غنائم بعد ذلك، ثم رجع الرّسول، فإنّه يستحقّ سهم الفرسان معهم إن كان فارساً. سواء أخرج إليهم فارساً أم راجلاً. ومنها: السّفراء والقناصل الذين يمثّلون بلادهم في الخارج هم يعملون في مصلحة بلادهم، فلهم ما لسكان البلاد من الحقوق والمصالح؛ لأنّهم إنّما خرجوا لتوفير المنفعة على المسلمين. ¬

_ (¬1) وينظر سيرة ابن هشام جـ 3 ص 297.

القاعدة التاسعة والخمسون بعد الستمئة [الأصل والصفة]

القاعدة التّاسعة والخمسون بعد السّتمئة [الأصل والصّفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من كان القول قوله في أصل الشّيء كان القول قوله في صفته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة وذكر هناك معناها ومدلولها تحت الرّقم 650. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إضافة لما سبق. إذا اختلف الزّوجان في عدد الطّلاق، كان القول قول الزّوج؛ لأنّ له القول في أصل الطّلاق فكذلك كان القول قوله في عدده. ومنها: إذا فوّض الزّوج إلى زوجته طلاقها بكناية، واختلفا في النّيَّة، صدِّق الناوي نفياً وإثباتاً؛ لأنّه أعرف بضميره. ومنها: إذا قال الموكَّل للوكيل: اشتر لي سيارة بعشرة آلاف. فاشتراها، ثم ادَّعى الموكِّل أنه اشتراها بأقلّ من العشرة، فالقول قول الوكيل؛ لأنّ القول قوله في أصل الشّراء. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 104، المنثور جـ 3 ص 219.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا اختلف المشتريان من شخص في كيفية الشّراء، فإنّه لا يرجع إلى البائع. ومنها: إذا ادّعت الزّوجة الحيض وكذّبها الزّوج، فالقول قولها، أمّا إن اتّفقا على الحيض واختلفا في الانقطاع، فالقول قولها.

القاعدة الستون بعد الستمئة [الأمن في الحرم]

القاعدة السّتّون بعد السّتمئة [الأمن في الحرم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من كان مباح الدّم خارج الحرم يستفيد الأمن بدخول الحرم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحرم: المراد به المسجد الحرام بمكّة المكرّمة، فمن أبيح دمه خارج الحرم بسبب من الأسباب المبيحة للدّم ثم دخل المسجد الحرام، فلا يجوز قتله فيه؛ لأنّه يستفيد الأمن بدخول الحرم لقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬2). ولكن ينهى النّاس عن معاملته أو إطعامه حتى يخرج. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل شخص آخر متعمّداً، ووجب عليه القصاص، فهرب وتحصّن بالمسجد الحرام، فلا يجوز إراقة دمه فيه، ولكن يضايق ويمنع عنه الطّعام حتى يخرج بنفسه. ومنها: إذا دخل الحربيّ الذي لا أمان له الحرم، فإنّه لا يهاج له بقتل ولا أسر، ولكن إن أسلم قبل أن يخرج فهو حرّ لا سبيل عليه. وإن ¬

_ (¬1) شرح السير ص 366. (¬2) الآية 97 من سورة آل عمران.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

أبى أن يسلم وجعل يتردّد في الحرم، فإنّه لا يجالس ولا يطعم ولا يباع حتى يضطر ويخرج؛ لأنّه بسبب الأمن في الحرم يتعذّر علينا التّعرّض له بالإساءة، ولا يلزمنا الإحسان إليه؛ لأنّ منع الإحسان يكون إساءة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا دخل جماعة الحرم للقتال، فلا بأس للمسلمين أن يقتلوهم، لقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} (¬1). ¬

_ (¬1) الآية 191 من سورة البقرة.

القاعدة الحادية والستون بعد الستمئة [المنكر]

القاعدة الحادية والسّتّون بعد السّتمئة [المنكّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُنَكَّر إذا أعيد مُنَكَّراً كان الثّاني غير الأوّل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة لغويّة فقهيّة، فاللفظ المنكَّر - وهو اللفظ غير المعرّف - كرجل، إذا أعيد في جملة واحدة، فإنّ اللفظ الثّاني يكون غير الأوّل. ودليل ذلك قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} (¬2). فإن لفظ العسر ورد معرّفاً بالألف واللام، واليسر ورد منكَّراً، فقال جلُّ اللغويين والمفسّرين: إنّ العسر واحد لأنّه مُعَرَّف، والثّاني هو الأوّل، ولكن اليسر ورد مُنَكَّراً فالثّاني غير الأوّل. وينظر في تفصيل بذلك نظم الدرر جـ 22 ص 123 - 127. وفي الحديث - ويروى عن ابن عبّاس رضي الله عنهما "لن يغلب عُسرٌ يسرين". وينظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان جـ 8 ص 488، والدّر المصون جـ 6 ص 541، والدّر المنثور جـ 6 ص 616. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 139. (¬2) الآيتان 5، 6 من سورة الشرح.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والحديث ورد متّصلاً عن جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك وابن مسعود رضي الله عنهم كما ورد منقطعاً عن الحسن البصري وقتاده. وموقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه. والخبر أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه، والبزّار، وابن أبي حاتم، والطّبراني في الأوسط، والحاكم والبيهقي في الشّعب. وابن النّجار، وعبد الرّزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي الدّنيا في الصّبر، وابن المنذر، بطرق مختلفة. وينظر في تخريج ذلك الدّر المنثور جـ 6 ص 616 - 617. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الرّجل لزوجته: أنت طالق نصف تطليقة من التّطليقات الثّلاث، وثلث تطليقة، وربع تطليقة - وقد دخل بها - فهي طالق ثلاثاً؛ لأنّه أوقع من كلّ تطليقة من التّطليقات الثّلاث جزءاً - (وما لا يتبعّض فذكر بعضه كذكر كلّه) - وقد نكَّر التّطليقة في كلّ كلمة، والمُنَكَّر إذا أعيد مُنَكَّراً كان الثّاني غير الأوّل. أمّا إذا قال: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وربعها، لم تطلق إلا واحدة؛ لأنّه أضاف الأجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة بإعادة الضمير. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (¬1). ¬

_ (¬1) الآية 84 من سورة الزّخرف.

القاعدة الثانية والستون بعد الستمئة [الجناية]

القاعدة الثّانية والسّتّون بعد السّتمئة [الجناية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا مدخل له في الجناية لا يطالب بجناية جانيها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة تحت الرّقم 615 وكما سبق مثلها ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 127. ومفادها: أنّ الجاني هو المطالب والمعاقب بجنايته، وأنّ من لم يجنِ لا يطالب بجناية غيره؛ لأنّه لا تزر وازرة وزر أخرى. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 558، وأشباه ابن السبكي جـ 1 ص 392، وأشباه السيوطي ص 487.

القاعدة الثالثة والستون بعد الستمئة [التصرف والوكالة والإذن]

القاعدة الثّالثة والسّتّون بعد السّتمئة [التّصرّف والوكالة والإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يجوز تصرّفه لا يجوز توكيله ولا وكالته (¬1). وفي لفظ: من لا يملك التّصرّف لا يملك الإذن فيه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هاتين القاعدتين: وينظر القاعدتان 632، 633. فالشّخص الذي لا يجوز له أن يتصرّف ولا يملك التّصرّف لصغر أو حجر أو رقّ، أو غير ذلك من الأسباب لا يجوز له أن يتوكّل لغيره ولا أن يوكّل غيره؛ لأنّ فاقد الشّيء لا يعطيه. وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة 202. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحجور عن البيع أو التّعاقد لا يجوز له أن يتوكّل لغيره، كما لا يجوز له أن يوكّل غيره فيما هو محجور عنه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 325، أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 451 وقد سبقت. (¬2) المنثور جـ 3 ص 211.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: الأعمى لا يجوز بيعه ولا شراؤه - عند الشّافعيّة - لكن يجوز أن يوكّل غيره في ذلك للضّرورة. ومنها: الصّبي المميّز تصحّ وكالته في الإذن في دخول الدّار وحمل الهدية.

القاعدة الرابعة والستون بعد الستمئة [من لا يعبر عن نفسه]

القاعدة الرّابعة والسّتّون بعد السّتمئة [من لا يعبَّر عن نفسه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يعبِّر عن نفسه بمنزلة المتاع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالتّعبير عن النّفس: النّطق وإفهام الآخرين ما يريد، وما يجول في نفسه؛ لأنّه لمّا كان الكلام هو وسيلة التّعبير عمّا في النّفس والضّمير - وقد يقوم مقام ذلك الإشارة والكتابة - فإنّ من لا يستطيع الكلام ولا الإشارة ولا الكتابة للتّعبير عمّا في نفسه فإنّه يكون بمنزلة المتاع والجماد - أي في التّصرّف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: طفل صغير في يد رجل يدّعي أنّه ابنه، فالقول قوله؛ لأنّ الصّغير لا يعبِّر عن نفسه، ولأنّ قول ذي اليد فيما في يده حجّة للدّفع. أمّا إذا ادّعى آخر أنّه ابنه فعليه البيّنة؛ لأنّه يدّعي نسباً في يد غيره، فلا يقبل قوله إلا بحجّة، فإن أقام البيّنة أنّه ابنه قضي له به؛ لأنّه أثبت دعواه بالحجّة. ولأنّ البيَّنة لا يعارضها اليد ولا قول ذي اليد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 80.

ومنها: إذا كان الصّبي الصّغير في يد رجل، فأقامت امرأة شاهدين أنّه ابنها، قضي بالنّسب منها لإثباتها الدّعوى بالحجّة. وإن كان ذو اليد يدّعيه لم يُقْضَ له به, لأنّ مجرّد الدّعوى لا يعارض البيّنة.

القاعدة الخامسة والستون بعد الستمئة [من لا يعتبر علمه]

القاعدة الخامسة والسّتّون بعد الستّمئة [من لا يعتبر علمه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن لا يعتبر رضاه لفسخ عقد أو حلِّه لا يعتبر علمه به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: فسخ العقد أو حلُّه وإبطاله إنّما هو من حقّ العاقدين، ولكن من التّصرّفات ما لا يشترط فيها علم من لا يعتبر رضاه بذلك التّصرّف كالفسخ أو الحلّ؛ وذلك لأنّ المتصرّف بالفسخ أو الحل والإبطال يملك ذلك ويستقلّ به منفرداً ولا يشترط فيه رضا الطّرف الآخر، ولذلك لا يشترط ولا يعتبر علمه به حين الفسخ أو الحلّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّلاق يملكه الزّوج، ولا يشترط فيه علم الزّوجة لأخذ موافقتها عليه؛ لأنّه لا يشترط في الطّلاق رضاها، ومثله الخلع، ولذلك يجوز أن يطلق الأجنبي ويخالع نيابة عن الزّوج. ولكن البيع اللازم يشترط فيه رضا المتبايعين ولا يستقلّ أحدهما بفسخه أو حلِّه. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 63.

ومنها: العتق ولو كان على مال لا يشترط رضا المعتَق ولا علمه، نحو إذا قال: أعتق عبدك عنّي وعليّ ثمنه. جاز إعتاقه. ومنها: فسخ نكاح المعتقة تحت العبد، حيث لها فسخ النّكاح ولو لم يعلم الزّوج ولم يرض. ومنها: فسخ المعيب والمدلّس.

القاعدة السادسة والستون بعد الستمئة [المعين معان - المعاملة بالمثل]

القاعدة السادسة والسّتّون بعد السّتمئة [المعين معان - المعاملة بالمثل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يعين غيره لا يعان عند حاجته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحياة تعاون. وقد أمر الله عَزَّ وَجَلَّ المؤمنين بالتّعاون على البرّ والتّقوى، قال الله عزّ وجلّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬2). وتعاون النّاس بينهم فيما ينفعهم يعتبر من مكارم الأخلاق؛ لأنّ الإنسان مهما بلغت قوّته فهو ضعيف في كثير من أموره، فهو محتاج إلى مساعدة الآخرين في كثير من شؤونه، فإذا وجد شخص لا يعين غيره فيما ينوبه ويحتاجه - وهذا مع الأسف اليوم كثير - فإنّ هذا الشّخص يستحقّ أن يعامل بمثل معاملته لغيره فلا يعان إذا احتاج للمعاونة، ولا يساعد إذا احتاج للمساعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان غني ذو وفرة ومال لا يخرج زكاة ماله، ولا يتصدّق على المحتاجين، ولا يعين ذوي الحاجات، وعرف عنه ذلك، فإنّه إذا افتقر وسأل النّاس فحقّ هذا أن لا يعينه أحد عند حاجته ولا يساعده. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 173. (¬2) الآية 2 من سورة المائدة.

ومنها: إذا أراد شخص أن يحمل شيئاً ثقيلاً على سيّارته أو دابّته، وطلب من جاره أو من شخص بجواره أن يعينه فلم يُعِنْه ولم يحمل معه، ثم إنّ هذا الجار أو الشّخص احتاج لمثل ذلك فإنّ من حقّ جاره أن لا يعينه، معاملة له بالمثل. لكن أقول: من مكارم الأخلاق العالية أن لا يقابل السّيّئ بالسّيّئ، ولكن يقابل السّيّئ بالحسن، لعلّ من أساء يرتدع ويرعوي. ومنها: جواز التّوكّل عن الغير في بعض شؤونه، فإنّ من تقبل وكالته يقبل التّوكّل عن غيره، ومن يعين غيره يُعان.

القاعدة السابعة والستون بعد الستمئة [الولاية والتصرف]

القاعدة السّابعة والسّتّون بعد السّتمئة [الولاية والتّصرّف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يلي على غيره لا يجوز تصرّفه في حقّه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الولاية على الغير شرعت عند الضّرورة، كأن يكون المولَّى عليه صغيراً لا يتصرّف على نفسه أو مجنوناً أو محجوراً، أو لا يجوز له التّصرّف لصفة فيه، أو لغير ذلك من الأسباب، وللولي التّصرّف عمّن وُلِّيَ عليه في جميع شؤونه أو بعضها بحسب نوع ولايته، لكن مَن لا يكون وليّاً عن غيره لا يجوز له أن يتصرّف في أي حقّ من حقوقه؛ لأنّه أجنبي عنه، ولأنّ تصرّفه هذا يكون تصرّفاً فضوليّاً يلزم لجوازه إجازة المتصرّف عنه، والمتصرّف عنه هنا محجور على التّصرّف فلا يصحّ إذنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شخص متاع صغير أو عقاره - وهو ليس وليّاً أو وصيّاً عليه - فإنّ بيعه هذا غير نافذ وغير جائز؛ لأنّه تصرّف فضولي يقع موقوفاً على إجازة المالك والمالك غير مأذون له في التّصرّف لصغره، ولذلك يقع تصرّف الفضولي باطلاً. ومنها: مَن زوّج امرأة من غير علمها ولا رضاها - وهو ليس وليّاً لها ولا أباً - فإنّ عقده هذا باطل لا يلزمها. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 101 ب.

القاعدة الثامنة والستون بعد الستمئة [التصرف والإذن]

القاعدة الثّامنة والسّتّون بعد السّتمئة [التّصرّف والإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يملك التّصرّف لا يملك الإذن فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثال لهذه القاعدة وبيان. ينظر القاعدة رقم 666. إن ملك الإذن في التّصرّف ينبني على ملك التّصرّف، فكما سبق ذكره أنّ من لا يجوز تصرّفه لا يجوز توكيله، والوكالة هي إذن بالتّصرّف. فالصّغير والمجنون والمحجور لا يملكون التّصرّف، وبناء على ذلك لا يملكون الإذن فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحرم لا يملك النّكاح - حال إحرامه - فكذلك لا يملك ولا يجوز له أن يوكّل من يزوّجه حال إحرامه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: المرأة لا تعقد النّكاح لنفسها ولا تملك ذلك، لكن يجوز أن توكّل رجلاً ليزوّجها إذا أذن الولي في ذلك. ومنها: أن يوكّل رجل امرأة في أن توكّل رجلاً ليزوّج موليته، ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 211.

فإنّه يصحّ. ومنها: إذا كانت امرأة في سفر ومات وليّها، فيجوز لها أن توكّل رجلاً ليزوّجها.

القاعدة التاسعة والستون بعد الستمئة [فاقد الشيء]

القاعدة التّاسعة والسّتّون بعد السّتمئة [فاقد الشّيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يملك شراء شيء لنفسه لا يملك ذلك لغيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى ممّا سبقها من قواعد تفيد عدم جواز تصرّف من لا يملك التّصرّف لنفسه، ولكنّها تخصّ تصرّفاً خاصّاً وهو الشّراء. فمن لا يستطيع ولا يجوز له أن يشتري شيئاً لنفسه - لأنّه ممنوع من التّصرّف القولي - كالمحجور والصّغير والمجنون - فإنّه لا يملك أن يشتري شيئاً لغيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: البائع لا يجوز أن يكون وكيلاً في طلب شفعة ما باع؛ لأنّه لا يملك شراء المبيع من نفسه، ولا يملك أخذ الشّفعة لنفسه. ومنها: المحجور الممنوع من التّصرّف لا يصحّ أن يتصرّف ويشتري شيئاً لغيره. ومنها: عند الشّافعيّة: إنّ الأعمى لا يملك أن يشتري شيئاً لنفسه، ولذلك فهو لا يملك أن يشتري شيئاً لغيره. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 165.

القاعدة السبعون بعد الستمئة [التنجيز والتعليق]

القاعدة السّبعون بعد السّتمئة [التّنجيز والتّعليق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يملك التّنجيز لا يملك التّعليق (¬1). ومن يملك التّنجيز يملك التّعليق (1). وفي لفظ: من مَلك التّنجيز ملك التّعليق (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّنجيز والتّعليق لفظان متقابلان. فالتّنجيز: معناه التّصرّف الحالي الذي لا يقبل التّأخير ولا الشّرط. والتّعليق - كما سبق بيانه أكثر من مرّة - هو ربط صحّة التّصرّف وتمامه بأجل أو شرط. فمن لا يملك ولا يستطيع تنجيز التّصرّف فهو بالأحرى لا يملك تعليقه بالشّرط أو غيره، ولكن من يملك أن ينجز تصرّفه يملك أن يعلّقه. والتّنجيز والتّعليق تصرّف في العقد فمن ملك أحدهما وهو التّنجيز ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 211. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 368، وترتيب اللآلي لوحة 103 ب، أشباه ابن نجيم ص 368 وعنه قواعد الفقه ص 130.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

- وهو الأصل في المعاملات - ملك الثّاني وهو فرعه ومترتّب عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تمكّن الشّخص من بيع ماله أو أرضه أو متاعه مُنَجَّزاً حالاً غير متعلّق بأجل أو شرط، أمكنه أن يبعه معلّقاً على شرط، أو بأجل. ومنها: الصّبي لا يملك تنجيز التّصرّف ولا المعاملة؛ لأنّه ممنوع من التّصرّف، فبالتّالي لا يملك تعليقه على شرط أو أجل. ومثله المحجور والمجنون. ومنها: الفضولي لا يملك تنجيز العقد - لأنّه موقوف على إجازة المالك - ولذلك لا يملك تعليقه إلا إذا علّقه على إجازة صاحب العلاقة. ومنها: لا يقع الطّلاق المعلّق على المرأة التي لا يملك نكاحها؛ لأنّه لا يملك تنجيز الطّلاق الآن. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الوكيل بالطّلاق يملك التّنجيز ولا يملك التّعليق. ومنها: العبد يملك تطليقتين فقط، ولا يملك الثّالثة، لكنّه يملك تعليقها؛ إمّا مقيّداً بحال ملكه الثّالثة أو مطلقاً. فإذا طلَّق عبد زوجته بقوله: إن عتقت ودخلت الدّار فأنت طالق ثلاثاً. ثم عتق، ثم دخلت، ففي صحّة الثّالثة وجهان أصحّهما الوقوع؛ لأنّه يملك أصل الطّلاق فاستتبع الصّفة.

القاعدة الحادية والسبعون بعد الستمئة [العفو والأخذ]

القاعدة الحادية والسّبعون بعد السّتمئة [العفو والأخذ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من لا يملك العفو، لا يملك الأخذ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العفو: هو إسقاط الحقّ بعد تقرّره، والعافي: هو التّارك والمسقط عقوبة من استحقّ المؤاخذة (¬2). فمن لا يملك إسقاط الحقّ عمّن هو عليه، لا يملك أخذ الحقّ، إنّما يملك الأخذ من يملك الإسقاط والتّرك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من لا يملك حقّ القصاص، لا يملك أن يعفو عنه. ومنها: لا يملك إسقاط الدّين عن المدين إلا الدّائن، التّارك لأخذ الدّين. ومنها: حقّ الشّفعة لا يملك إسقاطه إلا من يملك حقّ المطالبة به. ومنها: عند ابن أبي ليلى في آخرين: إنّ الصّبي لا تثبت له الشّفعة - وليس للولي الأخذ؛ لأنّ الولي لا يملك العفو والإسقاط فلا ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 339. (¬2) الكلّيّات ص 632 بتصرف.

يملك الأخذ. والصّبي لا تثبت له الشّفعة؛ لأنّه لا يمكنه الأخذ، ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار بالمشتري. وهذا كما قلنا عند ابن أبي ليلى في آخرين. ولكن عند الجمهور تثبت الشّفعة للصّبي ويطالب بها الولي إذا رأى فيها مصلحة للصّبي.

القاعدة الثانية والسبعون بعد الستمئة [الفطرة والنفقة]

القاعدة الثّانية والسّبعون بعد السّتمئة [الفطرة والنّفقة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: مَن لزمته نفقته لزمته فطرته، وإلا فلا (¬1). وفي لفظ آت: من وجبت عليه فطرته، وجبت عليه فطرة كلّ من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين (¬2). وفي لفظ آت: من وجبت نفقته على غيره، وجبت عليه فطرته وإلا فلا. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: من وجبت عليه صدقة الفطر، وكان تحت يده ورعايته من تجب نفقتهم عليه، فإنّ فطرتهم تلزمه، ويجب عليه إخراجها عنهم إذا كانوا مسلمين، وعند الحنفيّة يخرج عن أرقائه غير المسلمين أيضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: يجب على الرّجل صدقة فطره وصدقة فطر أولاده الذين ينفق عليهم ذكوراً وإناثاً، وزوجته - في الأصحّ - وأمّه وأبيه وأخواته إذا كانوا تحت رعايته وينفق عليهم وهم مسلمون وكذلك صدقة عبيده المسلمين. ¬

_ (¬1) الاعتناء ص 328، أشباه السيوطي ص 444. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي جـ 1 ص 226.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: زوجة أبيه التي تلزمه نفقتها - في حال إعسار الأب - ومستولدة الأب - فلا يلزم الإبن فطرتها على الأصحّ. ومنها: زوجة الابن الفقير لا تجب فطرتها على الأب وإن أوجبنا نفقتها. ومنها: خادم الزّوجة - إذا كانت ممّن يخدم - لا تجب فطرتها على الزّوج وإن كانت نفقتها واجبة. ومنها: الأمة المزوّجة تجب فطرتها على سيّدها، ونفقتها على زوجها.

القاعدة الثالثة والسبعون بعد الستمئة [الحق المقصود، النيابة]

القاعدة الثّالثة والسّبعون بعد السّتمئة [الحقّ المقصود، النّيابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن لزمه حقّ مقصود لا تجري النّيابة في إيفائه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنّ مَن وجب عليه حقّ مقصود به نفس الشّخص، فلا يجوز أن ينوب عنه غيره في إيفائه أو القيام به. لأنّه حقّ متعلّق بنفس الشّخص. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا توجّهت اليمين على المدّعى عليه - عند عدم بيّنة المدّعي - فلا يجوز للمدّعَى عليه أن ينيب غيره أو يوكّله ليحلف عنه؛ لأنّ اليمين حقّ مقصود. ومنها: أيمان القسامة إذا وجبت على قوم، فإن نكلوا عن الحلف يحبسوا حتى يحلفوا، ولا يجور أن ينيبوا غيرهم في الحلف، ولا أن يعتبر نكولهم إقراراً؛ لأنّ الأيمان في القسامة حقّ مقصود لتعظيم أمر الدّم. فإن امتنعوا منه فإنّهم يحبسون حتى يحلفوا. ومنها: إذا قذف زوجته بالزّنا فعليه اللعان بألفاظه التي أوجبها القرآن ولا ينوب عنها غيرها من الكلمات لأنّها مقصودة بألفاظها. وكذلك الشّهادة. ومنها: الصّلاة والصّيام، لا يجوز النّيابة في أدائهما لأنّهما حقّان مقصودان في أنفسهما فلا تجري النّيابة في إيفائهما. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 111.

القاعدة الرابعة والسبعون بعد الستمئة [النظر للنفس]

القاعدة الرّابعة والسّبعون بعد السّتمئة [النّظر للنّفس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن لم ينظر لنفسه لا يُنظر له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ كلّ إنسان عليه أن يسعى في مصلحة نفسه، ويعمل لما ينفعه، ويحاول أن يجلب الخير لنفسه، ويدفع الشّرّ والضّرّ عنها بقدر استطاعته، لكن بشرط أن لا يضرّ غيره. فلا ينتظر إنسان أن يسعى غيره لما فيه مصلحته؛ لأنّ مَن لا يعمل لمصلحة نفسه ومنفعتها لا يعمل غيره له؛ لأنّ كلّ إنسان مشغول بنفسه وبالنّظر والعمل لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا لم يشترط المشتري الخيار لنفسه في مجلس العقد لزمه البيع وإن لم يتفرّقا، ولا ينتظر من البائع أن يمنحه الخيار. ومنها: إذا لم يطلب الشّفيع الشّفعة لنفسه وبنفسه لا يطلبها غيره له. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 157.

القاعدة الخامسة والسبعون بعد الستمئة [الإنشاء والإقرار]

القاعدة الخامسة والسّبعون بعد السّتمئة [الإنشاء والإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن ملك الإنشاء ملك الإقرار، وما لا فلا (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة بمعناها قريباً بلفظ (مَن قدر على الإئشاء برقم 654). وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدتان 398، 535. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 343، المنثور جـ 3 ص 206، أشباه السيوطي ص 464.

القاعدة السادسة والسبعون بعد الستمئة [المالك]

القاعدة السّادسة والسّبعون بعد السّتمئة [المالك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن مَلَك أن يملك هل يُعدُّ مالكاً أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة بمعناها قريباً بلفظ (من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتّمليك) (¬2) برقم 611. فمن ملك أن يملك: أي أنّ من ثبت له حقّ في ملكيّة شيء ما فهل يعتبر مالكاً في الحقيقة والواقع أو لا يعتبر مالكاً إلا إذا ثبت ذلك الشّيء تحت يده وتصرّفه؟ خلاف. ¬

_ (¬1) عقد الجواهر الثمينة جـ 1 ص 54، قواعد المقري ص 316. (¬2) الفروق جـ 3 ص 41.

القاعدة السابعة والسبعون بعد الستمئة [ملك العوض]

القاعدة السّابعة والسّبعون بعد السّتمئة [ملك العوض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن ملك شيئاً بعوض مُلِك عليه عِوَضه في آن واحد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ملك شخص شيئاً مقابل عِوض - كالثّمن - كاشتراء شيء، فإنّ عوض هذا الشّيء المشترى - أي ثمنه أو بدله - يُملك عليه في نفس الوقت الذي ملك فيه ذلك الشّيء. وذلك من باب المقابلة والمساواة، وذلك في العقود التي لها عوض كلّها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من استأجر داراً أو أرضاً فإنّ المستأجر يملك المنافع والمؤجّر يملك الأجرة بنفس العقد والوقت. ومنها: إذا اشترى سلعة فإنّه يملكها بالعقد ويملك البائع الثّمن بنفس العقد والوقت وله حبس السّلعة حتى يستوفي الثّمن إذا كان الثّمن حالاً. ومنها: إذا عقد على امرأة عقد نكاح فإنّها تملك المهر بنفس العقد وهو يملك منافع بضعها في نفس العقد والوقت. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 48.

القاعدة الثامنة والسبعون بعد الستمئة [الملك والإقرار]

القاعدة الثّامنة والسّبعون بعد السّتمئة [الملك والإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ملك شيئاً ملك الإقرار به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار هو الاعتراف، وقد يكون اعترافاً بحقّ للغير على نفسه، وقد يكون إقراراً بما يملكه وما تحت يده، وهو موضوع القاعدة، فإنّ من ملك شيئاً فإنّه يملك تبعاً لذلك الإقرار والاعتراف بذلك الشّيء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ مريض - مرض الموت - بإحبال أمته، قُبل إقراره وصحّ, لأنّه يملكها، فيملك الإقرار بإحبالها وحملها. فإن مات بعد إقراره وبيَّن أنّه استولدها في ملكه، فولده حرّ الأصل، وأمّه أمّ ولد تعتق من رأس المال. ومنها: إذا أقرّ المفلس أنّه أعتق عبده، فإن صحّ عتقه صحّ إقراره وعتق العبد. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 471 وجـ 5 ص 216، القواعد والضوابط ص 497 عن التحرير 5/ 136.

القاعدة التاسعة والسبعون بعد الستمئة [الملك والضرورات]

القاعدة التّاسعة والسّبعون بعد السّتمئة [الملك والضّرورات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالضّرورة هنا: اللزوم، أي أنّ من ملك شيئاً ملك ما هو من لوازمه وتوابعه ومتمّماته، وليس المراد بالضّرورة هنا الاضطرار. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى داراً - في سكّة غير نافذة - فقد ملك الطّريق الموصل إليها، بدون تنصيص عليها، ما لم يكن في ملك خاصّ فلا بدّ من التنصيص. ومنها: إذا اشترى قفلاً دخل في البيع مفتاحه ضرورة. ومنها: إذا اشترى سيّارة ملك مفاتيحها ضرورة ولزوماً. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 104 ب، شرح الخاتمة ص 81، المجلة المادة 49، شرح القواعد للزرقا ص 203، المدخل الفقرة 635، الوجيز ص 334، القواعد والضوابط ص 150 عن الهداية بشرح فتح القدير.

القاعدتان الثمانون والحادية والثمانون بعد الستمئة [ملك الكل والجزء]

القاعدتان الثّمانون والحادية والثّمانون بعد السّتمئة [ملك الكلّ والجزء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن ملك الكلّ ملك البعض (¬1). وفي لفظ: مَن ملك شيئاً ملك كلّ جزء من أجزائه (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ملك الشّيء - إذا لم يكن شركة - فهو ملك كامل للمالك، فإنّ مالكه يملك كلّ جزء من أجزائه، ولا يعقل أن يملك شخص شيئاً ملكاً كاملاً ثم لا يملك جزءاً منه أو بعضه؛ لأنّ خروج الجزء أو البعض عن ملكه ينافي كمال الملك، ولذلك فللمالك حقّ التّصرّف في كلّ جزء من أجزاء ملكه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مَلَك الإنسان داراً ملك أرضها وغرفها وما تحتها وما فوقها. ومنها: إذا ملك الإنسان كتاباً ملك كلّ ورقة منه. ومنها: إذا ملك الزّوج الحرّ ثلاث تطليقات ملك تطليقة واحدة بطريق الأولى. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 217. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 104 ب.

القاعدة الثانية والثمانون بعد الستمئة [ملك المباشرة والإقرار]

القاعدة الثّانية والثّمانون بعد السّتمئة [ملك المباشرة والإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من ملك مباشرة الشّيء يملك الإقرار به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من قاعدة سبقت بلفظ (من ملك الإنشاء ملك الإقرار) ولكنّها تفيد فائدة أخرى وهي: أنّ من ملك أن يباشر الشّيء ويقوم به فإنّه يملك الإقرار به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّله بقبض دين على أبي الوكيل أو ولده أو مكاتبه، فقال الوكيل: قد قبضته وهلك في يدي، وكذّبه الآمر، فالقول قول الوكيل مع يمينه؛ لأنّ الوكالة لمّا صحّت بالقبض من هؤلاء صار هو - أي الوكيل - مسلطاً من جهة الآمر على الإقرار بالقبض، والمال بيده أمانة. فهو يدَّعي براءة ذمّته عند هلاك المال في يده بغير عمل منه. والقول قول الأمين. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 75.

القاعدة الثالثة والثمانون بعد الستمئة [ملك المنفعة والعين]

القاعدة الثّالثة والثّمانون بعد السّتمئة [ملك المنفعة والعين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن ملك منفعة عين بعقد، ثم مَلَك العين بسبب آخر، هل ينفسخ العقد الأوّل أم لا (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا استأجر إنسان داراً أو أرضاً بعقد الإجارة فقد ملك منفعتها دون عينها، ثم إنّ هذا المستأجر للعين ملك تلك العين نفسها بعقد آخر كالبيع أو الهبة أو الميراث أو غير ذلك من الأسباب فهل ينفسخ عقد الإجارة الذي ملك بموجبه منفعة العين أو لا ينفسخ؟ خلاف في المسألة، والأصحّ أنّه ينفسخ لأنّه ملك العين وملك منفعتها تبعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج أمَةً ثم ملكها بعقد بيع أو هبة أو إرث، فإنّ عقد النّكاح ينفسخ بملك الرّقبة. فقد ملك الرّقبة ومنفعة البضع تبعاً. وهذا أمر متّفق عليه. ومنها: إذا اشترى المستأجر العين المستأجرة من مؤجّرها، ففي انفساخ الإجارة وجهان أو روايتان عند الحنابلة. الأولى: ينفسخ عقد الإجارة؛ لأنّه ملك الرّقبة فبطل ملك المنفعة المنفصل عن الرّقبة - كما ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 35.

لو اشترى زوجته الأمَةَ. والثّانية: أنّه لا ينفسخ - قال: وهو الصّحيح - لأنّ المنافع ملكها أوّلاً بجهة الإجارة وخرجت عن ملك المؤجّر، والبيع بعد ذلك يقع على ما يملكه البائع وهو العين المسلوبة النّفع، فصار كما لو اشترى العين الموصى بمنافعها من الورثة. وأقول وبالله التّوفيق: هذا قياس مع الفارق؛ لأنّ العين الموصَى بمنافعها تكون منافعها لغير مشتري رقبتها إلا إذا قلنا: إنّ الموصَى له بالمنافع هو نفسه المشتري للرّقبة. وأيضاً هناك فرق آخر وهو أنّ الموصَى له بالمنافع قد تكون الوصيّة مؤبّدة وأمّا الإجارة فهي محدّدة المدّة، وهذه فإنّ المشتري للرّقبة هو المستأجر لمنافعها، ولا يترتّب على هذا الخلاف ثمرة. ومنها: إذا وهب العين المستعارة من المستعير فإنّه تبطل العارية؛ لأنّ عقد الإعارة عقد غير لازم.

القاعدة الرابعة والثمانون بعد الستمئة [النية]

القاعدة الرّابعة والثّمانون بعد السّتمئة [النيَّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من نوى حقيقة كلامه عومل بنيّته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق أكثر ما تتعلّق بالأيمان. ولها ارتباط بقاعدة (النّيَّة) فإن المتكلّم إمّا أن يريد بكلامه معناه الحقيقي في اللغة، وإمّا أن يريد به معنى آخر عُرفيّاً أو شرعيّاً. فمن أراد ونوى وقصد بكلامه معناه الحقيقي اللغوي فإنّه يعامل بنيّته هذه؛ لأنّ (الأعمال بالنّيات). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن حلف لا يأكل لحماً، ونوى باللحم المعنى اللغوي الحقيقي فإنّه يحنث بأكل أي نوع من اللحم. بخلاف ما لو لم ينو الحقيقة اللغوية، فإنّما يحمل على المعنى العرفي لكلمة اللحم وهو لحم الإبل والضّأن والبقر. ممّا يسمى لحماً عند الإطلاق في العرف. ومنها: من حلف أن لا يأكل بيضاً - ونوى كلّ أنواع البيض - فهو يحنث ولو أكل بيض السّمك أو بيض الأفاعي. ومنها: إذا حلف لا يطأ منزل فلان بقدمه - يعنى بذلك أن لا يضع قدمه على أرض منزله - فدخله وعليه خفّان أو نعلان أو راكباً لم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 234.

يحنث. وإن لم يكن له نيّة حنث؛ لأنّ المراد من هذا اللفظ في العرف دخول منزله. فعند الإطلاق يحمل على ذلك وهو يسمى داخلاً، سواء أكان راكباً أم ماشياً حافياً أم منتعلاً. وأمّا إن نوى حقيقة وضع القدم فلا يحنث إلا بوضع القدم لأنّه نوى حقيقة كلامه.

القاعدة الخامسة والثمانون بعد الستمئة [المنهي عنه]

القاعدة الخامسة والثّمانون بعد السّتمئة [المنهي عنه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المنهي عنه يحرم فعل بعضه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المنهي عنه: هو ما نهى الله عزّ وجلّ ورسوله عنه، والنّهي: هو طلب ترك الفعل تركاً جازماً. وإذا كان النّهي مقطوعاً به أفاد تحريم المنهي عنه. وما نُهِي عنه وحُرَّم فعله جملة فإنَّ فعل بعضه محرّم أيضاً؛ لأنّ فعل بعضه يحرم تحريم فعل كلّه. ولا يجوز أن يكون الشّيء الواحد بعضه محرّماً وبعضه غير محرّم، بل ما حرِّم كلّه حُرَّم بعضه. ومَن فعل بعض المحرَّم لا يكون منتهياً عمّا حُرِّم. بل إنّ الشّارع الحكيم إذا حرّم شيئاً حرَّم الطّرق والوسائل المؤدّية إليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نهى الله عزّ وجلّ عن الرّبا - نسيئة وفضلاً - فالرّبا محرَّم بكلّ أنواعه، فلا يجوز أن يكون الرّبا محرّماً على قوم وحلالاً لآخرين، ولا يجوز أن يكون بعضه محرّماً وبعض آخر حلالاً. ومنها: نهى الله عَزّ وَجَلّ عن أكل أموال الناس بالباطل قليلها ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 324.

وكثيرها، فالميسر - مثلاً - محرّم فعله جملة وأجزاء. والغصب محرّم كلّه ولو كان مزاحاً، كما ورد في الخبر. ومنها: كما حرَّم الله عزّ وجلّ على المحرم أن يحلق رأسه بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} (¬1). حرَّم حلق بعضه - إلا لضرورة مع الفدية - وكذلك حرَّم ستر بعضه. ¬

_ (¬1) الآية 196 من سورة البقرة.

القاعدة السادسة والثمانون بعد الستمئة [قضاء الفائت]

القاعدة السّادسة والثّمانون بعد السّتمئة [قضاء الفائت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من وجب عليه شيء ففات وقته لزمه قضاؤه، وسقط بفعله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 252. ومفادها: أنّ من وجب عليه شيء من العبادات المؤقّتة بوقت بدء ووقت انتهاء، ففات وقتها بسبب كالنّسيان والنّوم وما أشبه ذلك فإنّه يجب عليه قضاؤها - أي الإتيان بها خارج وقتها المقدّر لها شرعاً -؛ لأنّ تلك العبادة تعلّقت بذمّته، فلا تبرأ ذمّته إلا بالفعل، فإذا قضى ما فاته برئت ذمّته وسقطت المطالبة بالعبادة بفعله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من شُغِل بإنقاذ غريق أو إطفاء حريق فلم يصل الصّلاة في وقتها، فيجب عليه أداؤها في الوقت الذي يفرغ فيه سواء في ذلك وقتها المحدّد أو خارجه. ¬

_ (¬1) الاعتناء ص 188.

ومنها: مَن ملك النّصاب وحال عليه الحول فلم يخرج زكاته، فإنّ ذمّته أصبحت مشغولة بتلك الزّكاة، فإذا مضت عليه سنوات ولم يخرجها، ثم أراد إخراجها فعليه إخراج زكاة جميع السّنوات التي لم يخرج زكاتها في وقتها، فإذا فعل برئت ذمّته، وسقطت المطالبة بفعله.

القاعدة السابعة والثمانون بعد الستمئة [الفطرة والنفقة]

القاعدة السّابعة والثّمانون بعد السّتمئة [الفطرة والنّفقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من وجب عليه فطرته وجبت عليه فطرة كلّ مَن تلزمه نفقته - إذا كانوا مسلمين - ووجد ما يؤدّي عنهم (¬1). ومن وجبت نفقته على غيره وجبت عليه فطرته، وإلا فلا (1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى هاتين القاعدتين وأمثلتهما قريباً فلتنظر هناك تحت الرّقم 675. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 226.

القاعدة الثامنة والثمانون بعد الستمئة [الأداء عن الغير]

القاعدة الثّامنة والثّمانون بعد السّتمئة [الأداء عن الغير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن وجب عليه أداء عين مال، فأدّاه عنه غيره بغير إذنه، هل يقع موقعه، وينتفى الضّمان (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ مَن عليه دين فعليه وفاؤه وأداؤه. والدّين إمّا أن يكون عيناً وإمّا أن يكون ديناً في الذّمّة. فإذا أدّى الدَّين عن المدين شخص آخر أجنبي عنه بغير إذنه، فهل يقع الأداء موقعه وتبرأ ذمّة المدين وينتفي الضّمان عن المؤدّى إذا كان المؤدّى عيناً؟ هذا على قسمين: القسم الأوّل: أن تكون العين ملكاً لمن وجب عليه الأداء وقد تعلّق بها حقّ للغير. فإن كان المتصرّف له ولاية التّصرّف وقع الموقع ولا ضمان وبرئت ذمّة المدين. وإن كان الواجب ديناً، فإن كانت العين متميّزة بنفسها فلا ضمان ويجزئ. وإن لم تكر متميّزة من بقيّة مال المدين ضمن المتصرّف ولم يجزئ إلا أن يجيز المالك التّصرّف. القسم الثّاني: أن يكون الواجب أداؤه غير مملوك للمدين، فأدّاه الغير إلى مستحقّه، فإن كان مستحقّه معيّناً، فإنّه يجزئ ولا ضمان. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 96.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وإن لم يكن معيناً ففي الإجزاء خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - من أمثلة القسم الأوّل: إذا امتنع عن وفاء دينه وله مال، فباع الحاكم ماله، ووفاه عنه، صحّ وبرئ منه ولا ضمان. ومنها: إذا امتنع من أداء الزّكاة فأخذها الإمام منه قهراً، تجزئ عنه ظاهراً وباطناً. ومنها: ولي الصّبي والمجنون يخرج عنهما الزّكاة ويجزئ، كما يؤدّي عنهما سائر الواجبات الماليّة. ومنها: إذا أدّى غيره زكاته الواجبة من ماله، أو نذره الواجب في الذّمّة أو كفّارته من ماله بغير إذنه - حيث لا ولاية له عليه - فإنّه يضمن في المشهور. ويجوز نفوذه إذا أجازه المالك كالعقد الموقوف. ومن أمثلة القسم الثّاني: المغصوب والودائع إذا أدّاها أجنبي إلى المالك، أجزأت ولا ضمان. ومنها: إذا اصطاد المحرم صيداً في إحرامه فأرسله غيره من يده فلا ضمان. ومنها: إذا دفع أجنبي عيناً موصَى بها إلى مستحقّ معيّن لم يضمن ووقعت موقعها، وإن كان الوصيّة لغير معيّن ففي الضّمان وجهان.

القاعدة التاسعة والثمانون بعد الستمئة [الزيادة على الواجب]

القاعدة التّاسعة والثّمانون بعد السّتمئة [الزّيادة على الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من وجب عليه عبادة فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه، هل يوصف الكلّ بالوجوب (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة من مسائل الواجب عند الأصوليّين، وقد سبق بيان معناها وأمثلتها في القاعدة ذات الرّقم 564. ومفادها: أنّ الواجبات غير المقدرة إذا أتى المكلّف بأدنى الواجب وزاد عليه فهل يعتبر كلّ ما أدّاه واجباً، أو أنّ الواجب هو الأدنى وما زاد يعتبر تطوّعاً ونفلاً. خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ركع وسبّح في ركوعه عشر تسبيحات فهل يعتبر الكلّ واجباً، أو أنّ الواجب هو الواحدة أو الثّلاث، وما عداها فهو تطوّع؟ خلاف. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 145. ويبحث من كتب الأصول مبحث الواجب عند الأصوليين.

القاعدة التسعون بعد الستمئة [عين المال]

القاعدة التّسعون بعد السّتمئة [عين المال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: من وجد عين ماله فهو أحقُّ به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحقّ به" (¬2). وفي رواية: "من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس، أو إنسان قد أفلس فهو أحقّ به من غيره" (¬3). وقد ورد بروايات أخر (¬4). ومفاد القاعدة: أنّ الإنسان إذا أفلس وقد اشتري متاعاً ولم يدفع من ثمنه شيئاً، فإنّ البائع أحقّ بهذا المال من باقي غرماء المفلس. لكن إذا كان المشتري قبل إفلاسه قد دفع جزءاً من ثمن السّلعة المشتراة ثم أفلس أو مات فإنّ البائع يكون أسوة الغرماء - أي يشترك معهم في استيفاء حقّه أو بعضه، بحسب ما يوجد من مال للمفلس أو الميّت. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 140، جـ 9 ص 172. (¬2) رواه أحمد عن الحسن عن سمرة. (¬3) رواه الجماعة. (¬4) ينظر منتقى الأخبار، الأحاديث 2990 - 2994.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى شخص سيّارة من أحد المعارض بثمن آجل، وعند حلول الأجل أفلس المشتري وعليه ديون - ولم يكن دفع من ثمن السّيّارة شيئاً - فبائع السّيّارة له حقّ أخذها واستردادها، ولا حقَّ للغرماء الآخرين فيها. بل حقّهم في غيرها من مال المفلس. ومنها: إذا سرق سارق متاعاً لشخص، ثم وجد صاحب المتاع متاعه بعد إقامة الحدّ على السّارق أو قبله، فله استرداد المتاع وهو أحقّ به. ومنها: إذا مات مضارب وعليه دين - ومال المضاربة في يده معروف وهو دراهم - وكان رأس المال دراهم - بدئ بربّ المال قبل الغرماء فأخذ رأس ماله وحصّته من الرّبح؛ لأنّه وجد عين ماله؛ ولأنّ دين المضارب يتعلّق بتركته بعد موته، وتركته ما كان مملوكاً له عند موته، وهو حصّته من الرّبح. وأمّا مقدار رأس المال وحصّة ربّ المال من الرّبح فهو ملك ربّ المال ليس من تركة المضارب في شيء. ومنها: إذا وجد مسلم عبداً له أو فرساً أو متاعاً - كان قد غنمه العدو - فوجده في الغنيمة قبل أن تقسم فهو أحقّ به بغير شيء.

القاعدتان الحادية والثانية والتسعون بعد الستمئة [المنوي المحتمل]

القاعدتان الحادية والثّانية والتّسعون بعد السّتمئة [المنوي المحتمل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المنوي إذا كان من محتملات كلام النّاوي فهو كالمصرّح به (¬1). وفي لفظ: المنوي إذا كان من محتملات لفطه جعل كالملفوظ (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: اللفظ إمّا أن يراد به حقيقته اللغويّة أو الشّرعيّة أو العرفيّة، وقد يطلق فيحمل على أحد معانيه إن كان يحتملها، فإن كان المتكلّم تكلّم بكلام أو تلفّظ بلفظ ونوى به معنى غير ما يدل عليه اللفظ بإطلاقه، فإن كان المنوي ممّا يحتمله اللفظ أو الكلام فإنّ النّيّة هنا تعتبر، ويكون المعنى المراد والمنوي كأنّ المتكلّم صرّح به. وإلا يكن المنوي ممّا يحتمله اللفظ فلا تعتبر نيّته بل يعامل بدلالة لفظه اللغويّة أو الشّرعيّة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا نذر رجل أن يصوم لله شهراً مُنَكَّراً، فله أن يصومه متفرّقاً؛ لأنّ صوم الشّهر عبادات متفرّقة؛ لأنّه يتخلّل بين الأيّام وقت لا يقبل ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 136. (¬2) نفس المصدر جـ 3 ص 94.

الصّوم، فلا يلزمه التّتابع فيه. إلا أن ينصّ على التّتابع أو ينويه، فإنّ المنوي كالملفوظ، فلا يجزئه إلا متتابعاً. ومنها: إذا قال شخص: إن فعلت كذا فعليَّ هَدْي. ففعله، كان عليه ما استيسر من الهدي وهو شاة؛ لأنّ اسم الهَدْي، عند الإطلاق يتناول الإبل والبقر والغنم. والمتيقّن عند الإطلاق هو الشّاة. أمّا إن نوى الإبل أو البقر كان عليه ما نوى؛ لأنّه شدّد الأمر على نفسه ونوى التّشديد فيما التزمه من الهدي فوجب عليه. وإن قال: عليَّ بدنه - فإن كان نوى شيئاً من البدن بعينه فعليه ما نوى. وإن لم يكن له نيَّة فعليه بقرة أو جزور.

القاعدة الثالثة والتسعون بعد الستمئة [مراعاة الأمر والصفة]

القاعدة الثّالثة والتّسعون بعد السّتمئة [مراعاة الأمر والصّفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن يُرَاع أمره في شيء يراع صفة أمره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يراعى: أن يعتنى ويحافظ. من المراعاة، وأصل المادة: من رعى يرعى وراعى يراعي. فمن يعتني بأمره في شيء ويُحرص على تنفيذ أمره وطاعته في شيء ما فيجب أن يعتنى ويحرص على صفة ذلك الأمر كما أراد الآمر، وتنفيذه على الوجه الذي أراده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أمرنا الله عَزّ وَجَلّ بالصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ، وغير ذلك من العبادات وشرائع الإسلام، فيجب علينا أداء ما أمر على الصّفة التي أمر الله عزّ وجلّ بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وبلّغها عليه الصّلاة والسّلام إلينا. فقال عليه الصّلاة والسّلام: "صلّوا كما رأيتموني أصلّي" (¬2). فلذلك لا يجوز لنا أن نبتدع صفة أخرى للصّلاة غير ما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكذلك الصّيام والزّكاة والحجّ وغير ذلك. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 177. (¬2) الحديث أخرجه أحمد والبخاري رحمهما الله تعالى عن مالك بن الحويرث.

ومنها: إذا قال الإمام لجنوده: لا تخرجوا إلا تحت لواء فلان - للقائد المعيّن - فينبغي لهم أن يراعوا شرطه فلا يخرجوا إلا تحت لوائه، وأن يكونوا تحت لوائه حتى يرجعوا.

القاعدة الرابعة والتسعون بعد الستمئة [إنشاء العقد وإجازته]

القاعدة الرّابعة والتّسعون بعد السّتمئة [إنشاء العقد وإجازته] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مَن يملك إنشاء العقد يملك إجازته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة ما يقرب من معناها ومدلولها، فإنّ مَن يملك إنشاء العقد والتّصرّف القولي، يملك إجازته إذا عقده فضولي. ومفهوم ذلك: أنّ من لا يملك إنشاء العقد كالصّغير والمجنون والمحجور لا يملكون إجازته إذا عقده فضولي. والمجيز: هو من يتمّ العقد بإجازته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: باع فضولي متاعاً لشخص بيعاً موقوفاً على إجازة المالك. فإذا كان مالك المتاع حرّاً بالغاً عاقلاً غير محجور فإنّه إن أجاز العقد هذا جاز وتمّ. وإن لم يجزه بطل؛ لأنّه قادر في الحال على إنشاء العقد واعتباره. أمّا إذا كان مالك المتاع صبياً أو مجنوناً أو عبداً غير مأذون أو محجوراً، فإنّ العقد يبطل ولو أجاز هؤلاء؛ لأنّ هؤلاء محجورون ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 4.

وممنوعون من التّصرّفات القوليّة، ولا يمكنهم إنشاء العقد في حال الصّغر والجنون والحجر. ومنها: أنّ الوكيل أو الوصي يملك إجازة العقد كالمالك؛ لأنّه يملك إنشاء العقد.

القاعدة الخامسة والتسعون بعد الستمئة [حمل الكلام]

القاعدة الخامسة والتّسعون بعد السّتمئة [حمل الكلام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: مهما أمكن حمل الكلام على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال قريبة المعنى منها - وينظر من قواعد حرف الكاف القاعدة 21. فإنّ كلام العاقل يجب حمله على الصّحّة - ما أمكن ذلك - وعلى ذلك فكلّ كلام صدر على عاقل فإنّه يحمل على وجه صحيح مهما أمكن، فإذا وجد وجه صحيح يحمل عليه فلا يجوز إلغاؤه وإبطاله؛ ولأنّ (إعمال الكلام أولى من إهماله) - كما سبق بيانه وينظر القاعدة رقم 518 من قواعد حرف الهمزة، والوجيز ص 314 فما بعدها. وذلك لأنّ كلام العاقل محسوب عليه فهو حريص أن لا يخرج منه إلا كلام يحمل على وجه صحيح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ شخص وقال: لفلان عليّ ألف درهم إلا عشرة دنانير. فهل استثناء الذّهب - وهو الدّنانير - من الفضّة - وهي الدّراهم - ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 156، 254.

استثناء صحيح؟ اختلف في ذلك. والأصحّ الصّحّة والجواز؛ لأنّ قَدْر أحدِهما معلوم عن الآخر، ويعبّر بأحدهما عن الآخر. فيكون الإقرار بألف درهم إلا قيمة العشرة الدّنانير من الدّراهم.

القاعدتان السادسة والسابعة والتسعون بعد الستمئة [المواعيد]

القاعدتان السّادسة والسّابعة والتّسعون بعد السّتمئة [المواعيد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: المواعيد بصورة التّعاليق تكون لازمة (¬1). وبالمقابل: المواعيد لا يتعلّق بها اللزوم إلا أن يكون شرطاً في عقد لازم (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المواعيد: جمع موعد، وهو مصدر ميمي بمعنى الوعد. التّعاليق: جمع تعليق، وهو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى. كما سبق بيانه والمراد التّعليق اللغوي بأداة من أدوات الشّرط. هاتان القاعدتان متضادتان في الظّاهر من حيث إنّ القاعدة الأولى مفادها: أنّه إذا صدرت مواعيد من إنسان فيما يمكن ويصحّ التزامه شرعاً - وصدرت منه بصورة تعليق على شرط فإنّ هذه المواعيد تكون لازمة، ويجب على الملتزم بها أداء ما وعد به. وأمّا القاعدة الثّانية فمفادها: أنّ المواعيد لا يتعلّق بها لزوم، فمن وعد لا يلزمه الوفاء بوعده ولا يجب عليه، إلا على سبيل ¬

_ (¬1) المجلة المادة 84، شرح القواعد للزرقا ص 357. (¬2) المبسوط جـ 20 ص 129، جـ 21 ص 111، جـ 22 ص 30، وجـ 30 ص 134، 191.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

الاستحباب ومن مكارم الأخلاق. لكن هذه القاعدة استثنت حالة يجب فيها الوفاء بالوعد وذلك إذا كانت المواعيد شروطاً في عقد لازم. وبهذا الاستثناء يزول التّضادّ الظّاهري بين القاعدتين ويكون المراد أنّ المواعيد لا يتعلّق بها اللزوم إذا كانت مطلقة عن الشّرطيّة في العقود اللازمة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قال رجل لآخر: بع بيتك هذا لفلان، فإن لم يعطك ثمنه فأنا أعطيكه، فباعه منه، ثم طالبه بالثّمن فلم يعطه المشتري للبائع بعد مطالبته إيّاه، بأن امتنع من الدّفع والأداء، فهنا يلزم الرّجل المُوعِد أداء الثمن المذكور للبائع بناء على وعده المعلّق. ومنها: إذا قال الكفيل بالنّفس: إن لم أوافك بمديونك فلان غداً، فأَنا أدفع له دَينه. فَلَم يوافه في الغد لزمه الدّين. ومنها: إذا كفل رجل عن رجل بألف درهم بأمره على أن يعطيه بها هذا الحيوان رهناً - لحيوان موجود - فوقعت الكفالة بهذا بغير شرط من الكفيل على المكفول - أي لم يشترط الكفيل على الطّالب بأن يقول: أكفل لك بهذا المال عن فلان إن رهن فلان هذا الحيوان، فإن لم يدفعه فأنا بريء من الكفالة - ثم إنّ المكفول عنه أبى أن يدفع إليه الحيوان، فإنّ الحيوان لا يكون رهناً؛ لأنّ الكفيل لم يقبضه، (والرّهن لا يتمّ إلا بالقبض)، ولا يجبر المكفول عنه على دفعه؛ لأنّ ذلك كان وعداً من جهته، والكفالة لازمة للكفيل؛ لأنّه التزم المال للطّالب بالكفالة المطلقة.

وأقول: ولكن من حسن الخلق وتمام الإيمان أن يفي المكفول بوعده، وأن يعطي الحيوان رهناً للكفيل وإن لم يشترط؛ لأنّ (المؤمن إذا وعد وفى، والمنافق إذا وعد أخلف). ومنها: إذا دفع ربّ مال ألف درهم للمضارب مضاربة على أنّ ثلث الرّبح للمضارب، وثلثه يقضى به دين المضارب الذي عليه للناس، وثلث الرّبح لربّ المال. فالمضاربة جائزة، وللمضارب ثُلث الرّبح؛ لأنّ المديون إنّما يقضى الدّين من مال نفسه، فما شرط لقضاء دين المضارب يكون مشروطاً للمضارب، ولا يجبر على قضاء الدّين منه؛ لأنّ الاختيار له في الدفع الدّين. والذي سبق من ربّ المال وعد بقضاء الدّين من بعض الرّبح الذي يستحقّه. والمواعيد لا يتعلّق بها اللزوم. ومنها: إذا كان لرجل على رجل مال من ثمن مبيع مؤجّل، قد حلَّ أجله، فأخّره عنه إلى أجل، فإنّ هذا التّأخير غير لازم فللبائع أن يرجع في الأجل، إلا أن يكون ذلك على وجه الصّلح بينهما. ومنها: إذا قال المشتري للشّفيع: أنا أبيعك الدّار التيَ تشفع فيها بما اشتريتها به. فقال الشّفيع: قد قبلت. ثم إنّ المشتري أبى بعد ذلك أن يعطيه، فلا شفعة للشّفيع بعد ذلك؛ لأنّه أظهر الرّغبة في شراء مستقبل، وذلك يتضمّن إسقاط حقّه في الشّفعة، ولا يتمّ البيع بينهما بما جرى من اللفظ؛ لأنّ ذلك عبارة عن وعد لا إيجاب.

القاعدتان الثامنة والتاسعة والتسعون بعد الستمئة [الموت]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة والتّسعون بعد السّتمئة [الموت] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الموت محوِّل للملك لا مبطل (¬1). وفي لفظ: الموت ينافي الموجب لا المبطل (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الموت وهو نهاية حياة الإنسان على هذه الأرض لا يبطل ملك الميّت عمّا كان يملكه حال الحياة - لكنّه محوّل للملك من الميّت إلى وارثه الحي؛ لأنّ ملك الوارث بطريق الخلافة عن الميّت فهو قائم مقامه، ولو قلنا: إنّ الموت مبطل للملكِ لما صحّت خلافة الوارث عن الميّت، لأنّ الإبطال يزيل ملكيّة الميّت عن أمواله، وإذا زالت ملكيّته عن أمواله لا يستحقّها الوارث بعده. وكذلك فإنّ الموت لا يضادّ ولا ينافي الإبطال إنّما ينافي الإيجاب، فالميّت لا يجب عليه شيء بعد موته؛ لأنّه سقط عنه التّكليف بالموت. ولا يبطل بالموت ما كان للميّت حال حياته بل ما كان له يحوَّل إلى ملك الوارث كما أفادته القاعدة الأولى. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 70. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 105 ب وينظر أشباه ابن نجيم ص 349، 297.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: للوارث أن يردّ المبيع بالعيب ويُرَدُّ عليه. ومنها: إذا اشترى شخص امرأة على أنّها جارية، ثم مات وظهر أنّ الجارية حرّة، فإنّ الوارث يرجع على المُغرَّ بالثّمن. ومنها: صحّة إثبات دين الميّت على الوارث الحيّ. ومنها: إذا مات رجل في سفر وليس معه سوى نسوة فإنّ امرأته تقوم بتغسيله؛ لأنّ علاقة الزّوجية بينهما لم تبطل بموته - وإنّما بطل بموته ما يجب عليه تجاهها - وتحوّل العلاقة إلى العدّة لأنّ العدّة من مقتضيات النّكاح. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إذا نصب إنسان شبكة ثم مات، فوقع فيها صيد بعد موته، فإنّه يملكه، ويورث عنه (¬1). ومنها: إذا حفر بئراً تعدّياً - كما لو حفره في الطّريق - ثم مات فوقع فيها إنسان بعد موته، كانت الدّية على عاقلته (¬2). ¬

_ (¬1) غمز عيون البصائر جـ 3 ص 276 عن أشباه ابن نجيم ص 297. (¬2) غمز عيون البصائر جـ 3 ص 285 عن أشباه ابن نجيم ص 300.

القاعدة المتممة للسبعمئة [ما يتناهى، وما لا يتناهى]

القاعدة المتمّمة للسّبعمئة [ما يتناهى، وما لا يتناهى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موجَب تفاصيل الشّريعة النّظر إلى ما لا يتناهى ولا يتغيّر الحكم فيه، بأن يختلط به ما يتناهى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بما لا يتناهى: هو ما لا حرج - أي لا إثم في فعله - ولا حجر - أي لا منع من ارتكابه - وهو المباح. وما يتناهى: هو المعدود المحدود الذي يحرم فعله وارتكابه. فمفاد القاعدة: أنّ تفاصيل الأحكام الشّرعيّة إنّما يعتمد النّظر فيها على حكم الإباحة، ولو اختلط به بعض ما يحرم ولا يمكن فصله ولا تمييزه منه، فلا يتغيّر فيه حكم الإباحة؛ دفعاً للحرج والمشقّة عن المكلّفين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّيود: جمع صيد - وهي الحيوانات والطّيور البريّة والوحشيّة - مباحة، وليس لها نهاية. فلو اختلط بها صيود مملوكة - والتبس الأمر - لأنّه ما من صيد يقتنصه المرء إلا ويجوز أن يكون مملوكاً، ولكن المتّفق عليه بين العلماء أنّ الاصطياد لا يحرم لأنّ ما يحلّ من ¬

_ (¬1) غياث الأمم ص 362.

الصّيود غير مُتَنَاهٍ، والمختلط به محصور متناه. ومنها: إذا كان لإنسان أخت محرّمة من الرّضاع - مثلاً - وقد اختلط بنسوة لا ينحصرن، فللرّجل أن ينكح منهن من يشاء. مع أنّ التّحريم مغلّب في الأبضاع. ومنها: إذا انتقلت حَمَامات بلدة وهو مملوكة إلى بلدة أخرى واختلطت بحمام مباح، فالذي اتّفق عليه أنّه لا يحرم الاصطياد بسبب هذا الاختلاط.

القاعدة الحادية بعد السبعمئة [موجب العام]

القاعدة الحادية بعد السّبعمئة [موجَب العام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موجَب العام ثبوت الحكم في كلّ ما يتناوله على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاصّ. عند الحنفيّة. [أصوليّة فقهيّة] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثيل لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف العين القاعدتان 14, 15. وكذلك سبق بيان معنى الخاصّ والعام. والمراد بموجَب العام: ما يجب بدلالته على العموم. فعند الحنفيّة: أنّ اللفظ العام يوجب الحكم في كلّ ما يتناوله على سبيل الإحاطة والشّمول، - وهذا قبل ثبوت تخصيصه - وذلك بمنزلة اللفظ الخاصّ الذي يشمل حكمه كلّ ما يندرج تحته وجوباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: أكرِم مَن جاءك من العلماء. فالواجب عليه إكرام كلّ عالم يجيئه؛ لأنّ لفظ العلماء لفظ عامّ لم يخصّ فيوجب تناول كلّ ما يندرج تحته. ومنها: إذا أوصى لشخص بخاتم. فللموصى الخاتم والفصّ جميعاً. وكذلك لو أوصى بجارية لرجل وهي حامل، فهي له وما في بطنها.

القاعدة الثانية بعد السبعمئة [موجب العقد]

القاعدة الثّانية بعد السّبعمئة [موجَب العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موجَب العقد لا يجوز أن يثبت بغير العاقد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: موجَب العقد - بفتح الجيم - اسم مفعول وهو الأحكام التي تجب وتنشأ عن العقد. فأحكام العقد لا يجوز أن تثبت إذا لم يوجد عاقل، من أصيل أو وكيل أو فضولي؛ لأنّ العاقد هو الذي يتحمّل مسؤوليّة العقد وما يترتّب عليه من أحكام وواجبات وحقوق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قبض العدل الرّهن من الرّاهن فهل يعتبر قبضه كقبض المرتهن فتترتّب عليه أحكامه؟ عند ابن أبي ليلى رحمه الله (¬2): لا يتمّ الرّهن بقبض العدل (¬3). حتى إذا هلك الرّهن في يده لم يسقط الدّين؛ لأنّ موجَب عقد الرّهن إنّما يكون بثبوت يد الاستيفاء - وهي يد المرتهن - وبوضع الرّهن تحت يد العدل لم يثبت ذلك للمرتهن؛ لأنّه لا يتمكّن من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 78. (¬2) ابن أبي ليلى القاضي سبقت ترجمته. (¬3) المراد بالعدل الشخص الثّقة الذي يوضع المرهون تحت يده عند عدم الثّقة بالمرتهن.

إثبات يده على العين، فلا يثبت في حقّه موجَب عقد الرّهن. خلافاً لجمهور الحنفيّة. ومنها: إذا تسلّم المبيع غير العاقد - بغير أمره - فلا يثبت الملك للعاقد؛ لأنّ إثبات الملك للمشتري العاقد إنّما يتمّ بتسلّمه المبيع من البائع ولم يتسلّمه هنا.

القاعدة الثالثة بعد السبعمئة [موجب اللفظ]

القاعدة الثّالثة بعد السّبعمئة [موجب اللفظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موجَب اللفظ العموم عند الإطلاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: موجَب اللفظ: هو ما يجب باللفظ ويترتّب عليه إنّما هو دلالته على العموم عند الإطلاق عن التّقييد. ولكن في كثير من الأحيان يقيّد اللفظ المطلق بالعرف والعادة أو بالنّيَّة أو بدلالة الحال، فلا يبقى اللفظ على عمومه. ولكن إذا لم يكن عرف ولا نيَّة ولا دلالة حال فيجب حمل اللفظ على عموم معناه ودلالته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يركب دابّة. فإنّ لفظ الدّابّة عن الإطلاق يتناول كلّ ما يدبّ على الأرض من إنسان وحيوان. ومنها: إذا حلف لا يأكل خبزاً. فإنّ الخبز هو ما يخبز في التّنّور. فكلّ ما يخبز في التّنّور يعتبر خبزاً عند الإطلاق. ولكن هذا الإطلاق يقيّده العرف في أكثر أحواله أو نيَّة الحالف. ومنها: لو أنّ سريَّة من المسلمين صالحوا أهل حصن على مبلغ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 486.

من المال على أن يؤمّنوهم لسنة - مثلاً -. صحّ ذلك. ويعتبر هذا أماناً عامّاً لجميعهم ولجميع المسلمين، فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يعرض لأهل هذا الحصن مدّة السّنة.

القاعدة الرابعة بعد السبعمئة [موجب اللفظ ومحتمله]

القاعدة الرّابعة بعد السّبعمئة [موجَب اللفظ ومحتملهُ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موجَب اللفظ يثبت باللفظ، ولا يفتقر إلى النّيَّة. ومحتمل اللفظ لا يثبت إلا بالنّيَّة، وما لا يحتمل لا يثبت وإن نوى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيلات: ينظر من قواعد حرف اللام القاعدتان رقم 24، 31. ومفادها: أنّ ما يدلّ عليه اللفظ صراحة فلا يحتاج إلى النّيَّة لإثباته؛ لأنّه دالّ بنفسه ولفظه، باعتبار أنّ كلّ لفظ موضوع للدّلالة على معناه ومقتضاه وما يجب به لغة أو شرعاً أو عرفاً. لكن إذا كان اللفظ محتملاً في دلالته فإنّه لا يثبت المراد منه إلا بالنّيَّة المميّزة. وإذا كان اللفظ لا يحتمل فلا يثبت مدلوله ولو نواه اللافظ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق. أو مطلّقة. فهذا لفظ يدلّ صراحة على حلّ عقد الزّوجيّة، وتحريم ما حَلَّ بالعقد. ولا يحتاج إلى النّيَّة؛ ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 161.

لأنّه يدلّ على موجبه ومقتضاه بلفظه. ومنها: إذا قال لزوجته: اذهبي إلى أهلك، أو حبلك على غاربك، أو لا أرينّك في بيت لي. فهذا لفظ محتمل لا يثبت به إرادة الطّلاق المحرّم إلا بالنّيَّة المميّزة. ومنها: إذا قال: له عندي عشرة. وأراد بلفظ العشرة خمسة - مثلاً - ونوى ذلك، فلا يثبت ما نواه ولا يعتدّ بنيّته لأنّ لفظ العشرة لا يحتمل إلا عشرة لا غير.

القاعدة الخامسة بعد السبعمئة [موجب النذر]

القاعدة الخامسة بعد السّبعمئة [موجب النّذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موجَب النّذر الوفاء (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مَن نذر نذراً لله عَزَّ وَجَلَّ، فإنّ الواجب على النّاذر الوفاء بنذره، ولا يجوز له عدم الوفاء به؛ لأنّ ما يجب بالنّذر هو الوفاء بالمنذور إذا كان طاعة غير مفروضة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نذر أن يصوم يوماً لله عَزَّ وَجَلَّ أو شهراً، أو عدداً من الأيّام، فيجب عليه الوفاء بنذره؛ لأنّ الله عَزَّ وَجَلَّ قال في محكم كتاب: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (¬2) وقال سبحانه مادحاً {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (¬3). وفي وجوب الوفاء بالنّذر أحاديث كثيرة. ينظر منتقى الأخبار الأحاديث من 4893 - 4907. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 128. (¬2) الآية 29 من سورة الحج. (¬3) الآية 7 من سورة الإنسان.

القاعدتان السادسة والسابعة بعد السبعمئة [الموجب والمسقط]

القاعدتان السّادسة والسّابعة بعد السّبعمئة [الموجب والمسقط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الموجِب والمسقِط إذا تعارضا يقدّم الموجب ويؤخّر المسقط (¬1). وفي لفظ: إذا اجتمع الموجب والمسقط غُلِّب الإسقاط (¬2). ثم قال: ويُغَلَّب الإيجاب احتياطاً (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: بين القاعدتين الأوليين تعارض وتضادّ، فأولاهما توجب تقديم الموجب وتأخير المسقط، وثانيتهما على العكس منها توجب تغليب المسقط - أي تقديمه على الموجب عند التّعارض. وثالثة القاعدتين تفيد ما أفادته القاعدة الأولى من تقديم الموجب وتأخير المسقط لكن ليس على سبيل الإيجاب بل من باب الأخذ بالاحتياط. والمراد بالموجب ما يثبت حكماً، والمسقط ما ينفيه. ولكن إذا علمنا أنّ موضوع القاعدتين مختلف زال ظنّ التّعارض ¬

_ (¬1) جامع الفصولين ص 107 - 108 (¬2) المغني جـ 2 ص 577. (¬3) نفس المصدر جـ 3 ص 36.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

والتّضادّ. فأولى القاعدتين موضوعها الدّعاوى والخصومات فهي تتعلّق ببعض الدّعاوى بين يدي القاضي أو الحاكم. وموضوع الثّانية بعض العبادات كالزّكاة وهي تمثّل أحد الآراء في وجوب زكاة السّائمة المعلوفة، وهي رأي الإمام الشّافعي رضي الله عنه. وثالثة القاعدتين كذلك تتعلّق بالزّكاة وأمثالها. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: 1 - أمثلة للقاعدة الأولى: ادّعى شخص على آخر مالاً أو عيناً، فأقام خصمه - أي المدّعَى عليه - البيِّنة على إقراره أنه لا دعوى ولا خصومة لي عليك. قالوا: تسمع الدّعوى لاحتمال أنّه يدّعي عليه سبباً بعد إقراره. ومنها: إذا قال المدّعَى عليه: أبرأني المدّعِي عن هذه الدّعوى. يسأل المدّعِي ألك بيَّنة على المال. فلو بَرهن، يحلَّف المدّعِي على البراءة؛ لأنه منكر للبراءة. وإن لم يبرهن يحلف المدّعَى عليه أولاً على دعوى المدّعِي المال. فلو حلف المدَعَى عليه ترك. ولو نكل يحلّف على البراءة؛ وذلك لأنّ دعوى البراءة إقرار بالمال. 2 - من أمثلة القاعدة الثّانية: إذا كان عنده ماشية أسامها أكثر السّنة وعَلَفها الأقلّ، فعند الشّافعي رحمه الله تعالى لا زكاة فيها؛ لأنّ وجوب الزّكاة مشروط بالإسامة، وما لم تكن سائمة كلّ العام لا يقع عليها الاسم، ولذلك فلا

زكاة فيها؛ لأنّه إذا تعارض الموجب والمسقط غلب المسقط. وجمهور الفقهاء وعلى خلاف ذلك إذ يوجبون الزّكاة ما دامت الإسامة أكثر العام. 3 - ومن أمثلة القاعدة الثّالثة: زكاة الحلي المختلف في وجوبها فَيُستحبّ إخراجها احتياطاً. ومنها: إذا نوى بمال القنية التّجارة ففي رواية للإمام أحمد رحمه الله - يخرج زكاتها بمجرّد النّيَّة. وقال بعض الحنابلة هذا على أصحّ الرّوايتين، ولأنّ الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطاً.

القاعدة الثامنة بعد السبعمئة [انعقاد السبب وابتداؤه]

القاعدة الثّامنة بعد السّبعمئة [انعقاد السّبب وابتداؤه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الموجود بعد انعقاد السّبب قبل تمامه يجعل كالموجود عند ابتداء السّبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بأصل السّبب: أي سبب الحكم المبني عليه؛ لأن كلّ حكم له سبب يبنى عليه، فإذا وجد سبب لحكم ما، فإنّ ما يوجد من الأحكام بعد انعقاد السّبب - وإن كان لم يتمّ - يجعل كالموجود عند ابتداء السّبب في استحقاقه الحكم المبني على السّبب. فالسّبب له أصل وبدء، ولكن لا بدّ من وجود شرط لتمامه، ولكن الأحكام إنّما تبنى في الغالب على أصل السّبب وابتدائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّدقة - مثلاً - إنّما يستحقّها المتصدَّق عليه بتصريح المتصدِّق بالصّدقة، ولكن لا يتمّ ملكيّة الصّدقة للمتصدَّق عليه إلا بقبضها. فإذا تصدّق ببقرة حامل فولدت قبل قبضها من قبل المتصدَّق عليه، فإنّ ابنها يتبعها في حكمها، وإن كان لم يتمّ حكمها ولم يملكها المتصدَّق عليه. فللمتصدّق عليه البقرة وابنها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1915.

ومنها: إذا لحق مرتد - والعياذ بالله تعالى - بدار الحرب، وله امرأة مسلمة وأولاد مسلمون، فإنّ ميراثه - عند الحنفيّة - يستحقّه ورثته المسلمون، ممّنَ كان منهم وارثاً يوم لحاقه بدار الحرب مرتدّاً. وقيل: مَن كان وارثاً يوم ردّته. وقيل: من كان يعتبر وارثاً يوم يقضي القاضي بلحاقه بدار الحرب. والأصحّ الأوّل؛ لأنّ أصل السّبب وهو استحقاق الميراث ينعقد بردّته، ولكن تمامه يكون بلحاقه بدار الحرب. والموجود بعد انعقاد السّبب قبل تمامه يجعل كالموجود عند ابتداء السّبب. ومنها: إذا اشترى بقرة وبعد العقد وقبل تسلّمها وقبضها من البائع ولدت فإنّ ولدها للمشتري ويجعل كالموجود في وقت العقد في حكم انقسام الثّمن. ومنها: إذا مات مكاتب عن مال كثير - قبل أن يؤدّي بدل الكتابة - ثم أسلم ابن له كافر أو عتق ابن له كان عبداً. ثم يؤدّي بدل كتابته، فإنّ ما يفضل عن بدل الكتابة يكون ميراثاً لورثته الذين كانوا من أهل الإرث عند موته، ولا ميراث لمن كان عبداً أو كافراً يومئذ.

القاعدة التاسعة بعد السبعمئة [التوقف، الأصل]

القاعدة التّاسعة بعد السّبعمئة [التّوقّف، الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الموجود في حالة التّوقّف كالموجود في أصله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت ضمن قواعد حرف الهمزة تحت لفظ (الأصل) برقم 480. ومفادها: أنّ ما كان موجوداً في حال توقّف العقد الموقوف عن النّفاذ يعتبر كالموجود في أصل العقد من حيث إنّه يسري عليه حكم العقد عند إجازة المالك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي بستاناً بيعاً موقوفاً على إجازة المالك، وفي حال توقّف العقد قبل إجازة المالك أثمر شجر البستان، فإنّ ثمرة البستان تكون ملكاً للمشتري إذا أجاز المالك العقد، كأنّها كانت موجودة عند إجراء العقد. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي. وعنه قواعد الفقه ص 131.

القاعدة العاشرة بعد السبعمئة [المانع الحسي والشرعي]

القاعدة العاشرة بعد السّبعمئة [المانع الحسّيّ والشّرعيّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الموجود المقترن بالمانع الحسّيّ أو الشّرعيّ كالعدم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وُجد شيء ممّا يحتاج إليه لأمر شرعي ولكن اقترن بهذا الشّيء مانع حسّي أو شرعي منع من الاستفادة منه فإنّه يعتبر كالعدم، أي لا يحكم بوجوده؛ بل يعتبر كأنّه غير موجود، وينتقل إلى البدل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد شخص الطّهارة ووجد الماء ولكن حال دون القدرة على استعماله حائل يعجز عن دفعه - كوجود سبع في طريقه - أو كان البرد شديداً ولم يجد ما يسخّنه به. أو احتيج هذا الماء لشرب حيوان محترم، أو كان بالمكلّف مرض يمنعه من استعمال الماء، فإنّ هذا الماء يعتبر كالمفقود، وينتقل الحكم إلى البدل وهو التّيمّم. ومنها: إذا أعتق المسلم عبداً كافراً، أو أعتق الكافر عبداً مسلماً، ثبت الولاء للمعتِق عند الحنفيّة والشّافعيّة ولكن لا يتوارثان لاختلاف الدّين، حيث وجد المانع من التّوارث. وعند مالك رحمه الله: ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 131.

لا يثبت الولاء ولا يتوارثان لاختلاف الدّين (¬1). وعند أحمد رحمه الله: يثبت الولاء، ويتوارثان في الرّواية الرّاجحة (¬2). ومنها: الشّيخ الهرم الذي لا يستطيع الصّيام يجب عليه الفدية. ¬

_ (¬1) ينظر الكافي ص 976 فما بعدها. (¬2) ينظر المقنع جـ 20 ص 465 فما بعدها ص 469.

القاعدة الحادية عشرة بعد السبعمئة [دار الإسلام ودار الحرب]

القاعدة الحادية عشرة بعد السّبعمئة [دار الإسلام ودار الحرب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الموضع الذي لا يأمن فيه المسلمون يعتبر من جملة دار الحرب. أو دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين وفيه يأمنون (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق ببيان دار الإسلام، ومتى تعتبر الدّار دار إسلام، ومتى تعتبر الدّار دار حرب. فالمكان والموضع والبلاد التي لا يأمن فيها المسلمون على إقامة شعائر دينهم وعلى أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ولا يقام فيها شرع الله هو دار الحرب، والمكان الذي يكون تحت يد المسلمين، وفيه يأمنون، ويحكم فيه بشرع الله هو دار الإسلام. لكن متى تعتبر الدّار دار حرب أو دار إسلام؟ فعند أبي حنيفة رحمه الله: إنّ الدّار تعتبر دار حرب - ولو كان أهلها مسلمين - إذا لم يحكم فيها بشرع الله. لكن بشرط أن لا يكون بينها وبين دار الإسلام حدود. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1253.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وعند الصّاحبين: إن الدّار تعتبر دار حرب - ولو كان سكانها مسلمين - إذا لم يحكم فيها بشرع الله، ولا يأمن فيها المسلم بإيمانه، ولا الذّميّ بأمانه - ولو كانت بينها وبين دار الإسلام حدود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بناء على ما سبق من تعريف دار الحرب ودار الإسلام نستطيع القول بأنّ الدّول التي تسمّى اليوم إسلاميّة هي دار حرب لعدم الحكم فيها بشرع الله - حيث تحكم كلّها بالقوانين الوضعيّة الكافرة - وحيث يحارب فيها المسلم الذي يجهر بالدّعوة إلى الله، وحيث عطّلت شريعة الله، ووسم كلّ من يدعو إليها بأنّه رجعي أو إرهابي. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

القاعدة الثانية عشرة بعد السبعمئة [موضع الضرورة]

القاعدة الثّانية عشرة بعد السّبعمئة [موضع الضّرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: موضع الضّرورة مستثنى عن موجب الأمر (¬1). أو من لزوم الطّاعة شرعاً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة (الضّرورات تبيح المحظورات) وقاعدة (المشّقة تجلب التّيسير) وقد سبق مثال لها بلفظ (لا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة) ضمن قواعد حرف (لا) تحت الرّقم 74. ودليل هذه القاعدة: قوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬2) وقوله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (¬3) وغيرها من الآيات. فإذا أوجب الله عَزَّ وَجَلَّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم علينا أمراً فإنّما ينفذ الأمر الواجب مع القدرة والاستطاعة، ومع العجز ينتفي ¬

_ (¬1) شرح السير ص 176، 183. (¬2) الآية 119 من سورة الأنعام. (¬3) الآية 173 من سورة البقرة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الوجوب، (وموضع الضّرورة يستثنى من الواجب): فإذا وجدت الضّرورة وجدت الرّخصة، وانتفت العزيمة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الميتة محرّمة الأكل بالنّصوص القطعيّة، لكن إذا اضطر إنسان في مجاعة أو إكراه على أكل الميتة أبيح له ذلك، بل يصل الأمر إلى درجة الوجوب إذا غلب على ظنّه أنّه لو لم يأكل الميتة سيموت، فإنّه يجب عليه الأكل منها للضّرورة. ومنها: إذا نهى القائد جنده عن الخروج من المعسكر وأمرهم بالبقاء فيه، فأصابتهم ضرورة من الطّعام أو من العلف لدوابّهم، وخافوا على أنفسهم وعلى دوابّهم فلا بأس أن يخرجوا في طلب الطّعام والعلف. ومنها: خروج العبد والمرأة للقتال إذا كان النّفير عامّاً والضّرورة ماسّة فلا بأس أن يخرج العبد بغير إذن المولى، والمرأة بغير إذن الزّوج، والولد بغير إذن الوالدين. ومنها: القيام في الفريضة واجب على القادر فمن عجز عن القيام صلّى قاعداً أو مضطجعاً أو على جنب أو يومئ إيماءً.

القاعدة الثالثة عشرة بعد السبعمئة [الدين الموعود]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد السّبعمئة [الدّين الموعود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الموعود من الدّين كالمستحقّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا اتّفق شخصان على أن يعطي أحدهما الآخر شيئاً مقابل شيء، فإنّ على الواعد الوفاء بذلك الدّين, لأنّ الدّين إذا كان متعلّقاً بوعد بناءً على مقابل فهو يكون كالمستحقّ الأداء حالاً، فعلى من التزمه أداؤه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ارتهن شخص عند آخر شيئاً له قيمة مقابل أن يقرضه مالاً محدّد المقدار، ثم هلك الرّهن قبل قبض المال. فإنّ على المرتهن أداء المال الذي اتّفقا عليه؛ لأنّه أصبح مستحقّاً عليه. ومنها: إذا رهنه سيفاً بدراهم، وقبل قبض الدّراهم هلك السّيف عند المرتهن فيجب على المرتهن أن يعطيه ثلاثة دراهم؛ لأنّ أدنى الجمع المتّفق عليه ثلاثة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 21 ص 124.

القاعدة الرابعة عشرة بعد السبعمئة [المولى عليه وتصرفه]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد السّبعمئة [المولَّى عليه وتصرّفه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: المُوَلّى عليه في التّصرّف لا يتعلّق بتصرّفه حكم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المولَّى عليه: هو شخص لا يقدر على التّصرّف القولي بنفسه لحال فيه، أو لا يقدر لمنع الشّرع له. ففي هذه الأحوال يجب أن يولَّى عليه شخص يقوم بتدبير شؤونه، والتّصرّف بما فيه مصلحة له. فإذا تصرّف المولَّى عليه بغير إذن الولي، فإنّ تصرّفه باطل لا يتعلّق به حكم، والمراد هنا: التّصرّفات القوليّة كالبيع والشراء. ولكن التّصرّفات الفعليّة تتعلّق بها الأحكام ولو صدرت عن محجور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحجور عليه لسفه إذا تصرّف بالبيع أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك من العقود فإنّ تصرّفه باطل لا يتعلّق به حكم. لكن لو أتلف شيئاً وجب عليه ضمانه في ماله. ومنها: الصّغير - غير المأذون - إذا تصرّف بهبة ماله، أو شراء شيء، فتصرّفه باطل لا يبنى عليه حكم. ومنها: إذا قرأ رجل آية سجدة في الصّلاة خلف الإمام فسمعها الإمام والقوم الذين يصلّون معه فليس على أحد منهم أن يسجدها، لا في الحال ولا بعد الفراغ من الصّلاة؛ لأنّ المقتدي مولّى عليه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 11.

القاعدتان الخامسة عشرة والسادسة عشرة بعد السبعمئة [الموهوم، المتحقق]

القاعدتان الخامسة عشرة والسّادسة عشرة بعد السّبعمئة [الموهوم، المتحقّق] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الموهوم لا يعارض المتحقّق (¬1) , أو المعلوم (¬2). وفي لفظ: الموهوم فيما يبنى على الاحتياط كالمتحقّق (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان سبق لهما أمثال، وثانيتهما تعتبر كاستثناء من أولاهما. الموهوم: المبني على الوهم، والوهم أضعف درجات الإدراك العقلي، وهو مقابل لليقين. الوهم: ما لا يتصوّر له حقيقة. والمعلوم: هو المتحقّق المتيقّن. ولمّا كان اليقين أقوى من الوهم فلا يعارض الوهم اليقين؛ لأنّه (لا معارضة بين الضّعيف والقوي). لكن إذا كان هذا الوهم فيما يبنى أمره على الاحتياط والتّورّع فإنّه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 97. (¬2) نفس المصدر جـ 11 ص 16، جـ 20 ص 48، جـ 25 ص 50، جـ 26 ص 162 وجـ 30 ص 272. (¬3) القواعد والضوابط ص 497 عن التّحرير جـ 6 ص 206.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

يعتبر كالمعلوم المتحقّق ويبنى عليه الحكم. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من التقط لقطة وجاء مَن يدَّعيها، وشهد شاهدان كافران أنّها له - واللقطة في يد كافر - جازت شهادتهما استحساناً؛ لأن شهادتهما له يغلب على الظّنّ صدقها، ولا يؤخّر تسليم اللقطة له لتوهّم طالب آخر مسلم أو كافر. ومنها: إذا كان الأب عبداً مفقوداً، وله ولد حرّ - لا يحبس له شيء من ميراث ولده الحرّ الميّت؛ لأنّ الرّق الذي يحرم الميراث معلوم. والعتق بعد ذلك موهوم. ومنها: إذا مات رجل وله أولاد، منهم ولد مرتدّ مفقود، فيقسّم ميراثه بين ورثته المسلمين، ولا يحبس للمفقود شيء؛ لأنّه محروم من الميراث لردّته، وإسلامه بعد الرّدة موهوم. ومنها: إذا حفر بئراً في الطّريق فتلف فيه مال إنسان، فإنّ الضّمان على الحافر، حيث يصرف جميع ماله إلى صاحب المال التّالف - إن لم يف إلا جميعه - وإن كان من الجائز أن يتلف في البئرِ مال لآخر فيكون شريكاً مع الأوّل. لكن ذلك موهوم. رابعاً: ممّا استثني من مسائل القاعدة الأولى ويندرج تحت القاعدة الثّانية: إذا باع صبرة طعام بصبرة طعام من جنسه بدون كيل لم يجز

لاحتمال الرّبا ولو كان هذا الاحتمال متوهّماً ضعيفاً؛ لأنّ باب الرّبا مبني على الاحتياط. ومنها: إذا أراد أن يتزوّج امرأة فأُخبِر أنّها أرضعت معه، فلا يتزوّجها ولو كان المخبر امرأة أو رجلاً لا يغلب على الظّنّ صدقه؛ لأنّ أمر الفروج مبني على الاحتياط كذلك.

القاعدة السابعة عشرة بعد السبعمئة [الميت]

القاعدة السّابعة عشرة بعد السّبعمئة [الميّت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الميّت لا يملك بعد الموت (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الموت ينهي الحياة، وإذا غادر الإنسان الحياة عُدِم الملكيّة. وتحوّل ما يملكه إلى ورثته، ولأنّ الملكيّة تحتاج إلى تصرّف وقبول، والميّت لا يقبل شيئاً ولا يُقبل منه شيء، ولذلك كان الميّت لا يملك شيئاً بعد الموت. ومن ناحية أخرى فإنّ ما كان يملكه الشّخص في حياته قبل موته انتقل ملكه إلى وارثه، فيقال: هذا الشّيء ملك فلان - أي الوارث - ولا يقال: ملك فلان الميّت، بل يقال: كان ملك فلان الميّت. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى شخص في حال حياته سيّارة أو داراً أو أرضاً أو سلعة، وقبل أن يتسلّمها مات. فإنّ وارثه أصبح مالكاً لها، لأنّ المورّث الميّت لا يملك بعد الموت شيئاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا نصب إنسان شبكة صيد ثم مات. فوقع فيها صيد بعد موته، ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 297.

فإنّه يملكه حكماً ويورّث عنه؛ لأنّه إذا لم يملكه لا يجوز أن يأخذه الوارث، لكن لمّا كانَ الملك الفعلي لا يقع من الميّت، كان ملكه للصّيد حكميّاً.

القاعدة الثامنة عشرة بعد السبعمئة [الميسور والمعسور]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد السّبعمئة [الميسور والمعسور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور (¬1). وفي لفظ سبق: من قدر على بعض الشّيء لزمه (¬2). وفي لفظ سبق أيضاً: من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله عليه الصّلاة والسّلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" الحديث أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسّنّة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فتح الباري جـ 13 ص 251 حديث رقم 7288. كما أخرجه مسلم في كتاب الحجّ باب فرض الحجّ مرّة في العمر، النّووي على مسلم جـ 2 ص 975. ونصّ الحديث عندهما: ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 457، المجموع المذهّب لوحة. . . . . (¬2) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 155، قواعد ابن رجب القاعدة 8، المنثور جـ 3 ص 198، قواعد الحصني جـ 2 ص 48، أشباه السيوطي ص 159، القواعد والضوابط ص 118، 132. (¬3) المغني جـ 1 ص 126، 298.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

"إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". كما أخرجه ابن ماجه في المقدمة ص 3. والنسائي في كتاب مناسك الحجّ جـ 5 ص 111. ومفاد القاعدة: أنّ ما تيسّر فعله على المكلّف يجب عليه، وما تعسّر يسقط عنه، ولكن لا يسقط ما تيسّر بسبب سقوط ما تعسّر. بل لكل حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان مقطوع بعض أطراف الوضوء يجب غسل الباقي جزماً. ومنها: العاري إذا قدر على بعض السّترة في الصّلاة وجب عليه ستر القدر الممكن. ومنها: القادر على بعض الفاتحة يأتي به بلا خلاف. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: واجد بعض الرّقبة في الكفّارة لا يعتقها، بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف.

القاعدة التاسعة عشرة بعد السبعمئة [الميتات]

القاعدة التّاسعة عشرة بعد السّبعمئة [الميتات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الميتات أصلها على النّجاسة (¬1). وفي لفظ: الميتات نجسة إلا السّمك والجراد بالإجماع. والآدمي على الأصحّ (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 257. ومفادها: أنّ الموت إذا حلَّ في حيوان نجَّسهُ، ولذلك فكلّ ميّت نجس، ومن هنا حرمت الميتة لنجاستها. وسبب النّجاسة - والله أعلم - أنّ الموت حينما يصيب الحيوان إنّما يصيبه لبلاء في جسمه يمنعه من الاستمرار في حالته السّويّة التي كان عليها، وحتى لا يصيب آكله بالأمراض والأضرار حرّم الشّارع الحكيم أكله رحمة بالعباد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مات جمل حتف أنفه حَرُم تناوله؛ لأنّه أصبح بالموت نجساً، بخلاف ما لو نُحر فإنّه يحلّ وكذلك كلّ حيوان مأكول اللحم. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 353. (¬2) أشباه السيوطي ص 431.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: السّمك والجراد طاهران بالإجماع، للحديث. ومنها: ميتة الآدمي، الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الآدمي الميّت طاهر غير نجس. ومنها: الجنين الذي يوجد ميتاً بعد ذكاة أمّه. وقيل إنّه ليس ميتاً لأنّه ذكّي بذكاة أمّه. ومنها: الصّيد الذي لا تدرك ذكاته الاختيارية، وقد أصابه سهم الصّياد فأثبته. ومنها: دود الطّعام والدّود المتولّد من الماء فميتته ظاهرة ولم يتنجّس الماء ولا الطعام.

حرف النون

قواعد حرف النّون وعدد قواعده 103 قاعدة

القاعدة الأولى [النائب]

القاعدة الأولى [النّائب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّائب لا يجوز له التّصرّف إلا على وجه الحظّ والاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّائب: اسم فاعل من ناب عنه ينوب إذا قام مقام غيره في أداء واجب أو تصرّف ما. فالنّائب عن غيره في أمر ما مقيد بالتّصرّف بما فيه مصلحة المنوب عنه وحظّه، والعمل بما فيه الاحتياط لمصلحة المنوب عنه عند التباس المصلحة. ثالثاً: من أمثلة لهذه القاعدة ومسائلها: إذا أطلق ربّ رأس المال للمضارب التّصرّف، فهل له التّصرّف بالبيع نسيئة؟ - أي بالدّين - خلاف. فعند مالك وابن أبي ليلى والشّافعي رحمهم الله ليس له ذلك؛ لأنّه نائب في البيع، فلم يجز له البيع نسيئة بغير إذن صريح. خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، والرّأى الرّاجح عند الحنابلة، وهو الذي رجّحه ابن قدامة رحمه الله. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 41، 43، 45، 52، 56، 340.

ومنها: إذا تعدّى المضارب وفعل ما ليس له فعله، أو اشترى شيئاً نهي عن شرائه فهو ضامن للمال؛ لأنّه متصرّف في مال غيره بغير إذنه، فلزمه الضّمان. ومنها: إذا وجد الولي أنّ في الأخذ بالشّفعة حظّاً للصّبي - مثل أن يكون الشّراء رخيصاً، أو بثمن المثل - وللصّبي مال لشراء العقار - لزم الولي الأخذ بالشّفعة؛ لأنّ عليه الاحتياط له والأخذ بما فيه الحظ. فإذا أخذ بها ثبت الملك للصّبي ولم يملك نقضه بعد البلوغ (¬1). ¬

_ (¬1) نفس المصدر ص 340.

القاعدة الثانية [النائم]

القاعدة الثّانية [النّائم] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّائم كالمستيقظ، في بعض المسائل (¬1). وفي لفظ: النّائم يعطى حكم المستيقظ (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: فالنّائم غير مكلّف بأداء الأحكام التّعبديّة أثناء نومه، وإن كان تجب عليه - كما سيأتي قريباً -. ولكن يترتّب عليه أحكام أخرى هو فيها كالمستيقظ سواء، وبخاصّة الأحكام التي تتعلّق بحقوق العباد، وإن كان الإثم عن النّائم مرفوعاً، ولكنّ الضّمان لازم كالمستيقظ. ودليل القاعدة الحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النّائم حتى يستيقظ" الحديث (¬3) وقد قطع الحنفيّة بذلك في هذه المسائل بدون تردّد. ولكن الشّافعية يظهر أنّ بينهم اختلافاً في بعض هذه المسائل. ¬

_ (¬1) الهداية جـ 5 ص 271، أشباه ابن نجيم ص 319 - أشباه السيوطي ص 212. (¬2) المنثور جـ ص 246. (¬3) الحديث صحيح أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها حديث رقم 4398. ومثله عن علي رضي الله عنه.

ثالثا من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: عدّ الحنفية المسائل التي يكون فيها النّائم كالمستيقظ فبلغت خمساً وعشرين مسألة منها: إذا جامع الرّجل زوجته وهي نائمة - إذا كانت صائمة فسد صيامها. ومنها: إذا كانت المرأة مُحرمة فجامعها زوجها وهي نائمة فعليها الكفّارة. ومنها: المحرم إذا كان نائماً فانقلب على صيد فقتله فعليه الجزاء. ومنها: رجل خلا بامرأة، وثمّة أجنبي نائم لا تصحّ الخلوة. ومنها: امرأة نامت فجاء رضيع فارتضع من ثديها تثبت حرمة الرّضاعة - عند من لا يشترطون خمس رضعات (¬1). ومنها: صحّة وقوف النّائم بعرفة، وصحّة صومه ولو استغرق النّهار كلّه. ومنها: إنّ النّوم لا يسقط قضاء الصّلاة بخلاف الإغماء. ¬

_ (¬1) ينظر في تمامها أشباه ابن نجيم ص 319 - 321.

القواعد: الثالثة والرابعة والخامسة [النادر]

القواعد: الثّالثة والرّابعة والخامسة [النّادر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّادر إذا دام يعطى حكم الغالب (¬1). وفي لفظ: النّادر إذا لم يدم يقتضي القضاء (1). وفي لفظ: النّادر هل يلحق بالغالب (¬2)؟ وفي لفظ: النّادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه (¬3)؟ ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: النّادر من الأمور: هو الشّيء الذي قلّما يقع، أو يقل وقوعه جداً. فالنّادر هذا لا حكم له في نفسه وإنّما يكون الحكم للغالب الظّاهر دون النّادر. لكن إذا استمرّ هذا النّادر ودام يعطى حكم الغالب، لأنّه لم يَعُد نادراً وقد استمر. ومن أحكام النّادر أنّه إذا لم يدم ولم يستمر يوجب قضاء العبادة التي فاتت أثناء وجوده. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا خلقت أنثى بلا غشاء بكارة. فهي في حكم الأبكار قطعاً. ¬

_ (¬1) المنثور جـ ص 244. (¬2) نفس المصدر ص 243. (¬3) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 198، المجموع المذهب لوحة 155 أ، المنثور جـ 3 ص 246، قواعد الحصني جـ 3 ص 91، أشباه السيوطي ص 183.

رابعا: مما استثني واعتبر فيه حكم النادر ولم يلحق بالغالب

ومنها: إذا خلق لشخص وجهان - ولم يتميّز الزّائد - يجب غسل الوجهين قطعاً. ومنها: لو طالت مدّة اجتماع المتبايعين أيّاماً - وهو نادر - فالرّاجح بقاء خيارهما إذا لم يتفرّقا. ومنها: المربوط على خشبة يصلّي ويعيد. ومنها: يجوز القصر في السّفر وإن لم تلحق المسافر مشقّة. ومنها: لو ولَدت بلا دم ولا رطوبة - فهذا نادر - لا يكاد يقع - فهل تعتبر نفساء ويجب عليها الغسل؟ خلاف. رابعاً: مما استثني واعتبر فيه حكم النّادر ولم يلحق بالغالب: الصّلاة حالة المسايفة أركانها مختلة - وهي من النّادر - ولكن لا يجب القضاء. ومنها: لو نبت لامرأة لحية - ولو كثة - يجب غسل ما تحتها. ولم تعامل معاملة لحية الرّجل في قول. ومنها: الإصبع الزّائد لو قطعت لا تلحق بالأصليّة في حكم الدية قطعاً.

القاعدة السادسة [النادر من الصور]

القاعدة السّادسة [النّادر من الصّور] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّادر لا يفرد بحكم ويسحب عليه دليل الغالب (¬1). وفي لفظ: نوادر الصّور هل يعطى لها حكم نفسها أو حكم غالبها (¬2)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى ما سبق من القواعد. فالنّادر لا يفرد بحكم يخصّه ولكن يعطى حكم الغالب ويسحب عليه دليله. إلا ما استثنى كما سبق بيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان عنده أثواب أصاب بعضها نجاسة، والأثواب كثيرة فعليه أن يتحرّى في أصح الوجيهين دفعاً للمشقّة لو صلّى بكلّ واحدة منها. وفي وجه لا يتحرّى؛ لأنّ هذا يندر جداً فلا يفرد بحكم وعليه أن يصلّى بكلّ ثوب صلاة حتى يتيقّن أنّه صلّى بثوب طاهر. وهنا سحب على النّادر دليل الغالب. ومنها: إذا كان الشّارب والعُنفُقة والحاجبان وأهداب العينين ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 64، 116، 160، 235، 251، 304، 337. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة 54.

كثيفة - مع أنّ ذلك نادر فيكفي غسل ظاهرها إلحاقا بلحية الرّجل الكثّة التي تستر ما تحتها. ومنها: إذا فقد الماء في الحضر فتيمّم وصلّى ثمّ قدر على الماء، فعلى إحدى الرّوايتين عن أحمد رحمه الله يعيد صلاته - وهو مذهب الشّافعي أيضاً - لأنّ هذا عذر نادر فلا يسقط به القضاء. ومنها: إذا عدم الماء والتّراب صلّى على حاله ثم يعيد إذا وجد الماء أو التّراب. وفي رواية لا يعيد.

القاعدتان السابعة والثامنة [النادر، الظاهر]

القاعدتان السّابعة والثّامنة [النّادر، الظّاهر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّادر ليس في معنى ما تعمّ به البلوى (¬1). وفي لفظ: النّادر لا يعارض الظّاهر (¬2). وفي لفظ سبق: لا عبرة بالنّادر (¬3). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هذه القواعد بمعنى ما سبق. فالنّادر ليس في معنى ما يكثر ولا في حكمه. وهو لا يعارض الظّاهر الدّائم، ولذلك فلا اعتداد بالنّادر ولا حكم له في نفسه. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من نام في صلاته فاحتلم، فقد فسدت صلاته، فعليه أن يغتسل ويستأنف ولا يبني على صلاته. وليس كمن رعف في صلاته؛ لأنّ الاحتلام في الصّلاة نادر. ومنها: انسد المخرج المعتاد للبول أو الغائط وانفتح آخر، لم يجزه الاستجمار فيه لأنّه غير السّبيل المعتاد، ولمّا كان هذا نادراً ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 196. (¬2) نفس المصدر جـ 30 ص 52. (¬3) المبسوط جـ 1 ص 122.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

بالنّسبة إلى سائر النّاس لم تثبت له أحكام الفرج، فلا ينقض الوضوء مسَّه، ولا يجب بالإيلاج فيه حدّ ولا مهر ولا غسل ولا غير ذلك من الأحكام، فأشبه سائر البدن. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: الطّين الواقع في الطّرقات إذا أصاب قدم المصلّي أو ثوبه صحّت الصّلاة فيه مع ندرته، وإن كان فيه نجاسة. وعند الشّافعية: يعفى عن قليله دون كثيره (¬1). ومنها: ممرّ الدّواب والمشي بالأحذية التي يجلس بها في المراحيض، فالغالب النّجاسة، والنّادر سلامتها من النجاسة، لكن لمّا كنّا لا نرى عين النّجاسة ألغى الشّارع الغالب رحمة بالعباد فيصلّى بها من غير غسل (¬2)، ولكن يدلكها في الأرض قبل الصّلاة. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 265. (¬2) إعداد المهج ص 245 - 247.

القاعدة التاسعة [النادر، العادة]

القاعدة التّاسعة [النّادر، العادة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّادر لا يستحقّ بطريق العادة، والثابت عرفاً لا يثبت فيما هو نادر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً بيان حكم النّادر من الأمور، وإنّه لا يفرد بالحكم بل يأخذ حكم الغالب، إلا ما استثني. ولكن هذه القاعدة تشير إلى حكم آخر وهو: ما موقف العادة أو العرف ممّا يندر وقوعه؟ هل يستحقّ عرفاً أو عادة أو لا يستحق ولا يثبت؛ لأنّه يجري عليه حكم الغالب؟. نصّ القاعدة يفيد أن النّادر لا يثبت ولا يستحقّ عرفاً ولا عادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سافر المضارب بمال المضاربة إلى بلد غير بلده - يتّجر فيه، كانت نفقته في مال المضاربة منذ خروجه حتى يرجع، وتشمل النّفقة كلّ ما يحتاجه، ولكن هل تشمل النّفقة الدّهن؟ عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى: إنّ دهنه ليس من جملة النّفقة؛ لأنّه لا يحتاج إلى استعمال الدّهن عادة. ومنها: إذا اشترى جارية للوطء والخدمة، لا يحتسب ثمنها من مال المضاربة؛ لأنّ هذا ليس من أصول حوائجه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 63، 64.

القاعدة العاشرة [الناسي والعامد]

القاعدة العاشرة [النّاسي والعامد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّاسي والعامد في اليمين والطّلاق والعتاق ومحظورات الإحرام سواء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: في الشّرع أمور يستوي في أحكامها النّاسي والمتعمّد، فحكم النّاسي كحكم المتعمّد في ترتّب الحكم الشّرعي عليه، وذلك فيما يتعلّق بالأيمان والطّلاق والعتاق ومحظورات الإحرام. والفرق أنّ النّاسي لا إثم عليه فيما يفعل حال نسيانه بخلاف المتعمّد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف الإنسان يميناً متعمّداً وحنث فيه وجب عليه كفّارة اليمين، وكذلك لو نسي وحلف يميناً على أمر ما لم يفعله، ثمّ تبيّن أنّه قد فعله، فعليه كفّارة يمين أيضاً. كمن سُئل هل لفلان عليك دين فحلف أنّه ليس عليه لفلان ذلك دين، ثمّ تبيّن أنّه عليه دين لذلك الشّخص وقد نسيه وحلف، فهو حانث، وعليه الكفّارة. ومنها: إذا طلّق امرأته ناسياً أنّها امرأته، وقع طلاقه. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 187، 200، أشباه ابن نجيم ص473، وعنه قواعد الفقه ص 132.

ومنها: إذا علّق طلاق امرأته أو عتق عبده على فعل شيء، ففعله ناسياً، طلقت زوجته، وعتق عبده. ومنها: إذا حلق رأسه ناسياً إحرامه، وجب عليه الجزاء، وكذلك لو قتل الصّيد وهو محرم ناسياً إحرامه أو جاهل.

القاعدة الحادية عشرة [النافي، المثبت]

القاعدة الحادية عشرة [النّافي، المثبت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّافي معارض للمثبت فيما طريقه الخبر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النافي مقابل للمثبت، فإذا ورد خبران أحدهما مثبت والآخر نافٍ فإنّ النّافي معارض للمثبت، وبناء على ذلك يجب التّرجيح بين الخبرين للتّعارض الواقع بينهما، وإن لم يمكن التّرجيح ألغي الخبران ولم يُبْنَ على أحد منهما حكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلب القاضي تزكية شاهد، فجاء رجل ثقة فزكّاه، ثم أتاه من ثقة آخر أنّه غير عدل، فإذا أمكن التّرجيح بين الخبرين عمل بالرّاجح منهما، وإلا أسقط القاضي شهادة المزكين وطلب غيرهما؛ لوقوع التّعارض بين الخبرين. لكن إذا كان الموثقون اثنين، والمجرّح واحد قبل تزكية الاثنين ولم يعمل بقول الواحد؛ لأنّ المثنى حجّة في الأحكام فلا يعارضه خبر الواحد. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 91.

القاعدة الثانية عشرة [الناكل]

القاعدة الثّانية عشرة [النّاكل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّاكل كالمقرّ، وإقراره حجّة عليه دون غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّاكل: اسم فاعل من نكل ينكل. وهو مَن وُجِّه عليه اليمين فامتنع عن الحلف. فعند الحنفيّة هو كالمقرّ. فمن نكل عن يمينه فيعتبر نكوله وامتناعه عن اليمين إقراراً بما ادُّعي به عليه. ولمّا كان المقرّ يتحمّل نتيجة إقراره. وكما سبق (إنّ إقرار المقرّ حجّة عليه دون غيره)، (فالإقرار حجّة قاصرة غير متعدّية) فكذلك النّكول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى على شخص أنّه اغتصب من آخر شيئاً وباعه، ولم يأت ببيّنة، ووجّهت اليمين على المدَّعى عليه فنكل عنها وأبى وامتنع عن الحلف. فعند ذلك يحكم عليه القاضي بإعادة ما اغتصبه - إذا كان باقياً - وإلا فعليه أداء بدله أو مثله أو قيمته، ولا يتعدّى الحكم إلى المشتري منه. ومنها: إذا اقتسم قوم أرضاً أو ميراثاً أو شيئاً مشترى ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 64.

وتقابضوا، ثم ادَّعى أحدهم غلطاً في القسمة، وطلب تحليف الآخرين على الغلط - إذا أنكروه - فله ذلك، فإذا استحلفوا فمن حلف منهم بأنّ القسمة لا غلط فيها لم يكن له عليه سبيل، وأمّا من نكل عن اليمين فيجمع نصيبه إلى نصيب المدّعي ثم يقسم بينهما على قدر نصيبيهما، ولا يتعدّى ذلك إلى حصص الآخرين الّذين حلفوا.

القاعدة الثالثة عشرة [النجس، الطاهر]

القاعدة الثّالثة عشرة [النّجس، الطّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النجس إذا لاقى شيئاً طاهراً - وهما جافَّان - لا ينجسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القول المأثور: (جاف على جاف طاهر بلا خلاف). فإذا وُجد شيء نجس كثوب أو أرض أو غيرها - وهو جاف لا رطوبة به، وقد لاقى شيئاً طاهراً، أو وقع على طاهر جاف كذلك، فإنّ الطّاهر لا ينجس لملاقاة النّجس مع الجفاف ولا تنتقل النّجاسة من النّجس إلى الطّاهر لعدم بلل أحدهما، أمّا لو كان أحدهما مبتلاً فإنّ الطّاهر ينجس. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أرض أصابتها نجاسة من بول أو غيره، ثم جفّت، ووضع عليها بساط جافّ كذلك فإنّ البساط يبقى طاهراً، ولا ينجسه ما تحته للجفاف، حتّى لو صلّى عليه صحّت صلاته. ومنها: إذا كان على كرسي أو فراش نجاسة وقد جفّت وجلس ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 432.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

على الكرسي أو الفراش إنسان وثوبه جاف، فلا يتنجّس ثوبه، لكن لو عرق وتعدّى العرق إلى الثّوب الملاصق للكرسي أو الفراش فإنّه ينجس. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا لصق بالخبز دخان النّجاسة في التّنّور، فإنّ ظاهر أسفله ينجس فيغسل بالماء. والسّبب في ذلك أنّ الخبز لا يلصق في التّنّور إلا إذا كان عجيناً، والعجين رطب لصق على جاف - فيه نجاسة، ولذلك تنجّس أسفل الخبز. وليس جافّاً لاقى جافّاً حتى يستثنى.

القاعدة الرابعة عشرة [النداء]

القاعدة الرّابعة عشرة [النّداء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّداء للإعلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّداء: مصدر نادى ينادي. ويكون النّداء بحرف من حروف النّداء كالياء. فالنّداء في اللغة والفقه للإعلام بالمنادى لا لبيان صفة المنادى، إلا في الطّلاق والعتق والحدود والتعازير فيثبت به الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نادى خادمته فقال: يا سارقة، أو يا مجنونة، لا يثبت بقوله هذا حكم؛ لأنّه أراد إعلامها بأنّه يناديها لا ليثبت عليها السّرقة أو الجنون. ومنها: إذا قال لزوجته: يا كافرة. لا يفرق بينهما، لأنه لم يرد التحقيق وإنما أراد الإعلام بالنداء. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال لزوجته: يا طالق. طلقت، لأنّ النّداء هذا للتّحقيق لا لمجرد الإعلام وإن ادّعاه. ومنها: إذا قال لعبده: يا حُرّ. عتق عليه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 179، وعنه قواعد الفقه ص 132.

ومنها: إذا قال لامرأة يا زانية. حُدَّ حَدَّ القذف. حتى لو ادَّعى أنَّه ما أراد القذف. ومنها: إذا قال لرجل: يا سارق. عُزِّر. للإهانة.

القاعدة الخامسة عشرة [النذر]

القاعدة الخامسة عشرة [النّذر] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّذر المطلق هل يسلك به مسلك واجب الشّرع أو جائزه (¬1)؟ وفي لفظ: النّذر هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز (¬2)؟ وفي لفظ سبق: تنزيل النّذر على واجب الشّرع أو على جائزه (¬3)؟ ينظر قواعد حرف التّاء القاعدة 220. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القواعد مثال. وينظر القاعدة 220 من قواعد حرف التّاء. فالنّذر إمّا أن يكون مطلقاً عن القيد والتّحديد، وإمّا أن يكون مقيّداً بقيد يحدّد ويعيّن العبادة المقصودة. لكن موضوع هذه القواعد النّذر المطلق. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 27. (¬2) ينظر الأم للإمام الشافعي جـ 2 ص 228، جـ 5 ص 579، وقواعد الحصني جـ 3 ص 302، وأشباه السيوطي ص 164. (¬3) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 537 وينظر المجموع المذهب لوحة 249 أ. والقاعدة 220 من قواعد حرف التاء.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فإذا كان النّذر مطلقاً، فهل يحمل على العبادات التي أوجبها الشّرع وفرضها كالصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ، أو يحمل ويسلك به مسلك العبادات الجائزة؟ - أي النّوافل -؟ خلاف. ولكن هل يترتّب على هذا الخلاف فائدة وثمرة؟ قالوا: نعم؛ لأنّ النّذر إذا حمل على الواجب يجب فيه ما يجب في الواجب من أحكام. وإذا حُمِل على الجائز اختلفت أحكامه تبعاً لأحكام الجائز، ولا خلاف وجوب الوفاء بالنّذر، وإنّما الخلاف في أنّ حكمه كالجائز في القربات أو كالواجب في أصله؟ وهناك قربات لم توضع لتكون عبادة - أي أنّه ليس من جنسها واجبات، بل هي أعمال وأخلاق مستحسنة حثّ عليها الشّارع ورغّب فيها، ورتّب على فعلها الثّواب، وذلك لما فيها من فوائد أخلاقيّة واجتماعيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - أمثلة ما سلك فيه مسلك الواجب على الأصح: إذا نذر صلاة. فيلزمه ركعتان، ولا يجوز القعود مع القدرة، ولا فعلهما على الرّاحلة، ولا يجمع بينهما وبين فرض آخر، أو نذر آخر بتيمّم. ولو نذر بعض ركعة أو سجدة لم ينعقد نذره في الأصحّ. ومنها: إذا نذر صوماً يجب تبييت النّيّة، ولا يجزئ إمساك بعض يوم، كما لا ينعقد نذر بعض يوم. ومنها: إذا نذر أن يكسو يتيماً، فلا يخرج عن نذره بيتيم ذمّي.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا نذر الهدي - ولم يُسَمِّ شيئاً - فلا يجزئ إلا ما يجزئ في الهدي الشّرعي، ويجب إيصاله للحرم. 2 - أمثلة ما سلك فيه مسلك الجائز على الأصح: إذا نذر عتق رقبة فيجزئ عتق كافر ومعيب. ومنها: إذا نذر أن يصلّي ركعتين، فصلّى أربعاً بتشهّد أو تشهّدين، صحّ وأجزأه. ومنها: إذا نذر صوم يوم معيّن، فلا يثبت له خواصّ رمضان من الكفّارة بالجماع فيه، ووجوب الإمساك لو أفطر فيه، وعدم قبول صوم آخر من قضاء أو كفّارة، بل لو صامه عن قضاء أو كفّارة صحّ، ولو لم يبيّت النّيّة. 3 - من أمثلة نذر القربات التي لم توضع لتكون عبادة: لو نذر عيادة مريض أو إفشاء السّلام، أو زيارة القادمين، أو تشميت العاطس، أو تشييع الجنائز، فتلزم بالنّذر، كما تلزم العبادات الجائزة، ولا واجب مثلها حتى تسلك مسلكه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا نذر قراءة القرآن، فإنّه يجب أن ينوي عند القراءة. مع أنّ قراءة النّفل لا نيَّة لها. وكذلك القراءة المفروضة في الصّلاة لا نيَّة لها.

القاعدة السادسة عشرة [النساء]

القاعدة السّادسة عشرة [النّساء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّساء يقصد فيهن السّتر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّساء: اسم جمع لا واحد له من لفظه، إذا أنّ واحده لفظ امرأة، والمراد بالنّساء: الإناث من بني آدم. والسّتر: معناه: التّغطية والحجب، فالمرأة عورة، والعورة يجب سترها وتغطيتها، وحجبها عن أعين الرّجال الأجانب. ولمّا كان النّساء عورات يجب حجبهن وسترهن عن عيون الرّجال الأجانب عنهن في الصّلاة وخارجها، ولمّا كان النّساء يقصد فيهنَّ السّتر فلا يجوز تكشّف المرأة أمام الرّجل غير المحرم منها، كما لا يجوز للرّجل أن ينظر امرأة غير محرم له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المرأة المحرمة بحجّ أو عمرة يجب عليها كشف وجهها، ويحرم عليها ستره وتغطيته ولو بالبرقع والنّقاب، كما يحرم على الرّجل تغطية رأسه، لكن إذا كانت المرأة بحضرة رجال أجانب سدلت شيئاً على وجهها، فإذا لم يكن رجال وجب عليها كشفه. ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 326، 327، 328، 330، 386، 394.

ومنها: أجمع أهل العلم أنّه لا رَمَل على النّساء حول البيت، ولا بين الصّفا والمروة، وليس عليهن اضطباع، لأنّ الأصل في الرّمل والاضبطاع إظهار الجلد والقوّة ولا يقصد في ذلك في حقّ النّساء؛ لأنّ في الرّمل والاضبطاع تعرّض للكشف.

القواعد من السابعة عشرة إلى الثالثة والعشرين

القواعد من السّابعة عشرة إلى الثّالثة والعشرين أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّسب بمنزلة المقطوع به شرعاً، وإن كان طريق معرفته في الأصل الاجتهاد (¬1). وفي لفظ: النّسب بعد ثبوته لا يحتمل النّقض (¬2) وهو على الكافَّة. وفي لفظ: النّسب لا يحتمل الإبطال بعد ثبوته (¬3). ولا الفسخ (¬4). وفي لفظ: النّسب لا يحتمل التّعليق بالشّرط (¬5). وفي لفظ: النّسب لا يتبعّض فلا يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر (¬6). وفي لفظ: النّسب الذي يثبت بالنّكاح لا ينتفي بمجرد النّفي - بخلاف ملك اليمين (¬7). وفي لفظ: النّسب يحتاط لإثباته (¬8). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 36. (¬2) قواعد الفقه ص 132. (¬3) المبسوط جـ 17 ص 146. (¬4) نفس المصدر جـ 22 ص 166. (¬5) نفس المصدر جـ 13 ص 59. (¬6) المغني جـ 5 ص 198. (¬7) المبسوط جـ 17 ص 111. (¬8) المغني جـ ص 206.

ثانيا: معنى هذه القواعد ومدلولها

[النّسب وأَحكامه] ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلّق بالنّسب وأحكامه. النّسب: هو العزو والانتماء، يُقال: نسب هذا الرّجل في قريش أي هو منهم ومنتم إليهم. أو هو اشتراك من جهة أحد الأبوين (¬1). والنّسبة إلى الأب أو الأم أو البلد أو الحي والقبيلة والصّناعة وغير ذلك يكون بإلحاق ياء النّسبة إلى المنسوب إليه فيقال: هو قرشي أو بَجلي أو قبلي أو دمشقي. فمن أحكام النّسب: أنّ النّسب إذا ثبت فهو في درجة المقطوع به شرعاً، مع أنّ طريق معرفته في الأصل الاجتهاد، من حيث إنّه لا اطلاع لنا على حقيقة الاتّصال بين الرّجل والمرأة، لكن لمّا كان الولد للفراش فإنّه ينسب لصاحب الفراش الّذي ولد عليه. ومنها: أنّ النّسب إذا ثبت لا يجوز نقضه ولا إبطاله ولا فسخه، كما يفسخ النّكاح مثلاً. ومنها: أنّ النّسب لا يحتمل التّعليق بالشّرط بمعنى أنّه لا يثبت معلّقاً إثباته بشرط. ومنها: أنّ النّسب إذا ثبت فهو ملزم لكافّة النّاس اعتباره والاعتراف به. ¬

_ (¬1) مفردات الرّاغب ص 49 والتوقيف ص 696 عنه.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ومنها: أنّ النّسب يثبت جملة لجميع المقصودين به ولا يمكن أن يتبعّض فيثبت في حقّ أحد دون أحد. ومنها: أنّ النّسب الذي يثبت بالنّكاح والزّواج لا ينتفي بمجرّد النّفي بل لا ينتفي إلا باللعان. بخلاف النّسب الذي يثبت عن طريق ملك اليمين، فإنّه ينتفي بمجرّد النّفي. ومنها: أنّ النّسب لعظم شأنه وما يترتّب عليه من واجباتٍ وحقوق فيجب أن يحتاط في إثباته. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ثبت نسب شخص من آخر فإنّه يكون حجّة على كافّة النّاس كالحرّيّة إذا ثبتت. فاعتراف الأب ببنوّة ابنه لا يكون ذلك خاصّاً بالأب، بل يتعدّى إلى العموم. أي الاعتراف بالبنوّة والنّسب فيلزم كلّ متعامل مع هذا الابن معاملته على أنّه فلان بن فلان. ومنها: إذا ولدت أمَةٌ لرجل، فادّعى آخر أنّ المولود ابنه - من جهة نكاح صحيح أو فاسد، أو من جهة ملك. يثبت نسب المولود من المدّعي ويصحّ إقراره به. ومنها: إذا اشترى المضارب عبداً يساوي ألفين - ورأس المال ألف - فبلغ ألفين، فقال المضارب: أنّ هذا العبد هو ابني. فإذا صدّقه ربّ المال في دعواه عتق كلّه على المضارب، ويضمن المضارب رأس المال.

لكن إذا كذَّبه ربّ المال: ثبت نسبه من المضارب لأنّه مالك له بمقدار حصّته من الرّبح، وذلك كافٍ لصحّة دعواه النّسب فيه. فيعتق منه بمقدار نصيب المضارب - وهو الرّبع - وربّ المال بالخيار في نصيبه إمّا أن يُعتق باقيه، أو يضمن المضارب باقي قيمته، أو يستسعى العبد في الباقي. والولاء بين المضارب ورب المال أرباعا؛ لأنّ ثلاثة أرباعه عتقت على ربّ المال حين أعتقه أو استسعاه، لكن إذا ضمن المضارب باقي قيمته فالولاء كلّه له. ومنها: رجل مات وخلَّف ولدين أقرّ أحدهما بأخ أو أخت وأنكر الثّاني، لا يثبت نسب المُقرِّ به ولكن يشارك المقرّ في الميراث. أمّا لو أقرّ الإثنان به لثبت نسبه وشاركهما جميعاً. ومنها: إذا ثبت النّسب بالإقرار، ثم أنكر المقرّ ورجع عن إقراره لم يقبل إنكاره؛ لأنّه نسب ثبت بحجّة شرعيّة.

القاعدة الرابعة والعشرون [النسخ]

القاعدة الرّابعة والعشرون [النّسخ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نسخ الكتاب بالسّنَّة المشهورة التي تلقّاها العلماء بالقبول جائز (¬1). [أَصوليّة فقهيّة] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه من القواعد الأصوليّة الفقهيّة التي وقع في مدلولها الخلاف عند الأصوليّين وهي من مسائل النّسخ. فالنّسخ في اللغة: هو الإزالة والرّفع. يقال: نسخت الشّمس الظّلّ - أي أزالته عن موضعه. ونسخت الرّيح الأثر - أي محته. ويأتي النّسخ بمعنى شبه النّقل، يقال: نسخت الكتاب - أي نقلت ما فيه إلى الورق. وأمّا عند الأصوليّين فالنّسخ عندهم له تعريفان: الأوّل: بمعنى الرّفع، وهو رفع حكم الخطاب السّابق بخطاب ثان متراخٍ عنه. والثّاني: بمعنى البيان: وهو بيان مدّة العمل بالخطاب الأوّل بخطاب ثان متراخ عنه. واشترط كثير من الأصوليين التّجانس بين النّاسخ والمنسوخ، أي أن يكون النّاسخ في قوّة المنسوخ أو أقوى منه، ولا يجوز نسخ الأقوى بالأضعف، فمنه نسخ الكتاب بالكتاب، ونسخ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 93 وعنه قواعد الفقه ص 132.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

السّنّة بالكتاب، ونسخ السّنّة بالسّنّة، ونسخ الكتاب بالسّنّة المتواترة. واختلفوا في نسخ الكتاب بالسّنّة. لكن مفاد هذه القاعدة: أنّ نسخ الكتاب - أي القرآن الكريم - بالسّنّة المشهورة جائز عند الحنفيّة (¬1). والمراد بالسّنّة المشهورة السّنّة المستفيضة، وهي التي نقصت شرطاً من شروط السّنّة المتواترة. حيث إنّ عند الحنفيّة أنّ السّنة المشهورة قسم برأسه من أقسام السّنّة، مقابل للسّنّة المتواترة وسنّة الآحاد. وأمّا عند غير الحنفيّة فالسّنّة المشهورة قسم من أقسام خبر الآحاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (¬2). فمفهوم هذه الآية المنع من قتال المشركين في الأشهر الحرم، ولكنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلم غزا الطّائف ونصب المنجنيق عليها لست مضين من المحرم، وأصحاب السّيَر لم يذكروا لذلك تاريخاً محدّداً؛ إلا انّ الحصار بدأ بعد الانتهاء من غزوة حنين. والمحرّم من الأشهر الحرُم. وفي عيون الأثر جـ 2 ص: إنّ حصار الطائف كان في شوال س 8 من الهجرة. ولعلّه لا تعارض بين الخبرين إذ كان نصبه ¬

_ (¬1) ينظر كشف الأسرار شرح أصول البزدوي جـ 3 ص 334 فما بعدها. (¬2) الآية 5 من سورة التوبة.

المنجنيق في شوال واستمر الحصار أربعين يوماً، وعلى كلّ حال فذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم كلّها أشهر حرم. وينظر أيضاً: البداية جـ 4 ص 344. وعند الشّوكاني: ترجيح عدم نسخ القتال في الأشهر الحرم، وبدء حصار الطّائف كان في شوال وهو ليس شهراً حراماً، والمحرّم هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم لا إتمامه. فتح القدير جـ 2 ص 522. وهذا الخبر مشهور تلقّاه علماء الأمّة بالقبول فدلّ ذلك على نسخ منع القتال في الأشهر الحرم. لكن يمكن أن يقال: إنّ ناسخ المنع من القتال في الأشهر الحرم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (¬1). ومنها: قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (¬2). نسخت باتّفاق الصّحابة على ما روي عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنّهما قالا: ما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الدّنيا حتى أبيح له النساء (¬3) (¬4) وفيه أيضاً عن أمّ سلمة رضي الله عنها. ¬

_ (¬1) الآية 5 من سورة التوبة. (¬2) الآية 52 من سورة الأحزاب. (¬3) ينظر فتح القدير - تفسير الشوكاني جـ 4 ص 421. (¬4) ينظر أصول السرخسي جـ 2 ص 75.

القواعد الخامسة والسادسة والسابعة والعشرون [النسيان وأحكامه]

القواعد الخامسة والسّادسة والسّابعة والعشرون [النّسيان وأحكامه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّسيان عذر في المنهيات دون المأمورات (¬1). وفي لفظ: النّسيان متى يكون عذراً ومتى لا يكون (¬2). أو قد يكون عذراً. وفي لفظ: النّسيان وأحكامه ومسائله (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: دليل هذه القواعد قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الله وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه" (¬4). وورد هذا الخبر بروايات مختلفة. النّسيان: هو ترك الشّيء على ذهول وغفلة. خلاف الذّكر له (¬5). ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 272. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 152 - 155، المجموع المذهب لوحة 137 أ - ب، أشباه السيوطي ص 187 - 201. (¬3) قواعد الحصيني جـ 2 ص 273، أشباه ابن نجيم ص 303. (¬4) الحديث برتبة الحسن أخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه بهذا اللفظ عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬5) المصباح مادة (النّسوة).

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وللنّسيان في الشّرع أحكام: فمتى يكون النّسيان عذراً في رفع الإثم ومتى لا يكون؟. فالقاعدة الأولى: تفيد أنّ النّسيان إنّما يكون عذراً رافعاً للإثم في المنهيات - أي في الأمور التي نهى الشّارع عنها - دون المأمورات - أي ما أمر الشّارع بفعله فنسيه المكلّف. والمنهيّات إنّما تكون عذراً في رفع الإثم دون الضّمان إذا وقع الإتلاف. وتعليل ذلك: أنّ الأمر يقتضي إيجاد الفعل، فما لم يفعل المكلّف ما أمر به لم يخرج عن العهدة. وأمّا النّهي فإنّه يقتضي الكفّ عن الفعل، فإذا فعل ما نهي عنه من غير قصد فكأنّه ما فعله؛ لأنّ ترتّب الإثم على فعل المنهي عنه إذا كان فعله مقصوداً. ولكن إذا كان ما نهي متعلّقاً بحقوق العباد فإنّ الضّمان يجب على النّاسي كما هو على العامد، لأنّ حقوق العباد لا تسقط بالنّسيان. والمخطئ والجاهل حكمهما حكم النّاسي في كثير من المسائل. ومن ناحية ثانية: فإنّ تارك المأمور يمكنه تلافيه بإيجاد الفعل - ولو خارج وقته - إذ يلزمه إيجاده ولا يعذر فيه. وأمّا المنهي إذا ارتكبه، فإنّه لا يمكنه تلافيه؛ إذ ليس في مقدور الإنسان نفي فعل حصل في الوجود. فلذلك يعذر فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تكلّم في الصّلاة ناسياً لم تبطل صلاته، عند غير الحنفيّة. ومنها: إذا أكل ناسياً أثناء صومه لم يبطل صومه. وعند مالك

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة ولم يكن النسيان عذرا

عليه القضاء. ومنها: إذا تطيب المحرم أو لبس أو جامع ناسياً لا يلزمه كفّارة ولا يفسد حجّه بالجماع. عند غير الحنفيّة. ومنها: إذا طلّق ناسياً لم يقع طلاقه. عند الشّافعيّة. ومنها: إذا نسي المديون الدّين حتى مات، فإن كان ثمن مبيع أو قرض لم يؤاخذ به. وأمّا إن كان غصباً يؤاخذ به. ومنها: إذا نسي النّيَّة في العبادات لم تصحّ عبادته، وعليه إعادة العبادة مع النّيَّة. ومنها: إذا نسي الفاتحة في الصّلاة لزمه الإعادة. إذا كان إماماً أو منفرداً. ومنها: إذا تيمّم وفي رحله ماء نسيه، وصلّى ثمّ تذكّر وجب عليه إعادة صلاته بالوضوء (¬1). رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة ولم يكن النّسيان عذراً: عند الحنفيّة النّاسي والعامد في اليمين سواء. ومنها: إذا قال: زوجتي طالق. ناسياً أنّ له زوجة. يقع طلاقه. ¬

_ (¬1) ويمكن أن تدرج هذه المسائل الثلاث الأخيرة ضمن ما هو مستثنى.

ومنها: إذا قال: عبدي حرّ. ناسياً أنّ له عبداً عتق عليه. ومنها: تجب الدّية في قتل الخطأ، ويجب الجزاء في قتل الصّيد في الإحرام والحرم ناسياً. ومنها: لو وقف بغير عرفة خطأ وجب القضاء.

القاعدة الثامنة والعشرون [النص والعرف]

القاعدة الثّامنة والعشرون [النّصّ والعرف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّصّ أقوى من العرف، فلا يترك الأقوى بالأدنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّصّ: المراد به ألفاظ الكتاب العزيز والسّنّة المطهّرة. العرف: هو العادة الشّائعة. فنصوص الكتاب الكريم والسّنّة المطهّرة أقوى من العرف، فعند تعارض العرف مع نصّ شرعي فالمغلَّب هو النّصّ قطعاً؛ لأنّ النّص لا يحتمل الخطأ ولا البطلان، والعرف والعادة قد يقومان على أمر باطل وإن شاع بين النّاس. ولأنّنا متعبّدون بالنّصوص فهي الأصل في التّشريع، ولا اعتبار ولا اعتداد بأيّ عرف أو عادة تخالف نصّاً ثابتاً قطعيّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ما نصّ الشّارع على كونه كيليّاً - كالبرّ والتّمر - أو وزنيّاً - كالذّهب والفضّة - فهو كذلك لا يتغيّر أبداً، فلا يصحّ بيع كيلي بكيلي وزناً، أو موزون بموزون كيلاً وإن تساويا، لأنّ النّصّ أقوى من ¬

_ (¬1) رد المختار حاشية الدر المختار - حاشية ابن عابدين جـ 4 ص 181، 182. وعنه قواعد الفقه ص 133.

العرف. وهذا عند جمهور الفقهاء، خلافاً لأبي يوسف من الحنفيّة ولابن تيميه من الحنابلة حيث أجازا بيع الكيلي وزناً والموزون عدداً وَكَيلاً إذا جرى العرف بذلك، واستدلا بأنّ اعتبار الكيل في المكيلات والوزن في الوزنيّات إنّما نُصَّ عليه لأنّه كان العرف السّائد في زمنه صلّى الله عليه وسلّم. فالنّصّ إنّما بني على العرف السّائد في وقته، لا أنّه لا يجوز غيره إذا تغيّر العرف. ومنها: لا يجوز إباحة خروج النّساء سافرات مختلطات بالرّجال الأجانب وإن جرى العرف في كثير من بلاد المسلمين على ذلك - مع الأسف؛ لأنّ هذا مخالف للنّصوص الآمرة بتستّر المرأة وعدم اختلاطها بالأجانب. ومنها: لا يجوز إباحة فوائد البنوك بدعوى الحاجة إليها لمخالفة ذلك للنّصوص المحرّمة للرّبا وإن أباح ذلك بعض من لا ورع ولا تقوى في قلوبهم.

القاعدة التاسعة والعشرون [نصب الأبدال]

القاعدة التّاسعة والعشرون [نصب الأبدال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نصب الأبدال بالآحاد من الأخبار لا يجوز (¬1). عند أبي حنيفة رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأبدال: جمع بدل، وهو ما يقام مقام غيره عند فقده، كالتّيمّم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله. فإنّ وضع بدل لشيء لم يضع الشّارع له بدلاً لا يجوز بالرّأي، عند الجميع، كما أنّ نصب المقادير الشّرعيّة بالرّأي لا يجوز، كما سيأتي. ولكن هذه القاعدة تمثّل رأياً لأبي حنيفة رحمه الله يرى أنّ نصب البدل عند فقد الأصل لا بدّ أن يقوم عليه دليل أقوى من خبر الآحاد، كالخبر المشهور أو المتواتر أو آي الكتاب الكريم. وأمّا عند صاحبيه والجمهور يجوز أن ينصب البدل بخبر الآحاد إذا كان ثابتاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سقط الغسل عن العضو بسبب وجود جبيرة، فإن كان المسح لا يضرّه يجب عليه أن يمسح على الجبيرة؛ لأنّ الطّاعة بحسب ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 74.

الطّاقة. لكن إذا ترك المسح وهو لا يضرّه، فإنّ عند صاحبي أبي حنيفة لا تجوز طهارته؛ لأنّ المسح بدل عن الأصل وهو الغسل، فلو ترك الغسل لا يجزئه فكذلك المسح. وأمّا عند أبي حنيفة فإنّ ذلك يجوز له ويجزئه، وحجّته في ذلك أنّنا لو ألزمناه المسح كان بدلاً عن الغسل، وجعل المسح بدلاً عن الأصل ثبت بأخبار الآحاد، وذلك طريق لا يجوز. وقول الصّاحبين أقوى دليلاً، وهو قول الجمهور وقيل: إنّ أبا حنيفة رجع إلى قولهما.

القاعدة الثلاثون [نصب المقدرات]

القاعدة الثّلاثون [نصب المقدرات] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: نصب المقادير بالرّأي لا يكون (¬1). وفي لفظ: نصب المقدّرات الشّرعية لا يكون بالرّأي (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقدّرات الشّرعيّة أو المقادير الشّرعيّة: هي تلك المقادير التي حدّد الشّرع عددها وكميّتها أو وزنها. ونصب أو وضع مثل تلك التّقديرات هو من خصائص الشّرع، فلا يثبت قدر إلا بنصّ، وما لم يرد نصّ فلا يجوز تقدير أمر أو تحديد عدد أو كميّة بالرّأي والاجتهاد. وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد الميم تحت الرّقم 512، 514. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تقدير سبعة أيّام بعد الولادة يجوز فيها للزّوج نفي الولد. غير ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 18، جـ 23 ص 177. (¬2) نفس المصدر جـ 7 ص 52.

جائز، خلافاً لرواية الحسن (¬1) عن أبي حنيفة وهو قول ضعيف، وكذلك تقدير الصّاحبين المدّة بأربعين يوماً. ومنها: جُعل رَدِّ العبد الآبق - الهارب - أربعين درهماً بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وإجماع الصّحابة (¬2). ومنها: من بنى قصراً في الصّحراء لا يستحق لقصره حريماً. وإن كان يحتاج إلى ذلك لإلقاء الكناسة فيه. ¬

_ (¬1) الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي صاحب أبي حنيفة كان فقيهاً فطناً يقظاً نبيهاً، وُلِّي القضاء بالكوفة سنة 194، كان محباً للسّنَة واتّباعها، أخذ عنه عدد من تلاميذ أبي حنيفة توفي سنة 204 هـ. الفوائد البهية ص 60، 61. (¬2) المبسوط جـ 11 ص 17.

القاعدة الحادية والثلاثون [النص - خلاف القياس]

القاعدة الحادية والثّلاثون [النّصّ - خلاف القياس] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّص على خلاف القياس يقتصر على مورده (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّصّ: المراد به التّصريح باستثناء مسألة من القاعدة العامة أو من الحكم العام. فما استُثْنِيَ من القواعد العامّة، ونُصَّ صراحة على استثنائه يقتصر به على مورده الذي ورد فيه، ولا يجوز أن يقاس عليه غيره. وقد سبق مثال لها ضمن قواعد حرف الميم تحت الرّقم 55 بلفظ: (ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العرايا أبيحت على خلاف قاعدة الرّبا واستثناءً منها للحاجة، فلا يقاس عليها غيرها. ومنها: عقد السَّلَم أجيز على خلاف قاعدة البيع للحاجة كذلك؛ لأنّه بيع آجل بعاجل. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 107 أ، شرح الخاتمة ص 85، عن مجامع الحقائق.

القاعدة الثانية والثلاثون [التعارض والترجيح، النص، الظاهر، المفسر، المحكم]

القاعدة الثّانية والثّلاثون [التّعارض والتّرجيح، النّصّ، الظّاهر، المفسّر، المحكم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّصّ من وجوه البيان يترجّح على الظّاهر. ويترجّح المفسَّر عليهما، والمُحْكَم على الكلّ. فعند التّعارض يترجّح القويّ على الأدنى (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّص: معنى النّصّ هنا مخالف لمعناه في القاعدة السّابقة، حيث إنّ المراد به هنا هو وجه من وجوه البيان التي منها الظّاهر والمفسّر والمحكم والمجمل الخ. فالنّصّ هو: كلّ لفظ دلّ على مقصوده ومضمونه قطعاً بدون احتمال تأويل. فهو اللفظ المقطوع بدلالته، وقد يطلق على مظنون الدّلالة، وهو بالمقطوع أحرى (¬2). والظّاهر: هو اللفظ الذي يغلب على الظّنّ فهم معنى منه، مع تجويز غيره (¬3). والمفسّر: هو اللفظ الذي ازداد وضوحاً على النّصّ، على وجه ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 106 أ. (¬2) الإيضاح ص 19. (¬3) نفس المصدر ص 20.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

لا يبقى فيه احتمال التّخصيص إن كان عامّاً، والتّأويل إن كان خاصّاً (¬1). وضدّه المجمل. والمحكم: ما أحكم المراد به عن التّبديل والتّغيير والنّسخ. أو هو اللفظ الذي لا يحتمل النّسخ والتّبديل (¬2) وضدّه المتشابه. فهذه الألفاظ بعضها أقوى من بعض فعند التّعارض يترجح القويّ على الأدنى. فالنّصّ إذا تعارض مع الظّاهر، ترجّح النّصّ لأنّه أقوى. وإذا تعارض النّصّ أو الظّاهر مع المفسّر. ترجّح المفسّر عليهما لأنّه أقوى منهما. وإذا تعارض أي منها مع المحكم، فالمحكم هو الرّاجح لأنّه أقوى منها كلّها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (¬3). فهذه الآية نصّ في العدد المطلوب صيامه لمن لم يجد الهدي. ومنها: قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (¬4). ¬

_ (¬1) التّعريفات الفقهيّة للمجدّدي ص 499. (¬2) كشاف اصطلاحات الفنون ص 381. (¬3) الآية 196 من سورة البقرة. (¬4) الآية 142 من سورة الأعراف.

ثانيا: معنى هذه القاعدة ومدلولها

القاعدة الثّالثة والثّلاثون [النّصّ والتّعليل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّص يحتاج إلى التّعليل بحكم غيره لا بحكم نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّصّ: المراد به هنا لفظ الكتاب الكريم أو السّنّة المطهّرة الذي ورد بحكم شرعي. فالنّصوص الشّرعيّة الدّالة على الأحكام لا ينظر فيها إلى علّة الحكم، بل النّظر إلى النّصّ ذاته الآمر أو النّاهي. سواء أكان هذا الحكم قابلاً للتّعليل أم غير قابل له. فالنّصّ إنّما يعلّل بسبب الحاجة إلى بيان حكم غيره، إذا كان ثمّة حاجة إلى تعليله. ولا يعلّل بحكم نفسه؛ لأنّه إنّما ينظر إلى النّصّ من حيث اشتماله على الحكم الشّرعي المطلوب ودرجة اعتباره، من حيث الوجوب أو التّحريم أو النّدب أو الكراهة أو الإباحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: تحريم الرّبا في الأصناف السّتّة التي وردت في الحديث، ثابت بعين النّصّ لا بالمعنى أو العلّة. ولكن غيرها من سائر المكيلات والموزونات إنّما يثبت فيها تحريم الرّبا بالمعنى أو العلّة وهي القدر مع ¬

_ (¬1) من أصول الكرخي رقم 32 وعنه قواعد الفقه ص 133.

الجنس. ومنها: السّفر علّة القصر وحكمته المشقّة، والسّفر ثبت رخصة للقصر والفطر بالنّصّ، وإن لم يلحقه مشقّة. وعدم الحكمة لا يوجب عدم الحكم، ووجود العلّة أوجب وجود الحكم. ومنها: علّة وجوب استبراء المرأة استحداث ملك الواطئ بملك اليمين، وحكمته صيانة النّسب والتّحرّز من اختلاط المياه. ومع ذلك إذا اشترى بكراً، أو جارية من امرأة أو صبي - لا يتصوّر منهما الجماع - وجب الاستبراء مع التّيقّن من فراغ الرحم. فعدم الحكمة لم يوجب عدم الوجوب.

القاعدة الرابعة والثلاثون [النص، الاجتهاد]

القاعدة الرّابعة والثلاثون [النّصّ، الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّصّ يُقَدَّم على الاجتهاد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة السّابقة القائلة: (لا مساغ لاجتهاد في مورد النّص) القاعدة ذات الرّقم 61 من قواعد حرف (لا). ولمّا كان النّصّ هو الأقوى فإن الاجتهاد لا وجود له معه؛ لأنّ الحاجة إلى الاجتهاد إنّما تكون عند فقدان النّصّ وعدم وجوده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نصّ الشّرع الحكيم على قواعد التّوريث، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فمع وجود تلك النّصوص لا يجوز الإقدام على الاجتهاد في إعطاء الوارثين غير ما أعطاه الشّرع لهم. ولذلك فمن يعطون الأنثى مثل حظّ الذكر اجتهاداً منهم هم خارجون عن الإسلام ومعارضون لحكم الله عزّ وجلّ الّذي أعطى الذّكر مثل حظّ الأنثيين، وهم محادّون لله ورسوله. ومنها: أباح الشّرع للرّجل الجمع بين أربع نسوة، ولم يشترط لذلك غير شرط العدل بين الزّوجات، فإذا اجتهد حاكم فمنع أن يتزوّج ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 582.

الرّجل المسلم غير امرأة واحدة وقيّد حقّ الرّجل في الطّلاق بقيود تخالف شرع الله، فهو أيضاً خارج عن الملّة؛ لمخالفته النّصوص الشّرعيّة القطعيّة، ولمضاهاته لأحكام النّصارى، ولِمَا سبّبه ذلك من إباحة الزّنا، والمعاشرة المحرّمة بدلاً من الزّواج المباح المشروع.

القاعدة الخامسة والثلاثون [الظاهر - الواقع]

القاعدة الخامسة والثّلاثون [الظّاهر - الواقع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّظر إلى الظّاهر أو إلى ما في نفس الأمر (¬1). وفي لفظ آخر سبق: العبرة بالحال أو المآل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالظّاهر: الأمر الذي يصدر على حال أو صفة بارزة ظاهرة. والمراد بنفس الأمر: حقيقة الأمر وواقعه. وينظر القاعدة رقم 163 من قواعد حرف الهمزة، والقاعدة 24 من قواعد حرف العين. فالأمور التي تصدر عن المكلّفين بناء على حال أو صفة ظاهرة، ثم ظهر مخالفها لواقع الأمر وحقيقته، فهل يبنى حكمها على ظاهر الحال أو على الحقيقة والواقع؟ مسائل اختلف فيها النّظر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تصرّف المريض مرضاً مخوفاً ثم برئ. فهل يوقف تصرّفه بناء على ظاهر حاله، أو ينفذ بناء على الواقع؟ قالوا: إنّ تصرّفه نافذ قطعاً بناء على نفس الأمر وواقعه وحقيقته، وأنّه تصرّف وهو صحيح ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 419، المنثور جـ 3 ص 275. المجموع المذهب لوحه 134. (¬2) قواعد الحصني جـ 4 ص 42، السيوطي ص 138.

بريء، ولا ينظر إلى مرضه. ومنها: المعضوب - وهو الذي لا يقدر على ركوب الرّاحلة للحجّ - وهو لا يرجى برؤه، فأناب من يحجّ عنه، ثمّ بعد حجّ الأجير برئ. فهل يجزئ حجّ الأجير عنه؟ خلاف. والأصح عند الشّافعيّة عدم إجزاء حجّ الأجير عنه. وأقول وبالله التّوفيق: لِمَ لا يجزئ حجّ الأجير عنه، ويكون كمن لم يقدر على استعمال الماء فتيمّم وصلّى، ثم وجد الماء، فبالاتّفاق لا يعيد صلاته، فهذا مثله. والله أعلم. ومنها: أعتق مَن لا يجزئ عن الكفّارة - كما لو أعتق رقبة كافرة في كفّارة يشترط فيها إيمان المعتَق، ثم صار المعتَق بصفة الإجزاء، كما لو أسلم بعد عتقه، خلاف. والأصحّ الصّحّة عند الإمام (¬1). فالنّظر هنا إلى ما في نفس الأمر. ومنها: إذا رأوا سواداً فظنّوه عدواً، وصلّوا صلاة الخوف، ثم تبيّن أنّه ليس عدواً. قضوا الصّلاة في الأصحّ. ومنها: إذا أطعم الهرم أو المريض الذي لا يرجى برؤه على الصّوم، ثم تبيّن أنّ الهَرم عارض وبرئ المريض، فلا يلزمهما القضاء. فالنّظر هنا إلى ظاهر الأمر. ومنها: إذا زنى مريض مرضاً لا يرجى برؤه، فحُدَّ بعِثْكال فيه مئة شمراخ، ثم برئ، لم يُعَد عليه الحدّ. فالنّظر هنا إلى الظّاهر أيضاً. ¬

_ (¬1) أي إمام الحرمين.

القاعدة السادسة والثلاثون [المقصود والموجود]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [المقصود والموجود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّظر إلى المقصود أو إلى الموجود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المقصود: المراد بالفعل أو التّصرّف. الموجود: الكائن والواقع مخالفاً للمقصود. هذه القاعدة قريبة المعنى من القاعدة السّابقة من حيث إنّ الشّيء يدور بين أمرين: المقصود والمنوي من الفعل أو التّصرّف، والواقع في نفس الأمر، فهل النّظر وبناء الحكم يكون تبعاً للمقصود أو تبعاً للموجود؟ خلاف في مسائل. وهي أيضاً بمعنى قاعدة: (الواجب الاجتهاد أو الإصابة) الآتية في قواعد حرف الواو. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رَعُف في صلاته وانصرف فتوضّأ، فظنّ عدم فراغ الإمام فصلّى مكانه، ثم أخطأ ظنّه، - أي كان الإمام قد فرغ من صلاته - فهل صلاته صحيحة في مكانه بناءً على الموجود والواقع، أو غير صحيحة بناءً على ظنه؟. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك القاعدة 31.

ومنها: أرسل وهو محرم كلبه المعلَّم على أسد، فقتل صيداً. ففي الجزاء قولان. بناءً على قصده والواقع. فمن نظر إلى المقصود أسقط الجزاء، ومن نظر إلى الموجود - وهو الإرسال وقتل الصّيد أوجب. ومنها: تزوّج من يظنّها معتدّة فإذا هي بريئة. فهل يمضي النّكاح لمّا صادف محلّه، أو لا يمضي ويعتبر العقد باطلاً بناءً على ظنّه؟.

القاعدة السابعة والثلاثون [النعمة والنقمة]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [النّعمة والنِّقمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّعمة بقدر النّقمة، والنّقمة بقدر النّعمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة السّابقة ضمن قواعد الخاء تحت الرّقم 13 ولفظها: (الخراج بالضّمان). وقواعد حرف الغين تحت الرّقم 8 بلفظ: (الغُرم بالغنم). ومفادها: أنّ من يتحمّل الخسارة - لو حصلت - فيجب أن يحصل على الرّبح، وأنّ من يضمن شيئاً إذا تلف يكون نفع ذلك الشّيء له في مقابلة ضمانه حال التّلف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أعتق الرّاهن العبد المرهون نفذ عتقه، فإن كان الرّاهن غنيّاً فلا سعاية على العبد، لإمكان المرتهن أخذ حقّه من الرّاهن، وهو الأداء إن كان الدّين حالاً. أو قيمة الرّهن إن كان مؤجّلاً. وأمّا إذا كان الرّاهن فقيراً فيسعى العبد للمرتهن في الأقلّ من قيمته ومن الدّين؛ لتعذّر أخذ الحقّ من الرّاهن فيؤخذ ممّن حصلت له فائدة العتق وهو العبد؛ لأنّ الخراج بالضّمان، والغرم بالغنم. ¬

_ (¬1) مجلة الأحكام المادة 88، وعنها قواعد الفقه ص 133، القواعد والضوابط 184، وينظر الوجيز ص 365.

القواعد الثامنة والتاسعة والثلاثون والأربعون والحادية والأربعون [النفقة]

القواعد الثّامنة والتّاسعة والثّلاثون والأربعون والحادية والأربعون [النّفقة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: نفقة الأقارب استحقاقها بطريق الصلة (¬1). وفي لفظ: النّفقة صلة فلا يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء (¬2). وفي لفظ: النّفقة صلة من وجه وعوض من وجه (¬3). وفي لفظ: نفقة القريب إمتاع (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: نفقة القريب. المراد بها النّفقة الواجبة على الشّخص لقريبه. والقريب: هو مَن تجب له النّفقة من زوجة وابن قاصر أو عاجز وبنت أو أخت غير متزوّجة ووالدين غير كسوبين ونفقة العبد. ومفاد هذه القواعد: أنّ ما يجب من نفقة إنّما هو صلة من المنفق وإمتاع، وليس تمليكاً، والنّفقة في غالب وجوهها تكون عن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 224. (¬2) الهداية شرح فتح القدير جـ 3 ص 322، وعنه قواعد الفقه ص 133. (¬3) نفس المصدر جـ 3 ص 332. (¬4) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 277، أشباه السيوطي ص 481.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

طريق الصّلة والاستمتاع، وقد تكون عوضاً عن التّفرّغ لخدمة المنفق وجزاء الاحتباس، وذلك للزّوجة والخادم والمفتي والقاضي والمضارب والعامل والمقاتل الخ؛ لأنّ (كلّ مَن كان محبوساً بحقّ مقصود لغيره كانت نفقته عليه). ومن أسباب النّفقة: النّسب، والزّوجيّة، والملك، والاحتباس. ومعنى الإمتاع: أي الانتفاع المجرّد. ويترتّب على كونها صلة وإمتاع أنّها لا تملك إلا بالقبض. ولا يستحكم وجوبها إلا بالقضاء بها أو الاصطلاح عليها. ويترتّب على كونها صله أيضاً: أنّها تسقط إذا مضت مدّة من غير قضاء أو اصطلاح. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: نفقة الزّوجة إنّما تجب وتتعلّق بذمّة الزوج إذا فرضها القاضي، أو اصطلح الزّوجان عليها، ويترتّب على ذلك أنّه إذا مضت مدّة ولم ينفق الزّوج على زوجته - ولم يكن ثمّة فرض بالقضاء أو اصطلاح على مقدار النّفقة - فإنّ النّفقة عن المدّة الماضية تسقط، ولا يحقّ للزّوجة المطالبة بها. ومنها: نفقة الأولاد الصّغار كذلك، ونفقة الوالدين غير الكسوبين أو العاجزين؛ لأنّ من خصائص نفقة القريب أنّها تسقط بمضي الزّمان - إذا لم يكن قضاء أو رضاء. ومنها: نفقة المضارب - خارج مصره - على مال المضاربة.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد. وكانت النفقة تمليكا

فإن لم ينفق منه، لا يكون ما أنفقه ديناً على مال المضاربة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد. وكانت النّفقة تمليكاً: إذا أعف الابن أباه بجارية ثم استغنى الأب، لم يرجع الولد في الجارية. ومنها: إذا أعطى أباه نفقة فلم ينفقها واستغنى لم يكن له أن يرجع فيها. ومنها: إذا أنفقت المنفي ولدها باللعان على الولد ثم استلحقه النّافي فإنّها ترجع عليه بما أنفقت في الصّحيح. ولو كانت إمتاعاً لكانت لا ترجع فيها (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر أشباه السيوطي ص 481.

القاعدة الثانية والأربعون [النفقة]

القاعدة الثّانية والأربعون [النّفقة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّفقة تجب بطريق الكفاية (¬1). وفي لفظ: النّفقة مشروعة للكفاية (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقاتها، وهي تدلّ على حكم مشروعيّة النّفقة، وأنّها إنّما شرعت لكفاية المنفق عليه، ولذلك فإنّ معيار الإنفاق يحدّده قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (¬3). وقوله عليه الصّلاة والسّلام لهند زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬4). فإذا كانت القواعد السّابقة تدلّ على مكانة النّفقة وحكمها فإنّ هذه القاعدة تدلّ على الحكمة من مشروعيتها. ¬

_ (¬1) الهداية جـ 3 ص 323. (¬2) المبسوط جـ 5 ص 190، 200. (¬3) الآية 7 من سورة الطّلاق. (¬4) رواه الجماعة إلا الترمذي - ينظر المنتقى ص 666 حديث3871.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ولكن هل للكفاية تقدير معيّن في الشّرع؟ الجواب لا؛ لأنّ هذا يختلف باختلاف الإعصار والأمصار والأشخاص والأحوال، والغلاء والرّخص، فما وجب كفاية لا يتقدّر شرعاً. والكفاية كما تكون في المأكل تكون في الملبس وما تحتاجه الزّوجة كالخادم ونحوه (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان الزّوجان موسرين فإنّ على الزّوج لزوجته نفقة الموسرين. وإذا كانا فقيرين فإنّ عليه نفقة الفقراء أمثاله. وأمّا إذا كان الزّوج غنيّاً موسراً وهو من وسط فقير، فهل عليه نفقة الموسرين أو الفقراء؟ خلاف، والأصحّ نفقة متوسّطة دون نفقة الموسرات، وفوق نفقة المعسرات، وقيل يعتبر حال الزّوجين. وإن كان الزّوج معسراً وهي موسرة فعليه نفقة المعسرين، وهكذا. ¬

_ (¬1) وينظر الروضة الندية جـ 2 ص 74 فما بعدها.

القاعدة الثالثة والأربعون [النفل، الفرض]

القاعدة الثّالثة والأربعون [النّفل، الفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّفل أوسع من الفرض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّفل: غير الفرض، وهو التّطوّع، سواءً أكان صلاة أم زكاة أم صياماً. وأمّا الحجّ فلا فرق بين فرضه ونفله. والمراد بسعة النّفل: قبوله من الرّخص والتّوسعة ما لا يقبله الفرض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - في الصّلاة: لا يجب القيام في نفلها مع القدرة عليه. كما لا يجب استقبال القبلة في السّفر. 2 - في الزّكاة: الصّدقة التّطوعيّة تجوز للغني، ولغير أصناف الزّكاة الثّمانية، وتجوز لمن عليه نفقتهم، بخلاف الزّكاة الواجبة. 3 - في الصّيام: لا يجب تبييت نيّة صوم النّفل بخلاف الفرض والواجب عند غير الحنفيّة وللمتنفّل بالصّوم الإفطار، ولا يجب عليه القضاء على قول. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: فضاق النّفل عن الفرض: لا تجزئ النّيابة عن المعضوب في حجّ التّطوّع في قول. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 154.

القاعدة الرابعة والأربعون [النفل، الواجب]

القاعدة الرّابعة والأربعون [النّفل، الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّفل لا يقتضي واجباً، أو النّفل لا ينقلب واجباً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّفل صلاة أو غيرها لا يترتّب عليه ولا ينشأ عنه واجب، كما أنّه لا ينقلب فيصبح واجباً، لكن لا يمتنع أن يشترط في النّفل ما يشترط في الواجب أي الفرض. كالطّهارة لصلاة النّافلة واجبة كوجوبها لصلاة الفرض. لكن مع ذلك قد يترتّب على غير الواجب واجب بل واجبات. ويترتب على ذلك أنّه إذا شرع في صلاة تطوّع أو صوم هل يجب عليه الإتمام؟ وهذا ما يذكره الأصوليّون تحت عنوان: التّطوّع هل يلزم بالشّروع؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ركعتي طواف التّطوّع ليستا واجبتين بل هما سنَّة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: النّكاح غير واجب ويقتضي ويوجب النّفقة والمهر. ومنها: الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في النّافلة. قالوا: إنّها واجبة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 213، 214.

ومنها: عند الحنفيّة إذا شرع في صلاة تطوّع أو صوم تطوّع يلزم، وإذا أبطل الصّلاة أو الصّيام وجب القضاء. ومنها: إذا دخل الصّلاة وهو غير بالغ فبلغ وهو فيها أجزأت عن الفرض. ومنها: إذا صام وهو غير بالغ فبلغ أثناء النّهار - أجزأه عن الفرض. لأنّ الصّلاة والصّوم من غير البالغ تعتبر نفلاً في حقّه. ومنها: الابتداء بالسّلام سُنَّة ومستحبّ، والرّدّ واجب.

القاعدة الخامسة والأربعون [نفوذ التصرف، الإذن الشرعي]

القاعدة الخامسة والأربعون [نفوذ التّصرّف، الإذن الشّرعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نفوذ التّصرّف منوط بالإذن الشّرعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: منوط: معناه مرتبط ومعلّق. فتصرّف العبد إمّا أن يكون نافذاً وجائزاً ومشروعاً، إذا وجد الإذن الشّرعي بذلك التّصرّف. ومفهوم ذلك أنّ التّصرّف المنهي عنه شرعاً أنّه غير مأذون فيه؛ لأنّ النّهي ينافي الإذن، وإذا كان غير مأذون فيه فلا يكون نافذاً ولا صحيحاً، ويعتبر باطلاً غير واقع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الشّيعة الزّيديّة: الطّلاق البدعي - وهو أن يطلّقها في طهر مسَّها فيه - لا يقع. والطّلاق الثّلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متعدّدة لا يقع كذلك، لأنّه غير مأذون فيه، فإذا صدر عن المكلّف كان غير نافذ وغير معتدّ به (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 57. (¬2) الروضة الندية جـ 2 ص 49 فما بعدها. الروضة الندية تأليف أبي الطيب صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري. والدرر البهية تأليف الإمام محمَّد بن علي بن محمَّد اليمني الشوكاني المتوفى سنة 1255 هـ.

وعند جمهور أهل السّنّة كلّ ذلك واقع. ولكن في الطّلاق البدعي يجب عليه إرجاعها. والمأذون فيه هو الطّلاق للسنة واحدة في طُهر لم يَمَسَّها فيه عند الشّيعة الزّيديّة. ومنها: من باع شيئاً ملك غيره وسلَّمه لمشتريه، فالعقد باطل - ويأخذ حكم الغصب - لأنّ هذا تصرّف غير مأذون فيه. بخلاف ما إذا باعه ولم يسلّمه فيأخذ حكم العقد الموقوف.

القاعدة السادسة والأربعون: [موجب العقد، موجب الشرط]

القاعدة السادسة والأربعون: [موجب العقد، موجب الشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نفي موجب العقد لا يجوز، ونفي موجب الشّرط يجوز (¬1) عند أبي حنيفة رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: موجب العقد: هو ما يوجبه العقد وما شرع لأجله، كحلّ الاستمتاع بين الزّوجين بعقد النّكاح. وموجَب الشّرط: هو ما يوجبه الشّرط لأحد المتعاقدين أو كليهما كأن يكون الثّمن مؤجّلاً أو حالاً، وقد سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 486. فمفاد القاعدة: أنّ إلغاء ونفي ما يوجبه العقد، وما شرع العقد لأجله غير جائز؛ لأنّ ذلك يجعل العقد غير مفيد ويفرغه من مضمونه. ولكن إلغاء ما يوجبه الشّرط يجوز؛ لأنّ ما يوجبه الشّرط هو حقّ لأحد المتعاقدين أو كليهما، ولكلّ موجِب شرط التّنازل عن شرطه وإلغاؤه. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 57.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تزوّج امرأة على أن لا يطأها فهذا باطل؛ لأنّه يلغي المصلحة من وراء عقد النّكاح، ولكن أن كان شرط لها نصف المهر مؤجلاً، أو شرطت عليه أن لا ينقلها من دارها - فيجوز له أن يُحِل ما اشترط تأجيله، كما يجوز لها أن تتنازل عن شرطها وتوافق على نقلها من بلدها.

القاعدة السابعة والأربعون [نفي الوجوب والحرج]

القاعدة السّابعة والأربعون [نفي الوجوب والحرج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نفي الوجوب فيها لم يقم دليل على وجوبه، أصل في التّشريع (¬1). وارتفاع الحرج فيما لم يثبت فيه الحظر. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام الشّرعيّة من إيجاب وتحريم وغيرهما لا تثبت في حقّ المكلّفين ما لم يقم دليل عليها. فمفاد القاعدة: أنّه إذا لم يقم دليل شرعي على وجوب حكم فلا يكون ذلك الحكم واجباً، وإذا لم يثبت الحظر - أي التّحريم - بالدّليل المحرم فلا يكون ذلك الأمر محرّماً أو محظوراً، ولا إثم على فاعله. فإنّ الأحكام الشّرعيّة لا يجوز اعتبارها بدون الدّليل الشّرعي الدّال عليها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى إنسان أنّه يجب علينا ستّ صلوات في اليوم والّليلة. أو أنّ الحجّ يجب علينا كلّ سنة. فيقال له: هات الدّليل على صدق ما تقول، وإذا لم يأت بالدّليل على قوله فيقال له: ما تقوله ليس واجباً؛ لأنّه لم يقم دليل على وجوبه. ¬

_ (¬1) الغياثي ص 362.

ومنها: إذا قال: إنّ الرّجعة للمرأة المطلّقة الرّجعيّة تحرم إلا بإذن الزّوجة. فيقال له: هذا غير صحيح. ورجعة الزّوجة الرّجعيّة إلى زوجها لا يشترط له رضاها ولا إذنها بالنّصّ، فمن ادّعى تحريم الرّجعة إلا بإذنها، فعليه الدّليل، ولا دليل.

القاعدة الثامنة والأربعون [النفي المطلق]

القاعدة الثّامنة والأربعون [النّفي المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّفي على سبيل الإطلاق أبلغ وجوه البراءة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالنّفي المطلق: النّفي العام غير المخصوص بشيء دون شيء، ولم يقيد بصفة خاصّة. فإذا نفى إنسان كلّ حق له، كان ذلك من أعلى وأبلغ وجوه براءة المدّعَى عليه، ولا حقّ للنّافي بعد ذلك في المطالبة بشيء ممّا نفاه، إلا بشيء حادث بعد النَّفي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى شخص على آخر ديناً، فأدّاه المدّعَى عليه، وقال المدّعِي بعد ذلك لا حقّ لي قبل المدّعَى عليه من هذا الدّين أو غيره، كان ذلك براءة عامّة للمدّعَى عليه، ولا حقَّ للمدّعِي بعدّ ذلك بالمطالبة. إلا بسبب جديد. ومنها: إذا قال: لا حقَّ لي قِبَل الكفيل من هذه الكفالة. كان ذلك براءة تامّة عامّة للكفيل. ومنها: إذا شجّ شخص آخر، فقال المشجوج: تنازلت عن حقّي، ولا حقّ لي قِبَل فلان. كان هذا إبراءً للجاني. وهكذا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 169.

ومنها: حديث: "الماء طهور لا ينجسه شيء (¬1) - أو لم ينجسه شيء" فهو نفي للنّجاسة عن الماء المطلق نفياً مطلقاً مفيداً بقاء الماء على طهوريته وبراءته من النّجاسة، إلا ما استثني ممّا غيّرت النّجاسة لونه أو طعمه أو ريحه (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث بهذا اللفظ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وهو حديث بئر بضاعة. (¬2) الروضة الندية جـ 1 ص 7 - 8.

القاعدة التاسعة والأربعون [نقص الدعوى]

القاعدة التّاسعة والأربعون [نقص الدّعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نقص الدّعوى عن الشّهادة في الزّمن أو في المقدار يبطل الشّهادة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تبين سبباً مبطلاً للشّهادة - وإذا بطلت الشّهادة بطلت الدّعوى، إلا أن يأتي المدّعِي بشهود آخرين، وتبطل الشّهادة إذا نقصت الدّعوى عنها في الزّمن - بأن كانت الدّعوى تشتمل على تاريخ قريب ثم شهد الشّهود بتاريخ أبعد، وكذلك إذا كانت الدّعوى بمقدار والشّهادة بمقدار مخالف أكبر وأكثر لا أقلّ. فإنّ هذه الشّهادة باطلة؛ لأنّ الشّرط في قبول الشّهادة مطابقتها للدّعوى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى مدّع داراً في يد رجل أنّها له، وأنّه اشتراها منذ سنة - مثلاً - ثم شهد الشّهود أنّها له اشتراها منذ خمس سنوات. فهذه الشّهادة باطلة مردودة. لكن لو شهد الشّهود بتاريخ أقرب فإنّها تقبل. ومنها: إذا ادّعى شخص على آخر خمسة آلاف، فشهد الشّهود ¬

_ (¬1) الفرائد ص 89 عن دعوى الخانية جـ 2 ص 377.

بسبعة آلاف، فلا تقبل هذه الشّهادة إلا إذا وفَّق المدّعي بين دعواه وبين الشّهادة بأن يقول - مثلاً - نعم كانت سبعة آلاف - كما شهد الشّهود - ولكنّي استوفيت منه ألفين.

القاعدة الخمسون [نقص قيمة النقد]

القاعدة الخمسون [نقص قيمة النّقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نقص قيمة النّقد هل هو عيب أوْ لا؟ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وقع عقد الصّرف أو البيع ثمّ وُجد في أحد البدلين عيب يوجب الرّدّ، وفي نفس الوقت نقص قيمة النّقد، فهل يجوز الرّدّ مع وجود العيب في النّقد أو لا يجوز؛ لأنّ نقص قيمة النّقد يعتبر عيباً يمنع الرّدّ؟ خلاف. وقد رجّح ابن قدامة عدم عيب النّقد إذا نقصت قيمته، فلذلك فالنّقص لا يمنع الرّدّ بالعيب القديم. مع أنّ ظاهر كلام أحمد والخرقي (¬2) رحمهما الله تعالى أنّه لا يملك الرّدّ لأنّ المبيع تعيّب في يده لنقص قيمته. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 49 - 360. (¬2) الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله والخرقي هو أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله كان عالماً بارعاً في مذهب أحمد، وكان ذا دين وورع - وكان من سادات الفقهاء والعباد، والخرقي نسبة إلى بيع الخرق وهو صاحب المختصر الذي شرحه ابن قدامة باسم المغني وتوفي الخرقي بدمشق سنة 334 هـ. المنهج الأحمد جـ 2 ص 266 فما بعدها مختصراً.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ولكنّ النّاظر إلى أحوال العصر الحاضر يرى أنّ نقص قيمة النّقد يعتبر عيباً، وقد يعتبر فاحشاً إذا كان النّقص كبيراً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخذ عشرة دراهم بدينار فوجد في بعض الدّراهم عيباً فأراد ردّها فصارت أحد عشر بدينار. فظاهر كلام أحمد والخرقي عدم جواز الرّدّ لنقص القيمة. ولكن عند ابن قدامة إنّ الرّدّ جائز قال: لأنّ تغيّر السّعر ليس بعيب. ولكن لو قلنا بجواز الرّدّ فهل له أن يأخذ أحد عشر درهماً بدلاً من عشرة، أفلا يكون الدّرهم الزّائد رباً. إذا نظرنا للعدد فاحتمال الرّبا قائم. لكن إذا نظرنا للقيمة فلا. والله أعلم. ومنها: إذا اشترى سلعة بعشرة آلاف، ثم وجد بها عيباً يوجب الرّدّ، وكان النّقد قد نقصت قيمته فأصبحت العشرة الآلاف التي أدّاها ثمن السّلعة بقيمة خمسة، فهل له الرّدّ؟ أقول وبالله التّوفيق، ليس له الرّدّ ولكن له أرش العيب - أي التّعويض عن العيب. ومنها: إذا اقترض ألفاً لأجَل - سنة مثلاً - ثم تغيّرت قيمة النّقد، فأصبحت الألف لا تساوي مئة، كما هو حاصل الآن في كثير من البلدان - فهل له الألف فقط، أو قيمتها يوم أقرضها؟ خلاف. والأرجح والله أعلم أنّ له قيمتها يوم أقرضها، حتى لا يتضرّر المقرض لو أخذ ألفاً - تساوي مئة - ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

القاعدة الحادية والخمسون [نقض الاجتهاد]

القاعدة الحادية والخمسون [نقض الاجتهاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نقض الاجتهاد بالاجتهاد (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 23، 25، 267، 269. فلتنظر هناك وكذلك ينظر من قواعد حرف (لا) القاعدة رقم 168. ومثلها: (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد أو بمثله، إنّما ينقض بالنّص). والعلّة في ذلك: أنّ الاجتهاد الثّاني ليس أولى من الاجتهاد الأوّل، وإنّ نقض الاجتهاد بالاجتهاد ينفي الثّقة عن الأحكام. وقد ينقض الاجتهاد إذا ظهر فيه خطأ فاحش. ¬

_ (¬1) ينظر أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 401 - 416.

القاعدة الثانية والخمسون [نقض القضاء]

القاعدة الثّانية والخمسون [نقض القضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نقض القضاء بطريق محتمل لا يجوز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: نقض القضاء: المراد به إلغاء الحكم الصّادر عن القاضي وإبطاله. ولمّا كان الحكم مسألة اجتهاديّة - وسبق أنّ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد - فبالتّالي لا يجوز نقض حكم القاضي الصّادر عن اجتهاده يطريق محتمل - أي بسبب اجتهاد رأي لا يعتمد على نصّ صريح معارض للحكم، أو ظهور خطأ فاحش في القضاء. فما كان كذلك لا يجوز إلغاء القضاء به - أي بالطّريق المحتمل - وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف القاف تحت الرّقم 54. بلفظ (القضاء النّافذ لا يجوز إلغاؤه بدليل مشتبه). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعي دابّة في يد إنسان أنّها له، ثم أقام البيّنة، فقضى القاضي له بها. ثم أقام ذو اليد البيّنة أنّها له. لم يقبل ذلك منه؛ لأنّ البيّنة الثّانية معارضة للأولى، وعند المعارضة ترجّح الأولى لاتّصال القضاء بها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 16 ص 154.

ومنها: إذا أقام رجل البيّنة على نكاح امرأة بتاريخ. وقضى القاضي له بذلك النّكاح، ثم أقام آخر البيّنة على نكاحه بتلك المرأة بذلك التّاريخ لم تقبل. أمّا لو أقام الثّاني البيّنة على النّكاح بتاريخ سابق قبلت بيّنته وأبطل الحكم الأوّل. لكن أقول وبالله التّوفيق: إنّما تقبل بيّنة الثّاني إذا ذكر تاريخاً سابقاً للأوّل لا يحتمل أن يكون قد طلّقها فيه وانتهت عدّتها منه بعده، فيكون الأوّل قد تزوّجها بعد ذلك.

القاعدة الثالثة والخمسون [النقض والإجازة]

القاعدة الثّالثة والخمسون [النّقض والإجازة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّقض يرد على الإجازة، والإجازة لا ترد على النّقض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّقض: المراد إبطال العقد وإلغاؤه. والإجازة: هي موافقة صاحب العلاقة على مضمون العقد الذي عقده الفضولي - أي العقد الموقوف -. والعقد الموقوف: لا يتمّ ويصحّ إلا بإجازة وموافقة صاحب العلاقة، فإذا أبطل صاحب العلاقة العقد الموقوف - بعدم موافقته عليه - بطل وألغي، فلا يجوز إجازته بعد ذلك، لكن بعقد جديد. ولكن إذا أجاز صاحب العلاقة العقد فإنّه يجوز إلغاؤه من قِبَله أو من قِبَل العاقد الآخر بسبب من الأسباب الموجبة للنّقض والإبطال. ولكن إذا ألغي العقد بعدم إجازته فلا يقبل الإجازة بعد ذلك؛ لأنّ الإجازة لا ترد على النّقض - أي لا يجوز إجازة العقد بعد إلغائه وإبطاله، إلا بعقد جديد. وهذا عند من يجيزون العقد الموقوف على إجازة صاحب العلاقة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 189.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع فضولي سيّارة لشخص آخر، وحينما علم صاحب السّيّارة بعقد الفضولي رفض الموافقة عليه، فيعتبر العقد في هذه الحالة باطلاً. فلو أراد صاحب السّيّارة إجازته لم يجز، لكن يعقد عقداً جديداً. لكن لو أجاز صاحب العلاقة العقد ثم بدا له إبطاله بسبب مشروع فله ذلك، بأنّ يعلم أنّ المشتري مفلس - مثلاً. ومنها: إذا زوّج فضولي امرأة من رجل آخر، وحينما علم الزّوج بذلك العقد وافق عليه ثم بدا له أن يُبطل العقد، فله ذلك بتطليق المرأة، لا بإلغاء عقد النّكاح.

القاعدة الرابعة والخمسون [نقل الثقات]

القاعدة الرّابعة والخمسون [نقل الثّقات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نقل الثّقات الأخبارَ حجّةٌ شرعيّةٌ في وجوب العمل بها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الثّقات: جمع ثقة، وهو الإنسان العدل الضّابط لِمَا يخبر به. والمراد بالأخبار: ما يتعلّق بالأمور التي ينبني عليها حكم شرعي، سواء في ذلك الأحاديث، أو الإخبار بأمر يترتّب عليه أمر عبادي، أو خبر عن أمر ماض لم يوجد عليه أثر. فإذا أخبر الثّقات أو الثّقة بخبر فيصدَّق فيه ويجب العمل بموجب ذلك الخبر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبر ثقة بطهارة الماء جاز التّطهّر به، وأمّا إذا أخبر بنجاسته فلا يجوز التّطهّر به. ومنها: إذا كان لأهل الذّمّة في مصر من أمصار المسلمين كنيسة قديمة، فأراد المسلمون هدمها، أو منعهم من الصّلاة فيها. فقالوا: نحن قوم من أهل الذّمّة صالحنا على بلادنا. وقال المسلمون: بل أخذنا بلادكم عنوة وحرباً، ثم جُعِلتم ذمّة. وهذا أمر تطاول - أي ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1550 وعنه قواعد الفقه ص 134.

مضى عليه زمن طويل - فلم يدر كيف كان. فإنّ الإمام ينظر في ذلك هل يجد أثراً عن الفقهاء أو المؤرّخين، ويسأل أهل الأخبار عن أهل هذه الأرض فإن وَجَد فيه أثراً عمل به، (لأنّ نقل الثّقات للإخبار حجّة شرعيّة، في وجوب العمل بها). فإن لم يجد أثراً، أو اختلفت الآثار جعلها أرض صلح، وجعل القول فيها لأهلها؛ لأنّها في أيديهم وهم متمسّكون بالأصل (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر رد المختار جـ 3 ص 271.

القاعدتان الخامسة والسادسة والخمسون [النقود]

القاعدتان الخامسة والسّادسة والخمسون [النّقود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّقد لا يتعيّن في المعاوضات (¬1). وفي لفظ: النّقود - عندنا - أي الحنفيّة - لا تتعيّن بالتّعيين (¬2). وفي لفظ: النّقود لا تتعيّن في العقود بالتّعييّن (¬3). وفي لفظ مقابل: النّقود تتعيّن بالتّعيين في العقود - في المشهور من المذهب الحنبلي - وعن أحمد رحمه الله إنّها لا تتعين (¬4). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كانت النّقود سابقاً الدّنانير والدّراهم من الذّهب والفضّة، والآن هي من الأوراق التي تسمّى بالورق النّقدي. فهل هذه النّقود تتعيّن في عقود المعاوضات؟ ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 315 وعنه قواعد الفقه ص 133. (¬2) الفرائد ص 43 عن البيع الفاسد من الفتاوى الخانية وينظر جامع الفصولين جـ 1 ص 164 الفصل السّابع عشر، ورد المحتار جـ 3 ص 129، 166. (¬3) المبسوط جـ 22 ص 170. (¬4) المغني جـ 4 ص 47، 50، وينظر الفائدة السّادسة لابن رجب ص 414.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أي لا يجوز استبدالها بمثلها، أو لا تتعيّن؟ خلاف، وعند الشّافعي (¬1). ووجه عند أحمد رحمهما الله تتعيّن. والحجّة: أنّ العقد عقد تمليك، والثّمن قابل للتّمليك، فصحّت الإضافة إليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سلعة بهذه الألف الرّيال أو الدّينار الورقي، فهل يجوز له أن يعطي البائع ألفاً أخرى غيرها؟ الأصحّ: نعم. لأنّه لا فرق، ولا فائدة للبائع في اشتراط عينها. ومنها: إذا ادّعى على آخر مالاً. وأخذه، ثم أقرّ أنّه لم يكن له على خصمه حقّ. قالوا: فعلى المدّعي ردّ عين ما قبض ما دام قائماً - أي موجوداً في يده -. ولكن أقول: إذا كانت النّقود ورقيّة فلا تتعيّن. والأصحّ عدم التّعييّن، لأنّه إذا كانت القيمة واحدة فما فائدة التّعيين؟. لكن إذا كانت النّقود ذهبيّة أو فضيّة - وقد يقع فيها تفاوت ولو طفيف - فالتّعيين هنا واجب وبخاصّة في باب الصّرف. ومنها: إذا تصارفا - ولم يكن النّقد عندهما، أو كان فهلك أو استحق - فاستقرضا وأدّيا قبل التّفرّق جاز العقد. وهذا دليل على عدم تعيين النّقد حتى في الصّرف عند من يقول بذلك. ¬

_ (¬1) وينظر أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 258.

ومنها: إذا غصب من زيد ألف درهم. وغصب آخر من زيد مئة دينار، والغاصبان تصارفا الدّراهم بالدّنانير، وأجاز المالك، صار ما غصبه كلّ منهما ديناً عليه، وملك كلّ منهما ما اشتراه.

القواعد السابعة والثامنة والتاسعة والخمسون [النكاح والشرط]

القواعد السّابعة والثّامنة والتّاسعة والخمسون [النّكاح والشّرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّكاح لا يبطل بالشّروط الفاسدة (¬1). وفي لفظ: النّكاح يهدم الشّرط ولا ينهدم به (¬2). وفي لفظ: النّكاح يهدم الشّرط والشّرط يهدم البيع (¬3). من قول إبراهيم النّخعي رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: النّكاح: المراد به عقد الزّواج. إذا اشترط في عقد النّكاح شرط فاسد لا يُخِلّ بمقتضى وموجَب العقد فإنّ العقد صحيح والشّرط باطل؛ لأنّ عقد النّكاح لا تبطله الشّروط الفاسدة، وإنّما الذي يبطله ما كان شرطاً يضادّ مقصوده، فمع وجود الشّرط الفاسد يصحّ العقد ويبطل الشّرط. لكن البيع بخلاف النّكاح قد يبطله الشّرط الفاسد. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا تزوّج امرأة على أن يحلّها لزوجها الأوّل واشترط ذلك في ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 89، 95، جـ 6 ص 10. (¬2) نفس المصدر جـ 5 ص 43. (¬3) نفس المصدر جـ 23 ص 145.

العقد - فعند محمَّد بن الحسن رحمه الله - إنّ النّكاح جائز والشّرط باطل (¬1). لأنّ النّكاح يهدم الشّرط ولا يبطل بالشّرط الفاسد. وعند أبي يوسف رحمه الله: هذا النّكاح فاسد؛ لأنّه في معنى التّوقيت للنّكاح، والتّوقيت مفسد للنّكاح، فلو دخل بها الزّوج الثّاني لا تحلّ للأوّل؛ لأنّ الدّخول بالنّكاح الفاسد لا يوجب الحلّ للزّوج الأوّل. وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز النّكاح ويثبت الحلّ الأوّل بدخول الثّاني؛ لأنّ هذا النّهي لمعنى في غير النّكاح، فلا يمنع صحّة النّكاح - أي النّهي على زواج المحلّل. ومنها: إذا تزوّج مسلم مسلمة على خمر أو خنزير أو شيء ممّا لا يحلّ، كان النّكاح جائزاً والشّرط باطلاً، ولها مهر المثل. ¬

_ (¬1) وهذه رواية عن أحمد رحمه الله والمشهور عند الحنابلة أن العقد باطل ولو نواه وقيل يكره ويصح. المقنع جـ 3 ص 46، 47.

القواعد الستون والحادية والثانية والثالثة والستون [النكاح وأحكامه]

القواعد السّتّون والحادية والثّانية والثّالثة والسّتّون [النّكاح وأحكامه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّكاح عقد خاصّ فلا ينعقد بغيره (¬1) عند الشّافعي رحمه الله. وفي لفظ: النّكاح لا يحتمل التّعليق. ولا يحتمل الاشتراك (¬2). وفي لفظ: النّكاح مختصّ بمحلّ الحلّ ابتداءً (¬3). وفي لفظ: النكاح الظّاهر لا يمنع السّبي والاسترقاق (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلّق ببعض أحكام النّكاح، فمنها ما هو محلّ اتّفاق، ومنها ما هو موضع افتراق واختلاف. فالقاعدة الأولى - عند الإمام الشّافعي رحمه الله والوجه الظّاهر عند أحمد رحمه الله - أن النّكاح عقد خاصّ يختلف عن غيره من ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 59. (¬2) المبسوط جـ 5 ص 19 - 157 الفرائد ص 9 عن النكاح الخانية. (¬3) نفس المصدر جـ 5 ص 49. (¬4) شرح السير ص 2212.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

العقود، فلا ينعقد إلا بلفظ النّكاح أو لفظ التّزويج فقط. فلا ينعقد بلفظ الهبة ولا الإجارة، أو التّمليك أو غيرها من الألفاظ التي يجيز الحنفيّة ومن معهم عقد النّكاح بها ما دامت قامت الأدلّة على إرادة النّكاح. والقاعدة الثّانية: أنّ النّكاح من العقود التي لا تحتمل التّعليق بالشّرط، كما أنّه لا يحتمل ولا يجوز فيه الاشتراك، فعقد النّكاح لا يقع إلا منجَّزاً، ولا يكون إلا لواحد. فلا يجوز عقد نكاح امرأة على رجلين معاً. ويجوز عقد نكاح امرأتين على رجل واحد معاً. والقاعدة الثّالثة مفادها: أنّ النّكاح مختصّ بمحلّ الحلّ من الابتداء، والمراد بمحلّ الحلّ: المرأة التي يحلّ عقد النّكاح عليها دون المحرّمة أصلاً، فإنّ المرأة المحرمة ابتداءً لا يصحّ عقد النّكاح عليها كالمرتدّة والوثنيّة وذات المحرّم المؤبد. والقاعدة الرّابعة مفادها: أنّ وجود النّكاح بين الزّوجين - الكافرين - لا يمنع استرقاقهما أو استرقاق أحدهما، ويجوز استرقاق المرأة الكافرة ذات الزّوج وتحلّ للسّابي المسترق ولو أسلمت بعد ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: عند الحنفيّة ومن معهم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - أنّ عقد النّكاح يصحّ بكلّ لفظ يدلّ ويتعارف عليه. فإذا قال: ملّكتك ابنتي بمهر قدره كذا. فقال: قبلت صحّ النّكاح. ومثله إذا قال: وهبتك ابنتي فلانة بمهر قدره كذا. صحّ كذلك. ومنها: إذا قالت: أزوّجك نفسي إذا رضي أبي، أو قال الولي:

أزوّجك ابنتي إذا رضي إخوانها. فالعقد لا يصحّ. ولو قال الخاطب: قبلت. ومنها: إذا عقد اثنان عقد نكاح على امرأة واحدة، فلا يصحّ العقد لكليهما, لأنّ عقد النّكاح لا يحتمل ولا يقبل الاشتراك. ومثلها: إذا تشارك اثنان في شراء جارية تخدمهما، فلا يجوز لأحد منهما وطؤها, لأنّ الشّرط الوطء في ملك اليمين الملك الكامل. وملك الشّريكين للجارية ملك ناقص لكلّ منهما. ومنها: إذا عقد عقد نكاح على مرتدة أو وثنية، فلا يصحّ العقد؛ لأنّ المرتدة محرّمة، وكذلك عقد المرتدّ لا يصحّ؛ لأنّه مستحقّ للقتل فهو ميّت حكماً. وكذلك عند غير الحنفيّة. ومنها: إذا سبيت امرأة حربيّة كتابيّة دون زوجها - وهو حربي مثلها - فإنّ هذه المرأة يحلّ للسّابي وطؤها بعد استبرائها بحيضة. وإذا سبي الزّوجان معاً فإنّ السّبي يفرق بينهما، وتحلّ المسبيّة للسّابي وتحرم على زوجها السّابق للسّبي حتى لو أسلم بعد ذلك. ولكن إذا أراد المولى أن يزوّجها منه فله ذلك بعقد جديد. وإذا زوَّجت الأمَة حَرُم على المولى وطؤها، ولكن له خدمتها.

القاعدة الرابعة والستون [النكرة والمعرفة]

القاعدة الرّابعة والسّتّون [النّكرة والمعرفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّكرة إذا أعيدت معرفة كانت الثّانية عينَ الأولى، وإذا أعيدت نكرة كانت الثّانية غير الأولى. والمعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثّانية عين الأولى، وإذا أعيدت نكرة كانت الثّانية غير الأولى (¬1). لغويّة أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لغويّة أصوليّة فقهيّة. والمراد بالنّكرة: اللفظ غير المعرَّف بإحدى أدوات التّعريف - أي الألف واللام أو الإضافة أو كان من المعارف - فإذا ورد لفظ نكرة في كلام، ثم عُطِف عليه لفظ آخر مثله بمعناه، فإمّا أن يكون الثّاني معرفة أو نكرة. فإن كان اللفظ الثّاني معرفة فهي عين ونفس النّكرة الأولى. وأمّا إذا أعيدت نكرة كانت الثّانية غير الأولى. وأمّا الكلمة المعرفَة إذا أعيدت معرفة كانت هي المعرفة الأولى. وأمّا إذا أعيدت نكرة كانت الثّانية غير الأولى. ¬

_ (¬1) منار الأصول مع شرحه كشف الأسرار جـ 1 ص 193، وعنه قواعد الفقه ص 134.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قلت جاءني رجل وكلّمت رجلاً. كان الرّجل الثّاني غير الأوّل. وامّا إذا قلت: جاءني رجل فكلّمت الرّجل. كان الرّجل الثّاني عين الأوّل. ومنها: قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (¬1). ومنها: قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} (¬2) فالعسر أعيد معرفة فهو واحد، واليسر أعيد نكرة فكان غير الأوّل، ومن هنا قالوا: (لن يغلب عسر يسرين). ومنها: إذا أقرّ بألف مقيّدة بصكّ بحضرة شاهدين في مجلس. ثم بألف غير مقيّد بصكّ بحضرة شاهدين آخرين في مجلس آخر، يكون الثّاني غير الأوّل ويلزمه ألفان. ¬

_ (¬1) سورة المزمل الآيتان 15. (¬2) سورة الشرح الآيتان 5 - 6.

القواعد الخامسة والسادسة والسابعة والستون [النكرة خصوصها وعمومها]

القواعد الخامسة والسّادسة والسّابعة والسّتّون [النّكرة خصوصها وعمومها] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّكرة في موضع الإثبات تخصّ (¬1). وفي لفظ: النكرة في موضع النّفي تعمّ، وفي الإثبات تخصّ، لكنّها مطلقة (¬2). وفي لفظ: النكرة الموصوفة بصفة عامّة تعمّ (¬3). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وردت النّكرة - أي اللفظ أو الكلمة المنكرة غير المعرفة - في كلام فلها حالات من حيث العموم والخصوص والإطلاق، وذلك بحسب موقعها. الحال الأولى: أن تقع في موقع الإثبات. الحال الثّانية: أن تقع في موضع النّفي. الحال الثّالثة: أن تقع موصوفة بصفة عامّة. فهذه ثلاث حالات يختلف حكم النّكرة فيها: ¬

_ (¬1) شرح السير ص 416. (¬2) منار الأصول مع شرحه كشف الأسرار جـ 1 ص 185 - 186 وعنه قواعد الفقه ص 135. (¬3) شرح السير ص 417.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ففي الحال الأولى: إذا وقعت النّكرة في موضع الإثبات فحكمها في هذه الحال الخصوص. أي أن تدلّ على خاصّ لا عامّ. ولكنّها مطلقة غير مقيّدة. وفي الحال الثّانية: أن تقع في موضع النّفي - أي تكون منفيّة - فحكمها العموم؛ لأنّ القاعدة الأصوليّة تقول: (النّكرة في النّفي تعمّ). وفي الحال الثّالثة: أن تقع موصوفة بصفة عامّة فحكمها في هذه الحالة العموم - أي أنّها تدلّ على معنى عامّ لا خاصّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: كُلّ تمرة، أو أعتق رقبة. فهذه نكرة جاءت في سياق الإثبات، ولكنّها مطلقة من حيث الأوصاف؛ لأنّ الواحدة من التّمر أو الرّقاب محتملة لأوصاف كثيرة. ومنها: إذا قال: لا تأكل تمراً، أو لا تقتل نفساً. فهذه نكرة جاءت في سياق النّفي، فهي تعمّ كلّ أنواع التّمر وكلّ الأنفس. ومنها: إذا قال: أكرم رجلاً صالحاً، فهذه نكرة موصوفة. أو قال: لا تقتل رجلاً دخل آمناً فهذه تعمّ كلّ من اتّصف بهذه الصّفة سواء كان ذلك في سياق النّفي أو سياق الإثبات. وسواء أكان الصّالح أو الدّاخل فرداً أو جماعة وصلوا معاً.

القواعد الثامنة والستون والتاسعة والستون والقاعدة السبعون [النكول]

القواعد الثّامنة والسّتّون والتّاسعة والسّتّون والقاعدة السّبعون [النّكول] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّكول في باب الأموال بمنزلة الإقرار شرعاً (¬1). وفي لفظ: النّكول قائم مقام الإقرار (¬2). وفي لفظ: النّكول عن اليمين بمنزلة الإقرار (¬3). وفي لفظ: نكول النّاكل كإقراره (¬4). وفي لفظ: النّكول من المضطر بمنزلة البيِّنة (¬5). وفي لفظ: النّكول بذل (¬6). وفي لفظ: النّكول عن اليمين بذل (¬7). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: النّكول: هو الامتناع من حلف اليمين بعد توجّهها على المدّعَى عليه، فإذا ادّعى مُدَّعٍ على آخر مالاً، ولا بيِّنه للمدّعِي فإنّ القاضي ¬

_ (¬1) شرح السير ص 39، 317 وعنه قواعد الفقه ص 135 المبسوط جـ 10 ص 203. (¬2) المبسوط ج 5 ص 5. (¬3) نفس المصدر جـ 6 ص 124. (¬4) شرح السير ص 711. (¬5) القواعد والضوابط ص 497. (¬6) المبسوط جـ 5 ص 5. (¬7) الفرائد ص 105 عن دعوى الخانيَّة.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

يوجّه اليمين على المدّعَى عليه، ويطلب منه أن يحلف على كَذِب دعوى خصمه، فإن المدّعَى عليه قد يمتنع عن الحلف، ففي هذه الحالة يكون امتناعه على اليمين كإقرار بالمدّعَى، أو كإقامة البيّنة عليه، فيثبت عليه ما يدّعيه خصمه، ولا يكون ذلك؟ إلا بقضاء القاضي لكونه محتملاً في نفسه. ومن ناحية أخرى فإنّ ما يجب على النّاكل من الأداء هل يأخذ حكم من أقرَّ، كما هو منطوق القواعد الأربع الأولى. أو هو بمعنى البذل - أي الإعطاء على سبيل الصّلح كما هو منطوق القاعدتين الأخيرتين؟ قولان في هذه المسألة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ادّعى رجل على آخر مالاً. فأنكر المدّعَى عليه، ولا بيِّنة للمدّعِي، فإنّ القاضي يوجه اليمين على المدّعَى عليه، فإن حلف سقطت الدّعوى، وإن نكل عن اليمين حكم عليه القاضي بالمدّعَى. كأنّه أقرّ بما أنكر. ومنها: إذا كان لرجل زوجات فطلّق إحداهن بعينها ثم نسيها. ثم ادّعت كلّ واحدة أنّها المطلّقة، فإنّ القاضي يستحلفه لكلّ واحدة منهنّ أنّها غير المطلّقة، فإن نكل عن اليمين لهنّ فرَّق بينه وبينهنّ، ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهنّ؛ لأنّ النّكول في حقّ كلّ واحدة منهن بمنزلة الإقرار. وإنّ حلف لهنّ بقي حكم الحيلولة كما كان لأنّا نتيقّن أنّه كاذب في بعض هذه الأيمان. وإن نكل عن اليمين لواحدة منهنّ كانت هي المطلّقة كأنّه أقرّ بها.

القاعدة الحادية والسبعون [نماء الملك]

القاعدة الحادية والسّبعون [نماء الملك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نماء الملك لمالكه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مالك الشيء أحقّ به من غيره أياً كان، وبالتّالي، فإنّ نماء الملك وزيادته سواء كانت متّصلة أم منفصلة فهي ملك لمالك الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ملك شخص ما نخلاً أو شجراً مثمراً، فإنّ ثمرته له بناء على ملكيّته لأصله. ومنها: إذا ملك شخص بقرة أو شاة أو ناقة حاملاً أو حائلاً ثم حملت وولدت، فإنّ أولادها لمالك أمّهاتها. ومنها: إذا دخل عسكر من المسلمين لهم منعة لا أرض الحرب فأقاموا فيها حيناً حتى زرع منهم ناس زروعاً فأدركت وحصدوها وأخرجوها إلى دار الإسلام، فإن كان البذر الذي بذروه من بذر لهم أدخلوه من دار الإسلام فذلك الزّرع كلّه لهم لأنّه تمام ملكهم. ولكن إذا كان البذر من دار الحرب فلهم ما عداه ويؤخذ منهم مقدار البذر فيجعل في الغنيمة. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 2167.

القاعدة الثانية والسبعون [النهي بصيغة الخبر]

القاعدة الثّانية والسبعون [النّهي بصيغة الخبر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّهي بصيغة الخبر أبلغ ما يكون من النّهي (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّهي بصيغته المعروفة وهي (لا النّاهية) يفيد تحريم المنهي عنه أو كراهته إذا قامت القرينة على عدم إرادة التّحريم، ولكن قد ترد صيغة الخبر مفيدة للنّهي، فعند الأصوليّين: إنّ هذه الصّيغة - أي الصّيغة الخبريّة - في إفادتها للنّهي هي أبلغ وأقوى من صيغة النّهي ذاتها في الدّلالة على النّهي، وذلك كالأمر فإن أبلغ الأمر ما يكون بصيغة الخبر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يسومُ الرّجل على سوم أخيه ولا ينكحُ على خطبته" (¬2) وفي لفظ لا يستام. على رواية رفع الميم والحاء واللفظ المتّقق عليه: "لا يخطبُ الرّجلُ على خطبة أخيه ولا يسومُ على سومه" (¬3). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 15 ص 75. (¬2) الحديث بهذه الألفاظ متفق عليه. (¬3) ينظر المنتقى الحديث 2845. وينظر موسوعة أطراف الحديث لزغلول جـ 7 حرف (لا).

ومن الأمثلة على الأمر بالخبر قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬1). وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (¬2). وقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (¬3). فهذا نهي بصيغة الخبر يفيد تحريم الكتمان والنّهي عنه، وإن كان ظاهره إخباراً عن عدم حلّ الكتمان. ¬

_ (¬1) الآية 233 من سورة البقرة. (¬2) الآية 228 من سورة البقرة. (¬3) الآية 228 من سورة البقرة.

القاعدة الثالثة والسبعون [النهي - الإذن]

القاعدة الثّالثة والسّبعون [النّهي - الإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّهي بعد الإذن صحيح، والإذن بعد النّهي عامل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّهي والإذن معنيان متقابلان، فالنّهي يفيد المنع من الفعل، والإذن يفيد إباحة الفعل، فورود أحدهما على الآخر يقتضي حكم الوارد على المورود عليه. فإذا أذن بعمل شيء ثم نهى عنه فإنّ النّهي عامل صحيح، وعلى العامل المنهى الانتهاء حيث لا يجوز العمل بعد النّهي وإن سبقه إذن. وإذا نهى عن شيء ثم أذن فيه كان الإذن عاملاً صحيحاً قاضياً على النّهي السّابق؛ لأنّ التّالي يكون ناسخاً للأوّل، والعمل بالنّاسخ واجب. وهذا إذا كان النّاهي أو الآذن صاحب العلاقة بالعمل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الإذن بمُتْعَة النّساء في فتح مكّة وخيبر ثم النّهي عنها بعد ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 22 ص 44. (¬2) الأحاديث في النهي عن نكاح المتعة متفق عليها عن علي رضي الله عنه وينظر المنتقى الحديثان 3490، 3491.

ومنها: النّهي عن زيارة القبور ثم الإذن فيها (¬1). ومنها: إذا قال العامل عنده: احفر هنا. ثم قال: لا تحفر. فلو حفر بعد النّهي يعاقب. ومنها: إذا قال الرّجل لامرأته: لا تخرجي من البيت، أو لا تذهبي لأهلك، ثم أذن لها في الخروج والذّهاب. ¬

_ (¬1) الحديث عن بريدة رواه الترمذي وصححه وعن عائشة رضي الله عنها رواه أحمد ومسلم والنسائي ينظر المنتقى الحديثان 1958، 1961.

القاعدة الرابعة والسبعون [فساد بيع ما ليس عند الإنسان]

القاعدة الرابعة والسّبعون [فساد بيع ما ليس عند الإنسان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّهي عن بيع ما ليس عند الإنسان يوجب الفساد في كلّ مبيع ليس عند بائعه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّهي عن بيع ما ليس عند الإنسان ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أكثر من حديث صحيح عن حكيم بن حزام رضي الله عنه. والنّهي يقتضي تحريم هذا البيع، وتحريم البيع يقتضي فساده وبطلانه إذا حصل، فكلّ من باع ما ليس عنده فإنّ عقد هذا البيع باطل من أصله غير صحيح. وإذا بطل البيع لم يحلّ للبائع الثّمن ولا للمشتري الانتفاع بالسّلعة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد إنسان شراء سيّارة معيَّنة النّوع والأنموذج والصّفات. فقال له إنسان: أنا أبيعك هذه السّيّارة الموصوفة بمبلغ كذا - وهي ليست عنده ولا في ملكه - ورضي المشتري، فإنّ هذا العقد باطل من أساسه، ولا يحلّ للبائع الثّمن كما لا يحلّ للمشترى الانتفاع بالسّلعة وإن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 56.

أتى بها البائع بعد ذلك. إذ لا بدّ من عقد جديد. وهذا بخلاف بيع المرابحة حيث يشتري التّاجر السّلعة الموصوفة لنفسه ثم يبيعها لمن أرادها بعقد آخر بعد حصولها في ملكيّة البائع. وهذا بخلاف عقد الاستصناع أيضاً حيث يتّفق مريد السّيّارة مع إحدى وكالات السّيّارات على شراء سيّارة بأوصاف خاصّة ويدفع للوكالة عربوناً. والوكالة تتّصل بالمصنع لينفّذ الاتّفاق، فإذا جيء بالسّيّارة بالأوصاف المطلوبة تلزم المشتري ويدفع باقي الثّمن المتّفق عليه وإذا لم يُرِدْها فقد العربون المدفوع، وأمّا إذا جيء بها مخالفة فلا يلزم المشتري قبولها، وله استرداد عربونه.

القواعد الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والسبعون [النهي والفساد]

القواعد الخامسة والسّادسة والسّابعة والثّامنة والتّاسعة والسّبعون [النّهي والفساد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّهي عن الشّيء هل يقتضي فساده (¬1)؟. وفي لفظ جازم: النّهي يقتضي الفساد (¬2). وفي لفظ مقابل: النّهي عن الأفعال الشّرعيّة يقرّر المشروعيّة (¬3). وفي لفظ: النّهي لا يمنع صحّة الشّروع (¬4). وفي لفظ: النّهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يكون مفسداً (¬5). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تبيّن موضع اختلاف بين الحنفيّة وغيرهم في دلالة النّهي. ¬

_ (¬1) مختصر قواعد العلائي والأسنوي ص 271. (¬2) قواعد الفقه للروكي ص 281 عن الأشراف. (¬3) ترتيب اللآلي لوحة 107 أ، شرح الخاتمة ص 85. وينظر المنثور جـ 3 ص 313. (¬4) المبسوط جـ 3 ص 97. (¬5) المبسوط جـ 2 ص 88.

فالنّهي - كما سبق بيانه - هو طلب ترك الفعل طالباً جازماً - والنّهي يفيد تحريم المنهي عنه إذا لم توجد قرينة تصرفه عن ذلك إلى الكراهة. والمنهي عنه إمّا أن يكون من الأفعال الحسّيّة كالزّنا والّلواط والسّفه وغيرها فالمقتضي للنّهي فيها إنّما هو القبح لعينه فهذه الأمور محرّمة لعينها، وقد يكون القبح لغيره، لكن ورد التّحريم فيه نصّاً، فلا خلاف في حرمته كالزّنا - مثلاً - حرام لعينه وقبيح لغيره لما فيه من تضييع النّسب وإسراف الماء. وإمّا أن يكون المنهي عنه من الأفعال الشّرعيّة وهي ما كان موضوعاً في الشّرع لحكم كالصّوم والصّلاة والعبادات والبيع من المعاملات وغيرها. فعند الحنفيّة أنّ النّهي عن الأفعال الشّرعيّة يعتمد مشروعيّة تلك الأفعال، ولا يمنع صحّة الشّروع فيها؛ باعتبار أنّ الشّارع الحكيم لا ينهى. عن شيء كان مشروعاً، وإنّما النّهي عن القبح لغير المشروع وصفاً، فيصحّ المنهي عنه بأصله وإن فسد بوصفه؛ لأنّ كون الفعل مشروعاً بأصله يمنع جريان النّهي عليه. والمنهي عنه لغيره أنواع: 1 - إمّا أن يكون المنهي عنه لأجل وصف فيه قبح. 2 - وإمّا أن يكون النّهي لمجاور، كوطء الحائض، فإنّ النّهي عن قربانها لأجل المجاور وهو الأذى. ولذلك فعند الحنفيّة يثبت بوطء الحائض النّسب والحلّ للزّوج الأوّل.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وعند الحنفيّة أنّ النّهي عن الشّيء لوصف أو لمجاور يدلّ على مشروعيّة المنهي عنه وتصوّره وإلا كان النّهي عنه عبثاً ولغو. وعند غير الحنفيّة: وهو ما تدلّ عليه القاعدتان الأوليان: أنّ النّهي عن الشّيء يدلّ على فساده وعدم مشروعيّته، سواء في ذلك ما كان مشروعاً بأصله ووصفه أم كان مشروعاً بأصله غير مشروع بوصفه. وقاعدة مذهب الشّافعي رحمه الله أنّ النّهي عن الشّيء إن كان لعينه أو لوصفه اللازم له اقتضى الفساد - وثبت التّحريم - وأمّا إن كان الأمر لخارج عنه ينفكّ عنه في بعض موارده لم يقتض فساداً. سواء في ذلك العبادات أو العقود أو الإيقاعات. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: 1 - الصّلاة بغير وضوء، أو إلى غير القبلة - مع القدرة - صلاة باطلة غير مشروعة عند الجميع. ومنها: بيع الميتة والخمر والخنزير ونكاح المحارم. كذلك. 2 - صوم يوم العيد، وبيع الملامسة والمنابذة، ونكاح المتعة والشّغار، وعقود الرّبويات. هذه وأمثالها النّهي عنها يقتضي فسادها وبطلانها وحرمتها عند غير الحنفيّة. وعند الحنفيّة، النّهي عنها لا يقتضي الفساد بمعنى التحريم؛ لأنّ الصّوم والبيع والنّكاح والعقود في أصلها مشروعة، وانّما النّهي كان لوصف ملازم ولذلك فالنّهي عنها يقتضي فساد الوصف، لا الأصل، فمن

فعل شيئاً منها فعمله فاسد - والفاسد عند الحنفيّة غير الباطل - بمعنى أنّه إذا أزيل المفسد صحّ الفعل ولم يحتج إلى استئناف. 3 - الصّلاة في الدّار المغصوبة، والوضوء بالماء المغصوب، والصّلاة في الأماكن المنهي عنها، والبيع وقت النّداء، هذه كلّها مكروهة، فالصّلاة صحيحة وكذلك الوضوء والبيع مع الكراهة. وعند أحمد رحمه الله هذه كلّها باطلة.

القاعدة الثمانون [النهي عن المشترك]

القاعدة الثّمانون [النّهي عن المشترك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّهي متى تعلّق بمشترك حَرمت أفراده كلّها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمشترك: اللفظ الذي تحته أفراد كثيرة كلفظ العين. وعلّة تحريم كلّ الأفراد أنّه لو دخل فرد من أفراد المشترك في الوجود لدخل في ضمنه المشترك، فيلزم المحذور. فلذلك يلزم من تحريم المشترك تحريم جميع الأفراد؛ لأنّه لا يخرج عن عهدة التّحريم إلا بترك كلّ فرد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬2) التّحريم يشمل كلّ الميتات الحيوانيّة - عدا ما استثني - فمن تناول ميتة حصان، لم يكن منتهياً. ومنها: حرَّم الله عَزَّ وَجَلَّ لحم الخنزير، فيحرم كلّ خنزير أهلي أو وحشي. إلا خنزير الماء. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 5. (¬2) الآية 3 من سورة المائدة.

ومنها: حرَّم الله الخمر فيحرم كلّ مسكر مخمِّر ومغطٍّ للعقل، سواء أكان من العنب أم من غيره؛ لأنّ لفظ الخمر مشترك بين كلّ ما غطّى العقل وخمَّره.

القاعدة الحادية والثمانون [النوم]

القاعدة الحادية والثّمانون [النّوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّوم يمنع توجّه خطاب الأداء، ولكن لا يمنع الوجوب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّوم من عوارض الأهليّة - والمراد بعوارض الأهليّة: الطّوارئ التي تطرأ على الإنسان فتخرجه عن حالته السّويَّة كالمرض. والمراد بكون النّوم من عوارض الأهليّة - أي أهليّة الأداء لا أهليّة الوجوب -. والأهليّة نوعان: أهليّة وجوب. وهي توجد إذا بلغ الإنسان عاقلاً صحيحاً فتجب عليه التّكاليف الشّرعيّة والدّنيويّة. والثّانية أهليّة أداء: وهي القدرة على فعل ما وجب عليه ومدارها على القدرة الممكنة. فالنّائم يجب عليه من التّكاليف ما تجب على المستيقظ؛ لأنّه بالغ عاقل مكلّف، ولكن إذا كان نائماً لا يمكنه فعل ولا أداء ما كلِّف به، فلا يجب عليه أداء ما كلّف به أثناء نومه؛ فمن دخل عليه وقت الصّلاة وهو نائم، وجبت عليه وتعلّق أداؤها بذمّته، ولكنّه لا يخاطب بأدائها ما ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 96.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

دام نائماً؛ لأنّه لا يمكنه فهم الخطاب، وإنّما يتوجّه عليه حكم خطاب الأداء عند استيقاظه. والدّليل قوله صلّىَ الله عليه وسلّم: "إذا رقد أحدكم عن الصّلاة أو غفل عنها، فليصلّها إذا ذكرها، فإنّ الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} " (¬1) (¬2) وفي رواية: "لا كفّارة لها إلا ذلك" (¬3) والمغمى عليه كالنّائم. فالنّوم والإغماء القصير لا يمنعان الوجوب، ولكن يمنعان صحّة توجّه خطاب الأداء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نام بعد صلاة العشاء، أو عند الضّحى، وبقي نائماً إلى ما بعد طلوع الشّمس أو قرب وقت العصر فيجب عليه أداء الصّلاة عند تيقّظه؛ لأنّ الوجوب تعلّق بذمّته بدخول وقت الصّلاة، ولكن لمّا كان نائماً لم يتوجّه إليه خطاب الأداء. ¬

_ (¬1) الآية 14 من سورة طه. (¬2) المنتقى الحديث 610 أخرجه مسلم. (¬3) متفق عليه.

القاعدتان الثانية والثالثة والثمانون [النيابة - الحلف - الاستحلاف]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والثّمانون [النّيابة - الحلف - الاستحلاف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّيابة في الاستحلاف تجزئ، وفي الحلف لا تجزئ (¬1). وفي لفظ: النّيابة في الأيمان لا تجزئ (¬2). وفي لفظ: النّيابة تجزئ في الاستحلاف لا الحلف (¬3). وفي لفظ: النّيابة لا تجزئ في الاستحلاف - المراد بالاستحلاف هنا طلب الحلف من الوكيل - وهو لا يجزئ أي حَلف الوكيل - وما سبق المراد به التّوكيل في طلب الحلف من المدّعَى عليه وذلك جائز - وتجزئ في قبول البيّنة (¬4). وفي لفظ: النّيابة لا تجزئ في الأيمان (¬5). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الاستحلاف: استفعال من الحلف - والسّين والتّاء للطّلب فالاستحلاف طلب الحلف من غير المدّعَى عليه الأصلي - أي من وكيله ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 113. (¬2) نفس المصدر ص 141. (¬3) ترتيب اللآلي لوحة 109 أ. (¬4) المبسوط جـ 25 ص 152. (¬5) نفس المصدر جـ 26 ص 162.

وذلك لا يجوز. والحَلِف: هو القَسَم واليمين بالله تعالى. ولا يكون الحلف إلا عند القاضي بشرط عدم وجود البيّنة - أي شهود المدّعِي. فمفاد هذه القواعد: 1 - أنّه لا يجوز أن يحلف أحد عن أحد؛ لأنّ المقصود بالحَلِف إثبات كذب دعوى المدّعِي بتعظيم المحلوف به وهو الله سبحانه وتعالى، ولا يكون ذلك صدقاً إلا ممّن وجّهت إليه اليمين وكان هو المدّعَى عليه أصالة. 2 - يجوز النّيابة والتّوكيل في طلب تحليف المدّعَى عليه. وهذا معنى قولهم: تجوز النّيابة في الاستحلاف، فإذا وكّل المدّعِي وكيلاً ليطلب من القاضي توجيه اليمين على المدّعَى عليه فذلك جائز. 3 - وإذا كانت النّيابة في حلف اليمين لا تجزئ فإنّ النّيابة تجزئ في قبول الشّهادة، حينما يوكّل الشّاهدان الأصليّان شاهدين آخرين عنهما في أداء الشّهادة أمام القاضي نيابة عنهما. فالحلف لا يجوز النّيابة ولا التّوكيل في أدائه، وإذا حلف النّائب أو الوكيل لا يسقط ذلك طلب يمين الأصيل - المدّعَى عليه أصلاً - ولكنّ الشّهادة يجوز أداؤها من النّائب وقبولها, لأنّ الحالف إنّما يحلف على فعل نفسه، وغيره لا يعلم حقيقة ما عنده إن كان صادقاً أو كاذباً. وأمّا البيّنة أو الإشهاد فتجوز النّيابة والتّوكيل فيها، لأنّ النّائب أو الوكيل إنّما ينقل شهادة الشّاهد ولا ينسبها لنفسه.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وأمّا الاستحلاف فيجوز النّيابة فيه؛ لأنّه مجرّد طلب يمين المدّعَى عليه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ادّعى قاتل مستحقّ القصاص عفو أحد الوليّين - أو الأولياء - وكان غائباً، ولم يكن للقاتل بيِّنة، فأراد أن يستحلف الحاضر عن الغائب. فلا يجوز؛ لأنّه لو استحلف الحاضر على ذلك كان بطريق النّيابة، والنّيابة لا تجري في الأيمان. فإنّ على القاضي أن يؤخّر الاستحلاف حتى يحضر الغائب. وليس للحاضر استيفاء القصاص ما لم يقدم الغائب قبل دعوى العفو. فبعد دعوى العفو أولى. لأنّه لم يتمّ القصاص إلا بحضور جميع الأولياء. ومنها: ادّعى رجل على شريكي المفاوضة مالاً - ولم يكن له بيِّنة - فحلف أحدهما ونكل الآخر، لزمهما جميعاً المال؛ لأنّ نكول أحدهما كإقراره - كما سبق قريباً - وإقرار أحد شريكي المفاوضة يلزم الشّركة. بخلاف ما إذا كانت الدّعوى لهما على إنسان فاستحلف أحدهما المطلوب، لم يكن للآخر أن يستحلفه مرّة أخرى.

القاعدة الرابعة والثمانون [النية]

القاعدة الرّابعة والثّمانون [النّيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّيّة إذا قبلت في رفع الكلّ أولى أن تقبل في رفع البعض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة أولى عدد القواعد تتعلّق ببعض أحكام النّيَّة - عدا ما ذكر ضمن قاعدة (الأعمال بالنّيّات) في مفتتح هذه الموسوعة. النّيّة: فِعْلة من نوي ينوي إذا قصد وعزم. إذ أن أصلها "نِوْية" فاجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة، فقلبت الواو ياء لتناسب الكسرة قبلها، ثم أدغمت الياء في الياء فصارت "نيَّة". فالنّيّة: هي القصد والعزم المؤكّد. وهي أعلى وأقوى درجات حديث النّفس، والعبد إنّما يحاسب على نيّته، فيثاب أو يعاقب تبعاً لما نواه. فمفاد القاعدة: أنّ النّيَّة إذا أثّرت في العمل ككل، وقُبلت في رفع وإلغاء العمل كلّه فمن باب أولى أن تعمل وتقبل في إلغاء وإبطال ورفع بعض العمل. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 47.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت حرام. أو أنت بتَّة. فهذه الألفاظ وما شابهها يقع بها طلاق ثلاث - عند مالك رحمه الله وآخرين - ولا يجوز صرفها إلى أقلّ من ذلك؛ لأنّ اللفظ نُقل إلى العدد المعيَّن وهو الثّلاث، فصار من جملة أسماء الأعداد التي لا يدخلها المجاز، فلا تسمع فيها النّيَّة. فهذه مثل قول القائل: أنت طالق ثلاثاً. ويريد اثنتين. فلا تسمع نيَّته لا في القضاء ولا في الفتوى. وأمّا عند الحنفيّة: فإنّما يسأل عن نيَّته؛ لأنّه تكلّم بكلام مبهم محتمل لمعان، (وكلام المتكلّم محمول على مراده)، ومراده إنّما يعرف من جهته. فإن نوى الطّلاق فهو طلاق. وإن نوى ثلاثاً فهو ثلاثاً. وإن نوى واحدة بائنة فهي واحدة بائنة (¬1). ومن هنا دخل هذا المثال تحت هذه القاعدة. ومنها إذا قال: أنت طالق ثلاثاً. وأراد طلقت من الولد ثلاث مرّات. فتقبل نيّته في الفتيا لا في القضاء؛ لأنّه أدخل النّيَّة في اسم جنس الطّلاق فحوله لطلق الولد فدخل المجاز في الجنس لا في العدد. وذلك جائز. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 70.

القاعدة الخامسة والثمانون [نية الإقامة]

القاعدة الخامسة والثّمانون [نيّة الإقامة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نيّة الإقامة في غير موضع الإقامة هدْر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تختصّ ببعض أحكام المسافر. فالمسافر خارج مصره له أحكام تختلف عن أحكام المقيم، منها: جواز فطره. ومنها: جواز قصره للصّلاة. ومنها: مسحه على الخفّ ثلاثة أيّام. ومنها: عدم وجوب الجمعة عليه. ومنها: جواز جمعه بين الصّلاتين. فإذا سافر إنسان من بلده، ثم في مكان لا يصلح للإقامة المستقرّة - كلجَّة الماء - أي في سفينة أو قارب وسط بحر - أو في الصّحراء، أو كان سائراً ماشياً، فإن نوى الإقامة في مثل هذه الأماكن حيث لا يمكنه الاستقرار، فإنّ نيّته هذه لا قيمة لها، وهي باطلة، ولا يخرج عن كونه مسافراً تلزمه أحكام المسافر. بخلاف ما إذا نوى الإقامة في قرية أو مدينة صالحة للإقامة فيها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 245 وعنه قواعد الفقه ص 135، أشباه السيوطي ص 39 وأشباه ابن نجيم ص 51.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سافر بحراً، ورأى جزيرة صخريّة - لا ناس فيها ولا ماء ولا شجر، ونوى الإقامة فيها، لا تصحّ نيّته؛ لأنّها لا تصلح للمعيشة والحياة فيها. ومنها: إذا دخل المسلمون أرض الحرب، فانتهوا إلى حصن ووطنوا أنفسهم على أن يقيموا عليه شهراً، إلا أن يفتحوه قبل ذلك. فإنّهم يقصرون الصّلاة للتّردّد في الإقامة، ولكن إذا أخبرهم الأمير أو القائد أنّه لا يقيم بهم في ذلك المكان، فإنّهم يقصرون الصّلاة؛ لأنّهم في دار حرب محاربون لأهلها، بين أن يظهروا على عدوهم أو يظهر عليهم عدوهم فلا يتمكنّون من المقام. فنيّة الإقامة في مثل هذا الموضع هدر. ومنها: إذا أسر الكفّار مسلماً فانفلت منهم، وهو مسافر، فوطن نفسه على إقامة شهر أو أكثر في غار أو غيره، قصر الصّلاة؛ لأنّه محارب لهم، ودار الحرب في حقّه ليست دار إقامة، حتى ينتهي إلى دار الإسلام.

القواعد: السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والثمانون [عمل النية]

القواعد: السّادسة والسّابعة والثّامنة والتّاسعة والثّمانون [عمل النّيّة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّيّة إنّما تعمل في الملفوظ (¬1). وفي لفظ: النّيّة إذا لم تكن من محتملات اللفظ لا تعمل (¬2). وفي لفظ: النّيّة تعمل إذا كانت من محتملات اللفظ، لا فيما كان من ضدّه (¬3). وفي لفظ: النّيّة في الكلام المحتمل صحيحة في القضاء (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تشير إلى قاعدة مهمّة تتعلّق بتأثير النّيّة وعملها. وذلك أنّ النّيّة إنّما تعمل إذا دلّ اللفظ عليها، فإذا لم يوجد لفظ فلا عمل للنّيَّة؛ لأنّها عمل قلبي. وشرط أعمال النّيَّة في الملفوظ إذا كان ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 47، 187. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 70. (¬3) نفس المصدر ص 102. (¬4) نفس المصدر ص 115.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

اللفظ محتملاً لها، أي ان يكون اللفظ له احتمالات وليس نصّاً في المراد منه، وإذا لم يكن اللفظ محتملاً للمنوي فلا أثر للنّيَّة فيه. فإذا كان اللفظ المنطوق به محتملاً لما نواه عملت نيّته في أحد محتملاته، وذلك أنّه لا عموم لغير الملفوظ، فغير الملفوظ لا تعمل فيه نيَّة التّخصيص. ويترتّب على هذه القواعد أمور: أولها: أنّ النّيَّة لا تعمل فيما كان ضدّاً للفظ المنطوق به، أو كان نصّاً في المراد، وليس عامّاً محتملاً للتّخصيص. ثانيها: أنّ النّيَّة إذا وجدت في الكلام المحتمل كانت صحيحة أمام القضاء. ثالثها: أنّ النّيَّة إنّما تصحّ في الملفوظ لا فيما لا لفظ له، وذلك إذا أريد بالنّيَّة التّخصيص. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا حلف على زوجته وقال: إن أكلت فأنت طالق. ونوى طعاماً دون طعام لا يعتبر قضاءً؛ لأنّه لم يدلّ على نوع الطّعام بلفظ. بخلاف ما لو قال. إن أكلت طعاماً. ومنها: إذا قال إن خرجت. ونوى السّفر المتنوّع، فهو معتبر. ومنها: إذا حلف أن لا يتزوّج. ونوى من امرأة روميّة أو عربيّة - مثلاً - فنيّته معتبرة. ومنها: إذا قال: أنت طالق إن أكلت أو شربت أو لبست.

ونوى معيَّناً، لم يصدق أصلاً. إلا إذا قال: إن أكلت طعاماً أو شربت شراباً أو لبست ثوباً. ومنها: إذا قال الرّجل لامرأته: أنت عليّ حرام. إن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة - عند جمهور الحنفيّة - وأمّا عند زفر بن الهذيل رحمه الله فتقع اثنتان تبعاً لنيّته؛ لأنّ (الأعمال بالنّيّات)؛ ولأن الثنتين بعض الثّلاث، فإن كانت نيّته تسع الثّلاث فنيَّة الثنتين أولى. وعند جمهور الحنفية واحدة بائنة؛ لأنّ نيَّة الثنتين فيها عدد، وهذا اللفظ - أي أنت حرام - لا يحتمل العدد؛ لأنّها كلمة واحدة، وليس فيها احتمال التّعدّد، وأمّا صحّة نيَّة الثّلاث فليس باعتبار العدد بل باعتبار أنّه نوى حرمة وهي الحرمة الغليظة. ومنها: إذا قال أنت عليّ حرام. إذا نوى الطّلاق ولم ينوي عدداً كان طلقة واحدة بائنة، وإن لم ينو الطّلاق ونوي يميناً كان يميناً. وإن لم تكن له نيَّة فهو يمين، لأنّ الحرمة الثّابتة باليمين دون الحرمة التي تثبت بالطّلاق، (وعند الاحتمال لا يثبت إلا القدر المتيقّن). ومنها: إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً للسّنّة، ونوى ثلاثاً في الحال، تطلق ثلاثاً في الحال، عند المشائِخ, لأنّ وقوع الثّلاث جملة من مذهب أهل السّنّة. وعند زفر لا يقع الطّلاق؛ لأنّ الطّلاق الثّلاث في الحال مخالفة للسّنّة، (والنّيَّة إنّما تعمل إذا كانت من محتملات اللفظ لا فيما كان من ضدّه).

ومنها: إذا قال: أنت طالق غداً. تطلق كما طلع الفجر؛ لوجود الوقت المضاف إليه الطّلاق. وأمّا إن قال: عنيت به آخر النّهار لم يدَّين في القضاء - أي لا يصدق قضاءً - ويدَّيَّن فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنّه نوى التّخصيص في لفظ العموم، ونيَّة التّخصيص في العموم صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى، ويترتّب على ذلك أنّه لو جامعها أثناء النّهار لا يأثم بينه وبين الله تعالى. ولكن إذا قال: أنت طالق في غدٍ طلقت كما طلع الفجر. فإن قال عنيت به آخر النّهار. صدِّق في القضاء عند أبي حنيفة رحمه الله. (والنّيَّة في الكلام المحتمل صحيحة في القضاء). وعندهما لم يصدق.

القاعدة التسعون [نية الإيجاد]

القاعدة التّسعون [نيّة الإيجاد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نيّة الإيجاد في الموجود لغو (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإيجاد: أصلها الإوجاد، مِن وُجد يوجد، أو وَجد يجد، أي حصل. فنيَّة حصول الحاصل لغو باطلة لا اعتبار لها؛ لأنّ إيجاد الموجود مستحيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نوى إنسان إيجاد صلاة يصلّيها، فلا اعتبار لنيَّته لأنّ ما نواه موجود فعلاً. ومنها: إذا نوى صوماً وهو صائم. لا اعتبار لنيّته كذلك. ومنها: إذا نوى أن يقتل هذا القتيل. فلا اعتبار لنيَّته, لأنّ القتيل لا يقتل إلا مرّة واحدة. ومنها: إذا افتتح رجل صلاة المغرب، فصلّى ركعة منها ثم ظنّ أنّه لم يكن افتتح صلاته، فجدّد التّكبير وصلّى ثلاث ركعات مستقبلات. قال بعضهم: يجزئه؛ لأنّه بقي في صلاته الأولى؛ لأنّه نوى إيجاد الموجود، ونيَّة الإيجاد في الموجود لغو. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 98.

فلمّا صلّى ركعتين فقد تمّت فريضته، ثم كانت الرّكعة الثّالثة نفلاً له؛ لأنّه اشتغل بها بعد إكمال الفريضة. وأقول وبالله التّوفيق: أنّه لمّا جدّد التّكبير - وهو في صلاته - فقد أبطل نيّته الأولى، ولم يدخل في صلاة أخرى, لأنّ تكبيره كان خروجاً من الصّلاة. وكان الواجب أن يأتي بتكبيرة أخرى ليدخل في الصلاة من جديد، ولم يفعل، فكانت صلاته باطلة؛ لأنّه صلّى بغير نيّة ولا افتتاح. وأيضاً لو سلّمنا جدلاً أنّه بقي في صلاته الأولى لكنّه خالف ترتيب صلاته فأتى بركعتين قبل التّشهّد الأوّل بعد تلك الرّكعة الأولى التي ظنّ أنّها باطلة، فقد صلّى ثلاث ركعات متواليات بدون تشهّد. والرّكعة الأخيرة التي أتي بها بعد التّشهّد الذي جاء في غير محلّه تعتبر رابعة لا نفلاً؛ لأنّه لم يشتغل بها بعد إكمال الفريضة بل اشتغل بها على أنّها إكمال للفريضة. والله أعلم.

القاعدة الحادية والتسعون [النية]

القاعدة الحادية والتّسعون [النّيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّيّة بمنزلة الرّكن في العبادات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مكانة النّيَّة في العبادات بمنزلة الرّكن - أي في قوّته - وإن لم تكن ركناً عند الحنفيّة، بل هي شرط صحّة العبادة. ولكن لقوّتها ولزومها في العبادات - حيث لا تصحّ العبادة - أي عبادة - إلا بالنّيّة، كانت في منزلة الرّكن وقوَّته. والفرق بين الرّكن والشّرط: أنّ الرّكن هو جزء من حقيقة الشّيء، والشّرط خارج عن حقيقة الشّيء. وقد سبق بيان كلّ منهما. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة لا تصحّ إلا بنيّتها، ولا بدّ من نيَّة تعيَّن الصّلاة المراد أداؤها، إن فرضاً وإن نفلاً، وتعيين وقتها كذلك. ومنها: الصّيام لا يصحّ عبادة إلا بالنّيّة. وكذلك الحجّ والزّكاة والتّيمّم والوضوء والغسل، كلّ عبادة مفروضة أو مندوبة. ومنها: رجل أمره رجلان أن يحجّ عن كلّ واحد منهما، فأهلّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 159.

بحجّة على أحدهما - لا ينويه بعينه - فعند أبي يوسف رحمه الله حجّه ذلك عن نفسه، وهو ضامن لنفقتهما؛ لأنّه مأمور بتعيين النّيَّة له، فإذا لم يفعل صار مخالفاً، كما لو نوى عنهما جميعاً. ولأنّه لو نوى عنهما جميعاً لم تصحّ نيَّته عن أي واحد منهما، والحجّ عن اثنين في زمن واحد لا يقع، فكان حجّه ذلك عن نفسه لا عَن أي منهما.

القاعدة الثانية والتسعون [نية التخصيص]

القاعدة الثّانية والتّسعون [نيّة التّخصيص] أولاً: لفظ ورود هذه القاعدة: نيّة التّخصيص تصحّ في الملفوظ دون ما لا لفظ له (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها ارتباط بما سبق من القواعد. فنيَّة تخصيص العام من أحكامها أنّها إنّما تصحّ فيما له لفظ، لا فيما لا لفظ له - كما سبق بيانه. ومعنى تخصيص العام قصره على بعض أفراده. والعام هو ما كانت محتملاً لأكثر من معنى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لا أركب. وعنى الخيل وحدها. لم يدّين في القضاء، ولا فيما بينه وبين الله تعالى - أي لم يصدق ولم تعمل نيَّته وإن كان حَالفاً حنث في يمينه لو ركب أيّاً كان؛ لأنّ في لفظه فعل الرّكوب، والخيل ليس بمذكور. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 13.

القاعدة الثالثة والتسعون [نية التخصيص]

القاعدة الثّالثة والتّسعون [نيّة التّخصيص] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: نيّة تخصيص العام تصحّ ديانة لا قضاء خلافاً للخصاف (¬1) (¬2) وغيره من الأئمة. وفي لفظ: نيّة التّخصيص في العموم صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى، غير صحيحة في القضاء (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان هذه القاعدة ضمن شرحنا لقاعدة (الأعمال بالنّيّات). ومفادها: أنّ تخصيص العام بالنّيَّة - بعد أن يكون العموم ملفوظاً به - صحيح ديانة - أي بين العبد وربّه سبحانه وتعالى - ولا يصحّ - أي لا يصدق في القضاء - أي عند القاضي؛ لأنّ القاضي إنّما يحكم بحسب ظواهر النّصوص والألفاظ المنطوق بها لا بمجرّد النّيّات. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 52 وعنه قواعد الفقه 135، وينظر الوجيز مع الشرح والبيان ص 125 فما بعدها. (¬2) الخصاف هو أحمد بن عمر بن مهير الحنفي كان فرضياً حاسباً عارفاً بمذهب أبي حنيفة وكان ورعاً زاهداً يأكل من كسب يده. توفي سنة 261 هـ وقد سبق له ترجمة. الفوائد البهية ص 29 مختصراً. (¬3) المبسوط جـ 6 ص 115، 116، 132.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وهذا عند جمهور الحنفيّة. وأمّا عند الخصاف من الحنفيّة وجمهور المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إنّ تخصيص العام بالنّيَّة صحيح قضاء وديانة. ولكن لمّا كانت النّيَّة قلبيّة كان لا بدّ من دليل يدلّ عليها قبل تصديق المدّعِي، وإن لم يكن فيمينه على صدق نيّته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل طعاماً. وخصَّ طعاماً دون طعام بنيّته. يصدق ديانة لا قضاءً عند جمهور الحنفيّة، وعند الخصاف وغير الحنفيّة يصدق ديانة وقضاءً. ومنها: إذا حلف لا يكلّم أحداً. ثم قال: نويت زيداً فقط. فعند جمهور الفقهاء - غير الحنفيّة - إنّه لا يحنث لو كلّم غير زيد. وهو كذلك عند الخصاف؛ لأنّ لفظ "أحد" نكرة في سياق النّفي فهي عامّة تشمل كلّ أحد. ولكن لمّا قال: نويت زيداً فقط. أعلمت نيّته فَخُصّ عدم التّكلّم به. وجاز أن يكلّم غير زيد. ومنها: إذا قال: كلّ امرأة أتزوّجها فهي طالق. ثم قال: نويت من بلدة كذا أو محلّة كذا. صحّ له أن يتزوّج امرأة من غير البلدة التي عيَّنها، أو المحلّة التي ذكرها. وذلك عند جمهور الفقاء غير الحنفيّة.

القاعدة الرابعة والتسعون [نية التخصيص]

القاعدة الرّابعة والتّسعون [نيّة التّخصيص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نيّة التّخصيص فيما ثبت بمقتضى الكلام صحيحة كما تصحّ في الملفوظ. عند الخصاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ النّيَّة تخصّص اللفظ العام وتقصره على بعض أفراده، وذلك إذا كان هذا العام ملفوظاً ومنطوقاً به. لكن هل النّيَّة تخصّص ما ثبت بمقتض الكلام لا بلفظه؟ ومقتضى الكلام فحواه ومعناه لا لفظه. عند جمهور الحنفيّة - كما سبق بيانه - أنّ التّخصيص إنّما يكون في الملفوظ لا غير. ولكن هذه القاعدة تفيد أنّه يجوز ويصحّ نيَّة تخصيص عموم ثبت بمقتضى الكلام وفحواه لا بلفظه، وهذا ممّا خالف فيه الخصاف رحمه الله جمهور الحنفيّة؛ لأنّ المقتضى عنده كالمنصوص في أنّ له عموماً فتجوز نيّة التّخصيص فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد قاضٍ أن يستحلفَ وصيّاً على المال: أنه ما قضى ديناً، وأنّه ما وصل إليه تَرِكَةٌ، ولا أمر بشيء منها يباع، ولا وَكَّل به - ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 115، 116، 132.

وكان الوصي قد فعل ذلك - فعند جمهور الحنفيّة أنّ للوصي أن يحلف وينوي غير ما استحلف عليه؛ لأنّه كان مظلوماً. (واليمين على نيَّة الحالف إن كان مظلوماً). وعند الخصاف يحلف وينوي أنّه ما فعل شيئاً من ذلك. في وقت غير الوقت الذي فعل فيه، أو في مكان كذا لغير المكان الذي فعل فيه، أو مع إنسان غير الذي عامله. وذلك لأنّ الحنفيّة يرون أنّه لا يجوز للقاضي أن يسأل الوصي عمّا وصله إليه من تركة الميّت وعمّا فعل فيها؛ لأنّ الوصي أمين، (والقول في المحتمل قول الأمين)، وهو متبرّع في قبول الوصاية، فاستحلافه يكون ظلماً له. ومنها: إذا حلف لا يساكن فلاناً - وهو ينوي مساكنته في بيت - فيعمل بنيّته، وإن لم يكن المكان من لفظه، ولكن بمقتضى الكلام أنّ المساكنة لا تكون إلا في مكان، ولذلك صحّ نيَّة التّخصيص فيه. ومنها: إذا حلف لا يخرج ونوى السّفر صحّت نيّته كذلك. ومنها: إذا أقرّ بنسب غلام صغير، فجاءت أمّ الصّغير بعد موته تطلب ميراث الزّوجات فإنّها تستحقّ ذلك؛ لأنّ إقراره بالنّسب يقتضي الفراش بين المقرّ وبين أمّ الصّغير، فجعل الثّابت بمقتضى الكلام كالثّابت بالنّصّ. وهي تستحقّ الميراث إذا لم تقم بيِّنة على أنّه طلّقها قبل موته وانقضت عدّتها. ولم يكن الطّلاق طلاق الفارّ. والله أعلم.

القاعدة الخامسة والتسعون [النية في المحتملات]

القاعدة الخامسة والتّسعون [النّيّة في المحتملات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّيّة تعمل في المحتملات لا في الموضوعات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المحتملات: هي الألفاظ التي تحتمل دلالتها معان كأسماء الأجناس. والموضوعات: هي الألفاظ التي لا يدخل دلالتها احتمال غيرها كأسماء الأعداد فهي نصّ فيما تدلّ عليه. فالنّيَّة - كما سبق - إنّما تعمل ويظهر عملها في لفظ محتمل، لا لفظ منصوص الدلالة على شيء واحد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلّق زوجته ثلاثاً بلفظة واحدة، ثم قال: نويت اثنتين أو واحدة، لا يصدق ديانة ولا قضاءً؛ لأنّ لفظ الثّلاث لا يحتمل غير دلالته اللغويّة. ومنها: إذا قال لامرأته: أنت طالق. ثم قال: أردت من وثاق - ولا قرينة - لم يقبل في القضاء؛ لأنّه لفظ الطّلاق صريح في إرادة حلّ عقدة الزّوجيّة. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 60 الفرق 128، ترتيب اللآلي لوحة 108 ب.

ومنها: إذا حلف ليعتقنّ ثلاثة أعبد اليوم. فأعتق عبدين. وقال: أردت بلفظ الثّلاثة الاثنين. لم تفده نيّته، وحنث، إن خرج اليوم ولم يعتق الثّالث؛ لأنّ استعمال لفظ الثّلاثة في الاثنين مجاز، وهو لا يدخل في أسماء الأعداد. بخلاف ما لو قال: والله لأعتقنّ عبيدي. وقال: أردت بعضهم على سبيل التّخصيص. أو أردت بعبيدي دوابّي، وأردت بالعتق بيعها، أفاده ذلك؛ لأنّه يجوز استعمال لفظ العبيد مجازاً في الدّواب، والعلاقة الملك في الجميع (¬1). ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 61.

القاعدة السادسة والتسعون [نية التعيين]

القاعدة السّادسة والتّسعون [نيّة التّعيين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: نيّة التّعيين شرط في صحّة الصّلاة المكتوبة والنّوافل المعيَّنة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تمثّل جانباً من جوانب أحكام النّيَّة. وهي إن كانت بمنطوقها خاصّة بما يتعلّق بالصّلاة لكن معناها شامل لكلّ العبادات، فكلّ عبادة يشترط فيها نيَّة التّعيين وبخاصّة الفرائض وكثير من النّوافل. فتعيين المنوي شرط في صحّة الصّلاة المفروضة. وهذا عند الجميع. وكذلك يشترط تعيين نيّة الصّوم المفروض والواجب عند الجميع - إلا رمضان عند الحنفيّة - فيجوز صيامه بنيّة مطلقة لأنّه معيَّن بوقته. وكذلك يشترط تعيين ما يؤدّيه من حجّ أو عمرة عند بدء الفعل. وهكذا. وأمّا النّوافل فإن كانت راتبة معينة فيجب تعيينها بالنّيَّة - عند غير الحنفيّة - ولا تصحّ بنيّةَ مطلقة - كما هي عند الحنفيّة. ملحوظة: ويترتّب على اشتراط التّعيين أو عدمه: أنّ ما يشترط فيه التّعيين يضرّ الخطأ فيه، فلا تصحّ العبادة مع الخطأ في النّيَّة. وأن ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 465، 466.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ما لا يشترط فيه التّعيين لا يضرّ الخطأ فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجب تعيين نيَّة الصّلاة المفروضة عند إرادتها. فمن أراد صلاة الظّهر مثلاً - يجب عليه تعيينها، فلو أراد الظّهر ونوى العصر لا تصحّ صلاته لا ظهراً ولا عصراً. ومنها: إذا أراد صلاة نافلة الفجر - أو غيرها من النّوافل الرّاتبة - وجب عليه تعيينها - عند غير الحنفيّة - أمّا عند الحنفيّة فيجوز بمطلق نيَّة النّفل أو التّطوّع. ومنها: إذا أراد أن يخرج زكاة واجبة وجب عليه نيّتها وتعيينها عند العزل.

القاعدة السابعة والتسعون [نية التعيين]

القاعدة السّابعة والتّسعون [نيّة التّعيين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: نيّة التّمييز غير معتبرة في الجنس الواحد (¬1). وفي لفظ: نيّة التّعيين في الجنس الواحد لغو (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّمييز والتّعيين: بمعنى واحد هنا. ويراد بهما اعتبار شيء دون آخر، ففي الجنس الواحد لا اعتبار لهذه النّيَّة؛ لأنّ الجنس الواحد لا يمكن التّمييز ولا التّعيين فيه لأنّه لا يمكن الفصل بين أجزائه، أو لأنّه لا تفاضل بين أفراده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الكفّارات تعتبر جنساً واحداً. فإذا كان عليه كفاّرات متعدّدة فكفَّر بعضاً منها جاز وإن لم يعيّن، كما لو كان عليه كفّارة يمين وكفّارة قتل خطأ، وكفّارة ظهار، فأعتق رقبة. كانت كفّارة عن أي منها دون تحديد أو تعيين. وأقول وبالله التّوفيق: هذا إذا كانت الكفارات من جنس واحد كعتق الرّقبة، لكن إذا كان عليه كفّارة يمين وكفّارة قتل خطأ، ولم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 13. (¬2) نفس المصدر جـ 8 ص 145، أشباه ابن نجيم ص 31.

يقدر على الرّقبة ولا الإطعام ولا الكسوة، وأراد صيام ثلاثة أيّام ككفارة عن اليمين التي حنث فيها ألا يجب عليه أن يعيّن ويميّز هذه الأيّام عن صيام الشّهرين عن كفّارة القتل الخطأ؟. أو أراد أن يطعم أو يكسو عن اليمين ألا يجب عليه. التّعيين، ثم يصوم عن كفّارة القتل الخطأ؟. ومنها: إذا ظاهر من أربع نسوة له، فأعتق رقبة ليس له غيرها، ثم صام أربعة أشهر متتابعة ثم مرض، فأطعم ستّين مسكيناً، ولم ينو مع ذلك واحدة بعينها أجزأ عنهن استحساناً. لأنّ ما يريد أن يكفّر عنه جنس واحد وهو الظّهار. ومنها: إذا حلف أيماناً متعدّدة وحنث فيها، وجبت عليه كفّارات إيمان متفرّقة، فأعتق رقاباً بعددهن، أو أطعم مساكين أو كساهم أو صام أيّاماً بعددهن، ولا ينوي لكلّ كفّارة بعينها، أو نوى في كلّ كفّارة عنهن أجزأ عنه استحساناً. ومنها: لو أعتق على إحدى هذه الأيمان، وأطعم عن الأخرى، وكسا عن الثّالثة، وصام عن الرّابعة - عند عدم القدرة - جاز ذلك وتأدّت به كفّارات تلك الأيمان، وإن لم يعيّن لكلّ يمين كفّارة. ومنها: التّيمّم. لا يجب التّمييز بين التّيمّم للحدث والتّيمم للجنابة؛ لوقوع التّيمّم طهارة فجاز أن يؤدّي به ما شاء. ومنها: إذا كان عليه قضاء يوم بعينه أو يومين فصام بنيّة يوم آخر جاز ما دام ذلك من رمضان واحد.

القواعد الثامنة والتاسعة والتسعون وتمام المئة [النية المخصصة والمعممة والمقيدة]

القواعد الثّامنة والتّاسعة والتّسعون وتمام المئة [النّيّة المخصّصة والمعمّمة والمقيّدة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: النّيّة تعمّم الخاصّ وتخصّص العام بغير خلاف (¬1). وفي لفظ: النّيّة تقيّد المطلق وتخصّص العموم وتعمّم الخصوص وتعيّن أحد مسمّيات المشتركات وتصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز (¬2). وفي لفظ: النّيَّة في اليمين تخصّص اللفظ العام ولا تعمّم الخاصّ (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تفيد وتبيّن أثر النّيَّة وعملها في الألفاظ، فالنّيّة 1 - تعمّم الخاصّ. 2 - تخصّص العام. 3 - تقيّد المطلق. 4 - تعيّن أحد مسمّيات المشترك. 5 - تصرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه. وهذه الآثار والأعمال واضحة بيَّنة من خلال القاعدتين الأوليين. ويظهر بين القاعدة الأولى والقاعدة الثّالثة تناقض، فالقاعدة ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 125 وينظر الوجيز ص 152 (¬2) الفروق جـ 3 ص 64 الفرق 130. (¬3) أشباه السيوطي ص 44.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الأولى ذكرتَ أنّ النّيَّة تعمّم الخاصّ وتخصّص العام بغير خلاف. والقاعدة الثّالثة ذكرت أنّ النّيَّة تخصّص اللفظ العام ولكنّها لا تعمّم اللفظ الخاص. لكن إذا علمنا أنّ القاعدة الأولى تمثّل رأي المذهب الحنبلي، فقول ابن رجب رحمه الله: - بغير خلاف - أي في المذهب الحنبلي، وإن وجد الخلاف عند غيرهم. والقاعدة الثّالثة: شافعيّة المصدر، علمنا أنّ الشّافعيّة لا يرون تعميم الخاصّ بالنّيَّة. وأمّا تقييد النّيَّة للمطلق فمحلّ خلاف بين الحنابلة. وتنظر القاعدة رقم 62 من قواعد حرف (التّاء). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا قال: والله لأكرمنَّ اليوم رجلاً. ونوى به زيداً. فلا يَبَرُّ بإكرام غيره، وهذا مثال لتقييد المطلق بالنّيّة؛ لأن "رجلاً" لفظ مطلق. والمطلق عام أيضاً، وقد قيّده بنيَّته بخصوص زيد فصار معنى اليمين: لأكرمنّ اليوم زيداً. وكذلك إذا قيّده بصفة في نيّته ولم يتلفّظ بها، كقوله: والله لأكرمنّ اليوم رجلاً. وينوي فقيهاً أو زاهداً. فلا يبرّ بإكرام غير الموصوف بهذه الصّفة ومنها: في تخصيص العموم بالنّيّة: إذا قال: والله لا لبست ثوباً، أو لا أكلت طعاماً، ونوى ثوباً معيّناً، وطعاماً مخصوصاً، صحّ ما نواه. ومنها: في تعميم الخاصّ: إذا قال: والله لا شربت عند فلان ماءً من عطش. ونوى أن لا

ينتفع منه بشيء. حنث بأي شيء تناوله عنده ماءً كان أو غيره. خلافاً للحنفيّة والشّافعيّة الذين قالوا: إنّه لا يحنث بطعامه أو ثيابه؛ لأنّ اليمين عندهم تنعقد على الماء خاصّة. ومنها: إذا حلف لا يدخل هذا البيت - وهو يريد وينوي هجران أهله - حنث بدخوله عليهم أي مكان هذا البيت أو غيره. ومنها: في تعيين أحد مسمّيات المشترك: إذا حلف أو قال: لا أنظرنَّ اليوم عيناً. - والعين لفظ مشترك بين عدّة أشياء - ونوى عين الماء. فإنّه لا يحنث بالنّظر لغير عين الماء. ومنها: في صرف اللفظ على حقيقته إلى مجازه. إذا قال: لأقتلن اليوم أسداً. ونوى رجلاً شجاعاً. صحّ ولا يحنث إذا قتل رجلاً شجاعاً. ويحنث لو قتل أسداً حقيقة.

القاعدة الحادية بعد المئة [النية]

القاعدة الحادية بعد المئة [النّيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّيّة لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة (¬1). بل إنّ العبادات ذات الأفعال يكتفي بالنّيّة في أوّلها (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّيّة يجب اعتبارها في أوّل العبادة، لكن هل يجب اعتبارها وملاحظتها أثناء العبادة؟ فمفاد هذه القاعدة: أنّه لا يجب اعتبارها ولا ملاحظتها أثناء العبادة, لأنّ العبادات ذات الأفعال يكتفي بالنّيَّة في أوّلها. لما في ذلك من المشقّة والعسر لو وجب اعتبارها في كلّ فعل من أفعال العبادة الواحدة. فلذلك لا يحتاج للنّيّة في كلّ فعل اكتفاءً بانسحاب النّيَّة عليها؛ لأنّ نيَّة العبادة تنسحب على أركانها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوضوء لا يشترط فيه نّيّة غسل كل عضو بل يكتفى بالنّيَّة في أوّله. ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 467. (¬2) أشباه السيوطي ص 27، أشباه ابن نجيم ص 44، إعداد المهج ص 57.

ومنها: الصّلاة يكتفى بالنّيَّة المصاحبة لتكبيرة الإحرام، ولا يلزم النّيَّة للقراءة، ولا للرّكوع، ولا للرّفع منه، ولا للسّجود وغيره. فلا يجوز تفريق النّيَّة على أركان الصّلاة. ومنها: الحجّ يجوز فيه تفريق النّيّة على الطّواف والسّعي والوقوف، وإن كان يكتفى بنيّة الحجّ على الأصحّ.

القاعدة الثانية بعد المئة [النية الصارفة]

القاعدة الثّانية بعد المئة [النّيّة الصّارفة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّيّة لا تصرف اللفظ إلى معنى إلا إذا كان يجوز الصّرف إليه لغة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق في قواعد متقدّمة أنّ النّيَّة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجازي، وأنّها تخصّص اللفظ العامّ وتعمّم اللفظ الخاصّ. لكن ذلك كلّه مشروط بشرط أفادته هذه القاعدة: وهو أنّ النّيَّة لا يجوز أن تصرف لفظاً عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر مجازي إلا إذا كان يجوز ذلك في اللغة وأمّا إذا كان ذلك اللفظ لا يجوز صرفه إلى ذلك المعنى الآخر لغة فلا يجوز للنّيَّة أن تصرفه إليه؛ لأنّ عمل النّيَّة تابع لحقائق اللغة وما يجوز فيها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق. ثم قال: أردت من وثاق - أي قيد. وكانت هناك قرينة على ذلك فيجوز ديانة وقضاء؛ لأنّ لفظ "طالق" يصحّ لغة صرفه إلى الإطلاق من الوثاق. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 46 الفرق 2.

لكن إذا قال: أردت بقولي أنت طالق. أي امكثي في البيت، أو اصعدي على السّطح، فلا يقبل منه ذلك لعدم الاستعمال اللغوي؛ لأنّه سبق بيان (أنّ كلّ لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثّر النّيّة في صرفه عن موضوعه) وينظر من قواعد حرف (الكاف) القاعدة 190. ومنها: عند مالك رحمه الله أنّ من قال: أنت حرام، أو ألبتّه، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ أنّه يكون على طلاق ثلاث، لا أقل من ذلك؛ قال: لأنّ اللفظ نقل إلى العدد المعيّن - وهو الثّلاث - فصار من جملة أسماء الأعداد. وأسماء الأعداد لا يدخلها المجاز، ولذلك لا تسمع فيها النّيَّة بأقلّ من الثّلاث. ومثله: إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً. وأراد اثنتين. لا تسمع نيّته في القضاء ولا في الفتوى. كما سبق.

القاعدة الثالثة بعد المئة [النية بدون لفظ]

القاعدة الثّالثة بعد المئة [النّيّة بدون لفظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: النّيّة متى تجرّدت عن لفظ يدلّ عليها كانت باطلة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بيان صريح لما سبق من قواعد، وهو أنّ النّيَّة لا تعمل إلا مع لفظ يدلّ عليها. فإذا لم يوجد لفظ يدلّ عليها كانت باطلة غير معتبرة. وقد سبق في قاعدة قريبة: (أنّ النّيّة تعمل بالمقتضى، وإن كان لا يدل عليها لفظ) فكأن ذلك استثناء من القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال الرّجل لامرأته: لا حاجة لي فيك. وأراد الطّلاق. لم تطلق - عند الحنفيّة - وحجّتهم في ذلك: أنّ قوله: لا حاجة لي فيك. بمنزلة قوله: لا أشتهيك، ولا أريدك، ولا أهواك، ولا أحبّك. وليس في شيء من هذه الألفاظ ما يدلّ على الطّلاق. وعند ابن أبي ليلى تطلق ثلاثاً؛ لأنّ نفي حاجته يَدلّ على الطّلاق، وحقيقة ذلك إذا صارت محرّمة عليه، وأمّا ما دامت محلّلة في ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 165.

حقّه فله فيها حاجة طبعاً أو شرعاً؛ لأنّ النّساء خلقن لحوائج الرّجال إليهن، وكان هذا وقوله: أنت محرّمة عليَّ. سواءً. ومنها: إذا قال الرّجل لآخر: بعتك هذا الجمل - وأراد اذبحه - لا تصحّ نيّته؛ لأنّ لفظ "بعتك" لا يدلّ على نيّة الذّبح. فالنّيّة لا يوجد لفظ عليها، ولذلك كانت باطلة.

حرف الهاء

لِأوّل مرَّة في تَارِيخ الفِقهِ الإسلَامي مُوْسُوعَة القَواعِد الفِقْهِيَّة جَمع وَترتيب وَبَيان الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمَد البُورْنوُ أبو الحَارث الغزِّي عَفَا الله عَنه الأستاذ المشارك في كليّة الشريعَة وأصُول الِدّين بالقصيم - بريدَة الجزء الثاني عشر القسم الثاني عشر ويشمل قواعد حرف الهاء والواو والياء وعدد قواعده 64 قاعدة مؤسسة الرسالة ناشرون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ غاية في كلمة جميع الحقوق محفوظة للناشر الطبعة الأولى 1424 هـ - 2003 م ISBN 9953 - 32 - 000 - 4 حقوق الطبع محفوظة C 2003 م. لا يُسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه بأي شكل من الأشكال أو حفظه ونسخه في أي نظام ميكانيكي أو إلكتروني يمكن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه. ولا يُسمح باقتباس أي جزء من الكتاب أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبق من الناشر. 1

القاعدة الأولى [الهبة]

القاعدة الأولى [الهبة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الهبة في المرض بمنزلة الوصية فلا تنفذ في أكثر من الثّلث (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الهبة: العطيّة. وهي في اللغة: إيصال النّفع إلى الغير (¬2). وهي عبارة عن عقد مجاني دون مقابل. وهي نوع من البر، كالهديّة وصدقة التّطوّع. يجمعها أنّها: تمليك عين بلا عوض (¬3). الوصيّة: من أوصى يوصي إيصاءً ووصيّة. والإيصاء لغة: طلب شيء من غيره ليفعله في غيبته حال حياته وبعد وفاته. والوصيّة شرعاً: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التّبرّع، سواء كان ذلك في الأعيان أم في المنافع (¬4). ومفاد القاعدة: إنّ من وهب شيئاً من ماله وهو في مرض الموت فيعتبر ذلك وصيّة، فلا تنفذ إلا في حدود ثلث ماله؛ لأنّ الشّرع أعطى للإنسان أن يوصي في حدود ثلث ماله، والدّليل على ذلك حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حينما أراد أن يوصي - وهو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 29 ص 48. (¬2) معجم مقاييس اللغة جـ 6 ص 147. (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه ص 240، أنيس الفقهاء ص 255. (¬4) أنيس الفقهاء ص 297 عن التعريفات ص 326.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

مريض وقد خشي أن يموت في مرضه - فمّما قاله عليه الصّلاة والسّلام: "الثّلث والثّلث كثير" (¬1). وأمّا إذا كانت الهبة أو الوصيّة بأكثر من الثّلث فلا تنفذ فيما زاد إلا برضاء الورثة. وينبني على ذلك أيضاً: أنّ الهبة في المرض إذا كانت بمنزلة الوصيّة أنّه لا يجوز للمريض أن يهب شيئاً لأحد ورثته؛ "لأنّه لا وصيّة لوارث" (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وهب مريض لأحد الأشخاص مئة ألف. فينظر إن كان هذا المبلغ يعادل ثلث مال المريض أو أقلّ، فإنّ الهبة تنفذ ويعطى الموهوب له تلك الهبة، وأمّا إن وجد أنّ هذا المبلغ يساوى نصف مال المريض- مثلاً - فإنّ الموهوب له لا يعطى إلا بمقدار ثلث التّركة فقط. لكن إذا رضي الورثة إعطاءه ما زاد على الثّلث فلهم ذلك وجازت الهبة. ومنها: إذا وهب مريض لأحد أولاده هبة من ماله، فإنّ هذه الهبة لا تنفذ ولا يعطى الموهوب منها شيئاً، سواء كانت ثلث المال أو أقلّ؛ لأنّه إذا كانت الهبة في هذه الحالة بمنزلة الوصيّة، والوصيّة لا تجوز للوارث، فإنّ الموهوب له ما دام هو أحد الورثة فإنّه لا تنفذ هذه الهبة، إلا أن يجيز الورثة الآخرون (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما متفق عليه. وعن سعد رضي الله عنه رواه الجماعة. (¬2) الحديث عن عمرو بن خارجة وعن أبي أمامة وعن ابن عباس وعن عمرو بن شعيب. ينظر المنتقى جـ 2 ص 446 - 447 الأحاديث 3281 - 3284. (¬3) وينظر المقنع جـ 2 ص 345.

القاعدة الثانية [الجزء والكل]

القاعدة الثّانية [الجزء والكل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هلاك البعض معتبر بهلاك الكل (¬1). وفي لفظ: إتلاف الجزء معتبر بإتلاف الكلّ (¬2). وفي لفظ سابق: البعض معتبر بالكلّ. وينظر القاعدة 30 من قواعد حرف الباء. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بما سبق من قواعد في موضوعها، وسواء في الاعتبار بالهلاك أو بالتّعويض أو غيرهما. فالشّيء الذي أبعاض وأجزاء فإنّ حكم كلّ جزء منها حكم كلّه؛ لأنّ حكم جزء الشّيء إذا هلك مترتّب على حكم كلّه، فالحكم الذي يصدق على الكلّ يصدق على البعض والجزء بحسبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مرض إنسان أو سافر، أو كانت امرأة فنفست، فلم يصم أحدهما من رمضان شيئاً بسبب المرض أو السّفر أو النّفاس، ثم صحّ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 34. (¬2) شرح السير ص 2205، المبسوط جـ 3 ص 90، جـ 14 ص 105، جـ 22 ص 40 - 43 وجـ 27 ص 66.

بعد رمضان أو أقام عشرة أيّام ثم مات أو ماتت، فيجب على كلّ منهم قضاء العشرة الأيّام التي عاشها فقط؛ لأنّها هي التي أدركها صحيحاً مقيماً أو طاهرة. ولا يجب على أحد منهم قضاء الباقي؛ لأنّه مات قبل أن يتمكّن من القضاء. والّذي مات لا يتصوّر منه القضاء، ولكن يطعم عنه وارثه عن كلّ يوم مسكيناً. ومنها: إذا أتلف شخص لآخر نصف زرعه، فعليه ضمان ما أتلفه. ومنها: لو أنّ رجلاً له ثلاثمئة درهم حال عليها ثلاثة أحوال، ثم ضاع نصفها فإنّه يجمع ما وجب عليه في الأحوال الثّلاثة ثم يسقط نصف ذلك بهلاك نصف المال، ويبقى النّصف لبقاء نصف المال. ومنها: إذا كان لرجل مئتا درهم فضاع نصفها بعد كمال الحول، فعليه أداء درهمين ونصف اعتباراً للبعض بالكلّ؛ لأنّه لو ضاع الكلّ يسقط عنه جميع الزّكاة. وهو وجه عند الحنابلة، والوجه الآخر لا تسقط الزّكاة بتلف المال بعد الحول (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع جـ 1 ص 296 - 297.

القاعدة الثالثة [المضمون - الضامن - الضمان]

القاعدة الثّالثة [المضمون - الضّامن - الضّمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هلاك المضمون في يد الضّامن يقرّر عليه الضّمان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المضمون: اسم مفعول من ضُمِن يُضمّن. وهي الشّيء أو السّلعة المقوّمة. الضّامن: اسم فاعل من ضَمِن يضمن. وهو من يجب عليه الثّمن أو القيمة أو الغرامة. الضّمان: مصدر وهو الثّمن أو القيمة أو الغرامة. فمفاد القاعدة: أنّ من ضمن شيئاً - أي تكفّل بالأداء - ودخل هذا المضمون في ضمانه، ثم هلك أو تلف في يده، فإنّ الضّامن يثبت عليه الضّمان أو الغرم ويجب عليه الأداء للمضمون له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن جحد الوديعة، ثم أقام البيَّنة على هلاكها أو ضياعها، فهو ضامن لها بالجحود. لأنّه لو لم يجحدها وأقام البيِّنة على هلاكها أو ضياعها بغير تعدًّ منه أو تقصير في حفظها فإنّه لا يضمنها؛ لأنّه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 117.

أمين، والأمين غير ضامن. لكن لمّا جحدها أولاً ثم أثبت هلاكها أو ضياعها فهو بجحوده اعتبر خائناً للأمانة، والخائن ضامن. ومنها: إذا غصب شخص بقرة لآخر، ثم ماتت البقرة عنده فيجب عليه ضمان قيمتها للمغصوب منه؛ لأنّه الغاصب ضامن لما غصب.

القاعدة الرابعة [الظن]

القاعدة الرّابعة [الظّنّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل الأصل إلغاء الظّنّ إلا ما قام الدّليل على إعماله، أو إعمال الظّنّ إلا ما قام الدّليل على إهماله (¬1)؟ خلاف مالك والشّافعي رحمهما الله تعالى. وفي لفظ سابق: لا يعمل بالظّنّ عند الشّافعي إلا أن يقول دليل خاصّ على اعتباره إمّا في جنس الحكم أو نوعه. وعند مالك لا حاجة إلى ذلك (¬2). وينظر من قواعد حرف (لا) القاعدة 142. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ذات شقّين متقابلين يمثلان رأيين مختلفين لإمامين جليلين هما مالك والشّافعي رحمهما الله تعالى. ويدور الخلاف حول إعمال الظّنّ واعتباره، أو إلغائه وإهماله. والمراد بالظّنّ هنا: الإدراك الرّاجح مع عدم إهمال مقابله المرجوح. وهذه مرتبة فوق مرتبة الشّكّ الذي هو تساوي الأمرين دون مرجّح. فالإمام مالك رحمه الله تعالى: يرى أنّ إعمال الظّنّ أرجح من إهماله، ولا يجوز الإلغاء والإهمال إلا ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 167. وأشباه السيوطي ص 53. (¬2) قواعد الأحكام جـ 2 ص 115، أشباه ابن الوكيل ق 1 ص 335.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عند قيام الدّليل على ذلك. وأمّا عند الإمام محمَّد بن إدريس الشّافعي رحمه الله تعالى: فهو يرى أنّه لا يجوز اعتبار الظّنّ إلا عند وجود الدّليل عليه، فما لم يوجد دليل يدلّ على اعتباره فهو ملغى؛ من حيث إنّ مجرّد الظّنّ إذا لم يعتضد بشاهد شرعي لا يعتبر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: هل يكفي ظنّ الطّهارة عند اشتباه الإناء الطّاهر بالنّجس، أو لا بدّ من اجتهاد وظهور علامة؟ الصّحيح عند الشّافعيّة أنّه لا يكفي الظّنّ. ومنها: إذا جاء من يدّعي اللقطة ووصفها - وظنّ الملتقط صدقه - هل يجب الدّفع إليه أو يجوز؟ قولان عند الشّافعيّة. الرّاجح الثّاني. ومنها: لا يقبل قول الصّبي المميّز - وإن أثار ظنّاً - إذ لا انضباط لهذا الظّنّ. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة عند الشّافعيّة: إذا وطئ الرّجل المرأة إذا زُفَّت إليه يظنّها زوجته، فلا حدّ عليه لو تبيّن أنّها غير زوجته. ومنها: إذا وجد منحوراً - أي حيواناً مذبوحاً - في فلاة جاز أكله منه؛ لأنّ النّحر أو الذّبح دليل على الحلّ. هذا إذا كان الحيوان المنحور أو المذبوح ممّا يحلّ أكله.

القاعدة الخامسة [أصل الأشياء]

القاعدة الخامسة [أصل الأشياء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الأصل في الأشياء الإباحة أو الحظر (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة فقهيّة أصوليّة ذكرها الأصوليّون تحت عنوان: (حكم الأشياء قبل البعثة). وذكرها الفقهاء تحت هذا العنوان، وتحت قولهم: (الأصل في الأشياء الإباحة أو الحظر أو الوقف). وقد شرحت هذه القاعدة مع الاستدلال لكلّ قول في كتابنا الوجيز ص 191 فما بعدها. فلتنظر هناك. وتنظر ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 441. والقاعدة المشهورة أنّ (الأصل في المنافع الإباحة وفي المضار التحريم). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو وجد حيوان لم ينصّ الشّارع فيه على تحليل ولا تحريم ولا أمر بقتله، ولا نهي عن قتله، ولا نصّ على نجاسته، ولا هو في معنى المنصوص عليه بتحريم أو تنجيس، ولا خالطته نجاسة، ولم تجر ¬

_ (¬1) المجموع المذهب لوحة 76 أ، المنثور جـ 1 ص 176 وجـ 2 ص 7، قواعد الحصني جـ 1 ص 473، المختصر ص 589، أشباه السيوطي ص 60، أشباه ابن نجيم ص 66. وقواعد الفقه للروكي ص 189.

للعرب عادة باستطابته ولا باستخباثه ولا أشبه شيئاً منها. ففيه وجهان مشهوران أصحّهما الحلّ عملاً بهذه القاعدة (¬1). ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 76 ب - 77 أ.

القاعدة السادسة [اللفظ والمعنى]

القاعدة السّادسة [اللفظ والمعنى] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل الاعتبار بألفاظ العقود أو بمعانيها (¬1)؟. وفي لفظ: هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها (¬2)؟. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق أمثلة لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام من 96 - 98. وقواعد حرف العين تحت الرّقم 26. وقواعد حرف الكاف تحت الرّقم 139. وينظر الوجيز ص 147 فما بعدها شرحاً وبياناً وأمثلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: وهبت منك هذا البيت بألف. فهل يعتبر عقد بيع نظراً للمعنى، أو هبة اعتباراً باللفظ، أو يبطل للتّناقض؟ والصّحيح الأوّل. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 175، قواعد الحصني جـ 1 ص 401. (¬2) المنثور جـ 2 ص 371، أشباه السيوطي ص 166.

القاعدة السابعة [التوكيل - التصرف]

القاعدة السّابعة [التّوكيل - التّصرّف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الاعتبار بحال التّوكيل، أو بحال إنشاء التّصرّف (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّوكيل: تفويض غيره أن يقوم عنه بعمل ما. يقال: وكَّله توكيلاً. أي فوَّضه تفويضاً. فإذا وكّل شخص آخر بعمل ما، ولم يقم الوكيل بالعمل إلا بعد تغيِّر حال في الموكّل تغيُّراً يكون فيه غير صالح للتّصرّف، فهل الاعتداد والاعتبار بحال التّوكيل - حينما كان الموكِّل صحيحاً قادراً على التّصرّف بنفسه لو أراد - أو يكون الاعتداد والاعتبار بحال وجود التّصرّف من الوكيل فعلاً. خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وكّل رجل آخر في أن يقبل له نكاح امرأة، ثمّ أحرم الموكّل قبل تصرّف الوكيل، ثم أراد الوكيل أن يتصرّف، فإذا اعتبرنا حال التّوكيل صحّ وإلا لم يصحّ. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 324، 327.

ومنها: إذا وكّله في طلاق امرأته، فلم يطلّقها الوكيل حتى مرض الموكِّل، فهل يكون كالطّلاق في المرض أولاً. فيه وجهان. إن اعتبرنا حال التّوكيل لا يكون كالطّلاق في المرض، وإلا إن اعتبرنا حال إنشاء التّصرّف فهو كالطّلاق في المرض.

القاعدة الثامنة [الحال والمآل]

القاعدة الثّامنة [الحال والمآل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الاعتبار بالحال أو بالمآل (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة وردت بألفاظ متعدّدة تنظر في قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 163، وقواعد حرف التّاء تحت الرّقم 50، وقواعد حرف الميم تحت الرّقم 96، 291. وهي قاعدة (هل المتوقّع كالواقع). وهي قريبة المعنى من سابقتها. ومفادها: أنّه قد يكون للشيء الواحد حالان: في الحال حين الواقعة، وفي المستقبل حين التّنفيذ، فهل المعتبر والمعتدّ به في الأحكام وبنائها هو الحال الأولى، أو الحال الثّانية وهي المآل. خلاف فيه مسائل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليأكلنَّ هذا الرّغيف غداً. فأتلفه قبل الغد، فهل يحنث في الحال حين إتلاف الرّغيف، أو حتى يجيء الغد - أي الوقت الذي حلف ليأكلنَّ الرّغيف فيه؟ وجهان: الأصحّ الثّاني. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 4 ص 42، أشباه السيوطي ص 178. أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 103.

ومنها: من عليه عشرة أيّام من رمضان فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيّام، فهل يجب عليه فدية ما لا يسعه الوقت في الحال، أو لا يجب حتى يدخل رمضان؟ فيه وجهان كذلك.

القاعدة التاسعة [إمكان الأداء]

القاعدة التّاسعة [إمكان الأداء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل إمكان الأداء شرط وجوب أو شرط أداء (¬1)؟ وفي لفظ: إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشّرع في الذّمّة على ظاهر المذهب (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأداء: هو فعل العبادة - المؤقّتة - في وقتها المقدّر لها شرعاً، أو هو فعل الواجب حين دخول وقته الذي قدّره الشّرع وحدّده له. فإذا كان الأداء ممكناً فهل يعتبر ذلك شرطاً لوجوب الفعل وتعلّقه في ذمّة المكلّف؟ أو أنّ ذلك الإمكان والقدرة على الأداء ليس شرطاً للوجوب بل هو شرط للأداء بالفعل؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حال الحول على مال الزّكاة ولكن قبل إمكان أداء الزّكاة وبعد الحول تلف المال، فهل يسقط ضمانه عن ربّه أو لا؟ أي هل يجب عليه إخراج زكاة المال المقدّرة قبل تلفه، أو يسقط عنه؟ بناء على أنّه يشترط لوجوب الزّكاة وتعلّقها بذمّة المكلّف ثلاثة ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة 285، إيضاح المسالك ق 40، إعداد المهج ص 61. (¬2) قواعد ابن رجب القاعدة 19.

شروط: الحول، النّصاب، التّمكّن من الأداء. فعند المالكيّة خلاف، والمشهور أنّه لا ضمان عليه ولو أتلفه، وغير المشهور عليه ضمانه. وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة. وعند المالكيّة قول ثالث أنّ الزّكاة تتعلّق بالباقي منه بعد التّلف، ومذهب الحنفيّة: أنّه إن تلف بنفسه سقطت زكاته، وإن أتلفه لم تسقط (¬1). ومنها: إذا باع زرعاً أفرك - أي نضج وحان حصاده - أو بُسراً أزهى - أي بلحاً تلوّن بالصّفرة أو الحمرة وأمكن جَنْيه، ولم يجنه المشتري، وقبل الجذاذ أفلس البائع، فهل يكون الزّرع للمشتري، أو هو أسوة الغرماء؟. خلاف بناء على هذه القاعدة. ومنها: من لم يجد ماءً ولا تراباً. فهل يصلي؟ للمالكيّة في صلاته أربعة أقوال. ينظر حاشية الدّسوقي على الشّرح الكبير جـ 1 ص 162، وحاشية قواعد المقري ص 519. ¬

_ (¬1) ينظر المغني جـ 4 ص 140، واللباب جـ 1 ص 146.

القاعدة العاشرة [الأملاك القابضة]

القاعدة العاشرة [الأملاك القابضة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الأملاك قابضة على مالكها (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأملاك: جمع مِلك أو مُلك. وهو كلّ ما يقع عليه التّملّك والاستحواذ من مالك أو مستحوذ. فهل هذه الأملاك - وهي في الغالب جامدة أو غير عاقلة - هل يعتبر ما يصل إليها أو يتّصل بها مقبوضاً لمالكها؟ بناء على أنّ المملوك وما عليه لمالكه، أو لا يعتبر ذلك قبضاً. عند المالكيّة في الصّحيح أنّه يعتبر قبضاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اكترى دابّة ووضع عليها متاعه، ثم أفلس المكتري - قبل دفع الكراء - فهل يعتبر المكاري أحقّ بما على ظهر دابّته من متاع دون الغرماء، أو يكون أسوة الغرماء؟ خلاف. لكن أقول وبالله التّوفيق: إنّ كراء الدّابّة تعلّق بذمة المكتري لا بمتاعه، ولذلك فإنّ الرّاجح - والله أعلم - أن يكون المكاري أسوة الغرماء. ومنها: إذا أعطى خيّاطاً قماشاً ليخيطه ثوباً فخاطه، ثم ضاع ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 151.

بعد أن ثبتت صناعته فيه، فهل له الأجرة أو لا أجرة له. وأقول وبالله التّوفيق له أجرة الثّوب وعليه غرم ثمن القماش؛ لأنّ الأجرة تعلّقت بذمّة صاحب الثّوب لا بقماشه. ومنها: إذا اكترى أرضاً ليزرعها ثم مات الزّارع أو أفلس قبل دفع أجرة الأرض - فهل يكون مكري الأرض أحقّ بزرعها أو هو أسوة الغرماء؟ خلاف وهذه كالمسألة الأولى. وعند المالكيّة الرّاجح الأوّل.

القاعدة الحادية عشرة [مبنى الأيمان]

القاعدة الحادية عشرة [مبنى الأيمان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الأَيمان مبنيَّة على اللفظ أو على العرف (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال: ينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 633. ومن قواعد حرف الباء القاعدة 53. ومن قواعد حرف الميم القاعدة 254. وتأتي من قواعد حرف الياء القاعدة تحت الرّقم 25, 26. ومفاد هذه القاعدة: أنّ الأيمان - وهي جمع يمين - هل المعتبر فيها دلالة اللفظ اللغويّة أو الدّلالة العرفيّة؟ الأكثرون - وهو الرّاجح - أنّ المعتبر هو دلالة اللفظ العرفيّة. إلا إذا قامت قرينة على إرادة المعنى اللغوي. ويمكن أن يقال: إنّ الأيمان مبناها على دلالة الألفاظ العرفيّة إذا كان العرف شائعاً معمولاً به غير مضطرب. لكن إذا لم يكن عرف، أو كان العرف غير شائع وغير معمول به فالرّجوع إلى اللغة. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 1 ص 429.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل لحماً. فبناء على الدّلالة العرفيّة لا يحنث إلا بلحم الإبل أو البقر أو الغنم. ولا يحنث بأكل السّمك أو الدّجاج. لكن لو حمل على المعنى اللغوي لحنث بكلّ ما يسمى في اللغة لحماً.

القاعدة الثانية عشرة [حكم الظاهر والباطن]

القاعدة الثّانية عشرة [حكم الظّاهر والباطن] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل باطن الشّيء - في حكم القاضي - مُتَنَاوَل كتناول الظّاهر الجلي (¬1)؟ وفي لفظ: الحكم هل يتناول الظّاهر والباطن أم لا يتناول إلا الظّاهر فقط (¬2)؟ وهو الصّحيح. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بباطن الشّيء: حكم الشّيء عند الله سبحانه وتعالى. فإذا حكم القاضي في قضية بين شخصين فهل حكمه يتناول الظّاهر فقط، أو يتناول الظّاهر والباطن؟ خلاف. والأرجح والله أعلم أنّ حكم القاضي إنّما يتناول الظّاهر الجلي دون الباطن الخفي، فحكم القاضي لا يحل حراماً في واقع الأمر. خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله الذي يرى أنّ حكم القاضي يشمل الظّاهر والباطن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قضى قاضٍ للمطلّقة بنفقة على ظنّ الحمل، ثم تبيّن عدم ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 38. (¬2) إيضاح المسالك ق 116.

الحمل، فهل يجب على المرأة ردّ النّفقة أوْ لا؟ إذا اعتبر الحكم متناولاً للظّاهر والباطن فلا ردّ. ومنها: إذا شهد اثنان على امرأة أنّها زوجة لرجل وهي تنكر، وحكم القاضي بشهادتهما، فهل يحلّ للرّجل وطء هذه المرأة، وهو يعلم أنّ الشّاهدين كاذبان؟ ومنها: إذا شهد اثنان زوراً أنّ رجلاً طلّق امرأته هذه، وحكم القاضي بشهادتهما، فهل يحلّ لأحد الشّاهدين الزّواج منها. ومنها: إذا أسلم عبد النّصراني - وسيّده بعيد الغيبة - فباعه السّلطان. ثم قَدِم النّصراني فأثبت أنّه أسلم قبله. فهل ينقض البيع، وإن عتق العبد هل ينقض عتقه؟ ومنها: إذا غَرِم قيمة زرع أتلفه، ثم عاد الزّرع، أو السّن يغرم عقلها ثم تنبت، والدّابّة يتعدّى بها المكتري فتضلّ فيغرم قيمتها ثم توجد. فهل في كلّ ذلك يجب ردّ الغرم أو لا يجب؟

القاعدة الثالثة عشرة [زوال الحكم بزوال علته]

القاعدة الثّالثة عشرة [زوال الحكم بزوال علّته] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل بنفي علّة يزول الحكم (¬1)؟ وفي لفظ، هل يزول الحاكم بزوال علّته (1)؟ وفي لفظ سابق: العلّة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف العين القاعدة 62. أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصوليّة فقهيّة سبقت ضمن قواعد حرف العين. وتفيد أنّ الأحكام إنّما تنبني على علل وأسباب، فإذا وجدت العلّة أو السّبب وجد الحكم، لكن إذا انتفت العلّة أو زال السّبب هل ينتفي الحكم ويزول بزوالها ويبطل؟ إذا قلنا في تعريف العلّة: "أنها الوصف الظّاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده وجود الحكم، ويلزم من عدمه عدم الحكم" فيلزم من ذلك أنّه إذا زالت العلّة وانتفت زال الحكم وانتفى وبطل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأحكام الشّرعيّة إنّما تجب على المكلّف إذا بلغ عاقلاً، فإذا جُنَّ ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 30. (¬2) إيضاح المسالك ق 6.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة فلم يقع فيه خلاف.

بعد ذلك سقط عنه التّكاليف الشّرعيّة لزوال علّة وجوبها. ومنها: إذا تزوّج وهو مريض - أي مرض الموت الذي يمنع التّصرّف فيما زاد على الثّلث - ففي هذه الحال لا يصحّ النّكاح ويجب فسخه، لكن إذا برئ من مرضه هذا قبل الفسخ فهل يصحّ النّكاح. بناء على القاعدة يصحّ؛ لأنّ علّة عدم الصّحّة المرض وقد زال. ومنها: إذا وُجد ماء متغيّر بنجس ثم زال التّغيّر بدون زيادة الماء فهل يحكم بزوال النّجاسة وطهارة الماء لزوال التّغيّر؟. ومنها: يجوز لسائق الهدي ركوبه إذا شقّ عليه المشي وتعب منه، لكن إذا زال التّعب وأحسّ بالرّاحة فهل يلزمه النّزول عنه؟ خلاف. ومنها: إذا طلقت على الرّجل زوجته بسبب جنونه، أو جذام أو برص أصابه، ثم برئ - وهي في العدّة - فهل تعود إليه زوجته لزوال علّة التّفريق؟ خلاف. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فلم يقع فيه خلاف. إذا باع حيواناً، فوجد المشتري فيه عيباً يجيز الرّدّ، ثم قبل الرّد زال العيب. فلا ردّ لزوال سببه. وهذا إذا كان العيب غير قابل للعودة ثانية.

القاعدة الرابعة عشرة [الرخصة والمعصية]

القاعدة الرّابعة عشرة [الرّخصة والمعصية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل تبطل الرّخصة بالمعصية (¬1)؟ وفي لفظ: لا تباح الرّخص في سفر المعصية (¬2). وينظر من قواعد حرف (لا) القاعدة رقم 9. وفي لفظ سبق: الرّخص لا تناط بالمعاصي (¬3). وينظر من قواعد حرف الرّاء القاعدة رقم 13. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الرّخصة إنّما شرعت تخفيفاً من الله عَزَّ وَجَلَّ على عباده، عند وجود المشقّة غير العاديّة الموجبة للرّخصة، ولمّا كانت كذلك، أي أنّها نعْمة من الله سبحانه وتعالى؛ فإنّ العاصي بسفره هل يستحقّ التّرخّص أو لا يجوز له التّرخّص ولا يستحقّه؛ لأنّ المعصية تنافي النّعمة بوجود الرّخصة؟ خلاف. لكن عند غير الحنفيّة فإنّ العاصي بسفره لا يجوز به التّرخّص ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 135. المنثور جـ 2 ص 167. وأشباه السيوطي ص 138. (¬2) المغني جـ 2 ص 262. (¬3) إيضاح المسالك ق 11.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

لعصيانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العبد الآبق - أي الهارب من سيّده - هل يجوز له قصر الصّلاة والفطر في رمضان أو لا؟ ومنها: العاقّ لوالديه بسفره. ومنها: إذا لبس العاصي بسفره خفّاً مغصوباً هل يجوز له المسح عليه أو لا؟ والأصحّ في كلّها عدم التّرخيص للعاصي ما لم يتب خلافاً للحنفيّة.

القاعدة الخامسة عشرة [القياس على الرخص]

القاعدة الخامسة عشرة [القياس على الرّخص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل تتعدّى الرّخصة محلّها (¬1)؟. أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هل يجوز القياس على الرّخصة أو لا يجوز؟ الأصل - كما سبق - أنّ الرّخصة استثناء من القاعدة العامّة. وشرعت دفعاً للمشقّة، فهل يجوز أن تتعدّى محلّها، بمعنى هل يجوز قياس ما يشبهها على حكمها، أو لا يجوز للرّخصة أن يتعدّى محلّها؟ خلاف ذلك بين الأصوليّين وبين الفقهاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الظئر - أي المرضعة - إذا أصاب ثوبها نجاسة من الرّضيع يرخص لها في الصّلاة فيه مع النّجاسة للمشقّة، فهل يقاس عليها ثوب الأم؟ ومنها: ثوب الجزّار وما يصيبه من دم الذّبائح هل يقاس على ثوب المرضعة؟ خلاف. ومنها: ذو السّلس - أي انفلات البول - أو الرّيح - هل يجوز له أن يؤمّ غيره؟ أو يصلّى غيرُه بثوبه؟ خلاف كذلك. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 51.

القاعدة السادسة عشرة [الحكم والسبب]

القاعدة السّادسة عشرة [الحكم والسّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل تتقدّم الأحكام على أسبابها (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: تتساءل القاعدة عن تقدّم وجود الحكم على وجود سببه هل هو جائز وواقع أو لا؟ إذ الأصل أنّ الحكم مترتّب على سببه، فوجود السّبب أو لا ثم الحكم ناتج عنه ومترتّب عليه. والأصل أنّ الأحكام مع أسبابها أربعة أنواع: الأوّل: أن يقترن الحكم بسببه. الثّاني: أن يتقدّم الحكم على سببه. وهو موضوع هذه القاعدة. والثّالث: تأخّر الحكم عن سببه. والرّابع: ما اختلف فيه هل يقع معه أو عقبه. ولكلّ منها أمثلة. ولكن الذي يهمنا هو موضوع القاعدة وهو النّوع الثّاني. وفي الواقع أنّ بعض المسائل يسبق الحكم فيها سببه ليصحّ. ولو تأخّر عن سببه لم يصحّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: توريث الدية للورثة. لما كانت الدية إنّما تجب بعد موت القتيل - ولو قلنا بذلك فلا يتصوّر نقلها إلى ورثته؛ إذ لا يورث عن الميت إلا ما ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 95، قواعد الحصني جـ 2 ص 98.

كان ملكه قبل الموت. فلصحّة التّوريث يقدّر ثبوت ملك القتيل للدّيّة قبل موته لتنقل عنه إلى ورثته. وهذا المسمّى التّقدير على خلاف التّحقيق. ومنها: إذا تلف المبيع قبل القبض فإنّ البيع ينفسخ بسبب التّلف قبل القبض لتعذّر اقترانه به ووقوعه بعده. ومنها: إذا قال لغيره: أعتق عبدك عنّي مجاناً أو بعوض سمّاه، فأعتقه عنه، فإنّه يقدر ملك المعتق للعبد قبل عتقه ثم يعتق بعد ذلك. ولولا ذلك ما صحّ عتقه.

القاعدة السابعة عشر [يد الضمان والمالك]

القاعدة السّابعة عشر [يد الضّمان والمالك] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل تثبت يد الضمّان مع ثبوت يد المالك أم لا (¬1)؟ خلاف. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يد الضّمان: هي يد من وجب عليه ضمان الشّيء وغرمه، ويد المالك كناية عن رجوع المضمون إلى صاحبه ولو بغير علمه، أو اجتماع يد الضّامن مع يد المالك على الشّيء المضمون. ففي هذه الحال هل يجب الضّمان على الضّامن؟ خلاف. والأظهر أنّه إذا زال انتفاع المالك وسلطانه ثبت الضّمان على الضّامن وإلا فلا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أُسر شخص ومعه جاريته. قال أحمد رحمه الله إنها ملكه. أي لم يملكها الكفّار. مع أنّ مذهبه رحمه الله أنّ الكفّار يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء. لكن أقول وبالله التّوفيق: قول أحمد رحمه الله: إنّها ملكه. إذا لم يستول الكفّار على الجارية ويأخذوها من مالكها بل أبقوها أسيرة معه. لكن لو فرّفوا بينهما وأخذوها. فهم يملكونها. ولا تثبت في هذه الحال يد ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 92.

المالك. ومنها: إذا غصب دابة عليها مالكها ومتاعه. فهل يضمن الغاصب؟ قالوا: لا يضمن؛ لأنّ بقاء الامتناع معتبر في انتفاء الضّمان. ومنها: لو غصب كبيراً عليه ثيابه. لا يضمن لأنّها في يد المالك. بخلاف الصّغير. ومنها: لو استأجر سيّارة إلى مسافة أو لحمل شيء معيّن، فزاد عليه - وهي في يد المؤجّر أو السّائق المالك - فتلفت السّيّارة بسبب الزّيادة، فالمستأجر يضمن لتعدّيه بالزّيادة. وسكوت المالك لا يمنع الضّمان.

القاعدة الثامنة عشرة [الطوارئ]

القاعدة الثّامنة عشرة [الطّوارئ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل تراعى الطّوارئ (¬1)؟. وفي لفظ سبق: الطّوارئ هل تراعى أم لا (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الطّاء القاعدة 14. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الطّوارئ: جمع طارئ: وهو الأمر الذي يحدث فجأة وينزل بغتة (¬3). والمراد بمراعاة الطّوارئ: الاعتداد بها، واعتبارها في تنزيل الأحكام عليها، فهل تعتبر الطّوارئ والنّوازل في الأحكام وتنزل عليها أو لا تعتبر؟ خلاف. ومفاد القاعدة: هل يعتدّ بعواقب الأمور ونتائجها قبل وقوعها، فيمنع التّصرّف بناء على تلك النّتائج أو لا يمنع؟. وقيل: تراعى الطّوارئ القريبة دون البعيدة. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 105. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة 74. (¬3) المصباح مادة "طرؤ".

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امرأة تزوّجها عبد أبيها. فهل يصحّ هذا الزّواج أو لا يصحّ؟ بناء على الطّوارئ، وهي فيما إذا مات الأب وورثته ابنته، فإنّه ينفسخ نكاحها بالعبد. فقد كره مالك رحمه الله هذا الزّواج مراعاة للطّوارئ. ومنها: إذا بدّل تمراً أو حبّاً رديئاً ناقصاً بجيّد كامل لنفاقه في بعض البلدان، ورواجه في بعض الأزمنة. فهل يصحّ؟ ومنها: إذا رأى شخص أن لا يتاجر في البيع والصّرف خوفاً من استحقاق المبيع. هل له ذلك؟ ومنها: اقتضاء المحمولة عن السّمراء (¬1)، لارتفاعها وقت الزّراعة. أو اقتضاء القمح من الشّعير إذا كان ذلك قبل الأجل وهو من قرض (¬2)؟. ¬

_ (¬1) المحمولة والسّمراء نوعان من الحنطة. (¬2) ينظر عقد الجواهر جـ 2 ص 391.

القاعدة التاسعة عشرة [التعدي على السبب]

القاعدة التّاسعة عشرة [التّعدي على السّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل التّعدّي على السّبب كالتّعدي على المسبّب؟ وهل ذو سبب في الاعتداء عليه كالمسبَّب (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى السّبب أكثر من مرّة، والمسبّب هو ما ينتج عند وجود السّبب، فالقاعدة تتساءل عن التّعدّي إذا حصل على السّبب هل يكون مثل التّعدّي على المسبّب فيوجب الضّمان إذا حصل للمسبّب ضرر بسبب التّعدّي على السبّب؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل شخص عجل بقرة حلوب، فضاع - أي جفّ - لبن أمّه، فهل قاتل العجل يضمن اللبن الضّائع؟ ومنها: إذا قُتِل شاهدي حقّ، فضاع الحقّ بسبب قتلهما؛ لأنّه لا يوجد شهود غيرهما، فهل مَن قتل الشّاهدين يضمن الحقّ الضّائع أيضاً؟ ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 87.

القاعدة العشرون [الصور النادرة]

القاعدة العشرون [الصّور النّادرة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل تعطى الصّور النّادرة حكم نفسها أو حكم غالبها (¬1)؟ وفي لفظ سبق: نوادر الصّور هل يعطى لها حكم نفسها أو حكم غالبها (¬2)؟ وتنظر ضمن قواعد حرف النّون تحت الرّقم 6. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالصّور النّادرة الصّور والحوادث قليلة الحدوث والوقوع. فمثل هذه الصّور النّادرة هل تعطى حكماً خاصّاً بها، أو يسري عليها حكم الغالب والأعم؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الفلوس، أو الأوراق النّقديّة الآن هل تلحق بالذّهب والفضّة في جريان الرّبا فيها من حيث لا يجوز تبادلها إلا مماثلة ويداً بيد، أو لا يجري فيها الرّبا؟ ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 119. (¬2) إيضاح المسالك القاعدة 54 - وينظر قواعد الحصني جـ 3 ص 91 وأشباه السيوطي ص 183، أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 198.

أقول وبالله التّوفيق: إذا كانوا قد اختلفوا في الفلوس في زمنهم - وهي نقود مضروبة من نحاس أو حديد مثل القروش اليوم - فألحقها الكثيرون بالذّهب والفضّة في جريان الرّبا، ولم يلحقها آخرون، فإنّ الأوراق النّقديّة الآن هي أصل بذاته - إذا كانت نقداً أو عملة بلد بعينه - فلا يجوز تبادلها وصرفها إلا مثلاً بمثل يداً بيد. فليست صوراً نادرة الآن. ومنها: هل تجب زكاة الثّمار في عنب لا يصير زبيباً، أو في رطب لا يصير تمراً؟ إلحاقاً بالغالب. أو تأخذ حكم نفسها فلا تجب فيها زكاة الثّمار لأنّها لا تجفّ؟ ومنها: السّلحفاة والضّفدع ممّا تطول حياته في البرّ، هل يعطى حكم البرّي أو يعطى حكم البحري؟ ومنها: طفل زَمِن - أي مريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه - بلغ زمناً، فهل تبقى النّفقة عليه بناء على حكم نفسه، أو تنقطع إجراءً للغالب؟ خلاف عند المالكيّة. ومنها: إذا مسّ ذكره المقطوع هل ينتقض وضوءه، الصّحيح أنّه ينقض نظراً لعموم اللفظ، وقيل: لا نظراً للنّدرة.

القاعدة الحادية والعشرون [الصور الخالية]

القاعدة الحادية والعشرون [الصّور الخالية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل تعتبر الصّور الخالية من المعنى (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الصّاد تحت الرّقم 25. والصّور الخالية من المعنى. هي صور عليها آثار محرم والأصل مباح. والمحرم لا جرم له ولا بقاء. فهل هذه الصّور يبنى عليها حكم؟ خلاف لاختلاف الصور. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: هل يدخل الرّبا بين العبد وسيّده؟ وصورته أن يصارف عبده بذهب أو فضّة، إمّا بغير مناجزة، أو بغير مماثلة. ففي هذه المسألة قولان: المنع وهو القول المشهور نظراً إلى الصّورة، وهي معاملة ربويّة والرّبا محرّم. والقول الثّاني: الجواز نظراً إلى قدرة السّيّد على الانتزاع من عبده، فلا يعطى حكم المعاوضة (¬2). ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 106، وينظر عقد الجواهر جـ 2 ص 385. وإيضاح المسالك ق 66. (¬2) عقد الجواهر جـ 2 ص 385.

ومنها: بيع ثوب محلّى بالذّهب، لكن لا يخرج منه شيء عند الاحتراق. فلا يجوز بيعه بالذّهب نظراً إلى الصّورة، أو يجوز نظراً إلى الخلو من المعنى؟ خلاف.

القاعدة الثانية والعشرون [الجهل]

القاعدة الثّانية والعشرون [الجهل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل الجهل يعذر به أو لا (¬1)؟ وفي لفظ سبق: الجهل هل ينتهض عذراً (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الجيم القاعدة 27. وفي لفظ: أحكام الجهل والإكراه (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الجهل: غير العلم وهو أعرف من أن يُعرَّف. وقد عرّفه بعضهم بأنّه عدم العلم عمّا من شأنه العلم. ولكن ما الجهل الذي يمكن أن يعذر به المكلّف؟ وما يمكن أن يعذر بالجهل وما لا يمكن أن يعذر به؟ مدار ذلك على الشّيء المجهول هل هو من المأمورات أو من المنهيّات؟ فما كان من المأمورات فلا يعذر الجاهل بتركها، بل يجب ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 78. (¬2) إيضاح المسالك ق 35. (¬3) ينظر قواعد الحصني جـ 2 ص 286، أشباه السيوطي ص 186، أشباه ابن نجيم ص 302، والوجيز ص 227 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

تداركها، وما كان من المنهيّات، فيكون الجهل عذراً في ارتكابها. والجهل أنواع: 1 - جهل باطل لا يصلح عذراً في الآخرة، كجهل الكافر بصفات الله تعالى، وأحكام الآخرة. وجهل صاحب الهوى، وجهل الباغي حتى يضمن مال العدل إذا أتلفه، وجهل من خالف في اجتهاده الكتاب والسّنّة المشهورة أو الإجماع. 2 - جهل في موضع الاجتهاد الصّحيح، أو في موضع الشّبهة. فهذا يصلح عذراً وشبهة. 3 - الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر، فإنّه يكون عذراً، ويلحق به من نشأ في بادية بعيدة، أو مكان قاصٍ ولم يعرف أحكام الإسلام. 4 - جهل بموجب الحكم الشّرعي وسببه، فيعتبر عذراً حتى يعلم بسبب الحكم، كجهل الشّفيع ببيع المشفوع به. وممّا لا يعذر بالجهل به كلّ ما يتعلّق به حقّ الغير، فلا يعذر الجاهل فيه بجهله، وما لا يتعلّق به حقّ غيره إن كان لا يسعه ترك تعلّمه كالعبادات وفروض العين، لا يعذر بجهله أيضاً، وإن كان ممّا يسعه ترك تعلّمه عذر فيه بالجهل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن رأى حملاً بزوجته فلم ينكره، ثم أراد بعد ذلك نفيه باللعان لا يمكَّن من ذلك، ولو ادّعى أنّه كان يجهل أن السّكوت يفوت عليه.

ومنها: من اشترى أحداً ممّن يعتق عليه - جهلاً بأنّه يعتق عليه - عتق عليه ولا يعذر بالجهل. ومنها: إذا عفا بعض الورثة عن القاتل عمداً، ثم قتله الباقون. إن علم القاتل المقتصّ أنّ عفو البعض يسقط القصاص اقتصّ منه. وإلا فلا. ومنها: من شرب خمراً جاهلاً تحريمها، فلا حدّ ولا تعزير - إذا كان من أهل البادية، أو قريب عهد بالإسلام. ومنها: الإتيان بمفسدات العبادة جاهلاً بها لا تفسد.

القاعدة الثالثة والعشرون [الحياة المستعارة]

القاعدة الثّالثة والعشرون [الحياة المستعارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الحياة المستعارة كالعدم (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالحياة المستعارة: إذا بقي في الحيوان نوع حياة قبل موته، وهو المسمّى "بالذَّمَاء" بالمد. وهو بقيّة الرّوح في المذبوح (¬2). فهل يعتبر الحيوان الذي بقي فيه بقيّة روح حيّاً، فيحلّ ذبحه وذكاته، أو يعتبر ميّتاً فلا يحلّ؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: منفوذ المقاتل - أي المقاتل أو المجاهد - الذي أنفذت مقاتله - أي أصابته جراح شديدة أصابت مواضع القتل في جسمه - فهل يعتبر شهيداً، فلا يصلّى عليه، أو لا فيصلَّى عليه؟ ومنها: إذا تردّى حيوان مأكول اللحم من شاهق، وبقي فيه بقيّة الرّوح، فهل يجوز تزكيته وأكله أوْ لا. ومنها: إذا أنفذ رجل مقاتل رجل، ثم أجهز عليه آخر، فعلى مَن القصاص؟ ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 184، إيضاح المسالك ق 43. (¬2) الصحاح مادة (ذ م أ).

القاعدة الرابعة والعشرون [الدوام على الشيء]

القاعدة الرّابعة والعشرون [الدّوام على الشّيء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل الدّوام على الشّيء كالابتداء (¬1)؟ وفي لفظ سبق: الدّوام على الشّيء هل هو كابتدائه (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الدّال القاعدة 38. والقواعد من 292 - 293 من قواعد حرف الهمزة. وفي لفظ آخر سبق: دوام المعلّق عليه هل ينزل منزلة ابتدائه (¬3)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالدّوام على الشّيء: استمراره وبقاؤه. وإنشاء الشّيء: ابتداؤه. فمفاد القاعدة: - كما سبق - أنّ من حلف على صفة، أو على عدم عمل شيء وهو متلبس به وبقي متلبّساً بذلك العمل وتلك الصّفة - مع مضي زمن كاف للإقلاع والتّرك، فيعتبر ذلك كابتداء العمل، فيأخذ العمل حكم إنشائه وابتدائه في الحنث أو عدمه. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 63. (¬2) إيضاح المسالك ق 12. (¬3) قواعد الحصني جـ 2 ص 147.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من حلف أن لا يسكن هذا البيت وهو ساكن فيه، ولم يخرج أو يخرج متاعهُ في وقت يمكنه فيه ذلك، فهو يحنث في يمينه، فكأن بقاءه واستمراره في البيت كابتداء سكناه بعد حلف اليمين فتجب الكفّارة.

القاعدة الخامسة والعشرون [رفع العقد ونقضه]

القاعدة الخامسة والعشرون [رفع العقد ونقضه] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل ردّ البيع الفاسد يعتبر نقضه من حين ردّه، أو من حين أصله (¬1)؟ وفي لفظ: هل الفسخ يرفع العقد من أصله أو من حينه (¬2)، وستأتي قريباً. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال. إذا فسد عقد البيع ووجب ردّ المبيع والثّمن فهل يعتبر فسخ هذا العقد ونقضه من تاريخ العقد - قبل ظهور الفساد - أو من حين الرّدّ والفسخ؟ خلاف في صور. ويترتّب على ذلك الخلاف ثمار فقهيّة بحسب المسائل المعروضة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: فسخ البيع بخيار المجلس أو الشّرط فيه وجهان أصحّهما من حين الفسخ. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 128 - 129. (¬2) أشباه السيوطي ص 292.

ومنها: إذا تلف المبيع قبل القبض. الأصحّ الانفساخ من حين التّلف. ومنها: الفسخ بالفَلَس من حين الفسخ قطعاً. ومنها: فسخ النّكاح بأحد العيوب، والأصحّ أنّه من حينه (¬1). ومنها: إذا بيع عبد بيعاً فاسداً، ومضى عليه يوم الفطر عند المشتري ثم وجب ردّه على البائع، فإذا كان رفع العقد من أصله كانت فطرته على البائع، أو من حينه كان فطرته على المشتري (¬2). ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 292. (¬2) إعداد المهج ص 128 - 129.

القاعدة السادسة والعشرون [السكوت]

القاعدة السّادسة والعشرون [السّكوت] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل السّكوت إذن (¬1)؟ وفي لفظ: السّكوت على الشّيء هل هو إقرار أم لا (¬2)؟ القاعدتان رقم 315، 316 من قواعد حرف الهمزة. وفي لفظ: السّكوت قائم مقام النّطق (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مضى لهذه القواعد أمثال. ينظر من قواعد حرف السّين القاعدة رقم 28. فالسّكوت - وهو عدم النّطق باللّسان - هل يعتبر إذناً بفعل شيء أو تناول شيء إذا علّمه أو رآه فسكت، أو هل يعتبر السّكوت إقراراً عند توجيه السّؤال للمدّعَى عليه مثلاً فسكت ولم يجب؟. والقاعدة الثّالثة صريحة في أنّ السّكوت قائم مقام النّطق، ولفظ القاعدة عام في كلّ شيء ولكن يجب تقييده بقيد: إذا كان في موضع الحاجة إلى البيان. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 100. (¬2) إيضاح المسالك ق 102. (¬3) الجمع والفرق ص 508.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأى شخص آخر يركب سيّارته أو حماره - وهو قادر على منعه - فلم يمنعه، فيعتبر ذلك إذناً بركوب السّيّارة أو الدّابّة. ومنها: إذا حلق محلّ رأس محرم - وهو قادر على منعه - فلم يمنعه، فيعتبر سكوته إذناً، وعليه الجزاء. ومنها: سئل عن صدق دعوى خصمه عليه بمبلغ من المال فسكت ولم يجب ووجّه عليه اليمين فلم يحلف، فيعتبر سكوته ونكوله إقراراً بالمبلغ فيلزمه. ومنها: إذا استشيرت بكر في الزّواج من شخص فسكتت، فيعتبر ذلك رضاً منها بذلك. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: استشيرت ثَيِّب في الزّواج من شخص فسكتت، فلا يعتبر سكوتها رضاً بل يجب أن تتكلّم بخلاف البكر. ومنها: إذا رأى رجلاً يحرق زرعه أو يخرق ثوبه، فسكتت ولم يمنعه، فلا يعتبر سكوته رضاً.

القاعدة السابعة والعشرون [الغالب]

القاعدة السّابعة والعشرون [الغالب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل الغالب كالمحقَّق (¬1)؟ وفي لفظ سبق: الغالب هل هو كالمحقّق (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الغين القاعدة 3، ومن قواعد حرف الهمزة القاعدة 339. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الغالب: ما كان احتمال حصوله أقوى من عدمه. وليس المراد الأكثر. والمحقّق أو المتحقّق: ما كان حصوله ثابت الوقوع بدون احتمال. وكما سبق ذكره هذه القاعدة مختلف في مضمونها، إذ وقع الخلاف في كثير من مسائلها. ومفادها: هل يعتبر الشّيء الذي يغلب وجوده، مثل الشّيء المتحقّق الوجود أو لا؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سؤر ما عادته استعمال النّجاسة - كالطّيور والسّباع - إذا لم تر ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 27. (¬2) إيضاح المسالك ق 1.

فيه النّجاسة، ولم يعسر الاحتراز منه - هل هو نجس فيراق الماء حملاً على الغالب أو لا تغليباً للأصل. وفي قول ثالث: يراق الماء دون الطّعام. ومنها: كلب معلَّم مع كلب غير معلم، أو كلب مسلم مع كلب مجوسي اشتركا في قتل صيد، وظُنَّ أنّ المعلَّم أو كلب المسلم هما اللذان قتلا. فهل يؤكل الصّيد أوْ لا.

القاعدة الثامنة والعشرون [خطاب الكفار]

القاعدة الثّامنة والعشرون [خطاب الكفّار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة (¬1)؟ أصوليّة فقهيّة ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة يذكرها الأصوليّون في مبحث من مباحث التّكليف، وقد اختلف الأصوليّون أوّلاً في تكليف الكفّار بفروع الشّريعة - مع اتّفاقهم على مخاطبتهم بالأصل وهو الإيمان - لكنّهم مع بقائهم على كفرهم هل يجب عليهم فعل الواجبات وترك المنهيّات الشّرعيّة، مع أنّهم لو فعلوها بدون إسلام وإيمان لم تقبل منهم. والأقوال في هذه المسألة عند الأصوليّين ثلاثة: قول بتكليفهم، وقول بعدم تكليفهم لعدم قبولها منهم، وقول بتكليفهم بالمنهيات دون المأمورات. وكما اختلف الأصوليّون اختلف الفقهاء، وثمرة مخاطبة الكفّار بفروع الشّريعة أخرويّة لا دنيويّة، من حيث إنّهم يحاسبون في الآخرة على كفرهم، وعلى تركهم الواجبات كالصّلاة والصّيام والزّكاة والحجّ وغير ذلك، وعلى فعلهم المنكرات. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 87 - 89.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من قدم من سفره في نهار رمضان هل له أن يطأ زوجته الكافرة، بناء على أنّ الكفّار غير مخاطبين بفروع الشّريعة، أو لا يحلّ له أن يطأها بناء على أنّهم مخاطبون بها. خلاف عند المالكيّة. ومنها: الذّمّيّة زوجة المسلم هل تجبر على الغسل من الحيض والنّفاس والجنابة، أو لا تجبر؟ ومنها: هل تحدّ الذّمّيّة على زوجها بأربعة أشهر وعشر كالمسلمة؟ أو إنّما تستبرأ بثلاثة أقراء؟ وهل تلزم بالإحداد كالمسلمة أو لا؟ ومنها: هل يلزم الكافر بما يصدر منه من طلاق وعتق حال كفره أو لا؟.

القاعدتان التاسعة والعشرون والثلاثون [المقارب والمتوقع]

القاعدتان التّاسعة والعشرون والثّلاثون [المقارب والمتوقّع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل ما قارب الشّيء يعطى حكمه (¬1)؟ وفي لفظ سبق: ما قرب من الشّيء هل له حكمه (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الميم القاعدة رقم 96. وفي لفظ: هل المتوقّع كالواقع (¬3)؟. ومن قواعد حرف "لا" القاعدة رقم 85. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق لهاتين القاعدتين أمثال ضمن حروف سابقة. ومفادهما: إنّ ما قارب الشّيء ودنا منه، والمتوقّع حدوثه هل يعطى كلّ منهما حكم الواقع والحاصل فعلاً أو أنّ لكلّ منهما حكمه؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا حُجر على المفلس بديون حالَّة، وعليه ديون مؤجّلة، فهل ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 42، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 275، قواعد الحصني جـ 2 ص 265. (¬2) إيضاح المسالك ق 14. (¬3) قواعد الحصني جـ 2 ص 265. وأشباه السيوطي ص 178.

الدّيون المؤجّلة تحلّ بالحجر؟ قولان عند الشّافعيّة إذا اعتبرنا أنّ المتوقّع كالواقع فإنّ الدّيون المؤجّلة تحلّ بالحجر، وإلا فلا. ومنها: إذا كان على شخص ديون مساوية لما له - وهو غير كسوب - أو لا يفي كسبه بنفقته ونفقة عياله - أو فيه تبذير - وظهرت عليه أمارات الفلس، فهل يحجر عليه في الحال. خلاف.

القاعدة الحادية والثلاثون [التخيير في الأبعاض]

القاعدة الحادية والثّلاثون [التّخيير في الأبعاض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل ما يثبت لكلّ الشّيء من خيار يثبت لبعضه (¬1)؟ وفي لفظ سبق: التّخيير في الجملة هل يقتضي التّخيير في الأبعاض (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف التّاء رقم 71. ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخيار: المراد به أعمّ من شرط الخيار للبائع أو المشتري، وإذا ثبت الخيار للمكلّف في فعل شيء ما جملة، فهل يثبت له الخيار أيضاً في بعضه أو جزئه؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا افتتح مصلّ النّفل قائماً، فهل له أن يجلس بعد ذلك، كما كان له أن يجلس ابتداءً، أوْ لا؟ ومنها: من أراد أن يكفّر عن يمين هل له أن يطعم خمسة ويكسو خمسة؛ لأنّه مخيّرٌ أوَّلاً بين الإطعام والكسوة جملة. أي أن يطعم عشرة أو يكسو عشرة. ومنها: من شرط له الخيار في جملة سلعة ذات أبعاض، فهل له الخيار في بعضها دون بعض، خلاف كذلك. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 57. (¬2) إيضاح المسالك ق 28.

القاعدة الثانية والثلاثون [المخاطب وعموم الخطاب]

القاعدة الثّانية والثّلاثون [المخاطب وعموم الخطاب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل المخاطَب - باسم المفعول - داخل تحت عموم الخطاب الذي خوطب به أو هو منعزل عنه (¬1)؟ وفي لفظ آت: هل يدخل المخاطِب في عموم متعلّق خطابه (¬2). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اسم المفعول: اسم مشتقّ من الفعل المبني للمجهول على زنة مفعول من الفعل الثّلاثي، وعلى زنة مضارعة مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل آخره. وهو يدل على مَن وقع عليه فعل الفاعل، كمضروب ومكرم. ومفاد القاعدة: أنّ مَن خوطب - أي خاطبه غيره - بأمر ما أو كلَّفه أمراً للمجموعة أو للنّاس هل يدخل هذا المخاطَب ضمن من شملهم الخطاب، أو لا يدخل؟ ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وكَّل شخصاً في شراء شيء أو بيعه، هل يشتري من نفسه أو ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 104، إيضاح المسالك ق 61. (¬2) قواعد الحصني جـ 3 ص 87.

يبيع من نفسه؟ خلاف عند المالكيّة والمشهور عدم جواز ذلك؛ لأنّ المأذون له في العقد لا يملك العقد لنفسه. ومنها: إذا أُمِر شخص بتفريق صدقة على جنس كالمساكين، أو طلبة العلم - وهو من ذلك الجنس - هل يأخذ منه أوْ لا؟ ومنها: إذا أذنت لوليّها - وهو ابن عمّها، أو ابن خالها - مثلاً - أن يزوّجها، ولم تُعيِّن له هل له أن يزوّجها من نفسه؟ وهل يوقف ذلك على إجازتها أو لا؟ ومنها: الوصي هل له أن يشتري لنفسه من مال يتيمه؟ خلاف كذلك.

القاعدة الثالثة والثلاثون [المشبه والمشبه به]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون [المشبّه والمشبّه به] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل المشبَّه بشيء يقوى قوّة المشبّه به (¬1)؟ وفي لفظ سبق: المشبَّه لا يقوى قوّة المشبّه به (¬2). وينظر من قواعد حرف الميم القاعدة 375. [بلاغيّة فقهيّة] ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاعدة الأولى صيغت بالصيّغة الإنشائية لتدلّ على وجود الخلاف في مضمون القاعدة، والقاعدة الثّانية - وقد سبقت - صيغت بالصّيغة الخبرية لتدلّ على الاتّفاق في مضمونها. وكلاهما مالكيّة الأصل. المشبَّه: هو الفرع. والمشبّه به: هو الأصل. فالأصل أقوى من الفرع، والمشبّه أضعف من المشبّه به؛ لأنّه لا يشبهه من كلّ وجه، إذ لو أشبهه من كلّ وجه لكان هو هو. فإذا قلنا: فلان كالأسد في الشّجاعة، فالأسد أقوى في وجه الشّبه من المشبّه وهو الرّجل وهكذا. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المشهور من مذهب مالك وغيره أنّه لا جزاء في صيد المدينة مع أنّ المدينة ملحقة بمكّة في تحريم الصّيد والشّجر. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 57. (¬2) إيضاح المسالك ق 46.

القاعدة الرابعة والثلاثون [المشرف على الزوال]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون [المشرف على الزّوال] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل المشرف على الزّوال يعطى حكم الزّائل (¬1)؟ وينظر قواعد حرف الميم القاعدة 378. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من قاعدة سابقة وهي (هل المتوقّع كالواقع. أو ما قارب الشّيء هل يعطى حكمه). المشرف على الزّوال: هو الشّيء الذي دنا وقرب زواله، فهل يعتبر في حكم الزّائل ويعطى حكمه أو لا؟ خلاف في مسائل: ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: عبيدي أحرار - وفيهم مكاتب - فهل يعتق أوْ لا؟ ومنها: أفسد صومه الواجب بالجماع - ثم مات أو جُنَّ، فهل تسقط الكفّارة عنه؟ الصّحيح سقوطها. ومنها: إذا قال: إن شرعت في صوم واجب أو صلاة واجبة، فزوجتي طالق. فشرع ثم مات. فهل يلزمه الطّلاق؟ قالوا: يلزمه الطّلاق لوجود شرطه. ولكن هل تلزم زوجته عدّة طلاق أو عدّة وفاة؟ إذا قلنا: وقع طلاقه قبل موته فيلزمها عدّة طلاق، وإلا فعدّة وفاة. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 97 - 98. وينظر أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 419، وقواعد الحصني جـ 2 ص 257. وأشباه السيوطي ص 178، 275.

القاعدة الخامسة والثلاثون [وقوع الأحكام]

القاعدة الخامسة والثّلاثون [وقوع الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل المعتبر في الأحكام يوم وقوعها أو يوم وقوع سبب الحكم (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: موضوع هذه القاعدة هو متى تعتبر الأحكام نافذة. هل هو يوم وقوع الحكم - متأخّراً عن السّبب، أو يوم وجود سبب الحكم؟ خلاف. وهذه تسمّى قاعدة الظّهور والانكشاف (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أعتق عبداً في سفره. ثم قدم وأنكر العتق. فشهد عليه بعد ذلك شاهد أنّه أعتقه في سفره. فهل يعتبر العبد حرّاً يوم العتق المذكور، أو الآن أي وقت شهادة الشّاهد وهو يوم وقوعه مؤكّداً. خلاف. ومنها: إذا اشترى بمال الزّكاة شيئاً وربح فيه، فهل يقدر الرّبح مع أصله في الحول، أو يقدر يوم الشّراء بالنّسبة للزّكاة. أقول وبالله التّوفيق: إذا ظهر الرّبح قبل تمام الحول فيجب عليه ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 97. (¬2) ينظر إيضاح المسالك ق 33، وقواعد حرف الظّاء القاعدة 9.

أن يزكّي الأصل والرّبح. لكن إذا ظهر الرّبح بعد تمام الحول، فلا يزكّي إلا الأصل. والله أعلم. ومنها: إذا باع بيع خيار، فهل يعتبر إمضاء البيع من يوم البيع، أو من يوم الإمضاء؟ أي عند إمضاء الخيار. خلاف كذلك. لكن الرّاجح والله أعلم أنّه يعتبر من يوم البيع لأنّ المشتري يستحقّ زوائد المبيع التي حصلت في زمن الخيار، وحتى لو كان الخيار للبائع.

القاعدة السادسة والثلاثون [القصد واللفظ والواقع]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [القصد واللفظ والواقع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل المعتبر ما قصده الشّخص أو ما في نفس الأمر (¬1)؟ وفي لفظ سبق: إذا تعارض القصد واللفظ أيّهما يقدم (¬2)؟ وينظر القاعدة 59 من قواعد حرف الهمزة. ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: قصد شخص أمراً ما، ولكن ما وقع كان مخالفاً لقصده وإرادته، فهل تعتبر نيَّتُهُ، أو ما حصل ووقع فعلاً؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا نذر صوم يوم يقدم فلان. فقدم فلان نهاراً - والنّذر يجب تبييت النّيَّة له ليلاً - فهل يقضى هذا اليوم؛ لأنّ المقصود صيام يوم شكراً - أو لا يقضي؛ لأنّه فات وقته؟ خلاف والمشهور عدم القضاء. ومنها: إذا ظاهر من امرأته قاصداً طلاقها. ففي اللازم منهما قولان: أي هل يعتبر مظاهراً بناء على لفظه، أو يعتبر مطلِّقاً بناء على قصده ونيّته؟ ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 58. (¬2) إيضاح المسالك ق 47 وينظر من قواعد المقري ق 338، 389.

القاعدة السابعة والثلاثون [المعدوم شرعا]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [المعدوم شرعاً] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل المعدوم شرعاً كالمعدوم حِسّاً (¬1)؟ وفي لفظ سبق: المعدوم معنى هل هو كالمعدوم حقيقة (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الميم القاعدة رقم 458. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعلم الشّرعي: عدم اعتبار الشّارع للفعل، لنهيه عنه وتحريمه، أو عدم الإذن فيه. فما حرّمه الشّرع، أو لم يأذن فيه، فهو غير معتبر فلا يبنى عليه حكم، وكأنّه غير موجود في الحقيقة والواقع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قتل محرم صيداً فهو ميتة، ولا يجوز أكله ولا الانتفاع به. ومنها: إذا حلف ليطأنّ زوجته فوطئها وهي حائض - فهل يبرّ في يمينه؟ فيها قولان والمشهور الحنث وعدم البر في اليمين؛ لأنّ الشّارع نهى عن وطء الحائض، فلا يحلّ وطء الحائض في المشهور. وإذا لم يحلّ وطؤها، فالفعل محرّم ولا يبرّ في يمينه بفعل محرّم. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 27، إيضاح المسالك ق 2. (¬2) قواعد المقري ق 109.

ومنها: إذا حلف ليتزوّجنّ فتزوّج زواجاً فاسداً. في المسألة قولان. والمشهور الحنث. لأنّ الزّواج الفاسد منهي عنه فكأنّه غير واقع. ومنها: لا يُحلّ وطء الحائض (¬1)، ولا يُحصِّن خلافاً لابن الماجشون (¬2). ومعنى الماجشون (المورَّد) ويقال: (الأبيض الأحمر). ¬

_ (¬1) أي لا يحلها لزوجها الأوّل. (¬2) ابن الماجشون أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون. الفقيه المالكي القرشي التيمي المنكدري مولاهم المدني الأعمى: تفقه على الإمام مالك رضي الله عنه، وعلى والده عبد العزيز وغيرهما دارت عليه الفتيا في المدينة توفي سنة 212 أو 13 - وفيات الأعيان جـ 3 ص 166.

القاعدة الثامنة والثلاثون [الملحق بالعقد]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون [الملحق بالعقد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل الملحق بالعقد كهو أو حادث (¬1)؟ وفي لفظ سبق: الملحقات بالعقود هل تعتبر كجزئها أو إنشاء ثان (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الميم القاعدة 534. ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالملحق بالعقد: إثبات شروط أو أمور بعد تمام العقد. إذا ألحق بالعقد بعد تمامه شروط فهل تعتبر جزءاً من العقد، أو لا تأخذ حكم العقد وتعتبر شيئاً حادثاً ومُنشأ بعده؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسلم في مئة قفيز، فزاد مثلها قبل حلول الأجل. فيها قولان عند المالكيّة: مذهب المدونة يجوز إلحاقه بالعقد (¬3). ومذهب سحنون (¬4) لا يجوز لأنّه هدية مِديان. أي (مدين)، وهدية المدين قبل أداء الدّين ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 168. (¬2) إيضاح المسالك ق 55. (¬3) ينظر المدونة جـ 3 ص 155 - 156. (¬4) عبد السلام بن سعيد المالكي المتوفى سنة 240 هـ، سبقت ترجمته.

تعتبر ربا. ومنها: ابتياع خِلفة القصيل والثّمرة والزّرع بعد بيع الأصل. والمشهور في ذلك الجواز (¬1). ومنها: الزّيادة في الصّرف وثمن السّلعة وصداق المرأة بعد العقد. ¬

_ (¬1) وينظر المدونة جـ 3 ص 209 - 210 ومالك لا يرى الجواز إلا إذا اشتراه فقطعه.

القاعدة التاسعة والثلاثون [أول الكلام وآخره]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون [أوّل الكلام وآخره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل النّظر إلى أوّل الكلام أو إلى آخره (¬1)؟ ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: للكلام أثر في ترتّب الأحكام الشّرعيّة، وللكلام أوّل وآخر، فهل المعتبر أوّل الكلام أو آخره؟ لا يطلق الحكم، ولكن ينظر إلى أسلوب الكلام، فإن كان الكلام إخباراً كان النّظر إلى أوّل الكلام في الأظهر. وأمّا إن كان الكلام شرطاً أو استثناءً فإنّ المعتبر هو آخر الكلام لا أوّله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سمع المتيّمّم إنساناً يقول: عندي ماء، أودعنيه فلان. بطل تيمّم المتيمّم. لكن لو سمع القائل يقول: أودعني فإن ماءً. لا يبطل تيمّمه. فالنّظر هنا لأوّل الكلام. ومنها: إذا قال: له عليَّ ألف من ثمن خمر. لزمه الألف في الأظهر، أمّا لو قدَّم الخمر فقال: من ثمن خمر له عليَّ ألف، لم يلزمه شيء قطعاً؛ لأن الخمر لا ثمن لها، وهي غير متقوّمة عند المسلم؛ لأنّها ليست مالاً. فهذا كلّه إخبار. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 344.

ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق إذا خرجت من الدّار. لا تطلق إلا إذا خرجت نظراً لآخر الكلام. ومنها: إذا قال لزوجته: أنت طالق الطّلقة الرّابعة. ففي وقوع الطّلاق وجهان. وسبب الخلاف: هو أنّ الطّلقة الرّابعة غير معتبرة شرعاً. ومنها: إذا قال: كلّ امرأة لي طالق إلا زينب - ولا امرأة له غيرها - طلقت؛ لأنّ الاستثناء هنا مستغرق. والاستثناء المستغرق باطل لا يعتدّ به. ومنها: إذا قال: له عليَّ ألف إلا مئة: لم يلزمه الألف، وإنّما يلزمه التسعمئة نظراً إلى آخر الكلام.

القاعدة الأربعون [حال التعلق - وجود الصفة]

القاعدة الأربعون [حال التّعلّق - وجود الصّفة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل النّظر إلى حال التّعلّق أو حال وجود الصّفة (¬1)؟ وفي لفظ آت: هل يرفع العقد من أصله أو من حينه (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 94. وفي لفظ سبق: الفسخ رفع للعقد من حينه لا من أصله. وينظر من قواعد حرف الفاء القاعدة 15. وفي لفظ سبق قريباً: هل ردّ البيع الفاسد يعتبر نقضه من حين ردّه أو من حين أصله؟ القاعدة رقم 25. ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى هذه القاعدة مع مثيلاتها ضمن قواعد حرف الهمزة رقم 94، وقواعد حرف الرّاء رقم 5، وقواعد حرف الفاء رقم 15. والمراد بالنّظر هنا: هو الاعتبار والاعتداد وبناء الحكم بالفسخ ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 400، أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 97 - 98، 275. (¬2) أشباه السيوطي ص 292، وأشباه ابن الوكيل ق 2 ص 359.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ورفع العقد وبيان الثّمرة، هل هو عند عقد العقد وإنشائه، أو عند موجب الفسخ؟ خلاف. يترتّب عليه أحكام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تلف المبيع عند البائع قبل قبضه من قِبل المشتري، فالأصحّ الانفساخ من حين التّلف، فتكون زوائد المبيع من حق المشتري.

القاعدة الحادية والأربعون [الموجود والمقصود]

القاعدة الحادية والأربعون [الموجود والمقصود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل النّظر إلى الموجود أو المقصود (¬1)؟ ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثال لهذه القاعدة قريباً بلفظ: (هل المعتبر ما قصده الشّخص أو ما في نفس الأمر) والمراد بالقصد: النّيَّة والإرادة. والموجود: هو الواقع فعلاً وفي نفس الأمر. فإذا اختلف الواقع مع القصد والإرادة فَبِمَ يعتدّ ويعتبر؟ هل بالقصد والإرادة أو بالواقع، خلاف. وهي قريبة المعنى من قاعدة (خطأ الظّنّ). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رعف في صلاته فانصرف وغسل دم الرّعاف وتوضّأ، وظنّ أنّ الإمام لم يفرغ من الصّلاة - ومع ذلك صلّى مكانه ولم يلتحق بالإمام - ثم تبيّن أنّ الإِمام كان قد فرغ من صلاته. فما حكم صلاة هذا الرّاعف؟ ومنها: إذا أرسل المحرم كلبه المعلَّم على أسد - والأسد ليس صيداً يوجب الجزاء - فقتل الكلب صيداً. فهل على المحرم جزاء. إن نظرنا إلى القصد فليس عليه جزاء، وإن نظرنا إلى الواقع والموجود ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 58، إيضاح المسالك ق 31، ص 208 - 211.

عليه الجزاء. ومنها: إذا تزوّج امرأة وهو يظنّها ما زالت في العدّة من زوج سابق - وهذا عقد باطل - ثم تبيّن أنّها قد انتهت عدّتها؟ فهل العقد باطل نظراً للمقصود؟ أوْ لا نظراً للموجود. ومنها: أفطر يوم الثّلاثين من رمضان متعمّداً، ثم تبيّن أنّ اليوم عيد. فهل عليه كفارة نظراً إلى قصده، أو لا كفّارة عليه باعتبار الواقع وما في نفس الأمر؟

القاعدة الثانية والأربعون [الاجتهاد والإصابة]

القاعدة الثّانية والأربعون [الاجتهاد والإصابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل الواجب على الإنسان الاجتهاد أو الإصابة لما في نفس الأمر (¬1)؟ أم استفراغ الوسع المستلزم لهما غالباً (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: الحكم بما ظاهره الصّواب والحقّ وباطنه خطأ وباطل. يجتهد المجتهد لإظهار حكم مسألة بعينها، فما الواجب عليه: هل هو مجرّد الاجتهاد الصّحيح سواء أصاب الحقّ أو لم يصبه؟ أو أنّ الواجب عليه هو الاجتهاد مع إصابة الحقّ في نفس الأمر والواقع؟ خلاف. لكن أقول بناء على ظاهر الحديث: "إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد". فإنّ المطلوب والواجب على المجتهد هو الاجتهاد بقدر الوسع لمحاولة إصابة الحقّ والوصول إليه. والدّليل على ذلك أنّه إذا اجتهد اجتهاداً صحيحاً بقدر وسعه وطاقته ثم تبيّن خطؤه أنّه: أولاً: غير آثم. وثانياً: أنّه ليس عليه إعادة ولا قضاء - عند تبيّن الخطأ. إلا إذا كان ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك ق 8، إعداد المهج ص 55. (¬2) قواعد المقري ق 125.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الخطأ فاحشاً لا يجوز الوقوع في مثله، أو كان لأمر ليس في الوسع تحاشيه، على أنّ المطلوب استفراغ الوسع في الاجتهاد. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا صلّى باجتهاد لجهة معتقداً أنّها القبلة - ثم تبيّن خطؤه - فالأصحّ عدم الإعادة، ولكن إن كان الوقت ما زال. فإنّ المستحبّ له الإعادة. ومنها: إذا أعطى زكاته من ظنّه مسكيناً - باجتهاد - ثمّ تبيّن خلاف ذلك، فالأصحّ أنّه لا يخرج زكاته مرّة ثانية. ومنها: إذا أوصى بوصايا، فنفذت بعد موته، ثم تبيّن أنّه مملوك. وحُكِم برِقَّه وعبوديّته، فهل تُردُّ وصاياه. أو لا ترد؟ قالوا: الصّحيح لا ترد بناء على الظّاهر. ومنها: إذا حكم حاكم بموت مفقود بعد تقسيم تركته وتزويج امرأته ثم ظهر وجاء حيّاً (¬1). رابعاً: ممّا استثني فحكم بالباطن ووجبت الإعادة أو القضاء: إذا أعطى زكاته من ظنّه مسلماً باجتهاده، ثم تبيّن أنّه كافر. فإنّه لا يجزئه. ومنها: إذا قسم التّركة باجتهاد، ثم تبيّن فيها خطأ فاحش، فإنّها تبطل. ¬

_ (¬1) ما كان باقياً من تركته أخذه ورُدَّ عليه، وأمّا امرأته فإنّه يخيّر بين أن تردّ عليه أو يأخذ مهرها.

القاعدة الثالثة والأربعون [الجزء الشائع]

القاعدة الثّالثة والأربعون [الجزء الشّائع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يتعيّن الجزء الشّائع (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّيوع: معناه الانتشار وعدم التّعيُّن. والمراد بتعيين الجزء الشّائع: أي تميّزه في الحكم. فإذا قصد الجزء الشّائع بحكم فهل يتميّز ويتعيّن ويصحّ فيه الحكم أوْ لا؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف بعتق جزء له في عبد إن فعل كذا. ثم باع ذلك الجزء من غير شريكه، ثم اشترى جزء شريكه، ثم حنث، هل يعتق عليه ذلك العبد أو لا يعتق باعتبار أنّ الذي حلف عليه قد باعه قبل الحنث، وهذا ملك جديد لم يكن موجوداً حين الحلف. ومنها: إذا اغتصب جزءاً مشاعاً، هل يتعيّن ذلك الجزء بالغصب، أو أنّ الغصب يسري في الجميع. ومنها: إذا أصدق زوجته نصف أملاكه مشاعاً، ثم باع جزءاً منها. فهل يعتبر البيع شائعاً في الجميع، وعليه أن يعطي زوجته نصف ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 152. وينظر إيضاح المسالك القاعدة 113.

المبيع مطلقاً؟ قيل: إن كان الذي باع على ملكه النّصف فأقل فلا كلام لها، وإن كان أكثر من النّصف، فلها الرّجوع في الزّائد على النّصف. ومنها: من ارتهن جزءاً مشاعاً، أو وُهب له - على القول بصحّة الهبة في المشاع - أو تصدّق به عليه، ولم يرفع الواهب أو الرّاهن أو المتصدّق يده، هل يصحّ حوزه أو لا؟ خلاف.

القاعدة الرابعة والأربعون [ما في الذمة]

القاعدة الرّابعة والأربعون [ما في الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يتعيّن الذي في الذّمّة (¬1)؟ وينظر من قواعد حرف الميم القاعدة 95. ثانياً معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند المقري (¬2) - كما سبق بيانه - (ما تقرّر في الذّمّة لا يكون معيّناً) فقد قطع المقرى رحمه الله بعدم تعيّن ما في الذّمة، ولكن صاحب المنهج المنتخب (¬3) وصاحب إيضاح المسالك (¬4) نقلا عنه تساؤلاً عن تعيّن ما فيه وعدم تعيّنه، فهو عندهما في تعيّنه خلاف. والمراد بما في الذّمّة: الدّيون وأمثالها: ¬

_ (¬1) إعداد المهج شرح المنهج المنتخب ص 154، وإيضاح المسالك القاعدة 85. (¬2) المقري هو أبو عبد الله محمد بن محمَّد المَقرّي التلمساني كان قاضي الجماعة بفاس وأحد مجتهدي مذهب المالكيّة له عدة مؤلفات منها كتاب القواعد في أصول المذهب المالكي. توفي سنة 758 هـ، الفكر السامي جـ 2 ص 229. (¬3) صاحب المنهج المنتخب هو علي بن القاسم الزقاق التجيبي، وضعه نظماً في قواعد الفقه المالكي، وله عدة شروح. (¬4) وصاحب إيضاح المسالك هو أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي وسبقت له ترجمة.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

فإذا كان في ذمّة شخص ديون لآخر بأسباب مختلفة، أو كفّارات بأسباب مختلفة فهل يجوز أداء بعضها بدلاً من بعض آخر وفاء وأداءً أو لا يجوز - خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان في ذمّة رجل لرجل آخر ديناران: دينار ثمن ثوب ودينار ثمن طعام، فهل يصحّ أخذ دينار الطّعام عن دينار ثمن الثّوب، ويكون متميّزاً بشخصه كما تميّز بنوعه أم لا؟ أفتى ابن عرفة (¬1) بالجواز. ومنها: إذا كان لشريكين دين في ذمّة رجل - وهو مقسوم عليهما - فقضى المدين جزء الدّين لأحدهما - فليس للآخر أن يقاسمه ما اقتضى. هذا إذا أخَّره أحدهما بحصّته من الدّين (¬2). ومنها: مدين عليه في ذمّته دين لرجل، فأخذ منه الدّين غصباً، فهل تبرأ ذمّته أو لا تبرأ، إذا قلنا: بعدم التّعيين تبرأ، وإذا قلنا بالتّعيين لا تبرأ، والرّاجح أنّها تبرأ. ¬

_ (¬1) ابن عرفة هو أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد بن عرفة الورغمي إمام تونس وعالمها، له تآليف رائعة في شتى الفنون والمعرفة منها مختصر مشهور في الفقه المالكي، وكتاب الحدود الفقهية وغيرهما توفي سنه 803، نيل الابتهاج ص 274 والفكر السامي جـ 2 ص 249. (¬2) ينظر المدونة جـ 4 ص 108.

القاعدتان الخامسة والأربعون والسادسة والأربعون [الفرع والأصل، المسبب والسبب]

القاعدتان الخامسة والأربعون والسّادسة والأربعون [الفرع والأصل، المسبّب والسّبب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل يثبت الفرع والأصل باطل، وهل يحصل المسبّب والسّبب غير حاصل (¬1)؟ وينظر قواعد حرف (لا) القاعدة 94. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبقت هاتان القاعدتان ضمن قواعد حرف (لا) بالصّيغة الخبرية التي تدلّ على عدم الخلاف في مضمون القاعدة، ولكن صاحب المنهج وشارحه أتيا بها بالصّيغة الإنشائية للدّلالة على وجود الخلاف. وهذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (التّابع تابع). الفرع والأصل متقابلان، والمسبّب والسّبب كذلك. فالمسبّب يقابل الفرع، والسّبب يقابل الأصل. والأصل أنّ الفرع لا يثبت إلا إذا ثبت الأصل، ويسقط بسقوط الأصل - كما سيأتي ضمن قواعد حرف الياء - وكذلك لا يحصل مسبّب بدون سبب. ولكن قد يحدث أن يثبت فرع مع سقوط أصله، ويظهر مسبّب مع ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 180. وينظر إيضاح المسالك ق 58، وأشباه السيوطي ص 119، وابن نجيم ص 121، والوجيز ص 336.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

نفي سببه وذلك استثناءً ونظراً إلى أسباب أخرى توجب اعتبار الفرع دون أصله. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا برئ الأصيل برئ الضّامن والكفيل لأنّهما فرعه. ولكن إذا قال رجل: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامن به، وأنكر عمرو - وهو الأصل والسّبب - لزم المبلغ الكفيل إذا ادّعى زيد ولم يلزم الأصيل شيء، وإنّما لزم الكفيل المبلغ لأنّ الإنسان مؤاخذ بإقراره. فهنا ثبت المبلغ على الكفيل لا باعتباره فرعاً للأصيل بل لأنّه أقرّ فأخذ بإقراره على نفسه. ومنها: إذا ادّعى الزّوج الخلع، فأنكرت المرأة. بانت المرأة - أي طلقت طلقة بائنة - ولم يثبت المال الذي هو الأصل في الخلع. وذلك لأنّ الزّوج أقرّ بالخلع وادّعاه فأخذ بإقراره، ولمّا أنكرت المرأة الخلع لم يثبت المال في ذمّتها.

القاعدة السابعة والأربعون [الفرع والأصل]

القاعدة السّابعة والأربعون [الفرع والأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يسقط الفرع بسقوط الأصل (¬1)؟ وينظر من قواعد حرف الهمزة القواعد من 115 - 117. ثانياً معنى هدة القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتها، وهي مندرجة تحت قاعدة (التّابع تابع). وإذا كان الأصل أساساً لفرعه، فإنّه إذا سقط هذا الأصل فسقوط الفرع مفروغ منه، كما إذا هدم أساس البيت هدم البيت وسقط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الشّجرة أصل لفرعها، فإذا سقطت الشّجرة سقط فرعها. ومنها: إذا برئ المدين الأصيل برئ الضّامن والكفيل. ومنها: من فاتتها صلوات في أيّام حيضها أو نفاسها، لا تقضي سننها الرّواتب. ومنها: الوكيل ينعزل بموت الموكّل أو جنونه. ¬

_ (¬1) إعداد المهج 180. وينظر أشباه السيوطي ص 119، وابن نجيم ص 121.

القاعدة الثامنة والأربعون [الكتابة والخط]

القاعدة الثّامنة والأربعون [الكتابة والخط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يجوز الاعتماد على الكتابة والخط (¬1)؟. وينظر أشباه ابن نجيم ص 217، ومن قواعد حرف الكاف القاعدة 4. ومن قواعد حرف (لا) القاعدة 140. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الكتابة والخطّ وسيلتان للتّعبير عن المراد إذا لم يمكن اللفظ والكلام، ولكن هل يجوز اعتبار الكتابة والخطّ مطلقاً، أو لا يجوز؟ أو أنّ في الأمر تفصيلاً؟ اختلف الفقهاء في ذلك، فعند الحنفيّة - كما ذكر ابن نجيم - أنّه لا يعتمد على الخطّ ولا يعمل به مطلقاً، إلا ما استثني. وعند الشّافعيّة: لا يجوز اعتماد مجرّد الكتاب من غير إشهاد، ولا استفاضة، وكلّ ذلك لإمكان التّزوير. خلافاً لمالك رحمه الله الذي أجاز ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يعمل بمكتوب الوقف - الذي عليه خطوط - أي توقيعات - القضاة الماضين؛ لأنّ القاضي لا يقضي إلا بالحجّة، أي البيِّنة والإشهاد. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 39.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا رأى القاضي ورقة فيها حكمه لرجل، وطالبه بإمضائه والعمل به ولم يتذكّره لم يعتمده قطعاً؛ لإمكان التّزوير. لكن لو تذكّره فعليه اعتماده. ومنها: الشّاهد لا يشهد بمضمون خطّه إذا لم يتذكّر. لكن إذا تذكّر أنّ هذا خطّه فله أن يشهد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الرّواية: فإذا كتب الشّيخ بالحديث إلى حاضر أو غائب، أو أمر مَن كتب فإنّ قَرَن بذلك إجازة، جاز الاعتماد عليه والرّواية قطعاً. ومنها: كتاب أهل الحرب بطلب الأمان إلى الإمام فإنّه يعمل به، ويثبت الأمان لحامله. ومنها: العمل بدفتر السمسار والصّرّاف والبيّاع؛ لأنّه لا يكتب في دفتره إلا ما له وعليه.

القاعدة التاسعة والأربعون [اللفظ العام - السبب الخاص]

القاعدة التّاسعة والأربعون [اللفظ العام - السّبب الخاصّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يخصّ اللفظ العام بسببه الخاصّ إذا كان السّبب هو المقتضي له (¬1)؟ أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصوليّة فقهيّة بمعنى القاعدة الأصوليّة (هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السّبب). ومعنى ذلك أنّه إذا سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حكم حادثة خاصّة، فأجاب عليه الصّلاة والسّلام بلفظ عام يشمل هذه الحادثة وغيرها، أو حلف شخص على أمر ما أن يفعله أو لا يفعله، ثم تغيّر الحال المحلوف عليها. فهل يعتبر ذلك السّبب الخاصّ تخصيصاً لذلك اللفظ العام، فلا يعمل به خارج ذلك السّبب الخاصّ؟ أو أنّ السّبب الخاص لا يخصّص ذلك اللفظ العام فيعمل باللفظ على عمومه في كلّ حادثة مشابهة؟ المشهور والرّاجح عند الأصوليّين والفقهاء إنّ (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب)، فيعمل باللفظ العام على عمومه، ولا يخصصه السّبب الخاصّ، إلا إذا قام دليل على التّخصيص وإرادته دون ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 124.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

العموم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لو دعي إلى غداء فحلف لا يتغدّى. فهل يحنث بغداء غير ذلك المحلوف بسببه؟ على وجهين عند الحنابلة والمشهور عدم الحنث؛ لأنّه حلف على غداء مخصوص بنيّته. ومنها: لو حلف: لا رأيت منكراً إلا رفعته إلى القاضي فلان. فعزل القاضي، فهل تنحلّ يمينه. على وجهين أيضاً. ومنها: لو حلف على زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه. ثم طلّقها، فهل تنحل يمينه.

القاعدة الخمسون [المخاطب والخطاب]

القاعدة الخمسون [المخاطب والخطاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يدخل المخاطِب في عموم متعلّق خطابه (¬1)؟ أو المتكلّم (¬2). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المخاطب هنا: اسم فاعل من خاطب يخاطب مخاطبة، وهو فاعل الخطاب. فإذا تكلّم متكلّم بكلام وجّهه إلى غيره آمراً أو ناهياً، فهل يدخل هذا المتكلّم المخاطِب في مضمون ومتعلّق خطابه، فيجب عليه ما يجب على الآخرين المخاطَبين بالخطاب؟ خلاف، في مسائل، والرّاجح دخوله، وهو اختيار أكثر الأصوليّين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} (¬3). فإنّه يشمل العلم بذاته المقدّسة وصفاته العليّة. ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 3 ص 87، وينظر قواعد ابن رجب القاعدة 7. (¬2) وينظر مختصر العلائي ص 374. (¬3) الآية 176 من سورة النساء.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: قوله عليه الصّلاة والسّلام: "العينان وكاء السّه" (¬1). وقوله عليه الصّلاة والسّلام: "من مسّ فرجه فليتوضّأ" (¬2) فالصّحيح أنّه عليه الصّلاة والسّلام داخل في عموم خطابه. ومنها: إذا قال: نساء العالمين طوالق. فهل تطلق زوجته؟ وجهان. ومنها: إذا وقف على الفقراء وقفاً، ثم صار فقيراً. فيه وجهان والصّحيح أنّه يدخل في لفظه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬3) عام في غير الله سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود حديث 203، وحديث 477، وأحمد في المسند جـ 1 ص 11. (¬2) الحديث أخرجه أبو داود حديث 181. (¬3) الآية 62 من سورة الزمر.

القاعدة الحادية والخمسون [مراعاة الخلاف]

القاعدة الحادية والخمسون [مراعاة الخلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يراعى الخلاف أو لا (¬1)؟ وينظر من قواعد حرف الميم القاعدة 343. ومن قواعد حرف الخاء رقم 15. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: مراعاة الخلاف من أصول المالكيّة، وقد اختلفوا فيه. وممّا اختلف فيه: هل المراعى الخلاف المشهور أو القوي وحده أو كلّ خلاف، وهل يراعى الخلاف مطلقاً داخل المذهب وخارجه أو ما كان خلافاً في المذهب فقط. والخلاف المشهور: هو ما كثر قائله، أو ما قوي دليله. وعرَّف ابن عرفة رحمه الله مراعاة الخلاف بأنّه (عبارة عن إعمال دليل في لازم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر) (¬2). ولمراعاة الخلاف عند الشّافعيّة شروط: 1 - أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 85، قواعد المقري ق 12. وينظر الموافقات للشاطبي جـ 4 ص 202، أشباه السيوطي ص 136 وينظر كذلك شرح حدود ابن عرفة ص 263. (¬2) شرح حدود ابن عرفة ص 262، وينظر المدونة جـ 2 ص 153 فما بعدها.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

2 - أن لا يخالف سنّة ثابتة. 3 - أن يقوى مدركه بحيث لا يعدّ هفوة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: نكاح الشّغار اختلف فيه: هل يوجب التّوارث بين الزّوجين أو لا؟ فبناء على أنّه باطل لا يترتّب عليه حكم - وهذا مذهب مالك رحمه الله، وقال: إنّه نكاح يجب فسخه بطلاق أو بغير طلاق ومن خالف مالكاً يقول إنّه لا يجب فسخه. وبناء على القول بفسخه بغير طلاق أنّه لا يلزم فيه طلاق إذا وقع ولا ميراث. وقد ورد عن مالك رحمه الله القول بأنّه يقع الفسخ بطلاق، ويلزم فيه الطّلاق ويقع الميراث بين الزّوجين إذا مات أحدهما. وهذا من مراعاة الخلاف؛ لأنّ الجاري على أصل دليل مالك رحمه الله ولازم قوله: أنّه لا ميراث في ذلك، لكن لمّا قال بثبوت الميراث فقد أعمل دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشّغار إذا وقع لدليل دلّ على ذلك - وهو عدم الفسخ - وعدم فسخ النّكاح لازمه ثبوت الميراث بين الزّوجين، فالنّكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف (¬1). ومنها: استيعاب الرّأس بالمسح عند الشّافعيّة مستحبّ خروجاً من خلاف من أوجبه. ¬

_ (¬1) الموافقات جـ 2 ص 204 - 205.

ومنها: غسل المني بالماء، وترك صلاة الأداء خلف القضاء وعكسه. ومنها: ترك الجمع في السّفر. ومنها: كراهة الحِيَل في باب الرّبا. ومنها: نكاح المحلّل خروجاً من خلاف مَن حرَّمه. ومنها: كراهة صلاة المنفرد خلف الصّف خروجاً من خلاف من أبطلها.

القاعدة الثانية والخمسون [المراعى الحكم أو الذمة]

القاعدة الثّانية والخمسون [المراعى الحكم أو الذّمّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يراعى ما يوجبه الحكم، أو المراعى ما يترتّب في الذّمّة (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ما يوجبه الحكم: المراد به ما يقضى به بحسب الظّاهر. ما يترتّب في الذّمّة: المراد به ما هو في الباطن ونفس الأمر. اختلفوا فيما يعتدّ به ويعتبر هل هو ما يترتّب في الذّمّة ويكون هو الواقع وفي نفس الأمر فيبنى عليه الحكم، أو أنّ المعتبر والمراعى هو ما يوجبه الظّاهر، والحكم بناء عليه؟ خلاف عند المالكيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استسلف شخص من آخر نصف دينار ذهباً، فدفع إليه ديناراً على أن يردّ نصفه، - ولم يأمره بصرفه دراهم - فإن قلنا: إنّ المراعى ما ترتّب في الذّمّة فيكون ثمن الصّرف يوم السّلف، - أي قيمة الدّينار دراهم - وإن قلنا: يراعى ما يوجبه القضاء أو الحكم، فالمعتبر صرف يوم القضاء. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 120.

ومنها: إذا ثبت في ذمّة أحد دينار ذهبي لآخر، فهل له أن يأخذ بعضه أي بجزء منه وَرِقاً - أي دراهم فضّة - أو ليس له ذلك؟ إن قيل: إنّ الباقي يكون ذهباً جاز وهو المشهور - وهذا على القول إنّ المراعى ما في الذّمّة. وإن قيل: إنّ الباقي يكون فضّة امتنع، وصار كأنّه صرف الجميع وانتقد البعض. ووجه الامتناع أنّ الصّرف يجب تسليم كلّ المبلغ يداً بيد.

القاعدة الثالثة والخمسون [المنهي عنه]

القاعدة الثّالثة والخمسون [المنهي عنه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يصير المنهي عنه باطلاً (¬1)؟ وينظر من قواعد حرف النّون القاعدة السّادسة والسّبعون. فقهيّة أصوليّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة وثيقة بالقاعدة السّابقة القائلة: (النّهي يقتضي الفساد) فمدار هذه القاعدة على موجَب النّهي عن الأفعال. هل هو مبطل لها ومفسد أو لا؟ فعند الجميع أنّ النّهي إذا كان عن ذات المنهي عنه فهو مبطل ومفسد. ولكن إذا كان النّهي لوصف لازم للمنهي عنه، أو أمر خارج ففيه الخلاف. وإذا قلنا: إنّ النّهي مفسد ومبطل فمعنى ذلك أنّ المنهي عنه يكون معدوماً شرعاً ولا يترتّب عليه حكم. وفي كثير من المسائل خلاف بناء على هذه القاعدة وما شابهها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليتزوّجنّ. فنكح نكاحاً فاسداً، فهل يبرّ به أوْ لا؟ لأنّ النّكاح الفاسد - أي الباطل - منهي عنه. ومنها: إذا قتل محرم صيد الحرم فهل يعتبر هذا الصّيد ميتة أو لا؟ والصّحيح أنّه ميتة. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 40.

ومنها: إذا حلف ليطأنّ زوجته الليلة فوطئها وهي حائض، ففي بِرَّه خلاف. ومنها: نكاح الشّغار، إذا وقع هل يفسخ؛ لأنّه منهي عنه، فوقع باطلاً، أو لا يفسخ؟ قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بوجوب فسخه؛ لوقوعه باطلاً. وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يفسخ. وعند أحمد رحمه الله رواية أنّه يصحّ العقد ويفسد الشّرط ولها مهر مثلها (¬1). ¬

_ (¬1) المقنع جـ 3 ص 46.

القاعدة الرابعة والخمسون [الظاهر والباطن، الحق والصواب والخطأ]

القاعدة الرّابعة والخمسون [الظّاهر والباطن، الحقّ والصّواب والخطأ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يعتبر الظّاهر أو الباطن، فيما ظاهره حقّ وصواب وتبيّن خطأ باطنه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بقاعدة: (لا عبرة بالظّنّ البيِّن خطؤه). إذا كان ظاهر شيء حقّاً وصواباً وباطنه خطأ وباطلاً، فهل الاعتبار والاعتداد بالظّاهر أو بالباطن؟ خلاف في مسائل: ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخرج زكاة ماله ودفعها إلى مَن ظنّه مصرفاً، فبان أنّه غني أو كافر أو عبد فهل تجزئ أو لا؟. بالنّسبة للغني هي مجزئة في الأصحّ. وبالنّسبة للكافر والعبد لا تجزئ؛ لأنّ الكافر ليس مصرفاً قطعاً، وأمّا العبد فإنّ ما في يده لسيّده. والسّيّد ليس مصرفاً للزّكاة. ومنها: إذا شَهِد عند القاضي بشيء فأمضاه لاعتقاده عدالة الشّاهد. ثم ظهر بعد الحكم أنّ الشّاهد مجروح، أي غير عدل. هل يمضي الحكم بناء على الظّاهر أو ينقض بناء على الباطن الذي ظهر خطؤه؟ خلاف. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 31، وينظر قواعد الفقه للروكي ص 195. وأشباه ابن الوكيل ق 2 ص 265. وأشباه السيوطي ص 106، وأشباه ابن نجيم ص 188.

القاعدة الخامسة والخمسون [التابع والمتبوع]

القاعدة الخامسة والخمسون [التّابع والمتبوع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يعطى التّابع حكم متبوعه أو حكم نفسه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة (التّابع تابع) وإن جيء بها بلفظ الإنشاء. فالتّابع والأتباع: هي ما ليست أصولاً قائمة بذاتها، بل هي تبع لغيرها في الوجود. فهذه الأتباع هل تتبع في الأحكام أصولها، أو تأخذ حكم نفسها ولو كان الحكم مغايراً لحكم متبوعاتها؟ وهذه القاعدة تخالف في الظّاهر القاعدة القائلة: (التّابع لا يفرد بالحكم). وينظر من قواعد حرف التّاء القواعد ذوات الأرقام 11، 12، 13, 15. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لشخص مالان: أحدهما للتّجارة، والآخر للقنية - وهما غير متساويين في المقدار - فهل يزكي الجميع أو لا؟ خلاف عند ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 136. وينظر إيضاح المسالك ق 52، وقواعد المَقري القاعدتان 294، 295.

المالكيّة فيه ثلاثة أقوال. ومنها: إذا كان عند شخص سيف محلَّى بذهب أو فضّة، وأراد بيعه نسيئة، فالمشهور عند المالكيّة منعه. واشتُرِط بيعه نقداً. ومنها: الأجرة على الإمامة تُمنَع مفردة، وتجوز مع الأذان في مشهور مذهب مالك.

القاعدة السادسة والخمسون [القصد العرفي]

القاعدة السّادسة والخمسون [القصد العرفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يقدم القصد العرفي على مقتضى اللفظ لغة (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قواعد سابقة تتعلّق بالتّعارض بين القصد واللفظ، أو القصد والواقع. القصد: المراد به النّيَّة. فإذا تعارض مقصود المتكلّم مع معنى اللفظ اللغوي فأيّهما يقدّم ويعمل بموجبه؟ خلاف عند المالكيّة. وقد سبق أنّ الأيمان مبناها على العرف لا على المعاني اللغوية، ما لم يكن للحالف نيّة اعتبار المعنى اللغوي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف ليصومَنَّ يوم قدوم زيد. فقدم زيد نهاراً. هل عليه صوم يوم نظراً لقصد القُربة. أو لا شيء عليه لقصد اللفظ؛ لأنّ القدوم خلال النّهار حيث لا يمكنه صوم ذلك اليوم لعدم إمكان تبييت النّيَّة من الليل. ومنها: إذا حلف لا يأكل لحماً ولا بيضاً. ففي حنثه بأكل لحم الحوت أو بيضه. قولان. والأرجح عدم الحنث. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 242. وينظر إيضاح المسالك ق 47. وقواعد المقري قاعدة 351.

القواعد السابعة والثامنة والتاسعة والخمسون [اتحاد الموجب والقابل]

القواعد السّابعة والثّامنة والتّاسعة والخمسون [اتّحاد الموجب والقابل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: هل يكتفى بالإيجاب والقبول من واحد فيما لا يقع غالباً إلا من شخصين (¬1)؟ وفي لفظ: هل الواحد يقدّر كاثنين (¬2)؟ وفي لفظ: هل اليد تكون قابضة دافعة في آن واحد (¬3)؟. وينظر من قواعد حرف الهمزة رقم 280، 419. وقواعد حرف (لا) تحت الرّقم 85. ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق لهذه القواعد أمثال بُيِّن فيها معناها ومدلولها: ومفادها باختصار: أنّ المعاملات الجارية بين الناس ذات طرفين موجب وقابل، بائع ومشتر، فهل يجوز أن يكون ذلك من واحد؟ فيكون موجباً قابلاً، بائعاً مشترياً؛ الأصل أنّه لا يجوز ذلك - ولكن خرج عن ذلك بعض المسائل اتّفق فيها على الجواز. وأصل ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 2 ص 154. وينظر المنثور جـ 1 ص 88، وأشباه السيوطي ص 280. (¬2) إعداد المهج ص 95 - 96. (¬3) نفس المصدر ص 157.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

مالك اعتبار جهتي الواحد فيقدر اثنين (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد ابن العمّ أن يتزوّج بابنة عمّه التي أحمد ولايته - أي هو وليُّها - فهل يلزمه أن يستنيب - أي يوكّل - وليّاً غيره في نكاحها؟ أو لا يلزمه ذلك؟ بل له أن يتولّى الطّرفين؟ خلاف. ومنها: وصي على يتيم اشترى شقصاً - أي جزءاً - فهل له أن يشفع للآخر أو لا؟ خلاف. ومنها: مَن أُخِذت منه الزّكاة، هل يمكن أن تعطى له أو لا؟ وفي هذه الأصح أنّ له أن يأخذ منها إذا افتقر بعد إخراجها؛ لأنّه أصبح من مصارف الزّكاة. ومنها: يرث الأب مع البنت بالفرض والتّعصيب. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة 306.

القاعدة الستون [الإسقاط قبل الوجوب]

القاعدة السّتّون [الإسقاط قبل الوجوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يلزم إسقاط الشّيء قبل وجوبه، وبعد جريان سببه (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد من وجوب الشّيء هنا: تنفيذه. وجريان السّبب: أي وجود سبب الحكم بالشّيء، فإذا وجب سبب لشيء ما، ولم يحن وقت تنفيذه، فهل يلزم إسقاطه في هذه الحالة أو لا يلزم؟ خلاف. والرّاجح عدم لزوم السّقوط. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوصى في مرض موته بوصيّة فوق الثّلث أو لوارث، فأجازها الورثة قبل موت الموصي، فهل لهم التّراجع بعد ذلك أو لا؟. ومنها: إذا شرط لزوجته أن لا يتزوّج عليها، أو لا يخرجها من دارها، فهل لها التّراجع بعد ذلك؟. ومنها: إذا قالت الأَمَة تحت العبد: إن عتقت تحت زوجي فقد فارقته، ثم أسقطت هذا الشّرط قبل أن تعتق، ثم عتقت، فهل يقع الفراق؟. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 186، وينظر إيضاح المسالك ق 55.

القاعدة الحادية والستون [الوفاء بالوعد]

القاعدة الحادية والسّتّون [الوفاء بالوعد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يلزم الوفاء بالوعد (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوعد: مصدر وَعَد يَعد. وهو قول حاصل عن كرم بأمر مستقبل. الوفاء بالوعد: من شِيم الكرام، أي تنفيذ الوعد كما وعد. فإذا وعد شخصٌ آخر بشيء ما، أو بفعل ما، فهل يلزمه ويجب عليه الوفاء به أو لا؟ خلاف عند المالكيّة. فهل يلزم الوفاء به مطلقاً؟ أو لا يلزم الوفاء به مطلقاً، أو إنّما يلزم الوفاء به إن وقع بسبب فقط، أو هو لا يلزم الوفاء به إلا إذا وقع بسبب ودخل من وقع له الوعد في ذلك السّبب؟ أربعة أقوال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص لآخر: أنا أسافر غداً، فوعده الآخر بسيّارة يسافر بها، فهذا يلزم الوفاء به. ومنها: إذا قال شخص لآخر: أريد الزّواج من فلانة. فقال: اخطبها، وعليَّ مهرها فخطبها. فهذا وعد يجب الوفاء به قطعاً. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 176.

القاعدة الثانية والستون [الأصغر والأكبر]

القاعدة الثّانية والسّتّون [الأصغر والأكبر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل يندرج الأصغر في الأكبر (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالأصغر والأكبر: الأخصّ والأعمّ من الأفعال. وينظر القاعدة رقم 248 من قواعد حرف الهمزة. إذا أتى المكلّف بالأكبر والأعمّ من الأفعال، فهل يندرج فيها الأصغر ويجزئ عن فعله منفرداً؟ الأصحّ نعم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غسل رأسه في وضوئه، هل يجزئ عن مسحه؟ ومنها: غسل جميع الأعضاء، هل يجزئ عن الوضوء أو لا؟ المشهور فيها الإجزاء. ومنها: اندراج أعمال العمرة في أعمال الحجّ للقارن، فليس عليه إلا طواف واحد وسعي واحد لهما. ومنها: إذا أخرج بعيراً زكاة خمسة أبعرة بدلاً من الشّاة. ومنها: مَن لزمته حدود وقُتِل. يجزئ عنه. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 66، وينظر إيضاح المسالك ق 13.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة، فلم يدخل الأصغر في الأكبر

رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة، فلم يدخل الأصغر في الأكبر: من كان فرضه التّيمّم - كمن به جراحة - فتجشّم المشقّة واغتسل بالماء. فلا يجزئه. ومنها: من فرضه الفطر فصام - كالحائض والنفساء - فلا يجزئه. ومنها: من فرضه الإيماء، فسجد على الجبهة. قالوا: لا يجزئه. والعلّة في عدم الإجزاء في مثل هذه المسائل؛ أنّه كان منهيّاً عن ذلك، والمنهي عنه لا يجزئ عن المأمور. وفي هذه المسائل خلاف.

القاعدة الثالثة والستون [نقض الظن]

القاعدة الثّالثة والسّتّون [نقض الظّنّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: هل ينتقض الظّنّ بالظّنّ (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الظّنّ - كما سبق بيانه - إدراك أمرين أحدهما أرجح من الآخر. والعمل بالرّاجح متعيّن. وقد يقوى الظّنّ فيسمّى غالب الظّنّ، أو أقوى الظّنّ، وهو قريب من اليقين. والمراد بالظّنّ: المسائل المبنيّة على الاجتهاد، لا على اليقين. وقد سبق في غير ما قاعدة: إنّ الظّنّ لا ينقض بالظّنّ؛ لأنّه ليس الظّن الثاني بأقوى أو أولى من الأوّل، ولأنّه لو نقض الظّنّ بالظّنّ لتسلسل الأمر ولما وثق بالأحكام. ولكن يجب نقض الظّنّ والاجتهاد إذا تبيّن أنّه مخالف للنّصّ، أو أنّه مبني على خطأ فاحش. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حكم القاضي في مسألة باجتهاده، أو أفتى المفتي بفتوى باجتهاده، ثم تغيّر اجتهاده في مسألة مماثلة إلى حكم آخر أو فتوى أخرى، فلا ينقض اجتهاده الثاني اجتهادَه الأول، لكن يجب عليه أن ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 39، وينظر ايضاح المسالك ق 7، والوجيز ص 384 - 386. والفروق للقرافي الفرق 223.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

يحكم أن يفتي باجتهاده الثاني في المسألة الثّانية. ومنها: إذا اجتهد في القبلة فصلّى، ثم في صلاة أخرى أدّاه اجتهاده إلى جهة ثانية. فلا يقضي الصّلاة الأولى، ولكن يصلي الصّلاة الثّانية لما أدّاه اجتهاده الثّاني. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا حكم الحاكم أو أفتى المفتي فإنّ حكمه وفتواه تنقض بأحد أربعة أسباب: إذا خالف النّص الصّريح، أو خالف الإجماع المقطوع به، أو خالف القواعد أو خالف القياس الجَلِيّ.

القاعدة الرابعة والستون [الهواء]

القاعدة الرّابعة والسّتّون [الهواء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الهواء ملك لصاحب القرار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الهواء: هو الفراغ أو الفضاء الذي يعلوك إلى عنان السّماء. القرار: هو الأرض التي يقرّ ويثبت عليها ويقيم. فمن ملك الأرض ملكاً شرعيّاً صحيحاً، فإنّه يملك معها هواءها، أو فراغها أو فضاءها الذي فوقها إلى عنان السّماء. ولا يجوز لأحد أن يعلو عليه فوقه ببناء أو غيره إلا بإذنه, لأنّه يجوز بيع الهواء، أي العلو الذي فوق ما أقيم على الأرض. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى أرضاً أو داراً أو بستاناً، أو ورثة أو وُهِب له، فله الأرض أو الدّار أو البستان بحدودها المعروفة المتّفق عليها - وله ما فوق الأرض أو الدّار أو البستان من الهواء إلى عنان السّماء، بدون ذكر في العقد. ومنها: بنى عمارة أو بناية من عدّة طوابق أو أدوار. فله بيع كلّ طابق أو جزء طابق أو دور كامل أو غير كامل، مع بقاء ملكيّة الأرض وما فوقها له. والمشتري إنّما ملك العلو دون السّفل. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 516.

حرف الواو

قواعد حرف الواو وعدد قواعده 93 قاعدة

القاعدة الأولى [الواجبات والأسباب]

القاعدة الأولى [الواجبات والأسباب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجبات تضاف لأسبابها حقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجبات: جمع واجب. وهو ما طلب الشّارع فعله طلباً جازماً، ويترتّب على فعله الثّواب وعلى تركه بغير عذر العقاب. ومعنى إضافة الواجبات إلى أسبابها: إسنادها إليها ونسبتها لها. ونسبتها إلى أسبابها حقيقة - بحسب ظاهر الأمر - وذلك بجعل الله عزّ وجلّ، فأصل الواجب ثابت بإيجاب الله تعالى، وسبب الوجوب ما جعله الله سبباً. وليست هذه الإضافة خاصّة بالواجبات - بحسب التّعريف السّابق للواجب - ولكنّها عامّة في كلّ عبادة واجبة أو مستحبّة، فإنّها تضاف إلى أسبابها، كركعتي الضّحى. ثالثاً: من أمثلة لهذه القاعدة ومسائلها: المال سبب لوجوب الزّكاة بجعل الله سبحانه وتعالى. ولذلك يقال: زكاة المال. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 2 ص 149، جـ 3 ص 73، 131، جـ 4 ص 2، جـ 8 ص 147، القواعد والضّوابط ص 497 عن التحرير.

ومنها: الصّلوات تضاف إلى أوقاتها - وهي أسبابها - كصلاة الفجر والظّهر. ومنها: كفّارة الفطر في رمضان تضاف إلى سببها وهو الفطر بالجماع وغيره. ومنها: الحجّ سببه البيت، قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (¬1). ومنها: كفّارة الحنث في اليمين، تضاف إلى اليمين لأنّه سببها. عند الشّافعي رحمه الله. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران الآية 97.

القاعدة الثانية [الواجبات]

القاعدة الثّانية [الواجبات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجبات لا تثبت احتياطاً بالشّكّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً بيان معنى الواجبات. وقد سبق كذلك قريب من معنى هذه القاعدة فالواجبات إنّما تثبت بدليل مقطوع به أو مظنون ظنّاً غالباً، وعند وقوع الشّكّ في دليل الوجوب فلا يثبت الواجب بدليل مشكوك في ثبوته؛ لأنّ الواجب القطعي يلزمه دليل قطعي. والمراد بالواجب هنا الفرض، فإذا شككنا في وجوب أمر فإنّ الاحتياط عدم ثبوت ذلك الواجب حتى يقوم على ثبوته دليل قطعي؛ لأنّه ما لم يرد بالإيجاب نصّ أو إجماع أو معناهما لا يثبت إيجابه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا تجب الطّهارة على من تيقّنها وشكّ في الحدث. عند غير مالك رحمه الله. ومنها: لا تجب الزّكاة في المتولّد بين الوحشي والأهلي - وهو مذهب الشّافعي رحمه الله - وقد رجّحه ابن قدامة رحمه الله؛ لأنّ الأصل انتفاء الوجوب، ولا نصّ في هذه ولا إجماع؛ لأنّ النّص إنّما ¬

_ (¬1) المغني جـ 2 ص 596، 701، 731.

ورد في بهيمة الأنعام من الأزواج الثّمانية. ومنها: لا تجب الزّكاة في أجناس الحبوب المختلفة ما لم يبلغ كلّ جنس منها النّصاب منفرداً، - على الرّاجح من الأقوال - ولا يضمّ بعضها إلى بعض.

القاعدة الثالثة [الاجتهاد - الإصابة]

القاعدة الثّالثة [الاجتهاد - الإصابة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب الاجتهاد أو الإصابة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهاء تحت الرّقم 42. وقد بيّنّا هناك أنّ الواجب استفراغ الوسع في البحث مع محاولة الوصول إلى الصّواب. ولكن ليس على المجتهد أن يصيب اجتهاده؛ لأنّ إصابة الحقّ - وإن كان طريقها الاجتهاد - لكن إنّما تحصل بتوفيق من الله عَزَّ وَجَلَّ. إنّما على المجتهد أن يسلك طريق الاجتهاد الصّحيح قاصداً الوصول لإصابة الحق، فإنّ أصاب الحقّ بتوفيق من الله سبحانه وتعالى فله أجران، وإن أخطأ الوصول إلى الحقّ - وقد اتّخذ طريق الاجتهاد الصّحيح - فله أجر واحد. بفضل الله ورحمته. ¬

_ (¬1) إيضاح المسالك ق 8.

القاعدة الرابعة [قضاء الواجب - الكفارة]

القاعدة الرّابعة [قضاء الواجب - الكفّارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب إذا فات بالتّأخير وجب قضاؤه، أو جبره بالكفّارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الكاف تحت الرّقم 252. كما سبق بيان معنى الواجب. فمفاد هذه القاعدة: أنّه إذا فات واجب - تقدّم سببه، وحدّد الشّارع وقتاً لأدائه - ولم يؤدّه المكلّف في وقته المحدّد له، وتأخّر المكلّف عن أدائه بسبب من الأسباب فإنّه يجب على المكلّف قضاؤه - أي فعله خارج وقته المحدّد له - أو جبره بالكفّارة بسبب تأخيره وعدم أدائه في وقته. وقد يجمع بين الأداء والكفّارة معاً. وما لم يحدّد الشّارع وقتاً لأداء الواجب لم يكن فعله إلا أداءً، ولا يوصف بالقضاء كالزّكاة والحجّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نام عن صلاة أو نسيها حتى خرج وقتها، فيجب عليه قضاؤها عند الاستيقاظ أو التّذكّر، ولا تبرأ ذمّة المكلّف إلا بذلك. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 317، وجـ 3 ص 75، وأشباه السيوطي ص 401.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: من أفطر في رمضان بعذر وجب عليه قضاء ما أفطره بعد خروج رمضان. فإن أخّر القضاء حتى جاء رمضان آخر فعليه القضاء والكفّارة معاً - عند غير الحنفيّة -. ومنها: المفطر متعمّداً في نهار رمضان بالجماع عليه القضاء والكفّارة باتّفاق، وإذا أفطر متعمّداً بغير الجماع بأكل أو شرب فعليه كذلك القضاء والكفّارة عند الحنفيّة والمالكيّة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الصّبي غير المميّز - إذا بلغ - لا يؤمر بقضاء الصّلاة - لا إيجاباً ولا ندباً؛ لأنّه لم يوجد في ذمّته سبب الوجوب. ولكن إذا كان مميّزاً فترك الصّلاة ثم بلغ، أُمِر بالقضاء ندباً واستحباباً في وجه. ومنها: المجنون إذا أفاق لم يؤمر بالقضاء. ومنها: الحائض أو النّفساء بعد طهرها لا يستحبّ لها قضاء الصّلاة - بل لا يجوز - بخلاف قضاء الصّوم إذ يجب عليها. ومنها: الجمعة إذا فاتت - لا توصف إلا بالأداء، ولا تقضى - فمن فاتته الجمعة صلّى الظّهر. ومنها: صلاة الاستسقاء وصلاة الخسوف وتحيّة المسجد وصلاة الجنازة، كلّها إذا فاتت لا توصف بالقضاء. ومنها: الإحرام لدخول مكّة - عند من يقول بوجوبه - إذا دخلها بغير إحرام، لا يجب عليه القضاء في أصحّ القولين؛ لأنّ دخوله ثانياً يقتضي إحراماً آخر، فهو واجب بأصل الشّرع لا بالقضاء.

القاعدتان: الخامسة والسادسة [أداء ما فوق الواجب]

القاعدتان: الخامسة والسّادسة [أداء ما فوق الواجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الواجب إذا قدِّر بشيء فعدل إلى ما فوقه هل يجزئه (¬1)؟ وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 60. وفي لفظ: الواجب الذي لا يتقدّر هل يوصف كلّه بالوجوب (¬2)؟ وينظر من قواعد حرف الزّاى القاعدة 2. ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: 1 - من الواجبات ما قدّره الشّارع وحدّد مقداره، فإذا وجب على المكلّف واجب محدّد المقدار فأدّى ما فوقه - أي أكثر منه - فهل ذلك يجزئ ويبرئ الذّمّة؟ في المسألة تفصيل: إذا كان يجمع الواجب وما فوقه نوع واحد أجزأه، وما لا فلا يجزئ. وأقسامه أربعة: 1 - ما يجزئ قطعاً. 2 - ما يجزئ في الأصحّ. 3 - ما لا يجزئ قطعاً. 4 - ما لا يجزئ في الأصحّ. 2 - ومن الواجبات ما لم يقدّر الشّارع له مقداراً محدّداً، إنّما يجزئ منه أقلّ ما ينطلق عليه الاسم فإذا زاد المكلّف على ذلك فهل يوصف كلّه بالوجوب؟ خلاف. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 318. (¬2) المجموع لوحة 89 أ، قواعد الحصني جـ 2 ص 57.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا دفع بعيراً عن خمس من الإبل - بدل الشّاة الواجبة - أجزأه قطعاً. ومنها: قيام المسجد الحرام مقام مسجد المدينة والأقصى عند نذر الصّلاة فيهما أو الاعتكاف؛ لأنّ المسجد الحرام أفضل منهما. ولا يجوز العكس. ومنها: إذا غسل رأسه بدل مسحه، أجزأه في الأصحّ؛ لأنّه مسح وزيادة. ومنها: إذا نذر اعتكاف أيّام متفرّقة، ثم اعتكفها متتابعة. أجزأ في الأصحّ. ومنها: إذا نذر التّصدّق بدرهم، لم يجز بدينار قطعاً. ومنها: إذا وجب عليه شاة في جزاء صيد فأخرج بدنة أو بقرة لم يجزه؛ لأنّ المماثلة في الصّورة مقصودة. ومنها: إذا أوجب على نفسه عمرة لم تقم حجّة مقامها، وإن اشتملت على أعمال العمرة وزادت. ومنها: إذا قرأ سورة البقرة في ركعة هل تعتبر كلّها واجباً، أو الواجب ما تصحّ به الصّلاة فقط؟ خلاف.

القاعدة السابعة [الواجب غير المعين والمقدر]

القاعدة السّابعة [الواجب غير المعيّن والمقدّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب إذا لم يتعلّق بمعيّن لا يتفاوت بالقلّة والكثرة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقتيها. والمراد بالواجب غير المتعلّق بمعيّن: الواجب غير المقدّر وغير المحدّد، فالواجب غير المقدّر يعتبر كلّه واجباً سواء كان قليلاً أم كثيراً، فهو لا يتفاوت فكلّ ما يأتي به المكلّف منه يعتبر واجباً؛ لأنّ الزّائد من جنس المزيد عليه. وهذه القاعدة تمثّل رأي الحنفيّة في هذه المسألة فعندهم أنّ الواجب غير المقدّر يعتبر كلّ ما يأتي به المكلّف منه واجباً قلّ أو كثر. ولا خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: سبّح في ركوعه أو سجوده عشرين تسبيحة. يعتبر الكلّ واجباً. ومنها: إذا مسح رأسه كلَّه - عند من يرون أنّ الواجب مسح البعض - يقع الكلّ واجباً. ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 90.

ومنها: إذا قرأ القرآن كلّه في ركعة. كان كلّه واجباً. ومنها: ثبوت حكم الرّضاع - أي تحريم الرّضيع على أقارب المرضعة - بقليل الرّضاع وكثيره، ولو بمصّه قطرة - عند الحنفيّة - حيث إنّ الشّارع الحكيم علّقه بفعل الرّضاع من غير قيد بالعدد - خلافاً لغير الحنفيّة الذين قالوا: لا يثبت الرّضاع إلا بخمس رضعات في خمسة أوقات.

القاعدة الثامنة [الواجب المطلق والمقيد]

القاعدة الثّامنة [الواجب المطلق والمقيّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشّرع ويقيّد ما يقيّده (¬1)؟ أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الميم تحت الرّقم 21. الإطلاق ضد التّقييد. فالّلفظ المطلق هو العامّ الشّامل شمولاً بدلياً، ولم يقيّد بوصف أو حال، أو غير ذلك من القيود، وقد سبق بيان ذلك. فمفاد القاعدة: أنّ ما ورد عن الشّرع مطلقاً دون قيد أنّه يجب العمل به على إطلاقه، وأنّ ما ورد عن الشّرع مقيّداً يجب تقييده كما قيّده الشّرع. ولا يحمل المطلق على المقيّد. وهذه من القواعد التي وقع في مضمونها الخلاف بين الحنفيّة وغيرهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الرّقبة في كفّارة اليمين مطلقة عن قيد الإيمان، فيجوز إعتاق الكافرة. ¬

_ (¬1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ 24 ص 12 - 13.

ومنها: الرّقبة في كفّارة القتل الخطأ مقيّدة بالإيمان، فيجب إعتاق الرّقبة المؤمنة. ولا يجزئ إعتاق رقبة كافرة. ومنها: عند ابن تيمية رحمه الله: إنّ المسافر يقصر الصّلاة في كلّ سفر قصير أو طويل، وكذلك جميع الأحكام المتعلّقة بالسّفر؛ وذلك لأنّ الشّارع ذكر السّفر مطلقاً ولم يخصّ سفراً طويلاً دون قصير. ولم يحدّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسافة القصر بحدّ لا زماني ولا مكاني، فمن جعلها متعلّقة بالسّفر الطّويل فليس معه حجّة يجب الرّجوع إليها.

القاعدتان التاسعة والعاشرة [الزائد على الواجب المقدر وغير المقدر]

القاعدتان التّاسعة والعاشرة [الزّائد على الواجب المقدّر وغير المقدّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب الذي لا يتقدّر إذا زاد فيه على القدر المجزئ هل يتّصف الجميع بالوجوب (¬1)؟ وفي لفظ: الواجب المقدّر إذا أتى به وزيد عليه هل يتّصف الكلّ بالوجوب، أو المقدّر الواجب والزّائد سنّة (¬2)؟ ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق قريباً مثل هاتين القاعدتين: القاعدتان رقم 5، 6. ولكن موضوعهما فيه اختلاف قليل عن موضوع ما سبق، إذ أنّ موضوعهما في صفة هذا الزائد هل هو واجب لاتّصاله بالواجب، أو أنّ الواجب هو ما يقع عليه الاسم، أو هو المقدّر شرعاً، وهذا الزّائد يعتبر نفلاً وتطوّعاً وسنّة؟ خلاف بين العلماء. وقد رأينا آنفاً أنّ الحنفيّة يعتبرون الكلّ واجباً. ولكن هل لبهذا الخلاف أثر فقهي؟ نعم، له أكثر من أثر فقهي: ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 3، أشباه السيوطي ص 532، وينظر أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 145، قواعد الحصني جـ 2 ص 57. (¬2) المنثور جـ 3 ص 321.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

1 - أنّ الواجب أفضل من النّفل، وأنّ ثواب الواجب أعظم من ثواب النّفل. 2 - أنّ الهدي المنذور - إذا قلنا: جميع البعير المخرج عن الشّاة واجب - لم يجز الأكل منه. 3 - أنّ المزكّي إذا عجل البعير عن الشّاة في الخمس من الإبل، ثم ثبت له الرّجوع لهلاك النّصاب أو استغناء الفقير، فإن قلنا: الجميع واجب. رجع في جميعه، وإلا ففي خُمسه. 4 - ومنها: أنّ من كشف عورته في الخلاء زائداً على قدر الحاجة، هل يأثم على كشف الجميع أو على القدر الزّائد؟ فيه خلاف. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: قد سبق لهذه القواعد أمثلة ومسائل خلال الشّرح، وضمن ما سبق من القواعد.

القاعدة الحادية عشرة [الواجب والمندوب]

القاعدة الحادية عشرة [الواجب والمندوب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب أفضل من المندوب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثيل، ينظر من قواعد حرف الفاء القاعدة ذات الرّقم 11. وسبق أيضاً بيان معنى الواجب. والمندوب: هو ما طلب الشّارع فعله طلباً غير جازم. وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. فالمكلّف بالخيار بين فعله وتركه. ولمّا كان الواجب لا خيار فيه، وهو مطلوب طلباً جازماً، ويثاب المكلّف على فعله ويعاقب على تركه كان فعله والإتيان به أفضل من فعل المندوب؛ لأنّ المندوب لا يعاقب تاركه ولم يطلبه الشّارع طلباً جازماً، وإن حثّ على فعله، ويترتّب على ذلك أنّه إذا تعارض واجب ومندوب قُدِّم الواجب على المندوب قطعاً. ودليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي عن ربّ العزّة: "ما تقرّب إلى عبدي بشيء أحبَّ إليَّ ممّا افترضت ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 168. والفروق جـ 2 ص 122 - 131، وينظر أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 185، وأشباه السيوطي ص 145. وأشباه ابن نجيم ص 157.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليَّ بالنّوافل حتى أحبَّه" الحديث (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الفرائض أفضل من النّوافل - فالصّلوات المفروضات أفضل من نوافل الصّلاة. ومنها: صيام رمضان أفضل من التّطوّع. ومنها: الزّكاة الواجبة أفضل من صدقة التّطوّع. فمن قضى ليله ونهاره يصلّي تطوّعاً لن يغنيه ذلك عن فريضة لم يصلّها. ومن صام الدّهر كلّه، ولم يصم يوماً من رمضان متعمّداً لم يغنه ذلك ما لم ينو في أحدها القضاء. ومن أنفق ماله كلَّه في طاعة وصدقة ولم يؤدّ زكاة ماله عند وجوبها لم تبرأ ذمّته. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة فكان النّفل أفضل من الفرض: الجمع بعرفة مندوب، ترك فيه واجبان: أحدهما تقديم صلاة العصر عن وقتها فتقدّم وتصلّى مع الظّهر. وثانيهما: ترك الجمعة إذا جاءت يوم عرفة ويصلّى الظّهر ركعتين. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه جـ 7 ص 190 كتاب الرّقاق باب 1038

وقد ذكر القرافي رحمه الله مسائل أخرى، لم يسلّمها له ابن الشّاط رحمه الله. ومنها: إبراء المعسر وإن كان مندوباً أفضل من إنظاره، وأعظم أجراً منه لأنّ مصلحة الإبراء أعظم. وهذا المثال ناقشه ابن الشّاط ولم يسلّمه كذلك. ومنها: ابتداء السّلام سنّة والرّدّ واجب، والابتداء أفضل لقوله عليه الصّلاة والسّلام "وخيرهما الذي يبدأ بالسّلام" (¬1). ¬

_ (¬1) الحديث عن أبي أيوب رضي الله عنه أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الأدب الباب 9.

القاعدة الثانية عشرة [الواجب بقتل العمد]

القاعدة الثّانية عشرة [الواجب بقتل العمد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب بقتل العمد هل هو القود عيناً، أو أحد أمرين إمّا القود وإمّا الدّية (¬1)؟ فيه روايتان. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالواجب هنا: ما أوجب الله سبحانه على القاتل المتعمّد. هل هو القصاص خاصّة؟ وأمّا الدية فهي بدل عنه عند إسقاطه؟ أو الواجب أحد الأمرين لا بعينه، القصاص - أي القوْد أو الدية؟ خلاف بين الأئمّة، وعند أحمد رحمه الله روايتان. القوْد - القصاص. وسمّي قوْداً؛ لأنّ القاتل يقاد إلى ولي المقتول ليقتصّ منه. والدِّيَة: هي المال الذي يؤدّيه القاتل إلى أولياء القتيل، إذا لم يقتصّ منه. ولكن هل يترتّب على هذا الخلاف ثمرة؟ نعم، يظهر ذلك من خلال الأمثلة: ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استوفى وليّ المقتول القصاص فيتعيّن حقّ المستوفي. فإن قلنا: إنّ الواجب القود عيناً، فلا يكون الاستيفاء تفويتاً للمال. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 137.

وإن قلنا: الواجب أحد الأمرين فهل يكون القصاص تفويتاً للمال أم لا؟ على وجهين. ومنها: إذا قُتِل العبد المرهون، فاقتصّ الرّاهن من قاتله بغير إذن المرتهن، فهل يلزمه الضّمان للمرتهن أم لا؟ على وجهين. أشهرهما اللزوم بناء على أنّ الواجب أحد الأمرين. والوجه الثّاني، لا يلزمه الضّمان. ومنها: إذا عفا عن القصاص، فإمّا أن يقع العفو إلى الدية، فإن قلنا: موجبه أحد شيئين، ثبتت الدية. وإلا لم يثبت شيء بدون تراض منهما. وإمّا أن يعفو عن القصاص ولا يذكر مالاً، فإن قلنا موجبه القصاص عيناً فلا شيء له. وإن قلنا: أحد شيئين ثبت المال. وإمّا أن يعفو عن القوْد إلى غير مال مصرحاً بذلك فعلى كلّ وجه لا مال له، وسقط المال والقصاص.

القاعدة الثالثة عشرة [واجب النذر]

القاعدة الثّالثة عشرة [واجب النّذر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب بالنّذر هل يلحق بالواجب بالشّرع أو بالمندوب؟ فيه خلاف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثال لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف النون تحت الرّقم 16. وكذلك ضمن قواعد حرف التّاء الرّقم 220. فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 100.

القاعدة الرابعة عشرة [الواجب الشرعي]

القاعدة الرّابعة عشرة [الواجب الشّرعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب شرعاً لا يحتاج إلى القضاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالواجب شرعاً: ما أوجبه الشّرع على المكلّف ابتداءً. فما كان كذلك لا يلزم لثبوته في ذمّة المكلّف الحكم والقضاء به؛ لأنّه لازم بنفسه بإلزام الشّرع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد بيع فاسد لفقده شرطاً من شروط الصّحّة فإنّ الواجب شرعاً فسخ هذا البيع، ولا يلزم الرّجوع للقضاء لإثبات فسخه، إلا إذا ادّعى أحدهما صحّة البيع لا فساده. ومنها: ثبوت خيار العتق لا يحتاج للقضاء؛ لأنّه شرع لدفع ضرر جلي، وهو زيادة الملك عليها. فاعتبر - أي خيار العتق - دفعاً، والدّفع لا يحتاج للقضاء. ومنها: الفرقة بالإيلاء وبالرّدّة وبتباين الدّارين، وبملك أحد الزّوجين صاحبه، وبالنّكاح الفاسد، كلّها لا تحتاج إلى القضاء لفسخها. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 177، ترتيب اللآلي لوحة 109 أ، شرح الخاتمة ص 86.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة، فلا يلزم إلا بالقضاء

ومنها: النّفقات الشّرعيّة الواجبة كالنّفقة على الأولاد الصّغار أو العاجزين، وعلى الأبوين، والزّوجة، كلّها نفقات لا تحتاج للقضاء لإثباتها، ولكن قد تحتاج للقضاء لتقديرها عند الاختلاف. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة، فلا يلزم إلا بالقضاء: الفرقة بالجُبّ والعنّة وبخيار البلوغ، وبعدم الكفاءة، وبنقصان المهر، وبإباء الزّوج عن الإِسلام، وباللعان. فهذه كلّها لا يثبت الفسخ بها إلا بالقضاء.

القاعدة الخامسة عشرة [الواجب الكفائي]

القاعدة الخامسة عشرة [الواجب الكفائي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب على الكفاية واجب على الكلّ ويسقط بفعل البعض (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب من حيث المخاطَب به ينقسم إلى قسمين: واجب عيني، المخاطب به كلّ فرد فرد من المكلّفين كالصّلاة. وواجب كفائي المخاطَب به المجموع، وهو كلّ مهم ديني يراد به حصوله، ولا يقصد به عين من يتولاّه (¬2). والمطلوب في الواجب العيني طاعة المكلّف وقيامه بما وجب عليه بحيث لا تبرأ ذمّته إلا بفعله بنفسه، ولا يصحّ أن يقوم غيره بأداء المطلوب - إذا كان المطلوب واجباً بدنيّاً؛ لأنّ المقصود من إيجابه إظهار العبوديّة والخضوع لله المعبود. ولكن إذا كان الواجب المطلوب ماليّاً فيجوز فيه الاستنابة والتّوكيل. ¬

_ (¬1) مسلم الثبوت ج 1 ص 62 - 63، وعنه قواعد الفقه ص 136، وينظر المجموع المذهّب لوحة 78 أ، أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 89، قواعد الحصني جـ 2 ص 3، المنثور جـ 3 ص 33. (¬2) المنثور جـ 3 ص 33 عن الغزالي في كتاب السير.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وأمّا الواجب الكفائي: فالمطلوب فيه أداء الفعل بقطع النّظر عمَّن يقوم به، فالمخاطَب به مجموع المكلّفين، ومَن يقوم به فرد أو أفراد، فإذا فعله بعض المكلّفين سقطت المطالبة به عن الباقين، وسقط الإثم عنهم وأثيب مَن قام به. ولكن إن لم يقم به أحد أثم الجميع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة والصّيام والزّكاة والحجّ، واجبات عينيّة يخاطب بها كلّ مكلّف بعينه، ولا يجوز الاستنابة فيها - إلا في الحجّ عند الضّرورة، أو تفرقة زكاة. ومنها: القضاء واجب على الكفاية. فإذا قام به بعض المكلّفين، وسدَّت بهم الحاجة سقطت المطالبة به عن الباقين. ومنها: الجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به بعض المكلّفين من المجاهدين وسدَّت بهم الحاجة سقطت المطالبة به عن الباقين، إلا إذا دَهَم العدو فيكون فرض عين على كلّ مكلّف قادر. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا تعيّن أحد للقضاء - مثلاً - ولم يوجد غيره يسدّ مسدّه، أصبح هذا الواجب عينيّاً عليه، بحيث يأثم إذا لم يلي القضاء. ومنها: إذا دهم الكفّار أرض الإسلام، أو جانب من أرض الإسلام - ولم يستطع أهل تلك النّاحية صدّهم - أصبح الجهاد فرض عين على كلّ قادر من تلك النّاية ثم الأقرب فالأقرب حتى يعمّ الوجوب أرض الإِسلام كلّها.

القواعد السادسة والسابعة والثامنة عشرة [ترك الواجب]

القواعد السّادسة والسّابعة والثّامنة عشرة [ترك الواجب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الواجب لا يترك إلا لواجب. وفي لفظ: الواجب لا يترك لسُنَّة (¬1). وفي لفظ: الواجب لا يترك إلا إلى الأبدال (¬2). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: سبق قريب من معنى هذه القواعد ضمن قواعد حرف الجيم تحت الرّقم 35. ومن ضمن قواعد حرف الميم تحت الرّقم 118. القاعدتان الأوليّان تدلاّن على أنّ الواجب لا يجوز تركه دون فعله إلا لواجب مثله، وأنّه لا يجوز تركه لِسُنَّة أو مندوب أو مستحبّ؛ لأنّ الفرض والواجب أفضل من النّفل كما سبق بيانه. والقاعدة الثّالثة: قريبة المعنى من سابقتيها، ولكنّها لم تُشِر إلى الأبدال هل هي واجبات أو سنن، فكانت أعمّ دلالة من حيث ألفاظها، ولكن القاعدتين الأوليّين يخصّصانها بأنّه لا يجوز ترك الواجب إلا لواجب مثله، ولكن المحقّق لقواعد الإشراف لم يشر إلى ذلك مع الأسف. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 148. (¬2) قواعد الفقه للروكي ص 285 عن الإشراف جـ 1 ص 118.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: قطع اليد في السّرقة لو لم يجب لكان حراماً. ومنها: وجوب أكل الميتة للمضطر. ومنها: الختان لو لم يجب لكان حراماً، لما فيه من قطع عضو، وكشف العورة والنّظر إليها وإمساكها. وهذه الأمثلة التي ذكرها السّيوطي ليس فيها ترك واجب لواجب، بل ترك حرام لواجب. ومنها: وجوب القصر في الصّلاة بالنّسبة للمسافر عند بعض المالكيّة. قطع الصّلاة لإنقاذ إنسان أوشك على الغرق واجب، فجاز ترك الصّلاة الواجبة لإنقاذ حياة إنسان. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: النّظر إلى المخطوبة لا يجب، ولو لم يشرع لم يجز، وهذا ترك الحرام للجائز المشروع. ومنها: قتل الحيّة في الصّلاة لا يجب، ولو لم يشرع لكان مبطلاً للصّلاة لما فيه من الحركة الكثيرة والانشغال. فهو جائز ومستحبّ. وليس واجباً.

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون [الواجب والسلامة]

القاعدتان التّاسعة عشرة والعشرون [الواجب والسّلامة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الواجب لا يتقيّد بوصف السّلامة، والمباح يتقيّد (¬1). وفي لفظ: الواجب لا يجامع الضّمان (1). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالواجب: ما أوجب الشّرع إيقاعه من العقوبات، فلو سرت العقوبة الواجبة وأتت على نفس الجاني، فلا ضمان على الفاعل؛ لأنّه فعل واجباً، لكن بشرط أن لا يكون قد تجاوز المعتاد. ولكن إذا كانت العقوبة أو الفعل مباحاً - أي جائزاً أن يفعل أو لا يفعل، فسرى أثر الفعل إلى النّفس فيجب الضّمان؛ لأنّ ما كان مباحاً أو جائزاً يشترط فيه سلامة العاقبة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا قطع القاضي أو بأمره يد سارق فسرى القطع إلى النّفس، فلا ضمان على القاضي؛ لأنّه فعل واجباً. ومنها: إذا وجب التّعزير على شخص فَعُزِّر - ولم يجاوز المعتاد - فمات المعذَّر، فلا ضمان كذلك، لأنّ القطع والتّعزير واجب إقامته على القاضي، والواجب لا يجامع الضّمان. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 289، شرح الخاتمة ص 87.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا فصد إنساناً فسرى الفصد إلى النّفس - ولم يجاوز المعتاد - فلا ضمان عليه لوجوبه بعقد الفصد. كالطّبيب إذا قام بعمليّة جراحيّة لمريض فمات المريض فلا ضمان على الطّبيب، لرضاء المريض بإجراء العمليّة. وقيام الطّبيب بإجراء العمليّة على الوجه المعتاد علميّاً دون تقصير. ومنها: إذا قطع المقطوع يده يد قاطعه، فسَرَت. ضمن الدية؛ لأنّه فعل مباحاً أو جائزاً؛ لأنّ له أن يعفو بدون شيء أو بالأرش. ومنها: إذا عزر زوجته بالضّرب متجاوزاً للحدّ ضمن ديتها. ومنها: المرور في الطّريق مقيّد أيضاً بشرط السّلامة. ومنها: ضرب التّأديب مقيّد بشرط السّلامة لكونه مباحاً، وأمّا ضرب التّعليم فلا يتقيّد بشرط السّلامة لكونه واجباً. وكلّ ذلك محلّه في الضّرب المعتاد. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: من وطئ زوجته فأفضاها، أو ماتت، فلا ضمان عليه مع كونه مباحاً؛ لأنّ الوطء قد أُخِذ موجبه وهو المهر فلم يجب به آخر. ولكن لو وطئ أجنبيّة فأفضاها أو ماتت وجب عليه الدّيّة كاملة في ماله. ومنها: حفر بئراً في برّيَّة في غير ممرّ النّاس لم يضمن ما وقع فيها.

القاعدة الحادية والعشرون [الواجب والفرض والعوض]

القاعدة الحادية والعشرون [الواجب والفَرض والعوض] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الواجب لا يجوز أخذ العوض عنه (¬1). وفي لفظ سبق: الفرض لا يؤخذ عليه عوض (¬2). وينظر من قواعد حرف الفاء القاعدة 13. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة سبقت ضمن قواعد حرف "لا" تحت الرّقم 99. ومفادها: أنّ ما يجب على المكلّف فعله لا يجوز له أن يأخذ عنه عوضاً أو أجراً ليفعله أو ليسقط عنه؛ لأنّ الواجب يجب فعله على المكلّف قطعاً، والتّكليف والوجوب الشّرعي ينافي الضمان والعوض، ولا يسقط الواجب عن المكلّف إلا بعذر مشروع. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز الاستئجار على الجهاد؛ لأنّه إذا حضر الصّف تعيّن عليه، هذا حينما كان المجاهدون يخرجون بأنفسهم وأسلحتهم ولهم أربعة أخماس الغنائم، كما كان لهم العطاء، وكانوا غير متفرّغين للجهاد ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 317، وينظر جـ 3 ص 28، وأشباه السيوطي ص 469. (¬2) المنثور جـ 3 ص 28.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

غالباً. ولكن اليوم الجيوش تجيّشها الدّولة وهي تتكفّل بأسلحتهم ودوابّهم وكلّ ما يحتاجونه من عدّة الحرب، وهم متفرّغون لهذا فلذلك لهم أخذ الرّواتب من الدّولة لقاء تفرّغهم لمهامهم المنوطة بهم. ومنها: مَن تعيَّن عليه قبول الوديعة، فلا يجوز أخذ أجرة الحفظ؛ لتعيّنه عليه. ومنها: إذا قال: مَن دلَّني على مالي فله كذا، فدلّه مَن المال في يده، لم يستحقّ شيئاً؛ لأنّ ذلك واجب عليه بالشّرع، فلا يجوز أخذ العوض عنه، بخلاف الرّدّ. ومنها: إذا خلَّص مشرفاً على الهلاك بالوقوع في الماء أو النّار، لا تثبت له أجرة المثل. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: على الأمّ إرضاع ولدها اللبأ، ولها أخذ الأجرة عليه. عند الشّافعيّة. ومنها: بذل الطّعام في المخمصة واجب، وله أخذ العوض عنه. ومنها: إذا أصدقها تعليم القرآن - وهو متعيّن لتعليمها، فالأصحّ الصّحّة. ومنها: أرباب الحِرَف - إذا تَعَيَّنت عليهم - يعملون بالأجرة، كما يجب على العالم تعليم الفاتحة للجاهل بأجرة.

القاعدة الثانية والعشرون [المقدر]

القاعدة الثّانية والعشرون [المقدّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب المقدّر إذا أتِي به وزِيد عليه هل يتّصف الكلّ بالوجوب، أو الواجب المقدّر والزّائد سنّة؟ وجهان (¬1). وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 60. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة تحت الرّقم 5، 6، 9، 10 من قواعد هذا الحرف. وقد بُيِّن ما فيها ووضّحت بالأمثلة، فلتنظر هناك. ¬

_ (¬1) المنثور للزركشي جـ 3 ص 320.

القاعدة الثالثة والعشرون [الواجب المقيد]

القاعدة الثّالثة والعشرون [الواجب المقيّد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب المقيّد بوصف شرعاً لا يتأدّى بدونه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا كان الواجب المطلوب فعله مقيّداً بصفة خاصّة، فلا تبرأ ذمّة المكلّف إلا أتى به وأدّاه على صفته المشروعة والمطلوبة. فلو أدّاه على غير صفته وقيده لم يجزئه وعليه إعادته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صوم كفّارة اليمين لا يجزئ عند الحنفيّة إلا متتابعاً. بناءً على القراءة غير المتواترة؛ لأنّ الحنفيّة يوجبون العمل بالقراءة الشّاذة. ومنها: كفّارة القتل الخطأ والظّهار يجب إعتاق رقبة مؤمنة، فلو أعتق رقبة غير مؤمنة لم تجزئ باتّفاق. ومنها: صيام شهرين متتابعين في كفّارة القتل الخطأ والظّهار - إذا لم يجد الرّقبة - فلا يجزئه إذا صام ستّين يوماً متفرّقة، فلو أفطر يوماً خلال شهرين بعذر أو بغير عذر فعليه استقبال الصّيام لفوات صفة التّتابع بفطره، لكن إذا كان المكفّر امرأة فلا يقطع تتابع صيامها حيضها حيث تتمّ ستّين يوماً بعد إسقاط أيّام الحيض. ومنها: الأضحية لا تجوز إلا بالصّفات المقيّدة بها. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 7 ص 12.

القاعدة الرابعة والعشرون [الواجب الموقت]

القاعدة الرّابعة والعشرون [الواجب الموقّت] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب الموقّت لا يجوز إخراجه قبل وقته إلا بدليل (¬1) منفصل. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب من حيث وقته نوعان: نوع موقّت لوقت فلا تعمر ذمّة المكلّف به إلا بدخول وقته إذا استوفى شروطه، إلا إذا وُجد دليل منفصل يجيز إخراجه قبل وقته الموقّت له. ونوع غير موقّت بوقت فهذا يجب أداؤه إذا تحقّق ووجد شرطه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزّكاة تجب إذا بلغ المال نصاباً وحال عليه الحول. لكن هل يجوز إخراجها قبل حولان الحول؟ قد ثبت بدليل منفصل أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم استسلف عمّه العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه زكاة عامين. رواه أحمد وأبو داود رحمهما الله. فعلى ذلك يجوز إخراج الزّكاة قبل حلول الحول بشرط وجود النّصاب. وعند المالكيّة أقوال عدّة في هذه المسألة: حيث لا يجيزون التّعجيل إلا لمدّة يسيرة (¬2). ¬

_ (¬1) قواعد الفقه للروكي ص 287 عن الإشراف جـ 1 ص 168. (¬2) ينظر عقد الجواهر الثّمينة جـ 1 ص 301 فما بعدها.

ومنها: زكاة الفطر هل يجوز إخراجها قبل الفطر، لا خلاف في جواز تقديمها على يوم الفطر، ولكن الخلاف في مدّة التّقديم. فعند الحنفيّة يجوز تعجيلها قبل دخول رمضان (¬1). وعند المالكيّة يجوز إخراجها بل يوجبون إخراجها إمّا بغروب الشّمس ليلة العيد أو بطلوع الفجر يومه - خلاف. كما أنّهم يجيزون تقديمها عن ذلك بيوم أو يومين على الأكثر، وهذا مذهب الحنابلة أيضاً (¬2). وعند الشّافعي رحمه الله يجوز تقديمها من أوّل رمضان (¬3). ¬

_ (¬1) اللباب في شرح الكتاب جـ ص 161. (¬2) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 340. (¬3) ينظر بلغة السّالك على الشّرح الصّغير جـ 1 ص 503. وروضة الطالبين جـ 2 ص 154.

القاعدة الخامسة والعشرون [التعريف]

القاعدة الخامسة والعشرون [التّعريف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب من التّعريف في كلّ محلّ القدر المتيسّر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد من التّعريف: ما يراد تعريفه بذكر أوصافه أو حدوده، فما يراد تعريفه لا يلزم تعريفه بكلّ صفاته وأوصافه وحدوده والاستقصاء في ذلك. إنّما اللازم في كلّ ما يراد تعريفه هو ما تيسّر من الأوصاف بحيث يمكن تمييزه عن غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختصم رجلان في دابّة، أو في عَرَض من العروض كائناً ما كان، وهو قائم بعينه، فإنّ القاضي لا يسمع من واحد منهما البيّنة والدّعوى حتى يحضرا ذلك الّذى اختصما فيه؛ لأنّ إعلام المدّعَى - أي تبيينه - شرط لصحّة الدّعوى والشّهادة. وتمام الإعلام بالإشارة إلى العين، وإحضار ما ينقل كبقرة أو ثوب أو ما أشبه ذلك. ومنها: إذا كان المدّعَى لا يمكن نقله كعقار - مثلاً - فيقام ذكر الحدود في الدّعوى والشّهادة مقام الإشارة إلى العين؛ لأنّه هو المتيسّر. ومنها: إذا كان إنسان غائب أو ميّت، وادّعي عليه، أو لزم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 63.

ذكره بشهادة، فيكتفى بذكر اسمه واسم أبيه ولقبه ونسبه. وفي هذا الزّمن يلزم ذكر جنسيّته وبلده أيضاً. ومنها: إذا كان العين المدّعى مستهلكاً فيتعذّر إحضاره، فيقام ذكر الوصف والقيمة مقام الإشارة إلى العين في صحّة الدّعوى والشّهادة، كدعوى أكل طعام أو إتلاف مال وما أشبه.

القاعدة السادسة والعشرون [الواجب والفرض]

القاعدة السّادسة والعشرون [الواجب والفرض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواجب والفرض مترادفان. إلا في الحجّ (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الواجب والفرض سبق تعريفهما أكثر من مرّة، ولكن الخلاف بين الحنفيّة وغيرهم هو: هل الواجب هو عين الفرض، أو غيره؟ فعند الحنفيّة إنّ الواجب غير الفرض من حيث؛ إنّ الفرض عندهم هو ما ثبت بدليل مقطوع به لا شبهة فيه. والواجب ما ثبت بدليل ظنّي فيه شبهة. فالتّفريق عندهم بناءً على الدّليل المثبت، فإذا كان الدّليل قطعيّاً لا شبهة فيه - والمقصود الدّليل من الكتاب والسّنّة المتواترة - فهذا ما يثبت به يسمّى الفرض. وإذا كان الدّليل المثبت ظنّيّاً فيه شبهة - والمراد به ما كان من أخبار الآحاد - فهذا ما يثبت به يسمّى عندهم الواجب. وإن كان قد يطلق لفظ الواجب على الفرض. وأمّا عند غير الحنفيّة: أي المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة: فإنّ الفرض هو عين الواجب، فهما لفظان مترادفان يدلاّن على شيء واحد. ولكن مع ذلك وجد عندهم ما هو واجب غير فرض في مسائل في ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 93 أ، قواعد الحصني جـ 2 ص 80، أشباه السيوطي ص 287.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الحجّ والصّلاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - في الحجّ: الواجب - في الحجّ - هو ما يجبر بدم، ولا يتوقّف التّحلّل عليه ولا الصّحّة والفرض خلافه، وذلك كالإحرام من الميقات، والرّمي، وهذان متّفق عليهما. وممّا صحّ فيه الوجوب: المبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، وطواف الوداع، وهذه كلّها تجبر بدم. وممّا صحّ فيه الوجوب عند الحنابلة: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، وطواف الوداع (¬1)، فهذه كلّها تجبر بدم عند الإخلال بها. 2 - وفي الصّلاة عند الشّافعيّة: السّنن التى تجبر بسجود السّهو ونحوها: التّشهّد الأوّل والجلوس له - القنوت في الصّبح، وكذلك في الوتر. القيام للقنوت، الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التّشهّد الأوّل - عند من يراها - والصّلاة على آل النّبي صلّى الله عليه وسلّم في التّشهّد الأخير (¬2). ¬

_ (¬1) المقنع مع الحاشية جـ 1 ص 425. (¬2) المجموع المذهّب لوحة 93 أ، وعبّروا عنها بالسُّنن لأنّ الواجب عندهم هو الفرض والرّكن.

القاعدة السابعة والعشرون: [العاقد من الجانبين]

القاعدة السّابعة والعشرون: [العاقد من الجانبين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الواحد لا يتولّى طرفي العقد - أو - لا يتولّى العقد من الجانبين (¬1). وفي لفظ: الواحد في المعاوضات الماليّة لا يصلح عاقداً من الجانبين (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال: ينظر قواعد حرف "لا" تحت الرّقم 85. وقواعد حرف الهاء تحت الرّقم 57 - 59. وقد شرحت وبيِّن معناها وأمثلتها: وكون الواحد لا يتولّى طرفي العقد أمر متّفق عليه بين المذاهب؛ لأنّه إذا كان قابضاً لنفسه احتاط لها، وإذا كان مقبّضاً وجب عليه وفاء الحقّ من غير زيادة، فلمّا تخالف الفرضان، والطّباع لا تنضبط امتنع الجمع (¬3). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 29 فصل التّوكيل بالبيع والشّراء وعنه الفرائد ص 100، وينظر أشباه السيوطي ص 280. (¬2) القواعد والضّوابط ص 497 عن التحرير. (¬3) أشباه السيوطي ص 281.

ثالثا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

وكأنّ الحنفيّة من خلال نصّ القاعدة الثّانية، وما مثلوا به للمستثنى يحصرون عدم جواز اتّحاد القابض والمقبّض في المعاوضات الماليّة فقط. ثالثاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الأب إذا اشترى مال ولده الصّغير لنفسه، أو يبيع ماله من ولده، فإنّه يكتفى بلفظ واحد. وكذلك إذا زوّج حفيده من حفيدته، وهو وليّهما. ومنها: الوصي إذا باع ماله من يتيم، أو يشتري مال اليتيم لنفسه، وكان ذلك خيراً لليتيم. ومنها: العبد يشتري نفسه من مولاه بأمر المولى.

القاعدة الثامنة والعشرون [النائب عن العامة]

القاعدة الثّامنة والعشرون [النّائب عن العامّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواحد ينوب عن العامّة في المطالبة بحقّهم، لا في إسقاط حقّهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم" (¬2) الحديث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا مال حائط على الطّريق، أو مالت عمارة، فكلّ واحد من المسلمين له الحقّ في مطالبة مالك الحائط أو العمارة بإزالتها، وإذا سقطت بعد ذلك وقتلت أحداً تحتها، أو أتلفت شيئاً فالمالك ضامن. لكن إذا طلب ذلك الواحد تأخير الهدم أو الإزالة، أو أبرأ صاحبها عن الضّمان لم يصح ذلك منه ولا من غيره. ومنها: إذا مال حائط على دار قوم فأشهدوا عليه فهو ضامن لما أصاب الحائط منهم أو من غيرهم؛ لأنّه بِميل الحائط شغل هواء ملكهم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 13. (¬2) الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد والدّيّات، والنسائي في القسامة، وابن ماجه في الدّيّات وأحمد. بألفاظ متقاربة.

فتكون المطالبة بالتّفريغ لهم، ولكن إذا أبرا مالك الدّار صاحب الحائط عن الضّمان أو أخّره صحّ ذلك منه؛ لأنّه يتصرّف في ملك نفسه بالإسقاط والتّأخير. ومنها: إذا مال حائط - بعضه إلى الطّريق وبعضه إلى دار إنسان فتقدّم إليه صاحب الدّار بأن يهدم حائطه وإلا كان ضامناً وأشهد عليه. فإذا سقط المائل إلى الطّريق أو المائل إلى الدّار فهو ضامن له، لأنّه حائط واحد، فإذا أشهد على بعضه فقد أشهد على جميعه. ومنها: إذا تقدّم أحد المسلمين إلى ولي الأمر أو الحاكم أو القاضي في دفع مظلمة عن نفسه - ومجموعة من النّاس مثله، فيجب على ولي الأمر أو الحاكم أن يدفع هذه المظلمة - عند تحقّقها - عن ذلك الشّخص وعمّن هو في مثل حاله، ولا يجوز أن يقال لذلك الواحد تكلّم عن نفسك فقط ولا شأن لك بغيرك؛ لأنّ هذا مخالف لهدي الإِسلام ومخالف لنصّ الحديث دليل القاعدة.

القاعدة التاسعة والعشرون [الوارث وما يجب على المورث]

القاعدة التّاسعة والعشرون [الوارث وما يجب على المورث] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على مورثه إلا ما أمكن دفعه من تركته (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوارث: هو خليفة المورّث في ماله. ويجب على الوارث - بهذه الخلافة - أداء الحقوق الواجبة على مورثه إذا مات ولم يؤدّها. لكن ما هي الحقوق التي يجب على الوارث أداؤها؟ الحقوق نوعان: حقوق دينية، وحقوق دنيوية. فالحقوق الدّينيّة كالصّلاة والصّيام والحجّ والزّكاة. فهذه ليس على الوارث أداؤها، إلا ما أوصى به المورّث من حجّ عنه أو أداء زكاة لم يؤدّها. وأمّا الصّلاة والصّيام فلا يؤدّيان عنه، وإن أجاز بعضهم الصّيام عنه. وأمّا الحقوق الدّنيويّة: فمنها حقوق ماليّة وحقوق غير ماليّة. فما كان من حقّ مالي تسعه تركة المورث المتوفّى فهو ما يلزم الوارث أداؤه من تلك التّركة، ولا يجوز التّصرف بالتركة بالقسمة قبل ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 408.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

أداء ما عليها من حقوق. وأمّا ما كان من حقّ غير مالي فلا يجب على الوارث أداؤه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان على المورّث دين معروف لشخص أو جهة معلومة وتسعه التّركة، كان على الوارث أداء ذلك الدّين قبل كلّ شيء، بعد تجهيز الميّت ودفنه. ومنها: إذا كان للميّت وصايا تخرج من ثلت تركته، كان على الوارث الوفاء بها. وأمّا ما زادت عن الثّلث؛ فإن أجازها الورثة نفذت فيما زاد، وإلا لا تزيد على الثّلث. ومنها: إذا استأجر شخص أجيراً بعمل كمزارعة أو مساقاة أو أي عمل كبناء عمارة أو هندسة مشروع أو غير ذلك من الأعمال، فمات الأجير أو العامل قبل تمام العمل، فلا يجب على وارثه القيام بإتمام ذلك العمل، وعلى الحاكم أن يستأجر من التّركة من يعمل العمل، فإن لم تكن له تركة، أو تعذّر الاستئجار منها، فلربّ العمل الفسخ؛ لأنّه تعذّر استيفاء المعقود عليه فيثبت الفسخ.

القاعدة الثلاثون [الوازع الطبعي]

القاعدة الثّلاثون [الوازع الطّبعي] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوازع الطّبعي مغنِ عن الإيجاب الشّرعي (¬1). وفي لفظ: الوازع الطّبعي أقوى من الوازع الشّرعي (¬2). وفي لفظ سبق: داعية الطبع تجزئ عن تكليف الشّرع (¬3). وينظر من قواعد حرف الدّال القاعدة 4. وفي لفظ سبق: ما يعاف في العادات يكره في العبادات (¬4). تنظر في قواعد حرف الميم تحت الرّقم 220. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوازع: من وزع يَزَع إذا منع. فالوازع: المانع. الطّبعي: أي الخِلقي المركوز في النّفس من أصل الخِلقة والفطرة. فما يكرهه الإنسان ويمتنع عنه بدافع ذاتي فطري طبعي يغني ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 368. (¬2) قواعد الأحكام جـ 2 ص 119. (¬3) ينظر قواعد حرف الدال رقم 4. (¬4) ينظر قواعد حرف الميم رقم 220.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ويجزئ عن تكليف الشّرع بالانتهاء عنه، أي أنّ الشّرع يمنع المكلّف عن بعض الأشياء المكروهة شرعاً بالدّافع والمانع الذّاتي للإنسان عن قربان هذه الأشياء لما يحسّه في نفسه وطبعه من كراهتها والاشمئزاز منها ومن فعلها. ولكن هذا في الواقع ليس على إطلاقه، إنّما يعمل به ذوي الفطر السّليمة والأخلاق المستقيمة والطّبائع المتينة، وطباع النّاس ونفوسهم تتفاوت في الحبّ والكره، فما يكرهه قوم يحبّه آخرون، وما يراه بعض الناس من القاذورات يراه آخرون من المشتهيات والطّيبات، كتعطّر الهندوس - مثلاً - ببول البقر، وشربهم بول الإنسان للتّداوى. ولذلك كان لا بدّ من أمر الشّارع ونهيه، أمره بما فيه مصلحة المكلّفين ونهيه عمّا فيه مضرّتهم ومفسدتهم. وبخاصة في هذا الزّمان الذي انتكست فيه الفطر وارتكست الأخلاق، فأصبح كثير من الناس يرون ما ليس حسناً حسناً، حتى رأينا من يأكل عذرة الإنسان وغائطه من غير مجاعة ولا مسغبة ونعوذ بالله من انتكاس الفِطَر وارتكاس الأخلاق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لم يرتّب الشّارع على شرب البول والدّم وأكل العذرة والقيء حدّاً أو عقوبة، اكتفاء بنفرة الطّباع عنها - ولقد وجد في هذا الزّمن من يشرب الدّم والبول ويأكل العذرة، من غير المسلمين. ولكن الخمر والزّنا والسّرقة نهى عنها الشّارع ووضع لها العقوبة الرّادعة لقيام

بواعثها. ومنها: إقرار الفاسق وغيره على نفسه مقبول؛ لأنّ الطّبع يردعه عن الكذب فيما يضرّ بنفسه أو ماله أو عرضه. ومنها: عدم اشتراط العدالة في ولاية النّكاح - عند كثير من الشّافعيّة -؛ لأن الوازع الطّبعي يزعه عن التّقصير في حقّ المولَّى عليه. ومنها: عدم وجوب الحدّ في وطء الميتة - وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - قالوا: لأنّه ممّا ينفر عنه الطّبع، ولكن أقول والله أعلم: أنّ مَن يفعل ذلك يجب تعزيره بأقصى درجات التّعزير، لفعله وانتهاكه حرمة الميتة وعدم اعتباره واتّعاظه بالموت. ولو قلنا: بوجوب الحدّ لم يكن ذلك مستبعداً. ومنها: الصّلاة في المراحيض. لا تجوز - ولو لم يرد فيها نصّ - لكراهة النّفوس والطّباع ذلك.

القاعدة الحادية والثلاثون [ما قبل السبب]

القاعدة الحادية والثّلاثون [ما قبل السّبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الواقع قبل السّبب من جميع الأحكام لا يعتدّ به (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأحكام الشّرعيّة لها أسباب بنيت عليها، فكانت مسبَّبة لتلك الأسباب، والأصل والقاعدة العامّة: أنّ المسبَّب مبني على السّبب وناشئ عنه، فالسّبب أوَّلاً ثم المسبَّب، ولذلك إذا وجد حكم واقع قبل سببه فهو باطل وملغي ولا يعتدّ به. وبيان ذلك: 1 - العبادات على قسمين: بدنيّة وماليّة، والبدنيّة نوعان: مؤقّتة وغير مؤقّتة، فالمؤقّتة لا يجوز تقديم شيء منها قبل وقته - بلا خلاف، إلا الصّلاة بنيّة الجمع. وأمّا غير المؤقّتة كالصّيام في الكفّارات وقضاء رمضان والفوائت، فلا يجوز تقديم شيء منها على سببه. 2 - إنّ من العبادات ما يكون له سبب واحد، فلا يجوز تقديمه على سببه قطعاً، ومنها ما يكون له سببان، أو شرط وسبب، فهذا يجوز تقديمه على أحد سببيه، أو بعد سببه وقبل تحقّق شرطه، كالزّكاة. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 202 الفرق 174، وينظر المجموع المذهب لوحة 111 ب، قواعد الحصني جـ 2 ص 166.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأضحية لا يجوز تقديمها قبل يوم النّحر. ومنها: لا يجوز الحكم بالقصاص قبل وجود القتل المتعمّد. ومنها: المعدن والرّكاز لا يجوز تقديم زكاتهما قبل الحصول قطعاً. ومنها: إذا غاب زوج المرأة عنها عشر سنين ثم طلّقها بعد العشر وهو غائب عنها، فإنّها تستأنف العدّة - أي أنّها تعتدّ بعد علمها بالطّلاق -؛ لأنّ تلك المدّة المتقدّمة - وإن دلَّت على براءة الرّحم، غير أنّها وقعت قبل السّبب وهو الطّلاق. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الزّكاة يجوز تقديمها على شرطها، وهو الحول، ولا يجوز قبل ملك النّصاب قطعاً. ومنها: الصّلاة بنيّة الجمع يجوز تقديم إحداهما قبل وقتها، وتكون الصّلاة أداءً باتّفاق. ومنها: فعل الحجّ والعمرة قبل الاستطاعة فإنّه يسقط به فرض الإسلام قطعاً، وهذا ممّا جاز فعله بعد وجود سببه، وقبل تحقّق شرطه. ومنها: يجوز صيام كفارة الحنث بعد اليمين وقبل الحنث. ومنها: زكاة الفطر يجوز تقديمها في جميع رمضان عند الشّافعيّة، أو قبل يوم أو يومين من الفطر عند الجميع.

القاعدة الثانية والثلاثون [وجوب الأجر]

القاعدة الثّانية والثّلاثون [وجوب الأجر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب الأجر باعتبار تقبّل العمل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأجر: هو ثمن منفعة العمل. فلا يجب أجر العامل ويترتّب في ذمّة صاحب العمل إلا باعتبار تقبّل العامل للعمل ووفائه به، وأدائه له بحسب الاتّفاق. فإذا لم يتقبّل العامل العمل، أو لم يف به، فلا يجب الأجر على صاحب العمل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر شخص رجلين يحملان له طعاماً من مكان إلى آخر، فحمله كلّه أحدهما - وهما شريكان في العمل - فالأجر بينهما؛ لأنّ الشّريكين يكون أحدهما وكيلاً عن الآخر ونائباً عنه. وإن لم يكونا شريكين في العمل فللعامل نصف الأجر في نصف الطّعام؛ لأنّه إنّما قبل حمل نصف الطّعام بنصف الأجر وقد حمله، ولا أجر له في النّصف الآخر؛ لأنه كان في الحمل ضامناً للنّصف الآخر، بمنزلة أجنبي آخر لو حمله؛ ولأنّه غير نائب عن الآخر هنا. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 201.

ومنها: إذا استأجر شخصاً ليحمل له متاعاً من مكان معلوم إلى آخر معلوم كان العقد جائزاً، وإن لم يعيِّن طريقة الحمل. فإذا أوصل المتاع إلى المكان المقصود فله الأجر كاملاً. ومنها: إذا استأجر رجلاً ليذهب إلى مكان كذا فيجيء بأهله كلّهم - وهم خمسة مثلاً - فذهب وجاء بهم، فله الأجر المسمّى كلّه؛ لأنّه استؤجر على عمل معلوم ببدل معلوم. وقد أوفى العمل المشروط عليه بكماله. وأمّا إذا ذهب فلم يأت بهم كلّهم، فله أجر ذهابه وله الأجر بحساب من جاء بهم معه. وإن لم يأت بأحد منهم لهلاكهم - مثلاً - أو امتناعهم عن المجيء معه، فله أجر ذهابه فقط. ولكن أقول والله أعلم: إنه إذا لم يأت بهم كلّهم لامتناعهم عن المجيء معه أنّ له الأجر كاملاً؛ لأنّ عدم مجيئهم معه بسبب منهم لا منه.

القاعدة الثالثة والثلاثون [الوجوب وشرطه]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون [الوجوب وشرطه] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب إذا ثبت عند وجود شرطه فإنّما يحال به على سببه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوجوب: مصدر وجب يجب وجوباً، والمراد به: الواجب والمفروض، وهو ما ثبت ثبوتاً قطعيّاً لا تردّد فيه. وكلّ واجب لا بدّ له من سبب يبنى عليه وشرط يثبت عند وجوده، فإذا وجد شرط الواجب وتحقّق فيثبت الواجب في ذمّة المكلّف ويطالب به. ولا يقال: إنّ هذا الواجب إنّما وجب لهذا الشّرط؛ لأنّ الشّروط ليست أسباباً ولا عللاً للوجوب وإنّما يكون الوجوب مترتّباً على وجود سببه، فالسّبب هو متعلَّق الوجوب، والشّرط إنّما يدلّ على ثبوت الواجب في ذمّة المكلّف ومطالبته بأدائه. (والواجبات تضاف لأسبابها) لا لشروطها. وقد سبق مثال لهذه القاعدة ضمن قواعد حرف التّاء تحت الرّقم 21. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تطهّر المصلّي وتوجّه إلى القبلة، فلا يقال: وجبت عليه الصّلاة بطهارته وتوجّهه إلى القبلة، إنّما تجب الصّلاة بدخول وقتها بناء ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 25 ص 143.

على خطاب الشّارع وأمره بأدائها. ومنها: ثبوت وجوب الزّكاة عند حولان الحول، وهو شرط لوجوبها وتعلّقها في ذمّة المكلّف ومطالبته بأدائها - وسبب وجوبها ملك النّصاب، فالسّبب موجب والشّرط موجب لكن جهة الإيجاب مختلفة. ومنها: إذا بلغ الصّبي بعد دخول الوقت، أو أسلم الكافر، فإنّ الصّلاة تجب عليهما، إذ ثبت وجوبها عند وجود شرطها وهو الإسلام والبلوغ، وإنّما وجبت عليهما بدخول وقتها. ومنها: إنّما يجب القصاص بإزهاق الرّوح، وشرطه أن يكون القتل عمداً عدواناً من مكافئ غير والد، وأن يكون القتيل معصوم الدّم.

القاعدة الرابعة والثلاثون [الحق لا يفوت ولا يبطل]

القاعدة الرّابعة والثّلاثون [الحقّ لا يفوت ولا يبطل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: وجوب الحقّ لا يفوت بالتّأخير. وفي لفظ سبق: الحقّ متى ثبت لا يبطل بالتّأخير ولا بالكتمان. وينظر من قواعد الحاء القاعدة 44. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحقّ إذا وجب ثبت في ذمَّة من وجب عليه، فيجب عليه أداؤه في وقته - إن كان مؤقّتاً - فإذا أخّره عن وقته فلا يسقط الوجوب بتأخيره، فالواجب إذا ثبت لا يسقط إلا بالأداء، أو القضاء، أو الإبراء إذا كان الواجب ماليّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجب على المكلّف صلاة - بدخول وقتها - فأخّرها بنوم أو نسيان حتى خرج وقتها - فعليه قضاؤها إذا استيقظ أو ذكرها. لأنّ الواجب الدّيني لا يسقط إلا بالأداء أو القضاء. ومنها: إذا استطاع المكلّف الحجّ وأخّره بعد الاستطاعة فيجب عليه أداؤه في عام قابل، إلا إذا فقد الاستطاعة بعد ذلك، وهو آثم على التّأخير - عند من يقولون: إنّ أداء الحجّ على الفور عند تحقّق الاستطاعة.

ومنها: صوم رمضان إذا أفطر المكلّف لمرض أو سفر أو حيض أو نفاس، فيجب القضاء عند زوال الأعذار بعد رمضان. ومنها: إذا وجب على إنسان زكاة مال فلم يؤدّها في سنتها، فعليه أداؤها مع السّنة التّالية؛ لأنّها أصبحت ديناً في ذمّته لا يسقط إلا بالإخراج. ومنها: إذا ثبت في ذمّة إنسان دَين بمبلغ من المال لشخص آخر، وحان وقت أدائه فلم يؤدّه أو جحده وأنكره، فإنّ تأخيره عن الأداء أو جحوده وإنكاره للدّين لا يسقط الواجب الثّابت في ذمّته. لكن إذا أبرأه الدّائن عن دينه سقط عنه وجوب أدائه. ومنها: إذا جحد المودَع الوديعة، فإنّ جحوده لا يبرئ ذمّته من وجوب أدائها أو قيمتها إلى المودِع.

القاعدة الخامسة والثلاثون [الوجوب والحرمة ضدان]

القاعدة الخامسة والثّلاثون [الوجوب والحرمة ضدّان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب الشّيء يتضمّن حرمة ضدّه (¬1). أصوليّة ففهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة أصوليّة فقهيّة، فالواجب حكمه وجوب فعله لما يترتّب على فعله الثّواب، ولا يجوز تركه؛ لأنّ تركه ضدّ ويترتّب على ذلك العقاب والإثم، وضدّ الواجب الحرام. وبناء على ذلك فإنّ الشّيء إذا وجب في ذمّة المكلّف حَرُم عليه ضدّه، وامتنع فعل ذلك الضدّ؛ لأنّ المسلم يحرم عليه جر الإثم إلى نفسه، والوقوع فيما يوجب عقوبته، ولأنّ فعل الضدّ مفوّت للواجب المأمور بأدائه، ولأنّ الامتناع عن الضّدّ من لوازم وجوب الفعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وجوب فعل الصّلاة يتضمّن حرمة ضدّها، وهو تركها وعدم فعلها. ومنها: وجوب الصّدق يتضمّن حرمة الكذب. ومنها: وجوب أداء الشّهادة يتضمّن حرمة إنكارها. ¬

_ (¬1) مُسَلَّم الثبوت - على هامش المستصفى - جـ 1 ص 97، وعنه قواعد الفقه ص 136.

القاعدة السادسة والثلاثون [الضمان - العصمة - التقويم]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [الضّمان - العصمة - التّقويم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب الضّمان باعتبار العصمة والتّقويم في المحلّ، أمّا وجوب ردّ العين فلا يستدعي العصمة والتّقويم في المحلّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى وجوب الضّمان: وجوب الغرامة. والعصمة: امتناع يد الغير عنه وخلوصه لمالكه. فوجوب الغرامة مترتّب على عصمة المال المضمون، وكونه متقوّماً: أي ذا قيمة. وذلك في كلّ مال أُتْلِف أو استهلك. ولكن وجوب ردّ العين - عند وجودها وبقائها - لا يستلزم العصمة ولا التّقويم في المحل؛ لأنّه ما دامت العين قائمة فيجب ردّها إلى صاحبها سواء كان مالكاً لها أم غير مالك، وسواء كانت العين متقوّمة أم غير متقوّمة - أي لا قيمة لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غنم المشركون مالاً من المسلمين، ثم أسلموا قبل أن يحرزوه بدار الكفر، فيؤمرون بردّه لأصحابه، أمّا لو أسلموا بعد ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1738 وعنه قواعد الفقه ص 136.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

الإحراز بدارهم فلا يردونه. ومنها: إذا غصب غاصب متاعاً أو طعاماً أو مالاً، فاستهلكه أو أتلفه على صاحبه فيجب عليه ضمانه. إن مثليّاً فبمثله، أو قيمياً فبقيمته. ومنها: إذا غصب مسلم من مسلم خمراً، أمِر بردّها عليه إذا كانت قائمة بعينها. أمّا إذا أريقت فلا ضمان عليه، لأنّ الخمر غير متقوّمة بالنّسبة للمسلم، وكذلك لو غصب منه خنزيراً فمات. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا غصب شخص من آخر شيئاً في دار الكفر، ثم خرج الغاصب والمغصوب منه إلى دارنا - وهما أو أحدهما مسلم أو ذمّي أو مستأمن - فخاصم المغصوب منه الغاصب في ذلك، لم يكن له عليه سبيل، ولم يحكم القاضي بينهما بشيء؛ لأنّ حكم المسلمين أنّ إحراز مال أهل الحرب سبب تامّ للملك؛ ولأنّهما لم يلتزما حكم الإسلام حيث جَرَت هذه المعاملة بينهما في دار الحرب، لكن إذا كانا مسلمين يؤمر الغاصب بردّ المغصوب؛ لأنّ المسلم ملتزم بحكم الإسلام حيثما كان.

القاعدة السابعة والثلاثون [القضاء والإتمام]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [القضاء والإتمام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب القضاء ينبني على وجوب الإتمام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القضاء: هو فعل العبادة خارج وقتها المحدّد والمقدّر لها من الشّارع - وما ليس له وقت مقدّر ومحدّد للأداء - فإنّ فعله يعتبر أداء في أي وقت كان. وقضاء الفائت إنّما يجب إذا وجب على المكلّف إتمام الواجب في وقته المقدّر له شرعاً. فأمّا إذا لم يجب عليه إتمامه في وقته المقدّر له شرعاً. فلا يجب القضاء - بناء على مفهوم هذه القاعدة - وذلك إذا كان الفعل الذي أوجبه المكلّف على نفسه أو وجب عليه لا يمكن فعله في وقته المحدّد لوجود مانع شرعي من الإتمام. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رجل أصبح صائماً يوم الفطر، ثم أفطر. فلا قضاء عليه - عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنّه لم يجب عليه الإتمام بعد الشّروع؛ لأنّ فيه معصية. ومنها: إذا شرع في صلاة في الوقت المكروه، ثم انصرف ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 98.

عنها فلا قضاء عليه أيضاً؛ لأنّ الصّلاة في الوقت المكروه لا تلزم بالشّروع فيها. ومنها: إذا قالت امرأة: لله عليّ أن أصوم يوم حيضي. فلا شيء عليها؛ لأنّ الحيض ينافي أداء الصّوم، فلا يصحّ الالتزام. فلذلك لا يصحّ القضاء أيضاً.

القاعدة الثامنة والثلاثون [المحرز والحرز]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون [المحرَز والحرز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب القطع بسرقة المُحرَز بسرقة الحرز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: حدّ السّرقة قطع اليد من الكوع، وإنّما يجب الحدّ إذا بلغ المسروق نصاباً وكان المسروق محرزاً في حرز مثله. وحرز كلّ شيء بحسبه. فما معنى الحرز؟ الحرز: هو المكان الذي يحفظ ويصان فيه الشّيء. والمُحْرَز: هو المال المحفوظ المصون في الحرز. والحرز إنّما جعل ليحفظ المحروز عن أيدي السّراق واللصوص. فمفاد القاعدة: أنّ قطع اليد في السّرقة إنّما يجب عند سرقة المال المُحرَز في الحرز، لا سرقة الحرز نفسه. لكن إذا كان الحرز نفيساً يبلغ ثمنه النّصاب وتتطلّع إليه النّفوس ويمكن سرقته، فتقطع به اليد أيضاً. وموضوع القاعدة خاصّ بحرز خاصّ كما سيتّضح عند التّمثيل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا سرق سارق خيمة إنسان منصوبة ظاهرة. فلا قطع فيها؛ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 9 ص 155.

لأنّها ظاهرة، ولم يحرزها صاحبها. لكن إذا كانت الخيمة ملفوفة، وعندها صاحبها - ولو كان نائماً - فسرقها سارق يقطع؛ لأنّه سرق مالاً محرزاً بصاحبه. ومنها: إذا سرق ثمراً في رؤوس النّخل، أو حنطة لم تحصد، لم يقطع؛ لأنّه ليس بمُحرز، إنّما يحرز إذا جُذّ وجمع في الجرين أو وضع في بيت. ومنها: إن سرق جوالقاً - الكيس - من ظهر الدّابّة مع ما في الجوالق، لم يقطع؛ لأنّه ظاهر غير محرز، أمّا إذا شقّ الجوالق وسرق ما فيه قطع؛ لأنّه سرق مالاً محرزاً. ومنها: إذا كانت سيّارة واقفة أمام بيت صاحبها، فجاء سارق وفتحها وكسر زجاجها وسرق ما فيها فيجب عليه القطع، لأنّه سرق من حرز. لكن لو أخذ السّيّارة بما فيها فهل يجب عليه القطع أو لا يجب. أقول وبالله التّوفيق: إذا كانت السّيّارة مفتوحة وفيها مفتاحها، فلا قطع على آخذها لأنّها ليست محرزة. لكن إذا كانت السّيّارة مغلقة فكسر السّارق بابها وأشغلها بغير مفتاحها أو حمّلها على حاملة للسّيارات فهو سارق ويقطع لأنّ إغلاق السّيّارة وعدم وجود مفتاح تشغيلها يعتبر حرزاً لها. ووجود السّيّارة في الشّوارع وأمام البيوت من مشكلات العصر. كالدّواب المربوطة على أبواب أصحابها.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الوجوب واللفظ المحتمل]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون [الوجوب واللفظ المحتمل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب لا يحصل باللفظ المحتمل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ الوجوب لا يثبت ولا يحصل إلا بخطاب ونصّ قطعي، ولا يثبت بلفظ مشكوك فيه، أو فيه احتمال؛ لأنّ وجود الاحتمال مؤدّ إلى الشّكّ في الوجوب، والوجوب لا يثبت بالشّكّ. وقد سبق بيان أنّ (الواجبات لا تثبت احتياطاً بالشّكّ). ينظر القاعدة الثّانية. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال شخص: إن فعلت كذا فأنا أحجّ بفلان. فحنث - أي فعل ما حلف على عدم فعله - فإن كان نوى فأنا أحجّ وهو معنا، فعليه أن يحجّ وليس عليه أن يحجّ به. وإن نوى أن يحجّجه فعليه أن يحجّجه كما نوى. وإن لم يكن له نيّة فعليه أن يحجّ وليس عليه أن يحجّج فلاناً؛ لأنّ لفظه في حقّ فلان محتمل. أمّا إذا قال: فعليَّ أن أحجّج فلاناً. فهذا محكم صريح غير محتمل؛ لأنّه تصريح بالالتزام بإحجاج فلان، وذلك صحيح بالنّذر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 134.

القاعدة الأربعون [الوجوب والنسيان]

القاعدة الأربعون [الوجوب والنّسيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب لا يسقطه النّسيان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّسيان: ضدّ التّذكّر. وهو غياب صور الشّيء عن الذّهن، أو هو ترك الشّيء عن ذهول وغفلة، ولقد سبق بيان أحكام النّسيان ضمن قواعد حرف النّون تحت الرّقم 28. فإذا نسي الإنسان عملاً واجباً، فإنّ نسيانه هذا لا يسقط وجوب الواجب، وإنّما يسقط الإثم عن عدم الفعل حالة النّسيان. وعلى النّاسي أن يفعل ما وجب عليه عند تذكّره. ودليل سقوط الإثم عن النّاسي الحديث: "رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه" وقد سبق تخريج الحديث. ودليل عدم سقوط الواجب بالنّسيان قوله سبحانه وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (¬2). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليؤدّها إذا ذكرها" وقد سبق تخريج الحديث كذلك. ¬

_ (¬1) قواعد المقري ق 86، إعداد المهج ص 205. (¬2) الآية 14 من سورة طه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن نسي صلاة ثم تذكّرها فيجب عليه أداؤها إذا تذكّرها قبل خروج وقتها، أو قضاؤها إذا تذكّرها بعد خروج وقتها. ومنها: إذا نسي شخص ما عليه من زكاة، أو دين، ثم ذكره، فيجب عليه إخراج الزّكاة المنسيّة، وأداء الدّين لصاحبه. ومنها: إذا نسي كفّارة عليه، فعليه إخراجها عند تذكّرها، ولا يسقطها النّسيان، لكن إن مات وهي عليه، أو عليه واجب آخر نسيه، فلا إثم عليه.

القاعدة الحادية والأربعون [الوجوب والقضاء]

القاعدة الحادية والأربعون [الوجوب والقضاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب المال بقضاء القاضي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ ما وجب شرعاً لا يحتاج إلى الحكم أو القضاء لإثباته، لكن هذه القاعدة - وإن كان ظاهرها معارضة القاعدة السّابقة - لكن موضوعها ومجالها مختلف. وهي وإن كانت تتعلّق بالنّفقات التي تجب على الإنسان شرعاً، ولكنّها تختصّ بجانب منها وهو متى تجب هذه النّفقة وتثبت في ذمّة المنفق وتصبح ديناً عليه إذا لم يؤدّها في وقتها. فعند الحنفيّة: إنّ النّفقة الواجبة إذا لم يؤدّها مَن تجب عليه في وقتها - تسقط المطالبة بها - ولا تصبح ديناً في ذمّة من تجب عليه إلا بأحد أمرين: الأمر الأوّل: - وهو موضوع القاعدة - أنّ القاضي إذا فرض نفقة للزّوجة - أي حدّد مقدارها - على زوجها أو لمن يجب عليه إعالته، أنّه في هذه الحال إذا لم ينفق عند الحاجة كما أمره القاضي وتخلّف عن الإنفاق، أنّ هذه النّفقة تصبح ديناً في ذمّته يجب عليه أداؤه. والأمر الثّاني: أنّها تجب إذا اصطلحا على مقدار النّفقة، فتجب ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 27 ص 141.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

حينئذ - أي تصبح ديناً في الذّمّة عند عدم الإنفاق. ولا يسقط بمرور الزّمن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رفعت زوجة أمرها إلى القضاء بأنّ زوجها لا ينفق عليها. ففرض لها القاضي النّفقة وقدّرها على الزّوج، ففي هذه الحال يجب على الزّوج أداء المفروض، وإذا لم يؤدّه يكون ديناً في ذمّته يجب عليه أداؤه، ولا يسقط عنه بمرور الزّمن، ويجوز حبسه إذا لم يؤدّه. ومنها: لو أنّ رجلاً من أهل البادية من أهل الإبل جنى جناية، فلم يقض بها حتى انتقلوا إلى أهل المدينة وصاروا من أهلها، وتركوا البادية والإبل، ثم رفع الأمر إلى القضاء فإنّ القاضي يقضي عليهم بالمال لا بالإبل؛ لأنّهم عند القضاء ما كان لهم إبل. لكن إذا كان القاضي قضى عليهم بمئة من الإبل، ثم صاروا من أهل المدن، أُخِذوا بالإبل، أو بقيمتها قَلّت القيمة أو كثرت؛ لأنّ الإبل تعيّنت ديّة بقضاء القاضي. ومنها: لو أنّ ذمّيّاً أسلم ووالى رجلاً، ثم جنى جناية خطأ. فلم يقض بها القاضي على العاقلة بشيء حتى أبرأ أولياء المجني عليه الجاني من الجناية. فيجوز للجاني - في هذه الحالة - أن يتحوّل بولائه عن الذي والاه، لأنّ بإبرائه سقط موجب الجناية - ولم يجب شيء على الذي والاه - لكن لو كان الإبراء بعد ما قضى القاضي على العاقلة بالدّيّة، لم يكن له أن يتحوّل بولائه؛ لأنّ قضاء القاضي بوجوب الدّيّة على العاقلة تؤكّد الولاية.

القاعدة الثانية والأربعون [الوجوب والشرط]

القاعدة الثّانية والأربعون [الوجوب والشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب المشروط بشرط ينتفي عند انتفاء ذلك الشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرط - كما سبق بيانه - (هو ما يلزم من عدمه عدم الحكم، ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه). فبناء على ذلك إذا وجب على المكلّف شيء مشروط بشرط، ثم انتفى هذا الشّرط وعُدم، كان ذلك انتفاءً للوجوب وإعداماً له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّكليف مشروط بوجود العقل، فإذا جنّ المكلّف سقط عنه التّكليف، لعدم وجود شرطه. ومنها: وجوب أداء الزّكاة مشروط بحولان الحول، فإذا لم يحل الحول لم تجب الزّكاة في ذمّة المكلّف. ومنها: نفقة الزّوجة على زوجها مشروطة بنكاحها، فإذا فارقها سقطت النّفقة. ومنها: الحجّ مشروط بالاستطاعة، فإن وجدت وجب الحجّ، وإن عدمت انتفى وجوبه. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 117.

القاعدة الثالثة والأربعون [الوجوب من غير علم]

القاعدة الثّالثة والأربعون [الوجوب من غير علم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب من غير علم بالموجَب ومن غير استمكان من الإحاطة به محال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ الوجوب لا يثبت بالشّك ولا باللفظ المحتمل، فبالأولى أن لا يثبت مع عدم العلم بالموجَب - أي الأمر الذي يُظنّ وجوبه - ومع عدم الإحاطة به - أي اليقين بإيجابه - لأنّ ذلك من المحال - أي من التّكليف بالمستحيل - لأنّه إذا لم يعلم الواجب ولم يتحقّق منه، ومن تفاصيله وكيفيّة أدائه، فلا يجب؛ لأنّه يكون تكليفاً بالمحال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد جماعة في بادية بعيدة، أو أسلم نفر في بلاد الكفر، ولم يعلموا بما افترض الله عليهم، فلا يجب عليهم شيء. ولا يكونوا آثمين ما لم يعلموا، كما لا يجب عليهم قضاء ما فاتهم قبل العلم. ومنها: إذا قيل: قد فرض الله عليكم "صلاة" أو "زكاة" أو "صياماً" ولم يعلموا ما الصّلاة وما الزّكاة وما الصّيام، أو علموا ¬

_ (¬1) غياث الأمم ص 340.

المعنى اللغوي ولم يعلموا ما المراد بالصّلاة وكيفيّة الأداء وكذلك ما يتعلّق بالزّكاة والصّيام. فإنّه ليس عليهم شيء إذا لم يفعلوا، لأنّ التّكليف بمجرّد اللفظ المطلق دون بيان تكليفٌ بالمستحيل.

القاعدة الرابعة والأربعون [الوجوب والتحريم]

القاعدة الرّابعة والأربعون [الوجوب والتّحريم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب يتضمّن تحريم التّرك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة بلفظ: (وجوب الشّيء يتضمّن حرمة ضدّه). فلتنظر هناك تحت الرّقم 35. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: وجوب قطع يد السّارق - عند ثبوت سرقته - يتضمّن تحريم ترك ذلك. ومنها: وجوب إقامة الحدّ على مستحقّه يتضمّن تحريم العفو عنه. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه للروكي ص 287، عن الإشراف جـ 1 ص 223.

القاعدة الخامسة والأربعون [الوجوب والخطاب]

القاعدة الخامسة والأربعون [الوجوب والخطاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب ينبني على الخطاب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوجوب إنّما يتحقّق ويكون ملزماً بناءً على وجود الخطاب الشّرعي الدّال على طلب الفعل من المكلّفين طلباً جازماً. فما لم يوجب خطاب شرعي قطعي يفيد الوجوب بدون احتمال فلا يجب على المكلّفين الفعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ثبت وجوب الصّلاة والزّكاة بقوله تعالى في أكثر من آية: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬2). ومنها: ثبت وجوب الحجّ بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬3). ومنها: ثبت وجوب الجهاد ومحاربة المشركين بقوله تعالى: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 104. (¬2) الآية 43، 83، 110 من سورة البقرة. (¬3) الآية 97 من سورة آل عمران.

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} (¬1). وبقوله سبحانه وتعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} (¬2). وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬3) الخ الآيات الآمرة بالجهاد والحاثّة عليه. ومنها: زكاة الفطر يؤدّيها الولى عن نفسه، وعن الصّغير - وإن كان له مال - لأنّ الصّغير غير مخاطب؛ لأنّه ليس أهلاً للعبادة، وزكاة الفطر إنّما تجب على الولي وعلى مَن يمونه ويلي عليه، بالنّصّ، حتى لو كان له مال. ¬

_ (¬1) الآية 39 من سورة الحج. (¬2) الآية 123 من سورة التوبة. (¬3) الآية 36 من سورة التوبة.

القاعدة السادسة والأربعون [وجوب الوسائل]

القاعدة السّادسة والأربعون [وجوب الوسائل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجوب الوسائل تبع لوجوب المقاصد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوسائل والمقاصد: اصطلاحان مختلفان، فمقاصد الشّرع: ما قصد الشّارع من المكلّف فعله، وطلبه منه، أو أمره بتركه ونهاه عن فعله. والوسائل جمع وسيلة: وهي الطّريقة التي توصل إلى المقصود. فإن كان المقصود مشروعاً. كانت وسيلة مشروعة، ولا يجوز أن يؤدّى المشروع بوسيلة محرّمة. وإن كان المقصود محرّماً، كانت وسيلة محرّمة، فالوسائل التي توصل إلى المقاصد تأخذ حكم مقاصدها، فما كان واجباً كانت وسيلته واجبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلاة واجبة فالوسيلة لأدائها واجبة كذلك، كالسّعي إلى المساجد واجب. ومنها: الصّيام واجب فوسيلته التى تؤدّي إليه واجبة. كرؤية هلال رمضان، واجبة وجوباً كفائياً؛ لأنّ الرّؤية وسيلة إلى معرفة ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 166.

دخول الشّهر. ومنها: الحجّ واجب ووسيلة الوصول إلى البيت الحرام واجبة. ومنها: الزّنا محرّم، فكلّ وسيلة تؤدّي إلى الوقوع فيه محرّمة، كتكشّف النّساء واختلاط الرّجال بالنّساء. ومنها: الرّبا حرام، فكلّ وسيلة تؤدّي إلى الوقوع فيه حرام.

القاعدة السابعة والأربعون [الوجوب والركنية]

القاعدة السّابعة والأربعون [الوجوب والرّكنيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوجوب يثبت بخبر الواحد والرّكنيّة إنّما تثبت بما يوجب علم اليقين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان أنّ الواجب - عند الحنفيّة - هو ما ثبت بدليل ظنّي فيه شبهة، والمراد بذلك خبر الواحد، ففي هذه القاعدة تصريح بذلك وهو أنّ الواجب لمّا كان أقلّ رتبة من الرّكن والفرض نظراً إلى دليله، فهو يثبت بالدّليل الظّنّي - أي خبر الآحاد - بخلاف الرّكن أو الفرض فإنّه لا يثبت إلا بما يوجب علم اليقين: وهو الآية الصّريحة والخبر المتواتر. وهو المراد بقولهم: (الفرض لا يثبت إلا بدليل قطعي لا شبهة فيه). ولذلك لم يثبت عند الحنفيّة فرضيّة أو ركنيّة أشياء اعتبرها غيرهم فروضاً أو أركاناً بناءً على هذا التّفريق بين الفرض والواجب كما سبق قريباً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قراءة القرآن في الصّلاة - على الإطلاق - متّفق على فرضيتها، فمن صلّى ولم يقرأ شيئاً في صلاته مع قدرته على ذلك فصلاته باطلة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 38.

باتّفاق. لكن قراءة الفاتحة بخصوصها هل هي فرض في الصّلاة فمن لم يقرأ بها كانت صلاته باطلة، سواء أكان إماماً أم منفرداً أم مأموماً؟ خلاف. فعند الشّافعيّة قراءة الفاتحة بخصوصها فرض في كلّ صلاة لظاهر الأحاديث الواردة في ذلك. وعند الحنابلة هي ركن في حقّ الإِمام والمنفرد دون المأموم (¬1). وأمّا عند الحنفيّة فقراءة الفاتحة واجبة وليست فرضاً أو ركناً؛ لأنّه ثبتت قراءتها بخبر الآحاد. وخبر الآحاد لا يوجب القطع - أو علم اليقين - بل الظّنّ، ويوجب العمل دون العلم - أي اليقيني -. ومنها: الطّهارة في الطّواف واجبة عند الحنفيّة، وليست شرطاً لصحّة الطّواف، كما هو رأي آخرين، بناء على أنّ الطّهارة في الطّواف لم يرد في إيجابها - أي فرضها أو شرطيتها - نصّ صريح، فالله عَزَّ وَجَلَّ أمر بالطّواف مطلقاً بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} (¬2). والطّهارة إنّما ثبتت بقول الواحد الذي يوجب العمل دون العلم، والواجب يجبر بالدّم عند تركه، من حيث إنّ الدّم يقوم مقام الواجب في باب الحجّ. ¬

_ (¬1) المقنع جـ 1 ص 166. (¬2) الآية 29 من سورة الحج.

القاعدة الثامنة والأربعون [السبب الشرعي والتخيير]

القاعدة الثّامنة والأربعون [السّبب الشّرعي والتّخيير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجود السّبب الشّرعي سالماً عن المعارض من غير تخيير يترتّب عليه مسبَّبُه، ومع التّخيير لا يترتّب عليه مسبَّبه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: السّبب الشّرعي: المراد به الموجب للحكم الشّرعي كالوقت للصّلاة. فإذا وجد الموجِب لحكم شرعي ولم يك ثمَّة معارض له، وكان الحكم لا تخيير فيه؛ بل كان الموجَب شيئاً واحداً، فإنّه يجب ترتّب المسبّب على سببه. ولكن إذا وجد تخيير في الموجّب فإنّه لا يترتّب على السّبب الشّرعي نتيجته ومسبَّبه - ولو وجد السّبب الشّرعي سالماً عن المعارض -؛ وذلك لأنّ التّصرّف بالتّخيير مع العذر في الأخير يقوم مقام العذر في الجميع، فكذلك آخر الوقت بالنّسبة للصّلاة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رؤية الهلال سبب لوجوب الصّوم والفطر - فإذا وجد سالماً عن ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 137.

المعارض - كالحيض - مثلاً - وجب الصّوم، فهنا وجد السّبب الشّرعي من غير تخيير في الحكم. ومنها: دخول وقت الصّلاة. إذا كان المكلّف سالماً عمّا يمنع الصّلاة - كالحيض مثلاً - ودخل وقت الصّلاة - لم تجب الصّلاة في أوّل الوقت وجوباً مضيَّقاً. فإذا حاضت المرأة آخر الوقت لم تجب عليها الصّلاة - ولا يجوز لها أداؤها، كما لا يجب عليها قضاؤها عند المالكيّة لهذه القاعدة. وإن وجبت عليها ويجب عليها قضاؤها عند الشّافعيّة والحنابلة؛ لأنّ بدخول الوقت ترتّب عليها الصّلاة في ذمّتها. ومنها: إذا وجب على إنسان عتق رقبة في كفّارة - وعنده رقاب عدّة - فتصرّف فيها إلا واحدة فماتت أو تعيّبت سقط عنه الأمر بالعتق، وجاز له الانتقال إلى الصّيام إذا كانت كفّارة القتل الخطأ مثلاً. وما ذلك إلا لوجود التّخيير في الابتداء. ومنها: إذا كان لإنسان عدّة ثياب للسّترة في الصّلاة، فله أن يتصرّف فيها عدا الواحد منها، فإذا وهب أو باع، وأبقى واحداً منها فاحترق ولم يجد غيره، فله أن يصلّي عرياناً من غير إثم، ويسقط التّكليف - بالسّترة - بالكلّيّة.

القاعدة التاسعة والأربعون [صفة المالية والتقوم]

القاعدة التّاسعة والأربعون [صفة الماليّة والتّقوّم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجود صفة الماليّة والتّقوّم في شيء ممّا هو المقصود يجعل كوجوده في الكلّ للحاجة إلى ذلك (¬1). عند مالك رحمه الله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من المعاملات الجارية بين الناس ما يكون الحكم الشّرعي فيها تابعاً لعادة النّاس الجارية بينهم إذا لم يكن في تلك العادة مخالفة صريحة للشّرع. فإذا وجدت صفة الماليّة والتّقوّم - أي وجد شيء له قيمة ماليّة - ممّا كان مقصوداً بالمعاملة فحينئذ يجعل وجود بعضه كوجود كلِّه للحاجة إلى ذلك، لكن بشرط أن يبدو صلاح ما ظهر للأكل - أي حين يطيب أكله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى ثمراً ممّا يخرج متتابعاً كالتّين والباذنجان والفلفل والطّماطم والخيار، وكلّ أنواع الخضروات فذلك جائز عند الجميع للحاجة، لكن بشرط أن يكون ما ظهر قد نضج وطاب أكله، حيث يجعل الموجود الخارج أصلاً وما لم يخرج يجعل تبعاً؛ لتعامل الناس. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 197.

القاعدة الخمسون [وجود العيب]

القاعدة الخمسون [وجود العيب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجود العيب في الشّيء لا يجعله في حكم جنس آخر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأجناس إنّما تختلف باختلاف حقائقها، لكن إذا وجد عيب في شيء ما، فإنّ هذا العيب لا يخرج هذا الشّيء عن جنسه المنسوب إليه. ولا يجعل له حكم كجنس آخر؛ لأنه - وإن وجد فيه عيب فإنّ حقيقته لم تتغيّر، ولذلك لا يعتبر جنساً آخر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سيّارة ثم ظهر فيها عيب يوجب الرّد، فإنّ وجود ذلك العيب لا يخرج السّيّارة عن كونها سيّارة، ولا يمكن أن يجعلها قارباً، أو عربة حصان - مثلاً -. ومنها: إذا كان رأس مال السلم دراهم فوجدت زيوفاً ورضي بها المسلم إليه جاز العقد مع وجود هذا العيب؛ لأنّ الدّراهم الزّائفة من جنس الدّراهم. ومنها: إذا اشترى بطيخاً ثم ظهر أنّه أبيض، فلا يخرجه ذلك عن كونه بطيخاً، وإن لم يكن أحمر. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 12 ص 144.

القاعدة الحادية والخمسون [المسمى والمستثنى]

القاعدة الحادية والخمسون [المسمّى والمستثنى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وجود المسمّى دون المستثنى هو الموجِب، فلا يجب إلا بوجوده (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المستثنى والمستثنى منه اصطلاحان: أحدهما أصل، وهو المستثنى منه، وثانيهما فرع له متّصل به اتّصال إخراج لا إدخال، وهو المستثنى. فإذا وجد المستثنى منه وهو المسمّى، فيكون الحكم تابعاً له، ويكون المستثنى منه هو الموجِب للحكم دون المستثنى. ولذلك فلا يجب الحكم إلا بوجود المستثنى منه لأنّه الأصل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل: إن كان في يدي دراهم إلا ثلاثة دراهم، أو سوى ثلاثة دراهم، فما في يدي صدقة. فإذا في يده خمسة دراهم. قال: لا يجب عليه أن يتصدّق بشيء منها؛ لأنّ شرط حنثه وجود المسمّى دون المستثنى. والمستثنى دراهم، وما بقي من الخمسة درهمان لا يستحقان اسم الدّراهم - بناء على أنّ أقلّ ما يطلق عليه الجمع ¬

_ (¬1) القواعد والضوابط ص 191 عن أصول الجامع الكبير للملك المعظم عيسى.

ثلاثة. فإن كان في يده أكثر من خمسة دراهم تصدّق بالجميع لوجود الشّرط، وهو كون ما في يده دراهم. لكن لو قال: إن كان في يدي من الدّراهم سوى ثلاثة دراهم أو إلا ثلاثة: فعليه أن يتصدّق بالكلّ؛ لأنّ مِن هنا لإبانة الجنس. ومثلها لو قال: إن كان في يدي دراهم أكثر من ثلاثة فهي صدقة، وفي يده خمسة أو أكثر تصدّق بها. ومنها: إن قال: مالي دراهم إلا ألف، وله أَلف درهم ودرهم، فإنّه يحنث في القضاء، ولكن إن قال: مالي دراهم إلا هذه الألف، لم يحنث حتى يكون له ألف وثلاثة.

القاعدة الثانية والخمسون [الوراثة والولاية]

القاعدة الثّانية والخمسون [الوراثة والولاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوراثة نوع ولاية (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوراثة: مصدر ورث إرثاً ووراثة، وهي خلافة الميّت في ماله الذي كان له حال حياته. ولمّا كانت الوراثة ناتجة عن أسباب هي: الفريضة، العصوبة، والقرابة. فهي نوع من أنواع الولاية على المال؛ لأنّ الوارث يرث مال الميّت بعد موته، ويتصرّف فيه، فهو يخلف المورِّث ملكاً وتصرفاً، والوراثة هى الخلافة في التّصرّفات. وتصرّفات الوارث هي: تصرّف بما يلزم الميّت من تجهيز وغيره، ثمّ تصرّفه كتصرّف الميّت فيه حال حياته؛ لأنّه بالوراثة أصبح مال الوارث، إذ انقطعت عنه ولاية المورّث لموته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يلزم الوارث أن يؤدّي من مال الميّت ديونه، وينفذ وصاياه. فهو في ذلك قائم مقام الميت في ذلك. وهذا نوع من الولاية. ومنها: أنّ الوارث ينفق على الحمل من مال مورثه، فهذا أيضاً ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 4 ص 220.

نوع ولاية. ومنها: جعل الحنفيّة ولاية تزويج المرأة لابنها - لأنّه عصبتها - فإن امتنع من تزويجها حكم القاضي عليه بالعَضْل فيزوجها بنفسه كما في سائر الأولياء. وهذا متّفق عليه إذا لم يكن لها أب. فإن كان لها أب فعند أبي حنيفة وأبي يوسف تكون الولاية للابن؛ لأنّه مقدّم في العصوبة، وعند محمَّد رحمه الله تكون الولاية للأب؛ لأنّ الأب ينظر لها عادة، والابن ينظر لنفسه لا لها. فكان الأب مقدّماً في الولاية.

القاعدتان الثالثة والرابعة والخمسون [الوسائل]

القاعدتان الثّالثة والرابعة والخمسون [الوسائل] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوسائل أخفض رتبة من المقاصد (¬1). وفي لفظ: الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الوسائل: جمع وسيلة وهي الطّريقة الموصلة إلى المقصود. والمقاصد: جمع مقصد، وهو الغاية والهدف من التّصرّف. فالمقاصد هي الأصول، والوسائل أتباع. ودائماً رتبة المقاصد أعلى من رتبة الوسائل، بناءً على أنّ الأصل أقوى من الفرع، والمتبوع أقوى من التّابع. ولمّا كانت الوسائل تبعاً للمقاصد في الحاجة إليها فهي تابعة للمقاصد في أحكامها مطلقاً، وذلك في الوسائل الشّرعيّة. وقد سبق قريباً بيان أنّ المقصد إذا كان واجباً كانت وسيلته واجبة تبعاً له، ولكن ليس في درجة وجوب المقصد. وإذا كان المقصد حراماً كانت وسيلة الوصول إليه محرّمة كذلك ولكن ليس في درجة حرمة المقصد. وينظر القاعدة رقم 46. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 1 ص 111، جـ 2 ص 33. (¬2) نفس المصدر جـ 3 ص 111 الفرق 144.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: صلاة الجمعة واجبة على الذّكر الحرّ الصّحيح المقيم البالغ. فبناء على ذلك كان السّعي لها واجباً. لكن من لم يصل الجمعة - وهو قادر عليها - إنّما يحاسب على تركها لا على السّعي لها. ومنها: الزّنا حرام. فمن ارتكب الزّنا يعاقب على فعل الزّنا. ولا يعاقب على المشي إلى الزّانية أو إلى المكان الذي زنا فيه. ومنها: إذا شككنا في الطّهارة - فعند مالك رحمه الله يجب التّطهّر؛ لأنّ الطّهارة وسيلة إلى الصّلاة وشرط، والصّلاة مقصودة، فكانت العناية بها وإلغاء المشكوك فيه - وهو الطّهارة - أولى من رعاية الطّهارة وإلغاء الحدث الواقع لها، كما هو مذهب الآخرين.

القاعدة الخامسة والخمسون [وسيلة المحرم]

القاعدة الخامسة والخمسون [وسيلة المحرم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وسيلة المحرم قد تكون غير محرّمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بالقاعدتين السّابقتين، وكأنّها استثناء منهما، من حيث إنّ الوسائل إذا كانت تتبع المقاصد في أحكامها فإنّ وسيلة المحرم يجب أن تكون محرّمة، - كما سبق بيانه أنّ المقاصد الشّرعيّة تتبعها وسائلها في أحكامها على الإطلاق، بخلاف المقاصد العاديّة ووسائلها. ولكن هذه القاعدة تفيد أنّه يجوز أن تكون وسيلة المحرم غير محرّمة، ولكن ذلك بالنّظر إلى مقصد آخر يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً، فتكون الوسيلة ذات وجهين مختلفين، أو ينظر إليها من ناحيتين مختلفتين، ولذلك فهي من وجه وناحية محرّمة، ولكنّها من وجه آخر وناحية أخرى تكون غير محرّمة، فيرجّح جانب عدم التّحريم لما فيه من مصلحة راجحة على المفسدة المرجوحة. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 33، قواعد المقري ق 146، 231.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّوسّل إلى فداء أسرى المسلمين بدفع المال إلى الكفّار - ودفع المال إلى الكفّار محرّم، لكن لمّا كان وسيلة إلى مصلحة عظيمة وهي فداء الأسرى المسلمين كان واجباً. ومنها: دفع مال لرجل ليأكله حراماً حتى لا يزني بامرأة، إذا عجز الدّافع عن دفع الفاجر عنها إلا بذلك. وهذا واجب. ومنها: دفع المال إلى المرتشي المانع للحقّ، فهو يأكله حراماً، والدّافع لا إثم عليه؛ لأنّه دفع المال للوصول إلى حقّه. كمن دفع مالاً لظالم يريد أن يأخذ مال يتيم، يدفعه به عن أخذ مال اليتيم كلّه.

القاعدة السادسة والخمسون [الوصف الغالب]

القاعدة السّادسة والخمسون [الوصف الغالب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوصف: هو الصّفة المميّزة للشّيء عن غيره. والمراد بمخرج الغالب: أي يكون العمل بهذه الصّفة ووجودها يغلب على النّاس بحسب عادتهم ويكثر أخذهم بها. فبناء على ذلك لا يكون ذكر الوصف المبني على عادة النّاس الغالبة حجّة في الأحكام الشّرعيّة، أي لا يبنى على وجود هذا الوصف حكم شرعي بل الحكم يبنى على السّبب والعلّة الموجبة ولو لم يوجد ذلك الوصف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: في قوله تعالى عند ذكر المحرّمات من النّساء: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (¬2). فالمحرّمة هي الرّبيبة من المرأة التى دخل بها الزّوج، والوصف هو قوله تعالى: ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 137 الفرق 154. (¬2) الآية 23 من سورة النساء.

{فِي حُجُورِكُمْ} فعند الجمهور أنّ هذا الوصف خرج مخرج الغالب، فالرّبيبة سواء أكانت في حجر زوج أمّها أو في غير حجره هي محرّمة عليه على التأبيد ما دام قد دخل بأمّها. وليست هذه الصّفة شرطاً في التّحريم (¬1). ومنها: قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (¬2). فلا يجوز قتل الأولاد مطلقاً سواء خشي الإملاق أو لم يخشه. ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل باطل باطل" (¬3). وهو يدلّ بمفهومه على أنّ الولي إذا أذن لها أنّه يجوز عقدها، ولكن كلّ مَن لم يجز أن تزوّج المرأة نفسها يمنعون ذلك، ولو أذن لها الولي. ¬

_ (¬1) ينظر أحكام القرآن للجصاص جـ 2 ص 127 - 129. وأحكام القرآن لابن العربي جـ 1 ص 378. والجامع لأحكام القرآن جـ 5 ص 112. (¬2) الآية 31 من سورة الإسراء. (¬3) الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه الخمسة إلا النسائي وينظر منتقى الأخبار الحديثان 3453، 3454.

القاعدة السابعة والخمسون [الوصف المنضبط وغير المنضبط، المظنة]

القاعدة السّابعة والخمسون [الوصف المنضبط وغير المنضبط، المظنّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوصف الذي هو معتبر في الحكم إن أمكن انضباطه لا يعدل عنه إلى غيره، وإن كان غير منضبط أقيمت مظنّته مقامه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: للأوصاف اعتبار في الحكم، فإذا كان الوصف المراد منضبطاً واضحاً لا لبس فيه فيجب رعايته، والعمل بمقتضاه، ولا يعدل عنه إلى غيره؛ لأنّه مقصود بالحكم. ولكن إن كان الوصف المراد غير منضبط وغير متّضح تماماً مع قيام الدّليل على إرادته تقام مظنّته مقامهُ. ويراد بمظنّة الشّيء الحال الذى يغلب على الظّنّ وجود الوصف فيه. أو ما يكون دالاً عليه ويغلب على الظّنّ وجوده ووقوعه بوجوده ووقوعه. كالنّوم مظنّة الحدث. لكن بشرط أن يكون الوصف متوقعاً مع المظنّة، فلو قطعنا بعدمه عند المظنّة، فلا يترتب على المظنّة حكم. كوجود الإكراه المعدم للرضا مع صدور الصّيغة أو الفعل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رؤية الهلال شرط ووصف معتبر في وجوب الصّوم أو الفطر، ¬

_ (¬1) الفروق جـ 2 ص 165. وينظر المغني جـ 1 ص 196، 208 - 210.

فلا يعدل عنه إلى مظنّة؛ لأنّ الرّؤية أو إتمام الشّهر ثلاثين وصف منضبط. ومنها: غروب الشّمس وزوالها، وطلوع الفجر أوصاف معتبر في وجوب الصّلوات، فلا يعدل عنها إلى مظنّتها. ومنها: السّكر في الخمر، وصف معتبر في الحكم. ومن الأوصاف غير المنضبطة: المشقّة سبب للقصر، وهي غير منضبطة، فأقيم السّفر مقامها في جواز القصر والفطر ومدّة المسح. ومنها: التقاء الختانين أقيم مقام الإنزال في وجوب الغسل لعدم انضباط الإنزال؛ لأنّ أمر خفي. ومنها: البلوغ أقيم مقام تمام العقل لوجوب التّكليف؛ لانضباط البلوغ بعلاماته بخلاف العقل وانضباطه.

القاعدة الثامنة والخمسون [وصف الشرط]

القاعدة الثّامنة والخمسون [وصف الشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وصف الشّرط كالشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى الوصف ومعنى الشّرط. فهذه القاعدة تفيد أنّ وصف الشّرط الجزائي المقيّد به يأخذ حكم الشّرط، فهو قائم مقامه في الاعتبار والاعتداد وبناء الحكم عليه. وذلك لأنّ الشّرط إذا وقع وقع الجزاء فكذلك وصفه. وأيضاً إذا وجد الشّرط بدون وصفه المقيّد به لم يقع الجزاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: إن دخلت الدّار راكبة فأنت طالق. فدخلت ماشية لم تطلق. لعدم تحقّق وصف الشّرط. ومنها: إذا قال: إن كَلَّمت عبدي هذا وأنا غاضب فهو حرّ. فكلّمه غير غضبان فلا يعتق، لعدم تحقّق وصف الشّرط وهو الغضب. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال لزوجته: أنت طالق أمس. فإنّها تطلق للحال؛ لأنّ الوصف قد سبق وجوده. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 187 وعنه قواعد الفقه ص 137، شرح الخاتمة ص 88.

القواعد التاسعة والخمسون والستون والحادية والثانية والستون [الوصف في الحاضر والغائب]

القواعد التّاسعة والخمسون والسّتّون والحادية والثّانية والسّتّون [الوصف في الحاضر والغائب] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوصف في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبر (¬1). وفي لفظ: الوصف في المعين غير معتبر (¬2). وفي لفظ: الوصف في غير المعين معتبر، وفي المعين غير معتبر (¬3). وفي لفظ: الوصف المعتاد معتبر في الغائب لا في العين (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: المراد بالوصف في هذه القواعد: هو الوصف المتعارف المعتاد، وهو الوصف الذي يعرِّف الموصوف ويوضّحه، لا وصف الشّرط السّابق ذكره؛ لأنّ وصف الشّرط يعتبر في الحاضر أيضاً. فالوصف المتعارف الذي يعرِّف الموصوف يسقط اعتباره عند ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 88، ترتيب اللآلي لوحة 109 ب. المجلة المادة 65. (¬2) المبسوط جـ 7 ص 122. (¬3) نفس المصدر جـ 3 ص 94، جـ 9 ص 4. (¬4) أشباه ابن نجيم ص 188.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وجود الموصوف حاضراً؛ لأنّ حضور الموصوف والإشارة إليه أقوى وأوضح من الوصف وأبلغ في إفادة التّعريف؛ لأنّها تقطع الاشتراك في الحاضر بشرط أن يكون المشار إليه من جنس المسمّى والاختلاف في الوصف فقط. ولكن الغائب حيث لا يمكن الإشارة إليه فلا يعرف إلا بوصفه الذي يعرِّفه ويوضّحه فاعتبر فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أراد البائع بيع سيّارة حمراء حاضرة في المجلس فقال في إيجابه: أبيعك هذه السّيّارة السوداء وأشار إليها، وقيل المشتري، صحّ البيع، ولغا وصف السّوداء. أمّا لو باع سيّارة غائبة بيضاء وقال: أبيعك سيّارتي السّوداء - وهو يريد البيضاء - لا ينعقد البيع. ومنها: لو حلف لا يكلّم هذا الشّابّ فكلّمه شيخاً حنث، أمّا لو حلف لا يكلّم شابّاً - منكراً - وكلّم شيخاً لم يحنث. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: إذا قال: أبيعك هذا العبد، وأشار إلى أَمَة، فلا ينعقد البيع لاختلاف الجنس. ولا معتبر بالإشارة، فالعبرة هنا للتّسمية دون الإشارة لاختلاف الجنسين. ومنها: إذا قال: أبيعك هذه الجوهرة. فإذا هي زجاج لا ينعقد البيع كذلك.

القاعدتان الثالثة والرابعة والستون [الوصف المقصود]

القاعدتان الثّالثة والرّابعة والسّتّون [الوصف المقصود] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوصف يستحقّ باستحقاق الأصل (¬1). وفي لفظ: الوصف يقابله شيء من الثّمن إذا كان مقصوداً بالتّناول (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالوصف في هاتين القاعدتين: ما يكون تابعاً للشّيء غير منفصل عنه، إذا حصل فيه يزيده حسناً، وإن كان في نفسه - في بعض الأشياء جوهراً - أى قائماً بذاته - كذراع من ثوب وبناء من دار. ومفاد القاعدتين: أنّ الوصف باعتباره تابعاً لأصله الموصوف فهو مستحقّ باستحقاق أصله - أي هو حقّ لصاحب الأصل - وعلى ذلك يقابله شيء من ثمن أصله إذا كان مقصوداً من العقد مرغوباً فيه، من حيث إنّ الأوصاف المقصودة تزيد الموصوف حسناً وزيادة في الثّمن. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 18 ص 133. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 110 ب.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: اشترى كتاباً مجلّداً. فجاءه البائع بكتاب غير مجلّد، فله حقّ الرّدّ؛ لأنّ التّجليد وصف مطلوب مرغوب يزيد الكتاب حسناً ويقابله جزء من الثّمن. ومنها: مطلق البيع يقتضي سلامة المعقود عليه، ووجود العيب يثبت للمشتري حقّ الرّدّ، فالبائع المدّعي البراءة من العيب يريد إسقاط حقّ المشتري - بعد ما ظهر سببه - فلا يقبل إلا بحجّة, لأنّ العيب فوات وصف مرغوب في المعقود عليه.

القواعد الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والستون [الوصية وأحكامها]

القواعد الخامسة والسّادسة والسّابعة والثّامنة والسّتّون [الوصيّة وأحكامها] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوصيّة أخت الميراث (¬1). وفي لفظ: الوصيّة تحتمل التّعليق بالشّرط (¬2). وفي لفظ: الوصيّة استخلاف بعد انقطاع ولاية الموصي (¬3). وفي لفظ: الوصيّة للمجهول لا تصحّ (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تشتمل على بعض أحكام الوصيّة، وتفيد أنّ الوصيّة نوعان: وصيّة في المال، ووصيّة في الولاية. فالقاعدتان الأوليان تخصّان الوصية في المال. والقاعدة الثّالثة تخصّ الوصيّة بالولاية. والقاعدة الرّابعة تفيد أنّه لا تجوز الوصيّة للمجهول غير المعروف. فالقاعدة الأولى تفيد أنّ الوصيّة تشبه الميراث من حيث إنّها تثبت في كلّ المال إذا أجاز الورثة. وأن الموصى به يخرج عن ملك ¬

_ (¬1) شرح السير ص 325 وعنه قواعد الفقه ص 137. (¬2) المبسوط جـ 12 ص 45. (¬3) ترتيب اللآلي لوحة 111 أ. (¬4) شرح السير ص 436 وعنه قواعد الفقه ص 137.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

الموصي ويدخل في ملك الموصَى له بمجرّد وفاة الموصي. كما يدخل الميراث في ملك الورثة بوفاة المورث. والقاعدة الثّانية تفيد أنّ الوصية مما يحتمل التّعليق بالشّرط - أي ربط حصولها بحصول شرط اشترطه الموصي؛ لأنّها إثبات خلافة بعد الموت، والتّعليق بالشّرط يليق بها. والقاعدة الثّالثة تفيد أنّ الوصيّة هي استخلاف بعد وفاة الموصي وانقطاع ولايته. وبخاصّة الوصيّة على الأيتام أو الصّغار وهي الوصيّة في الولاية. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أوصى بثلث ماله لرجل. دخل في الوصيّة جميع ذلك من جميع ماله. ومنها: إذا أوقف أرضاً وخاف أن يبطل بعض القضاة وقفه، فله أن يكتب في صكّ الوقف، وإن أبطله قاضٍ أو غيره بوجه من الوجوه فهذه الأرض بأصلها وجميع ما فيها وصيّة من مال فلان تباع فيتصدّق بثمنها على مَن سمّينا في كتابنا. ومنها: أنّ الوصي يتصرّف في مال الموصي وذرّيته بما فيه مصلحة لهم، كما لو كان الموصي حيّاً؛ لأنّ الوصي خليفة الموصي في ماله وذرّيته. ومنها: إذا أوصى بشيء من ماله إلى هيان بن بيان. لا تصحّ الوصيّة لأنّه مجهول.

القاعدتان التاسعة والستون والسبعون [الوطء]

القاعدتان التّاسعة والسّتّون والسّبعون [الوطء] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوطء لا يخلو من عَقْرٍ أو عقوبة (¬1). وفي لفظ: الوطء المحرّم لعارض هل يستتبع تحريم مقدماته أم لا (¬2)؟ ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: الوطء: أي الجماع، للوطء في الشّرع أحكام متعدّدة، ولقد اعتنى به الشّرع غاية العناية لمكانة الوطء في الحياة، وكونه أساس بقاء النّسل والمجتمعات والبشريّة جمعاء. ولذلك وحرصاً من الشّارع الحكيم على سلامة الأمّة والمجتمعات من الآفات الاجتماعيّة والصّحيّة والخلقيّة، حدّد اتّصال الذّكور بالإناث - أي الرّجال بالنّساء - بطريقتين لا ثالث لهما: هما الزّواج الصّحيح بالعقد الصّحيح. وملك اليمين بالطّريق الشّرعي. وما عدا ذلك فهو اتّصال محرّم. وعلى ذلك بنيت القاعدة الأولى وقاعدة سبقت ضمن قواعد حرف "لا" ولفظها: (لا يخلو الوطء بغير ملك اليمين عن مهر أو حدّ)، فإنّ اتّصال أي رجل بأي امرأة لا يخلو من أن يكون اتّصالاً حلالاً مباحاً ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 375. (¬2) قواعد ابن رجب ق 136، المنثور جـ 3 ص 335.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

يوجب المهر، أو لا يوجب مهراً - وهو ملك اليمين، ولا عقوبة. وإمّا أن يكون اتّصالاً حراماً ممنوعاً يوجب الحدّ والعقوبة: الجلد أو الرّجم. وأمّا القاعدة الثّانية: فموضوعها استفهام عن حكم مقدّمات الوطء إذا حرَّمه الشّارع لعارض أي لسبب طارئ على أصل الحل، فهل تعتبر هذه المقدمات لذلك الوطء حراماً كحرمة الوطء أو حلالاً. وهل تحريم الوطء لذلك العارض يحرم مقدّماته أولاً؟. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا تزوّج رجل امرأة زواجاً شرعيّاً وجب عليه مهرها، فإذا كان المهر معيّناً متّفقاً عليه وجب عليه أداؤه معجّلاً أو مؤجّلاً، وإذا لم يكن المهر معيّناً ودخل بها فلها مهر مثلها. ومنها: إذا نكح رجل امرأة حراماً بزنا - فعليه الحدّ جلد مئة إن كان بكراً، أو الرّجم إن كان ثيباً محصناً، وعليها بمثله إن كانت مطاوعة. ومنها: إذا كانت زوجته حائضاً أو نفساء حَرُم عليه وطؤها بالنّصّ، ولكن يجوز فعل مقدّماته، وكذلك إذا كانت صائمة أو هو صائم في رمضان فيحرم الجماع، ولكن إباحة دواعيه ومقدّماته لمن كان يأمن على نفسه. أمّا العوارض المانعة من الجماع للزّوجة فهي: الحيض والنّفاس، والصّوم الواجب، وضيق وقت الصّلاة، والاعتكاف

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

والإحرام، والإيلاء والظّهار قبل التّكفير. وعدّة وطء الشّبهة. فإذا حرم الوطء في الاعتكاف والإحرام مطلقاً والظّهار والاستبراء، وما عدا ذلك ففيه خلاف (¬1). ومنها: الأمَة المشتراة إذا ملكت بعقد محرّم فيحرم سائر أنواع الاستمتاع بها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: الذّمّيّة إذا نكحها ذمّيّ بغير مهر ثم أسلما - وكان في دينهم جواز النّكاح بغير مهر فلا مهر لها. ومنها: نكح صبي بالغة حرّة بغير إذن وليّه ووطئها طائعة فلا حدّ ولا مهر. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ق 136، وأشباه ابن نجيم ص 335.

القاعدة الحادية والسبعون [الوعد]

القاعدة الحادية والسّبعون [الوعد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوعد يحرم الخلف فيه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الخاء تحت الرّقم 25 بلفظ (الخلف في الوعد حرام). من أدلّة هذه القاعدة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬2) والوعد عقد. وقوله تعالى مادحاً إسماعيل عليه الصّلاة والسّلام: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)} (¬3). والحديث: "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان" (¬4) فالوعد هل يجب الوفاء به ويحرم إخلافه إطلاقاً، ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 288، وغمز عيون البصائر جـ 3 ص 237، وعنه الفرائد ص 34. (¬2) الآية 1 من سورة المائدة. (¬3) الآية 54 من سورة مريم. (¬4) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب 24.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

كما يحرم نكث العهد، أو أن في المسألة تفصيلاً؟ لكن قالوا: إنّ الوعد يجب الوفاء به في مسألتين: الأولى: إذا كان الوعد بصيغة التّعليق؛ لأنّ المواعيد باكتساب صورة التّعليق تكون لازمة، كما سبق بيانه ضمن قواعد حرف الميم تحت الرّقم 696. والثّانية: في بيع الوفاء، فيجب الوفاء في ذلك. وبيع الوفاء: هو أن يقول البائع للمشتري: بعث منك هذا العين بمالك عليّ من الدّين، على أنّي متى قضيت الدّين فهو لي (¬1). فهذا يجب الوفاء به. فإذا قضى البائع الدّين وجب على المشتري ردّ العين لصاحبها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: إذا فعلت ما أشرت به عليك فَلَك عندي كذا. ومنها: بيع الوفاء كما سبق ذكره. ¬

_ (¬1) التعريفات ص 69. وينظر القاموس الفقهي ص 384. والتعريفات الفقهية ص 215.

القاعدة الثانية والسبعون [الوفاء والغدر]

القاعدة الثّانية والسّبعون [الوفاء والغدر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوفاء بالأمان والتّحرّز عن الغدر واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة مثال ضمن قواعد حرف التّاء تحت الرّقم 46. فالوفاء بالأمان واجب على المسلمين حيث أمر الله عزّ وجلّ رسوله والمؤمنين بالوفاء بالعهود والعقود، والأمان عهد وعقد، ولذلك لا يجوز العذر بعد الأمان. وإذا كان ولا بدّ من نقض العهد لأمر يخاف منه على المسلمين فعلى الإمام أن ينبذ للمعاهدين عهدهم. قبل إعلان الحرب عليهم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وادع الإمام قوماً من أهل الحرب سنة على مال دفعوه إليه، فذلك جائز، ولكن إذا نظر الإمام فرأى في هذه الموادعة شراً على المسلمين فيجب عليه أن يردّ عليهم ما أُخِذ منهم، وينبذ إليهم عهدهم قبل أن يقاتلهم. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 480، 499. وينظر المبسوط جـ 10 ص 85.

القاعدة الثالثة والسبعون [الوفاء بالشرط]

القاعدة الثّالثة والسّبعون [الوفاء بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوفاء بالشّرط واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: كما أنّ الوفاء بالأمان والوعد واجب، فكذلك الوفاء بالشّرط الذي يشترطه الإنسان على نفسه واجب، ويحرم النّكث به؛ لأنّ المشروط له الشّرط لم يوافق على هذا الشّرط إلا لمصلحة له فيه، واعتماداً على صدق الشّارط على الوفاء بذلك الشّرط، فإذا لم يكن وفاء كان خيانة وغدراً، والمسلم منهي عن الخيانة والغدر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد أسير في أيدي المسلمين فقال: تؤمنوني على أن أدلَّكم على أمر ما، على أنني إن لم أف كنت ذمّة لكم. فهو كما قال. وإذا لم يف بالشّرط فهو ذمّة لا يجوز لهم أن يقتلوه أو يسترقّوه. ومنها: إذا قال المحاصَرون: آمنونا حتى نفتح لكم الحصن فتدخلون على أن تعرضوا علينا الإسلام فنسلم، ثم أبوا أن يسلموا فهم آمنون، وعلى المسلمين أن يخرجوا من حصنهم حتى يعودوا ممتنعين ¬

_ (¬1) شرح السير ص 529 وعنه قواعد الفقه ص 137، وينظر المبسوط جـ 5 ص 86.

كما كانوا، ثم ينبذون إليهم. ومنها: إذا تزوّج رجل امرأة على أن لا يخرجها من دارها (¬1). فيجب عليه الوفاء بهذا الشّرط، إلا إذا رضيت أن تخرج معه وأسقطت الشّرط. ومنها: إذا اشترى سلعة واشترط على البائع إيصالها لمحلّه، فعلى البائع الوفاء بهذا الشّرط. ¬

_ (¬1) دارها أي بلدها.

القاعدة الرابعة والسبعون [الوفاء بالعهد]

القاعدة الرّابعة والسّبعون [الوفاء بالعهد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوفاء بالعهد واجب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لهذه القاعدة صلة بما سبقها من قواعد، تفيد وجوب الوفاء بالوعد والعقد، فما الفرق بين الوعد والعهد؟ الوعد: قال ابن فارس رحمه الله (¬2): الواو والعين والدّال كلمة صحيحة تدلّ على ترجية بقول. يقال: وعدته أعده وعداً. ويكون ذلك بخير وشر. فالوعد إذن قول يرجى من ورائه خير أو شر (¬3). العهد: قال ابن فارس أيضاً: العين والهاء والدّال دالّ على معنى ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 3 ص 94. (¬2) ابن فارس هو: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسين من أئمة اللغة والأدب، قرأ عليه البديع الهمزاني والصاحب بن عباد وغيرهما. صاحب معجم مقاييس اللغة وغيره توفي بالري سنة 395. الأعلام جـ 1 ص 193. عن ابن خلكان وغيره. (¬3) معجم المقاييس مادة (وع د).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

واحد وهو: الاحتفاظ بالشّيء وإحداث العهد به (¬1). والعهد: الموثق، وجمعه عهود، فالعهد إذن هو الميثاق (¬2). فالعهد أشدّ من الوعد، فإذا كان الوفاء بالوعد واجب فإنّ الوفاء بالعهد أوجب. قال سبحانه وتعالى: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (¬3) وقوله سبحانه: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (¬4). وقوله سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)} (¬5) إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بالوفاء بالعهد والذّامّة لمن لا يوفون بعهدهم. وقد مدح الله عزّ وجلّ المؤمنين لوفائهم بعهودهم، وذمّ المشركين والمنافقين واليهود لنقضهم العهود. فالوفاء بالعهد واجب شرعي وخُلُقي، ومن لا يفي بعهده لا يوثق به، ولا يصدق فيما يقول. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من نذر لله عزّ وجلّ صوماً أو صلاة أو حجّاً فيجب عليه الوفاء ¬

_ (¬1) المصدر السابق مادة (ع هـ د). (¬2) تحرير ألفاظ التّنبيه ص 31. (¬3) الآية 152 من سورة الأنعام. (¬4) الآية 91 من سورة النحل. (¬5) الآية 34 من سورة الإسراء.

بنذره؛ لأنّه بنذره عاهد الله سبحانه عهداً فيجب عليه الوفاء به. قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (¬1). وذمّ من ترك الوفاء بالعهد بقوله سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} (¬2) الآية. ومنها: إذا عاهد المسلمون المشركين عهداً فيجب عليهم أن يتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم، ولا يجوز لهم أن يغدروا، أو ينقضوا العهد بدون إنذار. كما سبق بيانه. ¬

_ (¬1) الآية 91 من سورة النحل. (¬2) الآية 75 من سورة التوبة.

القاعدة الخامسة والسبعون [وقائع الأعيان]

القاعدة الخامسة والسّبعون [وقائع الأعيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فسقط بها الاستدلال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: وقائع الأعيان: جمع واقعة، وهي المسألة الحادثة المستفسر عن حكمها، وهي تخصّ شخصاً بعينه أو جماعة بعينها. فالوقائع التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل عن حكمها، وترك عليه الصّلاة والسّلام الاستفسار والاستفصال فيها، وذكر الحكم بناء على ما أورده السّائل، يدلّ ذلك على أنّ هذه الواقعة مجملة أي مبهمة، فلا يصحّ أن يستدلّ بها على مسألة أخرى تشبهها يمكن أن تحتمل حكمها أو لا تحتمله. ملحوظات: الاحتمال المرجوح لا يقدح في دلالة اللفظ، بل الذي يقدح هو الاحتمال المساوي أو المقارب، وإن كلام صاحب الشّرع إذا كان محتملاً احتمالين على السّواء صار مجملاً لأنّه ليس حمله على أحدهما أولى من الآخر. ومنها: إنّ قضايا الأعيان إذا نقلت إلينا ونقل حكم الشّارع فيها، ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 2 ص 142. الفروق للقرافي جـ 2 ص 87 الفرق 71.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

واحتمل عندنا وقوعها على أحد الوجهين أو الوجوه، ولم ينقل إلينا على أي الوجهين أو الوجوه وقع الأمر فيها، فإنّ مثل هذا يثبت فيه الإجمال ويسقط به الاستدلال. وينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة 61. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: روي أن زنجيّاً سقط في بئر زمزم فمات. فأمر ابن عباس رضي الله عنهما بمائها أن ينزح. استدلّ الشّافعي رحمه الله أنّ نزحها لأحد أسباب: 1 - أنّ الدّم قد يكون ظهر فيها، فنزحها كان تنظيفاً لا وجوباً للدّلالة على نجاستها. واحتمل أن يكون نزحها احتياطاً لاحتمال التّغيّر، وأن يكون لاحتمال النّجاسة كما يقول الحنفيّة. فلذلك لوجود هذه الاحتمالات لا يصحّ الاستدلال بهذا المثال على أن الماء ينجس بملاقاة النّجاسة إذا زاد عن القلّتين. كما هو رأي الحنفيّة. ومنها: قوله صلّى الله عليه وسلّم - لما سئل عن الوضوء بنبيذ التّمر - "تمرة طيّبة وماء طهور"، ليس في اللفظ إلا أنّ التّمرة طاهرة طيّبة والماء طهور، فيبقى إذا جمع بين التّمرة والماء الطّهور كيف يكون الحال؟ هل يسلب الطّهوريّة، أم لم يتعرّض لذلك، فيحتمل أن يريد أن كلّ واحد منهما بقي على حاله لم يتغيّر عن وصفه، فلذلك وصفهما بما كانا عليه قبل الاجتماع، ويحتمل أنّهما تغيّرا عن حالتهما الأولى. واعترض عليه ابن الشّاط رحمه الله فقال: لا يجوز على الشّارع صلوات الله وسلامه عليه أن يُسأل عن شيء ثم لا يجيب عنه،

ولا يجوز عليه أن يخبر بما لا فائدة فيه .. وهو صلّى الله عليه وسلّم إنّما سئل عن الوضوء بالنّبيذ، والنّبيذ اسم للماء المستنقع فيه تمر حتى تتغيّر حقيقته، أمّا قبل التّغيّر فلا يسمّى نبيذاً إلا مجازاً. فلا شكّ أنّ ظاهر الحديث أنّه أراد صلّى الله عليه وسلّم أنّ أصل النّبيذ ثمرة طيّبة وماء طهور وأنّه باق على حكم الأصل من الطّيب والطّهورية.

القاعدة السادسة والسبعون [وقت الشيء]

القاعدة السّادسة والسّبعون [وقت الشّيء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وقت الشّيء هل ينزل منزلة ذلك الشّيء (¬1)؟ ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بوقت الشّيء: الوقت المقدّر والمحدّد لوقوع وحصول ذلك الشّيء. فهل إذا وُجد الوقت المقدّر لحصول شيء ما هل يكون له حكم ذلك الشّيء الذي يقع فيه؟ أو لا يكون له حكمه؛ ولا ينزله منزلته؟ في المسألة تفصيل: الوقت نوعان: النّوع الأوّل: أن لا يكون الوقت ركناً في المقصود، ففي هذا النوع ينزل الوقت منزلة الشّيء الذي يحصل فيه. النّوع الثّاني: أن يكون الوقت ركناً في المقصود فلا ينزل منزلته. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: 1 - أمثلة النّوع الأوّل: إذا دخل الليل أفطر الصّائم، وإن لم يتناول المفطر للحديث: "إذا أقبل الليل وأدبر النّهار وغابت الشّمس فقد أفطر الصّائم" متّفق عليه. ومنها: مضي مدّة المسح على الخف توجب النّزع وإن لم ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 338، أشباه السيوطي ص 537.

يمسح. ومنها: إذا وهبه أو رهنه شيئاً، وأذن له في قبضه، ومضى زمن إمكانه صار كالمقبوض ولا يحتاج إلى إذن في القبض. ومنها: إذا مضى زمان المنفعة في الإجارة بعد التّمكين استقرّت الأجرة، وإن لم تستوف المنفعة. 2 - أمثلة النّوع الثّاني: إذا دخل وقت الرّمي لا ينزل منزلة الرّمي. ومنها: الصّبي والعبد إذا وقفا بعرفة، ثم دفعا بعد الغروب، ثم كَمُلا - بأن بلغ الصّبي وعتق العبد - قبل الفجر لا يسقط فرضهما. خلافاً لابن سريج رحمه الله (¬1). ¬

_ (¬1) ابن سريج سبقت ترجمته.

القاعدة السابعة والسبعون [الوقت في اليمين]

القاعدة السّابعة والسّبعون [الوقت في اليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوقت في اليمين الموقت كالعمر في المطلق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين: وهي الحلف بالله سبحانه وتعالى، أو الحلف بالطّلاق - عند من يعتبره يميناً - إمّا أن تكون مؤقتة بوقت، أو مطلقة عن التوقيت. وهذه القاعدة قال بها بعض العلماء وبنى عليها فيما إذا حلف بطلاق امرأته إن لم يفعل شيئاً من المستحيلات في العادة أو العقل. وحدّد لذلك وقتاً، فعنده أن الطّلاق يقع في الحال، كما لو حلف بالطّلاق على أمر مستحيل بدون توقيت فهو واقع في الحال عند الجميع. ولكن عند جمهور الحنفيّة إنّ الطّلاق لا يقع في الموقّت إلا بعد مضي الوقت. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال لزوجته: أنت طالق إذا لم تصعدي إلى السّماء. أو إذا لم تقلبي هذا الحجر ذهباً. فهي تطلق في الحال؛ لأنّ المحلوف عليه مستحيل الموضوع عادة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 139.

فإذا قال: أنت طالق إذا لم تصعدي السّماء اليوم. فعند جمهور الحنفيّة لا تطلق إلا بعد مضي اليوم. ولكن بناء على هذه القاعدة تطلق في الحال. ومنها: إذا حلف ليشربنّ ما في هذا الكأس من ماء، وليس فيه ماء - وهو لا يعلم - فعند الجمهور لا يحنث؛ لأنّ الممتنع عادة كالممتنع حقيقة. ولكن بناء على هذه القاعدة - وعلى رأي أبي يوسف يرحمه الله يحنث فوراً؛ لأنّ اليمين عنده على أمر مستقبل سواء كان ممكن الوقوع أم غير ممكن.

القاعدة الثامنة والسبعون [وقف العقود]

القاعدة الثّامنة والسّبعون [وقف العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وقف العقود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بوقف العقود: عدم نفوذها، وعدم جواز الانتفاع بالبدلين حتى يجيز صاحب الحقّ فيها. فالعقد الموقوف عقد صحيح عند أكثر العلماء، ولكن يتوقّف نفوذه على إجازة وموافقة صاحب الحقّ فيه. ولم يجز الشّافعي رحمه الله - في المذهب الجديد - العقد الموقوف، بل العقود عنده إمّا صحيح وإمّا باطل. وجعل العقد الموقوف ضمن العقد الباطل. وذلك كبيع الفضولي. وأمّا عند غيره من العلماء فالعقد الموقوف صحيح، ويتوقّف نفوذه على إجازة المالك أو المشتري أو صاحب الحق فيه. ولكن بشرط أن يكون للعقد مجيز في الحال. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: بيع الفضولي: وهو أن يبيع إنسان شيئاً ملك غيره - كسيّارة أو أرض أو متاع - لآخر، ويحصل القبول من المشتري. فهذا عقد ¬

_ (¬1) المجموع المذهّب لوحة 302 ب، المختصر ص 261، قواعد الحصني جـ 4 ص 55. أشباه السيوطي ص 285.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

موقوف إن أجازه المالك للسيّارة نفذ وإلا بطل، وكون العقد موقوفاً إذا تمّ بكلامين من الفضولي والمشتري أو العاقد الآخر، ولكن لم يتبع ذلك تصرّف فعلي، فإذا سلّم الفضولي الشّيء المباع إلى المشتري، فيأخذ ذلك حكم الغصب لا البيع الموقوف. فالبيع الموقوف التّصرّف فيه تصرّف قولي لا فعلي، والتّصرّف الفعلي يدخل في حكم الغصب. ومنها: إذا زوّج فضولي رجلاً من امرأة، وكان أحدهما غائباً، فإذا حضر وعلم، فإن أجاز العقد نفذ، وإلا بطل. ومنها: طلق رجل امرأة رجل آخر - بغير تفويض - فإنّ طلاقها يقف على إجازة الزّوج فإن أجاز نفذ وإلا لم يقع. ومنها: إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ - وإن البائع فضولي - فكان الأب ميّتاً حالة العقد، فالأصحّ صحّة البيع لمصادفته بيع ملكه. وهذا يسمّى وقف تبيين. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: غصب أموالاً ثم باعها، وتصرف في أثمانها مرّة بعد أخرى، فكلّ تصرّفاته باطلة في الأصحّ. ومنها: باع فضولي مال صبي، فالعقد باطل؛ لأنّ الصّبي لا تصحّ إجازته. ومنها: تصرف المفلس في شيء من أعيان ماله المحجور عليه فيه بغير إذن الغرماء. فالأصحّ البطلان؛ لأن المال تعلّق به حقّ الغرماء.

القاعدة التاسعة والسبعون [وقف الأحكام]

القاعدة التّاسعة والسّبعون [وقف الأحكام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوقف في الأحكام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد من الوقف في الأحكام: التّوقّف فيها وعدم الحكم في المسألة لتعارض الأدلّة في نظر المجتهد، فيتوقّف عن الحكم. وهذا عند الأصوليّين كثير. ولكن عند الفقهاء قليل - حيث لا بدّ من البحث عن حكم نصِّي في المسألة المعروضة، فإن لم يكن أو لم يجد الفقيه فيها نصاً فيجتهد رأيه ولا يتوقّف؛ لأنّ من المسائل ما لا يحتمل التّوقّف، فيحكم فيها بما يغلب على ظنّه صوابه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الماء المستعمل في إزالة الأحداث. توقّف الشّافعي رحمه الله في حكمه، هل هو باق على طهوريّته - كما هو الرّاجح عند مالك رحمه الله - أو طاهر في نفسه - كما هو عند الحنفيّة - أو غير طهور كما هو رأي آخرين. وكان التّوقّف لتعارض الأدلّة. والتّوقّف عند الشّافعي رحمه الله في هذه المسألة مختلف فيه عنه. لكن المتّفق في المذهب أنّ الماء المستعمل في إزالة الأحداث - كماء الوضوء والغسل - ليس ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 339.

بطهور (¬1). ومنها: إذا حجّ الصّبي أو العبد فإن حجّه إذا دام يكون نفلاً. لكن إذا بلغ الصّبي وعتق العبد قبل الوقوف بعرفة انقلب فرضاً. ومنها: مسألة تعليق الطّلاق قبل النّكاح. ذكر أنّ الشّافعي رحمه الله توقّف فيه، في الأمالي القديمة. ثمّ أزال التّوقّف وقال بالمنع. ¬

_ (¬1) ينظر المجموع جـ 1 ص 197. وأشباه السيوطي ص 539.

القواعد الثمانون والحادية والثانية والثمانون [أحكام الوقف]

القواعد الثّمانون والحادية والثّانية والثّمانون [أحكام الوقف] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصيّة في اعتباره من ثلث المال (¬1)؛ لأنّه تبرّع. وفي لفظ: الوقف لا يصحّ إلا على مَن يُعْرَف أو على بِرّ (¬2). وفي لفظ: الوقف يتبع فيه مقتضى كلام الواقف (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد تتعلّق ببعض أحكام الأوقاف - أي الأحباس. فأولى هذه القواعد مفادها: أنّ من أوقف أو حبَّس شيئاً من ماله حال مرض الموت - وهو المرض المتّصل بالموت وكان سبباً فيه - فإنّ هذا الوقف يأخذ حكم الوصيّة فلا يخرج إلا من ثلث المال، وما زاد عن الثّلث يتوقّف على إجازة الورثة. ¬

_ (¬1) المغني جـ 5 ص 627. (¬2) نفس المصدر ص 644. (¬3) نفس المصدر ص 610، 647.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

وثانية هذه القواعد مفادها: أنّ الوقف الجائز هو ما كان على معروف كذرّيته وأولاده أو جهة مخصوصة، أو على وجوه البر والصّدقة. أمّا إذا أوقف على مجهول غير معروف فلا يجوز ولا يصحّ - كما سبق بيانه قريباً - كما لا يجوز الوقف على وجوه شر أو سوء أو فسق. وأمّا ثالثة هذه القواعد فمفادها: أنّ الوقف يجب حمله وتنفيذه على مقتضى كلام الواقف وإرادة المعنى المقصود لغة أو عادة أو شرعاً، فهي بمعنى القاعدة القائلة (شرط الواقف كنصّ الشّارع). ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: أوقف داراً أو أرضاً أو مزرعة، وقال في صكّ وقفها وتحبيسها: إنّها وقف على أولاده وأولادهم. فيجب حملها على الأولاد ذكرهم وأنثاهم، وأولادهم ذكوراً وإناثاً؛ لأنّ لفظ الولد يطلق على الذّكر والأنثى. لكن إذا قال: وقف على أبنائي وأولادهم، فلا يدخل البنات ولا أولادهنّ. ومنها: إذا قال المريض: أوقفت العمارة الفلانيّة، أو المزرعة الفلانيّة على جهة من جهات البرّ، فإنّه ينظر: إن كانت تخرج من ثلث المال نفّذ الوقف كالوصيّة، وإن كانت لا تخرج من ثلث المال بطل منها ما زاد على الثّلث إلا أن يجيز الورثة.

ومنها: أوقف أرضاً تكون مرعى للخنازير أو للكنيسة، فهذا وقف باطل لا يصحّ؛ لأنّ الشّرط أن يكون الوقف على جهة برّ، ورعي الخنازير والكنيسة جهة إثم لا بر. إلا إذا كان الواقف نصرانيّاً. ومنها: إذا أوقف عمارة على ذرّيّة شخص سمّاه، وهو مجهول غير معروف فلا يصحّ الوقف. وكذلك لو وقف على رجل أو امرأة غير معيّن ولم يُسمّ.

القاعدة الثالثة والثمانون [الوقوع]

القاعدة الثّالثة والثّمانون [الوقوع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوقوع باللفظ لا بالقصد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالوقوع: إثبات الملفوظ به من يمين أو عقد أو غير ذلك. فإنّ مدار الإثبات وتحمّل المسؤوليّة والنّتائج إنّما يكون بناء على الألفاظ الصّادرة عن المكلّف، لا بناء على النّيّات والقصود؛ لأنّ النّيّات والقصود قلبيّة لا اطلاع لنا عليها. والأحكام إنّما تبنى على الظّواهر لا على النّيّات. ولذلك لمّا كان الرّضا أمراً قلبيّاً بنيت العقود على الألفاظ، وهي الإيجاب والقبول الدّالان على الرضا. إلا إذا قام الدليل على عدم الرّضا كالإكراه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل لحماً. فلفظ اللحم عام في كلّ ما يسمّى لحماً. وقيّده العرف بلحم الأنعام لأنّها التي تؤكل عادة. فإذا قال: أردت باللحم الشّحم لا يصدق. ومنها: إذا قال لامرأته: أنت طالق. وهو يريد أن يقول: ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 122.

ثلاثاً. فأمسك رجل على فيه، فلم يقل شيئاً بعد ذكر الطّلاق. فهي طالق واحدة فقط؛ لأنّ الوقوع بلفظه لا بقصده. وكذلك لو مات بعد قوله أنت طالق. ومنها: رجل له زوجتان: زينب وعمرة. فقال يا زينب فأجابته عمرة. فقال: أنت طالق ثلاثاً. طلقت التي أجابته؛ لأنّه أتبع الجواب بالإيقاع فيصير مخاطباً المجيبة. وإن قال: أردت زينب. تطلق زينب أيضاً بقصده المقرون باللفظ. ولكنّه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره، فتطلق عمرة أيضاً بالظّاهر. ففي هذا المثال: أعمل الظّاهر والقصد.

القاعدة الرابعة والثمانون [الطلاق في الخلع]

القاعدة الرّابعة والثّمانون [الطّلاق في الخلع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: وقوع الطّلاق في الخلع يعتمد وجوب القبول لا وجوب المقبول (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخلع: هو افتداء المرأة نفسها بمال تعطيه إلى زوجها الذي أساء عشرتها ليطلقها. فالقبول منها ومن الزّوج. والمراد بالمقبول: المال الذي خلعت نفسها به. فإذا وافق الرّجل على الخلع وقبل به، وقبلت به المرأة، وقع الطّلاق بينه وبين زوجته وإن لم يجب المال الذي خالعته عليه. وهذه القاعدة تصحّ أيضاً فيما هو أعمّ من الخلع. كعقد البيع أو الإيجار أو الزّواج حيث يصحّ العقد بالإيجاب والقبول، وإن لم يوجد الثّمن في عقد البيع أو الأجرة في عقد الإجارة أو المهر في عقد الزّواج. لكن للبائع أن لا يسلّم المبيع إلا إذا استوفى الثّمن، إذا كان الثّمن حالاً، وللمؤجّر أن لا يسلّم المستأجَر إلا إذا تسلَّم الأجرة، وللزّوجة ألا تسلّم نفسها إلا إذا تسلّمت مهرها المعجلّ. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 24 ص 174.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كانت امرأة قد بلغت مفسدةً لمالها فاختلعت من زوجها، جاز الخلع، وقد تحقّق القبول منها ومنه. فإذا قبلت وقَبِل وقع الطّلاق لوجود الشّرط. ولم يلزمها المال؛ لأنّها محجورة عن التّصرّف لبلوغها مفسدة لمالها - وإن صار الخلع مصلحة لها - لأنّها التزمت المال لا بعوض هو مال، ولا لمنفعة ظاهرة لها في ذلك - كالصّغيرة -. فإن كان الزّوج طلّقها تطليقة على ذلك المال فهو يملك رجعتها؛ لأنّ وقوع الطّلاق باللفظ الصّريح لا يوجب البينونة إلا عند وجوب البدل. ولم يجب البدل هنا. بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع، فإنّ مقتضى لفظ الخلع البينونة.

القاعدة الخامسة والثمانون [الوكيل بالعقد]

القاعدة الخامسة والثّمانون [الوكيل بالعقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الوكيل بالعقد فيما هو من حقوق العقد ينزل منزلة العاقد لنفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: عند الحنفيّة أنّ مَن وكّل بإجراء عقد - كالبيع والإجارة - فإنّ هذا الوكيل ينزل ويعامل - فيما هو من حقوق العقد - كالاستلام والتّسليم والخيار والرّدّ بالعيب - الخ - معاملة العاقد لنفسه، ولا يرجع في ذلك إلى الموكِّل. وينظر من قواعد حرف العين القاعدة رقم 11. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى وكيل داراً لرجل غائب فللشفيع أن يأخذها من الوكيل المشتري بالشّفعة؛ لأنّها في يده، وهو نائب عن الموكِّل فيها. ومنها: إذا وكِّل في بيع سيّارة، فباعها، ثم ظهرت مستحقّة، فإنّ المشتري يعود على الوكيل بما دفع. ومنها: إذا اشترى وكيل دابّة ثم ظهر بها عيب يوجب الرّدّ، فإنّ الوكيل هو المطالَب بالرّدّ قبل أن يسلمّها للموكَّل لأنّها في يده. ومنها: إذا وكَّله ببيع أرضه أو عمارته - كمكتب عقاري - فباعها، ثم استقال العقد من المشتري، فتنفذ الإقالة على الوكيل خاصّة. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 183، 221، وينظر الاعتناء ص 590 - 599.

القاعدة السادسة والثمانون [الولاء]

القاعدة السّادسة والثّمانون [الولاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الولاء بمنزلة النّسب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الولاء: مصدر والى يوالي ولاءً وموالاة، والمراد به هنا: ولاء المعتَق، وهو عصوبة سببها زوال الملك عن الرّقيق بالحرّيّة، وهو الإنعام بالحرّيّة على الرّقيق ذكراً كان أو أنثى. وأصل "الولاء" من النّصرة، ومن معانيه: الملك والقرب والقرابة والمحبّة (¬2). دليل هذه القاعدة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: "الولاء لُحمة كلُحمة النّسب" - أي وصلة كوصلة النّسب - وفي رواية بزيادة "لا يباع ولا يوهب" (¬3). فالولاء بمنزلة النّسب لا يحول ولا يزول ولا يسقط بعد ثبوته، ويورث به كما يورث بالنّسب، فيكون العبد المحرّر مولى للسّيّد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 69. (¬2) القاموس الفقهي ص 289. (¬3) الحديث رواه ابن عمر وابن أبي أوفى وأبو هريرة رضي الله عنهم. ورواية ابن عمر أخرجها الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه - المستدرك جـ 4 ص 341، وينظر في تخريجه نصب الراية جـ 4 ص 151.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

المعتِق. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مات عبد لشخص - وكان هذا الشّخص قد حرّره وأعتقه - وليس لهذا الميّت وارث فإنّما يرثه معتِقُه؛ لأنّه عصبته. ومنها: إذا مات المعتِق ورث وارثه ولاء معتَقِه كما يرث ماله. ومنها: إذا أقرّ رجل بمولى أعتقه. يصحّ ذلك لكن بشرط أن يصدقه المعتَق - بدون منازع - لأنّه يحمله على نفسه في ذلك، لكن إذا كان له مولى آخر معروف فلا يصحّ إقراره لأنّه مكذَّبٌ في هذا الإقرار شرعاً. ومنها: إذا جنى المعتَق جناية - كقتل خطأ - فإنّ الدّيّة على عاقلة المولى المعتِق.

القاعدتان السابعة والثامنة والثمانون [الولاية بالوصاية]

القاعدتان السّابعة والثّامنة والثّمانون [الولاية بالوصاية] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الولاية بسبب الوصاية لا تحتمل التجزؤ (¬1). وفي لفظ: الولاية بالوصاية لا تتجزأ (¬2). وفي لفظ: الولاية لا تتحمّل التجزئة (¬3). وفي لفظ: الولاية بطريق الوصيّة لا تقبل التّمييز في الأنواع (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الوِلاية بالكسر والفتح: النّصرة والمحبّة. وكل مَن وَلي أمر أحد فهو وليُّه. ومفاد هذه القواعد: أنّ من أوصى شخصاً ليكون وليّاً على ماله بعد وفاته - فهو وليّ في كلّ شيء من أنواع ماله؛ لأنّ الولاية إذا كانت عن طريق الوصيّة فهي لا تقبل التّجزئة، ولا تقبل التّمييز في الأنواع؛ لأنّ الوصيّة إلى الغير إثبات الخلافة له. والولاية لازمة بعد ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 28 ص 34. (¬2) المبسوط جـ 14 ص 111. (¬3) نفس المصدر جـ 28 ص 20، القواعد والضّوابط ص 497 عن التحرير. (¬4) نفس المصدر جـ 28 ص 27.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

موت الموصى فلا يجوز للوصي الخروج منها. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: وصي على صغير باع داراً - للصّغير فيها شركاء وورثة كبار - جاز بيع الوصي في جميع الدّار؛ لأنّه إذا ثبتت الوصاية في بعض الدّار ثبتت في كلّها، وفي بيع الكلّ منفعة لجميع الورثة. وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله. وأمّا عند صاحبيه رحمهما الله فليس له أن يبيع حصّة الكبار وإنّما يبيع حصّة الصّغير فقط. ورأي الصّاحبين في هذه المسألة أحقّ أن يعمل به درأً للنّزاع. ومنها: إذا أوصى لشخص بالولاية على ماله دون أهله جاز ذلك عند الشّافعي رحمه الله؛ لأنّ الولاية عنده تقبل التّخصيص والتّمييز خلافاً للحنفيّة. ورأي الشّافعي رحمه الله في هذه المسألة أرجح إن شاء الله: لأنّ الإنسان قد يكون له مهارة في رعاية المال وتنميته، وليس له مهارة في رعاية الأهل والأولاد. وأيضاً لأنّ الإيصاء مشروع لحاجة الموصي، وهو أعلم بحاجته، فربّما يكون التّفريط أو القصور من الوصى في نوع دون نوع. وربّما يؤتمن هذا الوصي على نوع دون نوع، أو يعرف هدايته في نوع من التّصرّف دون نوع. ومنها: إذا أوصى بماله المعيَّن إلى رجل، وبتقاضي الدّيون إلى آخر - فعند أبي حنيفة وأبي يوسف - هما وصيّان في العين والدّين جميعاً. وعند محمد رحمه الله كلّ واحد منهما وصيّ فيما سمّي له خاصّة، وهو رواية عن أبي يوسف أيضاً، وهذا قريب من رأي

الشّافعي رحمه الله. وهو المعمول به في زمننا هذا. ومنها: إذا أوصى ببعض ولده وميراثهم إلى رجل، وببقيّة ولده وميراثهم إلى آخر، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى هما وصيّان في جميع المال والولد استحساناً؛ لأنّ ولاية الموصي كانت ثابتة في الكلّ، فالوصيّان يقومان مقامه بعد موته في جميع ذلك.

القاعدة التاسعة والثمانون [ولاية البيان]

القاعدة التّاسعة والثّمانون [ولاية البيان] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ولاية البيان تستفاد بولاية الإنشاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيان: التّفسير. الإنشاء: القدرة على التّصرّف. من له ولاية الإنشاء - أي القدرة على التّصرّف ابتداءً - كان له ولاية بيان وتفسير تصرّفه - سواء كان تصرّفه قوليّاً أو فعليّاً -؛ لأنّ البيان مستفاد من القدرة على الإنشاء والتّصرّف، باعتبار أنّ من تصرّف في أمر ما كانت له القدرة على بيان وتفسير ما تصرّف فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلّق رجل إحدى نسائه - وله أكثر من زوجة - ولم يعيِّن المطلّقة، فيجب عليه أن يعتزل جميع نسائه حتى يبيّن المطلّقة منهنّ. ومنها: إذا أعتق إحدى جواريه - بغير عينها، أو عيَّنها ونسيها - فلا يجوز أن يبيع إحداهنّ أو يطأها حتى يبيّن المعتَقة منهنّ. والعلّة في المنع: أنّه إذا أراد أن يبيع إحداهنّ فربّما تكون هي المعتقة، فيبيع حرة وذلك غير جائز. وكذلك إذا أراد أن يطأ إحداهنّ فربّما يقع على المعتقة وهي لا تحلّ له بغير عقد. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 497 عن التحرير.

ومنها: إذا قال لزوجتيه إحداكما علي كظهر أمّي. أو إحداكما طالق. فعليه أن يوقع ذلك على إحداهما، وعليه بيان مَن طلق أو ظاهر. ومنها: إذا كتب إنسان كتاباً أو رسالة أو بحثاً، ثمّ وجد فيه عبارة غامضة، فعلى كاتب الكتاب أو الرّسالة أو البحث أن يبيّن المقصود من تلك العبارة ويفسّرها.

القاعدة التسعون [الولاية الخاصة]

القاعدة التّسعون [الولاية الخاصّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: الولاية الخاصّة أولى - أقوى - من الولاية العامّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قربياً بيان معنى الولاية. والولاية نوعان: ولاية عامّة، وهي ولاية الإمام والقاضي. وولاية خاصّة: وهي أربع مراتب: الأولى: ولاية الأب والجدّ، وهي ولاية شرعيّة، وهي أقوي الولايات؛ لأنّها ولاية في المال والنّفس. وكانت هذه الولاية شرعيّة بمعنى أنّ الشّارع فوّض لهما التّصرّف في مال الولد لوفور شفقتهما، وذلك وصف ذاتي لهما، فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بالإجماع؛ لأنّ المقتضي للولاية الأبوّة والجدودة، وهي موجودة مستمرّة لا يقدح العزل فيها. لكن إن امتنعا من التّصرّف تصرّف القاضي. ودونها ولاية العصبة وهي: ولاية في النّكاح خاصّة عند عدم الأب أو الجد، أو ولاية الأب فيمن طرأ سفهها وهي كبيرة. الثّانية: ولاية الوصي، وهي ولاية في المال فقط، أو فيه وفي ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 160، المنثور جـ 3 ص 345، ترتيب اللآلي لوحة 111 ب، شرح الخاتمة ص 90، قواعد الفقه ص 138 عن ابن نجيم.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الولد والذّرّيّة، أو في الذّرّيّة خاصّة، كما سبق قريباً. على الخلاف. الثّالثة: ناظر الوقف يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتّفويض، ويشبه الأب من جهة أنّه ليس لغيره تسلّط على عزله. الرّابعة: الوكيل من حيث إنّ تصرّفه مستفاد من الإذن. وهي أضعف الولايات. ووجه كون الولاية الخاصّة أَقوي أو أولى من الولاية العامّة؛ أنّ القاضي أو الإمام لا يتصرّف مع وجود الولي الخاصّ وأهليّته. ومن دلائل قوّة الولي الخاص: أنّ له حقّ استيفاء القصاص والعفو عن الدّية مجاناً. وليس للإمام العفو مجاناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يملك القاضي التّصرّف في مال اليتيم مع وجود وصيّة، ولو كان نصبه القاضي. ومنها: أنّ القاضي لا يملك عزل القيِّم على الوقف - المعيَّن من قبل الواقف - إلا عند ظهور الخيانة منه. كما أنّه - أي القاضي - لا يملك التّصرّف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قِبَله. ومنها: أنّ السّلطان لا يزوّج الصّغيرة، ولكن يزوّجها أبوها أو جدّها.

القاعدة الحادية والتسعون [ولاية الحفظ]

القاعدة الحادية والتّسعون [ولاية الحفظ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ولاية الحفظ تثبت لمن يثبت له ولاية التّصرّف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: ولاية الحفظ: المراد بها ولاية يقصد بها حفظ المال، دون التّصرّف فيه. وهي ولاية أدنى من ولاية التّصرّف، ولذلك تثبت لمن تثبت له ولاية التّصرّف لا العكس. أي من ولي لحفظ شيء لا يكون ذلك ولاية تجيز تصرّفه بما حفظه. ولذلك فولي الحفظ لا يكون ضامناً لما يحفظه؛ لأنّه أمين، وذلك إذا لم يقصر في حفظه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: مَن أودع وديعة ليحتفظ بها عنده حتى يأتي ربّها، فليس له التّصرّف فيها بغير إذن صاحبها، وإلا كان خائناً. فلو تصرّف بها بغير إذن صاحبها كان ضامناً. أمّا إذا لم يتصرّف بها فضاعت أو احترقت أو سرقت - بدون تعدّ ولا تقصير منه - فإنه غير ضامن لها؛ لأنّ الأمانات لا تكون مضمونة إلا عند التّجهيل كما سبق بيانه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 226.

ومنها: استحسن أبو حنيفة رحمه الله أنّ يبيع الأب عروض ابنه البالغ الغائب - خلافاً لصاحبيه - قياساً على غير الابن - وذلك لأنّ بيع العروض من باب الحفظ، فإنّ العروض يخشى عليه من الهلاك، وحفظ الثّمن أيسر، كالوصي في حقّ الوارث الكبير الغائب. وبعد البيع فللأب أن يأخذ منه مقدار نفقته، بخلاف بيع العقار فلا يجوز.

القاعدتان الثانية والثالثة والتسعون [أحكام الولد]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والتّسعون [أحكام الولد] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: الولد وما يتعلّق به من مباحث ومسائل (¬1). الولد يتبع خير الأبوين ديناً في حكم النّكاح والذّبيحة (¬2). ويتبع الأمّ في الرّقّ والحرّيّة، ويتبع الأمّ المكاتبة (¬3). الولد في الرّق والحرّيّة يتبع الأم إلا في مسألتين (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: الولد: هو كلّ مَن وُلِد ونتج من أبوين إنساناً كان أو حيواناً. فالشّرع لعموم ولايته وعنايته شرع لكلّ مخلوق حكماً أو أحكاماً تخصّه، إمّا لبقاء نوعه وحفظ حياته، وإمّا لما ينوبه ويحيط ويتّصل به. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 310، المنثور جـ 3 ص 346، قواعد ابن رجب القاعدة 21، 153. (¬2) شرح السير ص 1846. (¬3) شرح السير ص 1994. (¬4) المبسوط جـ 5 ص 199.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

فالقاعدة الأولى قاعدة عامّة تعمّ وتشمل كلّ مولود إنساناً كان أو حيواناً. والقواعد الأخرى تخصّ الولد من بني آدم ذكراً كان أو أنثى حرّاً كان أو رقيقاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: المولود من الحيوانات من أبوين مأكولين، فهو مأكول أيضاً - أي مباح أكله، حلال ذبيحته أو صيده. ومنها: إذا كان أحد أبويه غير مأكول اللحم حَرُم أكله لغلبة الحظر والتّحريم على الإباحة، ولأنّ حلّ الذّبيحة يشترط فيه حلّ ذبيحة الأبوين. ومنها: في المناكحة والزّواج لا بدّ أن يكون الأبوان ممّن يحلّ نكاحهما، فالمتولّد بين كتابي ووثني لا يحلّ، إن كانت الأم هى الكتابيّة قطعاً. وأمّا إذا كان الأب هو الكتابي فخلاف. ومنها: في الزّكاة: فالمتولد بين الغنم والظّباء لا تجب فيه الزّكاة؛ لأنّ الشّرط أن يكون الأبوان زكويين، وكذلك تمتنع التّضحية به، ولا جزاء فيه إذا صيد. ومنها: إنّ البغل لا سهم له في الغنيمة؛ لأنّه متولّد بين الفرس والحمار، كما أنّه لا يحلّ أكله. ومنها: أنّ الولد من بني آدم يتبع خير الأبوين ديناً في حكم النّكاح والذّبيحة - عند الحنفيّة - وعند الشّافعيّة يتبع أخسّهما حرمة في الذّبح والنّكاح.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القواعد

ومنها: أنّ الولد يتبع الأمّ في الرّقّ والحرّيّة، فهو رقيق إذا كانت أمّه رقيقة، وهو حرّ إن كانت أمّه حرّة - وهذا عند الجميع - وولد المكاتبة تابع لأمّه. ومنها: أنّ الولاء عليه يكون لموالي الأب. ومنها: النّسب وتوابعه حيث ينسب لأبيه، ويستحقّ ما يستحقّه أبوه. ومنها: مهر المثل يعتبر بنساء عصبة الأب. ومنها: ولد الأمة الموقوفة هل يكون ملكاً للموقوف عليه كالثّمرة؟ أو يكون وقفاً معها؟ على وجهين عند الحنابلة، أشهرهما أنّه وقف معها؛ لأنّه جزء منها. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القواعد: إنّ ولد الرّقيقة من سيّدها الذي يملكها حرٌّ تبعاً لأبيه. ومنها: أنّه يتبع أباه في مقدار الجزية, لأنّ المرأة لا جزية عليها. ومنها: تبعيّة الولد في مقدار ديّته مختلف فيها عند الشّافعيّة، لكن الرّاجح أنّه يتبع أغلظهما ديّة. ومنها: أنّ الأمة إذا نكحت حراً وغرَّت زوجها بالحرّيّة فإنّ الولد حرّ، وإن كانت الأمَة مملوكة. وكذلك إذا وطئ جارية يظنّها زوجته الحرّة فإنّ ابنها منه ينعقد حراً.

ومنها: إذا نكح مسلم حربيّة ثم سبيت بعد حملها منه، لم يتبعها الولد في الرّقّ وإن كان مجتناً - أي حملاً في بطن أمّه - لأنّه مسلم حكماً تبعاً لأبيه. والمسلم لا يجري عليه الرّقّ ابتداءً. ومنها: ولد الولد هل يدخل في مسمّى الولد عند الإطلاق؟ هذا ضربان: أحدهما أن يدخل في مسمّاه مع وجود الولد وعدمه وذلك في المحرّمات وفي النّكاح كالبنات وحلائل الأبناء وامتناع القصاص بين الأب وولده، وامتناع قطعه في السّرقة من مال ولده ووالده. وثانيهما: أن يدخل فيه عند عدم الولد لا مع وجوده، وذلك في الميراث، يرث ولد الولد جدهم مع فقد أبيهم كما يرثون أباهم. ولو كان الأب موجوداً لم يرثوه. ومنها: ولاية النّكاح يليها الجد بعد الأب مقدّماً على الابن، وكذلك ولاية المال والحضانة والرّجوع في الهبة، والاستئذان في الجهاد. خلافاً للحنابلة. ومنها: الوقف على الولد لا يدخل فيه ولد الولد في الأصحّ مع وجوده، لكن إن لم يكن إلا أولاد أولاد تعيّنوا مستحقين للوقف قطعاً.

حرف الياء

قواعد حرف الياء وعدد قواعده 131 قاعدة

القاعدة الأولى [العبادة - الاحتياط]

القاعدة الأولى [العبادة - الاحتياط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يؤخذ في العبادة بالاحتياط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاحتياط في اللغة: هو الحفظ. وفي الاصطلاح: حفظ النّفس عن الوقوع في المآثم (¬2). قال الرّاغب الأصفهاني (¬3): الاحتياط: استعمال ما فيه الحياطة - أي الحفظ - (¬4). والاحتياط: افتعال. وهو طلب الأحظ والأخذ بأوثق الوجوه (¬5). فالعبادة الأصل فيها الأخذ بالأحوط والأوثق في الدّين لإبراء الذّمّة؛ من حيث إن إشغال الذّمّة بالعبادة المطلوبة متيقّن، ولا تبرأ الذّمّة من ذلك إلا بأداء صحيح متيقّن، لذلك وجب الأخذ بالأحوط. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 161 وعنه قواعد الفقه ص 144. (¬2) التعريفات ص 26. (¬3) الحسين بن محمد، وقد سبقت له ترجمة. (¬4) المفردات مادة (حاط). (¬5) المصباح مادة (حاطه).

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شك إنسان في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثاً أو أربعاً، فالاحتياط أن يبني على ما استيقن - وهو الثّلاث - ويأتي برابعة ويسجد للسّهو، كما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومنها: إذا شكّ في عدد الأشواط في الطّواف أو السّعي بنى على الأقلّ؛ لأنّه الأحوط. ومنها: إذا شكّ في طهارته، هل تطهّر للصّلاة أو لم يتطهّر. فالاحتياط التّطَهّر. ومنها: إذا خرج الجيش من المدينة يريدون الحرب، والمسافة بين مدينتهم ودار الحرب دون اليومين - ولا يدرون أين يريد القائد - فعليهم إتمام الصّلاة أخذاً بالاحتياط. وطريق الاحتياط البناء على المتيقّن دون المحتمل.

القاعدة الثانية [أكل الأموال بالباطل]

القاعدة الثّانية [أكل الأموال بالباطل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬1) (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه آية من كتاب الله الكريم ترسم للمؤمنين طريق الهدى في الحصول على المال، فتنهى المؤمنين أن يحصلوا على المال بطريق غير شرعي، وعبَّرت بالأكل للأموال؛ لأنّ ما يؤكل إنّما يحصل في الغالب بالمال، ولأنّ المقصود الأهم لتحصيل المال هو الأكل وسدّ الجوع. والمراد بالباطل: ما لا يعتدّ به، ولا يفيد شيئاً، وما لا يكون صحيحاً بأصله. فكلّ معاملة غير صحيحة، وكلّ جحود للمال، وكلّ مخاصمة في المال بالباطل والكذب والتّزوير والرّشوة أمام الحاكم كلّها باطلة محرّمة وفاعلها آثم، وحتى لو حكم الحاكم بها، فإنّ حكم الحاكم لا يحل الحرام ولا يحرّم الحلال. ¬

_ (¬1) الآية 29 من سورة النساء. (¬2) المبسوط جـ 20 ص 139.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

فما لم يبح الشّرع أخذه من مالكه بإحدى طرق الإباحة فهو مأكول بالباطل، وإن طابت به نفس مالكه كالرّبا والرّشوة. ينظر تفسير فتح القدير جـ 1 ص 188، 456. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. الصّلح عن إنكار لا يجوز - عند الشّافعي رحمه الله - لأنّه من أكل أموال النّاس بالباطل. ومنها: من استدان وجحد الدّين، فهو من أكل أموال النّاس بالباطل. ومنها: من شهد شهادة زور أو حلف يمين فجور على مال، فلا يحل أكله؛ لأنّ ذلك من أكل أموال النّاس بالباطل. ومنها: من قبل رشوة راشٍ - ولو كانت برضا الرّاشي - فهو من أكل أموال الناس بالباطل. ومنها: مهر البغي - أي الزّانية - وحلوان الكاهن، وثمن الخمر والخنزير، كلّه من أكل أموال الناس بالباطل. ¬

_ (¬1) الآية 188 من سورة البقرة.

القاعدة الثالثة [الاستحقاق - السبب]

القاعدة الثّالثة [الاستحقاق - السبب] أولاً: لفظ ورود القاعدة يبقى الاستحقاق ببقاء السبب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الاستحقاق: استفعال من الحق، فمن حُقّ له شيء فهو استحقاقه؛ أي ما يستحقّه الإنسان ويصل إليه بطريق حقّ لا باطل كالإرث مثلاً. فمن استحقّ شيئاً بسبب فإنّ ما يستحقّه يبقى مستحقّاً له ما بقي سبب استحقاقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يستحقّ كلّ من الزّوجين الميراث من زوجه ما بقيت الزّوجيّة بينهما إلى الموت. فإذا وقعت الفرقة بينهما بأي طريق انقطع استحقاق أحدهما من الآخر. ومنها: الزّوجة تستحقّ النّفقة على زوجها ما دامت الزّوجيّة قائمة بينهما. ومنها: الوارث بالقرابة يبقى له استحقاق للميراث ما بقي سبب التّوريث إلا أن يطرأ مانع، كاختلاف الدّين أو القتل. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 204.

ومنها: إن نفقة المعتدة واجبة على الزّوج طيلة مدّة العدّة, فإذا تطاولت العدّة بالمرأة - إذا كانت العدة بالأقراء أو الحمل - فالنّفقة لها واجبة حتى تنقضي العدّة بالحيض أو الأشهر - عند الإياس -؛ لأنّ سبب الاستحقاق قائم. ومنها: الذي يطالب بخراج رأسه ما دام على دينه، فإذا أسلم وعليه خراج رأسه لم يطالب بشيء منه لزوال السّبب قبل الاستيفاء. ومنها: إذا اعتدت المطلّقة الرّجعيّة فطالت مدّهَ حيضها - ولو أكثر من سنة - ثم ماتت فإن زوجها المطلِّق يرثها؛ لأنّ الطّلاق الرّجعي لا يقطع الزّوجيّة قطعاً كاملاً؛ لأنّ للزّوج أن يراجعها في العدّة بغير رضاها. وبدون عقد أو مهر جديد.

القاعدة الرابعة [الحل ورفع الحرج]

القاعدة الرّابعة [الحلّ ورفع الحرج] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يبنى الأمر على الحلّ ورفع الحرج فيما لا يستيقن فيه تحريم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة: (الأصل في الأشياء الحِلُّ). فأيما أمر لا يستيقن فيه تحريم بدليل قطعي لا احتمال فيه. فإنّ الأصل فيه الحلّ والإباحة، ويبنى على رفع الحرج والإثم, لأنّ التّحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي مستيقن، كالواجب لا يثبت إلا بدليل قطعي مستيقن. كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد نوع من المأكولات أو المشروبات لا نصَّ فيه بتحريم أو تحليل، وليس مسكراً ولا مخدّراً ولا مفتّراً، ولا يحتوى على شيء فيه شبهة تحريم ولا ضرر فيه، فإنّ تناوله مباح، ولا إثم على آكله أو شاربه. ومنها: إذا وجدت معاملة حديثة خالية من شبهة الرّبا، وليس ¬

_ (¬1) الغياثي ص 362. وقد سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف النون تحت الرقم 47.

فيها غرر ولا جهالة فهي معاملة مباحة حلال ولا إثم على من تعامل بها. ومنها: إذا وجدت امرأة محرّمة برضاع أو نسب بين نساء غير محصورات جاز الزّواج منهنّ. ومنها: لو علم رجل أنّ لإنسان عليه ديناً والتبس عليه عين ذلك الرّجل، وخفى عليه شخصه، فمن ادّعى من آحاد النّاس - مع دوام الخفاء والالتباس - أنّه مستحقّ للدّين، لم يجب على المدّعى عليه أداء الدّين إليه، ولو حلف لا يلزمه تسليم شيء إليه.

القاعدة الخامسة [الاستحقاق]

القاعدة الخامسة [الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يبنى حكم الاستحقاق ثبوتاً وبقاءً على ما يحتاج إليه خاصّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا ثبت لإنسان استحقاق بسبب فإنّ بقاء هذا الاستحقاق مرتبط ببقاء السّبب - كما سبق بيانه قريباً - ولكن إنّما يبقى الاستحقاق أيضاً مقيّداً بمقدار الحاجة التي بني عليها الاستحقاق، فإنّ الزّيادة عن الحاجة لما يستحقّ لا أثر لها في ثبوت الاستحقاق وبقائه، وإنّما المؤثر هو ما نقص عن الحاجة، وما زاد عن الحاجة فإنّه يبطل الاستحقاق، كما يبطله زوال السّبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد أربعة شهود في قضية غير الزّنا، وحكم بها حاكم. أو لم يحكم، ثم رجع شاهدان، فإنّ القاضي لا يُمنع من القضاء بالشّهادة لبقاء نصابها، ولا ينقض حكمه برجوع من رجع؛ لأنّ الحاجة إنّما تمّت بوجود وبقاء شاهدين. ولا يجب شيء من الضّمان على الرّاجعين. ومنها: إذا دخل مجاهد دار الحرب بأفراس عدّة، ثم باعها كلّها ¬

_ (¬1) شرح السير ص 965 وعنه قواعد الفقه ص 138.

إلا واحدة، فلا يحرم سهم الفارس؛ لأنّه متمكّن من القتال على الفرس؛ ولأنّ ما زاد عن الواحد فضل وهو غير محتاج إليه. ومنها: لو شهد خمسة على رجل أو امرأة بالزّنا، وحكم الحاكم بشهادتهم، ثم رجع أحد الشّهود عن الشّهادة، فلا يبطل الحكم وحكم الحاكم بشهادة الباقين لتمام النّصاب بعد رجوع من رجع. ولا يحد الرّاجع حدّ القذف لثبوت تهمة الزّنا بالشّهود الباقين.

القاعدة السادسة [الضرر الخاص والعام]

القاعدة السّادسة [الضّرر الخاصّ والعام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يتحمّل الضّرر الخاصّ ضرر عام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّرر الخاص: هو ما يصيب فرداً أو أفراداً منحصرين. الضّرر العام: هو ضرر يصيب مجموع الأمّة، أو عدداً من النّاس غير منحصر. وتدخل هذه القاعدة تحت قاعدة (اختيار أهون الضّررين)، وكلاهما متفرّعة على القاعدة الكبرى (لا ضرر ولا ضرار). وتعتبر قاعدتنا هذه قيداً لقاعدة (الضرر لا يزال بمثله). أو استثناء منها. فالشّرع إنّما جاء ليحفظ على الناس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم، فكلّ ما يؤدّي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرّة يجب إزالتها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جواز الرّمي إلى كفار تترّسوا بالمسلمين - من الأسرى أو الصّبيان أو النّساء -. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 87، شرح الخاتمة ص 51، ترتيب اللآلي لوحة 113 أ، المجلة المادة 26، المدخل الفقهي الفقرة 593، وينظر الوجيز ص 263.

ومنها: جواز الحجر على المفتي الماجن حرصاً على دين الناس. ومنها: الحجر على الطبيب المزور الجاهل حرصاً على أرواح الناس. ومنها: الحجر على المكاري المفلس حرصاً على أموال الناس وأوقاتهم. ومنها: جواز التّسعير على الباعة - في بعض الأحوال - دفعاً لضررهم عن العامّة. ومنها: منع اتّخاذ حانوت طبخ في سوق باعة القماش والتّجار؛ دفعاً لضرر الحريق عن الآخرين.

القاعدة السابعة [المانع، الموجب]

القاعدة السّابعة [المانع، الموجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يتخلف الحكم لمانع، وعند ارتفاعه يعمل الموجِب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المانع عند الأصوليّين والفقهاء: (هو الوصف الظّاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته). فوجود المانع يمنع حكم السّبب؛ لأنّه سمّي مانعاً لمنعه وجود الحكم مع وجود سبب الحكم. فالسّبب يتخلّف حكمه عند وجود المانع. لكن إذا زال المانع وارتفع وجب العمل بمقتضى السّبب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحيض مانع من الصّلاة والصّوم، لكن إذا ارتفع الحيض وزال، وجبت الصّلاة والصّوم على من كانت حائضاً ثم طهرت. ومثلها النّفساء. ومنها: يجب الحجر على السّفيه والصّغير. فإذا زال السّفه، وكبر الصّغير راشداً سُلِّم لكلّ منهما ماله وزال الحجر عنهما. ¬

_ (¬1) القواعد والضّوابط ص 498 عن التحرير.

ومنها: المُحرِم ممنوع من عقد النّكاح، ومن قربان النّساء، ومن كثير من محظورات الإحرام، لكن إذا تحلّل بإتمام نسكه جاز له كلّ ما كان ممنوعاً عنه. إلا صيد الحرم، فيمنع عنه الحلال والمحرم.

القاعدتان الثامنة والتاسعة [تكرار وتعدد الجزاء والسبب والشرط]

القاعدتان الثّامنة والتّاسعة [تكرار وتعدّد الجزاء والسّبب والشّرط] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: يتعدّد الجزاء بتعدّد سببه (¬1). وفي لفظ: يتكرّر الجزاء بتكرّر الشّرط (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان وإن اختلفتا لفظاً فهما متقاربتان مفهوماً؛ من حيث إنّ سبب الجزاء يشبه الشّرط فيه، وشرط الجزاء يشبه سببه. فإذا تعدّد سبب الجزاء أو تكرّر شرطه فإنّ الجزاء يتكرّر ويتعدّد تبعاً لسببه وشرطه؛ لأنّ الجزاء مبني على شرطه وسببه، لكن بشرط أن يُدَلّ على التّعدّد والتّكرار بلفظ يدلّ عليه كلفظ "كلّما"؛ لأنّه إذا لم يوجد لفظ يدلّ على التّكرار والتّعدّد فلا يلزم التّعدّد ولا التّكرار. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا زنا شخص بكر أكثر من مرّة فأقيم عليه حدّ الزّنا للمرّة الأولى، أقيم عليه حدّ ثان للمرّة الثّانية. وهكذا. لكن إذا لم يقم عليه الحدّ للمرّة الأولى وزنا بعدها هل يقام عليه لكلّ مرّة حدّ، أو تتداخل الحدود، فلا يقام عليه إلا حدّ واحد؟ خلاف. والأصحّ والأرجح التّداخل. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 448. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 181 وعنه قواعد الفقه ص 139.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

ومنها: إذا قتل محرم أكثر من صيد فعليه لكلّ صيد جزاء. ومنها: إذا قال: كلّما زرتني أكرمتك. يتكرّر الإكرام ويتعدّد بتكرّر الزّيارة وتعدّدها. لكن إذا قال: إن زرتني أكرمتك. فلا يلزم الإكرام إلا مرّة واحدة. ومنها: إذا قال لزوجته: كلّما قعدت عندك فأنت طالق. فقعد عندها ساعة طلقت ثلاثاً؛ لأنّ قعود السّاعة قعدات متعدّدة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هاتين القاعدتين: إن استحق شخص حدوداً لله تعالى - ولم يكن فيها قتل - كالجلد والقطع مثل أن زنى - وهو بكر - وسرق وشرب الخمر مراراً. فإنّ جميعها يستوفى بغير خلاف نعلمه. ومنها: إذا اجتمع حدود لله فيها قتل استوفي القتل وسقط سائرها عند الأكثرين، خلافاً للشّافعي رحمه الله إذ قال: يستوفى جميعاً. وإن كانت الحقوق للآدميّين استوفيت كلّها يبدأ بالأخف على سبيل الوجوب. فإن قذف - على القول بأنّ القذف حقّ للعبد - واستحقّ القصاص، وقطع يد إنسان أو فقأ عينيه، يجلد للقذف ثم تقطع يده، وتفقأ عينه ثم يقتصّ منه. لكن عند أبي حنيفة رحمه الله: يدخل ما دون القتل فيه (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر المغني لابن قدامة جـ 12 ص 487، 488, المغني جـ 3 ص 448، 449.

القاعدة العاشرة [الإفتاء - الوقف]

القاعدة العاشرة [الإفتاء - الوقف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يتعيّن الإفتاء بما هو الأنفع للوقف (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بحسب لفظها وصيغتها ضابط خاصّ بالوقف، إذ مفادها: أنّه يتعيّن على المفتي أن يفتي في مسائل الوقف بما هو الأنفع للوقف، إذا كان في المسألة حكمان، وكان أحدهما أكثر نفعاً للوقف من الآخر، فيتعيّن ويجب الفتوى بالأنفع. لكن يمكن تعميم هذا الضّابط ليدخل فيه ما هو الأنفع لليتيم في ماله أيضاً، وما هو الأنفع للعامّة فيما يخصّهم إذا تعارض مع مصلحة بعض الأفراد. وكذلك يدخل فيه مطلق الفتوى للأفراد إذا كانت الفتوى بصالح وأصلح، أو تتعارض الفتوى بما فيه مصلحة للفرد وما فيه مفسدة له، فيتعيّن الفتوى بما فيه المصلحة بشرط عدم تعارضها مع نصّ شرعي قطعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جواز عزل ناظر الوقف المُوصَى له بالنّظر لمصلحة محقّقة يراها ¬

_ (¬1) جامع الفصوليين، الفصل الثالث عشر ص 135 وعنه الفرائد ص 161.

القاضي للوقف. ومنها: وقف مشهور قديم لا يعرف واقفه، استولى عليه ظالم، فادعى المتولّي أنّه وقف على كذا مشهور، وشهدا كذلك. فالمختار أنّه يجوز، إذ الشّهادة على أصل الوقف بالشّهر تجوز في المختار. ومنها: وقف على نفر استولى عليه ظالم لا يمكن أخذه منه، فادّعى الموقوف عليهم على واحد منهم أنّه باعه من هذا الظّالم وسلّمه - وهو ينكر - فلهم تحليفه؛ لأنّهم ادّعوا عليه معنى لو أقرّ به لزمه، فإذا أنكر يحلف فإذا نكل قضي عليه بقيمته، وكذا لو برهنوا - أي أتوا بالبيّنة - إذ الفتوى في غصب عقار الوقف بالضّمان نظراً للوقف. كما أنّ الفتوى في غصب منافع الوقف بالضّمان نظراً للوقف. فيُشتَرى بقيمته عقار آخر فيكون على سبيل الوقف الأوّل.

القاعدة الحادية عشرة [العقد - الخيار]

القاعدة الحادية عشرة [العقد - الخيار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يتمّ العقد بموت من له الخيار - أصيلاً كان أو وكيلاً أو وصيّاً، وكذلك بموت الموكّل والغلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الخيار: هو اشتراط الخيرة، أي ما هو خير للبائع أو المشتري. والخيار أنواع: منها خيار المجلس يثبت للبائع والمشتري ما داما لم يتفرّقا. ومنها: خيار الرّؤية، وخيار الشّرط، وخيار العيب، وخيار إجازة عقد الفضولي. فمفاد هذه القاعدة: أنّ من اشترط الخيار لنفسه فمات قبل أن يبيّن أنّ خياره ساقط، وتمّ العقد بموته؛ من حيث إنّ الخيار لا يورث - عدا خيار العيب. ولكن إذا مات من لا خيار له من المتعاقدين فالآخر على خياره إلى ثلاثة أيّام من الخيار. وكما يتمّ العقد بموت من له الخيار يتمّ أيضاً بمضيّ مدّة الخيار - إن ضربت له مدّة - وإن لم يعلم من له الخيار لمرض أو إغماء. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 179، وعنه الفرائد ص 46.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تبايعا عيناً واشترطا الخيار لهما جميعاً لا يثبت حكم العقد إذ لا يخرج المبيع عن ملك البائع، ولا الثّمن عن ملك المشتري. لكن إذا كان الخيار لأحدهما فلا يثبت حكم العقد في حقّ من له الخيار. ومنها: إذا باع عبداً بجارية على أنّ بائع العبد بالخيار ثلاثة أيّام، فأعتق البائع العبد في الأيّام الثّلاثة، نفذ إعتاقه في قولهم جميعاً وبطل البيع؛ لأنّه أعتق ملك نفسه وإن أعتق الجارية جاز عتقها، ويكون إسقاطاً لخياره ويتمّ البيع. ومنها: إذا قال من له الخيار: أجزت البيع وأسقطت خيارى. جاز على كلّ حال، كان صاحبه حاضراً أو غائباً؛ لأنّ العاقد الآخر لا خيار له.

القاعدة الثانية عشرة [العقود القهرية]

القاعدة الثّانية عشرة [العقود القهريّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يتوقّف الملك في العقود القهريّة على دفع الثّمن. وقد يقع بدونه مضموناً في الذّمّة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العقود القهريّة: هي تلك العقود التي لا يشترط فيها رضاء أحد المتعاقدين، إذ تقع رغماً عنه وقهراً عليه. والقهر: معناه الإجبار. فمثل هذه العقود ضربان: أحدهما يتوقّف الملك فيه على دفع الثّمن. والثّاني: يقع الملك فيه بدون دفع الثّمن، على أن يكون الثّمن مضموناً في ذمّة المالك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقد الشّفعة يتمّ جبراً على البائع والمشتري، ولكن لا يتم للشّفيع إلا بدفع الثّمن، وكان عقد الشّفعة من العقود القهريّة؛ لأنّه شرع لدفع ضرر متوقّع عن الشّفيع. ومنها: إذا أعار أو أجّر أرضاً لآخر، فبني فيها المستعير وغرس، فللمعير أن يأخذ الأرض ويتملّك البناء والغرس بالثّمن، إذا ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 50.

كان المستعير قد بنى وغرس بإذن المعير. ومنها: إذا غصب أرضاً فزرع فيها زرعاً، فإنّ للمغصوب منه أن يستردّ أرضه ويأخذ الزّرع بقيمته، أو يطلب من الغاصب قلعهُ. ومنها: إذا كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإنّه يقوّم نصيب الآخر عليه ويتملّكه بقيمته. ومن أمثلة النّوع الثّاني: التّملّك الاضطراري كمن اضطر إلى طعام الغير، ومنعه وقدر على أخذه، فإنّه يأخذه مضموناً سواء كان معه ثمن يدفعه في الحال أو لا؛ لأنّ ضرره لا يندفع إلا بذلك. ومنها: إذا تبايعا داراً أو أرضاً أو سلعة ودفع المشتري الثّمن، واشترط البائع الخيار لنفسه، ثم اختار إبطال البيع فالخيار له ويطالَب بردّ الثّمن، وإن لم يعطه ماله فليس له الخيار - أي يتمّ البيع ويطالب بالمبيع.

القاعدة الثالثة عشرة [التبع]

القاعدة الثّالثة عشرة [التّبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من الأحكام الشّرعيّة ما يثبت تبعاً لأحكام أخرى، وإن كان في واقع الأمر لا يثبت حكماً مستقلاً بنفسه، فهو حكم تابع مبني على حكم آخر متبوع. وذلك من باب الضرورة أو الحاجة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: لا يجوز شهادة النّساء في النّسب استقلالاً، لكن إذا شهدت النّساء على ولادة امرأة على فراش زوج أو سيّد. كان ذلك شهادة بثبوت نسب المولود من الزّوج أو السّيّد إلا أن ينفيه. ومنها: إذا شهدت نسوة أنّ هذه المرأة أسقطت جنيناً بسبب ضربة من امرأة أو رجل، فإنّ هذه الشهادة توجب الغُرّة - أي ديّة الجنين - إن سقط ميّتاً، ودية أمّه إذا ماتت من الضّربة ولو سقط الجنين حياً. ومنها: شهادة امرأة على الرّضاع تقبل - عند الحنابلة - ويترتّب عليها انفساخ النكاح. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 133.

ومنها: لو حلف بالطّلاق على حديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قاله. فرواه واحد. ثبت الحديث به. ووقع الطّلاق. وإن كان الطّلاق لا يثبت بخبر واحد. ومنها: صلاة الحاجّ عن غيره ركعتي الطّواف تحصل ضمناً وتبعاً للحجّ، وإن كانت الصّلاة لا تقبل النّيابة استقلالاً.

القاعدة الرابعة عشرة [التبع - الأصل]

القاعدة الرّابعة عشرة [التّبع - الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يثبت التّبع بثبوت الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة من القواعد المتفرّعة على قاعدة (التّابع تابع) فثبوت الأصل المتبوع يستلزم ثبوت الفرع التّابع له؛ من حيث إنّ الفرع أو التّبع لا يستقلّ بنفسه، فوجوده تابع لوجود أصله، ولذلك كان ثبوته وثبوت الأحكام له تابعة لثبوت أصله ومتبوعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يثبت نسب الولد لثبوت نسب أبيه. ومنها: إذا ثبت العقد في أصل له تابع، ثبت حكم العقد في التّابع أيضاً تبعاً لثبوته في أصله، كالبقرة الحامل يدخل حملها في عقد بيعها تبعاً لها. ومنها: إذا اشترى المستأمن أرضاً من أرض الخراج، أو من أرض العشر فزرعها، وجب عليه فيها خراج أو عشر، ثم أخذ منه خراج رأسه وهو الجزية إذ يصبح ذمّيّاً؛ لأنّ حكم خراج الرّأس في حكم التّبع لخراج الأرض. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1868 وعن قواعد الفقه ص 139.

رابعا: فما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إن المستأمنة في دار الإسلام إذا تزوجت مسلماً أو ذمّيّاً صارت ذمّيّة، فلا تتمكّن من الرّجوع إلى دار الحرب؛ لأنّها تابعة لزوجها، فما ثبت لزوجها يثبت لها. رابعاً: فما استثني من مسائل هذه القاعدة يجوز عتق الجنين دون أمّه، وإن كان تبعاً لها، فيثبت له ما لا يثبت لها، وكذلك يجوز الوصيّة له دون أمّه.

القاعدة الخامسة عشرة [المجهول - التعليق بالشرط]

القاعدة الخامسة عشرة [المجهول - التّعليق بالشّرط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يثبت في المجهول ما يحتمل التّعليق بالشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: من المعاملات ما يحتمل التّعليق بالشّرط، ومنها ما لا يحتمله، فما كان يحتمل التّعليق بالشّرط يجوز أن يثبت في المجهول. وأمّا ما لا يحتمل التّعليق بالشّرط فلا يثبت في المجهول. والمراد بالمجهول في القاعدة: ما لا يكون مقدّراً ولا محدّداً. والتّعليق بالشّرط: "هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى". وشرط صحّة التّعليق: أن يكون الشّرط معدوماً على خطر الوجود، أي كونه معدوماً حال التّعليق، ولكنّه ممكن الوجود بعد ذلك. وأمّا إذا كان التّعليق بشيء موجود فعلاً فذلك تنجيز. والتّعليق بالمستحيل باطل (¬2). وما يجوز تعليقه بالشّرط كالطّلاق والعتاق والحوالة والكفالة. وما عدا ذلك من التّمليكات والتّقييدات فلا يصحّ تعليقه بالشّرط، كالبيع ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 59. (¬2) أشباه ابن نجيم ص 367.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

والشّراء والهبة والصّدقة والنكاح والإقرار وغير ذلك من التّمليكات والتّقييدات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال لزوجته: إن شتمتني فأنت طالق. فقد علّق طلاقها على وجود وحصول شتمها له والشّتم الذى علّق عليه الطّلاق مجهول. ومنها: إذ قال: إذا أعطيتني مالاً فقد خالعتك. فيجوز الخلع إذا أعطته ما يسمى مالاً. ولو كان درهماً؛ لأنّه رضي بمخالعتها بمال مطلق مجهول. ومنها: النّسب لا يصحّ تعليقه بالشّرط، فلذلك لا يثبت في المجهول.

القاعدة السادسة عشرة [الاحتياط - المعارضة - الترجيح]

القاعدة السّادسة عشرة [الاحتياط - المعارضة - التّرجيح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجب الأخذ بالاحتياط عند تحقّق المعارضة وانعدام التّرجيح (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إذا وجد تعارض بين أمرين، ولم يمكن التّرجيح بينهما، وجب الأخذ بالأحوط للدّين، فيقدّم الأمر الذي يكون أبعد عن المفسدة وأقرب للمصلحة، أو أنّ مفسدته أقلّ أو مصلحته أكبر من غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أسر شخص وادّعى أنّه مستأمن, وليس هناك علامة أو أمارة تدلّ على أنّه مستأمن أو غير مستأمن. ولم يقع في قلب الإمام أو القائد ترجيح أحد الجانبين فيجعل من أهلّ الذّمّة؛ لأنّ جعله من أهلّ الذّمّة أخذ بالأحوط؛ لأنّ الاحتياط أن لا يقبله ولا يجعله فيئاً لاحتمال أنّه جاء مستأمناً فعلاً، ويجب أن لا يردّه إلى مأمنه لاحتمال أنّه جاء جاسوساً أو مغيراً. فلا يبطل حكم حرمته بالمحتمل، ولا يجوز إراقة دمه أيضاً، لكن يحبس في دار الإِسلام على التّأييد - أي يكون ذمّيّاً - فإن أسلم فهو حرّ لا سبيل عليه. وإن أبى وضعت عليه الجزية. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 293، عن قواعد الفقه ص 139 - 140.

القاعدة السابعة عشرة [البذل المجاني]

القاعدة السّابعة عشرة [البذل المجّاني] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجب البذل مجاناً بغير عوض لكلّ ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان التي لا ضرر في بذلها لتيسيره وكثرة وجوده (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تدعوا إلى التّكافل والتّعاون في المجتمع المسلم، فمن كان عنده أشياء كثيرة مُنتفع بها، ودعت حاجة غيره إلى الانتفاع بها، ولا يضرّ المالك نقصها - لكثرتها عنده ويسر وجودها عليه - فعليه بذلها وإعطاؤها للمحتاج إليها مجاناً، ما دام لا يصيبه ضرر من بذلها. وكذلك لو كان عنده منافع، واحتاج إليها بعض إخوانه من المسلمين - ولا يضرّه إعطاؤها لهم - فوجب عليه بذلها بدون مقابل، وذلك في كلّ ما لا يجوز بيعه أو أخذ ثمنه أو أجرته، وكلّ ما تدعو الحاجة إلى إعارته بغير ضرر يعود على المعير، بل يعود عليه الأجر والثّواب من الله سبحانه وتعالى، وحبّ جيرانه وإخوانه المسلمين له. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الهرّ لا يجوز بيعه - على أصحّ الرّوايتين - لكن يجوز إهداؤه ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 99.

وإعارته لصيد الفئران. ومنها: الماء الجاري والكلأ - أي العشب - يجب بذل الفاضل منه للمحتاج إلى الشّرب وإسقاء بهائمه وكذلك زرعه. ومنها: وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضرّ. وكذلك إجراء الماء على أرضه. في إحدى الرّوايتين. ومنها: إعارة الحلي. ومنها: المصحف تجب عليه إعارته لمن احتاج إلى القراءة فيه، ولم يجد مصحفاً غيره. ومنها: ضيافة المجتازين، يوجبها المذهب الحنبلي. ومنها: منفعة الظّهر للمنقطعين في الأسفار - أي حمل المنقطعين والذين تعطلت بهم سياراتهم في الطّرق الخارجيّة.

القاعدة الثامنة عشرة [البناء على الظاهر]

القاعدة الثّامنة عشرة [البناء على الظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجب البناء على الظّاهر ما لم يتبيّن خلافه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الظّاهر: هو الأمر الواضح الجلي، وإن كان يحتمل غيره. فبناء الأحكام على ظاهر الأمور هو الواجب ما لم يتبيّن خلاف الظّواهر بقرائن قويّة، فما لم توجد قرينة تدلّ على خلف الظّاهر فيجب الحكم بالظّاهر دون غيره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تردّد اللفظ بين الحقيقة والمجاز حمل علي الحقيقة؛ لأنّ الظّاهر والرّاجح من استعمال الألفاظ استعمالها في حقائقها، إلا إذا قامت قرينة على إرادة المجاز. فإذا قال قتلت اليوم أسداً. فيجب حمله على الأسد الحقيقي وهو الحيوان الزّائر المفترس. لكن إذا قامت قرينة لفظيّة أو حاليّة كقوله: "قتلت اليوم أسداً شاكي السّلاح" فيحمل على الرّجل الشّجاع لوجود القرينة. ومنها: إذا كان لشخص أرض بجوار نهر تشرب منه، وله بجوارها أرض أخرى غير متّصلة بالنّهر - لأنّ الأرض الأولى حائلة ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 199، وينظر إعداد المهج ص 236.

بين النّهر وبينها، فبحسب الظّاهر أنّ الأرض الأخرى لها حقّ الشّرب من النّهر؛ لأنّ الانتفاع بها لا يتأتى إلا بالشّرب، والظّاهر من اتّصال أراضيه بعضها ببعض أن تشرب كلّها من هذا النّهر.

القاعدة التاسعة عشرة [العوائد، الغالب]

القاعدة التّاسعة عشرة [العوائد، الغالب] أولاً: لفظ ورود القاعدة يجب الرّجوع إلى العوائد فيما كان خلقة. فإن اختلفت فالرّجوع إلى الغالب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العوائد: جمع عائدة، والمراد بها العادة المعروفة. وسميّت عائدة: لعودها وتكرارها. فمفاد القاعدة: أنّ من كان من الأمور أصله خلقة الإنسان وتكوينه - وليس من كسبه وفعله - إنّما يكون حكمه المرجوع إليه بناء على العادة المعروفة بين النّاس، أو عادة الشّخص نفسه في ذلك الأمر، لكن إذا اختلفت العوائد أو اضطربت فإنّما يجب الرّجوع إلى الغالب وبناء الحكم عليه، والمعتمد اعتبار الشّمول والغلبة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الحيض إنّما يرجع فيه إلى عادة المرأة بعد بلوغها. ومنها: سنّ البلوغ، إنّما يرجع فيه إلى العادة الغالبة في البلاد، من حيث إنّ البلوغ في البلاد الحارّة يختلف عنه في البلاد الباردة. ¬

_ (¬1) قواعد المقري القاعدة 117.

القاعدة العشرون [القليل والكثير]

القاعدة العشرون [القليل والكثير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجبر صاحب القليل للكثير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة (يختار أهون الضّررين)، ويرتكب الضّرر الخاصّ دفعاً للضّرر العامّ. فصاحب القليل أقلّ ضرراً من صاحب الكثير ولذلك فإنّ صاحب القليل يجبر على التّنازل لصاحب الكثير، من حيث إنّ القليل مغلوب بجانب الكثير. وليس المراد من القاعدة أنّ صاحب القليل يظلم لمصلحة صاحب الكثير، ولكن ارتكاب الضّرر الأخفّ ودفعاً للضّرر الأشدّ والأعمّ أولى مع تعويض صاحب القليل عمّا يصيبه من ضرر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: المحتكر للطّعام يجبر على بيعه دفعاً للضّرر عن العامّة. ومنها: إذا ضاق المسجد عن أن يسع المصلّين يجبر جار المسجد على بيع بيته أو أرضه لتوسعة المسجد. ومنها: وكذلك يجبر جار الطّريق على بيع أرضه أو بيته لتوسعة الطّريق. ¬

_ (¬1) إعداد المهج ص 200.

ومنها: يجبر من عنده ماء على بيعه لمن به عطش. إذا كان الماء زائداً على حاجته. ومنها: السّفينة إذا خشي غرقها فإنّها يرمى منها ما ثقل من المتاع جبراً على أصحابه.

القاعدة الحادية والعشرون [موجبات الضمان والقصاص]

القاعدة الحادية والعشرون [موجبات الضّمان والقصاص] أولاً: لفظ ورود القاعدة يجب الضّمان والقصاص بأربعة أشياء: اليد، والمباشرة، والتّسبب، والشّرط (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الميم تحت الرّقم 247. فهذه القاعدة بيان لموجبات الضّمان - أي الغرامة والتّعويض والقصاص. فأوّل هذه الموجبات: اليد، واليد نوعان: 1 - يد غير أمينة وغير مؤتمنة وهي التي تسبّب الفوات أو التّفويت، وهي يد الغاصب والمستام والمستعير والمشترى شراء فاسداً، والأجير سواء أكان منفرداً باليد على قول - أم كان مشتركاً. 2 - يد مؤتمنة كيد المودَع والمرتهن والشّريك والمضارب والوكيل وأشباههم، فمتى وقع التّعدّي من أحد هؤلاء صارت يده يد ضمان وغرم. ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 131، روضة الطالبين جـ 7 ص 14، المجموع المذهب لوحة 282 أ، المنثور جـ 2 ص 322 - 346، المختصر ص 360، 544. قواعد الحصيني جـ 3 ص 42، أشباه السيوطي ص 362.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وثاني هذه الموجبات: المباشرة فمن باشر إتلافاً أو قتلاً فيجب عليه ضمان ما أتلف أو قتل إذا كان متعدّياً. وثالث هذه الموجبات: المتسبّب في الإتلاف، فإذا لم تصلح المباشرة فعلى المتسبّب ضمان ما تسبّب في إتلافه؟ لأنّ ضمان الإتلاف مبني على جبر الفائت. وضمان النّفس مبني على شفاء الغليل. ورابع هذه الموجبات: الشّرط، والمراد به إيجاد ما يتوقّف عليه الإتلاف، وليس بمباشرة ولا تسبّب. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من غصب شيئاً وفوته على صاحبه، فعليه ضمانه وغرمه. ومنها: من استعار شيئاً كدابّة أو سيّارة ليركبها فتلفت، فعليه غرمها وضمان قيمتها. ومنها: إذا استودع شخص وديعة، فقصّر في حفظها حتى تلفت أو سرقت فعليه ضمانها، حتى لو تلفت بنفسها. ومنها: إذا قتل المرتهن الرهن أو أتلفه، عليه ضمانه وسقط به دَيُنه. ومنها: إذا انتزع شخص المغصوب من الغاصب ليردّه على مالكه فتلف في يده، فعليه ضمانها. ومنها: إذا انتزع الصّيد ليردّه إلى الحرم فهلك في يده، فعليه الجزاء.

ومنها: إذا أخذ الوديعة من يد صبي أو سكران أو مجنون - خوف هلاكها - فهلكت في يده، فعليه ضمانها كذلك. ومنها: إذا شُهد بالزّنا على إنسان شهادة زور كاذبة فقتل بشهادتهم أو رجم الحدّ بشهادتهم، ثم ظهر كذب الشّهود وتزويرهم فإنّه يلزمهم الضّمان والقصاص. ومنها: من أمسك إنساناً ليقتله آخر فقتله، فلا قصاص على الممسك ولا ضمان عليه - عند الشّافعيّة - ولكن يعزّر.

القاعدة الثانية والعشرون [الضمان - الاستهلاك]

القاعدة الثّانية والعشرون [الضّمان - الاستهلاك] أولاً: لفظ ورود القاعدة يجب الضّمان عند الاستهلاك بعد القبض (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة لها صلة بسابقها وإن كانت أخصّ منها موضوعاً؛ لأنّها تختصّ بأوّل موجبات الضّمان وهو اليد. فإذا قبض شخص مال آخر أو استولى عليه، سواء أكان بسبب شرعي أو غير شرعي - من موجبات الضّمان - فهلك في يده، أو استهلكه وجب عليه ضمانه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اشترى طعاماً من بائع وأكله قبل تمام العقد أو بعده قبل دفع الثّمن - ولو كان الخيار للبائع أو له - فعليه ضمان ما أكل بالثّمن أو بالقيمة. ومنها: استعار دابّة أو سيّارة ليركبها، فوقع بها حادث فتلفت. فعليه ضمانها كما سبق بيانه. ومنها: إذا خرج عبد من الغنيمة من نصيب رجل - وكان هذا العبد قبل الأسر ملكاً لشخص مسلم - ثم إنّ مَن خرج العبد في نصيبه من الغنيمة دَبَّره - أي اشترط إعتاقه بعد موته - وجاء صاحبه الأوّل ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1375 وعنه قواعد الفقه ص 140.

ليأخذه، فإنّه - أي المأخوذ منه أي "المدبِّر" - يُضَمِّن المدبَّر الأكثر من قيمته يوم قبضه أو يوم دبره؛ لأنّ التدبير استهلاك حكماً؛ لأنّ المدبَّر عتق، ولكن عتقاً مضافاً إلى ما بعد الموت.

القاعدة الثالثة والعشرون [المجاز - الحقيقة]

القاعدة الثّالثة والعشرون [المجاز - الحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة يجب العمل بالمجاز إذا تعذّر العمل بالحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان معنى الحقيقة والمجاز، وأنّ الأصل العمل بحقيقة اللفظ، ولا يجوز العمل بمجاز اللفظ إلا تعذّر واستحال العمل بالحقيقة، أو كانت الحقيقة مهجورة لا يعمل بها. ومفاد هذه القاعدة: أنّ العمل بالمجاز يجب إذا استحال العمل بالحقيقة بناء على أنّ (إعمال الكلام أولى من إهماله)، إذا وجد مجال للعمل به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا أوصى لأولاده وليس له إلا أولاد أولاد، فالوصيّة لهم، وإن كانوا أولاده مجازاً؛ لأنّ الولد ينسب إلى أبيه لا إلى جده. منها: إذا لم يكن له إلا أولاد بنات - وأوصى لأولاده، أو كان مستأمناً فاستأمن لأولاده - وليس له إلا أولاد بنات - فإن أولاد البنات يدخلون في الأمان والوصيّة مجازاً عند تعذّر الحقيقة في إحدى الرّوايتين (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1816 وعنه قواعد الفقه ص 140. (¬2) ينظر شرح السير ص 327 - 329.

القاعدة الرابعة والعشرون [الترجيح - علة الاستحقاق]

القاعدة الرّابعة والعشرون [التّرجيح - علّة الاستحقاق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز أن يقع التّرجيح بما لا يكون علّة للاستحقاق (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّرجيح: هو إبداء زيادة قوة الدّليل على الدّليل المعارض له (¬2). والتّرجيح عند الأصوليّين له قواعده وأصوله. وإنّما يطلب التّرجيح عند تعارض دليلين ظنّيّين - لأن القطعيات لا تعارض ولا ترجيح بينهما - فيرجّح أحد الدّليلين بزيادة قوّة على الدّليل الآخر المعارض له، ويجب العمل بالرّاجح. ومفاد هذه القاعدة: جواز ترجيح أحد الدّليلين بشيء لا يكون علّة وسبباً للاستحقاق - وهذا من التّرجيح بالقرائن - مع أنّ التّرجيح في الأقيسة إنّما يكون عن طريق العلّة. ولكن القاعدة تفيد أنّ كلّ ما أثار غلبة الظّنّ من قرينة لفظيّة أو حاليّة فهي مرجّحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا احتاج طفل إلى حضانة غير الأمّ - وكان له أخوات - ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 211. (¬2) الإيضاح ص 303.

فالأخت لأب وأمّ أولى من الأخت لأمّ؛ لأنّ القرابة من جهتين، والشّفقة بالقرابة، فذو القرابتين أشفق فكان بالحضانة أحقّ. وإن كانت قرابة الأمّ ليست بسبب للاستحقاق. ومنها: الأخ لأب وأم مقدّم في العصوبة على الأخ لأب بسبب قرابة الأمّ، مع أنّ قرابة الأمّ ليست بسبب لاستحقاق العصوبة.

القاعدة الخامسة والعشرون [العموم والخصوص]

القاعدة الخامسة والعشرون [العموم والخصوص] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز أن يكون أوّل الآية على العموم وآخرها على الخصوص، ويجوز أن يكون أوّل الآية على الخصوص وآخرها على العموم (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الخصوص والعموم. إذا وردت آية في أوّلها لفظ عامّ فيجوز أن يكون في آخرها لفظ خاصّ. وكذلك إذا كانت آية أوّلها لفظ خاصّ، فيجوز أن يكون في آخرها لفظ دالّ على العموم. وقد سبق بيان هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 493. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} فهذا عامّ في ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 119، الأصل 37.

كلّ نفس مخلوقة من ذكر وأنثى. ثم قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} هذا خاصّ لأنّ التّقوى إنّما تكون على مَن عقلها وكان من أهلها من بني آدم. دون من سواهم (¬1). ومنها: قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (¬2). فالصّلح الأوّل بين الأزواج وهو صلح خاصّ، (والصّلح خير) أعمّ حيث يشمل الصّلح بين الأزواج وغيرهم. ¬

_ (¬1) ينظر الرّسالة للإمام الشافعي ص 56 - 57. (¬2) الآية 128 من سورة النساء.

القاعدة السادسة والعشرون [الحقيقة والمجاز]

القاعدة السّادسة والعشرون [الحقيقة والمجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز الجمع في لفظ واحد بين الحقيقة والمجاز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق بيان: أنّ الأصل في الكلام الحقيقة، أي أنّ الأصل والقاعدة المستمرة في دلالة كلام المتكلّم هو المعنى الحقيقي للألفاظ. وأنّ الكلام لا يحمل على مجازه إلا عند تعذر حمله على حقيقته. ولكن مفاد هذه القاعدة: أنّه يجوز أن يحمل كلام المتكلّم على الحقيقة والمجاز معاً. وهذا من مسائل الخلاف بين الفقهاء. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أوقف على أولاده، وله أولاد من صلبه، وأولاد أولاد. فهل يدخل أولاد أولاده ويكون لهم نصيب من الوقف؟ خلاف. ومنها: عند الشافعي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬2). قال أحمله على اللّمس باليد وعلى الجماع. ¬

_ (¬1) المختصر ص 77، 127، قواعد الحصني جـ 1 ص 442. (¬2) الآية 43 من سورة النساء.

ومنها: إذا حلف ليشربنّ من هذا النّهر. والشّرب من النّهر حقيقة هو من الكرع بفمه منه، والمجاز أن يأخذ بكفه أو بإناء. فأيّما فعل فقد برّ في يمينه. وإن كان على النّفي فأيّما فعل فقد حنث في يمينه.

القاعدة السابعة والعشرون [العصمة]

القاعدة السّابعة والعشرون [العصمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز الحاكم بالعصمة بين المسلمين وإن كان أحدهما في دار الحرب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. المسلمون معصومة دماؤهم وأموالهم وأعراضهم - إلا بحقّها - فحيثما وجد المسلم في دار الحرب أو دار الإسلام فيجب الحكم له بالعصمة في دمه وماله وعرضه، فلا يجوز سفك دمه، أو سلب أو غصب ماله، ولا انتهاك عرضه، ولو كان في دار الحرب. ودليل هذه القاعدة قول الخليفة خامس الرّاشدين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (أجز للأسير ما فعل) ونصّ العبارة: (أجز للأسير ما صنع فهو ماله يفعل به ما يشاء) (¬2) من كتابه لسليمان بن حبيب المحاربي القاضي (¬3). ووجه الدّلالة: أنّ الأسير في دار الحرب ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1834 وعنه قواعد الفقه ص 140. (¬2) أخبار القضاة جـ 3 ص 210 ولكن بلفظ "أخوك لا تتبين ما صنع في ماله، فإنما هو ماله يصنع به ما شاء". وينظر الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز جـ 1 ص 300 بلفظ "أجز للأسير ما صنع" وينظر أيضاً الطبقات جـ 5 ص 259. (¬3) سليمان بن حبيب بن الحارث المحاربي أبو ثابت كان قاضياً لعمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك مدة ثلاثين سنة، أخبار القضاة المرجع السابق.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ومع ذلك إذا أوصى بوصيّة أو باع أو أعتق أو طلّق من في دار الإسلام جاز كلّ ما فعله، ووقع طلاقه وعتقه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وجد مسلمان في دار الحرب فقتل أحدهما صاحبه، فإنّ القاتل يجب عليه الدّية في ماله إذا كان القتل عمداً، ولا يقتصّ منه لقيام الشّبهة بكونهما في دار الإباحة. ومنها: إذا دخل مسلمان دار الحرب بأمان فعامل أحدهما صاحبه، فهذا وما لو كانت المعاملة بينهما في دار الإسلام على السّواء؛ لأنّ المسلم ملتزم بحكم الإسلام حيثما يكون. ومنها: إذا غصب أحدهما من صاحبه مالاً، ولم يستهلكه حتى خرجا إلى دار الإسلام، فإنّ القاضي يقضي على الغاصب بردّ المغصوب. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: ما سبق ذكره: من أنّ أحدهما لو قتل صاحبه عمداً لم يجب القصاص ولكن تجب الدّية في ماله. ومنها: إذا قتله خطأ فتجب الدّية في مال القاتل وليس على عاقلته. ومنها: إذا ارتكب أحدهما شيئاً موجباً للحدّ كالزّنا وشرب الخمر لم يلزمه الحدّ. وما عدا هذه الثّلاثة فحال المسلم المستأمن في دار الحرب كحاله في دار الإسلام.

القاعدة الثامنة والعشرون [أدنى المفسدتين]

القاعدة الثّامنة والعشرون [أدنى المفسدتين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قواعد سابقة منها ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 75 - 81. وبمعناها قواعد آتية. مفادها: أنّه إذا تعارض أمام المكلّف مفسدتان أو ضرران ولا بدّ من ارتكاب أحدهما، وكانت إحدى المفسدتين أقلّ أو أدنى من الأخرى فإنّ الشّرع أباح ارتكاب الصّغرى دفعاً للمفسدة الكبرى؛ لأنّه إذا كانت الضّرورة تُوجِب ارتكاب أدنى المفسدتين، فلا ضرورة في ارتكاب الزّيادة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: جاز شقّ بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين - إذا كانت حياته ترجى -. ومنها: إذا أحاط الكفّار بالمسلمين - ولا مقاومة بهم - جاز دفع المال إليهم، كما جاز استنقاذ الأسرى منهم بالمال، إذا لم يمكن بغيره؛ لأنّ مفسدة بقاء الأسرى بأيدي الكفّار واصطلامهم للمسلمين أعظم من بذل المال. ¬

_ (¬1) مغني ذوي الأفهام ص 52، وينظر الوجيز ص 260. وينظر من قواعد حرف الضّاد القاعدتان 2، 3 ومن قواعد حرف الياء القاعدتان 34، 35. وينظر الوجيز ص 260.

القاعدة التاسعة والعشرون [الغرر]

القاعدة التّاسعة والعشرون [الغرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز في التّابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع (¬1). ثانياً: سبق بيان التابع والمتبوع. والغرر: أصله الخداع، والتّعريض للخطر، أو وجود نقص أو عيب يسير في المبيع، والغرر لا يجوز إلا إذا كان يسيراً يتسامح فيه النّاس، والغرر كالعيب يبطل الصّفقة إذا كان في الأصل. ولكن مفاد القاعدة: أنّ التّابع يتساهل في وجود الغرر به ما لا يتساهل في أصله ومتبوعه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا باع شاة مع اللبن في ضرعها، فإنّ وجود اللبن في الضّرع مجهول، ولا تضرّ العقد جهالته. ومنها: إذا باع بقرة حاملاً. فيدخل حملها تبعاً وهو مجهول. ومنها: إذا باع داراً فإن أساسات حيطانه تدخل تبعاً في البيع ولا تضرّ جهالتها. وهذه الأنواع الثّلاثة لا يجوز بيعها منفردة. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 86، 94.

ومنها: "من ابتاع نخلاً بعد أن يؤبّر - أي لقّحت - فثمرته للّذي باعها إلا أن يشترط المبتاع" الحديث (¬1). لأنّه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعاً في بيع فلم يضرّ احتمال الغرر فيها. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الجماعة عن ابن عمر رضي الله عنهما.

القاعدة الثلاثون [الضرورة]

القاعدة الثّلاثون [الضّرورة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يجوز في الضّرورة ما لا يجوز في غيرها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة القائلة (الضّرورات تبيح المحظورات) تنظر ضمن قواعد حرف الضّاد رقم 10، 11. فالضّرورة هنا: المشقّة الزّائدة عن المعتاد، والتي يؤدي عدم مراعاتها إلى الهلاك أو قريباً منه. فهذه تفيد إباحة المحرم - عدا القتل والزّنا - بل قد يصبح المحرّم واجباً، فهذه الحالة تجيز ارتكاب ما لا يجوز في غيرها من الحالات. وقد سبق ذكر أمثال لها، وهي تندرج تحت قاعدة (المشقّة تجلب التّيسير) وأدلّتها من الكتاب والسّنّة والإجماع كثيرة معروفة (¬2). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز أكل الميتة للمضطر، بل يجب عليه الأكل منها إذا غلب على ظنّه أنّه إذا لم يأكل منها يهلك. ¬

_ (¬1) الأم جـ 4 ص 168 تفريع فرض الجهاد، قواعد الفقه للروكي ص 209 عن الأشراف جـ 2 ص 85. (¬2) ينظر في ذلك الوجيز ص 218 فما بعدها.

ومنها: جواز الاستقراض بالرّبا، إذا لم يجد من يقرضه بدونه - وهو مضطر إلى المال لإقامة أود حياته، أو لإجراء عمليّة ضروريّة أو دواء مضطرّ إليه، والإثم على المقرض.

القاعدة الحادية والثلاثون [أقرب الأوقات]

القاعدة الحادية والثّلاثون [أقرب الأوقات] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحال بالحادث - الحدوث - على - إلى - أقرب الأوقات (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق بيان هذه القاعدة والتّمثيل لها ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 439، وضمن قواعد حرف الحاء تحت الرّقم 4. وهي فرع لقاعدة (اليقين لا يزول بالشّكّ). ومفادها: أنّه إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر، ولا بيِّنة تحدّده - فإنّ هذا الأمر ينسب إلى أقرب الأوقات إلى الحال؛ لأنّه المتيقّن، والزّمن الأبعد مشكوك فيه، لكن إذا ثبت نسبته إلى الزّمن الأبعد فيجب العمل به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صدمت سيّارة إنساناً فأصيب بكسور وجروح عدّة، وبقي مريضاً من أثر الصّدمة، زمناً طال أو قصر ثم مات. فإنّ موته ينسب لتلك الصّدمة، ما لم يثبت أنّه مات بسبب آخر. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1897، المبسوط جـ 19 ص 140. وينظر الوجيز ص 187.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا ادّعت الزّوجة أنّ زوجها طلّقها أثناء مرض الموت - طلاق الفارِّ - وطالبت بالإرث، وادّعى الورثة أنّه طلّقها حال صحّته، وأنّه لا حقّ لها في الإرث - ولا بيِّنة لأحدهم. فالقول للزّوجة مع يمينها؛ لأنّ الأمر الحادث المختلف في زمن وقوعه هو الطّلاق، فيجب أن يضاف للزّمن الأقرب - وهو مرض الموت - الذي تدّعيه الزّوجة. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قال شخص لغيره: قطعت يدك وأنا صغير، فقال المُقرُّ له: بل قطعتها وأنت كبير. ولا بيِّنة له - كان القول للمقرِّ مع يمينه؛ لأنّه ينفي عن نفسه الضّمان. مع أنّه تبعاً للقاعدة يكون القول للمقرّ له؛ لأنّه يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته، لكن هنا كان القول للمقرّ مع يمينه؛ لأنّه استند إلى قاعدة أخرى تقول (الأصل براءة الذّمّة) عن الضّمان وهو ينفيه عن نفسه، فكان القول قوله مع يمينه. وهكذا في كلّ مستثنى من قاعدة إنّما استثني لأنّه تنازعه قاعدتان فيندرج تحت أقواهما وأقربه شبهاً بها.

القاعدة الثانية والثلاثون [السبب الظاهر]

القاعدة الثّانية والثّلاثون [السّبب الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحال بالحكم إلى السّبب الظّاهر دون ما لا يعرف (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من القاعدة السّابقة ولكنّها تتعلّق بأسباب الأحكام لا بأزمانها، فالأمر إذا حدث وكان له سبب ظاهر فإنّ الحكم يُحال عليه ويُنسب له وإن كان قد يحتمل أن يكون له سبب آخر غير معروف، ولكنّ البناء على الظّاهر ونسبة الأحكام إلى الأسباب الظّاهرة أصل في الشّرع. وينظر قواعد حرف الباء القاعدتان 54، 56. ومن قواعد حرف السّين القاعدة رقم 9. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: امرأة رجل وَلَدت على فراشه، فادّعى الزّوج أنّ المولود ابنه وكذّبته المرأة أو ادّعت المرأة وكذّبها الرّجل - وهما حرّان مسلمان - وكانت قد جاءت به لستّة أشهر منذ تزوّجها. فالولد ابنه لظهور سبب ما بينهما وهو الفراش. والولد للفراش. وكذلك لو قال الزّوج: هذا الولد من زوج كان قبلي، قالت ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 17 ص 157.

المرأة: بل هو منك. فهو منه؛ لأنّ السّبب بينهما ظاهر. وما ادّعاه الرّجل غير معلوم، فينسب الولد له، إلا أن يلاعن. ومنها: إذا مات رجل وكان مريضاً بالسّكر أو الضّغط أو السّرطان - أعاذنا الله وإيّاكم من كلّ سوء - فإذا ادّعى أحد الورثة أنّه مات بفعل فاعل بالسّم مثلاً أو بالتّخويف أو الخنق، فلا يصدق ما لم يُقم بيِّنة على ذلك. وإلا فإنّ الموت ينسب للسّبب الظّاهر وهو المرض.

القاعدة الثالثة والثلاثون [الإباحة والحرمة]

القاعدة الثّالثة والثّلاثون [الإباحة والحرمة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحتاط الشّرع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى الحرمة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الشّرع الحكيم بنى أحكامه على مصالح العباد تفضّلاً منه سبحانه ورحمة. ولمّا كان التّحريم مبنيّاً على درء المفسدة ودفع الضّرر جعل الشّرع للخروج من الحرمة إلى الإباحة شروطاً وقيوداً لا يصحّ إلا بها، وذلك من باب درء المفاسد وجلب المصالح. ولكن إذا كان الأمر يتعلّق بالخروج من الإباحة إلى التّحريم فإنّ الشّرع لم يحتط له كاحتياطه للخروج من الحرمة إلى الإباحة؛ لأنّ درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: اتّصال الرّجل بالمرأة حدّد له الشّارع الحكيم طريقان لا ثالث لهما، وهما الزواج بالعقد الصّحيح، وملك اليمين بالطّريق المشروع. واشترط الشّرع للزواج شروطاً في العاقدين وفي العقد وفي المعقود لهما. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 145.

وأمّا ملك اليمين فحدّد له الشّرع طريقاً وهو السّبي عن طريق الجهاد لإعلاء كلمة الله أو الشّراء والتّملّك عمّن ثبت له الملك بالوجه الشّرعي. وأمّا نقل الإباحة إلى الحرمة: ففي النّكاح فتح الشّرع باب التّفريق بين الزّوجين عند تعذّر العشرة بالمعروف إمّا بلفظ يطلقه الزّوج - وهو لفظ الطّلاق - وإمّا بخلع المرأة نفسها وفداءها بمال تعطيه للزّوج. وفي ملك اليمين تقع الحرمة بين السّيّد وجاريته بلفظ يفيد العتق مثل: أنت حرّة، أو أعتقتك. أو كلّ لفظ يدلّ على العتق. ومنها: لا تحلّ المبتوتة لزوجها الأوّل إلا بعقد على رجل آخر ووطء حلال وطلاق وانقضاء عدّة من عقد الأوّل والثّاني؛ لأنّه خروج من الحرمة إلى الإباحة. ومنها: أوقع الجمهور الطّلاق بالكنايات - وإن بعدت مع استصحاب نيّة الطّلاق - حتى أوقعه مالك رحمه الله بالتّسبيح والتّهليل وجميع الألفاظ إذا قصد بها الطّلاق؛ لأنّه خروج من الحلّ إلى الحرمة، فيكفي فيه أدنى سبب. ومنها: جواز البيع بجميع الصّيغ والأفعال الدّالة على الرضى بنقل الملك في العوضين؛ لأنّ الأصل في التّبايع الإباحة حتى تملك. بخلاف النّساء حيث الأصل فيهنّ التّحريم حتى يعقد عليهنّ بنكاح، أو بتملّك يمين.

القاعدتان الرابعة والخامسة والثلاثون [أخف المفسدتين - الضرر الخاص والعام]

القاعدتان الرّابعة والخامسة والثّلاثون [أخف المفسدتين - الضّرر الخاصّ والعامّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: يحتمل الضّرر الخاصّ لدفع الضّرر العامّ (¬1). يحتمل أخف المفسدتين لأجل أعظمها (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: هاتان القاعدتان لهما صلة قريبة بقاعدة سبقت. وإن كانت أولاهما أخصّ موضوعاً من ثانيتهما؛ فالضّرر إمّا أن يكون عامّاً يصيب مجموع الأمّة أو مجموعة أفراد، وأمّا أن يكون ضرراً خاصّاً بفرد أو أفراد معدودين، فما كان ضرراً خاصّاً فهو أخفّ المفسدتين، وما كان ضرراً عامّاً فهو أعظمهما، فإذا تقابل ضرران أحدهما عام والآخر خاصّ، ولا بدّ من ارتكاب أحد الضّررين، فيرتكب الضّرر الخاصّ دفعاً للضّرر العامّ, لأنّ الضّرر الخاصّ أخفّ المفسدتين وأهون الضّررين، والضّرر العامّ هو أعظم المفسدتين وأشدّ الضّررين. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: جواز الرّمي إلى كفار تترسوا بالمسلمين من الأسرى أو الصّبيان ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 87، شرح الخاتمة ص 51، المجلة المادة 26 وعنها قواعد الفقه ص 139، وينظر الوجيز ص 263. (¬2) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 160.

أو النّساء. ومنها: جواز الحجر على المفتي الماجن والطّبيب الجاهل والمكاري المفلس.

القاعدة السادسة والثلاثون [الابتداء والدوام]

القاعدة السّادسة والثّلاثون [الابتداء والدّوام] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحتمل في الدّوام ما لا يحتمل في الابتداء، وقد يحتمل في الأبتداء ما لا يحتمل في الدّوام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: معنى الاحتمال: افتعال من العمل والمراد به هنا الجواز. أي أنّه يجوز في الاستمرار والبقاء من الأحكام ما لا يجوز في الابتداء. كما أنّه قد يجوز في ابتداء الفعل ما لا يجوز في دوامه واستمراره. فالعمل لا يبطل بما يجوز وقوعه فيه سواء في دوامه أو في ابتداءه. وتحت هذه القاعدة أربع صور. وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة رقم 293. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّورة الأولى: ممّا يمنع ابتداء الحكم ولا يمنع استمراره إذا طرأ في أثنائه: عقد الذّمّة لا يعقد مع تهمة الخيانة، ولكن لو اتّهم الذّمّيّون بعد العقد بالخيانة لم ينبذ إليهم عهدهم، بخلاف الهدنة فإنّه ينبذ ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام جـ 2 ص 18، أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 406، المجموع المذهب لوحة 117 ب، قواعد الحصني ج 2 ص 195، المنثور جـ 2 ص 347، وأشباه السيوطي ص 186.

فيها العهد بالتّهمة، والذّمّيّ الخائن يعاقب بحسب جرمه. ومنها: الإِسلام يمنع ابتداء السّبي دون دوامه. الصّورة الثّانية: ممّا لا يحتمل ابتداءً ولا استمراراً: عقد الهدنة لا يصحّ مع من يتهمهم بالخيانة، وإذا اتّهمهم بعد العقد نبذ إليهم عهدهم. ومنها: المنُّ بالصّدقة يحبط الثّواب إذا حصل في الابتداء أو الدّوام والانتهاء. الصّورة الثّالثة: نكاح المحرم ابتداء لا يصحّ. لكن لو طلّق محرم زوجته أو كان طلّقها قبل إحرامه رجعيّاً يجوز له مراجعتها في حال إحرامه على أصحّ الوجهين لتنزيلها منزلته؛ لأنّ الطّلاق الرّجعي لا يقطع الزّوجيّة. ومنها: العدّة تمنع عقد النّكاح، ولكن إذا طرأت عدّة شبهة على منكوحة لا يبطل نكاحها. الصّورة الرّابعة: إذا أنشأ سفراً مباحاً ثم صرفه إلى معصية في ثاني الحال، الأصحّ أنّه لا يترخّص. ومنها: وجود الحرّة مانع من ابتداء نكاح الأَمَة، وكذا القدرة على نكاح الحرّة. لكن إذا نكح أمَة حال عدم ذلك ثم أيسر أو نكح حرّة عليها لم ينفسخ نكاح الأمَة على الصّحيح.

القاعدة السابعة والثلاثون [تحريم طلب المحرم]

القاعدة السّابعة والثّلاثون [تحريم طلب المحرم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحرم طلب ما يحرم على المطلوب منه فعله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الحرام الذي لا يجوز فعله لا يجوز طلبه، فالشّيء المحرّم فعله يحرم أيضاً طلب فعله من غيره، وقد سبق ضمن قواعد حرف الميم (ما حَرُم فعله حَرُم طلبه) تحت الرّقم 92. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: صياغة الذّهب لتكون حِليّاً للرّجال - كالخاتم والفَتَخة والسّلسلة - يحرم طلب فعلها من الصّائغ؛ لأنّه يحرم عليه فعلها وصياغتها, لأنّ في صناعتها تشجيع للرّجال على لبسها، وهو محرّم عليهم. ومنها: لا يجوز لشخص أن يستأجر آخر لقتل شخص ثالث أو ضربه؛ لأنّ قتل المعصوم وضربه يحرم على الأجير فعله. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا ادّعى دعوة صادقة فأنكر الغريم المدّعَى عليه الدّعوة، فإنّه - أي المدّعِي - يجوز أن يطلب يمينه ويحلفه، وإن كان أداء الغريم لليمين حراماً؛ لأنّه لو حلف يكون كاذباً في يمينه وذلك يحرم عليه، ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 368.

ولكن المدّعِي يطلب يمينه لعلّه ينكل عن اليمين فيقضى عليه أو تردّ اليمين على المدّعِي. ومنها: الجزية يجوز طلبها من الذّمّيّ مع أنّه يحرم عليه إعطاؤها مع أنّه متمكّن من إزالة الكفر بالإسلام. فإعطاؤه إيّاها إنّما هو استمراره على الكفر وهو حرام.

القاعدة الثامنة والثلاثون [القمار]

القاعدة الثّامنة والثّلاثون [القمار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحرم القمار إلا في دار الحرب، إذا قامر المسلم فأخذ أموالهم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القمار: من قمر الرّجُل الرّجل وقامره إذا أخذ من صاحبه شيئاً فشيئاً في اللعب (¬2). وهو أيضاً: كلّ لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئاً. والقمار حرام، وهو الميسر المنهي عنه بالنّص. ومفاد القاعدة: أنّ حرمة القمار متّفق عليها بين المسلمين عامّة وفقهاء. ولكن عند علماء الحنفية أنّ المسلم إذا قامر في دار الحرب وأخذ أموال الحربيّين عن طريق القمار - فهو حلال غير حرام؛ لأنّه إنّما أخذ أموالهم برضاهم، والذي يحرم هو أخذ أموالهم عن طريق الخيانة, لأنّه دخل دارهم مستأمناً، ولكن الحقّ - والله أعلم - أنّ المعاملة في حقّ المسلم في دار الحرب أو دار الإسلام على سواء. فما يحرم على المسلم في دار الإسلام يحرم عليه في دار الحرب. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 561، وعنه الفرائد ص 233. (¬2) التّعريفات ص 229.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أخذ مال المشركين في دار الحرب بأي وسيلة - إذا كان برضاهم - فهو جائز عند الحنفية - ولذلك أجازوا الرّبا بين المسلم والمشرك في دار الحرب. وكذلك جواز مقامرتهم، وبيعهم الخمر والخنزير، لأنّ الأصل أنّ أموال الكفّار والمشركين الحربيين مباحة للمسلمين، لكن إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان فيحرم عليه خيانتهم في أعراضهم أو أموالهم أو أنفسهم، لكن إذا كان ذلك برضاً منهم فهو جائز، ويحلّ مالهم برضاهم بأي وسيلة كانت. وحرَّم غير الحنفيّة الرّبا في دار الحرب كما هو محرّم في دار الإسلام.

القاعدة التاسعة والثلاثون [الكذب]

القاعدة التّاسعة والثّلاثون [الكذب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحرم الكذب إلا في ثلاث (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى الحديث "لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: كذب الرّجل مع زوجته لترضى عنه، أو كذب في الحرب فإنّ الحرب خدعة، أو كذب في إصلاح بين الناس" (¬2). الكذب: نقيض الصّدق: وهو أن لا يطابق القولُ الواقع. والكذب من أبغض الأمور والصّفات إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذمّ الله سبحانه الكذب في أكثر من موقع في كتابه: قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} (¬3). وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ ¬

_ (¬1) الفرائد ص 34. (¬2) الحديث عن أحمد جـ 6 ص 459، 461 عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها. وعند الترمذي في كتاب البر بلفظ "لا يحل". (¬3) الآية 32 من سورة الزمر.

كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} (¬1) وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} (¬2). وغيرها من الآيات. وكذلك ذمّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أكثر من حديث. قال صلّى الله عليه وسلّم: "يطبع المؤمن على الخلال كلّها إلا الخيانة والكذب" (¬3). وقال صلّى الله عليه وسلّم: "لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الصّدق والكذب جميعاً ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعاً" (¬4) وغيرهما. ولذلك كان الكذب من الكبائر، ومن صفات المنافقين، لكن الشّارع الحكيم أباح الكذب في مواضع ثلاثة. لكن حتى هذه المواضع قال بعضهم: ليس المقصود منها إباحة الكذب ولكن المقصود التّعريض والكناية. ¬

_ (¬1) الآية 21 من سورة الأنعام. (¬2) الآية 157 من سورة الأنعام. (¬3) الحديث أخرجه أحمد رحمه الله جـ 5 ص 252 عن أبي إمامة رضي الله عنه. (¬4) الحديث أخرجه أحمد رحمه الله جـ 2 ص 349 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا شهد شاهدان على شخص بالقتل أو السّرقة. فأقيم على المشهود عليه حدّ القتل أو القطع ثم ظهر كذب الشّاهدين، فإنّ عليهما دية القتيل واليد عدا عن تعزيرهما على شهادة الزّور. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة الكذب للإصلاح بين الناس: "ليس الكاذب الذي يقول خيراً وينمي خيراً" (¬1). ومنها: الكذب في الحرب ولأنّ الحرب خدعة. ومنها: مع الزوجة أو الزّوج لإصلاح الأسرة وصيانتها عن الدّمار، ودوام المحبّة والاحترام بين الزّوجين. ومنها: من كان لها خيار البلوغ - إذا رأت الدّم ليلاً - وأشهدت نهاراً. تقول الآن رأيته. قالوا يسعها إذا قالت: اخترت نفسي - حين رأت الدّم -. ¬

_ (¬1) ذكره البخاري في كتاب الصلح باب 2.

القاعدة الأربعون [الفقه بكلام الشارع]

القاعدة الأربعون [الفقه بكلام الشّارع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يحسن الفقه بمعرفة حدود كلام صاحب الشّرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بمعرفة حدود كلام صاحب الشّرع: الوقوف على أسرار حكمه والعمل بموجبات كلامه، من حيث العمل بأوامره ومراضيه، والبعد عن مساخطه ونواهيه. فبمعرفة ذلك يحسن الفقه، بل هذا هو الفقه بعينه. فمن فهم مراد الله وشرعه كان الفقيه حقّ الفقيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لذمّي أبوان حربيان دخلا دار الإسلام بأمان، فإنّه لا نفقة لهما على ابنهما الذّمّيّ, لأنّهما وإن كانا في دارنا صورة فهما من أهل الحرب فعلاً، إذ يتمكّنان من الرّجوع إلى دار الحرب في أي وقت، ونفقة الأقارب بمنزلة الصّلة - ولا يثبت استحقاق الصّلة للحربي على من هو من أهل دارنا؛ وهذا لأنّ هذه الصّلة لإبقائه، وهو من أهل الحرب، فهو مستوجب للقتل غير مستوجب للبقاء. وإذا كانت نفقة الأبوين الحربيين لا تجب على الولد الذّمّيّ، فعدم ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 5 ص 206.

وجوبها على الولد المسلم بطريق الأولى. ومنها: إذا كان للمسلم أب ذمّي معسر، ففي القياس لا نفقة له عليه لاختلاف الدّينين؛ لأنّ التّوارث بينهما منقطع، فكذلك استحقاق النّفقة، ولكن استحسن في حقّ الأب والأم الذّمّيين لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (¬1). وليس من المصاحبة بالمعروف أن يتركهما يموتان جوعاً. واستحقاق النّفقة فيما بين الوالد والولد بسبب الولاد وذلك متحقّق مع اختلاف الدّين بخلاف سائر الأقارب؛ لأنّ الاستحقاق بسبب الوراثة، وباختلاف الدّين ينقطع التّوارث. ومنها: إذا ملك المسلم من يعتق عليه ولو كان كافراً فإنّه يعتق عليه عند الدّخول في ملكه بسبب تعلّقه بالمحرميّة شرعاً، ولا يختلف ذلك باختلاف الدّين. ¬

_ (¬1) الآية 15 من سورة لقمان.

القاعدة الحادية والأربعون [أهون الشرين]

القاعدة الحادية والأربعون [أهون الشّرّين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يختار أهون الشّرّين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً مثل هذه القاعدة قريباً والتّمثيل لها. وينظر من قواعد حرف الهمزة رقم 75 - 81. وقواعد حرف التّاء القاعدة 75. وقواعد حرف الضّاد رقم 2، 3. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ابتلعت دجاجة شخص لؤلؤة لشخص آخر، فإنّ صاحب الدّجاجة يجبر على بيعها لصاحب اللؤلؤة؛ لأنّ ثمن الدّجاجة أو قيمتها أقلّ من ثمن اللؤلؤة. ومنها: دينار وقع في محبرة رجل، لا يمكن إخراجه إلا بكسر المحبرة، فيجبر صاحب المحبرة على بيعها لصاحب الدّينار، إلا إذا كانت المحبرة من ذهب أو معدن ثمين ثمنها أكثر من الدّينار فيملك صاحب المحبرة الدّينار ببدله. ¬

_ (¬1) المجلة المادة 29.

القاعدة الثانية والأربعون [تخصيص العموم]

القاعدة الثّانية والأربعون [تخصيص العموم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يخصّ العموم بالعرف والعادة والشّرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العموم والعام: هو اللفظ الدّال على شيئين فصاعداً مطلقاً (¬2). أو هو: كون اللفظ موضوعاً بالوضع الواحد لكثير غير محصور مستغرق جميع ما يصلح له (¬3). والتّخصيص والخصوص: هو إخراج بعض ما تناولته الجملة، أو هو كلّ لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد (¬4). أو هو الدّال على الواحد عيناً، كقولك زيد وعمرو (¬5). فمفاد القاعدة: أنّ اللفظ العامّ يجوز تخصيصه بأحد شيئين: إمّا بالعادة أو العرف، وإمّا بالشّرع. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب 121، 122، 123. وينظر الوجيز ص 286. (¬2) الإيضاح ص 17، 94. (¬3) التعريفات ص 188. (¬4) نفس المصدر ص 128. (¬5) الإيضاح ص 18.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف لا يأكل شواءً اختصّت يمينه باللحم المشوي دون البيض وغيره ممّا يشوى، إلا إذا نوى التّعميم. ومنها: لو حلف لا يركب دابّة، وركب آدميّاً لا يحنث. ومنها: لو حلف لا يأكل رأساً، لا يحنث إلا بأكل رأس يؤكل عادة. ومنها: لو وصّى لأقربائه وأهل بيته. فهو على ما يعرف من مذهب الرّجل إن كان يعيل عمّته أو خالته، أو من كان يصله في حياته من قرابته. ومنها: لو استأجر أجيراً يعمل له مدّة معيّنة حمل على ما جرت به العادة بالعمل فيه، من الزّمان دون غيره. ومنها: إذا نذر صوم الدّهر لم يدخل في ذلك ما يحرم صومه من أيّام السّنة أو ما يجب صومه شرعاً كرمضان. ومنها: لو وصّى لأقاربه لم يدخل فيهم الوارثون.

القاعدة الثالثة والأربعون [تخصيص القياس والأثر]

القاعدة الثّالثة والأربعون [تخصيص القياس والأثر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يخصّ القياس والأثر بالعرف العامّ دون الخاصّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القياس الأصولي: (هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما). والمراد بالأثر: الحديث والخبر. فمفاد القاعدة: أنّ القياس والمراد به هنا - القواعد الكلّيّة العامّة لا القياس الأصولي - وكذلك الحديث والخبر إذا ورد عامّاً فإنّه يخصّ بالعرف العامّ والعادة الشّائعة دون العرف الخاصّ خلافاً لما يراه بعض الفقهاء. والمراد بالعرف المعتبر مخصّصاً هو ما كان في زمن الرّسالة لا الأعراف المستجدّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف إنسان ألا يضع قدمه في دار فلان، فهو يحنث ولو دخلها محمولاً وبقيت قدمه خارجها؛ لأنّ المراد بوضع القدم الدّخول. ومنها: عقد الاستصناع - وهو من بيع المعدوم - وبيع المعدوم باطل. لكن جاز لتعارف النّاس وتعاملهم به من العصر الأوّل، وهذا العرف يصلح مخصّصاً للنّصّ ويترك به القياس كجواز السّلم وغيره. ¬

_ (¬1) قواعد الفقه ص 140، ينظر الوجيز ص 278.

القاعدة الرابعة والأربعون [اليد الخائنة]

القاعدة الرّابعة والأربعون [اليد الخائنة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليد إذا اتّصفت بصفة الخيانة في الابتداء استحال أن تنقلب إلى صفة الأمانة في الانتهاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. اليد: المراد بها صاحب اليد. وعبَّر باليد لأنّها أداة الأمانة أو الخيانة؛ لأنّها آلة التّصرّف. فإذا تلبّس شخص بالخيانة في ابتداء أمره، فيستحيل أن ينقلب أميناً في نهايته. فمن عرف بخيانة الأمانة مرّة فلن يأتمنه أحد مرّة أخرى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من التقط لقطة ونوى مع أوّل الالتقاط ترك التّعريف كان ضامناً؛ لأنّه يشترط التّعريف ونيّته عند أوّل الالتقاط - فمن نوى ترك التّعريف يعتبر خائناً ولم ينفعه بعد ذلك التّوبة والتّعريف، وصار ضامناً للقطة. ومنها: المودَع لو عزم على الخيانة، ولم تتحقّق الخيانة؛ بالاستعمال أو المنع عند المطالبة بالرّدّ لم يصر بذلك خائناً ضامناً على الصّحيح؛ لأنّ أوّل أمره كان أميناً. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 839.

وعن ابن سريج (¬1) يضمن بمجرّد النّيّة (¬2). ¬

_ (¬1) ابن سريج هو: أحمد بن عمر بن سُرَيج أبو العباس القاضي شيخ الشافعية في عصره، كان يقال له الباز الأشهب مات ببغداد سنة 306 هـ، طبقات الشافعية لابن هداية الله 41 - 42. (¬2) قواعد الحصني جـ 1 ص 251.

القاعدة الخامسة والأربعون [اليد والتصرف]

القاعدة الخامسة والأربعون [اليد والتّصرّف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليد توجب إثبات التصرّف، ولا توجب إثبات الملك (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد باليد: إمكانية التّصرّف بالشّيء. وعُبِّر باليد لأنّها آلة القبض والتّصرّف. كما سبق بيانه. فوضع اليد على شيء ما - عقار أو منقول - لا يثبت ذلك ولا يوجب الملك لمن هو تحت يده، ولكن يثبت القدرة على التّصرّف فيه والانتفاع به واستغلاله. فاليد والقدرة على التّصرّف لا يدلان على الملك إلا عند ثبوت أصل الملك في تلك العين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عقار دار أو أرض في يد إنسان يسكنها أو يزرع فيها ويستغلّها، لا يكون ذلك دليلاً على أنّه المالك لما هو تحت يده؛ لأنّ إثبات الملك إنّما يكون بالبيِّنة أو الإقرار أمام القضاء. ولعلّ هذا الإنسان يكون مستأجراً لما تحت يده. ¬

_ (¬1) القواعد الفقهية للندوي ص 303 عن أدب القاضي للماوردي جـ 2 ص 236، وينظر المنثور جـ 3 ص 370.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: سيّارة مع شخص يسوقها، فلا يكون ذلك دليلاً على أنّه مالكها؛ لإمكان أن يكون مستأجراً لها, أو مغتصبها أو مستعيرها أو سارقها، ولا يثبت الملكيّة إلا بالأوراق الرّسميّة الخاصّة بها. ومنها: أرض أو دار في يد إنسان ادّعى ملكيّتها، وأتى بشاهدين يشهدان له على ذلك، فإذا كانت شهادة الشّاهدين بناء على رؤيتهما واضع اليد يتصرّف في الدّار أو الأرض بالسّكنى أو الزّراعة، فلا تكون شهادتهما مقبولة على ادّعاء الملكيّة. ومنها: لا يجوز أن يشهد بِرِقٍّ صغير لمن هو في يده يتصرّف فيه تصرّف الملاك بالملك؛ لأنّ الأصل الحرّيّة، والصّغير لا يعبّر عن نفسه. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: يجوز الشّراء من واضع اليد، ولو قال المشتري للبائع: بعني ملكك هذا - فباعه. فإذا وجدت السّلعة مستحقّة رجع المشتري المقرّ بالملك للبائع على البائع بالثّمن؛ لأنّه إنّما أقرّ بالملك له بناء على اليد فقط. ومنها: إذا ادّعى رقّ صبي في يده فإنّه يحكم له بالرّقّ، وهذا خلاف المثال السّابق فذاك كان شهادة، وهذه دعوى ولا معارض لها.

القاعدة السادسة والأربعون [الأدنى والأعلى]

القاعدة السّادسة والأربعون [الأدنى والأعلى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يدخل الأدنى في الأعلى، ولا يستباح الأعلى بنيّة الأدنى (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأدنى من التّصرّفات والأحوال يدخل ضمناً فيما هو أعلى أو أعمّ منه، ولكن لا يستباح الأعلى بنيّة الأدنى؛ لأنّه لا يدخل فيه كما أنّ الأعمّ لا يدخل في الأخصّ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الطّهارة من الحدث الأصغر تدخل ضمن الطّهارة من الحدث الأكبر، فالوضوء يدخل في الغسل، ولكن لا يجوز أن يتوضّأ وينوي غسل الجنابة أو الحيض. كما لا يجوز للجنب أو التي طهرت من حيضها أو نفاسها أن تصلّي بالوضوء وحده دون الغسل. ومنها: المتيمّم إذا نوى بتيمّمه الفرض، فله أن يصلّي بهذا التّيمّم ما شاء من الفرائض والنّوافل وقراءة القرآن ومسّ المصحف واللبث في المسجد. لكن إذا تيمّم لنافلة، فلا يصلّي بتيمّمه هذا فريضة - خلافًا لأبي ¬

_ (¬1) المغني جـ 1 ص 253.

حنيفة رحمه الله - وأبيح له قراءة القرآن ومسّ المصحف والطّواف؛ لأنّ النّافلة آكد من ذلك كلّه. المراد بالطّواف: طواف التّطوع لا ركن العمرة والحجّ. ومنها: إن تيمّم للطّواف أبيح له قراءة القرآن واللبث في المسجد لأنّه أعلى منهما - فإنّه صلاة - ولكن إن نوى بتيمّمه قراءة القرآن واللبث في المسجد لم يستبح له الطّواف لأنّه أعلى منهما.

القاعدة السابعة والأربعون [التصرف - التبع]

القاعدة السّابعة والأربعون [التّصرّف - التّبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة يدخل في التّصرّف تبعاً ما لا يجوز أن يكون مقصوداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً قاعدة بهذا المعنى وسيأتي قواعد أخرى تشبهها. والتّصرّفات لها شروط لا تصحّ إلا بها. وموانع إذا وجد بعضها لم يصحّ التّصرّف، لكن إذا وجد التّصرّف بناء على توفّر شروطه وانتفاء موانعه، ثم وجد له تابع نقص منه بعض شروط أصله، أو وجد مانع لأصله، فلا يمنع فقد الشّرط أو وجود المانع جواز التّصرّف في التّابع؛ لأنّ ما يدخل ضمناً يجوز فيه ما لا يجوز فلِما يكون قصداً وأصلاً ومتبوعاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الأصل في الموقوف أن يكون عقاراً - أي شيئاً ثابتاً غير منقول - إلا ما تعورف على وقفه من المنقولات - لكن إذا وقف ضيعة أو مزرعة ببقرها وآلاتها صحّ الوقف فيها جميعاً. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 113 ب، شرح الخاتمة ص 92.

ومنها: الحمل يدخل في بيع الدّابّة ولا يجوز أن يكون مقصوداً بالبيع. ومنها: الشّرب والطّريق يدخل في بيع الأرض تبعاً، ولا يصحّ أن يباع مقصوداً.

القاعدة الثامنة والأربعون [القوي، الضعيف]

القاعدة الثّامنة والأربعون [القوي، الضّعيف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يدخل القويّ على الضّعيف ولا عكس (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّعيف من الأدلّة والأحكام لا يظهر أمام القويّ منها ولا يقاومه، ولذلك فإنّ القويّ لقوّته يدخل على الضّعيف، وأمّا الضّعيف فلضعفه لا يمكن دخوله على القوي ولا ظهوره معه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز إدخال الحجّ على العمرة قطعاً، ولكن لا يجوز إدخال العمرة على الحجّ في الأظهر - عند الشّافعيّة - أي أنّ مَن نوى بإحرامه العمرة وقبل طوافها نوى بإحرامه الحجّ. صحّ حجّه لكن إذا نوى بإحرامه الحجّ لا يجوز أن ينوي بعد ذلك العمرة بهذا الإحرام. ولكن هذا فيه مخالفة لما أمر به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع حيث أمر أصحابه رضوان الله عليهم بفسخ الحجّ إلى العمرة، فأدخل العمرة على الحجّ. لكن إذا كان واقفاً بعرفة فلا يجوز إدخال العمرة على الحجّ قطعاً. ومنها: إذا وطئ أمَة ثم تزوّج أختها ثبت نكاحها وحرمت عليه ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 369، أشباه السيوطي ص 158.

الأمَة؛ لأنّ الوطء بفراش النّكاح أقوى من ملك اليمين. وكذلك لو تقدّم النّكاح حرم عليه الوطء بالملك لأنّه أضعف الفراشين. ومنها: يجوز أن يقلب الفرض نفلاً، ولكن لا يجوز أن يقلب النّفل إلى فرض، فمن دخل المسجد ليصلّي فريضة فنوى منفرداً، ثم قامت جماعة في المسجد فيجوز لهذا المنفرد أن يسلّم على رأس ركعتين - من الصّلاة الرّباعيّة - ويدخل مع الجماعة، ويكون الرّكعتان له نافلة. لكن لو كان يصلّي نافلة فلا يجوز أن يقلبها إلى فريضة.

القاعدة التاسعة والأربعون [أعظم الضررين]

القاعدة التّاسعة والأربعون [أعظم الضّررين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يدفع أعظم الضّررين بأهونهما (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قواعد أخرى سبقت تحت الأرقام 28، 34، 35. وقد وُضّح معناها وأمثلتها. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1758.

القاعدة الخمسون [اليد لاحقة وسابقة]

القاعدة الخمسون [اليد لاحقة وسابقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة اليدّ اللاحقة تابعة لليدّ السّابقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليد يدان، يد سابقة ويد لاحقة، فحكم اليد اللاحقة يكون تابعاً لحكم اليد السّابقة، فإن كانت السّابقة يد أمانة، فكذلك اليد اللاحقة المترتّبة عليها، فإن كانت اليد السّابقة يد ضمان فكذلك اللاحقة. واليد إمّا أن تكون يداً مؤتمنة كالوديعة والشّركة والوكالة والمقارضة، أو يداً غير مؤتمنة كالغصب والسّوم والعارية والشّراء فاسداً (¬2). وقد سبق مثل ذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأجر عيناً ثم أعارها فتلفت في يد المستعير بغير تعدًّ منه، فلا ضمان على واحد منهما لأنّ أصلها يد أمانة. ومنها: إذا استعار شيئاً فأعاره لغيره فتلف المستعار، فالمستعير ضامن، ويرجع الأوّل على الثّاني؛ لأنّ الأصل في الإعارة الضّمان. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 369 - 372. (¬2) أشباه السيوطي ص 362.

ومنها: إذا غصب شيئاً فغصبه منه آخر، فكلاهما ضامن للمغصوب؛ لأنّ يد الغاصب الأوّل يد ضمان، كذلك الغاصب الثّاني، وكذلك لو أخذ شخص من الغاصب الشّيء المغصوب ليردّه إلى المغصوب منه فتلف في يده، فهو ضامن كذلك.

القاعدة الحادية والخمسون [المودع والمودع]

القاعدة الحادية والخمسون [المودَع والمودِع] أولاً: لفظ ورود القاعدة يد المودَع كيد المودِع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المودَع بفتح الدّال: اسم مفعول، وهو قابل الوديعة. وهي الأمانة. والمودع بكسر الدّال: اسم فاعل، وهو صاحب الوديعة. فمفاد القاعدة: إنّ يد الأمين وهو قابل الوديعة في الحكم كيد المودِع صاحب الوديعة. وذلك في الحفظ دون التّصرف؛ لأنّه ليس للأمين أن يتصرّف في الوديعة كتصرّف مالكها، وإلا كان خائناً ضامناً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا دخل مجاهد دار الحرب فارساً، ثم أعار فرسه لآخر يريد دار الإسلام، ولكن قبل دخول دار الإسلام نفق الفرس - أي مات - فصاحب الفرس المعير سهم فارس في الغنائم كلّها؛ لأن موت الفرس في يد المستعير في دار الحرب كموته في يد المعير. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1132 قواعد الفقه ص 140. المبسوط جـ 10 ص 89، جـ 11 ص 109.

لكن إذا نفق الفرس بعد وصول المستعير إلى دار الإسلام، فلا يستحقّ صاحب المعير إلا سهم راجل (¬1). ومنها: إذا أعار المغازي فرسه في دار الحرب مسلماً ليخرج إلى دار الإسلام فيقضي حاجته ثم يردّه إليه، فلمّا دخل المستعير دار الإسلام لم يقدر على الرّجوع إلى دار الحرب فدفع الحصان إلى غيره ليبلغه صاحبه في دار الحرب. فإذا كان المدفوع له الحصان من بعض عيال المستعير فلا ضمان عليه ولا على الذي جاء به؛ لأنّ يد مّن في عياله كيده في الحفظ فكذلك في الرّدّ. وأمّا إذا لم يكن المدفوع إليه من عيال المستعير فالمعير راجل في كلّ ما أصيب بعد خروج الفرس إلى دار الإسلام إلى أن يعود إليه، فإذا نفق الفرس في يد الذي جاء به كان للمعير الخيار: إن شاء ضمَّن المستعير، ولا يرجع هو على أحد بشيء، وإن شاء ضمَّن الذي جاء به، ويرجع هو بما ضمن على المستعير؛ لأنّه بمنزلة الوديعة عنده. ويد المودَع كيد المودِع (¬2). ومنها: إذا جاء قوم من دار الحرب مستأمنين - ومعهم متاع - وقالوا: لقينا قوماً من المسلمين - مستأمنين أو أسراء أو أسلموا في دار الحرب - فأودعونا هذا وأمرونا أن نخرجه إلى دار الإِسلام، وأقاموا البيّنة على ذلك - فما كان من وديعة أو عاريَّة للمستأمنين أو الذين أسلموا في دار الحرب - فلا سبيل لأهل العسكر عليهم؛ لأنّ يد المودع ¬

_ (¬1) شرح السير ص 983. (¬2) شرح السير ص 992.

كيد المودع. وإن كان المتاع لأسير من المسلمين آمنه حين دفع ذلك إليهم فهو فيء؛ لأنّ أمان الأسير باطل. ومنها: الوديعة في يد الأمين إذا تلفت في يده - بدون تعدّ منه أو تقصير - فذلك كتلفها في يد صاحبها، ويستوي في ذلك إن هلكت بما يمكن التّحرّز عنه أو بما لا يمكن التّحرّز عنه، والهلاك بما يمكن التّحرّز عنه بمعنى العيب في الحفظ. ولكن صفة السّلامة عن العيب إنّما تصير مستحقّاً في المعاوضة دون التّبرّع، والمودَع متبرّع. ومنها: إذا ظهر المسلمون على دار الحرب وأسروا مستأمناً سابقاً له ودائع في دار الإِسلام فودائعه فيء؛ لأنّها تدخل تحت القهر، فلو كانت في يده حين سبي كان ذلك فيئاً، فكذلك إذا كانت في يد مودَعه. وعن أبي يوسف إنّما هي مملوكة للمودَعين؛ لأنّ أيديهم أسبق إليها حين سقطت عنها يد الحربي بالأسر. فصاروا محرزين لها دون الغانمين.

القاعدة الثانية والخمسون [دفع الضرر]

القاعدة الثّانية والخمسون [دفع الضّرر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يدفع الضّرر بقدر الإمكان (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ الضّرر يجب دفعه شرعاً، فإن أمكن دفعه أو رفعه بدون ضرر فهذا هو الأصل، وإلا فيتوسل لدفعه أو رفعه بالقدر الممكن. دليل هذه القاعدة قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (¬2). فدفع ضرر الأعداء بإرهابهم وتخويفهم بإعداد العدّة والقوّة استعداداً وتحسّباً. وأمّا رفع الضّرر فهو محاولة إزالته قبل وقوعه بالقدر الممكن. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: شرع الجهاد لدفع شرّ الأعداء. ووجبت العقوبات الزّاجرة لقمع ¬

_ (¬1) المجلة المادة 31، شرح قواعد المجلة للزرقاء ص 153، وينظر الوجيز ص 256. (¬2) الآية 60 من سورة الأنفال.

الإجرام وصيانة الأمن, ووجب سدّ ذرائع الفساد من جميع أنواعه. ومنها: شرع حقّ الشّفعة لدفع الضّرر المتوقع على الجار. ومنها: لو عفا بعض أولياء القتيل عن القصاص. سقط القصاص، وانقلب نصيب الباقين دية - إذا كان العفو على غير شيء.

القاعدة الثالثة والخمسون [الحكم - سبب الظاهر - المعنى الخفي]

القاعدة الثّالثة والخمسون [الحكم - سبب الظّاهر - المعنى الخفي] أولاً: لفظ ورود القاعدة يدور الحكم مع السّبب الظّاهر وجوداً وعدماً، ويسقط اعتبار المعنى الخفي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. سبق مثل هذه القاعدة تحت الرّقم 32 بلفظ (يحال بالحكم). فالحكم ينبني على سببه، ولكن السّبب قد يكون ظاهراً، وقد يكون خفيّاً، فالأصل أنّ الأحكام إنّما تبنى ويحال بها على الأسباب الظّاهريّة، وتدور معها وجوداً وعدماً دون الأسباب الخفيّة، فإذا وجد حكم وله سبب ظاهر وجودي أو عدمي فإنّ الحكم يبنى عليه وإذا قدِّر له سبب خفي فإنّ هذا السّبب الخفي لا يعتدّ به، ويسقط اعتباره؛ لأنّه لا يعرف ولا يتيقّن به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إنسان صدمته سيّارة فقتلته، وكان مريضاً بالسّكّر أو غير من الأمراض المزمنة - فإنّما يحال بالموت على صدمة السّيّارة دون ذلك المرض. وإن كان هناك احتمال لموته بمرضه. ولكن احتمال موته بمرضه سبب خفي، فلا يبنى عليه حكم. وصدمة السّيّارة سبب ظاهر ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 6 ص 209.

فيبنى عليه الحكم. ومنها: إذا قال رجل لامرأته: إن كنت تحبّين الموت أو العذاب فأنت طالق. فإذا قالت: أنا أحبّ ذلك فهي طالق - إذا قالت ذلك في مجلسها - وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله؛ لأنّ الطّلاق بُني على إخبارها بحبّها لذلك، حتى وإن كانت كاذبة؛ لأنّ الحبّ والبغض أمران قلبيّان لا يُطَّلع عليهما. وإخبارها سبب ظاهر لبناء الحكم عليه. وبخاصّة إذا ثبت بغضها للزّوج وكرهها له. ومنها: فراش الزّوجية أو المملوكيّة سبب ظاهر إثبات نسب الولد من صاحب الفراش، دون الماء أو الوطء؛ لأنّهما أمران خفيّان. فإذا ولدت امرأة على فراش رجل وهما حرّان مسلمان، فادّعى الزّوج أنّه ابنه، وكذّبته المرأة، أو ادّعت الزّوجة أنّه ابنها وكذّبها الزّوج، وقال: هو من زوج سابق لك. وقالت المرأة: بل هو منك - وقد جاءت بالولد لستة أشهر منذ تزوّجها - فهو ابنه لظهور السّبب فيما بينهما وهو الفراش. وقد سبق قريباً هذا المثال. ومنها: إقامة السّفر مقام حقيقة المشقّة في إثبات رخص السّفر.

القاعدة الرابعة والخمسون [المشترك - غالب الرأي]

القاعدة الرّابعة والخمسون [المشترك - غالب الرّأي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يرجّح بعض وجوه المشترك بغالب الرّأي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المشترك: هو اللفظ الواحد الذي يدلّ على معان مختلفة، كلفظ "العين". والأصل عند الحنفيّة أنّ المشترك إذا أطلق لا يدلّ على كلّ معانيه، خلافاً للشّافعي رحمه الله. فإذا أطلق لفظ مشترك فإنّما يجب حمله على أحد معانيه بالتّأويل إذا لم تقم قرينة على المعنى المراد فيجب ترجيح بعض المعاني على بعض؛ ليمكن العمل باللفظ، وذلك التّرجيح إنّما يكون بغالب الرّأي - بعد إذ لم تقم قرينة على المعنى المراد، والمراد بغالب الرّأي - أو الظّنّ الغالب - أي الحاصل من التّأمّل في نفس الصّيغة أو غيرها من الأدلّة والأمارات. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: العين لفظ مشترك، فإذا قال إنسان لآخر: "رأيت اليوم عيناً - ولم يُقم قرينة على المراد - وكان الحال وضعاً حربيّاً - فيمكن أن يحمل ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي 113 أ، شرح الخاتمة ص 91.

رابعا: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة

معنى العين على الجاسوس بناء على غالب الرّأي، والوضع القائم. ولا يحمل على العين الباصرة أو العين الجارية. ومنها: لفظ القرء مشترك بين الحيض والطّهر، فحمله الحنفيّة والحنابلة على الحيض بناءً على أنّ الأصل الطُّهر، والحيض عارض، والقرء معناه: الانتقال والجمع - وكلاهما موجود في الحيض، وكذلك لأنّ لفظ "ثلاثة" في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬1) دالّ على عدد معلوم، فحملوه على الحيض لئلا ينتقص عنها. رابعاً: مما استثنى من مسائل هذه القاعدة: إذا أوصى لمواليه - وله موالٍ أعلون وموال أدنون -، الأعلون هم الذين أعتقوه، والأدنون هم الذين أعتقهم، قال الحنفيّة: تبطل الوصيّة؛ لأنّها بلفظ مشترك لم يمكن حمله على أحد معانيه، وعند غير الحنفيّة تصحّ الوصيّة وتكون بين الموالي الأعلين والأدنين. ¬

_ (¬1) الآية 228 من سورة البقرة.

القاعدة الخامسة والخمسون [القرابتان والقرابة الواحدة]

القاعدة الخامسة والخمسون [القرابتان والقرابة الواحدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يرجّح ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة، وإن لم تكن إحداهما لها مدخل في الاستحقاق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثال لهذه القاعدة تحت الرّقم 24. التّرجيح قد يكون بالقوّة، فما كان أقوى في دلالته رُجِّح على ما كان أضعف، وإنّ سبب القوّة لا مدخل له في الاستحقاق الواجب. ولذلك فإنّ ذا القرابتين - أي القرابة من جهتين الأب والأم - يرجّح على ذي القرابة الواحدة - كقرابة من جهة الأب فقط وهذا يكون غالباً في الولاية وفي الميراث. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عند الولاية في النّكاح يرجّح الأخ الشّقيق - من الأب والأمّ - على الأخ لأب فقط، لقوّة قرابة الأوّل من جهتين، - عند الحنفيّة وفي إحدى الرّوايتين عند أحمد رحمه الله وهي الرّواية الرّاجحة - وكذلك يقدّم في الميراث. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 120.

ومنها: تقديم الأخ الشّقيق على الأخ لأب في حمل العاقلة - وفيه روايتان. ومنها: تقديمه عليه في الّصّلاة على الجنازة، وفيه روايتان أيضاً. ومنها: في الوقف المقدم في القرب، وكذلك الوصيّة.

القاعدة السادسة والخمسون [المختلف - المعلوم]

القاعدة السّادسة والخمسون [المختلف - المعلوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يُرَدُّ المختلف فيه إلى ما هو المعلوم في نفسه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالمختلف فيه: حكم الأمر أو الواقعة. إذا ورد أمر أو واقعة أو حال أو صفة واختلف في حكمها - ووجد لها مثيل أو شبيه متّفق عليه ومعلوم حكمه، فإنّما يردّ حكم الأمر المختلف فيه إلى الأمر المتّفق عليه المعلوم في نفسه. وهذه قاعدة مهمّة في ردّ الأحكام المختلف فيها إلى الأحكام المتّفق عليها المشابهة لها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا غصب شخص من آخر ثوباً أو آلة، ثم جاء بها للمغصوب منه، فقال المغصوب منه: غصبت مني ثوباً جديداً أو آلة جديدة وهذا ثوب قديم أو آلة قديمة. وقال الغاصب: بل هذا هو ما غصبته منك. فإنّ القول قول الغاصب مع يمينه؛ لأنّه منكر قبض ثوب جديد أو آلة جديدة، ولأنّ الظّاهر شاهد له، فإنّ صفة الثّوب أو الآلة في الحال معلومة، وعند الغصب مختلف فيها، فيُردّ المختلف فيه إلى ما هو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 83.

المعلوم في نفسه. هذا إذا لم يُقم المغصوب منه بيِّنة على دعواه. ومنها: إذا اشترى شخص من آخر سلعة، ثم وجد فيها عيباً يوجب الرّدّ، فقال البائع: ليست هذه السّلعة التي بعتكها؛ لأنّني بعتك سلعة صفتها كذا، وهذه ليست كذلك. فقال المشتري: بل هي سلعتك التي اشتريتها منك. - فعند عدم بيّنة البائع - يكون القول قول المشتري مع يمينه؛ لأنّه ينكر قبض السّلعة بالوصف الذي ذكره البائع؛ ولأنّ الظّاهر شاهد له؛ لأنّ صفة السّلعة في الحال معلومة، وعند الشّراء غير معلومة.

القاعدة السابعة والخمسون [الحدث - الماء المطلق]

القاعدة السّابعة والخمسون [الحدث - الماء المطلق] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يرفع الحدث بماء مطلق (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة ضابط يبيّن رافع الحدث ومطهّره. المراد بالماء المطلق: الماء الذي بقي على أصل خلقته، ولم يغيّره شيء طاهر أو نجس, عدا الطّين والرّمل الجاري عليهما. فهو طهور مطهّر باتّفاق. فهذا الماء يرفع الحدث الأصغر والأكبر - أي ما يوجب الوضوء والغسل - بإجماع واتّفاق. ولكن إذا خالطه طاهر ما حكمه؟ إذا كان المخالط لم يغلب على الماء ولم يخرجه عن إطلاقه، فهو طهور باتفاق كذلك. ولكن إذا غلب على الماء ما يخالطه من طاهر، فأصبح يحمل اسمه، كماء الورد والنّبيذ، فهل يجوز التّطهّر به وإزالة الأحداث؟ خلاف. ¬

_ (¬1) الفرائد ص 8.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ماء البحر، وماء المطر، وماء العيون، وماء الآبار والأنهار كلّها مياه طهوريّة تزال بها الأحداث والأنجاس بلا خلاف. ومنها: الماء الجاري وقد اختلط به التّراب أو الطّين أو الرّمل أو تغيّر لونه بسبب سقوط أوراق الأشجار التي يمرّ تحتها فيه. فهو كذلك طهور. ومنها: ماء خالطه ورد أو زهر ولم يغلب عليه، فهو طهور كذلك. ومنها: ماء غلب عليه ما خالطه فأصبح يسمّى ماء الورد، أو ماء الزّهر، أو الشّاي، أو النّبيذ - من ماء وتمر - فهذه فيها خلاف، ولكن يجوز التّطهّر بها عند الضّرورة وعدم وجود غيرها، والأصل في ذلك النّبيذ الذي توضّأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬1). ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه أحمد رحمه الله في المسند جـ 1 ص 398، 402، 449، 450، 455. عن ابن مسعود وعند أبي داود كتاب الطهارة حديث 84.

القاعدة الثامنة والخمسون [الاستحلاف]

القاعدة الثّامنة والخمسون [الاستحلاف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يستحلف على القصاص والأموال كلّها اتفاقاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القصاص: هو قتل الجاني القاتل عمداً عدواناً مكافئاً غير والد، أو قطع عضو أو شجة أو جراحة، فقتل الجاني بهذه الصّفة واجب، وكذلك لو قطع عضواً، أو شجَّ شجّة أو جراحة فإنّ القصاص واجب كذلك إذا قامت البيّنة على القتل وغيره، أو أقرّ هو بذلك، لكن إذا لم تقم بيّنة ولم يقرّ؟ فهل توجه عليه اليمين ويستحلف. والذي يترتّب على اليمين أمران: الأوّل: أن يحلف فيبرأ ولا يقتصّ منه بل تجب عليه الدّية عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، أما عند أبي حنيفة رحمه الله فيحبس حتى تقوم بيِّنة أو يقرّ على نفسه. والأمر الثّاني: أن يستحلف فينكل عن اليمين - أي يمتنع عنه - ففي هذه الحال لا يقتصّ منه إلا أن يقرّ على نفسه - لوجود الشّبهة؟ لأنّ النّكول شبهة تدرأ عنه حدّ القصاص. وفي الاستحلاف في القصاص خلاف (¬2). ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 42، 428. وعنه الفرائد ص 80. (¬2) ينظر المقنع مع الحاشية جـ 3 ص 721.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها.

أمّا في الأموال فبالاتّفاق يستحلف عليها المنكر، فإذا نكل عن اليمين وجب عليه أداء ما أنكر عند الحنفيّة والحنابلة. وعند الشّافعية تُردّ اليمين إلى المدّعي. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. إذا ادّعى رجل على رجل أنّه قتل ابناً له عمداً أو عبداً أو وليّاً بآلة توجب القصاص، وادّعى القصاص لنفسه، أو ادّعى أنّه قطع يده عمداً، أو قطع يد ابن صغير له عمداً، أو ادّعى شجّه أو جراحة - يجب فيها القصاص - وأنكر المدّعى عليه - كان له أن يستحلفه فإن حلف برئ، وإن نكل عن اليمين في القتل يقضى عليه بالدية عندهما، وعنده يحبس حتى يحلف أو يقرّ.

القاعدة التاسعة والخمسون [البدل، الأصل]

القاعدة التّاسعة والخمسون [البدل، الأصل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط اعتبار البدل عند القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق لهذه القاعدة أمثال، فالبدل لا يحتاج إليه إلا عند فقد المُبدل منه، أو عند عدم القدرة على استعماله، فعند ذلك يعتبر البدل ويحتاج إليه، لكن إذا فُقِد الأصل، وجِيء بالبدل، ثم قُدِّر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، فإنّ البدل لا يجوز اعتماده ويسقط اعتباره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الماء في الطّهارة أصل، فإذا عُدِم الماء، أو لم يقدر على استعماله لمرض أو مشقّة، فإنّ الحكم ينتقل إلى التّيمّم. فإذا تيمّم فاقد الماء، أو لم يقدر على استعماله مع وجوده، فيجوز له التّيمّم لأداء الصّلاة، أو لفعل شيء يحتاج للطّهارة، فإذا تيمّم وقبل الدّخول في الصّلاة وجد الماء أو قدر على استعماله. بطل تيمّمه. ومنها: الواجب على المتمتّع دم، فإذا لم يجد الشّاة، أو لم يقدر على ثمنها، فينتقل الواجب إلى الصّوم بدلاً. فإن صام يوماً في الحجّ أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 1 ص 11. وينظر المقنع جـ 1 ص 424.

يومين، ثم وجد الشّاة أو قدر على ثمنها فيجوز له الانتقال إلى الشّاة إن شاء، وأمّا إذا لم يشرع في الصّوم فيجب عليه الانتقال إلى الشّاة، وعند الحنابلة روايتان. ومنها: من عليه كفّارة يمين وهو غير قادر على الرّقبة أو الإطعام أو الكسوة، فينتقل الواجب إلى الصّوم، ولكن قبل أن يشرع في الصّوم قَدِر على أحد الثّلاثة، فلا يجوز تكفيره بالصّوم.

القاعدة الستون [دلالة الحال - التصريح]

القاعدة السّتّون [دلالة الحال - التّصريح] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط اعتبار دلالة الحال إذا جاء التّصريح بخلافها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة سبقت ضمن قواعد حرف "لا" تحت الرّقم 49 ونصُّها: (لا عبرة للدّلالة في مقابلة التّصريح). وذلك لأنّ الدّلالة إنّما يحتاج إليها إذا لم يكن لفظ صريح فتقوم مقامه، لكن إذا وجد تصريح لفظي أو كتابي بخلافها - وقبل التّصرف بالدّلالة - بطلت الدّلالة وسقط اعتبارها. لكن بشرط أن لا يكون قد ترتّب حكم على الدّلالة قبل التّصريح بخلافها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا وضع الطّعام بين يدي الضّيف فهذا دلالة على جواز تناوله، فإذا قال المضيف: لا تأكل الآن. لا يجوز له تناول الطّعام عندئذ. ومنها: إذا دخل الضّيف غرفة الجلوس، فهذا يدلّ على جواز جلوسه في أي موضع شاء منها. لكن إذا قال صاحب المنزل: لا تجلس هنا، واجلس هناك. لا يجوز له الجلوس في غير المكان الذي أشار إليه ¬

_ (¬1) شرح السير ص 538، وعنه قواعد الفقه ص 141.

المضيف، وإذا جلس في غير المكان المشار إليه فتضرّر المقعد بجلوسه فهو ضامن، أو لو أصابه من جلوسه ضرر في غير المكان المشار إليه فصاحب المنزل غير ضامن. ومنها: إذا صالح الحربي المحصور في حصنه المسلمين على مال، وأدّى ما التزم، ثم أراد أن يغادر حصنه، ويذهب إلى موضع آخر، لم يمنع من ذلك، فإذا بلغ مأمنه حلّ قتاله؛ لأنّ الأمان الذي بيننا وبينه يكون منتهياً إذا وصل مأمنه لدلالة الحال، إلا إذا اشترط على المسلمين الأمان منهم حتى يعودوا إلى دار الإسلام، أو لمدّة معيّنة، فهنا يجب الوفاء بالشّرط، فيسقط اعتبار الدّلالة.

القاعدة الحادية والستون [العرف واعتباره]

القاعدة الحادية والسّتّون [العرف واعتباره] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط اعتبار العرف عند التّنصيص بخلافه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: العرف: هو العادة، وهو ما عرف بين النّاس حسنه من العادات. وهذه القاعدة تدخل تحت القاعدة الكلّيّة الكبرى (العادة محكمة) والتي سبق بيانها ضمن قواعد حرف العين تحت الرّقم 2. فالعرف والعادة يحكمان في معاملات الناس وأيمانهم، لكن بشرط أن لا يكون هناك نصّ مخالف للعادة أو العرف، فإذا وجد نصّ مخالف لهما يسقط اعتبارهما كما يسقط اعتبار الدّلالة. إذا وجد التّصريح بخلافها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان من العادة المعروفة أن يكون حمل ونقل الأشياء الثّقيلة على البائع. لكن إذا اشترط البائع عند العقد أن تبعة النّقل والحمل على المشتري. فإنّ التّنصيص على ذلك يلغي ويبطل أثر العرف والعادة. ومنها: إذا أراد شخص أن يشتري من محلّ سلعة، ولم يحدّد أو ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 14 ص 18.

يعيّن النّقد الذي يدفعه، فإنّه يدفع بعملة ونقد البلد الذي هو فيه؛ لأنّه الجاري التّعامل به بحسب عرف البلد، لكن إذا اشترط البائع عملة أخرى ورضي المشتري فله ما شرط. كأن تكون المعاملة هنا في السّعوديّة - مثلاً - فتكون المعاملة الجارية بالرّيال السّعودي، لكن إذا اشترط البائع الدّولار الأمريكي ورضي المشتري فعليه الدّفع بالدّولار، ولا يجوز له الاحتجاج بالعرف أو عادة البلد في التّعامل بالرّيال, لأنّ النّصّ قاضٍ على العرف.

القاعدة الثانية والستون [النسبة - الإشارة]

القاعدة الثّانية والسّتّون [النّسبة - الإشارة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط اعتبار النّسبة عند التّعريف بالإشارة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّسبة: المراد بها تعريف الشّيء بما يميّزه عن غيره، أو ذكر اسمه ونوعه، والإشارة للحاضر أقوى من ذكر اسمه ونعته ووصفه، فعند الإشارة إلى الحاضر الموجود لا يعتدّ بالاسم أو الوصف، إلا إذا كان الاسم والوصف من غير الجنس المشار إليه. وقد سبق لهذه القاعدة أمثال وينظر القاعدة رقم 139 من قواعد حرف "لا" وقواعد حرف العين القاعدة 82. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: بعتك هذا الحصان الأبيض، وأشار إليه، وإذا به أسود، فيسقط الاعتداء بالوصف؛ لأنّ الإشارة أقوى. لكن إذا قال: أبيعك هذا الحصان الأبيض وأشار إلى حمار. فإنّ البيع لا يتمّ لاختلاف جنس المشار إليه. ومنها: إذا قال الأمير: من أصاب هذه الجبَّة الخزّ فهي له، فأصابها إنسان، فإذا هي مبطّنة بفنك أو سمور - نوعان من الفرو - ¬

_ (¬1) شرح السير ص 739 وعن قواعد الفقه ص 141.

فالكلّ للمصيب ها هنا - أي الغانم -؛ لأنّه بنى الاستحقاق على التّعيين بالإشارة دون الاسم والنّسبة، فكلّ واحد منهما للتّعريف إلا أنّه عند التّعريف بالإشارة - وهو قوله: هذه الجبّة الخزّ - يسقط اعتبار النّسبة؛ لأنّ الإشارة أبلغ.

القاعدة الثالثة والستون [سقوط الدين]

القاعدة الثّالثة والسّتّون [سقوط الدَّين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط الدَّين بأداء المتبرّع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الدَّين: هو مال في ذمّة شخص. والأصل أنّ المدين هو الذي يجب عليه أداء الدّين، سواء أكان الدّين لله سبحانه وتعالى كالكفّارات، أو كان لشخص أو أشخاص كقرض أو ثمن مبيع أو ضمان متلَف. لكن إذا تبرّع شخص آخر - غير المدين - فأدّى الدّين عن المدين، فإنّ الدّين يسقط وتبرأ ذمّة المدين، ولا حقّ للدّائن بعد ذلك في المطالبة بالدّين. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: كان صلّى الله عليه وسلّم لا يصلّي على رجل مات وعليه دين (¬2). وكان عليه الصّلاة والسّلام يقول في مثل ذلك "صلّوا على صاحبكم". لكن إذا تبرّع أحد الصّحابة وتحمّل الدّين عن الميّت فإنّه صلّى الله عليه ¬

_ (¬1) مسلَّم الثبوت جـ 1 ص 176 وعنه قواعد الفقه ص 147، وينظر أشباه ابن نجيم ص 264. (¬2) ينظر سنن النسائي، والبخاري باب الكفالة من كتاب البيوع باب 3، 5، والحوالات باب 3، وينظر عمدة القارئ جـ 12 ص 111 فما بعدها.

وسلّم كان يصلّي على الميّت المدين. وذلك دليل على سقوط الدّين عن الميّت وبراءة ذمّته عن الدّين. كما أنّه لا يشترط في التّبرّع بالدّين رضاء المدين.

القاعدة الرابعة والستون [سقوط الفرع - تحت قاعدة التابع تابع]

القاعدة الرّابعة والسّتّون [سقوط الفرع - تحت قاعدة التّابع تابع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط الفرع بسقوط الأصل (¬1). أو إذا سقط الأصل (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفرع التّابع لأصله، فإذا سقط الأصل أو هلك فإنّ فرعه يسقط ويهلك، وإذا برئ الأصيل برئ الفرع والكفيل. كالشّجرة إذا اجتثّ أصلها سقط فرعها. وقد سبق لهذه أمثال: ينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدتان 116، 117. ومن قواعد حرف التّاء القاعدة 16. ومن قواعد حرف الفاء القاعدة 16، 17. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من فاته الحجّ لعدم تمكّنه من الوقوف بعرفة - وهو ركن الحجّ الأعظم - فعليه أن يتحلّل بأفعال العمرة فقط. وليس عليه رمي ولا مبيت. ومنها: إذا أبرأ الدّائن مدينه - وكان لهذا المدين كفيل - فببراءة ¬

_ (¬1) شرح الخاتمة ص 92. (¬2) ترتيب اللآلي لوحة 113 ب. وينظر الوجيز ص 336.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

المدين الأصيل يبرأ الكفيل والضّامن. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا ضمن شخص ألف دينار عن شخص آخر، وأقرّ الضّامن بالضّمان - ولكن برهن المضمون على الأداء قبل ضمان الكفيل. فإنّ الأصيل يبرأ دون الكفيل؛ لأنّ الكفيل مؤاخذ بإقراره. فللدّائن حقّ مطالبته بما ضمن. ومنها: إذا أحال الكفيلُ الطالبَ على مديونه - وهو المكفول - وشرط براءة نفسه خاصّة، برئ دون الأصيل.

القاعدة الخامسة والستون [سقوط الواجب]

القاعدة الخامسة والسّتّون [سقوط الواجب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يسقط الواجب بالعجز (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى القاعدة التي سبقت في قواعد حرف "لا" تحت الرّقم 74. ولفظها: (لا واجب مع عجزاً أو ضرورة)؛ لأنّ الأصل في أداء الواجبات وفعلها هو القدرة عليها. بدليل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬2). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (¬3). ففعل الأوامر مقيّد بالاستطاعة، فإذا ثبت العجز وعدم القدرة أو الضّرورة، فيسقط الواجب وينتقل المطلوب إلى البدل الأخف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: من عجز عن الطّهارة بالماء لفقده أو لعدم القدرة على استعماله، انتقل الواجب إلى التّيمّم. ¬

_ (¬1) القواعد الفقهية للندوي ص 220، عن قواعد ابن قاضي الجبل. (¬2) الآية 286 من سورة البقرة. (¬3) الحديث سبق تخريجه.

ومنها: من عجز عن القيام في الصّلاة صلّى قاعداً، أو مضطجعاً أو على جنب أو يومئ إيماءً. ومنها: من دخل المسجد والصّلاة قائمة ولم يجد فرجة في الصّفّ، فليصلّ خلف الصّفّ ولو منفرداً وصلاته صحيحة مع الجماعة. لأنّ الواجب وهو الوقوف في الصّفّ معجوز عنه.

القاعدة السادسة والستون [الكثير واليسير]

القاعدة السّادسة والسّتّون [الكثير واليسير] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليسير في الزّمن الكثير كثير. والكثير في الزمن اليسير يسير (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة تتعلّق ببعض الأفعال في الصّلاة والحجّ. فالفعل إذا كان يسيراً - أي قليلاً - ولكن استمرّ أو تكرّر زمناً كثيراً فهو كثير غير معفوّ عنه؛ نظراً إلى زمان وقوعه، ويترتّب عليه بطلان العمل. ولكن إذا كان الفعل كثيراً، ولكن في زمن يسير أو قليل ولم يتكرّر فهو فعل يسير معفوّ عنه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كُشف جزء من عورة مصلٍ واستمرّ معه أكثر من ركعة بطلت صلاته إذا كان يعلم بالكشف. ولكن إذا سقط إزاره - وهو في الصّلاة - فكشفت عورته، ولكن بمجرّد إحساسه بسقوط إزاره تناوله وستر عورته فصلاته صحيحة. ومنها: إذا غطّى المحرم رأسه كلّه أو جزءاً منه كالنّصف واستمرّ زمناً وهو عالم به ذاكر لإحرامه - وجب عليه الجزاء. لكن إذا غطّاه جاهلاً أو ساهياً ثم انتبه أو نبِّه فكشفه حالاً فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) مغني ذوي الأفهام ص 521.

القاعدة السابعة والستون [تعديل العلانية وتعديل السر]

القاعدة السّابعة والسّتّون [تعديل العلانية وتعديل السّر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يشترط في تعديل العلانية ما يشترط في الشّهادة، ولا يشترط ذلك في تعديل السّرّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّعديل: هو تزكية الشّاهد ووصفه بالعدالة التي توجب قبول شهادته. وهو اشتهار الشّاهد بالتّقوى والورع والبعد عن ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصّغائر. والتّعديل نوعان: تعديل علانية وتعديل سر، وفي تعديل العلانية: يشترط في المزكّي ما يشترط في الشّاهد الّذي تُقبل شهادته، ولذلك قالوا: لا يصحّ تعديل من لا تجوز شهادته له: فلا يعدل الأب ابنه ولا الابن أباه ولا الزّوج زوجته. وكلّ موطن يعود فيه على الشّاهد مغنم أو يُدفع عنه مغرماً لا تجوز شهادته فيه وكذلك لا يجوز تعديله بهذا السّبب. وهذا كلّه في تعديل وتزكية العلانية. لكن في تعديل السّرّ - وهو النّوع الثّاني من أنواع التّعديل - لا يشترط فيه ذلك. والقاضي لا يجوز قضاؤه لمن لا تجوز شهادته له. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 449. وعنه الفرائد ص 83.

القاعدة الثامنة والستون [ضمان غير المحجور]

القاعدة الثّامنة والسّتّون [ضمان غير المحجور] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يصحّ ضمان كلّ جائز التّصرّف في ماله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الضّمان: من ضمن يضمن إذا كفل. فالضّامن هو الكفيل، والضّمان هو الكفالة (¬2). فالضّامن للمال يشترط فيه القدرة على أداء المضمون أو المكفول. ومفاد القاعدة: أنّ الضّمان يصحّ من كلّ مكلّف جائز التّصرف في ماله، سواء كان رجلاً أو امرأة (¬3). ليخرج المحجور لسفه فلا يصحّ ضمانه، لأنّه غير جائز التّصرّف في ماله، وكذلك المجنون. لكن المحجور لفلس يصحّ ضمانه ويتبع بعد يسره. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كفل وضمن زيد عن عمرو دينه - وزيد جائز التّصرّف في ماله، فضمانه صحيح، ويجب عليه الوفاء بالتزامه إذا لم يدفع المضمونُ الدّين. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 598. (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه ص 203. (¬3) وينظر القاموس الفقهي ص 244 - 225.

ومنها: إذا ضمن شخص للمشتري قيمة ما يحدث في المبيع من بناء أو غرس، إذا ظهر المبيع مستحقّاً، فالضّمان صحيح، فإذا استحقّ المبيع رجع المشتري على الضّامن بقيمة ما تلف أو نقص.

القاعدة التاسعة والستون [صحة العقد، التبع]

القاعدة التّاسعة والسّتّون [صحّة العقد، التّبع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يصحّ العقد في الشّيء تبعاً، وإن كان لا يجوز مقصوداً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة سبق لها أمثلة، فإنّ العقد أو التّصرّف في شيء لا يصحّ إذا فقد هذا العقد أو التّصرّف بعض شرائط الصّحّة، وذلك بشرط أن يكون هذا الشّيء مقصوداً بالعقد أو التّصرّف. لكن إذا كان فقد بعض الشّرائط في تابع للمقصود فإنّ العقد يصحّ؛ لأنّ ما لا يصحّ مقصوداً قد يصحّ تبعاً, لأنّ التّابع لا يشترط فيه ما يشترط في أصله ومتبوعه. وينظر من قواعد حرف القاف القاعدة رقم 24. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوقف لا يجوز في منقول غير متعارف، لكن إذا كان ضمن ما يصحّ وقفه جاز، - كوقف مزرعة بأبقارها وآلتها - فيصحّ وقف البقرة والآلات ضمن وقف المزرعة. ومنها: يجوز بيع البقرة أو الشّاة أو النّاقة الحامل فيدخل جنينها ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 17.

في البيع تبعاً وإن كان لا يجوز مقصوداً. ومنها: جواز أكل الجنين تامّ الخلق إذا مات في بطن المذكاة - شاة أو بقرة أو ناقة - ولا يحتاج إلى تزكية. ومنها: جواز المزارعة ضمن عقد المعاملة - عند من لا يجيز المزارعة مقصودة. المعاملة: هي عقد على العناية بالنّخيل بنصيب محدّد للعامل. المزارعة: هي أن تكون الأرض من شخص والعمل من شخص آخر. والبذور والآلات من أحدهما على أن يكون النّاتج شركة بينهما بحسب ما يتّفقان عليه.

القاعدة السبعون [الحكم - الشرط - العلة]

القاعدة السّبعون [الحكم - الشّرط - العلّة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: يضاف الحاكم إلى الشّرط عند تعذّر الإضافة إلى العلّة - أي السّبب (¬1). وفي لفظ: يضاف الحكم إلى الشّرط عند عدم صلاحيّة العلّة لذلك (¬2). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ الحكم يضاف وينسب إلى علّته وسببه، لكن في بعض الأحيان لا تصلح العلّة لبناء الحكم عليها، فعند ذلك يجب إضافة الحكم إلى شرطه دون علّته وسببه، وذلك عن طريق المجاز. ينظر من قواعد حرف الحاء القاعدة 106. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حفر في الطّريق العام حفرة بإذن ووضع عليها حواجز وعلامات، فجاء شخص ورفع الحواجز أو العلامات، فسقط في الحفرة إنسان أو دابّة. فالضّمان على الرّافع لا على الحافر. فالحافر علّة والرّافع شرط. فوجب الضّمان على الرّافع. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 95. (¬2) نفس المصدر جـ 27 ص 51.

ومنها: غصب حنطة فزرعها، فيضاف الإنبات إلى فعل الزّارع لأنّه شرط للإنبات، وإلا فإنّ سبب الإنبات هو التّربة وما فيها من رطوبة وغذاء للبذرة، وهذا لا يصلح لإضافة الحكم إليه؛ لأنّه مسخّر بتقدير الله سبحانه وتعالى، لا اختيار فيه للرّطوبة وغيرها من عوامل الإنبات.

القاعدة الحادية والسبعون [الفاعل - الآمر]

القاعدة الحادية والسّبعون [الفاعل - الآمر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يضاف الفعل إلى الفاعل لا الآمر ما لم يكن مجبراً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالفعل هنا: الفعل الضّارّ الذي صدر على وجه التّعدّي. والمراد بالآمر: هو كلّ مَن يصدر منه أمر لغيره ليفعل شيئاً بدون إلزام أو إكراه، أي أنّ الأمر هنا مجرّد طلب غير ملزم، لكن إن كان بإلزام أو إكراه فإنّ الضّمان على المكرِه المجبِر. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا طلب شخص من آخر أن يحرق هذه السّيّارة الواقفة. فأحرقها المأمور، فهو ضامن لها: والآمر لا يضمن لأنّه لم يجبره على ذلك. لكن إذا قال: أحرق سيّارتي هذه. فأحرقها فهو غير ضامن. ومنها: إذا قال شخص لآخر: اركب هذه السّيّارة وسُقها، أو ادخل هذا البيت واهدم هذا الحائط. ففعل المأمور ما طلب منه، كان ضامناً. لكن إذا قال الآمر: اركب سيّارتي هذه وأشغلها أو حرّكها من ¬

_ (¬1) المجلة المادة 89، المدخل الفقهي الفقرة 656. وينظر الوجيز ص 378.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

مكانها فتلفت، فإذا هي لغير الآمر. ففي هذه الحال الآمر هو الضّامن؛ لأنّه غرَّ المأمور بقوله سيّارتي أو داري. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا كان الآمر سلطاناً فإنّ أمره إكراه. ومنها: إذا كان الآمر أباً فأمر ابنه الصّغير أو حتى الكبير بإتلاف مال للغير، فالأب الآمر ضامن. وكذلك لو كان الآمر سيّداً والمأمور عبداً فالضّمان على السّيّد لا العبد.

القاعدة الثانية والسبعون [المقصود - الظاهر]

القاعدة الثّانية والسّبعون [المقصود - الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يعتبر في الدّعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 50. ومفادها: أنّ المعتبر والمعتدّ به في الدّعاوى وما يبنى عليه حكم القاضي هو ما يقصده الخصمان، وما ينويانه، ولا يبنى الحكم على ظاهر الدّعوى. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى مدَّعٍ أمام القاضي أنّ هذا الشّخص أتلف عليه مالاً له، وأنكر المدّعَى عليه. فالمدّعِي مقصوده من الدّعوى إثبات الضّمان على المدّعَى عليه لا مجرّد الإخبار بتلف ماله. والمدّعَى عليه مقصوده من إنكاره دفع الضّمان عن نفسه، لا مجرّد نفيه للإتلاف. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي الأصل الرابع.

القاعدة الثالثة والسبعون [القصاص - التساوي]

القاعدة الثّالثة والسّبعون [القصاص - التّساوي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يعتبر في القصاص التّساوي بين الجاني والمجني عليه في الطّرفين والواسطة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القصاص: معناه المماثلة، أي أن يوقع بالجاني متل ما جنى، النّفس بالنّفس، والجرح بالجرح. فالقصاص إنّما يجوز إذا كان التّساوي بين الجاني والمجني عليه في الدّين والحرّيّة والولادة لأنّ المراد بالمماثلة: التّساوي في حياة الأنفس وصفاتها المعتبرة شرعاً. فيقتل المفضول بالفاضل. ولا يقتل مسلم بكافر - حربيّاً كان أو ذمّيّاً - خلافا للحنفيّة في الذّمّيّ - ويقتل الذّمّيّ والمعاهد بالمسلم، ويقتل الذّمّيّ بالذّمّيّ وإن اختلفت ملّتهما، وشروط استيفاء القصاص: 1 - أن يكون القتل عمداً محضاً. 2 - أن يكون القاتل مكلّفاً - فلا يقتصّ من صغير ولا مجنون - وأن يكون ملتزماً بأحكام الإسلام. 3 - أن يكون المقتول أو القتيل معصوم الدّم بالإسلام أو الجزية أو ¬

_ (¬1) قواعد الحصني جـ 4 ص 225. فما بعدها، عن المجموع المذهب لوحة 361 ب، أشباه السيوطي ص 484، المختصر ص 560.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

الأمان. وهذا شرط وجوب القصاص له (¬1). ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: قَتَل شخصاً ظنّه حربيّاً، فإذا هو مسلم، فعليه القصاص. ومنها: ضرب مريضاً ضرباً يقتل المريض دون الصّحيح، فمات منه، فإن علم مرضه فعليه القصاص قطعاً، وكذا إن جهلهُ على الصّحيح. ومنها: عالم ديِّن - أي ذو دِين - قتل جاهلاً أو فاسقاً عمداً، فإنّه يقتل به قصاصاً. ومنها: قتل عظيم من العظماء رجلاً فقيراً حقيراً عمداً، فإنّه يقتل به قصاصاً. ومنها: قتل امرأة مسلمة عمداً عدواناً فيقتل بها قصاصاً. ¬

_ (¬1) وينظر روضة الطالبين جـ 7 ص 4 فما بعدها.

القاعدة الرابعة والسبعون [الوصف]

القاعدة الرّابعة والسّبعون [الوصف] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يعتبر الوصف في غير المعيَّن، ولا يعتبر في المعيَّن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوصف والنّسبة والتّسمية كلّها ألفاظ تدلّ على بيان الشّيء المراد بيعه أو تأجيره بذكر ما يميّزه عن غيره. فذكر ما يميّز الشّيء عن غيره إنّما يعتبر ويُبنى عليه الحكم في الشّيء غير الحاضر المعيَّن بالإشارة إليه، أي إنّما يعتبر في الشّيء الغائب غير الموجود تحت النّظر، أو في مجلس العقد. لكنّ الشّيء الحاضر المرئي المشار إليه فإنّ الإشارة هي المعتمدة في الحكم، والقدرة على النّظر ومشاهدة الحاضر، وقد سبق مثل هذه القاعدة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استأمن مشرك على أن يدلّ على رئيس الحصن وقائده - الذي هرب من الحصين - فلمّا نزل المستأمن وجد أن المسلمين قد أسروا كذلك البطريق أو الرّئيس أو القائد. فإنّ المستأمن يكون آمناً لا سبيل عليه، لأنّه التزم الدّلالة على شخص معلوم بعينه أو بنسبه وقد دلّ عليه. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 544 وعنه قواعد الفقه ص 142.

ومنها: إذا حلف لا أكلّم هذا الشّابّ فكلّمه بعد ما شاخ حنث في يمينه، أمّا لو قال: لا أكلّم شاباً، فكلّم شيخاً وقت يمينه لا يحنث. ومنها: لو حلف لايأكل خبز ذرة - مثلاً - فهو يحنث إذا أكل خبز ذرة في أي وقت كان. لكن لو قال: لا آكل هذا الخبز - لخبز ذرة حاضر - فلا يحنث لو أكل خبز ذرة غير المشار إليه.

القاعدة الخامسة والسبعون [اليسار والإعسار]

القاعدة الخامسة والسّبعون [اليسار والإعسار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يعتبر اليسار والإعسار في زمن الوجوب (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليسار: الغنى والسّهولة. والإعسار: الفقر والشّدّة. فغنى الشّخص أو فقره الذي تُبنى عليه الأحكام - وبخاصّة في باب الكفّارات والجزاءات والنّفقات - هو ما كان في زمن وجوب الحكم وتعلّقه في ذمّة المكلّف، لا في زمن أدائه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف يميناً على شيء يفعله أو لا يفعله، ثم حنث في يمينه فيجب عليه كفّارة يمين، فإن كان حين الحنث غنيّاً فيجب عليه عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. وإن كان حين الحنث فقيراً - لا يقدر على أحد الثّلاثة - فالواجب عليه صيام ثلاثة أيّام. ولكن إذا افتقر الغني أو اغتنى الفقير قبل التّكفير فيجب عليه التّكفير بما يناسب حالته الحاضرة. ومنها: إذا فرض عليه القاضي نفقة لزوجته، أو من تجب عليه ¬

_ (¬1) المغني جـ 3 ص 531.

نفقتهم - وكان حين فرض القاضي غنيّاً موسراً - فعليه نفقة الأغنياء الموسرين، حتى لو لم يدفع النّفقة حين ذلك ثم أعسر وافتقر فتبقى النّفقة الواجبة ديناً في ذمّته لحين يساره. ومنها: من كان متمتّعاً ووجب عليه هدي، فإن كان موسراً وقت الوجوب، وجب عليه الهدي، وإن كان معسراً انتقل الواجب إلى صيام عشرة أيّام، ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع. ومنها: من فاته الحجّ وهو محرم، فإنّ الهدي يلزمه - في أصحّ الرّوايتين عن أحمد - رحمه الله - وهو هدي كهدي التّمتّع، فإن كان معسراً فعليه صيام عشرة أيّام.

القاعدة السادسة والسبعون [الاستصحاب والظاهر]

القاعدة السّادسة والسّبعون [الاستصحاب والظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يعمل في الأشياء باستصحاب الأصل. وفي أشياء بالظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل والظّاهر: اصطلاحان أصوليّان فقهيّان، وقد سبق بيان معناهما أكثر من مرّة، ففي أكثر الأشياء يعتبر العمل بالأصل هو الواجب؛ لأنّ الأصل هو المتيقّن، وما عداه مشكوك فيه. وفي أشياء أخرى يعمل بالظّاهر. وهو ما يحتمل أمرين أحدهما أرجح من الآخر لقرائن احتفت به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى شخص على آخر ديناً، أو أنّه اغتصب منه شيئاً، أو أتلفه، ولم يأت ببيّنة على دعواه, وأنكر الآخر الدّعوى، فهنا المدّعي يريد بدعواه تضمين خصمه ما ادّعاه، والمدّعى عليه ينكر دعواه؛ لأنّه يدفع الضّمان عن نفسه. ولمّا كان الأصل هو براءة الذّمّة وخلوّها من وجوب شيء أو استحقاقه فإنّ المنكر توجَّه عليه اليمين، وأنّه لا حقَّ لخصمه عليه أو أنّه ¬

_ (¬1) مغني ذوي الأفهام ص 519.

لم يستدن منه شيئاً أو لم يغصب منه شيئاً أو لم يتلف له شيئاً، فإن حلف فقد برئ. ومنها: إذا اختصم اثنان في دابّة وأحدهما راكبها، والآخر متمسّك بذنبها - مثلاً - وجاء كلّ منهما ببيّنة على مدّعاه، فإنّ الظّاهر أنّ الدّابة ملك لراكبها لوجود يده عليها بخلاف خصمه. ومنها: إذا اختصم اثنان في ملكيّة دار، وأحدهما ساكن فيها، فإنّ بيّنة السّاكن تقدّم على بيّنة غيره لأنّ الظّاهر معه. ومنها: رجل ادّعى دابّة في يد آخر وأنّها دابّته اشتراها من فلان ونتجت عنده، وادّعى ذو اليد أنّها دابّته اشتراها من شخص آخر سمّاه وأنّها نتجت عنده وأقام كلّ منهما بيّنة على مدَّعاه، فإنّه يقضي بالدّابة لصاحب اليد.

القاعدة السابعة والسبعون [الانفراد والاجتماع]

القاعدة السّابعة والسّبعون [الانفراد والاجتماع] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يغتفر عند الانفراد ما لا يغتفر عند الاجتماع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالانفراد هنا: انفراد الفعل أو انفراد النّيّة - أي أن يكون كلّ منهما واحداً لا تعدّد فيه، - أي أن يفعل شيئاً أو ينوي شيئاً واحداً -. والمراد بالاجتماع: تعدّد الفعل أو تعدّد النّيّة. فإذا كان الفعل أو المنوي واحداً لا يؤثّر ذلك في إبقاء ما كان على ما كان. لكن إذا تعدّد الفعل أو النّيَّة فإنّ ذلك يؤثّر في تغيير الحكم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: غسل نجاسة في ثوبه أو بدنه، فإذا بقي اللون والرّائحة، فإنّه يضرّ - بمعنى أنّ النّجاسة باقية فلا يجوز له الصّلاة معها. لكن إذا بقي اللون وحده أو الرّائحة وحدها لا يضرّ ذلك. كما في قوله صلّى الله عليه وسلم: "ولا يضرك أثره" (¬2). أي دم الحيض. ومنها: إذا نوى القارئ في صلاته قطع الفاتحة - أي عدم إتمامها - ولم يسكت، لم تبطل صلاته وكذلك لو سكت أثنائها ولم ينو ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 379. (¬2) الحديث عن خولة بنت يسار رضي الله عنها، أخرجه أحمد وأبو داود.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

قطعها. وأمّا إن سكت أثنائها ونوى القطع بطلت. عند من يرون ركنيّة قراءة الفاتحة في الصّلاة. ومنها: إذا أخرج الوديعة ونوى التّصرّف فيها ضمن. لو انفرد أحدهما - الإخراج وحده، أو النّيّة وحدها - لم يضر. ومنها: إذا اجتمع الدّفّ والشبّابة حَرُم اتّفاقاً، ولكن إذا انفرد أحدهما فهو موضع خلاف. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا أبدل في الظّهار لفظ الأم، أو لفظ الظّهر. فقال: أنت كيد أمي. هذا من صريح الظّهار - كما قال السّيوطي في الأشباه ص 304، وروضة الطّالبين جـ 6 ص 238. والاعتناء ص 905. وكذا لو قال: أنت كظهر أختي. قال في المنثور: هذا لم يضر. لكن قال في الاعتناء ص 905 - 906، وروضة الطّالبين جـ 6 ص 273 - 240، هذا ظهار في جديد الشّافعي، وقال ص 240: محرّمات النّسب كالبنات والأخوات والعمّات والخالات، وبنات الأخت، فإذا شبّه زوجته بظهر واحد منهنّ فقولان: الجديد وأحد قولي القديم: إنّه ظهار والثّاني: لا؛ للعدول عن المعهود. وقال في المنثور - وهو محلّ الاستثناء - إذا قال أنت كيد أختي حيث أبدلهما معاً فليس ظهاراً قطعاً. ففى هذا المثال اغتفر في الاجتماع ما لم يغتفر في الانفراد.

القاعدتان الثامنة والسبعون والتاسعة والسبعون [الاغتفار - الافتقار]

القاعدتان الثّامنة والسّبعون والتّاسعة والسّبعون [الاغتفار - الافتقار] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: يغتفر في الانتهاء - أو الدّوام - ما لا يغتفر في الابتداء (¬1). وفي لفظ مقابل: يفتقر في الابتداء ما لا يفتقر في الانتهاء (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: وردت أمثال هاتين القاعدتين بألفاظ مختلفة تارة بلفظ (يغتفر في الابتداء) وتارة بلفظ (يفتقر). والافتقار معناه: الاحتياج: بحيث لا يتمّ الفعل إلا بوجود ما يفتقر إليه ويحتاجه. والاغتفار معناه: التّسامح، بحيث يتمّ الفعل بدون بعض شروطه. فإذا قلنا: يفتقر في الابتداء ما لا يفتقر في الانتهاء أو البقاء أو الدّوام، فهي بمعنى قولنا: يغتفر في الانتهاء ما لا يغتفر في الابتداء. وقد سبق لهاتين القاعدتين مثيلات. فمفاد القاعدة الأولى: أنّه يغتفر ويتسامح في الانتهاء ما لا ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 114 أ، المنثور جـ 3 ص 374، والجمع والفرق ص 825، مجلة الأحكام المادة 55، وشرح القواعد للزرقا ص 231. (¬2) أشباه السيوطي ص 186، أشباه ابن نجيم ص 122، شرح الخاتمة ص 92.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

يغتفر ولا يسامح في الابتداء. ومفاد القاعدة الثانية: أنّه لا يغتفر ولا يتسامح في الابتداء ما قد يغتفر ويتسامح في الانتهاء والدّوام والاستمرار. والاغتفار والتّسامح إنّما يكون لأسباب توجب ذلك. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: الشّيوع في الهبة يمنع من صحّة الهبة ابتداءً؛ لأنّه يشترط في تمام الهبة القبض، والقبض في المشاع غير صحيح. لكن لو طرأ الشّيوع في القبض صحّت الهبة، وذلك كأن يهبه أرضاً أو داراً ثم يظهر مستحقّ لجزء منها. ومنها: إذا جامع الصّائم فسد صومه. ولكن إذا كان مجامعاً وطلع عليه الفجر فنزع في الحال لم يفسد صومه. ومنها: إذا أحرم وهو مجامع - في وجه ينعقد الإحرام صحيحاً، لكن لو استمرّ فسد نسكه وعليه البدنة، والقضاء، والمضي في فاسدة (¬1). وهذا المثال مفروض يتعذّر وجوده في الواقع. وفي هذا المثال اغتفر في الابتداء. لكن لو جامع وهو محرم فسد نسكه. ومنها: نكاح الأمَةِ جائز عند الحاجة، لكن لو ملكها حَرُم عليه دوام النّكاح، ولهذا ينفسخ نكاحه؛ لأنّ ملك اليمين لا يجامع عقد النّكاح. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 186.

ومنها: إذا حضر القتال زَمِن - أي مريض مرضاً مزمناً - أو أعمى لم يسهم لهم، لكن لو حضر صحيحاً ثمّ عَرَض له ذلك في الحرب لم يبطل حقّه من السّهم في الأصحّ (¬1). لكن أقول وبالله التّوفيق: إن كان هذا الزّمِن أو الأعمى له رأي ومكيدة في الحرب فيجب أن يسهم له؛ لأنّ الرّأي والمكيدة الصّائبة في الحرب تعمل ما لا يعمل المقاتل. وقديماً قيل: الرّأي قبل شجاعة الشّجعان ... هو أوّل وهي المحل الثاني. ومنها: إذا اعترفت المرأة بأنّها معتدّة. فتمنع من الزّواج حتى تنتهي عدّتها - إذا كان العقد على غير الزّوج المطلق - وهذا في البينونة الصّغرى -. أمّا لو تزوجت ثم ادّعت أنّ عدّتها لم تنته فإنّه لا يلتفت إلى قولها، ويكون القول قول الزّوج. ومنها: المعتدّة إذا عقد عليها بطل نكاحها, لكن لو طرأت عليها عدّهَ بعد النّكاح - كما لو وُطِئت بشبهة - أو اغتصبت - لا يبطل نكاحها. ومنها: أنّ الزّوجة لا تملك حطّ المهر عن الزّوج في ابتداء العقد، فلو عقدت مع الزّوج النّكاح على أن لا مهر لها لم يصحّ الحطّ - وصحّ العقد - ووجب لها مهر المثل. لكن لو حطّت المهر عن الزّوج بعد العقد صحّ حطّها وبرئ الزّوج من المهر. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 374.

رابعا: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين

ومنها: لو عقد المتبايعان البيع ابتداء بلا ثمن فسد البيع - لأنّ الثّمن من أركان العقد - أمّا لو تعاقدا بثمن ثمّ حطّ البائع عن المشتري الثّمن صحّ حطّه ولا يفسد البيع, لأنّه يكون ابتداء تبرّع من البائع. رابعاً: مما استثني من مسائل هاتين القاعدتين: لو فوّض طلاق امرأته لعاقل فجنّ فطلّق لم يقع الطّلاق، لكن لو فوّض إليه وهو مجنون فطلّق وقع. ومنها: الفاسق يجوز توليته القضاء ابتداءً - عند عدم وجود العدل - لكن لو ولّي عدلاً ففسق يستحقّ العزل - على قول. ففي هذين المثاليين اغتفر في الابتداء ما لم يغتفر في البقاء.

القواعد الثمانون والحادية والثانية والثمانون [الاغتفار في التوابع]

القواعد الثّمانون والحادية والثّانية والثّمانون [الاغتفار في التّوابع] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: يغتفر ما في التّوابع ما لم يغتفر في غيرها (¬1). وفي لفظ: يغتفر في الثّواني ما لا يغتفر في الأوائل (¬2). وفي لفظ: يغتفر في الشّيء إذا كان تابعاً ما لا يغتفر إذا كان مقصوداً (¬3). وفي لفظ: يغتفر في الشّيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً - أو مقصوداً (¬4). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: هذه القواعد باختلاف ألفاظها تدلّ على معنى متقارب، فالتّوابع أو الثّواني هي الأشياء التي تدخل ضمن غيرها فتكون متابعة لما تضمنها في أحكامه، لكن لا تفرد هي بحكم، وإنّما يحكم عليها بحكم متبوعها ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 120، أشباه ابن نجيم ص 121، المجلة المادة 54، المدخل الفقهي 637. (¬2) أشباه السيوطي ص 120، أشباه ابن نجيم ص 121. (¬3) المنثور جـ 3 ص 376. (¬4) قواعد الحصني ق 2 ص 270.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

المقصود بالعقد. لكن قد يستثنى من وجوب اتّباعها لمتبوعها في الأحكام أنّه قد يتسامح في بعض الشّروط ما لا يمكن أن يتسامح فيه مع الأصل المتبوع؛ لأنّ التّوابع تأتي ضمناً غير مقصودة بالعقد نصّاً. وهذه القواعد تدخل تحت قاعدة (التّابع تابع) وقد سبق لها أمثال. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا أعتق أحد الشّريكين حصّته من العبد المشترك، ثم اشترى حصّة شريكه السّاكت، فإنّه لا يصحّ. ولا يملك السّاكت نقل ملكه إلى أحد، لكن إذا أدَّى المعتق الضّمان لشريكه السّاكت ملك العبد، واغتفر التّمليك والتّملك؛ لأنّه وُجد ضمناً وتبعاً. ومنها: القاضي إذا استخلَفَ - مع أنّ الإمام لم يفوض له الاستخلاف - لم يَجُز، ومع هذا لو حكم خليفته - وهو يصلح أن يكون قاضياً وأجاز القاضي أحكامه تجوز. ومنها: الوكيل بالبيع لا يملك التّوكيل به، ولكنّه يملك إجازة بيع الفضولي. ومنها: سجود التّلاوة في الصّلاة يجوز على الرّاحلة قطعاً، تبعاً للصّلاة، لكن خارج الصّلاة فيه خلاف. ومنها: لا يثبت النّسب بشهادة النّساء، لكن لو شهدن بالولادة على الفراش ثبت النّسب تبعاً.

القاعدة الثالثة والثمانون [العقود الضمنية]

القاعدة الثّالثة والثّمانون [العقود الضّمنيّة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يغتفر في العقود الضّمنيّة ما لا يغتفر في الاستقلال (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة قريبة المعنى من سابقتها. ولكنّها تختصّ بالعقود دون غيرها، فالعقود منها عقود مستقلّة لا تصحّ إلا باستيفاء أركانها وشروطها، ومنها عقود تقع ضمناً لعقود أخرى مستوفاة، فهذه العقود الضّمنيّة تصحّ ولو لم تستوف شروطها؛ لأنّها وقعت ضمناً وتبعاً، فتسوهل فيها. وهذه القاعدة أيضاً تندرج تحت قاعدة (التّابع تابع) ولكنّها تمثّل جانباً ممّا استثني منها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: اعتق عبدك عني بألف. فيقدّر دخوله في ملكه بالشّراء قبل العتق عليه، ويغتفر الإيجاب والقبول. وإذا قال: أعتق عبدك إذا جاء الغد على كذا. ففعل. صحّ وإن كان ذلك متضمّناً للتّمليك. ومع أنّ تعليق التّمليك لا يجوز لكن اغتفر ذلك لأنّه جاء ضمناً. ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 378، وينظر قواعد الحصني جـ 4 ص 140.

القاعدة الرابعة والثمانون [الفسوخ - العقود]

القاعدة الرّابعة والثّمانون [الفسوخ - العقود] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يغتفر في الفسوخ ما لا يغتفر في ابتداء العقود (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الفسوخ: جمع فسخ، وهو مصدر، معناه: رفع حكم العقد. أو هو رفع العقد من حينه أو من أصله، وقلب كلّ من العوضين إلى دافعه (¬2). الانفساخ: انقلاب كلّ من العوضين إلى دافعه. فالفسوخ ورفع العقود يتسامح فيها ما لا يتسامح في ابتداء العقود نفسها، فما يغتفر في الفسوخ ولا يغتفر في العقود: 1 - الفسخ لا يحتاج إلى قبول، بخلاف العقود فلا بدّ فيها من القبول. 2 - الفسوخ تقبل التّعليقات دون العقود. 3 - الفسوخ لا يدخل فيها خيار، بخلاف العقود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز توكيل الكافر في طلاق المسلمة، ولا يجوز توكيله في ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 379، أشباه السيوطي 293. (¬2) القاموس الفقهي ص 285.

العقد عليها. ومنها: إذا باع الكافر عبداً مسلماً بثوب أو دابّة، ثم وجد المشتري به عيباً يوجب الرّدّ، فله - أي للكافر - استرداد العبد في الأصحّ - ولكن لا يجوز شراء الكافر للعبد المسلم ابتداءً.

القاعدة الخامسة والثمانون [معاملة الكفار]

القاعدة الخامسة والثّمانون [معاملة الكفار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يغتفر في معاملة الكفّار ما لا يغتفر في غيرها تأليفاً لهم على الإسلام (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: لم يذكر صاحب المنثور سوى عنوان هذه القاعدة. ولكن مفادها: أنّ الإسلام تساهل في معاملة الكفّار - في حال السّلم أو كانوا ذمّة أو مستأمنين - ما لم يتساهل في معاملة المسلمين تأليفاً لهم على الإسلام وترغيباً لهم فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا تناكح الكفّار نكاحاً فاسداً - كنكاح بغير ولي، أو بغير شهود، أو بغير مهر، أو مهرها خمراً أو خنزيراً، فإذا أسلموا بقوا على حكم نكاحهم. هذا بالنّسبة لليهود والنّصارى. لكن إذا كان مجوسي أسلم - وهو متزوّج أمّه أو أخته - يفرق بينهما. ومنها: إذا تبايعوا وتقابضوا فاسداً، ثم أسلموا، سلم لهم بيعهم وشراؤهم. ومنها: لا يمنع الكافر الجنب من المكث في المسجد، ولا من ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 378، أشباه السيوطي ص 254.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة.

قراءة القرآن، لكن لا يمسّ المصحف. بخلاف المسلم لا يجوز له المكث في المسجد جنباً ولا يجوز له قراءة القرآن. ومنها: نكاح الكافر الأمَةَ لا يشترط فيه الشّروط التي تشترط في المسلم. ومنها: ردّ الخمر المغصوبة منه عليه، إذا غصبها مسلم، فإذا أتلفها المسلم عليه ضمانها, لأنّها مال في حقّ الكافر. ومنها: إذا زنى الكافر ثم أسلم لا يقام عليه حدّ الزّنا؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله من حقوق الله تعالى، لكن حقوق العباد تستوفى منه ولا تسقط ولو أسلم. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة. إذا قتل الذّمّيّ ذمّيّاً عمداً ثم أسلم، لم يسقط القصاص، ولو قتل خطأ أو حلف وحنث، أو ظاهر، ثم أسلم لم تسقط الكفّارة عنه على الصّحيح، بخلاف الزّكاة فإنّها تسقط.

القاعدة السادسة والثمانون [معاملة العاقد]

القاعدة السّادسة والثّمانون [معاملة العاقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يغتفر في المعاملة مع العاقد ما لا يغتفر مع غيره (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بالعاقد: المشتري أو المستأجر، أو المالك أو البائع أو المؤجر. ففي المعاملات قد يتساهل مع العاقد لنفسه ما لا يتساهل مع غيره ممّن يكون له نوع علاقة بالمعاملة، ولكنّه ليس عاقداً لنفسه، أو غير مالك لما يتصرّف فيه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أجَّر المالك داراً أو دكّاناً أو أرضاً، لا يجوز له بعد تمام العقد أن يؤجّرها لآخر طيلة مدّة العقد أو لمدّة مستقبلة. لكن يجوز للمستأجر ذلك؛ لأنّ التّسليم ممكن، والاستيفاء متّصل. لكن بشرط أن تكون الإجارة الجديدة ضمن مدّة الإجارة الأولى، وأيضاً أن لا يكون قد اشترط عليه المالك المؤجّر عدم تأجيرها لغيره. ومنها: إذا كان لرجل نخيل فاتّفق مع عامل على سقيه - وهي ما يسمّى بعقد المساقاة - فإذا كان بين النّخيل بياض يسقى بسقي ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 377.

النّخيل، فأراد المالك أن يعقد عقد مخابرة في ذلك البياض، فلا يجوز إلا للعامل في المساقاة؛ لأنّ الجميع يحصل لواحد، كما لو جمع بينهما في صفقة واحدة. ومنها: يجوز بيع الدّار المستأجرة للمستأجر قطعاً، وفي بيعها لغيره خلاف.

القاعدة السابعة والثمانون [الوسائل والمقاصد]

القاعدة السّابعة والثّمانون [الوسائل والمقاصد] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الوسائل: كما سبق بيانه جمع وسيلة، ومعناها: الطّرق التي تؤدّي إلى المقصود، كالسّعي إلى الجمعة فهو وسيلة تؤدي إلى الصّلاة. ولمّا كانت الوسائل أخفض رتبة من المقاصد فيتسامح ويتساهل في إيجادها ما لا يتسامح أو يتساهل في المقاصد. المقاصد: جمع مقصد، وهو الهدف والغاية المطلوب أداؤها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجوز توقيت الكفالة بالنّفس؛ لأنّ الكفالة بالنّفس التزام بالوسيلة، بخلاف ضمان المال فلا يجوز توقيته. ومنها: الطّهارة وسيلة للصّلاة، فمن لم يجد ما يتطهّر به من ماء أو تراب، صلّى على حاله، ولا إعادة عليه في الرّاجح. ومنها: الإحرام وسيلة لأداء النّسك، فمن لم يجد الإزار يلبس السّراويل. ومن لم يجد إلا الخفّين يلبسهما. ومنها: قبول شهادة المرأة في الولادة على فراش الزّوج، وهي وسيلة لإثبات نسب المولود من أبيه، مع أنّ شهادة المرأة في النّسب غير مقبولة. ¬

_ (¬1) أشباه السيوطي ص 158.

القاعدة الثامنة والثمانون [علة الحكم وحكمته]

القاعدة الثّامنة والثّمانون [علّة الحكم وحكمته] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يفرق بين علّة الحكم وحكمته، فإنّ علّته موجبة وحكمته غير موجبة (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه قاعدة فقهيّة أصوليّة من أصول الإمام أبي الحسن الكرخي. فعلّة الحكم: هي سببه التي نشأ عنها الحكم. وترتّب على وجودها. والعلّة عند الأصوليّين: هي الجامع الذي يجمع بين الأصل والفرع. وهي الوصف الظّاهر المنضبط الذي يكون مظنة وجود الحكم. وأمّا حكمة الحكم: فهي علّة العلّة، وهي الوصف الذي شرع الحكم لأجله، وهي غالباً ما تكون غير منضبطة، فلذلك فهي غير موجبة للحكم بخلاف العلّة. فالمشقّة مع السّفر أو المرض هي علّة العلّة، وهي حكمة الحكم الذي شرع الحكم لأجلها، وهي غير منضبطة إذ تختلف بين إنسان وآخر وظرف آخر وحال وأخرى. ولكن العلّة الظّاهرة التي بني عليها الحكم هي السّفر أو المرض لانضباطهما. وقد سبقت هذه القاعدة ضمن ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 172، الأصل 33.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 496. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ملك إنسان جارية وجب عليه استبراؤها - أي لا يجوز له وطؤها حتى تحيض حيضة - والعلّة هي استحداث ملك الواطئ بملك اليمين. وحكمته صيانة النّسب والتّحرّز عن اختلاط المياه. ولكن لمّا كانت الحكمة غير موجبة، ومع ذلك لا يجب الاستبراء إذا اشترى جارية بكراً أو جارية كان يملكها امرأة أو صبي مع التّيقّن بفراغ الرّحم. فعدم الحكمة لم يوجب عدم الوجوب لما وجد الملك الحادث.

القاعدة التاسعة والثمانون [العلم الظاهر واليقيني]

القاعدة التّاسعة والثّمانون [العلم الظّاهر واليقيني] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يفرق بين العلم إذا ثبت ظاهراً وبينه إذا ثبت يقيناً (¬1). أصوليّة فقهيّة ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة كسابقها من أصول الإمام أبي الحسن الكرخي، وينظر من قواعد حرف الهمزة القاعدة 497. العلم إمّا ظاهر وإمّا يقيني. فالظّاهر - كما سبق أكثر من مرّة - هو ما فيه احتمال، ولكن اليقيني هو القطعي الذي لا احتمال آخر فيه. ولذلك وجب التّفريق بينهما فيما يترتّب على كلّ منهما من أحكام. ومن هنا فرَّق الحنفيّة بين الفرض والواجب. فالفرض ما ثبت بدليل قطعي يقيني لا شبهة فيه كمطلق القراءة في الصّلاة، والواجب ما ثبت بدليل ظنّي فيه شبهة كخصوص قراءة الفاتحة فيها. فما ثبت يقيناً يجب العمل به واعتقاده، وما ثبت ظاهراً يجب العمل به ولم يجب اعتقاده. وهذا هو أساس التّفريق بين الفرض والواجب عند الحنفيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الصّلوات الخمس وجبت يقيناً، فيجب العمل بها واعتقادها. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 166، الأصل 19.

ومنها: الوتر ثبت ظاهراً فيجب العمل به، وإن لم يجب اعتقاده. ومنها: مسح الرّأس وجب يقيناً، لكن كون الأذنين من الرّأس عُلِم ظاهراً فلم يجز إقامة فرض المسح بها، أي دون مسح الرّأس. ومنها: كون الحطيم - أي حجر إسماعيل عليه السّلام - من البيت - أي الكعبة علم ظاهراً فلم يجز التّوجّه إليه في الصّلاة مع استدبار البيت، وقد ثبت فرضية التّوجّه إلى البيت يقيناً. ومنها: إذا قضى القاضي بشيء، ثم علم أنّه أخطأ بدليل ظاهر ليس بمتيقّن، لم ينقض قضاؤه، لكن إذا ظهر خطأ بدليل متيقّن من نصّ أو إجماع نقض قضاؤه.

القاعدة التسعون [فساد أصل العقد]

القاعدة التّسعون [فساد أصل العقد] أولاً: لفظ ورود القاعدة يفرق بين الفساد إذا دخل في أصل العقد وبينه إذا دخل في علقة من علائقه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة كسابقتيها من أصول الإِمام أبي الحسن الكرخي رحمه الله، وتنظر ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الرّقم 498. ومفادها: أنّ الفساد إذا وجد في العقد ينظر إن كان هذا الفساد قد دخل في أصل العقد أو في شيء له تعلّق بالعقد، فإن كان الفساد قد دخل في أصل العقد، فله حكم وهو: بطلان العقد من أصله، ولا يعود العقد صحيحاً إذا أزيل سبب فساده، بل لا بدّ من استئناف العقد وتجديده. وأمّا إن دخل الفساد في عُلقة من علائقه فله حكم آخر، وهو صحّة العقد إذا رفع وأزيل سبب الفساد، ولا يحتاج إلى استئناف العقد ولا تجديده. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اشترى سيّارة أو دابة أو عقاراً أو أي شيء آخر بمبلغ من المال زائداً ميتة أو خمراً، فإنّ العقد يبطل؛ لأنّ الثّمن من أصل العقد، ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 165 الأصل 15.

وقد فسد بالجمع بين ما يحلّ ويحرم، فلو أخرجا منه الميته أو الخمر لم يصحّ العقد بل يجب عليهما تجديده واستئنافه. لكن إذا اشترى شيئاً بأجل مجهول، فسد البيع لجهالة الأجل، فلو أعلما الأجل بعد ذلك صحّ العقد، ولم يحتج إلى تجديد.

القاعدة الحادية والتسعون [الإخبار]

القاعدة الحادية والتّسعون [الإخبار] أولاً: لفظ ورود القاعدة يفرق في الإخبار بين الأصل والفرع (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإخبار: هو نقل خبر من شخص لآخر. وهو مصدر أخبر يخبر. وأما الأخبار: فهو جمع خبر، وهو قول يحتمل الصّدق والكذب لذاته. فمفاد القاعدة: أنّه يجب التّفريق في الإخبار بين مَن يُخبر بأصل وبين من يخبر بفرع. فإخبار بالفرع ملزم، وأمّا الإخبار بالأصل فهو غير ملزم إلا بدليل راجح. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أخبرت امرأة بالرّضاع بين زوجين، فلا يجب التّفريق بينهما بقولها، ولكن إذا أخبرت بأنّه طلّقها أو خالعها، فيفرق بينهما بقولها: ففي هذا المثال ثبت الفرع وهو الطّلاق أو الخلع، ولم يثبت الأصل وهو الرّضاع. ¬

_ (¬1) أصول الكرخي ص 166 الأصل 18.

القاعدة الثانية والتسعون [الذمي]

القاعدة الثّانية والتّسعون [الذّمّيّ] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقام على الذّمّيّ كلّ حدّ، إلا حدّ الشّرب. عند أبي يوسف رحمه الله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الذّمّيّ: هو الكافر الذي رضي بحكم الإسلام ودفع الجزية مع بقائه على دينه يهوديّاً كان أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً. وأهل الذّمّة أمرنا بتركهم وما يدينون إذا رضوا بدفع الجزية. فما كان في دينهم مباحاً أو حلالاً فجائز لهم فعله أو تناوله، وإن كان محرّماً في الإسلام. فالخمر مباح عندهم، فإذا شرب الذّمّيّ أو سكر فلا يقام عليه حدّ الشّرب، ولا تراق عليه الخمر، خلافاً للمسلم. لكنّه ما عدا حدّ الخمر فإنّه يقام عليهم إذا ارتكبوا ما يوجبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يقام على الذّمّيّ حدّ الزنا إذا زنى بكراً كان أم محصناً، بدليل أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أقام حدّ الزّنى ورجم اليهوديّين ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 2 ص 233، وعنه الفرائد ص 109، وينظر أشباه ابن نجيم ص 325.

الزّانيين، ولأنّ الزّنى محرم في كلّ دين. ومنها: يقام على الذّمّيّ حدّ القذف إذا قذف مسلماً. ومنها: يقام على الذّمّيّ حدّ السّرقة إذا سرق وهكذا.

القاعدة الثالثة والتسعون [قول الأمناء]

القاعدة الثّالثة والتّسعون [قول الأمناء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقبل قول الأمناء في التّلف والرّدّ (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأمناء: جمع أمين، وهو كلّ من عُرِف بحفظ الأمانة وصدق المعاملة، ولم يعرف عليه خيانة، لا في قليل ولا كثير. الأمين أصلاً غير ضامن كالمضارب والمودَع وأشباههما. فإذا ادّعى الأمين تلف الأمانة أو هلاكها أو ضياعها بغير تعدّ منه أو تقصير في حفظها أو في العمل المنوط به فيها، أو إذا ادّعى ردّها إلى صاحبها، وأنكر صاحبها الرّدّ، فإنّ القول في ذلك كلّه قول الأمين مع يمينه؛ لأنّه ينكر الضّمان الذي يدّعيه صاحبها عليه، ولأنّ الأصل في ذمّة الأمين البراءة من الضّمان. ولما قد سبق أنّ الأمانات غير مضمونة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى المودَع أنّ الأمانة أو الوديعة التي عنده قد سرقت أو تلفت بعارض كالحريق أو الغرق، وادّعى المودع تعمّده إتلافها أو التّقصير في حفظها - ولا بيّنة له - فإنّ القول قول الأمين مع يمينه؛ لأنّه يدفع ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 44.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

عن نفسه ضمان الوديعة وغرمها لو ثبت عليه إتلافها أو إضاعتها. ومنها: ادّعى ربّ المال على المضارب أنّ رأس المال قد ربح، وادّعى المضارب أنّه لم يربح. فالقول قول المضارب مع يمينه؛ لأنّ الأصل عدم الرّبح، وهو أمين على رأس المال، وأمّا في ردّ رأس المال على صاحبه ففيه وجهان. ومنها: إذا طالب المودِع - أي صاحب الوديعة - وديعته من أمينه، فادّعى الأمين ردّها عليه، ولا بيَّنة لصاحب الوديعة على عدم الرّدّ، فإنّ القول قول الأمين مع يمينه في ردّها، في القول المشهور. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: وصي اليتيم لا يقبل قوله في ردّ مال اليتيم إليه إلا ببيّنة؛ لأنّ ذلك ثابت بنصّ القرآن الكريم وذلك قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} (¬1) وحمل بعضهم كلّ أمانة على ذلك. ¬

_ (¬1) الآية 6 من سورة النساء.

القاعدة الرابعة والتسعون [قول المترجم]

القاعدة الرّابعة والتّسعون [قول المترجم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقبل قول المترجم مطلقاً (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المترجم: اسم فاعل من ترجم. أي نقل معنى لغة إلى لغة أخرى. أو فسّر كلامه بلسان آخر (¬2). والنّقل من لسان إلى لسان - أي من لغة إلى لغة أخرى - أمر معروف وتبنى عليه الأحكام لمن لا يعرفون اللسان المنقول منه إلى المنقول إليه. ولذلك كان قول المترجم مقبولاً بدون قيد - أي في كلّ شيء الحدود وغيرها - لكن بشرط أن يكون المترجم عدلاً؛ لأنّ الفاسق غير مأمون. ودليل هذه القاعدة: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلّم كتاب يهود حتى يقرأ له كتبهم، وما يتكلّمون به بلسانهم، وحتى لا يتكلّموا بينهم بما فيه ضرر على الإسلام والمسلمين، على اعتبار أنّ المسلمين لا يعرفون لسانهم (¬3). ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 128، المجلة المادة 71. (¬2) مختار الصّحاح مادة (رجم). (¬3) ينظر صحيح البخاري كتاب الأحكام باب 40.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان المتّهم أو المدّعي لا يعرف اللسان العربي فإنّ القاضي يأتي له بمترجم ينقل عنه دفاعه أو دعواه. ومنها: ترجمة الكتب النّافعة المؤلّفة بلغة غير الّلغة العربيّة - وبخاصّة فيما يتعلّق بالأمور الدّنيويّة والمكتشفات الحديثة والتّقدّم العلمي فيجب على المسلمين الذين يعرفون تلك اللغات التي ألِّفت الكتب فيها بلغة غير العربيّة أن يترجموها إلى اللغة العربية ليستفاد منها.

القاعدة الخامسة والتسعون [الولاية]

القاعدة الخامسة والتّسعون [الولاية] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقدم في كلّ ولاية - كلّ موطن - من هو أقوم بمصالحها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة أصل عظيم يجب أن يبني عليه كلّ مسؤول الشّروط التي يجب أن تتوافر في كلّ من يريد توليته ولاية، أو يسند إليه عملاً صغر أو كبر ممّا يتعلّق بمصالح الناس، وإلا كان غاشّاً لهم. ودليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "ما من عبد يسترعيه الله عَزَّ وَجَلَّ رعيّة يموت وهو غاشّ رعيّته إلا حرّم الله عليه الجنّة" (¬2). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم - كنصحه وجهده لنفسه - إلا لم يدخل معهم الجنّة" (¬3). وأي غشّ أكبر ممّن يولي على الناس من لا يصلح للولاية - ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 102 الفرج 141، جـ 3 ص 206 الفرق 178. (¬2) الحديث أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله. (¬3) أخرجه مسلم والطبراني.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

لصلة خاصّة بالمولَّى - فيقع في الظّلم والفساد وضرر العباد. ولذلك يجب أن يقدّم في كلّ موطن وكلّ ولاية أو وظيفة عامّة أو عمل يتّصل بالناس من هو أقوم وأقدر وأعرف بمصالح هذا العمل وهذه الولاية وهذه التبعة؛ لأنّ الموَلّى إنّما هو عامل للناس وليس سيّداً عليهم ولا هو عامل لنفسه أو لمن ولاه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: يجب أن يكون مَن يولّى على الأمّة ولاية عامّة: ملكاً أو رئيساً أو زعيماً أقدر الناس على إحقاق الحقّ وإبطال الباطل ونشر العدل والمرحمة بين الناس وأعرف الناس بمصالح الرّعيّة. ومنها: القضاء منصب عظيم الخطر، فلا يجوز أن يولاه إلا من هو قادر عليه محيط بالفقه وعادات الناس مع التّقوى والورع والخشية من الله سبحانه وتعالى والقوّة على الحقّ. ومنها: وليّ المرأة يجب أن يكون من عصبتها لا من ذوي أرحامها؛ لأنّ العصبة أقوى وأعرف بمصلحة المرأة من ذوي أرحامها. ولذلك يقدم ابن المرأة على غيره من عصبتها حتى مع وجود الأب. لكن إذا لم يوجد أحد من عصبتها فلها أن تولي أمرها أحد أرحامها الأقرب فالأقرب. ومنها: يقدّم في الحروب من هو أعرف بمكايد الحروب وسياسة الجند والجيوش.

ومنها: أن تقدّم المرأة في الحضانة على الرّجال لوفور شفقتها وصبرها. ومنها: أن يولّى على أرباب كلّ مهنة واحد منهم ممّن هو أقدر على إدارتهم وأعرف بمصالحهم.

القاعدة السادسة والتسعون [البينة - يمين المدعي]

القاعدة السّادسة والتّسعون [البيّنة - يمين المدّعي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقضى بالبيّنة من غير احتياج إلى يمين المدّعي (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البيّنة: هي الشّهود، وهي الأصل في الإثبات في جانب المدّعي, لأنّ المدّعي متمسّك بخلاف الأصل، ولذلك كان عليه البيّنة لإثبات مدَّعاه. وإذا وجدت البيّنة فلا يلزم يمين المدّعى عليه ولا المدّعي؛ لأنّ اليمين يحتاج إليها عند عدم البيِّنة مع إنكار المدّعى عليه. وقد ينكر المدّعى عليه ويأبى حلف اليمين فتردّ اليمين على المدّعي - عند الشّافعيّة وقول عند الحنابلة -. لكن من المتّفق عليه أنّ اليمين لا تجتمع مع البيّنة. إلا استثناءً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى شخص على آخر أنّه أتلف له شيئاً أو استهلكه، وطالبه بالضّمان والغرم، وأقام على ذلك شهوداً. فإنّ القاضي يحكم له بما ادّعى - إذا كان الشّهود عدولاً - ولا يقبل يمين المدّعى عليه إذا أنكر ¬

_ (¬1) المنثور جـ 3 ص 384، المجموع المذهب لوحة 376 أ، قواعد الحصني جـ 4 ص 261 فما بعدها.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة على أحد الوجهين

وطلب أن يحلف. ومنها: إذا ادّعى شخص على آخر بأنّه قتل وليَّه عمداً، ويطالب بالقصاص، وجاء بالشّهود الذين شهدوا له بصدق دعواه. فإذا عدِّلت البيّنة وثبتت عدالة الشّهود فإنّ القاضي يحكم بوجوب القصاص من القاتل المدّعَى عليه، ولا يحتّاج مع البيّنة إلى يمين. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة على أحد الوجهين: أن يقيم شخص البيّنة على شخص مفلس بدين له، وغرماء المفلس الآخرون يجحدون دين هذا الشّخص، والمفلس يصدقه. فإنّ القاضي يحلِّف هذا الشّخص أنّ له على المفلس ما شهدت به الشّهود. فهنا اجتمعت البيّنة واليمين. ومنها: أن يقيم البيّنة على السّفيه المحجور على تصرّف ما، ويصدّقه المحجور، ويكذّبه وليّه، فهنا أيضاً يحلف على مضمون شهادة الشّهود. وأربع مسائل أخرى شبيهة بهاتين المسألتين، من حيث إنّ القاضي يستحلف المدّعي من غير سؤال الخصم. وقال الزّركشي (¬1). وهذا على أحد الوجهين والمرجّح خلافه. ¬

_ (¬1) الزركشي: بدر الدين محمَّد بن بهادر الشافعي المتوفى سنة 794 هـ صاحب كتاب المنثور في القواعد سبقت له ترجمة.

القاعدة السابعة والتسعون [البدل والمبدل]

القاعدة السّابعة والتّسعون [البدل والمبدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقوم البدل مقام المبدل ويسدّ مسدّه، ويبنى حكمه على حكم مبدله (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: البدل والمُبدل منه مصطلحان ففهيّان، فالمبدل منه هو الأصل الذي بني عليه الحكم، كالماء للطّهارة. والبدل هو ما يؤتى به عند فقد الأصل أو عدم القدرة على استعماله، كالتّراب عند فقد الماء لإقامة الطّهارة وإباحة ما يباح بالماء. فالبدل في مقام المُبدل منه في أحكامه، فهو سادّ مسدّ أصله ومبدله. لكن هل للبدل كلّ أحكام المُبدل منه، أو أنّ البدل يقصر عن المُبدل منه في ذلك؟ خلاف. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: التّراب بدل عن الماء عند فقده، أو عند عدم القدرة على استعماله، فهو يسدّ مسدّ الماء في التّيمّم، ويجوز به ما يجوز بالماء من الصّلاة وقراءة القرآن ومسّ المصحف والطّواف، وكلّ ما يحتاج ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 143.

إلى الطّهارة. ولكنّه لا يأخذ كلّ أحكام الماء - عند بعضهم - حيث لا يجوز عنده التّيمّم قبل دخول وقت الصّلاة بخلاف الماء، ومن تيمّم ليصلّي نافلة لا يجوز أن يصلّي بتيمّمه هذا فريضة، وهكذا، ممَّا خالف فيه حكم التّيمّم حكم الماء. ومنها: إذا مسح على الخفّ ثم خلعه، فإنّه يجزئه غسل قدميه - على إحدى الرّوايتين؛ لأنّ المسح كمل الوضوء وأتمه، وقام مقام غسل الرّجلين إلى حين الخلع، فإذا وجد الخلع وتعقّبه غسل القدمين فالوضوء متواصل. وفي المسألة خلاف. ومنها: إذا حضر الجمعة أربعون رجلاً من أهل وجوبها ثم تبدلوا في أثناء الخطبة أو الصّلاة بمثلهم انعقدت الجمعة وتمّت بهم. ومنها: إذا بدّل جلود الأضاحي بما ينتفع به في البيت من الآنية، جاز؛ لأنّ ذلك يقوم مقام الانتفاع بالجلد نفسه في متاع البيت.

القاعدة الثامنة والتسعون [لإذن، وما يقوم مقام الإذن]

القاعدة الثّامنة والتّسعون [لإذن، وما يقوم مقام الإذن] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يقوم ما يدلّ على الإذن مقامه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق مثل هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الدّال القاعدة رقم 32. الإذن: هو السّماح لآخر بفعل شيء أو تناوله، وما يقوم مقام الإذن ممّا يدلّ عليه يكون حكمه مثله. كدلالة الحال والإشارة والسّكوت في بعض الأحيان. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: أتى بالطّعام ووضعه بين يدي الضّيف، ولم يتكلّم، فإنّه يجوز للضّيف أن يأكل؛ لأنّ وضع الطّعام بين يديه دليل على السّماح له بالأكل والإذن فيه، بدلالة الحال. ومنها: دخل دار صديقه وجلس في غرفة الجلوس، فوجد أمامه أو بجواره كتباً فتناول بعضها وقرأ فيها، جاز ذلك له؛ لأنّ دخوله في الغرفة بإذن المضيف يتضمّن إباحة القراءة في الكتب الموضوعة فيها، إلا إذا منعه من ذلك صراحة. ¬

_ (¬1) المغني جـ 4 ص 368.

القاعدة التاسعة والتسعون [اليقين - الإقرار]

القاعدة التّاسعة والتّسعون [اليقين - الإقرار] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليقين شرط في الإقرار (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليقين: أي القطع وعدم الاحتمال شرط في صحّة الإقرار ونفوذه، فما لم يبن الإقرار على اليقين لا يعتدّ به. وهذا أصل من أصول الإمام الشّافعي رحمه الله، حيث قال: (أصل ما أبني عليه الإقرار أنّي استعمل اليقين وأطرح الشّك ولا أستعمل الغلبة). وقال رحمه الله: ولا يجوز عندي أن ألزم أحداً إقراراً إلا بيِّن المعنى، فإذا احتمل ما أقرّ به معنيين ألزمته الأقلّ؛ لأنّ الأقلّ هو المتيقّن، وجعلت القول قوله، ولا ألزمه إلا ظاهر ما أقرّ به بيِّناً (¬2). وينظر من قواعد حرف الهمزة الرقمان 277 - 278. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقرّ أنّه قد وهبه شيئاً وملّكه إيّاه، لم يكن مقرّاً بالقبض؛ لأنّه ربّما اعتقد أنّ الهبة لا تتوقّف على القبض. ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 234، المجموع المذهب لوحة 34 ب، المنثور جـ 3 ص 380. (¬2) الأم جـ 3 ص 236.

ومنها: إذا أقرّ لحمل أو مسجد وأطلق، ففيه قولان: - أي الصّحّة يحمل إقراره على الجهة الممكنة في حقّه كالهبة والوقف. والقول الآخر: عدم الصّحّة لعدم أهليّة المُقرِّ له لاستحقاق الحقّ المقرَّ به.

القاعدة المتممة للمئة [اليقين - الشك]

القاعدة المتمّمة للمئة [اليقين - الشّكّ] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اليقين لا يزول إلا بيقين مثله (¬1). وفي لفظ: اليقين لايزول - لا يزال - بالشّكّ (¬2). وفي لفظ: اليقين لا يرفع - لا يترك - بالشّكّ (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة من القواعد الكلّيّة الكبرى، المتّفق على معناها ومدلولها. اليقين في اللغة: مِن يَقِين الماء في الحوض، بمعنى استقرّ فيه. واليقين: هو طمأنينة القلب على حقيقة الشّيء. ومن معانيه القطع. والشّكّ في اللغة: مطلق التّردّد، أو هو التّردّد بين النّقيضين دون ترجيح لأحدهما، وعند الفقهاء: تردّد الفعل بين الوقوع وعدمه - وهو قريب من المعنى اللغوي -. ¬

_ (¬1) شرح السير ص 1442، قواعد الحصني جـ 1 ص 268، إيضاح المسالك القاعدة 26، المختصر ص 176. (¬2) المبسوط جـ 3 ص 64، 77، جـ 10 ص 204، شرح السير ص 1551. المبسوط جـ 30 ص 296. أشباه السيوطي ص 50. (¬3) الجمع والفرق ص 176، وأشباه ابن السبكي جـ 1 ص 13 - 40، أشباه ابن نجيم ص 55، المجلة المادة 4، المدخل الفقهي الفقرة 574.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وعند الأصوليين: هو استواء طرفي الشّيء. وهو الوقوف بين شيئين حيث لا يميل القلب لأحدهما، فإن ترجّح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظنّ، فإن طرحه فهو غالب الظّنّ وهو بمنزلة اليقين، وإن لم يترجّح فهو وهم. ومعنى القاعدة الفقهي: أنّه إذا ثبت أمر من الأمور ثبوتاً يقينياً قطعيّاً - وجوداً أو عدماً - ثم وقع الشّكّ في وجود ما يزيله، يبقى المتيقّن هو المعتبر إلى أن يتحقّق السّبب المزيل (¬1). وهذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو أكثره (¬2). كما أنّه يندرج تحت هذه القاعدة عدد كبير من القواعد الكلّيّة الفرعيّة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ثبت دين على شخص وشككنا في أدائه، فهو باق؛ لأنّ اليقين هو انشغال ذمّة المدين بالدّين. ومنها: إذا ادّعى شخص على آخر ديناً، وأنكر المدّعى عليه، فإنّ القول قوله مع يمينه؛ لأنّ الأصل براءة الذّمة عن الدّين. والبراءة متيقّنة وإشغال الذّمّة مشكوك فيه فلا بدّ من إقامة البيّنة عليه، فما لم يقم المدّعي البيّنة على دعواه، فيكون القول قول المدّعى عليه مع يمينه لأنّه متمسّك بالأصل المتيقّن. ¬

_ (¬1) المدخل الفقرة 574. (¬2) أشباه السيوطي ص 51.

القاعدة الحادية بعد المئة [اليقين - الظن - الشك - المظنة - الحقيقة]

القاعدة الحادية بعد المئة [اليقين - الظّنّ - الشّكّ - المظنّة - الحقيقة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليقين مقدّم على الظّنّ، والظّنّ مقدّم على الشّكّ، والمظنّة لا يعتبر معها وجود الحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها. هذه في الواقع ثلاث قواعد، لكن القاعدتان الأوليان مترابطتان ثانيتهما تكمّل أولهما، وثالثتهما لها معنى آخر غير معنى الأوليين وتعطينا حكماً لا ارتباط له بهما. سبق بيان معنى اليقين في القاعدة السّابقة. ولمّا كان اليقين هو أقوى المدركات العقليّة كان مقدّماً عليها، فهو أقوى من الظّنّ الذي هو إدراك الجانب الرّاجح دون المرجوح. والظّنّ بهذا الاعتبار أقوى من الشّكّ الذي هو التّردّد بين شيئين مستويي الطّرفين. أمّا المظنّة فهي اسم مصدر أو مكان أو زمان للشّيء المظنون، وعند الفقهاء والأصوليّين أنّ مظنّة الشّيء تقوم مقامه عند عدم التّيقّن منه. وهذا نوع ارتباط هذه القاعدة بالقاعدتين الأوليين. فالمظنّة إذا قامت مقام حقيقة الشّيء في الاعتبار فلا يعتبر معها ¬

_ (¬1) مغني ذوي الأفهام ص 519.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

وجود الحقيقة أو عدمها، فالحكم يدور مع مظنّة الشّيء؛ لأنّ حقيقة الشّيء - في الأصل - غير منضبطة وغير متيقّنة، ولكي يبنى الحكم على قاعدة مستقرّة وعلّة منضبطة لا ينظر إلى حقيقة الشّيء الذي قامت مظنّته مقامه، وينظر القاعدة 435 من قواعد حرف الميم. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا رأينا رجلاً بيده سكّين يقطر منه الدّم، وبجانبه قتيل غارق في دمه، فإنّا نحكم على حامل السّكين أنّه هو القاتل. ولا نلتفت لاحتمال أن يكون القاتل غيره. ومنها: إذا توضّأ إنسان أو تطهّر، ومضى على طهوره بضع ساعات، ثم شكّ في النّاقض، فإنّه يبني على غلبة ظنّه أنّه ما وجد ناقض. ومنها: السّفر مظنّة المشقّة فلذلك أقيم مقامها في جواز القصر والجمع والفطر، وهو العلّة الظّاهرة، ولا يعتبر وجود المشقّة في السّفر أو عدم وجودها. ومنها: النّوم ناقض للوضوء، لكن ليس بنفسه بل لأنّه مظنّة وجود الحدث، لحديث: "العين وكاء السّه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء" (¬1). فمن نام - وقد تيقّن أنّه لم يتلبس بناقض، فيجب عليه الوضوء لقيام النّوم مقام حقيقة النّاقض. ¬

_ (¬1) الحديث رواه معاوية رضي الله عنه، وأخرجه أحمد والدارقطني رحمهما الله.

القاعدة الثانية بعد المئة [هدايا المشركين]

القاعدة الثّانية بعد المئة [هدايا المشركين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يكره لأمير الجيش أن يقبل هدايا المشركين، فإن قبلها فليجعلها فيئاً للمسلمين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "هدايا الأمراء غلول" (¬2). وهذه القاعدة من قول محمَّد بن الحسن رحمه الله، وهي تطبيق لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي إن كانت ذات موضوع خاصّ لكن مفادها أعمّ من موضوعها. فكراهة قبول الهدايا للمسؤولين تشمل ما يهديه المسلمون والمشركون، لكن نصّت القاعدة على هدايا المشركين لأنّها تخصّ قائد وأمير الجيش الذي يجاهد المشركين. وإلا فإن أمير الجيش أو قائده أو أي ولي أمر أو موظف عامّ أو مسؤول، لا يجوز أن يقبل هديّة في أثناء ولايته أو وظيفته لما فيها من الشّبهة في التّأثير على المهدى إليه، لكن إن قبل المسؤول الهديّة فإنّ ¬

_ (¬1) شرح السير ص 98. (¬2) الحديث رواه حمد عن أبي حميد السّاعدي رضي الله عنه بلفظ "هدايا العمال غلول". ينظر المنتقى حديث رقم 4370.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

عليه أن يضعها في بيت مال المسلمين، ولا يخصّ بها نفسه ولا أهله، لأنّه إنّما أهديت إليه - ليس لشخصه المعيّن أو نسبه، وإنّما أهديت إليه لولايته، وما كان للولاية فهو من مال المسلمين العام، فيضمّ إلى المال العام، ولا يجوز له أن يخصّ بها نفسه دون المسلمين وإلا كان غالاًّ غاشّاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: عندما يزور شخص ما له مكانته في بلده يزور بلداً آخر، فإنّه يحمل إلى رئيس تلك البلد أو إلى من يزوره من الموظفين العامين هدايا يقدّمها له - وجرى العرف الدّولي على قبول تلك الهدايا، وإهداء المهدي هدايا مقابله - فهذه الهدايا لا يجوز أن يستأثر بها المسؤول المزور أو المضيف، وإنّما عليه أن يضعها في بيت مال المسلمين. ومنها: الموظّف في دائرة ما لا يجوز له أن يقبل هديّة من أي شخص له علاقة عمل بوظيفته أو له شأن بدائرته، وإلا كان غالاً. إلا إذا كان الشّخص المهدي قد اعتاد أن يهديه قبل أن يتولّى وظيفته لقرابة بينهما أو صداقة قديمة.

القاعدة الثالثة بعد المئة [خطأ القاضي]

القاعدة الثّالثة بعد المئة [خطأ القاضي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يكون خطأ القاضي في بيت المال لا عليه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: القاضي عامل للمسلمين، وليس عاملاً لنفسه، ولذلك إذا وقع منه خطأ غير متعمّد في الحكم في قضيّة من القضايا، وترتّب على حكمه الخطأ إتلاف نفس أو مال، ثم تبيّن الخطأ فإنّ الضّمان إنّما يكون على بيت مال المسلمين، وليس على القاضي، إلا إذا تبيّن أنّ القاضي قد أخطأ في حكمه متعمّداً فإنّ الضّمان عليه. وينظر قواعد حرف الخاء القاعدة رقم 19. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: رُفع إلى قاض سارق وشهد عليه شهود بالسّرقة، فقضى القاضي وحكم بقطع يده، وبعد تنفيذ الحكم تبيّن أن الشّهود فسقة أو عبيد أو كذبة، فإنّ ضمان قطع يد السّارق يكون على بيت المال، وإذا تبيّن أنّ شهود الزّور تعمّدوا الكذب فإنّ الضّمان عليهم إذا تعمدوا الكذب. ¬

_ (¬1) الفتاوى الخانية جـ 3 ص 474، القواعد والضوابط ص 498 عن التحرير. الفرائد ص 214، شرح السير ص 1064، المقنع جـ 3 ص 422، الفروع جـ 6 ص 40.

ومنها: شهدوا على رجل محصن بالزّنا، فرجمه القاضي، ثمّ تبّين أنّ الشّهود عبيد، فديّة الذي رُجم في بيت المال، لأنّه خطأ القاضي.

القاعدة الرابعة بعد المئة [النادر - الغالب]

القاعدة الرّابعة بعد المئة [النّادر - الغالب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يلحق النّادر بالغالب في الشّريعة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّادر: ما يقلّ وقوعه جداً. والغالب: ما يكثر وقوعه. فمن الأصول في الشّرع أنّ النّادر الحصول لا يعطى حكماً خاصّاً به، وإنّما يعطى حكم الكثير الغالب، ويلحق به. إلا ما استثني. وقد سبق لهذه القاعدة مثيلات ضمن قواعد حرف النّون تحت الرّقم 6، 7، 8. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها. من أتت بولد لستّة أشهر ولحظتين من الوطء يلحق بالغالب قطعاً، وإن كان ذلك نادراً. ومنها: مَن خلقت بدون بكارة لها حكم الأبكار قطعاً. رابعاً: ممّا استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الميتة. فيه وجهان عند الشّافعيّة. ¬

_ (¬1) الفروق جـ 3 ص 99، 203، وعنه القواعد والضوابط ص 118، قواعد المقري القاعدة 19. وإعداد المهج ص 244، وينظر أشباه السيوطي ص 183.

أصحّهما: عدم الحنث؛ لأنّ الميتة لا تسمّى لحماً. ومنها: الإصبع الزّائدة لا تلحق بالأصلية في الدّية قطعاً، وكذلك سائر الأعضاء الزّائدة.

القاعدة الخامسة بعد المئة [مراعاة الشروط]

القاعدة الخامسة بعد المئة [مراعاة الشّروط] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يلزم مراعاة الشّرط بقدر الإمكان (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المراد بمراعاة الشّرط: تطبيقه عملياً بحسب المتّفق عليه. والمراد بالشّرط هنا الشّرط التّقييدي لا الشّرط التّعليقي، والشّرط الجائز شرعاً. وإنّما يلزم المحافظة على الشّرط وما يقتضيه بقدر الاستطاعة الممكنة فما زاد عن الطّاقة فلا يلزم مراعاته ولا اعتباره. فمن اشترط شرطاً في معاملة ما فإنّما عليه تنفيذه بقدر وسعه وطاقته، وكذلك إذا كان لعبادة ما شروط لصحّتها وجوازها فإنّما يجب مراعاتها بالقدرة الممكنة. فما زاد عنها فلا اعتبار له ولا اعتداد به. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال المودِع للمودَع: أمسك الوديعة بيدك ولا تضعها ليلاً ولا نهاراً. فوضعها في بيته فهلكت. لم يضمنها؛ لأنّ ما شرطه عليه ليس في الوسع باعتبار العادة، لكن لو اشترط عليه أن لا يسافر بها. وسافر بها فهلكت فهو ضامن لمخالفته الشّرط. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 114 ب، شرح الخاتمة ص 93، المجلة المادة 83، المدخل الفقهي الفقرة 647. وينظر الوجيز مع الشرح ص 407. وشرح قواعد المجلة للزرقاء ص 351.

القاعدة السادسة بعد المئة [النهي]

القاعدة السّادسة بعد المئة [النّهي] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يلزم من النّهي عن الجملة النّهي عن آحادها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: النّهي المقطوع به يقتضي تحريم المنهي عنه، والمنهي عنه كما يكون شيئاً واحداً يكون جملة، فإذا كان النّهي عن شيء واحد فلا يجوز إتيانه ولا فعله وإذا كان النّهي عن الجملة فإنّ ذلك يتضمّن أيضاً النّهي عن آحاد هذه الجملة وأجزائها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال: لا تشرب الخمر الّذى في هذه الزّجاجة، حَرُم عليه ما فيها فقط. لكن إذا قال: لا تشرب الخمر. حرم عليه كلّ خمر معيّن أو مبهم. ومنها: إذا قال: حرمت الخنزير. فيلزم تحريم كلّ خنزير وكلّ أجزاء الخنزير. ومنها: إذا قال: لا تسرق ولا تزن ولا تشرب الخمر. حَرُم عليه كلّ هذه الثّلاثة فإذا فعل واحداً منها لا يكون منتهياً. ¬

_ (¬1) الفروق - تعليق ابن الشاط جـ 2 ص 7.

القاعدة السابعة بعد المئة [الإقرار - والإنشاء]

القاعدة السّابعة بعد المئة [الإقرار - والإنشاء] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يملك الإقرار ما لا يملك الإنشاء (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الإقرار: اعتراف بحقّ سابق. الإنشاء: ابتداء فعل. فلمّا كان الإقرار اعترافاً بأمر سبق وجوده، فإنّه أقوى في إثبات ما تضمّنه من ابتداء فعل قد يوجد ما يمنعه؛ لأنّ الإنشاء يحتاج إلى قدرة وحرّيّة في التّصرّف، قد لا تتوافر في حينه، بخلاف الإقرار الذي لا يمكن تغييره عمّا أقرّ به. إلا أن يوجد ما يكذّبه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد أحد الدّائنين تأجيل حصّته في الدّين المشترك، وأبى الآخر لم يجز التّأجيل؛ (لأنّ الحال لا يقبل التّأجيل). لكن لو أقرّ أحدهما أنّه حين وجب الدّين وجب مؤجّلاً، صحّ إقراره؛ لأنّ في إرادته إنشاء التأجيل منعَه حقّ شريكه، وأمّا إقراره فيلزمه ويلزم خصمه أو شريكه. ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 256.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: إذا قال المقذوف: كنت مبطلاً في دعواي (¬1). سقط الحدّ عن القاذف. لكن المقذوف لا يملك العفو عن القاذف بعد وجوب الحدّ عليه. ومنها: إذا أراد المريض - مرض الموت - إبراء غريم له عن دين فإنّه يقول: ليس لي عليه دين. أمّا لو قال أبرأته من الدّين، فلا يصحّ إبراءه لتعلّق حقّ الورثة بالدّين. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا قالت امرأة: لا مهر لي على زوجي، ولا شيء لي عليه. أو لم يكن لي عليه مهر. الصّحيح أنّ إقرارها هذا لا يصحّ, لأنّ المهر ثابت على الزّوج. ومنها: إذا أقرّ المريض مرض الموت بعبد لامرأته، ثم أعتقه. فإن صدَّقه الوارث يكون العبد لامرأته، فالعتق باطل؛ لأنّه أعتق ما لا يملك. وإن كذّبه الوارث وقال: إنّ العبد ليس لامرأتك بل هو لك. فالعتق صحيح. ولكن من ثلث المال؛ لأنّ العتق في المرض وصيّة. والوصيّة من الثّلث. ¬

_ (¬1) وهذا قبل الحكم بالحد على القاذف.

القاعدة الثامنة بعد المئة [الأصل والبدل]

القاعدة الثّامنة بعد المئة [الأصل والبدل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يُملك البدل بملك الأصل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق قريباً بيان أنّ البدل له حكم المُبدل منه، وبناء على ذلك فإن مَن يملك الأصل يملك بدله عند فقده أو هلاكه، فمن اغتصب منه شيء فوجب على الغاصب ردّه، لكن إذا هلك المغصُوب أو استهلك فإنّ على الغاصب بدله، مثله أو قيمته، للمغصُوب منهُ. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشتري من الثّمن جاز - في قول أبي حنيفة ومحمَّد رحمهما الله - وضمن للموكّل الثّمن. وعن أبي يوسف: لا يجوز؛ لأنّ الثّمن في ذمّة المشتري ملك للموكّل - لا الوكيل - لأنّه بدل ملكه. فإبراء الوكيل تصرّف في ملك الغير على خلاف أمره. ومنها: إذا استأجر دابّة ليركبها، فركبها وأركب معه آخر فلم تحملهما الدّابّة فهلكت تحتهما، فالمستأجر ضامن لقيمة الدّابّة للمؤجّر لأنّها بدل ملكه. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 19 ص 35.

القاعدة التاسعة بعد المئة [اليمين]

القاعدة التّاسعة بعد المئة [اليمين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اليمين أبداً تكون على النّفي (¬1). وفي لفظ: اليمين لنفي التّهمة (¬2). وفي لفظ: اليمين مشروعة للنّفي في موضعها (¬3). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل في اليمين في الدّعوى، أن تكون في جانب المدّعى عليه، إذا لم تكن بيِّنة للمدّعي. فباليمين ينفي المدّعى عليه ما ادّعاه عليه المدّعي. لذلك فاليمين إنّما تكون دائماً لمن يتمسّك بأصل ظاهر ينفي به دعوى المتمسّك يغير الظّاهر. ولذلك فإنّ اليمين إنّما تكون على النّفي. وهذا عند جمهور الفقهاء. لكن إذا قلنا: إنّ المدّعى عليه إذا نكل عن اليمين فإنّ اليمين تردّ على المدّعي، كما يقول الشّافعيّة وآخرون، فإنّ اليمين هنا تكون أيضاً على الإثبات. ¬

_ (¬1) ترتيب اللآلي لوحة 114 ب، شرح الخاتمة ص 93. (¬2) المبسوط جـ 6 ص 79. (¬3) المبسوط جـ 30 ص 132.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

قال الزّركشي في المنثور: اليمين في المحكمة نوعان: يمين دفع - وهي يمين النفي - ويمين إيجاب: وهي يمين إثبات. فيمين الإيجاب خمسة: اللعان، القسامة، ويمين إيجاب مع الشّاهد الواحد في الأموال، ويمين المدّعي إذا نكل المدّعى عليه عن اليمين. ويمين الاستظهار مع إقامة البيِّنة. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: ادّعى شخص على آخر أنّه أتلف له شيئاً أو استهلكه، وطلب يمين خصمه، فإنّ المدّعى عليه يحلف أن المدّعي لا حقّ له قبله، أو أنّه لم يتلف له شيئاً أو لم يستهلك منه شيئاً. ومنها: إذا ادّعى إنسان على آخر ديناً، فأنكر المدّعى عليه، ولا بيَّنة للمدّعي، فإنّ المدّعى عليه يحلف أنّه ليس للمدّعي أي دين عليه. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة. ادّعى على آخر ديناً، ولم يأت إلا بشاهد واحد، وطلب يمين خصمه المدّعى عليه، فنكل عن اليمين - أي امتنع - المدّعى عليه عن الحلف. فإذا كان القاضي شافعيّاً أو ممّن يرون ردّ اليمين على المدّعي، فإنّه يردّ اليمين على المدّعي فيحلف على صدق دعواه، أو على ما ادّعاه فيحكم له القاضي بالمدّعى. وهنا كانت اليمين للإثبات لا للنّفي. ومنها: إذا ادّعت الزّوجة البينونة، فيعرض اليمين على الزّوج فينكر وينكل، فيلزم الزّوجة الحلف على وقوع البينونة حفظاً لبعضهما من الزّنى وتوابعه من الخلوة وغيرها.

القاعدة العاشرة بعد المئة [اليمين وصفة المحل]

القاعدة العاشرة بعد المئة [اليمين وصفة المحل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين إذا عقدت على صفة كانت صحّتها لصفة محلّها (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إنّ اليمين إذا عقدت على وصف خاصّ فإنّ هذه اليمين لا تكون صحيحة إلا بوجود تلك الصّفة، فكأنّ وجود تلك الصّفة وتحقّقها شرط في صحّة اليمين. وقد سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة تحت لفظ (الأصل) رقم 501. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا قال رجل لامرأته: إذا ولدت ولداً فله كذا. فولدت ولداً ميّتاً، ثم ولدت ولداً آخر حيّاً. فعند أبي حنيفة رحمه الله: إن المولود الحيّ يستحقّ ما وعد به؛ لأنّ المولود الذي يستحقّ الملك إنّما هو الحيّ لا الميّت، فكأنّ الحياة صارت مشروطة في يمينه أو شرطه دلالة. ومنها: إذا حلف ليسافرنّ بالطّائرة. فلا يبرّ بيمينه ما لم يركب الطّائرة مسافراً، فلو سافر بالسّيّارة لا يبرّ ويلزمه الحنث؛ لأنّ صحّة يمينه مشروطة بركوب الطّائرة. ¬

_ (¬1) تأسيس النّظر ص 149، وعن قواعد الفقه ص 142.

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [اليمين - الحقيقة - المجاز]

القاعدة الحادية عشرة بعد المئة [اليمين - الحقيقة - المجاز] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين إذا كانت لها حقيقة مستعملة ومجاز متعارف فالعبرة للحقيقة (¬1). ثانياً: معنى هذه العبارة ومدلولها: اليمين - كغيرها من مشتملات الألفاظ - قد تكون لها حقيقة مستعملة وقد يكون لها مجاز متعارف معاً. فالعبرة والاعتداد بالحقيقة - عند أبي حنيفة رحمه الله - ولا يعتدّ بمجازها؛ لأنّ الحقيقة راجحة بكونها حقيقة، وكونها مستعملة. ولكن عند صاحبيه يجوز إعمال الحقيقة والمجاز معاً. وقد سبقت هذه القاعدة ضمن قواعد حرف الهمزة بلفظ (الأصل) تحت الرّقم 502. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا حلف رجل لا يأكل من هذا القمح، فأكل من خبزه، فعند أبي حنيفة رحمه الله لا يحنث؛ لأنّ الخبز لا يسمّى قمحاً؛ لأنّ القمح يؤكل حقيقة قضماً. وقد يؤكل مشوياً. وأمّا عند صاحبيه فيحنث لو أكل من خبز القمح لأنّه مجاز متعارف. وهذا إذا لم يكن للحالف نيَّة، فإن كان له نيَّة فيحمل عليها. ¬

_ (¬1) تأسيس النّظر ص 152 وعنه قواعد الفقه ص 142.

القاعدة الثانية عشرة بعد المئة [اليمين - الظاهر]

القاعدة الثّانية عشرة بعد المئة [اليمين - الظاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين حجّة مَن يشهد له الظّاهر (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى قاعدة سبقت قريباً وهي أنّ اليمين إنّما تعتبر حجّة ودليلاً في الدّعاوى لمن يشهد له الأصل الظّاهر. والبيِّنة على المتمسّك بخلاف الأصل والظّاهر. وهي اليمين على النّفي التي سبق بيانها. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى شخص على آخر أنّه قد أضاع وديعته أو استهلكها أو قصَّر في حفظها. وأنكر المودَع ذلك. فإذا لم يأت المودِع ببيّنة تصدّق دعواه وتشهد له، فإنّ قول المودَع مقبول مع يمينه في ردّ دعوى خصمه؛ لأنّ الظّاهر معه، وهو عدم ضمان الوديعة؛ لأنّ الأصل في الأمانات أنّها غير مضمونة، وخصمه بدعواه ضياعها يريد تضمينه، وهو ينكر الضّمان. ومنها: إذا ادّعى ديناً على آخر، فأنكر، وطلب يمينه فهو يحلف على براءة ذمّته من الدّين، (والأصل براءة الذّمّة). ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 26 ص 108.

القاعدة الثالثة عشرة بعد المئة [اليمين الفاجرة - البينة العادلة]

القاعدة الثّالثة عشرة بعد المئة [اليمين الفاجرة - البيّنة العادلة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين الفاجرة أحقّ أن تُرَدّ من البيّنة العادلة (¬1). من قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة أثر من قول سيّدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه. واليمين الفاجرة: هي اليمين الكاذبة الظّالمة، والفاجر هو صاحبها الحالف. والبينة العادلة: هى الحجّة الصّحيحة القويّة، والمراد بها شهادة الشّهود العدول. فردُّ اليمين الكاذبة وعدم العمل بموجبها أولى من ردّ شهادة الشّهود العدول؛ لأنّ الشّخص قد يحلف كاذباً: ولكن الشّهود العدول لا يشهدون زوراً أو باطلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى شخص أمام القاضي أنّه غصب منه سيّارة جديدة، وادّعى الغاصب أنّها قديمة، ولم يُقِم المدّعي البيِّنة على دعواه، فوجّه القاضي اليمين على المدّعى عليه فحلف أنّها كانت قديمة. فحكم القاضي ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 11 ص 84، وينظر صحيح البخاري كتاب الشهادات باب 27.

عليه بقيمة القديمة. ثم بعد ذلك جاء المدّعي بشاهدين عدلين يشهدون له أنّ السّيّارة كانت جديدة، فإنّ على القاضي أن يحكم بهذه الشّهادة ويلزم الغاصب بالفرق بين قيمة السّيّارة القديمة والجديدة، وفي ذلك ردّ يمينه لأنّه تبيّن أنّها كانت كاذبة فاجرة.

القاعدة الرابعة عشرة بعد المئة [بت اليمين]

القاعدة الرّابعة عشرة بعد المئة [بت اليمين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اليمين على البتّ إلا أن يحلف على نفي فعل غيره فهو على نفي العلم (¬1). وفي لفظ: اليمين في الإثبات على البتّ مطلقاً (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: المراد بالبتّ: القطع. أي يحلف على يقين ثابت إذا كان المحلوف عليه فعل نفسه أو فعل غيره، وهذا المراد بيمين الإثبات. وكذلك لو حلف على نفي فعل نفسه. لكنّه إذا أراد الحلف على نفي فعل غيره فهو يحلف على نفي العلم، ولا يجوز له أن يحلف على العلم, لأنّ نفي فعل الغير لا يوقف عليه يقيناً لتعذّر ذلك. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا طلب منه يمين على أمر فعله أو لم يفعله، فإنّه يحلف على يقين فعله أو عدم فعله، بأن يقول: والله لقد فعلته، أو لم أفعله, لأنّه على يقين من تصرّفه وعمله. وكذلك لو طلب منه يمين على فعل ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 439. (¬2) أشباه السيوطي ص 505.

غيره، فيقول: والله لقد فعله. لكن لو طلب منه يمين على نفي فعل غيره فيقول: والله لا أعلم هل فعله أو لم يفعله. ومنها: إذا جاء بشاهدين يشهدان له: أنّه الوريث الوحيد لمورثه وأنّه لا وارث له غيره، فإنّ الشّاهدين يحلفان أنّهما لا يعلمان له وريثاً غيره. ولا يجوز أن يحلفا ويقولا: والله ليس له وريث غيره. لاحتمال وجود وريث آخر لا يعلمان به.

القاعدتان الخامسة عشرة والسادسة عشرة بعد المئة [نية اليمين]

القاعدتان الخامسة عشرة والسّادسة عشرة بعد المئة [نيّة اليمين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اليمين على نيّة الحالف إن كان مظلوماً. وعلى نيَّة المستحلف إن كان - أي الحالف - ظالماً (¬1). وفي لفظ: اليمين على نيّة الحالف إن كان مظلوماً، وإن كان ظالماً فعلى نيَّة المستحلف (¬2). وفي لفظ: اليمين على نيَّة المستحلف، إلا إذا كانت اليمين بالطّلاق والعتاق ونحو ذلك تحت نيّة الحالف، وإذا كانت اليمين بالله وكان الحالف مظلوماً (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: القاعدتان الأوليّان من قول إبراهيم النّخعي (¬4) رحمه الله. وهما بمعنى واحد ولفظ متقارب جداً، والقاعدة الثّالثة بمعنى القاعدتين ¬

_ (¬1) أشباه ابن نجيم ص 53 وعنه قواعد الفقه ص 144 والمنثور جـ 3 ص 385. (¬2) المبسوط جـ 30 ص 215، بدائع الصنائع جـ 3 ص 20. (¬3) الخانية جـ 2 ص 11، وعنه الفرائد ص 36. (¬4) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه ثقة من الخامسة مات سنة 96. وهو ابن خمسين سنة. التقريب جـ 1 ص 46.

ثالثا: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها

السّابقتين لها ولكنّها أضافت شيئاً لم تتضمنّه تلكما القاعدتان وهو اليمين بالطّلاق والعتاق. المستحلف: هو القاضي. الحالف: هو المدّعى عليه. الأصل في يمين النّفي دفع دعوى الخصم - كما سبق بيانه - ولذلك وجب أن تكون مطابقة للدّعوى، وهذا معنى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" (¬1). لكن في بعض الأحيان قد يكون المدّعى عليه مظلوماً، فإذا حلف على نيّة خصمه أو القاضي ضاع حقّه، أو أصابه ضرر فادح، وإن نكل ألزم بالمدّعى. ولذلك فتح باب التّورية في هذه الحال بأن يحلف المظلوم وينوي بحلفه أمراً آخر غير موضوع الدّعوى ليخلص له حقّه، أو يتخلّص من ظلم يصيبه. لكن خرج عن ذلك فيما إذا كانت اليمين بطلاق أو إعتاق ففي هذه الحالة لا تصحّ التّورية ولا التّعريض بل لا بدّ أن تكون اليمين مطابقة للدّعوى تماماً ولكن على نيّة الحالف - لا المستحلف - لأنّ ما يتعلّق بالطّلاق والعتاق لا يعلم الحقّ فيه إلا الذي حلفه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا كان لإنسان على آخر دين فجحده إيّاه، وليس للدّائن دليل أو بيّنة على دعواه ولكنّه صادق فيما يدّعيه. وخصمه جاحد، فإذا أمكن للدّائن أن يظفر بجنس حقّه فأخذ مقدار دينه، فرفع المدين الجاحد ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الأيمان وابن ماجة في الكفّارات وغيرهم.

دعوى على الدّائن بأنّه سرق منه مبلغاً من المال، فأنكر الدّائن، فوجّه عليه القاضي اليمين. فله أن يحلف أنه ما سرق من مال المدّعي شيئاً؛ لأنّه في الحقيقة أخذ حقّه وماله عنده، ولحم يأخذ من مال المدّعي شيئاً. وهذه تسمى مسألة الظَّفَر. ومنها: رجل هرب إلى دار رجل آخر - خوفاً من الأذى - فحلف صاحب الدّار أنّه لا يدري أين هو - وأراد أنّه لا يدري في أي مكان هو في الدّار - لا يحنث في يمينه، وإذا حلِّف على رؤيته، فيحلف أنّه ما راه، وينوي أنّه لم يطعنه في رئته. وهو صادق على كلّ حال. ومنها: إذا كان الحالف شافعيّاً، وحلف أن لا شفعة عليه للجار. فيحلف على نيّته لا نيَّة المستحلف - الحاكم أو القاضي -؛ لأنّ الشّافعي رحمه الله لا يرى الشّفعة للجار.

القاعدة السابعة عشرة بعد المئة [التداعي واليمين]

القاعدة السّابعة عشرة بعد المئة [التّداعي واليمين] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين في التّداعي على أقوى المتداعيين (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: التّداعي: تفاعل من الدّعوى؛ لأنّها تكون بين طرفين المدّعي والمدّعَى عليه. أقوى المتداعيين: القوّةَ هنا المراد بها التّمسّك بالأصل الأقوى والأثبت في الشّرع. وليس المراد بأقوى المتداعيين القوّة البدنية أو المادّيّة، بل القوة في الموقف بالنّسبة للدّعوى، فالمتمسّك بالأصل والظّاهر أقوى موقفاً وحجة من المتمسّك بخلاف الأصل، ولذلك كانت عليه اليمين. وهو المدّعى عليه. ولمّا كان المدّعي يتمسّك بخلاف الأصل - ويريد إثبات ما لم يكن ثابتاً - كان أضعف المتداعيين فكان عليه البيّنة - أي الإشهاد والحجّة لإثبات دعواه. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا اختصم اثنان في أمر وتداعيا إلى القضاء، فإنّ القاضي يطلب ¬

_ (¬1) قواعد الفقه للروكي ص 279، وعن الإشراف جـ 2 ص 76، 112، 199، 285، 287.

من المدّعي بيّنته؛ لأنّه يريد إثبات أمر غير ثابت أصلاً، كمن يدّعي على آخر مالاً، فإنّ القاضي يطلب منه إحضار بيّنته - أي شهوده الذين يشهدون له بالحقّ على خصمه - فإن لم يأت ببيّنة تشهد له، فإنّ القاضي يوجّه اليمين على المدّعَى عليه - المنكر للدّعوى - فيحلف أنّ دعوى خصمه باطلة وأنّه ليس له عليه شيء مستحقّ.

القاعدة الثامنة عشرة بعد المئة [اليمين مع الظاهر]

القاعدة الثّامنة عشرة بعد المئة [اليمين مع الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين في الخصومات مع الظّاهر في جانب من كان الظّاهر معه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: هذه القاعدة بمعنى سابقتها, لأنّ من كان الظّاهر بجانبه ومعه فهو الأقوى موقفاً ولذلك كانت عليه اليمين. وعلى الخصم الأضعف موقفاً - المتمسّك بخلاف الظّاهر - البيّنة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: ادّعى شخص على آخر أنّه قد أتلف له زرعاً أو قتل له دابّة وطلب تعويض المتلف، أو قيمة الدّابّة، وأنكر المدّعى عليه الدّعوى، فطلب القاضي من المدّعي شهوده على دعواه، فلم يأت بشهود يشهدون له، فوجّه القاضي اليمين على المدّعَى عليه المنكر للضّمان، والمتمسّك بالأصل والظّاهر وهو براءة الذّمّة، فحلف، فسقطت دعوى المدّعي. ¬

_ (¬1) الجمع والفرق ص 538.

القاعدتان التاسعة عشرة والعشرون بعد المئة [اليمين وتحليل الحرام]

القاعدتان التّاسعة عشرة والعشرون بعد المئة [اليمين وتحليل الحرام] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اليمين الكاذبة لا تحلّ الحرام (¬1). وفي لفظ: اليمين الكاذبة لا ترفع الحرمة (¬2). وفي لفظ: اليمين لا تأثير لها في تغيّر الأحكام - عند الشّافعيّة (¬3). ثانياً: معنى هذه القواعد ومدلولها: اليمين الكاذبة هي التي لا تطابق الواقع، ويحلف بها صاحبها وهو يعلم أنّه يكذب وهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم أو في نار جهنم نعوذ بالله منها. ودليل هذه القواعد قوله صلّى الله عليه وسلّم: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم - هو فيها فاجر - لقي الله وهو عليه غضبان" (¬4). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب له الله النار وحرّم عليه الجنّة، وإن ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 10 ص 203. (¬2) نفس المصدر جـ 6 ص 124. (¬3) المنثور جـ 3 ص 387. (¬4) متفق عليه.

ثالثا: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها

كان قضيباً من أراك" (¬1). واليمين الفاجرة هي اليمين الكاذبة التي تقتطع بها حقوق الناس وتُؤكل أموالهم، ولكنّها لا تغيّر حقيقة الأحكام، ولا تجعل الحرام حلالاً ولا الحلال حراماً. ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها: إذا ادّعى عليه مالاً - ولا بيّنة له - وطلب يمين خصمه، فحلف المدّعَى عليه يميناً كاذبة فلا يحلّ له المال، وإن حكم القاضي له بيمينه، لأنّ القاضي إنّما يحكم بظواهر الأمور لا ببواطنها. ومنها: اختصما في أرض فحلف أحدهما أنّها له - وهو كاذب - فإنّ القاضي يحكم له بيمينه، ولكن لا تحلّ له الأرض، ولا يكون حكم القاضي دليلاً على الحلّ. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة والنسائي رحمهم الله.

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [اليمين المنعقدة]

القاعدة الحادية والعشرون بعد المئة [اليمين المنعقدة] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين لا تنعقد إلا على معقود عليه، فإن لم تنعقد فلا كفّارة - عند أبي حنيفة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين المنعقدة: هي اليمين التي توجب الكفّارة بالحنث، وهي اليمين على أمر مستقبل ممكن الحصول يفعله أو لا يفعله، وقد عزم وعقد القلب عليه فعلاً أو تركاً. فإن كان المحلوف عليه ممكناً في المستقبل فهي المنعقدة، وإمّا إن كان المحلوف عليه مستحيلاً فلا تنعقد اليمين وتَكون لغواً، ولا كفّارة فيها عند جمهور الفقهاء. لكن أبا يوسف رحمه الله يرى أنّ اليمين تُكَفَّر سواء كان المحلوف عليه ممكناً أم مستحيلاً، ما دام على أمر في المستقبل. وقد سبقت هذه القاعدة ضمن حرف الهمزة بلفظ (الأصل) تحت الرّقم 503. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: حلف أن لا يأكل من هذا الطّعام، فإن أكل منه حنث وعليه الكفّارة. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 66.

رابعا: مما استثني من مسائل هذه القاعدة

ومنها: حلف أن يزور فلاناً غداً، فإن زاره في الغد انحلّت يمينه، وإن لم يزره في الغد حنث ووجب عليه الكفّارة. رابعاً: مما استثني من مسائل هذه القاعدة: إذا حلف ليشربنّ ما في هذه الكأس من الماء. فإذا هي فارغة لا ماء فيها - وهو لا يعلم - لم يحنث عند جمهور الفقهاء لعدم المعقود عليه، ولا كفّارة عليه. وأمّا عند أبي يوسف فيحنث في الحال وعليه الكفّارة. ومنها: إذا حلف ليقتلنّ فلاناً - فإذا هو ميّت - وهو لا يعلم. لا يحنث عند الجمهور لعدم إمكان البرّ، ويحنث عند أبي يوسف رحمه الله.

القاعدتان الثانية والثالثة والعشرون بعد المئة [اليمين المردودة]

القاعدتان الثّانية والثّالثة والعشرون بعد المئة [اليمين المردودة] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة اليمين المردودة كالإقرار أو كالبيِّنة؟ (¬1) وفي لفظ: اليمين المردودة كالبيّنة أو الإقرار في حقّ المتنازعين دون غيرهما (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: اليمين المردودة: هي اليمين التي تردّ على المدّعي عند نكول المدّعى عليه عن الحلف. وكان المدّعي قد أتى بشاهد واحد فقط. فتقوم يمين المدّعي مقام الشّاهد الآخر. وقوّة هذه اليمين كقوّة البيّنة - أي الشّهادة - في حقّ المتنازعين - دون غيرهما, لأنّها تكون بجانب الشّاهد الواحد. وإذا حلف المدّعي مع شهادة شاهده فإنّ الحقّ المدّعى به يحكم به للمدّعي بهذه اليمين مع شاهده. لكن العمل بهذه اليمين له شروط: 1 - أن تكون إذا أتى المدّعي بشاهد واحد ونكل المدّعى عليه عن اليمين. 2 - أن يكون الحقّ لآدمي. فأمّا في حقوق الله تعالى فلا. فمن ¬

_ (¬1) أشباه ابن الوكيل ق 2 ص 244، قواعد الحصني جـ 3 ص 309. (¬2) المنثور جـ 3 ص 283، 385.

ثالثا: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما

نكل عن الحلف أنّه لم يزن أو لم يسرق - لا يحدّ. 3 - أنّ الحكم إنّما هو بالنّسبة للحالف والنّاكل فقط. وأمّا في حقّ ثالث فلا يتعدّى، وذلك ليخرج من نكل عن يمين نفي القتل العمد، فلا تتحمّله العاقلة، إذا حلف المستحقّ، وليس لمن نكل عن يمين نفي القتل الخطأ. 4 - أنّه بالنّسبة للأمور التّقديريّة لا التّحقيقيّة. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: إذا ادّعى شخص على آخر أنّه زوّجه ابنته. فأنكر الأب - ولم يكن للمدّعي بيّنة كاملة، وطلب يمين الأب. فنكل الأب عن اليمين. فردّت اليمين على المدّعي فحلف، فإنّه تسلّم له زوجته. ومنها: إذا ادّعى شخص على القاتل أنّه قتل وليّه خطأ، ونكل الجاني عن اليمين، فحلف المدّعي، فإنّ الدّية تثبت على العاقلة - وإن كانت العاقلة غير الجاني لكنّها ليست أجنبيّة عنه. ومنها: ادّعى على مفلس أنّه أتلف مالاً له، فأنكر، فردّت اليمين على المدّعي - قبلت وألزم المدّعى عليه بالمدّعى به.

القاعدة الرابعة والعشرون بعد المئة [اليمين والاستصحاب]

القاعدة الرّابعة والعشرون بعد المئة [اليمين والاستصحاب] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين لإبقاء ما كان على ما كان، لا لإثبات ما لم يكن (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: اليمين أمام القضاء - كما سبق قريباً - إنّها للنّفي، أي هي موضوعة ومشروعة لنفي التّهمة أو الدّعوى التي يدّعيها الخصم المدّعي، ويترتّب على العمل بهذه اليمين إبقاء الأمر على ما كان عليه قبل الحلف بها، من براءة ذمّة المدّعى عليه من الدّعوى ودفع التّهمة التي كانت لأجل ذلك اليمين. ولأنّه - كما سبق - أنّ اليمين تكون للدّفع في أصل مشروعيتها، ويترتّب على ذلك: أنّ اليمين ما دامت مشروعة للنّفي ولإبقاء ما كان على ما كان فإنّها لا تثبت للحالف شيئاً لم يكن ثابتاً من قبل؛ لأنّ إثبات ما لم يكن إنّما يكون طريقة البيّنة لا اليمين. فحاجة المدّعي للشّهود لإثبات ما لم يكن ثابتاً، واليمين ليست كذلك. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى المودِع أنّ المودَع قد أضاع الوديعة، وحلف المودَع أنّه ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 30 ص 132، 154.

ما أضاعها، وإنّما سرقت من غير تفريط منه، فبيمينه سقطت دعوى المدّعي الضّمان على المودَع، لكن إذا ظهرت الوديعة بعد ذلك، أو وجدت فإنّ يمين المودَع لا تجعل له فيها حقاً، بل هي مردودة على صاحبها. ومنها: إذا اشترى الرّجل دابّة فوجد بها عيباً. وقال للبائع: بعتني وهذا العيب فيها، وأنكر البائع - ولا بيّنة للمشتري، فعلى البائع اليمين؛ لأنّه منكر للرّدّ؛ ولأنّ مقتضى مطلق البيع اللزوم. فالمشتري يدّعي لنفسه حقّ الفسخ بسبب العيب، والبائع ينكر، فكان القول قوله مع يمينه، وتبقى الدّابّة في ملك المشتري.

القاعدة الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون بعد المئة [قيد اليمين]

القاعدة الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون بعد المئة [قيد اليمين] أولاً: ألفاظ ورود القاعدة: اليمين مبنيّة على عرف الحالف (¬1). وفي لفظ: اليمين تتقيد بها عرف من مقصود الحالف (¬2). ثانياً: معنى هاتين القاعدتين ومدلولهما: سبق لهاتين القاعدتين أمثال: ضمن قواعد حرف الهمزة تحت الأرقام 660 - 665. إنّ ألفاظ الأيمان التي يحلفها الناس - وإن كان الأصل في الألفاظ حقائقها - لكنّها أي الأيمان إنّما تبنى على ما يفهمه الناس من عوائدهم وأعرافهم، لا على معانيها اللغوية، إلا إذا نوى الحالف الإطلاق أو المعنى اللغوي دون العرفي. ثالثاً: من أمثلة هاتين القاعدتين ومسائلهما: من حلف لا يأكل رأساً لا يحنث؟ إلا بأكل رأس تعارف الناس في بلده على أكله، كرأس الغنم. للعرف والعادة في ذلك. ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 8 ص 167. (¬2) المبسوط جـ 8 ص 167.

القاعدة السابعة والعشرون بعد المئة [اليمين والدعوى]

القاعدة السّابعة والعشرون بعد المئة [اليمين والدّعوى] أولاً: لفظ ورود القاعدة: اليمين تنبني على دعوى صحيحة (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: الأصل أنّ اليمين المعتدّ بها، والتي تبنى عليها أحكامها هي اليمين أمام القضاء، ولذلك فإنّ اليمين لكي يعتدّ بها أمام القضاء ويكون الحكم بموجبها يشترط لها أن تكون بناء على دعوى صحيحة، لا دعوى فاسدة أو باطلة. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا ادّعى على شخص مالاً مجهولاً. وطلب يمين خصمه، فإنّ القاضي لا يجيبه إلى ذلك، ولا يطلب اليمين من المدّعى عليه؛ لأنّ الدّعوى بالمجهول باطلة، فإذا فسّر المال، وبيَّن مقداره ونوعه، ولم يأت ببيّنة تثبت دعواه، وطلب يمين خصمه فهنا للقاضي أن يوجّه اليمين على المدّعى عليه؛ لأنّ الدّعوى صحيحة. ومنها: إذا ادّعى العامل المساقي أنّ ربّ النّخل قد اتّفق معه على السّدس من الثّمر، ثم مات، وجاء غرماؤه وورثته يدّعون الزّيادة، وجاءوا بشهود، فلا تقبل شهادة الشّهود؛ لأنّ إقرار العامل بالسّدس ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 23 ص 158.

أكذبهم فلا تقبل شهادتهم له. وإذا طلبوا يمين ربّ النّخل فلا يحلف؛ لأنّ الدّعوى غير صحيحة, لأنّ العامل بإقراره بالسّدس، قد أكذب شهوده فبطلت الدّعوى.

القاعدة الثامنة والعشرون بعد المئة [الحكم - الظاهر]

القاعدة الثّامنة والعشرون بعد المئة [الحكم - الظّاهر] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ينبني الحكم على الظّاهر ما لم يتبيّن خلافه (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: سبق معنى الظّاهر: وهو الحال المؤيّدة للمقصود دلالة. وليس المراد هنا اللفظ الذي يغلب على الظّنّ فهم معنى منه مع تجويز غيره. الأحكام إنّما تبنى على ما يفهم من دلائل الأحوال المحيطة بالمقصود، كالعرف، وحال المتكلّم، وما يدلّ على مقصوده من المعاملة. إلا إذا قامت أدلّة على أنّ الظّاهر هذا غير مقصود. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أراد شخص أن يشتري من بائع عنباً. فلا ينبغي للبائع أن يسأل المشتري لماذا يشتري العنب، لأنّ الظّاهر أنّ من يشتري العنب من آحاد الناس إنّما يشتريه ليأكله، وبخاصّة إذا كانت الكميّة معقولة بحسب العرف والعادة. لكن إذا أراد المشتري أتى يشتري كميّة كبيرة من العنب - وهو غير تاجر في الفواكه مثلاً - وقد يظنّ أو يغلب على الظّنّ أنّه يصنعه خمراً. ففي هذه الحالة خلاف في جواز بيعه، والغالب أنّه يجوز؛ ¬

_ (¬1) المبسوط جـ 13 ص 141.

لأنّه قد يريد أن يعصره ليكون خلاً، أو عصيراً لا خمراً. إلا إذا عُرِف بصناعة الخمر يقيناً، أو ظنّاً غالباً، أو قامت ضدّه شبهة قويّة. ففي هذه الحال يكره بيعه. ومنها: بيع أحد الرّقيقين نسمة للعتق جائز - والمراد بالنّسمة الرّقيقان المنهي عن التّفريق بينهما كالأم وولدها - ولو فرّق بينهما، ولا حجّة لمن يقول: بأنّ المشتري ربّما لا يعتق؛ لأنّ الظّاهر أنّه إنّما اشتراه للعتق فجاز بيعه لذلك.

القاعدة التاسعة والعشرون بعد المئة [المجهول المعدوم]

القاعدة التّاسعة والعشرون بعد المئة [المجهول المعدوم] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ينزل المجهول منزلة المعدوم وإن كان الأصل بقاءه إذا يُئِس من الوقوف عليه أو شُقّ اعتباره (¬1) ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المجهول: هو غير المعروف لجهالة اسمه أو صفته أو مكانه. فهذا المجهول ينزل منزلة المعدوم في الحكم. وإن كان الأصل في المجهول وجوده وبقاءه - لكن لمّا يُئِس من الوقوف عليه أو تعذّر اعتباره وشقّ وجوده نُزَّل منزلة المعدوم فيبنى الحكم على أنّه معدوم أصلاً. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: الزّائد على ما تجلسه المستحاضة من أقلّ الحيض أو غالبه إلى منتهى أكثره حكمه حكم المعدوم، حيث حكمنا فيها للمرأة بأحكام الطّاهرات كلّها، فإنّ مدّة الاستحاضة تطول ولا غاية لها تنتظر بخلاف الزّائد على الأقلّ في حقّ المبتدأة. ومنها: النّفاس المشكوك في انقضائه، تقضي فيه الصّوم لأنّه لا يتكرّر. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب القاعدة 106.

ومنها: اللقطة بعد الحول، فإنّها تُتَملّك لجهالة ربّها، وكذلك الودائع والغصُوب. ومنها: مال من لا يعلم له وارث، فإنّه يُوضع في بيت المال كالضّائع، مع أنّه لا يخلو من بني عمّ أعلى. إذ النّاس كلّهم بنو آدم. فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميّت في أب من آبائه فهو عصبته. ولكنّه مجهول، فلم يثبت له حكم، وجاز صرف المال في المصالح. ومنها: إذا اشتبه حرام قليل بمباح كثير. فيعتبر الحرام معدوماً لقلّته وجهالته.

القاعدة الثلاثون بعد المئة [المستفيض]

القاعدة الثّلاثون بعد المئة [المستفيض] أولاً: لفظ ورود القاعدة: ينزل المستفيض منزلة المعلوم (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: المعلوم: المراد به هنا المقطوع به يقيناً، وهو المتواتر من الأخبار. والمستفيض: هو المشهور. وهو أدنى من المعلوم، لكن لمّا كان قريباً منه فإنّه ينزل منزلته ويأخذ حكمه. كغالب الظّنّ فإنّه يأخذ حكم اليقين في الاعتبار والعمل، ولكن بشرط: أن لا يتعارض المستفيض مع مستفيض مثله. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا استفاض - أي انتشر وذاع - فسق الشّاهد واشتهر بين الناس فلا حاجة للبحث والسّؤال عنه. ومنها: قبول الشّهادة بالاستفاضة في الموت والنّسب. أي أنّه إذا استفاض واشتهر بين الناس موت شخص معروف لديهم، فلكلّ واحد يجوز أن يشهد بموته ووفاته. وكذلك إذا استفاض واشتهر بين الناس نسب شخص معروف لديهم. وغير ذلك من الأمور التي محلّها كتب الفقه العام كالوقف والنّكاح والرّضاع والإسلام. ¬

_ (¬1) أشباه ابن السبكي جـ 1 ص 427.

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئة [يوم الموت - يوم القتل]

القاعدة الحادية والثلاثون بعد المئة [يوم الموت - يوم القتل] أولاً: لفظ ورود القاعدة: يوم الموت لا يدخل تحت القضاء بخلاف يوم القتل (¬1). ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: يوم الموت: هو اليوم الذي مات فيه الشّخص. يوم القتل: هو اليوم الذي قتل فيه. فإذا رفع أمر إلى القضاء له تعلّق بموت إنسان أو قتله، وكان ذكر ذلك اليوم الذي مات أو قتل له مدخل في الحكم، فإنّ اليوم الذي يكون الموت فيه لا يعتبر داخلاً، إنّما يعتبر ما قبله - واليوم الذي يدّعى فيه القتل يعتبر داخلاً. والمراد بدخول اليوم ووقوعه تحت القضاء: بناء الحكم على دخوله أو عدم دخوله، وذلك لأنّ الموت من حيث هو موت ليس محلاً للنّزاع بخلاف القتل. ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها: إذا أقام شخص البيّنة على أنّ من شهدوا على إقرار أبيه في وقت ¬

_ (¬1) الفتاوى البزازية جـ 5 ص 368 هامش الهندية. وينظر أشباه ابن نجيم ص 220.

كذا، كان أبوه ميّتاً في ذلك الوقت. قلا تقبل هذه الشّهادة ولا ذلك الإقرار؛ لأنّ زمان الموت لا يدخل تحت القضاء. ومنها: إذا أقام بيّنة وشهوداً أنّ فلاناً مات يوم كذا، وادّعت المرأة نكاحاً منه بعد ذلك اليوم وبرهنت - أي أتت بالبيّنة على دعواها - أنّه تقبل دعواها ويقضى لها بالنّكاح. أمّا إذا أقام بيّنة وشهوداً أنّ فلاناً قتل يوم كذا فبرهنت المرأة أنّ هذا المقتول نكحها بعد ذلك اليوم، لا يقبل قولها. ومنها: إذا برهن الوارث أنّه قُتِل مورّثه في يوم كذا، فبرهن المدّعى عليه أنّ مورّثك كان مات قبل هذا بزمان. لا يسمع قوله. لكن لو برهن أنّه قتل مورثه في يوم كذا فبرهن المدّعى عليه أنّه قتله فلان قبل هذا اليوم بزمان. يكون دفعاً لدخوله تحت القضاء.

الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه حيث وفّق وأعان على إنجاز هذه الموسوعة المباركة إن شاء الله. وقد نجز العمل في هذه الموسوعة وتمّ صبيحة يوم الإثنين الثّامن من شهر رمضان المبارك في السّنة الحادية والعشرين بعد الأربعمئة والألف من هجرة خير البشر ورحمة الله للعالمين صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وذرّيّته الطّيّبين الطّاهرين، والحمد لله ربّ العالمين.

§1/1